Professional Documents
Culture Documents
المدخل إلى علم الاقتصاد
المدخل إلى علم الاقتصاد
2
مدخل إلى علم االقتصاد
(االقتصاد السياسي وتاريخ األفكار االقتصادية)
االقتصاد السياسي
الفصل األول -علم االقتصاد (المفاهيم األساسية ،تعريف علم االقتصاد)
المبحث األول -المعرفة االقتصادية:
- 1على المستوى الفردي
-2على المستوى القومي.
-3على المستوى الدولي.
المبحث الثاني -العلوم االقتصادية:
✓ االقتصاد الوصفي (التقريري ).
✓ االقتصاد المعياري ( القياسي ).
✓ االقتصاد التحليلي أو النظرية االقتصادية.
✓ االقتصاد التطبيقي.
المبحث الثالث -تعريف علم االقتصاد:
المبحث الرابع -علم االقتصاد أحد فروع العلوم اإلنسانية ( االجتماعية ).
المبحث الخامس -الحاجات اإلنسانية:
✓ المجموعة األولى -حاجات مادية ضرورية.
✓ المجموعة الثانية -الحاجات الثانوية.
✓ المجموعة الثالثة -وهي حاجات التـرف والبـذخ.
✓ مستوى ظهور الحاجات اإلنسانية.
الفصل الثاني ( -المشكلة االقتصادية ،التحليل االقتصادي ،القوانين االقتصادية،
منهج البحث في علم االقتصاد )
المبحث األول -المشكلة االقتصادية:
المشكلة االقتصادية والموارد. •
أركان المشكلة االقتصادية: •
الندرة. ✓
االختيار ( السلم التفصيلي ). ✓
المبحث الثاني -التحليل االقتصادي :Economic Analysis
– 1معيار حجم الوحدة االقتصادية :Economic Unit
3
✓ أ -التحليل الكلي "."Macroeconomics
✓ ب -التحليل الجزئي "."Microeconomics
- 2معيار الموضوعية:
✓ أ – االقتصاد الموضوعي .Positive Economics
✓ ب – االقتصاد المعياري .Normative Economics
- 3معيار الصياغة أو األسلوب التحليلي:
✓ أ – التحليل الوصفي .Verbal or Descriptive Analysis
✓ ب -التحليل الرياضي "."Mathematical Analysis
✓ ج – التحليل القياسي .Econometric Analysis
✓ د – األسلوب البياني .Graphical Analysis
المبحث الثالث -منهج البحث في علم االقتصاد:
-1منهج التحليل والتركيب في علم االقتصاد.
- 2منهج التجريد العلمي Abstractionفي علم االقتصاد.
- 3منهج االستدالل ( )Inferenceفي علم االقتصاد:
✓ االستدالل االستقـرائي :وهو الوصول إلى أحكام عامة بتعميم أحكام خاصة.
✓ ب-االستدالل االستنباطي :وهو استنتاج قضايا خاصة من قضايا عامة.
- 4استخدام النماذج االقتصادية .Economic Models
المبحث الرابع -القوانين االقتصادية:
- 1خصائص القوانين االقتصادية:
✓ الطابع الموضوعي للقوانين االقتصادية.
✓ دور اإلنسان والقوانين االقتصادية.
✓ دور الوعي في اكتشاف القوانين االقتصادية واستخدامها.
✓ الصلة المباشرة بين السبب والنتيجة.
- 2أنواع القوانين االقتصادية:
✓ القوانين االقتصادية العامة (.)The General Economic Lows
✓ ب-القوانين االقتصادية الخاصة (النوعية)(.)The Specific Economic Laws
✓ ج – القوانين االقتصادية المشتركة (.)Common Economic Laws
✓ د -القوانين االقتصادية الناتجة عن تأثير البنية الفوقية.
- 3القانون االقتصادي األساسي.
4
الفصل الثالث -قوى اإلنتاج االجتماعية
المبحث األول -القوى المنتجة:
- 1العمل .Labor
- 2موضوعات العمل.
- 3أدوات العمل.
المبحث الثاني -عالقات اإلنتاج.
المبحث الثالث -أسلوب اإلنتاج.
المبحث الرابع -قانون توافق عالقات اإلنتاج مع قوى اإلنتاج.
الفصل الرابع -عناصر اإلنتاج في النظام الرأسمالي ( :الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم
المشروع االقتصادي في الرأسمالية )
أوالً -العمل:
✓ طبيعة العمل وخواصه:
✓ السكان وقوة العمل:
ثانياً -رأس المال:
✓ أموال اإلنتاج = رأس المال:
✓ رأس المال النقدي:
✓ جوهر الربح ومصدره:
✓ رأس المال الثابت ورأس المال المتغير:
األول -رأس المال الدائم .الثاني -رأس المال المتداول.
ثالثاً -الطبيعة والموارد الطبيعية:
رابعاً -المنظم:
األشكال القانونية للمشروع االقتصادي:
✓ شركات األشخاص:
✓ شركات األموال "الشركات المساهمة":
أنواع المشروعات االقتصادية:
✓ المشروع الصناعي
✓ المشروع التجاري
✓ المشروع الزراعي
الفصل الخامس -اإلنتاج البضاعي ومراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي
المبحث األول -اإلنتاج البضاعي.
5
المبحث الثاني -مراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي:
-1اإلنتاج البسيط " التعاون البسيط ".
-2اإلنتاج " المانفكتوري ".
-3اإلنتاج الصناعي الكبير " اإلنتاج اآللي ".
المبحث الثالث -المنافسة الحرة والرأسمالية االحتكارية:
-1الرأسمالية ما قبل االحتكارية (المنافسة الحرة).
-2الرأسمالية االحتكارية.
الفصل السادس -الناتج االجتماعي وتجديد اإلنتاج في الرأسمالية (التراكم الرأسمالي)
المبحث األول -الرأسمال االجتماعي والناتج االجتماعي واإلجمالي:
المبحث الثاني -تجديد اإلنتاج:
-1تجديد اإلنتاج البسيط:
- 2تجديد اإلنتاج الموسع:
المبحث الثالث -القانون العام للتراكم الرأسمالي:
الفصل السابع -نظريات تفسير القيمة التبادلية وأشكالها
المبحث األول -القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية (خاصتا البضاعة).
المبحث الثاني -نظريات القيمة:
✓ نظرية المنفعة والمنفعة الحدية.
✓ نظرية "القيمة في العمل".
✓ النظرية الماركسية في القيمة.
المبحث الثالث -أشكال القيمة التبادلية:
-1الشكل البسيط للقيمة التبادلية.
-2الشكل الواسع للقيمة التبادلية.
-3الشكل العام للقيمة التبادلية.
-4الشكل النقدي للقيمة التبادلية.
المبحث رابع -قانون القيمة وعالقة التناسب بين العمل االجتماعي وقيمة البضائع وأسعارها.
المبحث الخامس -النقود "والمصارف":
-1وظائف النقود.
-2قانون التداول النقدي وكمية النقود الضرورية للتداول.
6
الفصل الثامن -آلية عمل االقتصاد الرأسمالي
(تحول النقد إلى رأسمال ،تحول قوة العمل إلى بضاعة ،إنتاج القيمة الزائدة)
المبحث األول -تحول قوة العمل إلى سلعة:
-1قيمة قوة العمل.
-2عوامل تخفيض قيمة قوة العمل.
المبحث الثاني -تحول النقد إلى رأسمال (المعادلة العامة لرأس المال):
-1التداول السلعي البسيط والتداول السلعي الرأسمالي.
-حركة رأس المال (الدورة العامة لرأس المال).
-2الدورة العامة لرأس المال .
-3رأس المال الثابت ورأس المال المتغير.
المبحث الثالث -إنتاج القيمة الزائدة في الرأسمالية:
✓ كتلة القيمة الزائدة ومعدلها.
✓ القيمة الزائدة المطلقة.
✓ القيمة الزائدة النسبية.
المبحث الرابع – السعر وآلية العرض والطلب.
القسم الثاني :تاريخ األفكار والوقائع االقتصادية
الفصل التاسع -أساليب اإلنتاج في األنظمة االقتصادية االجتماعية في مرحلة ما قبل
الرأسمالية
المبحث األول -النظام المشاعي البدائي
أوالً -المشاعية البدائية أول تشكيلة اجتماعية اقتصادية.
ثانياً -مراحل تطور النظام المشاعي البدائي.
ثالثاً -أسلوب اإلنتاج في المشاعية البدائية.
رابعاً -ظهور الملكية الخاصة -المجتمع الطبقي واالستغالل االجتماعي.
المبحث الثاني -نظام الرق والعبودية أو النظام العبودي
أوالً -تطور اإلنتاج والقوى المنتجة:
ثانياً -اإلنتاج والتوزيع في المجتمع العبودي:
رابعاً – التناقضات الرئيسة وانحالل النظام العبودي:
المبحث الثالث -النظـام اإلقطاعي
7
أوالً -نشوء النظام اإلقطاعي وتكونه:
ثانياً -مراحل تطور النظام اإلقطاعي:
ثالثاً -تحويل الفالحين األحرار إلى أقنان:
رابعاً -جوهر االستغالل اإلقطاعي:
خامساً -تناقضات النظام اإلقطاعي وانحالله:
- 1نتائج التحول إلى نظام الريع النقدي:
- 2تطور القوى المنتجة:
- 3ظهور االقتصاد السلعي -النقدي:
ملحق حول نمط اإلنتاج اآلسيوي
الفصل العاشر -األفكار االقتصادية في العصور القديمة
المبحث األول – األفكار والمشكالت االقتصادية لدى الفراعنة:
-1نمط اإلنتاج في النظام الفرعوني.
-2الملكية والتوزيع في المجتمع الفرعوني.
-3التجارة في العهد الفرعوني.
المبحث الثاني – الفكر االقتصادي في اليونان القديم:
األفكار االقتصادية لدى أفالطون: -1
✓ آ – السياسة والمجتمع في فكر أفالطون..
✓ ب -نظرة أفالطون للملكية والنقود.
األفكار االقتصادية لدى أرسطو: -2
✓ آ – اختالف أرسطو عن أفالطون.
✓ ب -الرقيق ،الملكية ،القيمة والنقود في فكر أرسطو.
المبحث الثالث – األفكار االقتصادية في روما القديمة:
- 1التركيب االجتماعي في روما القديمة.
- 2المفكرون الرومان (شيشرون ،كاتون ،فارون ،كولوميال) واالقتصاد
الفصل الحادي عشر -األفكار االقتصادية في العصور الوسطى
المبحث األول -األفكار االقتصادية في اإلسالم (االمبرطورية العربية ـ اإلسالمية)
أوالً -مبادئ النظام االقتصادي في اإلسالم:
-1مبدأ الملكية المزدوجة:
-2مبدأ الحرية االقتصادية المحدودة:
-3مبدأ العدالة االجتماعية:
8
ثانياً -ابن خلدون (1406-1332م)( :أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون)
ثالثاً -المقريزي (:)1442-1364
المبحث الثاني -األفكار االقتصادية في العصور الوسطى األوربية :تالشي اإلقطاعية ونشوء
الرأسمالية
-توما االكويني (:)1274-1225
الفصل الثاني عشر -األفكار االقتصادية في العصور الحديثة األوربية
المبحث األول -تشكل الرأسمالية:
أوالً -المدرسة التجارية (المركانتيلية) :البرجوازية التجارية
ثانياً -المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية) -البرجوازية العقارية:
المبحث الثاني -األفكار االقتصادية في مرحلة انتصار الرأسمالية
أوالً -المدرسة التقليدية (الكالسيكية) :البرجوازية الصناعية:
-1وليم بيتي (:)1663-1623
-2آدم سميث ( - )1790-1732موضوع االقتصاد السياسي عند سميث:
-3ديفيد ريكاردو ()1823-1772
ثانياً -المدرسة االشتراكية:
االشتركية العلمية -كارل ماركس (:)1883-1818
المبحث الثالث -األفكار االقتصادية التبريرية :مرحلة ما قبل الرأسمالية االحتكارية
أوالً -المدرسة المالتوسية ..المدرسة التشاؤمية -روبرت مالتوس (:)1836-1766
ثانياً -المدرسة الهامشية -مدرسة المنفعة الحدية/الهامشية:
المبحث الرابع -األفكار االقتصادية في مرحلة اإلمبريالية ورأسمالية الدولة االحتكارية
أوالً -المدرسة الكينزية :تدخل الدولة االقتصادي -جون ميناردكينز (:)1946-1883
✓ النظرية العامة
✓ السياسة التمويلية والنقدية
✓ السياسة التجارية الجديدة
ثانياً -المدرسة الكنزية الجديدة:
ثالثاً -المدرسة النقدية :مدرسة شيكاغو
رابعاً -المدرسة المؤسسية (جون كينيث غالبريث):
ملحق ( نهاية الليبرالية الجديدة )
9
مدخل إلى علم االقتصاد
( االقتصاد السياسي وتاريخ األفكار االقتصادية)
المقدمة:
لتوضيح النشاط االقتصادي في المجتمع يمكن العودة إلى الرحلة اليومية التي يقطعها الفرد منذ
االستيقاظ في الصباح إلى أن يصل إلى مكان عمله .فال بد للفرد من إعداد نفسه للخروج وهو يحتاج
لذلك إلى العديد من السلع والمواد التي يستخدمها في طعامه أو في االغتسال وارتداء المالبس.
ولتناول الطعام يستعمل أدوات لتجهيزه ويستعمل أدوات أخرى لتناوله .ومصدر هذه المواد إما زراعي
وإما صناعي تم تحويله .وفي الطريق إلى مكان عمله يستخدم إحدى وسائط النقل .وعندما يصل
إلى مكان عمله يجده قائماً ومجه اًز بما هو الزم لممارسة نشاطه اليومي .خالل هذه الرحلة القصيرة
نسبياً نجد أن الفرد قد استعمل أو استهلك الكثير من السلع واألدوات لتأمين حاجته.
ابتداء من هذه الرحلة الصباحية اليومية يمكن أن تتتبع رحالت أفراد آخرين ومجموعات أخرى
من األفراد ،قاموا بالعمل وبذلوا الجهد في إنتاج السلع والخدمات التي يحتاج إليها اإلنسان في رحلته
اليومية .والهدف من النشاط االقتصادي هو إنتاج الخيرات لتلبية حاجة اإلنسان من المأكل والملبس
والمأوى ،ألن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من الغذاء والرداء والمسكن .ويوضح
لنا هذا األمر العالمة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة كما يأتي " :لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه
وهو قوت يوم من الحنطة مثالً فال يحصل عليه إال بعالج كثير من الطحن والعجن والطبخ وكل
واحد من هذه األعمال الثالثة يحتاج إلى مواعين وآالت ال تتم إال بصناعات متعددة من حداد ونجار
وفاخوري ،وهب أنه يأكله حباً من غير عالج فهو أيضاً يحتاج في تحصيله حباً إلى أعمال أخرى
أكثر من هذه الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غالف السنبل ويحتاج كل واحد من
هذه إلى آالت متعددة وصنائع كثيرة أكثر من األولى بكثير" )1(.لذلك نلحظ أن قدرة الفرد الواحد على
تأمين حاجاته من الغذاء والملبس والمأوى غير كافية ،فال بد من اجتماع األفراد وتعاونهم فيحصلون
بالتعاون على قدر الكفاية من الحاجة ألكثر منهم بأضعاف ،لذلك تبدو هنا ضرورة التعاون بين
()2
البشر لتحقيق مصالح األفراد والمجتمع وتقديم الخدمات بأيسر السبل وأفضل الشروط.
وال يتم النشاط االقتصادي في المجتمع بمعزل عن النشاطات االجتماعية األخرى ،بل هو مرتبط
بجوانب الحياة األخرى .فالفالح الذي يمارس نشاطاً اقتصادياً (ينتج القمح) ،هو الفرد ذاته الذي
يمارس نشاطاً اجتماعياً داخل أسرته ،أو من خالل عالقته بجيرانه واألسر األخرى في المجتمع،
-1تاريخ ابن خلدون "مقدمة ابن خلدون" المجلد األول –دار البيان -ص.43
2
-انظر ،د .مصطفى العبد هللا ،علم االقتصاد والمذاهب االقتصادية ،منشورات جامعة دمشق .1993 ،مقرر لطالب السنة األولى في
كلية الشريعة – جامعة دمشق .أنظر أيضاً ،مقالة للمؤلف بعنوان :حاجات اإلنسان وطرق إشباعها ،مجلة أخبار البترول والصناعة ،العدد
،192أبو ظبي ،يوليو –حزيران .1986
10
وهو الفرد نفسه الذي ينتمي إلى حزب سياسي ويمارس نشاطاً سياسياً في المجتمع ،وقد يكون هو
الفرد نفسه الذي يمارس نشاطاً فنياً عندما ينتسب إلى إحدى الفرق ٍ
كهاو للتمثيل مثالً .لذلك يكون
الفرد في انتمائه إلى فئة أو طبقة اجتماعية ،هو نفسه الذي يمارس عملياً النشاط االقتصادي والنشاط
االجتماعي والنشاط السياسي في هذه الفئة أو الطبقة.
3
تنقسم الظواهر التي يواجهها اإلنسان في حياته إلى مجموعتين:
األولى -ظواهر طبيعية :ال تأثير لإلنســان في هذه الظواهر الطبيعيةأل ألنه ال يشــارن بصــنعها
ال من قريب و ال من بعيد ،كل ما يمكن أن يفعله اإلنس ـ ــان هو د ارس ـ ــة الظواهر الطبيعية ،تحليلها،
إن كان هنان بعض التأثير الس ــلبي ومحاولة فهمها ،وتحس ــين تعامله معها وتجنب آثارها الس ــلبية ،و ْ
في الظواهر الطبيعية ،لكن اإلنسان ال يستطيع إعادة صياغة الظاهرة الطبيعية أو تكوينها.
ف ــالم ــاء ظ ــاهرة طبيعي ــة ال يكون إال ب ــاتح ــاد ذرتين من الهي ــدروجين مع ذرة من األكسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجين
( )H2Oال يمكن لإلنســان أن يعيد صــياغة الماء أو تكوينه لكنه يســتطيع تحويله من حالته الســائلة
إلى حالة غازية أو صلبة لكن التكوين يبقى ثابتا.
الثانية -ظواهر اجتماعية :تتمثل الظاهرة االجتماعية بمجموع السلون االجتماعي للفرد
بحث الظاهرة
والمجتمع النابع من منظومة المثل والقيم التي يعيش ضمنها الفرد والمجتمع .لهذا ُ
االجتماعية مرهون بفهم أسس هذا السلون االجتماعي المكون لهذه الظاهرة .لذلك يختلف السلون
االجتماعي و منه السلون االقتصادي من منظومة اجتماعية إلى أخرى تبعاً الختالف المخزون
الثقافي والحضاري لكل منهما.
جاان اب اً من االقتصاااااااااااد علم ينتمي إلى مجموعاة العلوم االجتمااعياة .وهو علم يحلال وينااق
النشاااااااا اإلنساااااااني في أي مجتمع من المجتمعات وهو الجانب االقتصااااااادي؛ أي علميات إنتاج
عاادداً كبي اًر من الخيرات والموارد وتبااادلهااا وتوزيعهااا واساااااااااتهالكهااا في المجتمع ،كمااا يناااق
المتغيرات االقتصااادية كاالسااتهالال واالسااتثمار والنقود واألسااعار ،ومورااوع النظرية االقتصااادية،
واألنظمة االقتصاادية المقارنة واألعمال المختلفة للمنظمة االقتصاادية .ويعالج أيضاا مساالة النمو
االقتصاااادي ومختلل الظواهر االقتصاااادية وال سااايما المصاااارو ،وقوانين العمل ومساااائل العمال،
4
واألسواق والتجارة بنوعيها الداخلية والخارجية.
ويمكن التمييز بين فرعين رئيسين لعلم االقتصاد:
األول – االقتصــاد الجزئي Microeconomicsالذي يناقش ويحلل ســلون المؤسـســات الفردية
المستهلك (األفراد ،الشركات ،التجار ،المزارعون).
-أحمد الحاج فراس العوران ،االقتصاد ا : Economicsسيات ومبادئ ومفاهيم ،الجامعة األردنية ،منشورات عمادة البحث العلمي – 3
11
والث ــاني – االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الكلي Macroeconomicsال ــذي يركز على االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الجمعي
(التجمعات) مثل مس ــتوى الدخل القومي ،حجم العمالة الكلية ،تدفق االس ــتثمارات من فرع إلى آخر،
التطور االقتصـ ـ ـ ـ ــادي ،تاريخ تطور نشـ ـ ـ ـ ــاط المنظمة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية لمدة طويلة من الزمن ،وعالقتها
بالنشاطات والمؤسسات األخرى.
وهذا يعني أن علم االقتصـ ـ ــاد يحاول أن يجيب على طيف واسـ ـ ــع من األسـ ـ ــئلة ترتبط بالنشـ ـ ــاط
اإلنسـاني االقتصـادي الذي يشـمل اإلنتاج التبادل ،التوزيع االسـتهالن ،المالية العامة ،عرض النقود،
حجم اإليداع ،التجارة الداخلية والدولية ،المنشـتت الزراعية والصـناعية والخدمية .ويهتم علم االقتصـاد
بالعالقات بين البائعين والمشــترين والســوق .يضــاف إلى كل ذلك أن لعلم االقتصــاد عالقات واســعة
مع مختلف العلوم وخاص ـ ــة العلوم االجتماعية كعلم الس ـ ــياس ـ ــة والقانون وعلم الس ـ ــكان (الديمغرافيا)،
والجغرافيا والتاريخ وغيرها.
األستاذ الدكتور مصطفى العبد هللا الكفري
الدكتور غسان إبراهيم
12
الفصل األول
علم االقتصاد
(المفاهيم األساسية ،تعريف علم االقتصاد )
لقد أدرن المفكرون منذ أقدم العصـ ـ ـ ـ ـ ــور الدور الهام لالقتصـ ـ ـ ـ ـ ــاد والعمران .ثم درس ـ ـ ـ ـ ـ ـوا العوامل
االقتصادية في سلون اإلنسان ،وما هو أثرها في التنظيم االجتماعية والتطور التاريخي للمجتمع.
بدأت الظواهر االقتصـ ـ ــادية منذ أن شـ ـ ــعر اإلنسـ ـ ــان بالحاجة ،وبدأ يبحث عن طريقة لتلبية هذه
الحاجات بصـ ــورة عفوية .ثم تطورت مع تطور االقتصـ ــاد ومع ازدهار الدولة وزيادة حجمها وانتظام
قوانينها وظهور الحكومة والسـ ــلطة التي ال بد من توفرها للقيام على شـ ــؤون الناس ،وتلبية حاجاتهم،
وتـأمين متطلبـاتهم .إن الحـالـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة التي تؤمن تلبيـة حـاجـات النـاس ،أمر ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري لبقـاء
المجتمع والنظام االجتماعي واس ــتمرارهما .والحكومة أو الس ــلطة الجيدة هي التي تقوم بوظيفة تأمين
الغذاء والضروريات االقتصادية الستمرار حياة اإلنسان.
وضــعت أولى الد ارســات المكرســة عن قصــد للظواهر االقتصــادية ،في اليونان القديم ،في القرن
الخامس والرابع قبل الميالد( ،)5على الرغم من أن الفالسفة اليونانيين لم يدرسوا الظواهر االقتصادية
على أنها فرع مس ـ ـ ـ ـ ــتقل من فروع المعرفة ،بل ورد ذكرها بين أبحاثهم حول الفلس ـ ـ ـ ـ ــفة والس ـ ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ـ ــة
واألخالق .وتُعلمنا أش ـ ــعار هوميروس في رائعتيه "اإللياذة واألوديس ـ ــة" عن قيام حض ـ ــارة "اآلخائيين"
في القرن الثالث عش ــر حتى القرن الحادي عش ــر قبل الميالد .عندما كانت ملكية األرض مش ــتركة،
ثم اس ـ ـ ـ ـ ــتولى عليها األقوياء وأص ـ ـ ـ ـ ــحاب النفوذ عنوة ،حينذان ظهرت الملكية الفردية التي تقوم على
االسـ ـ ــتغالل ،اسـ ـ ــتغالل الرقيق( .)6ويقدم لنا التاريخ الثقافي لمختلف شـ ـ ــعوب العالم ،الصـ ـ ــين ،الهند،
العرب والمسـ ـ ـ ــلمين ،أمثلة مماثلة لد ارسـ ـ ـ ــة الظواهر والمشـ ـ ـ ــكالت االقتصـ ـ ـ ــادية ،التي تتعلق باإلنتاج
والتوزيع واالسـ ــتهالن ،وعالقات اإلنسـ ــان وسـ ــلوكه المرتبط بعملية اإلنتاج والتوزيع .حيث ينظر علم
االقتصــاد األولي ،من خالل مقولة أرســطو "اإلنســان حيوان اجتماعي" ،إلى اإلنســان بالدرجة األولى
كحيوان اجتماعي ينتج ويستهلك.
المبحث األول -المعرفة االقتصادية:
المعرفة االقتصادية هي مجرد إدران اإلنسان لألحداث والظواهر االقتصادية المحيطة به دون
ربط منطقي بينها ،أو محاولة إدران سبب وجودها أو ارتباطها.
ويمكننا أن نميز بين ثالثة مستويات للمعرفة االقتصادية هي المستوى الفردي والمستوى القومي
والمستوى العالمي.
6
-د .محمود يونس محمد و د .عبد النعيم محمد مبارن ،أساسيات علم االقتصاد ،الدار الجامعية بيروت ،1985ص.15-14
13
-1على المستوى الفردي:
7
عندما تجول بخاطر اإلنسان تساؤالت عديدة منها:
-لماذا الهواء متاح لإلنسان دون مقابل ؟ في حين أن السلع المادية األخرى لها ثمن!
-لماذا دخل الطبيب يختلف عن دخل العامل ،ويختلف عن دخل النجار؟
-ما الذي يجعل جاري أكثر ماالً مني ؟
-ما الذي يجعل الخبز أرخص من الفاكهة ؟ والفاكهة أرخص من السيارة ؟
-لماذا العامل أو الموظف يدفع الضرائب للدولة ،وتشاركه الدولة في دخله ؟
-2على المستوى القومي:
– لماذا يقوم األفراد بالعمل في المزارع والمصانع والمتاجر ؟
– ما هي القوانين التي تحكم سلوكهم في العمل أو خارجه ؟
– لمااا ا ير ااب الناااس في امتالال النقود ه ومااا هي ه ا و النقوده وكيل يساااااااااتطيع الفرد
الحصول عليها ه وكياااااال يتصاااااارو بالفائل منها ه هل يكتنزو ه أم يستثمرو ه ثم أين يستثمروه
هل في الزراعة أو في الصناعة أو في العقارات! أو في مشروع يرجو من ورائه مزيداً من الربح.
– لماذا للذهب هذه القيمة وهذا البريق ؟
– ما هي المصارف المركزية والبنون التجارية ؟ وما هو دورها ؟
– لماذا تقدم الدولة الخدمات الصـ ــحية والتعليم وغيرها للمواطنين مجاناً ؟ وما جدواها؟ ثم لماذا
النقل والتخزين والترفيه ؟
-3على المستوى الدولي:
– كيف تكون العالقات بين الدول ؟
– هي تستطيع أية دولة تحقيق االكتفاء الذاتي ؟
– كيل تتم المبادالت التجارية ه وباية عملة تتم تسااوية عملية المدفوعات ه ولما ا التجارة
الخاارجياة بدون قيود ه ولماا ا تفرل عليهاا القيود ه وما هو ميزان المدفوعات ه وما هو الفاائل
أو العجز ال ي يحققه ه
– ماذا يعني تعويم عملة في دولة ما ؟ وكيف ترتفع قيمة عملة دولة ما أو تنخفض؟.
إن هذه التســاؤالت وردت على ســبيل المثال ،س ـواء على مســتوى الفرد ،أو المســتوى القومي ،أو
المسـتوى الدولي ،وليس على سـبيل الحصـر .وفي الحقيقة جاء كل تسـاؤل منها اسـتفسـا اًر عن حادثة
أو ظاهرة اقتصـادية أدركها اإلنسـان ،ويبدأ معها الفكر اإلنسـاني بالبحث عن حلول وإجابات وتفسـير
7
-د .محمود يونس محمد ود .عبد النعيم محمد مبارن ،أساسيات علم االقتصاد ،الدار الجامعية ،بيروت ،1985 ،ص 14وص.15
14
لهذه الحوادث والمشـ ـ ـ ـ ـ ــكالت والتسـ ـ ـ ـ ـ ــاؤالت .إنها المعرفة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية ،التي تحولت الحقاً إلى علم
االقتصاد.
وعلم االقتصـ ـ ـ ــاد هو المعرفة االقتصـ ـ ـ ــادية المنظمة التي تحاول الوصـ ـ ـ ــول ،من خالل مجموعة
الحوادث والظواهر االقتصـ ـ ـ ــادية المتشـ ـ ـ ــابهة والمتكررة( ،إلى مجموعة من الحقائق الثابتة التي تربط
بين هـذه الحوادث والظواهر بروابط منطقيـة ،بحيـث تكون في مجموعهـا بنـاء كليـاً متنـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـاً .وهـذه
الحقائق أو الروابط المنطقية يطلق عليها اسـ ـ ــم " القوانين ،" Lawsوإن شـ ـ ــاع تسـ ـ ــميتها في الوقت
الحـاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وخاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في ميـدان العلوم االجتمـاع ـية باسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم " التصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات النظرية أو الفروض
8
.)"Hypotheses
8
-د .محمود يونس محمد ود .عبد النعيم محمد مبارن ،المصدر السابق ص.9
15
المبحث الثاني -العلوم االقتصادية:
وهي علوم تبحث عن القوانين االقتصااااادية ساا اواه أكانق ه و القوانين عالقات ثابتة نساااابياً،
وقابلة للتعبير عن نفسااها بلغة إحصااائية أو ريارااية ،أم كانق حقائق عامة وعالقات نظامية أو
بنيوية بين اإلنساان واألشاياه ،أو بين اإلنساان واإلنساان .وتســتخدم العلوم االقتصــادية طرائق في
البحث والتحليل مختلفة كاالس ــتدالل بنوعيه االس ــتقرائي واالس ــتنباطي ،أو التجريد العلمي أو التحليل
والتركيب ،أو االختزال ،إضـ ـ ــافة إلى المالحظة النظامية للوقائع مع التحقيق اإلحصـ ـ ــائي .لهذا يرى
البعض أنه من الخطأ تصـ ـ ـ ــور علم االقتصـ ـ ـ ــاد بالمعنى المفرد ،حيث أفرز لنا التطور مجموعة من
العلوم ،تسمى " العلوم االقتصادية والمالية ".
أما بالنســبة لمفهوم علم االقتصــاد ،فيؤكد البعض اآلخر أنه يتمحور حول النظرية االقتصاادية.
وتمثل " النظرية االقتصادية" القاعدة األساسية أو الهيكلية ،والتي تتضمن المعرفة والقوانين المنظمة
9
للنشاط االقتصادي بصفة عامة ،في مجتمع معين ،وفي مرحلة تاريخية معينة".
والعلوم االقتصادية هي دراسات منظمة للقوانين الموضوعية ،التي تتحكم بالمجتمع أثناء نشاطه
االقتصادي ،وبذلك تسجل الوقائع في مجرى الحوادث االقتصادية كما هي دون تصرف أو تالعب.
وبذلك تكون العلوم االقتصـ ــادية عبارة عن كشـ ــف أو محاولة كشـ ــف عن حقيقة اقتصـ ــادية أو قانون
10
يتعلق بالنشاط االقتصادي.
وال بد من اإلش ــارة إلى الدعم الواض ــح الذي قدمته تقانات البحث واالس ــتدالل واالس ــتقص ــاء لعلم
علم االقتص ــاد وتنظيم المفاهيم التي يس ــتعملها .لقد ولدت تقانات االس ــتدالل واالس ــتقص ــاء في البدء
من الحاجة لإلسهام في فهم المسائل والظواهر االقتصادية الملحة القابلة للتقويم الكمي.
وتتكون العلوم االقتصادية من ثالثة فروع أساسية:
- 1التاريخ االقتصادي :وهو عبارة عن دراسة األفكار والوقائع االقتصادية في زمن مضى.
- 2االقتصاد الوصفي :يتضمن الجغرافية االقتصادية ،واإلحصاء االقتصادي.
- 3االقتصاااد السااياسااي :الذي تتفرع عنه العلوم االقتص ــادية التطبيقية( ،االقتص ــاد الزراعي،
الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعي ،المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفي ،اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـات العمـل ،النقـل ،النفط ،التجـارة ،المـاليـة العـامـة ،التخطيط
ويعد االقتصـاد السـياسـي األسـاس الفلسـفي لجميع
االقتصـادي ،العالقات االقتصـادية الدولية ...الخ)ّ .
العلوم االقتصادية.
9
-انظر -د .مصطفى رشدي شيحة ،علم االقتصاد من خالل التحليل الجزئي ،الدار الجامعية للطباعة والنشر ،بيروت ،1985ص11
10
-انظر :االتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية ،القسم األول -العلوم االجتماعية ،تأليف عدد من المختصين،
ترجمة جماعة من األساتذة .اليونسكو -المجلد( ،)1مطبعة جامعة دمشق ،1976ص.389
16
كما أن هنان محاوالت أخرى للتمييز بين فروع رئيس ـ ـ ـ ـ ـ ــة للعلوم االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادية غير الفروع التي
وردت أعاله .تتفق أو تختلف معهــا بــدرجــات متفــاوتــة .ومن هــذه المحــاوالت التي تميز بين الفروع
اآلتية:
-االقتصااد الوصافي (التقريري ) :Positive Economicsاالقتصــاد التقريري هو التحليل
االقتص ـ ــادي الذي يكتفي بتقرير واقع الحال االقتص ـ ــادي كما هو دون التعرض له بتقييم أو حكم .و
يسـ ـ ــمى أحيانا باالقتصـ ـ ــاد الوصـ ـ ــفي ألنه يعني وصـ ـ ــف حالة معينة أو ظاهرة اقتصـ ـ ــادية محددة .و
يتناول المشــكالت والظواهر االقتصــادية من ناحية توصــيف مظاهرها وتأصــيل أســبابها دون محاولة
اقتراح حلول لعالجها).
-االقتصااااد المعياري ( القياساااي ) :Normative Economicsاالقتص ـ ــاد المعياري هو
يتعدى
التحليل االقتص ــادي الذي ال يكتفي بمجرد الوص ــف وتقرير واقع الحال االقتص ــاد الدخل :بل ّ
ذلك إلى نقد وتقييم هذا الواقع وتحديد المشـ ـ ــكالت والصـ ـ ــعوبات االقتصـ ـ ــادية وطرح البدائل والحلول
المناسـبة للمشـكلة االقتصـادية المتعامل معها من أجل الوصـول إلى نتائج أفضـل .ولتوضـيح الفرق
بين االقتصاد التقريري واالقتصاد المعياري نورد المثال اآلتي حول موضوع توزيع الدخل:
-االقتص ـ ـ ـ ــاد التقريري يوض ـ ـ ـ ــح لنا توزيع الدخل في دولة معينة عن طريق تحديد دخل الفرد،
وتقسـيم المجتمع إلى فئات و يحدد النسـبة المئوية التي تحصـل عليها كل فئة من فئات المجتمع من
الدخل ،و ينتهي دوره عند تقديم البيانات و المعلومات عن توزيع الدخل.
-أما االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد المعياري فهو يبحث في مدى عدالة توزيع الدخل بين أفراد وفئات المجتمع
وبالتالي الوســائل التي يجب اتباعها لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة في توزيع الدخل ،فهو يقوم
بتحليل األســباب التي أدت إلى ســوء توزيع الدخل ووضــع الحلول المناســبة لتحقيق العدالة في توزيع
الدخل.
-االقتصاااااد التحليلي أو النظرية االقتصااااادية ( ،Economics Theoryيشـ ـ ــمل مجموعة
المبادئ والمفاهيم والتعريفات التي تشكل الخلفية النظرية لعلم االقتصاد ).
-االقتصااااااااااد التطبيقي ( ،Applied Economicsيش ـ ـ ـ ـ ـ ــمل حلقة الوص ـ ـ ـ ـ ـ ــل بين الفرعين
الس ـ ــابقين .حيث يتم فيه اس ـ ــتخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدام أدوات التحليل التي تزودنا بها النظرية االقتص ـ ــادية وتطبيقها
11
لمحاولة عالج المشكالت التي يطرحها االقتصاد الوصفي).
لم يعد العلم الحديث يقتنع عن طيبة خاطر ،بأن التطور االقتصادي واالجتماعي ناجم عن
وتقوم األوضـ ــاع
القدر المحتوم أو القوانين الطبيعية .فالشـ ــعوب ترغب في أن تقرر مصـ ــيرها بيدهاّ ،
االجتمـاعيـة واالقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة تقويمـاً يعجـل في الت ـق دم ،وتحقيق مطمحهـا في ميـادين الرفـاهيـة ،والعـدل،
11
-المصدر السابق.
17
والتحص ــيل الثقافي .والمطلوب من علم علم االقتص ــاد أن يهيل الوس ــائل لتحقيق هذه الغاية …وهذا
12
هو الدور االجتماعي لهذا العلم.
المبحث الثالث -تعريف علم االقتصاد:
كان أرسـ ــطو أول من اسـ ــتعمل كلمة "االقتصـ ــاد" وبذلك يكون معنى كلمة االقتصـ ــاد مشـ ــتقاً من
الكلمتين اليونـانيتين األولى" :أويكوس " Oikosوتعني المنزل ،والثـانيـة" :نوموس " Nomoوتعني
القــانون .وهــذا يعني أن أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل إلى كلمــة " اقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد " من خالل علم تــدبير المنزل
واقتصـ ــادياته .وشـ ــاع فيما بعد اسـ ــتخدام مصـ ــطلح "االقتصـ ــاد السـ ــياسـ ــي" الذي توسـ ــع بدوره وانتشـ ــر
ليش ـ ـ ــمل األبحاث في مختلف المس ـ ـ ــائل والظواهر االقتص ـ ـ ــادية – االجتماعية .كما ظهر مص ـ ـ ــطلح
"االقتصـ ـ ـ ـ ــاد االجتماعي" ،الذي اسـ ـ ـ ـ ــتخدم في بعض المدارس االقتصـ ـ ـ ـ ــادية( )13مرادفاً لمصـ ـ ـ ـ ــطلح "
االقتص ـ ـ ــاد الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــي" أو بدالً منه .لقد جاء هذا الترادف من خالل كلمة "بوليتيكوس "Politicos
()14
اليونانية وتعني االجتماعي ،في حين استخدمها بعضهم بمعنى سياسي.
نظ اًر لما لعلم االقتص ـ ــاد من أهمية خاص ـ ــة بين مجموعة العلوم االجتماعية نتس ـ ــائل ما هو إذن
علم االقتص ــاد ؟ هل هو أس ــاس العلوم االجتماعية ؟ وربما كان العلم الذي يقوم بد ارس ــة بني البش ــر
في حياتهم العادية حين يكسبون وينفقون ويستمتعون بالحياة(.)15
يالحظ وجود تباينات يسـ ــيرة بين التعريفات المقترحة لعلم االقتصـ ــاد .ونذكر على سـ ــبيل المثال:
ش باع حاجاته المتعددة (االقتصـاد ،هو العلم الذي ُيعنى بد ارسـة نشـاط اإلنسـان في سـعيه المسـتمر إل ـ
ويعرف (االقتصــاد ،أو االقتصــاد الســياســي ،هو د ارســة
المتزايدة باســتخدام موارده النادرة المحدودة)ّ .
تلـك األنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة التي تنطوي على تبـادل المعـامالت "سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواء النقـديـة أو غير النقـديـة" بين األفراد).
وتعريف ثالث بأن (االقتصاد هو عمل االقتصادي).
هذا ويمكن أن نعرف االقتصــاد بأنه ( :الد ارســة العلمية للظواهر المتعلقة بالنشــاط االقتصــادي).
وتعريف آخر بأن (االقتصـ ــاد :هو مجموعة محددة ،تاريخياً ،من العالقات اإلنتاجية – االجتماعية،
()16
أو هو نظام المجتمع االقتصادي ،الذي يالئم كل مرحلة من مراحل تطور القوى المنتجة).
12
-أوسكار النكه ،االقتصاد السياسي ،الجزء األول ،تعريب د .محمد سلمان حسن ،دار الطليعة ،بيروت ،1967ص( .61أوسكار النكه
اقتصادي بولوني مشهور).
13
-وخير مثال على ذلك المدرسة االقتصادية االجتماعية البولونية .انظر:
)Supinski, szkola polska gospodarstwa, spolecznego (1862 – 1865
14
-انظر :أوسكار النكه ،االقتصاد السياسي ،الجزء األول ،تعريب د .محمد سلمان حسن ،دار الطليعة ،بيروت ،1967ص.74
15
-المصدر السابق ص 16و.17
-موجز القانون االقتصادي ،مجموع من المؤلفين السوفييت ،دار الجماهير ،ص.414 16
18
ويعد االقتصـ ـ ــادي اإلنكليزي "آدم سـ ـ ــميث" ،أحد رواد المدرسـ ـ ــة التقليدية "الكالسـ ـ ــيكية "( ،)17من
ُ
أش ـ ـ ــهر االقتص ـ ـ ــاديين الذين كان لهم أثر كبير في تطور علم االقتص ـ ـ ــاد .وكثير من االقتص ـ ـ ــاديين
يعدونه "أبو االقتصــاد الســياســي" .ومن أشــهر مؤلفاته كتاب "ثروة األمم" الصــادر في عام 1776م
حيث يعد نقطة انطالق وتحول لعلم االقتصـ ـ ـ ـ ــاد .والكتاب يبحث في أسـ ـ ـ ـ ــباب ثروة األمم وطبيعتها.
ويعتبر آدم س ـ ـ ــميث أن العمل البش ـ ـ ــري هو الذي يزيد في قيمة المنتوجات (نظرية القيمة – العمل)،
()18
والطاقة البشرية هي اإلمكانية االقتصادية األولى التي تمتلكها األمم.
كما نادى سـ ــميث بضـ ــرورة تقسـ ــيم العمل وتشـ ــجيع التخصـ ــص على صـ ــعيد القطاعات أو على
الصـ ـ ـ ـ ـ ــعيد العام .وربط عملية توزيع الدخل بنظرية "القيمة -العمل" ويشـ ـ ـ ـ ـ ــمل التوزيع عائد األرض
وعائد رأس المال وعائد العمل .ويرى س ـ ــميث أن أس ـ ــاس التنمية االقتص ـ ــادية هو "تراكم رأس المال"
الناتج عن فائض اإلنتاج ،وعدم المغاالة في االستهالن لزيادة التراكم واالستثمار.
وبعد أن قام "الفرد مارشـ ـ ــال" بنشـ ـ ــر مؤلفه "مبادئ االقتصـ ـ ــاد" في عام 1980م ،أخذ مصـ ـ ــطلح
"االقتص ـ ــاد "Economicsينتش ـ ــر على نطاق واس ـ ــع ،وخاص ـ ــة بين األوس ـ ــاط األكاديمية في الدول
التي تتحدث باللغة اإلنكليزية.
ُيعرف السـيد محمد باقر الصـدر علم االقتصـاد(:هو العلم الذي يتناول تفسـير الحياة االقتصـادية
وأحداثها وظواهرها ،وربط تلك األحداث والظواهر باألسباب والعوامل التي تتحكم فيها) (.)19
أي إن علم االقتصـ ــاد يتناول د ارسـ ــة حاجات اإلنسـ ــان االقتصـ ــادية وطرق إشـ ــباع هذه الحاجات
(تحديد الحاجات ،وإنتاج الس ــلع إلش ــباع الحاجات) وهذا يتض ــمن موض ــوعات العمل ،وأدوات العمل
والعنص ـ ـ ــر البش ـ ـ ــري (قوة العمل) التي تس ـ ـ ــتطيع أن تخلق الس ـ ـ ــلع والخدمات بهدف إش ـ ـ ــباع حاجات
اإلنس ـ ــان .وعلى الرغم من أن أحداث الحياة االقتص ـ ــادية وظواهرها موجودة منذ بدء الخليقة ،إال أن
علم االقتصـ ـ ـ ــاد كعلم مسـ ـ ـ ــتقل حديث الوالدة ،ووالدته مرتبطة مع بداية النظام ال أرسـ ـ ـ ــمالي منذ أربعة
قرون تقريباً .وتجدر اإلش ـ ــارة إلى أن الفارق بين المفاهيم المختلفة لعلم االقتص ـ ــاد يمكن قياس ـ ــه إلى
حـد مـا بثالثـة معـايير هي :معيـار المـدى المرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم لهـذا العلم ،ومعيـار األهـداف التي يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهـدفهـا
البحث ،ومعيار المسـ ــلمات والمناهج األسـ ــاسـ ــية التي يأخذ بها .هذه الفروق يمكن تعليلها في الوقت
ذاته بتفضيالت شخصية وباتجاهات المذاهب المختلفة والطرق التي تقوم بالبحث .إال أن ثمة فروقاً
قوميـة أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ،يبـدو للوهلـة األولى إمكـان ردهـا إلى شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل تنظيم البحوث أكثر منـه إلى التبـاينات
اإليديولوجية.
-المدرسة االقتصادية التقليدية "الكالسيكية " ولدت في إنكلت ار في نهاية القرن الثامن عشر ،وعدت اإلطار الفكري للثورة الصناعية في 17
19
وقد اسـتعمل ماركس وأنجلس مصـطلح "االقتصـاد السـياسـي" لتوضـيح القوانين االجتماعية إلنتاج
السـ ـ ـ ــلع وتوزيعها .كما قام ماركس بنقد مبادئ االقتصـ ـ ـ ــاد السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي الكالسـ ـ ـ ــيكي ،في مؤلفه رأس
المال"نقد االقتص ــاد الس ــياس ــي" .ومنذ ذلك الحين انتظم اس ــتعمال مص ــطلح االقتص ــاد الس ــياس ــي في
()20
أي إن االقتص ــاد الس ــياس ــي الماركس ــي (يدرس النظام االجتماعي لإلنتاج، األدبيات الماركس ــية.
والعالقات االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية بين النـاس أثنـاء عمليـة اإلنتـاج ،والقوانين التي تحكم إنتـاج الخيرات المـادية
()21
وتوزيعها وتبادلها عند جميع درجات تطور المجتمع البشري).
عرف أوسكار النكه االقتصاد السياسي بأنه (عبارة عن دراسة للقوانين االقتصادية ،أي دراسة وي ّ
ُ
العالقـات التي تحـدث بـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمرار بين عنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر العمليـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة .وهو يؤكـد وجود القوانين
االقتصــادية ،وطبيعتها ،ومداها التاريخي ،وأســلوب عملها والعالقات المتبادلة فيما بينها .وعلى هذا،
االقتصـاد السـياسـي عبارة عن د ارسـة لمظاهر العملية االقتصـادية التي تفصـح عن نفسـها في القوانين
االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة .وهو علم نظري " "Theoretical disciplineبـالمقـارنـة مع التـاريخ االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي
()22
واالقتصاد الوصفي ،اللذين يدرسان العمليات االقتصادية المتجسدة في أزمنة وأمكنة معينة).
من خالل ما تقدم من تعاريف لعلم االقتصاد نجد أن ه و التعاريف قد ركزت على الجوانب
التالية:
-1يهتم علم االقتصاد بتوزيع الموارد المتاحة بين مختلف فروع اإلنتاج بهدف إنتاج السلع
والخدمات المطلوبة و طريقة إنتاجها.
-2علم االقتصاد هو علم االختيار و الق اررات ،يهدف إلى حل المشكلة االقتصادية .فالموارد
المحدودة ( الندرة ) تتطلب ضرورة االختيار وتحديد االفضليات لتلبية وإشباع أكبر قدر ممكن من
االحتياجات غير المحدودة للفرد والمجتمع.
-3يستخدم علم االقتصاد منهج البحث والتحليل بهدف معرفة آليات عمل األسعار ،والناتج،
والتضخم ،والبطالة و غير ذلك من المتغيرات االقتصادية.
-4يهتم علم االقتصاد بالمبادالت التجارية الدولية وحركة رأس المال والعمل بين مختلف دول
23
العالم ،التصدير ،االستيراد والمزايا النسبية التي تمتلكها كل دولة.
20
-أوسكار النكه ،االقتصاد السياسي ،الجزء األول ،تعريب د .محمد سلمان حسن ،دار الطليعة ،بيروت ،1967ص.75
21
-ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،دار التقدم موسكو 1987ص.4
22
-أوسكار النكه ،المصدر السابق ،ص.143
-أحمد الحاج فراس العوران ،االقتصاد :Economicsسياسات ومبادئ ومفاهيم ،الجامعة األردنية ،منشورات عمادة البحث العلمي – 23
20
المبحث الرابع -علم االقتصاد أحد فروع العلوم اإلنسانية ( االجتماعية ):
تتكون مجموعة المعارف والعلوم البشـ ـ ـرية من فرعين أسـ ـ ــاسـ ـ ــيين :الفرع األول -العلوم الدقيقة
والتطبيقية ،وتش ـ ــمل الفيزياء ،الرياض ـ ــيات ،الكيمياء ،الفلك ..الخ .وتُعنى بد ارس ـ ــة الظواهر الطبيعية
واكتشـ ــافها .الفرع الثاني -العلوم االجتماعية واإلنساااانية ،وتشـ ــمل علم النفس ،علم االجتماع ،علم
السياسة ،علم االقتصاد … إلخ .وتُعنى بدراسة السلون اإلنساني.
نالحظ أن علم االقتصـاد ينتمي إلى مجموعة العلوم االجتماعية ،Social Sciencesويختص
علم االقتصـاد ،من بين مجموعة العلوم االجتماعية ،بد ارسـة ذلك الجانب من السـلون اإلنسـاني الذي
يتصـل بننتاج السـلع والخدمات وتبادلها وتوزيعها واسـتهالكها .وتجدر اإلشـارة إلى أن هذه النشـاطات
ليســت منفصــلة تماماً عن الجوانب األخرى للســلون اإلنســاني ،ولكنها تمثل مجموعة من النشــاطات
متجانسة بدرجة كافية لتبرير دراستها منفردة.
واالقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد علم لتوفر الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع "أو مـادة الفكر" ومحتواه الـذي يـدور حولـه هـذا العلم .وهو
عالقات اإلنســان وســلوكه المتعلق بننتاج الســلع والخيرات المادية وتوزيعها .إضــافة إلى وجود منهج
محدد ،يمثل ص ــورة الفكر االقتص ــادي أو القالب الذي يص ــب فيه الفكر مادته .والمنهج هنا إما عن
طريق االس ــتدالل االس ــتنباطي " االس ــتنباط ،" Deductionأو عن طريق االس ــتدالل االس ــتقرائي "
االسـ ـ ــتقراء ،" Inductionأو كليهما معاً .إضـ ـ ــافة إلى وجود قوانين ثابتة ،تمثل الروابط التي تربط
الظواهر التي يدرس ــها هذا العلم ،وتحكمها بعالقات ش ــرطية مس ــتقرة( .الفروض الحتمية أو الفروض
النسبية "اإلحصائية").
يعتمد علم االقتصاد اعتماداً كبي اًر ومتزايداً على بعض العلوم األساسية كالرياضيات واإلحصاء.
كمــا أن لــه عالقــة ولقــاء مع العلوم االجتمــاعيــة األخرى كــافــة كعلم االجتمــاع ،والتــاريخ والجغرافيــا
والقانون وعلم النفس والســياســة … إلخ .فعلم االقتصــاد مرتبط بعلم االجتماع ،ألن علماء االجتماع
غير قادرين على القيام بأبحاثهم ود ارســاتهم ،إذا لم يتزودوا بالمعلومات االقتصــادية ،ويحتاج التاريخ
إلى التحليل االقتص ـ ـ ـ ــادي ،حيث إن التطورات المادية ،تس ـ ـ ـ ــتعمل كوس ـ ـ ـ ــيلة لتفس ـ ـ ـ ــير تتابع المراحل
التاريخية .وهو مرتبط بالجغرافيا ،ألنها تمنح المعلومات المتعلقة بالشـروط الطبيعية والبشـرية للنشـاط
االقتصــادي ،من خالل الجغرافيا االقتصــادية .كما أنه يوجد بين االقتصــاد والقانون عالقة وطيدة إذ
إن علم القانون يدرس القوانين التي اختارها المجتمع لنفس ـ ـ ـ ـ ــه وما كانت هذه القوانين س ـ ـ ـ ـ ــوى ترجمة
لواقع البنيات االقتصـ ـ ــادية التي تفرضـ ـ ــها على المجتمع .لذلك نالحظ أن علم االقتصـ ـ ــاد يلتقي بكل
العلوم ويرتبط معها بشكل أو بتخر(.)24
24
-أنظر :فتح هللا ولعلو ،االقتصاد السياسي مدخل للدراسات االقتصادية ،دار الحداثة ،بيروت ،1981ص.39-37
21
إن غالبية االقتص ـ ــاديين يعدون أنفس ـ ــهم ملزمين أدبياً بندران أحكامهم المس ـ ــبقة الخاص ـ ــة والتزام
قواعد صــارمة فيما يتعلق بتجميع المعطيات واســتخدامها .وعلم االقتصــاد ال يختلف من هذه الزاوية
في شـيء عن سـائر فروع العلم والمعرفة .وعلى الرغم من ذلك يالحظ وجود تباينات في ال أري بارزة
فيما يخص الدور الذي ينبغي أن ينهض به االختصـ ــاصـ ــي في علم االقتصـ ــاد ،فبعضـ ــهم يسـ ــتهويه
هذا العلم بأمل أن يتوص ـ ــل اإلنس ـ ــان ،عن طريق تعميق المعارف االقتص ـ ــادية ،إلى التأثير بص ـ ــورة
أفضــل في وضــعه االقتصــادي ،ويبرر علم االقتصــاد آنذان النتائج العملية التي يتوصــل إليها على
كل المســتويات ،س ـواء أتعلق األمر بالنظام االقتصــادي العالمي أم بالمردود أم بالحس اإلنســاني في
اإلدارات العــامــة .وفي الجــانــب اآلخر ينــدد اقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون آخرون بقوة بهــذا االختالط في األدوار،
ويرون فيه تخلياً من الباحث االقتصـ ــادي عن واجبه ،الذي هو ،حصـ ـ اًر ،السـ ــعي للفهم ونشـ ـ ر نتائج
أبحاثه ،تاركاً لآلخرين مهمة أخذ ما هم في حاجة إليه منها ،من أجل غاياتهم الخاص ــة( .)25ويعالج
االقتصــادي الظواهر االقتصــادية بصــورة عامة على مســتويين :األول – على مسـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى الوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة
االقتصــادية (الوحدة االقتصــادية المشــروع) وهذا يعني "االقتصــاد الجزئي ." Micro Economics
الثاني -على مستوى االقتصاد القومي وهذا يعني " االقتصاد الكلي ." Macro Economics
على ما تقدم ،نجد أن االقتصـ ـ ـ ــاد مزيج من أقسـ ـ ـ ــام لالقتصـ ـ ـ ــاد التحليلي واالقتصـ ـ ـ ــاد الوصـ ـ ـ ــفي
واالقتص ـ ــاد التطبيقي ،أي مزيج من أقس ـ ــام لالقتص ـ ــاد الس ـ ــياس ـ ــي والوص ـ ــفي تطابق تقس ـ ــيم العملية
االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي ــة إلى فروع أو مظ ــاهر .ه ــذا المزيج نحت ــاج إلي ــه في التعليم ،وفي تنظيم األبح ــاث
والجامعات والمعاهد االقتصــادية ،كما نحتاج إليه عندما نرغب في تدريب كادر مؤهل لالختصــاص
في المظاهر المختلفة للعملية االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية .وطبيعي أن تعد الفروع المختلفة لالقتص ـ ـ ـ ـ ــاد التطبيقي
جزءاً من علم االقتصاد.
لم يعـد العلم الحـديـث يقتنع عن طيبـة خـاطر ،بـأن التطور االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي واالجتمـاعي نـاجم عن
وتقوم
القدر المحتوم أو القوانين الطبيعية المزعومة .فالشـ ـ ــعوب ترغب في أن تقرر مصـ ـ ــيرها بيدهاّ ،
األوضـ ــاع االجتماعية واالقتصـ ــادية تقويماً يعجل في التقدم ،وتحقيق مطامحها في ميادين الرفاهية،
والعدل ،والتحصـ ــيل الثقافي .والمطلوب من علم االقتصـ ــاد أن يهيل الوسـ ــائل لتحقيق هذه الغاية…
وهذا هو الدور االجتماعي لعلم االقتصاد(.)26
وبذلك نستطيع تحديد الدور االجتماعي لعلم االقتصاد وفقاً لما يأتي:
-1التخلص من فكرة أن التطور االقتصادي ناجم عن القدر المحتوم.
-2تحديد المجتمع لمستقبل التطور لنفسه ،بنفسه.
25
-أنظر :االتجاهات الرئيسة للبحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية ،القسم األول – العلوم االجتماعية ،تأليف عدد من المختصين،
ترجمة جماعة من األساتذة .اليونسكو – المجلد( ،)1مطبعة جامعة دمشق ،1976ص.389
26
-أوسكار النكه ،االقتصاد السياسي ،الجزء األول ،المصدر السابق ،ص.61
22
-3تقويم األوضاع االجتماعية واالقتصادية ،بما يحقق وتائر عالية للنمو والتقدم.
-4تحقيق األهـداف والطموحـات التي يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعى المجتمع لتحقيقهـا ،في ميـادين الرفـاهيـة والتقـدم
والعدل والتحصيل الثقافي.
إن البحوث التي أجريــت حتى اآلن ،االجتم ــاعي منه ــا والت ــاريخي واللغوي ،بين ــت وجود مفهوم
اقتصـ ـ ـ ــادي وظواهر اقتصـ ـ ـ ــادية في كل المجتمعات .إال أن النظم االجتماعية والمصـ ـ ـ ــطلحات التي
تصلح للداللة عليها متنوعة ،بل إننا نجد االلتباسات تستمر حتى في اللغة الدارجة(.)27
يقوم الفرد (أو المؤسـ ـس ــة) ،بوص ــفه منتجاً ،بتحويل المواد الموجودة في الطبيعة بأش ــكال مختلفة
إلى س ــلع يتم بوس ــاطتها تلبية احتياجات الناس في المجتمع .وهو بذلك يقوم بعملية اإلنتاج ،التي ال
تتم إلى بجمع عوامل اإلنت ـ ـ ـ ـ ـ ــاج األساسية وهي -1 :العمل -2 ،الموارد الطبيعية -3 ،رأس المال
(أرصـ ـ ــدة اإلنتاج كاألبنية واآلالت وغيرها) .ويقوم المنظم (المسـ ـ ــتحدث) بجمع هذه العوامل بقصـ ـ ــد
الحصول على الربح.
أما االدخار فهو ذلك الجزء من الدخل الذي لم يس ـ ـ ــتهلك ،وينش ـ ـ ــأ نتيجة لحرص اإلنس ـ ـ ــان على
تأمين احتياجاته المستقبلية ،فالمستهلك ـ ـ ـ المدخر ،الذي يتصف بالعقالنية والرشدانية ،عليه إذاً ،أن
يجري توزيعـاً حكيمـاً بين الـدخـل المعـد لالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن الحـالي ،والـدخـل المـدخر لحـاجـات المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبـل.
وباإلضـ ــافة إلى ذلك ،يثير االدخار موضـ ــوع توظيف األموال ،أي اختيار الشـ ــكل األنسـ ــب لحفظه،
كش ـ ـراء العقارات ،أو األس ـ ــهم أو الس ـ ــندات المالية ،أو اإليداع في المص ـ ــارف ،أو االحتفاظ باألموال
المدخرة بصورة سيولة نقدية.
أما االساتثمار فهو توظيف األموال في شـراء السـلع ال أرسـمالية ،كاآلالت ،والمعدات والتجهيزات،
والمنش ـ ــتت واألبنية ،بقص ـ ــد اس ـ ــتخدامها في العملية اإلنتاجية .وتقوم المؤسـ ـ ـس ـ ــات باس ـ ــتثمار أموالها
بقصد اإلفادة من إنتاجها إلى أقصى حد ممكن.
والمقص ـ ــود بالتبادل هو تبادل منتجات العمل عن طريق الشـ ـ ـراء والبيع ،وهو فرع هام من فروع
االقتصـ ـ ــاد الوطني ،يقوم بخدمة تداول السـ ـ ــلع نتيجة لوجود فائض اإلنتاج .وهي العملية التي تؤدي
إلى االنتقال من االقتصاد الطبيعي إلى االقتصاد التبادلي.
-ابن خلدون مثالً يستخدم مصطلح العمران ليدل على المعرفة االقتصادية أو الظواهر االقتصادية .انظر :مقدمة ابن خلدون. 27
23
ويعد االبتكار عمالً اقتص ـ ـ ـ ـ ــادياً مهماً ،إذ إنه يؤدي إلى اس ـ ـ ـ ـ ــتخدام طرائق جديدة لإلنتاج تعطي
مردوداً أفض ــل .فاس ــتعمال اآلالت البخارية في القرن الثامن عش ــر ،واآلالت التي تعمل بالمحروقات
والكهرباء في القرن التاسـ ــع عشـ ــر ،واسـ ــتعمال الطاقة الذرية في القرن العش ـ ـرين ،كل هذه المنجزات
تعد ابتكارات رئيسة .فاالبتكار وتوظيف األموال يعدان من العوامل الرئيسة للتقدم االقتصادي.
ّ
(ويســتطيع كل فرد ،بفضــل تقساايم العمل ،أن يتخصــص في نشــاط معين ،وبما أنه ال يســتطيع
أن يكفي نفسه بنفسه يلجأ إلى التبادل .إن تقسيم العمل يجعل كل إنسان أوفر إنتاجاً ،ويجعله أيضاً
أكثر ارتباطاً بغيره .وتتم المبادالت في األسـ ـ ـ ـ ـواق التي تقرر األس ـ ـ ـ ــعار ،أو التناس ـ ـ ـ ــب بين الكميات
المتبادلة .وتجري المس ــاومة على هذه األس ــعار بين المش ــتري والبائع .ويتوقف تحديد األس ــعار على
إن هذه األســعار تتحدد بفعل قانون العرض والطلب ،قانون 28
نوع المنافســة الســائدة في األس ـواق).
السوق.
28
-روجيه دوهيم ،مدخل إلى االقتصاد ،مصدر سابق ص.90
24
المعارف والعلوم البشرية
العععععععلعععوم الععع عععيععع عععة العلوم اإلنسانية واالجتماعية :القانون ،الفلسفة ،اآلداب
(التطبي ية):
واللغات ،التاريخ ،الجغرافية ،علوم الدين ،االقتصاد.
الطب والصيدلة.
المعرفة االقتصادية.
الفيزياه.
المشكلة االقتصادية.
القوانين االقتصادية.
25
المبحث الخامس -الحاجات اإلنسانية:
من المعروف أن الحاجات اإلنسانية متعددة ومتنامية و لكل إنسان احتياجاته من السلع
والخدمات كما أن للمجتمع احتياجاته .والتنوع والتنامي في الحاجات اإلنسانية يفيد ان تعدد كميات
ما يحتاج إليه اإلنسان من السلع والخدمات وتزايدها ،كما يعني تنامي هذه االحتياجات وتجددها مع
مر الزمن.
ّ
علم االقتص ــاد هو العلم الذي يبحث في س ــلون اإلنس ــان المتعلق باس ــتخدام الموارد االقتص ــادية
المتاحة لتلبية وإشــباع االحتياجات والرغبات اإلنســانية المتنامية ،أي ســلون اإلنســان المتعلق بننتاج
وتبادل وتوزيع واستهالن الخبرات المادية في المجتمع.
يشــعر اإلنســان الذي يعيش في مجتمع ما وفي مرحلة معينة من التطور التاريخي ،بحاجته إلى
أشياء مختلفة .فهو يحتاج إلى المأكل والملبس والمأوى ،وأشياء عديدة أخرى .وبعض هذه الحاجات
" "Needsطبيعي وضـروري ،ال بد من إشـباعه للمحافظة على الحياة ،أما بعضـها اآلخر فينشـأ عن
حقيقة كون الناس يعيش ـ ـ ـ ـ ــون بش ـ ـ ـ ـ ــكل جماعي "المجتمع" ،وتقرره مجموعة من العوامل المعقدة التي
تكون مـا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمى "الثقـافـة" لمجتمع معين .وقـد تكون حـاجـات اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فرديـة " "Individualأو
جماعية "( ."Collectiveوعلى الرغم من أن الحاجات اإلنس ـ ـ ــانية مس ـ ـ ــتمدة أصـ ـ ـ ـالً من الض ـ ـ ــرورة
الحياتية ،تكون ناتجة عن وجود المجتمع ومتكيفة حس ـ ـ ــب مرحلة التطور التي بلغها ذلك المجتمع).
()29
وإذا كان فقدان الشـ ـ ـ ــيء والحاجة إليه يحدث ألماً في النفس ،فنن الحصـ ـ ـ ــول على هذا الشـ ـ ـ ــيء
وتلبية حاجة اإلنسـ ـ ـ ــان يورث اللذة واالرتياح .لذلك نالحظ أن اإلنسـ ـ ـ ــان حريص على تلبية حاجاته،
وتحقيق مأربه بأقصر الطرق.
الحاجة :هي الشــعور بضــرورة الحصــول على شــيء ما غير متاح ،واالحتياج هو المحور الذي
تدور عليه جميع األمور االقتصـادية ،وبسـببه يقوم اإلنسـان بالعمل واإلنتاج .والشـعور بالحاجة ليس
مختص ـ ـ ـ ـاً باإلنسـ ـ ـ ــان وحده بل إنه يشـ ـ ـ ــمل كل ذي حياة في هذا العالم كالنبات والحيوان .والحاجات
البشـ ـرية متنوعة لدرجة يص ــعب حص ــرها ،ومع ذلك يمكن تص ــنيفها حس ــب موقعها من تلبية الطباع
()30
البشرية إلى حاجات مادية وحاجات أدبية (فكرية).
وبذلك تكون الحاجة عبارة عن إحدى الضـرورات الطبيعية واالجتماعية الالزمة السـتمرار الحياة
المادية لإلنسان( .هي الشعور الغريزي أو العقلي الذي يدفع اإلنسان إلى إحراز ما ال غنى عنه من
29
-أوسكار النكه ،االقتصاد السياسي ،الجزء األول ،تعريب د .محمد سلمان حسن ،دار الطليعة ،بيروت ،1967ص.64-63
30
-أنظر :عارف الخطيب ،علم االقتصاد ،مطبعة الحكومة ،دمشق ،1925ص.79
26
إما السـ ــتكمال أسـ ــباب أمنه وسـ ــعادته سـ ـواء أكان
إما لحفظ صـ ــحته و ّ
إما ألجل بقاء حياته و ّ
األشـ ــياء ّ
()31
ذلك الشعور ناشئاً عن الرغبة أم منبعثاً عن الضرورة).
يحتاج اإلنسـ ــان في حياته اليومية إلى عدد كبير من الحاجات منها ما هو ضـ ــروري السـ ــتمرار
حياته ،عندما يش ــعر بالحاجة إلى الغذاء ،أو لحفظ حياته من غوائل الطبيعة ،عندما يش ــعر بحاجته
للمأوى ،أو لحماية صـحته من تأثير الحر والبرد ويد أر عنه األمراض واآلالم .باإلضـافة إلى حاجات
أخرى للدفاع عن النفس والحصـ ــول على أسـ ــباب الراحة والسـ ــعادة وهي ما تسـ ــمى الحاجات الفكرية
والثقافية وغيرها مما قض ـ ــت به تطورات الحياة والمدنية ،وهي دائماً في تزايد مس ـ ــتمر ،وال تقف عند
حد ،لذلك ال توجد حدود للحاجات اإلنسـ ــانية .فنذا أشـ ــبع اإلنسـ ــان حاجة معينة ،فسـ ــرعان ما تظهر
حاجة أخرى.
وتلبية حاجة واحدة لإلنسان قد تحتاج إلى أكثر من سلعة واحدة (إذا أراد اإلنسان الكتابة يحتاج
إلى الورق والحبر والقلم) .لذلك تكون الس ـ ـ ــلع متكاملة في بعض األحيان إلش ـ ـ ــباع حاجة اإلنس ـ ـ ــان.
وهذا ما يس ــمى ص ــفة (التالزم )Complementavityللحاجة .كما تتنافس الس ــلع فيما بينها لتلبية
حاجة اإلنس ـ ـ ــان عن طريق وجود الس ـ ـ ــلع البديلة التي يمكن أن تلبي الحاجة نفس ـ ـ ــها .وتقوم بالمهمة
ذاتها الصفة التنافسية.
وتختلف الحاجات في أهميتها وفي حدتها ،كما تختلف بحس ـ ـ ـ ــب الزمان والمكان واألش ـ ـ ـ ــخاص.
()32
ومن الص ـ ـ ــعب تقس ـ ـ ــيم الحاجات إلى ص ـ ـ ــنوف وللحاجات ص ـ ـ ــفة الالمحدودية "."Unlimited
محــدودة لكثرة عــددهــا وتنوعهــا ،ولكن من الممكن تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيمهــا إلى ثالث مجموعــات رئيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هي:
الحـاجـات الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروريـة ،الحـاجـات الثـانويـة ،وحـاجـات الترف .وذلـك وفقـاً ألحوال اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان المـاديـة
والمعنوية واالجتماعية.
المجموعة األولى -حاجات مادية ض ــرورية ال يس ــتغني عنها أحد كالطعام والشـ ـراب والكس ــوة
والمسـ ــكن .وتظهر الحاجة للغذاء والملبس والمسـ ــكن لدى اإلنسـ ــان البدائي وكذلك لدى اإلنسـ ــان في
أكثر المجتمعات تقدماً ومدنية ،واالختالف هنا يظهر في طرق إشـ ـ ــباع هذه الحاجات نفسـ ـ ــها ،مثالً
اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــان البدائي يش ـ ـ ـ ـ ـ ــبع حاجته للغذاء عن طريق أكل اللحم النيء ،ولحاجته للملبس يلبس جلود
الحيوانات البرية وفروها ،وحاجته للمنزل يسـ ــكن في المغاور ،في حين نرى أن اإلنسـ ــان المتحضـ ــر
وخاصـ ـ ــة في المجتمعات المتقدمة والغنية يلبي حاجته للغذاء عن طريق أغذية مختارة ،ويلبس أزياء
مدنية مختلفة ،ويسـ ـ ـ ـ ــكن في منازل مؤثثة جيداً ،ومع هذا نرى اإلنسـ ـ ـ ـ ــان هذا أو ذان يلبي ويشـ ـ ـ ـ ــبع
الحاجات نفسها التي تسمى الحاجات البيولوجية ،وهذه هي المجموعة األولى من حاجات اإلنسان.
31
-عبد القادر العظم ،علم االقتصاد ،مطبعة الجامعة السورية ،دمشق ،1931ص.18
32
-أنظر :د .حافظ يقظان بو حمدان ،مبادئ علم االقتصاد السياسي (االجتماعي) ،دار يقظان للدراسات العلمية ،1983 ،ص.45
27
المجموعة الثانية -الحاجات الثانوية منها ما هو كمالي كالسـياحة ومشـاهدة المسـرح والسـينما
والقراءة والثقافة .وتظهر بصـ ـ ــورة متفاوتة أو على درجات وهذا مرتبط بتطور اإلنسـ ـ ــان وعالقاته مع
بقية األفراد وتبدل األوضـ ــاع المحيطة به .بكلمة أخرى نسـ ــتطيع القول إن مجال هذه المجموعة من
الحاجات ونوعها يكونا مرتبطين بالمســتوى الثقافي للمجتمع ويمكن تســميتها حاجات ثقافية ،من هذه
الحاجات مثالً المسرح ،والكتاب ،والسجاد ،واللوحات والرحالت خارج البلد والسيارة ،ومن السهل هنا
مالحظة أنه كلما ارتفع المستوى الثقافي لمجتمع معين ازداد حجم هذا النوع من الحاجيات.
المجموعة الثالثة -وهي حاجات التـرف والبـذخ مثل تأسيـس النوادي والجمعيات (أدوات اللهو).
إن التفريق بين المجموعات الثالث سـ ــالفة الذكر مسـ ــألة نسـ ــبية ،وتختلف بحسـ ــب البنية والعمر
والزمان والمكان( .)33ويمكن أن تكون الحاجة هي عادة مس ـ ـ ـ ــتمس ـ ـ ـ ــكة في النفوس فال بد من تلبيتها
كالتدخين ،كما تنتشر الحاجات بين الناس بعاملي التقليد واالقتباس ،وقد تكون الحاجة موروثة.
33
-عبد القادر العظم ،المصدر السابق ،ص.15
28
إن عملية تقسـ ـ ـ ــيم الحاجات إلى حاجات بيولوجية (طبيعية ضـ ـ ـ ــرورية) وحاجات ثقافية (كمالية)
إنما هي عملية نس ـ ـ ــبية أي إنه ال توجد حدود واض ـ ـ ــحة بين هذين النوعين من الحاجات في أي بلد
س ـواء أكان غنياً أم فقي اًر .باإلضــافة إلى ذلك قد تتحول بعض الحاجات الثقافية إلى حاجات طبيعية
بيولوجية في مجتمع ما مع نمو اإلمكانات في هذا المجتمع وتطورها.
وإذا نظرنا إلى األمور من زاوية أخرى نسـ ــتطيع أن نقسـ ــم الحاجات إلى حاجات فردية وحاجات
جماعية ،على سـ ـ ــبيل المثال الحاجة للملبس حاجة فردية يشـ ـ ــبعها كل فرد بطريقته الخاصـ ـ ــة ،وتعد
حاجة األمن وحاجات التس ـ ــلية ،الطرق ،وس ـ ــائل النقل …إلخ حاجات جماعية .إن ظهور الحاجات
الجماعية جاء نتيجة للحياة المش ــتركة التي يعيش ــها الناس في المجتمعات ،وتزداد هذه الحاجات مع
ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة تعقيداتها.
إن حاجات اإلنسان ذات جوانب متعددة ومستويات مختلفة:
المساتوى األول -في البيت واألسـرة :وتتسـم الحاجات في هذا المسـتوى بطابع شـخصـي ،حيث
يش ـ ــتري اإلنس ـ ــان أش ـ ــياء متنوعة لحاجاته الش ـ ــخص ـ ــية كتاباً ،حذاء ،فرش ـ ــاة أس ـ ــنان ،كما يوفر المال
لقضاء إجازة في الجبال أو على ساحل البحر.
المسااااااتوى الثاني -في مكان العمل :وتكتس ـ ـ ـ ــب حاجات اإلنس ـ ـ ـ ــان هنا طابعاً آخر .فالعامل
يسـ ـ ــعى دائماً أن يشـ ـ ــتغل بالتعاون مع زمالئه في العمل في أوضـ ـ ــاع اقتصـ ـ ــادية ،وصـ ـ ــحية ،وتقنية
ونفسانية ،طبيعية ومريحة.
المساااااااااتوى الثاالاث -األمـاكن المحيطـة بـالعمـل والمنزل :وهي البيوت والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحـات والجـادات
المحيطة ،ووسـ ـ ـ ــائط النقل ،حتى تصـ ـ ـ ــل إلى الملعب والمسـ ـ ـ ــرح .وهي حاجات ذات درجة أعلى من
المستويين األول والثاني.
المساااتوى الرابع -وهو مسـ ــتوى المنطقة :وهنا تتسـ ــم الحاجات بطابع أوسـ ــع ،تشـ ــمل تطلعات
اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان إلى صـ ـ ـ ـ ـ ــيانة الثروات الطبيعية وتحسـ ـ ـ ـ ـ ــين األحوال المناخية وتطوير الثقافة في المنطقة
المعينة.
المساااتوى الخامس -وهو المسـ ــتوى األعلى أي على مسـ ــتوى المجتمع بكامله :عندما تشـ ــمل
حاجات اإلنس ـ ـ ــان ض ـ ـ ــرورة تعزيز القدرة الدفاعية للبالد ،وتش ـ ـ ــجيع البحوث العلمية ،وتحقيق التنمية
الشـ ـ ــاملة ،وتطور مختلف فروع االقتصـ ـ ــاد الوطني وقطاعاته ومؤسـ ـ ـسـ ـ ــاته .الختيار أفضـ ـ ــل الحلول
()34
لزيادة اإلنتاج وتلبية حاجات األفراد والمجتمع المتزايدة.
34
-أنظر :أسس المعارف السياسية ،مجموعة من المؤلفين ،دار التقدم ،موسكو ،1975ص.316
29
مستويات الحاجات اإلنسانية
إذا كانت حاجة اإلنس ـ ــان ض ـ ــرورية كالجوع والعطش يس ـ ــهل عندها تحديد مقدار الس ـ ــلع الالزمة
لتلبيتها .أما إذا كانت هذه الحاجة كمالية فننه يص ــعب تحديد مقدار الس ــلع الالزمة لتلبيتها ألن ذلك
يختلف بـاختالف أهواء النــاس وميولهم .وال بـد لكــل من هـذه الحــاجـات من حـد إذا تجــاوزتـه مقــادير
ويس ــتثنى من هذه القاعدة النقود فننه ال يوجد حد لمقدار حاجة
الس ــلع الالزمة لس ــده ُيس ــتغنى عنهاُ .
30
اإلنس ـ ــان إليها ألنها ال تس ـ ــد حاجة واحدة لإلنس ـ ــان في عص ـ ـرنا الحاض ـ ــر وإنما تقوم بش ـ ـراء الس ـ ــلع
()35
الالزمة كافة لسد حاجات هذا اإلنسان.
إن الحاجات اإلنسـانية في نمو وتزايد مسـتمرين والعامل األسـاسـي في عملية تلبية هذه الحاجات
هو درجة س ـ ـ ـ ـ ــيطرة اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان على الطبيعة ومقدار إخض ـ ـ ـ ـ ــاعه لمظاهر الحياة االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية فيها.
فالحاجات ال تنفصـ ـ ـ ـ ـ ــل كلياً عن نمط اإلنتاج ألن درجة إشـ ـ ـ ـ ـ ــباعها تتطور مع تطور القوى المنتجة
وعالقات اإلنتاج.
هـذه هي الحـاجـات التي يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر بهـا اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان منـذ والدتـه وحتى آخر يوم في حيـاتـه ،ويحـاول
إش ــباعها ،منها ما هو ض ــروري كالغذاء والملبس والمس ــكن وهي حاجة تظهر في جميع المجتمعات
المتخلف منهـا والمتطور ،ولكن االختالف يظهر في طريقـة إشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـاع هـذه الحـاجـات إذ تختلف في
البلدان المتخلفة عنها في الدول المتقدمة ،كما تظهر لدى اإلنسـ ـ ــان حاجات أخرى نسـ ـ ــميها حاجات
ثقافية حجمها مرتبط بالمستوى الثقافي للمجتمع.
بالنهاية نرى أن كل فرد يحاول إش ـ ـ ــباع حاجاته الفردية فور ش ـ ـ ــعوره بحاجته لها مثال ذلك يلبي
حاجته للطعام عندما يكون جائعاً ،ولكنه ال ينس ـ ـ ـ ــى أيضـ ـ ـ ـ ـاً احتياجاته المس ـ ـ ـ ــتقبلية والتي يعرف أنه
سيحتاج إليها ،كتأمين الطعام الذي يحتاج إليه أثناء رحلة الصيد ،حاجة اإلنسان لأللبسة الثقيلة في
الش ـ ــتاء ،والحاجة إلى منزل بعد أن يتم الزواج ،إن ش ـ ــعور اإلنس ـ ــان بض ـ ــرورة تلبية الحاجات اآلنية
والحاجات المسـ ـ ـ ــتقبلية تضـ ـ ـ ــطره إلى تقسـ ـ ـ ــيم اإلمكانات التي يملك لتأمين تلبية هذه الحاجات .كلما
انخفض ــت مخص ـص ــات تلبية الحاجات المس ــتقبلية ازدادت حص ــة تلبية الحاجات اآلنية .ويظهر هنا
تعارض نس ــبي بين الحاجات المس ــتقبلية والحاجات اآلنية ،ويحاول اإلنس ــان إزالة هذا التعارض عن
طريق ،أن يقوم في كـل مرة ،بتحـديـد كم يحتـاج لتلبيـة الحـاجـات اآلنيـة ،وكمـا يحتـاج لتلبيـة الحـاجـات
المستقبلية ،إن القرار في تحديد النسبة يستند إلى عدد من العوامل.
يس ـ ـ ــتخدم اإلنس ـ ـ ــان إلش ـ ـ ــباع حاجياته األش ـ ـ ــياء والمواد المناس ـ ـ ــبة ،اللحم مثالً ،الحذاء ،األثاث،
الســيارة ،الطرق … إلخ .وهذا ما نســميه المنتجات ،بعض هذه الســلع يظهر بشــكل جاهز وبكميات
كافية إلشـ ــباع الحاجات البشـ ـرية ،مثال ذلك الهواء الالزم للتنفس أو أشـ ــعة الشـ ــمس لإلنارة والتدفئة،
لكي يسـتطيع اإلنسـان الحصـول على الهواء وأشـعة الشـمس ال يحتاج إلى بذل أية جهود وإنما تكون
جاهزة في الطبيعة .وهي بالتالي ليسـ ـ ــت من المواد التي يعمل اإلنسـ ـ ــان من أجل الحصـ ـ ــول عليها،
لذلك ال يهتم االقتصـاد بمثل هذه المواد .ويمكن تسـمية هذه السـلع ،السـلع الحرة .باإلضـافة إلى هذه
السـ ـ ـ ـ ـ ــلع تحيط بنا كمية كبيرة من الخيرات التي سـ ـ ـ ـ ـ ــخرتها الطبيعة لتلبية حاجات اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان ويمكن
الحصـ ــول عليها من طريق اسـ ــتخراجها (مثل الفحم) أو تكريرها (المواد الناتجة عن تكرير النفط) أو
35
-أنظر :عبد القادر العظم ،المصدر السابق ،ص.29
31
مص ــنعة (مثل األحذية) أو مجمعة ومخبأة وتلبي حاجات اإلنس ــان على مدار الس ــنة (مثل الفواكه)،
هذا النوع من النشـ ـ ـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ـ ـ ــاني الذي يهدف لتأمين اإلمكانات والقوى الطبيعية الالزمة إلشـ ـ ـ ـ ــباع
حاجات اإلنسـ ــان هو ما ندعوه عملية اإلنتاج ،والخيرات أو السـ ــلع الناتجة عن هذا النشـ ــاط نسـ ــميها
منتجات أو سـ ـ ــلعاً اقتصـ ـ ــادية ،ومن السـ ـ ــهل أن نالحظ أن مقدار ازدياد عدد السـ ـ ــكان وزيادة وتعدد
حاجات كل فرد منهم بمقدار ما يكون اسـ ـ ــتهالن السـ ـ ــلع الحرة متاحاً في الطبيعة على نحو أسـ ـ ــرع،
وبالتالي يزداد دور السـلع االقتصـادية في تلبية حاجات اإلنسـان ،وهي السـلع التي حصـلنا عليها من
عمليات اإلنتاج ،ونس ـ ــتنتج مما ذكر أعاله أن كمية إش ـ ــباع الحاجات البشـ ـ ـرية ونوعه وطريقته تقرره
عملية اإلنتاج التي تعد المجال األساسي للنشاط البشري.
إن الشرط االقتصادي األساسي الستمرار حياة المجتمع ،هو اإلنتاج المادي .فلو افترضنا توقف
البشر عن اإلنتاج ،فنن ألدى هذا إلى توقف الحياة البشرية ،ألن األفراد ال يستطيعون العيش بدون
تأمين حاجاتهم األساسية (المأكل والملبس والمأوى) .لذلك يتوجب على المجتمع القيام بالعمل ،لصنع
الخيرات والسلع المادية .وبذلك يعد "اإلنتاج المادي" أساس حياة المجتمع وعامل استم ارره.
(إن إنتـاج الخيرات هو الـذي يحـدد حيـاة المجتمع البشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري وتطوره .وإنتـاج الخيرات المـاديـة ال
يبقى كمــا هو ،بـل ينمو على الـدوام ويتطور ويزداد كمــاالً .فمن أجـل أن يعيش النــاس يجــب عليهم
االسـ ـ ـ ـ ـ ــتمرار في إنتاج الخيرات المادية ،مع العلم أنه يجب عليهم إنتاجها ال بالمقادير السـ ـ ـ ـ ـ ــابقة بل
بمقادير متزايدة على الدوام .إن تطور اإلنتاج هو ض ـ ـ ـ ـ ــرورة موض ـ ـ ـ ـ ــوعية مس ـ ـ ـ ـ ــتقلة عن إرادة الناس
ورغباتهم ،إنه قانون الحياة االجتماعية .وهو يفسـ ــر قبل كل شـ ــيء بحاجة الناس النامية على الدوام
وبتزايد كوكبنا باسـ ــتمرار .يواصـ ــل اإلنسـ ــان تطوره سـ ـواء من الناحية الكمية أو الكيفية ،وهذا التطور
()36
يتطلب خيرات مادية متزايدة على الدوام).
- 36عرض اقتصادي تاريخي ،الجزء األول ،تشكيالت ما قبل الرأسمالية ،جامعة باترس لومومبا للصداقة بين الشعوب ،دار التقدم ،موسكو
ص.19
32
العالقات المتبادلة بين العوامل األساسية لعملية اإلنتاج
اإلنسان الطبيعة
لالستهالال االستثمار
االستهالال
33
الفصل الثاني
( المشكلة االقتصادية ،التحليل االقتصادي ،القوانين االقتصادية،
منهج البحث في علم االقتصاد )
يحاول كل فرد حل مش ــكالته االقتص ــادية بنفس ــه ،وهو بذلك يحاول تحس ــين رفاهيته عن طريق
اســتعمال الوســائل التي يملكها بشــكل عقالني وحكيم ،ضــمن مجتمع منظم اقتصــادياً .ويرتبط األفراد
في هذه المجتمع بعضـ ـ ــهم ببعضـ ـ ــهم اآلخر اقتصـ ـ ــادياً .فرفاهية أي فرد ال تتوقف على ما يقرره هو
فحسـ ـ ــب ،بل هي مرتبطة أيضـ ـ ـاً بق اررات اآلخرين .لذلك نرى أن الجماعات ،وال سـ ـ ــيما الدول ،تبذل
قص ـ ـ ـ ــارى جهدها لتنظيم النش ـ ـ ـ ــاط االقتص ـ ـ ـ ــادي ض ـ ـ ـ ــمن إطارات ،أو وفق قواعد أقرب ما تكون إلى
الصواب.
المبحث األول -المشكلة االقتصادية:
تنشــأ المشاكلة االقتصاادية عندما يصــبح توافر أي مادة ( المنتجات أو الموارد )غير كاف لســد
جميع احتياجات الفرد والمجتمع .وتدخل في هذا النطاق جميع الس ــلع االقتص ــادية التي يزيد س ــعرها
على الصـ ـ ـ ـ ـ ــفر ،وال يمكن الحصـ ـ ـ ـ ـ ــول عليها إال بمبادلتها مع سـ ـ ـ ـ ـ ــلع أخرى .وبذلك يتم االنتقال من
االقتصــاد الطبيعي إلى االقتصــاد التبادلي .وتنحصــر المشاكلة االقتصاادية بصــورة رئيسـ ة بموضــوع
الفعالية في اس ـ ـ ـ ـ ــتخدام الموارد أو المنتجات النادرة ،ولذلك يمكن القول إن علم االقتص ـ ـ ـ ـ ــاد هو علم
37
ويمكننا تحديد مجاالت الخيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار، الخيارات الذي تفرضـ ــه ندرة وسـ ــائل تلبية احتياجات البشـ ــر.
ض ـ ـ ـ ــمن عدد من المتغيرات :كاالسااااااتهالال ،واإلنتاج ،واالدخار ،واالسااااااتثمار ،والتبادل ،واالبتكار،
والتوزيع و ير لك.
يواجه اإلنسان منذ وجد على هذا الكوكب ما اصطلح على تسميته (بالمشكلة االقتصادية) التي
يحاول علم االقتصاد إيجاد الحلول المناسبة لها .و تتصف المشكلة االقتصادية بالعمومية ألنها
تواجه كل فرد في المجتمع المنتج أو المستهلك ،وهي بنفس الوقت تواجه المجتمع في أي مرحلة من
مراحل تطوره مهما كان نوع النظام االقتصادي السائد .كما أن أركان المشكلة االقتصادية واحدة في
مختلف المجتمعات لكن طريقة حل المشكلة االقتصادية تختلف باختالف طبيعة التنظيم االقتصادي
للمجتمع أكان رأسمالياً أم اشتراكياً أم مختلطاً ،كما تختلف طريقة الحل باختالف نوع وكمية الموارد
االقتصادية المتاحة في المجتمع ،و السبب األساسي في ظهور المشكلة االقتصادية في مختلف
38
المجتمعات هو عدم قدرة المجتمع على إشباع رغباته و تأمين احتياجاته المختلفة.
-روجيـه دوهيم ،مدخـل إلى االقتصـاد ،ت .د .سموحي فوق العادة ،منشورات عويدات ،بيروت ،1971ص.10-9-8 37
-دكتور محمود يونس ،دكتور أحمد رمضان نعمة هللا ،مقدمة في علم االقتصاد ،الدار الجامعية بيروت ،1992ص .30 38
34
فالمشكلة االقتصادية تظل قائمة طالما كانت وسائل تلبية احتياجات ورغبات الفرد والمجتمع
غير كافية ،وإذا حال توفرت إمكانية تلبية وإشباع حاجات ورغبات الفرد والمجتمع في وضع ما فلن
تظهر أية مشكلة اقتصادية.
فالطبيعة بما تحتويه من موارد اقتصادية ال تكفي لتلبية احتياجات ورغبات الفرد والمجتمع ،نتيجة
تجدد هذه الرغبات واالحتياجات وتنوعها وتزايدها باستمرار ،ألنه كلما تم تلبية وإشباع رغبة ما ظهرت
لنا احتياجات ورغبات جديدة بسبب تطور الفرد والمجتمع
وتظهر المشكلة االقتصادية في أي مجتمع عندما نجد أن عناصر اإلنتاج من طبيعة ورأس
مال و ٍ
أيد عاملة ال تتوفر بشكل يؤدي إلى إشباع جميع احتياجات و رغبات األفراد والمجتمع ،و قد
يبدو للبعض أن عناصر اإلنتاج كثيرة جداً في المجتمعات التي وصلت إلى درجة عالية من الرفاه
االقتصادي ،لكن تنوع و تنامي احتياجات الفرد والمجتمع التي ال يقابلها موارد تؤدي إلى إشباعها
وتلبيتها ،يؤدي إلى ظهور المشكلة االقتصادية ،فكلما تم إشباع و تلبية احتياجات و رغبات محددة
ظهرت احتياجات و رغبات جديدة للفرد والمجتمع ،وهذا يوضح لنا أن األمر نسبي و ليس مطلقاً.
المشكلة االقتصادية والموارد:
يمكننا تحديد المشــكلة االقتصــادية بأنها محدودية الموارد البشـرية والطبيعية المتوفرة في الطبيعة
في مواجهة االحتياجات غير المحدودة للفرد والمجتمع .وحل المشـكلة االقتصـادية يعني التوفيق بين
احتياجات الفرد والمجتمع التي ال تقف أمامها حدود معينة ،وبين الموارد البش ـ ـ ـرية والموارد الطبيعية
التي تتصـ ـ ــف بالمحدودية ،وهذا يسـ ـ ــمى ( الندرة ) Scarcityفلو كانت الموارد المتوفرة تؤمن تلبية
جميع احتياجات الفرد والمجتمع لما ظهرت المش ــكلة االقتص ــادية ،ولم يكن هنان حاجة لظهور علم
االقتصاد الذي يهدف قبل كل شيء إلى حل المشكلة االقتصادية.
الموارد :Resources
تعرف الموارد بأنها المتوفر لإلنسان من مصادر سواء كانت طبيعية أم بشرية يؤدي استخدامها
إلى إنتاج السلع والخدمات التي تستخدم في تلبية االحتياجات غير المحدودة لإلنسان.
و يمكننـا أن نفرق بين نوعين من الموارد الطبيعيـة ،األول – الموارد االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة الطبيعيـة "
،" Economic Resourcesوالثاني – الموارد الحرة الطبيعية " ." Free Resourcesو تتس ـ ـ ــم
األخيرة بعدم محدوديتها أو ندرتها وبالتالي فهي ال تشــكل مشــكلة حقيقية لإلنســان ،بيد أن توفر هذه
الموارد ال يعني أنها غير ض ــرورية لحاجات اإلنس ــان بل ،على العكس ،فان بعض ــها أس ــاس ــي لحياة
البشر ولعل أكبر دليل على ذلك هو الهواء و أشعة الشمس و غير ذلك.
أما الموارد االقتصادية ،فهي في األساس موارد تتسم بالندرة والمحدودية ال تعني أن هذه الموارد
قليلة ،وإنما المقص ـ ـ ـ ـ ـ ــود هنا أن تلك الموارد محدودة نس ـ ـ ـ ـ ـ ــبة إلى الحاجات التي يمكن أن تلبيها ،أو
35
بمعنى آخر أنها ال تكفي إلش ــباع الحاجات المتعددة التي يمكن أن يحص ــل عليها اإلنس ــان من تلك
الموارد .و يمكن القول بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل عـام أن للمورد شاااااااااروا ثالثاة لكي ينـدرج تحـت مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمى الموارد
االقتصادية .الشرا األول هو الندرة أو المحدودية النسبية ،والمقصود هنا أن المورد نادر أو محدود
نسبة إلى الحاجات التي يمكن أن يلبيها ،إذن فالندرة هنا هي نسبة إلى االستخدامات التي يمكن أن
يخص ـ ـ ـ ــص لها هذا المورد إلنتاج س ـ ـ ـ ــلع وخدمات مختلفة .أما الشاااااارا الثاني فهو وجود ثمن لذلك
المورد .فالمورد االقتصـ ــادي يحتاج إلى ثمن لكي يمكن الحصـ ــول عليه .و يرتبط الثمن هنا بالندرة.
فكلما كان المورد أكثر ندرة كلما ارتفع ثمنه لكي يعبر ذلك عن ض ـ ـ ــرورة تخص ـ ـ ــيص ـ ـ ــه لالس ـ ـ ــتخدام
األولى .في حين أن موردا كالهواء ليس له ثمن وبالتالي فهو كما قلنا مورد غير اقتصــادي أو مورد
طبيعي حر .أما الشاااااارا الثالث واألخير ،فهو ارتباط الحصـ ـ ـ ـ ــول على المورد االقتصـ ـ ـ ـ ــادي بجهد،
فالهواء ،و هو مورد غير اقتصـادي ،ال يحتاج إلى جهد للحصـول عليه ،فاإلنسـان يتنفس و هو نائم
أو وهو يأكل و في كل األحوال دون أن يشــعر بذلك ،أما الحصــول على أي مورد اقتصــادي فال بد
أن يرتبط بجهد معين ،وبالحاجة إلى وقت ينفقه للحصول عليه.
مما تقدم نجد أن الموارد تنقسم إلى قسمين:
األول :الموارد البشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري ــة " " Human Resourcesوالث ــاني :الموارد الطبيعي ــة " Natural
." Resources
ويمكن تصنيل الموارد كعناصر إنتاج وفقا لما يلي:
-1العمال " :" Laborوالمقصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود هنـا هو الجهـد الواعي و الهـادف الـذي يبـذلـه العـامـل أثنـاء
قيامه بعملية اإلنتاج.
-2األرل " :" Landو تشـ ـ ــمل األرض و ما تحتويه من ثروات في باطنها أو على سـ ـ ــطحها
أو في المياه المحيطة بها.
-3رأس المال " :" Capitalويشـ ـ ـ ــمل اآلالت والمعدات والتجهيزات وكل ما صـ ـ ـ ــنعه اإلنس ـ ـ ــان
ويسـ ـ ــتخدم إلنتاج السـ ـ ــلع والخدمات .و ال بد من التفريق بين رأس المال بالمفهوم االقتصـ ـ ــادي وهو
المذكور أعاله و بين رأس المال النقدي ( النقود ).
-4التنظيم " :" Organizationو تتكون هـذه من المهـارات والكفـاءات اإلداريـة التي يقوم بها
اإلنسـ ــان في سـ ــبيل إدارة وتنسـ ــيق اسـ ــتخدام عناصـ ــر اإلنتاج المذكورة أعاله السـ ــتخدامها االسـ ــتخدام
األمثل دون هدر ،ويشار إلى من يقوم بهذا العمل عادة باسم المنظم "."Entrepreneur
36
39
أركان المشكلة االقتصادية:
للمشكلة االقتصادية التي تواجه مختلف المجتمعات ركنان أساسيان هما :الندرة ،Scarcity
واالختيار .Choiceوتعد الندرة السبب الرئيس في ظهور المشكلة االقتصادية لكن االختيار هو
الطريق الذي يحدد مالمحه علم االقتصاد بهدف حل المشكلة االقتصادية.
- 1الندرة:
والمقصود بالندرة هنا ليس الندرة المطلقة بل الندرة النسبية ،أي إن الموارد االقتصادية والمنتجات
متوفرة ولكن ليس بالكمية التي تكفي لتلبية احتياجات ورغبات األفراد والمجتمع وبذلك تعبر الندرة
عن العالقة بين الر بات واالحتياجات المتعددة والمتنامية باستمرار من جهة والموارد المحدودة
ير الكافية لتلبية االحتياجات والر بات من جهة ثانية ،فقد تكون سلعة ما متوفرة بكمية أكبر بكثير
من سلعة ثانية ،لكن حاجة األفراد و المجتمع للسلعة األولى أكبر بكثير من حاجته للسلعة الثانية،
مثال ذلك :الغذاء متوفر بكميات أكثر من اليورانيوم لكن احتياجات األفراد والمجتمع للغذاء أكبر
بكثير من احتياجات المجتمع لليورانيوم ،وبذلك ال يملك المجتمع كميات من الغذاء تؤمن احتياجات
المجتمع من هذه السلعة بكاملها.
يملك المس ـ ــتهلك ،من حيث الواقع ،دخالً محدوداً يتيح له الحص ـ ــول على كميات وأنواع محدودة
من الســلع لتلبية احتياجاته وإرضــاء رغباته .فنذا كان المســتهلك يتصــف بالعقالنية والرشــدانية ،وهذا
ما يتصــف به عادة بحكم غريزته ولكن بدرجات متفاوتة ،فننه ســيختار مجموعة من الســلع واألشــياء
التي تلبي احتياجاته وترض ـ ــي رغباته أكثر من غيرها .وبذلك تكون مش ـ ــكلة المس ـ ــتهلك االقتص ـ ــادية
هي الحصول على الحد األعلى من الرضى وتلبية الرغبات باالستناد إلى دخل معين محدود.
-2االختيار ( السلم التفضيلي ):
عندما تكون الموارد االقتص ـ ـ ــادية والمنتجات بأنواعها غير كافية إلش ـ ـ ــباع حاجات المجتمع ،أي
نادرة نسـبيا يتحتم على الفرد أن يقوم بعملية االختيار ويحدد السـلع التي يحتاجها ويريد إشـباعها وفقا
ألهميتها النسـ ـ ــبية .فيضـ ـ ــع على رأس األولويات واالحتياجات والرغبات التي يريد إشـ ـ ــباعها بالدرجة
األولى ثم الثانية ،وهكذا ..وهذا الترتيب ( الساالم التفضا يلي ) يش ــكل ض ــرورة بالنس ــبة لكل فرد وفقا
إلمكانياته المختلفة ( الدخل ) ووفقا لنظرته إلى المنفعة التي يحص ـ ـ ـ ــل عليها من كل منتج حس ـ ـ ـ ــب
درجة الحاجة له ،حيث ال تس ـ ـ ـ ـ ـ ــمح إمكانياته المحدودة بنش ـ ـ ـ ـ ـ ــباع جميع احتياجاته فهو يلجأ إذا إلى
إش ـ ـ ـ ـ ــباع ما هو ض ـ ـ ـ ـ ــروري أوال ،و من ثم يلجأ إلى إش ـ ـ ـ ـ ــباع الحاجات األخرى األقل أهمية ثم األقل
وهكذا..
37
كذلك األمر بالنسـ ـ ـ ــبة للمجتمع حيث إن الموارد االقتصـ ـ ـ ــادية محدودة وحاجات المجتمع متعددة
فتظهر هنا مش ــكلة االختيار أي كيف يتم اس ــتخدام الموارد االقتص ــادية المذكورة .هل يس ــتخدمها في
تأمين السـلع االسـتهالكية التي تلبي حاجات المواطنين بشـكل مباشـر أو يلجأ إلى اسـتخدامها إلنتاج
وسائل اإلنتاج التي تستعمل فيما بعد إلنتاج السلع االستهالكية .فالموضوع يتعلق باإلشباع المباشر
للحاجات أو اإلشـ ــباع غير المباشـ ــر عن طريق إنتاج وسـ ــائل اإلنتاج أو أن يقوم بتوزيع هذه الموارد
على التوازي فتســتخدم لتأمين الســلع االســتهالكية وإنتاج وســائل اإلنتاج بما يتفق وإســتراتيجية التنمية
التي يعتمدها ومسـتوى التطور في هذا المجتمع .فالمجتمع يقوم بعملية مفاضـلة في تأمين احتياجاته
واحتياجات األفراد اسـ ــتنادا إلى إمكانياته وموارده االقتصـ ــادية معتمدا مبدأ االسـ ــتخدام األمثل للموارد
بحيث تؤدي إلى إشباع أفضل للحاجات.
وفي كال المسـ ـ ــتويين ( الفرد أو المجتمع ) تقود عملية االختيار المذكورة إلى عملية التضااااحية
أي إن الفرد أو المجتمع عندما يقرر إش ـ ـ ـ ـ ــباع رغبة معينة وإعطاءها األولوية يض ـ ـ ـ ـ ــطر للتنازل عن
إشباع حاجة أخرى .فالفرد عندما يقرر إشباع الحاجات الضرورية يتنازل عن إشباع رغباته الكمالية
ولو مؤقتا ،وكذلك األمر بالنسـ ــبة للمجتمع ،فهو عندما يوجه موارده االقتصـ ــادية ذات االسـ ــتعماالت
البديلة إلنتاج عدد من الس ـ ـ ــلع يؤجل إنتاج س ـ ـ ــلع أخرى يحتاجها المجتمع إلى وقت الحق .فاألرض
الزراعية مثال عندما تزرع بمحص ـ ـ ــول معين يؤجل زرع محص ـ ـ ــول آخر إلى وقت الحق وفقا ألهمية
الموارد الزراعية المحدد في سلم األولويات .وهذا يسمى ( السلم التفصيلي ).
المشكلة االقتصادية
38
المبحث الثاني -التحليل االقتصادي :Economic Analysis
بهدف اكتش ــاف القوانين االقتص ــادية لحل المش ــكلة االقتص ــادية نش ــير إلى أنواع متعددة للتحليل
االقتص ـ ـ ـ ــادي ،و تختلف أنواع التحليل االقتص ـ ـ ـ ــادي باختالف المؤش ـ ـ ـ ــر أو المعيار المس ـ ـ ـ ــتخدم في
التحليـل ،نـذكر من هـذه المعـايير على سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـل المثـال :معيـار حجم الوحـدة االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة ،معيـار
الموضوعية ،معيار الصياغة أو األسلوب التحليلي40 .
– 1معيار حجم الوحدة االقتصادية :Economic Unit
تشـ ــمل الوحدة االقتصاااادية المنتج وو أو المساااتهلك و يندرج تحت هذا المسـ ــمى كل من الفرد
والحكومة والمؤسـ ـس ــات بأنواعها .ومن هنا التحليل االقتص ــادي إما أن يتناول تلك الوحدات مجتمعة
و إما أن يتناول سـلون كل وحدة على حدة .و لذا ينقسـم التحليل االقتصـادي من حيث حجم الوحدة
االقتص ــادية إلى نوعين :التحليل االقتصااادي الكلي " " Macroeconomicsوالتحليل االقتصااادي
الجزئي " " Microeconomicوهذان المص ـ ـ ـ ـ ــطلحان أخذا من المعنى الالتيني ،حيث تعني كلمة
" " Makrosالشيء الكلي في حين تعني كلمة " " Mikrosالشيء الجزئي.
أ – التحليل االقتصادي الكلي " :" Macroeconomics
يتناول التحليل االقتص ــادي الكلي د ارس ــة عمل الوحدات االقتص ــادية مجتمعة كوحدة واحدة،
أي على المسـ ـ ــتوى التجميعي أو القومي ككل .فعلى سـ ـ ــبيل المثال تتم د ارسـ ـ ــة اإلنفاق الكلي لجميع
الوحدات االقتصـ ـ ـ ــادية المكونة لدولة ما ،و كذلك إنتاجها الكلي والمسـ ـ ـ ــتوى العام لألسـ ـ ـ ــعار في تلك
الدولة ،و مس ــتوى البطالة فيها و هكذا .فاالقتص ــاد الكلي يهتم بتحليل أوجه االس ــتهالن واالس ــتثمار
واإلنفـاق الحكومي والتجـارة ال ـخارجيـة للـدولة ،فهو يدرس مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى الطلـب والعرض الكليين والعوامل
المؤثرة فيهمـا .كمـا يتنـاول النـاتج الكلي ومحـددات التشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغيـل و كـل مـا يتعلق بـاالقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد القومي.
فالحديث عن مسـ ــتويات البطالة والتضـ ــخم والناتج القومي واألسـ ــعار في دولة ما ككل يدخل ضـ ــمن
اختصاص دراسة التحليل االقتصادي الكلي.
ب -التحليل االقتصادي الجزئي " :" Microeconomics
يتناول التحليل االقتصـ ـ ـ ــادي الجزئي سـ ـ ـ ــلون الوحدات الفردية – مسـ ـ ـ ــتهلك أو منتج – والعوامل
المؤثرة في الق اررات االقتص ـ ـ ـ ــادية التي تتخذها تلك الوحدات في مجال تخص ـ ـ ـ ــيص مواردها وتحقيق
أهدافها .وهو بذلك يدرس إنفاق الفرد على سـ ـ ـ ــلعة معينة ومسـ ـ ـ ــتوى المنفعة التي يمكن أن يحصـ ـ ـ ــل
عليها في ظل إمكانياته المحدودة .كما يتناول د ارس ـ ـ ـ ـ ــة س ـ ـ ـ ـ ــلون المنتج في تحديد أس ـ ـ ـ ـ ــعار السـ ـ ـ ـ ـ لع
والخدمات التي يقدمها وجميع الق اررات التجارية التي تسـ ـ ــاعده لتحقيق هدفه لتعظيم ربحه من موارده
المحدودة.
- 40د .خالد واصف الوزني و د .أحمد حسين الرفاعي ،مبادئ االقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق ،دار وائل للنشر عمان ،1999
ص ص .37 – 32
39
( فالتحليل االقتص ــادي الجزئي يعنى بس ــوق س ــلعة معينة بما يس ــاهم في اإلجابة عن تس ــاؤالت
تختص بتحديد السااعر المناسـ ــب لتلك السـ ــلعة في السـ ــوق .كما يدرس األسـ ـواق المختلفة التي يعمل
المنتج في نس ـ ـ ـ ــقها و الكيفية أو اآللية التي يقوم من خاللها ذلك المنتج بتحديد الس ـ ـ ـ ــعر الذي يعظم
أرباحه كما يجيب عن تسـاؤالت تختص بق اررات المساتهلك خاصـة في مجال الكيفية التي يوزع بها
41
دخله على مجموع السلع والخدمات بما يحقق له أعظم نفع منها جميعا ).
