You are on page 1of 8

‫التمسك ببطالن إجراءات الخصومة القضائية في بحث ودراسة قانونية‬

‫التمسك ببطالن إجراءات الخصومة القضائية‬


‫إن الق انون اإلج رائي ينظم وس ائل حماي ة حق وق األف راد‪ ،‬ويف رض ش كليات معين ة تحق ق الحماي ة القانوني ة‬
‫ألصحاب هذه الحقوق‪ .‬وإذا توافرت مفترضات العمل اإلجرائي كان هذا العمل صحيحا وترتبت جمي ع اآلث ار‬
‫القانونية‪ .‬أما إذا لم تتوافر هذه المقتضيات فإن المشرع يرتب جزاءا إجرائيا هو البطالن‪.‬‬
‫ويعد البطالن من أهم مناطق قانون اإلجراءات المدنية واإلداري ة دق ة‪ ،‬ل ذا فإن ه يعت بر من المش اكل األساس ية‬
‫التي تثير اهتمام المشرع والفقه والقضاء‪ .‬ويعرف البطالن بأنه وصف يلح ق بالعم ل الق انوني‪ ،‬بس بب وج ود‬
‫عيب في هذا العمل يؤدي إلى عدم إنتاج اآلثار التي تترتب على العمل لو كان صحيحا[‪.]1‬‬
‫فالبطالن سواء لحق تصرفا قانونيا أو عمال إجرائيا إنما هو وص ف أو تك ييف ق انوني لعم ل يخ الف نموذج ه‬
‫القانوني مخالفة تؤدي إال عدم إنتاج اآلثار التي يرتبها عليه القانون إذا كان كامال[‪.]2‬‬
‫فالمشرع يحدد عناصر العمل والشروط الواجب توافرها فيه إلنتاج االثار ال تي ت ترتب على القي ام ب ه‪ ،‬ف إذا لم‬
‫تتوفر هذه العناصر‪ ،‬فإن العمل يعتبر باطال‪ .‬لذلك يعد البطالن جزاء خطير‪ ،‬األمر الذي يقتضي ع دم المبالغ ة‬
‫فيه حتى ال يتجاوز الغاية من تقريره‪ .‬فهو يهاجم العناصر التي تستند إليها الدعوى‪ ،‬ويمكن أن ي ؤدي إلى ع دم‬
‫صحتها‪ ،‬فهو ال يعني مجرد إهدار اإلجراء المعيب‪ ،‬ولكن ه ق د ي ؤدي في أح وال كث يرة إلى انهي ار الخص ومة‬
‫بأكملها‪ ،‬وضرورة إعادة إقامة الدعوى من جديد[‪.]3‬‬
‫فقانون اإلجراءات المدنية واإلدارية الجزائري نظم األشكال التي يتبعها الخصوم في مطالبتهم بحقوقهم‪ ،‬وذل ك‬
‫من أجل حماية مصالحهم للوصول إال حل عادل وسريع للنزاع‪ .‬فالمشرع بعد أن نظم األشكال الواجب إتباعها‬
‫في القيام باألعمال اإلجرائية‪ ،‬وقرر البطالن كجزء على عدم مراعاة تلك األشكال يح اول حص ر ه ذا الج زاء‬
‫في أضيق نطاق[‪.]4‬‬
‫فالمشكلة تثور بالنسبة لبطالن العمل اإلجرائي لعيب شكلي‪ ،‬إذ ال جدال في أن البطالن كجزاء إج((رائي ي((رتب‬
‫آثار خطيرة بالنسبة إلى المتقاضيين‪ ،‬فهو قد يعرض الخصم الذي قام بمباشرة العمل إلى خط ر فق دان حقوق ه‬
‫بصفة نهائية‪ ،‬إذا كان العمل الباطل ال يمكن مباشرته من جديد بسبب انقضاء المواعيد[‪.]5‬‬
‫لذلك سنتعرض في هذه المقالة إلى التمسك ببطالن إجراءات الخصومة القضائية‪ ،‬وندرس في(ه تحدي((د نط(اق‬
‫البطالن (أوال)‪ ،‬ومن يتمس((ك بال((دفع ب((البطالن (ثاني((ا)‪ ،‬ووقت التمس((ك ب((ه (ثالث((ا)‪ ،‬وآث((ار الحكم ب((البطالن‬
‫ووسائل الحد منها(رابعا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تحديد نطاق البطالن‪:‬‬
‫يقصد بالدفوع الشكلية )اإلجرائية( في قانون اإلجراءات المرافع ات تل ك األدوات أو الوس ائل اإلجرائي ة ال تي‬
