Professional Documents
Culture Documents
سيميا
إىـــــــــــداء
إلى من كممو اهلل بالييبة والوقار ،إلى من عممني العطاء بدون انتظار
أن يمد في عمرك لترى ثما ار قد حان إلى من حمل اسمو بكل افتخار .. .أرجو من اهلل ّ
قطافيا بعد طول انتظار وستبقي كمماتك نجوم اىتدى بيا اليوم وفي الغد والى األبد "والدي
العزيز محمد"
إلى مالكي في الحياة إلى معنى الحب والحنان والى بسمة الحياة وسر الوجود ،إلى من كان
دعائيا سر نجاحي وحنانيا بمسم جراحي ،إلى من عممتني وعانت الصعاب ألصل إلى ما
أنا فيو والى من عممتني الصمود ميما تبدلت الظروف إلى أغمى الحبايب
" أمي الحبيبة طاووس".
إلى من كانوا ي ضيئون لي الطريق ويساندوني ويتنازلون عن حققوىم إلرضائي والعيش في
ىناء إخوتي .أحبكم حبا لو مر عمى أرض قاحمة لتفجرت منيا ينابيع المحبة.
إلى من بين أكبر وعميين اعتمد إلى شمعات تنير ظممة حياتي إلى من بوجودىن اكتسب
قوة ومحبة ال حدود ليا ،إلى من عرفت معين الحياة إلى أخواتي.
إلى القموب الطاىرة الرقيقة والنفوس البريئة إلى رياحين حياتي (سيام ،فايز ،ليديا ،عبد
السالم)
والى قمب كبير وعقل ذكي وسمعني ذات يوم حين ضاقت بي الدنيا خطيبي "حسام"
وأىدى ثمرة جيدي ىذا إلى كل من عممني حرفا في ىذه الحياة وساعدني في الوصول إلى
ىذا المستوى واىداء خاص إلى أستاذي المشرف.
ياسمينة
مقدمة
مقدمة:
النص بمقوالتيا وجيازىا المفاىيمي واإلجرائي في الدرس المساني
تشكل لسانيات ّ
الحديث تطور معرفيا ومنيجيا ميما في دراسة المغة ،ولعل مقولتي االتساق واالنسجام
تمثالن في ترابطيما الموضوع الرئيسي ليذه المعرفة المتجسدة والتي تبحث في تماسك
الخطاب ونصية النص.
وما يدعم ىذا الرأي "محمد مفتاح" من خالل تعريفو لمنص والخطاب حيث يقول" :إن
النص عبارة عن وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة منسجمة ونعني بالتنضيد ما يضمن
النص والخطاب مثل" :أدوات العطف وغيرىا من الروابط ،وبالتنسيق ما
العالقة بين أجزاء ّ
يحتوى أنواع العالئق بين الكممات المعجمية ،وباالنسجام ما يكون من عالقة بين عالم
النص وعالم الواقع"
وقد تعددت الدراسات المسانية التي اىتمت بمفيومي االنسجام واالتساق ومعرفة
وسائل كل منيما ،فالباحثون والداّرسون يعتمدون بشكل كبير عند تحميميم لمنصوص عمى
ىذين المعيارين ،ونظ ار ألىميتيما ارتأينا البحث فييما ،فجاء بحثنا معنونا بـ "االتساق
واال نسجام في قصيدة المطر األول لمحمود درويش" حيث ييدف إلى الوقوف عمى مفيوم
االتساق واالنسجام وبيان أىم آليات كل منيما ،ومحاولة التعرف عمى مدى إسيام أدوات
النصي في تحقيق الترابط والتماسك والتالحم بين
االتساق وكذا أبرز آليات وأدوات االنسجام ّ
النص.
أجزاء ّ
النصي؟ وفيما تتمثلوعمى ىذا األساس طرحنا اإلشكال التالي :ما معنى االتساق ّ
أىم آلياتو؟ وما مفيوم االنسجام وما ىي أىم معاييره؟ وأين تكمن مظاىر االتساق واالنسجام
ّ
في قصيدة محمد درويش؟
ونظ ار لطبيعة الموضوع وخصائصو فقد اعتمد البحث عمى المنيج الوصفي التحميمي
ألننا في دراسة تطبيقية يحاول البحث فيو اكتشاف مظاىر كل من االتساق واالنسجام
باعتبارىما مبدأين ميمين في تحقيق نصية النص.
وقد اشتمل البحث عمى فصمين تسبقيما مقدمة ومدخل وتعقبيما خاتمة وممحق وثبت
النص،
لممصادر والمراجع ،حيث تضمن المدخل مبررات االنتقال من نحو الجممة إلى نحو ّ
األول فتم التطرق فيو
أما الفصل ّوأىم المقوالت التي يتأسس عمييا الدرس المساني النصيّ ،
إلى أىم معيار نصي ىو االتساق ،وأبرز مظاىره التي أسيمت في الترابط الشكمي القصيدة،
وفييا نتعرض لإلحالة ودورىا في تحقيق االتساق ،والحذف وكذا االستبدال والوصل دون أن
تكرر.
ننسى أىم ركيزتين في االتساق المعجمي ىما :التضام وال ا
بينما الفصل الثاني عالج مفيوم االنسجام ومظاىره وىي المظاىر التي أسيمت في
الترابط الداللي لمقصيدة ،وذكر أىم آليات االنسجام مبدأ االشتراك (المعرفة الخمفية
المتمقي)العالقات الداللية (اإلجمال والتفصيل العموم والخصوص ،موضوع الخطاب
والتعريف ومبدأ التأويل المحمي ،وفي األخير ختمت الدراسة بخاتمة تضمنت أىم النتائج
المتواصل إلييا خال ل ىذه الدراسة ،أما المالحق فخصصنا الممحق األول لمقصيدة ،والممحق
الثاني لمتعريف بالشاعر محمود درويش.
الدراسة عمى عدد من المصادر والمراجع،
ومن أجل أن يكتمل البحث فقد اعتمدت ّ
النص لمحمد خطابي ،عمم لغةوذلك فيما يتصل بموضوع البحث ،فكان منيا لسانيات ّ
النص لسعيد حسين بحيري ، ،نحو النص ألحمد عفيفي ،النص الخطاب واإلجراء لدى دي ّ
بوجراند ،وغيرىا من المراجع التي استعنا بيا من أجل اإلحاطة بالموضوع.
وقد واجيتنا بعض الصعوبات كأي باحث في ىذا المجال منيا ضيق الوقت ،وقمة
النص في جانبيا التطبيقي في مقاربة النصوص.
المصادر والمراجع المتعمقة بمسانيات ّ
وفي األخير ال يسعنا إال أن نشكر األستاذ المشرف مصطفى رافع والذي وجدناه في
كل مراحل البحث ناصحا ومرشدا فمم يبخل عمينا بنصائحو وتوجيياتو القيمة فمو منا فائق
الشكر والعرفان.
