You are on page 1of 49

‫ن�شرة �شهرية ت�صدر عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ‪ -‬العدد (‪ - )٣٤‬رجب ‪ ١٤٤٣‬هـ‬

‫(عدد خاص)‬
‫"صناعــة الحــال" فــي الغــرب ‪ ..‬قــراءة مهمــة‬
‫للمؤشــر العالمــي للفتــوى فــي قضيــة الذبــح‬
‫الحــال ‪ ..‬ودور مؤسســات الفتــوى فــي‬
‫إقرارهــا‬

‫األميــن العالــم يكتــب‪" :‬خطــوات تأسيســية‬


‫لفقــه األقليــات اإلســامية"‬

‫دور اإلفتــاء تحســم حكــم أكل المســلم اللحــوم‬


‫المذبوحــة بيــد أهــل الكتاب‬

‫أهميــة التأصيــل لفتــاوى األقليــات المســلمة‬


‫والحلــول الشــرعية لنــوازل العصــر‬

‫مفتــي مصــر يبحــث مــع مســاعد وزيــر الخارجيــة‬


‫للعالقــات الثقافيــة تنفيــذ اســتراتيجية دار‬
‫اإلفتــاء فــي الخــارج‬

‫األردن يرعى أسبوع "الوئام الديني"‬

‫اإلمــــــارات لإلفـــــــتاء" يواجــــــه التكـــفــــير‬


‫والكراهيــة‪ ..‬ال فتــوى دون ترخيــص”‬

‫‪Fatwa World News‬‬


‫‪Muslims Living in non-Muslim Lands:‬‬
‫من منابر الجدل إلى ساحات الفتوى ‪..‬‬ ‫‪Identifying the Fiqh of Minorities - Article‬‬
‫‪by: Dr. Ibrahem Negm‬‬
‫«جسور» تناقش‬ ‫‪The fine line between integration and‬‬
‫قضايا األقليات المسلمة في "عدد خاص"‬ ‫‪dissolving in non-Muslim countries?.‬‬
‫‪5‬‬ ‫كلمة التحرير‬

‫‪6‬‬ ‫عالم اإلفتاء‪ :‬جولة في أبرز أخبار المؤسسات الدينية والهيئات اإلفتائية‬

‫‪12‬‬ ‫رؤى إفتائية‪ :‬أهمية التأصيل لفتوى األقليات‬

‫‪16‬‬ ‫فتوى أسهمت في حل مشكلة‪ :‬أكل اللحوم في الدول غير اإلسالمية‬

‫‪20‬‬ ‫المؤشر العالمي للفتوى‪ :‬صناعة الحالل بين الرؤية الشرعية وتحديات الواقع‬

‫‪28‬‬ ‫مراجع إفتائية‪ :‬جسور تعرض كتاب «صناعة الفتوى وفقه االقليات»‬

‫‪32‬‬ ‫خطوات تأسيسية لفقه األقليات اإلسالمية ‪ -‬مقال للدكتور إبراهيم نجم‬

‫‪36‬‬ ‫استشراف إفتائي‪ :‬استخدام الحيوان النجس في األغراض الطبية والعالجية‬

‫‪40‬‬ ‫‪Fatwa world News‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪Muslims Living in non-Muslim Lands: Identifying the Fiqh of Minorities Article by DR. Ibrahim Negm‬‬

‫‪46‬‬ ‫?‪The fine line between integration and dissolving in non-Muslim countries‬‬

‫‪2‬‬
‫هيئة التحرير‬

‫المشرف العام‪:‬‬

‫فضيلة أ‪.‬د‪ .‬شوقي عالم‬


‫مفتي جمهورية مصر العربية‬
‫ورئيس األمانة العامة لدور‬
‫وهيئات اإلفتاء في العالم‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬

‫د‪ .‬إبراهيم نجم‬


‫األمين العام لدور وهيئات‬
‫اإلفتاء في العالم‬

‫مدير التحرير‪:‬‬

‫هاني ضوة‬
‫نائب المستشار اإلعالمي‬
‫لمفتي مصر‬

‫مستشارو التحرير‪:‬‬

‫د‪ .‬محمد الخاليلة‬


‫وزير األوقاف األردني‬

‫د‪ .‬محمد البشاري‬


‫األمين العام‬
‫لمجلس المجتمعات المسلمة‬

‫د‪ .‬محمد الياقوتي‬


‫وزير األوقاف السوداني األسبق‬

‫‪3‬‬
‫كلمة التحرير‬

‫والفعال للمسلمين في المجتمعات الغربية وغير‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على‬
‫المسلمة‪.‬‬ ‫المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وفي هذا العدد تطالعون معنا‪:‬‬ ‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫باب "عالم اإلفتاء" حيث يأخذكم في جولة‬ ‫اإلسالم منهج حياة متكامل‪ ،‬لم يفرط في‬
‫إخبارية إفتائية ننشر فيها مجموعة من أهم‬ ‫شيء‪ ،‬فقد نظم هذا المنهج كافة العالقات في‬
‫أخبار عالم اإلفتاء والمؤسسات اإلفتائية في‬ ‫أحكاما‬
‫ً‬ ‫جميع البيئات والظروفـ ووضع لها‬
‫العالم‪.‬‬ ‫وقواعد تتناسب معها على مقتضى الحق والعدل‪،‬‬
‫كما تطالعون في باب "المؤشر العالمي‬ ‫فلم يكتف بتنظيم العالقة بين األفراد وخالقهم‪،‬‬
‫جديدا تحت عنوان "صناعة‬ ‫تحليل‬
‫ً‬ ‫للفتوى"‬ ‫بل تعدى ذلك إلى تنظيم شئون الحياة والعالقات‬
‫ً‬
‫الحالل بين الرؤية الشرعية وتحديات الواقع‬ ‫االجتماعية بين المسلمين بعضهم البعض‪ ،‬ولعل‬
‫‪ ..‬قراءة في قضية الذبح الحالل ودور مؤسسات‬ ‫في قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫الفتوى في إقرارها"‪.‬‬ ‫واضحا‬
‫ً‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾‪ ،‬تبيانًا‬
‫أما في باب "رؤى إفتائية" فيتناول العدد‬ ‫لهذا المعنى والمقصد‪.‬‬
‫موضعا حول "أهمية التأصيل لفتاوى األقليات‬ ‫ً‬ ‫وال شك أن قضية األقليات المسلمة وفقهها‬
‫المسلمة والحلول الشرعية لنوازل العصر"‪،‬‬ ‫يعد مسألة من أهم مسائل العصر‪ ،‬لذلك‬
‫حيث يناقش كيف يكون للكثرة واألقلية تأثير‬ ‫يتمحور العدد الجديد من نشرة "جسور"‬
‫كبير في مجتمعاتها؟ بحيث يجعلنا أن نعتبر‬ ‫الشهرية ‪-‬الناطقة بلسان األمانة العامة لدور‬
‫ونراعي حال كل منهما عند النظر إلى فقهها‬ ‫وهيئات اإلفتاء في العالم‪ ،-‬حول فقه األقلّيات‪،‬‬
‫كل منهما‪.‬‬
‫وتنزيل األحكام الشرعية على ّ‬ ‫وبيان التحديات المختلفة التي نواجهها في‬
‫وفي سياق ذي شأن يتناول باب «فتوى أسهمت‬ ‫عالمنا المعاصر‪ ،‬وكيف أثّرت تلك الظروف‬
‫موضوعا بعنوان‪« :‬أكل اللحوم‬ ‫في حل مشكلة»‬ ‫والمالبسات في األحكام الفقهية المتعلقة‬
‫ً‬
‫في الدول غير اإلسالمية»‪ ،‬ويقدم إجابات شافية‬ ‫باألقليات المسلمة‪.‬‬
‫للمسلمين حول هذه المسألة‪ ،‬ولماذا أباح اهلل‬ ‫وألن قضايا األقليات من أهم المستجدات التي‬
‫لعباده السعي في األرض والتنقل بين خيراتها‪،‬‬ ‫تواجه المجتهدين في العصر الحاضر‪ ،‬حيث أصبح‬
‫وسماحة اإلسالم في إباحة التعامل مع غير‬ ‫واقعا‬
‫ً‬ ‫الوجود اإلسالمي في البالد غير اإلسالمية‬
‫المسلمين‪ ،‬والحث على مبادلة المنافع بين الناس‬ ‫يفرض نفسه على الساحة الفقهية‪ ،‬فإنه يستوجب‬
‫عموما بالبر والقسط‪.‬‬
‫ً‬ ‫من المجتهدين والباحثين النظر واالجتهاد في‬
‫أيضا في باب مراجع إفتائية‬ ‫نوازله المتعددة والمستجدة باستمرار‪ ،‬لذا‬
‫كما تطالعون ً‬
‫كتاب «صناعة الفتوى وفقه األقليات» للعالمة‬ ‫كنا حريصين في هذا العدد من "جسور" أن‬
‫عبد اهلل بن بية‪ ،‬والذي يعرض فيه مجموعة‬ ‫نتناول هذا الموضوع من زواياه المختلفة‪،‬‬
‫مهمة من أبرز األحكام الشرعية الخاصة بمسائل‬ ‫ونعرض لموضوعات وتقارير حول مستجدات‬
‫األقليات المسلمة‪.‬‬ ‫واقع األقليات المسلمة في الغرب وإشكالية تغير‬
‫ً‬
‫ظروفا‬ ‫الفتوى؛ حيث يعيش المسلمون هناك‬
‫وإثرا ًء لموضوعات العدد تطالعون في باب‬
‫نظرا الختالف األعراف‬
‫استثنائية بكل المقاييس‪ً ،‬‬
‫مهما بعنوان «خطوات‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مقال‬ ‫منبر المفتين‬
‫ودعما ألواصر األخوة‬ ‫ً‬ ‫والعادات والتقاليد‪،‬‬
‫تأسيسية لفقه األقليات اإلسالمية»‪ ،‬لفضيلة‬
‫والتعاون والعيش المشترك واالندماج اإليجابي‬
‫الدكتور إبراهيم نجم ‪ -‬مستشار مفتي مصر‬

‫‪4‬‬
‫ً‬
‫مقال آخر‬ ‫كما يكتب الدكتور إبراهيم نجم‬ ‫واألمين العام لدور وهيئات اإلفتاء في العالم"‪ ،‬والذي‬
‫باإلنجليزية بعنوان‪Muslims Living in non- :‬‬ ‫يتناول فيه تزايد االهتمام بدراسة أحوال المسلمين‬
‫‪Muslim Lands: Identifying the Fiqh of‬‬ ‫الموجودين في بالد غير المسلمين ومشكالتهم‬
‫‪.Minorities‬‬ ‫ومسائلهم خاصة مع نشوء جيل جديد أصبح لهم حقوق‬
‫أدعو اهلل العلي القدير أن يكون العدد الجديد من‬ ‫المواطنة كأقرانهم ممن ال ينتمون لدينهم‪ ،‬وجاليات‬
‫مفيدا وأوضح الرؤية‬
‫ً‬ ‫محتوى‬
‫ً‬ ‫نشرة "جسور" قد قدم‬ ‫وتعبِر عنهم‪ ،‬وأصبحت لهم كلمة‬ ‫ّ‬ ‫ومراكز تجمعهم‬
‫التي نتطلع إليها‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬ ‫في صنع القرار‪.‬‬
‫كما يطرح باب االستشراف اإلفتائي مسألة جديدة‬
‫حول استخدام األعضاء والمواد الخنزيرية في األغراض‬
‫الطبية والعالجية" خاصة في دول الغرب وغيرها‪.‬‬
‫فيما يتناول القسم اإلنجليزي من العدد جولة في‬
‫وموضوعا بعنوان ‪The‬‬
‫ً‬ ‫أخبار اإلفتاء باللغة اإلنجليزية‪،‬‬
‫‪fine line between integration and dissolving‬‬
‫‪.?in non-Muslim countries‬‬

‫‪5‬‬
‫عالم اإلفتاء‬

‫‪6‬‬
‫مفتي مصر يبحث مع مساعد وزير الخارجية للعالقات‬
‫الثقافية تنفيذ استراتيجية دار اإلفتاء يف الخارج‬

‫وأضاف أن دار اإلفتاء حريصة أشد الحرص على‬ ‫استقبل األستاذ الدكتور شوقي عالم ‪ ،‬مفتي‬
‫تطوير نظم التواصل مع العالم لتحقيق التواصل‬ ‫جمهورية مصر العربية‪ ،‬رئيس األمانة العامة لدور‬
‫الفعال واالستفادة منه على المستوى الديني واإلفتائي‪،‬‬ ‫وهيئات اإلفتاء في العالم‪ -‬السفير عمر سليم مساعد‬
‫وكذلك المشاركة الفاعلة والتنسيق والتعاون‬ ‫والسفير حاتم‬
‫َ‬ ‫وزير الخارجية للعالقات الثقافية‪،‬‬
‫المستمر بين الجهات المعنية في بناء جبهة للتواصل‬ ‫حسوبة نائب مساعد وزير الخارجية لشئون الوافدين‬
‫الديني المتميز‪.‬‬ ‫والتدريب والتعاون الفني والموضوعات الثقافية‬
‫وأشار إلى أن دار اإلفتاء أنشأت عام ‪ 2015‬األمانة‬ ‫العامة والدينية‪ ،‬لبحث أوجه تعزيز التعاون بين دار‬
‫لدور وهيئات اإلفتاء في العالم لتكون مظلة‬ ‫العامة ُ‬ ‫اإلفتاء ووزارة الخارجية‪ ،‬وتنفيذ استراتيجية الدار في‬
‫جامعة تضم الهيئات والمؤسسات الدينية الوسطية‬ ‫التواصل مع الخارج‪.‬‬
‫المعتدلة في مختلف دول العالم‪ ،‬حيث بلغ عدد أعضائها‬ ‫وأكد المفتي خالل اللقاء أن دار اإلفتاء لديها‬
‫عضوا يمثلون ‪ 55‬دولة‪.‬‬
‫ً‬ ‫حتى اآلن ما يقرب من ‪70‬‬ ‫استراتيجية تعمل على تنفيذها منذ سنوات للتواصل‬
‫وأضاف المفتي أن الدار لديها برنامج مميز‬ ‫الديني الفعال في الخارج؛ إيمانًا منها بأن التواصل‬
‫لتدريب وتأهيل الوافدين على اإلفتاء‪ ،‬يستمر لثالث‬ ‫الحضاري مع العالم أصبح ضرورة واقعية وواجب‬
‫خرج العديد من الدفعات‪ ،‬حيث تم تدريب‬ ‫سنوات‪ ،‬وقد َّ‬ ‫الوقت لتحقيق الريادة الدينية واإلفتائية المصرية في‬
‫دفعتين من أئمة بريطانيا وتدريب أئمة من دول‬ ‫العالم أجمع‪ ،‬وتدعيم قوة الدولة المصرية الناعمة في‬
‫إفريقية وكذلك تدريب أئمة من روسيا االتحادية‪،‬‬ ‫أحد أهم مجاالتها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫كما أثنى على قيام الدار بتدريب أئمة المساجد في‬ ‫مؤكدا استعداد دار اإلفتاء الكامل للتعاون مع وزارة‬
‫ً‬
‫الخارج من أجل تأهيلهم ليكونوا حائط الصد المنيع‬ ‫الخارجية واستقبال المزيد من المتدربين من مختلف‬
‫أمام األفكار المتطرفة والفتاوى الشاذة غير المنضبطة‪،‬‬ ‫دول العالم‪.‬‬
‫مؤكدا أهمية التعاون القائم بين دار اإلفتاء المصرية‬
‫ً‬ ‫من جانبه أشاد مساعد وزير الخارجية للعالقات‬
‫ووزارة الخارجية في هذا الشأن‪.‬‬ ‫الثقافية بالدور الكبير الذي تقوم به دار اإلفتاء في‬
‫الداخل والخارج‪ ،‬ونشر صحيح الدين ومواجهة الفكر‬
‫المتطرف‪ ،‬وتقديم كافة أشكال الدعم العلمي واإلفتائي‬
‫للجاليات المسلمة في الخارج‪.‬‬

‫اإلفتاء المصرية تحرم استخدام أحد أشهر تقنيات الذكاء االصطناعي‬


‫وأكدت أن اختالق هذه المقاطع بهذه التقنية‬ ‫شرعا‬
‫ً‬ ‫أكدت دار اإلفتاء المصرية أنه ال يجوز‬
‫فيه قصد اإلضرار بالغير‪ ،‬وهو أمر منهي عنه في‬ ‫ِ‬
‫استخدام تقنية (‪ :DeepFake‬التزييف العميق) ل َتلْفيق‬
‫ول‬
‫"ل ضرر َ‬ ‫حديث النبي صلى اهلل وعليه وآله وسلم‪َ :‬‬ ‫مقاطع َم ْرئية أو مسموعة لألشخاص باستخدام الذكاء‬
‫ضرار"‪ ،‬إضافة لما فيها من الترويع والتهديد لحياة‬ ‫االصطناعي‪.‬‬
‫الناس‪ ،‬والشريعة اإلسالمية جعلت حفظ الحياة من‬ ‫وقالت دار اإلفتاء إن هذه التقنية تستخدم للتزييف‬
‫مقاصدها العظيمة وضرورياتها المهمة؛ حتى بالغت‬ ‫وإظهار األشخاص وكأنهم يفعلون أو يقولون ما لم‬
‫في النهي عن ترويع الغير ولو بما صورته المزاح‬ ‫يفعلوه ولم يقولوه في الحقيقة‪ ،‬مؤكدة أن في ذلك‬
‫والترفيه‪.‬‬ ‫وإخبارا بخالف الواقع"‪.‬‬
‫ً‬ ‫وغشا‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫"كذ ًبا‬
‫أيضا جريمة قانونية يعاقب عليها وفق القانون‬
‫وهو ً‬ ‫وتابعت الدار‪" :‬اإلسالم إذ حث على االبتكار‬
‫رقم (‪ )175‬لسنة ‪ ،2018‬الخاص بـ"مكافحة جرائم‬ ‫واالختراع فقد جعله ليس مقصو ًدا لذاته‪ ،‬بل هو وسيلة‬
‫تقنية المعلومات"‪ ،‬فقد جرم المشرع المصري في هذا‬ ‫ِ‬
‫االبتكارات العلمية‬ ‫لتحقيق غرض ما لذا أحاط اإلسالم‬
‫القانون نشر المعلومات المضللة والمنحرفة‪ ،‬وأَودع‬ ‫بسياج أخالقي يقوم على أساس التقويم واإلصالح‬ ‫ٍ‬
‫فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي‬ ‫وعدم إلحاق الضرر بالنفس أو اإلضرار بالغير"‪.‬‬
‫غير المشروع‪.‬‬ ‫وأشارت قائلة‪" :‬فمتى كان الشيء الـمخترع‬
‫مشروع أخذ حكم المشروعية‪ ،‬ومتى كان‬ ‫ٍ‬ ‫وسيلة ألمر‬
‫أيضا"‪.‬‬
‫وسيلة ألمر منهي عنه أخذ حكمه ً‬

‫‪8‬‬
‫"اإلمــارات لإلفـتاء" يـواجــه‬
‫التكفير والكراهية‪ ..‬ال فتوى‬
‫دون ترخيص‬
‫دعا مجلس اإلمارات لإلفتاء الشرعي‬
‫أفراد المجتمع ومؤسساته كافة إلى عدم‬
‫الخوض في مسائل الفتوى الشرعية دون‬
‫ترخيص أو تصريح‪.‬‬
‫وأهاب المجلس بالجمهور عدم نشر أو‬
‫إعادة نشر أي فتوى شرعية غير معتمدة‬
‫من المجلس والجهات الرسمية المخولة‬
‫بالفتوى في الدولة‪.‬‬
‫جاء ذلك في بيان أصدره المجلس بشأن‬
‫تنظيم الفتوى في المجتمع في ضوء ما‬
‫الحظه من تجاوزات ومخالفات‪" ،‬تتمثل في‬
‫تصدر بعض رواد مواقع التواصل االجتماعي‬
‫للفتوى الشرعية بغير ترخيص أو تصريح‪،‬‬
‫والجرأة على إصدار األحكام الشرعية في‬
‫المواضيع الدينية واالجتماعية واألسرية‬
‫وغيرها خاصة فيما يتعلق بالتكفير واستغالل‬
‫نصوص الدين في التعدي على الغير مما‬
‫يؤدي إلى انتشار الكراهية والطائفية‬
‫والتكفير والتشدد والتطرف ويتنافى مع‬
‫سماحة الدين اإلسالمي الحنيف ويعد‬
‫مناف ًيا للسياسات الوطنية لدولة اإلمارات‬
‫التي تؤكد على قيم التسامح والتعايش‬
‫لإلفتاء الشرعي ليكون الجهة الوحيدة في الدولة المخولة بإصدار‬
‫واالعتدال"‪.‬‬
‫الفتاوى الشرعية العامة‪ ،‬وال يحق ألي جهة أو فرد إبداء رأيه‬
‫في هذه المسائل‪ ،‬ومن اختصاصاته األصيلة الترخيص والتصريح‬ ‫وقال مجلس اإلمارات لإلفتاء الشرعي‬
‫بممارسة اإلفتاء الشرعي في الدولة‪.‬‬ ‫إن "للفتوى الشرعية مكانة كبيرة وأهمية‬
‫عظيمة وجاءت نسبتها في اآليات القرآنية إلى‬
‫ونص القرار على أنه‪" :‬تلتزم الجهات والمؤسسات اإلعالمية‬
‫المختلفة والمواقع اإللكترونية على الشبكة المعلوماتية‬ ‫تعظيما لشأنها قال تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ‬
‫ً‬ ‫اهلل تعالى‬
‫"اإلنترنت" ومستخدمو وسائل التواصل االجتماعي في الدولة‬ ‫ﭔ ﭕ ﭖﭗ﴾ [المائدة‪ ..]176:‬وقد‬
‫بالحصول على تصريح من المجلس قبل نشر الفتاوى الشرعية‬ ‫كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هو‬
‫أو استضافة أشخاص لإلفتاء الشرعي أو تنظيم برامج للفتوى‬ ‫الذي تولى مهمة بيان األحكام الشرعية بما‬
‫الشرعية"‪ ،‬وأنه "ال يجوز ألي شخص طبيعي أو اعتباري غير‬ ‫أوحى اهلل تعالى إليه وتوالها بعد الرسول‬
‫حاصل على ترخيص أو تصريح رسمي من المجلس القيام بإصدار‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم المتخصصون من‬
‫أو نشر الفتاوى الشرعية في الدولة"‪.‬‬ ‫ساداتنا الصحابة الكرام رضوان اهلل عليهم‪،‬‬
‫ثم من بعدهم المؤهلون والمتخصصون من‬
‫وأضاف المجلس أن المادة الرابعة من قرار إنشاء مجلس‬
‫الفقهاء وأكابر العلماء"‪.‬‬
‫اإلمارات لإلفتاء الشرعي تنص على أن المجلس "يتولى مواجهة‬
‫اإلساءة إلى المقدسات والتكفير والتعصب المذهبي من خالل بيان‬
‫الرأي الشرعي في هذه المسائل"‪.‬‬ ‫جهود ضبط الفتوى‬
‫واختتم مجلس اإلمارات لإلفتاء الشرعي بيانه بدعوة "كافة‬ ‫وأشار المجلس إلى أن دولة اإلمارات‬
‫أفراد المجتمع ومؤسساته إلى عدم الخوض في مسائل الفتوى‬ ‫العربية المتحدة قامت بجهود كبيرة لضبط‬
‫الشرعية دون ترخيص أو تصريح"‪ ،‬كما أهاب "بالجمهور عدم‬ ‫الفتوى الشرعية وتنظيمها‪ ،‬وتوفير المحتوى‬
‫نشر أو إعادة نشر أي فتوى شرعية غير معتمدة من المجلس‬ ‫اإلفتائي اآلمن والمعتدل وأصدرت الحكومة‬
‫والجهات الرسمية المخولة بالفتوى في الدولة"‪.‬‬ ‫قرار مجلس الوزراء رقم ‪ 31‬لسنة ‪2017‬‬
‫وتعديالته بخصوص إنشاء مجلس اإلمارات‬