‫حددها المشرع‪ ،‬وجعلها وسيلة للمدعى عليه للتمسك بالجزاء اإلجرائي المترتب على وقوع مخالفات إجرائية[‬
‫‪ .]6‬فالدفع اإلجرائي يوجه إلى صحة األعم ال اإلجرائي ة المكون ة للخص ومة‪ ،‬به دف إنهائه ا دون الفص ل في‬
‫الموضوع أو تأخير الفصل فيه[‪ .]7‬والدفع الشكلي هو واحد من الحقوق اإلجرائية وهي وسائل قانونية يحددها‬
‫المشرع‪ ،‬واألصل فيها أنها ال تتعلق بالنظام العام واالستثناء تعلقها به‪.‬‬
‫وال دفوع الش كلية تخض ع لنظ ام ق انوني خ اص به ا نص ت علي ه الم ادة ‪ 50‬من ق انون اإلج راءات المدني ة‬
‫واإلدارية‪ ،‬هذا النظام هو أنه يجب إثارة الدفوع الشكلية في آن واحد قبل أي دف اع في الموض وع أو دف ع بع دم‬
‫القبول‪ ،‬وذلك تحث طائلة عدم القبول‪.‬‬
‫وجميع الدفوع الشكلية يجب التمسك بها في وقت واحد والهدف من ذلك هو س رعة الفص ل في ال نزاع‪ ،‬وع دم‬
‫إفساح الفرصة لطول اإلجراءات‪ ،‬ألن الغاية من هذه ال دفوع ه و التمس ك بع دم س المة اإلج راءات‪ ،‬ألنن ا ل و‬
‫تمسكنا في كل مرة بدفع يثار ثم يعقبه آخر فإن ذلك يؤدي إال عرقلة سير اإلجراءات[‪.]8‬‬
‫والدفع بالبطالن باعتباره أحد الدفوع الشكلية يتصل بالفلسفة التي يجب على المشرع أن يعتنقها بالنسبة لبطالن‬
‫العمل اإلجرائي‪ ،‬هل يتوسع فيه وبالتالي يبطل كل عم ل إج رائي يخ الف الش كل الق انوني‪ .‬أم على العكس من‬
‫ذلك يجب أن يأخذ بالبطالن في أضيق نطاق‪.‬‬
‫فالبطالن وأحكامه يرتبطان بالسياس ة التش ريعية‪ ،‬ويرتبط ان باأله داف ال تي ي رمي المش رع إلى تحقيقه ا من‬
‫وراء العمل اإلجرائي‪ .‬ولقد حاولت مختلف التشريعات إيجاد نقطة ت وازن بين تط بيق أوام ر المش رع بتوجي ه‬
‫اإلج راءات وع دم إه دار الح ق الموض وعي نتيج ة بطالن اإلج راءات ال تي هي مق ررة في األص ل لتوجي ه‬
‫صاحب هذا الحق إلى الحصول على حمايته[‪.]9‬‬
‫فالبطالن كعالج ال يصح أن يكون في ذات الوقت داء‪ ،‬وبالتالي البد أن يؤخذ منه بق((در‪ ،‬فال يتوس((ع المش((رع‬
‫فيه وال يضيق فيه‪ .‬ومن األجدر أن نعرض كيفية مواجهة قانون اإلجراءات المدنية الفرنس((ي له((ذه المش((كلة‬
‫(البند األول)‪ ،‬ثم ندرس االتجاه الذي تبناه المشرع الجزائري( البند الثاني) ‪.‬‬
‫البند األول‪ :‬القانون الفرنسي‪:‬‬
‫تولت قوانين اإلجراءات المدنية القديمة تحديد حاالت البطالن‪ ،‬واعتنقت مذهب البطالن بغير النص‪ ،‬وبالت الي‬
‫ال يمكن للقاض ي في ظ ل ه ذه التش ريعات الحكم ب البطالن م ا لم يوج د نص ق انوني[‪.]10‬أم ا التش ريعات‬
‫المعاصرة فقد أخذت مذهبا آخر بمقتضاه يترك األمر للقاضي متى يحكم بالبطالن ومتى ال يحكم ب ه‪ ،‬وح ددت‬
‫هذه التشريعات معيار معين يستعين به القاضي عند تحديده لصحة العمل اإلجرائي‪.‬‬
‫‪ -1‬معيار الشكل الجوهري‪:‬‬
‫أخذ المشرع الفرنسي بمعيار الشكل الجوهري في المادة ‪ 114‬الفقرة ‪ 1‬من قانون اإلجراءات المدنية الفرنس ي‬
‫وال تي نص ت على أن ه ” ال يج وز الحكم ببطالن اإلج راء لعيب في الش كل إال إذا نص الق انون على ذل ك‬
‫صراحة‪ ،‬ما لم تكن المخالفة متعلقة بشكل جوهري أو متعلق بالنظام العام‪]11[ “ .‬‬
