You are on page 1of 66

‫افتتاحية‬

‫‪,,‬‬
‫مواجهة الكراهية‬

‫شــهد مقــر األمم املتحــدة مؤخــرا ً سموم الكراهية‪ ،‬بل جتاوز األمر إلى منازعة اآلخر‬
‫إطالق معالي األمــن العام للرابطة في حقه في الوجود باحترام وكرامة»‪.‬‬
‫الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكرمي‬
‫العيســى‪ ،‬مبادرة لتعزيــز اجلهــود الدولية في وأكــد الدكتور العيســى‪ ،‬أن التقــدم احلضاري‬
‫املادي كان ينقصه التقــدم املطلوب في القيم‬ ‫مواجهة الكراهية وحماية دور العبادة‪.‬‬
‫اإلنسانية املشــتركة‪ ،‬وأن التســاهل في الدور‬
‫مكان انطالق املبادرة من مقــر األمم املتحدة في املنــوط باملؤسســات املســؤولة من شــأنه أن‬
‫نيويــورك‪ ،‬حــدث ذو أهمية بالغــة‪ ،‬وقد حظيت يعيد تلك القيم للوراء‪ ،‬وميهد الطريق لألشــرار‪،‬‬
‫بالدعــم الكبير مــن هذه املنظمــة األممية ذات وأن النتيجة احلتمية لذلك ســوف تدفع ثمنها‬
‫الثقــل والتأثير علــى كافة دول العالــم‪ ،‬وأيضا ً اإلنسانية جمعاء‪ ،‬سواء في سالمها العاملي‪ ،‬أو‬
‫تأتي املبادرة في توقيت مهم‪ ،‬يشهد فيه العالم وئام مجتمعاتها الوطنية املتنوعة‪.‬‬
‫تصاعدا ً في خطاب الكراهية‪ ،‬وترتفع فيه دعوات‬
‫املتطرفني من مختلف االجتاهات من دون أن تكون ومما يجدر ذكره أن هذه املبادرة‪ ،‬تأتي في سياق جهود‬
‫هناك إجراءات رادعــة ملروجيها‪ ،‬وغالبا ً ما تنتهي متناغمة ومتوازية تعمــل عليها رابطة العالم‬
‫إلى ممارســات شــنيعة يقع ضحيتها املصلون اإلســامي‪ ،‬للتصدي لهذه اآلفات الفكرية التي‬
‫تنطلق منها كل الشــرور‪ ،‬ومتهد الطريق وتصنع‬ ‫والركع السجود في نهاية األمر!‬
‫الذرائع ملا يتبعها من ممارسات التطرف واإلرهاب‪،‬‬
‫وقد مت التأكيد خالل الترحيب بإعالنها من األمني والتي كان آخرها إطالق الرابطة احلملة العاملية‬
‫العام لألمم املتحدة‪ ،‬بأنها ســتتجاوز التنظير إلى «‪ »RejectHate‬ملواجهة اإلسالموفوبيا واحملتوى‬
‫تقدمي برامج متنوعة وفعالــة‪ .‬كما أكد معالي املسيء لإلســام وأيضا ً خطاب الكراهية الذي‬
‫الشيخ العيســى أهمية الفكر في هذا اجلانب‪ ،‬يستهدف املســلمني وكل أتباع األديان عموماً‪،‬‬
‫قائالً إن‪« :‬املآسي التي عانت منها اإلنسانية وال على كافة وســائل اإلعالم ووسائل التواصل‪ .‬إن‬
‫باطراد تبدأ في عموم حاالتها مثل هذه املبــادرات ودعمها والتعاون الدولي في‬
‫تزال تعاني منهــا ّ‬
‫بفكر خاطــئ يتبلور في كلمة ســيئة تنطلق تنفيذهــا هو الســبيل األمثل إليجــاد مجتمع‬
‫بكل جــرأة وحت ٍّد نحو اآلخر وهي حتمل في داخلها إنساني أكثر سالما ً وتسامحاً‪.‬‬
‫المحتويات‬
‫مبادرات عالمية حول‬
‫تغير المناخ والبيئة النظيفة‬
‫‪,,‬‬
‫‪6‬‬ ‫شهرية ‪ -‬علمية ‪ -‬ثقافية‬

‫المدير العام لالتصال واإلعالم‬

‫أ‪ .‬عبدالوهاب بن محمد الشهري‬

‫‪,,‬‬
‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عثمان أبوزيد عثمان‬


‫متغيرات واقع المرأة ‪ ..‬تعقيب على مقررات‬
‫مدير التحرير‬
‫الملتقى الدولي تعزيز الصداقة‬
‫ياسر الغامدي‬
‫‪15‬‬ ‫والتعاون‬
‫المراسالت‪:‬‬
‫مجلة الرابطة ص‪.‬ب ‪ 537‬مكة المكرمة‬
‫هاتف‪00966125309387 :‬‬
‫فاكس‪00966125309489 :‬‬
‫المراسالت على عنوان المجلة باسم رئيس التحرير‬
‫البريد اإللكتروني‪:‬‬

‫‪,,‬‬
‫‪mwljournal@themwl.org‬‬
‫الموضوعات والمقاالت التي تصل إلى مجلة «الرابطة»‬
‫ال ترد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر‬
‫لالطالع على النسخة اإللكترونية للمجلة‬
‫الرجاء زيارة موقع‬
‫المؤتمر الدولي «أثر محو األمية في نهضة‬
‫الرابطة على اإلنترنت‪www.themwl.org :‬‬
‫وتنمية األمم والشعوب»‬
‫‪17‬‬ ‫طبعت بمطابع تعليم الطباعة‬
‫رقم اإليداع‪ - 1425/343 :‬ردمد‪1658-1695 :‬‬
‫ ‬

‫‪2‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫العدد‪66٣:‬‬
‫ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمبر ‪ ٢٠٢١‬م‬

‫مشاريع الخير‬
‫تتواصل في‬
‫إفريقيا‬
‫دكار ـ بوجومبورا ـ واس‬

‫واصل مركز امللك سلمان لإلغاثة‬


‫واألعمال اإلنسانية تنفيذ مشروع‬
‫مكافحة العمى واألمراض املسببة‬

‫‪,,‬‬
‫له في إفريقيا‪ ،‬شــمل جمهورية‬
‫الســنغال وبوروندي‪ ،‬بالتعاون مع‬
‫رابطة العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫وقام الفريق الطبي التطوعي منذ‬ ‫معرض الرياض الدولي للكتاب‬


‫بدء احلملة خالل شــهر أكتوبر في‬ ‫«وجه جديد وفصل جديد»‬
‫مدينة فاتيك بالسنغال بالكشف‬
‫على ‪ 3,500‬مستفيد‪ ،‬وأجرى ‪358‬‬
‫عمليــة إلزالة املــاء األبيض‪ ،‬ووزع‬
‫‪21‬‬
‫‪ 950‬نظارة طبية‪.‬‬

‫وفي مدينة بوجومبورا قام الفريق‬


‫الطبي التطوعي منذ بدء احلملة‬
‫بالكشــف على ‪ 1.402‬مستفيد‪،‬‬

‫‪,,‬‬
‫وإجــراء ‪ 20‬عمليــة جراحيــة‪،‬‬
‫وتسجيل ‪ 210‬عمليات‪ ،‬وتوزيع ‪250‬‬
‫نظارة طبية‪.‬‬

‫وتأتــي هــذه احلملــة امتــدادا‬


‫للمشــاريع املتصلــة مبكافحــة‬ ‫مكتبة اإلسكوريال‬
‫العمــى التــي تنفذهــا اململكة‪،‬‬ ‫محضن التراث األندلسي المجيد‬
‫ممثلــة باملركز للعائــات من ذوي‬
‫الدخل احملدود‪ ،‬فــي عدد من الدول‬
‫الشقيقة والصديقة‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪3‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫الرابطة تستنكر الهجوم اإلرهابي على‬

‫بيان‬
‫مطار جازان‬

‫‪4‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫برامج ومبادرات للحد من تهديدات التغير المناخي‬
‫حتمل رابطة العالم اإلســامي في الداخل اإلسالمي وخارجه مســؤولية تعزيز الوعي والتفاعل مع‬
‫ركز على إشــراك‬
‫ُلحــة‪ ،‬حلماية هبات اخلالق ســبحانه وتعالى من الهدر والدمار‪ ،‬وتُ ّ‬
‫قضايــا البيئة امل ّ‬
‫التغير املناخي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫للحد من تهديدات‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫ومبادرات‬ ‫برامج‬
‫َ‬ ‫الشباب في‬
‫مبادرات‬

‫‪5‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫مبادرات عالمية حول‬

‫تغ ُّير المناخ والبيئة النظيفة‬

‫موضوع الغالف‬
‫محمد الدسوقي ـ القاهرة‬
‫االحتباس احلــراري‪ ،‬وتآكل طبقــة األوزون‪ ،‬وانبعاث‬
‫الغازات من النفايات الســامة‪ ،‬وفقــدان الغابات‪،‬‬
‫شهدت قمة العشــرين في إيطاليا التي انعقدت‬
‫واختفاء بعض أنــواع الكائنات احلية‪ ،‬وتلوث الهواء‬
‫خاصا مبلف تغير املناخ‪،‬‬
‫ً‬ ‫اهتماما‬
‫ً‬ ‫خالل األيام املاضية‬
‫واملاء والتربة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫وهو موضــوع يســتأثر باهتمام العالــم أجمع‪ ،‬إذ‬
‫تتوجه اجلهود في الوقــت احلاضر نحو دعم التعاون‬
‫وال شك في أن اإلنسان يقف وراء تنامي كثير من تلك‬
‫إليجــاد حلــول جادة ملشــكالت البيئــة‪ ،‬واحلد من‬
‫املشكالت؛ فهناك ممارسات عدة تسيء إلى البيئة في‬
‫مخاطرها التي أصبحت تهدد البشرية في حاضرها‬
‫عناصرها اخملتلفة‪ :‬األرض واملاء والهواء‪ .‬وال تزال الكثير‬ ‫ومستقبلها‪.‬‬
‫من األنشــطة تؤدي إلى تلويث البيئــة‪ ،‬حتى أضحت‬
‫قضايا البيئة مشكالت معقدة تؤرق البشرية املعاصرة‪.‬‬ ‫ومن أبرز مشكالت تغير املناخ التي تعانيها البشرية‬

‫‪6‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫وفي هذا الصدد أطلقت اململكة العربية السعودية‬
‫مبــادرات في غاية األهمية‪ ،‬منهــا التزامها بتزويد‬
‫العالم بالطاقة النظيفة‪ ،‬من خالل دعم املزيد من‬
‫االبتكار والتطوير‪ ،‬والدعوة إلى حلول أكثر استدامة‬
‫وشمولية‪.‬‬

‫وأطلق صاحب الســمو امللكــي األمير محمد بن‬


‫إلى إشــراك الدين واجملتمع‪ ،‬فهما محورا التأثير من‬ ‫سلمان بن عبد العزيز آل ســعود‪ ،‬ولي العهد نائب‬
‫يعول‬
‫ِّ‬ ‫الداخل على كثير من النــاس‪ ،‬فالعالم اليوم‬ ‫رئيس مجلس الوزراء «مبادرة الســعودية اخلضراء»‪،‬‬
‫كثيرًا على املصلحني‪ ،‬ســائالً اهلل جل وعال أن يوفق‬ ‫و»مبادرة الشــرق األوسط األخضر»‪ ،‬اللتني ترسمان‬
‫ويبارك اجلهود اخمللصة‪.‬‬ ‫توجــه اململكــة واملنطقــة فــي حمايــة األرض‬
‫والطبيعة ووضعها فــي خارطة طريق ذات معالم‬
‫ومن الضرورة انطالق هذه املبادرات الوطنية والعاملية‬
‫واضحة وطموحة‪ ،‬وتسهمان بشكل قوي بتحقيق‬
‫دافعا قويًا‬
‫ً‬ ‫من القيم الدينية والثقافية التي تكون‬
‫املستهدفات العاملية‪.‬‬
‫لاللتزام مبسؤوليات اإلنسان على هذا الكوكب‪.‬‬
‫وتهدف مبادرة الســعودية اخلضراء الطموحة إلى‬
‫وإذا كانــت دول العالــم تنبهت أخيــرًا إلى ضرورة‬
‫رفــع الغطاء النباتــي‪ ،‬وتقليل انبعاثــات الكربون‪،‬‬
‫حماية البيئة ومواجهة التغيرات املناخية‪ ،‬فإن ديننا‬
‫ومكافحة التلوث وتدهور األراضــي‪ ،‬واحلفاظ على‬
‫قد أمر ‪ -‬منذ أكثر من ‪ 1400‬عام ‪ -‬بالعناية بالبيئة‪،‬‬
‫احلياة البحرية‪.‬‬
‫واحلفاظ عليها من خالل سلوك يومي دائم‪ ،‬يتصل‬
‫بالعقيدة الدينية والعبادات‪.‬‬
‫وركزت قمة غالســكو على الكثير مــن االهتمام‬
‫العاملي على قضايا االحتباس احلراري‪ ،‬عندما سعت‬
‫وال ميــاري عاقل أو منصف؛ في أن تعاليم اإلســام‬
‫القمة إلى حشد الدعم ملزيد من خفض االنبعاثات‬
‫تضمن «بيئة نظيفة» خالية من التلوث‪ ،‬تســاعد‬
‫وجمــع األموال بغيــة متويل مكافحــة تغير املناخ‬
‫على التفكير السليم‪ ،‬وتشجع على العمل واإلنتاج‪،‬‬
‫واالنتهاء مــن القواعد في ســبيل تنفيذ اتفاقية‬
‫وتهيئ اإلنسان للتفاعل اإليجابي مع احلياة‪ ،‬والتمتع‬
‫عز وجل‪.‬‬ ‫باريس‪.‬‬
‫بنعم اهلل ّ‬

‫وتتركز نظرة اإلســام إلى البيئة علــى أنها ملك‬ ‫وكان لرابطة العالم اإلســامي حضــور في قمة‬
‫للجميع‪ ،‬وأن من أبرز واجبات اإلنســان حمايتها من‬ ‫االحتباس احلراري‪ ،‬إذ شارك فيها معالي األمني العام‬
‫أي محاولــة لإلفســاد فيها‪ ،‬قــال اهلل تعالى‪« :‬وال‬ ‫الشــيخ الدكتور محمد بن عبد الكرمي العيســى‪،‬‬
‫الح َها َذلِكُ ْم َخ ْي ٌر لكُ ْم‬
‫إص ِ‬ ‫وألقــى كلمة قال فيهــا‪« :‬إن احلديث عــن التغير‬
‫ض ب َ ْع َد ْ‬ ‫ــدوا ِفي ْ‬
‫األر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫تُ ْف ِ‬
‫املناخــي لم يعد ينبئنا بخطر قــادم‪ ،‬بل إننا نعيش‬
‫ني» (األعراف‪.)85:‬‬ ‫نتم ُّم ْؤ ِم ِن َ‬
‫إن كُ ُ‬
‫تراخ في هذه القضية‬
‫ٍ‬ ‫هذا التغيير اخلطر اآلن‪ ،‬وكل‬
‫والوعي الصحيح مبعاني هذه اآلية الكرمية وأهدافها‬ ‫التي متــس البشــرية تهديد خطــر لوجودها‪ ،‬وهو‬
‫يدلنا على أن إصالح البيئــة من الواجبات الدينية‪،‬‬ ‫مبثابة حكم قاس على هذا الوجود»‪ ،‬وأشــار معاليه‬

‫‪7‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫هامشــيا ميكن‬
‫ً‬ ‫شــكليا‪ ،‬أو عمالً‬
‫ً‬ ‫أبدا أمرا ً‬
‫ولم تكن ً‬
‫إغفاله أو السكوت عنه‪.‬‬

‫وال شــك أن املتأمل فــي آيات القــرآن الكرمي يجد‬


‫الكثير من اإلشارات الواضحة إلى «التوازن البيئي»‪،‬‬
‫واإلبــداع الفريد فــي خلق الكــون‪ ،‬وأن اهلل تعالى‬
‫ســكنا لإلنســان‪ ،‬وألزمه أسباب احلياة‬
‫ً‬ ‫هيأ األرض‬
‫ّ‬
‫الصحية‪ ،‬وسالمة البيئة‪.‬‬

‫يســر له‬
‫ومن نعــم اهلل تعالى على اإلنســان أنه ّ‬
‫االســتفادة من كنــوز األرض وثرواتهــا‪ ،‬كما تدلنا‬
‫على حياة اإلنســان‪ ،‬وأثره على عالقة اإلنسان بربه‪،‬‬ ‫ســخر البيئة‪،‬‬ ‫أن اهلل تعالى‬
‫ّ‬ ‫آيات القرآن الكرمي على ّ‬
‫ب امل ُْسرِ ِف َ‬
‫ني»‬ ‫ســرِ ُفوا إنَّ ُه ال يُ ِ‬
‫ح ُّ‬ ‫«وال تُ ْ‬
‫فقال عز وجل‪َ :‬‬ ‫مبا اشــتملت عليه‪ ،‬في خدمة اإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(األنعـام‪.)141:‬‬ ‫ض َج ِميعا‬ ‫ات َو َما ِفي ْ‬
‫األر ِ‬ ‫او ِ‬ ‫خرَ لكُ م َّما ِفي َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫س َّ‬
‫«و َ‬
‫َ‬
‫ون» (اجلاثية‪.)13:‬‬
‫كر ُ َ‬
‫لق ْو ٍم ي َ َت َف َّ‬ ‫ك آلي َ ٍ‬
‫ات َ‬ ‫ِّم ْن ُه إ ِ َّن ِفي َذلِ َ‬
‫وليس من شــك فــي أن اإلســراف فــي التعامل‬
‫مع البيئة يعنــي اإلفراط في اســتخدام مواردها‬ ‫واهتم ديننا احلنيف بتشــجيع اإلنسان على البناء‬
‫الطبيعية‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى اإلضرار باإلنســان‪،‬‬ ‫والعمارة ونظافة البيئة من كل أشــكال الفساد‪،‬‬
‫وفي الوقت نفســه اســتنزاف تلك املوارد‪ ،‬وحرمان‬ ‫انطال ًقا من حقيقة أن ســلوك اإلنســان يؤثر في‬
‫األجيال القادمة من االســتفادة منها‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫اد ِفي‬
‫س ُ‬‫ْف َ‬
‫«ظ َهرَ ال َ‬
‫سلبا‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ً‬ ‫البيئة إيجابًا أو‬
‫ط َغ ْوا ِفي ِه َف َي ِ‬
‫ح َّل‬ ‫قناكُ ْم َوال تَ ْ‬ ‫ط ِّي َب ِ‬
‫ات َما رَز َ َ‬ ‫«كُ لوا ِمن َ‬ ‫اس»‪( ..‬الروم‪.)41:‬‬ ‫ت ْأي ِدي َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ال َْبرِّ َوال َْب ْحرِ بِ َا َك َ‬
‫س َب ْ‬
‫ضبِي َو َمن ي َ ْحلِ ْل َعل َْي ِه َغ َ‬
‫ضبِي َف َق ْد َه َوى»‬ ‫ليكُ ْم َغ َ‬
‫َع ْ‬
‫(طه‪.)81:‬‬ ‫والوعي بهــذه احلقائق املهمة يقود اإلنســان إلى‬
‫احملافظة على ما اختصــه اهلل عز وجل به من نعم‬
‫ومن اإلنصاف أن نشيد بهذه املبادرات العاملية التي‬ ‫جمة حتى يعيش ســليم الفكر‪،‬‬
‫كثيــرة‪ ،‬وفضائل ّ‬
‫تُبذل في ســبيل حماية البيئــة‪ ،‬واحملافظة عليها‪،‬‬ ‫صحيح البدن‪ ،‬رشــيد الســلوك جتاه نفسه وأهله‬
‫حيث تعمــل األمم املتحدة‪ ،‬والــدول األعضاء‪ ،‬على‬ ‫ومجتمعــه‪ ،‬قادرا ً على العمل والبــذل والعطاء مبا‬
‫حل املشاكل البيئية‪ .‬ومن ذلك مبادرات مهمة في‬ ‫يعود باخلير والنفع على اجلميع‪.‬‬
‫اململكة العربية الســعودية‪ ،‬ومــا تبذله الدول في‬
‫العمل علــى توفير مياه الشــرب املأمونة والغذاء‬ ‫وإذا كانت دول العالم ومؤسســاته الكبرى تتنادى‬
‫النظيــف ألعداد كبيــرة من ســكان املعمورة في‬ ‫اليوم إلى االعتدال وعدم اإلســراف في استخدام‬
‫مناطق احلروب والنزاعات‪ ،‬والعمل على حظر انتشار‬ ‫باحلث‬
‫ّ‬ ‫موارد البيئة‪ ،‬فقد ســبق اإلســام إلى ذلك‬
‫املواد السامة‪ ،‬ومنع استخدام األسلحة الكيماوية‪،‬‬ ‫على التزام االعتدال والوسطية في استخدام تلك‬
‫والنوويــة‪ ،‬واالنشــطارية‪ ،‬واالرجتاجيــة‪ ،‬والغــازات‬ ‫املوارد؛ ســعيا ً لتحقيق اخلير للناس‪ ،‬وجتنيبهم األذى‬
‫السامة‪ ،‬والقنابل العنقودية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫والضــرر‪ ،‬وحذر القرآن الكرمي من مخاطر اإلســراف‬

‫‪8‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫الرابطة تدين الهجوم اإلرهابي في أفغانستان‬

‫‪9‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫د‪.‬العيسى يلتقي سفير فرنسا لمنطقة البحر األبيض المتوسط‬
‫اســتقبل معالي الشيخ د‪ .‬محمد العيسى سعادة سفير فرنســا ملنطقة البحر األبيض املتوسط‬
‫السيد كرمي أمالل‪ .‬وجرى خالل اللقاء بحث عد ٍد من املوضوعات ذات االهتمام املشترك‪.‬‬

‫استقباالت‬
‫األمين العام يستقبل القائم بأعمال سفارة السويد‬
‫اســتقبل معالي الشيخ د‪ .‬محمد العيسى ســعادة القائم بأعمال سفارة الســويد لدى اململكة‬
‫العربية الســعودية السيد إيريك ساملغرين فون شانتز ‪ ،‬وجرى خالل اللقاء بحث عد ٍد من املوضوعات‬
‫ذات االهتمام املشترك‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫د‪.‬العيسى‪ :‬السالم في اإلسالم محور رئيس في حياة كل مسلم‬
‫انعقد االجتماع الدوري الثالث التفاقية‪ :‬باريس للســام والتضامن‪ ،‬حيث ناقش خطة عملها لتعزيز‬
‫ســام ووئام اجملتمعات الوطنية حول العالم‪ ،‬مع الترحيب بانضمام مؤسســات دينية وفكرية كبرى‬
‫رئيس في‬
‫ٌ‬ ‫أكد معالي الشــيخ د‪ .‬محمد العيســى على أن السالم في اإلسالم محور‬
‫لالتفاقية‪ ،‬وقد ّ‬
‫حياة كل مسلم‪.‬‬

‫األمين العام يلتقي السفير المعلمي‬

‫التقى معالي منــدوب اململكة العربية‬


‫الســعودية الدائــم لــدى األمم املتحدة‬
‫الســفير عبداهلل بن يحيى املعلمي‪ ،‬في‬
‫نيويــورك‪ ،‬مبعالي األمني العــام لرابطة‬
‫العالم اإلســامي رئيس هيئــة علماء‬
‫املســلمني الشــيخ الدكتور محمد بن‬
‫عبدالكرمي العيسى‪.‬‬

‫وجرى خالل اللقاء استعراض املوضوعات‬


‫ذات االهتمام املشــترك لتعزيــز ثقافة‬
‫السالم وآفاق التعاون مع األمم املتحدة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫العيسى في مقر األمم المتحدة بنيويورك‬

‫معالي األمني العام لـ األمم املتحدة ُمرَ ّحبا ً مبعالي األمني العام الشيخ د‪ .‬محمد العيسى‪ ،‬في مقر األمم‬
‫املتحدة بنيويورك‪ ،‬حيث تناول احلوار مناقشة عدد من املوضوعات املتعلقة مبواجهة خطاب الكراهية‪.‬‬

‫زيارات‬

‫‪12‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫‪13‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫الرابطة تنفذ برنامج جراحة القلب لألطفال‬
‫تواصل رابطة العالم اإلسالمي تنفيذ برنامج جراحات القلب لألطفال في اجملتمعات احملتاجة بإفريقيا‪،‬‬
‫حيث أنهت األســبوع املاضي إجراء أكثر من ‪ 45‬عمليــة جراحية لعالج صمامات وثقوبٍ يعاني منها‬
‫األطفال‪ ،‬مبركز مدني بوالية اجلزيرة في السودان‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫متغيرات واقع المرأة‬
‫تعقيب على مقررات الملتقى الدولي‬
‫(تعزيز الصداقة والتعاون)‬
‫تعقيب‬

‫د‪ .‬إشراقة الطاهر ـ السودان‬


‫السياسية ومشــاركة املرأة فيها لم تستثن في‬
‫األطروحات املقدمة‪.‬‬
‫ال يختلــف اثنان علــى أهمية وتوقيــت انعقاد‬

‫ولعــل ما اســتوقفني في ملخــص امللتقى في‬ ‫امللتقــى الدولــي (تعزيز الصداقــة والتعاون بني‬

‫مجلــة الرابطة العدد ‪ ٦٦٢‬مــا ذهب إليه األمني‬ ‫األمم والشعوب) في الرياض‪ ،‬وبخاصة تركيزه على‬
‫العــام لرابطــة العالم اإلســامي د‪ .‬محمد بن‬ ‫متكني املرأة من خالل الرؤى والتأكيدات على جهود‬
‫عبدالكرمي العيســى قوله‪« :‬إن املشــكلة تكمن‬ ‫كثيرة مطلوبة في هــذا االجتاهات‪ ،‬حتى اجلوانب‬

‫‪15‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫فــي تقدمي الوعي بهذه املســلمة من خالل عمل‬
‫فعال علــى أرض الواقع وليس مجــرد حديث عن‬
‫أهمية التمكني»‪ .‬وهذا احلديث يذهب إلى عملية‬
‫التهميش التي رمبا تعرضــت لها املرأة في بعض‬
‫اجملتمعات وضرورة الوعي مبطلوباتها في املشاركة‬
‫واحلقوق‪ ،‬هذا فضال عــن االعتراف بدورها في كل‬
‫مجاالت احلياة‪.‬‬

‫ولعــل حتديــات الواقع اليوم مــن نزاعات وحروب‬


‫وضغوط اقتصاديــة تتطلب من املــرأة دورًا قويًا‬
‫يواجه هشاشة الواقع املعاش‪ ،‬وهذا يبدأ بالتنشئة‬
‫حظوتها بالتعليم وتقلدها مناصب مهمة‪ .‬هذا‬ ‫السليمة املعافاة من اإلقصاء والتمييز‪ ،‬فضال عن‬
‫الواقع يجعل املرأة في السعودية جديرة باإلسهام‬ ‫منحها حق التعليم والرأي واملشــورة‪ ،‬ثم ينفتح‬
‫في قيادة اجملتمع‪ ،‬وذلك مــا جتاهله اإلعالم واهتم‬ ‫الباب علــى مصراعيــه لتقدم جملتمعهــا الدور‬
‫بقيادة املرأة للمركبة وهــي مطلوبات ال تزيد عن‬ ‫املأمــول في كل اجملاالت املهنية والعلمية وغيرها‪،‬‬
‫مجرد إدارة محرك‪.‬‬ ‫إضافة إلى دعم االقتصاد ومنوه‪.‬‬

‫ال شــك أن دور املرأة بحاجة ملزيد من جهود منوعة‬ ‫واهتــداء مبا جاء في هذا امللتقى‪ ،‬يجدر تنزيل هذه‬
‫ً‬
‫للتمكني وإزالة التهميش الذي أصابها‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫الرؤى واألفكار عن دور املرأة إلى مستوى اجملتمعات‬
‫يكتمل وفق هدي إســامي يحفظ املرأة ويحفظ‬ ‫احمللية القاعدية حتى يتنــزل هذا اخلطاب ويصل‬
‫جهودها‪.‬‬ ‫إلى كل فرد داخل األسرة واجملتمع‪.‬‬

‫وعلينا التأكيد بأن ما يشــهده العالم اإلسالمي‬ ‫وأكثر ما مييز امللتقى حضوره النوعي العاملي وهذا‬
‫من نهوض نوعي لــدور املرأة التربوي واالجتماعي‪،‬‬ ‫يعد من النجاحات التي متنح هذه املناسبة بعدها‬
‫يقــوم من منطلــق وعيها اإلســامي أوالً‪ ،‬وهي‬ ‫العاملــي‪ ،‬ومن ثــم الفرصة في وصــول توصيات‬
‫تســتفيد من أمثال هــذه امللتقيــات لالهتداء‬ ‫امللتقى إلى مساحة أكبر‪.‬‬
‫بالتجــارب واخلبــرات العاملية وخاصــة في اجملال‬
‫العلمي واالقتصادي واإلنتاجي‪.‬‬ ‫ولعل اإلشارة املهمة في هذا امللتقى من املؤمترين‬
‫القادمني من خارج السعودية وتصريحهم بغياب‬
‫نثمن جهود رابطة العالم اإلســامي لتنظيمها‬
‫ِّ‬ ‫املعلومــة واملعرفــة عــن حقيقة الوضــع داخل‬
‫مثل هذه امللتقيات ذات املوضوعات التي تتســم‬ ‫تعرضوا لتضليل من‬
‫هذا البلد‪ ،‬وال ســيما أنهم َّ‬
‫باجلدة واحليوية‪ ،‬وهذا يؤكد مرونة ومواكبة الرابطة‬ ‫وســائل اإلعالم التي ال تنقل متغيرات واقع املرأة‬
‫في كل ما يدفع منو وتطور اجملتمع املسلم في كل‬ ‫املســلمة واملرأة الســعودية على وجه اخلصوص‪،‬‬
‫العالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫بحيث يجهــل كثير مــن املهتمني فــي العالم‬

‫‪16‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫المؤتمر الدولي‬
‫«أثر محو األمية في نهضة‬
‫وتنمية األمم والشعوب»‬
‫مؤتمرات‬

‫إعداد‪ :‬عبد هللا حسين‬


‫اإلسالمي‪ ،‬مبشاركة عدد من العلماء واملتخصصني‪.‬‬

‫وقد عقد املؤمتر خمس جلسات‪ ،‬منها ثالث جلسات‬ ‫اختتمت فــي العاصمة املصريــة القاهرة أعمال‬

‫علميــة؛ األولى والثانية داخــل قاعة مركز صالح‬ ‫املؤمتر الدولــي «أثر محو األمية في نهضة وتنمية‬

‫كامل لالقتصاد اإلســامي حضورياً‪ ،‬أما اجللسة‬ ‫األمم والشــعوب»‪ ،‬الذي نظمتــه رابطة اجلامعات‬
‫الثالثة فكانت جملموعة من العلماء والباحثني من‬ ‫اإلســامية بالتعاون مع االحتــاد العربي للتنمية‬
‫خارج مصر عن طريق تطبيق زوم‪.‬‬ ‫املستدامة والبيئة‪ ،‬ومركز صالح كامل لالقتصاد‬

‫‪17‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫د‪ .‬العبد‪ :‬التعليم روح المجتمع‬ ‫روح المجتمع‬

‫التي تنتقل عبر األجيال وتسهم في‬ ‫وفي اجللسة االفتتاحية أكد األمني العام لرابطة‬
‫معرفة القيم والحقائق‬ ‫اجلامعــات اإلســامية‪ ،‬الدكتور أســامة محمد‬
‫العبــد‪ ،‬في كلمته أن التعليم هو روح اجملتمع التي‬
‫تنتقــل من جيل إلى جيل‪ ،‬فــا توجد تنمية بدون‬
‫د‪ .‬عالم‪ :‬تحتاج األمة اإلسالمية‬ ‫علم وثقافة‪ ،‬مشــيرًا إلى أن الغرض من التعليم‬
‫إلى التكاتف والتعاون لمكافحة األمية‬ ‫هو معرفة احلقائق فقط‪ ،‬والقيم التي نبنيها في‬
‫أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫والجهل‬
‫وأوضح العبد أن األمية إذا انتشــرت في مجتمع‬
‫اندثــرت الثقافــات‪ ،‬وضاعــت احلضارات‪ ،‬وســاد‬
‫وطالــب الدكتور عالم بوضع آليــة ناجحة مبنية‬
‫مؤكــدا أنه بالعلم‬
‫ً‬ ‫التخلف‪ ،‬وانتشــرت الرجعية‪،‬‬
‫علــى احلصر والتنظيــم ملعاجلة األميــة واجلهل‪،‬‬
‫وتشيد احلضارات‪.‬‬
‫َّ‬ ‫والثقافة تُبنى الدول‬
‫مبشــاركة كل املؤسســات‪ ،‬خاصة املؤسســات‬
‫اإلعالمية‪ ،‬والعمل بجميع طاقتها إلنهاء األمية‪،‬‬ ‫وشــدد على أن الدين اإلســامي احلنيــف حثنا‬
‫فضل عن مشاركة سائر من ميتلك القدرة والوقت‬
‫ً‬ ‫على االهتمام بالعلم والتعلــم‪ ،‬فقد جاءت آيات‬
‫للمشاركة في محو األمية‪.‬‬ ‫وأحاديث كثيرة تُرشدنا إلى أهمية العلم والتعلم‬
‫أول باألخالق‪.‬‬
‫في اجملتمع‪ ،‬وجاءت الشريعة مطالبة ً‬
‫مشروع وطني‬
‫وأشــار األمني العام لرابطة اجلامعات اإلسالمية‬
‫مــن جهته قال األمــن العام للمجلــس العاملي‬ ‫إلى أننا في أشــد احلاجة إلى تفعيل دور اجلامعات‬
‫للمجتمعات املسلمة‪ ،‬الدكتور محمد بشاري‪ ،‬إننا‬ ‫ومحو األمية التي تسعى إلى حتقيقها كل البالد‪،‬‬
‫نحتاج ملشروع وطني بكل دولة للقضاء على جميع‬ ‫ألنها من محركات التنمية املســتدامة‪ ،‬فاألمية‬
‫أنــواع األمية‪ ،‬يقوم به كل قــادر ومؤهل له‪ ،‬لذلك‬ ‫آفة األوطان وخطر على األمة‪.‬‬
‫نحتاج ثورة ثقافية لإلعالم والسينما والدراما وكل‬
‫مناحي احلياة؛ لتحقيق نهضة واسعة‪.‬‬ ‫التكاتف والتعاون‬

