You are on page 1of 54

‫جامعة البعث‬

‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬

‫قسم اللغة العربية‬

‫قسم الدراسات األدبية‬

‫السنة األولى‬

‫القومية في شعر أبي ريشة‬

‫تقديم الطالبة ‪ :‬أماني العبد‬

‫إشراف األستاذ الدكتور جودت إبراهيم‬

‫القومية في شعر عمر أبي ريشة‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة ‪ ،‬تمهيد ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫النزعة القومية يف الشعر العريب ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫القومية و الواقعية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عمر أبو ريشة يف سطور ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أوًال ‪ :‬المشاعر القومية ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬االعتزاز باملاضي التليد ‪.‬‬
‫‪ -2‬النزوع إىل هذا املاضي و التحسر عليه ‪.‬‬
‫‪ -3‬التغين بربوع الوطن ‪.‬‬
‫‪ -4‬املطامح و اآلالم املشرتكة‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬مناضلة االستعمار ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬حتذير األمة من العدو ‪.‬‬
‫‪ -2‬جتسيد مشاعر العرب يف بوتقة نضاهلم العائر ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدعوة إلى الثورة ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬استشعار الواقع املرير ‪.‬‬
‫‪ -2‬استنهاض اهلمم و احلض على الثورة ‪.‬‬
‫‪ -3‬دور الشعر يف بث روح الثورة و التمرد ‪.‬‬
‫‪ -4‬انبثاق األمل املشرتك من خالل الكفاح املرير ‪.‬‬
‫رابعًا ‪ :‬تجلي الطابع القومي ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬التغين بربوع البالد ‪.‬‬
‫‪ -2‬بث مشاعر احلب ‪.‬‬
‫‪ -3‬الفخر بالبلدان العربية ‪.‬‬
‫خامسًا ‪:‬تخليد أبطال األمة و شهدائها ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬االستنجاد باألبطال ‪.‬‬
‫‪ -2‬رثاء الشهداء ‪.‬‬
‫الخاتمة و نتائج البحث ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المقدمة‬

‫‪2‬‬
‫تع]]د القومي]]ة العربي]]ة من املوض]]وعات املتداول]]ة على طاول]]ة األحباث األدبي]]ة و النقدي]]ة ‪ ،‬فال أك]]ون ب]]ذلك‬
‫أول ب]]احٍث يط]]رق ه]]ذا الب]]اب ‪ ،‬إذ س]]بقين إلي]]ه ك]]ثٌر م ن]]ذوي اخلربة و الش]]أن ‪ ،‬و ذل]]ك ألمهيت]]ه يف حياتن]]ا‬
‫املعاصرة ‪ ،‬اليت استحضرت القومية العربية بكل مقوماهتا ‪.‬‬

‫فوج]دت أم]امي حبوث]ًا تن]اولت القومي]ة من خالل رواده]ا ال]ذين ن]ذروا أش]عارهم يف س]بيلها ‪،‬و دراس]اٌت‬
‫أخر قرنت القومية بالواقعي]ة ‪ ،‬و ال]يت ك]انت منهج حبثي املتب]ع ‪ ،‬و ال]ذي رافق]ه خط]وة خبط]وة ‪ .‬لض]رورة‬
‫ربط القومية بالواقع الذي نشأت فيه ‪ ،‬مولودة من حاجة ال من فراغ ‪.‬‬

‫كما اطلعت على العديد من الشعراء الذين محلوا اهلم القومي ليكون حبثي منصبًا على أحد أب]رز أعالم]ه‬
‫و هو (عمر أبو ريشة ) ‪ ،‬واقفًة عند ديوانه الذي ضم يف طياته نف]ائس ال]درر من حماس]ٍن و ع]رب ‪ ،‬منتقي]ة‬
‫شعره القومي يف ضوء دراسة أدبية نقدية تشمل الشكل و املضمون ‪ ،‬و الطبع يف ض]]وء م]]ا اطلعت علي]]ه‬
‫من كتابات عن القومية اليت رأيته جمسدًا إياها ‪.‬‬

‫و لعّل ما استوقفين يف البحث ‪ ،‬شعره السهل املمتنع ‪ ،‬و املباشر و غ]]ري املباش]ر ‪ ،‬ص]]وٌر واض]]حة وأخ]رى‬
‫غامضة ‪ ،‬كلما قرأت قص]يدة ازددت تعمق]ًا و تبح]رًا يف خض]مها‪ ،‬على أّن املع]ىن يق]دح يف ال]ذهن ليلقى‬
‫استجابًة سريعة هلدف الشاعر ‪ ،‬وال سيما يف خطاب الشعب و تصوير واقعه ‪.‬‬

‫راجي]ًة أن أك]ون ق]د ق]دمت دراس]ة جدي]دة ‪ ،‬من خالل املعاجلة و األس]لوب و تس]ليط الض]]وء على رقع]ٍة‬
‫أدبية يف وسط ركاٍم يضم الغث و السمني مقدمًة حبثي هذا ليكون نقطة انطالق ال نقطة هناية ‪.‬‬

‫هذا و كان البحث يف متهيد و مخسة حماور و خامتة ‪:‬‬

‫و ك]]ان التمهي]]د ناف]]ذة يط]]ل منه]]ا الق]]ارئ على النزع]]ة القومي]]ة يف الش]]عر الع]]ريب ‪ ،‬و س]]ريها ض]]من املنهج‬
‫الواقعي الذي جسدها أميا جتسيد‪ ،‬و من مث التعريف بالشاعر و هو غٌّين عن التعريف ‪.‬‬

‫ي ]]دور احملور األول ح ]]ول مش ]]اعر القومي ]]ة كي ]]ف جتس ]]دت يف االع ]]تزاز باملاض ]]ي التلي ]]د ‪ ،‬و الفخ ]]ر ب ]]ه و‬
‫التحس]]ر علي]]ه ‪ ،‬و التغ]]ين برب]]وع ال]]وطن ‪ ،‬و ع]]رض املط]]امح و اآلالم املش]رتكة ‪ ،‬كم]]ا ش]]اهدها الش]]اعر و‬
‫عايشها ‪.‬‬

‫ألنتق]]ل إىل احملور الث]]اين ‪ ،‬مناض]]لة االس]]تعمار ‪ ،‬من خالل حتذير األم]]ة من ه]]ذا اخلط]]ر ‪ ،‬و جتس]]يد مش]]اعر‬
‫العرب يف بوتقة نضاهلم العاثر ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ليكون هذا إيذانًا بانطالق بواكري الثورة اليت دعا إليها الش]اعر من خالل ‪ :‬استش]عار الواق]ع املري]ر هادف]ًا‬
‫استنهاض اهلمة و بث روح التمرد و الثورة من خالل األمل املشرتك و السعي لتحقيقه ‪.‬‬

‫يف حني أّن أب]]رز مع]]امل القومي]]ة جتّلت يف تغيّن الش]]اعر برب]]وع البالد كفلس]]طني و لبن]]ان ‪ ،‬و بّث مش]]اعر‬
‫احلب جتاه بقية األقطار ‪.‬‬

‫ووقفت يف احملور األخري عند ختليد األبطال و رثاء الشهداء ‪.‬‬

‫و أهنيت حبثي ه] ]]ذا خبامتة تض] ]]منت أهم النت ]]ائج املتوص] ]]ل إليه] ]]ا على الص] ]]عيدين ‪ :‬املض] ]]مون الفك ]]ري و‬
‫القالب الفين ‪.‬‬

‫التمهيد‬

‫النزعة القومية في الشعر العربي ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫القومي]]ة العربي]]ة كم]]ا ع]]رفت يف األدبي]]ات القومي]]ة هي إميان ‪،‬و املقص]]ود ب]]ذلك أهنا ش]]عور ق]]ومي داخلي‬
‫موج]]ود عن]]د الف]]رد الع]]ريب كون]]ه م]]زيج من العوام]]ل خالل الت]]اريخ الطوي]]ل ‪.‬و الش]]عور ال]]داخلي ه]]ذا ق]]د‬
‫خيفت يف ظ ]]رٍف من الظ ]]روف و يتنب ]]ه يف ظ ]]رٍف آخ ]]ر ‪ ،‬و ذل ]]ك م ]]ا ي ]]دعى بش ]]عور االنتم ]]اء و الس ]]مة‬
‫القومية ‪.1‬‬

‫و الشعر من أعرق املوض]وعات اتص]اًال بوج]دان األم]ة ال]يت تبدع]ه و من ألص]ق األم]ور مبالمح شخص]يتها‬
‫و منازعها يف حياهتا‪. 2‬‬

‫فتعد الفرتة اليت عاشها العامل مجيعه و الع]امل الع]ريب بوج]ه خ]اص بني احلربني الع]امليتني من أحف]ل احلقب‬
‫و أثقله]]ا باألح]]داث ‪ ،‬و ك]]ان أث]]ر ذل]]ك كب]]ريًا يف اجملتم]]ع الع]]ريب ‪ ،‬اه]]تزت ل]]ه أعماق]]ه اه]]تزازًا سياس]]يًا و‬
‫اجتماعي] ]ًَا و ثقافي] ]ًا كب ]]ريًا فاس ]]تجاب األدب الع ]]ريب احلديث على اختالف فنون ]]ه هلذا التط ]]ور اخلالق يف‬
‫النفس العربية النزاعة إىل الواقع‪.3‬فنجد أن أبرز ما فاضت به ق]]رائح الش]]عراء ‪ ،‬و م]]ا دجبت]]ه أقالم الكت]]اب‬
‫ليس يف جوهره إال روح األمة و سفر نضاهلا ‪.‬‬

‫و مل يكن الشعر القومي غرضًا مألوفًا لدى الشعراء حىت القرن التاس]ع عش]ر إذ إن مفه]]وم الش]عر مل يع]]د‬
‫يف أذه]]اهنم م]]ا توارث]]وه من األغ]]راض التقليدي]]ة ال]]يت يش]]وهبا غ]]ري قلي]]ل من آث]]ار الض]]عف الف]]ين املتبقي من‬
‫عهود االحنطاط ‪.4‬‬

‫و من مث جتلى الشعور ال]ديين يف الش]عر الق]ومي من خالل م]ا نظم]ه الش]عراء ح]ول أح]داث فلس]طني فق]د‬
‫متيزت القضية الفلسطينية بطابعه]ا الق]ومي و ال]ديين مع]ًا ‪ .‬نظ]رًا لوق]وع أح]داثها يف األرض املقدس]ة مه]د‬
‫عيسى عليه السالم ‪ ،‬و مسرى حممد صلى اهلل عليه و سلم و مهبط سائر الرسل‪. 5‬‬