‫ووفق هذا النص فإنه يحكم ببطالن العمل اإلجرائي إذا خالف شكال جوهريا حتى ولو لم يكن المش رع ق د نص‬
‫على البطالن‪ ،‬والشكل الجوهري هو الشكل الالزم لوجود العمل أو تمييزه عن غيره من األعمال‪.‬‬
‫‪ -2‬معيار الضرر‪:‬‬
‫وطبقا لهذا المعي ار فإن ه يجب ح تى نحكم ب البطالن‪ ،‬أن يثبت أن المخالف ة أض رت بمص الح الط رف الخص م‬
‫المتمسك بالبطالن‪ .‬وقد تب نى المش رع الفرنس ي ه ذا المعي ار في الم ادة ‪ 114‬الفق رة ‪ 2‬في ق انون اإلج راءات‬
‫المدنية الفرنسية والتي نص ت على أن ه ” الحكم ب البطالن ال يمكن أن يك ون إال أن يثبت من يتمس ك ب البطالن‬
‫الضرر الذي أصابه بسبب المخالفة الشكلية حتى لو كان الشكل جوهريا أو متعلقا بالنظام العام‪“]12[.‬‬
‫و المقصود بالضرر هو الضرر اإلج رائي ال ذي يتمث ل في ف وات المص لحة ال تي قص د المش رع تحقيقه ا من‬
‫الشكل الذي تمت مخالفته [‪.]13‬‬
‫ويوجد معيار أخر هو معيار الغاية‪ ،‬وبمقتضى هذا المعيار ال يمكن الحكم ببطالن اإلجراء رغم تخل ف الش كل‬
‫المطلوب ولو نص القانون صراحته على البطالن إذا تحققت الغاية المرجوة من اإلجراء[‪.]14‬‬
‫البند الثاني‪:‬البطالن في القانون الجزائري‪:‬‬
‫تنص المادة ‪ 60‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية على أنه‪“ :‬ال يقرر بطالن األعمال اإلجرائية ش كال‪،‬‬
‫إال إذا نص القانون صراحة على ذلك‪ ،‬وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه “‬
‫يتضح من هذا النص أن المعيار المعمول به في تحديد نطاق البطالن في القانون الجزائري هو معيار الضرر‪،‬‬
‫والنص على البطالن صراحة يعني أن المحكمة تحكم بالبطالن لو تمسك ب ه الخص م‪ ،‬ويكفي أن يثبت الخص م‬
‫الذي يتمسك بالبطالن وجود ضرر من جراء العمل اإلجرائي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التمسك بالدفع بالبطالن‪:‬‬
‫تنص الم((ادة ‪ 63‬من ق((انون اإلج((راءات المدني((ة واإلداري((ة على أنه ” ال يج وز التمس ك ببطالن اإلعم ال‬
‫اإلجرائية شكال إال لمن تقرر البطالن لصالحه‪” .‬‬
‫واضح من النص أنه يجب التمييز بين البطالن الخاص والبطالن العام‪ ،‬فإذا كان البطالن خاصا‪ ،‬فإن لصاحب‬
‫المص لحة وح ده ح ق التمس ك ب البطالن وه و من تق رر البطالن لص الحه[‪ .]15‬ف إذا لم يتمس ك ب ه ص احب‬
‫المصلحة‪ ،‬فال يستطيع القاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه أو النيابة العام ة‪ .‬وتحدي د الش خص المق رر البطالن‬
‫لمص لحته يرج ع إال إرادة المش رع‪ ،‬وال يج وز للغ ير من ش رع البطالن لمص لحته أن يتمس ك ب ه أي ا ك انت‬
‫مصلحته في ذلك‪ ،‬ومهما كانت صفته أو صلته بالخصم ال ذي ل ه الح ق في التمس ك ب البطالن‪ ،‬م ادام ال يعت بر‬
‫ممثال له في الخصومة‪.‬‬
‫‪-‬ال يتمسك بالبطالن من تسبب فيه‪ :‬ال يجوز التمسك ببطالن األعمال اإلجرائية من الخصم ال ذي تس بب في ه‪،‬‬
‫ولو كان البطالن مقررا لص الحه‪ .‬ويمكن اعتب ار ه ذا المب دأ بمثاب ة إح دى وس ائل الح د من البطالن‪ ،‬ذل ك أن‬
