You are on page 1of 268

‫األستاذ الدكتور مصطفى العبد هللا الكفري‬

‫الدكتور غسان إبراهيم‬


‫جامعة دمشق – كلية االقتصاد‬

‫(االقتصاد السياسي وتاريخ األفكار االقتصادية)‬

‫مقرر لطالب السنة األولى‬


‫كلية االقتصاد – جامعة دمشق‬

‫‪2‬‬
‫مدخل إلى علم االقتصاد‬
‫(االقتصاد السياسي وتاريخ األفكار االقتصادية)‬
‫االقتصاد السياسي‬
‫الفصل األول ‪ -‬علم االقتصاد (المفاهيم األساسية‪ ،‬تعريف علم االقتصاد)‬
‫المبحث األول ‪ -‬المعرفة االقتصادية‪:‬‬
‫‪ - 1‬على المستوى الفردي‬
‫‪ -2‬على المستوى القومي‪.‬‬
‫‪ -3‬على المستوى الدولي‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬العلوم االقتصادية‪:‬‬
‫✓ االقتصاد الوصفي (التقريري )‪.‬‬
‫✓ االقتصاد المعياري ( القياسي )‪.‬‬
‫✓ االقتصاد التحليلي أو النظرية االقتصادية‪.‬‬
‫✓ االقتصاد التطبيقي‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬تعريف علم االقتصاد‪:‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬علم االقتصاد أحد فروع العلوم اإلنسانية ( االجتماعية )‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ -‬الحاجات اإلنسانية‪:‬‬
‫✓ المجموعة األولى ‪ -‬حاجات مادية ضرورية‪.‬‬
‫✓ المجموعة الثانية ‪ -‬الحاجات الثانوية‪.‬‬
‫✓ المجموعة الثالثة ‪ -‬وهي حاجات التـرف والبـذخ‪.‬‬
‫✓ مستوى ظهور الحاجات اإلنسانية‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ ( -‬المشكلة االقتصادية‪ ،‬التحليل االقتصادي‪ ،‬القوانين االقتصادية‪،‬‬
‫منهج البحث في علم االقتصاد )‬
‫المبحث األول ‪ -‬المشكلة االقتصادية‪:‬‬
‫المشكلة االقتصادية والموارد‪.‬‬ ‫•‬
‫أركان المشكلة االقتصادية‪:‬‬ ‫•‬
‫الندرة‪.‬‬ ‫✓‬
‫االختيار ( السلم التفصيلي )‪.‬‬ ‫✓‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬التحليل االقتصادي ‪:Economic Analysis‬‬
‫‪ – 1‬معيار حجم الوحدة االقتصادية ‪:Economic Unit‬‬

‫‪3‬‬
‫✓ أ ‪ -‬التحليل الكلي "‪."Macroeconomics‬‬
‫✓ ب ‪ -‬التحليل الجزئي "‪."Microeconomics‬‬
‫‪ - 2‬معيار الموضوعية‪:‬‬
‫✓ أ – االقتصاد الموضوعي ‪.Positive Economics‬‬
‫✓ ب – االقتصاد المعياري ‪.Normative Economics‬‬
‫‪ - 3‬معيار الصياغة أو األسلوب التحليلي‪:‬‬
‫✓ أ – التحليل الوصفي ‪.Verbal or Descriptive Analysis‬‬
‫✓ ب‪ -‬التحليل الرياضي "‪."Mathematical Analysis‬‬
‫✓ ج – التحليل القياسي ‪.Econometric Analysis‬‬
‫✓ د – األسلوب البياني ‪.Graphical Analysis‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬منهج البحث في علم االقتصاد‪:‬‬
‫‪ -1‬منهج التحليل والتركيب في علم االقتصاد‪.‬‬
‫‪ - 2‬منهج التجريد العلمي ‪ Abstraction‬في علم االقتصاد‪.‬‬
‫‪ - 3‬منهج االستدالل (‪ )Inference‬في علم االقتصاد‪:‬‬
‫✓ االستدالل االستقـرائي‪ :‬وهو الوصول إلى أحكام عامة بتعميم أحكام خاصة‪.‬‬
‫✓ ب‪-‬االستدالل االستنباطي‪ :‬وهو استنتاج قضايا خاصة من قضايا عامة‪.‬‬
‫‪ - 4‬استخدام النماذج االقتصادية ‪.Economic Models‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬القوانين االقتصادية‪:‬‬
‫‪ - 1‬خصائص القوانين االقتصادية‪:‬‬
‫✓ الطابع الموضوعي للقوانين االقتصادية‪.‬‬
‫✓ دور اإلنسان والقوانين االقتصادية‪.‬‬
‫✓ دور الوعي في اكتشاف القوانين االقتصادية واستخدامها‪.‬‬
‫✓ الصلة المباشرة بين السبب والنتيجة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنواع القوانين االقتصادية‪:‬‬
‫✓ القوانين االقتصادية العامة (‪.)The General Economic Lows‬‬
‫✓ ب‪-‬القوانين االقتصادية الخاصة (النوعية)(‪.)The Specific Economic Laws‬‬
‫✓ ج – القوانين االقتصادية المشتركة (‪.)Common Economic Laws‬‬
‫✓ د‪ -‬القوانين االقتصادية الناتجة عن تأثير البنية الفوقية‪.‬‬
‫‪ - 3‬القانون االقتصادي األساسي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل الثالث ‪ -‬قوى اإلنتاج االجتماعية‬
‫المبحث األول ‪ -‬القوى المنتجة‪:‬‬
‫‪ - 1‬العمل ‪.Labor‬‬
‫‪ - 2‬موضوعات العمل‪.‬‬
‫‪ - 3‬أدوات العمل‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬عالقات اإلنتاج‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬أسلوب اإلنتاج‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬قانون توافق عالقات اإلنتاج مع قوى اإلنتاج‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ -‬عناصر اإلنتاج في النظام الرأسمالي‪ ( :‬الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم‬
‫المشروع االقتصادي في الرأسمالية )‬
‫أوالً ‪ -‬العمل‪:‬‬
‫✓ طبيعة العمل وخواصه‪:‬‬
‫✓ السكان وقوة العمل‪:‬‬
‫ثانياً ‪ -‬رأس المال‪:‬‬
‫✓ أموال اإلنتاج = رأس المال‪:‬‬
‫✓ رأس المال النقدي‪:‬‬
‫✓ جوهر الربح ومصدره‪:‬‬
‫✓ رأس المال الثابت ورأس المال المتغير‪:‬‬
‫األول ‪ -‬رأس المال الدائم‪ .‬الثاني ‪ -‬رأس المال المتداول‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬الطبيعة والموارد الطبيعية‪:‬‬
‫رابعاً ‪ -‬المنظم‪:‬‬
‫األشكال القانونية للمشروع االقتصادي‪:‬‬
‫✓ شركات األشخاص‪:‬‬
‫✓ شركات األموال "الشركات المساهمة"‪:‬‬
‫أنواع المشروعات االقتصادية‪:‬‬
‫✓ المشروع الصناعي‬
‫✓ المشروع التجاري‬
‫✓ المشروع الزراعي‬
‫الفصل الخامس ‪ -‬اإلنتاج البضاعي ومراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي‬
‫المبحث األول ‪ -‬اإلنتاج البضاعي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬مراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلنتاج البسيط " التعاون البسيط "‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلنتاج " المانفكتوري "‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلنتاج الصناعي الكبير " اإلنتاج اآللي "‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬المنافسة الحرة والرأسمالية االحتكارية‪:‬‬
‫‪ -1‬الرأسمالية ما قبل االحتكارية (المنافسة الحرة)‪.‬‬
‫‪ -2‬الرأسمالية االحتكارية‪.‬‬
‫الفصل السادس ‪ -‬الناتج االجتماعي وتجديد اإلنتاج في الرأسمالية (التراكم الرأسمالي)‬
‫المبحث األول ‪ -‬الرأسمال االجتماعي والناتج االجتماعي واإلجمالي‪:‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬تجديد اإلنتاج‪:‬‬
‫‪ -1‬تجديد اإلنتاج البسيط‪:‬‬
‫‪ - 2‬تجديد اإلنتاج الموسع‪:‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬القانون العام للتراكم الرأسمالي‪:‬‬
‫الفصل السابع ‪ -‬نظريات تفسير القيمة التبادلية وأشكالها‬
‫المبحث األول ‪ -‬القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية (خاصتا البضاعة)‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬نظريات القيمة‪:‬‬
‫✓ نظرية المنفعة والمنفعة الحدية‪.‬‬
‫✓ نظرية "القيمة في العمل"‪.‬‬
‫✓ النظرية الماركسية في القيمة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ -‬أشكال القيمة التبادلية‪:‬‬
‫‪ -1‬الشكل البسيط للقيمة التبادلية‪.‬‬
‫‪ -2‬الشكل الواسع للقيمة التبادلية‪.‬‬
‫‪ -3‬الشكل العام للقيمة التبادلية‪.‬‬
‫‪ -4‬الشكل النقدي للقيمة التبادلية‪.‬‬
‫المبحث رابع ‪ -‬قانون القيمة وعالقة التناسب بين العمل االجتماعي وقيمة البضائع وأسعارها‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ -‬النقود "والمصارف"‪:‬‬
‫‪ -1‬وظائف النقود‪.‬‬
‫‪ -2‬قانون التداول النقدي وكمية النقود الضرورية للتداول‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل الثامن ‪ -‬آلية عمل االقتصاد الرأسمالي‬
‫(تحول النقد إلى رأسمال‪ ،‬تحول قوة العمل إلى بضاعة‪ ،‬إنتاج القيمة الزائدة)‬
‫المبحث األول ‪ -‬تحول قوة العمل إلى سلعة‪:‬‬
‫‪ -1‬قيمة قوة العمل‪.‬‬
‫‪ -2‬عوامل تخفيض قيمة قوة العمل‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬تحول النقد إلى رأسمال (المعادلة العامة لرأس المال)‪:‬‬
‫‪ -1‬التداول السلعي البسيط والتداول السلعي الرأسمالي‪.‬‬
‫‪ -‬حركة رأس المال (الدورة العامة لرأس المال)‪.‬‬
‫‪ -2‬الدورة العامة لرأس المال ‪.‬‬
‫‪ -3‬رأس المال الثابت ورأس المال المتغير‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬إنتاج القيمة الزائدة في الرأسمالية‪:‬‬
‫✓ كتلة القيمة الزائدة ومعدلها‪.‬‬
‫✓ القيمة الزائدة المطلقة‪.‬‬
‫✓ القيمة الزائدة النسبية‪.‬‬
‫المبحث الرابع – السعر وآلية العرض والطلب‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬تاريخ األفكار والوقائع االقتصادية‬
‫الفصل التاسع ‪ -‬أساليب اإلنتاج في األنظمة االقتصادية االجتماعية في مرحلة ما قبل‬
‫الرأسمالية‬
‫المبحث األول ‪ -‬النظام المشاعي البدائي‬
‫أوالً ‪ -‬المشاعية البدائية أول تشكيلة اجتماعية اقتصادية‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬مراحل تطور النظام المشاعي البدائي‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬أسلوب اإلنتاج في المشاعية البدائية‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬ظهور الملكية الخاصة ‪ -‬المجتمع الطبقي واالستغالل االجتماعي‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬نظام الرق والعبودية أو النظام العبودي‬
‫أوالً ‪ -‬تطور اإلنتاج والقوى المنتجة‪:‬‬
‫ثانياً ‪ -‬اإلنتاج والتوزيع في المجتمع العبودي‪:‬‬
‫رابعاً – التناقضات الرئيسة وانحالل النظام العبودي‪:‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬النظـام اإلقطاعي‬

‫‪7‬‬
‫أوالً ‪ -‬نشوء النظام اإلقطاعي وتكونه‪:‬‬
‫ثانياً ‪ -‬مراحل تطور النظام اإلقطاعي‪:‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬تحويل الفالحين األحرار إلى أقنان‪:‬‬
‫رابعاً ‪ -‬جوهر االستغالل اإلقطاعي‪:‬‬
‫خامساً ‪ -‬تناقضات النظام اإلقطاعي وانحالله‪:‬‬
‫‪ - 1‬نتائج التحول إلى نظام الريع النقدي‪:‬‬
‫‪ - 2‬تطور القوى المنتجة‪:‬‬
‫‪ - 3‬ظهور االقتصاد السلعي ‪ -‬النقدي‪:‬‬
‫ملحق حول نمط اإلنتاج اآلسيوي‬
‫الفصل العاشر ‪ -‬األفكار االقتصادية في العصور القديمة‬
‫المبحث األول – األفكار والمشكالت االقتصادية لدى الفراعنة‪:‬‬
‫‪ -1‬نمط اإلنتاج في النظام الفرعوني‪.‬‬
‫‪ -2‬الملكية والتوزيع في المجتمع الفرعوني‪.‬‬
‫‪ -3‬التجارة في العهد الفرعوني‪.‬‬
‫المبحث الثاني – الفكر االقتصادي في اليونان القديم‪:‬‬
‫األفكار االقتصادية لدى أفالطون‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫✓ آ – السياسة والمجتمع في فكر أفالطون‪..‬‬
‫✓ ب‪ -‬نظرة أفالطون للملكية والنقود‪.‬‬
‫األفكار االقتصادية لدى أرسطو‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫✓ آ – اختالف أرسطو عن أفالطون‪.‬‬
‫✓ ب‪ -‬الرقيق‪ ،‬الملكية‪ ،‬القيمة والنقود في فكر أرسطو‪.‬‬
‫المبحث الثالث – األفكار االقتصادية في روما القديمة‪:‬‬
‫‪ - 1‬التركيب االجتماعي في روما القديمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬المفكرون الرومان (شيشرون‪ ،‬كاتون‪ ،‬فارون‪ ،‬كولوميال) واالقتصاد‬
‫الفصل الحادي عشر ‪ -‬األفكار االقتصادية في العصور الوسطى‬
‫المبحث األول ‪ -‬األفكار االقتصادية في اإلسالم (االمبرطورية العربية ـ اإلسالمية)‬
‫أوالً ‪ -‬مبادئ النظام االقتصادي في اإلسالم‪:‬‬
‫‪ -1‬مبدأ الملكية المزدوجة‪:‬‬
‫‪ -2‬مبدأ الحرية االقتصادية المحدودة‪:‬‬
‫‪ -3‬مبدأ العدالة االجتماعية‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫ثانياً ‪ -‬ابن خلدون (‪1406-1332‬م)‪( :‬أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون)‬
‫ثالثاً ‪ -‬المقريزي (‪:)1442-1364‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬األفكار االقتصادية في العصور الوسطى األوربية‪ :‬تالشي اإلقطاعية ونشوء‬
‫الرأسمالية‬
‫‪ -‬توما االكويني (‪:)1274-1225‬‬
‫الفصل الثاني عشر ‪ -‬األفكار االقتصادية في العصور الحديثة األوربية‬
‫المبحث األول ‪ -‬تشكل الرأسمالية‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬المدرسة التجارية (المركانتيلية)‪ :‬البرجوازية التجارية‬
‫ثانياً‪ -‬المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية) ‪ -‬البرجوازية العقارية‪:‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬األفكار االقتصادية في مرحلة انتصار الرأسمالية‬
‫أوالً ‪ -‬المدرسة التقليدية (الكالسيكية)‪ :‬البرجوازية الصناعية‪:‬‬
‫‪ -1‬وليم بيتي (‪:)1663-1623‬‬
‫‪ -2‬آدم سميث (‪ - )1790-1732‬موضوع االقتصاد السياسي عند سميث‪:‬‬
‫‪ -3‬ديفيد ريكاردو (‪)1823-1772‬‬
‫ثانياً ‪ -‬المدرسة االشتراكية‪:‬‬
‫االشتركية العلمية ‪ -‬كارل ماركس (‪:)1883-1818‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬األفكار االقتصادية التبريرية‪ :‬مرحلة ما قبل الرأسمالية االحتكارية‬
‫أوالً ‪ -‬المدرسة المالتوسية‪ ..‬المدرسة التشاؤمية ‪ -‬روبرت مالتوس (‪:)1836-1766‬‬
‫ثانياً ‪ -‬المدرسة الهامشية‪ -‬مدرسة المنفعة الحدية‪/‬الهامشية‪:‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬األفكار االقتصادية في مرحلة اإلمبريالية ورأسمالية الدولة االحتكارية‬
‫أوالً ‪ -‬المدرسة الكينزية‪ :‬تدخل الدولة االقتصادي ‪ -‬جون ميناردكينز (‪:)1946-1883‬‬
‫✓ النظرية العامة‬
‫✓ السياسة التمويلية والنقدية‬
‫✓ السياسة التجارية الجديدة‬
‫ثانياً ‪ -‬المدرسة الكنزية الجديدة‪:‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬المدرسة النقدية‪ :‬مدرسة شيكاغو‬
‫رابعاً ‪ -‬المدرسة المؤسسية (جون كينيث غالبريث)‪:‬‬
‫ملحق ( نهاية الليبرالية الجديدة )‬

‫‪9‬‬
‫مدخل إلى علم االقتصاد‬
‫( االقتصاد السياسي وتاريخ األفكار االقتصادية)‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫لتوضيح النشاط االقتصادي في المجتمع يمكن العودة إلى الرحلة اليومية التي يقطعها الفرد منذ‬
‫االستيقاظ في الصباح إلى أن يصل إلى مكان عمله‪ .‬فال بد للفرد من إعداد نفسه للخروج وهو يحتاج‬
‫لذلك إلى العديد من السلع والمواد التي يستخدمها في طعامه أو في االغتسال وارتداء المالبس‪.‬‬
‫ولتناول الطعام يستعمل أدوات لتجهيزه ويستعمل أدوات أخرى لتناوله‪ .‬ومصدر هذه المواد إما زراعي‬
‫وإما صناعي تم تحويله‪ .‬وفي الطريق إلى مكان عمله يستخدم إحدى وسائط النقل‪ .‬وعندما يصل‬
‫إلى مكان عمله يجده قائماً ومجه اًز بما هو الزم لممارسة نشاطه اليومي‪ .‬خالل هذه الرحلة القصيرة‬
‫نسبياً نجد أن الفرد قد استعمل أو استهلك الكثير من السلع واألدوات لتأمين حاجته‪.‬‬
‫ابتداء من هذه الرحلة الصباحية اليومية يمكن أن تتتبع رحالت أفراد آخرين ومجموعات أخرى‬
‫من األفراد‪ ،‬قاموا بالعمل وبذلوا الجهد في إنتاج السلع والخدمات التي يحتاج إليها اإلنسان في رحلته‬
‫اليومية‪ .‬والهدف من النشاط االقتصادي هو إنتاج الخيرات لتلبية حاجة اإلنسان من المأكل والملبس‬
‫والمأوى‪ ،‬ألن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء والرداء والمسكن‪ .‬ويوضح‬
‫لنا هذا األمر العالمة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة كما يأتي‪ " :‬لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه‬
‫وهو قوت يوم من الحنطة مثالً فال يحصل عليه إال بعالج كثير من الطحن والعجن والطبخ وكل‬
‫واحد من هذه األعمال الثالثة يحتاج إلى مواعين وآالت ال تتم إال بصناعات متعددة من حداد ونجار‬
‫وفاخوري‪ ،‬وهب أنه يأكله حباً من غير عالج فهو أيضاً يحتاج في تحصيله حباً إلى أعمال أخرى‬
‫أكثر من هذه الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غالف السنبل ويحتاج كل واحد من‬
‫هذه إلى آالت متعددة وصنائع كثيرة أكثر من األولى بكثير"‪ )1(.‬لذلك نلحظ أن قدرة الفرد الواحد على‬
‫تأمين حاجاته من الغذاء والملبس والمأوى غير كافية‪ ،‬فال بد من اجتماع األفراد وتعاونهم فيحصلون‬
‫بالتعاون على قدر الكفاية من الحاجة ألكثر منهم بأضعاف‪ ،‬لذلك تبدو هنا ضرورة التعاون بين‬
‫(‪)2‬‬
‫البشر لتحقيق مصالح األفراد والمجتمع وتقديم الخدمات بأيسر السبل وأفضل الشروط‪.‬‬
‫وال يتم النشاط االقتصادي في المجتمع بمعزل عن النشاطات االجتماعية األخرى‪ ،‬بل هو مرتبط‬
‫بجوانب الحياة األخرى‪ .‬فالفالح الذي يمارس نشاطاً اقتصادياً (ينتج القمح)‪ ،‬هو الفرد ذاته الذي‬
‫يمارس نشاطاً اجتماعياً داخل أسرته‪ ،‬أو من خالل عالقته بجيرانه واألسر األخرى في المجتمع‪،‬‬

‫‪ -1‬تاريخ ابن خلدون "مقدمة ابن خلدون" المجلد األول –دار البيان‪ -‬ص‪.43‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬مصطفى العبد هللا‪ ،‬علم االقتصاد والمذاهب االقتصادية‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪ .1993 ،‬مقرر لطالب السنة األولى في‬
‫كلية الشريعة – جامعة دمشق‪ .‬أنظر أيضاً‪ ،‬مقالة للمؤلف بعنوان‪ :‬حاجات اإلنسان وطرق إشباعها‪ ،‬مجلة أخبار البترول والصناعة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،192‬أبو ظبي‪ ،‬يوليو –حزيران ‪.1986‬‬

‫‪10‬‬
‫وهو الفرد نفسه الذي ينتمي إلى حزب سياسي ويمارس نشاطاً سياسياً في المجتمع‪ ،‬وقد يكون هو‬
‫الفرد نفسه الذي يمارس نشاطاً فنياً عندما ينتسب إلى إحدى الفرق ٍ‬
‫كهاو للتمثيل مثالً‪ .‬لذلك يكون‬
‫الفرد في انتمائه إلى فئة أو طبقة اجتماعية‪ ،‬هو نفسه الذي يمارس عملياً النشاط االقتصادي والنشاط‬
‫االجتماعي والنشاط السياسي في هذه الفئة أو الطبقة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫تنقسم الظواهر التي يواجهها اإلنسان في حياته إلى مجموعتين‪:‬‬
‫األولى ‪ -‬ظواهر طبيعية‪ :‬ال تأثير لإلنســان في هذه الظواهر الطبيعيةأل ألنه ال يشــارن بصــنعها‬
‫ال من قريب و ال من بعيد‪ ،‬كل ما يمكن أن يفعله اإلنس ـ ــان هو د ارس ـ ــة الظواهر الطبيعية‪ ،‬تحليلها‪،‬‬
‫إن كان هنان بعض التأثير الس ــلبي‬ ‫ومحاولة فهمها‪ ،‬وتحس ــين تعامله معها وتجنب آثارها الس ــلبية‪ ،‬و ْ‬
‫في الظواهر الطبيعية‪ ،‬لكن اإلنسان ال يستطيع إعادة صياغة الظاهرة الطبيعية أو تكوينها‪.‬‬
‫ف ــالم ــاء ظ ــاهرة طبيعي ــة ال يكون إال ب ــاتح ــاد ذرتين من الهي ــدروجين مع ذرة من األكسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجين‬
‫(‪ )H2O‬ال يمكن لإلنســان أن يعيد صــياغة الماء أو تكوينه لكنه يســتطيع تحويله من حالته الســائلة‬
‫إلى حالة غازية أو صلبة لكن التكوين يبقى ثابتا‪.‬‬
‫الثانية ‪ -‬ظواهر اجتماعية‪ :‬تتمثل الظاهرة االجتماعية بمجموع السلون االجتماعي للفرد‬
‫بحث الظاهرة‬
‫والمجتمع النابع من منظومة المثل والقيم التي يعيش ضمنها الفرد والمجتمع‪ .‬لهذا ُ‬
‫االجتماعية مرهون بفهم أسس هذا السلون االجتماعي المكون لهذه الظاهرة‪ .‬لذلك يختلف السلون‬
‫االجتماعي و منه السلون االقتصادي من منظومة اجتماعية إلى أخرى تبعاً الختالف المخزون‬
‫الثقافي والحضاري لكل منهما‪.‬‬
‫جاان اب اً من‬ ‫االقتصاااااااااااد علم ينتمي إلى مجموعاة العلوم االجتمااعياة‪ .‬وهو علم يحلال وينااق‬
‫النشاااااااا اإلنساااااااني في أي مجتمع من المجتمعات وهو الجانب االقتصااااااادي؛ أي علميات إنتاج‬
‫عاادداً كبي اًر من‬ ‫الخيرات والموارد وتبااادلهااا وتوزيعهااا واساااااااااتهالكهااا في المجتمع‪ ،‬كمااا يناااق‬
‫المتغيرات االقتصااادية كاالسااتهالال واالسااتثمار والنقود واألسااعار‪ ،‬ومورااوع النظرية االقتصااادية‪،‬‬
‫واألنظمة االقتصاادية المقارنة واألعمال المختلفة للمنظمة االقتصاادية‪ .‬ويعالج أيضاا مساالة النمو‬
‫االقتصاااادي ومختلل الظواهر االقتصاااادية وال سااايما المصاااارو‪ ،‬وقوانين العمل ومساااائل العمال‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫واألسواق والتجارة بنوعيها الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫ويمكن التمييز بين فرعين رئيسين لعلم االقتصاد‪:‬‬
‫األول – االقتصــاد الجزئي ‪ Microeconomics‬الذي يناقش ويحلل ســلون المؤسـســات الفردية‬
‫المستهلك (األفراد‪ ،‬الشركات‪ ،‬التجار‪ ،‬المزارعون)‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد الحاج فراس العوران‪ ،‬االقتصاد ا‪ : Economics‬سيات ومبادئ ومفاهيم‪ ،‬الجامعة األردنية‪ ،‬منشورات عمادة البحث العلمي –‬ ‫‪3‬‬

‫عمان ‪ 1999‬ص ‪.16‬‬


‫‪4‬‬
‫ـ انظر‪.Britannica encyclopedia 1994 – 1999 ،‬‬

‫‪11‬‬
‫والث ــاني – االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الكلي ‪ Macroeconomics‬ال ــذي يركز على االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الجمعي‬
‫(التجمعات) مثل مس ــتوى الدخل القومي‪ ،‬حجم العمالة الكلية‪ ،‬تدفق االس ــتثمارات من فرع إلى آخر‪،‬‬
‫التطور االقتصـ ـ ـ ـ ــادي‪ ،‬تاريخ تطور نشـ ـ ـ ـ ــاط المنظمة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية لمدة طويلة من الزمن‪ ،‬وعالقتها‬
‫بالنشاطات والمؤسسات األخرى‪.‬‬
‫وهذا يعني أن علم االقتصـ ـ ــاد يحاول أن يجيب على طيف واسـ ـ ــع من األسـ ـ ــئلة ترتبط بالنشـ ـ ــاط‬
‫اإلنسـاني االقتصـادي الذي يشـمل اإلنتاج التبادل‪ ،‬التوزيع االسـتهالن‪ ،‬المالية العامة‪ ،‬عرض النقود‪،‬‬
‫حجم اإليداع‪ ،‬التجارة الداخلية والدولية‪ ،‬المنشـتت الزراعية والصـناعية والخدمية‪ .‬ويهتم علم االقتصـاد‬
‫بالعالقات بين البائعين والمشــترين والســوق‪ .‬يضــاف إلى كل ذلك أن لعلم االقتصــاد عالقات واســعة‬
‫مع مختلف العلوم وخاص ـ ــة العلوم االجتماعية كعلم الس ـ ــياس ـ ــة والقانون وعلم الس ـ ــكان (الديمغرافيا)‪،‬‬
‫والجغرافيا والتاريخ وغيرها‪.‬‬
‫األستاذ الدكتور مصطفى العبد هللا الكفري‬
‫الدكتور غسان إبراهيم‬

‫‪12‬‬
‫الفصل األول‬
‫علم االقتصاد‬
‫(المفاهيم األساسية‪ ،‬تعريف علم االقتصاد )‬
‫لقد أدرن المفكرون منذ أقدم العصـ ـ ـ ـ ـ ــور الدور الهام لالقتصـ ـ ـ ـ ـ ــاد والعمران‪ .‬ثم درس ـ ـ ـ ـ ـ ـوا العوامل‬
‫االقتصادية في سلون اإلنسان‪ ،‬وما هو أثرها في التنظيم االجتماعية والتطور التاريخي للمجتمع‪.‬‬
‫بدأت الظواهر االقتصـ ـ ــادية منذ أن شـ ـ ــعر اإلنسـ ـ ــان بالحاجة‪ ،‬وبدأ يبحث عن طريقة لتلبية هذه‬
‫الحاجات بصـ ــورة عفوية‪ .‬ثم تطورت مع تطور االقتصـ ــاد ومع ازدهار الدولة وزيادة حجمها وانتظام‬
‫قوانينها وظهور الحكومة والسـ ــلطة التي ال بد من توفرها للقيام على شـ ــؤون الناس‪ ،‬وتلبية حاجاتهم‪،‬‬
‫وتـأمين متطلبـاتهم‪ .‬إن الحـالـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة التي تؤمن تلبيـة حـاجـات النـاس‪ ،‬أمر ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري لبقـاء‬
‫المجتمع والنظام االجتماعي واس ــتمرارهما‪ .‬والحكومة أو الس ــلطة الجيدة هي التي تقوم بوظيفة تأمين‬
‫الغذاء والضروريات االقتصادية الستمرار حياة اإلنسان‪.‬‬
‫وضــعت أولى الد ارســات المكرســة عن قصــد للظواهر االقتصــادية‪ ،‬في اليونان القديم‪ ،‬في القرن‬
‫الخامس والرابع قبل الميالد(‪ ،)5‬على الرغم من أن الفالسفة اليونانيين لم يدرسوا الظواهر االقتصادية‬
‫على أنها فرع مس ـ ـ ـ ـ ــتقل من فروع المعرفة‪ ،‬بل ورد ذكرها بين أبحاثهم حول الفلس ـ ـ ـ ـ ــفة والس ـ ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫واألخالق‪ .‬وتُعلمنا أش ـ ــعار هوميروس في رائعتيه "اإللياذة واألوديس ـ ــة" عن قيام حض ـ ــارة "اآلخائيين"‬
‫في القرن الثالث عش ــر حتى القرن الحادي عش ــر قبل الميالد‪ .‬عندما كانت ملكية األرض مش ــتركة‪،‬‬
‫ثم اس ـ ـ ـ ـ ــتولى عليها األقوياء وأص ـ ـ ـ ـ ــحاب النفوذ عنوة‪ ،‬حينذان ظهرت الملكية الفردية التي تقوم على‬
‫االسـ ـ ــتغالل‪ ،‬اسـ ـ ــتغالل الرقيق(‪ .)6‬ويقدم لنا التاريخ الثقافي لمختلف شـ ـ ــعوب العالم‪ ،‬الصـ ـ ــين‪ ،‬الهند‪،‬‬
‫العرب والمسـ ـ ـ ــلمين‪ ،‬أمثلة مماثلة لد ارسـ ـ ـ ــة الظواهر والمشـ ـ ـ ــكالت االقتصـ ـ ـ ــادية‪ ،‬التي تتعلق باإلنتاج‬
‫والتوزيع واالسـ ــتهالن‪ ،‬وعالقات اإلنسـ ــان وسـ ــلوكه المرتبط بعملية اإلنتاج والتوزيع‪ .‬حيث ينظر علم‬
‫االقتصــاد األولي‪ ،‬من خالل مقولة أرســطو "اإلنســان حيوان اجتماعي"‪ ،‬إلى اإلنســان بالدرجة األولى‬
‫كحيوان اجتماعي ينتج ويستهلك‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬المعرفة االقتصادية‪:‬‬
‫المعرفة االقتصادية هي مجرد إدران اإلنسان لألحداث والظواهر االقتصادية المحيطة به دون‬
‫ربط منطقي بينها‪ ،‬أو محاولة إدران سبب وجودها أو ارتباطها‪.‬‬
‫ويمكننا أن نميز بين ثالثة مستويات للمعرفة االقتصادية هي المستوى الفردي والمستوى القومي‬
‫والمستوى العالمي‪.‬‬

‫‪ -‬ويمكن أن تكون هذه الدراسات قد وضعت في وقت أبعد من ذلك‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمود يونس محمد و د‪ .‬عبد النعيم محمد مبارن‪ ،‬أساسيات علم االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية بيروت ‪ ،1985‬ص‪.15-14‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -1‬على المستوى الفردي‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫عندما تجول بخاطر اإلنسان تساؤالت عديدة منها‪:‬‬
‫‪ -‬لماذا الهواء متاح لإلنسان دون مقابل ؟ في حين أن السلع المادية األخرى لها ثمن!‬
‫‪ -‬لماذا دخل الطبيب يختلف عن دخل العامل‪ ،‬ويختلف عن دخل النجار؟‬
‫‪ -‬ما الذي يجعل جاري أكثر ماالً مني ؟‬
‫‪ -‬ما الذي يجعل الخبز أرخص من الفاكهة ؟ والفاكهة أرخص من السيارة ؟‬
‫‪ -‬لماذا العامل أو الموظف يدفع الضرائب للدولة‪ ،‬وتشاركه الدولة في دخله ؟‬
‫‪ -2‬على المستوى القومي‪:‬‬
‫– لماذا يقوم األفراد بالعمل في المزارع والمصانع والمتاجر ؟‬
‫– ما هي القوانين التي تحكم سلوكهم في العمل أو خارجه ؟‬
‫– لمااا ا ير ااب الناااس في امتالال النقود ه ومااا هي ه ا و النقوده وكيل يساااااااااتطيع الفرد‬
‫الحصول عليها ه وكياااااال يتصاااااارو بالفائل منها ه هل يكتنزو ه أم يستثمرو ه ثم أين يستثمروه‬
‫هل في الزراعة أو في الصناعة أو في العقارات! أو في مشروع يرجو من ورائه مزيداً من الربح‪.‬‬
‫– لماذا للذهب هذه القيمة وهذا البريق ؟‬
‫– ما هي المصارف المركزية والبنون التجارية ؟ وما هو دورها ؟‬
‫– لماذا تقدم الدولة الخدمات الصـ ــحية والتعليم وغيرها للمواطنين مجاناً ؟ وما جدواها؟ ثم لماذا‬
‫النقل والتخزين والترفيه ؟‬
‫‪ -3‬على المستوى الدولي‪:‬‬
‫– كيف تكون العالقات بين الدول ؟‬
‫– هي تستطيع أية دولة تحقيق االكتفاء الذاتي ؟‬
‫– كيل تتم المبادالت التجارية ه وباية عملة تتم تسااوية عملية المدفوعات ه ولما ا التجارة‬
‫الخاارجياة بدون قيود ه ولماا ا تفرل عليهاا القيود ه وما هو ميزان المدفوعات ه وما هو الفاائل‬
‫أو العجز ال ي يحققه ه‬
‫– ماذا يعني تعويم عملة في دولة ما ؟ وكيف ترتفع قيمة عملة دولة ما أو تنخفض؟‪.‬‬
‫إن هذه التســاؤالت وردت على ســبيل المثال‪ ،‬س ـواء على مســتوى الفرد‪ ،‬أو المســتوى القومي‪ ،‬أو‬
‫المسـتوى الدولي‪ ،‬وليس على سـبيل الحصـر‪ .‬وفي الحقيقة جاء كل تسـاؤل منها اسـتفسـا اًر عن حادثة‬
‫أو ظاهرة اقتصـادية أدركها اإلنسـان‪ ،‬ويبدأ معها الفكر اإلنسـاني بالبحث عن حلول وإجابات وتفسـير‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمود يونس محمد ود‪ .‬عبد النعيم محمد مبارن‪ ،‬أساسيات علم االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت‪ ،1985 ،‬ص‪ 14‬وص‪.15‬‬

‫‪14‬‬
‫لهذه الحوادث والمشـ ـ ـ ـ ـ ــكالت والتسـ ـ ـ ـ ـ ــاؤالت‪ .‬إنها المعرفة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية‪ ،‬التي تحولت الحقاً إلى علم‬
‫االقتصاد‪.‬‬
‫وعلم االقتصـ ـ ـ ــاد هو المعرفة االقتصـ ـ ـ ــادية المنظمة التي تحاول الوصـ ـ ـ ــول‪ ،‬من خالل مجموعة‬
‫الحوادث والظواهر االقتصـ ـ ـ ــادية المتشـ ـ ـ ــابهة والمتكررة‪( ،‬إلى مجموعة من الحقائق الثابتة التي تربط‬
‫بين هـذه الحوادث والظواهر بروابط منطقيـة‪ ،‬بحيـث تكون في مجموعهـا بنـاء كليـاً متنـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـاً‪ .‬وهـذه‬
‫الحقائق أو الروابط المنطقية يطلق عليها اسـ ـ ــم " القوانين ‪ ،" Laws‬وإن شـ ـ ــاع تسـ ـ ــميتها في الوقت‬
‫الحـاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وخاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في ميـدان العلوم االجتمـاع ـية باسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم " التصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات النظرية أو الفروض‬
‫‪8‬‬
‫‪.)"Hypotheses‬‬

‫مستويات المعرفة االقتصادية‬

‫المستوى الدولي‬ ‫المستوى الوطني‬ ‫المستوى الفردي‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمود يونس محمد ود‪ .‬عبد النعيم محمد مبارن‪ ،‬المصدر السابق ص‪.9‬‬

‫‪15‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬العلوم االقتصادية‪:‬‬
‫وهي علوم تبحث عن القوانين االقتصااااادية ساا اواه أكانق ه و القوانين عالقات ثابتة نساااابياً‪،‬‬
‫وقابلة للتعبير عن نفسااها بلغة إحصااائية أو ريارااية‪ ،‬أم كانق حقائق عامة وعالقات نظامية أو‬
‫بنيوية بين اإلنساان واألشاياه‪ ،‬أو بين اإلنساان واإلنساان‪ .‬وتســتخدم العلوم االقتصــادية طرائق في‬
‫البحث والتحليل مختلفة كاالس ــتدالل بنوعيه االس ــتقرائي واالس ــتنباطي‪ ،‬أو التجريد العلمي أو التحليل‬
‫والتركيب‪ ،‬أو االختزال‪ ،‬إضـ ـ ــافة إلى المالحظة النظامية للوقائع مع التحقيق اإلحصـ ـ ــائي‪ .‬لهذا يرى‬
‫البعض أنه من الخطأ تصـ ـ ـ ــور علم االقتصـ ـ ـ ــاد بالمعنى المفرد‪ ،‬حيث أفرز لنا التطور مجموعة من‬
‫العلوم‪ ،‬تسمى " العلوم االقتصادية والمالية "‪.‬‬
‫أما بالنســبة لمفهوم علم االقتصــاد‪ ،‬فيؤكد البعض اآلخر أنه يتمحور حول النظرية االقتصاادية‪.‬‬
‫وتمثل " النظرية االقتصادية" القاعدة األساسية أو الهيكلية‪ ،‬والتي تتضمن المعرفة والقوانين المنظمة‬
‫‪9‬‬
‫للنشاط االقتصادي بصفة عامة‪ ،‬في مجتمع معين‪ ،‬وفي مرحلة تاريخية معينة"‪.‬‬
‫والعلوم االقتصادية هي دراسات منظمة للقوانين الموضوعية‪ ،‬التي تتحكم بالمجتمع أثناء نشاطه‬
‫االقتصادي‪ ،‬وبذلك تسجل الوقائع في مجرى الحوادث االقتصادية كما هي دون تصرف أو تالعب‪.‬‬
‫وبذلك تكون العلوم االقتصـ ــادية عبارة عن كشـ ــف أو محاولة كشـ ــف عن حقيقة اقتصـ ــادية أو قانون‬
‫‪10‬‬
‫يتعلق بالنشاط االقتصادي‪.‬‬
‫وال بد من اإلش ــارة إلى الدعم الواض ــح الذي قدمته تقانات البحث واالس ــتدالل واالس ــتقص ــاء لعلم‬
‫علم االقتص ــاد وتنظيم المفاهيم التي يس ــتعملها‪ .‬لقد ولدت تقانات االس ــتدالل واالس ــتقص ــاء في البدء‬
‫من الحاجة لإلسهام في فهم المسائل والظواهر االقتصادية الملحة القابلة للتقويم الكمي‪.‬‬
‫وتتكون العلوم االقتصادية من ثالثة فروع أساسية‪:‬‬
‫‪ - 1‬التاريخ االقتصادي‪ :‬وهو عبارة عن دراسة األفكار والوقائع االقتصادية في زمن مضى‪.‬‬
‫‪ - 2‬االقتصاد الوصفي‪ :‬يتضمن الجغرافية االقتصادية‪ ،‬واإلحصاء االقتصادي‪.‬‬
‫‪ - 3‬االقتصاااد السااياسااي‪ :‬الذي تتفرع عنه العلوم االقتص ــادية التطبيقية‪( ،‬االقتص ــاد الزراعي‪،‬‬
‫الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعي‪ ،‬المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفي‪ ،‬اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـات العمـل‪ ،‬النقـل‪ ،‬النفط‪ ،‬التجـارة‪ ،‬المـاليـة العـامـة‪ ،‬التخطيط‬
‫ويعد االقتصـاد السـياسـي األسـاس الفلسـفي لجميع‬
‫االقتصـادي‪ ،‬العالقات االقتصـادية الدولية‪ ...‬الخ)‪ّ .‬‬
‫العلوم االقتصادية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬انظر‪ -‬د‪ .‬مصطفى رشدي شيحة‪ ،‬علم االقتصاد من خالل التحليل الجزئي‪ ،‬الدار الجامعية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،1985‬ص‪11‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬االتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬القسم األول‪ -‬العلوم االجتماعية‪ ،‬تأليف عدد من المختصين‪،‬‬
‫ترجمة جماعة من األساتذة‪ .‬اليونسكو ‪ -‬المجلد(‪ ،)1‬مطبعة جامعة دمشق ‪ ،1976‬ص‪.389‬‬

‫‪16‬‬
‫كما أن هنان محاوالت أخرى للتمييز بين فروع رئيس ـ ـ ـ ـ ـ ــة للعلوم االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادية غير الفروع التي‬
‫وردت أعاله‪ .‬تتفق أو تختلف معهــا بــدرجــات متفــاوتــة‪ .‬ومن هــذه المحــاوالت التي تميز بين الفروع‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬االقتصااد الوصافي (التقريري ) ‪ :Positive Economics‬االقتصــاد التقريري هو التحليل‬
‫االقتص ـ ــادي الذي يكتفي بتقرير واقع الحال االقتص ـ ــادي كما هو دون التعرض له بتقييم أو حكم‪ .‬و‬
‫يسـ ـ ــمى أحيانا باالقتصـ ـ ــاد الوصـ ـ ــفي ألنه يعني وصـ ـ ــف حالة معينة أو ظاهرة اقتصـ ـ ــادية محددة‪ .‬و‬
‫يتناول المشــكالت والظواهر االقتصــادية من ناحية توصــيف مظاهرها وتأصــيل أســبابها دون محاولة‬
‫اقتراح حلول لعالجها)‪.‬‬
‫‪ -‬االقتصااااد المعياري ( القياساااي ) ‪ :Normative Economics‬االقتص ـ ــاد المعياري هو‬
‫يتعدى‬
‫التحليل االقتص ــادي الذي ال يكتفي بمجرد الوص ــف وتقرير واقع الحال االقتص ــاد الدخل‪ :‬بل ّ‬
‫ذلك إلى نقد وتقييم هذا الواقع وتحديد المشـ ـ ــكالت والصـ ـ ــعوبات االقتصـ ـ ــادية وطرح البدائل والحلول‬
‫المناسـبة للمشـكلة االقتصـادية المتعامل معها من أجل الوصـول إلى نتائج أفضـل‪ .‬ولتوضـيح الفرق‬
‫بين االقتصاد التقريري واالقتصاد المعياري نورد المثال اآلتي حول موضوع توزيع الدخل‪:‬‬
‫‪ -‬االقتص ـ ـ ـ ــاد التقريري يوض ـ ـ ـ ــح لنا توزيع الدخل في دولة معينة عن طريق تحديد دخل الفرد‪،‬‬
‫وتقسـيم المجتمع إلى فئات و يحدد النسـبة المئوية التي تحصـل عليها كل فئة من فئات المجتمع من‬
‫الدخل‪ ،‬و ينتهي دوره عند تقديم البيانات و المعلومات عن توزيع الدخل‪.‬‬
‫‪ -‬أما االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد المعياري فهو يبحث في مدى عدالة توزيع الدخل بين أفراد وفئات المجتمع‬
‫وبالتالي الوســائل التي يجب اتباعها لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة في توزيع الدخل‪ ،‬فهو يقوم‬
‫بتحليل األســباب التي أدت إلى ســوء توزيع الدخل ووضــع الحلول المناســبة لتحقيق العدالة في توزيع‬
‫الدخل‪.‬‬
‫‪ -‬االقتصاااااد التحليلي أو النظرية االقتصااااادية ‪( ،Economics Theory‬يشـ ـ ــمل مجموعة‬
‫المبادئ والمفاهيم والتعريفات التي تشكل الخلفية النظرية لعلم االقتصاد )‪.‬‬
‫‪ -‬االقتصااااااااااد التطبيقي ‪( ،Applied Economics‬يش ـ ـ ـ ـ ـ ــمل حلقة الوص ـ ـ ـ ـ ـ ــل بين الفرعين‬
‫الس ـ ــابقين‪ .‬حيث يتم فيه اس ـ ــتخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدام أدوات التحليل التي تزودنا بها النظرية االقتص ـ ــادية وتطبيقها‬
‫‪11‬‬
‫لمحاولة عالج المشكالت التي يطرحها االقتصاد الوصفي)‪.‬‬
‫لم يعد العلم الحديث يقتنع عن طيبة خاطر‪ ،‬بأن التطور االقتصادي واالجتماعي ناجم عن‬
‫وتقوم األوضـ ــاع‬
‫القدر المحتوم أو القوانين الطبيعية‪ .‬فالشـ ــعوب ترغب في أن تقرر مصـ ــيرها بيدها‪ّ ،‬‬
‫االجتمـاعيـة واالقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة تقويمـاً يعجـل في الت ـق دم‪ ،‬وتحقيق مطمحهـا في ميـادين الرفـاهيـة‪ ،‬والعـدل‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫والتحص ــيل الثقافي‪ .‬والمطلوب من علم علم االقتص ــاد أن يهيل الوس ــائل لتحقيق هذه الغاية …وهذا‬
‫‪12‬‬
‫هو الدور االجتماعي لهذا العلم‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬تعريف علم االقتصاد‪:‬‬
‫كان أرسـ ــطو أول من اسـ ــتعمل كلمة "االقتصـ ــاد" وبذلك يكون معنى كلمة االقتصـ ــاد مشـ ــتقاً من‬
‫الكلمتين اليونـانيتين األولى‪" :‬أويكوس ‪ " Oikos‬وتعني المنزل‪ ،‬والثـانيـة‪" :‬نوموس ‪ " Nomo‬وتعني‬
‫القــانون‪ .‬وهــذا يعني أن أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل إلى كلمــة " اقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد " من خالل علم تــدبير المنزل‬
‫واقتصـ ــادياته‪ .‬وشـ ــاع فيما بعد اسـ ــتخدام مصـ ــطلح "االقتصـ ــاد السـ ــياسـ ــي" الذي توسـ ــع بدوره وانتشـ ــر‬
‫ليش ـ ـ ــمل األبحاث في مختلف المس ـ ـ ــائل والظواهر االقتص ـ ـ ــادية – االجتماعية‪ .‬كما ظهر مص ـ ـ ــطلح‬
‫"االقتصـ ـ ـ ـ ــاد االجتماعي"‪ ،‬الذي اسـ ـ ـ ـ ــتخدم في بعض المدارس االقتصـ ـ ـ ـ ــادية(‪ )13‬مرادفاً لمصـ ـ ـ ـ ــطلح "‬
‫االقتص ـ ـ ــاد الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــي" أو بدالً منه‪ .‬لقد جاء هذا الترادف من خالل كلمة "بوليتيكوس ‪"Politicos‬‬
‫(‪)14‬‬
‫اليونانية وتعني االجتماعي‪ ،‬في حين استخدمها بعضهم بمعنى سياسي‪.‬‬
‫نظ اًر لما لعلم االقتص ـ ــاد من أهمية خاص ـ ــة بين مجموعة العلوم االجتماعية نتس ـ ــائل ما هو إذن‬
‫علم االقتص ــاد ؟ هل هو أس ــاس العلوم االجتماعية ؟ وربما كان العلم الذي يقوم بد ارس ــة بني البش ــر‬
‫في حياتهم العادية حين يكسبون وينفقون ويستمتعون بالحياة(‪.)15‬‬
‫يالحظ وجود تباينات يسـ ــيرة بين التعريفات المقترحة لعلم االقتصـ ــاد‪ .‬ونذكر على سـ ــبيل المثال‪:‬‬
‫ش باع حاجاته المتعددة‬ ‫(االقتصـاد‪ ،‬هو العلم الذي ُيعنى بد ارسـة نشـاط اإلنسـان في سـعيه المسـتمر إل ـ‬
‫ويعرف (االقتصــاد‪ ،‬أو االقتصــاد الســياســي‪ ،‬هو د ارســة‬
‫المتزايدة باســتخدام موارده النادرة المحدودة)‪ّ .‬‬
‫تلـك األنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة التي تنطوي على تبـادل المعـامالت "سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواء النقـديـة أو غير النقـديـة" بين األفراد)‪.‬‬
‫وتعريف ثالث بأن (االقتصاد هو عمل االقتصادي)‪.‬‬
‫هذا ويمكن أن نعرف االقتصــاد بأنه‪ ( :‬الد ارســة العلمية للظواهر المتعلقة بالنشــاط االقتصــادي)‪.‬‬
‫وتعريف آخر بأن (االقتصـ ــاد‪ :‬هو مجموعة محددة‪ ،‬تاريخياً‪ ،‬من العالقات اإلنتاجية – االجتماعية‪،‬‬
‫(‪)16‬‬
‫أو هو نظام المجتمع االقتصادي‪ ،‬الذي يالئم كل مرحلة من مراحل تطور القوى المنتجة)‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تعريب د‪ .‬محمد سلمان حسن‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ ،1967‬ص‪( .61‬أوسكار النكه‬
‫اقتصادي بولوني مشهور)‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -‬وخير مثال على ذلك المدرسة االقتصادية االجتماعية البولونية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫)‪Supinski, szkola polska gospodarstwa, spolecznego (1862 – 1865‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬أوسكار النكه‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تعريب د‪ .‬محمد سلمان حسن‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ ،1967‬ص‪.74‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪ 16‬و‪.17‬‬
‫‪ -‬موجز القانون االقتصادي‪ ،‬مجموع من المؤلفين السوفييت‪ ،‬دار الجماهير‪ ،‬ص‪.414‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪18‬‬
‫ويعد االقتصـ ـ ــادي اإلنكليزي "آدم سـ ـ ــميث"‪ ،‬أحد رواد المدرسـ ـ ــة التقليدية "الكالسـ ـ ــيكية "(‪ ،)17‬من‬
‫ُ‬
‫أش ـ ـ ــهر االقتص ـ ـ ــاديين الذين كان لهم أثر كبير في تطور علم االقتص ـ ـ ــاد‪ .‬وكثير من االقتص ـ ـ ــاديين‬
‫يعدونه "أبو االقتصــاد الســياســي"‪ .‬ومن أشــهر مؤلفاته كتاب "ثروة األمم" الصــادر في عام ‪ 1776‬م‬
‫حيث يعد نقطة انطالق وتحول لعلم االقتصـ ـ ـ ـ ــاد‪ .‬والكتاب يبحث في أسـ ـ ـ ـ ــباب ثروة األمم وطبيعتها‪.‬‬
‫ويعتبر آدم س ـ ـ ــميث أن العمل البش ـ ـ ــري هو الذي يزيد في قيمة المنتوجات (نظرية القيمة – العمل)‪،‬‬
‫(‪)18‬‬
‫والطاقة البشرية هي اإلمكانية االقتصادية األولى التي تمتلكها األمم‪.‬‬
‫كما نادى سـ ــميث بضـ ــرورة تقسـ ــيم العمل وتشـ ــجيع التخصـ ــص على صـ ــعيد القطاعات أو على‬
‫الصـ ـ ـ ـ ـ ــعيد العام‪ .‬وربط عملية توزيع الدخل بنظرية "القيمة ‪ -‬العمل" ويشـ ـ ـ ـ ـ ــمل التوزيع عائد األرض‬
‫وعائد رأس المال وعائد العمل‪ .‬ويرى س ـ ــميث أن أس ـ ــاس التنمية االقتص ـ ــادية هو "تراكم رأس المال"‬
‫الناتج عن فائض اإلنتاج‪ ،‬وعدم المغاالة في االستهالن لزيادة التراكم واالستثمار‪.‬‬
‫وبعد أن قام "الفرد مارشـ ـ ــال" بنشـ ـ ــر مؤلفه "مبادئ االقتصـ ـ ــاد" في عام ‪1980‬م‪ ،‬أخذ مصـ ـ ــطلح‬
‫"االقتص ـ ــاد ‪ "Economics‬ينتش ـ ــر على نطاق واس ـ ــع‪ ،‬وخاص ـ ــة بين األوس ـ ــاط األكاديمية في الدول‬
‫التي تتحدث باللغة اإلنكليزية‪.‬‬
‫ُيعرف السـيد محمد باقر الصـدر علم االقتصـاد‪(:‬هو العلم الذي يتناول تفسـير الحياة االقتصـادية‬
‫وأحداثها وظواهرها‪ ،‬وربط تلك األحداث والظواهر باألسباب والعوامل التي تتحكم فيها) (‪.)19‬‬
‫أي إن علم االقتصـ ــاد يتناول د ارسـ ــة حاجات اإلنسـ ــان االقتصـ ــادية وطرق إشـ ــباع هذه الحاجات‬
‫(تحديد الحاجات‪ ،‬وإنتاج الس ــلع إلش ــباع الحاجات) وهذا يتض ــمن موض ــوعات العمل‪ ،‬وأدوات العمل‬
‫والعنص ـ ـ ــر البش ـ ـ ــري (قوة العمل) التي تس ـ ـ ــتطيع أن تخلق الس ـ ـ ــلع والخدمات بهدف إش ـ ـ ــباع حاجات‬
‫اإلنس ـ ــان‪ .‬وعلى الرغم من أن أحداث الحياة االقتص ـ ــادية وظواهرها موجودة منذ بدء الخليقة‪ ،‬إال أن‬
‫علم االقتصـ ـ ـ ــاد كعلم مسـ ـ ـ ــتقل حديث الوالدة‪ ،‬ووالدته مرتبطة مع بداية النظام ال أرسـ ـ ـ ــمالي منذ أربعة‬
‫قرون تقريباً‪ .‬وتجدر اإلش ـ ــارة إلى أن الفارق بين المفاهيم المختلفة لعلم االقتص ـ ــاد يمكن قياس ـ ــه إلى‬
‫حـد مـا بثالثـة معـايير هي‪ :‬معيـار المـدى المرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم لهـذا العلم‪ ،‬ومعيـار األهـداف التي يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهـدفهـا‬
‫البحث‪ ،‬ومعيار المسـ ــلمات والمناهج األسـ ــاسـ ــية التي يأخذ بها‪ .‬هذه الفروق يمكن تعليلها في الوقت‬
‫ذاته بتفضيالت شخصية وباتجاهات المذاهب المختلفة والطرق التي تقوم بالبحث‪ .‬إال أن ثمة فروقاً‬
‫قوميـة أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬يبـدو للوهلـة األولى إمكـان ردهـا إلى شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل تنظيم البحوث أكثر منـه إلى التبـاينات‬
‫اإليديولوجية‪.‬‬

‫‪ -‬المدرسة االقتصادية التقليدية "الكالسيكية " ولدت في إنكلت ار في نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬وعدت اإلطار الفكري للثورة الصناعية في‬ ‫‪17‬‬

‫أوروبا‪ ،‬وتميزت باالتجاه الليبرالي الذي ساد في هذه الفترة‪.‬‬


‫‪18‬‬
‫‪ -‬نظرية "القيمة في العمل" وهي النظرية التي عدت العمل مقياس ًا للقيمة‪ .‬أي أن سعر أية سلعة يعادل كمية العمل المبذول في إنتاج‬
‫هذه السلعة‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ -‬محمد باقر الصدر‪ ،‬اقتصادنا‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بيروت ‪ ،1986‬ص‪.28‬‬

‫‪19‬‬
‫وقد اسـتعمل ماركس وأنجلس مصـطلح "االقتصـاد السـياسـي" لتوضـيح القوانين االجتماعية إلنتاج‬
‫السـ ـ ـ ــلع وتوزيعها‪ .‬كما قام ماركس بنقد مبادئ االقتصـ ـ ـ ــاد السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي الكالسـ ـ ـ ــيكي‪ ،‬في مؤلفه رأس‬
‫المال"نقد االقتص ــاد الس ــياس ــي"‪ .‬ومنذ ذلك الحين انتظم اس ــتعمال مص ــطلح االقتص ــاد الس ــياس ــي في‬
‫(‪)20‬‬
‫أي إن االقتص ــاد الس ــياس ــي الماركس ــي (يدرس النظام االجتماعي لإلنتاج‪،‬‬ ‫األدبيات الماركس ــية‪.‬‬
‫والعالقات االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية بين النـاس أثنـاء عمليـة اإلنتـاج‪ ،‬والقوانين التي تحكم إنتـاج الخيرات المـادية‬
‫(‪)21‬‬
‫وتوزيعها وتبادلها عند جميع درجات تطور المجتمع البشري)‪.‬‬
‫عرف أوسكار النكه االقتصاد السياسي بأنه (عبارة عن دراسة للقوانين االقتصادية‪ ،‬أي دراسة‬ ‫وي ّ‬
‫ُ‬
‫العالقـات التي تحـدث بـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمرار بين عنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر العمليـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة‪ .‬وهو يؤكـد وجود القوانين‬
‫االقتصــادية‪ ،‬وطبيعتها‪ ،‬ومداها التاريخي‪ ،‬وأســلوب عملها والعالقات المتبادلة فيما بينها‪ .‬وعلى هذا‪،‬‬
‫االقتصـاد السـياسـي عبارة عن د ارسـة لمظاهر العملية االقتصـادية التي تفصـح عن نفسـها في القوانين‬
‫االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة‪ .‬وهو علم نظري "‪ "Theoretical discipline‬بـالمقـارنـة مع التـاريخ االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي‬
‫(‪)22‬‬
‫واالقتصاد الوصفي‪ ،‬اللذين يدرسان العمليات االقتصادية المتجسدة في أزمنة وأمكنة معينة)‪.‬‬
‫من خالل ما تقدم من تعاريف لعلم االقتصاد نجد أن ه و التعاريف قد ركزت على الجوانب‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬يهتم علم االقتصاد بتوزيع الموارد المتاحة بين مختلف فروع اإلنتاج بهدف إنتاج السلع‬
‫والخدمات المطلوبة و طريقة إنتاجها‪.‬‬
‫‪ -2‬علم االقتصاد هو علم االختيار و الق اررات‪ ،‬يهدف إلى حل المشكلة االقتصادية‪ .‬فالموارد‬
‫المحدودة ( الندرة ) تتطلب ضرورة االختيار وتحديد االفضليات لتلبية وإشباع أكبر قدر ممكن من‬
‫االحتياجات غير المحدودة للفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬يستخدم علم االقتصاد منهج البحث والتحليل بهدف معرفة آليات عمل األسعار‪ ،‬والناتج‪،‬‬
‫والتضخم‪ ،‬والبطالة و غير ذلك من المتغيرات االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -4‬يهتم علم االقتصاد بالمبادالت التجارية الدولية وحركة رأس المال والعمل بين مختلف دول‬
‫‪23‬‬
‫العالم‪ ،‬التصدير‪ ،‬االستيراد والمزايا النسبية التي تمتلكها كل دولة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تعريب د‪ .‬محمد سلمان حسن‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ ،1967‬ص‪.75‬‬
‫‪21‬‬
‫‪ -‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ 1987‬ص‪.4‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ -‬أحمد الحاج فراس العوران‪ ،‬االقتصاد ‪ :Economics‬سياسات ومبادئ ومفاهيم‪ ،‬الجامعة األردنية‪ ،‬منشورات عمادة البحث العلمي –‬ ‫‪23‬‬

‫عمان ‪ 1999‬ص ‪.24‬‬

‫‪20‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬علم االقتصاد أحد فروع العلوم اإلنسانية ( االجتماعية )‪:‬‬
‫تتكون مجموعة المعارف والعلوم البشـ ـ ـرية من فرعين أسـ ـ ــاسـ ـ ــيين‪ :‬الفرع األول ‪ -‬العلوم الدقيقة‬
‫والتطبيقية‪ ،‬وتش ـ ــمل الفيزياء‪ ،‬الرياض ـ ــيات‪ ،‬الكيمياء‪ ،‬الفلك‪ ..‬الخ‪ .‬وتُعنى بد ارس ـ ــة الظواهر الطبيعية‬
‫واكتشـ ــافها‪ .‬الفرع الثاني ‪ -‬العلوم االجتماعية واإلنساااانية‪ ،‬وتشـ ــمل علم النفس‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬علم‬
‫السياسة‪ ،‬علم االقتصاد … إلخ‪ .‬وتُعنى بدراسة السلون اإلنساني‪.‬‬
‫نالحظ أن علم االقتصـاد ينتمي إلى مجموعة العلوم االجتماعية ‪ ،Social Sciences‬ويختص‬
‫علم االقتصـاد‪ ،‬من بين مجموعة العلوم االجتماعية‪ ،‬بد ارسـة ذلك الجانب من السـلون اإلنسـاني الذي‬
‫يتصـل بننتاج السـلع والخدمات وتبادلها وتوزيعها واسـتهالكها‪ .‬وتجدر اإلشـارة إلى أن هذه النشـاطات‬
‫ليســت منفصــلة تماماً عن الجوانب األخرى للســلون اإلنســاني‪ ،‬ولكنها تمثل مجموعة من النشــاطات‬
‫متجانسة بدرجة كافية لتبرير دراستها منفردة‪.‬‬
‫واالقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد علم لتوفر الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع "أو مـادة الفكر" ومحتواه الـذي يـدور حولـه هـذا العلم‪ .‬وهو‬
‫عالقات اإلنســان وســلوكه المتعلق بننتاج الســلع والخيرات المادية وتوزيعها‪ .‬إضــافة إلى وجود منهج‬
‫محدد‪ ،‬يمثل ص ــورة الفكر االقتص ــادي أو القالب الذي يص ــب فيه الفكر مادته‪ .‬والمنهج هنا إما عن‬
‫طريق االس ــتدالل االس ــتنباطي " االس ــتنباط ‪ ،" Deduction‬أو عن طريق االس ــتدالل االس ــتقرائي "‬
‫االسـ ـ ــتقراء ‪ ،" Induction‬أو كليهما معاً‪ .‬إضـ ـ ــافة إلى وجود قوانين ثابتة‪ ،‬تمثل الروابط التي تربط‬
‫الظواهر التي يدرس ــها هذا العلم‪ ،‬وتحكمها بعالقات ش ــرطية مس ــتقرة‪( .‬الفروض الحتمية أو الفروض‬
‫النسبية "اإلحصائية")‪.‬‬
‫يعتمد علم االقتصاد اعتماداً كبي اًر ومتزايداً على بعض العلوم األساسية كالرياضيات واإلحصاء‪.‬‬
‫كمــا أن لــه عالقــة ولقــاء مع العلوم االجتمــاعيــة األخرى كــافــة كعلم االجتمــاع‪ ،‬والتــاريخ والجغرافيــا‬
‫والقانون وعلم النفس والســياســة … إلخ‪ .‬فعلم االقتصــاد مرتبط بعلم االجتماع‪ ،‬ألن علماء االجتماع‬
‫غير قادرين على القيام بأبحاثهم ود ارســاتهم‪ ،‬إذا لم يتزودوا بالمعلومات االقتصــادية‪ ،‬ويحتاج التاريخ‬
‫إلى التحليل االقتص ـ ـ ـ ــادي‪ ،‬حيث إن التطورات المادية‪ ،‬تس ـ ـ ـ ــتعمل كوس ـ ـ ـ ــيلة لتفس ـ ـ ـ ــير تتابع المراحل‬
‫التاريخية‪ .‬وهو مرتبط بالجغرافيا‪ ،‬ألنها تمنح المعلومات المتعلقة بالشـروط الطبيعية والبشـرية للنشـاط‬
‫االقتصــادي‪ ،‬من خالل الجغرافيا االقتصــادية‪ .‬كما أنه يوجد بين االقتصــاد والقانون عالقة وطيدة إذ‬
‫إن علم القانون يدرس القوانين التي اختارها المجتمع لنفس ـ ـ ـ ـ ــه وما كانت هذه القوانين س ـ ـ ـ ـ ــوى ترجمة‬
‫لواقع البنيات االقتصـ ـ ــادية التي تفرضـ ـ ــها على المجتمع‪ .‬لذلك نالحظ أن علم االقتصـ ـ ــاد يلتقي بكل‬
‫العلوم ويرتبط معها بشكل أو بتخر(‪.)24‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬فتح هللا ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي مدخل للدراسات االقتصادية‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بيروت‪ ،1981‬ص‪.39-37‬‬

‫‪21‬‬
‫إن غالبية االقتص ـ ــاديين يعدون أنفس ـ ــهم ملزمين أدبياً بندران أحكامهم المس ـ ــبقة الخاص ـ ــة والتزام‬
‫قواعد صــارمة فيما يتعلق بتجميع المعطيات واســتخدامها‪ .‬وعلم االقتصــاد ال يختلف من هذه الزاوية‬
‫في شـيء عن سـائر فروع العلم والمعرفة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك يالحظ وجود تباينات في ال أري بارزة‬
‫فيما يخص الدور الذي ينبغي أن ينهض به االختصـ ــاصـ ــي في علم االقتصـ ــاد‪ ،‬فبعضـ ــهم يسـ ــتهويه‬
‫هذا العلم بأمل أن يتوص ـ ــل اإلنس ـ ــان‪ ،‬عن طريق تعميق المعارف االقتص ـ ــادية‪ ،‬إلى التأثير بص ـ ــورة‬
‫أفضــل في وضــعه االقتصــادي‪ ،‬ويبرر علم االقتصــاد آنذان النتائج العملية التي يتوصــل إليها على‬
‫كل المســتويات‪ ،‬س ـواء أتعلق األمر بالنظام االقتصــادي العالمي أم بالمردود أم بالحس اإلنســاني في‬
‫اإلدارات العــامــة‪ .‬وفي الجــانــب اآلخر ينــدد اقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون آخرون بقوة بهــذا االختالط في األدوار‪،‬‬
‫ويرون فيه تخلياً من الباحث االقتصـ ــادي عن واجبه‪ ،‬الذي هو‪ ،‬حصـ ـ اًر‪ ،‬السـ ــعي للفهم ونشـ ـ ر نتائج‬
‫أبحاثه‪ ،‬تاركاً لآلخرين مهمة أخذ ما هم في حاجة إليه منها‪ ،‬من أجل غاياتهم الخاص ــة(‪ .)25‬ويعالج‬
‫االقتصــادي الظواهر االقتصــادية بصــورة عامة على مســتويين‪ :‬األول – على مسـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى الوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة‬
‫االقتصــادية (الوحدة االقتصــادية المشــروع) وهذا يعني "االقتصــاد الجزئي ‪." Micro Economics‬‬
‫الثاني ‪ -‬على مستوى االقتصاد القومي وهذا يعني " االقتصاد الكلي ‪." Macro Economics‬‬
‫على ما تقدم‪ ،‬نجد أن االقتصـ ـ ـ ــاد مزيج من أقسـ ـ ـ ــام لالقتصـ ـ ـ ــاد التحليلي واالقتصـ ـ ـ ــاد الوصـ ـ ـ ــفي‬
‫واالقتص ـ ــاد التطبيقي‪ ،‬أي مزيج من أقس ـ ــام لالقتص ـ ــاد الس ـ ــياس ـ ــي والوص ـ ــفي تطابق تقس ـ ــيم العملية‬
‫االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي ــة إلى فروع أو مظ ــاهر‪ .‬ه ــذا المزيج نحت ــاج إلي ــه في التعليم‪ ،‬وفي تنظيم األبح ــاث‬
‫والجامعات والمعاهد االقتصــادية‪ ،‬كما نحتاج إليه عندما نرغب في تدريب كادر مؤهل لالختصــاص‬
‫في المظاهر المختلفة للعملية االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية‪ .‬وطبيعي أن تعد الفروع المختلفة لالقتص ـ ـ ـ ـ ــاد التطبيقي‬
‫جزءاً من علم االقتصاد‪.‬‬
‫لم يعـد العلم الحـديـث يقتنع عن طيبـة خـاطر‪ ،‬بـأن التطور االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي واالجتمـاعي نـاجم عن‬
‫وتقوم‬
‫القدر المحتوم أو القوانين الطبيعية المزعومة‪ .‬فالشـ ـ ــعوب ترغب في أن تقرر مصـ ـ ــيرها بيدها‪ّ ،‬‬
‫األوضـ ــاع االجتماعية واالقتصـ ــادية تقويماً يعجل في التقدم‪ ،‬وتحقيق مطامحها في ميادين الرفاهية‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬والتحصـ ــيل الثقافي‪ .‬والمطلوب من علم االقتصـ ــاد أن يهيل الوسـ ــائل لتحقيق هذه الغاية…‬
‫وهذا هو الدور االجتماعي لعلم االقتصاد(‪.)26‬‬
‫وبذلك نستطيع تحديد الدور االجتماعي لعلم االقتصاد وفقاً لما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬التخلص من فكرة أن التطور االقتصادي ناجم عن القدر المحتوم‪.‬‬
‫‪ -2‬تحديد المجتمع لمستقبل التطور لنفسه‪ ،‬بنفسه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬االتجاهات الرئيسة للبحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬القسم األول – العلوم االجتماعية‪ ،‬تأليف عدد من المختصين‪،‬‬
‫ترجمة جماعة من األساتذة‪ .‬اليونسكو – المجلد(‪ ،)1‬مطبعة جامعة دمشق ‪ ،1976‬ص‪.389‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ -3‬تقويم األوضاع االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬بما يحقق وتائر عالية للنمو والتقدم‪.‬‬
‫‪ -4‬تحقيق األهـداف والطموحـات التي يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعى المجتمع لتحقيقهـا‪ ،‬في ميـادين الرفـاهيـة والتقـدم‬
‫والعدل والتحصيل الثقافي‪.‬‬
‫إن البحوث التي أجريــت حتى اآلن‪ ،‬االجتم ــاعي منه ــا والت ــاريخي واللغوي‪ ،‬بين ــت وجود مفهوم‬
‫اقتصـ ـ ـ ــادي وظواهر اقتصـ ـ ـ ــادية في كل المجتمعات‪ .‬إال أن النظم االجتماعية والمصـ ـ ـ ــطلحات التي‬
‫تصلح للداللة عليها متنوعة‪ ،‬بل إننا نجد االلتباسات تستمر حتى في اللغة الدارجة(‪.)27‬‬
‫يقوم الفرد (أو المؤسـ ـس ــة)‪ ،‬بوص ــفه منتجاً‪ ،‬بتحويل المواد الموجودة في الطبيعة بأش ــكال مختلفة‬
‫إلى س ــلع يتم بوس ــاطتها تلبية احتياجات الناس في المجتمع‪ .‬وهو بذلك يقوم بعملية اإلنتاج‪ ،‬التي ال‬
‫تتم إلى بجمع عوامل اإلنت ـ ـ ـ ـ ـ ــاج األساسية وهي‪ -1 :‬العمل‪ -2 ،‬الموارد الطبيعية‪ -3 ،‬رأس المال‬
‫(أرصـ ـ ــدة اإلنتاج كاألبنية واآلالت وغيرها)‪ .‬ويقوم المنظم (المسـ ـ ــتحدث) بجمع هذه العوامل بقصـ ـ ــد‬
‫الحصول على الربح‪.‬‬
‫أما االدخار فهو ذلك الجزء من الدخل الذي لم يس ـ ـ ــتهلك‪ ،‬وينش ـ ـ ــأ نتيجة لحرص اإلنس ـ ـ ــان على‬
‫تأمين احتياجاته المستقبلية‪ ،‬فالمستهلك ـ ـ ـ المدخر‪ ،‬الذي يتصف بالعقالنية والرشدانية‪ ،‬عليه إذاً‪ ،‬أن‬
‫يجري توزيعـاً حكيمـاً بين الـدخـل المعـد لالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن الحـالي‪ ،‬والـدخـل المـدخر لحـاجـات المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبـل‪.‬‬
‫وباإلضـ ــافة إلى ذلك‪ ،‬يثير االدخار موضـ ــوع توظيف األموال‪ ،‬أي اختيار الشـ ــكل األنسـ ــب لحفظه‪،‬‬
‫كش ـ ـراء العقارات‪ ،‬أو األس ـ ــهم أو الس ـ ــندات المالية‪ ،‬أو اإليداع في المص ـ ــارف‪ ،‬أو االحتفاظ باألموال‬
‫المدخرة بصورة سيولة نقدية‪.‬‬
‫أما االساتثمار فهو توظيف األموال في شـراء السـلع ال أرسـمالية‪ ،‬كاآلالت‪ ،‬والمعدات والتجهيزات‪،‬‬
‫والمنش ـ ــتت واألبنية‪ ،‬بقص ـ ــد اس ـ ــتخدامها في العملية اإلنتاجية‪ .‬وتقوم المؤسـ ـ ـس ـ ــات باس ـ ــتثمار أموالها‬
‫بقصد اإلفادة من إنتاجها إلى أقصى حد ممكن‪.‬‬
‫والمقص ـ ــود بالتبادل هو تبادل منتجات العمل عن طريق الشـ ـ ـراء والبيع‪ ،‬وهو فرع هام من فروع‬
‫االقتصـ ـ ــاد الوطني‪ ،‬يقوم بخدمة تداول السـ ـ ــلع نتيجة لوجود فائض اإلنتاج‪ .‬وهي العملية التي تؤدي‬
‫إلى االنتقال من االقتصاد الطبيعي إلى االقتصاد التبادلي‪.‬‬

‫استهالال‪.‬‬ ‫توزيع‬ ‫االقتصاد الطبيعي‪ :‬إنتاج‬

‫استهالال‪.‬‬ ‫توزيع‬ ‫تبادل‬ ‫االقتصاد التبادلي‪ :‬إنتاج‬

‫‪ -‬ابن خلدون مثالً يستخدم مصطلح العمران ليدل على المعرفة االقتصادية أو الظواهر االقتصادية‪ .‬انظر‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪23‬‬
‫ويعد االبتكار عمالً اقتص ـ ـ ـ ـ ــادياً مهماً‪ ،‬إذ إنه يؤدي إلى اس ـ ـ ـ ـ ــتخدام طرائق جديدة لإلنتاج تعطي‬
‫مردوداً أفض ــل‪ .‬فاس ــتعمال اآلالت البخارية في القرن الثامن عش ــر‪ ،‬واآلالت التي تعمل بالمحروقات‬
‫والكهرباء في القرن التاسـ ــع عشـ ــر‪ ،‬واسـ ــتعمال الطاقة الذرية في القرن العش ـ ـرين‪ ،‬كل هذه المنجزات‬
‫تعد ابتكارات رئيسة‪ .‬فاالبتكار وتوظيف األموال يعدان من العوامل الرئيسة للتقدم االقتصادي‪.‬‬
‫ّ‬
‫(ويســتطيع كل فرد‪ ،‬بفضــل تقساايم العمل‪ ،‬أن يتخصــص في نشــاط معين‪ ،‬وبما أنه ال يســتطيع‬
‫أن يكفي نفسه بنفسه يلجأ إلى التبادل‪ .‬إن تقسيم العمل يجعل كل إنسان أوفر إنتاجاً‪ ،‬ويجعله أيضاً‬
‫أكثر ارتباطاً بغيره‪ .‬وتتم المبادالت في األسـ ـ ـ ـ ـواق التي تقرر األس ـ ـ ـ ــعار‪ ،‬أو التناس ـ ـ ـ ــب بين الكميات‬
‫المتبادلة‪ .‬وتجري المس ــاومة على هذه األس ــعار بين المش ــتري والبائع‪ .‬ويتوقف تحديد األس ــعار على‬
‫إن هذه األســعار تتحدد بفعل قانون العرض والطلب‪ ،‬قانون‬ ‫‪28‬‬
‫نوع المنافســة الســائدة في األس ـواق)‪.‬‬
‫السوق‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -‬روجيه دوهيم‪ ،‬مدخل إلى االقتصاد‪ ،‬مصدر سابق ص‪.90‬‬

‫‪24‬‬
‫المعارف والعلوم البشرية‬

‫العععععععلعععوم الععع عععيععع عععة‬ ‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ :‬القانون‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬اآلداب‬
‫(التطبي ية)‪:‬‬
‫واللغات‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الجغرافية‪ ،‬علوم الدين‪ ،‬االقتصاد‪.‬‬

‫الطب والصيدلة‪.‬‬
‫المعرفة االقتصادية‪.‬‬

‫العلوم الهندسية‪.‬‬ ‫العلوم االقتصادية‪:‬‬

‫الرياريات‪.‬‬ ‫التاريخ اال تصا ي‪.‬‬

‫اال تصا الوصفي‪.‬‬


‫الكيمياه‪.‬‬

‫اال تصا السياسي‪:‬‬

‫الفيزياه‪.‬‬

‫تعريف علم االقتصاد‬

‫المشكلة االقتصادية‪.‬‬

‫القوانين االقتصادية‪.‬‬

‫منهج البحث في علم اال تصا‬

‫‪25‬‬
‫المبحث الخامس ‪ -‬الحاجات اإلنسانية‪:‬‬
‫من المعروف أن الحاجات اإلنسانية متعددة ومتنامية و لكل إنسان احتياجاته من السلع‬
‫والخدمات كما أن للمجتمع احتياجاته‪ .‬والتنوع والتنامي في الحاجات اإلنسانية يفيد ان تعدد كميات‬
‫ما يحتاج إليه اإلنسان من السلع والخدمات وتزايدها‪ ،‬كما يعني تنامي هذه االحتياجات وتجددها مع‬
‫مر الزمن‪.‬‬
‫ّ‬
‫علم االقتص ــاد هو العلم الذي يبحث في س ــلون اإلنس ــان المتعلق باس ــتخدام الموارد االقتص ــادية‬
‫المتاحة لتلبية وإشــباع االحتياجات والرغبات اإلنســانية المتنامية‪ ،‬أي ســلون اإلنســان المتعلق بننتاج‬
‫وتبادل وتوزيع واستهالن الخبرات المادية في المجتمع‪.‬‬
‫يشــعر اإلنســان الذي يعيش في مجتمع ما وفي مرحلة معينة من التطور التاريخي‪ ،‬بحاجته إلى‬
‫أشياء مختلفة‪ .‬فهو يحتاج إلى المأكل والملبس والمأوى‪ ،‬وأشياء عديدة أخرى‪ .‬وبعض هذه الحاجات‬
‫"‪ "Needs‬طبيعي وضـروري‪ ،‬ال بد من إشـباعه للمحافظة على الحياة‪ ،‬أما بعضـها اآلخر فينشـأ عن‬
‫حقيقة كون الناس يعيش ـ ـ ـ ـ ــون بش ـ ـ ـ ـ ــكل جماعي "المجتمع"‪ ،‬وتقرره مجموعة من العوامل المعقدة التي‬
‫تكون مـا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمى "الثقـافـة" لمجتمع معين‪ .‬وقـد تكون حـاجـات اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فرديـة "‪ "Individual‬أو‬
‫جماعية "‪( ."Collective‬وعلى الرغم من أن الحاجات اإلنس ـ ـ ــانية مس ـ ـ ــتمدة أصـ ـ ـ ـالً من الض ـ ـ ــرورة‬
‫الحياتية‪ ،‬تكون ناتجة عن وجود المجتمع ومتكيفة حس ـ ـ ــب مرحلة التطور التي بلغها ذلك المجتمع)‪.‬‬
‫(‪)29‬‬

‫وإذا كان فقدان الشـ ـ ـ ــيء والحاجة إليه يحدث ألماً في النفس‪ ،‬فنن الحصـ ـ ـ ــول على هذا الشـ ـ ـ ــيء‬
‫وتلبية حاجة اإلنسـ ـ ـ ــان يورث اللذة واالرتياح‪ .‬لذلك نالحظ أن اإلنسـ ـ ـ ــان حريص على تلبية حاجاته‪،‬‬
‫وتحقيق مأربه بأقصر الطرق‪.‬‬
‫الحاجة‪ :‬هي الشــعور بضــرورة الحصــول على شــيء ما غير متاح‪ ،‬واالحتياج هو المحور الذي‬
‫تدور عليه جميع األمور االقتصـادية‪ ،‬وبسـببه يقوم اإلنسـان بالعمل واإلنتاج‪ .‬والشـعور بالحاجة ليس‬
‫مختص ـ ـ ـ ـاً باإلنسـ ـ ـ ــان وحده بل إنه يشـ ـ ـ ــمل كل ذي حياة في هذا العالم كالنبات والحيوان‪ .‬والحاجات‬
‫البشـ ـرية متنوعة لدرجة يص ــعب حص ــرها‪ ،‬ومع ذلك يمكن تص ــنيفها حس ــب موقعها من تلبية الطباع‬
‫(‪)30‬‬
‫البشرية إلى حاجات مادية وحاجات أدبية (فكرية)‪.‬‬
‫وبذلك تكون الحاجة عبارة عن إحدى الضـرورات الطبيعية واالجتماعية الالزمة السـتمرار الحياة‬
‫المادية لإلنسان‪( .‬هي الشعور الغريزي أو العقلي الذي يدفع اإلنسان إلى إحراز ما ال غنى عنه من‬

‫‪29‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تعريب د‪ .‬محمد سلمان حسن‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ ،1967‬ص‪.64-63‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬عارف الخطيب‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬مطبعة الحكومة‪ ،‬دمشق ‪ ،1925‬ص‪.79‬‬

‫‪26‬‬
‫إما السـ ــتكمال أسـ ــباب أمنه وسـ ــعادته سـ ـواء أكان‬
‫إما لحفظ صـ ــحته و ّ‬
‫إما ألجل بقاء حياته و ّ‬
‫األشـ ــياء ّ‬
‫(‪)31‬‬
‫ذلك الشعور ناشئاً عن الرغبة أم منبعثاً عن الضرورة)‪.‬‬
‫يحتاج اإلنسـ ــان في حياته اليومية إلى عدد كبير من الحاجات منها ما هو ضـ ــروري السـ ــتمرار‬
‫حياته‪ ،‬عندما يش ــعر بالحاجة إلى الغذاء‪ ،‬أو لحفظ حياته من غوائل الطبيعة‪ ،‬عندما يش ــعر بحاجته‬
‫للمأوى‪ ،‬أو لحماية صـحته من تأثير الحر والبرد ويد أر عنه األمراض واآلالم‪ .‬باإلضـافة إلى حاجات‬
‫أخرى للدفاع عن النفس والحصـ ــول على أسـ ــباب الراحة والسـ ــعادة وهي ما تسـ ــمى الحاجات الفكرية‬
‫والثقافية وغيرها مما قض ـ ــت به تطورات الحياة والمدنية‪ ،‬وهي دائماً في تزايد مس ـ ــتمر‪ ،‬وال تقف عند‬
‫حد‪ ،‬لذلك ال توجد حدود للحاجات اإلنسـ ــانية‪ .‬فنذا أشـ ــبع اإلنسـ ــان حاجة معينة‪ ،‬فسـ ــرعان ما تظهر‬
‫حاجة أخرى‪.‬‬
‫وتلبية حاجة واحدة لإلنسان قد تحتاج إلى أكثر من سلعة واحدة (إذا أراد اإلنسان الكتابة يحتاج‬
‫إلى الورق والحبر والقلم)‪ .‬لذلك تكون الس ـ ـ ــلع متكاملة في بعض األحيان إلش ـ ـ ــباع حاجة اإلنس ـ ـ ــان‪.‬‬
‫وهذا ما يس ــمى ص ــفة (التالزم ‪ )Complementavity‬للحاجة‪ .‬كما تتنافس الس ــلع فيما بينها لتلبية‬
‫حاجة اإلنس ـ ـ ــان عن طريق وجود الس ـ ـ ــلع البديلة التي يمكن أن تلبي الحاجة نفس ـ ـ ــها‪ .‬وتقوم بالمهمة‬
‫ذاتها الصفة التنافسية‪.‬‬
‫وتختلف الحاجات في أهميتها وفي حدتها‪ ،‬كما تختلف بحس ـ ـ ـ ــب الزمان والمكان واألش ـ ـ ـ ــخاص‪.‬‬
‫(‪)32‬‬
‫ومن الص ـ ـ ــعب تقس ـ ـ ــيم الحاجات إلى ص ـ ـ ــنوف‬ ‫وللحاجات ص ـ ـ ــفة الالمحدودية "‪."Unlimited‬‬
‫محــدودة لكثرة عــددهــا وتنوعهــا‪ ،‬ولكن من الممكن تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيمهــا إلى ثالث مجموعــات رئيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هي‪:‬‬
‫الحـاجـات الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروريـة‪ ،‬الحـاجـات الثـانويـة‪ ،‬وحـاجـات الترف‪ .‬وذلـك وفقـاً ألحوال اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان المـاديـة‬
‫والمعنوية واالجتماعية‪.‬‬
‫المجموعة األولى ‪ -‬حاجات مادية ض ــرورية ال يس ــتغني عنها أحد كالطعام والشـ ـراب والكس ــوة‬
‫والمسـ ــكن‪ .‬وتظهر الحاجة للغذاء والملبس والمسـ ــكن لدى اإلنسـ ــان البدائي وكذلك لدى اإلنسـ ــان في‬
‫أكثر المجتمعات تقدماً ومدنية‪ ،‬واالختالف هنا يظهر في طرق إشـ ـ ــباع هذه الحاجات نفسـ ـ ــها‪ ،‬مثالً‬
‫اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــان البدائي يش ـ ـ ـ ـ ـ ــبع حاجته للغذاء عن طريق أكل اللحم النيء‪ ،‬ولحاجته للملبس يلبس جلود‬
‫الحيوانات البرية وفروها‪ ،‬وحاجته للمنزل يسـ ــكن في المغاور‪ ،‬في حين نرى أن اإلنسـ ــان المتحضـ ــر‬
‫وخاصـ ـ ــة في المجتمعات المتقدمة والغنية يلبي حاجته للغذاء عن طريق أغذية مختارة‪ ،‬ويلبس أزياء‬
‫مدنية مختلفة‪ ،‬ويسـ ـ ـ ـ ــكن في منازل مؤثثة جيداً‪ ،‬ومع هذا نرى اإلنسـ ـ ـ ـ ــان هذا أو ذان يلبي ويشـ ـ ـ ـ ــبع‬
‫الحاجات نفسها التي تسمى الحاجات البيولوجية‪ ،‬وهذه هي المجموعة األولى من حاجات اإلنسان‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العظم‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬مطبعة الجامعة السورية‪ ،‬دمشق ‪ ،1931‬ص‪.18‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬د‪ .‬حافظ يقظان بو حمدان‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد السياسي (االجتماعي)‪ ،‬دار يقظان للدراسات العلمية‪ ،1983 ،‬ص‪.45‬‬

‫‪27‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ -‬الحاجات الثانوية منها ما هو كمالي كالسـياحة ومشـاهدة المسـرح والسـينما‬
‫والقراءة والثقافة‪ .‬وتظهر بصـ ـ ــورة متفاوتة أو على درجات وهذا مرتبط بتطور اإلنسـ ـ ــان وعالقاته مع‬
‫بقية األفراد وتبدل األوضـ ــاع المحيطة به‪ .‬بكلمة أخرى نسـ ــتطيع القول إن مجال هذه المجموعة من‬
‫الحاجات ونوعها يكونا مرتبطين بالمســتوى الثقافي للمجتمع ويمكن تســميتها حاجات ثقافية‪ ،‬من هذه‬
‫الحاجات مثالً المسرح‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والسجاد‪ ،‬واللوحات والرحالت خارج البلد والسيارة‪ ،‬ومن السهل هنا‬
‫مالحظة أنه كلما ارتفع المستوى الثقافي لمجتمع معين ازداد حجم هذا النوع من الحاجيات‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ -‬وهي حاجات التـرف والبـذخ مثل تأسيـس النوادي والجمعيات (أدوات اللهو)‪.‬‬

‫تصنيل الحاجات اإلنسانية في مجموعات‬

‫المجموعة الثالثة ‪ -‬وهي‬ ‫المجموعة الثانية ‪-‬‬ ‫المجموعة األولى ‪-‬‬


‫حاجات التـرف والبـذخ‬ ‫الحاجات الثانوية منها ما‬ ‫حاجات مادية ضرورية ال‬
‫مثل تأسيـس النوادي‬ ‫هو كمالي كالسياحة‬ ‫يستغني عنها أحد‬
‫والجمعيات (أدوات اللهو)‪.‬‬ ‫ومشاهدة المسرح والسينما‬ ‫كالطعام والشراب والكسوة‬
‫والقراءة والثقافة‪.‬‬ ‫والمسكن‪.‬‬

‫إن التفريق بين المجموعات الثالث سـ ــالفة الذكر مسـ ــألة نسـ ــبية‪ ،‬وتختلف بحسـ ــب البنية والعمر‬
‫والزمان والمكان(‪ .)33‬ويمكن أن تكون الحاجة هي عادة مس ـ ـ ـ ــتمس ـ ـ ـ ــكة في النفوس فال بد من تلبيتها‬
‫كالتدخين‪ ،‬كما تنتشر الحاجات بين الناس بعاملي التقليد واالقتباس‪ ،‬وقد تكون الحاجة موروثة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العظم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪28‬‬
‫إن عملية تقسـ ـ ـ ــيم الحاجات إلى حاجات بيولوجية (طبيعية ضـ ـ ـ ــرورية) وحاجات ثقافية (كمالية)‬
‫إنما هي عملية نس ـ ـ ــبية أي إنه ال توجد حدود واض ـ ـ ــحة بين هذين النوعين من الحاجات في أي بلد‬
‫س ـواء أكان غنياً أم فقي اًر‪ .‬باإلضــافة إلى ذلك قد تتحول بعض الحاجات الثقافية إلى حاجات طبيعية‬
‫بيولوجية في مجتمع ما مع نمو اإلمكانات في هذا المجتمع وتطورها‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى األمور من زاوية أخرى نسـ ــتطيع أن نقسـ ــم الحاجات إلى حاجات فردية وحاجات‬
‫جماعية‪ ،‬على سـ ـ ــبيل المثال الحاجة للملبس حاجة فردية يشـ ـ ــبعها كل فرد بطريقته الخاصـ ـ ــة‪ ،‬وتعد‬
‫حاجة األمن وحاجات التس ـ ــلية‪ ،‬الطرق‪ ،‬وس ـ ــائل النقل …إلخ حاجات جماعية‪ .‬إن ظهور الحاجات‬
‫الجماعية جاء نتيجة للحياة المش ــتركة التي يعيش ــها الناس في المجتمعات‪ ،‬وتزداد هذه الحاجات مع‬
‫ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة تعقيداتها‪.‬‬
‫إن حاجات اإلنسان ذات جوانب متعددة ومستويات مختلفة‪:‬‬
‫المساتوى األول ‪ -‬في البيت واألسـرة‪ :‬وتتسـم الحاجات في هذا المسـتوى بطابع شـخصـي‪ ،‬حيث‬
‫يش ـ ــتري اإلنس ـ ــان أش ـ ــياء متنوعة لحاجاته الش ـ ــخص ـ ــية كتاباً‪ ،‬حذاء‪ ،‬فرش ـ ــاة أس ـ ــنان‪ ،‬كما يوفر المال‬
‫لقضاء إجازة في الجبال أو على ساحل البحر‪.‬‬
‫المسااااااتوى الثاني ‪ -‬في مكان العمل‪ :‬وتكتس ـ ـ ـ ــب حاجات اإلنس ـ ـ ـ ــان هنا طابعاً آخر‪ .‬فالعامل‬
‫يسـ ـ ــعى دائماً أن يشـ ـ ــتغل بالتعاون مع زمالئه في العمل في أوضـ ـ ــاع اقتصـ ـ ــادية‪ ،‬وصـ ـ ــحية‪ ،‬وتقنية‬
‫ونفسانية‪ ،‬طبيعية ومريحة‪.‬‬
‫المساااااااااتوى الثاالاث ‪ -‬األمـاكن المحيطـة بـالعمـل والمنزل‪ :‬وهي البيوت والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحـات والجـادات‬
‫المحيطة‪ ،‬ووسـ ـ ـ ــائط النقل‪ ،‬حتى تصـ ـ ـ ــل إلى الملعب والمسـ ـ ـ ــرح‪ .‬وهي حاجات ذات درجة أعلى من‬
‫المستويين األول والثاني‪.‬‬
‫المساااتوى الرابع ‪ -‬وهو مسـ ــتوى المنطقة‪ :‬وهنا تتسـ ــم الحاجات بطابع أوسـ ــع‪ ،‬تشـ ــمل تطلعات‬
‫اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان إلى صـ ـ ـ ـ ـ ــيانة الثروات الطبيعية وتحسـ ـ ـ ـ ـ ــين األحوال المناخية وتطوير الثقافة في المنطقة‬
‫المعينة‪.‬‬
‫المساااتوى الخامس ‪ -‬وهو المسـ ــتوى األعلى أي على مسـ ــتوى المجتمع بكامله‪ :‬عندما تشـ ــمل‬
‫حاجات اإلنس ـ ـ ــان ض ـ ـ ــرورة تعزيز القدرة الدفاعية للبالد‪ ،‬وتش ـ ـ ــجيع البحوث العلمية‪ ،‬وتحقيق التنمية‬
‫الشـ ـ ــاملة‪ ،‬وتطور مختلف فروع االقتصـ ـ ــاد الوطني وقطاعاته ومؤسـ ـ ـسـ ـ ــاته‪ .‬الختيار أفضـ ـ ــل الحلول‬
‫(‪)34‬‬
‫لزيادة اإلنتاج وتلبية حاجات األفراد والمجتمع المتزايدة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬أسس المعارف السياسية‪ ،‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1975‬ص‪.316‬‬

‫‪29‬‬
‫مستويات الحاجات اإلنسانية‬

‫المستوى الخامس ‪ -‬وهو المستوى األعلى أي‬


‫على مستوى المجتمع بكامله‬

‫المستوى الرابع ‪ -‬وهو مستوى المنطقة‬

‫المستوى الثالث ‪ -‬األماكن المحيطة بالعمل والمنزل‬

‫المستوى الثاني ‪ -‬في مكان العمل‬

‫المستوى األول ‪ -‬في البيت واألسرة‬

‫إذا كانت حاجة اإلنس ـ ــان ض ـ ــرورية كالجوع والعطش يس ـ ــهل عندها تحديد مقدار الس ـ ــلع الالزمة‬
‫لتلبيتها‪ .‬أما إذا كانت هذه الحاجة كمالية فننه يص ــعب تحديد مقدار الس ــلع الالزمة لتلبيتها ألن ذلك‬
‫يختلف بـاختالف أهواء النــاس وميولهم‪ .‬وال بـد لكــل من هـذه الحــاجـات من حـد إذا تجــاوزتـه مقــادير‬
‫ويس ــتثنى من هذه القاعدة النقود فننه ال يوجد حد لمقدار حاجة‬
‫الس ــلع الالزمة لس ــده ُيس ــتغنى عنها‪ُ .‬‬

‫‪30‬‬
‫اإلنس ـ ــان إليها ألنها ال تس ـ ــد حاجة واحدة لإلنس ـ ــان في عص ـ ـرنا الحاض ـ ــر وإنما تقوم بش ـ ـراء الس ـ ــلع‬
‫(‪)35‬‬
‫الالزمة كافة لسد حاجات هذا اإلنسان‪.‬‬
‫إن الحاجات اإلنسـانية في نمو وتزايد مسـتمرين والعامل األسـاسـي في عملية تلبية هذه الحاجات‬
‫هو درجة س ـ ـ ـ ـ ــيطرة اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان على الطبيعة ومقدار إخض ـ ـ ـ ـ ــاعه لمظاهر الحياة االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية فيها‪.‬‬
‫فالحاجات ال تنفصـ ـ ـ ـ ـ ــل كلياً عن نمط اإلنتاج ألن درجة إشـ ـ ـ ـ ـ ــباعها تتطور مع تطور القوى المنتجة‬
‫وعالقات اإلنتاج‪.‬‬
‫هـذه هي الحـاجـات التي يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر بهـا اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان منـذ والدتـه وحتى آخر يوم في حيـاتـه‪ ،‬ويحـاول‬
‫إش ــباعها‪ ،‬منها ما هو ض ــروري كالغذاء والملبس والمس ــكن وهي حاجة تظهر في جميع المجتمعات‬
‫المتخلف منهـا والمتطور‪ ،‬ولكن االختالف يظهر في طريقـة إشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـاع هـذه الحـاجـات إذ تختلف في‬
‫البلدان المتخلفة عنها في الدول المتقدمة‪ ،‬كما تظهر لدى اإلنسـ ـ ــان حاجات أخرى نسـ ـ ــميها حاجات‬
‫ثقافية حجمها مرتبط بالمستوى الثقافي للمجتمع‪.‬‬
‫بالنهاية نرى أن كل فرد يحاول إش ـ ـ ــباع حاجاته الفردية فور ش ـ ـ ــعوره بحاجته لها مثال ذلك يلبي‬
‫حاجته للطعام عندما يكون جائعاً‪ ،‬ولكنه ال ينس ـ ـ ـ ــى أيضـ ـ ـ ـ ـاً احتياجاته المس ـ ـ ـ ــتقبلية والتي يعرف أنه‬
‫سيحتاج إليها‪ ،‬كتأمين الطعام الذي يحتاج إليه أثناء رحلة الصيد‪ ،‬حاجة اإلنسان لأللبسة الثقيلة في‬
‫الش ـ ــتاء‪ ،‬والحاجة إلى منزل بعد أن يتم الزواج‪ ،‬إن ش ـ ــعور اإلنس ـ ــان بض ـ ــرورة تلبية الحاجات اآلنية‬
‫والحاجات المسـ ـ ـ ــتقبلية تضـ ـ ـ ــطره إلى تقسـ ـ ـ ــيم اإلمكانات التي يملك لتأمين تلبية هذه الحاجات‪ .‬كلما‬
‫انخفض ــت مخص ـص ــات تلبية الحاجات المس ــتقبلية ازدادت حص ــة تلبية الحاجات اآلنية‪ .‬ويظهر هنا‬
‫تعارض نس ــبي بين الحاجات المس ــتقبلية والحاجات اآلنية‪ ،‬ويحاول اإلنس ــان إزالة هذا التعارض عن‬
‫طريق‪ ،‬أن يقوم في كـل مرة‪ ،‬بتحـديـد كم يحتـاج لتلبيـة الحـاجـات اآلنيـة‪ ،‬وكمـا يحتـاج لتلبيـة الحـاجـات‬
‫المستقبلية‪ ،‬إن القرار في تحديد النسبة يستند إلى عدد من العوامل‪.‬‬
‫يس ـ ـ ــتخدم اإلنس ـ ـ ــان إلش ـ ـ ــباع حاجياته األش ـ ـ ــياء والمواد المناس ـ ـ ــبة‪ ،‬اللحم مثالً‪ ،‬الحذاء‪ ،‬األثاث‪،‬‬
‫الســيارة‪ ،‬الطرق … إلخ‪ .‬وهذا ما نســميه المنتجات‪ ،‬بعض هذه الســلع يظهر بشــكل جاهز وبكميات‬
‫كافية إلشـ ــباع الحاجات البشـ ـرية‪ ،‬مثال ذلك الهواء الالزم للتنفس أو أشـ ــعة الشـ ــمس لإلنارة والتدفئة‪،‬‬
‫لكي يسـتطيع اإلنسـان الحصـول على الهواء وأشـعة الشـمس ال يحتاج إلى بذل أية جهود وإنما تكون‬
‫جاهزة في الطبيعة‪ .‬وهي بالتالي ليسـ ـ ــت من المواد التي يعمل اإلنسـ ـ ــان من أجل الحصـ ـ ــول عليها‪،‬‬
‫لذلك ال يهتم االقتصـاد بمثل هذه المواد‪ .‬ويمكن تسـمية هذه السـلع‪ ،‬السـلع الحرة‪ .‬باإلضـافة إلى هذه‬
‫السـ ـ ـ ـ ـ ــلع تحيط بنا كمية كبيرة من الخيرات التي سـ ـ ـ ـ ـ ــخرتها الطبيعة لتلبية حاجات اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان ويمكن‬
‫الحصـ ــول عليها من طريق اسـ ــتخراجها (مثل الفحم) أو تكريرها (المواد الناتجة عن تكرير النفط) أو‬

‫‪35‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬عبد القادر العظم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬

‫‪31‬‬
‫مص ــنعة (مثل األحذية) أو مجمعة ومخبأة وتلبي حاجات اإلنس ــان على مدار الس ــنة (مثل الفواكه)‪،‬‬
‫هذا النوع من النشـ ـ ـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ـ ـ ــاني الذي يهدف لتأمين اإلمكانات والقوى الطبيعية الالزمة إلشـ ـ ـ ـ ــباع‬
‫حاجات اإلنسـ ــان هو ما ندعوه عملية اإلنتاج‪ ،‬والخيرات أو السـ ــلع الناتجة عن هذا النشـ ــاط نسـ ــميها‬
‫منتجات أو سـ ـ ــلعاً اقتصـ ـ ــادية‪ ،‬ومن السـ ـ ــهل أن نالحظ أن مقدار ازدياد عدد السـ ـ ــكان وزيادة وتعدد‬
‫حاجات كل فرد منهم بمقدار ما يكون اسـ ـ ــتهالن السـ ـ ــلع الحرة متاحاً في الطبيعة على نحو أسـ ـ ــرع‪،‬‬
‫وبالتالي يزداد دور السـلع االقتصـادية في تلبية حاجات اإلنسـان‪ ،‬وهي السـلع التي حصـلنا عليها من‬
‫عمليات اإلنتاج‪ ،‬ونس ـ ــتنتج مما ذكر أعاله أن كمية إش ـ ــباع الحاجات البشـ ـ ـرية ونوعه وطريقته تقرره‬
‫عملية اإلنتاج التي تعد المجال األساسي للنشاط البشري‪.‬‬
‫إن الشرط االقتصادي األساسي الستمرار حياة المجتمع‪ ،‬هو اإلنتاج المادي‪ .‬فلو افترضنا توقف‬
‫البشر عن اإلنتاج‪ ،‬فنن ألدى هذا إلى توقف الحياة البشرية‪ ،‬ألن األفراد ال يستطيعون العيش بدون‬
‫تأمين حاجاتهم األساسية (المأكل والملبس والمأوى)‪ .‬لذلك يتوجب على المجتمع القيام بالعمل‪ ،‬لصنع‬
‫الخيرات والسلع المادية‪ .‬وبذلك يعد "اإلنتاج المادي" أساس حياة المجتمع وعامل استم ارره‪.‬‬
‫(إن إنتـاج الخيرات هو الـذي يحـدد حيـاة المجتمع البشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري وتطوره‪ .‬وإنتـاج الخيرات المـاديـة ال‬
‫يبقى كمــا هو‪ ،‬بـل ينمو على الـدوام ويتطور ويزداد كمــاالً‪ .‬فمن أجـل أن يعيش النــاس يجــب عليهم‬
‫االسـ ـ ـ ـ ـ ــتمرار في إنتاج الخيرات المادية‪ ،‬مع العلم أنه يجب عليهم إنتاجها ال بالمقادير السـ ـ ـ ـ ـ ــابقة بل‬
‫بمقادير متزايدة على الدوام‪ .‬إن تطور اإلنتاج هو ض ـ ـ ـ ـ ــرورة موض ـ ـ ـ ـ ــوعية مس ـ ـ ـ ـ ــتقلة عن إرادة الناس‬
‫ورغباتهم‪ ،‬إنه قانون الحياة االجتماعية‪ .‬وهو يفسـ ــر قبل كل شـ ــيء بحاجة الناس النامية على الدوام‬
‫وبتزايد كوكبنا باسـ ــتمرار‪ .‬يواصـ ــل اإلنسـ ــان تطوره سـ ـواء من الناحية الكمية أو الكيفية‪ ،‬وهذا التطور‬
‫(‪)36‬‬
‫يتطلب خيرات مادية متزايدة على الدوام)‪.‬‬

‫‪ - 36‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تشكيالت ما قبل الرأسمالية‪ ،‬جامعة باترس لومومبا للصداقة بين الشعوب‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو‬
‫ص‪.19‬‬

‫‪32‬‬
‫العالقات المتبادلة بين العوامل األساسية لعملية اإلنتاج‬

‫اإلنسان‬ ‫الطبيعة‬

‫الموارد الحرة‬ ‫الموارد االقتصادية‬

‫الخدمات‬ ‫األدوات‬ ‫المواد‬


‫المساعدة‬

‫العمل‬ ‫موضوعات‬ ‫أدوات‬


‫العمل‬
‫العمل‬

‫عملية اإلنتاج‬ ‫وسائل اإلنتاج‬

‫الخيرات المادية (المنتجات‪ ،‬السلع والبضائع)‬

‫لالستهالال‬ ‫االستثمار‬

‫االستهالال‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫( المشكلة االقتصادية‪ ،‬التحليل االقتصادي‪ ،‬القوانين االقتصادية‪،‬‬
‫منهج البحث في علم االقتصاد )‬
‫يحاول كل فرد حل مش ــكالته االقتص ــادية بنفس ــه‪ ،‬وهو بذلك يحاول تحس ــين رفاهيته عن طريق‬
‫اســتعمال الوســائل التي يملكها بشــكل عقالني وحكيم‪ ،‬ضــمن مجتمع منظم اقتصــادياً‪ .‬ويرتبط األفراد‬
‫في هذه المجتمع بعضـ ـ ــهم ببعضـ ـ ــهم اآلخر اقتصـ ـ ــادياً‪ .‬فرفاهية أي فرد ال تتوقف على ما يقرره هو‬
‫فحسـ ـ ــب‪ ،‬بل هي مرتبطة أيضـ ـ ـاً بق اررات اآلخرين‪ .‬لذلك نرى أن الجماعات‪ ،‬وال سـ ـ ــيما الدول‪ ،‬تبذل‬
‫قص ـ ـ ـ ــارى جهدها لتنظيم النش ـ ـ ـ ــاط االقتص ـ ـ ـ ــادي ض ـ ـ ـ ــمن إطارات‪ ،‬أو وفق قواعد أقرب ما تكون إلى‬
‫الصواب‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬المشكلة االقتصادية‪:‬‬
‫تنشــأ المشاكلة االقتصاادية عندما يصــبح توافر أي مادة ( المنتجات أو الموارد )غير كاف لســد‬
‫جميع احتياجات الفرد والمجتمع‪ .‬وتدخل في هذا النطاق جميع الس ــلع االقتص ــادية التي يزيد س ــعرها‬
‫على الصـ ـ ـ ـ ـ ــفر‪ ،‬وال يمكن الحصـ ـ ـ ـ ـ ــول عليها إال بمبادلتها مع سـ ـ ـ ـ ـ ــلع أخرى‪ .‬وبذلك يتم االنتقال من‬
‫االقتصــاد الطبيعي إلى االقتصــاد التبادلي‪ .‬وتنحصــر المشاكلة االقتصاادية بصــورة رئيسـ ة بموضــوع‬
‫الفعالية في اس ـ ـ ـ ـ ــتخدام الموارد أو المنتجات النادرة‪ ،‬ولذلك يمكن القول إن علم االقتص ـ ـ ـ ـ ــاد هو علم‬
‫‪37‬‬
‫ويمكننا تحديد مجاالت الخيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‪،‬‬ ‫الخيارات الذي تفرضـ ــه ندرة وسـ ــائل تلبية احتياجات البشـ ــر‪.‬‬
‫ض ـ ـ ـ ــمن عدد من المتغيرات‪ :‬كاالسااااااتهالال‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬واالدخار‪ ،‬واالسااااااتثمار‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالبتكار‪،‬‬
‫والتوزيع و ير لك‪.‬‬
‫يواجه اإلنسان منذ وجد على هذا الكوكب ما اصطلح على تسميته (بالمشكلة االقتصادية) التي‬
‫يحاول علم االقتصاد إيجاد الحلول المناسبة لها‪ .‬و تتصف المشكلة االقتصادية بالعمومية ألنها‬
‫تواجه كل فرد في المجتمع المنتج أو المستهلك‪ ،‬وهي بنفس الوقت تواجه المجتمع في أي مرحلة من‬
‫مراحل تطوره مهما كان نوع النظام االقتصادي السائد‪ .‬كما أن أركان المشكلة االقتصادية واحدة في‬
‫مختلف المجتمعات لكن طريقة حل المشكلة االقتصادية تختلف باختالف طبيعة التنظيم االقتصادي‬
‫للمجتمع أكان رأسمالياً أم اشتراكياً أم مختلطاً‪ ،‬كما تختلف طريقة الحل باختالف نوع وكمية الموارد‬
‫االقتصادية المتاحة في المجتمع‪ ،‬و السبب األساسي في ظهور المشكلة االقتصادية في مختلف‬
‫‪38‬‬
‫المجتمعات هو عدم قدرة المجتمع على إشباع رغباته و تأمين احتياجاته المختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬روجيـه دوهيم‪ ،‬مدخـل إلى االقتصـاد‪ ،‬ت‪ .‬د‪ .‬سموحي فوق العادة‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت ‪ ،1971‬ص‪.10-9-8‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪ -‬دكتور محمود يونس‪ ،‬دكتور أحمد رمضان نعمة هللا‪ ،‬مقدمة في علم االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية بيروت ‪ ،1992‬ص ‪.30‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪34‬‬
‫فالمشكلة االقتصادية تظل قائمة طالما كانت وسائل تلبية احتياجات ورغبات الفرد والمجتمع‬
‫غير كافية‪ ،‬وإذا حال توفرت إمكانية تلبية وإشباع حاجات ورغبات الفرد والمجتمع في وضع ما فلن‬
‫تظهر أية مشكلة اقتصادية‪.‬‬
‫فالطبيعة بما تحتويه من موارد اقتصادية ال تكفي لتلبية احتياجات ورغبات الفرد والمجتمع‪ ،‬نتيجة‬
‫تجدد هذه الرغبات واالحتياجات وتنوعها وتزايدها باستمرار‪ ،‬ألنه كلما تم تلبية وإشباع رغبة ما ظهرت‬
‫لنا احتياجات ورغبات جديدة بسبب تطور الفرد والمجتمع‬
‫وتظهر المشكلة االقتصادية في أي مجتمع عندما نجد أن عناصر اإلنتاج من طبيعة ورأس‬
‫مال و ٍ‬
‫أيد عاملة ال تتوفر بشكل يؤدي إلى إشباع جميع احتياجات و رغبات األفراد والمجتمع‪ ،‬و قد‬
‫يبدو للبعض أن عناصر اإلنتاج كثيرة جداً في المجتمعات التي وصلت إلى درجة عالية من الرفاه‬
‫االقتصادي‪ ،‬لكن تنوع و تنامي احتياجات الفرد والمجتمع التي ال يقابلها موارد تؤدي إلى إشباعها‬
‫وتلبيتها‪ ،‬يؤدي إلى ظهور المشكلة االقتصادية‪ ،‬فكلما تم إشباع و تلبية احتياجات و رغبات محددة‬
‫ظهرت احتياجات و رغبات جديدة للفرد والمجتمع‪ ،‬وهذا يوضح لنا أن األمر نسبي و ليس مطلقاً‪.‬‬
‫المشكلة االقتصادية والموارد‪:‬‬
‫يمكننا تحديد المشــكلة االقتصــادية بأنها محدودية الموارد البشـرية والطبيعية المتوفرة في الطبيعة‬
‫في مواجهة االحتياجات غير المحدودة للفرد والمجتمع‪ .‬وحل المشـكلة االقتصـادية يعني التوفيق بين‬
‫احتياجات الفرد والمجتمع التي ال تقف أمامها حدود معينة‪ ،‬وبين الموارد البش ـ ـ ـرية والموارد الطبيعية‬
‫التي تتصـ ـ ــف بالمحدودية‪ ،‬وهذا يسـ ـ ــمى ( الندرة ‪ ) Scarcity‬فلو كانت الموارد المتوفرة تؤمن تلبية‬
‫جميع احتياجات الفرد والمجتمع لما ظهرت المش ــكلة االقتص ــادية‪ ،‬ولم يكن هنان حاجة لظهور علم‬
‫االقتصاد الذي يهدف قبل كل شيء إلى حل المشكلة االقتصادية‪.‬‬
‫الموارد ‪:Resources‬‬
‫تعرف الموارد بأنها المتوفر لإلنسان من مصادر سواء كانت طبيعية أم بشرية يؤدي استخدامها‬
‫إلى إنتاج السلع والخدمات التي تستخدم في تلبية االحتياجات غير المحدودة لإلنسان‪.‬‬
‫و يمكننـا أن نفرق بين نوعين من الموارد الطبيعيـة‪ ،‬األول – الموارد االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة الطبيعيـة "‬
‫‪ ،" Economic Resources‬والثاني – الموارد الحرة الطبيعية " ‪ ." Free Resources‬و تتس ـ ـ ــم‬
‫األخيرة بعدم محدوديتها أو ندرتها وبالتالي فهي ال تشــكل مشــكلة حقيقية لإلنســان‪ ،‬بيد أن توفر هذه‬
‫الموارد ال يعني أنها غير ض ــرورية لحاجات اإلنس ــان بل‪ ،‬على العكس‪ ،‬فان بعض ــها أس ــاس ــي لحياة‬
‫البشر ولعل أكبر دليل على ذلك هو الهواء و أشعة الشمس و غير ذلك‪.‬‬
‫أما الموارد االقتصادية‪ ،‬فهي في األساس موارد تتسم بالندرة والمحدودية ال تعني أن هذه الموارد‬
‫قليلة‪ ،‬وإنما المقص ـ ـ ـ ـ ـ ــود هنا أن تلك الموارد محدودة نس ـ ـ ـ ـ ـ ــبة إلى الحاجات التي يمكن أن تلبيها‪ ،‬أو‬

‫‪35‬‬
‫بمعنى آخر أنها ال تكفي إلش ــباع الحاجات المتعددة التي يمكن أن يحص ــل عليها اإلنس ــان من تلك‬
‫الموارد‪ .‬و يمكن القول بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل عـام أن للمورد شاااااااااروا ثالثاة لكي ينـدرج تحـت مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمى الموارد‬
‫االقتصادية‪ .‬الشرا األول هو الندرة أو المحدودية النسبية‪ ،‬والمقصود هنا أن المورد نادر أو محدود‬
‫نسبة إلى الحاجات التي يمكن أن يلبيها‪ ،‬إذن فالندرة هنا هي نسبة إلى االستخدامات التي يمكن أن‬
‫يخص ـ ـ ـ ــص لها هذا المورد إلنتاج س ـ ـ ـ ــلع وخدمات مختلفة‪ .‬أما الشاااااارا الثاني فهو وجود ثمن لذلك‬
‫المورد‪ .‬فالمورد االقتصـ ــادي يحتاج إلى ثمن لكي يمكن الحصـ ــول عليه‪ .‬و يرتبط الثمن هنا بالندرة‪.‬‬
‫فكلما كان المورد أكثر ندرة كلما ارتفع ثمنه لكي يعبر ذلك عن ض ـ ـ ــرورة تخص ـ ـ ــيص ـ ـ ــه لالس ـ ـ ــتخدام‬
‫األولى‪ .‬في حين أن موردا كالهواء ليس له ثمن وبالتالي فهو كما قلنا مورد غير اقتصــادي أو مورد‬
‫طبيعي حر‪ .‬أما الشاااااارا الثالث واألخير‪ ،‬فهو ارتباط الحصـ ـ ـ ـ ــول على المورد االقتصـ ـ ـ ـ ــادي بجهد‪،‬‬
‫فالهواء‪ ،‬و هو مورد غير اقتصـادي‪ ،‬ال يحتاج إلى جهد للحصـول عليه‪ ،‬فاإلنسـان يتنفس و هو نائم‬
‫أو وهو يأكل و في كل األحوال دون أن يشــعر بذلك‪ ،‬أما الحصــول على أي مورد اقتصــادي فال بد‬
‫أن يرتبط بجهد معين‪ ،‬وبالحاجة إلى وقت ينفقه للحصول عليه‪.‬‬
‫مما تقدم نجد أن الموارد تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الموارد البشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري ــة " ‪ " Human Resources‬والث ــاني‪ :‬الموارد الطبيعي ــة " ‪Natural‬‬
‫‪." Resources‬‬
‫ويمكن تصنيل الموارد كعناصر إنتاج وفقا لما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬العمال "‪ :" Labor‬والمقصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود هنـا هو الجهـد الواعي و الهـادف الـذي يبـذلـه العـامـل أثنـاء‬
‫قيامه بعملية اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -2‬األرل "‪ :" Land‬و تشـ ـ ــمل األرض و ما تحتويه من ثروات في باطنها أو على سـ ـ ــطحها‬
‫أو في المياه المحيطة بها‪.‬‬
‫‪ -3‬رأس المال "‪ :" Capital‬ويشـ ـ ـ ــمل اآلالت والمعدات والتجهيزات وكل ما صـ ـ ـ ــنعه اإلنس ـ ـ ــان‬
‫ويسـ ـ ــتخدم إلنتاج السـ ـ ــلع والخدمات‪ .‬و ال بد من التفريق بين رأس المال بالمفهوم االقتصـ ـ ــادي وهو‬
‫المذكور أعاله و بين رأس المال النقدي ( النقود )‪.‬‬
‫‪ -4‬التنظيم " ‪ :" Organization‬و تتكون هـذه من المهـارات والكفـاءات اإلداريـة التي يقوم بها‬
‫اإلنسـ ــان في سـ ــبيل إدارة وتنسـ ــيق اسـ ــتخدام عناصـ ــر اإلنتاج المذكورة أعاله السـ ــتخدامها االسـ ــتخدام‬
‫األمثل دون هدر‪ ،‬ويشار إلى من يقوم بهذا العمل عادة باسم المنظم "‪."Entrepreneur‬‬

‫‪36‬‬
‫‪39‬‬
‫أركان المشكلة االقتصادية‪:‬‬
‫للمشكلة االقتصادية التي تواجه مختلف المجتمعات ركنان أساسيان هما‪ :‬الندرة ‪،Scarcity‬‬
‫واالختيار ‪ .Choice‬وتعد الندرة السبب الرئيس في ظهور المشكلة االقتصادية لكن االختيار هو‬
‫الطريق الذي يحدد مالمحه علم االقتصاد بهدف حل المشكلة االقتصادية‪.‬‬
‫‪ - 1‬الندرة‪:‬‬
‫والمقصود بالندرة هنا ليس الندرة المطلقة بل الندرة النسبية‪ ،‬أي إن الموارد االقتصادية والمنتجات‬
‫متوفرة ولكن ليس بالكمية التي تكفي لتلبية احتياجات ورغبات األفراد والمجتمع وبذلك تعبر الندرة‬
‫عن العالقة بين الر بات واالحتياجات المتعددة والمتنامية باستمرار من جهة والموارد المحدودة‬
‫ير الكافية لتلبية االحتياجات والر بات من جهة ثانية‪ ،‬فقد تكون سلعة ما متوفرة بكمية أكبر بكثير‬
‫من سلعة ثانية‪ ،‬لكن حاجة األفراد و المجتمع للسلعة األولى أكبر بكثير من حاجته للسلعة الثانية‪،‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬الغذاء متوفر بكميات أكثر من اليورانيوم لكن احتياجات األفراد والمجتمع للغذاء أكبر‬
‫بكثير من احتياجات المجتمع لليورانيوم‪ ،‬وبذلك ال يملك المجتمع كميات من الغذاء تؤمن احتياجات‬
‫المجتمع من هذه السلعة بكاملها‪.‬‬
‫يملك المس ـ ــتهلك‪ ،‬من حيث الواقع‪ ،‬دخالً محدوداً يتيح له الحص ـ ــول على كميات وأنواع محدودة‬
‫من الســلع لتلبية احتياجاته وإرضــاء رغباته‪ .‬فنذا كان المســتهلك يتصــف بالعقالنية والرشــدانية‪ ،‬وهذا‬
‫ما يتصــف به عادة بحكم غريزته ولكن بدرجات متفاوتة‪ ،‬فننه ســيختار مجموعة من الســلع واألشــياء‬
‫التي تلبي احتياجاته وترض ـ ــي رغباته أكثر من غيرها‪ .‬وبذلك تكون مش ـ ــكلة المس ـ ــتهلك االقتص ـ ــادية‬
‫هي الحصول على الحد األعلى من الرضى وتلبية الرغبات باالستناد إلى دخل معين محدود‪.‬‬
‫‪ -2‬االختيار ( السلم التفضيلي )‪:‬‬
‫عندما تكون الموارد االقتص ـ ـ ــادية والمنتجات بأنواعها غير كافية إلش ـ ـ ــباع حاجات المجتمع‪ ،‬أي‬
‫نادرة نسـبيا يتحتم على الفرد أن يقوم بعملية االختيار ويحدد السـلع التي يحتاجها ويريد إشـباعها وفقا‬
‫ألهميتها النسـ ـ ــبية‪ .‬فيضـ ـ ــع على رأس األولويات واالحتياجات والرغبات التي يريد إشـ ـ ــباعها بالدرجة‬
‫األولى ثم الثانية‪ ،‬وهكذا‪ ..‬وهذا الترتيب ( الساالم التفضا يلي ) يش ــكل ض ــرورة بالنس ــبة لكل فرد وفقا‬
‫إلمكانياته المختلفة ( الدخل ) ووفقا لنظرته إلى المنفعة التي يحص ـ ـ ـ ــل عليها من كل منتج حس ـ ـ ـ ــب‬
‫درجة الحاجة له‪ ،‬حيث ال تس ـ ـ ـ ـ ـ ــمح إمكانياته المحدودة بنش ـ ـ ـ ـ ـ ــباع جميع احتياجاته فهو يلجأ إذا إلى‬
‫إش ـ ـ ـ ـ ــباع ما هو ض ـ ـ ـ ـ ــروري أوال‪ ،‬و من ثم يلجأ إلى إش ـ ـ ـ ـ ــباع الحاجات األخرى األقل أهمية ثم األقل‬
‫وهكذا‪..‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪37‬‬
‫كذلك األمر بالنسـ ـ ـ ــبة للمجتمع حيث إن الموارد االقتصـ ـ ـ ــادية محدودة وحاجات المجتمع متعددة‬
‫فتظهر هنا مش ــكلة االختيار أي كيف يتم اس ــتخدام الموارد االقتص ــادية المذكورة‪ .‬هل يس ــتخدمها في‬
‫تأمين السـلع االسـتهالكية التي تلبي حاجات المواطنين بشـكل مباشـر أو يلجأ إلى اسـتخدامها إلنتاج‬
‫وسائل اإلنتاج التي تستعمل فيما بعد إلنتاج السلع االستهالكية‪ .‬فالموضوع يتعلق باإلشباع المباشر‬
‫للحاجات أو اإلشـ ــباع غير المباشـ ــر عن طريق إنتاج وسـ ــائل اإلنتاج أو أن يقوم بتوزيع هذه الموارد‬
‫على التوازي فتســتخدم لتأمين الســلع االســتهالكية وإنتاج وســائل اإلنتاج بما يتفق وإســتراتيجية التنمية‬
‫التي يعتمدها ومسـتوى التطور في هذا المجتمع‪ .‬فالمجتمع يقوم بعملية مفاضـلة في تأمين احتياجاته‬
‫واحتياجات األفراد اسـ ــتنادا إلى إمكانياته وموارده االقتصـ ــادية معتمدا مبدأ االسـ ــتخدام األمثل للموارد‬
‫بحيث تؤدي إلى إشباع أفضل للحاجات‪.‬‬
‫وفي كال المسـ ـ ــتويين ( الفرد أو المجتمع ) تقود عملية االختيار المذكورة إلى عملية التضااااحية‬
‫أي إن الفرد أو المجتمع عندما يقرر إش ـ ـ ـ ـ ــباع رغبة معينة وإعطاءها األولوية يض ـ ـ ـ ـ ــطر للتنازل عن‬
‫إشباع حاجة أخرى‪ .‬فالفرد عندما يقرر إشباع الحاجات الضرورية يتنازل عن إشباع رغباته الكمالية‬
‫ولو مؤقتا‪ ،‬وكذلك األمر بالنسـ ــبة للمجتمع‪ ،‬فهو عندما يوجه موارده االقتصـ ــادية ذات االسـ ــتعماالت‬
‫البديلة إلنتاج عدد من الس ـ ـ ــلع يؤجل إنتاج س ـ ـ ــلع أخرى يحتاجها المجتمع إلى وقت الحق‪ .‬فاألرض‬
‫الزراعية مثال عندما تزرع بمحص ـ ـ ــول معين يؤجل زرع محص ـ ـ ــول آخر إلى وقت الحق وفقا ألهمية‬
‫الموارد الزراعية المحدد في سلم األولويات‪ .‬وهذا يسمى ( السلم التفصيلي )‪.‬‬

‫المشكلة االقتصادية‬

‫ال محدودية االحتياجات‬ ‫محدودية الموارد المتاحة‬

‫االختيار‬ ‫حل المشكلة االقتصادية‬ ‫الندرة‬

‫قائمة األفضليات تكلفة الفرصة البديلة‬

‫‪38‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬التحليل االقتصادي ‪:Economic Analysis‬‬
‫بهدف اكتش ــاف القوانين االقتص ــادية لحل المش ــكلة االقتص ــادية نش ــير إلى أنواع متعددة للتحليل‬
‫االقتص ـ ـ ـ ــادي‪ ،‬و تختلف أنواع التحليل االقتص ـ ـ ـ ــادي باختالف المؤش ـ ـ ـ ــر أو المعيار المس ـ ـ ـ ــتخدم في‬
‫التحليـل‪ ،‬نـذكر من هـذه المعـايير على سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـل المثـال‪ :‬معيـار حجم الوحـدة االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة‪ ،‬معيـار‬
‫الموضوعية‪ ،‬معيار الصياغة أو األسلوب التحليلي‪40 .‬‬
‫‪ – 1‬معيار حجم الوحدة االقتصادية ‪:Economic Unit‬‬
‫تشـ ــمل الوحدة االقتصاااادية المنتج وو أو المساااتهلك و يندرج تحت هذا المسـ ــمى كل من الفرد‬
‫والحكومة والمؤسـ ـس ــات بأنواعها‪ .‬ومن هنا التحليل االقتص ــادي إما أن يتناول تلك الوحدات مجتمعة‬
‫و إما أن يتناول سـلون كل وحدة على حدة‪ .‬و لذا ينقسـم التحليل االقتصـادي من حيث حجم الوحدة‬
‫االقتص ــادية إلى نوعين‪ :‬التحليل االقتصااادي الكلي " ‪ " Macroeconomics‬والتحليل االقتصااادي‬
‫الجزئي " ‪ " Microeconomic‬وهذان المص ـ ـ ـ ـ ــطلحان أخذا من المعنى الالتيني‪ ،‬حيث تعني كلمة‬
‫" ‪ " Makros‬الشيء الكلي في حين تعني كلمة " ‪ " Mikros‬الشيء الجزئي‪.‬‬
‫أ – التحليل االقتصادي الكلي " ‪:" Macroeconomics‬‬
‫يتناول التحليل االقتص ــادي الكلي د ارس ــة عمل الوحدات االقتص ــادية مجتمعة كوحدة واحدة‪،‬‬
‫أي على المسـ ـ ــتوى التجميعي أو القومي ككل‪ .‬فعلى سـ ـ ــبيل المثال تتم د ارسـ ـ ــة اإلنفاق الكلي لجميع‬
‫الوحدات االقتصـ ـ ـ ــادية المكونة لدولة ما‪ ،‬و كذلك إنتاجها الكلي والمسـ ـ ـ ــتوى العام لألسـ ـ ـ ــعار في تلك‬
‫الدولة‪ ،‬و مس ــتوى البطالة فيها و هكذا‪ .‬فاالقتص ــاد الكلي يهتم بتحليل أوجه االس ــتهالن واالس ــتثمار‬
‫واإلنفـاق الحكومي والتجـارة ال ـخارجيـة للـدولة‪ ،‬فهو يدرس مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى الطلـب والعرض الكليين والعوامل‬
‫المؤثرة فيهمـا‪ .‬كمـا يتنـاول النـاتج الكلي ومحـددات التشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغيـل و كـل مـا يتعلق بـاالقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد القومي‪.‬‬
‫فالحديث عن مسـ ــتويات البطالة والتضـ ــخم والناتج القومي واألسـ ــعار في دولة ما ككل يدخل ضـ ــمن‬
‫اختصاص دراسة التحليل االقتصادي الكلي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التحليل االقتصادي الجزئي " ‪:" Microeconomics‬‬
‫يتناول التحليل االقتصـ ـ ـ ــادي الجزئي سـ ـ ـ ــلون الوحدات الفردية – مسـ ـ ـ ــتهلك أو منتج – والعوامل‬
‫المؤثرة في الق اررات االقتص ـ ـ ـ ــادية التي تتخذها تلك الوحدات في مجال تخص ـ ـ ـ ــيص مواردها وتحقيق‬
‫أهدافها‪ .‬وهو بذلك يدرس إنفاق الفرد على سـ ـ ـ ــلعة معينة ومسـ ـ ـ ــتوى المنفعة التي يمكن أن يحصـ ـ ـ ــل‬
‫عليها في ظل إمكانياته المحدودة‪ .‬كما يتناول د ارس ـ ـ ـ ـ ــة س ـ ـ ـ ـ ــلون المنتج في تحديد أس ـ ـ ـ ـ ــعار السـ ـ ـ ـ ـ لع‬
‫والخدمات التي يقدمها وجميع الق اررات التجارية التي تسـ ـ ــاعده لتحقيق هدفه لتعظيم ربحه من موارده‬
‫المحدودة‪.‬‬

‫‪ - 40‬د‪ .‬خالد واصف الوزني و د‪ .‬أحمد حسين الرفاعي‪ ،‬مبادئ االقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار وائل للنشر عمان ‪،1999‬‬
‫ص ص ‪.37 – 32‬‬

‫‪39‬‬
‫( فالتحليل االقتص ــادي الجزئي يعنى بس ــوق س ــلعة معينة بما يس ــاهم في اإلجابة عن تس ــاؤالت‬
‫تختص بتحديد السااعر المناسـ ــب لتلك السـ ــلعة في السـ ــوق‪ .‬كما يدرس األسـ ـواق المختلفة التي يعمل‬
‫المنتج في نس ـ ـ ـ ــقها و الكيفية أو اآللية التي يقوم من خاللها ذلك المنتج بتحديد الس ـ ـ ـ ــعر الذي يعظم‬
‫أرباحه كما يجيب عن تسـاؤالت تختص بق اررات المساتهلك خاصـة في مجال الكيفية التي يوزع بها‬
‫‪41‬‬
‫دخله على مجموع السلع والخدمات بما يحقق له أعظم نفع منها جميعا )‪.‬‬
‫‪ - 2‬معيار الموروعية‪:‬‬
‫ينقسـ ـ ـ ــم التحليل االقتصـ ـ ـ ــادي وفقاً لمعيار الموضـ ـ ـ ــوعية إلى التحليل االقتصاااااادي الموراااااوعي‬
‫"‪ "Positive‬والتحليل االقتصاادي المعياري "‪ ،"Normative‬و يسـتخدم البعض مصـطلح االقتصـاد‬
‫التقريري لألول ومصـ ـ ـ ــطلح االقتصـ ـ ـ ــاد التقديري لألخير‪ .‬والهدف من هذا الفصـ ـ ـ ــل هو التفريق بين‬
‫القضـ ـ ــايا االقتصـ ـ ــادية التي ترتكز على وقائع محدودة "‪ "Facts‬وبين تلك التي تخض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع للتقدير‬
‫الشـخصي "‪."Value Judgment‬‬
‫أ – التحليل االقتصادي الموروعي ‪:Positive Economics‬‬
‫( يهتم هذا النوع بتحليل حقائق قائمة في راااوه األورااااع االقتصاااادية‪ ،‬كالحديث عن معدل‬
‫البطـالـة ومعـدل التضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخم‪ ،‬والحـديـث عن العالقـة بين الكميـة المطلوبـة واألسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـار‪ ،‬و بين الكميـة‬
‫المعروض ــة واألس ــعار وغيرها من القض ــايا التي تكاد تكون من المس ــلمات في علم االقتص ــاد‪ .‬على‬
‫ذلك نقول إن هذا الفرع من التحليل ال يخضااع ألي آراه شااخصااية قد تبرز خالفا بين االقتص ــاديين‬
‫بل هو ينصـ ــب في األسـ ــاس على النظريات االقتصـ ــادية التي ال خالف فيها‪ .‬فاالتفاق على قضـ ــايا‬
‫االقتصـ ــاد الموضـ ــوعي يكاد يكون تاما‪ ،‬بعكس الحال في االقتصـ ــاد المعياري‪ ،‬فمثال حسـ ــاب معدل‬
‫التض ـ ـ ـ ـ ــخم في األردن على أنه ‪ %2.5‬عام ‪ 1998‬دون إبداه الرأي حول ماهية هذا الرقم يأتي في‬
‫سـ ـ ـ ـ ــياق الحديث عن االقتصـ ـ ـ ـ ــاد الموضـ ـ ـ ـ ــوعي‪ .‬و كذلك الحديث عن نصـ ـ ـ ـ ــوص أي من النظريات‬
‫‪42‬‬
‫االقتصادية يندرج تحت هذا التقسيم )‪.‬‬
‫ب – التحليل االقتصادي المعياري ‪:Normative Economics‬‬
‫يدخل في سـ ـ ـ ــياق هذا الفرع عنص ـ ـ ـ ـ ار اآلراه الشاااااخصاااااية "‪ " Value Judgment‬والمعتقدات‬
‫الخاص ـ ـ ـ ـ ــة‪ .‬فالحديث عن الدعم أو إلغاؤه للطبقات متوس ـ ـ ـ ـ ــطة الدخل والفقراء موض ـ ـ ـ ـ ــوع خالف بين‬
‫االقتص ـ ــاديين‪ ،‬وس ـ ــبل معالجة العجز المالي طالما دخلت في س ـ ــجال طويل بين الخبراء‪ ،‬وس ـ ــياس ـ ــة‬
‫الحمـايـة الجمركيـة من عـدمهـا تعتبر حقال خصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـا لالختالف وإبـداء الرأي لـدى العـديـد من البـاحثين‬

