Professional Documents
Culture Documents
بحث مستوى السادس
بحث مستوى السادس
:اسم الطالب
عبد الغني فكري بن إقبال تسليم
طالب المستوى السادس من قسم اللغة العربية
تحت إشراف
الدكتور صالح عبد هللا التويجري
2020/م1442 ﮪ
بسم هللا الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
.الدين
،وبعد
هذا البحث تتعلق برثاء النبي صلى هللا عليه وسلم الذي قالها الصحابة من شعرهم بعد وفاة
النبي صلى هللا عليه وسلم ،بما أن من أعظم المصيبة أصابت المسلمين هي فقد الرسول
.صلى هللا عليه وسلم
.وفي هذا البحث نتحدث كذلك بمعرفة الرثاء وخصائصه ودوره عند العرب وما يتعلق به
.هذا البحث مقدم لمادة البحث التطبيقي في قسم اللغة العربية المستوى السادس
X
التمهيد
الرثاء غرض من أغراض الشعر التي اختصت بمدح الميت منذ العصر الجاهلي حتى
.العصر الحالي ،إذ أنه تختلف وتتطور في عصر من العصور حتى اآلن
:أغراض الشعر
شعر الغزال
شعر الوصف
شعر المدح
شعر الرثاء
شعر الهجاء
شعر الحكمة
شعر االعتذار
شعر الفخر
X
المبحث األول :مفهوم شعر الرثاء
رثاء [مفرد] .1 :مصدر رثى /رثى ل .2 .فن من فنون الشعر العربي " قصيدة رثاء ".
رثائية [مفرد] .1 :اسم مؤنث منسوب إلى رثاء " قصيدة رثائية " .2 .مصدر صناعي من
رثاء( .3 .دب) قصيدة تقال في ذكر محاسن شخص ميت " تعد رثائيات الخنساء من عيون
"1.الشعر العربي – قال رثائية مؤثرة في ذكرى تأبين صديقه
یقول قدامة بن جعفر" :لیس بین ال َمراثية والمدحة فصل إاّل أن یذکرفي اللفظ ما یَد ّل علی
ضى نحبه وما أشبه ذلك ،وهذا لیس یَزی ُد في المعنی والینقص أنّه لِهالك مث ُل َکانَ وتولّی وقَ َ
"2.منه .ألن تأبين الميت إنما هو بمثل ما كان يمدح في حياته
3اتجاهات الرثاء
:هناك مجموعة اتجاهات للرثاء منها
الجمع بين التعزية والتهنئة 1-
الرثاء السياسي 2-
رثاء الرجل على زوجته 3-
الرثاء من أجل الفكاهة 4-
خروج الرثاء من دائرة األشخاص 5-
4ألوان الرثاء
:هناك ثالثة ألوان لشعر الرثاء وهي
الندب :هو البكاء على الشخص أثناء احتضاره ،أو بعد وفاته بالكلمات الحزينة التي تذيب 1-
.القلوب والعيون
5:أنواع الندب *
أ -ندب األهل واالقارب
1
معجم اللغة العربية المعاصرة857-856 :
2
كتاب نقد الشعر 59 :
3
الموقع اإللكتروني
4
الموقع اإللكتروني
5
الرثاء47-13 :
X
لعلى أقدم صور الندب والنواح في شعرنا العربي هي صورة ندب األهل واألقارب
والنواح عليهم .وللمرأة الجاهلية في هذا المجال القسط األكبر والنصيب األوفر ،إذ كانت
تندب أباها وإخوتها ،فما تزال تنوح على من يتوفى منهم حتف أنفه ،وعلى من يموت قعصا
.بالرماح والسيوف ،وما أكثر من كان يموت منهم في حروبهم الدائرة على المراعي
ب -ندب الشعراء أنفسهم
إذا كان الشعراء قد ندبوا أهليهم وذويهم فأولى لهم أن يندبوا أنفسهم حين تحين ساعة
.الموت ،وال يجدون لهم ملجأ وال عاصما ،وكثير ندبوا أنفسهم وبكوها عند العصر الجاهلي
وطبيعي أن يندب الشعراء أنفسهم وهم يفارقون دنياهم من وراثهم إلى حفرة مظلمة .إنها
ساعات ثم يخرج المشيعون من حولهم ووراثهم ،يحملون نعوشهم إلى قبورهم ،ويدفنونهم
.في لحودهم ويوارونهم التراب ويعودون ،ليتم كل منهم دورته في حياته
ج -ندب الرسول صلى هللا عليه وسلم وآل البيت الكريم
حينما أفل كوكب الرسالة اإلسالمية الذي أضاء ما بين المشرق والمغرب هلع الصحابة
رضوان هللا عليهم ،وفزعوا لهذا النبأ المفجع ،وكان عمر بن الخطاب أن ال يصدق ،لوال أن
.رده أبو بكر إلى صوابه
واستحالت المدينة المنورة إلى بركان يقذف بحمم الندب والبكاء ،واشتعلت نيران الحزن
في كل صدر وفي كل قلب ،لوال أن أخذ الصحابة يتلون في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:
{إنك ميت وإنهم ميتون}{أفئن مت فهم الخالدون ،كل نفس ذائقة الموت} .فبدأت السكينة
.تنزل على نفوسهم ،وثابوا إلى رشدهم ليبلغوا رسالته المضيئة أطراف األرض
د -ندب الدول
الدول العربية التي سقطت في خالل التاريخ الوسيط كثيرة ،وقد كانت الدولة العربية
زمن بني أمية تشمل العالم اإلسالمي كله ،وما غربت هذه الدولة في أفق التاريخ وبزغت
الدولة العباسية ،حتى تراءى للعين أن الخيط الذي يضم هذا العالمويربط بينه خيط
واهن.وسرعان ما طمع الوالة في األطراف ،وطمحوا إلى االستقالل ونشأ القوميات في
.الغرب والشرق ،فإذا العالم اإلسالمي دول ال تكاد تحصى
ﮪ -ندب البلدان
وإذا كان الشعراء بكوا بعض الدول الزائلة فإنهم بكوا أيضا البلدان حين نزلت بها
الحوادث القاصمة ،أو ألت بها بعض الدول الغاصبة .وفي كل مكان من العالم اإلسالمي نجد
هذا البكاء ،في الشرق والمغرب .أما في الشرق فلعل أول بلدة حاقت بها كارثة ساحقة هي
بغداد ،إذ حرقها ابن طاهر قائد المأمون أثناء حصاره ألخيه األمين ،فقد سلط عليها مجانيقه،
فتحولت نارا أتت على كل شيء فيها ،وكأن قصورها التي طالما أشاد بها الشعراء لم تكن
.شيئا مذكورا
X
.التأبين :هو البكاء على الميت مع ذكر محاسنه ،والثناء عليه لكن دون نواح أو نشيج 2-
6:أنواع التأبين *
أ -تأبين الخلفاء والوزراء
هذه الصورة التي ذكرناها للتأبين في الجاهلية ،والتي كانت تعتمد على الخالل والمناقب
التي يحترمها العربي القديم ويجلها في الرجل ،والتي تجمعها كلمة المروءة ،لم تلبث أن
دخلت عليها التعديالت مع ظهور اإلسالم ورسالته السمحة فإنه عدل في المثل األعلى عند
.العرب ،ورفع كثيرا من الخالل ووضع مكانها خالال جديدة
لقد كان العربي في الجاهلية يعد سفك الدماء حسنة كبرى من الحسنات ،فجاء اإلسالم
محرما للدماء رافعا لما كان منها في القديم ،كما رفع كثيرا من المآثر الجاهلية ،وأقام مكانها
مآثر جديدة من العدل والتقوى والزهد في الحياة ،وإخالص الوجوه هلل .وهذه المثالية الجديدة
كان لها شأنها في الرثاء ،فقد أخذت تحل فيه صفات لم يكن العربي الجاهلي يعني بها وال
.كان يفكر فيها
ب -تأبين األشراف واألجواد والقواد
لم يترك شعراؤنا شريفا على مر العصور دون أن يقفوا بقبره وينثروا مدامعهم عليه.