الفيـرس
شكر وعرفان
اإلىداءات
الفصل األول :االتساق ومظاىره في قصيدة المطر األول لمحمود درويش
االتساق معيا ار نصيا 15.............................................................
مفيوم االتساق 15..................................................................
وسائل االتساق ومظاىره في قصيدة المطر األول لمحمود درويش16.................
اإلحالة16..........................................................................
اإلحالة المقامية 17..................................................................
النصية 20..................................................................
اإلحالة ّ
الحذف 23..........................................................................
االستبدال 24........................................................................
الوصل25................................................................... .......
االتساق المعجمي 26................................................................
التكرار 27..........................................................................
التضام28............................................................ ..............
الفصل الثاني :االنسجام النصي وألياتو
مفيوم االنسجام 31.................................................................
موضوع الخطاب/البنية الكمية33...................................................
المعرفة الخمفية 37.................................................................
العالقات الداللية 38................................................................
مبدأ التغريض41...................................................................
مبدأ التأويل المحمي 43.............................................................
خاتمة 46.........................................................................
قائمة المصادر والمراجع
مدخل نظري
مفاىيم عامة في المسانيات
مدخل:
غير متضمن ،عن طريق أي تركيب نحوي في أي شكل لغوي أكبر" ،حيث نجد فندريس
وىو من رواد المّسانيين الذين اعتبروا الجممة أكبر وحدة لغوية ،ينظر إلييا "الصورة المّفظية"
عمى انيا عنصر الكالم األساسي ،فب الجمل يتبادل المتكممان الحديث بينيما ،وبالجمل
حصمنا لغتنا ،وبالجمل نتكمم وبالجمل نفكر أيضا ،كما أن الصورة المّفظية يمكن أن تكون
في غاية التعقيد ،والجممة تقبل بمرونتيا أداء أكثر العبارات تنوعا ،فيي عنصر مطاط
وبعض الجمل تتكون من كممة واحدة "تعال" و"ال" و "أسفاه" كل واحدة من ىذه الكممات
في نحو لغة ما ،وىي ال تقع مطمقا كنتاج لمسموك المّغوي المعتاد ،كما أنو من الممكن
استعمال االشكال الممثمة لمجمل النظامية ،في مناقشة وصفية لبنية المّغة ووظائفيا وتمك
أما الجممة النصية فيي الجممة المنجزة فعال في المقام ،وفي ىذا المقام تتوافر
وافادة مستقمة ،يكتفي المتكمم والسامع بيا ومن خالل ىذا التقسيم لمجممة ،نجد أن الجممة عند
جون الينز ىي الغاية الوحيدة الكبرى التي تسعى إلييا كل دراسة لغوية.
ربما ىذا ما جعل عمماء تحميل الخطاب منيم" ،براون" و"يول" ""yule" "brawn
يعتمدون النوع الثاني من الجمل في دراستيم ،أي الجممة في إطارىا التداولي الموضوعة في
سياقيا التواصمي.
وفي تعريفيا في معجم المّسانيات عمى أنيا" :تشكل مجموعة من المكونات المغوية
منظمة ،وتشترك التعريفات السابقة في اعتبار الجممة الوحدة المّغوية األساسية المستقمة
بذاتيا ،والتي ليست جزءا من وحدة أكبر ،والتي يمكنيا الخضوع لمتحميل فيي الممثل
الشرعي لمغة .1وأن أصحاب ىذه التعريفات ،وغيرىم من أنصار "النحو الجممي" يمزمون
الدرس المّساني بشرط وىو أن تكون الجممة ىي محور الدرس المّغوي باعتبارىا الوحدة
األساسية لمكالم".
ويبين
الزمان وموضوعا لنحو الجممة الذي يدرس تعريفاتياّ ،
ولقد ظمت ردح ا من ّ
مكوناتيا ومختمف القوا عد التي تحكميا ،وعمييا قامت النظريات النحوية واالتجاىات المسانية
المختمفة والمتعاقبة.
- 1ينظر ،االتساق واالنسجام ،ديوان "امضاءات أذن صاحبة الجاللة الطارق ثابت ،مذكرة مقدمة لنيل شيادة الماستر في
اآلداب ،المغة العربية ،نورة سوفي ،ص .33
يقول دي بوجراند" :من المتعمق أن ىذا التركيب األساسي (ويقصد بو الجممة) قد
أحاط بو الغموض والتباين ،حتى في وقتنا الحاضر ....ومازالت ىناك معايير مختمفة لجممية
الجممة دون االعتراف بصراحة بأنيا تعريفات نيائية ،كونيا أساسا لتوحيد تبادل
موضوعيا" .1
وفي نفس الوقت أي سنة 1952م نشر ىاريس زيمنج بحثا بعنوان "تحميل الخطاب"
حيث اىتم بتوزيع العناصر المّغوية في النصوص ،والروابط بين النص وسياقو االجتماعي
وبيذا البحث حدثت النقمة من الجممة إلى النص ،وبالتالي اعتبر "ىاريس" أىم الرواد الذين
وقد أجمل دي بوجراند خصائص النص في قولو حيث قال" :أنو حدث تواصمي يمزم
لكونو نصا تتوفر لو سبعة معايير لمنصية مجتمعة ىي االتساق ،االنسجام ،القصد ،القبول،
النص ،حيث تتجسد ىذه االستم اررية في ظاىره ،ويقصد بظاىر النص األحداث المغوية
المنطوقة ،المسموعة ،المكتوبة والمرئية في تعاقبيا الزمني ،فينتظم بعضيا مع بعض تبعا
لممباني النحوية ،ولكنيا ال تشكل نصا إال إذا ما تحقق من وسائل التماسك النصي ما يجعل
النص محافظا عمى كينونتو واستم ارريتو ،واالتساق يعني العالقات أو األدوات الشكمية
- 1محمد خطابي ،لسانيات النص ،مدخل إلى انسجام الخطاب ،ص .46
- 2المرجع نفسه ،ص .74
والداللية التي تسيم في الربط بين عناصر النص الداخمية من جية ،وبين النص والبيئة
المحيطة من جية أخرى ،وعميو فالسبك ييتم بالعالقات بين أجزاء الجممة ،وأيضا بين