‫‪9‬‬
‫األردن‪..‬اإلفـتاء تـبـيح التخـلـف‬
‫عن صالة الجمعة بسبب المطر‬
‫الشديد‬
‫نشرت دائرة اإلفتاء العام بالمملكة األردنية‪،‬‬
‫فتوى حول صالة الجمعة في ظل تراكم الثلوج‪.‬‬
‫وبحسب وسائل إعالم أردنية‪ ،‬قالت اإلفتاء‪،‬‬
‫إن صالة الجمعة فرض‪ ،‬ومن رحمة اهلل تعالى‬
‫بعباده أنه يجوز تركها لعذر‪ ،‬ومن األعذار‬
‫المبيحة للتخلف عن صالة الجمعة شدة المطر‪،‬‬
‫أو الريح الشديدة‪ ،‬أو الوحل‪ ،‬أو وجود الثلج‬
‫الذي يؤذي الناس ويعوق حركتهم‪ ،‬ويصعب‬
‫معه الوصول إلى المساجد إال بمشقة ظاهرة‪.‬‬
‫وأضاف‪" ،‬روى الشيخان بسندهما (أن ا ْبن‬
‫اس رضي اهلل عنه قال ِل ُم َؤ ِّذ ِن ِه ِفي َي ْو ٍم َم ِط ٍ‬
‫ير‬ ‫َع َّب ٍ‬
‫الل َف َل َت ُق ْل‬‫ول َّ ِ‬ ‫َن ُم َح َّم ًدا َر ُس ُ‬ ‫ِإ َذا َ ْ َ ُ َّ‬
‫أ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َش‬ ‫أ‬ ‫ْت‬ ‫ل‬ ‫ق‬‫ُ‬
‫الص َلةِ‪ُ .‬ق ْل‪َ :‬ص ّلُوا ِفي ُب ُيو ِت ُكم‪َ .‬ف َكأ َّ‬
‫َن‬ ‫َح َّي َع َلى َّ‬
‫ال‪َ :‬ف َع َل ُه َم ْن ُه َو َخ ْي ٌر ِم ِّني؛‬ ‫اس َت ْن َك ُروا‪َ .‬ق َ‬
‫اس ْ‬ ‫ال َّن َ‬
‫َن ُأ ْح ِر َج ُك ْم‬‫ك ِر ْه ُت أ ْ‬ ‫ِن ا ْل ُج ْم َع َة َع ْز َمةٌ‪َ ،‬و ِإ ِّني َ‬‫إ َّ‬
‫ض)‪".‬‬ ‫الد َح ِ‬ ‫و‬ ‫ين‬
‫ّ ِ َ َّ‬ ‫ِ‬
‫الط‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ون‬
‫َف َ ْ َ‬
‫ش‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ت‬
‫وتابعت‪" ،‬قال اإلمام النووي رحمه اهلل في‬
‫"شرحه على صحيح مسلم"‪( :‬وفي هذا الحديث‬
‫دليل على سقوط الجمعة بعذر المطر ونحوه‬
‫وهو مذهبنا ومذهب آخرين)"‪.‬‬
‫وأشارت إلى انه في هذه الظروف التي يمر‬
‫بها بلدنا‪ ،‬يتضرر الناس بالثلج أكثر من المطر‪،‬‬
‫فيكون أولى بالحكم‪.‬‬
‫وأكد أنه من قدر على الوصول إلى المسجد‬
‫ألداء صالة الجمعة دون أذى لقربه منه‪ ،‬أو‬
‫سهولة ذلك عليه‪ ،‬فعليه أن يصلي فيه‪ ،‬أما من‬
‫كان يتأذى بالخروج‪ ،‬أو يخشى على نفسه منه‪،‬‬
‫ظهرا في منزله‪ ،‬والضرورة‬ ‫فليصل بدل الجمعة ً‬ ‫ّ‬
‫تقدر بقدرها‪ .‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪10‬‬
‫اآلخر‪ ،‬ويحترمه ويعزز عيشهم المشترك في المجتمع‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫"الخـاليلـة" يفتتح أسـبوع الـوئـام‬
‫وبين "أن عالقة أبناء الوطن قائمة على االحترام‬ ‫الديني‪ ..‬و"الخـصــاونة" يـؤكــــد‪:‬‬
‫منيعا ضد أي‬‫ً‬ ‫وسدا‬
‫ً‬ ‫واحدا‬
‫ً‬ ‫صفا‬
‫المتبادل والوقوف ً‬ ‫إن المسلمين والمسيحيين يشكلون‬
‫مؤامرة أو محاولة بفضل القيادة الهاشمية التي اقتدت‬ ‫أنموذجا في اإلنسانية والوئام‬
‫ً‬
‫بتعاليم ديننا اإلسالمي الحنيف‪ ،‬وجعلت العدل أساس‬ ‫رعى وزير األوقاف والشؤون والمقدسات اإلسالمية‬
‫الحكم والمساواة قاعدة في تعاملها مع الجميع"‪.‬‬ ‫محمد الخاليلة‪ ،‬افتتاح أسبوع الوئام الديني الذي‬
‫مدير المركز األردني لبحوث التعايش الديني األب‬ ‫تقيمه الوزارة بالتعاون مع دائرة قاضي القضاة‪ ،‬ودائرة‬
‫نبيل حداد‪ ،‬أشار إلى أن "نموذجية وئامنا في األردن‬ ‫اإلفتاء العام‪ ،‬والمركز األردني لبحوث التعايش الديني‪،‬‬
‫نابعة من القيادة الهاشمية التي أصرت على أن يعيش‬ ‫في المركز الثقافي اإلسالمي التابع لمسجد الشهيد‬
‫مؤكدا‬
‫ً‬ ‫الجميع على األرض األردنية بطمأنينة وأمان"‬ ‫الملك المؤسس عبد اهلل بن الحسين‪ ،‬مندو ًبا عن رئيس‬
‫"افتخاره برسالة عمان ودعوتها للسالم والرحمة"‪.‬‬ ‫الوزراء بشر الخصاونة‪.‬‬
‫وأضاف "نحتفل اليوم بأسبوع عالمي للوئام والذي‬ ‫وحمل أسبوع الوئام الديني لهذا العام عنوان‪:‬‬
‫حمل شهادة ميالد أردنية التقت حولها البشرية ذات يوم‬ ‫"األردن أنموذج الوئام بين اتباع المذاهب واألديان"‪.‬‬
‫تشريني قبل أعوام في نيويورك لتتبنى دول العالم‬ ‫وقال الخاليلة‪ :‬إن "اإلسالم يحمل رسالة الرحمة‬
‫المبادرة التي حملها الملك وخرجت من مدرسة الفكر‬ ‫لإلنسانية جمعاء‪ ،‬وظهرت هذه الرحمة في تعامل‬
‫عمان"‪.‬‬‫الهاشمي وولدتها أم الوثائق وهي رسالة ّ‬ ‫الرسول عليه الصالة والسالم مع أهل الكتاب وغيرهم‪،‬‬
‫حضورا‬
‫ً‬ ‫وأضاف األب حداد "أننا في األردن األكثر‬ ‫رحيما‪ ،‬وظهرت هذه الرحمة في وثيقة‬ ‫ً‬ ‫حيث كان‬
‫بتاريخ القداسة واألحسن بالسيرة والسلوك‪ ،‬تعلمنا في‬ ‫أساسا في التعامل مع اآلخرين"‪.‬‬
‫ً‬ ‫المدينة التي تعتبر‬
‫مساجده وكنائسه ومدارسه الوئام والسالم والحب فيما‬ ‫وأضاف‪ :‬إن "أسبوع الوئام كان ثمرة عمل رائد‬
‫بيننا‪ ،‬وأننا في مركز التعايش نتشرف بالمشاركة‬ ‫قام على قواسم مشتركة توفر أرضية دينية صلبة‬
‫مع إخوتنا في وزارة األوقاف ودائرة اإلفتاء وقاضي‬ ‫لاللتقاء بين األديان واحترام اآلخر"‪.‬‬
‫القضاة بهذا االحتفال السنوي"‪.‬‬ ‫نموذجا‬ ‫وقال‪" :‬إن المذاهب الفقهية األربعة كانت‬
‫ً‬
‫بدوره‪ ،‬قال سماحة قاضي القضاء عبد الحافظ‬ ‫في التسامح وقبول اآلخر‪ ،‬وحثت على األمن والسالم‬
‫الربطة‪ ،‬إن هذا الحدث السنوي الذي كان ثمرة جهد‬ ‫والوسطية ونبذ القتل والدمار ورفض اآلخر‪ ،‬فاإلسالم‬
‫كبير لجاللة الملك عبد اهلل الثاني ليكون مناسبة‬ ‫أصل ينظر إلى حق البشر في العيش والكرامة‬ ‫ً‬
‫عالمية أممية تؤكد الوئام بين أبناء الشرائع وأهمية‬ ‫اإلنسانية"‪.‬‬
‫بعيدا عن فكر التطرف‬ ‫ً‬ ‫أساسا‬
‫ً‬ ‫الحوار البناء واعتباره‬ ‫وأشار إلى أن الدعوة إلى الوئام هي من أساس‬
‫والغلو ورفض اآلخر‪.‬‬ ‫الشريعة اإلسالمية ومبادئها العامة التي دلت عليها‪،‬‬
‫وأضاف الربطة‪ ،‬أن الناس عاشوا على امتداد التاريخ‬ ‫وطبقها الخلفاء واألئمة على مر التاريخ‪ ،‬وااللتزام‬
‫اإلسالمي بأمن وتعايش مع اآلخر واحترامه دون‬ ‫بالشريعة اإلسالمية يدعو المسلم إلى الوئام والعيش‬
‫مؤكدا أن الشواهد كثيرة في اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫االعتداء عليه‪،‬‬ ‫المشترك والتسامح والتمسك به‪ ،‬مبينًا أن الوئام‬
‫على حسن التعايش والمعشر بين المسلمين وغيرهم‬ ‫يعطي الحق للبشر المختلفين بألوانهم وأجناسهم‬
‫من أبناء الديانات األخرى‪.‬‬ ‫ومعتقداتهم بأن يعيشوا بسالم وأمن وأمان‪.‬‬
‫وقال‪" :‬صنعنا من ذلك إنجازات كبيرة وكنا‬ ‫من جهته‪ ،‬قال مفتي المملكة سماحة الشيخ عبد‬
‫أنموذجا عنوانه الوئام والسالم والمحبة يتشارك‬ ‫ً‬ ‫الكريم الخصاونة‪ :‬إن المسلمين والمسيحيين في هذا‬
‫في هذه اإلنجازات كل األردنيين ويتمتعون باألمن‬ ‫أنموذجا في اإلنسانية‬
‫ً‬ ‫البلد كانوا وال يزالون يشكلون‬
‫جميعا بالهم والفرح والسرور"‪.‬‬‫ً‬ ‫واألمان‪ ،‬ويتشاركون‬ ‫والوئام‪ ،‬ويزرعون قيم المواطنة الصالحة تحت الراية‬
‫وبين الربطة أن اإلسالم مظلة تحترم اآلخرين‬ ‫الهاشمية التي بايعها الناس بمحبة ومواالة‪ ،‬فالتفت‬
‫وتأمنهم وعلى العالم احترام هذه الصورة والدفاع‬ ‫حولها القلوب قبل العهود؛ ألنها كانت عادلة ونشرت‬
‫مشيرا إلى أن جاللة الملك عبد اهلل الثاني‬ ‫ً‬ ‫عنها‪،‬‬ ‫العدالة بين الناس باعتبار أن الكرامة اإلنسانية أمر‬
‫أراد أن يتحدث بصراحة حينما أطلق رسالة عمان‪،‬‬ ‫رباني‪ ،‬كما أقامت العالقات على أساس المساواة فالكل‬
‫مفصل لحقيقة اإلسالم وحقيقة‬ ‫ً‬ ‫وأراد أن تكون بيانًا‬ ‫له حقوق وله واجبات يجب أن يعمل عليها‪.‬‬
‫نظرة اإلسالم لغيره من الشرائع‪ ،‬فشرحت الرسالة‬ ‫وأضاف الخصاونة‪ ،‬أن القرآن الكريم خاطب غير‬
‫للعالم كله حقيقة الدين اإلسالمي وأوضحته للجميع‬ ‫المسلمين بلطف العبارات‪ ،‬ولم ينفرهم وهذا الخطاب‬
‫باعتباره دينًا وسط ًيا يرفض الغلو والتطرف ويقبل‬ ‫كان فيه االحترام والتقدير لغير المسلمين من أهل‬
‫اآلخر‪ ،‬ويعيش معه بأفضل صور التسامح والقبول‪.‬‬ ‫مؤكدا أن اإلسالم دين سمح يقبل‬ ‫ً‬ ‫الكتاب وغيرهم‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫رؤى إفتائية‬

‫أهمية التأصيل لفتوى‬

‫األقليات‬

‫‪12‬‬
‫ومع هذا التغير الشديد في واقع األقليات المسلمة‬ ‫للكثرة واألقلية تأثير كبير في مجتمعاتها بحيث‬
‫إدراكا‬
‫ً‬ ‫أصبح واج ًبا على حملة الفقه أن يكونوا أكثر‬ ‫يجعلنا نعتبر ونراعي حال كل منهما عند النظر إلى‬
‫واطالعا على مراميها‪ ،‬وأن يسعوا إلى‬
‫ً‬ ‫لمقاصد الشريعة‬ ‫كل منهما‪ ،‬والذي‬
‫فقهها وتنزيل األحكام الشرعية على ّ‬
‫الجمع في فقههم بين األصالة والمعاصرة؛ عن طريق‬ ‫نحن بصدده اآلن هو حال األقلية المسلمة وما يفرضه‬
‫فهم المناهج الكلية للفقه الموروث من غير التزام‬ ‫عليها الواقع وما ينشأ عنها من مشكالت متعددة‬
‫حرفي بمسائله الجزئية التي تغير واقعها‪ ،‬فيتوخوا‬ ‫‪-‬سياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬ودينية‪-‬‬
‫في األحكام والفتاوى مقاصد الشرع ومصالح الخلق‬ ‫تحتاج لدقة النظر‪ ،‬واستفراغ الجهد للخروج بفقه‬
‫التي تحتاج إلى إدراك سديد للواقع وفهم مستقيم له‪،‬‬ ‫يراعي حالهم على وفق األحكام الشرعية المقررة‪،‬‬
‫ومن المعلوم أنه إذا تغير الوقت تغير واجبه‪[ .‬تقديم‬ ‫مع مراعاة المتغيرات الزمانية والمكانية والحالية‬
‫الدكتور علي جمعة لإلفتاء المصري‪])12/1( ،‬‬ ‫واالستثناءات التي تقتضيها الضرورة والحاجة‪،‬‬
‫مصطلحا‬
‫ً‬ ‫ومن البديهي أن يكون مصطلح "األقليات"‬ ‫وتحديد العالقة بينهم وبين األكثرية المخالفة‬
‫حادثًا على التراث الفقهي اإلسالمي؛ بل إنه مصطلح‬ ‫ونظاما وقانونًا‪ ،‬مع حفظ هويتهم‬
‫ً‬ ‫لهم دينًا واعتقا ًدا‬
‫حادث على المفردات العالمية بوجه عام‪ ،‬إال أن الفقه‬ ‫وكيانهم حتى ال تذوب وتنسحق كل ًيا أمام تلك‬
‫مصطلحا له داللة‬
‫ً‬ ‫سريعا‪ ،‬بوصفه‬
‫ً‬ ‫اإلسالمي تعاطى معه‬ ‫األكثرية‪ ،‬كل ذلك يحتاج إلى تأصيل دقيق‪ ،‬للخروج‬
‫واقعية تحتاج للعناية واالهتمام التشريعي‪.‬‬ ‫بحلول ممكنة التطبيق‪ ،‬وهذا التأصيل يكون بنوعين‪:‬‬
‫وخصيصة هذا النوع من الفقه أنه ذو نمط خاص‬ ‫النوع األول‪ :‬التأصيل اإلجمالي‪ :‬وذلك لوضع‬
‫من حيث موضوعاته ومشكالته المتميزة‪ ،‬وهذا النوع‬ ‫األطر العامة‪ ،‬والخطوط العريضة‪ ،‬واألمور الكلية‬
‫فقها نوع ًيا حيث يرتبط فيه الحكم‬ ‫من الفقه يعتبر ً‬ ‫عموما‪ ،‬وهو ما‬
‫ً‬ ‫التي ينبغي أن تراعى في فقه األقليات‬
‫نظرا‬
‫ً‬ ‫الشرعي بظروف جماعة ما في مكان محدد‬ ‫تشترك فيه غالب هذه األقليات‪ ،‬ويحتاج إلى تأصيل‬
‫لظروفها الخاصة؛ من حيث كون ما يصلح لها اليصلح‬ ‫شرعي مؤصل منضبط‪.‬‬
‫لغيرها‪ ،‬فالظرف المكاني الذي تلبست به األقليات قد‬ ‫والثاني التأصيل التفصيلي‪ :‬وذلك لكل ما يقع‬
‫يجعل لها في الكثير من األحوال مسوغات اضطرارية‬ ‫للمسلم الذي يعيش خارج بالد اإلسالم من مشكالت‬
‫تلجيء المفتي إلى اإلفتاء بما يخالف معتمد مذهبه‪ ،‬أو‬ ‫في شتى مجاالت الحياة‪ ،‬وذلك لكل أقلية على حدة‬
‫الراجح من حيث الدليل‪ ،‬أو بما يخالف فتاوى المفتين‬ ‫تبعا لمشكالتها وطوارئها وما تختص به هذه األقلية‬ ‫ً‬
‫في أماكن فيها الغلبة أو السلطان للمسلمين‪.‬‬ ‫دون غيرها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفتن التي وقعت من أعظم أسبابها قلة الصبر؛ إذ‬ ‫نظرا لتزايد عدد‬
‫ً‬ ‫وتزداد أهمية "فقه األقليات"‪:‬‬
‫الفتنة لها سببان‪ :‬إما ضعف العلم‪ ،‬وإما ضعف الصبر‪،‬‬ ‫المسلمين في العقود األخيرة في البالد غير اإلسالمية‪،‬‬
‫فإن الجهل والظلم أصل الشر‪ ،‬وفاعل الشر إنما يفعله‬ ‫سواء من المهاجرين المسلمين أو من أصحاب البالد‬
‫لجهله بأنه شر‪ ،‬وتكون نفسه تريده فبالعلم يزول‬ ‫األصليين الذين اعتنقوا اإلسالم‪ ،‬ومع ظهور الجيل‬
‫الجهل‪ ،‬وبالصبر يحبس الهوى والشهوة فتزول تلك‬ ‫الثاني والثالث من هؤالء المسلمين بدأت تظهر لهم‬
‫الفتنة"‪[ .‬المستدرك على مجموع الفتاوى (‪])127/5‬‬ ‫تجمع تعبر عنهم وتتحدث عن‬ ‫ُّ‬ ‫جاليات ومراكز‬
‫فغير المؤهل القاصر عن مرتبة الفتيا فإنه إذا‬ ‫رغباتهم‪ ،‬وبدأت أعداد المسلمين تشكل نسبة ال يمكن‬
‫اقتحم هذا الميدان فهو مأزور غير مأجور حتى لو‬ ‫تجاهلها‪.‬‬
‫وافق الصواب كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي‬ ‫ومع تلك األعداد الكبيرة من المسلمين في‬
‫(ح ‪ )2952‬وأبو داود (ح ‪َ )3652‬ع ْن ُج ْن َد ِب ْب ِن َع ْب ِد ا ِ‬
‫هلل‪،‬‬ ‫البالد غير اإلسالمية تزايد االهتمام بدراسة أحوالهم‬
‫الل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ ":-‬م ْن َق َ‬
‫ال‬ ‫‪-‬ص َّلى َّ ُ‬ ‫هلل َ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬ ‫َق َ‬ ‫ومشكالتهم ومسائلهم‪ ،‬خاصة مع نشوء جيل ليس فقط‬
‫َخ َطأَ"‪.‬‬‫اب َف َق ْد أ ْ‬‫َص َ‬ ‫ِر ْأ ِي ِه َفأ َ‬
‫آن ب َ‬ ‫الق ْر ِ‬ ‫ِفي ُ‬ ‫من المهاجرين إلى تلك البالد‪ ،‬بل من أصحاب البالد‬
‫ِن‬
‫قال البيهقي في "شعب اإليمان" (‪َ ":)540/3‬و َه َذا إ ْ‬ ‫األصليين الذين لهم حقوق المواطنة كمثلهم ممن ال‬
‫ْي ا َّل ِذي َي ْغ ِل ُب َع َلى ا ْل َقل ِ‬
‫ْب‬ ‫الرأ َ‬
‫َع َل ُم َّ‬ ‫َرا َد َو ُ‬
‫اهلل أ ْ‬ ‫َص َّح‪َ ،‬فِإ َّن َما أ َ‬ ‫ينتمون لدينهم‪ ،‬وفي ظل الوضع المعقد الذي تعيشه‬
‫ام َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف ِم ْث ُل َه َذا ا َّل ِذي َل َي ُج ُ‬
‫وز ا ْل ُح ْك ُم‬ ‫يل َق َ‬ ‫ِم ْن َغ ْي ِر َد ِل ٍ‬ ‫تلك األقليات كان البد من إعادة النظر في المسائل‬
‫آن ِب ِه‪َ ،‬وأ َّ‬
‫َما‬ ‫وز َت ْف ِس ُ‬
‫ير ا ْل ُق ْر ِ‬ ‫ك َل َي ُج ُ‬ ‫از ِل‪َ ،‬ف َك َذ ِل َ‬‫ِب ِه ِفي ال َّن َو ِ‬ ‫الفقهية المتعلقة بتلك األقليات كي يظل المسلم‬
‫از ِل َجا ِئ ٌز‪،‬‬‫ان َفا ْل ُح ْك ُم ِب ِه ِفي ال َّن َو ِ‬
‫ْي ا َّل ِذي َ ُّ ُ ُ ْ َ ٌ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ش‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫الرأ ُ‬
‫َّ‬ ‫معتقدا أنه يقع تحت‬
‫ً‬ ‫ومتمسكا بأحكام دينه‬
‫ً‬ ‫متشرعا‬
‫ً‬
‫آن ِب ِه َجا ِئ ٌز"‪.‬‬ ‫ير ا ْل ُق ْر ِ‬‫ُ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َو‬ ‫مظلة التشريع مع اندماجه في مجتمعه وعدم عيشه‬
‫فعليه أن يعلم أن إحجامه في هذا الموطن أقرب إلى‬ ‫غري ًبا عنه‪.‬‬
‫وأهمية هذا التأصيل تتضح بعدة نقاط نجملها بما‬
‫الحق من التكلم بغير علم قال تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫يلي‪:‬‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [اإلسراء‪ ،]36 :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮫ‬ ‫إقصاء غير المؤهلين عن منابر توجيه‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬ ‫األقليات المسلمة‪:‬‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫إن من أخطر الفروع الفقهية ‪-‬التي يترتب على‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [النحل‪]116 :‬‬ ‫القيام بها حفظ الدين والنفس والعرض والمال‬
‫والنسل‪ -‬النوازل المعاصرة لألقليات المسلمة واإلخالل‬
‫إيجاد الحلول الشرعية لنوازل األقليات‬ ‫بها يؤدي إلى تشوه صورة اإلسالم والمسلمين في هذه‬
‫البالد‪ ،‬ويفتح الباب على مصراعيه للترويج لدعوات‬
‫المسلمة‪:‬‬
‫التشويه المتعمد لإلسالم أو بما يعرف بـ(اإلسالم‬
‫تناقضا‬
‫ً‬ ‫المسلم في ديار غير المسلمين يجد‬ ‫فوبيا)‪ ،‬ولكن على الرغم من خطورتها ودقة الكالم فيها‬
‫كبيرا بين ما يقرره اإلسالم من أحكام‪ ،‬وبين كثير‬
‫ً‬ ‫‪-‬لألسف الشديد‪ -‬تساهل فيها الكثير من طلبة العلوم‬
‫من القوانين في البلد الذي يعيش فيه‪ ،‬وكذا النظم‬ ‫الشرعية فيبدون رأيهم فيها متسرعين غير متثبتين‬
‫االجتماعية‪ ،‬واألعراف المتغيرة‪" ،‬وهنا يحتاج المسلم‬ ‫وال راجعين للعلماء الكاملين المتثبتين المؤهلين لمثل‬
‫واألقلية المسلمة إلى فقه يخرج به من الحرج‬ ‫هذا النوع من الفقه‪ ،‬مع أنهم لو عرضت عليهم مسألة‬
‫والتناقض‪ ،‬ويجيب عن سؤال‪ :‬كيف يمكن أن يصيغ‬ ‫أخرى من مسائل الفقه التي ال يترتب عليها مثل هذا‬
‫وفقا للشرع ودون التناقض مع قوانين‬
‫المسلم حياته ً‬ ‫كثيرا منهم يتورعون فيها وقد يحيلون‬‫ً‬ ‫الفساد ترى‬
‫الدولة؟‬ ‫على غيرهم‪ ،‬فهال فعلوا ذلك في مثل هذه الدقائق فإنه‬
‫وكيف يمكن أن يعيش المسلم حياة مبنية على‬ ‫ال يفتي فيها إال الخواص من أهل العلم ‪-‬وهم قليل‪-‬‬
‫المنطلقات الدينية المصاغة باألحكام والفتاوى‬ ‫محققا لشروطها أفسد البالد‬
‫ً‬ ‫فلو أفتى فيها من ليس‬
‫الشرعية مع عدم فقدانها لصفة القبول القانوني في‬ ‫وأرهق العباد كما هو مشاهد في كثير من األقليات‬
‫الدولة؟"‪[ .‬تعدد الفتوى وأثره على األقليات المسلمة‬ ‫المسلمة في الغرب اآلن‪ ،‬فيغتر بعضهم ببعض ظواهر‬
‫(ص‪])118‬‬ ‫النصوص الشرعية من غير أن يحسن فهمها وتنزيلها‬
‫وهذا يشمل قضايا كثيرة في أغلب أبواب الفقه في‬ ‫على الواقع المعيش‪ ،‬فيتبعه بعض األغمار بل بعضهم‬
‫المعامالت واألحوال الشخصية‪ ،‬والجنايات‪ ،‬واألطعمة‬ ‫يزين لهم الشيطان طريق الجهاد ضد مخالفيهم في‬
‫والذبائح‪ ،‬والنوازل الجديدة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪:‬‬ ‫هذه البالد؛ فيرفعون السالح عليهم‪ ،‬وما وقع هؤالء في‬
‫ذلك إال من جهلهم وغرورهم بأنفسهم‪ ،‬وقلة صبرهم‬
‫ومراجعتهم للعلماء الكاملين‪ ،‬يقول ابن تيمية‪ ":‬عامة‬