‫إذن هن ]]اك ش ]]يء مش ]]رتك مهم بني األدب و بني القومي ]]ة العربي ]]ة ‪.‬األدب طري ]]ق من ط ]]رق املعرف ]]ة يعتم ]]د‬
‫على اإلهلام و الش ]]عور ال ]]داخلي ال ]]ذي يتفاع ]]ل في ]]ه العق ]]ل و النفس ‪،‬والقومي ]]ة العربي ]]ة هي إميان أساس ]]ه‬
‫ش ]]عور داخلي ‪.‬إن األدب وس ]]يلة مالئم ]]ة للتعب ]]ري عن مش ]]اعر اإلنس ]]ان الداخلي ]]ة س ]]واًء أك ]]انت املش ]]اعر‬
‫متعلق ]]ة بإدراك ]]ه هلويت ]]ه و انتمائ ]]ه ‪ ،‬أو إدراك ]]ه للقيم العلي ]]ا ‪ .‬إن األديب كإنس ]]ان موه ]]وب جيتم ]]ع في ]]ه‬
‫ص ]]فاء ال ]]ذهن و عم ]]ق الش ]]عور و حساس ]]ية ال ]]روح ‪ ،‬يس ]]تطيع أن يع ]]رب بص ]]ورة أدق و أس ]]رع من الف ]]رد‬

‫‪ 1‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪. 3‬‬


‫‪ 2‬الدقاق ‪،‬عمر ‪ ،‬االتجاه القومي في الشعر العربي الحديث ‪،‬ص‪.5‬‬
‫‪ 3‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 6‬‬
‫‪ 4‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 5‬المرجع السابق ص ‪.60‬‬

‫‪5‬‬
‫االعتي ]]ادي ‪.‬ل ]]ذلك ك ]]ان األدب أق ]]رب الوس ]]ائل للتعب ]]ري عنه ]]ا ‪ ،‬و األديب جيد بأدب ]]ه أداة لإلفص ]]اح عن‬
‫مشاعره الداخلية‪ ،‬هذا فيما يتعلق بعالقة األديب بالشعور القومي‪. 1‬‬

‫القومية و الواقعية ‪:‬‬

‫إن القومي]]ة العربي]]ة حرك]]ة تارخيي]]ة ‪ ،‬اجت]]ازت يف أطواره]]ا الس]]ابقة مرحل]]ة املعرف]]ة عن طري]]ق اإلحس]]اس ‪،‬‬
‫ونقص]]د هبا مرحل]]ة تفتح ال]]وعي ‪،‬و يقظ]]ة ال]]روح ‪ ،‬وأهنا دخلت بع]]د ذل]]ك مرحل]]ة العق]]ل لتك]]ون نظري]]ة‬
‫توض]]ح بتحلي]]ل الواق]]ع الع]]ريب بتفاص]]يل اجملتم]]ع اجلدي]]د و وس]]ائل حتقيق]]ه ‪ .‬و لق]]د ك]]انت أوىل خط]]وات‬
‫املنهج ال ]]واقعي يف نظري ]]ة القومي ]]ة هي ص ]]ياغة أه ]]داف النهض ]]ة العربي ]]ة ‪،‬ف ]]إن اجتاه ال يك ]]ون واقعي] ]ًا إال‬
‫باالعتماد على العوامل اخليالية و االهنزامية على السواء ‪.2‬‬

‫فالواقعية احلديثة تقوم على التفاؤل التارخيي املبين على فهم القوانني يف التطور االجتم]]اعي و على معرف]]ة‬
‫دقيقة حبياة اجلماهري هذه ‪،‬إذًا أهم خصائص الواقعي]ة احلديث]ة ‪/‬إجيابي]ة ‪،‬تفاؤلي]ة تص]ور احلرك]ة املس]تمرة و‬
‫الكفاح بني الطبقات و اجلماعات و األفراد‪.3‬‬

‫عمر أبو ريشة ‪:‬‬

‫ولد عام ‪1910‬يف قضاء منبج يف مدينة حلب ‪.‬‬

‫‪ 1‬دور األدب في الوعي القومي ‪،‬ص ‪.31‬‬


‫‪ 2‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪،‬األدب و قيم الحياة المعاصرة ص ‪271‬‬
‫‪ 3‬عباس ‪ ،‬إحسان ‪ ،‬فن الشعر ‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪6‬‬
‫درس يف مدارس حلب االبتدائية ‪،‬مث انتقل إىل بريوت إلمتام دراسته الثانوي]ة يف اجلامع]]ة األمريكي]ة ‪ ،‬و يف‬
‫سنة ‪1930‬أرسله وال]]ده إىل مانشس]]رت لي]]درس ص]]ناعة النس]]يج ‪،‬لكن وراث]]ة الش]]عر أخذت]]ه من دراس]]ته‪.1‬‬
‫أهلته شجاعته و ما حتلى به من مواهب الظفر مبنصب رفيع ‪ ،‬فاختري وزيرًا مفوضًا للجمهورية الس]]ورية‬
‫يف الربازيل مث يف األرجنتني مث يف اهلن]د ‪.‬وه]]و ش]اعر نغل]ق ملهم ‪،‬وخطيب مف]ّو ه ‪،‬امت]از بالفص]]احة و ق]وة‬
‫اإللقاء ‪ ،‬و خصب اإلنتاج ‪،‬قوافيه طوع بنانه و هي كالزهور املعطرة تتأجج بالنضارة و العب]]ري و تنطل]]ق‬
‫على منت ال]]دهر ‪ ،‬لق]]د بل]]غ ال]]ذروة بقص]]ائده الوطني]]ة املش]]هورة و اس]]تنهض بش]]عره ع]]زائم القومي]]ة العربي]]ة‬
‫يغ]]ذيها مبعاني]]ه و نفثات]]ه امللتهب]]ة روح التض]]امن االجتم]]اعي‪.‬انطل]]ق من أغالل األس]]اليب ال]]يت ك]]انت تقي]]د‬
‫شعور الشعراء و عواطفهم بقيود املعاين الفارغة ‪.2‬‬

‫نشر عام ‪ 1948‬ديوانه الذي ضم الكثري من قصائد القومية والوطنية و الوجداني]]ة بعن]]وان (ش]]عر)‪ . 3‬و‬
‫من مث صدرت له دواوين عدة مثل ( خمتارات)و (عنيت يف مأمتي )‪.‬‬

‫انتق]]ل الش]]اعر إىل ج]]وار رب]]ه ‪15/7/1990‬م بع]]د أن أص]]يب جبلط]]ة دماغي]]ة مفاجئ]]ة ‪ ،‬نق]]ل جثمان]]ه من‬
‫الرياض إىل حلب حيث أحيت مراسم دفنه و أقيمت له مآمت التأبني و الرث]اء يف حلب و دمش]ق و لبن]ان‬
‫ضمن أجواء رمسية و شعبّية ‪.4‬‬

‫أوًال ‪ :‬المشاعر القومية‬

‫‪ -1‬االعتزاز بالماضي التليد ‪:‬‬

‫‪ 1‬برهم ‪ ،‬لطيفة إبراهيم ‪،‬اتجاهات الشعر الحديث في سورية ‪ ،‬ص‪. 235‬‬


‫‪ 2‬آل جندي‪ ،‬أدهم ‪،‬أعالم األدب و الفن ‪ ،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪ 3‬برهم ‪ ،‬لطيفة إبراهيم ‪،‬اتجاهات الشعر الحديث في سورية ‪ ،‬ص‪. 235‬‬
‫‪ 4‬الخير ‪ ،‬هاني ‪ ،‬عمر أبو ريشة قيثارة الخلود ‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪7‬‬
‫ملا كان لك]ل أم]ة عاداهتا و تقالي]دها ‪،‬و مقاييس]ها اخللقي]ة ‪ ،‬ومثله]ا العلي]ا ال]يت هي احلقيق]ة ط]ابع نفس]ي ‪،‬‬
‫مييزها و يصقلها شخصيتها املعنوية و يبلورها ‪،‬فقد تكونت لألم]]ة العربي]ة على م]]ر ال]زمن ه]]ذه املقوم]]ات‬
‫من الع ]]ادات و التقالي ]]د اجلدي ]]دة ‪،‬فعملت مبا تض ]]منه من تنش ]]يط الفك ]]ر على أن جتل ]]و الص ]]دأ عن ه ]]ذه‬
‫الشخص]]ية القومي]]ة ‪ ،‬فب]]دأت تت]]ذكر املاض]]ي ‪ ،‬ورجعت األم]]ة ت]]درجييًا لتتص]]ل اتص]]اًال حي ]ًا بتارخيه]]ا ح]]ىت‬
‫ينس]]اب إليه]]ا تراثه]]ا ال]]ذي ه]]و يف احلقيق]]ة ج]]زء من تك]]وين الشخص]]ية العربي]]ة املعنوي]]ة ‪.‬فه]]دف الوح]]دة‬
‫العربية ليس يف شكل فكري مستمد من الشعور التارخيي باالنتماء ألمة معينة ‪.1‬‬

‫إن من أك]ثر م]ا دأب علي]ه أب]و ريش]ه ه]و حديث]ه عن املاض]ي و الفخ]ر ب]ه ‪،‬م]ذكرًا باألجماد و االنتص]ارات‬
‫اليت حققها األجداد و اآلباء رافعني رايات النصر خفاقة مدوي]ة يف ش]ىت أرج]اء األم]ة العربي]ة من]ذ س]الف‬
‫األزمان ‪ ،‬و ال سيما تلك اليت سطرها التاريخ مقرونة بنشر اإلسالم حيث أظه]]ره اهلل ج]ّل يف عاله على‬
‫الناس أمجعني ‪.‬‬

‫وإنن ]]ا لنج ]]د يف قص ]]ائد أب ]]و ريش ]]ة روح ]ًا عربي ]ًة أبي ]]ة ‪ ،‬ت ]]أىب الظلم و اهلوان ‪ ،‬وتفيض ب ]]العنفوان م ]]ذكرة‬
‫باملاضي اجمليد‪: 2‬‬

‫صداها ذاك القريب النائي‬ ‫أمنت ريشـة الغنـاء فما زال‬

‫وتٌر صيغ من سنا الصحراء!‬ ‫بني تلك األوتـار يف عامليهـا‬

‫و ناداهـم خبيـر نـداء!‬ ‫غمر العرب سحره الفاتن البكر‬

‫و فيه من بسـمة العليـاء‬ ‫فيه من غضبه اإلباء على الضيم‬

‫يف سخاٍء حماجـر البؤسـاء‬ ‫حيبس الدمعـة اليت سكبتهـا‬

‫فإذا الشـعر مستفـز األداء‬ ‫صقلتـه أنامـل املتنبــي‬

‫و عيناه ف ذرا اجلوزاء‬ ‫فتهادى خيتال يف ظلمة األرض‬

‫للغـارة الشــعراء !‬ ‫عزٌة تدفع اجلبان إىل الثأر فيمضي‬

‫كسيحًا يف زمحة األنواء!‬ ‫و طموح جمنح يرتك النسر‬

‫‪ 1‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪،‬األدب و قيم الحياة المعاصرة ص‪.273-272‬‬


