You are on page 1of 12

‫ﻣوﻗﻊ اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ‬ www.elkanounia.

com ‫ﻟﻠﻣزﯾد ﻣن اﻟﻌروض زوروا‬

fb.com/Elkanounia.Ma twitter.com/ElkanouniaMa
‫تقديم لمادة القانون الجنائ ال عا م‬

‫الجريمة قديمة قدم التاريخ حيث شهدت األرض أول جريمة قتل على وجهها بين‬
‫ابني آدم قابيل وهابيل‪ ،‬ولقد تطلبت الجريمة ظهور العقاب الذي ابتغي من ورائه‬
‫زجر السلوكات المنحرفة لإلنسان لجعلها تساير الطبيعة البشرية ‪ ،‬حيث تطورت‬
‫أسس وأساليب هذا العقاب عبر الزمن لتتخذ شكل القانون الجنائي الحالي الذي يحدد‬
‫الجرائم والعقوبات المقررة لها‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف القانون الجنائي‬
‫يقصد بالقانون الجنائي في االصطالح الفقهي مجموعة القواعد والنصوص التي تنظم‬
‫مبادئ التجريم وتحدد األفعال المكونة للجرائم والعقوبات المقررة لها ‪ ،‬كما تنظم‬
‫إجراءات البحث والتحقيق في الجرائم ومسطرة المحاكمة وتنفيذ العقوبة المحكوم بها‪.‬‬
‫وقد قدمت عدة تعريفات للقانون الجنائي أهمها أنه‪:‬‬
‫‪ -‬عبارة عن مجموعة القواعد التي تضعها الدولة لتنظم بها حق العقاب نيابة‬
‫عن المجموع وتبين فيها األفعال المعاقب عليها ومقدار العقوبة التي تفرض‬
‫‪1‬‬
‫عند ارتكابها‪.‬‬
‫‪ -‬مجموعة القواعد القانونية التي تضعها الدولة والتي تحدد فيها الجرائم‬
‫‪2‬‬
‫والعقوبات والتدابير االحترازية المقررة لهذه الجرائم‪.‬‬
‫‪ -‬مجموعة القواعد القانونية التي تحدد األفعال المعدة جرائم وتبين الجزاءات‬
‫‪3‬‬
‫الواجب إنزالها بحق مرتكبيها"‪.‬‬

‫‪ -‬غالب الداورى‪" :‬شرح قانون العقوبات العراقي ‪ :‬القسم العام" ‪ ،‬دار الطباعة الحديثة البصرة ‪،‬الطبعة األولى ‪ ، 9191‬ص ‪.8‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬دمحم صبحي نجم ‪ ":‬قانون العقوبات" ‪ ،‬القسم العام (النظرية العامة للجريمة) ‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ، 0222‬ص ‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫وانطالقا من هذه التعاريف يمكننا تعريف القانون الجنائي بأنه هو مجموعة القواعد‬
‫التي تحدد األفعال التي تعتبر جرائم وتحدد العقوبات أو التدابير االحترازية الواجب‬
‫تطبيقها على مرتكبيها‪.‬‬
‫وقد عرفه أيضا المشرع المغربي في الفصل األول من مجموعة القانون‬
‫الجنائي‪ 4‬بقوله أن التشريع الجنائي يحدد أفعال اإلنسان التي يعدها جرائم‪ ،‬بسبب ما‬
‫تحدثه من اضطراب اجتماعي‪ ،‬ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية‪.‬‬
‫والقانون الجنائي المغربي بهذا المفهوم قد خضع لعدة تطورات اقتضتها التحوالت‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي عرفها المجتمع المغربي‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التطور التاريخي للقانون الجنائي‬
‫لقد خضع القانون الجنائي المغربي لعدة تطورات ليتماشى مع تطور البشرية‬
‫ويسايرها في تقدمها‪ .‬حيث طبق المغرب لقرون طويلة الشريعة اإلسالمية التي‬
‫شكلت تشريعا جنائيا متكامال ‪ ،‬و حددت الجرائم والعقوبات المستحقة لها ‪ ،‬من ذلك‬
‫جريمة السرقة التي حددت عقوبتها في قطع يد السارق ‪ ،5‬وجريمة القذف التي حددت‬
‫لها الشريعة اإلسالمية عقوبة الجلد ثمانون جلدة ‪ ،6‬وجريمة الزنا التي عاقبت عليها‬
‫الشريعة بمائة جلدة ‪ ،7‬ثم جريمة القتل التي نظمت عقوبتها بأحكام القصاص التي‬
‫تقرر معاقبة المجرم بمثل فعله‪ 8.‬فقد ساد تطبيق أحكام الشريعة اإلسالمية لمدة طويلة‬
‫في كل ما يتعلق بالحدود والقصاص والديات والتعازير‪ .‬حيث كان القضاء يطبق‬
‫األحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة النبوية الشريفة ‪ ،‬مسترشدا بأحكام الفقه‬
‫المالكي اإلسالمي ‪ ،‬وتأثر بشكل واضح بالعرف والعادات حتى نشأ مصدر جديد‬
‫يعتمده القضاء في الشكل والموضوع معا وهو "ما جرى به العمل " الذي سرعان ما‬
‫‪9‬‬
‫تفرع إلى "العمل الفاسي" و "العمل السوسي"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬كامل السعيد ‪" :‬شرح األحكام العامة في قانون العقوبات" ‪ ،‬الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ، 2002‬ص ‪.51‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 591.9551‬صادر في ‪ 22‬جمادى الثانية ‪ 22( 5122‬نونبر ‪ )5.22‬بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي‪.‬‬
‫ع ِز ٌ‬ ‫َّللاِ ۗ َو َّ‬ ‫طعُوا أ َ ْي ِديَ ُه َما َجزَ ا ًء بِ َما َك َ‬
‫سبَا نَك ًَاال ِمنَ َّ‬ ‫َّارقَةُ فَا ْق َ‬
‫َّارقُ َوالس ِ‬
‫‪5‬‬
‫يز َحكِي ٌم" ‪ ،‬اآلية ‪ 88‬من سورة‬ ‫َّللاُ َ‬ ‫‪ -‬مصداقا لقوله تعالى ‪َ ":‬والس ِ‬
‫المائدة‪.‬‬
‫ت ث ُ َّم لَ ْم يَأْتُوا بِأ َ ْربَ َع ِة شُ َهدَا َء فَاجْ ِلد ُو ُه ْم ث َ َمانِينَ َج ْلدَة ً َو َال ت َ ْقبَلُوا لَ ُه ْم َ‬
‫ش َهادَة ً‬ ‫صنَا ِ‬ ‫‪ -‬مصداقا لقوله تعالى ‪َ " :‬والَّذِينَ يَ ْر ُمونَ ْال ُمحْ َ‬
‫‪6‬‬