‫وأضاف‪ :‬إننــا أمام ظاهرة جديدة وغير مســبوقة‬ ‫من جانبه قال مفتي مصر الدكتور شــوقي عالم‬
‫لألمية‪ ،‬فقدميا ً كانت األميــة يتم تعريفها بعدم‬ ‫فــي كلمته‪ ،‬إن األمــة العربية واإلســامية في‬
‫القدرة على القراءة والكتابة‪ ،‬وذلك حني كان القلم‬ ‫سبيل مكافحة األمية واجلهل حتتاج إلى التكاتف‬
‫هو الوسيلة الوحيدة للتعليم والتعلم‪ ،‬ولكن اآلن‬ ‫والتعاون بني املتخصصني من أفراد ومؤسســات‪،‬‬
‫ومع تعدد مداخل املعرفة يوجد الكتاب املسموع‪،‬‬ ‫لتضع خطة عامة وشــاملة يصلح تنفيذها في‬
‫واألفكار املرئية باألعمال الدرامية‪ ،‬وبالتالي يصبح‬ ‫كل دولة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫القراءة والكتابة األساسية‪ .‬ويؤدي هذا الوضع إلى‬ ‫ناقش المشاركون دور الجامعات‬
‫اســتبعاد الشــباب والكبار ذوي املستوى العلمي‬
‫املتدني وذوي املهارات احملدودة من املشاركة الكاملة‬
‫في رصد الواقع وبحث األساليب‬
‫في جماعاتهم ومجتمعاتهم‪.‬‬ ‫العلمية لمواجهة األمية‬

‫وأوضحت صبحي أن أزمة (كوفيد‪ )19-‬أســفرت‬


‫عن اضطراب في مسيرة تعلّم األطفال والشباب‬ ‫لألمية معنى ومدلوالً أوسع بكثير‪.‬‬
‫والكبار على نحو غير مسبوق‪ ،‬وفاقمت أوجه عدم‬
‫بناءة لتعلّم القراءة‬ ‫وأوضح البشاري أن اإلنسان في هذا العصر يتعلم‬
‫املســاواة في االنتفاع بفرص ّ‬
‫والكتابة‪ ،‬األمر الذي أ ّثر على نحو غير متناسب في‬ ‫بالقراءة واملشــاهدة واالستماع‪ ،‬لذلك لدينا ثالثة‬
‫‪ 25‬مليون شــخص (‪ )%25.8‬من الشــباب والكبار‬ ‫مســتويات أو أنواع لألمية‪ ،‬فهنــاك أمية القراءة‬
‫امللمني مبهارات القــراءة والكتابة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫غير‬ ‫ملن ال يستطيع القراءة‪ ،‬وأمية السماع واملشاهدة‬
‫ّ‬
‫دفع بعدد من برامج محو األمية إلى املناداة لتكون‬ ‫ملن ال يتابع وال يعرف اخلطاب الثقافي املنتشر في‬
‫مبادرة رئاسية‪.‬‬ ‫الشبكة الدولية‪ ،‬وملن ال يتابع الفنون واآلداب التي‬
‫يتم إنتاجها في الدراما والسينما‪.‬‬
‫األمية الرقمية‬
‫ولفــت إلى أن األمية األشــد خطــرًا هي األمية‬
‫من جانبه أكد الدكتور نبيل السمالوطي‪ ،‬األستاذ‬ ‫الدينية في مختلف األديان‪ ،‬حيث يعيش املتدينون‬
‫بكلية الدراســات اإلنسانية جامعة األزهر سابقاً‪،‬‬ ‫عالة على فئة من الدعاة والوعاظ‪ ،‬ال يستطيعون‬
‫أنه فــي الوقت الذي يتحدث فيه الباحثون وعلماء‬ ‫سبيل‪.‬‬
‫ً‬ ‫حيلة وال يهتدون‬
‫االجتماع عن محــو األمية الرقمية‪ ،‬ومحو األمية‬
‫تحقيق التنمية‬
‫اإللكترونية‪ ،‬ومحو األمية الثقافية‪ ،‬ومحو األمية‬
‫التربوية‪ ،‬ومحو األمية الزواجية أو األسرية‪ ،‬نتحدث‬ ‫كما ألقت الدكتــورة إيناس صبحي كلمة األمني‬
‫نحــن هنا في مصــر ونعانــي من محــو األمية‬ ‫العام لالحتاد العربي للتنمية املســتدامة والبيئة‬
‫الهجائية‪ ،‬إلــى جانب كل أنواع األمية الســابق‬ ‫نيابة عنه‪ ،‬أوضحت فيها أن محو األمية يعد عامالً‬
‫ذكرها‪.‬‬ ‫أساســيا ً لتحقيق التنمية املستدامة‪ ،‬إذ إنه يتيح‬
‫تعزيز املشــاركة في سوق العمل‪ ،‬وحتسني األحوال‬
‫وأضاف أن من بني أســباب األمية مشكلة الفقر‬
‫الصحيــة والتغذوية لألطفال واألســر‪ ،‬واحلد من‬
‫والبطالــة‪ ،‬ومشــكلة ســيادة العشــوائية في‬ ‫الفقر‪ ،‬فضالً عن توفير مزيد من فرص احلياة‪.‬‬
‫التفكير‪ ،‬واتخاذ القرار والعمل والسلوك‪ ،‬إلى جانب‬
‫منو العشوائيات السكنية التي حتتل نسبة كبيرة‬ ‫وأضافــت بأنه علــى الصعيــد العاملــي‪ ،‬ال يزال‬
‫فــي كل مدن مصر‪ ،‬ومشــكلة الوقوع في الفنت‬ ‫هناك ‪ 750‬مليون نســمة على األقل من الشباب‬
‫وتصديق الشــائعات واألكاذيب‪ ،‬التي يبثها أعداء‬ ‫والكبار يعجزون عن القــراءة والكتابة‪ ،‬في حني أن‬
‫مصر في كل اجملاالت‪.‬‬ ‫‪ 250‬مليون طفل يفشــلون في اكتساب مهارات‬

‫‪19‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫التوصيات‬
‫د‪ .‬البشاري‪ :‬لتحقيق نهضة‬
‫واسعة نحتاج لثورة ثقافية في اإلعالم‬ ‫تناول املؤمتر عددا ً من النقاط كان أهمها‪:‬‬

‫والسينما والدراما وكل مناحي الحياة‬ ‫‪ -‬نهضة الدول العربية واإلسالمية أمر ال يتحقق‬
‫إال من خالل شعوب متعلمة‪ ،‬لديها وعي وثقافة‪،‬‬
‫وهــذا يتطلب القضاء الكامــل على األمية بكل‬
‫د‪ .‬السمالوطي‪ :‬سيادة‬
‫أشكالها‪ ،‬بدءا ً بطبيعة احلال من األمية الهجائية‪،‬‬
‫العشوائية في التفكير وتصديق‬ ‫مرورا ً باألمية الثقافية والدينية والرقمية وغيرها‪.‬‬

‫الشائعات من أسباب األمية‬


‫‪ -‬ناقش املشــاركون دور اجلامعات اخملتلفة‪ ،‬خاصة‬
‫كليــات اللغة العربيــة ومجامع اللغــة العربية‬
‫وكليــات التربية والعلــوم اإلنســانية‪ ،‬في رصد‬
‫وقد انتهى املؤمتر إلى مجموعة من التوصيات من‬
‫الواقع املعاش‪ ،‬وبحث األساليب العلمية والتربوية‬
‫أهمها‪:‬‬
‫والشرعية واللغوية ملواجهة األميات بكل أنواعها‪،‬‬
‫بدءا ً من األمية الهجائية وغيرها من األنواع األخرى‬
‫ومخط ٍ‬
‫ط‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ .1‬التركيز على محو األمية بشكل جادٍّ‬
‫من األميات‪.‬‬
‫‪ .2‬حتقيــق التكامل بــن جهاز محــو األمية وبني‬
‫‪ -‬تباحث احلاضرون حول دور املؤسسات التعليمية‬
‫األجهزة املسؤولة عنها في الوزارات اخملتلفة‪.‬‬
‫والثقافية والشــبابية واالجتماعيــة ومنظمات‬
‫كل‬
‫‪ .3‬احلرص على أن تستوعب املدارس االبتدائية َّ‬ ‫اجملتمع املدني واجلمعيــات األهلية ورجال األعمال‬
‫من هم في ســن اإللزام‪ ،‬إلى جانب تنظيم دورات‬ ‫في مواجهة األمية بكل أشكالها‪.‬‬
‫لتعليم اللغة العربية للكبار‪.‬‬
‫‪ -‬ناقش املشــاركون دور كل من اجملالس التنفيذية‬
‫قومي‬ ‫أمن‬ ‫والتشــريعية واإلعالميــة في مواجهــة أمراض‬
‫ٌّ‬ ‫‪ .4‬النظــر إلى محــو األمية على أنــه ٌ‬
‫وواجب وطني‪.‬‬ ‫اجملتمع اخملتلفة‪ ،‬وفي مقدمتها األمية املتفشــية‬
‫بنسبة كبيرة في بعض اجملتمعات‪.‬‬
‫ترغيب النشء‬
‫ُ‬ ‫‪ .5‬على املؤسسات الثقافية والفنية‬
‫في التعليم بكل الوسائل الفنية واإلبداعية‪.‬‬ ‫أكــد احلاضرون علــى ارتباط األميــة الهجائية‬
‫‪َّ -‬‬
‫بعدد مــن األمراض االجتماعيــة‪ ،‬وفي مقدمتها‬
‫‪ .6‬حتديد مســؤولية أجهزة اإلعالم‪ ،‬بنشــر الوعي‬ ‫املشكالت الســكانية للتنمية ومشكلة ضعف‬
‫بأهمية التصدي ألمراض اجملتمع‪ ،‬وال سيما األمية‪.‬‬ ‫الوالء الديني الوطني‪ ،‬وضعف اإلنتاج واإلنتاجية‪،‬‬
‫فضالً عن مشكالت الفقر والبطالة والعشوائيات‪،‬‬
‫‪ .7‬تعزيــز إمكانات جهاز محو األميــة وإمداده مبا‬ ‫هذا إلى جانب قابلية الوقوع في الفنت واألكاذيب‬
‫يلزمه ألداء مهامه بنجاح‪.‬‬ ‫والشائعات‪ ،‬فضالً عن الفهم املزيف للدين‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫معرض الرياض الدولي للكتاب‬
‫«وجه جديد وفصل جديد»‬
‫‪ 1000‬دار نشر من ‪ 28‬دولة أثرت الحراك الثقافي العالمي‬
‫ثقافة‬

‫إعداد‪ :‬توفيق محمد نصر هللا‬


‫ويقدر حجم اســتثمار اململكة في قطاع النشر بـ‬
‫‪ 4.5‬مليارات ريال ســنوياً‪ ،‬حصيلة نتاج ‪ 500‬دار نشر‬
‫أثرت أكثر من ألف دار نشر محلية وإقليمية وعاملية‪،‬‬
‫ســعودية‪ ،‬بحســب تقرير لوكالة األنباء السعودية‬
‫من ‪ 28‬دولة‪ ،‬املشــهد الثقافي الوطنــي والعربي‪،‬‬
‫(واس)‪ .‬كمــا تُعــد اململكة من الــدول الواعدة في‬
‫ضمــن فعاليات معــرض الرياض الدولــي للكتاب‬
‫مجال النشــر الذي شــهد منــوا ً متصاعــدا ً خالل‬
‫‪ ،2021‬والذي أقيم في الفتــرة من ‪ 1‬إلى ‪ 10‬أكتوبر‬
‫العشرين سنة املاضية‪.‬‬
‫املاضي‪ ،‬فــي موقعه اجلديد بواجهة الرياض‪ ،‬في أبرز‬
‫وبات حراك التأليف والنشر في اململكة عامالً جاذبا ً‬ ‫تظاهرة ثقافية تشهدها اململكة في مجال الكتاب‬
‫لكبريات الدول اإلقليمية والعاملية‪ ،‬من حيث التوزيع‬ ‫وقطاع النشر‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫واالنتشــار اجلغرافي‪ ،‬مما دفع للمشــاركة عامليا ً في‬
‫«معرض الرياض»‪ ،‬كمكســب ثقافي وبيئة محفزة‬
‫جتمع خــال فترة زمنية أصحاب االختصاص‪ ،‬ونافذة‬
‫لالطــاع علــى نتاج الفكــر في مختلــف العلوم‬
‫واملعارف‪.‬‬

‫ويُعد معرض الرياض الدولي للكتاب أكبر تظاهرة‬


‫ثقافية تشــهدها العاصمــة الرياض ســنوياً‪،‬‬
‫ويحظى باهتمــام عاملي ومحلــي لالطالع على‬
‫أحــدث املنتجات اإلثرائية في اجلانب الثقافي‪ ،‬وما‬
‫أنتجته دور النشــر العاملية في ســباق مع الزمن‬
‫مؤتمر الناشرين الذي احتضنه‬ ‫للتنافس علــى صناعة النشــر احلديــث‪ ،‬حيث‬
‫يعد األول من نوعه لبحث‬
‫المعرض ُّ‬ ‫أصبح املعرض منبرا ً للحوار بني املفكرين والكتاب‬
‫واجلمهــور طيلة األعــوام املاضيــة‪ ،‬قبل جائحة‬
‫واقع صناعة النشر في العالم العربي‬
‫كورونا‪ ،‬والتي توقف املعرض خاللها‪.‬‬
‫والسعي نحو تطويرها‬
‫ويقام معــرض الرياض الدولي للكتاب ســنويا ً في‬
‫مدينة الرياض‪ ،‬ومي ّثل منصة للشركات واملؤسسات‬
‫واألفراد العاملني واملهتمني بقطاعات األدب والنشر‬
‫والترجمــة؛ لعرض مؤلفاتهــم وخدماتهم‪ ،‬إضاف ًة‬
‫احتفى البرنامج الثقافي بالعراق‬
‫إلى دوره األساسي في تعزيز وتنمية شغف القراءة‬
‫باعتباره ضيف الشرف لهذا العام‬ ‫في اجملتمع‪ ،‬وزيادة الوعــي املعرفي والثقافي واألدبي‬
‫والفنــي‪ ،‬وذلك من خــال حتفيز األفــراد على زيارة‬
‫عبر سلسلة من الندوات واألمسيات‬
‫معرض الكتاب لالطالع واقتناء املصنفات الثقافية‬
‫الشعرية‬ ‫واألدبية والتعليمية‪ ،‬وحضور املؤمترات‪ ،‬وورش العمل‪،‬‬
‫والنــدوات واحملاضــرات الثقافية واألدبيــة والفنية‪،‬‬
‫إليها مســؤولية تنظيم املعرض واإلشــراف عليه‪،‬‬ ‫واملبادرات املصاحبة للمعرض‪.‬‬
‫حيث تعمل على تعزيز مكتســبات ومكانة معرض‬
‫ويشــكل املعرض حدثا ً ثقافيا ً مهما ً في املشــهد‬
‫الرياض الدولــي للكتاب في خارطة معارض الكتب‬
‫الثقافي العربي؛ بوصفــه أحد أهم معارض الكتب‬
‫اإلقليميــة والدولية‪ ،‬وإضافة التطوير الالزم ملواكبة‬
‫العربية‪ ،‬من حيــث عدد الزوار وحجم املبيعات وتنوع‬
‫رؤية اململكة ‪ ،2030‬املعززة واحملفزة لصناعة الثقافة‪،‬‬
‫برامجه الثقافية‪ ،‬ومن حيث مشاركة أبرز دور النشر‬
‫باعتبارها من مقومات جودة احلياة‪ .‬وقد حفل البرنامج‬
‫العربية واإلقليمية والدولية‪.‬‬
‫الثقافي الذي قدمته هيئة األدب والنشر والترجمة‬
‫في معرض الرياض الدولي للكتاب مبشــاركة نخبة‬ ‫وبعد تأســيس هيئة األدب والنشر والترجمة ضمن‬
‫من أهم الكتاب واملفكرين والنقاد العرب والعامليني‪،‬‬ ‫الهيئات الثقافية التابعة لـــوزارة الثقافة‪ ،‬انتقلت‬

‫‪22‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫«مدن آثارية (أور‪ ،‬بابل‪ ،‬النمرود)»‪ ،‬كما التقى جمهور‬ ‫في باقة من النــدوات واحملاضرات وورش العمل التي‬
‫األدب فــي ندوة عن «عوالم الشــاعر محمد مهدي‬ ‫تناولت مختلف مجاالت اإلبداع الثقافي‪.‬‬
‫اجلواهري اإلنسانية واألدبية»‪ ،‬شــاركت فيها ابنته‬
‫الدكتورة خيال محمد اجلواهري‪ ،‬وندوة عن بدر شاكر‬ ‫واحتضن املعــرض فعاليات مؤمتر الناشــرين‪ ،‬الذي‬
‫السياب بعنوان‪« :‬غابات النخيل‪ ،‬جولة في حياة بدر‬ ‫يعــد األول من نوعــه في اململكة‪ ،‬والــذي تنظمه‬
‫الهيئة من أجل بحث واقع صناعة النشر في العالم‬
‫شاكر الســياب وشعره»‪ ،‬شــاركت فيها ابنته آالء‬
‫العربي‪ ،‬والسعي نحو تطويرها لتصل إلى مستويات‬
‫بدر السياب‪ ،‬وندوة عن الناقد العراقي الدكتور علي‬
‫منافســة دولياً‪ ،‬من خالل ‪ 12‬جلسة حوارية‪ ،‬شارك‬
‫جواد الطاهر وجهوده في التأريخ لألدب الســعودي‪،‬‬
‫فيهــا ‪ 42‬متحدثا ً مــن اململكة والعالــم‪ ،‬وتناولت‬
‫باإلضافة لعدد من األمسيات الشعرية والفنية‪.‬‬
‫جوانب متعــددة من واقــع صناعة النشــر احمللية‬
‫وتــوزع البرنامــج الثقافــي للمعرض علــى ثالثة‬ ‫واإلقليمية وســبل معاجلة أوجه القصور فيها‪ ،‬من‬
‫مسارات رئيسة‪ ،‬أولها أمســيات «حديث الكتاب»‪،‬‬ ‫أجل تطويرها ورفع مستوى إسهاماتها في التنمية‬
‫التي استضيف فيها تسعة من املؤلفني السعوديني‬ ‫الثقافية العربية‪.‬‬
‫والعرب والعامليني‪ ،‬للحديث عن جتاربهم في الكتابة‬
‫وتأتي الــدورة اجلديدة من معرض الريــاض الدولي‬
‫والتأليــف‪ ،‬وهم‪ :‬األمير تركي الفيصل‪ ،‬والشــيخة‬
‫للكتاب حتت شــعار «وجهة جديــدة وفصل جديد»‪،‬‬
‫والرحالة واملؤلف السعودي عبد اهلل‬
‫ّ‬ ‫هند القاسمي‪،‬‬
‫وحضرت فيها جمهورية العراق الشقيقة بوصفها‬
‫اجلمعــة‪ ،‬والروائي الكويتي مشــعل حمد‪ ،‬والروائي‬
‫«ضيف الشــرف»‪ ،‬ببرنامج احتفائي قدم فيه نخبة‬
‫األردنــي أميــن العتــوم‪ ،‬واملؤلف األمريكــي جوردان‬
‫من املثقفني والفنانني العراقيني ندوات وأمســيات‬
‫بيلفورت‪ ،‬والروائي الكويتي ســعود السنعوســي‪،‬‬
‫ثقافيــة‪ ،‬حيث شــاركت بوفد ثقافــي وفني كبير‪،‬‬
‫والطاهــي واملؤلــف األمريكــي ماركو بييــر وايت‪،‬‬ ‫برئاســة وزير الثقافة والســياحة واآلثــار العراقي‬
‫واملؤلف األمريكــي كريس غاردنــر‪ ،‬صاحب الكتاب‬ ‫الدكتور حسن ناظم‪.‬‬
‫الشهير «السعي نحو السعادة»‪.‬‬
‫والفن؛‬
‫ّ‬ ‫واحتفــى املعرض بتجــارب رواد األدب والنقد‬
‫فيما حتدث في املســار الثاني «لقاءات ثقافية» أكثر‬ ‫أمثال محمد مهدي اجلواهري‪ ،‬وبدر شــاكر السياب‪،‬‬
‫من ‪ 100‬مثقف وناقد من مختلف اجلنســيات‪ ،‬عن‬ ‫وعلي جواد الطاهر‪ ،‬وواســيني األعرج‪ ،‬واألمير خالد‬
‫لحة‪ ،‬من خــال ‪ 36‬ندوة‬
‫قضايــا أدبية وثقافيــة ُم ّ‬ ‫الفيصل‪ .‬كما شارك في فعالياته الدكتور عبداهلل‬
‫ومحاضرة‪ ،‬أقيمت على مدى أيام املعرض العشرة‪.‬‬ ‫الغذامــي‪ ،‬واملؤلــف األمريكــي جــوردان بيلفورت‪،‬‬
‫ومواطنه كريس غاردنر‪ ،‬وأقيمت أمســيات شعرية‬
‫أمــا املســار الثالث فخصــص ألمســيات التكرمي‬
‫لشعراء من السعودية والعراق‪.‬‬
‫واجلوائــز ملبدعني ورمــوز خدموا الثقافــة العربية‪،‬‬
‫بينهم األمير خالد الفيصل‪ ،‬مستشار خادم احلرمني‬ ‫كما احتفــى البرنامــج الثقافي بالعــراق‪ ،‬ضيف‬
‫الشــريفني‪ ،‬أمير منطقة مكــة املكرمة‪ ،‬الذي كُ رِّم‬ ‫الشــرف لهــذا العام‪ ،‬عبر سلســلة مــن الندوات‬
‫من قبل معهــد العالم العربــي بباريس‪ ،‬في حفل‬ ‫واألمســيات الشعرية‪ ،‬وشارك وزير الثقافة العراقي‬
‫كبيــر احتضنه املعرض‪ ،‬وذلك نظير خدمته الكبيرة‬ ‫في لقاء بعنــوان‪« :‬الثقافة وبناء الدولة»‪ ،‬باإلضافة‬
‫للثقافة العربية‪.‬‬ ‫لندوة عن «موروث الفن العراقي»‪ ،‬وندوة أخرى بعنوان‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫على أفالم املاجنا‪.‬‬ ‫وإلى جانــب ذلك نظم املعرض أكثر من ‪ 60‬ورشــة‬
‫عمل متعددة املشارب واالجتاهات الثقافية‪ ،‬قدمها‬
‫وفي جلســات اليوم الثاني ملؤمتر الناشرين الدولي‪،‬‬ ‫أكثر من ‪ 100‬خبير ومتخصص في مجاالت إبداعية‬
‫الــذي نظمته هيئة األدب والنشــر والترجمة‪ ،‬على‬ ‫متنوعة‪ ،‬مــن بينهــا ورش عن الكتابــة والتأليف‪،‬‬
‫هامش فعاليــات معرض الريــاض الدولي للكتاب‬ ‫وصناعة األفالم واملســرح‪ ،‬وغيرها من اجملاالت‪ ،‬وورش‬
‫‪ ،2021‬أكد املشاركون من املتخصصني على أهمية‬ ‫عن فنون الطفل وإبداعاته‪ ،‬وتراث األزياء في اململكة‪،‬‬
‫حتول الكتب التقليدية إلى النشر اإللكتروني‪ ،‬مبينني‬ ‫وعوالم الكتابة فــي اخليال العلمــي‪ ،‬وطرق حتفيز‬
‫أن ذلــك لم يعد خيارا ً بل ضــرورة للبقاء‪ ،‬للمواءمة‬ ‫األطفال على القــراءة‪ ،‬ومراحل تأســيس الوكالة‬
‫مع صناعة النشر الرقمية املستقبلية‪ ،‬حيث تشير‬ ‫األدبيــة‪ ،‬ودور وامتيــازات الوكيل األدبــي‪ ،‬والكتابة‬

‫اإلحصــاءات إلى أن ‪ %70‬من الناس في مختلف دول‬ ‫املعمارية‪ ،‬وما الذي ميكن للفلســفة أن تتعلمه من‬
‫األطفال‪ ،‬وتقنيات كتابة قصص الكوميكس واملاجنا‪،‬‬
‫العالم يستخدمون األجهزة اإللكترونية‪.‬‬
‫إضافة إلــى ورش في فنون الطبــخ قدمها طهاة‬
‫فيمــا تطرقت بيانكا ماتســيك‪ ،‬مديــرة إحدى دور‬ ‫مشهورون‪.‬‬
‫النشــر األوروبية‪ ،‬خالل اجللســة التي حملت عنوان‬
‫كمــا احتفى البرنامج الثقافــي للمعرض بالفنون‬
‫«هل قطاع النشر جاهز للذكاء االصطناعي؟» إلى‬
‫اإلبداعية في «جادة الثقافة» التي احتضنت فعاليات‬
‫زيادة استخدام هذه اخلاصية في صناعة النشر خالل‬
‫ثقافية متنوعة‪ ،‬في ‪ 16‬منصة‪ ،‬على امتداد «واجهة‬
‫اخلمسة عشــر عاما ً املاضية‪ ،‬وهو ما أدى إلى تقليل‬ ‫الرياض»‪ ،‬والتي أثرت جتربة الزوار في جو ثقافي مبجرد‬
‫عدد املوظفني‪ ،‬وتطويــر النماذج الذكية ملعظم دور‬ ‫جتولهم في أرجائها‪ ،‬بدءا ً من محاكاة «شارع املتنبي»‬
‫ّ‬
‫النشر‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني استبدال العنصر البشري‬ ‫الواقع في قلب بغداد‪ ،‬والذي يعود إلى أواخر العصر‬
‫بالــذكاء االصطناعــي‪ ،‬خاصة في األمــور األدبية‬ ‫العباسي‪ ،‬واشتهر منذ ذلك الزمان بازدهار مكتباته‪،‬‬
‫والفكرية‪.‬‬ ‫واحتضن أعرق املؤسسات الثقافية‪ ،‬وظل إلى اليوم‬
‫يعج بالباحثني عن أخبار الثقافة واجملتمع‪.‬‬
‫وناقش املشــاركون فــي جلســة «دور الوكيل في‬
‫الترجمــة وحماية حقــوق املؤلــف»‪ ،‬أهمية وجود‬ ‫كما مت جتسيد املعلقات السبع في املعرض بطريقة‬
‫محتوى يســتطيع الوكيل املراهنة عليه وتوســيع‬ ‫إبداعيــة‪ ،‬من خــال عرضها علــى أعمدة ضخمة‬
‫انتشــاره‪ ،‬فيما ذكــر ماثيو شــانز‪ ،‬املتخصص في‬ ‫بارتفاع ســتة أمتار مصنعة من ديكــور مميز بطابع‬
‫احلجر القدمي‪ ،‬باإلضافة إلى شاشــات متداخلة في‬
‫النشــر الرقمي‪ ،‬في جلسة «مســتقبل النشر»‪ ،‬أن‬
‫وسط األعمدة‪ ،‬تعرض أهم االقتباسات للمعلقات‬
‫التحول بسوق النشــر يعتمد على التسويق وفهم‬
‫والقصائد والشعراء وأهم املعلومات عنهم‪.‬‬
‫احتياجــات املســتهلكني‪ ،‬موضحــا ً أن هناك ثالثة‬
‫أمور للنشر املســتقبلي‪ ،‬وهي احلالة الذهنية التي‬ ‫وشهدت اجلادة عروضا ً مسرحية في أوقات متفاوتة‬
‫يتمتع بها الناشــر واملسوق‪ ،‬والبحث عن اجلديد في‬ ‫خالل الفعالية‪ ،‬جتســدت فيها حضــارات ومواقف‬
‫السوق الرقمي‪ ،‬والتوجه نحو بناء العالقات من خالل‬ ‫تاريخيــة من حقب زمنية مختلفــة بطابع إبداعي‬
‫الوسائط اإللكترونية‪.‬‬ ‫مميز‪ ،‬كما أتاحــت اجلادة للزوار جتربة التعليق الصوتي‬

‫‪24‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫المخاطر األخالقية والقانونية‬
‫لشبكات التواصل االجتماعي‬
‫إعالم رقمي‬

‫د‪ .‬المحجوب بن سعيد‬


‫والتثقيــف والترفيــه‪ ،‬متجاوزة وســائل االتصال‬
‫باحث في علوم االتصال والحوار الثقافي‪/‬‬
‫التقليدية‪ ،‬كالصحف واإلذاعات‪ ،‬نظرا ً ملا تتميز به‬
‫المغرب‬
‫من تخط للحواجز اجلغرافية واملكانية والســرعة‬
‫الكبيرة في نقل امللفات‪ .‬وتتمتع شبكات التواصل‬ ‫حتولت شــبكات التواصل االجتماعي إلى وسيلة‬
‫بقدرة فريدة فــي النقاش العمومي‪ .‬وســاعدت‬ ‫بالغة األهمية وواســعة االنتشــار في التواصل‬
‫وسائط االتصال اجلديدة على ظهور جيل مؤثر من‬ ‫البشــري املباشــر ونقــل األخبــار واملعلومات‪،‬‬
‫‪25‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫مخاطــر التطرف واالســتقطاب مــن اجلماعات‬ ‫الشــباب منتج للمحتوى الرقمي بغزارة‪ ،‬عندما‬
‫اإلرهابية‪.‬‬ ‫أتاحت مشــاركة الشــباب في إنتــاج مضامني‬
‫إعالمية للتعبير عن آرائهم‪ ،‬والتعريف مبشاكلهم‪،‬‬
‫يقــرون بالفائدة‬
‫ُّ‬ ‫إن خبــراء اإلعالم واالتصــال إذ‬ ‫ونشــر مواقفهم مــن مختلف األحــداث احمللية‬
‫اإلعالميــة والعلميــة واالقتصادية لشــبكات‬ ‫واإلقليمية والدوليــة‪ .‬وأدى ذلك إلى تطور مذهل‬
‫التواصــل االجتماعــي ويعملون علــى التوعية‬ ‫ملا يســمى باإلعالم االجتماعــي‪ ،‬وهيمنة منوذج‬
‫باالستفادة من املعلومات واملعارف التي تتناقلها‬ ‫التدوين الصغير للمحتويات والرسائل اإلعالمية‪.‬‬
‫الشــبكات اإللكترونية‪ ،‬فإنهم في الوقت نفسه‬
‫يؤكدون على ضرورة احتواء االنزالقات التي تتسبب‬ ‫وتؤكــد املؤشــرات املضمنة في تقاريــر عدد من‬
‫فيها بعــض مجموعات الدردشــة‪ ،‬والتجارة غير‬ ‫الوكاالت املتخصصة التابعة لألمم املتحدة أن فئة‬
‫املشروعة واجلرمية‪ ،‬بواسطة هذه التقانات احلديثة‪.‬‬ ‫الشباب سيكون لها اإلســهام األكبر في ازدهار‬
‫التكنولوجيات اجلديدة‪ ،‬خاصة وأن تطور شــبكات‬
‫وفي هــذا اإلطــار‪ ،‬تعمل القطاعــات احلكومية‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬أثار االنتباه إلى أنها‪ ،‬وإن كانت‬
‫واملنظمــات الدوليــة على التصــدي للمخاطر‬ ‫ــهل التواصل ونقل املعلومات واملعارف‪ ،‬فهي‬ ‫س ّ‬ ‫تُ َ‬
‫األخالقيــة والقانونيــة لشــبكات التواصــل‬ ‫حتمل في طياتها كثيرًا مــن اخملاطر‪ ،‬منها انعدام‬
‫االجتماعــي من خــال تعميق وعي املســؤولني‬ ‫األمن وإمكانيــات املس بالنظام العام‪ ،‬وانحرافات‬
‫ومزودي احملتويات ومســتعملي تقانات املعلومات‬ ‫عديدة تتمثل إجماال في مــا يطلق عليه اجلرائم‬
‫واالتصال باملسؤولية األخالقية واجلنائية املرتبطة‬ ‫اإللكترونيــة‪ .‬وتواجه الدول قاطبة‪ ،‬في الشــمال‬
‫باالســتعمال غيــر املشــروع لهــذه التقانــات‪،‬‬ ‫واجلنوب‪ ،‬مشــاكل كبيرة في تأمني املعلومات من‬
‫والصعوبات التقنية لفرض مراقبة فعلية في هذا‬ ‫جميع أنواع االنحرافات واالختراقات‪ ،‬وال تزال تبحث‬
‫اجملال‪ .‬كما مت إيالء عناية فائقة لتشــجيع املشاريع‬ ‫عن اآلليات املؤسساتية والتشريعية التي متكنها‬
‫واملبادرات الساعية إلى إنشاء إعالم شبابي فعال‬ ‫في الوقت نفســه من مواجهة تلك االختراقات‪،‬‬
‫ومؤثر ومســاهم في التنمية املســتدامة‪ ،‬يراعي‬ ‫دون اإلخــال بالتزاماتهــا احملليــة والدولية ذات‬
‫خصوصيات الشباب ويضمن مشاركتهم الفاعلة‬ ‫الصلة بضمان حرية التعبيــر واحلق في الوصول‬
‫وينقل آراءهم‪ ،‬ويعزز هويتهم الوطنية‪ ،‬وينمي روح‬ ‫إلى املعلومة‪.‬‬
‫املواطنة الصاحلة لديهم‪ ،‬باإلضافة إلى التعريف‬
‫بتطلعاتهم وقضاياهم لــدى الفاعلني وأصحاب‬ ‫ومن أكبر مخاطر االســتعمال املفرط للشــباب‬
‫القرار‪.‬‬ ‫لشــبكات التواصل االجتماعي ارتــكاب اجلرائم‬
‫اإللكترونيــة والوقــوع بــن مخالــب املواقــع‬
‫لقد تنامى خالل السنوات األخيرة الوعي بضرورة‬ ‫اإللكترونيــة للتنظيمات اإلرهابيــة الداعية إلى‬
‫مواجهــة اخملاطر األخالقيــة والقانونية ملضامني‬ ‫التطرف والعنــف‪ .‬ومن ثم فإن احلكومات في كل‬
‫شبكات التواصل االجتماعي‪ ،‬والتوعية بالعقوبات‬ ‫بقــاع املعمورة وجدت نفســها تواجه مشــاكل‬
‫الزجرية واجلنائية املترتبة عن اســتعمالها بصفة‬ ‫كبيرة في حماية الشــباب من مخاطر استعمال‬
‫غير مشــروعة‪ ،‬من خالل تطويــر تقنيات املراقبة‬ ‫شــبكات التواصل االجتماعي وفــي مقدمتها‬
‫عن طريق التربية والتشــفير والتوعية بأخالقيات‬