‫‪ -‬د‪ .‬خالد واصف الوزني و د‪ .‬أحمد حسين الرفاعي‪ ،‬المصدر السابق ص ‪.31‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪.32‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪40‬‬
‫والمختصــين في علم االقتصــاد‪ .‬و لعل الســمة الرئيســة للقضــايا الســابقة جميعها أن التعامل معها ال‬
‫يمكن أن يخضع لقاعدة عامة أو حقائق معينة‪.‬‬
‫‪ - 3‬معيار الصيا ة أو األسلوب التحليلي‪:‬‬
‫يمكن تقسـيم األسـاليب التي يتناول بها علم االقتصـاد عرض القضـايا المختلفة المتعلقة به بأكثر‬
‫من طريقة‪ .‬مثل األسـ ـ ــلوب النظري الوصاااافي"‪ ."Verbal or Descriptive‬واألساااالوب الريارااااي‬
‫"‪ ،"Mathematical‬واألسلوب القياسي "‪ "Econometrics‬والتحليل البياني "‪."Graphical‬‬
‫أ – التحليل االقتصادي الوصفي ‪:Verbal or Descriptive Analysis‬‬
‫( قد يص ــعب في بعض األحيان التعبير عن العالقات المختلفة بطريقة كمية "‪"Quantitative‬‬
‫وفي الغالب يكون هنان حاجة للتمهيد لفهم عالقة كمية ما بصاايو وصاافية أو نظرية توصــل للقارئ‬
‫تسلسل ومنطقية العالقة المعينة‪ .‬وعليه‪ ،‬يلجأ علم االقتصاد إلى مثل هذا األسلوب التحليلي ليوضح‬
‫بعض العالقات االقتص ـ ـ ـ ــادية باس ـ ـ ـ ــتخدام نص ـ ـ ـ ــوص معينة‪ .‬بيد أن التحليل الوصاااااافي ال يخلو من‬
‫االنتقاد‪ ،‬حيث إن االسـ ـ ــتعانة به في معزل عن األسـ ـ ــاليب الكمية األخرى قد يخلق نوعا من اإلربان‬
‫لدى القارئ نتيجة لكثرة اللجوء إلى الفرضـ ـ ــيات أو لالفتقار ألسـ ـ ــلوب العرض المتسـ ـ ــلسـ ـ ــل المنطقي‬
‫‪43‬‬
‫المناسب أحيانا )‪.‬‬
‫ب‪ -‬التحليل االقتصادي الرياري "‪:"Mathematical Analysis‬‬
‫( تســتخدم األدوات الرياضــية في العادة لعرض العالقات االقتصــادية المختلفة واشــتقاقاتها‪ .‬وقد‬
‫بات ما يسـ ــمى باالقتصااااد الرياراااي "‪ "Mathematical Economics‬فرعاً رئيس ـ ـاً من فروع علم‬
‫االقتص ـ ــاد‪ ،‬و أص ـ ــبحت الد ارس ـ ــات االقتص ـ ــادية المتقدمة جميعها تعتمد على قدر كبير من المعرفة‬
‫الرياضية‪.‬‬
‫وال يعني اللجوء إلى التحليل الرياض ـ ـ ــي تراجع أهمية التحليل الوص ـ ـ ــفي‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬يغدو‬
‫األخير مس ــاعدا رئيس ــا لتحليل النتائج المختلفة للقض ــايا االقتص ــادية التي توض ــح أو تعالج رياض ــيا‪.‬‬
‫وعليه تظل العالقات الرياضـ ـ ــية رغم أهميتها في توضـ ـ ــيح األشـ ـ ــكال المختلفة للعالقات االقتصـ ـ ــادية‬
‫‪44‬‬
‫قاصرة إذا غابت المقدرة على تحليل النتائج وصياغتها وصفيا بالشكل السليم والمفهوم اقتصاديا‪.‬‬
‫ج – التحليل االقتصادي القياسي ‪:Econometric Analysis‬‬
‫يهدف هذا التحليل إلى اساااااااتخدام كل من الريارااااااايات واإلحصااااااااه في التعبير عن العالقات‬
‫االقتصااادية المختلفة‪ ،‬و قد أطلق على هذا الفرع من علم االقتص ــاد باالقتص ــاد القياس ــي أو القياس‬
‫االقتصادي " ‪ " Econometrics‬وتأتي أهميته الرئيسة في دراسته للعالقات االقتصادية وتطبيقاتها‬
‫على الدول المختلفة‪ .‬كما أن ظهور البرامج الحاسوبية جعلت أمر استخدام هذا العلم و اللجوء إليه‬

‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪.33‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪.34‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪41‬‬
‫على قدر كبير من اليسـ ـ ـ ــر‪ .‬و تظل الحاجة إلى األسـ ـ ـ ــلوب الوصـ ـ ـ ــفي قائمة لتحليل نتائج التقديرات‬
‫والعالقات المختلفة التي تتعامل مع نماذج هذا األسلوب‪.‬‬
‫د – األسلوب البياني ‪ Graphical Analysis‬في التحليل االقتصادي‪:‬‬
‫يعد التمثيل البياني أحد أعمدة التحليل االقتص ــادي الرئيس ــة‪ .‬فبواس ــطة هذا األس ــلوب يتس ــنى لنا‬
‫بســهولة توضــيح طبيعة "‪ "Nature‬وشــكل "‪ "Shape‬العالقة بين المتغيرات‪ ،‬والتأثير المتبادل بينها‪.‬‬
‫وإذا كان االعتماد األكبر في توضــيح النظرية االقتصــادية في هذا المســتوى الد ارســي ينصــب أســاسـاً‬
‫على األسـ ـ ـ ـ ـ ــلوب البياني أكثر من غيره‪ ،‬فسـ ـ ـ ـ ـ ــوف نلجأ إلى اسـ ـ ـ ـ ـ ــتخدام هذا األسـ ـ ـ ـ ـ ــلوب لدى تناولنا‬
‫للموض ـ ـ ــوعات المختلفة في الفص ـ ـ ــول القادمة من هذا المرجع‪ .‬والجدير بالذكر هنا أن المجال الذي‬
‫نتعامل معه لتوضـ ـ ـ ــيح العالقات المختلفة ال يسـ ـ ـ ــمح إال بنظهار العالقة بين متغيرين وفي أفضـ ـ ـ ــل‬
‫األحوال ثالثة‪ .‬فالتحليل البياني في هذا المسـ ـ ــتوى يكاد ينحصـ ـ ــر في توضـ ـ ــيح الترابط أو التأثر بين‬
‫متغيرين أحـدهمـا يمكن تمثيلـه على اإلحـداثي العمودي "‪ " Vertical‬واآلخر يمثلـه اإلحـداثي األفقي‬
‫" ‪ ." Horizontal‬نريـد أن نؤكـد هنـا أن المتعـامـل مع التحليـل البيـاني عليـه أن يحـدد بـدقـة العالقـة‬
‫التي يريد أن يدرسها والمتغيرات المعبرة عن تلك العالقة‪.‬‬
‫وفي س ــبيل تبس ــيط األمر على الطالب في هذا المس ــتوى يمكننا أن نش ــير إلى نوعين هامين من‬
‫العالقات التي تالزمه طوال مدة الد ارسـ ـ ـ ــة في كلية االقتصـ ـ ـ ــاد‪ ،‬وهما‪ :‬العالقة الطردية بين متغيرين‬
‫والعالقة العكساااية بينهما‪ .‬ويوضـ ــح الشـ ــكل "‪ "1‬العالقة الطرديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة " ‪ " Positive‬بين المتغيرين "‬
‫السعر " و " الكمية " كما يوضح الشكل "‪ "2‬العالقة العكسية بين متغيرين آخرين‪.‬‬
‫الشكل "‪ "2‬العالقة العكسية‬ ‫الشكل "‪ "1‬العالقة الطردية‬
‫السعر‬ ‫السعر‬

‫الكمية‬ ‫الكمية‬
‫حين الحديث عن العالقة بين متغيرين يتم تقسـ ـ ــيم المتغيرات بشـ ـ ــكل رئيسـ ـ ــي إلى نوعين‪ :‬األول‬
‫متغير تاابع "‪ "Dependent Variable‬والثـاني متغير مساااااااااتقال "‪." Independent Variable‬‬
‫ويقصـ ـ ـ ــد بالمتغير التابع هو ذلك المتغير الذي يتأثر " يتبع " في حركته و تغيراته متغي اًر آخر‪ ،‬فهو‬
‫يسمى بالمتغير التابع‪ ،‬تنبغي اإلشارة إلى أن المتغير التابع يوضع في العادة على اإلحداثي السيني‬

‫‪42‬‬
‫أو األفقي "‪ ."Horizontal‬واالسـ ـ ـ ـ تثناء الوحيد هو في حالة منحنى والعرض حيث ينقلب الوض ـ ـ ــع‪،‬‬
‫وذلك لكون تمثيل المتغيرين تم بهذه الصورة الخاطئة و استقر االقتصاديون على عدم تغييره ؟!!‬
‫عند اس ـ ــتخدام التحليل البياني ال بد من اإلش ـ ــارة إلى ما يس ـ ــمى بميل المنحنى "‪ ."Slope‬حيث‬
‫يعرف الميل بأنه التغير في المتغير التابع مقسوما على التغير في المتغير المستقل‪.‬‬
‫التغير في المتغير التابع‬
‫الميل = ‪----------------------‬‬
‫التغير في المتغير المستقل‬
‫‪45‬‬
‫و تنبع أهمية معرفة هذا المقدار في علم االقتصاد‪ ،‬وفي غيره‪ ،‬من ثالث قضايا هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن الميل يوض ـ ـ ــح نوع العالقة بين المتغير على اإلحداثي العمودي " التابع " والمتغير على‬
‫اإلحداثي األفقي " المس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقل "‪ .‬فنذا كان الميل سااااااااالباً فنن معنى ذلك أن العالقة عكسااااااااية بين‬
‫المتغيرين‪ .‬بمعنى إذا زاد المتغير المســتقل انخفض المتغير التابع والعكس صــحيح‪ .‬ومهما يكن فنن‬
‫المياال الموجااب يعني عالق ــة طرديااة بين المتغيرات‪ ،‬أي إنهم ــا يتغيران في نفس االتج ــاه كم ــا هي‬
‫الحال في الشكل "‪ "1‬أعاله‪.‬‬
‫يوضـ ـ ـ ــح الميل ما يسـ ـ ـ ــمى بالتغير الحدي أو التأثير الحدي "‪"Marginal Effect‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫بين المتغيرات‪ .‬بمعنى أن الميـ ــل مـ ــا هو إال قيمـ ــة التغير في المتغير التـ ــابع عنـ ــد تغير المتغير‬
‫المستقل بوحدة واحدة‪ .‬وهذا ما يسمى في علم االقتصاد بالتغير الحدي "‪."Marginal Change‬‬
‫ج‪ -‬يوض ـ ـ ـ ـ ـ ــح الميل ش ـ ـ ـ ـ ـ ــكل العالقة المعنية هل هي خطية "‪ "Linear‬أو غير خطية "‪Non-‬‬
‫‪ ."Linear‬واألولى تكون واض ـ ـ ـ ـ ـ ــحة عندما يكون ميل العالقة ثابتا عند جميع النقاط‪ .‬وهنا نقول إن‬
‫العالقة خطية ويمكن تمثيلها بخط مســتقيم "‪ ."Straight Line‬أما الحالة الثانية فســيكون فيها أكثر‬
‫من ميل‪ ،‬أو بشـ ــكل أدق لكل نقطة في العالقة ميل مختلف عن غيرها‪ .‬وهذا يعني أن العالقة تمثل‬
‫في شكل منحنى معين "‪ "Curve‬وليس في شكل خط مستقيم‪.‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬خالد واصف الوزني و د‪ .‬أحمد حسين الرفاعي‪ ،‬مبادئ االقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار وائل للنشر عمان ‪ ،1999‬ص‬ ‫‪45‬‬

‫‪.32‬‬

‫‪43‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬منهج البحث في علم االقتصاد‪:‬‬
‫يقص ــد بالمنهج مجموعة وسااائل البحث التي تكون أس ــلوباً منتظماً للحصااول على المعرفة التي‬
‫تشـكل انعكاسااً أميناً للقوانين الموراوعية‪ .‬يسـتخدم علم االقتصـاد عدداً من المناهج التي تسـتخدمها‬
‫جميع العلوم النظرية‪ ،‬في س ـ ـ ـ ــبيل فهم القوانين االقتص ـ ـ ـ ــادية كمنهج التجريد العلمي ومنهج التحليل‬
‫والتركيب ومنهج االستدالل بنوعيه (االستقراه واالستنباا ) وك لك االختزال‪.‬‬
‫‪ -1‬منهج التحليل والتركيب في علم االقتصاد‪:‬‬
‫يتطلب الفهم الص ــحيح للظاهرة االقتص ــادية‪ ،‬قبل كل ش ــيء تفكيكها إلى عناص ــرها المكونة لها‪،‬‬
‫ود ارس ــة كل عنص ــر من هذه العناص ــر د ارس ــة مفص ــلة وإظهار دوره وأهميته داخل الظاهرة كلها‪ .‬إن‬
‫تفكيك موض ـ ــوع البحث إلى عناص ـ ــر منفردة ود ارس ـ ــة كل من هذه العناص ـ ــر كجزء من الكل يس ـ ــمى‬
‫التحليل‪.‬‬
‫ولكن طريقـة البحـث ( المنهج ) هـذه ال تقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر على التحليال فقط‪ ،‬بـل ال بـد من توحيـد هـذه‬
‫العناص ـ ـ ــر من جديد‪ ،‬بعد أن تم توض ـ ـ ــيح طبيعة كل عنص ـ ـ ــر ودوره وأهميته داخل الكل‪ .‬إن توحيد‬
‫العناصر المفككة والمدروسة في كل موحد مترابط داخلياً‪ ،‬يسمى التركيب‪.‬‬
‫"يعد التحليل والتركيب جانبين متالزمين لعملية واحدة هي عملية فهم الواقع الموضـ ـ ــوعي‪ .‬وهما‬
‫يكمالن بعض ــهما بحيث إن اس ــتخدامهما في وقت واحد في وحدتهما هو الس ــبيل الص ــحيح للوص ــول‬
‫‪46‬‬
‫إلى نتائج مثمرة"‪.‬‬
‫‪ - 2‬منهج التجريد العلمي ‪ Abstraction‬في علم االقتصاد‪:‬‬
‫يقصــد بالتجريد محاولة التركيز على العناصاار الرئيسا ة لمشااكلة ما‪ ،‬وذلك عن طريق إهمال أو‬
‫تجاهل بعض المؤثرات أو التفاص ـ ـ ــيل غير الض ـ ـ ــرورية‪ .‬والمبتغى هنا هو التبس ـ ـ ــيط وإبعاد المؤثرات‬

‫‪46‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬جامعة حلب‪ ،‬مديرية الكتب والمطبوعات‪ ،1981،‬ص‪.68‬‬

‫‪44‬‬
‫الخارجية التي قد تشـوه فهم عالقة ما‪ .‬فاألصـل فهم تلك العالقة األسـاسـية وبعدها يمكن الدخول في‬
‫مزيد من التفاص ـ ـ ـ ــيل‪ .‬و من هنا يتم مثال د ارس ـ ـ ـ ــة أثر الس ـ ـ ـ ــعر في كل من الكمية المطلوبة والكمية‬
‫المعروضة‪ ،‬مع افتراض بقاء العوامل األخرى ثابتة أو مجردة‪.‬‬
‫ليس المجرد هو الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء المنفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل عن عـالم الواقع الفعلي والموجود فقط في عـالم الـذهن‬
‫والفكر‪ ،‬في التصـ ـ ـ ـ ــور‪ ،‬وأن الملموس هو ما يوجد في الواقع‪ .‬ولكن كل مجرد هو جانب من جوانب‬
‫الملموس‪ .‬وبذلك عملية التجريد ال تعني االنصـراف عن الواقع‪ ،‬وليس التجريد العلمي وليد تصـوراتنا‬
‫وإنما هو انعكاس العالقات والروابط القائمة على أرض الواقع في وعينا‪.‬‬
‫يسـ ـ ـ ـ ـ ــاعدنا التجريد العلمي على الفهم األعمق للواقع ويمكننا من فرز الجانب الرئيس والجوهري‬
‫في الظاهر المدروسة‪ ،‬واالنصراف عن الجوانب الثانوية والمعيقة لفهم الظاهرة‪.‬‬
‫يتم في المرحلة األولى للتجريد العلمي التعرف إلى الظاهر الخارجي لموضــوع الد ارســة ثم ننتقل‬
‫إلى البحث فيما وراء األشـ ـ ــكال الظاهرية السـ ـ ــطحية عن جوهر هذا الموضـ ـ ــوع الكتشـ ـ ــاف العمليات‬
‫العميقة الخفية عن النظر‪ .‬وبعد الكشـ ـ ـ ــف عن جوهر الموضـ ـ ـ ــوع نبدأ الحركة باالتجاه المعاكس من‬
‫الجوهر إلى الظــاهر‪ .‬إن إدران الجوهر يمكننــا من فهم لمــاذا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتلزم هـذا الجوهر هـذا الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل‬
‫الظاهري بالضبط ال غيره من األشكال‪.‬‬
‫والمجردات العلميــة التي تعبر عن هــذه الجوانــب أو تلــك من عالقــات اإلنتــاج تــدعى المقوالت‬
‫االقتصـ ـ ـ ـ ــادية ففي ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالية‪ ،‬مثالً‪ ،‬هنان مقوالت البضاااااااعة‪ ،‬القيمة‪ ،‬النقد‪ ،‬رأس المال‪ ،‬القيمة‬
‫المضافة األجور‪ ،‬الربح‪ ،‬الفائدة‪ ،‬الريع‪ ...‬الخ‪ .‬وتعبر كل مقولة من هذه المقوالت عن هذا الجانب‬
‫أو ذان من عالقات اإلنتاج الرأسمالية‪.‬‬
‫إن مجموع هذه المقوالت في وحدتها يشـ ـ ـ ـ ـ ــكل منظومة عالقات اإلنتاج‪ .‬ويمكن الوصـ ـ ـ ـ ـ ــول إلى‬
‫الص ــورة الملموس ــة لل أرس ــمالية على أس ــاس توحيد وتركيب المقوالت االقتص ــادية المجردة التي تعكس‬
‫كل منها خاصـة من الخصـائص وحيدة الجانب‪ .‬ولكل منظومة عالقات إنتاجية منظومة مالئمة لها‬
‫من المقوالت االقتص ـ ـ ــادية‪ .‬فالمقوالت االقتص ـ ـ ــادية لل أرس ـ ـ ــمالية‪ ،‬مثالً‪ ،‬تختلل جوهرياً عن المقوالت‬
‫االقتصادية لإلقطاعية أو االشتراكية‪.‬‬
‫إن االنتقال من المجرد إلى الملموس يجب أال يفهم على شــكل تجميع اعتباطي بســيط للمقوالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬أو ترتيبها وفق أي تسلسل كان‪ .‬ذلك ألن الجوانب المختلفة لعالقات اإلنتاج التي تعبر‬
‫تعد إحداها مس ــتقلة عن األخرى‪ ،‬وغير مرتبطة بعض ــها ببعض‪ ،‬وإنما‬ ‫عنها المقوالت االقتص ــادية ال ّ‬
‫توجد بينها عالقة داخلية‪ .‬لذلك عند د ارس ـ ـ ــة المقوالت االقتص ـ ـ ــادية وتس ـ ـ ــلس ـ ـ ــلها يجب االحتكام إلى‬
‫العالقة الداخلية التي تجمعها من كل ملموس موحد‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ - 3‬منهج االستدالل (‪ )Inference‬في علم االقتصاد‪:‬‬
‫يس ـ ــتخدم علم االقتص ـ ــاد طرائق مختلفة من االس ـ ــتدالل طرائق للبحث "مناهج"‪ .‬واالساااتدالل هو‬
‫التعقل ال ي يبين حقيقة مقوالت معينة باالسااتناد إلى حقيقة مقوالت أخرى‪ .‬أي إن علم االقتص ــاد‬
‫يتبع األس ــلوب العلمي في تحليل قض ــاياه‪ .‬وهو بذلك يس ــتخدم نوعين من االس ــتدالل‪ ( :‬االسااتقرائي‬
‫واالستنباطي)‪.‬‬
‫آ‪ -‬االستدالل االستقاااااا ارائي‪ :‬وهو الوصول إلى أحكام عامة بتعميم أحكام خاصة‪ .‬وتعتمد هذه‬
‫الطريقة على مش ـ ــاهدة أكبر قدر ممكن من الوقائع (أي الحاالت الخاص ـ ــة) ثم اس ـ ــتخراج أحكام من‬
‫هذه المشـ ـ ــاهدات‪ ،‬وتعميمها في شـ ـ ــكل قوانين تفساااايرية للوقائع‪ ،‬ويتم االسـ ـ ــتقراء على أسـ ـ ــاس من‬
‫المعلومات التي يهيئها االقتص ــاد الوص ــفي والتاريخ االقتص ــادي‪ ،‬وكذلك المش ــاهدة المباشـ ـرة للعملية‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫اس ـ ــتخدم االقتص ـ ــاديون منذ البداية الطريقة االس ـ ــتقرائية في أبحاثهم ود ارس ـ ــاتهم‪ .‬حيث اس ـ ــتخرج‬
‫الميركــانتليون قوانينهم المتعلقاة باالنقود‪ ،‬نتيجاة مشاااااااااااهاداتهم لتادفق المعاادن الثميناة من العاالم‬
‫الجديد إلى الدول األوروبية‪.‬‬
‫وتبدأ الطريقة االستقرائية من المشاهدة "الحقائق" التي يتم جمعها‪ ،‬كما في البيانات اإلحصائية‪،‬‬
‫ونحاول بالتحليل العلمي لهذه الحقائق‪ ،‬التوصل إلى نتائج وتعميمات أو مبادئ تطبيقية‪ .‬لذلك يقول‬
‫بعض االقتص ـ ـ ـ ــاديين إن علم االقتص ـ ـ ـ ــاد هو علم مش ـ ـ ـ ــاهدة الواقع وإن األحكام قد تختلف باختالف‬
‫الزمان أو المكان‪.‬‬
‫ب‪-‬االساتدالل االساتنباطي‪ :‬وهو اساتنتاج قضاايا خاصاة من قضاايا عامة‪ .‬وتعتمد هذه الطريقة‬
‫على وراااع فرول تقبل صـ ــحتها بصـ ــفة مسـ ــبقة (مسـ ــلمات) وتساااتخرج من ه و الفرول قوانين‬
‫وأحكاا ام اً تتعلق بوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعيـات وحـاالت معينـة‪ .‬فـالفروض األوليـة منطلقـات عـامـة ال ينـاقش في مـدى‬
‫‪47‬‬
‫التصاقها بالواقع‪ ،‬واألحكام الصادرة مستخرجات ثانوية تخضع إلى المنطق‪.‬‬
‫أما التحليل االسـ ـ ـ ـ ـ ــتنباطي فهو يمدنا بنظريات أو تعميمات‪ ،‬ولكن ال بد من اختبارها‪ .‬ويتم ذلك‬
‫بمسـ ـ ــاعدة الد ارسـ ـ ــات التطبيقية‪ ،‬فالتحليل االسـ ـ ــتنباطي يوضـ ـ ــح مثالً أن الكمية المطلوبة من إحدى‬
‫السالع تتناساب عكساياً مع ثمن السالعة‪ ،‬مع بقاء األوضـاع األخرى على حالها‪( .‬وقد تؤيد البيانات‬
‫التطبيقية النظرية المؤسـ ـس ــة اس ــتنباطياً‪ .‬أما إذا لم يحص ــل ذلك‪ ،‬فننه من الض ــروري القيام بمراجعة‬
‫‪48‬‬
‫لتحديد السبب‪ .‬حيث إنه من الممكن أن تكون هنان أخطاء منطقية في التحليل االستنباطي)‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬فتح هللا ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي مدخل للدراسات االقتصادية‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بيروت‪ ،1981‬ص‪.31‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬دكتور كامل بكري‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ ،‬الدار الجمعة‪ ،‬بيروت ‪ 1987‬ص‪.11‬‬

‫‪46‬‬
‫ويض ـ ـ ـ ـ ــيف أوس ـ ـ ـ ـ ــكار النكه إلى طريقتي االس ـ ـ ـ ـ ــتقراء واالس ـ ـ ـ ـ ــتنباط طريقة ثالثة للتحليل والبحث‬
‫يستخدمها علم االقتصاد وهي‪" :‬االختزال" ‪ ،Reduction‬التي تبرر المقدمات باالستناد إلى النتائج‬
‫المستخلصة منها‪.‬‬
‫االسااااتقراه‪ ،‬االسااااتنباا‪ ،‬االختزال‪ ،‬ثالثة أسـ ـ ــاليب لالسـ ـ ــتدالل تسـ ـ ــتخدم كطريقة للبحث في علم‬
‫االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‪ .‬ونبـدأ من االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقراء الـذي يعتمـد على المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهـدة المقـارنـة للواقع أو الحقيقـة‪ ،‬مرو اًر‬
‫باالسـ ــتنباط الذي يحصـ ــل على اسـ ــتنتاجات عملية االسـ ــتقراء‪ ،‬ويتم تمحيصـ ــها للحصـ ــول على نتائج‬
‫دقيقة‪ ،‬ثم االختزال الذي يبين لنا ما إذا كانت نتائج االس ـ ـ ــتقراء التي حص ـ ـ ــلنا عليها في بادئ األمر‬
‫صـ ـ ــحيحة‪ ،‬ومطابقة للواقع أم ال‪ .‬هذا هو ترتيب االسـ ـ ــتدالل في علم االقتصـ ـ ــاد‪ ،‬وجميع األسـ ـ ــاليب‬
‫الثالثة لالســتدالل ضــرورية هنا‪ .‬ألنه بدون االســتقراء يبقى االســتدالل االســتنباطي قائماً على أســس‬
‫أو مقدمات ال تتصـ ـ ـ ـ ــل بالواقع‪ ،‬وبهذا يبتعد االسـ ـ ـ ـ ــتدالل عن العملية االقتصـ ـ ـ ـ ــادية الحقيقية‪ .‬وبدون‬
‫االختزال ال يمكن أن يتم تدقيق نتائج االسـ ــتقراء‪ ،‬أو بيان مدى صـ ــحتها‪ .‬وأخي اًر بدون االسـ ــتنباط ال‬
‫يمكن االنتقـال من نتـائج االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقراء إلى النتـائج المـدققـة‪ ،‬وهـذا يوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح لنـا مـدى صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـة نتـائج‬
‫‪49‬‬
‫االستقراء)‪.‬‬
‫من الواضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح أن الطرائق الثالث للبحـث تكمـل كـل منهـا األخرى‪ .‬حيـث إن كـل طريقـة تزودنـا‬
‫بتعميمات أو مبادئ‪ ،‬ولكن التعميمات التي نحصل عليها بوساطة إحدى الطرائق الثالث‪ ،‬ال بد من‬
‫أن تراجع بوساطة الطريقة الثانية وتدقيق بالطريقة الثالثة وهذا يجعل التحليل أكثر علمية وواقعية‪.‬‬
‫استخدام النما ج االقتصادية ‪:Economic Models‬‬
‫يقصـ ــد بالنموذج االقتصـ ــادي تجسـ ــيد مبسـ ــط لبعض الظواهر االقتصـ ــادية بهدف فهم التدفق‬
‫المتبادل للعالقات بين تلك الظواهر‪ .‬و من هنا قد يعبر عن النموذج االقتصادي في شكل معادالت‬
‫أو رسم بياني أو بشكل وصفي‪.‬‬

‫مناهج البحث في علم االقتصاد‬

‫معنعهعج االسعععععتعع ال فعي‬ ‫منهج التجريع العلمي في‬ ‫منهج التحليع والترييع‬
‫اال تصا ‪.‬‬ ‫اال تصا ‪.‬‬ ‫في اال تصا ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪Oskar Lange, Ekonomia Polityczna, tom I P.W.N. Warszawa 1974,S.178/179 -‬‬

‫‪47‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬القوانين االقتصادية‪:‬‬
‫إن لقوانين الطبيعة والمجتمع طابعاً موراااااااااوعياًأل وال تتوقف هذه القوانين على إرادة اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫ووعيه‪ ،‬ونالحظ أن الناس يس ــعون الكتشاااو ه و القوانين وإدراكها الس ــتخدامها في تأمين حاجاتهم‬
‫وتلبيتها‪ .‬إن هدف علم االقتص ــاد هو د ارس ــة هذه الناحية أو تلك من نواحي المجتمع المتعلقة بننتاج‬
‫الســلع والخيرات وتبادلها وتوزيعها واســتهالكها وهذا يقتضــي بالضــرورة إدران القوانين التي تعمل في‬
‫هذا المجال‪ .‬والقانون هو الصــلة الداخلية الضــرورية موضــوعياً بين الظواهر‪ ،‬وهذه الصــلة الداخلية‬
‫للظواهر موجودة بص ـ ـ ـ ــرف النظر عن مش ـ ـ ـ ــيئة الناس ورغباتهم‪ .‬واإلنس ـ ـ ـ ــان يس ـ ـ ـ ــعى إلدران القوانين‬
‫‪50‬‬
‫االقتصادية من أجل استخدامها لما فيه خيره‪.‬‬
‫تتكون العملية االقتصـادية من مجموعة من األفعال الب ـ‬
‫ش رية المعقدة التي تتكرر باسـتمرار‪ ،‬وفي‬
‫أوضـ ــاع معينة ناشـ ــئة عن التطور التاريخي لمجتمع محدد‪ ،‬تنظمه مجموعة من الضـ ـوابط الخاص ــة‬
‫والمتميزة‪ .‬ويمكن تحويل هذه المجموعة من الض ـ ـ ـ ـ ـوابط إلى روابط أو عالقات بين األفعال المختلفة‬
‫التي تتكرر باسـ ـ ـ ــتمرار‪ ،‬كما يمكن تحويلها إلى أعمال أبسـ ـ ـ ــط تتكون منها هذه األفعال‪ .‬وتدعى هذه‬
‫‪51‬‬
‫العالقات أو الروابط بالقوانين االقتصادية (‪.)Economic Laws‬‬
‫فالقوانين االقتصااااادية هي عبارة عن العالقات الضاااارورية الجوهرية الداخلية والمتكررة باسااااتمرار‬
‫‪52‬‬
‫بين العمليات التي تشتمل عليها الحياة االقتصادية وهي تعكس جوهر عالقات اإلنتاج‪.‬‬
‫ويعرف يوري بوبوف القانون االقتصـ ـ ــادي كما يأتي‪ :‬القانون االقتصـ ـ ــادي هو صـ ـ ــالت السـ ـ ــبب‬ ‫ّ‬
‫والنتيجة المتكررة والثابتة والضـ ـ ـ ـ ـ ــرورية بين الظواهر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية في عملية إنتاج الخيرات المادية‬
‫‪53‬‬
‫والخدمات وتوزيعها وتبادلها في مرحلة أو أكثر من مراحل تطور المجتمع البشـري)‪.‬‬
‫ويضـ ـ ـ ــيف بوبوف (إن الكشـ ـ ـ ــف عن القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية الموضـ ـ ـ ــوعية يشـ ـ ـ ــكل موضـ ـ ـ ــوع علم‬
‫االقتص ـ ــاد‪ .‬وباالس ـ ــترش ـ ــاد بهذه القوانين يمكن تجنب القيام بأعمال أو اتخاذ ق اررات اعتباطية وإرادية‬
‫خاطئة)‪.‬‬
‫تنشاا القوانين االقتصاادية نتيجة أورااع اقتصاادية معينة‪ ،‬وتفقد القوانين قوتها بزوال األوضـاع‬
‫التي أنتجتها‪( .‬وعندما يدرن الناس القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ادية يس ـ ـ ـ ــتطيعون اس ـ ـ ـ ــتخدامها لتغيير العالقات‬
‫اإلنتاجية القائمة‪ .‬وبنتيجة النشـ ـ ــاط اإلنتاجي واالجتماعي والسـ ـ ــياسـ ـ ــي الفعال للناس‪ ،‬تنشـ ـ ــأ عالقات‬
‫إنتاجية جديدة مع القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية المميزة لها‪ .‬فالقوانين االقتصـ ـ ـ ــادية ليسـ ـ ـ ــت أبدية وثابتة‪ ،‬بل‬

‫‪50‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬ليونتيف‪ ،‬موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ 1975‬ص‪ 16‬و‪.17‬‬
‫‪51‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص ‪-.107‬انظر أيضاً د‪ .‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬جامعة دمشق‪،‬‬
‫المطبعة الجديدة‪ ،‬دمشق ‪ ،1985‬ص‪36-34‬‬
‫‪52‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬كلية االقتصاد والتجارة‪ ،‬جامعة حلب ‪ ،1979‬ص ‪.47‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬يوري بوبوف‪ ،‬دراسات في االقتصاد السياسي‪ ،‬اإلمبريالية والبلدان النامية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو‪ ،1984‬ص‪.62‬‬

‫‪48‬‬
‫ترتدي‪ ،‬خالفاً لقوانين الطبيعة‪ ،‬طابعاً تاريخياً عاب اًر ش ـ ـ ـ ــأنها ش ـ ـ ـ ــأن العالقات اإلنتاجية التي يس ـ ـ ـ ــري‬
‫‪54‬‬
‫مفعول هذه القوانين على أساسها)‪.‬‬
‫تظهر القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ـي ة‪ ،‬ويكون لهـا تـأثيرهـا في النشااااااااااا اإلنسااااااااااني المتعلق بااإلنتااج‬
‫واالسااااتهالال‪ ،‬في كل تش ـ ــكيلة اجتماعية اقتص ـ ــادية‪ .‬ففي المجتمع ال أرس ـ ــمالي‪ ،‬على س ـ ــبيل المثال‪،‬‬
‫يسري موضوعياً مفعول عدد من القوانين منها‪:‬‬
‫‪ -‬المزاحمة وفوضى اإلنتاج‪ ،‬وتحقيق الربح‪،‬‬
‫‪ -‬تراكم رأس المال‪ ،‬والقيمة الزائدة‪،‬‬
‫‪ -‬تردي وضع الطبقة العاملة والكادحين‪،‬‬
‫‪ -‬ظهور األزمات االقتصادية‪ ،‬والبطالة والتضخم‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ويمكن من خالل تدخل الدولة البرجوازية التخفيف من أثر هذه القوانين في الحياة االقتص ـ ــادية‪.‬‬
‫ولكن ال يمكن إلغاء سريان مفعول هذه القوانين أو إبطالها نهائياً في النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫تعد أبدية ويســري مفعولها في كل نظام اقتصــادي‪-‬اجتماعي‪.‬‬‫يؤكد أوســكار النكه‪ ،‬وجود قوانين ّ‬
‫وهي القوانين المتعلقااة بعمليااة اإلنتاااج وتجاادد اإلنتاااج‪ .‬إنهــا القوانين التي تنظم العمــل والتعــاون‪،‬‬
‫ودور العمل المباش ـ ــر "الملموس" والعمل غير المباش ـ ــر "المتجساااد" في وس ـ ــائل اإلنتاج‪ ،‬في عملية‬
‫اإلنتاج‪ .‬كما أن هنان قوانين تجديد اإلنتاج المتعلقة بنحالل واس ـ ـ ـ ــتبدال وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج‪ ،‬في عملية‬
‫اإلنتاج التي تس ــتهلك في عملية اإلنتاج‪ ،‬والقوانين التي تحكم توزيع المنتج بين االس ــتهالن والتراكم‪،‬‬
‫وقوانين التوازن في عملية تجديد اإلنتاج في مختلف فروع النشـ ـ ـ ــاط االقتصـ ـ ـ ــادي‪ .‬وتنطبق مثل هذه‬
‫القوانين جميعاً على أي أس ــلوب من أس ــاليب اإلنتاج‪ ،‬س ـواء أكان اش ــتراكياً‪ ،‬أم أرس ــمالياً‪ ،‬أم إقطاعياً‬
‫أو أي أسلوب إنتاج آخر‪.‬‬
‫وتوض ـ ـ ــح هذه القوانين على س ـ ـ ــبيل المثال‪ ،‬أنه لن يكون هنان تراكم في حال اس ـ ـ ــتهالن المنتج‬
‫الصـ ـ ـ ـ ـ ــافي بكامله‪ .‬ولن تتكرر عملية اإلنتاج في حال عدم االسـ ـ ـ ـ ـ ــتبدال بوسـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج التي يتم‬
‫اسـ ـ ــتهالكها وأنه إذا أراد المسـ ـ ــتثمر أن ينتج كمية محددة من السـ ـ ــكر فننه يحتاج إلى كميات محددة‬
‫‪55‬‬
‫من قصب السكر أو من الشوندر السكري‪.‬‬
‫‪ - 1‬خصائص القوانين االقتصادية‪:‬‬
‫للقوانين االقتصادية التي يناقشها علم االقتصاد ويحاول اكتشافها خصائص مهمة ن كر منها‪:‬‬
‫الخاصااااة األولى‪ :‬وتتركز في طابع عمل القوانين االقتصااااادية‪ ،‬من خالل الطابع الموضـ ـ ــوعي‬
‫لهذه القوانين ودور اإلنسان في صنعها وتكييفها‪ ،‬ودور الوعي في اكتشافها واستخدامها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -‬إيلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.77-70‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ -‬انظـر‪ :‬أوسكار النجه ومجموعة من االختصاصيين البولونيين‪ ،‬مسائل االقتصاد السياسي لالشتراكية‪ ،‬ترجمة أحمد فؤاد بلبع‪ ،‬دار‬
‫الحقيقة‪ ،‬بيروت ‪ ،1972‬ص‪.9 -8‬‬

‫‪49‬‬
‫آ‪ -‬الطابع المورااوعي للقوانين االقتصااادية‪ :‬للقوانين االقتص ــادية ص ــفة موض ــوعية تتركز في‬
‫طابع عملها‪ .‬فالناس ليسـ ـ ـ ـوا أح ار اًر في اختيار عالقاتهم االقتص ـ ـ ــادية‪ ،‬بل هم عاجزون بنرادتهم عن‬
‫وض ـ ــع القوانين االقتص ـ ــادية وإلغائها‪ ،‬ألن طابع هذه العالقات والقوانين يتوقف قبل كل ش ـ ــيء على‬
‫طابع قوى اإلنتاج‪.‬‬
‫والقوانين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية ال يمكن أن تتحقق إال من خالل نشـ ـ ـ ـ ـ ــاط الناس االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي‪ ،‬وتكمن‬
‫موض ـ ــوعيتها في أن نش ـ ــاط الناس االقتص ـ ــادي ال يحدد عمل هذه القوانين بل على العكس القوانين‬
‫هي التي تحدد طابع عمل الناس ونشاطهم االقتصادي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬دور اإلنساااااان والقوانين االقتصاااااادية‪ :‬إن موض ـ ـ ــوعية القوانين االقتص ـ ـ ــادية ال تعني أن‬
‫التعرف إلى طبيعــة‬
‫المجتمع يقف أعزل أمــام قوانين تطوره‪ ،‬وإنمــا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع‪ ،‬من خالل إدراكهــا و ّ‬
‫عملها ومتطلباتها‪ ،‬أن يبادر إلى حصاار آثارها واسااتخدامها لمصاالحته‪ ،‬أو توجيه عملها وإخض ــاعه‬
‫لتنظيم واع وأهـ ــداف محـ ــددة‪ .‬ويتوقف دور المجتمع السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلبي أو اإليجـ ــابي على طبيعـ ــة النظـ ــام‬
‫االجتماعي القائم‪.‬‬
‫إن إدران اإلنســان لضــرورة التطور يحرره من الســلبية واالنتظار ويزيده قوة في الســعي من أجل‬
‫تحقيق أهدافه‪ .‬فالقانون االقتصاادي يحدد الخ العام للتطور‪ ،‬أما الشـكل الملموس الذي يتخذه هذا‬
‫التطور فيتوقف إلى حد كبير على دور الناس ونشاااطهم الواعي والهادو‪ .‬فالض ــرورة‪ ،‬أي القانون‬
‫تترن للناس حرية معينة في االختيار‪ ،‬حرية في االتجاه العام‪.‬‬
‫ج – دور الوعي في اكتشاااااو القوانين االقتصااااادية واسااااتخدامها‪ :‬يتوقف مسـ ـ ــتوى االنعكاس‬
‫الص ـ ـ ــحيح للقوانين االقتص ـ ـ ــادية الموض ـ ـ ــوعية على وعي الناس وإدراكهم‪ ،‬وهذا يتوقف على عاملين‬
‫رئيسين‪:‬‬
‫‪ -‬درجة تطور العالقات االقتصااادية المورااوعية التي تعبر عنها القوانين االقتص ــادية‪ ،‬ودرجة‬
‫وضوح جوهر هذه العالقات‪.‬‬
‫‪ -‬درجة تعمق الفكر اإلنساني في فهم جوهر الظواهر ووعيه لها وإدراكها‪.‬‬
‫فنذا لم يس ــتطع الناس في المجتمع إدران القوانين بش ــكل ص ــحيح وكامل‪ ،‬ولم يس ــتطيعوا التوفيق‬
‫بين متطلباتها ونشاطهم العلمي فنن هذه القوانين تبقى‪ ،‬تعمل وتشق طريقها بصورة عفوية‪.‬‬
‫د ‪ -‬الصلة المباشرة بين السبب والنتيجة‪ :‬بسبب من الطابع المتميز لعمل القوانين االقتصادية‬
‫تختلف العالقة بين السـ ـ ـ ـ ــبب والنتيجة في المجتمع عن غيرها في الطبيعة‪ .‬في الطبيعة توجد عالقة‬
‫مبـاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ :‬القاانون ‪ -‬عمال قوى الطبيعاة‪ .‬أمـا في الحيـاة االجتمـاعيـة فـنن هـذه العالقـة أكثر تعقيـداً‪،‬‬
‫وتظهر من خالل المصالح االقتصادية‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الخاصاااة الثانية للقوانين االقتصاااادية‪ :‬وتتعلق بمساااتوى ودرجة تحقيق القوانين االقتصاااادية‪،‬‬
‫ونميز في هذا المجال بين نوعين من القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية‪ :‬القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ادية المطلقة والقوانين‬
‫النزوعية‪:‬‬
‫فالقوانين المطلقة هي التي تتحقق باس ـ ــتمرار بض ـ ــرورة ص ـ ــارمة‪ ،‬والتي ال تس ـ ــتطيع أي عوامل‬
‫مضــادة‪ ،‬ما دام األســاس الموضــوعي لتحقق هذه القوانين قائماً‪ ،‬أن تلغي أو تؤجل عملها‪ ،‬ولو لمدة‬
‫قصـ ـ ـ ــيرة‪ .‬أما القوانين النزوعية فهي القوانين التي‪ ،‬رغم أنها خاصـ ـ ـ ــة بأسـ ـ ـ ــلوب إنتاج محدد ولكن‪،‬‬
‫وبفعل مقاومة قوانين أخرى‪ ،‬يتعرض عملها للخرق المســتمر‪ ،‬وتنخفض درجة تحققها إلى حد كبير‪.‬‬
‫ويظهر عمل هذه القوانين ال بصورة دائمة‪ ،‬وإنما في شروط محددة‪ ،‬وخالل مدة معينة فقط‪.‬‬
‫الخاصااة الثالثة للقوانين االقتصااادية هي أن القوانين االقتصااادية ات طابع تاريخي انتقالي‪:‬‬
‫تبدو هذه الخاصـ ــة من خالل مقولة‪ :‬أن القوانين االقتصـ ــادية ات طابع تاريخي انتقالي‪ ،‬ذلك ألنها‬
‫ظهرت مع ظهور المجتمع البشري وتستمر مع تطوره بينما قوانين الطبيعة تكون أزلية وخالدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنواع القوانين االقتصادية‪ :‬يمكننا التمييز بين ثالثة أنواع للقوانين االقتصادية وهي‪:‬‬
‫آ‪ -‬القوانين االقتصااااااادية العامة (‪ :)The General Economic Lows‬وهي القوانين التي‬
‫تعمل في جميع مراحل التطور االجتماعي في جميع أسااليب اإلنتاج‪ ،‬وفي التشــكيالت االقتصــادية‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ االجتماعية كافة‪ ،‬والتي تعبر عن العالقات المتبادلة بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‪ ،‬كقانون‬
‫تجديد اإلنتاج‪ ،‬وقانون ارتفاع إنتاجية العم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل وغيرها‪ .‬وبحكم عمل هذه القوانين يتم االنتقال من‬
‫عالقات إنتاج متخلفة إلى عالقات إنتاج أكثر تقدماً ومن تشـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ــادية إلى تشـ ــكيلة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ب‪ -‬القوانين االقتصااااادية الخاصااااة (النوعية)(‪ :)The Specific Economic Laws‬وهي‬
‫القوانين التي تقررها عالقات اإلنتاج‪ ،‬وعالقات التوزيع التي توافقها‪ .‬بحيث ينحصاااار فعل ه ا النوع‬
‫من القوانين في نظاام اجتمااعي واحاد‪ ،‬أو حتى في مرحلــة من م ارحــل تطور هــذا النظــام‪ .‬أي أن‬
‫القوانين االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية النوعية لنظام اجتماعي معين تتمثل في قوانين الس ـ ـ ـ ـ ــلون اإلنس ـ ـ ـ ـ ــاني وقوانين‬
‫التفاعل بين األعمال البش ـ ـ ـرية التي تنجم حص ـ ـ ـ اًر عن العالقات االقتصـ ـ ــادية التي تشـ ـ ــكل األسـ ـ ــاس‬
‫االقتصـ ـ ــادي للنظام‪ .‬وتلعب ملكية وسـ ـ ــائل اإلنتاج الدور الحاسـ ـ ــم‪ ،‬بحيث إن جميع عالقات اإلنتاج‬
‫المكونة لألساس االقتصادي للنظام االجتماعي موضوع البحث تتكيف معها‪.‬‬
‫يتبع تطور قوى اإلنت ــاج االجتم ــاعي ــة تطور في عالق ــات اإلنت ــاج‪ ،‬وتتغير تبع ـاً ل ــذل ــك القوانين‬
‫االقتص ــادية‪ ،‬فيحل بعض ــها محل اآلخر‪ .‬فلكل تش ــكيلة اجتماعية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اقتص ــادية قوانين خاص ــة بها‬
‫كقانون القيمة المض ـ ــافة في ال أرس ـ ــمالية‪ ،‬وقانون التطور المخطط في االش ـ ــتراكية‪ .‬وداخل التش ـ ــكيلة‬
‫نفسها هنالك قوانين خاصة بكل مرحلة من مراحل تطور هذه التشكيلة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫(وللقوانين الخاصة بنظام اجتماعي ـ ـ ـ اقتصادي معين أهمية فائقة بين القوانين االقتصادية التي‬
‫تحكم هــذا النظــام‪ .‬ألنهــا تعبر عمــا يميز ذلــك النظــام عن نظم اجتمــاعيــة أخرى‪ ،‬إذ إنهــا تعبر عن‬
‫‪56‬‬
‫الخواص النوعية لذلك النظام‪ ،‬ولحقبته التاريخية‪ .‬كما تحدد طبيعة النظام االجتماعي وتطوره)‪.‬‬
‫ج – القوانين االقتصاااااااااادياة المشاااااااااتركاة (‪ :)Common Economic Laws‬وهي القوانين‬
‫االقتصــادية التي ال تعمل في جميع أسااليب اإلنتاج وننما في عدد منها فق ‪ ،‬كقانون القيمة‪ ،‬الذي‬
‫يعمل في كل إنتاج بض ـ ـ ــاعي عبر التش ـ ـ ــكيالت العبودية واإلقطاعية وال أرس ـ ـ ــمالية واالش ـ ـ ــتراكية‪ ،‬مع‬
‫اختالف في طابع عمل هذا القانون في كل تشـ ـ ــكيلة‪ ،‬وداخل كل تشـ ـ ــكيلة حسـ ـ ــب المراحل المختلفة‬
‫لتطورها‪.‬‬
‫توجد لكل نظام اجتماعي مجموعة من القوانين االقتصــادية تختلف هذه القوانين في أهميتها من‬
‫نظام آلخر‪ .‬إذ إن هذه القوانين ما هي إال نتاج للعالقات االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية بين الناس‪ ،‬وتتغير القوانين‬
‫بتغير هذه العالقات‪.‬‬
‫والقوانين االقتص ـ ـ ـ ــادية المش ـ ـ ـ ــتركة بين النظم االقتص ـ ـ ـ ــادية االجتماعية المختلفة‪ ،‬تقررها أيض ـ ـ ـ ـاً‬
‫عالقــات اإلنتــاج‪ ،‬ولكن تلــك العالقــات التي تميز أكثر من نظــام اجتمــاعي واحــد‪ .‬حيــث تعبر هــذه‬
‫القوانين عن ظواهر مشـتركة بين األسـس االقتصـادية ألكثر من نظام اقتصـادي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اجتماعي واحد‪.‬‬
‫وتكون هذه القوانين نافذة المفعول في جميع النظم التي تملك قاعدة اقتصادية متماثلة أو متشابهة‪.‬‬
‫وخير مثـال على هـذا النوع من القوانين‪ ،‬كمـا يـذكر مـاركس‪ ،‬هو قاانون القيماة الـذي تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمر‬
‫فاعليته منذ آالف الس ـ ـ ـ ـ ـ ــنين‪( .‬ظهر تبادل الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلع خالل مدة ما قبل التاريخ المدون‪ .‬فقد ظهر في‬
‫مصــر قبل الميالد بنحو ألفين وخمســمائة ســنة وربما خمســة آالف ســنة‪ ،‬وكذلك في بابل نحو أربعة‬
‫آالف س ـ ـ ــنة وربما س ـ ـ ــتة آالف س ـ ـ ــنة قبل الميالد‪ .‬وبهذا نجد أن قانون القيمة قد سااااااد واساااااتمرت‬
‫‪57‬‬
‫ويتطابق المدى‬ ‫فاعليته لفترة من الزمن تمتد من خمساااة آالو سااانة إلى سااابعة آالو سااانة)‪.‬‬
‫التاريخي لعالقات اإلنتاج والتوزيع المرتبط بها‪.‬‬
‫د‪ -‬القوانين االقتصاااااااادية الناتجة عن تاثير البنية الفوقية‪ :‬يظهر هذا النوع من القوانين بفعل‬
‫تأثير البنية الفوقية في العالقات االقتصااااادية للنظام االجتماعي‪ .‬وتتغير هذه القوانين مع التغيرات‬
‫التي تط أر على تــأثير البنيــة الفوقيــة في مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار التطور للنظــام االجتمــاعي‪ .‬أي أن هــذا النوع من‬
‫القوانين ال يوجاد في كال م ارحال التطور لنظاام معين‪ .‬فهنــان ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن النظــام ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــالي قوانين‬
‫اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة تتعلق مثالً بـالتجـارة الحرة‪ ،‬وفي مرحلـة أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة أخرى هنـان قوانين تتعلق بـالحمـايـة‬
‫‪58‬‬
‫الجمركية‪ .‬أو قوانين المنافسة في مرحلة وقوانين االحتكار في مرحلة ثانية‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص‪.97‬‬
‫‪58‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬دار التقدم موسكو‪ ،1976‬ص ‪.14‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ - 3‬القانون االقتصادي األساسي‪:‬‬
‫تجدر اإلشـ ــارة إلى أن القوانين االقتصـ ــادية ال تقوم بفعلها الموضـ ــوعي بصـ ــورة مسـ ــتقلة ومنعزلة‬
‫بعض ـ ـ ـ ــها عن بعض ـ ـ ـ ــها اآلخر‪ .‬إنما تش ـ ـ ـ ــكل فيما بينها منظومة متكاملة ومت ارص ـ ـ ـ ــة‪ ،‬يكون القانون‬
‫االقتصاااادي األسااااساااي المحور المركزي فيها‪ .‬إن فعل القوانين االقتصـ ــادية للنظام ال أرسـ ــمالي مثالً‬
‫يخض ـ ـ ـ ــع لفعل القانون األس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــي لهذا النظام وهو قانون الربح ال أرس ـ ـ ـ ــمالي‪ .‬كما أن فعل القوانين‬
‫االقتص ــادية للنظام االش ــتراكي يخض ــع لفعل القانون األس ــاس ــي لهذا النظام وهو تلبية حاجات األفراد‬
‫‪59‬‬
‫المتزايدة‪.‬‬
‫إن العالقة اإلنتاجية األســاســية في أي نظام اجتماعي هي العالقة التي تعبر عن طريقة وطابع‬
‫الربط بين قوة العمل ووس ـ ــائل اإلنتاج‪ .‬وهذه العالقة‪ ،‬أو القانون االقتص ـ ــادي األس ـ ــاس ـ ــي في النظام‬
‫الرأساامالي هو قانون الربح‪ ،‬الذي يحكم ويحدد عمل جميع القوانين األخرى‪ ،‬ويعد محرن نش ــوء هذا‬
‫النظام وتطوره وســقوطه‪ .‬فالقانون االقتصاادي األسااساي هو القانون ال ي يعكس العالقة الرئيساة‬
‫في منظومااة عالقااات اإلنتاااج‪ ،‬وهو القوة المحرك ــة المح ــددة لنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوء النظ ــام االجتم ــاعي وتطوره‬
‫ومصيره‪.‬‬
‫ويحدد القانون االقتصـ ـ ــادي األسـ ـ ــاسـ ـ ــي للنظام االجتماعي المعني‪ ،‬الهدو ال ي تسااااعى القوى‬
‫المنتجة لتحقيقه‪ ،‬كما يحدد وس ـ ـ ـ ـ ــائل تحقيق هذه الهدف‪ ،‬وهو يقرر أيضـ ـ ـ ـ ـ ـاً التفاعل بين النش ـ ـ ـ ـ ــاط‬
‫البش ــري وما يطابقه من القوانين االقتص ــادية الناتجة عن طابع ملكية وس ــائل اإلنتاج‪ .‬ويؤثر القانون‬
‫االقتصــادي األســاســي ألي نظام اجتماعي في القوانين االقتصــادية األخرى التي تعبر عن الخواص‬
‫المشتركة لعالقات اإلنتاج في أكثر من نظام اجتماعي واحد‪ ،‬وفي شكل قوانين اإلنتاج‪.‬‬
‫ويؤكد االقتصـ ـ ــادي البولوني أوسـ ـ ــكار النكه أنه " ليس للقوانين االقتصـ ـ ــادية قيمة كلية شـ ـ ــمولية‬
‫تغطي جميع م ارح ــل التطور االجتم ــاعي‪ ،‬ب ــل هي قوانين تاااريخيااة تتب ــادل ه ــذه الم ارح ــل المح ــددة‬
‫"وهكذا فهنان " علم االقتصــاد للجماعة البدائية‪ ،...‬وعلم االقتصــاد لإلقطاعية‪ ،‬واالقتصــاد الســياســي‬
‫لل أرسـمالية‪ ،‬واالقتصـاد السـياسـي لالشـتراكية‪ .‬وإن كالً من هذه االقتصـادات السـياسـية " يعالج القوانين‬
‫االقتصــادية للتشــكيلة االقتصــادية االجتماعية الخاص بها ويعالج طريقة عمل هذه التشــكيلة وقوانين‬
‫حركتها االقتصـادية‪ ،‬ويقدم لنا بهذه الطريقة شـرحاً لعملية ظهور وتطور وزوال كل تشـكيلة اقتصـادية‬
‫‪60‬‬
‫اجتماعية محددة "‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬المصدر السابق ص‪.36‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ -‬لويد‪ .‬ج‪ .‬رينولدز‪ ،‬عوالم االقتصاد الثالثة‪ ،‬ترجمة نايف حسين العطواني مراجعة عيسى عصفور‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪ ،1982‬ص‬
‫‪.34‬‬

‫‪53‬‬
‫إن التناسـ ـ ــب بين موضـ ـ ــوعية علم االقتصـ ـ ــاد والقوانين االقتصـ ـ ــادية والنشـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ــاني الواعي‬
‫والهادف ينعكس في عاملين أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــيين‪ :‬األول‪ -‬العامل ال اتي‪ .‬والثاني ‪ -‬الظروف الموضـ ـ ـ ــوعية‬
‫(العامل الموضوعي)‪.‬‬
‫أمـا بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للعاامال الا اتي‪ ،‬فهو يتكون من المعرفـة العمليـة للظواهر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة والقوانين‬
‫االقتصادية ومختلف األشكال الواعية لتاثير الناس في األوراع االقتصادية االجتماعية للحياة‪.‬‬
‫أما الظروو المورااااوعية فهي الظروو االجتماعية والطبيعة‪ .‬والظروف الموضـ ـ ــوعية للتطور‬
‫االجتمـاعي هي بـالـدرجـة األولى الظروف المـاديـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة‪ ،‬وهـذا يعني مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور القوى‬
‫المنتجة ونوع عالقات اإلنتاج‪ ،‬إضـ ـ ــافة إلى البنية االجتماعية والعالقات السـ ـ ــياسـ ـ ــية ومسـ ـ ــتوى ثقافة‬
‫المجتمع‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫القوانين االقتصادية‬

‫ال انون اال تصا ي‬ ‫أنواع القوانين االقتصادية‬ ‫خصائص القوانين‬


‫األساسي‬
‫االقتصادية‬

‫آ ‪ -‬ال وانين اال تصعا ية العامة‪.‬‬


‫الخاصة األولى‪:‬‬
‫وتتريز في طابع عم‬
‫ال وانين اال تصا ية‪.‬‬
‫‪ -‬ال وانين اال تصا ية الخاصة (النوعية)‪.‬‬

‫الخعاصععععععة ال عانيعة‪:‬‬
‫ج – ال وانين اال تصا ية المشترية‪.‬‬ ‫وتعتعععلع بعمسعععععتعو‬
‫و رجعععة تععحعع ععيعع‬
‫ال وانين اال تصا ية‪.‬‬

‫‪ -‬ال وانين اال تصعا ية الناتجة‬


‫عن تأ ير البنية الفو ية‪.‬‬ ‫الخاصعة ال ال ة‪ :‬ويي‬
‫ذات طعععابعع تعععاريخعي‬
‫انت الي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫قوى اإلنتاج االجتماعية‬
‫كانت المهمة التي قام بها مؤس ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــا االشـ ـ ـ ـ ـ ــتراكية العلمية‪ ،‬كارل ماركس ( ‪)1918 - 1883‬‬
‫وفريدريك انجلس (‪ ،)1859-1820‬هي بناه نظرية علمية عن التطور االجتماعي للحياة البشرية‪.‬‬
‫حيث اعتب ار أن نشـ ــاط اإلنسـ ــان المادي‪ ،‬أي إنتاج الخيرات ( السـ ــلع والخدمات)‪ ،‬يشـ ــكل أسـ ــاس كل‬
‫نشـ ـ ــاط آخر‪ .‬وقد أشـ ـ ــار ماركس إلى ذلك في البحث الذي نش ـ ـ ـره حول تطور المجتمع وتحدث عنه‬
‫انجلس وفقاً لما يلي‪:‬‬
‫أي إن النشااااا المادي‪ ،‬اإلنتاجي هو الذي يحدد كل نشـ ــاط آخر يقوم به الناس‪ .‬حيث يتم من‬
‫خالل ذلك تلبية حاجات اإلنساااان األسااااساااية الثال ‪ ،‬الغ اه‪ ،‬والكسااااه والماوى‪ .‬وتحدد العالقات‬
‫المادية التي تتشكل في سياق اإلنتاج أنواعاً أخرى من العالقات االجتماعية بين الناس‪.‬‬
‫لقـد حـدد مـاركس وانجلس مفهوم التشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكيلـة االجتمـاعيـة على أنهـا‪( :‬مجتمع متواجاد في درجاة‬
‫معينااة من التطور االجتماااعي)‪ .‬ويحــدد أسااااااااالوب اإلنتاااج المتبع في مجتمع مــا‪ ،‬درجــة التطور‪،‬‬
‫ونوعية التش ـ ـ ـ ــكيلة االجتماعية االقتص ـ ـ ـ ــادية‪ .‬ويتكون أس ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج من العالقة الجدلية بين قوى‬
‫اإلنتاج االجتماعية وعالقات اإلنتاج‪( .‬ونظام عالقات اإلنتاج المعينة التي تشاااااااكل البناه التحتي‬
‫االقتصادي للتشكيلة االجتماعية االقتصادية يطابقه بناه فوقي سياسي وحقوقي ونيديولوجي‪ .‬وبنية‬
‫التشـ ــكيلة االجتماعية االقتصـ ــادية ال تشـ ــمل العالقات االقتصـ ــادية وحسـ ــب‪ ،‬بل تشـ ــمل أيضـ ـاً جميع‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬القائمة في المجتمع المعني‪ ،‬وكذلك أشـ ـ ـ ـ ــكاالً معينة للمعيشـ ـ ـ ـ ــة والعائلة ونمط‬
‫‪61‬‬
‫الحياة)‪.‬‬
‫حددت النظرية الماركس ــية خمس مراحل أس ــاس ــية في تاريخ تطور البشـ ـرية االقتص ــادي‪ ،‬تش ــكل‬
‫درجات من التطور التاريخي للبشرية‪ ،‬وهي التشكيالت االجتماعية ـ االقتصادية اآلتية‪:‬‬
‫‪ )1‬النظام البدائي المشاعي‪،‬‬
‫‪ )2‬النظام العبودي‪،‬‬
‫‪ )3‬النظام اإلقطاعي‪،‬‬
‫‪ )4‬النظام الرأسمالي‪،‬‬
‫‪ )5‬النظام الشيوعي (االشتراكية‪ ،‬الشيوعية)‪.‬‬
‫" إن تعاقب التش ـ ـ ــكيالت االجتماعية االقتص ـ ـ ــادية بتتابع يفس ـ ـ ــر‪ ،‬في المقام األول‪ ،‬التناقضااااات‬
‫التناحرية بين القوى المنتجة الجديدة وعالقات اإلنتاج الشـ ـ ـ ــائخة‪ ،‬التي تتحول في درجة معينة إلى‬

‫‪61‬‬
‫‪ -‬كلمنيتيف‪ ،‬فاسيلييفا‪ ،‬ما هي االشتراكية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ 1987‬ص‪.23‬‬

‫‪56‬‬
‫قيود للقوى المنتجــة‪ .‬إن النزاع بين القوى المنتجــة الجــديــدة وعالقــات اإلنتــاج يحــل عن طريق الثورة‬
‫االجتماعية‪ .‬إن أس ــلوب اإلنتاج هو العامل المحدد للتطور التاريخي‪ ،‬أما القوة المحركة لهذا التطور‬
‫‪62‬‬
‫فهي الطبقات والنضال الطبقي "‬
‫وألجـ ـ ــل فهم التطور االقتصادي التاريخي للمجتمع البشري‪ ،‬من الضروري قبل كل شيء اعتماد‬
‫العامل الحاس ــم أال وهو تطور إنتاج الخيرات المادية‪ ،‬من خالل تطور أدوات العمل المس ــتخدمة في‬
‫عملية اإلنتاج وعالقات اإلنتاج وتطور قوى اإلنتاج االجتماعية‪.‬‬
‫اإلنتاج هو عملية تقانية ‪ -‬اقتصاااادية‪ ،‬أزلية ومساااتمرة‪ ،‬وك لك عملية التوزيع (توزيع خيرات‬
‫ونتائج العملية اإلنتاجية)‪ ،‬بهدف تلبية الحاجات اإلنسـ ـ ــانية وإشـ ـ ــباعها‪ .‬وتتكون العملية االقتصـ ـ ــادية‬
‫من اإلنتاج واالساتهالال بافت ارضــهما الشــكلين األســاســيين لنشــاط اإلنســان‪ .‬والســبب في قيام اإلنســان‬
‫بعملية اإلنتاج هو أن الطبيعة ال تلبي له حاجاته بص ـ ـ ـ ـ ـ ــورة مباش ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬لذلك يتطلب تكييف الثروات‬
‫الطبيعية جهوداً معينة لتتحول إلى سـ ـ ـ ـ ــلع وخيرات تلبي حاجات اإلنسـ ـ ـ ـ ــان‪ .‬والتوزيع واالساااااااتهالال‬
‫ناجمان عن ض ـ ــرورة تقس ـ ــيم نتائج عملية اإلنتاج بين أعض ـ ــاء المجتمع‪ ،‬حيث ال يس ـ ــهم جميع أفراد‬
‫المجتمع في اإلنتــاج االجتمــاعي‪ .‬وال تكتمــل عمليــة إنتــاج الخيرات المــاديــة والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع إال بااجتمااع‬
‫عناصر اإلنتاج الرئيسة الثالثة‪ ،‬مواريع العمل‪ ،‬أدوات العمل والعمل‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬القوى المنتجة‪:‬‬
‫يعتم ــد العم ــل اإلنت ــاجي الــذي يقوم بــه اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان على التاااثير الواعي والهااادو في الثروات‬
‫الطبيعية‪ ،‬من خالل اس ـ ــتخدام وس ـ ــائل العمل المناس ـ ــبة‪ .‬والمقص ـ ــود بالثروات الطبيعية‪ ،‬على س ـ ــبيل‬
‫المثال‪ :‬األ ارض ـ ـ ـ ــي‪ ،‬الس ـ ـ ـ ــمك في النهر‪ ،‬المناجم‪ ...‬الخ‪ .‬ومن هذه الثروات التي تم إنتاجها بش ـ ـ ـ ــكل‬
‫أولي‪ ،‬الحبوب‪ ،‬والفوالذ واألقمشة‪.‬‬
‫‪ -‬مواراااااااايع العمل‪ :‬وهي الثروات الطبيعية أو المواد األولية الموجودة في الطبيعة بأش ـ ـ ـ ـ ـ ــكال‬
‫مختلفة‪ ،‬ويؤثر فيها عمل اإلنسان لتحويلها إلى سلع تستخدم في تلبية احتياجاته‪ ،‬كالمواد األولية‪.‬‬
‫‪ -‬أدوات العمل‪ :‬وهي األشـياء التي يساتخدمها اإلنساان للتاثير في موارايع العمل أثناء عملية‬
‫إنتاج الخيرات المادية‪ ،‬كالفأس والمنشار واآللة‪.‬‬
‫‪ -‬قوة العمل‪( :‬البشـ ـ ـ ـ ـ ــر المنتجون) وهي العنصاااااااار الخالق في عملية إنتاج الخيرات المادية‪،‬‬
‫وتتمثل في مقدرة اإلنسـ ــان على العمل‪ ،‬بما يحمله من قوى جسـ ــدية وفكرية ومعارف ومهارات‪ ،‬التي‬
‫بوساطتها يقوم بننتاج الخيرات المادية‪.‬‬
‫وهكذا تمثل القوى المنتجة في المجتمع وحدة ما ص ـ ـ ـ ـ ــنعه المجتمع من وس ـ ـ ـ ـ ــائل إنتاج وقبل كل‬
‫شـيء أدوات العمل والناس الذين يسـتخدمونها ويقومون بننتاج الخيرات المادية‪ .‬يمثل المنتجون القوة‬

‫‪62‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص‪.24‬‬

‫‪57‬‬
‫المنتجة الرئيس ــة الحاس ــمة في عملية اإلنتاج‪ ،‬وتبقى وس ــائل اإلنتاج بدون قوة العمل "اإلنس ــان" ميتة‬
‫ال حياة فيها‪.‬‬
‫‪ - 1‬العمل ‪: Labor‬‬
‫العمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل هو فعل ونشااا‪ ،‬إضــافة إلى كونه عالقة مزدوجة‪ ،‬بين اإلنساان والطبيعة من جهة‪،‬‬
‫وبين اإلنسااان واإلنسااان‪ ،‬من جهة ثانية‪( ،‬عالقة العامل بال أرســمالي‪ ،‬أو عالقة العمال فيما بينهم)‪.‬‬
‫ويمكن توضيح هذه العالقة المزدوجة كما يلي‪:‬‬

‫الطبيعاة‬ ‫اإلنساان‬

‫اإلنسـان‬
‫إلنساان‬
‫الطبيعاة‬

‫اإلنساان‬ ‫اإلنساان‬

‫فالعمل عالقة دائمة وعملية مس ـ ــتمرة بين اإلنس ـ ــان والطبيعة‪ ،‬إنه عملية يقوم اإلنس ـ ــان فيها عن‬
‫طريق نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـه الخـاص "العمـل"‪ ،‬بتطوير التفـاعـل المـادي بينـه وبين الطبيعـة‪ ،‬وتنظيم هـذا التفـاعـل‬
‫والهيمنة على الطبيعة‪ .‬واإلنس ــان يواجه الطبيعة كونه قوة من قواها الرئيس ــة‪ ...( .‬وعن طريق تأثير‬
‫اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان في العالم المحيط به وتغييره للطبيعة‪ ،‬يقوم اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان في الوقت نفسـ ـ ـ ـ ـ ــه بتغيير طبيعته‬
‫‪63‬‬
‫الخاصـ ــة‪ .‬فهو يطور القوى الكامنة في داخله‪ ،‬وتخضـ ــع هذه القوى الداخلية لسـ ـ يطرته الخاصـ ــة)‪.‬‬
‫وبذلك نالحظ أن اإلنسان يتحول ويتطور من خالل التفاعل الدائم بينه وبين الطبيعة‪.‬‬
‫ويمكننا التمييز بين نوعين من العمل‪:‬‬
‫العمل العضااااالي ‪ -‬ويتم من خالل االتص ـ ـ ــال المباش ـ ـ ــر بين العامل وموض ـ ـ ــوع العمل المطلوب‬
‫تحويله و تكييفه أثناء عملية اإلنتاج‪.‬‬
‫والعماال الفكري ‪ -‬الــذي يتنــاول عموم ـاً المفــاهيم و "اإلبــداع" والتوقع واالختيــار‪ .‬ويــأخــذ العمــل‬
‫‪64‬‬
‫االجتماعي أحد هذين الوجهين‪.‬‬
‫وتعد قوة العمل التي يبذلها العامل العادي ير الحائز أية مهارة " العمل البساي "‪ ،‬أما "العمل‬ ‫ّ‬
‫المركااب" فهو قوة العم ــل المؤهلااة والح ــائزة مه ــارات مح ــددة‪ .‬و" العماال الملموس " هو قوة العم ــل‬

‫‪63‬‬
‫‪K. Marks, Kapital, tom I S. 188. -‬‬
‫‪ -‬انظر الموسوعة االقتصادية‪ ،‬مجموعة من االقتصاديين‪ ،‬تعريب‪ ،‬دار ابن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ ،1980‬ص‪-341‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪.346‬‬

‫‪58‬‬
‫المبذولة حالياً‪ ،‬ألنه يحول فعالً وحالياً موضـ ـ ــوع العمل إلى قيمة اسـ ـ ــتعماليه‪ ،‬إنه العمل أثناه الفعل‬
‫ال ي يقوم به العامل بما يبذله من قوة جسـ ـ ــمانية وعصـ ـ ــبية معينة‪ .‬ويسـ ـ ــمى العمل المارااااي ال ي‬
‫انتقل إلى السااالع التي لها خاصـ ــية إشـ ــباع الحاجات اإلنسـ ــانية المحددة‪ ،‬أي العمل الذي يتبلور في‬
‫الس ـ ـ ـ ــلع‪ " ،‬العمل الماض ـ ـ ـ ــي " أو "العمل الميت‪ " .‬العمل المجرد " هو قوة العمل التي يبذلها العامل‬
‫بش ــكل عام بغض النظر عن ش ــكلها الحقيقي الملموس‪ .‬وفي حين يتالزم العمل الحي مع قوة العمل‬
‫أثناء عملية اإلنتاج‪ ،‬يتالءم العمل الماضي مع المنتوج الذي هو مخزن حقيقي لهذا العمل‪.‬‬
‫ويعد العمل شاارطاً طبيعياً وراارورياً السااتمرار الحياة البشاارية‪ .‬وفي مس ــيرة التاريخ يحل نظام‬
‫ّ‬
‫اقتص ـ ــادي اجتماعي محل نظام آخر‪ ،‬إال أن عمل الناس يبقى دائماً الش ـ ــرط الحتمي لبقاء المجتمع‬
‫واستم ارره‪ .‬والعمل هو مؤهل وقدرة يختص بها اإلنسان وحده‪ .‬ويتميز العمل بميزتين رئيستين‪:‬‬
‫األولى ـ أنه نشاط هادو وموجه نحو تحقيق هدف موضوع سلفاً‪.‬‬
‫والثانية ـ هو مرتب بإنتاج السلع والخيرات‪.‬‬
‫والعمل عبارة عن عملية يترابط الناس بوس ـ ـ ـ ـ ـ ــاطتها فيما بينهم ترابطاً موض ـ ـ ـ ـ ـ ــوعياً في جماعات‬
‫يعد العمل األسااس ال ي‬
‫محددة تدعى المجتمعات‪ .‬ويشـكل العمل أسـاس الروابط االجتماعية‪ .‬لذلك ّ‬
‫‪65‬‬
‫يقوم عليه المجتمع البشري‪.‬‬
‫ونس ــتطيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع أن ندعو النش ــاط الذي يبذله اإلنس ــان‪ ،‬ليتم تكييف الموارد الطبيعية وتحويلها إلى‬
‫سلع‪ ،‬نستطيع أن ندعوه بااإلنتاج‪ .‬أما السلع الناجمة عن هذا النشاط فتدعى بـ المنتوجات‪ .‬واإلنتاج‬
‫كما أسـلفنا (عبارة عن النشـاط اإلنسـاني الذي يكيف الموارد الطبيعية حسـب الحاجات البشـرية‪ .‬وهو‬
‫‪66‬‬
‫نشاط واع وهادف‪ ،‬وهذا الوعي والهدف هما اللذان يميزان اإلنسان من الحيوان)‪.‬‬
‫والمقصـ ـ ـ ــود بالنشـ ـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ـ ــاني هو العمل‪ ،‬حيث يؤثر عن طريق مزاولة اإلنسـ ـ ـ ــان للعمل في‬
‫الطبيعة ويحولها حس ــب حاجته‪ ( .‬ويرى ابن خلدون أن كل رزق إنما يكون نتيجة للسااعي والعمل‪،‬‬
‫وأنه ال بد من األعمال اإلنس ـ ـ ـ ــانية في كل مكسااااااوب ومتمول‪ .‬ولهذا‪ ،‬يؤدي قلة األعمال أو فقدانها‬
‫‪67‬‬
‫الناتجة عن انتقاص العمران ـ ـ ـ إلى رفع الكسب من بين الناس وتناقص أرزاقهم تناقصاً مطرداً)‪.‬‬
‫ويؤكد ابن خلـدون أن كل المنتجاات ما هي إال نتيجاة للعمال‪ .‬أي إنه ال بد من العمـل في كل منتوج‬
‫"رزق"‪ ،‬ولكن قد يكون العمل ظاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ اًر في بعض المنتجات وغير ظاهر في بعضها اآلخر‪ .‬فالعمل‬
‫إ ن‪ ،‬في نظر ابن خلدون‪ ،‬هو مصدر القيمة‪ 68 .‬وبذلك يميز ابن خلدون بين نوعين من العمل‪:‬‬

‫‪ -‬ليونتيف‪ ،‬موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1975‬ص‪ .8‬وتجدر اإلشارة هنا إلى نظرية ابن خلدون في أن ضرورة‬ ‫‪65‬‬

‫اجتماع الناس هي ضرورة اقتصادية للتعاون فيما بينهم إلنتاج السلع التي يلبون بوساطتها احتياجاتهم‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫‪L. Krzywichi’ Rozwoj Spoleczny ws'ro'd zwierzat i urodzaju Ludskiego warszuwa 1955. 193 -200‬‬ ‫‪ -‬انظر‪:‬‬
‫‪67‬‬
‫‪ -‬تيسير شيخ األرض‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬دار األنوار‪ ،‬بيروت ‪ ،1966‬ص‪.126‬‬
‫‪68‬‬
‫‪ -‬دكتور محمد حامد دويدار‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪ ،1988‬ص ‪.83‬‬

‫‪59‬‬
‫◼ العمال الظااهر للعياان‪ ،‬وال يحتـاج بيـانـه ألي إثبـات أل فـالعمـل ظااهر للعياان في الصااااااااايوان‬
‫والكرسي والقلم أل وال يمكن للكائن أن ينكره بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫◼ العمل المقتنى (من الحيوان أو النبات أو المعدن)‪ ،‬قد يعتقد بعضهم أن كل هذه المقتنيات‬
‫هبة من الطبيعة تجود بها على اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬ولكن ابن خلدون يؤكد أنه ال بد من العمل اإلنس ـ ـ ـ ـ ــاني‬
‫لالنتفـاع بهـذه المقتنيـات الطبيعيـة ( فـالحليـب ال بـد من حلبـه وجمعـه ونقلـه إلى راغبيـه‪ ،‬والثمـار ال بـد‬
‫من استنباتها وقطفها وتوزيعها )‪.‬‬
‫يعتمد إنتاج الخيرات والس ـ ـ ـ ــلع االقتص ـ ـ ـ ــادية قبل كل ش ـ ـ ـ ــيء على عمل اإلنس ـ ـ ـ ــان‪ .‬وب لك يكون‬
‫اإلنساااااااان‪ ،‬العنصااااااار المركزي في عملية تكييل الطبيعة المحيطة به‪ ،‬وتسـ ـ ـ ـ ــخيرها لخدمته وتلبية‬
‫حاجاته‪ .‬كّلماازدادت معرفة اإلنسان ومهارته ازداد إمكان سيطرته على الطبيعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬موروعات العمل‪:‬‬
‫وهي مجموعة األشاااااااااياه المادية التي يقع عليها العمل اإلنسااااااااااني خالل العملية اإلنتاجية‪،‬‬
‫وغالباً ما تكون قابلة للتغيير والتحول‪ .‬ويمكن أن تكون هذه الموض ــوعات هبة من الطبيعة مباشـ ـرة‬
‫ونس ـ ـ ــميها ثروات طبيعية (نباتية أو حيوانية أو معدنية)‪ ،‬كما يمكن أن تكون نتاجاً للجهد البش ـ ـ ــري‬
‫وتسـ ـ ـ ـ ــمى حينئذ مواد أولية‪ .‬إن موضـ ـ ـ ـ ــوعات العمل بشـ ـ ـ ـ ــكلها المتواجد في الطبيعة ال تكون جاهزة‬
‫ومكيفة لتلبية حاجات اإلنسان‪ ،‬إنمـ ـ ـ ـ ــا وظيفة اإلنتاج هي تكييف هذه الموضوعات لتحويلها إلى قيم‬
‫اســتعمالية‪ ،‬والجدير بالذكر أن طبيعة موضــوع العمل ال تحدد على أســاس فيزيائي‪ ،‬بل على أســاس‬
‫وظيفي‪ .‬وبهذا يمكن أن تكون الموارد نفسها إما موضوع عمل أو وسيلة عمل ( الثور لجر المحراث‬
‫يشكل وسيلة عمل‪ ،‬أما إلى الملحمة فهو يشكل موضوع عمل)‪.‬‬
‫كل هذه الموضـ ـ ـ ــوعات المادية‪ ،‬التي يقع عليها عمل اإلنسـ ـ ـ ــان اإلنتاجي‪ ،‬تدعى "موضـ ـ ـ ــوعات‬
‫العمل" ومن الممكن أن تكون بعل مورااااوعات العمل المسااااتخدمة في إنتاج ساااالعة اقتصااااادية‬
‫معينة‪ ،‬عبارة عن منتج جاهز‪ ،‬تم صاانعه من قبل منتجين آخرين‪( .‬الجلود المسااتخدمة كمورااوع‬
‫عمل في صناعة الح اه‪ ،‬هي منتج جاهز في معامل الدبا ة)‪.‬‬
‫مما تقدم نالحظ أن موضـ ـ ـ ـ ــوعات العمل يمكن أن تكون مواد تقدمها الطبيعة‪ ،‬أو أشـ ـ ـ ـ ــياء مرت‬
‫بعلميات إنتاج ومعالجة أولية‪ .‬كما يمكن لموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع عمل ما أن يمر بمراحل عديدة من المعالجة‪،‬‬
‫وبهذا يضـاف إليه العمل البشـري في كل مرحلة إنتاج يمر بها‪ ،‬ولكنه يبقى موض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع عمل طالما‬
‫وقع عليه الجهد اإلنساني لتحويله إلى سلعة ما تستخدم في تلبية الحاجات اإلنسانية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫وتعد األرل‪ ،‬بباطنها ومياهها‪ ،‬المورااااوع العام للعمل‪ .‬فالطبيعة كناية عن مسااااتودع هائل‬ ‫( ّ‬
‫تكمن فيه احتياطات ال تنضـ ـ ــب من موضـ ـ ــوعات العمل‪ .‬ومهمة اإلنسـ ـ ــان هي اقتالع موضـ ـ ــوعات‬
‫‪69‬‬
‫العمل هذه من األرض‪ ،‬من أعماق البحار والمحيطات)‪.‬‬
‫وتشـ ـ ــكل موضـ ـ ــوعات العمل الجانب السـ ـ ــالب في وسااااائل اإلنتاج‪ ،‬الجانب المتأثر‪ .‬وترتبط مع‬
‫وس ـ ــائل العمل بعالقة جدلية‪ .‬كما أن موض ـ ــوعات العمل تتزايد كماً ونوعاً مع تطور القوى المنتجة‪،‬‬
‫من خالل اتس ـ ـ ــاع دائرة الموض ـ ـ ــوعات الطبيعية‪ ،‬واتس ـ ـ ــاع أكبر لدائرة المواد األولية‪ .‬ويمكننا أيض ـ ـ ـاً‬
‫تصنيف موضوعات العمل إلى‪ :‬موروعات عمل خام‪ ،‬أو موروعات عمل نصل مصنعة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أدوات العمل‪:‬‬
‫أثناء قيام اإلنس ــان بالنش ــاط اإلنتاجي‪ ،‬يسااتخدم األدوات المناساابة‪ ،‬التي تس ــهل له عملية القيام‬
‫بـاألعمـال المطلوبـة‪ .‬فهو يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتخـدم الجرار‪ ،‬المح ار ‪ ،‬المطرقاة‪ ،‬المنجال‪ ،‬اآلالت‪ ،‬الطرق المعبادة‪،‬‬
‫سااااااكك الحديد‪ ،‬األبنية‪ .‬وتدعى هذه المجموعة من المواد‪ ،‬التي تس ـ ـ ـ ــاعد اإلنس ـ ـ ـ ــان لتحويل الطبيعة‬
‫وتكييفها لما يناسبه‪ ،‬باااااااادوات العمل‪ .‬ويستطيع اإلنسان أن ينتج سلعاً أكثر‪ ،‬عندما يستخدم أدوات‬
‫عمل أفضال‪ .‬وليس من الصـعب أن نالحظ أن الح ّذاء يسـتخدم أدوات عمل أفضـل‪ ،‬قادر على إنتاج‬
‫‪70‬‬
‫كميات أكبر من األحذية بالمقارنة مع ح ّذاء آخر من المهارة نفسها‪ ،‬يستخدم أدوات عمل عادية‪.‬‬
‫(وتلعب أدوات العمل دو اًر مهماً وخاصااااة في تطوير اإلنتاج المادي‪ .‬إنها وس ـ ــائل العمل التي‬
‫تعد وكأنها اس ـ ــتمرار واس ـ ــتطالة ألعض ـ ــاء اإلنس ـ ــان الطبيعية‪ :‬ليديه ورجليه‪ ،‬ودماغه‪ .‬واجتازت عبر‬
‫ّ‬
‫التاريخ أدوات العمل طريقاً طويالً من التطور‪ :‬من الحجر والعصاا لدى اإلنسـان البدائي‪ ،‬إلى أحدث‬
‫وأعقد الماكينات واألجهزة‪ ،‬إلى اآلالت اإللكترونية الحاس ـ ـ ـ ــبة والموجهة‪ ،‬التي تس ـ ـ ـ ــتخدم في اإلنتاج‪،‬‬
‫‪71‬‬
‫وفي العلم‪ ،‬وفي اإلدارة)‪.‬‬
‫مما ورد أعاله نسـتطيع تحديد أدوات العمل‪ ،‬على أنها مجموع األشـياء والوسـائل التي يسـتخدمها‬
‫اإلنس ـ ــان حين القيام بالنش ـ ــاط اإلنتاجي للتأثير في موض ـ ــوعات العمل‪ ،‬وتحويلها إلى خيرات وس ـ ــلع‬
‫مادية لتلبي حاجاته‪.‬‬
‫وتسـ ـ ـ ــتخدم أدوات العمل‪ ،‬وفقاً ألوسـ ـ ـ ــكار النكه‪ ،‬في تحضـ ـ ـ ــير مواد العمل‪ ،‬وهي تشـ ـ ـ ــمل جميع‬
‫األشـ ــياء التي تصـ ــنع لغرض إنجاز عمليات معينة كما أنها تشـ ــمل بعض األشـ ــياء‪ ،‬على الرغم من‬
‫عـدم كونهـا في ذاتهـا أدوات‪ ،‬كـالمبـاني والمخـازن والموانل‪ ،‬والطرق‪ ،‬واألرض‪ ،‬فهي تـدخـل ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن‬
‫مجموعة أدوات العمل‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -‬ليونتيف‪ ،‬موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.90‬‬
‫‪70‬‬
‫‪J. Nowicki, Zarys Ekonomia Politycznej Kapitalizmu, P.W.E., Warszwa 1971, S. 10 -‬‬
‫‪71‬‬
‫‪ -‬ليونتيف‪ ،‬موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.10‬‬

‫‪61‬‬
‫تؤدي أدوات العمال‪ ،‬في كـل زمـان ومكـان‪ ،‬دور الوساااااااااي المبـاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر والفعـال بين اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫وموضـ ـ ـ ــوعات العمل‪ .‬كما تختلف أدوات العمل فيما بينها‪ .‬فكل واحدة تختص بعمل حسـ ـ ـ ــي معين‪،‬‬
‫مما يحدد أشـ ــكالها وخصـ ــائصـ ــها‪ ،‬وقيمة اسـ ــتعمالها‪ .‬أي غير قابلة لالسـ ــتبدال بأداة أخرى‪ .‬وتتعدل‬
‫تعد العنصـ ـ ــر األكثر تطو اًر في أسـ ـ ــلوب اإلنتاج‬
‫أدوات العمل بصـ ـ ــورة س ـ ـ ـريعة وغير منقطعة‪ .‬وهي ّ‬
‫الذي تسهم في تطويره‪.‬‬
‫بيد أن أدوات العمل‪ ،‬هي التي تقوم بدور حاسـ ــم‪ ،‬بما لها من قدرة خاصـ ــة تسـ ــمح بتغيير المواد‬
‫الموجودة في الطبيعة‪ ،‬ويسـ ــتطيع العمل اإلنسـ ــاني بوسـ ــاطتها خلق قيم اسـ ــتعمالية مختلفة قادرة على‬
‫‪72‬‬
‫إن صــنع أدوات العمل واســتخدامها‪ ،‬هما الصــفتان اللتان‬ ‫تلبية الحاج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات اإلنســانية المتنوعة‪.‬‬
‫يتميز بهما اإلنسان‪.‬‬
‫ومع تطور المجتمع وتقدمه‪ ،‬تزداد أدوات العمل كماً ونوعاً‪ ،‬وتصـ ـ ـ ــبح أكثر تخص ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـاً‪ .‬وهي‬
‫فردية في األص ــل لكنها مع تطور أس ــلوب اإلنتاج تص ــبح اجتماعية أكثر فأكثر‪ .‬إن تطور مسااتوى‬
‫أدوات العمل يوراااح مقدار سااايطرة اإلنساااان على الطبيعة‪ .‬كما أن درجة تطورها تجعلنا نميز بين‬
‫حقبة اقتصادية معينة وحقبة أخرى‪.‬‬
‫تزداد أدوات العمل اتقاناً على الدوام في ساااااااياق العمل‪ ،‬وهذا يجعل اإلنسـ ـ ـ ـ ــان أقل تبعية لقوى‬
‫الطبيعة‪ ،‬ويثبت س ـ ـ ــيطرته وس ـ ـ ــلطانه عليها‪ .‬التطور الدائم المتص ـ ـ ــاعد ألدوات العمل هو األس ـ ـ ــاس‬
‫والعامل األهم لتطور المجتمع البش ـ ـ ـ ـ ــري‪ .‬كما أن مس ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور أدوات العمل هو الذي يحدد قدرة‬
‫وهي بحـد ذاتهـا تنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ وتتطور من خالل االحتكـان‬ ‫‪73‬‬
‫اإلنساااااااااان على التااثير في قوى الطبيعاة‪.‬‬
‫المباشر بين اإلنسان والطبيعة‪.‬‬
‫موراااااااوعات العمل موجودة في الطبيعة باشاااااااكال مختلفة‪ ،‬أما أدوات العمل ووساااااااائله فيتم‬
‫صااانعها وتشاااغيلها من قبل اإلنساااان‪ .‬إن موضـ ــوعات العمل وأدوات العمل تؤلف مجتمعة وساااائل‬
‫اإلنتاج‪ .‬فنذا ما أض ـ ــفنا إليها قوة العمل‪ ،‬فان العناص ـ ــر الثالثة مجتمعة تمثل القوى المنتجة‪ .‬وهذه‬
‫هي قوى اإلنتاج االجتماعية‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬عالقات اإلنتاج‪:‬‬
‫يعد إنتاج الس ـ ـ ـ ـ ــلع المادية إلش ـ ـ ـ ـ ــباع الحاجات اإلنس ـ ـ ـ ـ ــانية إنتاجاً اجتماعياً دائماً‪ .‬وتقوم الطبيعة‬
‫ّ‬
‫االجتماعية لإلنتاج على الطبيعة االجتماعية للعمل‪ .‬حيث ال يقوم األفراد بإنتاج الساااااااالع والخيرات‬
‫بصااااورة منعزلة‪ .‬إنما يرتبط عمل كل فرد ارتباطاً وثيقاً بنشـ ـ ــاط غيره من العمال‪ ،‬فالناس يشـ ـ ــتركون‬
‫ويعمل بعضهم مع بعض‪ .‬ويعزو ابن خلدون االجتماع اإلنساني إلى سببين اثنين‪:‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬الموسوعة االقتصادية‪ ،‬مجموعة من االقتصاديين‪ ،‬تعريب‪ ،‬دار ابن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ ،1980‬ص‪.33‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ -‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪62‬‬
‫األول ‪ -‬هو الحاجة إلى تامين الغ اه الذي فيه بقاء اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان واس ـ ـ ـ ـ ــتمرار حياته‪ .‬بيد أن قدرة‬
‫اإلنس ــان على تحص ــيل غذائه غير ممكنة في حال قيامه بذلك كفرد منعزل يعتمد على ذاته في كل‬
‫شـ ـ ـ ــيء‪ .‬وتكون له القدرة في تحصـ ـ ـ ــيل الغذاء عندما يكون عض ـ ـ ـ ـواً في جماعة متعاونة في أمورها‪،‬‬
‫متتزرة في قضـ ـ ــاء حاجاتها‪( .‬فال بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسـ ـ ــه‪ ،‬ليحصـ ـ ــل القوت له‬
‫‪74‬‬
‫ولهم‪ ،‬فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة‪ ،‬ألكثر منهم بأضعاف)‪.‬‬
‫والثاني ‪ -‬هو حاجة اإلنساااااااان للدفاع عن نفساااااااه‪ ،‬فال يساااااااتطيع لك إال بتعاونه مع أبناه‬
‫جنسه‪.‬‬
‫وه ــذا يعني أن اإلنت ــاج‪ ،‬هو إنت ــاج األفراد االجتم ــاعيين‪ ،‬في ك ــل مرحل ــة من م ارح ــل التطور‬
‫االجتمـاعي وتقوم بـه مجتمعـات وجمـاعـات من النـاس متفـاوتـة الحجم‪ .‬وأثنااه عملياة اإلنتااج يادخال‬
‫النااس في عالقاات متباادلاة محاددة‪ ،‬وها ا ماا يسااااااااامى بعالقاات اإلنتااج‪ ،‬أو عالقاات النااس في‬
‫اإلنتااج‪ .‬وتقوم عالقاات اإلنتااج بين النااس في المجتمع على شااااااا اكال نظاام محادد‪ .‬وفي كـل نظـام‬
‫معين من عالقات اإلنتاج تش ـ ـ ــغل عالقات اإلنتاج بين الطبقات الرئيس ـ ـ ــة للمجتمع مكاناً حاس ـ ـ ــماً ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫على سبيل المثال في مرحلة اإلقطاع (بين الفالحين واإلقطاعيين)‪.‬‬
‫تتكون عالقـات اإلنتـاج في المجتمع حس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب المرحلـة التـاريخيـة من التطور التي تبلغهـا القوى‬
‫المنتجــة‪ ،‬بينمــا تتوقف عالقــات التوزيع في المجتمع على عالقــات اإلنتــاج‪ .‬وعالقــات اإلنتــاج هي‬
‫التي تقرر طريقة إنتاج المنتوجات وش ــكل توزيعها في المجتمع‪ ،‬من خالل اش ــتران الناس في عملية‬
‫اإلنتاج االجتماعية‪ .‬حيث يتم توزيع حص ــيلة اإلنتاج على ش ــكل أجور‪ .‬أي إن التوزيع نفس ــه مرتبط‬
‫باإلنتاج‪ ،‬بل ينجم عنه‪( .‬ومن هنا‪ ،‬تصـ ـ ــبح عالقات اإلنتاج األساااااس للعالقات االقتصااااادية كلها‪.‬‬
‫الفعال من العالم المادي المحدق به عالقات‬‫فأثناء عملية اإلنتاج االجتماعية‪ ،‬يقرر موقف اإلنسـان ّ‬
‫اإلنتـاج‪ ،‬وهـذه بـدورهـا تقرر عالقـات التوزيع‪ .‬وهـذا هو مفتـاح إدران القوانين التي تهيمن على العمليـة‬
‫االجتماعية للنش ـ ـ ــاط االقتص ـ ـ ــادي البش ـ ـ ــري‪ ،‬مفتاح إدران القوانين التي يعنى االقتص ـ ـ ــاد الس ـ ـ ــياسـ ـ ــي‬
‫‪76‬‬
‫ببحثها)‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬أسلوب اإلنتاج‪:‬‬
‫تؤلل القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج التي تطابقها‪ ،‬مجتمعة‪ ،‬أسلوباً لإلنتاج محدداً تاريخياً‪،‬‬
‫وهذا األس ـ ـ ـ ــلوب هو األساااااااس المادي لحياة المجتمع‪ .‬ويؤدي أس ـ ـ ـ ــلوب إنتاج الخيرات المادية دو اًر‬
‫محــدداً في تطور أي مجتمع‪ ،‬وكــل درجــة من تطور المجتمع تتميز بــأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب إنتــاجهــا‪ .‬وإذا كــان‬
‫عد تاريخ‬‫أســلوب إنتاج الخيرات المادية هو األســاس المادي للحياة االجتماعية‪ ،‬فننه من الضــروري ّ‬

‫‪74‬‬
‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة ص‪.42‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ -‬ليونتيف‪ ،‬موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.12‬‬
‫‪76‬‬
‫‪ -‬أوسكار النكه‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.73‬‬

‫‪63‬‬
‫المجتمع أيضـاً تاريخاً لتطور أســاليب اإلنتاج وتعاقبها الحتمي‪ .‬وعند د ارســة مراحل معينة من تطور‬
‫‪77‬‬
‫المجتمع‪ ،‬من الضروري دراسة قوانين أسلوب اإلنتاج المطابق لها‪.‬‬

‫أسلاوب إنتااج الخيارات الماديااة‬

‫عال ات اإلنتعاج‬ ‫ال عو المنتجعة‬

‫(يوج ــد دائم ـاً فع ــل متب ــادل بين العالقااات االجتماااعيااة وقوى اإلنتاااج‪ .‬ه ــذه القوى تح ــدد تل ــك‬
‫العالقات‪ ،‬التي تول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بدورها حاجات ووسـ ــائل جديدة من أجل تلبيتها‪ :‬فقد ولد مسـ ــتوى معين من‬
‫القوى اإلنتاجية العالقة االجتماعية للملكيـ ـ ـ ـ ـ ــة الخاصة التي جمعت هي ذاتها من جديد الشروط من‬
‫‪78‬‬
‫أجل تقدم جديد لوسائل اإلنتاج)‪.‬‬
‫ويقيم الناس فيما بينهم أثناء اإلنتاج االجتماعي لحياتهم‪ ،‬عالقات معينة ض ــرورية‪ ،‬مس ــتقلة عن‬
‫إرادتهم وتوافق عالقااات اإلنتاااج ه ا و درجااة معينااة من تطور قواهم المنتجااة الماااديااة‪ .‬ومجموع‬
‫عالقات اإلنتاج هذه يؤلف البناء االقتصـ ـ ـ ــادي للمجتمع‪ ،‬أي األسـ ـ ـ ــاس الواقعي الذي يقوم عليه بناء‬
‫فوقي حقوقي وسـياسـي وتطابقه أشـكال معينة من الوعي االجتماعي‪ .‬إن أسـلوب إنتاج الحياة المادية‬
‫يش ـ ـ ــترط تفاعل الحياة االجتماعية والس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية والفكرية بص ـ ـ ــورة عامة‪ ....‬وعندما تبلغ قوى اإلنتاج‬
‫االجتم ــاعي ــة درج ــة معين ــة من تطوره ــا‪ ،‬تاادخاال في تناااقل مع عالقااات اإلنتاااج الموجودة أو مع‬
‫عالقات الملكية ـ ـ ـ ـ ـ ـ وليس هذا سوى التعبير الحقوقي لتلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ التي كانت إلى ذلك الحين تتطور في‬
‫إطـارهـا‪ .‬فبعاد أن كااناق ها و العالقاات إطاا اًر لتطور القوى المنتجاة‪ ،‬تصااااااااابح قيوداً على تطورهاا‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫وعندئ ينفتح عهد الثورة االجتماعية‪).‬‬
‫وهـذا يعني أن التنـاقض بين القوى المنتجـة وعالقـات اإلنتـاج‪ ،‬يؤدي إلى أن تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح عالقـات‬
‫اإلنتـاج قيوداً للقوى المنتجـة‪ ،‬بعـد أن كـانـت هـذه العالقـات أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـاالً لتطور القوى المنتجـة‪ ،‬وأن هـذا‬

‫‪77‬‬
‫‪ -‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو‪ ،‬الجزء األول ص‪.22‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ -‬جان توشار‪ ،‬تاريخ األفكار السياسية‪ ،‬ت‪ .‬ناجي الدراوشة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬و ازرة الثقافة دمشق ‪ ،1984‬ص‪.36‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ -‬لينين‪ ،‬ماركس نجلس ‪ -‬الماركسية‪ ،‬دار التقدم موسكو‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪64‬‬
‫التنـاقض ينمو بـاطراد حتى درجـة معينـة تجعـل الثورة االجتمـاعيـة ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة حتميـة لتحطيم منظومـة‬
‫عالقات اإلنتاج المقيدة لتطور قوى اإلنتاج وإلعطاء هذه فسحة جديدة للتطور‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬قانون توافق عالقات اإلنتاج مع قوى اإلنتاج‪:‬‬
‫عرف المجتمع البش ـ ــري تش ـ ــكيالت اجتماعية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اقتص ـ ــادية متعاقبة لكل منها أس ـ ــلوب اإلنتاج‬
‫الخاص بها وهي‪ :‬المشااااااعي البدائي‪ ،‬العبودي‪ ،‬اإلقطاعي‪ ،‬الرأسااااامالي‪ ،‬االشاااااتراكي‪ .‬ويتميز كل‬
‫أس ـ ــلوب إنتاج منها بمس ـ ــتوى معين من تطور قوى اإلنتاج وش ـ ــكل معين لعالقات اإلنتاج يتوافق مع‬
‫مستوى تطور القوى المنتجة‪ ،‬وشكل ملكية وسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫لـذلـك تتطلـب كـل درجـة معينـة من تطور قوى اإلنتـاج شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالً محـدداً من عالقـات اإلنتـاج‪ .‬فـنذا‬
‫كانت عالقات اإلنتـاج مالئمة لطابع قوى اإلنتاج ساعدت على تطور هذه القوى ودفعها إلى األمام‪.‬‬
‫ولكن في مرحلة معين ـ ـ ـ ــة تتقدم قوى اإلنتاج على عالقات اإلنتاج القائمة‪ ،‬فتتحول هذه العالقات إلى‬
‫كابح لتطور قوى اإلنتاج‪ .‬ويصاااااابح التناقل بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج األساااااااس المادي‬
‫والمحرل الرئيس للثورة االجتماعية‪ ،‬التي تؤدي إلى س ـ ـ ـ ـ ــقوط عالقات اإلنتاج البالية واس ـ ـ ـ ـ ــتبدالها‬
‫بعالقات إنتاج جديدة تس ـ ــاعد على تطور قوى اإلنتاج‪ .‬فالثورات االش ـ ــتراكية مثالً تؤدي إلى س ـ ــقوط‬
‫عالقـات اإلنتـاج ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة البـاليـة لتقييم الملكيـة االجتمـاعيـة لوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج وتتحقق الثورات‬
‫االجتماعية بفعل قانون توافق عالقات اإلنتاج مع مستوى تطور وطابع قوى اإلنتاج‪.‬‬
‫يحصااااااااال توافق عالقاات اإلنتااج مع طاابع القوى المنتجاة بفعال القاانون الادياالكتيكي ( قاانون‬
‫التغيرات الكمية تؤدي حتماً إلى تغيرات نوعية)‪ .‬أو التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي‪.‬‬
‫والهدف النهائي لكل عملية إنتاج هو تلبية الحاجات اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــانية الطبيعية‪ ،‬والتاريخية أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪.‬‬
‫وتتزايد حاجات اإلنس ـ ــان كلما تزايد مس ـ ــتوى التطور االقتص ـ ــادي االجتماعي‪ .‬بيد أن تلبية الحاجات‬
‫المتزايدة باسـتمرار‪ ،‬ليسـت هدفاً طبيعيا فحسـب‪ ،‬بل هي مرتبطة أيضـاً بتحسـين عملية اإلنتاج وقواها‬
‫المحركـة وتطورهمـا‪ .‬ومن خالل عمل ـي ة تلبيـة الحـاجـات تحـدث عمليـة إعـادة اإلنتـاج‪ ،‬إض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـة إلى‬
‫حدوث التطور الذي يتض ـ ـ ـ ــمن الس ـ ـ ـ ــير نحو ص ـ ـ ـ ــيغ أعلى الس ـ ـ ـ ــتقرار المجتمع‪ .‬وترتبط عملية تلبية‬
‫الحاجات‪ ،‬بالنتائج التي تحققها عملية اإلنتاج االجتماعية‪ ،‬كما ترتبط بالطريقة التي يتم بوسـ ـ ـ ـ ــاطتها‬
‫‪80‬‬
‫توزيع هذه النتائج‪ .‬أي إن التوزيع يعتمد على مكانة الطبقات والفئات االجتماعية ودورها‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪S. Szefler i S. Marciniak, Ekonomia Polityczna, P.W.N. S Warszawa 1974. S. 25. -‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫عناصر اإلنتاج في النظام الرأسمالي‬
‫الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم‬
‫المشروع االقتصادي في الرأسمالية‬
‫المشاااروع هو وحدة اإلنتاج االقتصاااادية األسااااساااية‪ ،‬ويتكون المش ـ ــروع من نس ـ ــب معينة من‬
‫عناص ـ ـ ـ ــر اإلنتاج في النظام ال أرس ـ ـ ـ ــمالي وهي الطبيعة والعمل ورأس المال يجمع بين هذه النس ـ ـ ـ ــب‬
‫المنظم الذي يعد العنص ــر الرابع من عناص ــر اإلنتاج ال أرس ــمالي‪ .‬ويأخذ المش ــروع أشااكاالً مختلفة (‬
‫المصنع‪ ،‬المزرعة‪ ،‬المتجر‪ ،‬المصرف وغيرها )‪ .‬ومن الممكن أن يمتد المشروع إلى أكثر من مجال‬
‫أو فرع في االقتصـاد الوطني‪ ،‬كما يمكن أن يمتد نشـاط المشـروع إلى أكثر من منطقة أو حتى أكثر‬
‫من دولة واحدة‪ ،‬كأن يكون للمشروع الواحد عدة أقسام وفروع تابعة له‪.‬‬
‫وتختلل أشاااااااكال وحدة اإلنتاج االقتصاااااااادي من نظام اقتصاااااااادي اجتماعي إلى آخر‪ .‬ففي‬
‫المشـ ـ ــاعية البدائية كانت وحدة اإلنتاج االقتصـ ـ ــادية هي األساااارة أو القبيلة‪ ،‬حيث كانت تعود ملكية‬
‫وس ـ ــائل اإلنتاج لألس ـ ـرة أو القبيلة‪ .‬أما عناص ـ ــر اإلنتاج في العص ـ ــور البدائية فهي الطبيعة والعمل‪،‬‬
‫ويتم توزيع نتاج العمل على جميع أفراد القبيلة بصـ ــورة متسـ ــاوية‪ .‬لذا كانت أهمية رأس المال "أموال‬
‫اإلنتاج" في هذا النظام ذات صـ ـ ــفة ثانوية‪ .‬وحيث إن األرض كانت ملكاً للجميع فقد أصـ ـ ــبح العمل‬
‫عنصـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتاج الوحيد‪ .‬أما في النظام اإلقطاعي ونظام الرق والعبودية‪ ،‬حيث بدأت تتحول ملكية‬
‫األرض إلى السـ ـ ـ ــيد واإلقطاعي‪ ،‬فقد أصـ ـ ـ ــبحت اإلقطاعية وحدة اإلنتاج االقتصـ ـ ـ ــادية األسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــية‪،‬‬
‫وعنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتـاج هي الطبيعـة والعمـل ورأس المـال ولكن ظلـت أهميـة رأس المـال ثـانويـة في هـذا‬
‫النظام‪ .‬والغاية األساسية من عملية اإلنتاج هي إنتاج ما يسد حاجات سكان اإلقطاعية‪.‬‬
‫أما في النظام ال أرســمالي‪ ،‬فتصاابح األهمية األولى بين عناصاار اإلنتاج لرأس المال ويلحق به‬
‫الطبيعة والعمل‪ ،‬ويظهر دور المنظم صـ ـ ــاحب المشـ ـ ــروع الذي يقوم بجمع عناصـ ـ ــر اإلنتاج‪ ،‬بهدف‬
‫تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح‪ .‬ويمكننا تحديد سمات المشروع الرأسمالي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬حصاااار ملكية وسااااائل اإلنتاج في يد فرد أو عدد من األفراد داخل إطار شـ ـ ــركة‪ ،‬مع تحمل‬
‫مالك رأس المال نتائج المشروع سلبية كانت أم إيجابية "الخسارة أو الربح"‪.‬‬
‫‪ -‬يعد المشاااااروع مركز التقاه عناصااااار اإلنتاج "الطبيعة والعمل ورأس المال" ويقوم ص ـ ـ ــاحب‬
‫المشروع"المنظم" بجمع هذه العناصر وتحقيق التناسب والتنسيق فيما بينها‪.‬‬
‫‪ -‬يهدو المشااروع الرأساامالي إلى الحصااول على الربح عن طريق بيع الناتج بثمن أعلى من‬
‫تكاليف اإلنتاج‪ ،‬والفرق بينهما هو الربح الذي يعد الدافع األسـ ــاسـ ــي لقيام صـ ــاحب المشـ ــروع بتنظيم‬
‫عملية اإلنتاج وجمع عناصرها‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫إن الجهـاز اإلنتـاجي في أيـة دولـة مكون من عـدة وحـدات إنتـاجيـة‪ ،‬كـل وحـدة منهـا تقوم بـدور‬
‫إنتاجي معين‪ ،‬ومن مجموع إنتاج هذه الوحدات يتكون اإلنتاج القومي‪.‬‬
‫‪ -‬عناصر المشروع‪:‬‬
‫يتكون المشااروع في النظام ال أرس ــمالي من عناص ــر اإلنتاج الرئيس ــة الثالث وهي‪ :‬العمل‪ ،‬رأس‬
‫المال‪ ،‬الطبيعة‪ ،‬إضـ ــافة إلى المنظم الذي يجمع بين هذه العناصـ ــر الثالثة لتتم عملية اإلنتاج‪ ،‬وهو‬
‫بذلك يعد العنصر الرابع من عناصر اإلنتاج في المشروع الرأسمالي‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬العمل‪ :‬اإلنسـ ــان ملزم بالسـ ــعي والعمل ألجل تأمين معاشـ ــه وتلبية حاجاته‪ ،‬وهذا يتطلب‬
‫بذل الجهد واحتمال المش ــقة‪ .‬ولما كان اإلنس ــان ض ــنيناً بتعبه راغباً في تقليل الجهد الذي يبذله أثناء‬
‫عملـه‪ ،‬رغـب في تحقيق رغبـاتـه وتلبيـة حـاجـاتـه بـأقصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الطرق‪ .‬ولو لم يكن العمـل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـاً ومتعبـاً‬
‫ويسـ ــبب األلم للنفس لما شـ ــعر اإلنسـ ــان بلزوم السـ ــعي إليجاد ما يسـ ــاعده على تخفيف المشـ ــاق عن‬
‫نفس ـ ـ ـ ـ ــه‪ ،‬وما كان لنا أن نرى ما نش ـ ـ ـ ـ ــاهده اليوم من أنواع المكتش ـ ـ ـ ـ ــفات واالختراعات والتقدم العلمي‬
‫والتقني‪ ،‬اللذين بفضـلهما قطعت المدينة أشـواطاً في مضـمار التقدم وبلغت منزلة عالية في االرتقاء‪.‬‬
‫(‪)81‬‬
‫ولإلحاطة بدور العمل في الحياة االقتصـادية ال بد من د ارسـة طبيعة العمل وخواصـه األسـاسـية‬
‫وكذلك دراسة الواقع الديمغرافي والمشكلة السكانية وأثرها في قوة العمل‪.‬‬
‫‪ - 1‬طبيعة العمل وخواصاه‪ :‬يعد العمل أول عنصر إنتاج استخدمه اإلنسان منذ بداية صراعه‬
‫مع الطبيعة وأثناء الس ــعي والعمل المس ــتمر بقص ــد إش ــباع رغباته وحاجاته‪ .‬والعمل بش ــكل مجرد هو‬
‫تجسـ ــيد للجهد البشـ ــري وامتداد لشـ ــخصـ ــية العامل‪ ،‬وهو موضـ ــوع احترام وتقديس الديانات السـ ــماوية‬
‫والمعتقدات‪ ،‬واحترام المجتمعات وســر حيوية األفراد واســتمرار المجتمع البشــري‪ )82( .‬ولقد ُعد العمل‬
‫الركيزة األساسية التي ُيعتمد عليها لتحديد وقياس قيم المواد والخدمات (نظرية القيمة والعمل)‪.‬‬
‫قوة العمــل هي عبــارة عن مجمال الكفااياات البادنياة والا هنياة التي يملكهاا اإلنسااااااااااان والتي‬
‫يسااتخدمها في عملية إنتاج الخيرات المادية‪ .‬وتعد قوة العمل في كل مجتمع عنصـ ـ اًر ض ــرورياً من‬
‫عناصـ ــر اإلنتاج‪ .‬وتتحول قوة العمل إلى بضـ ــاعة "سـ ــلعة" في النظام ال أرسـ ــمالي فقط‪ ،‬حيث أصـ ــبح‬
‫مالك قوة العمل في هذا النظام يتمتع بالحرية الش ـ ـ ــخص ـ ـ ــية‪ ،‬بعد أن كان العبد والفالح الرقيق يرتبط‬
‫بالس ــيد واإلقطاعي عن طريق التبعية الش ــخص ــية‪ .‬ولكن الحرية الش ــخص ــية للعامل ال تكفي وحدها‪،‬‬
‫ألنه يضـطر إلى تأجير قوة العمل التي يملكها لل أرسـمالي‪ ،‬ويتحول إلى عامل مأجور بسـبب حرمانه‬
‫من ملكية وسـ ـ ــائل اإلنتاج التي يملكها ال أرسـ ـ ــماليون‪ .‬أي إن تحول قوة العمل إلى سـ ـ ــلعة يسـ ـ ــتوجب‬
‫تحرير صاحبها من التبعية الشخصية لغيره‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬عارف الخطيب‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬مطبعة الحكومة بدمشق ‪ ،1925‬ص‪.101‬‬
‫‪82‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬فتح هللا ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بيروت ‪ ،1981‬ص‪.317‬‬

‫‪67‬‬
‫إن قيمة قوة العمل‪ ،‬المعبر عنها بالنقد‪ ،‬هي ســعر " ثمن" قوة العمل‪ .‬وفي ظل ال أرســمالية تأخذ‬
‫شـكل األجرة‪ .‬وعادة يشـتري ال أرسـماليون قوة العمل بسـعر أقل من قيمتها وبذلك يزيدون من أرباحهم‪.‬‬
‫إن عمل العمال غير المدفوع األجر‪ ،‬والذي يس ـ ـ ــتأثر به ال أرس ـ ـ ــماليون بال مقابل هو مص ـ ـ ــدر القيمة‬
‫(‪)83‬‬
‫الزائدة‪ ،‬وهذه سمة من أهم سمات النظام الرأسمالي‪ .‬وتوضح جوهر االستغالل في الرأسمالية‪.‬‬
‫ممــا تقــدم يمكننــا تعريف العمــل على أنــه الجهاد والنشاااااااااااا الواعي والهاادو‪ ،‬الا ي يقوم باه‬
‫اإلنساااان إلنتاج الخيرات المادية إلشاااباع حاجاته بطريق مباشااار أو ير مباشااار‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫(‪)84‬‬
‫العمل يمتاز بثالث خصائص هي‪:‬‬
‫• العمل مجهود يب ل عن وعي ونرادة‪ .‬حيث إن العمل يصدر عن تفكير ووعي وإرادة‪.‬‬
‫• العمل متعب ويسااابب األلم للنفس‪ ،‬لذلك يسـ ــعى اإلنسـ ــان دائماً إليجاد ما يخفف المشـ ــاق‬
‫عن نفس ـ ـ ــه باختراع اآلالت‪ .‬واأللم المادي الذي يس ـ ـ ــببه العمل للعامل‪ ،‬هو ذلك اإلعياء الجس ـ ـ ــماني‬
‫والعصبي الذي يحس به اإلنسان عندما يقوم بعمل ما جسدياً كان أم ذهنياً‪.‬‬
‫ال بـد أن يؤدي العمال إلى إنتااج األموال والخيرات‪ ،‬ومعنى ذلـك أن كـل نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط يقوم بـه‬ ‫•‬
‫اإلنسـ ـ ـ ــان ال يهدف أسـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـاً إلى إنتاج الخيرات ال يعد عمالً بالمعنى االقتصـ ـ ـ ــادي الدقيق‪ .‬وتكون‬
‫إنتاجية العمل أكبر كلما كانت قدرة العمل على إجراء التغيرات التي تجعل األشــياء صــالحة إلشــباع‬
‫الحــاجــات أكبر‪ .‬وتتحــدد إنتــاجيــة العمــل من خالل العالقــة بين مقــدار العمــل الــذي يبــذلــه العــامــل‬
‫والمقابل الذي يحصل عليه لقاء قيامه بهذه العمل‪.‬‬
‫( إن عملية العمل في المؤس ـ ـسـ ـ ة ال أرسـ ــمالية تتصـ ــف بخاصـ ــتين‪ ،‬أن العامل يعمل تحت رقابة‬
‫ال أرس ــمالي والبض ــاعة التي يص ــنعها في س ــياق اإلنتاج تخص ال أرس ــمالي‪ ،‬وال أرس ــمالي يقرر ما يجب‬
‫إنتاجه‪ ،‬بأية كمية‪ ،‬وبأي أس ــلوب‪ .‬وهاتان الخاص ــتان لعملية العمل في ظل ال أرس ــمالية تحوالن عمل‬
‫وهذا يعني أن عملية اإلنتاج ال أرسـمالي تهدف إلى‬ ‫(‪)85‬‬
‫العامل المأجور إلى عمل سـخرة‪ ،‬إجباري )‪.‬‬
‫إغناء الطبقة البرجوازية على الدوام واستغالل الطبقة العاملة بصورة بشعة ومستمرة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تحول قوة العمل في النظام الرأسااامالي إلى سااالعة تختلل عن ساااائر السااالع‬
‫األخرى‪ .‬فقوة العمـل هي قدرة اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان الحي على العمـل‪ .‬وتتحـدد قيمـة قوة العمـل بقيمـة وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائل‬
‫المعيشة الضرورية لوجود العامل واستم ارره وتجديد قوة العمل‪ .‬والعناصر التي تدخل في تحديد قيمة‬
‫قوة العمل هي‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬الكسندر يوزويف‪ ،‬ما هي الرأسمالية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1987‬ص‪.45-42‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ ،‬د‪ .‬أحمد مراد‪ ،‬دروس في االقتصاد السياسي‪ ،‬أملية محاضرات ألقيت على طالب كليتي التجارة والحقوق بجامعة دمشق‬ ‫‪84‬‬

‫‪ ،1974-1973‬ص‪.95-93‬‬
‫‪85‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ص‪.91-90‬‬

‫‪68‬‬
‫الضااااارورية إلش ـ ـ ــباع حاجات العامل الجس ـ ـ ــمانية كالغذاء والكس ـ ـ ــاء‬ ‫قيمة وساااااائل العي‬ ‫•‬
‫والمأوى‪.‬‬
‫قيمة الوسااائل التي أص ــبحت مع التطور الزمة إلشااباع االحتياجات الثقافية واالجتماعية‬ ‫•‬
‫للعامل‪ .‬وتتحدد من خالل مسـ ـ ـ ــتوى التطور التاريخي للمجتمع ودرجة وعي الطبقة العاملة‪ .‬وتختلف‬
‫االحتياجات االجتماعية والثقافية للعامل من بلد آلخر‪ ،‬ولكنها في تطور مستمر‪.‬‬
‫قيمة وسائل المعيشة الضرورية إلعالة أسرة العامل‪ .‬واستمرار الحفاظ على وجودها‪.‬‬ ‫•‬
‫• النفقات الضارورية لتامين تعليم العامل وتاهيله‪ ،‬وكلما ارتفع مســتوى التأهيل المهني لقوة‬
‫العمل ازداد حجم هذا النوع من النفقات‪.‬‬
‫إن قيمة جميع وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل معيشـ ـ ـ ـ ـ ــة العامل وتجديد قوة العمل تحددها نفقات العمل الضـ ـ ـ ـ ـ ــروري‬
‫اجتماعياً إلنتاجها‪ .‬وهذه النفقات هي "قيمة قوة العمل"‪ .‬فال أرسـ ــمالي إذ يشـ ــتري قوة العمل يسـ ــتعملها‬
‫في عمليـة اإلنتـاج حيـث تخلق سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـاً جـديـدة تتضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن قيمـة جـديـدة‪ .‬وقيمـة قوة العمـل والقيمـة التي‬
‫ينتجهـا عمـل العـامـل همـا مقـداران مختلفـان‪ .‬فـاألخيرة أكبر بكثير من قيمـة العمـل‪ ،‬والفرق بينهمـا هو‬
‫قيمة زائدة على قيمة قوة العمل يطلق عليها فائض القيمة أو "القيمة الزائدة"‪.‬‬
‫‪ - 2‬الساكان وقوة العمل‪ :‬يعد اإلنساان الثروة االقتصاادية األولى لكل مجتمع من المجتمعات‬
‫وأسـاس تقدمه االقتصـادي واالجتماعي ألنه محور كل نشـاط اقتصـادي‪ ،‬واإلنسـان هو المنتج عندما‬
‫يبذل الجهد ويقوم بالعمل ويســتخدم طاقاته الذهنية والجســدية‪ ،‬وهو المســتهلك عندما يقوم باســتهالن‬
‫الس ـ ـ ـ ــلع والخدمات التي تلبي حاجاته ورغباته‪ ،‬وهو مس ـ ـ ـ ــتثمر عندما ينتج وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج الجديدة‪.‬‬
‫واإلنسان هو كل فرد في المجتمع هو السكان‪.‬‬
‫إن تزايد عدد السااااااااكان يعني ازدياد حجم القوة العاملة في المجتمع وزيادة اإلنتاج‪ .‬وينقسـ ـ ـ ـ ـ ــم‬
‫السـ ــكان عادة‪ ،‬في كل مجتمع إلى قسـ ــمين رئيسـ ــين‪ :‬السـ ــكان داخل القوة البشااارية‪ ،‬والسـ ــكان خارج‬
‫القوة البشاااااااارية‪ .‬والقوة البشـ ـ ـ ـ ـ ـرية بالتعريف هي القوة القادرة على العمل من حيث السـ ـ ـ ـ ـ ــن والمقدرة‬
‫الجســدية والذهنية‪ ،‬أما الســكان خارج القوة البش ـرية فينقســمون إلى ثالث فئات رئيســة هي‪ :‬األطفال‪،‬‬
‫والكهول الذين تزيد أعمارهم على ‪ /65/‬س ــنة‪ ،‬والعجزة وذوو العاهات‪ ،‬وغالباً ما تش ــكل فئة األطفال‬
‫الغـالبيـة العظمى لغير القـادرين على العمـل تليهـا فئـة الكهول ثم العجزة ثم فئـة ذوي العـاهـات‪ ،‬الـذين‬
‫(‪)86‬‬
‫يشكلون نسبة ضئيلة جداً من هذه القوى‪.‬‬
‫أما قوة العمل فهي تشـمل جميع األفراد الذين يعملون فعالً من أرباب عمل وعمال ومسـتخدمين‬
‫وكذلك األشخاص الذين ال يعملون إال أنهم قادرون على العمل وراغبون فيه وباحثون عنه‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬صفوح األخرس‪،‬علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها‪،‬و ازرة الثقافة‪،‬دمشق ‪ ،1980‬ص‪.168‬‬

‫‪69‬‬
‫ويتبع حجم القوة العاملة ثال مجموعات من العوامل هي‪ :‬الهيكل الساااااكاني‪ ،‬مدى مش ـ ـ ــاركة‬
‫الفئات المختلفة من الساكان في نشااطات القوة العاملة‪ ،‬وما يمكن تسـميته باختصـار " االلتباساات‬
‫اإلحصاااااااائية" ويتفق معظم المراقبين على أن الحجم والبنية العمرية للس ـ ـ ـ ـ ــكان هما العامالت األكثر‬
‫أهمية في تحديد قوة العمل‪ .‬ولكنهما ال يحجبان التأثيرات األخرى"(‪.)87‬‬
‫يتحدد حجم القوة العاملة من خالل العوامل الديمغرافية التي تتض ــمن حجم الس ــكان‪ ،‬معدل نمو‬
‫الس ـ ـ ــكان‪ ،‬توزع الس ـ ـ ــكان وتحركاتهم‪ ،‬التركيب العمري والنوعي للس ـ ـ ــكان‪( .‬وكذلك‪ ،‬يتحدد حجم القوة‬
‫العاملة بالمدى الذي تش ـ ـ ـ ــارن فيه مختلف فئات الس ـ ـ ـ ــكان في القوة العاملة‪ ،‬أو نس ـ ـ ـ ــبة العاملين إلى‬
‫مجموع الس ـ ــكان‪ ،‬تش ـ ــكل رقماً ثابتاً من الناحية العملية‪ ،‬وهي بالتالي واحدة من النس ـ ــب االقتص ـ ــادية‬
‫الكبرى‪ ،‬والحقيقة األكيدة المالحظة هي أن هذه النس ـ ــبة في الواليات المتحدة تراوحت ض ـ ــمن هامش‬
‫مدة طويلة من القرن العشـ ـ ـرين‪ ،‬إذ كانت (‪ )54.8‬بالمائة عام ‪1900‬م و(‪)55.3‬‬ ‫ضـ ـ ــيق جداً خالل ّ‬
‫بـالمـائـة عـام ‪1960‬م وكـان الثبـات التقريبي لهـذا الرقم نتيجـة اتجـاهـات التعويض‪ ،‬إذ كـانـت الزيـادة في‬
‫معدل النشاط النسائي وخاصة بين فئات األعمال المتوسطة‪ ،‬يقابلها التراجع في مشاركة الرجال في‬
‫(‪)88‬‬
‫فئتي العمل األكبر واألصغر)‪.‬‬
‫من الض ــروري االهتمام بالمؤسـ ـس ــات التي يكتس ــب األفراد من خاللها المهارات والكفايات التي‬
‫يحتاج إليها للقيام بالعمل‪ ،‬والتركيز هنا يقع على ثالث مؤس ـ ـ ـسـ ـ ــات‪ ،‬أسـ ـ ــاسـ ـ ــية‪ :‬األس ـ ـ ـرة‪ ،‬المدرسـ ـ ــة‬
‫ومنظمات االسـ ــتخدام‪ .‬مما يلي مرحلة زراعة مجموعة من األشـ ــجار‪ ،‬هنان مرحلة اإلنتاج الخاصـ ــة‬
‫بالكفايات المطلوبة‪ ،‬وهي المرحلة األطول‪ ،‬فبعض االختصــاصــيين من األطباء ال يكملون تدريباتهم‬
‫حتى سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الثالثين‪ ،‬فيكون إعـدادهم‪ ،‬إذن أطول وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطيـاً من م ّـدعملهم‪ ،‬وهنـا يوجـه االهتمـام إلى‬
‫متغيرين أس ـ ــاس ـ ــيين في تطور المهارات‪ :‬تأثير األس ـ ـرة في مطامح وتطلعات أبنائها‪ ،‬وقدرة المدرس ـ ــة‬
‫(‪)89‬‬
‫ومنظمات االستخدام على صقل وتطوير هذه التطلعات‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬رأس المال‪ :‬كان نشـ ـ ـ ـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان اإلنتاجي في البداية موجهاً ومحدداً لتلبية حاجاته‬
‫االس ـ ـ ــتهالكية‪ .‬ونتيجة لتقس ـ ـ ــيم العمل والتخص ـ ـ ــص وتطور القوى المنتجة‪ ،‬تطورت قدرات اإلنس ـ ـ ــان‬
‫اإلنتاجية وظهرت ضـ ـ ـ ــرورة التبادل مع ظهور فائض اإلنتاج‪ .‬لكن الطابع األسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــي لإلنتاج بقي‬
‫طابعاً استهالكياً‪ .‬وظل تراكم الثروة عينياً وفي المكان في المجتمعات ما قبل الرأسمالية‪ .‬ومع تطور‬
‫اإلنتاج‪ ،‬أخذ قسـم من اإلنتاج الفائض يتحول إلى وسـائل إنتاج " أدوات ووسـائل العمل‪ ،‬موضـوعات‬
‫العمل" تتركز ملكيتها بأيدي طبقة محدودة العدد‪ ،‬في ال أرسـ ــمالية‪ ،‬مما يؤدي إلى حدوث االسـ ــتغالل‬
‫الطبقي وممارسـ ــته من قبل هذه الطبقة‪ .‬وهنان من يقول إن وساااائل اإلنتاج ه و هي "رأس المال"‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ -‬غاي ستاندينغ‪ ،‬المشاركة في القوة العاملة والتنمية‪ ،‬ترجمة عفيف الرزاز منشورات و ازرة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪ ،1984‬ص‪.21‬‬
‫‪88‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬إيلي غنزبرغ‪ ،‬االقتصاد البشري‪،‬ترجمة عبد الكريم ناصيف‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪،1980‬ص‪.16‬‬

‫‪70‬‬
‫كيف تكون هذه األشــياء هي رأس المال؟ (فرأس المال في جوهر األمر ليس "األشــياء" التي يتجســد‬
‫بها‪ ،‬إذ إن األش ــياء أو المنتجات‪ ،‬وجدت في جميع العص ــور‪ ،‬وإنما تلك العالقة االجتماعية المميزة‬
‫التي تتشاكل بين طبقتين متميزتين بخصــوص هذه "األشــياء"‪ .‬ومن هنا جاء اســم "ال أرســمالية" ليعبر‬
‫عن مرحلـة محـددة من التـاريخ‪ ،‬أو عن نمط محـدد من أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاليـب اإلنتـاج االجتمـاعيـة‪ ،‬وليس عن‬
‫(‪)90‬‬
‫خصائص ثابتة في الطبع اإلنساني كما يروج المفكرون البرجوازيون)‪.‬‬
‫‪ -1‬أموال اإلنتاج = رأس المال‪ :‬لقد حاول الفكر االقتصـ ـ ـ ـ ــادي البرجوازي في البداية تفسـ ـ ـ ـ ــير‬
‫وتوضـ ـ ـ ـ ـ ــيح رأس المال على النحو اآلتي‪ :‬الحجر األول الذي يقذف به اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان البدائي المتوحش‬
‫الحيوان الذي يرغب في اصطياده‪ ،‬والعصا األولى التي استخدمها هذا اإلنسان لجمع الثمار التي ال‬
‫يســتطيع الوصــول إليها‪ ،‬وكل شــيء صــنعه اإلنســان وطوعه واســتخدمه للحصــول على شــيء آخر‪،‬‬
‫أي عندما يقوم اإلنسـ ـ ـ ــان بإنتاج أموال تجعل عمله أكثر إنتاجية وأقل مشاااااقة‪ ،‬فنن "أموال اإلنتاج"‬
‫تكون رأس المال‪ .‬وتطور اإلنتاج مع تطور أموال اإلنتاج وكان لتطور الثانية‬
‫هذه "العص ــا والحجر" ّ‬
‫أهمية كبيرة في زيادة إنتاجية العمل‪ .‬ومع تزايد صـالحية أموال اإلنتاج ألداء الغرض المطلوب منها‬
‫في عملية اإلنتاج‪ ،‬زادت أهمية أموال اإلنتاج‪ ،‬وخاص ــة منذ أن تم اس ــتخدام اآلالت في اإلنتاج‪ .‬وقد‬
‫بدأ الفكر البرجوازي االقتصادي بدراسة أموال اإلنتاج على أنها "رأس المال" منذ أواخر القرن الثامن‬
‫عشر‪.‬‬
‫إن أموال اإلنتــاج الحجر‪ ،‬العص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬واآللــة‪ ،‬مــا هي إال أدوات عمــل ال يمكن أن تؤدي إلى‬
‫اســتغالل اإلنســان إال من خالل ملكية أدوات العمل هذه ملكية خاصاة لل أرسامالي‪ ،‬وانقســام المجتمع‬
‫إلى طبقتين‪ ،‬مالكي وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج "ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ــماليين" والطبقة العاملة المحرومة من ملكية وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وال تملك س ـ ـ ـ ـ ــوى قدرتها على العمل‪ .‬تتحول أدوات العمل إلى أدوات اس ـ ـ ـ ـ ــتغالل من خالل‬
‫العالقـة القـائمـة بين الطبقتين األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيتين في المجتمع ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـالي‪ .‬هـذه العالقـة القـائمـة على‬
‫االستغالل‪.‬‬
‫ورأس المال ليس ش ـ ـ ــيئاً من األش ـ ـ ــياء فقط‪ ،‬بل هو عالقة اجتماعية بين طبقة مالكي وساااااائل‬
‫اإلنتاج "الرأساااماليين" وتلك الطبقة المحرومة من وساااائل اإلنتاج "العمال الماجورين" والمض ـ ــطرة‬
‫إلى تـأجير قـدرتهـا على العمـل والتعرض لالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل‪ .‬إن األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـاء –المبـاني‪ ،‬اآلالت‪ ،‬الخـامـات‪،‬‬
‫المنتجات الجاهزة – ليس ـ ــت بحد ذاتها رأس ٍ‬
‫مال‪ ،‬وال تص ـ ــبح هذه األش ـ ــياء أرس ـ ــماالً إلى لدى خلقها‬
‫عالقات اجتماعية محددة‪ ،‬أي عندما يوجد في المجتمع طبقتان متضاااااادتان‪ :‬طبقة مالكي وسـ ـ ـ ــائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وطبقة العمال األجراء‪ .‬وهذه العالقات االجتماعية ليسـت أبدية على اإلطالق‪ .‬بل تنشـأ في‬