‫أَبَدًا ۚ َوأُو َٰلَئِكَ ُه ُم ْالفَا ِسقُونَ " ‪ ،‬اآلية ‪ 4‬من سورة النور‪.‬‬
‫َّللاِ ِإن ُكنت ُ ْم تُؤْ مِ نُونَ ِب َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِين َّ‬‫الزانِي فَاجْ ِلدُوا ُك َّل َواحِ ٍد ِم ْن ُه َما مِ ائَةَ َج ْلدَةٍ ۖ َو َال ت َأ ْ ُخ ْذ ُكم ِب ِه َما َرأْفَةٌ فِي د ِ‬ ‫الزا ِنيَةُ َو َّ‬ ‫‪ -7‬مصداقا لقوله تعالى‪َّ " :‬‬
‫طائِفَة ِمنَ ال ُمؤْ مِ نِينَ " ‪ ،‬اآلية ‪ 0‬من سورة النور‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫عذَابَ ُه َما َ‬ ‫َو ْاليَ ْو ِم ْاآلخِ ِر ۖ َو ْليَ ْش َه ْد َ‬
‫َ‬
‫ِي لَهُ مِ ْن أخِ ي ِه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اص فِي القَتْلَى ۖ ال ُح ُّر بِال ُح ِر َوالعَ ْبدُ بِال َع ْب ِد َواألنث َ َٰى بِاألنث َ َٰى ۚ فَ َم ْن ُ‬ ‫ْ‬
‫علَ ْي ُك ُم ال ِق َ‬ ‫َّ‬
‫‪ -‬قال تعالى‪ ":‬يَا أَيُّ َها الذِينَ آ َمنُوا ُكت َ‬
‫‪8‬‬
‫عف َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ِب َ‬
‫اص‬
‫ص ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عذَابٌ ألِي ٌم )‪َ (178‬ول ُك ْم فِي ال ِق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫ٌ‬
‫ِيف ِمن َّربِ ُك ْم َو َرحْ َمة ۗ فَ َم ِن ا ْعت َدَ َٰى بَ ْعدَ ذَلِكَ فَلهُ َ‬ ‫ان ۗ ذَلِكَ ت َْخف ٌ‬‫َٰ‬ ‫س ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش ْي ٌء فَ ِاتبَاعٌ بِال َم ْع ُروفِ َوأدَا ٌء إِل ْي ِه بِإِحْ َ‬ ‫َ‬
‫ب لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ‪ " (179‬اآليتين ‪ 971-978‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫َحيَاة ٌ يَا أُولِي ْاأل َ ْلبَا ِ‬
‫‪ -9‬وزارة العدل ‪" :‬مجموعة القانون الجنائي" ‪ ،‬إصدارات مركز الد راسات وأبحاث السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو ‪،‬‬
‫سلسلة نصوص قانونية ‪ ،‬مارس ‪ ، 0298‬العدد ‪ ، 90‬ص ‪.8‬‬

