Professional Documents
Culture Documents
مدخل للقانون الجنائي العام
مدخل للقانون الجنائي العام
fb.com/Elkanounia.Ma twitter.com/ElkanouniaMa
تقديم لمادة القانون الجنائ ال عا م
الجريمة قديمة قدم التاريخ حيث شهدت األرض أول جريمة قتل على وجهها بين
ابني آدم قابيل وهابيل ،ولقد تطلبت الجريمة ظهور العقاب الذي ابتغي من ورائه
زجر السلوكات المنحرفة لإلنسان لجعلها تساير الطبيعة البشرية ،حيث تطورت
أسس وأساليب هذا العقاب عبر الزمن لتتخذ شكل القانون الجنائي الحالي الذي يحدد
الجرائم والعقوبات المقررة لها.
أوال :تعريف القانون الجنائي
يقصد بالقانون الجنائي في االصطالح الفقهي مجموعة القواعد والنصوص التي تنظم
مبادئ التجريم وتحدد األفعال المكونة للجرائم والعقوبات المقررة لها ،كما تنظم
إجراءات البحث والتحقيق في الجرائم ومسطرة المحاكمة وتنفيذ العقوبة المحكوم بها.
وقد قدمت عدة تعريفات للقانون الجنائي أهمها أنه:
-عبارة عن مجموعة القواعد التي تضعها الدولة لتنظم بها حق العقاب نيابة
عن المجموع وتبين فيها األفعال المعاقب عليها ومقدار العقوبة التي تفرض
1
عند ارتكابها.
-مجموعة القواعد القانونية التي تضعها الدولة والتي تحدد فيها الجرائم
2
والعقوبات والتدابير االحترازية المقررة لهذه الجرائم.
-مجموعة القواعد القانونية التي تحدد األفعال المعدة جرائم وتبين الجزاءات
3
الواجب إنزالها بحق مرتكبيها".
-غالب الداورى" :شرح قانون العقوبات العراقي :القسم العام" ،دار الطباعة الحديثة البصرة ،الطبعة األولى ، 9191ص .8
1
- 2دمحم صبحي نجم ":قانون العقوبات" ،القسم العام (النظرية العامة للجريمة) ،مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،الطبعة
األولى ، 0222ص .1
1
وانطالقا من هذه التعاريف يمكننا تعريف القانون الجنائي بأنه هو مجموعة القواعد
التي تحدد األفعال التي تعتبر جرائم وتحدد العقوبات أو التدابير االحترازية الواجب
تطبيقها على مرتكبيها.
وقد عرفه أيضا المشرع المغربي في الفصل األول من مجموعة القانون
الجنائي 4بقوله أن التشريع الجنائي يحدد أفعال اإلنسان التي يعدها جرائم ،بسبب ما
تحدثه من اضطراب اجتماعي ،ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية.
والقانون الجنائي المغربي بهذا المفهوم قد خضع لعدة تطورات اقتضتها التحوالت
االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي عرفها المجتمع المغربي.
ثانيا :التطور التاريخي للقانون الجنائي
لقد خضع القانون الجنائي المغربي لعدة تطورات ليتماشى مع تطور البشرية
ويسايرها في تقدمها .حيث طبق المغرب لقرون طويلة الشريعة اإلسالمية التي
شكلت تشريعا جنائيا متكامال ،و حددت الجرائم والعقوبات المستحقة لها ،من ذلك
جريمة السرقة التي حددت عقوبتها في قطع يد السارق ،5وجريمة القذف التي حددت
لها الشريعة اإلسالمية عقوبة الجلد ثمانون جلدة ،6وجريمة الزنا التي عاقبت عليها
الشريعة بمائة جلدة ،7ثم جريمة القتل التي نظمت عقوبتها بأحكام القصاص التي
تقرر معاقبة المجرم بمثل فعله 8.فقد ساد تطبيق أحكام الشريعة اإلسالمية لمدة طويلة
في كل ما يتعلق بالحدود والقصاص والديات والتعازير .حيث كان القضاء يطبق
األحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة النبوية الشريفة ،مسترشدا بأحكام الفقه
المالكي اإلسالمي ،وتأثر بشكل واضح بالعرف والعادات حتى نشأ مصدر جديد
يعتمده القضاء في الشكل والموضوع معا وهو "ما جرى به العمل " الذي سرعان ما
9
تفرع إلى "العمل الفاسي" و "العمل السوسي".
3
-كامل السعيد " :شرح األحكام العامة في قانون العقوبات" ،الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،الطبعة
األولى ، 2002ص .51
4
-ظهير شريف رقم 591.9551صادر في 22جمادى الثانية 22( 5122نونبر )5.22بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي.