‫‪26‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫تهدد البنى التحتية احلساســة لقطاعات املالية‬ ‫اســتعمال شــبكات التواصل من قبل الشباب‪،‬‬
‫والصحة والطاقة والنقل واالتصاالت والدفاع‪.‬‬ ‫والعنايــة ببرامــج التربية اإلعالمية للشــباب‬
‫وتكوينهم فــي مجاالت اإلعــام الرقمي ووضع‬
‫ومــن املعلوم أن اجلرمية في الفضاء االفتراضي‬ ‫دالئل تســاعدهم علــى إنتاج مضامــن مفيدة‬
‫تنشــأ عبر اعتماد مبدأ االختراق املعلوماتي حلدود‬ ‫ومؤثرة حتترم أخالقيات املهنة وتستوفي الضوابط‬
‫النظام الســائد في هذا الفضاء‪ ،‬وذلك ملباشــرة‬ ‫املهنية‪.‬‬
‫زمرة من األنشــطة غير املشــروعة مــن بينها‪:‬‬
‫سرقة واستغالل البرمجيات دون وجود إذن مسبق‪،‬‬ ‫منذ أوائــل الثمانينيات من القرن املاضي برزت‬
‫والدخول إلى ســاحة النظم احلاسوبية وشبكات‬ ‫أولى معالــم مخاطر اجلرمية اإللكترونية‪ ،‬غير أنها‬
‫الهواتف بأنواعها الســتغالل املوارد املتاحة فيها‪،‬‬ ‫مع بداية األلفية الثالثة تطورت بشــكل مخيف‬
‫والتالعب بالبيانات وتغيير محتوى ملفات األفراد‬ ‫منظما يســتخدم أدوات‬‫ً‬ ‫فأصبحــت تشــكيالً‬
‫واملؤسســات أو إتالفها أو نقلها ونشــرها‪ ،‬وكسر‬ ‫متنوعة لتهديد مختلف املنصات اإللكترونية في‬
‫الشــيفرات البرمجية للبرمجيــات التطبيقية‬ ‫سواء املتقدمة منها أو السائرة‬
‫ً‬ ‫كل بلدان العالم‪،‬‬
‫احملمية‪ ،‬والقيــام بأعمال قرصنــة على اخلدمات‬ ‫في طريــق النمو‪ .‬وتطورت الرســائل االقتحامية‬
‫العامة واخلاصة املتاحة على الشبكات احلاسوبية‪،‬‬ ‫لتصبح موصال لنشر البرمجيات اخلطيرة الرتكاب‬
‫وممارسة أنشطة إرهابية مبختلف مستوياتها إزاء‬ ‫الغش املالي علــى اإلنترنت‪ ،‬وســرقة الهويات أو‬
‫البنى التحتية للدول واملؤسسات واألفراد‪.‬‬ ‫األســرار التجارية‪ ،‬ونشــر غيرها من اخملاطر التي‬
‫‪27‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫وجمعيات اجملتمــع املدني النشــيطة في مجال‬ ‫تعقيــدا اليــوم عندمــا نعلم بأن‬
‫ً‬ ‫ويــزداد األمر‬
‫تكنولوجيا املعلومات واالتصال وحقوق اإلنســان‪،‬‬ ‫مقترفي اجلرائم اإللكترونية يقومون باســتغالل‬
‫إضافــة إلى مراكــز البحث واملراصــد واجلامعات‬ ‫أوجه الضعف والثغرات في التشريعات الوطنية‬
‫ومكاتب الدراســات‪ .‬لقد أدركت كل الدول اليوم‬ ‫واإلقليميــة‪ .‬ويؤكــد االحتاد الدولــي لالتصاالت‬
‫ســواء‬
‫ً‬ ‫أن النظــام الدولي قد تغير بصورة جذرية‪،‬‬ ‫في تقاريره الرســمية أن هناك دالئل تشــير إلى‬
‫فيمــا يخص مفهوم الســيادة وحمايتهــا‪ ،‬أو ما‬ ‫أن اجملرمني في هذا اجملــال يحولون عملياتهم إلى‬
‫يخص حقوق اإلنســان والنهوض بها‪ ،‬وحمايتها‬ ‫البلدان التي ال توجد فيها قوانني مالئمة للتعامل‬
‫من أي انتهاك قد يطالها عبر االستخدام السيئ‬ ‫مع اجلرائم اإللكترونية حتى يتســنى لهم شــن‬
‫لتكنولوجيات اإلعالم‪.‬‬ ‫الهجمات على ضحاياهم فــي ظل إفالت كامل‬
‫تقريبا من العقاب ‪.‬‬
‫وفــي اآلونة األخيــرة تصاعدت ظاهــرة التطرف‬
‫الديني ألســباب عديدة‪ ،‬منها االنتشــار الواسع‬ ‫لقد اعتمــدت بلدان عديدة تشــريعات ملكافحة‬
‫الستعمال تكنولوجيا اإلعالم اجلديد التي أصبحت‬ ‫اجلرمية اإللكترونية‪ ،‬أو هي في سبيلها إلى اعتماد‬
‫لدى اجلماعات املتطرفــة‪ ،‬أداة خطيرة للتحريض‬ ‫هذه التشريعات‪ ،‬كما اضطلعت باجلهود الرامية‬
‫على اآلخــر‪ ،‬وتغليط الرأي العــام‪ ،‬وإحداث الفنت‬ ‫إلى مجابهة اجلرمية اإللكترونية من خالل اتفاقيات‬
‫في اجملتمعات‪ ،‬وترويج خطــاب الكراهية والتمييز‬ ‫ومذكرات تفاهم ثنائية بــن البلدان‪ .‬غير أن هذه‬
‫املتطرفة باسم مساحات‬
‫ّ‬ ‫العنصري‪ ،‬ونشر األفكار‬ ‫االتفاقيــات الثنائية تكون فــي الغالب محدودة‬
‫احلرية املتاحة ذات الصلة بحق التعبير وإبداء الرأي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في نطاقهــا وفعاليتها بالنظــر إلى التعقيدات‬
‫مما يشــكل خطرًا كبيرًا على قيم السلم والعيش‬ ‫التي تنطوي عليهــا‪ .‬ويرى خبراء االحتــاد الدولي‬
‫املشترك والتكافل االجتماعي‪.‬‬ ‫لالتصاالت أنه حتى لو قامت جميع البلدان بوضع‬
‫تشــريعات ملواجهة اجلرمية اإللكترونية‪ ،‬فلن يكون‬
‫ويشكل الشباب في العالم‬ االفتراضي‪‬،‬شريحة‬‬ ‫من الســهولة مبكان تسليم اجملرمني اإللكترونيني‬
‫ن يتواصلوا‬مع‬ صنف‬
‫في‬غاية‬الهشاشة‪‬،‬وميكن‬أ ‬‬ ‫فيمــا بني البلد الــذي جرى فيــه التحريض على‬
‫‬من‬الراشدين‬الذين‬يسعون‬لربط‬ عالقات‬صداقة‬‬ ‫ارتــكاب اجلرمية‪ ،‬والبلد الــذي ارتكبت فيه اجلرمية‪،‬‬
‫ل املنصات‬واملنتديات‬ والشــبكات‬‬
‫معهم‬من‬خال ‬‬ ‫ما لم تكن هذه األطــر القانونية قابلة للتطبيق‬
‫االجتماعيــة‪ ‬،‬أو‬ عبر ‬بوابات ‬األلعــاب‬ على ‬اخلط‪،‬‬ ‫بصورة تبادلية‪ ،‬وهو أمر لم يتحقق بعد‪ .‬‬
‫‬ال‬لشــيء‪ ‬،‬أحياناً‪‬،‬ســوى‬ملراوغتهــم‬وخداعهم‬‬
‫واســتدراجهم‬بأســاليب‬مختلفــة‪ .‬ولذلك فإن‬ ‫وأصبــح البحث فــي اجلرائم الناجتة عن النشــر‬
‫اســتخدام ‬الشــباب‬ لتكنولوجيا اإلعالم اجلديد‬ ‫اإللكترونــي فــي عالقتهــا بحقــوق اإلنســان‪،‬‬
‫أضحى ‬يثير ‬تساؤالت ‬ومخاوف‪ ‬،‬عالوة‬ على‬ أسئلة‬‬ ‫باخلصوص التحريض على اإلرهــاب‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫أخرى‬تتعلق‬ بطبيعة‬ العالئــق‬ التي‬تربط‬النشء‬‬ ‫الكراهية‪ ،‬وإلى التمييز العرقي والديني‪ ،‬واإلساءة‬
‫ف احللول املوائمة‬
‫مبحيطه‬األسري‬وباملربني‪‬،‬واكتشا ‬‬ ‫إلى األديان‪ ،‬وإلى التحريض على دعارة األطفال من‬
‫ة بهذه‬
‫‬للتعامل‬ مع ‬إرادة‬ التحرر ‬واالنعتاق‬ املرتبط ‬‬ ‫املواضيع والقضايا التي تســتأثر باهتمام متزايد‬
‫ة من‬احلياة‪.‬‬
‫‬املرحل ‬‬ ‫من طرف احلكومات واملنظمات الدولية واإلقليمية‬
‫‪28‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫الهدي النبوي في‬

‫المحافظة على البيئة‬


‫سيرة نبوية‬

‫بقلم‪ :‬صالح محيي الدين قناه‬


‫التبــول والتبرز في املاء الراكد‪ ،‬وهما أشــد أنواع التلوث‬
‫إدارة التعريف بهدي النبي‬
‫للثروة املائية في عصره ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ولذلك‬
‫ينسحب النهي تلقائيا ً على كل امللوثات املستجدة التي‬
‫حديثنــا عن البيئة في الهدي النبوي يجب أن يســبقه‬
‫لم تكن في عصره‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫احلديث عــن لطيفة فقهية ولطيفة لغوية‪ .‬فاللطيفة‬
‫يعبرا عن‬ ‫اللغويــة هي أن التشــريعات اإلســامية تضع معايير‬
‫واللطيفة اللغوية هي أن القرآن والســنة لم ِّ‬
‫املصطلحات البيئية التي يستخدمها املهتمون بالشأن‬ ‫وضوابط حلياة املسلم في كل حركاته وسكناته وفي كل‬
‫البيئي في عصرنا احلالي بنفس األلفاظ التي تستخدم‬ ‫العصور‪ ،‬ويجب على املســلم أن يضبط كل مستجدات‬
‫بها اآلن‪ ،‬وإمنــا عبرا عنها بألفاظ أخــرى أبلغ وأقوى في‬ ‫عصره وفق هــذه املعايير والضوابط‪ .‬وفــي هذا احترام‬
‫الداللــة‪ .‬فلم ترد في القرآن وال في الســنة مثالً كلمة‬ ‫لعقل اإلنســان وثقة بقدرته على اســتنباط األحكام‬
‫«التلــوث» أو «التوازن البيئي»‪ ،‬وال يعني هذا أن شــريعة‬ ‫التي تصلح أمره‪ .‬فــا يقولن قائل مثالً إن النبي ـ صلى‬
‫اإلسالم لم تتناول هاتني القضيتني؛ فالقرآن الكرمي يعبر‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ -‬لم يحرم إلقاء اخمللفات الكيماوية في‬
‫عن التلوث مثالً بألفاظ مثل‪« :‬الفســاد» وهو يحذر منه‬ ‫األنهار ألن النبي ـ صلى اهلل عليه وســلم‪ -‬قد نهى عن‬
‫‪29‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫وشك القيام‪ ،‬ولكن َّ‬
‫يؤدى العمل هنا لذاته ألنه عبادة هلل‬ ‫كثيرا ً ويذم «املفســدين» «الذين يفســدون في األرض‬
‫عز وجل‪.‬‬ ‫وال يصلحون»‪ ...‬ومن هذا كثير في القرآن وفي الســنة‪،‬‬
‫والفســاد أشــمل من التلوث ألنه يدل على الفســاد‬
‫وقد أمر القرآن والسنة بعمارة األرض‪ .‬وعمارة األرض لفظ‬ ‫املادي والفســاد املعنوي أيضا ً مثل فساد األخالق ونشر‬
‫عام وهو يشــمل زراعتها وإقامة املصانــع والتجمعات‬ ‫الرذائل‪ .‬كما يعبر عن «التــوازن البيئي» بلفظ «امليزان»‪،‬‬
‫الســكنية عليهــا‪ ،‬وغير ذلــك مما فيه منفعة البشــر‬ ‫فاهلل ســبحانه وتعالــى هو الذي «وضــع امليزان» ونهى‬
‫واســتفادتهم منها‪ .‬يقول اهلل عز وجل على لسان نبيه‬ ‫الناس أن يطغــوا في امليزان أو أن يخســروا فيه‪ .‬ولفظ‬
‫اس َت ْع َمرَكُ ْم ِف َ‬
‫يها» (هود‬ ‫ض َو ْ‬ ‫«ه َو أ َ ْن َ‬
‫شأَكُ ْم ِم َن ْالَ ْر ِ‬ ‫صالح‪ُ :‬‬ ‫امليزان مــن نفس مادة التوازن‪ ،‬ولكــن األولى أبلغ وأقوى‬
‫من اآلية‪ )61 :‬فكأن هذا االستعمار ـ أو األمر بالعمارة ‪-‬‬ ‫من الثانية في الداللة‪ .‬ويعبر اإلســام أيضا ً عن التوازن‬
‫أحد مقاصد خلق اإلنسان في األرض‪.‬‬ ‫البيئي بألفاظ مثل «القدر» و»التقدير»‪ ،‬فاهلل ســبحانه‬
‫وقدر كل شيء تقديرا ً‪ ...‬إلى‬
‫وتعالى خلق كل شيء بقدر‪ّ ،‬‬
‫و قــد كافأ النبي ـ صلى اهلل عليه وســلم‪ -‬الذي يعمر‬
‫آخر ذلــك‪ .‬بل إن لفظ «البيئة» لم يــرد أيضا ً في القرآن‬
‫األرض املهجورة أو غير املنتفع بها‪ ،‬أو الذي عبر عنه النبي‬
‫أو الســنة‪ ،‬ولكن يعبر عنه اإلسالم باحلديث عن عناصر‬
‫ـ صلــى اهلل عليه وســلم‪ -‬بأنه أحيــا األرض امليتة بأن‬
‫البيئة مثل السماء واألرض‪ ،‬أو البر والبحر‪ ،‬أو عن املعادن‬
‫ملّكه هذه األرض التي أحياها‪.‬‬
‫مثل احلديد‪ ...‬وغير ذلك‪.‬‬

‫فقد روى الترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم عن سعيد‬


‫فإذا علمنا هاتني اللطيفتني على بســاطتهما لم يشق‬
‫بــن زيد ـ رضي اهلل عنهمــا‪ -‬أن النبي ـ صلى اهلل عليه‬
‫علينا بعد ذلك أن نستخرج من نصوص الكتاب والسنة‬
‫وســلم‪ -‬قال‪« :‬من أحيا أرضا ً ميتة فهي له»‪ .‬وفي رواية‬
‫أوامر تفصيلية باإلحسان إلى البيئة واحلفاظ عليها‪ ،‬أو‬
‫للبخاري عن عائشــة ـ رضي اهلل عنها‪« :-‬من أعمر ً‬
‫أرضا‬
‫أن نستخرج حتليالت للقضايا التي تؤرق املهتمني بالشأن‬
‫ليست ألحد فهو أحق بها»‪.‬‬
‫البيئي في العالم وحلوال مفصلة لها‪.‬‬

‫و هــذا هو ما فهمه عمر بن اخلطــاب ـ رضي اهلل عنه‪-‬‬


‫اهتمت السنة النبوية بالغرس والزرع في جملة أحاديث‪:‬‬
‫الذي كان ينهى النــاس أن يحتجزوا األرض وال يعمروها‪،‬‬
‫وقــد قال لبالل بن رباح الذي أقطعه رســول اهلل ـ صلى‬ ‫فقد روى البخاري ومســلم عن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫اهلل عليه وســلم‪ -‬أرض العقيق‪« :‬إن رسول اهلل ـ صلى‬ ‫صلى اهلل عليه وســلم‪« :‬ما من مسلم يغرس غرسا ً‪ ،‬أو‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬لم يقطعك لتحتجزه عن الناس‪ ،‬وإمنا‬ ‫يزرع زرعا ً‪ ،‬فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة‪ ،‬إال كان له‬
‫أقطعــك لتعمل‪ ،‬فخذ منها ما قــدرت على عمارته ورد‬ ‫به صدقة»‪ .‬وفي معنى هذا احلديث أحاديث أخرى كثيرة‪.‬‬
‫الباقي»‪.‬‬
‫وروى أحمد في مســنده والبخاري في (األدب املفرد) عن‬
‫و قد جــاءت األوامر القرآنية والنبويــة كذلك باحملافظة‬ ‫أنس أن النبي ـ صلى اهلل عليه وســلم‪ -‬قال‪« :‬إن قامت‬
‫على املــوارد وعدم إهدارها‪ .‬فمن اآليــات القرآنية اآلمرة‬ ‫الساعة وفي يد أحدكم فسيلة‪ ،‬فإن استطاع أال تقوم‬
‫ص َل ِح َها» (األعراف‬ ‫ــدوا ِفي ْالَ ْر ِ‬
‫ض بَ ْع َد إ ِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫«و َل تُ ْف ِ‬
‫بذلك‪َ :‬‬ ‫حتى يغرسها‪ ،‬فليغرسها»‪.‬‬
‫ين»‬‫ــد َ‬ ‫س ِ‬ ‫ض ُم ْف ِ‬ ‫«و َل تَ ْع َث ْوا ِفي ْالَ ْر ِ‬
‫من اآليتني‪ ،56 :‬و‪َ ،)85‬‬
‫ُ‬
‫الل َل‬‫(البقــرة من اآلية‪ )60 :‬و (األعراف‪ :‬من اآلية ‪« ،)74‬و َّ‬ ‫وليس هناك تشــجيع وحث على التشجير أقوى من هذا‬
‫َ‬
‫ــدين» (املائدة‪« ،)64 :‬و َّ ُ‬
‫الل َل يُ ِ‬
‫اد»‬
‫س َ‬ ‫ْف َ‬ ‫ب ال َ‬‫ح ُّ‬ ‫َ‬ ‫س ِ َ‬ ‫ب ْال ُْف ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫ح ُّ‬ ‫احلديث‪ ،‬فكأنه دعــوة إلى أن يكون العمل هدفا ً في ذاته‬
‫(البقرة‪ ...)205 :‬وغير ذلك كثير‪ .‬والفســاد في األرض إما‬ ‫وليس وسيلة‪ ،‬ألنه في هذه احلالة لن يأكل صاحب الغرس‬
‫أن يكــون ماديا ً بالتخريب أو التلويــث أو اإلتالف‪ ،‬وإما أن‬ ‫من ثمر غرسه‪ ،‬ولن يأكل أحد غيره منه ألن الساعة على‬

‫‪30‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫بن حبشي ـ رضي اهلل عنه‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫يكون معنويا ً بالفســاد اخللقي ونشــر الرذائل‪ .‬وكذلك‬
‫وسلم‪ -‬قال‪« :‬من قطع سدرة صوب اهلل رأسه في النار»‪.‬‬ ‫جاءت األوامر النبوية باحلفاظ على املوارد والثروات‪.‬‬
‫وهو وعيد شديد ملن قطع األشجار بغير حق‪.‬‬
‫فــإذا حتدثنا عن األوامر القرآنيــة والنبوية باحلفاظ على‬
‫ومن الضرورات القليلة التي يجوز فيها قطع األشــجار‬ ‫الثروة احليوانية جنــد أن األوامر باحملافظة عليها قد وردت‬
‫احلرب‪ ،‬ففي غزوة بني النضير أمر النبي ـ صلى اهلل عليه‬ ‫بأساليب شتى من الترغيب والترهيب‪.‬‬
‫وسلم‪ -‬بقطع بعض األشجار التي كان يختفي خلفها‬
‫املشركون‪ ،‬فكأنهم حتدثوا أنه ـ صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫«و َقالُوا َه ِذ ِه أ َ ْن َع ٌ‬
‫ام‬ ‫ففي ســورة األنعام يقول اهلل تعالى‪َ :‬‬
‫يخالف ما نهــى عنه من قبل‪ ،‬فنزلت اآليات الكرمية في‬ ‫ام‬‫ــاء بِزَ ْع ِمهِ ْم َوأ َ ْن َع ٌ‬
‫ش ُ‬ ‫ط َع ُم َها إ ِ َّل َم ْن نَ َ‬ ‫ــر َل ي َ ْ‬‫ث ِح ْج ٌ‬ ‫َو َح ْر ٌ‬
‫َّ‬
‫ين ٍة أ َ ْو تَرَ ْك ُت ُم َ‬
‫وها َقائ ِ َم ًة‬ ‫ط ْع ُت ْم ِم ْن لِ َ‬ ‫«ما َق َ‬ ‫سورة احلشــر‪َ :‬‬ ‫اف ِترَ ً‬
‫اء‬ ‫الل َعل َْي َها ْ‬‫م ِ‬ ‫اس َ‬
‫ون ْ‬ ‫ام َل ي َ ْذكُ ُر َ‬‫ظ ُهور ُ َها َوأ َ ْن َع ٌ‬
‫ت ُ‬ ‫ُحرِّ َم ْ‬
‫ني» (احلشر‪،)5 :‬‬ ‫اس ِق َ‬ ‫ْف ِ‬ ‫َّ‬
‫الل َولِ ُي ْخز َِي ال َ‬
‫ِ‬ ‫َعلَى أ ُ ُ‬
‫صولِ َها َف ِبإ ِ ْذ ِن‬ ‫س َي ْجزِيهِ ْم بِ َا كَ انُوا ي َ ْف َترُون» (األنعام‪ .)138 :‬فاآلية‬ ‫َعل َْي ِه َ‬
‫فتأمل أيها القارئ الكرمي كيف أن النبي ـ صلى اهلل عليه‬ ‫فيها وعيد شديد ملن عطل الثروة احليوانية ومنعها عن‬
‫وســلم‪ -‬كان معروفا ً باحلفاظ على البيئة حتى تعجب‬ ‫الناس‪.‬‬
‫أعداؤه كيف يقطع بعض األشجار لضرورة احلرب واجلهاد!‬
‫وروى النســائي وأحمد عن الشــريد الثقفى ـ رضي اهلل‬
‫أما حفاظ النبي ـ صلى اهلل عليه وســلم‪ -‬على الثروة‬ ‫عنه‪ -‬عن النبي ـ صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪« :‬من قتل‬
‫املائية‪ ،‬فقد نهــى عن البول والبراز في املاء‪ ،‬وهو أشــد‬ ‫عصفورا ً عبثــا ً‪ ،‬عج إلى اهلل يوم القيامة يقول‪ :‬يا رب‪ ،‬إن‬
‫أنواع التلوث في عصره‪ ،‬فينسحب هذا النهي على كل‬ ‫فالنا ً قتلني عبثا ً ولم يقتلني منفعة»‪.‬‬
‫امللوثات املعاصرة‪.‬‬
‫وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي اهلل عنه‪ -‬عن‬
‫روى أبــو داود وابن ماجة وغيرهما عــن معاذ بن جبل عن‬ ‫النبي ـ صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪« :‬ال يوردن ممرض على‬
‫النبــي ـ صلى اهلل عليه وســلم‪ -‬قال‪« :‬اتقــوا املالعن‬ ‫مصح»‪ .‬وهو أمر باحلفاظ علــى احليوانات بعدم اختالط‬
‫الثالث‪ :‬البراز في املوارد وقارعة الطريق والظل»‪.‬‬ ‫احليوانات املريضة واحليوانات الصحيحة‪.‬‬

‫وروى أبو داود وابن ماجة وغيرهما عن أبي هريرة ـ رضي اهلل‬ ‫وروى مســلم عن أبي هريرة أن النبــي ـ صلى اهلل عليه‬
‫عنه‪ -‬عن النبي ـ صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪« :‬ال يبولن‬ ‫وســلم‪ -‬نزل عند رجل فأراد أن يكرمه الرجل بذبح شاة‪،‬‬
‫أحدكم في املاء الدائم وال يغتسل فيه من اجلنابة»‪.‬‬ ‫فقال له النبي ـ صلى اهلل عليه وسلم‪« :-‬إياك واحللوب»‪.‬‬
‫وهو نهي عن ذبح الشــاة التي حتلــب اللنب ألن في ذلك‬
‫وقد وردت أحاديث عديدة بهذا املعنى‪.‬‬ ‫وإيذاء لولدها‪.‬‬
‫ً‬ ‫تعطيالً ملصلحة الناس بها‪،‬‬

‫وروى أبــو داود أيضا ً ـ وصححــه األلباني عن عبد اهلل بن‬ ‫وروى البخاري ومســلم أيضا ً أن النبي ـ صلى اهلل عليه‬
‫مغفل قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫وسلم‪ -‬رأى شــاة ميتة فأمر أصحابه باالنتفاع بجلدها‬
‫يقول‪« :‬إنه ســيكون قوم من أمتي يعتدون في الطهور‬ ‫رغم أنها ميتة يحرم أكلها‪.‬‬
‫والدعاء»‪ .‬ففي احلديث نهي واضح عن اإلسراف في املاء‬
‫ولو في الطهارة الشــرعية املأمور بها‪ ،‬وهو ما فهمه أبو‬ ‫وهذه األحاديث كلها توضح مــدى عناية النبي ـ صلى‬
‫داود عندما روى احلديث في باب (اإلسراف في املاء)‪.‬‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ -‬باحلفاظ على الثروة احليوانية‪.‬‬

‫و لذلك أخبرنا القرآن الكرمي أن الفساد في البر والبحر هو‬ ‫وفي احلفاظ على الثــروة النباتية‪ ،‬جند حديث النبي‬
‫مسؤولية اإلنسان وهو حصيلة ما جنت يداه‪ ،‬وهو يدعوه‬ ‫ـ صلى اهلل عليه وســلم‪ -‬الذي رواه أبو داود عن عبد اهلل‬

‫‪31‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫ْق ْولُ ِم ْن ُه ْم»‬ ‫ــب َق َعل َْي ِ‬
‫ــه ال َ‬ ‫س َ‬ ‫ي َوأ َ ْهل َ‬
‫َك إ ِ َّل َم ْن َ‬ ‫ي ا ْث َن ْ ِ‬
‫ز َ ْو َج ْ ِ‬ ‫عن الرجوع والتوقف عن كل ما يســبب هذا الفســاد‪،‬‬
‫(املؤمنون من اآلية‪.)27 :‬‬ ‫اد ِفي ال َْبرِّ َوال َْب ْحرِ‬
‫س ُ‬‫ْف َ‬
‫«ظ َهرَ ال َ‬
‫فيقول ســبحانه وتعالى‪َ :‬‬
‫ــض ال َِّذي َع ِملُوا‬ ‫اس لِ ُي ِذ َ‬
‫يق ُه ْم ب َ ْع َ‬ ‫ت أ َ ْي ِدي َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ــب ْ‬
‫س َ‬ ‫بِ َا كَ َ‬
‫و يتبــن لنا مما ســبق أن املنظور النبــوي للحفاظ على‬
‫ل ََعل َُّه ْم ي َ ْرجِ ُع َ‬
‫ون» (الروم‪.)41 :‬‬
‫البيئة له ثالثة منطلقات أساسية‪:‬‬
‫ومن األمور املهمة للمهتمني بالشــأن البيئي عموما ً أن‬
‫املنطلق األول هو عنصر املنفعة‪ ،‬فاإلسالم يحث البشر‬ ‫يعلموا أن الهــدي النبوي كان يأمر باحلفاظ على التوازن‬
‫على االنتفاع بعناصر البيئة‪ ،‬واحلفاظ عليها الســتمرار‬ ‫البيئي‪.‬‬
‫هــذه املنفعة‪ .‬و مما يدل على هــذا املعنى ما ورد عن قتل‬
‫العصفور‪.‬‬ ‫فقــد وردت األوامر النبوية التــي تنهى عن قتل نوع من‬
‫مخلوقات اهلل عز وجل بشكل جماعي ألنه ما من شيء‬
‫و املنطلــق الثانــي هو عنصر اجلمال‪ ،‬فقد روى مســلم‬ ‫خلقــه اهلل ســبحانه وتعالى إال حلكمــة‪ ،‬وقتل أي من‬
‫وغيره عن عبد اهلل بن مسعود عن النبي ـ صلى اهلل عليه‬ ‫اخمللوقات بشكل جماعي يؤدي إلى اختالل في البيئة‪ ،‬ولو‬
‫وســلم‪ -‬أنه قال‪« :‬إن اهلل جميل يحــب اجلمال»‪ .‬ووضح‬ ‫كان ممــا يأنف الناس منه كالنمــل‪ ،‬أو مما كان يأنف منه‬
‫هذا أيضا ً من آيات عديــدة في كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬فاهلل‬ ‫العرب خصوصا ً كالكالب‪.‬‬
‫عــز وجل يصف النباتات في كثير مــن آيات كتابه بأنها‬
‫ج ٍة»‪ ،‬ويصــف أزواج النباتات بأنها «ز َ ْو ٍج‬ ‫فقد روى أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عائشة‬
‫ات بَ ْه َ‬ ‫«ح َدائ ِ َ‬
‫ــق َذ َ‬ ‫َ‬
‫يــج»‪ .‬كما أن اهلل تعالى لــم يأمرنا فقط باألكل من‬ ‫بَهِ‬ ‫ـ رضي اهلل عنها‪ -‬عن النبي ـ صلى اهلل عليه وســلم‪-‬‬
‫ٍ‬
‫ظرُوا إِلَى ثَ َمرِ ِه‬
‫«ان ُ‬ ‫قال‪« :‬لوال أن الكالب أمة من األمم ألمرت بقتلها فاقتلوا‬
‫النباتات‪ ،‬وإمنــا أمرنا أيضا ً بالنظر إليها ْ‬
‫إ ِ َذا أ َ ْث َمرَ َوي َ ْن ِع ِه» (األنعام من اآلية‪ )99 :‬وذلك لنســتمتع‬ ‫منها األسود البهيم»‪.‬‬

‫مبنظرها اجلميل ولنعرف نعمة اهلل تعالى علينا‪.‬‬


‫وروى البخاري عن أبي هريرة ـ رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪« :‬قرصت منلة‬
‫و املنطلق الثالث هو منطلق أخالقي بحت‪ ،‬فالنبي‬
‫نبيا ً من األنبياء فأمر بقرية من النمل فأوحى اهلل إليه‪ :‬أن‬
‫ـ صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬علمنا أن اخمللوقات املوجودة في‬
‫قرصتك منلة أحرقت أمة تســبح اهلل؟» وفي رواية‪( :‬فهال‬
‫البيئة أمم مثلنا تســبح اهلل‪ ،‬وهو مــا يجعل لها حقوقا ً‬
‫منلة واحدة؟)‪.‬‬
‫في احلفاظ عليهــا‪ ،‬وعدم إتالفها أو قتلها إال للمصالح‬
‫املعتبــرة‪ .‬ويتبني ذلك مما تقدم مــن حديث «قرصت منلة‬
‫فتبــن من احلديث أنه لو قتل النملــة التي قرصته دون‬
‫نبيا» وهذا املعنــى موجود أيضا ً في القــرآن الكرمي في‬
‫ً‬ ‫غيرها ملا عوتب‪ ،‬وإمنا ملا غضب وقتل أمة كاملة كان هذا‬
‫طائِرٍ ي َ ِ‬
‫طيرُ‬ ‫ــن َدابَّ ٍة ِفــي ْالَ ْر ِ‬
‫ض َو َل َ‬ ‫«و َما ِم ْ‬
‫قولــه تعالى‪َ :‬‬ ‫مدعاة لعتابه من اهلل عز وجل‪.‬‬
‫اح ْيــ ِه إ ِ َّل أ ُ َمٌ أ َ ْم َثالُكُ ْم» (األنعام من اآلية‪ .)38 :‬وهذه‬
‫ب َِج َن َ‬
‫اآلية الكرمية وغيرها تشــير إلى اإلنســان باعتباره أحد‬ ‫و اســتدل بعض العلماء أيضا ً على هذا املعنى بأن اهلل‬
‫عناصــر البيئة‪ ،‬ومن ثم عليــه أن يحافظ على العناصر‬ ‫تعالــى ملا أمر نبيه نوحا ً عليه الســام بركوب الفلك أو‬
‫األخرى وأال يتلفها‪ .‬ويخبرنا اهلل تعالى في آيات أخرى أنه‬ ‫الســفينة‪ ،‬لم يسمح له بنســيان اخمللوقات األخرى بل‬
‫سبحانه وتعالى قد سخر عناصر البيئة األخرى لإلنسان‬ ‫أمره أن يحمل على الســفينة ذكــرا ً وأنثى من كل هذه‬
‫كالشــمس والقمر واحليوانات وغيرها‪ ،‬وهذا يفرض على‬ ‫اخمللوقات‪ .‬ومن اآليــات القرآنية التي ذكرت هذا التوجيه‬
‫اإلنسان مســؤولية احلفاظ عليها وصيانتها شكرا ً هلل‬ ‫ْــك بِأ َ ْع ُي ِن َنا‬
‫ْفل َ‬ ‫الربانــي لنوح‪َ « :‬فأ َ ْو َح ْي َنــا إِل َْي ِه أ َ ِن ْ‬
‫اص َن ِع ال ُ‬
‫تعالى على نعمته‪.‬‬ ‫يها ِم ْن كُ ٍّل‬ ‫ُك ِف َ‬‫اســل ْ‬ ‫اء أ َ ْمرُنَا َو َفار َ َّ‬
‫الت ُّنور ُ َف ْ‬ ‫َو َو ْحي َِنــا َفإ ِ َذا َج َ‬
‫‪32‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫كنوز من‬

‫أدعية القرآن الكريم‬


‫دراسات قرآنية‬

‫بقلم د‪ .‬مرشد شقدار‬


‫والقرآن الكرمي أولى موضوع الدعاء عناية كبيرة‪ ،‬وال‬
‫تكاد تخلو سورة من ســور القرآن إال وتتضمن آيات‬ ‫خلق اهلل تعالى اجلن واإلنس لغاية واحدة‪ ،‬هي إفراده‬
‫تتعلق بالدعاء‪.‬‬ ‫نس إ ِ َّل‬
‫ِــن َواإلِ َ‬
‫ت اجل َّ‬
‫«و َما َخل َْق ُ‬
‫بالعبادة‪ ،‬قــال تعالى‪َ :‬‬
‫ــدونِ» [الذاريات‪ ،]56:‬ومن أبــرز مظاهر العبادة‬ ‫لِ َي ْع ُب ُ‬
‫وفي هــذا املقال نركز على جانب املطالب في أدعية‬
‫وأعظمها وأصدقها وأعمقها‪ :‬الدعاء‪ ،‬ففيه يشعر‬
‫طلبا من اهلل‪،‬‬
‫ً‬ ‫القــرآن الكرمي‪ ،‬فــكل دعاء يتضمــن‬
‫ث‬
‫يب ّ‬‫الداعــي أنــه يُنادي مالكــه‪ ،‬ويناجي خالقــه‪ُ ،‬‬
‫وفائدة معرفتها أن اإلنســان يطلب حاجته من اهلل‬ ‫فيتيقن‬ ‫شكواه وبلواه إلى الذي يعلم السر وأخفى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫فمثل شــخص‬
‫ً‬ ‫بدعــاء من القــرآن يتضمن طلبه‪،‬‬ ‫أنه ي َ ْح َيى في َك َنف َمن بيده َملَكوت كل شــيء وال‬
‫متــزوج تأخر إجنابه‪ ،‬يناســبه أن يدعــو بدعاء زكريا‬ ‫يُعجزه شيء‪ ،‬فما أحظى وأســعد من ُو ِّفق للدعاء‬
‫ط ِّي َب ًة إِنَّ َ‬
‫ك‬ ‫ب لِي ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك ُذرِّيَّ ًة َ‬ ‫ب َه ْ‬
‫عليه السالم‪« :‬ر َ ِّ‬ ‫ــن ُحرِم مناجاة خالق‬
‫والرجاء! وما أشــقى وأتعس َم ْ‬
‫الد َعا ِء» [آل عمران‪.]38:‬‬ ‫س ِم ُ‬
‫يع ُّ‬ ‫َ‬ ‫األرض والسماء!‬

