You are on page 1of 7

‫مفهوم الحكامة الجيدة و ركائزها و آلياتها في دستور ‪2011‬‬

‫مفهــــوم الحكامـــــة الجيــــــدة و ركائزهــــــا و آلياتهــــــا فــــي دستـــــور ‪2011‬‬

‫عبد العزيز اليحياوي؛ متصرف بجماعة ميسور‬

‫تقديـــــــم‪:‬‬
‫شكـــل دستـــور المملكـــة المغربيـــة لسنــــة ‪ 2011‬ثـــورة سلميــــة حقيقيــــة‪،‬‬
‫كرســــت و بحــــق الاستثنـــــاء المغربــــي‪ ،‬خاصــــة فــــي ظــــل مــــا عرفتــــه معظــــم‬
‫دول المنطقـــة العربيــــة – الربيــــع العربــــي ‪-‬؛ و بالأخــــص المغاربيـــــة‪ ،‬و قـــد‬
‫جــــاء دستــــور ‪ 2011‬ليعــــزز بنــــاء دولــــة الحــــق و القانــــون الــــذي خطــــى فيــــه‬
‫المغــــرب خطــــوات جبــــارة‪ ،‬مـــن خــــلال مــــا أقـــــره هــــذا الدستــــور مــــن مبــــادئ‬
‫و آليــــات تهــــدف إلــــى تحسيــــن عيــــش المواطنيــــن بمــــا يضمــــن كرامتهـــــم و‬
‫حقوقهــــم‪.‬‬

‫و لعـــــل أبــــرز مــــا نـــــص عليـــــه دستـــــور ‪ 2011‬مفهــــوم الحكامـــــة‬


‫الجيـــــدة‪ ،‬حيـــــث أفـــــرد لهــــا بابــــا كامـــــلا‪ ( ،‬البــــاب الثانــــي عشــــر ) المكــــون‬
‫مـــــن ‪ 17‬فصــــلا ( مــــن الفصــــل ‪ 154‬إلــــى الفصــــل ‪.) 171‬‬

‫و إذا كــــان الدستـــــور قــــد أولــــى كـــــل هـــــذه الأهميـــــة للحكامـــــة – الحكــــم‬
‫الرشيـــــد – فـــــإن الأمـــــر يستدعـــــي وقفـــــة لاستجـــــلاء مفهومهـــــا‪ ،‬و كــــــذا‬
‫ركائزهـــــا و الآليـــــات التـــــي نـــــص الدستــــــور عليهـــــــا لتنزيلهـــــا‪ ،‬الأمـــــر الـــــذي‬
‫سأحـــــاول التطـــــرق إليـــــه مـــــن خـــــلال التصميـــــم المنهجــــي التالـــــي‪:‬‬

‫المطلــــــب الأول‪ :‬مفهــــوم الحكامـــــة الجيـــــدة‪.‬‬

‫المطلـــب الثانــــي‪ :‬ركائـــــز الحكامـــــة الجيــــدة‪.‬‬

‫المطلـــب الثالــث‪ :‬آليـــــات الحكامـــــة الجيـــــدة فــــي الدستـــــور المغربــــي‬