‫‪90‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬بحث في االقتصاد السياسي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ 1987‬ط‪ -2‬ص‪.24‬‬

‫‪71‬‬
‫مرحلــة معينــة من تطور المجتمع‪ ،‬وفي مرحلـ ة أخرى من التطور التــاريخي للمجتمع يتم الفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‬
‫(‪)91‬‬
‫عليها وتختفي‪.‬‬
‫وكان نهب البلدان األجنبية وتحويل ثرواتها إلى الدول االساااااتعمارية واحداً من أهم مصاااااادر‬
‫التراكم األولي ل أرسامال في أوروبا‪ ،‬وخاصــة في إنكلت ار وفرنســا‪ .‬وســاعدت العالقة القائمة بين الدول‬
‫المختلفة وسـلطة الدولة االسـتعمارية على تكوين ثروات ضـخمة في أيدي عدد قليل من األغنياء في‬
‫الدول المسـتعمرة ليتم نقلها إلى الدول االسـتعمارية‪ .‬وبذلك نالحظ أن رأس المال هو عالقة اسـتغالل‬
‫ليس ضـ ـ ـ ـ ــمن البلد الواحد فحسـ ـ ـ ـ ــب بل هو عالقة اسـ ـ ـ ـ ــتغالل بين دولة وأخرى وخاصـ ـ ـ ـ ــة في النظام‬
‫االستعماري بنوعيه القديم والجديد‪.‬‬
‫‪ - 2‬رأس المال النقدي‪ :‬يظهر رأس المال قبل كل ش ـ ــيء في شاااكل نقود‪ .‬لكن النقود في حد‬
‫مال‪ .‬فالنقود المخبأة تحت البالطة أو في س ـ ــرداب المنزل ليس ـ ــت رأس ٍ‬
‫مال وإنما‬ ‫ذاتها ليس ـ ــت رأس ٍ‬
‫هي ثروة نقدية‪ .‬كما أن النقود التي يحملها الفرد في محفظته هي مجرد وسـ ـ ــيلة لدفع قيمة الحاجات‬
‫الحياتية العاجلة التي يقوم بشـرائها‪ .‬حتى النقود المتوفرة بين يدي منتج السـلع البسـيط كسـيولة ال تعد‬
‫أرسـماالً‪ ،‬وإنما يتم اسـتخدامها كوساي في تداول السالع‪ ،‬عندما يقوم بمبادلة منتجات عمله بمنتجات‬
‫(‪)92‬‬
‫عمل منتج آخر‪.‬‬
‫يهدف نشـاط المنتج الصـغير في مرحلة اإلنتاج البضااعي البساي إلى إنتاج بضـائع ذات قيمة‬
‫تبادلية واحدة وذات قيمة اساااااااتعماليه مختلفة في الوقت نفسـ ـ ـ ـ ــه‪ .‬تتم عملية التبادل وفقاً للصـ ـ ـ ـ ــيغة‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫سلعة ‪ -‬نقود ‪ -‬سلعة جديدة‬
‫س‬ ‫ن ‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫س‬
‫وتقوم النقود بوظيفة الوسيط الذي يسهل تنفيذ عملية التبادل‪ ،‬وسيط في عملية مبادلة قيمة‬
‫استعماليه محددة لقاء قيمة استعماليه أخرى‪ .‬أما بالنسبة للرأسمالي فنن النقود ليست وسيلة للتداول‬
‫فحسب‪ ،‬بل هي وسيلة للحساب‪ ،‬وتحقيق الربح وتكوين الثروة‪ .‬الرأسمالي يجمع النقود‪ ،‬ويشتري بها‬
‫بضائع ليقوم يبيعها من جديد للحصول على النقود مرة ثانية‪ .‬أي إن الرأسمالي يشتري البضائع‬
‫ليبيعها فيما بعد ويحقق الربح‪ .‬وكل رأسمالي يخصص مبلغاً محدداً من النقود للقيام بعملية اإلنتاج‬
‫أو التبادل‪ ،‬إنما يهدف من وراء ذلك للحصول على مبلغ من النقود أكبر من المبلغ الذي خصصه‬
‫في بداية النشاط الذي يقوم به‪ .‬ويمكننا توضيح هذه الدورة "دورة رأس المال" وفقاً للمعادلةاآلتية‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ -‬ليونتيف‪ ،‬موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1975‬ص‪.65‬‬
‫‪92‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1976‬ص‪.86‬‬

‫‪72‬‬
‫نقود ‪ -‬بضائع ‪ -‬نقود‬
‫ن < ن‬ ‫حيث‬ ‫‪ -‬ن‬ ‫ب‬ ‫‪-‬‬ ‫ن‬
‫وتسااعد النقود ال أرسامالي من خالل عملية الدوران ه و على تحقيق الربح‪ ،‬الذي يتحول فيما‬
‫بعــد إلى "رأس المــال"‪ .‬وبــذلــك يكون رأس المــال عبــارة عن القيمــة التي تــدر الربح‪ ،‬الــذي يتمثــل في‬
‫الفرق بين كمية النقود التي حصـ ـ ـ ــل عليها ال أرسـ ـ ـ ــمالي وكمية النقود التي خصـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــها للقيام بعملية‬
‫اإلنتاج أو عملية التبادل ( التكاليف)‪ ،‬وفقاً للمعادلةاآلتية‪:‬‬
‫الربح = اإليراد ‪ -‬التكاليل‬

‫الرباااح = كمياااة النقود التي حصل عليهاااا الرأسمالي في نهاياااة العملياااة (اإليراد) ‪ -‬كمية‬
‫النقود التي خصصها له و العملية (التكاليل)‬
‫ويظهر رأس المال في عملية اإلنتاج وعملية التبادل بأشـ ــكال مختلفة‪ .‬وال أرسـ ــمالي يبدأ نشـ ــاطه‬
‫االقتصـادي من خالل رأس المال النقدي‪ .‬في االقتصـاد البضـاعي يكون النقد هو العامل األسـاسـي‬
‫في تكوين أية ثروة‪ ،‬وتجميع النقود هو المدخل الرئيس للقيام بأي نشـاط اقتصـادي‪ .‬ل لك تعد النقود‬
‫أول شكل ظهر به رأس المال‪.‬‬
‫بعد تجميع النقود يقوم ال أرسامالي بتخصايصاها لشاراه وساائل اإلنتاج وقوة العمل وبهذا الشـكل‬
‫تبدأ عملية اإلنتاج‪ .‬بعد انتهاء عملية اإلنتاج يأخذ رأس المال ش ـ ـ ـ ــكل بض ـ ـ ـ ــائع‪ ،‬ويتحول رأس المال‬
‫النقدي إلى كمية من الس ــلع والبض ــائع‪ .‬وبعد أن يتم بيع هذه البض ــائع وتس ــويقها في الس ــوق تتحول‬
‫من جديد إلى شـ ــكل نقدي‪ .‬بعد ذلك يخصـ ــص لش ـ ـراء وسـ ــائل اإلنتاج وقوة العمل جديدة‪ ،‬ليبدأ دورة‬
‫إنتاج جديدة بهدف تحقيق الربح أيضـ ـ ـاً‪ .‬وحيث إن مزيداً من رأس المال يحقق لل أرس ـ ــمالي مزيداً من‬
‫الربح‪ ،‬يحاول باستمرار زيادة كمية النقود في دورة اإلنتاج وعملية التبادل‪ ،‬لذلك يبقى رأس المال في‬
‫(‪)93‬‬
‫وكلما زادت عدد دورات رأس المال زادت األرباح‪.‬‬ ‫حركة دائمة‪.‬‬
‫أما بالنسبة للنقود التي يتم سحبها من دورة اإلنتاج والتبادل الرأسمالي‪ ،‬وتخصاص لشاراه المواد‬
‫االساااااااتهالكية أو يتم اكتنازها وتجميدها كاحتياطي‪ ،‬فإننا ال نعدها رأس مال ألنها ال تعطي ربحاً‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن كل أرس ـ ـ ـ ـ ــمال يكون في البداية عبارة عن مبلغ محدد من النقود هذا ال يعني أن‬
‫النقود تكون أرسـ ـ ــماالً بطبيعتها‪ .‬ولذلك لم تك ْن النقود دائماً رأس مال‪ ،‬وليسـ ـ ــت هي دائماً رأس مال‪.‬‬
‫وتتحول النقود إلى رأس مال ض ــمن أوض ــاع اقتص ــادية اجتماعية محددة‪ ،‬وذلك عندما تدخل بش ــكل‬
‫متميز في عملية اإلنتاج والتبادل الرأسمالي‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -‬أنظر‪Ekonomia Polityczna, Pod redakcia Noukowa S. Szeflerai :‬‬
‫‪S. Marciniaka, P.W.N. , Warszawa 1974. Str. 159- 162.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ - 3‬جوهر الربح ومصاااادرو‪ :‬يعد طموح الشـ ـ ــركات ال أرسـ ـ ــمالية في تحقيق أكبر قدر ممكن من‬
‫األرباح‪ ،‬المحرن األســاســي لنمو اإلنتاج والتبادل وتطورهما في االقتصــاد ال أرســمالي‪ .‬وهذا يعني أننا‬
‫إذا لم نتمكن من توض ـ ـ ـ ـ ــيح جوهر الربح ومص ـ ـ ـ ـ ــدره فنننا ال نس ـ ـ ـ ـ ــتطيع فهم جوهر أس ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج‬
‫الرأسمالي بشكل كامل‪.‬‬
‫ويمكننا توض ـ ــيح ذلك بش ـ ــكل مبس ـ ــط وفقاً لما يلي‪ :‬يتحقق الربح عندما يقوم الرأساااامالي ببيع‬
‫بساعر أعلى من ساعر الشاراه‪ .‬ولكن هذا التوضـيح غير كاف‪ .‬ذلك ألن تبادل البضـائع ال يخلق أية‬
‫قيمة جديدة‪ .‬بل إن القيمة المض ــافة في مجمل االقتص ــاد ال تنجم عن التبادل غير المتعادل‪ .‬وحين‬
‫يتم البيع بأعلى من القيمة يعني هذا أن الربح يتحقق للبائع مقابل الخسـ ـ ــارة التي لحقت بالمشـ ـ ـ تري‪،‬‬
‫أي أن أرباح البائعين سوف تعادل خسارة المشترين‪ ،‬والقيمة بقيت على حالها دون أية زيادة‪.‬‬
‫ممــا تقــدم نجــد أن الربح ال يتحقق في مجاال تاداول البضااااااااااائع‪ ،‬بــل يتحقق فق في مجاال‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وال يمكن أن تكون وسـائل اإلنتاج المسـتخدمة في عملية اإلنتاج مصـد اًر للربح‪ ،‬ألن وسـائل‬
‫اإلنتاج هذه ال تسـ ـ ــتطيع أن تنتقل إلى المنتج النهائي بقيمة جديدة أكبر من قيمتها حال اسـ ـ ــتخدامها‬
‫في عملية اإلنتاج‪ .‬وبذلك تكون قوة العمل التي يسـ ـ ــتخدمها العمال في عملية اإلنتاج هي المصـ ـ ــدر‬
‫الوحيـد للربح‪ ،‬ألن قوة العمـل يمكن أن تظهر في المنتج النهـائي بقيمـة أكبر من القيمـة التي بـاعهـا‬
‫العامل لل أرس ـ ـ ــمالي أثناء عملية اإلنتاج‪ .‬بعبارة أخرى يحص ـ ـ ــل العامل على جزء من قيمة قوة العمل‬
‫التي باعها لل أرســمالي‪ ،‬على شــكل أجر‪ ،‬والجزء الباقي يذهب إلى جيب ال أرســمالي‪ ،‬على شــكل قيمة‬
‫زائدة‪ ،‬وهذا يحص ــل بس ــبب أن ال أرس ــمالي يملك وس ــائل اإلنتاج أما العامل فهو ال يملك س ــوى قدرته‬
‫على العمل‪ ،‬وهو مكره على تأجيرها لل أرســمالي مالك وســائل اإلنتاج في ســبيل تأمين وســائل العيش‬
‫له وألسـ ـ ـ ـ ـ ـرته‪ .‬وبذلك تكون قوة العمل في النظام الرأساااااااامالي هي البضاااااااااعة الوحيدة التي تتميز‬
‫بمواصافات خاصاة تجعلها قادرة على خلق قيمة جديدة يتم توزيعها بين أجر العامل ال ي يحصال‬
‫(‪)94‬‬
‫عليه وربح الرأسمالي‪.‬‬
‫‪ - 4‬رأس المااال الثااابااق ورأس المااال المتغير‪ :‬رأس الم ــال هو عب ــارة عن ك ــل قيم ــة‪ ،‬تحقق‬
‫لمالكها قيمة زائدة‪ .‬وهذا يعني أن رأس المال يمكن أن يظهر باحد األشكال اآلتية‪:‬‬
‫• وسائل إنتاج‪.‬‬
‫• منتجات وسلع "بضائع"‪.‬‬
‫• نقود لدفع أجور العمال أثناء عملية اإلنتاج‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫‪J. Nowicki Zarys Ekonomi Politycznej Kapitalizmu, P.W.E. ,‬‬ ‫‪ -‬أنظر‪:‬‬
‫‪.Warszawa 1971. Str. 67‬‬

‫‪74‬‬
‫إن لتقساايم رأس المال إلى األجزاه الثالثة الم كورة أعالو‪ ،‬معنى خاصـ اً وهاماً جداً‪ .‬ذلك ألن‬
‫الجزء الثالث من رأس المال يختلف عن الجزأين األول والثاني من حيث امتالكه مواصــفات خاصــة‬
‫تجعلـه الجزء الوحيـد الـذي يمكن أن تتغير قيمتاه أثنـاء عمليـة اإلنتـاج‪ .‬وهو الـذي يحقق لل أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـالي‬
‫القيماة ال ازئادة‪ .‬لــذلــك نطلق على هــذا الجزء من رأس المــال اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم " أرس الماال المتغير"‪ ،‬أمــا مــا‬
‫يخص ـ ـص ـ ــه ال أرس ـ ــمالي من أرس ـ ــمال لشـ ــراء وس ـ ــائل اإلنتاج فننه يدعى "رأس المال الثابق"‪ ،‬وتجدر‬
‫اإلش ـ ــارة إلى أن قيمة رأس المال الثابت ال تتغير أثناء عملية اإلنتاج‪ .‬الذي يتغير ش ـ ــكله فقط‪ .‬وهذا‬
‫يعني أنه يمكن تقسيم رأس المال إلى قسمين أساسيين‪:‬‬
‫• رأس المال الثابق‪ ،‬المتجسد في وسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫• رأس المال المتغير‪ ،‬المخص ـ ـ ـ ـ ـ ــص لشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء قوة العمل‪ .‬وهذا يعني أن اساااااااااتغالل العمال‬
‫الماجورين هو المصاااادر الوحيد ال ي يخلق القيمة الزائدة‪ .‬وبقدر ما يحقق العامل لل أرس ـ ـ ــمالي من‬
‫القيمة الزائدة ينمو رأس المال بشــكل متســارع ويحقق الثروة لل أرسـ مالي‪ .‬ويتم تحديد درجة االســتغالل‬
‫ال أرس ـ ـ ـ ـ ـ ــمالي للعمال من خالل مؤش ـ ـ ـ ـ ـ ـرين‪ :‬كتلة القيمة الزائدة "القيمة الزائدة المطلقة" ومعدلها‪ ،‬أي‬
‫مقدارها النسبي بالمقارنة مع مقدار رأس المال المتغير "القيمة الزائدة النسبية"‪.‬‬
‫ومع تطور القوى المنتجة وتطور أسـ ــاليب العمل في ال أرسـ ــمالية تنمو القيمة الزائدة‪ ،‬ويتعاظم‬
‫معـدلهـا‪ ،‬وهـذا يعني نمو القيمـة ال ازئـدة المطلقـة وتعـاظم القيمـة ال ازئـدة النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـة‪ ( .‬ففي أوائـل القرن‬
‫العشـ ـ ـ ـرين بلغ معدل القيمة الزائدة في الصـ ـ ـ ــناعة األمريكية أكثر من ‪ 100‬بالمائة بقليل‪ ،‬وفي أوائل‬
‫الثمانينات بلغ في المؤسـسـات الصـناعية الكبيرة لكثير من الفروع ‪ 300‬بالمائة وأكثر‪ .‬ففي نيويورن‪،‬‬
‫مثالً‪ ،‬أنتج العمال الصـ ـ ـ ـ ـ ــناعيون بعملهم قيمة تربو على مقدار أجورهم بنسـ ـ ـ ـ ـ ــبة ‪ 4.25‬دوالرات لكل‬
‫(‪)95‬‬
‫أي إن القيمة الزائدة النسبية وصلت إلى معدل ‪ 425‬بالمائة‪.‬‬ ‫دوالر من األجور)‪.‬‬
‫وبقدر ما يزداد معدل القيمة الزائدة‪ ،‬وعدد العمال العاملين في المؤسـ ـ ـس ـ ــات ال أرس ـ ــمالية‪ ،‬تزداد‬
‫كتلة القيمة الزائدة التي يســتولي عليها ال أرســمالي‪ .‬ونجد أحياناً تقســيماً آخر لرأس المال يختلف إلى‬
‫حد ما عن التقسيم السابق‪ .‬حيث يتم تقسيم رأس المال هنا إلى قسمين‪:‬‬
‫األول ‪ -‬رأس المال الدائم‪ .‬الثاني ‪ -‬رأس المال المتداول‪.‬‬
‫ويض ـ ــم رأس المال الدائم ‪ -‬أموال اإلنتاج التي ال ينالها في كل مرة تساااتعمل فيها‪ ،‬إال تغيير‬
‫مادي يساااااير ال يحول دون تكرار اساااااتعمالها في عملية اإلنتاج مرة ثانية‪ ،‬أي ال تفقد ص ـ ـ ــالحيتها‬
‫لالسـ ـ ـ ـ ـ ــتعمال إال بعد مدة طويلة‪ ،‬ويمكن اسـ ـ ـ ـ ـ ــتخدامها في عملية اإلنتاج مئات المرات‪ .‬وهي أدوات‬
‫العمل (آالت الغزل‪ ،‬آالت النسيج)‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -‬الكسندر بوزويف‪ ،‬ما هي الرأسمالية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1987‬ص‪.56‬‬

‫‪75‬‬
‫أما رأس المال المتداول ‪ -‬فهو يش ــمل األموال التي يؤدي اسااتخدامها في عملية اإلنتاج إلى‬
‫تغيير في خواصااااها ومواصاااافاتها بحيث ال يمكن اسااااتخدامها مرة ثانية في عملية اإلنتاج (المواد‬
‫األولية‪ ،‬قوة العمل) ويكون أسـاس التفريق بين نوعي رأس المال "الدائم والمتداول" أسـاسـاً زمنياً حيث‬
‫إن أي جزء من رأس المال ال بد أن يصـ ــبح يوماً ما غير صـ ــالح لالسـ ــتعمال المخصـ ــص له‪ .‬ولكن‬
‫بعض رأس المال يتم اســتخدامها لمرة واحدة في عملية اإلنتاج أما بعضــه اآلخر فيتم اســتخدامه في‬
‫(‪)96‬‬
‫عملية اإلنتاج عشرات بل مئات المرات‪.‬‬
‫ويظهر مما تقدم التناقل الوارح بين مصالح الطبقة العاملة‪ ،‬من جهة والطبقة الرأسمالية‪،‬‬
‫من جهـة ثـانيـة‪ .‬وخير مـا يعبر عن هـذا التنـاقض‪ ،‬رغبـة الطبقـة العـاملـة وطموحهـا في زيـادة أجورهـا‬
‫لتصـ ـ ـ ـ ــبح الجزء األكبر في القيمة المنتجة‪ .‬في حين يسـ ـ ـ ـ ــعى ال أرسـ ـ ـ ـ ــماليون لتكون القيمة الزائدة هي‬
‫األكبر نســبياً‪ .‬ولكن الجهة الوحيدة صــاحبة القرار والتأثير في هذا التوزيع " توزيع القيمة الجدية إلى‬
‫أجر وقيمة زائدة" هم ال أرس ـ ـ ـ ـ ــماليون مالكو وس ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج‪ ،‬ولكن ال يملكون مطلق الحرية في قرار‬
‫التوزيع‪ ،‬ألن حصـ ــة العمال يجب أن ال تقل عن قيمة قوة العمل‪ .‬ويؤدي اسـ ــتمرار هذا الوضـ ــع مدة‬
‫(‪)97‬‬
‫طويلة إلى تناقص اإلنتاج ومن ثم تناقص القيمة الزائدة‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬الطبيعة والموارد الطبيعية‪ :‬إن كل ما نلمس أو نساتعمل في حياتنا اليومية يتكون أو‬
‫يصاااانع من الموارد الطبيعية‪ ،‬وحتى أكثر المواد المصـ ـ ــنوعة غرابة يتم صـ ـ ــنعها من موارد طبيعية‪.‬‬
‫ويســتخدم في صــناعة المواد والســلع المختلفة وإنتاجها جميع العناصــر الكيماوية الموجودة تلقائياً في‬
‫الطبيعية‪ .‬وقد تستخدم المركبات المعدنية والصخرية والعضوية كما هي أحياناً‪ ،‬ولكن يتم استخدامها‬
‫على األغلب مع تعديل بس ـ ـ ــيط على الش ـ ـ ــكل األص ـ ـ ــلي الذي توجد عليه في الطبيعة‪ ،‬كما في حال‬
‫اسـ ــتخدام الصـ ــخور كمواد للردم والبناء‪ .‬وتجدر اإلشـ ــارة إلى أن الكميات المسـ ــتخدمة من الصـ ــخور‬
‫والمعــادن في األغراض الــدنيويــة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغيرة جــداً بــالمقــارنــة مع الكميــات المتوفرة في الطبيعــة‪ .‬لــذلــك‬
‫نس ــتطيع القول إن معظم الموارد الطبيعية غير نادرة أو ش ــحيحة ويبدو أن اإلنس ــان يس ــتخدم الموارد‬
‫(‪)98‬‬
‫فاالموارد‬ ‫بنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تختلف اختالفـ اً كبي اًر عن تلــك النس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب التي تتوفر فيهــا الموارد الطبيعيــة‪.‬‬
‫الطبيعية هي األشاااياه التي تقدمها لنا الطبيعة وتكون مفيدة أو نافعة أو من المحتمل االساااتفادة‬
‫منهاا‪ .‬فـالطبيعـة كعنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر من عنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتـاج هي األرل وماا تحوي في بااطنهاا من معاادن‬
‫وصاااخور‪ ،‬وما على ساااطحها من بحار وأنهار ومياو ونباتات طبيعية‪ ،‬بما في لك الغالو الجوي‬
‫وما يقع عليها من مطر أو أشعة أو روه للشمس والقمر‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬عارف الخطيب‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬مطبعة الحكومة بدمشق ‪ ،1925‬ص ‪.164‬‬
‫‪97‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪J. Nowicki, Zarys .70‬‬
‫‪98‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬الموارد والتنمية‪ ،‬ت حرير بيتر دورنر ومحمود الشافعي‪ ،‬منظمة األقطار العربية المصدرة للبترول‪ ،‬الكويت ‪ ،1984‬ص‪.51‬‬

‫‪76‬‬
‫(‪)99‬‬
‫واألشياه التي تقدمها لنا الطبيعة نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬األشاااااياه التي تكون صاااااالحة لالساااااتهالال مباشـ ـ ـ ـرة دون أي تحويل أو تعديل أو أعداد‪،‬‬
‫كالهواء للتنفس‪ ،‬والثمار التي نحصـ ـ ـ ـ ـ ــل عليها من األشـ ـ ـ ـ ـ ــجار والنباتات الطبيعية للغذاء‪ ،‬وهي قليلة‬
‫نسبياً‪ ،‬وتسمى الموارد الحرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬األشااياه التي تقدمها لنا الطبيعة ولكنها ير صااالحة لالسااتهالال مباشاارة‪ ،‬إنما ال بد من‬
‫أن يعمل اإلنس ــان على تعديلها أو تحويلها أو إعدادها لتص ــبح ص ــالحة لالس ــتهالن وإش ــباع حاجات‬
‫اإلنســان‪ .‬وه و األشاياه هي التي يهتم بد ارساتها االقتصااديون‪ ،‬المواد األولية‪ ،‬والســلع االســتهالكية‬
‫والسلع التي تستخدم كأموال إنتاج تنتج أصوالً لالستهالن‪ .‬وتسمى الموارد االقتصادية‪.‬‬
‫( تُمتلك الموارد الطبيعية وتس ــتغل وتحول بدرجات متفاوتة كل ذلك يقوم به أفراد أو مجموعات‬
‫من األفراد‪ ،‬ش ـ ــركات وحكومات‪ ،‬ولكن المص ـ ــلحة العامة متأص ـ ــلة في جميع الحاالت التي تس ـ ــتثمر‬
‫فيها هذه الموارد وتنش ـ ـ ــأ الس ـ ـ ــمة العامة المميزة المرتبطة بالموارد الطبيعية عن اختالفات في التقويم‬
‫وعن التباعد واالختالف في أغلب األحيان بين المصـ ــالح العامة والمصـ ــالح الخاصـ ــة‪ ،‬وعن تكاليف‬
‫اسـ ـ ــتخدام الموارد وطرق اسـ ـ ــتغاللها‪ .‬وعالوة على ما تقدم قد تتعارض مصـ ـ ــالح واحتياجات األجيال‬
‫القــادمــة (كمــا ي ارهــا الجيــل الحــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر) مع إمكــانــات نضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب المورد المخزن وتــدفقــه غير قــابــل‬
‫(‪)100‬‬
‫لالنعكاس)‪.‬‬
‫وتعد األرل من أهم الموارد الطبيعة السـتغالها في الزراعة واسـتخدامها كمراع لتربية الماشـية‪،‬‬
‫وإقامة المباني للسكن‪ ،‬والصناعة والتجارة‪ ،‬كما تشق الطرق والشوارع‪ ،‬والخطوط الحديدية‪ ،‬كما تنشأ‬
‫عليها الموانل الجوية والبحرية وغيرها‪ .‬لذلك ال يمكن أن تتص ـ ــور قيام مش ـ ــروع دون اس ـ ــتغالل جزء‬
‫من األرض‪.‬‬
‫وتبقى الطبيعة عنصاا ا اًر ساااالبياً من عناصاااار اإلنتاج‪ ،‬ألن دورها يتحدد من خالل كونها مجال‬
‫نشـاط اإلنسـان االقتصـادي وموضـوعه‪ .‬أما العنصـر اإليجابي من عناصـر اإلنتاج فهو العمل وحده‪.‬‬
‫(فنذا كان اإلنسـ ـ ـ ــان ال يخلق شـ ـ ـ ــيئاً من العدم‪ ،‬فنن األشـ ـ ـ ــياء التي تقدمها لنا الطبيعة ال تنتج أموال‬
‫االستهالن من تلقاء نفسها بل ال بد من تدخل اإلنسان) ليجعل الموارد الطبيعية صالحة لالستهالن‬
‫وإشباع الحاجات البشرية‪.‬‬
‫ويتفاوت توزيع الموارد الطبيعية بين مختلل دول العالم‪ .‬فخص ـ ــوبة األرض ليس ـ ــت متس ـ ــاوية‬
‫وتختلف من دولــة ألخرى‪ ،‬بــل من منطقــة ألخرى في الــدولــة الواحــدة‪ .‬والثروة المعــدنيــة التي يحتوي‬

‫‪99‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬أحمد مراد‪ ،‬دروس في االقتصاد السياسي‪ ،‬أملية لطالب السنة األولى في كليتي التجارة والحقوق‪ ،‬جامعة دمشق ‪،1974-1973‬‬
‫ص‪.75‬‬
‫‪100‬‬
‫‪ -‬الموارد والتنمية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫‪77‬‬
‫عليهــا بـاطن األرض تكون كبيرة في بعض البلــدان وتقــل في بعضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــا اآلخر‪ .‬وكـذلـك األمر فيمـا‬
‫يتعلق بالثروة المائية وسـ ـواحل البحار والمحيطات‪ ،‬وطول األنهار‪ .‬ويس ــتخدم مؤش ــر حجم ونص ــيب‬
‫كــل دولــة من الموارد الطبيعيــة‪ ،‬النفط مثالً أو الفحم‪ ،‬كمقيــاس لثرواتهــا‪ ،‬فــالــدولــة التي تملــك ثروات‬
‫طبيعيــة كثيرة واحتيــاطيـاً كبي اًر منهــا تعــد دولــة غنيــة‪ .‬والتي تقــل فيهــا هــذه الموارد الطبيعيــة تعــد دوالً‬
‫فقيرة‪.‬‬
‫( تاريخ اإلنس ــانية االقتص ــادي إنما هو تاريخ ص اراع اإلنسااان من أجل الساايطرة على الطبيعة‬
‫واسااتغالل أكبر عدد من مواردها أفضاال اسااتغالل وقد حقق اإلنس ــان في هذا المض ــمار النص ــر تلو‬
‫النص ــر‪ .‬وأمل اإلنس ــانية في حياة أفض ــل مرتبط أوثق االرتباط بثقة اإلنس ــان في العلم والتقدم التقني‬
‫والص ــناعي تلك الثقة التي تيس ــر له الحص ــول على فوائد أعظم من اس ــتغالل عناص ــر الطبيعة‪ ،‬لقد‬
‫جعل اإلنسـ ــان من البحر والجو مطية له‪ ،‬وقلب الصـ ــحارى جنات زرع‪ ،‬وأزال الجبال وحول مجاري‬
‫األنهـار‪ ،‬وولـد الكهربـاء‪ ،‬واكتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الطـاقـة الـذريـة‪ ،‬وهو يبحـث اآلن عن الوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل التي تمكنـه من‬
‫(‪)101‬‬
‫استغالل طاقة الشمس استغالالً صناعياً )‪.‬‬
‫رابعااً ‪ -‬المنظم‪ :‬إن عمليـة اإلنتـاج تتلخص في تحويـل المواد الموجودة في الطبيعـة بـأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـال‬
‫مختلفة إلى س ـ ــلع وخيرات مادية ليتم بوس ـ ــاطتها تلبية الحاجات اإلنس ـ ــانية‪ .‬وتتم هذه العملية بفضـ ــل‬
‫اســتعمال وســائل اإلنتاج التي ســبق د ارســتها‪ .‬ولكن اســتعمال وســائل اإلنتاج ال يتم بشــكل عفوي بل‬
‫يخض ـ ــع لعملية تنساااايق أي تداخل العوامل واختالطها في نسااااب معينة قص ـ ــد الوص ـ ــول إلى أكبر‬
‫فعـاليـة ممكنـة ورفع اإلنتـاجيـة وزيـادة المردود‪ .‬فاالمنظم عنادماا يقرر اساااااااااتعماال قادر معين من رأس‬
‫الماال وقـدر معين من العمـل وقـدر معين من الموارد الطبيعيـة يحـاول التنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيق بين هـذه العوامـل‬
‫وتحديد العالقة والتناسـ ــبات فيما بينها‪ .‬وهو يتخذ ق ارراته بما ينسـ ــجم مع الخصـ ــائص التي تتميز بها‬
‫(‪)102‬‬
‫العوامل المذكورة‪.‬‬
‫إن دور المنظم في المشاااااااروع الرأسااااااامالي يتحدد في التنسااااااايق بين عوامل اإلنتاج الثالثة‬
‫واختيار طريقة اإلنتاج أي تحديد الوسائل المتاحة للوصول إلى اإلنتاج الذي يرغب في تحقيقه‪ ،‬في‬
‫أفض ـ ـ ــل األوض ـ ـ ــاع المادية المتاحة‪ .‬ثم اختيار كمية اإلنتاج الذي يرغب في أن يتوص ـ ـ ــل إليه وهذا‬
‫مرتبط بعدد من العوامل أهمها‪ :‬تكاليف اإلنتاج‪ ،‬والطلب على الس ــلعة‪ .‬ويهدف ال أرس ــمالي من إقامة‬
‫أي مش ـ ــروع أو نش ـ ــاط اقتص ـ ــادي‪ ،‬إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح من خالل تنس ـ ــيق عوامل‬
‫اإلنتاج‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬أحمد مراد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪102‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬فتح هللا ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ ،1981‬ص‪.429‬‬

‫‪78‬‬
‫تعد إدارة النشااا االقتصاادي وتنظيمه في ال أرسامالية العنصار الرابع من عناصار اإلنتاج‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن الجهاز الذي يقوم بجمع وض ـ ـ ــبط وتنس ـ ـ ــيق عناص ـ ـ ــر اإلنتاج الثالثة التي س ـ ـ ــبق الحديث‬
‫عنها‪ .‬إن أي نشــاط اقتصــادي ال يرتكز على توفر عناصــر المشــروع (العمل‪ ،‬الطبيعة‪ ،‬رأس المال)‬
‫فقط‪ ،‬بل ال بد من تأمين حسـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ــير العمل وانتظامه‪ ،‬بهدف تحقيق أعلى مسـ ـ ـ ـ ـ ــتوى ممكن من‬
‫اإلنتاجية والمردود‪ ،‬بأقل ما يمكن من الكلفة والجهود‪ .‬وهذه هي مهمة اإلدارة والتنظيم‪.‬‬
‫إن اإلدارة الحسانة وتنظيم المشاروع تنظيماً جيداً‪ ،‬يؤديان إلى رفع مساتوى إنتاجية العمل من‬
‫حيث اإلنتاج والتسااااااويق‪ ،‬إلى جانب قيام الجهاز اإلداري بالبحث والد ارسـ ـ ـ ــة لرفع مسـ ـ ـ ــتوى األداء‪.‬‬
‫(وتعد اإلدارة بمجملها‪ ،‬جها اًز قائماً بذاته‪ ،‬ومتمتعاً باس ــتقالل خاص‪ ،‬من الناحية الش ــكلية الظاهرية‪،‬‬
‫ض ــمن أجهزة العمل المتالزمة‪ .‬وتقوم اإلدارة في المؤس ـس ــات مقام الدماغ في جس ــم اإلنس ــان‪ .‬فتوجه‬
‫جميع وظائف األجهزة األخرى‪ ،‬وتس ــهر على زيادة إنتاج الثروة وتوزيعها‪ ،‬بالطرق الفض ــلى‪ ،‬ض ــمن‬
‫(‪)103‬‬
‫حدود إمكاناتها والمعطيات التي لديها)‪.‬‬
‫وتتضــمن عملية تنظيم المشــروع ال أرســمالي‪ ،‬دراسااة السااوق والكشــف عن وجود حاجة أو عدد‬
‫من الحاجات لم يتم إشــباعها بعد‪ .‬حينذان يقوم المنظم بورااع خطة لجمع وتنساايق عوامل اإلنتاج‬
‫في سـ ـ ــبيل إنتاج السـ ـ ــلع التي تلبي هذه الحاجات‪ ،‬وذلك عن طريق تحديد موقع المشـ ـ ــروع والنسـ ـ ــب‬
‫الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرورية والالزمة بين مختلف عنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتـاج‪ .‬ويتم في المرحلـة الثـالثـة تنفيا الخطاة بإقامة‬
‫المشـ ـ ـ ــروع وإدارته فنياً واقتصـ ـ ـ ــادياً‪ .‬ويتولى الجانب الفني‪ ،‬طريق اإلنتاج‪ ،‬اآلالت الالزمة‪ ،‬مسـ ـ ـ ــتوى‬
‫التكنولوجيـا‪ ..‬إلخ‪ ،‬المهنـدسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون والفنيون المختصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون لقـاء أجر يـدفعـه لهم المنظم‪ .‬أمـا الجـانـب‬
‫(‪)104‬‬
‫االقتصادي وتقرير إنشاء المشروع والقيام بعملية اإلنتاج فهذا هو عمل المنظم‪.‬‬
‫األشكال القانونية للمشروع االقتصادي‪:‬‬
‫ُيعد المشاروع الفردي الشاكل األول من األشاكال القانونية للمشاروع‪ ( .‬يمتاز المشــروع الفردي‬
‫عدل نوع اإلنتاج‬
‫بأنه يحقق لصـاحبه حرية التصـرف إن شـاء اسـتمر في اإلنتاج وإن أ ارد توقف‪ ،‬أو ّ‬
‫أو غير اإلنتاج أو غير شــكل المنتجات كما أن انفراد صــاحب المشــروع باتخاذ الق اررات االقتصــادية‬
‫والفنية المتعلقة باإلنتاج تسمح له على هواه تحديد كمية الناتج‪ ،‬وتقدير الثمن الذي يعرض به الناتج‬
‫في الســوق واتباع طريقة معينة في اإلنتاج كشـراء اآلالت‪ .‬كل ذلك يضــمن له ســرعة اتخاذ الق اررات‬
‫( ‪)1‬‬
‫وسرية مضمونها‪ ،‬ما دام ال أحد يلزمه بمشورة غيره أو أخذ رأي إنسان آخر)‪.‬‬
‫يكون رأس المال الفردي عادة صغي اًر‪ ،‬واإلنتاج الحديث يتطلب رؤوس أموال ضخمة ال يستطيع‬
‫أن يملكها فرد واحد‪ .‬كما نجد بعض المشاريع التي يتطلب إنشاؤها وقتاً طويالً بحيث ال يبدأ نشاطها‬
‫اإلنتاجي المربح إال بعد سنوات عديدة‪ .‬لذلك أخذ الرأسمالي الفرد يسعى لمشاركة غيره من الرأسماليين‬

‫‪103‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬حافظ يقظان بو حمدان‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد السياسي "االجتماعي"‪ ،‬منشورات دار يقظان للدراسات العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫‪104‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬أحمد مراد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.143‬‬

‫‪79‬‬
‫للقيام بالمشاريع بصورة مشتركة وظهر الشكل الثاني من األشكال القانونية للمشروع وهو الشركات‪.‬‬
‫والشركات نوعان– شركات األشخاص وشركات األموال‪.‬‬
‫‪ :‬وهي التي تنشااا بين عدد من األفراد يعرفون بعضااهم بعضااً ويتبادلون‬ ‫‪ -‬شااركات األشااخا‬
‫الثقة ويتعاونون على إنشــاء المشــروع واقتســام ما يحقق من أرباح أو ما ينتهي به من خســارة‪( .‬منها‬
‫شركات التضامن وشركات التوصية البسيطة)‪.‬‬
‫‪ -‬شركات األموال "الشركات المساهمة"‪ :‬وتضم هذه الشركات عدداً كبي اًر من األفراد وتتصرو‬
‫برأس مال كبير جداً‪ ،‬وتصاااابح حصااااص الشااااركاه مجرد أسااااهم قابلة للتداول‪ ،‬ويختفي العنصـ ـ ــر‬
‫الشــخصــي للشـريك‪ ،‬وتتكون الشــركة من رؤوس أموال "أســهم" بغض النظر عن األشــخاص المالكين‬
‫لها‪.‬‬
‫وبذلك نالحظ أن الشكل القانوني للمشروع قد تطور من المشروع الفردي إلى شركات األشخاص‬
‫ثم إلى شركات األموال‪ ،‬التي استطاعت أن تتغلب على سائر الصعوبات التي كان يواجهها المشروع‬
‫الفردي‪.‬‬
‫(‪)105‬‬
‫هنان ثالثة أنواع اقتصادية للمشروعات حسب فروع‬ ‫‪ -‬أنواع المشروعات االقتصادية‪:‬‬
‫اإلنتاج الرئيسة‪:‬‬
‫المشروع الصناعي ‪ -‬وهو المشروع الذي يقوم باستخراج المعادن والعناصر الطبيعية الموجودة‬
‫في الطبيعة وتحويلها من مواد خام عديمة الفائدة إلى سلع صالحة إلشباع حاجات السكان‪ .‬ونميز‬
‫عادة ثالث أقسام للمشروع الصناعي‪ :‬صناعات استخراجية‪ ،‬صناعات ثقيلة‪ ،‬والصناعات التحويلية‪.‬‬
‫المشروع الزراعي ‪ -‬وهو المشروع الذي يقوم على استنبات النباتات وتربية الحيوانات بقصد‬
‫اإلكثار من الثمار والمحاصيل الزراعية بهدف تلبية الحاجات االستهالكية وحاجات الصناعة‪.‬‬
‫المشروع الخدمي ‪ -‬كالمشروع التجاري ‪ -‬وهو المشروع الذي يمارس النشاط االقتصادي‬
‫الذي يهتم بشراء السلع وتجهيزها ليتم بيعها بسعر أعلى وتحقيق الربح وبذلك نالحظ أن التاجر هو‬
‫الوسيط بين المنتج والمستهلك‪ .‬إضافة إلى المشروعات التي تقوم بنقل السلع واألشخاص من مكان‬
‫آلخر وهي مشروعات النقل‪ .‬والمشروعات التي تتخصص بتخزين السلع وحفظها في أوضاع مناسبة‬
‫منعاً لفسادها وتلفها وهي مشروعات التخزين‪ .‬وتلعب المشروعات المالية التي ينحصر عملها في‬
‫تداول رؤوس األموال النقدية كالبنوال‪ :‬وهو المشروع الذي يقوم باالفتراض والتسليف وتحقيق الربح‬
‫من خالل أسعار الفائدة العالية عند التسليف والمنخفضة عند االقتراض‪ .‬وشركات االدخار التي تقوم‬
‫بجمع رؤوس األموال من صغار المدخرين‪ ،‬وتقوم بتوظيفها في مجاالت أخرى بهدف الحصول على‬

‫‪105‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ ،‬د‪ .‬إسماعيل صبري عبد هللا‪ ،‬دروس في االقتصاد السياسي محاضرات ملقاة على طالب كلية الحقوق‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‬
‫ص‪ 155‬وما بعد‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫غلة مناسبة تحتفظ بجز منها وتوزيع الباقي على صغار المدخرين‪ .‬ومشروعات التامين‪ ،‬تؤدي كلها‬
‫دو اًر حيوياً‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫اإلنتاج البضاعي ومراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي‬
‫في أحوال اإلنتاج البضـ ـ ـ ـ ـ ــاعي تصـ ـ ـ ـ ـ ــبح منتجات العمل التي يتم إنتاجها بضـ ـ ـ ـ ـ ــائع‪ .‬ولكن ليس‬
‫بالض ـ ـ ــروري أن يص ـ ـ ــبح كل منتج عمل بض ـ ـ ــاعة‪ .‬فناتج العمل يمكن أن يكون بض ـ ـ ــاعة في بعض‬
‫الحاالت‪ ،‬وقد ال يكون كذلك في حاالت أخرى‪ .‬يقول دافيد ريكاردو‪ ( :‬إن النتاجات تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترى دوماً‬
‫بـالنتـاجـات‪ ،‬أو بـالخـدمـات‪ .‬النقود هي مجرد الواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ طـة التي يتحقق التبـادل من خاللهـا‪ .‬وقـد ينتج‬
‫الكثير جداً من سـلعة معينة والتي قد يتوفر منها فيض في السـوق بحيث ال يمكن تسـديد رأس المال‬
‫‪106‬‬
‫المصروف عليها‪ .‬إال أن ذلك ال يمكن أن يصبح حال السلع جميعاً…)‪.‬‬
‫وبـذلـك نالحظ أن الفرد ال ينتج بـدون غرض االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن أو البيع‪ ،‬وهو ال يبيع أبـداً بـدون نيـة‬
‫شـراء سـلعة أخرى‪ ..‬عن طريق إنتاجه‪ ،‬إذن‪ ،‬فاإلنسـان يصـبح بالضـرورة إما مسـتهلكاً لسـلعة ما وإما‬
‫مشترياً ومستهلكاً لسلعة أنتجها شخص آخر‪.‬‬

‫وهذا ما أكده أيضـ ـ ـ ـاً جون ساااااتيوارت ميل حين قال‪ ( :‬إن الس ـ ـ ــلع‪ ،‬وببس ـ ـ ــاطة‪ ،‬هي التي ّ‬
‫تكوِّن‬
‫إمكانات التسـ ـ ــديد للسـ ـ ــلع‪ .‬وتتكون إمكانات كل شـ ـ ــخص لتسـ ـ ــديد نتاجات األشـ ـ ــخاص اآلخرين من‬
‫اإلمكــانــات التي يملكهــا هو نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ .‬وال منــاص‪ ،‬فكــل البــاعــة‪ ،‬بمــا تحملــه الكلمــة من معنى‪ ،‬هم‬
‫مشـترون‪ .‬إن أمكن لنا مضـاعفة القوى المنتجة للقطر فجأة‪ ،‬فسـنضـاعف عرض السـلع في كل سـوق‬
‫من األس ـواق‪ .‬إال أنه ينبغي لنا‪ ،‬وبالض ـربة نفســها‪ ،‬مضــاعفة القوى الش ـرائية‪ .‬وســيجلب كل شــخص‬
‫طلباً مض ـ ـ ــاعفاً باإلض ـ ـ ــافة إلى العرض وس ـ ـ ــيس ـ ـ ــتطيع كل فرد مض ـ ـ ــاعفة ش ـ ـ ـرائه مرتين ألن الجميع‬
‫‪107‬‬
‫سيعرضون ضعف الكمية للتبادل )‪.‬‬
‫وقد لخص (الفريد مارشااااااال ‪ )Alfred Marshall‬هذه الفكرة بقوله‪ ( :‬إنه لحقيقة اقتصـ ـ ـ ـ ـ ادية‬
‫بدهية بأن الرجل يش ــتري عمالً وس ــلعاً مقابل ذلك الجزء من دخله الذي يدخره وبالمقدار نفس ــه الذي‬
‫يقوم به والمفترض أن يقوم بص ـ ـ ــرفه‪ ...‬ويقال إنه يدخر عندما يتم تخصـ ـ ـ ــيص العمل والسـ ـ ـ ــلع التي‬
‫‪108‬‬
‫يشتريها إلنتاج الثروة التي يتوقع من خاللها الحصول على وسائل االستمتاع في المستقبل)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ -‬اإلنتاج البضاعي‪:‬‬

‫االقتصاد الحديث‪ ،‬دار‬ ‫‪ D. Ricardo, Principles, P.P. 290 -2.‬نقالً عن جوان روبنسون وجون إيتويل‪ ،‬مقدمة في علم‬ ‫‪-‬‬ ‫‪106‬‬

‫الطليعة – بيروت ‪ ،1980‬ص‪.50‬‬


‫‪107‬‬
‫‪J.S. Mill, Principles of Political Economy , A shley edition , P.P. 557 -8.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نقالً عن جون روبنسون وجوان إيتويل‪ ،‬المصدر السابق ص‪.51‬‬
‫‪108‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫اإلنتاج البضااعي هو إنتاج الخيرات المادية وال ـس لع التي ال تخصـص السـتهالن المنتج‪ ،‬بل يتم‬
‫تخص ــيص ــها ألجل التبادل عن طريق البيع والش ـراء في الس ــوق‪ .‬كان االقتصاااد الطبيعي هو الش ــكل‬
‫السـ ـ ـ ــائد في التشـ ـ ـ ــكيالت االجتماعية االقتصـ ـ ـ ــادية التي يتكون فيها المجتمع من وحدات اقتصـ ـ ـ ــادية‬
‫متجانس ــة‪ ،‬كل منها تنتج جميع الس ــلع والخيرات األس ــاس ــية التي تحتاج إليها وتس ــتهلكها بنفس ــها‪ .‬ثم‬
‫تحول االقتص ـ ــاد إلى اقتصااااد تبادلي‪ ،‬عندما ظهر فائض اإلنتاج‪ .‬وأص ـ ــبح اإلنتاج إنتاجاً بض ـ ــاعياً‬
‫‪109‬‬
‫عندما توفر فيه الشرطان األساسيان اآلتيان‪:‬‬
‫‪ -1‬عندما بلغ التقســيم االجتماعي للعمل درجة كافية من التطور أخذ فيها األفراد أو الجماعات‬
‫يتخصـ ـ ـص ـ ــون بننتاج س ـ ــلع وخيرات مادية معينة‪( ،‬بعض ـ ــهم يعمل في الزراعة وفريق آخر يعمل في‬
‫مجال تربية الحيوان‪ .‬وفريق ثالث تخصص في اإلنتاج الحرفي وهكذا )‪.‬‬
‫‪ -2‬نشـوء الملكية الخاصـة لوسـائل اإلنتاج وانعزال المنتجين‪ ،‬في هذه األحوال أصـبحت العالقة‬
‫بين المنتج والمستهلك ال تتم إال عن طريق السوق‪ ،‬وتبادل المنتجات بوساطة البيع والشراء‪.‬‬
‫ويمكننا أن نميز بين نوعين أساسيين من اإلنتاج البضاعي‪ ،‬اإلنتاج البضاعي البسي واإلنتاج‬
‫البضااعي ال أرسامالي‪ .‬واإلنتاج البضــاعي البســيط واإلنتاج البضــاعي ال أرســمالي هما من طراز واحد‬
‫حيث تكون الملكية الخاص ــة لوس ــائل اإلنتاج هي األس ــاس االقتص ــادي لكل منهما‪ .‬وكالهما يتطور‬
‫بصورة عفوية وغير منهجية‪.‬‬
‫اإلنتاج البضااعي البساي ‪ :‬وهو عملية إنتاج الســلع والخيرات المادية بوســاطة العمل الشــخصـي‬
‫للمنتجين الخصـوصـيين الصـغار‪ .‬أما اإلنتاج البضااعي ال أرسامالي فهو اإلنتاج الذي يجري في ظله‬
‫اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل عمـل العمـال األجراء‪ ،‬وهو يجري عـادة على نطـاق واسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع‪ .‬وبـذلـك نالحظ أن اإلنتـاج‬
‫البضـ ــاعي البسـ ــيط يرتكز على العمل الشـ ـ خصـ ــي لمنتج البضـ ــائع وأعضـ ــاء أسـ ـرتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ .‬أما اإلنتاج‬
‫البضـ ــاعي ال أرسـ ــمالي فيرتكز على اسـ ــتثمار العمل المأجور‪ .‬والهدف النهائي من اإلنتاج البضـ ــاعي‬
‫البسـ ـ ــيط هو تلبية الحاجات الشـ ـ ــخصـ ـ ــية لمنتجي البضـ ـ ــائعأل أما ال أرسـ ـ ــماليون فيكون هدف إنتاجهم‬
‫‪110‬‬
‫البضاعي هو تحقيق الربح‪.‬‬
‫تتصال كل بضااعة بصافتين أسااسايتين‪ :‬األولى ‪ -‬قدرة البضـاعة على تلبية الحاجات اإلنسـانية‬
‫حين يتم اسـ ـ ــتهالكها أو اسـ ـ ــتعمالها‪ ،‬كالخبز واللحم والملبس‪ .‬وهذه الصـ ـ ــفة هي التي نسـ ـ ــميها عادة‬
‫القيمة االساااااتعمالية‪ .‬وغالباً ما تكون القيمة االس ـ ـ ــتعمالية للبض ـ ـ ــاعة مرتبطة بخص ـ ـ ــائص الش ـ ـ ــيء‬
‫الطبيعية وتشـ ـ ــكل مضـ ـ ــمون الثروة المادي في المجتمع‪ .‬الثانية _ هي قدرة البضـ ـ ــاعة على مبادلتها‬
‫ببضائع أخرى‪ .‬وبهذا تصبح القيمة االستعمالية في ظل اإلنتاج البضاعي حاملة للقيمة التبادلية‪.‬‬
‫يقدم لنا لينين تعريفاً للبضاعة على اية من اإليجاز والدقة فيقول‪ ( :‬البضاعة هي‪:‬‬
‫‪109‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬الكسندر بوزريف‪ ،‬ما هي الرأسمالية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1987‬ص‪.27-26‬‬
‫‪110‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬النظرية الماركسية ‪-‬اللينينية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1976‬ص‪.45-44‬‬

‫‪83‬‬
‫أوالً _ شيه يلبي حاجة ما من حاجات اإلنسان‪،‬‬
‫‪111‬‬
‫وثانياً _ شيه نبادل به شيئاً آخر )‪.‬‬
‫إن خاص ـ ـ ـ ــية البض ـ ـ ـ ــاعة في تلبية حاجة معينة من حاجات الناس تس ـ ـ ـ ــمى القيمة االس ـ ـ ـ ــتعمالية‬
‫للبض ــاعة‪ .‬أما خاص ــية البض ــاعة في مقدرتها على المبادلة ببض ــائع أخرى‪ ،‬مثال رأس من الماش ــية‬
‫بعدد من أكياس القمح‪ ،‬فتسـ ـ ــمى القيمة التبادلية‪ .‬التي تكمن في أسـ ـ ــاسـ ـ ــها القيمة التي تتحدد بدورها‬
‫‪112‬‬
‫وفقاً لنظريات القيمة المختلفة‪.‬‬
‫( مهما بحثنا عن القيمة في البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها‪ ،‬ولتكن حقيبة مثالً‪ ،‬ومهما قلبناها من جميع‬
‫جوانبها فلن نجد شيئاً اسمه القيمة‪ .‬فالقيمة ال تظهر إال عند نسبة هذه البضاعة إلى بضائع أخرى‪،‬‬
‫أي بصـورة غير مباشـرة في شـكل قيمة تبادلية‪ .‬فنذا كانت القيمة االسـتعمالية هي خاصـة داخلية في‬
‫البض ــاعة‪ ،‬فالقيمة التبادلية هي الش ــكل الخارجي لظهور القيمة عن طريق معادلة البض ــائع بعض ــها‬
‫مع بعض‪ .‬ولكن شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل القيمـة " أي القيمـة التبـادليـة " يتغير تبعـاً لـدرجـة التطور التـاريخي للتبـادل‪،‬‬
‫حتى يس ـ ــتقر في أوض ـ ــاع اإلنتاج البض ـ ــاعي المتطور على النقود‪ ،‬التي تص ـ ــبح الش ـ ــكل العام الذي‬
‫‪113‬‬
‫يعبر بوساطته عن قيم جميع البضائع )‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ -‬مراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي‪:‬‬
‫كان تطور القوى المنتجة في األنظمة االقتصـ ـ ـ ــادية االجتماعية ما قبل ال أرسـ ـ ـ ــمالية‪ ،‬في اإلنتاج‬
‫الزراعي وبقية فروع االقتصـ ـ ــاد الوطني‪ ،‬يتم بشـ ـ ــكل بطيء ولكن بصـ ـ ــورة مسـ ـ ــتمرة‪ .‬وأخذت سـ ـ ــرعة‬
‫التطور تت ازيـد وخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في اإلنتـاج الزراعي منـذ ظهور الريع النقـدي اإلقطـاعي‪ ،‬الـذي دفع الفالح‬
‫لالهتمام بنتائج عمله أكثر مما كان عليه في أنظمة الريع السابق (نظام الريع بالسخرة‪ ،‬ونظام الريع‬
‫العيني)‪.‬‬
‫وأخذ إنتاج الفالح المخصـص للسـوق " اإلنتاج البضـاعي " يتزايد أكثر فأكثر‪ ،‬إضـافة إلى تعدد‬
‫أنواع المنتجــات‪ ،‬التي أخــذ الفالح ينتجهــا بنفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه (كــاألحــذيــة‪ ،‬والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــاكين‪ ،‬واألدوات‪ ...‬الخ)‬
‫ويخصصها للبيع‪ .‬وهذا يعني أن تقسيم العلم االجتماعي أخذ يزداد عمقاً في المراحل األخيرة للنظام‬
‫اإلقطاعي‪ .‬وأخذت تزداد أهميـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة التجارة ورأس المال التجاري‪ ،‬الذي أدى دو اًر مهماً في تراكم رأس‬
‫المال النقدي وظه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور الس ـ ــوق المالية وتطورها‪ .‬ولم يعد رأس المال التجاري يقوم بوظيفة وس ـ ــيلة‬
‫للتبادل بين المنتج والمس ــتهلك أو بي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن المنتجين أنفس ــهم فحس ــب‪ ،‬بل أخذ التجار من خالل رأس‬
‫المـال التجـاري يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيطرون على بعض المنتجين كـالحرفيين مثالً‪ ،‬الـذين أخـذوا يعملون لحس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب‬
‫التاجر‪ ،‬وأحياناً تحول المنت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج إلى تاجر ليقوم بوظيفة المنتج والتاجر بالوقت نفس ــه‪ .‬ونتيجة لذلك‬

‫‪111‬‬
‫‪ -‬لينين‪ ،‬المؤلفات الكاملة‪ ،‬المجلد ‪ ،26‬ص‪.6‬‬
‫‪112‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬يوري بوبوف‪ ،‬دراسات في االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1984‬ص‪.84‬‬
‫‪113‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.200‬‬

‫‪84‬‬
‫تحرر المنتج والتاجر من كلتا الحالتين من س ـ ــيطرة اإلقطاعي هذه الس ـ ــمة التي كانت تميز عالقات‬
‫اإلنتـ اج خالل هــذه المرحلــة‪ .‬إن هــذا التــدخــل البطيء والمتبــادل بين رأس المــال التجــاري المرتبط‬
‫أس ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـاً برأس المال الربوي الذي يحافظ على عالقات اإلنتاج اإلقطاعية‪ ،‬التي تعطيه األفض ـ ـ ــلية‪،‬‬
‫وبين النوع الجــديــد من رأس المــال‪ ،‬الــذي أول مــا يحتــاج إليــه كي ينمو ويتطور‪ ،‬هو إ ازلــة العوائق‬
‫اإلقطـاعيـة ومنهـا "ارتبـاط الفالح بـاألرض"‪ .‬ويعمـل رأس المـال التجـاري من خالل المنـافس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بين‬
‫بعض التجار على توفير أكبر عرض ممكن من السـلع والمنتجات بشـكل دائم بأقل سـعر ممكن‪ .‬إن‬
‫مالك رأس المال التجاري ال يظهر دائماً في دور " البائع " ولكنه يبدو أحياناً في دور الممول لشراء‬
‫بعض المنتجـات‪ .‬في الحـالـة ال ـث انيـة عنـدمـا يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتري التـاجر اإلنتـاج‪ ،‬لم تعـد المنتجـات عمليـاً ملكـاً‬
‫للمنفذ الذي قام بعملية اإلنتاج‪ ،‬بل تصـ ـ ـ بح ملكاً لل أرس ـ ــمالي الممول‪ .‬وبهذا يتحول الحرفي المس ـ ــتقل‬
‫إلى ع ــام ــل م ــأجور‪ .‬وهك ــذا ظهر نظ ــام الممولين ال ــذي يع ــد مرحل ــة من م ارح ــل أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتــاج‬
‫ال أرس ــمالي‪ ،‬الذي تظهر فيه طبقتان متناقض ــان‪ :‬ال أرس ــماليون الذين يملكون وسـ ـ ائل اإلنتاج‪ ،‬والعمال‬
‫المأجورون‪ ،‬الذين يملكون قدرتهم على العمل فقط‪.‬‬
‫يعتمد اإلنتاج ال أرسـ ــمالي على قوة العمل المأجورة‪ ،‬ولم يظهر اإلنتاج ال أرسـ ــمالي هكذا فجأة كما‬
‫نراه عليـه اليوم في الـدول ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة األكثر تقـدمـاً (أمريكـا وبريطـانيـا)‪ ،‬بـل ظهر تـدريجيـاً‪ ،‬ومر في‬
‫ثالث مراحل أساسية‪ ،‬تتفاوت شدة وضوحها من بلد آلخر‪.‬‬
‫‪ -1‬ا إلنتاج البسي "التعاون البسي "‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلنتاج " المانفكتوري "‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلنتاج الصناعي الكبير " اإلنتاج اآللي "‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬المنافسة الحرة والرأسمالية االحتكارية‪:‬‬
‫ولد أس ـ ـ ــلوب اإلنتاج ال أرس ـ ـ ــمالي الذي يقوم على الملكية ال أرس ـ ـ ــمالية الخاص ـ ـ ــة لوس ـ ـ ــائل اإلنتاج‬
‫واسـ ـ تثمار العمل المأجور‪ ،‬وحرية النشـ ــاط االقتصـ ــادي في قلب النظام اإلقطاعي‪ .‬وتمر ال أرسـ ــمالية‬
‫كنظام اقتصادي اجتماعي بمرحلتين‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال أرسـ ـ ـ ــمالية ما قبل االحتكار‪ ،‬حيث تسـ ـ ـ ــود المزاحمة الحرة وتتطور القوى المنتجة في خط‬
‫متص ــاعد‪ .‬وقد س ــادت ال أرس ــمالية ما قبل االحتكار في الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنس ــا‬
‫وألمانيا وغيرها من البلدان المتطورة حتى الثلث األخير من القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫‪ - 2‬ال أرســمالية االحتكارية‪ ،‬التي ســادت في الثلث األخير من القرن التاســع عشــر‪ ،‬حيث بدأت‬
‫ســيادة االحتكارات التي شــرعت تضــطلع بالدور الحاســم في الحياة االقتصــادية في البلدان ال أرســمالية‬

‫‪85‬‬
‫لتحل محل المزاحمة الحرة‪ .‬ومع بداية القرن العش ـ ـ ـ ـرين تحولت ال أرسـ ـ ـ ــمالية إلى إمبريالية وهي أعلى‬
‫‪114‬‬
‫مراحل تطور الرأسمالية‪.‬‬
‫وتش ــترن ال أرس ــمالية ما قبل االحتكارية وال أرس ــمالية االحتكارية في عدد من الخص ــائص البارزة‪،‬‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬الملكية الرأسمالية لوسائل اإلنتاج‪،‬‬
‫‪ -‬استغالل العمل المأجور‪،‬‬
‫‪ -‬س ــيادة القوانين االقتص ــادية ال أرس ــمالية‪ ،‬كقانون القيمة والقيمة الزائدة وقانون التراكم ال أرس ــمالي‬
‫وقانون تجديد اإلنتاج ال أرس ــمالي البس ــيط والموس ــع‪ .‬وتتميز ال أرس ــمالية االحتكارية (اإلمبريالية) بعدد‬
‫من الخصائص من الرأسمالية ما قبل االحتكارية منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬سيادة االحتكار بدالً من المنافسة الحرة‪.‬‬
‫ب‪ .‬سيطرة عدد قليل من المصارف على القسم األعظم من رؤوس األموال‪.‬‬
‫ج‪ .‬ظهور االحتكارات الدولية‪ ،‬وتصدير البضائع ورؤوس األموال‪.‬‬
‫د‪ .‬ظهور الشركات متعددة الجنسية وتعاظم دورها في االقتصاد العالمي‪.‬‬
‫‪ -1‬الرأسمالية ما قبل االحتكارية (المنافسة الحرة)‪:‬‬
‫إن حريـة انتقـال رأس المـال والقوة العـاملـة وإمكـان اختيـارهـا ألي مجـال أو فرع من فروع اإلنتـاج‪،‬‬
‫أدى إلى حص ــول بعض أص ــحاب الش ــركات على أرباح وفقاً لقاعدة " من كميات متس ــاوية من رأس‬
‫المال يمكن الحصـول على كميات متسـاوية من األرباح "‪ .‬ويتم تحديد أسـعار البضـائع ذات النوعية‬
‫المحددة في الســوق بصــورة مســتقلة‪ ،‬دون أن يكون للشــركات أي أثر في تحديد الســعر‪ .‬فنذا ارتفعت‬
‫األس ــعار يرتفع أيضـ ـاً العرض (أي كمية البض ــائع المعروض ــة في الس ــوق للبيع)‪ ،‬وينخفض العرض‬
‫في حال انخفاض األسـ ـ ــعار‪ .‬وهذا يعني أن األسـ ـ ــعار القائمة في السـ ـ ــوق ال يتم تنظيمها من خالل‬
‫شركات محددة‪ ،‬بل يكون العامل المقرر في تحديد األسعار هو كمية اإلنتاج للسوق‪.‬‬
‫وكان حجم الشـركات ال أرسـمالية في ذلك الوقت صـغي اًر نسـبياً بحيث ال تسـتطيع ـش ركة واحدة من‬
‫خالل زيادة إنتاجها أو خفضـ ـ ـ ــه أن تؤثر في حجم عرض البضـ ـ ـ ــاعة في السـ ـ ـ ــوق‪ .‬ويقوم بندارة هذه‬
‫الشــركات عادة األفراد الذين يملكون الشــركة‪ .‬لذلك من المحتمل دائماً أن تؤســس شــركات جديدة في‬
‫كل لحظة‪ ،‬أو إفالس ش ـ ـ ـ ـ ــركات قائمة التي لم تتمكن من تحقيق تكاليف إنتاج للوحدة‪ ،‬يجعلها قادرة‬
‫على تحقيق الربح في أحوال األسعار القائمة (أسعار السوق) كما في باقي الشركات‪.‬‬
‫إن المنافسة الكاملة هي حالة السوق الرأسمالية التي تتوفر فيها الشروط الخمسة اآلتية‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬نيكيتين‪ ،‬أسس االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1984‬ص‪.25‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -‬أن تكون كميات البض ــاعة التي يرغب في شـ ـ ارئها ش ــخص معين ص ــغيرة بحيث ال يمكن أن‬
‫يؤثر في زيادة هذه الكميات أو إنقاصها في العرض في السوق‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مشتر لنوع معين من البضائع أن يؤثر في تحديد األسعار لهذه البضائع‪.‬‬ ‫‪ -‬ال يستطيع أي‬
‫‪ -‬تجانس البضاعة التي تبيعها الشركات‪ ،‬بحيث تكون هذه البضاعة بدائل كاملة لبعضها‪.‬‬
‫‪ -‬ال يملـك أحـد من المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترين أيـة ميزات من قبـل بعض البـائعين أو أحـد البـائعين تجـاه بعض‬
‫المشترين‪.‬‬
‫‪ -‬المعرفة التامة بأحوال السوق لبضاعة ما‪.‬‬
‫إض ــافة إلى حرية الدخول والخروج من الس ــوق بدون أي عوائق مص ــطنعة توض ــع في وجه من‬
‫‪115‬‬
‫يرغب في ذلك‪.‬‬
‫مما ورد أعاله نس ـ ــتنتج أن الس ـ ــمة األس ـ ــاس ـ ــية للمنافس ـ ــة الكاملة هي عدم األهمية النس ـ ــبية لكل‬
‫مؤسسة في السوق لدرجة أن أي واحدة منها ال تستطيع أن تؤثر في السعر تأثي اًر محسوساً‪ .‬فالفالح‬
‫الذي ينتج الزيتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ويبيعه ال يســتطيع أن يفعل شــيئاً حيال ثمن الزيتون في الســوق‪ .‬فنذا هو رفع‬
‫سـ ــعر زيتونه أعلى من السـ ــعر الجاري‪ ،‬فننه لن يسـ ــتطيع أن يبيع شـ ــيئاً على اإلطالق‪ ،‬بينما هو ال‬
‫يس ــتطيع أن يكس ــب ش ــيئاً بخفض ثمن زيتونه وبيعه بأدنى من س ــعر الس ــوق‪ ،‬ويس ــتطيع عندما يحدد‬
‫سعر زيتونه بمستوى السعر السائد في السوق أن يبيع أي كمية يتوقع إنتاجها‪.‬‬
‫إن المنافسـ ـ ـ ــة الكاملة‪ ،‬وفقاً لتعريفها أعاله‪ ،‬هي نظرية غير ممكنة التطبيق في الواقع‪ ،‬حتى في‬
‫مرحلة رأسمالية المنافسة الحرة‪.‬‬
‫يظل هدف ص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب المش ـ ـ ـ ـ ـ ــروع من عملية اإلنتاج هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح‪ ،‬وال‬
‫يسـتطيع تحقيق هذا الهدف من خالل رفع أسـعار البيع‪ ،‬ألنه غير قادر على التأثير فيها‪ .‬ويسـتطيع‬
‫تحقيق ذلـك " زيـادة األربـاح " بطريقـة واحـدة وهي خفض تكـاليف اإلنتـاج‪ ،‬وهـذا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوجـب إمـا زيـادة‬
‫اس ــتغالل قوة العمل المس ــتأجرة (تكثيف العمل)‪ ،‬وإما زيادة إنتاجية العمل‪ .‬وحيث إن زيادة اس ــتغالل‬
‫القوة العاملة المســتأجرة يالقي مقاومة فعالية ومتزايدة من قبل الطبقة العاملة‪ ،‬لم يعد أمام ال أرسـ مالي‬
‫سوى استخدام التقدم التقاني‪ ،‬كعامل أساسي لزيادة إنتاجية العمل‪.‬‬
‫وبذلك تجعل المنافس ــة الحرة الش ــروط أكثر مالءمة وأكثر نفعاً للش ــركات التي يتم فيها اس ــتخدام‬
‫التقانة الحديثة واإلدارة والتنظيم الجيد بأسـ ـ ـ ـ ــرع مما في باقي الشـ ـ ـ ـ ــركات‪ ،‬وهي مهيأة بالوقت نفسـ ـ ـ ـ ــه‬
‫السـ ـ ــتخدام العمال ذوي الخبرة والمؤهالت‪ .‬وبالوقت نفسـ ـ ــه يكون مصـ ـ ــير الشـ ـ ــركات التي تكون فيها‬
‫تكاليف وحدة اإلنتاج عالية نس ـ ـ ــبياً اإلفالس‪ .‬ما لم تقم هي أيض ـ ـ ـاً باس ـ ـ ــتخدام التقانة العالية واإلدارة‬

‫‪115‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬كامل بكري‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪ ،1987‬ص‪.108‬‬

‫‪87‬‬
‫والتنظيم الجيد للعمل بالسـ ـ ـ ــرعة الممكنة‪ .‬وهذا يعني أن المنافسـ ـ ـ ــة الحرة تحرض على‪ ،‬وتؤدي إلى‪،‬‬
‫تطور القوى المنتجة‪.‬‬
‫وينتق ــل رأس الم ــال ب ــاحث ـاً عن الربح من أح ــد فروع اإلنت ــاج إلى آخر‪ ،‬أو من منطق ــة ألخرى‪،‬‬
‫األمر الذي يؤدي إلى الس ـ ــيطرة الكاملة على االقتص ـ ــاد القومي‪ .‬ويكون مص ـ ــير المنتجين الص ـ ــغار‬
‫المسـ ـ ــتقلين السـ ـ ــقوط واإلفالس‪ ،‬حيث سـ ـ ــلبتهم المنافسـ ـ ــة وسـ ـ ــائل اإلنتاج التي كانوا يملكونها‪ .‬ويبقى‬
‫أمامهم طريق واحدة لكســب وســائل عيشــهم‪ ،‬هي تأجير قوة عملهم في الشــركات ال أرســمالية‪ .‬كما أن‬
‫التقدم التقني أكثر فأكثر في المص ـ ـ ــانع والش ـ ـ ــركات‪ ،‬أدى إلى االس ـ ـ ــتغناء عن عدد كبير من العمال‬
‫لتحل محلهم اآللة‪ .‬وهكذا ظهر جيش العمل االحتياطي "البطالة"‪.‬‬
‫‪ -2‬الرأسمالية االحتكارية‪:‬‬
‫أما المرحلة التالية في تطور اإلنتاج ال أرسـ ــمالي فهي مرحلة االحتكار ‪ -‬ال أرسـ ــمالية االحتكارية‪.‬‬
‫وتتص ــف هذه المرحلة باتحاد عدة فروع ص ــناعية في مش ــروع واحد‪ .‬ومع نهاية القرن التاس ــع عش ــر‬
‫وبداية القرن العشـ ـرين بدأت االحتكارات تظهر بش ــكل واض ــح في أس ــلوب اإلنتاج ال أرس ــمالي متمثلة‬
‫بالكارتل والســنديكات التي أضــحت أحد األســس المهمة للحياة االقتصــادية والنشــاط االقتصــادي في‬
‫الرأسمالية‪ ،‬حينذان تحولت الرأسمالية إلى إمبريالية‪ .‬وبلغت مرحلة االحتكار درجة عالية من التطور‬
‫مع ظهور أرسـ ـ ـ ـ ــمالية الدولة االحتكارية كونها المرحلة األعلى في التطور االقتصـ ـ ـ ـ ــادي التكنولوجي‬
‫لل أرسـ ـ ـ ـ ــمالية‪ .‬وتتصـ ـ ـ ـ ــف هذه المرحلة باندماج االحتكارات مع قوة الدولة بهدف زيادة الثروات في يد‬
‫االحتكارات والمحتكرين‪.‬‬
‫كانت السـ ــمة األسـ ــاسـ ــية لل أرسـ ــمالية ما قبل االحتكار هي المنافسـ ــة الحرة‪ ،‬التي أدت إلى نجاح‬
‫بعضهم وتحقيق مزيد من الربح‪ ،‬وإفالس اآلخرين‪ .‬كما أدت المنافسة الحرة إلى تمركز اإلنتاج ونمو‬
‫الوزن النس ـ ــبي لبعض المؤسـ ـ ـس ـ ــات والش ـ ــركات‪ .‬التي ازداد نص ـ ــيبها في مجمل اإلنتاج‪ ،‬وتزايد عدد‬
‫لقد‬ ‫‪116‬‬
‫العمال والطاقات المنتجة في المؤسسات الكبيرة التي أخذت تسيطر على السوق أكثر فأكثر‪.‬‬
‫مهدت المنافسـ ـ ــة ال أرسـ ـ ــمالية الحرة التربة من أجل نشـ ـ ــوء ونمو التكتالت االحتكارية وتمركز اإلنتاج‬
‫الذي يقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود في مرحلة معينة من تطوره إلى االحتكار مباش ـرة‪ .‬فاالحتكار يمكن أن يكون اتفاقاً أو‬
‫اتحاداً أو تكتالً بين مجموعة من ال أرسـ ــماليين‪ ،‬وقد يكون مؤس ـ ـسـ ــة منفردة كبيرة جداً‪ .‬ومهما تنوعت‬
‫المؤسـسـات االحتكارية فنن هدفها واحد‪ ،‬هو السـيطرة على اإلنتاج واقتسـام األسـواق‪ ،‬من أجل تحقيق‬
‫أعلى ربح ممكن‪.‬‬
‫إن تطور القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج في مرحلة المنافسـ ـ ــة ال أرسـ ـ ــمالية الحرة قد هيأ لالنتقال‬
‫إلى ال أرسـ ـ ـ ــمالية االحتكارية‪ ،‬في بداية القرن التاسـ ـ ـ ــع عشـ ـ ـ ــر‪ ،‬وخاصـ ـ ـ ــة في الدول األوربية المتقدمة‬

‫‪116‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.158-156‬‬

‫‪88‬‬
‫(إنكلت ار‪ ،‬فرنسـ ـ ــا‪ ،‬هولندة)‪ .‬وأخذت ال أرسـ ـ ــمالية تتطور في كل من الواليات المتحدة األمريكية وألمانيا‬
‫وروسـ ـ ـ ــيا واليابان منذ العقد السـ ـ ـ ــابع من القرن التاسـ ـ ـ ــع عشـ ـ ـ ــر‪ .‬وقد اختلفت أسـ ـ ـ ــباب ظهور وتطور‬
‫ال أرس ــمالية من بلد آلخر‪ ،‬فقد يس ــر تطور ال أرس ــمالية في أمريكا‪ ،‬إلغاء الرق في عام ‪ ،1863‬وإلغاء‬
‫القنانة في روسيا عام ‪ ،1861‬والثورة البرجوازية (‪ )1870-1767‬في اليابان‪ ،‬وتوحي ـ ـ ـ ـ ــد ألمانيا عام‬
‫‪ .1871‬والسـ ـ ـ ــبب في ذلك هو اكتشـ ـ ـ ــاف واختراع أنواع جديدة من المحركات لتسـ ـ ـ ــيير اآلليات‪ ،‬مثل‬
‫المحركـات الكهربـائيـة‪ ،‬محركـات االحتراق الـداخلي‪ ،‬والعنفـات البخـاريـة‪ ،‬والـديزل‪ ،‬وتطور السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـارة‬
‫والطائرة ووسائط النقل األخرى‪ ،‬كل ذلك أدى إلى نمو وتطوير اإلنتاج الصناعي وتطور الرأسمالية‪،‬‬
‫وقيام الرأسمالية االحتكارية‪.‬‬
‫( إن تمركز اإلنتاج يهيل إلى سـ ـ ــيادة االحتكارات‪ ،‬فنن عشـ ـ ــرات من المؤسـ ـ ـسـ ـ ــات العمالقة ال‬
‫تجابهها مص ـ ـ ــاعب كبيرة من أجل التفاهم وعقد االتفاقات فيما بينها‪ .‬وفي حلول س ـ ـ ــيادة االحتكا ارت‬
‫محـل المزاحمـة ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة الحرة‪ ،‬يكمن جوهر اإلمبريـاليـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي‪ .‬إن االحتكـارات إنمـا هي‬
‫مؤس ـ ـس ـ ــات أرس ـ ــمالية كبيرة جداً‪ ،‬أو اتحادات بين مؤس ـ ـس ـ ــات أرس ـ ــمالية تحص ـ ــر في أيديها إنتاج أو‬
‫تصـريف القسـم األكبر من منتوج الفرع المعني‪ .‬وتتميز االحتكارات بالطاقة االقتصـادية وبوزن نسبي‬
‫‪117‬‬
‫هائل في الفرع اإلنتاجي المعين‪ ،‬فتفرض أسعا اًر احتكارية وتبتز أرباحاً عالية بفعل االحتكار)‪.‬‬
‫وكان من بين الميزات المهمة التي تحصااال عليها المشاااروعات الكبيرة االحتكارية‪ ،‬التي تزايد‬
‫‪118‬‬
‫دورها أكثر فاكثر في اإلنتاج الرأسمالي والسوق الرأسمالية الميزات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬التفوق التقاني واستخدام التقدم العلمي والتكنولوجي‪.‬‬
‫‪ -‬التنظيم األفضل لعناصر اإلنتاج وتخفيض نسبة الهدر‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق الوفورات في التكاليف اإلدارية‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع إنتاجية العمل‪.‬‬
‫‪ -‬توفر فرص أكبر للمؤسسة االحتكارية للحصول على قروض من مؤسسات اإلقراض‪.‬‬
‫وبناه على لك يتمثل جوهر االحتكار في ثالثة مظاهر أساسية هي‪:‬‬‫ً‬
‫‪ )1‬تركيز رؤوس أموال رااااااخمة في أيدي االحتكار بحيث يتمتع بفضاااااالها بقدرة اقتصااااااادية‬
‫هائلة‪ ،‬وتفوق ساحق على عدد كبير من االقتصاديين األصغر حجماً مجتمعين‪،‬‬
‫‪ )2‬إمكان فرل أسعار في السوق والتدخل في آلية تشكلها‪،‬‬
‫‪119‬‬
‫‪ )3‬تحقيق أرباح احتكارية عالية نتيجة للسيطرة االقتصادية‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص‪.159‬‬
‫‪118‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫‪119‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1976‬ص‪.220‬‬

‫‪89‬‬
‫ولم تقتص ـ ــر عملية تمركز اإلنتاج وتركز رأس المال على قطاع الص ـ ــناعة فحس ـ ــب‪ ،‬بل رافقتها‬
‫أيضـاً عملية تمركز رأس المال المصـرفي‪ .‬وحيث المصـارف هي مؤسـسـات لتقديم الخدمات المتعلقة‬
‫بالعمليات النقدية المصـ ـ ـ ـ ـرفي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬مثل منح القروض قبول الودائع‪ ،‬تحويل النقود‪..‬الخ‪ ،‬فنن الدور‬
‫األسـاسـي للمصـرف في ال أرسـمالية هو تجميع النقود السـائبة عن طريق قبول الودائع‪ ،‬ومنح القروض‬
‫بهدف تمويل األنشطة االقتصادية سواء في مجال اإلنتاج أم في مجال التوزيع‪.‬‬
‫نشـ ــأت االحتكارات المصـ ـرفية في بداية القرن العشـ ـرين وتوسـ ــعت سـ ــيطرتها في مجال اإلقراض‬
‫والتسـليف واالئتمان‪ .‬كما ط أر تطور وتغيير على الدور الذي كانت تقوم به المصـارف‪ ،‬والعالقة بين‬
‫المصــارف واالحتكارات الصــناعية‪ ،‬وتحولت المصــارف من وظيفة الوســاطة والســمسـرة البســيطة الى‬
‫احتكارات ذات جبروت يتركز في أيديها قس ـ ـ ــم كبير جداً من الس ـ ـ ــيولة النقدية في المجتمع‪ ،‬ولم تعد‬
‫تقتصـ ـ ـ ـ ـ ــر وظيفة المصـ ـ ـ ـ ـ ــارف على تقديم القروض والتسـ ـ ـ ـ ـ ــليف وقبول الودائع‪ ،‬بل أخذت تشـ ـ ـ ـ ـ ــارن‬
‫االحتكارات الصـ ـ ـ ــناعية بدورها في ملكية وسـ ـ ـ ــائل اإلنتاج‪ .‬وحدث اندماج من جديد بين االحتكارات‬
‫الصــناعية واالحتكارات المصـرفية‪ ،‬ونشــأ نوع جديد من رأس المال هو ال أرســمال المالي الذي ســيطر‬
‫على النشــاط االقتصــادي والحياة الســياســية في المجتمع البرجوازي‪ .‬ويعد نشــوء ال أرســمال المالي أحد‬
‫العالئم المميزة لإلمبريالية‪ .‬ولذلك يسمونه عصر الرأسمال المالي‪.‬‬
‫تحقق االحتكارات في القطاع المص ـ ـ ـ ـرفي والمالي‪ ،‬قبل كل ش ـ ـ ـ ــيء‪ ،‬نتيجة إلفالس المص ـ ـ ـ ــارف‬
‫الصــغيرة‪ ،‬واندماج المصــارف‪ .‬األمر الذي أدى إلى تمركز رأس المال المالي‪ .‬وثمة وســيلة توســعية‬
‫أخرى تقوم االحتكارات المالية المعاص ـرة على اس ــتغاللها‪ ،‬وهي تأس ــيس ش ــبكة واس ــعة من الفروع قد‬
‫تتجاوز حدود الدولة الواحدة‪ ( .‬وفي المدة األخيرة ينتشـ ــر اسـ ــتخدام أسـ ــلوب آخر يتمثل في تأسـ ــيس‬
‫ش ـ ــركات متخص ـ ـص ـ ــة في ش ـ ـراء محفظة األس ـ ــهم المتحكمة في البنون المس ـ ــتقلة‪ ،‬وإخض ـ ــاعها بذلك‬
‫إلشـ ـ ـراف مجموعة محدودة من األش ـ ــخاص‪ .‬كما ينمو حجم ما تس ـ ــمى العمليات االئتمانية‪ .‬فالبنون‬
‫تس ـ ـ ـ ـ ــتغل رؤوس األموال التي توض ـ ـ ـ ـ ــع تحت إشـ ـ ـ ـ ـ ـرافها المؤقت بغرض توس ـ ـ ـ ـ ــيع مجال س ـ ـ ـ ـ ــيطرتها‬
‫‪120‬‬
‫االقتصادي)‪.‬‬
‫وتزايدت عمليات مؤسـ ـ ـ ـس ـ ـ ــات التس ـ ـ ــليف والتوفير‪ ،‬وش ـ ـ ــركات التأمين‪ ،‬وص ـ ـ ــناديق المعاش ـ ـ ــات‪،‬‬
‫وتروسـ ــتات التوظيفات‪ .‬ويتمثل الدور الرئيس لهذه المؤس ـ ـسـ ــات في تجميع مدخرات الفئات الشـ ــعبية‬
‫العريض ـ ــة وتقديم هذه المدخرات إلى االحتكارات المالية الس ـ ــتخدامها في توس ـ ــيع التراكم ال أرس ـ ــمالي‪.‬‬
‫وازدادت في العقود األخيرة أهمية ش ـ ـ ـ ــركات التأمين التي تعد أقوى حلقات هذه الش ـ ـ ـ ــبكة المكونة من‬
‫الهيئات المتخصصة في مجال االحتكارات المالية‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص‪.343‬‬

‫‪90‬‬
‫إن تمركز رأس المــال المــالي وتركزه يعني ظهور نمط جــديــد في االحتكــارات‪ ،‬ونوع جــديــد من‬
‫الرأس مال‪ .‬إنه " على نحو خاص من الحركة والمرونة‪ ،‬على نحو خاص من التشــابك داخل البالد‬
‫وعلى الصـعيد الدولي‪ ،‬على نحو خاص من اقتصـاد الشـخصـية الخاصـة ومن االنفصـال عن اإلنتاج‬
‫‪121‬‬
‫ويحتل الرأس مال‬ ‫المباشــر‪ ،‬وهو يتركز بســهولة خاصــة‪ .‬ولقد حقق بالفعل تركي اًز بعيد المدى "‪.‬‬
‫المالي مكان السيطرة والسيادة في اقتصاديات الدول الرأسمالية‪.‬‬
‫لقد أدى تمركز رأس المال الصـ ـ ــناعي والمالي‪ ،‬وظهور المؤس ـ ـ ـسـ ـ ــات االحتكارية الكبيرة وامتداد‬
‫نشاطها وتوسعـ ـ ـ ـ ــه إلى إحداث تغيرات جدية في طبيعة نشاط الدولة التي تمثل في النظام الرأسمالي‬
‫مص ـ ـ ــالح البرجوازية واالحتكارات‪ .‬كما أتاح تركيز اإلمكانات االقتص ـ ـ ــادية والس ـ ـ ــيطرة على النش ـ ـ ــاط‬
‫االقتص ـ ـ ـ ـ ــادي في أيدي عدد قليل من االحتكاريين‪ ،‬أتاح لهم االلتحام مع أجهزة الدولة واس ـ ـ ـ ـ ــتغاللها‬
‫لتحقيق مصالحهم‪ " .‬من ناحية أخرى ظه ــور االحتكارات ونموها قد خلقا ضرورة استخدامها المتزايد‬
‫للدولة البرجوازية‪ .‬وتتحدد هذه الضرورة بناء على تعم ـ ـ ــق التناقضات بين جوهر االحتكارات كملكية‬
‫‪122‬‬
‫خاصة وبين النمو العمالق للطابع االجتماعي لإلنتاج‪ ،‬الذي يقترن بنشوء االحتكارات"‪.‬‬
‫إن تص ـ ـ ـ ـ ــاعد احتدام التناقض الرئيس في أس ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالي في مرحلة ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية‬
‫االحتكارية يخلق ظاهرة جديدة تتمثل في اش ـ ــتداد التالحم بين االحتكارات والدولة البرجوازية ونش ـ ــوء‬
‫ال أرس ـ ـ ـ ــمالية االحتكارية للدولة على أس ـ ـ ـ ــاس االتحاد بين قوى االحتكارات وقوى الدولة‪( .‬واإلمبريالية‬
‫‪ )Imperialism‬هي ال أرسـ ـ ــمالية في مرحلتها العليا واألخيرة‪ ،‬هي ال أرسـ ـ ــمالية االحتكارية‪ .‬لذلك تعد‬
‫اإلمبريالية مرحلة تاريخية خاصـ ــة من مراحل ال أرسـ ــمالية‪ ،‬وتنطبق عليها سـ ــائر القوانين االقتصـ ــادية‬
‫لل أرسـ ـ ــمالية‪ .‬وتتميز هذه المرحلة بحلول سـ ـ ــيطرة االحتكارات محل المزاحمة (المنافسـ ـ ــة) ال أرسـ ـ ــمالية‬
‫‪123‬‬
‫الحرة‪ .‬ومن أهم األسباب التي هيأت لالنتقال إلى هذه المرحلة من الرأسمالية‪:‬‬
‫تطور القوى المنتجة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫تركز اإلنتاج‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫تركز رأس المال‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫سيادة االحتكارات الرأسمالية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫التقسيم اإلقليمي للعالم بين الدول الرأسمالية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫زيـادة حـدة التنـاقض بين الـدول النـاميـة والـدول المتقـدمـة‪ ،‬وكـذلـك بين البلـدان اإلمبريـاليـة‬ ‫‪-‬‬
‫والتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنازع فيما بينها على أسـواق التصـريف وموارد المواد الخام األولية‪ ،‬وحب فرض السـيطرة على‬
‫العالم‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪.343‬‬
‫‪122‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪.341‬‬
‫‪123‬‬
‫‪ -‬الموسوعة االقتصادية‪ ،‬ص‪.75‬‬

‫‪91‬‬
‫‪124‬‬
‫من خالل التحليل العلمي الدقيق‪ ،‬يمكن تحديد السمات األساسية لإلمبريالية وفقاً لما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تركز اإلنت ــاج والرأسمال إلى درجة عالية أدت إلى نشوء االحتكارات التي تقوم بدور حاسم‬
‫في الحياة االقتصادية‪.‬‬
‫‪ - 2‬اندماج رأس المال الصــناعي ورأس المال المصـرفي‪ ،‬ونشــوء الطغمة المالية ( تكوين رأس‬
‫المال المالي)‪.‬‬
‫‪ - 3‬تصدير أرس المال إلى جانب تصدير المنتجات‪.‬‬
‫‪ - 4‬إقامة اتحادات الرأسماليين االحتكارية الدولية واقتسام العالم اقتصادياً فيما بينها‪.‬‬
‫‪ - 5‬إنجاز التقسيم الجغرافي للعالم فيما بين الدول الرأسمالية الكبرى‪.‬‬
‫إن قيام االحتكارات على أسـاس الملكية الخاصـة يجعل من المحتم وجود منافسـة أرسـمالية داخل‬
‫إطار االحتكارات وخارجها‪ .‬وفي الظروف الجديدة يعتمد ص ـراع المنافس ــة على قيام وض ــع احتكاري‬
‫ذي امتيازات واسـعة‪ .‬أما التطور التقاني فقد أصـبح خاضـعاً لمصـالح السـيطرة االحتكارية‪ .‬بيد أنه ال‬
‫بد من حدوث تغيير ش ـ ــكلي في هذه المنافس ـ ــة التي تجري في ظل االحتكارات العالمية‪ .‬ففي مرحلة‬
‫مـا قبـل االحتكـاريـة ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة كـانـت المنـافسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أداة لتحقيق المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاواة في أربـاح رؤوس األموال‬
‫المتســاوية‪ .‬لكن هذه االحتكارات ال تقنع بالحصــول على الربح المتوســط بل تتنافس مع المؤس ـســات‬
‫األخرى بغرض تحقيق الربح الفاحش‪ .‬وفي الواقع فنن وض ـ ــعها االحتكاري يتيح لها الحص ـ ــول على‬
‫األرباح الفاحشة بوساطة آلية الصـراع التنافسي‪ .‬وال تكتفي االحتكارات بأضعاف مواقع المنافس‪ ،‬بل‬
‫تس ـ ــعى إلى القض ـ ــاء عليه‪ .‬وتحل الص ـ ــفقات والعقود السـ ـ ـرية والس ـ ــمسـ ـ ـ رة محل التس ـ ــابق المكش ـ ــوف‬
‫والتنافس‪ ،‬ويجري تتمر القلة على اآلخرين الكثرة‪ .‬كل هذا يحدد النوعية الجديدة للمنافس ـ ـ ـ ــة ودرجتها‬
‫في ظل ال أرسـ ـ ــمالية االحتكارية‪ .‬وهذا يعني أن المنافسـ ـ ــة تسـ ـ ــتمر في مرحلة ال أرسـ ـ ــمالية االحتكارية‪،‬‬
‫‪125‬‬
‫ولكن تظهر مواقع جديدة للصراع التنافسي ويظهر مشتركون جدد في عملية التنافس‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ -‬موجز القاموس االقتصادي‪ ،‬ص‪ . 29‬انظر‪ :‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار التقدم موسكو‪،‬‬
‫ص‪.158‬‬
‫‪125‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬ترجمة ماهر عسل‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1976‬ص‪334‬‬

‫‪92‬‬
‫الفصل السادس‬
‫الناتج االجتماعي وتجديد اإلنتاج في الرأسمالية‬
‫(التراكم الرأسمالي)‬
‫المبحث األول‪ -‬الرأسمال االجتماعي والناتج االجتماعي واإلجمالي‪:‬‬
‫الرأساامال االجتماعي‪ :‬هو جملة رؤوس األموال الفردية في عالقاتها وتأثيراتها المتبادلة‪ .‬فتنش ــأ‬
‫هــذه العالقــات المتبــادلــة عن التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم االجتمــاعي للعمــل وذلــك من خالل عمليــة اإلنتــاج‪ .‬وتظهر‬
‫العالقات في عملية التداول‪ ،‬إذ إن تعويض رأس المال (الثابت والمتغير) س ـ ـ ـواء بالقيمة أم بص ـ ـ ــورة‬
‫طبيعية يتحقق بوس ــاطة الس ــوق‪ .‬وال يمكن لعملية اإلنتاج االجتماعي أن تس ــير بانتظام وتس ــتمر إال‬
‫إذا تم تصـ ـ ـريف الس ـ ــلع التي ينتجها ال أرس ـ ــماليون‪ ،‬ووجدوا في الس ـ ــوق ما يحتاجون إليه من وس ـ ــائل‬
‫اإلنتاج وقوة العمل‪ .‬وحصل العمال على المواد االستهالكية من السوق‪.‬‬
‫يتم عادة تقس ــيم الناتج االجتماعي في ال أرس ــمالية إما حس ــب مكوناته القيمية وإما حس ــب ش ــكله‬
‫الطبيعي أي قيمته االســتعمالية‪ .‬فالناتج االجتماعي هو كتلة كبيرة من الســلع يتم إنتاجها في مجتمع‬
‫محـدد خالل مـدة زمنيـة محـددة هي عـادة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـة تقويميـة‪ .‬تكون قيمـة النـاتج االجتمـاعي اإلجمـالي‬
‫مس ـ ــاوية قيمة س ـ ــائر الس ـ ــلع التي يتم إنتاجها خالل س ـ ــنة كاملة‪ .‬ونس ـ ــتطيع التعبير عن قيمة الناتج‬
‫االجتماعي كقيمة أي سلعة وفقاً للمعادلة اآلتية‪:‬‬
‫‪+‬ر‪+‬م‬ ‫ق =‬ ‫(‪)1‬‬
‫حيث أن‪:‬‬
‫ق = قيمة الناتج االجتماعي‪.‬‬
‫ث = رأس المال الثابت‪.‬‬
‫ر = رأس المال المتغير‪.‬‬
‫م = القيمة الزائدة‪.‬‬

‫وفي ظـل ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة يـأخـذ النـاتج االجتمـاعي اإلجمـالي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالً سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعيـاً‪ .‬ونالحظ أن النـاتج‬
‫االجتماعي اإلجمالي حسب القيمة ‪ -‬ينقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬رأس المال الثابت = ث‬
‫الثاني‪ :‬رأس المال المتغير = ر‬
‫=م‬ ‫الثالث‪ :‬القيمة الزائدة‬

‫‪93‬‬
‫كما يمكن تقسيم الناتج االجتماعي اإلجمالي حسب القيمة أيضاً إلى قسمين‪ :‬األول ‪ -‬القيمـة‬
‫المنقولة وهي تمثل قيمة رأس المال الثابت ( ث )‪.‬‬
‫الثااني ‪ -‬القيمـة المضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـة وهي تمثـل القيم التي يخلقهـا العمـال أثنـاء عمليـة اإلنتـاج أي رأس‬
‫المال المتغير والقيمة الزائدة وهذا يعني أن القيمة المضافة تساوي‪:‬‬
‫القيمة المضافة = ( ر ‪ +‬م )‪.‬‬

‫وينقس ــم الناتج االجتماعي اإلجمالي حس ــب ش ــكله الطبيعي ( تركيبه الطبيعي ) إلى مجموعتين‬
‫من الس ـ ـ ـ ــلع‪ :‬األولى ‪ -‬وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج وتض ـ ـ ـ ــم اآلالت واألجهزة والمواد األولية والمواد المس ـ ـ ـ ــاعدة‬
‫وغيرها‪ .‬والثانية ‪ -‬مواد االس ــتهالن وتض ــم المواد الغذائية واأللبس ــة واألحذية وغيرها‪ .‬واس ــتناداً إلى‬
‫هذا التخصيص يتم تقسيم النشاط اإلنتاجي في االقتصاد الوطني إلى فرعين‪:‬‬
‫الفرع األول ‪ -‬ويختص بننتاج وسائل اإلنتاج أموال اإلنتاج‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ -‬الذي يختص بننتاج مواد االستهالن أموال االستهالن‪.‬‬
‫ولتقسـ ـ ـ ــيم النشـ ـ ـ ــاط االجتماعي إلى فرعين أهمية كبيرة في عملية تجديد اإلنتاج ذلك ألن تجديد‬
‫اإلنتاج االجتماعي يجب أن يؤمن‪:‬‬
‫‪ -1‬وسائل العيش الضرورية الستمرار حياة العمال والرأسماليين‪.‬‬
‫‪ -2‬وسائل اإلنتاج الضرورية للبدء بعملية اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -3‬وسائل اإلنتاج الالزمة لزيادة وتوسيع حجم اإلنتاج‪.‬‬
‫ويتم تقسـيم النشـاط االجتماعي اإلنتاجي إلى فرعين إنتاج أموال اإلنتاج وأموال االسـتهالن وفقاً‬
‫لتناسب معين األمر الذي يحدد مستقبالً للنمو االقتصادي في المجتمع‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬تجديد اإلنتاج‪:‬‬
‫يعد تجديد اإلنتاج أو تكرار عملية اإلنتاج قانوناً موض ـ ـ ــوعياً لعملية اإلنتاج في كل المجتمعات‬
‫مهما كان نوع النظام االقتصـ ـ ـ ــادي االجتماعي‪ .‬إال أن تجديد اإلنتاج في النظام ال أرسـ ـ ـ ــمالي يختلف‬
‫اختالفاً جوهرياً عن تجديد اإلنتاج في المجتمعات التي سـ ـ ـ ـ ـ ــبقت ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ــمالية‪ .‬ففي حين كان تجديد‬
‫اإلنتـاج في المراحل التي سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ـقت ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة يتم بالوتيرة نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا‪ ،‬نالحظ أن تجـديد اإلنتـاج في‬
‫الرأسمالية يتصف بالتوسع والنمو‪ ،‬وهذا يعني أن تجديد اإلنتاج يتم بطريقتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تجديد اإلنتاج البسيط‪.‬‬
‫‪ -2‬تجديد اإلنتاج الموسع‪.‬‬
‫وعند تحليل إعادة اإلنتاج ( التي تعني تكرار عمليات اإلنتاج ) على المستوى الفردي ال نبحث‬
‫مس ـ ــألة تص ـ ـريف الناتج‪ .‬إذ يفترض أن كل أرس ـ ــمالي يقوم على حده بتص ـ ـريف منتجاته في الس ـ ــوق‬

‫‪94‬‬
‫ويجـد هنـان مـا يحتـاج إليـه من السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع‪ .‬أمـا على المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى االجتمـاعي فـنن عمليـة تجـديـد اإلنتـاج‬
‫تتطلب د ارسـ ـ ــة خاصـ ـ ــة لتحليل حركة ومكونات ال أرسـ ـ ــمال االجتماعي والناتج االجتماعي اإلجمالي‪.‬‬
‫لــذلــك ال بــد من بحــث األجزاء التي يتكون منهــا النــاتج االجتمــاعي اإلجمــالي والظروف التي تجعــل‬
‫من الممكن تصريفه وبالتالي إعادة إنتاج الرأسمال االجتماعي‪.‬‬
‫لذلك فنن عملية إعادة اإلنتاج وإعادة إنتاج ال أرسـ ـ ــمال االجتماعي ترتبط أوثق االرتباط بمسـ ـ ــألة‬
‫تصريف الناتج االجتماعي اإلجمالي أي تصريف كل السلع التي يتم إنتاجها في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -1‬تجديد اإلنتاج البسي ‪:‬‬
‫يعني تجديد اإلنتاج البس ـ ــيط تكرار العملية اإلنتاجية باألحجام الس ـ ــابقة نفس ـ ــها وبدون أي زيادة‬
‫في اإلنتاج أو رأس المال‪ .‬وهذا يفترض أن يقوم ال أرسـ ــماليون باسـ ــتهالن كامل القيمة الزائدة وإنفاقها‬
‫لتأمين أغ ارضـ ــهم الشـ ــخصـ ــية دون أن يخصـ ــص قسـ ــم منها في توسـ ــيع رأس المال وزيادته‪ .‬وتجديد‬
‫اإلنتاج باألحجام السـ ـ ــابقة نفسـ ـ ــها يعني أن يتكرر اإلنتاج‪ .‬باسـ ـ ــتثمار الكمية نفسـ ـ ــها من رأس المال‬
‫الثابت والكمية نفسها من رأس المال المتغير‪ ،‬وبذلك يتكرر إنتاج القيمة الزائدة بالقيمة نفسها‪.‬‬
‫ولتوض ـ ـ ـ ــيح عملية تجديد اإلنتاج البس ـ ـ ـ ــيط نورد المثال التالي‪ :‬عند الحديث عن تقس ـ ـ ـ ــيم الناتج‬
‫االجتماعي اإلجمالي حسب مكوناته القيمية وجدنا أن‪:‬‬
‫‪+‬ر‪+‬م‬ ‫ق =‬ ‫(‪)1‬‬
‫ق = قيمة الناتج االجتماعي اإلجمالي‪.‬‬
‫ث = قيمة رأس المال الثابت‪.‬‬
‫ر = قيمة رأس المال المتغير‪.‬‬
‫م = القيمة الزائدة‪.‬‬
‫أما عند الحديث عن تقسيم الناتج االجتماعي اإلجمالي حسب شكله الطبيعي وجدنا أن‪:‬‬
‫ق = ق‪ + 1‬ق‪2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ق = قيمة الناتج االجتماعي اإلجمالي‪.‬‬
‫ق‪ = 1‬قيمة الناتج االجتماعي في الفرع األول (فرع إنتاج وسائل اإلنتاج)‪.‬‬
‫ق‪ = 2‬قيمة الناتج االجتماعي في الفرع الثاني (فرع إنتاج المواد االستهالكية)‪.‬‬
‫فـنذا افترضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـا أن قيمـة النـاتج اإلجمـالي ‪ 9000‬وحـده أنتج منهـا في الفرع األول ق‪ 1‬مـا قيمته‬
‫‪ 6000‬وحدة وفي الفرع الثاني ق‪ 2‬ما قيمته ‪ 3000‬وحدة نجد أن‪:‬‬
‫‪ 9000‬ق = ‪ 6000‬ق‪ 3000 + 1‬ق‪.2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫ثم نجد في الفرع األول ق‪ 1‬والفرع الثاني ق‪:2‬‬

‫‪95‬‬
‫ق‪ + 1 = 1‬ر‪ + 1‬م‪.1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫ق‪ + 2 = 2‬ر‪ + 2‬م‪.2‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪ 1000‬م‪1‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪ 1000‬ر‪1‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪4000‬‬ ‫ق‪= 1‬‬


‫ث‪1‬‬

‫‪+‬‬ ‫‪500‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪ 2000‬ث‪2‬‬ ‫ق‪= 2‬‬


‫‪500‬‬
‫ر‪ 2‬ر‪2‬‬
‫م‪2‬‬
‫*أقسام اإلنتاج الموضوعة داخل مثلث هي األقسام المستهلكة داخل قطاعها‪.‬‬
‫*أقسام اإلنتاج الموضوعة داخل مستطيل هي األقسام المتبادلة بين القطاعين‪.‬‬
‫وتمثل‪:‬‬
‫ث‪ - 1‬رأس المال الثابت في الفرع األول‪.‬‬
‫ر‪ - 1‬رأس المال المتغير في الفرع األول‪.‬‬
‫م‪ - 1‬القيمة الزائدة الناتجة في الفرع األول‪.‬‬
‫ث‪ - 2‬رأس المال الثابت في الفرع الثاني‪.‬‬
‫ر‪ - 2‬رأس المال المتغير في الفرع الثاني‪.‬‬
‫م‪ - 2‬القيمة الزائدة الناتجة في الفرع الثاني‪.‬‬
‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أجل تجديد اإلنتاج وتكرار العملية اإلنتاج باألحجام السـ ـ ـ ــابقة نفسـ ـ ـ ــها (تجديد اإلنتاج‬
‫البســيط) يجب أن تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد عملية اإلنتاج برأس المال الثابت نفســه ورأس المال المتغير نفســه اللذين‬
‫استخدما في المرة السابقة أي‪:‬‬
‫(‪ 1000 + 2 2000 + 1 4000‬ر‪ 500 + 1‬ر‪ 7500 = )2‬وحدة‬
‫(وهـو ما يعادل ‪ 7500‬وحدة) أما ما تبقى من الناتج االجتماعي اإلجمالي الذي يمثل‪:‬‬
‫ق‪2‬‬ ‫ق‪+ 1‬‬ ‫ق=‬
‫‪3000 + 6000 = 9000‬‬
‫‪1500 = 7500 - 9000‬‬

‫‪96‬‬
‫فيجب أن يتم اسـ ــتهالكه من قبل ال أرسـ ــماليين ألغ ارضـ ــهم الشـ ــخصـ ــية وهو يعادل القيمة الزائدة‬
‫التي أنتجــت في الفرع األول وقــدرهــا ‪ 1000‬م‪ 1‬والقيمــة ال ازئــدة التي أنتجــت في الفرع الثــاني ‪500‬‬
‫م‪ .2‬وهكذا يتم تجديد اإلنتاج البسـ ـ ــيط حيث يتم تكرار عملية اإلنتاج باألحجام السـ ـ ــابقة نفسـ ـ ــها عن‬
‫طريق استخدام الحجم نفسه من رأس المال الثابت ورأس المال المتغير في كل عملية إنتاج جديدة‪.‬‬
‫ومن خالل تجديد اإلنتاج البسيط نجد أن هنان عالقة بين الفرع األول والفرع الثاني عن طريق‬
‫تصريف المنتجات وتدفقات السلع بين الفرعين وهذا يتم وفق معادالت محددة‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ق‪= 1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪2 2000 + 1 4000 = 6000‬‬
‫وهذا يعني أن تكرار اإلنتاج في الفرع األول بالحجم الس ـ ـ ـ ـ ـ ــابق نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــه يحتاج إلى ‪ 4000‬ث‪1‬‬
‫ك أرس ـ ــمال ثابت‪ ،‬يتم إنتاجها في الفرع األول‪ ،‬كما أن تكرار اإلنتاج في الفرع الثاني بالحجم الس ـ ــابق‬
‫نفســه يحتاج إلى ‪ 2000‬ث‪ 2‬ك أرســمال ثابت يتم إنتاجها في الفرع األول أيض ـاً‪ .‬أي إن الفرع الثاني‬
‫يحتاج إلى ‪ 2000‬ث‪ 2‬من الفرع األول ك أرسـ ــمال ثاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مقابل (‪1000‬ر‪ 1000 + 1‬م‪ )1‬ينفقها‬
‫العمال والرأسماليون في الفرع األول على شراء سلع استهالكه من الفرع الثاني‪ .‬والمعادلة الثانية‪.‬‬
‫‪ ( +‬ر‪ + 2‬م‪) 2‬‬ ‫( ر‪ + 1‬م‪) 1‬‬ ‫ق‪= 2‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪10000( = 3000‬ر‪1000 + 1‬م‪500( + )1‬ر‪500 + 2‬م‪)2‬‬
‫أي أن منتجات الفرع الثاني تخصـ ـ ـ ـ ـ ــص لالسـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن الشـ ـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ـ ــي النهائي لكل من العمال‬
‫وال أرس ـ ـ ــماليين في الفرعين‪ .‬ويتم اس ـ ـ ــتهالن جزء من إنتاج الفرع الثاني داخل الفرع وهو عبارة عن (‬
‫ر‪ + 2‬م‪ ،) 2‬وما تبقى يتم مبادلته مع الفرع األول عن طريق ش ـ ـ ـراء وس ـ ـ ــائل اإلنتاج وهي ( ث‪) 2‬‬
‫ك أرس ـ ـ ـ ــمال ثابت مقابل ما يعطيه الفرع الثاني من مواد اس ـ ـ ـ ــتهالكه للفرع األول‪ ،‬وهي ما يحتاج إليه‬
‫العمال وال أرس ـ ـ ــماليون في الفرع األول ( ر‪ + 1‬م‪ .) 1‬وهكذا تتكرر عملية اإلنتاج بالحجوم الس ـ ـ ــابقة‬
‫نفسها وهذا هو تجديد اإلنتاج البسيط‪.‬‬
‫‪ - 2‬تجديد اإلنتاج الموسع‪:‬‬
‫تجــديــد اإلنتــاج الموسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع هو تكرار عمليــة اإلنتــاج بحجوم أكبر من حجم اإلنتــاج في عمليــة‬
‫اإلنتاج السابقة وزيادة اإلنتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج تتطلب زيادة في رأس المال الثابت ورأس المال المتغير‪ .‬لذلك يبدأ‬
‫الرأسماليون عملية اإلنتاج الجديدة برأس مال ثابت ومتغ ـ ــير أكبر من حجمه في الدورة السابقة‪ .‬فنذا‬
‫كان ال أرس ـ ـ ـ ــمالي في حال تجديد اإلنتاج البس ـ ـ ـ ــيط يقوم بننفاق كامل المقيمة الزائدة على اس ـ ـ ـ ــتهالكه‬
‫الشـ ــخصـ ــي‪ ،‬فننه في حال تجديد اإلنتاج الموسـ ــع‪ ،‬يجب أن يخصـ ــص القيمة الزائدة أو قسـ ــماً منها‬
‫لزيادة رأس المال الثابت والمتغيـ ـ ــر‪ .‬أي تحـ ـ ــويل القيمة ال ازئـ ـ ــدة أو قس ٍم منهـ ـ ــا إلى رأس مال وهذا ما‬
‫يدعى بتراكم رأس المـال ‪ Capital Accumulation‬وال يمكن زيادة اإلنتـاج والتوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع في عملية‬

‫‪97‬‬
‫اإلنتاج إال عن طريق زيادة عناص ـ ـ ـ ــر اإلنتاج‪ ،‬وبذلك يعد التراكم في رأس المال ش ـ ـ ـ ــرطاً ض ـ ـ ـ ــرورياً‬
‫لعملية تجديد اإلنتاج الموسع‪.‬‬
‫وهدف ال أرس ــمالي دائماً من تخص ــيص القيمة الزائدة أو قسـ ـ ٍم منها لشـ ـراء عناص ــر إنتاج جديدة‬
‫وتحويلها إلى رأسمال هو السعي للحصول على كميات أكبر من الربح‪.‬‬

‫ق‪ 1000 + 1 4000 = 1‬ر‪ 1000 + 1‬م‪6000 = 1‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫ق‪ 1500 = 2‬ث‪ 750 + 2‬ر‪ 750 + 2‬م‪3000 = 2‬‬

‫ق = ق‪ + 1‬ق‪9000 = 3000 + 6000 = 2‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫كــانــت هــذه هي الــدورة اإلنتــاجيــة األولى ولكي يزداد اإلنتــاج في الــدورة التــاليــة ال بــد أن يقوم‬
‫ال أرسـ ــمالي بتحويل قسـ ــم من القيمة الزائدة إلى رأس مال والباقي يذهب السـ ــتهالكه الشـ ــخصـ ــي‪ .‬فنذا‬
‫افترض ـ ـ ــنا أن ال أرس ـ ـ ــمالي يقوم بتخص ـ ـ ــيص نص ـ ـ ــف القيمة الزائدة في الفرع األول لزيادة رأس المال‪،‬‬
‫وتوزيع رأس المــال بين ثـ ابــت ومتغير يبقى على مــا كــان عليــه‪ ،‬وأن معــدل القيمــة ال ازئــدة ال يتغير‬
‫أيضاً نحصل على النتائج التالية في الدورة اإلنتاجية الالحقة في الفرع األول وفقاً للمخطط اآلتي‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫‪400‬‬

‫‪100‬‬

‫‪500‬‬ ‫‪500‬‬
‫استهالال‬ ‫استثمار‬

‫‪ 1500‬م‪1+‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪ 1000‬ر‪1‬‬ ‫ق‪= 2‬‬


‫‪ 4000‬ث‪1‬‬

‫‪ 750‬م‪+1‬‬ ‫‪+‬‬ ‫‪ 750‬ر‪2‬‬ ‫=‬ ‫‪ 1500‬ث‪2‬‬

‫‪ 600‬استهالال‬ ‫‪ 150‬استثمار‬
‫‪50‬‬

‫‪100‬‬

‫‪99‬‬
‫(‪ )3‬ق‪ 1000(+ )1 Δ 4000 + 1 4000( = 1‬ر‪ Δ 100 + 1‬ر‪1100 + )1‬م‪6600 = 1‬‬

‫كذلك في الفرع الثاني نفترض أن ال أرس ـ ــمالي يحول قس ـ ــماً من القيمة الزائدة إلى أرس ـ ــمال وقدره‬
‫‪ ،150‬توزع بمعـدل ‪ 100‬لرأس المـال الثـابـت و‪ 50‬لرأس المـال المتغير‪ .‬مع بقـاء العالقـة بين رأس‬
‫المــال الثــابــت و أرس المــال المتغير والقيمــة ال ازئــدة في الفرع الثــاني على مــا هي عليــه ‪،1 :1 :2‬‬
‫وبذلك نحصل على النتائج التالية في الدورة اإلنتاجية الالحقة‪:‬‬
‫ق‪ 750(+ )2 Δ 100 + 2 1500( = 2‬ر‪ Δ 50 + 2‬ر‪800 + )2‬م‪3200 = 2‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫وهكذا يكون الناتج اإلجمالي في دورة اإلنتاج التالية (تجديد اإلنتاج الموسع) وفقاً لما يلي‪:‬‬
‫ق‪ 1100 + 1 4400 = 1‬ر‪ 1100 + 1‬م‪6600 = 1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫= ‪3200‬‬ ‫ق‪ 800 + 2 1600 = 2‬ر‪ 800 + 2‬م‪2‬‬
‫ق = ق‪ + 1‬ق‪2‬‬
‫‪9800 = 3200 + 6600‬‬
‫وبذلك نالحظ أن حجم اإلنتاج في الدورة اإلنتاجية الثانية كان أكبر من حجم اإلنتاج في الدورة‬
‫األولى وهذا هو تجديد اإلنتاج الموسع‪.‬‬
‫وإذا طبقنا التوزيع نفسه في دورة اإلنتاج الثالثة نصل إلى النتائج اآلتية‪:‬‬
‫( ‪ ) 6‬ق‪ 1210 + 1 4840 = 1‬ر‪ 1210 + 1‬م‪7260 = 1‬‬
‫= ‪3520‬‬ ‫ق‪ 880 + 2 1760 = 2‬ر‪ 880 + 2‬م‪2‬‬

‫ق = ق‪ + 1‬ق‪10780 = 3520 + 7260 = 2‬‬


‫ومن خالل تجديد اإلنتاج الموسع نجد أن هنان عالقة أيضاً بين الفرع األول والفرع الثاني عن‬
‫طريق تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريف المنتجـات وتـدفقـات السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع بين الفرعين وهـذا يتم وفق معـادالت محـددة المعـادلـة‬
‫األولى‪:‬‬
‫‪2 Δ+‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ر‪ Δ + 1‬ر‪ + 1‬م‪1‬ن =‬ ‫(‪)7‬‬
‫‪100 + 1500 = 500 + 100 + 1000‬‬
‫‪ Δ‬ر‪ = 1‬الزيادة في رأس المال المتغير في الفرع األول‬
‫م‪1‬ن = القيمة الزائدة التي خصصها الرأسمالي الستهالكه الشخصي في الفرع األول‪.‬‬
‫وهذه المعادلة تعني أن مجموع رأس المال المتغير األصــلي واإلضــافي في الفرع األول مضــافاً‬
‫إليه الجزء من القيمة الزائدة الذي خص ـص ــه ال أرس ــمالي في الفرع األول الس ــتهالكه الش ــخص ــي يجب‬
‫أن يعادل رأس المال الثابت األصلي واإلضافي في الفرع الثاني‪ .‬والمعادلة الثانية‪:‬‬
‫ق‪)2 Δ+ 2 ( + )1 Δ+ 1 ( = 1‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫‪100‬‬
‫أي إن حجم النــاتج في الفرع األول‪ ،‬وهو الفرع الــذي ينتج وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ل اإلنتــاج يجــب أن يعــادل‬
‫مجموع رأس المال الثابت األصلي واإلضافي من الفرعين األول والثاني‪ .‬والمعادلة الثالثة‪:‬‬
‫ق‪( 2‬ر‪ Δ + 1‬ر‪ + 1‬م‪1‬ن) ‪( +‬ر‪ Δ + 2‬ر‪ + 2‬م‪2‬ن)‬ ‫(‪)9‬‬
‫م‪2‬ن = القيمة الزائدة التي خصصها الرأسمالي الستهالكه الشخصي في الفرع الثاني‪.‬‬
‫وه ــذه المع ــادل ــة تعني أن قيم ــة الن ــاتج االجتم ــاعي في الفرع الث ــاني يج ــب أن تع ــادل مجموع‬
‫ال أرس ــمال المتغير األص ــلي اإلض ــافي في الفرعين األول والثاني مض ــافاً إليه الجزء من القيمة الزائدة‬
‫الذي خصصه الرأسماليون الستهالكهم الشخصي في الفرعين أيضاً‪.‬‬
‫إن عملية إعادة اإلنتاج وتجديده تتض ـ ـ ـ ـ ــمن‪ ،‬في ظروف ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية المعاصـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬إعادة إنتاج‬
‫ال أرسـ ــمال االجتماعي اإلجمالي على مسـ ــتوى االقتصـ ــاد ال أرسـ ــمالي العالمي بأس ـ ـره‪ ،‬الذي يجمع بين‬
‫البلدان المتقدمة والبلدان النامية‪ .‬وفي كل بلد على حده يتصـ ـ ـ ــف تجديد اإلنتاج البسـ ـ ـ ــيط والموسـ ـ ـ ــع‬
‫بسـ ـ ــمات خاصـ ـ ــة ترتبط بالهيكل االقتصـ ـ ــادي ومسـ ـ ــتوى تطور القوى المنتجة‪ ،‬وطبيعة العالقات مع‬
‫البلدان األخرى‪ ،‬وتتصف عملية إعادة اإلنتاج بسمات خاصة في البلدان النامية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ -‬القانون العام للتراكم الرأسمالي‪:‬‬
‫إن تردي وضـ ـ ــع الطبقة العاملة وانتشـ ـ ــار البطالة ال تفسـ ـ ــرها قوانين الطبيعة‪ ،‬بل قانون اإلنتاج‬
‫ال أرس ـ ـ ــمالي وقد أوضـ ـ ـ ـ ح ذلك ماركس بقوله ( بقدر ما تتعاظم الثروة االجتماعية ورأس المال العامل‬
‫ومدى نموه وقدرته على النمو وبالتالي ازدياد الكتلة المطلقة للطبقة العاملة وإنتاجية عملها‪ ،‬بقدر ما‬
‫يزداد هذا الجيش الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــناعي االحتياطي اتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعاً‪ ..‬بيد أن بقدر ما يزداد هذا الجيش االحتياطي‬
‫بالنســبة إلى جيش العمل الفاعل‪ ،‬تزداد كذلك كتلة فيض الســكان الثابت الذي يتناســب بؤســهم طرداً‬
‫مع شـ ـ ـ ــدة العمل التي يعاني منها جيش العمال المشـ ـ ـ ــتغلين )‪ )126( .‬وهذا هو جوهر القانون العام‬
‫للتراكم الرأسمالي‪.‬‬
‫وهكذا القانون العام للتراكم ال أرسـ ـ ــمالي‪ ،‬يعني أن تراكم رأس المال يشـ ـ ــترط نمو الثروة في أيدي‬
‫طبقة الرأسماليين ونمو البطالة والبؤس في جانب الطبقة العاملة‪.‬‬
‫وهــذا يعني أن تراكم رأس المــال هو الــذي يؤدي إلى تردي وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع الطبقــة العــاملــة وإلى نمو‬
‫وانتش ـ ـ ــار البطالة والبؤس‪ .‬إن القانون العام للتراكم ال أرس ـ ـ ــمالي نتيجة ظاهرة وملموس ـ ـ ــة لفعل القانون‬
‫االقتصـ ــادي األسـ ــاسـ ــي لل أرسـ ــمالية‪ ،‬وهو قانون إنتاج القيمة الزائدة‪ .‬فالسـ ــعي لتضـ ــخيم وزيادة القيمة‬
‫ال ازئـدة يؤدي إلى تراكم الثروات‪ .‬وظهور البـذخ والتبـذير في جـانـب البرجوازيـة‪ .‬وبقـدر مـا يزداد تراكم‬
‫الثروات في أيدي البرجوازيين‪ ،‬يزداد جيش العاطلين عن العمل وتزداد كذلك درجة اس ــتغالل العمال‬

‫‪126‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.422-415‬‬

‫‪101‬‬
‫المشـ ــتغلين ويسـ ــوء وضـ ــعهم المادي‪ .‬لذلك تراكم رأس المال وتردي وضـ ــع الطبقة العاملة هما وجها‬
‫المجتمع الرأسمال اللذان ال ينفصالن‪.‬‬
‫تردي ورع الطبقة العاملة النسبي والمطلق‪:‬‬
‫يرافق تطور الرأسمالية عادة تردي وضع الطبقة العاملة النسبي‪ .‬وهذا يعني أنه بقدر ما تتنامى‬
‫الثروة االجتماعية‪ ،‬ينخفض نصـ ـ ــيب العمال في إجمالي القيمة المضـ ـ ــافة وبقدر ما يتعاظم نصـ ـ ــيب‬
‫ال أرســماليين فيها‪ .‬ويظهر التردي النســبي لوضــع الطبقة العاملة قبل كل شــيء في انخفاض نصــيب‬
‫األجور من الدخل القومي‪ ،‬وهذا يوضح لنا ارتفاع درجة االستغالل‪.‬‬
‫إن الدخل القومي‪ ،‬أي القيمة المض ـ ــافة الجديدة في االقتص ـ ــاد الوطني خالل عام كامل ينقس ـ ــم‬
‫إلى قسمين‪ :‬األجور وهي رأس المال المتغير ( ر )‪ ،‬والقيمة الزائدة ( م )‪.‬‬
‫م‬
‫فإ ا كان معدل القيمة الزائدة = ‪ -------‬يتزايد‪ ،‬فه ا يعني أن نسبة‬
‫ر‬
‫ر‬
‫األجور إلى الدخل القومي = ‪ ------‬تتناقص‪.‬‬
‫ر‪+‬م‬

‫ويظهر التردي النســبي لوضــع الطبقة العاملة مع تطور ال أرســمالية أيض ـاً في انخفاض نصــيبها‬
‫من الثروة االجتماعية‪ .‬ففي بعض البلدان ال أرس ــمالية تملك نس ــبة ض ــئيلة من المجتمع نص ــف الثروة‬
‫القومية أحياناً في حين ال يملك القسم األعظم من السكان إال الجزء الضئيل منها‪.‬‬
‫أما تردي وض ـ ـ ـ ــع الطبقة العاملة المطلق فهو يعني تردي ش ـ ـ ـ ــروط عمل وحياة الطبقة العاملة‪،‬‬
‫فتهبط األجور الفعلي ــة وترتفع تك ــاليف المعيش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ويزداد جيش الع ــاملين عن العم ــل في الريف‬
‫والمدينة‪ ،‬وتزداد شدة العمل‪ ،‬وتسوء شروط السكن بشكل عام في صفوف العمال‪.‬‬
‫ولكن ال يجوز فهم التردي المطلق لوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع الطبق ــة الع ــامل ــة على أنـ ه ظــاهرة موازيــة لتطور‬
‫ال أرسـمالية‪ ،‬وال هو دائم وشـامل في مسـتوى معيشـة العمال سـنة بعد سـنة ويوماً بعد يوم‪ .‬فنن مسـتوى‬
‫المعيشـ ـ ــة لبعض فئات العمال قد يتحسـ ـ ــن في هذا البلد أو ذان أو في بضـ ـ ــعة بلدان مع انخفاضـ ـ ــه‬
‫عموماً في االقتصـ ــاد ال أرسـ ــمالي العالمي‪ .‬لذلك يظهر التردي المطلق لوضـ ــع الطبقة العاملة بشـ ـ كل‬
‫متفاوت بين مكان ومكان آخر وزمان آخر‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫االتجاو التاريخي للتراكم الرأسمالي‪:‬‬
‫حلل ماركس تراكم رأس المال من جميع وجوهه ثم بين االتجاه التاريخي للتراكم ال أرس ــمالي‪ .‬إن‬
‫منطلق نشـوء الملكية ال أرسـمالية هو الملكية الخاصـة لصـغار المنتجين‪ .‬فقد أخذ االقتصـاد البضـاعي‬
‫ص غير في زمن النظام اإلقطاعي يتفسـخ ويولد عناصـر النظام ال أرسـمالي‪ ،‬ولكن هذه العملية كانت‬
‫ال ـ‬
‫بش ـ ـ ــكل بطيء جداً ولذا عززتها مص ـ ـ ــادرة ملكية المنتجين الص ـ ـ ــغار بالقوة في مرحلة التراكم األولي‬
‫لرأس المال‪.‬‬
‫وكانت النتيجة أن الملكية ال أرس ــمالية لوس ــائل اإلنتاج أض ــحت هي الس ــائدة‪ .‬ثم ظهرت الملكية‬
‫الخاص ــة ال أرس ــمالية الكبيرة‪ ،‬والتي أس ــهمت في المرحلة األولى من تطورها في اإلس ـراع بتطوير قوى‬
‫اإلنتاج االجتماعي وتزايد مس ـ ـ ــتوى التقانة‪ ،‬وتوحيد المئات بل آالف العمال في عملية العمل‪ .‬واتخذ‬
‫اإلنتاج طابعاً اجتماعياً‪ .‬وتزايد واشــتد الطابع االجتماعي لإلنتاج بفعل القوانين االقتصــادية المالزمة‬
‫للنظام ال أرسـمالي‪ .‬إن القانون االقتصـادي األسـاسـي لل أرسـمالية ‪ -‬إنتاج القيمة الزائدة ‪ -‬يشـترط تفاقم‬
‫اس ــتغالل العمال مع تعاظم تراكم رأس المال‪ .‬وبقدر ما تتطور ال أرس ــمالية‪ ،‬يدخل الطابع االجتماعي‬
‫لعملية اإلنتاج في تناقض مع شـكل الملكية ال أرسـمالية لوسـائل اإلنتاج‪ .‬وبذلك تغدو الملكية الخاصـة‬
‫عقبة رئيسة في وجه تطور قوى اإلنتاج االجتماعي‪.‬‬
‫وهكذا تحض ـ ــر ال أرس ـ ــمالية بنفس ـ ــها القوى الموض ـ ــوعية والذاتية المض ـ ــادة لها‪ .‬وهذا هو االتجاه‬
‫التاريخي للتراكم ال أرس ــمالي‪ ،‬أي تهيئة الش ــروط الض ــرورية إللغاء الملكية ال أرس ــمالية الخاص ــة وزوال‬
‫‪127‬‬
‫الرأسمالية وانتصار االشتراكية‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪ -‬نيكتين‪ :‬أسس االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.88‬‬