- 2معيار الموروعية:
ينقسـ ـ ـ ــم التحليل االقتصـ ـ ـ ــادي وفقاً لمعيار الموضـ ـ ـ ــوعية إلى التحليل االقتصاااااادي الموراااااوعي
" "Positiveوالتحليل االقتصاادي المعياري " ،"Normativeو يسـتخدم البعض مصـطلح االقتصـاد
التقريري لألول ومصـ ـ ـ ــطلح االقتصـ ـ ـ ــاد التقديري لألخير .والهدف من هذا الفصـ ـ ـ ــل هو التفريق بين
القضـ ـ ــايا االقتصـ ـ ــادية التي ترتكز على وقائع محدودة " "Factsوبين تلك التي تخض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع للتقدير
الشـخصي "."Value Judgment
أ – التحليل االقتصادي الموروعي :Positive Economics
( يهتم هذا النوع بتحليل حقائق قائمة في راااوه األورااااع االقتصاااادية ،كالحديث عن معدل
البطـالـة ومعـدل التضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخم ،والحـديـث عن العالقـة بين الكميـة المطلوبـة واألسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـار ،و بين الكميـة
المعروض ــة واألس ــعار وغيرها من القض ــايا التي تكاد تكون من المس ــلمات في علم االقتص ــاد .على
ذلك نقول إن هذا الفرع من التحليل ال يخضااع ألي آراه شااخصااية قد تبرز خالفا بين االقتص ــاديين
بل هو ينصـ ــب في األسـ ــاس على النظريات االقتصـ ــادية التي ال خالف فيها .فاالتفاق على قضـ ــايا
االقتصـ ــاد الموضـ ــوعي يكاد يكون تاما ،بعكس الحال في االقتصـ ــاد المعياري ،فمثال حسـ ــاب معدل
التض ـ ـ ـ ـ ــخم في األردن على أنه %2.5عام 1998دون إبداه الرأي حول ماهية هذا الرقم يأتي في
سـ ـ ـ ـ ــياق الحديث عن االقتصـ ـ ـ ـ ــاد الموضـ ـ ـ ـ ــوعي .و كذلك الحديث عن نصـ ـ ـ ـ ــوص أي من النظريات
42
االقتصادية يندرج تحت هذا التقسيم ).
ب – التحليل االقتصادي المعياري :Normative Economics
يدخل في سـ ـ ـ ــياق هذا الفرع عنص ـ ـ ـ ـ ار اآلراه الشاااااخصاااااية " " Value Judgmentوالمعتقدات
الخاص ـ ـ ـ ـ ــة .فالحديث عن الدعم أو إلغاؤه للطبقات متوس ـ ـ ـ ـ ــطة الدخل والفقراء موض ـ ـ ـ ـ ــوع خالف بين
االقتص ـ ــاديين ،وس ـ ــبل معالجة العجز المالي طالما دخلت في س ـ ــجال طويل بين الخبراء ،وس ـ ــياس ـ ــة
الحمـايـة الجمركيـة من عـدمهـا تعتبر حقال خصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـا لالختالف وإبـداء الرأي لـدى العـديـد من البـاحثين
-د .خالد واصف الوزني و د .أحمد حسين الرفاعي ،المصدر السابق ص .31 41
40
والمختصــين في علم االقتصــاد .و لعل الســمة الرئيســة للقضــايا الســابقة جميعها أن التعامل معها ال
يمكن أن يخضع لقاعدة عامة أو حقائق معينة.
- 3معيار الصيا ة أو األسلوب التحليلي:
يمكن تقسـيم األسـاليب التي يتناول بها علم االقتصـاد عرض القضـايا المختلفة المتعلقة به بأكثر
من طريقة .مثل األسـ ـ ــلوب النظري الوصاااافي" ."Verbal or Descriptiveواألساااالوب الريارااااي
" ،"Mathematicalواألسلوب القياسي " "Econometricsوالتحليل البياني "."Graphical
أ – التحليل االقتصادي الوصفي :Verbal or Descriptive Analysis
( قد يص ــعب في بعض األحيان التعبير عن العالقات المختلفة بطريقة كمية ""Quantitative
وفي الغالب يكون هنان حاجة للتمهيد لفهم عالقة كمية ما بصاايو وصاافية أو نظرية توصــل للقارئ
تسلسل ومنطقية العالقة المعينة .وعليه ،يلجأ علم االقتصاد إلى مثل هذا األسلوب التحليلي ليوضح
بعض العالقات االقتص ـ ـ ـ ــادية باس ـ ـ ـ ــتخدام نص ـ ـ ـ ــوص معينة .بيد أن التحليل الوصاااااافي ال يخلو من
االنتقاد ،حيث إن االسـ ـ ــتعانة به في معزل عن األسـ ـ ــاليب الكمية األخرى قد يخلق نوعا من اإلربان
لدى القارئ نتيجة لكثرة اللجوء إلى الفرضـ ـ ــيات أو لالفتقار ألسـ ـ ــلوب العرض المتسـ ـ ــلسـ ـ ــل المنطقي
43
المناسب أحيانا ).
ب -التحليل االقتصادي الرياري ":"Mathematical Analysis
( تســتخدم األدوات الرياضــية في العادة لعرض العالقات االقتصــادية المختلفة واشــتقاقاتها .وقد
بات ما يسـ ــمى باالقتصااااد الرياراااي " "Mathematical Economicsفرعاً رئيس ـ ـاً من فروع علم
االقتص ـ ــاد ،و أص ـ ــبحت الد ارس ـ ــات االقتص ـ ــادية المتقدمة جميعها تعتمد على قدر كبير من المعرفة
الرياضية.
وال يعني اللجوء إلى التحليل الرياض ـ ـ ــي تراجع أهمية التحليل الوص ـ ـ ــفي ،بل على العكس ،يغدو
األخير مس ــاعدا رئيس ــا لتحليل النتائج المختلفة للقض ــايا االقتص ــادية التي توض ــح أو تعالج رياض ــيا.
وعليه تظل العالقات الرياضـ ـ ــية رغم أهميتها في توضـ ـ ــيح األشـ ـ ــكال المختلفة للعالقات االقتصـ ـ ــادية
44
قاصرة إذا غابت المقدرة على تحليل النتائج وصياغتها وصفيا بالشكل السليم والمفهوم اقتصاديا.
ج – التحليل االقتصادي القياسي :Econometric Analysis
يهدف هذا التحليل إلى اساااااااتخدام كل من الريارااااااايات واإلحصااااااااه في التعبير عن العالقات
االقتصااادية المختلفة ،و قد أطلق على هذا الفرع من علم االقتص ــاد باالقتص ــاد القياس ــي أو القياس
االقتصادي " " Econometricsوتأتي أهميته الرئيسة في دراسته للعالقات االقتصادية وتطبيقاتها
على الدول المختلفة .كما أن ظهور البرامج الحاسوبية جعلت أمر استخدام هذا العلم و اللجوء إليه
41
على قدر كبير من اليسـ ـ ـ ــر .و تظل الحاجة إلى األسـ ـ ـ ــلوب الوصـ ـ ـ ــفي قائمة لتحليل نتائج التقديرات
والعالقات المختلفة التي تتعامل مع نماذج هذا األسلوب.
د – األسلوب البياني Graphical Analysisفي التحليل االقتصادي:
يعد التمثيل البياني أحد أعمدة التحليل االقتص ــادي الرئيس ــة .فبواس ــطة هذا األس ــلوب يتس ــنى لنا
بســهولة توضــيح طبيعة " "Natureوشــكل " "Shapeالعالقة بين المتغيرات ،والتأثير المتبادل بينها.
وإذا كان االعتماد األكبر في توضــيح النظرية االقتصــادية في هذا المســتوى الد ارســي ينصــب أســاسـاً
على األسـ ـ ـ ـ ـ ــلوب البياني أكثر من غيره ،فسـ ـ ـ ـ ـ ــوف نلجأ إلى اسـ ـ ـ ـ ـ ــتخدام هذا األسـ ـ ـ ـ ـ ــلوب لدى تناولنا
للموض ـ ـ ــوعات المختلفة في الفص ـ ـ ــول القادمة من هذا المرجع .والجدير بالذكر هنا أن المجال الذي
نتعامل معه لتوضـ ـ ـ ــيح العالقات المختلفة ال يسـ ـ ـ ــمح إال بنظهار العالقة بين متغيرين وفي أفضـ ـ ـ ــل
األحوال ثالثة .فالتحليل البياني في هذا المسـ ـ ــتوى يكاد ينحصـ ـ ــر في توضـ ـ ــيح الترابط أو التأثر بين
متغيرين أحـدهمـا يمكن تمثيلـه على اإلحـداثي العمودي " " Verticalواآلخر يمثلـه اإلحـداثي األفقي
" ." Horizontalنريـد أن نؤكـد هنـا أن المتعـامـل مع التحليـل البيـاني عليـه أن يحـدد بـدقـة العالقـة
التي يريد أن يدرسها والمتغيرات المعبرة عن تلك العالقة.
وفي س ــبيل تبس ــيط األمر على الطالب في هذا المس ــتوى يمكننا أن نش ــير إلى نوعين هامين من
العالقات التي تالزمه طوال مدة الد ارسـ ـ ـ ــة في كلية االقتصـ ـ ـ ــاد ،وهما :العالقة الطردية بين متغيرين
والعالقة العكساااية بينهما .ويوضـ ــح الشـ ــكل " "1العالقة الطرديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة " " Positiveبين المتغيرين "
السعر " و " الكمية " كما يوضح الشكل " "2العالقة العكسية بين متغيرين آخرين.
الشكل " "2العالقة العكسية الشكل " "1العالقة الطردية
السعر السعر
الكمية الكمية
حين الحديث عن العالقة بين متغيرين يتم تقسـ ـ ــيم المتغيرات بشـ ـ ــكل رئيسـ ـ ــي إلى نوعين :األول
متغير تاابع " "Dependent Variableوالثـاني متغير مساااااااااتقال "." Independent Variable
ويقصـ ـ ـ ــد بالمتغير التابع هو ذلك المتغير الذي يتأثر " يتبع " في حركته و تغيراته متغي اًر آخر ،فهو
يسمى بالمتغير التابع ،تنبغي اإلشارة إلى أن المتغير التابع يوضع في العادة على اإلحداثي السيني
42
أو األفقي " ."Horizontalواالسـ ـ ـ ـ تثناء الوحيد هو في حالة منحنى والعرض حيث ينقلب الوض ـ ـ ــع،
وذلك لكون تمثيل المتغيرين تم بهذه الصورة الخاطئة و استقر االقتصاديون على عدم تغييره ؟!!
عند اس ـ ــتخدام التحليل البياني ال بد من اإلش ـ ــارة إلى ما يس ـ ــمى بميل المنحنى " ."Slopeحيث
يعرف الميل بأنه التغير في المتغير التابع مقسوما على التغير في المتغير المستقل.
التغير في المتغير التابع
الميل = ----------------------
التغير في المتغير المستقل
45
و تنبع أهمية معرفة هذا المقدار في علم االقتصاد ،وفي غيره ،من ثالث قضايا هي:
أ -أن الميل يوض ـ ـ ــح نوع العالقة بين المتغير على اإلحداثي العمودي " التابع " والمتغير على
اإلحداثي األفقي " المس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقل " .فنذا كان الميل سااااااااالباً فنن معنى ذلك أن العالقة عكسااااااااية بين
المتغيرين .بمعنى إذا زاد المتغير المســتقل انخفض المتغير التابع والعكس صــحيح .ومهما يكن فنن
المياال الموجااب يعني عالق ــة طرديااة بين المتغيرات ،أي إنهم ــا يتغيران في نفس االتج ــاه كم ــا هي
الحال في الشكل " "1أعاله.
يوضـ ـ ـ ــح الميل ما يسـ ـ ـ ــمى بالتغير الحدي أو التأثير الحدي ""Marginal Effect ب-
بين المتغيرات .بمعنى أن الميـ ــل مـ ــا هو إال قيمـ ــة التغير في المتغير التـ ــابع عنـ ــد تغير المتغير
المستقل بوحدة واحدة .وهذا ما يسمى في علم االقتصاد بالتغير الحدي "."Marginal Change
ج -يوض ـ ـ ـ ـ ـ ــح الميل ش ـ ـ ـ ـ ـ ــكل العالقة المعنية هل هي خطية " "Linearأو غير خطية "Non-
."Linearواألولى تكون واض ـ ـ ـ ـ ـ ــحة عندما يكون ميل العالقة ثابتا عند جميع النقاط .وهنا نقول إن
العالقة خطية ويمكن تمثيلها بخط مســتقيم " ."Straight Lineأما الحالة الثانية فســيكون فيها أكثر
من ميل ،أو بشـ ــكل أدق لكل نقطة في العالقة ميل مختلف عن غيرها .وهذا يعني أن العالقة تمثل
في شكل منحنى معين " "Curveوليس في شكل خط مستقيم.
-د .خالد واصف الوزني و د .أحمد حسين الرفاعي ،مبادئ االقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق ،دار وائل للنشر عمان ،1999ص 45
.32
43
المبحث الثالث -منهج البحث في علم االقتصاد:
يقص ــد بالمنهج مجموعة وسااائل البحث التي تكون أس ــلوباً منتظماً للحصااول على المعرفة التي
تشـكل انعكاسااً أميناً للقوانين الموراوعية .يسـتخدم علم االقتصـاد عدداً من المناهج التي تسـتخدمها
جميع العلوم النظرية ،في س ـ ـ ـ ــبيل فهم القوانين االقتص ـ ـ ـ ــادية كمنهج التجريد العلمي ومنهج التحليل
والتركيب ومنهج االستدالل بنوعيه (االستقراه واالستنباا ) وك لك االختزال.
-1منهج التحليل والتركيب في علم االقتصاد:
يتطلب الفهم الص ــحيح للظاهرة االقتص ــادية ،قبل كل ش ــيء تفكيكها إلى عناص ــرها المكونة لها،
ود ارس ــة كل عنص ــر من هذه العناص ــر د ارس ــة مفص ــلة وإظهار دوره وأهميته داخل الظاهرة كلها .إن
تفكيك موض ـ ــوع البحث إلى عناص ـ ــر منفردة ود ارس ـ ــة كل من هذه العناص ـ ــر كجزء من الكل يس ـ ــمى
التحليل.
ولكن طريقـة البحـث ( المنهج ) هـذه ال تقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر على التحليال فقط ،بـل ال بـد من توحيـد هـذه
العناص ـ ـ ــر من جديد ،بعد أن تم توض ـ ـ ــيح طبيعة كل عنص ـ ـ ــر ودوره وأهميته داخل الكل .إن توحيد
العناصر المفككة والمدروسة في كل موحد مترابط داخلياً ،يسمى التركيب.
"يعد التحليل والتركيب جانبين متالزمين لعملية واحدة هي عملية فهم الواقع الموضـ ـ ــوعي .وهما
يكمالن بعض ــهما بحيث إن اس ــتخدامهما في وقت واحد في وحدتهما هو الس ــبيل الص ــحيح للوص ــول
46
إلى نتائج مثمرة".
- 2منهج التجريد العلمي Abstractionفي علم االقتصاد:
يقصــد بالتجريد محاولة التركيز على العناصاار الرئيسا ة لمشااكلة ما ،وذلك عن طريق إهمال أو
تجاهل بعض المؤثرات أو التفاص ـ ـ ــيل غير الض ـ ـ ــرورية .والمبتغى هنا هو التبس ـ ـ ــيط وإبعاد المؤثرات
46
-د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،جامعة حلب ،مديرية الكتب والمطبوعات ،1981،ص.68
44
الخارجية التي قد تشـوه فهم عالقة ما .فاألصـل فهم تلك العالقة األسـاسـية وبعدها يمكن الدخول في
مزيد من التفاص ـ ـ ـ ــيل .و من هنا يتم مثال د ارس ـ ـ ـ ــة أثر الس ـ ـ ـ ــعر في كل من الكمية المطلوبة والكمية
المعروضة ،مع افتراض بقاء العوامل األخرى ثابتة أو مجردة.
ليس المجرد هو الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء المنفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل عن عـالم الواقع الفعلي والموجود فقط في عـالم الـذهن
والفكر ،في التصـ ـ ـ ـ ــور ،وأن الملموس هو ما يوجد في الواقع .ولكن كل مجرد هو جانب من جوانب
الملموس .وبذلك عملية التجريد ال تعني االنصـراف عن الواقع ،وليس التجريد العلمي وليد تصـوراتنا
وإنما هو انعكاس العالقات والروابط القائمة على أرض الواقع في وعينا.
يسـ ـ ـ ـ ـ ــاعدنا التجريد العلمي على الفهم األعمق للواقع ويمكننا من فرز الجانب الرئيس والجوهري
في الظاهر المدروسة ،واالنصراف عن الجوانب الثانوية والمعيقة لفهم الظاهرة.
يتم في المرحلة األولى للتجريد العلمي التعرف إلى الظاهر الخارجي لموضــوع الد ارســة ثم ننتقل
إلى البحث فيما وراء األشـ ـ ــكال الظاهرية السـ ـ ــطحية عن جوهر هذا الموضـ ـ ــوع الكتشـ ـ ــاف العمليات
العميقة الخفية عن النظر .وبعد الكشـ ـ ـ ــف عن جوهر الموضـ ـ ـ ــوع نبدأ الحركة باالتجاه المعاكس من
الجوهر إلى الظــاهر .إن إدران الجوهر يمكننــا من فهم لمــاذا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتلزم هـذا الجوهر هـذا الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل
الظاهري بالضبط ال غيره من األشكال.
والمجردات العلميــة التي تعبر عن هــذه الجوانــب أو تلــك من عالقــات اإلنتــاج تــدعى المقوالت
االقتصـ ـ ـ ـ ــادية ففي ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالية ،مثالً ،هنان مقوالت البضاااااااعة ،القيمة ،النقد ،رأس المال ،القيمة
المضافة األجور ،الربح ،الفائدة ،الريع ...الخ .وتعبر كل مقولة من هذه المقوالت عن هذا الجانب
أو ذان من عالقات اإلنتاج الرأسمالية.
إن مجموع هذه المقوالت في وحدتها يشـ ـ ـ ـ ـ ــكل منظومة عالقات اإلنتاج .ويمكن الوصـ ـ ـ ـ ـ ــول إلى
الص ــورة الملموس ــة لل أرس ــمالية على أس ــاس توحيد وتركيب المقوالت االقتص ــادية المجردة التي تعكس
كل منها خاصـة من الخصـائص وحيدة الجانب .ولكل منظومة عالقات إنتاجية منظومة مالئمة لها
من المقوالت االقتص ـ ـ ــادية .فالمقوالت االقتص ـ ـ ــادية لل أرس ـ ـ ــمالية ،مثالً ،تختلل جوهرياً عن المقوالت
االقتصادية لإلقطاعية أو االشتراكية.
إن االنتقال من المجرد إلى الملموس يجب أال يفهم على شــكل تجميع اعتباطي بســيط للمقوالت
االقتصادية ،أو ترتيبها وفق أي تسلسل كان .ذلك ألن الجوانب المختلفة لعالقات اإلنتاج التي تعبر
تعد إحداها مس ــتقلة عن األخرى ،وغير مرتبطة بعض ــها ببعض ،وإنما عنها المقوالت االقتص ــادية ال ّ
توجد بينها عالقة داخلية .لذلك عند د ارس ـ ـ ــة المقوالت االقتص ـ ـ ــادية وتس ـ ـ ــلس ـ ـ ــلها يجب االحتكام إلى
العالقة الداخلية التي تجمعها من كل ملموس موحد.
45
- 3منهج االستدالل ( )Inferenceفي علم االقتصاد:
يس ـ ــتخدم علم االقتص ـ ــاد طرائق مختلفة من االس ـ ــتدالل طرائق للبحث "مناهج" .واالساااتدالل هو
التعقل ال ي يبين حقيقة مقوالت معينة باالسااتناد إلى حقيقة مقوالت أخرى .أي إن علم االقتص ــاد
يتبع األس ــلوب العلمي في تحليل قض ــاياه .وهو بذلك يس ــتخدم نوعين من االس ــتدالل ( :االسااتقرائي
واالستنباطي).
آ -االستدالل االستقاااااا ارائي :وهو الوصول إلى أحكام عامة بتعميم أحكام خاصة .وتعتمد هذه
الطريقة على مش ـ ــاهدة أكبر قدر ممكن من الوقائع (أي الحاالت الخاص ـ ــة) ثم اس ـ ــتخراج أحكام من
هذه المشـ ـ ــاهدات ،وتعميمها في شـ ـ ــكل قوانين تفساااايرية للوقائع ،ويتم االسـ ـ ــتقراء على أسـ ـ ــاس من
المعلومات التي يهيئها االقتص ــاد الوص ــفي والتاريخ االقتص ــادي ،وكذلك المش ــاهدة المباشـ ـرة للعملية
االقتصادية.
اس ـ ــتخدم االقتص ـ ــاديون منذ البداية الطريقة االس ـ ــتقرائية في أبحاثهم ود ارس ـ ــاتهم .حيث اس ـ ــتخرج
الميركــانتليون قوانينهم المتعلقاة باالنقود ،نتيجاة مشاااااااااااهاداتهم لتادفق المعاادن الثميناة من العاالم
الجديد إلى الدول األوروبية.
وتبدأ الطريقة االستقرائية من المشاهدة "الحقائق" التي يتم جمعها ،كما في البيانات اإلحصائية،
ونحاول بالتحليل العلمي لهذه الحقائق ،التوصل إلى نتائج وتعميمات أو مبادئ تطبيقية .لذلك يقول
بعض االقتص ـ ـ ـ ــاديين إن علم االقتص ـ ـ ـ ــاد هو علم مش ـ ـ ـ ــاهدة الواقع وإن األحكام قد تختلف باختالف
الزمان أو المكان.
ب-االساتدالل االساتنباطي :وهو اساتنتاج قضاايا خاصاة من قضاايا عامة .وتعتمد هذه الطريقة
على وراااع فرول تقبل صـ ــحتها بصـ ــفة مسـ ــبقة (مسـ ــلمات) وتساااتخرج من ه و الفرول قوانين
وأحكاا ام اً تتعلق بوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعيـات وحـاالت معينـة .فـالفروض األوليـة منطلقـات عـامـة ال ينـاقش في مـدى
47
التصاقها بالواقع ،واألحكام الصادرة مستخرجات ثانوية تخضع إلى المنطق.
أما التحليل االسـ ـ ـ ـ ـ ــتنباطي فهو يمدنا بنظريات أو تعميمات ،ولكن ال بد من اختبارها .ويتم ذلك
بمسـ ـ ــاعدة الد ارسـ ـ ــات التطبيقية ،فالتحليل االسـ ـ ــتنباطي يوضـ ـ ــح مثالً أن الكمية المطلوبة من إحدى
السالع تتناساب عكساياً مع ثمن السالعة ،مع بقاء األوضـاع األخرى على حالها( .وقد تؤيد البيانات
التطبيقية النظرية المؤسـ ـس ــة اس ــتنباطياً .أما إذا لم يحص ــل ذلك ،فننه من الض ــروري القيام بمراجعة
48
لتحديد السبب .حيث إنه من الممكن أن تكون هنان أخطاء منطقية في التحليل االستنباطي).
47
-انظر :فتح هللا ولعلو ،االقتصاد السياسي مدخل للدراسات االقتصادية ،دار الحداثة ،بيروت ،1981ص.31
48
-انظر :دكتور كامل بكري ،مبادئ االقتصاد ،الدار الجمعة ،بيروت 1987ص.11
46
ويض ـ ـ ـ ـ ــيف أوس ـ ـ ـ ـ ــكار النكه إلى طريقتي االس ـ ـ ـ ـ ــتقراء واالس ـ ـ ـ ـ ــتنباط طريقة ثالثة للتحليل والبحث
يستخدمها علم االقتصاد وهي" :االختزال" ،Reductionالتي تبرر المقدمات باالستناد إلى النتائج
المستخلصة منها.
االسااااتقراه ،االسااااتنباا ،االختزال ،ثالثة أسـ ـ ــاليب لالسـ ـ ــتدالل تسـ ـ ــتخدم كطريقة للبحث في علم
االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد .ونبـدأ من االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقراء الـذي يعتمـد على المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهـدة المقـارنـة للواقع أو الحقيقـة ،مرو اًر
باالسـ ــتنباط الذي يحصـ ــل على اسـ ــتنتاجات عملية االسـ ــتقراء ،ويتم تمحيصـ ــها للحصـ ــول على نتائج
دقيقة ،ثم االختزال الذي يبين لنا ما إذا كانت نتائج االس ـ ـ ــتقراء التي حص ـ ـ ــلنا عليها في بادئ األمر
صـ ـ ــحيحة ،ومطابقة للواقع أم ال .هذا هو ترتيب االسـ ـ ــتدالل في علم االقتصـ ـ ــاد ،وجميع األسـ ـ ــاليب
الثالثة لالســتدالل ضــرورية هنا .ألنه بدون االســتقراء يبقى االســتدالل االســتنباطي قائماً على أســس
أو مقدمات ال تتصـ ـ ـ ـ ــل بالواقع ،وبهذا يبتعد االسـ ـ ـ ـ ــتدالل عن العملية االقتصـ ـ ـ ـ ــادية الحقيقية .وبدون
االختزال ال يمكن أن يتم تدقيق نتائج االسـ ــتقراء ،أو بيان مدى صـ ــحتها .وأخي اًر بدون االسـ ــتنباط ال
يمكن االنتقـال من نتـائج االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقراء إلى النتـائج المـدققـة ،وهـذا يوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح لنـا مـدى صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـة نتـائج
49
االستقراء).
من الواضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح أن الطرائق الثالث للبحـث تكمـل كـل منهـا األخرى .حيـث إن كـل طريقـة تزودنـا
بتعميمات أو مبادئ ،ولكن التعميمات التي نحصل عليها بوساطة إحدى الطرائق الثالث ،ال بد من
أن تراجع بوساطة الطريقة الثانية وتدقيق بالطريقة الثالثة وهذا يجعل التحليل أكثر علمية وواقعية.
استخدام النما ج االقتصادية :Economic Models
يقصـ ــد بالنموذج االقتصـ ــادي تجسـ ــيد مبسـ ــط لبعض الظواهر االقتصـ ــادية بهدف فهم التدفق
المتبادل للعالقات بين تلك الظواهر .و من هنا قد يعبر عن النموذج االقتصادي في شكل معادالت
أو رسم بياني أو بشكل وصفي.
معنعهعج االسعععععتعع ال فعي منهج التجريع العلمي في منهج التحليع والترييع
اال تصا . اال تصا . في اال تصا .
49
Oskar Lange, Ekonomia Polityczna, tom I P.W.N. Warszawa 1974,S.178/179 -
47
المبحث الرابع -القوانين االقتصادية:
إن لقوانين الطبيعة والمجتمع طابعاً موراااااااااوعياًأل وال تتوقف هذه القوانين على إرادة اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــان
ووعيه ،ونالحظ أن الناس يس ــعون الكتشاااو ه و القوانين وإدراكها الس ــتخدامها في تأمين حاجاتهم
وتلبيتها .إن هدف علم االقتص ــاد هو د ارس ــة هذه الناحية أو تلك من نواحي المجتمع المتعلقة بننتاج
الســلع والخيرات وتبادلها وتوزيعها واســتهالكها وهذا يقتضــي بالضــرورة إدران القوانين التي تعمل في
هذا المجال .والقانون هو الصــلة الداخلية الضــرورية موضــوعياً بين الظواهر ،وهذه الصــلة الداخلية
للظواهر موجودة بص ـ ـ ـ ــرف النظر عن مش ـ ـ ـ ــيئة الناس ورغباتهم .واإلنس ـ ـ ـ ــان يس ـ ـ ـ ــعى إلدران القوانين
50
االقتصادية من أجل استخدامها لما فيه خيره.
تتكون العملية االقتصـادية من مجموعة من األفعال الب ـ
ش رية المعقدة التي تتكرر باسـتمرار ،وفي
أوضـ ــاع معينة ناشـ ــئة عن التطور التاريخي لمجتمع محدد ،تنظمه مجموعة من الضـ ـوابط الخاص ــة
والمتميزة .ويمكن تحويل هذه المجموعة من الض ـ ـ ـ ـ ـوابط إلى روابط أو عالقات بين األفعال المختلفة
التي تتكرر باسـ ـ ـ ــتمرار ،كما يمكن تحويلها إلى أعمال أبسـ ـ ـ ــط تتكون منها هذه األفعال .وتدعى هذه
51
العالقات أو الروابط بالقوانين االقتصادية (.)Economic Laws
فالقوانين االقتصااااادية هي عبارة عن العالقات الضاااارورية الجوهرية الداخلية والمتكررة باسااااتمرار
52
بين العمليات التي تشتمل عليها الحياة االقتصادية وهي تعكس جوهر عالقات اإلنتاج.
ويعرف يوري بوبوف القانون االقتصـ ـ ــادي كما يأتي :القانون االقتصـ ـ ــادي هو صـ ـ ــالت السـ ـ ــبب ّ
والنتيجة المتكررة والثابتة والضـ ـ ـ ـ ـ ــرورية بين الظواهر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية في عملية إنتاج الخيرات المادية
53
والخدمات وتوزيعها وتبادلها في مرحلة أو أكثر من مراحل تطور المجتمع البشـري).
ويضـ ـ ـ ــيف بوبوف (إن الكشـ ـ ـ ــف عن القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية الموضـ ـ ـ ــوعية يشـ ـ ـ ــكل موضـ ـ ـ ــوع علم
االقتص ـ ــاد .وباالس ـ ــترش ـ ــاد بهذه القوانين يمكن تجنب القيام بأعمال أو اتخاذ ق اررات اعتباطية وإرادية
خاطئة).
تنشاا القوانين االقتصاادية نتيجة أورااع اقتصاادية معينة ،وتفقد القوانين قوتها بزوال األوضـاع
التي أنتجتها( .وعندما يدرن الناس القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ادية يس ـ ـ ـ ــتطيعون اس ـ ـ ـ ــتخدامها لتغيير العالقات
اإلنتاجية القائمة .وبنتيجة النشـ ـ ــاط اإلنتاجي واالجتماعي والسـ ـ ــياسـ ـ ــي الفعال للناس ،تنشـ ـ ــأ عالقات
إنتاجية جديدة مع القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية المميزة لها .فالقوانين االقتصـ ـ ـ ــادية ليسـ ـ ـ ــت أبدية وثابتة ،بل
50
-انظر :ليونتيف ،موجز االقتصاد السياسي ،دار التقدم موسكو 1975ص 16و.17
51
-أوسكار النكه ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص -.107انظر أيضاً د .محمد سعيد نابلسي ،االقتصاد السياسي ،جامعة دمشق،
المطبعة الجديدة ،دمشق ،1985ص36-34
52
-انظر ،د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،كلية االقتصاد والتجارة ،جامعة حلب ،1979ص .47
53
-يوري بوبوف ،دراسات في االقتصاد السياسي ،اإلمبريالية والبلدان النامية ،دار التقدم ،موسكو ،1984ص.62
48
ترتدي ،خالفاً لقوانين الطبيعة ،طابعاً تاريخياً عاب اًر ش ـ ـ ـ ــأنها ش ـ ـ ـ ــأن العالقات اإلنتاجية التي يس ـ ـ ـ ــري
54
مفعول هذه القوانين على أساسها).
تظهر القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ـي ة ،ويكون لهـا تـأثيرهـا في النشااااااااااا اإلنسااااااااااني المتعلق بااإلنتااج
واالسااااتهالال ،في كل تش ـ ــكيلة اجتماعية اقتص ـ ــادية .ففي المجتمع ال أرس ـ ــمالي ،على س ـ ــبيل المثال،
يسري موضوعياً مفعول عدد من القوانين منها:
-المزاحمة وفوضى اإلنتاج ،وتحقيق الربح،
-تراكم رأس المال ،والقيمة الزائدة،
-تردي وضع الطبقة العاملة والكادحين،
-ظهور األزمات االقتصادية ،والبطالة والتضخم ...الخ.
ويمكن من خالل تدخل الدولة البرجوازية التخفيف من أثر هذه القوانين في الحياة االقتص ـ ــادية.
ولكن ال يمكن إلغاء سريان مفعول هذه القوانين أو إبطالها نهائياً في النظام الرأسمالي.
تعد أبدية ويســري مفعولها في كل نظام اقتصــادي-اجتماعي.يؤكد أوســكار النكه ،وجود قوانين ّ
وهي القوانين المتعلقااة بعمليااة اإلنتاااج وتجاادد اإلنتاااج .إنهــا القوانين التي تنظم العمــل والتعــاون،
ودور العمل المباش ـ ــر "الملموس" والعمل غير المباش ـ ــر "المتجساااد" في وس ـ ــائل اإلنتاج ،في عملية
اإلنتاج .كما أن هنان قوانين تجديد اإلنتاج المتعلقة بنحالل واس ـ ـ ـ ــتبدال وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج ،في عملية
اإلنتاج التي تس ــتهلك في عملية اإلنتاج ،والقوانين التي تحكم توزيع المنتج بين االس ــتهالن والتراكم،
وقوانين التوازن في عملية تجديد اإلنتاج في مختلف فروع النشـ ـ ـ ــاط االقتصـ ـ ـ ــادي .وتنطبق مثل هذه
القوانين جميعاً على أي أس ــلوب من أس ــاليب اإلنتاج ،س ـواء أكان اش ــتراكياً ،أم أرس ــمالياً ،أم إقطاعياً
أو أي أسلوب إنتاج آخر.
وتوض ـ ـ ــح هذه القوانين على س ـ ـ ــبيل المثال ،أنه لن يكون هنان تراكم في حال اس ـ ـ ــتهالن المنتج
الصـ ـ ـ ـ ـ ــافي بكامله .ولن تتكرر عملية اإلنتاج في حال عدم االسـ ـ ـ ـ ـ ــتبدال بوسـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج التي يتم
اسـ ـ ــتهالكها وأنه إذا أراد المسـ ـ ــتثمر أن ينتج كمية محددة من السـ ـ ــكر فننه يحتاج إلى كميات محددة
55
من قصب السكر أو من الشوندر السكري.
- 1خصائص القوانين االقتصادية:
للقوانين االقتصادية التي يناقشها علم االقتصاد ويحاول اكتشافها خصائص مهمة ن كر منها:
الخاصااااة األولى :وتتركز في طابع عمل القوانين االقتصااااادية ،من خالل الطابع الموضـ ـ ــوعي
لهذه القوانين ودور اإلنسان في صنعها وتكييفها ،ودور الوعي في اكتشافها واستخدامها.
54
-إيلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.77-70
55
-انظـر :أوسكار النجه ومجموعة من االختصاصيين البولونيين ،مسائل االقتصاد السياسي لالشتراكية ،ترجمة أحمد فؤاد بلبع ،دار
الحقيقة ،بيروت ،1972ص.9 -8
49
آ -الطابع المورااوعي للقوانين االقتصااادية :للقوانين االقتص ــادية ص ــفة موض ــوعية تتركز في
طابع عملها .فالناس ليسـ ـ ـ ـوا أح ار اًر في اختيار عالقاتهم االقتص ـ ـ ــادية ،بل هم عاجزون بنرادتهم عن
وض ـ ــع القوانين االقتص ـ ــادية وإلغائها ،ألن طابع هذه العالقات والقوانين يتوقف قبل كل ش ـ ــيء على
طابع قوى اإلنتاج.
والقوانين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية ال يمكن أن تتحقق إال من خالل نشـ ـ ـ ـ ـ ــاط الناس االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي ،وتكمن
موض ـ ــوعيتها في أن نش ـ ــاط الناس االقتص ـ ــادي ال يحدد عمل هذه القوانين بل على العكس القوانين
هي التي تحدد طابع عمل الناس ونشاطهم االقتصادي.
ب -دور اإلنساااااان والقوانين االقتصاااااادية :إن موض ـ ـ ــوعية القوانين االقتص ـ ـ ــادية ال تعني أن
التعرف إلى طبيعــة
المجتمع يقف أعزل أمــام قوانين تطوره ،وإنمــا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع ،من خالل إدراكهــا و ّ
عملها ومتطلباتها ،أن يبادر إلى حصاار آثارها واسااتخدامها لمصاالحته ،أو توجيه عملها وإخض ــاعه
لتنظيم واع وأهـ ــداف محـ ــددة .ويتوقف دور المجتمع السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلبي أو اإليجـ ــابي على طبيعـ ــة النظـ ــام
االجتماعي القائم.
إن إدران اإلنســان لضــرورة التطور يحرره من الســلبية واالنتظار ويزيده قوة في الســعي من أجل
تحقيق أهدافه .فالقانون االقتصاادي يحدد الخ العام للتطور ،أما الشـكل الملموس الذي يتخذه هذا
التطور فيتوقف إلى حد كبير على دور الناس ونشاااطهم الواعي والهادو .فالض ــرورة ،أي القانون
تترن للناس حرية معينة في االختيار ،حرية في االتجاه العام.
ج – دور الوعي في اكتشاااااو القوانين االقتصااااادية واسااااتخدامها :يتوقف مسـ ـ ــتوى االنعكاس
الص ـ ـ ــحيح للقوانين االقتص ـ ـ ــادية الموض ـ ـ ــوعية على وعي الناس وإدراكهم ،وهذا يتوقف على عاملين
رئيسين:
-درجة تطور العالقات االقتصااادية المورااوعية التي تعبر عنها القوانين االقتص ــادية ،ودرجة
وضوح جوهر هذه العالقات.
-درجة تعمق الفكر اإلنساني في فهم جوهر الظواهر ووعيه لها وإدراكها.
فنذا لم يس ــتطع الناس في المجتمع إدران القوانين بش ــكل ص ــحيح وكامل ،ولم يس ــتطيعوا التوفيق
بين متطلباتها ونشاطهم العلمي فنن هذه القوانين تبقى ،تعمل وتشق طريقها بصورة عفوية.
د -الصلة المباشرة بين السبب والنتيجة :بسبب من الطابع المتميز لعمل القوانين االقتصادية
تختلف العالقة بين السـ ـ ـ ـ ــبب والنتيجة في المجتمع عن غيرها في الطبيعة .في الطبيعة توجد عالقة
مبـاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة :القاانون -عمال قوى الطبيعاة .أمـا في الحيـاة االجتمـاعيـة فـنن هـذه العالقـة أكثر تعقيـداً،
وتظهر من خالل المصالح االقتصادية.
50
الخاصاااة الثانية للقوانين االقتصاااادية :وتتعلق بمساااتوى ودرجة تحقيق القوانين االقتصاااادية،
ونميز في هذا المجال بين نوعين من القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية :القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ادية المطلقة والقوانين
النزوعية:
فالقوانين المطلقة هي التي تتحقق باس ـ ــتمرار بض ـ ــرورة ص ـ ــارمة ،والتي ال تس ـ ــتطيع أي عوامل
مضــادة ،ما دام األســاس الموضــوعي لتحقق هذه القوانين قائماً ،أن تلغي أو تؤجل عملها ،ولو لمدة
قصـ ـ ـ ــيرة .أما القوانين النزوعية فهي القوانين التي ،رغم أنها خاصـ ـ ـ ــة بأسـ ـ ـ ــلوب إنتاج محدد ولكن،
وبفعل مقاومة قوانين أخرى ،يتعرض عملها للخرق المســتمر ،وتنخفض درجة تحققها إلى حد كبير.
ويظهر عمل هذه القوانين ال بصورة دائمة ،وإنما في شروط محددة ،وخالل مدة معينة فقط.
الخاصااة الثالثة للقوانين االقتصااادية هي أن القوانين االقتصااادية ات طابع تاريخي انتقالي:
تبدو هذه الخاصـ ــة من خالل مقولة :أن القوانين االقتصـ ــادية ات طابع تاريخي انتقالي ،ذلك ألنها
ظهرت مع ظهور المجتمع البشري وتستمر مع تطوره بينما قوانين الطبيعة تكون أزلية وخالدة.
- 2أنواع القوانين االقتصادية :يمكننا التمييز بين ثالثة أنواع للقوانين االقتصادية وهي:
آ -القوانين االقتصااااااادية العامة ( :)The General Economic Lowsوهي القوانين التي
تعمل في جميع مراحل التطور االجتماعي في جميع أسااليب اإلنتاج ،وفي التشــكيالت االقتصــادية
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ االجتماعية كافة ،والتي تعبر عن العالقات المتبادلة بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج ،كقانون
تجديد اإلنتاج ،وقانون ارتفاع إنتاجية العم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل وغيرها .وبحكم عمل هذه القوانين يتم االنتقال من
عالقات إنتاج متخلفة إلى عالقات إنتاج أكثر تقدماً ومن تشـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ــادية إلى تشـ ــكيلة
أخرى.
ب -القوانين االقتصااااادية الخاصااااة (النوعية)( :)The Specific Economic Lawsوهي
القوانين التي تقررها عالقات اإلنتاج ،وعالقات التوزيع التي توافقها .بحيث ينحصاااار فعل ه ا النوع
من القوانين في نظاام اجتمااعي واحاد ،أو حتى في مرحلــة من م ارحــل تطور هــذا النظــام .أي أن
القوانين االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية النوعية لنظام اجتماعي معين تتمثل في قوانين الس ـ ـ ـ ـ ــلون اإلنس ـ ـ ـ ـ ــاني وقوانين
التفاعل بين األعمال البش ـ ـ ـرية التي تنجم حص ـ ـ ـ اًر عن العالقات االقتصـ ـ ــادية التي تشـ ـ ــكل األسـ ـ ــاس
االقتصـ ـ ــادي للنظام .وتلعب ملكية وسـ ـ ــائل اإلنتاج الدور الحاسـ ـ ــم ،بحيث إن جميع عالقات اإلنتاج
المكونة لألساس االقتصادي للنظام االجتماعي موضوع البحث تتكيف معها.
يتبع تطور قوى اإلنت ــاج االجتم ــاعي ــة تطور في عالق ــات اإلنت ــاج ،وتتغير تبع ـاً ل ــذل ــك القوانين
االقتص ــادية ،فيحل بعض ــها محل اآلخر .فلكل تش ــكيلة اجتماعية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اقتص ــادية قوانين خاص ــة بها
كقانون القيمة المض ـ ــافة في ال أرس ـ ــمالية ،وقانون التطور المخطط في االش ـ ــتراكية .وداخل التش ـ ــكيلة
نفسها هنالك قوانين خاصة بكل مرحلة من مراحل تطور هذه التشكيلة.
51
(وللقوانين الخاصة بنظام اجتماعي ـ ـ ـ اقتصادي معين أهمية فائقة بين القوانين االقتصادية التي
تحكم هــذا النظــام .ألنهــا تعبر عمــا يميز ذلــك النظــام عن نظم اجتمــاعيــة أخرى ،إذ إنهــا تعبر عن
56
الخواص النوعية لذلك النظام ،ولحقبته التاريخية .كما تحدد طبيعة النظام االجتماعي وتطوره).
ج – القوانين االقتصاااااااااادياة المشاااااااااتركاة ( :)Common Economic Lawsوهي القوانين
االقتصــادية التي ال تعمل في جميع أسااليب اإلنتاج وننما في عدد منها فق ،كقانون القيمة ،الذي
يعمل في كل إنتاج بض ـ ـ ــاعي عبر التش ـ ـ ــكيالت العبودية واإلقطاعية وال أرس ـ ـ ــمالية واالش ـ ـ ــتراكية ،مع
اختالف في طابع عمل هذا القانون في كل تشـ ـ ــكيلة ،وداخل كل تشـ ـ ــكيلة حسـ ـ ــب المراحل المختلفة
لتطورها.
توجد لكل نظام اجتماعي مجموعة من القوانين االقتصــادية تختلف هذه القوانين في أهميتها من
نظام آلخر .إذ إن هذه القوانين ما هي إال نتاج للعالقات االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية بين الناس ،وتتغير القوانين
بتغير هذه العالقات.
والقوانين االقتص ـ ـ ـ ــادية المش ـ ـ ـ ــتركة بين النظم االقتص ـ ـ ـ ــادية االجتماعية المختلفة ،تقررها أيض ـ ـ ـ ـاً
عالقــات اإلنتــاج ،ولكن تلــك العالقــات التي تميز أكثر من نظــام اجتمــاعي واحــد .حيــث تعبر هــذه
القوانين عن ظواهر مشـتركة بين األسـس االقتصـادية ألكثر من نظام اقتصـادي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اجتماعي واحد.
وتكون هذه القوانين نافذة المفعول في جميع النظم التي تملك قاعدة اقتصادية متماثلة أو متشابهة.
وخير مثـال على هـذا النوع من القوانين ،كمـا يـذكر مـاركس ،هو قاانون القيماة الـذي تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمر
فاعليته منذ آالف الس ـ ـ ـ ـ ـ ــنين( .ظهر تبادل الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلع خالل مدة ما قبل التاريخ المدون .فقد ظهر في
مصــر قبل الميالد بنحو ألفين وخمســمائة ســنة وربما خمســة آالف ســنة ،وكذلك في بابل نحو أربعة
آالف س ـ ـ ــنة وربما س ـ ـ ــتة آالف س ـ ـ ــنة قبل الميالد .وبهذا نجد أن قانون القيمة قد سااااااد واساااااتمرت
57
ويتطابق المدى فاعليته لفترة من الزمن تمتد من خمساااة آالو سااانة إلى سااابعة آالو سااانة).
التاريخي لعالقات اإلنتاج والتوزيع المرتبط بها.
د -القوانين االقتصاااااااادية الناتجة عن تاثير البنية الفوقية :يظهر هذا النوع من القوانين بفعل
تأثير البنية الفوقية في العالقات االقتصااااادية للنظام االجتماعي .وتتغير هذه القوانين مع التغيرات
التي تط أر على تــأثير البنيــة الفوقيــة في مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار التطور للنظــام االجتمــاعي .أي أن هــذا النوع من
القوانين ال يوجاد في كال م ارحال التطور لنظاام معين .فهنــان ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن النظــام ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــالي قوانين
اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة تتعلق مثالً بـالتجـارة الحرة ،وفي مرحلـة أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة أخرى هنـان قوانين تتعلق بـالحمـايـة
58
الجمركية .أو قوانين المنافسة في مرحلة وقوانين االحتكار في مرحلة ثانية.
56
-أوسكار النكه ،المصدر السابق ،ص.127
57
-المصدر السابق ص.97
58
-انظر ،االقتصاد السياسي للرأسمالية ،مجموعة مؤلفين ،دار التقدم موسكو ،1976ص .14
52
- 3القانون االقتصادي األساسي:
تجدر اإلشـ ــارة إلى أن القوانين االقتصـ ــادية ال تقوم بفعلها الموضـ ــوعي بصـ ــورة مسـ ــتقلة ومنعزلة
بعض ـ ـ ـ ــها عن بعض ـ ـ ـ ــها اآلخر .إنما تش ـ ـ ـ ــكل فيما بينها منظومة متكاملة ومت ارص ـ ـ ـ ــة ،يكون القانون
االقتصاااادي األسااااساااي المحور المركزي فيها .إن فعل القوانين االقتصـ ــادية للنظام ال أرسـ ــمالي مثالً
يخض ـ ـ ـ ــع لفعل القانون األس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــي لهذا النظام وهو قانون الربح ال أرس ـ ـ ـ ــمالي .كما أن فعل القوانين
االقتص ــادية للنظام االش ــتراكي يخض ــع لفعل القانون األس ــاس ــي لهذا النظام وهو تلبية حاجات األفراد
59
المتزايدة.
إن العالقة اإلنتاجية األســاســية في أي نظام اجتماعي هي العالقة التي تعبر عن طريقة وطابع
الربط بين قوة العمل ووس ـ ــائل اإلنتاج .وهذه العالقة ،أو القانون االقتص ـ ــادي األس ـ ــاس ـ ــي في النظام
الرأساامالي هو قانون الربح ،الذي يحكم ويحدد عمل جميع القوانين األخرى ،ويعد محرن نش ــوء هذا
النظام وتطوره وســقوطه .فالقانون االقتصاادي األسااساي هو القانون ال ي يعكس العالقة الرئيساة
في منظومااة عالقااات اإلنتاااج ،وهو القوة المحرك ــة المح ــددة لنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوء النظ ــام االجتم ــاعي وتطوره
ومصيره.
ويحدد القانون االقتصـ ـ ــادي األسـ ـ ــاسـ ـ ــي للنظام االجتماعي المعني ،الهدو ال ي تسااااعى القوى
المنتجة لتحقيقه ،كما يحدد وس ـ ـ ـ ـ ــائل تحقيق هذه الهدف ،وهو يقرر أيضـ ـ ـ ـ ـ ـاً التفاعل بين النش ـ ـ ـ ـ ــاط
البش ــري وما يطابقه من القوانين االقتص ــادية الناتجة عن طابع ملكية وس ــائل اإلنتاج .ويؤثر القانون
االقتصــادي األســاســي ألي نظام اجتماعي في القوانين االقتصــادية األخرى التي تعبر عن الخواص
المشتركة لعالقات اإلنتاج في أكثر من نظام اجتماعي واحد ،وفي شكل قوانين اإلنتاج.
ويؤكد االقتصـ ـ ــادي البولوني أوسـ ـ ــكار النكه أنه " ليس للقوانين االقتصـ ـ ــادية قيمة كلية شـ ـ ــمولية
تغطي جميع م ارح ــل التطور االجتم ــاعي ،ب ــل هي قوانين تاااريخيااة تتب ــادل ه ــذه الم ارح ــل المح ــددة
"وهكذا فهنان " علم االقتصــاد للجماعة البدائية ،...وعلم االقتصــاد لإلقطاعية ،واالقتصــاد الســياســي
لل أرسـمالية ،واالقتصـاد السـياسـي لالشـتراكية .وإن كالً من هذه االقتصـادات السـياسـية " يعالج القوانين
االقتصــادية للتشــكيلة االقتصــادية االجتماعية الخاص بها ويعالج طريقة عمل هذه التشــكيلة وقوانين
حركتها االقتصـادية ،ويقدم لنا بهذه الطريقة شـرحاً لعملية ظهور وتطور وزوال كل تشـكيلة اقتصـادية
60
اجتماعية محددة ".
59
-د .محمد سعيد نابلسي ،االقتصاد السياسي ،المصدر السابق ص.36
60
-لويد .ج .رينولدز ،عوالم االقتصاد الثالثة ،ترجمة نايف حسين العطواني مراجعة عيسى عصفور ،و ازرة الثقافة ،دمشق ،1982ص
.34
53
إن التناسـ ـ ــب بين موضـ ـ ــوعية علم االقتصـ ـ ــاد والقوانين االقتصـ ـ ــادية والنشـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ــاني الواعي
والهادف ينعكس في عاملين أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــيين :األول -العامل ال اتي .والثاني -الظروف الموضـ ـ ـ ــوعية
(العامل الموضوعي).
أمـا بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للعاامال الا اتي ،فهو يتكون من المعرفـة العمليـة للظواهر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة والقوانين
االقتصادية ومختلف األشكال الواعية لتاثير الناس في األوراع االقتصادية االجتماعية للحياة.
أما الظروو المورااااوعية فهي الظروو االجتماعية والطبيعة .والظروف الموضـ ـ ــوعية للتطور
االجتمـاعي هي بـالـدرجـة األولى الظروف المـاديـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة ،وهـذا يعني مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور القوى
المنتجة ونوع عالقات اإلنتاج ،إضـ ـ ــافة إلى البنية االجتماعية والعالقات السـ ـ ــياسـ ـ ــية ومسـ ـ ــتوى ثقافة
المجتمع ...إلخ.
54
القوانين االقتصادية
الخعاصععععععة ال عانيعة:
ج – ال وانين اال تصا ية المشترية. وتعتعععلع بعمسعععععتعو
و رجعععة تععحعع ععيعع
ال وانين اال تصا ية.
55
الفصل الثالث
قوى اإلنتاج االجتماعية
كانت المهمة التي قام بها مؤس ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــا االشـ ـ ـ ـ ـ ــتراكية العلمية ،كارل ماركس ( )1918 - 1883
وفريدريك انجلس ( ،)1859-1820هي بناه نظرية علمية عن التطور االجتماعي للحياة البشرية.
حيث اعتب ار أن نشـ ــاط اإلنسـ ــان المادي ،أي إنتاج الخيرات ( السـ ــلع والخدمات) ،يشـ ــكل أسـ ــاس كل
نشـ ـ ــاط آخر .وقد أشـ ـ ــار ماركس إلى ذلك في البحث الذي نش ـ ـ ـره حول تطور المجتمع وتحدث عنه
انجلس وفقاً لما يلي:
أي إن النشااااا المادي ،اإلنتاجي هو الذي يحدد كل نشـ ــاط آخر يقوم به الناس .حيث يتم من
خالل ذلك تلبية حاجات اإلنساااان األسااااساااية الثال ،الغ اه ،والكسااااه والماوى .وتحدد العالقات
المادية التي تتشكل في سياق اإلنتاج أنواعاً أخرى من العالقات االجتماعية بين الناس.
لقـد حـدد مـاركس وانجلس مفهوم التشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكيلـة االجتمـاعيـة على أنهـا( :مجتمع متواجاد في درجاة
معينااة من التطور االجتماااعي) .ويحــدد أسااااااااالوب اإلنتاااج المتبع في مجتمع مــا ،درجــة التطور،
ونوعية التش ـ ـ ـ ــكيلة االجتماعية االقتص ـ ـ ـ ــادية .ويتكون أس ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج من العالقة الجدلية بين قوى
اإلنتاج االجتماعية وعالقات اإلنتاج( .ونظام عالقات اإلنتاج المعينة التي تشاااااااكل البناه التحتي
االقتصادي للتشكيلة االجتماعية االقتصادية يطابقه بناه فوقي سياسي وحقوقي ونيديولوجي .وبنية
التشـ ــكيلة االجتماعية االقتصـ ــادية ال تشـ ــمل العالقات االقتصـ ــادية وحسـ ــب ،بل تشـ ــمل أيضـ ـاً جميع
العالقات االجتماعية ،القائمة في المجتمع المعني ،وكذلك أشـ ـ ـ ـ ــكاالً معينة للمعيشـ ـ ـ ـ ــة والعائلة ونمط
61
الحياة).
حددت النظرية الماركس ــية خمس مراحل أس ــاس ــية في تاريخ تطور البشـ ـرية االقتص ــادي ،تش ــكل
درجات من التطور التاريخي للبشرية ،وهي التشكيالت االجتماعية ـ االقتصادية اآلتية:
)1النظام البدائي المشاعي،
)2النظام العبودي،
)3النظام اإلقطاعي،
)4النظام الرأسمالي،
)5النظام الشيوعي (االشتراكية ،الشيوعية).
" إن تعاقب التش ـ ـ ــكيالت االجتماعية االقتص ـ ـ ــادية بتتابع يفس ـ ـ ــر ،في المقام األول ،التناقضااااات
التناحرية بين القوى المنتجة الجديدة وعالقات اإلنتاج الشـ ـ ـ ــائخة ،التي تتحول في درجة معينة إلى
61
-كلمنيتيف ،فاسيلييفا ،ما هي االشتراكية ،دار التقدم موسكو 1987ص.23
56
قيود للقوى المنتجــة .إن النزاع بين القوى المنتجــة الجــديــدة وعالقــات اإلنتــاج يحــل عن طريق الثورة
االجتماعية .إن أس ــلوب اإلنتاج هو العامل المحدد للتطور التاريخي ،أما القوة المحركة لهذا التطور
62
فهي الطبقات والنضال الطبقي "
وألجـ ـ ــل فهم التطور االقتصادي التاريخي للمجتمع البشري ،من الضروري قبل كل شيء اعتماد
العامل الحاس ــم أال وهو تطور إنتاج الخيرات المادية ،من خالل تطور أدوات العمل المس ــتخدمة في
عملية اإلنتاج وعالقات اإلنتاج وتطور قوى اإلنتاج االجتماعية.
اإلنتاج هو عملية تقانية -اقتصاااادية ،أزلية ومساااتمرة ،وك لك عملية التوزيع (توزيع خيرات
ونتائج العملية اإلنتاجية) ،بهدف تلبية الحاجات اإلنسـ ـ ــانية وإشـ ـ ــباعها .وتتكون العملية االقتصـ ـ ــادية
من اإلنتاج واالساتهالال بافت ارضــهما الشــكلين األســاســيين لنشــاط اإلنســان .والســبب في قيام اإلنســان
بعملية اإلنتاج هو أن الطبيعة ال تلبي له حاجاته بص ـ ـ ـ ـ ـ ــورة مباش ـ ـ ـ ـ ـ ـرة ،لذلك يتطلب تكييف الثروات
الطبيعية جهوداً معينة لتتحول إلى سـ ـ ـ ـ ــلع وخيرات تلبي حاجات اإلنسـ ـ ـ ـ ــان .والتوزيع واالساااااااتهالال
ناجمان عن ض ـ ــرورة تقس ـ ــيم نتائج عملية اإلنتاج بين أعض ـ ــاء المجتمع ،حيث ال يس ـ ــهم جميع أفراد
المجتمع في اإلنتــاج االجتمــاعي .وال تكتمــل عمليــة إنتــاج الخيرات المــاديــة والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع إال بااجتمااع
عناصر اإلنتاج الرئيسة الثالثة ،مواريع العمل ،أدوات العمل والعمل.
المبحث األول -القوى المنتجة:
يعتم ــد العم ــل اإلنت ــاجي الــذي يقوم بــه اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان على التاااثير الواعي والهااادو في الثروات
الطبيعية ،من خالل اس ـ ــتخدام وس ـ ــائل العمل المناس ـ ــبة .والمقص ـ ــود بالثروات الطبيعية ،على س ـ ــبيل
المثال :األ ارض ـ ـ ـ ــي ،الس ـ ـ ـ ــمك في النهر ،المناجم ...الخ .ومن هذه الثروات التي تم إنتاجها بش ـ ـ ـ ــكل
أولي ،الحبوب ،والفوالذ واألقمشة.
-مواراااااااايع العمل :وهي الثروات الطبيعية أو المواد األولية الموجودة في الطبيعة بأش ـ ـ ـ ـ ـ ــكال
مختلفة ،ويؤثر فيها عمل اإلنسان لتحويلها إلى سلع تستخدم في تلبية احتياجاته ،كالمواد األولية.
-أدوات العمل :وهي األشـياء التي يساتخدمها اإلنساان للتاثير في موارايع العمل أثناء عملية
إنتاج الخيرات المادية ،كالفأس والمنشار واآللة.
-قوة العمل( :البشـ ـ ـ ـ ـ ــر المنتجون) وهي العنصاااااااار الخالق في عملية إنتاج الخيرات المادية،
وتتمثل في مقدرة اإلنسـ ــان على العمل ،بما يحمله من قوى جسـ ــدية وفكرية ومعارف ومهارات ،التي
بوساطتها يقوم بننتاج الخيرات المادية.
وهكذا تمثل القوى المنتجة في المجتمع وحدة ما ص ـ ـ ـ ـ ــنعه المجتمع من وس ـ ـ ـ ـ ــائل إنتاج وقبل كل
شـيء أدوات العمل والناس الذين يسـتخدمونها ويقومون بننتاج الخيرات المادية .يمثل المنتجون القوة
62
-المصدر السابق ص.24
57
المنتجة الرئيس ــة الحاس ــمة في عملية اإلنتاج ،وتبقى وس ــائل اإلنتاج بدون قوة العمل "اإلنس ــان" ميتة
ال حياة فيها.
- 1العمل : Labor
العمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل هو فعل ونشااا ،إضــافة إلى كونه عالقة مزدوجة ،بين اإلنساان والطبيعة من جهة،
وبين اإلنسااان واإلنسااان ،من جهة ثانية( ،عالقة العامل بال أرســمالي ،أو عالقة العمال فيما بينهم).
ويمكن توضيح هذه العالقة المزدوجة كما يلي:
الطبيعاة اإلنساان
اإلنسـان
إلنساان
الطبيعاة
اإلنساان اإلنساان
فالعمل عالقة دائمة وعملية مس ـ ــتمرة بين اإلنس ـ ــان والطبيعة ،إنه عملية يقوم اإلنس ـ ــان فيها عن
طريق نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـه الخـاص "العمـل" ،بتطوير التفـاعـل المـادي بينـه وبين الطبيعـة ،وتنظيم هـذا التفـاعـل
والهيمنة على الطبيعة .واإلنس ــان يواجه الطبيعة كونه قوة من قواها الرئيس ــة ...( .وعن طريق تأثير
اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان في العالم المحيط به وتغييره للطبيعة ،يقوم اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان في الوقت نفسـ ـ ـ ـ ـ ــه بتغيير طبيعته
63
الخاصـ ــة .فهو يطور القوى الكامنة في داخله ،وتخضـ ــع هذه القوى الداخلية لسـ ـ يطرته الخاصـ ــة).
وبذلك نالحظ أن اإلنسان يتحول ويتطور من خالل التفاعل الدائم بينه وبين الطبيعة.
ويمكننا التمييز بين نوعين من العمل:
العمل العضااااالي -ويتم من خالل االتص ـ ـ ــال المباش ـ ـ ــر بين العامل وموض ـ ـ ــوع العمل المطلوب
تحويله و تكييفه أثناء عملية اإلنتاج.
والعماال الفكري -الــذي يتنــاول عموم ـاً المفــاهيم و "اإلبــداع" والتوقع واالختيــار .ويــأخــذ العمــل
64
االجتماعي أحد هذين الوجهين.
وتعد قوة العمل التي يبذلها العامل العادي ير الحائز أية مهارة " العمل البساي " ،أما "العمل ّ
المركااب" فهو قوة العم ــل المؤهلااة والح ــائزة مه ــارات مح ــددة .و" العماال الملموس " هو قوة العم ــل
63
K. Marks, Kapital, tom I S. 188. -
-انظر الموسوعة االقتصادية ،مجموعة من االقتصاديين ،تعريب ،دار ابن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،1980ص-341 64
.346
58
المبذولة حالياً ،ألنه يحول فعالً وحالياً موضـ ـ ــوع العمل إلى قيمة اسـ ـ ــتعماليه ،إنه العمل أثناه الفعل
ال ي يقوم به العامل بما يبذله من قوة جسـ ـ ــمانية وعصـ ـ ــبية معينة .ويسـ ـ ــمى العمل المارااااي ال ي
انتقل إلى السااالع التي لها خاصـ ــية إشـ ــباع الحاجات اإلنسـ ــانية المحددة ،أي العمل الذي يتبلور في
الس ـ ـ ـ ــلع " ،العمل الماض ـ ـ ـ ــي " أو "العمل الميت " .العمل المجرد " هو قوة العمل التي يبذلها العامل
بش ــكل عام بغض النظر عن ش ــكلها الحقيقي الملموس .وفي حين يتالزم العمل الحي مع قوة العمل
أثناء عملية اإلنتاج ،يتالءم العمل الماضي مع المنتوج الذي هو مخزن حقيقي لهذا العمل.
ويعد العمل شاارطاً طبيعياً وراارورياً السااتمرار الحياة البشاارية .وفي مس ــيرة التاريخ يحل نظام
ّ
اقتص ـ ــادي اجتماعي محل نظام آخر ،إال أن عمل الناس يبقى دائماً الش ـ ــرط الحتمي لبقاء المجتمع
واستم ارره .والعمل هو مؤهل وقدرة يختص بها اإلنسان وحده .ويتميز العمل بميزتين رئيستين:
األولى ـ أنه نشاط هادو وموجه نحو تحقيق هدف موضوع سلفاً.
والثانية ـ هو مرتب بإنتاج السلع والخيرات.
والعمل عبارة عن عملية يترابط الناس بوس ـ ـ ـ ـ ـ ــاطتها فيما بينهم ترابطاً موض ـ ـ ـ ـ ـ ــوعياً في جماعات
يعد العمل األسااس ال ي
محددة تدعى المجتمعات .ويشـكل العمل أسـاس الروابط االجتماعية .لذلك ّ
65
يقوم عليه المجتمع البشري.
ونس ــتطيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع أن ندعو النش ــاط الذي يبذله اإلنس ــان ،ليتم تكييف الموارد الطبيعية وتحويلها إلى
سلع ،نستطيع أن ندعوه بااإلنتاج .أما السلع الناجمة عن هذا النشاط فتدعى بـ المنتوجات .واإلنتاج
كما أسـلفنا (عبارة عن النشـاط اإلنسـاني الذي يكيف الموارد الطبيعية حسـب الحاجات البشـرية .وهو
66
نشاط واع وهادف ،وهذا الوعي والهدف هما اللذان يميزان اإلنسان من الحيوان).
والمقصـ ـ ـ ــود بالنشـ ـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ـ ــاني هو العمل ،حيث يؤثر عن طريق مزاولة اإلنسـ ـ ـ ــان للعمل في
الطبيعة ويحولها حس ــب حاجته ( .ويرى ابن خلدون أن كل رزق إنما يكون نتيجة للسااعي والعمل،
وأنه ال بد من األعمال اإلنس ـ ـ ـ ــانية في كل مكسااااااوب ومتمول .ولهذا ،يؤدي قلة األعمال أو فقدانها
67
الناتجة عن انتقاص العمران ـ ـ ـ إلى رفع الكسب من بين الناس وتناقص أرزاقهم تناقصاً مطرداً).
ويؤكد ابن خلـدون أن كل المنتجاات ما هي إال نتيجاة للعمال .أي إنه ال بد من العمـل في كل منتوج
"رزق" ،ولكن قد يكون العمل ظاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ اًر في بعض المنتجات وغير ظاهر في بعضها اآلخر .فالعمل
إ ن ،في نظر ابن خلدون ،هو مصدر القيمة 68 .وبذلك يميز ابن خلدون بين نوعين من العمل:
-ليونتيف ،موجز االقتصاد السياسي ،دار التقدم ،موسكو ،1975ص .8وتجدر اإلشارة هنا إلى نظرية ابن خلدون في أن ضرورة 65
اجتماع الناس هي ضرورة اقتصادية للتعاون فيما بينهم إلنتاج السلع التي يلبون بوساطتها احتياجاتهم.
66
L. Krzywichi’ Rozwoj Spoleczny ws'ro'd zwierzat i urodzaju Ludskiego warszuwa 1955. 193 -200 -انظر:
67
-تيسير شيخ األرض ،ابن خلدون ،دار األنوار ،بيروت ،1966ص.126
68
-دكتور محمد حامد دويدار ،االقتصاد السياسي ،الدار الجامعية ،بيروت ،1988ص .83
59
◼ العمال الظااهر للعياان ،وال يحتـاج بيـانـه ألي إثبـات أل فـالعمـل ظااهر للعياان في الصااااااااايوان
والكرسي والقلم أل وال يمكن للكائن أن ينكره بوجه من الوجوه.
◼ العمل المقتنى (من الحيوان أو النبات أو المعدن) ،قد يعتقد بعضهم أن كل هذه المقتنيات
هبة من الطبيعة تجود بها على اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان ،ولكن ابن خلدون يؤكد أنه ال بد من العمل اإلنس ـ ـ ـ ـ ــاني
لالنتفـاع بهـذه المقتنيـات الطبيعيـة ( فـالحليـب ال بـد من حلبـه وجمعـه ونقلـه إلى راغبيـه ،والثمـار ال بـد
من استنباتها وقطفها وتوزيعها ).
يعتمد إنتاج الخيرات والس ـ ـ ـ ــلع االقتص ـ ـ ـ ــادية قبل كل ش ـ ـ ـ ــيء على عمل اإلنس ـ ـ ـ ــان .وب لك يكون
اإلنساااااااان ،العنصااااااار المركزي في عملية تكييل الطبيعة المحيطة به ،وتسـ ـ ـ ـ ــخيرها لخدمته وتلبية
حاجاته .كّلماازدادت معرفة اإلنسان ومهارته ازداد إمكان سيطرته على الطبيعة.
- 2موروعات العمل:
وهي مجموعة األشاااااااااياه المادية التي يقع عليها العمل اإلنسااااااااااني خالل العملية اإلنتاجية،
وغالباً ما تكون قابلة للتغيير والتحول .ويمكن أن تكون هذه الموض ــوعات هبة من الطبيعة مباشـ ـرة
ونس ـ ـ ــميها ثروات طبيعية (نباتية أو حيوانية أو معدنية) ،كما يمكن أن تكون نتاجاً للجهد البش ـ ـ ــري
وتسـ ـ ـ ـ ــمى حينئذ مواد أولية .إن موضـ ـ ـ ـ ــوعات العمل بشـ ـ ـ ـ ــكلها المتواجد في الطبيعة ال تكون جاهزة
ومكيفة لتلبية حاجات اإلنسان ،إنمـ ـ ـ ـ ــا وظيفة اإلنتاج هي تكييف هذه الموضوعات لتحويلها إلى قيم
اســتعمالية ،والجدير بالذكر أن طبيعة موضــوع العمل ال تحدد على أســاس فيزيائي ،بل على أســاس
وظيفي .وبهذا يمكن أن تكون الموارد نفسها إما موضوع عمل أو وسيلة عمل ( الثور لجر المحراث
يشكل وسيلة عمل ،أما إلى الملحمة فهو يشكل موضوع عمل).
كل هذه الموضـ ـ ـ ــوعات المادية ،التي يقع عليها عمل اإلنسـ ـ ـ ــان اإلنتاجي ،تدعى "موضـ ـ ـ ــوعات
العمل" ومن الممكن أن تكون بعل مورااااوعات العمل المسااااتخدمة في إنتاج ساااالعة اقتصااااادية
معينة ،عبارة عن منتج جاهز ،تم صاانعه من قبل منتجين آخرين( .الجلود المسااتخدمة كمورااوع
عمل في صناعة الح اه ،هي منتج جاهز في معامل الدبا ة).
مما تقدم نالحظ أن موضـ ـ ـ ـ ــوعات العمل يمكن أن تكون مواد تقدمها الطبيعة ،أو أشـ ـ ـ ـ ــياء مرت
بعلميات إنتاج ومعالجة أولية .كما يمكن لموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع عمل ما أن يمر بمراحل عديدة من المعالجة،
وبهذا يضـاف إليه العمل البشـري في كل مرحلة إنتاج يمر بها ،ولكنه يبقى موض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع عمل طالما
وقع عليه الجهد اإلنساني لتحويله إلى سلعة ما تستخدم في تلبية الحاجات اإلنسانية.
60
وتعد األرل ،بباطنها ومياهها ،المورااااوع العام للعمل .فالطبيعة كناية عن مسااااتودع هائل ( ّ
تكمن فيه احتياطات ال تنضـ ـ ــب من موضـ ـ ــوعات العمل .ومهمة اإلنسـ ـ ــان هي اقتالع موضـ ـ ــوعات
69
العمل هذه من األرض ،من أعماق البحار والمحيطات).
وتشـ ـ ــكل موضـ ـ ــوعات العمل الجانب السـ ـ ــالب في وسااااائل اإلنتاج ،الجانب المتأثر .وترتبط مع
وس ـ ــائل العمل بعالقة جدلية .كما أن موض ـ ــوعات العمل تتزايد كماً ونوعاً مع تطور القوى المنتجة،
من خالل اتس ـ ـ ــاع دائرة الموض ـ ـ ــوعات الطبيعية ،واتس ـ ـ ــاع أكبر لدائرة المواد األولية .ويمكننا أيض ـ ـ ـاً
تصنيف موضوعات العمل إلى :موروعات عمل خام ،أو موروعات عمل نصل مصنعة.
- 3أدوات العمل:
أثناء قيام اإلنس ــان بالنش ــاط اإلنتاجي ،يسااتخدم األدوات المناساابة ،التي تس ــهل له عملية القيام
بـاألعمـال المطلوبـة .فهو يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتخـدم الجرار ،المح ار ،المطرقاة ،المنجال ،اآلالت ،الطرق المعبادة،
سااااااكك الحديد ،األبنية .وتدعى هذه المجموعة من المواد ،التي تس ـ ـ ـ ــاعد اإلنس ـ ـ ـ ــان لتحويل الطبيعة
وتكييفها لما يناسبه ،باااااااادوات العمل .ويستطيع اإلنسان أن ينتج سلعاً أكثر ،عندما يستخدم أدوات
عمل أفضال .وليس من الصـعب أن نالحظ أن الح ّذاء يسـتخدم أدوات عمل أفضـل ،قادر على إنتاج
70
كميات أكبر من األحذية بالمقارنة مع ح ّذاء آخر من المهارة نفسها ،يستخدم أدوات عمل عادية.
(وتلعب أدوات العمل دو اًر مهماً وخاصااااة في تطوير اإلنتاج المادي .إنها وس ـ ــائل العمل التي
تعد وكأنها اس ـ ــتمرار واس ـ ــتطالة ألعض ـ ــاء اإلنس ـ ــان الطبيعية :ليديه ورجليه ،ودماغه .واجتازت عبر
ّ
التاريخ أدوات العمل طريقاً طويالً من التطور :من الحجر والعصاا لدى اإلنسـان البدائي ،إلى أحدث
وأعقد الماكينات واألجهزة ،إلى اآلالت اإللكترونية الحاس ـ ـ ـ ــبة والموجهة ،التي تس ـ ـ ـ ــتخدم في اإلنتاج،
71
وفي العلم ،وفي اإلدارة).
مما ورد أعاله نسـتطيع تحديد أدوات العمل ،على أنها مجموع األشـياء والوسـائل التي يسـتخدمها
اإلنس ـ ــان حين القيام بالنش ـ ــاط اإلنتاجي للتأثير في موض ـ ــوعات العمل ،وتحويلها إلى خيرات وس ـ ــلع
مادية لتلبي حاجاته.
وتسـ ـ ـ ــتخدم أدوات العمل ،وفقاً ألوسـ ـ ـ ــكار النكه ،في تحضـ ـ ـ ــير مواد العمل ،وهي تشـ ـ ـ ــمل جميع
األشـ ــياء التي تصـ ــنع لغرض إنجاز عمليات معينة كما أنها تشـ ــمل بعض األشـ ــياء ،على الرغم من
عـدم كونهـا في ذاتهـا أدوات ،كـالمبـاني والمخـازن والموانل ،والطرق ،واألرض ،فهي تـدخـل ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن
مجموعة أدوات العمل.
69
-ليونتيف ،موجز االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.90
70
J. Nowicki, Zarys Ekonomia Politycznej Kapitalizmu, P.W.E., Warszwa 1971, S. 10 -
71
-ليونتيف ،موجز االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.10
61
تؤدي أدوات العمال ،في كـل زمـان ومكـان ،دور الوساااااااااي المبـاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر والفعـال بين اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان
وموضـ ـ ـ ــوعات العمل .كما تختلف أدوات العمل فيما بينها .فكل واحدة تختص بعمل حسـ ـ ـ ــي معين،
مما يحدد أشـ ــكالها وخصـ ــائصـ ــها ،وقيمة اسـ ــتعمالها .أي غير قابلة لالسـ ــتبدال بأداة أخرى .وتتعدل
تعد العنصـ ـ ــر األكثر تطو اًر في أسـ ـ ــلوب اإلنتاج
أدوات العمل بصـ ـ ــورة س ـ ـ ـريعة وغير منقطعة .وهي ّ
الذي تسهم في تطويره.
بيد أن أدوات العمل ،هي التي تقوم بدور حاسـ ــم ،بما لها من قدرة خاصـ ــة تسـ ــمح بتغيير المواد
الموجودة في الطبيعة ،ويسـ ــتطيع العمل اإلنسـ ــاني بوسـ ــاطتها خلق قيم اسـ ــتعمالية مختلفة قادرة على
72
إن صــنع أدوات العمل واســتخدامها ،هما الصــفتان اللتان تلبية الحاج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات اإلنســانية المتنوعة.
يتميز بهما اإلنسان.
ومع تطور المجتمع وتقدمه ،تزداد أدوات العمل كماً ونوعاً ،وتصـ ـ ـ ــبح أكثر تخص ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـاً .وهي
فردية في األص ــل لكنها مع تطور أس ــلوب اإلنتاج تص ــبح اجتماعية أكثر فأكثر .إن تطور مسااتوى
أدوات العمل يوراااح مقدار سااايطرة اإلنساااان على الطبيعة .كما أن درجة تطورها تجعلنا نميز بين
حقبة اقتصادية معينة وحقبة أخرى.
تزداد أدوات العمل اتقاناً على الدوام في ساااااااياق العمل ،وهذا يجعل اإلنسـ ـ ـ ـ ــان أقل تبعية لقوى
الطبيعة ،ويثبت س ـ ـ ــيطرته وس ـ ـ ــلطانه عليها .التطور الدائم المتص ـ ـ ــاعد ألدوات العمل هو األس ـ ـ ــاس
والعامل األهم لتطور المجتمع البش ـ ـ ـ ـ ــري .كما أن مس ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور أدوات العمل هو الذي يحدد قدرة
وهي بحـد ذاتهـا تنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ وتتطور من خالل االحتكـان 73
اإلنساااااااااان على التااثير في قوى الطبيعاة.
المباشر بين اإلنسان والطبيعة.
موراااااااوعات العمل موجودة في الطبيعة باشاااااااكال مختلفة ،أما أدوات العمل ووساااااااائله فيتم
صااانعها وتشاااغيلها من قبل اإلنساااان .إن موضـ ــوعات العمل وأدوات العمل تؤلف مجتمعة وساااائل
اإلنتاج .فنذا ما أض ـ ــفنا إليها قوة العمل ،فان العناص ـ ــر الثالثة مجتمعة تمثل القوى المنتجة .وهذه
هي قوى اإلنتاج االجتماعية.
المبحث الثاني -عالقات اإلنتاج:
يعد إنتاج الس ـ ـ ـ ـ ــلع المادية إلش ـ ـ ـ ـ ــباع الحاجات اإلنس ـ ـ ـ ـ ــانية إنتاجاً اجتماعياً دائماً .وتقوم الطبيعة
ّ
االجتماعية لإلنتاج على الطبيعة االجتماعية للعمل .حيث ال يقوم األفراد بإنتاج الساااااااالع والخيرات
بصااااورة منعزلة .إنما يرتبط عمل كل فرد ارتباطاً وثيقاً بنشـ ـ ــاط غيره من العمال ،فالناس يشـ ـ ــتركون
ويعمل بعضهم مع بعض .ويعزو ابن خلدون االجتماع اإلنساني إلى سببين اثنين:
-انظر :الموسوعة االقتصادية ،مجموعة من االقتصاديين ،تعريب ،دار ابن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،1980ص.33 72
73
-عرض اقتصادي تاريخي ،دار التقدم ،موسكو ،ص.20
62
األول -هو الحاجة إلى تامين الغ اه الذي فيه بقاء اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان واس ـ ـ ـ ـ ــتمرار حياته .بيد أن قدرة
اإلنس ــان على تحص ــيل غذائه غير ممكنة في حال قيامه بذلك كفرد منعزل يعتمد على ذاته في كل
شـ ـ ـ ــيء .وتكون له القدرة في تحصـ ـ ـ ــيل الغذاء عندما يكون عض ـ ـ ـ ـواً في جماعة متعاونة في أمورها،
متتزرة في قضـ ـ ــاء حاجاتها( .فال بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسـ ـ ــه ،ليحصـ ـ ــل القوت له
74
ولهم ،فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة ،ألكثر منهم بأضعاف).
والثاني -هو حاجة اإلنساااااااان للدفاع عن نفساااااااه ،فال يساااااااتطيع لك إال بتعاونه مع أبناه
جنسه.
وه ــذا يعني أن اإلنت ــاج ،هو إنت ــاج األفراد االجتم ــاعيين ،في ك ــل مرحل ــة من م ارح ــل التطور
االجتمـاعي وتقوم بـه مجتمعـات وجمـاعـات من النـاس متفـاوتـة الحجم .وأثنااه عملياة اإلنتااج يادخال
النااس في عالقاات متباادلاة محاددة ،وها ا ماا يسااااااااامى بعالقاات اإلنتااج ،أو عالقاات النااس في
اإلنتااج .وتقوم عالقاات اإلنتااج بين النااس في المجتمع على شااااااا اكال نظاام محادد .وفي كـل نظـام
معين من عالقات اإلنتاج تش ـ ـ ــغل عالقات اإلنتاج بين الطبقات الرئيس ـ ـ ــة للمجتمع مكاناً حاس ـ ـ ــماً .
75
على سبيل المثال في مرحلة اإلقطاع (بين الفالحين واإلقطاعيين).
تتكون عالقـات اإلنتـاج في المجتمع حس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب المرحلـة التـاريخيـة من التطور التي تبلغهـا القوى
المنتجــة ،بينمــا تتوقف عالقــات التوزيع في المجتمع على عالقــات اإلنتــاج .وعالقــات اإلنتــاج هي
التي تقرر طريقة إنتاج المنتوجات وش ــكل توزيعها في المجتمع ،من خالل اش ــتران الناس في عملية
اإلنتاج االجتماعية .حيث يتم توزيع حص ــيلة اإلنتاج على ش ــكل أجور .أي إن التوزيع نفس ــه مرتبط
باإلنتاج ،بل ينجم عنه( .ومن هنا ،تصـ ـ ــبح عالقات اإلنتاج األساااااس للعالقات االقتصااااادية كلها.
الفعال من العالم المادي المحدق به عالقاتفأثناء عملية اإلنتاج االجتماعية ،يقرر موقف اإلنسـان ّ
اإلنتـاج ،وهـذه بـدورهـا تقرر عالقـات التوزيع .وهـذا هو مفتـاح إدران القوانين التي تهيمن على العمليـة
االجتماعية للنش ـ ـ ــاط االقتص ـ ـ ــادي البش ـ ـ ــري ،مفتاح إدران القوانين التي يعنى االقتص ـ ـ ــاد الس ـ ـ ــياسـ ـ ــي
76
ببحثها).
المبحث الثالث -أسلوب اإلنتاج:
تؤلل القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج التي تطابقها ،مجتمعة ،أسلوباً لإلنتاج محدداً تاريخياً،
وهذا األس ـ ـ ـ ــلوب هو األساااااااس المادي لحياة المجتمع .ويؤدي أس ـ ـ ـ ــلوب إنتاج الخيرات المادية دو اًر
محــدداً في تطور أي مجتمع ،وكــل درجــة من تطور المجتمع تتميز بــأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب إنتــاجهــا .وإذا كــان
عد تاريخأســلوب إنتاج الخيرات المادية هو األســاس المادي للحياة االجتماعية ،فننه من الضــروري ّ
74
-ابن خلدون ،المقدمة ص.42
75
-ليونتيف ،موجز االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.12
76
-أوسكار النكه ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.73
63
المجتمع أيضـاً تاريخاً لتطور أســاليب اإلنتاج وتعاقبها الحتمي .وعند د ارســة مراحل معينة من تطور
77
المجتمع ،من الضروري دراسة قوانين أسلوب اإلنتاج المطابق لها.
(يوج ــد دائم ـاً فع ــل متب ــادل بين العالقااات االجتماااعيااة وقوى اإلنتاااج .ه ــذه القوى تح ــدد تل ــك
العالقات ،التي تول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بدورها حاجات ووسـ ــائل جديدة من أجل تلبيتها :فقد ولد مسـ ــتوى معين من
القوى اإلنتاجية العالقة االجتماعية للملكيـ ـ ـ ـ ـ ــة الخاصة التي جمعت هي ذاتها من جديد الشروط من
78
أجل تقدم جديد لوسائل اإلنتاج).
ويقيم الناس فيما بينهم أثناء اإلنتاج االجتماعي لحياتهم ،عالقات معينة ض ــرورية ،مس ــتقلة عن
إرادتهم وتوافق عالقااات اإلنتاااج ه ا و درجااة معينااة من تطور قواهم المنتجااة الماااديااة .ومجموع
عالقات اإلنتاج هذه يؤلف البناء االقتصـ ـ ـ ــادي للمجتمع ،أي األسـ ـ ـ ــاس الواقعي الذي يقوم عليه بناء
فوقي حقوقي وسـياسـي وتطابقه أشـكال معينة من الوعي االجتماعي .إن أسـلوب إنتاج الحياة المادية
يش ـ ـ ــترط تفاعل الحياة االجتماعية والس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية والفكرية بص ـ ـ ــورة عامة ....وعندما تبلغ قوى اإلنتاج
االجتم ــاعي ــة درج ــة معين ــة من تطوره ــا ،تاادخاال في تناااقل مع عالقااات اإلنتاااج الموجودة أو مع
عالقات الملكية ـ ـ ـ ـ ـ ـ وليس هذا سوى التعبير الحقوقي لتلك ـ ـ ـ ـ ـ ـ التي كانت إلى ذلك الحين تتطور في
إطـارهـا .فبعاد أن كااناق ها و العالقاات إطاا اًر لتطور القوى المنتجاة ،تصااااااااابح قيوداً على تطورهاا.
79
وعندئ ينفتح عهد الثورة االجتماعية).
وهـذا يعني أن التنـاقض بين القوى المنتجـة وعالقـات اإلنتـاج ،يؤدي إلى أن تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح عالقـات
اإلنتـاج قيوداً للقوى المنتجـة ،بعـد أن كـانـت هـذه العالقـات أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـاالً لتطور القوى المنتجـة ،وأن هـذا
77
-عرض اقتصادي تاريخي ،دار التقدم ،موسكو ،الجزء األول ص.22
78
-جان توشار ،تاريخ األفكار السياسية ،ت .ناجي الدراوشة ،الجزء الثاني ،و ازرة الثقافة دمشق ،1984ص.36
79
-لينين ،ماركس نجلس -الماركسية ،دار التقدم موسكو ،ص.20
64
التنـاقض ينمو بـاطراد حتى درجـة معينـة تجعـل الثورة االجتمـاعيـة ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة حتميـة لتحطيم منظومـة
عالقات اإلنتاج المقيدة لتطور قوى اإلنتاج وإلعطاء هذه فسحة جديدة للتطور.
رابعاً -قانون توافق عالقات اإلنتاج مع قوى اإلنتاج:
عرف المجتمع البش ـ ــري تش ـ ــكيالت اجتماعية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اقتص ـ ــادية متعاقبة لكل منها أس ـ ــلوب اإلنتاج
الخاص بها وهي :المشااااااعي البدائي ،العبودي ،اإلقطاعي ،الرأسااااامالي ،االشاااااتراكي .ويتميز كل
أس ـ ــلوب إنتاج منها بمس ـ ــتوى معين من تطور قوى اإلنتاج وش ـ ــكل معين لعالقات اإلنتاج يتوافق مع
مستوى تطور القوى المنتجة ،وشكل ملكية وسائل اإلنتاج.
لـذلـك تتطلـب كـل درجـة معينـة من تطور قوى اإلنتـاج شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالً محـدداً من عالقـات اإلنتـاج .فـنذا
كانت عالقات اإلنتـاج مالئمة لطابع قوى اإلنتاج ساعدت على تطور هذه القوى ودفعها إلى األمام.
ولكن في مرحلة معين ـ ـ ـ ــة تتقدم قوى اإلنتاج على عالقات اإلنتاج القائمة ،فتتحول هذه العالقات إلى
كابح لتطور قوى اإلنتاج .ويصاااااابح التناقل بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج األساااااااس المادي
والمحرل الرئيس للثورة االجتماعية ،التي تؤدي إلى س ـ ـ ـ ـ ــقوط عالقات اإلنتاج البالية واس ـ ـ ـ ـ ــتبدالها
بعالقات إنتاج جديدة تس ـ ــاعد على تطور قوى اإلنتاج .فالثورات االش ـ ــتراكية مثالً تؤدي إلى س ـ ــقوط
عالقـات اإلنتـاج ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة البـاليـة لتقييم الملكيـة االجتمـاعيـة لوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج وتتحقق الثورات
االجتماعية بفعل قانون توافق عالقات اإلنتاج مع مستوى تطور وطابع قوى اإلنتاج.
يحصااااااااال توافق عالقاات اإلنتااج مع طاابع القوى المنتجاة بفعال القاانون الادياالكتيكي ( قاانون
التغيرات الكمية تؤدي حتماً إلى تغيرات نوعية) .أو التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي.
والهدف النهائي لكل عملية إنتاج هو تلبية الحاجات اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــانية الطبيعية ،والتاريخية أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـاً.
وتتزايد حاجات اإلنس ـ ــان كلما تزايد مس ـ ــتوى التطور االقتص ـ ــادي االجتماعي .بيد أن تلبية الحاجات
المتزايدة باسـتمرار ،ليسـت هدفاً طبيعيا فحسـب ،بل هي مرتبطة أيضـاً بتحسـين عملية اإلنتاج وقواها
المحركـة وتطورهمـا .ومن خالل عمل ـي ة تلبيـة الحـاجـات تحـدث عمليـة إعـادة اإلنتـاج ،إض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـة إلى
حدوث التطور الذي يتض ـ ـ ـ ــمن الس ـ ـ ـ ــير نحو ص ـ ـ ـ ــيغ أعلى الس ـ ـ ـ ــتقرار المجتمع .وترتبط عملية تلبية
الحاجات ،بالنتائج التي تحققها عملية اإلنتاج االجتماعية ،كما ترتبط بالطريقة التي يتم بوسـ ـ ـ ـ ــاطتها
80
توزيع هذه النتائج .أي إن التوزيع يعتمد على مكانة الطبقات والفئات االجتماعية ودورها.
80
S. Szefler i S. Marciniak, Ekonomia Polityczna, P.W.N. S Warszawa 1974. S. 25. -
65
الفصل الرابع
عناصر اإلنتاج في النظام الرأسمالي
الطبيعة والعمل ورأس المال والتنظيم
المشروع االقتصادي في الرأسمالية
المشاااروع هو وحدة اإلنتاج االقتصاااادية األسااااساااية ،ويتكون المش ـ ــروع من نس ـ ــب معينة من
عناص ـ ـ ـ ــر اإلنتاج في النظام ال أرس ـ ـ ـ ــمالي وهي الطبيعة والعمل ورأس المال يجمع بين هذه النس ـ ـ ـ ــب
المنظم الذي يعد العنص ــر الرابع من عناص ــر اإلنتاج ال أرس ــمالي .ويأخذ المش ــروع أشااكاالً مختلفة (
المصنع ،المزرعة ،المتجر ،المصرف وغيرها ) .ومن الممكن أن يمتد المشروع إلى أكثر من مجال
أو فرع في االقتصـاد الوطني ،كما يمكن أن يمتد نشـاط المشـروع إلى أكثر من منطقة أو حتى أكثر
من دولة واحدة ،كأن يكون للمشروع الواحد عدة أقسام وفروع تابعة له.
وتختلل أشاااااااكال وحدة اإلنتاج االقتصاااااااادي من نظام اقتصاااااااادي اجتماعي إلى آخر .ففي
المشـ ـ ــاعية البدائية كانت وحدة اإلنتاج االقتصـ ـ ــادية هي األساااارة أو القبيلة ،حيث كانت تعود ملكية
وس ـ ــائل اإلنتاج لألس ـ ـرة أو القبيلة .أما عناص ـ ــر اإلنتاج في العص ـ ــور البدائية فهي الطبيعة والعمل،
ويتم توزيع نتاج العمل على جميع أفراد القبيلة بصـ ــورة متسـ ــاوية .لذا كانت أهمية رأس المال "أموال
اإلنتاج" في هذا النظام ذات صـ ـ ــفة ثانوية .وحيث إن األرض كانت ملكاً للجميع فقد أصـ ـ ــبح العمل
عنصـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتاج الوحيد .أما في النظام اإلقطاعي ونظام الرق والعبودية ،حيث بدأت تتحول ملكية
األرض إلى السـ ـ ـ ــيد واإلقطاعي ،فقد أصـ ـ ـ ــبحت اإلقطاعية وحدة اإلنتاج االقتصـ ـ ـ ــادية األسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــية،
وعنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتـاج هي الطبيعـة والعمـل ورأس المـال ولكن ظلـت أهميـة رأس المـال ثـانويـة في هـذا
النظام .والغاية األساسية من عملية اإلنتاج هي إنتاج ما يسد حاجات سكان اإلقطاعية.
أما في النظام ال أرســمالي ،فتصاابح األهمية األولى بين عناصاار اإلنتاج لرأس المال ويلحق به
الطبيعة والعمل ،ويظهر دور المنظم صـ ـ ــاحب المشـ ـ ــروع الذي يقوم بجمع عناصـ ـ ــر اإلنتاج ،بهدف
تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح .ويمكننا تحديد سمات المشروع الرأسمالي كما يلي:
-حصاااار ملكية وسااااائل اإلنتاج في يد فرد أو عدد من األفراد داخل إطار شـ ـ ــركة ،مع تحمل
مالك رأس المال نتائج المشروع سلبية كانت أم إيجابية "الخسارة أو الربح".
-يعد المشاااااروع مركز التقاه عناصااااار اإلنتاج "الطبيعة والعمل ورأس المال" ويقوم ص ـ ـ ــاحب
المشروع"المنظم" بجمع هذه العناصر وتحقيق التناسب والتنسيق فيما بينها.
-يهدو المشااروع الرأساامالي إلى الحصااول على الربح عن طريق بيع الناتج بثمن أعلى من
تكاليف اإلنتاج ،والفرق بينهما هو الربح الذي يعد الدافع األسـ ــاسـ ــي لقيام صـ ــاحب المشـ ــروع بتنظيم
عملية اإلنتاج وجمع عناصرها.
66
إن الجهـاز اإلنتـاجي في أيـة دولـة مكون من عـدة وحـدات إنتـاجيـة ،كـل وحـدة منهـا تقوم بـدور
إنتاجي معين ،ومن مجموع إنتاج هذه الوحدات يتكون اإلنتاج القومي.
-عناصر المشروع:
يتكون المشااروع في النظام ال أرس ــمالي من عناص ــر اإلنتاج الرئيس ــة الثالث وهي :العمل ،رأس
المال ،الطبيعة ،إضـ ــافة إلى المنظم الذي يجمع بين هذه العناصـ ــر الثالثة لتتم عملية اإلنتاج ،وهو
بذلك يعد العنصر الرابع من عناصر اإلنتاج في المشروع الرأسمالي.
أوالً -العمل :اإلنسـ ــان ملزم بالسـ ــعي والعمل ألجل تأمين معاشـ ــه وتلبية حاجاته ،وهذا يتطلب
بذل الجهد واحتمال المش ــقة .ولما كان اإلنس ــان ض ــنيناً بتعبه راغباً في تقليل الجهد الذي يبذله أثناء
عملـه ،رغـب في تحقيق رغبـاتـه وتلبيـة حـاجـاتـه بـأقصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الطرق .ولو لم يكن العمـل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـاً ومتعبـاً
ويسـ ــبب األلم للنفس لما شـ ــعر اإلنسـ ــان بلزوم السـ ــعي إليجاد ما يسـ ــاعده على تخفيف المشـ ــاق عن
نفس ـ ـ ـ ـ ــه ،وما كان لنا أن نرى ما نش ـ ـ ـ ـ ــاهده اليوم من أنواع المكتش ـ ـ ـ ـ ــفات واالختراعات والتقدم العلمي
والتقني ،اللذين بفضـلهما قطعت المدينة أشـواطاً في مضـمار التقدم وبلغت منزلة عالية في االرتقاء.
()81
ولإلحاطة بدور العمل في الحياة االقتصـادية ال بد من د ارسـة طبيعة العمل وخواصـه األسـاسـية
وكذلك دراسة الواقع الديمغرافي والمشكلة السكانية وأثرها في قوة العمل.
- 1طبيعة العمل وخواصاه :يعد العمل أول عنصر إنتاج استخدمه اإلنسان منذ بداية صراعه
مع الطبيعة وأثناء الس ــعي والعمل المس ــتمر بقص ــد إش ــباع رغباته وحاجاته .والعمل بش ــكل مجرد هو
تجسـ ــيد للجهد البشـ ــري وامتداد لشـ ــخصـ ــية العامل ،وهو موضـ ــوع احترام وتقديس الديانات السـ ــماوية
والمعتقدات ،واحترام المجتمعات وســر حيوية األفراد واســتمرار المجتمع البشــري )82( .ولقد ُعد العمل
الركيزة األساسية التي ُيعتمد عليها لتحديد وقياس قيم المواد والخدمات (نظرية القيمة والعمل).
قوة العمــل هي عبــارة عن مجمال الكفااياات البادنياة والا هنياة التي يملكهاا اإلنسااااااااااان والتي
يسااتخدمها في عملية إنتاج الخيرات المادية .وتعد قوة العمل في كل مجتمع عنصـ ـ اًر ض ــرورياً من
عناصـ ــر اإلنتاج .وتتحول قوة العمل إلى بضـ ــاعة "سـ ــلعة" في النظام ال أرسـ ــمالي فقط ،حيث أصـ ــبح
مالك قوة العمل في هذا النظام يتمتع بالحرية الش ـ ـ ــخص ـ ـ ــية ،بعد أن كان العبد والفالح الرقيق يرتبط
بالس ــيد واإلقطاعي عن طريق التبعية الش ــخص ــية .ولكن الحرية الش ــخص ــية للعامل ال تكفي وحدها،
ألنه يضـطر إلى تأجير قوة العمل التي يملكها لل أرسـمالي ،ويتحول إلى عامل مأجور بسـبب حرمانه
من ملكية وسـ ـ ــائل اإلنتاج التي يملكها ال أرسـ ـ ــماليون .أي إن تحول قوة العمل إلى سـ ـ ــلعة يسـ ـ ــتوجب
تحرير صاحبها من التبعية الشخصية لغيره.
81
-أنظر :عارف الخطيب ،علم االقتصاد ،مطبعة الحكومة بدمشق ،1925ص.101
82
-أنظر :فتح هللا ولعلو ،االقتصاد السياسي ،دار الحداثة ،بيروت ،1981ص.317
67
إن قيمة قوة العمل ،المعبر عنها بالنقد ،هي ســعر " ثمن" قوة العمل .وفي ظل ال أرســمالية تأخذ
شـكل األجرة .وعادة يشـتري ال أرسـماليون قوة العمل بسـعر أقل من قيمتها وبذلك يزيدون من أرباحهم.
إن عمل العمال غير المدفوع األجر ،والذي يس ـ ـ ــتأثر به ال أرس ـ ـ ــماليون بال مقابل هو مص ـ ـ ــدر القيمة
()83
الزائدة ،وهذه سمة من أهم سمات النظام الرأسمالي .وتوضح جوهر االستغالل في الرأسمالية.
ممــا تقــدم يمكننــا تعريف العمــل على أنــه الجهاد والنشاااااااااااا الواعي والهاادو ،الا ي يقوم باه
اإلنساااان إلنتاج الخيرات المادية إلشاااباع حاجاته بطريق مباشااار أو ير مباشااار .وهذا يعني أن
()84
العمل يمتاز بثالث خصائص هي:
• العمل مجهود يب ل عن وعي ونرادة .حيث إن العمل يصدر عن تفكير ووعي وإرادة.
• العمل متعب ويسااابب األلم للنفس ،لذلك يسـ ــعى اإلنسـ ــان دائماً إليجاد ما يخفف المشـ ــاق
عن نفس ـ ـ ــه باختراع اآلالت .واأللم المادي الذي يس ـ ـ ــببه العمل للعامل ،هو ذلك اإلعياء الجس ـ ـ ــماني
والعصبي الذي يحس به اإلنسان عندما يقوم بعمل ما جسدياً كان أم ذهنياً.
ال بـد أن يؤدي العمال إلى إنتااج األموال والخيرات ،ومعنى ذلـك أن كـل نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط يقوم بـه •
اإلنسـ ـ ـ ــان ال يهدف أسـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـاً إلى إنتاج الخيرات ال يعد عمالً بالمعنى االقتصـ ـ ـ ــادي الدقيق .وتكون
إنتاجية العمل أكبر كلما كانت قدرة العمل على إجراء التغيرات التي تجعل األشــياء صــالحة إلشــباع
الحــاجــات أكبر .وتتحــدد إنتــاجيــة العمــل من خالل العالقــة بين مقــدار العمــل الــذي يبــذلــه العــامــل
والمقابل الذي يحصل عليه لقاء قيامه بهذه العمل.
( إن عملية العمل في المؤس ـ ـسـ ـ ة ال أرسـ ــمالية تتصـ ــف بخاصـ ــتين ،أن العامل يعمل تحت رقابة
ال أرس ــمالي والبض ــاعة التي يص ــنعها في س ــياق اإلنتاج تخص ال أرس ــمالي ،وال أرس ــمالي يقرر ما يجب
إنتاجه ،بأية كمية ،وبأي أس ــلوب .وهاتان الخاص ــتان لعملية العمل في ظل ال أرس ــمالية تحوالن عمل
وهذا يعني أن عملية اإلنتاج ال أرسـمالي تهدف إلى ()85
العامل المأجور إلى عمل سـخرة ،إجباري ).
إغناء الطبقة البرجوازية على الدوام واستغالل الطبقة العاملة بصورة بشعة ومستمرة.
وعلى الرغم من تحول قوة العمل في النظام الرأسااامالي إلى سااالعة تختلل عن ساااائر السااالع
األخرى .فقوة العمـل هي قدرة اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان الحي على العمـل .وتتحـدد قيمـة قوة العمـل بقيمـة وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائل
المعيشة الضرورية لوجود العامل واستم ارره وتجديد قوة العمل .والعناصر التي تدخل في تحديد قيمة
قوة العمل هي:
83
-أنظر :الكسندر يوزويف ،ما هي الرأسمالية ،دار التقدم ،موسكو ،1987ص.45-42
-أنظر ،د .أحمد مراد ،دروس في االقتصاد السياسي ،أملية محاضرات ألقيت على طالب كليتي التجارة والحقوق بجامعة دمشق 84
،1974-1973ص.95-93
85
-االقتصاد السياسي للرأسمالية ،مجموعة مؤلفين ،دار التقدم ،موسكو ص.91-90
68
الضااااارورية إلش ـ ـ ــباع حاجات العامل الجس ـ ـ ــمانية كالغذاء والكس ـ ـ ــاء قيمة وساااااائل العي •
والمأوى.
قيمة الوسااائل التي أص ــبحت مع التطور الزمة إلشااباع االحتياجات الثقافية واالجتماعية •
للعامل .وتتحدد من خالل مسـ ـ ـ ــتوى التطور التاريخي للمجتمع ودرجة وعي الطبقة العاملة .وتختلف
االحتياجات االجتماعية والثقافية للعامل من بلد آلخر ،ولكنها في تطور مستمر.
قيمة وسائل المعيشة الضرورية إلعالة أسرة العامل .واستمرار الحفاظ على وجودها. •
• النفقات الضارورية لتامين تعليم العامل وتاهيله ،وكلما ارتفع مســتوى التأهيل المهني لقوة
العمل ازداد حجم هذا النوع من النفقات.
إن قيمة جميع وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل معيشـ ـ ـ ـ ـ ــة العامل وتجديد قوة العمل تحددها نفقات العمل الضـ ـ ـ ـ ـ ــروري
اجتماعياً إلنتاجها .وهذه النفقات هي "قيمة قوة العمل" .فال أرسـ ــمالي إذ يشـ ــتري قوة العمل يسـ ــتعملها
في عمليـة اإلنتـاج حيـث تخلق سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـاً جـديـدة تتضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن قيمـة جـديـدة .وقيمـة قوة العمـل والقيمـة التي
ينتجهـا عمـل العـامـل همـا مقـداران مختلفـان .فـاألخيرة أكبر بكثير من قيمـة العمـل ،والفرق بينهمـا هو
قيمة زائدة على قيمة قوة العمل يطلق عليها فائض القيمة أو "القيمة الزائدة".
- 2الساكان وقوة العمل :يعد اإلنساان الثروة االقتصاادية األولى لكل مجتمع من المجتمعات
وأسـاس تقدمه االقتصـادي واالجتماعي ألنه محور كل نشـاط اقتصـادي ،واإلنسـان هو المنتج عندما
يبذل الجهد ويقوم بالعمل ويســتخدم طاقاته الذهنية والجســدية ،وهو المســتهلك عندما يقوم باســتهالن
الس ـ ـ ـ ــلع والخدمات التي تلبي حاجاته ورغباته ،وهو مس ـ ـ ـ ــتثمر عندما ينتج وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج الجديدة.
واإلنسان هو كل فرد في المجتمع هو السكان.
إن تزايد عدد السااااااااكان يعني ازدياد حجم القوة العاملة في المجتمع وزيادة اإلنتاج .وينقسـ ـ ـ ـ ـ ــم
السـ ــكان عادة ،في كل مجتمع إلى قسـ ــمين رئيسـ ــين :السـ ــكان داخل القوة البشااارية ،والسـ ــكان خارج
القوة البشاااااااارية .والقوة البشـ ـ ـ ـ ـ ـرية بالتعريف هي القوة القادرة على العمل من حيث السـ ـ ـ ـ ـ ــن والمقدرة
الجســدية والذهنية ،أما الســكان خارج القوة البش ـرية فينقســمون إلى ثالث فئات رئيســة هي :األطفال،
والكهول الذين تزيد أعمارهم على /65/س ــنة ،والعجزة وذوو العاهات ،وغالباً ما تش ــكل فئة األطفال
الغـالبيـة العظمى لغير القـادرين على العمـل تليهـا فئـة الكهول ثم العجزة ثم فئـة ذوي العـاهـات ،الـذين
()86
يشكلون نسبة ضئيلة جداً من هذه القوى.
أما قوة العمل فهي تشـمل جميع األفراد الذين يعملون فعالً من أرباب عمل وعمال ومسـتخدمين
وكذلك األشخاص الذين ال يعملون إال أنهم قادرون على العمل وراغبون فيه وباحثون عنه.
86
-د .صفوح األخرس،علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها،و ازرة الثقافة،دمشق ،1980ص.168
69
ويتبع حجم القوة العاملة ثال مجموعات من العوامل هي :الهيكل الساااااكاني ،مدى مش ـ ـ ــاركة
الفئات المختلفة من الساكان في نشااطات القوة العاملة ،وما يمكن تسـميته باختصـار " االلتباساات
اإلحصاااااااائية" ويتفق معظم المراقبين على أن الحجم والبنية العمرية للس ـ ـ ـ ـ ــكان هما العامالت األكثر
أهمية في تحديد قوة العمل .ولكنهما ال يحجبان التأثيرات األخرى"(.)87
يتحدد حجم القوة العاملة من خالل العوامل الديمغرافية التي تتض ــمن حجم الس ــكان ،معدل نمو
الس ـ ـ ــكان ،توزع الس ـ ـ ــكان وتحركاتهم ،التركيب العمري والنوعي للس ـ ـ ــكان( .وكذلك ،يتحدد حجم القوة
العاملة بالمدى الذي تش ـ ـ ـ ــارن فيه مختلف فئات الس ـ ـ ـ ــكان في القوة العاملة ،أو نس ـ ـ ـ ــبة العاملين إلى
مجموع الس ـ ــكان ،تش ـ ــكل رقماً ثابتاً من الناحية العملية ،وهي بالتالي واحدة من النس ـ ــب االقتص ـ ــادية
الكبرى ،والحقيقة األكيدة المالحظة هي أن هذه النس ـ ــبة في الواليات المتحدة تراوحت ض ـ ــمن هامش
مدة طويلة من القرن العشـ ـ ـرين ،إذ كانت ( )54.8بالمائة عام 1900م و()55.3 ضـ ـ ــيق جداً خالل ّ
بـالمـائـة عـام 1960م وكـان الثبـات التقريبي لهـذا الرقم نتيجـة اتجـاهـات التعويض ،إذ كـانـت الزيـادة في
معدل النشاط النسائي وخاصة بين فئات األعمال المتوسطة ،يقابلها التراجع في مشاركة الرجال في
()88
فئتي العمل األكبر واألصغر).
من الض ــروري االهتمام بالمؤسـ ـس ــات التي يكتس ــب األفراد من خاللها المهارات والكفايات التي
يحتاج إليها للقيام بالعمل ،والتركيز هنا يقع على ثالث مؤس ـ ـ ـسـ ـ ــات ،أسـ ـ ــاسـ ـ ــية :األس ـ ـ ـرة ،المدرسـ ـ ــة
ومنظمات االسـ ــتخدام .مما يلي مرحلة زراعة مجموعة من األشـ ــجار ،هنان مرحلة اإلنتاج الخاصـ ــة
بالكفايات المطلوبة ،وهي المرحلة األطول ،فبعض االختصــاصــيين من األطباء ال يكملون تدريباتهم
حتى سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الثالثين ،فيكون إعـدادهم ،إذن أطول وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطيـاً من م ّـدعملهم ،وهنـا يوجـه االهتمـام إلى
متغيرين أس ـ ــاس ـ ــيين في تطور المهارات :تأثير األس ـ ـرة في مطامح وتطلعات أبنائها ،وقدرة المدرس ـ ــة
()89
ومنظمات االستخدام على صقل وتطوير هذه التطلعات.