‫اإلجراء يقع باطال‪ ،‬ولكن ال تحكم المحكمة ببطالنه رغم إثارة أحد الخصوم لذلك‪ ،‬وعلي ه يعت بر ه ذا اإلج راء‬
‫وكأنه إجراء صحيح[‪.]16‬‬
‫فال يمكن لمن ك ان س ببا في بطالن اإلج راء أن يتمس ك به ذا البطالن ول و ك انت القاع دة المخالف ة مق ررة‬
‫لمصلحته‪ ،‬وذلك حتى ال يستفيد الخصم من خطأ ارتكبه أو مخالفة أسهم فيها‪.‬‬
‫ولم يتضمن المشرع الجزائري عبارة تدل على عدم التمسك بالبطالن من الخصم الذي تس بب فيه‪ .‬فالم ادة ‪63‬‬
‫السالفة الذكر تنص على أنه ال يمكن التمسك ببطالن العمل اإلجرائي إال لمن تقرر لصالحه‪ .‬وذل ك على عكس‬
‫التشريعات األخرى[‪ ،]17‬وإن كان بمفهوم المخالفة نستشف ذلك‪.‬‬
‫ويشترط لتطبيق قاعدة ” ال يتمسك بالبطالن من تسبب فيه “ أن يكون الخص م ق د تس بب في ح دوث البطالن‪،‬‬
‫أي أنه قد ساهم بفعله في حدوث البطالن بمعنى أن تقوم عالقة السببية بين فعل الخصم وبين العيب الذي ش اب‬
‫اإلجراء‪ .‬ومثال ذلك إذا تم تبلي غ الم دعى علي ه وك ان التبلي غ ب اطال ألن الم دعي ذك ر عنوان ا خاطئ ا لم وطن‬
‫المدعى عليه‪ ،‬فهو قد ارتكب خطأ وهو ذكر العنوان الخاطئ[‪.]18‬‬
‫وهذا الخطأ هو الذي أدى إال بطالن اإلجراء فال يج وز للم دعي أن يتمس ك ببطالن االج راء لوج ود خط أ في‬
‫العنوان‪ .‬ويستوى أن يكون من تسبب في البطالن هو الخص م نفس ه أو ش خص آخ ر يعم ل باس مه‪ .‬وال يقص د‬
‫بهذه القاعدة أن يكون قد صدر من الخصم غش أو خطأ بل تكفي مج رد الواقع ة ال تي تؤك د نس بة البطالن إلى‬
‫الخصم أو من يعمل باسمه‪ ،‬وأن يكون فعل الخصم هو السبب الوحيد أو الرئيسي لوجود العيب في اإلجراء‪.‬‬
‫أما إذا كان البطالن عاما أي متعلقا بالنظام العام‪ ،‬فيجوز أن يتمسك به أي طرف من أطراف الخصومة‪ ،‬ح تى‬
‫ولو كان هو الخصم الذي تسبب فيه‪ .‬وللمحكمة أن تحكم بالبطالن من تلقاء نفسها‪ ،‬ولو لم يتمسك أحد الخص وم‬
‫به‪ ،‬فالبطالن هنا مقرر جزاءا لقاعدة شرعت لحماية مصلحة عامة‪ ،‬ومثال ذلك ما نص ت علي ه الم ادة ‪ 65‬من‬
‫قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية على أنه ” يثير القاضي تلقائي ا انع دام األهلي ة‪ ،‬ويج وز ل ه أن يث ير تلقائي ا‬
‫انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي “‪.‬‬
‫فمن األجدر أن ال يتوسع في قاعدة ال يتمس ك ب البطالن من تس بب في ه‪ ،‬وذل ك من أج ل المس اهمة في س رعة‬
‫الفصل في الدعاوى وحماية الحقوق‪ .‬فهذه القاع دة مقص ورة على حال ة بطالن اإلج راء الغ ير متعل ق بالنظ ام‬
‫العام‪ ،‬أما إذا كان بطالن اإلجراء متعلقا بالنظام الع ام فإن ه يج وز ألي من الخص وم التمس ك ب ه وذل ك رعاي ة‬
‫للمصلحة العامة[‪.]19‬‬
‫ثالثا‪ :‬وقت التمسك بالدفع بالبطالن‪:‬‬
‫على اعتبار أن الدفع بالبطالن دفعا شكليا‪ ،‬فإن هذا الدفع تسري عليه القواعد التي تحكم هذه الدفوع والتي ج اء‬
‫بها المشرع في المادة ‪ 50‬من قانون اإلج راءات المدني ة واإلداري ة‪ .‬وه ذه القواع د ت رمي إلى الح د كث يرا من‬