.وكان مقياس الشرف في الجاهلية التمييز في القبيلة بالكرم والشجاعة والسيادة
ج -تأبين العلماء واألدباء
طبيعي أن يكون للعلماء مكانهم في التأبين والرثاء ،إذ كانوا يتصلون بحياة الشعراء اتصاال
مباشرا إما من الوجهة الثقافية العامة ،وإما من الوجهة الدينية ،وقلما مات صاحب مذهب في
الدينية ،وقلما مات صاحب مذهب في الدين أو صاحب أثر بارز في تأليف الشريعة إال نعاه
.الشعراء وتحدثوا عن فضله وواسع علمه وقيمة ما ترك من ورائه
د -حفالت التأبين الحديثة
مر بنا في تضاعيف حديثنا ما يدل على أن أسالفناعرفوا تأبين الجماعات من الشعراء
لفقيد راحل ،إذ كانت تقف بقبر بعض الراحلين طوائف من الشعراء ،فترثيه ،وتؤبنه،
وتعرض لسجاياه ومناقبه ،وتتحدث عن علمه الغزير إن كان عالما ،وأدبه الخصب إن كان
.أدبيا ،كاتبا أو شاعرا .ومعنى ذلك عرفوا التأبين الجماعي
العزاء :هو في منزلة عقلية أعلى من منزلة التأبين ،وفيه تأمل فكري إلى ما وراء ظاهرة 3-
.الموت ،والتفكير في حقيقة الموت والحياة
6
الرثاء81-55 :
X
7:أنواع العزاء *
أ -العزاء في األهل
كانت العادة في الجاهلية أن يعزي الشاعر نفسه إزاء من يفقد من أهله وأشراف قبيلته،
فعزاؤه يوجه قبل كل شيء إلى نفسه ،ثم إلى من حوله .ولما جاء اإلسالم ونشأت طبقات
الخلفاء والوالة ،وأخذت تتألف حول كل خليفة وأمير أو حاكم كبير طبقة من الشعراء تقف
نفسها على مديحه وتسليته إن أراد التسلية رأينا هذه الطبقة تعمد حين تلم به مصيبة إلى
تعزيته فيها .ودار ذلك أكثر ما دار خول فقد األبناء وأفالذ األكباد ،فكان الشاعر إذا مات ابن
الخليفة يبادر إألى تخفيف بلواه فيه بأبيات تحد من لوعته ،وتكسر من فجيعته ،بما يذكر من
.أن الموت حتم واجب على الناس ،فكل نفس ذائقة الموت ،وكل إنسان راحل إلى القبر
ب -العزاء والتهنئة
لم نتحدث عن العزاء في اآلباء وهو كثير ،غير أننا نقف منه عند موضوع طريف ،وذلك
أن الخلفاء والسالطين كانوا يتوارثون دولهم وإماراتهم ،فكان الشاعر يقوم بين يدي الخليفة
.أو السلطان الجديد يعزيه في أبيه ويهنئه بحكومته ودولته وما انتهى إليه من خالفة أو إمارة
ج -الحياة والموت والخلود
دارت هذه المعاني الثالث في كثير من قصائد العزاء ،إذ كان من يبكي ميتا أو يعزي فيه
يعرض للحياة وأنها زائلة ،وأن الموت نهاية كل شخص ،وأن على الناس أن يفكروا دائما
في هذا المصير الذي ينتظرهم ،وأن يتجهزوا له ويعدوا زادهم قبل أن تأزف اآلزفة وتحل
.الكارثة ،وهي كارثة مقررة ال مفر منها وال محيص
X
عرف العرب الرثاء منذ العصر الجاهلي ،إذ كان النساء والرجال جميعا يندبون
الموتى ،كما كانوا يقفون على قبورهم مؤبنين لهم مثنين على خصالهم ،وقد يخلطون ذلك
بالتفكير في مأساة الحيان والبيان عجز اإلنسان وضعفه أمام الموت ،وأن ذلك مصير
.مخطوم
وال نرتاب في أن الرثاء بدأ عند العرب كما بدأ عند كثير من األمم األخرى بصورة
تشبه أن تكون سخرا حتى يطمئن الميت في مرقده ،وال تصيب روحه األحياء من وراه
بشر ،ثم أخذ يفقد هذه الغاية مع الزمن ،وما زال حتى انتهى إلى الصور الجاهلية من
اإلفصاح عن إحساس الناس العميق بالحزن قبل الموتى ،ومحاولة ذكراهم بتمجيدهم
وبيان فضائلهم التي ماتت بموتهم ،مع التفكير في القدر وقصور الناس أمامه ،وعبثه بهم
.ولعبه بحياتهم وموتهم
وطبيعي أن يتفوق النساء على الرجال في ندب الموتى والنواح عليهم ،ألن المرأة أدق
حسا وأرق شعورا ،وأيضا لفإن حياة الرجال في العصر الجاهلي كانت تقوم على القتل
وسفك الدماء والتفاخر بالشجاعة والبطولة ،فكانوا يأنفون أن يقعدوا للبكاء وذرف الدموع
كالنساء ،بل لقد ذهبوا يظهرون التجلد والصبر على من يموت منهم ،يقول عمرو بن معد
:يكرب
بوأته بيدي لحدا كم من أخ لي حازم
وخلقت يوم خلقت جلدا أعرضت عن تذكاره
على أن الرجال لم يكونوا جميعا مثل ابن معد يكرب فوراءه كثيرون كانوا يندبون
.وينوحون ،وخاصة على أبنائهم وأفالذهم أكبادهم
وندب الموتى والنواح عليهم هو الصورة األولى في رثاء الجاهلي .ونجد بجانب هذه
الصورة صورة ثانية من تأبين الميت وعد فضائله والثناء على خصاله واإلشارة
بصفاته .وتكثر هذه الصورة في تأبين األصدقاء واألشراف ،بل قد نجدها في رثاء
اإلخوة .وربما كان السبب في ظهورها ثم شيوعها أن كثيرا ممن كانوا يرثونهم كانوا
يقتلون في حروبهم الدائرة ،فأرادوا أن يبينوا عظم المصيبة والخسارة بفقدهم .وترافق
هاتين الصورتين صورة ثالثة من العزاء والصبرعلى توائب الدهر وحدثائه ،فالدنيا دار
فراق ال دار خلود وبقاء ،وكل نفس فيها ذائقة الموت ،فالموت حوض يرده الجميع ،وليس
.أمام الناس إال االستسالم لألقدار وما يأتي به القضاء
ولما انتهت دولة المناذرة في الحيرة رثوها ،واستخرجوا منها العبر والعظات على أن
كل ما في الدنيا زائل وأن البكاء ال يرد هالكا هلك وال ميتا مات .فاألقدار بيدها كنانتها
.وقوسها ،وال تزال ترمى بالسهام األفراد والجماعات والقبائل والدوالت
X
وهذه الصور الجاهلية للرثاء استمرت في أدبنا العربي مع عصوره المختلفة ،تارة تنمو
وتارة تتطور ،تحت تأثير نمو العقل العربي من جهة ،وتطور حياة العرب واخطالف
األحداث عليها من جهة ثانية ،ولكنها في جملتها ترتد إلى هذه الصورة الجاهلية ،وتشتق
.منها كما يشتق الفرع من أصوله
X
9المبحث الثالث :شعر الرثاء في اإلسالم
الرثاء من الموضوعات البارزة في الشعر العربي وال سيما اإلسالمي ،فقد بكى الشعراء