ثانياً -رأس المال :كان نشـ ـ ـ ـ ـ ــاط اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان اإلنتاجي في البداية موجهاً ومحدداً لتلبية حاجاته
االس ـ ـ ــتهالكية .ونتيجة لتقس ـ ـ ــيم العمل والتخص ـ ـ ــص وتطور القوى المنتجة ،تطورت قدرات اإلنس ـ ـ ــان
اإلنتاجية وظهرت ضـ ـ ـ ــرورة التبادل مع ظهور فائض اإلنتاج .لكن الطابع األسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــي لإلنتاج بقي
طابعاً استهالكياً .وظل تراكم الثروة عينياً وفي المكان في المجتمعات ما قبل الرأسمالية .ومع تطور
اإلنتاج ،أخذ قسـم من اإلنتاج الفائض يتحول إلى وسـائل إنتاج " أدوات ووسـائل العمل ،موضـوعات
العمل" تتركز ملكيتها بأيدي طبقة محدودة العدد ،في ال أرسـ ــمالية ،مما يؤدي إلى حدوث االسـ ــتغالل
الطبقي وممارسـ ــته من قبل هذه الطبقة .وهنان من يقول إن وساااائل اإلنتاج ه و هي "رأس المال".
87
-غاي ستاندينغ ،المشاركة في القوة العاملة والتنمية ،ترجمة عفيف الرزاز منشورات و ازرة الثقافة ،دمشق ،1984ص.21
88
-المصدر السابق ،ص.23
89
-أنظر :إيلي غنزبرغ ،االقتصاد البشري،ترجمة عبد الكريم ناصيف ،و ازرة الثقافة ،دمشق ،1980ص.16
70
كيف تكون هذه األشــياء هي رأس المال؟ (فرأس المال في جوهر األمر ليس "األشــياء" التي يتجســد
بها ،إذ إن األش ــياء أو المنتجات ،وجدت في جميع العص ــور ،وإنما تلك العالقة االجتماعية المميزة
التي تتشاكل بين طبقتين متميزتين بخصــوص هذه "األشــياء" .ومن هنا جاء اســم "ال أرســمالية" ليعبر
عن مرحلـة محـددة من التـاريخ ،أو عن نمط محـدد من أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاليـب اإلنتـاج االجتمـاعيـة ،وليس عن
()90
خصائص ثابتة في الطبع اإلنساني كما يروج المفكرون البرجوازيون).
-1أموال اإلنتاج = رأس المال :لقد حاول الفكر االقتصـ ـ ـ ـ ــادي البرجوازي في البداية تفسـ ـ ـ ـ ــير
وتوضـ ـ ـ ـ ـ ــيح رأس المال على النحو اآلتي :الحجر األول الذي يقذف به اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان البدائي المتوحش
الحيوان الذي يرغب في اصطياده ،والعصا األولى التي استخدمها هذا اإلنسان لجمع الثمار التي ال
يســتطيع الوصــول إليها ،وكل شــيء صــنعه اإلنســان وطوعه واســتخدمه للحصــول على شــيء آخر،
أي عندما يقوم اإلنسـ ـ ـ ــان بإنتاج أموال تجعل عمله أكثر إنتاجية وأقل مشاااااقة ،فنن "أموال اإلنتاج"
تكون رأس المال .وتطور اإلنتاج مع تطور أموال اإلنتاج وكان لتطور الثانية
هذه "العص ــا والحجر" ّ
أهمية كبيرة في زيادة إنتاجية العمل .ومع تزايد صـالحية أموال اإلنتاج ألداء الغرض المطلوب منها
في عملية اإلنتاج ،زادت أهمية أموال اإلنتاج ،وخاص ــة منذ أن تم اس ــتخدام اآلالت في اإلنتاج .وقد
بدأ الفكر البرجوازي االقتصادي بدراسة أموال اإلنتاج على أنها "رأس المال" منذ أواخر القرن الثامن
عشر.
إن أموال اإلنتــاج الحجر ،العص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ،واآللــة ،مــا هي إال أدوات عمــل ال يمكن أن تؤدي إلى
اســتغالل اإلنســان إال من خالل ملكية أدوات العمل هذه ملكية خاصاة لل أرسامالي ،وانقســام المجتمع
إلى طبقتين ،مالكي وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج "ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ــماليين" والطبقة العاملة المحرومة من ملكية وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل
اإلنتاج ،وال تملك س ـ ـ ـ ـ ــوى قدرتها على العمل .تتحول أدوات العمل إلى أدوات اس ـ ـ ـ ـ ــتغالل من خالل
العالقـة القـائمـة بين الطبقتين األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيتين في المجتمع ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـالي .هـذه العالقـة القـائمـة على
االستغالل.
ورأس المال ليس ش ـ ـ ــيئاً من األش ـ ـ ــياء فقط ،بل هو عالقة اجتماعية بين طبقة مالكي وساااااائل
اإلنتاج "الرأساااماليين" وتلك الطبقة المحرومة من وساااائل اإلنتاج "العمال الماجورين" والمض ـ ــطرة
إلى تـأجير قـدرتهـا على العمـل والتعرض لالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل .إن األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـاء –المبـاني ،اآلالت ،الخـامـات،
المنتجات الجاهزة – ليس ـ ــت بحد ذاتها رأس ٍ
مال ،وال تص ـ ــبح هذه األش ـ ــياء أرس ـ ــماالً إلى لدى خلقها
عالقات اجتماعية محددة ،أي عندما يوجد في المجتمع طبقتان متضاااااادتان :طبقة مالكي وسـ ـ ـ ــائل
اإلنتاج ،وطبقة العمال األجراء .وهذه العالقات االجتماعية ليسـت أبدية على اإلطالق .بل تنشـأ في
90
-د .عارف دليلة ،بحث في االقتصاد السياسي ،دار الطليعة ،بيروت 1987ط -2ص.24
71
مرحلــة معينــة من تطور المجتمع ،وفي مرحلـ ة أخرى من التطور التــاريخي للمجتمع يتم الفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء
()91
عليها وتختفي.
وكان نهب البلدان األجنبية وتحويل ثرواتها إلى الدول االساااااتعمارية واحداً من أهم مصاااااادر
التراكم األولي ل أرسامال في أوروبا ،وخاصــة في إنكلت ار وفرنســا .وســاعدت العالقة القائمة بين الدول
المختلفة وسـلطة الدولة االسـتعمارية على تكوين ثروات ضـخمة في أيدي عدد قليل من األغنياء في
الدول المسـتعمرة ليتم نقلها إلى الدول االسـتعمارية .وبذلك نالحظ أن رأس المال هو عالقة اسـتغالل
ليس ضـ ـ ـ ـ ــمن البلد الواحد فحسـ ـ ـ ـ ــب بل هو عالقة اسـ ـ ـ ـ ــتغالل بين دولة وأخرى وخاصـ ـ ـ ـ ــة في النظام
االستعماري بنوعيه القديم والجديد.
- 2رأس المال النقدي :يظهر رأس المال قبل كل ش ـ ــيء في شاااكل نقود .لكن النقود في حد
مال .فالنقود المخبأة تحت البالطة أو في س ـ ــرداب المنزل ليس ـ ــت رأس ٍ
مال وإنما ذاتها ليس ـ ــت رأس ٍ
هي ثروة نقدية .كما أن النقود التي يحملها الفرد في محفظته هي مجرد وسـ ـ ــيلة لدفع قيمة الحاجات
الحياتية العاجلة التي يقوم بشـرائها .حتى النقود المتوفرة بين يدي منتج السـلع البسـيط كسـيولة ال تعد
أرسـماالً ،وإنما يتم اسـتخدامها كوساي في تداول السالع ،عندما يقوم بمبادلة منتجات عمله بمنتجات
()92
عمل منتج آخر.
يهدف نشـاط المنتج الصـغير في مرحلة اإلنتاج البضااعي البساي إلى إنتاج بضـائع ذات قيمة
تبادلية واحدة وذات قيمة اساااااااتعماليه مختلفة في الوقت نفسـ ـ ـ ـ ــه .تتم عملية التبادل وفقاً للصـ ـ ـ ـ ــيغة
اآلتية:
سلعة -نقود -سلعة جديدة
س ن - - س
وتقوم النقود بوظيفة الوسيط الذي يسهل تنفيذ عملية التبادل ،وسيط في عملية مبادلة قيمة
استعماليه محددة لقاء قيمة استعماليه أخرى .أما بالنسبة للرأسمالي فنن النقود ليست وسيلة للتداول
فحسب ،بل هي وسيلة للحساب ،وتحقيق الربح وتكوين الثروة .الرأسمالي يجمع النقود ،ويشتري بها
بضائع ليقوم يبيعها من جديد للحصول على النقود مرة ثانية .أي إن الرأسمالي يشتري البضائع
ليبيعها فيما بعد ويحقق الربح .وكل رأسمالي يخصص مبلغاً محدداً من النقود للقيام بعملية اإلنتاج
أو التبادل ،إنما يهدف من وراء ذلك للحصول على مبلغ من النقود أكبر من المبلغ الذي خصصه
في بداية النشاط الذي يقوم به .ويمكننا توضيح هذه الدورة "دورة رأس المال" وفقاً للمعادلةاآلتية:
91
-ليونتيف ،موجز االقتصاد السياسي ،دار التقدم ،موسكو ،1975ص.65
92
-االقتصاد السياسي للرأسمالية ،مجموعة مؤلفين ،دار التقدم ،موسكو ،1976ص.86
72
نقود -بضائع -نقود
ن < ن حيث -ن ب - ن
وتسااعد النقود ال أرسامالي من خالل عملية الدوران ه و على تحقيق الربح ،الذي يتحول فيما
بعــد إلى "رأس المــال" .وبــذلــك يكون رأس المــال عبــارة عن القيمــة التي تــدر الربح ،الــذي يتمثــل في
الفرق بين كمية النقود التي حصـ ـ ـ ــل عليها ال أرسـ ـ ـ ــمالي وكمية النقود التي خصـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــها للقيام بعملية
اإلنتاج أو عملية التبادل ( التكاليف) ،وفقاً للمعادلةاآلتية:
الربح = اإليراد -التكاليل
الرباااح = كمياااة النقود التي حصل عليهاااا الرأسمالي في نهاياااة العملياااة (اإليراد) -كمية
النقود التي خصصها له و العملية (التكاليل)
ويظهر رأس المال في عملية اإلنتاج وعملية التبادل بأشـ ــكال مختلفة .وال أرسـ ــمالي يبدأ نشـ ــاطه
االقتصـادي من خالل رأس المال النقدي .في االقتصـاد البضـاعي يكون النقد هو العامل األسـاسـي
في تكوين أية ثروة ،وتجميع النقود هو المدخل الرئيس للقيام بأي نشـاط اقتصـادي .ل لك تعد النقود
أول شكل ظهر به رأس المال.
بعد تجميع النقود يقوم ال أرسامالي بتخصايصاها لشاراه وساائل اإلنتاج وقوة العمل وبهذا الشـكل
تبدأ عملية اإلنتاج .بعد انتهاء عملية اإلنتاج يأخذ رأس المال ش ـ ـ ـ ــكل بض ـ ـ ـ ــائع ،ويتحول رأس المال
النقدي إلى كمية من الس ــلع والبض ــائع .وبعد أن يتم بيع هذه البض ــائع وتس ــويقها في الس ــوق تتحول
من جديد إلى شـ ــكل نقدي .بعد ذلك يخصـ ــص لش ـ ـراء وسـ ــائل اإلنتاج وقوة العمل جديدة ،ليبدأ دورة
إنتاج جديدة بهدف تحقيق الربح أيضـ ـ ـاً .وحيث إن مزيداً من رأس المال يحقق لل أرس ـ ــمالي مزيداً من
الربح ،يحاول باستمرار زيادة كمية النقود في دورة اإلنتاج وعملية التبادل ،لذلك يبقى رأس المال في
()93
وكلما زادت عدد دورات رأس المال زادت األرباح. حركة دائمة.
أما بالنسبة للنقود التي يتم سحبها من دورة اإلنتاج والتبادل الرأسمالي ،وتخصاص لشاراه المواد
االساااااااتهالكية أو يتم اكتنازها وتجميدها كاحتياطي ،فإننا ال نعدها رأس مال ألنها ال تعطي ربحاً.
وعلى الرغم من أن كل أرس ـ ـ ـ ـ ــمال يكون في البداية عبارة عن مبلغ محدد من النقود هذا ال يعني أن
النقود تكون أرسـ ـ ــماالً بطبيعتها .ولذلك لم تك ْن النقود دائماً رأس مال ،وليسـ ـ ــت هي دائماً رأس مال.
وتتحول النقود إلى رأس مال ض ــمن أوض ــاع اقتص ــادية اجتماعية محددة ،وذلك عندما تدخل بش ــكل
متميز في عملية اإلنتاج والتبادل الرأسمالي.
93
-أنظرEkonomia Polityczna, Pod redakcia Noukowa S. Szeflerai :
S. Marciniaka, P.W.N. , Warszawa 1974. Str. 159- 162.
73
- 3جوهر الربح ومصاااادرو :يعد طموح الشـ ـ ــركات ال أرسـ ـ ــمالية في تحقيق أكبر قدر ممكن من
األرباح ،المحرن األســاســي لنمو اإلنتاج والتبادل وتطورهما في االقتصــاد ال أرســمالي .وهذا يعني أننا
إذا لم نتمكن من توض ـ ـ ـ ـ ــيح جوهر الربح ومص ـ ـ ـ ـ ــدره فنننا ال نس ـ ـ ـ ـ ــتطيع فهم جوهر أس ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج
الرأسمالي بشكل كامل.
ويمكننا توض ـ ــيح ذلك بش ـ ــكل مبس ـ ــط وفقاً لما يلي :يتحقق الربح عندما يقوم الرأساااامالي ببيع
بساعر أعلى من ساعر الشاراه .ولكن هذا التوضـيح غير كاف .ذلك ألن تبادل البضـائع ال يخلق أية
قيمة جديدة .بل إن القيمة المض ــافة في مجمل االقتص ــاد ال تنجم عن التبادل غير المتعادل .وحين
يتم البيع بأعلى من القيمة يعني هذا أن الربح يتحقق للبائع مقابل الخسـ ـ ــارة التي لحقت بالمشـ ـ ـ تري،
أي أن أرباح البائعين سوف تعادل خسارة المشترين ،والقيمة بقيت على حالها دون أية زيادة.
ممــا تقــدم نجــد أن الربح ال يتحقق في مجاال تاداول البضااااااااااائع ،بــل يتحقق فق في مجاال
اإلنتاج ،وال يمكن أن تكون وسـائل اإلنتاج المسـتخدمة في عملية اإلنتاج مصـد اًر للربح ،ألن وسـائل
اإلنتاج هذه ال تسـ ـ ــتطيع أن تنتقل إلى المنتج النهائي بقيمة جديدة أكبر من قيمتها حال اسـ ـ ــتخدامها
في عملية اإلنتاج .وبذلك تكون قوة العمل التي يسـ ـ ــتخدمها العمال في عملية اإلنتاج هي المصـ ـ ــدر
الوحيـد للربح ،ألن قوة العمـل يمكن أن تظهر في المنتج النهـائي بقيمـة أكبر من القيمـة التي بـاعهـا
العامل لل أرس ـ ـ ــمالي أثناء عملية اإلنتاج .بعبارة أخرى يحص ـ ـ ــل العامل على جزء من قيمة قوة العمل
التي باعها لل أرســمالي ،على شــكل أجر ،والجزء الباقي يذهب إلى جيب ال أرســمالي ،على شــكل قيمة
زائدة ،وهذا يحص ــل بس ــبب أن ال أرس ــمالي يملك وس ــائل اإلنتاج أما العامل فهو ال يملك س ــوى قدرته
على العمل ،وهو مكره على تأجيرها لل أرســمالي مالك وســائل اإلنتاج في ســبيل تأمين وســائل العيش
له وألسـ ـ ـ ـ ـ ـرته .وبذلك تكون قوة العمل في النظام الرأساااااااامالي هي البضاااااااااعة الوحيدة التي تتميز
بمواصافات خاصاة تجعلها قادرة على خلق قيمة جديدة يتم توزيعها بين أجر العامل ال ي يحصال
()94
عليه وربح الرأسمالي.
- 4رأس المااال الثااابااق ورأس المااال المتغير :رأس الم ــال هو عب ــارة عن ك ــل قيم ــة ،تحقق
لمالكها قيمة زائدة .وهذا يعني أن رأس المال يمكن أن يظهر باحد األشكال اآلتية:
• وسائل إنتاج.
• منتجات وسلع "بضائع".
• نقود لدفع أجور العمال أثناء عملية اإلنتاج.
94
J. Nowicki Zarys Ekonomi Politycznej Kapitalizmu, P.W.E. , -أنظر:
.Warszawa 1971. Str. 67
74
إن لتقساايم رأس المال إلى األجزاه الثالثة الم كورة أعالو ،معنى خاصـ اً وهاماً جداً .ذلك ألن
الجزء الثالث من رأس المال يختلف عن الجزأين األول والثاني من حيث امتالكه مواصــفات خاصــة
تجعلـه الجزء الوحيـد الـذي يمكن أن تتغير قيمتاه أثنـاء عمليـة اإلنتـاج .وهو الـذي يحقق لل أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـالي
القيماة ال ازئادة .لــذلــك نطلق على هــذا الجزء من رأس المــال اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم " أرس الماال المتغير" ،أمــا مــا
يخص ـ ـص ـ ــه ال أرس ـ ــمالي من أرس ـ ــمال لشـ ــراء وس ـ ــائل اإلنتاج فننه يدعى "رأس المال الثابق" ،وتجدر
اإلش ـ ــارة إلى أن قيمة رأس المال الثابت ال تتغير أثناء عملية اإلنتاج .الذي يتغير ش ـ ــكله فقط .وهذا
يعني أنه يمكن تقسيم رأس المال إلى قسمين أساسيين:
• رأس المال الثابق ،المتجسد في وسائل اإلنتاج.
• رأس المال المتغير ،المخص ـ ـ ـ ـ ـ ــص لشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء قوة العمل .وهذا يعني أن اساااااااااتغالل العمال
الماجورين هو المصاااادر الوحيد ال ي يخلق القيمة الزائدة .وبقدر ما يحقق العامل لل أرس ـ ـ ــمالي من
القيمة الزائدة ينمو رأس المال بشــكل متســارع ويحقق الثروة لل أرسـ مالي .ويتم تحديد درجة االســتغالل
ال أرس ـ ـ ـ ـ ـ ــمالي للعمال من خالل مؤش ـ ـ ـ ـ ـ ـرين :كتلة القيمة الزائدة "القيمة الزائدة المطلقة" ومعدلها ،أي
مقدارها النسبي بالمقارنة مع مقدار رأس المال المتغير "القيمة الزائدة النسبية".
ومع تطور القوى المنتجة وتطور أسـ ــاليب العمل في ال أرسـ ــمالية تنمو القيمة الزائدة ،ويتعاظم
معـدلهـا ،وهـذا يعني نمو القيمـة ال ازئـدة المطلقـة وتعـاظم القيمـة ال ازئـدة النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـة ( .ففي أوائـل القرن
العشـ ـ ـ ـرين بلغ معدل القيمة الزائدة في الصـ ـ ـ ــناعة األمريكية أكثر من 100بالمائة بقليل ،وفي أوائل
الثمانينات بلغ في المؤسـسـات الصـناعية الكبيرة لكثير من الفروع 300بالمائة وأكثر .ففي نيويورن،
مثالً ،أنتج العمال الصـ ـ ـ ـ ـ ــناعيون بعملهم قيمة تربو على مقدار أجورهم بنسـ ـ ـ ـ ـ ــبة 4.25دوالرات لكل
()95
أي إن القيمة الزائدة النسبية وصلت إلى معدل 425بالمائة. دوالر من األجور).
وبقدر ما يزداد معدل القيمة الزائدة ،وعدد العمال العاملين في المؤسـ ـ ـس ـ ــات ال أرس ـ ــمالية ،تزداد
كتلة القيمة الزائدة التي يســتولي عليها ال أرســمالي .ونجد أحياناً تقســيماً آخر لرأس المال يختلف إلى
حد ما عن التقسيم السابق .حيث يتم تقسيم رأس المال هنا إلى قسمين:
األول -رأس المال الدائم .الثاني -رأس المال المتداول.
ويض ـ ــم رأس المال الدائم -أموال اإلنتاج التي ال ينالها في كل مرة تساااتعمل فيها ،إال تغيير
مادي يساااااير ال يحول دون تكرار اساااااتعمالها في عملية اإلنتاج مرة ثانية ،أي ال تفقد ص ـ ـ ــالحيتها
لالسـ ـ ـ ـ ـ ــتعمال إال بعد مدة طويلة ،ويمكن اسـ ـ ـ ـ ـ ــتخدامها في عملية اإلنتاج مئات المرات .وهي أدوات
العمل (آالت الغزل ،آالت النسيج).
95
-الكسندر بوزويف ،ما هي الرأسمالية ،دار التقدم ،موسكو ،1987ص.56
75
أما رأس المال المتداول -فهو يش ــمل األموال التي يؤدي اسااتخدامها في عملية اإلنتاج إلى
تغيير في خواصااااها ومواصاااافاتها بحيث ال يمكن اسااااتخدامها مرة ثانية في عملية اإلنتاج (المواد
األولية ،قوة العمل) ويكون أسـاس التفريق بين نوعي رأس المال "الدائم والمتداول" أسـاسـاً زمنياً حيث
إن أي جزء من رأس المال ال بد أن يصـ ــبح يوماً ما غير صـ ــالح لالسـ ــتعمال المخصـ ــص له .ولكن
بعض رأس المال يتم اســتخدامها لمرة واحدة في عملية اإلنتاج أما بعضــه اآلخر فيتم اســتخدامه في
()96
عملية اإلنتاج عشرات بل مئات المرات.
ويظهر مما تقدم التناقل الوارح بين مصالح الطبقة العاملة ،من جهة والطبقة الرأسمالية،
من جهـة ثـانيـة .وخير مـا يعبر عن هـذا التنـاقض ،رغبـة الطبقـة العـاملـة وطموحهـا في زيـادة أجورهـا
لتصـ ـ ـ ـ ــبح الجزء األكبر في القيمة المنتجة .في حين يسـ ـ ـ ـ ــعى ال أرسـ ـ ـ ـ ــماليون لتكون القيمة الزائدة هي
األكبر نســبياً .ولكن الجهة الوحيدة صــاحبة القرار والتأثير في هذا التوزيع " توزيع القيمة الجدية إلى
أجر وقيمة زائدة" هم ال أرس ـ ـ ـ ـ ــماليون مالكو وس ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج ،ولكن ال يملكون مطلق الحرية في قرار
التوزيع ،ألن حصـ ــة العمال يجب أن ال تقل عن قيمة قوة العمل .ويؤدي اسـ ــتمرار هذا الوضـ ــع مدة
()97
طويلة إلى تناقص اإلنتاج ومن ثم تناقص القيمة الزائدة.
ثالثاً -الطبيعة والموارد الطبيعية :إن كل ما نلمس أو نساتعمل في حياتنا اليومية يتكون أو
يصاااانع من الموارد الطبيعية ،وحتى أكثر المواد المصـ ـ ــنوعة غرابة يتم صـ ـ ــنعها من موارد طبيعية.
ويســتخدم في صــناعة المواد والســلع المختلفة وإنتاجها جميع العناصــر الكيماوية الموجودة تلقائياً في
الطبيعية .وقد تستخدم المركبات المعدنية والصخرية والعضوية كما هي أحياناً ،ولكن يتم استخدامها
على األغلب مع تعديل بس ـ ـ ــيط على الش ـ ـ ــكل األص ـ ـ ــلي الذي توجد عليه في الطبيعة ،كما في حال
اسـ ــتخدام الصـ ــخور كمواد للردم والبناء .وتجدر اإلشـ ــارة إلى أن الكميات المسـ ــتخدمة من الصـ ــخور
والمعــادن في األغراض الــدنيويــة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغيرة جــداً بــالمقــارنــة مع الكميــات المتوفرة في الطبيعــة .لــذلــك
نس ــتطيع القول إن معظم الموارد الطبيعية غير نادرة أو ش ــحيحة ويبدو أن اإلنس ــان يس ــتخدم الموارد
()98
فاالموارد بنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تختلف اختالفـ اً كبي اًر عن تلــك النس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب التي تتوفر فيهــا الموارد الطبيعيــة.
الطبيعية هي األشاااياه التي تقدمها لنا الطبيعة وتكون مفيدة أو نافعة أو من المحتمل االساااتفادة
منهاا .فـالطبيعـة كعنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر من عنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتـاج هي األرل وماا تحوي في بااطنهاا من معاادن
وصاااخور ،وما على ساااطحها من بحار وأنهار ومياو ونباتات طبيعية ،بما في لك الغالو الجوي
وما يقع عليها من مطر أو أشعة أو روه للشمس والقمر ..إلخ.
96
-انظر :عارف الخطيب ،علم االقتصاد ،مطبعة الحكومة بدمشق ،1925ص .164
97
-انظر :المصدر السابق ،صJ. Nowicki, Zarys .70
98
-انظر :الموارد والتنمية ،ت حرير بيتر دورنر ومحمود الشافعي ،منظمة األقطار العربية المصدرة للبترول ،الكويت ،1984ص.51
76
()99
واألشياه التي تقدمها لنا الطبيعة نوعان:
- 1األشاااااياه التي تكون صاااااالحة لالساااااتهالال مباشـ ـ ـ ـرة دون أي تحويل أو تعديل أو أعداد،
كالهواء للتنفس ،والثمار التي نحصـ ـ ـ ـ ـ ــل عليها من األشـ ـ ـ ـ ـ ــجار والنباتات الطبيعية للغذاء ،وهي قليلة
نسبياً ،وتسمى الموارد الحرة.
- 2األشااياه التي تقدمها لنا الطبيعة ولكنها ير صااالحة لالسااتهالال مباشاارة ،إنما ال بد من
أن يعمل اإلنس ــان على تعديلها أو تحويلها أو إعدادها لتص ــبح ص ــالحة لالس ــتهالن وإش ــباع حاجات
اإلنســان .وه و األشاياه هي التي يهتم بد ارساتها االقتصااديون ،المواد األولية ،والســلع االســتهالكية
والسلع التي تستخدم كأموال إنتاج تنتج أصوالً لالستهالن .وتسمى الموارد االقتصادية.
( تُمتلك الموارد الطبيعية وتس ــتغل وتحول بدرجات متفاوتة كل ذلك يقوم به أفراد أو مجموعات
من األفراد ،ش ـ ــركات وحكومات ،ولكن المص ـ ــلحة العامة متأص ـ ــلة في جميع الحاالت التي تس ـ ــتثمر
فيها هذه الموارد وتنش ـ ـ ــأ الس ـ ـ ــمة العامة المميزة المرتبطة بالموارد الطبيعية عن اختالفات في التقويم
وعن التباعد واالختالف في أغلب األحيان بين المصـ ــالح العامة والمصـ ــالح الخاصـ ــة ،وعن تكاليف
اسـ ـ ــتخدام الموارد وطرق اسـ ـ ــتغاللها .وعالوة على ما تقدم قد تتعارض مصـ ـ ــالح واحتياجات األجيال
القــادمــة (كمــا ي ارهــا الجيــل الحــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر) مع إمكــانــات نضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب المورد المخزن وتــدفقــه غير قــابــل
()100
لالنعكاس).
وتعد األرل من أهم الموارد الطبيعة السـتغالها في الزراعة واسـتخدامها كمراع لتربية الماشـية،
وإقامة المباني للسكن ،والصناعة والتجارة ،كما تشق الطرق والشوارع ،والخطوط الحديدية ،كما تنشأ
عليها الموانل الجوية والبحرية وغيرها .لذلك ال يمكن أن تتص ـ ــور قيام مش ـ ــروع دون اس ـ ــتغالل جزء
من األرض.
وتبقى الطبيعة عنصاا ا اًر ساااالبياً من عناصاااار اإلنتاج ،ألن دورها يتحدد من خالل كونها مجال
نشـاط اإلنسـان االقتصـادي وموضـوعه .أما العنصـر اإليجابي من عناصـر اإلنتاج فهو العمل وحده.
(فنذا كان اإلنسـ ـ ـ ــان ال يخلق شـ ـ ـ ــيئاً من العدم ،فنن األشـ ـ ـ ــياء التي تقدمها لنا الطبيعة ال تنتج أموال
االستهالن من تلقاء نفسها بل ال بد من تدخل اإلنسان) ليجعل الموارد الطبيعية صالحة لالستهالن
وإشباع الحاجات البشرية.
ويتفاوت توزيع الموارد الطبيعية بين مختلل دول العالم .فخص ـ ــوبة األرض ليس ـ ــت متس ـ ــاوية
وتختلف من دولــة ألخرى ،بــل من منطقــة ألخرى في الــدولــة الواحــدة .والثروة المعــدنيــة التي يحتوي
99
-د .أحمد مراد ،دروس في االقتصاد السياسي ،أملية لطالب السنة األولى في كليتي التجارة والحقوق ،جامعة دمشق ،1974-1973
ص.75
100
-الموارد والتنمية ،المصدر السابق ،ص.37
77
عليهــا بـاطن األرض تكون كبيرة في بعض البلــدان وتقــل في بعضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــا اآلخر .وكـذلـك األمر فيمـا
يتعلق بالثروة المائية وسـ ـواحل البحار والمحيطات ،وطول األنهار .ويس ــتخدم مؤش ــر حجم ونص ــيب
كــل دولــة من الموارد الطبيعيــة ،النفط مثالً أو الفحم ،كمقيــاس لثرواتهــا ،فــالــدولــة التي تملــك ثروات
طبيعيــة كثيرة واحتيــاطيـاً كبي اًر منهــا تعــد دولــة غنيــة .والتي تقــل فيهــا هــذه الموارد الطبيعيــة تعــد دوالً
فقيرة.
( تاريخ اإلنس ــانية االقتص ــادي إنما هو تاريخ ص اراع اإلنسااان من أجل الساايطرة على الطبيعة
واسااتغالل أكبر عدد من مواردها أفضاال اسااتغالل وقد حقق اإلنس ــان في هذا المض ــمار النص ــر تلو
النص ــر .وأمل اإلنس ــانية في حياة أفض ــل مرتبط أوثق االرتباط بثقة اإلنس ــان في العلم والتقدم التقني
والص ــناعي تلك الثقة التي تيس ــر له الحص ــول على فوائد أعظم من اس ــتغالل عناص ــر الطبيعة ،لقد
جعل اإلنسـ ــان من البحر والجو مطية له ،وقلب الصـ ــحارى جنات زرع ،وأزال الجبال وحول مجاري
األنهـار ،وولـد الكهربـاء ،واكتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الطـاقـة الـذريـة ،وهو يبحـث اآلن عن الوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل التي تمكنـه من
()101
استغالل طاقة الشمس استغالالً صناعياً ).
رابعااً -المنظم :إن عمليـة اإلنتـاج تتلخص في تحويـل المواد الموجودة في الطبيعـة بـأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـال
مختلفة إلى س ـ ــلع وخيرات مادية ليتم بوس ـ ــاطتها تلبية الحاجات اإلنس ـ ــانية .وتتم هذه العملية بفضـ ــل
اســتعمال وســائل اإلنتاج التي ســبق د ارســتها .ولكن اســتعمال وســائل اإلنتاج ال يتم بشــكل عفوي بل
يخض ـ ــع لعملية تنساااايق أي تداخل العوامل واختالطها في نسااااب معينة قص ـ ــد الوص ـ ــول إلى أكبر
فعـاليـة ممكنـة ورفع اإلنتـاجيـة وزيـادة المردود .فاالمنظم عنادماا يقرر اساااااااااتعماال قادر معين من رأس
الماال وقـدر معين من العمـل وقـدر معين من الموارد الطبيعيـة يحـاول التنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيق بين هـذه العوامـل
وتحديد العالقة والتناسـ ــبات فيما بينها .وهو يتخذ ق ارراته بما ينسـ ــجم مع الخصـ ــائص التي تتميز بها
()102
العوامل المذكورة.
إن دور المنظم في المشاااااااروع الرأسااااااامالي يتحدد في التنسااااااايق بين عوامل اإلنتاج الثالثة
واختيار طريقة اإلنتاج أي تحديد الوسائل المتاحة للوصول إلى اإلنتاج الذي يرغب في تحقيقه ،في
أفض ـ ـ ــل األوض ـ ـ ــاع المادية المتاحة .ثم اختيار كمية اإلنتاج الذي يرغب في أن يتوص ـ ـ ــل إليه وهذا
مرتبط بعدد من العوامل أهمها :تكاليف اإلنتاج ،والطلب على الس ــلعة .ويهدف ال أرس ــمالي من إقامة
أي مش ـ ــروع أو نش ـ ــاط اقتص ـ ــادي ،إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح من خالل تنس ـ ــيق عوامل
اإلنتاج.
101
-د .أحمد مراد ،المصدر السابق ،ص.82
102
-أنظر :فتح هللا ولعلو ،االقتصاد السياسي ،دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،1981ص.429
78
تعد إدارة النشااا االقتصاادي وتنظيمه في ال أرسامالية العنصار الرابع من عناصار اإلنتاج ،وهو
عبارة عن الجهاز الذي يقوم بجمع وض ـ ـ ــبط وتنس ـ ـ ــيق عناص ـ ـ ــر اإلنتاج الثالثة التي س ـ ـ ــبق الحديث
عنها .إن أي نشــاط اقتصــادي ال يرتكز على توفر عناصــر المشــروع (العمل ،الطبيعة ،رأس المال)
فقط ،بل ال بد من تأمين حسـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ــير العمل وانتظامه ،بهدف تحقيق أعلى مسـ ـ ـ ـ ـ ــتوى ممكن من
اإلنتاجية والمردود ،بأقل ما يمكن من الكلفة والجهود .وهذه هي مهمة اإلدارة والتنظيم.
إن اإلدارة الحسانة وتنظيم المشاروع تنظيماً جيداً ،يؤديان إلى رفع مساتوى إنتاجية العمل من
حيث اإلنتاج والتسااااااويق ،إلى جانب قيام الجهاز اإلداري بالبحث والد ارسـ ـ ـ ــة لرفع مسـ ـ ـ ــتوى األداء.
(وتعد اإلدارة بمجملها ،جها اًز قائماً بذاته ،ومتمتعاً باس ــتقالل خاص ،من الناحية الش ــكلية الظاهرية،
ض ــمن أجهزة العمل المتالزمة .وتقوم اإلدارة في المؤس ـس ــات مقام الدماغ في جس ــم اإلنس ــان .فتوجه
جميع وظائف األجهزة األخرى ،وتس ــهر على زيادة إنتاج الثروة وتوزيعها ،بالطرق الفض ــلى ،ض ــمن
()103
حدود إمكاناتها والمعطيات التي لديها).
وتتضــمن عملية تنظيم المشــروع ال أرســمالي ،دراسااة السااوق والكشــف عن وجود حاجة أو عدد
من الحاجات لم يتم إشــباعها بعد .حينذان يقوم المنظم بورااع خطة لجمع وتنساايق عوامل اإلنتاج
في سـ ـ ــبيل إنتاج السـ ـ ــلع التي تلبي هذه الحاجات ،وذلك عن طريق تحديد موقع المشـ ـ ــروع والنسـ ـ ــب
الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرورية والالزمة بين مختلف عنـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلنتـاج .ويتم في المرحلـة الثـالثـة تنفيا الخطاة بإقامة
المشـ ـ ـ ــروع وإدارته فنياً واقتصـ ـ ـ ــادياً .ويتولى الجانب الفني ،طريق اإلنتاج ،اآلالت الالزمة ،مسـ ـ ـ ــتوى
التكنولوجيـا ..إلخ ،المهنـدسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون والفنيون المختصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون لقـاء أجر يـدفعـه لهم المنظم .أمـا الجـانـب
()104
االقتصادي وتقرير إنشاء المشروع والقيام بعملية اإلنتاج فهذا هو عمل المنظم.
األشكال القانونية للمشروع االقتصادي:
ُيعد المشاروع الفردي الشاكل األول من األشاكال القانونية للمشاروع ( .يمتاز المشــروع الفردي
عدل نوع اإلنتاج
بأنه يحقق لصـاحبه حرية التصـرف إن شـاء اسـتمر في اإلنتاج وإن أ ارد توقف ،أو ّ
أو غير اإلنتاج أو غير شــكل المنتجات كما أن انفراد صــاحب المشــروع باتخاذ الق اررات االقتصــادية
والفنية المتعلقة باإلنتاج تسمح له على هواه تحديد كمية الناتج ،وتقدير الثمن الذي يعرض به الناتج
في الســوق واتباع طريقة معينة في اإلنتاج كشـراء اآلالت .كل ذلك يضــمن له ســرعة اتخاذ الق اررات
( )1
وسرية مضمونها ،ما دام ال أحد يلزمه بمشورة غيره أو أخذ رأي إنسان آخر).
يكون رأس المال الفردي عادة صغي اًر ،واإلنتاج الحديث يتطلب رؤوس أموال ضخمة ال يستطيع
أن يملكها فرد واحد .كما نجد بعض المشاريع التي يتطلب إنشاؤها وقتاً طويالً بحيث ال يبدأ نشاطها
اإلنتاجي المربح إال بعد سنوات عديدة .لذلك أخذ الرأسمالي الفرد يسعى لمشاركة غيره من الرأسماليين
103
-د .حافظ يقظان بو حمدان ،مبادئ علم االقتصاد السياسي "االجتماعي" ،منشورات دار يقظان للدراسات العلمية ،بيروت ،ص.218
104
-د .أحمد مراد ،المصدر السابق ،ص.143
79
للقيام بالمشاريع بصورة مشتركة وظهر الشكل الثاني من األشكال القانونية للمشروع وهو الشركات.
والشركات نوعان– شركات األشخاص وشركات األموال.
:وهي التي تنشااا بين عدد من األفراد يعرفون بعضااهم بعضااً ويتبادلون -شااركات األشااخا
الثقة ويتعاونون على إنشــاء المشــروع واقتســام ما يحقق من أرباح أو ما ينتهي به من خســارة( .منها
شركات التضامن وشركات التوصية البسيطة).
-شركات األموال "الشركات المساهمة" :وتضم هذه الشركات عدداً كبي اًر من األفراد وتتصرو
برأس مال كبير جداً ،وتصاااابح حصااااص الشااااركاه مجرد أسااااهم قابلة للتداول ،ويختفي العنصـ ـ ــر
الشــخصــي للشـريك ،وتتكون الشــركة من رؤوس أموال "أســهم" بغض النظر عن األشــخاص المالكين
لها.
وبذلك نالحظ أن الشكل القانوني للمشروع قد تطور من المشروع الفردي إلى شركات األشخاص
ثم إلى شركات األموال ،التي استطاعت أن تتغلب على سائر الصعوبات التي كان يواجهها المشروع
الفردي.
()105
هنان ثالثة أنواع اقتصادية للمشروعات حسب فروع -أنواع المشروعات االقتصادية:
اإلنتاج الرئيسة:
المشروع الصناعي -وهو المشروع الذي يقوم باستخراج المعادن والعناصر الطبيعية الموجودة
في الطبيعة وتحويلها من مواد خام عديمة الفائدة إلى سلع صالحة إلشباع حاجات السكان .ونميز
عادة ثالث أقسام للمشروع الصناعي :صناعات استخراجية ،صناعات ثقيلة ،والصناعات التحويلية.
المشروع الزراعي -وهو المشروع الذي يقوم على استنبات النباتات وتربية الحيوانات بقصد
اإلكثار من الثمار والمحاصيل الزراعية بهدف تلبية الحاجات االستهالكية وحاجات الصناعة.
المشروع الخدمي -كالمشروع التجاري -وهو المشروع الذي يمارس النشاط االقتصادي
الذي يهتم بشراء السلع وتجهيزها ليتم بيعها بسعر أعلى وتحقيق الربح وبذلك نالحظ أن التاجر هو
الوسيط بين المنتج والمستهلك .إضافة إلى المشروعات التي تقوم بنقل السلع واألشخاص من مكان
آلخر وهي مشروعات النقل .والمشروعات التي تتخصص بتخزين السلع وحفظها في أوضاع مناسبة
منعاً لفسادها وتلفها وهي مشروعات التخزين .وتلعب المشروعات المالية التي ينحصر عملها في
تداول رؤوس األموال النقدية كالبنوال :وهو المشروع الذي يقوم باالفتراض والتسليف وتحقيق الربح
من خالل أسعار الفائدة العالية عند التسليف والمنخفضة عند االقتراض .وشركات االدخار التي تقوم
بجمع رؤوس األموال من صغار المدخرين ،وتقوم بتوظيفها في مجاالت أخرى بهدف الحصول على
105
-أنظر ،د .إسماعيل صبري عبد هللا ،دروس في االقتصاد السياسي محاضرات ملقاة على طالب كلية الحقوق ،جامعة اإلسكندرية
ص 155وما بعد.
80
غلة مناسبة تحتفظ بجز منها وتوزيع الباقي على صغار المدخرين .ومشروعات التامين ،تؤدي كلها
دو اًر حيوياً.
81
الفصل الخامس
اإلنتاج البضاعي ومراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي
في أحوال اإلنتاج البضـ ـ ـ ـ ـ ــاعي تصـ ـ ـ ـ ـ ــبح منتجات العمل التي يتم إنتاجها بضـ ـ ـ ـ ـ ــائع .ولكن ليس
بالض ـ ـ ــروري أن يص ـ ـ ــبح كل منتج عمل بض ـ ـ ــاعة .فناتج العمل يمكن أن يكون بض ـ ـ ــاعة في بعض
الحاالت ،وقد ال يكون كذلك في حاالت أخرى .يقول دافيد ريكاردو ( :إن النتاجات تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترى دوماً
بـالنتـاجـات ،أو بـالخـدمـات .النقود هي مجرد الواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ طـة التي يتحقق التبـادل من خاللهـا .وقـد ينتج
الكثير جداً من سـلعة معينة والتي قد يتوفر منها فيض في السـوق بحيث ال يمكن تسـديد رأس المال
106
المصروف عليها .إال أن ذلك ال يمكن أن يصبح حال السلع جميعاً…).
وبـذلـك نالحظ أن الفرد ال ينتج بـدون غرض االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن أو البيع ،وهو ال يبيع أبـداً بـدون نيـة
شـراء سـلعة أخرى ..عن طريق إنتاجه ،إذن ،فاإلنسـان يصـبح بالضـرورة إما مسـتهلكاً لسـلعة ما وإما
مشترياً ومستهلكاً لسلعة أنتجها شخص آخر.
وهذا ما أكده أيضـ ـ ـ ـاً جون ساااااتيوارت ميل حين قال ( :إن الس ـ ـ ــلع ،وببس ـ ـ ــاطة ،هي التي ّ
تكوِّن
إمكانات التسـ ـ ــديد للسـ ـ ــلع .وتتكون إمكانات كل شـ ـ ــخص لتسـ ـ ــديد نتاجات األشـ ـ ــخاص اآلخرين من
اإلمكــانــات التي يملكهــا هو نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه .وال منــاص ،فكــل البــاعــة ،بمــا تحملــه الكلمــة من معنى ،هم
مشـترون .إن أمكن لنا مضـاعفة القوى المنتجة للقطر فجأة ،فسـنضـاعف عرض السـلع في كل سـوق
من األس ـواق .إال أنه ينبغي لنا ،وبالض ـربة نفســها ،مضــاعفة القوى الش ـرائية .وســيجلب كل شــخص
طلباً مض ـ ـ ــاعفاً باإلض ـ ـ ــافة إلى العرض وس ـ ـ ــيس ـ ـ ــتطيع كل فرد مض ـ ـ ــاعفة ش ـ ـ ـرائه مرتين ألن الجميع
107
سيعرضون ضعف الكمية للتبادل ).
وقد لخص (الفريد مارشااااااال )Alfred Marshallهذه الفكرة بقوله ( :إنه لحقيقة اقتصـ ـ ـ ـ ـ ادية
بدهية بأن الرجل يش ــتري عمالً وس ــلعاً مقابل ذلك الجزء من دخله الذي يدخره وبالمقدار نفس ــه الذي
يقوم به والمفترض أن يقوم بص ـ ـ ــرفه ...ويقال إنه يدخر عندما يتم تخصـ ـ ـ ــيص العمل والسـ ـ ـ ــلع التي
108
يشتريها إلنتاج الثروة التي يتوقع من خاللها الحصول على وسائل االستمتاع في المستقبل).
االقتصاد الحديث ،دار D. Ricardo, Principles, P.P. 290 -2.نقالً عن جوان روبنسون وجون إيتويل ،مقدمة في علم - 106
82
اإلنتاج البضااعي هو إنتاج الخيرات المادية وال ـس لع التي ال تخصـص السـتهالن المنتج ،بل يتم
تخص ــيص ــها ألجل التبادل عن طريق البيع والش ـراء في الس ــوق .كان االقتصاااد الطبيعي هو الش ــكل
السـ ـ ـ ــائد في التشـ ـ ـ ــكيالت االجتماعية االقتصـ ـ ـ ــادية التي يتكون فيها المجتمع من وحدات اقتصـ ـ ـ ــادية
متجانس ــة ،كل منها تنتج جميع الس ــلع والخيرات األس ــاس ــية التي تحتاج إليها وتس ــتهلكها بنفس ــها .ثم
تحول االقتص ـ ــاد إلى اقتصااااد تبادلي ،عندما ظهر فائض اإلنتاج .وأص ـ ــبح اإلنتاج إنتاجاً بض ـ ــاعياً
109
عندما توفر فيه الشرطان األساسيان اآلتيان:
-1عندما بلغ التقســيم االجتماعي للعمل درجة كافية من التطور أخذ فيها األفراد أو الجماعات
يتخصـ ـ ـص ـ ــون بننتاج س ـ ــلع وخيرات مادية معينة( ،بعض ـ ــهم يعمل في الزراعة وفريق آخر يعمل في
مجال تربية الحيوان .وفريق ثالث تخصص في اإلنتاج الحرفي وهكذا ).
-2نشـوء الملكية الخاصـة لوسـائل اإلنتاج وانعزال المنتجين ،في هذه األحوال أصـبحت العالقة
بين المنتج والمستهلك ال تتم إال عن طريق السوق ،وتبادل المنتجات بوساطة البيع والشراء.
ويمكننا أن نميز بين نوعين أساسيين من اإلنتاج البضاعي ،اإلنتاج البضاعي البسي واإلنتاج
البضااعي ال أرسامالي .واإلنتاج البضــاعي البســيط واإلنتاج البضــاعي ال أرســمالي هما من طراز واحد
حيث تكون الملكية الخاص ــة لوس ــائل اإلنتاج هي األس ــاس االقتص ــادي لكل منهما .وكالهما يتطور
بصورة عفوية وغير منهجية.
اإلنتاج البضااعي البساي :وهو عملية إنتاج الســلع والخيرات المادية بوســاطة العمل الشــخصـي
للمنتجين الخصـوصـيين الصـغار .أما اإلنتاج البضااعي ال أرسامالي فهو اإلنتاج الذي يجري في ظله
اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل عمـل العمـال األجراء ،وهو يجري عـادة على نطـاق واسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع .وبـذلـك نالحظ أن اإلنتـاج
البضـ ــاعي البسـ ــيط يرتكز على العمل الشـ ـ خصـ ــي لمنتج البضـ ــائع وأعضـ ــاء أسـ ـرتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه .أما اإلنتاج
البضـ ــاعي ال أرسـ ــمالي فيرتكز على اسـ ــتثمار العمل المأجور .والهدف النهائي من اإلنتاج البضـ ــاعي
البسـ ـ ــيط هو تلبية الحاجات الشـ ـ ــخصـ ـ ــية لمنتجي البضـ ـ ــائعأل أما ال أرسـ ـ ــماليون فيكون هدف إنتاجهم
110
البضاعي هو تحقيق الربح.
تتصال كل بضااعة بصافتين أسااسايتين :األولى -قدرة البضـاعة على تلبية الحاجات اإلنسـانية
حين يتم اسـ ـ ــتهالكها أو اسـ ـ ــتعمالها ،كالخبز واللحم والملبس .وهذه الصـ ـ ــفة هي التي نسـ ـ ــميها عادة
القيمة االساااااتعمالية .وغالباً ما تكون القيمة االس ـ ـ ــتعمالية للبض ـ ـ ــاعة مرتبطة بخص ـ ـ ــائص الش ـ ـ ــيء
الطبيعية وتشـ ـ ــكل مضـ ـ ــمون الثروة المادي في المجتمع .الثانية _ هي قدرة البضـ ـ ــاعة على مبادلتها
ببضائع أخرى .وبهذا تصبح القيمة االستعمالية في ظل اإلنتاج البضاعي حاملة للقيمة التبادلية.
يقدم لنا لينين تعريفاً للبضاعة على اية من اإليجاز والدقة فيقول ( :البضاعة هي:
109
-انظر ،الكسندر بوزريف ،ما هي الرأسمالية ،دار التقدم ،موسكو ،1987ص.27-26
110
-انظر ،االقتصاد السياسي للرأسمالية ،النظرية الماركسية -اللينينية ،دار التقدم موسكو ،1976ص.45-44
83
أوالً _ شيه يلبي حاجة ما من حاجات اإلنسان،
111
وثانياً _ شيه نبادل به شيئاً آخر ).
إن خاص ـ ـ ـ ــية البض ـ ـ ـ ــاعة في تلبية حاجة معينة من حاجات الناس تس ـ ـ ـ ــمى القيمة االس ـ ـ ـ ــتعمالية
للبض ــاعة .أما خاص ــية البض ــاعة في مقدرتها على المبادلة ببض ــائع أخرى ،مثال رأس من الماش ــية
بعدد من أكياس القمح ،فتسـ ـ ــمى القيمة التبادلية .التي تكمن في أسـ ـ ــاسـ ـ ــها القيمة التي تتحدد بدورها
112
وفقاً لنظريات القيمة المختلفة.
( مهما بحثنا عن القيمة في البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها ،ولتكن حقيبة مثالً ،ومهما قلبناها من جميع
جوانبها فلن نجد شيئاً اسمه القيمة .فالقيمة ال تظهر إال عند نسبة هذه البضاعة إلى بضائع أخرى،
أي بصـورة غير مباشـرة في شـكل قيمة تبادلية .فنذا كانت القيمة االسـتعمالية هي خاصـة داخلية في
البض ــاعة ،فالقيمة التبادلية هي الش ــكل الخارجي لظهور القيمة عن طريق معادلة البض ــائع بعض ــها
مع بعض .ولكن شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل القيمـة " أي القيمـة التبـادليـة " يتغير تبعـاً لـدرجـة التطور التـاريخي للتبـادل،
حتى يس ـ ــتقر في أوض ـ ــاع اإلنتاج البض ـ ــاعي المتطور على النقود ،التي تص ـ ــبح الش ـ ــكل العام الذي
113
يعبر بوساطته عن قيم جميع البضائع ).
المبحث الثاني -مراحل تطور اإلنتاج الرأسمالي:
كان تطور القوى المنتجة في األنظمة االقتصـ ـ ـ ــادية االجتماعية ما قبل ال أرسـ ـ ـ ــمالية ،في اإلنتاج
الزراعي وبقية فروع االقتصـ ـ ــاد الوطني ،يتم بشـ ـ ــكل بطيء ولكن بصـ ـ ــورة مسـ ـ ــتمرة .وأخذت سـ ـ ــرعة
التطور تت ازيـد وخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في اإلنتـاج الزراعي منـذ ظهور الريع النقـدي اإلقطـاعي ،الـذي دفع الفالح
لالهتمام بنتائج عمله أكثر مما كان عليه في أنظمة الريع السابق (نظام الريع بالسخرة ،ونظام الريع
العيني).
وأخذ إنتاج الفالح المخصـص للسـوق " اإلنتاج البضـاعي " يتزايد أكثر فأكثر ،إضـافة إلى تعدد
أنواع المنتجــات ،التي أخــذ الفالح ينتجهــا بنفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه (كــاألحــذيــة ،والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــاكين ،واألدوات ...الخ)
ويخصصها للبيع .وهذا يعني أن تقسيم العلم االجتماعي أخذ يزداد عمقاً في المراحل األخيرة للنظام
اإلقطاعي .وأخذت تزداد أهميـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة التجارة ورأس المال التجاري ،الذي أدى دو اًر مهماً في تراكم رأس
المال النقدي وظه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور الس ـ ــوق المالية وتطورها .ولم يعد رأس المال التجاري يقوم بوظيفة وس ـ ــيلة
للتبادل بين المنتج والمس ــتهلك أو بي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن المنتجين أنفس ــهم فحس ــب ،بل أخذ التجار من خالل رأس
المـال التجـاري يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيطرون على بعض المنتجين كـالحرفيين مثالً ،الـذين أخـذوا يعملون لحس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب
التاجر ،وأحياناً تحول المنت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج إلى تاجر ليقوم بوظيفة المنتج والتاجر بالوقت نفس ــه .ونتيجة لذلك
111
-لينين ،المؤلفات الكاملة ،المجلد ،26ص.6
112
-انظر ،يوري بوبوف ،دراسات في االقتصاد السياسي ،دار التقدم ،موسكو ،1984ص.84
113
-د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.200
84
تحرر المنتج والتاجر من كلتا الحالتين من س ـ ــيطرة اإلقطاعي هذه الس ـ ــمة التي كانت تميز عالقات
اإلنتـ اج خالل هــذه المرحلــة .إن هــذا التــدخــل البطيء والمتبــادل بين رأس المــال التجــاري المرتبط
أس ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـاً برأس المال الربوي الذي يحافظ على عالقات اإلنتاج اإلقطاعية ،التي تعطيه األفض ـ ـ ــلية،
وبين النوع الجــديــد من رأس المــال ،الــذي أول مــا يحتــاج إليــه كي ينمو ويتطور ،هو إ ازلــة العوائق
اإلقطـاعيـة ومنهـا "ارتبـاط الفالح بـاألرض" .ويعمـل رأس المـال التجـاري من خالل المنـافس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بين
بعض التجار على توفير أكبر عرض ممكن من السـلع والمنتجات بشـكل دائم بأقل سـعر ممكن .إن
مالك رأس المال التجاري ال يظهر دائماً في دور " البائع " ولكنه يبدو أحياناً في دور الممول لشراء
بعض المنتجـات .في الحـالـة ال ـث انيـة عنـدمـا يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتري التـاجر اإلنتـاج ،لم تعـد المنتجـات عمليـاً ملكـاً
للمنفذ الذي قام بعملية اإلنتاج ،بل تصـ ـ ـ بح ملكاً لل أرس ـ ــمالي الممول .وبهذا يتحول الحرفي المس ـ ــتقل
إلى ع ــام ــل م ــأجور .وهك ــذا ظهر نظ ــام الممولين ال ــذي يع ــد مرحل ــة من م ارح ــل أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتــاج
ال أرس ــمالي ،الذي تظهر فيه طبقتان متناقض ــان :ال أرس ــماليون الذين يملكون وسـ ـ ائل اإلنتاج ،والعمال
المأجورون ،الذين يملكون قدرتهم على العمل فقط.
يعتمد اإلنتاج ال أرسـ ــمالي على قوة العمل المأجورة ،ولم يظهر اإلنتاج ال أرسـ ــمالي هكذا فجأة كما
نراه عليـه اليوم في الـدول ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة األكثر تقـدمـاً (أمريكـا وبريطـانيـا) ،بـل ظهر تـدريجيـاً ،ومر في
ثالث مراحل أساسية ،تتفاوت شدة وضوحها من بلد آلخر.
-1ا إلنتاج البسي "التعاون البسي ".
- 2اإلنتاج " المانفكتوري ".
-3اإلنتاج الصناعي الكبير " اإلنتاج اآللي ".
المبحث الثالث -المنافسة الحرة والرأسمالية االحتكارية:
ولد أس ـ ـ ــلوب اإلنتاج ال أرس ـ ـ ــمالي الذي يقوم على الملكية ال أرس ـ ـ ــمالية الخاص ـ ـ ــة لوس ـ ـ ــائل اإلنتاج
واسـ ـ تثمار العمل المأجور ،وحرية النشـ ــاط االقتصـ ــادي في قلب النظام اإلقطاعي .وتمر ال أرسـ ــمالية
كنظام اقتصادي اجتماعي بمرحلتين:
- 1ال أرسـ ـ ـ ــمالية ما قبل االحتكار ،حيث تسـ ـ ـ ــود المزاحمة الحرة وتتطور القوى المنتجة في خط
متص ــاعد .وقد س ــادت ال أرس ــمالية ما قبل االحتكار في الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنس ــا
وألمانيا وغيرها من البلدان المتطورة حتى الثلث األخير من القرن التاسع عشر.
- 2ال أرســمالية االحتكارية ،التي ســادت في الثلث األخير من القرن التاســع عشــر ،حيث بدأت
ســيادة االحتكارات التي شــرعت تضــطلع بالدور الحاســم في الحياة االقتصــادية في البلدان ال أرســمالية
85
لتحل محل المزاحمة الحرة .ومع بداية القرن العش ـ ـ ـ ـرين تحولت ال أرسـ ـ ـ ــمالية إلى إمبريالية وهي أعلى
114
مراحل تطور الرأسمالية.
وتش ــترن ال أرس ــمالية ما قبل االحتكارية وال أرس ــمالية االحتكارية في عدد من الخص ــائص البارزة،
أهمها:
-الملكية الرأسمالية لوسائل اإلنتاج،
-استغالل العمل المأجور،
-س ــيادة القوانين االقتص ــادية ال أرس ــمالية ،كقانون القيمة والقيمة الزائدة وقانون التراكم ال أرس ــمالي
وقانون تجديد اإلنتاج ال أرس ــمالي البس ــيط والموس ــع .وتتميز ال أرس ــمالية االحتكارية (اإلمبريالية) بعدد
من الخصائص من الرأسمالية ما قبل االحتكارية منها:
أ .سيادة االحتكار بدالً من المنافسة الحرة.
ب .سيطرة عدد قليل من المصارف على القسم األعظم من رؤوس األموال.
ج .ظهور االحتكارات الدولية ،وتصدير البضائع ورؤوس األموال.
د .ظهور الشركات متعددة الجنسية وتعاظم دورها في االقتصاد العالمي.
-1الرأسمالية ما قبل االحتكارية (المنافسة الحرة):
إن حريـة انتقـال رأس المـال والقوة العـاملـة وإمكـان اختيـارهـا ألي مجـال أو فرع من فروع اإلنتـاج،
أدى إلى حص ــول بعض أص ــحاب الش ــركات على أرباح وفقاً لقاعدة " من كميات متس ــاوية من رأس
المال يمكن الحصـول على كميات متسـاوية من األرباح " .ويتم تحديد أسـعار البضـائع ذات النوعية
المحددة في الســوق بصــورة مســتقلة ،دون أن يكون للشــركات أي أثر في تحديد الســعر .فنذا ارتفعت
األس ــعار يرتفع أيضـ ـاً العرض (أي كمية البض ــائع المعروض ــة في الس ــوق للبيع) ،وينخفض العرض
في حال انخفاض األسـ ـ ــعار .وهذا يعني أن األسـ ـ ــعار القائمة في السـ ـ ــوق ال يتم تنظيمها من خالل
شركات محددة ،بل يكون العامل المقرر في تحديد األسعار هو كمية اإلنتاج للسوق.
وكان حجم الشـركات ال أرسـمالية في ذلك الوقت صـغي اًر نسـبياً بحيث ال تسـتطيع ـش ركة واحدة من
خالل زيادة إنتاجها أو خفضـ ـ ـ ــه أن تؤثر في حجم عرض البضـ ـ ـ ــاعة في السـ ـ ـ ــوق .ويقوم بندارة هذه
الشــركات عادة األفراد الذين يملكون الشــركة .لذلك من المحتمل دائماً أن تؤســس شــركات جديدة في
كل لحظة ،أو إفالس ش ـ ـ ـ ـ ــركات قائمة التي لم تتمكن من تحقيق تكاليف إنتاج للوحدة ،يجعلها قادرة
على تحقيق الربح في أحوال األسعار القائمة (أسعار السوق) كما في باقي الشركات.
إن المنافسة الكاملة هي حالة السوق الرأسمالية التي تتوفر فيها الشروط الخمسة اآلتية:
114
-انظر ،نيكيتين ،أسس االقتصاد السياسي ،دار التقدم موسكو ،1984ص.25
86
-أن تكون كميات البض ــاعة التي يرغب في شـ ـ ارئها ش ــخص معين ص ــغيرة بحيث ال يمكن أن
يؤثر في زيادة هذه الكميات أو إنقاصها في العرض في السوق.
ٍ
مشتر لنوع معين من البضائع أن يؤثر في تحديد األسعار لهذه البضائع. -ال يستطيع أي
-تجانس البضاعة التي تبيعها الشركات ،بحيث تكون هذه البضاعة بدائل كاملة لبعضها.
-ال يملـك أحـد من المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترين أيـة ميزات من قبـل بعض البـائعين أو أحـد البـائعين تجـاه بعض
المشترين.
-المعرفة التامة بأحوال السوق لبضاعة ما.
إض ــافة إلى حرية الدخول والخروج من الس ــوق بدون أي عوائق مص ــطنعة توض ــع في وجه من
115
يرغب في ذلك.
مما ورد أعاله نس ـ ــتنتج أن الس ـ ــمة األس ـ ــاس ـ ــية للمنافس ـ ــة الكاملة هي عدم األهمية النس ـ ــبية لكل
مؤسسة في السوق لدرجة أن أي واحدة منها ال تستطيع أن تؤثر في السعر تأثي اًر محسوساً .فالفالح
الذي ينتج الزيتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ويبيعه ال يســتطيع أن يفعل شــيئاً حيال ثمن الزيتون في الســوق .فنذا هو رفع
سـ ــعر زيتونه أعلى من السـ ــعر الجاري ،فننه لن يسـ ــتطيع أن يبيع شـ ــيئاً على اإلطالق ،بينما هو ال
يس ــتطيع أن يكس ــب ش ــيئاً بخفض ثمن زيتونه وبيعه بأدنى من س ــعر الس ــوق ،ويس ــتطيع عندما يحدد
سعر زيتونه بمستوى السعر السائد في السوق أن يبيع أي كمية يتوقع إنتاجها.
إن المنافسـ ـ ـ ــة الكاملة ،وفقاً لتعريفها أعاله ،هي نظرية غير ممكنة التطبيق في الواقع ،حتى في
مرحلة رأسمالية المنافسة الحرة.
يظل هدف ص ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب المش ـ ـ ـ ـ ـ ــروع من عملية اإلنتاج هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح ،وال
يسـتطيع تحقيق هذا الهدف من خالل رفع أسـعار البيع ،ألنه غير قادر على التأثير فيها .ويسـتطيع
تحقيق ذلـك " زيـادة األربـاح " بطريقـة واحـدة وهي خفض تكـاليف اإلنتـاج ،وهـذا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوجـب إمـا زيـادة
اس ــتغالل قوة العمل المس ــتأجرة (تكثيف العمل) ،وإما زيادة إنتاجية العمل .وحيث إن زيادة اس ــتغالل
القوة العاملة المســتأجرة يالقي مقاومة فعالية ومتزايدة من قبل الطبقة العاملة ،لم يعد أمام ال أرسـ مالي
سوى استخدام التقدم التقاني ،كعامل أساسي لزيادة إنتاجية العمل.
وبذلك تجعل المنافس ــة الحرة الش ــروط أكثر مالءمة وأكثر نفعاً للش ــركات التي يتم فيها اس ــتخدام
التقانة الحديثة واإلدارة والتنظيم الجيد بأسـ ـ ـ ـ ــرع مما في باقي الشـ ـ ـ ـ ــركات ،وهي مهيأة بالوقت نفسـ ـ ـ ـ ــه
السـ ـ ــتخدام العمال ذوي الخبرة والمؤهالت .وبالوقت نفسـ ـ ــه يكون مصـ ـ ــير الشـ ـ ــركات التي تكون فيها
تكاليف وحدة اإلنتاج عالية نس ـ ـ ــبياً اإلفالس .ما لم تقم هي أيض ـ ـ ـاً باس ـ ـ ــتخدام التقانة العالية واإلدارة
115
-انظر ،د .كامل بكري ،مبادئ االقتصاد ،الدار الجامعية ،بيروت ،1987ص.108
87
والتنظيم الجيد للعمل بالسـ ـ ـ ــرعة الممكنة .وهذا يعني أن المنافسـ ـ ـ ــة الحرة تحرض على ،وتؤدي إلى،
تطور القوى المنتجة.
وينتق ــل رأس الم ــال ب ــاحث ـاً عن الربح من أح ــد فروع اإلنت ــاج إلى آخر ،أو من منطق ــة ألخرى،
األمر الذي يؤدي إلى الس ـ ــيطرة الكاملة على االقتص ـ ــاد القومي .ويكون مص ـ ــير المنتجين الص ـ ــغار
المسـ ـ ــتقلين السـ ـ ــقوط واإلفالس ،حيث سـ ـ ــلبتهم المنافسـ ـ ــة وسـ ـ ــائل اإلنتاج التي كانوا يملكونها .ويبقى
أمامهم طريق واحدة لكســب وســائل عيشــهم ،هي تأجير قوة عملهم في الشــركات ال أرســمالية .كما أن
التقدم التقني أكثر فأكثر في المص ـ ـ ــانع والش ـ ـ ــركات ،أدى إلى االس ـ ـ ــتغناء عن عدد كبير من العمال
لتحل محلهم اآللة .وهكذا ظهر جيش العمل االحتياطي "البطالة".
-2الرأسمالية االحتكارية:
أما المرحلة التالية في تطور اإلنتاج ال أرسـ ــمالي فهي مرحلة االحتكار -ال أرسـ ــمالية االحتكارية.
وتتص ــف هذه المرحلة باتحاد عدة فروع ص ــناعية في مش ــروع واحد .ومع نهاية القرن التاس ــع عش ــر
وبداية القرن العشـ ـرين بدأت االحتكارات تظهر بش ــكل واض ــح في أس ــلوب اإلنتاج ال أرس ــمالي متمثلة
بالكارتل والســنديكات التي أضــحت أحد األســس المهمة للحياة االقتصــادية والنشــاط االقتصــادي في
الرأسمالية ،حينذان تحولت الرأسمالية إلى إمبريالية .وبلغت مرحلة االحتكار درجة عالية من التطور
مع ظهور أرسـ ـ ـ ـ ــمالية الدولة االحتكارية كونها المرحلة األعلى في التطور االقتصـ ـ ـ ـ ــادي التكنولوجي
لل أرسـ ـ ـ ـ ــمالية .وتتصـ ـ ـ ـ ــف هذه المرحلة باندماج االحتكارات مع قوة الدولة بهدف زيادة الثروات في يد
االحتكارات والمحتكرين.
كانت السـ ــمة األسـ ــاسـ ــية لل أرسـ ــمالية ما قبل االحتكار هي المنافسـ ــة الحرة ،التي أدت إلى نجاح
بعضهم وتحقيق مزيد من الربح ،وإفالس اآلخرين .كما أدت المنافسة الحرة إلى تمركز اإلنتاج ونمو
الوزن النس ـ ــبي لبعض المؤسـ ـ ـس ـ ــات والش ـ ــركات .التي ازداد نص ـ ــيبها في مجمل اإلنتاج ،وتزايد عدد
لقد 116
العمال والطاقات المنتجة في المؤسسات الكبيرة التي أخذت تسيطر على السوق أكثر فأكثر.
مهدت المنافسـ ـ ــة ال أرسـ ـ ــمالية الحرة التربة من أجل نشـ ـ ــوء ونمو التكتالت االحتكارية وتمركز اإلنتاج
الذي يقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود في مرحلة معينة من تطوره إلى االحتكار مباش ـرة .فاالحتكار يمكن أن يكون اتفاقاً أو
اتحاداً أو تكتالً بين مجموعة من ال أرسـ ــماليين ،وقد يكون مؤس ـ ـسـ ــة منفردة كبيرة جداً .ومهما تنوعت
المؤسـسـات االحتكارية فنن هدفها واحد ،هو السـيطرة على اإلنتاج واقتسـام األسـواق ،من أجل تحقيق
أعلى ربح ممكن.
إن تطور القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج في مرحلة المنافسـ ـ ــة ال أرسـ ـ ــمالية الحرة قد هيأ لالنتقال
إلى ال أرسـ ـ ـ ــمالية االحتكارية ،في بداية القرن التاسـ ـ ـ ــع عشـ ـ ـ ــر ،وخاصـ ـ ـ ــة في الدول األوربية المتقدمة
116
-انظر ،عرض اقتصادي تاريخي ،مصدر سابق ،ص.158-156
88
(إنكلت ار ،فرنسـ ـ ــا ،هولندة) .وأخذت ال أرسـ ـ ــمالية تتطور في كل من الواليات المتحدة األمريكية وألمانيا
وروسـ ـ ـ ــيا واليابان منذ العقد السـ ـ ـ ــابع من القرن التاسـ ـ ـ ــع عشـ ـ ـ ــر .وقد اختلفت أسـ ـ ـ ــباب ظهور وتطور
ال أرس ــمالية من بلد آلخر ،فقد يس ــر تطور ال أرس ــمالية في أمريكا ،إلغاء الرق في عام ،1863وإلغاء
القنانة في روسيا عام ،1861والثورة البرجوازية ( )1870-1767في اليابان ،وتوحي ـ ـ ـ ـ ــد ألمانيا عام
.1871والسـ ـ ـ ــبب في ذلك هو اكتشـ ـ ـ ــاف واختراع أنواع جديدة من المحركات لتسـ ـ ـ ــيير اآلليات ،مثل
المحركـات الكهربـائيـة ،محركـات االحتراق الـداخلي ،والعنفـات البخـاريـة ،والـديزل ،وتطور السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـارة
والطائرة ووسائط النقل األخرى ،كل ذلك أدى إلى نمو وتطوير اإلنتاج الصناعي وتطور الرأسمالية،
وقيام الرأسمالية االحتكارية.
( إن تمركز اإلنتاج يهيل إلى سـ ـ ــيادة االحتكارات ،فنن عشـ ـ ــرات من المؤسـ ـ ـسـ ـ ــات العمالقة ال
تجابهها مص ـ ـ ــاعب كبيرة من أجل التفاهم وعقد االتفاقات فيما بينها .وفي حلول س ـ ـ ــيادة االحتكا ارت
محـل المزاحمـة ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة الحرة ،يكمن جوهر اإلمبريـاليـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي .إن االحتكـارات إنمـا هي
مؤس ـ ـس ـ ــات أرس ـ ــمالية كبيرة جداً ،أو اتحادات بين مؤس ـ ـس ـ ــات أرس ـ ــمالية تحص ـ ــر في أيديها إنتاج أو
تصـريف القسـم األكبر من منتوج الفرع المعني .وتتميز االحتكارات بالطاقة االقتصـادية وبوزن نسبي
117
هائل في الفرع اإلنتاجي المعين ،فتفرض أسعا اًر احتكارية وتبتز أرباحاً عالية بفعل االحتكار).
وكان من بين الميزات المهمة التي تحصااال عليها المشاااروعات الكبيرة االحتكارية ،التي تزايد
118
دورها أكثر فاكثر في اإلنتاج الرأسمالي والسوق الرأسمالية الميزات اآلتية:
-التفوق التقاني واستخدام التقدم العلمي والتكنولوجي.
-التنظيم األفضل لعناصر اإلنتاج وتخفيض نسبة الهدر.
-تحقيق الوفورات في التكاليف اإلدارية.
-ارتفاع إنتاجية العمل.
-توفر فرص أكبر للمؤسسة االحتكارية للحصول على قروض من مؤسسات اإلقراض.
وبناه على لك يتمثل جوهر االحتكار في ثالثة مظاهر أساسية هي:ً
)1تركيز رؤوس أموال رااااااخمة في أيدي االحتكار بحيث يتمتع بفضاااااالها بقدرة اقتصااااااادية
هائلة ،وتفوق ساحق على عدد كبير من االقتصاديين األصغر حجماً مجتمعين،
)2إمكان فرل أسعار في السوق والتدخل في آلية تشكلها،
119
)3تحقيق أرباح احتكارية عالية نتيجة للسيطرة االقتصادية.
117
-المصدر السابق ص.159
118
-انظر ،االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية ،مصدر سابق ،ص.223
119
-انظر ،االقتصاد السياسي للرأسمالية ،دار التقدم ،موسكو ،1976ص.220
89
ولم تقتص ـ ــر عملية تمركز اإلنتاج وتركز رأس المال على قطاع الص ـ ــناعة فحس ـ ــب ،بل رافقتها
أيضـاً عملية تمركز رأس المال المصـرفي .وحيث المصـارف هي مؤسـسـات لتقديم الخدمات المتعلقة
بالعمليات النقدية المصـ ـ ـ ـ ـرفي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،مثل منح القروض قبول الودائع ،تحويل النقود..الخ ،فنن الدور
األسـاسـي للمصـرف في ال أرسـمالية هو تجميع النقود السـائبة عن طريق قبول الودائع ،ومنح القروض
بهدف تمويل األنشطة االقتصادية سواء في مجال اإلنتاج أم في مجال التوزيع.
نشـ ــأت االحتكارات المصـ ـرفية في بداية القرن العشـ ـرين وتوسـ ــعت سـ ــيطرتها في مجال اإلقراض
والتسـليف واالئتمان .كما ط أر تطور وتغيير على الدور الذي كانت تقوم به المصـارف ،والعالقة بين
المصــارف واالحتكارات الصــناعية ،وتحولت المصــارف من وظيفة الوســاطة والســمسـرة البســيطة الى
احتكارات ذات جبروت يتركز في أيديها قس ـ ـ ــم كبير جداً من الس ـ ـ ــيولة النقدية في المجتمع ،ولم تعد
تقتصـ ـ ـ ـ ـ ــر وظيفة المصـ ـ ـ ـ ـ ــارف على تقديم القروض والتسـ ـ ـ ـ ـ ــليف وقبول الودائع ،بل أخذت تشـ ـ ـ ـ ـ ــارن
االحتكارات الصـ ـ ـ ــناعية بدورها في ملكية وسـ ـ ـ ــائل اإلنتاج .وحدث اندماج من جديد بين االحتكارات
الصــناعية واالحتكارات المصـرفية ،ونشــأ نوع جديد من رأس المال هو ال أرســمال المالي الذي ســيطر
على النشــاط االقتصــادي والحياة الســياســية في المجتمع البرجوازي .ويعد نشــوء ال أرســمال المالي أحد
العالئم المميزة لإلمبريالية .ولذلك يسمونه عصر الرأسمال المالي.
تحقق االحتكارات في القطاع المص ـ ـ ـ ـرفي والمالي ،قبل كل ش ـ ـ ـ ــيء ،نتيجة إلفالس المص ـ ـ ـ ــارف
الصــغيرة ،واندماج المصــارف .األمر الذي أدى إلى تمركز رأس المال المالي .وثمة وســيلة توســعية
أخرى تقوم االحتكارات المالية المعاص ـرة على اس ــتغاللها ،وهي تأس ــيس ش ــبكة واس ــعة من الفروع قد
تتجاوز حدود الدولة الواحدة ( .وفي المدة األخيرة ينتشـ ــر اسـ ــتخدام أسـ ــلوب آخر يتمثل في تأسـ ــيس
ش ـ ــركات متخص ـ ـص ـ ــة في ش ـ ـراء محفظة األس ـ ــهم المتحكمة في البنون المس ـ ــتقلة ،وإخض ـ ــاعها بذلك
إلشـ ـ ـراف مجموعة محدودة من األش ـ ــخاص .كما ينمو حجم ما تس ـ ــمى العمليات االئتمانية .فالبنون
تس ـ ـ ـ ـ ــتغل رؤوس األموال التي توض ـ ـ ـ ـ ــع تحت إشـ ـ ـ ـ ـ ـرافها المؤقت بغرض توس ـ ـ ـ ـ ــيع مجال س ـ ـ ـ ـ ــيطرتها
120
االقتصادي).
وتزايدت عمليات مؤسـ ـ ـ ـس ـ ـ ــات التس ـ ـ ــليف والتوفير ،وش ـ ـ ــركات التأمين ،وص ـ ـ ــناديق المعاش ـ ـ ــات،
وتروسـ ــتات التوظيفات .ويتمثل الدور الرئيس لهذه المؤس ـ ـسـ ــات في تجميع مدخرات الفئات الشـ ــعبية
العريض ـ ــة وتقديم هذه المدخرات إلى االحتكارات المالية الس ـ ــتخدامها في توس ـ ــيع التراكم ال أرس ـ ــمالي.
وازدادت في العقود األخيرة أهمية ش ـ ـ ـ ــركات التأمين التي تعد أقوى حلقات هذه الش ـ ـ ـ ــبكة المكونة من
الهيئات المتخصصة في مجال االحتكارات المالية.
120
-المصدر السابق ص.343
90
إن تمركز رأس المــال المــالي وتركزه يعني ظهور نمط جــديــد في االحتكــارات ،ونوع جــديــد من
الرأس مال .إنه " على نحو خاص من الحركة والمرونة ،على نحو خاص من التشــابك داخل البالد
وعلى الصـعيد الدولي ،على نحو خاص من اقتصـاد الشـخصـية الخاصـة ومن االنفصـال عن اإلنتاج
121
ويحتل الرأس مال المباشــر ،وهو يتركز بســهولة خاصــة .ولقد حقق بالفعل تركي اًز بعيد المدى ".
المالي مكان السيطرة والسيادة في اقتصاديات الدول الرأسمالية.
لقد أدى تمركز رأس المال الصـ ـ ــناعي والمالي ،وظهور المؤس ـ ـ ـسـ ـ ــات االحتكارية الكبيرة وامتداد
نشاطها وتوسعـ ـ ـ ـ ــه إلى إحداث تغيرات جدية في طبيعة نشاط الدولة التي تمثل في النظام الرأسمالي
مص ـ ـ ــالح البرجوازية واالحتكارات .كما أتاح تركيز اإلمكانات االقتص ـ ـ ــادية والس ـ ـ ــيطرة على النش ـ ـ ــاط
االقتص ـ ـ ـ ـ ــادي في أيدي عدد قليل من االحتكاريين ،أتاح لهم االلتحام مع أجهزة الدولة واس ـ ـ ـ ـ ــتغاللها
لتحقيق مصالحهم " .من ناحية أخرى ظه ــور االحتكارات ونموها قد خلقا ضرورة استخدامها المتزايد
للدولة البرجوازية .وتتحدد هذه الضرورة بناء على تعم ـ ـ ــق التناقضات بين جوهر االحتكارات كملكية
122
خاصة وبين النمو العمالق للطابع االجتماعي لإلنتاج ،الذي يقترن بنشوء االحتكارات".
إن تص ـ ـ ـ ـ ــاعد احتدام التناقض الرئيس في أس ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالي في مرحلة ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية
االحتكارية يخلق ظاهرة جديدة تتمثل في اش ـ ــتداد التالحم بين االحتكارات والدولة البرجوازية ونش ـ ــوء
ال أرس ـ ـ ـ ــمالية االحتكارية للدولة على أس ـ ـ ـ ــاس االتحاد بين قوى االحتكارات وقوى الدولة( .واإلمبريالية
)Imperialismهي ال أرسـ ـ ــمالية في مرحلتها العليا واألخيرة ،هي ال أرسـ ـ ــمالية االحتكارية .لذلك تعد
اإلمبريالية مرحلة تاريخية خاصـ ــة من مراحل ال أرسـ ــمالية ،وتنطبق عليها سـ ــائر القوانين االقتصـ ــادية
لل أرسـ ـ ــمالية .وتتميز هذه المرحلة بحلول سـ ـ ــيطرة االحتكارات محل المزاحمة (المنافسـ ـ ــة) ال أرسـ ـ ــمالية
123
الحرة .ومن أهم األسباب التي هيأت لالنتقال إلى هذه المرحلة من الرأسمالية:
تطور القوى المنتجة، -
تركز اإلنتاج، -
تركز رأس المال، -
سيادة االحتكارات الرأسمالية، -
التقسيم اإلقليمي للعالم بين الدول الرأسمالية، -
زيـادة حـدة التنـاقض بين الـدول النـاميـة والـدول المتقـدمـة ،وكـذلـك بين البلـدان اإلمبريـاليـة -
والتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنازع فيما بينها على أسـواق التصـريف وموارد المواد الخام األولية ،وحب فرض السـيطرة على
العالم.
121
-المصدر السابق ص .343
122
-المصدر السابق ص .341
123
-الموسوعة االقتصادية ،ص.75
91
124
من خالل التحليل العلمي الدقيق ،يمكن تحديد السمات األساسية لإلمبريالية وفقاً لما يأتي:
- 1تركز اإلنت ــاج والرأسمال إلى درجة عالية أدت إلى نشوء االحتكارات التي تقوم بدور حاسم
في الحياة االقتصادية.
- 2اندماج رأس المال الصــناعي ورأس المال المصـرفي ،ونشــوء الطغمة المالية ( تكوين رأس
المال المالي).
- 3تصدير أرس المال إلى جانب تصدير المنتجات.
- 4إقامة اتحادات الرأسماليين االحتكارية الدولية واقتسام العالم اقتصادياً فيما بينها.
- 5إنجاز التقسيم الجغرافي للعالم فيما بين الدول الرأسمالية الكبرى.
إن قيام االحتكارات على أسـاس الملكية الخاصـة يجعل من المحتم وجود منافسـة أرسـمالية داخل
إطار االحتكارات وخارجها .وفي الظروف الجديدة يعتمد ص ـراع المنافس ــة على قيام وض ــع احتكاري
ذي امتيازات واسـعة .أما التطور التقاني فقد أصـبح خاضـعاً لمصـالح السـيطرة االحتكارية .بيد أنه ال
بد من حدوث تغيير ش ـ ــكلي في هذه المنافس ـ ــة التي تجري في ظل االحتكارات العالمية .ففي مرحلة
مـا قبـل االحتكـاريـة ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة كـانـت المنـافسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أداة لتحقيق المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاواة في أربـاح رؤوس األموال
المتســاوية .لكن هذه االحتكارات ال تقنع بالحصــول على الربح المتوســط بل تتنافس مع المؤس ـســات
األخرى بغرض تحقيق الربح الفاحش .وفي الواقع فنن وض ـ ــعها االحتكاري يتيح لها الحص ـ ــول على
األرباح الفاحشة بوساطة آلية الصـراع التنافسي .وال تكتفي االحتكارات بأضعاف مواقع المنافس ،بل
تس ـ ــعى إلى القض ـ ــاء عليه .وتحل الص ـ ــفقات والعقود السـ ـ ـرية والس ـ ــمسـ ـ ـ رة محل التس ـ ــابق المكش ـ ــوف
والتنافس ،ويجري تتمر القلة على اآلخرين الكثرة .كل هذا يحدد النوعية الجديدة للمنافس ـ ـ ـ ــة ودرجتها
في ظل ال أرسـ ـ ــمالية االحتكارية .وهذا يعني أن المنافسـ ـ ــة تسـ ـ ــتمر في مرحلة ال أرسـ ـ ــمالية االحتكارية،
125
ولكن تظهر مواقع جديدة للصراع التنافسي ويظهر مشتركون جدد في عملية التنافس.
124
-موجز القاموس االقتصادي ،ص . 29انظر :عرض اقتصادي تاريخي ،مجموعة من المؤلفين ،الجزء الثاني ،دار التقدم موسكو،
ص.158
125
-االقتصاد السياسي للرأسمالية ،مجموعة من المؤلفين ،ترجمة ماهر عسل ،دار التقدم موسكو ،1976ص334
92
الفصل السادس
الناتج االجتماعي وتجديد اإلنتاج في الرأسمالية
(التراكم الرأسمالي)
المبحث األول -الرأسمال االجتماعي والناتج االجتماعي واإلجمالي:
الرأساامال االجتماعي :هو جملة رؤوس األموال الفردية في عالقاتها وتأثيراتها المتبادلة .فتنش ــأ
هــذه العالقــات المتبــادلــة عن التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم االجتمــاعي للعمــل وذلــك من خالل عمليــة اإلنتــاج .وتظهر
العالقات في عملية التداول ،إذ إن تعويض رأس المال (الثابت والمتغير) س ـ ـ ـواء بالقيمة أم بص ـ ـ ــورة
طبيعية يتحقق بوس ــاطة الس ــوق .وال يمكن لعملية اإلنتاج االجتماعي أن تس ــير بانتظام وتس ــتمر إال
إذا تم تصـ ـ ـريف الس ـ ــلع التي ينتجها ال أرس ـ ــماليون ،ووجدوا في الس ـ ــوق ما يحتاجون إليه من وس ـ ــائل
اإلنتاج وقوة العمل .وحصل العمال على المواد االستهالكية من السوق.
يتم عادة تقس ــيم الناتج االجتماعي في ال أرس ــمالية إما حس ــب مكوناته القيمية وإما حس ــب ش ــكله
الطبيعي أي قيمته االســتعمالية .فالناتج االجتماعي هو كتلة كبيرة من الســلع يتم إنتاجها في مجتمع
محـدد خالل مـدة زمنيـة محـددة هي عـادة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـة تقويميـة .تكون قيمـة النـاتج االجتمـاعي اإلجمـالي
مس ـ ــاوية قيمة س ـ ــائر الس ـ ــلع التي يتم إنتاجها خالل س ـ ــنة كاملة .ونس ـ ــتطيع التعبير عن قيمة الناتج
االجتماعي كقيمة أي سلعة وفقاً للمعادلة اآلتية:
+ر+م ق = ()1
حيث أن:
ق = قيمة الناتج االجتماعي.
ث = رأس المال الثابت.
ر = رأس المال المتغير.
م = القيمة الزائدة.
وفي ظـل ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة يـأخـذ النـاتج االجتمـاعي اإلجمـالي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالً سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعيـاً .ونالحظ أن النـاتج
االجتماعي اإلجمالي حسب القيمة -ينقسم إلى ثالثة أقسام:
األول :رأس المال الثابت = ث
الثاني :رأس المال المتغير = ر
=م الثالث :القيمة الزائدة
93
كما يمكن تقسيم الناتج االجتماعي اإلجمالي حسب القيمة أيضاً إلى قسمين :األول -القيمـة
المنقولة وهي تمثل قيمة رأس المال الثابت ( ث ).
الثااني -القيمـة المضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـة وهي تمثـل القيم التي يخلقهـا العمـال أثنـاء عمليـة اإلنتـاج أي رأس
المال المتغير والقيمة الزائدة وهذا يعني أن القيمة المضافة تساوي:
القيمة المضافة = ( ر +م ).
وينقس ــم الناتج االجتماعي اإلجمالي حس ــب ش ــكله الطبيعي ( تركيبه الطبيعي ) إلى مجموعتين
من الس ـ ـ ـ ــلع :األولى -وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج وتض ـ ـ ـ ــم اآلالت واألجهزة والمواد األولية والمواد المس ـ ـ ـ ــاعدة
وغيرها .والثانية -مواد االس ــتهالن وتض ــم المواد الغذائية واأللبس ــة واألحذية وغيرها .واس ــتناداً إلى
هذا التخصيص يتم تقسيم النشاط اإلنتاجي في االقتصاد الوطني إلى فرعين:
الفرع األول -ويختص بننتاج وسائل اإلنتاج أموال اإلنتاج.
الفرع الثاني -الذي يختص بننتاج مواد االستهالن أموال االستهالن.
ولتقسـ ـ ـ ــيم النشـ ـ ـ ــاط االجتماعي إلى فرعين أهمية كبيرة في عملية تجديد اإلنتاج ذلك ألن تجديد
اإلنتاج االجتماعي يجب أن يؤمن:
-1وسائل العيش الضرورية الستمرار حياة العمال والرأسماليين.
-2وسائل اإلنتاج الضرورية للبدء بعملية اإلنتاج.
-3وسائل اإلنتاج الالزمة لزيادة وتوسيع حجم اإلنتاج.
ويتم تقسـيم النشـاط االجتماعي اإلنتاجي إلى فرعين إنتاج أموال اإلنتاج وأموال االسـتهالن وفقاً
لتناسب معين األمر الذي يحدد مستقبالً للنمو االقتصادي في المجتمع.
المبحث الثاني -تجديد اإلنتاج:
يعد تجديد اإلنتاج أو تكرار عملية اإلنتاج قانوناً موض ـ ـ ــوعياً لعملية اإلنتاج في كل المجتمعات
مهما كان نوع النظام االقتصـ ـ ـ ــادي االجتماعي .إال أن تجديد اإلنتاج في النظام ال أرسـ ـ ـ ــمالي يختلف
اختالفاً جوهرياً عن تجديد اإلنتاج في المجتمعات التي سـ ـ ـ ـ ـ ــبقت ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ــمالية .ففي حين كان تجديد
اإلنتـاج في المراحل التي سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ـقت ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة يتم بالوتيرة نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا ،نالحظ أن تجـديد اإلنتـاج في
الرأسمالية يتصف بالتوسع والنمو ،وهذا يعني أن تجديد اإلنتاج يتم بطريقتين:
-1تجديد اإلنتاج البسيط.
-2تجديد اإلنتاج الموسع.
وعند تحليل إعادة اإلنتاج ( التي تعني تكرار عمليات اإلنتاج ) على المستوى الفردي ال نبحث
مس ـ ــألة تص ـ ـريف الناتج .إذ يفترض أن كل أرس ـ ــمالي يقوم على حده بتص ـ ـريف منتجاته في الس ـ ــوق
94
ويجـد هنـان مـا يحتـاج إليـه من السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع .أمـا على المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى االجتمـاعي فـنن عمليـة تجـديـد اإلنتـاج
تتطلب د ارسـ ـ ــة خاصـ ـ ــة لتحليل حركة ومكونات ال أرسـ ـ ــمال االجتماعي والناتج االجتماعي اإلجمالي.
لــذلــك ال بــد من بحــث األجزاء التي يتكون منهــا النــاتج االجتمــاعي اإلجمــالي والظروف التي تجعــل
من الممكن تصريفه وبالتالي إعادة إنتاج الرأسمال االجتماعي.
لذلك فنن عملية إعادة اإلنتاج وإعادة إنتاج ال أرسـ ـ ــمال االجتماعي ترتبط أوثق االرتباط بمسـ ـ ــألة
تصريف الناتج االجتماعي اإلجمالي أي تصريف كل السلع التي يتم إنتاجها في المجتمع.
-1تجديد اإلنتاج البسي :
يعني تجديد اإلنتاج البس ـ ــيط تكرار العملية اإلنتاجية باألحجام الس ـ ــابقة نفس ـ ــها وبدون أي زيادة
في اإلنتاج أو رأس المال .وهذا يفترض أن يقوم ال أرسـ ــماليون باسـ ــتهالن كامل القيمة الزائدة وإنفاقها
لتأمين أغ ارضـ ــهم الشـ ــخصـ ــية دون أن يخصـ ــص قسـ ــم منها في توسـ ــيع رأس المال وزيادته .وتجديد
اإلنتاج باألحجام السـ ـ ــابقة نفسـ ـ ــها يعني أن يتكرر اإلنتاج .باسـ ـ ــتثمار الكمية نفسـ ـ ــها من رأس المال
الثابت والكمية نفسها من رأس المال المتغير ،وبذلك يتكرر إنتاج القيمة الزائدة بالقيمة نفسها.
ولتوض ـ ـ ـ ــيح عملية تجديد اإلنتاج البس ـ ـ ـ ــيط نورد المثال التالي :عند الحديث عن تقس ـ ـ ـ ــيم الناتج
االجتماعي اإلجمالي حسب مكوناته القيمية وجدنا أن:
+ر+م ق = ()1
ق = قيمة الناتج االجتماعي اإلجمالي.
ث = قيمة رأس المال الثابت.
ر = قيمة رأس المال المتغير.
م = القيمة الزائدة.
أما عند الحديث عن تقسيم الناتج االجتماعي اإلجمالي حسب شكله الطبيعي وجدنا أن:
ق = ق + 1ق2 ()2
ق = قيمة الناتج االجتماعي اإلجمالي.
ق = 1قيمة الناتج االجتماعي في الفرع األول (فرع إنتاج وسائل اإلنتاج).
ق = 2قيمة الناتج االجتماعي في الفرع الثاني (فرع إنتاج المواد االستهالكية).
فـنذا افترضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـا أن قيمـة النـاتج اإلجمـالي 9000وحـده أنتج منهـا في الفرع األول ق 1مـا قيمته
6000وحدة وفي الفرع الثاني ق 2ما قيمته 3000وحدة نجد أن:
9000ق = 6000ق 3000 + 1ق.2 ()3
95
ق + 1 = 1ر + 1م.1 ()4
96
فيجب أن يتم اسـ ــتهالكه من قبل ال أرسـ ــماليين ألغ ارضـ ــهم الشـ ــخصـ ــية وهو يعادل القيمة الزائدة
التي أنتجــت في الفرع األول وقــدرهــا 1000م 1والقيمــة ال ازئــدة التي أنتجــت في الفرع الثــاني 500
م .2وهكذا يتم تجديد اإلنتاج البسـ ـ ــيط حيث يتم تكرار عملية اإلنتاج باألحجام السـ ـ ــابقة نفسـ ـ ــها عن
طريق استخدام الحجم نفسه من رأس المال الثابت ورأس المال المتغير في كل عملية إنتاج جديدة.
ومن خالل تجديد اإلنتاج البسيط نجد أن هنان عالقة بين الفرع األول والفرع الثاني عن طريق
تصريف المنتجات وتدفقات السلع بين الفرعين وهذا يتم وفق معادالت محددة:
2 + 1 ق= 1 ()5
2 2000 + 1 4000 = 6000
وهذا يعني أن تكرار اإلنتاج في الفرع األول بالحجم الس ـ ـ ـ ـ ـ ــابق نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــه يحتاج إلى 4000ث1
ك أرس ـ ــمال ثابت ،يتم إنتاجها في الفرع األول ،كما أن تكرار اإلنتاج في الفرع الثاني بالحجم الس ـ ــابق
نفســه يحتاج إلى 2000ث 2ك أرســمال ثابت يتم إنتاجها في الفرع األول أيض ـاً .أي إن الفرع الثاني
يحتاج إلى 2000ث 2من الفرع األول ك أرسـ ــمال ثاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مقابل (1000ر 1000 + 1م )1ينفقها
العمال والرأسماليون في الفرع األول على شراء سلع استهالكه من الفرع الثاني .والمعادلة الثانية.
( +ر + 2م) 2 ( ر + 1م) 1 ق= 2 ()6
10000( = 3000ر1000 + 1م500( + )1ر500 + 2م)2
أي أن منتجات الفرع الثاني تخصـ ـ ـ ـ ـ ــص لالسـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن الشـ ـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ـ ــي النهائي لكل من العمال
وال أرس ـ ـ ــماليين في الفرعين .ويتم اس ـ ـ ــتهالن جزء من إنتاج الفرع الثاني داخل الفرع وهو عبارة عن (
ر + 2م ،) 2وما تبقى يتم مبادلته مع الفرع األول عن طريق ش ـ ـ ـراء وس ـ ـ ــائل اإلنتاج وهي ( ث) 2
ك أرس ـ ـ ـ ــمال ثابت مقابل ما يعطيه الفرع الثاني من مواد اس ـ ـ ـ ــتهالكه للفرع األول ،وهي ما يحتاج إليه
العمال وال أرس ـ ـ ــماليون في الفرع األول ( ر + 1م .) 1وهكذا تتكرر عملية اإلنتاج بالحجوم الس ـ ـ ــابقة
نفسها وهذا هو تجديد اإلنتاج البسيط.
- 2تجديد اإلنتاج الموسع:
تجــديــد اإلنتــاج الموسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع هو تكرار عمليــة اإلنتــاج بحجوم أكبر من حجم اإلنتــاج في عمليــة
اإلنتاج السابقة وزيادة اإلنتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج تتطلب زيادة في رأس المال الثابت ورأس المال المتغير .لذلك يبدأ
الرأسماليون عملية اإلنتاج الجديدة برأس مال ثابت ومتغ ـ ــير أكبر من حجمه في الدورة السابقة .فنذا
كان ال أرس ـ ـ ـ ــمالي في حال تجديد اإلنتاج البس ـ ـ ـ ــيط يقوم بننفاق كامل المقيمة الزائدة على اس ـ ـ ـ ــتهالكه
الشـ ــخصـ ــي ،فننه في حال تجديد اإلنتاج الموسـ ــع ،يجب أن يخصـ ــص القيمة الزائدة أو قسـ ــماً منها
لزيادة رأس المال الثابت والمتغيـ ـ ــر .أي تحـ ـ ــويل القيمة ال ازئـ ـ ــدة أو قس ٍم منهـ ـ ــا إلى رأس مال وهذا ما
يدعى بتراكم رأس المـال Capital Accumulationوال يمكن زيادة اإلنتـاج والتوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع في عملية
97
اإلنتاج إال عن طريق زيادة عناص ـ ـ ـ ــر اإلنتاج ،وبذلك يعد التراكم في رأس المال ش ـ ـ ـ ــرطاً ض ـ ـ ـ ــرورياً
لعملية تجديد اإلنتاج الموسع.
وهدف ال أرس ــمالي دائماً من تخص ــيص القيمة الزائدة أو قسـ ـ ٍم منها لشـ ـراء عناص ــر إنتاج جديدة
وتحويلها إلى رأسمال هو السعي للحصول على كميات أكبر من الربح.
كــانــت هــذه هي الــدورة اإلنتــاجيــة األولى ولكي يزداد اإلنتــاج في الــدورة التــاليــة ال بــد أن يقوم
ال أرسـ ــمالي بتحويل قسـ ــم من القيمة الزائدة إلى رأس مال والباقي يذهب السـ ــتهالكه الشـ ــخصـ ــي .فنذا
افترض ـ ـ ــنا أن ال أرس ـ ـ ــمالي يقوم بتخص ـ ـ ــيص نص ـ ـ ــف القيمة الزائدة في الفرع األول لزيادة رأس المال،
وتوزيع رأس المــال بين ثـ ابــت ومتغير يبقى على مــا كــان عليــه ،وأن معــدل القيمــة ال ازئــدة ال يتغير
أيضاً نحصل على النتائج التالية في الدورة اإلنتاجية الالحقة في الفرع األول وفقاً للمخطط اآلتي:
98
400
100
500 500
استهالال استثمار
600استهالال 150استثمار
50
100
99
( )3ق 1000(+ )1 Δ 4000 + 1 4000( = 1ر Δ 100 + 1ر1100 + )1م6600 = 1
كذلك في الفرع الثاني نفترض أن ال أرس ـ ــمالي يحول قس ـ ــماً من القيمة الزائدة إلى أرس ـ ــمال وقدره
،150توزع بمعـدل 100لرأس المـال الثـابـت و 50لرأس المـال المتغير .مع بقـاء العالقـة بين رأس
المــال الثــابــت و أرس المــال المتغير والقيمــة ال ازئــدة في الفرع الثــاني على مــا هي عليــه ،1 :1 :2
وبذلك نحصل على النتائج التالية في الدورة اإلنتاجية الالحقة:
ق 750(+ )2 Δ 100 + 2 1500( = 2ر Δ 50 + 2ر800 + )2م3200 = 2 ()4
وهكذا يكون الناتج اإلجمالي في دورة اإلنتاج التالية (تجديد اإلنتاج الموسع) وفقاً لما يلي:
ق 1100 + 1 4400 = 1ر 1100 + 1م6600 = 1 ()5
= 3200 ق 800 + 2 1600 = 2ر 800 + 2م2
ق = ق + 1ق2
9800 = 3200 + 6600
وبذلك نالحظ أن حجم اإلنتاج في الدورة اإلنتاجية الثانية كان أكبر من حجم اإلنتاج في الدورة
األولى وهذا هو تجديد اإلنتاج الموسع.
وإذا طبقنا التوزيع نفسه في دورة اإلنتاج الثالثة نصل إلى النتائج اآلتية:
( ) 6ق 1210 + 1 4840 = 1ر 1210 + 1م7260 = 1
= 3520 ق 880 + 2 1760 = 2ر 880 + 2م2
100
أي إن حجم النــاتج في الفرع األول ،وهو الفرع الــذي ينتج وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ل اإلنتــاج يجــب أن يعــادل
مجموع رأس المال الثابت األصلي واإلضافي من الفرعين األول والثاني .والمعادلة الثالثة:
ق( 2ر Δ + 1ر + 1م1ن) ( +ر Δ + 2ر + 2م2ن) ()9
م2ن = القيمة الزائدة التي خصصها الرأسمالي الستهالكه الشخصي في الفرع الثاني.
وه ــذه المع ــادل ــة تعني أن قيم ــة الن ــاتج االجتم ــاعي في الفرع الث ــاني يج ــب أن تع ــادل مجموع
ال أرس ــمال المتغير األص ــلي اإلض ــافي في الفرعين األول والثاني مض ــافاً إليه الجزء من القيمة الزائدة
الذي خصصه الرأسماليون الستهالكهم الشخصي في الفرعين أيضاً.
إن عملية إعادة اإلنتاج وتجديده تتض ـ ـ ـ ـ ــمن ،في ظروف ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية المعاصـ ـ ـ ـ ـ ـرة ،إعادة إنتاج
ال أرسـ ــمال االجتماعي اإلجمالي على مسـ ــتوى االقتصـ ــاد ال أرسـ ــمالي العالمي بأس ـ ـره ،الذي يجمع بين
البلدان المتقدمة والبلدان النامية .وفي كل بلد على حده يتصـ ـ ـ ــف تجديد اإلنتاج البسـ ـ ـ ــيط والموسـ ـ ـ ــع
بسـ ـ ــمات خاصـ ـ ــة ترتبط بالهيكل االقتصـ ـ ــادي ومسـ ـ ــتوى تطور القوى المنتجة ،وطبيعة العالقات مع
البلدان األخرى ،وتتصف عملية إعادة اإلنتاج بسمات خاصة في البلدان النامية.
المبحث الثالث -القانون العام للتراكم الرأسمالي:
إن تردي وضـ ـ ــع الطبقة العاملة وانتشـ ـ ــار البطالة ال تفسـ ـ ــرها قوانين الطبيعة ،بل قانون اإلنتاج
ال أرس ـ ـ ــمالي وقد أوضـ ـ ـ ـ ح ذلك ماركس بقوله ( بقدر ما تتعاظم الثروة االجتماعية ورأس المال العامل
ومدى نموه وقدرته على النمو وبالتالي ازدياد الكتلة المطلقة للطبقة العاملة وإنتاجية عملها ،بقدر ما
يزداد هذا الجيش الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــناعي االحتياطي اتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعاً ..بيد أن بقدر ما يزداد هذا الجيش االحتياطي
بالنســبة إلى جيش العمل الفاعل ،تزداد كذلك كتلة فيض الســكان الثابت الذي يتناســب بؤســهم طرداً
مع شـ ـ ـ ــدة العمل التي يعاني منها جيش العمال المشـ ـ ـ ــتغلين ) )126( .وهذا هو جوهر القانون العام
للتراكم الرأسمالي.
وهكذا القانون العام للتراكم ال أرسـ ـ ــمالي ،يعني أن تراكم رأس المال يشـ ـ ــترط نمو الثروة في أيدي
طبقة الرأسماليين ونمو البطالة والبؤس في جانب الطبقة العاملة.
وهــذا يعني أن تراكم رأس المــال هو الــذي يؤدي إلى تردي وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع الطبقــة العــاملــة وإلى نمو
وانتش ـ ـ ــار البطالة والبؤس .إن القانون العام للتراكم ال أرس ـ ـ ــمالي نتيجة ظاهرة وملموس ـ ـ ــة لفعل القانون
االقتصـ ــادي األسـ ــاسـ ــي لل أرسـ ــمالية ،وهو قانون إنتاج القيمة الزائدة .فالسـ ــعي لتضـ ــخيم وزيادة القيمة
ال ازئـدة يؤدي إلى تراكم الثروات .وظهور البـذخ والتبـذير في جـانـب البرجوازيـة .وبقـدر مـا يزداد تراكم
الثروات في أيدي البرجوازيين ،يزداد جيش العاطلين عن العمل وتزداد كذلك درجة اس ــتغالل العمال
126
-انظر ،د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.422-415
101
المشـ ــتغلين ويسـ ــوء وضـ ــعهم المادي .لذلك تراكم رأس المال وتردي وضـ ــع الطبقة العاملة هما وجها
المجتمع الرأسمال اللذان ال ينفصالن.
تردي ورع الطبقة العاملة النسبي والمطلق:
يرافق تطور الرأسمالية عادة تردي وضع الطبقة العاملة النسبي .وهذا يعني أنه بقدر ما تتنامى
الثروة االجتماعية ،ينخفض نصـ ـ ــيب العمال في إجمالي القيمة المضـ ـ ــافة وبقدر ما يتعاظم نصـ ـ ــيب
ال أرســماليين فيها .ويظهر التردي النســبي لوضــع الطبقة العاملة قبل كل شــيء في انخفاض نصــيب
األجور من الدخل القومي ،وهذا يوضح لنا ارتفاع درجة االستغالل.
إن الدخل القومي ،أي القيمة المض ـ ــافة الجديدة في االقتص ـ ــاد الوطني خالل عام كامل ينقس ـ ــم
إلى قسمين :األجور وهي رأس المال المتغير ( ر ) ،والقيمة الزائدة ( م ).
م
فإ ا كان معدل القيمة الزائدة = -------يتزايد ،فه ا يعني أن نسبة
ر
ر
األجور إلى الدخل القومي = ------تتناقص.
ر+م
ويظهر التردي النســبي لوضــع الطبقة العاملة مع تطور ال أرســمالية أيض ـاً في انخفاض نصــيبها
من الثروة االجتماعية .ففي بعض البلدان ال أرس ــمالية تملك نس ــبة ض ــئيلة من المجتمع نص ــف الثروة
القومية أحياناً في حين ال يملك القسم األعظم من السكان إال الجزء الضئيل منها.
أما تردي وض ـ ـ ـ ــع الطبقة العاملة المطلق فهو يعني تردي ش ـ ـ ـ ــروط عمل وحياة الطبقة العاملة،
فتهبط األجور الفعلي ــة وترتفع تك ــاليف المعيش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،ويزداد جيش الع ــاملين عن العم ــل في الريف
والمدينة ،وتزداد شدة العمل ،وتسوء شروط السكن بشكل عام في صفوف العمال.
ولكن ال يجوز فهم التردي المطلق لوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع الطبق ــة الع ــامل ــة على أنـ ه ظــاهرة موازيــة لتطور
ال أرسـمالية ،وال هو دائم وشـامل في مسـتوى معيشـة العمال سـنة بعد سـنة ويوماً بعد يوم .فنن مسـتوى
المعيشـ ـ ــة لبعض فئات العمال قد يتحسـ ـ ــن في هذا البلد أو ذان أو في بضـ ـ ــعة بلدان مع انخفاضـ ـ ــه
عموماً في االقتصـ ــاد ال أرسـ ــمالي العالمي .لذلك يظهر التردي المطلق لوضـ ــع الطبقة العاملة بشـ ـ كل
متفاوت بين مكان ومكان آخر وزمان آخر.
102
االتجاو التاريخي للتراكم الرأسمالي:
حلل ماركس تراكم رأس المال من جميع وجوهه ثم بين االتجاه التاريخي للتراكم ال أرس ــمالي .إن
منطلق نشـوء الملكية ال أرسـمالية هو الملكية الخاصـة لصـغار المنتجين .فقد أخذ االقتصـاد البضـاعي
ص غير في زمن النظام اإلقطاعي يتفسـخ ويولد عناصـر النظام ال أرسـمالي ،ولكن هذه العملية كانت
ال ـ
بش ـ ـ ــكل بطيء جداً ولذا عززتها مص ـ ـ ــادرة ملكية المنتجين الص ـ ـ ــغار بالقوة في مرحلة التراكم األولي
لرأس المال.