‫‪14‬‬
‫ضبط فتاوى األقليات‬ ‫ œحكم مشاركة المسلمين في االنتخابات البرلمانية‬
‫والرئاسية والبلدية‪ ،‬واألحزاب السياسية المتنوعة‬
‫من الطبيعي أن يوجد اختالف في اآلراء واألقوال‬ ‫اليسارية واليمينية؟‬
‫في المسائل التي تحتمل االجتهاد وتعدد الفتوى فيها‪،‬‬
‫ œوحكم تعدد الزوجات مع حظره قانونًا‬
‫وهذه ظاهرة صحية‪ ،‬وتوسعة من اهلل لعباده فاختالف‬
‫معتبرا‪،‬‬ ‫األئمة رحمة لهذه األمة‪ ،‬ولكن ليس كل خالف‬ ‫ œوحكم اللجوء إلى محاكم الدولة في الطالق‬
‫ً‬
‫وأيضا قد يكتنف النازلة مالبسات تجعلها تحتاج إلى‬ ‫وصحته ونفاذه؟‬
‫ً‬
‫فتوى منضبطة ألنها سيتوقف عليها وجود اإلسالم‬ ‫ œوحكم ميراث المسلم من غير المسلم‪ ،‬ومدى مطابقة‬
‫والمسلمين في هذه البالد‪ ،‬أو ستلحق بهم الضرر إن‬ ‫القانون لتحديد الورثة وتحديد األنصبة الشرعية؟‬
‫لم تصدر من أهلها المعتبرين الواقفين على أحوال‬ ‫جدا تفوق الحصر‪ ،‬وستأتي في‬ ‫واألمثلة كثيرة ً‬
‫هذه األقلية‪.‬‬ ‫بابها‪.‬‬
‫وأيضا سلوك المسلمين في هذه البالد وما يختارونه‬ ‫ً‬ ‫كل هذه المشكالت والتساؤالت المتجددة تحتاج‬
‫من أقوال للعمل به قد يحمل في طياته مصلحة لدعوة‬ ‫وفقا‬
‫ً‬ ‫إلى إجابة تراعي واقع هذه األقليات المسلمة‬
‫وتنفيرا ألهل هذه البالد‬
‫ً‬ ‫اإلسالم أو مضرة ومفسدة‬ ‫للقواعد الفقهية واألصولية والمقاصد الشرعية‬
‫من الدخول فيه‪ ،‬ولذلك يقول الشيخ محمد الغزالي‬ ‫المعتبرة‪ ،‬ومستهدية بما ورد عن األئمة من نوازل‬
‫_رحمه اهلل‪:-‬‬ ‫وكيف واجهوها بحلول ومعالجات شرعية يمكننا‬
‫"يوجد متدينون من المسلمين النازحين إلى أوروبا‬ ‫استثمارها في ذلك‪ ،‬ولعل تعدد اآلراء الفقهية التي‬
‫وأمريكا وفيهم بال ريب من هزم تيارات االنحراف التي‬ ‫أنتجتها خيرة العقول الفقهية عبر القرون الماضية‬
‫كثيرا من هؤالء يحمل‬ ‫ً‬ ‫تجره إلى السقوط‪ ،‬غير أن‬ ‫من خالل تفعيل النصوص الشرعية في واقعها المعيش‪،‬‬
‫جراثيم العلل التي شاعت في بالده األصلية‪...‬هناك من‬ ‫يساهم في تقديم حلول شرعية لنوازل ومشكالت هؤالء‪،‬‬
‫يحارب القباب واألضرحة في أمريكا‪ ،‬وهناك من يرى‬ ‫ولهذا اتسم فقه كل عصر بسمة زمانه الذي كتب فيه‪،‬‬
‫وضع اللثام على الوجه ويقرنه بالتوحيد! وهناك من‬ ‫وهو أحد أسباب الخالف الذي وقع في كالم الفقهاء‪،‬‬
‫جعل شارة اإلسالم الجلباب األبيض كأننا في صحراء‬ ‫ويعبر عنه بـ "اختالف عصر وأوان"‪ ،‬ويجدر بكل من‬
‫نجد! وهناك من حلق رأسه وشواربه بالموسي وأطلق‬ ‫مطلعا على هذا التراث الفقهي‬
‫ً‬ ‫يتصدر لإلفتاء أن يكون‬
‫لحيته على نحو يشعرك بأن كل شعرة أعلنت حر ًبا‬ ‫العظيم‪ ،‬ليقطف من ثماره اليانعة ما يعينه على القيام‬
‫على جارتها؛ فهناك امتداد وتنافر يثيران الدهشة!‬ ‫مقصدا من مقاصد الشرع وهو‬ ‫ً‬ ‫محققا بذلك‬
‫ً‬ ‫بمهمته‪،‬‬
‫قلت في نفسي‪ :‬لم يبق إال أن يحلق حاجبه بالموسي‬ ‫عمل بقوله‬
‫رفع الحرج عمن يستفتيه من عموم الناس‪ً ،‬‬
‫هي األخرى لتكتمل الدمامة في وجهه ولم أر مساءلته‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾‬
‫لم فعل ذلك ألني أعلم إجابته‪ ،‬سيقول‪ :‬هذه هي السنة‪.‬‬ ‫[المائدة‪ ،]6 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫معطرا وهذب‬
‫ً‬ ‫مرجل‬
‫ً‬ ‫ما عليه لو ترك شعر رأسه‬ ‫ﮰ﴾ [الحج‪.]78 :‬‬
‫لحيته لتكون أبهى من لحى أهل الفن –كما يقولون‬ ‫إن محاولة المفتي إيجاد المخارج الفقهية لبعض‬
‫أو كما يفعلون‪ -‬ثم هو عندما يفعل ذلك إنما يستكمل‬ ‫تصرفاتهم‪ ،‬ال يرفع الحرج فقط ويبرز وجه الشريعة‬
‫الشكل وما يفيده شي ًئا إذا لم يكن هناك موضوع! أين‬ ‫أيضا بأنه متمسك‬ ‫السمح‪ ،‬وإنما يشعر المستفتي ً‬
‫النفس اإلنسانية وتزكيتها وأين العقل البشري وحسن‬ ‫بأحكام دينه لم يخرج عن مظلته‪ ،‬ويرفع التعارض‬
‫كثيرا من مسلمي‬ ‫ً‬ ‫إدراكه للحقائق كلها؟ ‪...‬لكن‬ ‫بين أحكام الشريعة ومقتضيات الواقع‪ ،‬وهذا من شأنه‬
‫العصر الحاضر جمعوا شعب اإليمان في خليط منكر‬ ‫أن يدفع اليأس عن قلوب بعض الناس الذين قد يدفعهم‬
‫كبروا فيه الصغير‪ ،‬وصغروا الكبير وقدموا المتأخر‬ ‫هذا التعارض عن االلتزام بأحكام الشرع الشريف‪.‬‬
‫وأخروا المتقدم‪ ،‬وحذفوا شع ًبا ذات بال وأثبتوا محدثات‬
‫وال يتبادر إلى الذهن أن استعمال المفتي المخارج‬
‫أخرى ما أنزل اهلل بها من سلطان‪ ،‬فأصبح منظر الدين‬
‫الفقهية هو تتبع الترخص والبحث عن األقوال الشاذة‬
‫عج ًبا! ال بل أصبحت حقيقته نفسها حرية بالرفض!‬
‫والضعيفة‪ ،‬أو هو تفريغ لألحكام الشرعية من مضمونها‬
‫ومن هنا صدف األوروبيون عن الدين ال لعيب فيه‪ ،‬بل‬
‫بتطويعها للواقع الذي قد يتعارض في بعض صوره مع‬
‫في معتنقيه وعارضيه"‪[ .‬مستقبل اإلسالم خارج أرضه‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬بل المراد هو مراعاة المقاصد الكلية‬
‫(ص‪ )72‬وما بعدها]‬
‫للشرع الشريف‪ ،‬واستثمار الخالف الفقهي لتحقيق‬
‫فألجل ذلك ال بد من وضع ضوابط لعملية الفتوى‬ ‫ذلك‪ ،‬وفق منهج فقهي منضبط ينطلق من األصول‬
‫لألقليات المسلمة تكون حاكمة ومرشدة لكل من‬ ‫العامة للتشريع وال يعارضها أو يخرج عنها‪ ،‬فال عبرة‬
‫يتصدر لهذا النوع من الفقه‪ ،‬حتى ال يسلك بهؤالء‬ ‫يكر على أصله بالبطالن‪.‬‬
‫بفرع ّ‬
‫إلى طريق الشدة واالنعزال‪ ،‬أو إلى طريق التسيب‬
‫والتذويب‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فتوى أسهمت‬
‫يف حل مشكلة‬
‫‪16‬‬
‫أكل اللحوم يف الدول‬
‫غير اإلسالمية‬

‫أباح اهلل لعباده السعي في األرض والتنقل بين‬


‫خيراتها‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ﴾‬
‫[الملك‪ ،]15 :‬ويحتاج المسلم في تنقله بين جنبات‬
‫األرض أن يتعامل مع غير المسلمين‪ ،‬ومن سماحة‬
‫اإلسالم أن أباح التعامل مع غير المسلمين‪ ،‬وحث على‬
‫عموما بالبر والقسط‪.‬‬
‫ً‬ ‫مبادلة المنافع بين الناس‬
‫ومن األمور التي قد تلتبس على بعض الناس أو‬
‫تخفى عليهم بعض مسائل تتعلق باألطعمة واألشربة‪،‬‬
‫كحكم أكل اللحوم في البالد األجنبية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫حيث ورد إليها سؤال فيه أن أبناء السائل مقيمون‬
‫في فرنسا ويدرسون بالمدارس الحكومية بنظام‬
‫قدم لهم في هذه المدرسة اللحوم‪ .‬فما هو‬ ‫المبِيت‪ ،‬و ُي َّ‬
‫َ‬
‫حكم هذه اللحوم؟ وهل يجوز أكلها؟‬
‫فاستهلت الدار جوابها ببيان ما يجوز أكله من‬
‫شرعا أنه ال َي ِح ُّل أكل‬ ‫ً‬ ‫اللحوم فقالت‪ِ " :‬من المعروف‬
‫إل إذا كان مأكول اللحم؛ كاإلبل‬ ‫لحم الحيوان َّ‬
‫والبقر والغنم واألرانب‪ ،‬وداجن الطيور؛ كالدجاج‬
‫والبط واألوز وغير ذلك و َت َّمت تذكيته الشرعية‪،‬‬
‫لح ِّل أكل‬ ‫والذكاة الشرعية هي السبب الموصل ِ‬
‫الحيوان البري مأكول اللحم المقدور عليه‪ ،‬وتحصل‬
‫تذكيته بالذبح أو النحر‪ ،‬وأما غير المقدور عليه‬
‫بعقره عن طريق الجرح أو الصيد أو إغراء‬ ‫فتذكيته َ‬
‫الم َع َّل َمين به‪ ،‬وكل ذلك ال بد أن‬ ‫ُ‬ ‫الطير‬ ‫الحيوان أو‬
‫يكون ِم َّمن َي ِح ُّل منه ذلك‪ ،‬وهو المسلم أو الكتابي‪.‬‬
‫ويشترط في هذا ك ِّله أن يكون الذابح أو الناحر‬
‫مسلما أو ِمن أهل الكتاب؛ أي من اليهود‬ ‫ً‬ ‫أو العاقر‬

‫دار اإلفتاء المصرية‬


‫أو النصارى‪ ،‬أما إن كان غير مسلم وغير كتابي‬
‫يتة وال يجوز أكلُه‪ ،‬وقد أطلق‬ ‫فإن ما يذبحه يكون َم ً‬
‫ون َق ْي ٍد؛ فقال‬ ‫القرآن الكريم ِح َّل ذبائح أهل الكتاب َل َنا ُد َ‬ ‫تبين حكم أكل المسلم‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫اللحوم في البالد‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [المائدة‪.]5 :‬‬
‫األوربية‪:‬‬
‫النبي صلى‬ ‫ُّ‬ ‫فاألصل ِح ُّل ذبائح أهل الكتاب‪ ،‬وقد أكل‬ ‫ُ‬
‫اهلل عليه وآله وسلم ِمن الشاة التي أهدتها إليه اليهودية‬
‫ولم يسأل عن كيفية ذبحها وال عن التسمية عليها"‪.‬‬
‫ثم أكدت الدار على جواز أكل اللحوم في البالد‬
‫األوربية ما دام أنها من ذبائح أهل الكتاب‪ ،‬وأن هذا‬
‫أصل يعمل به المكلف إال إذا تبين له خالف ذلك فال‬
‫ُ‬
‫السؤال‬ ‫يجوز له األكل حينئذ‪ " ،‬وال يجب على المسلم‬
‫غالب أه ِلها ِمن أهل الكتاب؛‬ ‫ُ‬ ‫دولة‬
‫ٍ‬ ‫والتنقيب ما دام في‬ ‫ُ‬
‫اهلل تعالى المؤمنين عن التنقيب والتفتيش‬ ‫فقد َن َهى ُ‬
‫الم َت َك َّلف في األمور كلها‪ ،‬و َب َّي َن اهلل قاعد َة ذلك فقال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ﴾ [المائدة‪.]101 :‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (‪ ،183 /3‬ط‪.‬‬
‫تأديب ِمن اهلل تعالى لعباده‬ ‫ٌ‬ ‫دار الكتب العلمية)‪[ :‬هذا‬
‫المؤمنين و َن ْه ٌي َل ُهم عن أن يسألوا عن أشياء ِم َّما ال‬
‫فائدة َل ُهم في السؤال والتنقيب عنها‪ ،...‬حتى قال‪:‬‬
‫النهي عن السؤال عن األشياء التي إذا َع ِل َم‬ ‫ُ‬ ‫وظاهر اآلية‬
‫وتركها]‬ ‫ُ‬ ‫اإلعراض عنها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اء ْت ُه‪ ،‬فاأل ْولى‬‫الشخص َس َ‬
‫ُ‬ ‫بها‬
‫اهـ بتصرف‪.‬‬
‫التفتيش عن بواطن األمور‪ ،‬بل أخرج‬ ‫ُ‬ ‫كره‬ ‫ولذلك ُي َ‬
‫ابن أبي عاصم في "اآلحاد والمثاني"‪ ،‬والمحاملي في‬
‫"أماليه"‪ ،‬وأبو الشيخ في كتاب "التوبيخ"‪ ،‬والطبراني‬
‫في "المعجم الكبير" عن حارثة بن النعمان رضي اهلل‬
‫عنه أن النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم قال‪« :‬إذا َظ َن ْن َت‬
‫ُح ِّق ْق»‪ ،‬وأخرجه رسته في كتاب "اإليمان" عن‬ ‫َف َل ت َ‬