‫لسنـــــة ‪.2011‬‬

‫‪1‬‬
‫مفهوم الحكامة الجيدة و ركائزها و آلياتها في دستور ‪2011‬‬

‫المطلــــــب الأول‪ :‬مفهــــوم الحكامـــــة الجيـــــدة‪.‬‬


‫إن محاولــــة إعطــــاء تعريــــف واحـــد و موحــــد لمفهـــوم الحكامـــة الجيــــدة‬
‫يعــــد أمــــرا مـــن الصعوبــــة بمــــا كـــان‪ ،‬فــــإذا كـــان هنــــاك إجمــــاع و اتفــــاق‬
‫بيــــن رجــــال القانـــون و السياســــة و الاقتصـــاد و كــــذا علـــــم الاجتمــــاع حــــول‬
‫الهــــدف مـــــن الحكامــــة الجيــــدة – الحكــــم الرشيــــد – و المتمثــــل فــــي التدبيــــر‬
‫الرشيـــــد للشــــأن العـــــام عبـــــر تحقيـــــق التعـــــاون بيــــن مختلـــــف السلطــــات‬
‫السياسيـــــة و الاجتماعيــــة‪ ،‬إلا أنهـــــم اختلفــــوا حـــــول تحديـــــد تعريــــــف‬
‫للحكامــــة الجيــــدة‪ ،‬ليـــــس فقــــط باختـــــلاف الحقــــول المعرفيـــــة التـــــي ينتمــــون‬
‫إليهــــا‪ ،‬بـــــل و داخــــل نفـــــس الحقـــــل المعرفــــي الواحـــــد تعــــــددت التعاريـــــف‬
‫لهـــــذا المفهـــــوم؛ الـــــذي طفا علـــــى الساحـــــة الدوليــــة سنـــــة ‪ ،1989‬فـــــي‬
‫معــــرض الإنكبـــــاب علــــى تشخيـــــص الأزمـــــة الاقتصاديـــــة بإفريقيــــا‪ ،‬حيــــث‬
‫تــــم التوصــــل إلـــــى أن مسببــــات تلـــــك الأزمـــــة لا ترتبــــــط بنقــــص أو ضعــــف‬
‫فــــي المــــوارد بمختلــــف أنواعهــــا‪ ،‬و إنمـــــا تتمثـــــل فـــــي غيــــاب الحكامـــــة‬
‫الجيـــــدة فــــي تدبيــــر الشــــأن العــــام‪ ،‬و قــــد شكـــــل هـــــذا مثـــــار نقاشـــــات‬
‫فــــي أوســــاط الأكاديمييـــــن‪ ،‬تمخـــــض عنـــــه توافـــــق حــــول معاييــــر الحكامـــــة‬
‫الجيـــــدة‪ ،‬صــــدر فــــي التقريــــر المتعلـــــق بالبرنامــــج الإنمائــــي للأمــــم‬
‫المتحـــــدة‪ ،‬الــــذي أعطـــــى تعريفيـــــن لمفهـــــوم الحكامـــــة الجيـــــدة‪.‬‬

‫ممارســـــة السلطـــة الاقتصاديــــة و‬ ‫يتلخــــص التعريــــف الأول فـــــي "‬


‫السياسيــــة و الإداريــــة لإدارة شـــؤون الدولــــة علــــى كافـــة المستويــــات و‬
‫يشمــــل ذلـــــك الآليــــات و العمليـــات و المؤسســــات التـــي يمكــــن للأفـــــراد‬
‫و الجماعــــات مــــن خلالهـــــا التعبيــــر عــــن مصالحهــــم و ممارســــة حقوقهــــم "‪ ،‬و‬
‫قــــد كــــان الهــــدف مــــن هـــــذا التعريــــف الــــذي ركـــــز علـــــى الجانـــــب الإداري‬
‫مــــن خــــــلال تحسيــن جــــودة الآليــــات و المؤسســــات للوصــــول إلــــى‬
‫ديمقراطيــــة تمكــــن الجميــــع مــــن التعبيــــر عــــن مصالحهــــم و الدفــــاع عـــن‬
‫حقوقهــــم القانونيـــة و إتاحــــة الفرصــــة لهـــم لممارســــة حقوقهــــم القانونيــــة‪ ،‬و‬
‫الوفــــاء بالتزاماتهــــم‪ ،‬و كــــذا إيجــــاد معاييــــر قانونيــــة راقيــــة لتدبيــــر الخـــــلاف‬

‫‪2‬‬
‫مفهوم الحكامة الجيدة و ركائزها و آلياتها في دستور ‪2011‬‬

‫مــــن خــــلال إيجــــاد جهــــة تكــــون لهــــا سلطـــــة و يخضــــع لهــــا الكـــــل دون‬
‫تمييــــز و لا تفرقـــــة‪.‬‬