‫‪33‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫ك َوأَر ِنَا َم َن ِ‬
‫سلِ َم ًة لَّ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬
‫ب َعل َْي َنا إِنَّ َ‬
‫ك َنا َوتُ ْ‬
‫اس َ‬ ‫ُذرِّيَّ ِت َنا أ َّم ًة ُّم ْ‬ ‫ذكر ألهــم املطالب في أدعيــة القرآن‬
‫ٌ‬ ‫وفيمــا يلي‬
‫يم» [البقرة‪.]128:‬‬ ‫الر ِح ُ‬
‫اب َّ‬ ‫الت َّو ُ‬
‫ت َّ‬ ‫أ َ ْن َ‬ ‫الكرمي‪:‬‬

‫ك َوأَنَا أ َ َّولُ‬
‫ت إِل َْي َ‬
‫ك تُ ْب ُ‬
‫حان َ َ‬
‫ــب َ‬
‫س ْ‬ ‫‪ - 2‬وقال تعالى‪َ « :‬قالَ ُ‬ ‫‪ -1‬الدعاء بطلب الهداية‪:‬‬

‫امل ُْؤ ِم ِن َ‬
‫ني» [األعراف‪.]143:‬‬ ‫ورد في أربعة مواضع‪:‬‬
‫ك‬ ‫شــكُ رَ ن ِ ْع َم َت َ‬ ‫ب أ َ ْوز ِْع ِني أ َ ْن أ َ ْ‬‫‪ - 3‬وقــال تعالــى‪« :‬ر َ ِّ‬ ‫اط‬
‫صرَ َ‬ ‫يم‪ِ .‬‬ ‫ــت ِق َ‬
‫اط امل ُْس َ‬ ‫الصرَ َ‬ ‫«اه ِدنَا ِّ‬
‫‪ - 1‬قال تعالى‪ْ :‬‬
‫الا ً‬ ‫ص ِ‬ ‫ــد َّي َوأ َ ْن أ َ ْع َملَ َ‬ ‫َي َو َعلَــى َوالِ َ‬ ‫ت َعل َّ‬‫الَ ِتــي أ َ ْن َع ْم َ‬ ‫ضــوبِ َعل َْيهِ ْم َو َل‬ ‫ــم َغ ْيرِ امل َْغ ُ‬ ‫يــن أ َ ْن َع ْم َ‬
‫ت َعل َْيهِ ْ‬ ‫الَّ ِذ َ‬
‫ك َوإِنِّي ِم َن‬ ‫ت إِل َْي َ‬‫ــح لِي ِفي ُذرِّيَّ ِتي إِنِّي تُ ْب ُ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫اه َوأ َ ْ‬
‫ض ُ‬‫ت َ ْر َ‬ ‫ِّني» [الفاحتة‪.]7 ،6:‬‬ ‫الضال َ‬
‫َّ‬
‫ني» [اإلحقاف‪.]15:‬‬ ‫امل ُْسلِ ِم َ‬ ‫‪ - 2‬وقال تعالى‪َ « :‬قالَ لَ ِئن لَّ ْم ي َ ْه ِدنِي رَبِّي َلَكُ ون َ َّن ِم َن‬
‫‪ -6‬الدعاء بطلب زيادة العلم‪:‬‬ ‫ِّني» [األنعام‪.]77:‬‬ ‫الضال َ‬
‫الق ْو ِم َّ‬
‫َ‬

‫«و ُقل ر َّ ِّ‬


‫ب‬ ‫ورد الدعــاء به في موضع واحد‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬ ‫ســى أَن ي َ ْه ِديَنِ رَبِّي َل ْقرَ َ‬
‫ب‬ ‫«و ُق ْل َع َ‬
‫‪ - 3‬وقال تعالى‪َ :‬‬
‫ز ِْدنِي ِعلْماً» [طه‪.]114:‬‬ ‫شداً» [الكهف‪.]24:‬‬ ‫ِم ْن َه َذا ر َ َ‬

‫‪ -7‬الدعاء بطلب التوفيق لشكر هللا‪:‬‬ ‫اء‬ ‫ســى رَبِّي أَن يَ ْه ِدي َ ِني َ‬
‫س َو َ‬ ‫‪ - 4‬وقال تعالى‪َ « :‬قالَ َع َ‬
‫السبِيلِ » [القصص‪.]22:‬‬ ‫َّ‬
‫ورد في موضعني‪:‬‬
‫ً‬
‫مســلما هــو‬ ‫‪ -2‬الدعــاء بطلــب جعــل الداعــي‬
‫ك الَ ِتي‬ ‫شــكُ رَ ن ِ ْع َم َت َ‬‫ب أ َ ْوز ِْع ِني أ َ ْن أ َ ْ‬
‫‪ - 1‬قال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬ ‫وذريته‪:‬‬
‫اه‬
‫ض ُ‬ ‫ص ِ‬
‫الا ً تَ ْر َ‬ ‫َــي َو َعلَى َوالِ َد َّي َوأ َ ْن أ َ ْع َمــلَ َ‬ ‫ت َعل َّ‬ ‫أ َ ْن َع ْم َ‬
‫َوأ َ ْد ِخ ْل ِني ب ِرَ ْح َم ِت َ‬ ‫ورد الدعــاء به في موضــع واحد‪ ،‬قال تعالــى‪« :‬رَبَّ َنا‬
‫ني» [النمل‪.]19:‬‬ ‫الِ َ‬‫الص ِ‬
‫َّ‬ ‫ك ِفي ِع َبا ِدكَ‬
‫سلِ َم ًة لَّ َ‬ ‫ُ‬
‫ك»‬ ‫َك َو ِمن ُذرِّيَّ ِت َنا أ َّم ًة ُّم ْ‬ ‫ســلِ َم ْ ِ‬
‫يل َ‬ ‫اج َعل َْنا ُم ْ‬
‫َو ْ‬
‫ك‬ ‫شــكُ رَ ن ِ ْع َم َت َ‬ ‫ب أ َ ْوز ِْع ِني أ َ ْن أ َ ْ‬‫‪ - 2‬وقــال تعالــى‪« :‬ر َ ِّ‬ ‫[البقرة‪. ]128:‬‬
‫الا ً‬ ‫ص ِ‬ ‫ــد َّي َوأ َ ْن أ َ ْع َملَ َ‬ ‫َي َو َعلَــى َوالِ َ‬ ‫ت َعل َّ‬‫الَ ِتــي أ َ ْن َع ْم َ‬
‫‪ -3‬الدعاء بطلب الثبات على اإليمان بالله‪:‬‬
‫ك َوإِنِّي ِم َن‬ ‫ت إِل َْي َ‬‫ــح لِي ِفي ُذرِّيَّ ِتي إِنِّي تُ ْب ُ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫اه َوأ َ ْ‬
‫ض ُ‬‫تَ ْر َ‬
‫ني» [األحقاف‪.]15:‬‬ ‫امل ُْسلِ ِم َ‬ ‫ورد الدعاء به في موضع واحد‪ ،‬قال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َل تُز ِْغ‬
‫ك‬
‫نك ر َ ْح َم ًة إِنَّ َ‬‫ب ل ََنا ِمن لَّ ُد َ‬
‫ــد إ ِ ْذ َه َد ْي َت َنا َو َه ْ‬
‫ُقلُوبَ َنا بَ ْع َ‬
‫‪ -8‬الدعاء بطلب التوفيق للعمل الصالح‪:‬‬
‫اب» [آل عمران‪.]7:‬‬ ‫الو َّه ُ‬
‫ت َ‬ ‫أ َ ْن َ‬
‫ورد في موضعني‪:‬‬
‫‪ -4‬الدعاء بطلب الحماية من الشرك‪:‬‬
‫ك الَ ِتي‬ ‫شــكُ رَ نِ ْع َم َت َ‬‫ب أ َ ْوز ِْع ِني أ َ ْن أ َ ْ‬
‫‪ - 1‬قال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬ ‫ورد الدعــاء بطلبه فــي موضع واحد‪ ،‬قــال تعالى‪:‬‬
‫اه‬
‫ض ُ‬ ‫ص ِ‬
‫الا ً تَ ْر َ‬ ‫َــي َو َعلَى َوالِ َد َّي َوأ َ ْن أ َ ْع َمــلَ َ‬ ‫ت َعل َّ‬ ‫أ َ ْن َع ْم َ‬ ‫ي أَن نَّ ْع ُب َد‬ ‫ِ‬ ‫آمنا ً َو ْ ِ‬
‫البل ََد ِ‬
‫اج ُن ْبنــي َوبَن َّ‬ ‫ــذا َ‬
‫اج َع ْل َه َ‬
‫ب ْ‬ ‫«ر َ ِّ‬
‫ني» [النمل‪.]19:‬‬ ‫الِ َ‬‫الص ِ‬
‫َّ‬ ‫ك ِفي ِع َبا ِدكَ‬ ‫َوأ َ ْد ِخ ْل ِني ب ِرَ ْح َم ِت َ‬ ‫َ‬
‫ام» [إبراهيم‪.]35:‬‬ ‫ص َن َ‬
‫ال ْ‬
‫ك‬ ‫شــكُ رَ ن ِ ْع َم َت َ‬ ‫ب أ َ ْوز ِْع ِني أ َ ْن أ َ ْ‬‫‪ - 2‬وقــال تعالــى‪« :‬ر َ ِّ‬ ‫‪ -5‬الدعاء بطلب قبول َّ‬
‫الت ْوبة‪:‬‬
‫الا ً‬ ‫ص ِ‬ ‫ــد َّي َوأ َ ْن أ َ ْع َملَ َ‬ ‫َي َو َعلَــى َوالِ َ‬ ‫ت َعل َّ‬‫الَ ِتــي أ َ ْن َع ْم َ‬
‫ورد الدعاء به في القرآن الكرمي في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫ك َوإِنِّي ِم َن‬ ‫ت إِل َْي َ‬‫ــح لِي ِفي ُذرِّيَّ ِتي إِنِّي تُ ْب ُ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫اه َوأ َ ْ‬
‫ض ُ‬‫تَ ْر َ‬
‫ني» [األحقاف‪.]15:‬‬ ‫امل ُْسلِ ِم َ‬ ‫َك َو ِمن‬ ‫ســلِ َم ْ ِ‬
‫يل َ‬ ‫اج َعل َْنا ُم ْ‬
‫‪ - 1‬قال تعالــى‪« :‬رَبَّ َنا َو ْ‬
‫‪34‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫عمران‪. ]193:‬‬ ‫‪ -9‬الدعاء بطلب قبول العمل الصالح‪:‬‬

‫ــم تَ ْغ ِف ْر ل ََنا َوت َ ْر َح ْم َنا‬


‫ــنا َوإِن لَّ ْ‬
‫س َ‬ ‫ظل َْم َنا أ َ ُ‬
‫نف َ‬ ‫‪« - 6‬رَبَّ َنا َ‬ ‫ورد في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫ِين» [األعراف‪. ]23:‬‬ ‫ل ََنكُ ون َ َّن ِم َن اخل ِ‬
‫َاسر َ‬ ‫يع‬ ‫الس ِ‬
‫ــم ُ‬ ‫ك أ َ ْن َ‬
‫ت َّ‬ ‫‪ - 1‬قال تعالــى‪« :‬رَبَّ َنا تَ َق َّب ْل ِم َّنا إِنَّ َ‬
‫‪َ « - 7‬قالُوا لَ ِئن لَّ ْم ي َ ْر َح ْم َنا رَبُّ َنا َويَ ْغ ِف ْر ل ََنا ل ََنكُ ونَ َّن ِم َن‬ ‫يم» [البقرة‪.]127:‬‬ ‫العلِ ُ‬
‫َ‬
‫ِين» [األعراف‪. ]149:‬‬ ‫َاسر َ‬‫اخل ِ‬
‫ب إِنِّي‬ ‫ان ر َ ِّ‬‫امــرَأ َ ُة ِع ْمرَ َ‬ ‫َت ْ‬ ‫وقال تعالى‪« :‬إ ِ ْذ َقال ِ‬ ‫‪ - 2‬‬
‫اغ ِف ْر لِي َو َل ِخــي َوأ َ ْد ِخل َْنا ِفي ر َ ْح َم ِت َ‬
‫ك‬ ‫ب ْ‬‫‪َ « - 8‬قــالَ ر َ ِّ‬ ‫ك أ َ ْن َ‬
‫ت‬ ‫ح َّررا ً َف َت َق َّب ْل ِم ِّني إِنَّ َ‬‫ط ِني ُم َ‬ ‫َــك َما ِفي ب َ ْ‬
‫تل َ‬ ‫ن َ َذ ْر ُ‬
‫ني» [األعراف‪.]151:‬‬ ‫اح ِم َ‬‫م الر ِ‬ ‫َوأ َ ْن َ َ‬
‫ت أ ْر َح ُ َّ‬ ‫يم» [آل عمران‪.]35:‬‬ ‫العلِ ُ‬
‫يع َ‬‫الس ِم ُ‬
‫َّ‬
‫الغا ِفر َ‬
‫ِين»‬ ‫اغ ِف ْر ل ََنا َو ْار َح ْم َنا َوأ َ ْن َ‬
‫ت َخ ْي ُر َ‬ ‫‪« - 9‬أ َ ْن َ‬
‫ت َولِ ُّي َنا َف ْ‬ ‫الصال ِة َو ِمن‬ ‫اج َع ْل ِنــي ُم ِق َ‬
‫يم َّ‬ ‫ب ْ‬‫‪ - 3‬وقــال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬
‫[األعراف‪. ]155:‬‬ ‫ُذرِّيَّ ِتي رَبَّ َنا َوتَ َق َّب ْل ُد َعا ِء» [إبراهيم‪.]40:‬‬
‫س لِي‬ ‫ســأَل َ‬
‫َك َما ل َْي َ‬ ‫ِك أ َ ْن أ َ ْ‬
‫ب إِنِّي أ َ ُعو ُذ ب َ‬
‫‪َ « - 10‬قــالَ ر َ ِّ‬ ‫‪ -10‬الدعاء بطلب التوفيق إلقامة الصالة‪:‬‬
‫ين»‬ ‫َاس ِ‬
‫ــر َ‬ ‫ْم َوإ ِ َل ت َ ْغ ِف ْر لِي َوتَ ْر َح ْم ِني أَكُ ن ِّم َن اخل ِ‬‫ب ِ ِه ِعل ٌ‬
‫[هود‪.]47:‬‬ ‫اج َع ْل ِني ُم ِق َ‬
‫يم‬ ‫ب ْ‬‫ورد في موضع واحد‪ ،‬قال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬
‫الصال ِة َو ِمن ُذرِّيَّ ِتي رَبَّ َنا َوتَ َق َّب ْل ُد َعا ِء» [إبراهيم‪.]40:‬‬
‫َّ‬
‫‪َ « - 11‬قالَ َل ت ْثرِيب علَيكُ م اليوم ي ْغ ِفر ُ‬
‫اهلل لَكُ ْم َو ُه َو‬ ‫َ َ ْ ُ َْ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ -11‬الدعاء بطلب المغفرة‪:‬‬
‫ني» [يوسف‪.]92:‬‬ ‫اح ِم َ‬‫م الر ِ‬ ‫َ‬
‫أ ْر َح ُ َّ‬
‫مــن طبيعة ابــن آدم أنه كثير اخلطــأ؛ ولذلك فهو‬
‫وم‬ ‫ْم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ني ي َ ْو َم يَ ُق ُ‬ ‫ــد َّي َولِل ُ‬
‫اغ ِف ْر لِي َولِ َوالِ َ‬
‫‪« - 12‬رَبَّ َنا ْ‬
‫بحاجة فــي كل حلظة من حلظات عمره إلى مغفرة‬
‫اب» [إبراهيم‪.]41:‬‬ ‫س ُ‬‫احلِ َ‬
‫اهلل ورحمته ســبحانه وتعالى‪ ،‬وألهميته ورد الدعاء‬
‫اح ِم َ‬
‫ني»‬ ‫َّ‬ ‫اغ ِف ْر ل ََنا َو ْار َح ْم َنا َوأ َ ْن َ‬
‫ت َخ ْيرُ الر ِ‬ ‫آم َّنا َف ْ‬
‫‪« - 13‬رَبَّ َنا َ‬ ‫موضعا‪ ،‬وهي فيما‬
‫ً‬ ‫بطلبه في القرآن الكرمي في (‪)24‬‬
‫[املؤمنون‪. ]109:‬‬ ‫يلي‪:‬‬

‫اح ِم َ‬
‫ني»‬ ‫َّ‬ ‫ــر َو ْار َح ْم َوأ َ ْن َ‬
‫ت َخ ْيــرُ الر ِ‬ ‫اغ ِف ْ‬
‫ب ْ‬‫«و ُقــل ر َّ ِّ‬
‫‪َ - 14‬‬ ‫ــك رَبَّ َنا»‬ ‫ــم ْع َنا َوأ َ َ‬
‫ط ْع َنا ُغ ْفرَان َ َ‬ ‫«س ِ‬‫‪ - 1‬قال تعالــى‪َ :‬‬
‫[املؤمنون‪. ]118:‬‬ ‫[البقرة‪.]285:‬‬
‫طايَانَا أَن كُ َّنا أ َ َّولَ‬
‫ط َم ُع أَن ي َ ْغ ِفرَ ل ََنا رَبُّ َنا َخ َ‬
‫‪﴿ - 15‬إِنَّا ن َ ْ‬ ‫ط ْأنَا‬ ‫ينا أ َ ْو أ َ ْخ َ‬ ‫اخ ْذنَا إِن نَّ ِ‬
‫‪ - 2‬وقال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َل تُ َؤ ِ‬
‫س َ‬
‫ني﴾ [الشعراء‪.]51 ،50:‬‬ ‫امل ُْؤ ِم ِن َ‬ ‫ين ِمن‬ ‫صرا ً َك َما َح َمل َْت ُه َعلَى الَّ ِذ َ‬ ‫رَبَّ َنا َو َل َت ِ‬
‫ْم ْل َعل َْي َنا إ ِ ْ‬
‫«والَّ ِذي أ َ ْط َم ُع أَن يَ ْغ ِفرَ لِي َخ ِ‬
‫طي َئ ِتي يَ ْو َم ِّ‬
‫الدينِ »‬ ‫‪َ - 16‬‬ ‫ف َع َّنا‬ ‫اع ُ‬ ‫طا َق َة ل ََنــا ب ِ ِه َو ْ‬
‫َق ْبلِ َنا رَبَّ َنــا َو َل ُت َِّمل َْنا َما َل َ‬
‫[الشعراء‪. ]82 :‬‬ ‫اغ ِف ْر ل ََنا َو ْار َح ْم َنا» [البقرة‪. ]286:‬‬
‫َو ْ‬

‫اغ ِف ْر َلب ِي» [الشعراء‪.]86:‬‬


‫«و ْ‬
‫‪َ - 17‬‬ ‫النار ِ»‬ ‫اغ ِف ْر ل ََنا ُذنُوبَ َنا َو ِق َنا َع َذ َ‬
‫اب َّ‬ ‫آم َّنا َف ْ‬
‫‪« - 3‬رَبَّ َنــا إِنَّ َنا َ‬
‫[آل عمران‪. ]16:‬‬
‫اغ ِف ْ‬
‫ــر لِــي»‬ ‫ــت ن َ ْف ِ‬
‫ســي َف ْ‬ ‫ظل َْم ُ‬
‫ب إِنِّــي َ‬
‫‪«- 18‬ر َ ِّ‬
‫[القصص‪. ]16:‬‬ ‫ســرَا َف َنا ِفــي أ َ ْمرِنَا» [آل‬
‫اغ ِف ْر ل ََنا ُذنُوب َ َنا َوإ ِ ْ‬
‫‪« - 4‬رَبَّ َنــا ْ‬
‫عمران‪. ]147:‬‬
‫ب لِي ُملْكا ً َل يَ ْن َب ِغي َل َح ٍد‬
‫اغ ِف ْر لِي َو َه ْ‬‫ب ْ‬ ‫‪َ « - 19‬قالَ ر َ ِّ‬
‫اب» [ص‪. ]35:‬‬ ‫الو َّه ُ‬
‫ت َ‬ ‫ك أ َ ْن َ‬
‫ِّم ْن بَ ْع ِدي إِنَّ َ‬ ‫ــي َئاتِ َنا» [آل‬
‫س ِّ‬‫اغ ِف ْر ل ََنا ُذنُوبَ َنا َو َك ِّف ْر َع َّنا َ‬
‫‪« - 5‬رَبَّ َنــا َف ْ‬

‫‪35‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫ْم َوإ ِ َل تَ ْغ ِف ْر لِي َوتَ ْر َح ْم ِني أَكُ ن ِّم َن‬
‫س لِي ب ِ ِه ِعل ٌ‬‫َمــا ل َْي َ‬ ‫اغ ِف ْر‬
‫ــي ٍء ر َّ ْح َم ًة َو ِعلْما ً َف ْ‬
‫ش ْ‬ ‫ت كُ َّل َ‬‫ــع َ‬
‫س ْ‬ ‫‪« - 20‬رَبَّ َنا َو ِ‬
‫ِين» [هود‪.]47:‬‬ ‫َاسر َ‬ ‫اخل ِ‬ ‫َك» [غافر‪. ]7:‬‬ ‫سبِيل َ‬‫ين تَابُوا َواتَّ َب ُعوا َ‬ ‫لِ َّل ِذ َ‬

‫اغ ِف ْر ل ََنا َو ْار َح ْم َنا َوأ َ ْن َ‬


‫ت‬ ‫آم َّنــا َف ْ‬
‫‪ - 9‬وقال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َ‬ ‫س َب ُقونَا ب ِاإلِميَانِ»‬ ‫اغ ِف ْر ل ََنا َوإلِ ْخ َوان ِ َنا الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬ ‫‪« - 21‬رَبَّ َنا ْ‬
‫ني» [املؤمنون‪.]109:‬‬ ‫َخ ْيرُ الر ِ‬
‫اح ِم َ‬ ‫[احلشر‪. ]10:‬‬
‫َّ‬

‫ــر َو ْار َح ْم َوأ َ ْن َ‬ ‫اغ ِف ْر ل ََنا رَبَّ َنا‬ ‫ْعل َْنا ِف ْت َن ًة لِّ َّل ِذ َ‬
‫ين َك َفرُوا َو ْ‬ ‫‪« - 22‬رَبَّ َنا َل َت َ‬
‫ت َخ ْيرُ‬ ‫اغ ِف ْ‬
‫ب ْ‬‫«و ُقل ر َّ ِّ‬
‫‪ - 10‬وقــال تعالى‪َ :‬‬
‫الر ِ‬
‫اح ِم َ‬
‫ني» [املؤمنون‪.]118:‬‬ ‫َّ‬
‫يم» [املمتحنة‪. ]5 :‬‬ ‫العزِيزُ احل َِك ُ‬
‫ت َ‬ ‫ك أ َ ْن َ‬
‫إِنَّ َ‬

‫‪ -13‬الدعاء بطلب الحسنة في الدارين‪:‬‬ ‫ش ْي ٍء‬


‫ك َعلَى كُ لِّ َ‬ ‫‪« - 23‬رَبَّ َنا أ َ ْت ِ ْم ل ََنا نُورَنَا َو ْ‬
‫اغ ِف ْر ل ََنا إِنَّ َ‬
‫ير» [التحرمي‪. ]8:‬‬ ‫َق ِد ٌ‬
‫احلسنة هنا املراد بها جميع نعم الدنيا ونعم اآلخرة‬
‫ي ُم ْؤ ِمنا ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اغ ِف ْ ِ‬
‫[انظــر‪ :‬النكت والعيون للمــاوردي ‪ ،]263/1‬وقد ورد‬ ‫ــر لي َول َوال َد َّي َول َــن َد َخلَ ب َ ْيت َ‬ ‫ب ْ‬‫‪« - 24‬ر َ ِّ‬
‫الدعاء بطلبها في موضعني في القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫ات» [نوح‪. ]28:‬‬ ‫ني َو ْال ُْؤ ِم َن ِ‬
‫ْم ْؤ ِم ِن َ‬
‫َولِل ُ‬
‫‪ -12‬الدعاء بطلب الرحمة‪:‬‬
‫اآلخرَ ِة َح َ‬
‫س َن ًة‬ ‫ِ‬ ‫ــن ًة َو ِفي‬
‫س َ‬ ‫‪« - 1‬رَبَّ َنا آتِ َنا ِفي ُّ‬
‫الد ْن َيا َح َ‬
‫النار ِ» [البقرة‪.]201:‬‬
‫اب َّ‬ ‫َو ِق َنا َع َذ َ‬ ‫رحمة اهلل سبحانه وتعالى واسعة ِ‬
‫وسعت كل شيء‪،‬‬
‫رحمـته غضبه‪ ،‬والدعاء بطلب الرحمة ورد‬
‫ُ‬ ‫وسبقت‬
‫ــن ًة‬
‫س َ‬ ‫ب ل ََنا ِفي َه ِذ ِه ُّ‬
‫الد ْن َيا َح َ‬ ‫اك ُت ْ‬‫«و ْ‬‫‪ - 2‬وقال تعالى‪َ :‬‬
‫في القرآن الكرمي في عشرة مواضع‪ ،‬وهي فيما يلي‪:‬‬
‫ك» [األعراف‪.]156:‬‬ ‫اآلخرَ ِة إِنَّا ُه ْدنَا إِل َْي َ‬
‫ِ‬ ‫َو ِفي‬
‫طا َق َة ل ََنا ب ِ ِه‬‫‪ - 1‬قــال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َو َل ُت َِّمل َْنا َمــا َل َ‬
‫صدق المدخل والمخرج‪:‬‬
‫‪ -14‬الدعاء بطلب ِ‬
‫اغ ِف ْر ل ََنا َو ْار َح ْم َنا» [البقرة‪. ]286:‬‬ ‫ف َع َّنا َو ْ‬
‫اع ُ‬
‫َو ْ‬
‫ب‬
‫«و ُقل ر َّ ِّ‬
‫ورد الدعــاء به في موضع واحد‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ص ْدقٍ َوأ َ ْخر ِْج ِني ُم ْخرَ َج ِ‬‫أ َ ْد ِخ ْل ِني ُم ْد َخلَ ِ‬
‫ــنا َوإِن لَّ ْم ت َ ْغ ِف ْر‬
‫س َ‬ ‫ظل َْم َنا أ َ ُ‬
‫نف َ‬ ‫‪ - 2‬وقال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َ‬
‫اج َعل‬ ‫ص ْدقٍ َو ْ‬ ‫ِين» [األعراف‪. ]23:‬‬ ‫َاسر َ‬ ‫ل ََنا َوت َ ْر َح ْم َنا ل ََنكُ ون َ َّن ِم َن اخل ِ‬
‫صيراً» [اإلســراء‪ ،]80:‬قال‬ ‫طانا ً نَّ ِ‬ ‫ــل َ‬
‫س ْ‬‫نك ُ‬‫لِّي ِمن لَّ ُد َ‬
‫ابن عطية‪« :‬دعاء في أن يُحســن اهلل حالته في كل‬ ‫‪ - 3‬وقال تعالى‪َ « :‬قالُوا لَ ِئن لَّ ْم ي َ ْر َح ْم َنا رَبُّ َنا َوي َ ْغ ِف ْر ل ََنا‬
‫ما يتناول من األمور ويحاول من األســفار واألعمال‪،‬‬ ‫ِين» [األعراف‪. ]149:‬‬ ‫َاسر َ‬‫ل ََنكُ ون َ َّن ِم َن اخل ِ‬
‫وينتظر من تصرف املقادير فــي املوت واحلياة»‪[ .‬احملرر‬ ‫اغ ِف ْر لِي َو َل ِخي َوأ َ ْد ِخل َْنا ِفي‬
‫ب ْ‬‫‪ - 4‬قال تعالى‪َ « :‬قالَ ر َ ِّ‬
‫الوجيز‪ ،‬البن عطية ‪.]479/3‬‬ ‫م الر ِ‬ ‫ك َوأ َ ْن َ َ‬
‫ر َ ْح َم ِت َ‬
‫ني» [األعراف‪.]151:‬‬ ‫اح ِم َ‬ ‫ت أ ْر َح ُ َّ‬

‫اغ ِف ْر ل ََنا َو ْار َح ْم َنا َوأ َ ْن َ‬ ‫‪ - 5‬وقــال تعالى‪« :‬أ َ ْن َ‬


‫ت َولِ ُّي َنا َف ْ‬
‫الدعاء بطلب جميع أنواع الخير‪:‬‬ ‫‪ -15‬‬ ‫ت‬
‫ورد الدعاء به في موضعني‪:‬‬ ‫ِين» [األعراف‪.]155:‬‬ ‫الغا ِفر َ‬
‫َخ ْيرُ َ‬

‫ــاء‬ ‫ْك تُ ْؤتِي املُل َ‬


‫ك املُل ِ‬ ‫ــم َمالِ َ‬ ‫ب ْار َح ْم ُه َما َك َمــا رَبَّ َيانِي‬
‫«و ُقــل ر َّ ِّ‬
‫‪ - 6‬وقــال تعالى‪َ :‬‬
‫ش ُ‬ ‫ْك َمن تَ َ‬ ‫الله َّ‬
‫ُ‬ ‫‪ُ « - 1‬قلِ‬
‫ص ِغيراً» [اإلسراء‪.]24:‬‬
‫َ‬
‫اء‬ ‫اء َوتُ ِذلُّ َمن تَ َ‬
‫ش ُ‬ ‫ش ُ‬‫ــاء َوتُ ِع ُّز َمن ت َ َ‬
‫ش ُ‬ ‫ْك ِمَّن تَ َ‬
‫َوتَنز ُِع املُل َ‬
‫ب َِي ِدكَ اخل َْيرُ» [آل عمران‪.]26:‬‬ ‫‪ - 7‬وقــال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا آتِ َنا ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك ر َ ْح َم ًة َو َه ِّي ْئ ل ََنا‬
‫شداً» [الكهف‪.]10:‬‬ ‫ِم ْن أ َ ْمرِنَا ر َ َ‬
‫ير»‬ ‫ب إِنِّي ِل َا أَنزَل َ‬
‫ْت إِل ََّي ِم ْن َخ ْيرٍ َف ِق ٌ‬ ‫‪ - 2‬وقال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬
‫[القصص‪.]24:‬‬ ‫َك‬ ‫ِك أ َ ْن أ َ ْ‬
‫ســأَل َ‬ ‫ب إِنِّي أ َ ُعو ُذ ب َ‬
‫‪ - 8‬وقال تعالــى‪َ « :‬قالَ ر َ ِّ‬

‫‪36‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫ت‬‫ــك الَ ِتي أ َ ْن َع ْم َ‬‫شــكُ رَ ن ِ ْع َم َت َ‬ ‫ب أ َ ْوز ِْع ِنــي أ َ ْن أ َ ْ‬
‫‪« - 2‬ر َ ِّ‬ ‫‪ -16‬الدعاء بطلب الرزق‪:‬‬
‫صلِ ْح‬‫اه َوأ َ ْ‬‫ض ُ‬ ‫ص ِ‬
‫الــا ً تَ ْر َ‬ ‫ــد َّي َوأ َ ْن أ َ ْع َملَ َ‬‫َي َو َعلَى َوالِ َ‬ ‫َعل َّ‬ ‫ورد الدعاء به في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫ــل ِم َ‬
‫ني»‬ ‫ك َوإِنِّي ِم َن امل ُْس ِ‬ ‫ت إِل َْي َ‬‫لِي ِفي ُذرِّيَّ ِتي إِنِّــي تُ ْب ُ‬
‫[األحقاف‪.]15:‬‬ ‫آمنا ً َو ْارز ُ ْق أ َ ْهل َُه ِم َن ال َّث َمرَ ِ‬
‫ات»‬ ‫اج َع ْل َه َذا بَلَدا ً ِ‬
‫ب ْ‬‫‪« - 1‬ر َ ِّ‬
‫[البقرة‪.]126:‬‬
‫‪ -19‬الدعاء بطلب النصر على القوم الكافرين‪:‬‬
‫ــاء‬
‫ش ُ‬ ‫ْك َمن ت َ َ‬‫ْك تُ ْؤتِي املُل َ‬
‫ك املُل ِ‬ ‫م َمالِ َ‬‫الله َّ‬
‫ُ‬ ‫‪ُ « - 2‬قــلِ‬
‫ورد الدعاء به في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫اء‬
‫ش ُ‬‫اء َوتُ ِذلُّ َمن تَ َ‬
‫ش ُ‬‫ــاء َوتُ ِع ُّز َمن ت َ َ‬
‫ش ُ‬ ‫ْك ِمَّن تَ َ‬
‫َوتَنز ُِع املُل َ‬
‫ت أ َ ْق َد َ‬
‫ام َنا‬ ‫‪ - 1‬قال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا أ َ ْفر ِْغ َعل َْي َنا َ‬
‫ص ْبرا ً َوث َ ِّب ْ‬ ‫ج ال َّل ْيلَ ِفي‬ ‫ير‪ .‬تُولِ ُ‬
‫ش ْي ٍء َق ِد ٌ‬ ‫ك َعلَى كُ لِّ َ‬ ‫ب َِي ِدكَ اخل َْي ُر إِنَّ َ‬
‫الكا ِفر َ‬
‫ِين» [البقرة‪. ]250:‬‬ ‫الق ْو ِم َ‬
‫انص ْرنَا َعلَى َ‬
‫َو ُ‬ ‫الن َهار َ ِفي ال َّل ْيلِ َوتُ ْخر ُِج احلَي ِم َن امل َِّي ِ‬
‫ت‬ ‫الن َهار ِ َوتُولِ ُ‬
‫ــج َّ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫طا َق َة ل ََنا ب ِ ِه‬
‫‪ - 2‬وقــال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َو َل ُت َِّمل َْنــا َما َل َ‬ ‫ــاء ب َِغ ْيرِ ِح َ‬
‫سابٍ »‬ ‫ش ُ‬ ‫ت ِم َن احل ِّ‬
‫َي َوتَ ْرز ُ ُق َمن ت َ َ‬ ‫َوتُ ْخر ُِج امل َِّي َ‬
‫[آل عمران‪.]27 ،26:‬‬
‫ــت َم ْوالنَا َف ُ‬
‫انص ْرنَا‬ ‫اغ ِف ْر ل ََنا َو ْار َح ْم َنا أ َ ْن َ‬
‫ف َع َّنــا َو ْ‬
‫اع ُ‬
‫َو ْ‬
‫ِين» [البقرة‪.]286:‬‬ ‫الكا ِفر َ‬
‫الق ْو ِم َ‬‫َعلَى َ‬ ‫اج َع ْل‬
‫الصال َة َف ْ‬ ‫يموا َّ‬ ‫وقال تعالــى‪﴿ :‬رَبَّ َنا لِ ُي ِق ُ‬ ‫‪ - 3‬‬
‫ــاس تَ ْهوِي إِل َْيهِ ْم َو ْارز ُ ْق ُهم ِّم َن ال َّث َمرَ ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫أ َ ْف ِئ َد ًة ِّم َن َّ‬
‫الن‬
‫اغ ِف ْر ل ََنا ُذنُوب َ َنا َوإ ِ ْ‬
‫ســرَا َف َنا ِفي‬ ‫‪ - 3‬وقال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا ْ‬
‫ون﴾ [إبراهيم‪.]37:‬‬
‫شكُ ُر َ‬
‫ل ََع َّل ُه ْم ي َ ْ‬
‫الكا ِفر َ‬
‫ِين»‬ ‫القو ِم َ‬ ‫انص ْرنَــا َعلَى َ‬ ‫ام َنا َو ُ‬ ‫ت أ َ ْق َد َ‬
‫أ َ ْمرِنَا َوثَ ِّب ْ‬
‫[آل عمران‪. ]147:‬‬ ‫‪ -17‬الدعاء بطلب إنجاب الذرية‪:‬‬