ع ِز ٌ َّللاِ ۗ َو َّ طعُوا أ َ ْي ِديَ ُه َما َجزَ ا ًء بِ َما َك َ
سبَا نَك ًَاال ِمنَ َّ َّارقَةُ فَا ْق َ
َّارقُ َوالس ِ
5
يز َحكِي ٌم" ،اآلية 88من سورة َّللاُ َ -مصداقا لقوله تعالى َ ":والس ِ
المائدة.
ت ث ُ َّم لَ ْم يَأْتُوا بِأ َ ْربَ َع ِة شُ َهدَا َء فَاجْ ِلد ُو ُه ْم ث َ َمانِينَ َج ْلدَة ً َو َال ت َ ْقبَلُوا لَ ُه ْم َ
ش َهادَة ً صنَا ِ -مصداقا لقوله تعالى َ " :والَّذِينَ يَ ْر ُمونَ ْال ُمحْ َ
6
أَبَدًا ۚ َوأُو َٰلَئِكَ ُه ُم ْالفَا ِسقُونَ " ،اآلية 4من سورة النور.
َّللاِ ِإن ُكنت ُ ْم تُؤْ مِ نُونَ ِب َّ
اَّللِ ِين َّالزانِي فَاجْ ِلدُوا ُك َّل َواحِ ٍد ِم ْن ُه َما مِ ائَةَ َج ْلدَةٍ ۖ َو َال ت َأ ْ ُخ ْذ ُكم ِب ِه َما َرأْفَةٌ فِي د ِ الزا ِنيَةُ َو َّ -7مصداقا لقوله تعالىَّ " :
طائِفَة ِمنَ ال ُمؤْ مِ نِينَ " ،اآلية 0من سورة النور. ْ ٌ عذَابَ ُه َما َ َو ْاليَ ْو ِم ْاآلخِ ِر ۖ َو ْليَ ْش َه ْد َ
َ
ِي لَهُ مِ ْن أخِ ي ِه ُ ْ ُ ْ ْ ْ ْ ْ ْ
اص فِي القَتْلَى ۖ ال ُح ُّر بِال ُح ِر َوالعَ ْبدُ بِال َع ْب ِد َواألنث َ َٰى بِاألنث َ َٰى ۚ فَ َم ْن ُ ْ
علَ ْي ُك ُم ال ِق َ َّ
-قال تعالى ":يَا أَيُّ َها الذِينَ آ َمنُوا ُكت َ
8
عف َ ص ُ ِب َ
اص
ص ِ ْ َ
عذَابٌ ألِي ٌم )َ (178ول ُك ْم فِي ال ِق َ َ َ َٰ ٌ
ِيف ِمن َّربِ ُك ْم َو َرحْ َمة ۗ فَ َم ِن ا ْعت َدَ َٰى بَ ْعدَ ذَلِكَ فَلهُ َ ان ۗ ذَلِكَ ت َْخف ٌَٰ س ٍ َ َ ْ
ش ْي ٌء فَ ِاتبَاعٌ بِال َم ْع ُروفِ َوأدَا ٌء إِل ْي ِه بِإِحْ َ َ
ب لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ " (179اآليتين 971-978من سورة البقرة. َحيَاة ٌ يَا أُولِي ْاأل َ ْلبَا ِ
-9وزارة العدل " :مجموعة القانون الجنائي" ،إصدارات مركز الد راسات وأبحاث السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو ،
سلسلة نصوص قانونية ،مارس ، 0298العدد ، 90ص .8
2
وبتطبيق معاهدة الحماية بدأت مرحلة صدور القوانين المكتوبة باسم الملك التي
أخذت تحل تدريجيا محل أحكام الفقه اإلسالمي ،وقد عرفت مرحلة الحماية تطبيق
10
عدة قوانين جنائية أهمها:
-ظهير 09غشت : 0201بتطبيق القانون الجنائي والمسطرة الجنائية على
الفرنسيين أمام المحاكم التي أقامتها فرنسا بالمغرب على األشخاص
الخاضعين الختصاص هذه المحاكم.
-ظهير 92أكتوبر : 0291الذي يعتبر أهم وأحدث مجموعة جنائية طبقت في
المغرب ،حيث حاولت الحماية الفرنسية أن تعمم هذه المجموعة الجنائية على
سائر المحاكم ،لتضييق الخناق على المغاربة الذين قاوموا االستعمار
وإحالتهم على المحاكم الفرنسية بدل المحاكم المخزنية.
