You are on page 1of 11

‫تعريف و معنى تنامي في اللغة العربية من طتاب معجم المعاني الجامع‬

‫تنامي ( إسم ) ومصدره ( تناميا ) ويقال تنامي الزرع أي ( كثرته و زيادته ) ‪ .‬والفعل منه‬
‫( تنامى ) ويكون حسب حال‪,‬ة الفع‪,,‬ل ( يتن‪,,‬امى – المض‪,,‬ارع ) ‪ .‬ويق‪,,‬ال (( ه‪,‬ذا الش‪,,‬يء تن‪,,‬ام‬
‫تناميا فهو متنام ‪ ,‬والمفعول يكون متنامى إليه ) ‪ .‬وفي مثال توضيحي آخ‪,,‬ر نق‪,,‬ول تن‪,,‬امى‬
‫الخبر إليه ونقصد به ( بلغه وتناهى إليه ) ‪ .‬هذا في اللغة العربي‪,,‬ة بش‪,,‬كل إجم‪,,‬الي ‪ .‬أم‪,,‬ا في‬
‫بحثي هذا فإن تنامي الشعر يدل على ( كثرته و غزارته وبلوغه الى أعلى )‬

‫المقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والس‪,,‬الم على س‪,,‬يد المرس‪,,‬لين‪ ،‬وأش‪,,‬رف الخل‪,,‬ق أجمعين؛ أبي‬
‫القاسم محمد‪ ،‬وآله الطيبين الطاهرين‪ ،‬وصحبه المنتجبين‪..‬‬

‫في دورة الزمن والحياة ينقسم زمننا الى ماض‪,,‬ي وحاض‪,,‬ر وتأم‪,,‬ل للمس‪,,‬تقبل ‪ .‬والجمي‪,,‬ع يع‪,,‬رف‬
‫بإن الماضي يكون رصيدا ثريا للحاضر وقد يك‪,,‬ون أك‪,,‬ثر حض‪,,‬ورا من‪,,‬ه في بعض الح‪,,‬االت ‪ ،‬فال‬
‫يكون الحاضر سوى إشراقة من إشراقات ذلك الماضي ‪ .‬وهذا االن‪,‬دماج في ال‪,‬زمن يفص‪,,‬ح عن‬
‫نفسه في حضرة العظماء سواء العلماء أو الش‪,,‬هداء أو الق‪,,‬ادة حيث تنكش‪,,‬ف العالق‪,,‬ة بين الحي‬
‫والميت في رثاء أولئك الرجال من خالل االرتباط غير المادي الذي يجمع األرواح ليكش‪,,‬ف عن‬
‫ديمومة القيم السامية التي خَّلدوها بدمائهم لتنير الطريق لألحياء‪.‬‬

‫وال أدّل على ذلك من رثاء اإلمام الحسين (عليه السالم) في الش‪,,‬عر الع‪,,‬ربي‪ ،‬فه‪,,‬ذا الك‪,,‬نز ال‪,,‬ذي‬
‫تجاوز مفهوم التراث بموضوعاته ووظائفه وقيمه الجمالية كون بمجموعه ملحمة أدبية خالدة‬
‫استمدت قوتها من وجود أبطالها على ارض الواقع‪،‬‬

‫فضال عن أن رمزية الحسين ع ﺫاتها محفوفة بك‪,,‬ل االبع‪,,‬اد ال‪,,‬تي تم‪,,‬د نس‪,,‬يج الملحم‪,,‬ة بالحي‪,,‬اة‬
‫والروح لما يؤطر تلك الرمزية من طابع مقدس ‪ .‬وعلى كل ماتقدم نج‪,‬د إن األدب الحس‪,‬يني لم‬
‫يكون خاليا أو معدوما من الجِّد واألصالة في ك‪,‬ل زم‪,‬ان ومك‪,‬ان ‪ .‬وق‪,‬د ك‪,‬ان ه‪,‬ذا باعث‪ً,‬ا من بين‬
‫بواعث كثيرة في اختيار الشعراء تناول ملحمة الطف ومواق‪,,‬ف االم‪,,‬ام الحس‪,,‬ين وإخت‪,,‬ه العقيل‪,,‬ة‬
‫زينب عليها السالم في شعرهم وقصائدهم ورواياتهم ‪ .‬فضال عن قيام الباحثين بدراسة وتحليل‬
‫الشعر الحسيني لكونه يحتوي مدرستين االولى تخص إظهر قوة الحق والتضحيات والثاني في‬
‫إنه كان نصرة لرسول هللا تعالى ‪.‬‬

‫ولذلك ولكون بحثي هذا يتضمن دراسة في مراثي االمام الحسين ع الشهيد فقد قسمتها الى‬
‫فصول ثالث ( األول هو الفرق بين الرثاء والعزاء والفصل الثاني هو االصول والمرتكزات‬
‫التي بنى عليها الشعراء الحسينيون قصائدهم والفصل الثالث قراءة لقصيدة من الرثاء الهل‬
‫البيت للمتقدمين والمتاخرين ) ‪ ,‬وسبقتهما بهذا التمهيد البسيط للموضوع ‪ ،‬وكانت الخاتمة‬
‫ملخصًا ألهم النقاط التي برّز ها البحث ‪ ،‬وقد أشفعت بحثي بملحق ضَّم تراجم لبعض شعراء‬
‫المراثي العراقيين من المتقدمين والمتأخرين ‪.‬‬
‫أما مصادر هذا البحث فقد سعيت ألن تكون موضوعية‪ ،‬ومعروفة في األوساط األكاديمَّي ة حتى‬
‫وإن كانت عن طريق المواقع األلكترونية الن النشر االن هو الكتروني وهو موثق ‪ ،‬وقد‬
‫توزعت بعض مصادري على الدواوين والمجاميع الشعرَّي ة‪ ،‬والمعاجم اللغوية‪ ،‬وكتب النقد‬
‫القديمة والحديثة ‪ ،‬فضال عن كتب الحديث والتاريخ ‪ ،‬مما هو مذكور في قائمة المصادر‪ ،‬ولم‬
‫أحرم مصادري من بعض الرسائل الجامعية القريبة ‪.‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬الفرق بين الرثاء والعزاء‬