وكانت النتيجة أن الملكية ال أرس ــمالية لوس ــائل اإلنتاج أض ــحت هي الس ــائدة .ثم ظهرت الملكية
الخاص ــة ال أرس ــمالية الكبيرة ،والتي أس ــهمت في المرحلة األولى من تطورها في اإلس ـراع بتطوير قوى
اإلنتاج االجتماعي وتزايد مس ـ ـ ــتوى التقانة ،وتوحيد المئات بل آالف العمال في عملية العمل .واتخذ
اإلنتاج طابعاً اجتماعياً .وتزايد واشــتد الطابع االجتماعي لإلنتاج بفعل القوانين االقتصــادية المالزمة
للنظام ال أرسـمالي .إن القانون االقتصـادي األسـاسـي لل أرسـمالية -إنتاج القيمة الزائدة -يشـترط تفاقم
اس ــتغالل العمال مع تعاظم تراكم رأس المال .وبقدر ما تتطور ال أرس ــمالية ،يدخل الطابع االجتماعي
لعملية اإلنتاج في تناقض مع شـكل الملكية ال أرسـمالية لوسـائل اإلنتاج .وبذلك تغدو الملكية الخاصـة
عقبة رئيسة في وجه تطور قوى اإلنتاج االجتماعي.
وهكذا تحض ـ ــر ال أرس ـ ــمالية بنفس ـ ــها القوى الموض ـ ــوعية والذاتية المض ـ ــادة لها .وهذا هو االتجاه
التاريخي للتراكم ال أرس ــمالي ،أي تهيئة الش ــروط الض ــرورية إللغاء الملكية ال أرس ــمالية الخاص ــة وزوال
127
الرأسمالية وانتصار االشتراكية.
127
-نيكتين :أسس االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.88
103
الفصل السابع
نظريات تفسير القيمة التبادلية وأشكالها
المبحث األول -القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية:
حاول ماركس أن يكش ــف القانون االقتص ــادي لحركة تطور المجتمع .لذلك قام بد ارس ــة عالقات
اإلنتاج في هذا المجتمع ،من حيث والدة هذه العالقات وتطورها وزوالها .إن الشـ ـ ـ ـ ـ ــيء السـ ـ ـ ـ ـ ــائد في
المجتمع ال أرسـمالي هو إنتاج البضـائع ،وانطلق ماركس من أن البضـاعة هي بالدرجة األولى ،شـيء
يس ــد حاجة من حاجات اإلنس ــان ،وهذا ما يعطيها قيمة اس ــتعماليه والبض ــاعة بالدرجة الثانية ،ش ــيء
يمكن مبادلته بشـيء آخر .وهذا ما يعطيها قيمة تبادلية .أي إن البضـاعة باختصـار قيمة اسـتعماليه
وقيمة تبادلية والقيمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هي العالقة بين مبادلة عدد من القيم االستعمالية من نوع ما بعدد من القيم
االستعمالية من ن ــوع آخر( .فما هو العنصر المشترن بين هذه األشياء المختلفة التي يعادل بعضها
ببعض باســتمرار في نظام معين من العالقات االجتماعية ؟ إن العنصــر المشــترن بينها ،هو كونها
نتاجات عمل .فعندما يتبادل الناس منتجاتهم يعادلون بين أنواع العمل األكثر تبايناً.
إن إنتاج البض ـ ـ ـ ـ ــائع هو نظام العالقات االجتماعية يخلق فيه ش ـ ـ ـ ـ ــتى المنتجين منتجات متنوعة
"التقس ـ ـ ــيم االجتماعي للعمل " ويعادلون بينها عند التبادل .وبالتالي ،العنص ـ ـ ــر المش ـ ـ ــترن بين جميع
البضائع ليس هـ ـ ـ ـ ــو العمل الملموس في فرع معين من اإلنتاج ،وليس هو عمالً من نوع خاص ،بل
هو العمل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاني المجرد ،العمل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاني بوجه عام… إن كمية القيمة تتحدد بكمية العمل
الضــروري اجتماعياً ،أو بوقت العمل الضــروري اجتماعياً إلنتاج بضــاعة معينة أي قيمة اســتعماليه
128
وبناء على ما ورد أعاله نجد " أن البض ــائع ،بوص ــفها قيماً ،ليس ــت إال كميات محدودة معينة).
129
من وقت العمل المتبلور ".
وفي مجال تحليل القيمة التبادلية ،اســتند ماركس إلى النظرية التقليدية في القيمة " نظرية القيمة
في العمل " التي ناقشـ ـ ــها دايفيد ريكاردو وتنص على أن العمل البشـ ـ ــري هو جوهر القيمة التبادلية.
فالقيمة التبادلية لكل سـ ـ ــلعة تم إنتاجها ،تقدر على أسـ ـ ــاس كمية العمل المتجسـ ـ ــد في هذه السـ ـ ــلعة،
وتتفـاوت قيمـة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع والمنتجـات بتفـاوت العمـل المبـذول في إنتـاج كـل منهـا .فقيمـة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة التي
يتطلب إنتاجها س ــاعتين من العمل ،تعادل قيمة س ــلعتين يتطلب إنتاج كل منهما س ــاعة عمل واحدة
فقط.
128
-لينين -ماركس -انجلس ،الماركسية ،دار التقدم موسكو ،ص.26
129
-ماركس ،مساهمة في نقد االقتصاد السياسي ،ص.27
104
واس ـ ـ ـ ــتطاع ريكاردو أن يعطي هذه النظرية معنى الش ـ ـ ـ ــمول واالس ـ ـ ـ ــتيعاب ،وآمن بأن العمل هو
المصـ ــدر العام للقيمة التبادلية .وعد المنافسـ ــة شـ ــرطاً أسـ ــاسـ ــياً ،لتشـ ــكل القيمة التبادلية على أسـ ــاس
العمل ،ألنه من الممكن في حالة االحتكار أن تتضـاعف قيمة السـلعة المحتكرة وفقاً لقوانين العرض
والطلـب ،دون أن تزـي د كميـة العمـل المبـذول في إنتـاجهـا .والحظ ريكـاردو أن إنتـاج ـي ة وكفـايـة العمـل
البشري تتفاوت من عامل آلخر .فساعة من عمل الصانع الذكي النشيط ،ال يمكن أن تساوي ساعة
من عمـل الص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانع البليـد البطيء .وقـد عـالج ذلـك بـافتراض مقيـاس عـام لكفـايـة اإلنتـاجيـة في كـل
مجتمع .فكــل كميــة من العمــل إنمــا تخلق القيمــة التي تتنــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب معهــا ،إذا كـ انــت تتوافق مع ذلــك
130
عبر عنـه مـاركس( :بكمياة العمال الضااااااااارورياة
وهـذا المقيـاس نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه هو الـذي ّ المقيـاس العـام.
اجتماعياً) ،إذ قال:
إن الوقق الضروري اجتماعياً إلنتاج البضائع هو الوقق ال ي يقتضيه كل عمل يجري إنتاجه
بدرجة وساااطية ،من المهارة والقوة وفي شاااروا اعتيادية طبيعية ،بالنسااابة إلى البيئة االجتماعية
المعينة ...إ ن فكمية العمل وحدها ،أو وقق العمل الضااااروري اجتماعياً في مجتمع معين إلنتاج
131
صنل ما ،هي التي تحدد كمية القيمة.
كي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف يمكننا إذاً أن نفس ــر مس ــاهمة عناص ــر اإلنتاج األخرى (غير العمل) في عملية تكوين
القيمـة .مـا دام األس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس الوحيـد للقيمـة هو العمـل .أوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ريكـاردو أن الريع نتيجـة لالحتكـار.
فاألش ـ ـ ـ ــخاص الذين س ـ ـ ـ ــيطروا على الجزء األكثر خص ـ ـ ـ ــباً من األرض يحص ـ ـ ـ ــلون على الريع نتيجة
الحتكارهم الجزء الخص ــب من األرض ،واض ــطرار اآلخرين إلى اس ــتثمار األ ارض ــي األقل خص ــوبة.
وبذلك يتم إبعاد عنصر األرض كأحد عناصر اإلنتاج من عملية تكوين القيمة.
أما العنصـ ــر اآلخر من عناصـ ــر اإلنتاج وهو رأس المال فقد أكد ريكاردو أن رأس المال ما هو
إال عمالً متجس ـ ـ ـ ــداً في أداة أو مادة ،ليس ـ ـ ـ ــتخدم من جديد في عملية إنتاج جديدة .فال ض ـ ـ ـ ــرر لعده
عـامالً مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالً في تكوين القيمـة التبـادليـة .فـالمـادة التي بـذل في إنتـاجهـا سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة من العمـل ،ثم
تعبر عن عمل ســاعة يضــاف إلى الكمية الجديدة من
اســتهلكت هذه المادة في عملية إنتاج جديدةّ ،
العمل ،التي يتطلبها اإلنتاج الجديد.
وبع ـ ـ ـ ــد استبعاد عنصر األرض (الطبيعة) وعنصر رأس المال من عملية تكوين القيمة ،نجد أن
العمل هو األساس الوحيد للقيمة .وهذا ما توصل إليه كل من ريكاردو وماركس.
130
-السيد محمد باقر الصدر ص.202
131
-كارل ماركس ،رأس المال ج 1ص.50-49
105
المبحث الثاني -نظريات القيمة:
اهتم االقتصــاديون األوائل بموضــوع القيمة ،وحاولوا شــرح وتفســير محددات " القيمة " Value
للسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة .ولكن معنى لفظ القيماة لم يكن واحـداً أو منسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـاً خالل م ارحـل التطور الـذي حـدث في
موضـ ــوع القيمة فيتم اسـ ــتخدام القيمة أحياناً كمرادف للثمن أو سـ ــعر السـ ــلعة ،بينما نجد أن كالً من
آدم سـ ـ ــميث ودافيد ريكاردو قد حاول التفريق بين القيمة والسـ ـ ــعر .فنن القيمة بالنسـ ـ ــبة آلدم سـ ـ ــميث
تعني قيمة السلعة االستعمالية بينما يمثل السعر قيمتها التبادلية.
(وقد اهتم آدم سميث في تحليله للقيمة التبادلية ،بتحديد مقياس حقيقي للقيمة ،وفصل العناصر
المكونة للقيمة كالً على حدة ،فضـ ـالً عن تحديد العوامل التي تتس ــبب في انحراف "سااعر السااوق "
ويرى آدم س ـ ـ ــميث أن العمل هو أس ـ ـ ــاس القيمة ،وأص ـ ـ ــلح 132
عن " الساااااعر الطبيعي " أو القيمة).
مقياس للقيمة .فقيمة السلعة تعتمد بشكل كامل على كمية العمل المبذول إلنتاجها فننه من الطبيعي
أن قيمة الحقيبة الجلدية تكون مرتفعة بالنسبة لقيمة علبـ ـ ـ ــة الثقاب ألن إنتاج الحقيبة الجلدية يتطلب
عمالً أكثر بالمقارنة مع علبة الثقاب .وقد تطورت نظرية العمل أسـاس القيمة على يد دافيد ريكاردو
وكارل ماركس الذي اكتشف قانون القيمة الزائدة ،باالستناد إلى نظرية العمل أساس القيمة.
واالنتقـاد الموجـه لنظريـة العمـل أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس القيمـة هو تجـاهـل هـذه النظريـة لـدور الطلـب في تحـديـد
القيمة التبادلية للسـلعة .على الرغم من أن بعض االقتصـاديين التقليديين (الكالسـيك) قد اعترفوا بأن
ارتفاع ســعر الســلعة أو قيمتها التبادلية في بعض الفترات يعود إلى ارتفاع الطلب على الســلعة دون
أن تقابله أية زيادة في العرض .ولكـ ـ ـ ـ ــن ذلك يعد وضعاً مؤقتاً وغير طبيعي ويمثل انحرافاً في سعر
السوق عن القيمة الحقيقية للسلعة.
لقد ظهرت نظريات كثيرة تحاول تفس ـ ـ ـ ـ ــير ماهية القيمة وجوهرها ،ترى بعض النظريات أن قيمة
السـ ـ ــلعة التبادلية تتحدد بحجم تكاليف اإلنتاج ،فنذا كانت الوحدة الواحدة من السـ ـ ــلعة آ تعادل ثالث
وحدات من الس ـ ـ ـ ــلعة ب ،فنن الس ـ ـ ـ ــبب في ذلك هو أن تكاليف الوحدة الواحدة من الس ـ ـ ـ ــلعة آ تعادل
تكاليف ثالث وحدات من السـ ـ ـ ـ ــلعة ب .ونظريات أخرى ترى أن قيمة السـ ـ ـ ـ ــلعة التبادلية تحدد بحجم
العمل المبذول في إنتاج هذه الس ـ ـ ــلعة .وفئة ثالثة ترى أن قيمة الس ـ ـ ــلعة تأتي من ندرتها ،فكلما قلت
كمية السـلعة ارتفعت قيمتها ،والعكس صـحيح .وبعض النظريات ترى أن قيمة السـلعة تربط بالمنفعة
133
هنان مجموعتان من نظريات تفسـير ماهية القيمة التبادلية التي نحصـل عليها من هذه السـلعة.
المجموعة األولى -ترى أن أس ـ ـ ــاس القيمة ومقياس ـ ـ ــها أمر ذاتي .فالقيمة ،اس ـ ـ ــتناداً
134
وجوهرها:
لهذه المجموعة تكون حس ــب تقدير الفرد للس ــلعة وهذا التقدير أمر ذاتي يعود إلى حجم المنفعة التي
132
-د .نعمة هللا نجيب إبراهيم ،مقدمة في االقتصاد ،الدار الجامعية ،بيروت 1990ص.65
133
-أحمد مراد ،المصدر السابق ص.225-220
134
-انظر ،د .موفق السيد حسن ،التحليل االقتصادي الجزئي ،مصدر سابق ص.33-21
106
نحص ــل عليها من هذه الس ــلعة ومدى إش ــباعها لحاجات الفرد .المنفعة ،والمنفعة الحدية .المجموعة
الثانية -مقياسها موضوعي من خالل ما أنفق على إنتاج البضاعة من عمل أو عمل ورأس مال.
" القيمة في العمل ".
-1نظرية المنفعة والمنفعة الحدية:
ظهرت هذه النظرية في القرن الثامن عش ـ ـ ـ ــر ،من رواد هذه النظرية وأنص ـ ـ ـ ــارها "كونديالن" و "
كالياني " .وتقوم هذه النظرية على أن قيمة الس ـ ـ ــلعة تتحدد بمقدار المنفعة التي نحص ـ ـ ــل عليها .لقد
عرف الفيلسـ ــوف اإلنكليزي " بنثام " المنفعة بأنها قوة خفية في األشـ ــياء تسـ ــتطيع أن تحقق اإلشـ ــباع
للفرد .وتتحقق سـ ـ ـ ـ ـ ــعادة الفرد في حال تحقيق اإلشـ ـ ـ ـ ـ ــباع الكلي لحاجاته ،أي إن سـ ـ ـ ـ ـ ــعادة الفرد هي
المجموع الكلي لإلشـ ـ ـ ــباعات المختلفة التي يحصـ ـ ـ ــل عليها ،ويمكننا القول إن المنفعة هي خاصـ ـ ـ ــية
عامة ومشتركة ،تشترن فيها جميع السلع التي يستخدمها المستهلك.
يس ــتهدف النش ــاط االقتص ــادي -كما تحدثنا في الفص ــل األول -خلق الس ــلع إلش ــباع الحاجات
اإلنسانية ،والحاجات اإلنسانية هي تعبير عن الرغبة وهي متعددة (مادية وروحية) ،وتزداد الحاجات
وتتنوع دون ما انقطاع ما دامت الرغبات اإلنسانية متجددة وغير متناهية .وتكتسب السلع والخدمات
التي ينتجها اإلنســان صــفة المنفعة عندما تقوم هذه الســلعة أو الخدمة بتلبية رغبة اإلنســان وحاجته.
وال بد من التمييز بين المعنى الش ـ ـ ــائع للمنفعة والض ـ ـ ــرر والمعنى االقتص ـ ـ ــادي .فاألش ـ ـ ــياء الض ـ ـ ــارة
بالمفهوم الص ـ ـ ــحي أو الخلقي ،كالتبغ والكحول مثالً -قد يكون نافعاً بالمعنى االقتص ـ ـ ــادي إذا كان
135
محالً إلشباع رغبة اإلنسان .وبذلك تتميز المنفعة كظاهرة اقتصادية بالصفاتاآلتية:
• المنفعة عالقة بين الس ــلع واإلنس ــان ،فهي ذات طابع ذاتي ،ترتبط بتوفر الرغبة الش ــخص ــية،
وبذلك تخلق المنفعة باس ــتيقاظ رغبة ش ــخص ــية وتزول بزوالها .وهذا يعني أن المنفعة ال تمثل ص ــفة
موض ـ ــوعية مالزمة لس ـ ــلعة ما أو ناجمة عن طبيعتها ( ،وبالتالي ال يش ـ ــترط عندما تحقق س ـ ــلعة ما
مس ـ ـ ــتوى من المنفعة لش ـ ـ ــخص معين أن تحقق المس ـ ـ ــتوى ذاته من المنفعة لش ـ ـ ــخص آخر ،فالمنفعة
االستعمالية لعلبة من السجائر ،مثالً تكون معدومة بالنسبة لغير المدخنين).
• المنفعة االقتصــادية لســلعة ما تتوقف على كمية هذه الســلعة ومدى توفرها من جهة ،ثم على
شدة الحاجة المطلوب إشباعها من جهة أخرى.
• المنفعة مرتبطة بالطابع االقتصـ ـ ـ ــادي للسـ ـ ـ ــلع والخدمات ذات الطابع الذي يجعل من سـ ـ ـ ــلعة
محالً للتبادل من خالل قيمتها االستعمالية أي من خالل منفعتها.
وقد افترض بعض االقتصاديين أمثال " جيفونز " و " منجر " و " فالراس " و " الفرد مارشال
" إمكانية قياس المنفعة عددياً .واسـ ــتخدموا لذلك الوحدات المعنوية ،بحيث يسـ ــتطيع المسـ ــتهلك الفرد
135
-انظر ،المصدر السابق ص.39-38
107
تحديد رقم يمثل مقدار المنفعة التي يحص ــل عليها من اس ــتهالن س ــلعة ما .مثال ذلك ،رغيف الخبز
يعطي المس ـ ـ ـ ـ ــتهلك 15وحدة منفعة ،وشـ ـ ـ ـ ـ ـريحة اللحم تقدم له 5وحدات منفعة ،وهذا ما يس ـ ـ ـ ـ ــمى "
136
المنفعة العددية ".
ثم ظهر المفهوم الترتيبي للمنفعة " المنفعة الترتيبية " ،الذي يقوم على أن المنفعة التي يحصل
عليها المس ـ ـ ــتهلك من الس ـ ـ ــلع المتاحة ،تكون ذات مس ـ ـ ــتويات متعددة ،والمس ـ ـ ــتهلك من خالل تمتعه
بالرش ـ ــد االقتص ـ ــادي يكون قاد اًر على تقويم مس ـ ــتوى المنفعة المس ـ ــتمدة من كل مجموعة من الس ـ ــلع
137
ومقارنة هذه المستويات وترتيبها تنازلياً أو تصاعدياً.
لقد رفض بعض االقتصـ ـ ــاديين فكرة القياس العددي للمنفعة وقاموا بتوضـ ـ ــيح سـ ـ ــلون المسـ ـ ــتهلك
138
حيث يفترض في المســتهلك أن يعين أرقاماً ترتيبية لمنافع على أســاس القياس الترتيبي للمنفعة.
الس ـ ــلع التي يس ـ ــتهلكها بدالً من أن يعين أرقاماً عددية .وبذلك يمكن أن تقاس المنفعة التي نحص ـ ــل
عليهـا ترتيبيـاً ،أي ـب داللـة األرقـام الترتيبيـة كمـا يلي :األول ،الثـاني ،الثـالـث ،....،وهكـذا( .مثـل هـذا
القياس هو قياس ترتيبي ،وليسـ ــت هنان وسـ ــيلة لمعرفة -فقط من األرقام الترتيبية -ما هي عالقة
الحجم باألرقام .فالرقم األول قد يكون أوالً ضـعف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرقم الثاني في الحجم .وهكذا القياس الترتيبي
للمنفعة يسـ ـ ــمح لنا فقط بمعرفة أن منفعة البديل ( آ) أكبر من منفعة البديل (ب ) ،ولكنه ال يسـ ـ ــمح
139
لنا بمعرفة بكم يفوق البديل األول البديل الثاني.
كما افترض هؤالء االقتصـ ــاديون أن كل سـ ــلعة إنما تغل منفعة حدية متناقصـ ــة كلما اسـ ــتهلكت
وحـدات أكثر فـأكثر منهـا ( .والمنفعاة الحادياة هي حجم الزيـادة في المنفعـة النـاتجـة عن اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن
وحدة واحدة أكثر من السلعة ) .وهذا ما يع ـ ـ ـ ـ ـ ــرف " بقانون تناقص المنفعة الحدية " الذي يصف لنا
اتجاه المنفعة الحدية زيادة أو نقص ـ ـ ــاناً عندما تتغير الكمية المس ـ ـ ــتهلكة منها .إن الفكرة األس ـ ـ ــاس ـ ـ ــية
لقانون تناقص المنفعة الحدية تقوم على اعتبارات نفســية لدى المســتهلك .مما تقدم نالحظ أن نظرية
المنفعة الحدية قد استندت إلى عدد من الفرضيات لعل من أهمها ما يلي:
-افتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرضــت نظرية المنفعة الحدية " رشــد المســتهلك " وهذا يعني أن المســتهلك يســعى دائماً
لتعظيم وزيادة المنفعة الكلية التي يحصل عليها في حدود إمكاناته.
-افتراض كميــة مفهوم المنفعــة :وهــذا يعني إمكــان قيــاس المنفعــة عــددي ـاً ،بمعنى أن المنفعــة
المكتس ــبة من اس ــتهالن أي كمية من س ــلعة أو خدمة معينة يمكن قياس ــها بطريقة عددية( .ويفترض
136
-انظر ،د .محمود يونس محمد و د .عبد النعيم محمد مبارن ،أساسيات على االقتصاد ،مصدر سابق ص.155-150
137
-انظر ،المصدر السابق ص.173-172
-ظهر هذا االتجاه في رفض قياس المنفعة عددياً ،في الثالثينات من هذا القرن ،حيث هاجم االقتصاديان اإلنكليزيان :جـ.د .الين ،جـ. 138
108
المفهوم الكمي للمنفعة أن المسـ ـ ـ ــتهلك يكون قاد اًر -بشـ ـ ـ ــكل أو بتخر -عند اسـ ـ ـ ــتهالن أية مجموعة
سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعية أل أن يحدد " عدداً " معيناً يمثل مقدار المنفعة التي يكتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبها من جراء اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن هذه
140
المجموعة السلعية).
-ثبات المنفعة الحدية للنقود :إن أس ــاس اس ــتخدام مؤش ــر ما أو معيار أو قاعدة ،كوحدة قياس
هو أن يكون هذا المؤشـ ــر أو المعيار أو القاعدة ثابتاً " كالمتر ال يمكن أن يكون مرة 90سـ ــم ومرة
أخرى 110ســم بل هو ثابت دائماً 100ســم " .لذلك يجب أال تتأثر المنفعة الحدية للنقود مع تغيرات
دخل المستهلك ،وإال فننها تفشل كمقياس للمنفعة.
-المنفعة الحدية ال بد أن تؤول في النهاية إلى التناقص.
-المنفع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الحدية ألي مجموعة س ــلعية تعتمد على كمية س ــلع هذه المجموعة( .فنن المنفعة
الكلية التي يكتسبها المستهلك أو يشتقها من استهالكها ال بد أن تعتمد على كميات هذه السلع ).
141
وقد تم توجيه عدد من االنتقادات الجوهرية لنظرية المنفعة أهمها:
• تولي هذه النظرية األهمية الحاس ـ ـ ـ ــمة لالس ـ ـ ـ ــتهالن وليس لإلنتاج .وهي بذلك تتجاهل أهمية
العمل وأهمية اإلنتاج الذي يؤدي الدور الحاسم في حياة المجتمع االقتصادية .وتهدف من وراء ذلك
إخفاء المص ــدر الحقيقي للقيمة ،الذي هو العمل ،ثم ،إخفاء حقيقة أن النظام ال أرس ــمالي يعيش على
عمل واستغالل العمال المأجورين.
• تستند نظرية المنفعة إلى التقويم الذاتي لألفراد في تحديد القيمة وهي تعتمد بذلك منهجاً ذاتياً
نفس ــانياً ،فاألس ــعار ال تحدد بوس ــاطة التقويم الذاتي لألفراد ،إن المنتجين للبض ــاعة والمس ــتهلكين لها
يضطرون عند التقدير الذاتي للبضاعة إلى االنطالق من أسعارها " قيمتها " التي تشكلت موضوعياً
قبل نزولها إلى السوق.
• تنظر هذه النظرية إلى االقتص ـ ـ ـ ــاد االجتماعي نظرة س ـ ـ ـ ــكونية غير تاريخية ،وترى في قانون
القيم ـ ـ ـ ـ ــة الذي يتجل ـ ـ ـ ـ ــى لديها في (قانون المنفعة الحدية) قانوناً ثابتاً وخالداً .ولكن كما هو معلوم لم
تتحول المنتجـات إلى بضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع إال بعـد مرحلـة طويلـة من تطور اإلنتـاج االجتمـاعي ،أي في مرحلـة
اإلنتاج البضاعي.
• نالحظ تناقضــات داخلية في هذه النظرية .فهي تحدد مقدار القيمة بالمنفعة الحدية ،والمنفعة
الحدية تحدد بشدة الحاجة اإلنسانية ،وشدة الحاجة اإلنسانية تتحدد بقدرة المنافع المادية.
لكن " الندرة " ليس ـ ـ ـ ــت خاصـ ـ ـ ـ ـ ة طبيعية مالزمة للمنافع المادية ،وهي بحد ذاتها تتوقف إلى حد
كبير على قيمة هذه المنافع .فعندما تكون قيمة البض ـ ــاعة عالية (بس ـ ــبب ارتفاع تكاليف إنتاجها في
البداية) اس ـ ـ ــتهالكها س ـ ـ ــيكون محدوداً ،وبالتالي س ـ ـ ــيكون إنتاجها قليالً ،وتبدو "نادرة " .وبذلك ترسـ ـ ــم
140
-انظر ،المصدر السابق ص.173-172
141
-انظر ،د .كامل بكري ،مبادئ االقتصاد ،مصدر سابق ص.33-32
109
نظرية المنفعة الحدية لنفسـ ـ ـ ــها دائرة مغلقة :فمقدار قيمة البضـ ـ ـ ــائع يتحدد بمنفعتها الحدية ،ومنفعتها
الحدية تتحدد بندرتها ،ولكن ندرتها تعتمد على مقدار قيمتها.
فنن تفسير القيمة بالمنفعة الحدية يبدو غير نافع إلى الدرجة (الحدية) من وجهة نظر علمية.
-2نظرية " القيمة في العمل ":
لقد تجاوزت أفكار المدرس ــة االقتص ــادية الكالس ــيكية محدودية مدرس ــة الطبيعيين "الفيزوقراطيين"
ولم تقتصــر على د ارســة الزراعة ،كما تجاوزت محدودية المدرســة التجارية "الميركنتلية " ولم تقتصــر
على د ارســة النشــاط التجاري ،بل درس اقتصــاديو المدرســة الكالســيكية ،وخاصــة آدم ســميث ودافيد
ريكاردو ،اإلنتاج الصـ ــناعي ،وبرهنوا على أن اإلنتاج المادي ،والعمل يعدان المصـ ــدر الرئيس لثروة
الشـعوب وأرسـوا بذلك أسـاس نظرية القيمة الناجمة عن العمل "القيمة – العمل " .طبقاً لهذه النظرية
إن مقدار قيمة البضـ ــاعة "السـ ــلعة " ،التي يجري تبادلها بتناسـ ــب معين ببضـ ــاعة أخرى ،إنما يتحدد
142
بالعمل المنفق على إنتاجها.
لعـ ـ ـ ـ ـ ــل أهم ما قدمه االقتصاد السياسي الكالسيكي ،هو نظرية القيمة .حيث استطاع وليم بيتي،
آدم سـميث ودافيد ريكاردو التمييز بين أسـعار السـوق والقيمة ،واسـتنتجوا أن قيمة البضـاعة " السـلعة
" يحددها العمل المبذول في إنتاجها .لقد أكد آدم س ــميث أن كل عمل في أي فرع أو نش ــاط إنتاجي
هو عمل منتج يخلق قيمة وقد ميز سميث بين مرحلتين لإلنتاج :األولى – مرحلة اإلنتاج البضاعي
البس ــيط ،حيث كان تبادل البض ــائع يتم على أس ــاس كمية العمل المبذول في إنتاجها مباش ـرة .الثانية
-مرحلة اإلنتاج البضـ ــاعي ال أرسـ ــمالي .فقد عد سـ ــميث أن القيمة هنا تتألف من تجميع ثالثة أنواع
م ـ ـ ـ ـ ــن الدخل :األجر ،الربح ،الريع .ثم بين دافيد ريكاردو " أن القيمة التبادلية للبضائع تتحدد بكمية
143
العمل المبذول في إنتاجها " ،وأن هذا القانون ينطبق أيضاً على اإلنتاج الرأسمالي.
-3النظرية الماركسية في القيمة:
تختلف البضـ ــائع بوصـ ــفها قيماً اسـ ــتعماليه من حيث الكمية والكيفية .واألمر المشـ ــترن بينها هو
أنهـا منتوجـات العمـل ،وأن العمـل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاني المجرد هو المقيـاس المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترن بينهـا .وبـذلـك العمـل
المبذول أثناء إنتاج السـ ـ ــلعة تتحدد قيمة هذه السـ ـ ــلعة .وتصـ ـ ــبح السـ ـ ــلع بوصـ ـ ــفها قيماً قابلة للمقارنة
والمقايسة مما يسهل عملية تبادلها.
بقدر ما يزداد حجم العمل المبذول إلنتاج الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلعة وص ـ ـ ـ ـ ـ ــنعها تزيد قيمتها .وال تتض ـ ـ ـ ـ ـ ــح قيمة
البضـ ــاعة وتتجلى إلى في التبادل ،وعن طريق القيمة التبادلية .وعندما تتم بين األفراد عملية مبادلة
السلع ،يقيمون المعادلة بين البضاعتين بوصفهما قيمتين.
142
-انظر ،إيلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.132
143
-انظر ،د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،المصدر السابق ص.215-214
110
( وهكذا تكون البضـاعة وحدة القيمة االسـتعمالية والقيمة التبادلية .إن ازدواجية طبيعة البضـاعة
تنجم عن ازدواجيـة طـابع عمـل منتج البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة .وقـد كـان مـاركس هو الـذي كشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف للمرة األولى
144
ازدواجية طابع العمل .وهذا ما أتاح له فض سر االستغالل الرأسمالي ).
تب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ازدواجية طابع العمل من خالل أن كل عمل منتج للبضـ ــاعة ،هو عمل ملموس( ،أي
عمل إنتاجي يخلق بحد ذاته ،قيمة اس ـ ـ ـ ــتعماليه معينة مثل ص ـ ـ ـ ــنع الحذاء أو البراد أو الكرس ـ ـ ـ ــي أو
الكتاب أو رغيف الخبز) .وتشـترن جميع هذه األعمال الحسـية " الملموسـة " في خاصـية مهمة وهي
أنها جهد تبذله قوة العمل اإلنسـ ـ ـ ــانية ،أي إنها طاقة إنسـ ـ ـ ــانية ذهنية وعضـ ـ ـ ــلية وعصـ ـ ـ ــبية إنها جهد
145
إنساني عام ،يبذل أثناء عملية اإلنتاج ومباشرة العمل الحسي الملموس ،وهذا هو العمل المجرد.
ومن خالل الطبيعـة المزدوجـة للعمـل نجـد أن كـل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة هي عمـل مجرد .وعنـدمـا تتم عمليـة
تبادل الس ــلع في الس ــوق يجري تجريد البض ــائع من األش ــكال الخاص ــة المتميزة التي يتص ــف بها كل
نوع من األنواع العديدة من العمل الملموس .وتجري عملية التبادل من خالل التعادل بين البضـ ـ ـ ــائع
بوصـ ـ ــفها مخزناً للعمل المجرد ،حيث يكون العمل المجرد المتبلور في السـ ـ ــلع والبضـ ـ ــائع متجانس ـ ـ ـاً
كيفياً ،ويمكن بوساطته قياس قيم البضاعة أثناء عملية التبادل.
وحي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث إن قيمة السـلعة يخلقها العمل اإلنسـاني ،يقاس مقدار القيمة بكمية العمل المتبلور في
السلعة .والمعيار الطبيعي لقياس حجم العمل هو وقت العمل (ساعة ،يـ ـ ــوم ،أسبوع) .وتختلف كمية
الوقت الذي ينفق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه المنتجون إلنتاج س ـ ــلع مختلفة ،بل تختلف كمية الوقت الالزم لص ـ ــنع الس ـ ــلعة
نفسها .وهـذا يتوقف على:
• أدوات العمل المستخدمة في عملية اإلنتاج،
• مهارة العامل الذي يقوم بالعمل،
• تنظيم العمل والمستوى التقاني ،إضافة إلى عوامل أخرى متعددة.
ممـا تقـدم نالحظ أن الوقـت الـذي ينفقـه العـامـل بمفرده إلنتـاج سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة مـا هو وفق عملـه الفردي.
ولكن مقـدار قيمـة البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة ال تحـدده نفقـات العمـل الفرديـة التي قـد تختلف من عـامـل آلخر ومن
وقت آلخر .إن القيمة تنطوي على العمل االجتماعي( .ولهذا يتحدد مقدار قيمة البض ـ ـ ـ ـ ــاعة بالعمل
الضـ ــروري اجتماعياً أو بوقق العمل الضاااروري اجتماعياً) .إن وقت العمل الضـ ــروري اجتماعياً أو
بوقت العمل ألجل صــنع ســلعة ما في ظروف متوســطة ،عادية ،لإلنتاج وفي حال مســتوى متوســط
في المرحلة المعينة لمهارة العاملين وشـ ـ ـ ــدة العمل .إن وقت العمل الضـ ـ ـ ــروري اجتماعياً ليس مقدا اًر
ثابتاً بشـ ـ ــكل دائم ،فهو يتغير مع تغير درجة التقنية والتطور التكنولوجي ،ونمو إنتاجية العمل ،علماً
بأنه " وقت العمل الضروري اجتماعياً " يميل إجماالً وعموماً إلى الهبوط.
144
-الكسندر يوزويف ،ماهي الرأسمالية ،دار التقدم موسكو ،1987ص.32-31
145
-انظر ،االقتصاد السياسي للرأسمالية ،دار التقدم ،موسكو 1976ص .52-51-50
111
المبحث الثالث -أشكال القيمة التبادلية:
أوضـ ــحنا في الفقرات السـ ــابقة أن العمل هو الذي يخلق قيمة البضـ ــاعة ،وتبين أن مقدار القيمة
يقاس بكمية العمل المبذول في إنتاج الس ـ ـ ـ ـ ــلعة .ولكن المنتجين كثيرون ويبذلون في إنتاج الس ـ ـ ـ ـ ــلعة
الواحـدة كميـات مختلفـة من العمـل .وبمـا أن قيمـة البض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة يخلقهـا العمـل المبـذول في إنتـاجهـا..
نس ــتطيع تحديد هذه القيمة من خالل مقارنة سـ ـ لعة بأخرى في س ــياق عملية التبادل .أي عبر القيمة
التبادلية .إن قيمة متر من النســيج أو فأس واحدة ال يمكن التعبير عنها مباشـرة بوقت العمل ،ولكننا
نستطيع التعبير عنها من خالل عملية التبادل بوساطة بضاعة أخرى.
146
-االقتصاد السياسي للرأسمالية ،النظرية الماركسية -اللينينية ،دار التقدم موسكو ،1976ص.58
112
التبادل بين منتجي البضـ ــائع .وحين تتم معادلة سـ ــلعة معينة بسـ ــلع أخرى أثناء عملية التبادل ،أي "
القيمة التبادلية ".
- 1الشكل البسي للقيمة التبادلية:
صفة اإلنتاج الطبيعي،ُيعد شـكل القيمة البسـيط من أقدم أشـكال القيمة ،حين كان اإلنتاج يتسـم ب ـ
وكانت المنتوجات معدة لالس ــتهالن المباش ــر ال للتبادل ،ولم يكن الفائض من المنتوجات يش ــكل إال
جزءاً بسـ ـ ــيطاً في إجمالي اإلنتاج لذلك كانت كميات فائض اإلنتاج المخص ـ ـ ـصـ ـ ــة للمبادلة محدودة.
وبذلك انحصــرت عملية التبادل في حدود ضــيقةجداً .لقد كانت ســلعة ما تبادل مباش ـرة بســلعة أخرى
ولم تكن السلعة األولى تجد تعبي اًر عن قيمتها إال في سلعة واحدة محددة.
مثالً :محراث مقابل رأس من الماشــية ،أو خمســة كيلو غرامات من الصــوف مقابل 20كغ من
الحبوب .أي إن التبادل هنا كان يتم سـلعة مقابل سـلعة أخرى وبصـورة عفوية وتحكمه الصـدفة التي
تجمع بين المتبادلين .ويظهر شكل القيمة البسيط وفقاً للعالقة اآلتية:
وتبدو هذه المعادلة التبادلية البس ــيطة على ش ــكل عالقة كمية بين الس ــلعة آ والس ــلعة ب ،وعليه
يشـترط شـكل القيمة البسـيط وجود طرفين في المعادلة التبادلية ،الطرف األول وهو السـلعة المنسـوبة
وهي في مثالنا المحراث أو 5كغ الصـ ــوف ،والطرف الثاني وهي السـ ــلعة المعادلة التي تقوم بعملية
تحديد قيمة السلعة األولى وهي في مثالنا رأس الماشية أو 20كغ حبوب.
- 2الشكل الواسع للقيمة التبادلية)147(:
ويدعى أحياناً بشـكل القيمة الكامل أو المتطور أو الناضـج .وظهر هذا الشـكل للقيمة بعد تقسـيم
العمل االجتماعي األول في العالم حين انفصـ ــلت عملية الرعي وتربية المواشـ ــي عن الزراعة وبدأت
تتطور ِّ
الحرف .وأخذت تتزايد كميات اإلنتاج الفائضـ ـ ـ ــة التي تخصـ ـ ـ ــص للتبادل .وتنوعت المنتجات
الخاضـ ـ ــعة للتبادل وزادت كمياتها .مما أدى إلى اعتماد شـ ـ ـ كل القيمة الواسـ ـ ــع بدالً من شـ ـ ــكل القيمة
البسـيط .ونظ اًر لتنوع السـلع التي دخلت ميدان التبادل أصـبح باإلمكان قياس قيمة السـلعة آ بعدد من
السـلع ،التي يقوم كل منها بدور السـلعة المعادلة .أي إن السـلعة المنسـوبة تجد تعبي اًر عن قيمتها في
عدد من السـ ــلع وهذه السـ ــلع التي يعبر كل منها عن قيمة السـ ــلعة المنسـ ــوبة تدعى السـ ــلع المعادلة.
147
-د .عارف دليلة ،المصدر السابق ص.209
113
وأصـ ـ ــبح التبادل بين المنتجين ظاهرة منتظمة ومسـ ـ ــتمرة وكانت الماشـ ـ ــية هي السـ ـ ــلعة األكثر رواجاً
ومبادلة بين السلع األخرى كافة .وظهر شكل القيمة الواسع وفقاً للعالقة اآلتية:
إن هذا الشـ ـ ـ ـ ـ ــكل للقيمة يتم من خالل التعبير عن قيمة سـ ـ ـ ـ ـ ــلعة واحدة ،بعدد كبير من السـ ـ ـ ـ ـ ــلع
األخرى .ولكنه ال يزال يقـ ـ ـ ـ ـ ــوم على الشكل المباشر للتبادل .وال يوجد أي صعوبة في عملية التبادل
هنا عندما يريد صــاحب الماشــية كمية من النســيج ويكون صــاحب النســيج راغباً في الحصــول على
الماشية.
ولكن تظهر الص ـ ــعوبة عندما ال يحتاج ص ـ ــاحب النس ـ ــيج إلى الماش ـ ــية وال يرغب في الحص ـ ــول
عليها ،وإنما يحتاج إلى الص ـ ــوف .وهكذا تزداد العملية تعقيداً مع تنوع الس ـ ــلع والبض ـ ــائع وتزايد عدد
المنتجات التي تدخل ميدان التبادل.
وقد ظهرت بعض العيوب التي توض ــحت في عملية التبادل أثناء اس ــتخدام ش ــكل القيمة الواس ــع
أهمها:
◼ عدم تحديد قيمة كل سلعة بشكل نهائي.
◼ ص ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبة مقارنة الســلعة المعادلة مع الســلعة المنســوبة وذلك بســبب ظهور القيمة المعادلة
للسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة في صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور مختلفـة .فقيمـة القمح مثالً كـانـت تقـارن بقيمـة اللحوم أو الفـأس أو الجلود أو
الصوف ،لذلك كان من الصعب المقارنة بين قيم السلع المختلفة واالطمئنان إلى صحة النتائج.
◼ تعقد عملية التبادل المباش ــر ،ألن القيمة االس ــتعمالية لس ــلعة ما تعد قيمة اس ــتعماليه بالنس ــبة
لجميع األفراد وفي جميع األوقات .وكلما زاد عدد السـ ـ ــلع التي تدخل السـ ـ ــوق تعقد التبادل المباشـ ـ ــر
والتعبير عن القيمة .وتم التغلب على هذه والصعوبات مع ظهور شكل القيمة العام.
114
- 3الشكل العام للقيمة التبادلية:
مع تطور التبادل وتزايد اإلنتاج البضـ ـ ـ ــاعي وتنوعه ،أخذت تتميز عن عالم البضـ ـ ـ ــائع بصـ ـ ـ ــورة
عفوية بعض الس ــلع التي بدأت تؤدي دور الس ــلعة المعادلة ،واختلفت هذه الس ــلع من وقت إلى وقت
آخر ومن مجتمع إلى مجتمع آخر .وكانت السـ ـ ــلعة المعادلة تبدو في شـ ـ ــكل رأس من الماشـ ـ ــية ،أو
كمية من الحبوب أو الملح وأحياناً الفراء ،وغير ذلك.
وحسـ ـ ــب ما ورد أعاله ال تجد السـ ـ ــلعة المنسـ ـ ــوبة التي يراد مبادلتها أمامها مجموعة من السـ ـ ــلع
معادلة لها وإنما يقابلها س ـ ــلعة واحدة تكون بمثابة المعادل العام لجميع الس ـ ــلع .ويتميز ش ـ ــكل القيمة
العام من ش ـ ــكل القيمة الواس ـ ــع بأن قيمة جميع البض ـ ــائع أص ـ ــبحت تعبر عن قيمتها في معادل عام
واحد .ويظهر شكل القيمة العام وفقاً للعالقة اآلتية:
ومن مثالنا أعاله نالحظ أن رأس الماش ـ ـ ــية يقوم بدور المعادل العام لقيم جميع الس ـ ـ ــلع األخرى.
وأص ـ ـ ــبحت كل بض ـ ـ ــاعة وفقاً لش ـ ـ ــكل القيمة العام ،ال تبادل مباش ـ ـ ـرة بالبض ـ ـ ــائع األخرى ،وإنما يقوم
المنتجون بمبادلة بضـ ـ ــائعهم أوالً مقابل سـ ـ ــلعة واحدة بدور المعادل العام (الماشـ ـ ــية) ثم يبادلون هذه
148
البضاعة األخيرة بالبضائع األخرى التي يحتاجون إليها.
قـد اختلفـت نوع السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة التي كـانـت تقوم بـدور المعـادل العـام من مجتمع آلخر ومن وقـت إلى
وقت آخر .ففي بعض المجتمعات كنا نجد الماش ـ ــية تقوم بدور الس ـ ــلعة المعادلة لجميع الس ـ ــلع وفي
148
-د .عارف دليلة ،المصدر السابق ص.209
115
مجتمع آخر كانت الحبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب أو الفرو أو الملح هو المعادل العام لقيمة جميع البض ـ ـ ـ ــائع .وهكذا
أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحـت كـل عمليـة من عمليـات التبـادل تتم على مرحلتين األولى :مرحلـة البيع والثـانيـة مرحلـة
الشـراء .ومع تزايد اإلنتاج البضــاعي واتســاع عملية التبادل أصــبح من الضــروري البحث عن معادل
عـام محـدد يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـل عمليـة التبـادل ،وكـان الحـل االنتقـال إلى المعـدنين الثمينين (الـذهـب والفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة)
ليصبحا المعادل العام وهكذا ظهر الشكل النقدي للقيمة.
- 4الشكل النقدي للقيمة التبادلية:
ظهر الشـكل النقدي للقيمة بعد حدوث التقسـيم االجتماعي الثاني للعمل ،عندما انفصـلت الحرفة
عن الزراعة ،وأصــبح الذهب والفضــة معادالً عاماً وتحوال إلى نقد ،وذلك بســبب الخصــائص المميزة
لهذين المعدنين الثمينين وأهمها:
-التجانس والتماثل في النوع،
-قابلية االنقسام،
-صغر الحجم وقدرتهما على تجسين أكبر قيمة أو عمل في أقل وزن،
-سهولة النقل،
-قابليتهما للحفظ ومقاومتهما للتلل.
والنقد ما هو إال بضـ ـ ـ ـ ـ ــاعة معينة تعود إليها وظيفة اجتماعية تتمثل في التعبير عن قيمة جميع
البضائع األخـ ــرى .ومع ظهور النقد أصبح المعادل العام الذي تقاس بوساطته قيمة جميع البضائع.
ويظهر شكل القيمة النقدي وفقاً للعالقة اآلتية:
السلعاة المعادلة السلعاة المنسوبة
= رأس واحد من الماشية
5رامات من ال هب = كيس من الحبوب
= مح ار
= خمسة أمتار من النسيج
وقد ظهر النقد كمعادل عام لقيم جميع السـ ـ ـ ـ ــلع األخرى قبل الميالد بزمن طويل وذلك عندما تم
اكتش ـ ـ ـ ـ ــاف المعادن الثمينة .وتدريجياً آخذت المعادن الثمينة (الذهب والفض ـ ـ ـ ـ ــة) تحل محل الس ـ ـ ـ ـ ــلع
األخرى كمعادل عام للقيمة وبص ـ ـ ـ ــورة نهائية .وظل الذهب والفض ـ ـ ـ ــة زمناً طويالً يقومان بدور النقد
جنباً إلى جنب إلى أن أصبح الذهب المعادل النقدي الوحيد للقيمة ،في أواخر القرن التاسع عشر.
116
تطور أشكال القيمة التبادلية
السلعة المنسوبة شكل القيمة
السلعة المعادلة
ب سلعاة = آ سلعاة 1البسي
ب ع سلعاة = آ س سلعاة
ب سلعاة = 2الواسع
ت سلعاة = سلعاة آ
سلعاة =
ب ع سلعاة =
ت و سلعاة = سلعاة آ س
ها سلعاة =
= ب سلعاة 3العاام
سلعاة آ = ت سلعاة
= سلعاة
= ب ع سلعاة
سلعاة آ س = ت و سلعاة
= ها سلعاة
= ب ع سلعاة
رام من ال هب س = ت و سلعاة 4النقدي
= ها سلعاة
117
المبحاث الرابع -قاانون القيماة وعالقاة التنااساااااااااب بين العمال االجتمااعي وقيماة البضاااااااااائع
وأسعارها:
يمثل قانون القيمة العالقة والتناســب بين العمل االجتماعي وقيمة البضــائع " الســلع " وأســعارها،
ويمكننا توضح قانون القيمة وصياغتها على النحو اآلتي:
آ -إن مصدر قيمة السلعة هو العمل المجرد المبذول في إنتاجها.
ب -يتحدد مقدار قيمة السلعة بمقدار وقت العمل الضروري اجتماعياً إلنتاجها.
جـ -تتحدد نسب تبادل السلع والبضائع من خالل التناسب بين قيمها.
( يعمل قان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون القيمة في كل اقتصـ ــاد بضـ ــاعي .ولكن طابع عمله يتوقف على طابع ملكية
وسـائل اإلنتاج .فه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو يعمل بشـكل عفوي في أوضـاع اإلنتاج البضـاعي البسـيط واإلنتاج ال أرسـمالي
بسـ ـ ــبب الملكية الخاصـ ـ ــة لوسـ ـ ــائل اإلنتاج .أما في أوضـ ـ ــاع اإلنتاج االشـ ـ ــتراكي القائم على الملكية
االجتماعية لوس ــائل اإلنتاج ،فيس ــتخدم من قبل المجتمع بش ــكل واع ومخطط وفي مص ــلحة المجتمع
149
).
( ومع التغير المسـ ـ ــتمر في العرض والطلب تتذبذب األسـ ـ ــعار ...عن القيمة هبوطاً وصـ ـ ــعوداً.
واختالف األسـ ــعار عن القيمة يعني أن بعض المنتجين الذين تباع سـ ــلعهم بأسـ ــعار أدنى من القيمة
يص ــابون بخس ــارة من هذا اإلنتاج ،وبالتالي ال تعد ذوي مص ــلحة في توس ــيعه ،كما يعني في الوقت
نفسه أن منتجين آخرين ممن تباع سلعهم بأسعار أدنى من القيمة يصابون بخسارة من هذا اإلنتاج،
وبالتالي ال تعد لهم مص ــلحة في توس ــيعه ،ويأخذ بعض ــهم في التحول إلى إنتاج س ــلع أخرى .وهكذا
150
تعاني بعض فروع اإلنتاج انكماشاً على حين تزدهر فروع أخرى ).
تذبذب األســعار حول القيمة ال يتحدد في مجال التداول فحســب بل يرتبط أيض ـاً بالتغيرات التي
تحدث في مجـال اإلنتاج .حيث إن التغيرات في إنتاجية العمل التي تحدد التغيرات في مقدار القيمة
الخاصــة بوحدة اإلنتاج تؤدي أيض ـاً ،من خالل تذبذبات األســعار ،إلى إعادة توزيع العمل بين فروع
151
اإلنتاج.
مما تقدم نجد أن قانون القيمة هو قانون اقتصـ ـ ــادي موضـ ـ ــوعي لإلنتاج البضـ ـ ــاعي (السـ ـ ــلعي).
ويصـ ـ ــبح هذا القانون في ظل الملكية الخاصـ ـ ــة لوسـ ـ ــائل اإلنتاج المنظم العفوي لإلنتاج البضـ ـ ــاعي.
حينذان نجد أن الس ـ ــعر ال يتطابق مع قيمة الس ـ ــلعة إلى حين يكون العرض مس ـ ــاوياً الطلب( ،حين
يكون حجم اإلنتاج الكلي لس ــلعة معين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة مس ــاوياً حجم الطلب الفعلي على هذه الس ــلعة) .وإال فنن
149
-د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،المصدر السابق ،ص.211
150
-االقتصاد السياسي للرأسمالية ،المصدر السابق ،ص.81-70
- 151االقتصاد السياسـي دليل العلوم االجتماعية ،أكاديمية العلوم في االتحاد السوفييتي ،ترجمة د .فؤاد أيوب ،دار دمشق للطباعة والنشر.
دمشق ،1986- 1985ص.80
118
سـعر السـلعة ينحرف عن قيمتها .وعندما يكون سـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر السـوق لسـلعة معينة أعلى من قيمتها سـوف
يعمل ذلك على تحريض إنتاج وزيادة إنتاج هذه السـلعة .والعكس صـحيح أن انخفاض سـعر السـلعة
عن قيمتها سـ ــيؤدي إلى تقليص إنتاجها ...وهذا بدوره سـ ــوف يؤدي إلى إعادة توزيع العمل ووسـ ــائل
اإلنتاج بين مختلف فروع االقتصاد الوطني.
المبحث الخامس -النقود والمصارو:
وجد النقد في سياق تطور اإلنتاج البضاعي ونتيجة لتطور التبادل خالل مدة طويلة من الزمن،
كما أن تطور أشـ ــكال القيمة ابتداء من الشـ ــكل البسـ ــيط ،هو الذي أدى إلى ظهور النقد .ومع تطور
التبـادل كـان دور النقـد ينتقـل من بعض البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع إلى بعضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا اآلخر ،وقـد قـامـت فراء الوحوش
والمواشي ،والجلود ،والحبـوب ،والملح والسمك واألصداف .وغيرها من السلع بدور النقد عند مختلف
الش ــعوب وفي مختلف األزمنة .وأخذت النقود وخاص ــة المعادن الثمينة (الذهب والفض ــة) تؤدي دور
المعادل العام للقيمـ ــة .وأصبحـ ــت النقود وسيلة تقانية للمبادلة وأداة لالستثمار ،ووسيلة لدفع األجور.
بيد أن النقود في حد ذاتها ليســت أرســماالً .ونســتطيع توضــيح جوهر النقود من خالل الوظائف التي
يقوم بها النقد.
- 1وظائل النقود:
للنقود وظائف عديدة أهمها على اإلطالق أن النقد يعتبر كمقياس لتحديد قيمة البض ـ ـ ـ ـ ـ ــائع ،كما
يس ــتخدم النقد كوس ــيط للتداول ،ووس ــيلة لالكتناز ،ووس ــيلة للدفع ،وعندما يس ــتخدم في المبادالت بين
الدول يقوم بوظيفة النقد العالمي.
وظائف النقـود
وقد ارتبط دور النقد بالمعدنين الثمينين الذهب والفضــة ،وذلك بســبب الخصــائص الطبيعية التي
يتميز بها كل منهما وأهمها :التجانس والتماثل ،وقابلية االنقسـ ــام والتجزئة ،وسـ ــهولة الحفظ والمتانة،
وثبات قيمتها نسبياً.
-لن أتحدث بالتفصيل عن موضوع المصارف والنقود ،نظ اًر لوجود مقرر خاص "النقود والمصارف" يتم تدريسه في السنة الثانية.
119
آ -النقد كمقياس للقيمة:
إن قياس القيمة هي وظيفة النقد األولى والرئيسـ ـ ــة األمر الذي يعني إمكان المقارنة بين مختلف
السـلع كمياً .وفي سـبيل التعبير عن قيمة أي سـلعة أو قياسـها ال حاجة لتوفر النقد الجاهز -الذهب
مثالً .فالنقد ينجز وظيفة مقياس القيمة من حيث هو صـ ـ ـ ــورة ذهنية .إن قيمة السـ ـ ـ ــلعة المعبر عنها
بالنقد هي سـعر هذه السـلعة .وسـعر سـلعة ما يعني .تعادل قيمة كتلة محددة من الذهب وقيمة كمية
محددة من هذه السـ ــلعة .وال يقابل السـ ــعر قيمة السـ ــلعة إال في حال تطابق العرض مع الطلب ،وإال
فنن السعر ينحرف عن القيمة بصورة أكيدة.
يتم تحديد قيمة البضـ ـ ـ ـ ــاعة (السـ ـ ـ ـ ــلعة) بكمية محدودة من الذهب أو الفضـ ـ ـ ـ ــة ( 5غ من الذهب
مثالً) .وهذه الكمية من المادة النقدية يجب قياسـ ـ ـ ــها .إن وزناً معيناً من الذهب أو الفضـ ـ ـ ــة كنقد هو
الوحدة القياســية النقدية .وتم تحديد الوحدة القياســية النقدية هذه في مختلف أنحاء العالم ،الدوالر في
الواليات المتحدة األمريكية الجنيه اإلس ــترليني في بريطانيا ،والين الياباني في اليابان والليرة الس ــورية
في سـورية .وتسـهيالً للقياس ،يتم تقسـيم الوحدة النقدية القياسـية إلى أجزاء متسـاوية :الدوالر = 100
سـنت ،الجنيه = 100بنس ،الليرة السـورية = 100قرش .وتكون الوحدة النقدية وأقسـامها عبارة عن
152
ومن الواضح أن وجود مقياس مشترن للقيم يسهل عمليات التبادل ،كما يسهل مقياس لألسعار.
عمليات المحاسبة.
ونس ـ ـ ـ ـ ــتطيع التعبير بوحدات نقدية عن قيم األص ـ ـ ـ ـ ــول بأنواعها والخص ـ ـ ـ ـ ــوم على تباينها .وكذلك
الدخول والمص ـ ــروفات على اختالفها .وكيف يس ـ ــتطيع االقتص ـ ــاد الوطني أو االقتص ـ ــاد العالمي أن
يؤدي وظائفه دون وجود مقياس مشترن للقيم ،إن هذا األمر غير ممكن.
( إن الســلع جميعاً بما فيها الذهب ،قابلة للقياس بذاتها ،ألنها جميعاً حصــيلة العمل االجتماعي
ويبرز الذهب كتجس ـ ـ ـ ـ ــيد للعمل االجتماعي .أي إنه يحمل قيمة وهذا ما يمكننا من مقارنة قيم جميع
153
البضائع بمقياس نوعي واحد ).
وبذلك نالحظ أن قياس قيمة السـلع والبضـائع والخدمات هي الوظيفة األولى والرئيسـة للنقد .وأن
السلع كافة بما فيها الذهب ،قابلة للقياس بذاتها ألنها حصيلة العمل االجتماعي.
152
-نيكتين ،أسس االقتصاد السياسي ،دار التقدم ،موسكو ،1984ص.39
153
-د .كمال شرف ،النقود والمصارف ،مطبعة جامعة دمشق ،1986ص.18
120
األسـ ـ ـ ـ ــعار النظرية للسـ ـ ـ ـ ــلع يجب أن تتحول إلى مال حقيقي ويمكن التعبير عن عملية التداول بهذه
الصيغة:
ب -ن -ب
وتتكون عملية المبادلة من مرحلتين :األولى ـ تحول السلعة إلى نقود ،والثانية ـ تحول النقود إلى
س ـ ـ ــلعة .والمالحظ هنا أن البض ـ ـ ــائع التي تص ـ ـ ــل إلى يد المش ـ ـ ــتري قد تخرج من التداول (بخاص ـ ـ ــة
البضائع االستهالكية) ،بينما يبقى النقد على الدوام في حلبة التداول ،أي إنه ينتقل من يد إلى يد.
ولقد ظهر النقد في بادئ األمر ،من حيث كونه وسيطاً للتداول ،في شكل سبائك من الذهب أو
الفض ـ ــة .وظهرت بعض الص ـ ــعوبات أثناء مبادلة الس ـ ــلع لقاء الس ـ ــبائك ،فظهرت الحاجة إلى تحديد
مقدار المعدن في أية سـ ـ ــبيكة بشـ ـ ــكل دقيق وتثبيت ذلك على السـ ـ ــبيكة .ونتيجة لذلك ظهرت العملة
وهي الش ـ ـ ـ ـ ــكل المقرر للس ـ ـ ـ ـ ــبيكة التي تحتوي على كمية معروفة من الذهب من حيث الوزن والنقاوة
(العيار) ،وال بد من وجود دمغة خاصـ ـ ــة تضـ ـ ــعها الدولة على العملة لتشـ ـ ــهد على كتلة ودرجة نقاوة
هذه السبيكة.
ثـ ـ ـ ــم أخذت النقود المعدنية والنقود الورقية التي تقوم الدولة بنصدارها تحل محل السبائك الذهبية
والفضية تدريجياً.
جا – النقود وسيلة لالكتناز ومخزن للثروة:
يمكن أن تتم عملية التداول في مرحلتها األولى ،بحيث يتم بيع البضائع واستالم النقود:
ن ب
نقود بضاعة
وتؤجـل المرحلـة الثـانيـة من عمليـة التـداول ألسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـاب مختلفـة فيتوقف نتيجـ ة لـذلـك تـداول النقـد
ويصبح جامداً .وفي هذه الحالة تقوم النقود بوظيفة جديدة ،وهي وظيفة االكتناز وتخزين الثروة.
وأصـ ـ ــبح النقد رم اًز للثروة بشـ ـ ــكل عام وشـ ـ ــامل .فنن امتالكه يتيح الحصـ ـ ــول على أية بضـ ـ ـ اعة
كانت .ويكدس المنتجون النقود ،لكي يش ــتروا بها فيما بعد البض ــائع الالزمة لهم .إن هذه الوظيفة ال
يمكن أن يقوم بها إال نقداً كامل القيمة ،قطع نقدية ذهبية أو فضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية أو مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنوعات من الذهب
121
والفضـ ـ ــة .ووظيفة النقد وسـ ـ ــيلة لالكتناز ومخزن للثروة تسـ ـ ــهل عملية التراكم وتحويل النقد إلى رأس
مال في ظل أوضـ ـ ـ ـ ــاع معينة ،أي إن هذه الوظيفة للنقود تفسـ ـ ـ ـ ــح المجال أمام والدة أرس المال عند
توفر أوضاع مؤاتية.
د -النقود كوسيلة للدفع:
تتم أحياناً عملية المبادلة في مرحلتها األولى ،أي بيع البض ـ ــائع مع تأجيل دفع قيمتها .وال يدفع
المشــتري نقوداً لقاء اســتالمه للبضــائع إلى بعد مدة محددة حين يســتحق تاريخ الدفع .ونتيجة ذلك ال
تدخل النقود في التداول إلى بعد مرور مدة من الزمن .وعندما يسـ ـ ــتحق الدفع ويقوم المشـ ـ ــتري بدفع
قيمة البض ـ ـ ــاعة التي اش ـ ـ ــتراها س ـ ـ ــابقاً ،تقوم النقود هنا بوظيفة وساااايلة للدفع .ويتم دفع النقود دون
اس ـ ــتالم بض ـ ــاعة لقاء ذلك ،وإنما تس ـ ــديد لقيمة بض ـ ــائع تم بيعها ألجل .وقيام النقود بوظيفة وس ـ ــيلة
للدفع ال يقتص ـ ـ ـ ــر على مجال تداول الس ـ ـ ـ ــلع ،بل ش ـ ـ ـ ــمل أيضـ ـ ـ ـ ـاً القروض المالية ودفع الريع ،ودفع
الضرائب وغير ذلك.
وتأخذ هذه الوظيفة للنقود أهمية أكبر كلما تطور االئتمان والنظام التس ـ ـ ـ ــليفي .وعندما يس ـ ـ ـ ــتخدم
النقد كوسيلة للدفع في الصفقات الكبيرة.
ها – النقد العالمي:
لكـل دولة عملتهـا الوطنيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بهـا ،وهي تمثـل قيمـة معينـة تختلف عن قيمـة النقـد المحـدد
في الدول األخرى .ونتيجة لتطور التبادل السلعي بين الدول المختلفة ،ظهرت الحاجة إلى وجود نقد
واحد يعد مقياس ـ ـ ـ ـ ـاً للتبادل بين هذه الدول وبذلك أص ـ ـ ـ ـ ــبح دور النقود ال ينحص ـ ـ ـ ـ ــر في حدود الدولة
الواحدة وإنما تجاوز حدود هذه الدولة ليقوم بوظيفته الخامسااة كنقد عالمي .ونظ اًر الختالف طبيعة
العالقات االقتص ــادية الدولية عن العالقات االقتص ــادية الس ــائدة في المجتمع ض ــمن الدولة الواحدة،
عـد النقـد الـذهبي أو مـا يمـاثلـه من قيمـة فعليـة مقيـاس التبـادل ووسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيلـة للـدفع لتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهيـل المبـادالت
التجارية الدولية .إن المدفوعات الدولية تتطلب عمل النقد في شـ ـ ـ ــكله الطبيعي ،في شـ ـ ـ ــكل سـ ـ ـ ــبائك
المعادن الثمينة إن الذهب هو النقد العالمي .فالذهب يعمل في الســوق العالمية من حيث هو وســيلة
الدفع العمومية وأداء الشـ ـ ـ ـ ـ ـراء العمومية كونه تجس ـ ـ ـ ـ ــيداً مطلقاً للثروة ،يمكن تحويلها من بلد إلى بلد
آخر.
122
االسـتهالن ،بينما تسـتمر كمية النقود في الدورة النقدية إذ يسـتعملها البائع لشـراء سـلع وبضـائع أخرى
وهكذا يبقى النقد في مجال التداول وتخرج السـ ــلعة من التداول .فنذا اسـ ــتمرت هذه الكمية من النقود
في الــدوران والتــداول وقــامــت بعــدد من الــدورات ،فــنن ذلــك يؤدي إلى زيــادة القيمــة اإلجمــاليــة للنقــد
المتبادل نفسه.
مثال توريحي:
• اشتريق كتاباً بمبلو 100ل.س ودفعق ورقة نقدية من فئة 100ل.س.
• الكتاب خرج من التداول كسلعة.
• قام بائع الكتاب باستخدام ورقة النقد اتها التي استلمها ثمناً للكتاب واشترى بها دفاتر.
• بائع الدفاتر استخدم الورقة النقدية اتها من فئة 100ل.س واشترى أقالماً.
وبـذلـك نالحظ أننـا اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتخـدمنـا ورقـة نقـديـة واحـدة من فئـة 100ل.س في عـدة عمليـات تجـاريـة
مجموع أسـ ـ ـ ــعارها 300ل.س .أي إن الورقة النقدية قامت بثالث دورات ،وفي كل دورة تقوم بعملية
تبـادل تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوي قيمتهـا ( 100ل.س) وهـذا يعني أن مجموع أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـار العمليـات التجـاريـة التي تمـت
بوساطة هذه الورقة النقدية =
300 = 3ل.س × 100
بعد د ارس ــة وظيفتي النقد كوس ــيط للتداول ووس ــيلة للدفع ،ال بد من توض ــيح القانون الذي تتحدد
بموجبه كمية النقود الض ـ ـ ــرورية لتداول الس ـ ـ ــلع .إن كمية النقود الالزمة للتداول تتحدد بثالثة عوامل
وهي:
"س" • كمية البضائع الموجودة قيد التداول
"ث" • أسعار هذه البضائع
" دع " • سرعة تداول النقود
ويمكن التعبير عن هذه المعادلة بالصيغة اآلتية:
123
س.
……………………………… ()1 = --------- ال
دع
أي إن كمية النقود الالزمة للتداول تســاوي مجموع أثمان الســلع قيد التداول مقســومة على ســرعة
دوران النقود .وكلما ازدادت س ـ ـ ـ ــرعة تداول النقد انخفض ـ ـ ـ ــت كمية النقود الض ـ ـ ـ ــرورية للتداول ،وكلما
انخفضــت ســرعة تداول النقود ،ازدادت كمية النقود الضــرورية للتداول .فنذا بلغ مجموع أثمان الســلع
قيد التداول خالل سـنة واحدة نحو 100مليار ليرة سـورية ،وكانت سـرعة تداول النقد بمعدل وسـطي
4دورات سنوياً ،فنن كتلة النقود الضرورية للتداول هي:
25 = 4 + 100مليار ليرة سورية
وإذا كانت النقود تقوم بوظيفة وسـ ــيلة للدفع فنن مجموعة أثمان البضـ ــائع المبيعة باالئتمان تؤثر
في كمية النقد الضــروري وكذلك المدفوعات المســتحقة تؤثر أيض ـاً هذه الكمية ،فنن الصــيغة الكاملة
لقانون كمية النقود الضرورية تتخذ الشكل اآلتي:
-سآ +مم -شم س
ن = --------------------------
دع
حيث تكون:
= كمية النقود الضرورية للتداول. ن
س ث = مجموع أثمان السلع قيد التداول خالل دورة محددة.
س آ = مجموع أثمان السلع المبيعة باالئتمان.
= المدفوعات المستحقة. مم
ش م = مقدار المدفوعات المتبادلة (بالتقاص).
دع = سرعة دوران النقود( .عدد دورات وحدة النقود في العام وسطياً).
إن قانون التداول النقدي يعني أن كمية النقود الض ـ ـ ـ ــرورية لتداول البض ـ ـ ـ ــائع ( ن ) يجب أن
تساوي مجموع أثمان البضائع قيد التداول ( س ث ) ناقص مجموع أثمان البضائع المبيعة بالدين
( س آ ) مض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـاً إليهـا المـدفوعـات المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتحقـة ( م م ) ،نـاقص مجموع المـدفوعـات المتبـادلـة
المش ـ ـ ــطوبة (ش م ) وحاص ـ ـ ــل هذه العمليات الحس ـ ـ ــابية يجب قس ـ ـ ــمته على عدد دورات الوحدات
النقدية المتماثلة ( د ع ) .وتجدر اإلشـارة إلى أن هذا القانون يسـري مفعوله في جميع التشـكيالت
124
االجتماعية االقتصـادية التي تحول فيها اإلنتاج إلى إنتاج بضـاعي وسـادت فيها العالقات السـلعية
النقدية.
3ا المصارو في الجمهورية العربية السورية:
الســمة الرئيسـ ة المميزة للمصــارف في ســورية هي أنها مصــارف حكومية ،وال يوجد في ســورية
أي مصـ ـ ـ ــرف أو بنك يملكه القطاع الخاص .ويمكننا تصـ ـ ـ ــنيفها في ثالثة أنواع هي :المصـ ـ ـ ــرف
المركزي .المصـ ـ ــرف التجاري السـ ـ ــوري .المصـ ـ ــارف النوعية وهي التي تتخصـ ـ ــص بتمويل نشـ ـ ــاط
اقتصادي معين.
أ ا المصرو المركزي:
يمثل مصـ ــرف سـ ــورية مركزي رمز السـ ــيادة واالسـ ــتقرار المالي للدولة .والمصـ ــرف المركزي هو
مؤس ـ ـسـ ــة مالية تكون مسـ ــؤولة عن حماية االسـ ــتقرار المالي واالقتصـ ــادي ،وبذلك أعطي المصـ ــرف
المركزي احتكار إص ـ ـ ـ ـ ــدار العمالت المعدنية والورقية (البنكنوت) وجعل مصـ ـ ـ ـ ـ ـرفاً للحكومة ،وكذلك
مصـ ـ ـرفاً للمص ـ ــارف األخرى وباكتس ـ ــابه هذا المركز يس ـ ــتطيع المص ـ ــرف المركزي أن يراقب بفاعلية
العملــة واالئتمــان في مختلف أنحــاء الــدولـ ة ،وفي عالقــاتهــا مع الــدول األخرى .ويقوم المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف
المركزي بعدد من الوظائف أهمها:
• إصدار العمالت المعدنية والورقية (البنكنوت)،
• يعمل المصرف المركزي كمصرف للحكومة ومستشارها المالي،
• توفير السـ ــيولة الالزمة للمصـ ــرف التجاري السـ ــوري وفروعه وللمصـ ــارف المتخص ـ ـصـ ــة عند
الضرورة والقيام بعمليات المقاصة بينها،
• الرقـابـة على االئتمـان عن طريق التحكم في سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر إعـادة الخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أو عن طريق عمليـات
السوق المفتوحة.
ويقوم أحيـانـاً المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف المركزي بتغيير النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة القـانونيـة لالحتيـاطي النقـدي بهـدف محـاربـة
التضـ ـ ــخم النقدي والسـ ـ ــيطرة عليه .ويعتمد المصـ ـ ــرف المركزي أكثر من أداة في نفس الوقت لتحقيق
أهداف السياسة النقدية المتبعة.
ويعد المصــرف المركزي في ســورية مؤس ـســة عامة تعمل تحت رقابة الدولة وضــماناتها .ويتولى
المصـ ــرف المركزي القيام بوظيفة العميل المالي لإلدارات والمؤس ـ ـسـ ــات العامة ولجميع المؤس ـ ـسـ ــات
المالية التي تخضـ ــع إلحكام قانونية خاصـ ــة .ويقوم أيض ـ ـاً بتحديد إجمالي التوظيفات السـ ــنوية لكافة
المصـ ــارف السـ ــورية ،بعد أن تضـ ــع اإلدارة العامة لهذه المصـ ــارف خططها بشـ ــكل محدد بعد موافقة
وزير االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد على هـذه الخطط .ولمصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوريـة المركزي 10فروع موزعـة في مختلف
المحافظات السورية.
125
وقد تطور حجم مجموع الموجودات في الميزانية الموحدة لمصـ ــرف سـ ــورية المركزي تطو اًر كبي اًر
خالل المدة 1990ـ ـ ـ 1995حيث ارتفع من مبلغ 177454مليون ليرة سورية في عام 1990إلى
حوالي 361764مليون ليرة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوريــة في عــام ،1995منهــا نقــد ورقي ومعــدني مص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر بمبلغ
152682مليون ليرة سـ ـ ـ ــورية .كما تطور حجم الكتلة النقدية من 120702مليون ليرة سـ ـ ـ ــورية في
عام 1990إلى حوالي 253780مليون ليرة سـ ـ ــورية في عام .1995وتتراوح نسـ ـ ــبة النقد المتداولة
إلى مجموع الكتلة النقدية بين % 56إلى .% 63
ب ا المصرو التجاري السوري:
ويقوم المصـرف التجاري السـوري بجميع فروعه في مختلف أنحاء سـورية بقبول ودائع تدفع عند
الطلــب أو آلجــال محــددة ،كمــا يزاول عمليــات التمويــل الــداخلي والخــارجي ،ويمــارس عمليــات تنميـة
االدخار واالس ــتثمار المالي ،ويس ــهم في إنش ــاء المش ــروعات وكل ما يتطلبه النش ــاط االقتص ــادي من
عمليــات مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفيــة وتجــاريـة ومـاليــة وفقـاً لمــا تنص عليــه األنظمــة والقوانين النــافـذة في الجمهوريـة
العربية السورية.
وللمصـرف التجاري عدة وظائف رئيسـة :األولى -هي خلق النقود ،باسـم نقود الودائع أو النقود
المصـرفية .والثانية -قبول الودائع تحت الطلب والسـماح باسـتخدام الشـيكات للسـحب منها .والثالثة
-منح القروض للراغبين بها .والرابعة -خصم األوراق التجارية والمالية.
كما تقوم فروع المصـ ـ ـ ــرف التجاري السـ ـ ـ ــوري إلى جانب وظائفها الرئيسـ ـ ـ ــة المشـ ـ ـ ــار إليها أعاله
بمجموعة من الوظائف الثانوية األخرى ،وهي عبارة عن خدمات تتعلق بوجوه نشـ ــاطها الرئيس منها
تحص ــيل مس ــتحقات عمالئها أو تس ــديد ديونهم نيابة عنهم .إص ــدار األوراق المالية في ش ــكل أس ــهم
وسـ ــندات نيابة عن عمالئها وتسـ ــويق هذه األوراق في سـ ــوق المال .التعامل بالعمالت األجنبية بيعاً
وش ـ ـراء .تأجير الخزائن للعمالء .إصـ ــدار خطابات الضـ ــمان لتسـ ــديد التزامات عمالئه في حال عدم
تمكنهم من ذلك .وغيرها من الوظائف الثانوية .ويص ـ ــل عدد فروع المص ـ ــرف التجاري الس ـ ــوري في
مختلف أنحاء سورية إلى 43فرعاً.
حدد المصـ ــرف التجاري السـ ــوري سـ ــعر صـ ــرف الليرة السـ ــورية مقابل اليورو بالموازاة مع سـ ــعر
صرف الدوالر ،وحدد سعر العملة الجديدة اليورو بـ ـ 54.7ليرة سورية للشراء و 54.1ليرة للمبيع أما
فيما يختص بالمعامالت الرسمية الجمركية فقد بلغ سعر الصرف لليورو 13.23ليرة سورية.
سـوف تقوم الحكومة السـورية بتأسـيس مصـرف تجاري جديد لمراقبة وتشـجيع الصـادرات واإلنفاق
بالعملتين المحلية واألجنبية .وسـيتم تأسـيس هذا المصـرف برأس مال قدره مليار ليرة سـورية .ويهدف
بصــورة أســاســية إلى تشــجيع الصــادرات الســورية باتجاه األسـواق الدولية وقد أعلن وزير االقتصــاد أن
المصــرف ســوف يكون مســتقالً من الناحيتين المالية واإلدارية .حالياً المصــرف التجاري الســوري هو
المصرف التجاري الوحيد .وتمثل ميزانيته % 85من الميزانية المجمعة للقطاع المصرفي.
126
ج -المصارو المتخصصة:
إلى جانب المص ـ ــرف المركزي والمص ـ ــرف التجاري الس ـ ــوري توجد في س ـ ــورية مص ـ ــارف أخرى
يتخص ــص كل منها في نش ــاط مصـ ـرفي معين .فالمص ــارف التي تختص بتمويل النش ــاط الص ــناعي
تدعى (مص ـ ـ ــارف التنمية الص ـ ـ ــناعية) .والمص ـ ـ ــارف التي تختص بتمويل النش ـ ـ ــاط الزراعي تس ـ ـ ــمى
(بمصـارف التنمية الزراعية) .إضـافة إلى المصـرف العقاري و مصـرف التسـليف الشـعبي وصـندوق
توفير البريد .ويص ـ ـ ـ ــل عدد فروع المص ـ ـ ـ ــرف الزراعي التعاوني إلى 102فرع وعدد فروع مص ـ ـ ـ ــرف
التسليف الشعبي 54فرعاً .والصناعي 15فرعاً والعقاري 13فرعاً.
الفصل الثامن
آلية عمل االقتصاد الرأسمالي
(تحول النقد إلى أرسمال ،تحول قوة العمل إلى بضاعة ،إنتاج القيمة الزائدة)
المبحث األول -تحول قوة العمل إلى سلعة:
127
في الوقــت الــذي ال يفرق فيــه االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون البرجوازيون بين العمــل وقوة العمــل ،ويرون أن
العامل يبيع ال أرس ــمالي عمله لقاء األجر ،ذلك ألنهم ال يس ــتطيعون تفس ــير العناص ــر التي تدخل في
تحديد األجر .ال بد لنا من التفريق بين العمل وقوة العمل.
فقد عرفنا العمل في بحث س ـ ـ ـ ـ ــابق على أنه الجهد العض ـ ـ ـ ـ ــلي أو الذهني الواعي والهادف الذي
يصـ ـرفه العامل بهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدف خلق منفعة (سـ ــلعة أو خدمة) ويلحق الضـ ــرر بالعامل .بينما نجد أن قوة
العمل هي مجم ـ ـ ـ ــوع القدرات العضلية والذهنية التي يمتلكها اإلنسان والتي يستخدمها لخلق المنفعة.
وقوة العم ــل هي المؤهالت التي يمتلكه ــا الع ــام ــل للقي ــام بعم ــل م ــا أثن ــاء عملي ــة اإلنت ــاج وهي القوة
اإلنتاجية األسـاسـية ألي مجتمع كان .ولكن تحولها إلى بضـاعة ال يحصـل إال في ال أرسـمالية .وال بد
من توفر شرطيين أساسيين لتحول قوة العمل إلى بضاعة .األول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هو الحرية الشخصية للعامل،
والتي تعني حرية العامل في التصـرف بقوة عمله وبيعها لمن يرغب .والثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ حرمان العامل من
ملكيـة وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج ،العنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـذي يجبر العـامـل على بيع قوة عملـه ألن العمـل المـأجور هو
المص ـ ـ ـ ــدر الوحيد لتأمين مس ـ ـ ـ ــتلزمات العيش للعامل .لقد تم التفريق بين العمل وقوة العمل بفض ـ ـ ـ ــل
نظرية الطابع المزدوج للعمل الذي يخلق خاصـتي البضـاعة .لذلك تصـبح لقوة العمل قيمة اسـتعمالية
وقيمة تبادلية شأنها في ذلك شأن أي بضاعة.
وتكمن القيمة االسـ ـ ــتعمالية ألي بضـ ـ ــاعة في قدرتها على إشـ ـ ــباع حاجة معينة لدى اإلنسـ ـ ــان.
وال أرســمالي يشــتري قوة العمل من العامل في ســوق العمل لكي يســتخدمها ويســتهلكها في إنتاج ســلع
جديدة أثناء عملية اإلنتاج .وتخلق قوة العمل في اس ـ ـ ـ ــتهالكها بض ـ ـ ـ ــائع جديدة ،قيمة جديدة .فالقيمة
االســتعمالية لبضــاعة قوة العمل تتلخص في قدرة العامل على أن يخلق بعمله قيمة جديدة ،بل قيمة
أكبر من قيمة قوة العمل نفسـها والمسـتهلكة والمسـتخدمة في إنتاج البضـاعة .وبذلك يبيع العامل قوة
عمله وليس عمله ،هذا األمر الذي اكتش ـ ـ ــفه ماركس وأص ـ ـ ــبح فيما بعد من أهم مس ـ ـ ــائل االقتص ـ ـ ــاد
السياسي .ألن القدرة على العمل ال تعني العمل.
-1قيمة قوة العمل:
تتحدد قيمة قوة العمل ،كقيمة أي بض ـ ـ ــاعة ،بالزمن الض ـ ـ ــروري اجتماعياً إلنتاجها (لتجديدها).
وهذا يعني أن قيمة قوة العمل تتحدد بقيمة وس ـ ـ ـ ـ ــائل العيش الض ـ ـ ـ ـ ــرورية إلش ـ ـ ـ ـ ــباع الحاجات المادية
والفكرية .فقيمة قوة العمل هي قيمة جميع السـ ــلع والخدمات الضـ ــرورية إلشـ ــباع حاجات العامل من
أجل معيشــته وتجديد قوة عمله وضــمان معيشــة عائلته .أما قيمة الســلع والخدمات الضــرورية فتحدد
بزمن العمل الضروري اجتماعياً إلنتاجها وبوساطتها يتم تحديد قيمة قوة العمل.
وتتغير قيمة قوة العمل من زمان ومكان إلى زمان ومكان آخرين فهي مرتبطة بمســتوى التطور
االجتماعي وتتغير تبعاً لتغيره .مع التأكيد أن قوة العمل ال تنفصـ ــل عن العامل حاملها وعن حياته.
128
لــذلــك يكمن تحــديــدهــا في حفظ حيــاة العــامــل ومؤهالتــه .ممــا تقــدم نجــد أن هنــان عوامــل تؤدي إلى
تخفيض قيمة قوة العمل وعوامل أخرى تؤدي إلى زيادتها.
وتحدد قيمة قوة العمل من خالل:
-1قيمة وسـائل العيش الضـرورية للحفاظ على نشـاط العامل وأعضـاء أسـرته في مسـتوى عادل
ومقبول.
-2النفقات الضرورية ألجل تلبية حاجات العامل الثقافية واكتساب العلم والمهارة.
-3مستوى التطور االقتصادي والخصائص الوطنية والقومية.
-4التطـ ــور التاريخي في كل بلد من البلدان .لذلك نالحظ أن قيمة قوة العمل تتغير مع تطور
154
المجتمع .ويكون العامل المأجور هو المصدر الوحيد للقيمة الزائدة.
-2عوامال تخفيل قيماة قوة العمال :يمكننــا أن نحــدد أهم العوامــل التي تؤدي إلى خفض
قيمة قوة العمل وفقاً لما يلي:
-ارتف ــاع إنت ــاجي ــة العم ــل االجتم ــاعي ،فعن ــدم ــا ترتفع إنت ــاجي ــة العم ــل يؤدي ارتف ــاعه ــا إلى
انخفاض قيمة البضائع ،بما فيها قيمة وسائل العيش الضرورية للعامل.
-دخول النس ـ ــاء واألطفال مجاالت العمل المختلفة .وهذا يس ـ ــمح لل أرس ـ ــماليين بتخفيض قيمة
قوة العمل بمقدار ما كان يحتاج إليه العامل لإلنفاق على أفراد أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرته الذين أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحوا يعيلون
أنفسهم بأنفسهم.
-انخفاض تكاليف التعليم ،وخاصـ ـ ــة عندما يحصـ ـ ــل تقسـ ـ ــيم دقيق للعمل األمر الذي يجعل
معظم األعمــال ال تتطلــب مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى عــالي ـاً من التعليم ،ممــا يؤدي إلى انخفــاض تكــاليف التعليم
الالزمة للعمل وبالتالي انخفاض قيمة قوة العمل بالمقدار نفسه.
-3عوامل زيادة قيمة قوة العمل :مع تطور المجتمع ال أرس ــمالي تعمل عوامل مض ــادة لعوامل
خفض قيمة قوة العمل فتؤدي إلى زيادة قيمة قوة العمل منها:
-ت ازيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد حاجات العامل اتساعاً وتزايد الوسائل الضرورية لتجديد إنتاج قوة العمل .وهذا ناتج
عن تطور الرأسمالية وارتفاع المستوى الثقافي للطبقة العاملة.
-زيادة شـ ــدة وتوتر العمل بسـ ــبب إدخال أسـ ــاليب جديدة في تنظيم العمل مما يؤدي إلى زيادة
اسـ ـ ـ ــتغالل وقت العامل أثناء عمله ،مما يؤدي إلى صـ ـ ـ ــرف مجهود عضـ ـ ـ ــلي وعصـ ـ ـ ــبي أكبر للقيام
بعمله ،وهذا يقود بالضرورة إلى زيادة استهالكه وحاجته لالستجمام والراحة.
154
-انظر ،ماركس -انجلز ،منتخبات في ثالثة مجلدات ،المجلد الثالث ،الجزء األول ص ،154نقالً عن كليمنتيف وفاسيلييفا ،ما هي
االشتراكية دار التقدم موسكو ،ص.30
129
-ارتفــاع وتنــامي الوعي الطبقي للعمــال وت ازيــد دور وأهميــة التنظيم النقــابي لهم ،األمر الــذي
يقود دائماً إلى المطالبة بتحســين المســتوى المعيشــي للعمال وإدخال وســائل معيشــة جديدة مما يؤدي
إلى زيادة قيمة قوة العمل.
ويتـ ـ ـ ــم تحديد أجور العمال في الرأسمالية باالستناد إلى قيمة قوة العمل وعوامل أخرى كالعرض
والطلب في سـ ـ ـ ـ ــوق العمل ،وحالة األسواق االقتصادية ،ومواقف النقابات العمالية ودورها في الدفاع
عن مصالح الطبقة العاملة.
المبحث الثاني -تحول النقد إلى رأسمال (المعادلة العامة لرأس المال):
لم يتفق االقتصــاديون على تحديد مفهوم واحد لرأس المال ،بل اختلفوا في ذلك فقد أكد أنصــار
النظريـة الميركنتليـة أن ال فرق بين النقـد ورأس المـال أو بين الثروة النقـديـة ورأس المـال .أمـا نظريـات
االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديين الكالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيكيين األوائـل فقـد طـابقـت بين رأس المـال ووسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج .وكـذلـك حـدد
الفيزوقراطيون مفهوم رأس المال على أنه العدد واآلالت والمواد األولية وغيرها من العناصــر المادية
المس ــتخدمة في عملية اإلنتاج .ثم جاءت النظرية الماركس ــية التي أوض ــحت مفهوم رأس المال على
أنه عالقة اجتماعية بين طبقة تملك وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج وطبقة اجتماعية أخرى تملك فقط قوة العمل.
ومن خالل هـذه العالقـة يمكن أن يتحول النقـد إلى رأس مـال .إذن ليس كـل ثروة نقـديـة أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاالً،
وحتى تتحول الثروة النقدية إلى أرســمال يجب أن تتحول النقود إلى أموال إنتاج تســتخدم في مشــروع
يقوم على العمل المأجور ويكون الهدف الرئيسي له تحقيق الربح.
رأس المال هو عالقة اجتماعية -إنتاجية تخص تشـ ـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ـ ــادية محددة تاريخياً
هو عالقة بين ال أرسـ ــماليين مالكي وسـ ــائل اإلنتاج والعمل المحرومين من ملكيتها والمضـ ــطرين لبيع
قوة عملهم وخلق القيمة الزائدة لل أرسـ ـ ـ ــماليين .ويتخذ رأس المال أثناء عملية اإلنتاج صـ ـ ـ ــورة وسـ ـ ـ ـ ائل
اإلنتاج وقوة العمل .وهذان العنصـران ضـروريان معاً إلنجاز عملية اإلنتاج ولكل عنصـر منهما دور
في عمليـة زيـادة القيمـة مختلف عن دور اآلخر .فوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج (أدوات العمـل ،المواد األوليـة،
المواد المسـ ـ ـ ــاعدة) تشـ ـ ـ ــكل الوعاء إلنتاج القيمة الزائدة ولكنها ال تخلق القيمة الزائدة بينما قوة العمل
هي التي تخلق قيمة جديدة أكبر من قيمتها نفس ـ ــها .وهذا يعني أن العامل يس ـ ــتطيع بعمله أن يخلق
قيمة جديدة وأن ينقل قيمة وسائل اإلنتاج إلى المنتجات الجديدة في الوقت نفسه ،وهذا يفسر الطابع
أالزدواجي للعمل في أوض ـ ـ ــاع اإلنتاج البض ـ ـ ــاعي .فالعامل بعمله المجرد يخلق القيمة الجديدة التي
تقاس يزمن العمل المبذول في إنتاج البض ــاعة .أما العمل الملموس الذي يقوم به العامل فهو يخلق
القيمة االستعمالية.
-1التداول السلعي البسي والتداول السلعي الرأسمالي:
وال بد من التمييز بين التداول السلعي البسي والتداول السلعي الرأسمالي .فالتداول السلعي
البسيط يتخذ شكل المعادلة اآلتية:
130
بضاعة نقـد بضاعة
أي إن المنتج الحرفي الصـغير يبيع السـلعة التي ينتجها ليحصـل على النقد ،ثم يسـتخدم النقد
للحص ـ ــول على عناص ـ ــر اإلنتاج الس ـ ــتخدامها من جديد في إنتاج س ـ ــلعة جديدة وإلش ـ ــباع حاجاته
أيضاً .بينما يتخذ التداول السلعي الرأسمالي (تداول النقد كرأسمال) شكل المعادلة اآلتية:
وهذا يعني أن ال أرسـ ـ ـ ــمالي يمتلك في البداية النقود التي يشـ ـ ـ ــتري بها سـ ـ ـ ــلعاً محددة عناصـ ـ ـ ـ ر
اإلنتاج (فتتحول إلى أرســمال) ،وبعد إنجاز عملية اإلنتاج يســتعيد ال أرســمالي النقود عن طريق بيع
المنتجات .وتســمى هذه المعادلة العامة لرأس المال .ويكون للمعادلة العامة لرأس المال معنى في
حالة واحدة فقط إذا كانت كمية النقود التي يحصـ ـ ـ ـ ــل عليها ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالي في نهاية الدورة أكثر من
كمية النقود التي بدأ بها ،ولهذا تتخذ المعادلة العامة لرأس المال الشكل اآلتي:
ق .ع
ب ن
و .أ •
131
ن = نقد ،ب = بضاعة ،ق .ع = قوة عمل ،و .آ = وسائل إنتاج.
وبذلك فالرأسمالي يهيل لعملية اإلنتاج وتسمى هذه المرحلة بدورة رأس المال النقدي.
المرحلاة الثاانياة :يكون عمـل رأس المـال في هـذه المرحلـة في مجـال اإلنتـاج ،عنـدمـا يتم الجمع
بين قوة العمل ووســائل اإلنتاج ،ويقوم العمال بننتاج بضــائع جديدة تتضـ من قيمة جديدة وقيمة زائدة
جديدة .وتبدو حركة رأس المال في هذه المرحلة وفقاً لما يلي:
ق .ع
ب ن
إنتاج.... و .أ .....
ونالحظ أن رأس المال يتحول هنا من ش ـ ـ ـ ــكله اإلنتاجي إلى ش ـ ـ ـ ــكله البض ـ ـ ـ ــاعي وتس ـ ـ ـ ــمى هذه
المرحلة بدورة رأس المال اإلنتاجي.
المرحلاة الثاالثاة :تعود حركـة رأس المـال في هـذه المرحلـة إلى مجـال التـداول من جـديـد .حيـث يتم
بيع البضائع التي تم إنتاجها في المرحلة الثانية ،ويتحول رأس المال البضاعي إلى رأس مال نقدي:
ن
وهذا يعني أن رأس المال بدأ حركته بشــكل نقد وعاد في نهاية الحركة من جديد إلى شــكل النقد.
وتس ـ ـ ــمى هذه المرحلة بدورة رأس المال البض ـ ـ ــاعي .وهذا يوض ـ ـ ــح أن حركة رأس المال تعني تحول
رأس المال تدريجياً من ش ـ ــكل إلى آخر دورة بثالث مراحل تس ـ ــمى مجتمعة بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (دورة رأس المال)
وتنقسم دورة رأس المال إلى مرحلتي تداول ومرحلة إنتاج.
ق .ع
ن زائ بضاعة ..إنتاج ن
132
و .أ
وهذا يعني أن للدورة العامة لرأس المال مراحل ثالثاً تشـ ـ ـ ــكل بمجموعها الدورة العامة لرأس المال
التي تبدأ بالنقد وتنتهي بالنقد الزائد .فالمرحلة األولى هي مرحلة تحول النقد إلى سـ ـ ــلعة .عندما يقوم
ال أرسـ ــمالي بشـ ـراء وسـ ــائل اإلنتاج وقوة العمل من السـ ــوق وهنا يتحول رأس المال من الشـ ــكل النقدي
إلى ش ــكل رأس المال المنتج .والمرحلة الثانية هي مرحلة اإلنتاج يتم خاللها تش ــغيل وس ــائل اإلنتاج
بوسـ ـ ــاطة قوة العمل للحصـ ـ ــول على السـ ـ ــلعة المنوي إنتاجها .أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة تحويل
الس ــلع التي تم إنتاجها إلى نقد ،بحيث تكون قيمة الس ــلعة الجديدة تزيد على قيمة الس ــلع المس ــتخدمة
في عملية اإلنتاج .وهذه القيمة الزائدة تتحول إلى نقد زائد عندما يتم إنجاز عملية بيع الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلعة في
الس ــوق .ويقوم بننجاز هذه المرحلة الش ــكل الثالث من أش ــكال رأس المال وهو ما يس ــمى رأس المال
السلعي.
نالحظ أن الادورة العااماة لرأس الماال تتكون من مرحلاة التاداول األولى ثم المرحلاة الثاان اية وهي
مرحلة اإلنتاج تعقبها المرحلة الثالثة وهي مرحلة تداول السلع الناتجة في السوق.
-3رأس المال الثابق ورأس المال المتغير:
ينقسـم رأس المال أثناء عملية اإلنتاج إلى جزأين ،فالجزء األول من رأس المال الذي يتخذ صـورة
وسـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج ال تتغير قيمته في عملية اإلنتاج ،ألن قيمة المواد المسـ ـ ـ ـ ــتخدمة في عملية اإلنتاج
تنتقـل كمـا هي دون تغيير لـذلـك أطلق عليـه الجزء الثـابـت من رأس المـال (رأس المـال الثـابـت) .إن
رأس المـال الثـابـت هو الوعـاء الـذي يتم من خاللـه إنتـاج القيمـة ال ازئـدة وهو شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرط أو مقـدمـة عمليـة
إنتـاج القيمـة ال ازئـدة .أمـا الجزء ال ـث اني من رأس المـال الـذي يتم إنفـاقـه على قوة العمـل المـأجورة ،فهو
ال يبقى بالقيمة نفسـ ـ ـ ــها بل تتزايد قيمته في عملية اإلنتاج بمقدار القيمة الزائدة ولذلك يسـ ـ ـ ــمى الجزء
المتغير في رأس المال (رأس المال المتغير) .وبفضـ ــل تقسـ ــيم رأس المال إلى رأس مال ثابت ورأس
مال متغير ،وتحليل دور مختلف أجزاء رأس المال في اسـ ـ ــتغالل العمل ،وجدنا أن القيمة المضـ ـ ــافة
ال تنتج عن كامل رأس المال ،وإنما تنتج فقط عن جزئه المتغير ،أي تنتج عن اسـتغالل قوة العمل.
إن فهم آليـة إنتـاج القيمـة ال ازئـدة يتوقف على تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم رأس المـال إلى جزأين :رأس مـال ثـابـت (ث )
ورأس مال متغير ( ر ).
المبحث الثالث -إنتاج القيمة الزائدة في الرأسمالية:
133
انطالقاً من نظرية قيمة العمل ،اسـ ــتطاع ماركس أن يشـ ــتق تحليل فائض القيمة (القيمة الزائدة).
فقيمة عنصـ ــر العمل ذاته تحدد بكمية العمل الضـ ــروري إلنتاج المواد الغذائية والسـ ــلع األخرى التي
تعد ضـ ـ ـ ــرورية لبقاء العامل وتكفل له إعالة أس ـ ـ ــرته .فنذا كانت المواد والسـ ـ ـ ــلع وغيرها الالزمة لبقاء
العامل يوماً واحداً مع إعالة أسـ ـ ـ ـ ـ ـرته تعادل / 6 /سـ ـ ـ ـ ـ ــاعات عمل متتالية .فنن األجر النقدي الذي
يدفعه صـاحب العمل للعامل ،ألجل تشـغيله يوماً واحداً سـوف يعادل / 6 /سـاعات .ولكن صـاحب
العمل يجعل العامل يعمل بالفعل / 8 /سـ ـ ـ ــاعات .وال يعطي العامل سـ ـ ـ ــوى أجر / 6 /سـ ـ ـ ــاعات.
وبذلك يحص ــل ص ــاحب العمل على ناتج الس ــاعتين اإلض ــافيتين اللتين اش ــتغلهما العامل .ونعد ذلك
155
ناتجاً إضافياً أو ما نطلق عليه فائض القيمة الزائدة.
القيمااة الزائاادة :هي القيم ــة التي يخلقه ــا عم ــل الع ــام ــل الم ــأجور عالوة على قيم ــة قوة عمل ــه،
ويس ـ ــتحوذ عليها ال أرس ـ ــمالي بال مقابل( .يص ـ ــنف انجلس قانون القيمة الزائدة الذي اكتش ـ ــفه ماركس)
كما يلي " ...فقد أعطى الدليل على أن االســتئثار بالعمل غير المدفوع األجر هو الشــكل األســاســي
ألس ــلوب إنتاج ال أرس ــمالي والس ــتثمار العمال المالزم له ،وعلى أن ال أرس ــمالي ،حتى حين يش ــتري قوة
العمل حسـب قيمتها الكاملة في السـوق بوصـفها بضـاعة يبتز ،مع ذلك منها قد ار من القيمة يفوق ما
دفعه في سـبيل الحصـول عليها ،وعلى أن هذه القيمة الزائدة تشـكل ،في آخر المطاف ،مجموع القيم
156
وتنتج التي تنجم عنها كمية ال أرس ــمال النامية بال انقطاع والمتراكمة في أيدي الطبقات المالكة".
القيمـة ال ازئـدة عن طريق إجبـار العـامـل على العمـل وقتـاً أكثر من الوقـت الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ روري ألجـل تجـديـد
إنتاج قوة العمل.
-1كتلة ومعدل القيمة الزائدة:
وبذلك تمثل كتلة القيمة الزائدة الفرق بين قيمة عوامل اإلنتاج (قيمة وس ـ ــائل اإلنتاج +قيمة قوة
العمل) وبين قيمة المنتجات أو السلع الجديدة .واستناداً إلى ما سبق نجد أن:
+ر+م ق =
155
-د .مصطفى رشدي شيخة ،المصدر السابق ص.117
156
-ماركس ،رأس المال ،المجلد األول ،ص.28
انظر ،ماركس -انجلز ،منتخبات في ثالثة مجلدات ،المجلد الثالث ،الجزء األول ص ،154نقالً عن كليمنتيف وفاسيلييفا ،ما هي االشتراكية
دار التقدم موسكو ،ص.28
134
م -القيمة الزائدة.
وتكون كتلة القيمة الزائدة تساوي:
+ر) م =ق ( -
وقد حدد ماركس أن قوة العمل هي المصـ ـ ــدر الوحيد للقيمة الزائدة ،بينما تشـ ـ ــكل وسـ ـ ــائل اإلنتاج
وعاء والدة القيمة الزائدة.
ويمكننــا تحــديــد معــدل القيمــة ال ازئــدة عن طريق العالقــة بين قيمــة قوة العمــل والقيمــة ال ازئــدة التي
يحددها تقسيم ساعات عمل العامل في اليوم الواحد إلى قسمين:
• وقق العمل الضاااااروري :ويمثل سـ ـ ـ ــاعات العمل الضـ ـ ـ ــرورية في اليوم الواحد إلنتاج قيمة قوة
العمل وهو القسم الذي يخلق قيمة قوة العمل (األجر).
• وقق العمل الزائد :ويمثل سـاعات العمل الزائدة والتي يقوم بها العامل في اليوم الواحد إضـافة
إلى وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت العمل الض ــروري ويحص ــل عليها ال أرس ــمالي بدون مقابل وهو القس ــم الذي يخلق القيمة
الزائدة.
العمل الزائاد العمل الضروري
8 7 6 5 4 3 2 1
يخلق يخلاق
القيمة الزائادة قيمة قوة العمل
135
200 م
وب لك يكون معدل القيمة الزائدة = % 100 = 100 × ----- = 100 × ----
200 ر
- 2عن طريق نسبة كمية العمل الزائد إلى كمية العمل الضروري.
أي إنه إذا يكون عدد سـ ــاعات عمل العامل في اليوم الواحد / 8 /سـ ــاعات ،وهو يحتاج إلى /
/ 4ساعات إلنتاج ما يعادل قيمة قوة العمل (وهذا هو وقت العمل الضروري) فنن الساعات األربع
الباقية يقوم العامل خاللها بننتاج القيمة الزائدة (وهذا هو وقت العمل الزائد).
وبذلك نس ــتطيع القول إن القيمة الزائدة ال يمكن الحص ــول عليها من خالل تداول البض ــائع ،ألن
التداول يعني تبادل أشـ ــياء متعادلة .كما ال يمكن للقيمة الزائدة أن تنتج بسـ ــبب ارتفاع األسـ ــعار ألن
الخس ـ ــائر واألرباح لدى كل من المش ـ ــتري والبائع تتوازن .فعندما يقوم مالك وس ـ ــائل اإلنتاج بتش ـ ــغيل
العامل مدة / 12 /سـاعة يوميا ،حين يشـتري قوة العمل وتصـبح من حقه أن يسـتهلكها ،ويكون من
الضـ ـ ـ ـ ـ ــروري ألجل تجديد إنتاج قيمة قوت العمل ال تتجاوز / 6 /سـ ـ ـ ـ ـ ــاعات ،يعمل خاللها فيعطي
إنتاجاً يغطي نفقات إعالته وأس ـرته ،تكون الســاعات الســت الباقية (وقت العمل الزائد) ،تعطي إنتاجاً
زائداً ،ال يدفع ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالي مالك وسـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج أج اًر لقاء ذلك العمل ،الذي يكون مصـ ـ ـ ـ ــدر القيمة
الزائدة.
ويمكن أن تزداد القيمـة ال ازئـدة ،إمـا عن طريق زيـادة عـدد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـات العمـل (تطوير يوم العمـل)،
ونطلق عليها القيمة الزائدة المطلقة ،وإما عن طريق انقاص عدد س ـ ــاعات العمل الض ـ ــروري ،نتيجة
136
لزيادة إنتاجية العمل ،بوساطة التعاون البسيط أو تقسيم العمل أو تطور اآلالت وتحديث الصناعات
الكبرى ،ونطلق عليها القيمة الزائدة النسبية.
-2القيمة الزائدة المطلقة:
وهي أس ـ ـ ــلوب لزيادة القيمة الزائدة عن طريق إطالة عدد س ـ ـ ــاعات العمل اليومي للعامل مع بقاء
قيمة قوة العمل كما كانت عليه في السابق:
فنذا كانت يوم العمل / 8 /سـاعات موزعة إلى أربع سـاعات عمل ضـروري وأربع سـاعات عمل
زائد ويكون معدل القيمة الزائدة في هذه الحالة يس ـ ـ ـ ـ ـ ــاوي .% 100فنذا قام ال أرس ـ ـ ـ ـ ـ ــمالي بتمديد يوم
العمل إلى / 10 /س ـ ـ ــاعات بدالً من / 8 /س ـ ـ ــاعات يومياً فنن وقت العمل الض ـ ـ ــروري يبقى أربع
ساعات يومياً بينما يزداد وقت العمل الزائد إلى ست ساعات.
وقق العمل الزائاد وقق العمل الضروري
10 9 8 7 6 5 4 3 2 1
وتزداد القيمة الزائدة بسبب زيادة كمية العمل المخصص إلنتاجها ويرتفع معدل القيمة الزائدة:
وقق العمل الزائد
× 100 معدل القيمة الزائدة = --------------------
وقق العمل الضروري
6
= % 150 × 100 = ----------
4
فالقيمة الزائدة المطلقة هي القيمة الزائدة التي حصـل عليها ال أرسـمالي نتيجة إلطالة عدد سـاعات
وقت العمل الزائد عن طريق زيادة عدد ساعات العمل اليومي.
137
-3القيمة الزائدة النسبية:
وهي أس ـ ـ ـ ــلوب لزيادة كتلة القيمة الزائدة ومعدلها عن طريق تخفيض وقت العمل الض ـ ـ ـ ــروري أي
تخفيض قيمة قوة العمل مع بقاء عدد سـ ـ ـ ـ ــاعات عمل العامل في اليوم الواحد ثابتة .وهذا ممكن في
حــال إدخــال تقــانــات حــديثــة أو زيــادة اإلنتــاجيــة .فــنذا انخفض وقــت العمــل الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري إلى / 3 /
سـاعات وظل عدد سـاعات عمل العامل في اليوم /8/سـاعات فنن وقت العمل الزائد سـيرتفع إلى /
/ 5ساعات بدالً من / 4 /ساعات.
وهـذا يعني زيـادة كتلـة القيمـة ال ازئـدة بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـب زيـادة وقـت العمـل ال ازئـد الـذي يخلقهـا وكـذلـك زيـادة
معدل القيمة الزائدة:
وقق العمل الزائد
× 100 معدل القيمة الزائدة = ----------------
وقق العمل الضروري
5
× % 166.67 = 100 = ----------
3
ويكون معـدل القيمـة ال ازئـدة قـد ارتفع من % 100إلى % 166.67بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـب انخفـاض قيمـة قوة
العمل وليس بسبب زيادة عدد ساعات العمل اليومي.
فالقيمة الزائدة النس ـ ــبية هي القيمة الزائدة التي يحص ـ ــل عليها ال أرس ـ ــمالي نتيجة لزيادة كمية وقت
العمل الزائد وتخفيض كمية وقت العمل الضروري .مع بقاء عدد ساعات العمل اليومي ثابتة.
تركزت جهود االقتص ـ ـ ـ ـ ــاديين البرجوازيين على إنكار نظرية القيمة الزائدة ،التي تعد حجر الزاوية
في النظرية االقتص ــادية الماركس ــية ،وكان هدفهم من وراء ذلك تبرير االس ــتغالل ال أرس ــمالي والدفاع
عنه ومحاولة البرهان على انسجام المصالح الطبقية بين جميع طبقات المجتمع الرأسمالي.
لقد حاول االقتصـادي الفرنسـي جان بات ـس ت سـاي صـاحب نظرية إنتاجية رأس المال واألرض أن
يبرهن أن العمـل ورأس المـال واألرض تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترن جميعهـا في إنتـاج الـدخـل ،وأن العمـل ال ينتج إلى
138
القيمة المس ــاوية لألجر المدفوع للعامل ،أو الربح فينتج عن رأس المال المتجس ــد في وس ــائل اإلنتاج
واألرض .كما قام يوهيم بوفرن في نهاية القرن التاسـ ـ ــع عشـ ـ ــر وبداية القرن العش ـ ـ ـرين بننكار العمل
كمصـدر للقيمة الزائدة ،معتب اًر أن تفسـير القيمة ومصـدرها هو التقدير النفسـاني لألشـياء ،أي الشـعور
بقيمتها ،وبالتالي ليسـ ـ ــت زيادة القيمة نتيجة للعمل غير المعوض وإنما هي نتيجة لشـ ـ ــعور نفسـ ـ ـ اني
تجـاه األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـاء يعلي من قيمتهـا .ومع ذلـك ال تقلـل االنتقـادات كـافـة التي وجههـا االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون
البرجوازيون لنظرية القيمة الزائدة ومحاوالت الرد عليها من األهمية العلمية واالجتماعية الكتش ـ ـ ـ ـ ــافي
قانون القيمة الزائدة وقدرتها على تفسير االستغالل الرأسمالي.