‫‪ -20‬الدعاء بطلب أمن البالد‪:‬‬ ‫الدعاء بطلب إجنــاب الذرية ورد في القرآن في أربعة‬
‫مواضع‪:‬‬
‫ورد في موضعني‪:‬‬
‫س ِ‬
‫ــم ُ‬
‫يع‬ ‫ك َ‬
‫ط ِّي َب ًة إِنَّ َ‬ ‫ــب لِي ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك ُذرِّيَّ ًة َ‬ ‫ب َه ْ‬
‫‪« - 1‬ر َ ِّ‬
‫آمنا ً َو ْارز ُ ْق أ َ ْهل َُه ِم َن ال َّث َمرَ ِ‬
‫ات»‬ ‫اج َع ْل َه َذا بَلَدا ً ِ‬
‫ب ْ‬‫‪« - 1‬ر َ ِّ‬ ‫الد َعا ِء» [آل عمران‪.]38:‬‬
‫ُّ‬
‫[البقرة‪.]126:‬‬
‫م‬
‫ظ ُ‬ ‫الع ْ‬
‫ب إِنِّي َو َه َن َ‬ ‫اء َخ ِف ًّيا‪َ .‬قالَ ر َ ِّ‬
‫ادى رَبَّ ُه ن ِ َد ً‬‫‪« - 2‬إ ِ ْذ ن َ َ‬
‫البل ََد ِ‬
‫آمناً» [إبراهيم‪.]35:‬‬ ‫اج َع ْل َه َذا َ‬
‫ب ْ‬‫‪« - 2‬ر َ ِّ‬ ‫ب‬‫ك ر َ ِّ‬ ‫ــيبا ً َول َْم أَكُ ْ‬
‫ــن ب ُِد َعائِ َ‬ ‫الر ْأ ُ‬ ‫ِم ِّني َو ْ‬
‫ش ْ‬ ‫س َ‬ ‫ــت َعلَ َّ‬ ‫اش َ‬
‫امرَأَتِي‬ ‫ت ْ‬ ‫ت امل ََوالِي ِمن َورَائِي َو َكان َ ِ‬
‫َ‬ ‫ــقياًّ‪َ .‬وإِنِّي ِخ ْف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫‪ -21‬الدعاء بطلب الوفاة على اإلسالم‪:‬‬
‫نك َولِياًّ» [مرمي‪.]5 ،3:‬‬ ‫ب لِي ِمن لَّ ُد َ‬ ‫َعا ِقرا ً َف َه ْ‬
‫ُحسن اخلامتة من أهم مطالب املسلم في احلياة‪ ،‬وقد‬
‫ورد الدعاء بطلبه في كتاب اهلل مبوضعني‪:‬‬ ‫ب َل ت َ َذ ْرنِــي َف ْردا ً َوأ َ ْن َ‬
‫ت َخ ْيرُ‬ ‫ادى رَبَّ ُه ر َ ِّ‬
‫«وز َ َكرِيَّــا إ ِ ْذ نَ َ‬
‫‪َ -3‬‬
‫ني» [األنبياء‪.]89:‬‬ ‫الوارِث ِ َ‬
‫َ‬
‫اغ ِف ْر ل ََنا ُذنُوب َ َنــا َو َك ِّف ْر َع َّنا‬
‫‪ - 1‬قــال تعالى‪« :‬رَبَّ َنــا َف ْ‬
‫الِ َ‬
‫ني» [الصافات‪.]100:‬‬ ‫الص ِ‬
‫ب لِي ِم َن َّ‬
‫ب َه ْ‬
‫‪« - 4‬ر َ ِّ‬
‫س ِّي َئاتِ َنا َوتَ َو َّف َنا َم َع َ‬
‫ال ْبرَار ِ» [آل عمران‪.]193:‬‬ ‫َ‬
‫‪ -18‬الدعاء بطلب إصالح الذرية‪:‬‬
‫ْك َو َع َّل ْم َت ِني‬‫ب َق ْد آتَ ْي َت ِني ِم َن املُل ِ‬‫‪ - 2‬وقــال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬
‫ورد الدعاء به في موضعني‪:‬‬
‫ت َولِ ِّيي‬ ‫ات واألرض أ َ ْن َ‬ ‫الس َم َو ِ‬‫اطرَ َّ‬ ‫ِمن تَ ْأوِيلِ األحاديث َف ِ‬

‫الِ َ‬
‫ني»‬ ‫سلِما ً َوأ َ ْلِ ْق ِني ب َّ‬
‫ِالص ِ‬ ‫اآلخرَ ِة تَ َو َّف ِني ُم ْ‬
‫الد ْن َيا َو ِ‬
‫ِفي ُّ‬ ‫نك َولِياًّ‪ .‬يَرِثُ ِنــي َويَر ُ‬
‫ِث ِم ْن آلِ‬ ‫ب لِــي ِمن لَّ ُد َ‬ ‫‪َ « - 1‬ف َه ْ‬
‫[يوسف‪. ]101:‬‬ ‫ضياًّ» [مرمي‪.]6 ،5:‬‬ ‫ب رَ ِ‬
‫ْه ر َ ِّ‬
‫اج َعل ُ‬
‫وب َو ْ‬ ‫ي َ ْع ُق َ‬

‫‪37‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫‪ -22‬الدعاء بطلب اإللحاق بالصالحين‪:‬‬
‫‪ -24‬الدعاء بطلب النجاة من عذاب النار‪:‬‬
‫طلب اإلحلاق بالصاحلني من أدعيــة األنبياء‪ ،‬وأمنية‬
‫نار جهنم أكبر شر وأعظم خطر ينتظر الثقلني من‬
‫األتقياء‪ ،‬فاملرء يحشــر يوم القيامــة مع من أحب‪،‬‬
‫اإلنس واجلن بعد املوت‪ ،‬والعاقل يأخذ باألسباب التي‬
‫والدعاء به في القرآن ورد في أربعة مواضع‪:‬‬
‫تنجيه من عذاب النــار‪ ،‬وأهمها توحيد اهلل ومالزمة‬
‫التقوى‪ ،‬والدعاء بكثرة‪ ،‬وقد ورد في القرآن الكرمي في‬ ‫ين‪َ .‬و َما‬‫اه ِد َ‬‫الش ِ‬ ‫اك ُت ْب َنا َم َع َّ‬ ‫آم َّنا َف ْ‬
‫‪ - 1‬قال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َ‬
‫خمسة مواضع‪:‬‬ ‫ط َم ُع أَن يُ ْد ِخل ََنا‬‫اءنَا ِم َن احل َِّق َون َ ْ‬
‫هلل َو َما َج َ‬‫ل ََنا َل نُ ْؤ ِم ُن ب ِا ِ‬

‫اآلخرَ ِة‬
‫س َن ًة َو ِفي ِ‬ ‫الِ َ‬
‫ني» [املائدة‪.]84 ،83:‬‬ ‫الص ِ‬
‫الق ْو ِم َّ‬
‫رَبُّ َنا َم َع َ‬
‫‪ - 1‬قال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا آت ِ َنا ِفي ُّ‬
‫الد ْن َيا َح َ‬
‫النار ِ» [البقرة‪.]201:‬‬ ‫اب َّ‬ ‫س َن ًة َو ِق َنا َع َذ َ‬
‫َح َ‬ ‫ْك َو َع َّل ْم َت ِني‬‫ب َق ْد آتَ ْي َت ِني ِم َن املُل ِ‬‫‪ - 2‬وقــال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬
‫اغ ِف ْر ل ََنا ُذنُوبَ َنا َو ِق َنا‬
‫آم َّنا َف ْ‬
‫ت َولِ ِّيي‬ ‫ات واألرض أ َ ْن َ‬ ‫الس َم َو ِ‬‫اطرَ َّ‬ ‫ِمن تَ ْأوِيلِ األحاديث َف ِ‬
‫‪ - 2‬وقــال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا إِنَّ َنا َ‬
‫النار ِ» [آل عمران‪.]16:‬‬
‫اب َّ‬
‫الِ َ‬
‫ني»‬ ‫سلِما ً َوأ َ ْلِ ْق ِني ب َّ‬
‫ِالص ِ‬ ‫اآلخرَ ِة تَ َو َّف ِني ُم ْ‬
‫الد ْن َيا َو ِ‬
‫ِفي ُّ‬
‫َع َذ َ‬
‫[يوسف‪.]101:‬‬
‫ك‬
‫حانَ َ‬ ‫ت َه َذا ب َ ِ‬
‫اطالً ُ‬
‫س ْب َ‬ ‫‪ - 3‬وقال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َما َخل َْق َ‬
‫ب لِــي ُح ْكمــا ً َوأ َ ْلِ ْق ِني‬
‫ب َه ْ‬‫‪ - 3‬وقــال تعالــى‪« :‬ر َ ِّ‬
‫النار ِ» [آل عمران‪.]191:‬‬ ‫َف ِق َنا َع َذ َ‬
‫اب َّ‬
‫ني» [الشعراء‪.]83:‬‬ ‫الِ َ‬
‫ِالص ِ‬
‫ب َّ‬
‫م إ ِ َّن‬
‫اب َج َه َّن َ‬
‫ــذ َ‬
‫اصر ِْف َع َّنا َع َ‬
‫‪ - 4‬وقــال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا ْ‬
‫ــت َقرا ًّ َو ُم َقاماً»‬
‫ك الَ ِتي‬ ‫شكُ رَ ن ِ ْع َم َت َ‬‫ب أ َ ْوز ِْع ِني أ َ ْن أ َ ْ‬
‫‪ - 4‬وقال تعالى‪« :‬ر َ ِّ‬
‫س َ‬ ‫ــاء ْت ُم ْ‬
‫س َ‬ ‫ان َغرَاماً‪ .‬إِنَّ َها َ‬
‫َع َذاب َ َها َك َ‬
‫[الفرقان‪.]66 ،65:‬‬
‫اه‬
‫ض ُ‬ ‫ص ِ‬
‫الا ً تَ ْر َ‬ ‫َــي َو َعلَى َوالِ َد َّي َوأ َ ْن أ َ ْع َمــلَ َ‬ ‫ت َعل َّ‬ ‫أ َ ْن َع ْم َ‬
‫ني» [النمل‪.]19:‬‬ ‫الِ َ‬
‫الص ِ‬ ‫َّ‬ ‫ك ِفي ِع َبا ِدكَ‬ ‫َوأ َ ْد ِخ ْل ِني ب ِرَ ْح َم ِت َ‬
‫ش ْي ٍء ر َّ ْح َم ًة َو ِعلْما ً‬‫ت كُ َّل َ‬
‫س ْع َ‬ ‫‪ - 5‬وقال تعالى‪« :‬رَبَّ َنا َو ِ‬
‫‪ -23‬الدعاء بطلب عدم الخزي يوم القيامة‪:‬‬
‫َك َو ِقهِ ْم َع َذ َ‬
‫اب‬ ‫ســبِيل َ‬ ‫ين تَابُــوا َواتَّ َب ُعوا َ‬ ‫ــر لِ َّل ِذ َ‬
‫اغ ِف ْ‬
‫َف ْ‬
‫يم» [غافر‪.]7:‬‬ ‫اجل ِ‬
‫َح ِ‬ ‫وهوان مــع َّ‬
‫الطرد [انظر‪ :‬معجم املقاييس‬ ‫ٌ‬ ‫اخلِ ْزي‪ُ :‬ذ ٌّل‬
‫في اللغة ص ‪ ،314‬مادة خزو]‪ ،‬واإلنسان مجبول على‬
‫‪ -25‬الدعاء بطلب دخول الجنة‪:‬‬
‫االبتعاد عن كل أمر يَجلــب له اخلزي والذل واملهانة‪،‬‬
‫الفــوز برضــوان اهلل وجنته غايــة كل مؤمن عاقل‬ ‫ألن ذلك يســبب له أملا ً نفســيا ً كبيــرا ً يفوق آالم‬
‫يحرص على السعادة األبدية‪ ،‬ومن أهم أسباب الفوز‬ ‫أشد إيالما ً ألنه‬ ‫اجلسم‪ ،‬واخلزي في اآلخرة ســيكون‬
‫ّ‬
‫باجلنة‪ :‬اإلميــان باهلل‪ ،‬ومالزمة التقوى‪ ،‬والدعاء بذلك‪،‬‬ ‫سيكون على رؤوس اخلالئق‪ ،‬وورد الدعاء بطلب عدم‬
‫وقد ورد في القرآن الكرمي في موضعني‪:‬‬ ‫اخلزي في موضعني‪:‬‬
‫ب لِــي ُح ْكمــا ً َوأ َ ْلِ ْق ِني‬
‫ب َه ْ‬‫‪ - 1‬قــال تعالــى‪« :‬ر َ ِّ‬ ‫ســلِ َ‬
‫ك‬ ‫‪ - 1‬قال تعالــى‪« :‬رَبَّ َنا َوآتِ َنا َما َو َعدتَّ َنا َعلَى ر ُ ُ‬
‫ِين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخر َ‬ ‫ص ْدقٍ ِفــي‬‫ــان ِ‬
‫س َ‬ ‫اج َعل لِّي لِ َ‬ ‫الِ َ‬
‫ــن‪َ .‬و ْ‬ ‫ِالص ِ‬
‫ب َّ‬ ‫اد» [آل‬
‫يع َ‬ ‫ك َل تُ ْخلِ ُ‬
‫ــف امل ِ َ‬ ‫ام ِة إِنَّ َ‬ ‫ــو َم ِ‬
‫الق َي َ‬ ‫َو َل تُ ْخزِنَــا ي َ ْ‬
‫الن ِع ِ‬
‫يم» [الشعراء‪.]85 ،83:‬‬ ‫اج َع ْل ِني ِمن َورَثَ ِة َج َّن ِة َّ‬
‫َو ْ‬ ‫عمران‪.]194:‬‬
‫ــات َع ْد ٍن الَ ِتي‬ ‫ْه ْم َج َّن ِ‬ ‫‪ - 2‬وقال تعالــى‪« :‬رَبَّ َنا َوأ َ ْد ِخل ُ‬ ‫ــون‪ .‬ي َ ْو َم َل‬ ‫«و َل تُ ْخزِنِي ي َ ْو َم يُ ْب َع ُث‬
‫َ‬ ‫‪ - 2‬وقــال تعالــى‪َ :‬‬
‫ــن آبَائِهِ ْم َوأ َ ْز َواجِ هِ ْم َو ُذرِّيَّاتِهِ ْم‬ ‫َح ِم ْ‬ ‫صل َ‬
‫َو َعدتَّ ُه ْم َو َمن َ‬ ‫يم»‬‫ــل ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫اهلل ب َِقل ٍ‬ ‫نفع مــالٌ و َل ب ُنون‪ .‬إ ِ َل من أَتَى َ‬
‫ْب َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫يَ َ ُ َ‬
‫العزِيزُ احل َِك ُ‬
‫يم» [غافر‪.]8:‬‬ ‫ت َ‬ ‫ك أ َ ْن َ‬
‫إِنَّ َ‬ ‫[الشعراء‪.]89 ،87:‬‬

‫‪38‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫مكتبة اإلسكوريال‬
‫محضن التراث األندلسي المجيد‬
‫معالم‬

‫ضواحيها على مسافة حوالي ‪ 50‬كلم تقريبا‪ .‬هذا‬ ‫بقلم‪ :‬محمد سعيد الغامدي‬
‫املعلم التاريخي يقع بالتحديد وسط املعقل القدمي‬
‫للبالط امللكي اإلســباني التاريخي‪ ،‬واملعروف باسم‬ ‫من يزور إســبانيا فعليه ــ إن رغب واستطاع ــ أن‬
‫سان لورينزو دي اإلسكوريال‪ ،‬يتوسد املنحدر اجلنوبي‬ ‫يذهب ويزور اإلســكوريال‪ ،‬القصر امللكي اإلسباني‬
‫الغربي مــن وادي اإلســكوريال «وادي الرملة»‪ ،‬نحو‬ ‫القدمي وما يتضمنه من مكتبــة فريدة من نوعها‪.‬‬
‫الشمال الغربي من مدينة مدريد‪.‬‬ ‫بعيدا عن «مجريط»‪ ،‬كما‬
‫ً‬ ‫هذا القصر املكتبة ليس‬
‫كان يسميها مســلمو األندلس‪ ،‬أي مدينة مدريد‬
‫ميكن الوصول إليه بالســيارة عبر الطريق الســريع‬ ‫العاصمة اإلســبانية احلالية‪ ،‬حيث يقع القصر في‬

‫‪39‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫واخلرائط والرسوم والنقود واملنحوتات‪ ،‬الكثير منها‬ ‫الذي يربط العاصمة باإلســكوريال‪ ،‬أو باستعمال‬
‫يعود إلى القرون اخلامس والســادس والسابع عشر‬ ‫احلافــات أو بالقطار انطال ًقا مــن محطة (أتوجا)‬
‫امليالدية‪ .‬املكتبة في حد ذاتها حتفة فنية‪ ،‬فسقفها‬ ‫التي تقع وسط العاصمة‪ ،‬أو من محطة (جامارتني)‬
‫مزيــن بالصــور‪ ،‬وأرضيتها من املرمــر‪ ،‬ورفوفها من‬ ‫شمال مدريد‪.‬‬
‫اخلشب الثمني؛ وتتميز بقسمها اخلاص باخملطوطات‪،‬‬
‫وخاصة اخملطوطات اإلسالمية العربية‪.‬‬ ‫اإلســكوريال «القصر امللكي ــ املكتبة» أمر ببنائه‬
‫فيليب الثاني ملك إســبانيا عام ‪ ،1556‬ووضع حجر‬
‫إن كثيرًا مما مت جمعه من كتب ووثائق ومخطوطات‬ ‫األســاس لبدء البناء عــام ‪1563‬م‪ ،‬ومن ثم اكتمل‬
‫أتى من مناطق مختلفة في إســبانيا ومن خارجها‪،‬‬ ‫بناؤه عام ‪ ،1584‬وكان االفتتاح حســب املصادر عام‬
‫على سبيل املثال كان لســفير إسبانيا في مدينة‬ ‫‪.1598‬‬
‫البندقيــة دور مهــم فــي اقتناء ونقــل كثير من‬
‫اخملطوطات إلى اإلســكوريال‪ .‬لقد سعى القائمون‬ ‫يقال إن فكرة القصر وبنائه كانت رؤيا أتت امللك في‬
‫على هذا اخملزن املعرفي أن يضعوا فيه ومنذ البدء ما‬ ‫منامه‪ ،‬فسعى إلى حتقيقها‪ ،‬لكن املفكر الفرنسي‬
‫ورثوه من مكتبات األندلس اإلسالمية‪ ،‬وما جمعوه‬ ‫الشــهير فولتير يذكر أن اإلسكوريال بناه مهندس‬
‫من مخطوطات نادرة من مختلف أنحاء العالم‪ ،‬أيًا‬ ‫فرنســي يدعى لويس فــوا‪ .‬هذا القصــر املكتبة‬
‫كانت وســيلة التجميع‪ ،‬أكانت ســلمية أو بالقوة‪،‬‬ ‫معلمــا تاريخيًا‪ ،‬حيث اعتمدتــه احلكومة‬
‫ً‬ ‫أصبــح‬
‫مثــل ما حدث على ســبيل املثال فــي عهد امللك‬ ‫اإلسبانية رسميًا عام ‪1971‬م كأبرز املراكز التاريخية‬
‫فيليب الثالث‪ ،‬عندما اســتولت البحرية اإلسبانية‬ ‫والسياحية في إســبانيا‪ ،‬وقد اعتمدته اليونسكو‬
‫عام ‪ 1614‬على ســفينة حاكم مراكش السلطان‬ ‫وسجلته ضمن قائمتها للتراث العاملي في نوفمبر‬
‫موالي زيدان بن أحمد الشيخ‪ ،‬الذي فر َّ من مراكش‪،‬‬ ‫‪1984‬م‪.‬‬
‫وقد كان يقود السفينة قبطان فرنسي ُكلف بنقل‬
‫القصر ينقسم إلى ثالثة أقسام هي‪ :‬القصر اخلاص‬
‫كميات من الكتب واخملطوطات من مدينة مراكش‪،‬‬
‫بامللــك‪ ،‬واملكتبة‪ ،‬والكنيســة‪ ،‬وتتوســط كل هذا‬
‫فمر مبيناء آســفي للذهاب إلى مدينة أغادير‪ ،‬لكنه‬
‫ســاحة كبرى‪ ،‬وفي كل زاوية من زوايا القصر أُقيم‬
‫حاول الهرب بها إلى فرنســا فوقع في كمني سفن‬
‫برج يرتفع لـ ‪55‬م تقريبًــا‪ ،‬وكذلك هناك ‪ 88‬نافورة‪،‬‬
‫إســبانية صادرت كل ما في تلك الســفينة‪ ،‬أي ما‬
‫و‪ 73‬متثــاالً‪ ،‬و‪ 1600‬لوحة فنيــة‪ ،‬متوزعة على أرجاء‬
‫يقارب الـ‪ 4‬آالف مخطوط إسالمي‪ ،‬ومن ثم وجدت‬
‫األقسام الثالثة للقصر‪.‬‬
‫طريقها بعد ذلك إلى قصر اإلســكوريال ومكتبته‬
‫العريقة‪ ،‬وبذلك ارتفع محتوى املكتبة إلى عشــرة‬
‫لكن الذي حظي بالشــهرة هــي املكتبة التي هي‬
‫آالف مخطوط‪ ،‬فانفردت هــذه املكتبة بهذا الكنز‬
‫جزء مــن القصر‪ ،‬لكنها تعتبر مــن أقدم املكتبات‬
‫ٌ‬
‫الثمــن مــن اخملطوطــات اإلســامية‪ ،‬والتي مع‬
‫اإلسبانية؛ وقد كان ســر وجود اخملطوطات والكتب‬
‫هائل شب في بعض أجزاء‬ ‫ً‬ ‫حريقا‬
‫ً‬ ‫األســف يبدو أن‬
‫بالقصــر هــو أن امللك فيليــب الثانــي كان يهتم‬
‫املكتبة عام ‪1671‬م أدى إلــى احتراق عدد كبير من‬
‫ســفرائه في‬
‫بشــرائها وجمعها‪ ،‬وكان يطلب من ُ‬
‫تلك اخملطوطات اإلسالمية‪ ،‬وقيل إنه لم يتبق منها‬
‫مختلــف أرجاء العالم تزويده مبــا يطبع في أماكن‬
‫سوى ‪ 1900‬مخطوط‪.‬‬
‫وجودهم‪ ،‬وأوصاهم بشــراء اخملطوطات‪ ،‬فاستطاع‬
‫من خالل ذلــك جمع نفائس الكتــب واخملطوطات‬
‫رغــم ما حدث تنامــى محتوى املكتبــة وتضاعف‬

‫‪40‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫ألعظم فناني العصر‪ .‬وقد امتدح األديب اإلسباني‬ ‫خــال فتــرات احلــكام الذيــن تولوا تباعــا حكم‬
‫الكبير خوســيه كبيدو هذا املعلم التاريخي الكبير‬ ‫إســبانيا‪ .‬واملكتبــة كانت أيضــا وبطريقة ما حتت‬
‫علــى ثرى بــاده فقــال‪« :‬ال أحد يرى اإلســكوريال‬ ‫حماية محاكم التفتيــش التي أمدتها قبل احلريق‬
‫إال ويشــعر بالفخر واالعتزاز الوطنــي‪ ،‬إنه يذكرنا‬ ‫بســنوات مبا يفوق الـ ‪ 4627‬وثيقة ومخطوطة‪ ،‬من‬
‫بعظمة وحضارة وثقافة هذه األمة‪ ،‬وهو بال شــك‬ ‫بينها ‪ 1886‬مخطوطة إســامية باللغة العربية‪،‬‬
‫يثير إعجاب بل وغيرة األمم األُخرى»‪.‬‬ ‫و‪ 582‬باللغــة اليونانية‪ ،‬و‪ 73‬باللغة العبرية‪ ،‬و‪2086‬‬
‫باللغــات الالتينيــة وغيرها‪ .‬طبعا دون نســيان أن‬
‫للتذكير‪ ،‬لقد بدأ بناء هــذا القصر املكتبة بعد ما‬ ‫محاكم التفتيش أتلفت عــدة كتب محظورة من‬
‫يقارب املائة عام من ســقوط غرناطة‪ ،‬ومن ثم ومع‬ ‫نظرها‪.‬‬
‫الوقت برزت شــهرته واتســعت بفضل ما يحتويه‬
‫من كنوز علمية وفكرية وفنية‪ ،‬إذ وُضعت فيه آالف‬ ‫في احلقيقة كان قصر اإلسكوريال عبارة عن سكن‬
‫اخملطوطات‪ ،‬فكبرت مكتبته من حيث احملتوى بفضل‬ ‫للملك‪ ،‬به أماكن عبادة ومكتبة ومعهد ديني ومقبرة‬
‫ما مت جتميعــه ووضعه بداخلها مــن مخطوطات‬ ‫ملكية ومرافق أُخــرى‪ .‬بعد االنتهاء من بنائه أهدى‬
‫عامليــة قدميــة‪ ،‬وخاصــة اخملطوطات اإلســامية‬ ‫امللك فيليب الثانــي مجموعته اخلاصة من الوثائق‬
‫الثمينة والنادرة‪ ،‬وبذلك ومع الوقت نالت شــهرتها‬ ‫ومــا مت االســتحواذ عليه من املكتبات اإلســبانية‬
‫اإلقليمية والعاملية‪.‬‬ ‫بداية إلثراء املكتبة‪ ،‬ووضعها على خارطة دور العلم‬
‫والفكر في بالده وفي الغرب بصفة عامة؛ وقد اعتبر‬
‫تقع املكتبــة في اجلزء األمين مــن القصر في الدور‬ ‫اإلسبان القصر ومكتبته بـ «ثامن عجائب األرض»‪،‬‬
‫ملم بجل محتوياتها‪ .‬وتضم‬
‫ٌّ‬ ‫الثانــي‪ ،‬ويديرها راهب‬ ‫فهي ال تزخر فقط بالكتــب واخملطوطات‪ ،‬بل أيضا‬
‫املكتبــة في ثناياهــا وجنباتها الكثيــر من الكتب‬ ‫باألدوات واملواد العلميــة واخلرائط واألعمال الفنية‬

‫‪41‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫جديد عثــر عليه؛ ثم تابع ديرانبــورغ عمله وإصدار‬ ‫القدمية واملصاحف الشــريفة النادرة‪ ،‬ومخطوطات‬
‫األجزاء حتــى وفاته عام ‪ .1905‬وفي ســنة ‪1928‬‬ ‫قرآنية أندلســية مزينة صفحاتهــا بنقوش ذهبية‬
‫جديدا‬
‫ً‬ ‫نشــر املستشــرق ليفي بروفنســال جردا ً‬ ‫رائعة‪.‬‬
‫للمخطوطــات حتت اســم‪« :‬قائمــة اخملطوطات‬
‫العربية في اإلسكوريال»‪.‬‬ ‫طبعا ســلم من احلريق الكثير من اخملطوطات‪ ،‬كما‬ ‫ً‬
‫ذكرنا‪ ،‬مثل األعمال األدبية والعلمية باللغة العربية‬
‫أيضــا كان هنــاك باحثون عرب اهتموا بفهرســة‬ ‫التي أبدعها علماء مسلمون خالل القرون الوسطى‪،‬‬
‫مخطوطــات اإلســكوريال‪ ،‬ومن بينهــم الدكتور‬ ‫إضافة إلى الزخارف والصور واجملسمات‪ ،‬مثل زخارف‬
‫يوســف زيــدان‪ ،‬ومحمد ســليمان‪ ،‬واملســتعربة‬ ‫أو جداريات الفنان اإليطالي بليغرينو تيباليدي‪ ،‬وهي‬
‫اإلســبانية أورورا كانوا‪ ،‬أساتذة في جامعة أوتونوما‬ ‫عبارة عن صور متثل الفنون السبعة احلرة؛ وحتف فنية‬
‫مبدريد‪ .‬وتختلف أعداد اخملطوطات حسب الفهارس‬ ‫لعدد من الرسامني‪ ،‬مثل هيرونيموس بوش‪ ،‬وروجير‬
‫حصيهــا بحوالي ألفي‬‫املنجــزة‪ ،‬حيث إن البعض ي ِ‬ ‫فان ديــر فايدن‪ ،‬وتيتــان‪ ،‬وياغو‪ ،‬وفاســكزيز‪ ،‬وإنتون‬
‫ُ‬
‫مخطوط‪ ،‬وآخرين يقولون إنها وصلت إلى ما يقارب‬ ‫أيضــا مجموعات من اخملطوطات‬ ‫فان دايك‪ .‬وهناك ً‬
‫الثالثة آالف‪.‬‬ ‫أضيفــت إلى املكتبة‪ ،‬وخاصة مــا كان في مكتبة‬
‫كوندي لوكي‪.‬‬
‫لقد كان تدوين العلوم والثقافات ســمة أساسية‬
‫في احلضارة اإلســامية‪ ،‬التــي حرصت منذ بداية‬ ‫لقد ســعت مكتبة اإلســكوريال إلــى حصر ما‬
‫تكونها في دمشــق وفي بغــداد ووصوال ً لألندلس‬ ‫حتتويه وفهرسته‪ ،‬فقام كثير من الباحثني بدراسة‬
‫على رعاية العلم والعلماء‪ ،‬باعتبار أن العلم ركيزة‬ ‫اخملطوطــات لفهرســتها‪ ،‬وكان فــي مقدمتهم‬
‫أساســية للحضارة والرقي وللحياة الكرمية‪ .‬أيضا‬ ‫املكتبجي القس اللبناني الشهير ميخائيل الغزيري‪،‬‬
‫األديان حثت قبل كل شــيء علــى حتصيل العلم‪،‬‬ ‫الذي كان مترجــم امللك كارلوس الثالث‪ ،‬الذي ُع ِّي‬
‫لذا كان التدوين والرفع من شــأن املؤلفني والعمل‬ ‫عام ‪ 1749‬مديرًا للمكتبــة‪ ،‬فكان له دور في بداية‬
‫على تشجيعهم‪ ،‬وبذلك برزت دور العلم واملكتبات‬ ‫نشوء القسم اخلاص باخملطوطات في املكتبة‪ ،‬ومن‬
‫في ُكبرى مدن العالم اإلسالمي آنذاك‪ ،‬فأصبحت‬ ‫ثم قام بفهرسة اخملطوطات في مجلدين؛ أحدهما‬
‫منارات حضاريــة‪ ،‬فازدهرت العلــوم‪ ،‬وتطور الفكر‬ ‫انتهى منه عــام ‪ ،1760‬واآلخر عــام ‪1770‬م؛ ومن‬
‫واإلبداع‪ ،‬وســمت الثقافة‪ ،‬وارتقــى العقل املنتج‬ ‫رســه‪ :‬مخطوطات اللغة وعلومها من‬ ‫أهم ما َف ْه َ‬
‫املبدع‪ .‬وهناك في الغــرب من أنصف تلك احلضارة‬ ‫‪ 1‬إلى ‪159‬؛ أولها نسخة من كتاب النحو لسيبويه‪،‬‬
‫اإلســامية التي يتنكر لها البعض‪ ،‬حيث ســعى‬ ‫ثم الشــعر وأبوابــه وعلومه‪ ،‬الفلســفة‪ ،‬األخالق‬
‫الكاتب اإلســباني خوســيه كوندي في أن يقدم‬ ‫السياســية‪ ،‬الطب والتاريخ الطبيعي‪ ،‬الرياضيات‬
‫عرضــا متكامال لتاريخ املســلمني فــي األندلس‪،‬‬
‫ً‬ ‫والهندســة والفلك‪ ،‬الفقه وعلوم الدين والقرآن‪،‬‬
‫من خــال كتابه «تاريخ احلكم السياســي العربي‬ ‫اآلثــار النصرانية؛ كل هذه كانت فــي اجمللد األول؛‬
‫عرضا‬
‫ً‬ ‫إلسبانيا»‪ ،‬وقد اعتبر كتابه أول مؤلف يقدم‬ ‫أما اجمللــد الثاني فتضمن مخطوطــات اجلغرافيا‬
‫لتاريخ األندلس اإلسالمية‪ ،‬وقد اعتمد املؤلف في‬ ‫والتاريخ‪ .‬بعــد ذلك اقتنت املكتبة ‪ 100‬مخطوطة‬
‫حتقيــق هذا الكتاب على مكتبة اإلســكوريال في‬ ‫أخرى‪ .‬وفي عام ‪1884‬م أصدر املستشرق الفرنسي‬
‫إثراء معلوماته والتمكن من إجنازه‪ ،‬وخاصة اعتماده‬ ‫هارتنج ديرانبورغ فهرسة للمكتبة انتهى فيها إلى‬
‫شبه الكامل على اخلزانة الزيدانية‪.‬‬ ‫الرقم ‪ ،1955‬وقد زاد علــى الغزيري مبائة مخطوط‬

‫‪42‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫انطالقة النسخة األولى من معرض «األنبياء كأنك تراهم»‬
‫ُّ‬
‫تطل على العالم من بوابة‬ ‫برسالة حضارية عالمية كبرى‪ ..‬الرابطة‬