‫عندما أتابع وأقرأ بدقة ما كتبته قلوب بعض المفجوعين في وفاة أحد األعزاء‪ ..‬وقد يكون‬
‫قريبًا‪ ،‬أو صديقًا‪ ،‬أو رجًال مشهودًا في الحياة ‪ ,‬أشعر بألم المفجوع من إعالنه وكذلك أشعر‬
‫بعظيم المواساة مما كتبه المعزون فيه على ضوء هذا االعالن الحزين ‪.‬‬

‫فبين كلمات المواساة والتعزية التي تبين بأن الرجال يبكون أيضًا على فقد عزيز ورجل مهم‬
‫وتكون كلماتهم أكثر حزنًا وألمًا حيث يمكن القول بإن البكاء يصاحب الرجال كما هو للنساء‪،‬‬
‫وال عيب في هذا وبخاصة حين يالمس أهم ما يحرك أشجاننا ‪ ،‬خصوصا فالموقف والحدث‬
‫أكبر من أن ترثيه كلمات خجولة منا ‪.‬‬

‫ومن خالل م‪,,‬ا نق‪,,‬رأه من ص‪,,‬ادق الرث‪,,‬اء‪ ،‬ومخلص الع‪,,‬زاء‪ ،‬وطوي‪,,‬ل الكلم‪,,‬ات في ت‪,,‬أبين الفقي‪,,‬د‬
‫للبحث عن الرثاء والع‪,,‬زاء والبك‪,,‬اء والت‪,,‬أبين‪ ..‬وه‪,,‬ل ك‪,,‬ل ه‪,,‬ذه ص‪,,‬ورة واح‪,,‬دة بدرج‪,,‬ة واح‪,,‬دة‬
‫للحديث عن عزيز نفقده‪ ،‬أو حبيب نودعه أو مختلفة ‪.‬‬

‫ع‪,,‬رفت اللغ‪,,‬ة الف‪,,‬رق بين الرث‪,,‬اء والت‪,,‬أبين ‪ ،‬فق‪,,‬الت‪ :‬إن الت‪,,‬أبين ه‪,,‬و الثن‪,,‬اء على الش‪,,‬خص بع‪,,‬د‬
‫موته ‪ .‬أما الرثاء فبكاء الميت وتعديد محاسنه ‪ ،‬ونظم الشعر فيه ‪ .‬ويقال‪ :‬النائحة ترثي الميت‬
‫‪ ،‬ت‪,,‬ترحم علي‪,,‬ه ‪ ،‬وتندب‪,,‬ه ‪ .‬والن‪,,‬دب كالرث‪,,‬اء‪ :‬بك‪,,‬اء الميت وتعدي‪,,‬د محاس‪,,‬نه‪ .‬ويظه‪,,‬ر أن أغلب‬
‫الناس لم يستخدموا كلمة الندب في معنى الرث‪,,‬اء والت‪,,‬أبين ‪ ،‬كم‪,,‬ا لم يفرق‪,,‬وا في االس‪,,‬تخدام بين‬
‫الكلمتين ‪.‬‬

‫ولما كان الت‪,‬أبين ثن‪,,‬اًء على الميت وتعدي‪,,‬دًا لفض‪,,‬ائله وك‪,,‬ان من عناص‪,,‬ر الرث‪,,‬اء تعدي‪,,‬د محاس‪,,‬ن‬
‫الميت ؛ فلق‪,,‬د رأى النق‪,,‬اد األدب‪,,‬اء أن‪,,‬ه ال ف‪,,‬رق بين الرث‪,,‬اء والم‪,,‬ديح ‪ ،‬وَال َفْص َل بين المدح‪,,‬ة‬
‫والمرثية إال أن ُيخَلط بالرثاء شيء يدل على أن المقصود به ميت‪ ،‬مثل‪ :‬كان‪َ ..‬ع ِد ْم نا ب‪,,‬ه‪ ..‬أو‬
‫ما يشاكل هذا مما يدل على أن المتحدث عنه ميت ‪.‬‬
‫حيث بين صاحب كتاب العمدة ( ابن رشيق ) بأن يكون الميت ملكًا أو رئيس ‪ً,‬ا كب‪,,‬يرًا‪ ،‬إذ يق‪,,‬ول‬
‫(وسبيل الرثاء أن يكون ظاهر التفجع‪ ،‬بِّي ن الحسرة‪ ،‬مخلوطًا باألسى واألس‪,,‬ف واالس‪,,‬تعظام إذا‬
‫كان الميت ملكًا أو رئيسًا كبيرًا) ‪.‬‬

‫ولكن هذا غير دقيق ألن تخص‪,,‬يص الرث‪,,‬اء والتفج‪,,‬ع والحس‪,,‬رة والتله‪,,‬ف واألس‪,,‬ف واالس‪,,‬تعظام‬
‫على الملوك والرؤساء الكبار‪ ،‬مع أننا نجد إن الكثير من الشعراء يذكرون رثاًء متفجعًا متلهف ‪ً,‬ا‬
‫يقط‪,‬ر دموع‪ً,‬ا يق‪,‬ال ح‪,‬تى في الحبيب‪,‬ة إذا م‪,‬اتت أو الزوج‪,‬ة أو االبن ‪ .‬إلن الرث‪,‬اء ال يق‪,‬ف عن‪,‬د‬
‫العظماء‪ ،‬واللوعة ليست وقفًا على رثائهم‪ ،‬واالستعظام ال يحس به ال‪,,‬راثي إال عن‪,,‬د العظم‪,,‬اء ‪-‬‬
‫كما يقولون بل يشعر به كل من يفقد عزيزًا عليه ‪.‬‬