‫‪ 2‬ديوان عمر أبو ريشة ‪ ،‬ص ‪. 588 -586‬‬

‫‪8‬‬
‫فالشاعر خيط بأنامله أبياتًا استوحى موض]وعها من ص]ميم الواق]ع ال]ذي ينبض بالكربي]اء األيب ‪ ،‬و التطل]ع‬
‫إىل أجماد املاض ]]ي ‪ ،‬جيس ]]د معان ]]اة األم ]]ة و يقارهنا مبج ]]دها الع ]]ابر ‪ ،‬ذل ]]ك اجملد ال ]]ذي من ش ]]أنه أن يبعث‬
‫روح النضال لننهض إىل ذرا العلياء ‪.‬‬

‫و يدعم الشاعر هدفه القومي بأن جيعل الصيحة اليت يطلعها نابعة من قلب الصحراء العربية ‪ ،‬لتالمس‬
‫بنداها آذان األمة العربية ‪ ،‬فتثو األخالق األبية مسطرة حزن البؤساء و تطلع األجيال إىل ذرا اجلوزاء‬
‫‪،‬ولن يكون ذلك إال بثورة شعراء متأل األجواء ‪ ،‬و تبعث الرجاء على أكف العظماء ‪ ،‬الذين يرفعون‬
‫الظلم و البأساء و ينشرون احلرية بعد شقاء ‪.‬‬

‫و يقول يف نفس املضمار‪:1‬‬

‫هي و العال من توأم‬ ‫أنا من بقايـا أمـة‬

‫القطر باحلقل الظمي‬ ‫مرت على الدنيا مرور‬

‫سفـاه األجنـم !‬ ‫و تناقلت آيات رمحتها‬

‫عهد ربيعك املتصرم‬ ‫ردت إىل مغنــاك‬

‫نثري ذاك املوسـم‬ ‫فإذا مشمت الطيب فهو‬

‫جع]]ل الش]]اعر أمت]]ه زائل]]ة األث]]ر فه]]و من بقاياه]]ا ‪ ،‬أي مل يع]]د لتل]]ك األم]]ة جمدها ال]]ذي ك]]ان و ال]]ذي غم]]ر‬
‫األرض بنداته حني بلغ عنان السماء مبس]عاه ‪ ،‬و جند الفخ]ر و االع]تزاز مقرون]ًا بكلم]ات تع]رب عن الرفع]ة‬
‫فجع ]]ل العال ق ]]رين األم ]]ة ب ]]ل توأم ]ًا هلا ‪ ،‬و ف ]]اض احلديث عن أخالقه ]]ا ح ]]ىت بل ]]غ ش ]]فاه األجنم ‪ ،‬قاص ]]دًا‬
‫بالنجم بعده و عظيم شأنه‬

‫في]]أىب الش]]اعر إال أن جيع]]ل األم]]ة العربي]]ة قرين]]ة العلي]]اء ‪ ،‬وض]]اءة الّس ناء ‪،‬ح ]ّق هلا أن ترف]]ع اهلام على ك]]ل‬
‫األنام‪: 2‬‬

‫متواضٍع و يغض جفن تفاخر‬ ‫يا مطرقـًا يصغي خبشعة راهـب‬

‫ذيل الشموخ و فوق كل مكابر‬ ‫ما زل تسح فوق كل معانـٍد‬


‫ُب‬ ‫َت‬
‫‪ 1‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.588-586‬‬
‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 123 -122‬‬

‫‪9‬‬
‫وكسوا دياجري الورى ‪،‬مبنائـر‬ ‫أولست ؟من نسل اُألىل‪،‬نسلوا العال‬

‫للفتح صهوة كل مهر ضامـر‬ ‫و تطلعوا صوب الشموس و أسرجوا‬

‫وعلى خدود النجم وشم احلوافر!‬ ‫ومضـوا إىل غايـاهتم ‪،‬مث انثنـوا‬

‫فأبن ]]اء ه ]]ذه األم ]]ة ذووا ع ]ٍّز ‪،‬ق ]]ادوا الفتوح ]]ات و نش ]]روا ال ]]دين ‪،‬فأخض ]]عوا املل ]]وك ‪ ،‬وأرهب ]]وا الش ]]عوب‬
‫‪،‬ولكن بأخالقهم و نبل صفاهتم ‪.‬‬

‫إذ خياطب أب]و ريش]ة اإلنس]ان الع]ريب ‪،‬جمس]دًا من خالل ص]فات األج]داد ‪ ،‬تكلل]ه الرهب]ة والتف]اخر مزين]ة‬
‫بالتواضع ‪،‬مشريًا إىل ما تركه من آثار تعرب عن جمد ساقه فوق كل جب]ار عني]د ‪ ،‬ليلتفت إىل األم]ة مجع]اء‬
‫‪ ،‬و ال]يت س]طرت تارخيه]ا بك]ل فخ]ر و إب]اء ‪ ،‬مع]ربًا عن ذل]ك أمجل تعب]ري ‪ ،‬ب]أن جع]ل الع]رب ممن تطلع]وا‬
‫إىل أهدافهم فبلغوها تاركني آثارهم ليس على الثرى فقط بل على هام الثريا ‪.‬‬

‫على أننا جند اجملد يعتز هبذه األمة ‪ ،‬و حسبه فخرًا أن يكون مقرونًا هبا فيقول ‪:1‬‬

‫أن أرى اجملد انثىن يعتز يب‬ ‫يا عروس اجملد حسيب عزة‬

‫كل قفٍر مرتام جمـدب‬ ‫أنا لواله ملـا طّو فت يف‬

‫هّز أعطاف اجلهاد األشيب‬ ‫رّب حلٍن سال عن قيثاريت‬

‫كل مـا أهلمتين من أدب‬ ‫لبالدي و لرّو اد السنـا‬

‫يع]]تز الش]]اعر بنفس]]ه و أدب]]ه الل]]ذين كرس]]هما لوطن]]ه و جمد أمت]]ه ال]]ذي اس]]توحاه من قفاره]]ا و مغانيه]]ا ‪،‬‬
‫واثقًا من صدى أشعاره اليت تبث روح اجلهاد بعد مجود و إحجام ليأيت اإلهلام ‪،‬معربًا عن فخ]]ر ش]]عب و‬
‫جمد وطن ‪ ،‬بأمجل أدب ألمسى هدف ‪.‬‬

‫لتته]]اوى آي]]ات الفخ]]ار ‪ ،‬و تنقض]]ي غيم]]ة ع ]ٍّز دام خالهلا ربي]]ع الف]]ؤاد ‪ ،‬ليلتهم ق]]ط ال]]ذل ربوعه]]ا ‪ ،‬ف]]وا‬
‫عجبًا هلذا الزمن ‪!2‬‬

‫هل من ضماد يرّد اجلرح ملتئمـا‬ ‫و يا جنيعًا على التذكار منسربًا‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.449 -448‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.490-489‬‬

‫‪10‬‬
‫مل تلق من حوهلا إال الذي هدمـا‬ ‫تلك الربوع اليت نام الفخار هبا‬

‫و الذل حمتكمـا و العز منهرمـا‬ ‫هنفو إليها فيبدو البغي حمتدمًا‬

‫لو استطاعت ألهوت فوقهم رمجـا‬ ‫و للعلوج على أنقاضها سرٌر‬

‫و سّل من درهبم أحداثه احلطمـا‬ ‫أرخى الزمان إليهم من أعنته‬

‫يعرض أبو ريشة هذه األبيات بأسلوب جديد ‪ ،‬فهو يذكر باملاضي من خالل احلاض]]ر و يع]]تز ب]]ه مس]]لمًا‬
‫بانقضائه و ارحتاله عن أرٍض سادها الذل و تكالب عليها العدو‪.‬‬

‫من هن]]ا ن]]رى أن الوح]]دة القومي]]ة لألم]]ة العربي]]ة يغ]]ذيها ت]]راث مش]]رتك من القيم الروحي]]ة واألخالقي]]ة ال]]يت‬
‫اقرتنت بالنهضة العربية ‪،‬تلك القيم ال]يت تش]كل ع]امًال روحي]ًا موح]دًا لألم]]ة العربي]ة ‪ ،‬فرتاثن]ا احلض]]اري ‪،‬‬
‫و األخالق ال] ]]يت كرس] ]]ها اإلس] ]]الم ‪،‬و القيم ال] ]]يت ورثناه] ]]ا من] ]]ذ أق] ]]دم العص] ]]ور ‪ ،‬هي من أق] ]]دم الرواب ]]ط‬
‫املش]]رتكة لألم ]]ة العربي]]ة ‪ ،‬و تش]]كل م ]]ادة واس]]عة و غني]]ة يس]]تطيع األدب أن يتناوهلا و يش]]رح معانيه ]]ا و‬
‫يقدمها للجماهري بقوالب مفهومة و أسلوب ينبه فيها امليول لتلك القيم واملثل العليا‪. 1‬‬

‫كم]]ا أن الثقاف]]ة العربي]]ة ق]]د غ]]ذت أدبن]]ا احلديث ‪ ،‬فك]]انت النهض]]ة القومي]]ة من أهم العوام]]ل ال]]يت جعلت‬
‫الشعر و النثر قويًا عمالقًا ‪،‬استعادت به اللغة العربية سابق رونقها و هبائها أيام عصرها الذهيب يف عه]د‬
‫العباسيني ‪ ،‬بل أربت على ذلك إذ عرفت ألوانًا من األدب مل يتذوقها ‪.2‬‬

‫‪ -2‬النزوع إلى الماضي و التحسر عليه ‪:‬‬

‫فيم]]ا س]]بق من األبي]]ات جند الش]]اعر يتوج]]ه إىل ماض]]ي األم]]ة ‪ ،‬إلحي]]اء أجماده]]ا و التغ]]ين بانتص]]اراهتا‬
‫ليس تأرخيًا إمنا ت]]ذكريًا و اع]]تزازًا ‪ ،‬ألردفه]]ا بأش]]عار تق]]وم على مقارن]]ة ه]]ذا املاض]]ي حباض]]ر األم]]ة و‬
‫مآهلا و التحس ]]ر علي ]]ه ‪،‬كي ]]ف ك ]]ان الع ]]رب ساس ]]ة الش ]]عوب ح ]]ىت إذا دبت فيهم الفرق ]]ة و اخلالق ‪،‬‬
‫احتلت األرض و انتهكت احلرمات ‪.‬‬