‫‪103‬‬
‫الفصل السابع‬
‫نظريات تفسير القيمة التبادلية وأشكالها‬
‫المبحث األول ‪ -‬القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية‪:‬‬
‫حاول ماركس أن يكش ــف القانون االقتص ــادي لحركة تطور المجتمع‪ .‬لذلك قام بد ارس ــة عالقات‬
‫اإلنتاج في هذا المجتمع‪ ،‬من حيث والدة هذه العالقات وتطورها وزوالها‪ .‬إن الشـ ـ ـ ـ ـ ــيء السـ ـ ـ ـ ـ ــائد في‬
‫المجتمع ال أرسـمالي هو إنتاج البضـائع‪ ،‬وانطلق ماركس من أن البضـاعة هي بالدرجة األولى‪ ،‬شـيء‬
‫يس ــد حاجة من حاجات اإلنس ــان‪ ،‬وهذا ما يعطيها قيمة اس ــتعماليه والبض ــاعة بالدرجة الثانية‪ ،‬ش ــيء‬
‫يمكن مبادلته بشـيء آخر‪ .‬وهذا ما يعطيها قيمة تبادلية‪ .‬أي إن البضـاعة باختصـار قيمة اسـتعماليه‬
‫وقيمة تبادلية والقيمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هي العالقة بين مبادلة عدد من القيم االستعمالية من نوع ما بعدد من القيم‬
‫االستعمالية من ن ــوع آخر‪( .‬فما هو العنصر المشترن بين هذه األشياء المختلفة التي يعادل بعضها‬
‫ببعض باســتمرار في نظام معين من العالقات االجتماعية ؟ إن العنصــر المشــترن بينها‪ ،‬هو كونها‬
‫نتاجات عمل‪ .‬فعندما يتبادل الناس منتجاتهم يعادلون بين أنواع العمل األكثر تبايناً‪.‬‬
‫إن إنتاج البض ـ ـ ـ ـ ــائع هو نظام العالقات االجتماعية يخلق فيه ش ـ ـ ـ ـ ــتى المنتجين منتجات متنوعة‬
‫"التقس ـ ـ ــيم االجتماعي للعمل " ويعادلون بينها عند التبادل‪ .‬وبالتالي‪ ،‬العنص ـ ـ ــر المش ـ ـ ــترن بين جميع‬
‫البضائع ليس هـ ـ ـ ـ ــو العمل الملموس في فرع معين من اإلنتاج‪ ،‬وليس هو عمالً من نوع خاص‪ ،‬بل‬
‫هو العمل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاني المجرد‪ ،‬العمل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاني بوجه عام… إن كمية القيمة تتحدد بكمية العمل‬
‫الضــروري اجتماعياً‪ ،‬أو بوقت العمل الضــروري اجتماعياً إلنتاج بضــاعة معينة أي قيمة اســتعماليه‬
‫‪128‬‬
‫وبناء على ما ورد أعاله نجد " أن البض ــائع‪ ،‬بوص ــفها قيماً‪ ،‬ليس ــت إال كميات محدودة‬ ‫معينة)‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫من وقت العمل المتبلور "‪.‬‬
‫وفي مجال تحليل القيمة التبادلية‪ ،‬اســتند ماركس إلى النظرية التقليدية في القيمة " نظرية القيمة‬
‫في العمل " التي ناقشـ ـ ــها دايفيد ريكاردو وتنص على أن العمل البشـ ـ ــري هو جوهر القيمة التبادلية‪.‬‬
‫فالقيمة التبادلية لكل سـ ـ ــلعة تم إنتاجها‪ ،‬تقدر على أسـ ـ ــاس كمية العمل المتجسـ ـ ــد في هذه السـ ـ ــلعة‪،‬‬
‫وتتفـاوت قيمـة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع والمنتجـات بتفـاوت العمـل المبـذول في إنتـاج كـل منهـا‪ .‬فقيمـة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة التي‬
‫يتطلب إنتاجها س ــاعتين من العمل‪ ،‬تعادل قيمة س ــلعتين يتطلب إنتاج كل منهما س ــاعة عمل واحدة‬
‫فقط‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫‪ -‬لينين ‪ -‬ماركس ‪ -‬انجلس‪ ،‬الماركسية‪ ،‬دار التقدم موسكو‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪129‬‬
‫‪ -‬ماركس‪ ،‬مساهمة في نقد االقتصاد السياسي‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪104‬‬
‫واس ـ ـ ـ ــتطاع ريكاردو أن يعطي هذه النظرية معنى الش ـ ـ ـ ــمول واالس ـ ـ ـ ــتيعاب‪ ،‬وآمن بأن العمل هو‬
‫المصـ ــدر العام للقيمة التبادلية‪ .‬وعد المنافسـ ــة شـ ــرطاً أسـ ــاسـ ــياً‪ ،‬لتشـ ــكل القيمة التبادلية على أسـ ــاس‬
‫العمل‪ ،‬ألنه من الممكن في حالة االحتكار أن تتضـاعف قيمة السـلعة المحتكرة وفقاً لقوانين العرض‬
‫والطلـب‪ ،‬دون أن تزـي د كميـة العمـل المبـذول في إنتـاجهـا‪ .‬والحظ ريكـاردو أن إنتـاج ـي ة وكفـايـة العمـل‬
‫البشري تتفاوت من عامل آلخر‪ .‬فساعة من عمل الصانع الذكي النشيط‪ ،‬ال يمكن أن تساوي ساعة‬
‫من عمـل الص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانع البليـد البطيء‪ .‬وقـد عـالج ذلـك بـافتراض مقيـاس عـام لكفـايـة اإلنتـاجيـة في كـل‬
‫مجتمع‪ .‬فكــل كميــة من العمــل إنمــا تخلق القيمــة التي تتنــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب معهــا‪ ،‬إذا كـ انــت تتوافق مع ذلــك‬
‫‪130‬‬
‫عبر عنـه مـاركس‪( :‬بكمياة العمال الضااااااااارورياة‬
‫وهـذا المقيـاس نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه هو الـذي ّ‬ ‫المقيـاس العـام‪.‬‬
‫اجتماعياً)‪ ،‬إذ قال‪:‬‬
‫إن الوقق الضروري اجتماعياً إلنتاج البضائع هو الوقق ال ي يقتضيه كل عمل يجري إنتاجه‬
‫بدرجة وساااطية‪ ،‬من المهارة والقوة وفي شاااروا اعتيادية طبيعية‪ ،‬بالنسااابة إلى البيئة االجتماعية‬
‫المعينة‪ ...‬إ ن فكمية العمل وحدها‪ ،‬أو وقق العمل الضااااروري اجتماعياً في مجتمع معين إلنتاج‬
‫‪131‬‬
‫صنل ما‪ ،‬هي التي تحدد كمية القيمة‪.‬‬
‫كي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف يمكننا إذاً أن نفس ــر مس ــاهمة عناص ــر اإلنتاج األخرى (غير العمل) في عملية تكوين‬
‫القيمـة‪ .‬مـا دام األس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس الوحيـد للقيمـة هو العمـل‪ .‬أوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ريكـاردو أن الريع نتيجـة لالحتكـار‪.‬‬
‫فاألش ـ ـ ـ ــخاص الذين س ـ ـ ـ ــيطروا على الجزء األكثر خص ـ ـ ـ ــباً من األرض يحص ـ ـ ـ ــلون على الريع نتيجة‬
‫الحتكارهم الجزء الخص ــب من األرض‪ ،‬واض ــطرار اآلخرين إلى اس ــتثمار األ ارض ــي األقل خص ــوبة‪.‬‬
‫وبذلك يتم إبعاد عنصر األرض كأحد عناصر اإلنتاج من عملية تكوين القيمة‪.‬‬
‫أما العنصـ ــر اآلخر من عناصـ ــر اإلنتاج وهو رأس المال فقد أكد ريكاردو أن رأس المال ما هو‬
‫إال عمالً متجس ـ ـ ـ ــداً في أداة أو مادة‪ ،‬ليس ـ ـ ـ ــتخدم من جديد في عملية إنتاج جديدة‪ .‬فال ض ـ ـ ـ ــرر لعده‬
‫عـامالً مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالً في تكوين القيمـة التبـادليـة‪ .‬فـالمـادة التي بـذل في إنتـاجهـا سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة من العمـل‪ ،‬ثم‬
‫تعبر عن عمل ســاعة يضــاف إلى الكمية الجديدة من‬
‫اســتهلكت هذه المادة في عملية إنتاج جديدة‪ّ ،‬‬
‫العمل‪ ،‬التي يتطلبها اإلنتاج الجديد‪.‬‬
‫وبع ـ ـ ـ ــد استبعاد عنصر األرض (الطبيعة) وعنصر رأس المال من عملية تكوين القيمة‪ ،‬نجد أن‬
‫العمل هو األساس الوحيد للقيمة‪ .‬وهذا ما توصل إليه كل من ريكاردو وماركس‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪ -‬السيد محمد باقر الصدر ص‪.202‬‬
‫‪131‬‬
‫‪ -‬كارل ماركس‪ ،‬رأس المال ج‪ 1‬ص‪.50-49‬‬

‫‪105‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬نظريات القيمة‪:‬‬
‫اهتم االقتصــاديون األوائل بموضــوع القيمة‪ ،‬وحاولوا شــرح وتفســير محددات " القيمة ‪" Value‬‬
‫للسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة‪ .‬ولكن معنى لفظ القيماة لم يكن واحـداً أو منسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـاً خالل م ارحـل التطور الـذي حـدث في‬
‫موضـ ــوع القيمة فيتم اسـ ــتخدام القيمة أحياناً كمرادف للثمن أو سـ ــعر السـ ــلعة‪ ،‬بينما نجد أن كالً من‬
‫آدم سـ ـ ــميث ودافيد ريكاردو قد حاول التفريق بين القيمة والسـ ـ ــعر‪ .‬فنن القيمة بالنسـ ـ ــبة آلدم سـ ـ ــميث‬
‫تعني قيمة السلعة االستعمالية بينما يمثل السعر قيمتها التبادلية‪.‬‬
‫(وقد اهتم آدم سميث في تحليله للقيمة التبادلية‪ ،‬بتحديد مقياس حقيقي للقيمة‪ ،‬وفصل العناصر‬
‫المكونة للقيمة كالً على حدة‪ ،‬فضـ ـالً عن تحديد العوامل التي تتس ــبب في انحراف "سااعر السااوق "‬
‫ويرى آدم س ـ ـ ــميث أن العمل هو أس ـ ـ ــاس القيمة‪ ،‬وأص ـ ـ ــلح‬ ‫‪132‬‬
‫عن " الساااااعر الطبيعي " أو القيمة)‪.‬‬
‫مقياس للقيمة‪ .‬فقيمة السلعة تعتمد بشكل كامل على كمية العمل المبذول إلنتاجها فننه من الطبيعي‬
‫أن قيمة الحقيبة الجلدية تكون مرتفعة بالنسبة لقيمة علبـ ـ ـ ــة الثقاب ألن إنتاج الحقيبة الجلدية يتطلب‬
‫عمالً أكثر بالمقارنة مع علبة الثقاب‪ .‬وقد تطورت نظرية العمل أسـاس القيمة على يد دافيد ريكاردو‬
‫وكارل ماركس الذي اكتشف قانون القيمة الزائدة‪ ،‬باالستناد إلى نظرية العمل أساس القيمة‪.‬‬
‫واالنتقـاد الموجـه لنظريـة العمـل أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس القيمـة هو تجـاهـل هـذه النظريـة لـدور الطلـب في تحـديـد‬
‫القيمة التبادلية للسـلعة‪ .‬على الرغم من أن بعض االقتصـاديين التقليديين (الكالسـيك) قد اعترفوا بأن‬
‫ارتفاع ســعر الســلعة أو قيمتها التبادلية في بعض الفترات يعود إلى ارتفاع الطلب على الســلعة دون‬
‫أن تقابله أية زيادة في العرض‪ .‬ولكـ ـ ـ ـ ــن ذلك يعد وضعاً مؤقتاً وغير طبيعي ويمثل انحرافاً في سعر‬
‫السوق عن القيمة الحقيقية للسلعة‪.‬‬
‫لقد ظهرت نظريات كثيرة تحاول تفس ـ ـ ـ ـ ــير ماهية القيمة وجوهرها‪ ،‬ترى بعض النظريات أن قيمة‬
‫السـ ـ ــلعة التبادلية تتحدد بحجم تكاليف اإلنتاج‪ ،‬فنذا كانت الوحدة الواحدة من السـ ـ ــلعة آ تعادل ثالث‬
‫وحدات من الس ـ ـ ـ ــلعة ب‪ ،‬فنن الس ـ ـ ـ ــبب في ذلك هو أن تكاليف الوحدة الواحدة من الس ـ ـ ـ ــلعة آ تعادل‬
‫تكاليف ثالث وحدات من السـ ـ ـ ـ ــلعة ب‪ .‬ونظريات أخرى ترى أن قيمة السـ ـ ـ ـ ــلعة التبادلية تحدد بحجم‬
‫العمل المبذول في إنتاج هذه الس ـ ـ ــلعة‪ .‬وفئة ثالثة ترى أن قيمة الس ـ ـ ــلعة تأتي من ندرتها‪ ،‬فكلما قلت‬
‫كمية السـلعة ارتفعت قيمتها‪ ،‬والعكس صـحيح‪ .‬وبعض النظريات ترى أن قيمة السـلعة تربط بالمنفعة‬
‫‪133‬‬
‫هنان مجموعتان من نظريات تفسـير ماهية القيمة التبادلية‬ ‫التي نحصـل عليها من هذه السـلعة‪.‬‬
‫المجموعة األولى ‪ -‬ترى أن أس ـ ـ ــاس القيمة ومقياس ـ ـ ــها أمر ذاتي‪ .‬فالقيمة‪ ،‬اس ـ ـ ــتناداً‬
‫‪134‬‬
‫وجوهرها‪:‬‬
‫لهذه المجموعة تكون حس ــب تقدير الفرد للس ــلعة وهذا التقدير أمر ذاتي يعود إلى حجم المنفعة التي‬

‫‪132‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬نعمة هللا نجيب إبراهيم‪ ،‬مقدمة في االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪ 1990‬ص‪.65‬‬
‫‪133‬‬
‫‪ -‬أحمد مراد‪ ،‬المصدر السابق ص‪.225-220‬‬
‫‪134‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬موفق السيد حسن‪ ،‬التحليل االقتصادي الجزئي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.33-21‬‬

‫‪106‬‬
‫نحص ــل عليها من هذه الس ــلعة ومدى إش ــباعها لحاجات الفرد‪ .‬المنفعة‪ ،‬والمنفعة الحدية‪ .‬المجموعة‬
‫الثانية ‪ -‬مقياسها موضوعي من خالل ما أنفق على إنتاج البضاعة من عمل أو عمل ورأس مال‪.‬‬
‫" القيمة في العمل "‪.‬‬
‫‪ -1‬نظرية المنفعة والمنفعة الحدية‪:‬‬
‫ظهرت هذه النظرية في القرن الثامن عش ـ ـ ـ ــر‪ ،‬من رواد هذه النظرية وأنص ـ ـ ـ ــارها "كونديالن" و "‬
‫كالياني "‪ .‬وتقوم هذه النظرية على أن قيمة الس ـ ـ ــلعة تتحدد بمقدار المنفعة التي نحص ـ ـ ــل عليها‪ .‬لقد‬
‫عرف الفيلسـ ــوف اإلنكليزي " بنثام " المنفعة بأنها قوة خفية في األشـ ــياء تسـ ــتطيع أن تحقق اإلشـ ــباع‬
‫للفرد‪ .‬وتتحقق سـ ـ ـ ـ ـ ــعادة الفرد في حال تحقيق اإلشـ ـ ـ ـ ـ ــباع الكلي لحاجاته‪ ،‬أي إن سـ ـ ـ ـ ـ ــعادة الفرد هي‬
‫المجموع الكلي لإلشـ ـ ـ ــباعات المختلفة التي يحصـ ـ ـ ــل عليها‪ ،‬ويمكننا القول إن المنفعة هي خاصـ ـ ـ ــية‬
‫عامة ومشتركة‪ ،‬تشترن فيها جميع السلع التي يستخدمها المستهلك‪.‬‬
‫يس ــتهدف النش ــاط االقتص ــادي ‪ -‬كما تحدثنا في الفص ــل األول ‪ -‬خلق الس ــلع إلش ــباع الحاجات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬والحاجات اإلنسانية هي تعبير عن الرغبة وهي متعددة (مادية وروحية)‪ ،‬وتزداد الحاجات‬
‫وتتنوع دون ما انقطاع ما دامت الرغبات اإلنسانية متجددة وغير متناهية‪ .‬وتكتسب السلع والخدمات‬
‫التي ينتجها اإلنســان صــفة المنفعة عندما تقوم هذه الســلعة أو الخدمة بتلبية رغبة اإلنســان وحاجته‪.‬‬
‫وال بد من التمييز بين المعنى الش ـ ـ ــائع للمنفعة والض ـ ـ ــرر والمعنى االقتص ـ ـ ــادي‪ .‬فاألش ـ ـ ــياء الض ـ ـ ــارة‬
‫بالمفهوم الص ـ ـ ــحي أو الخلقي‪ ،‬كالتبغ والكحول مثالً ‪ -‬قد يكون نافعاً بالمعنى االقتص ـ ـ ــادي إذا كان‬
‫‪135‬‬
‫محالً إلشباع رغبة اإلنسان‪ .‬وبذلك تتميز المنفعة كظاهرة اقتصادية بالصفاتاآلتية‪:‬‬
‫• المنفعة عالقة بين الس ــلع واإلنس ــان‪ ،‬فهي ذات طابع ذاتي‪ ،‬ترتبط بتوفر الرغبة الش ــخص ــية‪،‬‬
‫وبذلك تخلق المنفعة باس ــتيقاظ رغبة ش ــخص ــية وتزول بزوالها‪ .‬وهذا يعني أن المنفعة ال تمثل ص ــفة‬
‫موض ـ ــوعية مالزمة لس ـ ــلعة ما أو ناجمة عن طبيعتها‪ ( ،‬وبالتالي ال يش ـ ــترط عندما تحقق س ـ ــلعة ما‬
‫مس ـ ـ ــتوى من المنفعة لش ـ ـ ــخص معين أن تحقق المس ـ ـ ــتوى ذاته من المنفعة لش ـ ـ ــخص آخر‪ ،‬فالمنفعة‬
‫االستعمالية لعلبة من السجائر‪ ،‬مثالً تكون معدومة بالنسبة لغير المدخنين)‪.‬‬
‫• المنفعة االقتصــادية لســلعة ما تتوقف على كمية هذه الســلعة ومدى توفرها من جهة‪ ،‬ثم على‬
‫شدة الحاجة المطلوب إشباعها من جهة أخرى‪.‬‬
‫• المنفعة مرتبطة بالطابع االقتصـ ـ ـ ــادي للسـ ـ ـ ــلع والخدمات ذات الطابع الذي يجعل من سـ ـ ـ ــلعة‬
‫محالً للتبادل من خالل قيمتها االستعمالية أي من خالل منفعتها‪.‬‬
‫وقد افترض بعض االقتصاديين أمثال " جيفونز " و " منجر " و " فالراس " و " الفرد مارشال‬
‫" إمكانية قياس المنفعة عددياً‪ .‬واسـ ــتخدموا لذلك الوحدات المعنوية‪ ،‬بحيث يسـ ــتطيع المسـ ــتهلك الفرد‬

‫‪135‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬المصدر السابق ص‪.39-38‬‬

‫‪107‬‬
‫تحديد رقم يمثل مقدار المنفعة التي يحص ــل عليها من اس ــتهالن س ــلعة ما‪ .‬مثال ذلك‪ ،‬رغيف الخبز‬
‫يعطي المس ـ ـ ـ ـ ــتهلك ‪ 15‬وحدة منفعة‪ ،‬وشـ ـ ـ ـ ـ ـريحة اللحم تقدم له ‪ 5‬وحدات منفعة‪ ،‬وهذا ما يس ـ ـ ـ ـ ــمى "‬
‫‪136‬‬
‫المنفعة العددية "‪.‬‬
‫ثم ظهر المفهوم الترتيبي للمنفعة " المنفعة الترتيبية "‪ ،‬الذي يقوم على أن المنفعة التي يحصل‬
‫عليها المس ـ ـ ــتهلك من الس ـ ـ ــلع المتاحة‪ ،‬تكون ذات مس ـ ـ ــتويات متعددة‪ ،‬والمس ـ ـ ــتهلك من خالل تمتعه‬
‫بالرش ـ ــد االقتص ـ ــادي يكون قاد اًر على تقويم مس ـ ــتوى المنفعة المس ـ ــتمدة من كل مجموعة من الس ـ ــلع‬
‫‪137‬‬
‫ومقارنة هذه المستويات وترتيبها تنازلياً أو تصاعدياً‪.‬‬
‫لقد رفض بعض االقتصـ ـ ــاديين فكرة القياس العددي للمنفعة وقاموا بتوضـ ـ ــيح سـ ـ ــلون المسـ ـ ــتهلك‬
‫‪138‬‬
‫حيث يفترض في المســتهلك أن يعين أرقاماً ترتيبية لمنافع‬ ‫على أســاس القياس الترتيبي للمنفعة‪.‬‬
‫الس ـ ــلع التي يس ـ ــتهلكها بدالً من أن يعين أرقاماً عددية‪ .‬وبذلك يمكن أن تقاس المنفعة التي نحص ـ ــل‬
‫عليهـا ترتيبيـاً‪ ،‬أي ـب داللـة األرقـام الترتيبيـة كمـا يلي‪ :‬األول‪ ،‬الثـاني‪ ،‬الثـالـث‪ ،....،‬وهكـذا‪( .‬مثـل هـذا‬
‫القياس هو قياس ترتيبي‪ ،‬وليسـ ــت هنان وسـ ــيلة لمعرفة ‪ -‬فقط من األرقام الترتيبية ‪ -‬ما هي عالقة‬
‫الحجم باألرقام‪ .‬فالرقم األول قد يكون أوالً ضـعف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرقم الثاني في الحجم‪ .‬وهكذا القياس الترتيبي‬
‫للمنفعة يسـ ـ ــمح لنا فقط بمعرفة أن منفعة البديل ( آ) أكبر من منفعة البديل (ب )‪ ،‬ولكنه ال يسـ ـ ــمح‬
‫‪139‬‬
‫لنا بمعرفة بكم يفوق البديل األول البديل الثاني‪.‬‬
‫كما افترض هؤالء االقتصـ ــاديون أن كل سـ ــلعة إنما تغل منفعة حدية متناقصـ ــة كلما اسـ ــتهلكت‬
‫وحـدات أكثر فـأكثر منهـا‪ ( .‬والمنفعاة الحادياة هي حجم الزيـادة في المنفعـة النـاتجـة عن اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن‬
‫وحدة واحدة أكثر من السلعة )‪ .‬وهذا ما يع ـ ـ ـ ـ ـ ــرف " بقانون تناقص المنفعة الحدية " الذي يصف لنا‬
‫اتجاه المنفعة الحدية زيادة أو نقص ـ ـ ــاناً عندما تتغير الكمية المس ـ ـ ــتهلكة منها‪ .‬إن الفكرة األس ـ ـ ــاس ـ ـ ــية‬
‫لقانون تناقص المنفعة الحدية تقوم على اعتبارات نفســية لدى المســتهلك‪ .‬مما تقدم نالحظ أن نظرية‬
‫المنفعة الحدية قد استندت إلى عدد من الفرضيات لعل من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬افتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرضــت نظرية المنفعة الحدية " رشــد المســتهلك " وهذا يعني أن المســتهلك يســعى دائماً‬
‫لتعظيم وزيادة المنفعة الكلية التي يحصل عليها في حدود إمكاناته‪.‬‬
‫‪ -‬افتراض كميــة مفهوم المنفعــة‪ :‬وهــذا يعني إمكــان قيــاس المنفعــة عــددي ـاً‪ ،‬بمعنى أن المنفعــة‬
‫المكتس ــبة من اس ــتهالن أي كمية من س ــلعة أو خدمة معينة يمكن قياس ــها بطريقة عددية‪( .‬ويفترض‬

‫‪136‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬محمود يونس محمد و د‪ .‬عبد النعيم محمد مبارن‪ ،‬أساسيات على االقتصاد‪ ،‬مصدر سابق ص‪.155-150‬‬
‫‪137‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬المصدر السابق ص‪.173-172‬‬
‫‪ -‬ظهر هذا االتجاه في رفض قياس المنفعة عددياً‪ ،‬في الثالثينات من هذا القرن‪ ،‬حيث هاجم االقتصاديان اإلنكليزيان‪ :‬جـ‪.‬د‪ .‬الين‪ ،‬جـ‪.‬‬ ‫‪138‬‬

‫ز‪ .‬هيكس مدخل المنفعة العددية هجوماً شديداً‪.‬‬


‫‪139‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬مصدر سابق ص‪.221‬‬

‫‪108‬‬
‫المفهوم الكمي للمنفعة أن المسـ ـ ـ ــتهلك يكون قاد اًر ‪ -‬بشـ ـ ـ ــكل أو بتخر ‪-‬عند اسـ ـ ـ ــتهالن أية مجموعة‬
‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعية أل أن يحدد " عدداً " معيناً يمثل مقدار المنفعة التي يكتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبها من جراء اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن هذه‬
‫‪140‬‬
‫المجموعة السلعية)‪.‬‬
‫‪ -‬ثبات المنفعة الحدية للنقود‪ :‬إن أس ــاس اس ــتخدام مؤش ــر ما أو معيار أو قاعدة‪ ،‬كوحدة قياس‬
‫هو أن يكون هذا المؤشـ ــر أو المعيار أو القاعدة ثابتاً " كالمتر ال يمكن أن يكون مرة ‪ 90‬سـ ــم ومرة‬
‫أخرى ‪110‬ســم بل هو ثابت دائماً ‪100‬ســم "‪ .‬لذلك يجب أال تتأثر المنفعة الحدية للنقود مع تغيرات‬
‫دخل المستهلك‪ ،‬وإال فننها تفشل كمقياس للمنفعة‪.‬‬
‫‪ -‬المنفعة الحدية ال بد أن تؤول في النهاية إلى التناقص‪.‬‬
‫‪ -‬المنفع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الحدية ألي مجموعة س ــلعية تعتمد على كمية س ــلع هذه المجموعة‪( .‬فنن المنفعة‬
‫الكلية التي يكتسبها المستهلك أو يشتقها من استهالكها ال بد أن تعتمد على كميات هذه السلع )‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫وقد تم توجيه عدد من االنتقادات الجوهرية لنظرية المنفعة أهمها‪:‬‬
‫• تولي هذه النظرية األهمية الحاس ـ ـ ـ ــمة لالس ـ ـ ـ ــتهالن وليس لإلنتاج‪ .‬وهي بذلك تتجاهل أهمية‬
‫العمل وأهمية اإلنتاج الذي يؤدي الدور الحاسم في حياة المجتمع االقتصادية‪ .‬وتهدف من وراء ذلك‬
‫إخفاء المص ــدر الحقيقي للقيمة‪ ،‬الذي هو العمل‪ ،‬ثم‪ ،‬إخفاء حقيقة أن النظام ال أرس ــمالي يعيش على‬
‫عمل واستغالل العمال المأجورين‪.‬‬
‫• تستند نظرية المنفعة إلى التقويم الذاتي لألفراد في تحديد القيمة وهي تعتمد بذلك منهجاً ذاتياً‬
‫نفس ــانياً‪ ،‬فاألس ــعار ال تحدد بوس ــاطة التقويم الذاتي لألفراد‪ ،‬إن المنتجين للبض ــاعة والمس ــتهلكين لها‬
‫يضطرون عند التقدير الذاتي للبضاعة إلى االنطالق من أسعارها " قيمتها " التي تشكلت موضوعياً‬
‫قبل نزولها إلى السوق‪.‬‬
‫• تنظر هذه النظرية إلى االقتص ـ ـ ـ ــاد االجتماعي نظرة س ـ ـ ـ ــكونية غير تاريخية‪ ،‬وترى في قانون‬
‫القيم ـ ـ ـ ـ ــة الذي يتجل ـ ـ ـ ـ ــى لديها في (قانون المنفعة الحدية) قانوناً ثابتاً وخالداً‪ .‬ولكن كما هو معلوم لم‬
‫تتحول المنتجـات إلى بضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع إال بعـد مرحلـة طويلـة من تطور اإلنتـاج االجتمـاعي‪ ،‬أي في مرحلـة‬
‫اإلنتاج البضاعي‪.‬‬
‫• نالحظ تناقضــات داخلية في هذه النظرية‪ .‬فهي تحدد مقدار القيمة بالمنفعة الحدية‪ ،‬والمنفعة‬
‫الحدية تحدد بشدة الحاجة اإلنسانية‪ ،‬وشدة الحاجة اإلنسانية تتحدد بقدرة المنافع المادية‪.‬‬
‫لكن " الندرة " ليس ـ ـ ـ ــت خاصـ ـ ـ ـ ـ ة طبيعية مالزمة للمنافع المادية‪ ،‬وهي بحد ذاتها تتوقف إلى حد‬
‫كبير على قيمة هذه المنافع‪ .‬فعندما تكون قيمة البض ـ ــاعة عالية (بس ـ ــبب ارتفاع تكاليف إنتاجها في‬
‫البداية) اس ـ ـ ــتهالكها س ـ ـ ــيكون محدوداً‪ ،‬وبالتالي س ـ ـ ــيكون إنتاجها قليالً‪ ،‬وتبدو "نادرة "‪ .‬وبذلك ترسـ ـ ــم‬
‫‪140‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬المصدر السابق ص‪.173-172‬‬
‫‪141‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬كامل بكري‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ ،‬مصدر سابق ص‪.33-32‬‬

‫‪109‬‬
‫نظرية المنفعة الحدية لنفسـ ـ ـ ــها دائرة مغلقة‪ :‬فمقدار قيمة البضـ ـ ـ ــائع يتحدد بمنفعتها الحدية‪ ،‬ومنفعتها‬
‫الحدية تتحدد بندرتها‪ ،‬ولكن ندرتها تعتمد على مقدار قيمتها‪.‬‬
‫فنن تفسير القيمة بالمنفعة الحدية يبدو غير نافع إلى الدرجة (الحدية) من وجهة نظر علمية‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرية " القيمة في العمل "‪:‬‬
‫لقد تجاوزت أفكار المدرس ــة االقتص ــادية الكالس ــيكية محدودية مدرس ــة الطبيعيين "الفيزوقراطيين"‬
‫ولم تقتصــر على د ارســة الزراعة‪ ،‬كما تجاوزت محدودية المدرســة التجارية "الميركنتلية " ولم تقتصــر‬
‫على د ارســة النشــاط التجاري‪ ،‬بل درس اقتصــاديو المدرســة الكالســيكية‪ ،‬وخاصــة آدم ســميث ودافيد‬
‫ريكاردو‪ ،‬اإلنتاج الصـ ــناعي‪ ،‬وبرهنوا على أن اإلنتاج المادي‪ ،‬والعمل يعدان المصـ ــدر الرئيس لثروة‬
‫الشـعوب وأرسـوا بذلك أسـاس نظرية القيمة الناجمة عن العمل "القيمة – العمل "‪ .‬طبقاً لهذه النظرية‬
‫إن مقدار قيمة البضـ ــاعة "السـ ــلعة "‪ ،‬التي يجري تبادلها بتناسـ ــب معين ببضـ ــاعة أخرى‪ ،‬إنما يتحدد‬
‫‪142‬‬
‫بالعمل المنفق على إنتاجها‪.‬‬
‫لعـ ـ ـ ـ ـ ــل أهم ما قدمه االقتصاد السياسي الكالسيكي‪ ،‬هو نظرية القيمة‪ .‬حيث استطاع وليم بيتي‪،‬‬
‫آدم سـميث ودافيد ريكاردو التمييز بين أسـعار السـوق والقيمة‪ ،‬واسـتنتجوا أن قيمة البضـاعة " السـلعة‬
‫" يحددها العمل المبذول في إنتاجها‪ .‬لقد أكد آدم س ــميث أن كل عمل في أي فرع أو نش ــاط إنتاجي‬
‫هو عمل منتج يخلق قيمة وقد ميز سميث بين مرحلتين لإلنتاج‪ :‬األولى – مرحلة اإلنتاج البضاعي‬
‫البس ــيط‪ ،‬حيث كان تبادل البض ــائع يتم على أس ــاس كمية العمل المبذول في إنتاجها مباش ـرة‪ .‬الثانية‬
‫‪ -‬مرحلة اإلنتاج البضـ ــاعي ال أرسـ ــمالي‪ .‬فقد عد سـ ــميث أن القيمة هنا تتألف من تجميع ثالثة أنواع‬
‫م ـ ـ ـ ـ ــن الدخل‪ :‬األجر‪ ،‬الربح‪ ،‬الريع‪ .‬ثم بين دافيد ريكاردو " أن القيمة التبادلية للبضائع تتحدد بكمية‬
‫‪143‬‬
‫العمل المبذول في إنتاجها "‪ ،‬وأن هذا القانون ينطبق أيضاً على اإلنتاج الرأسمالي‪.‬‬
‫‪ -3‬النظرية الماركسية في القيمة‪:‬‬
‫تختلف البضـ ــائع بوصـ ــفها قيماً اسـ ــتعماليه من حيث الكمية والكيفية‪ .‬واألمر المشـ ــترن بينها هو‬
‫أنهـا منتوجـات العمـل‪ ،‬وأن العمـل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاني المجرد هو المقيـاس المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترن بينهـا‪ .‬وبـذلـك العمـل‬
‫المبذول أثناء إنتاج السـ ـ ــلعة تتحدد قيمة هذه السـ ـ ــلعة‪ .‬وتصـ ـ ــبح السـ ـ ــلع بوصـ ـ ــفها قيماً قابلة للمقارنة‬
‫والمقايسة مما يسهل عملية تبادلها‪.‬‬
‫بقدر ما يزداد حجم العمل المبذول إلنتاج الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلعة وص ـ ـ ـ ـ ـ ــنعها تزيد قيمتها‪ .‬وال تتض ـ ـ ـ ـ ـ ــح قيمة‬
‫البضـ ــاعة وتتجلى إلى في التبادل‪ ،‬وعن طريق القيمة التبادلية‪ .‬وعندما تتم بين األفراد عملية مبادلة‬
‫السلع‪ ،‬يقيمون المعادلة بين البضاعتين بوصفهما قيمتين‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬إيلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.132‬‬
‫‪143‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬المصدر السابق ص‪.215-214‬‬

‫‪110‬‬
‫( وهكذا تكون البضـاعة وحدة القيمة االسـتعمالية والقيمة التبادلية‪ .‬إن ازدواجية طبيعة البضـاعة‬
‫تنجم عن ازدواجيـة طـابع عمـل منتج البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة‪ .‬وقـد كـان مـاركس هو الـذي كشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف للمرة األولى‬
‫‪144‬‬
‫ازدواجية طابع العمل‪ .‬وهذا ما أتاح له فض سر االستغالل الرأسمالي )‪.‬‬
‫تب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ازدواجية طابع العمل من خالل أن كل عمل منتج للبضـ ــاعة‪ ،‬هو عمل ملموس‪( ،‬أي‬
‫عمل إنتاجي يخلق بحد ذاته‪ ،‬قيمة اس ـ ـ ـ ــتعماليه معينة مثل ص ـ ـ ـ ــنع الحذاء أو البراد أو الكرس ـ ـ ـ ــي أو‬
‫الكتاب أو رغيف الخبز)‪ .‬وتشـترن جميع هذه األعمال الحسـية " الملموسـة " في خاصـية مهمة وهي‬
‫أنها جهد تبذله قوة العمل اإلنسـ ـ ـ ــانية‪ ،‬أي إنها طاقة إنسـ ـ ـ ــانية ذهنية وعضـ ـ ـ ــلية وعصـ ـ ـ ــبية إنها جهد‬
‫‪145‬‬
‫إنساني عام‪ ،‬يبذل أثناء عملية اإلنتاج ومباشرة العمل الحسي الملموس‪ ،‬وهذا هو العمل المجرد‪.‬‬
‫ومن خالل الطبيعـة المزدوجـة للعمـل نجـد أن كـل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة هي عمـل مجرد‪ .‬وعنـدمـا تتم عمليـة‬
‫تبادل الس ــلع في الس ــوق يجري تجريد البض ــائع من األش ــكال الخاص ــة المتميزة التي يتص ــف بها كل‬
‫نوع من األنواع العديدة من العمل الملموس‪ .‬وتجري عملية التبادل من خالل التعادل بين البضـ ـ ـ ــائع‬
‫بوصـ ـ ــفها مخزناً للعمل المجرد‪ ،‬حيث يكون العمل المجرد المتبلور في السـ ـ ــلع والبضـ ـ ــائع متجانس ـ ـ ـاً‬
‫كيفياً‪ ،‬ويمكن بوساطته قياس قيم البضاعة أثناء عملية التبادل‪.‬‬
‫وحي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث إن قيمة السـلعة يخلقها العمل اإلنسـاني‪ ،‬يقاس مقدار القيمة بكمية العمل المتبلور في‬
‫السلعة‪ .‬والمعيار الطبيعي لقياس حجم العمل هو وقت العمل (ساعة‪ ،‬يـ ـ ــوم‪ ،‬أسبوع)‪ .‬وتختلف كمية‬
‫الوقت الذي ينفق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه المنتجون إلنتاج س ـ ــلع مختلفة‪ ،‬بل تختلف كمية الوقت الالزم لص ـ ــنع الس ـ ــلعة‬
‫نفسها‪ .‬وهـذا يتوقف على‪:‬‬
‫• أدوات العمل المستخدمة في عملية اإلنتاج‪،‬‬
‫• مهارة العامل الذي يقوم بالعمل‪،‬‬
‫• تنظيم العمل والمستوى التقاني‪ ،‬إضافة إلى عوامل أخرى متعددة‪.‬‬
‫ممـا تقـدم نالحظ أن الوقـت الـذي ينفقـه العـامـل بمفرده إلنتـاج سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة مـا هو وفق عملـه الفردي‪.‬‬
‫ولكن مقـدار قيمـة البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة ال تحـدده نفقـات العمـل الفرديـة التي قـد تختلف من عـامـل آلخر ومن‬
‫وقت آلخر‪ .‬إن القيمة تنطوي على العمل االجتماعي‪( .‬ولهذا يتحدد مقدار قيمة البض ـ ـ ـ ـ ــاعة بالعمل‬
‫الضـ ــروري اجتماعياً أو بوقق العمل الضاااروري اجتماعياً)‪ .‬إن وقت العمل الضـ ــروري اجتماعياً أو‬
‫بوقت العمل ألجل صــنع ســلعة ما في ظروف متوســطة‪ ،‬عادية‪ ،‬لإلنتاج وفي حال مســتوى متوســط‬
‫في المرحلة المعينة لمهارة العاملين وشـ ـ ـ ــدة العمل‪ .‬إن وقت العمل الضـ ـ ـ ــروري اجتماعياً ليس مقدا اًر‬
‫ثابتاً بشـ ـ ــكل دائم‪ ،‬فهو يتغير مع تغير درجة التقنية والتطور التكنولوجي‪ ،‬ونمو إنتاجية العمل‪ ،‬علماً‬
‫بأنه " وقت العمل الضروري اجتماعياً " يميل إجماالً وعموماً إلى الهبوط‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ -‬الكسندر يوزويف‪ ،‬ماهي الرأسمالية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1987‬ص‪.32-31‬‬
‫‪145‬‬
‫‪-‬انظر‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ 1976‬ص ‪.52-51-50‬‬

‫‪111‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬أشكال القيمة التبادلية‪:‬‬
‫أوضـ ــحنا في الفقرات السـ ــابقة أن العمل هو الذي يخلق قيمة البضـ ــاعة‪ ،‬وتبين أن مقدار القيمة‬
‫يقاس بكمية العمل المبذول في إنتاج الس ـ ـ ـ ـ ــلعة‪ .‬ولكن المنتجين كثيرون ويبذلون في إنتاج الس ـ ـ ـ ـ ــلعة‬
‫الواحـدة كميـات مختلفـة من العمـل‪ .‬وبمـا أن قيمـة البض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة يخلقهـا العمـل المبـذول في إنتـاجهـا‪..‬‬
‫نس ــتطيع تحديد هذه القيمة من خالل مقارنة سـ ـ لعة بأخرى في س ــياق عملية التبادل‪ .‬أي عبر القيمة‬
‫التبادلية‪ .‬إن قيمة متر من النســيج أو فأس واحدة ال يمكن التعبير عنها مباشـرة بوقت العمل‪ ،‬ولكننا‬
‫نستطيع التعبير عنها من خالل عملية التبادل بوساطة بضاعة أخرى‪.‬‬

‫مثالً‪ :‬فاس واحدة تعادل ‪ 20‬كو من الحبوب‪.‬‬


‫متر نسيج واحد يعادل ‪ 20‬كو من الحبوب‪.‬‬
‫فالحبوب هنا واسـ ـ ــطة للتعبير عن قيمة متر النسـ ـ ــيج أو قيمة الفأس‪ .‬إن هذه المعادلة تدل على‬
‫أن إنتاج ‪ 20‬كغ من الحبوب قد اسـ ــتنفذ من الوقت الكمية نفسـ ــها من الزمن التي تلزمنا إلنتاج متر‬
‫من النس ـ ــيج أو فأس واحدة‪ .‬فالس ـ ــلعة التي يتم تحديد قيمتها بوس ـ ــاطة س ـ ــلعة ثانية (متر النس ـ ــيج أو‬
‫الفأس من مثالنا) هي السـلعة المنسـوبة‪ ،‬والسـلعة التي يتم بوسـاطتها تحديد قيمة سـلعة معينة‪ ،‬تسـمى‬
‫السلعة المعادلة (في مثالنا في الحبوب)‪.‬‬
‫ظهرت القيمة التبادلية بأش ـ ـ ــكال مختلفة‪ ،‬عبر مراحل التطور التاريخي للعالقات التبادلية‪ ،‬وكان‬
‫أقدم أش ـ ــكال القيمة‪ ،‬ما يطلق عليه الش ـ ــكل البس ـ ــيط والعفوي للقيمة التبادلية " المقايض ـ ــة "‪ .‬ثم ظهر‬
‫الش ـ ـ ـ ــكل الواس ـ ـ ـ ــع للقيمة بفعل التطور الكمي والنوعي الذي تحقق في عملية اإلنتاج وازدياد التبادل‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن حل الشـ ـ ـ ـ ـ ــكل العام للقيمة محل الشـ ـ ـ ـ ـ ــكل الواسـ ـ ـ ـ ـ ــع للقيمة التبادلية‪ .‬وعندما أخذت‬
‫المعادن الثمينة تقوم بدور المعادل العام لقيم جميع الســلع األخرى ظهر الشــكل النقدي للقيمة‪ .‬وظل‬
‫الذهب والفضـ ـ ـ ــة زمناً طويالً يمارسـ ـ ـ ــان دور النقد جنباً إلى جنب بسـ ـ ـ ــبب الصـ ـ ـ ــفات الخاصـ ـ ـ ــة التي‬
‫يحمالنها‪.‬‬
‫" يجري تبادل السـلع في تناسـب كمي معين‪ .‬ويتوقف التعبير الكمي عن قيمة سـلعة معينة على‬
‫قيمة السـلعة ذاتها كما على قيمة السـلعة المعادلة‪ .‬ولذلك تتغير القيمة النسـبية للسـلعة مع ثبات قيمة‬
‫‪146‬‬
‫السلعة‪ ،‬إذا تغيرت قيمة السلعة المعادلة "‪.‬‬
‫فالقيمة هي الخاصـية االجتماعية للشـيء " السالعة "‪ .‬ويتعذر علينا اكتشـاف القيمة في سـلعة ما‬
‫بصـ ـ ــورة مباشـ ـ ـرة بوسـ ـ ــاطة التحليل الفيزيائي أو الكيميائي بل ال تظهر القيمة إال من خالل عالقات‬

‫‪146‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬النظرية الماركسية ‪-‬اللينينية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1976‬ص‪.58‬‬

‫‪112‬‬
‫التبادل بين منتجي البضـ ــائع‪ .‬وحين تتم معادلة سـ ــلعة معينة بسـ ــلع أخرى أثناء عملية التبادل‪ ،‬أي "‬
‫القيمة التبادلية "‪.‬‬
‫‪ - 1‬الشكل البسي للقيمة التبادلية‪:‬‬
‫صفة اإلنتاج الطبيعي‪،‬‬‫ُيعد شـكل القيمة البسـيط من أقدم أشـكال القيمة‪ ،‬حين كان اإلنتاج يتسـم ب ـ‬
‫وكانت المنتوجات معدة لالس ــتهالن المباش ــر ال للتبادل‪ ،‬ولم يكن الفائض من المنتوجات يش ــكل إال‬
‫جزءاً بسـ ـ ــيطاً في إجمالي اإلنتاج لذلك كانت كميات فائض اإلنتاج المخص ـ ـ ـصـ ـ ــة للمبادلة محدودة‪.‬‬
‫وبذلك انحصــرت عملية التبادل في حدود ضــيقةجداً‪ .‬لقد كانت ســلعة ما تبادل مباش ـرة بســلعة أخرى‬
‫ولم تكن السلعة األولى تجد تعبي اًر عن قيمتها إال في سلعة واحدة محددة‪.‬‬
‫مثالً‪ :‬محراث مقابل رأس من الماشــية‪ ،‬أو خمســة كيلو غرامات من الصــوف مقابل ‪ 20‬كغ من‬
‫الحبوب‪ .‬أي إن التبادل هنا كان يتم سـلعة مقابل سـلعة أخرى وبصـورة عفوية وتحكمه الصـدفة التي‬
‫تجمع بين المتبادلين‪ .‬ويظهر شكل القيمة البسيط وفقاً للعالقة اآلتية‪:‬‬

‫السلعة المعادلة‬ ‫السلعة المنسوبة‬ ‫السلعة المعادلة‬ ‫السلعة المنسوبة‬


‫رأس من الماشية‬ ‫=‬ ‫مح ار‬ ‫سلعة ب‬ ‫=‬ ‫سلعة آ‬
‫‪ 20‬كو حبوب‬ ‫=‬ ‫‪ 5‬كو صوو‬ ‫ع سلعة ب‬ ‫=‬ ‫س سلعة آ‬

‫وتبدو هذه المعادلة التبادلية البس ــيطة على ش ــكل عالقة كمية بين الس ــلعة آ والس ــلعة ب‪ ،‬وعليه‬
‫يشـترط شـكل القيمة البسـيط وجود طرفين في المعادلة التبادلية‪ ،‬الطرف األول وهو السـلعة المنسـوبة‬
‫وهي في مثالنا المحراث أو ‪ 5‬كغ الصـ ــوف‪ ،‬والطرف الثاني وهي السـ ــلعة المعادلة التي تقوم بعملية‬
‫تحديد قيمة السلعة األولى وهي في مثالنا رأس الماشية أو ‪ 20‬كغ حبوب‪.‬‬
‫‪ - 2‬الشكل الواسع للقيمة التبادلية‪)147(:‬‬
‫ويدعى أحياناً بشـكل القيمة الكامل أو المتطور أو الناضـج‪ .‬وظهر هذا الشـكل للقيمة بعد تقسـيم‬
‫العمل االجتماعي األول في العالم حين انفصـ ــلت عملية الرعي وتربية المواشـ ــي عن الزراعة وبدأت‬
‫تتطور ِّ‬
‫الحرف‪ .‬وأخذت تتزايد كميات اإلنتاج الفائضـ ـ ـ ــة التي تخصـ ـ ـ ــص للتبادل‪ .‬وتنوعت المنتجات‬
‫الخاضـ ـ ــعة للتبادل وزادت كمياتها‪ .‬مما أدى إلى اعتماد شـ ـ ـ كل القيمة الواسـ ـ ــع بدالً من شـ ـ ــكل القيمة‬
‫البسـيط‪ .‬ونظ اًر لتنوع السـلع التي دخلت ميدان التبادل أصـبح باإلمكان قياس قيمة السـلعة آ بعدد من‬
‫السـلع‪ ،‬التي يقوم كل منها بدور السـلعة المعادلة‪ .‬أي إن السـلعة المنسـوبة تجد تعبي اًر عن قيمتها في‬
‫عدد من السـ ــلع وهذه السـ ــلع التي يعبر كل منها عن قيمة السـ ــلعة المنسـ ــوبة تدعى السـ ــلع المعادلة‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬المصدر السابق ص‪.209‬‬

‫‪113‬‬
‫وأصـ ـ ــبح التبادل بين المنتجين ظاهرة منتظمة ومسـ ـ ــتمرة وكانت الماشـ ـ ــية هي السـ ـ ــلعة األكثر رواجاً‬
‫ومبادلة بين السلع األخرى كافة‪ .‬وظهر شكل القيمة الواسع وفقاً للعالقة اآلتية‪:‬‬

‫السلعاة المعادلة‬ ‫=‬ ‫السلعة المنسااوبة‬


‫سلعة ب‬ ‫ع‬ ‫=‬ ‫س سلعة آ‬

‫د‬ ‫ها سلعة‬ ‫=‬

‫ج‬ ‫سلعة‬ ‫ن‬ ‫=‬

‫محاراثاً‬ ‫‪2‬‬ ‫=‬ ‫رأس من الماشية‬

‫مت اًر من النسيج‬ ‫‪10‬‬ ‫=‬

‫‪ 100‬كيلو رام من الزيتون‬ ‫=‬

‫إن هذا الشـ ـ ـ ـ ـ ــكل للقيمة يتم من خالل التعبير عن قيمة سـ ـ ـ ـ ـ ــلعة واحدة‪ ،‬بعدد كبير من السـ ـ ـ ـ ـ ــلع‬
‫األخرى‪ .‬ولكنه ال يزال يقـ ـ ـ ـ ـ ــوم على الشكل المباشر للتبادل‪ .‬وال يوجد أي صعوبة في عملية التبادل‬
‫هنا عندما يريد صــاحب الماشــية كمية من النســيج ويكون صــاحب النســيج راغباً في الحصــول على‬
‫الماشية‪.‬‬
‫ولكن تظهر الص ـ ــعوبة عندما ال يحتاج ص ـ ــاحب النس ـ ــيج إلى الماش ـ ــية وال يرغب في الحص ـ ــول‬
‫عليها‪ ،‬وإنما يحتاج إلى الص ـ ــوف‪ .‬وهكذا تزداد العملية تعقيداً مع تنوع الس ـ ــلع والبض ـ ــائع وتزايد عدد‬
‫المنتجات التي تدخل ميدان التبادل‪.‬‬
‫وقد ظهرت بعض العيوب التي توض ــحت في عملية التبادل أثناء اس ــتخدام ش ــكل القيمة الواس ــع‬
‫أهمها‪:‬‬
‫◼ عدم تحديد قيمة كل سلعة بشكل نهائي‪.‬‬
‫◼ ص ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبة مقارنة الســلعة المعادلة مع الســلعة المنســوبة وذلك بســبب ظهور القيمة المعادلة‬
‫للسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة في صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور مختلفـة‪ .‬فقيمـة القمح مثالً كـانـت تقـارن بقيمـة اللحوم أو الفـأس أو الجلود أو‬
‫الصوف‪ ،‬لذلك كان من الصعب المقارنة بين قيم السلع المختلفة واالطمئنان إلى صحة النتائج‪.‬‬
‫◼ تعقد عملية التبادل المباش ــر‪ ،‬ألن القيمة االس ــتعمالية لس ــلعة ما تعد قيمة اس ــتعماليه بالنس ــبة‬
‫لجميع األفراد وفي جميع األوقات‪ .‬وكلما زاد عدد السـ ـ ــلع التي تدخل السـ ـ ــوق تعقد التبادل المباشـ ـ ــر‬
‫والتعبير عن القيمة‪ .‬وتم التغلب على هذه والصعوبات مع ظهور شكل القيمة العام‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪ - 3‬الشكل العام للقيمة التبادلية‪:‬‬
‫مع تطور التبادل وتزايد اإلنتاج البضـ ـ ـ ــاعي وتنوعه‪ ،‬أخذت تتميز عن عالم البضـ ـ ـ ــائع بصـ ـ ـ ــورة‬
‫عفوية بعض الس ــلع التي بدأت تؤدي دور الس ــلعة المعادلة‪ ،‬واختلفت هذه الس ــلع من وقت إلى وقت‬
‫آخر ومن مجتمع إلى مجتمع آخر‪ .‬وكانت السـ ـ ــلعة المعادلة تبدو في شـ ـ ــكل رأس من الماشـ ـ ــية‪ ،‬أو‬
‫كمية من الحبوب أو الملح وأحياناً الفراء‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وحسـ ـ ــب ما ورد أعاله ال تجد السـ ـ ــلعة المنسـ ـ ــوبة التي يراد مبادلتها أمامها مجموعة من السـ ـ ــلع‬
‫معادلة لها وإنما يقابلها س ـ ــلعة واحدة تكون بمثابة المعادل العام لجميع الس ـ ــلع‪ .‬ويتميز ش ـ ــكل القيمة‬
‫العام من ش ـ ــكل القيمة الواس ـ ــع بأن قيمة جميع البض ـ ــائع أص ـ ــبحت تعبر عن قيمتها في معادل عام‬
‫واحد‪ .‬ويظهر شكل القيمة العام وفقاً للعالقة اآلتية‪:‬‬

‫السلعة المعادلة‬ ‫السلعة المنسوبة‬ ‫السلعة المعادلة‬ ‫السلعة المنسوبة‬


‫ثوب من القماش =‬ ‫=‬ ‫سلعـة ب‬

‫رأس من الماشية‬ ‫=‬ ‫فأس‬ ‫سلعـة آ‬ ‫=‬ ‫سلعـة ت‬

‫=‬ ‫محراث‬ ‫=‬ ‫سلعـة ث‬

‫السلعة المعادلة‬ ‫السلعة المنسوبة‬ ‫السلعة المعادلة‬ ‫السلعة المنسوبة‬


‫‪ 2‬ثوباً من القماش =‬ ‫=‬ ‫ع سلعة ب‬

‫‪ 2‬رأس من الماشية‬ ‫=‬ ‫‪ 3‬فؤوس‬ ‫سلعـة آ‬ ‫=‬ ‫ي سلعة ت‬

‫=‬ ‫‪ 2‬محراثاً‬ ‫=‬ ‫و سلعة ث‬

‫ومن مثالنا أعاله نالحظ أن رأس الماش ـ ـ ــية يقوم بدور المعادل العام لقيم جميع الس ـ ـ ــلع األخرى‪.‬‬
‫وأص ـ ـ ــبحت كل بض ـ ـ ــاعة وفقاً لش ـ ـ ــكل القيمة العام‪ ،‬ال تبادل مباش ـ ـ ـرة بالبض ـ ـ ــائع األخرى‪ ،‬وإنما يقوم‬
‫المنتجون بمبادلة بضـ ـ ــائعهم أوالً مقابل سـ ـ ــلعة واحدة بدور المعادل العام (الماشـ ـ ــية) ثم يبادلون هذه‬
‫‪148‬‬
‫البضاعة األخيرة بالبضائع األخرى التي يحتاجون إليها‪.‬‬
‫قـد اختلفـت نوع السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة التي كـانـت تقوم بـدور المعـادل العـام من مجتمع آلخر ومن وقـت إلى‬
‫وقت آخر‪ .‬ففي بعض المجتمعات كنا نجد الماش ـ ــية تقوم بدور الس ـ ــلعة المعادلة لجميع الس ـ ــلع وفي‬

‫‪148‬‬
‫‪-‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬المصدر السابق ص‪.209‬‬

‫‪115‬‬
‫مجتمع آخر كانت الحبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب أو الفرو أو الملح هو المعادل العام لقيمة جميع البض ـ ـ ـ ــائع‪ .‬وهكذا‬
‫أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحـت كـل عمليـة من عمليـات التبـادل تتم على مرحلتين األولى‪ :‬مرحلـة البيع والثـانيـة مرحلـة‬
‫الشـراء‪ .‬ومع تزايد اإلنتاج البضــاعي واتســاع عملية التبادل أصــبح من الضــروري البحث عن معادل‬
‫عـام محـدد يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـل عمليـة التبـادل‪ ،‬وكـان الحـل االنتقـال إلى المعـدنين الثمينين (الـذهـب والفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة)‬
‫ليصبحا المعادل العام وهكذا ظهر الشكل النقدي للقيمة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الشكل النقدي للقيمة التبادلية‪:‬‬
‫ظهر الشـكل النقدي للقيمة بعد حدوث التقسـيم االجتماعي الثاني للعمل‪ ،‬عندما انفصـلت الحرفة‬
‫عن الزراعة‪ ،‬وأصــبح الذهب والفضــة معادالً عاماً وتحوال إلى نقد‪ ،‬وذلك بســبب الخصــائص المميزة‬
‫لهذين المعدنين الثمينين وأهمها‪:‬‬
‫‪ -‬التجانس والتماثل في النوع‪،‬‬
‫‪ -‬قابلية االنقسام‪،‬‬
‫‪ -‬صغر الحجم وقدرتهما على تجسين أكبر قيمة أو عمل في أقل وزن‪،‬‬
‫‪ -‬سهولة النقل‪،‬‬
‫‪ -‬قابليتهما للحفظ ومقاومتهما للتلل‪.‬‬
‫والنقد ما هو إال بضـ ـ ـ ـ ـ ــاعة معينة تعود إليها وظيفة اجتماعية تتمثل في التعبير عن قيمة جميع‬
‫البضائع األخـ ــرى‪ .‬ومع ظهور النقد أصبح المعادل العام الذي تقاس بوساطته قيمة جميع البضائع‪.‬‬
‫ويظهر شكل القيمة النقدي وفقاً للعالقة اآلتية‪:‬‬
‫السلعاة المعادلة‬ ‫السلعاة المنسوبة‬
‫=‬ ‫رأس واحد من الماشية‬
‫‪ 5‬رامات من ال هب‬ ‫=‬ ‫كيس من الحبوب‬
‫=‬ ‫مح ار‬
‫=‬ ‫خمسة أمتار من النسيج‬

‫وقد ظهر النقد كمعادل عام لقيم جميع السـ ـ ـ ـ ــلع األخرى قبل الميالد بزمن طويل وذلك عندما تم‬
‫اكتش ـ ـ ـ ـ ــاف المعادن الثمينة‪ .‬وتدريجياً آخذت المعادن الثمينة (الذهب والفض ـ ـ ـ ـ ــة) تحل محل الس ـ ـ ـ ـ ــلع‬
‫األخرى كمعادل عام للقيمة وبص ـ ـ ـ ــورة نهائية‪ .‬وظل الذهب والفض ـ ـ ـ ــة زمناً طويالً يقومان بدور النقد‬
‫جنباً إلى جنب إلى أن أصبح الذهب المعادل النقدي الوحيد للقيمة‪ ،‬في أواخر القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫تطور أشكال القيمة التبادلية‬
‫السلعة المنسوبة‬ ‫شكل القيمة‬
‫السلعة المعادلة‬
‫ب‬ ‫سلعاة‬ ‫=‬ ‫آ‬ ‫سلعاة‬ ‫‪ 1‬البسي‬
‫ب‬ ‫ع سلعاة‬ ‫=‬ ‫آ‬ ‫س سلعاة‬
‫ب‬ ‫سلعاة‬ ‫=‬ ‫‪ 2‬الواسع‬
‫ت‬ ‫سلعاة‬ ‫=‬ ‫سلعاة آ‬
‫سلعاة‬ ‫=‬
‫ب‬ ‫ع سلعاة‬ ‫=‬
‫ت‬ ‫و سلعاة‬ ‫=‬ ‫سلعاة آ‬ ‫س‬
‫ها سلعاة‬ ‫=‬
‫=‬ ‫ب‬ ‫سلعاة‬ ‫‪ 3‬العاام‬
‫سلعاة آ‬ ‫=‬ ‫ت‬ ‫سلعاة‬
‫=‬ ‫سلعاة‬
‫=‬ ‫ب‬ ‫ع سلعاة‬
‫سلعاة آ‬ ‫س‬ ‫=‬ ‫ت‬ ‫و سلعاة‬
‫=‬ ‫ها سلعاة‬
‫=‬ ‫ب‬ ‫ع سلعاة‬
‫رام من ال هب‬ ‫س‬ ‫=‬ ‫ت‬ ‫و سلعاة‬ ‫‪ 4‬النقدي‬
‫=‬ ‫ها سلعاة‬

‫‪117‬‬
‫المبحاث الرابع ‪ -‬قاانون القيماة وعالقاة التنااساااااااااب بين العمال االجتمااعي وقيماة البضاااااااااائع‬
‫وأسعارها‪:‬‬
‫يمثل قانون القيمة العالقة والتناســب بين العمل االجتماعي وقيمة البضــائع " الســلع " وأســعارها‪،‬‬
‫ويمكننا توضح قانون القيمة وصياغتها على النحو اآلتي‪:‬‬
‫آ ‪ -‬إن مصدر قيمة السلعة هو العمل المجرد المبذول في إنتاجها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يتحدد مقدار قيمة السلعة بمقدار وقت العمل الضروري اجتماعياً إلنتاجها‪.‬‬
‫جـ‪ -‬تتحدد نسب تبادل السلع والبضائع من خالل التناسب بين قيمها‪.‬‬
‫( يعمل قان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون القيمة في كل اقتصـ ــاد بضـ ــاعي‪ .‬ولكن طابع عمله يتوقف على طابع ملكية‬
‫وسـائل اإلنتاج‪ .‬فه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو يعمل بشـكل عفوي في أوضـاع اإلنتاج البضـاعي البسـيط واإلنتاج ال أرسـمالي‬
‫بسـ ـ ــبب الملكية الخاصـ ـ ــة لوسـ ـ ــائل اإلنتاج‪ .‬أما في أوضـ ـ ــاع اإلنتاج االشـ ـ ــتراكي القائم على الملكية‬
‫االجتماعية لوس ــائل اإلنتاج‪ ،‬فيس ــتخدم من قبل المجتمع بش ــكل واع ومخطط وفي مص ــلحة المجتمع‬
‫‪149‬‬
‫)‪.‬‬
‫( ومع التغير المسـ ـ ــتمر في العرض والطلب تتذبذب األسـ ـ ــعار‪ ...‬عن القيمة هبوطاً وصـ ـ ــعوداً‪.‬‬
‫واختالف األسـ ــعار عن القيمة يعني أن بعض المنتجين الذين تباع سـ ــلعهم بأسـ ــعار أدنى من القيمة‬
‫يص ــابون بخس ــارة من هذا اإلنتاج‪ ،‬وبالتالي ال تعد ذوي مص ــلحة في توس ــيعه‪ ،‬كما يعني في الوقت‬
‫نفسه أن منتجين آخرين ممن تباع سلعهم بأسعار أدنى من القيمة يصابون بخسارة من هذا اإلنتاج‪،‬‬
‫وبالتالي ال تعد لهم مص ــلحة في توس ــيعه‪ ،‬ويأخذ بعض ــهم في التحول إلى إنتاج س ــلع أخرى‪ .‬وهكذا‬
‫‪150‬‬
‫تعاني بعض فروع اإلنتاج انكماشاً على حين تزدهر فروع أخرى )‪.‬‬
‫تذبذب األســعار حول القيمة ال يتحدد في مجال التداول فحســب بل يرتبط أيض ـاً بالتغيرات التي‬
‫تحدث في مجـال اإلنتاج‪ .‬حيث إن التغيرات في إنتاجية العمل التي تحدد التغيرات في مقدار القيمة‬
‫الخاصــة بوحدة اإلنتاج تؤدي أيض ـاً‪ ،‬من خالل تذبذبات األســعار‪ ،‬إلى إعادة توزيع العمل بين فروع‬
‫‪151‬‬
‫اإلنتاج‪.‬‬
‫مما تقدم نجد أن قانون القيمة هو قانون اقتصـ ـ ــادي موضـ ـ ــوعي لإلنتاج البضـ ـ ــاعي (السـ ـ ــلعي)‪.‬‬
‫ويصـ ـ ــبح هذا القانون في ظل الملكية الخاصـ ـ ــة لوسـ ـ ــائل اإلنتاج المنظم العفوي لإلنتاج البضـ ـ ــاعي‪.‬‬
‫حينذان نجد أن الس ـ ــعر ال يتطابق مع قيمة الس ـ ــلعة إلى حين يكون العرض مس ـ ــاوياً الطلب‪( ،‬حين‬
‫يكون حجم اإلنتاج الكلي لس ــلعة معين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة مس ــاوياً حجم الطلب الفعلي على هذه الس ــلعة)‪ .‬وإال فنن‬

‫‪149‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫‪150‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.81-70‬‬
‫‪ - 151‬االقتصاد السياسـي دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬أكاديمية العلوم في االتحاد السوفييتي‪ ،‬ترجمة د‪ .‬فؤاد أيوب‪ ،‬دار دمشق للطباعة والنشر‪.‬‬
‫دمشق ‪ ،1986- 1985‬ص‪.80‬‬

‫‪118‬‬
‫سـعر السـلعة ينحرف عن قيمتها‪ .‬وعندما يكون سـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر السـوق لسـلعة معينة أعلى من قيمتها سـوف‬
‫يعمل ذلك على تحريض إنتاج وزيادة إنتاج هذه السـلعة‪ .‬والعكس صـحيح أن انخفاض سـعر السـلعة‬
‫عن قيمتها سـ ــيؤدي إلى تقليص إنتاجها‪ ...‬وهذا بدوره سـ ــوف يؤدي إلى إعادة توزيع العمل ووسـ ــائل‬
‫اإلنتاج بين مختلف فروع االقتصاد الوطني‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ -‬النقود والمصارو‪:‬‬
‫وجد النقد في سياق تطور اإلنتاج البضاعي ونتيجة لتطور التبادل خالل مدة طويلة من الزمن‪،‬‬
‫كما أن تطور أشـ ــكال القيمة ابتداء من الشـ ــكل البسـ ــيط‪ ،‬هو الذي أدى إلى ظهور النقد‪ .‬ومع تطور‬
‫التبـادل كـان دور النقـد ينتقـل من بعض البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع إلى بعضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا اآلخر‪ ،‬وقـد قـامـت فراء الوحوش‬
‫والمواشي‪ ،‬والجلود‪ ،‬والحبـوب‪ ،‬والملح والسمك واألصداف‪ .‬وغيرها من السلع بدور النقد عند مختلف‬
‫الش ــعوب وفي مختلف األزمنة‪ .‬وأخذت النقود وخاص ــة المعادن الثمينة (الذهب والفض ــة) تؤدي دور‬
‫المعادل العام للقيمـ ــة‪ .‬وأصبحـ ــت النقود وسيلة تقانية للمبادلة وأداة لالستثمار‪ ،‬ووسيلة لدفع األجور‪.‬‬
‫بيد أن النقود في حد ذاتها ليســت أرســماالً‪ .‬ونســتطيع توضــيح جوهر النقود من خالل الوظائف التي‬
‫يقوم بها النقد‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ - 1‬وظائل النقود‪:‬‬
‫للنقود وظائف عديدة أهمها على اإلطالق أن النقد يعتبر كمقياس لتحديد قيمة البض ـ ـ ـ ـ ـ ــائع‪ ،‬كما‬
‫يس ــتخدم النقد كوس ــيط للتداول‪ ،‬ووس ــيلة لالكتناز‪ ،‬ووس ــيلة للدفع‪ ،‬وعندما يس ــتخدم في المبادالت بين‬
‫الدول يقوم بوظيفة النقد العالمي‪.‬‬

‫وظائف النقـود‬

‫النقاد‬ ‫وسيلة‬ ‫وسيلة لالكتناز‬ ‫وسي‬ ‫مقياس‬


‫العالمي‬ ‫للدفع‬ ‫ومخزن للثروة‬ ‫للتداول‬ ‫لتحديد القيمة‬

‫وقد ارتبط دور النقد بالمعدنين الثمينين الذهب والفضــة‪ ،‬وذلك بســبب الخصــائص الطبيعية التي‬
‫يتميز بها كل منهما وأهمها‪ :‬التجانس والتماثل‪ ،‬وقابلية االنقسـ ــام والتجزئة‪ ،‬وسـ ــهولة الحفظ والمتانة‪،‬‬
‫وثبات قيمتها نسبياً‪.‬‬

‫‪ -‬لن أتحدث بالتفصيل عن موضوع المصارف والنقود‪ ،‬نظ اًر لوجود مقرر خاص "النقود والمصارف" يتم تدريسه في السنة الثانية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪119‬‬
‫آ‪ -‬النقد كمقياس للقيمة‪:‬‬
‫إن قياس القيمة هي وظيفة النقد األولى والرئيسـ ـ ــة األمر الذي يعني إمكان المقارنة بين مختلف‬
‫السـلع كمياً‪ .‬وفي سـبيل التعبير عن قيمة أي سـلعة أو قياسـها ال حاجة لتوفر النقد الجاهز ‪ -‬الذهب‬
‫مثالً‪ .‬فالنقد ينجز وظيفة مقياس القيمة من حيث هو صـ ـ ـ ــورة ذهنية‪ .‬إن قيمة السـ ـ ـ ــلعة المعبر عنها‬
‫بالنقد هي سـعر هذه السـلعة‪ .‬وسـعر سـلعة ما يعني‪ .‬تعادل قيمة كتلة محددة من الذهب وقيمة كمية‬
‫محددة من هذه السـ ــلعة‪ .‬وال يقابل السـ ــعر قيمة السـ ــلعة إال في حال تطابق العرض مع الطلب‪ ،‬وإال‬
‫فنن السعر ينحرف عن القيمة بصورة أكيدة‪.‬‬
‫يتم تحديد قيمة البضـ ـ ـ ـ ــاعة (السـ ـ ـ ـ ــلعة) بكمية محدودة من الذهب أو الفضـ ـ ـ ـ ــة (‪ 5‬غ من الذهب‬
‫مثالً)‪ .‬وهذه الكمية من المادة النقدية يجب قياسـ ـ ـ ــها‪ .‬إن وزناً معيناً من الذهب أو الفضـ ـ ـ ــة كنقد هو‬
‫الوحدة القياســية النقدية‪ .‬وتم تحديد الوحدة القياســية النقدية هذه في مختلف أنحاء العالم‪ ،‬الدوالر في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية الجنيه اإلس ــترليني في بريطانيا‪ ،‬والين الياباني في اليابان والليرة الس ــورية‬
‫في سـورية‪ .‬وتسـهيالً للقياس‪ ،‬يتم تقسـيم الوحدة النقدية القياسـية إلى أجزاء متسـاوية‪ :‬الدوالر = ‪100‬‬
‫سـنت‪ ،‬الجنيه = ‪ 100‬بنس‪ ،‬الليرة السـورية = ‪ 100‬قرش‪ .‬وتكون الوحدة النقدية وأقسـامها عبارة عن‬
‫‪152‬‬
‫ومن الواضح أن وجود مقياس مشترن للقيم يسهل عمليات التبادل‪ ،‬كما يسهل‬ ‫مقياس لألسعار‪.‬‬
‫عمليات المحاسبة‪.‬‬
‫ونس ـ ـ ـ ـ ــتطيع التعبير بوحدات نقدية عن قيم األص ـ ـ ـ ـ ــول بأنواعها والخص ـ ـ ـ ـ ــوم على تباينها‪ .‬وكذلك‬
‫الدخول والمص ـ ــروفات على اختالفها‪ .‬وكيف يس ـ ــتطيع االقتص ـ ــاد الوطني أو االقتص ـ ــاد العالمي أن‬
‫يؤدي وظائفه دون وجود مقياس مشترن للقيم‪ ،‬إن هذا األمر غير ممكن‪.‬‬
‫( إن الســلع جميعاً بما فيها الذهب‪ ،‬قابلة للقياس بذاتها‪ ،‬ألنها جميعاً حصــيلة العمل االجتماعي‬
‫ويبرز الذهب كتجس ـ ـ ـ ـ ــيد للعمل االجتماعي‪ .‬أي إنه يحمل قيمة وهذا ما يمكننا من مقارنة قيم جميع‬
‫‪153‬‬
‫البضائع بمقياس نوعي واحد )‪.‬‬
‫وبذلك نالحظ أن قياس قيمة السـلع والبضـائع والخدمات هي الوظيفة األولى والرئيسـة للنقد‪ .‬وأن‬
‫السلع كافة بما فيها الذهب‪ ،‬قابلة للقياس بذاتها ألنها حصيلة العمل االجتماعي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النقد وسيلة للتداول‪:‬‬


‫قبل ظهور النقد كانت عملية المبادلة تتم بشـكل مباشـر أي مبادلة بضـاعة بصـورة مباشـرة مقابل‬
‫بضــاعة أخرى‪( ،‬التبادل البساي )‪ .‬ومع ظهور النقد‪ .‬أصــبحت عملية التبادل تتم بوســاطة النقد‪ ،‬أي‬
‫مبـادلـة بضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة مقـابـل أخرى بوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـة النقـد‪ .‬ويجـب أن يكون النقـد جـاه از في هـذه الحـالـة‪ ،‬ألن‬

‫‪152‬‬
‫‪ -‬نيكتين‪ ،‬أسس االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1984‬ص‪.39‬‬
‫‪153‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬كمال شرف‪ ،‬النقود والمصارف‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق ‪ ،1986‬ص‪.18‬‬

‫‪120‬‬
‫األسـ ـ ـ ـ ــعار النظرية للسـ ـ ـ ـ ــلع يجب أن تتحول إلى مال حقيقي ويمكن التعبير عن عملية التداول بهذه‬
‫الصيغة‪:‬‬

‫ب ‪ -‬ن ‪ -‬ب‬

‫بضاعة‬ ‫نقد‬ ‫بضاعة‬

‫وتتكون عملية المبادلة من مرحلتين‪ :‬األولى ـ تحول السلعة إلى نقود‪ ،‬والثانية ـ تحول النقود إلى‬
‫س ـ ـ ــلعة‪ .‬والمالحظ هنا أن البض ـ ـ ــائع التي تص ـ ـ ــل إلى يد المش ـ ـ ــتري قد تخرج من التداول (بخاص ـ ـ ــة‬
‫البضائع االستهالكية)‪ ،‬بينما يبقى النقد على الدوام في حلبة التداول‪ ،‬أي إنه ينتقل من يد إلى يد‪.‬‬
‫ولقد ظهر النقد في بادئ األمر‪ ،‬من حيث كونه وسيطاً للتداول‪ ،‬في شكل سبائك من الذهب أو‬
‫الفض ـ ــة‪ .‬وظهرت بعض الص ـ ــعوبات أثناء مبادلة الس ـ ــلع لقاء الس ـ ــبائك‪ ،‬فظهرت الحاجة إلى تحديد‬
‫مقدار المعدن في أية سـ ـ ــبيكة بشـ ـ ــكل دقيق وتثبيت ذلك على السـ ـ ــبيكة‪ .‬ونتيجة لذلك ظهرت العملة‬
‫وهي الش ـ ـ ـ ـ ــكل المقرر للس ـ ـ ـ ـ ــبيكة التي تحتوي على كمية معروفة من الذهب من حيث الوزن والنقاوة‬
‫(العيار)‪ ،‬وال بد من وجود دمغة خاصـ ـ ــة تضـ ـ ــعها الدولة على العملة لتشـ ـ ــهد على كتلة ودرجة نقاوة‬
‫هذه السبيكة‪.‬‬
‫ثـ ـ ـ ــم أخذت النقود المعدنية والنقود الورقية التي تقوم الدولة بنصدارها تحل محل السبائك الذهبية‬
‫والفضية تدريجياً‪.‬‬
‫جا – النقود وسيلة لالكتناز ومخزن للثروة‪:‬‬
‫يمكن أن تتم عملية التداول في مرحلتها األولى‪ ،‬بحيث يتم بيع البضائع واستالم النقود‪:‬‬

‫ن‬ ‫ب‬
‫نقود‬ ‫بضاعة‬

‫وتؤجـل المرحلـة الثـانيـة من عمليـة التـداول ألسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـاب مختلفـة فيتوقف نتيجـ ة لـذلـك تـداول النقـد‬
‫ويصبح جامداً‪ .‬وفي هذه الحالة تقوم النقود بوظيفة جديدة‪ ،‬وهي وظيفة االكتناز وتخزين الثروة‪.‬‬
‫وأصـ ـ ــبح النقد رم اًز للثروة بشـ ـ ــكل عام وشـ ـ ــامل‪ .‬فنن امتالكه يتيح الحصـ ـ ــول على أية بضـ ـ ـ اعة‬
‫كانت‪ .‬ويكدس المنتجون النقود‪ ،‬لكي يش ــتروا بها فيما بعد البض ــائع الالزمة لهم‪ .‬إن هذه الوظيفة ال‬
‫يمكن أن يقوم بها إال نقداً كامل القيمة‪ ،‬قطع نقدية ذهبية أو فضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية أو مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنوعات من الذهب‬

‫‪121‬‬
‫والفضـ ـ ــة‪ .‬ووظيفة النقد وسـ ـ ــيلة لالكتناز ومخزن للثروة تسـ ـ ــهل عملية التراكم وتحويل النقد إلى رأس‬
‫مال في ظل أوضـ ـ ـ ـ ــاع معينة‪ ،‬أي إن هذه الوظيفة للنقود تفسـ ـ ـ ـ ــح المجال أمام والدة أرس المال عند‬
‫توفر أوضاع مؤاتية‪.‬‬
‫د ‪ -‬النقود كوسيلة للدفع‪:‬‬
‫تتم أحياناً عملية المبادلة في مرحلتها األولى‪ ،‬أي بيع البض ـ ــائع مع تأجيل دفع قيمتها‪ .‬وال يدفع‬
‫المشــتري نقوداً لقاء اســتالمه للبضــائع إلى بعد مدة محددة حين يســتحق تاريخ الدفع‪ .‬ونتيجة ذلك ال‬
‫تدخل النقود في التداول إلى بعد مرور مدة من الزمن‪ .‬وعندما يسـ ـ ــتحق الدفع ويقوم المشـ ـ ــتري بدفع‬
‫قيمة البض ـ ـ ــاعة التي اش ـ ـ ــتراها س ـ ـ ــابقاً‪ ،‬تقوم النقود هنا بوظيفة وساااايلة للدفع‪ .‬ويتم دفع النقود دون‬
‫اس ـ ــتالم بض ـ ــاعة لقاء ذلك‪ ،‬وإنما تس ـ ــديد لقيمة بض ـ ــائع تم بيعها ألجل‪ .‬وقيام النقود بوظيفة وس ـ ــيلة‬
‫للدفع ال يقتص ـ ـ ـ ــر على مجال تداول الس ـ ـ ـ ــلع‪ ،‬بل ش ـ ـ ـ ــمل أيضـ ـ ـ ـ ـاً القروض المالية ودفع الريع‪ ،‬ودفع‬
‫الضرائب وغير ذلك‪.‬‬
‫وتأخذ هذه الوظيفة للنقود أهمية أكبر كلما تطور االئتمان والنظام التس ـ ـ ـ ــليفي‪ .‬وعندما يس ـ ـ ـ ــتخدم‬
‫النقد كوسيلة للدفع في الصفقات الكبيرة‪.‬‬
‫ها – النقد العالمي‪:‬‬
‫لكـل دولة عملتهـا الوطنيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بهـا‪ ،‬وهي تمثـل قيمـة معينـة تختلف عن قيمـة النقـد المحـدد‬
‫في الدول األخرى‪ .‬ونتيجة لتطور التبادل السلعي بين الدول المختلفة‪ ،‬ظهرت الحاجة إلى وجود نقد‬
‫واحد يعد مقياس ـ ـ ـ ـ ـاً للتبادل بين هذه الدول وبذلك أص ـ ـ ـ ـ ــبح دور النقود ال ينحص ـ ـ ـ ـ ــر في حدود الدولة‬
‫الواحدة وإنما تجاوز حدود هذه الدولة ليقوم بوظيفته الخامسااة كنقد عالمي‪ .‬ونظ اًر الختالف طبيعة‬
‫العالقات االقتص ــادية الدولية عن العالقات االقتص ــادية الس ــائدة في المجتمع ض ــمن الدولة الواحدة‪،‬‬
‫عـد النقـد الـذهبي أو مـا يمـاثلـه من قيمـة فعليـة مقيـاس التبـادل ووسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيلـة للـدفع لتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهيـل المبـادالت‬
‫التجارية الدولية‪ .‬إن المدفوعات الدولية تتطلب عمل النقد في شـ ـ ـ ــكله الطبيعي‪ ،‬في شـ ـ ـ ــكل سـ ـ ـ ــبائك‬
‫المعادن الثمينة إن الذهب هو النقد العالمي‪ .‬فالذهب يعمل في الســوق العالمية من حيث هو وســيلة‬
‫الدفع العمومية وأداء الشـ ـ ـ ـ ـ ـراء العمومية كونه تجس ـ ـ ـ ـ ــيداً مطلقاً للثروة‪ ،‬يمكن تحويلها من بلد إلى بلد‬
‫آخر‪.‬‬

‫‪ - 2‬قانون التداول النقدي وكمية النقود الضرورية للتداول‪:‬‬


‫تختلف عمليـة تداول السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع عن عمليـة تداول النقود‪ .‬كمـا أن للـدورة النقـدية بعض الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ فات‬
‫اء) غالباً ما تخرج‬ ‫تختلف بها عن الدورة الس ــلعية‪ .‬فالس ــلعة عندما تدخل عملية التداول (بيعاً أو شـ ـر ً‬
‫من عملية التداول‪ ،‬بينما يبقى النقد في مجال التداول يمارس وظائفه الخاص ـ ـ ــة به‪ .‬فعندما يش ـ ـ ــتري‬
‫المرء س ـ ـ ــلعة اس ـ ـ ــتهالكية (قميصـ ـ ـ ـ اً مثالً) فنن هذه الس ـ ـ ــلعة تخرج من الدورة الس ـ ـ ــلعية لتدخل عملية‬

‫‪122‬‬
‫االسـتهالن‪ ،‬بينما تسـتمر كمية النقود في الدورة النقدية إذ يسـتعملها البائع لشـراء سـلع وبضـائع أخرى‬
‫وهكذا يبقى النقد في مجال التداول وتخرج السـ ــلعة من التداول‪ .‬فنذا اسـ ــتمرت هذه الكمية من النقود‬
‫في الــدوران والتــداول وقــامــت بعــدد من الــدورات‪ ،‬فــنن ذلــك يؤدي إلى زيــادة القيمــة اإلجمــاليــة للنقــد‬
‫المتبادل نفسه‪.‬‬
‫مثال توريحي‪:‬‬
‫• اشتريق كتاباً بمبلو ‪ 100‬ل‪.‬س ودفعق ورقة نقدية من فئة ‪ 100‬ل‪.‬س‪.‬‬
‫• الكتاب خرج من التداول كسلعة‪.‬‬
‫• قام بائع الكتاب باستخدام ورقة النقد اتها التي استلمها ثمناً للكتاب واشترى بها دفاتر‪.‬‬
‫• بائع الدفاتر استخدم الورقة النقدية اتها من فئة ‪ 100‬ل‪.‬س واشترى أقالماً‪.‬‬

‫وبـذلـك نالحظ أننـا اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتخـدمنـا ورقـة نقـديـة واحـدة من فئـة ‪ 100‬ل‪.‬س في عـدة عمليـات تجـاريـة‬
‫مجموع أسـ ـ ـ ــعارها ‪ 300‬ل‪.‬س‪ .‬أي إن الورقة النقدية قامت بثالث دورات‪ ،‬وفي كل دورة تقوم بعملية‬
‫تبـادل تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوي قيمتهـا (‪ 100‬ل‪.‬س) وهـذا يعني أن مجموع أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـار العمليـات التجـاريـة التي تمـت‬
‫بوساطة هذه الورقة النقدية =‬
‫‪ 300 = 3‬ل‪.‬س‬ ‫‪× 100‬‬

‫بعد د ارس ــة وظيفتي النقد كوس ــيط للتداول ووس ــيلة للدفع‪ ،‬ال بد من توض ــيح القانون الذي تتحدد‬
‫بموجبه كمية النقود الض ـ ـ ــرورية لتداول الس ـ ـ ــلع‪ .‬إن كمية النقود الالزمة للتداول تتحدد بثالثة عوامل‬
‫وهي‪:‬‬
‫"س"‬ ‫• كمية البضائع الموجودة قيد التداول‬
‫"ث"‬ ‫• أسعار هذه البضائع‬
‫" دع "‬ ‫• سرعة تداول النقود‬
‫ويمكن التعبير عن هذه المعادلة بالصيغة اآلتية‪:‬‬

‫"‬ ‫مجموع أثمان البضائع قيد التداول " س‪.‬‬


‫كمية النقود " ال " = ‪-----------------------------‬‬
‫سرعة تداول النقود ( د ع )‬

‫‪123‬‬
‫س‪.‬‬
‫……………………………… (‪)1‬‬ ‫= ‪---------‬‬ ‫ال‬
‫دع‬

‫أي إن كمية النقود الالزمة للتداول تســاوي مجموع أثمان الســلع قيد التداول مقســومة على ســرعة‬
‫دوران النقود‪ .‬وكلما ازدادت س ـ ـ ـ ــرعة تداول النقد انخفض ـ ـ ـ ــت كمية النقود الض ـ ـ ـ ــرورية للتداول‪ ،‬وكلما‬
‫انخفضــت ســرعة تداول النقود‪ ،‬ازدادت كمية النقود الضــرورية للتداول‪ .‬فنذا بلغ مجموع أثمان الســلع‬
‫قيد التداول خالل سـنة واحدة نحو ‪ 100‬مليار ليرة سـورية‪ ،‬وكانت سـرعة تداول النقد بمعدل وسـطي‬
‫‪ 4‬دورات سنوياً‪ ،‬فنن كتلة النقود الضرورية للتداول هي‪:‬‬
‫‪ 25 = 4 + 100‬مليار ليرة سورية‬
‫وإذا كانت النقود تقوم بوظيفة وسـ ــيلة للدفع فنن مجموعة أثمان البضـ ــائع المبيعة باالئتمان تؤثر‬
‫في كمية النقد الضــروري وكذلك المدفوعات المســتحقة تؤثر أيض ـاً هذه الكمية‪ ،‬فنن الصــيغة الكاملة‬
‫لقانون كمية النقود الضرورية تتخذ الشكل اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬سآ ‪ +‬مم ‪ -‬شم‬ ‫س‬
‫ن = ‪--------------------------‬‬

‫دع‬

‫حيث تكون‪:‬‬
‫= كمية النقود الضرورية للتداول‪.‬‬ ‫ن‬
‫س ث = مجموع أثمان السلع قيد التداول خالل دورة محددة‪.‬‬
‫س آ = مجموع أثمان السلع المبيعة باالئتمان‪.‬‬
‫= المدفوعات المستحقة‪.‬‬ ‫مم‬
‫ش م = مقدار المدفوعات المتبادلة (بالتقاص)‪.‬‬
‫دع = سرعة دوران النقود‪( .‬عدد دورات وحدة النقود في العام وسطياً)‪.‬‬
‫إن قانون التداول النقدي يعني أن كمية النقود الض ـ ـ ـ ــرورية لتداول البض ـ ـ ـ ــائع ( ن ) يجب أن‬
‫تساوي مجموع أثمان البضائع قيد التداول ( س ث ) ناقص مجموع أثمان البضائع المبيعة بالدين‬
‫( س آ ) مض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـاً إليهـا المـدفوعـات المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتحقـة ( م م )‪ ،‬نـاقص مجموع المـدفوعـات المتبـادلـة‬
‫المش ـ ـ ــطوبة (ش م ) وحاص ـ ـ ــل هذه العمليات الحس ـ ـ ــابية يجب قس ـ ـ ــمته على عدد دورات الوحدات‬
‫النقدية المتماثلة ( د ع )‪ .‬وتجدر اإلشـارة إلى أن هذا القانون يسـري مفعوله في جميع التشـكيالت‬

‫‪124‬‬
‫االجتماعية االقتصـادية التي تحول فيها اإلنتاج إلى إنتاج بضـاعي وسـادت فيها العالقات السـلعية‬
‫النقدية‪.‬‬
‫‪ 3‬ا المصارو في الجمهورية العربية السورية‪:‬‬
‫الســمة الرئيسـ ة المميزة للمصــارف في ســورية هي أنها مصــارف حكومية‪ ،‬وال يوجد في ســورية‬
‫أي مصـ ـ ـ ــرف أو بنك يملكه القطاع الخاص‪ .‬ويمكننا تصـ ـ ـ ــنيفها في ثالثة أنواع هي‪ :‬المصـ ـ ـ ــرف‬
‫المركزي‪ .‬المصـ ـ ــرف التجاري السـ ـ ــوري‪ .‬المصـ ـ ــارف النوعية وهي التي تتخصـ ـ ــص بتمويل نشـ ـ ــاط‬
‫اقتصادي معين‪.‬‬
‫أ ا المصرو المركزي‪:‬‬
‫يمثل مصـ ــرف سـ ــورية مركزي رمز السـ ــيادة واالسـ ــتقرار المالي للدولة‪ .‬والمصـ ــرف المركزي هو‬
‫مؤس ـ ـسـ ــة مالية تكون مسـ ــؤولة عن حماية االسـ ــتقرار المالي واالقتصـ ــادي‪ ،‬وبذلك أعطي المصـ ــرف‬
‫المركزي احتكار إص ـ ـ ـ ـ ــدار العمالت المعدنية والورقية (البنكنوت) وجعل مصـ ـ ـ ـ ـ ـرفاً للحكومة‪ ،‬وكذلك‬
‫مصـ ـ ـرفاً للمص ـ ــارف األخرى وباكتس ـ ــابه هذا المركز يس ـ ــتطيع المص ـ ــرف المركزي أن يراقب بفاعلية‬
‫العملــة واالئتمــان في مختلف أنحــاء الــدولـ ة‪ ،‬وفي عالقــاتهــا مع الــدول األخرى‪ .‬ويقوم المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف‬
‫المركزي بعدد من الوظائف أهمها‪:‬‬
‫• إصدار العمالت المعدنية والورقية (البنكنوت)‪،‬‬
‫• يعمل المصرف المركزي كمصرف للحكومة ومستشارها المالي‪،‬‬
‫• توفير السـ ــيولة الالزمة للمصـ ــرف التجاري السـ ــوري وفروعه وللمصـ ــارف المتخص ـ ـصـ ــة عند‬
‫الضرورة والقيام بعمليات المقاصة بينها‪،‬‬
‫• الرقـابـة على االئتمـان عن طريق التحكم في سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر إعـادة الخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أو عن طريق عمليـات‬
‫السوق المفتوحة‪.‬‬
‫ويقوم أحيـانـاً المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف المركزي بتغيير النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة القـانونيـة لالحتيـاطي النقـدي بهـدف محـاربـة‬
‫التضـ ـ ــخم النقدي والسـ ـ ــيطرة عليه‪ .‬ويعتمد المصـ ـ ــرف المركزي أكثر من أداة في نفس الوقت لتحقيق‬
‫أهداف السياسة النقدية المتبعة‪.‬‬
‫ويعد المصــرف المركزي في ســورية مؤس ـســة عامة تعمل تحت رقابة الدولة وضــماناتها‪ .‬ويتولى‬
‫المصـ ــرف المركزي القيام بوظيفة العميل المالي لإلدارات والمؤس ـ ـسـ ــات العامة ولجميع المؤس ـ ـسـ ــات‬
‫المالية التي تخضـ ــع إلحكام قانونية خاصـ ــة‪ .‬ويقوم أيض ـ ـاً بتحديد إجمالي التوظيفات السـ ــنوية لكافة‬
‫المصـ ــارف السـ ــورية‪ ،‬بعد أن تضـ ــع اإلدارة العامة لهذه المصـ ــارف خططها بشـ ــكل محدد بعد موافقة‬
‫وزير االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد على هـذه الخطط‪ .‬ولمصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوريـة المركزي ‪ 10‬فروع موزعـة في مختلف‬
‫المحافظات السورية‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫وقد تطور حجم مجموع الموجودات في الميزانية الموحدة لمصـ ــرف سـ ــورية المركزي تطو اًر كبي اًر‬
‫خالل المدة ‪ 1990‬ـ ـ ـ ‪ 1995‬حيث ارتفع من مبلغ ‪ 177454‬مليون ليرة سورية في عام ‪ 1990‬إلى‬
‫حوالي ‪ 361764‬مليون ليرة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوريــة في عــام ‪ ،1995‬منهــا نقــد ورقي ومعــدني مص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر بمبلغ‬
‫‪ 152682‬مليون ليرة سـ ـ ـ ــورية‪ .‬كما تطور حجم الكتلة النقدية من ‪ 120702‬مليون ليرة سـ ـ ـ ــورية في‬
‫عام ‪ 1990‬إلى حوالي ‪ 253780‬مليون ليرة سـ ـ ــورية في عام ‪ .1995‬وتتراوح نسـ ـ ــبة النقد المتداولة‬
‫إلى مجموع الكتلة النقدية بين ‪ % 56‬إلى ‪.% 63‬‬
‫ب ا المصرو التجاري السوري‪:‬‬
‫ويقوم المصـرف التجاري السـوري بجميع فروعه في مختلف أنحاء سـورية بقبول ودائع تدفع عند‬
‫الطلــب أو آلجــال محــددة‪ ،‬كمــا يزاول عمليــات التمويــل الــداخلي والخــارجي‪ ،‬ويمــارس عمليــات تنميـة‬
‫االدخار واالس ــتثمار المالي‪ ،‬ويس ــهم في إنش ــاء المش ــروعات وكل ما يتطلبه النش ــاط االقتص ــادي من‬
‫عمليــات مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفيــة وتجــاريـة ومـاليــة وفقـاً لمــا تنص عليــه األنظمــة والقوانين النــافـذة في الجمهوريـة‬
‫العربية السورية‪.‬‬
‫وللمصـرف التجاري عدة وظائف رئيسـة‪ :‬األولى ‪ -‬هي خلق النقود‪ ،‬باسـم نقود الودائع أو النقود‬
‫المصـرفية‪ .‬والثانية ‪ -‬قبول الودائع تحت الطلب والسـماح باسـتخدام الشـيكات للسـحب منها‪ .‬والثالثة‬
‫‪ -‬منح القروض للراغبين بها‪ .‬والرابعة ‪ -‬خصم األوراق التجارية والمالية‪.‬‬
‫كما تقوم فروع المصـ ـ ـ ــرف التجاري السـ ـ ـ ــوري إلى جانب وظائفها الرئيسـ ـ ـ ــة المشـ ـ ـ ــار إليها أعاله‬
‫بمجموعة من الوظائف الثانوية األخرى‪ ،‬وهي عبارة عن خدمات تتعلق بوجوه نشـ ــاطها الرئيس منها‬
‫تحص ــيل مس ــتحقات عمالئها أو تس ــديد ديونهم نيابة عنهم‪ .‬إص ــدار األوراق المالية في ش ــكل أس ــهم‬
‫وسـ ــندات نيابة عن عمالئها وتسـ ــويق هذه األوراق في سـ ــوق المال‪ .‬التعامل بالعمالت األجنبية بيعاً‬
‫وش ـ ـراء‪ .‬تأجير الخزائن للعمالء‪ .‬إصـ ــدار خطابات الضـ ــمان لتسـ ــديد التزامات عمالئه في حال عدم‬
‫تمكنهم من ذلك‪ .‬وغيرها من الوظائف الثانوية‪ .‬ويص ـ ــل عدد فروع المص ـ ــرف التجاري الس ـ ــوري في‬
‫مختلف أنحاء سورية إلى ‪ 43‬فرعاً‪.‬‬
‫حدد المصـ ــرف التجاري السـ ــوري سـ ــعر صـ ــرف الليرة السـ ــورية مقابل اليورو بالموازاة مع سـ ــعر‬
‫صرف الدوالر‪ ،‬وحدد سعر العملة الجديدة اليورو بـ ـ ‪ 54.7‬ليرة سورية للشراء و‪ 54.1‬ليرة للمبيع أما‬
‫فيما يختص بالمعامالت الرسمية الجمركية فقد بلغ سعر الصرف لليورو ‪ 13.23‬ليرة سورية‪.‬‬
‫سـوف تقوم الحكومة السـورية بتأسـيس مصـرف تجاري جديد لمراقبة وتشـجيع الصـادرات واإلنفاق‬
‫بالعملتين المحلية واألجنبية‪ .‬وسـيتم تأسـيس هذا المصـرف برأس مال قدره مليار ليرة سـورية‪ .‬ويهدف‬
‫بصــورة أســاســية إلى تشــجيع الصــادرات الســورية باتجاه األسـواق الدولية وقد أعلن وزير االقتصــاد أن‬
‫المصــرف ســوف يكون مســتقالً من الناحيتين المالية واإلدارية‪ .‬حالياً المصــرف التجاري الســوري هو‬
‫المصرف التجاري الوحيد‪ .‬وتمثل ميزانيته ‪ % 85‬من الميزانية المجمعة للقطاع المصرفي‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ج ‪ -‬المصارو المتخصصة‪:‬‬
‫إلى جانب المص ـ ــرف المركزي والمص ـ ــرف التجاري الس ـ ــوري توجد في س ـ ــورية مص ـ ــارف أخرى‬
‫يتخص ــص كل منها في نش ــاط مصـ ـرفي معين‪ .‬فالمص ــارف التي تختص بتمويل النش ــاط الص ــناعي‬
‫تدعى (مص ـ ـ ــارف التنمية الص ـ ـ ــناعية)‪ .‬والمص ـ ـ ــارف التي تختص بتمويل النش ـ ـ ــاط الزراعي تس ـ ـ ــمى‬
‫(بمصـارف التنمية الزراعية)‪ .‬إضـافة إلى المصـرف العقاري و مصـرف التسـليف الشـعبي وصـندوق‬
‫توفير البريد‪ .‬ويص ـ ـ ـ ــل عدد فروع المص ـ ـ ـ ــرف الزراعي التعاوني إلى ‪ 102‬فرع وعدد فروع مص ـ ـ ـ ــرف‬
‫التسليف الشعبي ‪ 54‬فرعاً‪ .‬والصناعي ‪ 15‬فرعاً والعقاري ‪ 13‬فرعاً‪.‬‬

‫الفصل الثامن‬
‫آلية عمل االقتصاد الرأسمالي‬
‫(تحول النقد إلى أرسمال‪ ،‬تحول قوة العمل إلى بضاعة‪ ،‬إنتاج القيمة الزائدة)‬
‫المبحث األول ‪ -‬تحول قوة العمل إلى سلعة‪:‬‬

‫‪127‬‬
‫في الوقــت الــذي ال يفرق فيــه االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون البرجوازيون بين العمــل وقوة العمــل‪ ،‬ويرون أن‬
‫العامل يبيع ال أرس ــمالي عمله لقاء األجر‪ ،‬ذلك ألنهم ال يس ــتطيعون تفس ــير العناص ــر التي تدخل في‬
‫تحديد األجر‪ .‬ال بد لنا من التفريق بين العمل وقوة العمل‪.‬‬
‫فقد عرفنا العمل في بحث س ـ ـ ـ ـ ــابق على أنه الجهد العض ـ ـ ـ ـ ــلي أو الذهني الواعي والهادف الذي‬
‫يصـ ـرفه العامل بهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدف خلق منفعة (سـ ــلعة أو خدمة) ويلحق الضـ ــرر بالعامل‪ .‬بينما نجد أن قوة‬
‫العمل هي مجم ـ ـ ـ ــوع القدرات العضلية والذهنية التي يمتلكها اإلنسان والتي يستخدمها لخلق المنفعة‪.‬‬
‫وقوة العم ــل هي المؤهالت التي يمتلكه ــا الع ــام ــل للقي ــام بعم ــل م ــا أثن ــاء عملي ــة اإلنت ــاج وهي القوة‬
‫اإلنتاجية األسـاسـية ألي مجتمع كان‪ .‬ولكن تحولها إلى بضـاعة ال يحصـل إال في ال أرسـمالية‪ .‬وال بد‬
‫من توفر شرطيين أساسيين لتحول قوة العمل إلى بضاعة‪ .‬األول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هو الحرية الشخصية للعامل‪،‬‬
‫والتي تعني حرية العامل في التصـرف بقوة عمله وبيعها لمن يرغب‪ .‬والثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ حرمان العامل من‬
‫ملكيـة وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج‪ ،‬العنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـذي يجبر العـامـل على بيع قوة عملـه ألن العمـل المـأجور هو‬
‫المص ـ ـ ـ ــدر الوحيد لتأمين مس ـ ـ ـ ــتلزمات العيش للعامل‪ .‬لقد تم التفريق بين العمل وقوة العمل بفض ـ ـ ـ ــل‬
‫نظرية الطابع المزدوج للعمل الذي يخلق خاصـتي البضـاعة‪ .‬لذلك تصـبح لقوة العمل قيمة اسـتعمالية‬
‫وقيمة تبادلية شأنها في ذلك شأن أي بضاعة‪.‬‬
‫وتكمن القيمة االسـ ـ ــتعمالية ألي بضـ ـ ــاعة في قدرتها على إشـ ـ ــباع حاجة معينة لدى اإلنسـ ـ ــان‪.‬‬
‫وال أرســمالي يشــتري قوة العمل من العامل في ســوق العمل لكي يســتخدمها ويســتهلكها في إنتاج ســلع‬
‫جديدة أثناء عملية اإلنتاج‪ .‬وتخلق قوة العمل في اس ـ ـ ـ ــتهالكها بض ـ ـ ـ ــائع جديدة‪ ،‬قيمة جديدة‪ .‬فالقيمة‬
‫االســتعمالية لبضــاعة قوة العمل تتلخص في قدرة العامل على أن يخلق بعمله قيمة جديدة‪ ،‬بل قيمة‬
‫أكبر من قيمة قوة العمل نفسـها والمسـتهلكة والمسـتخدمة في إنتاج البضـاعة‪ .‬وبذلك يبيع العامل قوة‬
‫عمله وليس عمله‪ ،‬هذا األمر الذي اكتش ـ ـ ــفه ماركس وأص ـ ـ ــبح فيما بعد من أهم مس ـ ـ ــائل االقتص ـ ـ ــاد‬
‫السياسي‪ .‬ألن القدرة على العمل ال تعني العمل‪.‬‬
‫‪ -1‬قيمة قوة العمل‪:‬‬
‫تتحدد قيمة قوة العمل‪ ،‬كقيمة أي بض ـ ـ ــاعة‪ ،‬بالزمن الض ـ ـ ــروري اجتماعياً إلنتاجها (لتجديدها)‪.‬‬
‫وهذا يعني أن قيمة قوة العمل تتحدد بقيمة وس ـ ـ ـ ـ ــائل العيش الض ـ ـ ـ ـ ــرورية إلش ـ ـ ـ ـ ــباع الحاجات المادية‬
‫والفكرية‪ .‬فقيمة قوة العمل هي قيمة جميع السـ ــلع والخدمات الضـ ــرورية إلشـ ــباع حاجات العامل من‬
‫أجل معيشــته وتجديد قوة عمله وضــمان معيشــة عائلته‪ .‬أما قيمة الســلع والخدمات الضــرورية فتحدد‬
‫بزمن العمل الضروري اجتماعياً إلنتاجها وبوساطتها يتم تحديد قيمة قوة العمل‪.‬‬
‫وتتغير قيمة قوة العمل من زمان ومكان إلى زمان ومكان آخرين فهي مرتبطة بمســتوى التطور‬
‫االجتماعي وتتغير تبعاً لتغيره‪ .‬مع التأكيد أن قوة العمل ال تنفصـ ــل عن العامل حاملها وعن حياته‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫لــذلــك يكمن تحــديــدهــا في حفظ حيــاة العــامــل ومؤهالتــه‪ .‬ممــا تقــدم نجــد أن هنــان عوامــل تؤدي إلى‬
‫تخفيض قيمة قوة العمل وعوامل أخرى تؤدي إلى زيادتها‪.‬‬
‫وتحدد قيمة قوة العمل من خالل‪:‬‬
‫‪ -1‬قيمة وسـائل العيش الضـرورية للحفاظ على نشـاط العامل وأعضـاء أسـرته في مسـتوى عادل‬
‫ومقبول‪.‬‬
‫‪ -2‬النفقات الضرورية ألجل تلبية حاجات العامل الثقافية واكتساب العلم والمهارة‪.‬‬
‫‪ -3‬مستوى التطور االقتصادي والخصائص الوطنية والقومية‪.‬‬
‫‪ -4‬التطـ ــور التاريخي في كل بلد من البلدان‪ .‬لذلك نالحظ أن قيمة قوة العمل تتغير مع تطور‬
‫‪154‬‬
‫المجتمع‪ .‬ويكون العامل المأجور هو المصدر الوحيد للقيمة الزائدة‪.‬‬
‫‪ -2‬عوامال تخفيل قيماة قوة العمال‪ :‬يمكننــا أن نحــدد أهم العوامــل التي تؤدي إلى خفض‬
‫قيمة قوة العمل وفقاً لما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ارتف ــاع إنت ــاجي ــة العم ــل االجتم ــاعي‪ ،‬فعن ــدم ــا ترتفع إنت ــاجي ــة العم ــل يؤدي ارتف ــاعه ــا إلى‬
‫انخفاض قيمة البضائع‪ ،‬بما فيها قيمة وسائل العيش الضرورية للعامل‪.‬‬
‫‪ -‬دخول النس ـ ــاء واألطفال مجاالت العمل المختلفة‪ .‬وهذا يس ـ ــمح لل أرس ـ ــماليين بتخفيض قيمة‬
‫قوة العمل بمقدار ما كان يحتاج إليه العامل لإلنفاق على أفراد أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرته الذين أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحوا يعيلون‬
‫أنفسهم بأنفسهم‪.‬‬
‫‪ -‬انخفاض تكاليف التعليم‪ ،‬وخاصـ ـ ــة عندما يحصـ ـ ــل تقسـ ـ ــيم دقيق للعمل األمر الذي يجعل‬
‫معظم األعمــال ال تتطلــب مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى عــالي ـاً من التعليم‪ ،‬ممــا يؤدي إلى انخفــاض تكــاليف التعليم‬
‫الالزمة للعمل وبالتالي انخفاض قيمة قوة العمل بالمقدار نفسه‪.‬‬
‫‪ -3‬عوامل زيادة قيمة قوة العمل‪ :‬مع تطور المجتمع ال أرس ــمالي تعمل عوامل مض ــادة لعوامل‬
‫خفض قيمة قوة العمل فتؤدي إلى زيادة قيمة قوة العمل منها‪:‬‬
‫‪ -‬ت ازيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد حاجات العامل اتساعاً وتزايد الوسائل الضرورية لتجديد إنتاج قوة العمل‪ .‬وهذا ناتج‬
‫عن تطور الرأسمالية وارتفاع المستوى الثقافي للطبقة العاملة‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة شـ ــدة وتوتر العمل بسـ ــبب إدخال أسـ ــاليب جديدة في تنظيم العمل مما يؤدي إلى زيادة‬
‫اسـ ـ ـ ــتغالل وقت العامل أثناء عمله‪ ،‬مما يؤدي إلى صـ ـ ـ ــرف مجهود عضـ ـ ـ ــلي وعصـ ـ ـ ــبي أكبر للقيام‬
‫بعمله‪ ،‬وهذا يقود بالضرورة إلى زيادة استهالكه وحاجته لالستجمام والراحة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬ماركس ‪ -‬انجلز‪ ،‬منتخبات في ثالثة مجلدات‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬الجزء األول ص‪ ،154‬نقالً عن كليمنتيف وفاسيلييفا‪ ،‬ما هي‬
‫االشتراكية دار التقدم موسكو‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -‬ارتفــاع وتنــامي الوعي الطبقي للعمــال وت ازيــد دور وأهميــة التنظيم النقــابي لهم‪ ،‬األمر الــذي‬
‫يقود دائماً إلى المطالبة بتحســين المســتوى المعيشــي للعمال وإدخال وســائل معيشــة جديدة مما يؤدي‬
‫إلى زيادة قيمة قوة العمل‪.‬‬
‫ويتـ ـ ـ ــم تحديد أجور العمال في الرأسمالية باالستناد إلى قيمة قوة العمل وعوامل أخرى كالعرض‬
‫والطلب في سـ ـ ـ ـ ــوق العمل‪ ،‬وحالة األسواق االقتصادية‪ ،‬ومواقف النقابات العمالية ودورها في الدفاع‬
‫عن مصالح الطبقة العاملة‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬تحول النقد إلى رأسمال (المعادلة العامة لرأس المال)‪:‬‬
‫لم يتفق االقتصــاديون على تحديد مفهوم واحد لرأس المال‪ ،‬بل اختلفوا في ذلك فقد أكد أنصــار‬
‫النظريـة الميركنتليـة أن ال فرق بين النقـد ورأس المـال أو بين الثروة النقـديـة ورأس المـال‪ .‬أمـا نظريـات‬
‫االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديين الكالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيكيين األوائـل فقـد طـابقـت بين رأس المـال ووسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج‪ .‬وكـذلـك حـدد‬
‫الفيزوقراطيون مفهوم رأس المال على أنه العدد واآلالت والمواد األولية وغيرها من العناصــر المادية‬
‫المس ــتخدمة في عملية اإلنتاج‪ .‬ثم جاءت النظرية الماركس ــية التي أوض ــحت مفهوم رأس المال على‬
‫أنه عالقة اجتماعية بين طبقة تملك وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج وطبقة اجتماعية أخرى تملك فقط قوة العمل‪.‬‬
‫ومن خالل هـذه العالقـة يمكن أن يتحول النقـد إلى رأس مـال‪ .‬إذن ليس كـل ثروة نقـديـة أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاالً‪،‬‬
‫وحتى تتحول الثروة النقدية إلى أرســمال يجب أن تتحول النقود إلى أموال إنتاج تســتخدم في مشــروع‬
‫يقوم على العمل المأجور ويكون الهدف الرئيسي له تحقيق الربح‪.‬‬
‫رأس المال هو عالقة اجتماعية ‪ -‬إنتاجية تخص تشـ ـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ـ ــادية محددة تاريخياً‬
‫هو عالقة بين ال أرسـ ــماليين مالكي وسـ ــائل اإلنتاج والعمل المحرومين من ملكيتها والمضـ ــطرين لبيع‬
‫قوة عملهم وخلق القيمة الزائدة لل أرسـ ـ ـ ــماليين‪ .‬ويتخذ رأس المال أثناء عملية اإلنتاج صـ ـ ـ ــورة وسـ ـ ـ ـ ائل‬
‫اإلنتاج وقوة العمل‪ .‬وهذان العنصـران ضـروريان معاً إلنجاز عملية اإلنتاج ولكل عنصـر منهما دور‬
‫في عمليـة زيـادة القيمـة مختلف عن دور اآلخر‪ .‬فوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج (أدوات العمـل‪ ،‬المواد األوليـة‪،‬‬
‫المواد المسـ ـ ـ ــاعدة) تشـ ـ ـ ــكل الوعاء إلنتاج القيمة الزائدة ولكنها ال تخلق القيمة الزائدة بينما قوة العمل‬
‫هي التي تخلق قيمة جديدة أكبر من قيمتها نفس ـ ــها‪ .‬وهذا يعني أن العامل يس ـ ــتطيع بعمله أن يخلق‬
‫قيمة جديدة وأن ينقل قيمة وسائل اإلنتاج إلى المنتجات الجديدة في الوقت نفسه‪ ،‬وهذا يفسر الطابع‬
‫أالزدواجي للعمل في أوض ـ ـ ــاع اإلنتاج البض ـ ـ ــاعي‪ .‬فالعامل بعمله المجرد يخلق القيمة الجديدة التي‬
‫تقاس يزمن العمل المبذول في إنتاج البض ــاعة‪ .‬أما العمل الملموس الذي يقوم به العامل فهو يخلق‬
‫القيمة االستعمالية‪.‬‬
‫‪ -1‬التداول السلعي البسي والتداول السلعي الرأسمالي‪:‬‬
‫وال بد من التمييز بين التداول السلعي البسي والتداول السلعي الرأسمالي‪ .‬فالتداول السلعي‬
‫البسيط يتخذ شكل المعادلة اآلتية‪:‬‬

‫‪130‬‬
‫بضاعة‬ ‫نقـد‬ ‫بضاعة‬

‫أي إن المنتج الحرفي الصـغير يبيع السـلعة التي ينتجها ليحصـل على النقد‪ ،‬ثم يسـتخدم النقد‬
‫للحص ـ ــول على عناص ـ ــر اإلنتاج الس ـ ــتخدامها من جديد في إنتاج س ـ ــلعة جديدة وإلش ـ ــباع حاجاته‬
‫أيضاً‪ .‬بينما يتخذ التداول السلعي الرأسمالي (تداول النقد كرأسمال) شكل المعادلة اآلتية‪:‬‬

‫نقــد‬ ‫بضاعـة‬ ‫نقــد‬

‫وهذا يعني أن ال أرسـ ـ ـ ــمالي يمتلك في البداية النقود التي يشـ ـ ـ ــتري بها سـ ـ ـ ــلعاً محددة عناصـ ـ ـ ـ ر‬
‫اإلنتاج (فتتحول إلى أرســمال)‪ ،‬وبعد إنجاز عملية اإلنتاج يســتعيد ال أرســمالي النقود عن طريق بيع‬
‫المنتجات‪ .‬وتســمى هذه المعادلة العامة لرأس المال‪ .‬ويكون للمعادلة العامة لرأس المال معنى في‬
‫حالة واحدة فقط إذا كانت كمية النقود التي يحصـ ـ ـ ـ ــل عليها ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالي في نهاية الدورة أكثر من‬
‫كمية النقود التي بدأ بها‪ ،‬ولهذا تتخذ المعادلة العامة لرأس المال الشكل اآلتي‪:‬‬

‫نقاد زائد‬ ‫بضاعة‬ ‫نقااد‬


‫وهذا يعني أن تكون كمية النقود التي حص ـ ـ ــل عليها ال أرس ـ ـ ــمالي في نهاية الدورة تس ـ ـ ــاوي كمية‬
‫النقد التي بدأ بها مضافاً إليها كمية من النقد الزائد‪.‬‬
‫حركة رأس المال (الدورة العامة لرأس المال)‪:‬‬
‫يظل رأس المال في حركة دائمة وال يتوقف‪ ،‬حتى إن ال أرسـ ـ ــمالي يسـ ـ ــعى دائماً إلى عدم تباطؤ‬
‫حركة رأس المال‪ ،‬ألن في ذلك يلحق خسـارة بال أرسـمالي فنن توقف ْت حركة رأس المال تحققت خسـارة‬
‫ك ــامل ــة ألن القيم ــة ال ازئ ــدة لن تتحقق ب ــدون رأس الم ــال وتوقف ــه‪ ،‬كم ــا أن تب ــاطؤ حركت ــه يؤدي إلى‬
‫تخفيض القيمة الزائدة وهذه أيضـ ـ ـاً خس ـ ــارة تلحق بال أرس ـ ــمالي‪ .‬ويمر رأس المال أثناء حركته بمراحل‬
‫ثالث رئيسة هي‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬ويكون عمل رأس المال في هذا المرحلة في مجال التداول بش ــكل نقد ويس ــمى‬
‫رأس المال النقدي‪ ،‬حين يقوم الرأسمالي بشراء وسائل اإلنتاج وقوة العمل في السوق‪:‬‬

‫ق‪ .‬ع‬
‫ب‬ ‫ن‬
‫و‪ .‬أ‬ ‫•‬

‫‪131‬‬
‫ن = نقد‪ ،‬ب = بضاعة‪ ،‬ق‪ .‬ع = قوة عمل‪ ،‬و‪ .‬آ = وسائل إنتاج‪.‬‬
‫وبذلك فالرأسمالي يهيل لعملية اإلنتاج وتسمى هذه المرحلة بدورة رأس المال النقدي‪.‬‬
‫المرحلاة الثاانياة‪ :‬يكون عمـل رأس المـال في هـذه المرحلـة في مجـال اإلنتـاج‪ ،‬عنـدمـا يتم الجمع‬
‫بين قوة العمل ووســائل اإلنتاج‪ ،‬ويقوم العمال بننتاج بضــائع جديدة تتضـ من قيمة جديدة وقيمة زائدة‬
‫جديدة‪ .‬وتبدو حركة رأس المال في هذه المرحلة وفقاً لما يلي‪:‬‬

‫ق‪ .‬ع‬
‫ب‬ ‫ن‬
‫إنتاج‪....‬‬ ‫و‪ .‬أ ‪.....‬‬

‫ونالحظ أن رأس المال يتحول هنا من ش ـ ـ ـ ــكله اإلنتاجي إلى ش ـ ـ ـ ــكله البض ـ ـ ـ ــاعي وتس ـ ـ ـ ــمى هذه‬
‫المرحلة بدورة رأس المال اإلنتاجي‪.‬‬
‫المرحلاة الثاالثاة‪ :‬تعود حركـة رأس المـال في هـذه المرحلـة إلى مجـال التـداول من جـديـد‪ .‬حيـث يتم‬
‫بيع البضائع التي تم إنتاجها في المرحلة الثانية‪ ،‬ويتحول رأس المال البضاعي إلى رأس مال نقدي‪:‬‬

‫ن‬

‫وهذا يعني أن رأس المال بدأ حركته بشــكل نقد وعاد في نهاية الحركة من جديد إلى شــكل النقد‪.‬‬
‫وتس ـ ـ ــمى هذه المرحلة بدورة رأس المال البض ـ ـ ــاعي‪ .‬وهذا يوض ـ ـ ــح أن حركة رأس المال تعني تحول‬
‫رأس المال تدريجياً من ش ـ ــكل إلى آخر دورة بثالث مراحل تس ـ ــمى مجتمعة بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (دورة رأس المال)‬
‫وتنقسم دورة رأس المال إلى مرحلتي تداول ومرحلة إنتاج‪.‬‬

‫‪ -2‬الدورة العامة لرأس المال‪:‬‬


‫وتشـمل الدورة العامة لرأس المال إنجاز عمليات شـراء عناصـر اإلنتاج وإتمام عملية اإلنتاج وبيع‬
‫الس ــلع وتداولها في الس ــوق‪ .‬أي تش ــمل عمليات ومراحل اإلنتاج والتداول‪ .‬وتتص ــف عمليات اإلنتاج‬
‫والتداول بالترابط والتكامل إذ ال يمكن في ظل االقتصـ ـ ــاد السـ ـ ــلعي إنجاز الواحدة دون األخرى‪ .‬ألن‬
‫تحقيق تداول الس ــلعة الناتجة في الس ــوق يعد ش ــرطاً ض ــرورياً للبدء في عملية اإلنتاج التي بدونها ال‬
‫يمكن أن يكون هنان تداول‪.‬‬

‫ق‪ .‬ع‬
‫ن زائ‬ ‫بضاعة‬ ‫‪ ..‬إنتاج‬ ‫ن‬
‫‪132‬‬
‫و‪ .‬أ‬
‫وهذا يعني أن للدورة العامة لرأس المال مراحل ثالثاً تشـ ـ ـ ــكل بمجموعها الدورة العامة لرأس المال‬
‫التي تبدأ بالنقد وتنتهي بالنقد الزائد‪ .‬فالمرحلة األولى هي مرحلة تحول النقد إلى سـ ـ ــلعة‪ .‬عندما يقوم‬
‫ال أرسـ ــمالي بشـ ـراء وسـ ــائل اإلنتاج وقوة العمل من السـ ــوق وهنا يتحول رأس المال من الشـ ــكل النقدي‬
‫إلى ش ــكل رأس المال المنتج‪ .‬والمرحلة الثانية هي مرحلة اإلنتاج يتم خاللها تش ــغيل وس ــائل اإلنتاج‬
‫بوسـ ـ ــاطة قوة العمل للحصـ ـ ــول على السـ ـ ــلعة المنوي إنتاجها‪ .‬أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة تحويل‬
‫الس ــلع التي تم إنتاجها إلى نقد‪ ،‬بحيث تكون قيمة الس ــلعة الجديدة تزيد على قيمة الس ــلع المس ــتخدمة‬
‫في عملية اإلنتاج‪ .‬وهذه القيمة الزائدة تتحول إلى نقد زائد عندما يتم إنجاز عملية بيع الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلعة في‬
‫الس ــوق‪ .‬ويقوم بننجاز هذه المرحلة الش ــكل الثالث من أش ــكال رأس المال وهو ما يس ــمى رأس المال‬
‫السلعي‪.‬‬
‫نالحظ أن الادورة العااماة لرأس الماال تتكون من مرحلاة التاداول األولى ثم المرحلاة الثاان اية وهي‬
‫مرحلة اإلنتاج تعقبها المرحلة الثالثة وهي مرحلة تداول السلع الناتجة في السوق‪.‬‬
‫‪ -3‬رأس المال الثابق ورأس المال المتغير‪:‬‬
‫ينقسـم رأس المال أثناء عملية اإلنتاج إلى جزأين‪ ،‬فالجزء األول من رأس المال الذي يتخذ صـورة‬
‫وسـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج ال تتغير قيمته في عملية اإلنتاج‪ ،‬ألن قيمة المواد المسـ ـ ـ ـ ــتخدمة في عملية اإلنتاج‬
‫تنتقـل كمـا هي دون تغيير لـذلـك أطلق عليـه الجزء الثـابـت من رأس المـال (رأس المـال الثـابـت)‪ .‬إن‬
‫رأس المـال الثـابـت هو الوعـاء الـذي يتم من خاللـه إنتـاج القيمـة ال ازئـدة وهو شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرط أو مقـدمـة عمليـة‬
‫إنتـاج القيمـة ال ازئـدة‪ .‬أمـا الجزء ال ـث اني من رأس المـال الـذي يتم إنفـاقـه على قوة العمـل المـأجورة‪ ،‬فهو‬
‫ال يبقى بالقيمة نفسـ ـ ـ ــها بل تتزايد قيمته في عملية اإلنتاج بمقدار القيمة الزائدة ولذلك يسـ ـ ـ ــمى الجزء‬
‫المتغير في رأس المال (رأس المال المتغير)‪ .‬وبفضـ ــل تقسـ ــيم رأس المال إلى رأس مال ثابت ورأس‬
‫مال متغير‪ ،‬وتحليل دور مختلف أجزاء رأس المال في اسـ ـ ــتغالل العمل‪ ،‬وجدنا أن القيمة المضـ ـ ــافة‬
‫ال تنتج عن كامل رأس المال‪ ،‬وإنما تنتج فقط عن جزئه المتغير‪ ،‬أي تنتج عن اسـتغالل قوة العمل‪.‬‬
‫إن فهم آليـة إنتـاج القيمـة ال ازئـدة يتوقف على تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم رأس المـال إلى جزأين‪ :‬رأس مـال ثـابـت (ث )‬
‫ورأس مال متغير ( ر )‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬إنتاج القيمة الزائدة في الرأسمالية‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫انطالقاً من نظرية قيمة العمل‪ ،‬اسـ ــتطاع ماركس أن يشـ ــتق تحليل فائض القيمة (القيمة الزائدة)‪.‬‬
‫فقيمة عنصـ ــر العمل ذاته تحدد بكمية العمل الضـ ــروري إلنتاج المواد الغذائية والسـ ــلع األخرى التي‬
‫تعد ضـ ـ ـ ــرورية لبقاء العامل وتكفل له إعالة أس ـ ـ ــرته‪ .‬فنذا كانت المواد والسـ ـ ـ ــلع وغيرها الالزمة لبقاء‬
‫العامل يوماً واحداً مع إعالة أسـ ـ ـ ـ ـ ـرته تعادل ‪ / 6 /‬سـ ـ ـ ـ ـ ــاعات عمل متتالية‪ .‬فنن األجر النقدي الذي‬
‫يدفعه صـاحب العمل للعامل‪ ،‬ألجل تشـغيله يوماً واحداً سـوف يعادل ‪ / 6 /‬سـاعات‪ .‬ولكن صـاحب‬
‫العمل يجعل العامل يعمل بالفعل ‪ / 8 /‬سـ ـ ـ ــاعات‪ .‬وال يعطي العامل سـ ـ ـ ــوى أجر ‪ / 6 /‬سـ ـ ـ ــاعات‪.‬‬
‫وبذلك يحص ــل ص ــاحب العمل على ناتج الس ــاعتين اإلض ــافيتين اللتين اش ــتغلهما العامل‪ .‬ونعد ذلك‬
‫‪155‬‬
‫ناتجاً إضافياً أو ما نطلق عليه فائض القيمة الزائدة‪.‬‬
‫القيمااة الزائاادة‪ :‬هي القيم ــة التي يخلقه ــا عم ــل الع ــام ــل الم ــأجور عالوة على قيم ــة قوة عمل ــه‪،‬‬
‫ويس ـ ــتحوذ عليها ال أرس ـ ــمالي بال مقابل‪( .‬يص ـ ــنف انجلس قانون القيمة الزائدة الذي اكتش ـ ــفه ماركس)‬
‫كما يلي "‪ ...‬فقد أعطى الدليل على أن االســتئثار بالعمل غير المدفوع األجر هو الشــكل األســاســي‬
‫ألس ــلوب إنتاج ال أرس ــمالي والس ــتثمار العمال المالزم له‪ ،‬وعلى أن ال أرس ــمالي‪ ،‬حتى حين يش ــتري قوة‬
‫العمل حسـب قيمتها الكاملة في السـوق بوصـفها بضـاعة يبتز‪ ،‬مع ذلك منها قد ار من القيمة يفوق ما‬
‫دفعه في سـبيل الحصـول عليها‪ ،‬وعلى أن هذه القيمة الزائدة تشـكل‪ ،‬في آخر المطاف‪ ،‬مجموع القيم‬
‫‪156‬‬
‫وتنتج‬ ‫التي تنجم عنها كمية ال أرس ــمال النامية بال انقطاع والمتراكمة في أيدي الطبقات المالكة"‪.‬‬
‫القيمـة ال ازئـدة عن طريق إجبـار العـامـل على العمـل وقتـاً أكثر من الوقـت الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ روري ألجـل تجـديـد‬
‫إنتاج قوة العمل‪.‬‬
‫‪ -1‬كتلة ومعدل القيمة الزائدة‪:‬‬
‫وبذلك تمثل كتلة القيمة الزائدة الفرق بين قيمة عوامل اإلنتاج (قيمة وس ـ ــائل اإلنتاج ‪ +‬قيمة قوة‬
‫العمل) وبين قيمة المنتجات أو السلع الجديدة‪ .‬واستناداً إلى ما سبق نجد أن‪:‬‬

‫‪+‬ر‪+‬م‬ ‫ق =‬

‫ق ‪ -‬قيمة السلعة الجديدة‪.‬‬


‫ث ‪ -‬رأس المال الثابت المنتقل إلى قيمة السلعة‪.‬‬
‫ر ‪ -‬رأس المال المتغير المدفوع لقاء إنتاج السلعة‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬مصطفى رشدي شيخة‪ ،‬المصدر السابق ص‪.117‬‬
‫‪156‬‬
‫‪ -‬ماركس‪ ،‬رأس المال‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫انظر‪ ،‬ماركس ‪-‬انجلز‪ ،‬منتخبات في ثالثة مجلدات‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬الجزء األول ص‪ ،154‬نقالً عن كليمنتيف وفاسيلييفا‪ ،‬ما هي االشتراكية‬
‫دار التقدم موسكو‪ ،‬ص‪.28‬‬

‫‪134‬‬
‫م ‪ -‬القيمة الزائدة‪.‬‬
‫وتكون كتلة القيمة الزائدة تساوي‪:‬‬

‫‪+‬ر)‬ ‫م =ق ‪( -‬‬

‫وقد حدد ماركس أن قوة العمل هي المصـ ـ ــدر الوحيد للقيمة الزائدة‪ ،‬بينما تشـ ـ ــكل وسـ ـ ــائل اإلنتاج‬
‫وعاء والدة القيمة الزائدة‪.‬‬
‫ويمكننــا تحــديــد معــدل القيمــة ال ازئــدة عن طريق العالقــة بين قيمــة قوة العمــل والقيمــة ال ازئــدة التي‬
‫يحددها تقسيم ساعات عمل العامل في اليوم الواحد إلى قسمين‪:‬‬
‫• وقق العمل الضاااااروري‪ :‬ويمثل سـ ـ ـ ــاعات العمل الضـ ـ ـ ــرورية في اليوم الواحد إلنتاج قيمة قوة‬
‫العمل وهو القسم الذي يخلق قيمة قوة العمل (األجر)‪.‬‬
‫• وقق العمل الزائد‪ :‬ويمثل سـاعات العمل الزائدة والتي يقوم بها العامل في اليوم الواحد إضـافة‬
‫إلى وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت العمل الض ــروري ويحص ــل عليها ال أرس ــمالي بدون مقابل وهو القس ــم الذي يخلق القيمة‬
‫الزائدة‪.‬‬
‫العمل الزائاد‬ ‫العمل الضروري‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫يخلق‬ ‫يخلاق‬
‫القيمة الزائادة‬ ‫قيمة قوة العمل‬

‫ويتم حساب معدل القيمة الزائدة عن طريقين‪:‬‬


‫‪ - 1‬عن طريق نسبة القيمة الزائدة إلى قيمة قوة العمل‪:‬‬
‫القيمة الزائدة‬

‫× ‪100‬‬ ‫معدل القيمة الزائدة = ‪----------------‬‬


‫قيماة قاوة العماال‬

‫فنذا افترضنا أن ق = ‪ ،800‬ث = ‪ ،400‬ر = ‪ ،300‬م = ‪ 200‬نجد أن‪:‬‬


‫ق = ث ‪ +‬ر ‪ +‬م‬
‫‪200 + 200 + 400 = 800‬‬

‫‪135‬‬
‫‪200‬‬ ‫م‬
‫وب لك يكون معدل القيمة الزائدة = ‪% 100 = 100 × ----- = 100 × ----‬‬
‫‪200‬‬ ‫ر‬

‫‪ - 2‬عن طريق نسبة كمية العمل الزائد إلى كمية العمل الضروري‪.‬‬
‫أي إنه إذا يكون عدد سـ ــاعات عمل العامل في اليوم الواحد ‪ / 8 /‬سـ ــاعات‪ ،‬وهو يحتاج إلى ‪/‬‬
‫‪ / 4‬ساعات إلنتاج ما يعادل قيمة قوة العمل (وهذا هو وقت العمل الضروري) فنن الساعات األربع‬
‫الباقية يقوم العامل خاللها بننتاج القيمة الزائدة (وهذا هو وقت العمل الزائد)‪.‬‬

‫وقق العمل الزائد‬


‫× ‪100‬‬ ‫معدل القيمة الزائدة = ‪-----------------‬‬

‫وقق العمل الضروري‬


‫‪4‬‬
‫= ‪% 100‬‬ ‫‪100 × -------‬‬ ‫=‬
‫‪4‬‬

‫وبذلك نس ــتطيع القول إن القيمة الزائدة ال يمكن الحص ــول عليها من خالل تداول البض ــائع‪ ،‬ألن‬
‫التداول يعني تبادل أشـ ــياء متعادلة‪ .‬كما ال يمكن للقيمة الزائدة أن تنتج بسـ ــبب ارتفاع األسـ ــعار ألن‬
‫الخس ـ ــائر واألرباح لدى كل من المش ـ ــتري والبائع تتوازن‪ .‬فعندما يقوم مالك وس ـ ــائل اإلنتاج بتش ـ ــغيل‬
‫العامل مدة ‪ / 12 /‬سـاعة يوميا‪ ،‬حين يشـتري قوة العمل وتصـبح من حقه أن يسـتهلكها‪ ،‬ويكون من‬
‫الضـ ـ ـ ـ ـ ــروري ألجل تجديد إنتاج قيمة قوت العمل ال تتجاوز ‪ / 6 /‬سـ ـ ـ ـ ـ ــاعات‪ ،‬يعمل خاللها فيعطي‬
‫إنتاجاً يغطي نفقات إعالته وأس ـرته‪ ،‬تكون الســاعات الســت الباقية (وقت العمل الزائد)‪ ،‬تعطي إنتاجاً‬
‫زائداً‪ ،‬ال يدفع ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالي مالك وسـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج أج اًر لقاء ذلك العمل‪ ،‬الذي يكون مصـ ـ ـ ـ ــدر القيمة‬
‫الزائدة‪.‬‬
‫ويمكن أن تزداد القيمـة ال ازئـدة‪ ،‬إمـا عن طريق زيـادة عـدد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـات العمـل (تطوير يوم العمـل)‪،‬‬
‫ونطلق عليها القيمة الزائدة المطلقة‪ ،‬وإما عن طريق انقاص عدد س ـ ــاعات العمل الض ـ ــروري‪ ،‬نتيجة‬

‫‪136‬‬
‫لزيادة إنتاجية العمل‪ ،‬بوساطة التعاون البسيط أو تقسيم العمل أو تطور اآلالت وتحديث الصناعات‬
‫الكبرى‪ ،‬ونطلق عليها القيمة الزائدة النسبية‪.‬‬
‫‪ -2‬القيمة الزائدة المطلقة‪:‬‬
‫وهي أس ـ ـ ــلوب لزيادة القيمة الزائدة عن طريق إطالة عدد س ـ ـ ــاعات العمل اليومي للعامل مع بقاء‬
‫قيمة قوة العمل كما كانت عليه في السابق‪:‬‬

‫وقق العمال الزائاد‬ ‫وقق العمل الضروري‬

‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫عدد ساعات يوم العمل‬

‫فنذا كانت يوم العمل ‪ / 8 /‬سـاعات موزعة إلى أربع سـاعات عمل ضـروري وأربع سـاعات عمل‬
‫زائد ويكون معدل القيمة الزائدة في هذه الحالة يس ـ ـ ـ ـ ـ ــاوي ‪ .% 100‬فنذا قام ال أرس ـ ـ ـ ـ ـ ــمالي بتمديد يوم‬
‫العمل إلى ‪ / 10 /‬س ـ ـ ــاعات بدالً من ‪ / 8 /‬س ـ ـ ــاعات يومياً فنن وقت العمل الض ـ ـ ــروري يبقى أربع‬
‫ساعات يومياً بينما يزداد وقت العمل الزائد إلى ست ساعات‪.‬‬
‫وقق العمل الزائاد‬ ‫وقق العمل الضروري‬

‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وتزداد القيمة الزائدة بسبب زيادة كمية العمل المخصص إلنتاجها ويرتفع معدل القيمة الزائدة‪:‬‬
‫وقق العمل الزائد‬
‫× ‪100‬‬ ‫معدل القيمة الزائدة = ‪--------------------‬‬
‫وقق العمل الضروري‬
‫‪6‬‬
‫= ‪% 150‬‬ ‫× ‪100‬‬ ‫= ‪----------‬‬
‫‪4‬‬
‫فالقيمة الزائدة المطلقة هي القيمة الزائدة التي حصـل عليها ال أرسـمالي نتيجة إلطالة عدد سـاعات‬
‫وقت العمل الزائد عن طريق زيادة عدد ساعات العمل اليومي‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ -3‬القيمة الزائدة النسبية‪:‬‬
‫وهي أس ـ ـ ـ ــلوب لزيادة كتلة القيمة الزائدة ومعدلها عن طريق تخفيض وقت العمل الض ـ ـ ـ ــروري أي‬
‫تخفيض قيمة قوة العمل مع بقاء عدد سـ ـ ـ ـ ــاعات عمل العامل في اليوم الواحد ثابتة‪ .‬وهذا ممكن في‬
‫حــال إدخــال تقــانــات حــديثــة أو زيــادة اإلنتــاجيــة‪ .‬فــنذا انخفض وقــت العمــل الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري إلى ‪/ 3 /‬‬
‫سـاعات وظل عدد سـاعات عمل العامل في اليوم ‪ /8/‬سـاعات فنن وقت العمل الزائد سـيرتفع إلى ‪/‬‬
‫‪ / 5‬ساعات بدالً من ‪ / 4 /‬ساعات‪.‬‬

‫وقق العمل الزائاد‬ ‫وقت العمل الضروري‬


‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وهـذا يعني زيـادة كتلـة القيمـة ال ازئـدة بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـب زيـادة وقـت العمـل ال ازئـد الـذي يخلقهـا وكـذلـك زيـادة‬
‫معدل القيمة الزائدة‪:‬‬
‫وقق العمل الزائد‬
‫× ‪100‬‬ ‫معدل القيمة الزائدة = ‪----------------‬‬
‫وقق العمل الضروري‬