العالقات بين جمل النص وبين فق ارتو ،بل بين النصوص المكونة لمكتاب ،فاالتساق ييتم
لقد عرف الدرس المساني تحوالت كبرى خالل فترة الستينات ،وكان الدافع الكبير ليذه
التحوالت تساؤل عن حدوث البحث المّساني وانحصاره في الجممة ،وتمثل محاولة ىاريس من
خالل مقالو "تحميل الخطاب" اولى المحاوالت الصريحة التي تكممت عن وحدة أكبر من
الجممة وسماىا دون تمييز تارة النص ( )Texteوتارة الخطاب ( )Discoursوتارة القول
واذا كان ىذا المقال يؤسس لمنيج تحميل الخطاب كما يصرح بذلك ىاريس منذ
البداية ،فإن أىم ما فيو ىو مقدمتو ،التي عرض فييا مجموعة من اإلشارات ،التي تؤسس
ليذا التحميل الذي يروم الوصول إليو ،وأول ىذه اإلشارات الكيفية التي بيا يتم القيام بتحميل
الخطاب يقول ىاريس في ىذا السياق" :يمكن أن نقوم بتحميل الخطاب ،انطالقا من نوعين
من القضايا التي ىي مرتبطة ببعضيا أوليا ىو توسيع مجال المسانيات الوصفية
تمس العالقات
( ) Linguistique descriptiveإلى خارج حدود الجممة الواحدة ،والثانية ّ
بين الثقافة "والمغة" أي بين السموك المّغوي والسموك غير المّغوي .1
الشمولي ،فإذا كان النص كال شامال فإن ج ّل الدراسات التطبيقية لم تصب منو إال أجزاء ال
تعبر عن فحوى الخطاب ،ولذلك كان التفكير فيما ىو مماثل لمنص اإلبداعي من المناىج
الحداثية أمر أكثر من ضروري ،وعمى ىذا األساس جاءت لسانيات النص ،الخطاب القائمة
عمى عنصري التواصل والتماسك النصي جامعة بين المنياج النقدية الحديثة ،عمى اعتبار
من الجممة إلى النص أو الخطاب ،ومنيم من مارس التطبيق عمى نصوص وخطابات
متنوعة مقدما نموذجا تحميميا يراه مناسبا لقياس المفيوم الخطابي من حيث النصية
والتماسك .2
ضدية :فالجممة
واستنادا إلى ما سبق فإن النص والجممة يدخالن في إطار ثنائيات ّ
وأما النص فيو وحدة إجرائية استعمالية ،إطارىا الكالم ،وننطمق من إنجاز لغوي أو
قدرة تواصمية وىو أيضا" :الصيغة المنطوقة أو المكتوبة التي صدرت عن المتكمم أو المؤلف
- 1لسانيات النص نحو منيج التحميل الخطاب الشعري ،أحمد مداس ،ص 5
- 2المرجع نفسو ،ص .7
الدرس النحوي ،د أحمد عفيفي ،ص .34
-نحو النّص ،اتجاه جديد في ّ
3
في موقف ما ،قاصدا داللة ما ،وىذه الصيغة قد تكون لفظة أو إشارة أو جممة أو متتاليات
1
من الجمل المترابطة".
باعتبار النص البنية المّغوية الكبرى التي تشكل محور الدراسة المسانية النصية فإن
كل االىتمام كان منصبا عمى دراستيا ،حيث تولّى عمم نحو النص ،البحث في البنية
الداخمية ،وكذا الخارجية لمختمف النصوص ،وكذا العالقة بين ىذه األبنية ،وىذه الدراسة
لمنصوص ليست سوى دراسة مثبتة لنصية النصوص ،حيث يرى دي بوجراند ( Robert de
) Begugrandeأن" :عمل أىم المسانيات النصية ىو دراسة مفيوم النصية ،من حيث ىو
القصدية :تتعمّق بالغاية من كتابة نص ما ،فمكل نص غاية من وراء نظمو ويسعى
المتكمم لبموغيا.
الموقف.
التّناص :ىي العالقة بين نص ما ،نصوص أخرى ذات صمة تم التعرف إلييا بخبرة سابقة .3
- 1التماسك النص في الحديث الشريف ،د عبد العزيز فتح اهلل عبد الباري ،ص .54
- 2نص الخطاب االجراء ،دي بوجراند ،تر :تمام حسان عالم الكتب ،القاىرة ،مصر ،ط ،2007 ،2ص .95
- 3ينظر ،المرجع نف سو ص .104
وىذه المعايير جمعيا دي بوجراند ليشمل بيا النص في ذاتو ،من خالل االتساق
واالنسجام ،وما يخص المنتج من خالل القصدية ،وما يخص القارئ والمتمقي ليذا النص
فالنصية المتحققة من ىذه المعايير تجع ل النص متكامال مترابط األجزاء ،وتقودنا إلى
مصطمح التماسك النصي ،الذي جاء بظيور لسانيات النص وىذا المصطمح الذي يعني أن
النص مترابطا في أجزاءه ،اختمف في نسبتو إلى خاصية االتساق فقط أو إلى
يكون ّ
الداللي معا.
االنسجام ،أن يكون المصطمح داال عمى االتساق النصي واالنسجام ّ
فتماسك النص يحتاج إلى تماسك شكمي ،والذي يظير عمى سطح النص والى تماسك
ذو طبيعة داللية ،الذي تحققو خاصية االنسجام ،وفي موضوعنا ىذا سنتعرض إلى
النصية ،أما المعطيات غير المّسانية (مقامية ،تداولية) فال تدخل في ذلك" .2وىو مجموعة
تحقق لو كمالو وأنموذجيتو ،كما تمنحو الجواز لكي يمج الصدر ويستقر في الذىن ،ولعميا
المعايير التي سولت لمباحثين ان يقترحوا نماذج نصية ،نجدىا صو ار لمنص الكامل الذي
يعتبر االتساق من أىم المعايير الديبوغراندية التي وضعيا ديبوغراند لمحكم عمى نصية
1- 1مفيوم االتساق:
النص ،وما
يعتبر كل من ىاليداي ورقية حسن من أىم الباحثين األساسيين في دراسةّ ،
داللي ،فيو يحيل إلى العالقات المعنوية القائمة داخل النص وتحدده كنص" .1فالعالقات
فاالتساق داللي معنوي بطبعو يسيم في ترابط وتالئم أجزاء النص وعمى الكاتب أن
يحدد تمك العال قات المعنوية ويجعميا قائمة في ّنصو ،إذا أراد تحقيق االتساق.
االتساق ليس فقط وحدة داللية لفظية مما يحقق االستم اررية في الكالم ،3فتتحد الوحدة
الداللية المعنوية مع المفظة الشكمية ومنو تتوالى الجمل التي تحمل عالقات فيما بينيا مما
يشكل النّصية.
- 1محمد خطابي ،لسانيات نص ،مدخل إلى انسجام الخطاب ،طبعة ،2012 ،03ص .15
- 2ينظر :عوض عباس اليدي ،محمد داوود ،محمد عمي أحمد ،لسانيات النص ومعايير الخطاب الصحافي ،مجمة العموم
اإلنسانية ،العدد األول ،2017 ،ص .50
- 3ينظر محمد خطابي ،لسانيات النّص ،ص .24
وفي ىذا ا لصدد ويقول أحمد عفيفي في االتساق بأنو ":معيار ييتم بظاىر النص،
ودراسة الوسائل التي تتحقق بيا خاصي ة االستمرار المفظي ،وىو يترتب عمى إجراءات تبدو
ليا العناصر السطحية عمى صورة وقائع يؤدي بيا السابق إلى الالحق" .1
يقصد عفيفي بأن االتساق يخدم الجانب المفظي ،السطحي والشكمي ذلك عمى وسائل
لالتساق باعتباره معيا ار نصيا وسائل وآليات نحاول الوقوف عندىا خالل ىذا المبحث
ومحاولة رصد ورودىا في قصيدة المطر األول لمشاعر الفمسطيني محمود درويش.