‫البطالن المقرر للمصالح الخاصة للخصوم‪.‬‬
‫فالدفوع الشكلية يجب التمسك بها قبل التعرض للموضوع‪ ،‬ذلك أنه من باب العدال ة ع دم ت رك الم دعي مه ددا‬
‫بهذا الدفع في جميع مراحل التقاضي‪ ،‬فحس ب س ير القض اء يف رض التخلص من العي وب الش كلية من البداية[‬
‫‪.]20‬‬
‫كما أن السماح للخصم بالتمسك بالعيب الشكلي في أي وقت فيه إهدار للوقت وإطالة لإلجراءات‪ ،‬فاألمر يتعلق‬
‫بتنظيم مرفق القضاء والحف اظ على حق وق الخص وم‪ ،‬كم ا أن سياس ة المش رع في ق انون اإلج راءات المدني ة‬
‫واإلدارية تهدف إلى الحد من البطالن‪.‬‬
‫فالمحكمة تقض ي بع دم قب ول ال دفع ب البطالن إذا ق دم دف وع في الموض وع أو دف وع بع دم القب ول‪ ،‬ف التعرض‬
‫للموضوع يسقط الحق في التمسك بالبطالن‪ ،‬وهذا الجزاء يتعلق بالنظام العام يجب على المحكمة أن تقضي به‬
‫من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به الخصوم[‪.]21‬‬
‫وال يحق للخصوم التنازل عن ه ذا الج زاء‪ ،‬ألن ه ذه القاع دة مق ررة لتنظيم وظيف ة المح اكم‪ ،‬وهي اعتب ارات‬
‫تمس المصالح العامة‪.‬‬
‫والبطالن لعيب في الشكل يمكن إثارت ه خالل القي ام ب ه‪ ،‬وال يعت د به ذا ال دفع إذا ق دم من تمس ك ب ه دفاع ا في‬
‫الموضوع الحقا للعم ل اإلج رائي المش وب ب البطالن دون إثارته ” الم ادة ‪ 61‬من ق انون اإلج راءات المدني ة‬
‫واإلدارية”‪.‬‬
‫فالبطالن لعيب في الشكل يثار أوال بمجرد حدوثه‪ ،‬فإذا أث ير بع د إب داء دف اع في الموض وع أو بع د دف ع بع دم‬
‫القبول‪ ،‬فإنه ال يعتد به ويعتبر اإلجراء صحيحا‪ ،‬فبمجرد التعرض للموضوع يح رم الم دعي علي ه من إمكاني ة‬
‫إبداء الدفع بالبطالن الذي كان من حقه أن يتمسك به[‪.]22‬‬
‫فبمجرد إبداء المدعى عليه أي طلب متعلق بالموضوع يعتبر تعرضا للموضوع‪ ،‬سواء ك ان طلب ا عارض ا في‬
‫الخصومة أو طلب يتعلق ب إجراء من إج راءات التحقي ق‪ .‬وال يعت بر تعرض ا للموض وع طلب تأجي ل القض ية‬
‫لتق ديم مس تندات أو م ذكرات‪ ،‬فيجب أن يك ون الطلب ح تى يعت بر تعرض ا للموض وع داال بوض وح على أن‬
‫الخصم الذي تقدم به يناقش موضوع الدعوى‪.‬‬
‫وتحكم المحكمة في الدفع بالبطالن‪ ،‬وسائر الدفوع الشكلية األخرى على استقالل‪ ،‬ما لم تأمر المحكم ة بض مها‬
‫إلى الموضوع‪ .‬فاألصل أن تفصل المحكمة في الدفوع بالبطالن قبل النظ ر في موض وع ال دعوى ألن ه ذا ق د‬
‫يغينها على النظر في الموضوع‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬آثار الحكم بالبطالن ووسائل الحد منها‪.‬‬
‫‪ -1‬اثار الحكم بالبطالن‪:‬‬
‫إن البطالن ال يرتب أثاره إال إذا حكم به‪ ،‬فال يقع البطالن بق وة الق انون ول و ك ان متعلق ا بالنظ ام الع ام‪ .‬وإنم ا‬
‫يشترط أن يقرره القاضي‪ ،‬ويترتب على الحكم ببطالن اإلجراء اعتب اره ك أن لم يكن فيس قط وتس قط مع ه ك ل‬
‫اإلجراءات الالحقة له متى كان هو أساسها وترتبت هي علي ه‪ ،‬كم ا ي ترتب على البطالن اإلج راء زوال كاف ة‬
‫اآلثار القانونية المترتبة عليه[‪.]23‬‬