‫يقول أبو ريشة متحسرًا على املاضي‪: 3‬‬

‫‪ 1‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬


‫‪ 2‬الدسوقي ‪،‬عمر‪ ،‬في األدب الحديث ‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ 3‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 8-7‬‬

‫‪11‬‬
‫منٌرب للسيف أو للقلــم‬ ‫أميت ‪،‬هل لك بني األمم‬

‫خجًال من أمسك املنصرم‬ ‫أتلقاك و طريف مطـرٌق‬

‫ببقايـا كربيـاء األلـم !‬ ‫و يكاد الدمع يهمي عابثًا‬

‫وتري كل يتيـم النعـم‬ ‫أين دنياك اليت أوحت إىل‬

‫ملعب العز و مغىن الشمم‬ ‫كم ختطيت على أصدائه‬

‫مئزري فوق جباه األجنم‬ ‫و هتاديت كأين سحاب‬

‫تضج ه]ذه األبي]ات ب]روح األس]ى ‪ ،‬فبع]د أن ك]انت الص]دارة لألم]ة العربي]ة ق]وة عس]كرية وعلمي]ة فق]دت‬
‫ه]]ذا ال]]دور ‪ ،‬و م]]ع ذل]]ك فهي ال ت]]زال ملهم]]ة الش]]اعر ومنب]]ع ش]]اعريته ‪ ،‬ف]]نراه يطأط]]أ رأس]]ه أس]]فًا على‬
‫كربياء زال ‪ ،‬و هل للدموع أن تشفي جراحًا باتت تطعن الضمري العريب ‪.‬‬

‫لقد أحس الشعراء يف الوطن العريب بعمق النكبة ‪ ،‬و باألفق املدهلم ال]ذي أخ]ذ ينتش]ر يف ال]وطن الع]ريب ‪،‬‬
‫و يلقي بغاللت]]ه الس]]وداء على النف]]وس العربي]]ة ال]]يت متلكه]]ا الي]]أس و القن]]وط ‪ ،‬فتن]]اولوا موض]]وع فلس]]طني‬
‫الدامي]]ة ‪،‬و ق]]د نعى أب]]و ريش]]ة على األم]]ة العربي]]ة أن ترض]]ى حبك]]ام ال يتوان]]ون عن تق]]دمي ج]]زء من وطنهم‬
‫لقمة سائغة ألعداء الوطن يف قصيدته (أميت)‪: 1‬‬

‫حنقت جنوى عالك يف فمي‬ ‫أمتـي ! كم غصة داميـة‬

‫فاته اآلسي ‪ ،‬فلم يلتئـم‬ ‫أي جرح يف إبائي راعف‬

‫يف محى املهد و ظل احلرم‬ ‫أال سرائيل تعلـو رايـة‬

‫تنقضي عنك غبار الُّتهـم‬ ‫كيف أغضيت على الذّل ومل‬

‫موجة من هلب أو من دم‬ ‫أوما كنت إذا البغي اعتدى‬

‫يشتف الثأر ومل تنتقمـي‬ ‫فيم أقدمت ؟و أحجمت ومل‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ص ‪. 9-8‬‬

‫‪12‬‬
‫يف هذه األبيات تتجلى صورة األمة بعد احنطاطها و رضاها بالذل و اهلوان ‪ ،‬حىت إن الشاعر ع]]اجٌز عن‬
‫وص]]فها فيعاتبه]]ا على م]]ا آل إلي]]ه حاهلا من رض]]ا الض]]يم ‪ ،‬و ال خيفي عظيم األس]]ى يف نفس]]ه كم]]ا جند يف‬
‫قوله (جرح راعٌف ال يلتئم ) ‪ ،‬مث يساوي بني ال]ديانات يف قول]ه ( يف محى امله]د ‪ ،‬و ظ]]ل احلرم) ‪ ،‬لت]ربز‬
‫مجالية الطباق يف ( اإلقدام واإلحجام ) أما النزعة القومية فتتجلى يف الشاهدين السابقني يف قول]]ه (أم]]يت)‬
‫مع إسقاط أداة النداء ‪.‬‬

‫لتعلو أنفاس الشاعر نفحة من التفاؤل هبذا املاضي ‪ ،‬و انبثاق األمل اجلديد بعودة املاضي التليد‪: 1‬‬

‫فالسيف أكرم منه إن كساه دمـا‬ ‫و احللم إن مل يعر املرء من درن‬

‫كتائب اهلل ترعى البيت و احلرمـا‬ ‫فأرسل الصرخة الزهراء فانطلقت‬

‫و ال هوى معول إال رمى صنمـا‬ ‫فما هوى صارم إال رمى عنقًا‬

‫مؤذن مل يدع يف مسمع صممـا‬ ‫و ال بدت سنة إال تسنمها‬

‫و ثاب من مل يكن يف اهلل معتصما‬ ‫فتاب من مل يكن يف اهلل معتقدًا‬

‫فه ]]ؤالء األف]]ذاذ تطلع ]]وا فبلغ ]]وا ‪ ،‬و أق]]دموا فغلب]]وا ‪ ،‬فلم]]ا انقض ]]ى الص ]]رب و انكف ]]أ احللم الحت الس]]يوف‬
‫بربيقها تنشر العدل و احلق و تغمر األرض بنور الدعوة ‪.‬‬

‫و يس]]جل أب]]و ريش]]ة األح]]داث ال]]يت ج]]رت يف فتح مك]]ة حيث رفعت راي]]ة اإلس]]الم و ج]]اء نص]]ر اهلل و‬
‫الفتح ‪ ،‬ودخلت العرب يف دين اهلل أفواجا ‪:2‬‬

‫جتلو بإمياهنا عن دينها التهمــا‬ ‫فأقبلت سروات العرب خاشعًة‬

‫و اخليل تعلك يف أشداقه اللجمـا‬ ‫و حتمل الشهب يف راحاهتا قضبًا‬

‫ترد كـل فم للمجـد مبتسمـا‬ ‫وأمحـد يتلقـاها و بسمتـه‬

‫مل تبق يف الشرك ال عربًا و ال عجما‬ ‫و الفتح يغمزها حىت إذا وثبت‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.487 -486‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.488-487‬‬

‫‪13‬‬
‫تص ]]ف األبي ]]ات انتص ]]ارات الع ]]رب و أجمادهم ‪ ،‬فغم ]]رت فرح ]]ة املص ]]طفى ص ]]لى اهلل علي ]]ه و س ]]لم أمت ]]ه‬
‫‪،‬ليع ]]ود الش ]]اعر ب ]]الروح القومي ]]ة إىل ذروة األجماد العربي ]]ة ‪ ،‬و ال ]]يت وثبت على الظلم و أبت الض ]]يم ‪ ،‬و‬
‫بلغت ذرا العلياء بصدور تفيض باإلباء ‪.‬‬

‫يقول عبد القاهر اجلرجاين ‪ ":‬إن كان افتخارًا كان من شأوه أبعد ‪ ،‬و شرفه أجد ‪ ،‬و لسانه ألد "‪.1‬‬

‫مث يتابع وصفه هلذا األحداث‪: 2‬‬

‫ألعدل ما شادها‪،‬و احلق ما دعما‬ ‫فاّز ينت بالبناة الُز هر ‪ ،‬مملكـٌة‬

‫و هزت الشمس عن هاماهتم عمما‬ ‫كما طوقت شيع الدنيا بكعبتها‬

‫فيا ليايل ادفقي من بعدها ظلمـا‬ ‫نعمى أضاءت على األيام و انطفأت‬

‫أعطيته من بقايـا اإلرث ما عظما‬ ‫ويا جدودًا غواها الزهو و افتتنت‬

‫فما رعيت هلا عهـدًا وال ذممـا‬ ‫والك أمحـد من آياته ُس ننـًا‬

‫لو مل جيع فوق هنديها ملـا فطمـا‬ ‫اجملد يف النفس ال يشفى له هنٌم‬

‫تنبض هذه األبيات بالروح الدينية ممزوجة بالنزعة القومية ‪ ،‬هذا ال]دين ال]ذي وح]د الش]عوب حتت لوائ]ه‬
‫و ساوى بني مجيع رعاته ‪،‬و رفع األمة العربية من حضيض اجلاهلية إىل قمم األخالق السنية ‪.‬‬

‫نلمح يف هذه األبيات كثرة اس]تخدام الطب]اق الستحض]ار املع]ىن من خالل التض]اد ال]ذي يق]رب املع]ىن يف‬
‫نفس القارئ و يدعم حجة الشاعر كما يف قوله ( عربا و عجما ‪ ،‬أضاءت و انطفأت )‪.‬‬

‫على أن اللغ]]ة التص]]ويرية ليس]]ت ك]]ل م]]ا نالحظ]]ه يف ش]]عر أيب ريش]]ة ‪ ،‬إذ نالح]]ظ أن]]ه يع]]رف كي]]ف حيي]]ل‬
‫احلقائق التارخيية إىل صور مثرية ‪ ،‬يؤثر هبا يف عواطفنا و مشاعرنا إذ يعرف كي]]ف جيوب الت]]اريخ ‪ ،‬كم]]ا‬
‫يعرف كيف جيوب حقائق عصره ‪.3‬‬

‫‪ -3‬التغني بربوع الوطن ‪:‬‬

‫‪ 1‬الجرجاني ‪،‬عبد القاهر ‪ ،‬أسرار البالغة في علم البيان ‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 489 -488‬‬
‫‪ 3‬ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬دراسات في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬

‫‪14‬‬
‫كيف ال يشعر الع]ريب بعروبت]ه ال]يت حيم]ل هويته]ا ‪ ،‬فهي األرض ال]يت يس]كنها ‪ ،‬واهلواء ال]ذي يعيش ب]ه ‪،‬‬
‫و العقيدة ال]يت رض]ع لباهنا من]ذ نعوم]ة أظف]اره ‪ ،‬أليس]ت ه]ذه العروب]ة هي الق]در ‪......‬ق]در األم]ة العربي]ة‬
‫يف احلياة الفاضلة اليت تغىن هبا الشعراء منذ أن وجدت هذه األمة ‪1.....‬؟‬

‫فبع]]د اإلش]]ادة باألجماد و حماك]]اة األج]]داد يلتفت الش]]اعر إىل رب]]وع البالد ‪ ،‬يتغ]]ىن مبا فيه]]ا من س]]هول و‬
‫جبال و أودية وأهنار‪: 2‬‬