1- 2- 2اإلحالة:
لعل من أىم وسائل االتساق التي تسيم في ترابط النص بشكل كبير اإلحالة ،فيي
تخص عناصر
النص عن معناىا
عمى عدة ألفاظ مرتبطة فيما بينيا ،كما تجبر القارئ عمى البحث في ّ
- 1أحمد عفيفي ،نحو النص ،اتجاه جديد في الدرس ،مكتبة زىراء الشرق ،القاىرة ،ط ،2001 ،1ص .14
- 2األزىر الزناد ،نسيج النص ،بحث فيما يكون فيو الممفوظ نصا ،مركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط ،1993 ،1ص
.118
وبذلك اتح اد الكممات من خالل ذلك المعنى ،ومحاولة ربط السابق بالالحق من المفردات،
اإلحالت
المقامية
النصية
ّ (إحالة إلى خارج
النص(
(إحالة إلى داخل ّ النص)
قبمية
بعدية
(إلى سابق)
(إلى الحق)
النص أي العالم الخارجي ،ففيم وتأويل العناصر اإلحالة يقتضي العودة والمجوء إلى خارج
ّ
- 1ينظر :مدخل إلى عمم النص ومجاالت تطبيقو ،محمد األخضر صبحي .ص.28
- 2ينظر :محمد خطابي ،لسانيات ال نص ،مذكرة لنيل شيادة الماستر في اآلداب والمغة العربية ،ص ،15ص .17
النص ويذىب كل من ىاليداي ورقية
النص أو اإلشارة إلى مسميات وأشخاص ليسوا في ّ
وىنا إشارة من ىذين الباحثين إلى أن اإلحالة المقامية متعمقة بما ىو موجود خارج
النص.
المحيط فيي تقع خارج حدود ّ
ولمتوضيح أكثر سنأخذ نماذج عن ىذا النوع من اإلحالة من قصيدة "المطر األول"
لمحمود درويش:
كانت شفتاىا
وكانت مقمتاىا
في ىذه األبيات الشعرية نجد إحالة مقامية في العبارات التالية (شفتاىا ،جمدي،
مقمتاىا ،أمسي) ،والتي تتجسد من خالل ياء المتكمم التي تعود عمى الشاعر كونو غائبا
- 1طارق ثابت ،االتساق واالنسجام في ديوان " إفضاءات في أذن صاحبة الجاللة" ،2016- 2015 ،ص .13
وقد استعمل ضمير الغائب ليدل إحالة مقامية ،بالرغم من أنو يحيل عادة إلى إحالة
القصيدة.
.1ضمير المتكمم:
السطر
ّ نوعيا آداه اإلحالة المحال
عميو
06 مقامية مستقبمي الشاعر
07 مقامية لي الشاعر
12 مقامية أبي الشاعر
21 مقامية سألتني الشاعر
10 مقامية أنا الشاعر
.2ضمير المخاطب:
السطر
ّ نوعيا آداه اإلحالة المحال
عميو
.3ضمير الغائب:
السطر
ّ نوعيا آداه اإلحالة المحال
عميو
09 مقامية إلييا فمسطين
ب -اإلحالة ال ّنصية :وتسمى اإلحالة الداخمية ،وتستخدم لتدل عمى ذلك النوع الذي يحيل فيو
النوع من
الدارسون ليذا ّ
أكده ّ
أجزاء النص وترابط أواصر مقاطعو ،وىذا ما ذىب إليو و ّ
اإلحالة.
دي بوجراند ":وتأخر األلفاظ الكنائية عن مراجعيا أي ورودىا بعد األلفاظ المشتركة معيا
- 1أ عبد الحميد بوترعة ،مجمة األثر ،اإلحالة النصية وأثرىا في تحقيق تماسك النص القرآني ،ص .89
- 2دي بوجراند ،النص الخطاب واإلجراء ،ص.283
فيذا النوع من اإلحالة يستمزم العودة إلى الوراء أي إلى العنصر المغوي المحال إليو
اإلحالة البعدية :وىي إحالة إلى عنصر الحق لم يذكر بعد بمعنى أن القارئ يبحث
عن اإلحالة فيما بعد الضمير ،فاإلحالة البعدية تكون "عندما نحيل عنصر لغوي أو
اإلحالة" .1
فاإلحالة البعدية تأتي بعد الضمائر والموصوالت دائما ،وأدوات اإلشارة وغيرىا من
األدوات لمداللة عمى ما يحيل إلى ما بعدىا من عناصر لغوية تتمم المعنى المنشود والمراد.
أما عن أدوات اإلحالة فيي :الضمائر وأسماء اإلشارة ،ويمكن أيضا إضافة بعض
ّ
األدوات كالموصوالت وىناك من الباحثين من اقترح اإلحالة أفعال التفصيل ،لكننا في ىذا
المجال سنتطرق فقط إلى التفصيل في البعض منيا كالضمائر وأسماء اإلشارة والموصوالت
لمنص
ب .أسماء اإلشارة :ىي الوسيمة الثانية التي تساعد عمى تحقيق االتساق الداخمي ّ
وقد قسميا ىاليداي ورقية حسن حسب الظرفي إلى الزمان (اآلن ،غدا )...والمكان
- 1زاىر بن مرىون الداودي ،الترابط النّ صي بين الشعر والنثر ،ص .45- 44
(ىنا ،ىناك )...أو االنتقاء (ىذا وىؤالء ). ..أو حسب القرب (ىذا ،وىذه )...أو
ت .االسم الموصول (الموصوالت) :ىو اسم يأتي إلزالة اإلبيام ،الغموض فيو ال يفيد
بذاتو بل يحتاج إلى صمة تكون جممة حتى تفيد وتحقق المعنى المراد.
ضم إلييا
الذي ّ
وىي إحالة قبمية استعمل فييا الشاعر االسم الموصول (الذي) ويعود عمى القبر ،وىناك
وىي أيضا إحالة قبمية باالسم الموصول (التي) تعود عمى العبارة التالية(األىازيج).
وفي ىذا المقام سنتطرق إلى إحالة قبمية بالضمير والمتمثمة في السطرين المواليين:
المغة أن ":ال يتم إالّ إذا كان الباقي في بناء الجممة بعد الحذف معنيا في الداللة .كافيا في
أداء المعنى ،وقد يحذف أحد العناصر ألن ىناك قرائن معنوية تومئ إليو ،وتدل عميو ويكون
إن ما نستخمصو من ىذا القول أن الكالم المحذوف لو بقي في النص لشكل خمال عمى
ّ
النص
ورائيا تجعل النص معرضا لالنتقادات وكذا ىناك ما يدل عمى العنصر المحذوف في ّ
مالحظة :ال يتوفر عنصر الحذف في ىذه القصيدة لذلك يتعذر عمينا التطبيق.
