التأصيل القانوني والفقهي للطعن بالتمييز – دراسة قانونية
التأصيل الفقهي للطعن التمييزي :
لقد وفق المشرع اإلجرائي بين مصلحتين متعارضتين عن طريق نظ ام الطعن التمي يزي ،األولى هي مص لحة الخصوم التي تقض ي بوج وب إع ادة النظ ر في الحكم القض ائي لتص حيح أخطائ ه الموض وعية أو اإلجرائي ة والتي تنتج عن سوء فهم ،وتقدير ،وتكييف من القاضي لنصوص القانون ( .)1والثانية تمث ل المص لحة العام ة التي تحتم وجوب وضع حد للنزاع القضائي ،وإزالة التعارض بين األحكام القضائية في القض ية الواح دة (.)2 أو في القض ايا المتش ابهة( .)3ح تى تس تقر الحق وق ،والمع امالت ،واألوض اع القانوني ة ( .)4ل ذا فق د أوج د المشرع وبمباركة الفقه هذا الطريق الخاص جدا ً ،وذلك بعد أن ذهب جانب كب ير من الفق ه اإلج رائي( .)5إلى تقرير عدم إمكانية رفع دعوى ألبطال األحكام القضائية التي ال يجوز الرج وع عنه ا أو تع ديلها أو إلغائه ا إال وفق الطرق القانونية المعتبرة ( .)6إضافة لما تحققه فائدة وجود هيئة قضائية متخصصة تراقب صحة تطبيق القانون من قبل السلطة القضائية وتحافظ على وحدة تفسيره وإعماله ( ،)7وما يحقق ذلك من فائ دة أخ رى هي توفير اآلمان الق انوني ألط راف ال نزاع ( .)8واس تقرار ال رأي في فهم أحك ام الق انون وحس ن تطبيق ه ونقض األحكام المخالف ة ل ه احترام ا لمب دأ الش رعية ( .)9ل ذا فنحن نعتق د أن نظ ام الطعن التمي يزي يف ترض في ه أن يضمن مطابقة األحكام القضائية؛ للقواعد القانونية روحا ونصا والتي تمثل اإلرادة التش ريعية ،فه و في نظرن ا مظهر من مظ اهر الدول ة القانوني ة الحديث ة وال تي تض من وتؤك د ح ق ال دفاع الج دلي( .)10وي ذهب البعض اآلخر( .)11إلى اعتبار أن الطعن التمييزي اثر من آث ار الحكم القض ائي ،ونخ الف ذل ك الن الطعن التمي يزي سابق في الوجود المادي للحكم القضائي ،فهو من صور من حق اللجوء إلى القضاء( .)12ويقتصر اث ر الحكم فيه على وضع أحد الخصوم في مركز المحكوم عليه ،هذا المركز في حقيقته هو الذي سينعكس تلقائيا وب إرادة صاحبه إلى مركز الطاعن ليمارس بدوره الحقوق التي وفرها له القانون فيه بعد أن يق وم بالواجب ات واألعب اء المترتبة عليه؛ ومن هنا نعتقد أن الحكم القضائي هو المف ترض الض روري والس ابق لممارس ة المحك وم علي ه نظام الطعن التمييزي0 _________________________ – Ghiovenda (giuseppe):principii di diritto prosecute civile 3a ed.napoli 1923 p.897. calamendrei (piero):La cassazione civile ،milano 1920،v.2.p.120.n.79 مشار إلي ه في فتحي والي-الوس يط في ق انون القض اء الم دني –جامع ة الق اهرة –من منش ورات دار النهض ة العربية-مصر–1987-ص 659بند ،346وانظر كذلك ضياء ش يت خط اب –الوج يز في المرافع ات المدني ة والتجاري ة –مطبع ة الع اني بغ داد-1973-ص ،351محم د احم د عاب دين -ط رق الطعن في األحك ام المدني ة والجنائية مصر دار المطبوعات الجامعية -القاهرة - 1984ص، 5نبيل اس ما عي ل عم ر –أص ول المرافع ات المدني ة والتجاري ة –منش اة المع ارف باإلس كندرية–1986ص 1127بن د ،995حس ن