You are on page 1of 5

‫ورش إصلاح الإدارة وأزمة كورونا‪ :‬أية علاقة؟‬

‫يونس مليح ‪ -‬باحث في المجال الإداري والمالي‬


‫هسبريس‬

‫تعتبر الإدارة العمومية اليوم أحد الركائز الأساسية والمحورية في تنمية‬


‫الاقتصاد الوطني‪ ،‬وإحدى أهم اللبنات في بناء مغرب الغد ومغرب‬
‫المستقبل‪ ،‬ودولة الحق والقانون‪ ،‬وفي إنجاح النموذج التنموي المرتقب‬
‫الذي يراهن عليه الجميع‪ ،‬من مؤسسة ملكية‪ ،‬حكومة‪ ،‬برلمان‪ ،‬فاعلين‬
‫مجتمعيين‪ ،‬ومواطنين‪.‬‬
‫إن ورش إصلاح الإدارة العمومية كان دائما أولية في العديد من الخطب‬
‫الملكية‪ ،‬وأيضا في مجموعة من الأوراش التي يعتبر أهمها ورش اللاتركيز‬
‫الإداري‪ ،‬وتعزيز وإصلاح الإدارة العمومية عن طريق إدراج التكنولوجيات‬
‫الحديثة والرقمنة‪ ،‬من أجل تجويد عملها وتكريسها لمفهوم إدارة القرب‬
‫والإدارة الخدومة‪.‬‬
‫فكما يعرف الجميع‪ ،‬فقد أبانت جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد‪-‬‬
‫‪ " 19‬عن مجموعة من الاختلالات البنيوية داخل إداراتنا العمومية‪ ،‬ودقت‬
‫ناقوس الخطر من أجل التعجيل بتحسين مستوى تعاملاتها‪ ،‬والتحول‬
‫السريع نحو كل ما هو رقمي‪ ،‬وتجاوز كل ما هو معاملات ورقية متجاوزة‪،‬‬
‫من أجل الحفاظ على حياة المواطن التي تعتبر من الأولويات في تعامل‬
‫الإدارات اليوم مع المرتفقين‪ .‬فكيف ساهم إذن كل من ورش اللاتركيز‬
‫الإداري ورقمنة الإدارة وتبسيط المساطر الإدارية في تجويد وإصلاح‬
‫إداراتنا العمومية؟ وكيف السبيل لتجاوز المعيقات الإدارية التي عرت‬
‫عنها الجائحة من أجل لعب هذه الوحدات الإدارية للدور التنموي المنوط‬
‫بها‪ ،‬ومساعدة الدولة على تجاوز آثار الأزمة اقتصاديا واجتماعيا؟‬