‫ولق‪,,‬د خص‪,,‬ص ( قدام‪,,‬ة ) أن الرث‪,,‬اء ينبغي أن يش‪,,‬مل الفض‪,,‬ائل األرب‪,,‬ع مجتمع‪,,‬ة (العق‪,,‬ل والحلم‬
‫والعفة والشجاعة) بل إن الرثاء المصيب هو الذي يتلمس الفضائل اإلنسانية التي يتص‪,,‬ف به‪,,‬ا‬
‫من يؤبن‪,,‬ه الش‪,,‬عر‪ .‬وقص‪,,‬د قدام‪,,‬ة به‪,,‬ذا الق‪,,‬ول ب‪,,‬إن ال‪,,‬ذي يس‪,,‬تحق الرث‪,,‬اء ه‪,,‬و من يجم‪,,‬ع ه‪,,‬ذه‬
‫الفضائل‪ ،‬ومن نقص عنها ليس جديرًا بالرثاء‪.‬‬

‫ورأى الكثير من المحللين األدبيين أن مجال القول يتسع للراثي عندما ي‪,,‬رثي كب‪,,‬ار الرج‪,,‬ال في‬
‫الهيئة االجتماعية؛ ألن في أفعالهم وصفاتهم ما يستطيع ال‪,,‬راثي أن يس‪,,‬جله في ش‪,,‬عره‪ ،‬ويش‪,,‬يد‬
‫به‪ ،‬ولذا عُّد وا من أشد الرثاء صعوبة على الراثي أن يرثي طفًال‪ ،‬أو امرأة لض‪,,‬يق الكالم علي‪,,‬ه‬
‫فيهما‪ ،‬وقلة الصفات التي تتمثل في أعمالهما‪.‬‬

‫ولقد حمل التراث العربي لنا نم‪,‬اذج من رث‪,‬اء األطف‪,‬ال والنس‪,‬اء م‪,‬ا ه‪,‬و ج‪,‬د ص‪,‬ادق‪ ،‬موج‪,‬ع‬
‫م‪,,‬ؤثر‪ ،‬ن‪,,‬ابع عن ش‪,,‬عور غم‪,,‬ره األس‪,,‬ى الحقيقي‪ ،‬والتفج‪,,‬ع الق‪,,‬وي‪ ،‬ويحض‪,,‬رنا جميع ‪ً,‬ا في ه‪,,‬ذا‬
‫الموقف ما قاله محمد بن عبدالملك الزيات في رثاء أم ولده‪ :‬فهو من أجود ما جاء في الرثاء‪،‬‬
‫وأشجاه‪ ،‬وأشده تأثيرًا في القلب‪ ،‬وإثارة للحزن‪ ..‬قال‪:‬‬

‫بعيُد الكرى عيناه َت ْب تِد َر ان‬ ‫أال َم ْن رأى الطفَل المفارَق أمه‬

‫يبيتان تحت الليل ينتجيان‬ ‫رأى كَّل أم وابنها غير أمِه‬

‫بالبل قلب دائم الخفقان‬ ‫َو باَت وحيدًا في الِفراش تحثُه‬

‫أداري بهذا الدمع ما ترياِن‬ ‫فال تلحياني إن بكيُت فإنما‬

‫ِلمن كان في قلبي بكل مكان‬ ‫وإن مكانا في الثرى خط لحده‬

‫ومن رثاء الزوجات الموجع هذا الديوان الكامل الذي كتبه الشاعر المعروف إبراهيم ن‪,,‬اجي في‬
‫رثاء زوجته‪ ..‬ومن قوله وقد عاد للبيت بعد فترة طويلة‪:‬‬

‫فبكَى ‪ ،‬وأوشَك أْن يرَّد سالمي‬ ‫طَّو ْف ُت بالبيِت الحزين ُم سِّلمًا‬

‫تهب األسى والبّث واآلالم‬ ‫أعرفتني يا داُر ‪ ،‬أم أنكرتني‬

‫ما ذْق ُت لم يأنْس لغير ظالم‬ ‫لبس الظالم وعاش فيه ومن ير‬
‫والتاريخ العربي يخبرنا كيف كان رثاء الخنساء ألخيها صخر نموذجًا ال يتكرر في الرثاء مدى‬
‫الحياة‪ ،‬وكلنا يعرف كيف جاء رثاء المتنبي لجدته التي فرحت بمجيء خطاب منه إليها يخبرها‬
‫بقرب عودته‪ ،‬ففرحت حتى غلب الفرح على قلبها فقتلها‪ ،‬قال يرثيها ‪:‬‬

‫وأَهوى لمثواها التراب وما َضَّم ا‬ ‫أحُّن إلى الكأِس التي شربْت بها‬

‫وذاق كالنا ثكل صاحبه قْد َم ا‬ ‫َب كْي ُت عليها ِخيفًة في حياتها‬

‫فماتت سرورا بي فمت بها َغ ما‬ ‫أتاها كتابي بعد يأِس وترحَه‬

‫أعُّد الذي َم اَت ْت به بعدها ُسَّم ا‬ ‫َح رام على قلبي السروُر ‪ ،‬فإنني‬

‫ولكَّن طرفًا ال أراِك به أْع َم ى‬ ‫وما انسَّد ِت الدنيا علَّي ِلضيقها‬

‫ومن أهم المراثي التي نحن بصدد البحث عنها هي مراثي أهل بيت العصمة والطهارة ‪ .‬فقد‬
‫روي عن فاطمة الزهراء عليها السالم وهي ترثي رسول هللا صلى هللا عليه واله‬

‫صافـي الضرائب واألعراق والنسب‪.‬‬ ‫وقد رزئــــنا بــــــه محضًا خليقته‬

‫علــــيك تنزل مــن ذي العزة الكتب‪.‬‬ ‫وكنــــت بــــدرًا ونورًا يستضاء به‬

‫فغـــــاب عــنــا وكل الخير محتجب‪.‬‬ ‫وكــــان جبريل روح القدس زائـرنا‬

‫لـــــما مضيت وحالت دونك الحجب‪.‬‬ ‫فــــليت قبـــــلك كان الموت صادفنا‬

‫مـــن البــــرية ال عجــم وال عــرب‪.‬‬ ‫إنــــا رزئـــنا بما لم يــرز ذو شجن‬

‫كما رثا حسان بن ثابت الرسول األعظم‬

‫في يوم االثنين النبي‬ ‫بأبي وأمي من شهدت وفاته‬


‫المهتدي‪.‬‬

‫متلددا يا ليتني لم أولد‪.‬‬ ‫فظللت بعد وفاته متبلدا‬


‫يا ليتني صبحت سم األسود‪.‬‬ ‫أأقيم بعدك بالمدينة بينهم‬

‫في روحة من يومنا أو من‬ ‫أو حل أمر هللا فينا عاجال‬


‫غد‪.‬‬

‫ومنه رثاء دعبل الخزاعي للحسين الشهيد‬

‫مقطع من قصيدة دعبل الخزاعي‬

‫َأفاِط ُم َلْو ِخ ْلِت اْلُحَس ْي َن ُمَج َّد ال *** َو َقْد ماَت َع ْط شانًا ِبَش ِّط ُفراِت‬