‫‪5‬‬
‫× ‪% 166.67 = 100‬‬ ‫= ‪----------‬‬
‫‪3‬‬

‫ويكون معـدل القيمـة ال ازئـدة قـد ارتفع من ‪ % 100‬إلى ‪ % 166.67‬بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـب انخفـاض قيمـة قوة‬
‫العمل وليس بسبب زيادة عدد ساعات العمل اليومي‪.‬‬
‫فالقيمة الزائدة النس ـ ــبية هي القيمة الزائدة التي يحص ـ ــل عليها ال أرس ـ ــمالي نتيجة لزيادة كمية وقت‬
‫العمل الزائد وتخفيض كمية وقت العمل الضروري‪ .‬مع بقاء عدد ساعات العمل اليومي ثابتة‪.‬‬
‫تركزت جهود االقتص ـ ـ ـ ـ ــاديين البرجوازيين على إنكار نظرية القيمة الزائدة‪ ،‬التي تعد حجر الزاوية‬
‫في النظرية االقتص ــادية الماركس ــية‪ ،‬وكان هدفهم من وراء ذلك تبرير االس ــتغالل ال أرس ــمالي والدفاع‬
‫عنه ومحاولة البرهان على انسجام المصالح الطبقية بين جميع طبقات المجتمع الرأسمالي‪.‬‬
‫لقد حاول االقتصـادي الفرنسـي جان بات ـس ت سـاي صـاحب نظرية إنتاجية رأس المال واألرض أن‬
‫يبرهن أن العمـل ورأس المـال واألرض تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترن جميعهـا في إنتـاج الـدخـل‪ ،‬وأن العمـل ال ينتج إلى‬

‫‪138‬‬
‫القيمة المس ــاوية لألجر المدفوع للعامل‪ ،‬أو الربح فينتج عن رأس المال المتجس ــد في وس ــائل اإلنتاج‬
‫واألرض‪ .‬كما قام يوهيم بوفرن في نهاية القرن التاسـ ـ ــع عشـ ـ ــر وبداية القرن العش ـ ـ ـرين بننكار العمل‬
‫كمصـدر للقيمة الزائدة‪ ،‬معتب اًر أن تفسـير القيمة ومصـدرها هو التقدير النفسـاني لألشـياء‪ ،‬أي الشـعور‬
‫بقيمتها‪ ،‬وبالتالي ليسـ ـ ــت زيادة القيمة نتيجة للعمل غير المعوض وإنما هي نتيجة لشـ ـ ــعور نفسـ ـ ـ اني‬
‫تجـاه األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـاء يعلي من قيمتهـا‪ .‬ومع ذلـك ال تقلـل االنتقـادات كـافـة التي وجههـا االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون‬
‫البرجوازيون لنظرية القيمة الزائدة ومحاوالت الرد عليها من األهمية العلمية واالجتماعية الكتش ـ ـ ـ ـ ــافي‬
‫قانون القيمة الزائدة وقدرتها على تفسير االستغالل الرأسمالي‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬السعر وقانون العرل والطلب‪:‬‬
‫في ظل اإلنتاج البضــاعي ال أرســمالي‪ ،‬الذي يقوم على الملكية الخاصــة لوســائل اإلنتاج‪ ،‬يتولى‬
‫قانون القيمة تنظيم اإلنتاج بطريقة عفوية‪ .‬ويتحقق هذا الدور من خالل آلية األسـ ــعار أو ما يسـ ــمى‬
‫أحياناً آلية السـ ــوق "العرض والطلب"‪ .‬والقيمة هي األسـ ــاس في تحديد أسـ ــعار السـ ــلع‪ .‬ولكن السـ ــعر‬
‫كش ــكل للقيمة يمكن أن يكون أكثر أو أقل من القيمة‪ .‬وتظهر هذه الفروق حين يكون س ــعر الس ــلعة‬
‫أعلى أو أدنى من القيمة‪ ،‬وهذه تسـمى الفروق الكمية‪ .‬إن سـبب الفروق بين السـعر والقيمة فعلياً هو‬
‫عدم التوافق بين العرض والطلب بالنسـ ـ ـ ــبة للسـ ـ ـ ــلعة المعينة‪ .‬فعندما يزيد الطلب على العرض يرتفع‬
‫ســعر الســلعة على القيمة‪ ،‬وعندما يزيد العرض على الطلب ينخفض الســعر عن القيمة‪ ،‬وال يتســاوى‬
‫السعر مع القيمة إال إذا تساوى العرض مع الطلب(‪.)157‬‬
‫السـؤال األســاســي التي تحاول نظرية الثمن اإلجابة عنه هو‪ :‬لماذا يكون للســلع وعوامل اإلنتاج‬
‫أثمان؟ ويكون الجواب عن هذا الس ـ ـؤال بكل بسـ ــاطة‪ :‬يكون للسـ ــلع والخدمات وعوامل اإلنتاج أثمان‬
‫ألنها تتصف بصفتين أساسيتين(‪:)158‬‬
‫ألنها نافعة وتؤدي إلى إشباع الحاجة والرغبة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ألنها نادرة نس ـ ـ ـ ــبياً‪ ،‬نادرة بالنس ـ ـ ـ ــبة إلى االس ـ ـ ـ ــتعماالت التي يرغب فيها األفراد‪ .‬أي‬ ‫‪-2‬‬
‫توفرها بكميات محدودة‪ .‬وبذلك يكون السـ ـ ـ ــبب الذي من أجله يكون للسـ ـ ـ ــلع والخدمات ثمن "السـ ـ ـ ــلع‬
‫االقتصـ ــادية" هو المسـ ــتهلك الذي ال يطلب هذه األشـ ــياء إال ألنها نافعة وتؤدي إلى إشـ ــباع رغباته‪،‬‬
‫إضـ ـ ـ ــافة إلى عجز المنتجين عن عرضـ ـ ـ ــها بكميات غير محدودة لكونها نادرة‪ .‬وبذلك تكون المنفعة‬
‫والندرة هما القوتان الرئيس ـ ـ ــتان اللتان تؤديان إلى ظهور األثمان‪( .‬فعندما يتحدد ثمن إلحدى الس ـ ـ ــلع‬
‫في س ــوق تلك الس ــلعة‪ ،‬فننما يرجع ذلك إلى النفع والندرة يعكس ــان نفس ــهما بص ــورة مجس ــمة في هيئة‬

‫(‪ - )157‬أنظر‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬النظرية الماركسية – اللينينية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1976‬ص‪.79‬‬
‫(‪ - )158‬أنظر‪ ،‬د‪ .‬كامل بكري‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪ ،1987‬ص‪.18-17‬‬

‫‪139‬‬
‫طلب المس ـ ـ ـ ــتهلكين من ناحية‪ ،‬وعرض المنتجين من الناحية األخرى‪ .‬فالثمن يتحدد بتفاعل العرض‬
‫(‪)159‬‬
‫والطلب في السوق)‪.‬‬
‫‪ - 1‬الطلاب‪ :‬يمكننـا تعريف الطلـب على أنـه "يعبر عن الكميـات من سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة أو خـدمـة معينـة‪،‬‬
‫التي يكون األش ــخاص أو الوحدات (فرد – أسـ ـرة – مجموعة اجتماعية معينة – مش ــروع –حكومة)‪،‬‬
‫على اس ــتعداد لش ـرائها عند أثمان معينة‪ ،‬وفي لحظات زمنية معينة‪ ،‬وفي إطار نطاق مكاني محدد‪،‬‬
‫(‪)160‬‬
‫وبافتراض السلون االقتصادي الرشيد لجمهرة المستهلكين‪.‬‬
‫من خالل التعريف الوارد أعاله نجــد أن عالقــات الطلــب هي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً عالقــات اجتمــاعيـة‬
‫واقتصادية ذات طبيعة مزدوجة‪ .‬وتتكون عناصر العالقة من ثالث مجموعات رئيسة هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬مجموعـة من العوامـل ذات الطـابع الكمي وهي تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـل الكميـات المطلوبـة من السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة‪،‬‬
‫األثمان بالنسـ ـ ـ ـ ـ ــبة لهذه السـ ـ ـ ـ ـ ــلعة والسـ ـ ـ ـ ـ ــلع األخرى المرتبطة بها‪ .‬الدخل الذي يمثل القوة الشـ ـ ـ ـ ـ ـرائية‬
‫للمستهلك‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجموعة من العوامل والظروف الشخصية والسلوكية (األذواق واإلعالن)‪.‬‬
‫(‪ )3‬مجموعة من العناصر التكميلية البنائية ( الزمان والمكان)‪.‬‬
‫(ويمكن عد الكميات المطلوبة واألثمان والدخل من قبيل المتغيرات الداخلية الرئيسـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ .‬وباقي‬
‫(‪)161‬‬
‫العوامل األخرى من قبيل المتغيرات الخارجية الثانوية)‪.‬‬
‫ويعرف االقتص ـ ـ ــادي فتح هللا ولعلو الطلب داخل الس ـ ـ ــوق على أنه‪( :‬مقدار المواد أو الخدمات‬
‫التي تكون الوحدات االقتصادية مستعدة لشرائها بسعر معين)‪ .‬وقد يكون الطلب خاصاً يتعلق بمادة‬
‫(‪)162‬‬
‫واحدة‪ ،‬يكون الطلب عاماً فيشمل مجموع النفقات التي ينفقها األفراد أو المؤسسات االقتصادية‪.‬‬
‫إن درجـ ــة اإلنفـ ــاق أو حجم الطلـ ــب على السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع أو الخـ ــدمـ ــات يختلف بـ ــاختالف درجـ ــات‬
‫(‪)163‬‬
‫فارتفاع أثمان السـلع سـوف تترتب عليه زيادة في حجم اإلنفاق بالنسـبة للسـلع التي يعد‬ ‫المرونة‪.‬‬
‫الطلـب عليهـا غير مرن‪ .‬أي ال تتـأثر بزيـادة الثمن‪ ،‬كـالملح مثالً‪ .‬وهـذا يعني أن المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهلـك مجبر‬
‫للحصــول على هذا النوع من الســلع على الرغم من ارتفاع ثمنها‪ .‬وبالعكس فنن حجم اإلنفاق ســوف‬
‫يتناقص إذا كان الطلب على الس ــلعة مرناً‪ .‬وهذا معناه أن المس ــتهلك يس ــتطيع أن يس ــتغني عن هذه‬

‫‪Stonier. A. and Hague D.A. , Textbook of Economic Theory, 4 th ed. London , Longman 1972‬‬ ‫(‪- )159‬‬
‫‪, P.P. 11-12‬‬
‫(‪ - )160‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫(‪ - )161‬د‪ .‬مصطفى رشدي شيحة‪ ،‬علم االقتصاد من خالل التحليل الجزئي‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪ ،1985‬ص‪.169‬‬
‫(‪ - )162‬أنظر‪ ،‬فتح هللا ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.516‬‬
‫(‪ - )163‬مرونة الطلب وفق ًا لمقياس مارشال لمرونة الطلب السعرية هي‪:‬‬
‫التغير النسبي في الكمية المطلوبـة‬
‫= ‪-----------------------‬‬ ‫مرونة الطلب‬
‫التغير النسبي في الثمن‬

‫‪140‬‬
‫السـ ـ ـ ــلعة‪ ،‬كأفران البوتغار‪ ،‬الثالجات‪ ،‬أجهزة التلفزيون‪ .‬وبذلك فنن الطلب على هذه السـ ـ ـ ــلع سـ ـ ـ ــوف‬
‫يتأثر كثي اًر بزيادة الثمن‪.‬‬
‫وتكون نتـائج انخفـاض أثمـان السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع على الطلـب مغـايرة تمـامـاً لنتـائج ارتفـاع الثمن‪ .‬فـنذا كـان‬
‫الطلب على السـ ــلعة غير مرن‪ ،‬فنن انخفاض ثمن سـ ــيؤدي إلى نقص في اإلنفاق المخصـ ــص على‬
‫الس ــلعة‪ ،‬ألن المش ــتري س ــوف يش ــتري الكمية نفس ــها من الس ــلعة بثمن أقل‪ ،‬أما إذا كان الطلب مرناً‪،‬‬
‫فنن انخفاض الثمن سـ ـ ـ ـ ــيؤدي إلى زيادة الكميات المطلوبة‪( ،‬وزيادة اإلنفاق للحصـ ـ ـ ـ ــول على كميات‬
‫أكبر من السلعة‪ .‬ما دام الطلب يستجيب بسرعة وإيجابية للتغيرات في ثمن السلعة بالنقصان)‪.‬‬
‫( إن درجة االرتباط ونســبة التغير بين الكمية المطلوبة من ســلعة معينة وأثمانها‪ ،‬أو ما يســمى‬
‫المرونة‪ ،‬تتوقف على مدى ض ــرورة الس ــلعة للمس ــتهلك‪ ،‬فالس ــلع الض ــرورية واألس ــاس ــية‪ ،‬التي تش ــبع‬
‫الحاجات األسـاسـية عند اإلنسـان‪ ،‬يتمتع الطلب عليها بمرونة ضـئيلة‪ ،‬تصـل في بعض األحيان إلى‬
‫درجة الجمود‪ .‬ومن أمثلة هذه الس ـ ـ ـ ـ ــلع المواد الغذائية واألدوية‪ .‬وعلى ذلك فالكمية المطلوبة منها ال‬
‫تتأثر كثي اًر بتغيرات الثمن وخاص ــة عند ارتفاعه‪ ،‬ألن الكمية المطلوبة من هذه الس ــلع ترتبط بالوجود‬
‫(‪)164‬‬
‫ونســتطيع توضــح العالقة العكســية بين الســعر وحجم الطلب‬ ‫والحاجة أكثر مما ترتبط بالثمن)‪.‬‬
‫من خالل المثال التالي‪:‬‬
‫العالقة بين السعر والطلب‬
‫الكمية املطلوبة ‪Q‬‬ ‫السعر ‪P‬‬ ‫البيان‬
‫(مليون قطعة سنوايً)‬ ‫(لرية سورية لكل قطعة)‬
‫‪9‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪A‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪B‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪C‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪D‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪E‬‬

‫المصدر‪ :‬أرقام افتراضية‪.‬‬


‫نالحظ من األرقام الواردة في الجدول أعاله العالقة بين كمية الطلب لهذه الس ــلعة وس ــعرها هي‬
‫عالقة عكسية‪ .‬حيث نجد أن انخفاض سعر الوحدة من ‪ 20‬ل‪.‬س إلى ‪ 15‬ل‪.‬س قد أدى إلى ارتفاع‬
‫كمية الطلب من ‪ 60‬وحدة إلى ‪ 100‬وحدة‪ .‬كما يمكننا توضيح هذه العالقة بياناً كما يلي‪:‬‬

‫العالقة بين السعر والطلب‬

‫(‪ - )164‬أنظر‪ ،‬د‪ .‬مصطفى رشدي شيحة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.213‬‬

‫‪141‬‬
‫السعر‬ ‫ط‬

‫‪60‬‬
‫‪50‬‬
‫‪40‬‬
‫‪30‬‬
‫‪20‬‬ ‫ظ‬
‫‪10‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪15‬‬ ‫الكمية املطلوبة ‪20‬‬

‫مما تقدم نالحظ أن األســباب الرئيســة التي تؤثر في مرونة الطلب هي‪ :‬مدى ضــرورة الســلعة‪،‬‬
‫مدى توفر بدائل قريبة يمكن أن تحل محل السـ ـ ـ ـ ــلعة‪ ،‬ودرجة تكامل السـ ـ ـ ـ ــلعة مع سـ ـ ـ ـ ــلعة أخرى في‬
‫االسـتهالن‪ ،‬أو ما يسـمى الطلب المتالزم (الطلب على السـيارة والطلب على البنزين)‪ .‬كما يعد دخل‬
‫المسـ ـ تهلك من أهم محددات الطلب‪ ،‬حيث إن حجم الطلب على س ــلعة ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم‬
‫دخول المسـ ــتهلكين‪ .‬ونعني بالدخل هنا‪ :‬مجموع القوة الش ـ ـرائية النقدية المتاحة لألفراد والمخص ـ ـصـ ــة‬
‫أساساً للحصول على احتياجاتهم االستهالكية من مختلف السلع والخدمات‪.‬‬
‫‪ -2‬العرل‪:‬‬
‫العرض في الس ــوق هو كمية البض ــائع التي يمكن أن يتزود الس ــوق بها خالل فترة زمنية معينة‬
‫وبثمن معين‪ .‬أما بالنس ــبة لس ــلعة معينة فنن العرض هو عدد الوحدات من هذه الس ــلعة التي تعرض‬
‫للبيع‪ ،‬في زمن معين‪ ،‬بس ـ ـ ـ ـ ـ ــعر معين‪ .‬والجهاز اإلنتاجي والمنتجون هم الذين يعرض ـ ـ ـ ـ ـ ــون الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلع‬
‫والخدمات للبيع‪ .‬والمشـ ــروع عندما يعرض سـ ــلعة معينة فننه يحدد كمية العرض بما يتناسـ ــب وهدف‬
‫المشـ ــروع وهو تحقيق ربح معين من عرض هذه الكمية وبيعها في السـ ــوق‪ .‬ولتحقيق الربح يجب أن‬
‫يزيد س ــعر الس ــلعة على تكاليف اإلنتاج‪ .‬مما تقدم نجد أن العوامل األس ــاس ــية التي تؤثر في العرض‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ -1‬تكااليل اإلنتااج‪ :‬وتتكون عـادة من األجور وثمن المواد األوليـة واآلالت…إلخ‪ .‬ويشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل‬
‫مجموع هذه النفقات "التكاليف اإلجمالية"‪ .‬ونحصـ ــل على متوسـ ــط تكلفة الوحدة الواحدة من حاصـ ــل‬
‫قسمة التكاليف اإلجمالية على عدد الوحدات المنتجة‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ -2‬الثمن‪ :‬حيـث نجـد أن هنـان عالقـة طرديـة بين العرض والثمن‪ ،‬أي أن تغير كـل منهمـا يتم‬
‫باالتجاه نفسـ ـ ـ ـ ــه‪ .‬فنذا ارتفاع السـ ـ ـ ـ ــعر ارتفع العرض‪ ،‬وكذلك إذا انخفض السـ ـ ـ ـ ــعر انخفض العرض‪.‬‬
‫ويمكن توضيح هذه العالقة من خالل المثال التالي‪:‬‬
‫العالقة بين السعر والعرل‬
‫كمية الوحدات المعرورة‬ ‫السعر للوحدة الواحدة (ل‪.‬س)‬
‫‪70‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪150‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪200‬‬ ‫‪15‬‬
‫‪250‬‬ ‫‪20‬‬
‫‪320‬‬ ‫‪25‬‬
‫المصدر‪ :‬أرقام افتراضية‪.‬‬
‫من األرقام الواردة في الجدول نالحظ أن العالقة بين كمية عرض هذه السـ ـ ـ ــلعة عالقة طردية‪.‬‬
‫حيـث نجـد أن كميـة العرض قـد ارتفعـت من ‪ 150‬وحـدة إلى ‪ 200‬وحـدة عنـدمـا ارتفع سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر الوحـدة‬
‫الواحدة من ‪ 10‬ل‪.‬س إلى ‪ 15‬ل‪.‬س‪ .‬ونسـتطيع أن نوضـح هذه العالقة بياناً من خالل األرقام أعاله‬
‫كما يلي‪:‬‬

‫منحنى العرض‬

‫السعر‬

‫كمية السلع المعروضة‬

‫وه ــذا يعني أن منحنى العرض (ع‪ ،‬ع) من خالل عالقت ــه ب ــالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر ينح ــدر من اليمين إلى‬
‫اليس ــار‪ .‬وال بد هنا من اإلش ــارة إلى العرض المتالزم‪ ،‬كما في تالزم عرض البنزين مع س ــعره وتتأثر‬

‫‪143‬‬
‫مرونـة العرض "مـدى تغير العرض تبعـاً لتغير العوامـل المؤثرة فيـه" بـالثمن وإمكـان التخزين ونفقـات‬
‫اإلنتاج‪.‬‬
‫إن الترابط بين العرض والطلب والســعر‪ ،‬كما يظهر بشــكل مباشــر في الســوق‪ ،‬يتضــمن عالقة‬
‫(‪)165‬‬
‫سببية وتناسباً كمية‪ ،‬وهذا ما يسمى قانون العرض والطلب‪ .‬ويمكننا توضيح القانون‪:‬‬
‫‪ -1‬تشكل كميات البضائع التي يمكن ابتياعها في السوق الطلب‪ ،‬ويتناسب عكسياً مع الثمن‪.‬‬
‫‪ -2‬تشكل كمية البضائع التي يمكن تزويد السوق بها العرل‪ ،‬ويتناسب طردياً مع الثمن‪.‬‬
‫وهذا يعني أن حجم الطلب ينخفض حين ارتفاع األسـ ــعار في السـ ــوق‪ ،‬ويزداد حجم الطلب في‬
‫حال انخفاض األسعار‪ .‬أما بالنسبة للعرض فهو يزداد عندما ترتفع أسعار السوق‪ ،‬وينخفض الطلب‬
‫عندما تنخفض األسعار‪.‬‬
‫تبدأ آلية "ميكانيزم" عمل قانون العرض والطلب فعاليتها في سوق المنافسة الحرة الكاملة‪ .‬وهي‬
‫عبارة عن سـ ــوق نموذجية نظرية غير ممكنة التحقيق في عالمنا المعاصـ ــر‪ .‬إلى جانب هذا الشـ ــكل‬
‫من السـوق "سـوق المنافسـة الحرة الكاملة" يوجد شـكل آخر هو السـوق االحتكارية‪ .‬وأشـكال أخرى تقع‬
‫(‪)166‬‬
‫بين هذا السوق وذان مثل سوق المنافسة االحتكارية وسوق منافسة القلة‪.‬‬

‫تاريخ األفكار والوقائع االقتصادية‬

‫‪.S. Szefler is. Marciniak, Ekonomia Polityczna, P.W.N. Warszawa 1974. Str. 150‬‬ ‫(‪ - )165‬أنظر‪:‬‬
‫(‪ - )166‬سبق وتم شرح المنافسة واالحتكار في فصل سابق‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫يبدو تاريخ البشـ ـ ـرية ما هو إال سـ ـ ــلسـ ـ ــلة مترابطة من المراحل التاريخية ولكنها متباينة من حيث‬
‫مس ـ ــتوى التطور االقتص ـ ــادي‪ ،‬لذلك ال بد من تقديم د ارس ـ ــة تاريخية حول تطور األنظمة االجتماعية‬
‫االقتص ـ ــادية التي س ـ ــبقت ظهور األنظمة االقتص ـ ــادية الحديثة (ال أرس ـ ــمالية واالش ـ ــتراكية)‪ ،‬لألس ـ ــباب‬
‫‪167‬‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬ضـرورة د ارسـة المجتمعات االقتصـادية القديمة بهدف معرفة نشـوء الحياة االقتصـادية وتطورها‬
‫االقتصادي عبر التاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬إن معرفة القوانين االقتص ـ ـ ـ ــادية في األنظمة االقتص ـ ـ ـ ــادية القديمة‪ ،‬تس ـ ـ ـ ــاعد على فهم طبيعة‬
‫وقوانين األنظمة االقتصادية الحديثة والظواهر والعالقات االقتصادية المختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬إن د ارسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة األنظمة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية القديمة‪ ،‬يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهم في فهم الكثير من الظواهر والعالقات‬
‫االقتص ـ ــادية القائمة بين العديد من البلدان‪ ،‬مع الوض ـ ــع في الحس ـ ــبان األوض ـ ــاع التاريخية والعالمية‬
‫الراهنة‪.‬‬
‫إن د ارسـ ـ ــة األنظمة االقتصـ ـ ــادية التي سـ ـ ــبقت النظام ال أرسـ ـ ــمالي‪ ،‬وتوضـ ـ ــيح الجوانب والسـ ـ ــمات‬
‫األسـ ــاسـ ــية لهذه األنظمة‪ ،‬أسـ ــهل بكثير من د ارسـ ــة األنظمة االقتصـ ــادية الحديثة‪ ،‬وذلك بسـ ــبب عدم‬
‫تش ـ ـ ـ ــعب العملية االقتص ـ ـ ـ ــادية وتداخلها في هذه األنظمة‪ .‬ومن خالل د ارس ـ ـ ـ ــة تاريخ تطور األنظمة‬
‫االقتصادية االجتماعية تتوضح لنا العالقة بين علم االقتصاد والتاريخ‪.‬‬
‫إن مسـ ـ ـ ـ ــتوى تطور القوى المنتجة في أي تشـ ـ ـ ـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ـ ـ ـ ــادية هو الذي يحدد طابع‬
‫عالقات اإلنتاج السـائدة في ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل هذه التشـكيلة‪ ،‬إلى جانب شـكل ملكية وسـائل اإلنتاج‪ .‬ومن أجل‬
‫وصـ ــف جوهر عالقات اإلنتاج‪ ،‬ال بد‪ ،‬قبل كل شـ ــيء‪ ،‬من تحديد شـ ــكل ملكية وسـ ــائل اإلنتاج‪ ،‬وما‬
‫هو األس ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب الذي اتبع في تحقيق الملكية‪ ،‬ثم كيف يتم توزيع المنتوجات‪ ،‬وأخي اًر تحديد وض ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬
‫مختلف الفئات والطبقات االجتماعية المرتبطة بهذه العوامل وعالقتها المتبادلة أثناء عملية اإلنتاج‪.‬‬

‫الفصل التاسع‬

‫‪167‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.48-47‬‬

‫‪145‬‬
‫أساليب اإلنتاج في األنظمة االقتصادية االجتماعية‬
‫في مرحلة ما قبل الرأسمالية‬
‫المبحث األول – النظام المشاعي البدائي‪:‬‬

‫لقد أوضح أنجلز أن جميع األمم والشعوب تتطور بصورة رئيسة‪ ،‬مجتازة المراحل الرئيسة نفسها‬
‫لإلنتاج االجتماعي‪ ،‬وأنه ال فرق بين ش ـ ـ ــعب وآخر‪ ،‬وال يوجد ش ـ ـ ــعوب غير تاريخية أو عروق دنيا‪.‬‬
‫وتش ــير الد ارس ــات العلمية إلى أن عمر المجتمع البش ــري على كوكبنا يزيد على خمس ــة ماليين عام‪،‬‬
‫وتشكل العشرة آالف سنة األخيرة أو التسعة‪ ،‬مرحلة ما بعد المجتمع البدائي (المشاعي)‪ .‬وبذلك يعد‬
‫النظام المشاعي البدائي المرحلة األولى واألطول في تاريخ البشرية‪ ،‬والتي استمرت ماليين السنين‪.‬‬
‫(وينقســم تطور االقتصــاد في المجتمع البدائي إلى مرحلتين في رأي إنجلز‪ :‬المرحلة األولى ‪-‬‬
‫التي سـ ـ ـ ــاد فيها تملك المنتجات الطبيعية الجاهزة لالسـ ـ ـ ــتعمال‪ ،‬أو مرحلة االقتصـ ـ ـ ــاد االسـ ـ ـ ــتهالكي‪،‬‬
‫والمرحلة الثانية ‪ -‬التي تحققت فيها معرفة تربية الماشـ ـ ـ ــية وزراعة األرض‪ ،‬وقد تعلم اإلنسـ ـ ـ ــان منها‬
‫أو مرحلة االقتصــاد التكاثري‪ .‬وفي‬ ‫‪168‬‬
‫طرائق لزيادة إنتاجية الطبيعة من خالل النشــاط اإلنســاني‪،‬‬
‫ســياق هاتين المرحلتين تقدم التنظيم االجتماعي للمجتمع البدائي من " القطيع البشــري البدائي " إلى‬
‫تطور الجماعة القبلية ومن ثم الجوارية " اإلقليمية "‪ ،‬وهي طريقة للتطور آلت بصـ ـ ـ ـ ــورة طبيعية إلى‬
‫‪169‬‬
‫ظهور الطبقات والتناحرات في المجتمع)‪.‬‬
‫ويمكننا توضــيح القوانين والعالقات االقتصــادية العامة التي حددت الســمات األســاســية المشــتركة‬
‫‪170‬‬
‫القتصاديات المجتمعات البدائية وفقاً لما يأتي‪:‬‬
‫– انخفاض مستوى القوى المنتجة‪.‬‬
‫– العالقات االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية حددت الملكية الجماعية لوس ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج في المش ـ ـ ـ ـ ــاعية‪ ،‬وكانت‬
‫األرض والموجودات وغيرها ملكاً للجميع‪.‬‬
‫– كان هدف العملية اإلنتاجية في المجتمع البدائي هو إش ــباع الحاجات المباشـ ـرة والض ــرورية‬
‫لضمان بقاء واستمرار الفرد واألسرة أو العشيرة على قيد الحياة‪.‬‬
‫– يقوم أعضـ ـ ـ ــاء المشـ ـ ـ ــاعة بالعمل مجتمعين ومتضـ ـ ـ ــامنين (التعاون البسـ ـ ـ ــيط)‪ ،‬وإال خسـ ـ ـ ــروا‬
‫معركتهم في السيطرة على الطبيعة‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫‪ -‬فريدريك انجلز "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"‪ ،‬في كتاب كارل ماركس وفريدريك انجلز‪ ،‬المؤلفات المختارة‪ ،‬المجلد الثالث‪،‬‬
‫دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪ ،1976‬ص‪.209‬‬
‫‪169‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬مجموعة من المؤلفين السوفييت‪ ،‬ترجمة د‪ .‬فؤاد أيوب‪ ،‬دار دمشق للطباعة والنشر‪،‬‬
‫دمشق ‪ ،1985‬ص‪.32‬‬
‫‪170‬‬
‫‪S. Szefler i s. Marciniak, Ekonomia Ploityczna, P.W.E., Warszawa 1974. Str. 46.‬‬ ‫‪ -‬انظر‪:‬‬

‫‪146‬‬
‫– كـانـت كميـات اإلنتـاج قليلـة جـداً‪ ،‬بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـب انخفـاض إنتـاجيـة العمـل‪ ،‬بحيـث ال ينتج الفرد إال‬
‫الحد األدنى الضروري للبقاء وبذلك ال يستطيع أحد أن يستولي على نتائج عمل اآلخرين‪.‬‬
‫اساااااتهالال)‪ ،‬أي االكتفاء الذاتي‬ ‫توزيع‬ ‫– س ـ ـ ــيطرة االقتص ـ ـ ــاد الطبيعي (إنتاج‬
‫وانعدام التبادل‪.‬‬
‫– التوزيع المتساوي للمنتجات بين أفراد الجماعة البدائية‪.‬‬
‫(إن القانون االقتصادي األساسي في المجتمع البدائي كان إشباع الحاجات المباشرة والضرورية‬
‫لبقاء الجماعة والفرد معاً‪ .‬فالغاية األسـاسـية من اإلنتاج هي ضـمان بقاء واسـتمرار الجماعة البدائية‪.‬‬
‫وفي ظروف انخفاض مسـ ــتوى وسـ ــائل العمل وبالتالي إنتاجية العمل كان تضـ ــامن وتعاون الجماعة‬
‫البدائية أم اًر محتماً لمواجهة الطبيعة وتأمين الحد األدنى الض ـ ـ ـ ــروري للبقاء فقد كان اإلنس ـ ـ ـ ــان الفرد‬
‫مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلرادة أمـام قوى الطبيعـة وكـانـت جمـاعيـة العمـل والملكيـة االجتمـاعيـة لوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج‬
‫والتسـ ــاوي في توزيع المنتجات تفرض كلها حتمية الحياة المشـ ــتركة في كل متماسـ ــك دون حدود بين‬
‫‪171‬‬
‫الفرد والجماعة)‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫أوالً ‪ -‬المشاعية البدائية أول تشكيلة اجتماعية اقتصادية‪:‬‬
‫تعد المشـ ــاعية البدائية أول تشـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ــادية في التاريخ‪ .‬وكانت أدوات اإلنتاج التي‬
‫اسـ ـ ــتخدمها اإلنسـ ـ ــان في النظام المشـ ـ ــاعي البدائي بسـ ـ ــيطة وبدائية جداً‪ ،‬كالهراوة‪ ،‬والفأس الحجرية‪،‬‬
‫والقوس والنش ـ ـ ـ ــاب‪ ...‬إلخ‪ .‬كما كانت مهارات العمل وخبرة األفراد ومعارفهم قليلة وبدائية جداً‪ .‬لذلك‬
‫لم يكن بوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األفراد أن يواجهوا قوى الطبيعة إال بتجميع جهودهم وتض ــافرها‪ .‬لذلك كان األفراد‬
‫يعيش ـ ـ ـ ــون في مش ـ ـ ـ ــاعات قبلية متوحدين حس ـ ـ ـ ــب قرابة الدم‪ ،‬تس ـ ـ ـ ــيطر عليهم عادات وتقاليد متخلفة‬
‫وســاذجة‪ .‬وكانت المحاصــيل تقســم بين أفراد المشــاعة بالتســاوي‪ ،‬وهي ال تكاد تكفي حاجة اإلنســان‪،‬‬
‫لـذلـك لم يكن هنـان فـائض من المحـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـل يمكن انت ازعـه من اآلخرين‪ ،‬أو تفـاوت اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي أو‬
‫‪173‬‬
‫عالقات استغالل في المجتمع‪.‬‬
‫لقد كان النظام المش ـ ــاعي البدائي يتطور ويتغير ببطء كبير‪ .‬وكان اكتش ـ ــاف النار واسـ ـ ـ تخدامها‬
‫مرحلة بالغة األهمية في تطور المجتمع البشـ ــري‪ .‬وانتقل األفراد من اسـ ــتخدام أدوات العمل الحجرية‬
‫‪174‬‬
‫عندما‬ ‫والخشبية إلى األدوات المعدنية بعد أن تم اختراعها‪ .‬وظهر تقسيم اجتماعي جديد للعمل‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ -‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.53-52‬‬
‫‪172‬‬
‫‪ -‬انظر المصدر السابق ص‪.57-49‬‬
‫‪173‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬بريشكينا وزيركين وباكوفليفا‪ ،‬ما هي المادة التاريخية‪،‬دار التقدم موسكو‪ ،1986‬ص‪.79-77‬‬
‫‪174‬‬
‫‪ -‬أول تقسيم طبيعي للعمل في تاريخ البشرية‪ ،‬كان تقسيم العمل بين الرجل والمرأة‪ ،‬وفقاً للطبيعة الفيزيولوجية لكل منهما‪ ،‬وحسب السن‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫انفصــل الرعي عن الزراعة‪ .‬ثم ظهرت الحرفة التي أخذت تســهم في صــناعة أدوات العمل واأللبســة‬
‫‪175‬‬
‫واألحذية واألسلحة التي يستخدمها اإلنسان في تلبية حاجته لألمن والغذاء‪.‬‬
‫اســتخدم اإلنســان البدائي الحجر لمدة طويلة جداً كمادة رئيســة لصــنع األدوات التي يحتاج إليها‬
‫إلى جانب األخش ــاب والعظام والقرون‪ .‬وعندما اكتش ــف اإلنس ــان النار والمعدن تعلم األفراد ص ــناعة‬
‫األدوات من فلزات النحاس الخام‪ ،‬ومن ثم من البرونز‪ ،‬وأخي اًر من الحديد‪ .‬وتم تقس ـ ـ ـ ــيم مجمل الفترة‬
‫التاريخية الطويلة التي سبقت مرحلة التاريخ المدون إلى ثالثة عصور‪:‬‬
‫العصر الحجري‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫العصر البرونزي‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫العص ـ ــر الحديدي‪ .‬نس ـ ــبة للمادة التي كان يس ـ ــتخدمها اإلنس ـ ــان في ص ـ ــنع أدواته‪ .‬وقد‬ ‫(‪)3‬‬
‫اسـتمر كل عصـر من هذه العصـور قروناً طويلة‪ ،‬أما العصـر الحجري فقد امتد ماليين من السـنين‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫لقد كان اإلنجاز العظيم الذي حققه اإلنس ـ ـ ــان البدائي‪ ،‬هو اكتش ـ ـ ــاف النار وطرائق اس ـ ـ ــتخدامها‬
‫المفيدة في المجاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬اس ـ ــتخدامها في تحض ـ ــير الطعام‪ ،‬مما أدى إلى تزايد عدد األدوات المس ـ ــتخدمة في تحض ـ ــير‬
‫طعامه وتناوله‪.‬‬
‫‪ -‬استخدامها لمساعدته على صنـ ـ ـ ــع األدوات‪ ،‬األمر الذي أدى إلى تحسين نوعية هذه األدوات‬
‫بشكل دائم ومستمر‪.‬‬
‫‪ -‬كما استخدم اإلنسان البدائي النار للدفاع عن نفسه‪ ،‬وحمايته من الحيوانات المفترسة‪.‬‬
‫وهكذا ظهرت بش ـ ـ ـ ـ ــكل تدريجي ومتتابع أدوات جديدة اس ـ ـ ـ ـ ــتخدمها اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان كالس ـ ـ ـ ـ ــكين والرمح‬
‫والبلطة‪ ...‬إلخ‪ .‬مما أعطى اإلنســان إمكان صــيد الحيوانات كبيرة الحجم‪ ،‬لتلبية الحاجات الضــرورية‬
‫لبعض المجموعات البشرية‪.‬‬
‫وعندما اكتش ـ ـ ـ ــف اإلنس ـ ـ ـ ــان المعادن (النحاس والحديد)‪ ،‬بدأت األدوات المص ـ ـ ـ ــنوعة من الحجر‬
‫تختفي أول بأول لتحـ ـ ـ ـ ـ ــل محلها األدوات المصنوعة من المعادن‪ .‬كما كان اكتشاف القوس والنشاب‬
‫خطوة مهمة على طريق ص ـ ـ ـراع اإلنس ـ ـ ــان مع الطبيعة وإمكان الس ـ ـ ــيطرة عليها‪ .‬ومع تطور عمليات‬
‫الص ـ ـ ـ ـ ـ ــيد بدأت عمليات تدجين الحيوانات وتربيتها‪ ،‬األمر الذي كان وما يزال له األثر اإليجابي في‬
‫حياة اإلنسـ ــان وتأمين ما يحتاج إليه‪ .‬أما التطور اآلخر المهم على صـ ــعيد نمو القوى المنتجة‪ ،‬فهو‬
‫‪177‬‬
‫الزراعة التي أخذ اإلنسان يزاولها على ضفاف األنهار والبحيرات‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬مراحل تطور النظام المشاعي البدائي‪:‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬ليونتيف موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.23‬‬
‫‪177‬‬
‫‪ -‬انظر‪J. Nowickil, Zarys Ekonomia Polityczna Kapitalzu, P.W.E, Warszwa 1971. S. 182-183 :‬‬

‫‪148‬‬
‫يمكننا تقسيم نشوء النظام المشاعي البدائي وتطوره الطويل إلى عدة مراحل أهمها‪:‬‬
‫‪ - 1‬المجتمع ما قبل العشائري أو (القطيع البدائي)‪.‬‬
‫‪ - 2‬مرحلة العشائرية أو المشاعية العشائرية وتنقسم بدورها إلى مرحلتين‪:‬‬
‫• المشاعية العشائرية األمومية‪.‬‬
‫• المشاعية العشائرية األبوية‪.‬‬
‫‪ - 3‬المشاعية الزراعية‪.‬‬
‫وتشـ ــير وجهة النظر الماركسـ ــية إلى نشـ ــوء المجتمع البشـ ــري وتطوره كما يأتي (‪ ..‬لقد انقضـ ــت‬
‫ماليين السني ــن قبل أن انفصل اإلنسان عن عالم الحيوان‪ ،‬واضطلع العمل بالدور الحاسم في تحول‬
‫القرد الشــبيه باإلنســان إلى إنســان‪ ،‬وفي نشــوء المجتمع وتشــكله‪ .‬وإن العمل المشــترن‪ ،‬وصــنع أدوات‬
‫العمل والكلمات المقطعة المفه ــومة‪ ،‬كل ذلك ساهم في تطور اإلنسان وال سيما في نمو دماغ رأسه‪.‬‬
‫وبالتدرج تحول قطيع القردة الشـ ـ ــبيهة باإلنسـ ـ ــان إلى قطيع بدائي من الناس‪ ،‬وبدأ هذا القطيع بننتاج‬
‫‪178‬‬
‫وتسـمى مرحلة تحول قطيع القردة الشـبيهة‬ ‫المنتجات بتأثيره في الطبيعة بوسـاطة أدوات العمل)‪.‬‬
‫باإلنسان إلى قطيع من الناس‪ ،‬عبر مرحلة المجتمع ما قبل العشائري‪ ،‬أو " القطيع البدائي "‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن تكونت العشاايرة أو المشاااعة العشااائرية‪ ،‬التي أض ــحت الخلية األس ــاس ــية في‬
‫المجتمع البدائي‪ .‬لقد كانت العشـ ـ ـ ـ ـ ــيرة تضـ ـ ـ ـ ـ ــم مجموعة من الناس تربطهم قرابة الدم‪ .‬وكانت تجتمع‬
‫عادة عدة عشــائر لتكون فيما بينها القبيلة‪ ،‬ويقوم األفراد ضــمن القبيلة بالعمل المشــترن إضــافة إلى‬
‫أن ملكية وسـائل اإلنتاج كانت ملكية مشـتركة‪ ،‬وتوزع المنتجات‪ ،‬حصـيلة العمل المشـترن‪ ،‬بالتسـاوي‬
‫بين أعضاء المشاعة وتستهلك داخل المشاعة‪ .‬وهذا ما يسمى االقتصاد الطبيعي‪:‬‬
‫استهالال‬ ‫توزياع‬ ‫إنتااج‬

‫وكانت النســاء يشــغلن مواقع الســيادة في حياة المشــاعة العشــائرية في المرحلة األولى‪ ،‬لما للمرأة‬
‫من دور اقتصـ ـ ـ ــادي أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــي في تأمين حاجات األسـ ـ ـ ـرة‪ ،‬وسـ ـ ـ ــميت هذه المرحلة مرحلة العشااااايرة‬
‫األمومية‪ .‬وعندما تم التحول إلى المش ـ ـ ـ ــاعة الزراعية أص ـ ـ ـ ــبح الرجال يقومون بأعمال الرعي وحراثة‬
‫األرض وانتقل الدور االقتصـ ــادي األسـ ــاسـ ــي من المرأة إلى الرجل‪ ،‬كما أدى تقسـ ــيم العمل إلى زيادة‬
‫اإلنتـاجيـة وزيـادة كميـة اإلنتـاج من السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع والخيرات‪ ،‬لـذلـك أخلـت األمومـة المكـان لألبوة‪ ،‬وظهرت‬
‫‪179‬‬
‫العشيرة األبوية‪ .‬وأصبح األوالد ينسبون إلى األب بعد أن كانوا ينسبون إلى األم‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ -‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.186‬‬
‫‪179‬‬
‫‪ -‬المصدر سابق ص ‪.193‬‬

‫‪149‬‬
‫ثم أخذت العشــيرة تنقســم إلى أســر‪ ،‬تتبعثر بدورها إلى خاليا أس ـرية فردية صــغيرة‪ .‬ونتيجة لذلك‬
‫بدأت المشـاعة العشـائرية تتحول تدريجياً إلى مشـاعات زراعية متجاورة‪( .‬وخالفاً للمشـاعة العشـائرية‬
‫كانت المشـاعة الزراعية تتألف ليس فقط من األسـر التي تربطها أواصـر القرابة‪ ،‬بل من األسـر التي‬
‫ليس بينها قرابة والتي كانت تمارس االقتصــاد بصــورة مســتقلة على قطع األ ارضــي المخصـصــة لها‪.‬‬
‫وتحول البيت والحوش التابع له إلى ملكية خاصـ ــة لزارع األرض) ‪ ...180‬ونظ اًر ألن زراعة األرض‪،‬‬
‫وجمع المحصـ ـ ــول أخذت تتوالهما أسـ ـ ــر منفردة مسـ ـ ــتقلة‪ ،‬أصـ ـ ــبحت السـ ـ ــلع والمنتجات من حق هذه‬
‫األسـ ـ ــر‪ ،‬ولم تعد تذهب إلى " القدر الواحدة " لتوزع بالتسـ ـ ــاوي بين أعضـ ـ ــاء المشـ ـ ــاعة‪ .‬وأصـ ـ ــبحت‬
‫األسـرة الفردية هي الخلية االقتصـادية األسـاسـية في المجتمع‪ .‬وبدأت تظهر الملكية الخاصـة لوسـائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬كما ظهر فائض اإلنتاج وظهرت عملية التبادل‪ ،‬وتم التحول من االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الطبيعي إلى‬
‫االقتصاد التبادلي‪:‬‬
‫استهالال‬ ‫توزياع‬ ‫تبادل‬ ‫إنتااج‬
‫ولكن يبقى القانون االقتص ـ ـ ـ ـ ــادي األس ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ــي للمجتمع البدائي بمراحله كافة هو‪ :‬تأمين وجود‬
‫المشــاعة لكل عضــو من أعضــائها بوســاطة العمل المشــترن والتوزيع المتســاوي‪ .‬أو كما يقول يوري‬
‫بوبوف (القانون االقتص ــادي األس ــاس ــي للمجتمع المش ــاعي البدائي‪ ،‬قانون حركته وتطوره‪ ،‬هو إنتاج‬
‫‪181‬‬
‫الوسائل الضرورية حياتياً من أجل التلبية المباشرة لحاجات المشاعة العشائرية وأفرادها‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬أسلوب اإلنتاج في المشاعية البدائية‪:‬‬
‫تعد المشـ ـ ــاعية البدائية أول تشـ ـ ــكيلة اقتصـ ـ ــادية اجتماعية ظهرت في المجتمع البشـ ـ ــري‪ .‬ويتميز‬
‫أسلوب اإلنتاج في النظام المشاعي بالسمات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج الرئيسة‪.‬‬
‫‪ -2‬نمط إنتاج تعاوني ‪ -‬جماعي‪.‬‬
‫‪ -3‬القوى المنتجة بسيطة وضعيفة التطور‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم وجود فائض إنتاج‪.‬‬
‫(وتتجسـ ـ ـ ـ ــد المشـ ـ ـ ـ ــاعية البدائية في مجتمعات بال طبقات حيث تكتسـ ـ ـ ـ ــب العالقات األسـ ـ ـ ـ ـرية‪،‬‬
‫وعالقات القربى أهمية كبيرة‪ ...‬وبما أنه ال يوجد استغالل للبشر من قبل غيرهم من البشر‪ ،‬ال توجد‬
‫دولة وال نظام قانوني ‪ -‬حقوقي يعمل على تكريس الملكية الخاص ـ ـ ــة وحمايتها‪ .‬إن العادات والتقاليد‬
‫هي التي تنظم الحياة ض ـ ـ ــمن المش ـ ـ ــاعة‪ .‬وتكتس ـ ـ ــب قيادة المش ـ ـ ــاعة ش ـ ـ ــكالً ديمقراطياً مع دور بارز‬
‫‪182‬‬
‫للمسنين)‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص‪.195‬‬
‫‪181‬‬
‫‪ -‬يوري بوبوف‪ ،‬دراسات في االقتصاد السياسي‪ ،‬المصدر السابق ص‪.68‬‬
‫‪182‬‬
‫‪ -‬الموسوعة االقتصادية‪ ،‬مجموعة من االقتصاديين‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت ‪ ،1980‬ص‪.453‬‬

‫‪150‬‬
‫لقد اتص ــف مجتمع المش ــاعة البدائية باالس ــتخدام المش ــترن ألدوات العمل‪ ،‬وذلك لس ــببين األول‪:‬‬
‫ضـ ـ ـ عف مس ـ ــتوى تطور القوى المنتجة‪ ،‬والثاني‪ :‬لوال النش ـ ــاط المش ـ ــترن والعمل الجماعي لألفراد في‬
‫المجتمع البدائي لما اسـ ــتطاعوا أن يضـ ــمنوا ألنفسـ ــهم تأمين وسـ ــائل المعيشـ ــة األكثر ضـ ــرورة لحياة‬
‫الفرد‪( .‬وكان النش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط المشـ ــترن في العمل للناس البدائيين يتحقق على أسـ ــاس التعاون البسـ ــيط‪:‬‬
‫مشـ ـ ـ ـ ـ ــاركة هذا العدد أو ذان من الناس معاً في العملية اإلنتاجية الموحدة مثل الصـ ـ ـ ـ ـ ــيد المشـ ـ ـ ـ ـ ــترن‬
‫‪183‬‬
‫لقد كانت إنتاجيـة العمل متدنية جداً في مجتمع المشاعية البدائية‪ .‬لذلك‬ ‫والزراعة البدائية‪ ،‬إلخ)‪.‬‬
‫كانت كميات اإلنتاج قليلة والتوزيع المتساوي هو الشكل الوحيد لتوزيع المنتجات‪.‬‬
‫ظلت عالقات اإلنتاج في التشكيلة المشاعية البدائية متوافقة إلى حد ما مع مستوى تطور القوى‬
‫المنتجة ودرجته‪ .‬ومنذ أن بدأ اإلنس ـ ــان باس ـ ــتخدام األدوات المص ـ ــنوعة من المعادن " الحديد" أخذت‬
‫القوى المنتجة تنـ ــمو وتزداد بسرعة أكبر من نمو عالقات اإلنتاج في المشاعية البدائية‪ .‬وأصبح من‬
‫الممكن‪ ،‬بوسـ ــاطة األدوات المعدنية أن تقوم األسـ ـرة الواحدة بالعمل‪ ،‬ولم يعد من الضـ ــروري اجتماع‬
‫العشـ ــيرة المشـ ــاعية للقيام باألعمال اإلنتاجية‪ .‬وهكذا ظهرت الملكية الفردية لوسـ ــائل اإلنتاج‪ ،‬وبدأت‬
‫الملكية المشــاعية للعشــيرة تختفي أول بأول‪ ،‬ويختفي معها العمل الجماعي‪ .‬وأصــبح المحصــول من‬
‫نص ــيب بعض األس ــر بعد أن س ــقطت العش ــيرة‪ .‬وأض ــحت األس ــر هي التي تملك األرض والمواش ــي‬
‫ولم تعد هنان حاجة إلى‬ ‫‪184‬‬
‫وأحياناً الغابات والمياه ووس ـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج األخرى بدالً من العش ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة‪.‬‬
‫ممارســة االســتثمار المشــترن الموحد‪ ،‬فتحللت العشــيرة وانقســمت إلى أســر‪ .‬وصــارت كل أس ـرة وحدة‬
‫اقتصـ ـ ـ ـ ــادية مسـ ـ ـ ـ ــتقلة‪ .‬ومع تطور القوى المنتجة‪ ،‬وظهور تقسـ ـ ـ ـ ــيم العمل االجتماعي‪ ،‬ظهر المنتوج‬
‫‪185‬‬
‫وظهر التفاوت االقتصادي بين األفراد‪.‬‬ ‫الفائض‪،‬‬
‫لقد أدى تطور األدوات التي اس ــتخدمها اإلنس ــان البدائي إلى تقس ــيم العمل الطبيعي‪ ،‬أي تقس ــيم‬
‫العمل حس ـ ــب الس ـ ــن والجنس (امرأة أو رجل)‪ .‬حيث أص ـ ــبح الرجل يقوم بعمليات الص ـ ــيد‪ ،‬أما المرأة‬
‫فهي تقوم بـأعمـال جمع الثمـار‪ ،‬ز ارعـة األرض وتربيـة الحيوانـات المـدجنـة‪ .‬ممـا أدى إلى نمو إنتـاجيـة‬
‫العمل وتزايدها في العشيرة الواحدة‪ .‬ومع تطور الزراعة وتربية الحيوانات‪ ،‬ظهر أول تقسيم اجتماعي‬
‫للعمل‪.‬‬
‫وانقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمت القبائل إلى قبائل رعوية‪ ،‬وقبائل تعمل في الزراعة‪ .‬وظهرت زيادة كبيرة في إنتاجية‬
‫العمـل لـدى الرعـاة والمزارعين‪ ،‬ممـا أدى إلى ظهور فـائض اإلنتـاج لـدى كـل منهمـا‪ ،‬األمر الـذي دعـا‬

‫‪183‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.188‬‬
‫‪184‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬المصدر السابق‪J. Nowicki , Cit. S. 183 :‬‬
‫‪185‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬بريشكينا وزيركين وباكوفليفا‪ ،‬ما هي المادة التاريخية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1976‬ص‪.79‬‬

‫‪151‬‬
‫إلى ض ــرورة قيام عملية المبادلة إلى جانب تطور الرعي والزراعة‪ ،‬بدأت تظهر وتتطور الحرفة التي‬
‫‪186‬‬
‫أصبحت منتجاتها مادة للمبادلة أيضاً‪.‬‬

‫السمات األساسية ألسلوب اإلنتاج في المشاعية البدائية‬

‫‪ -‬الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج‪.‬‬


‫‪ -‬ال وجود للطبقات‪.‬‬
‫‪ -‬ال وجود الستغالل اإلنسان لإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬التوزيع المتساوي للمنتجات‪.‬‬

‫االقتصاد الجماعي في المشاعية البدائية‬

‫الزراعة‬ ‫تربية الماشية‬

‫اإلنتاج الحرفي‬

‫رابعاً ‪ -‬ظهور الملكية الخاصة ‪ -‬المجتمع الطبقي واالستغالل االجتماعي‪:‬‬


‫تكمن أسـ ــباب تحلل النظام المشـ ــاعي البدائي وهالكه في تطور القوى المنتجة للمجتمع ونموها‪.‬‬
‫ومع نمو القوى المنتجة أخذ اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــان البدائي ينعتق من الس ـ ـ ـ ـ ـ ــيطرة غير المحدودة للطبيعة‪ ،‬ولكن‬
‫بصـورة بطيئة تدريجية‪( ،‬كما كان يجري إلى جانب ذلك تصـدع عالقات اإلنتاج القائمة على ارتباط‬
‫الناس المحكم بأسرة العمل)‪.‬‬
‫ويمكنن ــا تحديد أهمي ــة العوامل التي أدت إلى تفس ــخ عالقات اإلنت ــاج المشاعية البدائية و تحللها‬
‫وفقاً لما يأتي‪:‬‬
‫‪ )1‬تطور مسـ ــتوى قوى اإلنتاج‪ ،‬وظهور المنتوج الفائل وهو المنتوج الفائض عما يلزم لإلبقاء‬
‫على حياة الفرد المنتج وأسرته‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ -‬انظر المصدر السابق ‪.J. Nowicki S. 183‬‬

‫‪152‬‬
‫‪ )2‬التحول من العمل الجماعي المشـ ـ ـ ــترن إلى العمل الفردي‪ ،‬بسـ ـ ـ ــبب تخصـ ـ ـ ــص أدوات العمل‬
‫ووسائله وامتالن األفراد لها‪.‬‬
‫‪ )3‬انتهان التوزيع المتساوي لمنتوجات العمل بين أفراد الجماعة البدائية وظهور مبدأ " من يقدم‬
‫أكثر للمشاعية يحصل على كميات أكبر من المنتوج " مما أدى إلى ظهور التفاوت االقتصادي‪.‬‬
‫‪ )4‬التناقضـ ـ ـ ـ ـ ــات بين القوى المنتجة الجديدة وعالقات اإلنتاج الموروثة‪ .‬حيث أدى تطور القوى‬
‫المنتجة في المشـ ـ ــاعية البدائية إلى نشـ ـ ــوء عدم توافق بين عالقات اإلنتاج والمسـ ـ ــتوى الجديد لتطور‬
‫القوى المنتجة‪.‬‬
‫وظهرت الملكية الخاص ـ ـ ــة في بادئ األمر في مجال تربية الحيوانات وامتالن الماش ـ ـ ــية وبعض‬
‫األواني المنزليـة‪ ،‬ووس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل العمـل الفردي‪ .‬وظهر كـذلـك طراز جـديـد من التبـادل وهو التبـادل بين‬
‫األسر داخل المشاعية الواحدة‪ .‬وظهر الرقيق وظهرت الطبقات‪.‬‬
‫إن الملكية الخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة لوسـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج تولد التفاوت االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي بين األفراد‪ .‬وأخذت تتكون‬
‫بالتدريج الطبقة المسيطرة من أصح ـ ـ ـ ـ ـ ــاب الملكية الخاصة الكبار أمثال زعماه القبائل ورجال الدين‬
‫وقادة الجي ‪ ،‬الذين بدؤوا باسـتغالل نفوذهم بهدف زيادة ثرواتهم وملكيتهم من وسـائل اإلنتاج‪ .‬ومن‬
‫خالل القاعدة التي اتبعها هؤالء‪ ،‬في الحص ــول على الجزء األساسي من الملكية المشتركة‪ ،‬أصبحوا‬
‫مميزين من بقية األفراد في المشـاعية‪ .‬وهنا ظهر نوع من األرسـتقراطية العشـائرية التي أضـحت فيما‬
‫‪187‬‬
‫بعد متوارثة‪ ،‬بحيث تنتقل الثروة والجاه من األب إلى االبن‪.‬‬
‫ومع تطور القوى المنتجة في ظروف الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج ظهر إمكان إنتاج كميات‬
‫أكبر من السـ ـ ـ ـ ــلع‪ .‬وزادت كميات السـ ـ ـ ـ ــلع المنتجة وأصـ ـ ـ ـ ــبحت أكبر بكثير مما كانت عليه في حال‬
‫اإلنتاج من أجل تلبية حاجات اإلنســان الســتمرار حياته‪ .‬لذلك ظهر إمكان حدوث االســتغالل‪ ،‬وهذا‬
‫يعني االس ــتيالء على نتائج عمل اآلخرين‪ ،‬أي اإلنتاج الفائض وفي مثل هذه األوض ــاع أص ــبح من‬
‫األفضـ ـ ـ ــل واألكثر فائدة إرغام األسـ ـ ـ ــرى على العمل واإلنتاج‪ ،‬بدالً من قتلهم‪( .‬تحويل األسااااارى إلى‬
‫عبياد)‪ .‬وكلما زاد عدد العبيد زادت كمية اإلنتاج الفائض‪ .‬ولهذا أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح امتالن العبيد يعطى ريعاً‬
‫للمالك‪ .‬مما أدى إلى تزايد التفاوت االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي بين أفراد المجتمع‪ ،‬وظهور األغنياء والفقراء‪ .‬وتم‬
‫تقسـ ـ ـ ــيم المجتمع إلى أسـ ـ ـ ــياد وعبيد‪ ،‬ليحل محل النظام المشـ ـ ـ ــاعي البدائي‪ ،‬مجتمع طبقي قائم على‬
‫أساس استغالل اإلنسان ألخيه اإلنسان‪ ،‬هو النظام العبودي‪.‬‬
‫لقـد أدى تطور القوى المنتجـة في المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعيـة البـدائيـة إلى اختفـاء عال ـق ات اإلنتـاج المميزة لهـذا‬
‫النظام‪ ،‬بشكل تدريجي‪ .‬وبدأ المجتمع ينقسم أول بأول إلى طبقتين اجتماعيتين‪:‬‬
‫‪ -1‬طبقة مالكي العبيد " السادة "‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫‪ -‬انظر ‪ -‬يوري بوبوف‪ ،‬دراسات في االقتصاد السياسي اإلمبريالية والبلدان النامية‪ ،‬دار التقدم موسكو‪ ،1984‬ص‪.70-69‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ -2‬طبقة العبيد‪.‬‬
‫كما برزت مجموعة أس ـ ــاس ـ ــية ثالثة من الناس‪ ،‬هم المش ـ ــاعيون األحرار الذين يملكون اقتص ـ ــاداً‬
‫صغي اًر يقوم على العمل الشخصي والملكية الصغيرة ألدوات اإلنتاج ووسائله‪.‬‬
‫وظهرت بشـ ــكل واضـ ــح عملية اسـ ــتغالل إنسـ ــان من قبل إنسـ ــان آخر‪ .‬وأخذ العمل الفردي يحل‬
‫محــل العمــل الجمــاعي‪ .‬وحــل االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل محــل التوزيع العــادل‪ .‬وبــدأ الحــديــث عن نوع جــديــد من‬
‫عالقات اإلنتاج أي النظام الطبقي‪ .‬لقد ولى زمان المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة البدائية نهائياً وأخذت تتكون عالقات‬
‫اقتصادية اجتماعية جديدة ممهدة لقيام نظام اقتصادي اجتماعي جديد على أنقاض النظام المشاعي‬
‫البدائي‪ ،‬هو نظام الرق أو النظام العبودي‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬نظام الرق أو النظام العبودي‪:‬‬


‫يعد النظام العبودي الذي حل محل النظام المش ـ ـ ـ ـ ــاعي البدائي‪ ،‬أول نظام يقوم على اس ـ ـ ـ ـ ــتغالل‬
‫اإلنسـ ـ ـ ـ ــان ألخيه اإلنسـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬والتناحر الطبقي في التاريخ‪ .‬وكانت العبودية في أول مراحلها تسـ ـ ـ ـ ــمى‬
‫"العبودياة البطريركياة" أو العبوديـة البيتيـة‪ ،‬حيـث كـان عـدد العبيـد قليالً‪ ،‬وكـان مـالـك العبيـد "السااااااا اياد"‬
‫يشـ ـ ــتغل مع عبيده أحياناً‪ ،‬ولم يقتصـ ـ ــر العمل في هذه المرحلة على العبيد وحدهم‪ .‬وارتدت العبودية‬

‫‪154‬‬
‫البطريريكية طابعاً محدوداً وغير متطور‪ ،‬ألس ـ ـ ـ ــباب متعددة‪ :‬أوالً ‪ -‬ألن قوة عمل العبيد لم تكن تعد‬
‫القوى األسـاسـية في اقتصـاد " المشـاعة " الجماعة‪ ،‬وثانياً ‪ -‬لم يكن العبيد من األنسـباء واألقارب بل‬
‫كانوا أســرى حرب‪ ،‬وثالثاً ‪ -‬لم تكن تجارة العبيد قد تطورت بعد‪ .‬ولكن حتى في هذه األوضــاع كان‬
‫عمـل العبيـد يؤدي إلى اغتنـاء مـالكيهم وازداد التفـاوت في الملكيـة والثروات‪ .‬وأخـذ وجهـاء العشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائر‬
‫األغنياء يحولون أفراد عشـ ــائرهم الذين حل بهم الفقر ووقعوا في شـ ــرن تبعية الديون إلى عبيد وليس‬
‫‪188‬‬
‫أسرى الحرب فقط‪.‬‬
‫لقد كان العامل الرئيس في التحول من أسـ ـ ــلوب اإلنتاج المشـ ـ ــاعي البدائي إلى أسـ ـ ــلوب اإلنتاج‬
‫العبودي‪ ،‬التطور الكبير والمس ـ ـ ــتمر للقوى المنتجة‪ .‬وأحدث اكتش ـ ـ ــاف ص ـ ـ ــب الحديد وتعدينه انقالباً‬
‫جذرياً في تطور عملية اإلنتاج‪ .‬حيث أمكن ص ــناعة أدوات حديدية الس ــتخدامها في العمل‪ ،‬كالفأس‬
‫والمحراث ذي السكة الحديدية التي تخدم مدة أطول‪ .‬إن صناعة هذه األدوات من المعدن كان يعني‬
‫بداية تطور الحرفة والحرفيين‪.‬‬
‫اسـ ــتهل النمط العبودي لإلنتاج تاريخه من النقطة التي أصـ ــبح فيها اسـ ــتثمار العبيد واسـ ــتغاللهم‬
‫ـتغّلين " مالكي‬‫الشـ ــكل السـ ــائد في عملية اإلنتاج‪ ،‬حيث انقسـ ــم المجتمع إلى طبقتين متناحرتين المسـ ـ ِّ‬
‫العبيد " والمســتغّلين " العبيد "‪ .‬ويضــم المجتمع العبودي إضــافة إلى هاتين الطبقتين األحرار أيضـاً‪،‬‬
‫كـالحرفيين والفالحين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـار‪ ،‬والتجـار والمرابين‪ .‬وتكونـت الـدولـة الطبقيـة في المجتمع العبودي‬
‫‪189‬‬
‫نتيجة لالستغالل‪ ،‬وأضحت السيطرة السياسية لطبقة السادة مالكي العبيد في المجتمع‪.‬‬
‫أهم ما يميز النظام المش ـ ـ ــاعي البدائي هو انخفاض مس ـ ـ ــتوى تطور أدوات العمل‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫انخفاض إنتاجية العمل‪ ،‬بحيث كان هنان إنتاج ضـروري فقط‪ ،‬ولم يكن قد ظهر اإلنتاج الزائد بعد‪.‬‬
‫أما في النظام العبودي فقد تطورت نس ــبياً أدوات العمل التي اس ــتخدمها اإلنس ــان في عملية اإلنتاج‪،‬‬
‫وبذلك أص ـ ـ ــبح مس ـ ـ ــتوى اإلنتاجية أعلى قليالً مما كان عليه في المش ـ ـ ــاعية‪ .‬وظهر اإلنتاج الفائل‬
‫‪190‬‬
‫ولكن حجمه لم يكن كبي اًر‪.‬‬

‫أمـا بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للبنيـة الطبقيـة في المجتمع العبودي‪ ،‬فـنننـا نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن نميز بين ثالث طبقـات‬
‫رئيسة‪:‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ -‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ 1987‬ص‪.199-198‬‬
‫‪189‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬أكاديمية العلوم في االتحاد السوفياتي‪ ،‬ترجمة الدكتور فؤاد أيوب‪ ،‬دار دمشق‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬دمشق ‪ ،1986-1985‬ص‪.40‬‬
‫‪190‬‬
‫‪ -‬يوري ف‪ .‬كانشانفسكي‪ ،‬عبودية‪ ،‬اقطاعية أم أسلوب إنتاج آسيوي؟‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،1980‬ص‪.215‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ -1‬طبقة العبيد بالمعنى الواسع للكلمة‪ ،‬وهم جميع الناس المحرومين من ملكية وسائل اإلنتاج‪،‬‬
‫والمكرهين على العمل بالعنف المباش ـ ــر‪ ،‬أيا كان وض ـ ــعهم الس ـ ــياس ـ ــي والحقوقي‪( .‬الطبقة النموذجية‬
‫األولى)‪.‬‬
‫‪ -2‬طبقــة المنتجين – المــالكين‪ ،‬وهم المنتجون المــالكون في الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق القــديم الــذين يحتفظون‬
‫بالتنظيم المشاعي‪ ،‬والفالحون ‪ -‬المالكون الخواص لألرض ‪ -‬في أوروبا القديمة الناضجة‪( .‬الطبقة‬
‫النموذجية الثانية)‪.‬‬
‫‪ -3‬طبقة مالن العبيد‪ .‬وتش ـ ـ ــمل هذه الطبقة أرس ـ ـ ــتقراطية المجتمعات الشـ ـ ـ ـرقية القديمة‪ ،‬ومالن‬
‫‪191‬‬
‫العبيد في أوروبا القديمة الناضجة‪.‬‬
‫كانت الظواهر التي الزمت نشـ ـ ـ ــوء نظام الرق والعبودية وتطوره تتمثل في تطور القوى المنتجة‪،‬‬
‫نمو اإلنتاج الزراعي‪ ،‬اشـ ـ ـ ـ ـ ــتداد تقسـ ـ ـ ـ ـ ــيم العمل بين الزراعة وتربية الحيوان‪ ،‬تطور التعدين‪ ،‬كل هذه‬
‫العوامــل أبرزت ازديــاد الحــاجــة إلى القوة العــاملــة المنتجــة " العبيــد "‪ .‬وأخــذ عــدد العبيــد ينمو ويزداد‬
‫بسبب الحروب وتجارة الرقيق‪.‬‬
‫(ولم يكن بوسـ ـ ــع مالكي العبيد إخضـ ـ ــاع العبيد المشـ ـ ــاغبين البسـ ـ ــطاء وإكراههم على العمل من‬
‫أجلهم‪ ،‬وزيادة ثرواتهم‪ ،‬وإش ــباع جش ــعهم المتنامي الذي ال يمكن إش ــباعه أبداً‪ ،‬إال بوجود جهاز دائم‬
‫تكون هذا الجهاز تدريجياً ليشــكل الدولة)‪ 192 .‬ويمكننا تحديد وظائف الدولة في‬ ‫للعنف والقســر‪ .‬وقد ّ‬
‫نظام الرق والعبودية وفقاً لما يأتي‪:‬‬
‫(‪ )1‬حماية مصالح السادة وقمع المستغلين‪.‬‬
‫(‪ )2‬توس ـ ــيع أ ارض ـ ــي الدولة وذلك بش ـ ــن الحروب لالس ـ ــتيالء على العبيد‪ .‬وظهر جيش محترف‬
‫مهمته الدفاع عن مصالح الطبقة السائدة‪ ،‬أي مصالح مالكي العبيد‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬تطور اإلنتاج والقوى المنتجة‪:‬‬
‫كانت التقانة المس ـ ـ ـ ـ ــتخدمة في اإلنتاج العبودي‪ ،‬ذات مس ـ ـ ـ ـ ــتوى منخفض‪ ،‬بحيث كانت األدوات‬
‫المس ـ ــتخدمة في عملية اإلنتاج بس ـ ــيطة جداً‪ ،‬والقوة المحركة الرئيس ـ ــة كانت القوة العض ـ ــلية لإلنس ـ ــان‬
‫والحيوان‪ .‬ولم يهتم العبيد بنتائج عملهم‪ ،‬لذلك لم تتطور أو تتحس ــن األدوات التي كانوا يس ــتخدمونها‬
‫في العمل‪.‬‬
‫كان الشـ ــكل األسـ ــاسـ ــي لتنظيم عمل العبيد هو التعاون البسـ ــيط‪ .‬وكان تقسـ ــيم العمل في اإلنتاج‬
‫ضـ ـ ـ ــئيل األهمية‪ ،‬وأدى عمل العبيد شـ ـ ـ ــبه المجاني إلى عرقلة تطور تقنية اإلنتاج‪ .‬واقتصـ ـ ـ ــر التقدم‬
‫التقني في اإلنتاج العبودي على اس ــتخدام البكرة والمرفاع الدوار والعتلة واالس ــفين‪ .‬وكانت الطاحونة‬
‫المائية أول آلة (ماكينة) في روما القديمة على الرغم من أنها لم تنتش ـ ـ ـ ــر على نطاق واس ـ ـ ـ ــع‪ .‬ولكن‬
‫‪191‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬المصدر السابق ص ‪.227‬‬
‫‪192‬‬
‫‪ -‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.75‬‬

‫‪156‬‬
‫ظهور تقسـيم العمل إلى عمل ذهني وعمل جسـدي‪ ،‬أدى إلى حدوث تطور كبير نسـبياً في المعارف‬
‫‪193‬‬
‫اإلنسانية والعملية‪ ،‬وكان له أكبر األثر في تطور تاريخ البشرية‪.‬‬
‫كان التناقض بين العمل الذهني والعمل الجس ــدي ناجماً عن تخص ــص العبيد بالعمل الجس ــدي‪،‬‬
‫بينما كان العمل الذهني من نصـيب السـادة واألحرار‪ .‬وأهم األعمال التي يقوم بها السـادة هي اإلدارة‬
‫الحكومية‪ ،‬والس ـ ــياس ـ ــية‪ ،‬والفلس ـ ــفة‪ ،‬واألدب والفن‪ .‬إن التفرغ للقيام بهذه األعمال كان له أثر إيجابي‬
‫في تطور المعارف اإلنسانية وتقدم المجتمع البشري‪.‬‬
‫وكان الجانب السـ ـ ـ ـ ـ ــلبي الناجم عن تقسـ ـ ـ ـ ـ ــيم العمل إلى ذهني وجسـ ـ ـ ـ ـ ــدي يتمثل في وقوع العمل‬
‫الجسدي تحت نيـ ـ ـ ــر االستغالل الشديد‪ ،‬ذلك نتيجة الستيالء ذوي العمل الذهني على القسم األعظم‬
‫‪194‬‬
‫من المنتج الذي حققه العمل الجسدي للعبيد‪.‬‬
‫لقد كان االقتص ــاد في المراحل األولى اقتص ــاداً طبيعياً‪ ،‬وهذا يعني أن الس ــلع التي يتم إنتاجها‪،‬‬
‫إنما تهدف إلى تلبية وتأمين حاجات مالكي العبيد والحواش ـ ــي المحيطة بهم من الفئات غير المنتجة‬
‫(الفنانين‪ ،‬الشـ ـ ـ ـ ــعراء‪ ،‬المعلمين‪ ...‬إلخ)‪ .‬ومع تقدم وتطور أدوات العمل ووسـ ـ ـ ـ ــائله وظهور التقس ـ ـ ـ ــيم‬
‫االجتماعي للعمل وتعمقه في م ارحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل متقدمة من العبودية‪ ،‬أخذ اإلنتاج البضـ ــاعي (إنتاج السـ ــلع‬
‫للتبادل) يتزايد أكثر فأكثر‪ .‬وهذا ال يشــمل اإلنتاج الحرفي فحسـ ب بل يشــمل أيضـاً اإلنتاج الزراعي‪،‬‬
‫ولكن بدرجة محدودة‪.‬‬
‫ونتيجة لتطـ ـ ـ ــور أدوات العمل ووسائله‪ ،‬بات باإلمكان زراعة مساحات كبيرة من األرض‪ ،‬وظهر‬
‫تنوع المحاصـ يل الزراعية وأخذت قطعان الماش ــية تتكاثر بس ــرعة لدى األس ــر الغنية التي تقوم بتربية‬
‫المواشي‪ .‬وكانت هـ ـ ـ ــذه المهمات فـ ـ ـ ــوق طاقة المزارعين الصغار‪ ،‬في حين كان مالك العبيد يجد لها‬
‫حالً باسـتخدام العبيد للقيام بأعمال الزراعة والرعي وتربية الحيوان‪ .‬وتطور اسـتخراج فلزات المعادن‬
‫وص ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرها (النحاس‪ ،‬البرونز‪ ،‬الحديد) وإنتاج أدوات العمل‪ .‬وشـ ــيدت القصـ ــور والمعابد‪ ،‬والطرق‬
‫والس ـ ـ ــدود والقنوات وأنظمة الري‪ ،‬وتم بناء المدن والمس ـ ـ ــارح واألهرامات‪ .‬كما تطور اإلنتاج الحرفي‪،‬‬
‫وخاصـ ــة صـ ــناعة األواني الفخارية‪ ،‬والغزل والنسـ ــيج‪ ،‬وبعض األدوية واألدوات الموسـ ــيقية‪ .‬وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫اسـ ـ ـ ـ ــتخدمت في إنتاج هذه األشـ ـ ـ ـ ــياء وتشـ ـ ـ ـ ــييدها أدوات عمل أكثر تعقيداً من التي اسـ ـ ـ ـ ــتخدمت في‬
‫المشـاعية البدائية ( نول النسـيج‪ ،‬دوالب صـنع األواني الفخارية‪ ،‬كير الحداد‪ ،‬رحى الطاحون اليدوية‬
‫)‪ .‬ومن أهم نتائج تطور الحرف‪ ،‬حدوث التقس ـ ـ ــيم االجتماعي الثاني للعمل‪ ،‬حيث انفص ـ ـ ــلت الحرفة‬
‫عن الز ارعـة‪ ،‬علمـاً بـأن التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم االجتمـاعي األول قـد حـدث عنـدمـا انفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـت الز ارعـة عن تربيـة‬
‫‪195‬‬
‫مما تقدم نالحظ أن الفروع الرئيسة لإلنتاج العبودي هي‪:‬‬ ‫الماشية‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬يوري بوبوف دراسات في االقتصاد السياسي‪ ،‬االمبريالية والبلدان النامية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ 1984‬ص‪72‬‬
‫‪194‬‬
‫‪ -‬انظر ‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.106‬‬
‫‪195‬‬
‫‪-‬انظر‪ ،‬ايلين وموتيليف‪ ،‬المصدر السابق ص‪.201-200‬‬

‫‪157‬‬
‫‪ )1‬الزراعة‪،‬‬
‫‪ )2‬تربية الحيوان‪،‬‬
‫‪ )3‬الحرف‪.‬‬
‫وفي مجرى نشـ ـ ـ ــاط الناس العملي تكدسـ ـ ـ ــت الخبرة وتحسـ ـ ـ ــنت أدوات العمل تدريجياً‪ ،‬وصـ ـ ـ ــارت‬
‫أح ّد‪ ،‬حيث صـ ـ ـ ــارت تصـ ـ ـ ــنع من المعدن‪ ،‬بدالً من الحجر‪...‬‬
‫المطرقة والفأس والحربة أخف وأمتن و ْ‬
‫ولم يعد اإلنس ـ ــان ض ـ ــعيفاً أمام الطبيعة‪ .‬واكتش ـ ــف النار وامتلك ناص ـ ــيتها‪ ،‬واس ـ ــتخدمها في مجاالت‬
‫ودجن الحيوانـات وقـام بتربيتهـا‪ ،‬وتعلم الز ارعـة‪ .‬وبـذلـك تطورت تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات‬
‫عـديـدة‪ ،‬واخترع العجلـة‪ّ ،‬‬
‫‪196‬‬
‫اإلنسان عن العالم‪.‬‬
‫إن ازدياد اإلنتـاج في جميع فروعه ‪ -‬تربيـة المواشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬الزراعة‪ ،‬الحرف اليـدوية البيتيـة ‪ -‬م ّكن‬
‫قوة العمل البشـ ـ ــري من إنتاج محص ـ ـ ـوالت تفيض عما كان ضـ ـ ــرورياً لبقائها‪ .‬وفي الوقت ذاته زادت‬
‫كمية العمل اليومي التي ينبغي أن ينجزها كل فرد من العشـ ــيرة أو كل أسـ ـرة‪ .‬وغدا من المسـ ــتحسـ ــن‬
‫إضـافة مزيد من قوة العمل‪ ،‬األمر الذي تحقق من خالل الحرب واألسـر وتحويل األسـرى إلى عبيد‪.‬‬
‫في ظـل هـذه األحوال التـاريخيـة العـامـة‪ ،‬كـان الرق ثمرة حتميـة ألول تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم اجتمـاعي كبير للعمـل‪.‬‬
‫ذلـك ألنـه أدى إلى زيـادة إنتـاجيـة العمـل ثم إلى زيـادة الثروة‪ ،‬ألنـه أدى إلى توسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيع ميـدان اإلنتـاج‪.‬‬
‫ومن أول تقسـ ــيم اجتماعي كبير للعمل انبثق أول انقسـ ـ ام كبير للمجتمع إلى طبقتين‪ :‬ساااادة وعبيد‪،‬‬
‫‪197‬‬
‫مستغلين ومستغلين‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬اإلنتاج والتوزيع في المجتمع العبودي‪:‬‬
‫أما بالنسـ ـ ـ ـ ــبة لعالقات اإلنتاج والتوزيع في المجتمع العبودي‪ ،‬فقد كانت تتميز بامتالن السـ ـ ـ ـ ــادة‬
‫لوســائل اإلنتاج إضــافة إلى المنتجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين‪ .‬أي امتالن وســائل اإلنتاج والعبيد معاً‪ .‬وكان إنتاج العبيد‬
‫كامالً يسـ ـ ــتولي عليه السـ ـ ــيد‪ ،‬الذي يترن للعبيد الحد األدنى لسـ ـ ــد حاجته االسـ ـ ــتهالكية والضـ ـ ــرورية‬
‫لتمكينه من تجديد قوة عمله لالستمرار في عمليـ ـ ــة اإلنتاج‪ .‬وعلى الرغم من تدني مستوى اإلنتاجية‪،‬‬
‫بدأ امتالن العبيد يص ـ ـ ــبح مفيداً‪ .‬وازداد الطلب على العبيد‪ ،‬وكان المص ـ ـ ــدر األس ـ ـ ــاس ـ ـ ــي لتلبية هذا‬
‫الطلب هو االنتصــار في الحروب والحصــول على األســرى‪ .‬أو بتجارة العبيد والنخاســة التي تزايدت‬
‫وتطورت مع مرور الوقت‪.‬‬
‫لقد كان الس ـ ــادة في ظل أس ـ ــلوب اإلنتاج العبودي يتمتعون بجميع الحقوق الش ـ ــخص ـ ــية‪ ،‬وحقوق‬
‫الملكية‪ ،‬والس ـ ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ـ ــية‪ ،‬في حين كان العبيد محرومين من جميع هذه الحقوق‪ .‬ولم يكن للعبد كيان‬
‫شـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ــي في المجتمع‪ ،‬وكان من الممكن ش ـ ـ ـ ـراؤه وبيعه وقتله كالمواشـ ـ ـ ــي‪ ،‬دون أن يكون له حق‬

‫‪196‬‬
‫‪ -‬انظر كيريلينكو وكروشونوفا‪ ،‬ماهي الفلسفة‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1987‬ص‪.15-14‬‬
‫‪197‬‬
‫‪ -‬فريديريك انجلس‪ ،‬أصل األسرة والملكية الخاصة والدولة‪ ،‬ترجمة أديب يوسف‪ ،‬منشورات دار الفارابي‪ ،‬المطبعة التعاونية دمشق‬
‫‪ ،1958‬ص‪.254‬‬

‫‪158‬‬
‫االعتراض‪ .‬وبذلك كانت أدوات العمل في روما القديمة تنقس ــم إلى ثالثة أنواع‪ -1 :‬األدوات الناطقة‬
‫وهم العبيد‪ - 2 ،‬األدوات الخوارة وهي الحيوانات‪ - 3 ،‬األدوات الخرس وهي األدوات المصـ ـ ـ ـ ـ ــنوعة‬
‫من الحديد والخشب وغير ذلك‪ .‬وقد شبه أرسطو العبـ ــد باألداة الحية‪ ،‬أما األداة فهي عبد غير حي‪.‬‬
‫وكان العبيد يحملون طوقاً في أعناقهم مكتوباً عليه اس ـ ـ ـ ـ ــم مالكهم‪ .‬بل كانوا أحياناً يس ـ ـ ـ ـ ــمونهم بخاتم‬
‫‪198‬‬
‫معين "الوسم" لتسهيل القبض عليهم في حال هروبهم‪.‬‬
‫أما بالنس ـ ـ ــبة ألعض ـ ـ ــاء المجتمع كاملي الحقوق‪ ،‬فقد كانوا ينقس ـ ـ ــمون بدورهم انقس ـ ـ ــاماً حاداً إلى‬
‫أغنياء وفقراء‪ .‬وكان الفقراء األحرار يخضـ ـ ـ ـ ـ ــعون للقوانين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية التي تحكم النظام العبودي‪،‬‬
‫والتي تحقق مصـ ــالح الفئة السـ ــائدة في المجتمع وهم األغنياء‪ .‬لذلك كانوا يضـ ــطرون لالسـ ــتدانة من‬
‫األغنياء وهذا يعني الوقـ ـ ـ ـ ـ ــوع في عبودية الديون‪ .‬حيث كان المواطن غير القادر على تسديد أقساط‬
‫الدين في موعدها‪ ،‬مضـ ــط اًر لتأجير نفسـ ــه أو أس ـ ـرته لمالكي العبيد السـ ــتيفاء الدين‪ ،‬إنه طراز جديد‬
‫من تجارة الرقيق التي تلبي حاجة السادة لقوة العمل‪.‬‬
‫لقد حدثت تغيرات مهمة في أوض ـ ـ ــاع المنتجين المباشـ ـ ـ ـرين في ظل المجتمع العبودي وأص ـ ـ ــبح‬
‫المنتجون ملكاً ألشــخاص آخرين‪ .‬ونتيجة لتطور القوى المنتجة نســبياً‪ ،‬أصــبح بمقدور المنتج "العبد"‬
‫أن يحقق منتوجاً يزيد على حاجاته الضـ ـ ــرورية السـ ـ ــتمرار حياته‪ .‬هذه الزيادة أو ما يسـ ـ ــمى "المنتوج‬
‫الفائض" كانت تسـ ـ ــتولي عليها طبقة مالكي العبيد ووسـ ـ ــائل اإلنتاج‪ .‬أي إن النظام العبودي هو أول‬
‫نظام توض ــح فيه التقس ــيم الطبقي في المجتمع‪ .‬إن التناقض بين الطبقتين األس ــاس ــيتين في المجتمع‬
‫العبودي‪ ،‬أدى إلى الحد من تطور القوة المنتجة‪ ،‬واس ـ ــتمرار وتزايد عملية االس ـ ــتغالل الذي يمارس ـ ــه‬
‫السـادة ضـد العبيد‪ .‬ومع تطور الطبقات والتفاوت في الملكية‪ ،‬أخذت تتكون هيئات اسـتخدمها مالكو‬
‫العبيد للسـيطرة على العبيد وإرغامهم على اإلنتاج لتحقيق إنتاج فائض‪ ،‬يزيد ويضـاعف من ثرواتهم‪.‬‬
‫وبذلك نشأت الدولة‪ ،‬وأصبحت أداة للعنف والتسلط بيد الطبقات السائدة ضد الطبقات المستغّلة‪.‬‬
‫لقد كان مالك العبد يملك حرية التصـ ــرف بالسـ ــلع والخيرات المادية التي ينتجها العبيد‪ .‬ويتم في‬
‫المجتمع العبودي توزيع المنتج‪ ،‬بحيث يحص ـ ـ ــل العبد على جزء يس ـ ـ ــير لس ـ ـ ــد حاجاته واالس ـ ـ ــتهالن‬
‫المباشـر‪ ،‬وهو الحد األدنى والضـروري لتجديد قوة العمل واالسـتمرار في عملية اإلنتاج‪ ،‬لذلك يسـمى‬
‫"المنتج الضااروري"‪ .‬والقسـ ــم األعظم من المنتج يسـ ــتولي عليه مالكو العبيد لتلبية حاجاتهم المتنوعة‬
‫والمتزايدة‪ ،‬ويسـمى "المنتج الفائل"‪ .‬ولذلك تم تقسـيم زمن عمل العبد إلى قسـمين‪ :‬الزمن الضـروري‬
‫والزمن الزائد‪ ،‬وكان عمل العبد يتكون من العمل الضروري والعمل الزائد‪.‬‬
‫بيـد أن جزءاً من "المنتج الفـائض" الـذي يخلقـه العبيـد‪ ،‬يتم التنـازل عنـه من قبـل مـالكي العبيـد إلى‬
‫المسـ ـ ـ ــتثمرين اآلخرين‪ ،‬كالحرفيين وممثلي رأس المال التجاري ورأس المال الربوي‪ ،‬وذلك لقاء تزويد‬

‫‪198‬‬
‫‪ -‬انظر ‪ -‬ايلين وموتيليف‪ ،‬المصدر السابق ص‪.203‬‬

‫‪159‬‬
‫أصـ ــحاب العبيد بالسـ ــلع الترفيهية والمال‪ .‬وكانت الدولة العبودية تحصـ ــل أيض ـ ـاً على جزء آخر من‬
‫‪199‬‬
‫"المنتج الفائض" في صورة ضرائب ورسوم‪ ،‬وذلك ألنها كانت تحمي مصالح الطبقة الحاكمة‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬االقتصاد التبادلي والعالقات السلعية ‪ -‬النقدية‪:‬‬
‫كانت المنتوجات‪ ،‬في ظل نظام الرق‪ ،‬من أجل االسـ ـ ـ ــتخدام الشـ ـ ـ ـ خصـ ـ ـ ــي لمالك العبيد‪ ،‬ولتلبية‬
‫مر الزمن‬
‫احتياجاته المتزايدة باســتمرار‪ .‬ثم أصــبحت المنتوجات تســتخدم أيضـاً لغرض التبادل‪ ،‬ومع ّ‬
‫بــدأ التبــادل يؤثر تــأثي اًر مت ازيــداً في الحيــاة االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديــة في المجتمع العبودي‪ .‬إن المنتجــات غير‬
‫المخصـصـة لالسـتهالن المباشـر بل المخصـصـة من أجل البيع والتبادل تسـمى "البضااعة"‪ ،‬واإلنتاج‬
‫من أجل التبادل ولغرض البيع يس ـ ـ ـ ــمى "اإلنتاج البضاااااااعي"‪ .‬وأخذت تتنوع وتزداد كمية البض ـ ـ ـ ــائع‬
‫المتبادلة‪ ،‬وتعددت وتوســعت مجاالت التبادل‪ .‬وظهرت فئة جديدة من المجتمع تقوم بش ـراء البضــائع‬
‫من المنتجين‪ ،‬وتنقلها إلى أس ـ ـ ـواق الترويج لبيعها‪ ،‬وقد تكون أس ـ ـ ـواق البيع بعيدة عن مكان اإلنتاج‪،‬‬
‫هؤالء هم " التجار"‪ .‬وبذلك ظهر التقسيم االجتماعي الثالث للعمل‪.‬‬
‫وتحول تبادل البضـ ـ ـ ــائع تدريجياً إلى تجارة منظمة‪ ،‬ونشـ ـ ـ ــأت األسـ ـ ـ ـ واق حيث انتعشـ ـ ـ ــت التجارة‬
‫المنظمة‪ ،‬التي تجاوزت حدود الدولة الواحدة‪ ،‬ونش ــأ ما يس ــمى "التجارة الخارجية "‪ .‬وتطورت التجارة‬
‫الخارجية بشـكل واسـع‪( .‬واشـتركت بشـكل بسـيط في التجارة العالمية دول عبودية مثل مصـر وفينيقيا‬
‫‪200‬‬
‫وبابل والصين واليونان وروما وغيرها)‪.‬‬
‫(لقد تخصـ ـص ــت الفئة التجارية بشـ ـراء الس ــلع وبيعها بالنقد‪ .‬وكان س ــعر الشـ ـراء أقل من س ــعر‬
‫البيع‪ ،‬وهذا الفرق بين السـ ــعرين كان مصـ ــدر الربح التجاري‪ .‬ولم يعد دور النقد مقتصـ ـ اًر على قياس‬
‫قيم الس ــلع المختلفة كما كان األمر في الس ــابق وإنما أص ــبح وس ــيلة لتجميع الثروة‪ ،‬وظهر ألول مرة‬
‫‪201‬‬
‫في التاريخ االقتصادي ما يسمى "رأس المال التجاري"‪.‬‬
‫لقد أدى تزايد كميات اإلنتاج البضـ ـ ــاعي للسـ ـ ــوق وتوسـ ـ ــع التبادل التجاري إلى تزايد التفاوت في‬
‫الملكية والث ــروة‪ .‬وأخذت تتجمع في أيدي التجار ثروات كبيرة من النقد‪ ،‬ووسائل اإلنتاج‪ ،‬إما بالنسبة‬
‫للمنتجين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغــار كــالحرفيين‪ ،‬والمزارعين فيمكنهم أن يعتمــدوا على عملهم الخــاص فقط‪ .‬وأثنــاء‬
‫الحروب والمواسـم الزراعية السـيئة‪ ،‬يضـطر المنتجون الصـغار إلى االسـتدانة من التجار‪ ،‬الذين كانوا‬
‫يقومون بتس ـ ـ ـ ـ ــليفهم األموال ولكن بأس ـ ـ ـ ـ ــعار عالية للفائدة‪ .‬وبذلك ظهر ألول مرة نوع جديد من رأس‬
‫المال "رأس المال الربوي"‪ ،‬وظهرت وظيفة جديدة للنقد وأص ـ ــبح وس ـ ــيلة لالقتراض والتس ـ ــليف مقابل‬
‫فـائـدة‪ .‬وتكونـت فئـة جـديـدة هي "المرابون" الـذين يقـدمون القروض النقـديـة إلى المنتجين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـار‪،‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬أكاديمية العلوم في االتحاد السوفييتي‪ ،‬ترجمة د‪ .‬فؤاد أيوب‪ ،‬دار دمشق للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬دمشق ‪ ،1986-1985‬ص‪.42‬‬
‫‪200‬‬
‫‪ -‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬المصدر السابق ص‪.206‬‬
‫‪201‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬المصدر السابق ص‪.64‬‬

‫‪160‬‬
‫ويتقاضـ ـ ـ ــون مقابل ذلك معدالت عالية من الفائدة‪ ،‬ويسـ ـ ـ ــتولون على جزء من المنتجات التي ينتجها‬
‫المزارعون والحرفيون الص ـ ـ ـ ــغار‪ .‬وعندما ال يس ـ ـ ـ ــتطيع الحرفي أو الفالح تس ـ ـ ـ ــديد القرض في موعده‬
‫المحدد‪ ،‬يتم بيع أرض ـ ــه أو ورش ـ ــته‪ ،‬األمر الذي أدى إلى إفالس عدد كبير منهم‪ .‬وبذلك يكون رأس‬
‫المال التجاري ورأس المال الربوي من أقدم أشكال رأس المال التي ظهرت في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫وأخذت النقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود تلعب دو اًر أكبر في اقتصـ ـ ــاديات المجتمع العبودي‪ ،‬مع تقدم التبادل التجاري‬
‫وتطوره بيــد أن النقود قـديمـاً تختلف عن النقود المعــاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ .‬واختلف نوع النقود من مجتمع آلخر‪،‬‬
‫حيــث نجــد أن النقود لــدى الفئــات التي تهتم بتربيــة الحيوان كــانــت على شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل رأس المــاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــة‪،‬‬
‫واستخدمت فئات أخرى الملح كنقـود‪ ،‬وفئة ثالثة استخدمت الحبوب أو الفراء‪ .‬أي إن بعض البضائع‬
‫اتخذت شــكل المعادل العام‪ ،‬بدالً من المقايضــة بضــاعة مقابل بضــاعة " ب – ب " ثم تطور شــكل‬
‫المعادل العام إلى شـ ـ ـ ــكل نقدي‪ ،‬وأخذت النقود المعدنيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تظهر ( في األلفين الثالث والثاني قبل‬
‫الميالد )‪ .‬ومع انتشــار اســتخدام النقود انقســمت عملية التبادل إلى عمليتيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن‪ ،‬عملية البيع وعملية‬
‫الشراء‪ ،‬وأخذت تتم على مرحلتين‪:‬‬
‫األولى ‪ -‬بيع البضاعة مقابل نقود‪،‬‬
‫والثانية ‪ -‬شراء بضاعة أخرى بهذه النقود‪.‬‬
‫ولم يعــد من الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري حــدوث العمليتين في وقــت واحــد وزمن واحــد‪ ،‬كمــا كــان يحــدث في‬
‫المقايضة‪ .‬مما أدى إلى ظهور التجارة الوسيطة والتجار والوسطاء والمرابين‪.‬‬

‫أسلوب اإلنتاج العبودي‬

‫‪ -‬ملكية األسياد لوسائل اإلنتاج‪.‬‬


‫السمات‬
‫‪ -‬انقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة‪.‬‬
‫األساسية‬
‫‪ -‬الطابع التناحري لتوزيع مجمل السلع المنتجة‪.‬‬
‫ألسلوب اإلنتاج‬
‫التركيب الهيكلي لالقتصاد‬

‫إنتاج كبير قائم على عمل األرقاه‬


‫اإلنتاج أو اال تصا الطبيعي‬

‫مجاالت إنتعاج‬

‫إنتاج حرفي وورشات‬ ‫الزراعة‬


‫قائمة على عمل الرقيق‬ ‫‪161‬‬
‫تربية الماشية‬
‫‪202‬‬
‫رابعاً – التناقضات الرئيسة وانحالل النظام العبودي‪:‬‬
‫كان الســبب األســاســي في انحالل النظام العبودي‪ ،‬هو احتدام عدد من التناقضــات الكامنة فيه‪،‬‬
‫وأهمها على اإلطالق‪ ،‬التناقض بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‪ ،‬ثم التناقض بين الريف والمدينة‪،‬‬
‫والتناقض بين االس ـ ـ ــتثمارات العبودية الكبيرة واس ـ ـ ــتثمارات المنتجين الص ـ ـ ــغار‪ .‬والتناقض بين العمل‬
‫الذهني والعمل اليدوي‪.‬‬
‫يكمن الطابع المتميز ألس ـ ــلوب اإلنتاج العبودي في الملكية المطلقة للس ـ ــادة‪ ،‬أي تحول المنتج "‬
‫العبد " ووسـائل اإلنتاج إلى ملكية فردية خاصـة‪ ،‬وربط المنتجين "العبيد " بوسـائل اإلنتاج‪ ،‬واسـتخدام‬
‫العنف واإلكراه للقيام بالعملية اإلنتاجية‪ .‬وبذلك اتصـ ــفت عناصـ ــر اإلنتاج في النظام العبودي بثالث‬
‫صفات رئيسة‪:‬‬
‫‪ - 1‬الحجم الكبير من المنتجين " العبيد "‪ - 2 ،‬اإلكراه واسـ ـ ـ ــتخدام العنف للقيام باإلنتاج‪- 3 ،‬‬
‫ض ـ ـ ــعف إنتاجية وس ـ ـ ــائل وأدوات العمل بس ـ ـ ــبب تحطيمها قص ـ ـ ــداً من قبل العبيد‪ .‬وبدأ التناقض بين‬
‫المص ــالح االقتص ــادية للعبيد والمص ــالح االقتص ــادية لمالكي العبيد واض ــحاً وجلياً‪ .‬وكان العبد‪ ،‬الذي‬

‫‪ -‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪202‬‬

‫‪162‬‬
‫يعد عمله أس ـ ــاس حياة المجتمع العبودي واس ـ ــتم ارره‪ ،‬محروماً من أي حوافز مادية أو معنوية‪ ،‬لذلك‬
‫لم يكن يهتم بنتائج عمله أو زيادة اإلنتاجية‪ ،‬وأكثر من ذلك بدأت اإلنتاجية تتراجع وتتناقض‪.‬‬
‫أما بالنس ــبة للتناقض بين اإلنتاج العبودي الكبير واالس ــتثمارات الص ــغيرة للمنتجين األحرار‪ ،‬فقد‬
‫ظهر عندما كانت منتجات االس ــتثمارات الكبيرة تباع بأس ــعار منخفض ــة بس ــبب انخفاض التكاليف "‬
‫انخفاض تكاليف معيش ــة العبيد بس ــبب االس ــتغالل "‪ .‬ولم تتمكن االس ــتثمارات الص ــغيرة من الص ــمود‬
‫في المنافســة التي فرضــتها عليها المشــاريع العبودية الكبيرة‪ .‬فأخذت تفلس ويحل بها الخراب بأعداد‬
‫كبيرة ومتزايدة‪ .‬وأس ـ ـ ــهم في ذلك تزايد الضـ ـ ـ ـرائب وارتفاع معدالت فوائد المرابين‪ ،‬واغتص ـ ـ ــاب مالكي‬
‫العبيد الس ـ ـ ـ ــتثمارات الفالحين‪ .‬وأدى ذلك إلى نش ـ ـ ـ ــوء جماهير ض ـ ـ ـ ــخمة من الفقراء والمحرومين من‬
‫‪203‬‬
‫ملكية وسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫وظهر التنــاقض بين الريف والمــدينــة عنــدمــا أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحــت المــدن مراكز لإلنتــاج الحرفي والتجــارة‬
‫والمراباة‪ ،‬وتجمعاً ثقافياً‪ .‬أما الريف فقد حافظ على الكثير من س ــمات النظام المش ــاعي البدائي‪ .‬من‬
‫هنا بدأت عالقة االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل بين الريف والمدينة‪ ،‬من خالل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء منتجات الفالحين في الريف‬
‫بأســعار منخفضــة‪ ،‬وبيعهم البضــائع المنتجة في المدن بأســعار مرتفعة‪ .‬وكذلك من خالل الض ـرائب‬
‫وشـ ـ ـ ــتى أنواع األتاوات المفروضـ ـ ـ ــة على الفالحين وسـ ـ ـ ــكان الريف‪ .‬مما أدى إلى إفقار الريف وعدم‬
‫إمكان تجديد القوة العاملة فيه وتدهور الزراعة‪ ،‬كل هذا أسهم في تهديم أركان النظام العبودي‪.‬‬
‫على الرغم من الشـ ــكل القسـ ــري الواضـ ــح الذي تتصـ ــف به عملية اإلنتاج في المجتمع العبودي‪،‬‬
‫أخذت إنتاجية العبيد تهبط وتتراجع‪ ،‬لدرجة كف الشـ ـ ـ ــكل العبودي لالسـ ـ ـ ــتثمار عن ضـ ـ ـ ــمان التكاثر‬
‫البسـ ـ ـ ــيط لإلنتاج‪ .‬وأصـ ـ ـ ــبحت االسـ ـ ـ ــتثمارات العبودية غير مربحة أكثر فأكثر‪ ،‬مع انخفاض إنتاجية‬
‫العبيد واحتدام الص ـ ـراع بين المس ـ ـ ِّ‬
‫ـتغلين والمس ـ ــتغلين‪ .‬إن تراجع اإلنتاج الزراعي رافقه بص ـ ــورة حتمية‬
‫‪204‬‬
‫حالة مماثلة في اإلنتاج الحيواني‪ ،‬وكذلك اإلنتاج الحرفي‪.‬‬
‫وأخذ مالكو العبيد يجزئون أمالكهم ويجعلونها مهيأة للزراعة من قبل العبيد أو الفالحين األحرار‬
‫الــذين فقــدوا أ ارضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيهم‪ .‬وفي ظروف أزمــة اإلنتــاج العبودي الكبير‪ ،‬أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح من المفيــد تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم‬
‫االسـ ــتثمارات الكبيرة إلى قطع صـ ــغيرة توزع على العبيد واألحرار لقاء أجر معين وبشـ ــروط اسـ ــتثمار‬
‫محددة‪ .‬ومع مرور الزمن جرى تثبيت المزارعين الجدد في قطع األ ارضـ ــي وأضـ ــحى من الممكن أن‬
‫يباعوا معها‪ .‬وهكذا تكونت فئة جديدة من المنتجين الذين ش ـ ـ ــغلوا موقعاً وس ـ ـ ــطاً بين العبيد واألحرار‬
‫‪205‬‬
‫"المنتجين الصغار"‪ .‬وكان هؤالء سلف الفالحين األقنان في النظام اإلقطاعي‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬المصدر السابق ص‪.210‬‬
‫‪204‬‬
‫‪ -‬االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪205‬‬
‫‪ -‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.212‬‬

‫‪163‬‬
‫إن تراجع اإلنتاج العبودي‪ ،‬وتعمق أزمته‪ ،‬وتزايد تناقضـ ـ ـ ـ ــات المجتمع العبودي‪ ،‬قد أسـ ـ ـ ـ ــفر عن‬
‫احتدام الصـ ـ ـراع الطبقي‪ .‬وظهرت ثورات العبيد‪ ،‬ورافقها نض ـ ــال الفالحين والحرفيين المفلس ـ ــين ض ـ ــد‬
‫الطبقة المستغلة‪ .‬ويروي لنا التاريخ العديد من ثورات العبيد ضد االضطهاد والقسر واالستغالل‪ .‬لقد‬
‫أدى هالن العبودية وسـقوطها إلى زوال الطبقتين األسـاسـيتين في المجتمع " العبيد ومالكي العبيد "‪.‬‬
‫(ولكن ذلك لم يكن يعني زوال اســتغالل اإلنســان لإلنســان‪ .‬وجاءت اإلقطاعية لتحل محل العبودية‪.‬‬
‫وفي ظل اإلقطاعية أصـبح االسـتغالل يمارس بأشـكال أخرى أكثر مرونة‪ ،‬وأتاح إمكانات أكبر لنمو‬
‫‪206‬‬
‫القوى المنتجة)‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ -‬النظاام اإلقطاعي‪:‬‬


‫أوالً ‪ -‬نشوه النظام اإلقطاعي وتكونه‪:‬‬
‫مر الزمن‪ ،‬ونتيجة لتراجع دور القوة العبودية‪ ،‬وبس ـ ـ ـ ـ ـ ــبب تزايد التهديد المس ـ ـ ـ ـ ـ ــتمر ألس ـ ـ ـ ـ ـ ــس‬
‫مع ّ‬
‫االس ــتقرار المادي الذي تتمتع به الطبقة الس ــائدة‪ ،‬بدأ التحول إلى أش ــكال جديدة لمؤس ـس ــات اإلنتاج‪،‬‬
‫وظهر نظام اقتص ـ ــاد التأجير " الكولونا ‪ ." Colonat‬ونش ـ ــأت عالقات إقطاعية في أحش ـ ــاء النظام‬
‫المش ـ ـ ــاعي البدائي‪ .‬وأخذت تتزايد أهمية المنتجين المباشـ ـ ـ ـرين للخيرات المادية‪ ،‬ودورهم في النش ـ ـ ــاط‬
‫االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي‪ ،‬وهـذا أدى إلى تحول في عالقـات اإلنتـاج وتبـدلهـا‪ .‬وحـدثـت تغيرات مهمـة في ملكيـة‬
‫وسـ ـ ـ ــائل اإلنتاج وملكية الناس الذين يقومون بعملية اإلنتاج " العبيد "‪ .‬وبدأ يتشـ ـ ـ ــكل أسـ ـ ـ ــلوب إنتاج‬
‫جديد " اإلقطاعية "‪.‬‬
‫بعد أن ســار النظام العبودي وأســلوب اإلنتاج العبودي إلى الهالن بصــورة ال مفر منها‪ ،‬توضــح‬
‫أن حتمية حلول نظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام جديد هو النظام اإلقطاعي محل هذا النظام الص ــائر إلى الزوال‪ ،‬وهذا ال‬
‫يعني أن النظام العبودي سقط فجأة ليظهر محله دفعة واحدة نظام جديد وعالقات إنتاج جديدة تحل‬
‫محـل القـديمـة‪ .‬لقـد نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ النظـام اإلقطـاعي تـدريجيـاً‪ ،‬بمقـدار سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيطرة وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـادة طبقـة اإلقطـاعيين‬

‫‪206‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.214-213‬‬

‫‪164‬‬
‫االس ــتغاللية التي تكونت في المراحل األخيرة للنظام العبودي‪ .‬وكان أس ــلوب اإلنتاج اإلقطاعي أكثر‬
‫تقدمية من أس ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج العبودي‪ ،‬كما كان أس ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج العبودي أكثر تقدمية من أس ـ ـ ـ ــلوب‬
‫اإلنتاج في المشاعية البدائية‪.‬‬
‫كانت ملكية وسـ ــائل اإلنتاج‪ ،‬األرض بالدرجة األولى وملكية الفالح القن غير الكاملة للتشـ ــغيل‪،‬‬
‫أس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـاً للعالقات اإلنتاجية في ظل اإلقطاعية‪ .‬وكانت الملكية اإلقطاعية تعني الس ـ ـ ـ ــيطرة الكاملة‬
‫لإلقطاعي على منطقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة معينة‪ ،‬تشــمل المدن والقرى وكل ما فيها ومن فيها‪ .‬ولم تكن هذه الملكية‬
‫مجرد شـ ـ ـ ــكل حقوقي وإنما كانت عالقة اقتصـ ـ ـ ــادية عالقة طبقية مضـ ـ ـ ــمونها اسـ ـ ـ ــتغالل اإلقطاعيين‬
‫المالكين لألرض‪ ،‬للسـكان المحرومين من الشـروط الضـرورية السـتمرار حياتهم‪ .‬لقد كان هذا الشـكل‬
‫للملكية يحدد وضـ ـ ـ ـ ـ ــع الناس في عملية اإلنتاج االجتماعي ويحدد البنية الطبقية للمجتمع اإلقطاعي‬
‫كمـا يحـدد طريقـة توزيع المنتجـات‪ .‬وإلى جـانـب ذلـك توجـد في النظـام اإلقطـاعي أنواع أخرى للملكيـة‬
‫‪207‬‬
‫ولكنها محدودة جداً مثل ملكية الفالحين الصغار والحرفيين الستثماراتهم الشخصية‪.‬‬

‫األرض هي وسـ ـ ــيلة اإلنتاج األسـ ـ ــاسـ ـ ــية‪ ،‬في النظام اإلقطاعي‪ ،‬وكانت أشـ ـ ــكال الملكية نوعين‪:‬‬
‫الملكية اإلقطاعية الكبيرة لألرض ( يملكها الملون‪ ،‬شـ ـ ـ ـ ــيوخ العشـ ـ ـ ـ ــائر‪ ،‬القادة العسـ ـ ـ ـ ــكريون‪ ،‬ورجال‬
‫الدين)‪ ،‬إضـ ــافة إلى الملكيات الصـ ــغيرة التابعة للفالحين والمنتجين الصـ ــغار وهي اسـ ــتثنائية ونادرة‪.‬‬
‫أما المروج والمراعي وما شـابهها فقد كانت تخضـع لشـكل الملكية المشـاعية الجماعية‪ .‬وكان اإلنتاج‬
‫اإلقطاعي يمثل القسم األعظم في عملية اإلنتاج االجتماعي‪ ،‬ويحقق القسم األكبر من المنتجات‪.‬‬
‫(كان ال بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد من فالحة األرض‪ ،‬وهو موضــوع اإلنتاج‪ ،‬ومن ثم جمع الغالل‪ .‬ثم كان الفالح‬
‫يحت ــاج ألدوات الز ارعـ ة للقي ــام ب ــالعم ــل‪ .‬وك ــذل ــك ال ب ــد من توفير الخيول والحيوان ــات للقي ــام بعمليــة‬
‫اإلنتاج‪ ،‬كل هذا كان ملكاً لإلقطاعيين الذين كانوا يقدمون للفالحين األدوات والماشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروط‬
‫معينة‪ ،‬وهذا أس ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب آخر الس ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل الفالحين أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬ثم تحولت األدوات فيما بعد إلى ملكية‬
‫‪208‬‬
‫الفالحين)‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬مراحل تطور النظام اإلقطاعي‪:‬‬
‫اإلقطـاعيـة هي النظـام االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي االجتمـاعي‪ ،‬الـذي حـل محـل النظـام العبودي‪ ،‬هي المرحلـة‬
‫التالية لحتمية تطور المجتمع‪ .‬وقد جاءت اإلقطاعية قبل النظام ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ــمالي مباشـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ .‬يقوم النظام‬
‫اإلقطاعي على ملكية طبقة اإلقطاعيين لوسـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج " األرض " واسـ ـ ـ ـ ــتغالل الفالحين‪ .‬وكانت‬
‫أشكال انتقال المجتمعات إلى اإلقطاعي ــة‪ ،‬تختلف من منطقة إلى أخرى‪ .‬يبدأ العصر اإلقطاعي مع‬

‫‪207‬‬
‫‪ -‬انظر ريشكينا وزيركين وياكوفليفا‪ ،‬ما هي المادة التاريخية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1986‬ص‪.83-82‬‬
‫‪208‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار التقدم موسكو‪ ،‬ص‪191-190‬‬

‫‪165‬‬
‫بداية القرن الخامس الميالدي‪ ،‬بيد أن جذوره تعود إلى القرون األولى بعد الميالد‪ .‬وانتش ـ ــر اإلقطاع‬
‫خالل هذه المدة في أوروبا والصين والهند وبابل وغيرها من بلدان الشرق‪.‬‬
‫على الرغم من أن قيام التشـ ـ ـ ـ ــكيلة االجتماعية االقتصـ ـ ـ ـ ــادية اإلقطاعية قد جرى بطرائق مختلفة‬
‫حسب المنطقة‪ ،‬كانت نتائج هذه العملية واحدة تقريباً‪ .‬حيث انقسم المجتمع إلى طبقتين‪:‬‬
‫‪ -1‬طبقة اإلقطاعيين المسـ ـ ـ ــتغلين الذين يحصـ ـ ـ ــلون أو يسـ ـ ـ ــتولون على األ ارضـ ـ ـ ــي مقابل تأدية‬
‫الخدمات العسكرية وغيرها للملون والسالطين‪.‬‬
‫‪ -2‬طبقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الفالحين األقنان‪ ،‬المســتغلين وهم الفالحون والمســتأجرون الصــغار لألرض الذين‬
‫‪209‬‬
‫وضعوا في تبعية شخصية لإلقطاعيين‪.‬‬
‫وتجدر اإلش ـ ـ ـ ـ ــارة إلى أن اإلقطاعية في معظم البلدان والمناطق كانت ذات ميزات عامة واحدة‪،‬‬
‫إال أنها تميزت ببعض الخصائص في هذه المنطقة أو تلك‪ .‬وكان ظهور اإلقطاعية يتم إما بانحالل‬
‫‪210‬‬
‫النظام العبودي‪ ،‬وإما بانحالل النظام المشاعي دون المرور في مرحلة العبودية‪.‬‬
‫في مرحلة تك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون النظام اإلقطاعي ونشـوئه‪ ،‬أخذت تتكون السـمات األسـاسـية ألسـلوب اإلنتاج‬
‫اإلقطاعي‪ ،‬وخاصــة ظهور الملكية العقارية اإلقطاعية‪ ،‬وظهور أنواع الريع اإلقطاعي بوصــفه شــكالً‬
‫اقتصـ ـ ـ ــادياً وممي اًز لعالقات اإلنتاج في هذا النظام‪ .‬وقد مر النظام اإلقطاعي خالل تطوره في ثالث‬
‫مراحل‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬وهي مرحلة بداية تطور التشـكيلة االجتماعية االقتصـادية اإلقطاعية‪ .‬لقد بدأت‬
‫هذه المرحلة في آسـ ــيا " الصـ ــين " مع بداية القرن الثالث‪ ،‬وفي الهند خالل القرنين الرابع والخامس‪،‬‬
‫وفي أوروبا خالل القرن الخامس وفي المنطقة العربية خالل القرن الس ــابع‪ ،‬وتمتد هذه المرحلة حتى‬
‫نهاية القرن الثاني عشر‪ .‬وتسمى هذه المرحلة‪ ،‬عصر القرون الوسطى المبكرة‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬وهو عصر اإلقطاعية المتطورة‪ ،‬التي بدأت في أوروبا في القرن الحادي عشر‬
‫واســتمرت حتى الخامس عشــر‪ ،‬وفي بلدان آســيا منذ القرن التاســع وحتى القرن الحادي عشــر‪ ،‬وفي‬
‫بعض المناطق حتى القرن الخامس عشر‪ .‬وتم في هذه المرحلة التقسيم االجتماعي للعمـ ـ ـ ـ ــل الثاني‪،‬‬
‫حيث انفصلت الحرفة عن الزراعة‪ ،‬وتكونت المدن كمراكز للحرف والتجارة‪.‬‬
‫المرحلاة الثاالثاة‪ :‬وهي المرحلـة التي تتميز ببـدايـة تفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخ النظـام اإلقطـاعي ونشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوء العالقـات‬
‫ال أرســمالية ويمتد تاريخ هذه المرحلة من القرن الخامس عشــر حتى منتصــف القرن الســابع عشــر في‬
‫‪211‬‬
‫أوروبا‪ .‬حيث بدأت تظهر مالمح النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫‪-‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصادي السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.210‬‬
‫‪210‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.127‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو‪ ،‬ص‪.181-180‬‬

‫‪166‬‬
‫من البدهي أن أش ـ ــكال المجتمع اإلقطاعي في مختلفة مناطق العالم ليس ـ ــت متماثلة‪ ،‬أو نس ـ ــخة‬
‫طبق األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل لإلقطـاعيـة في أوروبـا (مثال بينمـا كـانـت اإلقطـاعيـة في أوروبـا تقوم بـالـدرجـة األولى‬
‫على الملكية الخاصة لألرض‪ ،‬كانت العالقات اإلقطاعية في غالبية أقاليم إفريقيا مرتبطة إلى درجة‬
‫‪212‬‬
‫كبيرة بدفع الريع العيني وبتأدية واجبات اقتصادية واجتماعية معينة)‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ -‬تحويل الفالحين األحرار إلى أقنان‪:‬‬
‫(لم يتحقق تحول الفالحين األحرار‪ ،‬وفق نظـام الملكيـة اإلقطـاعيـة التي أقـامتهـا األنظمـة الملكيـة‬
‫على األرض‪ ،‬إلى فالحين أقنان إال من خالل مرحلة من التطور‪ .‬ولقد اجتاز هذه المرحلة أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‬
‫تحول الفالحين والعبيـد الـذين أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحوا مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـأجرين لألرض لـدى مالكي العبيـد مقـابـل جزء من‬
‫المحصول في مرحلة انحالل العالقات العبودية‪ ،‬رغم أن هؤالء كانوا منذ البداية موثقين إلى األرض‬
‫وتابعين تبعية شـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ــية إلى مالكي األرض‪ .‬بينما كان الفالحون العاملون في ظل نظام الملكية‬
‫اإلقطاعية خارجين لتوهم من قبل النظام العش ـ ــائري المش ـ ــاعي الذي يتص ـ ــف بالمس ـ ــاواة بين الناس‪،‬‬
‫فكانوا أكثر اسـتقالالً‪ ،‬ومضـى وقت ليس بالقليل حتى أصـبحوا تابعين تبعية شـخصـية للمالكين فكان‬
‫‪213‬‬
‫هؤالء في مرحلة وسط بين الفالحين والعبيد الرومانيين وبين الفالحين األقنان الجدد)‪.‬‬
‫وكان يتم تحويل الفالحين األحرار إلى أقنان بعدة وسائل منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلكراه المباشر واستخدام العنف‪،‬‬
‫‪ - 2‬اسـتغالل الوضـع القاسـي الذي وجد الفالحون أنفسـهم فيه بسـبب الضـرائب العالية وتعسـف‬
‫السادة وسوء المحاصيل‪،‬‬
‫‪ - 3‬تحول الفالحين طوعياً إلى أتباع مرتبطين باإلقطاعيين ش ـ ـ ـ ـ ــخص ـ ـ ـ ـ ــياً لقاء التزام اإلقطاعي‬
‫بحماية الفالحين‪ .‬وقد أدى هذا التطور إلى تشـ ـ ـ ـ ــكل أسـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج اإلقطاعي على أنقاض النظم‬
‫العبودية‪.‬‬
‫وكانت عملية تبعية الفالحين األحرار لإلقطاعيين تتم بأس ـ ـ ـ ـ ـ ــاليب مختلفة‪ ،‬كما اختلفت أيض ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫درجـة التبعيـة‪ .‬وبـدأت االختالفـات بين اإلقطـاعيين والفالحين تتوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح أكثر فـأكثر‪ .‬وأخـذ المجتمع‬
‫ينقسـم بصـورة واضـحة إلى طبقتين‪ ،‬طبقة السـادة اإلقطاعيين‪ ،‬وطبقة الفالحين الذين ال حول لهم وال‬
‫قوة‪ .‬وظهر التعــارض والتنــاقض بين هــاتين الطبقتين االجتمــاعيتين‪ .‬ويعــد النظــام اإلقطــاعي خطوة‬
‫متقدمة‪ ،‬بالمقارنة مع نظام ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق والعبودية‪ ،‬حيث تطورت أكثر فأكثر القوى المنتجة‪ .‬وأضـ ـ ــحى‬
‫الفالح الذي يعمل في أرضـ ـ ــه وفي أ ارضـ ـ ــي اإلقطاعي‪ ،‬بأدوات العمل التي يملكها هذا الفالح الذي‬
‫يعمل في أرض ـ ـ ــه وفي أ ارض ـ ـ ــي اإلقطاعي‪ ،‬بأدوات العمل التي يملكها هذا الفالح يرغب في تطوير‬

‫‪212‬‬
‫‪-‬يوري بوبوف‪ ،‬دراسات في االقتصاد السياسي‪ ،‬االمبريالية والبلدان النامية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪ ،1984‬ص‪.75‬‬
‫‪213‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.129‬‬

‫‪167‬‬
‫هذه األدوات وتحس ـ ـ ــين أس ـ ـ ــاليب العمل حيث أص ـ ـ ــبح ارتباطه بالعمل وزيادة اإلنتاج أكثر‪ ،‬ألن ذلك‬
‫‪214‬‬
‫يحقق مصالحه أيضاً‪.‬‬
‫لقد كان عمل الفالحين هو األس ـ ـ ـ ـ ــاس في قيام المجتمع اإلقطاعي واس ـ ـ ـ ـ ــتم ارره‪ .‬وكان الفالحون‬
‫يقومون بعملية اإلنتاج لتلبية الحاجات الضـرورية ألنفسـهم وللسـيد اإلقطاعي وحاشـيته‪ ،‬وكذلك لتلبية‬
‫حـاجـات جهــاز الـدولـة‪ .‬وبـدأت تتحول اإلقطــاعيــات إلى وحـدات مغلقــة‪ ،‬ذات اكتفــاء ذاتي‪ ،‬ومنعزلـة‬
‫بدرجة كبيرة أو صـ ــغيرة عن بقية الوحدات األخرى‪ .‬وتقوم بعملية اإلنتاج أيضـ ـاً إلى جانب الفالحين‬
‫مجموعة الحرفيين بمختلف اختصاصاتهم‪ ،‬حي ـ ـ ـ ــث ينتجون المالبس واألحذية‪ ،‬كما يقومون بعمليات‬
‫إصـ ـ ــالح األدوات وترميم األبنية‪ .‬وهذا يعني أن شـ ـ ــكل االقتصـ ـ ــاد الطبيعي هو الشـ ـ ــكل السـ ـ ــائد في‬
‫اإلقطاعيات‪ .‬وخاص ــة في المراحل األولى من تطور النظام اإلقطاعي‪ ،‬حيث كان نظام الس ــخرة هو‬
‫السائد في هذه المرحلة‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬جوهر االستغالل اإلقطاعي‪:‬‬
‫( يكمن جوهر االسـتغالل اإلقطاعي في أن اإلقطاعي‪ ،‬بوصـفه صـاحب األرض‪ ،‬كان يسـتولي‬
‫لنفسـ ـ ـ ــه على الناتج الزائد الذي يخلقه العمل الزائد للفالح التابع‪ .‬وكان هذا الناتج الزائد يتخذ شـ ـ ـ ــكل‬
‫الريع العقاري لإلقطاعي‪ .‬وإن إنتاج الناتج الزائد‪ ،‬المصـ ـ ــنوع بوسـ ـ ــاطة إرغام الفالحين التابعين على‬
‫العمل واســتغاللهم غير االقتصــادي‪ ،‬والذي يغتصــبه اإلقطاعي بشــكل الريع العقاري اإلقطاعي‪ ،‬هو‬
‫‪215‬‬
‫القانون االقتصادي األساسي لإلقطاعية)‪.‬‬
‫إن الش ــكل اإلقطاعي للملكية وما ينجم عنه من تبعية ش ــخص ــية الفالح لإلقطاعي وربط الفالح‬
‫القن باألرض إنما يحدد طابع االس ـ ــتغالل اإلقطاعي وكان الش ـ ــكل الخارجي لهذا االس ـ ــتغالل يتمثل‬
‫في عالقات اإلنتاج اإلقطاعي " نظام الريع "‪ .‬وكانت تتجس ــد فيه اقتص ــادياً ملكية األرض‪ .‬والجدير‬
‫بالذكر أن الريع العقاري الذي يســتولي عليه اإلقطاعي كان يشــمل المنتوج الزائد كامالً وأحياناً كثيرة‬
‫جزءاً من المنتج الضروري‪ .‬إن جميع الخيرات المادية التي تنتج في استثمارة اإلقطاعي‪ ،‬ما هي إال‬
‫نتيجة لعمل الفالح‪ .‬ويمكننا تقسيم المنتج الذي ينتجه الفالح إلى ثالثة أقسام رئيسة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬قسم المنتج الذي يستولي عليه اإلقطاعي‪.‬‬
‫‪ -2‬قسم المنتج الضروري إلعالة الفالح وأسرته‪.‬‬
‫‪ -3‬قس ـ ــم المنتج الذي اس ـ ــتطاع الفالح إنتاجه فوق الحد األدنى الض ـ ــروري للحياة‪ ،‬والناجم عن‬
‫رفع إنتاجية عمله‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫‪J. Nowicki, Str. 189‬‬ ‫‪ -‬انظر‪:‬‬
‫‪215‬‬
‫‪ -‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.222‬‬

‫‪168‬‬
‫يشـ ـ ـ ـ ـ ــكل القسـ ـ ـ ـ ـ ــم األول من المنتج والذي يسـ ـ ـ ـ ـ ــتولي عليه اإلقطاعي " المنتج الزائد " أو المنتج‬
‫الفائض‪ .‬أما القسـ ــمان الثاني والثالث فهما يشـ ــكالن المنتج الضااروري‪ .‬ووفقاً لما تقدم يمكننا تقس ــيم‬
‫‪216‬‬
‫عمل الفالح إلى نوعين من العمل " عمل ضروري " و " عمل زائد "‪.‬‬
‫إن القــاعــدة األس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــة التي تقوم عليهــا عالقــات اإلنتــاج في النظــام اإلقطــاعي هي ملكيــة‬
‫اإلقطاعي المطلقة لأل ارضـ ــي وغير المطلقة للفالحين الذين يعملون في أرضـ ــه‪ .‬وكان الفالح سـ ــلعة‬
‫للمبادلة في البيع أو الش ـراء مع األرض التي يعمل فيها‪ .‬وبذلك تقوم عالقات اإلنتاج على اســتغالل‬
‫الفالحين من قبــل اإلقطــاعيين‪ .‬وت ازيــد االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل اإلقطــاعي من خالل القسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر واإلرغــام غير‬
‫االقتصــادي‪ ،‬أي من خالل التبعية الشــخصــية لإلقطاعي‪ .‬وينقســم عمل الفالحين إلى جزأين‪ :‬األول‬
‫‪ -‬يدعى الوقت الض ـ ــروري الذي ينتج فيه الفالح وس ـ ــائل العيش الض ـ ــروري له وألس ـ ـرته‪ ،‬والثاني ‪-‬‬
‫يدعى الوقت اإلض ـ ـ ـ ـ ــافي الذي يعمل فيه الفالح لإلقطاعي وينتج ما يس ـ ـ ـ ـ ــمى " المنتج الفائض " أو‬
‫الزائد‪ .‬ويتضمن المنتج الفائض في النظام اإلقطاعي شكل الريع اإلقطاعي العقاري‪.‬‬
‫وللريع العقاري ثالثة أشكال رئيسة‪:‬‬
‫‪ )1‬الريع بالس ـ ـ ـ ـ ــخرة‪ :‬حيث يتوجب على الفالح أن يعمل في أ ارض ـ ـ ـ ـ ــي اإلقطاعي عدداً من أيام‬
‫األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبوع بـدون مقـابـل‪ ،‬ألن المنتجـات المتحققـة من ذلـك تعود لإلقطـاعي " النـاتج الفـائض "‪ .‬وبقيـة‬
‫أيام األس ــبوع يقوم الفالح بالعمل في أرض ــه الخاص ــة‪ ،‬ويعود إليه الناتج المتحقق من هذه األرض "‬
‫الناتج الضروري "‪.‬‬
‫‪ )2‬الريع العيني‪ :‬عندما يتوجب على الفالح تخصـيص كمية محددة من المنتجات التي يحصـل‬
‫عليها باسـ ـ ــتثماره األ ارضـ ـ ــي لحسـ ـ ــاب اإلقطاعي نفسـ ـ ــه‪ .‬وغالباً ما يكون القسـ ـ ــم األعظم من المنتج‪.‬‬
‫ويص ـ ــبح المتبقي من المنتجات من نص ـ ــيب الفالح‪ .‬وهذا ما كان يحفز الفالحين بتحس ـ ــين أس ـ ــاليب‬
‫العمل ونتائجه‪.‬‬
‫‪ )3‬الريع النقـدي‪ :‬يتوجـب في هـذه الحـالـة على الفالح أن يقوم ببيع المنتج في السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق وتقـديم‬
‫حصة اإلقطاعي على شكل نقود‪ .‬وأصبح إنتاج الفالحين مرتبطاً بالسوق أكثر‪.‬‬
‫ومع تطور أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتـاج اإلقطـاعي تم التحول تـدريجيـاً من نظـام السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخرة إلى نظـام الريع‬
‫العيني‪ ،‬ثم إلى الريع النق ــدي‪ .‬ولم يكن الفالح يهتم ب ــالعم ــل وبنت ــائج ــه وفق ـاً لنظ ــام السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخرة‪ ،‬ألن‬
‫اإلقطاعي كان يستولي على العمل بشكله الطبيعي‪.‬‬
‫لقد كان اإلقطاعي وفقاً لنظام الســخرة يســتولي على العمل بشــكله الطبيعي‪ ،‬لذلك لم يكن الفالح‬
‫يهتم بالعمل أو بنتائجه‪ .‬وظهر نظام الريع بنوعين (العيني والنقدي) وأص ـ ـ ـ ـ ــبح اإلقطاعي يحص ـ ـ ـ ـ ــل‬

‫‪216‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.192‬‬
‫‪ -‬انظر أيضاً‪ ،‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.138‬‬

‫‪169‬‬
‫على نتيجة العمل مجســداً في قســم من المنتج وهو " المنتج الفائض "‪ .‬وأصــبح الفالح أكثر اهتماماً‬
‫بنتائج العمل إذا كان يحصل على قسم‪ ،‬ولو كان ضئيالً‪ ،‬من الزيادة في اإلنتاج‪ ،‬وعمد اإلقطاعيون‬
‫إلى اسـ ــتبدال نظام الريع بنظام السـ ــخرة ألنه يضـ ــمن لهم نتائج أفضـ ــل‪ ،‬وفي كثير من الحاالت كان‬
‫اإلقطاعيون يجمعون بين نظام الس ـ ـ ـ ـ ــخرة ونظام الريع‪ ،‬وفي هذه الحالة يتوجب على الفالح أن يقدم‬
‫‪217‬‬
‫أياماً من العمل في أراضي اإلقطاعي‪ ،‬إضافة إلى قسم من المنتج المتحقق في أرضه الخاصة‪.‬‬
‫كــان حصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اإلقطــاعيين على الريع هو الهــدف الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعي لمجمــل اإلنتــاج في النظــام‬
‫اإلقطاعي‪ .‬وذلك لتلبية الحاجات الشــخصــية لإلقطاعي وألس ـرته وحاشــيته‪ .‬أما بالنســبة لســد حاجات‬
‫يعده اإلقطاعيون إال واس ـ ـ ـ ــطة لض ـ ـ ـ ــمان تجديد قوة العمل واس ـ ـ ـ ــتمرار عملية‬
‫الفالحين والحرفيين فلم ّ‬
‫اإلنتاج لتحقيق مصــالح اإلقطاعيين‪ ،‬الهدف األســاســي لعملية اإلنتاج‪ .‬أي ما هي إال وســيلة لإلبقاء‬
‫على النشـاط الحيوي لالقتصـاد‪ .‬ولم يكن مقدار الريع يتحدد من خالل الحاجات االسـتهالكية البحتة‬
‫لإلقطاعيين أو الفالحين‪ ،‬بل كان مقدار الريع يتوقف على نسبة القوى الطبقية للمالكين اإلقطاعيين‬
‫والمنتجين المباش ـرين‪ .‬ولم تكن مقادير الريع متش ــابهة في مختلف المناطق الجغرافية أو في مختلف‬
‫‪218‬‬
‫المراحل‪.‬‬

‫خامساً ‪ -‬تناقضات وانحالل النظام اإلقطاعي‪:‬‬


‫‪ - 1‬نتائج التحول إلى نظام الريع النقدي‪:‬‬
‫إن التحول إلى نظام الريع العيني‪ ،‬يعني مزيداً من اسـ ـ ـ ــتغالل الفالح نسـ ـ ـ ــبياً‪ ،‬ومزيداً من اهتمام‬
‫الفالح بالعمل ونتائج العمل‪ .‬أما نتائج التحول إلى نظام الريع النقدي فقد كان له نتائج مهمة وكثيرة‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬أصبح الفالح مرتبطاً بعملية التبادل في السوق بدرجة كبيرة‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪ .‬وأخذ‬
‫االقتصاد الفالحي يتحول إلى اقتصاد بضاعي‪.‬‬
‫‪ -‬ت ازيـ ـ ــد اعتمـ ـ ــاد الفالح على رأس المال التجاري ورأس المال الربوي‪ .‬أدى إلى تمايز الفالحين‬
‫من حيـث إمكـان تـأجير األرض‪ .‬وبـدايـة فرز الفالحين وتقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيمهم إلى أغنيـاء وفقراء‪ .‬وأخـذت فئـات‬
‫من الفالحين تثري وفئات أخرى تزداد فق اًر‪.‬‬
‫‪ -‬أصـ ـ ـ ــبح لدى اإلقطاعي مجاالت جديدة السـ ـ ـ ــتغالل الفالحين‪ ،‬عندما يقوم الفالح باسـ ـ ـ ــتخدام‬
‫طاحون اإلقطاعي أو أنظمة الري أو وسائل اإلنتاج األخرى لقاء أجر محدد يدفعه لإلقطاعي‪.‬‬
‫‪ -‬وفي ظل نظام الريع النقدي بدأت تتدعم وتتوس ـ ــع ملكية الفالحين ألدوات اإلنتاج وغيرها من‬
‫شروط العمل باستثناء األرض‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬المصدر السابق ص‪.70-69‬‬
‫‪218‬‬
‫‪ -‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.193‬‬