‫أولا‪ :‬ورش اللاتركيز الإداري ورقمنة الإدارة وتبسيط المساطر‬


‫كسبيل لإصلاح الإدارة العمومية‬
‫مما لا شك فيه أن ورش اللاتركيز الإداري الذي أكد عليه رئيس الدولة في‬
‫مجموعة من الخطب الملكية‪ ،‬لا سيما التوجيهات الملكية التي كان آخرها‬
‫الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الأولى حول‬
‫الجهوية المتقدمة يوم الجمعة ‪ 20‬دجنبر ‪ 2019‬بأكادير‪ ،‬التي جاء فيها‪:‬‬
‫"ومن هذا المنطلق‪ ،‬حرصنا في الآونة الأخيرة على أن تعتمد حكومة‬
‫جلالتنا ميثاق اللاتمركز الإداري‪ ،‬وتعمل على تفعيله على المستوى‬
‫الجهوي‪ ،‬إدراكا منا بأن اللاتمركز الإداري سند لا مناص منه لإنجاح ورش‬
‫الجهوية المتقدمة"‪ ،‬فهذا الميثاق يعتبر أحد الأضلع الرئيسية في إنجاح‬
‫الجهوية المتقدمة‪ ،‬وفي تكريس الطابع اللامتمركز في اتخاذ القرارات‪،‬‬
‫وأيضا ورشا أساسيا من أجل إصلاح إداراتنا العمومية‪ ،‬الأمر الذي انكبت‬
‫على إعداده الحكومة من أجل إخراجه في حلة تلامس المستويات‬
‫المجالية والاقتصادية والإدارية‪ ،‬وهو ما تم بالفعل "نهاية سنة ‪ "2018‬من‬
‫خلال إخراج هذا الورش إلى حيز الوجود بطابع ونصوص كل ما يمكن أن‬
‫يقال عنها إنها حاولت الانضباط لكل النقط الرئيسية التي جاءت في‬
‫الخطب الملكية‪ ،‬خصوصا خطاب الذكرى ‪ 20‬لعيد العرش الذي جاء فيه‪:‬‬
‫"وفي انتظار ذلك‪ ،‬فإن العمل يجب أن يتواصل بمزيد من الالتزام‬
‫والمسؤولية في تدبير الشأن العام‪ ،‬والتجاوب مع انشغالات المواطنين‪.‬‬
‫وينبغي التركيز على الخصوص على الرفع من مستوى الخدمات‬
‫الاجتماعية الأساسية‪ ،‬ومن أداء المرافق العمومية‪ .‬وبموازاة ذلك‪ ،‬ندعو‬
‫الحكومة للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى‪،‬‬
‫تقوم على التكامل والانسجام‪ ،‬من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج‬
‫التنموي في صيغته الجديدة"‪ ،‬حيث تمت المصادقة ونشر ميثاق‬
‫اللاتمركز الإداري في هذا الإطار بالجريدة الرسمية‪ ،‬في انتظار التفعيل‬
‫الجدي والفعال لهذا الميثاق الذي يترجم رغبة المؤسسة الملكية‪ ،‬والفاعل‬
‫الحكومي‪ ،‬والمؤسسة التشريعية في تجاوز المعيقات الإدارية وتكريس‬
‫طابع خدماتي ذي جودة للمواطن على وجه الخصوص‪.‬‬
‫وحتى لا ننسى في هذا الإطار‪ ،‬فالحديث عن ميثاق للاتمركز الإداري يجرنا‬
‫مباش رة للحديث عن تبسيط المساطر الإدارية حتى نفتح بذلك بابا جديدا‬
‫أمام المستثمرين الذين يصطدمون بحاجز تعقيد المساطر الإدارية‪،‬‬
‫وذلك بالتوجه نحو رقمنة المعاملات الإدارية‪ ،‬ويقصد بـ"تبسيط المساطر‬
‫الإدارية" مجموع الإجراءات العملية التي من شأنها تطوير العلاقة بين‬
‫الإدارة والمرتفقين والمستثمرين‪ .‬ويتعلق الأمر على الخصوص بـ‪:‬‬
‫‪ -‬وضع جرد شامل للمساطر الإدارية والإجراءات الإدارية؛‬
‫‪ -‬تدوين المساطر ودراستها من خلال مراجعة مكونات المسطرة؛ أي‬
‫الوثائق المطلوبة‪ ،‬المتدخلين في المسطرة‪ ،‬تحديد المصالح المعنية فيما‬
‫يخص إيداع الطلب أو الوثائق‪ ،‬وتسلم الخدمة‪ ،‬رسوم المسطرة والآجال‬
‫المعقولة للحصول على الخدمة‪ ،‬والسند القانوني للمسطرة‪ ،‬وأخيرا‬
‫ملاءمة المساطر مع السند القانوني المحدث لها؛‬
‫‪ -‬وضع المساطر ضمن سجل مركزي يمكن المرتفقين من الولوج إليها‬
‫والتعرف على مجمل الإجراءات المرتبطة بالحصول على الخدمات‬
‫العمومية‪.‬‬
‫هذا التوجه نحو تبسيط المساطر الإدارية كرسته بالفعل كمثال على ذلك‬
‫وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة منذ سنة ‪ ،2007‬وذلك عن طريق‬
‫إدخال البرامج الرقمية والمعاملات الإلكترونية في معاملاتها الإدارية‬
‫اليومية‪ ،‬الأمر الذي نجده بالإدارة الجمركية التي أدرجت مجموعة من‬
‫التطبيقات المهمة‪ ،‬كنظام "بدر" للتعشير الجمركي‪ ،‬ونظام "عادل"‬
‫للمساعدة على التخليص الجمركي للبضائع عند الاستيراد‪ ،‬بالإضافة إلى‬
‫تطبيقين تم تفعيلهما مؤخرا هما "ديوانتي" و"بين ليا"‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬ما تم تطبيقه بالمديرية العامة للضرائب من طرق خدمات‬
‫"‪ ،"Simple-Service‬حيث تم تطبيق "‪ "Simple-TVA‬سنة ‪،2009‬‬
‫و"‪ "Simple-IS‬سنة ‪ ،2011‬و"‪ "Simple-IR‬سنة ‪.2013‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬آثار جائحة كورونا على الإدارة العمومية وعلى‬