‫ِإذًا َلَلَط ْم ِت اْلَخ َّد فاِط ُم ِع ْن َد ُه *** َو َأْج َر ْي ِت َد ْم َع اْلَع ْي ِن ِفي اْلَو َج ناِت‬

‫َأفاِط ُم ُقْو مي يا اْب َن َة اْلَخ ْي ِر َو اْن ُدبي *** ُنُج وَم َس ماوات ِبَأْر ِض َفالِة‬

‫وقد رثى السيد الحميري االمام الحسين ع حيث قال‬

‫مقطع من قصيدة السّي د الحميري(‪)1‬‬


‫ُأْم ُرْر َع لى َج َد ِث اْلُحَس ْي ِن *** َفُقْل ِالْع ُظ ِمِه الَّز ِک َّي ْة‬

‫يا َأْع ُظ مًا الِز ْلِت ِمْن *** َو ْط فاِء ساِک َب ة َر ِو َّي ْة‬

‫ما َلَّذ َع ْيٌش َبْع َد َر ِّض ـ *** ِک ِباْلِج ياِد اْالْع َو ِج َّي ْة‬

‫َقْبٌر َت َضَّم َن َط ِّي بًا *** آباُؤ ُه َخ ْيُر اْلَب ِر َّي ْة‬

‫أما بن العرندس فقد رثاه‬


‫أُيْق َت ُل َظ ْم آنًا ُحَس ْي ٌن ِبَکْر َب ال *** َو في ُک ِّل ُعْض و ِمْن أناِمِلِه َبْح ُر ؟‬

‫َو واِلُد ُه الّس اقي َع َلى اْلَح ْو ِض في َغ د *** َو فاِط َم ُة ماُء اْلُفراِت َلها َمْهُر‬

‫َف واَلْهَف َن ْف سي ِلْلُحَسْي ِن َو ما َج نى *** َع َلْي ِه َغ داَة الَّط ِّف في َح ْر ِبِه الِّش ْمُر‬

‫أما السيد جعفر الحلي من المتأخرين فقد رثى االمام الحسين حيث قال‬

‫َخ َر َج اْل ُحَس ْي ُن ِمَن اْل َم ديَن ِة خاِئفًا *** َکُخ ُر وِج ُم وسى خاِئفًا َي َت َکَّت ُم‬

‫َو َقِد اْن َج لى َع ْن َم َّکة َو ُه َو اْب ُنها *** َو ِبِه َتَش َّر َفِت اْلَح طيُم َو َز ْم َز ُم‬

‫َنَز ُلوا ِبَح ْو َم ِة َک ْر َب ال َفَت َط َّلَب ْت *** ِم ْن ُهْم َع واِئَد َها الّن ُس وُر اْلُحَّو ُم‬

‫َو َت باَش َر اْلَو ْح ُش اْلُم ثاُر َاماَمُهْم *** َاْن َسْو َف َي ْکُثُر ِش ْر ُبُه َو اْلَم ْط َع ُم‬
‫َط ِم َع ْت ُاَمَّي ُة حيَن َقَّل َع ديُدُه ْم *** ِلَط ليِقِهْم ِفى اْلَف ْت ِح َاْن َيْس َت ْس ِلُم وا‬

‫َو َر َج ْو ا َم َذ َّلَت ُهْم َفُقْل َن ِر ماُحُهْم *** ِمْن ُدوِن ذِلَک َاْن ُتناَل اَْال ْن ُج ُم‬

‫َو َق َع اْلَع ذاُب َع لى ُجُيوِش ُاَمّي ة *** ِمْن بـاِس ل ُه َو ِفى اْلَو قاِيِع ُمْع َلُم‬

‫َع َبَس ْت ُو ُج وُه اْلَق ْو ِم َخ ْو َف اْلَمْو ِت *** َو اْلَع ّب اُس فيِهْم ضاِحٌک َي َت َبَّس ُم‬

‫وهذه القصائد هي غاية الصدق من ناحية الواقع والشعور والفن وقد اكتملت لهؤالء الشعراء‬
‫الن المقصود بالقصائد أعظم البشرية‬

‫وعودا على بدء فقد صنف العرب الرث‪,,‬اء الى ألوان‪ً,‬ا ثالث‪,,‬ة ‪ :‬الن‪,,‬دب‪ ،‬والت‪,,‬أبين‪ ،‬والع‪,,‬زاء‪ .‬وه‪,,‬و‬
‫َفّر ق بين الندب والتأبين‪ ،‬فالندب هو بكاء األهل واألقارب‪ ،‬أما التأبين‪ ،‬وإن شئت الرث‪,,‬اء‪ ،‬فه‪,,‬و‬
‫الّث ناء على الميت وتعداد فضائله ومزاياه وبيان الف‪,,‬راغ ال‪,,‬ذي ترك‪,,‬ه الراح‪,,‬ل عن‪,,‬دما أف‪,,‬ل نجم‪,,‬ه‬
‫وغ‪,,‬ابت شمس‪,,‬ه‪ ،‬والرث‪,,‬اء في الغ‪,,‬الب‪ ،‬ه‪,,‬و دور اآلخ‪,,‬رين غ‪,,‬ير أقارب‪,,‬ه‪ ،‬من أص‪,,‬دقائه ومحبي‪,,‬ه‬
‫والقريبين منه‪.‬‬