‫فإذا قضى مثال ببطالن عريضته افتتاح الدعوى استتبع ذل ك بطالن جمي ع إج راءات الخص ومة‪ ،‬بم ا في ذل ك‬
‫الحكم الصادر في الدعوى‪ .‬ولكن هنا ال يمنع من تجديد اإلجراء الذي حكم ببطالن ه مص ححا م ا لم يكن الح ق‬
‫في إجرائه قد سقط لسبب من أسباب السقوط‪.‬‬
‫فيترتب على الحكم بالبطالن اعتبار اإلج راء ك أن لم يكن وزوال أث اره‪ ،‬وي دعى أن الحكم ببطالن اإلج راء ال‬
‫يستتبع بطالن ما تقدم عليه من إجراءات‪ ،‬كما ال تبطل اإلجراءات الالحقة علي ه إذا ك ان له ا كي ان مس تقل ولم‬
‫تكن معتمدة عليه[‪.]24‬‬
‫فالعمل اإلجرائي هو حلقة من حلقات التسلسل القانوني للخصومة وتتابع األعمال اإلجرائية المكونة للخص ومة‬
‫تتابعا زمنيا‪ .‬بمعنى أن القيام بعمل إجرائي يفترض وجود عمل إجرائي مرتبط به إلى غاية انقضاء الخص ومة‬
‫القضائية‪.‬‬
‫ويبدو منطقيا أن بطالن اإلجراء يترتب عليه بطالن األعمال الالحق ة المرتبط ة ب ه‪ ،‬لكن ليس ك ل اإلج راءات‬
‫الالحقة لإلجراء الباطل تكون باطل ة ك أثر لبطالن ه ذا اإلج راء‪ .‬ف اإلجراءات الالحق ة المس تقلة عن اإلج راء‬
‫الباطل تظل صحيحة‪ .‬أم ا اإلج راءات الالحق ة المبني ة على العم ل الباط ل‪ ،‬فه ذه تبط ل نتيج ة لبطالن العم ل‬
‫السابق عليها‪ .‬ويقصد بها تلك ال تي ترتب ط ارتباط ا قانوني ا بالعم ل‪ ،‬بحيث يعت بر اإلج راء الس ابق ال ذي بط ل‬
‫شرطا لصحة العمل الالحق عليه[‪.]25‬أم ا اإلج راءات الس ابقة على اإلج راء الباط ل‪ ،‬فال ت أثير له ذا البطالن‬
‫عليها متى تمت صحيحة في ذاتها‪.‬‬
‫‪-‬تصحيح اإلجراء الباطل‪:‬‬
‫ذهبت كل االتجاهات الحديث ة في ق انون اإلج راءات المدني ة واإلداري ة إلى الح د من أث ار البطالن‪ ،‬فالمش رع‬
‫اإلجرائي يحاول بقدر المستطاع إلى تفادي البطالن‪ .‬وتنص المادة ‪ 62‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلداري ة‬
‫على أنه ” يجوز للقاضي أن يمنح أجال للخصوم لتص حيح اإلج راء المش وب ب البطالن‪ ،‬بش رط ع دم بق اء أي‬
‫ضرر قائم بعد التصحيح يسري أثر هذا التصحيح من تاريخ اإلجراء المشوب بالبطالن‪“ .‬‬
‫واضح من النص أن المشرع يعمل على تفادي البطالن وذلك ضمانا الستمرار الخصومة‪ ،‬فالقاضي يمنع أجال‬
‫لتصحيح اإلجراء‪ ،‬فإذا لم يكن اإلجراء ميعاد مقرر في القانون حددت المحكمة ميعادا مناسبا لتصحيحه[‪.]26‬‬
‫فالمشرع أجاز تصحيح اإلجراء الباطل بتكملة اإلجراء الباطل‪ ،‬فإذا كان اإلج راء ب اطال بس بب نقص أو عيب‬
‫في الشكل أو في بيان من البيان ات‪ ،‬ف إذا أمكن تكمل ة اإلج راء بحيث يت وفر الش كل ال ذي يتطلب ه الق انون زال‬
‫البطالن وأصبح اإلجراء المنسوب بالبطالن صحيحا‪.‬‬
‫ومن بين الوسائل الوقائية هي إمكانية التنازل عن البطالن لعيب شكلي‪ ،‬والتنازل هو تص رف إج رائي يتم من‬
‫ط رف الخص م بإرادت ه المنف ردة‪ ،‬ويك ون التن ازل ص حيحا إذا أعلن الخص م إرادت ه في ال نزول عن حق ه في‬
‫التمسك بالبطالن‪ .‬أما التنازل الضمني فيكون بسلوك الخصم يدل على التنازل عن التمس ك ب البطالن‪ ،‬كم ا ل و‬