- 1محمد األخضر صبحي ،مدخل إلى عمم النّص ومجاالت تطبيقو ،ص .92
3- 2- 2االستبدال :وىو إحالل عنصر لغوي محل عنصر لغوي آخر وىو مظير من
النص وتماسكو ،واالستبدال عممية نحوية تقوم بين الكممات والعبارات ،وىو
مظاىر اتساق ّ
من مظاىر اتساق النصوص نظ ار لعالقتو القبمية بين عنصر متأخر وعنصر متقدم .1
فيي عالقة تعويضية بين الكممات والعبارات وىو من أدوات ترابط النص والتحام أجزاءه فيو
وينقسم االستبدال إلى ثالثة أقسام :واستبدال اسمي ،استبدال فعمي ،واستبدال قولي أو ما
االستبدال االسمي :ىو استعمال ألفاظ مكان أسماء وردت في موضوع ما سبق
ذكرىا.
االستبدال الفعمي :فيو يحل فعل محل فعل آخر متقدم عميو ويمثمو في العربية مادة
االستبدال القولي (العباري) :وفيو يتم استبدال عنصر لغوي محل عبارة داخل
مالحظة :ال يتوفر عنصر االستبدال في ىذه القصيدة ،ولذلك يتعذر عمينا التطبيق.
- 1طارق ثابت ،االتساق واالنسجام في ديوان " إفضاءات في أذن صاحبة الجاللة" ،مذكرة مقدمة لنيل شيادة الماستر في
اآلداب والمغة العربية ،2016- 2015 ،نورة سوفي ،ص .40
النص نصا إالّ إذا كانت
4- 2- 2الوصل :يعتبر الوصل من أىم مظاىر االتساق وال يعتبر ّ
فيو ليس اإلحالة ،الحذف ،االستبدال فيو يمثل لمجموعة من الروابط التي تسيم في
النص كال موحدا وتماسكا وىو أقسام وأنواع حيث نميز" الوصل اإلضافي والنسبي
جعل ّ
والعممي ،والزمني.
الوصل العممي :يتم بواسطة أ دوات مثل( :لكن) االستدراكية وغيرىا من التعابير
التي تؤدي معناىا مثل (غير ،أن ،بيد ،إالّ )...وىو يعني عكس ما ىو متوقع .2
الوصل السببي :ىو الذي يمكننا من إدراك العالقة المنطقية بين جممتين وأكثر.
الوصل الزمني :يتجسد الوصل الزمني في ":العالقة بين اطروحتين ،جممتين
/
فأغمبية الوصل في ىذه القصيدة كانت بحرفي العطف" الواو" و" الفاء" والحرف " إلى"
باإلضافة إلى وجود ادوات وأحرف اخرى ساعدت عمى الوصل وىي كاآلتي " من ،الالّم،
عن".
الجامعة بين كممتين أو أكثر داخل المتتابعات النصية" ويتحقق بين مجموعة من األلفاظ،
في تكرار المفظ أ و ما يرادفو في الجممة ،وىذا ما ذكره ىاليداي ورقية حسن" أغسمي
النار" .1
وانزعي نوى ست تفاحات لمطبخ ،ضعي التفاحات في صحن يقاوم ّ
فالتكرار في ىذا القول قد تمثل وتجسد من خالل كممة " التفاحات" التي أسيمت في
ترابط القول.
.3تكرار المعنى والمفظ مختمف :ىو تكرار بإيراد مرادف أو شبو مرادف حيث يكون
فييا المكررة
ب .التضام :أو ما يسمى بالمصاحبة المّغوية وىو وجود عناصر يكون أحدىما متضمن
في اآلخر ويعرفو محمد خطابي عمى أنو ":توارد زوج من الكممات بالفعل وبالقوة نظ ار
إلى ارتباطيا بحكم عالقة من العالقات ،والعالقة النسقية التي تحكم ىذا التزاوج في
فيذا النوع يجعل النص متالحما من خالل ذكر األزواج أو المترادفات وكذلك
النص.
المتعارضات من المفردات والمصطمحات الموجودة في ّ
- 1محمد خطابي ،لسانيات نص ،مدخل إلى انسجام الخطاب ،ص .25
فورود التضام في النص أو الخطاب يساعد عمى تحقيق االتساق بشكل كبير وىذا من
خالل ما ورد في القصيدة حيث نجد التضام موجودا بشكل ممحوظ في:
إلى مستقبمي.
وكذلك في السطر العشرين من قصيدة محمود درويش " المطر األول" نالحظ تضاما
وتضادا.
ليل ونيار
ففي ىذه األسطر نجد التضام فقط في العبارات" أمسي ومستقبمي" وكذلك "ليل ونيار".
الفصل الثاني
االنسجام النصي وآلياتو
مفيوم االنسجام:
يعتبر مبدأ االنسجام أىم المبادئ السبعة التي وضعيا دي بوجراند لمحكم عمى نصية
1
النص ويعرفو فان ديك عمى أنو ":العالقة بين الجمل محددة باعتبار ،التأويالت النسبية"
أي االنسجام يحتاج الى نوع الداللة وتحديدىا.
فاالنسجام ىو المعيار الذي اعتمدت عمييا المسانيات ،النص في الحكم واالجزام
بنصية النص ،وىذا الحكم يصدره المتمقي أو القارئ.
واالنسجام أداة من أدوات التماسك النصي وتعرفو الدكتورة ":نوال الذلف" عمى أنو
"تأويل كل جممة مفردة بتأويل التي قبميا وبعدىا" ،2فاالنسجام حسب ىذا التعريف يعتمد عمى
تأويل وتفسير كل داللة لوحدىا ،يوظف في ذلك أدوات لربط الحال السابقة بالالحقة أو
العكس ،وىذا الربط يسميو فان ديك بالداللة النسبية ":أي أننا ال نقول الجمل أو القضايا
بمعزل عن الجمل والقضايا السابقة" .3
فكما يعتمد االتساق عمى اإلحالة لمربط بين الجمل من خالل أسماء اإلشارة،
الضمائر والموصوالت وغيرىا من األدوات ،كذلك في الجمل القول ىو تحميل النص ،وىذا
التدليل ،يكون من قبل المتمقي أو مستمعا أو قارئا.
ويقوم القارئ بتحميل النص ،الذي بين يديو وذلك من خالل ربطو بالمقام الذي قيل
فيو ،ويؤول الموضوع الذي يعالجو.
فاالنسجام ىو عبارة عن عالقات متنوعة ومتداخمة في نفس الوقت بين عناصر
في تحميمو لمنص مفيوم )(Van Dijk الخطاب /النص وأجزائو ،وقد استخدم "فان ديك"
4
االنسجام" ،يعني بو األبنية الداللية والمحورية الكبرى وىي أبنية عميقة تجريدية.
وبخالف ذلك أن "االتساق" يتمثل في "األبنية النحوية الصغرى وىي أبنية تظير إلى
سطح النص" .5
1
محمد خطابي ،لسانيات ،النص ،مدخل إلى انسجام الخطاب ،ص .34
2
االتساق واالنسجام في ديوان إفضاءات في أذن صاحبة الجاللة الطارق ثابت ،مذكرة مقدمة لنيل شيادة الماستر في
األدب والمغة العربية ،نورة سوفي ص .66جامعة محمد خيضر ،بسكرة.