الفاكه اني وعب د المنعم حسني-المرجع السابق -ص أ ،صالح الدين الناهي -الوجيز في مب ادئ التنظيم القض ائي في المملك ة األردني ة الهاشمية ط 1دار المهد للتوزيع والنشر -عمان -األردن 1983ص ، 143احمد أب و ألوف ا -المرافع ات المدني ة والتجاري ة-ط-2منش اة المع ارف باإلس كندرية –بال س نة طب ع-ص ، 694إب راهيم الش رفي-الوج يز في ش رح المرافعات المدنية والتجارية اليمني –منشورات الدار الجامعية –صنعاء-1997-ص0 245 -2الم ادة 203/3م .م.ع “للخص وم أن يطعن وا تمي يزا ً -3 000إذا ص در حكم ين اقض حكم ا س ابقا ”000 والمادة 249م.م.مصري ال تي تنص على “للخص وم أن يطعنواام ام محكم ة النقض في أي حكم انته ائي –اي ا ً كانت المحكمة التي اصدرته -فصل في نزاع خالفا ً لحكم أخر سبق أن صدر بين الخص وم أنفس هم وح از ق وة األمر المقضي “ -3انظر شبيب الزم المالكي في حوار منشور في مجلة الداخلية والمجتم ع-الع دد األول-الس نة األولى نيس ان -1995ص15 -4انظر في استقرار الحقوق والمعامالت جاسم خربيط -حجية األحكام والقرارات الجزائي ة -رس الة ماجس تير مقدمة إلى جامعة بغداد عام -1999ص 65ومابعدها 0 - 5انظر ضياء شيت خطاب -المرجع نفس ه -ص 287بن د ،322وه و اتج اه القض اء المص ري انظ ر نقض م دني 21/4/1981في الطعن 727مجموع ة أحك ام النقض المص رية لس نة 45قض ائية /13،أبري ل / 1977الطعن رقم 16لسنة 44ق 0وانظر في الفقه من يف رق بين األحك ام الباطل ة ال تي ال يج وز رف ع دع وى بأبطالها واألحكام المعدومة التي يج وز فيه ا ذل ك ،احم د أب و ألوف ا-المرج ع الس ابق-ص ،659فتحي والي – المرجع نفسه-ص 659بند 347وص 0 662وهو اتجاه القض اء الع راقي في التفرق ة بين األحك ام المعدوم ة واألحكام الباطلة ،انظر القرار رقم /120م85-1/84بتاريخ 29/12/1984غير منشور 0 -6المادة 160/3م0م0ع “الحكم الذي يصدر من المحكمة يبقى مرعيا ً ومعت برا ً م الم يبط ل او يع دل من قب ل المحكمة نفسها او يفسخ او ينقض من محكمة اعلى منها وفق الطرق القانونية “0 - 7انظر احمد جالل الدين هاللي-قضاء النقض في المواد المدني ة والتجاري ة -مص ر -دار الجامع ة -الق اهرة 1977ص .11أمينة النمر -قوانين المرافعات -الكتاب األول -الق اهرة -مؤسس ة الثقاف ة الجامعي ة -1982-ص 117بند.52نبيل إسماعيل عمر -النظرية-المرجع السابق-ص،12حامد ومحمد حامد-المرجع الس ابق-ص100 0وانظر المادة 12من ق انون التنظيم القض ائي الع راقي رقم 160لس نة .1979وم ا نص علي ه ق انون إص الح النظام القانوني رقم 30لسنة 1977في منح محكمة التميز حق إصدار منشورات قضائية ملزم ة للمح اكم كاف ة تتضمن تفسير ما غمض من نصوص القانون0 -8انظر عبد الرسول الجصاني -المنطق القضائي -بغ داد -الش ركة العراقي ة للطباع ة -1989-ص .87ص الح محسوب -السوابق القضائية ودورها في اإلستقرار القضائي -بغداد-منشورات العدالة 2002-ص .55 -9انظر نظرية الرقابة على الشرعية من أحد أعمال القضاء في .Gulliein:L،acte Jurictionnei et poutoritede la Chose Jugee1931نقال عن إبراهيم نجيب س عد-الق انون القض ائي الخ اص -ج-1منش اة