‫مجـاًال و جـالال‬ ‫رِّب طّو قَت مغانينا‬

‫ميينـًا و مشــاال‬ ‫ونثرَت اخلري فيهّن‬

‫صليب ـًا و هـالال!‬ ‫و جتّليت عليهـّن‬

‫الدنيا ‪ ،‬عبريًا و ظالال‬ ‫رِّب هذي جنـة‬

‫فجع]]ل بالده يغمره]]ا اجلم]]ال و الع]]زة و اخلري و الربك]]ة ‪ ،‬فكأهنا جن]ة اهلل يف أرض]]ه ‪ ،‬لرمحة اهلل و م]]ا أنزل]ه‬
‫فيها من نعم وخريات ‪ ،‬إذ يرتاءى للشاعر جالل اإلله جل يف عاله يف هذه الروايب ال]يت يغمره]]ا مجال ال‬
‫يعرف حدًا و ال ينقضي أبدًا ‪.‬‬

‫مث يقول‪: 3‬‬

‫عن العّز احتيـاال‬ ‫وجراح الذل خنفيها‬

‫و مّو جهـا رماال‬ ‫رّدها قفراء إن شئت‬

‫إذ أعطت رجاال !!‬ ‫حنن هنواها على اجلدب‬

‫على الرغم من تفاخره بربوع بالده يف األبيات اُألول ‪ ،‬جنده يف هذه األبي]]ات يتخلى عن ه]]ذا اجلم]]ال و‬
‫البه ]]اء ‪ ،‬على أن تق ]]دم ه ]]ذه األرض رج ]]اًال حيموهنا ‪ ،‬و يص ]]ونون كرامته ]]ا ‪ ،‬فخ] ]ٌري لإلنس ]]ان أن يعيش‬
‫مكرمًا مرفوع الرأس مع شظف العيش و قسوته ‪ ،‬على أن ينعم باخلريات و هو مذٌل مهان ‪.‬‬

‫‪ 1‬الخوص ‪ ،‬أحمد ‪ :‬نظرات في األدب العربي ‪ ،‬الحديث ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.13-12‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪15‬‬
‫و هذه األبي]ات تع]رب عن ش]عر الواقعي]ة مبا فيه]ا من تراب]ط معن]وي بني الش]اعر و احلي]اة املعيش]ة ‪ ،‬مبختل]ف‬
‫جوانبه الساسية و االجتماعية و اإلنسانية ‪ ،‬حيث إن الشاعر الطليعي امللتزم ال يفصل بني هذه اجلوانب‬
‫‪ ،‬و ه]]و يناض]]ل من أج]]ل حري]]ة اإلنس]]ان ففي ه]]ذا الش]]عر أمثل]]ة حي]]ة على املب]]ادئ الس]]امية ال]]يت دع]]ا إليه]]ا‬
‫الشعر الواقعي اجلديد‪. 1‬‬

‫و يقول متغنيًا حبب بالده‪: 2‬‬

‫أهيم بأرجائك املقفــره‬ ‫أيف هذه الليلة املقمرة‬

‫إليك فأحببت أن أنكـره‬ ‫عرفت الذهول الذي قادين‬

‫سواك ! مواسية خّيــره‬ ‫لك اخلري يا روضيت! مل أجد‬

‫اهلواجس كالسحب املمطره‬ ‫أتيت ألنسى ‪...‬فمايل ال أرى‬

‫على ذيل يقظتك املبكـره‬ ‫أال أين عرس اجلمال السين‬

‫وللجّو تسبيحــة القربه !‬ ‫و للغصن ترنيمة العندليب‬

‫ي ]]دخل الش ]]اعر يف ه ]]ذا الش ]]اهد بتفاص ]]يل أك ]]ثر دق ]]ة ‪،‬فبالده روض ]]ة تس ]]رح فيه ]]ا روح ]]ه و مترح فيه ]]ا‬
‫هواجس]]ه ال]]يت تول]]د أفك]]اره أفك]]ار النهض]]ة و اليقظ]]ة يف ظ]]ل أنغ]]ام العن]]دليب والق]]ربة ‪ ،‬ون]]رى أب]]ا ريش]]ة‬
‫متميزًا عن غريه ‪ ،‬فهو ذاهل عارف منك]ر ‪ ،‬ال ملج]أ ل]ه س]وى بالده ال]يت حتتض]نه كي ينس]ى م]ا قاس]اه ‪،‬‬
‫و لكن هيهات هيهات فال هدأة للبال إال بعد ثورة جتلو عن الوطن غياهب االستعمار و االستبداد ‪.‬‬

‫إن األديب يف عمله األديب يعرب عن هواجس]ه الداخلي]ة ‪ ،‬و م]ا ي]دور أو يتم]ون يف ذهن]ه من أفك]ار ‪ ،‬ف]إن‬
‫كان شعوره ال]داخلي ق]د نض]ج لدرج]ة إدراك ال]وعي الق]ومي ‪،‬ف]إن ذل]ك ال]ذي تك]ون يف داخل]ه س]رعان‬
‫م]]ا يك]]ون حمرك]ًا إلنت]]اج أديب يف ه]]ذا االجتاه ‪ ،‬إذا ك]]ان األديب م]]دركًا للقيم]]ة العلي]]ا ال]]يت ينط]]وي عليه]]ا‬
‫الش]]عور الق]]ومي ‪ ،‬و إذا ك]]ان ق]]د تزص]]ل ل]]ذلك شخص]]يًا ‪ ،‬و تف]]اعلت ه]]ذه الفك]]رة يف داخل]]ه ‪ ،‬و نض]]ج‬
‫ذلك اإلحساس عرب عن ذلك تلقائيًا يف إنتاجه األديب‪. 3‬‬

‫‪ 1‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪. 62‬‬
‫‪ 2‬الديوان ‪ :‬ص ‪. 175-174‬‬
‫‪ 3‬دور األدب ‪ ،‬في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪16‬‬
‫و هذا ما وجدته عند أيب ريشة ‪ ،‬إذ يسري مع قضيته و يعرب عنها قلبًا و قالب]ًا ‪ ،‬لت]أيت ك]ل كلم]ة حتم]ل يف‬
‫طياهتا جتربة شعرية ‪ ،‬و قضية إنسانية ومسألة قومية ‪ .‬شغالت ذهن الشاعر فصبها بقوالب أدبية ‪ ،‬ك]]ان‬
‫هلا أث]]ر يف حاض]]ر األم]]ة العربي]]ة و رص]]يد أدهبا احلديث ال]]ذي أع]]اد الغغ]]ة رونقه]]ا و مسا هبا إىل أه]]داف مل‬
‫تكن قد صيغت من قبل ‪.‬‬

‫‪ -4‬المطامح و اآلالم المشتركة ‪:‬‬

‫و لعل أبرز ما يندرج حتت عن]وان املش]اعر القومي]ة هي وح]دة األم و األم]ل ‪ ،‬فيت]أمل الش]اعر جلراح بالده‬
‫و ع ]]زاء إخوان ]]ه ‪ ،‬لتفيض العني دمع ]ًا و القلب دم ]ًا ‪ ،‬و تعل ]]وه زف ]]رات األس ]]ى ال ]]يت تع ]]رب ك ]]ل التعب ]]ري عن‬
‫مأساة األمة اليت عانت من االحتالل و االضطهاد ‪ ،‬لتجيء ممزوجة بروح األمل الذي ينبث]]ق من س]]واعد‬
‫الشباب ذوي األلباب ‪ ،‬فتسرتجع األمة حقها املهضوم و ختفق رايات العدل من جديد ‪.‬‬

‫على أن ترجي] ]]ع الص] ]]دى و التج] ]]اوب جيب أال يقتص] ]]ر على النكب] ]]ات و احملن ‪ ،‬ب] ]]ل جيب أن يك] ]]ون يف‬
‫االنتص]]ارات و األف]]راح أيض]ًا ‪ ،‬إن جتاوب االدب م]]ع ذل]]ك ‪ ،‬و حتويل]]ه ملادة لإلنت]]اج من ش]]انه أن يق]]وي‬
‫الش ]]عور بالوح ]]دة و بالرابط ]]ة القومي ]]ة ‪ ،‬و ينعش الوض ]]ع النفس ]]ي املتالئم م ]]ع الق ]]رىب و االنتم ]]اء الواح ]]د‬
‫واملصري املشرتك و يضعف الشعور اإلقليمي‪ ، 1‬يقول أبو ريشة‪: 2‬‬

‫ليدي تشّد على مجوٍح نافِر‬ ‫ما للهدير على اهلديل طغى و ما‬

‫يا ملء أبصار هلم و بصائِر‬ ‫طال انتظار أحبيت و متلملوا‬

‫أهوائه و أتاك مسع اخلاطِر‬ ‫فاطلع عليهم إن دهرك تاب عن‬

‫من جمد أقالم وعّز منابِر‬ ‫يكفيك أن تلقاه يطلع دولًة‬

‫شلوًا جتّر ره جباه جبائِر‬ ‫وترى الضالل على سنا أعتاهبا‬

‫جيمع الش]اعر يف ه]ذه األبي]ات بني املع]ىن اجلمي]ل و األس]لوب الرص]ني وروع]ة الب]ديع كم]ا يف ( اهلدير و‬
‫اهلديل ‪ ،‬أبص ]]ار و بص ]]ائر) ‪ ،‬فهم ]]ا س ]]رمد اللي ]]ل وأحل ]]ك يف ظلمت ]]ه ف ]]الفجر آٍت ال حمال ]]ة ‪ ،‬كم ]]ا جتس ]]د‬
‫األبيات األمل الصاعد بعودة العز واجملد الذي طال انتظاره ‪.‬‬

‫‪ 1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.50-49‬‬

‫‪17‬‬
‫و لع]]ل ه]]ذه األبي]]ات جتس]]د بوض]]وح م]]ا قال]]ه بليخ]]انوف ‪ ":‬ومهم]]ا يكن من أم]]ر فمن املمكن الق]]ول ب]]أن‬
‫كفاءة كل فنان حقيقي تقوى كثريًا إذا داخلتها األفك]ار التحرري]ة الس]ائدة يف عص]]ره ‪ ،‬ش]ريطة أن تنف]]ذ‬
‫هذه األفكار إىل حلمه و دمه وأن يستطع التعبري عنها كفنان حقيقي‪." 1‬‬

‫يف هذا الب]اب نق]ف عن]د أك]ثر األبي]ات رق]ة و ش]اعرية ‪ ،‬حيث جند فيه]ا تنه]د الش]اعر وآهات]ه ‪ ،‬و فيض‬
‫مش ]]اعره و أنات ]]ه ‪ ،‬لته ]]دأ معه ]]ا وت ]]رية النغم و ي ]]رق ال ]]وزن ‪ ،‬و يص ]]فو ال ]]ذهن ‪ ،‬ليع ]]ايش الق ]]ارئ أبي ]]ات‬
‫الشاعر ‪ ،‬و يرى يف قضية األمة بلوغ القمة ولو على دماء األحبة‪: 2‬‬