‫‪18‬‬
‫مرسل‪ ،‬وأخرجه‬ ‫ً‬ ‫الحسن البصري‬
‫عبد الرزاق ‪-‬كما في "تأويل‬
‫مختلف الحديث" البن قتيبة‪ -‬عن‬
‫معضل‪.‬‬
‫ً‬ ‫إسماعيل بن أمية‬
‫ُه إذا َلم ُيع َلم يقينًا أن‬
‫ك ّل ُ‬
‫هذا ُ‬
‫كتابيا‪ ،‬أو أنه َلم‬
‫ًّ‬ ‫ليس‬ ‫ذابحها‬
‫يذبحها بل َق َت َلها بالضرب أو الصعق‬
‫مثل‪ ،‬فإذا ُع ِل َم ذلك يقينًا زال ُ‬
‫أصل‬ ‫ً‬
‫حراما‪.‬‬
‫ً‬ ‫اللحم‬
‫ُ‬ ‫الح ِّل وصار‬‫ِ‬
‫هذا عن الحالل والحرام‪ ،‬أما‬
‫واسع‪ ،‬فقد اتفقت‬ ‫ٌ‬ ‫الو َر ِع فهو‬
‫عن َ‬
‫أن َح َّد َ‬
‫الو َر ِع‬ ‫كلمة الفقهاء على َّ‬
‫َو َس ُع ِمن َح ِّد الحكم الفقهي؛ وذلك‬ ‫أْ‬
‫كثيرا ِمن‬ ‫ً‬ ‫تر ُك‬
‫ألن المسلم قد َي ُ‬
‫المباح َت َو ُّر ًعا‪ ،‬ولكن هذا ال يعني‬
‫غيره بذلك على سبيل‬ ‫َ‬ ‫لزم‬
‫أن ُي ِ‬ ‫ْ‬
‫الوجوب الشرعي فيدخل في باب‬
‫تحريم الحالل‪ ،‬وال أن يعامل الظني‬
‫المختلف فيه معاملة القطعي‬
‫دار اإلفـتاء األردنية تؤيد دار اإلفتاء‬ ‫المجمع عليه فيدخل في االبتداع‬ ‫َ‬
‫المصــرية في جــواز أكـل اللحــوم‬ ‫وسعه اهلل تعالى ورسوله‬ ‫َّ‬ ‫ما‬ ‫بتضييق‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬بل عليه‬
‫المذبوحة بيد أهل الكتاب‪:‬‬ ‫ك َما هو‬ ‫الخ َل ِف؛ َ‬ ‫أن َي ْل َت ِز َم ِبَأ َد ِب ِ‬ ‫ْ‬
‫وذلك في فتواها رقم ‪ 619‬بتاريخ ‪2010-04-20‬‬ ‫الس َلف الصالح في المسائل‬ ‫ِ‬ ‫نه ُج َّ‬ ‫َم َ‬
‫والتي كانت ر ًدا على سائل يقول‪ :‬لي ابن يدرس في‬ ‫الخالفية االجتهادية"‪.‬‬
‫بلد أجنبي (أوكرانيا)‪ ،‬ويسألني هل يجوز له أكل‬
‫ثم انتهت الفتوى إلى التأكيد‬
‫لحم الدجاج واللحوم‪ ،‬حيث إنه منذ ثالث سنوات لم‬
‫على جواز أكل اللحوم في بالد أهل‬
‫دجاجا‪ ،‬مع العلم بأنه يوجد هناك دجاج‬‫ً‬ ‫لحما وال‬
‫يأكل ً‬ ‫قدم‬‫الكتاب فقالت‪" :‬فاألصل فيما ُي َّ‬
‫ولحم‪ ،‬والدولة نصرانية‪ ،‬ويقوم بعملية الذبح نصارى؟‬
‫للتالميذ ِمن اللحوم في مدارس‬
‫فكان جوابها‪ " :‬لقد أحل اهلل لنا ذبائح اليهود‬ ‫حالل‪َّ ،‬إل إذا‬‫ٌ‬ ‫ُحو ٌم‬ ‫أهل الكتاب أنها ل ُ‬
‫والنصارى إذا ذُبحت بطريقة توافق الشريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مذبوحة‪ ،‬فإذا ُعلم‬ ‫ً‬ ‫ُع ِلم أنها ليست‬
‫وذلك بقطع المريء والبلعوم‪ ،‬أي الذبح في الرقبة‬ ‫مذبوحة أو أنها َف َق َد ْت‬ ‫ً‬ ‫أنها ليست‬
‫بآلة حادة‪ ،‬ولو لم ُي َس ُّموا عليها اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫الح ِّل فإنها تكون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شروط‬ ‫َح َد‬
‫أَ‬
‫والبلدان النصرانية منهم من يذبح بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫حراما‪ ،‬وعلى أولياء أمور الطالب‬ ‫ً‬
‫ومنهم من يقتل بالصعق الكهربائي‪ ،‬ولذا ينبغي لولدك‬ ‫حينئذ التنبيه على إدارة المدرسة‬ ‫ٍ‬
‫أن يسأل عن طريقة الذبح‪ ،‬فإذا لم يظهر له ما يخالف‬ ‫بضرورة مراعاة هذه األمور عند‬
‫الشريعة اإلسالمية فله أن يأكل ذبائحهم"‪.‬‬ ‫تقديم اللحوم للطالب المسلمين‬
‫وال يخفى ما في ذلك من التيسير على المسلمين‬ ‫ِمن باب احترام عقائد اإلنسان‬
‫المقيمين في البالد األجنبية‪ ،‬ألن هناك من يتورع عن‬ ‫عم ٌ‬
‫ول‬ ‫وشعائره‪ ،‬وذلك َم ْب َدأٌ ُم َق َّر ٌر َم ُ‬
‫أكل اللحوم هناك‪ ،‬وال بأس بذلك إذا كان في خاصة‬ ‫به في دول العالم الملتزمة بحقوق‬
‫نفسه‪ ،‬أما إذا طالب به غيره فهذا تضيق على الناس‬ ‫اإلنسان"‪.‬‬
‫يوقعهم في حرج‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪19‬‬
20
‫المؤشر العالمي للفتوى في دراسته‪:‬‬

‫صناعــة الحـالل بين الـرؤية الشـرعية‬


‫وتحديات الواقع‬
‫قراءة في قضية الذبح الحالل ‪ ..‬ودور مؤسسات‬
‫الفتوى في إقرارها‬

‫َق َال اهلل َت َعا َلى في كتابه العزيز‪﴿ :‬ﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬


‫ﮃ ﮄ﴾ [البقرة‪ .]172 :‬بهذه اآلية الكريمة وغيرها من اآليات واألحاديث‬
‫النبوية الشريفة وسير الصحابة والتابعين يتأكد لكل مسلم أولوية تحري‬
‫الحالل في المأكل والمشرب وفي كل جانب من جوانب حياته ليجعل اهلل له‬
‫نورا في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ً‬

‫‪21‬‬
‫ما ُيقدم من خدمات تتعلق بمجال السياحة والفندقة‬ ‫ويعتبر تحري الحالل في المأكل والمشرب من‬
‫والتمويل المصرفي واالستثمار وغير ذلك‪.‬‬ ‫جملة ما ُيسمى بـ "صناعة الحالل"؛ وهو من المفاهيم‬
‫قدم المؤشر العالمي للفتوى (‪ )GFI‬التابع‬ ‫وقد َّ‬ ‫الشاملة متعددة األبعاد والجوانب‪ ،‬والتي تشمل مجموع‬
‫لدار اإلفتاء المصرية واألمانة العامة لدور وهيئات‬ ‫األنشطة واإلجراءات التي تقوم بها عدة جهات لتقديم‬
‫دراسة على جزء هام من هذه الصناعة‬
‫ً‬ ‫اإلفتاء في العالم‬ ‫منتجات أو خدمات‪ ،‬تتوافق مع معايير وضوابط الشريعة‬
‫المتشعبة‪ ،‬وهو المتعلق (بالذبح الحالل)‪ ،‬وهي القضية‬ ‫اإلسالمية التي جاءت بها وقررتها قواعدها‪ ،‬فال تشتمل‬
‫القديمة المتجددة التي تعتبر عماد تساؤالت المسلمين‬ ‫على شيء مما يخالفها؛ وذلك بوضع المواصفات‬
‫في الدول اإلسالمية وغير اإلسالمية بصورة أكبر‪.‬‬ ‫والمقاييس والمعايير وما يتعلق بمراقبة خطوط‬
‫فقد كشف المؤشر العالمي للفتوى في هذه الدراسة‬ ‫اإلنتاج واألداء‪ ،‬وفحص العينات والمواد المستخدمة في‬
‫عن أن التساؤالت اإلفتائية بشأن هذه القضية تمثل (‪)%7‬‬ ‫التصنيع‪ ،‬وإصدار شهادات االعتماد للمراكز والجهات‬
‫من اهتمامات المستفتين في الدول اإلسالمية مقابل‬ ‫المانحة لشهادات الحالل وغير ذلك‪.‬‬
‫تمثيلها نسبة (‪ )%45‬من اهتمامات المسلمين في الدول‬ ‫كما تشمل المنتجات أو الخدمات كل ما ينتج‬
‫غير اإلسالمية‪ ،‬وهو ما يعكس األهمية الكبيرة لتلك‬ ‫ويصنع من غذاء ودواء ولباس ومواد تجميل وغيرها‬
‫القضية الهامة‪.‬‬ ‫مما هو داخل في استعماالت المستهلك‪ ،‬وكذلك كل‬

‫صناعة الحالل هي‪:‬‬

‫منها‪ :‬غذاء ودواء‬


‫وضع المواصفات‬ ‫مجموع األنشطة‬
‫ولباس ومواد تجميل‬
‫والمقاييس والمعايير‬ ‫واإلجراءات التي تقوم‬
‫والسياحة والفندقة‬
‫والتمويل المصرفي‬ ‫وما يتعلق بمراقبة‬ ‫بها عدة جهات لتقديم‬
‫واالستثمار وغير‬ ‫خطوط اإلنتاج‬ ‫منتجات أو خدمات‬
‫ذلك‬ ‫واألداء‬
‫تشمل المنتجات أو‬
‫مراعاة معايير الشريعة‬
‫الخدمات كل ما ينتج‬
‫اإلسالمية وضوابطها‬
‫ويصنع‬

‫إصدار شهادات االعتماد‬


‫للمراكز والجهات‬
‫المانحة لشهادات‬
‫الحالل‬

‫‪22‬‬
‫سمى في الشريعة اإلسالمية‬ ‫الذبح وهو ما ُي َّ‬
‫وس ِّمي الذبح ذكاة ألنه إتمام إلزهاق‬
‫بـ"الذكاة"‪ُ ،‬‬
‫الذبح الحالل‪..‬‬
‫المراد ذبحه‪.‬‬ ‫الطائر‬ ‫أو‬ ‫روح الحيوان‬
‫ُ‬
‫التعريف والشروط والمعايير‬
‫شروط الذبح الحالل‪:‬‬
‫هناك شروط وضعتها الشريعة اإلسالمية للذبح‬
‫والذابح واألضحية‪ ،‬والتي تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يكون الحيوان مأكول اللحم‬ ‫شروط الذبح الحالل‬
‫كاإلبل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم‪ ،‬واألرانب‪ ،‬والدواجن من‬
‫ِ‬
‫مأكول‬ ‫الطيور وغيرها‪ ،‬فإن كان الحيوان غير‬
‫ال َّلحم‪ ،‬ومنه‪ :‬الخنزير‪ ،‬والكلب‪ ،‬والحمار األهلي‪،‬‬
‫والبغل‪ ،‬فيحرم أكل لحمه‪.‬‬
‫حلق ِه‪ ،‬أو في َل َّبته‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬ذبح الحيوان في ِ‬
‫مقدورا عليه‪ ،‬أو بأي عقر ُم ِ‬ ‫الحيوان مأكول‬
‫زهق للروح‬ ‫ً‬ ‫إن كان‬
‫مقدورا عليه كالصيد‪ ،‬فحصل أنه ال بد‬ ‫ً‬ ‫إن لم يكن‬
‫مذبوحا بإحدى ثالث طرق وهي‪ :‬الذبح‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫أن يكون‬
‫النحر‪ ،‬أو العقر حتى يحل أكله‪ ،‬فإذا ُقتل الحيوان‬
‫بغير ما ذكر فإن لحمه ميتة ال يجوز أكله‪ ،‬سواء‬ ‫ذبح الحيوان في حلقه أو َل َّبته‬
‫كتابيا أم غير ذلك‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫مسلما أم‬‫ً‬ ‫أكان قاتله‬ ‫أو بأي عقر ُم ِ‬
‫زهق للروح‬
‫أما الشرط الثالث‪ :‬أن يكون ذابحه أو عاقره من‬
‫المسلمين أو من أهل الكتاب‪ ،‬فالشرع قد أجاز ذبيحة‬
‫ين ُأوتُوا‬ ‫ام ا َّل ِذ َ‬
‫﴿و َط َع ُ‬
‫المسلم أو الكتابي‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬ ‫ذابحه أو عاقره من المسلمين‬
‫ام ُك ْم ِح ٌّل َل ُه ْم﴾‪ ،‬وكلمة طعام‬ ‫اب ِح ٌّل َل ُك ْم َو َط َع ُ‬
‫الك َت َ‬‫ِ‬ ‫أو من أهل الكتاب‬
‫عامة تشمل الذبائح واألطعمة المصنوعة من مواد‬ ‫َّ‬
‫مباحة‪ ،‬وجمهور المفسرين والفقهاء على أن المراد‬
‫من "الطعام" في هذه اآلية الذبائح أو اللحوم؛‬
‫ألنها هي التي كانت موضع الشك‪ ،‬أما باقي أنواع‬
‫حالل بحكم األصل؛ قال‬ ‫ً‬ ‫المأكوالت فقد كانت‬
‫أه ُل ِ‬
‫العلْم‬ ‫‪":‬وأج َم َع ْ‬
‫ْ‬ ‫اإلمام ابن قدامة في "المغني"‬
‫أه ِل الكتاب" اهـ‪ .‬وعلى ذلك‪ :‬فإن‬ ‫ذبائح ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إباحة‬ ‫على‬
‫كان الذابح غير مسلم أو غير كتابي بأن كان‬
‫تحل‬
‫َّ‬ ‫مجوسيا؛ لم‬‫ًّ‬ ‫ملحدا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫وثنيا‪ ،‬أو‬‫ًّ‬ ‫مرتدا‪ ،‬أو‬
‫ًّ‬
‫ذبيحته‪.‬‬

‫اإلشكاليات الشرعية للذبح الحالل‬


‫في الدول غير اإلسالمية‬
‫تعتبر قضية (الذبح الحالل) والتساؤل بشأن‬
‫ِح ِّل األطعمة واألشربة من أكثر القضايا تداو ً‬
‫ال‬
‫في الغرب‪ ،‬فقد كشف المؤشر العالمي للفتوى أن‬
‫نسبة اهتمام المستفتين بهذه القضية تبلغ (‪)%45‬‬
‫بالنسبة لمجاالت الفتوى الشرعية المختلفة‪ ،‬وتشمل‬
‫هذه التساؤالت مختلف الجوانب المرتبطة باألطعمة‬
‫واألشربة بداية من التساؤل بشأن معايير األطعمة‬
‫واألشربة الحالل نهاية بمختلف التفاصيل الدقيقة‬
‫ألحكام الذبح‪.‬‬
‫ويرجع هذا التفصيل واالهتمام بقضايا األطعمة‬
‫واألشربة الحالل لتشعب هذه القضايا؛ بسبب‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫الذبح بهما قائمين في الجسد من باب الخنق‪ .‬فإذا كان‬ ‫ œتنوع الحيوانات واألسماك في عدد من الدول غير‬
‫الحال بالذبح بطريقة آلية‪ ،‬وأن الذي يقوم بتشغيل‬ ‫اإلسالمية والتي تأخذ حكم التحريم‪ ،‬والتي ال‬
‫الماكينة ُي َس ِّمي اهلل و ُي َك ّبِر‪ ،‬فإن الذبح بهذه الطريقة‬ ‫تمنع العادات والتقاليد من تناولها؛ مثل‪ :‬الخنزير‪،‬‬
‫مشروع وال شيء فيه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫والكالب‪ ،‬واألفاعي‪ ،‬والسباع ذوات الناب‪ ،‬والطيور‬
‫انتقاد بعض جمعيات حقوق الحيوان للذبح‬ ‫ذوات المخلب‪ ،‬والحشرات المؤذية كالعقارب‪ ،‬أو‬
‫اإلسالمي؛ التي يكون الرد عليها بتأكيد أن طريقة‬ ‫المستخبثة كالديدان‪ ،‬أو البرمائية كالضفادع أو‬
‫الذبح في اإلسالم هي أرحم الطرق في إزهاق روح‬ ‫الحمير اإلنسية أو الخيل‪ ،‬أو الحيوانات البحرية‬
‫الحيوان وأكثرها إراحة له؛ إذ إنه بمجرد انقطاع‬ ‫السامة‪.‬‬
‫تدفق الدم إلى المخ ال يشعر الحيوان بأية آالم‪ ،‬وذلك‬ ‫ œالدول غير اإلسالمية يقوم بعملية الذبح غير‬
‫ال يتجاوز الدقيقتين كما يقول المتخصصون‪ ،‬ويغيب‬ ‫المسلمين الذين تتنوع األحكام المتعلقة بهم هل هم‬
‫فيها الحيوان عن الوعي في جزء من الثانية‪ ،‬ويصفى‬ ‫أهل كتاب أم من غير المؤمنين بأي دين‪.‬‬
‫دمه في نحو دقيقتين‪.‬‬ ‫ œالتزام الدول الغربية ببعض معايير حقوق اإلنسان‬
‫كما أنها أصح طريقة للحصول على لحمه‪ ،‬إذ بالذبح‬ ‫عائقا‬
‫مثل وجوب صعق الحيوان أو تخديره قد تمثل ً‬
‫الشرعي يتم تصفية دم الحيوان من جميع أنسجته‪ ،‬وقد‬ ‫حول معرفة حل الحيوان‪.‬‬
‫أثبتت األبحاث العلمية أن الذبح بالطريقة اإلسالمية‬ ‫ œقد يكون التهاون في بعض األحيان فيما يتعلق‬
‫يخلص لحم الحيوان من البكتيريا أكثر بكثير من أي‬ ‫بعملية الذبح من التحديات في الغرب فقد يتم‬
‫طريقة ذبح أخرى‪ ،‬وأنه إذا مات الحيوان قبل أن ُيذبح‬ ‫اإلخالل ببعض شروط الذبح مثل التسمية أو حياة‬
‫فإن الدماء تتجمد في عروقه‪ ،‬مما يجعل لحمها ملي ًئا‬ ‫الحيوان قبل الذبح وغيرها من األمور‪.‬‬
‫بالميكروبات والبكتيريا‪ ،‬وهذا قد يضر من يتناوله‪،‬‬ ‫ œضعف الرقابة الشرعية وظهور بعض التالعب عند‬
‫جليا حقيقة هذه الدعاوى الزائفة التي‬ ‫وبذلك يظهر ًّ‬ ‫الشركات التي تبيع منتجات الحالل‪ ،‬وكان من‬
‫تسمي طريقة الذبح في اإلسالم بالوحشية‪.‬‬ ‫مظاهر ذلك الكشف عن حاالت خلط لحم خنزير‬
‫حالل في عدد من الدول‬‫ً‬ ‫مع منتجات تباع باعتبارها‬
‫اهتمام الم�ستفتين بالذبح الحالل في‬ ‫ألوروبية مثل بريطانيا كما حدث عام ‪.2013‬‬
‫الدول غير الإ�سالمية )‪(45%‬‬ ‫كبيرا في‬
‫ً‬ ‫ œالذبح الميكانيكي والذي يمثل إشكا ً‬
‫ال‬
‫حرمته خاصة حال موت الحيوان أو الطائر قبل‬
‫الذبح‪ ،‬باإلضافة إلى عدم تطابق التسمية والذبح‪.‬‬
‫تنوع الحيوانات والأ�سماك في عدد من‬
‫الدول غير الإ�سالمية والتي ت�أخذ حكم‬ ‫القضـايا الخـالفية للـذبح الحــالل‬
‫التحريم والتي ال تمنع العادات والتقاليد‬
‫من تناولها‬ ‫بالدول غير اإلسالمية‪:‬‬
‫وقد الحظ مؤشر الفتوى أن هناك بعض القضايا‬
‫التي مثلت إشكاليات مكررة وواضحة في الغرب‪ ،‬لذا‬
‫حرص على التطرق إليها بشكل خاص لبيان حكمها‬
‫يقوم بعملية الذبح من هم غير �أهل الكتاب‬ ‫الشرعي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫طريقة الذبح باالعتماد على الخنق للحيوانات سواء‬
‫بالغاز أو الضرب على الرأس؛ فقد تفاوتت الفتاوى‬
‫التزام الدول الغربية ببع�ض معايير حقوق‬ ‫بين اإلجازة إذا كان الحيوان ال يزال على قيد الحياة‪،‬‬
‫الإن�سان مثل وجوب �صعق الحيوان �أو‬ ‫وإذا كان كهربة الحيوان ال تؤثر على حياته بهذه‬
‫تخد ير ه‬ ‫الطريقة بل إن عملية الكهرباء يكون الغرض منها‬
‫إضعاف مقاومة الحيوان والوصول إلى التغلب عليه‬
‫ك ِره هذا الفعل إذا كان‬ ‫وإمكان ذبحه‪ .‬وهناك من َ‬
‫�ضعف الرقابة ال�شرعية على المذابح‬ ‫ألما للحيوان وتعذي ًبا له قبل ذبحه‪ .‬بينما‬ ‫يسبب ً‬
‫التحريم ينطلق من تجنب شبهة موت الحيوان قبل‬
‫الذبح‪ .‬فالمعروف باإلجماع تحريم موت الحيوان‬
‫بوسيلة غير الذبح الشرعي‪.‬‬
‫�ضعف الرقابة ال�شرعية على المذابح‬ ‫الذبح اآللى؛ والذي جرت عليه الفتوى وجمهور‬
‫َف َرى ا َ‬
‫أل ْو َداج فهو آلة‬ ‫الفقهاء أن كل ما َأ ْن َهر الدم وأ ْ‬
‫الظ ْفر والسن إذا كانا غير منزوعين؛ ألن‬ ‫للذبح ما عدا ُّ‬