3المرجع السابق ،ص .74
4
سعيد حسن بجيدي ،عمم لغة النص ،ص .132
5
المرجع نفسو ،ص .132
ومن خ الل ىذين التعريفين نستنتج أن فان ديك قد استخدم مصطمحين لسانيين
معروفين لدى العالم " تشومسكي" ىما "البنية السطحية" و"البنية العميقة"وقد أكد فان ديك
1
عمى أن االنسجام يتطمب بالضرورة خطابا ،حيث تناول الخطاب وفق المخطط التالي:
الخطاب
التداول الداللة
1
المرجع السابق نفسو ،ص.64
2
نوال الذلف ،االنسجام في القرآن الكريم ،سورة النور نموذجا ،أطروحة لنيل شيادة دكتوراه في األدب العربي،
2006م2007/م ،ص .28
كانت شفتاىا
وردة تنمو عمى جمدي
وكانت مقمتاىا
أفقا يمتد من أمسي
إلى مستقبمي
كانت الحموة تعويضا عن القبر.
ففي ىذا المقطع األول من القصيدة يمكن تحديد بنيتو من خالل تعبير الشاعر
ووصفو لحبو لوطنو وتعمقو الشديد بو ،فكممتا "أمسي" و"مستقبمي" تمثالن الماضي والمستقبل
أو الحاضر فوطنو يمثل يجسد الماضي والحاضر.
أما المقطع الثاني فيمتد من السطر العاشر إلى السطر الثالث عشر حيث تطرق في
ىذه األسطر إلى وصف العذاب من خالل التعبير عنو بكممتي "نارا" و"آىا".
وأنا جئت إلييا
من وميض المنجل
واألىازيج التي تطمع من لحم أبي
نا ار وآىا
ويمكن تحديد بنية ىذه المقاطع من خالل المواضيع التي تناوليا وىي :حديثو عن
العذاب واأللم ووصفيما.
وبالنسبة إلى المقطع الثالث من القصيدة فإنو يبدأ من السطر الرابع عشر إلى غاية
السطر السادس والعشرين من القصيدة وفييا يتكمم الشاعر عن جمال وطنو ويتحدث عن
المواعيد التي كتبيا عمى دفتر من طين ،أي ذىاب وزوال تمك الذكريات المسجمة فيو منذ
دخول االحتالل اإلسرائيمي.
كان لي في المطر األول
يا ذات العيون السود
بستان ودار
كان لي معطف صوف
وبذار
كان لي في بابك الضائع
ليل ونيار
سألتني عن مواعيد كتبناىا.
عمى دفتر طين
عن مناخ البمد النائي
وجسر النازحين
وعن األرض التي تحمميا
في حبة تين
وقد تحدث الشاعر محمود درويش في ىذا المقطع عن النازحين الفمسطينيين الذين
تشردوا بعد احتالل وطنيم ويذكر في ىذه األسطر التين نظ ار لتعمقو الشديد بخيرات بمده.
أما بالنسبة لممقطع ال اربع فيمتد من السطر السادس والعشرين إلى السطر األخير وفيو
يتحدث عن تحول حالة البمد الذي يعيش فيو (فمسطين) ورحيمو عن وطنو وآخر لقاء معو
كان في مدخل الميناء حسب قولو:
سألتني عن مرايا انكسرت.
....قبل سنين
عندما ودعتيا
في مدخل الميناء
كانت شفتاىا.
قبمة
تحفر في جمدي صميب الياسمين
فقد تحدث عن آخر لقاء وعن لحظة وداع في مدخل الميناء.
مالحظة :وتجدر اإلشارة إلى أن ىذه القصيدة ىي قصيدة يتحدث فييا الشاعر عن
موز واشارات لمداللة عمى المرأة وليذا فقد صنفت ىذه القصيدة
وطنو(فمسطين) وقد استعمل ر ا
ضمن شعر الغزل.
المعرفة الخمفية :المعرفة بالعالم(Connaissance de monde) :
إن من أىم القضايا التي تتعمق بقراءة النص األدبي من طرف القارئ "المعرفة
الخمفية" أو "المعرفة بالعالم" فما المقصود بيذين المصطمحين حين يواجو القارئ خطابا ما ال
يواجيو وىو خالي الوفاض ،وانما يستعين بتجاربو السابقة ،بمعنى أنو ال يواجيو خالي
ال ذىن ،فمن المعموم أن قراءة النص تعتمد عمى ما تراكم لمقارئ من معارف سابقة تجمعت
ل ديو كقارئ متمرس قادر عمى االحتفاظ بالخطوط العريضة لمنصوص (التجارب) السابق لو
قراءتيا ومعالجتيا" .1
ومن خالل ىذا التعريف يتبين لنا أن المعرفة الخمفية تتمثل في ذلك الكم اليائل من
المعمومات أو المعارف التي تجمعت وتراكمت لدى القارئ من قبل والتي ال يمكن إغفاليا
وتجاىميا عند قراءتو لمنص ما ،ومن ىذا المنطمق يمكن القول إن المعرفة الخمفية تسيم
بشكل كبير في فيم النصوص وتأويميا.
فحسب كل من براون ويول فإن المعرفة التي نممكيا كمستعممين لمغة ليست إال جزءا
2
من معرفتنا االجتماعية والثقافية.
ويقصد بالمعرفة الخمفية الثقافة المكتسبة لدى المتمقي أو القارئ وأدواتو المعرفية ،وىذا
ما سنراه خالل التطبيق.
ىناك من النصوص ما يحمل نفس الموضوع لمشاعر ذاتو ،فقصيدة المطر األول
لمحمود درويش ىو نوعيا الوطن(فمسطين) ،فالقارئ ليذه القصيدة يتذكر معارفو ومعموماتو
عن ىذه القضية الفمسطينية ،دواوين ىائمة تحمل أسمى معاني الحزن واألسى والحرقة لما
يعانيو الشعب الفمسطيني ومن أبرز ىذه القصائد نجد قصيدة سقط القناع التي مطمعيا:
حاصر حصارك ال مفر
حاصر حصارك ال مفر
سقطت ذراعك فالتقطيا.
واضرب عدوك ال مفر
فالقارئ ليذه القصيدة يدرك تماما ما يقصده محمود درويش من وراء ىذه األسطر،
ألنو يممك معرفة خمفية تؤىمو لفيم ما يحتويو ىذا النص الذي بين يديو إضافة إلى بعض
1
ينظر ،محمد خطابي ،لسانيات ،النص ،ص.61
2ينظر ،محمد خطابي ،لسانيات ،النص ،ص .62
الشعراء الثوريين الذين كتبوا عن فمسطين وألّفوا قصائد تحمل نفس ما تحممو قصائد محمود
درويش من موضوع ومعنى.