‫أمــــا التعريـــف الثانــــي الــــذي جـاء بــــه البرنامــــج الإنمائـــــي للأمـــم المتحــــدة‬
‫لمفهــــوم الحكامــــة الجيــــدة فقــــد كــــان أكثــــر وضوحـــا مــــن التعريــــف الأول‪ ،‬إذ‬
‫و‬ ‫يعــــرف الحكامــــة الجيـــدة علـــى أنها " الحكــــم القائـــــم علـــــى المشاركــــــة‬
‫المساءلــــة و دعـــم سيــــادة القانــــون "‪.‬‬

‫يتضـــــح مـــــن خــــــلال مـــــا تقــــدم مـــــن التعريفيــــن أن الحكامــــة ليســــت‬


‫هــــدفا فــــي حــــد ذاتهــــا أو غايـــة‪ ،‬و إنمـــــا هـــــي وسيلــــة لتحقيـــــق غايـــــة‬
‫ساميــــة و هــــي الرقـــــي بالمجتمــــع و تقــــدم أفـــــراده و تطـــــور الدولـــــة‪،‬‬
‫بمعنــــى أن تكـــــون هنــــاك آليـــــات و وسائـــل تخـــــدم المواطـــــن و تخــــدم‬
‫الدولــــة‪ ،‬مـــــن خــــلال الحكـــــم القـــــادر علـــــى وضـــــع الأولويـــــات السياسيـــــة و‬
‫الاجتماعيـــــة و تحديـــــد تلـــــك الأولويـــــات عبـــــر وسائـــــل علميــــــة تلبيــــــة‬
‫لحاجيـــــات الغالبيـــــة العظمـــــى مـــــن المواطنيـــــن‪ ،‬و خصوصــــــا الطبقـــــات و‬
‫الفئـــــات الأكثـــــر حاجـــــة و احتياجــــــا‪.‬‬

‫و إذا كانـــت الحكامــــة الجيــــدة أو الحكــــم الرشيـــــد تهـــــدف إلــــى مـــــا سبــــق‬
‫تبيانــــه آنفـــــا‪ ،‬فإنهـــــا تقــــوم علــــى مرتكـــــزات أساسيــــة تختلــــف فــــي تحديدهـــا‬
‫باختـــلاف الحقـــــول المعرفيـــــة للدارسيـــــن لموضـــــوع الحكامــــة الجيــــدة‪ ،‬إلا أنــــه‬
‫يقــــع اتفــــاق حــــول مجموعــــة مـــــن تلـــــك الركائــــز و التــــي سأتطــــرق إليهــــا‬
‫مــــن خــــــلال المطلـــــب الثانـــــــي‪.‬‬

‫المطلـــب الثانــــي‪ :‬ركائـــــز الحكامـــــة الجيــــدة‪.‬‬


‫فـــي البدايـــــة لابــــــد مــــن الإشــــارة إلــــى أن ركائـــــز الحكامــــــة الجيـــــدة‬
‫تختلـــــف مــــــن جهـــــة لأخــــرى‪ ،‬و ذلــــك بالرجـــــوع إلــــى المشـــــارب الفكريـــــة و‬
‫المعرفيـــــة و الإديولوجيـــــة لكــــــل جهـــــة‪ ،‬فعلـــــى سبيــــــل المثــــــال نجــــــد أن‬
‫معاييـــــر الأمـــــم المتحـــــدة للحكامـــــة تختلـــــف عــــن المعاييــــر التــــي وضعهـــــا‬
‫صنـــــدوق النقـــــد الدولــــي‪ ،‬و كـــذا عـــــن المعاييـــــر التــــي وضعهـــــا الاتحــــاد‬
‫الأوربـــــي فـــــي الكتـــــاب الأبيـــــض سنـــــة ‪ ،2001‬و تتـــــوزع معاييــــر و ركائــــــز‬
‫و‬ ‫الحكامــــة الجيـــــدة بيـــــن معاييــــر سياسيـــــة و اقتصاديـــة و اجتماعيــــــة‬
‫‪3‬‬
‫مفهوم الحكامة الجيدة و ركائزها و آلياتها في دستور ‪2011‬‬

‫إداريـــــة ‪ ،‬و تشمـــــل الدولــــــة و المؤسســـــات التابعـــــة لهـــــا و الإدارة و المجتمـــــع‬