‫‪24‬‬
‫(الحالل)‪ ،‬بينما أجازت فتاوى أخرى وهي غالب أقوال‬
‫الفقهاء بتناول هذه اللحوم إذا كانت حاصلة على‬
‫اإلشكاليات الشرعية للذبح الحالل‬
‫شهادة موثقة بحلها‪.‬‬ ‫في الدول اإلسالمية‬
‫فكانت من أبزر الفتاوى المحرمة فتوى دار اإلفتاء‬ ‫وبصورة أقل من الغرب كشف مؤشر الفتوى أن‬
‫الليبية التي اعتبرت أن‪" :‬ما يذبح في أوروبا وغيرها‬ ‫نسبة التساؤالت المتعلقة بالذبح الحالل في الدول‬
‫من البالد غير اإلسالمية في مجازر غير خاصة‬ ‫اإلسالمية بصورة عامة بلغت (‪ )%7‬فقط من إجمالي‬
‫بالمسلمين‪ ،‬ال يجري في أغلبه على الطريقة الشرعية‪،‬‬ ‫تساؤالت المستفتين بشأن المجاالت الشرعية المختلفة‪،‬‬
‫ومعظمه من قبيل المنخنقة والموقوذة‪ ،‬فهو ميتة ال‬ ‫فقضايا الذبح الحالل من األمور الثابتة في قواعدها‬
‫يجوز أكله‪ ،‬أما عبارة (حالل مذبوح على الطريقة‬ ‫وأركانها والمعروفة والمقر بها في الدول اإلسالمية‬
‫اإلسالمية) الملصقة على الذبائح المستوردة فقد ال‬ ‫حتى وإن كان الذابح غير مسلم‪.‬‬
‫تعني شي ًئا‪ ،‬وهي في معظمها مجرد دعاية تجارية‬ ‫لذا أكد المؤشر أن القضايا المرتبطة بالذبح الحالل‬
‫لتسويق السلعة‪ ،‬يمكن لكل شركة‪ ،‬بل لكل صاحب‬ ‫والتي تعتبر من الثوابت والجوانب غير الخالفية‪:‬‬
‫دكان إلصاقها‪ ،‬لمجرد الكسب و َنفاق السلعة"‪.‬‬ ‫ œشروط وضوابط األضحية والذبح المرتبطة بعيد‬
‫وجاء إجماع الفتوى والتي منها فتوى دار اإلفتاء‬ ‫األضحى والنذور والعقيقة‪ ،‬وغيرها المرتبطة‬
‫المصرية بأنه‪" :‬يجوز أكل اللحوم المستوردة مع عدم‬ ‫بمناسبات محددة وثابتة‪.‬‬
‫العلم أنها ذبحت على الطريقة الشرعية ما دام هناك‬ ‫ œما تتغذى عليه الذبيحة من أطعمة وهل هي مطابقة‬
‫من أقرب طريق معرفة أنها لم تكن على غير الشريعة‬ ‫(الجللة)‪.‬‬
‫َّ‬ ‫للشريعة أم ال مثل أكل الحيوان للقمامة‬
‫وله أن يسمي ويأكل ما دام قد جهل هذا الحكم"‪ .‬كما‬ ‫بينما من القضايا الخالفية المرتبطة بالذبح الحالل‬
‫وأن‪" :‬ما يتناقله بعض الناس من اللحوم الواردة إلى‬ ‫في الدول اإلسالمية هي‪ :‬قضية اللحوم المستورة من‬
‫أسواقنا بأنها لم تذبح على طريقة شرعية‪ ،‬فهذا خطأ‪،‬‬ ‫الخارج‪ ،‬وشبهة أن تكون مذبوحة بخالف الشرع أو‬
‫وهذا وسواس ال ينبغي أن يروج هذا بين الناس‪ ،‬فيبقى‬ ‫أن ذبحها شابه بعض المخالفات الشرعية‪ ،‬فهنا خرجت‬
‫المؤمن يأكل األكل من اللحم ويشك في حله"‪.‬‬ ‫الفتاوى التي تحرم هذه اللحوم حتى لو أخذت شهادة‬

‫اهتمام الم�ستفتين بالذبح الحالل في الدول‬


‫الإ�سالمية )‪(7%‬‬

‫تباين الحكم ال�شرعي للحوم‬


‫الم�ستوردة من الخارج‬

‫ما يذبح في �أوروبا وغيرها من‬


‫يجوز �أكل اللحوم الم�ستوردة‬
‫البالد غير الإ�سالمية‪ ،‬في مجازر‬
‫مع عدم العلم �أنها ذبحت على‬
‫غير خا�صة بالم�سلمين‪ ،‬ال يجري‬
‫الطريقة ال�شرعية ما دام هناك من‬
‫في �أغلبه على الطريقة ال�شرعية‬
‫�أقرب طريق معرفة‬
‫وال يجوز �أكله‬

‫‪25‬‬
‫صناعة الحالل‪ ،‬واالطالع على معايير وأنظمة‬
‫عدد من المنظمات المسلمة العالمية وعلى رأسها‬
‫دور المــؤسـسـات اإلفـتائـيـة في‬
‫"مجلس حالل العالمي" (‪)World Halal Council‬‬ ‫صناعة الحالل‬
‫الذي أنشئ في جكارتا (إندونيسيا) عام ‪1999‬م ألجل‬ ‫للمؤسسات اإلفتائية دور كبير في عملية صناعة‬
‫توحيد معايير الشهادات الصادرة للطعام الحالل‪،‬‬ ‫الحالل بصورة شاملة‪ ،‬وما يتعلق بالذبح الحالل بصورة‬
‫والذي انضم إليه عدد من منظمات الطعام الحالل‬ ‫خاصة‪ ،‬وهو الدور الذي يشمل الجانبين الداخلي‬
‫في كل من إندونيسيا وماليزيا وأمريكا وأستراليا‬ ‫والخارجي‪ ،‬فنجد هذا الدور على المستوى الداخلي‬
‫وهولندا باإلضافة إلى سنغافورة وبروناي وجنوب‬ ‫يتمثل في‪:‬‬
‫إفريقيا‪.‬‬ ‫ œالدور الرقابي على (المجازر) التي تقوم بعملية‬
‫ œعدم اقتصار الجانب الرقابي على الذبح فقط بل‬ ‫الذبح للحيوانات والطيور بمختلف أنواعها‪ ،‬للتأكد‬
‫مختلف الجوانب المرتبطة بالذبح والتي تجعل منه‬ ‫وفقا للشريعة اإلسالمية‪ ،‬والتأكد من‬ ‫من ذبحها ً‬
‫ال والتي تشمل عد ًدا من الجوانب األخرى مثل‪:‬‬ ‫حال ً‬ ‫نوعية الحيوان الذي يتم ذبحه وكونه من األطعمة‬
‫النظافة والصحة والرعاية واإلعداد والتخزين‪،‬‬ ‫الجائزة‪.‬‬
‫فالحالل قد يفقد مصداقيته إذا لم يكن هناك مراعاة‬ ‫ œالدور الرقابي على اللحوم التي يتم استيرادها‬
‫لهذه الجوانب خالل تربية الحيوان وتغذيته والتي‬ ‫من الخارج خاصة الدول غير اإلسالمية للتأكد‬
‫ً‬
‫حالل طي ًبا‪.‬‬ ‫تساعد في إكمال عملية كونه‬ ‫من مدى موافقة هذه األطعمة المستورة لألحكام‬
‫ œالدور الرقابي للتأكد من تطبيق أدق المعايير‬ ‫الشرعية في الذبح وتحري األطعمة الحالل‪.‬‬
‫القياسية لحماية صحة اإلنسان مما يعرف بـ(صناعة‬ ‫بينما الدور الخارجي فيكون من خالل‪:‬‬
‫الغذاء الملوث في العالم)‪ ،‬والذي يعتبر المسلمون‬ ‫ œإرسال اللجان الرقابية في الخارج لإلشراف على‬
‫المستهلك األكبر له‪ ،‬والذي يتعارض مع أحكام‬ ‫عمليات الذبح الحالل وضمان توافقها مع الشريعة‬
‫الشريعة اإلسالمية بالنسبة لألطعمة الحالل‪ ،‬كما‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬
‫يضر بالصحة بشكل خطير‪ .‬وهو األمر الذي يتطلب‬ ‫ œإيفاد الدعاة الذين يقومون بعملية التوعية بأهمية‬
‫في الوقت ذاته تعاونًا بين الدول على المستوى‬ ‫االلتزام بأحكام الشريعة في الذبح‪ ،‬والتحذير من‬
‫اإلقليمي والدولي‪ ،‬خاصة وأن المسلمين المستهلك‬ ‫خطورة الغش التجاري‪.‬‬
‫األكبر على مستوى العالم لفائض اإلنتاج البروتيني‬
‫ œالقيام بدور الذبح الحالل والتصدير للمسلمين في‬
‫العالمي‪.‬‬
‫الخارج‪.‬‬
‫ œالقيام بدور رقابي لمواجهة التزوير في تواريخ‬
‫ œتدشين وإطالق التطبيقات اإللكترونية الخاصة‬
‫اإلنتاج وشهادات التصدير واالستيراد‪ ،‬وضرورة‬
‫والموجهة للغرب‪ .‬على غرار قيام‬ ‫َّ‬ ‫بالذبح الحالل‬
‫تفعيل األجهزة الرقابية على الواردات في البالد‬
‫مطورين ألمان بإطالق تطبيق لمساعدة المسلمين‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وعدم االعتماد على شهادة المنشأ وحدها‪،‬‬
‫في معرفة الطعام الحالل‪ ،‬حيث يقدم خدمة فحص‬
‫ألنه في كثير من األحيان تكون هذه الشهادات غير‬
‫المواد الغذائية الموجودة في ألمانيا‪ ،‬ويحدد هل هي‬
‫واقعية ومجرد صك يوضع على اللحوم المصدرة‬
‫المحرمة ويقوم التطبيق بإظهار‬
‫َّ‬ ‫خالية من المواد‬
‫إلى البالد اإلسالمية لتمريرها إلى بالد المسلمين‬
‫صورة المنتج ومسميات مكونات المنتج الغذائية‬
‫لنهب أموالهم واإلضرار بصحتهم‪.‬‬
‫والتأكد من خلوها من مواد محرمة‪.‬‬
‫ œتوفير جهات توثيق دولية – صحية وشرعية –‬
‫ œتقديم العلم الشرعي لمسلمي الغرب من خالل‬
‫تتولى فحص اللحوم قبل تصديرها والتأكد من‬
‫تقديم معايير معلومة‪ ،‬تمكن المستهلك المسلم من‬
‫توافر المعايير المطلوبة واتخاذ االحتياطات الالزمة‬
‫التمييز بين الخبيث والطيب من اللحم المعروض في‬
‫لتوفير الضمانات الالزمة لمطابقة هذه المنتجات‬
‫المجازر والمطاعم‪ ،‬خاصة وأن الهيئات الحكومية لها‬
‫للمعايير اإلسالمية‪ ،‬إنتاجًا وتصنيعاً‪ ،‬لتوفير األمان‬
‫الحق أن توقف عن العمل في المؤسسات التي تتبع‬
‫النفسي للمستهلك في البالد اإلسالمية‪.‬‬
‫معايير الحالل في الذبح وتعرض غير الحالل باسم‬
‫ œالمساهمة في تقديم األبحاث المتعلقة بطبيعة‬ ‫الحالل‪ ،‬ولكن المشكلة تأتي عند البحث عن معرفة‬
‫المستهلك المسلم وغير المسلم من ناحية التنوع‬ ‫المعايير التي تحدد ما هو حالل وما هو حرام‪.‬‬
‫الجغرافي واحتياجات المستهلكين والرؤية العامة‬
‫ œإيفاد العلماء إلطالق الفتاوى التي تختص ببيان‬
‫لصناعة الحالل‪.‬‬
‫الحكم الشرعي للقضايا الخالفية والمستجدة مثل‬
‫لذا فقد شدد مؤشر الفتوى أن المؤسسات الشرعية‬ ‫التدويخ والذبح اإللكتروني‪.‬‬
‫وعلى رأسها دار اإلفتاء المصرية حريصة على التعهد‬
‫ œالتعاون مع بين المؤسسات الدينية المختلفة في‬
‫عالميا لتوفير الطعام والشراب‬ ‫ًّ‬ ‫بدعم صناعة الحالل‬
‫الدول اإلسالمية صاحبة الباع الطويل في عملية‬

‫‪26‬‬
‫مجال اإلنتاج الحيواني والزراعي‪ ،‬مثل الزراعات التي‬ ‫الحالل لجماهير المسلمين في كل مكان‪ ،‬ودعم‬
‫تُروى بمياه ملوثة وتُغذى بهرمونات لسرعة النضج‬ ‫االستثمارات اإلسالمية في هذا القطاع الحيوي الذي‬
‫وتحسين الثمار‪ ،‬وهي ضارة جداً بالصحة‪ ،‬والتي تصنف‬ ‫عالميا‪ ،‬ويشهد طفرة استثمارية كبيرة‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫يتنامى‬
‫في قائمة المنتجات المحرمة‪ .‬ونفس األمر بالنسبة‬ ‫تؤكد الرغبة الصادقة في االتجاه نحو الحالل إنتاجًا‬
‫لإلنتاج الحيواني ومزارع األسماك التي يتم االستعانة‬ ‫واستهالكا واستثماراً‪.‬‬
‫ً‬
‫فيها بعناصر محرمة ومجرمة صحياً‪ ،‬حيث يتم تقديم‬ ‫على أن يشمل تطوير مفهوم صناعة الحالل‬
‫أعالف تحتوي على عناصر محرمة قانونًا وشرعاً‪.‬‬ ‫كل مجاالت اإلنتاج الحيواني والزراعي‪ ،‬لمواجهة‬
‫التجاوزات األخالقية لدى كثير من المنتجين في‬

‫دور المؤسسات اإلفتائية في قضية الذبح الحالل‬

‫تدشين وإطالق‬ ‫إيفاد الدعاة للتوعية‬


‫التطبيقات االلكترونية‬ ‫بأهمية االلتزام‬ ‫إرسال اللجان‬
‫الخاصة بالذبح الحالل‬ ‫بأحكام الشريعة في‬ ‫الرقابية للخارج‬
‫والموجهة للغرب‬ ‫الذبح‬

‫التعاون مع‬
‫المؤسسات الدينية‬ ‫توفير جهات‬
‫المختلفة في الدول‬ ‫توثيق دولية صحية‬
‫اإلسالمية‬ ‫وشرعية‬