المع ارف باإلس كندرية –-1977ص،72وانظ ر في تحلي ل تل ك النظرية وجدي راغب -النظرية العامة للعمل القضائي -القاهرة1974-ص.46 - 0انظر ط ه أب و الخ ير -حري ة ال دفاع -مص ر منش اة المع ارف باإلس كندرية1971-ص .9وج دي راغب - دراسات في مركز الخصم أمام القض اء الم دني -بحث منش ور في مجل ة العل وم القانوني ة واالقتص ادية -كلي ة الحقوق -جامعة عين شمس -مصر -لسنة18عام -1976ص .18 Cornu-j-foyer-procedureCivil،thewis،1948p.384-388 vincent(j)procdure -1 ،civil،Dalloz،16edpairs،1937 مش ار إليهم في وج دي راغب فهمي-المرج ع الس ابق-ص ،88إب راهيم نجيب س عد -المرج ع نفس ه-ج -2ص 312بند،403أحمد أبو ألوفا-نظرية األحكام ط-3منشاة -المعارف -1977ص786بند،433احمد مسلم –أصول المرافعات-مصر-1968-ص 686بند0 630 -2انظر في حق اللجوء إلى القضاء موسوعة حقوق اإلنس ان –تق ديم جم ال العطيفي -أع داد محم د وفي ق أب و اتله-المجلد األول-تصدرها الجمعية المصرية للقانون واالقتصاد والسياسة -القاهرة – 1970ص0 12 التأصيل التاريخي للطعن التمييزي : قامت حركة التقنيين في اإلمبراطورية العثمانية ،التي كان العراق جزءا ً مهما وأساسيا ً منها في النصف الث اني من القرن التاسع عش ر ،حيث ب دأ س الطين آل عثم ان يقتبس ون الق وانين الغربي ة وخصوص ا الفرنس ية منه ا ويدمجونها ضمن ما كان يطبق في بالدهم من قوانين ( .)1وعلى اثر ذلك صدر أول قانون للتج ارة البري ة في عام 1266هـ والذي وضع على أثره قانون أص ول المرافع ات التجاري ة؛ وذل ك في ع ام 1278هـ ؛ورغم أن األخير قانون فرنسي األصل تضمن أنواع الطعون المختلف ة ،إال أن ه لم يحت وي في أحكام ه على نظ ام الطعن التمييزي ؛ إلى عام 1296ه حيث صدر قانون أصول المرافعات المدنية والتجارية العثماني ؛والذي تضمن في الباب السابع منه على ذلك النظام 0وعلى أثره صدر أول قانون لتشكيالت المحاكم النظامي ة في الع راق وذل ك في 19جمادى األخر عام 1296هـ حيث نص على تشكيل محكمة التمييز والتي ينظ ر فيه ا الطعن في الحكم ور وعلى تمييزا ( .)2وال يختلف نظام الطعن هذا عن مثيله الفرنس ي في ب ادي األم ر ؛إال ان ه م ا لبث أن تط َ مراح َل متعددة متأثرا ً بالظروف االجتماعية والسياسية التي مر بها العراق إلى ما هو عليه في ال وقت الحاضر 0وفي الع ام 1300هـ تم تعميم ه ذا النظ ام ليش مل إمكاني ة ف رض الرقاب ة القض ائية (التمي يز) على األحك ام الشرعية لدى مجلس الفتوى والدقيقات الشرعية ،وذلك بموجب اإلرادة السنية الص ادرة آن ذاك ( .)3إال أن من المالحظ هنا أن مجلة األحكام العدلية – والتي كانت تمث ل الق انون الم دني آن ذاك – ك انت ق د تض منت الم واد 1839 ، 1838في الكتاب الرابع(القضاء) ما يماثل أحكام االستئناف والتمييز مع بعض االختالط الواضح في مفاهيم ك ٍل منها ويعود ذلك حسب ما نعتقد إلى أن هذين النظامين(االستئناف والتمييز ) كانا ح ديثي العه د وفي بداية األخذ بهما 0أما بخصوص اصل ومولد نظام الطعن التمييزي فان اإلجماع الفقهي ( .)4يذهب إلى القول بان هذا النظام ولد في فرنسا ،وعلى مرحلتين أساسيتين