‫‪2‬‬
‫وبتطبيق معاهدة الحماية بدأت مرحلة صدور القوانين المكتوبة باسم الملك التي‬
‫أخذت تحل تدريجيا محل أحكام الفقه اإلسالمي ‪ ،‬وقد عرفت مرحلة الحماية تطبيق‬
‫‪10‬‬
‫عدة قوانين جنائية أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 09‬غشت ‪ : 0201‬بتطبيق القانون الجنائي والمسطرة الجنائية على‬
‫الفرنسيين أمام المحاكم التي أقامتها فرنسا بالمغرب على األشخاص‬
‫الخاضعين الختصاص هذه المحاكم‪.‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 92‬أكتوبر ‪ : 0291‬الذي يعتبر أهم وأحدث مجموعة جنائية طبقت في‬
‫المغرب ‪ ،‬حيث حاولت الحماية الفرنسية أن تعمم هذه المجموعة الجنائية على‬
‫سائر المحاكم ‪ ،‬لتضييق الخناق على المغاربة الذين قاوموا االستعمار‬
‫وإحالتهم على المحاكم الفرنسية بدل المحاكم المخزنية‪.‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 92‬نونبر ‪ : 0229‬هذا الظهير ألغى سابقه وشكل مجموعة عصرية‬
‫للقانون الجنائي المغربي حيث استدرك الكثير من الهفوات التي وقعت في‬
‫بعض التشريعات المقارنة واستلهم أحكامه من القوانين الجنائية لفرنسا ‪،‬‬
‫الدانمارك وألمانيا‪.‬‬
‫ورغم كون هذا الظهير قد اعتبر قانونا جنائيا عصريا فإن المشرع المغربي تدخل في‬
‫عدة مناسبات لتعديل العديد من أحكامه لجعلها تساير التطور الكبير الذي يعرفه‬
‫المجتمع المغربي في شتى مناحي الحياة‪ .‬حيث بلغت التعديالت التي أدخلت على‬
‫النص األصلي ‪ 89‬تعديال ‪ ،‬كما أنه اآلن يجري نقاش عميق وموسع حول مشروع‬
‫القانون رقم ‪ 92.99‬يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي ‪ ،‬وما ذلك إال‬
‫بالنظر لألهمية القصوى التي يحظى بها القانون الجنائي داخل المجتمع ولعالقاته‬
‫وارتباطاته المتشعبة مع مختلف التشريعات والقوانين األخرى‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عالقة القانون الجنائي بالقوانين األخرى والعلوم الجنائية‬
‫للقانون الجنائي عالقات متشابكة مع العديد من القوانين األخرى سوف نتطرق‬
‫ألهمها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -0‬عالقة القانون الجنائي بالدستور‬
‫الدستور أسمى قانون في المملكة‪ ،‬وهو يضمن مجموعة من الحقوق االقتصادية ‪،‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬الثقافية والسياسية لألفراد ‪ ،‬كالحق في الحياة ‪ ،‬الحق في الملكية ‪ ،‬حق‬
‫تأسيس األحزاب السياسية ‪ ،‬حق األفراد في سالمتهم الجسدية ‪ ،‬إضافة إلى إقراره‬
‫مجموعة من المبادئ المتعارف عليها في التشريعات الجنائية كمبدأ ال جريمة وال‬
‫عقوبة إال بنص ‪ ،‬الحماية من االعتقال غير المبرر ‪ ،‬قرينة البراءة ‪ ،‬الحق في‬