‫المدنـــــي و القطــــــاع الخـــــاص و المواطنيــن باعتبارهـــــم ناشطيــــن اجتماعييـــــن‪،‬‬
‫و قــــــد عمــــــل المغــــرب منــــذ تبنيـــــه لخيـــــار اعتمــــــاد الحكـــــم الرشيـــــد علـــــــى‬
‫اعتمـــــاد مجموعـــــة مـــــن المعاييــــــر الدوليــــــة للحكامــــــة الجيـــــدة‪ ،‬و التـــــي‬
‫يمكـــــن أن نستشفهــــــا مــــن خـــــلال العديــــد مـــن الخطـــــب الملكيـــــة الساميـــــة‪،‬‬
‫و مــــن خــــــلال تمحـــــص الوثيقــــــة الدستوريــــــة‪ ،‬حيـــــث تعـــــددت تلـــــك‬
‫الركائـــــز التـــــــي يمكـــــن إجمالهــــا فـــــي مــــا يلــــي‪:‬‬

‫‪ )1‬سيـــــادة القانـــــون‪ :‬حيـــــث نــــص الدستـــــور علــــى أن " القانـــــون هـــــو‬


‫أسمـــــى تعبيـــــر عـــن إرادة الأمـــــة‪ ،‬و يجــــب علــــى الجميــــع الإمتثــــــال‬
‫لـــــــه‪ ،‬و ليـــــس للقانــــون أثــــــر رجعـــــي" يتجلــــــى مــــــن خــــــلال مـــــا‬
‫تقــــــدم ذكـــــره أن القواعــــد القانونيــــــة تطبــــــق بــــــدون أي تمييـــــز و‬
‫بشكـــــل عـــــادل‪ .‬هـــــذا القانون الـــــذي ينظــــــم عــــــلاقات المواطنيـــــــن‬
‫فيمــــــا بينهــــــم بالقـــــدر الـــــذي ينظـــــم علاقاتهـــــم بالدولـــــة و‬
‫مؤسساتهــــا و مختلــــــف الإدارات و الجماعـــــات الترابيــــة‪ ،‬و التـــــي يجـــــب‬
‫أن تخضــــــع للقانـــــون و لمقتضياتـــــه و أحكامـــــه‪ ،‬و يسهـــــر جهـــــاز‬
‫القضـــــاء المستقــــــل علـــــى ذلــــــك‪.‬‬
‫‪ )2‬الشفافيــــــة ‪ :‬مـــــن خـــــلال توفيـــــر الحريـــــة و تيسيــــــر الوصـــــول إلـــــى‬
‫المعلومــــــات‪ ،‬و ذلـــــك عبــــــر اتاحــــــة الإمكانيـــــة مــــــن قبــــــل‬
‫المؤسســـــــات و الهيئــــــات و الجماعــــــات الترابيـــــة للمعلومــــــات و‬
‫المعطيـــــــات لكــــــل العمليـــــــات المجتمعيـــــــة للعمــــــوم و للمهتميــــــن‬
‫بهــــــا‪ ،‬الشـــــيء الـــــــذي يمكــــــن مــــــن مراقبتهــــــا‪ ،‬بإستثنـــــاء بعـــــض‬
‫المعطيـــــات ذات الطابــــــع الحســـــــاس المرتبطـــــــة بأمـــــــن الدولــــــة‬
‫الداخلـــــي و الخارجـــــي‪ ،‬و قـــــد صـــــدر فــــي هـــــذا الشـــــأن القانــــون‬
‫رقـــــم ‪ 31.13‬المتعلـــــق بالحـــــق فـــــي الحصـــــول علـــــى المعلومـــــات‪.‬‬
‫‪ )3‬الاستجابــــة ‪ :‬و ذلــــك بجعــــل هـــــدف المؤسســــات و العمليـــــات‬
‫و حاجيـــــات مـــــن هــــو فـــي‬ ‫المجتمعيـــــة الاستجابـــــة لاحتياجــــات‬
‫حاجــــة لهـــــا‪ ،‬عبــــــر رصــــــد الأولويـــــات و تحديدهـــــا استجابــــــة للغالبيــــــة‬
‫العظمــــــى مـــــن الساكنــــــة‪ ،‬و اعتمـــــاد آليـــــات و وسائـــــل و تقنيـــــات‬
‫علميــــــة فـــــي تحديدهـــــا‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫مفهوم الحكامة الجيدة و ركائزها و آلياتها في دستور ‪2011‬‬