‫‪170‬‬
‫‪ -‬بـدأت العالقـة بين اإلقطـاعي والفالح تتحول من عالقـة تبعيـة إلى عالقـة اتفـاقيـة عينيـة –‬
‫نقدية‪ ،‬وبدأ يتحول وضع الفالح من وضع التابع إلى وضع المستأجر أول بأول‪.‬‬
‫‪ -‬تحولت األرض إلى بضـ ــاعة‪ ،‬قابلة للبيع والشـ ـراء‪ ،‬وعندما ظهر سـ ــعر األرض في ظل الريع‬
‫النقدي وهو ما يسمى الريع " المترسمل "‪.‬‬
‫‪ ( -‬في ظل الريع النقدي يبدأ تأجير األرض لل أرس ـ ـ ـ ـ ــماليين الذين كانوا حتى ذلك الوقت بعيدين‬
‫عن الزراعة )‪ .‬كما سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعد الريع النقدي على ظهور فئة العمال الزراعيين المياومين من ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن‬
‫‪219‬‬
‫الفالحين المفلسين‪ ،‬الذين يعملون بأجور نقدية‪.‬‬
‫‪ - 2‬تطور القوى المنتجة‪:‬‬
‫حققت القوى المنتجة في النظام اإلقطاعي مس ــتوى تطور عال بالمقارنة مع مس ــتواها في النظام‬
‫العبودي‪ .‬حيث تطورت تقانة اإلنتاج في مجال الزراعة‪ .‬وبدأ ينتشــر بشــكل تدريجي اســتخدام أدوات‬
‫ووس ـ ــائل العمل المص ـ ــنوعة من الحديد‪ ،‬وتطورت زراعة الفواكه والخض ـ ـ اروات وكروم العنب‪ .‬وكذلك‬
‫تحسـنت عمليات تربية المواشـي والخيول‪ ،‬كما أخذت تتطور تقانة األدوات التي يسـتخدمها الحرفيون‬
‫في عملهم‪ ،‬وازداد تخصـ ـ ـ ـص ـ ـ ــهم وتقس ـ ـ ــيم العمل ض ـ ـ ــمن الحرفة الواحدة‪ .‬وكان لتطور عملية تعدين‬
‫الحـديد أهميـة كبيرة في تطور القوى المنتجـة في هذه المرحلـة‪ ،‬حيـث ظهرت بعض األفران لصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهر‬
‫الحديد وتعدينه في القرن الخامس عشر‪.‬‬
‫كان تطور القوى المنتجة في النظام اإلقطاعي يواجه عقبات مهمة في مراحله األخيرة‪ ،‬بسـ ـ ـ ــبب‬
‫عالقات اإلنتاج اإلقطاعي الس ــائدة‪ .‬حيث كان الفالح يملك إمكانات محدودة لتطوير وزيادة إنتاجية‬
‫العمـل‪ .‬الفالح الـذي ال يجيـد القراءة أو الكتـابـة والـذي يعـاني من انخفـاض المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى الثقـافي العـام‬
‫والمهني‪ ،‬يقوم بتأدية عمله وفقاً للتقاليد القديمة والمتخلفة‪ .‬وهذا يعني عدم التوافق بين القوى المنتجة‬
‫المتطور نســبياً وبين عالقات اإلن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتاج اإلقطاعية الشــائخة‪ .‬وال بد من اســتبدال عالقات إنتاج بها‬
‫جديدة تتوافق مع مستوى تطور القوى المنتجة‪.‬‬
‫‪ - 3‬ظهور االقتصاد السلعي ‪ -‬النقدي‪:‬‬
‫وتطورت التجـارة بنوعيهـا " الـداخليـة والخـارجيـة " تطو اًر كبي اًر‪ ،‬وخـاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بين الغرب "أوروبـا "‬
‫والشــرق‪ ،‬وســاهم في تنشــيطها التجار العرب والبيزنطيون‪ ،‬كما اتســعت التجارة بين البلدان األوروبية‬
‫نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا‪ .‬واتخـذت الم اربـاة أبعـاداً ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخمـة في المجتمع اإلقطـاعي‪ ،‬نظ اًر لتطور التجـارة‪ .‬فقـد كـان‬
‫المرابون يقــدمون القروض النقــديــة لوجهــاء اإلقطــاعيين واألديرة مقــابــل فوائــد ذات معــدالت عــاليــة‬
‫وباهظة تص ـ ــل أحياناً إلى ‪ 100‬بالمائة أو ‪ 200‬بالمائة‪ .‬وبهذه كانوا يس ـ ــتولون على قس ـ ــم كبير من‬
‫الناتج الزائد الذي يخلق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عمل الفالحين القسـري‪ .‬وكان الفالحون الصـغار والحرفيون يلجؤون إلى‬

‫‪219‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.414-140‬‬

‫‪171‬‬
‫الحصــول على القـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروض من المرابين بشــروط مجحفة‪ ،‬األمر الذي كان يؤدي عادة إلى إفالســهم‬
‫وتحولهم إلى فالحين أرقاء‪.‬‬

‫ونتيجة لتزايد العالقات البض ـ ـ ـ ــاعية النقدية ونموها‪ ،‬وإقحام المنتجين المباش ـ ـ ـ ـرين‪ ،‬وهم الحرفيون‬
‫والفالحون‪ ،‬في دوامة العالقات الس ـ ـ ـ ــوقية‪ ،‬أخذ النقد ش ـ ـ ـ ــيئاً فش ـ ـ ـ ــيئاً يقوم بدور أكثر أهمية‪ ،‬كمقياس‬
‫القيمة كما اتس ـ ــعت عالقات التبادل والعالقات الس ـ ــلعية ‪ -‬النقدية نتيجة التطور في أدوات ووس ـ ــائل‬
‫العمل وتقس ـ ـ ـ ــيم العمل االجتماعي‪ .‬بيد أن زيادة التخص ـ ـ ـ ــص وظهور أعمال جديدة يؤدي بدوره إلى‬
‫توس ـ ـ ـ ـ ــيع دائرة التبادل التجاري‪ .‬وقد كان لتطور العالقات الس ـ ـ ـ ـ ــلعية النقدية التأثير الكبير في تفتيت‬
‫األسس االقتصادية العامة للمجتمع اإلقطاعي‪.‬‬
‫هذه هي أهم العوامل التي أدت إلى زعزعة أسـ ــس النظام اإلقطاعي‪ ،‬الذي أصـ ــبح غير منسـ ــجم‬
‫مع مالمح التطور الجديد‪ .‬لذلك أص ـ ـ ــبح من الض ـ ـ ــروري ظهور نظام اقتص ـ ـ ــادي ‪ -‬اجتماعي جديد‬
‫يقوم على عالقات وأسـ ـ ـ ــس اقتصـ ـ ـ ــادية جديدة تتالءم مع التطورات الحديثة‪ .‬وهذا يعني بداية ظهور‬
‫النظام ال أرسـمالي كتشـكيلة اقتصـادية اجتماعية جديدة ومتطورة قياسـاً بالنظام اإلقطاعي الذي سـبقها‪.‬‬
‫وأخذ االقتصـاد السـلعي يح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل تدريجياً محل االقتصـاد الطبيعي‪ .‬وأصـبح اإلنتاج يهدف إلى تحقيق‬
‫‪220‬‬
‫الربح بعد أن كان فيما مضى يهدف إلى إشباع الحاجات الشخصية إشباعاً مباش اًر‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق ص‪.73‬‬

‫‪172‬‬
‫أسلوب اإلنتاج اإلقطاعي‬

‫‪ -‬الملكية المطلقة لألساااااياد اإلقطاعيين لألراراااااي التي كانق ترب‬


‫الفالحين (األقنان) بتبعيتها لألسياد‪.‬‬ ‫السمات األساسية‬
‫‪ -‬انقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة‪.‬‬
‫ألسلوب اإلنتاج‬
‫توزيع الناتج االجتماعي إلى منتوج‬ ‫‪ -‬الصراع بين الطبقات بخصو‬
‫رروري ومنتوج فائل‪.‬‬

‫التركيب الهيكلي لالقتصاد التركيب الهيكلي لالقتصاد‬


‫أشيا مليية‬
‫وسائ اإلنتاج‬
‫(األرض)‬
‫أراري المنفعة العامة‬ ‫الملكية اإلقطاعية‬
‫المراعي‪،‬المروج األقنية‬ ‫أرال‪ ،‬مروج‪ ،‬ابات‬

‫حصص أراري الفالحين األقنان‬


‫اإلنتاج البضاعي الصغير في المدن والقرى‬

‫حرو يدوية‬ ‫الزراعة‬

‫القروض‬
‫مجاالت‬ ‫التجارة الداخلية والخارجية‬
‫الت او‬
‫‪173‬‬
‫الطبقات‬

‫طبقة التجار‬ ‫طبقة صغار المنتجين‬ ‫الفالحون‬ ‫اإلقطاعيون‬

‫والمرابين‬ ‫من الفالحين والحرفيين‬ ‫األقناان‬ ‫األسياااد‬


‫الطبقتان الرئيستان‬

‫‪174‬‬
‫ملحق حول نم اإلنتاج اآلسيوي‬
‫تتميز بعض النظم الش ـ ـ ـرقية الس ـ ـ ــابقة للنظام ال أرس ـ ـ ــمالي بنمط إنتاج يختلف عن النمط العبودي‬
‫والنمط اإلقطاعي‪ ،‬وهو ما يسمى " النمط اآلسيوي لإلنتاج " الذي يتميز بصفتين أساسيتين‪:‬‬
‫‪ - 1‬قاعدة إنتاجية من " المشتركات " الفالحين‪،‬‬
‫‪ - 2‬دولة مركزية ذات مهمات اقتصادية وتعود لها ملكية الموارد كافة‪.‬‬
‫تُعد الدولة في النظم الشرقية المبنية على النمط اآلسيوي لإلنتاج المشترن األعلى‪ ،‬ورأس الدولة‬
‫يملك وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج ملكية الرقبة كونه رم اًز لجهاز الدولة‪ .‬وال تقتص ـ ـ ـ ــر ملكية الدولة على األرض‬
‫الزراعية فحســب‪ ،‬بل تشــمل أيضـاً المناجم بأنواعها كافة‪ ،‬كما يحق للدولة أن تحتكر ســائر األنشــطة‬
‫االقتصـادية الكبرى " الصـناعة‪ ،‬التجارة‪ ،‬المال‪ ...‬الخ "‪ .‬ويسـتولي أفراد الصـفوة الحاكمة على فائض‬
‫العمــل اإلنتــاجي ( المنتج الفــائض )‪ ،‬حيــث إنهم يمثلون الــدولــة بــالنيــابــة‪ ،‬وتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقط حقوقهم عنــد‬
‫انفصالهم عنها لذلك نجد أن جهاز الدولة يتكون من أفراد الطبقة الحاكمة والمالكة في الوقت نفسه‪،‬‬
‫والبيروقراطية هي المالك األسـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ .‬إضـ ـ ـ ـ ـ ــافة إلى وجود فئات اجتماعية أخرى مالكة‪ ،‬كالتجار‬
‫والحرفيين وأعيان الريف‪ ،‬ولكنها بمجملها تبقى خاض ـ ـ ـ ــعة للبيروقراطية ومرتبطة بها ومعتمدة عليها‪.‬‬
‫‪221‬‬

‫أما المهمات االقتصااادية للدولة في النم اآلساايوي لإلنتاج‪ ،‬في مصاار الفرعونية على ساابيل‬
‫‪222‬‬
‫المثال‪ ،‬فقد كانق تتمثل بالمهمات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬القيام باألشــغال العمومية‪ ،‬كما في بناء الســدود والترع وصــيانتها وبناء صــهاريج المياه على‬
‫الطرق الصحراوية وصيانة شبكة المواصالت النهرية‪.‬‬
‫‪ -2‬الدولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هي المالك األســاســي لغالبية األ ارضــي الزراعية في مصــر وهي التي تقوم بفرض‬
‫الضريبة والجزية على الفالحين‪.‬‬
‫‪ -3‬قــامــت الــدولــة بهــدف زيــادة اإليرادات بــاحتكــار الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنــاعــة والتجــارة‪ ،‬حيــث فرض األبــاطرة‬
‫االحتكار على مناجم البحر األحمر ومحاجره‪ ،‬كما فرض الحكم الروماني رقابة شــديدة على الحرف‬
‫والورش‪ .‬كمــا ُمنحــت حقوق احتكــاريــة محليــة لعــدد من المعــابــد في فروع مختلفــة من الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنــاعــة‬
‫والتجارة‪.‬‬
‫لقد تطورت القوى المنتجة في العص ـ ـ ـ ــر الفرعوني عما كانت عليه في ظل المش ـ ـ ـ ــاعية البدائية‪،‬‬
‫حيث ظهر تقس ـ ـ ـ ــيم العمل االجتماعي األول بانفص ـ ـ ـ ــال الرعي وتربية الحيوان عن الزراعة‪ ،‬وتميزت‬
‫الزراعة هنا بالدورات والعمليات المتتالية ( الحرث‪ ،‬تحضـ ـ ـ ـ ــير األرض للغراس‪ ،‬غرس البذور‪ ،‬الري)‬
‫في حقول ثابتـة‪ ،‬في حين كانت المجتمعـات السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابقـة تنتقـل من منطقـة إلى أخرى بعـد أن يتم جمع‬
‫‪221‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬أحمد صادق سعد‪ ،‬تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت ‪ ،1979‬ص‪.516‬‬
‫‪222‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.113‬‬

‫‪175‬‬
‫المحص ـ ــول‪ .‬واس ـ ــتطاعت مص ـ ــر في العص ـ ــر الهليني أن تؤثر تأثي اًر مهماً في تجارة البحر األبيض‬
‫المتوسـ ــط عن طريق مدينة اإلسـ ــكندرية‪ ،‬وهذا يعود إلى التطور الذي ط أر على التكوين االقتصـ ــادي‬
‫االجتماعي الهليني في مصر‪.‬‬
‫كما نمت وتطورت العشـيرة خالل العصـر الفرعوني في مصـر حتى تحولت إلى قرية‪ ،‬حيث بدأ‬
‫االســتقرار في منطقة معينة أطلق عليها اســم العشــيرة‪ .‬وكانت العشــائر التي تحولت مع مرور الزمن‬
‫إلى قرى ثم أقاليم‪ ،‬الخاليا البدائية التي خرجت منها الدول الكبرى‪ ،‬وهي تناسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تجمعات القبائل‬
‫‪223‬‬
‫ويقول (يعقوب أرتين باشا) في كتابه‪ ،‬األحكام‬ ‫لدى الشعوب التي ما زالت في بدايات الحضارة‪.‬‬
‫الش ـ ــرعية في ش ـ ــأن األ ارض ـ ــي المصـ ـ ـرية‪( :‬وفي الواقع يجب البحث في أحوال القدماء للوقوف على‬
‫األسـباب التي تولد عنها اشـتران أهالي ناحية (منطقة معينة) بأجمعهم في ملك أ ارضـي تلك الناحية‪،‬‬
‫وليس المراد بكلمة الملك التصــرف من بيع وإرث وغيره‪ ،‬بل زرعها فقط واســتغاللها ومســؤولية أهالي‬
‫تلك الناحية بالتضـ ـ ــامن في وفاء ما على تلك األ ارضـ ـ ــي من الض ـ ـ ـرائب وتوزيع هذه األ ارضـ ـ ــي بين‬
‫‪224‬‬
‫أهالي الناحية في كل سنة‪ ،‬وحق الحكومة في ملك ذلك العقار)‪.‬‬
‫لقد كان نمط اإلنتاج في مصـ ـ ـ ــر الفرعونية من أنقى األمثلة على نمط اإلنتاج اآلسـ ـ ـ ــيوي‪ .‬حيث‬
‫نالحظ توفر الشرطين األساسيين لوجود النمط اآلسيوي لإلنتاج وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود الدولة المركزية في العصـ ـ ـ ــر الفرعوني القديم‪ ،‬مع قيام الدولة بالمهمات االقتصـ ـ ـ ــادية‬
‫الرئيسة وخاصة عمليات الري في الزراعة ‪ -‬النشاط االقتصادي األساسي في هذه التشكيلة ‪ -‬وبقاء‬
‫األراضي ملكاً للدولة‪.‬‬
‫‪ -2‬إضـ ــافة إلى قيام المشـ ــترن الريفي واسـ ــتم ارره لمدة طويلة في صـ ــعيد مصـ ــر الفرعونية‪ ،‬كان‬
‫أكثر تقدماً مما كانت عليه القوى اإلنتاجية في ظل المش ـ ــاعية البدائية‪ .‬وظهر في مص ـ ــر الفرعونية‬
‫تقسـ ــيم العمل االجتماعي بين الرعي والزارعة المسـ ــتقرة‪ " .‬وارتبط هذا التقدم منذ البداية بتنظيم أعلى‬
‫للموارد المادية والبشرية‪ ،‬أي بتقسيم اجتماعي بين التنفيذ العملي واإلشراف على يد الطبقة الحاكمة‪،‬‬
‫مما ضـ ــمن إنتاجية أعلى ووفرة نسـ ــبية للمنتجات‪ .‬فالدولة تنظم اإلنتاج‪ ،‬وتشـ ــرف على المحاصـ ــيل‪،‬‬
‫‪225‬‬
‫وتدير المخزون الغذائي‪ ،‬وتقيم الطرق والقصور والمعابد والعواصم السكنية "‪.‬‬
‫لقد كانت مقدرات الفرد وقوته كاملة تحت تص ــرف الملك‪ .‬وكان ريع األرض من نص ــيب الدولة‬
‫ألنها المالك‪ .‬ويتم توزيع ناتج العمل الفالحي إلى جزأين‪:‬‬
‫‪ -‬الجزء األول ‪ -‬يغطي احتياجات العامل الفالح المباشرة‪( ،‬االكتفاء الذاتي)‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫‪ -‬أنظر‪A. Moret, Des clams aux empires, La Renaissance du Livre , 1923, Paris P. 151 ،‬‬
‫‪224‬‬
‫‪ -‬يعقوب أرتيني (باشا) األحكام الشرعية في شأن األراضي المصرية‪ ،‬تعريب سعيد عمون‪ ،‬المطبعة الكبرى األميرية ببوالق مصر‬
‫المحمية‪ ،‬القاهرة ‪ 1306‬هـ ط‪ 1‬ص (‪.)39‬‬
‫‪225‬‬
‫‪ -‬أحمد صادق سعد‪ ،‬المصدر السابق ص‪.40‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ -‬الجزء الثاني ‪ -‬يتم تســليمه للدولة (على صــورة ض ـريبة عينية من مختلف المنتجات وخاصــة‬
‫الحبوب‪ .‬وكانت هذه الضريبة تحتسب أوالً على القرية كلها ثم يت ـ ـ ـ ـ م توزيعها بمعرفة شيخ البلد على‬
‫‪226‬‬
‫األسر الفالحية‪ ،‬أي كانت أقرب إلى الجزية الجماعية)‪.‬‬
‫نتيجة لذلك بدأ الصــراع الطبقي ض ــمن مص ــر الفرعونية بين الطبقة المس ــتغلة (الطبقة الحاكمة)‬
‫والطبقة المســتغلة (عامة الشــعب)‪ .‬وأخذت الشــعوب األســيرة المضــطهدة تتمرد على الطبقة الحاكمة‬
‫وهرب بعضها (اليهود) كما ثار بعضها اآلخر‪ ،‬مما أدى إلى تقويض دعائم الدول الفرعونية‪( .‬وحل‬
‫محلها دويالت عديدة‪ ،‬ولكنها جميعاً على النمط نفسه)‪.‬‬

‫مراجع الباب الثاني‪:‬‬


‫‪ -1‬فريدريك أنجلز‪ ،‬أصـ ـ ـ ــل العائلة والملكية الخاصـ ـ ـ ـ ة والدولة‪ ،‬ترجمة أديب يوسـ ـ ـ ــف‪ ،‬المطبعة‬
‫التعاونية‪ ،‬دمشق ‪.1958‬‬
‫‪ -2‬االقتصـ ــاد السـ ــياسـ ــي دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬مجموعة من العلماء السـ ــوفييت‪ ،‬ترجمة فؤاد‬
‫أيوب دار دمشق للطباعة والنشر دمشق ‪.1958‬‬
‫‪ -3‬ما هي المادية التاريخية‪ ،‬مجموعة مؤلفين ‪-‬دار التقدم موسكو ‪.1986‬‬
‫‪ -4‬ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪.1987‬‬
‫‪ -5‬الموسوعة االقتصادية‪ ،‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت ‪.1980‬‬
‫‪ -6‬عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬دار التقدم موسكو‪.‬‬
‫‪ - 7‬أحمد صادق سعد‪ ،‬تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت‬
‫‪.1979‬‬

‫الفصل العاشر‬

‫‪226‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ص‪.75‬‬

‫‪177‬‬
‫األفكار االقتصادية في العصور القديمة‬
‫عرف اإلنسـان النشـاط االقتصـادي " اإلنتاج – التوزيع – االسـتهالن " منذ زمن بعيد جداً‪ .‬وكان‬
‫يحاول تنظيم النشــاط االقتصــادي من خالل الســيطرة على الطبيعة وتســخيرها لخدمته وتلبية حاجاته‬
‫من مأكل وملبس ومأوى‪ .‬وال يمكننا فصـل تاريخ الفكر االقتصـادي "المذاهب االقتصـادية" عن تاريخ‬
‫األحداث والوقائع االقتص ـ ــادية‪ ،‬أي النش ـ ــاط االقتص ـ ــادي‪ ،‬ألن الفكر االقتص ـ ــادي يؤثر في النش ـ ــاط‬
‫االقتصــادي ويتأثر به‪ .‬فاألحداث هي التي تزود المفكر بالمادة لوضــع أســاس الفكرة أو المذهب‪ ،‬ثم‬
‫تصـ ـ ـ ــبح هي نفسـ ـ ـ ــها إطا اًر له‪ .‬بيد أنه ال وجود لفكر اقتصـ ـ ـ ــادي جدير بهذه التسـ ـ ـ ــمية‪ ،‬منعزل تمام‬
‫االنعزال عن تطور الفعالية االقتص ـ ــادية ألنها هي التي توجهه وتقوده إلى النتائج المطلوبة‪ .‬كما أن‬
‫الفكر االقتصادي يفعل ويؤثر في األحداث والوقائع االقتصادية(‪.)227‬‬
‫ولم يشكل تطور األفكار االقتصادية خطاً مستقيماً‪ ،‬بل سار أحياناً في طريق تكاد تكون لولبية‪.‬‬
‫إن بعض األفكار والمفاهيم قد تطرح أمام نظريات وأفكار مضـ ـ ـ ـ ــادة تماماً‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى إهمالها‪،‬‬
‫ثم ال تلبث أن تسـ ـ ـ ــتعيد مكانتها أمام المذاهب المنافسـ ـ ـ ــة‪ ،‬بل قد تغنيها بثمار التجارب‪ ،‬حتى تتعدل‬
‫وتتحول إلى نظرية متكاملة متناسقة‪.‬‬
‫لم تكن األفكار االقتصـ ـ ـ ــادية في العصـ ـ ـ ــور القديمة قد وصـ ـ ـ ــلت بعد إلى تكوين نظريات وأفكار‬
‫متناس ــقة ومتكاملة‪ ،‬مما أوجب د ارس ــة الفكر االقتص ــادي في هذه العص ــور في ض ــوء المتفرقات من‬
‫المباحث حول النش ـ ــاط االقتص ـ ــادي في علوم الدين والفلس ـ ــفة والش ـ ــعر أحياناً‪ .‬لقد تعرض الفالس ـ ــفة‬
‫والعلماء القدماء لبحث المشـ ــكالت االقتصـ ــادية ولكن بصـ ــورة ضـ ــئيلة ومحدودة‪ .‬ولم تصـ ــل األفكار‬
‫االقتص ـ ـ ــادية إلى مس ـ ـ ــتوى العلوم األخرى بحيث لم يتمكنوا من وض ـ ـ ــع األس ـ ـ ــس لفص ـ ـ ــل الد ارس ـ ـ ــات‬
‫االقتصادية عن غيرها من أنواع الدراسات‪ ،‬كما فعل هؤالء الفالسفة والعلماء بالنسبة لكثير من فروع‬
‫المعرفة األخرى‪ .‬إضـافة إلى ذلك تميزت األفكار االقتصـادية في العصـور القديمة بالسـمات الرئيسـة‬
‫(‪)228‬‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ - 1‬لم تُدرس المشـ ـ ـ ـ ــكالت االقتصـ ـ ـ ـ ــادية كفرع مسـ ـ ـ ـ ــتقل من فروع المعرفة بل ارتبطت بأبحاث‬
‫الفلسفة والسياسة واألخالق‪ .‬ومن هنا جاءت صفة التبعية للدراسة االقتصادية‪.‬‬
‫‪ - 2‬لم يكن هنان مفكرون يهتمون بالمشــكالت االقتصــادية وحدها‪ ،‬أو متخصـصــون في د ارسـة‬
‫النشــاط والفعالية االقتصــادية‪ .‬وكانت إشــارات الفالســفة والعلماء إلى المشــكالت االقتصــادية إشــارات‬
‫عابرة داخل إطار فكري واسع‪.‬‬

‫(‪ - )227‬أنظر‪ :‬جو زيف الجوجي‪ ،‬المذاهب االقتصادية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬ممدوح حقي‪ ،‬منشورات عويدات بيروت ‪ ،1984‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫(‪ - )228‬أنظر‪ :‬فتح هللا ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫أنظر أيضاً ‪ :‬د‪ .‬أحمد درغام‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬مذاهب اقتصادية‪ ،‬جامعة دمشق ‪ ،1982‬ص‪.14-13‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ - 3‬كانت األفكار االقتص ـ ــادية خاض ـ ــعة لعادات وتقاليد ومنطلقات أخالقية ودينية‪ ،‬بحيث إنها‬
‫لم تعبر عن التص ـ ـ ـرفات االقتص ـ ـ ــادية بقدر ما س ـ ـ ــعت إلى توجيه هذه التص ـ ـ ـرفات في إطار محدود‬
‫وضيق على أساس احترام تعاليم معينة‪.‬‬
‫‪ - 4‬ارتبط العمـل واإلنتـاج في الحضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارات القـديمـة‪ ،‬بـالعبوديـة ومن هنـا تولـد عنـدهم شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعور‬
‫باحتقار العمل والنشـاط االقتصـادي بصـفة عامة‪ ،‬وانعكس هذا الشـعور على المفكرين‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫احتقار االهتمام بالمش ـ ــكالت االقتص ـ ــادية‪ .‬وعدم االهتمام بالد ارس ـ ــات واألبحاث االقتص ـ ــادية وتأخر‬
‫تطورها‪.‬‬
‫انبثقت األفكار االقتص ــادية الش ــائعة مع بداية تش ــكل المجتمعات البش ـرية‪ ،‬ولم تكن تلك األفكار‬
‫جزءاً مســتقالً عن الثقافة الســائدة آنذان‪ ،‬وإنما اختلطت بجملة المعارف والقيم التي كانت تمثل وعي‬
‫تلك المجتمعات وتعبر عنه‪ ،‬بمعنى آخر‪ :‬عرف اإلنســان المعامالت االقتصــادية منذ زمن بعيد جداً‬
‫وموغل في القدم‪ ،‬وقد ظهرت بدايات المعارف االقتصـ ـ ــادية في التشـ ـ ــكيلة العبودية التي كانت قائمة‬
‫على االستغالل االجتماعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ االقتصادي ثم االنقسام الطبقي للمجتمع‪ .‬وقد ساد المجتمع العبودي‬
‫في كل من الصين والهند وبابل ومصر واليونان وروما‪.‬‬
‫وقد برز نشــاط اقتصــادي شــبه منظم في كل من الدولة الفرعونية (‪ 300‬ق‪.‬م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 1000‬ق‪.‬م)‬
‫وتشريعات حمورابي (‪ 2000‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫وفي المملكة الفينيقية والمسـ ـ ــتعمرات اليونانية (ق ‪ 8‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ق ‪ .6‬ق‪.‬م)‪ ،‬يتجلى ذلك النشـ ـ ــاط في‬
‫مقوالت مثل الدين والعملة والفائدة والضـ ـ ـ ـرائب والرسـ ـ ـ ــوم واألجر‪ ،‬ولكن كلمة " اقتصـ ـ ـ ــادي " ظهرت‬
‫ألول مرة في الثقافة اليونانية في القرن الخامس قبل الميالد وكانت تعني‪ " :‬إدارة االقتصـ ــاد المنزلي‬
‫" وقد تمثلت أهم األفكار االقتصـ ـ ـ ــادية في موضـ ـ ـ ــوعات مثل‪ :‬التملك والحيازة والنفع والحرفة والعمل‬
‫اليدوي والثواب والعقاب والمهن والمكسـ ــب والخسـ ــارة واالسـ ــتعمال والربا والثروة والتجارة واالسـ ــتعمال‬
‫والتبادل وغيرها‪.‬‬
‫لقد تمت معالجة الظواهر ذات المس ـ ـ ـ ــائل االقتص ـ ـ ـ ــادية‪ ،‬في تلك العص ـ ـ ـ ــور القديمة من وجهة نظر‬
‫المعارف األخالقية ـ القيمية في المقام األول‪ .‬وإذا تم تجاوز الطابع األولي للحياة االقتصادية فنن وجود‬
‫الرق (العبودي) شـكل ال ـس بب الحاسـم‪ ،‬في أن المسـائل األخالقية كانت تحظى في التاريخ القديم باهتمام‬
‫يفوق مثيله في المسـ ـ ـ ـ ــائل االقتصـ ـ ـ ـ ــادية‪ ،‬وعلى سـ ـ ـ ـ ــبيل المثال‪ :‬بما أنه لم تكن تدفع أجور مقابل العمل‬
‫العبودي ترتب على ذلك عدم بحث كيفية تحديد األجور‪ ،‬كما اس ـ ـ ـ ـ ــتبعدت فن تفكير العلماء‪ ،‬وكان ذلك‬
‫صحيحاً في كل العصور القديمة (أثينا ـ روما ـ بابل ـ مصر الفرعونية ـ الهند ـ الصين)‪.‬‬
‫وقد أص ـ ــبحت المس ـ ــائل المهمة‪ ،‬آنذان هي التبرير األخالقي للرق وش ـ ــروط معاملة الرقيق‪ ،‬كما‬
‫يقول أرســطو في دفاعه عن مؤسـســة الرق‪ " :‬إن الرقيق هم بحكم الطبيعة النوع األدنى‪ ،‬ومن الخير‬
‫لهم‪ ،‬مثلما هو لكل الفئات األقل ش ـ ـ ـ ــأناً‪ ،‬أن يكونوا تحت حكم األس ـ ـ ـ ــياد‪ ....‬والحقيقة أنه ليس هنان‬

‫‪179‬‬
‫فرق كبير بين اسـ ـ ــتخدام الرقيق واسـ ـ ــتخدام الحيوانات المسـ ـ ــتأنسـ ـ ــة "‪ .‬كذلك األمر‪ ،‬فيما يتعلق بالربا‬
‫(الفائدة) في اقتص ـ ـ ــاد األس ـ ـ ـرة اليونانية أيام أرس ـ ـ ــطو كان اإلقراض واالقتراض من أجل االحتياجات‬
‫الش ــخص ــية‪ .‬وبالتالي لم يكن باإلمكان النظر إلى الربا (الفائدة) كتكلفة إنتاج‪ ،‬وإنما باألحرى كش ــيء‬
‫يفرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـد حظـاً على المحتـاج أو األقـل حظـاً في حكمـة‪ ،‬إذن الرق والربـا والعمـل العبودي‬
‫وغيره‪ ،‬كانت تعتبر مشكلة أخالقية أكثر منها مسألة اقتصادية‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬بما أنه لم تكن توجد أجور أو فائدة – مقابل رأس مال إنتاجي‪ -‬لم يكن ممكناً‬
‫وجود نظرية لألسـ ـ ــعار‪ ،‬فاألسـ ـ ــعار تشـ ـ ــتق من تكاليف اإلنتاج التي لم يكن باإلمكان احتسـ ـ ــابها في‬
‫األســرة المعيش ــية المالكة للرقيق‪ ،‬وهذا يفس ــر تس ــاؤل أرس ــطو عما إذا كانت األس ــعار عادلة أو غير‬
‫عادلة‪ .‬إذن‪ ،‬فنن الحكم األخالقي وليس التفس ـ ــير االقتص ـ ــادي المجرد هو الذي كان يحرن أرس ـ ــطو‬
‫وغيره من معلمي اإلغريق العظام‪ ،‬ومثال‪( :‬سقراط ـ ـ ـ ـ أفالطون ـ ـ ـ ـ أرسطو ـ ـ ـ ـ كسبتانون ‪ 430‬ق‪.‬م –‬
‫‪ 322‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫وسـ ــوف نحاول في هذا الفصـ ــل مناقشـ ــة بعض األفكار االقتصـ ــادية في العصـ ــور القديمة‪ ،‬لدى‬
‫الفراعنة في مصـر‪ ،‬واليونان القديم‪ ،‬والرومان‪ ،‬علماً بأن األفكار االقتصـادية والمشـكالت االقتصـادية‬
‫قد وجدت وظهرت لدى س ـ ـ ـ ـ ــائر الش ـ ـ ـ ـ ــعوب واألجيال‪ .‬في الهند أو الص ـ ـ ـ ـ ــين‪ ،‬لدى اآلش ـ ـ ـ ـ ــوريين‪ ،‬أو‬
‫السومريين أو الفراعنة‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫‪229‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬األفكار والمشكالت االقتصادية لدى الفراعنة‬
‫كانت الدولة الفرعونية في العهود القديمة تمثل سـلطة مركزية في مصـر‪ ،‬ذات شـمول اقتصـادي‬
‫وسـياسـي وفكري ديني كلي على الطبقة المحكومة‪ .‬ويتمتع الملك والطبقة الحاكمة بهذه السـلطة عن‬
‫طريق انتمائهم لجهاز الدولة‪ .‬وتعفى الطبقة الحاكمة والحواش ـ ـ ـ ـ ــي من األعمال البدنية أو ممارس ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫النشـ ــاط االقتصـ ــادي والمتابعة التي يقوم بها غيرهم نيابة عنهم‪ ،‬ويمارسـ ــون األعمال الفكرية لتفوقهم‬
‫على الش ـ ـ ــعب بفض ـ ـ ــل علمهم وثقافتهم‪ " .‬ولكنهم يخض ـ ـ ــعون للمركزية اإلدارية ذات النظام الهرمي‪،‬‬
‫ويكونون هيئة مغلقة متماس ـ ـ ــكة وص ـ ـ ــلبة‪ ،‬ويربطهم معاً بالتس ـ ـ ــلس ـ ـ ــل القهر نفس ـ ـ ــه الذي ينقلونه على‬
‫المحكومين‪ .‬ومن الناحية األخرى‪ ،‬يرتبط الفالحون بالمشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتركات القروية ارتباطاً ال يقيدهم ببعض‬
‫فقط‪ ،‬بل يقيدهم أس ــاسـ ـاً بالطبقة الحاكمة التي تس ــتغلها ككتلة‪ ،‬وتس ــخر عشـ ـرات اآلالف من أفرادها‬
‫(‪)230‬‬
‫في مختلف األعمال‪ ،‬غير مميزة بوضوح بين اإلشراف العسكري أو المالي أو الديني "‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬نم اإلنتاج في النظام الفرعوني‪:‬‬
‫يبدو أن نمط اإلنتاج الذي كان سـائداً في النظام الفرعوني في مصـر‪ ،‬كان نمطاً أصـيالً ومتمي اًز‬
‫ال يمكن الخلط بينـه وبين النظـام اإلقطـاعي أو العبودي‪ .‬حيـث كـان يتميز نمط اإلنتـاج هـذا بوجود‬
‫دولة مركزية قوية تملك وسائل اإلنتاج الرئيسة‪ ،‬وخاصة األرض‪ ،‬كما تقوم الدولة بمهمات اقتصادية‬
‫عليا‪ ،‬وتستغل الفالحين المنضمين إلى مشتركات قروية(‪.)231‬‬
‫ويضيف األستاذ أحمد صادق سعد‪ ،‬الذي يطلق على نمط اإلنتاج الذي كان سائداً أيام الفراعنة‬
‫في مصــر مقولة " نمط اإلنتاج اآلســيوي" قائالً‪" :‬وهكذا يجتمع في النمط اآلســيوي أمران معاً‪ :‬جهاز‬
‫دولة يعبر عن وجود طبقة مسـتغلة من جهة‪ ،‬و"مشـتركات" فالحية تعكس المسـتوى المنخفض للقوى‬
‫اإلنتاجية من جهة أخرى‪ .‬وهو نمط أص ــيل ألنه متقدم ومتخلف في آن واحد‪ :‬فالقرى تنتفع باألرض‬
‫بصورة مشتركة مما يضع هذا النمط في نهاية المرحلة الخاصة بالمجتمع غير الطبقي‪ .‬وتوجد أقلية‬
‫تمارس سـ ـ ـ ـ ـ ــلطة الدولة المركزية وتظهر كهيئة مشـ ـ ـ ـ ـ ــتركة عليا‪ ،‬مما يضـ ـ ـ ـ ـ ــع هذا النمط في المرحلة‬
‫الخاصة بالمجتمع الطبقي"(‪.)232‬‬
‫وهدف هذا البحث هو إبراز بعض الخص ـ ـ ـ ـ ـ ــائص االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادية واالجتماعية التي رافقت تطور‬
‫المجتمع المص ــري في عهد الفراعنة الس ــتنتاج األفكار االقتص ــادية التي رافقت الوقائع واألحداث في‬
‫هذا المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬المرجع األساسي في كتابة هذا البحث هو كتاب أحمد صادق سعد‪ ،‬تاريخ مصر االجتماعي – االقتصادي في ضوء النمط اآلسيوي‬ ‫‪229‬‬

‫لإلنتاج‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت ‪.1979‬‬


‫(‪ - )230‬أحمد صادق سعد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫(‪( – )231‬المشترن) أو "الكومونه ‪ "Commune‬عبارة عن وحدة إنتاجية في المجتمعات القديمة حيث يملك أهل القرية مثالً األرض التي‬
‫تحيط بهذه القرية جزئياً أو كلياً‪.‬‬
‫(‪ - )232‬أحمد صادق سعد‪ ،‬تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪181‬‬
‫"ال توجد أبداً أنماط إنتاج نقية بشـ ــكل كامل‪ ،‬فكل نمط إنتاج يمر بتغيرات مسـ ــتمرة‪ .‬وباإلضـ ــافة‬
‫إلى نمط اإلنتاج الس ـ ـ ـ ــائد في مرحلة معينة توجد بقايا الماض ـ ـ ـ ــي وبذور أنماط لإلنتاج س ـ ـ ـ ــتظهر في‬
‫وخير مثال على ذلك نمط اإلنتاج في المجتمع الفرعوني‪ ،‬حيث كان يحتوي على‬ ‫(‪.)233‬‬
‫المسـ ـ ـ ــتقبل "‬
‫المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعيـة وعلى بـذور العبوديـة‪ ،‬واإلقطـاع والعمـل المـأجور‪ .‬ومع أن األرض كـانـت ملكـاً لفرعون‬
‫كرأس للــدولــة من النــاحيــة النظريــة‪ ،‬إال أن حق االنتفــاع بهــا كــان مقر اًر ألفراد عــديــدين‪ .‬وكــان هــذا‬
‫الحق يورث أو يؤجر أو يباع‪.‬‬
‫يعــد مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور القوى المنتجــة في النظــام الفرعوني أكثر تقــدم ـاً ممــا كــان عليــه في ظــل‬
‫المشاعية البدائية حيث كان يتميز بالسماتاآلتية‪:‬‬
‫‪ - 1‬ظهور تقسيم العمل االجتماعي بين الزراعة وتربية الحيوان‪.‬‬
‫‪ - 2‬اســتقرار الزراعة في حقول ثابتة‪ ،‬وأصــبحت الزراعة تتميز بالعمليات المتتالية للدورات‪ ،‬من‬
‫حرث وتحضير لألرض وغرس البذور‪ ،‬والري في أوقات معينة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تنظيم أعلى للموارد المالية والبشـ ــرية‪" ،‬أي بتقس ـ ــيم اجتماعي بين التنفيذ العملي واإلشـ ــراف‬
‫على يـد الطبقـة الحـاكمـة ممـا ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن إنتـا ـج اً أعلى ووفرة نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـة للمنتجـات‪ .‬فـالـدولـة تنظم اإلنتـاج‬
‫وتشــرف على المحاصــيل‪ ،‬وتدير المخزون الغذائي‪ ،‬وتســتخرج المواد األولية من المحاجر والمناجم‪،‬‬
‫(‪)234‬‬
‫وتشرف على التجارة الخارجية‪ ،‬وتقيم القصور والمعابد والعواصم السكنية"‪.‬‬
‫‪ - 4‬اعتماد الدولة المركزية على جيش من الموظفين تعد مهامهم االقتص ـ ـ ــادية س ـ ـ ــبب وجودهم‬
‫ومحور نشاطهم‪.‬‬
‫‪ - 5‬المنتجون في هذا النظام هم الفالحون الذين ُيعاد توزيع األرض عليهم بشكل دوري‪ .‬وزعيم‬
‫القرية "شــيخ البلد" هو الصــلة بينها وبين الدولة‪ ،‬حيث يقوم بجمع الض ـرائب العينية المفروضــة على‬
‫كل قرية "مشترن"‪.‬‬
‫‪ - 6‬يكاد ال يوجد تقسـ ـ ــيم مهني للعمل بين هؤالء الفالحين الذين يقومون بأعمال السـ ـ ــخرة أليام‬
‫قليلة من وقت آلخر من أجل إقامة السدود وحفر الترع‪.‬‬
‫كانت عالقات اإلنتاج في المجتمع الفرعوني تمثل صورة صادقة للعبودية المعممة‪ ،‬حيث كانت‬
‫قوة العمل للفرد العادي تحت تص ـ ـ ـ ـ ـ ــرف الملك "فرعون"‪ .‬وكانت الدولة تس ـ ـ ـ ـ ـ ــيطر على أمالن البالد‬
‫بش ـ ــكل كامل‪ ،‬كما أن الرعية كانت ملكاً للدولة‪ .‬وبذلك تكون جميع الموارد الطبيعية والبشـ ـ ـرية تحت‬
‫تص ـ ـ ــرف الملك كاملة(‪ .)235‬وقد أثبت الفراعنة عملياً أكثر من مرة هذه الحقوق للملك‪ " ،‬إذ اس ـ ـ ــتولى‬

‫‪.Y. Varga, Political – Economic Problems of capitalism, Moscow Progress , 1968 , P.343‬‬ ‫(‪- )233‬‬
‫‪234‬‬
‫ال عن أحمد صادق سعد‪ ،‬المصدر‬
‫( ) ‪ -‬أنظر‪ :‬أحمد فخري‪ ،‬مصر الفرعونية‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1965‬ص‪ .232‬نق ً‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫(‪ - )235‬أنظر‪ :‬أدولف أرمان وهيرمان رانكه‪ ،‬مصر والحياة المصرية في العصور القديمة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1959‬ص‪.153‬‬

‫‪182‬‬
‫إخناتون مثالً على ممتلكات معابد آمون كلها وســلمها لخزينة الدولة‪ .‬وكذلك تعرض كبار الموظفين‬
‫وأفراد األرسـ ــتقراطية المرة بعد المرة للمصـ ــادرات التامة‪ ،‬وخاصـ ــة عندما كانت أس ـ ـرة جديدة تسـ ــتولي‬
‫على الحكم‪ .‬ويذكر هيرودوت أن رمسـ ــيس الثاني وزع األرض على جميع المصـ ـريين بالتسـ ــاوي في‬
‫(‪)236‬‬
‫القرن ‪ 13‬ق‪ .‬م "‬
‫ثانياً ‪ -‬الملكية والتوزيع في المجتمع الفرعوني‪:‬‬
‫لقد كانت أمالن البالد خالصـ ـ ـ ـ ــة للدولة‪ ،‬وكانت الرعية أيضـ ـ ـ ـ ـاً ملكاً لها‪ ،‬تتصـ ـ ـ ـ ــرف في حياتها‬
‫وأرواحها كما تشـ ـ ـ ـ ــاء‪ .‬وبذلك تملك الدولة األرض وما عليها وما في باطنها‪ .‬فالدولة تسـ ـ ـ ـ ــيطر على‬
‫وس ــائل اإلنتاج األس ــاس ــية (األرض‪ ،‬واليد العاملة والموارد الطبيعية المختلفة)‪ .‬وإذا حص ــل أحد أفراد‬
‫الطبقـة الحـاكمـة على قطعـة من األرض‪ ،‬يتم ذلـك بمنحهـا من الملـك‪ ،‬حيـث يحق لـه االنتفـاع بهـذه‬
‫األرض‪ ،‬الحقاً في ملكية الرقبة‪ .‬وينتقل الحق الش ـ ـ ــرعي في التص ـ ـ ــرف المطلق في موارد البالد إلى‬
‫أي فرعون جديد بمجرد أن يسـ ــتولي على السـ ــلطة‪ ،‬وس ـ ـواء أكان من أصـ ــل ملكي أم لم يكن‪" .‬وهذا‬
‫يعني أن ذلـك الحق منبثق من الـدولـة كجهـاز متكـامـل قـائم‪ ،‬وال ينبع من اإلرث في عـائلـة معينـة‪ ،‬أي‬
‫أنه يؤول إلى الملك ال باعتباره الشخصي ولكن باعتباره رأساً للدولة وممثالً لها"(‪.)237‬‬
‫ثم ظهر تقس ـ ـ ــيم العمل االجتماعي الثاني في المجتمع الفرعوني عندما انفص ـ ـ ــلت الحرفة (حرفة‬
‫التجـارة والبنـاء والفخـار… الخ) عن الرعي وتربيـة الحيوان من جهـة‪ ،‬ثم عن الز ارعـة من جهـة أخرى‪.‬‬
‫وبقي تقس ـ ـ ـ ــيم العمل المهني داخل المش ـ ـ ـ ــترن الفالحي "القروي" يخدم اقتص ـ ـ ـ ــاد االكتفاء الذاتي‪ ،‬ولم‬
‫يرتبط باإلنتاج البضــاعي "الســلعي"‪ .‬وكان يتحول جزء من فائض اإلنتاج إلى بضــاعة بعد أن تكون‬
‫الدولة قد تسـ ــلمته‪ ،‬ويجري تبادله مع بضـ ــائع محلية أو مسـ ــتوردة‪ .‬لذلك أخذ االقتصـ ــاد الطبيعي في‬
‫المجتمع الفرعوني يتحول تدريجياً وبصـ ــورة بطيئة إلى اقتصـ ــاد تبادلي‪ .‬لقد كان اإلنتاج الزراعي هو‬
‫األس ـ ـ ــاس في االقتص ـ ـ ــاد الفرعوني‪ ،‬وكان هيكل اإلنتاج هو الذي يحدد هيكل التوزيع تحديداً كامالً‪.‬‬
‫وينقسم ناتج العمل الفالحي إلى قسمين‪:‬‬
‫الجزء األول _ يغطي متطلب ــات اإلنت ــاج واحتي ــاج ــات المنتجين‪ ،‬أي تحقيق االكتف ــاء ال ــذاتي‬
‫"الناتج الضروري"‪.‬‬
‫الجزء الثاني ‪ -‬يسـلم للدولة على شـكل ضـريبة عينية من مختلف المنتجات الزراعية وخاصـة‬
‫الحبوب "الناتج الزائد"‪( .‬وكانت هذه الضـ ـ ـ ـريبة تحتس ـ ـ ــب أوالً على القرية كلها ثم يتم توزيعها بمعرفة‬
‫شـ ـ ـ ـ ــيخ البلد على األسـ ـ ـ ـ ــر الفالحية‪ ،‬أي كانت أقرب إلى الجزية الجماعية)‪ .‬ويتم توزيع الناتج الزائد‬
‫على أفراد الطبقة الحاكمة وفقاً ألحد األشكال التالية‪:‬‬
‫‪ -‬رواتب عينية ثابتة "للموظفين والجنود المرتزقة"‪.‬‬

‫(‪ - )236‬أحمد صادق سعد‪ ،‬تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت ‪ ،1979‬ص‪.41‬‬
‫(‪ - )237‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ -‬حق الحصـ ــول على الجزية "الضـ ـريبة العينية" المفروضـ ــة على منطقة أو إقليم معين "للحكام‬
‫وبعض أفراد العائلة المالكة"‪.‬‬
‫‪ -‬أو كنص ـ ـ ــيب من القرابين والهبات المقدمة لآللهة يأخذه كهنة المعابد واألرس ـ ـ ــتقراطية المحلية‬
‫المرتبطة بهم‪.‬‬
‫ثالثاُ ‪ -‬التجارة في العهد الفرعوني‪:‬‬
‫كان يغلب على المجتمع الفرعوني طابع االقتص ـ ــاد الطبيعي‪ ،‬الذي يعتمد على االكتفاء الذاتي‪.‬‬
‫ولكن هذا ال يعني أن التجارة كانت معدومة‪ ،‬فقد كانت مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقاً عالمياً في العهود القديمة‬
‫وخاصـ ــة منذ القرن السـ ــادس قبل الميالد‪ ،‬كونها تقع على مفترق طرق‪ ،‬ونقطة لقاء بين الحضـ ــارات‬
‫القديمة المختلفة‪ .‬وبدأت التجارة أول ما بدأت بالمقايضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة العينية‪ ،‬ثم تطورت التجارة لدى الفراعنة‬
‫وأخـذت تؤثر في إدخـال أنمـاط جـديـدة لإلنتـاج‪ .‬ومع انتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار التجـارة زادت عمليـات التبـادل النقـدي‬
‫وتداول العملة المعدنية في وظيفة المقياس المشـ ــترن الخيالي للقيمة التبادلية‪( .‬وتشـ ــرف الدولة على‬
‫التجارة الخارجية التي تســتجلب البضــائع األجنبية للطبقة الحاكمة "الملك"‪ ،‬وليس للتوزيع على ســوق‬
‫داخلي منعدم)‪ .‬وتطورت األعمال التبادلية والتجارة في النظام الفرعوني‪ ،‬ووص ـ ــلت إلى مس ـ ــتوى من‬
‫التقدم لم تعرفه العهود الس ـ ـ ـ ـ ــابقة في مص ـ ـ ـ ـ ــر‪ .‬وكان فرعون هو التاجر الكبير الوحيد تقريباً للس ـ ـ ـ ـ ــلع‬
‫اء أكانت محلية أم مســتوردة‪ .‬كما ظهر رأس المال التجاري‬
‫والبضــائع التي تدخل الدورة الســلعية س ـو ً‬
‫ورأس المال الربوي‪.‬‬
‫وإن كان الملك كان التاجر الكبير الوحيد في النظام الفرعوني‪ ،‬فنن هذا ال يعني عدم ممارس ـ ـ ـ ــة‬
‫األفراد لمهنة التجارة‪ ،‬وخاص ـ ـ ـ ــة األجانب‪ .‬فقد ازداد نش ـ ـ ـ ــاط الفينيقيين واإلغريق واليهود التجاري في‬
‫أواخر العصـر الفرعوني‪( .‬وقام عدد من كبار األغنياء والحكام بتقديم القروض "رأس المال الربوي"‪،‬‬
‫وكان الذين يعجزون عن السداد يتحولون إلى عبيد أرقاء لمدة محدودة أو لباقي حياتهم)‪.‬‬
‫"لقد كانت مص ــر في مفترق الطرق لما يمكن أن يعد س ــوقاً عالمياً في العهود القديمة‪ ،‬وخاص ــة‬
‫منذ القرن السـادس ق‪ .‬م‪ ،‬ونما بعد ذلك رأس المال المصـرفي والتجاري‪ .‬و ّأد ْت الشـعوب التجارية –‬
‫الفينيقيون واليهود واإلغريق – دو اًر كبي اًر في إقامة هذا الس ـ ــوق الذي أثر في مص ـ ــر وخاص ـ ــة الدلتا‪.‬‬
‫فكتابات تلك المرحلة تس ـ ـ ـ ـ ــجل عقوداً للبيع والشـ ـ ـ ـ ـ ـراء والرهن العقاري‪ ،‬وعقود الزواج التي تتض ـ ـ ـ ـ ــمن‬
‫شروطاً خاصة بالممتلكات … وأصبحت المرأة في العصر الصاوي صاحبة حق التملك مستقلة عن‬
‫الزوج وتتصرف كما تشاء فيما تملكه"(‪.)238‬‬
‫وكان اليهود يش ـ ـ ـ ـ ـ ــتغلون في التبادل التجاري مع أثيوبيا والنقل النهري وجباية المكوس الجمركية‬
‫على السـ ـ ــلع الواردة إلى مصـ ـ ــر‪ ،‬وكذلك بنقراض األموال بمقتضـ ـ ــى صـ ـ ــكون يتم فيها تحديد سـ ـ ــعر‬

‫(‪ - )238‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.62‬‬

‫‪184‬‬
‫الفائدة‪ .‬وظلت العمليات التجارية والمالية محص ـ ـ ــورة تقريباً في األقليات اإلثنية دون أن تنتش ـ ـ ــر بين‬
‫أفراد المجتمع المصري في مجموعه‪.‬‬
‫ومع تقدم التجارة واتس ـ ـ ـ ـ ـ ــاع التبادل النقدي أخذت تظهر في المجتمع الفرعوني أش ـ ـ ـ ـ ـ ــكال جديدة‬
‫للعبودية‪ ،‬عندما أخذ بعض األشـ ـ ـ ــخاص بتأجير عبيدهم ألشـ ـ ـ ــخاص آخرين خالل مدة محدودة لقاء‬
‫أجور مرتفعة‪ .‬وتزايد عدد العبيد بس ـ ـ ـ ـ ــبب عدم قدرة األفراد على تس ـ ـ ـ ـ ــديد ديونهم مما كان يؤدي إلى‬
‫تحول هؤالء األفراد إلى عبيد للعمل لقاء تسديد ديونهم‪.‬‬
‫لقد كان المجتمع في النظام الفرعوني ينقسم إلى طبقتين رئيستين‪:‬‬
‫‪ - 1‬الطبقة الحاكمة‪ :‬وهم النبالء والموظفون وقادة الجنود وكبار الكهنة‪.‬‬
‫‪ - 2‬وفي مواجهة الطبقة الحاكمة تكون بقية أفراد الرعية الذين يخضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعون للدولة تماماً عبيداً‬
‫لهــا‪ ،‬ال لشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخص معين "وهم عبيــد فرعون ألنــه رمز هــذه الــدولــة"‪ .‬ويطلق عليهم أحيــان ـاً "العبيــد‬
‫العموميون"‪.‬‬
‫إلى جانب العبيد العموميين في المجتمع الفرعوني كنا نجد أيضاً العمال األجراء وهم عبارة عن‬
‫الحرفيين الـذين يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغلون في بعض الحرف والبنـاء والزخرفـة والحـدادة… الخ‪ .‬وكـذلـك وجـد العبيـد‬
‫األرقـاء‪ ،‬الـذين كـانوا ينقلون من مكـان إلى آخر ويسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون إلى الجهـات التي تحتـاج إليهم‪ ،‬كمـا لو‬
‫كــانوا ثي ارن ـاً أو حمي اًر وليس لهم أي حقوق‪ .‬وتكون أغلبيــة الطبقــة المحكومـ ة في المجتمع الفرعوني‬
‫خاضـ ـ ــعة للدولة ال كأفراد مسـ ـ ــتقلين‪ ،‬بل اعتبارهم جزءاً من وحدات قاعدية‪( :‬الفالح باعتباره رئيس ـ ـ ـاً‬
‫ألسـ ـرة فيها النس ــاء واألطفال والخدم‪ ،‬وعض ــواً في المش ــترن القروي‪ .‬وكذلك الحرفي نراه في الوض ــع‬
‫نفسه)‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬الفكر االقتصادي في اليونان القديم‪:‬‬
‫تعرض الفالســفة والمفكرون والشــعراء اليونانيون لبحث بعض المشــكالت والظواهر االقتصــادية‪،‬‬
‫ولكن بشـكل ضـئيل ومحدود وتابع‪ .‬ولم يدرسـوا هذه المشـكالت االقتصـادية بشـكل منفصـل أو كفرع‬
‫مس ـ ـ ــتقل من فروع المعرفة بل كانت د ارس ـ ـ ــاتهم للظواهر االقتص ـ ـ ــادية مرتبطة بأبحاثهم في الفلس ـ ـ ــفة‬
‫والسياسة واألخالق (ومن هنا كانت صفة التبعية للدراسة االقتصادية)‪.‬‬
‫لذلك لم يكن الفكر االقتص ـ ــادي عند اليونانيين واض ـ ــحاً ومتمي اًز أو مس ـ ــتقالً‪ ،‬بل كان تابعاً‪ .‬حقاً‬
‫إننا نجد في فلسـ ـ ـ ـ ــفة سـ ـ ـ ـ ــقراط وأفالطون وأرسـ ـ ـ ـ ــطو‪ ،‬وأحياناً في أشـ ـ ـ ـ ــعار هوميروس‪ ،‬بعض األفكار‬
‫االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي ــة‪ ،‬وإن ك ــان ــت موجزة‪ .‬لكن اليون ــانيين الق ــدم ــاء لم يكفوا‪ ،‬من أج ــل عرض أفك ــارهم‬
‫االقتصـادية‪ ،‬عن اللجوء إلى صـيغ أو صـور أو أمثلة مسـتمدة من الفلسـفة والتشـريح واألدب والشـعر‬
‫أحياناً‪ .‬إنه من الص ـ ــعب حقاً الحديث عن األفكار االقتص ـ ــادية من خالل األدب والتش ـ ـريح والش ـ ــعر‬
‫والفلسفة‪.‬‬
‫كانت الحياة الســياســية واالقتصــادية لدى اليونان القديم مرتبطة تماماً بوجود المدينة‪ ،‬التي كانت‬
‫تقوم بـالـدور ذاتـه الـذي تقوم بـه دولنـا المعـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬ومع اختالفهـا عنهـا اختالفـاً جـذريـاً‪ .‬والمـدينـة لـدى‬
‫اليونانيين وحدة س ـ ــياس ـ ــية اقتص ـ ــادية ال تقتص ـ ــر على مراكز المدن بل تمتد لتش ـ ــمل الريف أيضـ ـ ـاً‪.‬‬
‫والمدينة هي‪( :‬التنظيم السـياسـي واالجتماعي الموحد ألرض محدودة يمكن أن تضـم مدينة واحدة أو‬
‫عدة مدن كما تض ــم رقعة الريف الذي يرتبط بها)(‪ .)239‬لقد كانت "أثينا ‪ "Athens‬على س ــبيل المثال‬
‫مجرد مركز إقليم زراعي‪ ،‬وعندما ازدهرت الحرفة وانتشـ ـ ـ ـ ـ ــرت تحولت إلى مركز حرفي‪ ،‬ثم في وقت‬
‫ازدهار التجارة أصـ ـ ــبحت سـ ـ ــوقاً ومسـ ـ ــتودعاً تجارياً‪ ،‬ولكن ظلت المدينة التي تُجملها األعمال الفنية‬
‫وتُحس ــنها التأمالت الفلس ــفية‪ ،‬وس ــاحاتها مرك اًز للمهرجانات المس ــرحية‪ ،‬فالمدينة هي األولى دائماً في‬
‫كل مكان‪ ،‬أما اإلنسان فهو بما يمليه عليه دوره المدني‪.‬‬
‫أما سـكان المدينة اليونانية فهم ثالث فئات رئيسـة متميزة‪ .‬وكانت هذه الفئات الثالث تمثل هرماً‬
‫قـاعـدتـه طبقاة العبياد األرقااه‪ ،‬حيـث كـان نظـام الرق والعبوديـة هو السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـة الرئيسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة المميزة للمـدن‬
‫والممالك والدول في العالم القديم‪ .‬وتشــير بعض اإلحصــائيات إلى أن ثلث ســكان أثينا كانوا من فئة‬
‫األرقاء‪ .‬ولذلك كان نظام الرق عنص ـ اًر ممي اًز للنظام االقتصــادي في دولة المدينة اإلغريقية‪ .‬أما من‬
‫الناحية الحقوقية والسياسية فلم تعترف بأية حقوق للعبيد في هذا المجتمع‪ .‬بل اعتبروا أن الرق شرط‬
‫من ش ــروط الحياة المادية‪ .‬وينظر أرس ــطو إلى جميع الكائنات على أنها منذ اللحظة األولى لوالدتها‬
‫منذورة بالفطرة‪ ،‬بعضـها يأمر واآلخر يطيع‪" .‬إن جميع أولئك الذين ليس لديهم ما يقدمونه لنا أفضـل‬
‫من اســتعمال جســدهم وأطرافهم‪ ،‬فنن الطبيعة حكمت عليهم باالســترقاق‪ ،‬وأفضــل لهم أن يخدموا من‬

‫(‪ - )239‬جان توشار‪ ،‬تاريخ األفكار السياسية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬ناجي الدرواشة‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪ ،1984‬ج‪ ،1‬ص‪.19‬‬

‫‪186‬‬
‫أن ُيتركوا لشـ ـ ــأنهم‪ .‬أي إنه عبد بالطبيعة ذلك الذي قل حظه من النفس والوسـ ـ ــائل فحمله ذلك على‬
‫(‪)240‬‬
‫أن يتبع اآلخرين"‪.‬‬
‫وبذلك تكون المدينة اليونانية وحدة سـياسـية واقتصـادية متكاملة‪ ،‬وهي مركز كل الحرف والمهن‪،‬‬
‫تجمع بين زراعة الحبوب والزيتون وصــناعة الجلود والفخار‪ ،‬وهي مأوى جميع الطبقات‪ ،‬يعيش فيها‬
‫السـ ـ ـ ــادة ومالن األرض والتجار وأصـ ـ ـ ــحاب الحرف‪ .‬فنلى جانب كون المدينة موطن أدب السـ ـ ـ ــلون‬
‫والفلسـفة والشـعر والتمدن تُع ُّد أيضـاً موطن الخير واإلنتاج وأروع المظاهر الريفية‪ .‬فعلى قيد خطوات‬
‫من أسـ ـ ـوار أثينا ترى بس ـ ــاتين الزيتون والكروم والحقول المزروعة بمختلف أنواع الحبوب واألعالف‪،‬‬
‫على مرمى البص ـ ـ ــر من المدينة توجد مراعي األغنام يتعهد فيها الرعاة قطعانهم‪ .‬ولقد ظلت الزراعة‬
‫مهنـة اليونـان الوحيـدة خالل قرون عـدة حتى بـدأت التجـارة والصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعـات الحرفيـة مع مطلع القرن‬
‫ـتمر بعـد ذلك التقليـد قائمـاً‪ ،‬إن الزراعة هي المهنـة الوحيـدة المنـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للمواطن‬
‫السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابع‪ ،‬وقد اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫اليوناني(‪ .)241‬ذلك ألن االقتصاد اليوناني كان‪ ،‬بصفة أساسية‪ ،‬اقتصاداً زراعياً‪ ،‬فاحتلت الزراعة في‬
‫حياة اليونانيين أهمية جعلتها تســتثنى من االحتقار العام للنشــاط االقتصــادي‪ .‬ونســب إلى ســقراط أنه‬
‫قال‪ :‬ســوف تتملكني الدهشــة واالســتغراب فيما إذا علمت أن رجالً ذا أحاســيس حرة قد وجد لوناً من‬
‫ألوان النشاط أكثر جاذبية من الزراعة(‪.)242‬‬
‫أوالً ‪ -‬األفكار االقتصادية لدى أفالطون "‪ 247 – 428‬ق‪ .‬م"‪:‬‬
‫ولد الفيلس ـ ـ ــوف اليوناني "أفالطون ‪ "Plato‬نحو عام ‪ 427‬ق‪.‬م‪ .‬وكان والده من أشـ ـ ـ ـراف اليونان‬
‫في ذلك العصـر‪ .‬كان أفالطون تلميذاً للفيلسـوف سـقراط لمدة تزيد على خمس سـنوات وتعلم منه "أن‬
‫الفض ــيلة هي المعرفة"‪ .‬لذلك بعد وفاة س ــقراط رحل أفالطون متوجهاً إلى مص ــر بحثاً عن المزيد من‬
‫العلم والمعرفة‪ ،‬ثم انتقل بعدها إلى صـقلية‪ .‬وعندما عاد إلى أثينا رغب إليه أهلها في اسـتالم حكمها‬
‫إال أنـه رفض ذلـك متـأث اًر بمعلمـه سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقراط في مجـال الزهـد‪ ،‬وتـأكـده من أن قنـاعـاتـه تخـالف قنـاعـات‬
‫األثينيين‪ .‬له مؤلفات عديدة في مجاالت علمية إض ـ ـ ــافة إلى مؤلفاته الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية ومن أهمها‪ :‬كتاب‬
‫"الجمهورية" وكتاب "السياسي" وكتاب "محاورة القوانين"‪.‬‬
‫لقد وضــع أفالطون توجهات وإرشــادات تُتبع في كثير من جوانب الحياة‪ .‬االقتصــادية والســياســية‬
‫واالجتماعية‪ .‬ومن خالل المؤلفات التي أنجزها نسـ ـ ــتطيع أن نسـ ـ ــتخلص بعض األفكار االقتصـ ـ ــادية‬
‫التي سادت الحضارة اليونانية القديمة‪.‬‬

‫‪ - 1‬السياسة والمجتمع في فكر أفالطون‪:‬‬

‫(‪ -)240‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫(‪ - )241‬د‪ .‬يوسف جميل نعيسة‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬مطبعة رياض‪ ،‬دمشق ‪ ،1982‬ص‪.75‬‬
‫(‪ - )242‬أنظر‪ :‬د‪ .‬لبيب شقير‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬دار نهضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬والقاهرة‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫لقد تأثر أفالطون في مبادئه وعقيدته السـ ـ ـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ـ ـ ــية بالتاريخ العريق لبالده‪ ،‬وخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة األنظمة‬
‫السـ ـ ــياسـ ـ ــية التي سـ ـ ــادت فيها‪ .‬لقد تطلع أفالطون إلى ماضـ ـ ــي الدولة اليونانية المجيدة "واقتبس منه‬
‫آراءه فاتخذ ليكرغوس اإلســبرطي نموذجاً له في كتاباته األولى ويظهر في كتابه "الجمهورية " ولكنه‬
‫عندما رأى أن النظم اإلس ــبرطية تنقص ــها الثقافة العلمية أراد أن يدعم فض ــائلها العس ــكرية والطبيعية‬
‫بـالتعـاليم الفلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفيـة والخلقيـة وبحكومـة من المثقفين‪ .‬ولمـا رأى إخفـاق إسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـارطـة في قيـادة الواليـات‬
‫حول نظره إلى أثينا وترن إسـ ـ ـ ــبارطة فتعدلت آراؤه‬ ‫اإلغريقية بعد انتصـ ـ ـ ــارها في حروب البيلويونيز‪ّ ،‬‬
‫األولى ويظهر ذلـ ــك في كتـ ــابـ ــه (القوانين)‪ ،‬إذ اقتبس كثي اًر من تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعـ ــات "سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونون" األثيني‬
‫وإصالحاته"(‪.)243‬‬
‫ومع أن معظم آراء أفالطون ونظريـاتـه تبقى خيـاليـة وال تفيـدنـا في حيـاتنـا المعـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬إال أنهـا‬
‫اشتملت على كثير من الحقائق أهمها‪:‬‬
‫• العدل أساس الملك‪،‬‬
‫• الفضيلة قوام الدولة‪،‬‬
‫• أساس الفضيلة هو التربية والتعليم‪،‬‬
‫• وضع مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد‪،‬‬
‫• االعتزاز بالوظيفة‪،‬‬
‫• الحكم فن يحتاج إلى خبراء مدربين‪.‬‬
‫هذه هي بعض األفكار في االقتص ــاد والس ــياس ــة والفلس ــفة واالجتماع‪ ،‬والتي اس ــتطعنا أن نص ــل‬
‫إليها في نتاج أفالطون الفكري العظيم‪.‬‬
‫اإلنسان بنظر أفالطون يتكون‪ )1( :‬العقل‪ )2( ،‬الميول الخيرة أو الشريرة‪ ،‬ولكن بنسب متفاوتة‬
‫ومتحولة‪ .‬وفي كل مجتمع من المجتمعات تسـ ـ ـ ـ ــيطر إحدى الفئتين "فئة الميول الخيرة أو فئة الميول‬
‫الشـ ــريرة"‪ ،‬وأحياناً تسـ ــيطر كلتاهما في ظل رقابة العقل وسـ ــيادته‪ .‬وللحصـ ــول على إنسـ ــان عادل من‬
‫الهام أن تقوم مدينة عادلة‪ ،‬وهذا يوضـ ـ ـ ـ ـ ــح العالقة بين اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان والمجتمع بين اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان والنظام‬
‫االقتصـ ـ ـ ـ ــادي االجتماعي القائم‪ .‬ويرى أفالطون أن مجموعة سـ ـ ـ ـ ــكان المدينة األحرار لن تتكون من‬
‫مجموعة من األفراد متجانسة‪ ،‬بل تتكون من ثالث طبقات متميزة بوضوح يحقق تعايشها واجتماعها‬
‫معاً نوعاً من التكامل‪ .‬والطبقات الثالث هي‪:‬‬
‫‪ -‬طبقة الحكام "الرؤساء" وخير ما يجب أن يتميزوا به هو الحكمة‪.‬‬
‫‪ -‬طبقة المسـ ـ ــاعدين أو المحاربين "الجنود" المتصـ ـ ــفين بالشـ ـ ــجاعة‪ ،‬ومهمة الجنود" المتصـ ـ ــفين‬
‫بالشجاعة‪ ،‬هي الدفاع عن المدينة وحمايتها‪.‬‬

‫(‪ - )243‬د‪ .‬يوسف جميل نعيسة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.113‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ -‬طبقة المنتجين وتض ـ ــم كل من يعمل بالنش ـ ــاط االقتص ـ ــادي‪ ،‬الحرفيين والفالحين‪ ،‬وأص ـ ــحاب‬
‫العمل والعمال‪ ،‬ومهمتها خلق السـ ـ ــلع والخدمات إلشـ ـ ــباع الحاجات المادية للمدينة‪ .‬ويطلب من هذه‬
‫الطبقة الصناعة واالعتدال ومقاومة شهواتها‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن أفالطون ال يفرق بين الرجال والنســاء‪ ،‬بل يرى أن يعامل الجميع "رجاالً‬
‫ـاء" معاملة واحدة‪ .‬أما العبيد فنن أفالطون لم يص ـ ــنفهم في أي من الطبقات الثالث‪ ،‬فقد تركهم‬
‫ونس ـ ـ ً‬
‫خارج هذه الطبقات‪ .‬وعدهم "أدوات ناطقة من أدوات اإلنتاج"‪.‬‬
‫‪ - 2‬نظرة أفالطون للملكية والنقود‪:‬‬
‫أمـا من حيـث الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وتكوين العـائلـة فـنننـا نجـد في المـدينـة التي ينـادي بهـا أفالطون‬
‫نوعين من التنظيم‪:‬‬
‫النوع األول ‪ -‬وتحرم فيـه الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وتكوين العـائلـة‪ ،‬وهو يطبق على الحكـام والجنود‪.‬‬
‫حيث يشـ ـ ـ ــترط أفالطون أن يعيش الحكام وهم من الفالسـ ـ ـ ــفة معيشـ ـ ـ ــة مشـ ـ ـ ــتركة وال تكون لهم ملكية‬
‫خاص ــة وال تكون لهم روابط عائلية فال يتزوجون وال يكونون عائالت‪ ،‬أي إن أفالطون يلغي الملكية‬
‫ويلغي العائلة بالنس ـ ـ ـ ــبة لطبقة الحكام وطبقة الجنود‪ .‬ذلك ألن الحكام يجب أن يخصـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـوا وقتهم‬
‫وجهودهم كلها لصـ ـ ــالح المواطنين جميعاً وليس لصـ ـ ــالح أشـ ـ ــخاصـ ـ ــهم أو عائالتهم‪ ،‬والمال واألسـ ـ ـرة‬
‫تجعل الحكام أو الجنود خاضــعين لإلغراء والضــعف العاطفي تجاه أقاربه‪ ،‬مما قد يصـرفه عن إدارة‬
‫الحكم لصـ ــالح المجموع‪ ،‬ويجعله يديره للحصـ ــول على الثروة الشـ ــخصـ ــية أو لمحاباة األقارب‪ .‬فلكي‬
‫يبعد أفالطون الحكام عن إغراء المال ويرفعهم فوق عوامل الض ـ ـ ـ ــعف التي يمكن أن يخض ـ ـ ـ ــعوا لها‬
‫بسبب عائلتهم‪ ،‬فقد ألغى الملكية الخاصة وألغى إمكان تكوين األسرة بالنسبة لهم(‪.)244‬‬
‫النوع الثـاني ‪ -‬تُبـاح فيـه الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وتكوين األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬وهو يطبق على طبقـة المنتجين‬
‫فألفرادها أن يمتلكوا األموال ملكية خاصـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ولهم أن يتزوجوا ويكونوا األسـ ـ ـ ـ ــر‪ .‬ولكن حرية الملكية‬
‫الخاص ــة بالنس ــبة لطبقة المنتجين ليس ــت حرية مطلقة بال حدود‪ .‬بل ال بد من تدخل الدولة‪ ،‬حس ــب‬
‫رأي أفالطون‪ ،‬لمنع الثراء الفاحش ومنع الفقر على حد سواء(‪.)245‬‬
‫ويرى أفالطون أن للنقود دو اًر تقوم به في مدينته‪ ،‬خاصة عندما يتم تقسيم العمل وتخصص كل‬
‫فرد بحرفة معينة ويظهر لديه فائض اإلنتاج للتبادل‪ .‬فنن كل شخص سيعرض إنتاجه على اآلخرين‬
‫لبيعه لهم‪ ،‬فتقوم النقود هنا بوظيفة "أداة للتبادل" وينسـب شـومبتير ‪ Schumpter‬إلى أفالطون أنه قد‬
‫أخــذ بنظريــة تقول‪" :‬إن قبول النقود في المعــامالت ال يرجع إلى قيمــة المــادة التي تكون تلــك النقود‬
‫مصــنوعة منها‪ ،‬ولكن إلى اتفاق الناس وجريانهم على اســتخدمها وســيطاً للمبادلة وبعبارة أخرى نحن‬

‫(‪ - )244‬أنظر‪ :‬أفالطون‪ ،‬الجمهورية‪ ،‬ص‪( 163-162‬فقرة ‪ 416‬و‪.)417‬‬


‫(‪ - )245‬أنظر‪ :‬د‪ .‬لبيب شقير‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬دار نهضة مصر للطبع والنشر في القاهرة‪ ،‬نقالً عن د‪ .‬أحمد درغام‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ 18‬و‪.19‬‬

‫‪189‬‬
‫ال نقبل النقود في المعامالت ألن المادة المصــنوعة منها ( سـواء أكانت ذهباً أم فضــة أم غير ذلك)‬
‫تكون لها قيمة معينة‪ ،‬ولكننا نقبلها لعلمنا أننا نس ـ ــتطيع أن نش ـ ــتري بها ما نش ـ ــاء نظ اًر ألن المجتمع‬
‫يكون قد اتفق وجرى على استخدام النقود بهذه الصورة(‪.)246‬‬
‫وتجدر اإلشـ ـ ــارة إلى أن أفالطون قد وقف موقفاً صـ ـ ـريحاً ضـ ـ ــد الربا‪ ،‬حتى إنه أباح عدم سـ ـ ــداد‬
‫المال الذي يتم اقت ارضـ ـ ـ ـ ـ ــه بفائدة‪ .‬وهذا ناتج عن الظروف االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية السـ ـ ـ ـ ـ ــائدة في تلك المرحلة‬
‫وخاصة ما يتعلق بانخفاض اإلنتاجية وتخلف القوى المنتجة‪.‬‬
‫" ويعــد أفالطون النقود أداة للتجــارة‪ .‬وهو يفرق بين النقود المحليــة المقبولــة فقط داخــل الــدولــة‪،‬‬
‫والنقود العامة التي تحتفظ بها الدولة لتغطية الحمالت العسـ ـ ـ ـ ـ ــكرية واألسـ ـ ـ ـ ـ ــفار وغيرها‪ .‬ويجب على‬
‫األفراد الذين يخرجون من البالد بموافقة الس ــلطات أن يس ــلموا عند عودتهم ما لديهم من نقود أجنبية‬
‫إلى الدولة ويحصـ ــلوا مقابلها على نقود محلية‪ ،‬وإال فنن النقود األجنبية تصـ ــبح عرضـ ــة للمصـ ــادرة‪.‬‬
‫وهــذا التمييز بين النقود المحليــة والنقود العــامــة يــدل على أن أفالطون كــان يميز بين النقود كــاملــة‬
‫القيمة والنقود ناقصـ ـ ــة القيمة"(‪ .)247‬كما كان أفالطون ينظر نظرة سـ ـ ــلبية إلى وظيفة النقود كوسـ ـ ــيلة‬
‫لتراكم الثروة واالكتناز‪ .‬وطالب بأن يتم عقد الصفقات التجارية نقداً وليس ألجل‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -‬األفكار االقتصادية لدى أرسطو (‪ 322 - 384‬ق‪.‬م)‪:‬‬
‫لقد حاول أرسـطو أن يقف وقفة تحليلية أمام بعض المشـكالت والظواهر االقتصـادية‪ .‬ولذلك يعد‬
‫أرسـ ـ ـ ــطو أول المفكرين القدماء الذين أعطونا ما يمكن تسـ ـ ـ ــميته "بذور نظرية اقتصـ ـ ـ ــادية" تقوم على‬
‫تحليل الظواهر والمشـ ـ ــكالت المتعلقة بالنشـ ـ ــاط االقتصـ ـ ــادي‪ .‬أي إنه دفع االقتصـ ـ ــاد دفعة قوية نحو‬
‫األمام في سـ ــبيل أن يصـ ــبح علماً متمي اًز ومسـ ــتقالً ومتكامالً‪ ،‬على الرغم من أنه لم يتمكن من جعل‬
‫االقتصاد علماً مستقالً(‪.)248‬‬
‫‪ - 1‬اختالو أرسطو عن أفالطون‪:‬‬
‫نالحظ أن أرس ــطو يختلف في عدد من األمور مع معلمه أفالطون‪ ،‬ويرى أرس ــطو أن جمهورية‬
‫أفالطون غير قابلة للتطبيق وغير إنس ــانية أو س ــعيدة‪ ،‬وخاص ــة ما يتعلق ببعض المبادئ التي نادى‬
‫بها أفالطون مثل‪ :‬مشاعية النساء واألمالن بالنسبة للطبقة الحاكمة والجنود‪ ،‬تقسيم المجتمع وبشكل‬
‫حاد إلى طبقات‪ ،‬التضـ ـ ـ ـ ــحيات التي كان يطلبها المجتمع من كل مواطن‪ .‬ويحاول أرسـ ـ ـ ـ ــطو التأكيد‬
‫على الشــروط العامة التي تؤمن حســن ســير العمل في "المدينة"‪ ،‬بدالً من فرض نظام ســياســي دقيق‬
‫ومحـدد كمـا يفعـل أفالطون‪ .‬ويسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعى أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو ألن يقيم مـا هو أكثر من مـدينـة عـادلـة على غرار‬

‫(‪ - )246‬أنظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫(‪ - )247‬د‪ .‬عارف دليله ود‪ .‬إسماعيل سفر‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬مطبعة دار الكتاب‪ ،‬دمشق ‪ ،1989‬ص‪.27‬‬
‫(‪ -)248‬د‪ .‬لبيب شقير‪ ،‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫أفالطون‪ ،‬أنه يس ـ ــعى إلى إقامة مدينة عادلة وس ـ ــعيدة‪ " .‬وهو يرى أن الس ـ ــعادة تكمن في الممارس ـ ــة‬
‫الكاملة للفضيلة "‪.‬‬
‫أما الشـ ــروط العامة التي يحددها أرسـ ــطو لتؤمن حسـ ــن سـ ــير العمل في المدينة وجعلها سـ ــعيدة‬
‫فهي‪ :‬امتداد معتدل‪ ،‬أراض محدودة بحيث يس ــهل الدفاع عنها‪ ،‬وتمكن جميع الناس فيها أن يعرف‬
‫بعضــهم بعضـاً‪ ،‬وضــع جغرافي قريب من البحر لتأمين المواصــالت وســهولتها‪ .‬وتتغير هذه الشــروط‬
‫بتغير نمط الـدولـة‪ :‬فحكم األقليـة يحتـاج إلى قلعـة‪ ،‬والـديمقراطيـة تتالءم مع السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهول المنبسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة‬
‫والمساحات الواسعة(‪.)249‬‬
‫لقد ظل أرســطو ضــمن دائرة الصــيغ التقليدية التي جاء بها من ســبقه من فالســفة اإلغريق‪ .‬من‬
‫خالل‪ :‬مناصـ ـ ـرته ودعوته للمدينة المحدودة "المقلص ـ ــة"‪ ،‬وأن يبقى المواطن الحر متحر اًر من س ـ ــائر‬
‫المشاغل اليدوية "العمل الجسدي" أو التجارية تحر اًر كلياً‪ ،‬واألعمال الوحيدة التي أُعجب بها أرسطو‬
‫هي المداولة والعدالة أو الجيش أو الدين‪ ،‬وهو يرفض الطغيان المفرط والملكية الناقصـ ـ ـ ــة‪ ،‬وهو هنا‬
‫يربط بين الموضوع السياسي والموضوع االجتماعي‪.‬‬
‫في حين كان أفالطون خيالياً وفيلسـ ـ ــوفاً شـ ـ ــاعرياً خلط بين السـ ـ ــياسـ ـ ــة واألخالق‪ ،‬نجد أرسـ ـ ــطو‬
‫منطقيـاً ونظـاميـاً وعمليـاً في آ ارئـه وأبحـاثـه ونظريـاتـه‪ .‬ونسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن نوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح االختالف بين المعلم‬
‫(‪)250‬‬
‫"أفالطون" وتلميذه "أرسطو" وفقاً لما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬لقد جعل أفالطون األخالق علماً أس ـ ــاس ـ ــياً وعد الس ـ ــياس ـ ــة فرعاً من فروعها‪ ،‬أما أرس ـ ــطو فقد‬
‫فعدهما فرعين في‬
‫عكس األمر ونظر إلى السـ ـ ــياسـ ـ ــة على أنها علم العلوم أما األخالق واالقتصـ ـ ــاد ّ‬
‫فروع السياسة تهدف إلى إسعاد الجماعة البشرية‪.‬‬
‫‪ -‬كان أفالطون مؤمناً بحكم األقلية التي تتص ـ ــف بس ـ ــمو مداركها وملكيتها للثروة‪ ،‬أما أرس ـ ــطو‬
‫فقد حدد أن أفضــل أنواع الدول هي التي يشــترن أفرادها اشــتراكاً فعلياً في إدارة شــؤون بالدهم عندما‬
‫يكون ذلك بمقدورهم‪.‬‬
‫‪ -‬أنكر "أرسـ ـ ـ ـ ـ ــطو" القاعدة التي تقول إن قوانين الدولة تطاع فيما إذا وافقت مصـ ـ ـ ـ ـ ــالح األفراد‪،‬‬
‫اء صادفت هوى في نفس الفرد أم لم تصادف‪ .‬ألن اإلنسان‬
‫ونادى بضرورة إطاعة قوانين الدولة سو ً‬
‫مدني بطبيعته‪ .‬والدولة نظام طبيعي وضروري‪.‬‬
‫‪( -‬إن الحق والعـدل موجودان طبيعيـاً‪ .‬وإن وظيفـة الـدولـة تطبيق هـاتين القوتين "الحق والعـدل"‬
‫الطبيعيتين بما يتناسـ ــب مع حاجات األفراد المختلفة‪ ،‬معدلة قواعدها العامة في بعض األحيان حتى‬
‫تمنع الظلم عنهم وتحقق اإلنصاف بينهم)(‪.)251‬‬

‫(‪ - )249‬أنظر‪ :‬جان توشار‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.71-70‬‬


‫(‪ - )250‬أنظر‪ :‬يوسف جميل نعيسة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.116-114‬‬
‫(‪ - )251‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.116‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ -‬نادى أفالطون بالمس ــاواة الطبيعية بين الرجل والمرأة‪ ،‬في حين يرى أرس ــطو أن هذه المس ــاواة‬
‫غير واقعية ألن المرأة في ذاتها أقل من الرجل‪.‬‬
‫‪ -‬حاول أفالطون إهمال دور األس ـرة‪ ،‬ولكن أرســطو يمجد األس ـرة ويرى فيها مجتمعاً بســيطاً يتم‬
‫فيه تعلم الفضائل المدنية واكتسابها‪.‬‬
‫‪ - 2‬الرقيق‪ ،‬الملكية‪ ،‬القيمة والنقود في فكر أرسطو‪:‬‬
‫أقر أرسـطو وجود الرقيق‪ ،‬ذلك ألن األفراد مختلفون في قواهم العقلية والفكرية‪ ،‬فخلق فريق منهم‬
‫س ـ ـ ــيداً وخلق فريق آخر مس ـ ـ ــوداً رقيقاً‪( .‬ومن امتاز من الفريق األول بالعقل وس ـ ـ ــمو اإلدران ص ـ ـ ــلح‬
‫للحكم‪ ،‬أمــا البــاقي من هــذا الفريق فعليــه أن ينفــذ أوامر الحكــام ويطيع مــا يص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرونــه من أوامر‬
‫وتعليمات)‪ .‬كما احتقر أرسـ ـ ــطو كل المهن التي تتصـ ـ ــل بننتاج الثروة وقال‪( :‬إنها من أحقر وظائف‬
‫األسـ ـ ـ ـ ـرة مع اعترافه بضـ ـ ـ ـ ــرورتها)‪ .‬وخصـ ـ ـ ـ ــص العبيد واألجانب "غير اليونانيين" للقيام بهذه الحرف‬
‫والمهن‪ .‬كما أكد أن العمل في الزراعة وتربية الحيوان والصــيد في البر والبحر أشــرف من االشــتغال‬
‫وعده عمالً منافياً للعدالة‪ .‬وهو يرى‬
‫في التجارة‪ .‬أما الربا " إقراض النقود بفائدة " فلم يقره أرس ـ ـ ـ ـ ـ ــطو ّ‬
‫(أن توزيع الثروة بين األفراد من العوامل الهامة التي تؤثر في شـ ـ ــكل الحكومة‪ ،‬كما أن مهنتهم تؤثر‬
‫في كفايتهم وخطتهم الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية‪ ،‬وأن الثورات ما هي في الغالب إلى مش ـ ـ ــاحنات بين الذين يملكون‬
‫(‪)252‬‬
‫الكثير من الثروة والذين ال يملكون إال القليل منها)‪.‬‬
‫انتقد أرس ــطو اآلراء التي كانت تنادي بنلغاء الملكية الخاص ــة‪ ،‬واس ــتبدال نظام الملكية الجماعية‬
‫أو المش ــاعية بها‪ .‬ذلك ألن النظام الجماعي أو المش ــاعي – حس ــب رأيه – يؤدي إلى منازعات بين‬
‫األفراد حول توزيع ما ينتجونه من س ـ ـ ـ ــلع وخدمات فيما بينهم‪ ،‬وهذه المنازعات قد تؤدي بالنظام إلى‬
‫انحالله وسقوطه‪.‬‬
‫ويفضـل أرسـطو نظام الملكية الخاصـة فيترن لكل فرد حرية تملك األموال ألن هذا النظام يعتمد‬
‫على حــب كــل فرد لــذاتــه‪ ،‬فيسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعى كــل فرد لتنميــة ملكيتــه وإنتــاجــه‪ ،‬ولكن يجــب إدخــال اعتبــارات‬
‫األخالق بأن تقوي لدى المالن الشــعور بمســؤولياتهم في مواجهة غير المالن فيســتخدمون بعض ما‬
‫ينتجونه من أموالهم لمسـ ـ ـ ـ ــاعدة من ال يملكون‪" .‬فمن الخير إذن أن تكون الملكية خاصـ ـ ـ ـ ــة على أن‬
‫يوجه المالن إلى اسـ ـ ـ ــتخدام ما ينتجونه اسـ ـ ـ ــتخداماً يفيدون به الجميع بفرض بعض المبادئ الخلقية‬
‫عليهم(‪.)253‬‬
‫ثم توص ــل أرس ــطو إلى ما يمكن أن نس ــميه نقطة البدء في بحث نظرية القيمة التي تحتل مكاناً‬
‫بار اًز في االقتصـ ـ ـ ــاد السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي‪ .‬حيث ميز أرسـ ـ ـ ــطو بين نوعين من القيمة لكل سـ ـ ـ ــلعة هما القيمة‬
‫االسـ ــتعمالية والقيمة التبادلية‪ .‬وأوضـ ــح أن كل سـ ــلعة (رأس ماشـ ــية مثالً) تكون لها قيمة اسـ ــتعمالية‬

‫(‪ - )252‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.118‬‬


‫(‪ - )253‬أرسطو‪ ،‬السياسة‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬الفصل ‪.9‬‬

‫‪192‬‬
‫تنتج عن عملية اسـتخدام هذه السـلعة في إشـباع الحاجة اإلنسـانية لمنتج هذه السـلعة‪ .‬كما أن للسـلعة‬
‫(رأس الماش ــية) قيمة تبادلية وهي ما نحص ــل عليه من س ــلع في الس ــوق نتيجة لمبادلة رأس الماش ــية‬
‫بالسلع التي يحتاج إليها مالك هذه السلعة‪.‬‬
‫ومن الموض ـ ــوعات الهامة التي بحثها أرس ـ ــطو موض ـ ــوع نش ـ ــأة النقود ووظائفها واألس ـ ــاس الذي‬
‫تسـ ــتمد منه قبولها بين الناس‪ .‬وفي رأيه أن الناس في المراحل األولى من التطور كانوا يلجؤون إلى‬
‫المقايضـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬في عملية المبادلة لتحصـ ـ ـ ـ ــيل كل منهم على ما يلزمه لتلبية حاجاته عن طريق مبادلة‬
‫الفائض عن حاجته من السـ ـ ــلع التي أنتجها مباشـ ـ ـرة بالسـ ـ ــلع التي تفيض من إنتاج اآلخرين (سـ ـ ــلعة‬
‫مقـابـل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة‪ ،‬قمح مقـابـل قطعـة قمـاش)‪ .‬ولتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهيـل عمليـة المبـادلـة والتغلـب على المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالت‬
‫والص ـ ــعوبات التي تواجه األفراد في عملية المقايض ـ ــة‪ ،‬تم التوجه الختيار س ـ ــلعة من الس ـ ــلع وجعلها‬
‫وسـيطاً للمبادلة فيما بينهم‪ ،‬فنشـأت بذلك النقود وكانت تلك السـلعة التي اختيرت من المعادن وكانت‬
‫توزن في كل عملية من عمليات المبادلة لتحديد وزنها‪ .‬وتطورت النقود ثم أدرن أرسـ ـ ـ ـ ــطو أن للنقود‬
‫وظيفة أسـ ـ ــاسـ ـ ــية كونها وسـ ـ ــيطاً للمبادلة ووظيفة ثانية أنها أداة لقياس قيم السـ ـ ــلع المختلفة‪ ،‬ووظيفة‬
‫ثالثة‪ ،‬وهي كونها أداة نحتفظ بوســاطتها بمدخراتنا (مخزن القيم)‪ .‬وحســب رأي أرســطو إن النقود إنما‬
‫تقبل بين الناس بسـ ــبب القيمة التي تكون المادة التي تصـ ــنع منها‪ .‬وقرر أرسـ ــطو أن االحتكار غير‬
‫(‪)254‬‬
‫عادل ألنه يقوم على استغالل البائع للمشترين‪.‬‬
‫ولم يكن هنان تجديد كبير في " المدينة " المبنية على الشروط التي ينادي بها أرسطو بالمقارنة‬
‫مع مدينة " أفالطون " حيث نالحظ أن مدينة أرسطو موصوفة بما يأتي‪ ( :‬هنان شعب من الشغيلة‬
‫يغـذي نخبـة من المواطنين هم في الوقـت ذاتـه المحـاربون والـذين يؤلفون المـدينـة وحـدهم‪ .‬ولم يقترح‬
‫هنا أي [ دسـ ـ ـ ـ ـ ــتور] خاص )‪ .‬وبالمقابل بما أنه من المتفق عليه أن ليس ألحد من المواطنين فوقية‬
‫على سـ ـواه تمنحه الحق في أن يختص بالسـ ــلطة فنن األمر الهام هنا هو االهتمام بتحسـ ــين النسـ ــل‪،‬‬
‫والرقــابــة على الوالدات‪ ،‬وغــذاء األطفــال وتربيتهم‪ ،‬وتعليمهم‪ .‬لــذلــك نجــد أن أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو يولي التقنيــة‬
‫واألخالق اهتماماً أكبر من االهتمام بالنصائح السياسية الخالصة‪.‬‬
‫عرف الفكر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي في اليونان القديم تطو اًر ملحوظاً في القرن الخامس الميالدي‪ ،‬نتيجة‬
‫للتحوالت االقتص ــادية واالجتماعية التي حدثت في أثينا‪ ،‬ونتيجة للتوس ــع الكبير الذي حدث في أثينا‬
‫والبنية السـياسـية الديمقراطية التي سـادت في تلك المرحلة "ديمقراطية السـكان األحرار"‪ .‬وهذا ما كان‬
‫مس ــيط اًر على حركة األفكار سـ ـواء ما جاء به أبناء أثينا أو ما جاء به األجانب الذين اس ــتض ــافتهم‪.‬‬
‫ولكي نعيد بناء اإليديولوجية والنظام االقتصــادي لدولة أثينا‪ ،‬نجد أنفســنا ملزمين أن نســتقي ذلك من‬
‫أعمال أفالطون وأرسـ ـ ـ ــطو والفالسـ ـ ـ ــفة والمفكرين العظماء في الحضـ ـ ـ ــارة اليونانية‪ ،‬وأحياناً ال بد من‬

‫(‪ - )254‬أنظر‪ :‬د‪ .‬أحمد درغام‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.27-26‬‬

‫‪193‬‬
‫العودة إلى الفلس ـ ـ ــفة والش ـ ـ ــعر واألدب اليوناني‪ .‬وتنظيم هذه األفكار حول أهم الظواهر والمش ـ ـ ــكالت‬
‫االقتصادية والفعالية والنشاط االقتصادي لدى المجتمع اليوناني‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬األفكار االقتصادية في روما القديمة‪:‬‬
‫إذا كانت رواية أص ــول روما هي في معظمها إعادة إنش ــاء تاريخ الحق فننه لض ــرب من العبث‬
‫أن نحاول أن نعثر فيها على األفكار االقتصـادية للعصـور القديمة‪ ،‬ولم يكن للرومان الميل الفلسـفي‬
‫نفســه الذي تميز به اليونانيون‪ .‬لذلك ال نجد لديهم مؤلفات وأبحاثاً فلســفية يمكننا أن نســتخلص منها‬
‫أفكـارهم االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة‪ .‬ولئن كـانـت هنـان بعض اآلراء االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة فيمـا كتبـه بعض الحكمـاء أو‬
‫الخطباء أو الحقوقيين الرومانيين‪ ،‬إنها ض ـ ـ ـ ـ ــئيلة جداً من ناحية‪ ،‬وتعد إلى حد كبير ص ـ ـ ـ ـ ــدى لآلراء‬
‫اليونانية من ناحية أخرى(‪.)255‬‬
‫وخالل الحقبـة التي تمضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي من القرن الخـامس إلى القرن الثـاني قبـل الميالد تقريبـاً‪ ،‬ال يوجـد‬
‫نص أدبي أو فلسـ ــفي يأتي لمسـ ــاعدتنا على إدران تطور األفكار االقتصـ ــادية لدى الرومان‪ .‬وينبغي‬
‫بعد هذا التاريخ أن ننتظر " ش ـ ـ ــيش ـ ـ ــرون ‪ "Ciceron‬و" س ـ ـ ــنيكا ‪ "Seneca‬و" كاتون ‪ "Caton‬و"فارو‬
‫‪ "Varro‬و "كولوميال ‪ "Columella‬حتى تظهر بعض األفكار االقتص ـ ــادية ونس ـ ــتطيع من خالل هذه‬
‫(‪)256‬‬
‫األفكار أن نستخلص بعض الخصائص العامة للحياة االقتصادية لدى الرومان القدماء‪.‬‬
‫كان س ـ ـ ـ ـ ــكان روما والبالد الرومانية التي اتس ـ ـ ـ ـ ــعت بالفتوحات يزدادون‪ ،‬تارة عن طريق الهجرة‪،‬‬
‫وتارة بمن ينضـم إليهم من سـكان المقاطعات المغلوبة‪ .‬وأصـبح هؤالء الرعايا الجدد يؤلفون جزءاً من‬
‫الش ـ ــعب الروماني الحقيقي‪ .‬لقد كانوا أح ار اًر حرية ش ـ ــخص ـ ــية ويحق لهم امتالن األ ارض ـ ــي‪ ،‬ومكلفين‬
‫بدفع الضـ ـرائب‪ ،‬وخاض ــعين للخدمة العس ــكرية‪ .‬لكن لم يكن بوس ــعهم أن يش ــغلوا أي منص ــب وال أن‬
‫يشـاركوا في السـلطة أو في اقتسـام األ ارضـي التي احتلتها الدولة‪ .‬وكان هؤالء الوافدون الجدد يؤلفون‬
‫طبقة "البليب" المحرومة من سـ ــائر الحقوق العامة‪ .‬ومع تزايد عددهم وخضـ ــوعهم للخدمة العسـ ــكرية‬
‫واســتمرار تدريبهم العســكري وتســليحهم أصــبحوا يشــكلون خط اًر قوياً على الســلطة والشــعب الروماني‬
‫األص ــيل‪ ،‬الذي أغلق ص ــفوفه بنحكام في وجه أية زيادة جديدة‪ .‬أض ــف إلى ذلك أن األ ارض ــي كانت‬
‫مقسـ ـ ــمة بالتسـ ـ ــاوي بين الشـ ـ ــعب الروماني األصـ ـ ــيل وطبقة البليب "الوافدين"‪ .‬مع أن الثروة التجارية‬
‫(‪)257‬‬
‫والصناعية‪ ،‬لم تكن بعد قد أصبحت كبيرة جداً‪ ،‬لكن كان معظمها في أيدي طبقة البليب‪.‬‬

‫ويوضـح تيبيريوس غراكوس‪ ،‬في خطبته الشـهيرة الوضـع العام الذي تعيشـه روما‪ ،‬والوهم الكبير‪،‬‬
‫والمعــانــاة التي يتكبــدهــا المحــاربون والفقراء من أجــل ترف اآلخرين واغتنــائهم‪ " :‬إن لكــل حيوان من‬

‫(‪ - )255‬جان توشار‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 97‬و‪.98‬‬


‫(‪ - )256‬د‪ .‬أحمد درغام‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬د‪ .‬لبيب شقير‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬دار نهضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪56-50‬‬
‫(‪ - )257‬أنظر‪ :‬فريدريك أنجلس‪ ،‬أصل األسرة والملكية الخاصة والدولة‪ ،‬ترجمة أديب يوسف‪ ،‬منشورات دار الفارابي‪ ،‬دمشق ‪،1958‬‬
‫ص‪.201-200‬‬

‫‪195‬‬
‫حيوانــات إيطــاليــا جحره ومــأواه وعرينــه‪ ،‬أمــا النــاس الــذين يقــاتلون ويموتون من أجــل إيطــاليــا فلهم‬
‫نص ـ ـ ـ ــيب من الهواء والنور وال ش ـ ـ ـ ــيء آخر‪ ،‬فهم بال موئل‪ ،‬بال دار‪ ،‬يتيهون مع نس ـ ـ ـ ــائهم وأوالدهم‪.‬‬
‫ويكذب القادة على الجنود عندما يحثونهم‪ ،‬في س ـ ـ ـ ــاحة المعركة‪ ،‬على الدفاع ض ـ ـ ـ ــد العدو عن قبور‬
‫األجداد وأماكن العبادة ألنه ما من واحد من هؤالء الرومان له قبر ألس ـرته‪ ،‬أو ض ـريح ألجداده‪ ،‬بل‬
‫هم يقاتلون ويموتون من أجل ترف اآلخرين واغتنائهم‪ ،‬هؤالء هم سـ ــادة العالم المزعومون الذين ليس‬
‫(‪)258‬‬
‫ألنفسهم حيرة "‪.‬‬
‫يكاد كل الذين كتبوا عن تاريخ األفكار االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية من العلماء أو المؤرخين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــاديين‪،‬‬
‫يجمعون على أن إسـهام الرومان كان محدوداً في مجال االقتصـاد‪ ،‬أو جدي اًر باإلهمال والنسـيان‪ .‬لقد‬
‫أطـال علمـاء الرومـان في الحـديـث عن الز ارعـة وأثنوا عليهـا وأضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافوا اقت ارحـات كثيرة بخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫أســاليب الزراعة وإدارتها‪ ،‬أي االقتراحات المتعلقة بالضــيعة (القرية) المكتفية ذاتياً " ينبغي لنا‪ ،‬مهما‬
‫حدث أن نحمي مزرعة األسـ ـرة " كما يقول بلينيوس (‪ 23‬م – ‪79‬م) وقد انعكس ــت المس ــألة الزراعية‬
‫في مؤلفــات كــانون وفــارون وكــالوميال (‪ 234‬ق‪.‬م – القرن األول الميالدي) واإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــام الرومــاني‬
‫األس ـ ــاس ـ ــي وربما الوحيد تمثل في التركيز على القانون الروماني ودوره في مجال الملكية الخاص ـ ــة‪.‬‬
‫والقانون الروماني هو الذي أسـ ـ ـ ــبغ على الملكية الخاصـ ـ ـ ــة هويتها الرسـ ـ ـ ــمية ومنح حائزها الحق في‬
‫التمتع واالســتعمال‪ ،‬ومنذ ذلك الحين أصــبح انتهان ذلك الحق من جانب األفراد أو الدولة يســتوجب‬
‫عــبء التبريز فــالرومــان كــانوا فــاتحين ومنظمين نــدرت لــديهم االهتمــامــات واألبحــاث النظريــة‪ ،‬بينمـا‬
‫ركزوا على المجاالت التطبيقية وأهمها الملكية الخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة وكيفية تأطيرها قانونياً عبر العقد القانوني‬
‫باعتباره وسيلة التبادل واألساس الحقوقي للسوق‪.‬‬
‫لقد تجلت عبقرية الرومان في تعريف مؤس ـ ـسـ ــة الملكية الخاصـ ــة ومنحها الشـ ــكل القانوني الذي‬
‫س ــيكون محورياً حاس ــماً في اإلرض ــاء الش ــخص ــي والتنمية االقتص ــادية (اإلرض ــاء الجماعي) والنزاع‬
‫السياسي في القرون الالحقة‪.‬‬
‫أوالً ‪ -‬التركيب االجتماعي في روما القديمة‪:‬‬
‫وكان المجتمع الروماني وفقاً للدس ـ ــتور‪ ،‬المؤس ـ ــس على غرار الدس ـ ــتور اإلغريقي‪ ،‬قد اس ـ ــتحدث‬
‫اجتماعاً شـعبياً جديداً يضـم كل من كان يؤدي الخدمة العسـكرية من الشـعب ومن طبقة البليب على‬
‫السـواء‪ ،‬ويقصـي عنه كل من لم يكن يؤدي ذلك‪ .‬ثم قسـم الدسـتور جميع الذكور الخاضـعين للخدمة‬
‫العسـكرية إلى سـت طبقات حسـب حجم الثروة التي يمتلكونها‪ .‬وكان الحد األدنى للثروة في الطبقات‬
‫الخمس األولى كم ــا يــأتي‪ :‬الطبق ــة األولى ‪ 100 -‬ألف آس (وحــدة نق ــد لــدى الرومــان الق ــدمــاء)‪،‬‬
‫الطبقــة الثــانيــة ‪ 75 -‬ألف آس‪ ،‬الطبقــة الثــالثــة ‪ 50 -‬ألف آس‪ ،‬الطبقــة الرابعــة ‪ 25 -‬ألف آس‪،‬‬

‫(‪ - )258‬جان توشار‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.114‬‬

‫‪196‬‬
‫الطبقة الخامس ـ ـ ـ ــة ‪ 11 -‬ألف آس‪ .‬الطبقة الس ـ ـ ـ ــادس ـ ـ ـ ــة ‪ -‬وهم "البروليتاريا" وكانت تتألف من أولئك‬
‫الذين كانوا يملكون أقل من ذلك وكانوا يعفون من الخدمة العسكرية ومن الضرائب(‪.)259‬‬
‫(‪)260‬‬
‫أما في العهد الملكي فقد انقسم المجتمع الروماني إلى أربع طبقات رئيسة هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬طبقة النباله أو األشاراو ‪ -‬وهم ســكان روما األصــليين الذين يمتلكون األ ارضــي الزراعية‬
‫ويتمتعون بالحقوق العامة كحق االنتخاب والترشـ ـ ـ ـ ـ ــيح للمجالس والمناصـ ـ ـ ـ ـ ــب إضـ ـ ـ ـ ـ ــافة إلى الحقوق‬
‫الش ــخص ــية كحق الزواج من طبقة النبالء وحق التقاض ــي في المحاكم وحق امتالن األموال المنقولة‬
‫وغير المنقولة‪ ،‬ومن أهم واجباتهم‪ :‬الخدمة العسكرية‪ ،‬ودفع الضرائب للخزينة العامة للدولة‪.‬‬
‫‪ - 2‬طبقاة األتبااع ‪ -‬وهم جمـاعـات رومـانيـة افتقرت وأفلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت نتيجـة لتفتـت أمالن العشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة‬
‫وس ــيطرة األفراد األقوياء على معظم األ ارض ــي‪ .‬وقد اض ــطر هؤالء الرومان الفقراء إلى تقديم تبعيتهم‬
‫إلى أحد األسياد األغنياء‪ ،‬ويقوم األغنياء بحماية هؤالء األتباع والدفاع عنهم أمام القضاء مقابل أن‬
‫يقوم األتباع بخدمة السادة األغنياء والعمل في أراضيهم دون أي حق في ملكيتها‪.‬‬
‫‪ - 3‬طبقة العوام ‪ -‬وهي من أوسع الطبقات وأكثرها عدداً‪ ،‬وتتكون من الغرباء الذين قدموا إلى‬
‫روما واسـ ــتقروا فيها‪ ،‬ويعملون في الصـ ــناعة والتجارة‪ ،‬إضـ ــافة إلى األتباع الذين تحرروا من تبعيتهم‬
‫ألسـ ـ ــيادهم القدماء (الفقراء والمسـ ـ ــتضـ ـ ــعفين من سـ ـ ــكان روما األصـ ـ ــليين)‪ .‬وال يتمتع العوام بالحقوق‬
‫العامة أو الخاص ــة‪ ،‬ولكنهم أعفوا من الخدمة العس ــكرية ودفع الض ـرائب‪ ،‬وقد سـ ـ كن العوام في أحياء‬
‫خاصة بهم في روما‪.‬‬
‫‪ - 4‬طبقة العبيد ‪ -‬وتش ـ ـ ـ ــكلت هذه الطبقة من األحرار المباعين كعبيد بس ـ ـ ـ ــبب الفقر واألطفال‬
‫الذين ال يعترف بهم والدهم واألش ـ ـ ـ ـ ـ ــخاص المرهونين للعمل لدى الدائنين من أجل تس ـ ـ ـ ـ ـ ــديد ديونهم‪،‬‬
‫والمتخلفين عن الخدمة العسـ ــكرية وأسـ ــرى الحرب‪ .‬ويتحول العبد عندما يتحرر إلى طبقة العوام‪ ،‬أي‬
‫إنه يس ـ ـ ـ ــتطيع ممارس ـ ـ ـ ــة األعمال االقتص ـ ـ ـ ــادية لحس ـ ـ ـ ــابه الخاص وأوالده مثله كذلك‪ ،‬ولكنه ال يتمتع‬
‫بالحقوق العامة أو الخاصة‪.‬‬
‫ثانياً – األفكار االقتصادية لدى المفكرين الرومان‪:‬‬
‫يرى ش ـ ـ ـ ـ ــيش ـ ـ ـ ـ ــرون (‪ 43 - 106‬ق‪.‬م) أن الدولة جماعة معنوية‪ ،‬أي مجموعة من األش ـ ـ ـ ـ ــخاص‬
‫عرف شـيشـرون الدولة في عبارة سـامية فيقول‬
‫يمتلكون الدولة وقانونها بالمشـاع بينهم‪ ،‬ولهذا السـبب ُي ّ‬
‫إنها "مصـ ــلحة الناس المشـ ــتركة"… ويؤيد شـ ــيشـ ــرون القانون الطبيعي‪ ،‬فهو يعتبر (أن الخالق يحكم‬
‫الطبيعة وأن اإلنسـ ـ ـ ــان خلق في أحسـ ـ ـ ــن تقويم‪ ،‬وأنه يمتاز من سـ ـ ـ ــائر الكائنات بالعقل فهو من هذه‬
‫الوجهة يش ــبه الخالق وله نص ــيب في مبادئ الحق والعدل‪ ،‬وهي عنص ــر من عناص ــر القانون الذي‬
‫يحكم الخالق الكون بمقتضـ ـ ـ ــاه‪ ،‬وكل إنسـ ـ ـ ــان يمتلك طبيعياً الشـ ـ ـ ــعور بالحق والعدل إذ الناس جميعاً‬

‫(‪ - )259‬أنظر‪ :‬فر يدريك أنجلس‪ ،‬أصل األسرة …‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.202‬‬
‫(‪ - )260‬أنظر‪ :‬د‪ .‬يوسف نعيسة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.138-137‬‬

‫‪197‬‬
‫متحدون في الخلق‪ ،‬متش ـ ـ ــابهون في التكوين العقلي‪ ،‬فالقانون الطبيعي هو مص ـ ـ ــدر الحقوق جميعها‬
‫وهذا القانون هو الحكمة الخالدة التي تحكم العالم‪ ،‬أما ما عدا ذلك من القوانين البشـ ـ ـ ـ ـ ـرية فيجب أن‬
‫تهمل)(‪ .)261‬كما تعرض شـيشـرون إلى موضـوع ممارسـة النشـاط االقتصـادي وتفضـيله لبعض المهن‬
‫على بعض ـ ـ ـ ــها اآلخر‪ .‬فيض ـ ـ ـ ــع مهنة الزراعة في المقام األول‪ ،‬كما بين عيوب الص ـ ـ ـ ــناعة والتجارة‪.‬‬
‫وانتقد الفائدة إلى درجة أنه شبهها بجريمة القتل(‪.)2‬‬
‫لقد أولى الرومان الزراعة أهمية خاصة من بين األنشطة االقتصادية ووضعوها في المقام األول‬
‫بين المهن التي يمارسها اإلنسان(‪ .)3‬حيث كان كاتون يضع العمل في الزراعة فوق جميع األعمال‬
‫األخرى‪ ،‬ويعـد الز ارعـة المهنـة األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف واألكثر ربحـاً وخي اًر‪ .‬ويربط كـاتون دخـل المزرعـة وربحيتهـا‬
‫باإلدارة المباشـ ـ ـ ـ ـرة من قبل صـ ـ ـ ـ ــاحبها‪ ،‬لذلك يولي تنظيم عمل العبيد أهمية خاصـ ـ ـ ـ ــة من أجل زيادة‬
‫اإلنتاجية ويهمل دور وسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫ويـدعو فـارون إلى إقـامـة ز ارعـة على أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس علميـة من أجـل زيـادة اإلنتـاجيـة والـدخـل واألربـاح‪.‬‬
‫ويولي فــارون عمليــة النقــل من المزرعــة وإليهــا أهميــة خــاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في تحقيق األربــاح‪( ،‬ويهتم فــارون‬
‫باإلض ـ ـ ـ ـ ـ ــافة إلى الزراعة بالرعي‪ ،‬معتب اًر أن الزراعة والرعي قريبان من بعض ـ ـ ـ ـ ـ ــهما‪ ،‬ويرى أنه يمكن‬
‫الحصـ ــول على دخل غير قليل من رعي الماشـ ــية‪ .‬ويبين في تعداد الوسـ ــائل التي يجري بوسـ ــاطتها‬
‫حرث األرض وجود ثالثة أنواع‪ :‬أدوات ناطقة‪ ،‬وأدوات تخرج أصـ ـواتاً غير إنس ــانية‪ ،‬وأدوات خرس ــاء‬
‫… فاألدوات الناطقة هم العبيد‪ ،‬واألدوات الخوارة التي تخرج األص ـ ـوات هي الحيوانات‪ ،‬أما األدوات‬
‫الخرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء فهي المحراث)(‪ )4‬وهو يؤكــد دور الحــافز المــادي للعبيــد وأهميتــه بهــدف زيــادة عملهم‬
‫وإنتاجيتهم‪.‬‬
‫واهتم كولوميال بننتاج البضــائع من أجل الســوق‪ ،‬وعدم االكتفاء باســتهالن المنتجات في الزراعة‬
‫نفسها‪ ،‬كما طالب بتقسيم العمل بين العبيد من أجل زيادة إنتاجيتهم‪ .‬ويدعو إلى االستثمار العقالني‬
‫في الزراعة إذ يجب عدم ش ـ ـ ـراء األ ارضـ ـ ــي التي تزيد مسـ ـ ــاحتها على الحد العقالني‪ ،‬ألن المسـ ـ ــاحة‬
‫الواسـعة التي يتم تخديمها وزراعتها بشـكل سـيل تعطي من الدخل أقل مما تعطيه المسـاحة الصـغيرة‬
‫"الحد العقالني" التي يتم زراعتها بعناية‪ .‬وألول مرة ينادي كولوميال بضـ ــرورة التشـ ــاور مع العبيد في‬
‫بعدهم أناساً أكثر خبرة‪ .‬وآخر وسيلة يمكن اللجوء إليها – بنظر كولوميال ‪ -‬من أجل‬
‫مسألة اإلنتاج ّ‬
‫رفع اإلنتاجية بالنسـ ــبة للعبد هي "الخوف" أي اسـ ــتخدام العنف واإلكراه االقتصـ ــادي‪( .‬كان كولوميال‬
‫يعكس مرحلة انهيار نظام العبودية‪ .‬وهو يؤكد أهمية اإلدارة الشـ ـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ية للمزرعة‪ .‬فاالسـ ـ ـ ـ ـ ــتثمار‬
‫الشخصي يعطي دخالً أكثر بكثير من تأجير األرض)‪.‬‬

‫(‪ - )261‬د‪ .‬يوسف جميل نعيسة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.149‬‬

‫‪198‬‬
‫وهكـذا نلمس أن ج ّـل أبحـاث الرومـان في مجـال النش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي تركزت على األمور‬
‫الزراعية‪ ،‬وهذا منطقي ألنها شـ ـ ــغلتهم أكثر من غيرها من المهن‪ .‬على أن الرومان قد بزوا غيره من‬
‫الشـ ــعوب في العصـ ــور القديمة والتفكير الحقوقي‪ .‬ولم يقتصـ ــر تأثير القانون الروماني في العصـ ــور‬
‫التي سـاد فيها الرومان‪ ،‬أو في منطقة روما وما يتبع لها‪ ،‬بل لقد أثر في قوانين كثير من البالد بعد‬
‫ذلك‪ ،‬وما زال أثره في الفكر والتنظيم القانوني قائماً في العالم حتى اآلن‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬
‫األفكار االقتصادية في العصور الوسطى‬
‫المبحث األول ‪ -‬األفكار االقتصادية في العصور الوسطى العربية ا اإلسالمية‪:‬‬
‫امتلك العرب المســلمون ناصــية العلوم النظرية والتطبيقية في العصــور الوســطى الذهبية – بينما‬

‫كان األوربيون يغطون في العص ـ ـ ـ ـ ــور الوس ـ ـ ـ ـ ــطى المظلمة ‪ ،-‬وقد أبدعوا في ّ‬
‫جل الحقول المعرفية‪،‬‬
‫وأهمها‪ :‬الحقل الديني والحقل الفلس ــفي والحقل الطبي والحقل الرياض ــياتي والحقل االقتص ــادي‪ .‬غير‬
‫أن الفكرة االسـ ــتش ـ ـراقي األوربي أنكر عليهم بعض إسـ ــهاماتهم في تلك الحقول اإلبداعية‪ ،‬وربما كان‬
‫في مقدمتها الحقل االقتص ــادي‪ .‬فاس ــتبدل اإلس ــهام االقتص ــادي لعلماء عرب كبار أمثال ابن خلدون‬
‫والمقريزي بنسهامات توما األكويني ووليم بيتي وجان بودان‪.‬‬
‫مبادئ النظام االقتصادي في اإلسالم‪:‬‬
‫‪ -1‬مبدأ الملكية المزدوجة‪:‬‬
‫ـتثناء أو عالجاً مؤقتاً اقتضـ ــته‬ ‫يعترف اإلسـ ــالم بالملكية الخاصـ ــة والملكية العامة وال يعتبرها اسـ ـ ً‬
‫ظروف معينة‪ .‬وذلك ينطلق من نظرة اإلسـ ـ ــالم إلى الفرد بوصـ ـ ــفه كياناً مسـ ـ ــتقالً وبالتالي فالشـ ـ ـريعة‬
‫والقانون يحميان ملكيته ويصـ ـ ـ ـ ــوناها من االعتداء‪ ،‬وأيض ـ ـ ـ ـ ـاً بوصـ ـ ـ ـ ــفه كياناً اجتماعياً وبالتالي يجدد‬
‫عالقات الفرد االجتماعية واالقتصادية والسياسية مع المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫إن الملكية الخاص ــة تعتبر قانوناً اقتص ــادياً محدداً بتملك بعض الموارد وض ــمن إطار المص ــلحة‬
‫االجتمـاعيـة العـامـة‪ ..‬وبـالتـالي فهي ملكيـة مقيـدة‪ ،‬بمجموعـة من المبـادئ التي تحفظ حقوق المجتمع‪،‬‬
‫إنهــا تطبيق لمبــدأ العــدالــة فيمــا يخص العالقــة بين الجهــد والجزاء أو بين العمــل واألجر‪ ،‬لمــا أنهــا‬
‫ليست مطلقة فيما يخص مال السفيه أو القاصر أو من ليس له وريث‪.‬‬
‫أما بخصوص الملكية العامة فيمكن تقسيمها إلى الملكية الجماعية وملكية الدولة‪.‬‬
‫تعني الملكية الجماعية‪ ،‬فملك الجماعة‪ ،‬دون تقسـ ـ ـ ـ ــيم فردي خاص‪ ،‬لبعض الموارد (الماء الكأل‬
‫النار) أو ملكية المش ــاع‪ ،‬ويمكن تقس ــيم تلك الملكية قياس ـاً على موارد كثيرة أخرى (الثروات الباطنية‬
‫والغابات والجبال وغيرها)‪.‬‬
‫أما ملكية الدولة فتتمثل في موارد بيت مال المس ــلمين وأوجه إنفاقها‪ ،‬وتش ــمل الموارد‪ :‬األ ارض ــي‬
‫الميتة حين الفتح اإلسـ ـ ــالمي والصـ ـ ـ حارى والسـ ـ ــهول والوديان والجبال واإليرادات (الضـ ـ ـرائب) الزكاة‬
‫والخراج والصدقات والمواريث لمن ليس له ورثة‪.‬‬
‫أما النفقات فتشمل ما ينفق على الجيش واألمن والنظام والخدمات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬مبدأ الحرية االقتصادية المحدودة‪:‬‬
‫يتجلى التحديد اإلس ـ ــالمي للحرية االجتماعية في الحقل االقتص ـ ــادي بش ـ ــكلين أس ـ ــاس ـ ــيين اثنين‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫الشاااااااكل األول‪ ،‬ويتمثل بالتحديد الذاتي النابع من اإليمان الشـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ــي (الفردي) ومن المشـ ـ ـ ـ ــاعر‬
‫االجتماعية المنعكس ـ ـ ـ ـ ــة في نفس وروح الفرد المؤمن (الواجبات والمس ـ ـ ـ ـ ــؤوليات التي تقع على كاهل‬
‫الفرد)‪ .‬وبالتالي فالحرية االقتصادية محدودة بعدم إنماء الثروة وتراكمها على حساب المجتمع‪.‬‬
‫أما الشااكل الثاني‪ ،‬فيتمثل بالتحديد الموض ــوعي (الخارجي) النابع من أحكام الش ـريعة وتعاليمها‬
‫التي تحقق العدالة االجتماعية كما تجيز للدولة التنص ــل المباش ــر في تحديد حريات ممارس ــة بعض‬
‫األنشـ ـ ـ ــطة االقتصـ ـ ـ ــادية المخالفة لمبدأ العدالة والتكافل االجتماعي‪ .‬وتتدخل الدولة كلما آلت الحرية‬
‫االقتصادية إلى الفساد أو اإلساءة إلى المصلحة العامة‪ ،‬وذلك يستدعي تدخل الدولة لمكافحة الغش‬
‫واالحتكار والتدليس والتغرير ومراقبة األسعار والمؤن وغيرها من القضايا التي تمس تحقق المصلحة‬
‫العامة‪.‬‬
‫‪ -3‬مبدأ العدالة االجتماعية‪:‬‬
‫تقوم الرؤية اإلسالمية للعدالة االجتماعية على مبدأين اثنين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬مبدأ التكافل العام‪ ،‬وثانيهما‪ ،‬مبدأ التوازن االجتماعي‪.‬‬
‫ويعني المبدأ األول‪ ،‬ضـ ـ ــرورة توزيع الدخل والثروة بشـ ـ ــكل عادل قدر المسـ ـ ــتطاع على كل أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬بينما يعني المبدأ الثاني ض ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة تحقيق االنس ـ ـ ـ ـ ـ ــجام والتجانس بين أفراد الجماعية وبين‬
‫األمة‪ ،‬فض ـ ـ ـ ـ ـالً عن اس ـ ـ ـ ـ ــتبعاد المنازعات والمش ـ ـ ـ ـ ــاحنات والتمايزات االجتماعية‪ ،‬أي تحقيق التقارب‬
‫االجتماعي والوئام والمصالحة المجتمعية‪.‬‬
‫إن مبدأ العدالة االجتماعية يتأس ــس على جملة من الدوافع الفردية والدوافع االجتماعية‪ ،‬وتش ــكل‬
‫الص ــدقات والهبات والهدايا واإلحس ــان الفردي والمس ــاعدات للمحتاجين النابعة من الجانب الخير في‬
‫النفس البشـ ـرية وبشـ ــكل طوعي‪ ،‬جوهر الدوافع الفردية‪ ،‬بينما تشـ ــكل الزكاة والخمس والوقف والخراج‬
‫والمقاسمة‪ ،‬جوهر الدوافع االجتماعية‪.‬‬
‫هنا تجدر اإلشارة إلى أن األفكار االقتصادية اإلسالمية لم تتضمنها كتب اقتصادية متخصصة‬
‫إال فيما ندر (كتاب الخراج ـ ـ ـ ـ كتاب " إغاثة األمة بكشف القمة)‪ .‬وكان القسم الكبير فيها مبثوثاً في‬
‫كتب الفقه والتاريخ والتفاسـ ـ ـ ــير وغيرها‪ .‬ولذلك كان من الصـ ـ ـ ــعوبة التعرف على مالمح أو أسـ ـ ـ ــس "‬
‫نظام اقتصـ ـ ــادي إسـ ـ ــالمي " متكامل ومتبلور من حيث النظرية أو من حيث التطبيق‪ .‬ولكن ذلك ال‬
‫يعني غياب مبادئ اقتصـ ـ ـ ــادية إسـ ـ ـ ــالمية قائمة على الفطرة البش ـ ـ ـ ـرية والقيم اإلنسـ ـ ـ ــانية ومتميزة عن‬
‫المبادئ االقتصادية الرأسمالية واالشتراكية‪.‬‬
‫لقد حال دون تطبيق تلك المبادئ الس ـ ــامية وآل إليه المجتمع العربي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اإلس ـ ــالمي من تدخل‬
‫مرور بـالغزو المغولي والصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــليبي بوي ـك ت‬
‫اً‬ ‫أجنبي في شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤونـه الـداخليـة بـدءاً من التـدخـل البويهي‬
‫انتهاء باالستعمار األوربي الغربي‪.‬‬
‫المماليك و ً‬
‫هــذا‪ ،‬ولعــل خير من تطرق إلى المفــاهيم االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديــة في اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم وحلــل بعض الظواهر‬

‫‪201‬‬
‫االقتصادية مبدياً السبق المعرفي والتاريخي مقارنة بالمفكرين األوربيين‪ ،‬هما ابن خلدون والمقريزي‪.‬‬
‫* ابن خلدون (‪1406-1332‬م)‪( :‬أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون)‬
‫كـانـت بالد المغرب العربي‪ ،‬في القرن الرابع عشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الميالدي‪ ،‬مقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـة إلى ثالث ممـالـك أو‬
‫دويالت تجمعها دولة الموحدين‪ .‬وقد تميزت الحياة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية‪ ،‬آنذان‪ ،‬بتطور الحرف في المدن‬
‫وتوسع السوق الداخلية ونمو العالقات التجارية مع الخارج وتطور العالقات البضاعية ـ النقدية‪ .‬وقد‬
‫عبر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة عن تلك التطورات االقتصادية الهامة في دويالت المغربي‪.‬‬
‫‪ -1‬البضاعة‪:‬‬
‫يوضـ ـ ــع ابن خلدون أسـ ـ ــباب تطور الحرف وارتفاع الطلب على منتجاتها‪ ،‬إذ يقول‪ " :‬الصـ ـ ــنائع‬
‫إنما تسـ ــتجاد وتكثر إذا كثر طالبها‪ ،‬والسـ ــبب في ذلك ظاهرة‪ ،‬وهو أن اإلنسـ ــان ال يسـ ــمع بعمله أن‬
‫يقع مجاناً ألنه كسـبه ومعاشـه‪ ..‬فال يصـرفه إال فيما له قيمة‪ ...‬ليعود عليه بالنفع " (‪ .)262‬كما يربط‬
‫بين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفــائح الكثيرة واألعمــال المتنوعــة والمتعــددة التي تنتجهــا‪ ،‬وكــأنــه يتحــدث عن التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم‬
‫االجتماعي للعمل الذي يوجه التطور العفوي الطبيعي للسوق‪.‬‬
‫‪ -2‬القيمة‪:‬‬
‫يميز ابن خلـدون‪ ،‬بـدقـة‪ ،‬بين الرزق والكسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب (القيمـة االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـاليـة والقيمـة التبـادليـة)‪ .‬يقول‬
‫وجوهه‬ ‫بخصوص الرزق‪ " :‬فال بد في الرزق من سعي وعمل ولو في تناوله وابتغائه من‬
‫"(‪ .)263‬أما بخصوص الكسب فيقول‪ " :‬والمتملك منه‪ ،‬حينئذ بسعي العبد وقدرته يسمى كسباً "(‪.)264‬‬
‫وهذا الكســب يتطلبه عمالً ودراية وهدفاً " ثم اعلم أن الكســب إنما يكون بالســعي في االقتناء والقصــد‬
‫إلى التحصيل "(‪.)265‬‬
‫ويرى ابن خلدون أن الرزق (القيمة االسـ ـ ــتعمالية) يتحصـ ـ ــل للجميع‪ ،‬بغض النظر عن طبيعتهم‬
‫الخيرة أو الشريرة " إن هللا يرزق الغاصب والظالم والمؤمن والكافر "(‪.)266‬‬
‫والقيمة عند ابن خلدون ال تقتصـ ـ ـ ــر على القيمة التي يخلقها العمل مباش ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬وإنما أيض ـ ـ ـ ـاً قيمة‬
‫وس ــائل اإلنتاج المس ــتخدمة (المواد الخام) فيقول‪ " :‬وقد يكون مع الص ــنائع في بعض ــها غيرهما مثل‬
‫التجارة والحياكة معهما الخشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب والغزل إال أن العمل بينهما أكثر نتيجته أكثر‪ .‬وإن كان من غير‬
‫الص ـ ــنائع فال بد من قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حص ـ ــلت به‪ .‬إذ لوال العمل‬
‫لم تحصــل قيمتها "(‪ .)267‬ولكنه لم يكن يقصــد أن وســائل اإلنتاج تخلق القيمة كما ســيقول‪ ،‬بعد ذلك‬

‫(‪ )262‬كتاب ابن خلدون " كتاب العبر في المبتدأ والخبر "‪ ،‬طبعة بيروت‪ ،‬ص‪.381‬‬
‫(‪ )263‬ابن خلدون‬
‫(‪ )264‬ابن خلدون‬
‫(‪ )265‬ابن خلدون‬
‫(‪ )266‬المقدمة‪ ،‬ص‪.381‬‬
‫(‪ )267‬المقدمة ص‪.381-380‬‬

‫‪202‬‬
‫بزمن طويل وبش ـ ـ ــكل خاطل‪ ،‬االقتص ـ ـ ــاد الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــي البرجوازي‪ .‬كما كان ابن خلدون قد أنكر دور‬
‫الطبيعة‪ ،‬بالمطلق‪ ،‬في خلق القيمة لو س ـ ـ ـ ـ ـ ــاعدت في خلق مزيد من الرزق (القيمة االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية)‪:‬‬
‫يقول‪ " :‬وقد يكون له ذلك (الرزق) بغير س ـ ـ ـ ـ ـ ــعر كالمطر المص ـ ـ ـ ـ ـ ــلح للزراعة وأمثاله‪ ،‬إال أنها تكون‬
‫معينة وال بد من ســعيه معها "(‪ .)268‬أي ال بد من العمل (الجهد) لكي تتحقق القيمة‪ .‬وقد تفوق‪ ،‬في‬
‫ذلك‪ ،‬على الفيزيوقراطيين (أنصار المذهب الطبيعي) وآدم سميث‪.‬‬
‫ويالحظ ابن خلدون مالحظة هامة جداً ودقيقة تتمثل في أن العمل المبذول في إنتاج البض ــاعة‬
‫ال يظهر فو اًر‪ ،‬في بعض الحاالت‪ ،‬كما في المنتجات الزراعية‪ ،‬علماً أنه في أس ـ ـ ـ ـ ــعار الحنطة يؤخذ‬
‫بعين االعتبار العمل المبذول والنفقات المص ــروفة على إنتاجها‪ .‬ولكن ال يظهر ذلك بوض ــوح حيث‬
‫يكون استثمار األرض سهالً وال يعرفه إال بعض المزارعين‪.‬‬
‫يقول ابن خلـدون‪ " :‬وقـد تكون مالحظـة العمـل ظـاهرة في الكثير منهـا فتجعـل لـه حص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من‬
‫القيمة عظمت أو ص ـ ـ ـ ـ ـ ــغرت‪ .‬وقد تخفى مالحظة العمل كما في أس ـ ـ ـ ـ ـ ــعار األقوات بين الناس‪ ،‬فنن‬
‫اعتبـار األعمـال والنفقـات فيهـا مالحظـة في أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـار الحبوب‪ ،‬كمـا قـدمنـاه‪ ،‬ولكنـه خفي في األقطـار‬
‫التي عالج الفلج فيها يسـ ـ ـ ــير فال يشـ ـ ـ ــعر به إال القليل من أهل الفلح "(‪ )269‬ويكون بذلك‪ ،‬قد اقترب‬
‫من اعتبار السعر تعبي اًر عن قيمة البضاعة‪.‬‬
‫‪ -3‬تقسيم العمل والتعاون‪:‬‬
‫يرى‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬أن تحص ــيل الرزق يتوقف على القيام بمجموعة من األعمال التي يحتاج كل‬
‫عمل منها إلى أدوات وص ـ ـ ـ ــنائع مختلفة‪ " ،‬إنه قد عرف وثبت أن الواحد من البش ـ ـ ـ ــر غير مس ـ ـ ـ ــتقل‬
‫بتحصــيل حاجاته في معاشــه‪ .‬وأنهم يتعاونون جميعاً في عمرانهم على ذلك‪ ..‬فاألعمال بعد اجتماع‬
‫زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم "(‪.)270‬‬
‫لقد سـبق ابن خلدون‪ ،‬في حديثه عن تقسـيم العمل والتعاون‪ ،‬آدم سـميث الذي سـيظهر بعد أربعة‬
‫قرون متحدثاً عن فوائد ذلك التقسيم وأهمية العمل االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -4‬الثروة‪:‬‬
‫يرى ابن خلدون أن مصـ ــدر كل مملون ومتحول وكسـ ــب هو‪ ،‬بالضـ ــرورة‪ ،‬عمل اإلنسـ ــان‪ " .‬إن‬
‫المكاسب إنما هي قيم األعمال‪ ،‬فنذا كثرت األعمال كثرت قيمتها بينهم فكثرت مكاسبهم " (‪.)271‬‬
‫وكان يعني بالثروة القيم االس ـ ـ ـ ـ ــتعمالية الناتجة عن عمل اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان والقيمة التي تقاس بالمعادن‬
‫الثمينة (الذهب والفض ـ ــة)‪ :‬أي هي تكديس للبض ـ ــائع‪ ،‬باعتبار البض ـ ــائع قيمة اس ـ ــتعمالية وقيمة‪ ،‬في‬