من رحلوا عن دنياهم ،والرثاء بكاء متعمق في القدم ،منذ وجد اإلسالم نفسه على هذه
المعمورة ووجد أمامه هذا المصير المحزن الذي ال مفر منه ،وال بد أن يصير إليه فيصبح
.غبارا وكأنه لم يكن شيئا
كانت العرب في جاهليتها على إرث من آبائهم ،في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وأفكارهم،
فلما جاء هللا عز وجل باإلسالم ،حالت األحوال ،وتغيرت الموازين .ففي الجاهلية وقف
اإلنسان عند الموت وفكر فيه .وانتها إلى أنه حقيقة محتومة ،ومشروع ال بد من وروده،
فالموت قدر ال مفر منه وهو النهاية لكل ذي حياة ،الفناء لكل شيء .ومن نتائج هذه الحتمية
أنه شاع نوع من الجبرية العميقة في نفوس الشعراء الجاهليين ،وفشى اليأس من غاية
الحياة في مراثهم .وكان من ثمار الشعور بحتمية الموت والفناء التهافت على لذاة الحيات
ومتعها ،فما دام الموت يترصده في كل خطوة ،وما دام الحياة ستنتهي إلى رمس مظلم في
صحراء مقفرة ،وما دام هؤالء ال يؤمنون بالبعث والحساب فقد ارتبطت قضية الخلود
عندهم بطريق جهاد النفس في الحرب وإتالفها في المروءة والكرم باعتبار أن الذكرى
.لإلنسان عمر ثان
تلك كانت نظرة الجاهليين للموت والبعث والحشر ،وعندما جاء اإلسالم اتضحت أمام
الشاعر الجاهلي الذي دخل اإلسالم معالم الدين الجديدية وتعاليمه ،مما كان له أثر مباشر
في تعميق الشاعر عن حقيقة حياة الدنيا ومتاعها الزائل ،وما وراء هذه الحياة من موت
.وفناء ونشور وحساب وجزاء
رسم القرآن الكريم والحديث الشريف صورة واضحة لهذه الحقيقة ،ففي اإلسالم فناء
الدنيا أمر ال محالة واقع .ومن ثم وجب على اإلنسان أن ال يغتر بزخرفها وأن يعمل حساب
يوم تعرض فيه أعمال الخلق على الخالق ،ومن عمل صالحا فنعم أجر الصالحين ،ومن
عمل سوءا فجزاؤه من جنس عمله وجاء القرآن باألمثال الفريدة والحكم المفيدة في الحياة
وزود األدب العربي والمراثي بمعان جليلة رفيعة والمراد من األمثال القرآنية هو " :عدة
من اآليات في الذكر الحكيم التي أصبحت متداولة على ألسنة الناس لبالغتها السامية
".وانسجامها الكامل وبيانها العذب السلسل ومعناها العميق
واألملة القرآنية في طوايا المراثي عديدة وهنا األمثال التي تتطرق إلى المةت الفناء
والبعث والجزاء ،وقد نرى في المراثي التأثير الملحوظ من األسلوب القرآني الناصع في
9
التراث األدبي8 22-20 :
X
جوهرة المعاني وشاكلة األلفاظ ،وشعراء الرثاء يتحدثون عن حكمة الوجود وحلم الخلود
ويتذكرون أن كل شيء إال وجهه عز وجل ال يدوم ،الموت مدرك اإلنسان في أي حال
يكون واألستاذ الباحث على رضا ميرزا محمد جاء ببعض من هذه األمثال القرآنية في
:مقاله ،منها
ت َو َل ْو ُكن ُت ْم فِي { )،البقرة } (115 :فَأ ْي َن َما ُت َولُّوا َف َث َّم َوجْ ُه هَّللا ِ { َأ ْي َن َما َت ُكو ُنوا ي ُْد ِرك ُّك ُم ْال َم ْو ُ
ُوج ُّم َش َّي َد ٍة
اقۢ { )،النساءُ } (78 :بر ٍ َأ َف َحسِ بۡ ُتمۡ { )،النحلَ } (96 :ما عِ ندَ ُك ْم َين َف ُدَ ۖ و َما عِ ندَ ٱهَّلل ِ َب ٍ
الظمْ آنُ َما ًء { )،المؤمنونَ } (115 :أ َّن َماَ خ َلقۡ َٰن ُكمَۡ ع َبثٗا ِيع ٍةَ يحْ َس ُب ُه َّ )،النورَ } (39 :ك َس َرا ٍ
ب ِبق َ
ك ِإاَّل َوجْ َه ُه { قَ } (:و َنحْ نُ َأ ْق َربُ ِإ َل ْي ِهِ منْ َ حب ِْل ْال َو ِري ِد { )،القصصُ } (88 :ك ُّل َشيْ ٍء َهالِ ٌ
الل َواِإل ْك َر ِام(16)، { )27 ِّك ُذو ْال َج ِ انَ )26( و َي ْب َقى َوجْ ُه َرب َ الرحمنُ } (:كل َُّ منْ َ ع َل ْي َها َف ٍ
طواِ منْ َ رحْ َم ِة هَّللا ِ { )،الحديدَ } (4:وه َُو َم َع ُك ْمَ أي َْن َما ُك ْن ُت ْم { 27-27)، الزمر } (:ال َت ْق َن ُ
ون { 53)، مْوا ًتاَۚ ب ْل َأحْ َيا ٌء عِ ن َدَ رب ِِّه ْم يُرْ َزقُ َ
يل هَّللا ِ َأ َِين قُ ِتلُوا فِيَ س ِب ِآل( } َواَل َتحْ َس َبنَّ الَّذ َ
وهكذا أثرت المبادئ اإلسالمية السامية في نفوس الناس بما فيهم الشعراء)، .عمران169:
ونرى صدى هذا التأثير بوضوح في المراثي اإلسالمية على العموم ومرثية حسان شاعر
.الرسول على الخصوص
X
10المبحث الرابع :مكانة النبي صلى هللا عليه وسلم في نفوس الصحابة
كان الرسول -صلى هللا عليه وآله وسلم -باب معرفة هللا تعالى ومعرفttة شttرعه وتفصttيل
تكاليف أوامره ونواهيه لعباده على النحو الttذي تترجمttه كلمttة التوحيttد الواجبttة «ال إلttه إال
هللا ،محمد رسول هللا» .وكان اتباعه هو باب الفوز بمحبة هللا تعالى ورضttاه { :قُ ْ tل ِإن ُك ْن ُت ْم
هللا َفtttا َّت ِبعُونِي يُحْ ِب ْب ُك ُم هللاُ َو َي ْغفِtttرْ َل ُك ْم ُذ ُنtttو َب ُك ْم َوهللاُ َغفُtttو ٌر رَّ حِي ٌم * ُقْ tttل َأطِ يعُtttوا َ
هللا ُّون َ ُت ِحب َ
ين } (آل عمران.)32 -31 : هللا الَ ُيحِبُّ ْال َكاف ِِر ََوالرَّ سُو َل فِإنْ َت َولَّ ْوا َفِإنَّ َ
ك الَ لكن العمل ال يكون طاعة بمجرد االتباع حttتى ينضttم إليttه الرضttا والتسttليمَ { :فالَ َو َر ِّب َ
ْت َوي َُسtلِّمُوا ضtي َ ُوك فِي َما َش َج َر َب ْي َن ُه ْم ُث َّم الَ َي ِج ُدوا فِي َأ ْنفُ ِسِ tه ْم َح َرجً tا ِّممَّا َق َون َح َّتى ي َُح ِّكم َ يُْؤ ِم ُن َ
َتسْ لِيمًا }(النساء .)65 :وقال الرسول الكريم صttلى هللا عليttه وآلtه وسtلم« :ال يttؤمن أحttدكم
حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به».