المبحث الرابع -السعر وقانون العرل والطلب:
في ظل اإلنتاج البضــاعي ال أرســمالي ،الذي يقوم على الملكية الخاصــة لوســائل اإلنتاج ،يتولى
قانون القيمة تنظيم اإلنتاج بطريقة عفوية .ويتحقق هذا الدور من خالل آلية األسـ ــعار أو ما يسـ ــمى
أحياناً آلية السـ ــوق "العرض والطلب" .والقيمة هي األسـ ــاس في تحديد أسـ ــعار السـ ــلع .ولكن السـ ــعر
كش ــكل للقيمة يمكن أن يكون أكثر أو أقل من القيمة .وتظهر هذه الفروق حين يكون س ــعر الس ــلعة
أعلى أو أدنى من القيمة ،وهذه تسـمى الفروق الكمية .إن سـبب الفروق بين السـعر والقيمة فعلياً هو
عدم التوافق بين العرض والطلب بالنسـ ـ ـ ــبة للسـ ـ ـ ــلعة المعينة .فعندما يزيد الطلب على العرض يرتفع
ســعر الســلعة على القيمة ،وعندما يزيد العرض على الطلب ينخفض الســعر عن القيمة ،وال يتســاوى
السعر مع القيمة إال إذا تساوى العرض مع الطلب(.)157
السـؤال األســاســي التي تحاول نظرية الثمن اإلجابة عنه هو :لماذا يكون للســلع وعوامل اإلنتاج
أثمان؟ ويكون الجواب عن هذا الس ـ ـؤال بكل بسـ ــاطة :يكون للسـ ــلع والخدمات وعوامل اإلنتاج أثمان
ألنها تتصف بصفتين أساسيتين(:)158
ألنها نافعة وتؤدي إلى إشباع الحاجة والرغبة. -1
ألنها نادرة نس ـ ـ ـ ــبياً ،نادرة بالنس ـ ـ ـ ــبة إلى االس ـ ـ ـ ــتعماالت التي يرغب فيها األفراد .أي -2
توفرها بكميات محدودة .وبذلك يكون السـ ـ ـ ــبب الذي من أجله يكون للسـ ـ ـ ــلع والخدمات ثمن "السـ ـ ـ ــلع
االقتصـ ــادية" هو المسـ ــتهلك الذي ال يطلب هذه األشـ ــياء إال ألنها نافعة وتؤدي إلى إشـ ــباع رغباته،
إضـ ـ ـ ــافة إلى عجز المنتجين عن عرضـ ـ ـ ــها بكميات غير محدودة لكونها نادرة .وبذلك تكون المنفعة
والندرة هما القوتان الرئيس ـ ـ ــتان اللتان تؤديان إلى ظهور األثمان( .فعندما يتحدد ثمن إلحدى الس ـ ـ ــلع
في س ــوق تلك الس ــلعة ،فننما يرجع ذلك إلى النفع والندرة يعكس ــان نفس ــهما بص ــورة مجس ــمة في هيئة
( - )157أنظر ،االقتصاد السياسي للرأسمالية ،النظرية الماركسية – اللينينية ،دار التقدم ،موسكو ،1976ص.79
( - )158أنظر ،د .كامل بكري ،مبادئ االقتصاد ،الدار الجامعية ،بيروت ،1987ص.18-17
139
طلب المس ـ ـ ـ ــتهلكين من ناحية ،وعرض المنتجين من الناحية األخرى .فالثمن يتحدد بتفاعل العرض
()159
والطلب في السوق).
- 1الطلاب :يمكننـا تعريف الطلـب على أنـه "يعبر عن الكميـات من سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة أو خـدمـة معينـة،
التي يكون األش ــخاص أو الوحدات (فرد – أسـ ـرة – مجموعة اجتماعية معينة – مش ــروع –حكومة)،
على اس ــتعداد لش ـرائها عند أثمان معينة ،وفي لحظات زمنية معينة ،وفي إطار نطاق مكاني محدد،
()160
وبافتراض السلون االقتصادي الرشيد لجمهرة المستهلكين.
من خالل التعريف الوارد أعاله نجــد أن عالقــات الطلــب هي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً عالقــات اجتمــاعيـة
واقتصادية ذات طبيعة مزدوجة .وتتكون عناصر العالقة من ثالث مجموعات رئيسة هي:
( )1مجموعـة من العوامـل ذات الطـابع الكمي وهي تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـل الكميـات المطلوبـة من السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة،
األثمان بالنسـ ـ ـ ـ ـ ــبة لهذه السـ ـ ـ ـ ـ ــلعة والسـ ـ ـ ـ ـ ــلع األخرى المرتبطة بها .الدخل الذي يمثل القوة الشـ ـ ـ ـ ـ ـرائية
للمستهلك.
( )2مجموعة من العوامل والظروف الشخصية والسلوكية (األذواق واإلعالن).
( )3مجموعة من العناصر التكميلية البنائية ( الزمان والمكان).
(ويمكن عد الكميات المطلوبة واألثمان والدخل من قبيل المتغيرات الداخلية الرئيسـ ـ ـ ـ ـ ــة .وباقي
()161
العوامل األخرى من قبيل المتغيرات الخارجية الثانوية).
ويعرف االقتص ـ ـ ــادي فتح هللا ولعلو الطلب داخل الس ـ ـ ــوق على أنه( :مقدار المواد أو الخدمات
التي تكون الوحدات االقتصادية مستعدة لشرائها بسعر معين) .وقد يكون الطلب خاصاً يتعلق بمادة
()162
واحدة ،يكون الطلب عاماً فيشمل مجموع النفقات التي ينفقها األفراد أو المؤسسات االقتصادية.
إن درجـ ــة اإلنفـ ــاق أو حجم الطلـ ــب على السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع أو الخـ ــدمـ ــات يختلف بـ ــاختالف درجـ ــات
()163
فارتفاع أثمان السـلع سـوف تترتب عليه زيادة في حجم اإلنفاق بالنسـبة للسـلع التي يعد المرونة.
الطلـب عليهـا غير مرن .أي ال تتـأثر بزيـادة الثمن ،كـالملح مثالً .وهـذا يعني أن المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتهلـك مجبر
للحصــول على هذا النوع من الســلع على الرغم من ارتفاع ثمنها .وبالعكس فنن حجم اإلنفاق ســوف
يتناقص إذا كان الطلب على الس ــلعة مرناً .وهذا معناه أن المس ــتهلك يس ــتطيع أن يس ــتغني عن هذه
Stonier. A. and Hague D.A. , Textbook of Economic Theory, 4 th ed. London , Longman 1972 (- )159
, P.P. 11-12
( - )160المصدر السابق ،ص.170
( - )161د .مصطفى رشدي شيحة ،علم االقتصاد من خالل التحليل الجزئي ،الدار الجامعية ،بيروت ،1985ص.169
( - )162أنظر ،فتح هللا ولعلو ،االقتصاد السياسي ،المصدر السابق ،ص.516
( - )163مرونة الطلب وفق ًا لمقياس مارشال لمرونة الطلب السعرية هي:
التغير النسبي في الكمية المطلوبـة
= ----------------------- مرونة الطلب
التغير النسبي في الثمن
140
السـ ـ ـ ــلعة ،كأفران البوتغار ،الثالجات ،أجهزة التلفزيون .وبذلك فنن الطلب على هذه السـ ـ ـ ــلع سـ ـ ـ ــوف
يتأثر كثي اًر بزيادة الثمن.
وتكون نتـائج انخفـاض أثمـان السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع على الطلـب مغـايرة تمـامـاً لنتـائج ارتفـاع الثمن .فـنذا كـان
الطلب على السـ ــلعة غير مرن ،فنن انخفاض ثمن سـ ــيؤدي إلى نقص في اإلنفاق المخصـ ــص على
الس ــلعة ،ألن المش ــتري س ــوف يش ــتري الكمية نفس ــها من الس ــلعة بثمن أقل ،أما إذا كان الطلب مرناً،
فنن انخفاض الثمن سـ ـ ـ ـ ــيؤدي إلى زيادة الكميات المطلوبة( ،وزيادة اإلنفاق للحصـ ـ ـ ـ ــول على كميات
أكبر من السلعة .ما دام الطلب يستجيب بسرعة وإيجابية للتغيرات في ثمن السلعة بالنقصان).
( إن درجة االرتباط ونســبة التغير بين الكمية المطلوبة من ســلعة معينة وأثمانها ،أو ما يســمى
المرونة ،تتوقف على مدى ض ــرورة الس ــلعة للمس ــتهلك ،فالس ــلع الض ــرورية واألس ــاس ــية ،التي تش ــبع
الحاجات األسـاسـية عند اإلنسـان ،يتمتع الطلب عليها بمرونة ضـئيلة ،تصـل في بعض األحيان إلى
درجة الجمود .ومن أمثلة هذه الس ـ ـ ـ ـ ــلع المواد الغذائية واألدوية .وعلى ذلك فالكمية المطلوبة منها ال
تتأثر كثي اًر بتغيرات الثمن وخاص ــة عند ارتفاعه ،ألن الكمية المطلوبة من هذه الس ــلع ترتبط بالوجود
()164
ونســتطيع توضــح العالقة العكســية بين الســعر وحجم الطلب والحاجة أكثر مما ترتبط بالثمن).
من خالل المثال التالي:
العالقة بين السعر والطلب
الكمية املطلوبة Q السعر P البيان
(مليون قطعة سنوايً) (لرية سورية لكل قطعة)
9 50 A
10 40 B
12 30 C
15 20 D
20 10 E
141
السعر ط
60
50
40
30
20 ظ
10
مما تقدم نالحظ أن األســباب الرئيســة التي تؤثر في مرونة الطلب هي :مدى ضــرورة الســلعة،
مدى توفر بدائل قريبة يمكن أن تحل محل السـ ـ ـ ـ ــلعة ،ودرجة تكامل السـ ـ ـ ـ ــلعة مع سـ ـ ـ ـ ــلعة أخرى في
االسـتهالن ،أو ما يسـمى الطلب المتالزم (الطلب على السـيارة والطلب على البنزين) .كما يعد دخل
المسـ ـ تهلك من أهم محددات الطلب ،حيث إن حجم الطلب على س ــلعة ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم
دخول المسـ ــتهلكين .ونعني بالدخل هنا :مجموع القوة الش ـ ـرائية النقدية المتاحة لألفراد والمخص ـ ـصـ ــة
أساساً للحصول على احتياجاتهم االستهالكية من مختلف السلع والخدمات.
-2العرل:
العرض في الس ــوق هو كمية البض ــائع التي يمكن أن يتزود الس ــوق بها خالل فترة زمنية معينة
وبثمن معين .أما بالنس ــبة لس ــلعة معينة فنن العرض هو عدد الوحدات من هذه الس ــلعة التي تعرض
للبيع ،في زمن معين ،بس ـ ـ ـ ـ ـ ــعر معين .والجهاز اإلنتاجي والمنتجون هم الذين يعرض ـ ـ ـ ـ ـ ــون الس ـ ـ ـ ـ ـ ــلع
والخدمات للبيع .والمشـ ــروع عندما يعرض سـ ــلعة معينة فننه يحدد كمية العرض بما يتناسـ ــب وهدف
المشـ ــروع وهو تحقيق ربح معين من عرض هذه الكمية وبيعها في السـ ــوق .ولتحقيق الربح يجب أن
يزيد س ــعر الس ــلعة على تكاليف اإلنتاج .مما تقدم نجد أن العوامل األس ــاس ــية التي تؤثر في العرض
هي:
-1تكااليل اإلنتااج :وتتكون عـادة من األجور وثمن المواد األوليـة واآلالت…إلخ .ويشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل
مجموع هذه النفقات "التكاليف اإلجمالية" .ونحصـ ــل على متوسـ ــط تكلفة الوحدة الواحدة من حاصـ ــل
قسمة التكاليف اإلجمالية على عدد الوحدات المنتجة.
142
-2الثمن :حيـث نجـد أن هنـان عالقـة طرديـة بين العرض والثمن ،أي أن تغير كـل منهمـا يتم
باالتجاه نفسـ ـ ـ ـ ــه .فنذا ارتفاع السـ ـ ـ ـ ــعر ارتفع العرض ،وكذلك إذا انخفض السـ ـ ـ ـ ــعر انخفض العرض.
ويمكن توضيح هذه العالقة من خالل المثال التالي:
العالقة بين السعر والعرل
كمية الوحدات المعرورة السعر للوحدة الواحدة (ل.س)
70 5
150 10
200 15
250 20
320 25
المصدر :أرقام افتراضية.
من األرقام الواردة في الجدول نالحظ أن العالقة بين كمية عرض هذه السـ ـ ـ ــلعة عالقة طردية.
حيـث نجـد أن كميـة العرض قـد ارتفعـت من 150وحـدة إلى 200وحـدة عنـدمـا ارتفع سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر الوحـدة
الواحدة من 10ل.س إلى 15ل.س .ونسـتطيع أن نوضـح هذه العالقة بياناً من خالل األرقام أعاله
كما يلي:
منحنى العرض
السعر
وه ــذا يعني أن منحنى العرض (ع ،ع) من خالل عالقت ــه ب ــالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر ينح ــدر من اليمين إلى
اليس ــار .وال بد هنا من اإلش ــارة إلى العرض المتالزم ،كما في تالزم عرض البنزين مع س ــعره وتتأثر
143
مرونـة العرض "مـدى تغير العرض تبعـاً لتغير العوامـل المؤثرة فيـه" بـالثمن وإمكـان التخزين ونفقـات
اإلنتاج.
إن الترابط بين العرض والطلب والســعر ،كما يظهر بشــكل مباشــر في الســوق ،يتضــمن عالقة
()165
سببية وتناسباً كمية ،وهذا ما يسمى قانون العرض والطلب .ويمكننا توضيح القانون:
-1تشكل كميات البضائع التي يمكن ابتياعها في السوق الطلب ،ويتناسب عكسياً مع الثمن.
-2تشكل كمية البضائع التي يمكن تزويد السوق بها العرل ،ويتناسب طردياً مع الثمن.
وهذا يعني أن حجم الطلب ينخفض حين ارتفاع األسـ ــعار في السـ ــوق ،ويزداد حجم الطلب في
حال انخفاض األسعار .أما بالنسبة للعرض فهو يزداد عندما ترتفع أسعار السوق ،وينخفض الطلب
عندما تنخفض األسعار.
تبدأ آلية "ميكانيزم" عمل قانون العرض والطلب فعاليتها في سوق المنافسة الحرة الكاملة .وهي
عبارة عن سـ ــوق نموذجية نظرية غير ممكنة التحقيق في عالمنا المعاصـ ــر .إلى جانب هذا الشـ ــكل
من السـوق "سـوق المنافسـة الحرة الكاملة" يوجد شـكل آخر هو السـوق االحتكارية .وأشـكال أخرى تقع
()166
بين هذا السوق وذان مثل سوق المنافسة االحتكارية وسوق منافسة القلة.
.S. Szefler is. Marciniak, Ekonomia Polityczna, P.W.N. Warszawa 1974. Str. 150 ( - )165أنظر:
( - )166سبق وتم شرح المنافسة واالحتكار في فصل سابق.
144
يبدو تاريخ البشـ ـ ـرية ما هو إال سـ ـ ــلسـ ـ ــلة مترابطة من المراحل التاريخية ولكنها متباينة من حيث
مس ـ ــتوى التطور االقتص ـ ــادي ،لذلك ال بد من تقديم د ارس ـ ــة تاريخية حول تطور األنظمة االجتماعية
االقتص ـ ــادية التي س ـ ــبقت ظهور األنظمة االقتص ـ ــادية الحديثة (ال أرس ـ ــمالية واالش ـ ــتراكية) ،لألس ـ ــباب
167
اآلتية:
-ضـرورة د ارسـة المجتمعات االقتصـادية القديمة بهدف معرفة نشـوء الحياة االقتصـادية وتطورها
االقتصادي عبر التاريخ.
-إن معرفة القوانين االقتص ـ ـ ـ ــادية في األنظمة االقتص ـ ـ ـ ــادية القديمة ،تس ـ ـ ـ ــاعد على فهم طبيعة
وقوانين األنظمة االقتصادية الحديثة والظواهر والعالقات االقتصادية المختلفة.
-إن د ارسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة األنظمة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية القديمة ،يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهم في فهم الكثير من الظواهر والعالقات
االقتص ـ ــادية القائمة بين العديد من البلدان ،مع الوض ـ ــع في الحس ـ ــبان األوض ـ ــاع التاريخية والعالمية
الراهنة.
إن د ارسـ ـ ــة األنظمة االقتصـ ـ ــادية التي سـ ـ ــبقت النظام ال أرسـ ـ ــمالي ،وتوضـ ـ ــيح الجوانب والسـ ـ ــمات
األسـ ــاسـ ــية لهذه األنظمة ،أسـ ــهل بكثير من د ارسـ ــة األنظمة االقتصـ ــادية الحديثة ،وذلك بسـ ــبب عدم
تش ـ ـ ـ ــعب العملية االقتص ـ ـ ـ ــادية وتداخلها في هذه األنظمة .ومن خالل د ارس ـ ـ ـ ــة تاريخ تطور األنظمة
االقتصادية االجتماعية تتوضح لنا العالقة بين علم االقتصاد والتاريخ.
إن مسـ ـ ـ ـ ــتوى تطور القوى المنتجة في أي تشـ ـ ـ ـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ـ ـ ـ ــادية هو الذي يحدد طابع
عالقات اإلنتاج السـائدة في ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل هذه التشـكيلة ،إلى جانب شـكل ملكية وسـائل اإلنتاج .ومن أجل
وصـ ــف جوهر عالقات اإلنتاج ،ال بد ،قبل كل شـ ــيء ،من تحديد شـ ــكل ملكية وسـ ــائل اإلنتاج ،وما
هو األس ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب الذي اتبع في تحقيق الملكية ،ثم كيف يتم توزيع المنتوجات ،وأخي اًر تحديد وض ـ ـ ـ ـ ـ ــع
مختلف الفئات والطبقات االجتماعية المرتبطة بهذه العوامل وعالقتها المتبادلة أثناء عملية اإلنتاج.
الفصل التاسع
167
-انظر :د .محمد سعيد نابلسي ،مصدر سابق ص.48-47
145
أساليب اإلنتاج في األنظمة االقتصادية االجتماعية
في مرحلة ما قبل الرأسمالية
المبحث األول – النظام المشاعي البدائي:
لقد أوضح أنجلز أن جميع األمم والشعوب تتطور بصورة رئيسة ،مجتازة المراحل الرئيسة نفسها
لإلنتاج االجتماعي ،وأنه ال فرق بين ش ـ ـ ــعب وآخر ،وال يوجد ش ـ ـ ــعوب غير تاريخية أو عروق دنيا.
وتش ــير الد ارس ــات العلمية إلى أن عمر المجتمع البش ــري على كوكبنا يزيد على خمس ــة ماليين عام،
وتشكل العشرة آالف سنة األخيرة أو التسعة ،مرحلة ما بعد المجتمع البدائي (المشاعي) .وبذلك يعد
النظام المشاعي البدائي المرحلة األولى واألطول في تاريخ البشرية ،والتي استمرت ماليين السنين.
(وينقســم تطور االقتصــاد في المجتمع البدائي إلى مرحلتين في رأي إنجلز :المرحلة األولى -
التي سـ ـ ـ ــاد فيها تملك المنتجات الطبيعية الجاهزة لالسـ ـ ـ ــتعمال ،أو مرحلة االقتصـ ـ ـ ــاد االسـ ـ ـ ــتهالكي،
والمرحلة الثانية -التي تحققت فيها معرفة تربية الماشـ ـ ـ ــية وزراعة األرض ،وقد تعلم اإلنسـ ـ ـ ــان منها
أو مرحلة االقتصــاد التكاثري .وفي 168
طرائق لزيادة إنتاجية الطبيعة من خالل النشــاط اإلنســاني،
ســياق هاتين المرحلتين تقدم التنظيم االجتماعي للمجتمع البدائي من " القطيع البشــري البدائي " إلى
تطور الجماعة القبلية ومن ثم الجوارية " اإلقليمية " ،وهي طريقة للتطور آلت بصـ ـ ـ ـ ــورة طبيعية إلى
169
ظهور الطبقات والتناحرات في المجتمع).
ويمكننا توضــيح القوانين والعالقات االقتصــادية العامة التي حددت الســمات األســاســية المشــتركة
170
القتصاديات المجتمعات البدائية وفقاً لما يأتي:
– انخفاض مستوى القوى المنتجة.
– العالقات االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية حددت الملكية الجماعية لوس ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج في المش ـ ـ ـ ـ ــاعية ،وكانت
األرض والموجودات وغيرها ملكاً للجميع.
– كان هدف العملية اإلنتاجية في المجتمع البدائي هو إش ــباع الحاجات المباشـ ـرة والض ــرورية
لضمان بقاء واستمرار الفرد واألسرة أو العشيرة على قيد الحياة.
– يقوم أعضـ ـ ـ ــاء المشـ ـ ـ ــاعة بالعمل مجتمعين ومتضـ ـ ـ ــامنين (التعاون البسـ ـ ـ ــيط) ،وإال خسـ ـ ـ ــروا
معركتهم في السيطرة على الطبيعة.
168
-فريدريك انجلز "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" ،في كتاب كارل ماركس وفريدريك انجلز ،المؤلفات المختارة ،المجلد الثالث،
دار التقدم ،موسكو ،1976ص.209
169
-االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية ،مجموعة من المؤلفين السوفييت ،ترجمة د .فؤاد أيوب ،دار دمشق للطباعة والنشر،
دمشق ،1985ص.32
170
S. Szefler i s. Marciniak, Ekonomia Ploityczna, P.W.E., Warszawa 1974. Str. 46. -انظر:
146
– كـانـت كميـات اإلنتـاج قليلـة جـداً ،بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـب انخفـاض إنتـاجيـة العمـل ،بحيـث ال ينتج الفرد إال
الحد األدنى الضروري للبقاء وبذلك ال يستطيع أحد أن يستولي على نتائج عمل اآلخرين.
اساااااتهالال) ،أي االكتفاء الذاتي توزيع – س ـ ـ ــيطرة االقتص ـ ـ ــاد الطبيعي (إنتاج
وانعدام التبادل.
– التوزيع المتساوي للمنتجات بين أفراد الجماعة البدائية.
(إن القانون االقتصادي األساسي في المجتمع البدائي كان إشباع الحاجات المباشرة والضرورية
لبقاء الجماعة والفرد معاً .فالغاية األسـاسـية من اإلنتاج هي ضـمان بقاء واسـتمرار الجماعة البدائية.
وفي ظروف انخفاض مسـ ــتوى وسـ ــائل العمل وبالتالي إنتاجية العمل كان تضـ ــامن وتعاون الجماعة
البدائية أم اًر محتماً لمواجهة الطبيعة وتأمين الحد األدنى الض ـ ـ ـ ــروري للبقاء فقد كان اإلنس ـ ـ ـ ــان الفرد
مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلرادة أمـام قوى الطبيعـة وكـانـت جمـاعيـة العمـل والملكيـة االجتمـاعيـة لوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل اإلنتـاج
والتسـ ــاوي في توزيع المنتجات تفرض كلها حتمية الحياة المشـ ــتركة في كل متماسـ ــك دون حدود بين
171
الفرد والجماعة).
172
أوالً -المشاعية البدائية أول تشكيلة اجتماعية اقتصادية:
تعد المشـ ــاعية البدائية أول تشـ ــكيلة اجتماعية اقتصـ ــادية في التاريخ .وكانت أدوات اإلنتاج التي
اسـ ـ ــتخدمها اإلنسـ ـ ــان في النظام المشـ ـ ــاعي البدائي بسـ ـ ــيطة وبدائية جداً ،كالهراوة ،والفأس الحجرية،
والقوس والنش ـ ـ ـ ــاب ...إلخ .كما كانت مهارات العمل وخبرة األفراد ومعارفهم قليلة وبدائية جداً .لذلك
لم يكن بوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األفراد أن يواجهوا قوى الطبيعة إال بتجميع جهودهم وتض ــافرها .لذلك كان األفراد
يعيش ـ ـ ـ ــون في مش ـ ـ ـ ــاعات قبلية متوحدين حس ـ ـ ـ ــب قرابة الدم ،تس ـ ـ ـ ــيطر عليهم عادات وتقاليد متخلفة
وســاذجة .وكانت المحاصــيل تقســم بين أفراد المشــاعة بالتســاوي ،وهي ال تكاد تكفي حاجة اإلنســان،
لـذلـك لم يكن هنـان فـائض من المحـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـل يمكن انت ازعـه من اآلخرين ،أو تفـاوت اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي أو
173
عالقات استغالل في المجتمع.
لقد كان النظام المش ـ ــاعي البدائي يتطور ويتغير ببطء كبير .وكان اكتش ـ ــاف النار واسـ ـ ـ تخدامها
مرحلة بالغة األهمية في تطور المجتمع البشـ ــري .وانتقل األفراد من اسـ ــتخدام أدوات العمل الحجرية
174
عندما والخشبية إلى األدوات المعدنية بعد أن تم اختراعها .وظهر تقسيم اجتماعي جديد للعمل،
171
-محمد سعيد نابلسي ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.53-52
172
-انظر المصدر السابق ص.57-49
173
-انظر :بريشكينا وزيركين وباكوفليفا ،ما هي المادة التاريخية،دار التقدم موسكو ،1986ص.79-77
174
-أول تقسيم طبيعي للعمل في تاريخ البشرية ،كان تقسيم العمل بين الرجل والمرأة ،وفقاً للطبيعة الفيزيولوجية لكل منهما ،وحسب السن.
147
انفصــل الرعي عن الزراعة .ثم ظهرت الحرفة التي أخذت تســهم في صــناعة أدوات العمل واأللبســة
175
واألحذية واألسلحة التي يستخدمها اإلنسان في تلبية حاجته لألمن والغذاء.
اســتخدم اإلنســان البدائي الحجر لمدة طويلة جداً كمادة رئيســة لصــنع األدوات التي يحتاج إليها
إلى جانب األخش ــاب والعظام والقرون .وعندما اكتش ــف اإلنس ــان النار والمعدن تعلم األفراد ص ــناعة
األدوات من فلزات النحاس الخام ،ومن ثم من البرونز ،وأخي اًر من الحديد .وتم تقس ـ ـ ـ ــيم مجمل الفترة
التاريخية الطويلة التي سبقت مرحلة التاريخ المدون إلى ثالثة عصور:
العصر الحجري، ()1
العصر البرونزي، ()2
العص ـ ــر الحديدي .نس ـ ــبة للمادة التي كان يس ـ ــتخدمها اإلنس ـ ــان في ص ـ ــنع أدواته .وقد ()3
اسـتمر كل عصـر من هذه العصـور قروناً طويلة ،أما العصـر الحجري فقد امتد ماليين من السـنين.
176
لقد كان اإلنجاز العظيم الذي حققه اإلنس ـ ـ ــان البدائي ،هو اكتش ـ ـ ــاف النار وطرائق اس ـ ـ ــتخدامها
المفيدة في المجاالت التالية:
-اس ـ ــتخدامها في تحض ـ ــير الطعام ،مما أدى إلى تزايد عدد األدوات المس ـ ــتخدمة في تحض ـ ــير
طعامه وتناوله.
-استخدامها لمساعدته على صنـ ـ ـ ــع األدوات ،األمر الذي أدى إلى تحسين نوعية هذه األدوات
بشكل دائم ومستمر.
-كما استخدم اإلنسان البدائي النار للدفاع عن نفسه ،وحمايته من الحيوانات المفترسة.
وهكذا ظهرت بش ـ ـ ـ ـ ــكل تدريجي ومتتابع أدوات جديدة اس ـ ـ ـ ـ ــتخدمها اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان كالس ـ ـ ـ ـ ــكين والرمح
والبلطة ...إلخ .مما أعطى اإلنســان إمكان صــيد الحيوانات كبيرة الحجم ،لتلبية الحاجات الضــرورية
لبعض المجموعات البشرية.
وعندما اكتش ـ ـ ـ ــف اإلنس ـ ـ ـ ــان المعادن (النحاس والحديد) ،بدأت األدوات المص ـ ـ ـ ــنوعة من الحجر
تختفي أول بأول لتحـ ـ ـ ـ ـ ــل محلها األدوات المصنوعة من المعادن .كما كان اكتشاف القوس والنشاب
خطوة مهمة على طريق ص ـ ـ ـراع اإلنس ـ ـ ــان مع الطبيعة وإمكان الس ـ ـ ــيطرة عليها .ومع تطور عمليات
الص ـ ـ ـ ـ ـ ــيد بدأت عمليات تدجين الحيوانات وتربيتها ،األمر الذي كان وما يزال له األثر اإليجابي في
حياة اإلنسـ ــان وتأمين ما يحتاج إليه .أما التطور اآلخر المهم على صـ ــعيد نمو القوى المنتجة ،فهو
177
الزراعة التي أخذ اإلنسان يزاولها على ضفاف األنهار والبحيرات.
ثانياً -مراحل تطور النظام المشاعي البدائي:
175
-المصدر السابق.
176
-انظر :ليونتيف موجز االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.23
177
-انظرJ. Nowickil, Zarys Ekonomia Polityczna Kapitalzu, P.W.E, Warszwa 1971. S. 182-183 :
148
يمكننا تقسيم نشوء النظام المشاعي البدائي وتطوره الطويل إلى عدة مراحل أهمها:
- 1المجتمع ما قبل العشائري أو (القطيع البدائي).
- 2مرحلة العشائرية أو المشاعية العشائرية وتنقسم بدورها إلى مرحلتين:
• المشاعية العشائرية األمومية.
• المشاعية العشائرية األبوية.
- 3المشاعية الزراعية.
وتشـ ــير وجهة النظر الماركسـ ــية إلى نشـ ــوء المجتمع البشـ ــري وتطوره كما يأتي ( ..لقد انقضـ ــت
ماليين السني ــن قبل أن انفصل اإلنسان عن عالم الحيوان ،واضطلع العمل بالدور الحاسم في تحول
القرد الشــبيه باإلنســان إلى إنســان ،وفي نشــوء المجتمع وتشــكله .وإن العمل المشــترن ،وصــنع أدوات
العمل والكلمات المقطعة المفه ــومة ،كل ذلك ساهم في تطور اإلنسان وال سيما في نمو دماغ رأسه.
وبالتدرج تحول قطيع القردة الشـ ـ ــبيهة باإلنسـ ـ ــان إلى قطيع بدائي من الناس ،وبدأ هذا القطيع بننتاج
178
وتسـمى مرحلة تحول قطيع القردة الشـبيهة المنتجات بتأثيره في الطبيعة بوسـاطة أدوات العمل).
باإلنسان إلى قطيع من الناس ،عبر مرحلة المجتمع ما قبل العشائري ،أو " القطيع البدائي ".
ومع مرور الزمن تكونت العشاايرة أو المشاااعة العشااائرية ،التي أض ــحت الخلية األس ــاس ــية في
المجتمع البدائي .لقد كانت العشـ ـ ـ ـ ـ ــيرة تضـ ـ ـ ـ ـ ــم مجموعة من الناس تربطهم قرابة الدم .وكانت تجتمع
عادة عدة عشــائر لتكون فيما بينها القبيلة ،ويقوم األفراد ضــمن القبيلة بالعمل المشــترن إضــافة إلى
أن ملكية وسـائل اإلنتاج كانت ملكية مشـتركة ،وتوزع المنتجات ،حصـيلة العمل المشـترن ،بالتسـاوي
بين أعضاء المشاعة وتستهلك داخل المشاعة .وهذا ما يسمى االقتصاد الطبيعي:
استهالال توزياع إنتااج
وكانت النســاء يشــغلن مواقع الســيادة في حياة المشــاعة العشــائرية في المرحلة األولى ،لما للمرأة
من دور اقتصـ ـ ـ ــادي أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــي في تأمين حاجات األسـ ـ ـ ـرة ،وسـ ـ ـ ــميت هذه المرحلة مرحلة العشااااايرة
األمومية .وعندما تم التحول إلى المش ـ ـ ـ ــاعة الزراعية أص ـ ـ ـ ــبح الرجال يقومون بأعمال الرعي وحراثة
األرض وانتقل الدور االقتصـ ــادي األسـ ــاسـ ــي من المرأة إلى الرجل ،كما أدى تقسـ ــيم العمل إلى زيادة
اإلنتـاجيـة وزيـادة كميـة اإلنتـاج من السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع والخيرات ،لـذلـك أخلـت األمومـة المكـان لألبوة ،وظهرت
179
العشيرة األبوية .وأصبح األوالد ينسبون إلى األب بعد أن كانوا ينسبون إلى األم.
178
-ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.186
179
-المصدر سابق ص .193
149
ثم أخذت العشــيرة تنقســم إلى أســر ،تتبعثر بدورها إلى خاليا أس ـرية فردية صــغيرة .ونتيجة لذلك
بدأت المشـاعة العشـائرية تتحول تدريجياً إلى مشـاعات زراعية متجاورة( .وخالفاً للمشـاعة العشـائرية
كانت المشـاعة الزراعية تتألف ليس فقط من األسـر التي تربطها أواصـر القرابة ،بل من األسـر التي
ليس بينها قرابة والتي كانت تمارس االقتصــاد بصــورة مســتقلة على قطع األ ارضــي المخصـصــة لها.
وتحول البيت والحوش التابع له إلى ملكية خاصـ ــة لزارع األرض) ...180ونظ اًر ألن زراعة األرض،
وجمع المحصـ ـ ــول أخذت تتوالهما أسـ ـ ــر منفردة مسـ ـ ــتقلة ،أصـ ـ ــبحت السـ ـ ــلع والمنتجات من حق هذه
األسـ ـ ــر ،ولم تعد تذهب إلى " القدر الواحدة " لتوزع بالتسـ ـ ــاوي بين أعضـ ـ ــاء المشـ ـ ــاعة .وأصـ ـ ــبحت
األسـرة الفردية هي الخلية االقتصـادية األسـاسـية في المجتمع .وبدأت تظهر الملكية الخاصـة لوسـائل
اإلنتاج ،كما ظهر فائض اإلنتاج وظهرت عملية التبادل ،وتم التحول من االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الطبيعي إلى
االقتصاد التبادلي:
استهالال توزياع تبادل إنتااج
ولكن يبقى القانون االقتص ـ ـ ـ ـ ــادي األس ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ــي للمجتمع البدائي بمراحله كافة هو :تأمين وجود
المشــاعة لكل عضــو من أعضــائها بوســاطة العمل المشــترن والتوزيع المتســاوي .أو كما يقول يوري
بوبوف (القانون االقتص ــادي األس ــاس ــي للمجتمع المش ــاعي البدائي ،قانون حركته وتطوره ،هو إنتاج
181
الوسائل الضرورية حياتياً من أجل التلبية المباشرة لحاجات المشاعة العشائرية وأفرادها.
ثالثاً -أسلوب اإلنتاج في المشاعية البدائية:
تعد المشـ ـ ــاعية البدائية أول تشـ ـ ــكيلة اقتصـ ـ ــادية اجتماعية ظهرت في المجتمع البشـ ـ ــري .ويتميز
أسلوب اإلنتاج في النظام المشاعي بالسمات اآلتية:
-1الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج الرئيسة.
-2نمط إنتاج تعاوني -جماعي.
-3القوى المنتجة بسيطة وضعيفة التطور.
-4عدم وجود فائض إنتاج.
(وتتجسـ ـ ـ ـ ــد المشـ ـ ـ ـ ــاعية البدائية في مجتمعات بال طبقات حيث تكتسـ ـ ـ ـ ــب العالقات األسـ ـ ـ ـ ـرية،
وعالقات القربى أهمية كبيرة ...وبما أنه ال يوجد استغالل للبشر من قبل غيرهم من البشر ،ال توجد
دولة وال نظام قانوني -حقوقي يعمل على تكريس الملكية الخاص ـ ـ ــة وحمايتها .إن العادات والتقاليد
هي التي تنظم الحياة ض ـ ـ ــمن المش ـ ـ ــاعة .وتكتس ـ ـ ــب قيادة المش ـ ـ ــاعة ش ـ ـ ــكالً ديمقراطياً مع دور بارز
182
للمسنين).
180
-المصدر السابق ص.195
181
-يوري بوبوف ،دراسات في االقتصاد السياسي ،المصدر السابق ص.68
182
-الموسوعة االقتصادية ،مجموعة من االقتصاديين ،دار ابن خلدون ،بيروت ،1980ص.453
150
لقد اتص ــف مجتمع المش ــاعة البدائية باالس ــتخدام المش ــترن ألدوات العمل ،وذلك لس ــببين األول:
ضـ ـ ـ عف مس ـ ــتوى تطور القوى المنتجة ،والثاني :لوال النش ـ ــاط المش ـ ــترن والعمل الجماعي لألفراد في
المجتمع البدائي لما اسـ ــتطاعوا أن يضـ ــمنوا ألنفسـ ــهم تأمين وسـ ــائل المعيشـ ــة األكثر ضـ ــرورة لحياة
الفرد( .وكان النش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط المشـ ــترن في العمل للناس البدائيين يتحقق على أسـ ــاس التعاون البسـ ــيط:
مشـ ـ ـ ـ ـ ــاركة هذا العدد أو ذان من الناس معاً في العملية اإلنتاجية الموحدة مثل الصـ ـ ـ ـ ـ ــيد المشـ ـ ـ ـ ـ ــترن
183
لقد كانت إنتاجيـة العمل متدنية جداً في مجتمع المشاعية البدائية .لذلك والزراعة البدائية ،إلخ).
كانت كميات اإلنتاج قليلة والتوزيع المتساوي هو الشكل الوحيد لتوزيع المنتجات.
ظلت عالقات اإلنتاج في التشكيلة المشاعية البدائية متوافقة إلى حد ما مع مستوى تطور القوى
المنتجة ودرجته .ومنذ أن بدأ اإلنس ـ ــان باس ـ ــتخدام األدوات المص ـ ــنوعة من المعادن " الحديد" أخذت
القوى المنتجة تنـ ــمو وتزداد بسرعة أكبر من نمو عالقات اإلنتاج في المشاعية البدائية .وأصبح من
الممكن ،بوسـ ــاطة األدوات المعدنية أن تقوم األسـ ـرة الواحدة بالعمل ،ولم يعد من الضـ ــروري اجتماع
العشـ ــيرة المشـ ــاعية للقيام باألعمال اإلنتاجية .وهكذا ظهرت الملكية الفردية لوسـ ــائل اإلنتاج ،وبدأت
الملكية المشــاعية للعشــيرة تختفي أول بأول ،ويختفي معها العمل الجماعي .وأصــبح المحصــول من
نص ــيب بعض األس ــر بعد أن س ــقطت العش ــيرة .وأض ــحت األس ــر هي التي تملك األرض والمواش ــي
ولم تعد هنان حاجة إلى 184
وأحياناً الغابات والمياه ووس ـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج األخرى بدالً من العش ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة.
ممارســة االســتثمار المشــترن الموحد ،فتحللت العشــيرة وانقســمت إلى أســر .وصــارت كل أس ـرة وحدة
اقتصـ ـ ـ ـ ــادية مسـ ـ ـ ـ ــتقلة .ومع تطور القوى المنتجة ،وظهور تقسـ ـ ـ ـ ــيم العمل االجتماعي ،ظهر المنتوج
185
وظهر التفاوت االقتصادي بين األفراد. الفائض،
لقد أدى تطور األدوات التي اس ــتخدمها اإلنس ــان البدائي إلى تقس ــيم العمل الطبيعي ،أي تقس ــيم
العمل حس ـ ــب الس ـ ــن والجنس (امرأة أو رجل) .حيث أص ـ ــبح الرجل يقوم بعمليات الص ـ ــيد ،أما المرأة
فهي تقوم بـأعمـال جمع الثمـار ،ز ارعـة األرض وتربيـة الحيوانـات المـدجنـة .ممـا أدى إلى نمو إنتـاجيـة
العمل وتزايدها في العشيرة الواحدة .ومع تطور الزراعة وتربية الحيوانات ،ظهر أول تقسيم اجتماعي
للعمل.
وانقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمت القبائل إلى قبائل رعوية ،وقبائل تعمل في الزراعة .وظهرت زيادة كبيرة في إنتاجية
العمـل لـدى الرعـاة والمزارعين ،ممـا أدى إلى ظهور فـائض اإلنتـاج لـدى كـل منهمـا ،األمر الـذي دعـا
183
-انظر :ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.188
184
-انظر :المصدر السابقJ. Nowicki , Cit. S. 183 :
185
-انظر :بريشكينا وزيركين وباكوفليفا ،ما هي المادة التاريخية ،دار التقدم موسكو ،1976ص.79
151
إلى ض ــرورة قيام عملية المبادلة إلى جانب تطور الرعي والزراعة ،بدأت تظهر وتتطور الحرفة التي
186
أصبحت منتجاتها مادة للمبادلة أيضاً.
اإلنتاج الحرفي
186
-انظر المصدر السابق .J. Nowicki S. 183
152
)2التحول من العمل الجماعي المشـ ـ ـ ــترن إلى العمل الفردي ،بسـ ـ ـ ــبب تخصـ ـ ـ ــص أدوات العمل
ووسائله وامتالن األفراد لها.
)3انتهان التوزيع المتساوي لمنتوجات العمل بين أفراد الجماعة البدائية وظهور مبدأ " من يقدم
أكثر للمشاعية يحصل على كميات أكبر من المنتوج " مما أدى إلى ظهور التفاوت االقتصادي.
)4التناقضـ ـ ـ ـ ـ ــات بين القوى المنتجة الجديدة وعالقات اإلنتاج الموروثة .حيث أدى تطور القوى
المنتجة في المشـ ـ ــاعية البدائية إلى نشـ ـ ــوء عدم توافق بين عالقات اإلنتاج والمسـ ـ ــتوى الجديد لتطور
القوى المنتجة.
وظهرت الملكية الخاص ـ ـ ــة في بادئ األمر في مجال تربية الحيوانات وامتالن الماش ـ ـ ــية وبعض
األواني المنزليـة ،ووس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـل العمـل الفردي .وظهر كـذلـك طراز جـديـد من التبـادل وهو التبـادل بين
األسر داخل المشاعية الواحدة .وظهر الرقيق وظهرت الطبقات.
إن الملكية الخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة لوسـ ـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج تولد التفاوت االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي بين األفراد .وأخذت تتكون
بالتدريج الطبقة المسيطرة من أصح ـ ـ ـ ـ ـ ــاب الملكية الخاصة الكبار أمثال زعماه القبائل ورجال الدين
وقادة الجي ،الذين بدؤوا باسـتغالل نفوذهم بهدف زيادة ثرواتهم وملكيتهم من وسـائل اإلنتاج .ومن
خالل القاعدة التي اتبعها هؤالء ،في الحص ــول على الجزء األساسي من الملكية المشتركة ،أصبحوا
مميزين من بقية األفراد في المشـاعية .وهنا ظهر نوع من األرسـتقراطية العشـائرية التي أضـحت فيما
187
بعد متوارثة ،بحيث تنتقل الثروة والجاه من األب إلى االبن.
ومع تطور القوى المنتجة في ظروف الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج ظهر إمكان إنتاج كميات
أكبر من السـ ـ ـ ـ ــلع .وزادت كميات السـ ـ ـ ـ ــلع المنتجة وأصـ ـ ـ ـ ــبحت أكبر بكثير مما كانت عليه في حال
اإلنتاج من أجل تلبية حاجات اإلنســان الســتمرار حياته .لذلك ظهر إمكان حدوث االســتغالل ،وهذا
يعني االس ــتيالء على نتائج عمل اآلخرين ،أي اإلنتاج الفائض وفي مثل هذه األوض ــاع أص ــبح من
األفضـ ـ ـ ــل واألكثر فائدة إرغام األسـ ـ ـ ــرى على العمل واإلنتاج ،بدالً من قتلهم( .تحويل األسااااارى إلى
عبياد) .وكلما زاد عدد العبيد زادت كمية اإلنتاج الفائض .ولهذا أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح امتالن العبيد يعطى ريعاً
للمالك .مما أدى إلى تزايد التفاوت االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي بين أفراد المجتمع ،وظهور األغنياء والفقراء .وتم
تقسـ ـ ـ ــيم المجتمع إلى أسـ ـ ـ ــياد وعبيد ،ليحل محل النظام المشـ ـ ـ ــاعي البدائي ،مجتمع طبقي قائم على
أساس استغالل اإلنسان ألخيه اإلنسان ،هو النظام العبودي.
لقـد أدى تطور القوى المنتجـة في المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعيـة البـدائيـة إلى اختفـاء عال ـق ات اإلنتـاج المميزة لهـذا
النظام ،بشكل تدريجي .وبدأ المجتمع ينقسم أول بأول إلى طبقتين اجتماعيتين:
-1طبقة مالكي العبيد " السادة ".
187
-انظر -يوري بوبوف ،دراسات في االقتصاد السياسي اإلمبريالية والبلدان النامية ،دار التقدم موسكو ،1984ص.70-69
153
-2طبقة العبيد.
كما برزت مجموعة أس ـ ــاس ـ ــية ثالثة من الناس ،هم المش ـ ــاعيون األحرار الذين يملكون اقتص ـ ــاداً
صغي اًر يقوم على العمل الشخصي والملكية الصغيرة ألدوات اإلنتاج ووسائله.
وظهرت بشـ ــكل واضـ ــح عملية اسـ ــتغالل إنسـ ــان من قبل إنسـ ــان آخر .وأخذ العمل الفردي يحل
محــل العمــل الجمــاعي .وحــل االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل محــل التوزيع العــادل .وبــدأ الحــديــث عن نوع جــديــد من
عالقات اإلنتاج أي النظام الطبقي .لقد ولى زمان المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة البدائية نهائياً وأخذت تتكون عالقات
اقتصادية اجتماعية جديدة ممهدة لقيام نظام اقتصادي اجتماعي جديد على أنقاض النظام المشاعي
البدائي ،هو نظام الرق أو النظام العبودي.
154
البطريريكية طابعاً محدوداً وغير متطور ،ألس ـ ـ ـ ــباب متعددة :أوالً -ألن قوة عمل العبيد لم تكن تعد
القوى األسـاسـية في اقتصـاد " المشـاعة " الجماعة ،وثانياً -لم يكن العبيد من األنسـباء واألقارب بل
كانوا أســرى حرب ،وثالثاً -لم تكن تجارة العبيد قد تطورت بعد .ولكن حتى في هذه األوضــاع كان
عمـل العبيـد يؤدي إلى اغتنـاء مـالكيهم وازداد التفـاوت في الملكيـة والثروات .وأخـذ وجهـاء العشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائر
األغنياء يحولون أفراد عشـ ــائرهم الذين حل بهم الفقر ووقعوا في شـ ــرن تبعية الديون إلى عبيد وليس
188
أسرى الحرب فقط.
لقد كان العامل الرئيس في التحول من أسـ ـ ــلوب اإلنتاج المشـ ـ ــاعي البدائي إلى أسـ ـ ــلوب اإلنتاج
العبودي ،التطور الكبير والمس ـ ـ ــتمر للقوى المنتجة .وأحدث اكتش ـ ـ ــاف ص ـ ـ ــب الحديد وتعدينه انقالباً
جذرياً في تطور عملية اإلنتاج .حيث أمكن ص ــناعة أدوات حديدية الس ــتخدامها في العمل ،كالفأس
والمحراث ذي السكة الحديدية التي تخدم مدة أطول .إن صناعة هذه األدوات من المعدن كان يعني
بداية تطور الحرفة والحرفيين.
اسـ ــتهل النمط العبودي لإلنتاج تاريخه من النقطة التي أصـ ــبح فيها اسـ ــتثمار العبيد واسـ ــتغاللهم
ـتغّلين " مالكيالشـ ــكل السـ ــائد في عملية اإلنتاج ،حيث انقسـ ــم المجتمع إلى طبقتين متناحرتين المسـ ـ ِّ
العبيد " والمســتغّلين " العبيد " .ويضــم المجتمع العبودي إضــافة إلى هاتين الطبقتين األحرار أيضـاً،
كـالحرفيين والفالحين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـار ،والتجـار والمرابين .وتكونـت الـدولـة الطبقيـة في المجتمع العبودي
189
نتيجة لالستغالل ،وأضحت السيطرة السياسية لطبقة السادة مالكي العبيد في المجتمع.
أهم ما يميز النظام المش ـ ـ ــاعي البدائي هو انخفاض مس ـ ـ ــتوى تطور أدوات العمل ،مما أدى إلى
انخفاض إنتاجية العمل ،بحيث كان هنان إنتاج ضـروري فقط ،ولم يكن قد ظهر اإلنتاج الزائد بعد.
أما في النظام العبودي فقد تطورت نس ــبياً أدوات العمل التي اس ــتخدمها اإلنس ــان في عملية اإلنتاج،
وبذلك أص ـ ـ ــبح مس ـ ـ ــتوى اإلنتاجية أعلى قليالً مما كان عليه في المش ـ ـ ــاعية .وظهر اإلنتاج الفائل
190
ولكن حجمه لم يكن كبي اًر.
أمـا بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للبنيـة الطبقيـة في المجتمع العبودي ،فـنننـا نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن نميز بين ثالث طبقـات
رئيسة:
188
-ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،دار التقدم موسكو 1987ص.199-198
189
-انظر :االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية ،أكاديمية العلوم في االتحاد السوفياتي ،ترجمة الدكتور فؤاد أيوب ،دار دمشق
للطباعة والنشر ،دمشق ،1986-1985ص.40
190
-يوري ف .كانشانفسكي ،عبودية ،اقطاعية أم أسلوب إنتاج آسيوي؟ ،ترجمة د .عارف دليلة ،دار الطليعة ،بيروت ،1980ص.215
155
-1طبقة العبيد بالمعنى الواسع للكلمة ،وهم جميع الناس المحرومين من ملكية وسائل اإلنتاج،
والمكرهين على العمل بالعنف المباش ـ ــر ،أيا كان وض ـ ــعهم الس ـ ــياس ـ ــي والحقوقي( .الطبقة النموذجية
األولى).
-2طبقــة المنتجين – المــالكين ،وهم المنتجون المــالكون في الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق القــديم الــذين يحتفظون
بالتنظيم المشاعي ،والفالحون -المالكون الخواص لألرض -في أوروبا القديمة الناضجة( .الطبقة
النموذجية الثانية).
-3طبقة مالن العبيد .وتش ـ ـ ــمل هذه الطبقة أرس ـ ـ ــتقراطية المجتمعات الشـ ـ ـ ـرقية القديمة ،ومالن
191
العبيد في أوروبا القديمة الناضجة.
كانت الظواهر التي الزمت نشـ ـ ـ ــوء نظام الرق والعبودية وتطوره تتمثل في تطور القوى المنتجة،
نمو اإلنتاج الزراعي ،اشـ ـ ـ ـ ـ ــتداد تقسـ ـ ـ ـ ـ ــيم العمل بين الزراعة وتربية الحيوان ،تطور التعدين ،كل هذه
العوامــل أبرزت ازديــاد الحــاجــة إلى القوة العــاملــة المنتجــة " العبيــد " .وأخــذ عــدد العبيــد ينمو ويزداد
بسبب الحروب وتجارة الرقيق.
(ولم يكن بوسـ ـ ــع مالكي العبيد إخضـ ـ ــاع العبيد المشـ ـ ــاغبين البسـ ـ ــطاء وإكراههم على العمل من
أجلهم ،وزيادة ثرواتهم ،وإش ــباع جش ــعهم المتنامي الذي ال يمكن إش ــباعه أبداً ،إال بوجود جهاز دائم
تكون هذا الجهاز تدريجياً ليشــكل الدولة) 192 .ويمكننا تحديد وظائف الدولة في للعنف والقســر .وقد ّ
نظام الرق والعبودية وفقاً لما يأتي:
( )1حماية مصالح السادة وقمع المستغلين.
( )2توس ـ ــيع أ ارض ـ ــي الدولة وذلك بش ـ ــن الحروب لالس ـ ــتيالء على العبيد .وظهر جيش محترف
مهمته الدفاع عن مصالح الطبقة السائدة ،أي مصالح مالكي العبيد.
أوالً -تطور اإلنتاج والقوى المنتجة:
كانت التقانة المس ـ ـ ـ ـ ــتخدمة في اإلنتاج العبودي ،ذات مس ـ ـ ـ ـ ــتوى منخفض ،بحيث كانت األدوات
المس ـ ــتخدمة في عملية اإلنتاج بس ـ ــيطة جداً ،والقوة المحركة الرئيس ـ ــة كانت القوة العض ـ ــلية لإلنس ـ ــان
والحيوان .ولم يهتم العبيد بنتائج عملهم ،لذلك لم تتطور أو تتحس ــن األدوات التي كانوا يس ــتخدمونها
في العمل.
كان الشـ ــكل األسـ ــاسـ ــي لتنظيم عمل العبيد هو التعاون البسـ ــيط .وكان تقسـ ــيم العمل في اإلنتاج
ضـ ـ ـ ــئيل األهمية ،وأدى عمل العبيد شـ ـ ـ ــبه المجاني إلى عرقلة تطور تقنية اإلنتاج .واقتصـ ـ ـ ــر التقدم
التقني في اإلنتاج العبودي على اس ــتخدام البكرة والمرفاع الدوار والعتلة واالس ــفين .وكانت الطاحونة
المائية أول آلة (ماكينة) في روما القديمة على الرغم من أنها لم تنتش ـ ـ ـ ــر على نطاق واس ـ ـ ـ ــع .ولكن
191
-انظر :المصدر السابق ص .227
192
-عرض اقتصادي تاريخي ،مصدر سابق ،ص.75
156
ظهور تقسـيم العمل إلى عمل ذهني وعمل جسـدي ،أدى إلى حدوث تطور كبير نسـبياً في المعارف
193
اإلنسانية والعملية ،وكان له أكبر األثر في تطور تاريخ البشرية.
كان التناقض بين العمل الذهني والعمل الجس ــدي ناجماً عن تخص ــص العبيد بالعمل الجس ــدي،
بينما كان العمل الذهني من نصـيب السـادة واألحرار .وأهم األعمال التي يقوم بها السـادة هي اإلدارة
الحكومية ،والس ـ ــياس ـ ــية ،والفلس ـ ــفة ،واألدب والفن .إن التفرغ للقيام بهذه األعمال كان له أثر إيجابي
في تطور المعارف اإلنسانية وتقدم المجتمع البشري.
وكان الجانب السـ ـ ـ ـ ـ ــلبي الناجم عن تقسـ ـ ـ ـ ـ ــيم العمل إلى ذهني وجسـ ـ ـ ـ ـ ــدي يتمثل في وقوع العمل
الجسدي تحت نيـ ـ ـ ــر االستغالل الشديد ،ذلك نتيجة الستيالء ذوي العمل الذهني على القسم األعظم
194
من المنتج الذي حققه العمل الجسدي للعبيد.
لقد كان االقتص ــاد في المراحل األولى اقتص ــاداً طبيعياً ،وهذا يعني أن الس ــلع التي يتم إنتاجها،
إنما تهدف إلى تلبية وتأمين حاجات مالكي العبيد والحواش ـ ــي المحيطة بهم من الفئات غير المنتجة
(الفنانين ،الشـ ـ ـ ـ ــعراء ،المعلمين ...إلخ) .ومع تقدم وتطور أدوات العمل ووسـ ـ ـ ـ ــائله وظهور التقس ـ ـ ـ ــيم
االجتماعي للعمل وتعمقه في م ارحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل متقدمة من العبودية ،أخذ اإلنتاج البضـ ــاعي (إنتاج السـ ــلع
للتبادل) يتزايد أكثر فأكثر .وهذا ال يشــمل اإلنتاج الحرفي فحسـ ب بل يشــمل أيضـاً اإلنتاج الزراعي،
ولكن بدرجة محدودة.
ونتيجة لتطـ ـ ـ ــور أدوات العمل ووسائله ،بات باإلمكان زراعة مساحات كبيرة من األرض ،وظهر
تنوع المحاصـ يل الزراعية وأخذت قطعان الماش ــية تتكاثر بس ــرعة لدى األس ــر الغنية التي تقوم بتربية
المواشي .وكانت هـ ـ ـ ــذه المهمات فـ ـ ـ ــوق طاقة المزارعين الصغار ،في حين كان مالك العبيد يجد لها
حالً باسـتخدام العبيد للقيام بأعمال الزراعة والرعي وتربية الحيوان .وتطور اسـتخراج فلزات المعادن
وص ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرها (النحاس ،البرونز ،الحديد) وإنتاج أدوات العمل .وشـ ــيدت القصـ ــور والمعابد ،والطرق
والس ـ ـ ــدود والقنوات وأنظمة الري ،وتم بناء المدن والمس ـ ـ ــارح واألهرامات .كما تطور اإلنتاج الحرفي،
وخاصـ ــة صـ ــناعة األواني الفخارية ،والغزل والنسـ ــيج ،وبعض األدوية واألدوات الموسـ ــيقية .وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
اسـ ـ ـ ـ ــتخدمت في إنتاج هذه األشـ ـ ـ ـ ــياء وتشـ ـ ـ ـ ــييدها أدوات عمل أكثر تعقيداً من التي اسـ ـ ـ ـ ــتخدمت في
المشـاعية البدائية ( نول النسـيج ،دوالب صـنع األواني الفخارية ،كير الحداد ،رحى الطاحون اليدوية
) .ومن أهم نتائج تطور الحرف ،حدوث التقس ـ ـ ــيم االجتماعي الثاني للعمل ،حيث انفص ـ ـ ــلت الحرفة
عن الز ارعـة ،علمـاً بـأن التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم االجتمـاعي األول قـد حـدث عنـدمـا انفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـت الز ارعـة عن تربيـة
195
مما تقدم نالحظ أن الفروع الرئيسة لإلنتاج العبودي هي: الماشية.
193
-انظر :يوري بوبوف دراسات في االقتصاد السياسي ،االمبريالية والبلدان النامية ،دار التقدم موسكو 1984ص72
194
-انظر -د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.106
195
-انظر ،ايلين وموتيليف ،المصدر السابق ص.201-200
157
)1الزراعة،
)2تربية الحيوان،
)3الحرف.
وفي مجرى نشـ ـ ـ ــاط الناس العملي تكدسـ ـ ـ ــت الخبرة وتحسـ ـ ـ ــنت أدوات العمل تدريجياً ،وصـ ـ ـ ــارت
أح ّد ،حيث صـ ـ ـ ــارت تصـ ـ ـ ــنع من المعدن ،بدالً من الحجر...
المطرقة والفأس والحربة أخف وأمتن و ْ
ولم يعد اإلنس ـ ــان ض ـ ــعيفاً أمام الطبيعة .واكتش ـ ــف النار وامتلك ناص ـ ــيتها ،واس ـ ــتخدمها في مجاالت
ودجن الحيوانـات وقـام بتربيتهـا ،وتعلم الز ارعـة .وبـذلـك تطورت تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات
عـديـدة ،واخترع العجلـةّ ،
196
اإلنسان عن العالم.
إن ازدياد اإلنتـاج في جميع فروعه -تربيـة المواشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ،الزراعة ،الحرف اليـدوية البيتيـة -م ّكن
قوة العمل البشـ ـ ــري من إنتاج محص ـ ـ ـوالت تفيض عما كان ضـ ـ ــرورياً لبقائها .وفي الوقت ذاته زادت
كمية العمل اليومي التي ينبغي أن ينجزها كل فرد من العشـ ــيرة أو كل أسـ ـرة .وغدا من المسـ ــتحسـ ــن
إضـافة مزيد من قوة العمل ،األمر الذي تحقق من خالل الحرب واألسـر وتحويل األسـرى إلى عبيد.
في ظـل هـذه األحوال التـاريخيـة العـامـة ،كـان الرق ثمرة حتميـة ألول تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم اجتمـاعي كبير للعمـل.
ذلـك ألنـه أدى إلى زيـادة إنتـاجيـة العمـل ثم إلى زيـادة الثروة ،ألنـه أدى إلى توسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيع ميـدان اإلنتـاج.
ومن أول تقسـ ــيم اجتماعي كبير للعمل انبثق أول انقسـ ـ ام كبير للمجتمع إلى طبقتين :ساااادة وعبيد،
197
مستغلين ومستغلين.
ثانياً -اإلنتاج والتوزيع في المجتمع العبودي:
أما بالنسـ ـ ـ ـ ــبة لعالقات اإلنتاج والتوزيع في المجتمع العبودي ،فقد كانت تتميز بامتالن السـ ـ ـ ـ ــادة
لوســائل اإلنتاج إضــافة إلى المنتجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين .أي امتالن وســائل اإلنتاج والعبيد معاً .وكان إنتاج العبيد
كامالً يسـ ـ ــتولي عليه السـ ـ ــيد ،الذي يترن للعبيد الحد األدنى لسـ ـ ــد حاجته االسـ ـ ــتهالكية والضـ ـ ــرورية
لتمكينه من تجديد قوة عمله لالستمرار في عمليـ ـ ــة اإلنتاج .وعلى الرغم من تدني مستوى اإلنتاجية،
بدأ امتالن العبيد يص ـ ـ ــبح مفيداً .وازداد الطلب على العبيد ،وكان المص ـ ـ ــدر األس ـ ـ ــاس ـ ـ ــي لتلبية هذا
الطلب هو االنتصــار في الحروب والحصــول على األســرى .أو بتجارة العبيد والنخاســة التي تزايدت
وتطورت مع مرور الوقت.
لقد كان الس ـ ــادة في ظل أس ـ ــلوب اإلنتاج العبودي يتمتعون بجميع الحقوق الش ـ ــخص ـ ــية ،وحقوق
الملكية ،والس ـ ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ـ ــية ،في حين كان العبيد محرومين من جميع هذه الحقوق .ولم يكن للعبد كيان
شـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ــي في المجتمع ،وكان من الممكن ش ـ ـ ـ ـراؤه وبيعه وقتله كالمواشـ ـ ـ ــي ،دون أن يكون له حق
196
-انظر كيريلينكو وكروشونوفا ،ماهي الفلسفة ،دار التقدم موسكو ،1987ص.15-14
197
-فريديريك انجلس ،أصل األسرة والملكية الخاصة والدولة ،ترجمة أديب يوسف ،منشورات دار الفارابي ،المطبعة التعاونية دمشق
،1958ص.254
158
االعتراض .وبذلك كانت أدوات العمل في روما القديمة تنقس ــم إلى ثالثة أنواع -1 :األدوات الناطقة
وهم العبيد - 2 ،األدوات الخوارة وهي الحيوانات - 3 ،األدوات الخرس وهي األدوات المصـ ـ ـ ـ ـ ــنوعة
من الحديد والخشب وغير ذلك .وقد شبه أرسطو العبـ ــد باألداة الحية ،أما األداة فهي عبد غير حي.
وكان العبيد يحملون طوقاً في أعناقهم مكتوباً عليه اس ـ ـ ـ ـ ــم مالكهم .بل كانوا أحياناً يس ـ ـ ـ ـ ــمونهم بخاتم
198
معين "الوسم" لتسهيل القبض عليهم في حال هروبهم.
أما بالنس ـ ـ ــبة ألعض ـ ـ ــاء المجتمع كاملي الحقوق ،فقد كانوا ينقس ـ ـ ــمون بدورهم انقس ـ ـ ــاماً حاداً إلى
أغنياء وفقراء .وكان الفقراء األحرار يخضـ ـ ـ ـ ـ ــعون للقوانين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية التي تحكم النظام العبودي،
والتي تحقق مصـ ــالح الفئة السـ ــائدة في المجتمع وهم األغنياء .لذلك كانوا يضـ ــطرون لالسـ ــتدانة من
األغنياء وهذا يعني الوقـ ـ ـ ـ ـ ــوع في عبودية الديون .حيث كان المواطن غير القادر على تسديد أقساط
الدين في موعدها ،مضـ ــط اًر لتأجير نفسـ ــه أو أس ـ ـرته لمالكي العبيد السـ ــتيفاء الدين ،إنه طراز جديد
من تجارة الرقيق التي تلبي حاجة السادة لقوة العمل.
لقد حدثت تغيرات مهمة في أوض ـ ـ ــاع المنتجين المباشـ ـ ـ ـرين في ظل المجتمع العبودي وأص ـ ـ ــبح
المنتجون ملكاً ألشــخاص آخرين .ونتيجة لتطور القوى المنتجة نســبياً ،أصــبح بمقدور المنتج "العبد"
أن يحقق منتوجاً يزيد على حاجاته الضـ ـ ــرورية السـ ـ ــتمرار حياته .هذه الزيادة أو ما يسـ ـ ــمى "المنتوج
الفائض" كانت تسـ ـ ــتولي عليها طبقة مالكي العبيد ووسـ ـ ــائل اإلنتاج .أي إن النظام العبودي هو أول
نظام توض ــح فيه التقس ــيم الطبقي في المجتمع .إن التناقض بين الطبقتين األس ــاس ــيتين في المجتمع
العبودي ،أدى إلى الحد من تطور القوة المنتجة ،واس ـ ــتمرار وتزايد عملية االس ـ ــتغالل الذي يمارس ـ ــه
السـادة ضـد العبيد .ومع تطور الطبقات والتفاوت في الملكية ،أخذت تتكون هيئات اسـتخدمها مالكو
العبيد للسـيطرة على العبيد وإرغامهم على اإلنتاج لتحقيق إنتاج فائض ،يزيد ويضـاعف من ثرواتهم.
وبذلك نشأت الدولة ،وأصبحت أداة للعنف والتسلط بيد الطبقات السائدة ضد الطبقات المستغّلة.
لقد كان مالك العبد يملك حرية التصـ ــرف بالسـ ــلع والخيرات المادية التي ينتجها العبيد .ويتم في
المجتمع العبودي توزيع المنتج ،بحيث يحص ـ ـ ــل العبد على جزء يس ـ ـ ــير لس ـ ـ ــد حاجاته واالس ـ ـ ــتهالن
المباشـر ،وهو الحد األدنى والضـروري لتجديد قوة العمل واالسـتمرار في عملية اإلنتاج ،لذلك يسـمى
"المنتج الضااروري" .والقسـ ــم األعظم من المنتج يسـ ــتولي عليه مالكو العبيد لتلبية حاجاتهم المتنوعة
والمتزايدة ،ويسـمى "المنتج الفائل" .ولذلك تم تقسـيم زمن عمل العبد إلى قسـمين :الزمن الضـروري
والزمن الزائد ،وكان عمل العبد يتكون من العمل الضروري والعمل الزائد.
بيـد أن جزءاً من "المنتج الفـائض" الـذي يخلقـه العبيـد ،يتم التنـازل عنـه من قبـل مـالكي العبيـد إلى
المسـ ـ ـ ــتثمرين اآلخرين ،كالحرفيين وممثلي رأس المال التجاري ورأس المال الربوي ،وذلك لقاء تزويد
198
-انظر -ايلين وموتيليف ،المصدر السابق ص.203
159
أصـ ــحاب العبيد بالسـ ــلع الترفيهية والمال .وكانت الدولة العبودية تحصـ ــل أيض ـ ـاً على جزء آخر من
199
"المنتج الفائض" في صورة ضرائب ورسوم ،وذلك ألنها كانت تحمي مصالح الطبقة الحاكمة.
ثالثاً -االقتصاد التبادلي والعالقات السلعية -النقدية:
كانت المنتوجات ،في ظل نظام الرق ،من أجل االسـ ـ ـ ــتخدام الشـ ـ ـ ـ خصـ ـ ـ ــي لمالك العبيد ،ولتلبية
مر الزمن
احتياجاته المتزايدة باســتمرار .ثم أصــبحت المنتوجات تســتخدم أيضـاً لغرض التبادل ،ومع ّ
بــدأ التبــادل يؤثر تــأثي اًر مت ازيــداً في الحيــاة االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديــة في المجتمع العبودي .إن المنتجــات غير
المخصـصـة لالسـتهالن المباشـر بل المخصـصـة من أجل البيع والتبادل تسـمى "البضااعة" ،واإلنتاج
من أجل التبادل ولغرض البيع يس ـ ـ ـ ــمى "اإلنتاج البضاااااااعي" .وأخذت تتنوع وتزداد كمية البض ـ ـ ـ ــائع
المتبادلة ،وتعددت وتوســعت مجاالت التبادل .وظهرت فئة جديدة من المجتمع تقوم بش ـراء البضــائع
من المنتجين ،وتنقلها إلى أس ـ ـ ـواق الترويج لبيعها ،وقد تكون أس ـ ـ ـواق البيع بعيدة عن مكان اإلنتاج،
هؤالء هم " التجار" .وبذلك ظهر التقسيم االجتماعي الثالث للعمل.
وتحول تبادل البضـ ـ ـ ــائع تدريجياً إلى تجارة منظمة ،ونشـ ـ ـ ــأت األسـ ـ ـ ـ واق حيث انتعشـ ـ ـ ــت التجارة
المنظمة ،التي تجاوزت حدود الدولة الواحدة ،ونش ــأ ما يس ــمى "التجارة الخارجية " .وتطورت التجارة
الخارجية بشـكل واسـع( .واشـتركت بشـكل بسـيط في التجارة العالمية دول عبودية مثل مصـر وفينيقيا
200
وبابل والصين واليونان وروما وغيرها).
(لقد تخصـ ـص ــت الفئة التجارية بشـ ـراء الس ــلع وبيعها بالنقد .وكان س ــعر الشـ ـراء أقل من س ــعر
البيع ،وهذا الفرق بين السـ ــعرين كان مصـ ــدر الربح التجاري .ولم يعد دور النقد مقتصـ ـ اًر على قياس
قيم الس ــلع المختلفة كما كان األمر في الس ــابق وإنما أص ــبح وس ــيلة لتجميع الثروة ،وظهر ألول مرة
201
في التاريخ االقتصادي ما يسمى "رأس المال التجاري".
لقد أدى تزايد كميات اإلنتاج البضـ ـ ــاعي للسـ ـ ــوق وتوسـ ـ ــع التبادل التجاري إلى تزايد التفاوت في
الملكية والث ــروة .وأخذت تتجمع في أيدي التجار ثروات كبيرة من النقد ،ووسائل اإلنتاج ،إما بالنسبة
للمنتجين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغــار كــالحرفيين ،والمزارعين فيمكنهم أن يعتمــدوا على عملهم الخــاص فقط .وأثنــاء
الحروب والمواسـم الزراعية السـيئة ،يضـطر المنتجون الصـغار إلى االسـتدانة من التجار ،الذين كانوا
يقومون بتس ـ ـ ـ ـ ــليفهم األموال ولكن بأس ـ ـ ـ ـ ــعار عالية للفائدة .وبذلك ظهر ألول مرة نوع جديد من رأس
المال "رأس المال الربوي" ،وظهرت وظيفة جديدة للنقد وأص ـ ــبح وس ـ ــيلة لالقتراض والتس ـ ــليف مقابل
فـائـدة .وتكونـت فئـة جـديـدة هي "المرابون" الـذين يقـدمون القروض النقـديـة إلى المنتجين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـار،
199
-انظر ،االقتصاد السياسي ،دليل العلوم االجتماعية ،أكاديمية العلوم في االتحاد السوفييتي ،ترجمة د .فؤاد أيوب ،دار دمشق للطباعة
والنشر ،دمشق ،1986-1985ص.42
200
-ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،المصدر السابق ص.206
201
-د .محمد سعيد نابلسي ،المصدر السابق ص.64
160
ويتقاضـ ـ ـ ــون مقابل ذلك معدالت عالية من الفائدة ،ويسـ ـ ـ ــتولون على جزء من المنتجات التي ينتجها
المزارعون والحرفيون الص ـ ـ ـ ــغار .وعندما ال يس ـ ـ ـ ــتطيع الحرفي أو الفالح تس ـ ـ ـ ــديد القرض في موعده
المحدد ،يتم بيع أرض ـ ــه أو ورش ـ ــته ،األمر الذي أدى إلى إفالس عدد كبير منهم .وبذلك يكون رأس
المال التجاري ورأس المال الربوي من أقدم أشكال رأس المال التي ظهرت في تاريخ البشرية.
وأخذت النقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود تلعب دو اًر أكبر في اقتصـ ـ ــاديات المجتمع العبودي ،مع تقدم التبادل التجاري
وتطوره بيــد أن النقود قـديمـاً تختلف عن النقود المعــاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة .واختلف نوع النقود من مجتمع آلخر،
حيــث نجــد أن النقود لــدى الفئــات التي تهتم بتربيــة الحيوان كــانــت على شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل رأس المــاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــة،
واستخدمت فئات أخرى الملح كنقـود ،وفئة ثالثة استخدمت الحبوب أو الفراء .أي إن بعض البضائع
اتخذت شــكل المعادل العام ،بدالً من المقايضــة بضــاعة مقابل بضــاعة " ب – ب " ثم تطور شــكل
المعادل العام إلى شـ ـ ـ ــكل نقدي ،وأخذت النقود المعدنيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تظهر ( في األلفين الثالث والثاني قبل
الميالد ) .ومع انتشــار اســتخدام النقود انقســمت عملية التبادل إلى عمليتيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ،عملية البيع وعملية
الشراء ،وأخذت تتم على مرحلتين:
األولى -بيع البضاعة مقابل نقود،
والثانية -شراء بضاعة أخرى بهذه النقود.
ولم يعــد من الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري حــدوث العمليتين في وقــت واحــد وزمن واحــد ،كمــا كــان يحــدث في
المقايضة .مما أدى إلى ظهور التجارة الوسيطة والتجار والوسطاء والمرابين.
مجاالت إنتعاج
-عرض اقتصادي تاريخي ،المصدر السابق ،الجزء األول ،ص .75 202
162
يعد عمله أس ـ ــاس حياة المجتمع العبودي واس ـ ــتم ارره ،محروماً من أي حوافز مادية أو معنوية ،لذلك
لم يكن يهتم بنتائج عمله أو زيادة اإلنتاجية ،وأكثر من ذلك بدأت اإلنتاجية تتراجع وتتناقض.
أما بالنس ــبة للتناقض بين اإلنتاج العبودي الكبير واالس ــتثمارات الص ــغيرة للمنتجين األحرار ،فقد
ظهر عندما كانت منتجات االس ــتثمارات الكبيرة تباع بأس ــعار منخفض ــة بس ــبب انخفاض التكاليف "
انخفاض تكاليف معيش ــة العبيد بس ــبب االس ــتغالل " .ولم تتمكن االس ــتثمارات الص ــغيرة من الص ــمود
في المنافســة التي فرضــتها عليها المشــاريع العبودية الكبيرة .فأخذت تفلس ويحل بها الخراب بأعداد
كبيرة ومتزايدة .وأس ـ ـ ــهم في ذلك تزايد الضـ ـ ـ ـرائب وارتفاع معدالت فوائد المرابين ،واغتص ـ ـ ــاب مالكي
العبيد الس ـ ـ ـ ــتثمارات الفالحين .وأدى ذلك إلى نش ـ ـ ـ ــوء جماهير ض ـ ـ ـ ــخمة من الفقراء والمحرومين من
203
ملكية وسائل اإلنتاج.
وظهر التنــاقض بين الريف والمــدينــة عنــدمــا أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحــت المــدن مراكز لإلنتــاج الحرفي والتجــارة
والمراباة ،وتجمعاً ثقافياً .أما الريف فقد حافظ على الكثير من س ــمات النظام المش ــاعي البدائي .من
هنا بدأت عالقة االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل بين الريف والمدينة ،من خالل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء منتجات الفالحين في الريف
بأســعار منخفضــة ،وبيعهم البضــائع المنتجة في المدن بأســعار مرتفعة .وكذلك من خالل الض ـرائب
وشـ ـ ـ ــتى أنواع األتاوات المفروضـ ـ ـ ــة على الفالحين وسـ ـ ـ ــكان الريف .مما أدى إلى إفقار الريف وعدم
إمكان تجديد القوة العاملة فيه وتدهور الزراعة ،كل هذا أسهم في تهديم أركان النظام العبودي.
على الرغم من الشـ ــكل القسـ ــري الواضـ ــح الذي تتصـ ــف به عملية اإلنتاج في المجتمع العبودي،
أخذت إنتاجية العبيد تهبط وتتراجع ،لدرجة كف الشـ ـ ـ ــكل العبودي لالسـ ـ ـ ــتثمار عن ضـ ـ ـ ــمان التكاثر
البسـ ـ ـ ــيط لإلنتاج .وأصـ ـ ـ ــبحت االسـ ـ ـ ــتثمارات العبودية غير مربحة أكثر فأكثر ،مع انخفاض إنتاجية
العبيد واحتدام الص ـ ـراع بين المس ـ ـ ِّ
ـتغلين والمس ـ ــتغلين .إن تراجع اإلنتاج الزراعي رافقه بص ـ ــورة حتمية
204
حالة مماثلة في اإلنتاج الحيواني ،وكذلك اإلنتاج الحرفي.
وأخذ مالكو العبيد يجزئون أمالكهم ويجعلونها مهيأة للزراعة من قبل العبيد أو الفالحين األحرار
الــذين فقــدوا أ ارضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيهم .وفي ظروف أزمــة اإلنتــاج العبودي الكبير ،أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح من المفيــد تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم
االسـ ــتثمارات الكبيرة إلى قطع صـ ــغيرة توزع على العبيد واألحرار لقاء أجر معين وبشـ ــروط اسـ ــتثمار
محددة .ومع مرور الزمن جرى تثبيت المزارعين الجدد في قطع األ ارضـ ــي وأضـ ــحى من الممكن أن
يباعوا معها .وهكذا تكونت فئة جديدة من المنتجين الذين ش ـ ـ ــغلوا موقعاً وس ـ ـ ــطاً بين العبيد واألحرار
205
"المنتجين الصغار" .وكان هؤالء سلف الفالحين األقنان في النظام اإلقطاعي.
203
-انظر :ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،المصدر السابق ص.210
204
-االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية ،المصدر السابق ،ص.46
205
-ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ،ص.212
163
إن تراجع اإلنتاج العبودي ،وتعمق أزمته ،وتزايد تناقضـ ـ ـ ـ ــات المجتمع العبودي ،قد أسـ ـ ـ ـ ــفر عن
احتدام الصـ ـ ـراع الطبقي .وظهرت ثورات العبيد ،ورافقها نض ـ ــال الفالحين والحرفيين المفلس ـ ــين ض ـ ــد
الطبقة المستغلة .ويروي لنا التاريخ العديد من ثورات العبيد ضد االضطهاد والقسر واالستغالل .لقد
أدى هالن العبودية وسـقوطها إلى زوال الطبقتين األسـاسـيتين في المجتمع " العبيد ومالكي العبيد ".
(ولكن ذلك لم يكن يعني زوال اســتغالل اإلنســان لإلنســان .وجاءت اإلقطاعية لتحل محل العبودية.
وفي ظل اإلقطاعية أصـبح االسـتغالل يمارس بأشـكال أخرى أكثر مرونة ،وأتاح إمكانات أكبر لنمو
206
القوى المنتجة).
206
-المصدر السابق ،ص.214-213
164
االس ــتغاللية التي تكونت في المراحل األخيرة للنظام العبودي .وكان أس ــلوب اإلنتاج اإلقطاعي أكثر
تقدمية من أس ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج العبودي ،كما كان أس ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج العبودي أكثر تقدمية من أس ـ ـ ـ ــلوب
اإلنتاج في المشاعية البدائية.
كانت ملكية وسـ ــائل اإلنتاج ،األرض بالدرجة األولى وملكية الفالح القن غير الكاملة للتشـ ــغيل،
أس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـاً للعالقات اإلنتاجية في ظل اإلقطاعية .وكانت الملكية اإلقطاعية تعني الس ـ ـ ـ ــيطرة الكاملة
لإلقطاعي على منطقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة معينة ،تشــمل المدن والقرى وكل ما فيها ومن فيها .ولم تكن هذه الملكية
مجرد شـ ـ ـ ــكل حقوقي وإنما كانت عالقة اقتصـ ـ ـ ــادية عالقة طبقية مضـ ـ ـ ــمونها اسـ ـ ـ ــتغالل اإلقطاعيين
المالكين لألرض ،للسـكان المحرومين من الشـروط الضـرورية السـتمرار حياتهم .لقد كان هذا الشـكل
للملكية يحدد وضـ ـ ـ ـ ـ ــع الناس في عملية اإلنتاج االجتماعي ويحدد البنية الطبقية للمجتمع اإلقطاعي
كمـا يحـدد طريقـة توزيع المنتجـات .وإلى جـانـب ذلـك توجـد في النظـام اإلقطـاعي أنواع أخرى للملكيـة
207
ولكنها محدودة جداً مثل ملكية الفالحين الصغار والحرفيين الستثماراتهم الشخصية.
األرض هي وسـ ـ ــيلة اإلنتاج األسـ ـ ــاسـ ـ ــية ،في النظام اإلقطاعي ،وكانت أشـ ـ ــكال الملكية نوعين:
الملكية اإلقطاعية الكبيرة لألرض ( يملكها الملون ،شـ ـ ـ ـ ــيوخ العشـ ـ ـ ـ ــائر ،القادة العسـ ـ ـ ـ ــكريون ،ورجال
الدين) ،إضـ ــافة إلى الملكيات الصـ ــغيرة التابعة للفالحين والمنتجين الصـ ــغار وهي اسـ ــتثنائية ونادرة.
أما المروج والمراعي وما شـابهها فقد كانت تخضـع لشـكل الملكية المشـاعية الجماعية .وكان اإلنتاج
اإلقطاعي يمثل القسم األعظم في عملية اإلنتاج االجتماعي ،ويحقق القسم األكبر من المنتجات.
(كان ال بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد من فالحة األرض ،وهو موضــوع اإلنتاج ،ومن ثم جمع الغالل .ثم كان الفالح
يحت ــاج ألدوات الز ارعـ ة للقي ــام ب ــالعم ــل .وك ــذل ــك ال ب ــد من توفير الخيول والحيوان ــات للقي ــام بعمليــة
اإلنتاج ،كل هذا كان ملكاً لإلقطاعيين الذين كانوا يقدمون للفالحين األدوات والماشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروط
معينة ،وهذا أس ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب آخر الس ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل الفالحين أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ،ثم تحولت األدوات فيما بعد إلى ملكية
208
الفالحين).
ثانياً -مراحل تطور النظام اإلقطاعي:
اإلقطـاعيـة هي النظـام االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي االجتمـاعي ،الـذي حـل محـل النظـام العبودي ،هي المرحلـة
التالية لحتمية تطور المجتمع .وقد جاءت اإلقطاعية قبل النظام ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ــمالي مباشـ ـ ـ ـ ـ ـرة .يقوم النظام
اإلقطاعي على ملكية طبقة اإلقطاعيين لوسـ ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج " األرض " واسـ ـ ـ ـ ــتغالل الفالحين .وكانت
أشكال انتقال المجتمعات إلى اإلقطاعي ــة ،تختلف من منطقة إلى أخرى .يبدأ العصر اإلقطاعي مع
207
-انظر ريشكينا وزيركين وياكوفليفا ،ما هي المادة التاريخية ،دار التقدم موسكو ،1986ص.83-82
208
-انظر :عرض اقتصادي تاريخي ،مجموعة من المؤلفين ،الجزء األول ،دار التقدم موسكو ،ص191-190
165
بداية القرن الخامس الميالدي ،بيد أن جذوره تعود إلى القرون األولى بعد الميالد .وانتش ـ ــر اإلقطاع
خالل هذه المدة في أوروبا والصين والهند وبابل وغيرها من بلدان الشرق.
على الرغم من أن قيام التشـ ـ ـ ـ ــكيلة االجتماعية االقتصـ ـ ـ ـ ــادية اإلقطاعية قد جرى بطرائق مختلفة
حسب المنطقة ،كانت نتائج هذه العملية واحدة تقريباً .حيث انقسم المجتمع إلى طبقتين:
-1طبقة اإلقطاعيين المسـ ـ ـ ــتغلين الذين يحصـ ـ ـ ــلون أو يسـ ـ ـ ــتولون على األ ارضـ ـ ـ ــي مقابل تأدية
الخدمات العسكرية وغيرها للملون والسالطين.
-2طبقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الفالحين األقنان ،المســتغلين وهم الفالحون والمســتأجرون الصــغار لألرض الذين
209
وضعوا في تبعية شخصية لإلقطاعيين.
وتجدر اإلش ـ ـ ـ ـ ــارة إلى أن اإلقطاعية في معظم البلدان والمناطق كانت ذات ميزات عامة واحدة،
إال أنها تميزت ببعض الخصائص في هذه المنطقة أو تلك .وكان ظهور اإلقطاعية يتم إما بانحالل
210
النظام العبودي ،وإما بانحالل النظام المشاعي دون المرور في مرحلة العبودية.
في مرحلة تك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون النظام اإلقطاعي ونشـوئه ،أخذت تتكون السـمات األسـاسـية ألسـلوب اإلنتاج
اإلقطاعي ،وخاصــة ظهور الملكية العقارية اإلقطاعية ،وظهور أنواع الريع اإلقطاعي بوصــفه شــكالً
اقتصـ ـ ـ ــادياً وممي اًز لعالقات اإلنتاج في هذا النظام .وقد مر النظام اإلقطاعي خالل تطوره في ثالث
مراحل:
المرحلة األولى :وهي مرحلة بداية تطور التشـكيلة االجتماعية االقتصـادية اإلقطاعية .لقد بدأت
هذه المرحلة في آسـ ــيا " الصـ ــين " مع بداية القرن الثالث ،وفي الهند خالل القرنين الرابع والخامس،
وفي أوروبا خالل القرن الخامس وفي المنطقة العربية خالل القرن الس ــابع ،وتمتد هذه المرحلة حتى
نهاية القرن الثاني عشر .وتسمى هذه المرحلة ،عصر القرون الوسطى المبكرة.
المرحلة الثانية :وهو عصر اإلقطاعية المتطورة ،التي بدأت في أوروبا في القرن الحادي عشر
واســتمرت حتى الخامس عشــر ،وفي بلدان آســيا منذ القرن التاســع وحتى القرن الحادي عشــر ،وفي
بعض المناطق حتى القرن الخامس عشر .وتم في هذه المرحلة التقسيم االجتماعي للعمـ ـ ـ ـ ــل الثاني،
حيث انفصلت الحرفة عن الزراعة ،وتكونت المدن كمراكز للحرف والتجارة.
المرحلاة الثاالثاة :وهي المرحلـة التي تتميز ببـدايـة تفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخ النظـام اإلقطـاعي ونشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوء العالقـات
ال أرســمالية ويمتد تاريخ هذه المرحلة من القرن الخامس عشــر حتى منتصــف القرن الســابع عشــر في
211
أوروبا .حيث بدأت تظهر مالمح النظام الرأسمالي.
209
-ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصادي السياسي ،مصدر سابق ص.210
210
-د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.127
211
-انظر ،عرض اقتصادي تاريخي ،الجزء األول ،دار التقدم ،موسكو ،ص.181-180
166
من البدهي أن أش ـ ــكال المجتمع اإلقطاعي في مختلفة مناطق العالم ليس ـ ــت متماثلة ،أو نس ـ ــخة
طبق األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل لإلقطـاعيـة في أوروبـا (مثال بينمـا كـانـت اإلقطـاعيـة في أوروبـا تقوم بـالـدرجـة األولى
على الملكية الخاصة لألرض ،كانت العالقات اإلقطاعية في غالبية أقاليم إفريقيا مرتبطة إلى درجة
212
كبيرة بدفع الريع العيني وبتأدية واجبات اقتصادية واجتماعية معينة).
ثالثاً -تحويل الفالحين األحرار إلى أقنان:
(لم يتحقق تحول الفالحين األحرار ،وفق نظـام الملكيـة اإلقطـاعيـة التي أقـامتهـا األنظمـة الملكيـة
على األرض ،إلى فالحين أقنان إال من خالل مرحلة من التطور .ولقد اجتاز هذه المرحلة أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً
تحول الفالحين والعبيـد الـذين أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبحوا مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـأجرين لألرض لـدى مالكي العبيـد مقـابـل جزء من
المحصول في مرحلة انحالل العالقات العبودية ،رغم أن هؤالء كانوا منذ البداية موثقين إلى األرض
وتابعين تبعية شـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ــية إلى مالكي األرض .بينما كان الفالحون العاملون في ظل نظام الملكية
اإلقطاعية خارجين لتوهم من قبل النظام العش ـ ــائري المش ـ ــاعي الذي يتص ـ ــف بالمس ـ ــاواة بين الناس،
فكانوا أكثر اسـتقالالً ،ومضـى وقت ليس بالقليل حتى أصـبحوا تابعين تبعية شـخصـية للمالكين فكان
213
هؤالء في مرحلة وسط بين الفالحين والعبيد الرومانيين وبين الفالحين األقنان الجدد).
وكان يتم تحويل الفالحين األحرار إلى أقنان بعدة وسائل منها:
- 1اإلكراه المباشر واستخدام العنف،
- 2اسـتغالل الوضـع القاسـي الذي وجد الفالحون أنفسـهم فيه بسـبب الضـرائب العالية وتعسـف
السادة وسوء المحاصيل،
- 3تحول الفالحين طوعياً إلى أتباع مرتبطين باإلقطاعيين ش ـ ـ ـ ـ ــخص ـ ـ ـ ـ ــياً لقاء التزام اإلقطاعي
بحماية الفالحين .وقد أدى هذا التطور إلى تشـ ـ ـ ـ ــكل أسـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج اإلقطاعي على أنقاض النظم
العبودية.
وكانت عملية تبعية الفالحين األحرار لإلقطاعيين تتم بأس ـ ـ ـ ـ ـ ــاليب مختلفة ،كما اختلفت أيض ـ ـ ـ ـ ـ ــا
درجـة التبعيـة .وبـدأت االختالفـات بين اإلقطـاعيين والفالحين تتوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح أكثر فـأكثر .وأخـذ المجتمع
ينقسـم بصـورة واضـحة إلى طبقتين ،طبقة السـادة اإلقطاعيين ،وطبقة الفالحين الذين ال حول لهم وال
قوة .وظهر التعــارض والتنــاقض بين هــاتين الطبقتين االجتمــاعيتين .ويعــد النظــام اإلقطــاعي خطوة
متقدمة ،بالمقارنة مع نظام ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق والعبودية ،حيث تطورت أكثر فأكثر القوى المنتجة .وأضـ ـ ــحى
الفالح الذي يعمل في أرضـ ـ ــه وفي أ ارضـ ـ ــي اإلقطاعي ،بأدوات العمل التي يملكها هذا الفالح الذي
يعمل في أرض ـ ـ ــه وفي أ ارض ـ ـ ــي اإلقطاعي ،بأدوات العمل التي يملكها هذا الفالح يرغب في تطوير
212
-يوري بوبوف ،دراسات في االقتصاد السياسي ،االمبريالية والبلدان النامية ،دار التقدم موسكو ،1984ص.75
213
-د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.129
167
هذه األدوات وتحس ـ ـ ــين أس ـ ـ ــاليب العمل حيث أص ـ ـ ــبح ارتباطه بالعمل وزيادة اإلنتاج أكثر ،ألن ذلك
214
يحقق مصالحه أيضاً.
لقد كان عمل الفالحين هو األس ـ ـ ـ ـ ــاس في قيام المجتمع اإلقطاعي واس ـ ـ ـ ـ ــتم ارره .وكان الفالحون
يقومون بعملية اإلنتاج لتلبية الحاجات الضـرورية ألنفسـهم وللسـيد اإلقطاعي وحاشـيته ،وكذلك لتلبية
حـاجـات جهــاز الـدولـة .وبـدأت تتحول اإلقطــاعيــات إلى وحـدات مغلقــة ،ذات اكتفــاء ذاتي ،ومنعزلـة
بدرجة كبيرة أو صـ ــغيرة عن بقية الوحدات األخرى .وتقوم بعملية اإلنتاج أيضـ ـاً إلى جانب الفالحين
مجموعة الحرفيين بمختلف اختصاصاتهم ،حي ـ ـ ـ ــث ينتجون المالبس واألحذية ،كما يقومون بعمليات
إصـ ـ ــالح األدوات وترميم األبنية .وهذا يعني أن شـ ـ ــكل االقتصـ ـ ــاد الطبيعي هو الشـ ـ ــكل السـ ـ ــائد في
اإلقطاعيات .وخاص ــة في المراحل األولى من تطور النظام اإلقطاعي ،حيث كان نظام الس ــخرة هو
السائد في هذه المرحلة.
رابعاً -جوهر االستغالل اإلقطاعي:
( يكمن جوهر االسـتغالل اإلقطاعي في أن اإلقطاعي ،بوصـفه صـاحب األرض ،كان يسـتولي
لنفسـ ـ ـ ــه على الناتج الزائد الذي يخلقه العمل الزائد للفالح التابع .وكان هذا الناتج الزائد يتخذ شـ ـ ـ ــكل
الريع العقاري لإلقطاعي .وإن إنتاج الناتج الزائد ،المصـ ـ ــنوع بوسـ ـ ــاطة إرغام الفالحين التابعين على
العمل واســتغاللهم غير االقتصــادي ،والذي يغتصــبه اإلقطاعي بشــكل الريع العقاري اإلقطاعي ،هو
215
القانون االقتصادي األساسي لإلقطاعية).
إن الش ــكل اإلقطاعي للملكية وما ينجم عنه من تبعية ش ــخص ــية الفالح لإلقطاعي وربط الفالح
القن باألرض إنما يحدد طابع االس ـ ــتغالل اإلقطاعي وكان الش ـ ــكل الخارجي لهذا االس ـ ــتغالل يتمثل
في عالقات اإلنتاج اإلقطاعي " نظام الريع " .وكانت تتجس ــد فيه اقتص ــادياً ملكية األرض .والجدير
بالذكر أن الريع العقاري الذي يســتولي عليه اإلقطاعي كان يشــمل المنتوج الزائد كامالً وأحياناً كثيرة
جزءاً من المنتج الضروري .إن جميع الخيرات المادية التي تنتج في استثمارة اإلقطاعي ،ما هي إال
نتيجة لعمل الفالح .ويمكننا تقسيم المنتج الذي ينتجه الفالح إلى ثالثة أقسام رئيسة هي:
-1قسم المنتج الذي يستولي عليه اإلقطاعي.
-2قسم المنتج الضروري إلعالة الفالح وأسرته.
-3قس ـ ــم المنتج الذي اس ـ ــتطاع الفالح إنتاجه فوق الحد األدنى الض ـ ــروري للحياة ،والناجم عن
رفع إنتاجية عمله.
214
J. Nowicki, Str. 189 -انظر:
215
-ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.222
168
يشـ ـ ـ ـ ـ ــكل القسـ ـ ـ ـ ـ ــم األول من المنتج والذي يسـ ـ ـ ـ ـ ــتولي عليه اإلقطاعي " المنتج الزائد " أو المنتج
الفائض .أما القسـ ــمان الثاني والثالث فهما يشـ ــكالن المنتج الضااروري .ووفقاً لما تقدم يمكننا تقس ــيم
216
عمل الفالح إلى نوعين من العمل " عمل ضروري " و " عمل زائد ".
إن القــاعــدة األس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــة التي تقوم عليهــا عالقــات اإلنتــاج في النظــام اإلقطــاعي هي ملكيــة
اإلقطاعي المطلقة لأل ارضـ ــي وغير المطلقة للفالحين الذين يعملون في أرضـ ــه .وكان الفالح سـ ــلعة
للمبادلة في البيع أو الش ـراء مع األرض التي يعمل فيها .وبذلك تقوم عالقات اإلنتاج على اســتغالل
الفالحين من قبــل اإلقطــاعيين .وت ازيــد االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل اإلقطــاعي من خالل القسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر واإلرغــام غير
االقتصــادي ،أي من خالل التبعية الشــخصــية لإلقطاعي .وينقســم عمل الفالحين إلى جزأين :األول
-يدعى الوقت الض ـ ــروري الذي ينتج فيه الفالح وس ـ ــائل العيش الض ـ ــروري له وألس ـ ـرته ،والثاني -
يدعى الوقت اإلض ـ ـ ـ ـ ــافي الذي يعمل فيه الفالح لإلقطاعي وينتج ما يس ـ ـ ـ ـ ــمى " المنتج الفائض " أو
الزائد .ويتضمن المنتج الفائض في النظام اإلقطاعي شكل الريع اإلقطاعي العقاري.
وللريع العقاري ثالثة أشكال رئيسة:
)1الريع بالس ـ ـ ـ ـ ــخرة :حيث يتوجب على الفالح أن يعمل في أ ارض ـ ـ ـ ـ ــي اإلقطاعي عدداً من أيام
األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبوع بـدون مقـابـل ،ألن المنتجـات المتحققـة من ذلـك تعود لإلقطـاعي " النـاتج الفـائض " .وبقيـة
أيام األس ــبوع يقوم الفالح بالعمل في أرض ــه الخاص ــة ،ويعود إليه الناتج المتحقق من هذه األرض "
الناتج الضروري ".
)2الريع العيني :عندما يتوجب على الفالح تخصـيص كمية محددة من المنتجات التي يحصـل
عليها باسـ ـ ــتثماره األ ارضـ ـ ــي لحسـ ـ ــاب اإلقطاعي نفسـ ـ ــه .وغالباً ما يكون القسـ ـ ــم األعظم من المنتج.
ويص ـ ــبح المتبقي من المنتجات من نص ـ ــيب الفالح .وهذا ما كان يحفز الفالحين بتحس ـ ــين أس ـ ــاليب
العمل ونتائجه.
)3الريع النقـدي :يتوجـب في هـذه الحـالـة على الفالح أن يقوم ببيع المنتج في السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق وتقـديم
حصة اإلقطاعي على شكل نقود .وأصبح إنتاج الفالحين مرتبطاً بالسوق أكثر.
ومع تطور أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب اإلنتـاج اإلقطـاعي تم التحول تـدريجيـاً من نظـام السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخرة إلى نظـام الريع
العيني ،ثم إلى الريع النق ــدي .ولم يكن الفالح يهتم ب ــالعم ــل وبنت ــائج ــه وفق ـاً لنظ ــام السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخرة ،ألن
اإلقطاعي كان يستولي على العمل بشكله الطبيعي.
لقد كان اإلقطاعي وفقاً لنظام الســخرة يســتولي على العمل بشــكله الطبيعي ،لذلك لم يكن الفالح
يهتم بالعمل أو بنتائجه .وظهر نظام الريع بنوعين (العيني والنقدي) وأص ـ ـ ـ ـ ــبح اإلقطاعي يحص ـ ـ ـ ـ ــل
216
-انظر ،عرض اقتصادي تاريخي ،مصدر سابق ص.192
-انظر أيضاً ،د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.138
169
على نتيجة العمل مجســداً في قســم من المنتج وهو " المنتج الفائض " .وأصــبح الفالح أكثر اهتماماً
بنتائج العمل إذا كان يحصل على قسم ،ولو كان ضئيالً ،من الزيادة في اإلنتاج ،وعمد اإلقطاعيون
إلى اسـ ــتبدال نظام الريع بنظام السـ ــخرة ألنه يضـ ــمن لهم نتائج أفضـ ــل ،وفي كثير من الحاالت كان
اإلقطاعيون يجمعون بين نظام الس ـ ـ ـ ـ ــخرة ونظام الريع ،وفي هذه الحالة يتوجب على الفالح أن يقدم
217
أياماً من العمل في أراضي اإلقطاعي ،إضافة إلى قسم من المنتج المتحقق في أرضه الخاصة.
كــان حصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اإلقطــاعيين على الريع هو الهــدف الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعي لمجمــل اإلنتــاج في النظــام
اإلقطاعي .وذلك لتلبية الحاجات الشــخصــية لإلقطاعي وألس ـرته وحاشــيته .أما بالنســبة لســد حاجات
يعده اإلقطاعيون إال واس ـ ـ ـ ــطة لض ـ ـ ـ ــمان تجديد قوة العمل واس ـ ـ ـ ــتمرار عملية
الفالحين والحرفيين فلم ّ
اإلنتاج لتحقيق مصــالح اإلقطاعيين ،الهدف األســاســي لعملية اإلنتاج .أي ما هي إال وســيلة لإلبقاء
على النشـاط الحيوي لالقتصـاد .ولم يكن مقدار الريع يتحدد من خالل الحاجات االسـتهالكية البحتة
لإلقطاعيين أو الفالحين ،بل كان مقدار الريع يتوقف على نسبة القوى الطبقية للمالكين اإلقطاعيين
والمنتجين المباش ـرين .ولم تكن مقادير الريع متش ــابهة في مختلف المناطق الجغرافية أو في مختلف
218
المراحل.
217
-انظر ،محمد سعيد نابلسي ،المصدر السابق ص.70-69
218
-عرض اقتصادي تاريخي ،مصدر سابق ص.193
170
-بـدأت العالقـة بين اإلقطـاعي والفالح تتحول من عالقـة تبعيـة إلى عالقـة اتفـاقيـة عينيـة –
نقدية ،وبدأ يتحول وضع الفالح من وضع التابع إلى وضع المستأجر أول بأول.
-تحولت األرض إلى بضـ ــاعة ،قابلة للبيع والشـ ـراء ،وعندما ظهر سـ ــعر األرض في ظل الريع
النقدي وهو ما يسمى الريع " المترسمل ".
( -في ظل الريع النقدي يبدأ تأجير األرض لل أرس ـ ـ ـ ـ ــماليين الذين كانوا حتى ذلك الوقت بعيدين
عن الزراعة ) .كما سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعد الريع النقدي على ظهور فئة العمال الزراعيين المياومين من ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن
219
الفالحين المفلسين ،الذين يعملون بأجور نقدية.
- 2تطور القوى المنتجة:
حققت القوى المنتجة في النظام اإلقطاعي مس ــتوى تطور عال بالمقارنة مع مس ــتواها في النظام
العبودي .حيث تطورت تقانة اإلنتاج في مجال الزراعة .وبدأ ينتشــر بشــكل تدريجي اســتخدام أدوات
ووس ـ ــائل العمل المص ـ ــنوعة من الحديد ،وتطورت زراعة الفواكه والخض ـ ـ اروات وكروم العنب .وكذلك
تحسـنت عمليات تربية المواشـي والخيول ،كما أخذت تتطور تقانة األدوات التي يسـتخدمها الحرفيون
في عملهم ،وازداد تخصـ ـ ـ ـص ـ ـ ــهم وتقس ـ ـ ــيم العمل ض ـ ـ ــمن الحرفة الواحدة .وكان لتطور عملية تعدين
الحـديد أهميـة كبيرة في تطور القوى المنتجـة في هذه المرحلـة ،حيـث ظهرت بعض األفران لصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهر
الحديد وتعدينه في القرن الخامس عشر.
كان تطور القوى المنتجة في النظام اإلقطاعي يواجه عقبات مهمة في مراحله األخيرة ،بسـ ـ ـ ــبب
عالقات اإلنتاج اإلقطاعي الس ــائدة .حيث كان الفالح يملك إمكانات محدودة لتطوير وزيادة إنتاجية
العمـل .الفالح الـذي ال يجيـد القراءة أو الكتـابـة والـذي يعـاني من انخفـاض المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى الثقـافي العـام
والمهني ،يقوم بتأدية عمله وفقاً للتقاليد القديمة والمتخلفة .وهذا يعني عدم التوافق بين القوى المنتجة
المتطور نســبياً وبين عالقات اإلن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتاج اإلقطاعية الشــائخة .وال بد من اســتبدال عالقات إنتاج بها
جديدة تتوافق مع مستوى تطور القوى المنتجة.
- 3ظهور االقتصاد السلعي -النقدي:
وتطورت التجـارة بنوعيهـا " الـداخليـة والخـارجيـة " تطو اًر كبي اًر ،وخـاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بين الغرب "أوروبـا "
والشــرق ،وســاهم في تنشــيطها التجار العرب والبيزنطيون ،كما اتســعت التجارة بين البلدان األوروبية
نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـا .واتخـذت الم اربـاة أبعـاداً ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخمـة في المجتمع اإلقطـاعي ،نظ اًر لتطور التجـارة .فقـد كـان
المرابون يقــدمون القروض النقــديــة لوجهــاء اإلقطــاعيين واألديرة مقــابــل فوائــد ذات معــدالت عــاليــة
وباهظة تص ـ ــل أحياناً إلى 100بالمائة أو 200بالمائة .وبهذه كانوا يس ـ ــتولون على قس ـ ــم كبير من
الناتج الزائد الذي يخلق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عمل الفالحين القسـري .وكان الفالحون الصـغار والحرفيون يلجؤون إلى
219
-انظر :د .عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ،ص.414-140
171
الحصــول على القـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروض من المرابين بشــروط مجحفة ،األمر الذي كان يؤدي عادة إلى إفالســهم
وتحولهم إلى فالحين أرقاء.
ونتيجة لتزايد العالقات البض ـ ـ ـ ــاعية النقدية ونموها ،وإقحام المنتجين المباش ـ ـ ـ ـرين ،وهم الحرفيون
والفالحون ،في دوامة العالقات الس ـ ـ ـ ــوقية ،أخذ النقد ش ـ ـ ـ ــيئاً فش ـ ـ ـ ــيئاً يقوم بدور أكثر أهمية ،كمقياس
القيمة كما اتس ـ ــعت عالقات التبادل والعالقات الس ـ ــلعية -النقدية نتيجة التطور في أدوات ووس ـ ــائل
العمل وتقس ـ ـ ـ ــيم العمل االجتماعي .بيد أن زيادة التخص ـ ـ ـ ــص وظهور أعمال جديدة يؤدي بدوره إلى
توس ـ ـ ـ ـ ــيع دائرة التبادل التجاري .وقد كان لتطور العالقات الس ـ ـ ـ ـ ــلعية النقدية التأثير الكبير في تفتيت
األسس االقتصادية العامة للمجتمع اإلقطاعي.
هذه هي أهم العوامل التي أدت إلى زعزعة أسـ ــس النظام اإلقطاعي ،الذي أصـ ــبح غير منسـ ــجم
مع مالمح التطور الجديد .لذلك أص ـ ـ ــبح من الض ـ ـ ــروري ظهور نظام اقتص ـ ـ ــادي -اجتماعي جديد
يقوم على عالقات وأسـ ـ ـ ــس اقتصـ ـ ـ ــادية جديدة تتالءم مع التطورات الحديثة .وهذا يعني بداية ظهور
النظام ال أرسـمالي كتشـكيلة اقتصـادية اجتماعية جديدة ومتطورة قياسـاً بالنظام اإلقطاعي الذي سـبقها.
وأخذ االقتصـاد السـلعي يح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل تدريجياً محل االقتصـاد الطبيعي .وأصـبح اإلنتاج يهدف إلى تحقيق
220
الربح بعد أن كان فيما مضى يهدف إلى إشباع الحاجات الشخصية إشباعاً مباش اًر.
220
-انظر :د .محمد سعيد نابلسي ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ص.73
172
أسلوب اإلنتاج اإلقطاعي
القروض
مجاالت التجارة الداخلية والخارجية
الت او
173
الطبقات
174
ملحق حول نم اإلنتاج اآلسيوي
تتميز بعض النظم الش ـ ـ ـرقية الس ـ ـ ــابقة للنظام ال أرس ـ ـ ــمالي بنمط إنتاج يختلف عن النمط العبودي
والنمط اإلقطاعي ،وهو ما يسمى " النمط اآلسيوي لإلنتاج " الذي يتميز بصفتين أساسيتين:
- 1قاعدة إنتاجية من " المشتركات " الفالحين،
- 2دولة مركزية ذات مهمات اقتصادية وتعود لها ملكية الموارد كافة.