‫‪27‬‬
‫مراجع‬
‫إفتائية‬

‫ج�سور تعر�ض كتاب‬


‫«�صناعة الفتوى وفقه‬
‫الأقليات»‬

‫‪28‬‬
‫مصطلحا‬
‫ً‬ ‫من البديهي أن يكون مصطلح "األقليات"‬
‫حادثًا على التراث الفقهي اإلسالمي؛ بل إنه مصطلح‬
‫حادث على المفردات العالمية بوجه عام‪ ،‬إال أن الفقه‬
‫مصطلحا له داللة‬
‫ً‬ ‫سريعا‪ ،‬بوصفه‬
‫ً‬ ‫اإلسالمي تعاطى معه‬
‫واقعية تحتاج للعناية واالهتمام التشريعي‪.‬‬
‫ويعرف "فقه األقليات"‪ :‬بأنه األحكام الشرعية‬
‫المتعلقة بالمسلمين الذين يعيشون وسط جماعة غير‬
‫مسلمة لها السيادة عليهم‪.‬‬
‫وخصيصة هذا النوع من الفقه أنه ذو نمط خاص‬
‫من حيث موضوعاته ومشكالته المتميزة‪ ،‬وهذا النوع‬
‫فقها نوع ًيا حيث يرتبط فيه الحكم‬ ‫من الفقه يعتبر ً‬
‫نظرا‬
‫ً‬ ‫الشرعي بظروف جماعة ما في مكان محدد‬
‫لظروفها الخاصة؛ من حيث كون ما يصلح لها ال يصلح‬
‫لغيرها‪ ،‬فالظرف المكاني الذي تلبست به األقليات قد‬
‫يجعل لها في الكثير من األحوال مسوغات اضطرارية‬
‫تلجيء المفتي إلى اإلفتاء بما يخالف معتمد مذهبه‪ ،‬أو‬
‫الراجح من حيث الدليل‪ ،‬أو بما يخالف فتاوى المفتين‬
‫في أماكن فيها الغلبة أو السلطان للمسلمين‪.‬‬
‫مستقل عن إطار الفقه‬
‫ً‬ ‫فقها‬
‫وفقه األقليات ليس ً‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بل مرجعيته هي مرجعية الفقه اإلسالمي‬
‫نفسها وهي الكتاب والسنة‪ ،‬وما انبنى عليهما من‬
‫أدلة كاإلجماع والقياس واالستحسان واالستصحاب‬
‫والمصالح المرسلة والعرف وغير ذلك من األدلة‬
‫التي بنى عليها األئمة آراءهم‪ ،‬وكثير من مسائل‬
‫فقه األقليات لها نظائر تشبهها منصوص عليها في‬
‫كتب الفقه التراثي‪ ،‬وإن كانت لها صورة جديدة‬
‫معاصرة‪ ،‬فمن هنا تعتبر قديمة بالجنس حديثة‬
‫بالنوع‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫والفكرة العامة التي يدور حولها الكتاب ويقوم‬ ‫نظرا لتزايد عدد‬‫ً‬ ‫وتزداد أهمية "فقه األقليات"‬
‫ومركبة‬
‫ٍ‬ ‫عملية معقد ٍة‬
‫ٍ‬ ‫عليها هي " اإلفتاء" باعتباره‬ ‫المسلمين في العقود األخيرة في البالد غير اإلسالمية‪،‬‬
‫وبسيطا؛ لذا كان اختياره لهذا‬ ‫ً‬ ‫ساذجا‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫وليست ً‬ ‫سواء من المهاجرين المسلمين أو من أصحاب البالد‬
‫العنوان " صناعة الفتوى وفقه األقليات"‪ ،‬فصناعة‬ ‫األصليين الذين اعتنقوا اإلسالم‪ ،‬ومع ظهور الجيل الثاني‬
‫الفتوى ‪-‬كما يرى المؤلف‪ -‬هي عبارة عن تركيب‬ ‫والثالث من هؤالء المسلمين بدأت تظهر لهم جاليات‬
‫ساذجا‬
‫ً‬ ‫فعل‬
‫وتعمل‪ ،‬فهي ليست ً‬ ‫ُّ‬ ‫وعمل يحتاج إلى دراية‬ ‫تجمع تعبر عنهم وتتحدث عن رغباتهم‪ ،‬وبدأت‬ ‫ومراكز ُّ‬
‫بسيطا؛ بل هي نوع من القضايا المركبة‬ ‫ً‬ ‫شكل‬
‫وال ً‬ ‫أعداد المسلمين تشكل نسبة ال يمكن تجاهلها‪.‬‬
‫التي تقترن بمقدمات كبرى وصغرى للوصول إلى‬ ‫ومع تلك األعداد الكبيرة من المسلمين في‬
‫نتيجة هي الفتوى‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫البالد غير اإلسالمية تزايد االهتمام بدراسة أحوالهم‬
‫ووجه كون الفتوى صناعة‪ :‬أن المفتي عندما‬ ‫ومشكالتهم ومسائلهم‪ ،‬خاصة مع نشوء جيل ليس‬
‫أول في الواقع‪ ،‬وهو‬ ‫ترد إليه نازلة يقلب إليها النظر ً‬ ‫فقط من المهاجرين إلى تلك البالد‪ ،‬بل من أصحاب‬
‫عقدا من العقود‬ ‫حقيقة األمر المستف َتى فيه إن كان ً‬ ‫البالد األصليين الذين لهم حقوق المواطنة كمثلهم‬
‫المستجدة‪ ،‬كيف نشأ وما هي عناصره المكونة له؟؟‬ ‫ممن ال ينتمون لدينهم‪ ،‬وفي ظل الوضع المعقد الذي‬
‫مثل‪ ،‬وبعد‬ ‫كعقود التأمين واإليجار المنتهي بالتمليك ً‬ ‫تعيشه تلك األقليات كان البد من إعادة النظر في‬
‫تشخيص العقد وما يتضمنه يبحث عن الحكم الشرعي‬ ‫المسائل الفقهية المتعلقة بتلك األقليات كي يظل‬
‫بسيطا‪ ،‬وعلى أجزائه‬ ‫ً‬ ‫الذي ينطبق على العقد إن كان‬ ‫معتقدا أنه يقع‬
‫ً‬ ‫ومتمسكا بأحكام دينه‬
‫ً‬ ‫متشرعا‬
‫ً‬ ‫المسلم‬
‫مستعرضا األدلة على الترتيب من‬ ‫ً‬ ‫إن كان مرك ًبا‪،‬‬ ‫تحت مظلة التشريع مع اندماجه في مجتمعه وعدم‬
‫نصوص وظواهر ‪-‬إن وجدت‪ -‬وإال فاجتهاد بالرأي من‬ ‫عيشه غري ًبا عنه‪.‬‬
‫قياس بشروطه‪ ،‬واستصالح‪ ،‬واستحسان وغير ذلك‬ ‫وسنتناول في هذا العدد كتا ًبا يعتبر من أفضل ما‬
‫من طرق االستنباط‪ ،‬فالحقيقة أن مرحلة التشخيص‬ ‫كتب في هذا الموضوع وهو كتاب "صناعة الفتوى‬
‫والتكييف للموضوع مرحلة "معقدة" و"مركبة" وهي‬ ‫و فقه األقليات" للعالمة بن بية؛ حيث نعرف بالمؤلف‬
‫معان ودالالت‪.‬‬‫ٍ‬ ‫" صنعة" بكل ما تحمله هذه اللفظة من‬ ‫أول كعادتنا ثم نعرج على أهم مواضيع الكتاب‪.‬‬ ‫ً‬
‫في ضوء هذه الفكرة (صناعة الفتوى ومن‬
‫تطبيقاتها العملية‪ :‬فقه األقليات) وعلى أساسها يدور‬ ‫مؤلف الكتاب‪:‬‬
‫الكتاب‪ ،‬حيث قسم المؤلف الكتاب إلى جزأين أو‬
‫هو العالمة الشيخ عبد اهلل بن الشيخ المحفوظ بن‬
‫قسمين رئيسين‪:‬‬
‫بية‪ ،‬ولد في مدينة تمبدغة بشرق موريتانيا‪ ،‬وكان‬
‫وقسمه‬‫َّ‬ ‫ œالقسم األول بعنوان " صناعة الفتوى"‬ ‫مولده سنة ‪ 1936‬ميالدية‪ ،‬وهو أحد أكبر أعالم‬
‫إلى مقدمة وثالثة فصول‪ ،‬أفرد المقدمة للتعريف‬ ‫الشريعة المعاصرين‪ ،‬وقد تقلد مناصب عديدة في‬
‫عرج على خطر الفتوى وآدابها‬ ‫بالفتوى والنازلة ‪ ،‬ثم َّ‬ ‫بلده؛ حيث عمل نائ ًبا لرئيس محكمة االستئناف‪ ،‬ثم‬
‫ومسئولية المفتي‪ ،‬واستعرض في الفصول الثالثة‬ ‫ورئيسا لقسم الشريعة‬ ‫نائ ًبا لرئيس المحكمة العليا‬
‫ً‬
‫مراحل تطور الفتوى من لدن النبي –صلى اهلل عليه‬ ‫وزيرا للتعليم األساسي والشئون الدينية‬ ‫بها‪ ،‬كما ُع ّيِن‬
‫ً‬
‫مرورا بالصحابة الكرام وتعاملهم –رضي اهلل‬ ‫ً‬ ‫وسلم‪-‬‬ ‫ووزيرا للعدل والتشريع وغير ذلك من المناصب‪،....‬‬ ‫ً‬
‫عن‬
‫عنهم‪ -‬مع الوحي الشريف وطرق اجتهادهم فيما َّ‬ ‫وقد اختير من جامعة جورج تاون كواحد من أكثر‬
‫لهم من وقائع ونوازل مستجدة‪ ،‬ثم استطرد المؤلف‬ ‫تأثيرا في العالم لألعوام‬ ‫من خمسين شخصية إسالمية‬
‫ً‬
‫في ذكر أسباب ظهور الخالف‪ ،‬وضوابطه و اآلداب‬ ‫(‪ )2016-2009‬ميالدية‪ ،‬ويعمل اآلن أستاذًا للدراسات‬
‫التي كان عليها الصحابة الكرام عند اختالفهم‪،‬‬ ‫العليا بجامعة الملك عبد العزيز في جدة‪ ،‬وله الكثير‬
‫وكيف أن اختالفهم كان اختالف رحمة وسعة‬ ‫من المؤلفات والمشاركات العلمية القيمة التي أثرت‬
‫كامل‪ ،‬ثم‬‫ً‬ ‫األول‬
‫َ‬ ‫الفصل‬
‫َ‬ ‫لألمة‪ ،‬وقد استوعب هذا‬ ‫المكتبة اإلسالمية‪.‬‬
‫شرع المؤلف في الفصل الثاني في توضيح مناهج‬
‫األئمة المجتهدين بعد عصر الصحابة رضوان اهلل‬ ‫تقديم الكتاب‪:‬‬
‫عنهم وطرائق استنباطهم‪ ،‬واألسس واألصول التي‬
‫بنوا عليها مذاهبهم‪ ،‬ومالمح االختالف التي تتحدد‬ ‫تكتسب أهمية هذا الكتاب من أهمية القضية التي‬
‫على ضوء اجتهاد يتوسع في ُمع َت َبر الحديث فيعمل‬ ‫يتناولها هذا الكتاب‪ ،‬وهي " صناعة الفتوى " ومن‬
‫بالمراسيل والبالغات والمنقطع والضعيف أحياناً‪،‬‬ ‫تطبيقاتها " فقه األقليات"‪ ،‬ال سيما إن كان الذي‬
‫مقدمًا ذلك في الرتبة على معقول النص المدرك‬ ‫نحريرا له ثقل وباع كبير‬
‫ً‬ ‫عالما‬
‫يتناول هذه القضية ً‬
‫باالجتهاد‪ ،‬وبين ُمق َت ِصر على اعتبار ما صح بمعايير‬ ‫في الفقه واألصول كمؤلفنا العالمة عبد اهلل بن بية‬
‫تاركا لالجتهاد بالقياس وما في‬ ‫ً‬ ‫حديثية صارمة‬ ‫–حفظه اهلل‪.-‬‬
‫حكمه أو لالستصحاب مساحة أوسع وربما قدم عمل‬
‫الراوي على العمل بمرويه‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫فكان هذا الجزء معالجة لمشكلة معاصرة وهو‬ ‫كما أن تفاصيل التعامل مع اإلجماع يعرض فيها‬
‫وضع األقليات في المجتمعات غير اإلسالمية‪ ،‬وقد‬ ‫السكوتي‬
‫ّ‬ ‫االختالف بين موسع لمفهوم ليشمل اإلجماع‬
‫كامل‪.‬‬
‫ً‬ ‫استغرق هذا األمر الفصل الثاني‬ ‫وسائر القرون والعصور‪ ،‬ومعتبر إجماع أهل المدينة‬
‫ œثم خصص المؤلف الفصل الثالث واألخيرألمثلة‬ ‫وبين مضيق في مفهوم اإلجماع لحصره في النطقي‬
‫ونماذج لجملة من المسائل والقضايا التي تتماس مع‬ ‫ومن يحصره في إجماع الصحابة فقط إلى غير ذلك‬
‫وضع األقليات المسلمة‪ ،‬كمسألة اإلقامة بديار غير‬ ‫من التفاصيل‪.‬‬
‫المسلمين والتجنس بجنسيتهم‪ ،‬وتأثيراالستحالة‬ ‫وكذلك فإن قياس العلة يتفق على اعتباره أكثر‬
‫وانقالب العين في طهارة بعض األطعمة‪ ،‬وتأثير‬ ‫العلماء غير أن االختالف يعرض في أنواع أخرى من‬
‫الدار على حكم المعامالت‪ ،‬وقضية حجاب المرأة‬ ‫القياس كقياس الشبه وقياس العكس وكذلك بعض‬
‫المسلمة في الغرب والوالء بين الدين والمواطنة‪.‬‬ ‫مسالك العلة‪.‬‬
‫وكذلك تفاوتهم باألخذ باألدلة األخرى‬
‫كالمصالح المرسلة وسد الذرائع واالستحسان ألخ ‪،...‬‬
‫ثم تكلم عن المنهجية التي اعتمدها العلماء المقلدون‬
‫بعد عصر المجتهدين‪ ،‬ومرجعيتهم في صناعة الفتوى‬
‫للتعامل مع النوازل والوقائع في عصرهم‪ ،‬ومدى‬
‫إمكانية استفادة العلماء في العصور المتأخرة من‬
‫االستفادة من هذه المرجعية اإلفتائية لضبط الفتوى‬
‫في هذا الزمان‪ ،‬ثم ذكر المؤلف عدة نماذج تطبيقة‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫ œثم انتقل المؤلف إلى القسم الثاني من هذا الكتاب‪،‬‬
‫وهو فقه األقليات‪ ،‬وقد أفرد له المؤلف ما يقارب‬
‫فعل تلك‬ ‫من شطر الكتاب ؛ حيث حاول المؤلف أن ُي ِّ‬
‫الصناعة اإلفتائية كنموذج تطبيقي لواقع جديد‬
‫مستحدث تحكمه عوامل مختلفة تمام االختالف‬
‫من حيث الظروف واألعراف والقوانين والنظم‬
‫الحاكمة والمعامالت والمبادالت الحديثة التي‬
‫تختلف عن األسس والقواعد التي قام عليها الفقه‬
‫اإلسالمي المعروف في كثير من األحيان –وهي‬
‫ليست بالضروة نفس الحوادث والوقائع التي حدثت‬
‫في زمن األولين‪ -‬مما يتطلب من مفتي األقليات‬
‫وإدراكا لواقع‬
‫ً‬ ‫اجتها ًدا أكبر‪ ،‬ومعرفة أوسع‪،‬‬
‫الناس المعيش وظروفهم المختلفة واحتياجاتهم‬
‫المتفاوتة مع دقة مالحظة وإلمام باألعراف‪.‬‬
‫في ضوء ما سبق قسم المؤلف هذا القسم إلى‬
‫تعريفا‬
‫ً‬ ‫ثالثة فصول‪ ،‬فبدأ بذكر معالم فقه األقليات‬
‫وتكييفا‪ ،‬ثم شرع في توضيح القواعد التي‬ ‫ً‬ ‫وتأصيل‬
‫ً‬
‫يمكن لمفتي األقليات أن يراعيها ويستعين بها في‬
‫صنعته اإلفتائية‪ ،‬وذكر ست قواعد كبرى كأسس‬
‫ينبغي أن ُيعتمد و ُيبنى عليها في فقه األقليات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬قاعدة التيسير ورفع الحرج‪.‬‬
‫‪ 2‬قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان‪.‬‬
‫‪ 3‬قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة‪.‬‬
‫‪ 4‬قاعدة النظر في المآالت‪.‬‬
‫‪ 5‬قاعدة العرف وتحقيق المناط‪.‬‬
‫‪ 6‬قاعدة تنزيل جماعة المسلمين منزلة القاضي‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫خطوات تأسيسية‬
‫لفقه األقليات‬
‫اإلسالمية‬
‫د‪ .‬إبراهيم نجم‬
‫مستشار مفتي مصر‪ ،‬األمين العام‬
‫لدور وهيئات اإلفتاء في العالم‬

‫‪32‬‬
‫فعال متعاونًا على الخير‪ ،‬يستغل كل فرصة‬ ‫ً‬ ‫فيه‬ ‫تزايد االهتمام بدراسة أحوال المسلمين الموجودين‬
‫ليختلط بالناس ويتفاعل معهم‪ ،‬يتعايش مع المجتمع‬ ‫في بالد غير المسلمين ومشكالتهم ومسائلهم خاصة‬
‫الذي يعيش على أرضه ويختلط بأهله‪ ،‬يشارك في بنائه‬ ‫مع نشوء جيل ليس فقط من المهاجرين إلى تلك‬
‫وتطويره دون أن يشعر أن ذلك متعارض مع ثوابت‬ ‫البالد‪ ،‬بل من أصحاب البالد األصليين الذين لهم‬
‫دينه وعقيدته‪ ،‬يخالط ويندمج بأبناء هذا المجتمع مع‬ ‫حقوق المواطنة كأقرانهم ممن ال ينتمون لدينهم‪،‬‬
‫والعض على‬
‫ِّ‬ ‫بعرى الدين والقبض عليه‬ ‫االستمساك ُ‬ ‫بل إن المهاجرين إلى تلك البالد أصبحت لهم جاليات‬
‫هويته‪.‬‬ ‫وتعبِر عنهم‪ ،‬ومنهم من تبوأ‬ ‫ّ‬ ‫ومراكز تجمعهم‬
‫وكم يحتاج المسلمون في الغرب سواء أكانوا‬ ‫مراكز متقدمة في البالد التي هاجروا إليها‪ ،‬وأصبحت‬
‫مهاجرين أم كانوا مواطنين من أبناء تلك البالد‬ ‫لهم كلمة في صنع القرار‪ ،‬وربما تنشأ العديد من‬
‫للعمل على هذا الذي ذكرناه‪ ،‬خاصة أنه وبسبب اتساع‬ ‫المشاكل والخالفات من عدم الوعي والفهم لشريعة‬
‫وانتشار اإلسالم في أوروبا وغيرها لم يعد الوجود‬ ‫اإلسالم ومدى ما تكفله للمسلم من مرونة ويسر كلما‬
‫اإلسالمي في هذه الدول مجرد حركات هجرات‬ ‫اُحتيج إلى ذلك‪ ،‬وربما تأتي كذلك المشاكل من‬
‫عابرة للسبيل‪ ،‬ولم يعد المسلمون مجرد جاليات‬ ‫عدم إدراك الفرق بين الفقه والشريعة‪ ،‬بل ربما كان‬
‫صغيرة تعيش على هامش الحياة والمجتمع‪ ،‬بل أضحى‬ ‫لبعضهم غرض بإيجاد حالة من التوتر والقلق بين‬
‫حقيقة واقعية وجز ًءا ال يتجزأ من‬
‫ً‬ ‫الوجو ُد اإلسالمي‬ ‫المسلم وبين مجتمعه الغربي الذي يحيا فيه‪.‬‬
‫المنظومة االجتماعية والثقافية والحضارية في تلك‬ ‫المعقد يؤكد لنا على ضرورة إعادة‬ ‫َّ‬ ‫هذا الواقع‬
‫ومعلما من‬
‫ً‬ ‫الدول‪ ،‬وأصبح المسلمون في الغرب مكونًا‬ ‫النظر في المسائل والنوازل الفقهية المتعلقة‬
‫مكونات المجتمع‪ ،‬هذا الوجود اإلسالمي الذي ال شك‬ ‫متمسكا‬
‫ً‬ ‫متشرعا‬
‫ً‬ ‫بالمسلمين هناك‪ ،‬حتى يظل المسلم‬
‫أن له قضاياه الخاصة التي قد تختلف عن قضايا سائر‬ ‫ومعتقدا أنه يقع تحت مظلة التشريع‪ ،‬مع‬ ‫ً‬ ‫بأحكام دينه‬
‫المسلمين في بالد اإلسالم‪ ،‬ولعل من أبرز هذه القضايا‬ ‫اندماجه في مجتمعه وعدم عيشه غري ًبا عنه‪ ،‬ولعدم‬
‫التي شغلت المسلمين وغيرهم من أبناء الغرب قضية‬ ‫حصول تعارض بين أحكام الشريعة ومقتضيات حياتهم‬
‫التعايش والمواطنة واالندماج مع مواطني تلك الدول‬ ‫بما يوقعهم في الحرج أو المشقة أو حصول اليأس من‬
‫كبيرا من اهتمام المعنيين‬
‫ً‬ ‫حيزا‬
‫ً‬ ‫وهي قضية أخذت‬ ‫تمسكهم بدينهم‪ ،‬فيكونون على وشك تركه بالكلية‪.‬‬
‫بالجانب االجتماعي والثقافي والحضاري‪.‬‬ ‫حل المسلم في بقعة من أرض‬ ‫وال شك أنه حيثما َّ‬
‫وقد أدى ترسيخ فقه األقليات لدى هذه الفئة إلى‬ ‫حدد الباري سبحانه وتعالى ماهية‬ ‫اهلل نفع‪ ،‬ولقد َّ‬
‫العديد من المشاكل على المدى البعيد أقلها شعور‬ ‫﴿و َما‬
‫رسالة الدين اإلسالمي منذ فجره فقال عز وجل‪َ :‬‬
‫المسلم بالتناقض بين االنتماء الوطني والوالء الديني‪،‬‬ ‫وعرف الصحابة الكرام‬ ‫َ‬ ‫ين﴾‪،‬‬ ‫اك إ َِّل َر ْح َم ًة ِلل َ‬
‫ْعا َل ِم َ‬ ‫َر َس ْل َن َ‬
‫أْ‬
‫ناهيك عن انتهاز بعض التيارات المتطرفة الفرصة‬ ‫ومن بعدهم هدف هذه الرسالة العظيمة فانطلقوا في‬ ‫َ‬
‫لتوسيع الهوة الفكرية والحضارية بين المواطنين‬ ‫نص‬‫َّ‬ ‫الذي‬ ‫الخلق‬ ‫من‬ ‫تعالى‬ ‫اهلل‬ ‫مراد‬ ‫قوا‬ ‫ِ‬
‫ليحق‬
‫ّ‬ ‫األرض‬
‫المسلمين ومجتمعاتهم الغربية‪ ،‬فبثوا مفاهيم الغربة‬ ‫عليه بيان اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫والعزلة واالستضعاف وحتمية الصدام وضرورة‬
‫ﰀ﴾‪ ،‬واختلطوا بشعوبها محققين سنة الخالق سبحانه‬
‫تماما كما فعلوا في بالد‬ ‫ً‬
‫وصول إلى التمكين ً‬ ‫المواجهة‬
‫عز من قائل‪:‬‬
‫من وجودهم وهي المخبر عنها في قوله َّ‬
‫اإلسالم وأوجدوا حالة من االضطراب والقلق الدائم‬
‫بين اإلنسان ووطنه‪.‬‬ ‫﴿ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿﮀ﴾‪ ،‬فكانوا رسل خير ورحمة للعالمين‬
‫حكم إقامة المسلم في بلد غير‬ ‫عاشوا بين الناس متمسكين بدينهم وتعاليم ربهم‪ ،‬داعين‬
‫إلى اهلل تعالى على بصيرة فصاهروا الخلق وتعايشوا‬
‫إ سال مي‬
‫كبيرا مما كتبه أسالفنا الصالحون‬ ‫قدرا‬
‫أن ً‬‫ال شك َّ‬
‫عمل بقوله تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫معهم بالبر والقسط ً‬
‫ً‬
‫ولصيقا بالواقع الذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرتبطا‬ ‫في هذه المجاالت كان‬ ‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬
‫دون فيه‪ ،‬ومبني على تقسيم المعمورة إلى دار إسالم‬ ‫ِّ‬ ‫ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾‪.‬‬
‫وإلى دار كفر وأحيانًا دار حرب‪ ،‬وما استتبع ذلك من‬ ‫وقد تناقلت كتب السير هذا األمر فوصفت لنا‬
‫أحكام‪ ،‬ربما لم تعد مناسبة البتة في واقعنا المعاصر‬ ‫كيف كان الصحابة يعيشون مع أهل البلدان التي‬
‫الذي صار العالم فيه كقرية واحدة‪ ،‬واألساس الذي‬ ‫فتحوها وكيف كانوا يتفاعلون بالمحبة والمودة‬
‫تقسيم األقاليم إلى «دار إسالم» و«دار كفر‬
‫ُ‬ ‫قام عليه‬ ‫والرحمة مع الموافق والمخالف على حد سواء‪ ،‬مما‬
‫حيث لم يرد‬ ‫ُ‬ ‫نصي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ال‬ ‫اجتهادي‬
‫ٌّ‬ ‫أساس‬
‫ٌ‬ ‫هو‬ ‫حرب»‬ ‫أو‬ ‫أعطى صورة مشرقة عظيمة لإلسالم‪ ،‬وكانوا طاقات‬
‫بهذا التقسيم قرآن كريم وال حديث شريف َّإل إشارات‬ ‫فعالة مؤثرة منتجة للخير والحضارة حيثما كانوا‪،‬‬
‫غير مباشرة وردت في بعض األحاديث‪.‬‬ ‫وهكذا يجب أن يكون المسلم في المجتمع الذي يعيش‬