‫‪ -10‬نفس المرجع ص ‪.4‬‬

‫‪3‬‬
‫المحاكمة العادلة ‪ ،‬حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو الحاطة من الكرامة اإلنسانية ‪،‬‬
‫احترام الحق في الحياة الخاصة‪.‬‬
‫وواضح أن العديد من هذه الحقوق والحريات ينظمها ويحميها القانون الجنائي ‪،‬‬
‫ويحدد األفعال التي تمس هذه الحقوق و تعتبر جرائم ويقرر العقوبات المناسبة لكل‬
‫منها‪ .‬مما يدل على الرابطة القوية القائمة بين كل من الدستور والقانون الجنائي والتي‬
‫بمقتضاها يتدخل هذا األخير إلقرار الحماية الجنائية للحقوق الدستورية‪.‬‬
‫‪ -9‬عالقة القانون الجنائي بالقانون المدني‬
‫هناك عالقة وثيقة بين القانون الجنائي والقانون المدني ‪ ،‬فإذا كان هذا األخير ينظم‬
‫معامالت الناس فيما بينهم ويكرس حقوقهم المدنية وينظمها ‪ ،‬فإن القانون الجنائي‬
‫يتدخل لحماية هذه الحقوق والمعامالت‪.‬‬
‫ويظهر ذلك في عدة جوانب نذكر منها على سبيل المثال تجريم االعتداء على الملكية‬
‫األدبية والفنية (الفصول ‪ ، )571-575‬السرقات وانتزاع األموال (الفصول ‪-525‬‬
‫‪ ، )581‬إلى غير ذلك من المقتضيات الزجرية التي تضمنها القانون الجنائي من أجل‬
‫حماية الحقوق المدنية للمواطنين ‪ ،‬مما يجعل العالقة بين القانونين عالقة جد وثيقة‬
‫ومهمة وتبر ز قوتها بشكل أكبر في ارتباط الدعوى المدنية بالدعوى العمومية ‪ ،‬حيث‬
‫يكون الحق دائما للطرف المتضرر من الجريمة في االنتصاب كطرف مدني في‬
‫الدعوى العمومية للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر جراء ارتكاب األفعال‬
‫المجرمة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬عالقة القانون الجنائي بالقانون التجاري‬
‫الشك أن القانون الجنائي يتدخل في المعامالت التجارية لحمايتها من أعمال النصب‬
‫واالحتيال وضمان االلتزام بالسلوكات القويمة أثناء المعامالت التجارية ‪ ،‬فنجد تبعا‬
‫لذلك أن هذا القانون يتدخل لمعاقبة كل من يقوم بتزوير األوراق العرفية أو المتعلقة‬
‫بالتجارة والبنوك (الفصول ‪ ، )851-857‬ويعاقب أيضا كل من ارتكب جرائم‬
‫النصب وإصدار شيك بدون رصيد وإصدار أو قبول شيك على سبيل الضمان‬
‫(الفصول ‪ ، )549-542‬كما يتدخل القانون الجنائي لزجر التاجر الذي يرتكب جريمة‬
‫التفالس (الفصول ‪ ، )591-559‬إلى غير ذلك من مظاهر تدخل القانون الجنائي في‬
‫مجال المعامالت التجارية لتخليقها وزجر كل المعامالت المنافية لقواعد الثقة‬
‫واالئتمان التي تقوم عليها التجارة‪.‬‬
‫‪ -2‬عالقة القانون الجنائي بالقانون اإلداري‬
‫تظهر هذه العالقة في كون القانون الجنائي يشكل دعامة للقانون اإلداري ‪ ،‬حيث‬
‫يتدخل في عدة مناسبات لتخليق العمل اإلداري ومحاربة ما يعلق به من شوائب سواء‬
‫من طرف اإلدارة أو من مرتفقيها‪ .‬ويتجلى ذلك في تجريم عدة أفعال منها مثال جرائم‬
‫‪4‬‬
‫تواطؤ الموظفين (الفصول ‪ ، )089-088‬تجاوز السلطات اإلدارية والقضائية‬
‫الختصاصاتها وإنكار العدالة (الفصول ‪ ، )042-087‬االختالس والغدر الذي يرتكبه‬
‫الموظفون العموميون (الفصول ‪ ، )047-049‬الرشوة واستغالل النفوذ (الفصول‬
‫‪ ، )059.9-048‬الشطط في استعمال الموظفين للسلطة ضد النظام العام (الفصول‬
‫‪ ، )092-057‬إهانة الموظف العمومي واالعتداء عليه (الفصول ‪.)097-098‬‬
‫‪ -9‬عالقة القانون الجنائي بقانون الشغل‬
‫تظهر هذه العالقة من خالل تدخل القانون الجنائي لتقوية الجزاء المقرر على مخالفة‬
‫العمال اللتزاماتهم كارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو األمانة ‪ ،‬أو اآلداب العامة ‪ ،‬أو‬
‫إفشاء السر المهني أو السرقة أو خيانة األمانة ‪ ،‬أو السكر ‪ ...‬بالمقابل يقرر المشرع‬
‫جزاءات على رب العمل بخصوص تشغيل األحداث أو عدم التقيد بالقوانين ‪ ،‬أو فيما‬
‫يخص حماية األمومة أو تشغيل األحداث والنساء ليال ‪ ،‬وغيرها من المقتضيات‬
‫المنظمة لعالقة العمل وشروطها ‪ ،‬فضال عن تدخل المشرع بموجب نصوص خاصة‬
‫وإعمال عقوبات لمخالفة أحكامه مثل ما جاء في ظهير حوادث الشغل واألمراض‬
‫‪11‬‬
‫المهنية‪.‬‬
‫‪ -2‬عالقة القانون الجنائي بقانون األسرة‬
‫األسرة هي النواة األصلية للمجتمع والخلية التي يتأسس عليها وجوده واستمراره ‪،‬‬
‫لذلك نجدها قد حظيت باهتمام كبير من طرف المشرع المغربي في شتى المجاالت‬
‫‪ ،12‬ومنها بطبيعة الحال المجال الجنائي ‪ ،‬حيث تدخل القانون الجنائي لحماية‬
‫مجموعة من الروابط األسرية مثل العالقة الزوجية من خالل تجريم الخيانة الزوجية‬