وكما جمع هللا تعالى بين طاعته وطاعة رسوله ،جمع بين محبته تعالى ومحبة الرسttول -
صلى هللا عليه وآله وسلم -وقرع من يقدم على محبttة هللا والرسttول محبttة شttي ٍء من الخلttق
tان آ َبttاُؤ ُك ْم َوَأ ْب َنttاُؤ ُك ْم َوِإ ْخَ tوا ُن ُك ْم َوَأ ْز َوا ُج ُك ْم
مهمttا كttانت مكانتttه في نفس العبttد { :قُ ْ tل ِإن َكَ t
ضْ tو َن َها َأ َحبَّ ِإ َل ْي ُكم م َِّن ارةٌ َت ْخ َشْ tو َن َك َسtادَ َها َو َم َسtاكِنُ َترْ َ ير ُت ُك ْم َوَأم َْوا ٌل ا ْق َت َر ْف ُتمُو َها َوت َِجَ t
َو َعشِ َ
ِين } اسtق َ ْأ
هللا َو َرسُولِ ِه َو ِج َها ٍد فِي َس ِبيلِ ِه َف َت َر َّبصُوا َح َّتى َي ت َِي هللاُ ِبَtأم ِْر ِه َوهللاُ الَ َي ْه tدِي ْال َقtْ tو َم ْال َف ِ ِ
(التوبة.)24 :
وقtال الرسtول الكtريم صtلى هللا عليtه وآلtه وسtلم« :ثالث من كن فيtه وجtد بهن حالوة
اإليمان :من كان هللا ورسوله أحب إليه مما سttواهما ،وأن يحب المttرء ال يحبttه إال هلل ،وأن
يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف في النار».
لهذا رقد علي بن أبي طالب في فراش الرسول ليلة الهجرة ،وكان أبttو بكttر الصttديق رفيttق
هجرته يغاير في جهات مسيره معه خوف مفاجأة العدو ،وكانت نسيبة بنت كعب أم عمttارة
المازنية تترس عنه بجسدها في غزوة أحد .وحينما هجا بعض مشركي قريش رسttول هللا -
صلى هللا عليه وآله وسلم -أجابه حسان بن ثابت رضي هللا عنه قائال:
هجوت محم ًدا فأجبت عنه وعند هللا في ذاك الجزاء
هجوت مطهرً ا برا حني ًفا أمين هللا شيمته الوفــاء
أتهجوه ولست له بكف ٍء فشركما لخيركمـا الفداء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محم ٍد منكم وقاء.
هذه أمثلة تبين مكانة الرسول -صلى هللا عليه وآله وسلم -في قلوب أصحابه ،وقد عttبرت
عنها أفعالهم وأقوالهم التي تتعاظم على الحصر ،ورسخ القرآن الكريم هttذه المكانttة بتشttريع
نسق خاص في التعامل مع الرسول الكريم ،على نحو ما نجده في صttدر سttورة الحجttرات: ٍ
َأ
هللا َس tمِي ٌع َعلِي ٌم * َيttا ُّي َهttا هللا َو َر ُس tولِ ِه َوا َّتقُttوا َ
هللا ِإنَّ َ ِين آ َم ُنوا الَ ُت َق ِّدمُوا َبي َْن َيttدَيِ ِ َأ
{ َيا ُّي َها الَّذ َ
ضُ tك ْم tر َبعْ ِ ت ال َّن ِبيِّ َوالَ َتجْ َه tرُوا َلُ tه ِبْ t
tال َق ْو ِل َك َج ْهِ t صْ tو ِ صَ tوا َت ُك ْم َفtْ tو َق َِين آ َم ُنوا الَ َترْ َفعُوا َأ ْ الَّذ َ
10
الموقع اإللكتروني
X
هللا
ول ِ صَ tوا َت ُه ْم عِ ْنَ tد َر ُسِ t ون َأ ْ
ضَ tِين َي ُغ ُّ tط َأعْ َمttالُ ُك ْم َوَأ ْن ُت ْم الَ َت ْشُ tعر َ
ُون * ِإنَّ الَّذ َ ض َأن َتحْ َبَ t لِ َبعْ ٍ
ِين امْ َت َح َن هللاُ قُلُو َب ُه ْم لِل َّت ْق َوى َلهُم م َّْغف َِرةٌ َوَأجْ ٌر َعظِ ي ٌم } (الحجرات.)3 -1 : ُأو َل َ
ِئك الَّذ َ
ومما يظهر انفعال الصحابة -رضي هللا عنهم -بهtذه اآليtات مtا أخرجtه اإلمtام مسtلم في
ِين آ َم ُنtوا الَ صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك أنtه قtال :لمtا نtزلت هtذه اآليtة { َيtا َأ ُّي َهtا الَّذ َ
ت ال َّن ِبيِّ } جلس ثابت بن قيس في بيته ،وقال :أنا من أهل النار. ص ْو َِترْ َفعُوا َأصْ َوا َت ُك ْم َف ْو َق َ
واحتبس عن النبي صلى هللا عليه وسلم؛ فسأل النبي -صلى هللا عليه وسttلم -سttعد بن معttاذ،
عمرو ،ما شأن ثابتٍ؟ أشتكى؟» قال سعد :إنه لجاري وما علمت لttه بشttكوى. ٍ فقال« :يا أبا
قال :فأتاه سعد فذكر له قول رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -فقال ثابت :أنttزلت هttذه اآليttة
ولقttد علمتم أني من أرفعكم صttوتا على رسttول هللا -صttلى هللا عليttه وسttلم ،-فأنttا من أهttل
النار .فذكر ذلك سعد للنبي -صلى هللا عليtه وسtلم -فقtال رسtول هللا صtلى هللا عليtه وسtلم:
«بل هو من أهل الجنة».
ونقل القرطبي عن القاضttي أبي بكttر بن العttربي قولttه« :حرمttة النttبي -صttلى هللا عليttه
وسلم -ميتا كحرمته حيا ،وكالمه المttأثور بعttد موتttه في الرفعttة مثttال كالمttه المسttموع من
لفظه ،فإذا قرئ كالمه وجب على كل حاضر أال يرفع صوته عليه ،وال يعttرض عنttه ،كمttا
كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به».
والرسول -صلى هللا عليه وآله وسلم -صاحب الشttفاعة ،والمجيء إليttه من أسttباب قبttول
استغفار المذنب الظالم لنفسه بإذن هللا تعالى الذي قال في محكم كتابهَ { :و َلtْ tو َأ َّن ُه ْم ِإذ َّظ َل ُمttوا
هللا َت َّوابًا رَّ حِيمًا } (النساء.)64 : هللا َواسْ َت ْغ َف َر َل ُه ُم الرَّ سُو ُل َل َو َج ُدوا َ
ك َفاسْ َت ْغ َفرُوا َ َأ ْنفُ َس ُه ْم َجاءُو َ
جار حياة الرسttول وبعttد انتقالttه إلى الرفيttق األعلى بال فصttل .وقttد قttال - وكل ذلك حكمه ٍ
صلى هللا عليه وآله وسلم -حينما أمر باإلكثار من الصttالة عليttه في يttوم الجمعttة المشttهود:
«أكثروا عليَّ من الصالة فيه؛ فإن صالتكم معروضة علي» .قttالوا :يttا رسttول هللا ،وكيttف
تعtرض صtالتنا عليtك وقtد َأ ِرمْ ت؟ يقولttون :بليت ،فقtال« :إن هللا -عtز وجtل -حtرم على
األرض أجساد األنبياء».
وأخرج أبو داود في سننه حttديثين عن أبي هريttرة -رضttي هللا عنttه -رفعهمttا ،وأولهمttا:
«ما من أح ٍد يسلم عليَّ إال رد هللا عليَّ روحي حتى أرد عليه السالم» .والثاني« :ال تجعلtوا
بيوتكم قبورً ا ،وال تجعلوا قبري عي ًدا ،وصلوا عليَّ فإن صالتكم تبلغني حيث كنتم».
ولهذا ال يشعر المسلم المؤمن أن صلته برسول هللا -صلى هللا عليه وآله وسttلم -منقطعttة؛
بل هي موصولة بالصالة عليه ،واتباع سنته وتحري االقتداء بttه في كttل مttا شttرعه هللا من
األعمال.