‫‪ )4‬المساءلــــــة ‪ :‬تقتضــــي أن يكـــون صانـــــع القــــرار مســـؤولا و خاضــــع‬


‫للمساءلـــــة مـــــن طــــرف أجهـــــزة مختصــــــة بذلـــــك‪ ،‬و خصوصـــــا‬
‫و‬ ‫صانــــــع القــــــرار بأجهـــــزة الدولــــــة و مؤسساتهــــــا العموميــــة‬
‫الجماعــــات الترابيــــــة‪ ،‬علــــــى اعتبــــــار أن تدبيــــــر أمولهــــــا هـــــو تدبيــــــر‬
‫لأمـــــوال دافعـــــي الضرائــــب‪ ،‬و يتطلــــب تدبيـــــرا رشيـــــدا لهـــــا و إنفاقـــــــا‬
‫فـــــي مـــــا يلبـــــي احتياجـــــات المواطنيــــن‪.‬‬
‫‪ )5‬الفعاليــــــة ‪ :‬و المقصـــــود هنـــــا بــــأن تتجــــه جميــــــع العمليـــــات‬
‫المجتمعيــــــة لإشبــــاع الحاجيــــــات بالكفـــــاءة المطلوبــــــة‪ ،‬مــــــع الأخــــذ‬
‫بعيـــــن الإعتبـــــــار الاستخــــــدام الأمثــــل للمـــــــوارد و مـــــن خـــــــلال‬
‫التحكـــــم فـــــي المـــــوارد و النفقــــــات‪.‬‬
‫‪ )6‬الرؤيـــة و التخطيــــط الاستراتيجييـــــن‪ :‬مــــــن خـــــلال رؤيــــــة ثاقبــــــة تقـــــوم‬
‫علـــــى أســــــاس العنصــــــر البشـــــري كآليــــــة‪ ،‬و كـــــــذا الاستجابــــــــة‬
‫لمتطلباتــــــه‪ ،‬بمعنـــــى أن تكــــــون هنــــــاك رؤيــــــة علميــــــة مبنيــــــة و‬
‫قائمــــــة علــــــى دراســــــات و مخططــــــات علميــــــة و مـــــن خــــــلال‬
‫تخطيــــــط استراتيجــــــي كامــــــل و شامــــــل‪ ،‬طامـــــح إلـــــى استحضـــــار‬
‫الواقـــــع و يرمـــــي إلـــــى تجــــــاوز معيقاتـــــه و تقويــــــم معوقاتـــــه‪.‬‬
‫‪ )7‬التوافــــق و الالتقائيـــــة‪ :‬و ذلــــك مـــــن خـــــلال توافــــق بيـــــن مختلـــــف‬
‫المتدخليـــــن‪ ،‬و كـــــذا مـــــن خـــــلال عــــدم تكـــــرار المشاريـــــع نفسهـــــا و‬
‫تقديـــــم الأولـــــى منهـــــا‪.‬‬

‫المطلـــب الثالــث‪ :‬آليـــــات الحكامـــــة الجيـــــدة فــــي الدستـــــور‬


‫المغربــــي لسنـــــة ‪.2011‬‬
‫تختلـــــف هـــــذه الآليــــــات بإختــــــلاف الدارسيــــــن و المنظريـــــن‪ ،‬و قــــد‬
‫خصـــــص الدستـــــور المغربــــــي لسنـــــــة ‪ 2011‬للحكامـــــة الجيــــــدة بابـــــا كامــــــلا‬
‫و هــــــو البـــــاب الثانـــــي عشــــر‪ ،‬المكــــون مـــــن سبعـــــــة عشـــــر فصــــلا‪ ،‬و قـــــد‬
‫جـــــاء تخصيــــــص بــــــاب كامـــــل للحكامـــــة الجيــــــدة فــــــي الدستــــــور ليؤكــــــد‬
‫علـــــى فلسفــــــة الدولـــــة و إرادتهـــــا و خيارهـــــا الـــــذي لا رجعـــــة فيـــــه لمحاربـــــة‬