‫علاقة المواطن بالإدارة‬
‫إن الحديث عن جائحة كورونا يجرنا للحديث عن أول حالة إصابة بالمغرب‬
‫بتاريخ ‪ 02‬مارس ‪ ، 2020‬حيث حاول المغرب الإحاطة بهذا الفيروس عن‬
‫طريق مجموعة من الإجراءات‪ ،‬كان أهمها الإعلان عن حالة الطوارئ‬
‫الصحية بواسطة مرسوم يوم ‪ 20‬مارس ‪ ،2020‬والحجر الصحي الذي دام‬
‫قرابة الشهرين‪ ،‬الأمر الذي حدا بالإدارات العمومية هي أيضا إلى التوجه‬
‫نحو العمل عن بعد‪ ،‬وعن طريق المعاملات الإلكترونية والرقمية في‬
‫علاقتها بالمرتفق‪/‬المواطن‪.‬‬
‫فجائحة فيروس كورونا‪ ،‬كما سبق وذكرنا في بداية هذا المقال‪ ،‬عرت عن‬
‫مجموعة من النقط السلبية بإداراتنا العمومية التي يمكن إجمالها فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ضعف البنية التحتية الإلكترونية؛‬
‫‪ -‬ضعف تكوين العنصر البشري في مجال التكنولوجيات الرقمية الحديثة؛‬
‫‪ -‬ضعف صبيب الأنترنيت؛‬
‫‪ -‬عدم وجود بنيات إدارية خاصة بكل ما هو رقمي‪ ،‬خصوصا بإداراتنا‬
‫الترابية‪.‬‬
‫كل هذه النقط لا تنقص بدون أدنى شك من مجموعة من الإجراءات‬
‫التي قامت بها على سبيل المثال وزارة الاقتصاد والمالية من أجل تجاوز‬
‫آثار أزمة كوفيد‪ ،19-‬وذلك عن طريق ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تأجيل الأداءات إلى ما بعد نهاية الحجر الصحي؛‬
‫‪ -‬تبسيط الأداء بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة وجعله عن طريق‬
‫الهاتف النقال‪.‬‬
‫هذه فقط بعض الإجراءات إلى جانب أخرى قامت بها وزارة التربية‬
‫الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي بجعل التعليم بشتى الأسلاك‬
‫"عن بعد"‪ ،‬والإعلان عن كون توقيف الدراسة لا يعني بالأساس "عطلة‬
‫استثنائية"‪ ،‬وإنما هو استمرار للتحصيل الدراسي بكيفية رقمية‪.‬‬
‫هذه الإجراءات بطبيعة الحال تكرس للطابع الرقمي الحديث الذي يجب‬
‫أن يكون بإداراتنا العمومية من أجل تجاوز مختلف المعيقات التي أبرزتها‬
‫جائحة كورونا‪ ،‬وحتى يتسنى لهذه الوحدات الإدارية لعب دورها بجانب‬
‫الدولة والفاعلين الترابيين والمدنيين والمواطنين في إنعاش وإعادة‬
‫دوران الاقتصاد الوطني‪.‬‬
‫لقد حاولنا من خلال هذا المقال التطرق لمجموعة من النقط والأوراش‬
‫التي باشرتها المملكة من أجل إصلاح الإدارة العمومية المغربية‪ ،‬وتجاوز‬
‫معيقات تعقد المساطر والخدمة العمومية المبنية على الورق‪ ،‬والانتقال‬
‫إلى كل ما هو تدبير إداري لا تمركزي مبني على التكنولوجيات الحديثة‬
‫والرقمنة وتبسيط المساطر‪ ،‬وعلى الحكامة الجيدة التي جاءت في‬
‫خطاب الملك بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأولى من السنة‬
‫الخامسة من الولاية العاشرة‪ .‬كل هذه الأمور لا شك أنها ستشكل حلقة‬
‫رئيسية في إصلاح إداراتنا العمومية‪ ،‬وستكرس لإدارة خدومة لكل من‬
‫الإداري والمرتفق على وجه السواء‪ ،‬وسنتجاوز بموجبها هذه الأزمة التي‬
‫خلفها وسيخلفها وباء كورونا على شتى المستويات والأصعدة‪.‬‬

You might also like