تُعد الدولة في النظم الشرقية المبنية على النمط اآلسيوي لإلنتاج المشترن األعلى ،ورأس الدولة
يملك وس ـ ـ ـ ــائل اإلنتاج ملكية الرقبة كونه رم اًز لجهاز الدولة .وال تقتص ـ ـ ـ ــر ملكية الدولة على األرض
الزراعية فحســب ،بل تشــمل أيضـاً المناجم بأنواعها كافة ،كما يحق للدولة أن تحتكر ســائر األنشــطة
االقتصـادية الكبرى " الصـناعة ،التجارة ،المال ...الخ " .ويسـتولي أفراد الصـفوة الحاكمة على فائض
العمــل اإلنتــاجي ( المنتج الفــائض ) ،حيــث إنهم يمثلون الــدولــة بــالنيــابــة ،وتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقط حقوقهم عنــد
انفصالهم عنها لذلك نجد أن جهاز الدولة يتكون من أفراد الطبقة الحاكمة والمالكة في الوقت نفسه،
والبيروقراطية هي المالك األسـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ــي .إضـ ـ ـ ـ ـ ــافة إلى وجود فئات اجتماعية أخرى مالكة ،كالتجار
والحرفيين وأعيان الريف ،ولكنها بمجملها تبقى خاض ـ ـ ـ ــعة للبيروقراطية ومرتبطة بها ومعتمدة عليها.
221
أما المهمات االقتصااادية للدولة في النم اآلساايوي لإلنتاج ،في مصاار الفرعونية على ساابيل
222
المثال ،فقد كانق تتمثل بالمهمات التالية:
-1القيام باألشــغال العمومية ،كما في بناء الســدود والترع وصــيانتها وبناء صــهاريج المياه على
الطرق الصحراوية وصيانة شبكة المواصالت النهرية.
-2الدولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هي المالك األســاســي لغالبية األ ارضــي الزراعية في مصــر وهي التي تقوم بفرض
الضريبة والجزية على الفالحين.
-3قــامــت الــدولــة بهــدف زيــادة اإليرادات بــاحتكــار الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنــاعــة والتجــارة ،حيــث فرض األبــاطرة
االحتكار على مناجم البحر األحمر ومحاجره ،كما فرض الحكم الروماني رقابة شــديدة على الحرف
والورش .كمــا ُمنحــت حقوق احتكــاريــة محليــة لعــدد من المعــابــد في فروع مختلفــة من الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنــاعــة
والتجارة.
لقد تطورت القوى المنتجة في العص ـ ـ ـ ــر الفرعوني عما كانت عليه في ظل المش ـ ـ ـ ــاعية البدائية،
حيث ظهر تقس ـ ـ ـ ــيم العمل االجتماعي األول بانفص ـ ـ ـ ــال الرعي وتربية الحيوان عن الزراعة ،وتميزت
الزراعة هنا بالدورات والعمليات المتتالية ( الحرث ،تحضـ ـ ـ ـ ــير األرض للغراس ،غرس البذور ،الري)
في حقول ثابتـة ،في حين كانت المجتمعـات السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابقـة تنتقـل من منطقـة إلى أخرى بعـد أن يتم جمع
221
-أنظر :أحمد صادق سعد ،تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي ،دار ابن خلدون ،بيروت ،1979ص.516
222
-المصدر السابق ،ص.113
175
المحص ـ ــول .واس ـ ــتطاعت مص ـ ــر في العص ـ ــر الهليني أن تؤثر تأثي اًر مهماً في تجارة البحر األبيض
المتوسـ ــط عن طريق مدينة اإلسـ ــكندرية ،وهذا يعود إلى التطور الذي ط أر على التكوين االقتصـ ــادي
االجتماعي الهليني في مصر.
كما نمت وتطورت العشـيرة خالل العصـر الفرعوني في مصـر حتى تحولت إلى قرية ،حيث بدأ
االســتقرار في منطقة معينة أطلق عليها اســم العشــيرة .وكانت العشــائر التي تحولت مع مرور الزمن
إلى قرى ثم أقاليم ،الخاليا البدائية التي خرجت منها الدول الكبرى ،وهي تناسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تجمعات القبائل
223
ويقول (يعقوب أرتين باشا) في كتابه ،األحكام لدى الشعوب التي ما زالت في بدايات الحضارة.
الش ـ ــرعية في ش ـ ــأن األ ارض ـ ــي المصـ ـ ـرية( :وفي الواقع يجب البحث في أحوال القدماء للوقوف على
األسـباب التي تولد عنها اشـتران أهالي ناحية (منطقة معينة) بأجمعهم في ملك أ ارضـي تلك الناحية،
وليس المراد بكلمة الملك التصــرف من بيع وإرث وغيره ،بل زرعها فقط واســتغاللها ومســؤولية أهالي
تلك الناحية بالتضـ ـ ــامن في وفاء ما على تلك األ ارضـ ـ ــي من الض ـ ـ ـرائب وتوزيع هذه األ ارضـ ـ ــي بين
224
أهالي الناحية في كل سنة ،وحق الحكومة في ملك ذلك العقار).
لقد كان نمط اإلنتاج في مصـ ـ ـ ــر الفرعونية من أنقى األمثلة على نمط اإلنتاج اآلسـ ـ ـ ــيوي .حيث
نالحظ توفر الشرطين األساسيين لوجود النمط اآلسيوي لإلنتاج وهما:
-1وجود الدولة المركزية في العصـ ـ ـ ــر الفرعوني القديم ،مع قيام الدولة بالمهمات االقتصـ ـ ـ ــادية
الرئيسة وخاصة عمليات الري في الزراعة -النشاط االقتصادي األساسي في هذه التشكيلة -وبقاء
األراضي ملكاً للدولة.
-2إضـ ــافة إلى قيام المشـ ــترن الريفي واسـ ــتم ارره لمدة طويلة في صـ ــعيد مصـ ــر الفرعونية ،كان
أكثر تقدماً مما كانت عليه القوى اإلنتاجية في ظل المش ـ ــاعية البدائية .وظهر في مص ـ ــر الفرعونية
تقسـ ــيم العمل االجتماعي بين الرعي والزارعة المسـ ــتقرة " .وارتبط هذا التقدم منذ البداية بتنظيم أعلى
للموارد المادية والبشرية ،أي بتقسيم اجتماعي بين التنفيذ العملي واإلشراف على يد الطبقة الحاكمة،
مما ضـ ــمن إنتاجية أعلى ووفرة نسـ ــبية للمنتجات .فالدولة تنظم اإلنتاج ،وتشـ ــرف على المحاصـ ــيل،
225
وتدير المخزون الغذائي ،وتقيم الطرق والقصور والمعابد والعواصم السكنية ".
لقد كانت مقدرات الفرد وقوته كاملة تحت تص ــرف الملك .وكان ريع األرض من نص ــيب الدولة
ألنها المالك .ويتم توزيع ناتج العمل الفالحي إلى جزأين:
-الجزء األول -يغطي احتياجات العامل الفالح المباشرة( ،االكتفاء الذاتي).
223
-أنظرA. Moret, Des clams aux empires, La Renaissance du Livre , 1923, Paris P. 151 ،
224
-يعقوب أرتيني (باشا) األحكام الشرعية في شأن األراضي المصرية ،تعريب سعيد عمون ،المطبعة الكبرى األميرية ببوالق مصر
المحمية ،القاهرة 1306هـ ط 1ص (.)39
225
-أحمد صادق سعد ،المصدر السابق ص.40
176
-الجزء الثاني -يتم تســليمه للدولة (على صــورة ض ـريبة عينية من مختلف المنتجات وخاصــة
الحبوب .وكانت هذه الضريبة تحتسب أوالً على القرية كلها ثم يت ـ ـ ـ ـ م توزيعها بمعرفة شيخ البلد على
226
األسر الفالحية ،أي كانت أقرب إلى الجزية الجماعية).
نتيجة لذلك بدأ الصــراع الطبقي ض ــمن مص ــر الفرعونية بين الطبقة المس ــتغلة (الطبقة الحاكمة)
والطبقة المســتغلة (عامة الشــعب) .وأخذت الشــعوب األســيرة المضــطهدة تتمرد على الطبقة الحاكمة
وهرب بعضها (اليهود) كما ثار بعضها اآلخر ،مما أدى إلى تقويض دعائم الدول الفرعونية( .وحل
محلها دويالت عديدة ،ولكنها جميعاً على النمط نفسه).
الفصل العاشر
226
-المصدر السابق ص.75
177
األفكار االقتصادية في العصور القديمة
عرف اإلنسـان النشـاط االقتصـادي " اإلنتاج – التوزيع – االسـتهالن " منذ زمن بعيد جداً .وكان
يحاول تنظيم النشــاط االقتصــادي من خالل الســيطرة على الطبيعة وتســخيرها لخدمته وتلبية حاجاته
من مأكل وملبس ومأوى .وال يمكننا فصـل تاريخ الفكر االقتصـادي "المذاهب االقتصـادية" عن تاريخ
األحداث والوقائع االقتص ـ ــادية ،أي النش ـ ــاط االقتص ـ ــادي ،ألن الفكر االقتص ـ ــادي يؤثر في النش ـ ــاط
االقتصــادي ويتأثر به .فاألحداث هي التي تزود المفكر بالمادة لوضــع أســاس الفكرة أو المذهب ،ثم
تصـ ـ ـ ــبح هي نفسـ ـ ـ ــها إطا اًر له .بيد أنه ال وجود لفكر اقتصـ ـ ـ ــادي جدير بهذه التسـ ـ ـ ــمية ،منعزل تمام
االنعزال عن تطور الفعالية االقتص ـ ــادية ألنها هي التي توجهه وتقوده إلى النتائج المطلوبة .كما أن
الفكر االقتصادي يفعل ويؤثر في األحداث والوقائع االقتصادية(.)227
ولم يشكل تطور األفكار االقتصادية خطاً مستقيماً ،بل سار أحياناً في طريق تكاد تكون لولبية.
إن بعض األفكار والمفاهيم قد تطرح أمام نظريات وأفكار مضـ ـ ـ ـ ــادة تماماً ،فيؤدي ذلك إلى إهمالها،
ثم ال تلبث أن تسـ ـ ـ ــتعيد مكانتها أمام المذاهب المنافسـ ـ ـ ــة ،بل قد تغنيها بثمار التجارب ،حتى تتعدل
وتتحول إلى نظرية متكاملة متناسقة.
لم تكن األفكار االقتصـ ـ ـ ــادية في العصـ ـ ـ ــور القديمة قد وصـ ـ ـ ــلت بعد إلى تكوين نظريات وأفكار
متناس ــقة ومتكاملة ،مما أوجب د ارس ــة الفكر االقتص ــادي في هذه العص ــور في ض ــوء المتفرقات من
المباحث حول النش ـ ــاط االقتص ـ ــادي في علوم الدين والفلس ـ ــفة والش ـ ــعر أحياناً .لقد تعرض الفالس ـ ــفة
والعلماء القدماء لبحث المشـ ــكالت االقتصـ ــادية ولكن بصـ ــورة ضـ ــئيلة ومحدودة .ولم تصـ ــل األفكار
االقتص ـ ـ ــادية إلى مس ـ ـ ــتوى العلوم األخرى بحيث لم يتمكنوا من وض ـ ـ ــع األس ـ ـ ــس لفص ـ ـ ــل الد ارس ـ ـ ــات
االقتصادية عن غيرها من أنواع الدراسات ،كما فعل هؤالء الفالسفة والعلماء بالنسبة لكثير من فروع
المعرفة األخرى .إضـافة إلى ذلك تميزت األفكار االقتصـادية في العصـور القديمة بالسـمات الرئيسـة
()228
اآلتية:
- 1لم تُدرس المشـ ـ ـ ـ ــكالت االقتصـ ـ ـ ـ ــادية كفرع مسـ ـ ـ ـ ــتقل من فروع المعرفة بل ارتبطت بأبحاث
الفلسفة والسياسة واألخالق .ومن هنا جاءت صفة التبعية للدراسة االقتصادية.
- 2لم يكن هنان مفكرون يهتمون بالمشــكالت االقتصــادية وحدها ،أو متخصـصــون في د ارسـة
النشــاط والفعالية االقتصــادية .وكانت إشــارات الفالســفة والعلماء إلى المشــكالت االقتصــادية إشــارات
عابرة داخل إطار فكري واسع.
( - )227أنظر :جو زيف الجوجي ،المذاهب االقتصادية ،ترجمة د .ممدوح حقي ،منشورات عويدات بيروت ،1984الطبعة الثانية ،ص.6
( - )228أنظر :فتح هللا ولعلو ،االقتصاد السياسي ،مصدر سابق ،ص.84
أنظر أيضاً :د .أحمد درغام ،تاريخ الفكر االقتصادي ،مذاهب اقتصادية ،جامعة دمشق ،1982ص.14-13
178
- 3كانت األفكار االقتص ـ ــادية خاض ـ ــعة لعادات وتقاليد ومنطلقات أخالقية ودينية ،بحيث إنها
لم تعبر عن التص ـ ـ ـرفات االقتص ـ ـ ــادية بقدر ما س ـ ـ ــعت إلى توجيه هذه التص ـ ـ ـرفات في إطار محدود
وضيق على أساس احترام تعاليم معينة.
- 4ارتبط العمـل واإلنتـاج في الحضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارات القـديمـة ،بـالعبوديـة ومن هنـا تولـد عنـدهم شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعور
باحتقار العمل والنشـاط االقتصـادي بصـفة عامة ،وانعكس هذا الشـعور على المفكرين ،مما أدى إلى
احتقار االهتمام بالمش ـ ــكالت االقتص ـ ــادية .وعدم االهتمام بالد ارس ـ ــات واألبحاث االقتص ـ ــادية وتأخر
تطورها.
انبثقت األفكار االقتص ــادية الش ــائعة مع بداية تش ــكل المجتمعات البش ـرية ،ولم تكن تلك األفكار
جزءاً مســتقالً عن الثقافة الســائدة آنذان ،وإنما اختلطت بجملة المعارف والقيم التي كانت تمثل وعي
تلك المجتمعات وتعبر عنه ،بمعنى آخر :عرف اإلنســان المعامالت االقتصــادية منذ زمن بعيد جداً
وموغل في القدم ،وقد ظهرت بدايات المعارف االقتصـ ـ ــادية في التشـ ـ ــكيلة العبودية التي كانت قائمة
على االستغالل االجتماعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ االقتصادي ثم االنقسام الطبقي للمجتمع .وقد ساد المجتمع العبودي
في كل من الصين والهند وبابل ومصر واليونان وروما.
وقد برز نشــاط اقتصــادي شــبه منظم في كل من الدولة الفرعونية ( 300ق.م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 1000ق.م)
وتشريعات حمورابي ( 2000ق.م).
وفي المملكة الفينيقية والمسـ ـ ــتعمرات اليونانية (ق 8ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ق .6ق.م) ،يتجلى ذلك النشـ ـ ــاط في
مقوالت مثل الدين والعملة والفائدة والضـ ـ ـ ـرائب والرسـ ـ ـ ــوم واألجر ،ولكن كلمة " اقتصـ ـ ـ ــادي " ظهرت
ألول مرة في الثقافة اليونانية في القرن الخامس قبل الميالد وكانت تعني " :إدارة االقتصـ ــاد المنزلي
" وقد تمثلت أهم األفكار االقتصـ ـ ـ ــادية في موضـ ـ ـ ــوعات مثل :التملك والحيازة والنفع والحرفة والعمل
اليدوي والثواب والعقاب والمهن والمكسـ ــب والخسـ ــارة واالسـ ــتعمال والربا والثروة والتجارة واالسـ ــتعمال
والتبادل وغيرها.
لقد تمت معالجة الظواهر ذات المس ـ ـ ـ ــائل االقتص ـ ـ ـ ــادية ،في تلك العص ـ ـ ـ ــور القديمة من وجهة نظر
المعارف األخالقية ـ القيمية في المقام األول .وإذا تم تجاوز الطابع األولي للحياة االقتصادية فنن وجود
الرق (العبودي) شـكل ال ـس بب الحاسـم ،في أن المسـائل األخالقية كانت تحظى في التاريخ القديم باهتمام
يفوق مثيله في المسـ ـ ـ ـ ــائل االقتصـ ـ ـ ـ ــادية ،وعلى سـ ـ ـ ـ ــبيل المثال :بما أنه لم تكن تدفع أجور مقابل العمل
العبودي ترتب على ذلك عدم بحث كيفية تحديد األجور ،كما اس ـ ـ ـ ـ ــتبعدت فن تفكير العلماء ،وكان ذلك
صحيحاً في كل العصور القديمة (أثينا ـ روما ـ بابل ـ مصر الفرعونية ـ الهند ـ الصين).
وقد أص ـ ــبحت المس ـ ــائل المهمة ،آنذان هي التبرير األخالقي للرق وش ـ ــروط معاملة الرقيق ،كما
يقول أرســطو في دفاعه عن مؤسـســة الرق " :إن الرقيق هم بحكم الطبيعة النوع األدنى ،ومن الخير
لهم ،مثلما هو لكل الفئات األقل ش ـ ـ ـ ــأناً ،أن يكونوا تحت حكم األس ـ ـ ـ ــياد ....والحقيقة أنه ليس هنان
179
فرق كبير بين اسـ ـ ــتخدام الرقيق واسـ ـ ــتخدام الحيوانات المسـ ـ ــتأنسـ ـ ــة " .كذلك األمر ،فيما يتعلق بالربا
(الفائدة) في اقتص ـ ـ ــاد األس ـ ـ ـرة اليونانية أيام أرس ـ ـ ــطو كان اإلقراض واالقتراض من أجل االحتياجات
الش ــخص ــية .وبالتالي لم يكن باإلمكان النظر إلى الربا (الفائدة) كتكلفة إنتاج ،وإنما باألحرى كش ــيء
يفرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـد حظـاً على المحتـاج أو األقـل حظـاً في حكمـة ،إذن الرق والربـا والعمـل العبودي
وغيره ،كانت تعتبر مشكلة أخالقية أكثر منها مسألة اقتصادية.
كذلك ،أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ،بما أنه لم تكن توجد أجور أو فائدة – مقابل رأس مال إنتاجي -لم يكن ممكناً
وجود نظرية لألسـ ـ ــعار ،فاألسـ ـ ــعار تشـ ـ ــتق من تكاليف اإلنتاج التي لم يكن باإلمكان احتسـ ـ ــابها في
األســرة المعيش ــية المالكة للرقيق ،وهذا يفس ــر تس ــاؤل أرس ــطو عما إذا كانت األس ــعار عادلة أو غير
عادلة .إذن ،فنن الحكم األخالقي وليس التفس ـ ــير االقتص ـ ــادي المجرد هو الذي كان يحرن أرس ـ ــطو
وغيره من معلمي اإلغريق العظام ،ومثال( :سقراط ـ ـ ـ ـ أفالطون ـ ـ ـ ـ أرسطو ـ ـ ـ ـ كسبتانون 430ق.م –
322ق.م).
وسـ ــوف نحاول في هذا الفصـ ــل مناقشـ ــة بعض األفكار االقتصـ ــادية في العصـ ــور القديمة ،لدى
الفراعنة في مصـر ،واليونان القديم ،والرومان ،علماً بأن األفكار االقتصـادية والمشـكالت االقتصـادية
قد وجدت وظهرت لدى س ـ ـ ـ ـ ــائر الش ـ ـ ـ ـ ــعوب واألجيال .في الهند أو الص ـ ـ ـ ـ ــين ،لدى اآلش ـ ـ ـ ـ ــوريين ،أو
السومريين أو الفراعنة.
180
229
المبحث األول -األفكار والمشكالت االقتصادية لدى الفراعنة
كانت الدولة الفرعونية في العهود القديمة تمثل سـلطة مركزية في مصـر ،ذات شـمول اقتصـادي
وسـياسـي وفكري ديني كلي على الطبقة المحكومة .ويتمتع الملك والطبقة الحاكمة بهذه السـلطة عن
طريق انتمائهم لجهاز الدولة .وتعفى الطبقة الحاكمة والحواش ـ ـ ـ ـ ــي من األعمال البدنية أو ممارس ـ ـ ـ ـ ــة
النشـ ــاط االقتصـ ــادي والمتابعة التي يقوم بها غيرهم نيابة عنهم ،ويمارسـ ــون األعمال الفكرية لتفوقهم
على الش ـ ـ ــعب بفض ـ ـ ــل علمهم وثقافتهم " .ولكنهم يخض ـ ـ ــعون للمركزية اإلدارية ذات النظام الهرمي،
ويكونون هيئة مغلقة متماس ـ ـ ــكة وص ـ ـ ــلبة ،ويربطهم معاً بالتس ـ ـ ــلس ـ ـ ــل القهر نفس ـ ـ ــه الذي ينقلونه على
المحكومين .ومن الناحية األخرى ،يرتبط الفالحون بالمشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتركات القروية ارتباطاً ال يقيدهم ببعض
فقط ،بل يقيدهم أس ــاسـ ـاً بالطبقة الحاكمة التي تس ــتغلها ككتلة ،وتس ــخر عشـ ـرات اآلالف من أفرادها
()230
في مختلف األعمال ،غير مميزة بوضوح بين اإلشراف العسكري أو المالي أو الديني ".
أوالً -نم اإلنتاج في النظام الفرعوني:
يبدو أن نمط اإلنتاج الذي كان سـائداً في النظام الفرعوني في مصـر ،كان نمطاً أصـيالً ومتمي اًز
ال يمكن الخلط بينـه وبين النظـام اإلقطـاعي أو العبودي .حيـث كـان يتميز نمط اإلنتـاج هـذا بوجود
دولة مركزية قوية تملك وسائل اإلنتاج الرئيسة ،وخاصة األرض ،كما تقوم الدولة بمهمات اقتصادية
عليا ،وتستغل الفالحين المنضمين إلى مشتركات قروية(.)231
ويضيف األستاذ أحمد صادق سعد ،الذي يطلق على نمط اإلنتاج الذي كان سائداً أيام الفراعنة
في مصــر مقولة " نمط اإلنتاج اآلســيوي" قائالً" :وهكذا يجتمع في النمط اآلســيوي أمران معاً :جهاز
دولة يعبر عن وجود طبقة مسـتغلة من جهة ،و"مشـتركات" فالحية تعكس المسـتوى المنخفض للقوى
اإلنتاجية من جهة أخرى .وهو نمط أص ــيل ألنه متقدم ومتخلف في آن واحد :فالقرى تنتفع باألرض
بصورة مشتركة مما يضع هذا النمط في نهاية المرحلة الخاصة بالمجتمع غير الطبقي .وتوجد أقلية
تمارس سـ ـ ـ ـ ـ ــلطة الدولة المركزية وتظهر كهيئة مشـ ـ ـ ـ ـ ــتركة عليا ،مما يضـ ـ ـ ـ ـ ــع هذا النمط في المرحلة
الخاصة بالمجتمع الطبقي"(.)232
وهدف هذا البحث هو إبراز بعض الخص ـ ـ ـ ـ ـ ــائص االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادية واالجتماعية التي رافقت تطور
المجتمع المص ــري في عهد الفراعنة الس ــتنتاج األفكار االقتص ــادية التي رافقت الوقائع واألحداث في
هذا المجتمع.
-المرجع األساسي في كتابة هذا البحث هو كتاب أحمد صادق سعد ،تاريخ مصر االجتماعي – االقتصادي في ضوء النمط اآلسيوي 229
181
"ال توجد أبداً أنماط إنتاج نقية بشـ ــكل كامل ،فكل نمط إنتاج يمر بتغيرات مسـ ــتمرة .وباإلضـ ــافة
إلى نمط اإلنتاج الس ـ ـ ـ ــائد في مرحلة معينة توجد بقايا الماض ـ ـ ـ ــي وبذور أنماط لإلنتاج س ـ ـ ـ ــتظهر في
وخير مثال على ذلك نمط اإلنتاج في المجتمع الفرعوني ،حيث كان يحتوي على (.)233
المسـ ـ ـ ــتقبل "
المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعيـة وعلى بـذور العبوديـة ،واإلقطـاع والعمـل المـأجور .ومع أن األرض كـانـت ملكـاً لفرعون
كرأس للــدولــة من النــاحيــة النظريــة ،إال أن حق االنتفــاع بهــا كــان مقر اًر ألفراد عــديــدين .وكــان هــذا
الحق يورث أو يؤجر أو يباع.
يعــد مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور القوى المنتجــة في النظــام الفرعوني أكثر تقــدم ـاً ممــا كــان عليــه في ظــل
المشاعية البدائية حيث كان يتميز بالسماتاآلتية:
- 1ظهور تقسيم العمل االجتماعي بين الزراعة وتربية الحيوان.
- 2اســتقرار الزراعة في حقول ثابتة ،وأصــبحت الزراعة تتميز بالعمليات المتتالية للدورات ،من
حرث وتحضير لألرض وغرس البذور ،والري في أوقات معينة.
- 3تنظيم أعلى للموارد المالية والبشـ ــرية" ،أي بتقس ـ ــيم اجتماعي بين التنفيذ العملي واإلشـ ــراف
على يـد الطبقـة الحـاكمـة ممـا ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن إنتـا ـج اً أعلى ووفرة نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـة للمنتجـات .فـالـدولـة تنظم اإلنتـاج
وتشــرف على المحاصــيل ،وتدير المخزون الغذائي ،وتســتخرج المواد األولية من المحاجر والمناجم،
()234
وتشرف على التجارة الخارجية ،وتقيم القصور والمعابد والعواصم السكنية".
- 4اعتماد الدولة المركزية على جيش من الموظفين تعد مهامهم االقتص ـ ـ ــادية س ـ ـ ــبب وجودهم
ومحور نشاطهم.
- 5المنتجون في هذا النظام هم الفالحون الذين ُيعاد توزيع األرض عليهم بشكل دوري .وزعيم
القرية "شــيخ البلد" هو الصــلة بينها وبين الدولة ،حيث يقوم بجمع الض ـرائب العينية المفروضــة على
كل قرية "مشترن".
- 6يكاد ال يوجد تقسـ ـ ــيم مهني للعمل بين هؤالء الفالحين الذين يقومون بأعمال السـ ـ ــخرة أليام
قليلة من وقت آلخر من أجل إقامة السدود وحفر الترع.
كانت عالقات اإلنتاج في المجتمع الفرعوني تمثل صورة صادقة للعبودية المعممة ،حيث كانت
قوة العمل للفرد العادي تحت تص ـ ـ ـ ـ ـ ــرف الملك "فرعون" .وكانت الدولة تس ـ ـ ـ ـ ـ ــيطر على أمالن البالد
بش ـ ــكل كامل ،كما أن الرعية كانت ملكاً للدولة .وبذلك تكون جميع الموارد الطبيعية والبشـ ـ ـرية تحت
تص ـ ـ ــرف الملك كاملة( .)235وقد أثبت الفراعنة عملياً أكثر من مرة هذه الحقوق للملك " ،إذ اس ـ ـ ــتولى
.Y. Varga, Political – Economic Problems of capitalism, Moscow Progress , 1968 , P.343 (- )233
234
ال عن أحمد صادق سعد ،المصدر
( ) -أنظر :أحمد فخري ،مصر الفرعونية ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،1965ص .232نق ً
السابق ،ص.40
( - )235أنظر :أدولف أرمان وهيرمان رانكه ،مصر والحياة المصرية في العصور القديمة ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ،1959ص.153
182
إخناتون مثالً على ممتلكات معابد آمون كلها وســلمها لخزينة الدولة .وكذلك تعرض كبار الموظفين
وأفراد األرسـ ــتقراطية المرة بعد المرة للمصـ ــادرات التامة ،وخاصـ ــة عندما كانت أس ـ ـرة جديدة تسـ ــتولي
على الحكم .ويذكر هيرودوت أن رمسـ ــيس الثاني وزع األرض على جميع المصـ ـريين بالتسـ ــاوي في
()236
القرن 13ق .م "
ثانياً -الملكية والتوزيع في المجتمع الفرعوني:
لقد كانت أمالن البالد خالصـ ـ ـ ـ ــة للدولة ،وكانت الرعية أيضـ ـ ـ ـ ـاً ملكاً لها ،تتصـ ـ ـ ـ ــرف في حياتها
وأرواحها كما تشـ ـ ـ ـ ــاء .وبذلك تملك الدولة األرض وما عليها وما في باطنها .فالدولة تسـ ـ ـ ـ ــيطر على
وس ــائل اإلنتاج األس ــاس ــية (األرض ،واليد العاملة والموارد الطبيعية المختلفة) .وإذا حص ــل أحد أفراد
الطبقـة الحـاكمـة على قطعـة من األرض ،يتم ذلـك بمنحهـا من الملـك ،حيـث يحق لـه االنتفـاع بهـذه
األرض ،الحقاً في ملكية الرقبة .وينتقل الحق الش ـ ـ ــرعي في التص ـ ـ ــرف المطلق في موارد البالد إلى
أي فرعون جديد بمجرد أن يسـ ــتولي على السـ ــلطة ،وس ـ ـواء أكان من أصـ ــل ملكي أم لم يكن" .وهذا
يعني أن ذلـك الحق منبثق من الـدولـة كجهـاز متكـامـل قـائم ،وال ينبع من اإلرث في عـائلـة معينـة ،أي
أنه يؤول إلى الملك ال باعتباره الشخصي ولكن باعتباره رأساً للدولة وممثالً لها"(.)237
ثم ظهر تقس ـ ـ ــيم العمل االجتماعي الثاني في المجتمع الفرعوني عندما انفص ـ ـ ــلت الحرفة (حرفة
التجـارة والبنـاء والفخـار… الخ) عن الرعي وتربيـة الحيوان من جهـة ،ثم عن الز ارعـة من جهـة أخرى.
وبقي تقس ـ ـ ـ ــيم العمل المهني داخل المش ـ ـ ـ ــترن الفالحي "القروي" يخدم اقتص ـ ـ ـ ــاد االكتفاء الذاتي ،ولم
يرتبط باإلنتاج البضــاعي "الســلعي" .وكان يتحول جزء من فائض اإلنتاج إلى بضــاعة بعد أن تكون
الدولة قد تسـ ــلمته ،ويجري تبادله مع بضـ ــائع محلية أو مسـ ــتوردة .لذلك أخذ االقتصـ ــاد الطبيعي في
المجتمع الفرعوني يتحول تدريجياً وبصـ ــورة بطيئة إلى اقتصـ ــاد تبادلي .لقد كان اإلنتاج الزراعي هو
األس ـ ـ ــاس في االقتص ـ ـ ــاد الفرعوني ،وكان هيكل اإلنتاج هو الذي يحدد هيكل التوزيع تحديداً كامالً.
وينقسم ناتج العمل الفالحي إلى قسمين:
الجزء األول _ يغطي متطلب ــات اإلنت ــاج واحتي ــاج ــات المنتجين ،أي تحقيق االكتف ــاء ال ــذاتي
"الناتج الضروري".
الجزء الثاني -يسـلم للدولة على شـكل ضـريبة عينية من مختلف المنتجات الزراعية وخاصـة
الحبوب "الناتج الزائد"( .وكانت هذه الضـ ـ ـ ـريبة تحتس ـ ـ ــب أوالً على القرية كلها ثم يتم توزيعها بمعرفة
شـ ـ ـ ـ ــيخ البلد على األسـ ـ ـ ـ ــر الفالحية ،أي كانت أقرب إلى الجزية الجماعية) .ويتم توزيع الناتج الزائد
على أفراد الطبقة الحاكمة وفقاً ألحد األشكال التالية:
-رواتب عينية ثابتة "للموظفين والجنود المرتزقة".
( - )236أحمد صادق سعد ،تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي ،دار ابن خلدون ،بيروت ،1979ص.41
( - )237المصدر السابق ،ص.42
183
-حق الحصـ ــول على الجزية "الضـ ـريبة العينية" المفروضـ ــة على منطقة أو إقليم معين "للحكام
وبعض أفراد العائلة المالكة".
-أو كنص ـ ـ ــيب من القرابين والهبات المقدمة لآللهة يأخذه كهنة المعابد واألرس ـ ـ ــتقراطية المحلية
المرتبطة بهم.
ثالثاُ -التجارة في العهد الفرعوني:
كان يغلب على المجتمع الفرعوني طابع االقتص ـ ــاد الطبيعي ،الذي يعتمد على االكتفاء الذاتي.
ولكن هذا ال يعني أن التجارة كانت معدومة ،فقد كانت مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقاً عالمياً في العهود القديمة
وخاصـ ــة منذ القرن السـ ــادس قبل الميالد ،كونها تقع على مفترق طرق ،ونقطة لقاء بين الحضـ ــارات
القديمة المختلفة .وبدأت التجارة أول ما بدأت بالمقايضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة العينية ،ثم تطورت التجارة لدى الفراعنة
وأخـذت تؤثر في إدخـال أنمـاط جـديـدة لإلنتـاج .ومع انتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار التجـارة زادت عمليـات التبـادل النقـدي
وتداول العملة المعدنية في وظيفة المقياس المشـ ــترن الخيالي للقيمة التبادلية( .وتشـ ــرف الدولة على
التجارة الخارجية التي تســتجلب البضــائع األجنبية للطبقة الحاكمة "الملك" ،وليس للتوزيع على ســوق
داخلي منعدم) .وتطورت األعمال التبادلية والتجارة في النظام الفرعوني ،ووص ـ ــلت إلى مس ـ ــتوى من
التقدم لم تعرفه العهود الس ـ ـ ـ ـ ــابقة في مص ـ ـ ـ ـ ــر .وكان فرعون هو التاجر الكبير الوحيد تقريباً للس ـ ـ ـ ـ ــلع
اء أكانت محلية أم مســتوردة .كما ظهر رأس المال التجاري
والبضــائع التي تدخل الدورة الســلعية س ـو ً
ورأس المال الربوي.
وإن كان الملك كان التاجر الكبير الوحيد في النظام الفرعوني ،فنن هذا ال يعني عدم ممارس ـ ـ ـ ــة
األفراد لمهنة التجارة ،وخاص ـ ـ ـ ــة األجانب .فقد ازداد نش ـ ـ ـ ــاط الفينيقيين واإلغريق واليهود التجاري في
أواخر العصـر الفرعوني( .وقام عدد من كبار األغنياء والحكام بتقديم القروض "رأس المال الربوي"،
وكان الذين يعجزون عن السداد يتحولون إلى عبيد أرقاء لمدة محدودة أو لباقي حياتهم).
"لقد كانت مص ــر في مفترق الطرق لما يمكن أن يعد س ــوقاً عالمياً في العهود القديمة ،وخاص ــة
منذ القرن السـادس ق .م ،ونما بعد ذلك رأس المال المصـرفي والتجاري .و ّأد ْت الشـعوب التجارية –
الفينيقيون واليهود واإلغريق – دو اًر كبي اًر في إقامة هذا الس ـ ــوق الذي أثر في مص ـ ــر وخاص ـ ــة الدلتا.
فكتابات تلك المرحلة تس ـ ـ ـ ـ ــجل عقوداً للبيع والشـ ـ ـ ـ ـ ـراء والرهن العقاري ،وعقود الزواج التي تتض ـ ـ ـ ـ ــمن
شروطاً خاصة بالممتلكات … وأصبحت المرأة في العصر الصاوي صاحبة حق التملك مستقلة عن
الزوج وتتصرف كما تشاء فيما تملكه"(.)238
وكان اليهود يش ـ ـ ـ ـ ـ ــتغلون في التبادل التجاري مع أثيوبيا والنقل النهري وجباية المكوس الجمركية
على السـ ـ ــلع الواردة إلى مصـ ـ ــر ،وكذلك بنقراض األموال بمقتضـ ـ ــى صـ ـ ــكون يتم فيها تحديد سـ ـ ــعر
184
الفائدة .وظلت العمليات التجارية والمالية محص ـ ـ ــورة تقريباً في األقليات اإلثنية دون أن تنتش ـ ـ ــر بين
أفراد المجتمع المصري في مجموعه.
ومع تقدم التجارة واتس ـ ـ ـ ـ ـ ــاع التبادل النقدي أخذت تظهر في المجتمع الفرعوني أش ـ ـ ـ ـ ـ ــكال جديدة
للعبودية ،عندما أخذ بعض األشـ ـ ـ ــخاص بتأجير عبيدهم ألشـ ـ ـ ــخاص آخرين خالل مدة محدودة لقاء
أجور مرتفعة .وتزايد عدد العبيد بس ـ ـ ـ ـ ــبب عدم قدرة األفراد على تس ـ ـ ـ ـ ــديد ديونهم مما كان يؤدي إلى
تحول هؤالء األفراد إلى عبيد للعمل لقاء تسديد ديونهم.
لقد كان المجتمع في النظام الفرعوني ينقسم إلى طبقتين رئيستين:
- 1الطبقة الحاكمة :وهم النبالء والموظفون وقادة الجنود وكبار الكهنة.
- 2وفي مواجهة الطبقة الحاكمة تكون بقية أفراد الرعية الذين يخضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعون للدولة تماماً عبيداً
لهــا ،ال لشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخص معين "وهم عبيــد فرعون ألنــه رمز هــذه الــدولــة" .ويطلق عليهم أحيــان ـاً "العبيــد
العموميون".
إلى جانب العبيد العموميين في المجتمع الفرعوني كنا نجد أيضاً العمال األجراء وهم عبارة عن
الحرفيين الـذين يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغلون في بعض الحرف والبنـاء والزخرفـة والحـدادة… الخ .وكـذلـك وجـد العبيـد
األرقـاء ،الـذين كـانوا ينقلون من مكـان إلى آخر ويسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون إلى الجهـات التي تحتـاج إليهم ،كمـا لو
كــانوا ثي ارن ـاً أو حمي اًر وليس لهم أي حقوق .وتكون أغلبيــة الطبقــة المحكومـ ة في المجتمع الفرعوني
خاضـ ـ ــعة للدولة ال كأفراد مسـ ـ ــتقلين ،بل اعتبارهم جزءاً من وحدات قاعدية( :الفالح باعتباره رئيس ـ ـ ـاً
ألسـ ـرة فيها النس ــاء واألطفال والخدم ،وعض ــواً في المش ــترن القروي .وكذلك الحرفي نراه في الوض ــع
نفسه).
185
المبحث الثاني -الفكر االقتصادي في اليونان القديم:
تعرض الفالســفة والمفكرون والشــعراء اليونانيون لبحث بعض المشــكالت والظواهر االقتصــادية،
ولكن بشـكل ضـئيل ومحدود وتابع .ولم يدرسـوا هذه المشـكالت االقتصـادية بشـكل منفصـل أو كفرع
مس ـ ـ ــتقل من فروع المعرفة بل كانت د ارس ـ ـ ــاتهم للظواهر االقتص ـ ـ ــادية مرتبطة بأبحاثهم في الفلس ـ ـ ــفة
والسياسة واألخالق (ومن هنا كانت صفة التبعية للدراسة االقتصادية).
لذلك لم يكن الفكر االقتص ـ ــادي عند اليونانيين واض ـ ــحاً ومتمي اًز أو مس ـ ــتقالً ،بل كان تابعاً .حقاً
إننا نجد في فلسـ ـ ـ ـ ــفة سـ ـ ـ ـ ــقراط وأفالطون وأرسـ ـ ـ ـ ــطو ،وأحياناً في أشـ ـ ـ ـ ــعار هوميروس ،بعض األفكار
االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي ــة ،وإن ك ــان ــت موجزة .لكن اليون ــانيين الق ــدم ــاء لم يكفوا ،من أج ــل عرض أفك ــارهم
االقتصـادية ،عن اللجوء إلى صـيغ أو صـور أو أمثلة مسـتمدة من الفلسـفة والتشـريح واألدب والشـعر
أحياناً .إنه من الص ـ ــعب حقاً الحديث عن األفكار االقتص ـ ــادية من خالل األدب والتش ـ ـريح والش ـ ــعر
والفلسفة.
كانت الحياة الســياســية واالقتصــادية لدى اليونان القديم مرتبطة تماماً بوجود المدينة ،التي كانت
تقوم بـالـدور ذاتـه الـذي تقوم بـه دولنـا المعـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة ،ومع اختالفهـا عنهـا اختالفـاً جـذريـاً .والمـدينـة لـدى
اليونانيين وحدة س ـ ــياس ـ ــية اقتص ـ ــادية ال تقتص ـ ــر على مراكز المدن بل تمتد لتش ـ ــمل الريف أيضـ ـ ـاً.
والمدينة هي( :التنظيم السـياسـي واالجتماعي الموحد ألرض محدودة يمكن أن تضـم مدينة واحدة أو
عدة مدن كما تض ــم رقعة الريف الذي يرتبط بها)( .)239لقد كانت "أثينا "Athensعلى س ــبيل المثال
مجرد مركز إقليم زراعي ،وعندما ازدهرت الحرفة وانتشـ ـ ـ ـ ـ ــرت تحولت إلى مركز حرفي ،ثم في وقت
ازدهار التجارة أصـ ـ ــبحت سـ ـ ــوقاً ومسـ ـ ــتودعاً تجارياً ،ولكن ظلت المدينة التي تُجملها األعمال الفنية
وتُحس ــنها التأمالت الفلس ــفية ،وس ــاحاتها مرك اًز للمهرجانات المس ــرحية ،فالمدينة هي األولى دائماً في
كل مكان ،أما اإلنسان فهو بما يمليه عليه دوره المدني.
أما سـكان المدينة اليونانية فهم ثالث فئات رئيسـة متميزة .وكانت هذه الفئات الثالث تمثل هرماً
قـاعـدتـه طبقاة العبياد األرقااه ،حيـث كـان نظـام الرق والعبوديـة هو السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـة الرئيسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة المميزة للمـدن
والممالك والدول في العالم القديم .وتشــير بعض اإلحصــائيات إلى أن ثلث ســكان أثينا كانوا من فئة
األرقاء .ولذلك كان نظام الرق عنص ـ اًر ممي اًز للنظام االقتصــادي في دولة المدينة اإلغريقية .أما من
الناحية الحقوقية والسياسية فلم تعترف بأية حقوق للعبيد في هذا المجتمع .بل اعتبروا أن الرق شرط
من ش ــروط الحياة المادية .وينظر أرس ــطو إلى جميع الكائنات على أنها منذ اللحظة األولى لوالدتها
منذورة بالفطرة ،بعضـها يأمر واآلخر يطيع" .إن جميع أولئك الذين ليس لديهم ما يقدمونه لنا أفضـل
من اســتعمال جســدهم وأطرافهم ،فنن الطبيعة حكمت عليهم باالســترقاق ،وأفضــل لهم أن يخدموا من
( - )239جان توشار ،تاريخ األفكار السياسية ،ترجمة د .ناجي الدرواشة ،و ازرة الثقافة ،دمشق ،1984ج ،1ص.19
186
أن ُيتركوا لشـ ـ ــأنهم .أي إنه عبد بالطبيعة ذلك الذي قل حظه من النفس والوسـ ـ ــائل فحمله ذلك على
()240
أن يتبع اآلخرين".
وبذلك تكون المدينة اليونانية وحدة سـياسـية واقتصـادية متكاملة ،وهي مركز كل الحرف والمهن،
تجمع بين زراعة الحبوب والزيتون وصــناعة الجلود والفخار ،وهي مأوى جميع الطبقات ،يعيش فيها
السـ ـ ـ ــادة ومالن األرض والتجار وأصـ ـ ـ ــحاب الحرف .فنلى جانب كون المدينة موطن أدب السـ ـ ـ ــلون
والفلسـفة والشـعر والتمدن تُع ُّد أيضـاً موطن الخير واإلنتاج وأروع المظاهر الريفية .فعلى قيد خطوات
من أسـ ـ ـوار أثينا ترى بس ـ ــاتين الزيتون والكروم والحقول المزروعة بمختلف أنواع الحبوب واألعالف،
على مرمى البص ـ ـ ــر من المدينة توجد مراعي األغنام يتعهد فيها الرعاة قطعانهم .ولقد ظلت الزراعة
مهنـة اليونـان الوحيـدة خالل قرون عـدة حتى بـدأت التجـارة والصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعـات الحرفيـة مع مطلع القرن
ـتمر بعـد ذلك التقليـد قائمـاً ،إن الزراعة هي المهنـة الوحيـدة المنـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للمواطن
السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابع ،وقد اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ
اليوناني( .)241ذلك ألن االقتصاد اليوناني كان ،بصفة أساسية ،اقتصاداً زراعياً ،فاحتلت الزراعة في
حياة اليونانيين أهمية جعلتها تســتثنى من االحتقار العام للنشــاط االقتصــادي .ونســب إلى ســقراط أنه
قال :ســوف تتملكني الدهشــة واالســتغراب فيما إذا علمت أن رجالً ذا أحاســيس حرة قد وجد لوناً من
ألوان النشاط أكثر جاذبية من الزراعة(.)242
أوالً -األفكار االقتصادية لدى أفالطون " 247 – 428ق .م":
ولد الفيلس ـ ـ ــوف اليوناني "أفالطون "Platoنحو عام 427ق.م .وكان والده من أشـ ـ ـ ـراف اليونان
في ذلك العصـر .كان أفالطون تلميذاً للفيلسـوف سـقراط لمدة تزيد على خمس سـنوات وتعلم منه "أن
الفض ــيلة هي المعرفة" .لذلك بعد وفاة س ــقراط رحل أفالطون متوجهاً إلى مص ــر بحثاً عن المزيد من
العلم والمعرفة ،ثم انتقل بعدها إلى صـقلية .وعندما عاد إلى أثينا رغب إليه أهلها في اسـتالم حكمها
إال أنـه رفض ذلـك متـأث اًر بمعلمـه سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقراط في مجـال الزهـد ،وتـأكـده من أن قنـاعـاتـه تخـالف قنـاعـات
األثينيين .له مؤلفات عديدة في مجاالت علمية إض ـ ـ ــافة إلى مؤلفاته الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية ومن أهمها :كتاب
"الجمهورية" وكتاب "السياسي" وكتاب "محاورة القوانين".
لقد وضــع أفالطون توجهات وإرشــادات تُتبع في كثير من جوانب الحياة .االقتصــادية والســياســية
واالجتماعية .ومن خالل المؤلفات التي أنجزها نسـ ـ ــتطيع أن نسـ ـ ــتخلص بعض األفكار االقتصـ ـ ــادية
التي سادت الحضارة اليونانية القديمة.
187
لقد تأثر أفالطون في مبادئه وعقيدته السـ ـ ـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ـ ـ ــية بالتاريخ العريق لبالده ،وخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة األنظمة
السـ ـ ــياسـ ـ ــية التي سـ ـ ــادت فيها .لقد تطلع أفالطون إلى ماضـ ـ ــي الدولة اليونانية المجيدة "واقتبس منه
آراءه فاتخذ ليكرغوس اإلســبرطي نموذجاً له في كتاباته األولى ويظهر في كتابه "الجمهورية " ولكنه
عندما رأى أن النظم اإلس ــبرطية تنقص ــها الثقافة العلمية أراد أن يدعم فض ــائلها العس ــكرية والطبيعية
بـالتعـاليم الفلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفيـة والخلقيـة وبحكومـة من المثقفين .ولمـا رأى إخفـاق إسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـارطـة في قيـادة الواليـات
حول نظره إلى أثينا وترن إسـ ـ ـ ــبارطة فتعدلت آراؤه اإلغريقية بعد انتصـ ـ ـ ــارها في حروب البيلويونيزّ ،
األولى ويظهر ذلـ ــك في كتـ ــابـ ــه (القوانين) ،إذ اقتبس كثي اًر من تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعـ ــات "سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونون" األثيني
وإصالحاته"(.)243
ومع أن معظم آراء أفالطون ونظريـاتـه تبقى خيـاليـة وال تفيـدنـا في حيـاتنـا المعـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة ،إال أنهـا
اشتملت على كثير من الحقائق أهمها:
• العدل أساس الملك،
• الفضيلة قوام الدولة،
• أساس الفضيلة هو التربية والتعليم،
• وضع مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد،
• االعتزاز بالوظيفة،
• الحكم فن يحتاج إلى خبراء مدربين.
هذه هي بعض األفكار في االقتص ــاد والس ــياس ــة والفلس ــفة واالجتماع ،والتي اس ــتطعنا أن نص ــل
إليها في نتاج أفالطون الفكري العظيم.
اإلنسان بنظر أفالطون يتكون )1( :العقل )2( ،الميول الخيرة أو الشريرة ،ولكن بنسب متفاوتة
ومتحولة .وفي كل مجتمع من المجتمعات تسـ ـ ـ ـ ــيطر إحدى الفئتين "فئة الميول الخيرة أو فئة الميول
الشـ ــريرة" ،وأحياناً تسـ ــيطر كلتاهما في ظل رقابة العقل وسـ ــيادته .وللحصـ ــول على إنسـ ــان عادل من
الهام أن تقوم مدينة عادلة ،وهذا يوضـ ـ ـ ـ ـ ــح العالقة بين اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان والمجتمع بين اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان والنظام
االقتصـ ـ ـ ـ ــادي االجتماعي القائم .ويرى أفالطون أن مجموعة سـ ـ ـ ـ ــكان المدينة األحرار لن تتكون من
مجموعة من األفراد متجانسة ،بل تتكون من ثالث طبقات متميزة بوضوح يحقق تعايشها واجتماعها
معاً نوعاً من التكامل .والطبقات الثالث هي:
-طبقة الحكام "الرؤساء" وخير ما يجب أن يتميزوا به هو الحكمة.
-طبقة المسـ ـ ــاعدين أو المحاربين "الجنود" المتصـ ـ ــفين بالشـ ـ ــجاعة ،ومهمة الجنود" المتصـ ـ ــفين
بالشجاعة ،هي الدفاع عن المدينة وحمايتها.
188
-طبقة المنتجين وتض ـ ــم كل من يعمل بالنش ـ ــاط االقتص ـ ــادي ،الحرفيين والفالحين ،وأص ـ ــحاب
العمل والعمال ،ومهمتها خلق السـ ـ ــلع والخدمات إلشـ ـ ــباع الحاجات المادية للمدينة .ويطلب من هذه
الطبقة الصناعة واالعتدال ومقاومة شهواتها.
والجدير بالذكر أن أفالطون ال يفرق بين الرجال والنســاء ،بل يرى أن يعامل الجميع "رجاالً
ـاء" معاملة واحدة .أما العبيد فنن أفالطون لم يص ـ ــنفهم في أي من الطبقات الثالث ،فقد تركهم
ونس ـ ـ ً
خارج هذه الطبقات .وعدهم "أدوات ناطقة من أدوات اإلنتاج".
- 2نظرة أفالطون للملكية والنقود:
أمـا من حيـث الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وتكوين العـائلـة فـنننـا نجـد في المـدينـة التي ينـادي بهـا أفالطون
نوعين من التنظيم:
النوع األول -وتحرم فيـه الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وتكوين العـائلـة ،وهو يطبق على الحكـام والجنود.
حيث يشـ ـ ـ ــترط أفالطون أن يعيش الحكام وهم من الفالسـ ـ ـ ــفة معيشـ ـ ـ ــة مشـ ـ ـ ــتركة وال تكون لهم ملكية
خاص ــة وال تكون لهم روابط عائلية فال يتزوجون وال يكونون عائالت ،أي إن أفالطون يلغي الملكية
ويلغي العائلة بالنس ـ ـ ـ ــبة لطبقة الحكام وطبقة الجنود .ذلك ألن الحكام يجب أن يخصـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـوا وقتهم
وجهودهم كلها لصـ ـ ــالح المواطنين جميعاً وليس لصـ ـ ــالح أشـ ـ ــخاصـ ـ ــهم أو عائالتهم ،والمال واألسـ ـ ـرة
تجعل الحكام أو الجنود خاضــعين لإلغراء والضــعف العاطفي تجاه أقاربه ،مما قد يصـرفه عن إدارة
الحكم لصـ ــالح المجموع ،ويجعله يديره للحصـ ــول على الثروة الشـ ــخصـ ــية أو لمحاباة األقارب .فلكي
يبعد أفالطون الحكام عن إغراء المال ويرفعهم فوق عوامل الض ـ ـ ـ ــعف التي يمكن أن يخض ـ ـ ـ ــعوا لها
بسبب عائلتهم ،فقد ألغى الملكية الخاصة وألغى إمكان تكوين األسرة بالنسبة لهم(.)244
النوع الثـاني -تُبـاح فيـه الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وتكوين األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة ،وهو يطبق على طبقـة المنتجين
فألفرادها أن يمتلكوا األموال ملكية خاصـ ـ ـ ـ ــة ،ولهم أن يتزوجوا ويكونوا األسـ ـ ـ ـ ــر .ولكن حرية الملكية
الخاص ــة بالنس ــبة لطبقة المنتجين ليس ــت حرية مطلقة بال حدود .بل ال بد من تدخل الدولة ،حس ــب
رأي أفالطون ،لمنع الثراء الفاحش ومنع الفقر على حد سواء(.)245
ويرى أفالطون أن للنقود دو اًر تقوم به في مدينته ،خاصة عندما يتم تقسيم العمل وتخصص كل
فرد بحرفة معينة ويظهر لديه فائض اإلنتاج للتبادل .فنن كل شخص سيعرض إنتاجه على اآلخرين
لبيعه لهم ،فتقوم النقود هنا بوظيفة "أداة للتبادل" وينسـب شـومبتير Schumpterإلى أفالطون أنه قد
أخــذ بنظريــة تقول" :إن قبول النقود في المعــامالت ال يرجع إلى قيمــة المــادة التي تكون تلــك النقود
مصــنوعة منها ،ولكن إلى اتفاق الناس وجريانهم على اســتخدمها وســيطاً للمبادلة وبعبارة أخرى نحن
189
ال نقبل النقود في المعامالت ألن المادة المصــنوعة منها ( سـواء أكانت ذهباً أم فضــة أم غير ذلك)
تكون لها قيمة معينة ،ولكننا نقبلها لعلمنا أننا نس ـ ــتطيع أن نش ـ ــتري بها ما نش ـ ــاء نظ اًر ألن المجتمع
يكون قد اتفق وجرى على استخدام النقود بهذه الصورة(.)246
وتجدر اإلشـ ـ ــارة إلى أن أفالطون قد وقف موقفاً صـ ـ ـريحاً ضـ ـ ــد الربا ،حتى إنه أباح عدم سـ ـ ــداد
المال الذي يتم اقت ارضـ ـ ـ ـ ـ ــه بفائدة .وهذا ناتج عن الظروف االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية السـ ـ ـ ـ ـ ــائدة في تلك المرحلة
وخاصة ما يتعلق بانخفاض اإلنتاجية وتخلف القوى المنتجة.
" ويعــد أفالطون النقود أداة للتجــارة .وهو يفرق بين النقود المحليــة المقبولــة فقط داخــل الــدولــة،
والنقود العامة التي تحتفظ بها الدولة لتغطية الحمالت العسـ ـ ـ ـ ـ ــكرية واألسـ ـ ـ ـ ـ ــفار وغيرها .ويجب على
األفراد الذين يخرجون من البالد بموافقة الس ــلطات أن يس ــلموا عند عودتهم ما لديهم من نقود أجنبية
إلى الدولة ويحصـ ــلوا مقابلها على نقود محلية ،وإال فنن النقود األجنبية تصـ ــبح عرضـ ــة للمصـ ــادرة.
وهــذا التمييز بين النقود المحليــة والنقود العــامــة يــدل على أن أفالطون كــان يميز بين النقود كــاملــة
القيمة والنقود ناقصـ ـ ــة القيمة"( .)247كما كان أفالطون ينظر نظرة سـ ـ ــلبية إلى وظيفة النقود كوسـ ـ ــيلة
لتراكم الثروة واالكتناز .وطالب بأن يتم عقد الصفقات التجارية نقداً وليس ألجل.
ثانياً -األفكار االقتصادية لدى أرسطو ( 322 - 384ق.م):
لقد حاول أرسـطو أن يقف وقفة تحليلية أمام بعض المشـكالت والظواهر االقتصـادية .ولذلك يعد
أرسـ ـ ـ ــطو أول المفكرين القدماء الذين أعطونا ما يمكن تسـ ـ ـ ــميته "بذور نظرية اقتصـ ـ ـ ــادية" تقوم على
تحليل الظواهر والمشـ ـ ــكالت المتعلقة بالنشـ ـ ــاط االقتصـ ـ ــادي .أي إنه دفع االقتصـ ـ ــاد دفعة قوية نحو
األمام في سـ ــبيل أن يصـ ــبح علماً متمي اًز ومسـ ــتقالً ومتكامالً ،على الرغم من أنه لم يتمكن من جعل
االقتصاد علماً مستقالً(.)248
- 1اختالو أرسطو عن أفالطون:
نالحظ أن أرس ــطو يختلف في عدد من األمور مع معلمه أفالطون ،ويرى أرس ــطو أن جمهورية
أفالطون غير قابلة للتطبيق وغير إنس ــانية أو س ــعيدة ،وخاص ــة ما يتعلق ببعض المبادئ التي نادى
بها أفالطون مثل :مشاعية النساء واألمالن بالنسبة للطبقة الحاكمة والجنود ،تقسيم المجتمع وبشكل
حاد إلى طبقات ،التضـ ـ ـ ـ ــحيات التي كان يطلبها المجتمع من كل مواطن .ويحاول أرسـ ـ ـ ـ ــطو التأكيد
على الشــروط العامة التي تؤمن حســن ســير العمل في "المدينة" ،بدالً من فرض نظام ســياســي دقيق
ومحـدد كمـا يفعـل أفالطون .ويسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعى أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو ألن يقيم مـا هو أكثر من مـدينـة عـادلـة على غرار
190
أفالطون ،أنه يس ـ ــعى إلى إقامة مدينة عادلة وس ـ ــعيدة " .وهو يرى أن الس ـ ــعادة تكمن في الممارس ـ ــة
الكاملة للفضيلة ".
أما الشـ ــروط العامة التي يحددها أرسـ ــطو لتؤمن حسـ ــن سـ ــير العمل في المدينة وجعلها سـ ــعيدة
فهي :امتداد معتدل ،أراض محدودة بحيث يس ــهل الدفاع عنها ،وتمكن جميع الناس فيها أن يعرف
بعضــهم بعضـاً ،وضــع جغرافي قريب من البحر لتأمين المواصــالت وســهولتها .وتتغير هذه الشــروط
بتغير نمط الـدولـة :فحكم األقليـة يحتـاج إلى قلعـة ،والـديمقراطيـة تتالءم مع السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهول المنبسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة
والمساحات الواسعة(.)249
لقد ظل أرســطو ضــمن دائرة الصــيغ التقليدية التي جاء بها من ســبقه من فالســفة اإلغريق .من
خالل :مناصـ ـ ـرته ودعوته للمدينة المحدودة "المقلص ـ ــة" ،وأن يبقى المواطن الحر متحر اًر من س ـ ــائر
المشاغل اليدوية "العمل الجسدي" أو التجارية تحر اًر كلياً ،واألعمال الوحيدة التي أُعجب بها أرسطو
هي المداولة والعدالة أو الجيش أو الدين ،وهو يرفض الطغيان المفرط والملكية الناقصـ ـ ـ ــة ،وهو هنا
يربط بين الموضوع السياسي والموضوع االجتماعي.
في حين كان أفالطون خيالياً وفيلسـ ـ ــوفاً شـ ـ ــاعرياً خلط بين السـ ـ ــياسـ ـ ــة واألخالق ،نجد أرسـ ـ ــطو
منطقيـاً ونظـاميـاً وعمليـاً في آ ارئـه وأبحـاثـه ونظريـاتـه .ونسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن نوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح االختالف بين المعلم
()250
"أفالطون" وتلميذه "أرسطو" وفقاً لما يأتي:
-لقد جعل أفالطون األخالق علماً أس ـ ــاس ـ ــياً وعد الس ـ ــياس ـ ــة فرعاً من فروعها ،أما أرس ـ ــطو فقد
فعدهما فرعين في
عكس األمر ونظر إلى السـ ـ ــياسـ ـ ــة على أنها علم العلوم أما األخالق واالقتصـ ـ ــاد ّ
فروع السياسة تهدف إلى إسعاد الجماعة البشرية.
-كان أفالطون مؤمناً بحكم األقلية التي تتص ـ ــف بس ـ ــمو مداركها وملكيتها للثروة ،أما أرس ـ ــطو
فقد حدد أن أفضــل أنواع الدول هي التي يشــترن أفرادها اشــتراكاً فعلياً في إدارة شــؤون بالدهم عندما
يكون ذلك بمقدورهم.
-أنكر "أرسـ ـ ـ ـ ـ ــطو" القاعدة التي تقول إن قوانين الدولة تطاع فيما إذا وافقت مصـ ـ ـ ـ ـ ــالح األفراد،
اء صادفت هوى في نفس الفرد أم لم تصادف .ألن اإلنسان
ونادى بضرورة إطاعة قوانين الدولة سو ً
مدني بطبيعته .والدولة نظام طبيعي وضروري.
( -إن الحق والعـدل موجودان طبيعيـاً .وإن وظيفـة الـدولـة تطبيق هـاتين القوتين "الحق والعـدل"
الطبيعيتين بما يتناسـ ــب مع حاجات األفراد المختلفة ،معدلة قواعدها العامة في بعض األحيان حتى
تمنع الظلم عنهم وتحقق اإلنصاف بينهم)(.)251
191
-نادى أفالطون بالمس ــاواة الطبيعية بين الرجل والمرأة ،في حين يرى أرس ــطو أن هذه المس ــاواة
غير واقعية ألن المرأة في ذاتها أقل من الرجل.
-حاول أفالطون إهمال دور األس ـرة ،ولكن أرســطو يمجد األس ـرة ويرى فيها مجتمعاً بســيطاً يتم
فيه تعلم الفضائل المدنية واكتسابها.
- 2الرقيق ،الملكية ،القيمة والنقود في فكر أرسطو:
أقر أرسـطو وجود الرقيق ،ذلك ألن األفراد مختلفون في قواهم العقلية والفكرية ،فخلق فريق منهم
س ـ ـ ــيداً وخلق فريق آخر مس ـ ـ ــوداً رقيقاً( .ومن امتاز من الفريق األول بالعقل وس ـ ـ ــمو اإلدران ص ـ ـ ــلح
للحكم ،أمــا البــاقي من هــذا الفريق فعليــه أن ينفــذ أوامر الحكــام ويطيع مــا يص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرونــه من أوامر
وتعليمات) .كما احتقر أرسـ ـ ــطو كل المهن التي تتصـ ـ ــل بننتاج الثروة وقال( :إنها من أحقر وظائف
األسـ ـ ـ ـ ـرة مع اعترافه بضـ ـ ـ ـ ــرورتها) .وخصـ ـ ـ ـ ــص العبيد واألجانب "غير اليونانيين" للقيام بهذه الحرف
والمهن .كما أكد أن العمل في الزراعة وتربية الحيوان والصــيد في البر والبحر أشــرف من االشــتغال
وعده عمالً منافياً للعدالة .وهو يرى
في التجارة .أما الربا " إقراض النقود بفائدة " فلم يقره أرس ـ ـ ـ ـ ـ ــطو ّ
(أن توزيع الثروة بين األفراد من العوامل الهامة التي تؤثر في شـ ـ ــكل الحكومة ،كما أن مهنتهم تؤثر
في كفايتهم وخطتهم الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية ،وأن الثورات ما هي في الغالب إلى مش ـ ـ ــاحنات بين الذين يملكون
()252
الكثير من الثروة والذين ال يملكون إال القليل منها).
انتقد أرس ــطو اآلراء التي كانت تنادي بنلغاء الملكية الخاص ــة ،واس ــتبدال نظام الملكية الجماعية
أو المش ــاعية بها .ذلك ألن النظام الجماعي أو المش ــاعي – حس ــب رأيه – يؤدي إلى منازعات بين
األفراد حول توزيع ما ينتجونه من س ـ ـ ـ ــلع وخدمات فيما بينهم ،وهذه المنازعات قد تؤدي بالنظام إلى
انحالله وسقوطه.
ويفضـل أرسـطو نظام الملكية الخاصـة فيترن لكل فرد حرية تملك األموال ألن هذا النظام يعتمد
على حــب كــل فرد لــذاتــه ،فيسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعى كــل فرد لتنميــة ملكيتــه وإنتــاجــه ،ولكن يجــب إدخــال اعتبــارات
األخالق بأن تقوي لدى المالن الشــعور بمســؤولياتهم في مواجهة غير المالن فيســتخدمون بعض ما
ينتجونه من أموالهم لمسـ ـ ـ ـ ــاعدة من ال يملكون" .فمن الخير إذن أن تكون الملكية خاصـ ـ ـ ـ ــة على أن
يوجه المالن إلى اسـ ـ ـ ــتخدام ما ينتجونه اسـ ـ ـ ــتخداماً يفيدون به الجميع بفرض بعض المبادئ الخلقية
عليهم(.)253
ثم توص ــل أرس ــطو إلى ما يمكن أن نس ــميه نقطة البدء في بحث نظرية القيمة التي تحتل مكاناً
بار اًز في االقتصـ ـ ـ ــاد السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي .حيث ميز أرسـ ـ ـ ــطو بين نوعين من القيمة لكل سـ ـ ـ ــلعة هما القيمة
االسـ ــتعمالية والقيمة التبادلية .وأوضـ ــح أن كل سـ ــلعة (رأس ماشـ ــية مثالً) تكون لها قيمة اسـ ــتعمالية
192
تنتج عن عملية اسـتخدام هذه السـلعة في إشـباع الحاجة اإلنسـانية لمنتج هذه السـلعة .كما أن للسـلعة
(رأس الماش ــية) قيمة تبادلية وهي ما نحص ــل عليه من س ــلع في الس ــوق نتيجة لمبادلة رأس الماش ــية
بالسلع التي يحتاج إليها مالك هذه السلعة.
ومن الموض ـ ــوعات الهامة التي بحثها أرس ـ ــطو موض ـ ــوع نش ـ ــأة النقود ووظائفها واألس ـ ــاس الذي
تسـ ــتمد منه قبولها بين الناس .وفي رأيه أن الناس في المراحل األولى من التطور كانوا يلجؤون إلى
المقايضـ ـ ـ ـ ــة ،في عملية المبادلة لتحصـ ـ ـ ـ ــيل كل منهم على ما يلزمه لتلبية حاجاته عن طريق مبادلة
الفائض عن حاجته من السـ ـ ــلع التي أنتجها مباشـ ـ ـرة بالسـ ـ ــلع التي تفيض من إنتاج اآلخرين (سـ ـ ــلعة
مقـابـل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة ،قمح مقـابـل قطعـة قمـاش) .ولتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهيـل عمليـة المبـادلـة والتغلـب على المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالت
والص ـ ــعوبات التي تواجه األفراد في عملية المقايض ـ ــة ،تم التوجه الختيار س ـ ــلعة من الس ـ ــلع وجعلها
وسـيطاً للمبادلة فيما بينهم ،فنشـأت بذلك النقود وكانت تلك السـلعة التي اختيرت من المعادن وكانت
توزن في كل عملية من عمليات المبادلة لتحديد وزنها .وتطورت النقود ثم أدرن أرسـ ـ ـ ـ ــطو أن للنقود
وظيفة أسـ ـ ــاسـ ـ ــية كونها وسـ ـ ــيطاً للمبادلة ووظيفة ثانية أنها أداة لقياس قيم السـ ـ ــلع المختلفة ،ووظيفة
ثالثة ،وهي كونها أداة نحتفظ بوســاطتها بمدخراتنا (مخزن القيم) .وحســب رأي أرســطو إن النقود إنما
تقبل بين الناس بسـ ــبب القيمة التي تكون المادة التي تصـ ــنع منها .وقرر أرسـ ــطو أن االحتكار غير
()254
عادل ألنه يقوم على استغالل البائع للمشترين.
ولم يكن هنان تجديد كبير في " المدينة " المبنية على الشروط التي ينادي بها أرسطو بالمقارنة
مع مدينة " أفالطون " حيث نالحظ أن مدينة أرسطو موصوفة بما يأتي ( :هنان شعب من الشغيلة
يغـذي نخبـة من المواطنين هم في الوقـت ذاتـه المحـاربون والـذين يؤلفون المـدينـة وحـدهم .ولم يقترح
هنا أي [ دسـ ـ ـ ـ ـ ــتور] خاص ) .وبالمقابل بما أنه من المتفق عليه أن ليس ألحد من المواطنين فوقية
على سـ ـواه تمنحه الحق في أن يختص بالسـ ــلطة فنن األمر الهام هنا هو االهتمام بتحسـ ــين النسـ ــل،
والرقــابــة على الوالدات ،وغــذاء األطفــال وتربيتهم ،وتعليمهم .لــذلــك نجــد أن أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو يولي التقنيــة
واألخالق اهتماماً أكبر من االهتمام بالنصائح السياسية الخالصة.
عرف الفكر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي في اليونان القديم تطو اًر ملحوظاً في القرن الخامس الميالدي ،نتيجة
للتحوالت االقتص ــادية واالجتماعية التي حدثت في أثينا ،ونتيجة للتوس ــع الكبير الذي حدث في أثينا
والبنية السـياسـية الديمقراطية التي سـادت في تلك المرحلة "ديمقراطية السـكان األحرار" .وهذا ما كان
مس ــيط اًر على حركة األفكار سـ ـواء ما جاء به أبناء أثينا أو ما جاء به األجانب الذين اس ــتض ــافتهم.
ولكي نعيد بناء اإليديولوجية والنظام االقتصــادي لدولة أثينا ،نجد أنفســنا ملزمين أن نســتقي ذلك من
أعمال أفالطون وأرسـ ـ ـ ــطو والفالسـ ـ ـ ــفة والمفكرين العظماء في الحضـ ـ ـ ــارة اليونانية ،وأحياناً ال بد من
193
العودة إلى الفلس ـ ـ ــفة والش ـ ـ ــعر واألدب اليوناني .وتنظيم هذه األفكار حول أهم الظواهر والمش ـ ـ ــكالت
االقتصادية والفعالية والنشاط االقتصادي لدى المجتمع اليوناني.
194
المبحث الثالث -األفكار االقتصادية في روما القديمة:
إذا كانت رواية أص ــول روما هي في معظمها إعادة إنش ــاء تاريخ الحق فننه لض ــرب من العبث
أن نحاول أن نعثر فيها على األفكار االقتصـادية للعصـور القديمة ،ولم يكن للرومان الميل الفلسـفي
نفســه الذي تميز به اليونانيون .لذلك ال نجد لديهم مؤلفات وأبحاثاً فلســفية يمكننا أن نســتخلص منها
أفكـارهم االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة .ولئن كـانـت هنـان بعض اآلراء االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة فيمـا كتبـه بعض الحكمـاء أو
الخطباء أو الحقوقيين الرومانيين ،إنها ض ـ ـ ـ ـ ــئيلة جداً من ناحية ،وتعد إلى حد كبير ص ـ ـ ـ ـ ــدى لآلراء
اليونانية من ناحية أخرى(.)255
وخالل الحقبـة التي تمضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي من القرن الخـامس إلى القرن الثـاني قبـل الميالد تقريبـاً ،ال يوجـد
نص أدبي أو فلسـ ــفي يأتي لمسـ ــاعدتنا على إدران تطور األفكار االقتصـ ــادية لدى الرومان .وينبغي
بعد هذا التاريخ أن ننتظر " ش ـ ـ ــيش ـ ـ ــرون "Ciceronو" س ـ ـ ــنيكا "Senecaو" كاتون "Catonو"فارو
"Varroو "كولوميال "Columellaحتى تظهر بعض األفكار االقتص ـ ــادية ونس ـ ــتطيع من خالل هذه
()256
األفكار أن نستخلص بعض الخصائص العامة للحياة االقتصادية لدى الرومان القدماء.
كان س ـ ـ ـ ـ ــكان روما والبالد الرومانية التي اتس ـ ـ ـ ـ ــعت بالفتوحات يزدادون ،تارة عن طريق الهجرة،
وتارة بمن ينضـم إليهم من سـكان المقاطعات المغلوبة .وأصـبح هؤالء الرعايا الجدد يؤلفون جزءاً من
الش ـ ــعب الروماني الحقيقي .لقد كانوا أح ار اًر حرية ش ـ ــخص ـ ــية ويحق لهم امتالن األ ارض ـ ــي ،ومكلفين
بدفع الضـ ـرائب ،وخاض ــعين للخدمة العس ــكرية .لكن لم يكن بوس ــعهم أن يش ــغلوا أي منص ــب وال أن
يشـاركوا في السـلطة أو في اقتسـام األ ارضـي التي احتلتها الدولة .وكان هؤالء الوافدون الجدد يؤلفون
طبقة "البليب" المحرومة من سـ ــائر الحقوق العامة .ومع تزايد عددهم وخضـ ــوعهم للخدمة العسـ ــكرية
واســتمرار تدريبهم العســكري وتســليحهم أصــبحوا يشــكلون خط اًر قوياً على الســلطة والشــعب الروماني
األص ــيل ،الذي أغلق ص ــفوفه بنحكام في وجه أية زيادة جديدة .أض ــف إلى ذلك أن األ ارض ــي كانت
مقسـ ـ ــمة بالتسـ ـ ــاوي بين الشـ ـ ــعب الروماني األصـ ـ ــيل وطبقة البليب "الوافدين" .مع أن الثروة التجارية
()257
والصناعية ،لم تكن بعد قد أصبحت كبيرة جداً ،لكن كان معظمها في أيدي طبقة البليب.
ويوضـح تيبيريوس غراكوس ،في خطبته الشـهيرة الوضـع العام الذي تعيشـه روما ،والوهم الكبير،
والمعــانــاة التي يتكبــدهــا المحــاربون والفقراء من أجــل ترف اآلخرين واغتنــائهم " :إن لكــل حيوان من
195
حيوانــات إيطــاليــا جحره ومــأواه وعرينــه ،أمــا النــاس الــذين يقــاتلون ويموتون من أجــل إيطــاليــا فلهم
نص ـ ـ ـ ــيب من الهواء والنور وال ش ـ ـ ـ ــيء آخر ،فهم بال موئل ،بال دار ،يتيهون مع نس ـ ـ ـ ــائهم وأوالدهم.
ويكذب القادة على الجنود عندما يحثونهم ،في س ـ ـ ـ ــاحة المعركة ،على الدفاع ض ـ ـ ـ ــد العدو عن قبور
األجداد وأماكن العبادة ألنه ما من واحد من هؤالء الرومان له قبر ألس ـرته ،أو ض ـريح ألجداده ،بل
هم يقاتلون ويموتون من أجل ترف اآلخرين واغتنائهم ،هؤالء هم سـ ــادة العالم المزعومون الذين ليس
()258
ألنفسهم حيرة ".
يكاد كل الذين كتبوا عن تاريخ األفكار االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية من العلماء أو المؤرخين االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــاديين،
يجمعون على أن إسـهام الرومان كان محدوداً في مجال االقتصـاد ،أو جدي اًر باإلهمال والنسـيان .لقد
أطـال علمـاء الرومـان في الحـديـث عن الز ارعـة وأثنوا عليهـا وأضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافوا اقت ارحـات كثيرة بخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
أســاليب الزراعة وإدارتها ،أي االقتراحات المتعلقة بالضــيعة (القرية) المكتفية ذاتياً " ينبغي لنا ،مهما
حدث أن نحمي مزرعة األسـ ـرة " كما يقول بلينيوس ( 23م – 79م) وقد انعكس ــت المس ــألة الزراعية
في مؤلفــات كــانون وفــارون وكــالوميال ( 234ق.م – القرن األول الميالدي) واإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــام الرومــاني
األس ـ ــاس ـ ــي وربما الوحيد تمثل في التركيز على القانون الروماني ودوره في مجال الملكية الخاص ـ ــة.
والقانون الروماني هو الذي أسـ ـ ـ ــبغ على الملكية الخاصـ ـ ـ ــة هويتها الرسـ ـ ـ ــمية ومنح حائزها الحق في
التمتع واالســتعمال ،ومنذ ذلك الحين أصــبح انتهان ذلك الحق من جانب األفراد أو الدولة يســتوجب
عــبء التبريز فــالرومــان كــانوا فــاتحين ومنظمين نــدرت لــديهم االهتمــامــات واألبحــاث النظريــة ،بينمـا
ركزوا على المجاالت التطبيقية وأهمها الملكية الخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة وكيفية تأطيرها قانونياً عبر العقد القانوني
باعتباره وسيلة التبادل واألساس الحقوقي للسوق.
لقد تجلت عبقرية الرومان في تعريف مؤس ـ ـسـ ــة الملكية الخاصـ ــة ومنحها الشـ ــكل القانوني الذي
س ــيكون محورياً حاس ــماً في اإلرض ــاء الش ــخص ــي والتنمية االقتص ــادية (اإلرض ــاء الجماعي) والنزاع
السياسي في القرون الالحقة.
أوالً -التركيب االجتماعي في روما القديمة:
وكان المجتمع الروماني وفقاً للدس ـ ــتور ،المؤس ـ ــس على غرار الدس ـ ــتور اإلغريقي ،قد اس ـ ــتحدث
اجتماعاً شـعبياً جديداً يضـم كل من كان يؤدي الخدمة العسـكرية من الشـعب ومن طبقة البليب على
السـواء ،ويقصـي عنه كل من لم يكن يؤدي ذلك .ثم قسـم الدسـتور جميع الذكور الخاضـعين للخدمة
العسـكرية إلى سـت طبقات حسـب حجم الثروة التي يمتلكونها .وكان الحد األدنى للثروة في الطبقات
الخمس األولى كم ــا يــأتي :الطبق ــة األولى 100 -ألف آس (وحــدة نق ــد لــدى الرومــان الق ــدمــاء)،
الطبقــة الثــانيــة 75 -ألف آس ،الطبقــة الثــالثــة 50 -ألف آس ،الطبقــة الرابعــة 25 -ألف آس،
196
الطبقة الخامس ـ ـ ـ ــة 11 -ألف آس .الطبقة الس ـ ـ ـ ــادس ـ ـ ـ ــة -وهم "البروليتاريا" وكانت تتألف من أولئك
الذين كانوا يملكون أقل من ذلك وكانوا يعفون من الخدمة العسكرية ومن الضرائب(.)259
()260
أما في العهد الملكي فقد انقسم المجتمع الروماني إلى أربع طبقات رئيسة هي:
- 1طبقة النباله أو األشاراو -وهم ســكان روما األصــليين الذين يمتلكون األ ارضــي الزراعية
ويتمتعون بالحقوق العامة كحق االنتخاب والترشـ ـ ـ ـ ـ ــيح للمجالس والمناصـ ـ ـ ـ ـ ــب إضـ ـ ـ ـ ـ ــافة إلى الحقوق
الش ــخص ــية كحق الزواج من طبقة النبالء وحق التقاض ــي في المحاكم وحق امتالن األموال المنقولة
وغير المنقولة ،ومن أهم واجباتهم :الخدمة العسكرية ،ودفع الضرائب للخزينة العامة للدولة.
- 2طبقاة األتبااع -وهم جمـاعـات رومـانيـة افتقرت وأفلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت نتيجـة لتفتـت أمالن العشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة
وس ــيطرة األفراد األقوياء على معظم األ ارض ــي .وقد اض ــطر هؤالء الرومان الفقراء إلى تقديم تبعيتهم
إلى أحد األسياد األغنياء ،ويقوم األغنياء بحماية هؤالء األتباع والدفاع عنهم أمام القضاء مقابل أن
يقوم األتباع بخدمة السادة األغنياء والعمل في أراضيهم دون أي حق في ملكيتها.
- 3طبقة العوام -وهي من أوسع الطبقات وأكثرها عدداً ،وتتكون من الغرباء الذين قدموا إلى
روما واسـ ــتقروا فيها ،ويعملون في الصـ ــناعة والتجارة ،إضـ ــافة إلى األتباع الذين تحرروا من تبعيتهم
ألسـ ـ ــيادهم القدماء (الفقراء والمسـ ـ ــتضـ ـ ــعفين من سـ ـ ــكان روما األصـ ـ ــليين) .وال يتمتع العوام بالحقوق
العامة أو الخاص ــة ،ولكنهم أعفوا من الخدمة العس ــكرية ودفع الض ـرائب ،وقد سـ ـ كن العوام في أحياء
خاصة بهم في روما.
- 4طبقة العبيد -وتش ـ ـ ـ ــكلت هذه الطبقة من األحرار المباعين كعبيد بس ـ ـ ـ ــبب الفقر واألطفال
الذين ال يعترف بهم والدهم واألش ـ ـ ـ ـ ـ ــخاص المرهونين للعمل لدى الدائنين من أجل تس ـ ـ ـ ـ ـ ــديد ديونهم،
والمتخلفين عن الخدمة العسـ ــكرية وأسـ ــرى الحرب .ويتحول العبد عندما يتحرر إلى طبقة العوام ،أي
إنه يس ـ ـ ـ ــتطيع ممارس ـ ـ ـ ــة األعمال االقتص ـ ـ ـ ــادية لحس ـ ـ ـ ــابه الخاص وأوالده مثله كذلك ،ولكنه ال يتمتع
بالحقوق العامة أو الخاصة.
ثانياً – األفكار االقتصادية لدى المفكرين الرومان:
يرى ش ـ ـ ـ ـ ــيش ـ ـ ـ ـ ــرون ( 43 - 106ق.م) أن الدولة جماعة معنوية ،أي مجموعة من األش ـ ـ ـ ـ ــخاص
عرف شـيشـرون الدولة في عبارة سـامية فيقول
يمتلكون الدولة وقانونها بالمشـاع بينهم ،ولهذا السـبب ُي ّ
إنها "مصـ ــلحة الناس المشـ ــتركة"… ويؤيد شـ ــيشـ ــرون القانون الطبيعي ،فهو يعتبر (أن الخالق يحكم
الطبيعة وأن اإلنسـ ـ ـ ــان خلق في أحسـ ـ ـ ــن تقويم ،وأنه يمتاز من سـ ـ ـ ــائر الكائنات بالعقل فهو من هذه
الوجهة يش ــبه الخالق وله نص ــيب في مبادئ الحق والعدل ،وهي عنص ــر من عناص ــر القانون الذي
يحكم الخالق الكون بمقتضـ ـ ـ ــاه ،وكل إنسـ ـ ـ ــان يمتلك طبيعياً الشـ ـ ـ ــعور بالحق والعدل إذ الناس جميعاً
( - )259أنظر :فر يدريك أنجلس ،أصل األسرة … ،مصدر سابق ،ص.202
( - )260أنظر :د .يوسف نعيسة ،المصدر السابق ،ص.138-137
197
متحدون في الخلق ،متش ـ ـ ــابهون في التكوين العقلي ،فالقانون الطبيعي هو مص ـ ـ ــدر الحقوق جميعها
وهذا القانون هو الحكمة الخالدة التي تحكم العالم ،أما ما عدا ذلك من القوانين البشـ ـ ـ ـ ـ ـرية فيجب أن
تهمل)( .)261كما تعرض شـيشـرون إلى موضـوع ممارسـة النشـاط االقتصـادي وتفضـيله لبعض المهن
على بعض ـ ـ ـ ــها اآلخر .فيض ـ ـ ـ ــع مهنة الزراعة في المقام األول ،كما بين عيوب الص ـ ـ ـ ــناعة والتجارة.
وانتقد الفائدة إلى درجة أنه شبهها بجريمة القتل(.)2
لقد أولى الرومان الزراعة أهمية خاصة من بين األنشطة االقتصادية ووضعوها في المقام األول
بين المهن التي يمارسها اإلنسان( .)3حيث كان كاتون يضع العمل في الزراعة فوق جميع األعمال
األخرى ،ويعـد الز ارعـة المهنـة األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف واألكثر ربحـاً وخي اًر .ويربط كـاتون دخـل المزرعـة وربحيتهـا
باإلدارة المباشـ ـ ـ ـ ـرة من قبل صـ ـ ـ ـ ــاحبها ،لذلك يولي تنظيم عمل العبيد أهمية خاصـ ـ ـ ـ ــة من أجل زيادة
اإلنتاجية ويهمل دور وسائل اإلنتاج.
ويـدعو فـارون إلى إقـامـة ز ارعـة على أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس علميـة من أجـل زيـادة اإلنتـاجيـة والـدخـل واألربـاح.
ويولي فــارون عمليــة النقــل من المزرعــة وإليهــا أهميــة خــاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة في تحقيق األربــاح( ،ويهتم فــارون
باإلض ـ ـ ـ ـ ـ ــافة إلى الزراعة بالرعي ،معتب اًر أن الزراعة والرعي قريبان من بعض ـ ـ ـ ـ ـ ــهما ،ويرى أنه يمكن
الحصـ ــول على دخل غير قليل من رعي الماشـ ــية .ويبين في تعداد الوسـ ــائل التي يجري بوسـ ــاطتها
حرث األرض وجود ثالثة أنواع :أدوات ناطقة ،وأدوات تخرج أصـ ـواتاً غير إنس ــانية ،وأدوات خرس ــاء
… فاألدوات الناطقة هم العبيد ،واألدوات الخوارة التي تخرج األص ـ ـوات هي الحيوانات ،أما األدوات
الخرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء فهي المحراث)( )4وهو يؤكــد دور الحــافز المــادي للعبيــد وأهميتــه بهــدف زيــادة عملهم
وإنتاجيتهم.
واهتم كولوميال بننتاج البضــائع من أجل الســوق ،وعدم االكتفاء باســتهالن المنتجات في الزراعة
نفسها ،كما طالب بتقسيم العمل بين العبيد من أجل زيادة إنتاجيتهم .ويدعو إلى االستثمار العقالني
في الزراعة إذ يجب عدم ش ـ ـ ـراء األ ارضـ ـ ــي التي تزيد مسـ ـ ــاحتها على الحد العقالني ،ألن المسـ ـ ــاحة
الواسـعة التي يتم تخديمها وزراعتها بشـكل سـيل تعطي من الدخل أقل مما تعطيه المسـاحة الصـغيرة
"الحد العقالني" التي يتم زراعتها بعناية .وألول مرة ينادي كولوميال بضـ ــرورة التشـ ــاور مع العبيد في
بعدهم أناساً أكثر خبرة .وآخر وسيلة يمكن اللجوء إليها – بنظر كولوميال -من أجل
مسألة اإلنتاج ّ
رفع اإلنتاجية بالنسـ ــبة للعبد هي "الخوف" أي اسـ ــتخدام العنف واإلكراه االقتصـ ــادي( .كان كولوميال
يعكس مرحلة انهيار نظام العبودية .وهو يؤكد أهمية اإلدارة الشـ ـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ية للمزرعة .فاالسـ ـ ـ ـ ـ ــتثمار
الشخصي يعطي دخالً أكثر بكثير من تأجير األرض).
198
وهكـذا نلمس أن ج ّـل أبحـاث الرومـان في مجـال النش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي تركزت على األمور
الزراعية ،وهذا منطقي ألنها شـ ـ ــغلتهم أكثر من غيرها من المهن .على أن الرومان قد بزوا غيره من
الشـ ــعوب في العصـ ــور القديمة والتفكير الحقوقي .ولم يقتصـ ــر تأثير القانون الروماني في العصـ ــور
التي سـاد فيها الرومان ،أو في منطقة روما وما يتبع لها ،بل لقد أثر في قوانين كثير من البالد بعد
ذلك ،وما زال أثره في الفكر والتنظيم القانوني قائماً في العالم حتى اآلن.
199
الفصل الحادي عشر
األفكار االقتصادية في العصور الوسطى
المبحث األول -األفكار االقتصادية في العصور الوسطى العربية ا اإلسالمية:
امتلك العرب المســلمون ناصــية العلوم النظرية والتطبيقية في العصــور الوســطى الذهبية – بينما
كان األوربيون يغطون في العص ـ ـ ـ ـ ــور الوس ـ ـ ـ ـ ــطى المظلمة ،-وقد أبدعوا في ّ
جل الحقول المعرفية،
وأهمها :الحقل الديني والحقل الفلس ــفي والحقل الطبي والحقل الرياض ــياتي والحقل االقتص ــادي .غير
أن الفكرة االسـ ــتش ـ ـراقي األوربي أنكر عليهم بعض إسـ ــهاماتهم في تلك الحقول اإلبداعية ،وربما كان
في مقدمتها الحقل االقتص ــادي .فاس ــتبدل اإلس ــهام االقتص ــادي لعلماء عرب كبار أمثال ابن خلدون
والمقريزي بنسهامات توما األكويني ووليم بيتي وجان بودان.
مبادئ النظام االقتصادي في اإلسالم:
-1مبدأ الملكية المزدوجة:
ـتثناء أو عالجاً مؤقتاً اقتضـ ــته يعترف اإلسـ ــالم بالملكية الخاصـ ــة والملكية العامة وال يعتبرها اسـ ـ ً
ظروف معينة .وذلك ينطلق من نظرة اإلسـ ـ ــالم إلى الفرد بوصـ ـ ــفه كياناً مسـ ـ ــتقالً وبالتالي فالشـ ـ ـريعة
والقانون يحميان ملكيته ويصـ ـ ـ ـ ــوناها من االعتداء ،وأيض ـ ـ ـ ـ ـاً بوصـ ـ ـ ـ ــفه كياناً اجتماعياً وبالتالي يجدد
عالقات الفرد االجتماعية واالقتصادية والسياسية مع المجتمع اإلسالمي.
إن الملكية الخاص ــة تعتبر قانوناً اقتص ــادياً محدداً بتملك بعض الموارد وض ــمن إطار المص ــلحة
االجتمـاعيـة العـامـة ..وبـالتـالي فهي ملكيـة مقيـدة ،بمجموعـة من المبـادئ التي تحفظ حقوق المجتمع،
إنهــا تطبيق لمبــدأ العــدالــة فيمــا يخص العالقــة بين الجهــد والجزاء أو بين العمــل واألجر ،لمــا أنهــا
ليست مطلقة فيما يخص مال السفيه أو القاصر أو من ليس له وريث.
أما بخصوص الملكية العامة فيمكن تقسيمها إلى الملكية الجماعية وملكية الدولة.
تعني الملكية الجماعية ،فملك الجماعة ،دون تقسـ ـ ـ ـ ــيم فردي خاص ،لبعض الموارد (الماء الكأل
النار) أو ملكية المش ــاع ،ويمكن تقس ــيم تلك الملكية قياس ـاً على موارد كثيرة أخرى (الثروات الباطنية
والغابات والجبال وغيرها).
أما ملكية الدولة فتتمثل في موارد بيت مال المس ــلمين وأوجه إنفاقها ،وتش ــمل الموارد :األ ارض ــي
الميتة حين الفتح اإلسـ ـ ــالمي والصـ ـ ـ حارى والسـ ـ ــهول والوديان والجبال واإليرادات (الضـ ـ ـرائب) الزكاة
والخراج والصدقات والمواريث لمن ليس له ورثة.
أما النفقات فتشمل ما ينفق على الجيش واألمن والنظام والخدمات االجتماعية.
-2مبدأ الحرية االقتصادية المحدودة:
يتجلى التحديد اإلس ـ ــالمي للحرية االجتماعية في الحقل االقتص ـ ــادي بش ـ ــكلين أس ـ ــاس ـ ــيين اثنين،
200
الشاااااااكل األول ،ويتمثل بالتحديد الذاتي النابع من اإليمان الشـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ــي (الفردي) ومن المشـ ـ ـ ـ ــاعر
االجتماعية المنعكس ـ ـ ـ ـ ــة في نفس وروح الفرد المؤمن (الواجبات والمس ـ ـ ـ ـ ــؤوليات التي تقع على كاهل
الفرد) .وبالتالي فالحرية االقتصادية محدودة بعدم إنماء الثروة وتراكمها على حساب المجتمع.
أما الشااكل الثاني ،فيتمثل بالتحديد الموض ــوعي (الخارجي) النابع من أحكام الش ـريعة وتعاليمها
التي تحقق العدالة االجتماعية كما تجيز للدولة التنص ــل المباش ــر في تحديد حريات ممارس ــة بعض
األنشـ ـ ـ ــطة االقتصـ ـ ـ ــادية المخالفة لمبدأ العدالة والتكافل االجتماعي .وتتدخل الدولة كلما آلت الحرية
االقتصادية إلى الفساد أو اإلساءة إلى المصلحة العامة ،وذلك يستدعي تدخل الدولة لمكافحة الغش
واالحتكار والتدليس والتغرير ومراقبة األسعار والمؤن وغيرها من القضايا التي تمس تحقق المصلحة
العامة.
-3مبدأ العدالة االجتماعية:
تقوم الرؤية اإلسالمية للعدالة االجتماعية على مبدأين اثنين:
أولهما :مبدأ التكافل العام ،وثانيهما ،مبدأ التوازن االجتماعي.
ويعني المبدأ األول ،ضـ ـ ــرورة توزيع الدخل والثروة بشـ ـ ــكل عادل قدر المسـ ـ ــتطاع على كل أفراد
المجتمع ،بينما يعني المبدأ الثاني ض ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة تحقيق االنس ـ ـ ـ ـ ـ ــجام والتجانس بين أفراد الجماعية وبين
األمة ،فض ـ ـ ـ ـ ـالً عن اس ـ ـ ـ ـ ــتبعاد المنازعات والمش ـ ـ ـ ـ ــاحنات والتمايزات االجتماعية ،أي تحقيق التقارب
االجتماعي والوئام والمصالحة المجتمعية.
إن مبدأ العدالة االجتماعية يتأس ــس على جملة من الدوافع الفردية والدوافع االجتماعية ،وتش ــكل
الص ــدقات والهبات والهدايا واإلحس ــان الفردي والمس ــاعدات للمحتاجين النابعة من الجانب الخير في
النفس البشـ ـرية وبشـ ــكل طوعي ،جوهر الدوافع الفردية ،بينما تشـ ــكل الزكاة والخمس والوقف والخراج
والمقاسمة ،جوهر الدوافع االجتماعية.
هنا تجدر اإلشارة إلى أن األفكار االقتصادية اإلسالمية لم تتضمنها كتب اقتصادية متخصصة
إال فيما ندر (كتاب الخراج ـ ـ ـ ـ كتاب " إغاثة األمة بكشف القمة) .وكان القسم الكبير فيها مبثوثاً في
كتب الفقه والتاريخ والتفاسـ ـ ـ ــير وغيرها .ولذلك كان من الصـ ـ ـ ــعوبة التعرف على مالمح أو أسـ ـ ـ ــس "
نظام اقتصـ ـ ــادي إسـ ـ ــالمي " متكامل ومتبلور من حيث النظرية أو من حيث التطبيق .ولكن ذلك ال
يعني غياب مبادئ اقتصـ ـ ـ ــادية إسـ ـ ـ ــالمية قائمة على الفطرة البش ـ ـ ـ ـرية والقيم اإلنسـ ـ ـ ــانية ومتميزة عن
المبادئ االقتصادية الرأسمالية واالشتراكية.
لقد حال دون تطبيق تلك المبادئ الس ـ ــامية وآل إليه المجتمع العربي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اإلس ـ ــالمي من تدخل
مرور بـالغزو المغولي والصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــليبي بوي ـك ت
اً أجنبي في شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤونـه الـداخليـة بـدءاً من التـدخـل البويهي
انتهاء باالستعمار األوربي الغربي.
المماليك و ً
هــذا ،ولعــل خير من تطرق إلى المفــاهيم االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديــة في اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم وحلــل بعض الظواهر
201
االقتصادية مبدياً السبق المعرفي والتاريخي مقارنة بالمفكرين األوربيين ،هما ابن خلدون والمقريزي.
* ابن خلدون (1406-1332م)( :أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون)
كـانـت بالد المغرب العربي ،في القرن الرابع عشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الميالدي ،مقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـة إلى ثالث ممـالـك أو
دويالت تجمعها دولة الموحدين .وقد تميزت الحياة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية ،آنذان ،بتطور الحرف في المدن
وتوسع السوق الداخلية ونمو العالقات التجارية مع الخارج وتطور العالقات البضاعية ـ النقدية .وقد
عبر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة عن تلك التطورات االقتصادية الهامة في دويالت المغربي.
-1البضاعة:
يوضـ ـ ــع ابن خلدون أسـ ـ ــباب تطور الحرف وارتفاع الطلب على منتجاتها ،إذ يقول " :الصـ ـ ــنائع
إنما تسـ ــتجاد وتكثر إذا كثر طالبها ،والسـ ــبب في ذلك ظاهرة ،وهو أن اإلنسـ ــان ال يسـ ــمع بعمله أن
يقع مجاناً ألنه كسـبه ومعاشـه ..فال يصـرفه إال فيما له قيمة ...ليعود عليه بالنفع " ( .)262كما يربط
بين الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفــائح الكثيرة واألعمــال المتنوعــة والمتعــددة التي تنتجهــا ،وكــأنــه يتحــدث عن التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم
االجتماعي للعمل الذي يوجه التطور العفوي الطبيعي للسوق.
-2القيمة:
يميز ابن خلـدون ،بـدقـة ،بين الرزق والكسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب (القيمـة االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـاليـة والقيمـة التبـادليـة) .يقول
وجوهه بخصوص الرزق " :فال بد في الرزق من سعي وعمل ولو في تناوله وابتغائه من
"( .)263أما بخصوص الكسب فيقول " :والمتملك منه ،حينئذ بسعي العبد وقدرته يسمى كسباً "(.)264
وهذا الكســب يتطلبه عمالً ودراية وهدفاً " ثم اعلم أن الكســب إنما يكون بالســعي في االقتناء والقصــد
إلى التحصيل "(.)265
ويرى ابن خلدون أن الرزق (القيمة االسـ ـ ــتعمالية) يتحصـ ـ ــل للجميع ،بغض النظر عن طبيعتهم
الخيرة أو الشريرة " إن هللا يرزق الغاصب والظالم والمؤمن والكافر "(.)266
والقيمة عند ابن خلدون ال تقتصـ ـ ـ ــر على القيمة التي يخلقها العمل مباش ـ ـ ـ ـرة ،وإنما أيض ـ ـ ـ ـاً قيمة
وس ــائل اإلنتاج المس ــتخدمة (المواد الخام) فيقول " :وقد يكون مع الص ــنائع في بعض ــها غيرهما مثل
التجارة والحياكة معهما الخشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب والغزل إال أن العمل بينهما أكثر نتيجته أكثر .وإن كان من غير
الص ـ ــنائع فال بد من قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حص ـ ــلت به .إذ لوال العمل
لم تحصــل قيمتها "( .)267ولكنه لم يكن يقصــد أن وســائل اإلنتاج تخلق القيمة كما ســيقول ،بعد ذلك
( )262كتاب ابن خلدون " كتاب العبر في المبتدأ والخبر " ،طبعة بيروت ،ص.381
( )263ابن خلدون
( )264ابن خلدون
( )265ابن خلدون
( )266المقدمة ،ص.381
( )267المقدمة ص.381-380
202
بزمن طويل وبش ـ ـ ــكل خاطل ،االقتص ـ ـ ــاد الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــي البرجوازي .كما كان ابن خلدون قد أنكر دور
الطبيعة ،بالمطلق ،في خلق القيمة لو س ـ ـ ـ ـ ـ ــاعدت في خلق مزيد من الرزق (القيمة االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية):
يقول " :وقد يكون له ذلك (الرزق) بغير س ـ ـ ـ ـ ـ ــعر كالمطر المص ـ ـ ـ ـ ـ ــلح للزراعة وأمثاله ،إال أنها تكون
معينة وال بد من ســعيه معها "( .)268أي ال بد من العمل (الجهد) لكي تتحقق القيمة .وقد تفوق ،في
ذلك ،على الفيزيوقراطيين (أنصار المذهب الطبيعي) وآدم سميث.
ويالحظ ابن خلدون مالحظة هامة جداً ودقيقة تتمثل في أن العمل المبذول في إنتاج البض ــاعة
ال يظهر فو اًر ،في بعض الحاالت ،كما في المنتجات الزراعية ،علماً أنه في أس ـ ـ ـ ـ ــعار الحنطة يؤخذ
بعين االعتبار العمل المبذول والنفقات المص ــروفة على إنتاجها .ولكن ال يظهر ذلك بوض ــوح حيث
يكون استثمار األرض سهالً وال يعرفه إال بعض المزارعين.
يقول ابن خلـدون " :وقـد تكون مالحظـة العمـل ظـاهرة في الكثير منهـا فتجعـل لـه حص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من
القيمة عظمت أو ص ـ ـ ـ ـ ـ ــغرت .وقد تخفى مالحظة العمل كما في أس ـ ـ ـ ـ ـ ــعار األقوات بين الناس ،فنن
اعتبـار األعمـال والنفقـات فيهـا مالحظـة في أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـار الحبوب ،كمـا قـدمنـاه ،ولكنـه خفي في األقطـار
التي عالج الفلج فيها يسـ ـ ـ ــير فال يشـ ـ ـ ــعر به إال القليل من أهل الفلح "( )269ويكون بذلك ،قد اقترب
من اعتبار السعر تعبي اًر عن قيمة البضاعة.
-3تقسيم العمل والتعاون:
يرى ،ابن خلدون ،أن تحص ــيل الرزق يتوقف على القيام بمجموعة من األعمال التي يحتاج كل
عمل منها إلى أدوات وص ـ ـ ـ ــنائع مختلفة " ،إنه قد عرف وثبت أن الواحد من البش ـ ـ ـ ــر غير مس ـ ـ ـ ــتقل
بتحصــيل حاجاته في معاشــه .وأنهم يتعاونون جميعاً في عمرانهم على ذلك ..فاألعمال بعد اجتماع
زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم "(.)270
لقد سـبق ابن خلدون ،في حديثه عن تقسـيم العمل والتعاون ،آدم سـميث الذي سـيظهر بعد أربعة
قرون متحدثاً عن فوائد ذلك التقسيم وأهمية العمل االجتماعي.
-4الثروة:
يرى ابن خلدون أن مصـ ــدر كل مملون ومتحول وكسـ ــب هو ،بالضـ ــرورة ،عمل اإلنسـ ــان " .إن
المكاسب إنما هي قيم األعمال ،فنذا كثرت األعمال كثرت قيمتها بينهم فكثرت مكاسبهم " (.)271
وكان يعني بالثروة القيم االس ـ ـ ـ ـ ــتعمالية الناتجة عن عمل اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان والقيمة التي تقاس بالمعادن
الثمينة (الذهب والفض ـ ــة) :أي هي تكديس للبض ـ ــائع ،باعتبار البض ـ ــائع قيمة اس ـ ــتعمالية وقيمة ،في
( )268المقدمة
( )269المقدمة ،ص.381
( )270المقدمة ،ص.360
( )271المقدمة ،ص.360
203
الوقت نفسـ ـ ـ ـ ـ ــه .ولكن ابن خلدون عارض اعتبار الذهب والفضـ ـ ـ ـ ـ ــة هما الثروة الوحيدة .إذ الحظ أن
بعض الدول مثل العراق والهند والصـ ـ ـ ــين ال تملك مناجم للذهب والفضـ ـ ـ ــة ومع ذلك فهي دول غنية
بينما هنان دول كالســودان غنية بمناجم الذهب ولكنها فقيرة .والعامل الحاســم ،بهذا الخصــوص ،هو
تطور الحياة االقتصادية في تلك الدول.
لقد تجاوز ابن خلدون المركانتيليين في نظرتهم إلى الثروة ومصـ ـ ـ ــدرها .فقد اعتبر أن الثروة هي
مجموع الخيرات المادية الحاملة للقيمة ومص ــدرها هو العمل البش ــري .بينما اعتقد المركانتيليون ،من
بعده ،أن المعادن الثمينة هي الثروة ومصدرها هو التجارة العالمية وبعض األعمال المرتبطة بها.
* المقريزي (:)1442-1364
تجلى إسـهام المقريزي في الحقل االقتصـادي ،في اكتشـافه أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة
من التداول (قانون غريشهام) أن األزمة االقتصادية (المجاعة) التي حلق بمصر في القرن الخامس
عشـ ـ ــر سـ ـ ــببها فسـ ـ ــاد النظام النقدي (كثرة النقود وغش النقود) .كما بحث في التضـ ـ ــخم النقدي وأثره
االجتمـاعي (على الرعيـة) وطـالـب بمحـاربـة العمالت المعـدنيـة الرمزيـة لصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالح اعتمـاد النقود كـاملـة
القيمة (الذهب والفض ـ ــة) ،أي أن المقريزي كان قد أس ـ ــس للنظرية الكمية في النقود ،متقدماً في ذلك
على الفرنسي جان بودان.
المبحث الثاني -األفكار االقتصادية في العصور الوسطى األوربية تالشي اإلقطاعية ونشوه
الرأسمالية
204
* توما االكويني (:)1274-1225
كـان الفكر االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي في أوربـا في العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور الوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطى عبـارة عن مجموعـة من التعـاليم
والتوجيهات تسـ ــتند إلى الدين وإلى قواعده األخالقية في الميدان االقتصـ ــادي .ومن أهم المفكرين في
القرون الوسطى توماس االكويني .ونعرض اآلن أهم نظرياته االقتصادية:
-1الملكية:
ك ــان توم ــا االكويني ينظر إلى الملكي ــة على أنه ــا عبقري ــة على الخطيئ ــة األولى التي اقترفه ــا
اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان ولكنه كان يعتبرها ض ـ ـ ـ ـ ــرورية وطبيعية لإلنس ـ ـ ـ ـ ــان في حياته الدنيا .وكان يرى في عالقة
اإلنسـ ــان باألشـ ــياء الخارجية ناحيتين :اإلدارة ،واالسـ ــتعمال ،فالوظيفة اإلدارية هي من نصـ ــيب عدد
قليل من األفراد المتميزين .وتتطلب مسـ ــتوى معيناً من المعارف .هذا يعني أن تقسـ ــيم الوظائف بين
الس ـ ـ ـ ــنيور والفالح هو نظام طبيعي نابع من إرادة الهيئة ،كما أن التقس ـ ـ ـ ــيم االجتماعي للعمل ظاهرة
طبيعية خالدة.
والملكي ــة في رأى توم ــا االكويني ال تن ــاقض " الق ــانون الطبيعي " ،أي اإلرادة اإللهي ــة ب ــل هي
اختراع إنسـ ـ ـ ـ ــاني يضـ ـ ـ ـ ــاف إلى " القانون الطبيعي " .لذلك فهو يعتبر بأن غير المالكين يجب أن ال
يتذمروا ،فالملكية قائمة فقط في الحياة الدنيا القصيرة.
أما الوظيفة الثانية لعالقة اإلنس ـ ـ ـ ــان باألش ـ ـ ـ ــياء :االس ـ ـ ـ ــتعمال ،فهي في نظر توما االكويني نفي
للملكيـة .وبـاعتبـاره يـدافع عن الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة فهو يتراجع عن بعض مـا جـاء في الكتـاب المقـدس
حول الثروة والفقر .إنـه يرى أن الحيـاة األخيرة ال تعني إطالقـاً االبتعـاد عن الثروة ،وأن الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخص
الغني يتص ـ ـ ـ ـ ــرف بعدل حتى عندما يض ـ ـ ـ ـ ــم إلى ثروته ما كان ثروة عامة في الس ـ ـ ـ ـ ــابق وعندما يقدم
لآلخرين جزءاً من الثروة التي اغتصبها.
وبـاعتبـار أن تومـا االكويني يـدافع عن الملكيـة اإلقطـاعيـة فهو يطلـب من الـدولـة حمـايـة حقوق
المالكين من أي اعتداء .ويعتبر محاولة اإلنسـ ـ ــان الحصـ ـ ــول على ما في أيدي جيرانه ذنباً يسـ ـ ــتحق
القتل.
-2البيع والشراه والتبادل والسعر العادل:
يجري البيع والشـ ـ ـراء في نظر االكويني بهدف تحقيق مصـ ـ ــلحة عامة .لذلك فيجب أن ال يجرى
البيع والشراء في صالح طرف دون آخر .ويجب أن يكون االتفاق قائماً على تعادل األشياء .وتقاس
كمية األش ــياء التي تدخل في اس ــتعمال ش ــخص ما بالس ــعر النقدي " .وبيع األش ــياء بأعلى وشـ ـراؤها
بأرخص من قيمتها حرام وغير عادل ".
وفي التبـادل يكرر تومـا االكويني موقف أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطو في التـأكيـد على تعـادل األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـاء المتبـادلـة.
ولوكن المنفعـة ال تحتـل إال جـانبـاً واحـداً من التبـادل .وكـل من الطرفين يكون رابحـاً من حيـث القيمـة
205
االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية فهو يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتبدل قيمة اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية ال يحتاجها بقيمة اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتمالية يحتاجها .أما الجانب
الموض ــوعي لعملية التبادل والذي يفترض وجود أش ــياء تحوز على خاص ــة اجتماعية تش ــكل أس ــاس
التعادل وهي العمل اإلنساني ،فلم يالحظه االكويني.