األولى عندما كان نظاما سياسيا ً يمارسه المل ك بنفس ه كأحد أنظمة الحكم يسمى نظ ام التش كي من اإلحك ام وذل ك ليقيم الع دل على ارض مملكت ه ومن خالل مجلس ه الخاص 0إذا حاول الفقه القديم أن يوجد مبررا ً يوجب تدخل الملك في النظام القضائي القائم آنذاك لحل ما ك ان يعترض طريق ذلك النظام من صعوبات وإش كاليات ،فق د ك ان تع دد البرلمان ات واختالف أحكامه ا ،وتن ازع االختصاص فيما بينها مبررا كافيا تقوم على أساسه نظرية إعادة العدالة والتي يتلخص مضمونها في أن الملك وان انصرف عن تولي القضاء بنفسه إال انه استبقى ما يبيح له التدخل في أعمال القض اة عن طري ق توقيع ات يصدرها في الشكاوى والمظالم التي ترفع إليه( .)5والمالحظ هنا أن نشأة نظ ام الطعن ك انت أساس ا ً كرخص ة منحها الملك لمواطنيه في أن يتجهوا إليه ليحل مشاكلهم القانونية والقضائية على حد س واء 0أم ا عن المرحل ة الثانية والتي تأثرت بوضوح بالمبادئ واألفكار التي يحملها رجال الثورة الفرنسية وما كان مترسبا في أذهانهم من تحيز القضاة وانحرافهم وتحت ضغط أيجاد هيئة متخصصة تراقب تطبيق القانون من دون المس اس بمب دأ الفصل بين السلطات ( .)6فقد ابقوا على هذا النظام تابعا ً للسلطة التشريعية غريبا ً عن السلطة القض ائية مهمت ه مراقبة القضاة في تطبيقهم للقانون( .)7وقد تم إبدال اس مه فيم ا بع د إلى مجلس التم يز وذل ك في ع ام 1791م مجلس التميز كأحد األنظم ة ِ ومن ثم صدور قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي عام 1806م مبقيا ً على القضائية المتخصصة ومن ثم إبدال اسمه عام 1904م إلى محكمة التميز court de causation 0أما في مصر فان اإلجماع الفقهي المصري ( .)8منعقدٌ إلى أن نظام النقض لم يظهر هن اك إال في ع ام 1931م حيث أنشئت محكمة النقض واإلبرام في مدين ة الق اهرة ،وي ذهب البعض( .)9إلى الق ول ب ان ه ذا النظ ام ع رف في مصر منذ عام 1790م كأحد األنظمة التي نقلها نابليون إلى مصر في ظل الغزو الفرنسي له ا؛ ولكن بص ورة بدائية ،إذ ال يعني عدم وجود محكمة مختصة لممارسة حق الطعن أمامها انعدام هذا الح ق ،ب ل وتأك د وج وده في عام 1842م بإنشاء مجلس الجمعية الحقانية كأحد التغيرات القضائية التي أراد بها محمد علي باشا إن يم ز بها النظام القضائي المصري عن النظام القضائي للدولة العثمانية كأحد مظاهر انفصاله عنها 0وإذا ك ان نظ ام الطعن التمييزي يتضمن في ماهيته حقين حق الطعن للمحكوم عليه ،وحق فرض الرقاب ة القض ائية على عم ل القضاة في المحاكم ،فان هذا األخير لم يظهر إلى الوجود في قوانين أنظمة المح اكم العراقي ة ال تي ت والت في الص دور من ذ ع ام 1917م ولغاي ة ع ام 1945م 0حيث ص در في ه ذا الع ام ق انون تش كيل المح اكم المدني ة العراقي رقم 3لسنة 1945م ال ذي نص في ه واألول م رة ،على أن تك ون محكم ة التمي يز هي المرج ع األعلى للمحاكم المدنية وتنعقد في العاصمة 000الخ (.)10 والمالحظ على هذه القوانين أنها حددت من سلطة والية محكمة التمييز على المحاكم المدني ة من دون اإلش ارة لبقية أنواع المحاكم والهيئات التي كانت