‫‪5‬‬
‫مفهوم الحكامة الجيدة و ركائزها و آلياتها في دستور ‪2011‬‬

‫الفســــاد و إحــــــداث التغييــــــر المنشــــــود‪ ،‬و الحـــــد مــــــن ســـــــوء التدبيــــــر‬


‫الــــــذي تعانـــــي منـــــه مؤسســــــات الدولــــــة و المجتمــــــع‪ ،‬و قـــــد قسم البــــــاب‬
‫المتعلـــــــق بالحكامـــــــة الجيـــــــدة إلــــــى شقييــــــن‪ ،‬يتعلــــــق الشــــــق الأول‬
‫بالمبـــــــادئ العامـــــــة للحكامــــــة الجيـــــــدة؛ الـــــذي ينقســــــم بــــــدوره إلــــــى‬
‫مبـــــــادئ تنظيميـــــــة و مبــــــادئ سلوكيـــــــة و أخــــــرى محاسبيـــــة‪ ،‬أمــــــا الشــــــق‬
‫الثانـــــي فيتعلــــــق بأجهــــــزة الحكامــــــة الجيــــــدة‪.‬‬

‫‪ ) 1‬المبـــــادئ العامـــــة للحكامـــــة الجيـــــدة‪:‬‬

‫كمـــــا سبقـــــت الإشـــــارة إلـــــى ذلــــــك فــــــإن المبادئ العامـــــة للحكامــــــة‬


‫الجيـــــــدة قسمـــــت بالبــــــاب الثانــــــي عشـــــر مـــــن الدستــــــور إلـــــى ثلاثــــــة‬
‫أنـــــواع؛ تنظيميـــــة و سلوكيـــــــة و محاسبيـــــة‪.‬‬

‫‪ -‬المبـــــادئ التنظيميــــــة‪ :‬نستشفهـــــا مـــن خـــــلال مقتضيـــــات الفصـــــل‬


‫‪ 157‬مــــن الدستــــور الــــذي يؤكــــد علــــى إصــــــدار ميثـــــاق للمرافـــــق‬
‫العموميـــــة يحـــــدد قواعــــد الحكامـــــة الجيـــــدة المتعلقـــــة بتسييـــــر‬
‫الإدارات العموميـــــة والجماعــــــات الترابيــــــة و الأجهـــــزة العموميــــــة‪،‬‬
‫فـــــي حيـــــن يؤكـــــد الفصــــــل ‪ 159‬مـــــن دستـــــــور ‪ 2011‬علـــــــى‬
‫استقلاليــــــة الأجهـــــزة المكلفــــــة بالحكامــــــة الجيـــــدة‪ ،‬و استفادتهـــــا مـــــن‬
‫دعــــــم الدولـــــة ‪ ،‬و إلزامهـــــــا بتقديـــــم تقاريــــــر دوريـــــــة أو سنويــــة عــــن‬
‫أشغالهـــــــا‪.‬‬
‫‪ -‬المبـــــادئ السلوكيـــــــة ‪ :‬تهــــــدف هـــــذه المبــــــادئ إلـــــى تقنيـــــن‬
‫ممارســـــة المسؤوليـــــة و العلاقـــــــة مــــــع المرتفقيــــــن‪ ،‬و علـــــى‬
‫الأخـــــص المســــــاواة أمــــــام المرفــــــق العــــــام إذ نــــــص الفصـــــــل ‪154‬‬
‫علـــــــى ذلــــــك‪ ،‬و المبنــــــى علـــــى الجــــــودة و الشفافيــــــة و النزاهــــــة و‬
‫خدمـــــــة المصلحـــــة العامــــــة‪ ،‬علـــــى أن المرافـــــق العموميـــــة تتلقـــــــى‬
‫ملاحظــــــات و تظلـمــــــات مرتفقيهــــــا و تؤمـــــــن تتبعهــــــا طبقـــــــا‬
‫لمقتضيــــــــات الفصــــــل ‪ 156‬مــــــن الدستـــــــور‪.‬‬
‫‪ -‬المبـــــادئ المحاسبيــــة‪ :‬بالعـــــودة إلــــــى مقتضيــــــات الفصـــــل ‪ 154‬مـــن‬
‫و‬ ‫للمراقبــــة‬ ‫تخضـــــع‬ ‫العموميــــــة‬ ‫المرافـــــــق‬ ‫فـــــإن‬ ‫الدستـــــور‪،‬‬
‫المحاسبـــــــة‪ ،‬أي أن كــــــل شخـــــص أو عــــون بالمرافـــــــق العموميــــــة‬
‫‪6‬‬
‫مفهوم الحكامة الجيدة و ركائزها و آلياتها في دستور ‪2011‬‬