-ظهير 92نونبر : 0229هذا الظهير ألغى سابقه وشكل مجموعة عصرية
للقانون الجنائي المغربي حيث استدرك الكثير من الهفوات التي وقعت في
بعض التشريعات المقارنة واستلهم أحكامه من القوانين الجنائية لفرنسا ،
الدانمارك وألمانيا.
ورغم كون هذا الظهير قد اعتبر قانونا جنائيا عصريا فإن المشرع المغربي تدخل في
عدة مناسبات لتعديل العديد من أحكامه لجعلها تساير التطور الكبير الذي يعرفه
المجتمع المغربي في شتى مناحي الحياة .حيث بلغت التعديالت التي أدخلت على
النص األصلي 89تعديال ،كما أنه اآلن يجري نقاش عميق وموسع حول مشروع
القانون رقم 92.99يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي ،وما ذلك إال
بالنظر لألهمية القصوى التي يحظى بها القانون الجنائي داخل المجتمع ولعالقاته
وارتباطاته المتشعبة مع مختلف التشريعات والقوانين األخرى.
ثالثا :عالقة القانون الجنائي بالقوانين األخرى والعلوم الجنائية
للقانون الجنائي عالقات متشابكة مع العديد من القوانين األخرى سوف نتطرق
ألهمها فيما يلي:
-0عالقة القانون الجنائي بالدستور
الدستور أسمى قانون في المملكة ،وهو يضمن مجموعة من الحقوق االقتصادية ،
االجتماعية ،الثقافية والسياسية لألفراد ،كالحق في الحياة ،الحق في الملكية ،حق
تأسيس األحزاب السياسية ،حق األفراد في سالمتهم الجسدية ،إضافة إلى إقراره
مجموعة من المبادئ المتعارف عليها في التشريعات الجنائية كمبدأ ال جريمة وال
عقوبة إال بنص ،الحماية من االعتقال غير المبرر ،قرينة البراءة ،الحق في
3
المحاكمة العادلة ،حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو الحاطة من الكرامة اإلنسانية ،
احترام الحق في الحياة الخاصة.
وواضح أن العديد من هذه الحقوق والحريات ينظمها ويحميها القانون الجنائي ،
ويحدد األفعال التي تمس هذه الحقوق و تعتبر جرائم ويقرر العقوبات المناسبة لكل
منها .مما يدل على الرابطة القوية القائمة بين كل من الدستور والقانون الجنائي والتي
بمقتضاها يتدخل هذا األخير إلقرار الحماية الجنائية للحقوق الدستورية.
-9عالقة القانون الجنائي بالقانون المدني
هناك عالقة وثيقة بين القانون الجنائي والقانون المدني ،فإذا كان هذا األخير ينظم
معامالت الناس فيما بينهم ويكرس حقوقهم المدنية وينظمها ،فإن القانون الجنائي
يتدخل لحماية هذه الحقوق والمعامالت.
ويظهر ذلك في عدة جوانب نذكر منها على سبيل المثال تجريم االعتداء على الملكية
األدبية والفنية (الفصول ، )571-575السرقات وانتزاع األموال (الفصول -525
، )581إلى غير ذلك من المقتضيات الزجرية التي تضمنها القانون الجنائي من أجل
حماية الحقوق المدنية للمواطنين ،مما يجعل العالقة بين القانونين عالقة جد وثيقة
ومهمة وتبر ز قوتها بشكل أكبر في ارتباط الدعوى المدنية بالدعوى العمومية ،حيث
يكون الحق دائما للطرف المتضرر من الجريمة في االنتصاب كطرف مدني في
الدعوى العمومية للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر جراء ارتكاب األفعال
المجرمة.
ً
-1عالقة القانون الجنائي بالقانون التجاري
الشك أن القانون الجنائي يتدخل في المعامالت التجارية لحمايتها من أعمال النصب
واالحتيال وضمان االلتزام بالسلوكات القويمة أثناء المعامالت التجارية ،فنجد تبعا
لذلك أن هذا القانون يتدخل لمعاقبة كل من يقوم بتزوير األوراق العرفية أو المتعلقة
بالتجارة والبنوك (الفصول ، )851-857ويعاقب أيضا كل من ارتكب جرائم
النصب وإصدار شيك بدون رصيد وإصدار أو قبول شيك على سبيل الضمان
(الفصول ، )549-542كما يتدخل القانون الجنائي لزجر التاجر الذي يرتكب جريمة
التفالس (الفصول ، )591-559إلى غير ذلك من مظاهر تدخل القانون الجنائي في
مجال المعامالت التجارية لتخليقها وزجر كل المعامالت المنافية لقواعد الثقة
واالئتمان التي تقوم عليها التجارة.