‫‪ ،13‬أو حماية األطفال بتجريم عدم تسليم طفل لمن له الحق فيه ‪ ،14‬أو حماية األسرة‬
‫بذاتها من خالل تجريم إهمال األسرة ‪ ،15‬أو طرد أحد الزوجين من بيت الزوجية ‪، 16‬‬
‫أو اغتصاب األطفال ممن لهم سلطة أو والية عليهم‪ 17.‬أو تسليمهم إلى متسول أو‬
‫‪18‬‬
‫متشرد‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬دمحم العروصي ‪" :‬المختصر في شرح القانون الجنائي المغربي ‪ :‬الجزء األول ‪ ،‬القانون الجنائي العام" ‪ ،‬مطبعة أناسي مكناس ‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ ، 2052‬ص ‪.1.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ -‬أنظر سعيد الوردي‪" :‬الحماية الضريبية لألسرة بالمغرب" ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بفاس ‪ ،‬الموسم الجامعي ‪ ، 2002-2001‬ص ‪.5‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -‬انظر الفصول ‪ 5.1 – 5.2 – 5.5‬من ق ج‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -‬انظر الفصلين ‪ 577 – 572‬من ق ج‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬نظم المشرع الجنائي جرائم إهمال األسرة في الفصول من ‪ 57.‬إلى ‪ 522‬من ق ج‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ -‬انظر الفصل ‪ 5-520‬من ق ج‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪ -‬الفصلين ‪ 521 – 525‬من ق ج‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 110‬من ق ج‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -7‬عالقة القانون الجنائي بقانون المسطرة الجنائية‬
‫يعنى قانون المسطرة الجنائية بتنظيم البحث عن مرتكب الجريمة والحكم فيها وتنفيذ‬
‫العقوبة المحكوم بها ‪ ،‬فقواعده هي التي تحرك نصوص القانون الجنائي وثبت فيها‬
‫الحياة لتحقيق أهدافها ‪ ،‬فنص القانون الجنائي على تجريم وعقاب القتل يبقى جامدا ما‬
‫لم تحركه قواعد المسطرة الجنائية التي تفرض متابعة مرتكب الجريمة وتنظم كيفية‬
‫هذه المتابعة‪ 19.‬وتبدو أهمية قانون المسطرة الجنائية في عالقته بالقانون الجنائي في‬
‫كونها الزمة لتطبيق هذا القانون ‪ ،‬فهي التي ترسم السبيل الذي ينبغي السير فيه‬
‫الكتشاف الجريمة ومعرفة الظروف التي البستها وللوصول إلى المجرم قصد‬
‫الضرب على يده أو محاولة إصالحه‪ .‬فقانون المسطرة الجنائية هو حلقة الوصل بين‬
‫القواعد الموضوعية للقانون الجنائي وموضعها من التطبيق ‪ ،‬فهي إن صح القول‬
‫بمثابة القالب الذي تفرغ فيه تلك القواعد أو الجسر الذي تمر عليه لكي تصل فعال‬
‫‪20‬‬
‫إلى أهدافها المرسومة من طرف المشرع‪.‬‬
‫‪ -8‬عالقة القانون الجنائي بالقانون الدولي‬
‫كلما ازدهرت مظاهر التضامن وأواصر التعاون بين الدول في مكافحة اإلجرام‬
‫ومطاردة الجناة كلما ازدادت المواضيع المشتركة بين القانون الدولي وقانون‬
‫العقوبات ‪ ،‬ومن المواضيع المشتركة بين هذين القانونين ‪ ،‬إقليمية القوانين وتسليم‬
‫المجرمين وإبعاد األجانب واإلعفاءات القضائية‪ .‬ومثل هذا التضامن كان له أثره في‬
‫إنشاء بعض العلوم القانونية الحديثة كالقانون الجزائي الدولي الذي يعنى بتنظيم‬
‫العالقات بين الدول المختلفة في المسائل الجزائية ‪ ،‬وينظم األحكام الخاصة بمشكلة‬
‫‪21‬‬
‫تنازع القوانين الجنائية من حيث المكان‪.‬‬
‫‪ -2‬عالقة القانون الجنائي بعلم اإلجرام‬
‫هناك صلة وثيقة بين القانون الجنائي وعلم اإلجرام تظهر في كون علم اإلجرام يعتمد‬
‫على القانون الجنائي في تحديد موضوعه من خالل التعريف القانوني للجريمة ‪،‬‬
‫وهذا يعني أن مفهوم الجريمة في علم اإلجرام هو نفس مفهومها في القانون الجنائي ‪،‬‬
‫ومن ناحية أخر ى فإن علم اإلجرام يعين المشرع الجنائي على تفهم عوامل الجريمة‬
‫من اجل وضع أفضل النصوص لمعالجتها‪ .‬ويظهر هذا التأثير في اتجاه المشرع نحو‬
‫التوسع في تطبيق نظام التدابير االحترازية ‪ ،‬ألن معرفة أسباب اإلجرام تسمح‬
‫للمشرع بأن يحمي النظام االجتماعي على نحو اكثر فاعلية ‪ ،‬وذلك بتجريم بعض‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬أحمد الخمليشي ‪" :‬شرح قانون المسطرة الجنائية ‪ :‬الجزء األول" ‪ ،‬مكتبة المعارف الطبعة الثانية ‪ ، 5.22 ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ -‬دمحم عياط ‪" :‬دراسة في المسطرة الجنائية المغربية" ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 5..5‬ص ‪.50‬‬
‫‪21‬‬
‫‪ -‬كامل السعيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.5.‬‬