‫ناقش الخصم موضوع اإلجراء الموجه ضده دون التمسك ببطالن‪ ،‬أو الرد عليه بما يدل على أنه صحيح‪.‬‬
‫وتقضي المادة ‪ 68‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية على أنه ” ال يقضي ببطالن إج راء من اإلج راءات‬
‫القابلة للتصحيح‪ ،‬إذا زال سبب ذلك البطالن بإجراء الحق أثناء سير الخصومة‪” .‬‬
‫وال يقتصر التصحيح بالتكملة على البطالن الخاص‪ ،‬بل أنه يمكن التص حيح ول و ك ان البطالن متعلق ا بالنظ ام‬
‫العام‪ ،‬مادام أن التكملة ترمي إلى تصحيح اإلجراء‪ ،‬األمر الذي يؤدي إال توفير الوقت واإلجراءات‪.‬‬
‫وتصحيح اإلجراء ال ينتج أثره إال من ت اريخ حص وله‪ ،‬فليس للتص حيح بالتكمل ة أث ر رجعي‪ ،‬وبعب ارة أخ رى‬
‫فاإلجراء يعتبر قد اتخذ في ه ذه الحال ة من وقت التص حيح‪ ،‬ويس يري أث ر ه ذا التص حيح من ت اريخ اإلج راء‬
‫المشوب بالبطالن ” المادة ‪ 66‬من قانون اإلجراءات المدنية و اإلدارية‪“ .‬وقد أجاز الق انون تص حيح اإلج راء‬
‫ولو بعد التمسك ببطالنه‪ ،‬طالما يتم في الميعاد المقرر قانونا أو األجل الذي يمنحه القاضي‪.‬‬
‫[‪ ]1‬أنظر أكثر تفصيال د أحم د م اهر زغل ول د‪ .‬يوس ف يوس ف أب و زي د‪ :‬أص ول وقواع د المرافع ات‪ :‬ص‬
‫‪ .1269‬د‪.‬نبيل إسماعيل عمر‪ :‬الوسيط في قانون المرافعات‪ ،‬ص ‪.658‬‬
‫[‪ ]2‬د فتحي والي‪ :‬نظرية البطالن في قانون المرافعات‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1997‬م‪ ،‬ص ‪.10-8‬‬
‫[‪ ]3‬د أحمد هندي‪ :‬التمسك بالبطالن في قانون المرافعات‪ ،‬دار الجامعية الجديدة للنشر‪1999 ،‬م ص ‪.7‬‬
‫[‪ ]4‬فالبطالن كعالج ال يصح أن يكون في ذات الوقت داء‪ ،‬وحتى ال يكون كذلك الب د أن يؤخ ذ من ه بق در فال‬
‫يتوسع المشرع فيه على نحو يصبح الشكل على المضمون غالبا‪.‬‬
‫[‪ ]5‬د أحمد ماهر زغلول‪ ،‬د يوسف يوسف زيد‪ :‬مرجع سابق ص ‪.1271‬‬
‫[‪ ]6‬د نبيل إسماعيل عمر‪ :‬الوسيط في ق انون المرافع ات المدني ة والتجاري ة ‪199‬ص ‪ .421‬د فتحي س رور‪:‬‬
‫البطالن في اإلجراءات الجنائية ‪1959‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫[‪ ]7‬د أحمد ماهر زغلول د‪.‬يوسف يوسف أبو زيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1410‬‬
‫[‪ ]8‬فيجب إبداء الدفوع الشكلية في مناسبة واح دة أي في م ذكرة واح دة في دف اع واح د ويجب أن تب دي قب ل‬
‫الكالم في المسائل المتعلقة بأصل الحق‪.‬‬
‫[‪ ]9‬د أحمد هندي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .13‬د‪.‬أحمد ماهر زغلول د‪.‬يوسف يوسف أبو زي د‪ :‬مرج ع س ابق‪ ،‬ص‬
‫‪.1272‬‬
‫[‪ ]10‬في التشريعات القديمة كان فيه تقييد لسلطة القاضي وكان فيه إطالة النزاع بإثارة مسائل فرعية ال مبرر‬
‫لها‪.‬‬
‫[‪Art 144/1 du code de code procédure civile France ( Aucun acte de procédure ]11‬‬
‫‪ne peut être déclaré nul pour vice de forme si la nullité n’en est pas expressément‬‬
‫‪prévu par la loi, sauf en cas d’inobservation d’une formalité substantielle ou‬‬