-2عالقة القانون الجنائي بالقانون اإلداري
تظهر هذه العالقة في كون القانون الجنائي يشكل دعامة للقانون اإلداري ،حيث
يتدخل في عدة مناسبات لتخليق العمل اإلداري ومحاربة ما يعلق به من شوائب سواء
من طرف اإلدارة أو من مرتفقيها .ويتجلى ذلك في تجريم عدة أفعال منها مثال جرائم
4
تواطؤ الموظفين (الفصول ، )089-088تجاوز السلطات اإلدارية والقضائية
الختصاصاتها وإنكار العدالة (الفصول ، )042-087االختالس والغدر الذي يرتكبه
الموظفون العموميون (الفصول ، )047-049الرشوة واستغالل النفوذ (الفصول
، )059.9-048الشطط في استعمال الموظفين للسلطة ضد النظام العام (الفصول
، )092-057إهانة الموظف العمومي واالعتداء عليه (الفصول .)097-098
-9عالقة القانون الجنائي بقانون الشغل
تظهر هذه العالقة من خالل تدخل القانون الجنائي لتقوية الجزاء المقرر على مخالفة
العمال اللتزاماتهم كارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو األمانة ،أو اآلداب العامة ،أو
إفشاء السر المهني أو السرقة أو خيانة األمانة ،أو السكر ...بالمقابل يقرر المشرع
جزاءات على رب العمل بخصوص تشغيل األحداث أو عدم التقيد بالقوانين ،أو فيما
يخص حماية األمومة أو تشغيل األحداث والنساء ليال ،وغيرها من المقتضيات
المنظمة لعالقة العمل وشروطها ،فضال عن تدخل المشرع بموجب نصوص خاصة
وإعمال عقوبات لمخالفة أحكامه مثل ما جاء في ظهير حوادث الشغل واألمراض
11
المهنية.
-2عالقة القانون الجنائي بقانون األسرة
األسرة هي النواة األصلية للمجتمع والخلية التي يتأسس عليها وجوده واستمراره ،
لذلك نجدها قد حظيت باهتمام كبير من طرف المشرع المغربي في شتى المجاالت
،12ومنها بطبيعة الحال المجال الجنائي ،حيث تدخل القانون الجنائي لحماية
مجموعة من الروابط األسرية مثل العالقة الزوجية من خالل تجريم الخيانة الزوجية
،13أو حماية األطفال بتجريم عدم تسليم طفل لمن له الحق فيه ،14أو حماية األسرة
بذاتها من خالل تجريم إهمال األسرة ،15أو طرد أحد الزوجين من بيت الزوجية ، 16
أو اغتصاب األطفال ممن لهم سلطة أو والية عليهم 17.أو تسليمهم إلى متسول أو
18
متشرد.
11
-دمحم العروصي " :المختصر في شرح القانون الجنائي المغربي :الجزء األول ،القانون الجنائي العام" ،مطبعة أناسي مكناس ،
الطبعة الثانية ، 2052ص .1.
12
-أنظر سعيد الوردي" :الحماية الضريبية لألسرة بالمغرب" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بفاس ،الموسم الجامعي ، 2002-2001ص .5
13
-انظر الفصول 5.1 – 5.2 – 5.5من ق ج.
14
-انظر الفصلين 577 – 572من ق ج.
15
-نظم المشرع الجنائي جرائم إهمال األسرة في الفصول من 57.إلى 522من ق ج.
16
-انظر الفصل 5-520من ق ج.
17
-الفصلين 521 – 525من ق ج.
18
-الفصل 110من ق ج.
5
-7عالقة القانون الجنائي بقانون المسطرة الجنائية
يعنى قانون المسطرة الجنائية بتنظيم البحث عن مرتكب الجريمة والحكم فيها وتنفيذ
العقوبة المحكوم بها ،فقواعده هي التي تحرك نصوص القانون الجنائي وثبت فيها
الحياة لتحقيق أهدافها ،فنص القانون الجنائي على تجريم وعقاب القتل يبقى جامدا ما
لم تحركه قواعد المسطرة الجنائية التي تفرض متابعة مرتكب الجريمة وتنظم كيفية
هذه المتابعة 19.وتبدو أهمية قانون المسطرة الجنائية في عالقته بالقانون الجنائي في
كونها الزمة لتطبيق هذا القانون ،فهي التي ترسم السبيل الذي ينبغي السير فيه
الكتشاف الجريمة ومعرفة الظروف التي البستها وللوصول إلى المجرم قصد
الضرب على يده أو محاولة إصالحه .فقانون المسطرة الجنائية هو حلقة الوصل بين
القواعد الموضوعية للقانون الجنائي وموضعها من التطبيق ،فهي إن صح القول
بمثابة القالب الذي تفرغ فيه تلك القواعد أو الجسر الذي تمر عليه لكي تصل فعال
20
إلى أهدافها المرسومة من طرف المشرع.