وهكذا يكون النبي محمد -صttلى هللا عليtه وآلtه وسtلم -حيtا على الtدوام في قلtوب أمتtه،
هللا َو َمالَِئ َك َتُ tه
والصالة عليttه جاريttة على الttدوام من هللا تعttالى والمالئكttة والمؤمttنينِ { :إنَّ َ
صلُّوا َع َل ْي ِه َو َسلِّمُوا َتسْ لِيمًا } (األحزاب.)56 : ِين آ َم ُنوا َ ون َع َلى ال َّن ِبيِّ َيا َأ ُّي َها الَّذ َ
ُصلُّ َي َ
ولقد عظمت هذه األمة مكانة نبيها ،ورعت حرمتها في حياته وبعد مماته صلى هللا عليه
وآله وسلم .واجتمعت كلمتها على أن النيل من جنابها كفر بواح يعاقب هللا عليه ،وتع ٍّد سافر
يجب على األمة دفعه بكل إمكاناتها المتاحة في إطار ما شرع هللا؛ مصداق قوله تعالىِ{ :إنَّ
X
tر ِة َوَأ َعَّ tد َل ُه ْم َعَ tذابًا م ُِّهي ًنا }(األحttزاب: هللا َو َر ُسtو َل ُه َل َع َن ُه ُم هللاُ فِي الُّ tد ْن َيا َواَآل ِخَ tون َ ِين ُيْttؤ ُذ َ
الَّذ َ
.)57
وقوله -تبارك اسمه -في المنافقين المستهزئين باهلل ورسولهَ { :و َلِئنْ َسَأ ْل َت ُه ْم َل َيقُولُنَّ ِإ َّن َما ُك َّنا
هلل َوآ َيا ِت ِه َو َرسُولِ ِه ُك ْن ُت ْم َتسْ َته ِْزُئ َ
ون * الَ َتعْ َت ِذرُوا َق ْد َك َفttرْ ُت ْم َبعْ َ tد ِإي َمttا ِن ُك ْم َن ُخوضُ َو َن ْل َعبُ قُ ْل َأ ِبا ِ
ِين }(التوبttة .)66 t ،65 :وقولttه في ِإن َّنعْ فُ َعن َطاِئ َف ٍة ِّم ْن ُك ْم ُن َع ِّذبْ َطاِئ َف ًة ِبَأ َّن ُه ْم َكا ُنوا مُجْ ِرم َ
ص َرهُ هللاُ }(التوبة.)40 : صرُوهُ َف َق ْد َن َ حق نبيهِ { :إالَّ َتن ُ
X
المبحث الخامس :الشعراء الذين رثوا النبي صلى هللا عليه وسلم
X
لها مُحْ صيـــا ً نفســــي فنفســـــي َت َبلّــــَـــ ُد ي َُذ ِّكـرْ َن آال َء الرَّ سُـــــول ومـــــا أرى
فظلــــــَّت آلال ِء الـرَّ سُــــــــــول ُتعـــــــــــ ِّد ُد ُم َفجَّ َع ًة قــد ش َّفـــــها فقــــــ ُد أحمـــــد
ولكــن لنفســــي َبعْ ـــ ُد ما قـــد توجَّ ـــــ ُد يــــرهُ
َ وما بلغــــت من ك ِّل أمــــر َعشِ
طـــــلل القبر الذي فيه أحمـــــ ُد
ِ علـــــى أطالت وقوفا تذرفُ العين جهــدها
بـــال ٌد ثـــوى فيـــــها الـرشيـــــــ ُد المســــ َّد ُد ْ
وبوركــت قبــــر الرَّ سُـــول
َ َ
فبوركــت يا
صفيـــح ُم َنضَّـ ُد
ٍ عليـــــه بنــا ٌء مــن ضمّـــَ َن طيِّـــــبــا ً
وبـــورك لحــ ٌد منـــك َ
عليـــــــه وقــــد غـــــارت بــــذلك أسعــــــ ُد الترب أيـــ ٍد وأعيــــــنٌ
َ تهي ُل عليه
عشيـــــ َة َعلّــــــــوهُ الثـــــــرى ال يوسّـــــــَ ُد لقد غيَّبـــوا حِلمْـــا ً وعلمــــا ً ورحمــــــة
وقــــــد وهنـــــت منهــــــم ظهـــو ٌر وأعض ُد بحــــزن ليــــس فيهــــم نبيُّهــــم
ٍ وراحوا
ومن قد بكتــْه األرضُ فالنـــاس أ ْكمـــــَ ُد يُب َّكون من تبـــكي السمــــــاوات يومــــه
يــــــــوم مــــات فيـــــــه محـمـــــ ُد
ٍ رزيــــة وهل عدلـــــــت يومـــــا ً رزيـــ ُة هـــالكٍ
نـور يغـــو ُر و ُي ْنجــــــ ُد
ٍ وقد كان ذا تقطــع فيــــه منــــز ُل الوحــــي عنهــــمَّ
هـــــول الخــــزايا ويُرشــــــ ُد
ِ وينقـــــــذ من يد ّل على الرحمـــن من يقتــــــدي بــــــه
صــــدق إن يُطيعـــوه َيسعــــــَدوا
ٍ معـلّــــــــِ ُم الحــق جـــــــاهـداً
َّ إمـــا ٌم لهــــم يهديهــم
وإن يحسنـــــــوا فـــاهلل بالخيـــــر أجـــــــو ُد عفـــوٌ عــن الـزالت يقبـــــَ ُل عـــــ ُ ْذ َرهـم
فمــــن عنـــــــده تيسيــــــــــ ُر مــا يتشــــــ َّد ُد وإن ناب أمـــــ ٌر لـم يقـومـــــوا بحمــــلِه
ُقصـــــــ ُد
دليــ ٌل بــه نهــــ ُج الطريقــــة ي َ فبينا هُـــــ ُم فــــــي نعمـــــــ ِة هللا بينهــــم
حـــريـــــصٌ علــــى أن يستقيمــوا ويهتــدوا عزي ٌز عليه أن يجـــوروا عن الهـــــــدى
إلــــى كنـــ ٍ
ف يحنـــــو عليهــم ويمهــــد عطوف عليهــــــــم ال ُي َث ّنــــِي جنـــــاحه
إلــى نــــورهـــم سه ٌم من الموت مقصد النـــــــــور إذ غـــدا
ِ فبينا ُه ُم فـــــي ذلك
ُي َب ِّكيــه َح َّتـــى المـــرســالت ويحمــــــ ُد فأصب َح محمــــوداً إلــــى هللا راجـعــــــا ً
لغيبــــة مـا كانــــت مـن الوحــــي تعهـــــــ ُد وأمست بالد الحُرْ ِم وحشــا ً بقاعُــها
ٌ
بــــــــالط وغــرقـــــــ ُد فقيــــ ٌد ُي َب ِّكينـــه قفاراً سوى معمور ِة اللح ِد ضـافـــها
خـــــــــال ٌء لـــــه فيـــــه مقــــــا ٌم ومقعــــــ ُد ُ
فـالمـوحشـــــات لفـقــــــده ومسجــــــ ُده
ٌ
صــــات وربــــع ومـــولــ ُد ديــــــــــا ٌر و َعـرْ وبالجمــــر ِة الكبــــرى لــه ث َّم أوحشـــت
X
الـدهـــــــر دمعــــُك يجمـــــ ُد
َ وال أعرف ْنــــكِ َف َب ِّكــــى رســـــول ِ
هللا يا عيــــنُ عــــبر ًة
على النـــاس منها سابــــ ٌغ ُي َت َغمّــــَ ُد وما لك ال تبكيـــــن ذا النعــــمة التــــــي
يـوجــــ ُد
َ الـدهــــــر
َ لفقـــــ ِد الــذي ال مثــــله بالدمــــوع وأعْ ِولـي
ِ فجــــــودي علــــيه
وال مثـــــله َحتـــــَّى القيـــــــامة يُفقـــــــــــ ُد وما فتتقد المــاضـــــون مـــــثل محمــــد
وأقـــــــرب منــــــــه نائــــــالً ال ُي َنـ َّكــــــــ ُد
َ أعـــــفَّ وأوفـــى ذمـــة بعـــــــد ذمــــ ٍة
إذ ضنَّ معطـــا ٌء بمــــا كـان ُي ْتــلــَ ُد وأبذ َل منه للطريفِ وتـــالــــــ ٍد