‫‪6‬‬
‫األفعال أو الحاالت التي ال تنطوي على ضرر فعلي بمصالح المجتمع ولكنها تندر‬
‫‪22‬‬
‫بصورة واضحة باحتمال وقوع الضرر‪.‬‬
‫وتبعا لذلك فالعالقة بين القانون الجنائي وعلم اإلجرام تقوم على وحدة الهدف والغاية‬
‫التي تتمثل في مكافحة الجريمة ‪ ،‬فالقانون الجنائي يرسم من جهة اإلطار الذي تتم فيه‬
‫الدراسات اإلجرامية وذلك فيما يتعلق بالجريمة والمجرم ‪ ،‬ومن جهة أخرى يلجأ إلى‬
‫أبحاث علم اإلجرام وما توصلت إليه من نتائج لالستفادة منها في تقرير بعض‬
‫األنظمة والقواعد المتعلقة بتفريد العقاب ونظام وقف تنفيذ العقوبة ونظرية الظروف‬
‫‪23‬‬
‫المشددة والمخففة‪.‬‬
‫عالقة القانون الجنائي بعلم العقاب‬ ‫‪-01‬‬
‫يقصد بعلم العقاب ذلك العلم الذي يتناول مرحلة رد الفعل االجتماعي تجاه مرتكبي‬
‫الجريمة ‪ ،‬أي مرحلة التنفيذ التي تحقق هذه األغراض‪ .‬لذلك فهو يهتم بالبحث في‬
‫أفضل الوسائل لمعاملة المجرمين لتحقيق أغراض الجزاء الجنائي في اإلصالح‬
‫والتأهيل‪ 24.‬وتبقى هناك عالقة تكامل قائمة بين القانون الجنائي وعلم العقاب ألن هذا‬
‫األخير يوجه المشرع الجنائي إلى وضع نصوص تتالءم مع ما استجد في مجال‬
‫العقوبة أو التدابير االحترازية لتحقيق ردع وإصالح الجاني وتأهيله من أجل العودة‬
‫للمجتمع واحترام ضوابطه‪.‬‬
‫عالقة القانون الجنائي بعلم السياسة الجنائية‬ ‫‪-00‬‬
‫يعرف مارك أنسل السياسة الجنائية بكونها تهدف الوصول إلى أفضل صيغة لقواعد‬
‫القانون الجنائي الوضعي وتوجيه كل من المشرع الذي يسن القانون والقاضي الذي‬
‫يقوم بتطبيقه والمؤسسات العقابية التي تقوم بتنفيذ العقوبات والتدابير التي يقضي بها‬
‫القاضي‪ 25.‬مما يجعلها على عالقة وطيدة بالقانون الجنائي ألنها هي التي توجه‬
‫المشرع نحو تجريم بعض األفعال أو رفع التجريم عن أخرى نظرا لما تقتضيه‬
‫مصلحة المجتمع من هذا أو ذاك‪.‬‬
‫عالقة القانون الجنائي بعلوم األدلة الجنائية‬ ‫‪-09‬‬
‫تظهر فائدة علوم األدلة الجنائية في اكتشاف الجريمة بعد وقوعها ‪ ،‬للبحث عن‬
‫المجرمين الحقيقيين واالهتداء إليهم ‪ ،‬فاألدلة المحصل عليها تعين العدالة الجنائية في‬
‫الوصول إلى الحقيقة ‪ ،‬خصوصا و أن هناك حاالت يعجز فيها القاضي الجنائي عن‬
‫كشف الوقائع التفصيلية للجريمة وشخص أو أشخاص مرتكبيها‪ .‬وتحتوي علوم األدلة‬