-8عالقة القانون الجنائي بالقانون الدولي
كلما ازدهرت مظاهر التضامن وأواصر التعاون بين الدول في مكافحة اإلجرام
ومطاردة الجناة كلما ازدادت المواضيع المشتركة بين القانون الدولي وقانون
العقوبات ،ومن المواضيع المشتركة بين هذين القانونين ،إقليمية القوانين وتسليم
المجرمين وإبعاد األجانب واإلعفاءات القضائية .ومثل هذا التضامن كان له أثره في
إنشاء بعض العلوم القانونية الحديثة كالقانون الجزائي الدولي الذي يعنى بتنظيم
العالقات بين الدول المختلفة في المسائل الجزائية ،وينظم األحكام الخاصة بمشكلة
21
تنازع القوانين الجنائية من حيث المكان.
-2عالقة القانون الجنائي بعلم اإلجرام
هناك صلة وثيقة بين القانون الجنائي وعلم اإلجرام تظهر في كون علم اإلجرام يعتمد
على القانون الجنائي في تحديد موضوعه من خالل التعريف القانوني للجريمة ،
وهذا يعني أن مفهوم الجريمة في علم اإلجرام هو نفس مفهومها في القانون الجنائي ،
ومن ناحية أخر ى فإن علم اإلجرام يعين المشرع الجنائي على تفهم عوامل الجريمة
من اجل وضع أفضل النصوص لمعالجتها .ويظهر هذا التأثير في اتجاه المشرع نحو
التوسع في تطبيق نظام التدابير االحترازية ،ألن معرفة أسباب اإلجرام تسمح
للمشرع بأن يحمي النظام االجتماعي على نحو اكثر فاعلية ،وذلك بتجريم بعض
19
-أحمد الخمليشي " :شرح قانون المسطرة الجنائية :الجزء األول" ،مكتبة المعارف الطبعة الثانية ، 5.22 ،ص .2
20
-دمحم عياط " :دراسة في المسطرة الجنائية المغربية" ،الجزء األول ،الطبعة األولى ، 5..5ص .50
21
-كامل السعيد :مرجع سابق ،ص .5.
6
األفعال أو الحاالت التي ال تنطوي على ضرر فعلي بمصالح المجتمع ولكنها تندر
22
بصورة واضحة باحتمال وقوع الضرر.
وتبعا لذلك فالعالقة بين القانون الجنائي وعلم اإلجرام تقوم على وحدة الهدف والغاية
التي تتمثل في مكافحة الجريمة ،فالقانون الجنائي يرسم من جهة اإلطار الذي تتم فيه
الدراسات اإلجرامية وذلك فيما يتعلق بالجريمة والمجرم ،ومن جهة أخرى يلجأ إلى
أبحاث علم اإلجرام وما توصلت إليه من نتائج لالستفادة منها في تقرير بعض
األنظمة والقواعد المتعلقة بتفريد العقاب ونظام وقف تنفيذ العقوبة ونظرية الظروف
23
المشددة والمخففة.
عالقة القانون الجنائي بعلم العقاب -01
يقصد بعلم العقاب ذلك العلم الذي يتناول مرحلة رد الفعل االجتماعي تجاه مرتكبي
الجريمة ،أي مرحلة التنفيذ التي تحقق هذه األغراض .لذلك فهو يهتم بالبحث في
أفضل الوسائل لمعاملة المجرمين لتحقيق أغراض الجزاء الجنائي في اإلصالح
والتأهيل 24.وتبقى هناك عالقة تكامل قائمة بين القانون الجنائي وعلم العقاب ألن هذا
األخير يوجه المشرع الجنائي إلى وضع نصوص تتالءم مع ما استجد في مجال
العقوبة أو التدابير االحترازية لتحقيق ردع وإصالح الجاني وتأهيله من أجل العودة
للمجتمع واحترام ضوابطه.