محكمة التمييز تمارس الوالية الفعلية عليه إلى أن صدر قانون التنظيم القضائي رقم 160لسنة 1979الذي إطالق وأكد على حق الرقابة القضائية وبشكل مرن يتعامل الحقا مع م ا ظهر الحقا من أنظمة قضائية أخرى موازية( .)11آما في فرنسا فان النزاع على رئاسة الس لطة القض ائية بين محكمة التمي يز ومحكم ة االس تئناف انتهى ع ام 1906م بف وز األولى وتربعه ا على ع رش الس لطة القض ائية وتأكد ذلك بصدور قانون 1908م وفيه باب كامل خاص بهذا النظام ( .)12أما في مصر فلم يم ر نظ ام الطعن بالنقض بمثل تلك الحالة إذ أن مرسوم إنشاء محكم ة النقض رقم 68لس نة1931م أم ر بعلوي ة محكم ة الطعن واستقالليتها عن النظام القضائي ذي الدرجتين 0ولكي نعطي الموضوع حقه البد لنا من أن نتجول في األنظمة القانونية والقضائية المتوفرة ومن أهمها بالطبع النظام القضائي اإلسالمي ومن بعده النظ ام االنكلوسكس وني 0 ابتدا ًء يجب أن نميز بين والية الحسبة ونظ ام الطعن التمي يزي( .)13إذ تس تند والي ة الحس بة على مب دأ إقام ة المعروف والنهي عن المنكر ،والتي تقابل اليوم ما تقوم به الدوائر اإلدارية المتمثلة بالسلطة البلدي ة في إماط ة األذى عن الطريق وتنظيم السير فيه ،وما تقوم به دوائر الرقابة الصحية في مراقبة بائعي المواد الغذائية ،وم ا يقوم به الجهاز المركزي للسيطرة النوعية في مراقبة المصانع والمعامل والموازين والمواد المصنعة وما تقوم به الشرطة 000الخ0وان نميز أيض ا ً بين والي ة المظ الم ونظ ام الطعن التمي يزي ،إذ يع د البعض( .)14والي ة المظالم نوعا ً من أنواع القضاء العالي ،له سلطة أوسع من سلطة القضاء العادي ،ويقوم بأعمال محكمة التمييز في الوقت الحاضر إذ لم يكن أطول منها باعا ً واشد نفوذا ً 0والحقيقة أن والية المظ الم تش به الي وم م ا يق وم ب ه محكمة القضاء اإلداري أو ما يسمى في فرنسا بمجلس الدول ة ؛ف الغرض ال رئيس من إنش ائه ه و إنص اف من يتظلم من أعمال الوالة ،أو عمال الخليفة أو جباة األموال ،أو كتاب الدواوين ،وهي جهات إدارية يك ون الطعن بقراراتها لدى محكمة القضاء اإلداري عن طريق دعوى يرفعها من يتظلم من أعم ال تل ك الجه ات ،وأول من جلس للمظ الم ه و الن بي محم د(ص) وان نم يز أيض ا ً بين منص ب قاض ي القض اة ( .)15وبين نظ ام الطعن التمييزي ،إذ يقول البعض( .)16أن قاضي القضاة كان له النظر في أقضيه القضاة ومراجعة أحكامهم ونقضها 0والحقيقة نقول أن منصب قاضي القضاة يقابل منصب وزير الع دل أو مجلس الع دل ،إذ ان ه منص ب إداري يشرف على المسائل اإلدارية في تعيين القضاة وعزلهم ومحاس بتهم ؛ال نقض أحك امهم أو تقب ل الطعن فيه ا 0 وأما بخصوص معرفة النظ ام القض ائي اإلس المي بنظ ام الطعن التمي يزي ؛ فيظه ر أن هن اك رأي ان في ه ذا الموضوع -:األول يقول أن النظام القضائي اإلسالمي قد ع رف نظ ام الطعن التمي يزي ،ويستش هد بنص وص من القران الكريم والسنة النبوية المطهرة وبعض الوقائع التي ورثناها عن السلف الصالح وال تي القت إجم اع األمة ( .)17أما عن الرأي الثاني فانه يقول أن النظام القضائي اإلسالمي لم يعرف نظ ام الطع