‫«إكسبو ‪»2020‬‬
‫فعاليات‬

‫دبي‪:‬‬
‫واألرقى حلياة ملؤها العلم والعمل والســام واحملبة‬
‫واملودة والتســامح والتعايش واإلنسانية‪ ،‬عبر عرض‬
‫سجلت رابطة العالم اإلسالمي حضورا ً استثنائيا ً‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫س َير رواد البشــرية‪ ،‬وخيرة اإلنسانية‪ ،‬وصفوة اخللق‪،‬‬ ‫في معرض «إكســبو ‪ »2020‬العاملي‪ ،‬حيث أعلنت‬
‫األنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم‪ ،‬عبر أحدث‬ ‫الدولي‬ ‫انطالقــة النســخة األولى مــن املعــرض‬
‫ّ‬
‫التقنيات وأكثر الوسائل تأثيراً‪.‬‬ ‫احلضــاري‪« :‬األنبياء عليهم الســام كأنك تراهم»‪،‬‬
‫ّ‬
‫يعد األول واألضخم من نوعه‪ ،‬حامالً رســالة‬
‫ُّ‬ ‫الذي‬
‫ويعكس معــرض «األنبيــاء كأنك تراهــم»‪ ،‬جالل‬ ‫قدم للعالم األمنوذج األعلى‬
‫حضارية عاملية كبرى تُ ِّ‬
‫‪43‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫يعكس المعرض جمال رسالة‬ ‫شــريعة اإلسالم وكرمي أخالق رســوله الكرمي صلى‬
‫اهلل عليه وســلم‪ ،‬وشــمول وجمال رسالة اإلسالم‬
‫اإلسالم العالمية وكريم أخالق رسوله‬ ‫العاملية‪ ،‬التي أشرق إشــعاعها من بلد اخلير ومنبع‬
‫صلى هللا عليه وسلم‬ ‫التوحيد والعدل والســام واإلنســانية‪ ،‬من مكة‬
‫املكرمة واملدينة املنورة باململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫ليطل بأنواره على العالم من «إكسبو دبي ‪،»2020‬‬
‫جديــدا ونافــذ ًة مميز ًة على‬
‫ً‬ ‫فتحا‬
‫ً‬ ‫وليشـــرع بذلك‬
‫إبداعي بأحدث‬
‫ٌّ‬ ‫علمي‬
‫ٌّ‬ ‫مضمون‬
‫ٌ‬ ‫حيــاة صفوة اخللــق وقادة البشــرية وحاملي رايات‬
‫العلم والدين واألخالق والعدل والسالم والتسامح‬
‫التقنيات وأمتع الوسائل يؤصل‬
‫والتعاون على اخلير؛ األنبياء والرسل عليهم الصالة‬
‫معاني الحب والخير والمودة والسالم‬ ‫والسالم‪.‬‬

‫والتعايش‬
‫وقد القى املعرض منذ الســاعات األولى الفتتاحه‬
‫عامليا‪ ،‬حاصدا ً الكثير‬
‫ًّ‬ ‫إقبال كبيرًا وحضورا ً جماهيريًّا‬
‫ً‬
‫من اإلعجاب والثناء‪ ،‬مبا يؤصله من معاني احلب واخلير‬
‫كأمنوذج أرقى ملا يجب أن تكون عليه‬
‫ٍ‬ ‫إبداعي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫علمي‬
‫ٍّ‬ ‫واملودة والسالم والتسامح والتعايش والتعاون على‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وأن تسير على هديه البشرية‪.‬‬ ‫اخلير‪ ،‬عبر أحدث التقنيات وأجمل الوسائل مبضمون‬

‫‪44‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫وسيتم خالل املعرض التعريف بخمسة وعشرين ًّ‬
‫نبيا‬ ‫تسجيل أكبر جدارية تفاعلية‬
‫ورسول‪ ،‬هم الوارد ذكرهم في القرآن الكرمي‪ ،‬بخمس‬
‫ً‬
‫تحمل توقيعات المستخدمين برسائل‬
‫لغات عامليــة هي‪ :‬العربية واإلجنليزية والفرنســية‬
‫والعبرية واإلندونيســية‪ ،‬وبأســلوب تفاعلي يعرف‬ ‫الحب والتسامح وقبول اآلخر‬
‫الزائر بأســمائهم وألقابهــم وصفاتهم وخلقهم‬
‫وطفولتهم وأماكن بعثهم والكتب املنزلة عليهم‬
‫وأقاربهــم وأقوامهم وخصائصهــم ومعجزاتهم‬
‫وتتطلــع رابطــة العالــم اإلســامي مــن خالل‬
‫ولغاتهم وأخالقهم‪ ،‬عن طريــق أكثر من ‪ 150‬مادة‬
‫مشاركتها في هذا احلدث العاملي‪ ،‬إلى القيام بواجب‬
‫فلمية بلغات متنوعــة‪ ،‬وإعداد ‪ 14‬خريطة إعالمية‬
‫يومية بلغات متنوعة‪ ،‬حتمــل عناوين جذابة‪ ،‬يعرِف‬ ‫األنبياء عليهم الصالة والســام على اإلنســانية‪،‬‬

‫الزائــر من خاللها ما هي املادة التي ســتعرض‪ ،‬وما‬ ‫والتأكيد على أن األنبياء عليهم الصالة والســام‬
‫هي مواعيدها‪ ،‬ومدة العــرض‪ ،‬إضافة إلى عد ٍد من‬ ‫جميعــا ً أُخو ٌة متحدون في الهدف والرســالة التي‬
‫املطبوعات واملؤلفات العلمية والهدايا التذكارية‪.‬‬
‫النبي محمدا ً صلى اهلل‬
‫َّ‬ ‫جاؤوا بها إلى البشرية‪ ،‬وأن‬

‫محتوى‬ ‫مييز املعرض أنه يشــتمل علــى‬ ‫متمم وخامت لرسالة األنبياء بتشريع‬
‫ٌ‬ ‫عليه وســلم‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأهم مــا ِّ‬
‫نبوي‪ ،‬إضافة إلى‬
‫ٍّ‬ ‫حضاري‬
‫ٍّ‬ ‫تأصيلي‪ ،‬ومضمو ٍن‬
‫ٍّ‬ ‫علمي‬
‫ٍّ‬ ‫حكيم‬

‫‪45‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫الثقافية السلبية بني البشر‪ ،‬وتعميق مفهوم حق‬ ‫جميعا من منظور مؤصل وموثق‪ ،‬ورؤية‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫س َير األنبياء‬
‫اآلخر في العيش بكرامة وحريــة وأهمية التعايش‬ ‫جميعــا إخوة كما جاء‬
‫ً‬ ‫شــاملة‪ ،‬مع التأكيد أنهم‬
‫معه‪ ،‬كل ذلك عن طريق استخدام تقنيات متعددة‬ ‫ت‪ِ :‬د ُ‬
‫ينهم‬ ‫لع َّل ٍ‬
‫إخو ٌة َ‬
‫«األنبياء َ‬
‫ُ‬ ‫في احلديــث الصحيح‪:‬‬
‫يقوم من خاللها الزائر بإرســال رسائل يغلب عليها‬ ‫واح ٌد‪ ،‬وأ ُ َّمهاتُهم َ‬
‫ش َّتى»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شــكل لوحة فنية متَّ بناؤها‬
‫ّ‬ ‫لت‬
‫الطابع اإلنســاني‪ُ ،‬‬
‫من انطباعات ورســائل املســتخدمني بشكلٍ فني‬ ‫ويعمــل املعــرض علــى توظيــف التكنولوجيات‬

‫جذاب‪ ،‬ومن املســتهدف أن تكون أكبر جدارية حتمل‬ ‫الرقمية وبعد ٍد من اللغات العاملية‪ ،‬تسخيرًا للهدف‬

‫توقيعات املســتخدمني برســائل احلب والتسامح‬ ‫املنشود حيث يحتوي املعرض على أحدث التقنيات‬

‫وقبول اآلخر في هذا احلدث العاملي؛ إكســبو ‪2020‬‬ ‫التي تأخذ الزائر إلى عالم آخر‪ ،‬مقدما ً على ســبيل‬

‫دبي‪ ،‬وذلك بأن يقوم الزائــر بعد انتهاء فترة العرض‬ ‫املثال‪ :‬جتربة سينمائية واقعية معززة بتقنيات (‪360‬‬

‫بتسجيل كلمته ومشــاركته صوتًا وصور ًة‪ ،‬وتأخذ‬ ‫‪ ،)Connected LED Screens‬تأخــذ الزائــر إلى‬

‫صورته مكانها في هذه اجلدارية باملعرض‪ ،‬إلى جانب‬ ‫قلب احلدث وكأنه مع النبي في ســيرته ومسيرته‬

‫الكثير من التقنيات احلديثة األخرى‪.‬‬ ‫وأحداث حياته‪ ،‬إضافة إلى جتربة اجلدارية التفاعلية‬
‫(رسالتك إلى اإلنســانية)‪ ،‬وذلك باستخدام جدارية‬
‫كما يضم طابقا ً ثانيــاً‪ ،‬يحتوي على معرض موجز‬ ‫(‪ ،)Interactive LED- Wall‬التــي مت تصميمهــا‬
‫شــامل عبــارة عن نســخة مصغرة مــن املعرض‬ ‫خصيصا إلرساء عدد من املفاهيم اإلنسانية بهدف‬
‫ً‬
‫واملتحــف الدولــي للســيرة النبويــة واحلضارية‬ ‫إزالــة الفواصــل العنصرية وتخطــي الصراعات‬

‫‪46‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫والتعايش معه في ٍّ‬
‫جو من التســامح والتســامي‪،‬‬
‫ً‬
‫ورسول‪ 5 ..‬لغات‪ ..‬وأكثر‬ ‫نبيا‬
‫‪ًّ 25‬‬
‫وتشتمل على موضوعات رئيســية‪ ،‬منها‪ :‬مواقف‬
‫إنســانية من حياة األنبياء عليهم الصالة والسالم‬ ‫من ‪ 150‬مادة فلمية‪ ..‬و‪ 14‬خريطة‬
‫وبخاصة نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم املبعوث‬ ‫إعالمية يومية‬
‫بالشريعة اخلامتة‪.‬‬

‫اإلسالمية‪ ،‬مبا فيها من مجسمات تقنية عن مكة‬


‫يذكر أن املشـــروع يأتي ضمن عدة مشاريع علمية‬
‫املكرمــة واملدينة املنورة‪ ،‬وما يزيد عن ‪ 60‬إصدارًا من‬
‫ومعارض حضارية ومتاحف عاملية‪ ،‬تشـــرف عليها‬
‫إصدارات سلســلة موسوعة الســيرة النبوية في‬
‫وترعاهــا رابطة العالم اإلســامي‪ ،‬وعلى رأســها‬
‫ثوبها اجلديد‪.‬‬
‫معرض‪( :‬التحيــات هلل عز وجل)‪ ،‬و(املعرض واملتحف‬
‫الدولي للســيرة النبويــة واحلضارة اإلســامية)‪،‬‬ ‫ويتضمن املعرض حملة بعنوان‪ :‬اإلسالم دين السالم‪،‬‬
‫ومعرض (األنبيــاء عليهم الســام كأنك تراهم)‪،‬‬ ‫قدم «ســجالً للمواقف اإلنسانية» التي حفل بها‬
‫تُ ِّ‬
‫ومعرض (شقائق الرجال)‪ ،‬ومعرض (براعم اإلميان)‪.‬‬ ‫التاريخ القــدمي واحلديث‪ ،‬بهدف تفعيــل دور الدين‬
‫في حياة البشــر على تنوعهم‪ ،‬وتســليط الضوء‬
‫ويستمر املعرض طيلة أيام األسبوع على مدى ستة‬ ‫على املشــتركات اإلنسانية التي تتفق فيها األديان‬
‫أشهر‪ ،‬هي الفترة املقررة ملعرض إكسبو‪ ،‬ابتداء من‬ ‫كلها‪ ،‬ودور تلك املشــتركات في غــرس األخالقيات‬
‫‪ 1‬أكتوبر ‪ 2021‬وحتى نهاية أبريل ‪.2022‬‬ ‫احلميدة التي تساعد في التفاعل مع اآلخر اخملتلف‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫فكرة مشتركة بين‬

‫بن نبي وفيبر‬

‫فكر عالمي‬
‫بقلم‪ :‬الدكتور الخضر هارون ـ فرجينيا‬

‫ثمة فكرة محورية أقام عليها املفكران ماكس فيبر‬


‫متاما‬
‫ومالك بن نبي جملــة أفكارهما‪ ،‬وهما يتفقان ً‬
‫على هذه الفكــرة ويختلفان في التفاصيل اختالف‬
‫ثقافتني وحضارتني‪.‬‬

‫ماكس فيبر فيلسوف واقتصادي ومؤرخ أملاني‪ ،‬يُعتبر‬


‫وتســاءل بالقول‪« :‬ما هي تلك القوى التي متلك من‬
‫هو وإميل دوركامي وأوغســت كونت‪ ،‬مبثابة آباء لعلم‬
‫القدرة الكافيــة لتحطيم نظام مســتقر لتقيم‬
‫االجتماع احلديــث‪ ،‬ويضيف إليهــم البعض كارل‬
‫مكانه عاملا ً تؤســس عليه مجتمعا ً جديدا ً ال يرغب‬
‫ماركس‪.‬‬
‫فيه أحد؟ ليس هناك ســبب قاهر وحيد يفسر ذلك‪،‬‬
‫إمنا الــذي حدث أن عاملــا ً قدميا ً تخلق في أحشــائه‬ ‫ولد ماكس فيبر في أملانيا عام ‪ ١٨٦٤‬وتوفي في العام‬
‫النظام اجلديد وخرج منه كما تخرج الفراشــة من‬ ‫‪ .١٩٢٠‬شــهد في صغره بالده تتغير بسرعة مذهلة‬
‫الشرنقة»! (ترجمة ما جاء في ص‪.)٣٣‬‬ ‫مدن تتســع بشــواهق‬
‫ٌ‬ ‫بســبب الثورة الصناعية‪.‬‬
‫األبنية وشركات ضخمة تقوم‪ ،‬يحل مديروها محل‬
‫هذه النقلــة الهائلة جعلت االعتقاد الســائد بأن‬
‫الطبقة االرســتقراطية القدمية من حيث األهمية‬
‫الرأسمالية هي الوليد الشرعي لتطور التكنولوجيا‬
‫والتأثير‪ ،‬ذلكم هو بزوغ فجر الرأسمالية‪.‬‬
‫وحتديدا ً الكتشــاف قوة البخار في حتريك ماكينتها‪.‬‬
‫أما ماكس فيبر فقــد كان وفيا ً للتــراث العقالني‬ ‫وصــف روبــرت هايلبرونر فــي كتابه «الفالســفة‬
‫الغالب في أملانيا؛ تــراث كانط وهيقل الذي تصدى‬ ‫الدنيويون» هذا التطور املذهــل في أوروبا واالنتقال‬
‫للحســية البريطانية وعظم دور العقل وما ينتجه‬ ‫من اقتصاد خامل ســاكن يسيطر عليه إقطاعيون‬
‫من أفكار وجاء بثنائية جتعل العقل واحلس عنصرين‬ ‫في مجتمعات تنظر إلى الثراء كما لو كان رجســا ً‬
‫ال غنى عنهما للمعرفة‪ ،‬فاستنتج ـ معارضا ً لكارل‬ ‫من عمل الشــيطان‪ ،‬إلى ما يشبه االنفجار الهائل‬
‫ماكس ـ بأن الناس لم يحتملوا الرأسمالية مخدرين‬ ‫(بيق بانق)‪ .‬رصد هايلبرونر هؤالء الفالســفة الذين‬
‫بأفيون الدين بل الدين هو الذي قادهم للرأسمالية‪.‬‬ ‫أسهموا في تأسيس االقتصاد احلديث (آدم إسمث‪،‬‬
‫واملادية كانــت هي الغالبة على جــل مفكري تلك‬ ‫ديفيد ريكاردو‪ ،‬جــون مينارد كنــز‪ ،‬كارل ماركس‪،)...‬‬

‫‪48‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫«السلوك األخالقي البروتســتانتي» وألف عددا ً من‬ ‫احلقبة الذين استعصموا باحملسوس املادي لتفسير‬
‫الكتب في هذا املعنــى‪ ،‬منها كتابه الذي طبع في‬ ‫الظواهر االجتماعية‪ .‬يرى ماكس فيبر خالفا ً لهم بأن‬
‫العام ‪ ١٩٠٥‬بعنوان‪« :‬األخالق البروتســتانتية وروح‬ ‫النظام الرأســمالي الذي بدأ يتشكل ويقود خطام‬
‫الرأسمالية»‪ .‬وبهذه الروح يعيش البروتستانتي حياة‬ ‫اإلنسانية بهذه اخملترعات نحو التقدم والرفاهية‪ ،‬قد‬
‫نشــطة قليلة القيود مقبلة على النعم إذا نأى عن‬ ‫بدأ بحزمة من األفكار التي ينتجها العقل البشري‬
‫الرذائــل فتتطور احلياة ويحقق املــرء بذلك مراد اهلل‬ ‫وحتديدا ً األفكار الدينيــة‪ ،‬وليس كل األفكار الدينية‬
‫مــن اخللق‪ .‬وقد حصر القدرة على التقدم والتصنيع‬ ‫بل فقط البروتســتانتية املســيحية‪ ،‬وبتحديد أدق‬
‫علــى الــدول األوروبية البروتســتانتية فــي أوروبا‬ ‫الكالفينية (نســبة للقس الفرنســي جون كالفن‬
‫وأمريكا الشــمالية‪ .‬وتبرز فرنســا وهي كاثوليكية‬ ‫وهو معاصر ملارتن لوثر في القرن الســادس عشــر‬
‫لكنها متقدمة فيرجع البعض ذلــك إلى أثر ابنها‬ ‫ويختلف معه في بعض التفاصيل)‪ .‬ومحور الفكرة‬
‫البروتستانتي جون كالفن‪ .‬وخلص ماكس فيبر إلى‬ ‫يقــوم على دعامــة أن البروتســتانتية قــد ألغت‬
‫أن الدول والشــعوب األخرى ليست مؤهلة للتقدم‬ ‫فكرة الوســيط بني اخلالق واخمللوق املعمول بها في‬
‫والصناعــة والرقــي ألنهــا ال متلك تلــك العقيدة‬ ‫املذهــب الكاثوليكي حيث يلجأ املذنب للقســيس‬
‫البروتســتانتية احملفزة للعمل بــل تنتظر املعجزات‬ ‫في الكنيسة الذي يتولى حمل توبته عنه ليرفعها‬

‫واخلوارق‪ .‬والبروتســتانية قد ألغت من قاموســها‬ ‫إلــى اهلل فيتخلص من إثمها وتأنيب ضميره عليها‪،‬‬

‫املعجزات وال ترى سبيالً للرقي إال عبر العمل العلمي‬ ‫وينتظــر يوم احلســاب في القيامة مطمئنــا ً ِخلْوا ً‬
‫من اخلوف والقلق‪ .‬لكــن احلركة اإلصالحية الدينية‬
‫كتبا عن‬
‫ً‬ ‫الدؤوب املنتج للتقانــة والصناعات‪ .‬وألف‬
‫بقيادة مارتن لوثر األملاني ومعاصره الفرنســي جون‬
‫الديانات الشــرقية لتأكيد رؤيتــه في عدم أهليتها‬
‫كالفن قد ألغت هذه الوساطة‪( .‬يرى بعض الباحثني‬
‫لصناعة التقدم وشرع في كتابة كتاب عن اإلسالم‬
‫أن ذلك من تأثيرات اإلســام فــي األندلس)‪ .‬وقالت‬
‫ليطبق عليه نظريته تلك لكنه مات قبل أن يكمله‬
‫احلركة اإلصالحيــة إن بإمكان كل فــرد من الناس‬
‫بسبب تفشي جائحة اإلنفلونزا اإلسبانية‪.‬‬
‫أن يتواصل مع اخلالق مباشــرة دون وسيط‪ .‬وملا كان‬
‫على هذه القاعدة أقام ماكس فيبر فلســفته في‬ ‫احلســاب والعقاب مؤجلني إلى يــوم القيامة‪ ،‬فإن‬
‫حتليل الظاهرة االجتماعية فتحدث عن البيروقراطية‬ ‫البروتستانتي يشعر بالقلق واخلوف من مصيره يوم‬
‫وأهميتها في تنظيم اجملتمعات احلديثة وتقســيم‬ ‫احلســاب من رب منتقم جبار وال يعرف وهو حي يرزق‬
‫العمل في اجملتمعــات الصغيرة والكبيــرة‪ ،‬وتناول‬ ‫في هذه احلياة الدنيا مــا إذا كان الرب راضيا ً عنه أم‬
‫بالتحليل مفهوم الكاريزما وأن الدولة هي املؤسسة‬ ‫أنه ناقم عليه يوم يلقاه يوم البعث والنشــور‪ .‬وهذا‬
‫الوحيدة املصرح لها باحتكار استخدام العنف‪.‬‬ ‫اخلوف يدفعه للعمل الصالــح يقدمه للخالق بني‬
‫يديه عند احلســاب‪ .‬وفي حــن أن العمل املطلوب‬
‫مالــك بن نبــي اجلزائري املســلم ولد فــي مدينة‬ ‫لدى الكاثوليكي هو العمل الديني في الكنيســة‬
‫قســنطينة فــي العــام ‪ ١٩٠٥‬وتوفي فــي العام‬ ‫أو الدعوة للمسيحية الكاثوليكية‪ ،‬فالعمل الديني‬
‫‪ .١٩٧٣‬تخــرج في اجلامعات الفرنســية مهندســا ً‬ ‫لدى البروتســتانتية هو كل عمل مفيد للمجتمع‬
‫واهتم بقضايا الفكــر والثقافة في العالم العربي‬ ‫وللبشــرية؛ فالنجار واحلائك واملــزارع كلهم يثابون‬
‫واإلســامي محاربا ً واقع القابلية لالستعمار فيه‪،‬‬ ‫على عمل ال ينحصر نفعه في العائلة الصغيرة بل‬
‫واستنهاض املسلمني الستئناف دورهم في النهضة‪.‬‬ ‫يتعداها للمجموعة‪ .‬وأطلق فيبر على هذا املفهوم‬

‫‪49‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫وما فتئت تتلون عبر السنني حتى استوت على لونها‬ ‫محركا‬
‫ً‬ ‫وهو يتفق مع ماكس فيبر في محورية الدين‬
‫احلاضر فحسبناها نباتا ً جديداً»‪( .‬مشكلة الثقافة‪،‬‬ ‫رئيسا للحضارات كافة ويختلف معه في نظرة فيبر‬
‫ً‬
‫ص ‪.)80‬‬ ‫املعتمدة علــى املركزية الثقافية األوروبية واملتحيزة‬
‫لها لدرجة إمكانية وصفها بالعنصرية‪ .‬ويرى أن كل‬
‫ويضرب لذلك مثالً بجمعيــة حضانة األطفال في‬ ‫احلضارات كانت بواعثها األولى دينية‪.‬‬
‫فرنسا‪ ،‬قال تبدو لنا «من أول وهلة أنها جمعية تقوم‬
‫على شــؤونها دولة مدنية‪ ،‬ونحكم بأنها مؤسسة‬ ‫يقول بن نبي إن احلضارة تشــبه معادلة رياضية من‬
‫نشــأت في بادئ أمرها على أسس مدنية (ال دينية)‪.‬‬ ‫ثالثة متغيرات هي‪ :‬إنســان‪ +‬تراب ‪ +‬زمن‪ ،‬والتفاعل‬
‫بينما لو درســنا تاريخها ورجعنا إلى أصول فكرتها‬ ‫بني هذه املكونات ال يكون إال بإيديولوجية تلعب دور‬
‫األولــى لوجدناها ذات أصل مســيحي‪ ،‬فهي تدين‬ ‫الوســيط الكيماوي بني أطراف هذه املعادلة‪ .‬ومثله‬
‫مثل ماكس فيبر جعل ذلك محور كتاباته العديدة‪:‬‬
‫ســان دي بول) الذي أنشــأ‬ ‫بالفضــل للقديس ْ‬
‫(فان َ‬
‫مشروع األطفال املشــردين خالل النصف األول من‬ ‫الظاهرة القرآنية‪ ،‬شروط النهضة‪ ،‬القضايا الكبرى‪:‬‬
‫مشكالت احلضارة‪ ،‬مشكلة الثقافة وغيرها‪.‬‬
‫القرن السابع عشر»‪( .‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.)81‬‬
‫وهو يــرى أن صناعــة احلضارة متاحة‪ ،‬فاإلنســان‬
‫ويضيف‪« :‬ولســوف نصل في النهاية ـ إذا ما تتبعنا‬
‫موجــود والتراب موجــود والزمن متــاح إذا توفرت‬
‫كل مدني من مظاهر احلضارة الغربية ـ إلى الروابط‬
‫اإليديولوجية أو العقيدة احملفزة واملفجرة للطاقات‬
‫الدينية األولى التي بعثت احلضــارة‪ ،‬وهذه حقيقة‬
‫الفعالة في اإلنســان‪ .‬فاحلضارة لديه إنتاج بشري‬
‫كل عصر وكل حضارة»‪.‬‬
‫لذلك فالتخلف الذي يعيشــه املسلمون ينبع في‬
‫وفي مسعاه الستنهاض شبيبة املسلمني يشخص‬ ‫األســاس من داخلهم‪ .‬ويشير كأنه يرد على ماكس‬
‫مالك بن نبي أزمتهم فــي فصل كامل من كتابه‬ ‫فيبر إلى تأثير احلضارة العربية في األندلس وغيرها‬
‫مشــكلة الثقافة حتت عنوان احلَرفية في الثقافة‪:‬‬ ‫على الفكر الغربــي وعلى عصر النهضة األوروبية‬
‫«احلقيقــة أننا منذ خمســن عاما ً نعــرف مرضا ً‬ ‫فيقــول‪« :‬إن وحــدة الزمن لم يتــم حتديدها وكان‬
‫واحدا ميكن عالجه هو اجلهل واألمية‪ ،‬ولكننا اليوم‬ ‫على اإلنســانية أن تنتظر احلضــارة العربية لترى‬
‫ً‬
‫أصبحنا نرى مرضا ً جديدا ً مستعصيا ً هو (التعالُم)‬ ‫رياضيا‪ ،‬ألن أحد‬
‫ً‬ ‫الزمــان يقاس في النهاية قياســا ً‬
‫الفلكيني املسلمني باملغرب (أبو احلسن املراكشي)‬
‫وإن شــئت فقــل احلَرفية في التعلــم والصعوبة‬
‫قد اخترع وحدته حني حدد (الســاعات املتساوية)‪،‬‬
‫كل الصعوبــة في مداواته‪ .‬وهكــذا أتيح جليلنا أن‬
‫أعني حني قســم مدة دوران األرض أربعة وعشرين‬
‫يشــهد خالل النصف األخير من هذا القرن‪ ،‬ظهور‬
‫جزءا ً متساوياً‪ .‬فمنذ ذلك احلني انتقل حتديد الزمن‬
‫منوذجني من األفراد فــي مجتمعنا‪ :‬حامل املرقعات‬
‫من املرحلة التجريبية للمرحلة العلمية» (مشكلة‬
‫ذي األطمــار البالية‪ ،‬وحامل الالفتات العلمية‪ .‬فإذا‬
‫الثقافة‪ ،‬ص ‪.)٢٣‬‬
‫كنا ندرك بســهولة كيف نداوي املريض األول فإن‬
‫مداواتنا للمريض الثاني ال ســبيل إليها ألن عقل‬ ‫وحول أصــل الدين في احلضارة الغربيــة يقول‪« :‬إن‬
‫هــذا املريض لم يتقن العلم ليصيره ضميرا ً فعاالً‪،‬‬ ‫شــبابنا لينظرون إلــى املدنية الغربيــة في يومها‬
‫بل ليجعله آلة للعيش وســلما ً يصعد به منصة‬ ‫الراهن ويضربون صفحا ً عن أمسها الغابر حني نبتت‬
‫البرملان‪.‬‬ ‫أولى بذورها وتلونت في تطورها ومنوها ألوانا ً مختلفة‬

‫‪50‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫مفردة «نور»‬
‫في ضوء السياق القرآني الحاضن لها‬
‫تأمالت تربوية‬
‫مع القرآن‬