وبالنسـ ـ ــبة للسـ ـ ــعر ،فنن توما االكويني يطرح مفهوم " السـ ـ ــعر العادل " الذي ينطلق في تحديده من
نفقات البائع ويضـ ـ ــيف إليها الدخل الذي يتمكن بواسـ ـ ــطته من العيش بما يتناسـ ـ ــب مع حياة إنسـ ـ ــان في
مكانته في القرون الوسطى.
كما يحدد توما االكويني الس ـ ـ ـ ــعر العادل بالعالقة بين العرض والطلب فيش ـ ـ ـ ــير إلى أن الس ـ ـ ـ ــعر
العادل هو السعر الذي يحظى به البائع " في الوقت الحاضر ".
-3الفائدة:
يؤكد توما االكويني على أنه ليس من العدل الحص ــول على فائدة مقابل تقديم قرض من المال،
" فهذا يعني بيع شـ ـ ــيء ال وجود له في الواقع .وهنا ال يوجد تعادل ،وبالتالي ال توجد عدالة " ولكنه
يرجع بعـد ذلـك عن هـا الموقف ليفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الفـائـدة بـأنهـا تعويض عن المخـاطرة ،ويطرح فكرة تقول بـأن
أي مبلغ من النقود (وأي شـ ـ ــيء) له في الوقت الحاضـ ـ ــر قيمة أعلى من قيمته في المسـ ـ ــتقبل ،لذلك
فنن المبلغ المس ـ ـ ــتعاد يجب أن يكون أكثر من المبلغ المقدم في البداية .وهكذا يجري طمس الحقيقة
وهي أن الفـائـدة ليسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت إال امتالن جزء من عمـل الغير بـدون مقـابـل .وكـان هـذا الموقف في تبرير
الفائدة يحقق مصالح طبعة كبيرة من رجال الكنيسة الذين كانوا يحصلون على دخول كبيرة من وراء
الربا.
-4التجارة:
يقول تومـا االكويني أن الحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول على ربح يعتبر عمالً ح ارمـاً في نظر الكنيسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من حيـث
المبدأ .ولكن إذا كانت التجارة تحقق للدولة نفعاً عن طريق اس ـ ــتيراد المواد الض ـ ــرورية للمعيش ـ ــة فنن
الحص ـ ـ ـ ــول على ربح في هذه الحالة ال يعتبر هدفاً ،بحد ذاته وإنما تعويضـ ـ ـ ـ ـاً عن العمل ،لذلك فنن
كميتـه يجـب أن تكون كـافيـة لتوفير المواد الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروريـة لعـائالت طبقـة التجـار بـالكميـات المقبولـة من
قبل الرأي االجتماعي.
-5الريع:
في العصــور الوســطى كانت الكنيســة تحصــل على قســم كبير من مداخيلها في شــكل ريع ،لذلك
فـنن تومـا االكويني كـان يبرر بـدون تحفظ الحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول على الريع كمـا يـدافع عن الربح التجـاري فهو
ينظر إلى الريع على أنه تعويض عن عمل المالن العقاريين في إدارة الفالحين التابعين لهم.
وهكذا فنن النظرية االقتصــادية لتوما االكويني تضــمنت جميع العناصــر األســاســية التي شــكلت
بعــد ذلــك صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــب النظريــات البرجوازيــة التبريريــة :نظريــة القيمــة (العرض والطلــب ،التقــدير الــذاتي
للمنفعة) ،الربح (تعويض عن عمل ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمالي) ،الفائدة (تعويض عن المخاطرة ،الفرق بين تقدير
206
قيمة المواد في الوقت الحاضر وفي المستقبل) ،والريع (تعويض للمالك عن عمله).
207
األفكار االقتصادية في العصور الحديثة األوربية
المبحث األول – تشكل الرأسمالية:
-1المدرسة التجارية (المركانتيلية) :البرجوازية التجارية
المدرسـ ــة التجارية (الماركانتيلية) ،هي تعبير دقيق عن مصـ ــالح التجار واألمراء عبر سـ ــياسـ ــات
وإجراءات حكومية .وقد دامت هذه المدرس ـ ـ ـ ــة حوالي ثالثة قرون (منتص ـ ـ ـ ــف القرن الخامس عش ـ ـ ـ ــر
وحتى منتصف القرن الثامن عشر).
وقد اعتبرت المدرس ـ ـ ـ ـ ـ ــة التجارية أن الثروة الوطنية هي (المعدن الثمين) أي الذهب والفض ـ ـ ـ ـ ـ ــة،
وبالتالي على الدولة – وليس األفراد -مهمة العمل على زيادة احتياطي الذهب والفضة.
أهم أعالم المدرسـة التجارية :أنطون دي مونكريتيان ( )1621-1576في فرنسـا ،وفون هورنيك
( )1712-1638في النمسـ ـ ــا ،وجوهان بيشـ ـ ــر ( )1628-1635في ألمانيا ،وتوماس من (-1571
)1641في إنكلترا.
الصيو األساسية للمدرسة التجارية:
-1الصيغة المعدنية (إسبانيا في القرن السادس عشر):
لمـا كـانـت الثروة هي المعـدن الثمين وكـانـت الغـايـة هي زيـادة احتيـاطي الـذهـب والفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ،فـنن
أفضل وسيلة لتحقيق ذلك ،هي منع خروجهما من البالد ،وبالتالي العمل على إدخالهما إليها.
أهم التدابير العملية المعتمدة لذلك:
-1تقوية أسطول الدولة لنقل المعدن الثمين من العالم الجديد.
-2إقامة مراقبة جمركية دقيقة لمنع تسرب المعدن الثمين إلى الخارج.
إال أن هذه الصيغة المعدنية كانت لها آثا اًر سلبية على إسبانيا ،وقد تمثلت فيما يلي:
-1لم تمنع تسرب المعدن الثمين إلى الخارج.
-2إضعاف الصادرات الوطنية بسبب ارتفاع األسعار في الداخل.
-3ارتفاع المستوردات وإخراج كميات كبيرة من المعدن الثمين إلى الخارج.
-4إضعاف النشاط الزراعي والصناعي في إسبانيا.
-2الصيغة الصناعية (فرنسا في القرن السابع عشر):
وتمثلت في كون الوس ــيلة األفض ــل لزيادة المعدن الثمين ،هي تحقيق نهض ــة ص ــناعية .خاص ــة
أن الزراعة تخضـع للتقلبات الموسـمية ،فضـالً عن كون المواد الزراعية ،رخيصـة األسـعار وذات وزن
كبير.
ولذلك فاألهم هو الوصــول إلى تصــدير بضــائع عالية القيمة بتطوير الصــناعة الوطنية ال ســيما
ص ـ ـ ــناعة مواد الزينة والترف ،مما يفض ـ ـ ــي إلى االس ـ ـ ــتغناء عن شـ ـ ـ ـراء المنتجات الغالية من الخارج
208
وتصدير هذه المنتجات نفسها إليها.
أهم التدابير العملية المعتمدة لذلك:
-1الحماية االقتصادية.
-2تسـ ـ ــهيل اسـ ـ ــتيراد المواد األولية بنعفائها من الرسـ ـ ــوم الجمركية ومنع إعادة تصـ ـ ــديرها قبل
تصنيعها.
-3إعفاء المواد المصــنعة من الرســوم الجمركية ،فض ـالً عن تحســين الجودة لكســب األس ـواق
والمنافسة.
-3الصيغة التجارية (بريطانيا في القرن الثامن عشر):
وهي الصيغة التي انتهت إليها المركانتيلية.
الثروة هي الذهب والفض ـ ـ ـ ـ ــة والهدف هو زيادة مس ـ ـ ـ ـ ــتودع المعدن الثمين ولكن ذلك يتم بالتجارة
والمالحــة .ذلــك أن التجــارة الخــارجيــة في رأى دعــاة هــذه النظريــة تزيــد في غنى الــدولــة أكثر من
الص ــناعة وهم يس ــتش ــهدون على ذلك بالمدن القديمة الزاهرة (ص ــور ،ص ــيدا ،قرطاجة ،واإلس ــكندرية
مثالً) وهي لم تكن مراكز صناعية وكذلك هولندا في ذلك العصر.
أهم التدابير العملية هي:
-1الحصــول على ميزان تجاري راجح (تزيد فيه الصــادرات عن المســتوردات ويبقى منه رصــيد
ذهبي).
-2تقوية األسـ ـ ـ ـ ــطول البريطاني وحصـ ـ ـ ـ ــر التجارة البريطانية به (قانون كرومويل) والتغلب على
األسطول التجاري الهولندي في ميدان المزحمة.
-3حريــة التجــارة الخــارجيــة ليتــاح لبريطــانيــا الــدولــة التجــاريــة البحريــة الكبرى التحرن في عــالم
واسع.
مكانة المركانتيلية التاريخية:
كانت المركانتيلية اإليديولوجية االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادية للبرجوازية التجارية في مرحلة التراكم األولى لرأس
المال .وكانت أول مدرسة من مدارس االقتصاد السياسي البرجوازي.
وكـانـت المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألـة المركزيـة في مؤلفـات المركـاتيليين األوائـل هي الميزان النقـدي ،وكـانوا يـدافعون
عن زيادة الثروة النقدية بوسـ ـ ــائل تشـ ـ ـريعية محضـ ـ ــة عن طريق منع إخراج النقود وإدخال أكبر كمية
منها.
أما المركنتيلية المتطورة فقد ظهرت بعد االكتشـافات الجغرافية الكبرى وازدهرت في أواسـط القرن
السـ ــابع عشـ ــر ،فمع تطور الصـ ــناعة الوطنية ارتفع دور التجارة الخارجية واكتسـ ــبت تجارة الوسـ ــاطة
أهمية خاصة ،وقامت الدولة بمساعدة الصناعة الوطنية والتجارة.
والمسألة المركزية في المركنتيلية المتطورة هي (الميزان التجاري) فالدولة تصبح أكثر غنى كلما
209
أص ـ ـ ـ ــبح الرص ـ ـ ـ ــيد اإليجابي في الميزان التجاري أكبر .ولقد كان المركانتيليون يدافعون عن الحماية
الجمركية التي تقض ــي بفرض رس ــوم جمركية عالية على المس ــتوردات من الخارج ،مما وفر ش ــروطاً
أفضل لتطور اإلنتاج الوطني.
تميزت المركــانتيليــة بتركيز االهتمــام األول على التــداول ،ولــذلــك فهي بــدالً من تحليــل الظواهر
كانت تكتفي بوصفها وتطلب تدخل الدولة في الحياة االقتصادية.
وانطالقاً من ذلك فقد كان المركانتيليون ينظرون إلى االقتصـ ـ ــاد السـ ـ ــياسـ ـ ــي باعتباره العلم الذي
يبحث في الميزان التجاري ،ومهمته األس ـ ـ ــاس ـ ـ ــية هي (كيف يمكن تحقيق أكبر زيادة ممكنة في عدد
بائعي البضائع ،وتخفيض عدد المشترين حتى أدنى حد ممكن).
-2المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية) -البرجوازية العقارية:
الفيزيوقراطية la phisiocratieأي (نظام الطبيعة) مدرســة أس ـســها عدد من الفالســفة اجتمعوا
حول الدكتور كيني )1774-1694( Quesnayطبيب لويس الخامس عش ــر ونذكر منهم المركيز
مي ار بوا (أب خطيـ ــب الثورة الفرنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ــة) وديون دي نيمور De Nemoursالـ ــذي ابتـ ــدع كلمـ ــة
فيزيوقراطية عنواناً لكتابه 1761وكذلك الوزيرتورغو Turgotوغيرهم.
وقد كانت الفيزيوقراطية ثورة ض ـ ـ ـ ـ ــد المركانتيلية إلهمالها الزراعة التي كانت تعطي حوالي ثالثة
أرباع الدخل القومي .وإليكم أفكار ونظريات هذه المدرسة.
الفكرة الجوهرية للنظام الفيزيوقراطي:
أ -وجود (نظام طبيعي لألشـ ـ ـ ـ ــياء) تسـ ـ ـ ـ ــير فيه الحياة بموجب (قوانين طبيعة) منطقية ،عقالنية
وخيرة ،وإن اكتشاف هذا النظام الطبيعي العفوي لألشياء هو هدف علم االقتصاد..
وهكذا أيد الفيزيوقراطيون (أنصار نظام الطبيعة) فكرة القانون الموضوعي في الحياة االقتصادية
فاعتبروا بحق من المؤسسين األوائل لالقتصاد السياسي.
ولكن كيف يمكن اكتش ـ ــاف هذا النظام الطبيعي في عالم تس ـ ــوده المركانتيلية ونظامها الحكومي
الوطني؟
إن المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهدة ال تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمح برؤية هذا النظام وهو غير موجود في الواقع ،لكن هذا النظام يرى
بالنسـ ــبة للفيزيوقراطيين بالفكر واالسـ ــتدالل والحكمة ،وكان هذا ال ينسـ ــجم مع عصـ ـره الذي انتشـ ــرت
فيه بذور العقالنية واآلثار الفكرية الفلسـفية ،وهكذا باالسـتدالل وضـع كيني لوحته االقتصـادية وحاول
مع مؤيديه اكتشاف قوانين النظام الطبيعي.
ب -لمـا كـان النظـام الطبيعي هو خير نظـام ويحقق المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلحـة العـامـة لـذا يجـب أن تترن لـه
الحرية المطلقة فيسير كل شيء عفوياً وينمو االقتصاد وتزدهر الحياة االجتماعية.
وقد قادهم ذلك إلى ما يلي:
210
-1إبراز حق الملكية الفردية كحق أسـ ــاسـ ــي ال بد منه إلنتاج الثروة ،وضـ ــمان هذه الملكية هو
سند النظام االقتصادي.
-2ربط الحريــة بحق الملكيــة ألن الحريــة جوه النظــام الطبيعي ،يجــب إذن ترن الحريــة للرجــل
يس ـ ـ ـ ــعى لتحقيق حاجاته بأقل كلفة ،فيحقق بذلك كمال الس ـ ـ ـ ــلون االقتص ـ ـ ـ ــادي وتتحقق بنفس الوقت
مصلحة المجتمع.
أهم النظريات الفيزيوقراطية:
قدم الفيزيوقراطيين بنظرياتهم نظاماً متكامالً للحياة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية ،نظاماً ينسـ ـ ـ ـ ــجم مع منطقتهم،
ومن أهم نظرياتهم:
أ -نظرية اإلنتاج أو الغلة الصافية:
يرى الفيزيوقراطيون أن ــه ال إنت ــاجي ــة إال في النشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاط الزراعي ،ذل ــك ألن الثروة الحقيقي ــة هي
مجموعة األموال المادية الصــالحة لالســتهالن والتي تخلقها األرض ســنوياً ،بحيث أن اســتهالكها ال
يؤثر على مصــدر إنتاجها وال يمنع تجدد هذا المصــدر ،لهذا فنن الصــناعة والتجارة ال تخلقان شــيئاً
وإنما ينحصـ ــر دورهما في تحويل قسـ ــم من هذه الثروة ونقله ،واسـ ــتهالن الشـ ـ يء المحول أو المنقول
يؤثر على مصدره ويؤدي إلى افتقاره.
لكن الثروة أثناء تشـكلها تتطلب إنفاق واسـتهالن بعض األموال ..فنذا طرحنا األموال المسـتهلكة
من األموال المنتجة أي إذا طرحنا من المحص ـ ـ ـ ـ ــول (الس ـ ـ ـ ـ ــلف ،أجرة الحراثة ،ثمن البذار ،حص ـ ـ ـ ـ ــة
الزراع ..الخ) بقي هنان فضـ ـ ـ ـ ــل أو فرق يعادل الزيادة التي تحققت في الثروة .هذا الفضـ ـ ـ ـ ــل هو ما
يسمى بالمنتج الصافي أو (الغلة الصافية).
وهذه الغلة الص ـ ـ ـ ــافية التي هي (هبة من هبات الطبيعة) تتمثل كمياً في الس ـ ـ ـ ــلع المادية أي في
المواد الغذائية والمواد األولية التي هي قيم جديدة منتجة زادت الثروة ونمتها.
علينا إذن أن ندرن أن مفهوم اإلنتاجية ( )1الحقيقي لدى الفيزيوقراطيون يكمن في إنتاج الكمية
(القيمة االستعمالية) وليس في إنتاج القيمة وهذا هام من الناحيتين التاليتين:
-1إنتاج الكميات ال تحققه إال األرض وما تخلقه على س ـ ـ ـ ـ ــطحها وفي بطنها من نبات وحيوان
ومعادن وغيرها ،أي ال يحققه فعالً إال الزراعة .صـ ـ ــحيح أن الصـ ـ ــناعة تزيد من قيمة الشـ ـ ــيء ولكن
هذه الزيادة ال تحقق فضـ ـالً في الثروة ألنها تس ــاوي قيمة عمل وجهد الص ــانع وما أنفه لشـ ـراء المواد
األولية الالزمة وما اس ـ ـ ـ ــتهلكه من مواد غذائية وغير غذائية أثناء عملية التحويل مما يعني أن ليس
هنان أية غلة صافية .أما التجارة والنقل فاإلنتاجية فيهما معدومة بوجهيها.
-2إنتاج الكمية أي زيادة الثروة هي هبة من الطبيعة أما إنتاج القيمة فهو من عمل اإلنسان.
211
نقل الطبيب كيني إلى الحياة االقتص ـ ــادية ص ـ ــورة جريان الدم في الجس ـ ــم البش ـ ــري ،فكما يرتوي
الجسـ ـ ـ ـ ــم بالدم الذي يتدفق من القلب ثم يعود إليه ،كذلك فنن الحياة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية إنما ترتوي بالغلة
الصافية التي تدور بين مختلف طبقات المجتمع.
الزارع والمالكون يدفعون بننتاجهم في جس ـ ـ ـ ــم المجتمع لش ـ ـ ـ ـراء حاجاتهم من الس ـ ـ ـ ــلع المص ـ ـ ـ ــنعة
والخدمات وغيرها ،والطبقات األخرى تعيد لهؤالء الزراع ما اسـ ـ ــتلمت منهم مقابل ثمن المواد الغذائية
واألولية الالزمة لهم .وهكذا تكتمل الدورة ،والزراعة هي القلب.
وقـد اعتبر المركيز مي ار بو Mirabeauوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع هـذه اللوحـة ثـالـث االكتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـات بعـد الطبـاعة
والعملة ،وقد كانت لوحة كه ني فعالً " الص ـ ـ ـ ــورة األولى للموديالت االقتص ـ ـ ـ ــادية والمحاولة المبدئية
لنظرية التوازن االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادي (نظرية والرس )Walrasولد ارس ـ ـ ـ ـ ـ ــة االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد الكلي والمحاس ـ ـ ـ ـ ـ ــبة
االقتص ــادية اإلجمالية كما هي أيضـ ـاً مس ــودة لنظرية التيارات (المدخل والمخرج )input - output
المسماة باسم واضعها ليونتييف Leontieffوقد وصف ماركس لوحة كيني بأنها (فكرة عبقرية إلى
درجة عالية ،وبدون جدال ،الفكرة األكثر عبقرية بين جميع ما طرحه االقتصــاد الســياســي حتى ذلك
الوقت).
ج -نظرية المبادلة والتجارة الخارجية:
المبـادالت ال تنتج أيـة ثروة في نظر الفيزيوقراطيين ألنهـا تعني بحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تعريفهـا تعـادل القيمـة
المتبــادلــة ،وقــد تنتج المبــادالت ربحـاً :إال أن الربح يختلف كــل االختالف عن الثروة ألن مــا يربحــه
أحد الطرفين إنما يخس ـره الطرف اآلخر ،كما أن التجارة التي تتمثل بش ـراء الســلع إلعادة بيعها بربح
تنطوي على إهالن للثروة ألن التـاجر يمتص بـالربح جزءاً من هـذه الثروة ،لهـذا ينبـذ الفيزيوقراطيون
هذا النوع من التجارة حتى بين الدول ويدعون لقصـ ـ ـ ــر االسـ ـ ـ ــتيراد على المنتجات التي ال تسـ ـ ـ ــتطيع
الدولة أن تنتجها بنفسها.
أمــا المبــادلــة الوحيــدة التي تعتبر مجــديــة ونــافعــة فهي التي تنقــل المنتجــات الزراعيــة إلى أيــدي
المسـ ـ ـ ـ ـ ــتهلكين ،لذا فقط طالب الفيزيوقراطيون بنطالق حرية تجارة الحبوب في الداخل وإطالق حرية
تصـ ـ ــدير الحبوب لتوسـ ـ ــيع دائرة دوران الثروة مما يؤمن للحبوب سـ ـ ــع اًر جيداً ( )Un Bon Prixأي
سع اًر مرتفعاً يعود بالخير على الشعب ويشكل حاف اًز لتنمية الزراعة مصدر الثروة.
تقييم الفكر االقتصادي الفيزيوقراطي
تبدو لنا من خالل هذه الدراسة لألفكار الفيزيوقراطية المالحظات الهامة التالية:
-1ركز الفيزيوقراطيون البح ـ ــث في الز ارع ـ ــة وأع ـ ــادوا له ـ ــا أهميته ـ ــا بع ـ ــد أن أهمله ـ ــا النظ ـ ــام
المركـاكـانتيلي ،ممـا دفعهم إلى المبـالغـة في اعتبـار الز ارعـة وحـدهـا تنتج ثروة .ولكي نفهم دافعهم لهـذه
المبـالغـة علينـا أن نعلم أن الز ارعـة كـانـت تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهم بثالث أربـاع الـدخـل القومي في كـل من فرنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
212
وإنكلترا .وقد شـ ــاهد الفيزيوقراطيون بؤس الزراع المنهكين بالض ـ ـرائب الممنوعين من نقل حاصـ ــالتهم
بين مختلف المناطق فطالبوا بنطالق حريتهم في زراعة ما يشـ ــاؤون وبيع حاصـ ــالتهم متى يشـ ــاؤون
واقتراض األموال ممن يشـ ـ ـ ـ ــاؤون واعتقدوا أنه متى صـ ـ ـ ـ ــلحت الزراعة صـ ـ ـ ـ ــلحت جميع نواحي الحياة
االقتصادية.
-2طالب الفيزيوقراطيون بتجديد مهام الدولة وكتب جماحها بســلطان النظام الطبيعي الذي هو
فوق كل س ـ ــلطة ألنه إلهي وأزلي وليس على الملك إال تنفيذه .وكان النظام المركانتيلي قد جعل من
الدولة ناظماً للحياة االقتص ـ ـ ـ ــادية تتدخل فيها وتحل محل األفراد في مختلف النش ـ ـ ـ ــاطات .وقد أبرز
الفيزيوقراطيون أهمية حق الملكية الفردية (دعامة النظام الطبيعي واألمن االجتماعي) واسـ ـ ــتتبع ذلك
مطـالبتهم بـنطالق الحريـة ،حريـة العمـل والحريـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة لألفراد ،وقـد جـاء ذلـك في زمن كـانـت
سلطة الحكومة المركزية في ضعف وكانت طالئع التدخليين وقادتهم قد ذهبت وولت.
-3س ـ ـ ـ ـ ــبك الفيزيوقراطيون نظرياتهم وآراءهم في إطار موض ـ ـ ـ ـ ــوعي وعلمي يقوم على تفس ـ ـ ـ ـ ــير
وتحليل عام للنشــاط االقتصــادي ســلكوا فيه طريق المحاكمة واالســتدالل ،بعد أن كان علم االقتصــاد
في النظام المركانتيلي عبارة عن (مجموعة وصـ ــفات) يكتبها المفكرون للدولة معتمدين في وضـ ــعها
عل ى تفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيرات جزئيــة للواقع .وكــان غرض الفييوقراطيين بــذلــك أن يقيموا على أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس منطقهم
المتكامل رباطاً متيناً بين الطبيعة المادية والطبيعة العلوية وأن يشـ ـ ـ ـ ـ ــيدوا من عبادتهما معاً ما يمكن
تسـميته (بعلم الدين االقتصـادي) ظناً منهم أن هذا النظام الذي يقيمونه ويدعون إليه إنما هو النظام
األمثل ،الذي يصلح لك زمان ومكان.
-4جاءت اللوحة االقتصـ ـ ــادية بأول محاولة جادة لحل أهم مسـ ـ ــألة في االقتصـ ـ ــاد السـ ـ ــياسـ ـ ــي:
مس ـ ـ ــألة تحديد اإلنتاج االجتماعي اإلجمالي .ولم تهتم اللوحة بتحليل العمليات االقتص ـ ـ ــادية الفردية،
وإنمـا بتحليـل عمليـة اإلنتـاج االجتمـاعي كـاملـة في جميع قطـاعـات الحيـاة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة في تـداخلهـا
وترابطها.
فموضـوع اللوحة االقتصـادية هو د ارسـة القوانين التي توجه اإلنتاج والتوزيع والتداول واالسـتهالن
(اإلنتاجي والشـخصـي) لإلنتاج االجتماعي اإلجمالي ،أي قوانين إعادة إنتاجه أو تعويضـه في القيمة
وفي الشـ ــكل العيني .وتهتم اللوحة أيض ـ ـاً بالكشـ ــف عن قوانين تجديد إنتاج قوة العمل وقوانين تجديد
إنتــاج عالقــات اإلنتــاج ،ويقول مــاركس عن النظــام الفيزيوقراطي إنــه كــان النظريــة الكــاملــة األولى
لإلنتاج الرأسمالي.
-5من أهم منجزات الفيزيوقراطيين إنهم بعكس المركـ ــانتيليين ،الـ ــذين التفتوا إلى رأس المـ ــال
التجاري الذي يعمل في نطاق التداول فقط ،التفتوا هم إلى رأس المال اإلنتاجي ،ورغم تركيزهم على
الزراعة فننهم كانوا يخـدمون بذلك رأس المـال الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعي المتنـامي .فتقـل ميـدان البحـث من التـداول
213
إلى اإلنتاج كان اإلنجاز العلمي األسـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ــي للفزيوقراطيين ،وهو الذي مكنهم من القول بأن الحياة
االجتماعية مثل الطبيعة تخضع إلى قوانين موضوعية.
-6ومن األفكار القيمة التي جاء بها الفيزقراطيون هي إعطاء صـورة صـحيحة عن العالقة بين
اإلنتـاج والتبـادل .ينطلق كيني من أن اإلنتـاج هو المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الوحيـد للثروة ،أمـا التبـادل فهو تبـادل
متع ــادالت وال يخلق ثروة وال يزي ــده ــا .وأكثر من ذل ــك يعتبر كيني أن التب ــادل ليس إال مرحل ــة من
مراحل تجديد اإلنتاج ،وخاضعاً لإلنتاج ،يقوم بتصريف منتجاته ويخلق الشروط لتجديد إنتاجها ،أما
التداول النقدي فهو في لوحة كيني ليس إال نتاجا ومظه اًر من تداول البضاعة.
214
المبحث الثاني -األفكار االقتصادية في مرحلة انتصار الرأسمالية ،المدرسة التقليدية
(الكالسيكية) البرجوازية الصناعية:
-1وليم بيتي (:)1663-1623
نتيجة لثورات 1647و 1688انتصـ ـ ـ ـ ــر النظام البرلماني في إنكلترا ،لكن البرجوازية لم تكن بعد
قد وصـ ـ ــلت إلى السـ ـ ــلطة ،كانت تناضـ ـ ــل من أجل حرية النشـ ـ ــاط االقتصـ ـ ــادي ضـ ـ ــد األرسـ ـ ــتقراطية
اإلقطاعية .وكان الناطق بمصالحها في تلك الفترة وليم بيتي.
تميز وليم بيتي عن المركـانتيليين بـأنـه نقـل البحـث في ميـدان التـداول إلى تحليـل اإلنتـاج واعتبر
الثروة في البضـاعة .يفرق وليم بيتي بين السـعر الطبيعي للبضـائع وبين األسـعار الجارية في السـوق
ويسميها األسعار السياسية ،ويقول بأن قيمة السلعة تتحدد بالعمل المتجسد فيها.
ويقترب من مفهوم (القيمة الزائدة) الذي سـ ــيوضـ ــحه ماركس فيما بعد ،ويرى القيمة الزائدة ممثلة
في الربع العقاري والفائدة اللذين يعودان للمالك وال أرسـ ـ ـ ـ ــمالي ،أما األجر الذي يدفع للعامل فال يعدو
كونه قيمه لقوةعمله ،أو لما يلزمه من وسـ ـ ـ ـ ــائل معيشـ ـ ـ ـ ــية ليعيش ويتابع العمل .ولهذا فال عجب أن
رأينا أن ماركس يعتبر وليم بيتي مؤسس االقتصاد السياسي الحديث.
كانت قد ظهرت في إنكلت ار بالمقارنة بفرنس ــا وغيرها ميزات االقتص ــاد ال أرس ــمالي تجاه االقتص ــاد
اإلقطاعي ،وتوفرت أفضـل الشـروط لد ارسـة ووضـع اإلطار النظري لظواهر االقتصـاد ال أرسـمالي .وقد
لعبت المدرسـة الكالسـيكية اإلنكليزية دو اًر بار اًز في تطوير االقتصـاد السـياسـي ال أرسـمالي ،وأصـبحت
واحداً من مصــادر الماركســية ،يســتند بيتي إلى الوقائع الفعلية واألرقام والمقاييس واألوزان ( )1لغيره
االهتمام بحواس ورغبات األفراد ،فهو يرى أن الحياة االقتصـادية خاضـعة لقوانين موضـوعية اعتبرها
قوانين طبيعية .ولم تكن أفكاره النظرية تقوم على نظام وكانت غارقة في مواد إحص ـ ـ ــائية وص ـ ـ ــفية.
ومع ذلك فهو يقدم في بعض المسائل تعاميم نظرية عميقة.
كان بيتي على ثقة كبيرة بأنس أس ــاس ثروة البالد هو س ــكانها المش ــتغلون في العمل المنتج وقد
انطلق من نظرية القيمة في العمل في أبحاثه ،فالس ـ ـ ـ ـ ـ ــعر الطبيعي بالنس ـ ـ ـ ـ ـ ــبة إليه يمثل كمية العمل
المبذول في اإلنتاج ،وعلى أسـ ــاس كمية العمل المتضـ ــمن في البضـ ــائع يجري تبادل هذه البضـ ــائع.
وتتحدد القيمة بكمية العمل مقاس ـ ـ ـ ـ ــة بزمن العمل .لذلك فنن حجم القيمة يتغير عكس ـ ـ ـ ـ ــياً مع تغيرات
إنتاجية العمل.
يؤكد بيتي أن (العمل هو أب الثروة واألرض أمها) ،نالحظ هنا أن وليم وبيتي لم يفهم بشـ ـ ـ ـ ـ ــكل
صوص
وثيق طبيعة القيمة والعمل الذي يخلق القيمة ،إذ يخلط بين القيمة االسـتعمالية والقيمة .فبخ ـ
القيمة االس ـ ـ ــتعمالية (المظاهر الطبيعية للمنتجات) ص ـ ـ ــحيح أن العمل هو أب الثروة واألرض أمها،
ألن األرض هنا تؤدي وظيفة معينة في إعطاء المنتجات قيمة استعمالية معينة ،ولكنه غير صحيح
القول بأن العاملين :العمل واألرض يش ـ ــتركان معاً في خلق القيمة ،وإلى جانب ذلك نالحظ أن وليم
215
بيتي ،بعد تحديده للقيمة بنفقات العمل يرجع القيمة إلى األجور وليس إلى عمل العامل.
إضـ ـ ـ ـ ـ ــافة لذلك فنن بيتي ال يفرق بين القيمة االسـ ـ ـ ـ ـ ــتعمالية والقيمة التبادلية فالعمل يخلق القيمة
بمقـدار مـا يكون بـاإلمكـان تحويـل منتجـات العمـل إلى نقود .لـذلـك يرى بـأن العمـل في اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتخراج
المعادن الثمينة هو فقط العمل الذي يخلق القيمة مباشرة ،وهنا يبدو تأثره بالمركانتيلية.
وال نالحظ عند بيتي مقولة الربح ،وهو ال يرى في األجر عالوة خاص ـ ـ ـ ـ ـ ــة بين مالكي وس ـ ـ ـ ـ ـ ــائل
اإلنتاج وبائعي قوة العمل .ويتحدد مســتوى األجور في رأيه بقيمة وســائل المعيشــة الضــرورية للعامل
لكي يعيش ويعمـل ويحفظ عـائلتـه .لكنـه يـدرن بـأن العـامـل يبـذل من العمـل أكثر ممـا يلزم بـذلـه من
أجل إنتاج وس ـ ــائل المعيش ـ ــة الض ـ ــرورية له .لذلك فنن بيتي يقترب من االس ـ ــتنتاج بأن جزءاً من يوم
العمل يشكل وقتاً زائداً .ويطلق بيتي اسم الريع على القيمة التي تزيد عن نفقات اإلنتاج .إذن فالريح
في مفهومه هو الشكل العام للقيمة الزائدة.
ويتمسك بيتي بفكرة أن الريع هو نتيجة العمل الزائد وليس ناتج األرض ،ويؤكد انطالقاً من ذلك
بــأن ارتفــاع األجور يجــب أن يؤدي إلى انخفــاض الريع وكــأنــه يتحــدث عن القيمــة ال ازئــدة أو الربح
مستخدماً اصطالح الريع.
إال أن النقد السـ ــياسـ ــي الذي يوجه إلى أفكار بيتي هو أنه ،باعتباره اقتصـ ــادياً برجوازياً ،قد منح
القوانين االقتصادية الموضوعية صفة القوانين الطبيعية ،أي اعتبرها انعكاساً لشروط الحياة الطبيعية
الخالدة ،يضاف إلى ذلك تمسكه ببعض عناصر المركانتيلية في نظرته االقتصادية.
-2آدم سميث ( - )1790-1732موروع االقتصاد السياسي عند سميث:
موضـوع البحث كما صـاغه سـميث هو (طبيعة وأسـباب ثروة األمم) .يقول سـميث بأن االقتصـاد
السـ ــياسـ ــي (يهدف إلى إغناء الشـ ــعب والدولة على حد س ـ ـواء) ويتضـ ــمن ذلك (تحقيق دخل وفير أو
وسائل معيشة وفيرة للشعب) و(تحقيق دخل كاف للدولة والمجتمع من أجل الحاجات االجتماعية).
وفي أيامنا هذه تس ــتخدم هذه التعابير على نطاق واس ــع في االقتص ــاد الس ــياس ــي البرجوازي مثل
(ثروة األمة )wealth of nation_ richesse de la nationأو (الرفاه العام Puplic welfare
.)– Bien- Etre public
ما هي الثروة؟ الثروة كما يراها سميث هي:
هي مجموع األموال المادية التي تصــلح إلشــباع الحاجات البشـرية والتي يحصــل عليها اإلنســان
من عمله مباشـرة أو بالمبادلة ،والثروة السـنوية لألمة هي مجموع األموال المادية التي أنتجها أفرادها
بعملهم المشـ ـ ـ ـ ــترن مباش ـ ـ ـ ـ ـرة أو بمبادلة قسـ ـ ـ ـ ــم من عملهم بنتاج عمل األمم األخرى ،ويبدو هنا جلياً
انفصال سميث عن كل من المركانتيليين والفزيوقراطيين.
ويعتبر سـميث أن حجم ثروة البالد يتوقف على عدد السـكان المشـتغلين في نطاق اإلنتاج وعلى
إنتاجية العمل (فالعمل هو األسـ ــاس لثروة األمم) وتتوقف إنتاجيته قبل كل شـ ــيء على درجة تقسـ ــيم
216
العمل.
واإلنتاج برأي سميث هو:
-1مضاعفة كميات الثروة (الزراعة).
-2جعل المادة صالحة إلشباع الحاجة (الصناعة).
وبشكل عام فنن اإلنتاج في رأيه هو اإلنتاج المادي حص اًر.
وفي الحقيقة أن مقولة (ثروة األمم) تعني لدى س ــميث رأس المال وأن الوس ــيلة األس ــاس ــية لزيادة
هذه (الثروة) هي تطوير تقسيم العمل المانفكتوري.
ولكن آدم سميث ككل ممثلي المدرسة الكالسيكية ،لم يستطع تحديد موضوع االقتصاد السياسي
بدقة كافية .فهو لم يسـتطع تجاوز األشـكال البضـاعية – الصـنمية للعالقات ال أرسـمالية ولم يفرق بين
العالقات ال أرس ـ ــمالية واألش ـ ــياء التي تعتبر حاملة لهذه العالقات .كما ولم تقم المدرس ـ ــة الكالس ـ ــيكية
بفرز العالقات اإلنتاجية كمقولة خاصة ولم تفهم مكانتها في الحياة االقتصادية للمجتمع.
فموض ـ ـ ــوع البحث بالنس ـ ـ ــبة لس ـ ـ ــميث هو إنتاج الخيرات المادية في ظروف تاريخية محددة ،هي
المرحلـة المـانفكتوريـة لهـذا اإلنتـاج ،ولكن ال يبـدو أنـه يميز بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل واع بين عالقـات اإلنتـاج وقوى
اإلنتاج.
نظرية القيمة لدى سميث:
)1تحديد مقدار القيمة بنفقات العمل:
ترجع األهمية التاريخية آلدم سـميث في علم االقتصـاد قبل كل شـيء إلى مسـاهمته في صـياغة
نظرية القيمة في العمل:
يفرق سميث بين القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية:
-1فالقيمة االس ــتعمالية هي نفع الش ــيء لإلنس ــان ،بمعنى أن الش ــيء يكون ذا قيمة اس ــتعمالية
متى كان موض ـ ــع رغبة ،وتتوقف القيمة االس ـ ــتعمالية على المظهر والخص ـ ــائص الطبيعية لألش ـ ــياء
واستعماالتها ،وهي ال تدخل في المبادلة وال عالقة لها بها.
-2أما القيمة التبادلية فهي الشـ ــكل الذي تتخذه القيمة المتضـ ــمنة في البضـ ــاعة وتعني إمكانية
مبادلة الشــيء الذي نملكه بأشــياء ال نملكها ،وتقوم هذه المبادلة على أســاس مشــترن واحد متضــمن
في جميع البضائع وهو القيمة التي تحملها عندما تدخل في المبادلة.
ويضرب سميث مثالً الماء واأللماس( :فالماء وهو نافع جداً ال قيمة له في المبادلة أما األلماس
وهو غير ذي قيمة اسـ ـ ـ ــتعمالية ولكنه يبادل بكمية من السـ ـ ـ ــلع) .واعتماد سـ ـ ـ ــميث على هذا المثل له
جانب إيجابي إذا أنه يؤكد على أن القيمة االس ـ ـ ــتعمالية ال تش ـ ـ ــكل أس ـ ـ ــاس القيمة التبادلية ،لذلك ال
يجوز اعتبار القيمة التبادلية كمظهر للخصائص الطبيعية لألشياء.
217
ويحاول سـ ـ ـ ــميث أن يكشـ ـ ـ ــف أسـ ـ ـ ــاس القيمة التبادلية وإمكانية قياسـ ـ ـ ــها فيرى أنها تتحدد بالعمل
المبـذول في إنتـاج السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعـة .فـالعمـل هو وحـده المقيـاس الحقيقي للقيمـة التبـادليـة بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة لجميع
البضائع ،وبالنسبة للعمل فنن آدم سميث يقيسه بزمن العمل .ولكنه بفرق بين العمل البسيط أو غير
المؤهل والعمل المعقد أو المؤهل ،ويعتبر الثاني عمالً بسيطاً مركباً أو مضاعفاً.
-2القيمة تتالل من مجموع المداخيل:
وعند تحديد أسـعار البضـائع في المجتمع ال أرسـمالي يضـع سـميث نفسـه موضـع أرسـمالي ويطابق
بين القيمة ونفقات اإلنتاج فتبين بأن أس ـ ـ ـ ـ ــعار البض ـ ـ ـ ـ ــائع تتض ـ ـ ـ ـ ــمن أجزاء (مداخيل) ثالثة :األجور
واألرباح والريع .فالقيمة التي يضـ ـ ـ ــيفها العمال إلى قيمة المواد المسـ ـ ـ ــتخدمة في اإلنتاج تنقسـ ـ ـ ــم إلى
قســمين :األول يشــكل األجور والثاني يشــكل ريح المســتثمرين على كامل أرســمالهم الذي ســلفوه على
ش ـ ـ ــكل مواد وأجور ،أي أن القيمة المنتجة حديثاً يفض ـ ـ ــل عمل العمال تش ـ ـ ــكل مداخيل طبقة العمال
وطبقة ال أرســماليين .وإضــافة إلى هذين العنصـرين يشــارن في تشــكيل أســعار البضــائع عنصــر ثالث
وهو الريع الذي يشـ ـ ـ ــكل دخل طبقة المالكين العقاريين ،ففي ظروف الملكية الخاصـ ـ ـ ــة على األرض
(يجب على العامل أن يعطي قس ــماً من ناتج عمله إلى مالك األرض) .ويعتبر س ــميث أن أي دخل
في المجتمع الرأسمالي يرجع في النهاية إلى واحد من المداخيل الثالثة المذكورة.
-3القيمة تتوزع إلى مداخيل:
وكما اسـ ــتنتج سـ ــميث في د ارسـ ــته ألسـ ــعار البضـ ــائع بأنها تتألف من مجموع مداخيل الطبقات،
بخالف نظريــة القيمــة في العمــل ،فهو يتــابع خطــأه هــذا ليسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتنتج بــأن القيمــة بكــاملهــا تتوزع من
مـداخيـل ،أي إلى أجور وأربـاح وريع ،ويصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــميـث إلى هـذه النتيجـة بعـد المطـابقـة بين قيمـة
البض ـ ـ ــاعة والجزء المنتج حديثاً من القيمة ،في الحقيقة ليس ـ ـ ــت قيمة البض ـ ـ ــاعة هي التي تتوزع إلى
مـداخيـل وإنمـا فقط الجزء المنتج حـديثـاً .فقيمـة البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة تزيـد على قيمـة الجزء المنتج حـديثـاً منهـا
بمقار قيمة رأس المال الثابت المسـتهلك في إنتاج البضـاعة .أما آدم سـميث فقد تجاهل نصـيب رأس
المال الثابت في تشـ ــكيل أسـ ــعار (قيم) البضـ ــائع ،ويكون في ذلك قد فصـ ــل بين القيمة وأسـ ــاسـ ــها –
مســتوى تطور قوى اإلنتاج .ومن الممكن تفســير تجاهل ســميث لرأس المال الثابت في قيم البضــائع
بـأن رأس المـال الثـابـت في المرحلـة المـانفكتوريـة لم يكن يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل جزاءاً هـامـاً في البنيـة العـامـة لرأس
المال.
نظرية األجور:
األجور كمقولة طبيعية – الخلط بين المنتج البضاعي البسيط والعامل المأجور:
يبدأ سـ ـ ـ ــميث الفصـ ـ ـ ــل الخامس عن األجور بالقول :يشـ ـ ـ ــكل ناتج العمل التعويض الطبيعي عن
العمل ،أو األجر ( .)1ويبرز في هذا التعريف عدم التفريق بين المنتج البض ـ ـ ــاعي البس ـ ـ ــيط والعمل
المأجور ،وفي هذا تجاهل للطابع التاريخي لألجر ،وكونه مقولة خاصـة بأسـلوب اإلنتاج ال أرسـمالي.
218
فاألجر بالنسـ ـ ـ ـ ــبة إلى سـ ـ ـ ـ ــميث هو مقولة طبيعية ،غير تاريخية ،فهو يخلط بين األجر وناتج العمل
بشكل عام.
يعتبر سـ ـ ــميث األجر موجوداً منذ (الحالة البدائية للمجتمع) أي منذ اإلنتاج البضـ ـ ــاعي البسـ ـ ــيط
ويعتبره معادالً لكامل منتجات عمل المنتجين .صـ ـ ـ ــحيح أنه في مرحلة اإلنتاج البضـ ـ ـ ـ اعي البسـ ـ ـ ــيط
يحص ـ ـ ــل العامل على كامل منتجات عمله .ولكن الخطأ يكمن في افتراض س ـ ـ ــميث بأن األجر كان
موجوداً في ظروف غياب العمل المأجور ورأس المال.
وعندما ينتقل إلى د ارسـة اإلنتاج ال أرسـمالي يطرح سـميث مفهوم األجور الوسـطية الذي ورثه عن
الفزيوقراطيون .ولكن تحت اس ـ ـ ـ ـ ــم جديد هو (الس ـ ـ ـ ـ ــعر الطبيعي) لألجور .ويتمثل الس ـ ـ ـ ـ ــعر الطبيعي
لألجور ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (الســعر الطبيعي) لوســائل المعيشــة الضــرورية إلنتاجها الذي يقاس بزمن العمل ،وفي
نفس الوقت يحدد ســميث الســعر الطبيعي لوســائل المعيشــة بالســعر الطبيعي لألجور ،فيكون قد وقع
في حلقة مس ــدودة أيضـ ـاً .ولقد أش ــار س ــميث إلى أن األجور يجب ،على العموم ،أن تزيد قليالً عن
المسـتوى الكافي لمعيشـة اإلنسـان .وفي الحالة المعاكسـة لن يكون باسـتطاعة العامل (أن يؤمن قوت
أسرته ،مما ينتج عنه موت العمال بعد الجيل األول).
نظرية األرباح( :األرباح اقتطاع من ناتج عمل العامل):
إذا كان المركانتيليون قد اعترفوا فقط بالربح التجاري فنن آدم سميث ،باعتباره اقتصادي المرحلة
المانفكتورية في تطور ال أرسـ ــمالية ،يدرس في كتابه الربح الصـ ــناعي ،وريع األرض ،وسـ ــعر الفائدة،
والربح التجاري ،أي يكون قد عمم الربح على جميع قطاعات اإلنتاج االجتماعي.
والربح الصـناعي بالنسـبة لسـميث هو الشـكل األسـاسـي العام للربح ،أما ريع األرض والفائدة فهما
شـ ــكالن ثانويان (بينما كان الفزيوقراطيون يعتبرون أن الربح الصـ ــناعي هو الثانوي ،وكانوا يعتبرونه
ناتجاً عن ريع األرض).
وبما أن س ـ ـ ــميث يس ـ ـ ــتند إلى أس ـ ـ ــاس علمي هو نظرية القيمة في العمل ،فهو يعتبر الربح نتاج
العمل غير المعوض للعمال المأجورين ،ويش ـ ـ ــير س ـ ـ ــميث إلى أنه بعد أن أص ـ ـ ــبحت رؤوس األموال
تتراكم في أيدي ال أرســماليين ،فنن (القيمة التي يضــيفها العمال إلى قيمة المواد تنقســم في هذه الحالة
إلى قسمين:
قســم يذهب إلى تعويض أجور هؤالء العمال والقســم اآلخر إلى تشــكيل أرباح مســتثمر يهم على
كامل رأس المال الذي سـلفوه في شـكل مواد وأجور) .وينشـأ الربح عن اضـطرار العامل القتسـام ناتج
عمله مع مالك رأس المال ،واضـ ــط ارره للعمل أكثر مما يلزم إلنتاج معادل أجره .يشـ ــير ماركس إلى
أنه (في هذا بالذات يكون سميث قد وضع يده على المصدر الحقيقي للقيمة الزائدة).
يربط ســميث مصــدر الربح (وبشــكل عام الدخول غير الناتجة عن العمل) بتراكم رأس المال في
أيـدي بعض األفراد وكـذلـك بظهور الملكيـة الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة على األرض ،فـال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليون الـذين يمتلكون
219
رؤوس األموال يبدؤون باســتئجار العمال ،يقدمون لهم وســائل اإلنتاج والوســائل المعيشــية ويحصــلون
مقابل بيع منتجات عملهم على ربح هو ما أضافه العمال إلى قيمة المواد المصنعة من قبلهم.
وهكذا يكون س ـ ـ ـ ــميث قد أرجع الربح إلى (امتالن العمل غير المعوض) .والربح مرتبط باإلنتاج
ال أرسـ ـ ــمالي الذي يبدأ من لحظة انفصـ ـ ــال العمل عن الملكية ووقوف العمل ورأس المال في مواجهة
بعضهما البعض.
نظرية ريع األرل :ونالحظ عنده ثالثة أشكال لنظرية الريع.
الشكل األول -الريع هو اقتطاع من ناتج عمل العامل:
اسـ ـ ــتناداً إلى نظرية القيمة في العمل يعتبر سـ ـ ــميث أن مصـ ـ ــدر الريع ،مثل مصـ ـ ــدر الربح ،هو
العمل غير المعوض للعامل .وهو في هذا التحديد يكشــف الطبيعة االســتغاللية للريع وللربح ،يقول:
" ما أن تصـ ـ ـ ــبح األرض ملكية خاصـ ـ ـ ــة حتى يطلب مالك األرض نصـ ـ ـ ــيبه من أي إنتاج يسـ ـ ـ ــتطيع
العامل أن ينتجه أو يجمعه منها .وريع مالك األرض يشكل االقتطاع األول من نتاج العمل المبذول
في استثمار األرض "(.)1
وهكذا فنن سميث يربط ظهور ريع األرض مباشرة بنشوء الملكية الخاصة على األرض .والريع،
حسـب مفهومه ،هو ما يدفع لقاء اسـتعمال األرض ،هو هبة يطلبها مالك األرض من كل من يرغب
اس ــتثمارها ،لذلك فنن عملية تش ــكل األس ــعار تخض ــع للتعديل مع تحول األرض إلى ملكية خاص ــة،
وتص ـ ـ ــبح أس ـ ـ ــعار معظم البض ـ ـ ــائع متض ـ ـ ــمنة ،باإلض ـ ـ ــافة إلى األجور واألرباح ،جزءاً ثالثاً هو ريع
األرض ،وهو ما يحصـل في الواقع .فاحتكار الملكية الخاصـة على األرض يؤدي إلى ارتفاع أسـعار
المنتجات الزراعية.
الشكل الثاني -الريع ناتج عن األسعار االحتكارية للمنتجات الزراعية:
تعتبر أسـ ــعار المنتجات الزراعية أسـ ــعا اًر احتكارية برأي سـ ــميث ألن الطلب على هذه المنتجات
يفوق دائماً على عرض ـ ـ ـ ــها ،مما ينتج عنه أن األس ـ ـ ـ ــعار تميل إلى االرتفاع عن القيمة ،ومن ارتفاع
األسـعار عن القيمة ينتج ،برأي سـميث ريع ،ريع األرض ،يقول " :إن ريع األرض ،كمبلغ يدفع لقاء
استعمال األرض يمثل السعر االحتكاري ".
اسـ ــتطاع سـ ــميث في هذا المجال أن يالحظ عدداً من الخصـ ــائص الهامة للعالقات الزراعية في
ظروف ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية ،فقد وجد في الريع تجس ـ ـ ـ ـ ــيداً للعالقة الخاص ـ ـ ـ ـ ــة بين الطابع االحتكاري لإلنتاج
الزراعي وبين تشــكل األســعار ،وهو على حق بأن أســعار المنتجات الزراعية تحتوي عنص ـ اًر احتكا اًر
ولكن الس ـ ــعر االحتكاري ولديه ال يس ـ ــتند إلى أس ـ ــاس قيمي ،ويظهر وكأنه ينش ـ ــأ في نطاق التبادل،
بينم ــا هو في الحقيق ــة جزء من القيم ــة ال ازئ ــدة التي يخلقه ــا عم ــل الع ــام ــل الزراعيين يتخلى عن ــه
ال أرسـماليون إلى طبقة المالكين العقاريين للحصـول على حق اسـتثمار األرض ،ويضـطر سـميث إلى
220
االستنتاج بأن الربع ناتج عن تفوق األسعار على القيمة ،أي عن خرق قانون القيمة.
الشكل الثالث -الريع هو ناتج نشاا (عمل الطبيعة):
يهمل سـميث بحث كيفية ظهور الربع التفاضـلي ،الذي تحققه بعضـه قطع األرض بسـبب تفوقها
في الخصــوبة أو الموقع من الســوق على القطع األخرى التي تقل عنها الخصــوبة وقرباً من الســوق.
وإذ يربط نش ـ ــوء الريع بظهور الملكية الخاص ـ ــة على األرض (الريع المطلق) فهو يس ـ ــتنتج بأن الريع
هو عط ــاء األرض لم ــالكه ــا .ويقف في ذل ــك موقف الفزيوقراطيين ،فيعتبر أن القط ــاع الزراعي هو
قطاع اإلنتاج األكثر ربحية لرأس المال ،ألن رأس المال هنا يحقق باإلضـ ـ ـ ــافة إلى الربح الوسـ ـ ـ ــطي
الذي يعادل ما يحققه رؤوس األموال في القطاعات األخرى ،يحقق أيضـ ـ ـ ـ ـ ـاً ريعاً يدفعه ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالي
لمــالــك األرض .وهنــا نجــد الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل الثــالــث لنظريــة الريع الــذي يعتبر الريع نــاتج ـاً عن عمــل قوى
الطبيعة ،يقول سـ ــميث أنه بعد طرح ناتج عمل اإلنسـ ــان من اإلنتاج الزراعي (يبقى فقط ناتج نشـ ــاط
الطبيعة نفسها) وهذا تناقض واضح مع نظرية القيمة في العمل.
إن موقف س ــميث هذا من ريع األرض موقف غير ص ــحيح علمياً ،فنن حجم الريع يتوقف على
الش ــروط الطبيعية فنن ذلك ليس ألن األرض هي مص ــدر الريع ،وإنما ألن األرض األكثر خص ــوبة
هي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرط هـام لرفع إنتـاجيـة العمـل الزراعي وبـالتـالي لزيـادة اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل العمـال الزراعيين في ظـل
عالقات اإلنتاج ال أرســمالية ،أما فيما يخص األرض ،باعتبارها وســيلة إنتاج ،فهي بالطبع ال تشــارن
في خلق المنتجات الزراعية رغم إنها تشارن في خلق قيمتها االستعمالية.
نظرية تقسيم العمل الدولي (الكلفة المطلقة):
ال شك بأن سميث كان يحس بأن حرية التجارة هي مفيدة جداً لبريطانيا ولزيادة ثروتها ،والدعوة
إليهـا تنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجم في الوقـت نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه مع مبـادئـه وأفكـاره في الحريـة والعفويـة ،وهو لـذلـك يحـارب مبـادئ
الحمــايــة التي كــانــت ومــا ازلــت مطبقــة في عــدد من الــدول األوربيــة ،كمــا يهــاجم نظرة المركــانتيليين
للميزان التجاري.
ون ــذكر ب ــأن الفزيوقراطيين لم يحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنوا جي ــداً ه ــدم المرك ــانتيلي ــه في ك ــل المج ــاالت ،لق ــد ك ــانوا
(زراعيين) وكانوا عندما يطالبون بحرية التجارة إنما يقص ـ ــدون حرية تص ـ ــدير الحبوب كوس ـ ــيلة لرفع
سعرها وزيادة (الغلة الصافية).
والحقيقة أن الفضـ ـ ـ ــل في إيجاد فكرة التجارة الدولية القائمة على تقسـ ـ ـ ــيم العمل الدولي يعود إلى
سـ ـ ـ ــميث (الذي أخذ ذلك عن دافيد هيوم) ،وقد طالب سـ ـ ـ ــميث أن يتم التخصـ ـ ـ ــص بحسـ ـ ـ ــب القدرات
الطبيعية لكل بلد ،فيتم تقس ــيم العمل الدولي على أس ــاس نفقات اإلنتاج المطلقة للس ــلع (للقمح مثالً)
ومعرفة س ـ ــعرها في إنكلت ار وغيرها والعمل على إنتاجها في البلد ذي الكلفة األدنى ومبادلتها بالس ـ ــلع
المنتجة .هكذا دوماً بكلف أدنى ...فيتحقق قيام (الجمهورية التجارية الكبىر) التي تشـ ـ ــمل العالم كله
والتي تحقق عن طريق المبــادلــة الحرة (القــائمــة على مبــدأ الربح المزدوج النخفــاض كلفــة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلعــة
221
المصدرة وانخفاض كلفة السلعة المستوردة) البحبوحة واالزدهار.
ولسـوف تلقى آراء سـميث في هذا المجال صـدى واسـعاً لدى خلفائه ،وإن كان ريكاردو سـيضـيف
إلى أفكار س ـ ــميث ش ـ ــيئاً فيما يتعلق (بالكلفة المقارنة) ،فنن مفهوم تخص ـ ــص الدول بحس ـ ــب قدراتها
الطبيعية ســيلقى أهمية خاصــة لدى الكالســيكيين الجدد ،إال أنه بينما كان ســميث يؤكد حرية التجارة
بين البالد ،نجـد دعـاة رأس المـال االحتكـاري اليوم في البلـدان اإلمبريـاليـة بمزيـد من الحمـايـة والقيود
على االستيراد والتصدير.
مكانة سميث في تاريخ األفكار االقتصادية:
إن من الخطـأ الكبير اعتبـار سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــميـث قـد عبر بفكره عن الثورة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـاعيـة ،فكتـابـة ثورة األمم
1776إنما ش ـ ـ ــهد بدايتها فقط ولم تكن االكتش ـ ـ ــافات الص ـ ـ ــناعية قد بلغت آنذان مرحلة التأثير على
القوى اإلنتـاجيـة كي يتمكن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــميـث من أخـذهـا جيـداً بعين االعتبـار .فال عجـب إن هو بقي ينـادي
بـأهميـة الز ارعـة ويكون إنتـاجهـا (نتيجـة تعـامـل الطبيعـة مع عمـل اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان) ممـا يزيـد كثي اًر في ثروة
الوطن .وال عجب أيضـ ـاً إن رأينا سـ ــميث ينصـ ــح بتوظيف رأس المال باألفضـ ــلية في الزراعة ثم في
الصـ ــناعة وأخي اًر في التجارة الخارجية ،كما أن سـ ــميث ال يبدي تحمسـ ـاً إلدخال اآللة في المنشـ ــتت،
بل نراه يناصـ ـ ـ ـ ـ ــر ارتفاع أجور العمال ،ألن في هذا خي اًر للجميع ،بينما يناهض األرباح الكبيرة التي
تنتج عن رفع األسعار وتجبى من المستهلك لمصلحة (السيد).
وتأثير س ــميث كبير على الفكر االقتص ــادي في كثير من المجاالت التي تناولها هذا الفيلس ــوف
اإلنكليزي بالبحث واالسـ ـ ـ ـ ـ ــتنتاج ،ورغم عدم دقته ومتناقضـ ـ ـ ـ ـ ــاته العديدة ،فقد لقي مؤلفه (ثروة األمم)
نجاحاً كبي اًر فقد ترجم إلى الفرنســية بواســطة جان باتيســت ســاي في بداية القرن التاســع عشــر فطغى
بما احتواه على أفكار بقية االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديين ،مما دعا أحد المؤلفين األلمان – مازوفيتز – إلى القول
عام ( 1810هنان ملك أقوى من نابليون ،ويدعى آدم سميث).
ورغم مض ــي قرنين من الزمان على ص ــدور كتاب س ــميث ،فنن الجدل لم ينته بعد ول المس ــائل
التي جاء بها ،فاالقتصاد السياسي البرجوازي المعاصر يتجاهل ويطمس األفكار العلمية القيمة التي
جاء بها ســميث ،ويبرز الجوانب الضــعيفة لديه ،هذا على ســبيل المثال شــومبيتر وهو واح من أبرز
ممثلي االقتص ــاد الس ــياس ــي البرجوازي المعاص ــر ،يرى في كتابه (تاريخ التحليل االقتص ــادي) أنه ال
يجوز وص ـ ـ ــف س ـ ـ ــميث بأنه ص ـ ـ ــاحب نظرية القيمة في العمل ،ويرى بأن أهم منجزات س ـ ـ ــميث هي
اعتباره للقيمة بأنها مجموع المداخيل .ومع أن ش ـ ـ ــومبيتر يعتبر س ـ ـ ــميث األب الروحي لس ـ ـ ــاي وميل
وفالراس ومارشــال وغيرهم نراه يؤكد أن (ثروة األمم) لم تتضــمن أي فكرة تحليلية أو مبدئ أو وســيلة
كانت جديدة تماماً في عام .1776
مثل هذا الكلم الذي يقوله أحد عمداء االقتصاد السياسي البرجوازي من علم (فن) مسخر لخدمة
البرجوازية االحتكارية في أعلى مراحل الرأسمالية اإلمبريالية.
222
-3ديفيد ريكاردو ()1823-1772
نظرية القيمة عند ريكاردو -القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية:
في د ارسـته للبضـاعة والقيمة االسـتعمالية والقيمة التبادلية يسـتند ريكاردو إلى آدم سـميث ويبرهن
على أن الش ــيء الذي ال يملك قيمة اس ــتعمالية ال يمكن أن يظهر في ش ــكل قيمة تبادلية ،وبالمقابل
فنن األشــياء التي يمكنها إشــباع حاجات معينة للناس (أي التي تكون نافعة) هي فقط التي تســتطيع
امتالن قيمة تبادلية ولكن المنفعة التي تجعل من الش ـ ـ ـ ــيء قيمة اس ـ ـ ـ ــتعمالية والتي تعتبر ض ـ ـ ـ ــرورية
لتوفر القيم التبادلية له ال يمكن أن تؤدي وظيفة مقياس للقيمة التبادلية ،وبالتالي فنن النس ـ ـ ـ ـ ــب التي
يجري بموجبها تبادل البض ـ ـ ـ ــائع التي يختلف النظر إليها من ش ـ ـ ـ ــخص إلى ش ـ ـ ـ ــخص آخر ال تتحدد
بعـامـل ذاتي ،وإنمـا بعـامـل موضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعي هو نفقـات العمـل المبـذولـة في إنتـاج البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـة .وهو بـذلك
يدحض وجهة نظر ساي التي تعتبر المنفعة (القيمة االستعمالية) مقياساً لقيمة البضاعة.
ومن هذا المنطلق فنن ريكاردو يفرق بين ثروة المجتمع وكمية القيم التي يتصــرف بها المجتمع.
فثروة المجتمع تتحدد بكمية القيم االستعمالية للتي تقع تحت تصرفه وهي تتوقف على عوامل عديدة
منها اسـ ـ تخدام اآلالت وتطوير التكنولوجيا وغير ذلك .أما كمية القيم فتحدد حص ـ ـ اًر بعامل واحد هو
العمل المبذول في إنتاج البضـ ـ ـ ــائع ،وكمية هذه القيم تزداد تبعاً لسـ ـ ـ ــبب واحد هو تغيير كمية العمل
المبذول في اإلنتاج.
واسـتمرار منه في هذا النحو فنن ريكاردو يعارض النظرات الالعلمية لجان باتيسـت سـاي عندما
يؤكد هذا األخير بأن القيمة تنتج ليس فقط عن العمل وإنما أيض ـ ـ ـاً عن العوامل الطبيعية كالشـ ـ ــمس
والهواء وغيرها ،ويرى ريكاردو أن العوامل الطبيعية تعطي البضـ ــاعة قيمتها االسـ ــتعمالية وال تعطيها
قيمتها التبادلية.
ويتتبع ريكاردو اسـتنتاجاً صـحيحاً مفاده أن ارتفاع القوة اإلنتاجية للعمل بفضـل اسـتخدام العوامل
الطبيعيـة ال يؤدي إلى ت ازيـد القيمـة ،وإنمـا إلى ت ازيـد كميـة القيم االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـاليـة ،وعنـدمـا ينتقـل ريكـاردو
إلى تحديد القيم التبادلية بفرق بين نوعين من السلع:
-1الســلع القابلة للتجديد Biens Reproductiblesوهي تشــمل غالبية الســلع المتاحة للناس
كالقمح والسلع الصناعية الجارية.
-2السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع غير القـابلـة للتجـديـد Biens non – reproductiblesوهي كـاللوحـات النـادرة
والكتب األثرية والتحف الغربية.
ويرى أن األولى تتوقف قيمتها التبادلية على كمية العمل الذي بذل في إنتاجها ،أما الثانية فهي
قليلـة ومحـدودة ،قيمتهـا ال تتحـدد بكميـة العمـل المبـذول في إنتـاجهـا بـل هي مرتبط بنـدتهـا وتتقيـد تبعـاً
لثروة وأذواق الناس الذين يرغبون في اقتنائها ،وهذه السـ ـ ـ ـ ـ ــلع غير القابلة للتجديد شـ ـ ـ ـ ـ ــأنها في الحياة
االقتصـادية معدوم وهي ال تباع بقيمتها في الحقيقة وإنما تظهر في السـوق تحت سـعر معين ،ال بل
223
تحت سعر احتكاري ال يستند إلى قيمتها.
وهكـذا فـنن ريكـاردو يـأخـذ بـاالعتبـار فقط السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلع القـابلـة للتجـديـد .وبهـذا يتمكن من بنـاء القيمـة
التبادلية على العمل الضـ ــروري اجتماعياً إلنتاج السـ ــلعة .فالسـ ــلعة التي يتطلب إنتاجها ضـ ــعف مدة
العمل االجتماعي الوسـ ــطية التي يكلفها إنتاج سـ ــلعة أخرى تكون قيمتها التبادلية مضـ ــاعفة بالنسـ ــبة
لهذه األخيرة.
نظرية ريكاردو في ريع األرل:
ترتبط نظرية الريع بثالثة معطيات أساسية:
-1بقانون مالتوس حول زيادة السكان وكون هذه الزيادة تتم بنسبة أكبر من زيادة األرزاق.
-2بوحدة السـ ـ ـ ــعر في السـ ـ ـ ــوق تحت تأثير المزاحمة وهذا السـ ـ ـ ــعر الموحد يتحدد تبعاً للمقادير
الكلفة التي أنفقت في أصعب الظروف ،أي في أقل األراضي خصباً.
-3بقانون الغلة المتناقضة (تورغو).
لنالحظ كيف يتمثل ذلك كله ،عندما تس ـ ـ ــتدعي زيادة الس ـ ـ ــكان زراعة أ ارض ـ ـ ــي أقل خص ـ ـ ــباً من
األراضي المستثمرة سابقاً فنن ظاهرة الريع تبدو كما يراها ريكاردو جلية بالشكل التالي:
لنفترض أن الكلفة في األ ارض ــي الخص ــبة المس ــتثمرة حالياً هي 80بالنس ــبة لكمية معينة (كنتال
مثالً) من القمح ،وأن الكلفة في أ ارضـي متوسـطة الخصـوبة وضـعت محدداً في االسـتثمار هي ،90
كما أن زيادة السكان اقتضت استثمار أراضي جديدة كلفة اإلنتاج فيها هي 100لنفس كمية القمح.
إن سـعر كمية القمح هذه ال يمكن أن يكون أدنى من 100وإال ثبطت همة المنتجين لأل ارضـي
األقل خص ـ ـ ــباً ،ألن كلفتهم هي ( 100وتثبيط همة هؤالء تؤدي إلى عدم كفاية الطلب) .وبما أنه ال
يمكن أن يكون في السـ ــوق الواحد غير سـ ــعر واحد في زمن ما لكمية معينة من القمح (ألن السـ ــعر
ينزع ألن يكون واحد بسـ ـ ــبب المزاحمة) ،فنن بيع القمح بسـ ـ ــعر 100أي بما يعادل كلفة اإلنتاج في
األرض األقل خصباً يؤدي إلى ما يلي:
-1مالك األرض األقل خص ـ ـ ـ ـ ــباً (كلفة )100ال يحقق أي ريع (وقد حقق ربحاً وس ـ ـ ـ ـ ــطياً على
رأسماله ولو كان هو المنتج).
-2مالك األرض المتوسط (كلفة )90يحقق ربحاً قدره (.)10
-3مالك األرض الخصبة (كلفة )80يحقق ربحاً قدره (.)20
هنان إذن مالكان حققا ربحاً إضـافياً متفاوتاً (ربحاً تفاضـلياً) بسـبب الفرق بين خصـب أرضـيهما
وقد حققاه دون بذل كلفة إضافية من جانبهما ،وإنما بسبب الكلفة المرتفعة لدى مالك األرض األسوأ
وهذا الريع هو ربح (غير منتظر) ،إضافة إلى الربح من رأس المال الزراعي.
إال أن باإلمكان اللجوء إلى طريقة الزراعة العامودية عوض ـ ـاً عن الزراعة األفقية أي اللجوء إلى
زيادة الجهد (العمل) على األرض الخصـ ــبة المسـ ــتثمرة دون اللجوء إلى اسـ ــتثمار أ ارضـ ــي متوسـ ــطة
224
الخص ـ ـ ــب أو قليلة الخص ـ ـ ــب ،وذلك بفرض أن هذه الطريقة تحل مش ـ ـ ــكلة الغذاء الناش ـ ـ ــئة من زيادة
السكان (زيادة الطب) ،وهنا نصطدم بمبدأ الريع المتناقض في الزراعة:
إن زيادة النفقات تزيد حتماً اإلنتاج ،ولكن إلى حد ما ،تصـ ـ ـ ـ ــبح األرض بعده عاجزة عن إعطاء
مزيد من اإلنتاج يتناس ـ ـ ـ ــب مع نس ـ ـ ـ ــبة زيادة النفقات ،فنذا تض ـ ـ ـ ــاعف الجهد (بنس ـ ـ ـ ــبة )%100مثالً
فأعطت األرض ناتجاً صـافياً بنسـبة %150من الناتج الصـافي السـابق ،فننه سـيأتي وقت ال تعطي
األرض مقابل نفس مضاعفة الجهد إال %100ثم %40الخ.
وهكذا الحظ ريكاردو (بعد توغو) أن ن ـسبة المحصـول الجديد تتزرع دوماً لتصـبح أدنى من نسبة
زيــادة الكلفــة المبــذولــة لزيــادة اإلنتــاج في أرض معينــة .ولكن ارتفــاع كلفــة اإلنتــاج تؤدي إلى زيــادة
األس ـ ــعار كما نعلم .وهكذا ينال المالك ريعاً جاء نتيجة عمل وجهد اآلخرين ،والنتيجة إذن واحد كما
يقول.
نظرية التوزيع عند ريكاردو( :األجور ا األرباح ا الريع):
األجور:
كانت نظرية القيمة في العمل األس ــاس الذي أقام عليه ريكاردو نظريته في التوزيع ،والذي مكنه
من االقتراب من التحليـل العلمي للقوانين التي تنظم مـداخـل مختلفـة طبقـات المجتمع البرجوازي ،لقـد
فس ـ ــر االقتص ـ ــاديون البرجوازيون بعد ريكاردو البحث عن القوانين الخاص ـ ــة بظهور مداخيل مختلف
الطبقات بأنه رجوع عن فكرة وحدة مصدر هذه المداخيل.
ولكن الحقيقة أن فض ـ ـ ــل ريكاردو يكمن في محاولة تفس ـ ـ ــير عملية التوزيع ،انطالقاً من أس ـ ـ ــاس
واحد هو نظرية القيمة في العمل.
العمل هو البضاعة Marchandiseعند ريكاردو:
لم يس ــتطيع آدم س ــميث أن يض ــع حدوداً واض ــحة بين ناتج العمل واألجرن أما ريكاردو فقد كان
دائمـاً يعني بـاألجر دخـل العـامـل المـأجور الـذي يحتـل جزءاً من القيمـة التي يخلقهـا هـذا العـامـل في
عمليـة اإلنتـاج ،وبـالتـالي فهو ينظر إلى األجر ال كمقولـة طبيعيـة وإنمـا كمقولـة تـاريخيـة خـاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
باإلنتاج الرأسمالي فقط.
وينطلق ريكاردو من أنه يجري تبادل مباش ـ ـ ـ ـ ـ ــر بين رأس المال والعمل المأجور ،أي بين التراكم
(العمل الماضـي المجسـد في وسـائل اإلنتاج) والعمل المباشـر (العمل الحي) .وهو ينظر إلى العامل
كبائع للعمل وإلى العمل كبضاعة تتحدد قيمتها كما تتحدد قيم جميع البضائع بواسطة قانون القيمة.
فنذا اســتخدمنا نظرية القيمة في العمل في تفســير قيمة العمل باعتباره بضــاعة نقول إن قيم هذه
البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة (العمل) تتحدد بكمية العمل المبذول في إنتاجها ،وبالتالي فنن قيمة العمل تتوقف على
كيفية العمل المبذول في إنتاجه .وتفسـ ـ ـ ـ ـ ــير الماء بالماء ال معنى له .لذلك فنن ريكاردو يجد مخرجاً
225
من هــذا المــأزق بــنرجــاع قيم العمــل إلى كميــة العمــل الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروري إلنتــاج األجر ،أي كميــة العمــل
الضـ ـ ــروري إلنتاج المال أو البضـ ـ ــائع (الوسـ ـ ــائل المعيشـ ـ ــية) التي يحصـ ـ ــل عليها العامل .وهو إذن
يستبدل قيم العمل بقيمة األجر أي بنفقات العمل الضرورية إلنتاج وسائل معيشة العامل.
السعر الطبيعي والسعر السوقي:
ويميز ريكاردو بين الس ــعر الطبيعي والس ــعر الس ــوقي المعمل ،ويرى أن الس ــعر الطبيعي للعمل
هو السـ ــعر الضـ ــروري الذي يتمكن العمال بواسـ ــطته من العيش وحفظ النوع بدون زيادة أو نقصـ ــان
في عددهم .أي هو قيمة وسائل المعيشة الضرورية ،أما السعر السوقي للعمل فيتحدد بتأثير أسباب
مختلفة مؤقتة وعارضـ ــة ،ولكنه يتقلب حول السـ ــعر الطبيعي والحد الضـ ــروري من وسـ ــائل المعيشـ ــة
بالنسـ ـ ـ ـ ــبة لريكاردو ليس ثابتاً وإنما يتأثر بشـ ـ ـ ـ ــروط تاريخية وجغرافية تحدد مكوناته وهذه نقطة هامة
أشـ ـ ـ ــار إليها ماركس حين قال إنه في تحديد قيمة قوة العمل بخالف جميع البضـ ـ ـ ــائع األخرى يدخل
عنصر تاريخي ومعنوي.
ورغم أن ريكاردو يخلط بين العمل وقوة العمل فننه يحدد شـ ـ ــكل جميع األجور الوسـ ـ ــطية ،بقيمة
العمــل .ولو اعتبر ريكــاردو أن العــامــل يبيع قوة عملــه وليس عملــه (كمــا فعــل مــاركس من بعــده)
ألمكنة بشـ ـ ــكل متوافق تماماً مع نظرية القيمة في العمل تحديد األجور بنفقات العمل الالزمة إلنتاج
قوة العمل.
وعندما يحاول ريكاردو تفسـير سـبب انجذاب األجور نحو قيمة وسـائل معيشـة العامل الضـرورية
فـننـه ال يجـد مخرجـاً آخر غير االعتمـاد على قـانون العرض والطلـب ،فهو يرى بـأن ارتفـاع األجور
فوق المســتوى الموافق لقيمة الحد األدنى من وســائل المعيشــة وبالتالي تحســين وضــع الطبقة العاملة
يؤدي إلى تس ـ ـ ـ ـ ـريع معدالت تزايد الس ـ ـ ـ ـ ــكان .وبنتيجة ذلك يتزايد عرض األيدي العاملة ،األمر الذي
يؤدي إلى انخفاض األجور .أما إذا تحقق العكس فانخفضـ ــت األجور دون السـ ــعر الطبيعي للعمل،
ف ــنن ه ــذا يؤدي إلى تقليص ع ــدد الطبق ــة الع ــامل ــة ،أي تخفيض عرض العم ــل ،وب ــالنتيج ــة ارتف ــاع
األجور.
وهكذا يرى ريكاردو بأن األجور تحت تأثير حركة الســكان تميل دائماً إلى التوافق مع قيمة الحد
األدنى ،فهو ذو طابع مؤقت يزول تلقائياً نتيجة تسـ ـ ـ ـ ـ ــارع أو تباطؤ معدالت تزايد السـ ـ ـ ـ ـ ــكان .ولذلك
انطالقاً من وجهة نظر ريكاردو هذه ،فنن أية محاولة للطبقة العاملة لتحســين وضــعها ســتفضــي إلى
الفشل ،وال معنى للنضال الطبقي.
لقد اسـ ــتخدم هذه األفكار بعد ذلك السـ ــال في " قانونه الحديدي " لألجور الذي يعني في جوهره
عدم جدوى نضاله الطبقة العاملة في سبيل تحسين أجورها.
226
األجور االسمية واألجور الحقيقية:
ويفرق ريكاردو بين األجور االس ـ ـ ـ ــمية واألجور الحقيقية ،فاألجور االس ـ ـ ـ ــمية في نظره هي كمية
معينـة من النقود تـدفع للعـامـل لقـاء عملـه خالل فترة معينـة من الزمن ،أمـا األجور الحقيقيـة فهي زمن
العمل الض ــروري إلنتاج المبلغ النقدي المدفوع للعامل ،أي إلنتاج وس ــائل معيش ــة العامل الض ــرورية
خالل الفترة التي يتقاضــى عنها أجره االســمي .ويشــير ريكاردو إلى أن قدرة العامل على إعالة نفسـه
وعائلته ال تتوقف على كمية النقود التي يحصـ ـ ـ ـ ــل عليها في شـ ـ ـ ـ ــكل أجور وإنما على " كمية الغذاء
والمواد المعيشية الضرورية له والتي أصبحت ملحة بقوة االعتياد ويمكن شراؤها مقابل النقود".
نظرية الربح عند ريكاردو:
إنـه ألمر طبيعي جـداً بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة لريكـاردو أن توجـد إلى جـانـب الطبقـة التي يجـب عليهـا أن تقـدم
جزءاً من عملها بدون مقابل ،طبقة تشــارن في اقتســام القيمة دون أن تكون قد شــاركت في إنتاجها.
وهو لم يسأل نفسه متى وكيف انقسم المجتمع إلى طبقات ،وإنما ينطلق من الطبقات كواقع قائم.
مصاااااادر الربح :كان س ـ ـ ـ ــميث قد رأى أن الربح والريع هما اقتطاع من ناتج عمل العامل وبذلك
فســر المصــدر الحقيقي للقيمة الزائدة ،إال أنه خرج عن الطريق الصــحيح عندما حدد القيمة بمداخيل
الطبقات .وكذلك اعتبر ريكاردو أن العامل ال يحصـ ـ ـ ـ ــل إال على جزء من القيمة ،المتحققة بفضـ ـ ـ ـ ــل
عمله ،أما الجزء اآلخر من القيمة التي ينتجها فيذهب إلى ال أرسـ ـ ــمالي مشـ ـ ــكالً ربحه .وتتوزع القيمة
عند ريكاردو إلى أجور وأرباح فقط ،أما الريع فليس إال جزءاً من الربح يحصل عليه مالن األراضي
من الرأسماليين.
نظرية ريكاردو في التجارة الخارجية:
(التخصص على أساس كلل اإلنتاج المقارنة ()Couts Compares
يبقى ريكـاردو مواظبـاً على منهجـه في نظريتـه في التجـارة الخـارجيـة أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً التي كـانـت موجهـة
فقط للبرهان على نظريته في القيمة أو للبرهان على أنها ال تناقضها.
فما هي نظرية ريكادو في التجارة الخارجية؟
إن تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم العمل الذي برع الكالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيكون في بيان أهميته هو الذي يؤدي إلى ارتفاع إنتاجية
العمل ،وبالتالي إلى توفير زمن العمل ،وهو أيض ـ ـاً ش ـ ــروط لزيادة ثروة الش ـ ــعوب ،لكن ريكاردو يرى
أن المش ـ ـ ـ ـ ــاركة في التقس ـ ـ ـ ـ ــيم الدول للعمل مهما أدت إلى تغيير في بنية اإلنتاج القومي ،فنن الناتج
اإلجمــالي للبالد (بمــا فيــه اإلنتــاج الــداخــل إلى البلــد من الخــارج مقــابــل تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدير جزء من اإلنتــاج
القومي) ال يمكن أن يزداد ما دام حجم رأس المال القومي والعمل المستخدم باقيين على حالهما.
إن أي توسـيع في التجارة الخارجية ال يسـتطيع أن يزيد مباشـرة إجمالي القيم في البالد رغم كونه
ســيســاعد إلى درجة كبيرة على زيادة كمية البضــائع وبالتالي كمية الحاجات المعيشــية .وانطالقاً من
227
قانون القيمة ،يرى ريكاردو أنه ما دامت قيم البض ـ ـ ـ ـ ـ ــائع المتبادلة متعادلة ،فلن يكون في حوزتنا قيم
أكبر إذا كنا س ـ ــنحص ـ ــل بنتيجة افتتاح أس ـ ـواق جديدة على كمية من البض ـ ــائع األجنبية أكبر بمرتين
مقابل نفس الكمية من البض ـ ـ ــائع التي تص ـ ـ ــدرها .فالفائدة التي يحققها البلد تقتص ـ ـ ــر إذن على زيادة
كمية الوس ـ ـ ـ ــائل المعيش ـ ـ ـ ــية مقابل نفس اإلنفاق من العمل االجتماعي اإلجمالي ،وهذا ما يوازي رفع
إنتاجية هذا العمل.
ولكن ما هي قوانين تقسيم العمل بين البلدان التي تسمح بتحقيق هذا االرتفاع في إنتاجية العمل
البضاعي؟
ينطلق ريكاردو من منطق سـميث التالي (إذا كان هنان بلد ما يسـتطيع تزويدنا ببعض البضـائع
بســعر أرخص مما نســتطع إنتاجه فمن األفضــل ش ـراؤها من هذا البلد مقابل جزء من منتجات عملنا
الص ــناعي الخاص الموظف في المجال الذي يحقق فيه بعض التفوق) .وتقس ــيم العمل الدولي الذي
ينادي به سميث يقوم على أساس التخصص بحسب القدرات الطبيعية لكل دولة.
أوضــح ريكاردو مفهوم ســميث وأضــاف إليه مفهوماً جديداً بمناســبة المشــكلة التي أثارها مســتقبل
إنكلت ار ومعرفــة مــا إذا كــان عليهــا أن تتــابع حمــايــة زراعتهــا أو تفتح حــدودهــا للقمح األجنبي مقــابــل
العمل على إشادة صناعتها.
وقد وقف ريكاردو إلى جانب الحل الثاني وحاول البرهنة على أن من صـ ـ ـ ــالح الدولة التي تتقدم
صـ ــناعياً أن تضـ ــحي بزراعتها وتدفع غالباً ثمن القمح األجنبي مقابل سـ ــلعها المصـ ــنعة ،ألن عملها
الصــناعي يتيح لها أن تحصــل على كمية أكبر من القمح مما كان يمكنها الحصــول عليها بواســطة
كمية العمل على أرضـ ـ ـ ـ ــها .ليس المهم إذن عند ريكاردو أن يقابل الكلفة المطلقة ()cout absolu
لس ـ ــلعة واحدة (القمح مثالً) ومعرفة س ـ ــعرها في إنكلت ار وخارجها وإنما مقارنة الكلفة النس ـ ــبية ( cout
)relatifلسـ ــلعتين معاً (القمح والنسـ ــيج) وقياس كمية األولى (القمح) التي يمكن أن يحصـ ــل عليها
إنتاج الثاني (نسيج) في إنكلت ار من جهة ،وفي البالد األخرى من جهة ثانية.
وهكـذا فـالتخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص هو نـافع فقط في بلـد زراعي ال يملـك القـدرة على التصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنيع وإنمـا يملـك
إمكانيات أفضـ ـ ــل للزراعة ويسـ ـ ــتطيع اإلنتاج بكلف منخفضـ ـ ــة نسـ ـ ــبياً تؤمن له شـ ـ ــروطاً جيدة للتبادل
التجاري (البرتغال).
لنفرض أننـا نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن ننتج بواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة نفس كلفـة العمـل في إنكلت ار والبرتغـال (األجور في
بريطانيا مرتفعة) المقادير التالية:
في البرتغال بنفس الكلفة في إنكلت ار
10أمتار من القماش 5أمتار من القماش
300ليتر من الخمر 100ليتر من الخمر
228
( 5أمتار من القماش تبادل ب ـ 100ليتر من الخمر في إنكلت ار ولكن ب ـ 150ليتر في البرتغال:
هذه هي الكلفة النسبية للقماش مقدرة بخمر في كل البلدين).
إنكلت ار لها مصـلحة بمتابعة التصـنيع وتصـدير قماشـها إلى البرتغال ألنها تحصـل مقابل 5أمتار
من القمـاش على 150ليت اًر من الخمر بـدالً من 100ليتر لـديهـا ،والبرتغـال لهـا مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلحـة بـننتـاج
الخمر فقط ألنها تحص ــل مقابل 300ليتر من الخمر على 15مت اًر من القماش في إنكلت ار بدالً من
10أمتار فقط لديها.
/300/ل إنكلت ار /10/م
س = /150/ = 300 × 5ل /س/ل /5/م
10
/100/ل البرتغال /5/م
س = /15/ = 300 × 5م /300/ل /س /م
100
ريكاردو قمة االقتصاد السياسي البرجوازي الكالسيكي:
س ــار االقتص ــادي الس ــياس ــي البرجوازي الكالس ــيكي في طريق ص ــاعدة بدءاً من تحليل الظواهر
االقتص ــادية المنفردة لإلنتاج ال أرس ــمالي ،وهو التحليل الذي كان يغلب عليه الس ــطحية ،إلى ص ــياغة
منظومة نظرية علمية لحركة االقتصـ ــاد ال أرسـ ــمالي .وقد حقق ممثلو هذا االتجاه نجاحات كبيرة رغم
كونهم لم يسـتطيعوا بلوغ نهاية الطريق .ولم تسـتطع المدرسـة الكالسـيكية صـياغة نظرية علمية كاملة
ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي.
فالبرجوازية كطبقة صــاعدة كانت ذات مصــلحة في الكشــف عن قوانين االقتصــاد ال أرســمالي في
غمره ص ـ ـ ـ ـ ـراعها ضـ ـ ـ ـ ــد اإلقطاع وقد انعكسـ ـ ـ ـ ــت في نظريات ريكاردو حاجات القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ــادية
الموض ـ ـ ــوعية ،لذلك كانت اس ـ ـ ــتنتاجات ريكاردو ونظرياته تحمل طابعاً تقدمياً مس ـ ـ ــاعداً لتطوير قوى
اإلنتاج ،ولكن ريكاردو كان يبدو متشـ ـ ــائماً حول النظام ال أرسـ ـ ــمالي الذي خصـ ـ ــص لتجهيزه كل جهد
وكأنه استشف ،وإن كان بشيء من الضبابية ،محدودية هذا النظام التاريخية.
إن صـ ــياغة نظرية القيمة في العمل ونظرية الربح حتى االعتراف بالعمل كمصـ ــدر وحيد للقيمة
واالعتراف بـالعمـل غير المعوض للعمـال المـأجورين كمص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر وحيـد للربح ،وكـذلـك تطور نظريـة
التوزيع ،حتى االسـ ـ ـ ـ ــتنتاج بحتمية التناقضـ ـ ـ ـ ــات االقتصـ ـ ـ ـ ــادية بين الطبقة العاملة والبرجوازية وتهديد
حوافز اإلنتاج ال أرس ـ ــمالي أي معدل الربح بالخطر من جانب تطور اآللة الداخلية نفس ـ ــها لالقتص ـ ــاد
ال أرس ــمالي ..الخ كل ذلك جاء به ريكاردو فكان األس ــاس لفهم الطابع االس ــتغاللي للنظام ال أرس ــمالي
والطابع التاريخي المحدود.
هنا يكمن السـ ــبب األول في هجوم االقتصـ ــاديين السـ ــياسـ ــيين البرجوازيين على ريكاردو ومحاولة
229
الح ط من األهميــة العلميــة ألبحــاثــه .وكــان االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي األمريكي كــأيــه مؤلف كتــاب (انسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجــام
المصـالح) يصـل في وصـف ريكاردو إلى نعته (باب الشـيوعية) .وإال أن األفق الطبقي البرجوازي قد
أدى بريكاردو إلى ما يلي:
-1اعتبار تقسيم المجتمع إلى طبقات ظاهرة طبيعية أبدية.
-2عدم إدران الطابع التاريخي للتحوالت االقتصادية للرأسمالية واعتبار التناقض بين األجور
واألرباح وبين األرباح والريع قانوناً طبيعياً للحياة االجتماعية.
-3لم يكن االقتصاد السياسي الريكاردي يخلو من التناقضات الخطيرة ،والتي من أهمها:
إذا كـانـت األجور هي تعويض العمـل ،تكون هنـان حلقـة مفرغـة :فقيمـة العمـل تتحـد إذن أ-
بالعمل.
ب -إذا كان ال أرسـمالي يشـتري عمال لعامل ويدفع تعويضـه كامالً فكيف يمكن تفسـير حصـول
الرأسمالي على الربح أو الريع استناداً إلى قانون القيمة؟
ج -إذا كانت القيمة تتحدد بزمن العمل فلماذا تحقق رؤوس األموال المتساوية.
من حيث الحجم والمختلفة عن بعضها من حيث كمية العمل الحي الذي تستطيع تشغيله ،لماذا
تحقق ربحاً واحداً؟
لقد وقف ريكاردو أمام هذه التناقض ـ ـ ـ ـ ـ ــات ،وقد اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتغل االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاديون البرجوازيون بعده هذه
التناقضات في ظروف اشتد فيها الصراع الطبقي من أجل االنحدار باالقتصاد السياسي إلى تسخيره
وخدمة مصـ ــالح البرجوازية وباألخص أكثر الفئات طفيلية :البرجوازية االحتكارية في ص ـ ـراعها ضـ ــد
الجماهير.
وهكذا أعلن جيمس ميل أن مصـدر القيمة هو العمل ورأس المال ،وأضـاف مان كولون مصـد اًر
آخر هو قوى الطبيعـة وذلـك في نفس الوقـت الـذي كـان كـل منهمـا يتظـاهر فيـه بـاإلخالص لنظريـة
ريكاردو في القيمة والعمل وباعتبار نفسه من األتباع المخلصين لريكاردو!.
ولقد تطور هذا االتجاه حتى أصـ ـ ــبح االتجاه السـ ـ ــائد اليوم في االقتصـ ـ ــاد السـ ـ ــياسـ ـ ــي البرجوازي
ويطلق عليه االقتصاد السياسي البرجوازي التبريري.
كما وظهر بعض الريكارديين االشتراكيين الطوباويين الذين حاولوا انطالقاً من نظريات ريكاردو
التعبير عن مصـ ــالح الطبقة العاملة ،ومن هؤالء كودسـ ــكين وطومبسـ ــون وبري ،وقد أكدوا بأن إنتاج
العامل يجب أن يعود إليه ،ما دام عمله هو الذي يخلق القيمة وإن نظرية القيمة في العمل وضــعت
شـ ـ ـ ــروط التبادل العادل :التبادل حسـ ـ ـ ــب العمل ،إال أنه في ظروف ال أرسـ ـ ـ ــمالية يجري اإلخالل بهذا
المبدأ ،واعتبر هؤالء أنه من أجل إلغاء االسـ ــتغالل يكفي تنظيم التبادل العادل ،وعندها يحصـ ــل كل
شخص على كامل ناتج عمله.
ولقد وص ـ ـ ـ ـ ـ ــف كارل ماركس الريكارديين االش ـ ـ ـ ـ ـ ــتراكيين بأنهم بس ـ ـ ـ ـ ـ ــبب من عدم إدراكهم لجوهر
230
ال أرس ـ ــمالية وآلية االس ـ ــتغالل ال أرسـ ـ مالي فقد أرادوا في ظروف ال أرس ـ ــمالية إقامة االش ـ ــتراكية بواس ـ ــطة
تبادل كميات العمل المتساوية.
لقد كان االقتصـ ـ ـ ــاد السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي البرجوازي الكالسـ ـ ـ ــيكي في إنكلت ار مصـ ـ ـ ــد اًر هاماً من مصـ ـ ـ ــادر
الماركسية ،فقد استخدم ماركس كل المقوالت العلمية التي جاء بها آدم سميث ودافيد ريكاردو وبقيت
مكتشفاتهم العلمية حية ،وإنما في شكل ناضج متطور في النظرية الماركسية.
المدرسة االشتراكية:
االشتركية العلمية -كارل ماركس (:)1883-1818
تقوم على أس ـ ـ ــاس علمي متين هو نظرية القيمة في العمل .والتي على أس ـ ـ ــاس ـ ـ ــها تم اكتش ـ ـ ــاف
القيمة الزائدة .إن نظرية القيمة في العمل ترجع بأص ـ ـ ــولها كما رأينا إلى ابن خلدون ووليم بيتي وآدم
سميث ودافيد ريكاردو.
أوالً -نظرية القيمة في العمل عند ماركس:
لقد ابتع ماركس المنهج العلمي في تحليل العالقات االقتصـ ـ ـ ـ ــادية ،فنذا كان جوهر ال أرسـ ـ ـ ـ ــمالية
اإلنتاج البضـاعي القادر على سـد حاجة والقابلة للتبادل) فنن تحليل أسـلوب اإلنتاج ال أرسـمالي يجب
أن يبدأ بد ارس ـ ـ ــة اإلنتاج البض ـ ـ ــاعي .إن فهم القوانين البض ـ ـ ــاعية هو الش ـ ـ ــرط األهم للتحليل العلمي
لعالقات اإلنتاج ال أرســمالية .وهذا ما يفســر االهتمام الكبير الذي أواله ماركس لد ارســة مســائل نظرية
القيمة .فمن الوضـ ـ ـ ــاح أنه ال يمكن اسـ ـ ـ ــتخدام نظرية القيمة في العمل في د ارسـ ـ ـ ــة أسـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج
اإلقطاعي الذي يتص ـ ــف بس ـ ــيطرة االقتص ـ ــاد الطبيعي ،بينما تعتبر نظرية القيمة في العمل الوس ـ ــيلة
الوحيدة للكشف عن القانونيات الداخلية لنظام اإلنتاج الرأسمالي.
لقد تقدم ماركس بنظرية القيمة في العمل ليكتش ــف قيمة البض ــاعة تتحدد بكمية العمل الوس ــطية
الضــرورية اجتماعياً إلنتاجها ،وإن المنتجات التي تحتوي على كميات متســاوية من العمل اإلنســاني
المتجسد فيها تكون لها قيمة واحدة.
أ -الطابع أالزدواجي للعمل:
أن أهم عناصـ ـ ــر نظرية القيمة في العمل كانت لها األهمية الكبرى في اكتشـ ـ ــاف قوانين اإلنتاج
ال أرسـمالي هو إيضـاح الطابع أالزدواجي للعمل المنتج للبضـاعة ،يقول ماركس في رسـالة إلى إنجلز
في 24آب 1867بمناسبة صدور الجزء من كتابه رأس المال " :إن أفضل ما جاء في كتابي هو:
-1الطابع االزدواجي للعمل الذي ش ـ ــرحته في الفص ـ ــل األول حس ـ ــب ما يظهر العمل في قيمة
استعمالية أو قيمة تبادلية (والذي يستند إليه فهم جميع الوقائع).
-2بحيث القيمة الزائدة مجردة عن أشكالها الخاصة :الربح ،الفائدة ،ريع األرض "(.)272
231
من خالل بحث العالقات البض ـ ـ ـ ـ ـ ــاعية أظهر ماركس أن عمل المنتج البض ـ ـ ـ ـ ـ ــاعي يملك طابعاً
مزدوجاً إذ يظهر من جهة في ش ـ ـ ـ ــكل نافع هادف كعمل نافع ملموس يخلق قيمة اس ـ ـ ـ ــتعماليه ،ومن
جهة أخرى كننفاق لقوة فسـ ـ ـ ـ ـ ــيولوجية وعقلية بغض النظر عن الشـ ـ ـ ـ ـ ــكل الملوس الذي يجرى به هذا
اإلنفــاق ،أي كعمــل مجرد يخلق قيمــة ،والعمــل المجرد هو شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل تــاريخي معين يظهر بــه العمــل
البشــري فقط في مرحلة اإلنتاج البضــاعي ،وهو يختلف عن العمل بمعناه الفســيولوجي الذي تتصــف
به جميع مراحل التطور االجتماعي والذي يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكل الملموس للعمل يجري في كل صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفقة تبادلية
عندما يقيس المنتجون البضـ ـ ــاعيون نفقات عملهم ويسـ ـ ــتخرجون ذلك العنصـ ـ ــر المشـ ـ ــترن في جميع
البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع مهمـا اختلفـت قيمهـا االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـاليـة ،وبـالتـالي مهمـا اختلف العمـل الملموس المبـذول في
إنتـ ــاجهـ ــا .يكتـ ــب مـ ــاركس" ...تتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف العالقـ ــات التبـ ــادليـ ــة للبضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائع بتجردهـ ــا عن قيمهـ ــا
االستعمالية"(.)273
بين ماركس أن الطابع المزدوج للبض ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة يرجع إلى ازدواجية طابع العمل المنتج لها .فالعمل
الملموس يخلق القيمة االس ـ ــتعمالية ،أما العمل المجرد فيخلق القيمة التبادلية .وكش ـ ــف بذلك عن أن
البضاعة تشكل وحدة عنصرين متضادين :القيمة االستعمالية والقيمة التبادلية.
ب -الجوهر االجتماعي للقيمة:
كشــف ماركس ألول مرة في تاريخ االقتصــاد الســياســي عن الجوهر االجتماعي لقيمة البضــائع.
فوراء عالقات البض ـ ــائع بعض ـ ــها مع بعض في التبادل تبرز عالقات اإلنتاج التي تربط بين الناس،
بين المنتجين البض ـ ـ ــاعيين .ويحدد ماركس القيمة كعالقة بين الناس مغطاة بعالقات بين األش ـ ـ ــياء.
يكتب ماركس .." :إن الش ــكل البض ــاعي لمنتجات العمل أو ش ــكل قيمة البض ــاعة هو ش ــكل الخلية
االقتصادية للمجتمع البرجوازي "(.)274
إن اكتش ــاف الطابع التاريخي العارض للقيمة يكتس ــب أهمية علمية وس ــياس ــية كبيرة ألنه يدحض
األفكار البرجوازية حول خلود وطبيعة العالقات البضاعية وبالتالي المجتمع الرأسمالي.
كان االقتص ـ ـ ــاد العربي الكالس ـ ـ ــيكي قد ركز االهتمام حول مقدار القيمة ،التحليل الكمي ،واغفل
الجوهر االجتماعي للقيمة باعتبارها عالقة اجتماعية ،أي التحليل النوعي للعالقات البضاعية.
ج -مقدار القيمة:
لقـد كشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف مـاركس أن مقـدار القيمـة يتوقف على مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى تطور قوى اإلنتـاج ،ذلـك أن قيمـة
البض ـ ــائع تتحدد بنفقات العمل االجتماعي المجرد الوس ـ ــطية على إنتاج البض ـ ــاعة عند كل مس ـ ــتوى
معين من تطور قوى اإلنتاج .ولقد ميز بين العمل الفردي المبذول فعالً في إنتاج البض ـ ــاعة والعمل
الض ـ ـ ــروري اجتماعياً الذي يتكلفه المجتمع وس ـ ـ ــطياً على إنتاج وحدة البض ـ ـ ــاعة ،كما بين أن مقدار
232
القيمة ال يتحدد بالعمل الفردي وإنما بالعمل الضروري اجتماعياً.
لقد أوضـح ماركس أن قيمة البضـاعة في ظروف ال أرسـمالية ال يمكن أن تقاس مباشـرة بسـاعات
العمل المبذول في إنتاج البضـاعة .إنها تسـتطيع أن تعبر عن نفسـها فقط في كمية معينة من القيمة
االستعمالية لبضاعة أخرى ،معادلة لألولى في قيمتها التبادلية.
وهكـذا يكون مـاركس قـد كشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف خطـأ نظريـات البرجوازيـة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغيرة واالشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتراكيـة الطوبـاوية
بخص ـ ـ ــوص " النقود العمالية " أو أذونات العمل ومص ـ ـ ــارف العمل التي تقيس القيمة مباش ـ ـ ـرة بزمن
العمل في ظروف اإلنتاج الرأسمالي ،والتي جاء بها برودون وآخرون وثبت فشلها.
إذن تقاس قيمة البضـ ــاعة بكمية معينة من قيمة اسـ ــتعمالية لبضـ ــاعة أخرى ،إن كشـ ــف الشـ ــكل
المعـادل للقيمـة أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح ممكنـاً بعـد بحـث خص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائص العمـل الملموس والعمـل المجرد ،ومن أهم
خص ـ ـ ــائص الش ـ ـ ــكل المعادل للقيمة أن " العمل الملموس يص ـ ـ ــبح ...ش ـ ـ ــكل ظهور نقيض ـ ـ ــه ،العمل
اإلنساني المجرد "(.)275
د -أشكال القيمة ،جوهر ووظائل النقود:
شـكل بسـيط ؟؟ شـكل عام شـكل مجرد (؟؟ معدنية) شـكل () القيمة من الشـكل البسـيط (بضـاعة
مقابل بض ـ ــاعة في عمليات المقايض ـ ــة) إلى الش ـ ــكل العام (في تمييز بعض البض ـ ــائع واس ـ ــتخدامها
لقياس قيم جميع البض ـ ـ ـ ــائع األخرى) وأخي اًر إلى الش ـ ـ ـ ــكل النقدي للقيمة في النقود المعدنية .وبالتالي
فنن االقتصـاد السـياسـي تعرف ألول مرة على مصـدر القيد وجودها ؟؟ وظائفها ،فالنقود هي ،حسـب
ماركس ،تجس ـ ـ ـ ـ ــيد للعمل المجرد ،في النقود ،كما يقول ماركس " :يظهر زمن العمل العام كش ـ ـ ـ ـ ــيء
خاص ،كبض ـ ــاعة "( )276فالنقود هي إذن بض ـ ــاعة خاص ـ ــة تملك إمكانية قياس قيم جميع البض ـ ــائع
األخرى ألنها تملك قيمة بحد ذاتها هي مقدار العمل االجتماعي الض ـ ـ ـ ـ ـ ــروري المبذول فيها ،ويجري
قياس قيم جميع البضائع بكمية معينة من القيمة االستعمالية لهذه البضاعة الخاصة ـ النقود.
ورغم أن المدرس ـ ــة الكالس ـ ــيكية اقتربت من التمييز بين القيمة االس ـ ــتعمالية والقيمة التبادلية ،إال
أنها لم تحاول تحليل أش ــكال القيمة ولذلك لم تتمكن من تفس ــير الش ــكل النقدي للقيمة .لقد أص ــبحت
نظرية القيمة الماركس ــية نقطة االنطالق في د ارس ــة قوانين االقتص ــاد ال أرس ــمالي ،وأهم هذه القوانين ـ
قانون القيمة الزائدة.
ن -قانون القيمة الزائدة في الرأسمالية:
يرجع اص ــطالح القيمة الزائدة بجذوره إلى س ــيس ــموندي وبرودون وغيرهم ،لكن ماركس هو الذي
صـ ـ ـ ــاغ النظرية العلمية للقيمة الزائدة التي أصـ ـ ـ ــبحت أهم عناصـ ـ ـ ــر االنقالب الثوري في االقتصـ ـ ـ ــاد
السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــي .كتب ماركس " :إن إنتاج القيمة الزائدة أو الربح هو القانون المطلق ألسـ ـ ـ ــلوب اإلنتاج
233
الرأسمالي ".
ولقد كان أهم مؤلفات ماركس " رأس المال " مخص ـ ـ ـص ـ ـ ـاً بشـ ـ ــكل رئيسـ ـ ــي لد ارسـ ـ ــة قانون القيمة
ال ازئـدة ،فجـاء في مقـدمـة الطبعـة األولى للجزء األول منـه " :إن الهـدف النهـائي من مؤلفي هـذا هو
كشف القانون االقتصادي لتطور المجتمع المعاصر.)277(" ..
إن أسـ ــالف ماركس ،رغم أنهم وجدوا في الربح الدافع الرئيسـ ــي لنشـ ــاط ال أرسـ ــمالي ،إال أنهم في
تعرضـ ـ هم القيمة الزائدة ،لم يدركوا أن هذا القانون هو القانون األس ــاس ــي ألس ــلوب اإلنتاج ال أرس ــمالي
ولم يروا طابعه التاريخي العارض.
ثانياً -نظرية القيمة الزائدة:
كانت نظرية ماركس حول الطابع أالزدواجي للعمل المنتج للبض ــاعة الدور األكبر في اكتش ــاف
قانون القيمة الزائدة.
أ -القيمة الزائدة ال تنشأ في عملية التبادل:
من خالل د ارسـ ـ ــة تداول البضـ ـ ــائع والنقود اتضـ ـ ــح ماركس أن القيمة الزائدة ال تنشـ ـ ــأ في عملية
التبادل ،وهو يتفق مع أرسطو والفزيوقرطيين في أن التبادل عقيم.
ب -قوة العمل كبضاعة خاصة:
كـان لتحليـل العالقـات ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة من وجهـة نظر الطـابع أالزدواجي للعمـل األهميـة الكبرى في
تحديد مصــدر القيمة االســتعمالية ،فلقد أمكن اكتشــاف بضــاعة خاصــة في الســوق ال أرســمالية تعتبر
قيمتها االستعمالية مصد اًر للقيمة.
الضـ ــروري لإلنتاج ال أرسـ ــمالي ،هو قانونيته الداخلية ،وبالتالي فنن إلغاء االسـ ــتغالل في ظروف
المجتمع ال أرسـ ـ ـ ــمالي أمر مسـ ـ ـ ــتحيل .وكان لهذا االسـ ـ ـ ــتنتاج أهمية كبيرة بالنسـ ـ ـ ــبة للطبقة العاملة ،إذ
ســلحها بنظرية ثورية كشــفت ســر االســتغالل ال أرســمالي ودحضــت النظرية التبريرية حول " انســجام "
المصالح الطبقية في الرأسمالية.
أشكال القيمة الزائدة:
ويكشـ ـ ــف كارل ماركس عن أشـ ـ ــكال القيمة الزائدة التي يميز كل منها مرحلة في تطور أسـ ـ ــلوب
اإلنتاج ال أرســمالي .ففي المرحلة األولى في تطور عالقات اإلنتاج ال أرســمالية بســبب ضــعف وســائل
اإلنتاج كان الش ــكل الس ــائد للقيمة الزائدة هو القيمة الزائدة المطلقة الناتجة عن تطويل يوم العمل أو
زيادة ش ــدة العمل .أما في ال أرس ــمالية المتطورة فنن الش ــكل األوس ــع انتش ــا اًر هو القيمة الزائدة النس ــبية
الناتجة عن تحسـ ـ ـ ــين إنتاجية العمل بفضـ ـ ـ ــل التقدم التكنولوجي ،أي عن طريق تخفيض زمن العمل
الض ـ ـ ـ ـ ــروري وزيادة زمن العمل اإلض ـ ـ ـ ـ ــافي المنتج للقيمة الزائدة حتى في حال انخفاض زمن العمل
234
اليومي المطلق.
نظرية التركيب العضوي لرأس المال:
أ -رأس المال :عالقة اجتماعية:
اقترب االشـتراكيون الطوباويون من فهم رأس المال على أنه ظاهرة أو عالقة اجتماعية ،ووسـيلة
الس ـ ــيطرة على اآلخرين ،ولكنهم لم يس ـ ــتطيعوا أيضـ ـ ـاً اكتش ـ ــاف جوهر رأس المال بش ـ ــكل كامل .لقد
أوض ـ ـ ــح كارل ماركس أن رأس المال ليس أش ـ ـ ــياء محددة ،بل هو عالقة إنتاجية خاص ـ ـ ــة بالمجتمع
البرجوازي عالقة اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتغالل بين ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليين والعمـال المـأجورين ،عالقة إنتـاج من جانب العمـال
وامتالن من جانب الرأسماليين للقيمة الزائدة.
وتظهر هذه العالقة نتيجة احتكار البرجوازية لملكية وسـ ـ ـ ــائل اإلنتاج وتجريد المالكين الصـ ـ ـ ــغار
من وس ــائل إنتاجهم وتحويلهم إلى عمال محرومين من وس ــائل اإلنتاج ،ومض ــطرين بس ــبب ذلك إلى
بيع قوة عملهم من الرأسماليين.