‫(‪ )268‬المقدمة‬
‫(‪ )269‬المقدمة‪ ،‬ص‪.381‬‬
‫(‪ )270‬المقدمة‪ ،‬ص‪.360‬‬
‫(‪ )271‬المقدمة‪ ،‬ص‪.360‬‬

‫‪203‬‬
‫الوقت نفسـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ .‬ولكن ابن خلدون عارض اعتبار الذهب والفضـ ـ ـ ـ ـ ــة هما الثروة الوحيدة‪ .‬إذ الحظ أن‬
‫بعض الدول مثل العراق والهند والصـ ـ ـ ــين ال تملك مناجم للذهب والفضـ ـ ـ ــة ومع ذلك فهي دول غنية‬
‫بينما هنان دول كالســودان غنية بمناجم الذهب ولكنها فقيرة‪ .‬والعامل الحاســم‪ ،‬بهذا الخصــوص‪ ،‬هو‬
‫تطور الحياة االقتصادية في تلك الدول‪.‬‬
‫لقد تجاوز ابن خلدون المركانتيليين في نظرتهم إلى الثروة ومصـ ـ ـ ــدرها‪ .‬فقد اعتبر أن الثروة هي‬
‫مجموع الخيرات المادية الحاملة للقيمة ومص ــدرها هو العمل البش ــري‪ .‬بينما اعتقد المركانتيليون‪ ،‬من‬
‫بعده‪ ،‬أن المعادن الثمينة هي الثروة ومصدرها هو التجارة العالمية وبعض األعمال المرتبطة بها‪.‬‬
‫* المقريزي (‪:)1442-1364‬‬
‫تجلى إسـهام المقريزي في الحقل االقتصـادي‪ ،‬في اكتشـافه أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة‬
‫من التداول (قانون غريشهام) أن األزمة االقتصادية (المجاعة) التي حلق بمصر في القرن الخامس‬
‫عشـ ـ ــر سـ ـ ــببها فسـ ـ ــاد النظام النقدي (كثرة النقود وغش النقود)‪ .‬كما بحث في التضـ ـ ــخم النقدي وأثره‬
‫االجتمـاعي (على الرعيـة) وطـالـب بمحـاربـة العمالت المعـدنيـة الرمزيـة لصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالح اعتمـاد النقود كـاملـة‬
‫القيمة (الذهب والفض ـ ــة)‪ ،‬أي أن المقريزي كان قد أس ـ ــس للنظرية الكمية في النقود‪ ،‬متقدماً في ذلك‬
‫على الفرنسي جان بودان‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬األفكار االقتصادية في العصور الوسطى األوربية تالشي اإلقطاعية ونشوه‬
‫الرأسمالية‬

‫‪204‬‬
‫* توما االكويني (‪:)1274-1225‬‬
‫كـان الفكر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي في أوربـا في العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور الوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطى عبـارة عن مجموعـة من التعـاليم‬
‫والتوجيهات تسـ ــتند إلى الدين وإلى قواعده األخالقية في الميدان االقتصـ ــادي‪ .‬ومن أهم المفكرين في‬
‫القرون الوسطى توماس االكويني‪ .‬ونعرض اآلن أهم نظرياته االقتصادية‪:‬‬
‫‪ -1‬الملكية‪:‬‬
‫ك ــان توم ــا االكويني ينظر إلى الملكي ــة على أنه ــا عبقري ــة على الخطيئ ــة األولى التي اقترفه ــا‬
‫اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان ولكنه كان يعتبرها ض ـ ـ ـ ـ ــرورية وطبيعية لإلنس ـ ـ ـ ـ ــان في حياته الدنيا‪ .‬وكان يرى في عالقة‬
‫اإلنسـ ــان باألشـ ــياء الخارجية ناحيتين‪ :‬اإلدارة‪ ،‬واالسـ ــتعمال‪ ،‬فالوظيفة اإلدارية هي من نصـ ــيب عدد‬
‫قليل من األفراد المتميزين‪ .‬وتتطلب مسـ ــتوى معيناً من المعارف‪ .‬هذا يعني أن تقسـ ــيم الوظائف بين‬
‫الس ـ ـ ـ ــنيور والفالح هو نظام طبيعي نابع من إرادة الهيئة‪ ،‬كما أن التقس ـ ـ ـ ــيم االجتماعي للعمل ظاهرة‬
‫طبيعية خالدة‪.‬‬
‫والملكي ــة في رأى توم ــا االكويني ال تن ــاقض " الق ــانون الطبيعي "‪ ،‬أي اإلرادة اإللهي ــة ب ــل هي‬
‫اختراع إنسـ ـ ـ ـ ــاني يضـ ـ ـ ـ ــاف إلى " القانون الطبيعي "‪ .‬لذلك فهو يعتبر بأن غير المالكين يجب أن ال‬
‫يتذمروا‪ ،‬فالملكية قائمة فقط في الحياة الدنيا القصيرة‪.‬‬
‫أما الوظيفة الثانية لعالقة اإلنس ـ ـ ـ ــان باألش ـ ـ ـ ــياء‪ :‬االس ـ ـ ـ ــتعمال‪ ،‬فهي في نظر توما االكويني نفي‬
‫للملكيـة‪ .‬وبـاعتبـاره يـدافع عن الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة فهو يتراجع عن بعض مـا جـاء في الكتـاب المقـدس‬
‫حول الثروة والفقر‪ .‬إنـه يرى أن الحيـاة األخيرة ال تعني إطالقـاً االبتعـاد عن الثروة‪ ،‬وأن الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخص‬
‫الغني يتص ـ ـ ـ ـ ــرف بعدل حتى عندما يض ـ ـ ـ ـ ــم إلى ثروته ما كان ثروة عامة في الس ـ ـ ـ ـ ــابق وعندما يقدم‬
‫لآلخرين جزءاً من الثروة التي اغتصبها‪.‬‬
‫وبـاعتبـار أن تومـا االكويني يـدافع عن الملكيـة اإلقطـاعيـة فهو يطلـب من الـدولـة حمـايـة حقوق‬
‫المالكين من أي اعتداء‪ .‬ويعتبر محاولة اإلنسـ ـ ــان الحصـ ـ ــول على ما في أيدي جيرانه ذنباً يسـ ـ ــتحق‬
‫القتل‪.‬‬
‫‪ -2‬البيع والشراه والتبادل والسعر العادل‪:‬‬
‫يجري البيع والشـ ـ ـراء في نظر االكويني بهدف تحقيق مصـ ـ ــلحة عامة‪ .‬لذلك فيجب أن ال يجرى‬
‫البيع والشراء في صالح طرف دون آخر‪ .‬ويجب أن يكون االتفاق قائماً على تعادل األشياء‪ .‬وتقاس‬
‫كمية األش ــياء التي تدخل في اس ــتعمال ش ــخص ما بالس ــعر النقدي‪ " .‬وبيع األش ــياء بأعلى وشـ ـراؤها‬
‫بأرخص من قيمتها حرام وغير عادل "‪.‬‬
‫وفي التبـادل يكرر تومـا االكويني موقف أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو في التـأكيـد على تعـادل األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـاء المتبـادلـة‪.‬‬
‫ولوكن المنفعـة ال تحتـل إال جـانبـاً واحـداً من التبـادل‪ .‬وكـل من الطرفين يكون رابحـاً من حيـث القيمـة‬

‫‪205‬‬
‫االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية فهو يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتبدل قيمة اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية ال يحتاجها بقيمة اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتمالية يحتاجها‪ .‬أما الجانب‬
‫الموض ــوعي لعملية التبادل والذي يفترض وجود أش ــياء تحوز على خاص ــة اجتماعية تش ــكل أس ــاس‬
‫التعادل وهي العمل اإلنساني‪ ،‬فلم يالحظه االكويني‪.‬‬
‫وبالنسـ ـ ــبة للسـ ـ ــعر‪ ،‬فنن توما االكويني يطرح مفهوم " السـ ـ ــعر العادل " الذي ينطلق في تحديده من‬
‫نفقات البائع ويضـ ـ ــيف إليها الدخل الذي يتمكن بواسـ ـ ــطته من العيش بما يتناسـ ـ ــب مع حياة إنسـ ـ ــان في‬
‫مكانته في القرون الوسطى‪.‬‬
‫كما يحدد توما االكويني الس ـ ـ ـ ــعر العادل بالعالقة بين العرض والطلب فيش ـ ـ ـ ــير إلى أن الس ـ ـ ـ ــعر‬
‫العادل هو السعر الذي يحظى به البائع " في الوقت الحاضر "‪.‬‬
‫‪ -3‬الفائدة‪:‬‬
‫يؤكد توما االكويني على أنه ليس من العدل الحص ــول على فائدة مقابل تقديم قرض من المال‪،‬‬
‫" فهذا يعني بيع شـ ـ ــيء ال وجود له في الواقع‪ .‬وهنا ال يوجد تعادل‪ ،‬وبالتالي ال توجد عدالة " ولكنه‬
‫يرجع بعـد ذلـك عن هـا الموقف ليفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الفـائـدة بـأنهـا تعويض عن المخـاطرة‪ ،‬ويطرح فكرة تقول بـأن‬
‫أي مبلغ من النقود (وأي شـ ـ ــيء) له في الوقت الحاضـ ـ ــر قيمة أعلى من قيمته في المسـ ـ ــتقبل‪ ،‬لذلك‬
‫فنن المبلغ المس ـ ـ ــتعاد يجب أن يكون أكثر من المبلغ المقدم في البداية‪ .‬وهكذا يجري طمس الحقيقة‬
‫وهي أن الفـائـدة ليسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت إال امتالن جزء من عمـل الغير بـدون مقـابـل‪ .‬وكـان هـذا الموقف في تبرير‬
‫الفائدة يحقق مصالح طبعة كبيرة من رجال الكنيسة الذين كانوا يحصلون على دخول كبيرة من وراء‬
‫الربا‪.‬‬
‫‪ -4‬التجارة‪:‬‬
‫يقول تومـا االكويني أن الحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول على ربح يعتبر عمالً ح ارمـاً في نظر الكنيسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من حيـث‬
‫المبدأ‪ .‬ولكن إذا كانت التجارة تحقق للدولة نفعاً عن طريق اس ـ ــتيراد المواد الض ـ ــرورية للمعيش ـ ــة فنن‬
‫الحص ـ ـ ـ ــول على ربح في هذه الحالة ال يعتبر هدفاً‪ ،‬بحد ذاته وإنما تعويضـ ـ ـ ـ ـاً عن العمل‪ ،‬لذلك فنن‬
‫كميتـه يجـب أن تكون كـافيـة لتوفير المواد الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروريـة لعـائالت طبقـة التجـار بـالكميـات المقبولـة من‬
‫قبل الرأي االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -5‬الريع‪:‬‬
‫في العصــور الوســطى كانت الكنيســة تحصــل على قســم كبير من مداخيلها في شــكل ريع‪ ،‬لذلك‬
‫فـنن تومـا االكويني كـان يبرر بـدون تحفظ الحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول على الريع كمـا يـدافع عن الربح التجـاري فهو‬
‫ينظر إلى الريع على أنه تعويض عن عمل المالن العقاريين في إدارة الفالحين التابعين لهم‪.‬‬
‫وهكذا فنن النظرية االقتصــادية لتوما االكويني تضــمنت جميع العناصــر األســاســية التي شــكلت‬
‫بعــد ذلــك صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــب النظريــات البرجوازيــة التبريريــة‪ :‬نظريــة القيمــة (العرض والطلــب‪ ،‬التقــدير الــذاتي‬
‫للمنفعة)‪ ،‬الربح (تعويض عن عمل ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمالي)‪ ،‬الفائدة (تعويض عن المخاطرة‪ ،‬الفرق بين تقدير‬

‫‪206‬‬
‫قيمة المواد في الوقت الحاضر وفي المستقبل)‪ ،‬والريع (تعويض للمالك عن عمله)‪.‬‬

‫الفصل الثاني عشر‬

‫‪207‬‬
‫األفكار االقتصادية في العصور الحديثة األوربية‬
‫المبحث األول – تشكل الرأسمالية‪:‬‬
‫‪ -1‬المدرسة التجارية (المركانتيلية)‪ :‬البرجوازية التجارية‬
‫المدرسـ ــة التجارية (الماركانتيلية)‪ ،‬هي تعبير دقيق عن مصـ ــالح التجار واألمراء عبر سـ ــياسـ ــات‬
‫وإجراءات حكومية‪ .‬وقد دامت هذه المدرس ـ ـ ـ ــة حوالي ثالثة قرون (منتص ـ ـ ـ ــف القرن الخامس عش ـ ـ ـ ــر‬
‫وحتى منتصف القرن الثامن عشر)‪.‬‬
‫وقد اعتبرت المدرس ـ ـ ـ ـ ـ ــة التجارية أن الثروة الوطنية هي (المعدن الثمين) أي الذهب والفض ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪،‬‬
‫وبالتالي على الدولة – وليس األفراد ‪ -‬مهمة العمل على زيادة احتياطي الذهب والفضة‪.‬‬
‫أهم أعالم المدرسـة التجارية‪ :‬أنطون دي مونكريتيان (‪ )1621-1576‬في فرنسـا‪ ،‬وفون هورنيك‬
‫(‪ )1712-1638‬في النمسـ ـ ــا‪ ،‬وجوهان بيشـ ـ ــر (‪ )1628-1635‬في ألمانيا‪ ،‬وتوماس من (‪-1571‬‬
‫‪ )1641‬في إنكلترا‪.‬‬
‫الصيو األساسية للمدرسة التجارية‪:‬‬
‫‪ -1‬الصيغة المعدنية (إسبانيا في القرن السادس عشر)‪:‬‬
‫لمـا كـانـت الثروة هي المعـدن الثمين وكـانـت الغـايـة هي زيـادة احتيـاطي الـذهـب والفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬فـنن‬
‫أفضل وسيلة لتحقيق ذلك‪ ،‬هي منع خروجهما من البالد‪ ،‬وبالتالي العمل على إدخالهما إليها‪.‬‬
‫أهم التدابير العملية المعتمدة لذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬تقوية أسطول الدولة لنقل المعدن الثمين من العالم الجديد‪.‬‬
‫‪ -2‬إقامة مراقبة جمركية دقيقة لمنع تسرب المعدن الثمين إلى الخارج‪.‬‬
‫إال أن هذه الصيغة المعدنية كانت لها آثا اًر سلبية على إسبانيا‪ ،‬وقد تمثلت فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬لم تمنع تسرب المعدن الثمين إلى الخارج‪.‬‬
‫‪ -2‬إضعاف الصادرات الوطنية بسبب ارتفاع األسعار في الداخل‪.‬‬
‫‪ -3‬ارتفاع المستوردات وإخراج كميات كبيرة من المعدن الثمين إلى الخارج‪.‬‬
‫‪ -4‬إضعاف النشاط الزراعي والصناعي في إسبانيا‪.‬‬
‫‪ -2‬الصيغة الصناعية (فرنسا في القرن السابع عشر)‪:‬‬
‫وتمثلت في كون الوس ــيلة األفض ــل لزيادة المعدن الثمين‪ ،‬هي تحقيق نهض ــة ص ــناعية‪ .‬خاص ــة‬
‫أن الزراعة تخضـع للتقلبات الموسـمية‪ ،‬فضـالً عن كون المواد الزراعية‪ ،‬رخيصـة األسـعار وذات وزن‬
‫كبير‪.‬‬
‫ولذلك فاألهم هو الوصــول إلى تصــدير بضــائع عالية القيمة بتطوير الصــناعة الوطنية ال ســيما‬
‫ص ـ ـ ــناعة مواد الزينة والترف‪ ،‬مما يفض ـ ـ ــي إلى االس ـ ـ ــتغناء عن شـ ـ ـ ـراء المنتجات الغالية من الخارج‬

‫‪208‬‬
‫وتصدير هذه المنتجات نفسها إليها‪.‬‬
‫أهم التدابير العملية المعتمدة لذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬الحماية االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -2‬تسـ ـ ــهيل اسـ ـ ــتيراد المواد األولية بنعفائها من الرسـ ـ ــوم الجمركية ومنع إعادة تصـ ـ ــديرها قبل‬
‫تصنيعها‪.‬‬
‫‪ -3‬إعفاء المواد المصــنعة من الرســوم الجمركية‪ ،‬فض ـالً عن تحســين الجودة لكســب األس ـواق‬
‫والمنافسة‪.‬‬
‫‪ -3‬الصيغة التجارية (بريطانيا في القرن الثامن عشر)‪:‬‬
‫وهي الصيغة التي انتهت إليها المركانتيلية‪.‬‬
‫الثروة هي الذهب والفض ـ ـ ـ ـ ــة والهدف هو زيادة مس ـ ـ ـ ـ ــتودع المعدن الثمين ولكن ذلك يتم بالتجارة‬
‫والمالحــة‪ .‬ذلــك أن التجــارة الخــارجيــة في رأى دعــاة هــذه النظريــة تزيــد في غنى الــدولــة أكثر من‬
‫الص ــناعة وهم يس ــتش ــهدون على ذلك بالمدن القديمة الزاهرة (ص ــور‪ ،‬ص ــيدا‪ ،‬قرطاجة‪ ،‬واإلس ــكندرية‬
‫مثالً) وهي لم تكن مراكز صناعية وكذلك هولندا في ذلك العصر‪.‬‬
‫أهم التدابير العملية هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحصــول على ميزان تجاري راجح (تزيد فيه الصــادرات عن المســتوردات ويبقى منه رصــيد‬
‫ذهبي)‪.‬‬
‫‪ -2‬تقوية األسـ ـ ـ ـ ــطول البريطاني وحصـ ـ ـ ـ ــر التجارة البريطانية به (قانون كرومويل) والتغلب على‬
‫األسطول التجاري الهولندي في ميدان المزحمة‪.‬‬
‫‪ -3‬حريــة التجــارة الخــارجيــة ليتــاح لبريطــانيــا الــدولــة التجــاريــة البحريــة الكبرى التحرن في عــالم‬
‫واسع‪.‬‬
‫مكانة المركانتيلية التاريخية‪:‬‬
‫كانت المركانتيلية اإليديولوجية االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية للبرجوازية التجارية في مرحلة التراكم األولى لرأس‬
‫المال‪ .‬وكانت أول مدرسة من مدارس االقتصاد السياسي البرجوازي‪.‬‬
‫وكـانـت المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألـة المركزيـة في مؤلفـات المركـاتيليين األوائـل هي الميزان النقـدي‪ ،‬وكـانوا يـدافعون‬
‫عن زيادة الثروة النقدية بوسـ ـ ــائل تشـ ـ ـريعية محضـ ـ ــة عن طريق منع إخراج النقود وإدخال أكبر كمية‬
‫منها‪.‬‬
‫أما المركنتيلية المتطورة فقد ظهرت بعد االكتشـافات الجغرافية الكبرى وازدهرت في أواسـط القرن‬
‫السـ ــابع عشـ ــر‪ ،‬فمع تطور الصـ ــناعة الوطنية ارتفع دور التجارة الخارجية واكتسـ ــبت تجارة الوسـ ــاطة‬
‫أهمية خاصة‪ ،‬وقامت الدولة بمساعدة الصناعة الوطنية والتجارة‪.‬‬
‫والمسألة المركزية في المركنتيلية المتطورة هي (الميزان التجاري) فالدولة تصبح أكثر غنى كلما‬

‫‪209‬‬
‫أص ـ ـ ـ ــبح الرص ـ ـ ـ ــيد اإليجابي في الميزان التجاري أكبر‪ .‬ولقد كان المركانتيليون يدافعون عن الحماية‬
‫الجمركية التي تقض ــي بفرض رس ــوم جمركية عالية على المس ــتوردات من الخارج‪ ،‬مما وفر ش ــروطاً‬
‫أفضل لتطور اإلنتاج الوطني‪.‬‬
‫تميزت المركــانتيليــة بتركيز االهتمــام األول على التــداول‪ ،‬ولــذلــك فهي بــدالً من تحليــل الظواهر‬
‫كانت تكتفي بوصفها وتطلب تدخل الدولة في الحياة االقتصادية‪.‬‬
‫وانطالقاً من ذلك فقد كان المركانتيليون ينظرون إلى االقتصـ ـ ــاد السـ ـ ــياسـ ـ ــي باعتباره العلم الذي‬
‫يبحث في الميزان التجاري‪ ،‬ومهمته األس ـ ـ ــاس ـ ـ ــية هي (كيف يمكن تحقيق أكبر زيادة ممكنة في عدد‬
‫بائعي البضائع‪ ،‬وتخفيض عدد المشترين حتى أدنى حد ممكن)‪.‬‬
‫‪ -2‬المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية) ‪ -‬البرجوازية العقارية‪:‬‬
‫الفيزيوقراطية ‪ la phisiocratie‬أي (نظام الطبيعة) مدرســة أس ـســها عدد من الفالســفة اجتمعوا‬
‫حول الدكتور كيني ‪ )1774-1694( Quesnay‬طبيب لويس الخامس عش ــر ونذكر منهم المركيز‬
‫مي ار بوا (أب خطيـ ــب الثورة الفرنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ــة) وديون دي نيمور ‪ De Nemours‬الـ ــذي ابتـ ــدع كلمـ ــة‬
‫فيزيوقراطية عنواناً لكتابه ‪ 1761‬وكذلك الوزيرتورغو ‪ Turgot‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد كانت الفيزيوقراطية ثورة ض ـ ـ ـ ـ ــد المركانتيلية إلهمالها الزراعة التي كانت تعطي حوالي ثالثة‬
‫أرباع الدخل القومي‪ .‬وإليكم أفكار ونظريات هذه المدرسة‪.‬‬
‫الفكرة الجوهرية للنظام الفيزيوقراطي‪:‬‬
‫أ‪ -‬وجود (نظام طبيعي لألشـ ـ ـ ـ ــياء) تسـ ـ ـ ـ ــير فيه الحياة بموجب (قوانين طبيعة) منطقية‪ ،‬عقالنية‬
‫وخيرة‪ ،‬وإن اكتشاف هذا النظام الطبيعي العفوي لألشياء هو هدف علم االقتصاد‪..‬‬
‫وهكذا أيد الفيزيوقراطيون (أنصار نظام الطبيعة) فكرة القانون الموضوعي في الحياة االقتصادية‬
‫فاعتبروا بحق من المؤسسين األوائل لالقتصاد السياسي‪.‬‬
‫ولكن كيف يمكن اكتش ـ ــاف هذا النظام الطبيعي في عالم تس ـ ــوده المركانتيلية ونظامها الحكومي‬
‫الوطني؟‬
‫إن المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهدة ال تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمح برؤية هذا النظام وهو غير موجود في الواقع‪ ،‬لكن هذا النظام يرى‬
‫بالنسـ ــبة للفيزيوقراطيين بالفكر واالسـ ــتدالل والحكمة‪ ،‬وكان هذا ال ينسـ ــجم مع عصـ ـره الذي انتشـ ــرت‬
‫فيه بذور العقالنية واآلثار الفكرية الفلسـفية‪ ،‬وهكذا باالسـتدالل وضـع كيني لوحته االقتصـادية وحاول‬
‫مع مؤيديه اكتشاف قوانين النظام الطبيعي‪.‬‬
‫ب‪ -‬لمـا كـان النظـام الطبيعي هو خير نظـام ويحقق المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلحـة العـامـة لـذا يجـب أن تترن لـه‬
‫الحرية المطلقة فيسير كل شيء عفوياً وينمو االقتصاد وتزدهر الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫وقد قادهم ذلك إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫‪ -1‬إبراز حق الملكية الفردية كحق أسـ ــاسـ ــي ال بد منه إلنتاج الثروة‪ ،‬وضـ ــمان هذه الملكية هو‬
‫سند النظام االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -2‬ربط الحريــة بحق الملكيــة ألن الحريــة جوه النظــام الطبيعي‪ ،‬يجــب إذن ترن الحريــة للرجــل‬
‫يس ـ ـ ـ ــعى لتحقيق حاجاته بأقل كلفة‪ ،‬فيحقق بذلك كمال الس ـ ـ ـ ــلون االقتص ـ ـ ـ ــادي وتتحقق بنفس الوقت‬
‫مصلحة المجتمع‪.‬‬
‫أهم النظريات الفيزيوقراطية‪:‬‬
‫قدم الفيزيوقراطيين بنظرياتهم نظاماً متكامالً للحياة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية‪ ،‬نظاماً ينسـ ـ ـ ـ ــجم مع منطقتهم‪،‬‬
‫ومن أهم نظرياتهم‪:‬‬
‫أ‪ -‬نظرية اإلنتاج أو الغلة الصافية‪:‬‬
‫يرى الفيزيوقراطيون أن ــه ال إنت ــاجي ــة إال في النشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط الزراعي‪ ،‬ذل ــك ألن الثروة الحقيقي ــة هي‬
‫مجموعة األموال المادية الصــالحة لالســتهالن والتي تخلقها األرض ســنوياً‪ ،‬بحيث أن اســتهالكها ال‬
‫يؤثر على مصــدر إنتاجها وال يمنع تجدد هذا المصــدر‪ ،‬لهذا فنن الصــناعة والتجارة ال تخلقان شــيئاً‬
‫وإنما ينحصـ ــر دورهما في تحويل قسـ ــم من هذه الثروة ونقله‪ ،‬واسـ ــتهالن الشـ ـ يء المحول أو المنقول‬
‫يؤثر على مصدره ويؤدي إلى افتقاره‪.‬‬
‫لكن الثروة أثناء تشـكلها تتطلب إنفاق واسـتهالن بعض األموال‪ ..‬فنذا طرحنا األموال المسـتهلكة‬
‫من األموال المنتجة أي إذا طرحنا من المحص ـ ـ ـ ـ ــول (الس ـ ـ ـ ـ ــلف‪ ،‬أجرة الحراثة‪ ،‬ثمن البذار‪ ،‬حص ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫الزراع‪ ..‬الخ) بقي هنان فضـ ـ ـ ـ ــل أو فرق يعادل الزيادة التي تحققت في الثروة‪ .‬هذا الفضـ ـ ـ ـ ــل هو ما‬
‫يسمى بالمنتج الصافي أو (الغلة الصافية)‪.‬‬
‫وهذه الغلة الص ـ ـ ـ ــافية التي هي (هبة من هبات الطبيعة) تتمثل كمياً في الس ـ ـ ـ ــلع المادية أي في‬
‫المواد الغذائية والمواد األولية التي هي قيم جديدة منتجة زادت الثروة ونمتها‪.‬‬
‫علينا إذن أن ندرن أن مفهوم اإلنتاجية (‪ )1‬الحقيقي لدى الفيزيوقراطيون يكمن في إنتاج الكمية‬
‫(القيمة االستعمالية) وليس في إنتاج القيمة وهذا هام من الناحيتين التاليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬إنتاج الكميات ال تحققه إال األرض وما تخلقه على س ـ ـ ـ ـ ــطحها وفي بطنها من نبات وحيوان‬
‫ومعادن وغيرها‪ ،‬أي ال يحققه فعالً إال الزراعة‪ .‬صـ ـ ــحيح أن الصـ ـ ــناعة تزيد من قيمة الشـ ـ ــيء ولكن‬
‫هذه الزيادة ال تحقق فضـ ـالً في الثروة ألنها تس ــاوي قيمة عمل وجهد الص ــانع وما أنفه لشـ ـراء المواد‬
‫األولية الالزمة وما اس ـ ـ ـ ــتهلكه من مواد غذائية وغير غذائية أثناء عملية التحويل مما يعني أن ليس‬
‫هنان أية غلة صافية‪ .‬أما التجارة والنقل فاإلنتاجية فيهما معدومة بوجهيها‪.‬‬
‫‪ -2‬إنتاج الكمية أي زيادة الثروة هي هبة من الطبيعة أما إنتاج القيمة فهو من عمل اإلنسان‪.‬‬

‫ب‪ -‬نظرية دوران الثروة (اللوحة االقتصادية)‪:‬‬

‫‪211‬‬
‫نقل الطبيب كيني إلى الحياة االقتص ـ ــادية ص ـ ــورة جريان الدم في الجس ـ ــم البش ـ ــري‪ ،‬فكما يرتوي‬
‫الجسـ ـ ـ ـ ــم بالدم الذي يتدفق من القلب ثم يعود إليه‪ ،‬كذلك فنن الحياة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية إنما ترتوي بالغلة‬
‫الصافية التي تدور بين مختلف طبقات المجتمع‪.‬‬
‫الزارع والمالكون يدفعون بننتاجهم في جس ـ ـ ـ ــم المجتمع لش ـ ـ ـ ـراء حاجاتهم من الس ـ ـ ـ ــلع المص ـ ـ ـ ــنعة‬
‫والخدمات وغيرها‪ ،‬والطبقات األخرى تعيد لهؤالء الزراع ما اسـ ـ ــتلمت منهم مقابل ثمن المواد الغذائية‬
‫واألولية الالزمة لهم‪ .‬وهكذا تكتمل الدورة‪ ،‬والزراعة هي القلب‪.‬‬
‫وقـد اعتبر المركيز مي ار بو ‪ Mirabeau‬وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع هـذه اللوحـة ثـالـث االكتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـات بعـد الطبـاعة‬
‫والعملة‪ ،‬وقد كانت لوحة كه ني فعالً " الص ـ ـ ـ ــورة األولى للموديالت االقتص ـ ـ ـ ــادية والمحاولة المبدئية‬
‫لنظرية التوازن االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادي (نظرية والرس ‪ )Walras‬ولد ارس ـ ـ ـ ـ ـ ــة االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الكلي والمحاس ـ ـ ـ ـ ـ ــبة‬
‫االقتص ــادية اإلجمالية كما هي أيضـ ـاً مس ــودة لنظرية التيارات (المدخل والمخرج ‪)input - output‬‬
‫المسماة باسم واضعها ليونتييف ‪ Leontieff‬وقد وصف ماركس لوحة كيني بأنها (فكرة عبقرية إلى‬
‫درجة عالية‪ ،‬وبدون جدال‪ ،‬الفكرة األكثر عبقرية بين جميع ما طرحه االقتصــاد الســياســي حتى ذلك‬
‫الوقت)‪.‬‬
‫ج‪ -‬نظرية المبادلة والتجارة الخارجية‪:‬‬
‫المبـادالت ال تنتج أيـة ثروة في نظر الفيزيوقراطيين ألنهـا تعني بحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تعريفهـا تعـادل القيمـة‬
‫المتبــادلــة‪ ،‬وقــد تنتج المبــادالت ربحـاً‪ :‬إال أن الربح يختلف كــل االختالف عن الثروة ألن مــا يربحــه‬
‫أحد الطرفين إنما يخس ـره الطرف اآلخر‪ ،‬كما أن التجارة التي تتمثل بش ـراء الســلع إلعادة بيعها بربح‬
‫تنطوي على إهالن للثروة ألن التـاجر يمتص بـالربح جزءاً من هـذه الثروة‪ ،‬لهـذا ينبـذ الفيزيوقراطيون‬
‫هذا النوع من التجارة حتى بين الدول ويدعون لقصـ ـ ـ ــر االسـ ـ ـ ــتيراد على المنتجات التي ال تسـ ـ ـ ــتطيع‬
‫الدولة أن تنتجها بنفسها‪.‬‬
‫أمــا المبــادلــة الوحيــدة التي تعتبر مجــديــة ونــافعــة فهي التي تنقــل المنتجــات الزراعيــة إلى أيــدي‬
‫المسـ ـ ـ ـ ـ ــتهلكين‪ ،‬لذا فقط طالب الفيزيوقراطيون بنطالق حرية تجارة الحبوب في الداخل وإطالق حرية‬
‫تصـ ـ ــدير الحبوب لتوسـ ـ ــيع دائرة دوران الثروة مما يؤمن للحبوب سـ ـ ــع اًر جيداً (‪ )Un Bon Prix‬أي‬
‫سع اًر مرتفعاً يعود بالخير على الشعب ويشكل حاف اًز لتنمية الزراعة مصدر الثروة‪.‬‬
‫تقييم الفكر االقتصادي الفيزيوقراطي‬
‫تبدو لنا من خالل هذه الدراسة لألفكار الفيزيوقراطية المالحظات الهامة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬ركز الفيزيوقراطيون البح ـ ــث في الز ارع ـ ــة وأع ـ ــادوا له ـ ــا أهميته ـ ــا بع ـ ــد أن أهمله ـ ــا النظ ـ ــام‬
‫المركـاكـانتيلي‪ ،‬ممـا دفعهم إلى المبـالغـة في اعتبـار الز ارعـة وحـدهـا تنتج ثروة‪ .‬ولكي نفهم دافعهم لهـذه‬
‫المبـالغـة علينـا أن نعلم أن الز ارعـة كـانـت تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهم بثالث أربـاع الـدخـل القومي في كـل من فرنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫‪212‬‬
‫وإنكلترا‪ .‬وقد شـ ــاهد الفيزيوقراطيون بؤس الزراع المنهكين بالض ـ ـرائب الممنوعين من نقل حاصـ ــالتهم‬
‫بين مختلف المناطق فطالبوا بنطالق حريتهم في زراعة ما يشـ ــاؤون وبيع حاصـ ــالتهم متى يشـ ــاؤون‬
‫واقتراض األموال ممن يشـ ـ ـ ـ ــاؤون واعتقدوا أنه متى صـ ـ ـ ـ ــلحت الزراعة صـ ـ ـ ـ ــلحت جميع نواحي الحياة‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -2‬طالب الفيزيوقراطيون بتجديد مهام الدولة وكتب جماحها بســلطان النظام الطبيعي الذي هو‬
‫فوق كل س ـ ــلطة ألنه إلهي وأزلي وليس على الملك إال تنفيذه‪ .‬وكان النظام المركانتيلي قد جعل من‬
‫الدولة ناظماً للحياة االقتص ـ ـ ـ ــادية تتدخل فيها وتحل محل األفراد في مختلف النش ـ ـ ـ ــاطات‪ .‬وقد أبرز‬
‫الفيزيوقراطيون أهمية حق الملكية الفردية (دعامة النظام الطبيعي واألمن االجتماعي) واسـ ـ ــتتبع ذلك‬
‫مطـالبتهم بـنطالق الحريـة‪ ،‬حريـة العمـل والحريـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة لألفراد‪ ،‬وقـد جـاء ذلـك في زمن كـانـت‬
‫سلطة الحكومة المركزية في ضعف وكانت طالئع التدخليين وقادتهم قد ذهبت وولت‪.‬‬
‫‪ -3‬س ـ ـ ـ ـ ــبك الفيزيوقراطيون نظرياتهم وآراءهم في إطار موض ـ ـ ـ ـ ــوعي وعلمي يقوم على تفس ـ ـ ـ ـ ــير‬
‫وتحليل عام للنشــاط االقتصــادي ســلكوا فيه طريق المحاكمة واالســتدالل‪ ،‬بعد أن كان علم االقتصــاد‬
‫في النظام المركانتيلي عبارة عن (مجموعة وصـ ــفات) يكتبها المفكرون للدولة معتمدين في وضـ ــعها‬
‫عل ى تفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيرات جزئيــة للواقع‪ .‬وكــان غرض الفييوقراطيين بــذلــك أن يقيموا على أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس منطقهم‬
‫المتكامل رباطاً متيناً بين الطبيعة المادية والطبيعة العلوية وأن يشـ ـ ـ ـ ـ ــيدوا من عبادتهما معاً ما يمكن‬
‫تسـميته (بعلم الدين االقتصـادي) ظناً منهم أن هذا النظام الذي يقيمونه ويدعون إليه إنما هو النظام‬
‫األمثل‪ ،‬الذي يصلح لك زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -4‬جاءت اللوحة االقتصـ ـ ــادية بأول محاولة جادة لحل أهم مسـ ـ ــألة في االقتصـ ـ ــاد السـ ـ ــياسـ ـ ــي‪:‬‬
‫مس ـ ـ ــألة تحديد اإلنتاج االجتماعي اإلجمالي‪ .‬ولم تهتم اللوحة بتحليل العمليات االقتص ـ ـ ــادية الفردية‪،‬‬
‫وإنمـا بتحليـل عمليـة اإلنتـاج االجتمـاعي كـاملـة في جميع قطـاعـات الحيـاة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة في تـداخلهـا‬
‫وترابطها‪.‬‬
‫فموضـوع اللوحة االقتصـادية هو د ارسـة القوانين التي توجه اإلنتاج والتوزيع والتداول واالسـتهالن‬
‫(اإلنتاجي والشـخصـي) لإلنتاج االجتماعي اإلجمالي‪ ،‬أي قوانين إعادة إنتاجه أو تعويضـه في القيمة‬
‫وفي الشـ ــكل العيني‪ .‬وتهتم اللوحة أيض ـ ـاً بالكشـ ــف عن قوانين تجديد إنتاج قوة العمل وقوانين تجديد‬
‫إنتــاج عالقــات اإلنتــاج‪ ،‬ويقول مــاركس عن النظــام الفيزيوقراطي إنــه كــان النظريــة الكــاملــة األولى‬
‫لإلنتاج الرأسمالي‪.‬‬
‫‪ -5‬من أهم منجزات الفيزيوقراطيين إنهم بعكس المركـ ــانتيليين‪ ،‬الـ ــذين التفتوا إلى رأس المـ ــال‬
‫التجاري الذي يعمل في نطاق التداول فقط‪ ،‬التفتوا هم إلى رأس المال اإلنتاجي‪ ،‬ورغم تركيزهم على‬
‫الزراعة فننهم كانوا يخـدمون بذلك رأس المـال الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعي المتنـامي‪ .‬فتقـل ميـدان البحـث من التـداول‬

‫‪213‬‬
‫إلى اإلنتاج كان اإلنجاز العلمي األسـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ــي للفزيوقراطيين‪ ،‬وهو الذي مكنهم من القول بأن الحياة‬
‫االجتماعية مثل الطبيعة تخضع إلى قوانين موضوعية‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن األفكار القيمة التي جاء بها الفيزقراطيون هي إعطاء صـورة صـحيحة عن العالقة بين‬
‫اإلنتـاج والتبـادل‪ .‬ينطلق كيني من أن اإلنتـاج هو المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الوحيـد للثروة‪ ،‬أمـا التبـادل فهو تبـادل‬
‫متع ــادالت وال يخلق ثروة وال يزي ــده ــا‪ .‬وأكثر من ذل ــك يعتبر كيني أن التب ــادل ليس إال مرحل ــة من‬
‫مراحل تجديد اإلنتاج‪ ،‬وخاضعاً لإلنتاج‪ ،‬يقوم بتصريف منتجاته ويخلق الشروط لتجديد إنتاجها‪ ،‬أما‬
‫التداول النقدي فهو في لوحة كيني ليس إال نتاجا ومظه اًر من تداول البضاعة‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬األفكار االقتصادية في مرحلة انتصار الرأسمالية‪ ،‬المدرسة التقليدية‬
‫(الكالسيكية) البرجوازية الصناعية‪:‬‬
‫‪ -1‬وليم بيتي (‪:)1663-1623‬‬
‫نتيجة لثورات ‪ 1647‬و‪ 1688‬انتصـ ـ ـ ـ ــر النظام البرلماني في إنكلترا‪ ،‬لكن البرجوازية لم تكن بعد‬
‫قد وصـ ـ ــلت إلى السـ ـ ــلطة‪ ،‬كانت تناضـ ـ ــل من أجل حرية النشـ ـ ــاط االقتصـ ـ ــادي ضـ ـ ــد األرسـ ـ ــتقراطية‬
‫اإلقطاعية‪ .‬وكان الناطق بمصالحها في تلك الفترة وليم بيتي‪.‬‬
‫تميز وليم بيتي عن المركـانتيليين بـأنـه نقـل البحـث في ميـدان التـداول إلى تحليـل اإلنتـاج واعتبر‬
‫الثروة في البضـاعة‪ .‬يفرق وليم بيتي بين السـعر الطبيعي للبضـائع وبين األسـعار الجارية في السـوق‬
‫ويسميها األسعار السياسية‪ ،‬ويقول بأن قيمة السلعة تتحدد بالعمل المتجسد فيها‪.‬‬
‫ويقترب من مفهوم (القيمة الزائدة) الذي سـ ــيوضـ ــحه ماركس فيما بعد‪ ،‬ويرى القيمة الزائدة ممثلة‬
‫في الربع العقاري والفائدة اللذين يعودان للمالك وال أرسـ ـ ـ ـ ــمالي‪ ،‬أما األجر الذي يدفع للعامل فال يعدو‬
‫كونه قيمه لقوةعمله‪ ،‬أو لما يلزمه من وسـ ـ ـ ـ ــائل معيشـ ـ ـ ـ ــية ليعيش ويتابع العمل‪ .‬ولهذا فال عجب أن‬
‫رأينا أن ماركس يعتبر وليم بيتي مؤسس االقتصاد السياسي الحديث‪.‬‬
‫كانت قد ظهرت في إنكلت ار بالمقارنة بفرنس ــا وغيرها ميزات االقتص ــاد ال أرس ــمالي تجاه االقتص ــاد‬
‫اإلقطاعي‪ ،‬وتوفرت أفضـل الشـروط لد ارسـة ووضـع اإلطار النظري لظواهر االقتصـاد ال أرسـمالي‪ .‬وقد‬
‫لعبت المدرسـة الكالسـيكية اإلنكليزية دو اًر بار اًز في تطوير االقتصـاد السـياسـي ال أرسـمالي‪ ،‬وأصـبحت‬
‫واحداً من مصــادر الماركســية‪ ،‬يســتند بيتي إلى الوقائع الفعلية واألرقام والمقاييس واألوزان (‪ )1‬لغيره‬
‫االهتمام بحواس ورغبات األفراد‪ ،‬فهو يرى أن الحياة االقتصـادية خاضـعة لقوانين موضـوعية اعتبرها‬
‫قوانين طبيعية‪ .‬ولم تكن أفكاره النظرية تقوم على نظام وكانت غارقة في مواد إحص ـ ـ ــائية وص ـ ـ ــفية‪.‬‬
‫ومع ذلك فهو يقدم في بعض المسائل تعاميم نظرية عميقة‪.‬‬
‫كان بيتي على ثقة كبيرة بأنس أس ــاس ثروة البالد هو س ــكانها المش ــتغلون في العمل المنتج وقد‬
‫انطلق من نظرية القيمة في العمل في أبحاثه‪ ،‬فالس ـ ـ ـ ـ ـ ــعر الطبيعي بالنس ـ ـ ـ ـ ـ ــبة إليه يمثل كمية العمل‬
‫المبذول في اإلنتاج‪ ،‬وعلى أسـ ــاس كمية العمل المتضـ ــمن في البضـ ــائع يجري تبادل هذه البضـ ــائع‪.‬‬
‫وتتحدد القيمة بكمية العمل مقاس ـ ـ ـ ـ ــة بزمن العمل‪ .‬لذلك فنن حجم القيمة يتغير عكس ـ ـ ـ ـ ــياً مع تغيرات‬
‫إنتاجية العمل‪.‬‬
‫يؤكد بيتي أن (العمل هو أب الثروة واألرض أمها)‪ ،‬نالحظ هنا أن وليم وبيتي لم يفهم بشـ ـ ـ ـ ـ ــكل‬
‫صوص‬
‫وثيق طبيعة القيمة والعمل الذي يخلق القيمة‪ ،‬إذ يخلط بين القيمة االسـتعمالية والقيمة‪ .‬فبخ ـ‬
‫القيمة االس ـ ـ ــتعمالية (المظاهر الطبيعية للمنتجات) ص ـ ـ ــحيح أن العمل هو أب الثروة واألرض أمها‪،‬‬
‫ألن األرض هنا تؤدي وظيفة معينة في إعطاء المنتجات قيمة استعمالية معينة‪ ،‬ولكنه غير صحيح‬
‫القول بأن العاملين‪ :‬العمل واألرض يش ـ ــتركان معاً في خلق القيمة‪ ،‬وإلى جانب ذلك نالحظ أن وليم‬

‫‪215‬‬
‫بيتي‪ ،‬بعد تحديده للقيمة بنفقات العمل يرجع القيمة إلى األجور وليس إلى عمل العامل‪.‬‬
‫إضـ ـ ـ ـ ـ ــافة لذلك فنن بيتي ال يفرق بين القيمة االسـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية والقيمة التبادلية فالعمل يخلق القيمة‬
‫بمقـدار مـا يكون بـاإلمكـان تحويـل منتجـات العمـل إلى نقود‪ .‬لـذلـك يرى بـأن العمـل في اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتخراج‬
‫المعادن الثمينة هو فقط العمل الذي يخلق القيمة مباشرة‪ ،‬وهنا يبدو تأثره بالمركانتيلية‪.‬‬
‫وال نالحظ عند بيتي مقولة الربح‪ ،‬وهو ال يرى في األجر عالوة خاص ـ ـ ـ ـ ـ ــة بين مالكي وس ـ ـ ـ ـ ـ ــائل‬
‫اإلنتاج وبائعي قوة العمل‪ .‬ويتحدد مســتوى األجور في رأيه بقيمة وســائل المعيشــة الضــرورية للعامل‬
‫لكي يعيش ويعمـل ويحفظ عـائلتـه‪ .‬لكنـه يـدرن بـأن العـامـل يبـذل من العمـل أكثر ممـا يلزم بـذلـه من‬
‫أجل إنتاج وس ـ ــائل المعيش ـ ــة الض ـ ــرورية له‪ .‬لذلك فنن بيتي يقترب من االس ـ ــتنتاج بأن جزءاً من يوم‬
‫العمل يشكل وقتاً زائداً‪ .‬ويطلق بيتي اسم الريع على القيمة التي تزيد عن نفقات اإلنتاج‪ .‬إذن فالريح‬
‫في مفهومه هو الشكل العام للقيمة الزائدة‪.‬‬
‫ويتمسك بيتي بفكرة أن الريع هو نتيجة العمل الزائد وليس ناتج األرض‪ ،‬ويؤكد انطالقاً من ذلك‬
‫بــأن ارتفــاع األجور يجــب أن يؤدي إلى انخفــاض الريع وكــأنــه يتحــدث عن القيمــة ال ازئــدة أو الربح‬
‫مستخدماً اصطالح الريع‪.‬‬
‫إال أن النقد السـ ــياسـ ــي الذي يوجه إلى أفكار بيتي هو أنه‪ ،‬باعتباره اقتصـ ــادياً برجوازياً‪ ،‬قد منح‬
‫القوانين االقتصادية الموضوعية صفة القوانين الطبيعية‪ ،‬أي اعتبرها انعكاساً لشروط الحياة الطبيعية‬
‫الخالدة‪ ،‬يضاف إلى ذلك تمسكه ببعض عناصر المركانتيلية في نظرته االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -2‬آدم سميث (‪ - )1790-1732‬موروع االقتصاد السياسي عند سميث‪:‬‬
‫موضـوع البحث كما صـاغه سـميث هو (طبيعة وأسـباب ثروة األمم)‪ .‬يقول سـميث بأن االقتصـاد‬
‫السـ ــياسـ ــي (يهدف إلى إغناء الشـ ــعب والدولة على حد س ـ ـواء) ويتضـ ــمن ذلك (تحقيق دخل وفير أو‬
‫وسائل معيشة وفيرة للشعب) و(تحقيق دخل كاف للدولة والمجتمع من أجل الحاجات االجتماعية)‪.‬‬
‫وفي أيامنا هذه تس ــتخدم هذه التعابير على نطاق واس ــع في االقتص ــاد الس ــياس ــي البرجوازي مثل‬
‫(ثروة األمة ‪ )wealth of nation_ richesse de la nation‬أو (الرفاه العام ‪Puplic welfare‬‬
‫‪.)– Bien- Etre public‬‬
‫ما هي الثروة؟ الثروة كما يراها سميث هي‪:‬‬
‫هي مجموع األموال المادية التي تصــلح إلشــباع الحاجات البشـرية والتي يحصــل عليها اإلنســان‬
‫من عمله مباشـرة أو بالمبادلة‪ ،‬والثروة السـنوية لألمة هي مجموع األموال المادية التي أنتجها أفرادها‬
‫بعملهم المشـ ـ ـ ـ ــترن مباش ـ ـ ـ ـ ـرة أو بمبادلة قسـ ـ ـ ـ ــم من عملهم بنتاج عمل األمم األخرى‪ ،‬ويبدو هنا جلياً‬
‫انفصال سميث عن كل من المركانتيليين والفزيوقراطيين‪.‬‬
‫ويعتبر سـميث أن حجم ثروة البالد يتوقف على عدد السـكان المشـتغلين في نطاق اإلنتاج وعلى‬
‫إنتاجية العمل (فالعمل هو األسـ ــاس لثروة األمم) وتتوقف إنتاجيته قبل كل شـ ــيء على درجة تقسـ ــيم‬

‫‪216‬‬
‫العمل‪.‬‬
‫واإلنتاج برأي سميث هو‪:‬‬
‫‪ -1‬مضاعفة كميات الثروة (الزراعة)‪.‬‬
‫‪ -2‬جعل المادة صالحة إلشباع الحاجة (الصناعة)‪.‬‬
‫وبشكل عام فنن اإلنتاج في رأيه هو اإلنتاج المادي حص اًر‪.‬‬
‫وفي الحقيقة أن مقولة (ثروة األمم) تعني لدى س ــميث رأس المال وأن الوس ــيلة األس ــاس ــية لزيادة‬
‫هذه (الثروة) هي تطوير تقسيم العمل المانفكتوري‪.‬‬
‫ولكن آدم سميث ككل ممثلي المدرسة الكالسيكية‪ ،‬لم يستطع تحديد موضوع االقتصاد السياسي‬
‫بدقة كافية‪ .‬فهو لم يسـتطع تجاوز األشـكال البضـاعية – الصـنمية للعالقات ال أرسـمالية ولم يفرق بين‬
‫العالقات ال أرس ـ ــمالية واألش ـ ــياء التي تعتبر حاملة لهذه العالقات‪ .‬كما ولم تقم المدرس ـ ــة الكالس ـ ــيكية‬
‫بفرز العالقات اإلنتاجية كمقولة خاصة ولم تفهم مكانتها في الحياة االقتصادية للمجتمع‪.‬‬
‫فموض ـ ـ ــوع البحث بالنس ـ ـ ــبة لس ـ ـ ــميث هو إنتاج الخيرات المادية في ظروف تاريخية محددة‪ ،‬هي‬
‫المرحلـة المـانفكتوريـة لهـذا اإلنتـاج‪ ،‬ولكن ال يبـدو أنـه يميز بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل واع بين عالقـات اإلنتـاج وقوى‬
‫اإلنتاج‪.‬‬
‫نظرية القيمة لدى سميث‪:‬‬
‫‪ )1‬تحديد مقدار القيمة بنفقات العمل‪:‬‬
‫ترجع األهمية التاريخية آلدم سـميث في علم االقتصـاد قبل كل شـيء إلى مسـاهمته في صـياغة‬
‫نظرية القيمة في العمل‪:‬‬
‫يفرق سميث بين القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية‪:‬‬
‫‪ -1‬فالقيمة االس ــتعمالية هي نفع الش ــيء لإلنس ــان‪ ،‬بمعنى أن الش ــيء يكون ذا قيمة اس ــتعمالية‬
‫متى كان موض ـ ــع رغبة‪ ،‬وتتوقف القيمة االس ـ ــتعمالية على المظهر والخص ـ ــائص الطبيعية لألش ـ ــياء‬
‫واستعماالتها‪ ،‬وهي ال تدخل في المبادلة وال عالقة لها بها‪.‬‬
‫‪ -2‬أما القيمة التبادلية فهي الشـ ــكل الذي تتخذه القيمة المتضـ ــمنة في البضـ ــاعة وتعني إمكانية‬
‫مبادلة الشــيء الذي نملكه بأشــياء ال نملكها‪ ،‬وتقوم هذه المبادلة على أســاس مشــترن واحد متضــمن‬
‫في جميع البضائع وهو القيمة التي تحملها عندما تدخل في المبادلة‪.‬‬
‫ويضرب سميث مثالً الماء واأللماس‪( :‬فالماء وهو نافع جداً ال قيمة له في المبادلة أما األلماس‬
‫وهو غير ذي قيمة اسـ ـ ـ ــتعمالية ولكنه يبادل بكمية من السـ ـ ـ ــلع)‪ .‬واعتماد سـ ـ ـ ــميث على هذا المثل له‬
‫جانب إيجابي إذا أنه يؤكد على أن القيمة االس ـ ـ ــتعمالية ال تش ـ ـ ــكل أس ـ ـ ــاس القيمة التبادلية‪ ،‬لذلك ال‬
‫يجوز اعتبار القيمة التبادلية كمظهر للخصائص الطبيعية لألشياء‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫ويحاول سـ ـ ـ ــميث أن يكشـ ـ ـ ــف أسـ ـ ـ ــاس القيمة التبادلية وإمكانية قياسـ ـ ـ ــها فيرى أنها تتحدد بالعمل‬
‫المبـذول في إنتـاج السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة‪ .‬فـالعمـل هو وحـده المقيـاس الحقيقي للقيمـة التبـادليـة بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة لجميع‬
‫البضائع‪ ،‬وبالنسبة للعمل فنن آدم سميث يقيسه بزمن العمل‪ .‬ولكنه بفرق بين العمل البسيط أو غير‬
‫المؤهل والعمل المعقد أو المؤهل‪ ،‬ويعتبر الثاني عمالً بسيطاً مركباً أو مضاعفاً‪.‬‬
‫‪ -2‬القيمة تتالل من مجموع المداخيل‪:‬‬
‫وعند تحديد أسـعار البضـائع في المجتمع ال أرسـمالي يضـع سـميث نفسـه موضـع أرسـمالي ويطابق‬
‫بين القيمة ونفقات اإلنتاج فتبين بأن أس ـ ـ ـ ـ ــعار البض ـ ـ ـ ـ ــائع تتض ـ ـ ـ ـ ــمن أجزاء (مداخيل) ثالثة‪ :‬األجور‬
‫واألرباح والريع‪ .‬فالقيمة التي يضـ ـ ـ ــيفها العمال إلى قيمة المواد المسـ ـ ـ ــتخدمة في اإلنتاج تنقسـ ـ ـ ــم إلى‬
‫قســمين‪ :‬األول يشــكل األجور والثاني يشــكل ريح المســتثمرين على كامل أرســمالهم الذي ســلفوه على‬
‫ش ـ ـ ــكل مواد وأجور‪ ،‬أي أن القيمة المنتجة حديثاً يفض ـ ـ ــل عمل العمال تش ـ ـ ــكل مداخيل طبقة العمال‬
‫وطبقة ال أرســماليين‪ .‬وإضــافة إلى هذين العنصـرين يشــارن في تشــكيل أســعار البضــائع عنصــر ثالث‬
‫وهو الريع الذي يشـ ـ ـ ــكل دخل طبقة المالكين العقاريين‪ ،‬ففي ظروف الملكية الخاصـ ـ ـ ــة على األرض‬
‫(يجب على العامل أن يعطي قس ــماً من ناتج عمله إلى مالك األرض)‪ .‬ويعتبر س ــميث أن أي دخل‬
‫في المجتمع الرأسمالي يرجع في النهاية إلى واحد من المداخيل الثالثة المذكورة‪.‬‬
‫‪ -3‬القيمة تتوزع إلى مداخيل‪:‬‬
‫وكما اسـ ــتنتج سـ ــميث في د ارسـ ــته ألسـ ــعار البضـ ــائع بأنها تتألف من مجموع مداخيل الطبقات‪،‬‬
‫بخالف نظريــة القيمــة في العمــل‪ ،‬فهو يتــابع خطــأه هــذا ليسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتنتج بــأن القيمــة بكــاملهــا تتوزع من‬
‫مـداخيـل‪ ،‬أي إلى أجور وأربـاح وريع‪ ،‬ويصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــميـث إلى هـذه النتيجـة بعـد المطـابقـة بين قيمـة‬
‫البض ـ ـ ــاعة والجزء المنتج حديثاً من القيمة‪ ،‬في الحقيقة ليس ـ ـ ــت قيمة البض ـ ـ ــاعة هي التي تتوزع إلى‬
‫مـداخيـل وإنمـا فقط الجزء المنتج حـديثـاً‪ .‬فقيمـة البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة تزيـد على قيمـة الجزء المنتج حـديثـاً منهـا‬
‫بمقار قيمة رأس المال الثابت المسـتهلك في إنتاج البضـاعة‪ .‬أما آدم سـميث فقد تجاهل نصـيب رأس‬
‫المال الثابت في تشـ ــكيل أسـ ــعار (قيم) البضـ ــائع‪ ،‬ويكون في ذلك قد فصـ ــل بين القيمة وأسـ ــاسـ ــها –‬
‫مســتوى تطور قوى اإلنتاج‪ .‬ومن الممكن تفســير تجاهل ســميث لرأس المال الثابت في قيم البضــائع‬
‫بـأن رأس المـال الثـابـت في المرحلـة المـانفكتوريـة لم يكن يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل جزاءاً هـامـاً في البنيـة العـامـة لرأس‬
‫المال‪.‬‬
‫نظرية األجور‪:‬‬
‫األجور كمقولة طبيعية – الخلط بين المنتج البضاعي البسيط والعامل المأجور‪:‬‬
‫يبدأ سـ ـ ـ ــميث الفصـ ـ ـ ــل الخامس عن األجور بالقول‪ :‬يشـ ـ ـ ــكل ناتج العمل التعويض الطبيعي عن‬
‫العمل‪ ،‬أو األجر (‪ .)1‬ويبرز في هذا التعريف عدم التفريق بين المنتج البض ـ ـ ــاعي البس ـ ـ ــيط والعمل‬
‫المأجور‪ ،‬وفي هذا تجاهل للطابع التاريخي لألجر‪ ،‬وكونه مقولة خاصـة بأسـلوب اإلنتاج ال أرسـمالي‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫فاألجر بالنسـ ـ ـ ـ ــبة إلى سـ ـ ـ ـ ــميث هو مقولة طبيعية‪ ،‬غير تاريخية‪ ،‬فهو يخلط بين األجر وناتج العمل‬
‫بشكل عام‪.‬‬
‫يعتبر سـ ـ ــميث األجر موجوداً منذ (الحالة البدائية للمجتمع) أي منذ اإلنتاج البضـ ـ ــاعي البسـ ـ ــيط‬
‫ويعتبره معادالً لكامل منتجات عمل المنتجين‪ .‬صـ ـ ـ ــحيح أنه في مرحلة اإلنتاج البضـ ـ ـ ـ اعي البسـ ـ ـ ــيط‬
‫يحص ـ ـ ــل العامل على كامل منتجات عمله‪ .‬ولكن الخطأ يكمن في افتراض س ـ ـ ــميث بأن األجر كان‬
‫موجوداً في ظروف غياب العمل المأجور ورأس المال‪.‬‬
‫وعندما ينتقل إلى د ارسـة اإلنتاج ال أرسـمالي يطرح سـميث مفهوم األجور الوسـطية الذي ورثه عن‬
‫الفزيوقراطيون‪ .‬ولكن تحت اس ـ ـ ـ ـ ــم جديد هو (الس ـ ـ ـ ـ ــعر الطبيعي) لألجور‪ .‬ويتمثل الس ـ ـ ـ ـ ــعر الطبيعي‬
‫لألجور ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (الســعر الطبيعي) لوســائل المعيشــة الضــرورية إلنتاجها الذي يقاس بزمن العمل‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت يحدد ســميث الســعر الطبيعي لوســائل المعيشــة بالســعر الطبيعي لألجور‪ ،‬فيكون قد وقع‬
‫في حلقة مس ــدودة أيضـ ـاً‪ .‬ولقد أش ــار س ــميث إلى أن األجور يجب‪ ،‬على العموم‪ ،‬أن تزيد قليالً عن‬
‫المسـتوى الكافي لمعيشـة اإلنسـان‪ .‬وفي الحالة المعاكسـة لن يكون باسـتطاعة العامل (أن يؤمن قوت‬
‫أسرته‪ ،‬مما ينتج عنه موت العمال بعد الجيل األول)‪.‬‬
‫نظرية األرباح‪( :‬األرباح اقتطاع من ناتج عمل العامل)‪:‬‬
‫إذا كان المركانتيليون قد اعترفوا فقط بالربح التجاري فنن آدم سميث‪ ،‬باعتباره اقتصادي المرحلة‬
‫المانفكتورية في تطور ال أرسـ ــمالية‪ ،‬يدرس في كتابه الربح الصـ ــناعي‪ ،‬وريع األرض‪ ،‬وسـ ــعر الفائدة‪،‬‬
‫والربح التجاري‪ ،‬أي يكون قد عمم الربح على جميع قطاعات اإلنتاج االجتماعي‪.‬‬
‫والربح الصـناعي بالنسـبة لسـميث هو الشـكل األسـاسـي العام للربح‪ ،‬أما ريع األرض والفائدة فهما‬
‫شـ ــكالن ثانويان (بينما كان الفزيوقراطيون يعتبرون أن الربح الصـ ــناعي هو الثانوي‪ ،‬وكانوا يعتبرونه‬
‫ناتجاً عن ريع األرض)‪.‬‬
‫وبما أن س ـ ـ ــميث يس ـ ـ ــتند إلى أس ـ ـ ــاس علمي هو نظرية القيمة في العمل‪ ،‬فهو يعتبر الربح نتاج‬
‫العمل غير المعوض للعمال المأجورين‪ ،‬ويش ـ ـ ــير س ـ ـ ــميث إلى أنه بعد أن أص ـ ـ ــبحت رؤوس األموال‬
‫تتراكم في أيدي ال أرســماليين‪ ،‬فنن (القيمة التي يضــيفها العمال إلى قيمة المواد تنقســم في هذه الحالة‬
‫إلى قسمين‪:‬‬
‫قســم يذهب إلى تعويض أجور هؤالء العمال والقســم اآلخر إلى تشــكيل أرباح مســتثمر يهم على‬
‫كامل رأس المال الذي سـلفوه في شـكل مواد وأجور)‪ .‬وينشـأ الربح عن اضـطرار العامل القتسـام ناتج‬
‫عمله مع مالك رأس المال‪ ،‬واضـ ــط ارره للعمل أكثر مما يلزم إلنتاج معادل أجره‪ .‬يشـ ــير ماركس إلى‬
‫أنه (في هذا بالذات يكون سميث قد وضع يده على المصدر الحقيقي للقيمة الزائدة)‪.‬‬
‫يربط ســميث مصــدر الربح (وبشــكل عام الدخول غير الناتجة عن العمل) بتراكم رأس المال في‬
‫أيـدي بعض األفراد وكـذلـك بظهور الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة على األرض‪ ،‬فـال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليون الـذين يمتلكون‬

‫‪219‬‬
‫رؤوس األموال يبدؤون باســتئجار العمال‪ ،‬يقدمون لهم وســائل اإلنتاج والوســائل المعيشــية ويحصــلون‬
‫مقابل بيع منتجات عملهم على ربح هو ما أضافه العمال إلى قيمة المواد المصنعة من قبلهم‪.‬‬
‫وهكذا يكون س ـ ـ ـ ــميث قد أرجع الربح إلى (امتالن العمل غير المعوض)‪ .‬والربح مرتبط باإلنتاج‬
‫ال أرسـ ـ ــمالي الذي يبدأ من لحظة انفصـ ـ ــال العمل عن الملكية ووقوف العمل ورأس المال في مواجهة‬
‫بعضهما البعض‪.‬‬
‫نظرية ريع األرل‪ :‬ونالحظ عنده ثالثة أشكال لنظرية الريع‪.‬‬
‫الشكل األول‪ -‬الريع هو اقتطاع من ناتج عمل العامل‪:‬‬
‫اسـ ـ ــتناداً إلى نظرية القيمة في العمل يعتبر سـ ـ ــميث أن مصـ ـ ــدر الريع‪ ،‬مثل مصـ ـ ــدر الربح‪ ،‬هو‬
‫العمل غير المعوض للعامل‪ .‬وهو في هذا التحديد يكشــف الطبيعة االســتغاللية للريع وللربح‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫" ما أن تصـ ـ ـ ــبح األرض ملكية خاصـ ـ ـ ــة حتى يطلب مالك األرض نصـ ـ ـ ــيبه من أي إنتاج يسـ ـ ـ ــتطيع‬
‫العامل أن ينتجه أو يجمعه منها‪ .‬وريع مالك األرض يشكل االقتطاع األول من نتاج العمل المبذول‬
‫في استثمار األرض "(‪.)1‬‬
‫وهكذا فنن سميث يربط ظهور ريع األرض مباشرة بنشوء الملكية الخاصة على األرض‪ .‬والريع‪،‬‬
‫حسـب مفهومه‪ ،‬هو ما يدفع لقاء اسـتعمال األرض‪ ،‬هو هبة يطلبها مالك األرض من كل من يرغب‬
‫اس ــتثمارها‪ ،‬لذلك فنن عملية تش ــكل األس ــعار تخض ــع للتعديل مع تحول األرض إلى ملكية خاص ــة‪،‬‬
‫وتص ـ ـ ــبح أس ـ ـ ــعار معظم البض ـ ـ ــائع متض ـ ـ ــمنة‪ ،‬باإلض ـ ـ ــافة إلى األجور واألرباح‪ ،‬جزءاً ثالثاً هو ريع‬
‫األرض‪ ،‬وهو ما يحصـل في الواقع‪ .‬فاحتكار الملكية الخاصـة على األرض يؤدي إلى ارتفاع أسـعار‬
‫المنتجات الزراعية‪.‬‬
‫الشكل الثاني‪ -‬الريع ناتج عن األسعار االحتكارية للمنتجات الزراعية‪:‬‬
‫تعتبر أسـ ــعار المنتجات الزراعية أسـ ــعا اًر احتكارية برأي سـ ــميث ألن الطلب على هذه المنتجات‬
‫يفوق دائماً على عرض ـ ـ ـ ــها‪ ،‬مما ينتج عنه أن األس ـ ـ ـ ــعار تميل إلى االرتفاع عن القيمة‪ ،‬ومن ارتفاع‬
‫األسـعار عن القيمة ينتج‪ ،‬برأي سـميث ريع‪ ،‬ريع األرض‪ ،‬يقول‪ " :‬إن ريع األرض‪ ،‬كمبلغ يدفع لقاء‬
‫استعمال األرض يمثل السعر االحتكاري "‪.‬‬
‫اسـ ــتطاع سـ ــميث في هذا المجال أن يالحظ عدداً من الخصـ ــائص الهامة للعالقات الزراعية في‬
‫ظروف ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية‪ ،‬فقد وجد في الريع تجس ـ ـ ـ ـ ــيداً للعالقة الخاص ـ ـ ـ ـ ــة بين الطابع االحتكاري لإلنتاج‬
‫الزراعي وبين تشــكل األســعار‪ ،‬وهو على حق بأن أســعار المنتجات الزراعية تحتوي عنص ـ اًر احتكا اًر‬
‫ولكن الس ـ ــعر االحتكاري ولديه ال يس ـ ــتند إلى أس ـ ــاس قيمي‪ ،‬ويظهر وكأنه ينش ـ ــأ في نطاق التبادل‪،‬‬
‫بينم ــا هو في الحقيق ــة جزء من القيم ــة ال ازئ ــدة التي يخلقه ــا عم ــل الع ــام ــل الزراعيين يتخلى عن ــه‬
‫ال أرسـماليون إلى طبقة المالكين العقاريين للحصـول على حق اسـتثمار األرض‪ ،‬ويضـطر سـميث إلى‬

‫‪220‬‬
‫االستنتاج بأن الربع ناتج عن تفوق األسعار على القيمة‪ ،‬أي عن خرق قانون القيمة‪.‬‬
‫الشكل الثالث‪ -‬الريع هو ناتج نشاا (عمل الطبيعة)‪:‬‬
‫يهمل سـميث بحث كيفية ظهور الربع التفاضـلي‪ ،‬الذي تحققه بعضـه قطع األرض بسـبب تفوقها‬
‫في الخصــوبة أو الموقع من الســوق على القطع األخرى التي تقل عنها الخصــوبة وقرباً من الســوق‪.‬‬
‫وإذ يربط نش ـ ــوء الريع بظهور الملكية الخاص ـ ــة على األرض (الريع المطلق) فهو يس ـ ــتنتج بأن الريع‬
‫هو عط ــاء األرض لم ــالكه ــا‪ .‬ويقف في ذل ــك موقف الفزيوقراطيين‪ ،‬فيعتبر أن القط ــاع الزراعي هو‬
‫قطاع اإلنتاج األكثر ربحية لرأس المال‪ ،‬ألن رأس المال هنا يحقق باإلضـ ـ ـ ــافة إلى الربح الوسـ ـ ـ ــطي‬
‫الذي يعادل ما يحققه رؤوس األموال في القطاعات األخرى‪ ،‬يحقق أيضـ ـ ـ ـ ـ ـاً ريعاً يدفعه ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالي‬
‫لمــالــك األرض‪ .‬وهنــا نجــد الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل الثــالــث لنظريــة الريع الــذي يعتبر الريع نــاتج ـاً عن عمــل قوى‬
‫الطبيعة‪ ،‬يقول سـ ــميث أنه بعد طرح ناتج عمل اإلنسـ ــان من اإلنتاج الزراعي (يبقى فقط ناتج نشـ ــاط‬
‫الطبيعة نفسها) وهذا تناقض واضح مع نظرية القيمة في العمل‪.‬‬
‫إن موقف س ــميث هذا من ريع األرض موقف غير ص ــحيح علمياً‪ ،‬فنن حجم الريع يتوقف على‬
‫الش ــروط الطبيعية فنن ذلك ليس ألن األرض هي مص ــدر الريع‪ ،‬وإنما ألن األرض األكثر خص ــوبة‬
‫هي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرط هـام لرفع إنتـاجيـة العمـل الزراعي وبـالتـالي لزيـادة اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل العمـال الزراعيين في ظـل‬
‫عالقات اإلنتاج ال أرســمالية‪ ،‬أما فيما يخص األرض‪ ،‬باعتبارها وســيلة إنتاج‪ ،‬فهي بالطبع ال تشــارن‬
‫في خلق المنتجات الزراعية رغم إنها تشارن في خلق قيمتها االستعمالية‪.‬‬
‫نظرية تقسيم العمل الدولي (الكلفة المطلقة)‪:‬‬
‫ال شك بأن سميث كان يحس بأن حرية التجارة هي مفيدة جداً لبريطانيا ولزيادة ثروتها‪ ،‬والدعوة‬
‫إليهـا تنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجم في الوقـت نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه مع مبـادئـه وأفكـاره في الحريـة والعفويـة‪ ،‬وهو لـذلـك يحـارب مبـادئ‬
‫الحمــايــة التي كــانــت ومــا ازلــت مطبقــة في عــدد من الــدول األوربيــة‪ ،‬كمــا يهــاجم نظرة المركــانتيليين‬
‫للميزان التجاري‪.‬‬
‫ون ــذكر ب ــأن الفزيوقراطيين لم يحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنوا جي ــداً ه ــدم المرك ــانتيلي ــه في ك ــل المج ــاالت‪ ،‬لق ــد ك ــانوا‬
‫(زراعيين) وكانوا عندما يطالبون بحرية التجارة إنما يقص ـ ــدون حرية تص ـ ــدير الحبوب كوس ـ ــيلة لرفع‬
‫سعرها وزيادة (الغلة الصافية)‪.‬‬
‫والحقيقة أن الفضـ ـ ـ ــل في إيجاد فكرة التجارة الدولية القائمة على تقسـ ـ ـ ــيم العمل الدولي يعود إلى‬
‫سـ ـ ـ ــميث (الذي أخذ ذلك عن دافيد هيوم)‪ ،‬وقد طالب سـ ـ ـ ــميث أن يتم التخصـ ـ ـ ــص بحسـ ـ ـ ــب القدرات‬
‫الطبيعية لكل بلد‪ ،‬فيتم تقس ــيم العمل الدولي على أس ــاس نفقات اإلنتاج المطلقة للس ــلع (للقمح مثالً)‬
‫ومعرفة س ـ ــعرها في إنكلت ار وغيرها والعمل على إنتاجها في البلد ذي الكلفة األدنى ومبادلتها بالس ـ ــلع‬
‫المنتجة‪ .‬هكذا دوماً بكلف أدنى‪ ...‬فيتحقق قيام (الجمهورية التجارية الكبىر) التي تشـ ـ ــمل العالم كله‬
‫والتي تحقق عن طريق المبــادلــة الحرة (القــائمــة على مبــدأ الربح المزدوج النخفــاض كلفــة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعــة‬

‫‪221‬‬
‫المصدرة وانخفاض كلفة السلعة المستوردة) البحبوحة واالزدهار‪.‬‬
‫ولسـوف تلقى آراء سـميث في هذا المجال صـدى واسـعاً لدى خلفائه‪ ،‬وإن كان ريكاردو سـيضـيف‬
‫إلى أفكار س ـ ــميث ش ـ ــيئاً فيما يتعلق (بالكلفة المقارنة)‪ ،‬فنن مفهوم تخص ـ ــص الدول بحس ـ ــب قدراتها‬
‫الطبيعية ســيلقى أهمية خاصــة لدى الكالســيكيين الجدد‪ ،‬إال أنه بينما كان ســميث يؤكد حرية التجارة‬
‫بين البالد‪ ،‬نجـد دعـاة رأس المـال االحتكـاري اليوم في البلـدان اإلمبريـاليـة بمزيـد من الحمـايـة والقيود‬
‫على االستيراد والتصدير‪.‬‬
‫مكانة سميث في تاريخ األفكار االقتصادية‪:‬‬
‫إن من الخطـأ الكبير اعتبـار سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــميـث قـد عبر بفكره عن الثورة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعيـة‪ ،‬فكتـابـة ثورة األمم‬
‫‪ 1776‬إنما ش ـ ـ ــهد بدايتها فقط ولم تكن االكتش ـ ـ ــافات الص ـ ـ ــناعية قد بلغت آنذان مرحلة التأثير على‬
‫القوى اإلنتـاجيـة كي يتمكن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــميـث من أخـذهـا جيـداً بعين االعتبـار‪ .‬فال عجـب إن هو بقي ينـادي‬
‫بـأهميـة الز ارعـة ويكون إنتـاجهـا (نتيجـة تعـامـل الطبيعـة مع عمـل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان) ممـا يزيـد كثي اًر في ثروة‬
‫الوطن‪ .‬وال عجب أيضـ ـاً إن رأينا سـ ــميث ينصـ ــح بتوظيف رأس المال باألفضـ ــلية في الزراعة ثم في‬
‫الصـ ــناعة وأخي اًر في التجارة الخارجية‪ ،‬كما أن سـ ــميث ال يبدي تحمسـ ـاً إلدخال اآللة في المنشـ ــتت‪،‬‬
‫بل نراه يناصـ ـ ـ ـ ـ ــر ارتفاع أجور العمال‪ ،‬ألن في هذا خي اًر للجميع‪ ،‬بينما يناهض األرباح الكبيرة التي‬
‫تنتج عن رفع األسعار وتجبى من المستهلك لمصلحة (السيد)‪.‬‬
‫وتأثير س ــميث كبير على الفكر االقتص ــادي في كثير من المجاالت التي تناولها هذا الفيلس ــوف‬
‫اإلنكليزي بالبحث واالسـ ـ ـ ـ ـ ــتنتاج‪ ،‬ورغم عدم دقته ومتناقضـ ـ ـ ـ ـ ــاته العديدة‪ ،‬فقد لقي مؤلفه (ثروة األمم)‬
‫نجاحاً كبي اًر فقد ترجم إلى الفرنســية بواســطة جان باتيســت ســاي في بداية القرن التاســع عشــر فطغى‬
‫بما احتواه على أفكار بقية االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديين‪ ،‬مما دعا أحد المؤلفين األلمان – مازوفيتز – إلى القول‬
‫عام ‪( 1810‬هنان ملك أقوى من نابليون‪ ،‬ويدعى آدم سميث)‪.‬‬
‫ورغم مض ــي قرنين من الزمان على ص ــدور كتاب س ــميث‪ ،‬فنن الجدل لم ينته بعد ول المس ــائل‬
‫التي جاء بها‪ ،‬فاالقتصاد السياسي البرجوازي المعاصر يتجاهل ويطمس األفكار العلمية القيمة التي‬
‫جاء بها ســميث‪ ،‬ويبرز الجوانب الضــعيفة لديه‪ ،‬هذا على ســبيل المثال شــومبيتر وهو واح من أبرز‬
‫ممثلي االقتص ــاد الس ــياس ــي البرجوازي المعاص ــر‪ ،‬يرى في كتابه (تاريخ التحليل االقتص ــادي) أنه ال‬
‫يجوز وص ـ ـ ــف س ـ ـ ــميث بأنه ص ـ ـ ــاحب نظرية القيمة في العمل‪ ،‬ويرى بأن أهم منجزات س ـ ـ ــميث هي‬
‫اعتباره للقيمة بأنها مجموع المداخيل‪ .‬ومع أن ش ـ ـ ــومبيتر يعتبر س ـ ـ ــميث األب الروحي لس ـ ـ ــاي وميل‬
‫وفالراس ومارشــال وغيرهم نراه يؤكد أن (ثروة األمم) لم تتضــمن أي فكرة تحليلية أو مبدئ أو وســيلة‬
‫كانت جديدة تماماً في عام ‪.1776‬‬
‫مثل هذا الكلم الذي يقوله أحد عمداء االقتصاد السياسي البرجوازي من علم (فن) مسخر لخدمة‬
‫البرجوازية االحتكارية في أعلى مراحل الرأسمالية اإلمبريالية‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫‪ -3‬ديفيد ريكاردو (‪)1823-1772‬‬
‫نظرية القيمة عند ريكاردو ‪ -‬القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية‪:‬‬
‫في د ارسـته للبضـاعة والقيمة االسـتعمالية والقيمة التبادلية يسـتند ريكاردو إلى آدم سـميث ويبرهن‬
‫على أن الش ــيء الذي ال يملك قيمة اس ــتعمالية ال يمكن أن يظهر في ش ــكل قيمة تبادلية‪ ،‬وبالمقابل‬
‫فنن األشــياء التي يمكنها إشــباع حاجات معينة للناس (أي التي تكون نافعة) هي فقط التي تســتطيع‬
‫امتالن قيمة تبادلية ولكن المنفعة التي تجعل من الش ـ ـ ـ ــيء قيمة اس ـ ـ ـ ــتعمالية والتي تعتبر ض ـ ـ ـ ــرورية‬
‫لتوفر القيم التبادلية له ال يمكن أن تؤدي وظيفة مقياس للقيمة التبادلية‪ ،‬وبالتالي فنن النس ـ ـ ـ ـ ــب التي‬
‫يجري بموجبها تبادل البض ـ ـ ـ ــائع التي يختلف النظر إليها من ش ـ ـ ـ ــخص إلى ش ـ ـ ـ ــخص آخر ال تتحدد‬
‫بعـامـل ذاتي‪ ،‬وإنمـا بعـامـل موضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعي هو نفقـات العمـل المبـذولـة في إنتـاج البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة‪ .‬وهو بـذلك‬
‫يدحض وجهة نظر ساي التي تعتبر المنفعة (القيمة االستعمالية) مقياساً لقيمة البضاعة‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فنن ريكاردو يفرق بين ثروة المجتمع وكمية القيم التي يتصــرف بها المجتمع‪.‬‬
‫فثروة المجتمع تتحدد بكمية القيم االستعمالية للتي تقع تحت تصرفه وهي تتوقف على عوامل عديدة‬
‫منها اسـ ـ تخدام اآلالت وتطوير التكنولوجيا وغير ذلك‪ .‬أما كمية القيم فتحدد حص ـ ـ اًر بعامل واحد هو‬
‫العمل المبذول في إنتاج البضـ ـ ـ ــائع‪ ،‬وكمية هذه القيم تزداد تبعاً لسـ ـ ـ ــبب واحد هو تغيير كمية العمل‬
‫المبذول في اإلنتاج‪.‬‬
‫واسـتمرار منه في هذا النحو فنن ريكاردو يعارض النظرات الالعلمية لجان باتيسـت سـاي عندما‬
‫يؤكد هذا األخير بأن القيمة تنتج ليس فقط عن العمل وإنما أيض ـ ـ ـاً عن العوامل الطبيعية كالشـ ـ ــمس‬
‫والهواء وغيرها‪ ،‬ويرى ريكاردو أن العوامل الطبيعية تعطي البضـ ــاعة قيمتها االسـ ــتعمالية وال تعطيها‬
‫قيمتها التبادلية‪.‬‬
‫ويتتبع ريكاردو اسـتنتاجاً صـحيحاً مفاده أن ارتفاع القوة اإلنتاجية للعمل بفضـل اسـتخدام العوامل‬
‫الطبيعيـة ال يؤدي إلى ت ازيـد القيمـة‪ ،‬وإنمـا إلى ت ازيـد كميـة القيم االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـاليـة‪ ،‬وعنـدمـا ينتقـل ريكـاردو‬
‫إلى تحديد القيم التبادلية بفرق بين نوعين من السلع‪:‬‬
‫‪ -1‬الســلع القابلة للتجديد ‪ Biens Reproductibles‬وهي تشــمل غالبية الســلع المتاحة للناس‬
‫كالقمح والسلع الصناعية الجارية‪.‬‬
‫‪ -2‬السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع غير القـابلـة للتجـديـد ‪ Biens non – reproductibles‬وهي كـاللوحـات النـادرة‬
‫والكتب األثرية والتحف الغربية‪.‬‬
‫ويرى أن األولى تتوقف قيمتها التبادلية على كمية العمل الذي بذل في إنتاجها‪ ،‬أما الثانية فهي‬
‫قليلـة ومحـدودة‪ ،‬قيمتهـا ال تتحـدد بكميـة العمـل المبـذول في إنتـاجهـا بـل هي مرتبط بنـدتهـا وتتقيـد تبعـاً‬
‫لثروة وأذواق الناس الذين يرغبون في اقتنائها‪ ،‬وهذه السـ ـ ـ ـ ـ ــلع غير القابلة للتجديد شـ ـ ـ ـ ـ ــأنها في الحياة‬
‫االقتصـادية معدوم وهي ال تباع بقيمتها في الحقيقة وإنما تظهر في السـوق تحت سـعر معين‪ ،‬ال بل‬

‫‪223‬‬
‫تحت سعر احتكاري ال يستند إلى قيمتها‪.‬‬
‫وهكـذا فـنن ريكـاردو يـأخـذ بـاالعتبـار فقط السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع القـابلـة للتجـديـد‪ .‬وبهـذا يتمكن من بنـاء القيمـة‬
‫التبادلية على العمل الضـ ــروري اجتماعياً إلنتاج السـ ــلعة‪ .‬فالسـ ــلعة التي يتطلب إنتاجها ضـ ــعف مدة‬
‫العمل االجتماعي الوسـ ــطية التي يكلفها إنتاج سـ ــلعة أخرى تكون قيمتها التبادلية مضـ ــاعفة بالنسـ ــبة‬
‫لهذه األخيرة‪.‬‬
‫نظرية ريكاردو في ريع األرل‪:‬‬
‫ترتبط نظرية الريع بثالثة معطيات أساسية‪:‬‬
‫‪ -1‬بقانون مالتوس حول زيادة السكان وكون هذه الزيادة تتم بنسبة أكبر من زيادة األرزاق‪.‬‬
‫‪ -2‬بوحدة السـ ـ ـ ــعر في السـ ـ ـ ــوق تحت تأثير المزاحمة وهذا السـ ـ ـ ــعر الموحد يتحدد تبعاً للمقادير‬
‫الكلفة التي أنفقت في أصعب الظروف‪ ،‬أي في أقل األراضي خصباً‪.‬‬
‫‪ -3‬بقانون الغلة المتناقضة (تورغو)‪.‬‬
‫لنالحظ كيف يتمثل ذلك كله‪ ،‬عندما تس ـ ـ ــتدعي زيادة الس ـ ـ ــكان زراعة أ ارض ـ ـ ــي أقل خص ـ ـ ــباً من‬
‫األراضي المستثمرة سابقاً فنن ظاهرة الريع تبدو كما يراها ريكاردو جلية بالشكل التالي‪:‬‬
‫لنفترض أن الكلفة في األ ارض ــي الخص ــبة المس ــتثمرة حالياً هي ‪ 80‬بالنس ــبة لكمية معينة (كنتال‬
‫مثالً) من القمح‪ ،‬وأن الكلفة في أ ارضـي متوسـطة الخصـوبة وضـعت محدداً في االسـتثمار هي ‪،90‬‬
‫كما أن زيادة السكان اقتضت استثمار أراضي جديدة كلفة اإلنتاج فيها هي ‪ 100‬لنفس كمية القمح‪.‬‬
‫إن سـعر كمية القمح هذه ال يمكن أن يكون أدنى من ‪ 100‬وإال ثبطت همة المنتجين لأل ارضـي‬
‫األقل خص ـ ـ ــباً‪ ،‬ألن كلفتهم هي ‪( 100‬وتثبيط همة هؤالء تؤدي إلى عدم كفاية الطلب)‪ .‬وبما أنه ال‬
‫يمكن أن يكون في السـ ــوق الواحد غير سـ ــعر واحد في زمن ما لكمية معينة من القمح (ألن السـ ــعر‬
‫ينزع ألن يكون واحد بسـ ـ ــبب المزاحمة)‪ ،‬فنن بيع القمح بسـ ـ ــعر ‪ 100‬أي بما يعادل كلفة اإلنتاج في‬
‫األرض األقل خصباً يؤدي إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬مالك األرض األقل خص ـ ـ ـ ـ ــباً (كلفة ‪ )100‬ال يحقق أي ريع (وقد حقق ربحاً وس ـ ـ ـ ـ ــطياً على‬
‫رأسماله ولو كان هو المنتج)‪.‬‬
‫‪ -2‬مالك األرض المتوسط (كلفة ‪ )90‬يحقق ربحاً قدره (‪.)10‬‬
‫‪ -3‬مالك األرض الخصبة (كلفة ‪ )80‬يحقق ربحاً قدره (‪.)20‬‬
‫هنان إذن مالكان حققا ربحاً إضـافياً متفاوتاً (ربحاً تفاضـلياً) بسـبب الفرق بين خصـب أرضـيهما‬
‫وقد حققاه دون بذل كلفة إضافية من جانبهما‪ ،‬وإنما بسبب الكلفة المرتفعة لدى مالك األرض األسوأ‬
‫وهذا الريع هو ربح (غير منتظر)‪ ،‬إضافة إلى الربح من رأس المال الزراعي‪.‬‬
‫إال أن باإلمكان اللجوء إلى طريقة الزراعة العامودية عوض ـ ـاً عن الزراعة األفقية أي اللجوء إلى‬
‫زيادة الجهد (العمل) على األرض الخصـ ــبة المسـ ــتثمرة دون اللجوء إلى اسـ ــتثمار أ ارضـ ــي متوسـ ــطة‬

‫‪224‬‬
‫الخص ـ ـ ــب أو قليلة الخص ـ ـ ــب‪ ،‬وذلك بفرض أن هذه الطريقة تحل مش ـ ـ ــكلة الغذاء الناش ـ ـ ــئة من زيادة‬
‫السكان (زيادة الطب)‪ ،‬وهنا نصطدم بمبدأ الريع المتناقض في الزراعة‪:‬‬
‫إن زيادة النفقات تزيد حتماً اإلنتاج‪ ،‬ولكن إلى حد ما‪ ،‬تصـ ـ ـ ـ ــبح األرض بعده عاجزة عن إعطاء‬
‫مزيد من اإلنتاج يتناس ـ ـ ـ ــب مع نس ـ ـ ـ ــبة زيادة النفقات‪ ،‬فنذا تض ـ ـ ـ ــاعف الجهد (بنس ـ ـ ـ ــبة ‪ )%100‬مثالً‬
‫فأعطت األرض ناتجاً صـافياً بنسـبة ‪ %150‬من الناتج الصـافي السـابق‪ ،‬فننه سـيأتي وقت ال تعطي‬
‫األرض مقابل نفس مضاعفة الجهد إال ‪ %100‬ثم ‪ %40‬الخ‪.‬‬
‫وهكذا الحظ ريكاردو (بعد توغو) أن ن ـسبة المحصـول الجديد تتزرع دوماً لتصـبح أدنى من نسبة‬
‫زيــادة الكلفــة المبــذولــة لزيــادة اإلنتــاج في أرض معينــة‪ .‬ولكن ارتفــاع كلفــة اإلنتــاج تؤدي إلى زيــادة‬
‫األس ـ ــعار كما نعلم‪ .‬وهكذا ينال المالك ريعاً جاء نتيجة عمل وجهد اآلخرين‪ ،‬والنتيجة إذن واحد كما‬
‫يقول‪.‬‬
‫نظرية التوزيع عند ريكاردو‪( :‬األجور ا األرباح ا الريع)‪:‬‬
‫األجور‪:‬‬
‫كانت نظرية القيمة في العمل األس ــاس الذي أقام عليه ريكاردو نظريته في التوزيع‪ ،‬والذي مكنه‬
‫من االقتراب من التحليـل العلمي للقوانين التي تنظم مـداخـل مختلفـة طبقـات المجتمع البرجوازي‪ ،‬لقـد‬
‫فس ـ ــر االقتص ـ ــاديون البرجوازيون بعد ريكاردو البحث عن القوانين الخاص ـ ــة بظهور مداخيل مختلف‬
‫الطبقات بأنه رجوع عن فكرة وحدة مصدر هذه المداخيل‪.‬‬
‫ولكن الحقيقة أن فض ـ ـ ــل ريكاردو يكمن في محاولة تفس ـ ـ ــير عملية التوزيع‪ ،‬انطالقاً من أس ـ ـ ــاس‬
‫واحد هو نظرية القيمة في العمل‪.‬‬
‫العمل هو البضاعة ‪ Marchandise‬عند ريكاردو‪:‬‬
‫لم يس ــتطيع آدم س ــميث أن يض ــع حدوداً واض ــحة بين ناتج العمل واألجرن أما ريكاردو فقد كان‬
‫دائمـاً يعني بـاألجر دخـل العـامـل المـأجور الـذي يحتـل جزءاً من القيمـة التي يخلقهـا هـذا العـامـل في‬
‫عمليـة اإلنتـاج‪ ،‬وبـالتـالي فهو ينظر إلى األجر ال كمقولـة طبيعيـة وإنمـا كمقولـة تـاريخيـة خـاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫باإلنتاج الرأسمالي فقط‪.‬‬
‫وينطلق ريكاردو من أنه يجري تبادل مباش ـ ـ ـ ـ ـ ــر بين رأس المال والعمل المأجور‪ ،‬أي بين التراكم‬
‫(العمل الماضـي المجسـد في وسـائل اإلنتاج) والعمل المباشـر (العمل الحي)‪ .‬وهو ينظر إلى العامل‬
‫كبائع للعمل وإلى العمل كبضاعة تتحدد قيمتها كما تتحدد قيم جميع البضائع بواسطة قانون القيمة‪.‬‬
‫فنذا اســتخدمنا نظرية القيمة في العمل في تفســير قيمة العمل باعتباره بضــاعة نقول إن قيم هذه‬
‫البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة (العمل) تتحدد بكمية العمل المبذول في إنتاجها‪ ،‬وبالتالي فنن قيمة العمل تتوقف على‬
‫كيفية العمل المبذول في إنتاجه‪ .‬وتفسـ ـ ـ ـ ـ ــير الماء بالماء ال معنى له‪ .‬لذلك فنن ريكاردو يجد مخرجاً‬

‫‪225‬‬
‫من هــذا المــأزق بــنرجــاع قيم العمــل إلى كميــة العمــل الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري إلنتــاج األجر‪ ،‬أي كميــة العمــل‬
‫الضـ ـ ــروري إلنتاج المال أو البضـ ـ ــائع (الوسـ ـ ــائل المعيشـ ـ ــية) التي يحصـ ـ ــل عليها العامل‪ .‬وهو إذن‬
‫يستبدل قيم العمل بقيمة األجر أي بنفقات العمل الضرورية إلنتاج وسائل معيشة العامل‪.‬‬
‫السعر الطبيعي والسعر السوقي‪:‬‬
‫ويميز ريكاردو بين الس ــعر الطبيعي والس ــعر الس ــوقي المعمل‪ ،‬ويرى أن الس ــعر الطبيعي للعمل‬
‫هو السـ ــعر الضـ ــروري الذي يتمكن العمال بواسـ ــطته من العيش وحفظ النوع بدون زيادة أو نقصـ ــان‬
‫في عددهم‪ .‬أي هو قيمة وسائل المعيشة الضرورية‪ ،‬أما السعر السوقي للعمل فيتحدد بتأثير أسباب‬
‫مختلفة مؤقتة وعارضـ ــة‪ ،‬ولكنه يتقلب حول السـ ــعر الطبيعي والحد الضـ ــروري من وسـ ــائل المعيشـ ــة‬
‫بالنسـ ـ ـ ـ ــبة لريكاردو ليس ثابتاً وإنما يتأثر بشـ ـ ـ ـ ــروط تاريخية وجغرافية تحدد مكوناته وهذه نقطة هامة‬
‫أشـ ـ ـ ــار إليها ماركس حين قال إنه في تحديد قيمة قوة العمل بخالف جميع البضـ ـ ـ ــائع األخرى يدخل‬
‫عنصر تاريخي ومعنوي‪.‬‬
‫ورغم أن ريكاردو يخلط بين العمل وقوة العمل فننه يحدد شـ ـ ــكل جميع األجور الوسـ ـ ــطية‪ ،‬بقيمة‬
‫العمــل‪ .‬ولو اعتبر ريكــاردو أن العــامــل يبيع قوة عملــه وليس عملــه (كمــا فعــل مــاركس من بعــده)‬
‫ألمكنة بشـ ـ ــكل متوافق تماماً مع نظرية القيمة في العمل تحديد األجور بنفقات العمل الالزمة إلنتاج‬
‫قوة العمل‪.‬‬
‫وعندما يحاول ريكاردو تفسـير سـبب انجذاب األجور نحو قيمة وسـائل معيشـة العامل الضـرورية‬
‫فـننـه ال يجـد مخرجـاً آخر غير االعتمـاد على قـانون العرض والطلـب‪ ،‬فهو يرى بـأن ارتفـاع األجور‬
‫فوق المســتوى الموافق لقيمة الحد األدنى من وســائل المعيشــة وبالتالي تحســين وضــع الطبقة العاملة‬
‫يؤدي إلى تس ـ ـ ـ ـ ـريع معدالت تزايد الس ـ ـ ـ ـ ــكان‪ .‬وبنتيجة ذلك يتزايد عرض األيدي العاملة‪ ،‬األمر الذي‬
‫يؤدي إلى انخفاض األجور‪ .‬أما إذا تحقق العكس فانخفضـ ــت األجور دون السـ ــعر الطبيعي للعمل‪،‬‬
‫ف ــنن ه ــذا يؤدي إلى تقليص ع ــدد الطبق ــة الع ــامل ــة‪ ،‬أي تخفيض عرض العم ــل‪ ،‬وب ــالنتيج ــة ارتف ــاع‬
‫األجور‪.‬‬
‫وهكذا يرى ريكاردو بأن األجور تحت تأثير حركة الســكان تميل دائماً إلى التوافق مع قيمة الحد‬
‫األدنى‪ ،‬فهو ذو طابع مؤقت يزول تلقائياً نتيجة تسـ ـ ـ ـ ـ ــارع أو تباطؤ معدالت تزايد السـ ـ ـ ـ ـ ــكان‪ .‬ولذلك‬
‫انطالقاً من وجهة نظر ريكاردو هذه‪ ،‬فنن أية محاولة للطبقة العاملة لتحســين وضــعها ســتفضــي إلى‬
‫الفشل‪ ،‬وال معنى للنضال الطبقي‪.‬‬
‫لقد اسـ ــتخدم هذه األفكار بعد ذلك السـ ــال في " قانونه الحديدي " لألجور الذي يعني في جوهره‬
‫عدم جدوى نضاله الطبقة العاملة في سبيل تحسين أجورها‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫األجور االسمية واألجور الحقيقية‪:‬‬
‫ويفرق ريكاردو بين األجور االس ـ ـ ـ ــمية واألجور الحقيقية‪ ،‬فاألجور االس ـ ـ ـ ــمية في نظره هي كمية‬
‫معينـة من النقود تـدفع للعـامـل لقـاء عملـه خالل فترة معينـة من الزمن‪ ،‬أمـا األجور الحقيقيـة فهي زمن‬
‫العمل الض ــروري إلنتاج المبلغ النقدي المدفوع للعامل‪ ،‬أي إلنتاج وس ــائل معيش ــة العامل الض ــرورية‬
‫خالل الفترة التي يتقاضــى عنها أجره االســمي‪ .‬ويشــير ريكاردو إلى أن قدرة العامل على إعالة نفسـه‬
‫وعائلته ال تتوقف على كمية النقود التي يحصـ ـ ـ ـ ــل عليها في شـ ـ ـ ـ ــكل أجور وإنما على " كمية الغذاء‬
‫والمواد المعيشية الضرورية له والتي أصبحت ملحة بقوة االعتياد ويمكن شراؤها مقابل النقود"‪.‬‬
‫نظرية الربح عند ريكاردو‪:‬‬
‫إنـه ألمر طبيعي جـداً بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة لريكـاردو أن توجـد إلى جـانـب الطبقـة التي يجـب عليهـا أن تقـدم‬
‫جزءاً من عملها بدون مقابل‪ ،‬طبقة تشــارن في اقتســام القيمة دون أن تكون قد شــاركت في إنتاجها‪.‬‬
‫وهو لم يسأل نفسه متى وكيف انقسم المجتمع إلى طبقات‪ ،‬وإنما ينطلق من الطبقات كواقع قائم‪.‬‬
‫مصاااااادر الربح‪ :‬كان س ـ ـ ـ ــميث قد رأى أن الربح والريع هما اقتطاع من ناتج عمل العامل وبذلك‬
‫فســر المصــدر الحقيقي للقيمة الزائدة‪ ،‬إال أنه خرج عن الطريق الصــحيح عندما حدد القيمة بمداخيل‬
‫الطبقات‪ .‬وكذلك اعتبر ريكاردو أن العامل ال يحصـ ـ ـ ـ ــل إال على جزء من القيمة‪ ،‬المتحققة بفضـ ـ ـ ـ ــل‬
‫عمله‪ ،‬أما الجزء اآلخر من القيمة التي ينتجها فيذهب إلى ال أرسـ ـ ــمالي مشـ ـ ــكالً ربحه‪ .‬وتتوزع القيمة‬
‫عند ريكاردو إلى أجور وأرباح فقط‪ ،‬أما الريع فليس إال جزءاً من الربح يحصل عليه مالن األراضي‬
‫من الرأسماليين‪.‬‬
‫نظرية ريكاردو في التجارة الخارجية‪:‬‬
‫(التخصص على أساس كلل اإلنتاج المقارنة (‪)Couts Compares‬‬
‫يبقى ريكـاردو مواظبـاً على منهجـه في نظريتـه في التجـارة الخـارجيـة أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً التي كـانـت موجهـة‬
‫فقط للبرهان على نظريته في القيمة أو للبرهان على أنها ال تناقضها‪.‬‬
‫فما هي نظرية ريكادو في التجارة الخارجية؟‬
‫إن تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم العمل الذي برع الكالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيكون في بيان أهميته هو الذي يؤدي إلى ارتفاع إنتاجية‬
‫العمل‪ ،‬وبالتالي إلى توفير زمن العمل‪ ،‬وهو أيض ـ ـاً ش ـ ــروط لزيادة ثروة الش ـ ــعوب‪ ،‬لكن ريكاردو يرى‬
‫أن المش ـ ـ ـ ـ ــاركة في التقس ـ ـ ـ ـ ــيم الدول للعمل مهما أدت إلى تغيير في بنية اإلنتاج القومي‪ ،‬فنن الناتج‬
‫اإلجمــالي للبالد (بمــا فيــه اإلنتــاج الــداخــل إلى البلــد من الخــارج مقــابــل تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدير جزء من اإلنتــاج‬
‫القومي) ال يمكن أن يزداد ما دام حجم رأس المال القومي والعمل المستخدم باقيين على حالهما‪.‬‬
‫إن أي توسـيع في التجارة الخارجية ال يسـتطيع أن يزيد مباشـرة إجمالي القيم في البالد رغم كونه‬
‫ســيســاعد إلى درجة كبيرة على زيادة كمية البضــائع وبالتالي كمية الحاجات المعيشــية‪ .‬وانطالقاً من‬

‫‪227‬‬
‫قانون القيمة‪ ،‬يرى ريكاردو أنه ما دامت قيم البض ـ ـ ـ ـ ـ ــائع المتبادلة متعادلة‪ ،‬فلن يكون في حوزتنا قيم‬
‫أكبر إذا كنا س ـ ــنحص ـ ــل بنتيجة افتتاح أس ـ ـواق جديدة على كمية من البض ـ ــائع األجنبية أكبر بمرتين‬
‫مقابل نفس الكمية من البض ـ ـ ــائع التي تص ـ ـ ــدرها‪ .‬فالفائدة التي يحققها البلد تقتص ـ ـ ــر إذن على زيادة‬
‫كمية الوس ـ ـ ـ ــائل المعيش ـ ـ ـ ــية مقابل نفس اإلنفاق من العمل االجتماعي اإلجمالي‪ ،‬وهذا ما يوازي رفع‬
‫إنتاجية هذا العمل‪.‬‬
‫ولكن ما هي قوانين تقسيم العمل بين البلدان التي تسمح بتحقيق هذا االرتفاع في إنتاجية العمل‬
‫البضاعي؟‬
‫ينطلق ريكاردو من منطق سـميث التالي (إذا كان هنان بلد ما يسـتطيع تزويدنا ببعض البضـائع‬
‫بســعر أرخص مما نســتطع إنتاجه فمن األفضــل ش ـراؤها من هذا البلد مقابل جزء من منتجات عملنا‬
‫الص ــناعي الخاص الموظف في المجال الذي يحقق فيه بعض التفوق)‪ .‬وتقس ــيم العمل الدولي الذي‬
‫ينادي به سميث يقوم على أساس التخصص بحسب القدرات الطبيعية لكل دولة‪.‬‬
‫أوضــح ريكاردو مفهوم ســميث وأضــاف إليه مفهوماً جديداً بمناســبة المشــكلة التي أثارها مســتقبل‬
‫إنكلت ار ومعرفــة مــا إذا كــان عليهــا أن تتــابع حمــايــة زراعتهــا أو تفتح حــدودهــا للقمح األجنبي مقــابــل‬
‫العمل على إشادة صناعتها‪.‬‬
‫وقد وقف ريكاردو إلى جانب الحل الثاني وحاول البرهنة على أن من صـ ـ ـ ــالح الدولة التي تتقدم‬
‫صـ ــناعياً أن تضـ ــحي بزراعتها وتدفع غالباً ثمن القمح األجنبي مقابل سـ ــلعها المصـ ــنعة‪ ،‬ألن عملها‬
‫الصــناعي يتيح لها أن تحصــل على كمية أكبر من القمح مما كان يمكنها الحصــول عليها بواســطة‬
‫كمية العمل على أرضـ ـ ـ ـ ــها‪ .‬ليس المهم إذن عند ريكاردو أن يقابل الكلفة المطلقة (‪)cout absolu‬‬
‫لس ـ ــلعة واحدة (القمح مثالً) ومعرفة س ـ ــعرها في إنكلت ار وخارجها وإنما مقارنة الكلفة النس ـ ــبية ( ‪cout‬‬
‫‪ )relatif‬لسـ ــلعتين معاً (القمح والنسـ ــيج) وقياس كمية األولى (القمح) التي يمكن أن يحصـ ــل عليها‬
‫إنتاج الثاني (نسيج) في إنكلت ار من جهة‪ ،‬وفي البالد األخرى من جهة ثانية‪.‬‬
‫وهكـذا فـالتخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص هو نـافع فقط في بلـد زراعي ال يملـك القـدرة على التصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنيع وإنمـا يملـك‬
‫إمكانيات أفضـ ـ ــل للزراعة ويسـ ـ ــتطيع اإلنتاج بكلف منخفضـ ـ ــة نسـ ـ ــبياً تؤمن له شـ ـ ــروطاً جيدة للتبادل‬
‫التجاري (البرتغال)‪.‬‬
‫لنفرض أننـا نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن ننتج بواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة نفس كلفـة العمـل في إنكلت ار والبرتغـال (األجور في‬
‫بريطانيا مرتفعة) المقادير التالية‪:‬‬
‫في البرتغال‬ ‫بنفس الكلفة‬ ‫في إنكلت ار‬
‫‪ 10‬أمتار من القماش‬ ‫‪ 5‬أمتار من القماش‬
‫‪ 300‬ليتر من الخمر‬ ‫‪ 100‬ليتر من الخمر‬

‫‪228‬‬
‫(‪ 5‬أمتار من القماش تبادل ب ـ ‪ 100‬ليتر من الخمر في إنكلت ار ولكن ب ـ ‪ 150‬ليتر في البرتغال‪:‬‬
‫هذه هي الكلفة النسبية للقماش مقدرة بخمر في كل البلدين)‪.‬‬
‫إنكلت ار لها مصـلحة بمتابعة التصـنيع وتصـدير قماشـها إلى البرتغال ألنها تحصـل مقابل ‪ 5‬أمتار‬
‫من القمـاش على ‪ 150‬ليت اًر من الخمر بـدالً من ‪ 100‬ليتر لـديهـا‪ ،‬والبرتغـال لهـا مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلحـة بـننتـاج‬
‫الخمر فقط ألنها تحص ــل مقابل ‪ 300‬ليتر من الخمر على ‪ 15‬مت اًر من القماش في إنكلت ار بدالً من‬
‫‪ 10‬أمتار فقط لديها‪.‬‬
‫‪ /300/‬ل‬ ‫إنكلت ار ‪ /10/‬م‬
‫‪ ‬س = ‪/150/ = 300 × 5‬ل‬ ‫‪/‬س‪/‬ل‬ ‫‪ /5/‬م‬
‫‪10‬‬
‫‪ /100/‬ل‬ ‫البرتغال ‪ /5/‬م‬
‫‪ ‬س = ‪/15/ = 300 × 5‬م‬ ‫‪/300/‬ل‬ ‫‪/‬س‪ /‬م‬
‫‪100‬‬
‫ريكاردو قمة االقتصاد السياسي البرجوازي الكالسيكي‪:‬‬
‫س ــار االقتص ــادي الس ــياس ــي البرجوازي الكالس ــيكي في طريق ص ــاعدة بدءاً من تحليل الظواهر‬
‫االقتص ــادية المنفردة لإلنتاج ال أرس ــمالي‪ ،‬وهو التحليل الذي كان يغلب عليه الس ــطحية‪ ،‬إلى ص ــياغة‬
‫منظومة نظرية علمية لحركة االقتصـ ــاد ال أرسـ ــمالي‪ .‬وقد حقق ممثلو هذا االتجاه نجاحات كبيرة رغم‬
‫كونهم لم يسـتطيعوا بلوغ نهاية الطريق‪ .‬ولم تسـتطع المدرسـة الكالسـيكية صـياغة نظرية علمية كاملة‬
‫ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي‪.‬‬
‫فالبرجوازية كطبقة صــاعدة كانت ذات مصــلحة في الكشــف عن قوانين االقتصــاد ال أرســمالي في‬
‫غمره ص ـ ـ ـ ـ ـراعها ضـ ـ ـ ـ ــد اإلقطاع وقد انعكسـ ـ ـ ـ ــت في نظريات ريكاردو حاجات القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ــادية‬
‫الموض ـ ـ ــوعية‪ ،‬لذلك كانت اس ـ ـ ــتنتاجات ريكاردو ونظرياته تحمل طابعاً تقدمياً مس ـ ـ ــاعداً لتطوير قوى‬
‫اإلنتاج‪ ،‬ولكن ريكاردو كان يبدو متشـ ـ ــائماً حول النظام ال أرسـ ـ ــمالي الذي خصـ ـ ــص لتجهيزه كل جهد‬
‫وكأنه استشف‪ ،‬وإن كان بشيء من الضبابية‪ ،‬محدودية هذا النظام التاريخية‪.‬‬
‫إن صـ ــياغة نظرية القيمة في العمل ونظرية الربح حتى االعتراف بالعمل كمصـ ــدر وحيد للقيمة‬
‫واالعتراف بـالعمـل غير المعوض للعمـال المـأجورين كمص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر وحيـد للربح‪ ،‬وكـذلـك تطور نظريـة‬
‫التوزيع‪ ،‬حتى االسـ ـ ـ ـ ــتنتاج بحتمية التناقضـ ـ ـ ـ ــات االقتصـ ـ ـ ـ ــادية بين الطبقة العاملة والبرجوازية وتهديد‬
‫حوافز اإلنتاج ال أرس ـ ــمالي أي معدل الربح بالخطر من جانب تطور اآللة الداخلية نفس ـ ــها لالقتص ـ ــاد‬
‫ال أرس ــمالي‪ ..‬الخ كل ذلك جاء به ريكاردو فكان األس ــاس لفهم الطابع االس ــتغاللي للنظام ال أرس ــمالي‬
‫والطابع التاريخي المحدود‪.‬‬
‫هنا يكمن السـ ــبب األول في هجوم االقتصـ ــاديين السـ ــياسـ ــيين البرجوازيين على ريكاردو ومحاولة‬

‫‪229‬‬
‫الح ط من األهميــة العلميــة ألبحــاثــه‪ .‬وكــان االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي األمريكي كــأيــه مؤلف كتــاب (انسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجــام‬
‫المصـالح) يصـل في وصـف ريكاردو إلى نعته (باب الشـيوعية)‪ .‬وإال أن األفق الطبقي البرجوازي قد‬
‫أدى بريكاردو إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتبار تقسيم المجتمع إلى طبقات ظاهرة طبيعية أبدية‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم إدران الطابع التاريخي للتحوالت االقتصادية للرأسمالية واعتبار التناقض بين األجور‬
‫واألرباح وبين األرباح والريع قانوناً طبيعياً للحياة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬لم يكن االقتصاد السياسي الريكاردي يخلو من التناقضات الخطيرة‪ ،‬والتي من أهمها‪:‬‬
‫إذا كـانـت األجور هي تعويض العمـل‪ ،‬تكون هنـان حلقـة مفرغـة‪ :‬فقيمـة العمـل تتحـد إذن‬ ‫أ‪-‬‬
‫بالعمل‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا كان ال أرسـمالي يشـتري عمال لعامل ويدفع تعويضـه كامالً فكيف يمكن تفسـير حصـول‬
‫الرأسمالي على الربح أو الريع استناداً إلى قانون القيمة؟‬
‫ج‪ -‬إذا كانت القيمة تتحدد بزمن العمل فلماذا تحقق رؤوس األموال المتساوية‪.‬‬
‫من حيث الحجم والمختلفة عن بعضها من حيث كمية العمل الحي الذي تستطيع تشغيله‪ ،‬لماذا‬
‫تحقق ربحاً واحداً؟‬
‫لقد وقف ريكاردو أمام هذه التناقض ـ ـ ـ ـ ـ ــات‪ ،‬وقد اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتغل االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون البرجوازيون بعده هذه‬
‫التناقضات في ظروف اشتد فيها الصراع الطبقي من أجل االنحدار باالقتصاد السياسي إلى تسخيره‬
‫وخدمة مصـ ــالح البرجوازية وباألخص أكثر الفئات طفيلية‪ :‬البرجوازية االحتكارية في ص ـ ـراعها ضـ ــد‬
‫الجماهير‪.‬‬
‫وهكذا أعلن جيمس ميل أن مصـدر القيمة هو العمل ورأس المال‪ ،‬وأضـاف مان كولون مصـد اًر‬
‫آخر هو قوى الطبيعـة وذلـك في نفس الوقـت الـذي كـان كـل منهمـا يتظـاهر فيـه بـاإلخالص لنظريـة‬
‫ريكاردو في القيمة والعمل وباعتبار نفسه من األتباع المخلصين لريكاردو!‪.‬‬
‫ولقد تطور هذا االتجاه حتى أصـ ـ ــبح االتجاه السـ ـ ــائد اليوم في االقتصـ ـ ــاد السـ ـ ــياسـ ـ ــي البرجوازي‬
‫ويطلق عليه االقتصاد السياسي البرجوازي التبريري‪.‬‬
‫كما وظهر بعض الريكارديين االشتراكيين الطوباويين الذين حاولوا انطالقاً من نظريات ريكاردو‬
‫التعبير عن مصـ ــالح الطبقة العاملة‪ ،‬ومن هؤالء كودسـ ــكين وطومبسـ ــون وبري‪ ،‬وقد أكدوا بأن إنتاج‬
‫العامل يجب أن يعود إليه‪ ،‬ما دام عمله هو الذي يخلق القيمة وإن نظرية القيمة في العمل وضــعت‬
‫شـ ـ ـ ــروط التبادل العادل‪ :‬التبادل حسـ ـ ـ ــب العمل‪ ،‬إال أنه في ظروف ال أرسـ ـ ـ ــمالية يجري اإلخالل بهذا‬
‫المبدأ‪ ،‬واعتبر هؤالء أنه من أجل إلغاء االسـ ــتغالل يكفي تنظيم التبادل العادل‪ ،‬وعندها يحصـ ــل كل‬
‫شخص على كامل ناتج عمله‪.‬‬
‫ولقد وص ـ ـ ـ ـ ـ ــف كارل ماركس الريكارديين االش ـ ـ ـ ـ ـ ــتراكيين بأنهم بس ـ ـ ـ ـ ـ ــبب من عدم إدراكهم لجوهر‬

‫‪230‬‬
‫ال أرس ـ ــمالية وآلية االس ـ ــتغالل ال أرسـ ـ مالي فقد أرادوا في ظروف ال أرس ـ ــمالية إقامة االش ـ ــتراكية بواس ـ ــطة‬
‫تبادل كميات العمل المتساوية‪.‬‬
‫لقد كان االقتصـ ـ ـ ــاد السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي البرجوازي الكالسـ ـ ـ ــيكي في إنكلت ار مصـ ـ ـ ــد اًر هاماً من مصـ ـ ـ ــادر‬
‫الماركسية‪ ،‬فقد استخدم ماركس كل المقوالت العلمية التي جاء بها آدم سميث ودافيد ريكاردو وبقيت‬
‫مكتشفاتهم العلمية حية‪ ،‬وإنما في شكل ناضج متطور في النظرية الماركسية‪.‬‬
‫المدرسة االشتراكية‪:‬‬
‫االشتركية العلمية ‪ -‬كارل ماركس (‪:)1883-1818‬‬
‫تقوم على أس ـ ـ ــاس علمي متين هو نظرية القيمة في العمل‪ .‬والتي على أس ـ ـ ــاس ـ ـ ــها تم اكتش ـ ـ ــاف‬
‫القيمة الزائدة‪ .‬إن نظرية القيمة في العمل ترجع بأص ـ ـ ــولها كما رأينا إلى ابن خلدون ووليم بيتي وآدم‬
‫سميث ودافيد ريكاردو‪.‬‬
‫أوالً‪ -‬نظرية القيمة في العمل عند ماركس‪:‬‬
‫لقد ابتع ماركس المنهج العلمي في تحليل العالقات االقتصـ ـ ـ ـ ــادية‪ ،‬فنذا كان جوهر ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالية‬
‫اإلنتاج البضـاعي القادر على سـد حاجة والقابلة للتبادل) فنن تحليل أسـلوب اإلنتاج ال أرسـمالي يجب‬
‫أن يبدأ بد ارس ـ ـ ــة اإلنتاج البض ـ ـ ــاعي‪ .‬إن فهم القوانين البض ـ ـ ــاعية هو الش ـ ـ ــرط األهم للتحليل العلمي‬
‫لعالقات اإلنتاج ال أرســمالية‪ .‬وهذا ما يفســر االهتمام الكبير الذي أواله ماركس لد ارســة مســائل نظرية‬
‫القيمة‪ .‬فمن الوضـ ـ ـ ــاح أنه ال يمكن اسـ ـ ـ ــتخدام نظرية القيمة في العمل في د ارسـ ـ ـ ــة أسـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج‬
‫اإلقطاعي الذي يتص ـ ــف بس ـ ــيطرة االقتص ـ ــاد الطبيعي‪ ،‬بينما تعتبر نظرية القيمة في العمل الوس ـ ــيلة‬
‫الوحيدة للكشف عن القانونيات الداخلية لنظام اإلنتاج الرأسمالي‪.‬‬
‫لقد تقدم ماركس بنظرية القيمة في العمل ليكتش ــف قيمة البض ــاعة تتحدد بكمية العمل الوس ــطية‬
‫الضــرورية اجتماعياً إلنتاجها‪ ،‬وإن المنتجات التي تحتوي على كميات متســاوية من العمل اإلنســاني‬
‫المتجسد فيها تكون لها قيمة واحدة‪.‬‬
‫أ‪ -‬الطابع أالزدواجي للعمل‪:‬‬
‫أن أهم عناصـ ـ ــر نظرية القيمة في العمل كانت لها األهمية الكبرى في اكتشـ ـ ــاف قوانين اإلنتاج‬
‫ال أرسـمالي هو إيضـاح الطابع أالزدواجي للعمل المنتج للبضـاعة‪ ،‬يقول ماركس في رسـالة إلى إنجلز‬
‫في ‪ 24‬آب ‪ 1867‬بمناسبة صدور الجزء من كتابه رأس المال‪ " :‬إن أفضل ما جاء في كتابي هو‪:‬‬
‫‪ -1‬الطابع االزدواجي للعمل الذي ش ـ ــرحته في الفص ـ ــل األول حس ـ ــب ما يظهر العمل في قيمة‬
‫استعمالية أو قيمة تبادلية (والذي يستند إليه فهم جميع الوقائع)‪.‬‬
‫‪ -2‬بحيث القيمة الزائدة مجردة عن أشكالها الخاصة‪ :‬الربح‪ ،‬الفائدة‪ ،‬ريع األرض "(‪.)272‬‬

‫(‪ )272‬ماركس وإنجلز‪ ،‬المؤلفات بالروسية‪ ،‬ج‪ ،31‬ص‪.277‬‬

‫‪231‬‬
‫من خالل بحث العالقات البض ـ ـ ـ ـ ـ ــاعية أظهر ماركس أن عمل المنتج البض ـ ـ ـ ـ ـ ــاعي يملك طابعاً‬
‫مزدوجاً إذ يظهر من جهة في ش ـ ـ ـ ــكل نافع هادف كعمل نافع ملموس يخلق قيمة اس ـ ـ ـ ــتعماليه‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى كننفاق لقوة فسـ ـ ـ ـ ـ ــيولوجية وعقلية بغض النظر عن الشـ ـ ـ ـ ـ ــكل الملوس الذي يجرى به هذا‬
‫اإلنفــاق‪ ،‬أي كعمــل مجرد يخلق قيمــة‪ ،‬والعمــل المجرد هو شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل تــاريخي معين يظهر بــه العمــل‬
‫البشــري فقط في مرحلة اإلنتاج البضــاعي‪ ،‬وهو يختلف عن العمل بمعناه الفســيولوجي الذي تتصــف‬
‫به جميع مراحل التطور االجتماعي والذي يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكل الملموس للعمل يجري في كل صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفقة تبادلية‬
‫عندما يقيس المنتجون البضـ ـ ــاعيون نفقات عملهم ويسـ ـ ــتخرجون ذلك العنصـ ـ ــر المشـ ـ ــترن في جميع‬
‫البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع مهمـا اختلفـت قيمهـا االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـاليـة‪ ،‬وبـالتـالي مهمـا اختلف العمـل الملموس المبـذول في‬
‫إنتـ ــاجهـ ــا‪ .‬يكتـ ــب مـ ــاركس"‪ ...‬تتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف العالقـ ــات التبـ ــادليـ ــة للبضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع بتجردهـ ــا عن قيمهـ ــا‬
‫االستعمالية"(‪.)273‬‬
‫بين ماركس أن الطابع المزدوج للبض ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة يرجع إلى ازدواجية طابع العمل المنتج لها‪ .‬فالعمل‬
‫الملموس يخلق القيمة االس ـ ــتعمالية‪ ،‬أما العمل المجرد فيخلق القيمة التبادلية‪ .‬وكش ـ ــف بذلك عن أن‬
‫البضاعة تشكل وحدة عنصرين متضادين‪ :‬القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الجوهر االجتماعي للقيمة‪:‬‬
‫كشــف ماركس ألول مرة في تاريخ االقتصــاد الســياســي عن الجوهر االجتماعي لقيمة البضــائع‪.‬‬
‫فوراء عالقات البض ـ ــائع بعض ـ ــها مع بعض في التبادل تبرز عالقات اإلنتاج التي تربط بين الناس‪،‬‬
‫بين المنتجين البض ـ ـ ــاعيين‪ .‬ويحدد ماركس القيمة كعالقة بين الناس مغطاة بعالقات بين األش ـ ـ ــياء‪.‬‬
‫يكتب ماركس‪ .." :‬إن الش ــكل البض ــاعي لمنتجات العمل أو ش ــكل قيمة البض ــاعة هو ش ــكل الخلية‬
‫االقتصادية للمجتمع البرجوازي "(‪.)274‬‬
‫إن اكتش ــاف الطابع التاريخي العارض للقيمة يكتس ــب أهمية علمية وس ــياس ــية كبيرة ألنه يدحض‬
‫األفكار البرجوازية حول خلود وطبيعة العالقات البضاعية وبالتالي المجتمع الرأسمالي‪.‬‬
‫كان االقتص ـ ـ ــاد العربي الكالس ـ ـ ــيكي قد ركز االهتمام حول مقدار القيمة‪ ،‬التحليل الكمي‪ ،‬واغفل‬
‫الجوهر االجتماعي للقيمة باعتبارها عالقة اجتماعية‪ ،‬أي التحليل النوعي للعالقات البضاعية‪.‬‬
‫ج‪ -‬مقدار القيمة‪:‬‬
‫لقـد كشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف مـاركس أن مقـدار القيمـة يتوقف على مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور قوى اإلنتـاج‪ ،‬ذلـك أن قيمـة‬
‫البض ـ ــائع تتحدد بنفقات العمل االجتماعي المجرد الوس ـ ــطية على إنتاج البض ـ ــاعة عند كل مس ـ ــتوى‬
‫معين من تطور قوى اإلنتاج‪ .‬ولقد ميز بين العمل الفردي المبذول فعالً في إنتاج البض ـ ــاعة والعمل‬
‫الض ـ ـ ــروري اجتماعياً الذي يتكلفه المجتمع وس ـ ـ ــطياً على إنتاج وحدة البض ـ ـ ــاعة‪ ،‬كما بين أن مقدار‬

‫(‪ )273‬ماركس وإنجلز‪ ،‬المؤلفات بالروسية‪ ،‬ج‪ ،31‬ص‪.277‬‬


‫(‪ )274‬ماركس وإنجلز‪ ،‬المؤلفات ج ‪ ،13‬ص‪.20‬‬

‫‪232‬‬
‫القيمة ال يتحدد بالعمل الفردي وإنما بالعمل الضروري اجتماعياً‪.‬‬
‫لقد أوضـح ماركس أن قيمة البضـاعة في ظروف ال أرسـمالية ال يمكن أن تقاس مباشـرة بسـاعات‬
‫العمل المبذول في إنتاج البضـاعة‪ .‬إنها تسـتطيع أن تعبر عن نفسـها فقط في كمية معينة من القيمة‬
‫االستعمالية لبضاعة أخرى‪ ،‬معادلة لألولى في قيمتها التبادلية‪.‬‬
‫وهكـذا يكون مـاركس قـد كشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف خطـأ نظريـات البرجوازيـة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغيرة واالشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتراكيـة الطوبـاوية‬
‫بخص ـ ـ ــوص " النقود العمالية " أو أذونات العمل ومص ـ ـ ــارف العمل التي تقيس القيمة مباش ـ ـ ـرة بزمن‬
‫العمل في ظروف اإلنتاج الرأسمالي‪ ،‬والتي جاء بها برودون وآخرون وثبت فشلها‪.‬‬
‫إذن تقاس قيمة البضـ ــاعة بكمية معينة من قيمة اسـ ــتعمالية لبضـ ــاعة أخرى‪ ،‬إن كشـ ــف الشـ ــكل‬
‫المعـادل للقيمـة أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح ممكنـاً بعـد بحـث خص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائص العمـل الملموس والعمـل المجرد‪ ،‬ومن أهم‬
‫خص ـ ـ ــائص الش ـ ـ ــكل المعادل للقيمة أن " العمل الملموس يص ـ ـ ــبح‪ ...‬ش ـ ـ ــكل ظهور نقيض ـ ـ ــه‪ ،‬العمل‬
‫اإلنساني المجرد "(‪.)275‬‬
‫د‪ -‬أشكال القيمة‪ ،‬جوهر ووظائل النقود‪:‬‬
‫شـكل بسـيط ؟؟ شـكل عام شـكل مجرد (؟؟ معدنية) شـكل () القيمة من الشـكل البسـيط (بضـاعة‬
‫مقابل بض ـ ــاعة في عمليات المقايض ـ ــة) إلى الش ـ ــكل العام (في تمييز بعض البض ـ ــائع واس ـ ــتخدامها‬
‫لقياس قيم جميع البض ـ ـ ـ ــائع األخرى) وأخي اًر إلى الش ـ ـ ـ ــكل النقدي للقيمة في النقود المعدنية‪ .‬وبالتالي‬
‫فنن االقتصـاد السـياسـي تعرف ألول مرة على مصـدر القيد وجودها ؟؟ وظائفها‪ ،‬فالنقود هي‪ ،‬حسـب‬
‫ماركس‪ ،‬تجس ـ ـ ـ ـ ــيد للعمل المجرد‪ ،‬في النقود‪ ،‬كما يقول ماركس‪ " :‬يظهر زمن العمل العام كش ـ ـ ـ ـ ــيء‬
‫خاص‪ ،‬كبض ـ ــاعة "(‪ )276‬فالنقود هي إذن بض ـ ــاعة خاص ـ ــة تملك إمكانية قياس قيم جميع البض ـ ــائع‬
‫األخرى ألنها تملك قيمة بحد ذاتها هي مقدار العمل االجتماعي الض ـ ـ ـ ـ ـ ــروري المبذول فيها‪ ،‬ويجري‬
‫قياس قيم جميع البضائع بكمية معينة من القيمة االستعمالية لهذه البضاعة الخاصة ـ النقود‪.‬‬
‫ورغم أن المدرس ـ ــة الكالس ـ ــيكية اقتربت من التمييز بين القيمة االس ـ ــتعمالية والقيمة التبادلية‪ ،‬إال‬
‫أنها لم تحاول تحليل أش ــكال القيمة ولذلك لم تتمكن من تفس ــير الش ــكل النقدي للقيمة‪ .‬لقد أص ــبحت‬
‫نظرية القيمة الماركس ــية نقطة االنطالق في د ارس ــة قوانين االقتص ــاد ال أرس ــمالي‪ ،‬وأهم هذه القوانين ـ‬
‫قانون القيمة الزائدة‪.‬‬
‫ن‪ -‬قانون القيمة الزائدة في الرأسمالية‪:‬‬
‫يرجع اص ــطالح القيمة الزائدة بجذوره إلى س ــيس ــموندي وبرودون وغيرهم‪ ،‬لكن ماركس هو الذي‬
‫صـ ـ ـ ــاغ النظرية العلمية للقيمة الزائدة التي أصـ ـ ـ ــبحت أهم عناصـ ـ ـ ــر االنقالب الثوري في االقتصـ ـ ـ ــاد‬
‫السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي‪ .‬كتب ماركس‪ " :‬إن إنتاج القيمة الزائدة أو الربح هو القانون المطلق ألسـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج‬

‫(‪ )275‬ماركس وإنجلز‪ ،‬المؤلفات‪ ،‬ج‪ ،23‬ص‪.68‬‬


‫(‪ )276‬ماركس وإنجلز‪ ،‬المؤلفات‪ ،‬ج‪ ،23‬ص‪.68‬‬

‫‪233‬‬
‫الرأسمالي "‪.‬‬
‫ولقد كان أهم مؤلفات ماركس " رأس المال " مخص ـ ـ ـص ـ ـ ـاً بشـ ـ ــكل رئيسـ ـ ــي لد ارسـ ـ ــة قانون القيمة‬
‫ال ازئـدة‪ ،‬فجـاء في مقـدمـة الطبعـة األولى للجزء األول منـه‪ " :‬إن الهـدف النهـائي من مؤلفي هـذا هو‬
‫كشف القانون االقتصادي لتطور المجتمع المعاصر‪.)277(" ..‬‬
‫إن أسـ ــالف ماركس‪ ،‬رغم أنهم وجدوا في الربح الدافع الرئيسـ ــي لنشـ ــاط ال أرسـ ــمالي‪ ،‬إال أنهم في‬
‫تعرضـ ـ هم القيمة الزائدة‪ ،‬لم يدركوا أن هذا القانون هو القانون األس ــاس ــي ألس ــلوب اإلنتاج ال أرس ــمالي‬
‫ولم يروا طابعه التاريخي العارض‪.‬‬
‫ثانياً‪ -‬نظرية القيمة الزائدة‪:‬‬
‫كانت نظرية ماركس حول الطابع أالزدواجي للعمل المنتج للبض ــاعة الدور األكبر في اكتش ــاف‬
‫قانون القيمة الزائدة‪.‬‬
‫أ‪ -‬القيمة الزائدة ال تنشأ في عملية التبادل‪:‬‬
‫من خالل د ارسـ ـ ــة تداول البضـ ـ ــائع والنقود اتضـ ـ ــح ماركس أن القيمة الزائدة ال تنشـ ـ ــأ في عملية‬
‫التبادل‪ ،‬وهو يتفق مع أرسطو والفزيوقرطيين في أن التبادل عقيم‪.‬‬
‫ب‪ -‬قوة العمل كبضاعة خاصة‪:‬‬
‫كـان لتحليـل العالقـات ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة من وجهـة نظر الطـابع أالزدواجي للعمـل األهميـة الكبرى في‬
‫تحديد مصــدر القيمة االســتعمالية‪ ،‬فلقد أمكن اكتشــاف بضــاعة خاصــة في الســوق ال أرســمالية تعتبر‬
‫قيمتها االستعمالية مصد اًر للقيمة‪.‬‬
‫الضـ ــروري لإلنتاج ال أرسـ ــمالي‪ ،‬هو قانونيته الداخلية‪ ،‬وبالتالي فنن إلغاء االسـ ــتغالل في ظروف‬
‫المجتمع ال أرسـ ـ ـ ــمالي أمر مسـ ـ ـ ــتحيل‪ .‬وكان لهذا االسـ ـ ـ ــتنتاج أهمية كبيرة بالنسـ ـ ـ ــبة للطبقة العاملة‪ ،‬إذ‬
‫ســلحها بنظرية ثورية كشــفت ســر االســتغالل ال أرســمالي ودحضــت النظرية التبريرية حول " انســجام "‬
‫المصالح الطبقية في الرأسمالية‪.‬‬
‫أشكال القيمة الزائدة‪:‬‬
‫ويكشـ ـ ــف كارل ماركس عن أشـ ـ ــكال القيمة الزائدة التي يميز كل منها مرحلة في تطور أسـ ـ ــلوب‬
‫اإلنتاج ال أرســمالي‪ .‬ففي المرحلة األولى في تطور عالقات اإلنتاج ال أرســمالية بســبب ضــعف وســائل‬
‫اإلنتاج كان الش ــكل الس ــائد للقيمة الزائدة هو القيمة الزائدة المطلقة الناتجة عن تطويل يوم العمل أو‬
‫زيادة ش ــدة العمل‪ .‬أما في ال أرس ــمالية المتطورة فنن الش ــكل األوس ــع انتش ــا اًر هو القيمة الزائدة النس ــبية‬
‫الناتجة عن تحسـ ـ ـ ــين إنتاجية العمل بفضـ ـ ـ ــل التقدم التكنولوجي‪ ،‬أي عن طريق تخفيض زمن العمل‬
‫الض ـ ـ ـ ـ ــروري وزيادة زمن العمل اإلض ـ ـ ـ ـ ــافي المنتج للقيمة الزائدة حتى في حال انخفاض زمن العمل‬