‫وقد يطرح البعض سؤاًال عن المبّر ر الشرعي واألهداف الدينية وراء تكرار العزاء وإقامة‬
‫المأتم علٰى سّي د الشهداء عليه السالم وبضـعة المصطفٰى صّلى هللا عليه وآله وسّلم كّل عام ‪،‬‬
‫مع تطاول المّد ة ‪ ،‬بنحو رتيب وندبة راتبة ‪ ،‬والحال إّن الندبة والرثاء علٰى السبط الشهيد‬
‫ُس ـّن ة إٰل هية تكوينية وقرآنية ‪ ،‬وكذلك هو ُس نة نبوية ‪.‬‬

‫وقد أوضحت الكثير من الكتب والمراجع التاريخية والدراسات عّد ة من هذه الوجوه ‪:‬‬

‫فالوجه األّو ل ‪ :‬وهو الُس ـّن ة التكوينية اإلٰل هية ‪.‬‬


‫يشير إليه قوله تعالٰى ‪َ ( :‬فَم ا َب َك ْت َع َلْي ِهُم الَّس َم اُء َو اَأْلْر ُض ) (‪ )۱‬؛ إذ أّن هللا سبحانه وتعالٰى‬
‫قد نفٰى ـ في هذه اآلية الكريمة ـ بكاء السماء واألرض علٰى هالك قوم فرعون الظالمين ‪ ،‬وهو‬
‫ما يقضي بوجود شأن فعل البكاء من السماء واألرض كظاهرة كونية ‪ ،‬وإاّل َلما كان للنفي‬
‫معنًى محّص ـل ‪. .‬‬

‫وقد أشارت المصادر العديدة من كتب أهل ُس ـّن ة الجماعة بوقوع هذه الظاهرة الكونية عند‬
‫مقتل الحسين عليه السالم من مطر السماء دمًا ‪ ،‬وٱحمرارها مّد ة مديدة ‪ ،‬ورؤية لون الدم‬
‫علٰى الجدران وتحت الصخور واألحجار في المدن والبالد اإلسالمية ‪ ،‬فالحظ ما ذكره ابن‬
‫عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الحسين عليه السالم بأسانيد متعّد دة (‪. )۲‬‬

‫بل قد أطلعنا أخيرًا بعض المؤمنين علٰى كتاب ( ذي أنكلوساكسون كرونكل ) ‪ ،‬كتبه مؤّلفه‬
‫سنة ‪ ۱۹٥٤‬م ‪ ،‬يشتمل علٰى ذكر األحداث التاريخية التي مّر ت بها اُألّم ة البريطانية منذ عهد‬
‫المسيح عليه السالم ‪.‬‬

‫وهو يذكر لكّل سنة أحداثها ‪ ،‬حّتٰى يأتي علٰى ذكر أحداث سنة ‪ ٦۸٥‬م ‪ ،‬التي تقابل سنة ‪٦۱‬‬
‫هـ سنة استشهاد السبط عليه السالم ‪ ،‬فيذكر المؤّلف أّن في هذه السنة مطرت السماء دمًا ‪،‬‬
‫وأصبح الناس في بريطانيا فوجدوا أن ألبانهم وأزبادهم تحّو لت إلٰى دم (‪. . )۳‬‬

‫وأّم ا الوجه الثاني ‪ :‬وهو كون ذلك ُس ـّن ة قرآنية ‪.‬‬

‫حيث افترض الباري تعالٰى موّد ة أهل البيت عليهم السالم ‪ ،‬بل وجعل هذه الفريضة من عظائم‬
‫الفرائض القرآنية ‪ ،‬وذلك في قوله تعالٰى ‪َٰ ( :‬ذ ِلَك اَّلِذي ُيَب ِّش ُر الَّلـُه ِع َب اَد ُه اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َع ِم ُلوا‬
‫الَّص اِلَح اِت ُقل اَّل َأْس َأُلُك ْم َع َلْي ِه َأْج ًر ا ِإاَّل اْلَمَو َّد َة ِفي اْلُقْر َب ٰى َو َم ن َي ْق َت ِر ْف َح َس َن ًة َّن ِز ْد َلُه ِفيَه ا ُحْس ًن ا‬
‫ِإَّن الَّلـَه َغ ُفوٌر َشُك وٌر ) (‪ . . )٤‬فقد جعل الموّد ة أجرًا علٰى مجموع الرسالة المشتملة علٰى‬
‫ُأصول الدين العظيمة ‪ ،‬مّم ا يدّلل علٰى كون هذه الفريضة في مصاف ُأصول الديانة ‪.‬‬

‫ثّم بّي ن تعالٰى أّن الموّد ة لها لوازم وأحكام ‪ ،‬منها ‪ :‬االّت باع ‪ ،‬كما في قوله تعالٰى ‪ُ ( :‬قْل ِإن ُك نُتْم‬
‫ُتِح ُّب وَن الَّلـَه َفاَّت ِبُع وِني ُيْح ِبْب ُك ُم ُهَّللا ) (‪ . )٥‬ومنها ‪ :‬اإلخبات واإليمان بذلك ‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالٰى ‪َ ( :‬و َلٰـ ِكَّن الَّلـَه َح َّبَب ِإَلْي ُك ُم اِإْليَم اَن َو َز َّي َن ُه ِفي ُقُلوِبُك ْم َو َك َّر َه ِإَلْي ُك ُم اْلُك ْف َر َو اْلُفُس وَق‬
‫َو اْلِع ْص َي اَن ) (‪ . )٦‬ومنها ‪ :‬الحزن لحزنهم ‪ ،‬والفرح لفرحهم ‪ ،‬كما في قوله تعالٰى ‪ِ ( :‬إن‬
‫ُتِص ْب َك َح َس َن ٌة َت ُس ْؤ ُه ْم َو ِإن ُتِص ْب َك ُم ِص يَب ٌة َي ُقوُلوا َقْد َأَخ ْذ َن ا َأْم َر َن ا ِمن َقْب ُل َو َي َت َو َّلوا َّو ُه ْم َف ِر ُح وَن )‬
‫(‪. . )۷‬‬