‫أ‪.‬د‪ .‬آمال عتيبة‬


‫وقد اكتسبت املفردة القرآنیة أهميتها ملا متتاز به‬
‫من جمال وقعها في الســمع‪ ،‬واتساقها الكامل‬ ‫جامعة أم القرى‬
‫مع املعنى‪ ،‬واتســاع دالالتها ملا ال تتســع له عادة‬
‫دالالت الكلمــات األخــرى؛ فاملفردة في الســياق‬ ‫القــرآن العظيم عزيز في كلماتــه معجز بقالبه‬
‫القرآني تكســبنا معنى وثــراء؛ إذ إنها تبعث في‬ ‫اللغوي متفرد في أســلوبه البالغي؛ فيســتخدم‬
‫محسوســا مجســماً‪ ،‬كما أن‬
‫ً‬ ‫اخليال صور املعنى‬
‫كلمة واحدة ويذكرها في مواضع من القرآن على‬
‫البحث في داللة املفــردة القرآنية يفتح آفاقا ً من‬
‫املعارف والعلوم‪ ،‬وكيف ال يكون ذلك وأن منشــئ‬ ‫لفظ واحد وحركة واحدة‪ ،‬ويريد بها في كل موضع‬
‫القرآن الكرمي ليس بشــراً‪ ،‬وإمنا هو خالق البشــر‪،‬‬ ‫معنى غير اآلخر‪ ،‬وفي سبك معجز‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫ويتضح من املعنى الســابق أن الظلمة ضد النور‬ ‫لذلك لم يظفر الوجود كله بأســلوب بلغ اإلعجاز‬
‫ٱلنورُ» [فاطر‪.]20:‬‬
‫ت َو َل ُّ‬
‫ٱلظل ٰ َُم ُ‬
‫«و َل ُّ‬
‫لقوله تعالــى‪َ :‬‬ ‫إال في القرآن الكرمي‪.‬‬
‫وجمعــت الظلمات ألن احلق واحد‬ ‫وقد أُفرد النور ُ‬
‫والباطل كثيــر‪ ،‬كما يتضح أيضــا أن فعل النور‬ ‫ولقد أولى العلماء واملفكرون املســلمون عموما‬
‫ٍ‬
‫متعد والزم فيقال‪ :‬نار السراج فأنار املكان‪.‬‬ ‫اهتماما ً وعناي ًة بالغ ًة بكتــاب اهلل‪ ،‬تفكرًا وتدبرًا‪،‬‬
‫وعمل‪ ،‬فاجتهدوا في التأليف والتصنيف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتذكرًا‬
‫ويوضــح الراغب األصفهانــي أن النــور ضربان‪:‬‬ ‫ولــم يقتصر األمر على ذلك بــل عكف املفكرون‬
‫حســي ومعنوي‪ ،‬ويبني أيضا أنه قــد يكون دنيويا ً‬ ‫التربويــون املســلمون علــى اســتخراج املبادئ‬
‫وأخروياً‪ ،‬ومنه ما هو عام‪ ،‬ويدعم ذلك بالشــواهد‬ ‫والدالالت التربوية من آيات القرآن الكرمي ومفرداته‪،‬‬
‫القرآنيــة فيقول‪« :‬النــور الضوء املنتشــر الذي‬ ‫وحاولــوا إيجاد ســبل توظيفها في املؤسســات‬
‫يعني علــى اإلبصار‪ ،‬وذلك ضربــان‪ :‬دنيوي وأخروي‪،‬‬ ‫التربوية باجملتمع مبا يعود بالنفع على أفراده‪.‬‬
‫فالدنيــوي ضربان‪ :‬ضرب معقــول بعني البصيرة‬
‫وهو ما انتشر من األمور اإللهية؛ كنور العقل ونور‬ ‫والكاتبــة أمام هذا املنهج الفريــد للقرآن الكرمي‬
‫القرآن‪ ،‬ومحســوس بعني البصر؛ وهو ما انتشــر‬ ‫لفظا من األلفاظ‬
‫ً‬ ‫املعجز بلفظه ومعناه‪ ،‬اختارت‬
‫من األجســام النيرة كالقمر والنجــوم والنيرات‪،‬‬ ‫املتعــددة املعنى‪ ،‬جاء في كتــاب اهلل عز وجل في‬
‫«ي َأَهلَ ِ‬
‫ٱلك ٰ َت ِ‬ ‫مواضع مختلفة‪ ،‬وآيات عــدة‪ ،‬بإطالقات متعددة‬
‫ب َقد‬ ‫فمن النور اإللهي قولــه تعالى‪ٰٓ :‬‬
‫وهــو‪ :‬مفردة «نور»‪ ،‬التي تكــررت في القرآن الكرمي‬
‫ون‬
‫خف َ‬ ‫نتم تُ ُ‬ ‫ي لَكُ م َك ِثيرا ِّمَّا كُ ُ‬
‫ســول َُنا يُ َب ِّ ُ‬
‫ٓاءكُ م ر َ ُ‬
‫َج َ‬
‫َّ‬
‫ٓاءكُ م ِّم َن ِ‬ ‫ِم َن ِ‬ ‫على أكثر من معنى بحســب الســياق القرآني‬
‫ٱلل نُور‬ ‫عفو ْا َعن َك ِثير َقد َج َ‬ ‫ب َويَ ُ‬ ‫ٱلك ٰ َت ِ‬
‫َو ِك ٰ َتب ُّمبِني» [املائدة‪.]15:‬‬ ‫احلاضن لها؛ لتبحر في الكتاب املعجز وتلتقط من‬
‫جواهره الثمينة في التربية الربانية‪ ،‬ولتســتنبط‬
‫ومن احملسوس الذي يعني البصر نحو قوله تعالى‪:‬‬ ‫منها الدالالت التربوية في ضوء الســياق القرآني‬
‫ٱلق َمرَ نُورا َو َق َّدر َ ُه‬ ‫ــمس ِ‬
‫ض َيٓاء َو َ‬ ‫َ‬ ‫ٱلش‬
‫َّ‬ ‫«ه َو ٱلَّ ِذي َج َعلَ‬
‫ُ‬ ‫احلاضن لها‪.‬‬
‫ــاب َما َخل ََق‬
‫س َ‬ ‫ني َوٱحلِ َ‬ ‫ٱلســ ِن َ‬
‫َم َناز ِلَ لِ َتعل َُمو ْا َع َد َد ِّ‬
‫ٓ‬ ‫َّ ُ‬ ‫الدالالت اللغوية لمفردة «نور»‬
‫ون»‬ ‫صلُ ٱأل ٰي َ ِــت لِ َقوم يَعل َُم َ‬‫ٱلل ٰ َذلِ َــك إ ِ َّل ب ِٱحل َِّق يُ َف ِّ‬
‫[يونس‪ .]5 :‬وتخصيص الشــمس بالضوء والقمر‬
‫حدد ابن فارس معنى نور بقوله‪« :‬النون والواو والراء‬
‫بالنور من حيــث إن الضوء أخص من النور‪ .‬ومما هو‬
‫أصل صحيح يــدل على إضــاءة واضطراب وقلة‬
‫ــم ٰ َو ِ‬
‫ت‬ ‫ٱلس ٰ َ‬ ‫َمد ِ َّ ِ‬
‫ل ٱلَّ ِذي َخل ََق َّ‬ ‫عام قوله تعالى‪« :‬ٱحل ُ‬ ‫ثبات‪ ،‬ومنه النور والنار‪ ،‬وســميا بذلك من طريقة‬
‫ــم ٱلَّ ِذ َ‬
‫ين َك َفرُو ْا‬ ‫ٱلنور َ ثُ َّ‬
‫ت َو ُّ‬‫ٱلظل ٰ َُم ِ‬ ‫ُّ‬ ‫رض َو َج َعــلَ‬‫َوٱألَ َ‬
‫اإلضاءة‪ ،‬وألن ذلك يكون مضطربا ســريع احلركة‪.‬‬
‫ُون» [األنعام‪ .]1:‬ومــن النور األخروي‬ ‫عدل َ‬‫ب ِرَبِّهِ ــم ي َ ِ‬
‫وتنورت النــار تبصرتها (وقال) والذي قلناه في قلة‬
‫ســع ٰى‬ ‫ت يَ َ‬ ‫ُؤم ٰ َن ِ‬
‫ني َوٱمل ِ‬‫ُؤم ِن َ‬
‫وم تَرَى ٱمل ِ‬ ‫قوله تعالى‪« :‬ي َ َ‬ ‫الثبات‪ :‬امرأة نوار‪ ،‬عفيفة– تنور‪ ،‬أي تنفر بالقبيح»‪.‬‬
‫وم َج ٰ َّنت‬‫ٱلي َ‬
‫م َ‬ ‫يديهِ م َوبِأ َ ٰمي َ ِنهِ م بُشرَ ٰىكُ ُ‬‫ني أ َ ِ‬
‫نُور ُ ُهم ب َ َ‬
‫ٱلفوز ُ‬ ‫يها ٰ َذلِ َ‬
‫ك ُه َو َ‬ ‫ين ِف َ‬
‫ــر ٰ َخلِ ِد َ‬ ‫َترِي ِمن َت ِت َها ٱألَ ٰ َ‬
‫نه ُ‬ ‫وقد ُذكر في لسان العرب‪« :‬النور‪ :‬الضياء‪ ،‬والنور ضد‬
‫يم» [احلديد‪.]12:‬‬ ‫ظ ُ‬ ‫ٱلع ِ‬
‫َ‬ ‫الظلمة‪ ،‬نار وأنار الزم ومتعــد‪ ،‬وأنار املكان وضع فيه‬
‫النور‪ ،‬واملنار العلم وما يوضع بني الشيئني من احلدود»‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫الدالالت السياقية لمفردة «نور»‬
‫أحدهــا‪ :‬أن النــور ســبب للظهــور‪ ،‬والهداية ملا‬
‫في القرآن الكريم‬
‫شــاركت النور في هذا املعنى صح إطالق اســم‬
‫النور على الهدايــة‪ ،‬ويكون معنى اآلية اهلل هادي‬
‫وردت مفــردة «نور» ومشــتقاتها فيما يقارب من‬
‫أهل السماوات واألرض‪( ،‬ذكره ابن عباس في رواية‬
‫موضعا في القرآن الكرمي (عبد الباقي‪،1364 ،‬‬
‫ً‬ ‫(‪)49‬‬
‫أنس)‪.‬‬
‫باب النون)‪ .‬وقد ورد اللفظ معرفا ً ومنكرا ً في (‪)34‬‬
‫آيــة‪ ،‬جاءت هذه اآليات في (‪ )24‬ســورة من كتاب‬
‫ثانيهــا‪ :‬املراد مدبــر الســماوات واألرض بحكمة‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬منها (‪ )10‬ســور مكية و(‪ )14‬ســورة‬
‫بالغة‪ ،‬وحجة نيرة‪ ،‬فوصف نفسه سبحانه وتعالى‬
‫مدنية؛ وسميت سورة كاملة باسم «النور»‪ ،‬وذلك‬
‫بذلك‪ ،‬فإنــه إذا كان مدبرهم تدبيرا ً حســنا ً فهو‬
‫لكثرة ذكر لفظة «النور» فيها‪ ،‬للداللة على معا ٍن‬
‫كالنــور الذي يهدي به إلى مســالك الطرق؛ قال‬
‫مختلفة‪ .‬وفيما يلي توضح الكاتبة دالالت مفردة‬
‫جرير‪« :‬وأنت لنا نور وغيث وعصمة»‪.‬‬
‫«نور» بحسب السياق القرآني احلاضن لها في آيات‬
‫ثالثها‪ :‬معناه منور الســماوات واألرض بنجومها‬ ‫القرآن الكرمي على النحو التالي‪:‬‬
‫وشمســها وقمرها‪ ،‬وذلك في رواية أخرى عن ابن‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬مفردة «نور» للداللة على هللا سبحانه‬
‫عباس وقــال أبو العالية واحلســن مثل ذلك‪ .‬ومن‬
‫وتعالى‬
‫هنا فإن اهلل ســبحانه وتعالى نور في احلقيقة بل‬
‫ليس النور إال هو‪« :‬فكل ما سوى اهلل مظلم لذاته‬
‫النور صفة مــن صفاته عز وجل قائــم به‪ ،‬ومنه‬
‫مســتنير بإنارة اهلل تعالى؛ فاحلق سبحانه وتعالى‬
‫اشــتق له اســم النور الذي هو اسم من أسمائه‬
‫هو الذي أظهرها بالوجود بعد أن كانت في ظلمات‬
‫احلسنى سبحانه وتعالى؛ ففي احلديث‪« :‬لك احلمد‬
‫العدم وأفاض عليها أنواع املعارف بعد أن كانت في‬
‫أنت نور الســماوات واألرض ومــن فيهن» (أخرجه‬
‫ظلمات اجلهالة‪ ،‬فال ظهور لشيء من األشياء إال‬
‫البخاري في حديثه‪ 53/1:‬برقم ‪.)1120‬‬
‫بإظهاره‪ .‬وخاصية النــور إعطاء اإلظهار والتجلي‬
‫واالنكشــاف‪ .‬وعلى هذا يظهر أن النور املطلق هو‬ ‫وقد وردت مفردة «نور» دالة على هذا املعنى في قوله‬
‫اهلل ســبحانه وتعالى‪ ،‬وإن إطالق النور على غيره‬ ‫ــم ٰ َو ِ‬
‫ت َوٱألَ ِ‬ ‫َّ ُ‬
‫رض‪[ »...‬النور‪،]35:‬‬ ‫ٱلس ٰ َ‬
‫تعالــى‪« :‬ٱلل نُور ُ َّ‬
‫مجاز‪ ،‬إذ كل ما ســوى اهلل من حيث هو هو ظلمة‬ ‫شملت هذه اآلية النور احملسوس املشهود باإلبصار‬
‫محضــة‪ ،‬ألن من حيث هو عــدم محض‪ ...‬فثبت‬ ‫الذي استنارت به أقطار السماوات واألرض‪ ،‬والنور‬
‫ســبحانه هو النور وأن كل ما سواه فليس بنور إال‬ ‫املشــهود بالبصائر والقلوب الذي اهتدى به أهل‬
‫على سبيل اجملاز» (التفسير الكبير‪.)380/8 ،‬‬ ‫الســماوات واألرض‪ ،‬فهو ســبحانه وتعالى منور‬
‫الســماوات واألرض‪ ،‬وإمنا أضيف النور للسماوات‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬مفردة «نور» للداللة على‬
‫واألرض لكمال شــيوعه وغاية شــموله (تيسير‬
‫دين هللا (اإلسالم)‬
‫الكرمي الرحمن‪ ،‬ص ‪.)568‬‬
‫وصــف اهلل تعالى ما بعث به محمــدا ً ص َّلى اللَّ ُ‬
‫َ‬ ‫وقد اختلف املفســرون في بيان داللة مفردة «نور»‬
‫م بالنور في العديد من اآليات القرآنية‪،‬‬ ‫َعل َْي ِه َو َ‬
‫س َّل َ‬ ‫في هذه اآلية‪ ،‬فذكروا فيها وجوهاً‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫{م َن اللّ نُورٌ}‪،‬‬
‫« َق ْد َجاءكُ ْم» يا أهل التوراة واإلجنيل ِّ‬ ‫وذلك ألنه يبني احلق من الباطل‪ ،‬ويشتمل على كل‬
‫محمدا الذي أنار اهلل به احلق‪ ،‬وأظهر‬
‫ً‬ ‫يعنــي بالنور‪:‬‬ ‫ما فيه صالح القلوب واألرواح واألبدان‪ ،‬وملا يأمر به‬
‫به اإلســام ومحق به الشرك‪ ،‬فهو نور ملن استنار‬ ‫من إخالص الدين هلل وحده وااللتزام مبكارم األخالق‬
‫به‪( .»...‬الطبري‪ ،1412،‬ج‪ ،6‬ص ‪.)104‬‬ ‫(السعدي‪ ،1424 ،‬ص ‪ ،)335‬قال تعالى‪« :‬أ َ َو َمن َك َ‬
‫ان‬
‫اس‬
‫ٱلن ِ‬‫شــي ب ِ ِه ِفي َّ‬ ‫لنا ل َُه نُورا َي ِ‬
‫ين ُه َو َج َع َ‬
‫حي ٰ َ‬‫َ‬
‫ً‬ ‫َميتا َفأ َ‬
‫رابعا‪ :‬مفردة «نور» للداللة على القرآن الكريم‬ ‫نها َك ٰ َذلِ َ‬
‫ك‬ ‫ٱلظل ٰ َُم ِ‬
‫َك َمن َّم َثل ُُه ِفي ُّ‬
‫َيس ب َِخار ِج ِّم َ‬
‫تل َ‬
‫وقد وصــف القرآن بأنــه «نور» في قولــه تعالى‬
‫ُــون» [األنعام‪.]122:‬‬
‫َ‬ ‫عمل‬ ‫لك ِفر َ‬
‫ِيــن َما َكانُو ْا ي َ َ‬ ‫زُي ِّ َن لِ ٰ َ‬
‫وقد كشــف القرآن الكرمي عن كيد أعداء اإلسالم‬
‫ٓاءكُ م‬
‫اس َقد َج َ‬ ‫«ي َأَيُّ َها َّ‬
‫ٱلن ُ‬ ‫مخاطبا جميع البشــر‪ٰٓ :‬‬
‫من املشــركني والوثنيني واليهــود والنصارى في‬
‫رهــن ِّمــن رَّبِّكُ ــم َوأَنزَ َ‬
‫لنــا إِلَيكُ م نُــورا ُّمبِينا»‬ ‫بُ ٰ َ‬
‫ون‬
‫ِيد َ‬ ‫التشكيك في اإلســام في قوله تعالى‪« :‬يُر ُ‬
‫[النســاء‪ .]174:‬وقــد وصفه احلق تبــارك وتعالى‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫بهذا الوصــف‪ ،‬وذلك لبيانــه وتوضيحه الطريق‬
‫م‬ ‫أَن يُطف ِ‍ئُٔو ْا نُــور َ ٱللِ بِأ َ ٰ َ‬
‫فو ِههِ م َويَأبَى ٱلل إ ِ َّل أَن يُ ِت َّ‬
‫املســتقيم ‪ -‬طريق النجاة‪ -‬في الدنيا واآلخرة وأن‬
‫ون» [التوبة‪ ،]32:‬فقد شبه اهلل‬ ‫ٱلك ِفرُ َ‬
‫نُور َ ُه َولَو َكر َِه ٰ َ‬
‫ســبحانه وتعالى حال من يحــاول إبطال دين اهلل‬
‫به يخــرج العباد ‪ -‬بإذن اهلل‪ -‬مــن ظلمات اجلهل‬
‫وشــرعه مبن يريد أن يطفئ نور الشــمس بنفخه‬
‫والكفر إلى نور العلــم واليقني‪ ،‬وقد أمر املولى عز‬
‫فيها وليس له ذلك‪ ،‬وهذا أسلوب تهكم وسخرية‬
‫وجل باتبــاع هذا النور ألن اتباعــه يعني االقتداء‬
‫ألنه ال ميكن ألحد أن يطفئ نور دين اهلل الذي أراد له‬
‫مبا جاء به الرســول املصطفى محمد بن عبداهلل‪،‬‬
‫سبحانه أن يضيء الدنيا بنور احلق بجعله ناسخا‬
‫عليه أفضل الصلوات وأمت التســليم (املباركفوري‬
‫جلميع األديان السماوية (ابن عاشور‪،1984 ،‬ج‪ ،1‬ص‬
‫وآخرون‪ ،1420 ،‬ص ‪.)506‬‬
‫‪.)171‬‬
‫خامسا‪ :‬مفردة «نور» للداللة على اإليمان‬ ‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬مفردة «نور» للداللة على الرسول‬
‫والهداية‬
‫س َّلم‬ ‫ص َّلى َّ ُ‬
‫للا عَ َليْهِ وَ َ‬ ‫محمد َ‬
‫أرســل اهلل املرســلني وأنزل الكتب إلرشاد العباد‬
‫وظيفة الرســل هي هداية البشر مبا أوحى إليهم‬
‫إلى طريق احلق واإلميان والهداية‪ ،‬فيقول سبحانه‬
‫ٓ‬ ‫ســبحانه وتعالى‪ ،‬وإنارة الطريق لهم بنور الهدى‬
‫اس ِم َن‬ ‫َيــك لِ ُتخر َِج َّ‬
‫ٱلن َ‬ ‫َ‬ ‫ب أَنزَ ٰ َ‬
‫لن ُه إِل‬ ‫وتعالى‪« :‬الر ِك ٰ َت ٌ‬ ‫وإزالة ظلمات الغي والضالل؛ لذا فقد ورد وصفهم‬
‫ٱلعزِيزِ‬
‫ط َ‬ ‫ص ٰرَ ِ‬
‫َــى ِ‬
‫ٱلنور ِ بِإِذ ِن رَبِّهِ م إِل ٰ‬
‫ت إِلَــى ُّ‬ ‫ٱلظل ٰ َُم ِ‬
‫ُّ‬
‫في القرآن الكرمي بالنــور لقول احلق تبارك وتعالى‪:‬‬
‫ٱحل َِم ِ‬
‫يد» [إبراهيم‪ .]1:‬فقــد أنزل اهلل القرآن الكرمي‬
‫ي لَكُ م َك ِثيرا‬
‫ســول َُنا يُ َب ِّ ُ‬
‫ٓاءكُ م ر َ ُ‬
‫ب َقد َج َ‬ ‫«ي َأَهلَ ِ‬
‫ٱلك ٰ َت ِ‬ ‫ٰٓ‬
‫الذي هو أشــرف كتــاب أنزله من الســماء على‬
‫عفــو ْا َعن َك ِثير‬
‫ب َوي َ ُ‬ ‫ــن ِ‬
‫ٱلك ٰ َت ِ‬ ‫ون ِم َ‬ ‫خف َ‬
‫نتم تُ ُ‬ ‫ِّمَّــا كُ ُ‬
‫أشرف رســول بعثه إلى جميع اخللق على اختالف‬
‫ٓاءكُ م ِّم َن َّ ِ‬
‫ٱلل نُــور َو ِك ٰ َتب ُّمبِني» [املائدة‪.]15:‬‬ ‫َقد َج َ‬
‫ألوانهم وألسنتهم وأجناسهم ليخرجهم مما هم‬ ‫وصفــة النور هنا ُقصــد بها الرســول ص َّلى اللَّ ُ‬
‫فيه من ظلمات اجلهل والشــرك والغي والضالل‪،‬‬ ‫َ‬
‫إلى نور الهداية واإلميان بأمر اهلل وإرادته ومشيئته‬
‫م الذي بعثه اهلل بخامت األديان فأنار به‬ ‫َعل َْي ِه َو َ‬
‫ســ َّل َ‬
‫طريق احلق‪ ،‬قال الطبري في تفســيره‪« :‬يقول جل‬
‫(املباركفوري وآخــرون‪ ،1420 ،‬ص ‪ ،694‬والصابوني‪،‬‬
‫ثناؤه لهــؤالء الذين خاطبهم مــن أهل الكتاب‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫ــمٓا ِء بُ ُروجا َو َج َعلَ ِف َ‬
‫يها‬ ‫«تَ َبارَكَ ٱلَّ ِذي َج َعلَ ِفي َّ‬
‫ٱلس َ‬ ‫‪ ،1424‬ص ‪.)625‬‬
‫ــرَجا َو َق َمرا ُّم ِنيرا» [الفرقــان‪ ،]61:‬فقد وصفت‬ ‫س ٰ‬ ‫ِ‬
‫الشمس سراجا والقمر نورا‪.‬‬ ‫وإن هدى اهلل ال يقتصر على الظاهر فقط‬ ‫ ‬
‫بل أنه ميتد إلــى الصدور والقلوب‪ ،‬يقول املولى عز‬
‫كما ورد لفــظ «نور» مبعناه الدنيوي احلســي في‬ ‫م َف ُه َو َعل َٰى نُور‬ ‫صدر َ ُه لِإلِس ٰلَ ِ‬ ‫َّ ُ‬ ‫وجل‪« :‬أ َ َف َمن َ‬
‫شرَ َح ٱلل َ‬
‫وصــف حال املنافقــن في قول املولــى جل وعال‪:‬‬ ‫ك‬‫ٱلل أ ُ ْو ٰٓلَ ِئ َ‬
‫س َي ِة ُقلُوبُ ُهم ِّمن ِذكرِ َّ ِ‬ ‫ِّمن رَّب ِّ ِه َف َويل ل ٰ َ‬
‫ِّلق ِ‬
‫ٓاءت‬
‫ض َ‬ ‫ٱســتو َق َد نَــارا َفل ََّمٓا أ َ َ‬
‫َ‬ ‫«م َثل ُُهم َك َم َثلِ ٱلَّ ِذي‬‫َ‬ ‫[الز َمر‪ .]22:‬فمن اهتدى بهدي اهلل‬ ‫ض ٰلَل ُّم ِبنيٍ» ُّ‬ ‫ِفي َ‬
‫ظل ٰ َُمت‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ــم‬ ‫ِ‬
‫ِه‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ِن‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ٱلل‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫َه‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ــا‬ ‫َم‬ ‫يشرح اهلل صدره فيفيض قلبه بنور اإلميان‪ ،‬ويصبح‬
‫َََ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬
‫ون» [البقرة‪ ،]17:‬فقد شبه حال املنافقني‬ ‫بص ُر َ‬ ‫َّل يُ ِ‬ ‫على بصيرة ويقني واهتداء بنور اإلسالم‪.‬‬
‫في اشــترائهم الضاللة بالهدى باإلنســان الذي‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬مفردة «نور» للداللة على الضياء‬
‫أوقد نارا ً ليســتدفئ بها ويستضيء بنورها‪ ،‬فلما‬
‫اســتأنس بها أطفأ اهلل هذه النــار وأذهب نورها‬ ‫واالستنارة‪.‬‬
‫بالكلية‪.‬‬
‫ويجــد املتأمل في اآليات القرآنية الكرمية أن لفظ‬
‫ب‪ .‬النور بمعنى اإلضاءة واالستنارة الدنيوية‬ ‫«نور» جاء في عدة مواضع ســواء َّ‬
‫دل على الضياء‬
‫الحسية والمعنوية‬ ‫واالســتنارة الدنيويــة أو األخروية أو احلســية أو‬
‫املعنوية‪.‬‬
‫لقد أنعم اهلل سبحانه وتعالى على خلقه‬ ‫ ‬
‫بنعم كثيرة ال تعد وال حتصى‪ ،‬ومنها ما ذكره احلق‬ ‫أ‪ .‬النور بمعنى الضياء واالستنارة الدنيوية‬
‫َمد ِ َّ ِ‬
‫ل ٱلَّ ِ‬
‫ــذي َخل ََق‬ ‫تبــارك وتعالى في قولــه‪« :‬ٱحل ُ‬
‫الحسية‬

‫م ٱلَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ٱلنور َ ثُ َّ‬ ‫ٱلظل ٰ َُم ِ‬
‫ت َو ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ت َوٱألَ َ‬
‫رض َو َج َعلَ‬ ‫ٱلس ٰ َم ٰ َو ِ‬
‫َّ‬ ‫فالنــور الدنيوي احلســي هو الضــوء الصادر عن‬
‫ُــون» [األنعام‪ ،]1:‬فمن أعظم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َك َفــرُو ْا ب ِرَبِّهِ م يَعدل‬
‫الشــمس والقمر‪ ،‬وقد فرق القرآن الكرمي بني ضوء‬
‫نعمه سبحانه على عباده خلق السماوات واألرض‬
‫القمر وضوء الشمس؛ بوصفه الشعاع الصادر عن‬
‫وما فيهما من دالئل وآيات على عظمته جل وعال‪،‬‬
‫جرم الشمس ضياء‪ ،‬وشعاع القمر نورًا‪ ،‬وذلك في‬
‫وأيضا جعل لهم النور بنوعيه احلســي واملعنوي‪،‬‬
‫ٱلق َمرَ‬ ‫مس ِ‬
‫ض َيٓاء َو َ‬ ‫«ه َو ٱلَّ ِذي َج َعلَ َّ‬
‫ٱلش َ‬ ‫قوله تعالى‪ُ :‬‬
‫فاحلسي عون لهم في تبديد ظلمات البر والبحر‪،‬‬
‫أما النور املعنوي نور احلق الذي يبدد ظلمات الكفر‬
‫اب َما‬
‫س َ‬ ‫ني َوٱحلِ َ‬
‫ٱلس ِن َ‬
‫نُورا َو َق َّدر َ ُه َم َناز ِلَ لِ َتعل َُمو ْا َع َد َد ِّ‬
‫ك إ َّل ب ِٱحلَق يفصلُ ٓ‬ ‫خلَق َّ ُ‬
‫والضــال واملعاصي‪ ،‬وقد جمع لفــظ الظلمات‬
‫ون»‬‫ت لِ َقوم يَعل َُم َ‬ ‫ٱأل ٰي َ ِ‬ ‫ِّ ُ َ ِّ‬ ‫ٱلل ٰ َذلِ َ ِ‬ ‫َ َ‬
‫[يونس‪ ،]5:‬ولهذا التفريق بني الشمس والقمر في‬
‫هنا ووحد لفظ النور لكونه أشــرف كإفراد اليمني‬
‫القرآن الكرمي ســر دقيق؛ فالضياء ينشــأ حينما‬
‫وجمع الشــمائل في قوله تعالى‪« :‬أ َ َو لَم يَرَو ْا إِل َٰى‬
‫ما خلَق َّ ُ‬ ‫يكون الضوء ذاتيا ً مــن املضيء‪ ،‬كما هو احلال في‬
‫ٱلي ِم ِ‬
‫ني‬ ‫ظ ٰلَل ُُه َعنِ َ‬ ‫ــؤ ْا ِ‬ ‫شــيء ي َ َت َف َّي ُ‬ ‫ٱلل ِمن َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِّ‬ ‫الشمس مصدر احلرارة واإلشعاع الساطع‪ ،‬بينما‬
‫َّ‬
‫ون» [النحل‪،]48:‬‬ ‫ل َو ُهم ٰ َد ِخ ُر َ‬ ‫ــجدا ِ‬ ‫س َّ‬ ‫ــمٓائِلِ ُ‬
‫ٱلش َ‬
‫َو َّ‬
‫النور ضوء ليــس فيه حرارة وينشــأ من انعكاس‬
‫لشرف اليمني‪.‬‬
‫الضوء على جســم مظلم (كوكب القمر)‪ ،‬وهذا‬
‫ما نبه إليــه القرآن في قول احلق تبــارك وتعالى‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫النور دليال مــن اهلل إلى اجلنة‪ ،‬فلما رأى املنافقون‬ ‫والنور اســم مــن أســماء اهلل احلســنى‪ ،‬فهو‬
‫املؤمنني قــد انطلقوا اتبعوهم‪ ،‬فأظلم اهلل على‬ ‫ســبحانه نور‪ ،‬وجعــل كتابه نورا‪ ،‬ورســوله نورا‪،‬‬
‫ِس ِمن‬
‫«انظرُونَــا ن َ ْق َتب ْ‬
‫ُ‬ ‫املنافقــن‪ ،‬فقالوا حينئذ‪:‬‬ ‫واحتجــب عن خلقــه بالنور‪ ،‬يقول احلــق تبارك‬
‫ــم ٰ َو ِ‬ ‫َّ ُ‬
‫نُّور ِكُ ْم» فإنا كنا معكم في الدنيا‪ ،‬قال املؤمنون‪:‬‬ ‫ت‬ ‫ٱلس ٰ َ‬
‫وتعالى في محكم التنزيل‪« :‬ٱلل نُور ُ َّ‬
‫«ارجِ ُعــوا َورَاءكُ ْم» من حيــث جئتم من الظلمة‬
‫ْ‬ ‫اح‬
‫صب ٌ‬ ‫يهــا ِم َ‬ ‫شــك ٰوة ِف َ‬ ‫َ‬ ‫رض َم َثــلُ نُور ِ ِه َك ِم‬ ‫َوٱألَ ِ‬
‫سوا نُوراً» (املباركفوري وآخرون‪ ،1420 ،‬ص‬ ‫ِ‬
‫« َف َ ُ‬
‫م‬ ‫ْت‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫وكب ُدر ِّ ّي‬ ‫ها َك َ‬ ‫ــة َكأَنَّ َ‬ ‫اج ُ‬
‫ٱلز َج َ‬‫اج ٍة ُّ‬ ‫اح ِفي ز ُ َج َ‬ ‫صب ُ‬ ‫ٱمل ِ َ‬
‫‪.)1366‬‬ ‫شــر ِق َّية َو َل‬ ‫يتونَة َّل َ‬ ‫ــجرَة ُّم ٰ َبرَ َكة ز َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ــد ِمن َ‬ ‫يُو َق ُ‬
‫ســه نَار نُّور ٌ‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ض ٓي ُء َولَو لَم َت َ‬ ‫ها ي ُ ِ‬ ‫يت َ‬
‫اد ز َ ُ‬
‫ك ُ‬ ‫َغرب َِّية ي َ َ‬
‫ومن خالل استقراء اآليات القرآنية التي وردت بها‬ ‫ٱللُ‬
‫شــاء ويضرِب َّ‬ ‫ٱلل لِ ُنور ِ ِه َمن ي َ َ‬‫ُ‬ ‫هدي َّ‬ ‫َعل َٰى نُور ي َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ََ‬
‫مفردة «نور» متكنت الكاتبة من اســتنباط بعض‬ ‫شي ٍء َعلِيم» [النور‪،]35:‬‬ ‫اس و َّ ُ‬
‫ٱلل ب ِكُ لِّ َ‬ ‫لن ِ َ‬ ‫ٱألَم ٰ َثلَ لِ َّ‬
‫الدالالت فــي بعض جوانب التربيــة وهي اجلانب‬ ‫فاآلية تشــمل النور احملسوس املشهود باإلبصار‬
‫العقــدي‪ ،‬واجلانــب الروحي‪ ،‬واجلانــب االجتماعي‬ ‫الذي اســتنارت بــه أقطار الســماوات واألرض‪،‬‬
‫األخالقي‪ .‬وسوف توضحها فيما يلي في كل جانب‬ ‫والنور املعقول املشهود بالبصائر والقلوب‪ ،‬الذي‬
‫بادئة باجلانــب العقدي ألنه أهم مــا مييز التربية‬ ‫اهتدى به أهل السماوات واألرض‪ ،‬وقد مت إضافة‬
‫اإلســامية عن غيرها من أشكال التربية األخرى‪،‬‬ ‫النور إلى السماوات واألرض للداللة على كماله‬
‫ومن ثم اجلانب الروحي‪ ،‬متبوعا ً باجلانب االجتماعي‬ ‫وشموله واتساعه‪.‬‬
‫األخالقي‪.‬‬
‫ج‪ .‬النور الضياء واالستنارة األخروية‬
‫أوال‪ :‬تأمالت تربوية في مفردة «نور» في‬
‫الجانب العقدي‬ ‫وقد أشــار لفظ «النور» إلى الضياء واالســتنارة‬
‫في الدار اآلخرة في عــدة مواضع في كتاب اهلل‬
‫تقدم الكاتبة بعض التأمالت التربوية في اجلانب‬ ‫الكرمي‪ ،‬فقد ورد اللفظ في وصف أحوال املؤمنني‬
‫العقدي من اآليات القرآنية التي وردت بها مفردة‬ ‫واملنافقني يــوم القيامة‪ ،‬فيقــول تعالى مخبرا ً‬
‫«نور»‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫ُؤم ِن َ‬
‫ني‬ ‫وم تَرَى ٱمل ِ‬ ‫عن أحوال املؤمنــن واملنافقني‪« :‬ي َ َ‬
‫يديهِ ــم َوبِأ َ ٰمي َ ِنهِ م‬ ‫ني أ َ ِ‬
‫ســع ٰى نُور ُ ُهم ب َ َ‬
‫َ‬ ‫ت يَ‬‫ُؤم ٰ َن ِ‬
‫َوٱمل ِ‬
‫‪ -1‬وجــوب توحيد اهلل ســبحانه وتعالــى وإفراده‬
‫بالعبودية‪:‬‬ ‫نهرُ ٰ َخلِ ِد َ‬
‫ين‬ ‫وم َج ٰ َّنت َترِي ِمن َت ِت َ‬
‫ها ٱألَ ٰ َ‬ ‫ٱلي َ‬
‫م َ‬ ‫بُشرَ ٰىكُ ُ‬
‫وم ي َ ُقولُ ٱمل ٰ َُن ِف ُق َ‬
‫ون‬ ‫يم‪ .‬ي َ َ‬
‫ظ ُ‬‫ٱلع ِ‬
‫ٱلفوز ُ َ‬ ‫ك ُه َو َ‬ ‫يها ٰ َذلِ َ‬
‫ِف َ‬
‫ومن الفوائد التربويــة اجلليلة التي تتحقق للفرد‬ ‫قتبِس ِمن‬ ‫ٱنظرُونَــا ن َ َ‬ ‫ام ُنو ْا ُ‬
‫يــن َء َ‬ ‫َوٱمل ٰ َُن ِف ٰ َق ُ‬
‫ــت لِ َّل ِذ َ‬
‫من التوحيد‪ ،‬ما يلي‬ ‫ِب‬
‫ضر َ‬‫سو ْا نُورا َف ُ‬ ‫ٱلت ِم ُ‬
‫ٓاءكُ م َف َ‬‫نُّور ِكُ م ِقيلَ ٱرجِ ُعو ْا َور َ َ‬
‫حم ُة َو ٰ َ‬
‫ظهِ رُ ُه‬ ‫ٱلر َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب بَاط ُن ُه فيه َّ‬
‫ِســور لَّ ُه ب َ ُ‬
‫ين ُهم ب ُ‬ ‫بَ َ‬
‫أ‪ .‬حترير اإلنســان مــن العبودية إال هلل ســبحانه‬ ‫اب» [احلديــد‪ ،]13-12:‬وقد قال‬ ‫ــذ ُ‬
‫ٱلع َ‬ ‫ِمــن ِق َبلِ ِه َ‬
‫وتعالى‪.‬‬ ‫العوفي والضحاك وغيرهمــا عن ابن عباس في‬
‫هاتني اآليتني‪« :‬بينما الناس في ظلمة إذ بعث اهلل‬
‫ب‪ .‬ميأل التوحيد نفس املؤمــن أمنا ً وطمأنينة‪ ،‬فال‬ ‫نورا‪ ،‬فلمــا رأى املؤمنون النور توجهوا نحوه‪ ،‬وكان‬

‫‪56‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫بلغوا رســالة اهلل إلى عباده على أكمل وجه على‬ ‫يرهب أحدا ً إال اهلل‪.‬‬
‫الرغم من املشاق التي حصلت لهم‪.‬‬
‫ج‪ .‬مينح التوحيد نفــس املؤمن قوة هائلة ملا متتلئ‬
‫‪ -3‬وجوب اإليمان بالقرآن الكريم وتدبر آياته‬ ‫به نفســه من الرجاء في اهلل‪ ،‬والثقة فيما عنده‪،‬‬
‫والتوكل عليــه‪ ،‬والرضا بقضائه وقــدره‪ ،‬والصبر‬
‫واإلميان بالقرآن الكرمي ركن من أركان اإلميان يرسخ‬ ‫على البالء‪ ،‬واالستغناء عن اخللق أجمعني‪.‬‬
‫عددا من الفوائد التربوية منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫في نفس املسلم‬
‫د‪ .‬تربية عقل اإلنســان على سعة األفق والتأمل‬
‫أ‪ -‬تربية املســلم على األخالق الفاضلة ملا يأمر به‬ ‫والرغبة في االطالع على أسرار الكون‪ ،‬لالستدالل‬
‫من األخالق الكرمية والبعد عن الفواحش‪.‬‬ ‫على قدرة اهلل تعالى في خلقه‪.‬‬

‫ب‪ -‬تنمية التفكيــر العلمي القائم على الدالئل‬ ‫ه‪ .‬تربي اإلنســان على التواضع‪ ،‬فال يغتر بقوته وال‬
‫والبراهني‪ ،‬حيث إنــه ال يذكر أمر في القرآن الكرمي‬ ‫يظلم وال يبطش ألنه يتذكر قدرة اهلل عليه‪.‬‬
‫إال ودعم بالدالئل والبراهني احملسوســة‪ ،‬كما أنه‬
‫يطالب املشركني دائما بالبراهني والدالئل على ما‬ ‫و‪ .‬توحــد عقيــدة التوحيــد بــن أفــكار األفراد‬
‫يفترونه على اهلل عز وجل من الكذب‪.‬‬ ‫ومشــاعرهم ومناهجهم وتضبــط تصرفاتهم‬
‫وأوضاعهم وســلوكهم‪ ،‬فيصبــح اجملتمع صاحلا ً‬
‫جـ‪ -‬يربي القرآن الكرمي في املســلم حس اخلشوع‬ ‫يتميز بالثبات واالستقرار‪.‬‬
‫وخضوع القلب هلل عز وجل‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب محبة الرسول محمد صلى هللا‬
‫دـ‪ -‬تربية املســلم على ارتباط الثــواب والعقاب‬ ‫عليه وسلم واتباعه‬
‫بالتكليف‪ ،‬فحينما يؤدي املرء ما عليه من واجبات‬
‫يحصل له الثــواب‪ ،‬وإذا فرط في هــذه الواجبات‬ ‫ولإلميان بالرســل عدد من الفوائد التربوية اجلليلة‬
‫حصل له العقاب‪.‬‬ ‫التي تعود على الفرد املسلم ومنها‪:‬‬