‫يف الدروب املقيده‬ ‫رِّب ضاقت مالعيب‬

‫و أماٍن مشـرده‬ ‫أنا عمٌر خمّض ٌب‬

‫من زماين متـرده‬ ‫رِّب ما زلت ضاربًا‬

‫بني جفين مقصده‬ ‫صغر اليأس لن يرى‬

‫وجراحي مضمده‬ ‫بسمايت سخيٌة‬

‫إن األديب إذا آمن بالقومي ]]ة العربي ]]ة ‪ ،‬سيش ]]عر حتم] ]ًا بآالمه ]]ا و آماهلا ‪ ،‬ملا ل ]]ه من إحس ]]اس مره ]]ف و‬
‫عاطفة مشبوبة ‪ ،‬س]يجد بطبيع]ة احلال أحس]ن الوس]ائل إلظه]ار ش]عوره ه]ذا يف إنتاج]ه األديب ‪ ،‬مبا ل]ه من‬
‫س ]]عة اخلي ]]ال و ق ]]وة التعب ]]ري فأس ]]تطيع أن أق ]]ول ‪:‬إن األديب الوط ]]ين الق ]]ومي ‪ ،‬يتوج ]]ه حنو خدم ]]ة القومي ]]ة‬
‫العربية بدافع من شعوره الذايت ‪.‬‬

‫يتحول الشاعر من مناجاة نفسه إىل خماطبة شعبه فيقول ‪:3‬‬

‫و ال تطل فيه نواحْك‬ ‫يا شعب ال تشك الشقـاء‬

‫لضمدنـا جراحـك‬ ‫لو مل تكن بيديك جمروحًا‬

‫و ارتقنب هبم صالحك‬ ‫أنت انتقيت رجل أمـرك‬

‫خسيس دنياهم وشاحك‬ ‫فإذا هبم يرفـون فـوق‬

‫‪ 1‬سركيس ‪،‬إحسان ‪،‬األدب و الدولة ‪ ،‬ص ‪.107‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.32-31‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.97 -96‬‬

‫‪18‬‬
‫واستقوا برضاك راحك‬ ‫كم مرٍة خفروا عهـودك‬

‫و تعطيهـم سالحـك‬ ‫أيسيل صدرك من جراحتهم‬

‫يتوج]ه الش]اعر ب]اللوم على الش]عب ال]ذي س]كت عن حق]]ه ‪ ،‬و يه]]اجم الق]]واد و أص]]حاب الس]لطة ال]ذين‬
‫باعوا دينهم بدنياهم‪ ،‬فإذا ك]ان ال]داء فين]ا ف]أىّن لن]ا ب]دواء يش]في س]قم حالن]ا ‪ ،‬و ه]ؤالء احلك]ام ال يفت]ؤن‬
‫يدمرون بسياستهم وطنًا سلمهم خرياته ومصري شعبه ‪.‬‬

‫و قد وجب على الفئة املثقفة الواعية أن تنظر إىل الوضع القومي بتف]]اؤل و ثق]]ة ‪ ،‬و تعم]]ل على توض]]يحه‬
‫للشعب ‪ ،‬و استغالل كل ما به من إمكانيات تطورية ‪ ،‬ومحايته من أمواج الواقع الفاسد الذي احمليط به‬
‫‪ ،‬وأن جتعل من ذلك املقياس احلكم على صالح أو فساد احلكومات ‪.1‬‬

‫مث يصري الشعور إىل تذبذب بني األمل و اليأس ‪،‬بني احلياة واملوت ‪ ،‬بني الث]ورة و اخلن]وع ‪،‬وك]ل ه]ذا ال‬
‫جيدي ل]دى الش]اعر بع]د عم]رًا قض]اه ب]التمين فغادرت]ه األحالم كغيم]ة ربي]ع س]قته بعض القط]رات ‪ ،‬و م]ا‬
‫لبثت أن تبددت يف مساء اليأس ‪ .‬فيقول خماطبًا الدنيا ‪:2‬‬

‫واشفي غليلك واطمئين‬ ‫سريي كما شاء التجين‬

‫أبقيت لألحـالم مين‬ ‫ما أنِت يا دنيا و ما‬

‫و أطويهـا متين!‬ ‫نطوين باإلغراء أيامي‬

‫السمار عن كأسي وديّن‬ ‫أنا يف نديك أسأل‬

‫وكم فًىت بعدي يغيّن‬ ‫غنيت حبك وانتشيت‬

‫إذا تفتح عنـه جفين!‬ ‫وا صيحة احللم األخري‬

‫يع]]رب أب]]و ريش]]ة يف ه]]ذه األبي]]ات عن ح]]زن وأمل يكاب]]ده كأن]]ه وحي]]د في]]ه يع]]اتب دني]]اه ال]]يت ال ي]]رى فيه]]ا‬
‫سوى وعود كاذبة تقتل أمانيه ‪ ،‬على أن سبيله للخالص هو التغين حبب الوطن و شرب دنان اخلمر ‪.‬‬

‫‪ 1‬األدب و قيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬العشماوي محمد زكي ‪ ،‬ص ‪. 275‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪.194 -193 ،‬‬

‫‪19‬‬
‫و أهم م ]]ا مييز أبي ]]ات أب ]]ا ريش ]]ة أن ]]ه ليس من ه ]]ؤالء الش ]]عراء ال ]]ذين ينط ]]وون على أنفس ]]هم و أحالمهم‬
‫مبتع]دين عن ش]عوهبم وتارخيه]ا و طموحه]ا و آالمه]ا وم]ا يص]هرها من أزم]ات ‪ ،‬ب]ل ه]و ممن ين]دجمون يف‬
‫حميطهم و أممهم ‪ ،‬حيمل]]ون تارخيه]]ا و آماهلا ‪ ،‬و ك]]ل م]]ا تس]]عى إلي]]ه من خ]]ري و جمد يف ص]]دورهم ‪ ،‬و ال‬
‫يلبثون أن يذيعوه يف ش]كل تعاوي]ذ يري]دون أن يرق]وا هبا أمتهم ‪،‬و يبعث]وا فيه]ا روح]ًا من عن]د اهلل و حي]اة‬
‫قوية كاألطواد الشاخمة‪. 1‬‬

‫كم]ا تب]دو يف الش]عر الق]ومي ص]فة احلماس]ة اخلطابي]ة ذل]ك ألن الش]عراء يف غ]الب األحي]ان ك]انوا يعتل]ون‬
‫املنابر ‪ ،‬و يقفون يف النوادي أو يف احلفالت العامة و املهرجانات املختلفة ليلقوا القصائد ‪ ،‬يستثريون هبا‬
‫محاس]]ة اجلم]]اهري مبع]]انيهم الثوري]]ة امللتهب]]ة و ع]]واطفهم املتأجج]]ة ‪ ،‬فك]]ان ال ب]]د أن يع]]ربوا بطريق]]ة خطابي]]ة‬
‫‪،‬وبص]]ياغة س]]هلة مبس]]طة ‪ ،‬بعي]]دة عن الزخ]]رف و الزين]]ة ‪ ،‬كي ت]]ؤثر يف مجاهري ا خ]]اطبني وتن]]تزع منهم‬
‫ُمل‬
‫التقدير واإلعجاب ‪ ،‬وهنا يبدو األسلوب اخلطايب واضحًا يف تراوح العب]ارات واجلم]ل بني التقري]ر ت]ارًة‬
‫و االستفهام و النداء والتعجب و األمر و النهي تارًة أخرى‪. 2‬‬

‫ثانيًا ‪:‬مناضلة االستعمار‬

‫حاولت األمة العربية ‪ ،‬فيما انقض]ى من س]نوات ه]ذا الق]رن أن تبحث عن ذاهتا وحتدد شخص]يتها ‪ ،‬بع]د‬
‫أن طمس ]]ت مع ]]امل ه ]]ذه الشخص ]]ية بت ]]أثري عوام ]]ل خارج ]]ة عن إرادهتا و ب ]]دوافع اس ]]تعمارية ‪ ،‬أس ]]كتت‬
‫األلس]]ن احلرة يف وطنن]]ا ‪ ،‬فق]]د وج]]دت البل]]دان العربي]]ة نفس]]ها حتت وط]]أة االحتالل األجن]]يب ‪ ،‬وق]]د لعب‬
‫ه ]]ذا دورًا خط ]]ريًا يف توجي ]]ه الفك ]]ر وجه ]]ات خمتلف ]]ة حنو خدمت ]]ه و ك ]]ان هلذا أو ذاك ت ]]أثريه الفع ]]ال على‬
‫األدب العريب عامًة و على لغ]ة األداء و التعب]ري هلذا األدب خاص]ًة‪ ،‬ح]ىت ب]دأ الش]عور الق]ومي ب]التفتح م]ع‬
‫بدأ عصر النهضة وظهر التيار القومي يف األدب العريب احلديث حيث دعا للتصدي لالحتالل العثماين‪.‬‬

‫‪ 1‬ضيف‪ ،‬شوقي ‪ ،‬في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص ‪.235‬‬


‫‪ 2‬مريدن ‪،‬عزيزة ‪،‬الشعر القومي في المهجر الجنوبي ص ‪.428‬‬

‫‪20‬‬
‫على أن األدب الق ]]ومي ب ]]دأ ب ]]التميز يف منص ]]ف األربعيني ]]ات ‪ ،‬أي بع ]]د انته ]]اء احلرب العاملي ]]ة الثاني ]]ة ‪ ،‬و‬
‫حتدد مفهومه يف ضوء املفاهيم القومية‪. 1‬‬

‫تحذير األمة من العدو‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫على األديب أن يب] ]]دأ باهلدف و الغاي] ]]ة و ب] ]]دوهنما تب] ]]دو الص] ]]ورة و كأهنا تسلس] ]]ل زم] ]]ين حمروم من أي‬
‫انتقاء أو اختيار ‪ .‬و ح]ىت يكتب األديب و ح]ىت يع]]رب عم]ا خياجله شخص]]يًا فس]بيله أن يس]تعمل الكلم]ات‬
‫ال]]يت يعرفه]]ا مجي]]ع الن]]اس ‪ .‬و هبذه املثاب]]ة ‪ ،‬حيدث ك]]ل أث]]ر أديب يف نفوس]]نا ‪ ،‬بفع]]ل الص]]ور و الكلم]]ات و‬
‫اإليقاع ‪ ،‬ارتباط أفك]ار و عواط]ف و أح]وال ‪،‬و يث]ري فين]ا خ]واطر و أفك]ار من ش]أهنا أن تعبئن]ا م]ع ش]يء‬
‫أو ضده‪. 2‬‬