‫ففد بّي ن تعالٰى ـ من خالل داللة هذه اآلية علٰى أّن العداوة للرسول األكرم صّلى هللا عليه وآله‬
‫وسّلم مقتضاها الحزن لفرحه صّلى هللا عليه وآله وسّلم وأهل بيته عليهم السالم ‪ ،‬والفرح‬
‫لمصيبته صّلى هللا عليه وآله وسّلم وأهل بيته عليهم السالم ـ أّن المحّب ة تقتضي الحزن‬
‫لمصابهم ‪ ،‬والفرح لفرحهم ‪ .‬فعلٰى هذه الداللة القرآنية يكون العزاء وإقامة المأتم والرثاء‬
‫والندبة علٰى مصاب السبط عليه السالم ‪ ،‬بضعة المصطفٰى ‪ ،‬سـّي د شباب أهل الجّن ة ‪ ،‬ريحانة‬
‫الرسول األمين صّلى هللا عليه وآله وسّلم ‪ ،‬من مقتضيات الفريضة العظيمة الخالدة بخلود‬
‫الدين ‪ ،‬وهي ‪ :‬موّد ة القربٰى ‪.‬‬

‫كما إّن القرآن قد تضّم ن الرثاء والندبة علٰى خريطة وقائمة المظلومين طوال سلسلة أجيال‬
‫البشرية ‪ .‬وقد استعرض القرآن الكريم ظالمتهم ‪ ،‬بدءًا من هابيل إلٰى بقية أدوار األنبياء‬
‫والرسل ‪ ،‬ورّو اد الصالح والعدالة ‪ ،‬والجماعات المصلحة المقاومة للفساد والظلم ‪ ،‬كأصحاب‬
‫اُألخدود ‪ ،‬وقوافل الشهداء عبر تاريخ البشرية ‪ ،‬وحّتٰى األطفال المجني عليهم نتيجة ُس ـنن‬
‫جاهلية ‪ ،‬كالموؤدة ‪ ،‬بل قد رثٰى وندب القرآن الناقة ـ ناقة صالح عليه السالم ـ لمكانتها ‪ .‬ولم‬
‫يقتصر القرآن علٰى الرثاء والندبة لمن وقعت عليهم الظالمات ‪ ،‬بل أخذ في التنديد بالظالم‬
‫والعتاة الظلمة ‪ ،‬وتوّع دهم بالعذاب والنقمة والبطش ‪ ،‬كما نجده في جملة من الموارد في‬
‫السور القرآنية ‪ ،‬وهي ‪ * :‬اُألولٰى ‪ :‬قّص ة أصحاب اُألخدود في سورة البروج ‪ .‬حيث يسّط ر‬
‫تعالٰى قاعدة وُس ـّن ة إٰل هية عاّم ة من الوقوف بصّف المظلومين ومواجهة الظالمين ‪ ،‬وهو بذلك‬
‫يرّب ي المسلمين والمؤمنين والقارئ للقرآن علٰى التضامن مع المظلومين ‪ ،‬والنفرة من‬
‫الظالمين والتنديد بهم عبر طول التاريخ ‪ ،‬وال يتخاذلوا بالالمباالة بأن يقولوا ‪ :‬هذه األحداث‬
‫والوقائع غابرة في التاريخ وال تعنينا ‪ .‬بل يحّث علٰى التضامن في صّف كّل مظلوم من أّو ل‬
‫تاريخ البشرية والتنديد بكّل ظالم ‪ .‬وهذا الجّو القرآني تراه ال يكتفي من المسلم والقارئ‬
‫للسورة بالتعاطف وجيشان األحاسيس تجاه المظلوم ‪ ،‬بل يستحّث هما علٰى النفور من الظالم‬
‫والتنديد به ‪ ،‬وإن كان وّلٰى زمانه في غابر التاريخ ‪ .‬كّل ذلك لتطهير اإلنسان من الذوبان في‬
‫مسير الظالمين ‪ ،‬وٱنجذابًا له مع مبادئ المظلومين ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬قّص ة يوسف عليه السالم ويعقوب عليه السالم في سورة يوسف ‪ .‬ويستهّل القرآن‬
‫الكريم تفصيل أحداث المأساة التي جرت عليهما بقوله تعالٰى ‪َّ ( :‬لَقْد َك اَن ِفي ُيوُسَف َو ِإْخ َو ِتِه‬
‫آَي اٌت ِّللَّس اِئِليَن ) (‪ ، )۱۸‬كما يختم كالمه في السورة ‪َ ( :‬لَق ْد َك اَن ِفي َقَص ِص ِهْم ِع ْبَر ٌة ُأِّلوِلي‬
‫اَأْلْلَب اِب َم ا َك اَن َح ِديًث ا ُيْف َت َر ٰى َو َلٰـ ِكن َت ْص ِديَق اَّلِذي َبْي َن َي َد ْي ِه َو َت ْف ِص يَل ُك ِّل َش ْي ٍء ‪ )۱۹( ) . . .‬؛‬
‫ليبّي ن أّن ما قّص ه وسرده من فعل يوسف ويعقوب عليها السالم ُس ـّن ة تستّن بها هذه اُألّم ة ‪.‬‬
‫حيث تبّي ن أّن الجزع والندبة قـد اشتّد ا بالنبّي يعقوب عليه السالم إلٰى حّد إصابة عيناه الشريفة‬
‫بالعمٰى ‪ ،‬وقد اشتّد حزنه وشكواه إلٰى هللا تعالٰى إلٰى درجة أن اّت همه أبناءه بالسوء في عقله أو‬
‫بدنه ‪ ،‬وهو معنٰى الحرض ‪ ،‬والبّث ‪ :‬شـّد ة الحزن ؛ وهذا يدّل علٰى أّن الجزع من فعل الظالمين‬
‫ممدوح ‪ ،‬وإّن ما الجزع من قضاء هللا وقدره هو المذموم ‪ ،‬وأّم ا اللواذ وااللتجاء إلٰى هللا تعالٰى‬
‫في الجزع والشكوٰى والبّث والحزن فهذا ممدوح ‪ ،‬وهو تنّف ر من الظالمين ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬قّص ة قتل األنبياء عليهم السالم ‪ .‬وقد نّد د القرآن الكريم بقتل األنبياء عليهم السالم ‪،‬‬
‫وٱستنكر هذا الفعل ‪ ،‬في ما يقرب من تسعة مواضع ‪َٰ ( :‬ذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َك اُنوا َي ْك ُفُر وَن ِبآَي اِت الَّلـِه‬
‫َو َي ْق ُتُلوَن الَّن ِبِّي يَن ِبَغ ْي ِر اْلَح ِّق ) ‪ .‬و ‪َ ( :‬أَفُك َّلَم ا َج اَء ُك ْم َر ُس وٌل ِبَم ا اَل َت ْهَو ٰى َأنُفُس ُك ُم اْس َتْك َبْر ُتْم‬