ـــــــــود
َّ وأكـــــرم َجــــــ ّداً أبطحيّـــا ً َ
يس وأكرم صيتا ً في البيوت إذا انتـمـــى
ــــز شــاهقــات ُتشيّــــــــــَ ُد
دعائــــــم عِ ٍّ وأمنــــع ذِروات وأثبـت في العـــال
َ
وعوداً َ
غذاه المزن فالعو ُد أغ َيـــــــ ُد وأثبت فـــرعا ً في الفـــــروع ومنبتـــــــا ً
علـــــى أكـــــرم الخيــــرات ربٌّ ممجّ ـــــــَ ُد ربـــــــاه وليـــــــــداً فاستتــــ َّم تمـامـــــُه
فــال العلـــم محبــوس وال الرأي ُي ْفنــــ ُد تناهـــــت وصــــاةُ المسـلمــــين بـــكفــِّه
النـاس إال عــازبُ العقــل ُم ْب َعـــــــ ُد
ِ من أقـــول وال يُلقـــَى لقـولــــي عائــــــــبٌ
لعلــــِّي بـــه فــي جنـــ ِة الخــــلـ ِد أخـلـــــــ ُد هــــواي نـــازعا ً عن ثنـــــائه
َ ولـيــــــس
نيـل ذاك اليـوم أسعى وأجهــــــد
وفـــي ِ مع المصطفــى أرجـــو بـــذاك جـــواره
X
العصران
ِ النهار وأظلم
ِ شـمسُ ُ
آفــاق الـسما ِء وكـوّ رت اِغـبـرّ
الـرجـفان
ِ َ أسـفـا ً عـلـيه كـثـيرةُ َفـاألرضُ مِـن بـع ِد النبيّ ٌ
كئيبة
َ ولـ َيـبـك ِه مـضـ ٌر وكــ ّلَ يـمـاني ُ
شـرق الـبال ِد وغـربُها َفـ َلـيبك ِه
األسـتار ُ
الـبيت ذو ّ
الـمعظ ُم جـوّ هَُ و واألركانَ و َلـيـبك ِه الـطـور
ِ
ِ
الـفرقان
ِ ّ
ك مـنزل ّ
صـلـى عـلـي َ سل المبارك ضوؤه يا خاتم الرّ ِ
الـوسنان
ِ لرأسك مائال مــا وسّــدوك وسـادة َ فـداؤك ما
َ َنـفسي
X
المبحث السادس :المعاني الشعرية التي ركز عليها الشعراء في رثاء
بالنبي صلى هللا عليه وسلم
15
المعاني في الشعر حسان بن ثابت
بأرض طيبة أثر ومنزل للرسول (صلوات هللا عليه) وهذا المنزل ينير في حالة أن الرسوم
واآلثار تندرس وتصبح أرضا هامدة كأنها لم يكن بها حياة .ال تعفو العالمات من دار الحرمة
والقداسة ،وبهذه الدار المنبر الذي كان يصعده الهادي (صلوات هللا عليه) .وبها عالمات
واضخة ومعالم باقية وربع للرسول ومسجد .وبها منازل كان ينزلها الرسول الذي هو نور
من هللا ،ويطلب من هذا النور ضوء ويوقد .وفيها معاهد لم تغير عالماتها وإن أتى عليها
البلى ،فاآليات من الذكر الحكيم تتجدد في هذه المنازل بتالوتها.
عرف الشاعر بهذه المعاهد رسم الرسول وعهده وقبرا وارى لحده النبي في التراب .ما
رال يبكي في هذه المنازل على وفاة الرسول ،فأعانته عيونه بسيالن الدموع ،وجدير بعينه
أن تساعده بتزارف الدموع .يتذكر نعم الرسول فيحاول إحصاءها فيراها ال تحصى كثرة
ويرى نفسه في حيرة .نفسه موجعة مؤلمة لهفان على فاجعة وفاة الرسول ويضمرها فقد
أحمد وهزلها ،فظللت تحصى نعم الرسول وبركاته .وما بلغت في كل أمر عشره ولكن تحمد
بعض ما في كل أمر .وأطال الشاعر وقوفا على طلل القبر الذي فيه الرسول والعين تجرى
الدموع بكل جهدها وتعطى كل ما لديها من العبرات.
يخاطب الشاعر القبر ويقول :يا قبر الرسول جعلك هللا مباركاوأدامك التمجيد والكرامة،
وبوركت بالد أقام فيها الرسول الهادي الرشيد الذي أعطاه هللا السداد والرشاد .وبورك لحد
ضمن نبيا ذا الفضل والخير.
ويشير إلى تدفين الرسول قائال :وفي الوقت الذي تهيل األيدي التراب على جسمه المبارك
تجرى األعين الدموع عليه وتذرفها مدرارا .ولقد دفنوا حلما وعلما ورحمة عشاء علوا
جسمه الطاهر التراب إذ ال متكأ وال مخدة .دفنوا نبيهم وجاءوا بحزن ومأتم ليس نبيهم بينهم
ليشاطرهم في األحزان واألشجان وقد ضعفت ظهورهم ووهنت أعضدهم لشدة هذه المصيبة
الفادحة .يبكون بكاء شديدا لفقد النبي الذي تبكي عليه السماوات واألرض يوم استأثر هللا به،
ومن قد بكته السماةات واألرض حزنا على فقده ،فالناس أشد حزنا وغما على وفاته .وما
ساوت يوما مصيبة ميت مصيبة يوم توفي فيه رسول هللا.
في هذا اليوم تقطع النبي الذي هو منزل الوحي عنهم وقد كان النبي ذا نور ثاقب يبلغ
جميع األمكنة بما فيها من أرض منخفضة وجبال مرتفعة .والنبي يرشد من يتبعه ويجعله
قدوة إلى الرحمن سبحانه وينقذه من عاقبة الكفر والضالل والشقاء في الدنيا والعذاب في
اآلخرة .وهو إمام لهم ويهديهم إلى سبيل الرشاد والحق باذال مجهوده ،وهو معلم صادق
القول والفعل لهم ،وإن يطيعوه يسعدوا .وهو كثير التجاوز من الخطيئات وهو يقبل عذرهم
15
التراث األدبي30-27 :
X
ويترك العقاب عليهم شفقة ،وإن يفعلوا األعمال الحسنة ويترك األعمال السيئة فاهلل يجزيهم
بحسناتهم وهو أجود بالخير .وإن نابتهم نائبة ،فإن رسول هللا كان يسهلها ويكشف غمتها
وعنده تيسير ما يتصلب.
بينما هم في نعمة هللا مغروقون وهذه النعمة وجود دليل به يقصد وضح الطريق ...إذ
استأثر هللا بالرسول.
وعزيز على النبي أن تحيد أمته عن الهدى والصواب ،وهو حريص على استقامتهم على
سبيل الحق واهتدائهم على مهجة الطريق .النبي مشفق عليهم ،بار بهم ،وهو يحنو عليهم
ويرحمهم .فبينما هم يتمتعون بنعمة وجوده ويعيشون في ضوء ذلك النور البهي بينهم ،إذ
ذهب إلى نورهم بالغداة سهم مصيب من الموت فأخمد نورهم وكدر عيشهم .فأصبح الرسول
راجعا إلى هللا محمودا في حالةتبكي عليه أعين المالئكة بكاء وتحمده حمدا .وأمست بالد
مكة وما اتصل بها من الحرم بقاؤها موحشة النقطاع الوحي الذي كانت تعهده عنها لغيبة
الرسول .مقفرة موحشة ما عدا قبرا نزل به الفقيد .ويبكي عليه البالط والفرقد ومسجده لفقدها
إياه ،وله قيام وقعود في هذه األمكنة قبل وفاته .وكذلك أقفرت منه وأوحشت ديار وعرصات
بالجمرة الكبرى وربع ومولد.