عالقة القانون الجنائي بعلم السياسة الجنائية -00
يعرف مارك أنسل السياسة الجنائية بكونها تهدف الوصول إلى أفضل صيغة لقواعد
القانون الجنائي الوضعي وتوجيه كل من المشرع الذي يسن القانون والقاضي الذي
يقوم بتطبيقه والمؤسسات العقابية التي تقوم بتنفيذ العقوبات والتدابير التي يقضي بها
القاضي 25.مما يجعلها على عالقة وطيدة بالقانون الجنائي ألنها هي التي توجه
المشرع نحو تجريم بعض األفعال أو رفع التجريم عن أخرى نظرا لما تقتضيه
مصلحة المجتمع من هذا أو ذاك.
عالقة القانون الجنائي بعلوم األدلة الجنائية -09
تظهر فائدة علوم األدلة الجنائية في اكتشاف الجريمة بعد وقوعها ،للبحث عن
المجرمين الحقيقيين واالهتداء إليهم ،فاألدلة المحصل عليها تعين العدالة الجنائية في
الوصول إلى الحقيقة ،خصوصا و أن هناك حاالت يعجز فيها القاضي الجنائي عن
كشف الوقائع التفصيلية للجريمة وشخص أو أشخاص مرتكبيها .وتحتوي علوم األدلة
-22دمحم شالل حبيب " :أصول علم اإلجرام" ،بدون طبعة وال تاريخ ،ص .04
-23بشير سعد زغلول " :دروس في علم اإلجرام" ،الطبعة األولى ، 0228ص .04
24
-نفس المرجع ،ص.21
25
-جعفر العلوي :مرجع سابق ،ص .2
7
الجنائية على عدة فروع منها علم القياس البشري ،علم الطب الجنائي ،علم البصمات
26
ثم علم البحث والتحقيق الجنائي.
أما العالقة بين القانون الجنائي وعلوم األدلة الجنائية فهي واضحة وال تحتاج إلى
كثير من الجهد إلبرازها ،ذلك أن القانون الجنائي ال يمكنه أن يحقق أهدافه في ضبط
المجرم وع قابه في غياب هذه العلوم التي تساعد الضابطة القضائية على كشف خيوط
الجرائم المرتكبة ،سيما مع التطور الذي شهده المجتمع والذي انعكس أيضا على
طريقة تنفيذ الجرائم حيث يعمل المجرم المحترف على طمس مختلف معالم الجريمة
والتفنن في اختيار وسائل التنفيذ التي تجعله في مأمن من الوصول إليه وضبطه.
رابعا :المبادئ التي يقوم عليها القانون الجنائي
يقوم القانون الجنائي على مجموعة من المبادئ األساسية على رأسها مبدأ شرعية
الجرائم والعقوبات -0-مبدأ إقليمية القانون الجنائي -9-تطبيق القانون األصلح
للمتهم -1-مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي -2-مبدأ التفسير الضيق للقانون الجنائي
-9-تفسير الشك لمصلحة المتهم -2-
-9مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
يقصد بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أنه ال جريمة وال جزاء إال بنص في القانون،
فتحديد األفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها وتحديد الجزاءات المقررة لها من حيث
نوعها أو مقدارها ،كل ذلك يجب أن يرد صراحة في نص قانوني مكتوب يضعه
27
المشرع سلفا.
وتطبيقا لمبدأ الشرعية فاألفعال التي تعتبر جرائم هي المنصوص عليها في قانون
العقوبات مسبقا والمنصوص أيضا على العقوبات المقررة لها شريطة أن يكون
النص قد صدر قبل ارتكاب الفعل المراد المعاقبة عليه .فيجب أن يعلم األفراد سلفا
من القانون ما هو محظور من أفعال قبل مطالبتهم بأن يحكموا تصرفاتهم على
28
هواه.
ومبدأ الشرعية هو من المبادئ التي تقتضيها الفطرة السليمة ،وقد أسست له الشريعة
اإلسالمية ،حسب ما يستفاد من قوله تعالى في محكم كتابه العزيز } َوما ُكنَّا َم َعذ ِبـينَ
سوالً{ 29،أي وما كنا مهلكي قوم إال بعد اإلعذار إلـيهم بـالرسل، حتـى نَ ْب َع َ
ث َر ُ
وإقامة الـحجة علـيهم بـاآليات التـي تقطع عذرهم ،وهذا هو جوهر مبدأ الشرعية ،
حيث ال جريمة وال عقوبة إال بعد إعذار أفراد المجتمع.
26
-دمحم العروصي :مرجع سابق ،ص .75
-27محمود نجيب حسني " :شرح قانون العقوبات :القسم العام" ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،الطبعة السادسة ،9181ص .80
-28دمحم صبحي نجم :مرجع سابق ،ص .42
-29اآلية 95من سورة اإلسراء.