‫(‪ )277‬ماركس وإنجلز‪ ،‬المؤلفات‪ ،‬ج‪ ،23‬ص‪.68‬‬

‫‪234‬‬
‫اليومي المطلق‪.‬‬
‫نظرية التركيب العضوي لرأس المال‪:‬‬
‫أ‪ -‬رأس المال‪ :‬عالقة اجتماعية‪:‬‬
‫اقترب االشـتراكيون الطوباويون من فهم رأس المال على أنه ظاهرة أو عالقة اجتماعية‪ ،‬ووسـيلة‬
‫الس ـ ــيطرة على اآلخرين‪ ،‬ولكنهم لم يس ـ ــتطيعوا أيضـ ـ ـاً اكتش ـ ــاف جوهر رأس المال بش ـ ــكل كامل‪ .‬لقد‬
‫أوض ـ ـ ــح كارل ماركس أن رأس المال ليس أش ـ ـ ــياء محددة‪ ،‬بل هو عالقة إنتاجية خاص ـ ـ ــة بالمجتمع‬
‫البرجوازي عالقة اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل بين ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليين والعمـال المـأجورين‪ ،‬عالقة إنتـاج من جانب العمـال‬
‫وامتالن من جانب الرأسماليين للقيمة الزائدة‪.‬‬
‫وتظهر هذه العالقة نتيجة احتكار البرجوازية لملكية وسـ ـ ـ ــائل اإلنتاج وتجريد المالكين الصـ ـ ـ ــغار‬
‫من وس ــائل إنتاجهم وتحويلهم إلى عمال محرومين من وس ــائل اإلنتاج‪ ،‬ومض ــطرين بس ــبب ذلك إلى‬
‫بيع قوة عملهم من الرأسماليين‪.‬‬
‫ب‪ -‬قسما رأس المال‪ :‬رأس المال الثابت ورأس المال المتغير‪:‬‬
‫يش ـ ـ ـ ـ ــرح ماركس وألول مرة تركيب رأس المال ويميز بين أجزائه حس ـ ـ ـ ـ ــب جوهرها االجتماعي ال‬
‫حسب شكل تداولها‪.‬‬
‫كان الفكر االقتص ـ ــادي قبل ماركس قد توص ـ ــل إلى تقس ـ ــيم رأس المال إلى رأس مال أس ـ ــاس ـ ــي‪،‬‬
‫ورأس مال دائر‪ ،‬وذلك حس ـ ـ ـ ــب ش ـ ـ ـ ــكل دوران أجزاء رأس المال‪ .‬أما ماركس فقد تبين أنه من وجهة‬
‫نظر إنتاج القيمة التبادلية والقيمة الزائدة‪ ،‬فنن رأس المال ينقسـ ـ ـ ـ ـ ــم إلى رأس مال ثابت مجسـ ـ ـ ـ ـ ــد في‬
‫وسائل اإلنتاج (جميع مستلزمات اإلنتاج المادية) ورأس مال متغير (قيمة قوة العمل ـ ـ ـ ـ ـ ـ األور)‪ .‬قوة‬
‫العمل المأجورة هي وحدها مص ـ ــدر القيمة الزائدة‪ ،‬ولذلك أطلق عليها ص ـ ــفة " المتغير " ألنها تخلق‬
‫قيمة تفوق قيمتها‪ .‬أما قيمة رأس المال الثابت فتنتقل بدون زيادة بواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطة العمل إلى البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة‬
‫الجـديـدة‪ ،‬وهكـذا فقـد كـان هـذا التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم لرأس المـال إلى ثـابـت ومتغير نقـداً لألفكـار البرجوازيـة حول‬
‫إنتاجية رأس المال التي يعتبرونها مصدر الربح الرأسمالي‪.‬‬
‫ج‪ -‬ارتفاع التركيب العضوي لرأس المال‪:‬‬
‫ومن جهة أخرى فنن تقسـيم رأس المال إلى ثابت ومتغير أصـبح أسـاس النظرية الماركسـية حول‬
‫التركيب العض ـ ـ ـ ـ ــوي لرأس المال – النس ـ ـ ـ ـ ــبة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتغير‪ ،‬التي تحتل‬
‫مكانة هامة في النظرية العلمية ألسـ ــلوب اإلنتاج ال أرسـ ــمالي‪ .‬فنظرية التركيب العضـ ــوي لرأس المال‬
‫مكنــت مــاركس اعتمــاداً على نظريــة القيمــة ال ازئــدة أن يكشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف عن جملــة من القوانين التي تعكس‬
‫االرتباط الكمي بين أهم الظواهر االقتصــادية وبين مســتوى تطور قوى اإلنتاج‪ ،‬وأن يدرس آلية عمل‬
‫مجموعة من القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ــادية لل أرسـ ـ ـ ـ ــمالية (قوانين تجديد اإلنتاج البسـ ـ ـ ـ ــيط والموسـ ـ ـ ـ ــع‪ ،‬المعدل‬
‫الوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطي للربح وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر اإلنتـاج‪ ،‬ميـل معـدل الربح إلى االنخفـاض‪ ،‬الريع الفرقي والريع المطلق‪،‬‬

‫‪235‬‬
‫وغيرها)‪.‬‬
‫إن األزمات ليسـ ـ ـ ـ ـ ــت في نظر ماركس إال مظه اًر لنقص االسـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن لدى الطبقة العاملة‪ ،‬ألن‬
‫العمال ال يستطيعون شراء إنتاجهم‪.‬‬
‫الرأسمالية أنتجت أكثر مما دفعت من أجور‪ ،‬وبالتالي فهنالك فيض نسبي في اإلنتاج‪.‬‬
‫ومما يزيد هذه األزمات تفاقماً هو أن تعمد ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية بفض ـ ـ ـ ـ ــل قانون االرتفاع المس ـ ـ ـ ـ ــتمر في‬
‫التركيب العضـ ــوي لرأس المال إلى إحالل اآلالت محل اليد العاملة فتلقي بالعمال إلى البطالة ويفقد‬
‫العامل بذلك مورد رزقه وبهذا يفقد قوته الشرائية‪.‬‬
‫القيمة الزائدة هي مص ـ ـ ـ ــدر للتراكم ال أرس ـ ـ ـ ــمالي‪ .‬ذلك ألن الفائض الذي يتلقاه ال أرس ـ ـ ـ ــماليون يزيد‬
‫بكثير عن استهالكهم (نظ اًر النخفاض ميلهم لالستهالن) فيستخدمونه في إنتاج وسائل اإلنتاج وهذا‬
‫يؤدي إلى ارتفاع نسـ ـ ــبة رأس المال الثابت (ث) إلى رأس المال المتغير (م) أي إلى ارتفاع التركيب‬
‫العضـ ـ ـ ــوي لرأس المال‪ :‬ث‪/‬م باسـ ـ ـ ــتمرار نتيجة لتزايد القيمة الزائدة‪ ،‬وهذا االتجاه ذو أهمية كبيرة في‬
‫تفسير اتجاه معدل الربح نحو االنخفاض‪.‬‬
‫د‪ -‬اتجاو معدل الربح نحو االنخفال‪:‬‬
‫بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للنظـام بمجموعـه فـنن التقـدم الفني يؤدي إلى جعـل رأس المـال الثـابـت (اآلالت) يزداد‬
‫على حسـ ـ ــاب رأس المال المتغير وبما أن القيمة الزائدة تنتج عن رأس المال المتغير فقط فنن معدل‬
‫القيمة الزائدة يكون أكبر من معدل الربح‪ ،‬الذي يميل نحو االنخفاض مع ارتفاع التركيب العض ـ ـ ــوي‬
‫لرأس المال‪ ،‬كما في المثال التالي‪:‬‬
‫إذا كــان رأس المــال المتغير (م)‪ 200 :‬مليون‪ ،‬ورأس المــال الثــابــت (ث)‪ 800 :‬مليون يكون‬
‫‪ 200‬م × ‪%20 = 100‬‬ ‫معدل الربح‪:‬‬
‫‪800 + 200‬‬
‫م‪+‬ث‬
‫أمـا عنـدمـا يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح رأس المـال المتغير‪ 300 :‬مليون‪ ،‬ورأس المـال الثـابـت ‪ 1500‬مليون فـنن‬
‫معدل الربح يصبح‪:‬‬
‫‪%16.66‬‬ ‫‪300‬‬
‫‪1500+300‬‬
‫وتس ـ ــتخدم الماركس ـ ــية قانون ميل معدل الربح إلى االنخفاض الذي وض ـ ــعه ريكاردو وميل وأكده‬
‫باستيا‪ ،‬لتوجيهه ضد الرأسمالية ذاتها‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬األفكار االقتصادية التبريرية‪ ،‬مرحلة ما قبل الرأسمالية االحتكارية‪:‬‬
‫* المدرسة المالتوسية‪ ..‬المدرسة التشاؤمية ‪ -‬روبرت مالتوس (‪:)1836-1766‬‬

‫‪237‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ــاغ مالتوس نظريته في كتاب نش ـ ـ ـ ـ ـ ـره غفال عام ‪ 1798‬بعنوان (بحث في مبدأ السـ ـ ـ ـ ـ ــكان)‬
‫(‪ .)Essai on the principle of population‬حيث دب فيه التشــاؤم في علم االقتصــاد ووضــع‬
‫الفكرة القـائلـة بـأن العـالم يعيش تحـت رحمـة األرزاق‪ ،‬تحـت رحمـة طبيعـة ال رحيمـة وال خيرة‪ ،‬بـل هي‬
‫قاسـ ـ ــية وبخيلة‪ .‬وهو يعلن بأن التوازن القائم بين نمو السـ ـ ــكان حالياً أو في المسـ ـ ــتقبل وبين األرزاق‬
‫إنما يس ــري دعائمه على البؤس والعيوب‪ ،‬وإن تكاثر الس ــكان يجب أن يكون محدداً بالض ــرورة بتزايد‬
‫األرزاق‪ .‬ولكي يبلغ مالتوس غايته من هذه النظرية فهو يعرض المبادئ التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬عدد السكان ينزع إلى الزيادة ويتضاعف كل ‪ 25‬سنة بموجب ‪ 64-32-8-4-2-1‬بمعنى‬
‫أن المرور من ‪ 2‬إلى ‪ 4‬يحتاج إلى فترة ‪ 25‬س ـ ـ ـ ــنة وكذلك المرور من ‪ 4‬إلى ‪ ..8‬الخ‪ ..‬ويض ـ ـ ـ ــرب‬
‫على ذلك مثالً الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫أما األرزاق فهي ال تزداد في نفس الوقت وحتى في أحس ـ ـ ـ ـ ــن الظروف إال بموجب‬ ‫ب‪-‬‬
‫سلسلة حسابية‪...7-6-5-4-3-2-1 :‬‬
‫ج‪ -‬النتيجـة الحتميـة هي زيـادة هـائلـة في السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـان بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة لألرزاق ممـا يؤدي بـالتـالي إلى‬
‫المجـاعـات والمرض والحروب‪ ..‬الخ‪ .‬وجملـة األفكـار التي جـاء بهـا مـالتوس ومـا تولـد عنهـا تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمى‬
‫(المالتوسية)‪.‬‬
‫وقد عرض مالتوس نظريته في طبعة كتابه األولى فأثار ذلك ضجة واستنكا اًر‪ ،‬ما لبثا أن تفاقما‬
‫لـدى نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـره الطبعـة الثـانيـة عـام ‪ 1803‬حيـث ورد فيهـا أن (الرجـل الـذي ليس لـه من يعيلـه والـذي ال‬
‫يستطيع أن يجد لنفسه عمالً في المجتمع سوف يجد أن ليس له نصيب من الغداء على أرضه وأنه‬
‫عضـ ـ ــو زائد)‪ .‬وفي (وليمة الطبيعة) حيث ال صـ ـ ــحن له بين الصـ ـ ــحون‪ ،‬فنن الطبيعة تأمره بمغادرة‬
‫المكان‪ ،‬وهي لن تقصر بوضع أوامرها موضع التنفيذ‪ ،‬ويحذف مالتوس ما ورد عن (وليمة الطبيعة)‬
‫في الطبعة الثالثة كما يميل إلى االعتدال وإن كان لم يعدل طبعاً عن أفكارهأل فالعالج الذي يصـ ـ ـ ــفه‬
‫هو تحديد النسل الطوعي بغية تحقيق التوازن بين عدد السكان واألرزاق‪:‬‬
‫على الفقراء أال يتزوجوا‪ :‬أن يركنوا إلى العزوبي ــة أو االنتظ ــار على األق ــل حتى سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬ ‫‪-‬‬
‫متقدمة يتمكن فيها الفرد من إعالة عائلته‪.‬‬
‫التزام العفـة قبـل الزواج‪ :‬وهو هنـا يتوجـه إلى الرجـال طـالبـاً منهم نفس مـا هو مطلوب من‬ ‫‪-‬‬
‫النساء‪.‬‬
‫ومالتوس ال يقر أبداً اس ـ ـ ـ ـ ــتعمال الوس ـ ـ ـ ـ ــائل والطرق غير المش ـ ـ ـ ـ ــروعة لمنع إنجاب األطفال بعد‬
‫الزواج‪ ،‬هو يريد من اإلنس ـ ـ ــان أن يمتنع طواعية عن اإلقدام على عملية الزواج‪ ،‬لما تنتجه من آثار‬
‫سـيئة للمجتمع‪ ،‬ولكن إذا صـدف وتزوج فمن الحرام عليه أن يلجأ إلى الطرق الال مشـروعة لالمتناع‬
‫عن اإلنجاب (وقد أيد المالتوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيون الجدد منذ القرن التاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع عشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر عدداً من هذه الطرق الال‬
‫مشروعة)‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫يدعو مالتوس الدولة إلى عدم تقديم المسـ ـ ـ ـ ــاعدات للفقراء‪ ،‬ما دام ذلك يؤدي إلى زيادة أطفالهم‪،‬‬
‫وأال تزيد األجور كيال يؤدي ذلك إلى الغرض نفسـه‪ ،‬كما يدعو الطبقة الغنية إلى عدم اإلحسـان إلى‬
‫الفقراء‪ ،‬ألن ذلك يشـ ــجع هؤالء على الزواج (وقد اسـ ــتجابت الطبقة الغنية إلى هذه النصـ ــيحة الثمينة‬
‫وطبقتها جيداً خالل قرن كامل)‪.‬‬
‫وهكــذا فــنن مــالتوس يطــالــب الطبقــة الفقيرة المحرومــة بــالقيــام بتضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحيــة جــديــدة (االمتنــاع عن‬
‫الزواج) ويحملهـا مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوليـة الكوارث التي يمكن أن تحـل بـالمجتمع من جراء مخـالفتهـا لهـذا المبـدأ‬
‫الجوهري‪ ،‬وقــد جــاء في ذيــل الطبعــة الرابعــة واألخيرة من كتــاب مــالتوس قولــه (إن الهــدف العملي‬
‫لمؤلفي هذا هو تحسـ ـ ـ ــين وضـ ـ ـ ــع الطبقات الفقيرة والبائسـ ـ ـ ــة وزيادة سـ ـ ـ ــعادتها) فهو إذن اتخذ موقف‬
‫(المص ـ ـ ــلح االجتماعي) أو هكذا يتص ـ ـ ــور رم كل ش ـ ـ ــيء‪ .‬والمعروف أن مالتوس قد تزوج في س ـ ـ ــن‬
‫األربعين وأنجب أربعة أوالد‪.‬‬
‫لكن فض ـ ــل مالتوس هو في كونه قد وض ـ ــع نظرية متكاملة في الس ـ ــكان وقد فرض ـ ــها على علم‬
‫االقتصـاد‪ ،‬عندما أشـار إلى وجود عامل يجب د ارسـته إلى جانب اإلنتاج والتوزيع والتبادل‪ ،‬ذلك ألن‬
‫العالقـة وطيـدة بين تطور عـدد السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـان وتطور كميـة اإلنتـاج‪ .‬ويكون مـالتوس بـذلـك قـد أدخـل من‬
‫خالل ذلك عنصـ ــري الزمن والحركة في د ارسـ ــة الفعاليات االقتصـ ــادية في وقت كانت هذه الفعاليات‬
‫ما ت ازل تدرس وتحلل على أسس سكونية راكدة‪.‬‬
‫ولقد كان لدخول عامل السكان في صميم السياسة االقتصادية وما أثير حول هذا الموضوع من‬
‫نقاش أن تش ـ ـ ــكل علم خاص يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم االقتص ـ ـ ــاد وهو علم الس ـ ـ ــكان‪ ،‬حيث أنص ـ ـ ــب‬
‫االهتمام على مشكلة السكان من وجهات نظر مختلفة‪:‬‬
‫فـأتبـاع مـالتوس (المـالتوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين الجـدد) ممن يعتقـدون بـت ارئـه وبتخوفـه من ازديـاد عـدد السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـان‬
‫يصـ ـ ــرون دوماً على ضـ ـ ــرورة تحديد النسـ ـ ــل بشـ ـ ــتى الطرق والوسـ ـ ــائل ليس فقط قبل الزواج بل وبعد‬
‫الزواج (حرصـاً على مســتقبل البشـرية) وردعاً للمتســي التي ســتتعرض لها من جراء الزيادة المســتمرة‬
‫في السكان‪.‬‬
‫‪ -‬المدرسة الهامشية‪ -‬مدرسة المنفعة الحديةوالهامشية‪:‬‬
‫كانت النظريات البسـ ـ ـ ـ ـ ــكيولوجية‪ ،‬وخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة نظرية كونديان‪ ،‬قد عانت خسـ ـ ـ ـ ـ ــوفاً تاماً حتى عام‬
‫‪ ،1780‬حيث عكف ثالثة من المفكرين وهمال يعرفون بعضــهم‪ ،‬كما ويجهل كل منهم عمل اآلخر‪،‬‬
‫وقد كتبوا بثالثة لغات مختلفة وليس ألحد منهم األسـ ـ ـ ـ ـ ـ بقية على اآلخر‪ .‬وال ش ـ ـ ـ ـ ـ ــك أن هنان بعض‬
‫التفـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـل في نظريـاتهم جـاءت مختلفـة أمـا الجوهر (األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس والمبـادئ) فهي واحـدة ويرجع هـذا‬
‫االتفاق إلى الظروف التاريخية التي عاشتها الرأسمالية في أوربا في تلك الفترة‪.‬‬
‫‪ -1‬االقتصادي النمساوي كارل منجر ‪.1921- 1840 MENGER‬‬
‫‪ -2‬الرياضي الفلكي اإلنكليزي وليم ستانلي جيفونس ‪.JEVONS 1882-1835‬‬

‫‪239‬‬
‫‪ -3‬المهندس الفرنس ـ ـ ـ ــي ليون فالراس ‪ 1910-1834 EALRAS‬وقد نش ـ ـ ـ ــروا نظرياتهم عن‬
‫النفع الهامشي بين ‪ 1871‬و‪ 1873‬منطلقين من ظاهرة بسيطة‪ :‬شدة الحاجة إلى الشيء تخف شيئاً‬
‫فش ــيئاً لدى إروائها منه تدريجياً‪ ،‬ثم يخلص ــون إلى القول أن الوحدة األخيرة من الش ــيء (على فرض‬
‫أنه قابل للتجزئة)‪ ،‬الوحدة األخيرة في سـ ــلم الرغبات تحدد منفعة الشـ ــيء كله‪ .‬فنذا كانت هذه الوحدة‬
‫األخيرة ال تملك نفعاً (بس ــبب غ ازرة الس ــلعة) فنن قيمتها االقتص ــادية تهبط إلى الص ــفر وربما إلى ما‬
‫تحت الص ـ ـ ـ ــفر إذا كانت الكثة تؤدي إلى الض ـ ـ ـ ــرر‪ .‬وبما أن المنفعة تمثل القيمة‪ ،‬حس ـ ـ ـ ــب رأي هذه‬
‫المدرسة‪ ،‬فنن المنفعة الهامشية تمثل قيمة الشيء (‪.)1‬‬
‫لمـاذا ترتبط فكرة القيمـة بفكرة النـدرة؟ ألن منفعـة كـل وحـدة من الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء تتعلق بغ ازرة الحـاجـات‬
‫الحالية والملحة التي تريد إشباعها‪ .‬ومن الطبيعي أن السلعة تفقد مزية النفع كلما كانت غريزة‪.‬‬
‫وقد قدهم هذا البحث إلى إبداع نظرية المنفعة الحدية للقيمة‪:‬‬
‫‪Theorrie de lutilite Marginale de lavaleur… The marginal utility theory‬‬
‫‪of value‬‬
‫‪ -‬من هـذا االكتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف لم يحفظ فـالراس إال أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس الفكرة ثم يتجـه وجهـة أخرى أمـا جيفونس‬
‫فيحاول أن يتخلص ما أسـ ـ ــما (آلية المنفعة والفائدة الشـ ـ ــخصـ ـ ــية) على أسـ ـ ــاس رياضـ ـ ــي بحت‪ ،‬لكن‬
‫منجر ومؤيديه بوهم بافرن وفون وييز وغيرهم من أسـ ـ ــاتذة جامعة فيينا اسـ ـ ــتثمروا المفهوم في نطاق‬
‫ما سمي بالمدرسة النمساوية التي نحن بصددها اآلن‪.‬‬
‫اعتق منجر وأنصـ ــاره أن كل الوقائع يمكن فهمها على أسـ ــاس مفهوم القيمة الجديدة وأنه اعتبا اًر‬
‫منه يمكنه أن يشــدو بأســلوب االســتدالل آلية الحياة االقتصــادية وذلك بقلب الهرم على أرســه‪ ،‬وهكذا‬
‫فقد قدموا توضحاً جديداً للمفاهيم التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬مفهوم المبادلة‪:‬‬
‫المبادلة تتم بين طرفين يتوخى كل منهما نفعاً بما سـ ـ ــيؤمنه له حصـ ـ ــوله على الوحدة الهامشـ ـ ــية‬
‫التي يتخلى عنها الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم السعر‪:‬‬
‫هنان سـ ــعر وحيد في السـ ــوق بسـ ــبب قانون اإلحالل أو االسـ ــتبدال ‪( substitution‬أي إمكانية‬
‫اس ــتبدال الش ــيء بش ــيء آخر يحل محله) والمبدول ال يمكن أن يكون له س ــعر أكبر من بديله الذي‬
‫يروى نفس الرغبة‪.‬‬
‫‪ -3‬مشكلة األعزاه أو إرجاع قيمة السلعة إلى عوامل إنتاجها ‪:imputation‬‬
‫أمـا منجر فيقول إن تحـديـد ذلـك ال يكون إال بتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور وجود عـامـل اإلنتـاج أو عـدم وجوده‪ ،‬أنـا‬
‫عمل بدون أرس ــمال وأص ــل إلى نتيجة ما‪ ،‬ثم أعمل برأس مال وأص ــل إلى نتيجة أخرى‪ .‬فالفرق بين‬
‫النتيجتين يعطيني مقـدار مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهمـة رأس المـال في عمليـة اإلنتـاج‪ .‬وعنـدمـا نحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل على مقـدار‬

‫‪240‬‬
‫مس ـ ــاهمة رأس المال نحذفه من قيمة الش ـ ــيء‪ ،‬وهكذا نفعل بالنس ـ ــبة لعامل األرض فيكون الباقي هو‬
‫مساهمة العمل‪.‬‬
‫لكن فون ويبزر ‪ Von Wiebser‬ال يقبــل بحــل منجر ألنــه يعتقــد بوجود تعــاون بين العوامــل‬
‫الثالثـة‪ :‬عنـدي ‪ 1000‬عـامـل يعملون مع كميـة معينـة من عوامـل اإلنتـاج األخرى‪ ،‬إذا أبقيـت منهم‬
‫‪ 500‬فقط فال يمكن التأكيد أن النتيجة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتكون النصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف ربما كانت أكبر وربما كانا أقل‪ ،‬يجب‬
‫معرفة كيف سيتصرف نصف العمال إزاء نفس كمية عوامل اإلنتاج المحددة‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬األفكار االقتصادية في مرحلة اإلمبريالية ورأسمالية الدولة االحتكارية‬
‫المدرسة الكينزية‪ :‬تدخل الدولة االقتصادي ‪ -‬جون ميناردكينز (‪:)1946-1883‬‬
‫النظرية العامة‬
‫تحت تأثير األزمة االقتص ـ ـ ــادية العالمية في بداية الثالثينات من القرن العش ـ ـ ـرين نش ـ ـ ــأت بطالة‬
‫جمـاهيريـة كـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـة في البلـدان ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة‪ ،‬حيـث بلغ عـدد العـاطلين عن العمـل في بريطـانيـا عام‬
‫‪ 1936‬حوالي مليون ونص ـ ـ ـ ـ ــف مليون عامل‪ ،‬وارتفع عددهم عام ‪ 1937‬إلى ‪ 1.750‬مليون عامل‪.‬‬
‫وكـانـت الـدولـة قـد قـامـت بتخفيض لقيمـة الجنيـه اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترليني عـام ‪ .1931‬ولم تكن البلـدان األخرى‬
‫أفضل حاالً من إنكلترا‪ ،‬بتأثير هذه الظروف قام كينز بصياغة مبادئ التنهيج الحكومي ـ االحتكاري‬
‫لالقتصاد الرأسمالي من خالل (نظرية العمالة)‪ .‬وقد وضع على أساس هذه النظرية برنامجاً لسياسة‬
‫اقتصـ ــادية مضـ ــادة لألزمات تطبقها الدولة البرجوازية‪ .‬كان الهدف الرئيسـ ــي لهذه النظرية إنقاذ نظام‬
‫اإلنتاج الرأسمالي من االنهيار‪ .‬وفي ذلك الوقت كانت ميزات نظام اإلنتاج االشتراكي كنظام مخطط‬
‫متفوق س ـ ـ ـ ـريع التقدم خالل من األزمات قد برزت وانعكسـ ـ ـ ــت سـ ـ ـ ــلباً على النظريات التبريرية للنظام‬
‫الرأسمالي‪.‬‬
‫لقد وجد كينز أن تطور ال أرسـمالية يصـطدم بتناقضـات حادة ال يمكن أن تزول عفوياً وكان يرى‬
‫أن أهم هذه التناقضات هي‪:‬‬
‫‪ -1‬البطالة الجماهيرية‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم كفاية (الطلب الفعال) على البضائع‪ ،‬الذي يؤدي إلى أن عرض البضائع ال يتطابق‬
‫أوتوماتيكيا مع الطلب عليها‪.‬‬
‫مشكلة البطالة‪:‬‬
‫كـان عـدد من االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديين البرجوازيين في إنكلت ار يطرحون مقولـة (البطـالـة االختيـاريـة) التي‬
‫تقول بأن العمال هم الذين يختارون البطالة طوعاً عندما يرفضـ ـ ــون األجور (االسـ ـ ــمية)‪( ،‬الطبيعية)‬
‫التي يحــددهــا التقــابــل الفعلي للعرض والطلــب في سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق العمــل‪ .‬وكــان أكبر المــدافعين عن هــذه‬
‫الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي اإلنكليزي بيغو‪ ،‬الـذي كـان يقول بـأنـه في حـال زوال جميع القيود أمـام‬
‫المزاحمة (يقص ـ ــد بالقيود الحركة النقابية القوية ونض ـ ــال العمال ض ـ ــد تخفيض أجورهم) فنن البطالة‬
‫سـتزول أوتوماتيكيا‪ .‬وفي ظروف االسـتقرار سـيحصـل على العمل كل راغب فيه‪ .‬ويعتبر البطالة إلى‬
‫حد كبير ناجمة عن ض ـ ـ ـ ــغط النقابات للحفاظ على األجور عند مس ـ ـ ـ ــتوى يزيد عن المس ـ ـ ـ ــتوى الذي‬
‫يحدده تقابل عرض قوة العمل والطلب عليها‪ ،‬ومن وجهة لنظر هذه فنن الوســيلة األســاســية للنضــال‬
‫ضد البطالة هي تخفيض األجور‪.‬‬
‫ويوافق كينز على وجهة نظر بيغو هذا ويؤكد على أن حجم العمالة يتغير في عالقة عكسـ ـ ـ ـ ـ ــية‬
‫مع مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى األجور‪ ،‬يقول‪( :‬يمكن أن تتحقق زيادة التش ـ ـ ـ ـ ـ ــغيل فقط مع تخفيض األجر الحقيقية)‪،‬‬

‫‪242‬‬
‫ويس ـ ــتند في ق ارره هذا إلى نظرية اإلنتاجية الحدية ذات االنتش ـ ــار الواس ـ ــع في االقتص ـ ــاد الس ـ ــياس ـ ــي‬
‫البرجوازي‪ ،‬وتقوم هذه النظرية على ما يسـ ــمى (بقانون اإلنتاجية المتناقضـ ــة) الذي يعتبر شـ ــكالً من‬
‫أشكال (قانون الخصوبة ـ أو الغلة المتناقضة)‪.‬‬
‫وإذ يعلن كينز أن تخفيض األجور الحقيقية هو الشـ ـ ـ ـ ـ ــرط الضـ ـ ـ ـ ـ ــروري لزيادة حجم العمالة‪ ،‬فهو‬
‫يصــب اهتماماً كبي اًر على مســائل ســياســة األجور‪ .‬أنه يقف ضــد التخفيض المباشــر لألجور النقدية‪،‬‬
‫ويعتبر تخفيض األجور الحقيقية عن طريق رفع األسـ ـ ــعار أنسـ ـ ــب الطرق بالنسـ ـ ــبة ألس المال لرفع‬
‫ريعية المشروع‪ ،‬وهو يعتبر هذه الطريقة وسيلة للنضال ضد البطالة‪.‬‬
‫كان كينز يعلم بأن موض ـ ــوعة (البطالة االختيارية) يمكن أن تس ـ ــتثير غض ـ ــب العمال وهو دون‬
‫أن يتخلى عن هذه الموضوعة أكملها باعترافه أن هنان (بطالة إجبارية)‪.‬‬
‫كــان كينز مضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط اًر لالعتراف بــأن الطلــب اإلجمــالي ال يتطــابق بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل حتمي مع العرض‬
‫اإلجمالي للبضائع‪ ،‬وأن نقص الطلب اإلجمالي هو حقيقة واقعة‪.‬‬
‫وكينز كان مض ـ ـ ـ ــط اًر لالعتراف بأن البطالة الجماهيرية واألزمات االقتص ـ ـ ـ ــادية ليس ـ ـ ـ ــت ظواهر‬
‫عرضـ ـ ــية‪ ،‬وقد حاول اإلجابة عن سـ ـ ـؤال أكثر شـ ـ ــموالً هو‪ :‬لماذا يتحدد حجم اإلجمالي للعاملة؟ كما‬
‫رأى أن العالج يكون بتدخل الدولة وخاصــة باالعتماد على ســياســة اســتثمار عامة تضــعها الحكومة‬
‫للتعويض عن نقص االستثما ارت في القطاع الخاص‪.‬‬
‫وهكذا فنن الدولة التي تجد اآلن لدى كينز مبررات تدخلها أكثر من أي وقت مضـ ـ ـ ــى هي التي‬
‫سـيناط بها تحقيق االسـتخدام الكامل وتطبيق أسـس الضـمانات االجتماعية وهذا ما من شـأنه إحداث‬
‫نوع من التحول الجذري في المنحة الذي عرفه حتى اآلن النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫السياسة التمويلية والنقدية‬
‫إن السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــة التي يقترحها كينز في المجال التمويلي والنقدي ترتبط باالعتبارات األسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــية‬
‫لنظريته وهي التي تتعلق بلزوم تحقيق االستخدام الكامل‪.‬‬
‫من ناحية التمويل‪:‬‬
‫تخفيض الفائدة وتوسـيع اإلنفاق في موازنة الدولة‪ :‬ولكي يتم ذلك بشـكل عقالني يجب أن ينتهي‬
‫خضوع السياسة المصرفية للمعيار الذهبي‪ .‬االقتصاد أمر للنقد وليس العكس‪.‬‬
‫أ‪ -‬الفائدة‪:‬‬
‫يجب تخفيض معدل الفائدة‪ ،‬وهذا يدعو المس ــتحدثين إلى تنمية اس ــتثماراتهم (نتيجة ترقبهم لربح‬
‫أكثر) وهكذا يعود للفائدة دورها االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتراتيجي (بعد أن انتزع منها دورهم كناظم لتكوين التوازن بين‬
‫االسـ ـ ـ ـ ــتثمار واالدخار) لتصـ ـ ـ ـ ــبح ناظماً لمسـ ـ ـ ـ ــتوى هذا التوازن‪ ،‬بفضـ ـ ـ ـ ــل ما لها من تأثير على قرار‬
‫المستثمرين‪ :‬إذ كلما صار معدل الفائدة منخفضاً كلما ارتفع مستوى التوازن‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫وال يرى كينز مانعاً من أن يضــاف إلى هذه الســياســة ما جرت عليه بريطانية من سـ ياســة مالية‬
‫تدعى س ـ ــياس ـ ــة (الس ـ ــوق المفتوحة) ‪ Open market‬وهو عبارة عن بيع وشـ ـ ـراء الس ـ ــندات من قبل‬
‫المؤسسات المالية (الصرف المركزي)‪ .‬لكن كينز يقترح أيضاً وسائل أكثر جرأة‪:‬‬
‫ب‪ -‬اإلنفاق عن طريق الموازنة‪:‬‬
‫االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد يـأمر النقـد وهو يجـب كـذلـك أن يـأمر التمويـل الحكومي‪ ،‬ولهـذا تتحتم إعـادة النظر‬
‫بقواعد الموازنة‪:‬‬
‫ألن كينز ال يخاف من تمويل االستثمارات بالقروض والدين العام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ألن سياسته تقوم على ضرورة اإلنفاق الحكومي للتعويض عن نقص اإلنفاق الخاص‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وال يرى مانعاً من أن يكون اإلنفاق عن طريق الموازنة أكبر من موارد تلك الموازنة‪ ،‬وسـ ـ ــياسـ ـ ــة‬
‫التمويل بالعجز هذه هي أبعد من أن تكون سيئة تصبح في نظره عالجاً ناجعاً‪.‬‬
‫من ناحية النقد‪ :‬السياسة النقدية الجديدة – التمويل بالعجز‪:‬‬
‫كينز ال يخاف من اإلص ـ ــدار الذي ال يس ـ ــتند إلى تغطية‪ .‬ذلك ألن معدل الفائدة ينخفض نتيجة‬
‫زيـادة الكتـل النقـديـة المتـداولـة كمـا أن زيـادة النقـد (نتيجـة اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار الـذي هو بيـد الـدولـة تؤدي إلى‬
‫تمويل االستثمارات الحكومية)‪.‬‬
‫وهكذا يصـيغ كينز (وتالميذه من بعده) مفهوماً جديداً للتضـخم النقدي ‪ :inflation‬التضـخم في‬
‫نظره ليس ظـاهرة نقـديـة بـل هو ظـاهرة اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة وبموجـب هـذا المفهوم‪ ،‬ليس كميـة النقـد المتـداولـة‬
‫هي التي تخلق التضـ ـ ـ ـ ــخم‪ :‬وإنما يخلقه عدم التوازن بين العرض والطلب الكليين‪ ،‬وهو نتيجة ارتفاع‬
‫األسـعار خارج حدود االسـتخدام الكامل‪ .‬أما في حالة االسـتخدام الكامل فليس هنان معنى للتضـخم‪،‬‬
‫ومهمة النفس (بتمويله لالســتثمارات واســتمالته لالســتهالن) ليس ليســت إال مهمة تصــحيحية تســاعد‬
‫على رفع مستوى االستخدام والخروج من حالة الضعف االقتصادي‪.‬‬
‫ولقد أعطت الحرب فرصـ ـ ــة لكينز يوضـ ـ ــح فكرته في كتيب صـ ـ ــغير عنوانه (كيف تمول الحرب‬
‫‪ )how to pay for the war‬يبين فيه كيف أدى إنتاج الحرب إلى خلق (فارق) بين التيار النقدي‬
‫الممثل بالدخل الموزع (‪ 100‬مثالً) والتيار الحقيقي الممثل للسـلع االسـتهالكية (‪ )60‬والسـلع الحربية‬
‫(‪ .)40‬ولما كانت الس ــلع األخيرة ال تدخل في الس ــوق فننه كان الزماً للتخلص من التض ــخم‪ ،‬العمل‬
‫على تالفي الفيض النقـدي المعـادل (‪ ،)40‬أمـا بطريقـة الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ارئـب‪ ،‬وإمـا بنظـام جـديـد اقترحـه كينز‬
‫(وطبقته بريطانيا) وهو ما يدعى بنظام (االدخار اإلجباري) بشـ ـ ـ ــكل أجور مؤجلة الدفع (يدفع قس ـ ـ ــم‬
‫من هذه األجور إلى ص ـ ـ ـ ـ ـ ــندوق انتظار بحيث ال تعاد إلى أص ـ ـ ـ ـ ـ ــحاب إال بعد انتهاء الحرب وعودة‬
‫االستهالن إلى حالته الطبيعية)‪.‬‬
‫وهكذا أمس ـ ــى نظام كينز الذي قام للقض ـ ــاء على حالة االنكماش االقتص ـ ــادي ومعالجة مش ـ ــكلة‬

‫‪244‬‬
‫االستخدام نظاماً يقاوم التضخم النقدي نفسه‪ ،‬ولكن على حساب الطبقات المأجورة‪.‬‬
‫ولكن كيف يمكن تخليص االقتص ـ ــاد القومي من وص ـ ــاية المعيار الذهبي دون أن نخلص ـ ــه من‬
‫ســلطة آلية المعيار الذهبي التي تمد يدها إليه من الخارج؟ كيف يمكن مكافحة نقص االســتخدام إذا‬
‫كانت البالد مفتوحة على العالم الخارجي تتلقى منه آثار انكماشه االقتصادي‪.‬‬
‫السياسة التجارية الجديدة ‪ -‬إقامة نظام اقتصادي دولي جديد‪:‬‬
‫وهنا أيض ـ ـ ـ ـاً يبقى كينز منطقياً مع أفكاره‪ :‬فهو يرى أنه في النظام الكالسـ ـ ـ ــيكي تنعدم الوسـ ـ ـ ــيلة‬
‫الداخلية للكفاح ضـد البطالة ويقتصـر العالج على الوسـائل الخارجية التي تنشـد االزدهار عن طريق‬
‫التص ــدير‪ .‬لكن س ــياس ــة كهذه إذا نجحت بالنس ــبة لدولة فهي ال تنجح بالنس ــبة لألخرى‪ ،‬ألن س ــياس ــة‬
‫التص ــدير تنقل مش ــكلة البطالة إلى البالد األقل ض ــعفاً في الصـ ـراع وهذا يعني أن س ــياس ــة التص ــدير‬
‫تقيم بين األوطان حالة من النزاع ال تخدم الس ـ ـ ــلم‪( .‬لم تخترع البشـ ـ ـ رية –في رأي كينز‪ -‬نظاماً أكثر‬
‫فاعلية من نظام المعيار الذهبي الدولي لجعل مصالح األوطان المختلفة في عداء مستمر)‪.‬‬
‫أما في االقتصـ ـ ــاد (الكينزي) فنن التفتيش عن وسـ ـ ــائل تحقيق االسـ ـ ــتخدام الكامل إنما يتم داخل‬
‫الوطن نفســه‪ :‬إقامة مصــالح قومية تتم بموجب اســتثمارات وطنية متحررة من قواعد المعيار الذهبي‪.‬‬
‫مما يؤدي إلى اتكال الدولة على نفس ـ ـ ـ ــها بحيث ال يعود هم الدولة عرض بض ـ ـ ـ ــائعها في الخارج أو‬
‫طلب بضـ ـ ـ ــائع جارتها أو رفضـ ـ ـ ــها‪ .‬وهكذا يرى كينز أن الحماية الجمركية من شـ ـ ـ ــأنها زيادة العمالة‬
‫داخل البالد (وهنا نرى كينز يقترب كثي اًر من المركانتيليين)‪.‬‬
‫ال شـ ــك أن كينز ال يجعل ماذا تعني سـ ــياسـ ــة االكتفاء الذاتي إذا طبقها هكذا دول العالم‪ ،‬ولكنه‬
‫أراد أن يسـ ـ ــجل بذلك قناعته بأن الدولة التي تريد التخلص من البطالة والضـ ـ ــعف االقتصـ ـ ــادي إنما‬
‫يجب أن تعتمد قبل كل شــيء على نفســها‪ ،‬وأن توجد العناصــر التي تقيها الشــرور التي تغزوها من‬
‫الخارج‪ .‬وهو ينتقد األسـ ــاس النظري (لحرية العمل) (القائمة على آلية حركة الذهب المسـ ــتقلة معدل‬
‫الفائدة) يقترح أيضاً إقامة نظام تبادل دولي جديد‪.‬‬
‫‪ -‬المدرسة الكنزية الجديدة‪:‬‬
‫تيار فكري اقتص ـ ـ ــادي حديث يقوم على معالجة مش ـ ـ ــاكل االقتص ـ ـ ــاد ال أرس ـ ـ ــمالي المعاص ـ ـ ــر من‬
‫منظور االس ــتقرار االقتص ــادي الكنزي حيث يمكننا اإلش ــارة إلى أبرز رواده‪ :‬روبرت س ــوس ــو‪ ،‬جيمس‬
‫توين‪ ،‬وكذلك فرانكو مودلياني‪.‬‬
‫إذ قام هؤالء بتبني السـ ـ ــياسـ ـ ــات االقتصـ ـ ــادية الكنزية ونادوا بتطبيقها وتعميمها كونها ومن وجهة‬
‫نظرهم تمثل اآللية األكثر آمناً وفاعلية في ترسـ ـ ـ ـ ـ ــيخ االسـ ـ ـ ـ ـ ــتقرار االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي وخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة في حال‬
‫االقتصــاديات ال أرســمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وقد اســتمرت أفكارهم تعتبر األفضــل‬
‫واألرقى عالمياً منذ نهاية الحرب الكونية الثانية حتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫والكنزية الجديدة اتجهت من حيث منطقية التفكير االقتص ـ ــادي كس ـ ــابقتها " الكنزية " من عوامل‬
‫الطلب ودورها المتميز في تحليل وتوجيه وبالتالي إدارة االقتصـ ــاديات ال أرسـ ــمالية وتحقيق االسـ ــتقرار‬
‫واالستم اررية لها‪.‬‬
‫المسائل االقتصادية التي تناولتها الكنزية الجديدة‪:‬‬
‫كــان على الكنزيين الجــدد أن يقــدموا تحليالً منطقي ـاً وحلوالً نــاجعــة لمواجهــة أبرز مشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالت‬
‫االقتصاديات الرأسمالية في الفترة المشار إليها " ‪ " 1973 – 1945‬والتي تمثلت فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬التضخم‪.‬‬
‫‪ -2‬الركود‪.‬‬
‫‪ -3‬البطالة‪.‬‬
‫وهي مش ــكالت ما زالت تقلق خبراء االقتص ــاد المعاص ـرين حتى يومنا هذا لكن ما نحن بص ــدده‬
‫اآلن هو إيض ــاح التفس ــير الذي قدمه هؤالء االقتص ــاديون لهذه المش ــكالت من حيث معرفة أس ــبابها‬
‫وطرق معالجتها‪.‬‬
‫األســباب‪ :‬يرى الكنزيون الجدد أن هشــاشــة االســتقرار االقتصــادي الذي عانت منه االقتصــاديات‬
‫ال أرس ـ ــمالية وما زالت تعاني منه إنما يحص ـ ــل بس ـ ــبب جملة من الص ـ ــدمات تلقتها االقتص ـ ــاديات ولم‬
‫تحسـن التعامل معها‪ ،‬وهي بمجملها صـدمات أصـابت جانب العرض وليس جانب الطلب حيث كان‬
‫أبرزها‪.‬‬
‫‪ -1‬ارتفاع أسـعار النفط الذي كان وما زال يمثل عصـب الحياة االقتصـادية المعاصـر‪ .‬فمنذ قيام‬
‫حرب تشرين التحريرية عام ‪ 1973‬وتضامن عدد من الدول العربية المنتجة للنفط مع دول المواجهة‬
‫بدأت أس ـ ـ ـ ــعار النفط باالرتفاع ض ـ ـ ـ ــمن اتجاه عام مما يرفع الكلف اإلنتاجية ويقلق المس ـ ـ ـ ــتثمرين في‬
‫البلدان الرأسمالية‪.‬‬
‫‪ -2‬تقلبات أسـ ـ ــعار الصـ ـ ــرف‪ :‬وهو عامل على جانب كبير من األهمية نظ اًر العتماد األس ـ ـ ـواق‬
‫الرأسمالية على التعامالت الخارجية بشكل كبير مما يعيد هذه االقتصاديات عن االستقرار والثبات‪.‬‬
‫‪ -3‬تقلبات أسـ ــعار الفائدة‪ :‬إذ أنها تعبر عن تغيرات جوهرية في أس ـ ـواق المال مع ميل دائم إلى‬
‫االرتفاع مما يخفف من كمية االستثمارات ويمارس تأثي اًر جوه اًر على منحنيات العرض‪.‬‬
‫‪ -4‬هذا باإلض ـ ـ ـ ــافة إلى جملة من الض ـ ـ ـ ــغوطات االقتص ـ ـ ـ ــادية التي تعاني منها االقتص ـ ـ ـ ــاديات‬
‫ال أرس ــمالية والتي من العس ــير جداً التعامل معها أو توجيهها لتحقيق االس ــتقرار االقتص ــادي المنش ــود‬
‫والتي تمثلت بـ‪:‬‬
‫الدور المتنامي لالحتكارات ال أرس ـ ـ ــمالية في رس ـ ـ ــم الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــة االقتص ـ ـ ــادية لل أرس ـ ـ ــمالية‬ ‫•‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫نقابات العمال‪ :‬والتي تأخذ يوماً بعد يوم دو اًر متنامياً في الحفاظ على مكتســبات الطبقة‬ ‫•‬

‫‪246‬‬
‫العاملة في تلك االقتصاديات والعمل على تعظيمها وزيادتها‪.‬‬
‫النتائج التي توصل إليها الكنزيون الجدد‪:‬‬
‫‪ -1‬االنطالق من معارضة أفكار المدرسة النقدية المطالبة بنبعاد الدولة عن النشاط االقتصادي‬
‫ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــاليــة ومــا يحملــه هــذا اإلجراء من زيــادة في معــدالت البطــالــة مع قبول فكرة معــدل البطــالــة‬
‫الطبيعي كتفسير سهل لمشكلة البطالة‪.‬‬
‫‪ -2‬وكذلك معارض ـ ــتهم للنقديين في تبني معدل ثابت لنمو عرض النقود في االقتص ـ ــاد لمعالجة‬
‫مشـ ـ ـ ـ ــاكل التضـ ـ ـ ـ ــخم والركود إذ أن هذا اإلجراء برأيهم لن يكون ناجحاً في معالجة الصـ ـ ـ ـ ــدمات التي‬
‫تصيب جانب العرض عادة‪.‬‬
‫‪ -3‬االنطالق من ض ــرورة تحقيق االس ــتقرار االقتص ــادي للبلدان ال أرس ــمالية إذ أن االقتص ــاديات‬
‫القائمة على المش ـ ــروعات الخاص ـ ــة والمس ـ ــتخدمة للنقود ال يمكنها االس ـ ــتمرار بوض ـ ــع قلق بعيد عن‬
‫الثبات وإن االسـ ـ ــتقرار الذي نتحدث عنه ال بد وأن يحقق وإال قوضـ ـ ــت عوامل القلق التطور السـ ـ ــليم‬
‫لهذه االقتصاديات وعملت على انهيارها‪.‬‬
‫‪ -4‬إن من أخطر المش ـ ــكالت التي تعاني منها ال أرس ـ ــمالية اليوم هي مش ـ ــكلة الركود التض ـ ــخمي‬
‫والذي برأيهم يمثل مرضـاً عضــال ال بد من عالجه كي تســتمر اآللية االقتصــادية ال أرســمالية بالعمل‬
‫وعند البحث عن أســباب هذه المشــكلة ينطلق الكنزيون الجدد من أنها مشــكلة قد وقعت بســبب جملة‬
‫من صــدمات العرض باإلضــافة إلى قوة االحتكارات ال أرســمالية والبحث عن مصــالحها بغض النظر‬
‫عن حاجات االقتص ــاد واعتماد مبدأ األجور التعاقدية الذي يعمل على تثبيت األجور " كعامل تكلفة‬
‫" وتعطيل آلية العرض والطب في سـ ـ ــوق العمل ناهيك عن أخطاء السـ ـ ــياسـ ـ ــتين المالية والنقدية في‬
‫البلدان الرأسمالية والمتجسدة بزيادة اإلنفاق العام الغير مترافق مع زيادة معدالت الضرائب‪.‬‬
‫‪ -5‬إن االقتصـ ـ ــاديات ال أرسـ ـ ــمالية تدور في حلقة مفرغة وال بد للمجتمع ال أرسـ ـ ــمالي إن حاول أن‬
‫يعالج مشـكلة ما من أن يقدم جملة من التضـخمات على شـكل مشـاكل أخرى فعالج مشـكلة التضـخم‬
‫مثالً عن طريق الســياســات المالية والنقدية " ضــبط عرض النقود " ســوف تقود حتماً باالقتصــاد إلى‬
‫أن تقع في مص ــيدة البطالة‪ ،‬والبطالة ال تعالج إال من خالل زيادة معدالت النمو االقتص ــادي وزيادة‬
‫اإلنفاق العام مما يقود إلى التضخم من جديد‪.‬‬
‫‪ -6‬إن االســتمرار االقتصــادي الذي تنشــده ال أرســمالية اليوم من الممكن الوصــول إليه من خالل‬
‫ســياســات مالية ونقدية رشــيدة وعندما تكون المشــكلة في عدم االســتقرار االقتصــادي ناتجة عن قوى‬
‫الطلب والطلب الفعال فالحل يكون بنتباع السياسة الكنزية في هذا المجال والتي تم تجريبها سابقاً‪.‬‬
‫أما عندما يكون األمر متعلق بصدمات العرض " وهي ذات طابع خارجي على األغلب فننه ال‬
‫توجد في هذا المجال وصـفة سـحرية جاهزة لمعالجتها إذ تصـح آلية الطلب الكلي الكنزي عاجزة عن‬
‫حلها وعندها ال يمكن للمجتمع أن يتخطى مثل هذه المش ـ ــكلة دون تقديم تض ـ ــحيات على مس ـ ــتويات‬

‫‪247‬‬
‫أخرى وفي مجاالت أخرى ويبقى للقائمين على السياستين المالية والنقدية القرار‪.‬‬
‫‪ -‬المدرسة النقدية‪ :‬مدرسة شيكا و‬
‫في الربع األخير من القرن الماضي تعاظمت الدراسات االقتصادية التي حاولت بشكل أو بتخر‬
‫معالجة جملة المعضـ ــالت التي عانى وما زال يعاني منها النظام ال أرسـ ــمالي المعاصـ ــر والتي أشـ ـرنا‬
‫إليها سـ ــابقاً والمتمثلة بالركود والتضـ ــخم والبطالة ومن جملة الد ارسـ ــات المعالجة للمشـ ــكلة أنفة الذكر‬
‫برزت مفاهيم المدرسـ ـ ــة االقتصـ ـ ــادية النقدية كتيار فكري جديد يقدم وجهة نظر ومجموعة أفكار نيرة‬
‫لمعالجتها‪.‬‬
‫والمدرس ــة النقدية من حيث النش ــأة فقد كانت نش ــأتها في الواليات المتحدة األمريكية وتحديداً في‬
‫مدينة شـ ـ ــيكاغو وقد مثل أسـ ـ ــاتذة جامعتها رواداً لهذه المدرسـ ـ ــة التي تضـ ـ ــم أسـ ـ ــماء المعة في الفكر‬
‫االقتصـ ــادي أمثال فريدمان وهوتري وفيكسـ ــل وهايك وجمعيهم قاموا بتوحيد وجهة نظرهم في معالجة‬
‫مش ـ ــاكل ال أرس ـ ــمالية المعاص ـ ـرة‪ ،‬مس ـ ــتندين بذلك إلى جملة أفكار المدرس ـ ــة النيوكالس ـ ــيكية في الفكر‬
‫االقتصادي والتي تصدت إلى مذهب االشتراكية العلمية‪.‬‬
‫واس ـ ـ ــتطاعت أن تحدث نقلة نوعية في آلية التحليل االقتص ـ ـ ــادي وبش ـ ـ ــكل خاص من كليته إلى‬
‫جزئيته‪ .‬حيث تؤكد الد ارسـات أن أنصـار المدرسـة النيوكالسـيكية قد اعتمدوا فكرة التحليل االقتصـادي‬
‫الجزئي عوض ـ ـ ـ ـاً عن الكلي محققين بذلك إنجا اًز يس ـ ـ ـ ــجل لهم في تفريغ علم االقتص ـ ـ ـ ــاد ومن محتواه‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فنن أنصـ ــار المدرسـ ــة االقتصـ ــادية النقدية يسـ ــتندون إلى النيوكالسـ ــيكية في‬
‫فكرهم وينطلقون قدماً من خالل إعطاء النقود دو اًر حاسـ ــماً وحيوياً في االقتصـ ــاديات ال أرسـ ــمالية لهذا‬
‫سميت مدرستهم بالمدرسة النقدية‪.‬‬
‫المنطلق األسـ ـ ــاسـ ـ ــي للمدرسـ ـ ــة النقدية‪ :‬إن النظام االقتصـ ـ ــادي ال أرسـ ـ ــمالي هو نظام اقتصـ ـ ــادي‬
‫اجتماعي مســتقر من حيث المبدأ‪ ،‬وال أرســمالية كنظام قادر على إحالل التوازن بين جملة المؤش ـرات‬
‫الناظمة لعملها وإن االختالالت ناشـ ـ ـ ــئة عن التدخل في آلية وصـ ـ ـ ــيرورة عمل القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية‬
‫الرأسمالية نفسها‪.‬‬

‫يرى النقديون أن االختالل المعاصـ ـ ــر في االقتصـ ـ ــاديات ال أرسـ ـ ــمالية ما هو إال اختالل حاص ـ ــل‬
‫نتيجة تغلغل الفكر النقابي المطالب بتحقيق زيادات مسـ ــتمرة في األجور في سـ ــوق العمل مما يخرج‬
‫األسـ ـواق ال أرسـ ــمالية عن مؤشـ ـرات تشـ ــكل األجر كعنصـ ــر من عناصـ ــر التكلفة وفق عوامل العرض‬
‫والطلب ومن هنا يبدأ االختالل وعدم التوازن وينتقل ليحمل معه جملة اختالالت أخرى على مستوى‬
‫االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـات ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة بـأكملهـا‪ ،‬والحقيقـة التي يحـاول النقـديون تـأكيـدهـا في هـذا المجـال هو‬

‫‪248‬‬
‫االنطالق من ضـ ــرورة تخلي الدولة ال أرسـ ــمالية عن دورها االقتصـ ــادي لتعود إلى دورها اإلداري فقط‬
‫وبهذا يعود التوازن إلى هذه االقتصـاديات ويسـتمر النظام االقتصـادي ال أرسـمالي بسـهولة ويسـر بعيداً‬
‫عن األزمات‪.‬‬
‫النقديون يعاررون الكنزية‪:‬‬
‫إذا كان النقديون ينطلقون من إعطاء النقود دو اًر هاماً وحاسـماً في النشـاط االقتصـادي وينسـجون‬
‫من خالل هذا الدور نظرية اقتص ــادية متكاملة فهم بذلك يتفقون مع جون مينارد كينز الذي يعارض‬
‫أفكار المدارس الكالسيكية والنيوكالسيكية التي تهمش دور النقود وتعتبرها وسيلة للتداول فقط‪.‬‬
‫والحقيقة أن الخالف بين الكنزية والنقدية من حيث الجوهر ال يتوقف على أن إحداها يسـ ـ ـ ـ ــتخدم‬
‫التحليل والمؤشـ ـرات النقدية واآلخر ال يس ــتخدمه وإنما الخالف حول كيفية القيام بهذا التحليل والدور‬
‫المعطى للنقود في رسم السياسة االقتصادية العامة وقدرتها على تحقيق النتائج المرجوة‪.‬‬
‫من هن ــا نقول إن جون مين ــار وكينز ق ــد أعطى للنقود أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً دو اًر ه ــام ـاً في ح ــدوث ال ــدورة‬
‫االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية واس ـ ـ ـ ـ ــتخدامها في تحليله النقدي وما تحليل كينز لمس ـ ـ ـ ـ ــتويات التوظيف واالس ـ ـ ـ ـ ــتثمار‬
‫ال أرســماليين المســتند أســاس ـاً للتغيرات التي تصــيب ســعر الفائدة المرتبط بالميل الحدي لالســتثمار ما‬
‫هو إال تحليالً نقدياً‪.‬‬
‫فض ـ ـ ـالً من هذا وذان وإن س ـ ـ ــعر الفائدة كمؤش ـ ـ ــر اقتص ـ ـ ــادي يس ـ ـ ــتخمه كينز في زيادة معدالت‬
‫االسـتثمار واالسـتهالن ما هو إال مؤشـر نقدي في الحقيقة ويتحدد كما الجميع يعلم من خالل تقاطع‬
‫منحنيات عرض النقود وطلبها والنقديون يدركون ذلك جيداً والخالف األس ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ــي الذي يركز عليه‬
‫النقديون معارضـ ـ ــتهم لكينز إنما يتركز في آلية التحليل النقدي الذي اعتمده كينز إذ أنهم ينتقدوه في‬
‫ذلك ويقدمون تحليالً آخ اًر بديالً يعبر عن فهم جديد لدور النقود في تحقيق االسـ ـ ـ ــتقرار االقتصـ ـ ـ ــادي‬
‫الرأسمالي المنشود‪.‬‬
‫أوالً‪ -‬فيما يخص سـ ـ ـ ــعر الفائدة وهو كما رأينا سـ ـ ـ ــابقاً أن كينز يعول عليه كثي اًر في الخروج من‬
‫أزمات التوظيف واالســتثمار واالســتهالن نرى النقديون بذلك ويعتبرونه مخطئاً مســتندين بقرارهم هذا‬
‫إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إن قرار المسـتثمرين وبشـكل خاص منتجي وسـائل اإلنتاج في المدى القصـير ال يتأثر ب ـسعر‬
‫الفائدة وتخفيضـه كما يعتقد كينز وخاصـة إذا ما كان سـعر الفائدة هذا ال يشـكل إال جزءاً بسـيطاً من‬
‫التكلفة‪.‬‬
‫‪ -2‬في المدى الطويل يعتقد النقديون أن العامل األسـاسـي والمؤثر في قرار اسـتثمار المسـتثمرين‬
‫ال يس ـ ــتند إلى تخفيض أو رفع س ـ ــعر الفائدة‪ ،‬وإنما قرار االس ـ ــتثمار هذا يس ـ ــتند بش ـ ــك أس ـ ــاس ـ ــي إلى‬
‫مجموعة من العوامل األخرى كالتقدم التكنولوجي أو النمو الس ـ ـ ـ ــكاني وأيضـ ـ ـ ـ ـاً الس ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ــات العامة‬

‫‪249‬‬
‫للدولة‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ثانياً‪ -‬يعتبر النقديون أنه في االقتص ــاد ال أرس ــمالي ليس هنان ما يؤكد وجود عالقة مباشـ ـرة بين‬
‫مستوى االستثمار وسعر الفائدة وهذا ما يشكل تقويضاً للنظرية الكنزية وتضاد مباشر معها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ -‬كلنا نعلم أن كينز في تحليله آللية الخروج من األزمات االقتص ـ ـ ــادية ال أرس ـ ـ ــمالية يكس ـ ـ ــر‬
‫قواعد التوازن الكالسـيكية والنيوكالسـيكية وخاصـة توازن عرض النقود مع الطلب عليها ويقدم سـياسـة‬
‫التمويل بالعجز كحل للركود االقتصـ ـ ــادي خلق الطلب الفعال وبهذا يكمن جوهر معارضـ ـ ــة النقديون‬
‫له‪.‬‬
‫إذ أن سياسة التمويل بالعجز كحل من وجهة نظر النقديين إلى اإلخالل بمستوى التوازن النقدي‬
‫في االقتصـ ــاد وأن النتيجة المباش ـ ـرة لزيادة عرض النقود " التمويل بالعجز " سـ ــوف تكون الوقوع في‬
‫مصــيدة التضــخم التي أصــبحت قضــية العصــر ومســألة اقتصــادية يكلف غالباً معالجتها أو الحد من‬
‫آثارها والخروج منها‪.‬‬
‫رابعاً‪ -‬لقد اعتمد كينز س ـ ـ ــياس ـ ـ ــة التمويل بالعجز في زيادة عرض النقود بقص ـ ـ ــد زيادة التش ـ ـ ــغيل‬
‫وخلق الطلب الفعال‪ ،‬لكن واقع االقتصـ ـ ـ ــاديات ال أرسـ ـ ـ ــمالية يؤكد أنه وخاصـ ـ ـ ــة في الربع األخير من‬
‫القرن الماضـ ــي لم تترافق نسـ ــبة الزيادة في معدالت التشـ ــغيل مع نسـ ــبة الزيادة في عرض النقود‪ ،‬أو‬
‫بتعبير آخر إن هذه السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــة الكنزية لم تكن فاعلة بما يكفي لزيادة معدالت التشـ ـ ـ ــغيل‪ ،‬مما أوقع‬
‫االقتصاديات الرأسمالية في براثن البطالة المترافقة مع التضخم‪.‬‬
‫وهذا ما عبر عنه بالداء الجديد لل أرســمالية المعاص ـرة " ظاهرة الركود والتضــخمي لهذه األســباب‬
‫مجتمعة وقف النقديون وبش ـ ــكل خاص ميلتون فريدمان بقوة وجه الكنزية مظه اًر خطئها ومس ـ ــؤوليتها‬
‫عما أصـاب االقتصـاديات ال أرسـمالية نتيجة إهمالها للسـياسـة النقدية في النشـاط االقتصـادي متوصـالً‬
‫إلى نتيجة مفادها‪ :‬إن ال أرس ـ ــمالية لم تكن لتص ـ ــاب بداء الركود التض ـ ــخمي لوال تطبيقها الس ـ ــياس ـ ــات‬
‫الكنزية‪.‬‬
‫ومن جديد بدأ فريدمان وأنص ـ ـ ـ ــاره من رواد المدرس ـ ـ ـ ــة النقدية يظهرون األهمية المحورية للعامل‬
‫النقدي ويعتبرونه نقطة االنطالق األسـ ــاسـ ــية في التبنؤات المسـ ــتقبلية ورسـ ــم السـ ــياسـ ــات االقتصـ ــادية‬
‫العامة أيضاً وهذا سمي من قبل فريدمان نفسه " بالثورة النقدية المضادة "‪.‬‬
‫جوهر النظرية النقدية لفريدمان‪:‬‬
‫ينطلق فريدمان في عرض نظريته النقدية من أن النظام ال أرســمالي هو نظام مســتقر بطبيعته أو‬
‫بتعبير آخر إن العمل وفق القوانين االقتصـادية ال أرسـمالية سـوف يحقق االسـتقرار لهذه االقتصـاديات‬
‫بش ـ ــكل حتمي فيما لو نزلت قوانين ال أرس ـ ــمالية تفعل مفاعيلها بش ـ ــكل ص ـ ــحيح‪ .‬ثم يتابع فريدمان في‬
‫عالجه لمش ـ ـ ـ ـ ــكالت النظام ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالي المعاص ـ ـ ـ ـ ــر والمتمثلة بالتض ـ ـ ـ ـ ــخم والبطالة والركود " الركود‬

‫‪250‬‬
‫التضــخمي " منطلقاً من حقيقة أن هذه المشــكالت ناتجة بفعل التقلبات الكبيرة التي تصــيب الرصــيد‬
‫النقدي للدولة‪.‬‬
‫أي أن فريدمان يعتبر أن سـ ــياسـ ــة التمويل بالعجز التي نادى بها جون منارد كينز والتي تنطلق‬
‫من كونها تعمل على زيادة عرض النقود في االقتصاد وهي المسؤولة عن خلق مشكلة التضخم وما‬
‫ينتج عنها من ارتفاع في األس ـ ـ ــعار باإلض ـ ـ ــافة إلى مش ـ ـ ــكالت الركود االقتص ـ ـ ــادي وارتفاع معدالت‬
‫البطالة‪.‬‬
‫واس ــتناداً إلى ما تقدم يؤكد فريدمان أن التغيرات التي تص ــيب مس ــتويات الدخل الناتج والتوظيف‬
‫في االقتصـ ــاديات ال أرسـ ــمالية مردها تغيرات في عرض النقود‪ ،‬وإن إتباع الدول ال أرسـ ــمالية للوصـ ــفة‬
‫الكنزية " التمويل بالعجز " قد خلق اختالالت في آليات عمل النظام ال أرس ـ ــمالي المعاص ـ ــر والتي ال‬
‫يمكن معالجتها إال من خالل تصـ ـ ــحيح األوضـ ـ ــاع النقدية لهذه الدول وإعادة التوازن ألس ـ ـ ـواق المال‬
‫وهذا هو المدخل األساسي لحل مشكالت النظام االقتصادي الرأسمالي المعاصر‪.‬‬
‫كما يمكن إيضاح جوهر التحليل النقدي لفريدمان وفق ما يلي‪:‬‬
‫إذا ما كانت الس ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ــة الكنزية التي طبقتها الدولة ال أرس ـ ـ ـ ــمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية‬
‫الثانية قد قادت إلى التضــخم والركود بســبب التوســع في اإلصــدارات النقدية " زيادة عرض النقود "‬
‫فنن الخروج من هذه المعضــلة يتطلب العودة إلى التأثير في كمية النقود على المســتوى االقتصــادي‬
‫وإعادة مسـ ـ ـ ـ ــتوى عرض النقود إلى الحدة الذي نسـ ـ ـ ـ ــتطيع من خالله تجاوز هذه األزمة‪ .‬ولتبيان أثر‬
‫العامل النقدي فيجب حل المعض ـ ــالت الس ـ ــابقة‪ ،‬ينطلق فريدمان من فرض ـ ــية أن البنك المركزي في‬
‫دولة ما س ــوف يتبع س ــياس ــة نقدية توس ــعية مما يقض ــي حتماً الزيادة في عرض النقود على مس ــتوى‬
‫االقتصــا د عن طريق قيام القائمين بأعمال هذا البنك بشـراء الســندات الحكومية وهذا ما ســوف يؤدي‬
‫إلى زيادة الطلب على هذه السـ ـ ـ ـ ـ ــندات وارتفاع أسـ ـ ـ ـ ـ ــعارها وتخفيض العائد عليها‪ ،‬وهذا طبعاً متعلق‬
‫بشـ ـ ـ ــكل أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــي بنجراء قام به البنك المركزي في هذه الدولة‪ ،‬أما األفراد ونتيجة بيعهم السـ ـ ـ ــندات‬
‫ال حكوميـة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف تزداد كميـة النقـد بين أيـديهم زيـادة كبيرة ممـا يـدفعهم إلى إنفـاق هـذه النقود على‬
‫االسـ ـ ـ ــتهالن واألصـ ـ ـ ــول العينية من أراض وعقارات مما يرفع أسـ ـ ـ ــعارها انطالقاً من أن الطلب على‬
‫النقود حســب رأي فريدمان ثابت في األجلين القصــير والمتوســط وهنا يتوصــل فريدمان إلى اســتنتاج‬
‫على درجة بالغة من األهمية هو اتباع المص ـ ـ ــارف المركزية لس ـ ـ ــياس ـ ـ ــة توس ـ ـ ــعية تعمل على تحقيق‬
‫زيادات في عرض النقود مما يقود إلى زيادة اإلنفاق على االس ــتهالن واالس ــتثمار وبالتالي زيادة في‬
‫الطلب الكلي سوف يكون لها أثار متباينة حسب حالة التشغيل السائد في االقتصاد‪.‬‬
‫أ‪ -‬إذا كان االقتصـاد يعمل في مرحلة التوظيف الناقص فنن اتباع هذه السـياسـة سـيقود إلى زيادة‬
‫في التوظيف واإلنتاج وتخفيض معدل البطالة‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫ب‪ -‬إذا كان االقتصـاد يعمل في مرحلة التوظيف الكامل أو إن هذه السـياسـة التوسـعية قد اسـتمرت‬
‫فترة طويلة من الزمن فننها سوف تؤدي حتماً إلى التضخم‪.‬‬
‫أما في الحالة المعاكسـ ـ ــة أي حال اعتماد البنك المركزي لدولة‪ ،‬باعتماده سـ ـ ــياسـ ـ ــة انكماشـ ـ ــية "‬
‫انكماش نقدي متعمد " فنن هذا يقتض ــي أن يقوم البنك المركزي لهذه الدولة ببيع الس ــندات الحكومية‬
‫وه ــذا م ــا يقل ــل من عرض النقود ويخفض من حي ــث النتيج ــة كمي ــة النق ــد المتوافرة لألفراد ويخفض‬
‫الطلب الكلي مما يزيد من معدالت البطالة ويحدث انكماش في مستوى األعمال واإلنتاج‪.‬‬
‫وبذلك تكون الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــة النقدية التي تعتمدها الدولة ال أرس ـ ـ ــمالية هي العامل الحاس ـ ـ ــم في حدوث‬
‫ومعالجة أخطر مشاكل الرأسمالية المعاصرة المتمثلة بالركود التضخمي‪.‬‬
‫تحليل نقدي‪:‬‬
‫إن الغاية والمقص ــد من عرض التحليل التالي لفريدمان هو إبراز إحدى أهم النتائج التي توص ــل‬
‫إليها هذا االقتص ـ ـ ــادي والتي تمثل طعنة حقيقية للمدرس ـ ـ ــة االقتص ـ ـ ــادية الكنزية والمتمثلة بأنه وعلى‬
‫المدى الطويل ال توجد أية عالقة بين التضخم والبطالة‪.‬‬
‫ولشـ ــرح هذه الفكرة بالذات ينطلق فريدمان من فرضـ ـ ية أن أحد المصـ ــارف المركزية لدولة ما قد‬
‫قام بتطبيق ســياســة انكماشــية " التقليل من عرض النقود " كوســيلة لمكافحة التضــخم وبرأي فريدمان‬
‫فنن تطبيق هذه الس ـ ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ـ ــة لن يؤدي فو اًر إلى التأثير على معدالت األس ـ ـ ـ ـ ــعار واألجور ويقود إلى‬
‫خفضـها أو بتعبير آخر إن مرونة األسـعار واألجور تجاه هذه السـياسـة االنكماشـية سـوف تكون قليلة‬
‫أو باألحرى ليست فورية‪.‬‬
‫إذ أن فريدمان يعتقد أن تطبيق الس ــياس ــة االنكماش ــية هذه " تخفيض عرض النقود والتي تتطلب‬
‫نزول المصـ ــرف المركزي إلى السـ ــوق بصـ ــفته بائعاً للسـ ــندات الحكومية قليل من كمية النقد المتوافرة‬
‫لدى األفراد مما يخفض في معدالت الطلب الكلي على مسـ ـ ــتوى االقتصـ ـ ــاد وهذا بحد عينه مكافحة‬
‫جادة للتض ـ ــخم وما ينتج عنه من ارتفاع باألس ـ ــعار لكن فريدمان ال يرى في هذه الس ـ ــياس ـ ــة تخفيض‬
‫فوري لمعدالت األســعار واألجور على مســتوى االقتصــاد وحجته في ذلك أنه ال بد وأن تمضــي فترة‬
‫من الزمن على تطبيق السـ ــياسـ ــة االنكماشـ ــية حتى يقوم رجال األعمال بتفهم هذه السـ ــياسـ ــة وتعديل‬
‫خططهم اإلنتاجية بما يتوافق معها ويخفضون بالتالي من مستويات اإلنتاج‪.‬‬
‫أمـا فيمـا يخص العمـال العـاطلين عن العمـل فيرى فريـدمـان إنـه ال بـد من مرور فترة من الزمن‬
‫حتى يقتنعوا بتخفيض معــدالت األجور " إذ أن هنــان فئــة من العمــال العــاطلين يرفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون العمــل‬
‫بأجور قليلة ظناً منهم أنهم سوف يجدون عمالً أفضل في المستقبل القريب وبأجر أعلى " وفقط بعد‬
‫مرور هذه الفترة س ـ ــوف يقتنع العمال العاطلين عن العمل بمس ـ ــتويات األجور المنخفض ـ ــة كتعويض‬
‫لقوة عملهم‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫ومعنى ذلك أن معدالت األســعار واألجور لن تتكيف فو اًر مع انخفاض عرض النقود " الســياسـة‬
‫االنكماشـ ــية " وإن ارتفاع األسـ ــعار والبطالة سـ ــوف تسـ ــتمر فترة من الزمن على الرغم من السـ ــياسـ ــة‬
‫االنكماشية‪.‬‬
‫ومن ثم يتوصـ ـ ــل فريدمان إلى نتيجة على درجة بالغة من األهمية محتواها أن التضـ ـ ــخم ظاهرة‬
‫نقدية مس ـ ـ ـ ــتقلة عن ظواهر ارتفاع األجور وض ـ ـ ـ ــغط النقابات العمالية أما البطالة فهي ظاهرة راجعة‬
‫باألص ــل إلى تدخل الدولة في الحياة االقتص ــادية على نحو يعطل آلية األس ــعار في س ــوق العمل إذ‬
‫أن منطلق الس ــوق ال أرس ــمالي يقتض ــي انخفاض األجور عندما يزيد عرض العمل عن الطلب عليه‪.‬‬
‫وبهذا يرى فريدمان والنقديون من خلفه أن إعانات البطالة المطبقة في البلدان ال أرس ـ ــمالية تتجاوز ما‬
‫يسـ ـ ـ ـ ـ ــمى فكرة معدل البطالة الطبيعي المترافق مع حالة االسـ ـ ـ ـ ـ ــتقرار النقدي وأن أية محاولة من قبل‬
‫الـدولـة لمعـالجـة عن طريق خلق دخول وفق الوصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـة أو المفهوم الكنزي سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف يؤدي حتمـاً إلى‬
‫التضـخم وعدم االسـتقرار وبهذا تفسـير كامل لظاهرة الركود التضـخمي التي تعاني منها االقتصـاديات‬
‫الرأسمالية وبالفهم الصحيح تتضح الحلول المناسبة لها‪.‬‬
‫‪ -‬المدرسة المؤسسية (جون كينيث البريث)‪:‬‬
‫لقد انطلق رواد هذه المدرسـ ـ ـ ــة من نقدهم لمنهج التحليل االقتصـ ـ ـ ــادي الذي اتبعه النيوكالسـ ـ ـ ــيك‬
‫المنطلقين من أن ال أرســمالية قادرة كنظام اقتصــادي اجتماعي على تجاوز اختالالتها دون تدخل من‬
‫أيــة جهــة كــانــت أو بتعبير آخر إن قوى السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق التلقــائيــة والعفويــة قــادرة على إعــادة التوازن إلى‬
‫االقتصاديات الرأسمالية‪.‬‬
‫كما يعتقد جون كالبيرت والعديد من أنصــاره أن الســياســات االقتصــادية الكنزية لم تعد فاعلة في‬
‫مواجهة مشكالت اقتصاد الرأسمالي المعاصر من ركود وبطالة وتضخم‪.‬‬
‫حيث أن هذه المشـ ــكالت هي من حيث الجوهر مشـ ــكالت ناتجة عن الفجوة القائمة والتي تزداد‬
‫اتسـ ـ ــاعاً بين مسـ ـ ــتويات التطور المرتفعة في اإلنتاج والتكنولوجيا من جهة وبين النظام المؤس ـ ـ ـسـ ـ ــي‬
‫لل أرسـ ـ ـ ـ ــمالية من جهة أخرى‪ ،‬وأنه كي يتم إصـ ـ ـ ـ ــالح مؤس ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــي بين األطراف نجد أنها تتكون من‬
‫الشركات والعمال والحكومات‪.‬‬
‫أي أن أنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار هـذا المـذهـب ومن حيـث النتيجـة يـدعون إلى نوع من اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالح االجتمـاعي‬
‫لل أرس ـ ـ ــمالية تلعب فيه الحكومة دو اًر مهماً لتأمين االس ـ ـ ــتفادة القص ـ ـ ــوى من نظام الس ـ ـ ــوق ال أرس ـ ـ ــمالي‬
‫وتجنب ما أمكن من مساؤها‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك ش ــرح الفكرة األس ــاس ــية لهذه المدرس ــة الفكرية االقتص ــادية يقوم كالبريت بنظهار نقده‬
‫للكنزية ليقول‪:‬‬
‫" إن السـوق ال أرسـمالية المعاصـرة قد نجحت فاعليتها تحت تأثير القوى االحتكارية المعاصـرة في‬

‫‪253‬‬
‫الخروج من مـأزق الركود التضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخمي‪ ،‬وأنـه وللخروج من هـذا المـأزق ال يمكن اعتمـاد الوصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـات‬
‫الكنزية التقليدية بل إن حل هذه المعض ـ ـ ــلة ال يمكن أن يتم إال من خالل التدخل النش ـ ـ ــط للدولة في‬
‫الحياة االقتصـ ـ ــادية ويتابع كالبريت حديثه عن إمكانية حل مشـ ـ ــكلة التضـ ـ ــخم من خالل رقابة الدولة‬
‫ال أرس ــمالية على األجور واألس ــعار وتهيئة المناخ المناس ــب لالرتفاع بمعدالت النمو االقتص ــادي من‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬
‫كما أن كالبريت ينطلق في حل مش ــكلة التوزيع في االقتص ــاد ال أرس ــمالي من خالل وجود قوانين‬
‫خاص ــة بالحد األدنى لألجور أقل من مس ــتوى األجر الس ــائد في الس ــوق‪ ،‬باإلض ــافة إلى األخذ بمبدأ‬
‫التخطيط االقتصادي حتى يمكن التنسيق بين‪:‬‬
‫قطاع الشركات الكبرى " القطاع التكنوقراطي "‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬مؤسسات القطاع العام والحكومة " القطاع البيروقراطي "‪.‬‬
‫هذا باإلضـ ــافة إلى التنسـ ــيق بين كافة البلدان الصـ ــناعية في مجاالت نظام النقد الدولي والتجارة‬
‫الدولية‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫مصادر ومراجع مختارة‪:‬‬
‫‪ .1‬االتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬القسم األول‪ -‬العلوم االجتماعية‪،‬‬
‫تأليف عدد من المختصين‪ ،‬ترجمة جماعة من األساتذة‪ .‬اليونسكو ‪ -‬المجلد(‪ ،)1‬مطبعة جامعة‬
‫دمشق ‪.1976‬‬
‫‪ .2‬أحمد الحاج فراس العوران‪ ،‬االقتصاد ا‪ :Economics‬سيات ومبادئ ومفاهيم‪ ،‬الجامعة األردنية‪،‬‬
‫منشورات عمادة البحث العلمي – عمان ‪.1999‬‬
‫‪ .3‬أحمد درغام‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬مذاهب اقتصادية‪ ،‬جامعة دمشق ‪ ،1982‬ص‪.14-13‬‬
‫‪ .4‬أحمد صادق سعد‪ ،‬تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت ‪.1979‬‬
‫‪ .5‬أحمد مراد‪ ،‬دروس في االقتصاد السياسي‪ ،‬أملية محاضرات ألقيت على طالب كليتي التجارة‬
‫والحقوق بجامعة دمشق ‪.1974-1973‬‬
‫‪ .6‬أدولف أرمان وهيرمان رانكه‪ ،‬مصر والحياة المصرية في العصور القديمة‪ ،‬مكتبة النهضة‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة ‪.1959‬‬
‫‪ .7‬أدوين مانسفيلد وناريمان بيهرافيتش ‪ -‬علم االقتصاد‪ ،‬مركز الكتب األردني ‪ -‬عمان ‪.1988‬‬
‫‪ .8‬أسس المعارف السياسية‪ ،‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪.1975‬‬
‫‪ .9‬إسماعيل صبري عبد هللا‪ ،‬دروس في االقتصاد السياسي محاضرات ملقاة على طالب كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ .10‬االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬مجموعة من المؤلفين السوفييت‪ ،‬ترجمة د‪ .‬فؤاد‬
‫أيوب‪ ،‬دار دمشق للطباعة والنشر‪ ،‬دمشق ‪.،1985‬‬
‫‪ .11‬االقتصاد السياسي للرأسمالية‪ ،‬النظرية الماركسية ‪-‬اللينينية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪.1976‬‬
‫‪ .12‬االقتصاد السياسي‪ ،‬دليل العلوم االجتماعية‪ ،‬أكاديمية العلوم في االتحاد السوفييتي‪ ،‬ترجمة د‪.‬‬
‫فؤاد أيوب‪ ،‬دار دمشق للطباعة والنشر‪ ،‬دمشق ‪.1986-1985‬‬
‫‪ .13‬أوسكار النجه ومجموعة من االختصاصيين البولونيين‪ ،‬مسائل االقتصاد السياسي لالشتراكية‪،‬‬
‫ترجمة أحمد فؤاد بلبع‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيروت ‪.1972‬‬
‫‪ .14‬أوسكار النكه (اقتصادي بولوني مشهور)‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تعريب د‪ .‬محمد‬
‫سلمان حسن‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪.1967‬‬
‫إيلي غنزبرغ‪ ،‬االقتصاد البشري‪،‬ترجمة عبد الكريم ناصيف‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪.1980‬‬ ‫‪.15‬‬
‫ايلين وموتيليف‪ ،‬ما هو االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪.1987‬‬ ‫‪.16‬‬
‫‪ .17‬بريشكينا وزيركين وباكوفليفا‪ ،‬ما هي المادة التاريخية‪ ،‬دار التقدم موسكو‪.1986‬‬
‫تاريخ ابن خلدون "مقدمة ابن خلدون" المجلد األول‪ ،‬دار البيان‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫‪ .19‬تيسير شيخ األرض‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬دار األنوار‪ ،‬بيروت ‪.1966‬‬

‫‪255‬‬
‫‪ .20‬جان توشار‪ ،‬تاريخ األفكار السياسية‪ ،‬ت‪ .‬ناجي الدراوشة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬و ازرة الثقافة دمشق‬
‫‪.1984‬‬
‫‪ .21‬جو زيف الجوجي‪ ،‬المذاهب االقتصادية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬ممدوح حقي‪ ،‬منشورات عويدات بيروت‬
‫‪ ،1984‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ .22‬جوان روبنسون وجون إيتويل‪ ،‬مقدمة في علم االقتصاد الحديث‪ ،‬دار الطليعة – بيروت ‪.1980‬‬
‫حافظ يقظان بو حمدان‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد السياسي (االجتماعي)‪ ،‬دار يقظان للدراسات‬ ‫‪.23‬‬
‫العلمية‪.1983 ،‬‬
‫‪ .24‬خالد الحامض‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬منشورات جامعة حلب‪ ،‬سورية ‪.1989‬‬
‫خالد واصف الوزني و د‪ .‬أحمد حسين الرفاعي‪ ،‬مبادئ االقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق‪،‬‬ ‫‪.25‬‬
‫دار وائل للنشر عمان ‪.1999‬‬
‫‪ .26‬روجيـه دوهيم‪ ،‬مدخـل إلى االقتصـاد‪ ،‬ت‪ .‬د‪ .‬سموحي فوق العادة‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‬
‫‪.1971‬‬
‫‪ .27‬صبحي تادرس قريصة و دكتور مدحت محمد العقاد‪ ،‬مقدمة في علم االقتصاد‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪.1983‬‬
‫صفوح األخرس‪،‬علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها‪ ،‬و ازرة الثقافة‪،‬دمشق ‪.1980‬‬ ‫‪.28‬‬
‫عارف الخطيب‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬مطبعة الحكومة‪ ،‬دمشق ‪.1925‬‬ ‫‪.29‬‬
‫‪ .30‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬جامعة حلب‪ ،‬مديرية الكتب والمطبوعات‪.1981،‬‬
‫عارف دليلة‪ ،‬بحث في االقتصاد السياسي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ 1987‬ط‪.2‬‬ ‫‪.31‬‬
‫‪ .32‬عارف دليله ود‪ .‬إسماعيل سفر‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬مطبعة دار الكتاب‪،‬‬
‫دمشق ‪.1989‬‬
‫عبد القادر العظم‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬مطبعة الجامعة السورية‪ ،‬دمشق ‪.1931‬‬ ‫‪.33‬‬
‫عرض اقتصادي تاريخي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تشكيالت ما قبل الرأسمالية‪ ،‬جامعة باترس لومومبا‬ ‫‪.34‬‬
‫للصداقة بين الشعوب‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو‪.‬‬
‫‪ .35‬علي أحمد عتيقة‪ ،‬نظرة في علم االقتصاد والتنمية‪ ،‬منظمة األقطار العربية المصدرة للبترول‬
‫الكويت ‪.1982‬‬
‫غاي ستاندينغ‪ ،‬المشاركة في القوة العاملة والتنمية‪ ،‬ترجمة عفيف الرزاز منشورات و ازرة‬ ‫‪.36‬‬
‫الثقافة‪ ،‬دمشق ‪.1984‬‬
‫‪ .37‬غسان إبراهيم‪ ،‬مدخل إلى علم االقتصاد‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪.2011 ،‬‬
‫فتح هللا ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي مدخل للدراسات االقتصادية‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بيروت‪.1981‬‬ ‫‪.38‬‬

‫‪256‬‬
‫‪ .39‬فريدريك انجلز "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"‪ ،‬في كتاب كارل ماركس وفريدريك انجلز‪،‬‬
‫المؤلفات المختارة‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪.1976‬‬
‫‪ .40‬فريديريك انجلس‪ ،‬أصل األسرة والملكية الخاصة والدولة‪ ،‬ترجمة أديب يوسف‪ ،‬منشورات دار‬
‫الفارابي‪ ،‬المطبعة التعاونية دمشق ‪.1958‬‬
‫‪ .41‬كامل بكري‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ ،‬الدار الجمعة‪ ،‬بيروت ‪.1987‬‬
‫الكسندر يوزويف‪ ،‬ما هي الرأسمالية‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬موسكو ‪.1987‬‬ ‫‪.42‬‬
‫‪ .43‬كلمنيتيف‪ ،‬فاسيلييفا‪ ،‬ما هي االشتراكية‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪.1987‬‬
‫‪ .44‬كمال شرف‪ ،‬النقود والمصارف‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق‪.‬‬
‫‪ .45‬كيريلينكو وكروشونوفا‪ ،‬ماهي الفلسفة‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪.1987‬‬
‫‪ .46‬لبيب شقير‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬دار نهضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .47‬لويد‪ .‬ج‪ .‬رينولدز‪ ،‬عوالم االقتصاد الثالثة‪ ،‬ترجمة نايف حسين العطواني مراجعة عيسى عصفور‪،‬‬
‫و ازرة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪.1982‬‬
‫‪ .48‬ليونتيف‪ ،‬موجز االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪.1975‬‬
‫‪ .49‬ماركس ‪ -‬انجلز‪ ،‬منتخبات في ثالثة مجلدات‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬نقالً عن كليمنتيف‬
‫وفاسيلييفا‪ ،‬ما هي االشتراكية دار التقدم موسكو‪.‬‬
‫‪ .50‬المجموعة اإلحصائية لعام ‪ ،1988‬المكتب المركزي لإلحصاء‪ ،‬دمشق ‪ ،1988‬ص‪.‬ص‪-500‬‬
‫‪.503‬‬
‫مجموعة من المؤلفين‪ ،‬نظرات في علم االقتصاد‪ ،‬ترجمة محمد حنونة‪ ،‬منشورات و ازرة الثقافة‪،‬‬ ‫‪.51‬‬
‫دمشق ‪.1982‬‬
‫‪ .52‬محسن كاظم‪ ،‬مبادئ االقتصاد النظرية والتطبيق‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر واإلعالن‪ ،‬الكويت‬
‫‪.1986‬‬
‫محمد باقر الصدر‪ ،‬اقتصادنا‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بيروت ‪.1986‬‬ ‫‪.53‬‬
‫‪ .54‬محمد حامد دويدار‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪.1988‬‬
‫‪ .55‬محمد سعيد نابلسي‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬المطبعة الجديدة‪ ،‬دمشق ‪198536‬‬
‫محمود عبد المولى‪ ،‬تطور الفكر االقتصادي واالجتماعي عبر العصور‪ ،‬الشركة التونسية‬ ‫‪.56‬‬
‫للتوزيع‪ ،‬تونس ‪.1986‬‬
‫محمود يونس محمد و د‪ .‬عبد النعيم محمد مبارن‪ ،‬أساسيات علم االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية‬ ‫‪.57‬‬
‫بيروت ‪.1985‬‬
‫‪ .58‬محمود يونس‪ ،‬دكتور أحمد رمضان نعمة هللا‪ ،‬مقدمة في علم االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية بيروت‬
‫‪.1992‬‬

‫‪257‬‬
‫مصطفى العبد هللا‪ ،‬علم االقتصاد والمذاهب االقتصادية‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪.1993 ،‬‬ ‫‪.59‬‬
‫مقرر لطالب السنة األولى في كلية الشريعة – جامعة دمشق‪.‬‬
‫‪ .60‬مصطفى رشدي شيحة‪ ،‬علم االقتصاد من خالل التحليل الجزئي‪ ،‬الدار الجامعية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت ‪.1985‬‬
‫‪ .61‬مطانيوس حبيب‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬جامعة دمشق ‪ ،1984‬ص‪.225‬‬
‫الموارد والتنمية‪ ،‬تحرير بيتر دورنر ومحمود الشافعي‪ ،‬منظمة األقطار العربية المصدرة‬ ‫‪.62‬‬
‫للبترول‪ ،‬الكويت ‪.1984‬‬
‫موجز القانون االقتصادي‪ ،‬مجموع من المؤلفين السوفييت‪ ،‬دار الجماهير‪.‬‬ ‫‪.63‬‬
‫‪ .64‬الموسوعة االقتصادية‪ ،‬تعريب عامل عبد المهدي ود‪ .‬حسن عبد الهموندي‪ ،‬دار ابن خلدون‪،‬‬
‫بيروت ‪.1980‬‬
‫‪ .65‬الموسوعة االقتصادية‪ ،‬مجموعة من االقتصاديين‪ ،‬تعريب‪ ،‬دار ابن خلدون للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪.1980‬‬
‫‪ .66‬نعمة هللا نجيب إبراهيم‪ ،‬مقدمة في االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪.1990‬‬
‫‪ .67‬نيكيتين‪ ،‬أسس االقتصاد السياسي‪ ،‬دار التقدم موسكو ‪.1984‬‬
‫‪ .68‬هانز ياخمان‪ ،‬العالقات االقتصادية الخارجية للدول النامية‪ ،‬ترجمة الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪.1977‬‬
‫‪ .69‬يعقوب أرتيني (باشا) األحكام الشرعية في شأن األراضي المصرية‪ ،‬تعريب سعيد عمون‪ ،‬المطبعة‬
‫الكبرى األميرية ببوالق مصر المحمية‪ ،‬القاهرة ‪ 1306‬هـ ط‪.1‬‬
‫‪ .70‬يوري بوبوف‪ ،‬دراسات في االقتصاد السياسي اإلمبريالية والبلدان النامية‪ ،‬دار التقدم‬
‫موسكو‪.1984‬‬
‫‪ .71‬يوري ف‪ .‬كانشانفسكي‪ ،‬عبودية‪ ،‬اقطاعية أم أسلوب إنتاج آسيوي؟ ترجمة د‪ .‬عارف دليلة‪ ،‬دار‬
‫الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،1980‬ص‪.215‬‬
‫‪ .72‬يوسف جميل نعيسة‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬مطبعة رياض‪ ،‬دمشق ‪.1982‬‬

‫‪1.‬‬ ‫‪A. Moret, Des clams aux empires, La Renaissance du Livre , 1923, Paris‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪Britannica encyclopedia 1994 – 1999.‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪Ekonomia Polityczna, Pod redakcia Noukowa S. Szeflerai‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪J. Nowicki Zarys Ekonomi Politycznej Kapitalizmu, P.W.E. , Warszawa 1971.‬‬

‫‪258‬‬
5. J.S. Mill, Principles of Political Economy , A shley edition .
6. K. Marks, Kapital, tom I.
7. L. Krzywichi’ Rozwoj Spoleczny ws'ro'd zwierzat i urodzaju Ludskiego
warszuwa 1955.
8. Oskar Lange, Ekonomia Polityczna, tom I P.W.N. Warszawa 1974,S.178/179
9. S. Marciniaka, P.W.N. , Warszawa 1974. Str. 159- 162.
10. S. Szefler i s. Marciniak, Ekonomia Ploityczna, P.W.E., Warszawa 1974.
11. Stonier. A. and Hague D.A. , Textbook of Economic Theory, 4th ed. London ,
Longman 1972 , P.P. 11-12
12. Supinski, szkola polska gospodarstwa, spolecznego (1862 – 1865)
13. Y. Varga, Political – Economic Problems of capitalism, Moscow Progress ,
1968.

259
‫مربعات لكتاب مدخل إلى علم االقتصاد‬

‫الخصخصة‬
‫إن عملية الخصااخصااة أو"الخوصااخصااة" أو" التخصااصااية" أو" التخصاايص" ‪ Privatization‬تعني تحويل‬
‫اه فيما يتبع الدولة أو تنهل به أو‬
‫الملكية العامة إلى القطاع الخا ‪ ،‬إدارة أو إيجاراً أو مشاااااركة أو بيعاً وشاا ار ً‬
‫تهيمن عليه‪ ،‬في قطاعات النشااااااااا االقتصاااااااادي المختلفة أو مجال الخدمات العامة‪ .‬وتتم عملية تحويل الملكية‬
‫باشكال متعددة من بينها‪:‬‬ ‫العامة إلى القطاع الخا‬
‫أ ـ بيع الشركات الحكومية بالكامل للجمهور وخاصة للعاملين في هذه الشركات‪.‬‬
‫ب ـ ـ التأجير طويل األجل لألصول التي تملكها الحكومة للقطاع الخاص‪ ،‬وفقاً لشروط مناسبة تحقق المصلحة‬
‫لالقتصاد الوطني وللجمهور‪.‬‬
‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ طرح الخدمات الحكومية على القطاع الخاص للتعاقد على إدارتها مع االلتزام بالشـروط المناسـبة لحماية‬
‫المستهلك‪.‬‬
‫د ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تصـ ـ ــفية الوحدات الحكومية التي يثبت عدم صـ ـ ــالحيتها أو قدرتها على االسـ ـ ــتمرار لعدم توفير الجدوى‬
‫االقتصادية في استثمارها بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بها والتي يدفعها في النهاية جميع المواطنين‪.‬‬
‫يرى بعض االقتصاديين المدافعين عن الخصخصة أن عملية التحويل الكامل أو الجزئي لملكية مؤسسات‬
‫القطاع العام إلى القطاع الخاص يحقق العديد من اإليجابيات تتمثل في تحرير القوى المنتجة من الضغوط‬
‫الحكومية وإكسابها نجاعة أكبر‪ ،‬تجعل منها وسيلة فعالة للنهوض باالقتصاد الوطني‪ ،‬تطوير القطاع الخاص‬
‫وتدعيم المنافسة كوسيلة لزيادة كميات اإلنتاج وتحسين النوعية وزيادة جودة المنتجات الوطنية‪ .‬توفير موارد الدولة‬
‫وتخفيف األعباء الناتجة عن تكاليف اإلعانات والدعم التي تقدمها الدولة لمؤسسات القطاع العام‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫التنمية الشاملة‬
‫ما يزال مفهوم التنمية بعيداً عن أن يكون موضـوع اتفاق عام بين المتخصـصـين وصـناع القرار الخاص بالتنمية‬
‫في كافة أبعادها‪ .‬إال أن هنان قواسم مشتركة لهذا المفهوم هي موضع قبول واسع لدى معظم االختصاصيين‪.‬‬
‫ـ التنمية ال يمكن أن تقتصر على األبعاد االقتصادية وحدها‪ ،‬بل لها جوانب عديدة أخرى اجتماعية سياسية‬
‫وثقافية‪.‬‬

‫ـ التنمية االقتصادية ال يمكن اختزالها في ارتفاع متوسط دخل الفرد‪ ،‬ألن هذا االرتفاع ربما يكون نتيجة أوضاع‬
‫مؤقتة تتعلق مثالً بزيادة مفاجئة في أسـ ـ ـ ـ ــعار بعض المنتجات التي تصـ ـ ـ ـ ــدرها الدولة‪ ،‬دون أن يقترن ذلك بتغيير في‬
‫الهياكل االقتصادية‪ ،‬التي كانت من أهم األسباب لتعثر التنمية‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لم يعد من المقبول أن يرافق التنمية االقتصـ ـ ـ ــادية تزايد الفقر والتهميش االجتماعي لش ـ ـ ـ ـريحة واسـ ـ ـ ــعة من‬
‫المواطنين‪ ،‬أو باس ـ ـ ــتبعاد فئات واس ـ ـ ــعة منهم من المش ـ ـ ــاركة في ص ـ ـ ــنع الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــات التي تؤثر على حياتهم‪ ،‬س ـ ـ ـواء‬
‫باســتشــارتهم مباشـرة حول هذه الســياســات‪ ،‬أم بتمكينهم من اختيار وتحديد فرص بقاء المســؤولين الذين يصــنعون هذه‬
‫السياسات في السلطة وبذلك يمكننا تحديد مفهوم التنمية الشاملة على أنها‪:‬‬
‫( عملية تحول تاريخي متعدد األبعاد‪ ،‬يمس الهياكل االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬كما يتناول الثقافة‬
‫الوطنية‪ ،‬وهو مدفوع بقوى داخلية‪ ،‬وليس مجرد استجابة لرغبات قوى خارجية‪ ،‬وهو يجري في إطار مؤسسات‬
‫سياسية تحظى بالقبول العام وتسمح باستمرار التنمية‪ ،‬ويرى معظم أفراد المجتمع في هذه العملية إحياء وتجديداً‬
‫وتواصالً مع القيم األساسية للثقافة الوطنية)‪.‬‬

‫التنمية المستدامة‬
‫يس ــتخدم مص ــطلح (التنمية القابلة لالس ــتدامة) للتعبير عن الس ــعي لتحقيق نوع من العدل والمس ــاواة بين األجيال‬
‫الحالية واألجيال المقبلة‪ .‬وهذا يعني أن ال تعرض العمليات التي يتم بوساطتها تلبية حاجات الناس وإشباعها للخطر‬
‫قدره األجيال المقبلة على تلبية حاجاتها وإشـباعها‪ ،‬وهو يعني في نفس الوقت‪ ،‬بالنسـبة لمعظم الناس السـعي لتحسـين‬
‫مســتوى المعيشــة وحياة أفضــل‪ ،‬يقاس عادة بمســتوى الدخل واســتخدام الموارد ومســتوى التقدم التقاني‪ .‬وبذلك نجد أن‬
‫للتنمية المستديمة أهدافاً بيئي ًة واجتماعية واقتصادية‪.‬‬
‫وال بد من التأكيد أن تكون التنمية قابلة وقادرة على االسـ ـ ـ ـ ــتم اررية ( التنمية المسـ ـ ـ ـ ــتديمة ) وقد أخذ هذا المفهوم‬
‫الجديد للتنمية باالنتش ـ ـ ـ ـ ـ ــار وخاص ـ ـ ـ ـ ـ ــة منذ نش ـ ـ ـ ـ ـ ــر تقرير اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية في عام ‪.1987‬والتنمية‬
‫المسـتديمة هي التي تؤمن احتياجات الجيل الحالي دون أن تحد من اإلمكانيات التي تلبي حاجيات األجيال القادمة‪.‬‬
‫ولكي تكون التنمية قادرة على‬
‫االستمرار يجب أن تتوفر فيها الشروط الثالثة اآلتية كحد أدنى‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون ممكنة ومفيدة اقتصادياً وناجعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن ال تلحق أض ار اًر بالبيئة بل ال بد أن تكون منسجمة مع األهداف البيئية‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن تصل نتائجها اإليجابية إلى كافة أفراد المجتمع وبالتالي أن تحظى بدعم شعبي واسع‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫التنمية البشرية‬
‫تعد عملية التنمية البشااااارية حالة من التفاعل الجدلي والمس ـ ـ ــتمر بين اإلنس ـ ـ ــان والمجتمع‪ ،‬وبين اإلنس ـ ـ ــان‬
‫والطبيعة‪ .‬فهي تسعى إلى تطور اإلنسان جسماً وعقالً وقدرة على المشاركة وتطوير هذه القدرة واالرتقاء بها‪( .‬ولذلك‬
‫تكون التنمية البشاارية ما وصـ ــلت إليه حالة التنمية في تطوير قدرة اإلنسـ ــان‪ ،‬وبالتالي حالة وقدرة المجتمع بصـ ــفتها‬
‫الجـدليـة‪ ،‬وبوجود قـدر من التمـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك بين طرفي هـذا التفـاعـل‪ .‬وعليـه تتطلـب هـذه القـدرات وتلـك الحـاالت التي يمكن‬
‫تحديدها وفق أولويات معينة‪ ،‬توفير معايير قياس ــها)‪ .‬وللتنمية البش ـرية جوانب اقتص ــادية واجتماعية وس ــياس ــية‪ .‬فهي‬
‫تشــمل التعليم والمعرفة‪ ،‬والحياة الطويلة الصــحية‪ ،‬والســكن المقبول‪ ،‬وهذا يعني مســتوى معيشــة الئقاً‪ .‬إلى جانب ذلك‬
‫هنان قضــايا هامة جدا مرتبطة بالتنمية البش ـرية كالحرية والديمقراطية‪ ،‬وأمن اإلنســان وتطوير المجتمع المدني وغير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫إن التنمية البشرية هي الغاية والنمو االقتصادي هو الوسيلة لتحقيقها‪ .‬فالهدو هو إثراه حياة الناس‪.‬ويالحظ‬
‫أحيانا انعدام الصاااالة التلقائية والمباشاااارة بين النمو االقتصااااادي والتنمية البشـ ـ ـرية‪ .‬وحتى إ ا كانق توجد صااااالت‬
‫بينهماا فاإنهاا قاد تتادكال تادريجيااً ماا لم تعززهاا إدارة كياة ومااهرة‪ ،‬لا لاك يجاب حمااياة ها و الصاااااااااالت خوفااً من أن‬
‫تدمرها تحوالت مفاجئة في السلطة السياسية أو في قوى السوق‪.‬‬
‫يسـ ـ ـ ــتكشـ ـ ـ ــف تقرير التنمية البشاااااارية لعام ‪ 1996‬طبيعة وقوة الصـ ـ ـ ــالت بين النمو االقتصـ ـ ـ ــادي والتنمية‬
‫البشارية‪ .‬وقد اكتشــف أمرين مقلقين‪ ،‬األول ‪ -‬أن النمو لم يتحقق خالل معظم الســنوات الخمس عش ـرة الماضــية في‬
‫حوالي ‪100‬بلد‪ ،‬تض ـ ـ ـ ــم ما يقرب من ثلث س ـ ـ ـ ــكان العالم‪ .‬والثاني ‪ -‬أن الص ـ ـ ـ ــالت بين النمو االقتص ـ ـ ـ ــادي والتنمية‬
‫البشااااااااارية قاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة بالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة ألهالي البلـدان الكثيرة ذات التنميـة غير المتوازنة‪ ،‬وهي الدول التي يتحقق فيهـا نمو‬
‫اقتصــادي جيد مع قدر ضــئيل من التنمية البشارية‪ ،‬أو التي تتحقق فيها تنمية بش ـرية جيدة ولكن مع قليل من النمو‬
‫االقتصادي أو بال نمو على اإلطالق‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لعام ‪ ،1996‬منشورات برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬نيويورن ‪ ،1996‬ص‪.1‬‬

‫خ الفقر‬
‫يفترض عموماً أن مســتوى المعيشــة المادي للشــخص هو الذي يحدد رفاه ذلك الشــخص‪ .‬وتمشــيا مع ذلك‪،‬‬
‫يعرف الفقر تقليدياً بأنه مس ــتوى معيش ــة مادي منخفض انخفاض ـاً غير مقبول‪ ،‬أما بالنس ــبة لمس ــتوى معيش ــة اآلخرين‬
‫في المجتمع أو على أسـ ــاس حد أدنى مطلق ما ويقاس مسـ ــتوى المعيشـ ــة عادة باسـ ــتخدام اإلنفاق أو الدخل الحالي‪،‬‬
‫ويختار خط فاصل يعتبر الناس الذين يعيشون دونه فقراء ويسمى بخط الفقر‪.‬‬
‫وتم تعريف خط الفقر‪ ،‬اس ـ ـ ــتناداً إلى مفهوم وجود خط مطلق للفقر‪ ،‬معب اًر عنه من الناحية النقدية بمس ـ ـ ــتوى‬
‫الـدخـل أو اإلنفـاق الـذي بـدونـه ال يمكن تحمـل تكـاليف الحـد األدنى من الغـذاء الكـافي والحـاجـات األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـة غير‬
‫الغذائية لإلنسـ ــان‪ .‬وقد جاء هذا المفهوم ليحل محل التقديرات القومية التي اعتمدت على خط نسـ ــبي للفقر تم تحديده‬
‫اسـ ــتناداً ًل إلى حصـ ــة الغذاء من مجموع النفقات‪ ،‬أو تلك التي اعتمدت على خط للفقر تم تحديده اسـ ــتناداً إلى متغير‬
‫آخر هو الحد األدنى لألجور‪ ،‬بدالً من إش ـ ــباع الحاجات الغذائية وغير الغذائية بمس ـ ــتوى مقبول كحد أدنى‪ .‬وتس ـ ــتند‬
‫تقديرات الفقر إلى بيانات من دراسة استقصائية لميزانية األسرة الفعلية أو لدخلها ونفقاتها‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لعام ‪ ،1996‬منشورات برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬نيويورن ‪ ،1996‬ص‪.222‬‬
‫التخلل ودول العالم الثالث‬

‫‪262‬‬
‫عرو بعل االقتصااديين التخلل بانه عدم االساتخدام الكامل للموارد البشارية والطبيعية المتاحة لبلد ما‪ .‬إال‬
‫أن آخرين اعتررا اوا على ه ا التعريف ألن هناال بالداً متطورة جدا ال تحقق االساااتخدام الكامل لمواردها الطبيعية‬
‫بال إن ها و الادول تحااول توفير مواردهاا الطبيعياة والحفااع عليهاا لا لاك يمكنناا تعريف التخلل حسااااااااااب (ايف‬
‫الكوسااق) مجموعة ظاهرات معقدة ومتبادلة تترجم بعدم مساااواة فارااحة بالثروة والفقر وبالتحديد بالتاخر النساابي‬
‫عن البلدان األخرى بإمكانات إنتاج ال تنمو بمقدار ما يكون ممكناً‪ ،‬بارتباا (تبعية) اقتصااااااادي ثقافي سااااااياسااااااي‬
‫وتقني‪.‬‬
‫اســتعمل الفرد ســاوفي ‪ A.Sauvy‬عبارة العالم الثالث في بداية العقد الخامس من هذا القرن للداللة على الدول‬
‫المتخلفة التي ال تزال ترزح تحت نير االس ــتعمار المباش ــر أو غير المباش ــر‪ " .‬وال تعني العالم الثالث الترتيب إطالقا‬
‫بل تدل على وجه الدقة الطرف اآلخر أو األدنى وفيها شيء من معنى الفضول والتطفل‪" .‬‬
‫ونتيجة لحسـاسـية العبارة‪ ،‬وبعض أصـوات االحتجاج في الدول المتخلفة ظهرت عبارات أقل إثارة للمشـاعر‬
‫والحس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــية من عبارة (العالم الثالث) مثل (الدول النامية) أو (الدول األقل نموا ًل) أو(الدول ناقصااااااة النمو) أو‬
‫(الدول المتخلفة اقتصااادياً) أو (الدول الفقيرة)‪ ،‬ثم ظهر بعد ذلك تقس ــيم جديد للكرة األرض ــية إلى قس ــمين‪ :‬الشاامال‬
‫ويعني الدول الغنية والجنوب ويعني الدول الفقيرة‪.‬‬
‫ولقد شـ ـ ــاع مؤخ اًر اسـ ـ ــتعمال عبارة (العالم الثالث) للداللة على الدول النامية تميي اًز لها عن الدول المتقدمة‬
‫التي تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل (العاالم األول) وهي دول أوروبـا الغربيـة واليـابـان والواليـات المتحـدة األمريكيـة وكنـدا وكوريـا الجنوبيـة‬
‫وتايوان (والعالم الثاني) والتي تشمل الدول االشتراكية بما فيها االتحاد السوفيتي‪.‬‬

‫المناطق االقتصادية الخاصة‬


‫إن مشـروع قانون إقامة المناطق االقتصـادية الخاصـة يمثل فلسـفة جديدة لبناء اقتصـاد جديد ال يقوم على إنتاج‬
‫الس ـ ـ ـ ــلع التقليدية فحس ـ ـ ـ ــب‪ ،‬وإنما الدخول إلى قطاعات الحاس ـ ـ ـ ــبات اإللكترونية وتكنولوجيا المعلومات والص ـ ـ ـ ــناعات‬
‫اإللكترونية والبتر وكيماويات واألدوية المتطورة‪ ،‬باإلض ـ ـ ــافة إلى قطاع الخدمات الواعدة‪ ،‬حيث س ـ ـ ــتقدم هذه المناطق‬
‫تيسـيرات واسـعة لجميع المسـتثمرين لإلسـراع بنقامة مشـروعاتهم التي سـتسـهم في دفع عجلة االقتصـاد الوطني وتوفير‬
‫فرص عمل جديدة للشباب والخريجين‪.‬‬
‫– أهداو المناطق االقتصادية الخاصة‪:‬‬
‫يهدف مش ـ ــروع قانون المناطق االقتص ـ ــادية الخاص ـ ــة إلى جذب المزيد من االس ـ ــتثمارات إلى مناطق معينة من‬
‫خالل تقديم المزيد من الحوافز واإلعفاءات والمزايا للمش ـ ـ ــروعات وكذلك تش ـ ـ ــجيع التص ـ ـ ــدير لألس ـ ـ ـواق الخارجية عن‬
‫طريق إلزام المشـ ــروعات التي تقام وفقاً لهذا القانون بتصـ ــدير معظم إنتاجها لألس ـ ـواق الخارجية‪ .‬كما يهدف مشـ ــروع‬
‫قانون المناطق االقتصـادية الخاصـة لجذب شـركات جديدة من الخارج إلقامة مشـروعات عمالقة في سـورية من أجل‬
‫تصـ ــدير كامل منتجاتها لألس ـ ـواق العالمية وقادرة على تشـ ــغيل عدد كبير من األيدي العاملة وذات تكنولوجيا متقدمة‬
‫قادرة على طرح إنتاج قابل للمنافسة الدولية‪.‬‬
‫إن القانون يهدف لتس ـ ــهيل عمليه االس ـ ــتثمار وجذب االس ـ ــتثمارات األجنبية من أجل زيادة الص ـ ــادرات الس ـ ــورية‬
‫لألسواق الخارجية‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫تبييل أو سل األموال‬
‫تبييض األموال هو كل فعل يقصد منه‪:‬‬
‫‪ .1‬إخفاء المصدر الحقيقي لألموال غير المشروعة أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر‪ ،‬بأي وسيلة كانت‪.‬‬
‫‪ .2‬تحويل األموال أو استبدالها مع العلم أنها أموال غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها أو مساعدة‬
‫شخص ضالع في ارتكاب الجرم على اإلفالت من المسؤولية‪.‬‬
‫‪ .3‬تملك األموال غير المش ــروعة أو حيازتها أو اس ــتخدامها أو توظيفها لشـ ـراء أموال منقولة أو غير منقولة أو‬
‫للقيام بعمليات مالية مع العلم أنها أموال غير مشروعة‪.‬‬
‫ويقصد باألموال ير المشروعة‪ ،‬األموال الناتجة من‪:‬‬
‫زراعة المخدرات أو تصنيعها أو االتجار بها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫األفعال التي تقدم عليها جمعيات األشرار و جرائم اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫االتجار غير المشروع باألسلحة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سرقة أموال عامة أو خاصة أو اختالسها أو االستيالء عليها بوسائل احتيالية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تزوير العملة أو االسناد العامة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ظهور أول نظام جمركي في العالم لدى الفراعنة‬


‫تش ـ ـ ــير بعض األبحاث االقتص ـ ـ ــادية حول ظهور أول نظام جمركي في العالم‪ ،‬إلى أن الفراعنة هم أول من أقام‬
‫نظــامـاً جمركيـاً في العــالم منــذ حوالي ‪ 2200‬عــام قبــل الميالد‪ .‬وقــد ظهر لقــب مــدير العربــات في قــائمــة الموظفين‬
‫الحكوميين في الدولة الفرعونية القديمة الذي يعتبر مسـ ـ ــؤوالً عن تسـ ـ ــجيل الواردات والصـ ـ ــادرات ويقوم بوظيفة مماثلة‬
‫لوظيفة مدير عام الجمارن في زماننا‪ ،‬وخاصـ ـ ـ ـ ــة ما يتعلق بتحصـ ـ ـ ـ ــيل الرسـ ـ ـ ـ ــوم الجمركية ويسـ ـ ـ ـ ــتفاد من ذلك أحيانا‬
‫ألغراض إحصائية‪.‬‬
‫وتجدر اإلشـ ـ ـ ـ ــارة إلى أن أول من طبق النظام الجمركي بصـ ـ ـ ـ ــورة عملية هو المجتمع اإلسـ ـ ـ ـ ــالمي في عهد‬
‫الخلفاء ال ارشـ ــدين‪ ،‬حيث كانت التجارة مع بعض الدول اإلسـ ــالمية معفاة من الرسـ ــوم الجمركية لتشـ ــجيع التجارة فيما‬
‫بينها‪ ،‬أما التجارة بين الدول اإلسـ ـ ـ ــالمية والدول غير المسـ ـ ـ ــلمة فقد كان يفرض على السـ ـ ـ ــلع ضـ ـ ـ ـريبة جمركية قدرها‬
‫‪ ،%10‬وفي حال وجود اتفاقية بين الدولتين كان يفرض ضـ ـ ـ ـريبة قدرها ‪ .%5‬وبذلك طبق المجتمع اإلس ـ ـ ــالمي في‬
‫الـدولـة اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالميـة النظـام الجمركي‪ ،‬وحـدد معـدالت للرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم الجمركيـة تنـادي بهـا حـاليـا أحـدث النظريـات المـاليـة‬
‫‪278‬‬
‫واالقتصادية‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫‪ -‬الدكتور سعيد عبد العزيز‪ ،‬كلية التجارة باإلسكندرية‪ ،‬انظر مجلة أكتوبر العدد ‪ 908‬تاريخ ‪.1994/3/20‬‬

‫‪264‬‬
‫التجارة الخارجية‬
‫تبدو أهمية التجارة الدولية أنها تمكن كل دولة من أن تسـ ـ ـ ـ ــتفيد من المزايا النسـ ـ ـ ـ ــبية التي تملكها الدول األخرى‪،‬‬
‫فالتجارة الدولية تعمل على إعادة توزيع الخيرات والموارد بين دول العالم بحيث يتم وضـ ـ ـ ـ ـ ــع ما تتمتع به دولة ما من‬
‫‪279‬‬
‫مزايا طبيعية أو مكتسبة تحت تصرف الدول جميعاً‪ ،‬عن طريق المبادالت التجارية بين دول العالم‪.‬‬
‫تعني التجارة الخارجية‪ ،‬حركة المنتجات (السـ ـ ــلع والخدمات) بين الدول والمجتمعات المختلفة‪ .‬وال تختلف اآللية‬
‫التي تقوم عليها التجارة الدولية عن اآللية التي تقوم عليها التجارة الداخلية‪ .‬فكالهما يحدث نتيجة للتخصـص وتقسـيم‬
‫مع العلم أن هنـان اختالفـات بين التجـارة‬ ‫‪280‬‬
‫العمـل الـذي يؤدي إلى ظهور فـائض اإلنتـاج وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة قيـام المبـادلـة‪.‬‬
‫الداخلية والتجارة الخارجية تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -‬الحدود السياسية الفاصلة بين الدول‪.‬‬
‫‪ -‬اختالف وحدة التعامل النقدي‪( .‬النقود الوطنية)‪.‬‬
‫‪ -‬اختالف حجم الموارد الطبيعية والبشرية ونوعيتها‪.‬‬
‫‪ -‬اختالف النظم االقتصادية من دولة ألخرى‪.‬‬
‫‪ -‬اختالف مستوى التطور االقتصادي‪.‬‬
‫وتخضـ ــع المبادالت التجارية بين الوحدات السـ ــياسـ ــية المنفصـ ــلة (التجارة الخارجية) إلى شـ ــروط وقواعد (رسـ ــوم‬
‫‪281‬‬
‫جمركية‪ ،‬تمييزات) ال تخضع لها التجارة الداخلية‪.‬‬
‫كانت التجارة الخارجية بين المجتمعات قبل اكتشـ ـ ــاف النقود تتم بشـ ـ ــكل مقايضـ ـ ــة (سـ ـ ــلعة مقابل سـ ـ ــلعة)‪ .‬وذلك‬
‫بســبب عدم وجود وسـ ائل مقبولة لتســديد قيمة البضــائع إلى بين المجتمعات‪ .‬وكان حجم التجارة الخارجية في األزمنة‬
‫القديمة ضـئيالً جداً وهامشـياً‪ .‬ومع ظهور الدولة بدأت المبادالت التجارية بين المجتمعات تنمو وتزدهر‪ .‬وقد سـجلت‬
‫البدايات األولى للتجارة الخارجية المنظمة في العالم بين الدول في منطقة ما بين النهرين (بسـ ـ ــبب ظهور قيام الدولة‬
‫اآلش ـ ــورية والدولة البابلية)‪ ،‬وفي منطقة وادي النيل (ظهور الدولة الفرعونية)‪ ،‬ولدى الفينيقيين (ش ـ ــرق البحر األبيض‬
‫المتوس ـ ـ ــط) وربما ظهرت المبادالت التجارية بين دول أخرى وفي مجتمعات أخرى ومناطق أخرى في نفس الزمن أو‬
‫قبل ذلك‪.‬‬

‫الميزان التجاري )‪:(Balance of Trade‬‬

‫‪279‬‬
‫‪ -‬دكتور كامل بكري‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت ‪ 1987‬ص ‪.476‬‬
‫‪280‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬هانز ياخمان‪ ،‬العالقات االقتصادية الخارجية للدول النامية‪،‬ترجمة الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪ 1977‬ص ‪ 9‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪281‬‬
‫‪ -‬انظر‪ ،‬دكتور صبحي تادرس قريصة و دكتور مدحت محمد العقاد‪ ،‬مقدمة في علم االقتصاد‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫بيروت ‪ 1983‬ص ‪.391‬‬

‫‪265‬‬
‫يتكون الميزان التجاري ألي دولة من حجم وقيمة صــادرات وواردات هده الدولة‪ ،‬والصــادرات هي مجموع الســلع‬
‫والخدمات التي تبيعها وتص ـ ــدرها أي دولة للدول األخرى‪ .‬أما الواردات فهي مجموع الس ـ ــلع والخدمات التي تش ـ ــتريها‬
‫وتستوردها الدولة من الدول األخرى‪.‬‬
‫ويتحـدد الميزان التجـاري ألي دولـة عن طريق الموازنـة وتحـديـد الفرق بين قيمـة وارداتهـا وقيمـة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادراتهـا‪ .‬فـنذا‬
‫كانت قيمة صـ ـ ــادرات الدولة أكبر من قيمة وارداتها فهذا يعني أن الميزان التجاري فيها يحقق فائض ـ ـ ـاً‪ .‬أما إذا كانت‬
‫قيمة الصــادرات فيها أقل من قيمة الواردات فهذا يعني أن ميزانها التجاري يحقق عج اًز‪ .‬وإذا تســاوت قيمة الصــادرات‬
‫مع قيمــة الواردات فهــذا يعني توازن الميزان التجــاري لهــذه الــدولــة‪ ،‬وهي حــالــة نــادرة الحــدوث في التجــارة الخــارجيــة‬
‫المعاصرة‪ .‬ويتم تحديد ذلك خالل زمن للقياس محدد (سنة‪ ،‬نصف سنة‪ ،‬شهر‪ ،‬أو أية مدة زمنية)‪.‬‬
‫يمثل الفرق بين قيمة صـ ـ ــادرات أي دولة من السـ ـ ــلع والخدمات وقيمة وارداتها خالل مدة زمنية محددة‪ ،‬رصاااايد‬
‫الميزان التجاري‪ ،‬فنذا كان ناتج طرح قيمة الواردات من قيمة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرات موجباً‪ ،‬فهذا يعني أن الميزان التجاري قد‬
‫ـالبا‪ ،‬فذلك يعني أن الميزان التجاري قد حقق عج اًز خالل هذه المدة‪ .‬وعندما‬
‫حقق فائض ـاً‪ ،‬أما إذا كان ناتج الطرح سـ ً‬
‫يكون ناتج الطرح صف اًر‪ ،‬يعني هذا توازن الميزان التجاري‪ ،‬أي إن قيمة الصادرات تعادل تماماً قيمة الواردات‪.‬‬
‫وتعني تجارة الترانزيت قيام دولة ما باسـ ــتيراد السـ ــلع بهدف تصـ ــديرها كما هي إلى دول أخرى‪ .‬وتبدو الضـ ــرورة‬
‫لهذا النوع من التجارة عندما تعجز الدولة عن القيام بالمبادالت التجارية مع الدول األخرى بشـكل مباشـر‪ ،‬فتقوم دولة‬
‫ثالثة بدور المركز الوسـيط لتدفق أو تحويل البضـائع بين الدولتين الراغبتين بالمبادالت التجارية فيما بينها ولكنهما ال‬
‫تس ــتطيعان تحقيق ذلك مباشـ ـرة‪ ،‬ألس ــباب تتعلق بالموقع الجغرافي (دولة داخلية ال موانل لها)‪ ،‬أو ألس ــباب المقاطعة‬
‫والحظر بسبب وجود مشاكل بينهما‪.‬‬

‫سياسة حرية التجارة الخارجية‬


‫وتعني ساااااااااياساااااااااة حرية التجارة الخارجية تحرير المبادالت التجارية مع الدول األخرى من جميع القيود التي‬
‫تعيقها‪ .‬أي إلغاء الرس ـ ـ ـ ـ ــوم الجمركية أو تخفيض ـ ـ ـ ـ ــها للحد األدنى على االس ـ ـ ـ ـ ــتيراد والتص ـ ـ ـ ـ ــدير‪ ،‬وإلغاء القيود الكمية‬
‫واإلعانات وإجازات االسـتيراد وجميع القيود التي تعيق أو تحد من المبادالت التجارية مع الدول األخرى‪ .‬وتسـتند هذه‬
‫السـياسـة إلى مبدأ التخصـص في إنتاج السـلع‪ ،‬بناء على الميزات النسـبية التي تتمتع بها كل دولة ويخصـص اإلنتاج‬
‫لالستهالن المحلي وللتصدير‪ .‬فنذا تم تطبيق هذا المبدأ وهذه السياسة فنن ذلك سيؤدي إلى تعظيم منافع الدول التي‬
‫تطبق سياسة حرية التجارة الخارجية في عالقتها مع دول العالم‪.‬‬
‫ولكن مبدأ التخصـ ــص على أسـ ــاس الميزات النسـ ـ بية وسـ ــياسـ ــة حرية التجارة الخارجية‪ ،‬قد يؤدي إلى تثبيت‬
‫الميزات النسـ ــبية في كل من الدول النامية والدول المتقدمة‪ .‬وهذا يلحق الضـ ــرر باقتصـ ــاديات البلدان النامية ويكرس‬
‫اس ــتمرارها في إنتاج المواد األولية والزراعية ومص ــادر الطاقة ذات القيمة المض ــافة المنخفض ــة‪ .‬وقد تؤدي الشـ ـ ركات‬
‫الكبرى ومتعددة الجنس ــية دو اًر تدميرياً بالنس ــبة للص ــناعات الناش ــئة في الدول النامية والص ــغيرة في ظل حرية التجارة‬
‫الخارجية‪ ،‬وال يتاح للبلدان النامية فرصـة تطوير ميزاتها النسـبية في إنتاج سـلع جديدة تنافس منتجات الدول المتقدمة‬
‫صناعياً‪.‬‬

‫سياسة حماية التجارة الخارجية وتقييدها‬

‫‪266‬‬
‫لذلك اتبع العديد من الدول النامية ساياساة الحماية وتقييد التجارة الخارجية في بداية حركة التصـنيع فيها على‬
‫األقل‪ ،‬حتى تتمكن من بناء صناعة وطنية تؤدي إلى تغيير هيكل إنتاجها وتطور الميزات النسبية التي تمتلكها‪.‬‬
‫والمسـ ـ ــار التاريخي يوضـ ـ ــح لنا أن الدول الصـ ـ ــناعية المتقدمة هي التي كانت تدعو دائما إلى مبدأ التخصـ ـ ــص‬
‫وسـ ــياسـ ــة حرية التجارة الخارجية‪ ،‬وهذا يضـ ــمن لها تفوقاً ووضـ ــعاً أفضـ ــل في مجال التصـ ــنيع‪ .‬أما الدول النامية فقد‬
‫كانت دائماً تحاول حماية صناعتها الناشئة عن طريق فرض قيود على حرية التجارة الخارجية‬
‫وفي ظل س ــياس ــة حرية التجارية يقوم القطاع الخاص بالدور األس ــاس ــي في التجارة الخارجية للدولة‪ ،‬ألن الدولة‬
‫التي تتبع سياسة حرية التجارة الخارجية البد أن يكون اقتصادها قائماً بصفة أساسية على المشروع الخاص واقتصاد‬
‫السوق‪.‬‬
‫وتلجأ بعض الدول إلى فرض قيود على تجارتها الخارجية (سـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــية تقييد التجارة) لتحقيق أهداف اقتصـ ـ ـ ــادية‬
‫محددة أو لمواجهة أوضاع طارئة واستثنائية كالحروب والكوارث وغيرها‪.‬‬
‫ومن أهم وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل تقييد التجارة الخارجية الحماية الجمركية‪ ،‬أي فرض رسااااااااوم جمركية عالية على الواردات‪،‬‬
‫والقيود الكمية على الواردات‪ ،‬أي تحديد حص ـ ـ ـ ــص للواردات من س ـ ـ ـ ــلع معنية وقد تلجأ بعض الدول إلى طرق غير‬
‫مباش ـ ـ ـ ـ ـ ـرة لتقييد التجارة الخارجية حين تطبق مثالً مبدأ (إعانات المنتجين)‪ ،‬حيث تقدم الدولة إعانات لمنتجي بعض‬
‫الســلع األمر الذي يمنح هؤالء المنتجين وضــعاً تنافســياً قوى مقارنة بالمنتجين األجانب كما أن إعانات التصادير تعد‬
‫شكالً غير مباشر من أشكال تقييد التجارة الخارجية‪.‬‬

‫البيئة الدولية للتجارة‬

‫‪267‬‬
‫تعرضـ ـ ـ ــت بيئة التجارة الدولية في المدة األخيرة إلى تغيرات قوية (وريدكالية) وأضـ ـ ـ ــحى أمام كل دول العالم في‬
‫التعامل مع السوق العالمي التجارية أحد خيارين‪ ،‬األول ‪ -‬االندماج في السوق العالمية‪ ،‬والثاني – العزلة‪.‬‬
‫ويكون االنــدمــاج انــدمــاجـاً إيجــابيـاً إذا حــاولــت الــدولــة أن تتفــاعــل بكفــاءة ومرونــة مع التغيرات في بيئــة التجــارة‬
‫الدولية وتقبل ما يحقق مص ـ ـ ـ ـ ــالحها ويعظم مكاس ـ ـ ـ ـ ــبها وترفض ما يتعارض مع مص ـ ـ ـ ـ ــالحها أو تتحايل عليه‪ .‬ويكون‬
‫االنـدمـاج سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلبيـاً إذا قبلـت الـدولـة كـل مـا يفرض عليهـا من البيئـة التجـاريـة الـدوليـة وتتحول إلى متلق في عالقـاتهـا‬
‫التجارية‪ ،‬تنفذ لكل ما يطلب من األطراف الفاعلة في س ـ ــاحة العالقات التجارية الدولية‪ .‬كما أن بدء تطبيق اتفاقيات‬
‫الغات التي تتضــمن التحرير التدريجي للتجارة الدولية مع بداية عام ‪ ،1995‬يعني أن اقتصــادات مختلف دول العالم‬
‫ستكون مترابطة من خالل الحركة في أسواق دولية مفتوحة نسبياً‪.‬‬
‫إن خيار االنضـ ـ ـ ـ ــمام إلى اتفاقيات الغات واالندماج في العولمة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية يعني فتح األسـ ـ ـ ـ ـواق الدولية أمام‬
‫منتجات الدول األخرى وفتح أس ـ ـ ـ ـواق الدول األخرى أمام منتجاتنا‪ .‬وهذا يعني تعرض االقتصـ ـ ـ ــادات الوطنية في أي‬
‫دولة وبجميع قطاعاتها لضـ ـ ــغوط المنافسـ ـ ــة الدولية‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى انهيار بعض فروع الصـ ـ ــناعة‪ ،‬وخاصـ ـ ـ ة‬
‫الصـناعات ذات الكفاءة المنخفضـة والتي كانت قائمة اسـتناداً إلى مبدأ الحماية‪ .‬كما يوفر االندماج فرصـاً كبيرًة لنمو‬
‫وتطور الصـناعات ذات الكفاءة العالية والتي تملك الدولة فيها ميزة نسـبية وقدرة تنافسـية عالية‪ .‬وفي المحصـلة يؤدي‬
‫االندماج في عالقات اقتص ـ ــادية قوية إلى رفع كفاءة تخص ـ ــيص الموارد االقتص ـ ــادية‪ ،‬ويوفر إمكانية الحص ـ ــول على‬
‫تكنولوجيـا متقـدمـة وعـاليـة من الـدول األخرى بصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـل‪ ،‬بمـا يزيـد من القـدرة على مواكبـة أحـدث التطورات‬
‫التكنولوجيا في العالم‪.‬‬
‫وفي االندماج التجاري من الممكن أن تســمح المنظمة العالمية للتجارة (‪ )W. T. O‬ببعض أشــكال الحماية‬
‫المؤقتة لبعض الصـناعات الوطنية‪ ،‬وخاصـة في الدول التي تقوم بنصـالحات اقتصـادية وتتجه نحو إعادة هيكلة تلك‬
‫الصـناعات ورفع قدرتها التنافسـية‪ ،‬لتتمكن منتجاتها من المنافسـة في أسـواق مفتوحة‪ .‬صـحيح أن عدم االنضـمام إلى‬
‫اتفـاقيـات الغـات والمنظمـة العـالميـة للتجـارة واالنعزال عن بيئـة التجـارة الـدوليـة والتغيرات التي تحص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل فيهـا يحقق‬
‫ضـ ــمانة وحماية للصـ ــناعات الوطنية في أي دولة ويصـ ــبح لها فرصـ ــة النمو دون مواجهة ضـ ــغوطات المنافسـ ــة من‬
‫منتجات الدول التي تتمتع بقدرة تنافســية عالية‪ ،‬إال أن خيار العزلة يقود إلى تخفيض كفاءة إدارة وتخصــيص الموارد‬
‫االقتصـ ـ ــادية‪ ،‬ويؤدي إلى التخلف التكنولوجي وتراجع حوافز رفع الكفاءة‪ .‬نظ اًر لغياب المنافسـ ـ ــة والتحديات الخارجية‬
‫وستكون محصلة النتائج للدولة التي تختار العزلة وعدم االندماج سلبية‪.‬‬

‫‪268‬‬

You might also like