فحسان يخاطب عينه ،ويقول :فاسفحي يا عيني على رسول هللا عبرة بعد عبرة ولست
أظن دمعكيجمد طول الدهر ،بل ينصب على فراق الرسول .ويا عين مالك ال تبكين على
الرسول المنعم الذي نعمه على الناس كاملة تاما يغمر كل أحد ويستر كل فقير معوز .يا عين
فجرى الدموع الهاطالت على فراقه ،وجودا عليه بالبكاء والعويل لفقد الحبيب الذي ال يأتي
الدهر بمثله.
وما فقدت األمم الغابرة أحدا مثل محمد وال يفقد مثله حتى يوم القيامة .وما فقد الدهر أعف
خلقا وأوفى عهدا وأقرب عطاء غير منكد ونائال غير قليل منه .وما فقد الدهر أبذل منه للمال
المكتسبة والموروث إذا بخل الكريم المعطاء بماله .وأكرم حياء في األحياء إذا انتسب وأكرم
جدا أبطحيا يعطى سيادة .وأمنع شموخا ،وأثبت دعائم عز ومجد .وأثبت فرعا من الفروع
وأحكم منبتا وعودا من الرسول غداة يأتي السماء بالمطر ،وعود الرسول أكثر نعومة.
ويشير حسان إلى حديث النبي صلوات هللا عليه{ :عليه أدبني فأحسن تأديبي} ويقول:
رباه هللا المعظم صغيرا فطيما فأتم تأديبه وأكمل كماله على أكرم الخيرات .إذ إن رسول هللا
أدبه ربه فال بد أن كان المسلمون يتلقون من الرسول علما ال علم بعده ألن العلوم كانت في
قبضة يده ،ويتعلمون من آراء ال يأتيها الباطل وال يعرضها الخطأ ،وفي نهاية مرثيته يذكر
مكارم أخالقه فيها وال يوجد عائب من الناس يلومه عليها إال ذو هواء وحلوم وعقول ناقصة.
ويسأل برثائه جواره ،ويسعى لنيل ذلك اليوم .وليس بنازع حبه عن ثنائه ،لعلى بثنائه أصبح
مخلدا في جنة الخلد.
16
المعاني في الشعر فاطمة الزهراء رضي هللا عنها
16
الموقع اإللكتروني
X
وهذه األبيات تصور مدى اللوعة ومدى الحزن الذي يرتسم على شخصيّة الزهراء
ً
حالة من ( رضي هللا عنها ) فهي ترى أنّ ال ُدنيا كئيبة فاقدة لل ُّنور مظلمة جوانبها تعيش
اإلضطراب والرّ جفان.
وحين تتصوّ ر فاطمة ( رضي هللا عنها ) الحياة هذا ال ّتصور بعد أبيها ،إ ّنما تتصور
حقيقة ال خياالً أو مبالغة ،ألنّ أباها كان لهذا الكوكب األرضيّ ومن فيه وما فيه سراجا ً
وهّاجا ً أضاء لها السبيل وخلّصها من التيه والشرور ،وعلّمها دروب السعادة والسالم.
X
18المبحث السابع :لغة الشعر في رثاء النبي صلى هللا عليه وسلم
وسائر ألفاظ المراثي النبوية إنما مثلها كمثل هذه األلفاظ التي مرت ألفاظ قريبة سهلة،
.قصيرة المبنى ،مألوفة ،واضحة بنفسها أو بجملتها
إن غرابة األلفاظ في عصر من العصور ينبغي أن توكل إلى أبناء ذلك العصر من العلماء
والنقاد ،ليقولواهم فيها .وليس بمدخل أن يقال :إن القدماء كانو يعرفون اللغة كلها؛ فهذا غبر
صحيح؛ فإن العلماء من القدماء كانوا يستغربون بعض األلفاظ ،كبعض األلفاظ للهذليين،
.وألفاظ لبيد بن ربيعة مثال ،ويختلفون في معانيها
وقد أثر اإلسالم في المراثي ،فقد اكتسبت المرثية لغات كثيرة ،فعقيدة اإلسالم بيوم
الحساب والحياة الباقية فتحت أفقا آخر للشاعر يشرب من منهلها فشرع يتحدث عن الجنة
ونعيمها ودرجاتها ،والنار وسعيرها ودركاتها ،فالصالة ،والثواب والرحمة والشفاعة،
والمالئكة والعرش والحشر ،وغير ذلك مما ال يخفى أثره ،وإن الجهاد اإلسالمي ساهم في
شيوع األلفاظ اإلسالمية الكثيرة تتعلق بالموت ،وإن التوجه اإلسالمي أثر كبير في شيوع
األلفاظ المدينة والحضارية .وفي المقابل نرى تراجعاواضحا وانحسارا بينا في مفردات
المرثية الجاهلية ،وباإلسالم هدمت أسطورة الدهر ،وشكوى من منونها وريبها ،كما أن
العرب تخلصوا من الهام والصدى والبلية ،وحلت محلها مفردات الصبر والقضاء والقدر
واإليمان .وإن عموم الشعر في صدر اإلسالم قد اتجه نحو الليونة والسهولة والوضوح
19.متأثرا بأسلوب القرآن الكريم الساطع منعكسا الحياة المدنية الجديدة
ففي هذه المرثية نرى تحوال بينا في لغة الشعر من حيث اإلغراب والقوة إذ أن المرثية قد
20.اتجهت نحو الليونة والوضوح بعيدا عن اإلغراب والتعقيد
18
كتاب مراثي النبوية في أشعار الصحابة391-390 :
19
التراث األدبي34-33 :
20
التراث األدبي34 :
X
المبحث الثامن :خصائص النبي صلى هللا عليه وسلم التي ركز عليها
21الشعراء
دارت في المراثي مجاميع من األلفاظ ،أبرزها :ألفاظ الدموع والبكاء التي الءمت موقف
الفقد.
ألفاظ المراثي جزلة واضحة ال يكاد الغريب يوجد فيها.
أما األساليب اللغوية والتراكيب ،فكان أبرز االنماط السائدة منها في المراثي النبوية :الشرط
والتكرار وااللتفات واالعتراض والتجريد والقسم والتعجب والمطابقة والحذف ،وكان فيها
أشياء من آثار النثر كانطالق األسلوب والمحاورة .وقد جاء كل من ذلك مفيدا ضروبا
مختلفة من المعاني والدالالت.
اختلفت المراثي النبوية عن المراثي الجاهلية ،فظهرت فيها آثار واضحة من ألفاظ القرآن
ومعانيه وتراكيبه ،ومن ألفاظ السنة ومعانيها ،وظهرت فيها مصطلحات مما أثمره الدين
اإلسالمي الجديد.
كما ذهبوا بالمقاطع مذاهب متنوعة أيضا ،وكان أكثر ما يختمون به الدعاء للنبي صلى هللا
عليه وسلم.
ولقد نفت المراثي النبوية عن نفسها – عالوة على ذلك – عوائد الجاهلية ومذاهبها الوثنية،
ثم أفاضت على أبياتها في العموم من روح اإلسالم ومقاصده.
وأثر اإلسالم يبدوا جليا في ثالث من الظواهر الشائعة في المراثي ،وهي :عزاء الصحابة
في وفاة النبي صلى هللا عليه وسلم باهلل سبحانه وتعالى ،وببقاء دينه.