ب -قسما رأس المال :رأس المال الثابت ورأس المال المتغير:
يش ـ ـ ـ ـ ــرح ماركس وألول مرة تركيب رأس المال ويميز بين أجزائه حس ـ ـ ـ ـ ــب جوهرها االجتماعي ال
حسب شكل تداولها.
كان الفكر االقتص ـ ــادي قبل ماركس قد توص ـ ــل إلى تقس ـ ــيم رأس المال إلى رأس مال أس ـ ــاس ـ ــي،
ورأس مال دائر ،وذلك حس ـ ـ ـ ــب ش ـ ـ ـ ــكل دوران أجزاء رأس المال .أما ماركس فقد تبين أنه من وجهة
نظر إنتاج القيمة التبادلية والقيمة الزائدة ،فنن رأس المال ينقسـ ـ ـ ـ ـ ــم إلى رأس مال ثابت مجسـ ـ ـ ـ ـ ــد في
وسائل اإلنتاج (جميع مستلزمات اإلنتاج المادية) ورأس مال متغير (قيمة قوة العمل ـ ـ ـ ـ ـ ـ األور) .قوة
العمل المأجورة هي وحدها مص ـ ــدر القيمة الزائدة ،ولذلك أطلق عليها ص ـ ــفة " المتغير " ألنها تخلق
قيمة تفوق قيمتها .أما قيمة رأس المال الثابت فتنتقل بدون زيادة بواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطة العمل إلى البضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة
الجـديـدة ،وهكـذا فقـد كـان هـذا التقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم لرأس المـال إلى ثـابـت ومتغير نقـداً لألفكـار البرجوازيـة حول
إنتاجية رأس المال التي يعتبرونها مصدر الربح الرأسمالي.
ج -ارتفاع التركيب العضوي لرأس المال:
ومن جهة أخرى فنن تقسـيم رأس المال إلى ثابت ومتغير أصـبح أسـاس النظرية الماركسـية حول
التركيب العض ـ ـ ـ ـ ــوي لرأس المال – النس ـ ـ ـ ـ ــبة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتغير ،التي تحتل
مكانة هامة في النظرية العلمية ألسـ ــلوب اإلنتاج ال أرسـ ــمالي .فنظرية التركيب العضـ ــوي لرأس المال
مكنــت مــاركس اعتمــاداً على نظريــة القيمــة ال ازئــدة أن يكشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف عن جملــة من القوانين التي تعكس
االرتباط الكمي بين أهم الظواهر االقتصــادية وبين مســتوى تطور قوى اإلنتاج ،وأن يدرس آلية عمل
مجموعة من القوانين االقتصـ ـ ـ ـ ــادية لل أرسـ ـ ـ ـ ــمالية (قوانين تجديد اإلنتاج البسـ ـ ـ ـ ــيط والموسـ ـ ـ ـ ــع ،المعدل
الوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطي للربح وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعر اإلنتـاج ،ميـل معـدل الربح إلى االنخفـاض ،الريع الفرقي والريع المطلق،
235
وغيرها).
إن األزمات ليسـ ـ ـ ـ ـ ــت في نظر ماركس إال مظه اًر لنقص االسـ ـ ـ ـ ـ ــتهالن لدى الطبقة العاملة ،ألن
العمال ال يستطيعون شراء إنتاجهم.
الرأسمالية أنتجت أكثر مما دفعت من أجور ،وبالتالي فهنالك فيض نسبي في اإلنتاج.
ومما يزيد هذه األزمات تفاقماً هو أن تعمد ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالية بفض ـ ـ ـ ـ ــل قانون االرتفاع المس ـ ـ ـ ـ ــتمر في
التركيب العضـ ــوي لرأس المال إلى إحالل اآلالت محل اليد العاملة فتلقي بالعمال إلى البطالة ويفقد
العامل بذلك مورد رزقه وبهذا يفقد قوته الشرائية.
القيمة الزائدة هي مص ـ ـ ـ ــدر للتراكم ال أرس ـ ـ ـ ــمالي .ذلك ألن الفائض الذي يتلقاه ال أرس ـ ـ ـ ــماليون يزيد
بكثير عن استهالكهم (نظ اًر النخفاض ميلهم لالستهالن) فيستخدمونه في إنتاج وسائل اإلنتاج وهذا
يؤدي إلى ارتفاع نسـ ـ ــبة رأس المال الثابت (ث) إلى رأس المال المتغير (م) أي إلى ارتفاع التركيب
العضـ ـ ـ ــوي لرأس المال :ث/م باسـ ـ ـ ــتمرار نتيجة لتزايد القيمة الزائدة ،وهذا االتجاه ذو أهمية كبيرة في
تفسير اتجاه معدل الربح نحو االنخفاض.
د -اتجاو معدل الربح نحو االنخفال:
بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة للنظـام بمجموعـه فـنن التقـدم الفني يؤدي إلى جعـل رأس المـال الثـابـت (اآلالت) يزداد
على حسـ ـ ــاب رأس المال المتغير وبما أن القيمة الزائدة تنتج عن رأس المال المتغير فقط فنن معدل
القيمة الزائدة يكون أكبر من معدل الربح ،الذي يميل نحو االنخفاض مع ارتفاع التركيب العض ـ ـ ــوي
لرأس المال ،كما في المثال التالي:
إذا كــان رأس المــال المتغير (م) 200 :مليون ،ورأس المــال الثــابــت (ث) 800 :مليون يكون
200م × %20 = 100 معدل الربح:
800 + 200
م+ث
أمـا عنـدمـا يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبح رأس المـال المتغير 300 :مليون ،ورأس المـال الثـابـت 1500مليون فـنن
معدل الربح يصبح:
%16.66 300
1500+300
وتس ـ ــتخدم الماركس ـ ــية قانون ميل معدل الربح إلى االنخفاض الذي وض ـ ــعه ريكاردو وميل وأكده
باستيا ،لتوجيهه ضد الرأسمالية ذاتها.
236
المبحث الثالث -األفكار االقتصادية التبريرية ،مرحلة ما قبل الرأسمالية االحتكارية:
* المدرسة المالتوسية ..المدرسة التشاؤمية -روبرت مالتوس (:)1836-1766
237
صـ ـ ـ ـ ـ ــاغ مالتوس نظريته في كتاب نش ـ ـ ـ ـ ـ ـره غفال عام 1798بعنوان (بحث في مبدأ السـ ـ ـ ـ ـ ــكان)
( .)Essai on the principle of populationحيث دب فيه التشــاؤم في علم االقتصــاد ووضــع
الفكرة القـائلـة بـأن العـالم يعيش تحـت رحمـة األرزاق ،تحـت رحمـة طبيعـة ال رحيمـة وال خيرة ،بـل هي
قاسـ ـ ــية وبخيلة .وهو يعلن بأن التوازن القائم بين نمو السـ ـ ــكان حالياً أو في المسـ ـ ــتقبل وبين األرزاق
إنما يس ــري دعائمه على البؤس والعيوب ،وإن تكاثر الس ــكان يجب أن يكون محدداً بالض ــرورة بتزايد
األرزاق .ولكي يبلغ مالتوس غايته من هذه النظرية فهو يعرض المبادئ التالية:
أ -عدد السكان ينزع إلى الزيادة ويتضاعف كل 25سنة بموجب 64-32-8-4-2-1بمعنى
أن المرور من 2إلى 4يحتاج إلى فترة 25س ـ ـ ـ ــنة وكذلك المرور من 4إلى ..8الخ ..ويض ـ ـ ـ ــرب
على ذلك مثالً الواليات المتحدة األمريكية.
أما األرزاق فهي ال تزداد في نفس الوقت وحتى في أحس ـ ـ ـ ـ ــن الظروف إال بموجب ب-
سلسلة حسابية...7-6-5-4-3-2-1 :
ج -النتيجـة الحتميـة هي زيـادة هـائلـة في السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـان بـالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة لألرزاق ممـا يؤدي بـالتـالي إلى
المجـاعـات والمرض والحروب ..الخ .وجملـة األفكـار التي جـاء بهـا مـالتوس ومـا تولـد عنهـا تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمى
(المالتوسية).
وقد عرض مالتوس نظريته في طبعة كتابه األولى فأثار ذلك ضجة واستنكا اًر ،ما لبثا أن تفاقما
لـدى نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـره الطبعـة الثـانيـة عـام 1803حيـث ورد فيهـا أن (الرجـل الـذي ليس لـه من يعيلـه والـذي ال
يستطيع أن يجد لنفسه عمالً في المجتمع سوف يجد أن ليس له نصيب من الغداء على أرضه وأنه
عضـ ـ ــو زائد) .وفي (وليمة الطبيعة) حيث ال صـ ـ ــحن له بين الصـ ـ ــحون ،فنن الطبيعة تأمره بمغادرة
المكان ،وهي لن تقصر بوضع أوامرها موضع التنفيذ ،ويحذف مالتوس ما ورد عن (وليمة الطبيعة)
في الطبعة الثالثة كما يميل إلى االعتدال وإن كان لم يعدل طبعاً عن أفكارهأل فالعالج الذي يصـ ـ ـ ــفه
هو تحديد النسل الطوعي بغية تحقيق التوازن بين عدد السكان واألرزاق:
على الفقراء أال يتزوجوا :أن يركنوا إلى العزوبي ــة أو االنتظ ــار على األق ــل حتى سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن -
متقدمة يتمكن فيها الفرد من إعالة عائلته.
التزام العفـة قبـل الزواج :وهو هنـا يتوجـه إلى الرجـال طـالبـاً منهم نفس مـا هو مطلوب من -
النساء.
ومالتوس ال يقر أبداً اس ـ ـ ـ ـ ــتعمال الوس ـ ـ ـ ـ ــائل والطرق غير المش ـ ـ ـ ـ ــروعة لمنع إنجاب األطفال بعد
الزواج ،هو يريد من اإلنس ـ ـ ــان أن يمتنع طواعية عن اإلقدام على عملية الزواج ،لما تنتجه من آثار
سـيئة للمجتمع ،ولكن إذا صـدف وتزوج فمن الحرام عليه أن يلجأ إلى الطرق الال مشـروعة لالمتناع
عن اإلنجاب (وقد أيد المالتوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيون الجدد منذ القرن التاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع عشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر عدداً من هذه الطرق الال
مشروعة).
238
يدعو مالتوس الدولة إلى عدم تقديم المسـ ـ ـ ـ ــاعدات للفقراء ،ما دام ذلك يؤدي إلى زيادة أطفالهم،
وأال تزيد األجور كيال يؤدي ذلك إلى الغرض نفسـه ،كما يدعو الطبقة الغنية إلى عدم اإلحسـان إلى
الفقراء ،ألن ذلك يشـ ــجع هؤالء على الزواج (وقد اسـ ــتجابت الطبقة الغنية إلى هذه النصـ ــيحة الثمينة
وطبقتها جيداً خالل قرن كامل).
وهكــذا فــنن مــالتوس يطــالــب الطبقــة الفقيرة المحرومــة بــالقيــام بتضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحيــة جــديــدة (االمتنــاع عن
الزواج) ويحملهـا مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوليـة الكوارث التي يمكن أن تحـل بـالمجتمع من جراء مخـالفتهـا لهـذا المبـدأ
الجوهري ،وقــد جــاء في ذيــل الطبعــة الرابعــة واألخيرة من كتــاب مــالتوس قولــه (إن الهــدف العملي
لمؤلفي هذا هو تحسـ ـ ـ ــين وضـ ـ ـ ــع الطبقات الفقيرة والبائسـ ـ ـ ــة وزيادة سـ ـ ـ ــعادتها) فهو إذن اتخذ موقف
(المص ـ ـ ــلح االجتماعي) أو هكذا يتص ـ ـ ــور رم كل ش ـ ـ ــيء .والمعروف أن مالتوس قد تزوج في س ـ ـ ــن
األربعين وأنجب أربعة أوالد.
لكن فض ـ ــل مالتوس هو في كونه قد وض ـ ــع نظرية متكاملة في الس ـ ــكان وقد فرض ـ ــها على علم
االقتصـاد ،عندما أشـار إلى وجود عامل يجب د ارسـته إلى جانب اإلنتاج والتوزيع والتبادل ،ذلك ألن
العالقـة وطيـدة بين تطور عـدد السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـان وتطور كميـة اإلنتـاج .ويكون مـالتوس بـذلـك قـد أدخـل من
خالل ذلك عنصـ ــري الزمن والحركة في د ارسـ ــة الفعاليات االقتصـ ــادية في وقت كانت هذه الفعاليات
ما ت ازل تدرس وتحلل على أسس سكونية راكدة.
ولقد كان لدخول عامل السكان في صميم السياسة االقتصادية وما أثير حول هذا الموضوع من
نقاش أن تش ـ ـ ــكل علم خاص يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم االقتص ـ ـ ــاد وهو علم الس ـ ـ ــكان ،حيث أنص ـ ـ ــب
االهتمام على مشكلة السكان من وجهات نظر مختلفة:
فـأتبـاع مـالتوس (المـالتوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــين الجـدد) ممن يعتقـدون بـت ارئـه وبتخوفـه من ازديـاد عـدد السـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـان
يصـ ـ ــرون دوماً على ضـ ـ ــرورة تحديد النسـ ـ ــل بشـ ـ ــتى الطرق والوسـ ـ ــائل ليس فقط قبل الزواج بل وبعد
الزواج (حرصـاً على مســتقبل البشـرية) وردعاً للمتســي التي ســتتعرض لها من جراء الزيادة المســتمرة
في السكان.
-المدرسة الهامشية -مدرسة المنفعة الحديةوالهامشية:
كانت النظريات البسـ ـ ـ ـ ـ ــكيولوجية ،وخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة نظرية كونديان ،قد عانت خسـ ـ ـ ـ ـ ــوفاً تاماً حتى عام
،1780حيث عكف ثالثة من المفكرين وهمال يعرفون بعضــهم ،كما ويجهل كل منهم عمل اآلخر،
وقد كتبوا بثالثة لغات مختلفة وليس ألحد منهم األسـ ـ ـ ـ ـ ـ بقية على اآلخر .وال ش ـ ـ ـ ـ ـ ــك أن هنان بعض
التفـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـل في نظريـاتهم جـاءت مختلفـة أمـا الجوهر (األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس والمبـادئ) فهي واحـدة ويرجع هـذا
االتفاق إلى الظروف التاريخية التي عاشتها الرأسمالية في أوربا في تلك الفترة.
-1االقتصادي النمساوي كارل منجر .1921- 1840 MENGER
-2الرياضي الفلكي اإلنكليزي وليم ستانلي جيفونس .JEVONS 1882-1835
239
-3المهندس الفرنس ـ ـ ـ ــي ليون فالراس 1910-1834 EALRASوقد نش ـ ـ ـ ــروا نظرياتهم عن
النفع الهامشي بين 1871و 1873منطلقين من ظاهرة بسيطة :شدة الحاجة إلى الشيء تخف شيئاً
فش ــيئاً لدى إروائها منه تدريجياً ،ثم يخلص ــون إلى القول أن الوحدة األخيرة من الش ــيء (على فرض
أنه قابل للتجزئة) ،الوحدة األخيرة في سـ ــلم الرغبات تحدد منفعة الشـ ــيء كله .فنذا كانت هذه الوحدة
األخيرة ال تملك نفعاً (بس ــبب غ ازرة الس ــلعة) فنن قيمتها االقتص ــادية تهبط إلى الص ــفر وربما إلى ما
تحت الص ـ ـ ـ ــفر إذا كانت الكثة تؤدي إلى الض ـ ـ ـ ــرر .وبما أن المنفعة تمثل القيمة ،حس ـ ـ ـ ــب رأي هذه
المدرسة ،فنن المنفعة الهامشية تمثل قيمة الشيء (.)1
لمـاذا ترتبط فكرة القيمـة بفكرة النـدرة؟ ألن منفعـة كـل وحـدة من الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء تتعلق بغ ازرة الحـاجـات
الحالية والملحة التي تريد إشباعها .ومن الطبيعي أن السلعة تفقد مزية النفع كلما كانت غريزة.
وقد قدهم هذا البحث إلى إبداع نظرية المنفعة الحدية للقيمة:
Theorrie de lutilite Marginale de lavaleur… The marginal utility theory
of value
-من هـذا االكتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف لم يحفظ فـالراس إال أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس الفكرة ثم يتجـه وجهـة أخرى أمـا جيفونس
فيحاول أن يتخلص ما أسـ ـ ــما (آلية المنفعة والفائدة الشـ ـ ــخصـ ـ ــية) على أسـ ـ ــاس رياضـ ـ ــي بحت ،لكن
منجر ومؤيديه بوهم بافرن وفون وييز وغيرهم من أسـ ـ ــاتذة جامعة فيينا اسـ ـ ــتثمروا المفهوم في نطاق
ما سمي بالمدرسة النمساوية التي نحن بصددها اآلن.
اعتق منجر وأنصـ ــاره أن كل الوقائع يمكن فهمها على أسـ ــاس مفهوم القيمة الجديدة وأنه اعتبا اًر
منه يمكنه أن يشــدو بأســلوب االســتدالل آلية الحياة االقتصــادية وذلك بقلب الهرم على أرســه ،وهكذا
فقد قدموا توضحاً جديداً للمفاهيم التالية:
-1مفهوم المبادلة:
المبادلة تتم بين طرفين يتوخى كل منهما نفعاً بما سـ ـ ــيؤمنه له حصـ ـ ــوله على الوحدة الهامشـ ـ ــية
التي يتخلى عنها الطرف اآلخر.
-2مفهوم السعر:
هنان سـ ــعر وحيد في السـ ــوق بسـ ــبب قانون اإلحالل أو االسـ ــتبدال ( substitutionأي إمكانية
اس ــتبدال الش ــيء بش ــيء آخر يحل محله) والمبدول ال يمكن أن يكون له س ــعر أكبر من بديله الذي
يروى نفس الرغبة.
-3مشكلة األعزاه أو إرجاع قيمة السلعة إلى عوامل إنتاجها :imputation
أمـا منجر فيقول إن تحـديـد ذلـك ال يكون إال بتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور وجود عـامـل اإلنتـاج أو عـدم وجوده ،أنـا
عمل بدون أرس ــمال وأص ــل إلى نتيجة ما ،ثم أعمل برأس مال وأص ــل إلى نتيجة أخرى .فالفرق بين
النتيجتين يعطيني مقـدار مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهمـة رأس المـال في عمليـة اإلنتـاج .وعنـدمـا نحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل على مقـدار
240
مس ـ ــاهمة رأس المال نحذفه من قيمة الش ـ ــيء ،وهكذا نفعل بالنس ـ ــبة لعامل األرض فيكون الباقي هو
مساهمة العمل.
لكن فون ويبزر Von Wiebserال يقبــل بحــل منجر ألنــه يعتقــد بوجود تعــاون بين العوامــل
الثالثـة :عنـدي 1000عـامـل يعملون مع كميـة معينـة من عوامـل اإلنتـاج األخرى ،إذا أبقيـت منهم
500فقط فال يمكن التأكيد أن النتيجة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتكون النصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف ربما كانت أكبر وربما كانا أقل ،يجب
معرفة كيف سيتصرف نصف العمال إزاء نفس كمية عوامل اإلنتاج المحددة.
241
المبحث الرابع -األفكار االقتصادية في مرحلة اإلمبريالية ورأسمالية الدولة االحتكارية
المدرسة الكينزية :تدخل الدولة االقتصادي -جون ميناردكينز (:)1946-1883
النظرية العامة
تحت تأثير األزمة االقتص ـ ـ ــادية العالمية في بداية الثالثينات من القرن العش ـ ـ ـرين نش ـ ـ ــأت بطالة
جمـاهيريـة كـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـة في البلـدان ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة ،حيـث بلغ عـدد العـاطلين عن العمـل في بريطـانيـا عام
1936حوالي مليون ونص ـ ـ ـ ـ ــف مليون عامل ،وارتفع عددهم عام 1937إلى 1.750مليون عامل.
وكـانـت الـدولـة قـد قـامـت بتخفيض لقيمـة الجنيـه اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترليني عـام .1931ولم تكن البلـدان األخرى
أفضل حاالً من إنكلترا ،بتأثير هذه الظروف قام كينز بصياغة مبادئ التنهيج الحكومي ـ االحتكاري
لالقتصاد الرأسمالي من خالل (نظرية العمالة) .وقد وضع على أساس هذه النظرية برنامجاً لسياسة
اقتصـ ــادية مضـ ــادة لألزمات تطبقها الدولة البرجوازية .كان الهدف الرئيسـ ــي لهذه النظرية إنقاذ نظام
اإلنتاج الرأسمالي من االنهيار .وفي ذلك الوقت كانت ميزات نظام اإلنتاج االشتراكي كنظام مخطط
متفوق س ـ ـ ـ ـريع التقدم خالل من األزمات قد برزت وانعكسـ ـ ـ ــت سـ ـ ـ ــلباً على النظريات التبريرية للنظام
الرأسمالي.
لقد وجد كينز أن تطور ال أرسـمالية يصـطدم بتناقضـات حادة ال يمكن أن تزول عفوياً وكان يرى
أن أهم هذه التناقضات هي:
-1البطالة الجماهيرية.
-2عدم كفاية (الطلب الفعال) على البضائع ،الذي يؤدي إلى أن عرض البضائع ال يتطابق
أوتوماتيكيا مع الطلب عليها.
مشكلة البطالة:
كـان عـدد من االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديين البرجوازيين في إنكلت ار يطرحون مقولـة (البطـالـة االختيـاريـة) التي
تقول بأن العمال هم الذين يختارون البطالة طوعاً عندما يرفضـ ـ ــون األجور (االسـ ـ ــمية)( ،الطبيعية)
التي يحــددهــا التقــابــل الفعلي للعرض والطلــب في سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق العمــل .وكــان أكبر المــدافعين عن هــذه
الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعـة االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي اإلنكليزي بيغو ،الـذي كـان يقول بـأنـه في حـال زوال جميع القيود أمـام
المزاحمة (يقص ـ ــد بالقيود الحركة النقابية القوية ونض ـ ــال العمال ض ـ ــد تخفيض أجورهم) فنن البطالة
سـتزول أوتوماتيكيا .وفي ظروف االسـتقرار سـيحصـل على العمل كل راغب فيه .ويعتبر البطالة إلى
حد كبير ناجمة عن ض ـ ـ ـ ــغط النقابات للحفاظ على األجور عند مس ـ ـ ـ ــتوى يزيد عن المس ـ ـ ـ ــتوى الذي
يحدده تقابل عرض قوة العمل والطلب عليها ،ومن وجهة لنظر هذه فنن الوســيلة األســاســية للنضــال
ضد البطالة هي تخفيض األجور.
ويوافق كينز على وجهة نظر بيغو هذا ويؤكد على أن حجم العمالة يتغير في عالقة عكسـ ـ ـ ـ ـ ــية
مع مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتوى األجور ،يقول( :يمكن أن تتحقق زيادة التش ـ ـ ـ ـ ـ ــغيل فقط مع تخفيض األجر الحقيقية)،
242
ويس ـ ــتند في ق ارره هذا إلى نظرية اإلنتاجية الحدية ذات االنتش ـ ــار الواس ـ ــع في االقتص ـ ــاد الس ـ ــياس ـ ــي
البرجوازي ،وتقوم هذه النظرية على ما يسـ ــمى (بقانون اإلنتاجية المتناقضـ ــة) الذي يعتبر شـ ــكالً من
أشكال (قانون الخصوبة ـ أو الغلة المتناقضة).
وإذ يعلن كينز أن تخفيض األجور الحقيقية هو الشـ ـ ـ ـ ـ ــرط الضـ ـ ـ ـ ـ ــروري لزيادة حجم العمالة ،فهو
يصــب اهتماماً كبي اًر على مســائل ســياســة األجور .أنه يقف ضــد التخفيض المباشــر لألجور النقدية،
ويعتبر تخفيض األجور الحقيقية عن طريق رفع األسـ ـ ــعار أنسـ ـ ــب الطرق بالنسـ ـ ــبة ألس المال لرفع
ريعية المشروع ،وهو يعتبر هذه الطريقة وسيلة للنضال ضد البطالة.
كان كينز يعلم بأن موض ـ ــوعة (البطالة االختيارية) يمكن أن تس ـ ــتثير غض ـ ــب العمال وهو دون
أن يتخلى عن هذه الموضوعة أكملها باعترافه أن هنان (بطالة إجبارية).
كــان كينز مضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط اًر لالعتراف بــأن الطلــب اإلجمــالي ال يتطــابق بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل حتمي مع العرض
اإلجمالي للبضائع ،وأن نقص الطلب اإلجمالي هو حقيقة واقعة.
وكينز كان مض ـ ـ ـ ــط اًر لالعتراف بأن البطالة الجماهيرية واألزمات االقتص ـ ـ ـ ــادية ليس ـ ـ ـ ــت ظواهر
عرضـ ـ ــية ،وقد حاول اإلجابة عن سـ ـ ـؤال أكثر شـ ـ ــموالً هو :لماذا يتحدد حجم اإلجمالي للعاملة؟ كما
رأى أن العالج يكون بتدخل الدولة وخاصــة باالعتماد على ســياســة اســتثمار عامة تضــعها الحكومة
للتعويض عن نقص االستثما ارت في القطاع الخاص.
وهكذا فنن الدولة التي تجد اآلن لدى كينز مبررات تدخلها أكثر من أي وقت مضـ ـ ـ ــى هي التي
سـيناط بها تحقيق االسـتخدام الكامل وتطبيق أسـس الضـمانات االجتماعية وهذا ما من شـأنه إحداث
نوع من التحول الجذري في المنحة الذي عرفه حتى اآلن النظام الرأسمالي.
السياسة التمويلية والنقدية
إن السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــة التي يقترحها كينز في المجال التمويلي والنقدي ترتبط باالعتبارات األسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــية
لنظريته وهي التي تتعلق بلزوم تحقيق االستخدام الكامل.
من ناحية التمويل:
تخفيض الفائدة وتوسـيع اإلنفاق في موازنة الدولة :ولكي يتم ذلك بشـكل عقالني يجب أن ينتهي
خضوع السياسة المصرفية للمعيار الذهبي .االقتصاد أمر للنقد وليس العكس.
أ -الفائدة:
يجب تخفيض معدل الفائدة ،وهذا يدعو المس ــتحدثين إلى تنمية اس ــتثماراتهم (نتيجة ترقبهم لربح
أكثر) وهكذا يعود للفائدة دورها االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتراتيجي (بعد أن انتزع منها دورهم كناظم لتكوين التوازن بين
االسـ ـ ـ ـ ــتثمار واالدخار) لتصـ ـ ـ ـ ــبح ناظماً لمسـ ـ ـ ـ ــتوى هذا التوازن ،بفضـ ـ ـ ـ ــل ما لها من تأثير على قرار
المستثمرين :إذ كلما صار معدل الفائدة منخفضاً كلما ارتفع مستوى التوازن.
243
وال يرى كينز مانعاً من أن يضــاف إلى هذه الســياســة ما جرت عليه بريطانية من سـ ياســة مالية
تدعى س ـ ــياس ـ ــة (الس ـ ــوق المفتوحة) Open marketوهو عبارة عن بيع وشـ ـ ـراء الس ـ ــندات من قبل
المؤسسات المالية (الصرف المركزي) .لكن كينز يقترح أيضاً وسائل أكثر جرأة:
ب -اإلنفاق عن طريق الموازنة:
االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد يـأمر النقـد وهو يجـب كـذلـك أن يـأمر التمويـل الحكومي ،ولهـذا تتحتم إعـادة النظر
بقواعد الموازنة:
ألن كينز ال يخاف من تمويل االستثمارات بالقروض والدين العام. -
ألن سياسته تقوم على ضرورة اإلنفاق الحكومي للتعويض عن نقص اإلنفاق الخاص. -
وال يرى مانعاً من أن يكون اإلنفاق عن طريق الموازنة أكبر من موارد تلك الموازنة ،وسـ ـ ــياسـ ـ ــة
التمويل بالعجز هذه هي أبعد من أن تكون سيئة تصبح في نظره عالجاً ناجعاً.
من ناحية النقد :السياسة النقدية الجديدة – التمويل بالعجز:
كينز ال يخاف من اإلص ـ ــدار الذي ال يس ـ ــتند إلى تغطية .ذلك ألن معدل الفائدة ينخفض نتيجة
زيـادة الكتـل النقـديـة المتـداولـة كمـا أن زيـادة النقـد (نتيجـة اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار الـذي هو بيـد الـدولـة تؤدي إلى
تمويل االستثمارات الحكومية).
وهكذا يصـيغ كينز (وتالميذه من بعده) مفهوماً جديداً للتضـخم النقدي :inflationالتضـخم في
نظره ليس ظـاهرة نقـديـة بـل هو ظـاهرة اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة وبموجـب هـذا المفهوم ،ليس كميـة النقـد المتـداولـة
هي التي تخلق التضـ ـ ـ ـ ــخم :وإنما يخلقه عدم التوازن بين العرض والطلب الكليين ،وهو نتيجة ارتفاع
األسـعار خارج حدود االسـتخدام الكامل .أما في حالة االسـتخدام الكامل فليس هنان معنى للتضـخم،
ومهمة النفس (بتمويله لالســتثمارات واســتمالته لالســتهالن) ليس ليســت إال مهمة تصــحيحية تســاعد
على رفع مستوى االستخدام والخروج من حالة الضعف االقتصادي.
ولقد أعطت الحرب فرصـ ـ ــة لكينز يوضـ ـ ــح فكرته في كتيب صـ ـ ــغير عنوانه (كيف تمول الحرب
)how to pay for the warيبين فيه كيف أدى إنتاج الحرب إلى خلق (فارق) بين التيار النقدي
الممثل بالدخل الموزع ( 100مثالً) والتيار الحقيقي الممثل للسـلع االسـتهالكية ( )60والسـلع الحربية
( .)40ولما كانت الس ــلع األخيرة ال تدخل في الس ــوق فننه كان الزماً للتخلص من التض ــخم ،العمل
على تالفي الفيض النقـدي المعـادل ( ،)40أمـا بطريقـة الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ارئـب ،وإمـا بنظـام جـديـد اقترحـه كينز
(وطبقته بريطانيا) وهو ما يدعى بنظام (االدخار اإلجباري) بشـ ـ ـ ــكل أجور مؤجلة الدفع (يدفع قس ـ ـ ــم
من هذه األجور إلى ص ـ ـ ـ ـ ـ ــندوق انتظار بحيث ال تعاد إلى أص ـ ـ ـ ـ ـ ــحاب إال بعد انتهاء الحرب وعودة
االستهالن إلى حالته الطبيعية).
وهكذا أمس ـ ــى نظام كينز الذي قام للقض ـ ــاء على حالة االنكماش االقتص ـ ــادي ومعالجة مش ـ ــكلة
244
االستخدام نظاماً يقاوم التضخم النقدي نفسه ،ولكن على حساب الطبقات المأجورة.
ولكن كيف يمكن تخليص االقتص ـ ــاد القومي من وص ـ ــاية المعيار الذهبي دون أن نخلص ـ ــه من
ســلطة آلية المعيار الذهبي التي تمد يدها إليه من الخارج؟ كيف يمكن مكافحة نقص االســتخدام إذا
كانت البالد مفتوحة على العالم الخارجي تتلقى منه آثار انكماشه االقتصادي.
السياسة التجارية الجديدة -إقامة نظام اقتصادي دولي جديد:
وهنا أيض ـ ـ ـ ـاً يبقى كينز منطقياً مع أفكاره :فهو يرى أنه في النظام الكالسـ ـ ـ ــيكي تنعدم الوسـ ـ ـ ــيلة
الداخلية للكفاح ضـد البطالة ويقتصـر العالج على الوسـائل الخارجية التي تنشـد االزدهار عن طريق
التص ــدير .لكن س ــياس ــة كهذه إذا نجحت بالنس ــبة لدولة فهي ال تنجح بالنس ــبة لألخرى ،ألن س ــياس ــة
التص ــدير تنقل مش ــكلة البطالة إلى البالد األقل ض ــعفاً في الصـ ـراع وهذا يعني أن س ــياس ــة التص ــدير
تقيم بين األوطان حالة من النزاع ال تخدم الس ـ ـ ــلم( .لم تخترع البشـ ـ ـ رية –في رأي كينز -نظاماً أكثر
فاعلية من نظام المعيار الذهبي الدولي لجعل مصالح األوطان المختلفة في عداء مستمر).
أما في االقتصـ ـ ــاد (الكينزي) فنن التفتيش عن وسـ ـ ــائل تحقيق االسـ ـ ــتخدام الكامل إنما يتم داخل
الوطن نفســه :إقامة مصــالح قومية تتم بموجب اســتثمارات وطنية متحررة من قواعد المعيار الذهبي.
مما يؤدي إلى اتكال الدولة على نفس ـ ـ ـ ــها بحيث ال يعود هم الدولة عرض بض ـ ـ ـ ــائعها في الخارج أو
طلب بضـ ـ ـ ــائع جارتها أو رفضـ ـ ـ ــها .وهكذا يرى كينز أن الحماية الجمركية من شـ ـ ـ ــأنها زيادة العمالة
داخل البالد (وهنا نرى كينز يقترب كثي اًر من المركانتيليين).
ال شـ ــك أن كينز ال يجعل ماذا تعني سـ ــياسـ ــة االكتفاء الذاتي إذا طبقها هكذا دول العالم ،ولكنه
أراد أن يسـ ـ ــجل بذلك قناعته بأن الدولة التي تريد التخلص من البطالة والضـ ـ ــعف االقتصـ ـ ــادي إنما
يجب أن تعتمد قبل كل شــيء على نفســها ،وأن توجد العناصــر التي تقيها الشــرور التي تغزوها من
الخارج .وهو ينتقد األسـ ــاس النظري (لحرية العمل) (القائمة على آلية حركة الذهب المسـ ــتقلة معدل
الفائدة) يقترح أيضاً إقامة نظام تبادل دولي جديد.
-المدرسة الكنزية الجديدة:
تيار فكري اقتص ـ ـ ــادي حديث يقوم على معالجة مش ـ ـ ــاكل االقتص ـ ـ ــاد ال أرس ـ ـ ــمالي المعاص ـ ـ ــر من
منظور االس ــتقرار االقتص ــادي الكنزي حيث يمكننا اإلش ــارة إلى أبرز رواده :روبرت س ــوس ــو ،جيمس
توين ،وكذلك فرانكو مودلياني.
إذ قام هؤالء بتبني السـ ـ ــياسـ ـ ــات االقتصـ ـ ــادية الكنزية ونادوا بتطبيقها وتعميمها كونها ومن وجهة
نظرهم تمثل اآللية األكثر آمناً وفاعلية في ترسـ ـ ـ ـ ـ ــيخ االسـ ـ ـ ـ ـ ــتقرار االقتصـ ـ ـ ـ ـ ــادي وخاصـ ـ ـ ـ ـ ــة في حال
االقتصــاديات ال أرســمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وقد اســتمرت أفكارهم تعتبر األفضــل
واألرقى عالمياً منذ نهاية الحرب الكونية الثانية حتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي.
245
والكنزية الجديدة اتجهت من حيث منطقية التفكير االقتص ـ ــادي كس ـ ــابقتها " الكنزية " من عوامل
الطلب ودورها المتميز في تحليل وتوجيه وبالتالي إدارة االقتصـ ــاديات ال أرسـ ــمالية وتحقيق االسـ ــتقرار
واالستم اررية لها.
المسائل االقتصادية التي تناولتها الكنزية الجديدة:
كــان على الكنزيين الجــدد أن يقــدموا تحليالً منطقي ـاً وحلوالً نــاجعــة لمواجهــة أبرز مشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكالت
االقتصاديات الرأسمالية في الفترة المشار إليها " " 1973 – 1945والتي تمثلت فيما يلي:
-1التضخم.
-2الركود.
-3البطالة.
وهي مش ــكالت ما زالت تقلق خبراء االقتص ــاد المعاص ـرين حتى يومنا هذا لكن ما نحن بص ــدده
اآلن هو إيض ــاح التفس ــير الذي قدمه هؤالء االقتص ــاديون لهذه المش ــكالت من حيث معرفة أس ــبابها
وطرق معالجتها.
األســباب :يرى الكنزيون الجدد أن هشــاشــة االســتقرار االقتصــادي الذي عانت منه االقتصــاديات
ال أرس ـ ــمالية وما زالت تعاني منه إنما يحص ـ ــل بس ـ ــبب جملة من الص ـ ــدمات تلقتها االقتص ـ ــاديات ولم
تحسـن التعامل معها ،وهي بمجملها صـدمات أصـابت جانب العرض وليس جانب الطلب حيث كان
أبرزها.
-1ارتفاع أسـعار النفط الذي كان وما زال يمثل عصـب الحياة االقتصـادية المعاصـر .فمنذ قيام
حرب تشرين التحريرية عام 1973وتضامن عدد من الدول العربية المنتجة للنفط مع دول المواجهة
بدأت أس ـ ـ ـ ــعار النفط باالرتفاع ض ـ ـ ـ ــمن اتجاه عام مما يرفع الكلف اإلنتاجية ويقلق المس ـ ـ ـ ــتثمرين في
البلدان الرأسمالية.
-2تقلبات أسـ ـ ــعار الصـ ـ ــرف :وهو عامل على جانب كبير من األهمية نظ اًر العتماد األس ـ ـ ـواق
الرأسمالية على التعامالت الخارجية بشكل كبير مما يعيد هذه االقتصاديات عن االستقرار والثبات.
-3تقلبات أسـ ــعار الفائدة :إذ أنها تعبر عن تغيرات جوهرية في أس ـ ـواق المال مع ميل دائم إلى
االرتفاع مما يخفف من كمية االستثمارات ويمارس تأثي اًر جوه اًر على منحنيات العرض.
-4هذا باإلض ـ ـ ـ ــافة إلى جملة من الض ـ ـ ـ ــغوطات االقتص ـ ـ ـ ــادية التي تعاني منها االقتص ـ ـ ـ ــاديات
ال أرس ــمالية والتي من العس ــير جداً التعامل معها أو توجيهها لتحقيق االس ــتقرار االقتص ــادي المنش ــود
والتي تمثلت بـ:
الدور المتنامي لالحتكارات ال أرس ـ ـ ــمالية في رس ـ ـ ــم الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــة االقتص ـ ـ ــادية لل أرس ـ ـ ــمالية •
المعاصرة.
نقابات العمال :والتي تأخذ يوماً بعد يوم دو اًر متنامياً في الحفاظ على مكتســبات الطبقة •
246
العاملة في تلك االقتصاديات والعمل على تعظيمها وزيادتها.
النتائج التي توصل إليها الكنزيون الجدد:
-1االنطالق من معارضة أفكار المدرسة النقدية المطالبة بنبعاد الدولة عن النشاط االقتصادي
ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــاليــة ومــا يحملــه هــذا اإلجراء من زيــادة في معــدالت البطــالــة مع قبول فكرة معــدل البطــالــة
الطبيعي كتفسير سهل لمشكلة البطالة.
-2وكذلك معارض ـ ــتهم للنقديين في تبني معدل ثابت لنمو عرض النقود في االقتص ـ ــاد لمعالجة
مشـ ـ ـ ـ ــاكل التضـ ـ ـ ـ ــخم والركود إذ أن هذا اإلجراء برأيهم لن يكون ناجحاً في معالجة الصـ ـ ـ ـ ــدمات التي
تصيب جانب العرض عادة.
-3االنطالق من ض ــرورة تحقيق االس ــتقرار االقتص ــادي للبلدان ال أرس ــمالية إذ أن االقتص ــاديات
القائمة على المش ـ ــروعات الخاص ـ ــة والمس ـ ــتخدمة للنقود ال يمكنها االس ـ ــتمرار بوض ـ ــع قلق بعيد عن
الثبات وإن االسـ ـ ــتقرار الذي نتحدث عنه ال بد وأن يحقق وإال قوضـ ـ ــت عوامل القلق التطور السـ ـ ــليم
لهذه االقتصاديات وعملت على انهيارها.
-4إن من أخطر المش ـ ــكالت التي تعاني منها ال أرس ـ ــمالية اليوم هي مش ـ ــكلة الركود التض ـ ــخمي
والذي برأيهم يمثل مرضـاً عضــال ال بد من عالجه كي تســتمر اآللية االقتصــادية ال أرســمالية بالعمل
وعند البحث عن أســباب هذه المشــكلة ينطلق الكنزيون الجدد من أنها مشــكلة قد وقعت بســبب جملة
من صــدمات العرض باإلضــافة إلى قوة االحتكارات ال أرســمالية والبحث عن مصــالحها بغض النظر
عن حاجات االقتص ــاد واعتماد مبدأ األجور التعاقدية الذي يعمل على تثبيت األجور " كعامل تكلفة
" وتعطيل آلية العرض والطب في سـ ـ ــوق العمل ناهيك عن أخطاء السـ ـ ــياسـ ـ ــتين المالية والنقدية في
البلدان الرأسمالية والمتجسدة بزيادة اإلنفاق العام الغير مترافق مع زيادة معدالت الضرائب.
-5إن االقتصـ ـ ــاديات ال أرسـ ـ ــمالية تدور في حلقة مفرغة وال بد للمجتمع ال أرسـ ـ ــمالي إن حاول أن
يعالج مشـكلة ما من أن يقدم جملة من التضـخمات على شـكل مشـاكل أخرى فعالج مشـكلة التضـخم
مثالً عن طريق الســياســات المالية والنقدية " ضــبط عرض النقود " ســوف تقود حتماً باالقتصــاد إلى
أن تقع في مص ــيدة البطالة ،والبطالة ال تعالج إال من خالل زيادة معدالت النمو االقتص ــادي وزيادة
اإلنفاق العام مما يقود إلى التضخم من جديد.
-6إن االســتمرار االقتصــادي الذي تنشــده ال أرســمالية اليوم من الممكن الوصــول إليه من خالل
ســياســات مالية ونقدية رشــيدة وعندما تكون المشــكلة في عدم االســتقرار االقتصــادي ناتجة عن قوى
الطلب والطلب الفعال فالحل يكون بنتباع السياسة الكنزية في هذا المجال والتي تم تجريبها سابقاً.
أما عندما يكون األمر متعلق بصدمات العرض " وهي ذات طابع خارجي على األغلب فننه ال
توجد في هذا المجال وصـفة سـحرية جاهزة لمعالجتها إذ تصـح آلية الطلب الكلي الكنزي عاجزة عن
حلها وعندها ال يمكن للمجتمع أن يتخطى مثل هذه المش ـ ــكلة دون تقديم تض ـ ــحيات على مس ـ ــتويات
247
أخرى وفي مجاالت أخرى ويبقى للقائمين على السياستين المالية والنقدية القرار.
-المدرسة النقدية :مدرسة شيكا و
في الربع األخير من القرن الماضي تعاظمت الدراسات االقتصادية التي حاولت بشكل أو بتخر
معالجة جملة المعضـ ــالت التي عانى وما زال يعاني منها النظام ال أرسـ ــمالي المعاصـ ــر والتي أشـ ـرنا
إليها سـ ــابقاً والمتمثلة بالركود والتضـ ــخم والبطالة ومن جملة الد ارسـ ــات المعالجة للمشـ ــكلة أنفة الذكر
برزت مفاهيم المدرسـ ـ ــة االقتصـ ـ ــادية النقدية كتيار فكري جديد يقدم وجهة نظر ومجموعة أفكار نيرة
لمعالجتها.
والمدرس ــة النقدية من حيث النش ــأة فقد كانت نش ــأتها في الواليات المتحدة األمريكية وتحديداً في
مدينة شـ ـ ــيكاغو وقد مثل أسـ ـ ــاتذة جامعتها رواداً لهذه المدرسـ ـ ــة التي تضـ ـ ــم أسـ ـ ــماء المعة في الفكر
االقتصـ ــادي أمثال فريدمان وهوتري وفيكسـ ــل وهايك وجمعيهم قاموا بتوحيد وجهة نظرهم في معالجة
مش ـ ــاكل ال أرس ـ ــمالية المعاص ـ ـرة ،مس ـ ــتندين بذلك إلى جملة أفكار المدرس ـ ــة النيوكالس ـ ــيكية في الفكر
االقتصادي والتي تصدت إلى مذهب االشتراكية العلمية.
واس ـ ـ ــتطاعت أن تحدث نقلة نوعية في آلية التحليل االقتص ـ ـ ــادي وبش ـ ـ ــكل خاص من كليته إلى
جزئيته .حيث تؤكد الد ارسـات أن أنصـار المدرسـة النيوكالسـيكية قد اعتمدوا فكرة التحليل االقتصـادي
الجزئي عوض ـ ـ ـ ـاً عن الكلي محققين بذلك إنجا اًز يس ـ ـ ـ ــجل لهم في تفريغ علم االقتص ـ ـ ـ ــاد ومن محتواه
االجتماعي.
ومهما يكن من أمر فنن أنصـ ــار المدرسـ ــة االقتصـ ــادية النقدية يسـ ــتندون إلى النيوكالسـ ــيكية في
فكرهم وينطلقون قدماً من خالل إعطاء النقود دو اًر حاسـ ــماً وحيوياً في االقتصـ ــاديات ال أرسـ ــمالية لهذا
سميت مدرستهم بالمدرسة النقدية.
المنطلق األسـ ـ ــاسـ ـ ــي للمدرسـ ـ ــة النقدية :إن النظام االقتصـ ـ ــادي ال أرسـ ـ ــمالي هو نظام اقتصـ ـ ــادي
اجتماعي مســتقر من حيث المبدأ ،وال أرســمالية كنظام قادر على إحالل التوازن بين جملة المؤش ـرات
الناظمة لعملها وإن االختالالت ناشـ ـ ـ ــئة عن التدخل في آلية وصـ ـ ـ ــيرورة عمل القوانين االقتصـ ـ ـ ــادية
الرأسمالية نفسها.
يرى النقديون أن االختالل المعاصـ ـ ــر في االقتصـ ـ ــاديات ال أرسـ ـ ــمالية ما هو إال اختالل حاص ـ ــل
نتيجة تغلغل الفكر النقابي المطالب بتحقيق زيادات مسـ ــتمرة في األجور في سـ ــوق العمل مما يخرج
األسـ ـواق ال أرسـ ــمالية عن مؤشـ ـرات تشـ ــكل األجر كعنصـ ــر من عناصـ ــر التكلفة وفق عوامل العرض
والطلب ومن هنا يبدأ االختالل وعدم التوازن وينتقل ليحمل معه جملة اختالالت أخرى على مستوى
االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـات ال أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـاليـة بـأكملهـا ،والحقيقـة التي يحـاول النقـديون تـأكيـدهـا في هـذا المجـال هو
248
االنطالق من ضـ ــرورة تخلي الدولة ال أرسـ ــمالية عن دورها االقتصـ ــادي لتعود إلى دورها اإلداري فقط
وبهذا يعود التوازن إلى هذه االقتصـاديات ويسـتمر النظام االقتصـادي ال أرسـمالي بسـهولة ويسـر بعيداً
عن األزمات.
النقديون يعاررون الكنزية:
إذا كان النقديون ينطلقون من إعطاء النقود دو اًر هاماً وحاسـماً في النشـاط االقتصـادي وينسـجون
من خالل هذا الدور نظرية اقتص ــادية متكاملة فهم بذلك يتفقون مع جون مينارد كينز الذي يعارض
أفكار المدارس الكالسيكية والنيوكالسيكية التي تهمش دور النقود وتعتبرها وسيلة للتداول فقط.
والحقيقة أن الخالف بين الكنزية والنقدية من حيث الجوهر ال يتوقف على أن إحداها يسـ ـ ـ ـ ــتخدم
التحليل والمؤشـ ـرات النقدية واآلخر ال يس ــتخدمه وإنما الخالف حول كيفية القيام بهذا التحليل والدور
المعطى للنقود في رسم السياسة االقتصادية العامة وقدرتها على تحقيق النتائج المرجوة.
من هن ــا نقول إن جون مين ــار وكينز ق ــد أعطى للنقود أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً دو اًر ه ــام ـاً في ح ــدوث ال ــدورة
االقتص ـ ـ ـ ـ ــادية واس ـ ـ ـ ـ ــتخدامها في تحليله النقدي وما تحليل كينز لمس ـ ـ ـ ـ ــتويات التوظيف واالس ـ ـ ـ ـ ــتثمار
ال أرســماليين المســتند أســاس ـاً للتغيرات التي تصــيب ســعر الفائدة المرتبط بالميل الحدي لالســتثمار ما
هو إال تحليالً نقدياً.
فض ـ ـ ـالً من هذا وذان وإن س ـ ـ ــعر الفائدة كمؤش ـ ـ ــر اقتص ـ ـ ــادي يس ـ ـ ــتخمه كينز في زيادة معدالت
االسـتثمار واالسـتهالن ما هو إال مؤشـر نقدي في الحقيقة ويتحدد كما الجميع يعلم من خالل تقاطع
منحنيات عرض النقود وطلبها والنقديون يدركون ذلك جيداً والخالف األس ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ــي الذي يركز عليه
النقديون معارضـ ـ ــتهم لكينز إنما يتركز في آلية التحليل النقدي الذي اعتمده كينز إذ أنهم ينتقدوه في
ذلك ويقدمون تحليالً آخ اًر بديالً يعبر عن فهم جديد لدور النقود في تحقيق االسـ ـ ـ ــتقرار االقتصـ ـ ـ ــادي
الرأسمالي المنشود.
أوالً -فيما يخص سـ ـ ـ ــعر الفائدة وهو كما رأينا سـ ـ ـ ــابقاً أن كينز يعول عليه كثي اًر في الخروج من
أزمات التوظيف واالســتثمار واالســتهالن نرى النقديون بذلك ويعتبرونه مخطئاً مســتندين بقرارهم هذا
إلى ما يلي:
-1إن قرار المسـتثمرين وبشـكل خاص منتجي وسـائل اإلنتاج في المدى القصـير ال يتأثر ب ـسعر
الفائدة وتخفيضـه كما يعتقد كينز وخاصـة إذا ما كان سـعر الفائدة هذا ال يشـكل إال جزءاً بسـيطاً من
التكلفة.
-2في المدى الطويل يعتقد النقديون أن العامل األسـاسـي والمؤثر في قرار اسـتثمار المسـتثمرين
ال يس ـ ــتند إلى تخفيض أو رفع س ـ ــعر الفائدة ،وإنما قرار االس ـ ــتثمار هذا يس ـ ــتند بش ـ ــك أس ـ ــاس ـ ــي إلى
مجموعة من العوامل األخرى كالتقدم التكنولوجي أو النمو الس ـ ـ ـ ــكاني وأيضـ ـ ـ ـ ـاً الس ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ــات العامة
249
للدولة ...الخ.
ثانياً -يعتبر النقديون أنه في االقتص ــاد ال أرس ــمالي ليس هنان ما يؤكد وجود عالقة مباشـ ـرة بين
مستوى االستثمار وسعر الفائدة وهذا ما يشكل تقويضاً للنظرية الكنزية وتضاد مباشر معها.
ثالثاً -كلنا نعلم أن كينز في تحليله آللية الخروج من األزمات االقتص ـ ـ ــادية ال أرس ـ ـ ــمالية يكس ـ ـ ــر
قواعد التوازن الكالسـيكية والنيوكالسـيكية وخاصـة توازن عرض النقود مع الطلب عليها ويقدم سـياسـة
التمويل بالعجز كحل للركود االقتصـ ـ ــادي خلق الطلب الفعال وبهذا يكمن جوهر معارضـ ـ ــة النقديون
له.
إذ أن سياسة التمويل بالعجز كحل من وجهة نظر النقديين إلى اإلخالل بمستوى التوازن النقدي
في االقتصـ ــاد وأن النتيجة المباش ـ ـرة لزيادة عرض النقود " التمويل بالعجز " سـ ــوف تكون الوقوع في
مصــيدة التضــخم التي أصــبحت قضــية العصــر ومســألة اقتصــادية يكلف غالباً معالجتها أو الحد من
آثارها والخروج منها.
رابعاً -لقد اعتمد كينز س ـ ـ ــياس ـ ـ ــة التمويل بالعجز في زيادة عرض النقود بقص ـ ـ ــد زيادة التش ـ ـ ــغيل
وخلق الطلب الفعال ،لكن واقع االقتصـ ـ ـ ــاديات ال أرسـ ـ ـ ــمالية يؤكد أنه وخاصـ ـ ـ ــة في الربع األخير من
القرن الماضـ ــي لم تترافق نسـ ــبة الزيادة في معدالت التشـ ــغيل مع نسـ ــبة الزيادة في عرض النقود ،أو
بتعبير آخر إن هذه السـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــة الكنزية لم تكن فاعلة بما يكفي لزيادة معدالت التشـ ـ ـ ــغيل ،مما أوقع
االقتصاديات الرأسمالية في براثن البطالة المترافقة مع التضخم.
وهذا ما عبر عنه بالداء الجديد لل أرســمالية المعاص ـرة " ظاهرة الركود والتضــخمي لهذه األســباب
مجتمعة وقف النقديون وبش ـ ــكل خاص ميلتون فريدمان بقوة وجه الكنزية مظه اًر خطئها ومس ـ ــؤوليتها
عما أصـاب االقتصـاديات ال أرسـمالية نتيجة إهمالها للسـياسـة النقدية في النشـاط االقتصـادي متوصـالً
إلى نتيجة مفادها :إن ال أرس ـ ــمالية لم تكن لتص ـ ــاب بداء الركود التض ـ ــخمي لوال تطبيقها الس ـ ــياس ـ ــات
الكنزية.
ومن جديد بدأ فريدمان وأنص ـ ـ ـ ــاره من رواد المدرس ـ ـ ـ ــة النقدية يظهرون األهمية المحورية للعامل
النقدي ويعتبرونه نقطة االنطالق األسـ ــاسـ ــية في التبنؤات المسـ ــتقبلية ورسـ ــم السـ ــياسـ ــات االقتصـ ــادية
العامة أيضاً وهذا سمي من قبل فريدمان نفسه " بالثورة النقدية المضادة ".
جوهر النظرية النقدية لفريدمان:
ينطلق فريدمان في عرض نظريته النقدية من أن النظام ال أرســمالي هو نظام مســتقر بطبيعته أو
بتعبير آخر إن العمل وفق القوانين االقتصـادية ال أرسـمالية سـوف يحقق االسـتقرار لهذه االقتصـاديات
بش ـ ــكل حتمي فيما لو نزلت قوانين ال أرس ـ ــمالية تفعل مفاعيلها بش ـ ــكل ص ـ ــحيح .ثم يتابع فريدمان في
عالجه لمش ـ ـ ـ ـ ــكالت النظام ال أرس ـ ـ ـ ـ ــمالي المعاص ـ ـ ـ ـ ــر والمتمثلة بالتض ـ ـ ـ ـ ــخم والبطالة والركود " الركود
250
التضــخمي " منطلقاً من حقيقة أن هذه المشــكالت ناتجة بفعل التقلبات الكبيرة التي تصــيب الرصــيد
النقدي للدولة.
أي أن فريدمان يعتبر أن سـ ــياسـ ــة التمويل بالعجز التي نادى بها جون منارد كينز والتي تنطلق
من كونها تعمل على زيادة عرض النقود في االقتصاد وهي المسؤولة عن خلق مشكلة التضخم وما
ينتج عنها من ارتفاع في األس ـ ـ ــعار باإلض ـ ـ ــافة إلى مش ـ ـ ــكالت الركود االقتص ـ ـ ــادي وارتفاع معدالت
البطالة.
واس ــتناداً إلى ما تقدم يؤكد فريدمان أن التغيرات التي تص ــيب مس ــتويات الدخل الناتج والتوظيف
في االقتصـ ــاديات ال أرسـ ــمالية مردها تغيرات في عرض النقود ،وإن إتباع الدول ال أرسـ ــمالية للوصـ ــفة
الكنزية " التمويل بالعجز " قد خلق اختالالت في آليات عمل النظام ال أرس ـ ــمالي المعاص ـ ــر والتي ال
يمكن معالجتها إال من خالل تصـ ـ ــحيح األوضـ ـ ــاع النقدية لهذه الدول وإعادة التوازن ألس ـ ـ ـواق المال
وهذا هو المدخل األساسي لحل مشكالت النظام االقتصادي الرأسمالي المعاصر.
كما يمكن إيضاح جوهر التحليل النقدي لفريدمان وفق ما يلي:
إذا ما كانت الس ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ــة الكنزية التي طبقتها الدولة ال أرس ـ ـ ـ ــمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية
الثانية قد قادت إلى التضــخم والركود بســبب التوســع في اإلصــدارات النقدية " زيادة عرض النقود "
فنن الخروج من هذه المعضــلة يتطلب العودة إلى التأثير في كمية النقود على المســتوى االقتصــادي
وإعادة مسـ ـ ـ ـ ــتوى عرض النقود إلى الحدة الذي نسـ ـ ـ ـ ــتطيع من خالله تجاوز هذه األزمة .ولتبيان أثر
العامل النقدي فيجب حل المعض ـ ــالت الس ـ ــابقة ،ينطلق فريدمان من فرض ـ ــية أن البنك المركزي في
دولة ما س ــوف يتبع س ــياس ــة نقدية توس ــعية مما يقض ــي حتماً الزيادة في عرض النقود على مس ــتوى
االقتصــا د عن طريق قيام القائمين بأعمال هذا البنك بشـراء الســندات الحكومية وهذا ما ســوف يؤدي
إلى زيادة الطلب على هذه السـ ـ ـ ـ ـ ــندات وارتفاع أسـ ـ ـ ـ ـ ــعارها وتخفيض العائد عليها ،وهذا طبعاً متعلق
بشـ ـ ـ ــكل أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــي بنجراء قام به البنك المركزي في هذه الدولة ،أما األفراد ونتيجة بيعهم السـ ـ ـ ــندات
ال حكوميـة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف تزداد كميـة النقـد بين أيـديهم زيـادة كبيرة ممـا يـدفعهم إلى إنفـاق هـذه النقود على
االسـ ـ ـ ــتهالن واألصـ ـ ـ ــول العينية من أراض وعقارات مما يرفع أسـ ـ ـ ــعارها انطالقاً من أن الطلب على
النقود حســب رأي فريدمان ثابت في األجلين القصــير والمتوســط وهنا يتوصــل فريدمان إلى اســتنتاج
على درجة بالغة من األهمية هو اتباع المص ـ ـ ــارف المركزية لس ـ ـ ــياس ـ ـ ــة توس ـ ـ ــعية تعمل على تحقيق
زيادات في عرض النقود مما يقود إلى زيادة اإلنفاق على االس ــتهالن واالس ــتثمار وبالتالي زيادة في
الطلب الكلي سوف يكون لها أثار متباينة حسب حالة التشغيل السائد في االقتصاد.
أ -إذا كان االقتصـاد يعمل في مرحلة التوظيف الناقص فنن اتباع هذه السـياسـة سـيقود إلى زيادة
في التوظيف واإلنتاج وتخفيض معدل البطالة.
251
ب -إذا كان االقتصـاد يعمل في مرحلة التوظيف الكامل أو إن هذه السـياسـة التوسـعية قد اسـتمرت
فترة طويلة من الزمن فننها سوف تؤدي حتماً إلى التضخم.
أما في الحالة المعاكسـ ـ ــة أي حال اعتماد البنك المركزي لدولة ،باعتماده سـ ـ ــياسـ ـ ــة انكماشـ ـ ــية "
انكماش نقدي متعمد " فنن هذا يقتض ــي أن يقوم البنك المركزي لهذه الدولة ببيع الس ــندات الحكومية
وه ــذا م ــا يقل ــل من عرض النقود ويخفض من حي ــث النتيج ــة كمي ــة النق ــد المتوافرة لألفراد ويخفض
الطلب الكلي مما يزيد من معدالت البطالة ويحدث انكماش في مستوى األعمال واإلنتاج.
وبذلك تكون الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــة النقدية التي تعتمدها الدولة ال أرس ـ ـ ــمالية هي العامل الحاس ـ ـ ــم في حدوث
ومعالجة أخطر مشاكل الرأسمالية المعاصرة المتمثلة بالركود التضخمي.
تحليل نقدي:
إن الغاية والمقص ــد من عرض التحليل التالي لفريدمان هو إبراز إحدى أهم النتائج التي توص ــل
إليها هذا االقتص ـ ـ ــادي والتي تمثل طعنة حقيقية للمدرس ـ ـ ــة االقتص ـ ـ ــادية الكنزية والمتمثلة بأنه وعلى
المدى الطويل ال توجد أية عالقة بين التضخم والبطالة.
ولشـ ــرح هذه الفكرة بالذات ينطلق فريدمان من فرضـ ـ ية أن أحد المصـ ــارف المركزية لدولة ما قد
قام بتطبيق ســياســة انكماشــية " التقليل من عرض النقود " كوســيلة لمكافحة التضــخم وبرأي فريدمان
فنن تطبيق هذه الس ـ ـ ـ ـ ــياس ـ ـ ـ ـ ــة لن يؤدي فو اًر إلى التأثير على معدالت األس ـ ـ ـ ـ ــعار واألجور ويقود إلى
خفضـها أو بتعبير آخر إن مرونة األسـعار واألجور تجاه هذه السـياسـة االنكماشـية سـوف تكون قليلة
أو باألحرى ليست فورية.
إذ أن فريدمان يعتقد أن تطبيق الس ــياس ــة االنكماش ــية هذه " تخفيض عرض النقود والتي تتطلب
نزول المصـ ــرف المركزي إلى السـ ــوق بصـ ــفته بائعاً للسـ ــندات الحكومية قليل من كمية النقد المتوافرة
لدى األفراد مما يخفض في معدالت الطلب الكلي على مسـ ـ ــتوى االقتصـ ـ ــاد وهذا بحد عينه مكافحة
جادة للتض ـ ــخم وما ينتج عنه من ارتفاع باألس ـ ــعار لكن فريدمان ال يرى في هذه الس ـ ــياس ـ ــة تخفيض
فوري لمعدالت األســعار واألجور على مســتوى االقتصــاد وحجته في ذلك أنه ال بد وأن تمضــي فترة
من الزمن على تطبيق السـ ــياسـ ــة االنكماشـ ــية حتى يقوم رجال األعمال بتفهم هذه السـ ــياسـ ــة وتعديل
خططهم اإلنتاجية بما يتوافق معها ويخفضون بالتالي من مستويات اإلنتاج.
أمـا فيمـا يخص العمـال العـاطلين عن العمـل فيرى فريـدمـان إنـه ال بـد من مرور فترة من الزمن
حتى يقتنعوا بتخفيض معــدالت األجور " إذ أن هنــان فئــة من العمــال العــاطلين يرفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون العمــل
بأجور قليلة ظناً منهم أنهم سوف يجدون عمالً أفضل في المستقبل القريب وبأجر أعلى " وفقط بعد
مرور هذه الفترة س ـ ــوف يقتنع العمال العاطلين عن العمل بمس ـ ــتويات األجور المنخفض ـ ــة كتعويض
لقوة عملهم.
252
ومعنى ذلك أن معدالت األســعار واألجور لن تتكيف فو اًر مع انخفاض عرض النقود " الســياسـة
االنكماشـ ــية " وإن ارتفاع األسـ ــعار والبطالة سـ ــوف تسـ ــتمر فترة من الزمن على الرغم من السـ ــياسـ ــة
االنكماشية.
ومن ثم يتوصـ ـ ــل فريدمان إلى نتيجة على درجة بالغة من األهمية محتواها أن التضـ ـ ــخم ظاهرة
نقدية مس ـ ـ ـ ــتقلة عن ظواهر ارتفاع األجور وض ـ ـ ـ ــغط النقابات العمالية أما البطالة فهي ظاهرة راجعة
باألص ــل إلى تدخل الدولة في الحياة االقتص ــادية على نحو يعطل آلية األس ــعار في س ــوق العمل إذ
أن منطلق الس ــوق ال أرس ــمالي يقتض ــي انخفاض األجور عندما يزيد عرض العمل عن الطلب عليه.
وبهذا يرى فريدمان والنقديون من خلفه أن إعانات البطالة المطبقة في البلدان ال أرس ـ ــمالية تتجاوز ما
يسـ ـ ـ ـ ـ ــمى فكرة معدل البطالة الطبيعي المترافق مع حالة االسـ ـ ـ ـ ـ ــتقرار النقدي وأن أية محاولة من قبل
الـدولـة لمعـالجـة عن طريق خلق دخول وفق الوصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـة أو المفهوم الكنزي سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف يؤدي حتمـاً إلى
التضـخم وعدم االسـتقرار وبهذا تفسـير كامل لظاهرة الركود التضـخمي التي تعاني منها االقتصـاديات
الرأسمالية وبالفهم الصحيح تتضح الحلول المناسبة لها.
-المدرسة المؤسسية (جون كينيث البريث):
لقد انطلق رواد هذه المدرسـ ـ ـ ــة من نقدهم لمنهج التحليل االقتصـ ـ ـ ــادي الذي اتبعه النيوكالسـ ـ ـ ــيك
المنطلقين من أن ال أرســمالية قادرة كنظام اقتصــادي اجتماعي على تجاوز اختالالتها دون تدخل من
أيــة جهــة كــانــت أو بتعبير آخر إن قوى السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق التلقــائيــة والعفويــة قــادرة على إعــادة التوازن إلى
االقتصاديات الرأسمالية.
كما يعتقد جون كالبيرت والعديد من أنصــاره أن الســياســات االقتصــادية الكنزية لم تعد فاعلة في
مواجهة مشكالت اقتصاد الرأسمالي المعاصر من ركود وبطالة وتضخم.
حيث أن هذه المشـ ــكالت هي من حيث الجوهر مشـ ــكالت ناتجة عن الفجوة القائمة والتي تزداد
اتسـ ـ ــاعاً بين مسـ ـ ــتويات التطور المرتفعة في اإلنتاج والتكنولوجيا من جهة وبين النظام المؤس ـ ـ ـسـ ـ ــي
لل أرسـ ـ ـ ـ ــمالية من جهة أخرى ،وأنه كي يتم إصـ ـ ـ ـ ــالح مؤس ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــي بين األطراف نجد أنها تتكون من
الشركات والعمال والحكومات.
أي أن أنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار هـذا المـذهـب ومن حيـث النتيجـة يـدعون إلى نوع من اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالح االجتمـاعي
لل أرس ـ ـ ــمالية تلعب فيه الحكومة دو اًر مهماً لتأمين االس ـ ـ ــتفادة القص ـ ـ ــوى من نظام الس ـ ـ ــوق ال أرس ـ ـ ــمالي
وتجنب ما أمكن من مساؤها.
ثم بعد ذلك ش ــرح الفكرة األس ــاس ــية لهذه المدرس ــة الفكرية االقتص ــادية يقوم كالبريت بنظهار نقده
للكنزية ليقول:
" إن السـوق ال أرسـمالية المعاصـرة قد نجحت فاعليتها تحت تأثير القوى االحتكارية المعاصـرة في
253
الخروج من مـأزق الركود التضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخمي ،وأنـه وللخروج من هـذا المـأزق ال يمكن اعتمـاد الوصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـات
الكنزية التقليدية بل إن حل هذه المعض ـ ـ ــلة ال يمكن أن يتم إال من خالل التدخل النش ـ ـ ــط للدولة في
الحياة االقتصـ ـ ــادية ويتابع كالبريت حديثه عن إمكانية حل مشـ ـ ــكلة التضـ ـ ــخم من خالل رقابة الدولة
ال أرس ــمالية على األجور واألس ــعار وتهيئة المناخ المناس ــب لالرتفاع بمعدالت النمو االقتص ــادي من
ناحية أخرى.
كما أن كالبريت ينطلق في حل مش ــكلة التوزيع في االقتص ــاد ال أرس ــمالي من خالل وجود قوانين
خاص ــة بالحد األدنى لألجور أقل من مس ــتوى األجر الس ــائد في الس ــوق ،باإلض ــافة إلى األخذ بمبدأ
التخطيط االقتصادي حتى يمكن التنسيق بين:
قطاع الشركات الكبرى " القطاع التكنوقراطي ". أ-
ب -مؤسسات القطاع العام والحكومة " القطاع البيروقراطي ".
هذا باإلضـ ــافة إلى التنسـ ــيق بين كافة البلدان الصـ ــناعية في مجاالت نظام النقد الدولي والتجارة
الدولية.
254
مصادر ومراجع مختارة:
.1االتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم االجتماعية واإلنسانية ،القسم األول -العلوم االجتماعية،
تأليف عدد من المختصين ،ترجمة جماعة من األساتذة .اليونسكو -المجلد( ،)1مطبعة جامعة
دمشق .1976
.2أحمد الحاج فراس العوران ،االقتصاد ا :Economicsسيات ومبادئ ومفاهيم ،الجامعة األردنية،
منشورات عمادة البحث العلمي – عمان .1999
.3أحمد درغام ،تاريخ الفكر االقتصادي ،مذاهب اقتصادية ،جامعة دمشق ،1982ص.14-13
.4أحمد صادق سعد ،تاريخ مصر االجتماعي االقتصادي ،دار ابن خلدون ،بيروت .1979
.5أحمد مراد ،دروس في االقتصاد السياسي ،أملية محاضرات ألقيت على طالب كليتي التجارة
والحقوق بجامعة دمشق .1974-1973
.6أدولف أرمان وهيرمان رانكه ،مصر والحياة المصرية في العصور القديمة ،مكتبة النهضة
المصرية ،القاهرة .1959
.7أدوين مانسفيلد وناريمان بيهرافيتش -علم االقتصاد ،مركز الكتب األردني -عمان .1988
.8أسس المعارف السياسية ،مجموعة من المؤلفين ،دار التقدم ،موسكو .1975
.9إسماعيل صبري عبد هللا ،دروس في االقتصاد السياسي محاضرات ملقاة على طالب كلية
الحقوق ،جامعة اإلسكندرية.
.10االقتصاد السياسي دليل العلوم االجتماعية ،مجموعة من المؤلفين السوفييت ،ترجمة د .فؤاد
أيوب ،دار دمشق للطباعة والنشر ،دمشق .،1985
.11االقتصاد السياسي للرأسمالية ،النظرية الماركسية -اللينينية ،دار التقدم موسكو .1976
.12االقتصاد السياسي ،دليل العلوم االجتماعية ،أكاديمية العلوم في االتحاد السوفييتي ،ترجمة د.
فؤاد أيوب ،دار دمشق للطباعة والنشر ،دمشق .1986-1985
.13أوسكار النجه ومجموعة من االختصاصيين البولونيين ،مسائل االقتصاد السياسي لالشتراكية،
ترجمة أحمد فؤاد بلبع ،دار الحقيقة ،بيروت .1972
.14أوسكار النكه (اقتصادي بولوني مشهور) ،االقتصاد السياسي ،الجزء األول ،تعريب د .محمد
سلمان حسن ،دار الطليعة ،بيروت .1967
إيلي غنزبرغ ،االقتصاد البشري،ترجمة عبد الكريم ناصيف ،و ازرة الثقافة ،دمشق .1980 .15
ايلين وموتيليف ،ما هو االقتصاد السياسي ،دار التقدم موسكو .1987 .16
.17بريشكينا وزيركين وباكوفليفا ،ما هي المادة التاريخية ،دار التقدم موسكو.1986
تاريخ ابن خلدون "مقدمة ابن خلدون" المجلد األول ،دار البيان. .18
.19تيسير شيخ األرض ،ابن خلدون ،دار األنوار ،بيروت .1966
255
.20جان توشار ،تاريخ األفكار السياسية ،ت .ناجي الدراوشة ،الجزء الثاني ،و ازرة الثقافة دمشق
.1984
.21جو زيف الجوجي ،المذاهب االقتصادية ،ترجمة د .ممدوح حقي ،منشورات عويدات بيروت
،1984الطبعة الثانية.
.22جوان روبنسون وجون إيتويل ،مقدمة في علم االقتصاد الحديث ،دار الطليعة – بيروت .1980
حافظ يقظان بو حمدان ،مبادئ علم االقتصاد السياسي (االجتماعي) ،دار يقظان للدراسات .23
العلمية.1983 ،
.24خالد الحامض ،االقتصاد السياسي ،منشورات جامعة حلب ،سورية .1989
خالد واصف الوزني و د .أحمد حسين الرفاعي ،مبادئ االقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق، .25
دار وائل للنشر عمان .1999
.26روجيـه دوهيم ،مدخـل إلى االقتصـاد ،ت .د .سموحي فوق العادة ،منشورات عويدات ،بيروت
.1971
.27صبحي تادرس قريصة و دكتور مدحت محمد العقاد ،مقدمة في علم االقتصاد ،دار النهضة
العربية للطباعة والنشر ،بيروت .1983
صفوح األخرس،علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها ،و ازرة الثقافة،دمشق .1980 .28
عارف الخطيب ،علم االقتصاد ،مطبعة الحكومة ،دمشق .1925 .29
.30عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،جامعة حلب ،مديرية الكتب والمطبوعات.1981،
عارف دليلة ،بحث في االقتصاد السياسي ،دار الطليعة ،بيروت 1987ط.2 .31
.32عارف دليله ود .إسماعيل سفر ،تاريخ األفكار االقتصادية ،جامعة دمشق ،مطبعة دار الكتاب،
دمشق .1989
عبد القادر العظم ،علم االقتصاد ،مطبعة الجامعة السورية ،دمشق .1931 .33
عرض اقتصادي تاريخي ،الجزء األول ،تشكيالت ما قبل الرأسمالية ،جامعة باترس لومومبا .34
للصداقة بين الشعوب ،دار التقدم ،موسكو.
.35علي أحمد عتيقة ،نظرة في علم االقتصاد والتنمية ،منظمة األقطار العربية المصدرة للبترول
الكويت .1982
غاي ستاندينغ ،المشاركة في القوة العاملة والتنمية ،ترجمة عفيف الرزاز منشورات و ازرة .36
الثقافة ،دمشق .1984
.37غسان إبراهيم ،مدخل إلى علم االقتصاد ،منشورات جامعة دمشق.2011 ،
فتح هللا ولعلو ،االقتصاد السياسي مدخل للدراسات االقتصادية ،دار الحداثة ،بيروت.1981 .38
256
.39فريدريك انجلز "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" ،في كتاب كارل ماركس وفريدريك انجلز،
المؤلفات المختارة ،المجلد الثالث ،دار التقدم ،موسكو .1976
.40فريديريك انجلس ،أصل األسرة والملكية الخاصة والدولة ،ترجمة أديب يوسف ،منشورات دار
الفارابي ،المطبعة التعاونية دمشق .1958
.41كامل بكري ،مبادئ االقتصاد ،الدار الجمعة ،بيروت .1987
الكسندر يوزويف ،ما هي الرأسمالية ،دار التقدم ،موسكو .1987 .42
.43كلمنيتيف ،فاسيلييفا ،ما هي االشتراكية ،دار التقدم موسكو .1987
.44كمال شرف ،النقود والمصارف ،مطبعة جامعة دمشق.
.45كيريلينكو وكروشونوفا ،ماهي الفلسفة ،دار التقدم موسكو .1987
.46لبيب شقير ،تاريخ الفكر االقتصادي ،دار نهضة مصر للطبع والنشر ،القاهرة.
.47لويد .ج .رينولدز ،عوالم االقتصاد الثالثة ،ترجمة نايف حسين العطواني مراجعة عيسى عصفور،
و ازرة الثقافة ،دمشق .1982
.48ليونتيف ،موجز االقتصاد السياسي ،دار التقدم موسكو .1975
.49ماركس -انجلز ،منتخبات في ثالثة مجلدات ،المجلد الثالث ،الجزء األول ،نقالً عن كليمنتيف
وفاسيلييفا ،ما هي االشتراكية دار التقدم موسكو.
.50المجموعة اإلحصائية لعام ،1988المكتب المركزي لإلحصاء ،دمشق ،1988ص.ص-500
.503
مجموعة من المؤلفين ،نظرات في علم االقتصاد ،ترجمة محمد حنونة ،منشورات و ازرة الثقافة، .51
دمشق .1982
.52محسن كاظم ،مبادئ االقتصاد النظرية والتطبيق ،دار المعرفة للطباعة والنشر واإلعالن ،الكويت
.1986
محمد باقر الصدر ،اقتصادنا ،دار التعارف للمطبوعات ،بيروت .1986 .53
.54محمد حامد دويدار ،االقتصاد السياسي ،الدار الجامعية ،بيروت .1988
.55محمد سعيد نابلسي ،االقتصاد السياسي ،جامعة دمشق ،المطبعة الجديدة ،دمشق 198536
محمود عبد المولى ،تطور الفكر االقتصادي واالجتماعي عبر العصور ،الشركة التونسية .56
للتوزيع ،تونس .1986
محمود يونس محمد و د .عبد النعيم محمد مبارن ،أساسيات علم االقتصاد ،الدار الجامعية .57
بيروت .1985
.58محمود يونس ،دكتور أحمد رمضان نعمة هللا ،مقدمة في علم االقتصاد ،الدار الجامعية بيروت
.1992
257
مصطفى العبد هللا ،علم االقتصاد والمذاهب االقتصادية ،منشورات جامعة دمشق.1993 ، .59
مقرر لطالب السنة األولى في كلية الشريعة – جامعة دمشق.
.60مصطفى رشدي شيحة ،علم االقتصاد من خالل التحليل الجزئي ،الدار الجامعية للطباعة
والنشر ،بيروت .1985
.61مطانيوس حبيب ،االقتصاد السياسي ،جامعة دمشق ،1984ص.225
الموارد والتنمية ،تحرير بيتر دورنر ومحمود الشافعي ،منظمة األقطار العربية المصدرة .62
للبترول ،الكويت .1984
موجز القانون االقتصادي ،مجموع من المؤلفين السوفييت ،دار الجماهير. .63
.64الموسوعة االقتصادية ،تعريب عامل عبد المهدي ود .حسن عبد الهموندي ،دار ابن خلدون،
بيروت .1980
.65الموسوعة االقتصادية ،مجموعة من االقتصاديين ،تعريب ،دار ابن خلدون للطباعة والنشر
والتوزيع ،بيروت .1980
.66نعمة هللا نجيب إبراهيم ،مقدمة في االقتصاد ،الدار الجامعية ،بيروت .1990
.67نيكيتين ،أسس االقتصاد السياسي ،دار التقدم موسكو .1984
.68هانز ياخمان ،العالقات االقتصادية الخارجية للدول النامية ،ترجمة الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،القاهرة .1977
.69يعقوب أرتيني (باشا) األحكام الشرعية في شأن األراضي المصرية ،تعريب سعيد عمون ،المطبعة
الكبرى األميرية ببوالق مصر المحمية ،القاهرة 1306هـ ط.1
.70يوري بوبوف ،دراسات في االقتصاد السياسي اإلمبريالية والبلدان النامية ،دار التقدم
موسكو.1984
.71يوري ف .كانشانفسكي ،عبودية ،اقطاعية أم أسلوب إنتاج آسيوي؟ ترجمة د .عارف دليلة ،دار
الطليعة ،بيروت ،1980ص.215
.72يوسف جميل نعيسة ،تاريخ الفكر السياسي ،جامعة دمشق ،مطبعة رياض ،دمشق .1982
1. A. Moret, Des clams aux empires, La Renaissance du Livre , 1923, Paris
2. Britannica encyclopedia 1994 – 1999.
3. Ekonomia Polityczna, Pod redakcia Noukowa S. Szeflerai
4. J. Nowicki Zarys Ekonomi Politycznej Kapitalizmu, P.W.E. , Warszawa 1971.
258
5. J.S. Mill, Principles of Political Economy , A shley edition .
6. K. Marks, Kapital, tom I.
7. L. Krzywichi’ Rozwoj Spoleczny ws'ro'd zwierzat i urodzaju Ludskiego
warszuwa 1955.
8. Oskar Lange, Ekonomia Polityczna, tom I P.W.N. Warszawa 1974,S.178/179
9. S. Marciniaka, P.W.N. , Warszawa 1974. Str. 159- 162.
10. S. Szefler i s. Marciniak, Ekonomia Ploityczna, P.W.E., Warszawa 1974.
11. Stonier. A. and Hague D.A. , Textbook of Economic Theory, 4th ed. London ,
Longman 1972 , P.P. 11-12
12. Supinski, szkola polska gospodarstwa, spolecznego (1862 – 1865)
13. Y. Varga, Political – Economic Problems of capitalism, Moscow Progress ,
1968.
259
مربعات لكتاب مدخل إلى علم االقتصاد
الخصخصة
إن عملية الخصااخصااة أو"الخوصااخصااة" أو" التخصااصااية" أو" التخصاايص" Privatizationتعني تحويل
اه فيما يتبع الدولة أو تنهل به أو
الملكية العامة إلى القطاع الخا ،إدارة أو إيجاراً أو مشاااااركة أو بيعاً وشاا ار ً
تهيمن عليه ،في قطاعات النشااااااااا االقتصاااااااادي المختلفة أو مجال الخدمات العامة .وتتم عملية تحويل الملكية
باشكال متعددة من بينها: العامة إلى القطاع الخا
أ ـ بيع الشركات الحكومية بالكامل للجمهور وخاصة للعاملين في هذه الشركات.
ب ـ ـ التأجير طويل األجل لألصول التي تملكها الحكومة للقطاع الخاص ،وفقاً لشروط مناسبة تحقق المصلحة
لالقتصاد الوطني وللجمهور.
ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ طرح الخدمات الحكومية على القطاع الخاص للتعاقد على إدارتها مع االلتزام بالشـروط المناسـبة لحماية
المستهلك.
د ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تصـ ـ ــفية الوحدات الحكومية التي يثبت عدم صـ ـ ــالحيتها أو قدرتها على االسـ ـ ــتمرار لعدم توفير الجدوى
االقتصادية في استثمارها بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بها والتي يدفعها في النهاية جميع المواطنين.
يرى بعض االقتصاديين المدافعين عن الخصخصة أن عملية التحويل الكامل أو الجزئي لملكية مؤسسات
القطاع العام إلى القطاع الخاص يحقق العديد من اإليجابيات تتمثل في تحرير القوى المنتجة من الضغوط
الحكومية وإكسابها نجاعة أكبر ،تجعل منها وسيلة فعالة للنهوض باالقتصاد الوطني ،تطوير القطاع الخاص
وتدعيم المنافسة كوسيلة لزيادة كميات اإلنتاج وتحسين النوعية وزيادة جودة المنتجات الوطنية .توفير موارد الدولة
وتخفيف األعباء الناتجة عن تكاليف اإلعانات والدعم التي تقدمها الدولة لمؤسسات القطاع العام.
260
التنمية الشاملة
ما يزال مفهوم التنمية بعيداً عن أن يكون موضـوع اتفاق عام بين المتخصـصـين وصـناع القرار الخاص بالتنمية
في كافة أبعادها .إال أن هنان قواسم مشتركة لهذا المفهوم هي موضع قبول واسع لدى معظم االختصاصيين.
ـ التنمية ال يمكن أن تقتصر على األبعاد االقتصادية وحدها ،بل لها جوانب عديدة أخرى اجتماعية سياسية
وثقافية.
ـ التنمية االقتصادية ال يمكن اختزالها في ارتفاع متوسط دخل الفرد ،ألن هذا االرتفاع ربما يكون نتيجة أوضاع
مؤقتة تتعلق مثالً بزيادة مفاجئة في أسـ ـ ـ ـ ــعار بعض المنتجات التي تصـ ـ ـ ـ ــدرها الدولة ،دون أن يقترن ذلك بتغيير في
الهياكل االقتصادية ،التي كانت من أهم األسباب لتعثر التنمية.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لم يعد من المقبول أن يرافق التنمية االقتصـ ـ ـ ــادية تزايد الفقر والتهميش االجتماعي لش ـ ـ ـ ـريحة واسـ ـ ـ ــعة من
المواطنين ،أو باس ـ ـ ــتبعاد فئات واس ـ ـ ــعة منهم من المش ـ ـ ــاركة في ص ـ ـ ــنع الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــات التي تؤثر على حياتهم ،س ـ ـ ـواء
باســتشــارتهم مباشـرة حول هذه الســياســات ،أم بتمكينهم من اختيار وتحديد فرص بقاء المســؤولين الذين يصــنعون هذه
السياسات في السلطة وبذلك يمكننا تحديد مفهوم التنمية الشاملة على أنها:
( عملية تحول تاريخي متعدد األبعاد ،يمس الهياكل االقتصادية والسياسية واالجتماعية ،كما يتناول الثقافة
الوطنية ،وهو مدفوع بقوى داخلية ،وليس مجرد استجابة لرغبات قوى خارجية ،وهو يجري في إطار مؤسسات
سياسية تحظى بالقبول العام وتسمح باستمرار التنمية ،ويرى معظم أفراد المجتمع في هذه العملية إحياء وتجديداً
وتواصالً مع القيم األساسية للثقافة الوطنية).
التنمية المستدامة
يس ــتخدم مص ــطلح (التنمية القابلة لالس ــتدامة) للتعبير عن الس ــعي لتحقيق نوع من العدل والمس ــاواة بين األجيال
الحالية واألجيال المقبلة .وهذا يعني أن ال تعرض العمليات التي يتم بوساطتها تلبية حاجات الناس وإشباعها للخطر
قدره األجيال المقبلة على تلبية حاجاتها وإشـباعها ،وهو يعني في نفس الوقت ،بالنسـبة لمعظم الناس السـعي لتحسـين
مســتوى المعيشــة وحياة أفضــل ،يقاس عادة بمســتوى الدخل واســتخدام الموارد ومســتوى التقدم التقاني .وبذلك نجد أن
للتنمية المستديمة أهدافاً بيئي ًة واجتماعية واقتصادية.
وال بد من التأكيد أن تكون التنمية قابلة وقادرة على االسـ ـ ـ ـ ــتم اررية ( التنمية المسـ ـ ـ ـ ــتديمة ) وقد أخذ هذا المفهوم
الجديد للتنمية باالنتش ـ ـ ـ ـ ـ ــار وخاص ـ ـ ـ ـ ـ ــة منذ نش ـ ـ ـ ـ ـ ــر تقرير اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية في عام .1987والتنمية
المسـتديمة هي التي تؤمن احتياجات الجيل الحالي دون أن تحد من اإلمكانيات التي تلبي حاجيات األجيال القادمة.
ولكي تكون التنمية قادرة على
االستمرار يجب أن تتوفر فيها الشروط الثالثة اآلتية كحد أدنى:
- 1أن تكون ممكنة ومفيدة اقتصادياً وناجعة.
- 2أن ال تلحق أض ار اًر بالبيئة بل ال بد أن تكون منسجمة مع األهداف البيئية.
- 3أن تصل نتائجها اإليجابية إلى كافة أفراد المجتمع وبالتالي أن تحظى بدعم شعبي واسع.
261
التنمية البشرية
تعد عملية التنمية البشااااارية حالة من التفاعل الجدلي والمس ـ ـ ــتمر بين اإلنس ـ ـ ــان والمجتمع ،وبين اإلنس ـ ـ ــان
والطبيعة .فهي تسعى إلى تطور اإلنسان جسماً وعقالً وقدرة على المشاركة وتطوير هذه القدرة واالرتقاء بها( .ولذلك
تكون التنمية البشاارية ما وصـ ــلت إليه حالة التنمية في تطوير قدرة اإلنسـ ــان ،وبالتالي حالة وقدرة المجتمع بصـ ــفتها
الجـدليـة ،وبوجود قـدر من التمـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك بين طرفي هـذا التفـاعـل .وعليـه تتطلـب هـذه القـدرات وتلـك الحـاالت التي يمكن
تحديدها وفق أولويات معينة ،توفير معايير قياس ــها) .وللتنمية البش ـرية جوانب اقتص ــادية واجتماعية وس ــياس ــية .فهي
تشــمل التعليم والمعرفة ،والحياة الطويلة الصــحية ،والســكن المقبول ،وهذا يعني مســتوى معيشــة الئقاً .إلى جانب ذلك
هنان قضــايا هامة جدا مرتبطة بالتنمية البش ـرية كالحرية والديمقراطية ،وأمن اإلنســان وتطوير المجتمع المدني وغير
ذلك.
إن التنمية البشرية هي الغاية والنمو االقتصادي هو الوسيلة لتحقيقها .فالهدو هو إثراه حياة الناس.ويالحظ
أحيانا انعدام الصاااالة التلقائية والمباشاااارة بين النمو االقتصااااادي والتنمية البشـ ـ ـرية .وحتى إ ا كانق توجد صااااالت
بينهماا فاإنهاا قاد تتادكال تادريجيااً ماا لم تعززهاا إدارة كياة ومااهرة ،لا لاك يجاب حمااياة ها و الصاااااااااالت خوفااً من أن
تدمرها تحوالت مفاجئة في السلطة السياسية أو في قوى السوق.
يسـ ـ ـ ــتكشـ ـ ـ ــف تقرير التنمية البشاااااارية لعام 1996طبيعة وقوة الصـ ـ ـ ــالت بين النمو االقتصـ ـ ـ ــادي والتنمية
البشارية .وقد اكتشــف أمرين مقلقين ،األول -أن النمو لم يتحقق خالل معظم الســنوات الخمس عش ـرة الماضــية في
حوالي 100بلد ،تض ـ ـ ـ ــم ما يقرب من ثلث س ـ ـ ـ ــكان العالم .والثاني -أن الص ـ ـ ـ ــالت بين النمو االقتص ـ ـ ـ ــادي والتنمية
البشااااااااارية قاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة بالنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـة ألهالي البلـدان الكثيرة ذات التنميـة غير المتوازنة ،وهي الدول التي يتحقق فيهـا نمو
اقتصــادي جيد مع قدر ضــئيل من التنمية البشارية ،أو التي تتحقق فيها تنمية بش ـرية جيدة ولكن مع قليل من النمو
االقتصادي أو بال نمو على اإلطالق.
انظر ،تقرير التنمية البشرية لعام ،1996منشورات برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،نيويورن ،1996ص.1
خ الفقر
يفترض عموماً أن مســتوى المعيشــة المادي للشــخص هو الذي يحدد رفاه ذلك الشــخص .وتمشــيا مع ذلك،
يعرف الفقر تقليدياً بأنه مس ــتوى معيش ــة مادي منخفض انخفاض ـاً غير مقبول ،أما بالنس ــبة لمس ــتوى معيش ــة اآلخرين
في المجتمع أو على أسـ ــاس حد أدنى مطلق ما ويقاس مسـ ــتوى المعيشـ ــة عادة باسـ ــتخدام اإلنفاق أو الدخل الحالي،
ويختار خط فاصل يعتبر الناس الذين يعيشون دونه فقراء ويسمى بخط الفقر.
وتم تعريف خط الفقر ،اس ـ ـ ــتناداً إلى مفهوم وجود خط مطلق للفقر ،معب اًر عنه من الناحية النقدية بمس ـ ـ ــتوى
الـدخـل أو اإلنفـاق الـذي بـدونـه ال يمكن تحمـل تكـاليف الحـد األدنى من الغـذاء الكـافي والحـاجـات األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـة غير
الغذائية لإلنسـ ــان .وقد جاء هذا المفهوم ليحل محل التقديرات القومية التي اعتمدت على خط نسـ ــبي للفقر تم تحديده
اسـ ــتناداً ًل إلى حصـ ــة الغذاء من مجموع النفقات ،أو تلك التي اعتمدت على خط للفقر تم تحديده اسـ ــتناداً إلى متغير
آخر هو الحد األدنى لألجور ،بدالً من إش ـ ــباع الحاجات الغذائية وغير الغذائية بمس ـ ــتوى مقبول كحد أدنى .وتس ـ ــتند
تقديرات الفقر إلى بيانات من دراسة استقصائية لميزانية األسرة الفعلية أو لدخلها ونفقاتها.
انظر ،تقرير التنمية البشرية لعام ،1996منشورات برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،نيويورن ،1996ص.222
التخلل ودول العالم الثالث
262
عرو بعل االقتصااديين التخلل بانه عدم االساتخدام الكامل للموارد البشارية والطبيعية المتاحة لبلد ما .إال
أن آخرين اعتررا اوا على ه ا التعريف ألن هناال بالداً متطورة جدا ال تحقق االساااتخدام الكامل لمواردها الطبيعية
بال إن ها و الادول تحااول توفير مواردهاا الطبيعياة والحفااع عليهاا لا لاك يمكنناا تعريف التخلل حسااااااااااب (ايف
الكوسااق) مجموعة ظاهرات معقدة ومتبادلة تترجم بعدم مساااواة فارااحة بالثروة والفقر وبالتحديد بالتاخر النساابي
عن البلدان األخرى بإمكانات إنتاج ال تنمو بمقدار ما يكون ممكناً ،بارتباا (تبعية) اقتصااااااادي ثقافي سااااااياسااااااي
وتقني.
اســتعمل الفرد ســاوفي A.Sauvyعبارة العالم الثالث في بداية العقد الخامس من هذا القرن للداللة على الدول
المتخلفة التي ال تزال ترزح تحت نير االس ــتعمار المباش ــر أو غير المباش ــر " .وال تعني العالم الثالث الترتيب إطالقا
بل تدل على وجه الدقة الطرف اآلخر أو األدنى وفيها شيء من معنى الفضول والتطفل" .
ونتيجة لحسـاسـية العبارة ،وبعض أصـوات االحتجاج في الدول المتخلفة ظهرت عبارات أقل إثارة للمشـاعر
والحس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــية من عبارة (العالم الثالث) مثل (الدول النامية) أو (الدول األقل نموا ًل) أو(الدول ناقصااااااة النمو) أو
(الدول المتخلفة اقتصااادياً) أو (الدول الفقيرة) ،ثم ظهر بعد ذلك تقس ــيم جديد للكرة األرض ــية إلى قس ــمين :الشاامال
ويعني الدول الغنية والجنوب ويعني الدول الفقيرة.
ولقد شـ ـ ــاع مؤخ اًر اسـ ـ ــتعمال عبارة (العالم الثالث) للداللة على الدول النامية تميي اًز لها عن الدول المتقدمة
التي تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـل (العاالم األول) وهي دول أوروبـا الغربيـة واليـابـان والواليـات المتحـدة األمريكيـة وكنـدا وكوريـا الجنوبيـة
وتايوان (والعالم الثاني) والتي تشمل الدول االشتراكية بما فيها االتحاد السوفيتي.
263
تبييل أو سل األموال
تبييض األموال هو كل فعل يقصد منه:
.1إخفاء المصدر الحقيقي لألموال غير المشروعة أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر ،بأي وسيلة كانت.
.2تحويل األموال أو استبدالها مع العلم أنها أموال غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها أو مساعدة
شخص ضالع في ارتكاب الجرم على اإلفالت من المسؤولية.
.3تملك األموال غير المش ــروعة أو حيازتها أو اس ــتخدامها أو توظيفها لشـ ـراء أموال منقولة أو غير منقولة أو
للقيام بعمليات مالية مع العلم أنها أموال غير مشروعة.
ويقصد باألموال ير المشروعة ،األموال الناتجة من:
زراعة المخدرات أو تصنيعها أو االتجار بها. -
األفعال التي تقدم عليها جمعيات األشرار و جرائم اإلرهاب. -
االتجار غير المشروع باألسلحة. -
سرقة أموال عامة أو خاصة أو اختالسها أو االستيالء عليها بوسائل احتيالية. -
تزوير العملة أو االسناد العامة. -
278
-الدكتور سعيد عبد العزيز ،كلية التجارة باإلسكندرية ،انظر مجلة أكتوبر العدد 908تاريخ .1994/3/20
264
التجارة الخارجية
تبدو أهمية التجارة الدولية أنها تمكن كل دولة من أن تسـ ـ ـ ـ ــتفيد من المزايا النسـ ـ ـ ـ ــبية التي تملكها الدول األخرى،
فالتجارة الدولية تعمل على إعادة توزيع الخيرات والموارد بين دول العالم بحيث يتم وضـ ـ ـ ـ ـ ــع ما تتمتع به دولة ما من
279
مزايا طبيعية أو مكتسبة تحت تصرف الدول جميعاً ،عن طريق المبادالت التجارية بين دول العالم.
تعني التجارة الخارجية ،حركة المنتجات (السـ ـ ــلع والخدمات) بين الدول والمجتمعات المختلفة .وال تختلف اآللية
التي تقوم عليها التجارة الدولية عن اآللية التي تقوم عليها التجارة الداخلية .فكالهما يحدث نتيجة للتخصـص وتقسـيم
مع العلم أن هنـان اختالفـات بين التجـارة 280
العمـل الـذي يؤدي إلى ظهور فـائض اإلنتـاج وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة قيـام المبـادلـة.
الداخلية والتجارة الخارجية تتمثل في:
-الحدود السياسية الفاصلة بين الدول.
-اختالف وحدة التعامل النقدي( .النقود الوطنية).
-اختالف حجم الموارد الطبيعية والبشرية ونوعيتها.
-اختالف النظم االقتصادية من دولة ألخرى.
-اختالف مستوى التطور االقتصادي.
وتخضـ ــع المبادالت التجارية بين الوحدات السـ ــياسـ ــية المنفصـ ــلة (التجارة الخارجية) إلى شـ ــروط وقواعد (رسـ ــوم
281
جمركية ،تمييزات) ال تخضع لها التجارة الداخلية.
كانت التجارة الخارجية بين المجتمعات قبل اكتشـ ـ ــاف النقود تتم بشـ ـ ــكل مقايضـ ـ ــة (سـ ـ ــلعة مقابل سـ ـ ــلعة) .وذلك
بســبب عدم وجود وسـ ائل مقبولة لتســديد قيمة البضــائع إلى بين المجتمعات .وكان حجم التجارة الخارجية في األزمنة
القديمة ضـئيالً جداً وهامشـياً .ومع ظهور الدولة بدأت المبادالت التجارية بين المجتمعات تنمو وتزدهر .وقد سـجلت
البدايات األولى للتجارة الخارجية المنظمة في العالم بين الدول في منطقة ما بين النهرين (بسـ ـ ــبب ظهور قيام الدولة
اآلش ـ ــورية والدولة البابلية) ،وفي منطقة وادي النيل (ظهور الدولة الفرعونية) ،ولدى الفينيقيين (ش ـ ــرق البحر األبيض
المتوس ـ ـ ــط) وربما ظهرت المبادالت التجارية بين دول أخرى وفي مجتمعات أخرى ومناطق أخرى في نفس الزمن أو
قبل ذلك.
279
-دكتور كامل بكري ،مبادئ االقتصاد ،الدار الجامعية ،بيروت 1987ص .476
280
-د .هانز ياخمان ،العالقات االقتصادية الخارجية للدول النامية،ترجمة الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة 1977ص 9وما
بعدها.
281
-انظر ،دكتور صبحي تادرس قريصة و دكتور مدحت محمد العقاد ،مقدمة في علم االقتصاد ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر،
بيروت 1983ص .391
265
يتكون الميزان التجاري ألي دولة من حجم وقيمة صــادرات وواردات هده الدولة ،والصــادرات هي مجموع الســلع
والخدمات التي تبيعها وتص ـ ــدرها أي دولة للدول األخرى .أما الواردات فهي مجموع الس ـ ــلع والخدمات التي تش ـ ــتريها
وتستوردها الدولة من الدول األخرى.
ويتحـدد الميزان التجـاري ألي دولـة عن طريق الموازنـة وتحـديـد الفرق بين قيمـة وارداتهـا وقيمـة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادراتهـا .فـنذا
كانت قيمة صـ ـ ــادرات الدولة أكبر من قيمة وارداتها فهذا يعني أن الميزان التجاري فيها يحقق فائض ـ ـ ـاً .أما إذا كانت
قيمة الصــادرات فيها أقل من قيمة الواردات فهذا يعني أن ميزانها التجاري يحقق عج اًز .وإذا تســاوت قيمة الصــادرات
مع قيمــة الواردات فهــذا يعني توازن الميزان التجــاري لهــذه الــدولــة ،وهي حــالــة نــادرة الحــدوث في التجــارة الخــارجيــة
المعاصرة .ويتم تحديد ذلك خالل زمن للقياس محدد (سنة ،نصف سنة ،شهر ،أو أية مدة زمنية).
يمثل الفرق بين قيمة صـ ـ ــادرات أي دولة من السـ ـ ــلع والخدمات وقيمة وارداتها خالل مدة زمنية محددة ،رصاااايد
الميزان التجاري ،فنذا كان ناتج طرح قيمة الواردات من قيمة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرات موجباً ،فهذا يعني أن الميزان التجاري قد
ـالبا ،فذلك يعني أن الميزان التجاري قد حقق عج اًز خالل هذه المدة .وعندما
حقق فائض ـاً ،أما إذا كان ناتج الطرح سـ ً
يكون ناتج الطرح صف اًر ،يعني هذا توازن الميزان التجاري ،أي إن قيمة الصادرات تعادل تماماً قيمة الواردات.
وتعني تجارة الترانزيت قيام دولة ما باسـ ــتيراد السـ ــلع بهدف تصـ ــديرها كما هي إلى دول أخرى .وتبدو الضـ ــرورة
لهذا النوع من التجارة عندما تعجز الدولة عن القيام بالمبادالت التجارية مع الدول األخرى بشـكل مباشـر ،فتقوم دولة
ثالثة بدور المركز الوسـيط لتدفق أو تحويل البضـائع بين الدولتين الراغبتين بالمبادالت التجارية فيما بينها ولكنهما ال
تس ــتطيعان تحقيق ذلك مباشـ ـرة ،ألس ــباب تتعلق بالموقع الجغرافي (دولة داخلية ال موانل لها) ،أو ألس ــباب المقاطعة
والحظر بسبب وجود مشاكل بينهما.
266
لذلك اتبع العديد من الدول النامية ساياساة الحماية وتقييد التجارة الخارجية في بداية حركة التصـنيع فيها على
األقل ،حتى تتمكن من بناء صناعة وطنية تؤدي إلى تغيير هيكل إنتاجها وتطور الميزات النسبية التي تمتلكها.
والمسـ ـ ــار التاريخي يوضـ ـ ــح لنا أن الدول الصـ ـ ــناعية المتقدمة هي التي كانت تدعو دائما إلى مبدأ التخصـ ـ ــص
وسـ ــياسـ ــة حرية التجارة الخارجية ،وهذا يضـ ــمن لها تفوقاً ووضـ ــعاً أفضـ ــل في مجال التصـ ــنيع .أما الدول النامية فقد
كانت دائماً تحاول حماية صناعتها الناشئة عن طريق فرض قيود على حرية التجارة الخارجية
وفي ظل س ــياس ــة حرية التجارية يقوم القطاع الخاص بالدور األس ــاس ــي في التجارة الخارجية للدولة ،ألن الدولة
التي تتبع سياسة حرية التجارة الخارجية البد أن يكون اقتصادها قائماً بصفة أساسية على المشروع الخاص واقتصاد
السوق.
وتلجأ بعض الدول إلى فرض قيود على تجارتها الخارجية (سـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ــية تقييد التجارة) لتحقيق أهداف اقتصـ ـ ـ ــادية
محددة أو لمواجهة أوضاع طارئة واستثنائية كالحروب والكوارث وغيرها.
ومن أهم وسـ ـ ـ ـ ـ ــائل تقييد التجارة الخارجية الحماية الجمركية ،أي فرض رسااااااااوم جمركية عالية على الواردات،
والقيود الكمية على الواردات ،أي تحديد حص ـ ـ ـ ــص للواردات من س ـ ـ ـ ــلع معنية وقد تلجأ بعض الدول إلى طرق غير
مباش ـ ـ ـ ـ ـ ـرة لتقييد التجارة الخارجية حين تطبق مثالً مبدأ (إعانات المنتجين) ،حيث تقدم الدولة إعانات لمنتجي بعض
الســلع األمر الذي يمنح هؤالء المنتجين وضــعاً تنافســياً قوى مقارنة بالمنتجين األجانب كما أن إعانات التصادير تعد
شكالً غير مباشر من أشكال تقييد التجارة الخارجية.
267
تعرضـ ـ ـ ــت بيئة التجارة الدولية في المدة األخيرة إلى تغيرات قوية (وريدكالية) وأضـ ـ ـ ــحى أمام كل دول العالم في
التعامل مع السوق العالمي التجارية أحد خيارين ،األول -االندماج في السوق العالمية ،والثاني – العزلة.
ويكون االنــدمــاج انــدمــاجـاً إيجــابيـاً إذا حــاولــت الــدولــة أن تتفــاعــل بكفــاءة ومرونــة مع التغيرات في بيئــة التجــارة
الدولية وتقبل ما يحقق مص ـ ـ ـ ـ ــالحها ويعظم مكاس ـ ـ ـ ـ ــبها وترفض ما يتعارض مع مص ـ ـ ـ ـ ــالحها أو تتحايل عليه .ويكون
االنـدمـاج سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلبيـاً إذا قبلـت الـدولـة كـل مـا يفرض عليهـا من البيئـة التجـاريـة الـدوليـة وتتحول إلى متلق في عالقـاتهـا
التجارية ،تنفذ لكل ما يطلب من األطراف الفاعلة في س ـ ــاحة العالقات التجارية الدولية .كما أن بدء تطبيق اتفاقيات
الغات التي تتضــمن التحرير التدريجي للتجارة الدولية مع بداية عام ،1995يعني أن اقتصــادات مختلف دول العالم
ستكون مترابطة من خالل الحركة في أسواق دولية مفتوحة نسبياً.
إن خيار االنضـ ـ ـ ـ ــمام إلى اتفاقيات الغات واالندماج في العولمة االقتصـ ـ ـ ـ ــادية يعني فتح األسـ ـ ـ ـ ـواق الدولية أمام
منتجات الدول األخرى وفتح أس ـ ـ ـ ـواق الدول األخرى أمام منتجاتنا .وهذا يعني تعرض االقتصـ ـ ـ ــادات الوطنية في أي
دولة وبجميع قطاعاتها لضـ ـ ــغوط المنافسـ ـ ــة الدولية ،األمر الذي يؤدي إلى انهيار بعض فروع الصـ ـ ــناعة ،وخاصـ ـ ـ ة
الصـناعات ذات الكفاءة المنخفضـة والتي كانت قائمة اسـتناداً إلى مبدأ الحماية .كما يوفر االندماج فرصـاً كبيرًة لنمو
وتطور الصـناعات ذات الكفاءة العالية والتي تملك الدولة فيها ميزة نسـبية وقدرة تنافسـية عالية .وفي المحصـلة يؤدي
االندماج في عالقات اقتص ـ ــادية قوية إلى رفع كفاءة تخص ـ ــيص الموارد االقتص ـ ــادية ،ويوفر إمكانية الحص ـ ــول على
تكنولوجيـا متقـدمـة وعـاليـة من الـدول األخرى بصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـل ،بمـا يزيـد من القـدرة على مواكبـة أحـدث التطورات
التكنولوجيا في العالم.
وفي االندماج التجاري من الممكن أن تســمح المنظمة العالمية للتجارة ( )W. T. Oببعض أشــكال الحماية
المؤقتة لبعض الصـناعات الوطنية ،وخاصـة في الدول التي تقوم بنصـالحات اقتصـادية وتتجه نحو إعادة هيكلة تلك
الصـناعات ورفع قدرتها التنافسـية ،لتتمكن منتجاتها من المنافسـة في أسـواق مفتوحة .صـحيح أن عدم االنضـمام إلى
اتفـاقيـات الغـات والمنظمـة العـالميـة للتجـارة واالنعزال عن بيئـة التجـارة الـدوليـة والتغيرات التي تحص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل فيهـا يحقق
ضـ ــمانة وحماية للصـ ــناعات الوطنية في أي دولة ويصـ ــبح لها فرصـ ــة النمو دون مواجهة ضـ ــغوطات المنافسـ ــة من
منتجات الدول التي تتمتع بقدرة تنافســية عالية ،إال أن خيار العزلة يقود إلى تخفيض كفاءة إدارة وتخصــيص الموارد
االقتصـ ـ ــادية ،ويؤدي إلى التخلف التكنولوجي وتراجع حوافز رفع الكفاءة .نظ اًر لغياب المنافسـ ـ ــة والتحديات الخارجية
وستكون محصلة النتائج للدولة التي تختار العزلة وعدم االندماج سلبية.
268