‫‪33‬‬
‫ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫الفقهاء‬
‫أن ُ‬ ‫واألمر اآلخر الذي ينبغي التنبه له َّ‬ ‫ُ‬
‫ﭣﭤ﴾‪ ،‬ووجه الداللة‪ :‬أن الذي يحصل على جنسية‬ ‫وصفا‬
‫ً‬ ‫الدار باإلسالم أو العكس‬‫أن وصف َّ‬ ‫يعتبروا َّ‬
‫ُ‬ ‫لم‬
‫دولة غير مسلمة إنما يدخل تحت سلطانها وتبعيتها‬ ‫خاضع‬
‫ٌ‬ ‫طارئ‬
‫ٌ‬ ‫وصف‬
‫ٌ‬ ‫هو‬ ‫بل‬ ‫بحال‪،‬‬ ‫عنها‬ ‫ينفك‬
‫ُّ‬ ‫ال‬ ‫ا‬‫ذاتي‬
‫ًّ‬
‫ويترك تبعية الدولة اإلسالمية ‪.‬‬ ‫لظروف وأحوال معينة‪ ،‬والذي ترتب على ذلك عند‬ ‫ُ‬
‫أن دار الكفر قد تنقلب دار إسالم‬ ‫كثير من الفقهاء َّ‬
‫أما الرأي الثاني فأصحاب هذا الرأي يرون أنه ال‬
‫وبالعكس‪.‬‬
‫بأس من حصول المسلم على جنسية وجواز سفر دولة‬
‫عقل أن نجيز له اإلقامة في‬
‫غير إسالمية؛ إذ ال يقبل ً‬ ‫وقد كثر الحديث حول شرعية إقامة المسلم في‬
‫بلد ثم نحرم عليه أخذ جنسيته‪ ،‬فهذه اإلقامة يترتب‬ ‫شرعا ومؤثم لفاعلها‪،‬‬
‫ً‬ ‫بلد غير إسالمي‪ ،‬بين مانع لها‬
‫عليها حقوق وواجبات قد ال يسهل له الحصول عليها‬ ‫حرجا‪ ،‬حيث ذهب المالكية‪،‬‬
‫ً‬ ‫بأسا وال‬
‫وبين مجيز ال يرى ً‬
‫إال إذا كان يحمل جنسية البلد الذي يقيم فيه‪.‬‬ ‫وابن حزم من الظاهرية في المحلى إلى أنه ال يجوز‬
‫إقامة المسلم في غير ديار اإلسالم‪ ،‬سواء أمن الفتنة‪،‬‬
‫أم ال‪.‬‬
‫مفهــوم المواطـنة في الشـريعة‬
‫أما الرأي الثاني وإليه ذهب جمهور الفقهاء من‪:‬‬
‫اإلسالمية‬ ‫الحنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬وهم يرون جواز‬
‫ال شك أن عملية استقراء ومتابعة نصوص الكتاب‬ ‫اإلقامة في البالد غير اإلسالمية إذا استطاع المسلم‬
‫أن مفهوم المواطنة واالنتماء‬ ‫ُظهر بجالء َّ‬ ‫والسنة ت ِ‬
‫ُّ‬ ‫إقامة شعائر دينه وحافظ على هويته‪.‬‬
‫موجو ٌد منذ النشأة األولى لوجود البشر على هذه‬
‫وإذا تأملنا إلى قولي الفريقين نرى أن المنع‬
‫األرض‪.‬‬
‫والجواز لم يتواردا على محل واحد وربما يكون‬
‫فمصطلح «المواطنة» مصطلح أصيل في ثقافتنا‬ ‫الخالف لفظ ًيا‪.‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وقد شعت أنواره األولى في دستور المدينة‬
‫وربما تكون مصلحة المسلم "المهاجر" ترجح‬
‫المنورة وما تاله من كتب وعهود نبي اهلل ﷺ‬
‫سفره إلى بالد الغرب لعله يجد األمن واألمان والحياة‬
‫يحدد فيها عالقة المسلمين بغير المسلمين‪ ،‬على‬
‫الكريمة‪ ،‬وقد استقر هؤالء في البالد التي هاجروا إليها‬
‫أسس واضحة المعالم‪ ،‬بينة القسمات‪ ،‬تؤكد على أن‬
‫وارتبطت حياتهم بها‪ ،‬بل وتعاقبت أجيال تلو أجيال‬
‫حل مستور ًدا‪ ،‬وإنما هو استدعاء‬ ‫«المواطنة» ليست ًّ‬
‫في بعض البلدان‪ ،‬فهناك الجيل الثاني والثالث والرابع‪،‬‬
‫ألول ممارسة إسالمية لنظام الحكم الذي طبقه النبي ﷺ‬
‫وال يستطيع هؤالء العودة إلى موطنهم األصلي ألسباب‬
‫في أول مجتمع إسالمي أسسه وهو دولة المدين‪ ،‬كما‬
‫تختلف من إنسان آلخر خاصة أولئك المضطهدون في‬
‫أن المصطلحات التي استخدمت للداللة على معنى‬
‫بالدهم‪ ،‬فما الموجب للقول بوجوب عودة هؤالء إلى‬
‫المواطنة وهي الحرية والعدالة والمساواة موجودة‬
‫موطنهم األصلي ما لم يقع في حقهم أي اضطهاد أو‬
‫في اإلسالم‪.‬‬
‫ظلم يمنعهم من ممارسة شعائر دينهم؟‬
‫هذا بالنسبة للمواطنة بالمعنى األعم أما المواطنة‬
‫ولذلك يبقى رأي القائلين بجواز اإلقامة أقرب إلى‬
‫قدمت تعريفها في العصر الحالي فهي‬ ‫المعاصرة والتي َّ‬
‫تحقيق المصلحة ودرء المفسدة‪ ،‬خاصة وأن جمهور‬
‫النص الشرعي مواكب للتطورات‬ ‫َّ‬ ‫أن‬
‫مقبولة بناء على َّ‬
‫وكثيرا من العلماء المعاصرين‪ ،‬يرون ذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الفقهاء‪،‬‬
‫أ ًيا كانت ويستطيع التعامل معها بكل مرونة مع األخذ‬
‫بعين االعتبار لمقاصد الشريعة‪.‬‬
‫مرحب‬ ‫ُ‬
‫فالمواطنة بالمفهوم المعاصر‬ ‫وبالتالي‬
‫حكم الحصول على جنسية بلد غير‬
‫ٌ‬
‫بها من وجهة نظر الفقه اإلسالمي فهي فكرة قائمة‬ ‫مسلم‬
‫على العطاء والمشاركة الكاملة‪ ،‬وذلك من أجل نيل‬ ‫لم يختلف أحد من أهل العلم على أن المسلم له أن‬
‫الحقوق وتحقيق المصالح والمشاركة التامة‪.‬‬ ‫يحمل جنسية وجواز سفر أي بلد مسلم‪ ،‬وإنما الخالف‬
‫حول جنسية وجواز سفر البالد غير اإلسالمية‪ ،‬عندما‬
‫سبل تحقيق مبدأ المواطنة في‬ ‫يحصل عليها المسلمـ وقد دارت اآلراء بين من يرى‬
‫أنها حرام ال تجوز‪ ،‬وبين من يرى الجواز‪:‬‬
‫الدول غير اإلسالمية‬ ‫وفي الرأي األول هناك اتجاه تشدد في هذا األمر ال‬
‫لتفعيل مبدأ المواطنة فإن على المسلمين في الدول‬
‫يجوز للمسلم أن يتجنس بجنسية دولة غير إسالمية‬ ‫ّ‬
‫الغربية أن يشاركوا في تحقيق مفهوم هذا المبدأ الذي‬
‫ويحرم عليه ذلك‪ ،‬بل قد يصل األمر إلى الحكم بالكفر‬
‫ِّ‬
‫يستوعب مختلف االنتماءات‪ ،‬وذلك عن طريق فهم‬
‫واالرتداد عن اإلسالم ‪ -‬إذا كان ح ًبا في التشبه بأهل‬
‫صحيح وتقويم سليم للموروث التاريخي الغربي وفهم‬
‫وإيثارا للحكم األجنبي على الحكم اإلسالمي‬
‫ً‬ ‫هذه البالد‪،‬‬
‫المتغيرات التي حدثت في العالم ليكونوا مدركين‬
‫لمشكالت أوطانهم‪.‬‬ ‫واستدلوا بقوله تعالى‪﴿ :‬ﭒﭓﭔﭕﭖﭗ‬

‫‪34‬‬
‫فعلى المسلمين هناك أن يعتقدوا أن أرواح وأموال‬
‫واجبات األقلية المسلمة لتحقيق‬ ‫وأعراض غير المسلمين معصوم ٌة بمقتضى عقد‬
‫التعايش‬ ‫المواطنة الذي أقاموا أو دخلوا به تلك البالد‪ ،‬واإلسالم‬
‫بما أن على المسلمين في الدول غير اإلسالمية‬ ‫أمر المسلمين أن يفوا بالعهد والمواثيق ألن ذلك يساعد‬
‫سلوكا‬
‫ً‬ ‫أن يقوموا بتفعيل المواطنة مبدأ وتحقيقها‬ ‫على حسن التعايش وإشاعة األمن واألمان يقول تعالى‪:‬‬
‫لزاما علينا أن ِّ‬
‫نحدد ما يلزم‬ ‫ً‬ ‫فقها فقد صار‬
‫وتأصيلها ً‬ ‫﴿ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‪ .‬وجعل النبي ﷺ‬
‫المسلمين هناك لتحقيق تعايش سليم‪ ،‬من بينها العمل‬ ‫الغدر سمة من سمات النفاق ومن هنا ذهب الفقهاء إلى‬
‫على الحوار البناء والدائم من أجل تدعيم قيم المواطنة‬ ‫دارا غير إسالمية مستأمنًا‪ ،‬ال ُّ‬
‫يحل‬ ‫أن المسلم إذا دخل ً‬
‫والتعايش مع أبناء تلك الدول‪ ،‬وترسيخ فقه المواطنة‬ ‫يتعرض لشيء من أموال أهل تلك الدار ودمائهم‬ ‫له أن‬
‫َّ‬
‫بين المسلمين في المجتمعات المتعددة الهويات‬ ‫ونسائهم‪ ،‬ألنه باالستئمان ضمن لهم أن ال يتعرض لهم‬
‫والثقافات‪ ،‬توجيه خطاب إسالمي مالئم للمجتمعات‬ ‫بسوء فإن فعل فهو غدر والغدر حرام‪.‬‬
‫التي يسعى المسلمون إلى التعايش فيها و تدريب أبناء‬
‫إ ًذا فمواطنة المسلمين في المجتمع الغربي‬
‫المسلمين على هذا الخطاب لتنمو لديهم القدرة على‬
‫واندماجهم فيه أمر مشروع من حيث المبدأ‪ ،‬تسعه‬ ‫َ‬
‫التحدث به بكل إتقان وسهولة‪ ،‬ضرورة تخريج علماء‬
‫مقاصد هذا الدين‪.‬‬
‫ووعاظ ومرشدين من أبناء المسلمين هناك‪ ،‬فاقهين‬
‫لواقعهم‪ ،‬مدركين الحتياجاتهم‪ ،‬متشربين عقلية الغرب‬
‫وقوانينه‪ ،‬جامعين بين الخالصات اإليجابية للحضارات‪،‬‬ ‫ضــرورة االنتقال من فقه األقـليات‬
‫والتجارب اإلسالمية العملية‪ ،‬ودعوة المسلمين إلى‬ ‫إلى فقه المواطنة‬
‫االندماج السلمي في مجتمع األغلبية الذي يعيشون‬ ‫مصطلح فقه األقليات أقرب إلى مفهوم فتاوى‬
‫فيه‪ ،‬واالنخراط في قضاياه ومناقشاتها‪ ،‬باعتبارهم‬ ‫الضرورات أو الحاجيات‪ ،‬منه إلى الفقه بالمعنى‬
‫مواطنين في تلك الدول‪ ،‬والعمل على رفع التعارض‬ ‫المعروف المستقل‪ ،‬فهو موجه لفئة صاحبة ضرورة‬
‫بين الشريعة اإلسالمية وقوانين الدول الغربية‪ ،‬كما‬ ‫دائمة‪ ،‬والتقليل من شأن الخطاب الفقهي هناك باعتباره‬
‫ينبغي على المسلمين االجتهاد للمالءمة بين اإلسالم‬ ‫فقه أقلية يعكس مدى الجهل بما تعانيه هذه األقليات‬
‫والعلمانية في المجتمعات الغربية‪ ،‬ليعيشوا في تناغم‬ ‫من مشكالت حقيقية‪ ،‬وال يتبادر إلى الذهن أن الغرض‬
‫مع أنفسهم ومجتمعهم‪.‬‬ ‫من دراسة «فقه األقليات» هو تتبع الرخص أو اتباع‬
‫إن الوجود اإلسالمي اليوم في البالد غير اإلسالمية‬ ‫األقوال الضعيفة والشاذة‪ ،‬بل المراد هو مراعاة المقاصد‪،‬‬
‫هو حقيقة واقعة ال مفر منها وإن الحديث عن حكم‬ ‫وفقه الواقع‪ ،‬وفقه الموازنات‪ ،‬وفقه األولويات‪ ،‬وفقه‬
‫السفر إلى تلك البالد هو من باب إضفاء المشروعية‬ ‫المآالت‪ ،‬وهذا ال يعني بحال من األحوال التنازل عن‬
‫على ذلك الوجود‪ ،‬وال ريب أن التجنس بجنسية تلك‬ ‫الثوابت التي وضعها اإلسالم أو المساس بما يمثل هوية‬
‫البالد بالنسبة للمسلم المقيم فيها أمر ضروري والكالم‬ ‫اإلسالم‪.‬‬
‫عن مشروعيته يدخل في باب التأصيل الشرعي لواقع‬ ‫وكان التأصيل لهذا الفقه وما زال على أساس أن‬
‫مفروض ال يمكن رفعه‪ ،‬وبما أن الوجود اإلسالمي هناك‬ ‫أوضاع األقلية المسلمة في ديار غير المسلمين هي‬
‫حقيقة واقعية صار من المهم أن يكون عنوان إقامة‬ ‫أوضاع ضرورة بالمعنى العام للضرورة والذي يشمل‬
‫المسلم هو البناء ال الهدم‪ ،‬الوحدة ال التفريق‪ ،‬التقدم‬ ‫الحاجة والضرورة بالمعنى الخاص‪ ،‬وبالتالي فهي‬
‫ال التخلف‪ ،‬وهذا كله يح ِّتم علينا أن ِّ‬
‫نحدث المسلمين‬ ‫محتاجة إلى فقه خاص‪.‬‬
‫في تلك الدول عن ضرورة المواطنة والتعايش في‬ ‫فالمسلمون في الدول الغربية أصبح لهم ثقل‬
‫تلك البالد‪.‬‬ ‫حضاري يتجاوز القضايا التقليدية ذات الطابع الفردي‬
‫أثرا‪ ،‬مرتبطة بالهوية‬
‫إلى قضايا أكبر داللة وأعمق ً‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وبناء على هذا فعلى فقه األقليات أن يرتكز‬
‫على فقه المواطنة وفكر االندماج والتعايش‪ ،‬فالوجود‬
‫اإلسالمي في الدول الغربية‪ ،‬لم يعد يطرح نفسه‬
‫كأقلية تحتاج إلى حلول وقتية‪ ،‬بل هو في حاجة‬
‫إلى عالج استراتيجي عميق‪ ،‬وباعتباره يشكل ثاني‬
‫وجود في العالم الغربي تقري ًبا‪ ،‬فهو في حاجة إلى‬
‫فقه يمكنه من االندماج الفعال والتعايش اإليجابي‪،‬‬
‫ولذلك فالمسلمون بحاجة إلى اجتهاد في قضاياهم‬
‫يلبي الطموحات ويأخذ بعين االعتبار ضرورة التعايش‬
‫ويعزز مبدأ المواطنة في البالد الغربية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫استشراف‬
‫إفتائي‬