‫حتدثت فيما سبق عن املشاعر القومية اليت فاضت يف نفس الشاعر ‪ ،‬فخط قلمه ما كان خيتلج به صدره‬
‫و فك]]ره ‪ ،‬ف]]اعتز وافتخ]]ر ‪ ،‬و تغ]]ىن على ك]]ل وت]]ر ‪ ،‬لينتق]]ل بن]]ا إىل س]]احات أخ]]ر من األم]]ة و مص]]ريها أال‬
‫وهي االس]]تعمار و معاناهتا املري]]رة يف مواجهت]]ه ‪ ،‬ليجس]]د لن]]ا فك]]رة النض]]ال و االحتالل كم]]ا ش]]اهدها و‬
‫عايشها على أرض الواقع ‪.‬‬

‫إذن ليس لدينا الرتاث القومي لألمة فحسب ‪ ،‬بل جمموعة األوض]]اع الفاس]دة ال]يت تعيش]ه األم]]ة اقتص]]اديًا‬
‫و سياس]]يًا وفكري ]ًا ‪ ،‬لنج]]د أن هن]]اك نس]]يجًا مسيكًا من الفس]]اد املمت]]د أفقي ]ًا ليش]]مل ك]]ل ن]]واحي احلي]]اة ‪،‬‬
‫وعموديًا ليشمل التفكري و السلوك الفردي كمحتوى ‪،‬و املؤسسات كإطار‪.3‬‬

‫ف]]النفس األبي]]ة مهم]]ا م]]ر عليه]]ا من ال]]دهر س]]وف تبقى عربي]]ة أص]]يلة ‪ ،‬ولن ترض]]ى لنفس]]ها أن تك]]ون أث]]رًا‬
‫بعد عني ‪ ،‬و رمس أطالل بعد مسو ورفعة‪: 4‬‬

‫فجرًا سيطوي الضيم يف أطماره‬ ‫مهًال محاة الضيم إن لليلنا‬


‫‪5‬‬
‫هي هدأة الرئبـال قبل نفـاره‬ ‫ما نام جفن احلفد عنك وإمنا‬

‫يتوعد الشاعر املعتدين بنصر مؤزر ‪ ،‬وما هذا احلال ال]ذي هم في]ه إال اهلدوء يس]بق العاص]فة ال]يت س]تقتلع‬
‫الظلم من جذوره ليغمر األرض حق البالد و نصر العباد ‪.‬‬

‫‪ 1‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪.310-309‬‬


‫‪ 2‬سركيس ‪،‬إحسان ‪ ،‬األدب والدولة ‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ 3‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪،‬األدب و قيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪ 4‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 5‬الرئبال ‪ :‬هو األسد (تاج العروس ص ‪ 333‬مج ‪ ،) 7‬نفاره ‪:‬الشاة التي تسعل فينتثر األذى من أنفها ( مختار الصحاح مادة نفر)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫و ق]د أب]دع حني جع]ل االحتالل ليًال ال ب]د أن ينجلي بنص]ر احلري]ة ‪ ،‬وزاد املع]ىن تأكي]دًا ب]أن ه]ذا الض]يم‬
‫سيختفي يف ظلماته ‪ .‬و هو معىن مطروق تداوله الشعراء على مر العص]]ور ‪ .‬ترتف]]ع روح العزمية والث]ورة‬
‫‪ ،‬واألم]]ل بالنص]]ر ‪ ،‬م]]ع ث]]ورة األس]]د ال]]يت ت]]أيت بع]]د س]]كوت مبع]]دًا األذى عن نفس]]ه ‪،‬إن العقالء إذا ثبت]]وا‬
‫خاصة شيء لش]يء اثبت]وا ل]ه امسه ‪،‬ف]إذا جعل]وا الرج]ل ال تنقص ش]جاعته ش]جاعة األس]د و ال يع]دم منه]ا‬
‫ش ]]يء ق ]]الوا ‪ :‬ه ]]و أس ]ٌد ‪ ،1‬ونلح ]]ظ م ]]ا يف ه ]]ذه األبي ]]ات من ق ]]وة وح ]]زم استحض ]]رهتا جزال ]]ة الكلم ]]ات‬
‫( أطماره ‪،‬نفاره ‪،‬الرئبال )‪.‬‬

‫اإلنسان يؤمن بقيم عليا و يشعر هبا داخليًا كنتيجة لفعل الض]]مري كاإلميان بالعدال]]ة و اإلميان باحلري]]ة ‪ ،‬و‬
‫اإلميان بكرامة اإلنسان ‪.2‬‬

‫فق ]]د اختذ النض ]]ال الع ]]ريب بع ]]د نكب ]]ة فلطني أبع ]]ادًا جدي ]]دة ‪،‬حيث امت ]]د الكف ]]اح الوط ]]ين إىل اجلم ]]اهري ‪،‬‬
‫وتعمق مفهوم النضال القومي عند املب]دعني فج]اءت الواقعي]ة اجلدي]ة يف أدبن]ا الع]ريب احلديث ‪ ،‬تعب]ريًا عن‬
‫هذه املفهومات اجلديدة اليت أفرزهتا أحداث النصف األول من القرن العشري‪ ،‬حيث اجتهت النيات إىل‬
‫إقام ]]ة جمتم ]]ع ع ]]ريب اش ]]رتاكي ح ]]ر وموّح د ‪ ،‬و ل ]]ذك ك ]]انت بداي ]]ة ه ]]ذا املذهب األديب اجلدي ]]د ‪ ،‬ال ]]ذي‬
‫مه]]دت لظه]]وره طبيع]]ة احلي]]اة العربي]]ة ببداي]]ة قوي]]ة ‪ ،‬خاص]]ة يف الش]]عر ال]]ذي أص]]بح انعكاس]ًا إجيابي]ًا ‪ ،‬فإن]]ه‬
‫سرعان ما ارتد إىل احلياة ليحث خطاها و يدفعها حنو مزيد من التقدم و التطور‪. 3‬‬

‫و مهم]]ا ك]]انت الثق]]ة عالي]]ة و اهلم]]ة جاحمة ‪ ،‬ال ب]]د من إدراك اخلط]]ر احملدق و معرف]]ة حجم]]ه و توخي]]ه ‪،‬‬
‫فالعزمية ال تكفي س]]الحًا نت]]ذود ب]]ه عن محان]]ا ‪ ،‬فيح]]اول أب]]و ريش]]ة وض]]ع خط]]ة ليس]]ري عليه]]ا الث]]وار دون‬
‫جمازف]]ة ‪ ،‬و لنج]]ين النص]]ر ب]]أكف أبن]]اء األم]]ة ال]]ذين ي]]دركون خط]]ر ه]]ؤالء املعت]]دين ‪ ،‬يق]]ول خماطب ]ًا أخ]]اه‬
‫العريب ‪:4‬‬

‫نريد إصابة املرمــى‬ ‫أخي ال تقذف النار‬

‫يف هذا الدجى األعمى‬ ‫فما نتبني األشياء‬

‫لن يتجنبوا الدربــا‬ ‫تريث إهنم آتون‬

‫نصب حقودنـا صّبا‬ ‫على مرمى خطامنا‬

‫‪ 1‬الجرجاني ‪،‬عبد القاهر ‪ ،‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬ص ‪.385‬‬


‫‪ 2‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 3‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ 4‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.86 -85‬‬

‫‪22‬‬
‫تتجلى النزع ]]ة القومي ]]ة يف قول ]]ه (أخي ) لنلمح عاطف ]]ة اخلوف و احلرص على األم ]]ة ‪ ،‬يوج ]]ه أب ]]و ريش ]]ة‬
‫املناض]]ل الع]]ريب و ميدد خطوات]]ه ‪ ،‬فيجب أن تك]]ون راس]]خة غ]]ري هوج]]اء ‪ ،‬فنحن حتت االس]]تعمار ال]]ذي‬
‫خييم بلي]]ل ظلم]]ه على مجي]]ع الط]]رق و ال]]يت س]]تنار ب]]أكف املناض]]لني ال]]ذين يش]]علون س]]راج احلق و الف]]داء‬
‫بوقود دمائهم ‪ .‬لتأيت ثورتنا على العدو عزًا و نصرًا يهدف إليه الشاعر ‪.‬‬

‫لينق]]ل لن]]ا ص]]ورة واقعي]]ة جتس]]د مأس]]اة األم]]ة العربي]]ة حتت ب]]رامث احملت]]ل و م]]ا ح]]ل بأبنائه]]ا ت]]راهم ج]]وعى و‬
‫صرعى وما من أحد يرجع احلق ‪ ،‬يقول‪: 1‬‬

‫و ذا شبٌح شاحٌذ خنجره‬ ‫فذا شبٌح فاغٌر شدقه‬

‫متزق صيحاته احلنجرة !‬ ‫و من كل صوٍب فٌم جائٌع‬

‫جتسد األبيات رؤية الشاعر للخطر احملدق بالبالد ‪ ،‬أال و هو االستعمار و تكالبه على األقط]]ار العربي]]ة و‬
‫حماولت ]]ه املس ]]تميتة القتس ]]امها وجعله ]]ا لقم ]]ة س ]]ائغة‪ ،‬و التن ]]افس على خ ]]ريات ش ]]عب ج ]]ائع يع ]]اين ال ]]دمار‬
‫ليزداد املعىن تأكيدًا و رسوخًا يف قوله ( متزق صيحاته احلنجرة )‪.‬‬

‫لرتتفع صيحات الش]اعر ب]التحريض و التح]ذير من ه]ذا الع]دو ف]رياه قريب]ًا قوي]ًا كأن]ه الن]ار تبتل]ع اهلش]يم ‪،‬‬
‫فيصف يف بضع أبيات خطر احملتلني لتحذير املناضلني و تنبيه الغافلني ‪:2‬‬

‫يف بطٍء و يف حذر‬ ‫انتظر إهنم يسريون‬

‫هلم ما ُخ ّط يف القدر‬ ‫كأن قلوهبـم قرأت‬

‫تبّص ر ‪.......‬إهنم كثر‬ ‫دنوا منا‪...‬دنوا منا‪...‬‬

‫ت يا لألرض تستعر‬ ‫دنوا ‪....‬حرك زناد املو‬

‫ـغر باللظى فاها‬ ‫ويا جلهنم تعوي ‪...‬وتفـ‬

‫على أشالء قتالها‬ ‫وتطبق جفنها الدامي‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.177‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.87 -86‬‬