8
واعتبارا ألهمية هذا المبدأ فقد نص عليه المشرع الجنائي المغربي في الفصل
الثالث بقوله "ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة بصريح القانون وال
معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون".
حيث إنه استنادا لهذا الفصل فإنه ال يمكن للقاضي أن يؤاخذ أي شخص على ارتكاب
فعل لم يرد النص على تجريمه في القانون الجنائي أو في قانون خاص ،وفي حالة
ورود التجريم فإن هذا المبدأ يطبق أيضا على العقوبة حيث إن القاضي ملزم بتطبيق
العقوبة التي أوردها النص القانوني وال يمكنه أن ينطق بعقوبة غير واردة في النص
30
أو يزيد عنها أو ينقص منها ما عدا في األحوال التي يقررها القانون.
-9مبدأ إقليمية القانون الجنائي
يقصد بمبدأ اإلقليمية أن القانون الجنائي يبسط أحكامه على جميع الجرائم التي ترتكب
على اإلقليم الخاضع لسيادة الدولة ،سواء كان مرتكبها وطنيا أم أجنبيا ،وسواء نالت
الجريمة المرتكبة من مصلحة الدولة صاحبة السيادة في اإلقليم أم نالت من مصلحة
31
دولة أجنبية.
ويجد هذا المبدأ سنده في حرص جميع الدول على حقوقها في االستقالل والسيادة
وبسط سلطانها على إقليمها برمته ،والقانون الجنائي هو أحد وسائل بسط السلطان
على اإلقليم إن لم يكن أهمها ،كما أن محاكمة المجرم أمام قاضي اإلقليم الذي قارف
32
جريمته فيه أدعى إلى تحقيق العدالة والردع معا.
وقد كرسه المشرع المغربي في الفصل العاشر من ق ج الذي ينص على أنه
يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين
وأجانب وعديمي الجنسية ،مع مراعاة االستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي
والقانون الدولي.
ويدخل ضمن إقليم المملكة حسب الفصل 99من نفس القانون ،السفن
والطائرات المغربية أينما وجدت ،فيما عدا الحاالت التي تكون فيها خاضعة لتشريع
33
أجنبي بمقتضى القانون الدولي.
ويتحدد اإلقليم األرضي للدولة بتلك الرقعة من اليابس التي تحددها الحدود السياسية
للدولة وفقا لقواعد القانون الدولي العام ،وعلى النحو الذي يفصلها على الدول
المجاورة ،أو عن البحر العام 34 .كما يشمل إقليم الدولة أيضا المدى الجوي للدولة
وهو الفضاء العمودي الذي يعلو اإلقليم البري ،واإلقليم البحري ،ومن المسلم به أن
-30من ذلك مثال سلطة تفريد العقاب المخولة للقاضي والتي تمنحه صالحية النزول عن الحد األدنى للعقوبة عند تمتيع المتهم بظروف
التخفيف أو تجاوز حدها األقصى عند تشديد العقوبة أو في حالة العود ...
-31نظام توفيق المجالي " :شرح قانون العقوبات :القسم العام" ،دراسة تحليلية في النظرية العامة للجريمة والمسؤولية الجزائية ،دار
الثقافة للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ، 0225 ،ص .921
-32كامل السعيد :مرجع سابق .11 ،
-33ويمتد حسب الفصل 90ق ج تطبيق التشريع الجنائي المغربي على الجرائم المرتكبة خارج المملكة ،إذا كانت من اختصاص
المحاكم الزجرية المغربية حسب الفصول 759إلى 759من المسطرة الجنائية.
-34نظام توفيق المجالي :مرجع سابق ،ص .992
9
للدولة حقوقا على المدى الجوي الذي يغطي أراضيها ومياهها اإلقليمية ،وقد
استقرت قواعد القانون الدولي على خضوع المدى الجوي لسيادة الدول مهما عال
35
ارتفاعه ،وبهذا يختلف عن البحر اإلقليمي الذي يحدد ببعد معين عن الشاطئ.
وبناء على ما سبق فكل جريمة ارتكبت فوق إقليم الدولة المغربية سواء فوق الرقعة
اليابسة أو في المياه اإلقليمية ،أو المدى الجوي ،أو في السفن والطائرات المغربية
أينما وجدت ،فإنها تخضع للقانون الجنائي المغربي مهما كانت جنسية مرتكبها ،
باستثناء ما قرر صراحة بنص خاص من القانون المغربي أو القانون الدولي.