‫َفَف ِر يًقا َك َّذ ْب ُتْم َو َفِر يًقا َت ْق ُتُلوَن ) ‪ .‬و ‪ُ ( :‬قْل َفِلَم َت ْق ُتُلوَن َأنِبَي اَء الَّلـِه ِمن َقْب ُل ِإن ُك نُتم ُّم ْؤ ِمِنيَن )‪.‬و ‪:‬‬
‫( ِإَّن اَّلِذيَن َي ْك ُفُر وَن ِبآَي اِت الَّلـِه َو َي ْق ُتُلوَن الَّن ِبِّي يَن ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ‪ . ) . . .‬و ‪َٰ ( :‬ذ ِلَك ِبَأَّن ُهْم َك اُنوا‬
‫َي ْك ُفُر وَن ِبآَي اِت الَّلـِه َو َي ْق ُتُلوَن اَأْلنِبَي اَء ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ) ‪ .‬و ‪َ ( :‬س َنْك ُتُب َم ا َق اُلوا َو َقْت َلُهُم اَأْلنِبَي اَء ِبَغ ْي ِر‬
‫َح ٍّق َو َن ُقوُل ُذ وُقوا َع َذ اَب اْلَح ِر يِق ) ‪ .‬و ‪ُ . . . ( :‬قْل َقْد َج اَء ُك ْم ُرُس ٌل ِّم ن َقْب ِلي ِباْلَبِّي َن اِت َو ِباَّلِذي‬
‫ُقْلُتْم َفِلَم َقَت ْلُتُم وُه ْم ِإن ُك نُتْم َص اِدِقيَن ) ‪ .‬و ‪َ ( :‬فِبَم ا َن ْق ِض ِه م ِّم يَث اَقُهْم َو ُك ْف ِر ِهم ِبآَي اِت الَّلـِه َو َقْت ِلِهُم‬
‫اَأْلنِبَي اَء ِبَغ ْي ِر َح ٍّق ‪. ) . . .‬و ‪ُ ( :‬ك َّلَم ا َج اَء ُه ْم َر ُس وٌل ِبَم ا اَل َت ْهَو ٰى َأنُفُسُهْم َف ِر يًقا َك َّذ ُبوا َو َف ِر يًق ا‬
‫َي ْق ُتُلوَن ) ‪ .‬وكذلك نّد د القرآن بقتل رّو اد اإلصالح اإلٰل هي في البشرية ‪َ ( :‬و َي ْق ُتُلوَن اَّلِذيَن‬
‫َي ْأُمُر وَن ِباْلِقْس ِط ِمَن الَّن اِس َفَب ِّش ْر ُهم ِبَع َذ اٍب َأِليٍم ) ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬قّص ة الموؤدة ‪ .‬قوله تعالٰى في سورة التكوير ‪َ ( :‬و ِإَذ ا اْلَمْو ُء وَد ُة ُس ِئَلْت * ِبَأِّي َذ نٍب‬
‫ُقِتَلْت ) ‪ .‬وهذه ندبة قرآنية للوليدة التي كانت ُت قتل في زمن الجاهلية نتيجة الُس ـنن العرفية‬
‫الجاهلية الظالمة ‪ ،‬ويبّي ن في هذا اُألسلوب الرثائي كيفية مسرح الجناية برمس الوليدة وهي‬
‫حّي ة في التراب مع كمال براءتها ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬عزاء الشهداء ‪ .‬وهم مّم ن ُيقتل في سبيل هللا تعالٰى ‪َ ( :‬و اَل َت ُقوُلوا ِلَم ن ُيْق َت ُل ِفي‬
‫َس ِبيِل الَّلـِه َأْمَو اٌت ) ‪.‬‬
‫السادسة ‪ :‬قّص ة هابيل ‪ .‬وجريمة قتله من قبل قابيل في قوله تعالٰى ‪َ ( :‬لِئن َبَس طَت ِإَلَّي َي َد َك‬
‫ِلَت ْق ُتَلِني َم ا َأَن ا ِبَب اِس ٍط َي ِد َي ِإَلْي َك َأِلْق ُتَلَك ِإِّن ي َأَخ اُف الَّلـَه َر َّب اْلَع اَلِميَن * ِإِّن ي ُأِر يُد َأن َت ُبوَء ِبِإْث ِمي‬
‫َو ِإْث ِمَك َفَتُك وَن ِمْن َأْص َح اِب الَّن اِر َو َٰذ ِلَك َج َز اُء الَّظ اِلِميَن * َفَط َّو َع ْت َلُه َن ْف ُس ُه َقْت َل َأِخيِه َفَق َت َلُه‬
‫َفَأْص َبَح ِمَن اْلَخ اِس ِر يَن ) ‪ .‬فيبّي ن البراءة في جانب هابيل ‪ ،‬والوحشية والقساوة في جانب‬
‫قابيل ‪ ،‬والبيان يصّو ر شّد ة األحاسيس من الطرفين أثناء التحامهما في الحدث ‪ ،‬إاّل أّن‬
‫أحاسيس هابيل مملوءة بالصفاء واإلحسان ‪ ،‬وأحاسيس قابيل مشحونة بالعدوان والتجاوز‬
‫لمقتضيات الفطرة ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬قّص ة فرعون وهامان ‪ .‬وما ارتكباه من طغيان وٱستكبار في األرض ‪َ ( :‬يْس َت ْض ِع ُف‬
‫َط اِئَف ًة ِّم ْن ُهْم ُيَذ ِّبُح َأْب َن اَء ُه ْم َو َيْس َت ْح ِيي ِنَس اَء ُه ْم ) ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬قّص ة ناقة صالح عليه السالم ‪ .‬قوله تعالٰى في سورة الشمس ‪َ ( :‬ك َّذ َب ْت َث ُم وُد‬
‫ِبَط ْغ َو اَها * ِإِذ انَبَع َث َأْش َق اَها * َفَق اَل َلُهْم َر ُس وُل الَّلـِه َن اَقَة الَّلـِه َو ُس ْق َي اَها * َفَك َّذ ُبوُه َفَع َق ُر وَها‬
‫َفَد ْم َد َم َع َلْي ِهْم َر ُّبُهم ِبَذ نِبِهْم َفَسَّو اَها * َو اَل َي َخ اُف ُع ْق َب اَها ) ‪ .‬فبّي ن طغيان ثمود ‪ ،‬وأّن الذي‬
‫ارتكب الجريمة هو من األشقٰى في قوم ثمود ‪ ،‬وبـّي ن حرمة الناقة بإضافتها إلٰى ذاته المقّدسـة‬
‫مع كونها ناقة صالح عليه السالم ‪ .‬ثّم صّو ر بإحساس ملتهب عملية الجناية من المعتدي بأّن ه‬
‫قام بعملية العقر ‪ ،‬واللفظ يبّي ن قساوة الفعل ‪ ،‬والسورة تسند الفعل إلٰى قوم ثمود كّلهم ؛‬
‫لرضاهم بذلك ‪ ،‬كما سبق أن وصف المعتدي بالشقاء البالغ غايته ‪.‬‬