‫هـ‪ -‬تربية املســلم علــى التوازن فــي حياته بني‬ ‫أ‪ -‬االقتداء بكرام خصالهم وعظيم صفاتهم من‬
‫املتطلبات الدنيوية واألخروية‪ ،‬فال إفراط وال تفريط‬ ‫الصدق واألمانة واحللم‪ ،‬وهذا ما أرشــد إليه احلق‬
‫ٱلل ٱلدار ٓ‬
‫ٱأل ِخرَ َة‬ ‫ــك َّ ُ‬
‫َّ َ‬ ‫ٱبت ِغ ِف َ‬
‫يمٓا َءاتَ ٰـ َ‬ ‫«و َ‬
‫لقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫ان لَكُ م‬‫تبارك وتعالــى في محكم التنزيل‪«:‬لَّ َقد َك َ‬
‫ٱلل أُسو ٌة حســنة لِّ َن َكان يرجو ْا َّ َ‬
‫ســولِ َّ ِ‬
‫حس َن‬ ‫حســن َك َمٓا أ َ َ‬ ‫نيا َوأ َ ِ‬ ‫ك ِم َن ُّ‬
‫ٱلد َ‬ ‫يب َ‬
‫ص َ‬‫نس ن َ ِ‬ ‫َو َل ت َ َ‬ ‫ٱلل‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ِفي ر َ ُ‬
‫رض إِن َّ َ‬
‫ٱلل َل يُ ِ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ٱللَ َك ِثيرا» [األحزاب‪.]21:‬‬ ‫وٱليوم ٓ‬
‫ٱأل ِخر و َذ َكر َّ‬
‫ب‬ ‫ح ُّ‬ ‫اد ِفي ٱألَ ِ َّ‬ ‫س َ‬ ‫ٱلف َ‬
‫َيك َو َل تَب ِغ َ‬
‫ٱلل إِل َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ين» [القصص‪.]77:‬‬ ‫ُفس ِد َ‬
‫ٱمل ِ‬
‫ب‪ -‬محبة رســول اهلل ص َّلــى اللَّ ُ‬
‫م‬
‫ــل َ‬ ‫َعل َْي ِه َو َ‬
‫س َّ‬ ‫َ‬
‫ثانيا‪ :‬تأمالت تربوية في مفردة «نور» في‬ ‫وطاعته واالقتداء به في جميع األمور‪.‬‬
‫الجانب الروحي‬
‫جـ‪ -‬احلرص على أداء الواجبات واملســؤوليات على‬
‫قدمت الكاتبة بعض التأمالت التربوية في تنمية‬ ‫م‬ ‫أكمل وجه‪ ،‬فرســل اهلل ص َّلى اللَّ ُ‬
‫س َّل َ‬
‫َعل َْيهِ م َو َ‬ ‫َ‬
‫‪57‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫ثالثــا‪ :‬تأمالت تربوية في مفــردة «نور» في اجلانب‬ ‫هذا اجلانب من استقراء اآليات الكرمية التي وردت‬
‫االجتماعي األخالقي‪:‬‬ ‫بها مفردة «نور»‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫قامت الكاتبة باستنباط بعض التأمالت التربوية‬ ‫‪ -1‬استشعار قدرة هللا وعظمته‪:‬‬
‫من مواضع ورود مفردة «نور» في آيات القرآن الكرمي‬
‫والذي تبدى فــي هذه الفائــدة العظيمة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫والستشــعار قدرة اهلل وعظمته عدد من الفوائد‬
‫البعد عن النفاق‪:‬‬ ‫التربوية اجلليلة ومنها‪:‬‬

‫وقد صور القرآن الكرمي حال املنافقني واستبدالهم‬ ‫أ‪ -‬تربية املسلم على حسن اخلضوع واخلشوع هلل‬
‫«م َثل ُُهم َك َم َثلِ‬ ‫تعالى‪ ،‬وينمو هذا الشعور لدى املسلم حينما يرى‬
‫الهدى بالضاللة في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫جميع اخمللوقات خاضعة له سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ب‬‫ٓاءت َمــا َحول َُه َذ َه َ‬‫ض َ‬ ‫ٱســتو َق َد نَــارا َفل ََّمٓا أ َ َ‬
‫َ‬ ‫ٱلَّ ِذي‬
‫ون»‬ ‫ظل ٰ َُمــت َّل يُ ِ‬‫ٱلل ب ُِنور ِِهــم َوتَرَ َك ُهــم ِفي ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫بص ُر َ‬ ‫ب‪ -‬استشــعار قدرة اهلل وعظمته يربي املســلم‬
‫[البقرة‪.]17:‬‬
‫علــى احتــرام العلــم وإعمــال العقــل والنظر‬
‫كما ميزهم القرآن الكرمي بعدد من الصفات منها‪:‬‬ ‫واالستكشاف‪.‬‬

‫أ‪ -‬مرض القلب‪.‬‬ ‫جـــ‪ -‬إن تأمل قدرة اهلل في الكــون واخللق يجعل‬
‫املســلم يستشعر املســؤولية املناطة به‪ ،‬والتي‬
‫ب‪ -‬الطمع الشهواني‪.‬‬ ‫يتطلبها اســتخالف الكون واستثمار ما فيه من‬
‫ــنرِيهِ م َء ٰاي َ ِت َنا‬
‫«س ُ‬ ‫ثروات وإمكانات يقــول تعالى‪َ :‬‬
‫ج‪ -‬التكبر واالستكبار‪.‬‬ ‫ٓ‬
‫ــن ل َُهم أَنَّ ُه‬‫ســهِ م َح َّت ٰى ي َ َت َب َّ َ‬ ‫ِفــي ٱأل َفاقِ َو ِف ٓي أ َ ُ‬
‫نف ِ‬
‫د‪ -‬االستهزاء بآيات اهلل تعالى‪.‬‬ ‫يد»‬ ‫شهِ ٌ‬ ‫شــيء َ‬ ‫ك أَنَّ ُه َعل َٰى كُ لِّ َ‬ ‫ٱحل َُّق أ َ َو لَم ي َ ِ‬
‫كف ب ِرَب ِّ َ‬
‫صلَت‪( .]53:‬العجمي‪ ،1427 ،‬ص ‪.)11-110‬‬ ‫[ ُف ِّ‬
‫ه‪ -‬مخادعة اهلل والكسل في العبادات‪.‬‬
‫‪ -2‬استشعار رحمة هللا ولطفه بعباده‪:‬‬
‫و‪ -‬التذبذب والتردد‪.‬‬
‫والستشــعار رحمة اهلل ولطفــه بعباده عدد من‬
‫ز‪ -‬األمر باملنكر والنهي عن املعروف‪.‬‬
‫الفوائد التربوية اجلليلة في نفس املسلم‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ح‪ -‬وأيضا من صفاتهم ما ورد عن النبي ص َّلى اللَّ ُ‬
‫َ‬
‫أ‪ -‬يــدرك املســلم أن اهلل لم يخلقــه ليعذبه بل‬
‫م‪ ،‬عن عمر بن عمرو رضي اهلل عنهما‪،‬‬ ‫س َّل َ‬
‫َعل َْيهِ م َو َ‬
‫ُ‬ ‫أن رســول اهلل ص َّلى اللَّ‬ ‫أنه سبحانه أرحم به من نفســه‪ ،‬وهذا مما يعينه‬
‫م قال‪« :‬أربع‬ ‫ــل َ‬ ‫َعل َْي ِه َو َ‬
‫س َّ‬ ‫َ‬
‫على مواجهة جميع املصاعب واملشــكالت التي‬
‫من كن فيه كان منافقــا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه‬
‫يواجهها في حياته‪.‬‬
‫خصلــة منهن كانت فيه خصلــة من نفاق حتى‬
‫يدعهــا‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غــدر‪ ،‬وإذا وعد‬
‫ب‪ -‬يتحلى املسلم بصفة الرحمة والرفق مع بني‬
‫أخلف‪ ،‬وإذا خاصم فجر» (رواه البخاري ومسلم)‪.‬‬
‫جنسه ومع اخمللوقات األخرى‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫كيف نحد من حاالت‬

‫الطالق‬
‫ونحمي األسر من االنهيار والتفكك‬
‫مجتمع‬

‫وعدواناً‪ ،‬فترى كالً منهما يعمل على إفشــاء سر‬ ‫بقلم‪ :‬عبد الحميد محمد الراوي ـ مصر‬
‫اآلخر‪ ،‬ويبدي أمام الناس مــا ال ينبغي أن يتحدث‬
‫عنه صاحب اخللق الرفيع‪.‬‬ ‫مــن املظاهر املنتشــرة في كثير مــن اجملتمعات‬
‫اإلسالمية اآلن‪ ،‬ظاهرة خروج الزوجة غالبا ً من بيت‬
‫وســجالت احملاكم خير شــاهد على تباعد الناس‬ ‫الزوجية قبل وقوع الطالق عليها‪ ،‬ومبجرد خروجها‬
‫عــن منهج اهلل عز وجــل‪ ،‬وكان أولى بكل منهما‬ ‫تبدأ املشــكالت‪ ،‬حيــث كل منهمــا يعمل على‬
‫أن يتقي اهلل ويحفظ سر اآلخر‪ ،‬وكذا ظاهرة زيادة‬ ‫الكيد للطرف اآلخر ويحاول أن ينتصر عليه ظلما ً‬
‫‪59‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫تعالى‪« :‬الطالق مرتان فإمساك مبعروف أو تسريح‬ ‫نسبة الطالق‪ ،‬فعلى ســبيل املثال ال احلصر‪ :‬في‬
‫بإحســان»‪( ،‬البقرة‪ .)229 :‬ومن التسريح بإحسان‬ ‫بعض الــدول العربية قضايا الطــاق متثل ‪%60‬‬
‫عدم إفشاء سرها‪ ،‬أو التقليل من شأنها وإشاعة‬ ‫من نســبة قضايا األحوال الشخصية‪ ،‬وأن نسبة‬
‫ما يسيء إلى ســمعتها‪ ،‬ألن ذلك يضر مبستقبل‬ ‫الطالق ازدادت في الفترات احلديثة بعكس املاضي‪،‬‬
‫حياتها مع رجل آخر‪ ،‬والرجل الذي يسيء إلى املرأة‬ ‫فقد كان من النادر أن ترفع زوجة قضية ضد زوجها‬
‫بأي وســيلة من الوســائل يرتكب جرما ً عظيما ً‬ ‫لطلــب الطالق‪ ،‬ألنها كانــت حريصة على بيتها‬
‫خملالفته ملنهج اإلسالم في رعاية احلقوق اإلنسانية‬ ‫وأوالدها‪.‬‬
‫التي كفلها اإلسالم لكل من الطرفني‪.‬‬
‫اإلسالم ينهى عن إفشاء أسرار الزوجين‬
‫اإلسالم أوصى بعدم كفران العشير‬
‫إن اإلســام ينهى عن إفشاء الســر بني الزوجني‬
‫وذلك بأن تشكر نعمة زوجها‪ ،‬مع عدم التنكر ألي‬ ‫وفي داخل األسرة عموماً‪ ،‬حيث يوغر الصدر ويزيد‬
‫شــيء يقدم لها منه مهما كانت الظروف التي‬ ‫الشقاق واخلالف بني الزوجني‪ ،‬يقول صلى اهلل عليه‬
‫حتمــل على تناســي اخلير‪ ،‬فاملعــروف الذي يصل‬ ‫وســلم‪« :‬إن من شــر الناس عنــد اهلل منزلة يوم‬
‫من الرجل إلى زوجتــه كبير‪ ،‬فهو حاميها وراعيها‬ ‫القيامة الرجل يفضي إلى املرأة وتفضي إليه‪ ،‬ثم‬
‫واملنفــق عليها‪ ،‬واملوفر لهــا كل متعة‪ ،‬واملتحمل‬ ‫ينشر ســرهما»‪( ،‬رواه مسلم)‪ ،‬فاألولى بكل واحد‬
‫عنها متاعــب احلياة‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمرو رضي‬ ‫سر الطرف اآلخر‬
‫من الزوجني أن يتقي اهلل ويحفظ ّ‬
‫اهلل عنه‪ ،‬عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ال‬ ‫حتى بعد الطالق‪.‬‬
‫ينظر اهلل تبارك وتعالى إلى امرأة ال تشكر لزوجها‬
‫وهي ال تستغني عنه» (رواه البزار والنسائي بإسناد‬ ‫يذكر أن أحد الصاحلني حينمــا طلق زوجته‪ ،‬جاءه‬
‫حسن)‪.‬‬ ‫أحد أقاربه مستفســرا ً عن ســبب الطالق‪ ،‬فقال‬
‫له يــا أخي إنها ما زالت في عدتي‪ ،‬وهي في حكم‬
‫إن اخلالفــات الزوجية يجــب أن تعالج في محيط‬ ‫زوجتي‪ ،‬وبعد فترة مــن الزمن انتهت العدة‪ ،‬فجاء‬
‫البيت بــن الزوجني فقــط‪ ،‬فإن لم يســتطيعا‬ ‫القريب مستفســرا ً عن سبب طالقها؟ فقال له‬
‫حلهــا انتقل األمر إلى التحكيم عن طريق األهل‪،‬‬ ‫يا هذا ما كنت ألحتــدث عن امرأة هي اآلن أجنبية‬
‫للحسم في اخلالف بالصلح أو التفريق باملعروف‪.‬‬ ‫عني‪ ،‬ثم تزوجت هذه املرأة برجل آخر فجاء القريب‬
‫مرة ثالثة يقول له‪ :‬لقــد تزوجت برجل غيرك فما‬
‫العالج بيد الزوج نفســه في محيط األسرة فقد‬ ‫سبب طالقها؟ فقال له ما كان يحق لي أن أحتدث‬
‫جعــل القرآن الكــرمي للزوج بحكم رئاســته على‬ ‫عن زوجة غيري‪.‬‬
‫بيت الزوجية وإشــرافه علــى مصاحله حق عالج‬
‫مخالفة النشوز من زوجته‪ ،‬ولم يترك وسائل هذا‬ ‫وفي هــذه القصــة دليــل على صفــات قلوب‬
‫العالج تختلف حســب األهواء لألزواج أو حســب‬ ‫الســابقني‪ ،‬وتلوث قلوب البعض مــن املعاصرين‬
‫البيئات‪ ،‬بل حــدد أنواع العالج فــي هذا الطريق‬ ‫الذيــن امتألت قلوبهم غالً وحقــداً‪ ،‬فرأيناهم قد‬
‫حســب علم املولى عز وجل بطبائع النساء‪ ،‬وهو‬ ‫وقعوا فيمــا وقعوا فيه من مشــكالت وأخطاء‪،‬‬
‫سبحانه وتعالى أعلم مبا خلق‪ ،‬حيث يقول تعالى‪:‬‬ ‫واإلسالم عالج اآلثار املترتبة على الطالق في قوله‬
‫‪60‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫«والالتي تخافون نشــوزهن فعظوهن واهجروهن‬
‫في املضاجع واضربوهن فــإن أطعنكم فال تبغوا‬
‫عليهن سبيالً» (النساء‪.)34 :‬‬

‫فالوعــظ‪ :‬هو أول إجراء وقائي عند خوف النشــوز‬


‫لإلســراع إلــى اإلصــاح‪ ،‬فالكلمــة الطيبة إذا‬
‫وقعت موقعها احلســن في نفــس صاحبها فقد‬
‫تبدل نفســيته‪ ،‬مما يجعله ينتقل من حالة الكفر‬
‫واملعاندة إلى حال اإلميان والسعادة‪.‬‬

‫ويتم الوعظ بتخويفها حني تبدو عالمات العصيان‬


‫والتمــرد على زوجها (النشــوز)‪ ،‬بعاقبة العصيان‬
‫في الدنيا‪ ،‬مثل ســقوط حق النفقة والقســم‬
‫وارتباك احلياة الزوجية وأثر ذلك عليها وعلى األوالد‬
‫األمــر اآلخر هو التحكيم‪ ،‬كما أرشــد إليه املولى‬ ‫وعلى اجملتمع‪ ،‬وعاقبة العصيان والتمرد في اآلخرة‬
‫ســبحانه وتعالى‪ ،‬فقد جاءت آيــة التحكيم في‬ ‫بالعذاب الذي أعده اهلل للمرأة الناشــزة العاصية‬
‫القرآن الكرمي عقب اآلية التي حددت العالج الذي‬ ‫املغضبة لزوجها‪ ،‬وذلك باالستشــهاد باألدلة من‬
‫يكــون بيد الزوج‪ ،‬حيث يقــول تعالى‪« :‬وإن خفتم‬ ‫القرآن والسنة‪.‬‬
‫شقاق بينهما فابعثوا حكما ً من أهله وحكما ً من‬
‫والهجر في املضجع‪ ،‬حيث إن أثمر الوعظ اللساني‬
‫أهلهــا إن يريدا إصالحا ً يوفــق اهلل بينهما إن اهلل‬
‫فال ســبيل له عليها‪ ،‬وإن استمرت على موقفها‬
‫كان عليما ً خبيراً» (النساء ‪.)35‬‬
‫ولم تفلح معها أساليب الوعظ مهما تنوعت أو‬
‫ويفهــم من هذه اآلية أنه ال يلجــأ إلى التحكيم‬ ‫تكررت يلجأ إلى الوسيلة الثانية وهي (الهجر في‬
‫كذلك إال بعــد عجز الزوج عــن اإلصالح بالطرق‬ ‫املضجع)‪ ،‬وفي الهجر هذا إيالم شديد‪ ،‬ألن فيه من‬
‫املشروعة له‪ ،‬وتأكده من أن النشوز بات أمرا ً واقعا ً‬ ‫االمتناع عن املتعة نفورا ً شــديدا ً ووحشة كبيرة‬
‫ال متوقعاً‪ ،‬وال يلجأ إلــى التحكيم كذلك إال في‬ ‫حتســها إذا خال فراشــها ممن يؤنسها‪ ،‬وال تتحمل‬
‫حالــة احتدام اخلــاف بني الزوجــن وخيف وقوع‬ ‫ذلك إال قلة نادرة من النساء‪.‬‬
‫الطالق بينهمــا‪ ،‬وتعثرت احلياة الزوجية وأصبحت‬
‫في خطر‪.‬‬ ‫التحكيــم‪ :‬في حالة إذا لم يفلح الزوج في إصالح‬
‫زوجته‪ ،‬بالوســائل املذكورة‪ ،‬وكبح جماح نشوزها‬
‫واهلل سبحانه وتعالى يخاطب بهذه اآلية جماعة‬ ‫ووصل األمر إلى الشــقاق والنزاع املســتمر‪ ،‬فإن‬
‫املسلمني‪ ،‬وكأنه يهيب بهم إلى التدخل لرأب هذا‬ ‫الشــرع ال يهيب بالزوج حينذاك أن يســارع إلى‬
‫الصدع وحفظ هذه األسرة من االنهيار‪ ،‬حتقيقا ً ملا‬ ‫الطالق وفسخ احلياة الزوجية‪ ،‬بل عليه أن يلجأ إلى‬
‫يجب أن يكون بينهم من التكافل والتضامن في‬ ‫أمر شرعي آخر رجاء اإلصالح‪ ،‬ورغبة في إجناح احلياة‬
‫حفظ األسر والبيوت‪.‬‬ ‫الزوجية‪ ،‬وإبعاد عن مغبــة الطالق وأضراره‪ ،‬وهذا‬
‫‪61‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫يعكر صفو احلياة‪ ،‬بل بالتأكيد ســنجد نســبة‬ ‫وهنا قد يفهم الناس قضية احلكم على أنه دخل‬
‫الطالق منخفضة جداً‪.‬‬ ‫مصلحــا ً فقط‪ ،‬ال‪ ،‬إمنا دخل احلكم من جانب الزوج‬
‫واحلكم من جانــب الزوجة‪ ،‬ولهمــا أن يبرما أمرا ً‬
‫فاملالحظ أن من أهم األسباب التي تدفع الزوجني‬ ‫له قوة احلكــم‪ ،‬وحني يكون األمــر كذلك تنتهي‬
‫لطلب الطالق في الوقت احلالي‪:‬‬ ‫النزاعات سترا ً لألعراض‪ ،‬وسترا ً لشراسة األخالق‬
‫في بعضها اآلخر‪ ،‬ففي الســتر مــا يغني الناس‬
‫قبل الدخول‪ :‬ســوء الظروف االقتصادية واملغاالة‬
‫عن نشر األشــياء‪ ،‬ألن اهلل ملّك األمر في الطالق‬
‫في املهــور‪ ،‬فقد وصلت تكاليف الــزواج إلى حد‬
‫للرجل مخافة أن تقول له اعرض أسباب طالقك‪،‬‬
‫اخليــال‪ ،‬واحتار فيهــا العقالء‪ ،‬وأصبــح الناس ال‬
‫فيعرض أسباب طالقه فتكون هذه األشياء حائالً‬
‫مييزون بني الضرورات والكماليات‪ ،‬بدءا ً من حفالت‬
‫بني أن جتد املرأة مــن يتزوجها أو بني أن يجد الرجل‬
‫الزواج الباهظة‪ ،‬إلى املبالغة في املســكن واألثاث‬
‫من تقبله زوجاً‪ ،‬فحني جعلها للرجل فقد اســتتر‬
‫واألجهــزة احلديثة‪ ،‬وصار الناس في هذه األشــياء‬
‫وراءه كثير من األشياء‪.‬‬
‫سواء‪ ،‬ابن الوزير وابن اخلفير‪ ،‬ولقد أصبحت ظاهرة‬
‫ارتفاع املهور عرفا ً متبعا ً وعادة محكمة‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫وهنا جند أن اللجوء للقاضي بالنســبة للخالفات‬
‫تضييق واسع على الناس‪ ،‬حتى عجز الفقير عن أن‬ ‫الزوجية بدون اللجوء إلى احلكمني أسلوب ال جدوى‬
‫يتقدم المرأة ذات مســتوى معني وجد فيها عفة‬ ‫منه‪ ،‬فالقاضــي ال يقضي إال مبــا تثبته األمارات‬
‫وصالحاً‪ ،‬وبالرجوع لتعاليم اإلسالم هنا‪:‬‬ ‫والبينــات‪ ،‬والطــاق بخفايا النفــوس ومطويات‬
‫القلوب‪ ،‬وال ســبيل إلثبات هذه األمور‪ ،‬فضالً عن‬
‫فاإلسالم يدعو أولياء األمور إلى أن يختاروا لبناتهم‬ ‫أن القاضي إمنا ينظر فيما هــو حق‪ ،‬أو ظلم ليقر‬
‫الرجل الذي يتصف بأخالق الدين‪ ،‬ويطبقه تطبيقا ً‬ ‫احلق ويزيل الظلم‪ ،‬والطالق في كثير من مسائله‬
‫عملياً‪ ،‬بــكل فضائلــه وآدابه الســامية‪ ،‬مهما‬ ‫ال يتعلق بعدل أو ظلــم‪ ،‬وإمنا يتعلق في معظمه‬
‫كان فقيــراً‪ ،‬ألنه في اختيار الزوج الصالح إرســاء‬ ‫بصالحية أو عدم صالحية الرابطة لالستمرار‪ ،‬بل‬
‫ألسس احلياة الزوجية على دعائم متينة من األمن‬ ‫إن هناك من األمور الزوجية ودخائل األسر ما تدعو‬
‫والثبات على املبدأ‪ ،‬وحتقيق املســتوى االجتماعي‬ ‫املصلحة لستره وعدم كشفه أمام القضاء‪.‬‬
‫واالقتصادي والثقافي لألسرة‪.‬‬
‫إن زيادة نســبة الطالق في كثيــر من اجملتمعات‬
‫ولقد ضرب الرســول صلى اهلل عليه وسلم املثل‬ ‫اإلســامية‪ ،‬ترجــع إلى عــدم تطبيــق تعاليم‬
‫في تذليل العقبات والتيســير على الشباب من‬ ‫اإلسالم في مســألة اللقاء‪ ،‬فالذين أقبلوا على‬
‫أجل زواجهم حرصا ً عليهم‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل‬ ‫الــزواج بغير معايير اإلســام وقوانني القرآن من‬
‫عنها قالت «كان صداق رســول اهلل ألزواجه اثنتي‬ ‫الضروري أن يحدث بينهم الشــقاق‪ ،‬وهنا قلّ أن‬
‫عشــرة أوقية‪ ،‬فذلك خمســمائة درهم»‪ .‬قال ابن‬ ‫يكون هناك رجل دخل علــى الزواج والتزم بحدود‬
‫عباس رضــي اهلل عنه‪ ،‬ملا تزوج علي رضي اهلل عنه‬ ‫التعاليم اإلســامية‪ ،‬وامرأة دخلــت على الزواج‬
‫فاطمــة رضي اهلل عنها‪ ،‬قال رســول اهلل أعطها‬ ‫والتزمت بحــدود التعاليم اإلســامية واملنهج‬
‫شــيئا ً ‪ -‬أي مهرا ً ‪ -‬قال‪ :‬ما عندي‪ ،‬قال‪ :‬فأين درعك‬ ‫الســليم الذي زخرت به النصوص الشرعية من‬
‫احملطمة؟ قال‪ :‬هي عندي قال فأعطها إياها‪.‬‬ ‫القرآن والســنة النبوية‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك شيء‬
‫‪62‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬
‫فصاحــب الديــن يخشــى اهلل ويراقــب ربه في‬ ‫ســرعة إمتام الــزواج‪ ،‬بدون ســابق معرفة‪ ،‬وبدون‬
‫معاملتها‪ ،‬ويــؤدي لها واجبها الــذي فرضه اهلل‬ ‫التأكد من شــخصية الزوجة وطباعها وأخالقها‪،‬‬
‫لها‪ ،‬وحينما استشار رجل سيدنا احلسن البصري‬ ‫وعدم استشارة املرأة عند الزواج‪ ،‬وبالرجوع لتعاليم‬
‫قائــاً له‪ :‬إن لــي بنتا ً فمــن تــرى أن أزوجها له؟‬ ‫اإلســام جند أن الفتى قبل أن يخطب فتاته ال بد‬
‫قــال‪ :‬زوجها من ذي الدين فــإن أحبها أكرمها وإن‬ ‫أن يتعرف عليها‪ ،‬ويلتمــس النواحي التي تعجبه‬
‫كرهها لم يظلمها‪ .‬واإلســام يراعــي الكفاءة‬ ‫فيها‪ ،‬حتى يقدم على خطبتها‪ ،‬وهو مطمئن على‬
‫بني الزوج والزوجة في الســن والوضع االجتماعي‬ ‫حسن اختياره‪ ،‬ألن الزواج ارتباط طويل ستكون له‬
‫والثقافي‪ ،‬فالتقارب فــي هذه النواحي يعني على‬ ‫ثمرات مهمة‪ ،‬فقد أباح اإلســام للرجل أن ينظر‬
‫دوام العشرة‪ ،‬ويتحقق معها االنسجام املرجو من‬ ‫إلى من يريد الزواج منها‪ ،‬ألن الزواج الذي يتم على‬
‫تكوين األسرة‪ ،‬فالكفاءة بني الزوجني أساس احلياة‬ ‫رغبــة حقيقية بعد النظر والتــروي يكون مظنة‬
‫الزوجية املستقرة‪.‬‬ ‫للوفاق واأللفة وحتقيق السعادة‪.‬‬

‫ومن أسباب كثرة الطالق أيضاً‪ :‬أن الزوجة احلديثة‬ ‫ففــي حديث املغيرة بن شــعبة أنه خطب امرأة‬
‫فقــدت القــدرة على الصمــود أو علــى الصبر‪،‬‬ ‫فقال له النبــي «انظر إليها فإنــه أحرى أن يؤدم‬
‫ضعيفة تنهار ألضعف األســباب‪ ،‬وجتسم األمور‬ ‫بينكما»‪( ،‬رواه النسائي)‪.‬‬
‫بأكبــر من حجمها احلقيقــي‪ ،‬ال تصبر حتى يحل‬
‫الزمن هذه املشــكالت‪ ،‬كما كانت تفعل أمهاتنا‪،‬‬ ‫وأيضا ً أباح اإلســام أن تنظر املرأة إلى من يتقدم‬
‫فقد كن يتميزن بالصبر الشديد‪ ،‬ويتحملن بهدوء‬ ‫خلطبتها‪ ،‬بل يســن لها ذلك‪ ،‬ألنه يعجبها منه ما‬
‫نسبي في األعصاب‪ ،‬ويعتمدن على الزمن في حل‬ ‫يعجبه منها‪ ،‬ولها أن تستوصف كما يستوصف‬
‫كثير من املشكالت املستعصية‪.‬‬ ‫هو‪ ،‬فذلــك مقتضى العقل واحلكمــة‪ ،‬فالنفس‬
‫بطبيعتها تتطلع إلى اجلمال وتتلمســه في كل‬
‫الظــروف االقتصاديــة‪ ،‬ومبا تشــكل من ضغط‬ ‫شــيء‪ ،‬وهو من أهم عوامل دوام األلفة‪ ،‬والنسوة‬
‫اقتصــادي على ميزانيــة األســرة‪ ،‬أدت إلى عدم‬ ‫يرغنب فيــه ويبحثن عنه كما يهفــو إليه الرجال‬
‫حتقيق كل رغبات الزوجة واألوالد‪ ،‬مما يؤدي إلى إثارة‬ ‫وينقبــون عنه‪ ،‬قال رســول اهلل صلــى اهلل عليه‬
‫املشكالت املستمرة بني الزوجني‪.‬‬ ‫وسلم «يعمد أحدكم إلى ابنته فيزوجها القبيح‬
‫الدميم‪ ،‬إنهن يردن ما تريــدون»‪( ،‬ذكره ابن اجلوزي‬
‫ســفر الزوج للخارج لتحسني مســتوى املعيشة‬ ‫في كتابه آداب النساء)‪.‬‬
‫لألســرة‪ ،‬فإذا ســافر وحــده دون األســرة فهذه‬
‫هي الطامــة الكبرى علــى الروابط اإلنســانية‬ ‫اهتمام املرأة ووليها بغنى الزوج‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫واالجتماعية بينه وبني هذه األســرة‪ ،‬فيعود إليها‬ ‫املعانــي الدينية واألخالقية والكفاءة في الســن‬
‫كالغريب‪ ،‬وتنظر إليه األسرة على أنه مجرد خزينة‬ ‫والوضــع االجتماعي والثقافي‪ .‬وبالرجوع لتعاليم‬
‫إنفاق‪ ،‬فضالً عن املآســي التي حتدث أثناء ســفر‬ ‫اإلسالم هنا جند أن املقياس اإلسالمي للزوج الذي‬
‫الزوج للخــارج لزوجته وأوالده‪ ،‬إذا كان متســكهم‬ ‫تسعد به الزوجة وتســعد به األسرة هو ذو الدين‬
‫بالدين ضعيفاً‪.‬‬ ‫واخللق‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م الرابطة‬
‫قصة مولود‬
‫بقلم‪ :‬عبد الله بن خالد باموسى‬

‫عندما علمت أنك قادم شــكرت اهلل علــى هذا الرزق‪ ،‬وظللت أضحك وأســتقبل التهاني من األهل‬
‫واألصدقاء‪ ،‬وتغيرت أفكاري وأولوياتي‪ ،‬أنتظر قدومك بفارغ الصبر‪.‬‬

‫مر َّ الشــهر األول والثاني والثالث ووالدتك ال تتحرك كثيرًا‪ ،‬وال متشــي كثيرًا‪ ،‬خو ًفا من أن يحدث شيء‬

‫مدار‬
‫لك‪ ...‬تأخذ وجباتها بانتظام‪ ،‬وتتحمل جميع اآلالم‪ ،‬تنتظر أن تكتمل فرحتها بقدومك‪.‬‬

‫وفي الشــهر الرابع ذهبنا ملوعدنا‪ ،‬ولنتأكد من سالمتك‪ .‬فجأة الدكتورة تقول مبروك توأمان‪ ،‬فظهرت‬
‫عالمات اخلوف والفرحة علي وعلى زوجتي‪.‬‬

‫ماذا سنفعل؟ هذه مسؤولية كبيرة! ولكن اهلل سيعطيني القدرة وكل طفل يأتي برزقه‪.‬‬

‫سريعا وانشغلنا باألعياد ومتابعة املشاغل اليومية ومشاهدة األفالم ‪.‬‬


‫ً‬ ‫الشهر اخلامس مر‬

‫الشهر الســادس كان شــهر الفرح عندما علمت أنهما بنتان‪ .‬بدأنا نشتري مالبسهما ونختار أنواع‬
‫متوقعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫السرر وجنهز توزيعات االستقبال وسميناهما ( فاطمة ومرمي)‪ ...‬لكن حدث ما لم يكن‬

‫ليلة عيد األضحى املبارك ودون ســابق إنذار‪ ،‬داهم طلق الوالدة زوجتي في ســاعات متأخرة من الليل‪.‬‬
‫ســريعا للمستشــفى‪ ...‬يا دكتور احلق زوجتي وأطفالي‪ ...‬ولكن أول كلمــة قالها الدكتور بعد‬
‫ً‬ ‫ذهبنا‬
‫الكشــف عليها ظلت تدور في رأســي‪« :‬يا ابني قدامك احلياة إن شاء اهلل‪ ،‬ربي يرزقك األفضل ال أحد‬
‫يأخــذ إال املكتوب لــه‪ ...‬إذا كان وزن الطفل الواحد ‪ 500‬جرام ســندخله احلضانة أمــا إذا أقل فنحن‬
‫نأسف»‪ ...‬هنا ظللت صامتًا أفكر ماذا أفعل إذا ماتوا؟! يا رب ارزقني ما هو مكتوب لي‪.‬‬

‫دخلت زوجتي غرفة العمليات ألنه ظهر للدكاترة أنها والدة مبكرة والطفالن وزنهما قليل‪ 430 ،‬جراماً‪،‬‬
‫تذكرت قوله صلى اهلل عليه وسلم «ما من عبد تصيبه مصيبة إال قال إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬اللهم‬
‫أجرني في مصيبتي ‪ ،‬واخلف لي خيرا ً منها‪ ،‬إال آجره اهلل تعالى في مصيبته وأخلف له خيرا ً ِمنها»‪.‬‬

‫حزنت أليام على فقدهما‪ .‬شــعرت أنني خسرت شيئًا ملكته ســنني‪ ...‬ولكن تذكرت أنهما شفيعاء‬
‫بإذن اهلل في اآلخرة لي ولزوجتي‪ .‬شكرت اهلل على كل شيء فهو يعلم ما ال نعلم‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الرابطة العدد‪ ٦٦٣ :‬ربيع اآلخر ‪ ١٤٤٣‬هـ ـ نوفمرب ‪ ٢٠٢١‬م‬

You might also like