‫استخدام الحيوان النجس يف‬


‫األغراض الطبية والعالجية‬

‫‪36‬‬
‫وحتى اآلن فإن استخدام أجهزة الخنازير في‬
‫البشر قد تعثرت إلى حد كبير بسبب المخاوف من‬
‫تصور القضية‪:‬‬
‫يعتبر موضوع زراعة األعضاء في جسم اإلنسان من‬
‫الفيروسات الخطرة التي توجد في الخنازير‪ ،‬ويمكن أن‬
‫الموضوعات الطبية المهمة المستجدة‪ ،‬والتي شغلت‬
‫تكون قاتلة لإلنسان إذا كانت في طريقها إلى الجسم‪،‬‬
‫العديد من المجامع الفقهية ومجالس الفتوى في العالم‬
‫ويمكن أن تسبب بعد ذلك وباء حيث إنها تنتشر من‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫اإلنسان لإلنسان‪.‬‬
‫ويقصد بزرع األعضاء نقل عضو سليم أو مجموعة‬
‫ويذكر أن زرع أعضاء من الخنازير لإلنسان ليس‬
‫متبرع إلى مستقبِل ليقوم مقام العضو أو‬ ‫ِّ‬ ‫أنسجة من‬
‫باألمر الجديد‪ ،‬فقد جرى استخدام أنسجة من صمامات‬
‫النسيج التالف‪.‬‬
‫قلب الخنزير إلصالح صمامات تالفة لدى البشر‪.‬‬
‫وقد كان األمر في إطار محدود يتعلق باالستفادة من‬
‫لكن استخدام أعضاء كاملة من جسم الخنزير‬
‫بعض األعضاء وبعد وفاة اإلنسان العادية‪ ،‬مثل االستفادة‬
‫قريبة الشبه بمثيالتها لدى اإلنسان لم يتم قط‪ ،‬بسبب‬
‫من قرنية العين‪ ،‬أو االستفادة من بعض األعضاء في‬
‫احتمال أن تنطوي العملية على نقل فيروسات ارتجاعية‬
‫اإلنسان الحي له نفسه أو لغيره كاالستفادة من الدم‬
‫كامنة لدى الخنازير‪ ،‬ال تصيبها بأي ضرر لكنها تسبب‬
‫والجلد‪ ،‬ثم تتابع التقدم الطبي فأثار قضايا االستفادة‬
‫أمراضا للبشر‪.‬‬
‫ً‬
‫من أعضاء أساسية في اإلنسان كالقلب والكلى والكبد‪،‬‬
‫والفيروسات التي تحملها الخنازير ‪-‬والمعروفة‬ ‫وأثار قضايا موت الدماغ والتفريق بينه وبين الموت‬
‫باسم «بيرف»‪ -‬هي جزء دائم من جيناتها‪ ،‬ولذا فقد‬ ‫العادي‪ ،‬ودخلت على هذا الموضوع اعتبارات جديدة‬
‫بدا أنه من المستحيل إزالتها‪.‬‬ ‫وخطيرة تتعلق بنقل الخصية والمبيض لما يترتب‬
‫ولكن العلماء نجحوا اآلن في إزالة الفيروسات‬ ‫على ذلك من اختالط في األنساب وتداخل في النسل‪.‬‬
‫من خريطة جينات الخنازير‪ ،‬وذلك باستخدام تقنية‬ ‫وقد ظهر اآلن ما يسمى بالزراعة العضوية‬
‫التعديل الجيني المعروفة باسم «كريسبر»‪-‬سي إيه‬ ‫الحيوانية‪ ،‬وهي نقل األعضاء من الحيوانات في البشر؛‬
‫إس ‪ »9‬التي سمحت بوجود خنازير حية خالية من هذه‬ ‫لما يعانيه العالم من نقص في المتبرعين باألعضاء‪،‬‬
‫الفيروسات‪ ،‬وذلك بواسطة تقنية االستنساخ‪.‬‬ ‫جزئيا إلى انخفاض حوادث السيارات‪،‬‬ ‫و ُيعزى ذلك‬
‫ًّ‬
‫ونجح العلماء في الواليات المتحدة األمريكية في‬ ‫وسيتفاقم هذا األمر عندما تسود السيارات ذاتية القيادة‬
‫خنزيرا كانت تعاني من بعض الفيروسات‬ ‫ً‬ ‫عالج ‪37‬‬ ‫نتيجة النخفاض أعداد الوفيات من األصحاء؛ ألن‬
‫الموجودة في حامضها النووي‪ ،‬ما يفسح الطريق أمام‬ ‫أعضاءهم تزرع في األفراد المحتاجين‪.‬‬
‫زراعة أعضاء في الجسم البشري‪.‬‬ ‫حفز عدم كفاية األعضاء البشرية المتاحة‬ ‫فقد َّ‬
‫هذا ويأمل الباحثون أنه في المستقبل القريب يمكن‬ ‫العلماء إلى دراسة إمكانية االستعانة بالحيوانات لسد‬
‫استخدام جلد الخنزير كرقعة مؤقتة في حال الحروق‬ ‫النقص الذي يموت بسببه ماليين البشر سنو ًّيا‪.‬‬
‫الخطيرة واسعة النطاق‪.‬‬ ‫وقد وجد العلماء أن أعضاء حيوان الخنزير تعتبر‬
‫وقد أثارت قضية نقل أعضاء الحيوانات إلى‬ ‫األفضل من حيث قابليتها للزراعة في أجسام البشر؛‬
‫كبيرا‪ ،‬فقد احتجت مختلف‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جدل‬ ‫البشر وزراعتها‬ ‫وذلك ألن تلك األعضاء هي األقرب لألعضاء البشرية‬
‫جماعات حقوق الحيوان على هذه التضحية من جانب‬ ‫من ناحية الحجم وعمليات األيض‪ ،‬عالوة على إمكانية‬
‫الحيوانات للمشاركة في البحوث وإنقاذ أرواح البشر‪،‬‬ ‫تربية الخنازير بكميات كبيرة‪ ،‬ويعرف ذلك النوع‬
‫وأن التجارب البشرية على الحيوانات يجب أن تكون‬ ‫من العمليات باسم (‪ )Xenotransplantation‬أي نقل‬
‫في إطار تخفيف األلم وتخفيضه إلى أدنى حد‪ ،‬وال‬ ‫األعضاء بين الكائنات الحية‪.‬‬
‫يخفى ما في ذلك من إيذاء الحيوان نفسه وتعريضه‬ ‫وحسبما نقلت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية‪،‬‬
‫للتعذيب‪.‬‬ ‫فإن علماء من ألمانيا نجحوا في زراعة قلب خنزير‬
‫ويرى البعض اآلخر أن نقل أعضاء الحيوان إلى‬ ‫في جسم قرد بابون‪ ،‬من أجل عالج مشكالت صحية‬
‫أخالقيا؛ ألنه محاولة إخصاب بين‬ ‫ًّ‬ ‫اإلنسان مرفوض‬ ‫خطيرة‪.‬‬
‫اإلنسان والحيوان‪ ،‬وهو ما يتعارض وكرامته‪ ،‬رغم أن‬ ‫واستطاع القرد الذي استفاد من زراعة قلب‬
‫وراثيا من‬
‫ًّ‬ ‫األبحاث األخيرة أثبتت أن الخنازير المعدلة‬ ‫الخنزير أن يظل على قيد الحياة لمدة وصلت إلى‬
‫توافقا مع البشر من الحيوانات‬‫ً‬ ‫الممكن أن تكون أكثر‬ ‫يوما‪ ،‬ورأى الباحثون أن هذا اإلنجاز الطبي ينعش‬ ‫‪ً 195‬‬
‫األخرى‪.‬‬ ‫ً‬
‫آمال كبرى‪.‬‬
‫باإلضافة إلى األسباب األخرى للرفض‪ ،‬ومنها القلق‬ ‫وبعد الجراحة التي وصفها العلماء باالختراق الطبي‬
‫من خطر انتقال الفيروسات ومسببات األمراض األخرى‬ ‫الكبير يرى األطباء أن نقل األعضاء المهمة مثل القلب‬
‫من نوع جنس إلى آخر‪.‬‬ ‫من الحيوانات إلى البشر بات على بعد خطوة واحدة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ œالتداوي بالمحرمات والنجاسات‪( ،‬دراسة فقهية‬
‫مقارنة)‪ ،‬للدكتور السيد رضوان محمد جمعة‪،‬‬
‫األثر اإلفتائي للقضية‪:‬‬
‫يتعلق بهذه القضية بعض المسائل الفقهية التي‬
‫السجل العلمي لمؤتمر الفقه اإلسالمي الثاني‪،‬‬
‫يمكن إجمالها فيما يأتي‪:‬‬
‫قضايا طبية معاصرة‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‬
‫اإلسالمية‪2010 ،‬م‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬ما الحكم الشرعي في نقل أعضاء‬
‫الخنزير لإلنسان؟‬
‫ œمقصد حفظ النفس وأثره في زراعة األعضاء‬
‫البشرية (دراسة فقهية وقانونية) إعداد‪ :‬محمد‬ ‫ويبدو أهمية هذه المسألة من الناحية الفقهية فيما‬
‫أبو اإلسعاد الطيب حسن‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬الجامعة‬ ‫إذا حكم بنجاسة هذه األعضاء المنقولة من الخنزير‪،‬‬
‫اإلسالمية الحكومية موالنا مالك إبراهيم ماالنج‪،‬‬ ‫فإن وضعها في بدن اإلنسان يوجب بطالن الطهارة‪ ،‬ومن‬
‫إندونسيا‪ ،‬مايو ‪2015‬م‪.‬‬ ‫ثم بطالن الصالة ونحوها من العبادات التي يشترط‬
‫لها الطهارة‪.‬‬
‫ œالقواعد الفقهية الناظمة للرخص الشرعية الطبية‬
‫المتعلقة بمقصد حفظ النفس‪ ،‬دراسة فقهية‪ ،‬تيسير‬
‫عزمي محمود الدويك‪ ،‬جامعة العلوم اإلسالمية‬ ‫ببليوجرافيا الفتوى‪:‬‬
‫العالمية‪ ،‬رسالة ماجستير األردن‪2018 ،‬م‪.‬‬ ‫يتعين على من يتصدر لإلفتاء في هذه المسألة‬
‫الرجوع إلى المصادر والمظان التي تناولت التداوي‬
‫ œقاعدة الضرورات تبيح المحظورات وتطبيقاتها‬
‫بالنجس والمحرم‪ ،‬وكذا المصادر التي تناولت مقصد‬
‫المعاصرة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬للدكتور حسن السيد‬
‫حفظ النفس‪ ،‬وكذا المصادر التي تناولت قاعدة‬
‫خطاب‪ ،‬بحث بمجلة األصول والنوازل السعودية‪،‬‬
‫الضرورة وضوابطها‪ ،‬ومدى مالءمة هذه المسألة‬
‫العدد الثاني‪ ،‬رجب ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫الفقهية لمقاصد الشرع وقواعده‪.‬‬
‫ œنقل األعضاء من الحيوان إلى اإلنسان وموقف‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬للدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد‪،‬‬ ‫ً‬
‫أول‪ :‬أهم المصادر التراثية‪:‬‬
‫جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض ‪2005‬م‪.‬‬
‫ œأثر قاعدتي المشقة تجلب التيسير‪ ،‬وال ضرر وال‬ ‫ œالبناية شرح الهداية‪ ،‬لبدر الدين العيني الحنفي‬
‫ضرار في المسائل الطبية المستجدة‪ ،‬للدكتور‬ ‫(‪ )165/8‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫محمد بن عبد العزيز سعد اليمني‪ ،‬بجث بمجلة‬ ‫ œقواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬عز الدين بن عبد‬
‫دامعة الملك سعود‪ ،‬العلوم التربوية والدراسات‬ ‫السالم (‪ )95/1‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬مجلد (‪ )24‬العدد (‪2012 )1‬م‪.‬‬ ‫ œأحكام القرآن للقاضي أبي بكر ابن العربي (‪،83/1‬‬
‫‪ )84‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أهم الفتاوى ذات الصلة‪:‬‬ ‫ œفتح العزيز شرح الوجيز‪ ،‬ألبي القاسم عبد الكريم‬
‫فتوى دار اإلفتاء المصرية بتاريخ ‪2014/05/08‬م‬ ‫بن محمد بن عبد الكريم الرافعي (‪ ،)164-158/12‬دار‬
‫بعنوان «العالج بمادة مستخلصة من الخنزير»‪.‬‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫فتوى دار اإلفتاء المصرية بتاريخ ‪1997/01/14‬م‪،‬‬ ‫ œمجموع الفتاوي‪ ،‬لتقي الدين أبي العباس أحمد بن‬
‫بعنوان «أخذ جزء من بنكرياس الخنزير وزراعته‬ ‫تيمية‪ )276-270/24( ،‬مجمع الملك فهد لطباعة‬
‫لإلنسان»‪.‬‬ ‫المصحف الشريف‪ ،‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫فتوى دار اإلفتاء المصرية بتاريخ ‪2014/03/11‬م‪،‬‬ ‫ œالمحلى باآلثار‪ ،‬لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم‬
‫بعنوان «استعمال واستيراد صمام القلب من أنسجة‬ ‫األندلسي الظاهري (‪ )176 ،175/1‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫الخنزير»‪.‬‬
‫فتوى دار اإلفتاء األردنية بتاريخ ‪2014/02/24‬م‪،‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬أهم المصادر المعاصرة‪:‬‬
‫بعنوان «حكم الدواء من أصل خنزيري رغم وجود‬ ‫ œالتداوي بالمحرمات «استخدام الصمامات الخنزيرية‬
‫البديل البقري»‪.‬‬ ‫في العالج البشري» (ورقة عمل) للدكتور عبد‬
‫فتوى دار اإلفتاء المصرية بتاريخ ‪2003/10/22‬م‪،‬‬ ‫اهلل بن محمد المطلق‪ ،‬السجل العلمي لمؤتمر الفقه‬
‫بعنوان «الحكم الشرعي في نقل األعضاء»‪.‬‬ ‫اإلسالمي الثاني‪ ،‬قضايا طبية معاصرة‪ ،‬جامعة اإلمام‬
‫قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي في دورته‬ ‫محمد بن سعود اإلسالمية‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫الثامنة المنعقدة بمبنى رابطة العالم اإلسالمي بمكة‬ ‫ œقاعدة الضرورة تقدر بقدرها وتطبيقاتها في‬
‫المكرمة في الفترة من يوم السبت ‪ 28‬ربيع اآلخر‬ ‫النوازل الطبية المعاصرة «التداوي بالمحرمات‬
‫‪1405‬هـ إلى يوم اإلثنين ‪ 7‬جمادى األولى ‪1405‬هـ‬ ‫أنموذجا»‪ ،‬مذكرة تخرج ضمن متطلبات الحصول‬ ‫ً‬
‫الموافق ‪ 1928‬يناير ‪1985‬م‪.‬‬ ‫على الماجستير‪ ،‬إعداد‪ :‬خديجة غمام عمارة‪ ،‬جامعة‬
‫الشهيد حمه لخضر‪ ،‬الوادي‪ ،‬الجزائر‪20172018 ،‬م‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ œمقصد حفظ النفس وأثره في زراعة األعضاء‬ ‫توصية عن الندوة الفقهية الطبية الثامنة للمنظمة‬
‫البشرية (دراسة فقهية وقانونية) إعداد‪ :‬محمد‬ ‫اإلسالمية للعلوم الطبية المنعقدة بدولة الكويت في‬
‫أبو اإلسعاد الطيب حسن‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬الجامعة‬ ‫الفترة من ‪1995/5/2224‬م‪ ،‬بإباحة التداوي باألنسولين‬
‫اإلسالمية الحكومية موالنا مالك إبراهيم ماالنج‪،‬‬ ‫الخنزيري المنشأ لمرضى السكري في حال الضرورة‬
‫إندونسيا‪ ،‬مايو ‪2015‬م‪.‬‬ ‫إليه‪ ،‬إذا توافرت ضوابطها الشرعية‪.‬‬
‫ œنظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬هل يجوز تحصيل أجزاء الخنزير‬
‫الوضعي‪ ،‬للدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬ ‫بغرض االستفادة منها في زراعة األعضاء؟‬
‫بيروت‪.‬‬ ‫من المعلوم أن الفقهاء اتفقوا على عدم اعتبار‬
‫ œأحكام بيع األعيان النجسة ومدى االنتفاع بها‬ ‫متقوما في حق المسلم‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫ً‬ ‫الخنزير ً‬
‫مال‬
‫وبنقل الدم والترقيعات الجلدية‪ ،‬للدكتور محمد‬ ‫شرعا في‬
‫ً‬ ‫المال في اإلسالم هو ما يمكن االنتفاع به‬
‫فالح مطلق بني صالح‪ ،‬بحث بمجلة مؤتة للبحوث‬ ‫غير الضرورات‪ ،‬والخنزير ال يمكن االنتفاع به لنجاسة‬
‫والدراسات‪ ،‬جامعة مؤتة باألردن‪ ،‬المجلد (‪ )18‬العدد‬ ‫عينه ولنهي الشارع عن بيعه‪ ،‬ويترتب على عدم اعتبار‬
‫(‪2003 ،)5‬م‪.‬‬ ‫مال عدم صحة بيعه وشرائه؛ ولذلك فقد‬ ‫الخنزير ً‬
‫ œبيع األعيان النجسة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬للدكتور‬ ‫أجمع الفقهاء على عدم صحة بيع الخنزير وشرائه‪،‬‬
‫حمدي فخري عزام‪ ،‬بجث بمجلة مؤتة للبحوث‬ ‫ولكن إذا كان بيع الخنزير وشراؤه بغرض االستفادة‬
‫والدراسات‪ ،‬جامعة مؤتة باألردن‪ ،‬المجلد (‪ )27‬العدد‬ ‫منه في زرع عضو منه في اإلنسان فهل يجوز للمسلم‬
‫(‪2012 ،)1‬م‪.‬‬ ‫تربيته والتجارة فيه لهذا الغرض؟ وهل يجوز للدولة‬
‫ œالبيوع المحرمة والمنهي عنها‪ :‬دراسة فقهية‬ ‫أن تسمح باستيراد أجزاء الخنزير لهذا الغرض؟‬
‫مقارنة‪ ،‬للدكتور عبد الناصر خضر ميالد‪ ،‬دار‬
‫الهدي النبوي‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫ببليوجرافيا الفتوى‪:‬‬
‫ œالقواعد والضوابط الفقهية ألحكام المبيع في‬ ‫يتعين على من يتصدر لإلفتاء في هذه المسألة‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬إعداد‪ :‬عبد المجيد عبد اهلل دية‪،‬‬ ‫الرجوع إلى المصادر والمظان التي تناولت البيوع‬
‫رسالة دكتوراه‪ ،‬الجامعة األردنية‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫المحرمة والمنهي عنها‪ ،‬وعرض ما جاءت به الشريعة‬
‫في ذلك األمر على مبادئ الشرع في جلب المصالح‬
‫ œأحكام االستيراد في الفقه اإلسالمي‪ ،‬إعداد‪ :‬حمد‬
‫وتحقيق مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫قبالن العازمي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬الجامعة األردنية‪،‬‬
‫‪2014‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أهم المصادر التراثية‪:‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أهم الفتاوى ذات الصلة‪:‬‬ ‫ œتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬لفخر الدين‬
‫الزيلعي الحنفي‪ ،‬ومعه حاشية الشلبي (‪،)51، 50/4‬‬
‫ œفتوى دار اإلفتاء األردنية بتاريخ ‪2014/09/18‬م بعنوان‬
‫المطبعة الكبرى األميرية‪-‬بوالق‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫«يحرم استعمال أجزاء الخنزير في الصناعات»‪.‬‬
‫ œمواهب الجليل في شرح مختصر خليل‪ ،‬للحطاب‬
‫ œفتوى دار اإلفتاء األردنية بتاريخ ‪2009/05/04‬م بعنوان‬
‫الرعيني المالكي (‪ ،)259-258 /4‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫«حكم االتجار بالخنزير في بالد المسلمين»‪.‬‬
‫ œفتح العزيز شرح الوجيز‪ ،‬ألبي القاسم عبد الكريم‬
‫ œقرار مجلس البحوث والدراسات اإلسالمية‬
‫بن محمد بن عبد الكريم الرافعي (‪ )164-158/12‬دار‬
‫بدار اإلفتاء األردنية رقم (‪ )2012/5( )173‬حكم‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫استيراد أحذية مصنوعة من جلد الخنزير‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪1433/6/25‬هـ الموافق ‪2012/5/7‬م‪.‬‬ ‫ œمجموع الفتاوى‪ ،‬ألبي العباس أحمد بن عبد الحليم‬
‫بن تيمية (‪ )276-270/24‬مجمع الملك فهد لطباعة‬
‫المصحف الشريف‪ ،‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫ œالمحلى باآلثار‪ ،‬لعلي بن أحمد بن حزم األندلسي‬
‫الظاهري (‪ )176 ،175/1‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أهم المصادر العاصرة‪:‬‬


‫ œقاعدة الضرورة تقدر بقدرها وتطبيقاتها في النوازل‬
‫أنموذجا»‪،‬‬
‫ً‬ ‫الطبية المعاصرة «التداوي بالمحرمات‬
‫إعداد‪ :‬خديجة غمام عمارة‪ ،‬جامعة الشهيد حمه‬
‫لخضر‪ ،‬الوادي‪ ،‬الجزائر‪2018-2017 ،‬م‪.‬‬

‫‪39‬‬
Fatwa world
News

40
Egypt’s Mufti and Pope
Tawadros II maintain
unbreakable Muslim-Christian
social fabric
President of the General Secretariat
for Fatwa Authorities Worldwide,
Egypt’s Grand Mufti, Dr. Shawki
Allam paid a visit early in January
2022 to the premises of The Coptic
Orthodox Cathedral in Cairo to offer
his greetings to Pope Tawadros II
on the occasion of Christmas.
Dr. Allam noted that birth of the
Prophets is a message of mercy
from God to humanity. He added
that that the Egyptian experiment
in maintaining the full citizenship
principles stands beyond the
extremists’ attempts to incite
seeds of discord among Egyptians.

"Promoting Agribusiness
for Sustainable Economic
and Social Development,"
The Muslim World League
participated in the Dakar
International Fair
The Muslim World League
participated in the Dakar
International Fair under this
year's theme, "Promoting
Agribusiness for Sustainable
Economic and Social
Development," in which MWL
promoted its recent sustainable
development initiatives &
humanitarian efforts.
Senegal’s Minister of Trade and
Consumer Affairs, visited the
MWL booth and expressed her
admiration for the organization’s
development initiatives around
Africa and the rest of the world.

41
Egypt’s Grand Mufti warns against rising rates of divorce in a recent
TV interview

In an interview with an
Egyptian satellite channel, Dr.
Shawki Allam, President of the
General Secretariat for Fatwa
Authorities Worldwide, Egypt’s
Mufti called for “the need to
use effective means to address
the problem of divorce in a way
that preserves the family and
its dignity, from deciding that
the positives should be looked
at and brought to mind, and
not to provoke battles to take
rights and evade duties, as well
as advice and guidance.”
He pointed out that “the
addiction to social media has
become one of the factors
causing the increase in divorce
cases, according to what social
and statistical studies have
proven, as each of the spouses
relented most of his time on
his device and his own virtual
world, and took it as an outlet
for him in the multiplicity of
relationships and friendships
that harm the family entity, as
well as he publishes the various
conditions of his life and private
affairs.
Allam continued: “Sharia has
instructed the spouses not to
rush to break the marital bond,
when any problem or obstacle
occurs, but they should adhere
to it, through early preventive
measures, which is the need to
treat with kindness and mercy,
good faith and moderation of
jealousy, and participation in
bearing burdens life, and the
consideration of each party to
the circumstances of the other.

42
Muslims Living in
non-Muslim Lands:
Identifying the Fiqh of
Minorities

DR. Ibrahim Negm


Secretary General for Fatwa
Authorities Worldwide

43
"The fiqh of minorities" is a new term evidences, or contrary to the fatwas
that was not investigated in the juristic of other muftis in areas where Muslims
heritage of Muslims but was coined in are the majority. Consequently, it is
response to the changing reality of the possible to say that the subject matter
times. This is confirmed by the fact of the fiqh of minorities is the juristic
that the fiqh related to these minority rulings in relation to a Muslim living in a
groups is qualitative in nature and non-Muslim land.
takes into account the relation of legal Though this fiqh is specific in terms of its
rulings to the conditions of a specific topics and problems, it operates within
group living in a specific place in light the framework of Islamic jurisprudence;
of their specific circumstances where hence, its reference is the Qur`an and
what is suitable for them may not be the Sunnah and the textual evidences
suitable for others." derived through the processes of
So, the spatial circumstances of ijma' (scholarly consensus), qiyas
these minority groups afford them, in (analogy), istihsan (equity), al-masaleh
many instances, exigent justifications al-mursalah (consideration of public
compelling a mufti to issue a fatwa interest), sad al-dhara`i' (blocking the
(legal verdict) that is contrary to means to evil), 'urf (customs), istihsab
the established opinion of his school (presumption of continuity) and the
of jurisprudence, contrary to the other evidences that serve as the
opinion he deems dominant due to its premises for scholarly opinions.

44
Many of the issues related to these or weak or anomalous opinions. On
minority groups are analogous to issues the contrary, its purpose is to take
mentioned in our juristic inherited into account the objectives of Islamic
literature; contemporary novel issues law, the fiqh of reality, the fiqh of
are considered old in genus, new in balances, the fiqh of priorities and the
class. This evidences the importance fiqh of consequences. In no way does
of collecting the fatwas and rulings this mean forfeiting the fundamentals
related to Muslim minority groups. This of Islam or infringing upon whatever
specific type of fatwas catered to the represents the identity of Islam. We
issues and needs of Muslim minorities have mentioned earlier that the fiqh of
help minorities operates within the general
Muslim minority groups live under the framework of Islamic law and does not
umbrella of Islamic law and adhere to the conflict with the fundamentals of Islam
rulings of their religion. Simultaneously, or with its identity.
they help them integrate in their
community without any dissonance
between the rulings of their faith and
the exigencies of life and in a manner
that precludes any distress, hardships
or oppression all of which are rejected
by the venerable Shari'ah. God the
Almighty says, "Allah doth not wish to
place you in a difficulty" [Qur`an 6 :5]
and "He …. Imposed no difficulties on
you in religion" [Qur`an 78 :22].
The fiqh of minorities deals with issues
related to minorities from a different
perspective because it emanates from
a different reality. It may be that the
capaciousness of opinions on matters
based on ijtihad and the existential
reality surrounding Muslims living in
non-Muslim countries dictates this
approach towards tackling issues from
a different view point.
Many researchers have asserted that
the fiqh of minorities is a new concept,
though some scholars maintain
otherwise. The legal opinion of Hanafi
scholars allowing Muslims to engage in
invalid contracts in non-Muslim lands
as well as other similar fatwas within
their school contest this view and
confirm that the change in legal rulings
according to place is a fundamental
provision in our juristic heritage.
It cannot be suggested that the
purpose of studying the fiqh of
minorities is to track dispensations

45
The fine line
between
integration
and dissolving
in non-Muslim
countries?

46
The original state of the relationship say, "Bear witness that we are Muslims
between Muslims and non-Muslims is [submitting to Him]." 3:64
based on integration and coexistence.
God says in the Quran, “O mankind, In a direct application of the previous
indeed We have created you from male verse, God says in another verse, “This
and female and made you peoples and day [all] good foods have been made
tribes that you may know one another. lawful, and the food of those who
Indeed, the most noble of you in the were given the Scripture is lawful for
sight of Allah is the most righteous you and your food is lawful for them.
of you. Indeed, Allah is Knowing and And [lawful in marriage are] chaste
Acquainted.” 49:13 women from among the believers and
chaste women from among those
Therefore, the reason for making who were given the Scripture before
people different is to get to know one you, when you have given them their
another so this differentiation and due compensation, desiring chastity,
variety which are divinely ordained is not unlawful sexual intercourse or
a tight universal system to bring and taking [secret] lovers. And whoever
bond people together without hardship. denies the faith - his work has become
God says in the Quran, “Allah does worthless, and he, in the Hereafter, will
not forbid you from those who do be among the losers.” 5:5
not fight you because of religion and Prophet Muhammad (peace be upon
do not expel you from your homes - him) in the last sermon which he
from being righteous toward them gave during performing his farewell
and acting justly toward them. Indeed, pilgrimage which was narrated by
Allah loves those who act justly Allah Jaber ibn ‘Abdullah, the Prophet said,
only forbids you from those who fight “O people your lord is one and your
you because of religion and expel father is one, there is no virtue of an
you from your homes and aid in your Arab over a non-Arab or vice versa
expulsion - [forbids] that you make and there is no virtue of a black man
allies of them. And whoever makes over a red one or vice versa except
allies of them, then it is those who are by piety” (al Baihaqi). It was reported
the wrongdoers.” 9-60:8 through al Tirmidhi that Abu Hurairah
Therefore God pointed out in the Quran narrated that Prophet Muhammad said,
that both justice and righteousness “God has casted away the arrogance
are the essential bases for dealing with and conceit of the pre Islamic period….
those who did not fight against us and you are from Adam and Adam is from
did not force us out of our houses. dust”. Therefore Muslims are required
The Arabic linguistic meaning of “Bir” to be the embodiment of mercy, fine
or righteousness encompasses all manners and coexistence with those
kinds of goodness. The Islamic Shari’ah he lives with Muslims and non Muslims
also taught us how to deal with the alike. For example with non Muslims, the
people of the book on the basis of Muslim is asked to exchange gifts with
having a common principle, God says them and greet them with welcome
in the Quran, “Say, "O People of the and respect and with a warm smile. This
Scripture, come to a word that is good behavior is called good advocacy
equitable between us and you - that to Islam which God asked Prophet
we will not worship except Allah and Muhammad to do. God says in the
not associate anything with Him and Quran, “Invite to the way of your Lord
not take one another as lords instead with wisdom and good instruction, and
of Allah ." But if they turn away, then argue with them in a way that is best.

47
Indeed, your Lord is most knowing
of who has strayed from His way,
and He is most knowing of who is
[rightly] guided.” 16:125
It is worthy to be noted that this
kind of integration should not
undermine the preservation of the
Islamic identity through abandoning
what God has ordained obligatory
or permitting what God has deemed
prohibited under the guise of
integration. This kind of act is not
integration but rather assimilation
and dissolving. If a Muslim found it
necessary under compelling reasons
to abandon an obligation or commit
a prohibited act, in this regard we
have to differentiate between two
spheres. The first sphere has to do
with definitive rulings and the second
one has to do with speculative
rulings. Definitive rulings have to do
with issues which reached Muslims’
consensus; a fact which leaves no
room for ijtiahd or independent legal
reasoning such as the obligation
of praying five times a day, paying
zakat, fasting the month of Ramadan,
the prohibition of fornication, usury,
injustice and major sins. These rulings
are constant and are not subjected
to any kind of change or alteration
and therefore a person should not
contradict these rulings by doing its
opposite unless in times and cases
of urgencies and needs.
The second sphere has to do with the
rulings that its evidence is speculative
in terms of its chain of narration or
its meaning and indication is not
definitive and the examples are
numerous on the speculative rulings.
These rulings form the realm in which
juristic scholars differ and therefore
whoever encounters an issue which
has a speculative ruling, he should
imitate the scholars which permitted
the act to facilitate his life and it is
totally permissible for him to do so.

48
Issued by the General Secretariat For Fatwa Authorities Worldwide. Issue (34), Rajab 1443 Ah.

You might also like