‫‪ -22‬دمحم شالل حبيب‪ " :‬أصول علم اإلجرام" ‪ ،‬بدون طبعة وال تاريخ ‪ ،‬ص ‪.04‬‬
‫‪ -23‬بشير سعد زغلول ‪ " :‬دروس في علم اإلجرام" ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 0228‬ص ‪.04‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ -‬جعفر العلوي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.2‬‬

‫‪7‬‬
‫الجنائية على عدة فروع منها علم القياس البشري‪ ،‬علم الطب الجنائي ‪ ،‬علم البصمات‬
‫‪26‬‬
‫ثم علم البحث والتحقيق الجنائي‪.‬‬
‫أما العالقة بين القانون الجنائي وعلوم األدلة الجنائية فهي واضحة وال تحتاج إلى‬
‫كثير من الجهد إلبرازها ‪ ،‬ذلك أن القانون الجنائي ال يمكنه أن يحقق أهدافه في ضبط‬
‫المجرم وع قابه في غياب هذه العلوم التي تساعد الضابطة القضائية على كشف خيوط‬
‫الجرائم المرتكبة ‪ ،‬سيما مع التطور الذي شهده المجتمع والذي انعكس أيضا على‬
‫طريقة تنفيذ الجرائم حيث يعمل المجرم المحترف على طمس مختلف معالم الجريمة‬
‫والتفنن في اختيار وسائل التنفيذ التي تجعله في مأمن من الوصول إليه وضبطه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬المبادئ التي يقوم عليها القانون الجنائي‬
‫يقوم القانون الجنائي على مجموعة من المبادئ األساسية على رأسها مبدأ شرعية‬
‫الجرائم والعقوبات ‪ -0-‬مبدأ إقليمية القانون الجنائي ‪ -9-‬تطبيق القانون األصلح‬
‫للمتهم ‪ -1-‬مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي ‪ -2-‬مبدأ التفسير الضيق للقانون الجنائي‬
‫‪ -9-‬تفسير الشك لمصلحة المتهم ‪-2-‬‬
‫‪ -9‬مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‬
‫يقصد بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أنه ال جريمة وال جزاء إال بنص في القانون‪،‬‬
‫فتحديد األفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها وتحديد الجزاءات المقررة لها من حيث‬
‫نوعها أو مقدارها ‪ ،‬كل ذلك يجب أن يرد صراحة في نص قانوني مكتوب يضعه‬
‫‪27‬‬
‫المشرع سلفا‪.‬‬
‫وتطبيقا لمبدأ الشرعية فاألفعال التي تعتبر جرائم هي المنصوص عليها في قانون‬
‫العقوبات مسبقا والمنصوص أيضا على العقوبات المقررة لها شريطة أن يكون‬
‫النص قد صدر قبل ارتكاب الفعل المراد المعاقبة عليه‪ .‬فيجب أن يعلم األفراد سلفا‬
‫من القانون ما هو محظور من أفعال قبل مطالبتهم بأن يحكموا تصرفاتهم على‬
‫‪28‬‬
‫هواه‪.‬‬
‫ومبدأ الشرعية هو من المبادئ التي تقتضيها الفطرة السليمة‪ ،‬وقد أسست له الشريعة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬حسب ما يستفاد من قوله تعالى في محكم كتابه العزيز } َوما ُكنَّا َم َعذ ِبـينَ‬
‫سوالً{ ‪ 29،‬أي وما كنا مهلكي قوم إال بعد اإلعذار إلـيهم بـالرسل‪،‬‬ ‫حتـى نَ ْب َع َ‬
‫ث َر ُ‬
‫وإقامة الـحجة علـيهم بـاآليات التـي تقطع عذرهم ‪ ،‬وهذا هو جوهر مبدأ الشرعية ‪،‬‬
‫حيث ال جريمة وال عقوبة إال بعد إعذار أفراد المجتمع‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -‬دمحم العروصي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ -27‬محمود نجيب حسني ‪" :‬شرح قانون العقوبات ‪ :‬القسم العام" ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة السادسة ‪ ،9181‬ص ‪.80‬‬
‫‪ -28‬دمحم صبحي نجم ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -29‬اآلية ‪ 95‬من سورة اإلسراء‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫واعتبارا ألهمية هذا المبدأ فقد نص عليه المشرع الجنائي المغربي في الفصل‬
‫الثالث بقوله "ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة بصريح القانون وال‬
‫معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون"‪.‬‬
‫حيث إنه استنادا لهذا الفصل فإنه ال يمكن للقاضي أن يؤاخذ أي شخص على ارتكاب‬
‫فعل لم يرد النص على تجريمه في القانون الجنائي أو في قانون خاص ‪ ،‬وفي حالة‬
‫ورود التجريم فإن هذا المبدأ يطبق أيضا على العقوبة حيث إن القاضي ملزم بتطبيق‬
‫العقوبة التي أوردها النص القانوني وال يمكنه أن ينطق بعقوبة غير واردة في النص‬
‫‪30‬‬
‫أو يزيد عنها أو ينقص منها ما عدا في األحوال التي يقررها القانون‪.‬‬
‫‪ -9‬مبدأ إقليمية القانون الجنائي‬
‫يقصد بمبدأ اإلقليمية أن القانون الجنائي يبسط أحكامه على جميع الجرائم التي ترتكب‬
‫على اإلقليم الخاضع لسيادة الدولة ‪ ،‬سواء كان مرتكبها وطنيا أم أجنبيا ‪ ،‬وسواء نالت‬
‫الجريمة المرتكبة من مصلحة الدولة صاحبة السيادة في اإلقليم أم نالت من مصلحة‬
‫‪31‬‬
‫دولة أجنبية‪.‬‬
‫ويجد هذا المبدأ سنده في حرص جميع الدول على حقوقها في االستقالل والسيادة‬
‫وبسط سلطانها على إقليمها برمته ‪ ،‬والقانون الجنائي هو أحد وسائل بسط السلطان‬
‫على اإلقليم إن لم يكن أهمها ‪ ،‬كما أن محاكمة المجرم أمام قاضي اإلقليم الذي قارف‬
‫‪32‬‬
‫جريمته فيه أدعى إلى تحقيق العدالة والردع معا‪.‬‬
‫وقد كرسه المشرع المغربي في الفصل العاشر من ق ج الذي ينص على أنه‬
‫يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين‬
‫وأجانب وعديمي الجنسية‪ ،‬مع مراعاة االستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي‬
‫والقانون الدولي‪.‬‬
‫ويدخل ضمن إقليم المملكة حسب الفصل ‪ 99‬من نفس القانون‪ ،‬السفن‬
‫والطائرات المغربية أينما وجدت‪ ،‬فيما عدا الحاالت التي تكون فيها خاضعة لتشريع‬
‫‪33‬‬
‫أجنبي بمقتضى القانون الدولي‪.‬‬
‫ويتحدد اإلقليم األرضي للدولة بتلك الرقعة من اليابس التي تحددها الحدود السياسية‬
‫للدولة وفقا لقواعد القانون الدولي العام ‪ ،‬وعلى النحو الذي يفصلها على الدول‬
‫المجاورة ‪ ،‬أو عن البحر العام‪ 34 .‬كما يشمل إقليم الدولة أيضا المدى الجوي للدولة‬
‫وهو الفضاء العمودي الذي يعلو اإلقليم البري ‪ ،‬واإلقليم البحري ‪ ،‬ومن المسلم به أن‬