فيذا كمو يمثل خمفية معرفية (أي معمومات مكتسبة قبال) تساعد القارئ عمى فيم محتوى
النص الذي يبين يديو.
)(Relations Sémantiques العالقات الداللية:
يعد المستوى الداللي من أىم وأبرز المستويات التي بيا يرتبط معيار االنسجام فيناك
مستويات أخرى يتعام ل الباحث معيا في ميدان "لسانيات النص" والمتمثمة في المستوى
النحوي المعجمي التداولي والبالغي وكميا تتعمق بالمستوى الداللي ،تتمثل في موضوع
الخطاب والتغريض ،ولذلك فإن القارئ يج د العديد من العالقات الداللية في انسجام النص
ومن أىميا :عالقات العموم والخصوص/السبب والمسبب/المجمل والمفصل وىي عالقات:
" ال يكاد يخمو منيا نص يحقق شرطي اإلخبارية والثقافية مستيدفا تحقيق درجة معينة من
التواصل سالكا في ذلك بناء الالحق عمى السابق ،بل ال يخمو منيا أي نص يعتمد عمى
الربط القوي بين اجزائو ،بيد ان النص الشعري قد يوحي عدم الخضوع ليذه العالقات ،ولكنو
م ا دام نصا تحكمو شروط اإلنتاج والتمقي فإنو ال يتخمى عن ىذه العالقات وانما الذي
يحصل ىو بروز عالقة دون أخرى" .1
فيذه العالقات تسيم في تحقيق تماسك النص ،فيذه العالقات تعمل عمى تنظيم
ترتيب األحداث داخل بنية النص /الخطاب وتجمع بين أواصره فالنص أو الخطاب كل
موحد متجانس يخضع لترتيب وتنظيم معين مما يجعمو منسجما ومتماسكا.
وبذلك فإن ىذه العالقات الداللية تتعدد وتتنوع إذا كان النص متسقا ،ومع ذلك فاني
سأىتم بالبحث والحديث عن عالقتين من ىذه الع القات وىما عالقات اإلجمال التفصيل
وعالقة العموم والخصوص.
-اإلجمال التفصيل :وتعد ىذه العالقة "إحدى العالقات الداللية التي يشغميا النص لضمان
إتصال المقاطع بعضيا عن طريق استمرار داللة معينة في المقاطع الالحقة" وتسير ىذه
العالقة في اتجاىين ىما:
إجمال ←تفصيل /تفصيل ←اجمال.
/ 1الطيب العزالي قواوة ،مجلة المخبر ،أبحاث في اللغة واألدب الجزائري -جامعة محمد خيضر -بسكرة – الجزائر ،سنة 7117ص 44
وقد ركز العمماء عمييا لكونيا تضمن ات صال المقاطع النصية بعضيا البعض فيذه
العالقة الداللية ال تسير دوما في نفس االتجاه فيي تسير وفق اتجاىين كما أشرنا سابقا.
فيمكن ان يتقدم المفصل عمى المجمل أو العكس وذلك لتحقيق غاية معينة.
لقد أجمل الشاعر محمود درويش في قصيدتو " المطر األول " القول عند حديثو عن الوطن
حيث لم يشر اليو في قولو:
األىازيج التي تطمع من لحم ابي .....
وكان لي في بابك الضائع
ليل ونيار.
سألتني عن مواعيد كتبناىا
عمى دفتر طين.
ثم ًٖتقل إلٓ التفصٗل فٕ حدٖثٍ عى الّطى فٕ قّلٍ:
عن مناخ البلذ النائي
وجسر النازحين
وعن األرض ̗ التي تحملها في حبت تين....
نى هَم ِهبزس العالقاث الداللٗت التٕ ب /العمىم والخصىص :تعد عال قت العهّ ِالصصّ
الشعزٖت ايطالقا نى كّو ِٖهكى تتبع َذٌ العالقت فٕ الًصّ تسُم فٕ ايسجا الًصّ
عًّاو القصٗدة ٖزد فٕ كثٗز نى األحٗاو بصٗغت "العهّ " فٕ حٗى ٖعد بقٗت الًص تصصٗصا
لٍ َِذا الزهٔ اتبعٍ نحهد خطابٕ ِفٍٗ هبدْ رهٍٖ ،حٗث اعتبز هو عًّاو الًص ٖحتّٔ علٓ
عًاصز نزكشٖت ثم تقّ القصٗدة هِ الًص الشعزٔ بتصصٗص َذٌ العًاصز ففٕ َذٌ الحالت
1
ٖكّو القارئ هنا يّاة تًهّ ِتتًاسل عبز الًص "
وعند تطبيق ىذه العالقة عمى قصيدة "المطر األول" لمحمد درويش فانو يتم التوصل
الى النقط التالية:
-وصف الشاعر لوطنو من خالل المجوء إلى جماليات المرأة (شفتاىا ،مقمتاىا)...
-التعبير عن حزنو وشجنو من خالل قولو "كانت الحموة تعويضا عن القبر الذي ضم
إلييا وأنا جئت من وميض المنجل ".
1
ينظر ،محمد خطابي ،لسانيات النص ،ص .273.272
-ظيور حزن وأسى الشاعر من خالل عبارتي "نارا ...وآىا".
-ذكره لمنازحين الفمسطنيين عن مناخ البمد الثاني وحديثو عن أرضو بذكر حبة التين
باعتبار ىذا الشاعر متعمق جدا بالتين والزيتون.
ف في ىذه األسطر تحدث بشكل عام عن وطنو واستعمل إحاالت ورموز ال تفيم إال
من خالل التدقيق وىي (الحموة ،شفتاىا ،مقمتاىا.....إلخ) و في األسطر األخيرة من
القصيدة ،خصص الحديث وبشكل مباشر عن الوطن دون المجوء إلى ىذه اإلحاالت
واإلشارات في عبارات (البمد النائي ،جسر النازحين ،مدخل الميناء) ،وىنا انتقل الشاعر من
العموم إلى الخصوص.
مبدأ التغريض:
إن مفيوم التغريض يتعمق بالدرجة األولى بما يدور في الخطاب أو النص وأجزائو
وبين عنوان الخطاب أو نقطة بدايتو ،وبالتالي فإن الخطاب أو النص يمكن اعتباره مركز
1
جذب.
ويمكن اعتبار العنوان وسيمة قوية لمتغريض ومركز جذب ،فحين نجد اسم شخص أو مكان
مغرضا في عنوان النص /الخطاب ،فإنو يتبادر الى أذىاننا ان ذلك الشخص ىو موضوع
النص.
"ف مفيوم التغريض ذو عالقة وثيقة مع موضوع الخطاب ،ومع عنوان النص تتجمى
في كون األول تعبي ار ممكنا عن الموضوع" ،2ومن ىذا المفيوم يمكن أن نقول أن التغريض
لو عالقة وطيدة بعنوان النص وموضوع الخطاب فالعنوان ىو البوابة التي منيا ننفذ إلى
النص ،فداللة العنوان ت شكل ركيزة أساسية في توجيو فيم القارئ أو المتمقي ،وىو أيضا
عامل من عوامل بناء النصوص وانسجاميا.