‫ملـــــــزم بتطبيـــــق القانـــــون و المحافظـــــة علـــــــى المــــــال العـــــام و‬


‫الأمــــــوال العموميــــــة و تقديــــــم الحسابــــــات عــــــن تنفيـــــذ الميزانيــــــة و‬
‫أوجــــــه صرفهـــــــا‪ ،‬و قــــــد أقـــــــر المشــــــرع مـــــن بيـــــــن الآليــــــــات‬
‫لضمـــــــان هــــــذا جهـــــــازا قضائيـــــــا و تعلــــق الأمــــــر بالمجالــــــس‬
‫الجهويـــــــة للحسابـــــــات‪ ،‬كمــــــا أقـــــر حســــــب القانــــــون ‪ 54.06‬آليــــة‬
‫التصريـــــح الإجبـــــاري بالممتلكـــــات ضمانــــــا لمحاربــــــة الاغتنـــــاء الغيـــــر‬
‫المشــــــروع‪.‬‬

‫‪ ) 2‬الأجهــــــزة المكلفــــــة بالحكامــــــة الجيــــــدة ‪:‬‬

‫لقـــــد عـــــدد المشـــــرع الدستـــــوري أجهــــــزة أنـــــــط بهـــــــا مهمــــــــة تنزيـــــــل‬


‫و ضمـــــــان الحكامــــــة الجيــــــدة‪ ،‬مــــــن خــــــلال مقتضيــــــات الفصـــــول مــــــن‬
‫‪ 161‬إلـــى ‪ 170‬من الدستـــــور و هـــــي الهيئــــــة العليـــــــا للإتصـــــال السمعـــــي‬
‫البصــــــري و الهيئــــــة الوطنيـــــــة للنزاهــــــة والوقايـــــــة مــــــن الرشـــــــوة‬
‫ومحاربتهـــــــا و المجلــــــس الوطنــــــي لحقــــــوق الإنســـــان و مؤسســـــة‬
‫الوسيـــــــط و مجلـــــــس الجاليـــــة المغربيــــــة بالخـــــارج و الهيـــــأة المكلفـــــــة‬
‫بالمناصفـــــــة ومحاربـــــــة جميــــــع أشكــــــــال التمييــــــز و المجلــــــس الأعلـــــــى‬
‫للتربيــــــة والتكويـــــن والبحــــــث العلمـــــي و المجلـــــس الاستشــــــاري للأســـــرة‬
‫والطفولـــــــة و المجلــــــس الاستشــــــاري للشبـــــــاب والعمــــــل الجمعــــــوي‪.‬‬

‫و قـــــد أنــــــاط الدستـــــــور بمختلــــــف تلـــــك الأجهـــــزة كــــل فــــــي مجــــــال‬


‫اشتغالهــــــا و اهتمــــــام العمـــــــل علــــــى ترسيـــــخ مبــــــادئ الحكامـــــة الجيــــــدة‪،‬‬
‫كمــــــا أتـــــاح للمشـــــــرع إمكانيــــــة إحــــــداث هيئــــــات و أجهــــــزة لذلـــــــك‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like