‫) ‪d’ordre public‬‬
‫[‪Art 114/2 du code de procédure civile France ( la nullité ne peut être ]12‬‬
‫‪prononcée qu’a charge pour l’adversaire qui l’invoque de prouver le grief que lui‬‬
‫‪cause l’irrégularité, même lorsqu’ il s’agit d’une formalité substantielle ou d’ordre‬‬
‫)‪.public‬‬
‫[‪Serge Guinchard. Cécile chainais , Frédérique Ferrand : procédure civile, droit ]13‬‬
‫‪.interne et droit de l’union européenne, 30 édition 2010. Page 284-285‬‬
‫[‪ ]14‬د أحمد زغلول د يوسف يوسف أبو زيد‪ :‬مرجع سابق ص ‪.1274‬‬
‫[‪ ]15‬ويكون البطالن خاصا إذا كان جزاءا لقاع دة أو مقتض ى مق رر لحماي ة المص لحة الخاص ة لش خص أو‬
‫أشخاص معينين‪ .‬أما البطالن العام فهو البطالن الذي يترتب نتيج ة لمخالف ة قاع دة يقص د به ا حماي ة مص لحة‬
‫عامة‪ ،‬أي متعلقة بالنظام العام‪ ،‬فرعاية هذه المصلحة تعلو على أي اعتبار آخر‪.‬‬
‫[‪ ]16‬أحمد هندي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .16‬د فتحي والي‪ :‬نظرية البطالن‪ ،‬الطبعة ‪ 2‬رقم ‪ 371‬ص ‪.689-688‬‬
‫أنظر أكثر تفصيال أمينة النمر‪ :‬الدعوى وإجراءاتها ‪ ،1990‬ص ‪.174-173‬‬
‫[‪ ]17‬المادة ‪ 21‬من قانون المرافعات المص ري تنص على أن ه )ال يج وز أن يتمس ك ب البطالن إال من ش رع‬
‫البطالن لمصلحته‪ ،‬وال يجوز التمسك بالبطالن من الخصم الذي تسبب فيه وذلك كل ه فيم ا ع دا الح االت ال تي‬
‫يتعلق فيها البطالن بالنظام العام(‬
‫[‪ ]18‬أنظر أكثر تفصيال د أحمد أبو الوفاء‪ :‬المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬الطبعة الخامس ة عش ر‪ ،‬ص ‪-507‬‬
‫‪ .508‬أنظر أحمد أبو الوفا‪ :‬نظرية الدفوع ‪1998‬م‪ ،‬طبعة ‪ ،8‬ص ‪.102‬‬
‫[‪ ]19‬أنظر أكثر تفصيال د أبو الوفا‪ :‬نظرية الدفاع‪ ،‬الطبعة الثانية‪1988 ،‬م ص ‪.103‬‬
‫[‪ ]20‬أنظر أكثر تفضيال د أحمد هندي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫[‪ ]21‬د فتحي والي‪ :‬الوسيط في قانون القضاء المدني‪ ،1987 ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫[‪ ]22‬ويعتبر إبداء الطلبات القضائية تعرض ا للموض وع ويس قط ال دفع ب البطالن ول و ورد بطلب في إج راء‬
‫باطل‪ ،‬ألن بطالن اإلجراء ال يمنع من أن الكالم في الموضوع قد حدث بالفعل‪.‬‬
‫[‪ ]23‬أنظر أكثر تفصيال د أحمد أبو الوفا‪ :‬المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫[‪ ]24‬فالبطالن ي ترتب على ع دم ق درة اإلج راء على تولي د االث ار ال تي ك ان من الممكن أن يول دها ل و ك ان‬
‫صحيحا‪ ،‬والبطالن كجزاء إجرائي يقع بقوة القانون‪ ،‬سواء تعلق بالصالح العام أو تعلق بالصالح الخاص‪.‬‬
‫[‪ ]25‬د أحمد ماهر زغلول‪ :‬د‪.‬يوسف أبو زيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1287‬‬
‫[‪ ]26‬أنظر د أحمد أبو الوفا‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.514‬‬

You might also like