‫ثّم بّي ن بجانب وقوفه بصّف المظلوم وتضامنه معه تنديده بالظالم ‪ ،‬وٱنبعاث الغضب والنقمة‬
‫اإلٰل هية العاجلة ‪ ،‬وسخطه الشديد عليهم ‪ ،‬فلم يكتف برثاء المظلوم بل قرنه بشجب الظالم‬
‫واإلنكار عليه ‪ ،‬بل وإدانة قوم ثمود لموقفهم المتفاعل تأييدًا للجريمة ‪.‬‬
‫فإذا كان موقف القرآن من ناقة صالح عليه السالم يبدي مثل هذا التضامن معها ‪ ،‬وهي داّب ة‬
‫وآية إٰل هية ‪ ،‬ويدين ظلم قوم ثمود لها ‪ ،‬فباهلل عليك ما هو موقف القرآن الكريم من بضعة‬
‫سـّي د النبّي ين ‪ ،‬وأشرف السفراء المقّر بين ‪ ،‬وسـّي د شباب أهل الجّن ة عليه السالم ؟ !‬

‫وإذا كان القرآن يدعونا إلٰى تالوة الندبة والرثاء علٰى ناقة صالح عليه السالم والظالمة‬
‫الحادثة بآيات تتلٰى إلٰى يوم القيامة تتلّق ٰى منها البشرية دروسًا من التربية ‪ ،‬ويحّث نا علٰى إقامة‬
‫هذه الندبة ‪ ،‬وعلٰى التنديد بمرتكبي تلك الظالمة ‪ ،‬فكيف بك بالظالمة المرتكبة بسّي د شباب أهل‬
‫الجّن ة عليه السالم ‪ ،‬ريحانة الرسول األكرم صّلى هللا عليه وآله وسّلم ‪ ،‬وما يمّث له من مبادئ‬
‫وُأصول للدين الحنيف متجّس دة فيه عليه السالم ؟ !‬

‫هذه نبذة من المراثي والندب التي تصّد ٰى القرآن الكريم الستعراضها وإقامتها في السور‬
‫القرآنية ‪ ،‬بُأسلوب وأدب الرثاء والندب والعزاء ‪ ،‬ونحو من النياحة الهادفة المطلوبة إلحياء‬
‫المبادئ المتمّث لة في َم ن وقعت عليهم تلك الظالمات ‪ ،‬من أجل كونهم يحملون تلك المبادئ‬
‫ويسعون إلقامتها وبنائها ‪.‬‬

‫فنستخلص ‪ :‬أّن الندبة والرثاء الراتب ُس ـّن ة قرآنية ‪ ،‬يمارسها القارئ والتالي لكتاب هللا العزيز‬
‫‪ ،‬وهي مجلس من المجالس المقامة في أندية القرآن الكريم ‪.‬‬

‫وأما الوجه الثالث ـ األخير ـ ‪ :‬وهو كون العزاء والمأتم علٰى سـّي د الشهداء عليه السالم ُس ـّن ة‬
‫نبوية أيضًا ‪.‬‬

‫فقد كتب في بيانه جملة من األعالم ‪ ،‬أذكر علٰى سبيل المثال ال الحصر ما أشار إليه العاّل مة‬
‫األميني قّد س سّر ه في سيرة النبّي صّلى هللا عليه وآله وسّلم وُس ـّن ته من كتابه سيرتنا وُس ـّن تنا‬
‫؛ فقد ذكر اثنا عشر مأتمًا ومجلسًا عقدها النبّي صّلى هللا عليه وآله وسّلم لندبة الحسين عليه‬
‫السالم وهو يافع في نعومة أظفاره ‪ ،‬في مأل من المهاجرين واألنصار في المسجد تارة ‪،‬‬
‫وُأخرٰى في بيته مع بعض زوجاته ‪ ،‬وثالثة مع بعض خواّص ه ‪.‬‬

‫وقد نقل تلك الوقائع المتكّر رة عن النبي صّلى هللا عليه وآله وسّلم الكثير من الحّف اظ وأئّم ة‬
‫الحديث في مسانيدهم ‪ ،‬والمؤّر خين أصحاب السير في كتبهم ‪ ،‬منهم ‪ :‬أحمد بن حنبل في‬
‫مسـنده ‪ ،‬والنسائي والترمذي ‪ ،‬وٱبن عساكر في تاريخه ‪ ،‬وغيرهم ‪ .‬فالحظ ثّم ة ما كتبوه ‪،‬‬
‫وكذلك ما كتبه العاّل مة السّي د عبد الحسين شرف الدين في كتابه المأتم الحسيني ‪. .‬‬
‫مشروعّي ته وأسراره ‪.‬‬

You might also like