أكبر الصور التي نحتها الصحابة ي المراثي ثالث صور :صورة وقع المصيبة عليهم،
وصورة موت الرسول صلى هللا عليه وسلم وكيف فاضت روحه الطاهرة إلى باريها،
وصورة النبي محمد صلى هللا عليه وسلم في الحياة.
وقد استعملوا في اخراج صورهم وسائل التصوير البيانية :التشبيه بأنواعه ،واالستعارة
بنوعيها ،وضيئا من المجاز المرسل ،والكناية؛ واستعملوا من وسائله األخرى األلفاظ
المشعة والصور الحقيقية.
كانت صور الصحابة في غالبها جزئية ،قصيرة ،متوازنة غير معقدة وال متشابكة.
وكان األصل في صورهم أنها حسية ،بصرية غالبا ،وقد تجيء سمعية ،وقلما أتت عقلية،
وفي بعض صورهم قصد إلثارة التناقض بالتضاد والمقابلة.
األصل في المراثي ترك التصريع بسبب من النازلة الشديدة التي ألمت بالصحابة ،أو بسبب
إنشادها في سياق الخطابة ،أو بسبب تأخر زمن إنشائها.
21
كتاب مراثي النبوية في أشعار الصحابة491-488 :
X
وقد سمع في المراثي النبوية جرس في داخل األبيات ،كتكرار األصوات والكلمات،
والجناس ،والرصف ،واإلرصاد .وقد أحدث هذا الجرس توافقا بين اإليقاع والمعاني التي
أراد الشاعر إرسالها.
تمكن الصحابة من استغالل بعض ما عد عيبا عروضيا كالتضمين واإلقواء؛ استغالال فنيا
بليغا شد من لحمة القصيدة ،أو وشى بفرط العاطفة وتمكن الحزن.
X
22المبحث التاسع :القيمة الفنية لمراثي النبي صلى هللا عليه وسلم
البناء 1-
لعلى النقاد العرب حفلوا بالبيت األول من بناء القصيدة ما لم يخفلوا بغيره من أجزاء
بنائها؛ فهو أول ما يطرق األسماع منها ،وهو زمامها الذي يسوقها إلى وجهتها ،وهو الباب
.الذي يدل على أرجائها
ولم يكن األولون يثبتون العناوين في رؤوس أشعارهم ،وعسى المطلع في قصائدهم أن
يقوم بمقام العنوان في القصبدة الحديثة ،وال سيما إذا خلت من المقدمات كما يه الحال في
.المراثي النبوية
اللغة 2-
وسائر ألفاظ المراثي النبوية إنما مثلها كمثل هذه األلفاظ التي مرت ألفاظ قريبة سهلة،
.قصيرة المبنى ،مالوفة ،واضحة بنفسها أو بجملتها
الصورة 4-
دأب الصحابة في المراثي النبوية على رسم سور كبيرة بعينها ،ذات خطوط بارزة
ظاهرة ،ظللت لوحة المراثي من ورائها بظالل من عواطف شتى كانت تعتلج في صدور
.أولئك المأل من الناس بعد وفاة النبي صلى هللا عليه وسلم
22
كتاب مراثي النبوية في أشعار الصحابة465 -373:
X
أكبر هذه الصورة (صورة وقع المصيبة) التي نزلت عليهم كما تنزل الصاعقة بالناس ال
.يحسب الناس لها حسابا
فمنهم من شغل ببلوى نفسه فصور ما اعتراه من الهم والبأس بصور مختلفة .من هؤالء
صفية عمة النبي صلى هللا عليه وسلم التي أحست كأن المكاوي أوقدت في فؤادها يوم مات
:محمد ،فأحرقته
وما خفت من بعد النبي المكاويا كأن على قلبي لذكر محمد
الموسيقي 5-
ليست الموسيقي أقل شأنا من غيرها من عناصر الشعر ،فهي كالصورة ( ظاهرة طبيعية
لتصوير العاطفة ) ،والوزن في زعم ابن رشيق (أعظم أركان حد الشعر وأالها به
خصوصية ) .وإن أثر القافية مثال وهي جزء صغير من أجزاء الموسيقي ( ال يقف عند حد
النظام الموسيقي الصوتي ،وإنما نجده وثيق الصلة بالنظم الصرفية والنحوية واألسلوبية،
.حتى بمعجم الشعر وكلماته )
وليست الموسقي وزنا وقافية فقط ،ولكنها إيقاع وجرس ألفاظا أيضا ،والشعر في استعانته
بهذه الموسيقي الكالمية إنما يستعين بأقوى الطرف اإليحائية؛ ألن الموسيقي طريق السمو
.باألرواح ،والتعبير عما يعجز التعبير عنه
X
الخاتمة
حمدا هلل والشكر على توفيقه وامتنانه عز وجل ،لقد تم هذا البحث بمشيئة هللا تعالى للعمل
الواجب في مادة البحث التطبيقي بعنوان مراثي شعراء الصحابة للنبي صلى هللا عليه وسلم،
.الذين كانوا يرثون الشعر بفقدان النبي صلى هللا عليه وسلم
لعلى هذا البحث مفيدا لدى القارئ من حيث اللغة وتدبر المعاني الشعرية وازداد حبه للنبي
.صلى هللا عليه وسلم وصحابته
وهللا ولي التوفيق
X
المراجع
القرآن الكريم.
األدب العربي وتاريخه (العصر الجاهلي وعصر صدور اإلسالم والعصر األموي للسنة
األولى الثانوية) ،مقرر جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،الطبعة 1437هـ.
التراث األدبي -السنة الثانية -العدد السابع (تأثير اإلسالم على أدب الرثاء) ،عضو هيئة
التدريس بجامعة آزاد اإلسالمية فرع علوم وتحقيقات بطهران.
الرثاء ،للدكتور شوقي ضيفي ،دار المعارف ،الطبعة الرابعة 1119م.
شعراء العرب عصر صدر اإلسالم ،يوسف عطا الطريفي ،مكتبة األهلية للنشر والتوزيع،
الطبعة الثانية 2009م.
الفصل الثالث :أنموذج تطبيقي
مراثي النبوية في أشعار الصحابة توثيق ودراسة ،لمحمد شمس عقاب ،مكتبة اإلمام
البخاري للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى 1435هـ 2013 /م.
معجم اللغة العربية المعاصرة ،لألستاذ الدكتور أحمد مختار عمر ،مكتبة عالم الكتب،
المجلد األول ،الطبعة 1429هـ 2008 /م.
نقد الشعر ،ألبي الفرج قدامة بن جعفر ضبطه وشرحه وصدره بترجمة للمؤلف وبحث في
النقد األدبي لمحمد عيسى منونا ،الطبعة األولى 1352هـ 1934 /م.
https://www.diwanalarab.com
https://www.aljazeera.net
https://mawdoo3.com
https://www.aqaed.com/ahlulbait/books/azzahraa/zah7.htm
X
الفهرس
الصفحة الموضوع
المقدمة- 2 ..........................................................................
ـ التمهيد 3...........................................................................
المبحث األول :مفهوم شعر الرثاء-4...............................................
المبحث الثاني :دور شعر الرثاء عند العرب- 8...................................
المبحث الثالث :شعر الرثاء في اإلسالم- 10........................................
المبحث الرابع :مكانة النبي صلى هللا عليه وسلم في نفوس الصحابة- 12........
المبحث الخامس :الشعراء الذين رثوا النبي صلى هللا عليه وسلم- 15............
المبحث السادس :المعاني الشعرية التي ركز عليها الشعراء في رثاء بالنبي صلى -
هللا عليه وسلم 19......................................................................
المبحث السابع :لغة الشعر في رثاء النبي صلى هللا عليه وسلم- 22..............
المبحث الثامن :خصائص النبي صلى هللا عليه وسلم التي ركز عليها -
الشعراء 23............................................................................
المبحث التاسع :القيمة الفنية لمراثي النبي صلى هللا عليه وسلم- 25..............
الخاتمة27.............................................................................
المراجع-28...........................................................................
X