‫‪ -30‬من ذلك مثال سلطة تفريد العقاب المخولة للقاضي والتي تمنحه صالحية النزول عن الحد األدنى للعقوبة عند تمتيع المتهم بظروف‬
‫التخفيف أو تجاوز حدها األقصى عند تشديد العقوبة أو في حالة العود ‪...‬‬
‫‪ -31‬نظام توفيق المجالي‪ " :‬شرح قانون العقوبات ‪ :‬القسم العام" ‪ ،‬دراسة تحليلية في النظرية العامة للجريمة والمسؤولية الجزائية ‪ ،‬دار‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 0225 ،‬ص ‪.921‬‬
‫‪ -32‬كامل السعيد ‪ :‬مرجع سابق ‪.11 ،‬‬
‫‪ -33‬ويمتد حسب الفصل ‪ 90‬ق ج تطبيق التشريع الجنائي المغربي على الجرائم المرتكبة خارج المملكة‪ ،‬إذا كانت من اختصاص‬
‫المحاكم الزجرية المغربية حسب الفصول ‪ 759‬إلى ‪ 759‬من المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ -34‬نظام توفيق المجالي‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.992‬‬

‫‪9‬‬
‫للدولة حقوقا على المدى الجوي الذي يغطي أراضيها ومياهها اإلقليمية ‪ ،‬وقد‬
‫استقرت قواعد القانون الدولي على خضوع المدى الجوي لسيادة الدول مهما عال‬
‫‪35‬‬
‫ارتفاعه ‪ ،‬وبهذا يختلف عن البحر اإلقليمي الذي يحدد ببعد معين عن الشاطئ‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق فكل جريمة ارتكبت فوق إقليم الدولة المغربية سواء فوق الرقعة‬
‫اليابسة أو في المياه اإلقليمية ‪ ،‬أو المدى الجوي ‪ ،‬أو في السفن والطائرات المغربية‬
‫أينما وجدت ‪ ،‬فإنها تخضع للقانون الجنائي المغربي مهما كانت جنسية مرتكبها ‪،‬‬
‫باستثناء ما قرر صراحة بنص خاص من القانون المغربي أو القانون الدولي‪.‬‬
‫‪ -8‬تطبيق القانون األصلح للمتهم‬
‫لقد نص المشرع الجنائي المغربي على هذا المبدأ في الفصل ‪ 9‬بقوله "في حالة وجود‬
‫عدة قوانين سارية المفعول‪ ،‬بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها‪ ،‬يتعين‬
‫تطبيق القانون األصلح للمتهم"‪.‬‬
‫وتبعا لذلك ال يطبق القانون الجديد إذا لم يكن أصلح للمتهم كما لو أصبح ينص على‬
‫عقوبة أشد أو كان حكمه متفقا مع حكم القانون السابق ‪ ،‬وإنما يطبق القانون الذي كان‬
‫معموال به وقت ارتكاب الجريمة‪ .‬وقد عرفت محكمة النقض المصرية القانون‬
‫األصلح على أنه القانون الذي ينشئ مركزا للمتهم أو وضعا يكون أصلح له من‬
‫‪36‬‬
‫القانون القديم‪.‬‬
‫وتحديد ما إذا كان القانون الجديد أصلح من القديم يقتضي المقارنة بين الوضعين‬
‫القانونيين الناشئين عنهما ‪ ،‬والتحقق من أن الوضع الذي ينشؤه القانون الجديد أفضل‬
‫– بالنسبة إلى متهم معين – من الوضع الناشئ عن القانون القديم‪ .‬وتقتضي هذه‬
‫المقارنة أن تؤخذ في االعتبار كل عناصر الوضع القانوني للمتهم ‪ ،‬وينبغي أن تكون‬
‫المقارنة بالنسبة إلى متهم بالذات ‪ ،‬ال بالنسبة إلى مجموعة من المتهمين تتفاوت‬
‫ظروفهم‪ .‬وهكذا يكون القانون األصلح للمتهم هو القانون الذي ينشئ للمتهم مركزا أو‬
‫‪37‬‬
‫وضعا يكون أصلح له من القانون القديم‪.‬‬
‫‪ -2‬مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي‬
‫وهذا المبدأ هو مبدأ عام في القانون ينص عليه الدستور المغربي بقوله " ليس للقانون‬
‫أثر رجعي" ‪ ،38‬حيث بمقتضاه ال يمكن أن يطبق أي قانون كيف ما كان نوعه بأثر‬
‫رجعي‪.‬‬
‫ونظرا لما لهذا المبدأ من أهمية كبرى فقد أعاد المشرع الجنائي التنصيص عليه‬
‫في الفصل ‪ 4‬بقوله " ال يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي‬
‫كان ساريا وقت ارتكابه"‪.‬‬

‫‪ -35‬كامل السعيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.924‬‬


‫‪ -36‬كامل السعيد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ -37‬محمود نجيب حسني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.924‬‬
‫‪ -38‬الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 9‬من دستور ‪.0299‬‬

‫‪10‬‬
‫ويترتب على هذا المبدأ أنه إذا كان الفعل المرتكب مباحا في الماضي ثم صدر‬
‫قانون جديد يجرمه فإنه ال يمكن االستناد على هذا القانون لمعاقبة األفراد الذين‬
‫ارتكبوا الفعل قبل صدور القانون‪ .‬وإنما أجل سريانه ينطلق من تاريخ دخوله حيز‬
‫التنفيذ وال يمكن أن يعاقب سوى األفعال التي ارتكبت بعد هذا التاريخ وال شأن له‬
‫فيما ارتكب من أفعال قبل ذلك‪.‬‬
‫‪ -9‬مبدأ التفسير الضيق للقانون الجنائي‬
‫إذا كان للقاضي المدني عند لجوئه لتقصي إرادة المشرع ‪ ،‬أي لعملية التفسير ‪ ،‬حرية‬
‫واسعة لدرجة أنه إذا لم يجد نصا مكتوبا ينطبق على النازلة المطروحة أمامه ‪ ،‬فإن‬
‫له الركون إلى مصادر أخرى للقاعدة القانونية وخصوصا القانون الطبيعي‪ .‬فإن‬
‫القاضي الجنائي يمتنع عليه ذلك ألنه محكوم بعدم التوسع في تفسير النص الجنائي ‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫وهذا المبدأ يستلزم منه عدم جواز استعماله للقياس‪.‬‬
‫وتبعا لذلك فالقاضي الجنائي عندما يجد نفسه أمام نص غامض فإنه يكون مطالبا بعدم‬
‫التوسع في تفسيره على نحو قد يضر بمصلحة المتهم ‪ ،‬وإذا كانت العبارات‬
‫المستعملة في النص تحتمل أكثر من تفسير فإن القاضي يكون ملزما باألخذ بالتفسير‬
‫الذي يخدم مصلحة المتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬مبدأ تفسير الشك لمصلحة المتهم‬
‫ومقتضى هذا المبدأ أن القاضي الجنائي عندما يكون بصدد النظر في قضية ما ‪،‬‬
‫ويجد نفسه أمام قرائن أو وسائل إثبات لم تمكنه من تكوين قناعته الوجدانية للنطق‬
‫بإدانة المتهم ‪ ،‬وبقي لديه مقدار من الشك في ارتكاب المتهم للفعل المتابع من أجله ‪،‬‬
‫فإن هذا الشك مهما بلغ مستواه يجب أن يفسر لفائدة المتهم ‪ ،‬والنطق تبعا لذلك‬
‫ببراءته استنادا لعنصر الشك‪.‬‬
‫بعد هذا التقديم سنتناول شرح القانون الجنائي العام المغربي بحول هللا وفق ثالث‬
‫فصول كما يلي‪:‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬الجريمة‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬المجرم‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬العقوبات والتدابير الوقائية‬

‫‪ -39‬عبد الواحد العلمي‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.992‬‬

‫‪11‬‬

You might also like