ون ،وان أحك ام القاضي ال تقبل الطعن أمام محكمة أعلى منها ( .)18ونؤيد بدورنا هذا ال رأي ،ونس تند إلى الحقيق ة التاريخي ة التي تقول أن التنظيم القضائي اإلسالمي لم يتجاوز مرحلة محكمة القاضي المنفرد ومحكم ة الدرج ة الواح دة، بل يمكن أن نرى مقاومة الفقهاء المسلمين ألنظمة الطعن ،وإصرارهم على المحافظة على نظام القاضي الفرد ،وعلى الدرجة الواحدة للقضاء فيما ذهب إليه الفقه اإلسالمي من آراء ( .)19دون أن يع ني ذل ك ع دم إمكاني ة مراجعة األحكام المخالفة للنصوص الثابتة على سبيل اليقين أو األحكام الفاسدة لمخالفتها قواعد يقيني ة آم رة ال مجال فيه ا لالجته اد ،ويتم ذل ك ل دى أي قاض ي أخ ر بنفس الدرج ة 0فق د أخ ذت الش ريعة اإلس المية بنظ ر االعتبار أن القضاة بشر يتعرضون للخطأ والزلل والنسيان ،فقد جاء في الحديث الشريف ما نصه “أن كل بني ير الخطأين هم التوابون ” صدق رسول هللا (ص)0وعلى ذل ك فق د أق رت الش ريعة الغ راء مب دأ وخ ُ أدم خَطاء ِ مراجعة األحكام القض ائية وفحص ها والتمي يز بينه ا إلق رار الص ائب منه ا ،ونقض م ا يس توجب منه ا نقض ه 0ونستند في ذلك على ما جاء في القران الكريم “فأن تن ازعتم في ش يء ف ردوه إلى هللا والرس ول”( .)20ف إذا صدر حك ٌم مخ الف لحكم هللا ورس وله ،يجب نقض ه والرج وع عن ه إلى حكمهم ا وإزال ة م ا ي ترتب على تل ك المخالفة من أثار( .)21وفيما يتعلق ببالد العائل ة االنكلوسكس ونية وعلى ال رغم من أن نظام ا محاكم ة منص ة الملك أو الملكة ،ونظام محاكم العدالة يشابهان نظام الطعن التمييزي في بداي ة مول ده كأح د أنظم ة الحكم ال تي يمارسها الملك إال انهما يختلفان عنه كثيرا ً ،وسوا ًء من حيث غاية عملهما التي كانت في بادي األم ر نوع ا ً من التظلمات التي ترفع إلى الملك باعتباره ينبوع العدالة ،ومن ثم تح ولت إلى أنظم ةً قض ائية الحق ا؛ في حين أن نظام الطعن التمييزي كان يتم بصيغة طلب قضائي اله دف من ه إيج اد حالً لبعض اإلش كاليات القض ائية ال تي كانت تظهر مثل تن ازع االختص اص بين البرلمان ات ،ومن حيث األحك ام(األوام ر) ال تي يص درانها ،وكيفت معالجتهما للنزاع المعروض عليهما ،ومن حيث طبيعة العمل إذ تقوم مح اكم منص ة المل ك بالفص ل ب األمور التي تتعلق بالنزاع بين الملك وبين رعيته ومن ثم توسعت الحقا ً لتشمل اختصاصات أخرى ،أما محاكم العدالة فتختص بالنزاعات التي يصعب إثباتها والسير فيه ا أم ام المح اكم الملكي ة ،ومن هن ا فهي مح اكم من الدرج ة األولى ،ومن حيث اآلثار ال تي تتول د عن تل ك المعالج ة 0أم ا فيم ا يتعل ق بمجلس الل وردات فان ه عب ارة عن محكمة استئناف عليا ،وسوا ٌء من حيث عمله واختصاصه في النظر في الطعون التي تسمح مح اكم االس تئناف للمتخاصمين رفعها إليه عندما تنعدم الس ابقة القض ائية المش ابهة للقض ية المطع ون في حكمه ا ؛أو ال تي ي رى المجلس ضرورة رؤيتها وذل ك عن د مخالف ة الحكم المطع ون في ه لس ابقة قض ائية ،أو عن د الع دول عن س ابقة أصبحت ال تتالءم مع الواقع الجديد(.)22 ______________________________ -انظر داود سمرة – شرح