ويعرفو "براون" عمى أنو "نقطة بداية قول ما" 3فيو االنطالقة األولى لمدخول إلى
النص والنفوذ إليو فالعنوان يولد لدى القارئ احتماالت كثيرة حول مضمون النص ،والتغريض
فمقد استعمل محمد خطابي مصطمح "التأويل المحمي" " " L’interprétation localتبعا لما
جاء بو العالمان براون ويول فالتأويل المحمي يرتبط بالطاقة التأويمية لدى القارئ أو المتمقي
لمنص /الخطاب.
ومن خالل تطبيقنا عمى القصيدة وتضييقنا ألفق التأويل نستنتج أن ىذه القصيدة تتمحور
حول نكبة فمسطين ،فيذه القضية أثارت مشاعر وأحاسيس محمود درويش الذي ترك لنا تراثا
أدبيا خصبا.
ىي فمسطين ،تاريخ طويل من النضال وارث خالد من البطوالت وسجل ناصع ،فقصيدة
المطر األول تروي معاناة الفمسطينيين وأحزانيم النبيمة كما في قولو:
عن مناخ البمد النائي
1الطيب العزالي قواوة ،مجلة المخبر ،أبحاث في اللغة واألدب الجزائري ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،الجزائر ،العدد ،8سنة 7117ص 76
7ينظر ،مفتاح بخوش ،االنسجام في ديوان آيات من كتاب السهو 7114 ،7117 ،ص 47
وجسر النازحين
فالقضية الفمسطينية تحولت إلى لحن يعزفو الشاعر بأنغام الحزن واألمل حيث يقول مخاطبا
معشوقتو فمسطين:
في رذاذ المطر الناعم
كانت شفتاىا
وردة تنمو عمى جمدي
وكانت مقمتاىا
أفقا يمتد من أمسي
إلى مستقبمي
يكثر في ىذه القصيدة تكرار المعشوقة فمسطين والحنين إلييا مما جعمو ميتما بالتفصيالت
التي تبعث في نفسو الحياة ،وتبدد اليأس من الصدور ،فمحمود درويش ودواوينو الصادقة
سند لفمسطين في محنتيا.
خاتمة
خاتمة:
وصمنا إلى نياية ىذا البحث ،وقد ترسخت في أذىاننا فكرة بدأنا منيا وتتبعناىا في
ىذه ا لدراسة ،لتنجمي أمام أعيننا أىميتيا وىي أن االتساق ضروري توافره أو وجوده في كل
نص باعتباره وحدة داللية لغوية كبرى متسقة في ذاتيا وعميو يكون دور القارئ تبيان
العالقات والوسائل التي أحدثت ىذا االتساق والترابط في ضوء التحميل النصي المعاصر.
ووجدنا االتساق مفيوما مفيدا لتحقيق ىذا النوع من التحميل باعتباره تحميال ييدف
بالدرجة األولى إلى الكشف عن الترابطات والعالقات الداخمية التي تبني النص وتشد بعضو
إلى بعض فاالتساق معيار أساسي تتحقق من خاللو نصية النص.
وفي إ ثبات مفيوم االتساق النصي ودوره في إقامة التحميل نكون قد تجاوزنا مستوى
أصغر ( الجممة) إلى مستوى أرحب ( النص ) باعتباره الوحدة المغوية الكبرى لمتحميل المغوي
من جية وممثال شرعيا لمغة من جية أخرى.
كما أثبتت الدراسة أن وسائل االتساق النصي ال تقتصر عمى اإلحالة والحذف
والوصل والتكرار ،بل تتعداه إلى وسائل داللية ،اقتصرت الدراسة عمى توضيح بعض
الوسائل منيا :العالقات الداللية ،وموضوع النص /الخطاب ،الخمفية المعرفية ومبدأ التأويل
المحمي.
ومن ىنا أشرنا إلى دور المتمقي في عممية التحمي ل النصي ،ألن المتمقي مبدع ثان
لمنص فيو من يضيف أبعادا جديدة لمنص بتحميمو ،وفك شفراتو والحكم عمى انسجامو من
عدمو ،وىو في ذلك خاضع لشروط أىميا إدراك لغة النص وعالقاتو وسياقو من جية
ومعرفتو الخمفية بعالم النص من جية أخرى.
كما نجد التكرار المعنوي والعالقات الداللية مثل :اإلجمال والتفصيل /العموم
والخصوص كوسائل ليا دور في تحقيق ترابط النص الداللي وليا وزنيا في التحميل النصي.
وما أضافت الدراسات النصية إلى ميمة ىذه الوسائل في التحميل النصي المعاصر،
وفق منظور لساني نصي من جية ،وميمتيا في تحقيق الترابط والتالؤم بين أواخر
القصيدة/النص وبدايتو من جية ثانية.
نرجو أن نكون قد تمكنا من توضيح بعض أىداف ىذه الظاىرة المسانية النصية
ووسائميا ومدى تجمييا في نص " المطر األول" لمشاعر الفمسطيني محمود درويش كنص
متسق منسجم متالحم األجزاء ،حيث سعت ىذه الدراسة إلى إماطة المثام عن اتساقو
وانسجامو بتوضيح العالقات التي خضع ليا والتي تحكمت في بنائو كوحدة داللية مترابطة.
وفي األخير ،ال ندعي أن النتائج التي توصمنا إلييا في ىذا الموضوع نيائية ،بل ال
تزال في حاجة إلى قارئ وباحث ناقد يستوفي ما تبقى من جوانبيا والتي لم نتمكن من
االىتداء إلييا في دراستنا ىذه.
قائمة المصادر
والمراجع
قائمة المصادر والمراجع
أوال :الكتب
محمد خطابي ،لسانيات نص ،مدخل إلى انسجام الخطاب ،طبعة .2012 ،03 .1
عوض عباس اليدي ،محمد داوود ،محمد عمي أحمد ،لسانيات النص ومعايير .2
.2001
األزىر الزناد ،نسيج النص ،بحث فيما يكون فيو الممفوظ نصا ،مركز الثقافي العربي، .4
القرآني.
دي بوجراند ،النص الخطاب واإلج ارء. .6
.2013
. 10الطيب العزالي قواوة ،مجمة المخبر ،أبحاث في المغة واألدب الجزائري ،جامعة محمد
خيضر ،بسكرة ،الجزائر ،االنسجام النصي ،وأدواتو2009 ،م.
ثانيا :مذكرات
محمد خطابي ،لسانيات النص ،مذكرة لنيل شيادة الماستر في اآلداب والمغة العربية. .1
طارق ثابت ،االتساق واالنسجام في ديوان " إفضاءات في أذن صاحبة الجاللة"، .2
مذكرة مقدمة لنيل شيادة الماستر في اآلداب والمغة العربية ،2016- 2015 ،نورة
سوفي.
نوال الذلف ،االنسجام في القرآن الكريم ،سورة النور نموذجا ،أطروحة لنيل شيادة .3