-8تطبيق القانون األصلح للمتهم
لقد نص المشرع الجنائي المغربي على هذا المبدأ في الفصل 9بقوله "في حالة وجود
عدة قوانين سارية المفعول ،بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها ،يتعين
تطبيق القانون األصلح للمتهم".
وتبعا لذلك ال يطبق القانون الجديد إذا لم يكن أصلح للمتهم كما لو أصبح ينص على
عقوبة أشد أو كان حكمه متفقا مع حكم القانون السابق ،وإنما يطبق القانون الذي كان
معموال به وقت ارتكاب الجريمة .وقد عرفت محكمة النقض المصرية القانون
األصلح على أنه القانون الذي ينشئ مركزا للمتهم أو وضعا يكون أصلح له من
36
القانون القديم.
وتحديد ما إذا كان القانون الجديد أصلح من القديم يقتضي المقارنة بين الوضعين
القانونيين الناشئين عنهما ،والتحقق من أن الوضع الذي ينشؤه القانون الجديد أفضل
– بالنسبة إلى متهم معين – من الوضع الناشئ عن القانون القديم .وتقتضي هذه
المقارنة أن تؤخذ في االعتبار كل عناصر الوضع القانوني للمتهم ،وينبغي أن تكون
المقارنة بالنسبة إلى متهم بالذات ،ال بالنسبة إلى مجموعة من المتهمين تتفاوت
ظروفهم .وهكذا يكون القانون األصلح للمتهم هو القانون الذي ينشئ للمتهم مركزا أو
37
وضعا يكون أصلح له من القانون القديم.
-2مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي
وهذا المبدأ هو مبدأ عام في القانون ينص عليه الدستور المغربي بقوله " ليس للقانون
أثر رجعي" ،38حيث بمقتضاه ال يمكن أن يطبق أي قانون كيف ما كان نوعه بأثر
رجعي.
ونظرا لما لهذا المبدأ من أهمية كبرى فقد أعاد المشرع الجنائي التنصيص عليه
في الفصل 4بقوله " ال يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي
كان ساريا وقت ارتكابه".
10
ويترتب على هذا المبدأ أنه إذا كان الفعل المرتكب مباحا في الماضي ثم صدر
قانون جديد يجرمه فإنه ال يمكن االستناد على هذا القانون لمعاقبة األفراد الذين
ارتكبوا الفعل قبل صدور القانون .وإنما أجل سريانه ينطلق من تاريخ دخوله حيز
التنفيذ وال يمكن أن يعاقب سوى األفعال التي ارتكبت بعد هذا التاريخ وال شأن له
فيما ارتكب من أفعال قبل ذلك.
-9مبدأ التفسير الضيق للقانون الجنائي
إذا كان للقاضي المدني عند لجوئه لتقصي إرادة المشرع ،أي لعملية التفسير ،حرية
واسعة لدرجة أنه إذا لم يجد نصا مكتوبا ينطبق على النازلة المطروحة أمامه ،فإن
له الركون إلى مصادر أخرى للقاعدة القانونية وخصوصا القانون الطبيعي .فإن
القاضي الجنائي يمتنع عليه ذلك ألنه محكوم بعدم التوسع في تفسير النص الجنائي ،
39
وهذا المبدأ يستلزم منه عدم جواز استعماله للقياس.
وتبعا لذلك فالقاضي الجنائي عندما يجد نفسه أمام نص غامض فإنه يكون مطالبا بعدم
التوسع في تفسيره على نحو قد يضر بمصلحة المتهم ،وإذا كانت العبارات
المستعملة في النص تحتمل أكثر من تفسير فإن القاضي يكون ملزما باألخذ بالتفسير
الذي يخدم مصلحة المتهم.
-2مبدأ تفسير الشك لمصلحة المتهم
ومقتضى هذا المبدأ أن القاضي الجنائي عندما يكون بصدد النظر في قضية ما ،
ويجد نفسه أمام قرائن أو وسائل إثبات لم تمكنه من تكوين قناعته الوجدانية للنطق
بإدانة المتهم ،وبقي لديه مقدار من الشك في ارتكاب المتهم للفعل المتابع من أجله ،
فإن هذا الشك مهما بلغ مستواه يجب أن يفسر لفائدة المتهم ،والنطق تبعا لذلك
ببراءته استنادا لعنصر الشك.
بعد هذا التقديم سنتناول شرح القانون الجنائي العام المغربي بحول هللا وفق ثالث
فصول كما يلي:
الفصل األول :الجريمة
الفصل الثاني :المجرم
الفصل الثالث :العقوبات والتدابير الوقائية
11