قانون أصول المحاكمات الحقوقية –ط – 3مطبعة العاني –بال سنة طب ع ص ،667 عبد الجليل برتو –شرح قانون أصول المرافع ات المدني ة والتجاري ة –الش ركة اإلس المية للطباع ة-الع راق – – 1957ص ، 4ضياء شيت خط اب –نظ رة عام ة في ق انون المرافع ات الجدي د –مقال ة منش ورة في مجل ة القانون المقارن العراقية –العدد 3لسنة 4عام 1970ص ،9فارس الخوري-أصول المحاكمات الحقوقي ة–ط –2الدار العربية للنشر والتوزيع–عم ان 1987ص ،26عب د ال رزاق عب د الوه اب -تص دي محكم ة التمي يز للفصل في موضوع الدعوى– مقالة منش ورة في مجل ة القض اء العراقي ة الع دد 2لع ام 1975لس نة3ص،63 عدنان القوتلي – الوجيز في الحقوق المدني ة –دمش ق – 1950ص ، 239ص الح ال دين الن اهي – الوج يز في المرافعات –العراق الشركة األهلية للطباعة والنشر-العراق –-1962ص0 36 -2فريد فتيان –القضاء المدني العراقي –مجموعة قرارات مدنية لمحكمة تمييز العراق-منذ عام 1920لغاي ة – 1949بال سنة طبع –ص 0 290– 197 – 3انظر علي حيدر –درر الحكام شرح مجلة األحكام –-الكتاب الرابع – بيروت-بال سنة طبع ص – 629 ،636من ير القاض ي –ش رح مجل ة األحك ام العدلي ة –مطبع ة الع اني -الع راق –-1947ص ،200س عدون القش طيني – ش رح أحك ام ق انون المرافع ات الع راقي –ج-1ط-2مطبع ة المع ارف –بغ داد -1976 -ص ، 32وانظر كذلك المادة 1381من القانون المدني العراقي الحالي0 -4انظر اسمان –تاريخ القانون الفرنسي ط 1925ص 421نقال عن عب د ال رزاق عب د الوه اب – الطعن في األحكام المدنية بالتمييز-ط-1دار الحكمة للطباعة والنشر –بغداد – -1991ص ، 20حامد فهمي ومحمد حامد- النقض في المواد المدنية والتجارية –مصر –-1937ص ،18نبيل إسماعيل عمر –النظرية العامة للنقض في المواد المدنية والتجارية –منشاة المعارف باإلسكندرية-1980-ص ،17وانظ ر م ا ك ان يطب ق في فرنس ا من قواعد قانونية .ميشيل فيلية – القانون الروماني – ترجمة هاشم الحافظ –دار الحرية للطباعة -بغداد – 1974 ص04 - 5انظر في ذلك دالجراسي –وظيفة محكمة النقض في القانون المقارن –ص53مش ار إلي ه في عب د الوه اب عبد الرزاق –المرجع السابق-ص0 20 - 6انظر في هذا المبدأ شارل لويس مونتس كيو 1755– 1698روح الش رائح ج -1ترجم ة ع ادل زعي تر . القاهرة –دار المعارف – – 1953ص 0 15 - 7انظر س .ج هامسون .دراسة مقارنة لقواعد المرافعات المدنية في إنكلترا في فرنسا ترجمة اكرم الوتري – مقالة منشورة في مجلة القضاء العراقية -العدد -2-السنة 26لعام – 1971ص 0 113كالس ون وتيس ية وموريل -شرح المرافعات -ط 3 -ج 1ص 51- 40مشار إليهم في عبد الرزاق عبد الوهاب – المرجع نفسه – ص 0 24 - 8انظر رمزي سيف -الوج يز في ش رح ق انون المرافع ات المدني ة والتجاري ة –الق اهرة –1957ـص 651 هامش (، )1نبيل إسماعيل – المرجع السابق ـص ،28محمد وعبد الوه اب العش ماوي ـقواعد المرافع ات ـج 1ـقواعد المرافعات في التشريع المصري والمق ارن –الق اهرة -1957-ص،111حس ن الفكه اني وعب د المنعم حسني -الموسوعة الذهبية -اإلصدار المدني -ج-8الدار العربية للموسوعات -القاهرة -1982ص 0 90 -9انظر شفيق غربال -الجنرال يعقوب والفارس إلس كارس ـمشروع االس تقالل مص ر ـالقاهرة ـ 1932ص ،7شفيق شحاته -تاريخ حركت التجديد في النظم القانونية في مصر منذ محمد علي -مطبعة دار أحي اء الكت اب العربية -مصر 1961-ص، 44عزيز خانكي -التشريع والقضاء قبل إنشاء المحاكم األهلية ـمطبعة الجمالية-ج 1ـ القاهرة 1933-م ـص ، 72عمر ممدوح -أصول تاريخ القانون ـمطبعة الكت اب الع ربي ـالقاهرةـ1963 ـص 0 50 -10انظر صالح الدين الناهي -المرجع السابق -ص 0 38 -11فمثالً لألمور اإلدارية في بالد العائلة الرومانية الجرمانية قضا ٌء مس تقل ،تت واله مح اكم إداري ة تخض ع أحكامها لرقابة محكمة علي ا تس مى مجلس الدول ة كم ا في فرنس ا وألماني ا والنمس ا وبلجيك ا وإيطالي ا والس ويد واليونان ومصر وسوريا ولبنان ،وفي دول أخرى تخضع المحاكم اإلدارية لرقابة محكمة التمييز وتختص أحد دوائرها بهذه الرقابة كسويسرا وأسبانيا وكوبا ،آما في العراق فتختص الهيئة العام ة في مجلس ش ورى الدول ة بالنظر في الطعون المقدمة في األحكام ال تي يص درها المجلس0وذل ك وف ق ق انون مجلس ش ورى الدول ة ذي الرقم 65لسنة0 1979 - 2انظ ر ف ارس الخ وري – أص ول المحاكم ات الحقوقي ة – المرج ع الس ابق -ص 25وانظ ر في التنظيم القضائي لمحكمة التمييز في الوقت الحالي ؛عادل يونس -النظام القضائي في فرنسا -مقال ة منش ورة في مجل ة القض اء المص رية ال تي تص در عن نقاب ة المح امين المص ريين – الق اهرة الع دد األول س نة 1968ص ، 26وانظر اإلصالحات ال تي م رت به ا محكم ة التمي يز الفرنس ية – فنس ان – المرافع ات المدني ة (مختص ر واللوز) ط 17سنة -1974ص 161مشار إليه في عبد الوهاب عبد الرزاق – المرجع السابق – ص . 35 - 3انظر في الحسبة وأساسها وطبيعتها –عبد المنعم الشرقاوي –نظرية المصلحة في الدعوى –ط-1مكتبة عبد هللا وهبه – القاهرة –1947ص276بند0 354 - 4انظر هاشم جميل عبد هللا –مبدأ تمييز األحكام القضائية –بحث منشور في مجلة كلية األمام األعظم –العام -1978ص493 – 5لزيادة والتوسع في فكرة قاضي القضاة –انظر وكيع بن محمد بن خلف بن حيان –أخبار القضاة–ج-1ط -1مطبعة االستقامة بالق اهرة –-1974ص،125حس ن إب راهيم حس ن-ت اريخ اإلس الم –ج-2ط -1نش ر مكتب ة النهضة المصرية –القاهرة-1967-ص0 292 - 6انظر محمد سالم مدكور -المدخل للفقه اإلسالمي –ط-1مطبعة النهضة المصرية –القاهرة –بال سنة طبع– ص0 369 - 7هاشم جميل عبد هللا –المرجع نفسه –ص0 506-500 -8صالح الدين الناهي –حقوق اإلنسان والضمانات القضائية –بحث منشور في مجلة الحقوق الكويتية–العدد 3السنة0 135-1983 - 9انظ ر تل ك اآلراء في ابن فرح ون بره ان ال دين اليعم ري الم الكي –تبص رة الحك ام في أص ول االقض ية ومناهج الحكام –ج-1مطبعة الب ابي الحل بي –مص ر –-1303ص″62فص ل في جم ع الفقه اء للنظ ر في حكم القاضي “0 - 20انظر اآلية 59من سورة النساء -2انظر أبي الحسن الماوردي – أدب القاضي –ج-1مطبعة اإلرشاد –بغداد – 1971ص0 687 -22انظر مجيد العنبكي –النظام القضائي اإلنكليزي –مطبعة العدالة –بغداد -العراق-1990-ص0 69