‫‪23‬‬
‫يش ]]ري الش ]]اعر إىل جنب األع ]]داء رغم جترئهم على البالد ‪ ،‬إال أن اخلوف يبقى معشعش ]ًا يف ص ]]دورهم ‪،‬‬
‫لينتق]ل إىل التنبي]ه والتح]ذير (دن]وا دن]وا ) فتنطل]ق الث]ورة هليب]ًا كجهنم ال]يت تنش]ر حثيثه]ا لتس]تعر الث]ورة يف‬
‫مجيع األقطار ‪.‬‬

‫و يربز إميان الشاعر و عميق ثقته بالنصر من خالل قوله (كأن قلوهبم قرأت هلم ما خط يف الق]]در ) و‬
‫كأنه يزاوج بني نا األعداء و هليب الثورة اليت سوف تصطدم حتمًا ليكون النصر حليفنا ‪.‬‬

‫و هك ]]ذا جند أن واقعي ]]ة الفك ]]ر الع ]]ريب املعاص ]]ر مليئ ]]ة ب ]]الثورات على الظلم و االس ]]تغالل و تب ]]ديل النظم‬
‫السياس]]ية و االجتماعي]]ة و املؤسس]]ات الفكري]]ة و تط]]وير الع ]]ادات و التقالي]]د إىل أحس]]ن ‪ ،‬ف]]األمم اجملزأة‬
‫تكافح لتتحد ‪ ،‬األمم املس]تعمرة تتح]رر ‪ ،‬و النظم االقتص]ادية تتط]ور يف اجتاه الع]دل ‪،‬و احلري]ات املدني]ة‬
‫‪1‬‬
‫و االجتماعية تزداد تأكيدًا و رسوخًا و اتساعًا ‪.‬‬

‫وق]]ف األدب]]اء موقف]ًا واض]]حًا ‪ ،‬فس]]جلوا األح]]داث بص]]دق و أمان]]ة ‪ ،‬وخاض]]وا مع]]ارك التحري]]ر و مل هتن‬
‫هلم عزمية ‪ ،‬س ]]الحهم الكلم ]]ة الص ]]ادقة املع ]]ربة امللتزم ]]ة بقض ]]ايا ال ]]وطن و اإلنس ]]ان و لق ]]د جتلى ذل ]]ك يف‬
‫قص]]ائد الش]]عراء على حنو فاع]]ل و م]]ؤثر يف تعمي]]ق ال]]وعي الق]]ومي ‪ ،‬فنظم]]وا روح الث]]ورة و اإلب]]اء يف ك]]ل‬
‫نفس عربية‪ ،‬مما نبه األذهان و ش]ق األجف]ان ‪ ،‬وح]رك م]ا س]كن من األعم]اق ووظ]ف ذل]ك كل]ه ملقاوم]ة‬
‫املس]]تعمر ال]]ذي كبت احلري]]ات و أغل]]ق األف]]واه ‪ ،‬وزج ب]]الثوار و األح]]رار يف غي]]اهب الس]]جون ‪ ،‬ال]]يت م]]ا‬
‫هدأت بني جدراهنا أناشيد الثورة و الثوار ‪.2‬‬

‫و قد رأيت أبا ريشة جمسدًا ملا سبق يف كل كلمة قاهلا يف هذا املضمار ‪.‬‬

‫تجسيد مشاعر العرب في بوتقة نضالهم العاثر ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫إن ه ]]ذا الوض ]]ع الفاس ]]د متن ]]اقض من حيث عالقت ]]ه حبرك ]]ة احلق املطل ]]ق اجملرد املتبل ]]ور بأه ]]داف النهض ]]ة‬
‫‪،‬ومبع ]]ىن آخ ]]ر ف ]]إن األوض ]]اع الفاس ]]دة تش ]]كل ق ]]وى إجيابي ]]ة منس ]]جمة م ]]ع بعض ]]ها ‪ ،‬ولكنه ]]ا مبجموعه ]]ا‬
‫معاكسة للنهضة و قوة تسحبنا للخلف ‪ ،‬و نسيج اجتماعي متخلف عن مقتضيات التطور ‪.3‬‬

‫و هن ]]ا أع ]]رض أبيات ]ًا جتس ]]د مأس ]]اة اجلرح الع ]]ريب الن ]]ازف ‪ ،‬وحس ]]رة الش ]]اعر على مص ]]ري األم ]]ة‪ ،‬و جمدها‬
‫الع]]ابر ‪ ،‬و ملن يق]]رأ ه]]ذه األبي]]ات جيد فيه]]ا تفجع]ًا و تأوه]ًا على م]]اٍض جمي]]د و حاض]]ر ذلي]]ل ‪ ،‬و ك]]أن أب]]ا‬
‫ريشة مرجل يغلي على أمة هتوي بعد عزة و مشوخ ‪.‬‬

‫‪ 1‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪ ،‬األدب وقيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪.272‬‬


‫‪ 2‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ 3‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪ ،‬األدب وقيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪.274‬‬

‫‪24‬‬
‫يقول‪:1‬‬

‫كان يف صدري وئيد‬ ‫وقفت لتنشر كل جرح‬

‫ورقدة الوطن الشهيد‬ ‫من صيحة الوطن الطعني‬

‫و دمعة الطفل الشريد‬ ‫و كآبة الشيخ الطريد‬

‫أغالل عمالق عنيد‬ ‫و متلمل األحرار يف‬

‫و اجلرح و الفجر اجلديد‬ ‫وحدي هنا يف حجريت‬

‫نشعر حبز ن الشاعر و أنفاس ميلؤها اليأس تنطلق زفراهتا من جراح مكبوتة يف ص]]در الش]]اعر و يف ص]]در‬
‫الوطن الذي ظل يصيح و يستنجد حىت استشهد ‪،‬فإذا بالشعب الطريد يف بالده غريب يف داره‪،‬‬

‫أما أبناؤه األحرار فال حول هلم و ال قوة أمام حكام يدينون بالتبعية ألقطاب االستعمار و الص]]هيونية و‬
‫ال خيفى م ]]ا للب ]]ديع من دور يف إكس ]]اب املع ]]ىن ص ]]دقًا و مجاًال وروع ]]ة ( الطري ]]د و الش ]]ريد) ( عبي ]]د ‪،‬‬
‫عنيد)‪.‬‬

‫و ال شك أن احلركات األدبية املعاصرة يف الغرب ‪ ،‬فد غذت عند ش]عرائنا ‪ -‬أو عن]د بعض]هم – عنص]ر‬
‫االغ]]رتاب (ال]]ذي ن]]راه يف ال]]بيت األخ]]ري ) االغ]]رتاب عن الواق]]ع إىل ال]]ذات ‪ ،‬كم]]ا غ]]ذت عزل]]ة الش]]اعر و‬
‫قلقه ‪ ،‬إىل جانب السلبية احلادة اليت ميارسها ضد اجملتمع حنينًا و ضد نفسه حنينًا آخر‪. 2‬‬

‫كما أن (س]المة موس]ى ‪ )1958-1888‬جع]ل من نفس]ه داعي]ة لألدب اهلادف ‪ ،‬فأه]اب باألدب]اء يف‬
‫كتابه (األدب و الشعب ) ب]أن ‪" :‬أفيق]وا وافهم]وا و تكلم]وا ‪ ،‬إن األدب للحي]اة و اإلنس]انية و اجملتم]ع "‬
‫فروع]]ة األدب وخل]]وده يف رأي]]ه ‪ ،‬ه]]و م]]ا ميكن أن حيمل]]ه من ص]]ور الكف]]اح يف س]]بيل ترس]]يخ قيم اخلري و‬
‫الشر و الشرف و اإلخاء و احلق‪. 3‬‬

‫ال بل إن الشاعر يأسى على وطنه الذي نسيه ‪ ،‬فريى يف كل خط]وة غص]ة ح]ىت إن آالم]ه ال تنس]ى و إن‬
‫عاقر اخلمرة ‪.‬‬

‫‪ 1‬الديوان ‪،‬ص ‪.66-65‬‬


‫‪ 2‬ساعي ‪،‬أحمد بسام ‪ ،‬حركة الشعر الحديث في سورية من خالل أعالمه ‪ ،‬ص ‪.458‬‬
‫‪ 3‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪25‬‬
‫يقول ‪:4‬‬

‫غصص‪..‬ال تسكر آالمي‬ ‫صاِح و كؤوسي ال تشفي‬

‫ما ختجل منه أيـامـي‬ ‫أستعرض أيامي فأرى‬

‫أحالمي تقتل أحالمـي‬ ‫فجفوين ال تعرف إال‬

‫نقلت عليها أقدامــي‬ ‫و درويب ال تذكر أين‬

‫يف الوهج من الشفق الدامي‬ ‫صاٍح ! و أحبك يا دنيا‬

‫مين ‪...‬و تثاؤب أصنامي‬ ‫ما أوجع نفرة أهوائي‬

‫على أن تشاؤم الشاعر و عظيم مأساته تعود لتمتزج باألمل الذي يتطلع إليه أال و ه]و الث]ورة يف قول]ه (‬
‫الش ]]فق ال ]]دامي ) و لرمبا أراد بـ ( أص ]]نامي ) أولئ ]]ك ال ]]ذين ال يرتق ]]ون من ]]ابر احلري ]]ة رض ]]ا منهم بالذل ]]ة‬
‫والتبعية ‪.‬‬

‫ومما يالح] ]]ظ يف ه] ]]ذه األبي] ]]ات التقريري] ]]ة و اخنف] ]]اض مس] ]]توى اخلي] ]]ال ب] ]]الرغم من وج] ]]ود بعض الص] ]]ور‬
‫التقليدية ‪.‬‬

‫ليتوجه يف خطابه إىل أرض الوطن‪:2‬‬

‫سوى الطيوف احلَّو م‬ ‫مل يبق فيه من نبيـِك‬

‫اخليل املغرية بال ـّد م‬ ‫كم خضبتـه حوافـر‬

‫يف صدره املتحطــم‬ ‫و لكـم حتطمت الظىب‬

‫داس على ثراك األكـرم‬ ‫أنسيـت كم فرعـون‬

‫يف كيـدها املتصـرم‬ ‫وتتابعـت أشباهــه‬

‫جمـدك الـمتهـدم‬ ‫حىت غفوِت على جوانب‬


‫‪ 4‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.52-51‬‬
‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.121-120‬‬

‫‪26‬‬
‫فين الرجال و مات الوطن فكم معتٍد طمع بثرواته ‪ ،‬من عهد فرعون ومن تبع]]ه من الطغ]]اة ال]ذين احتل]وا‬
‫البالد وهنبوا العباد و رسخوا األوتاد فوق قبور األجداد الذين كانت هلم العزة و األجماد يف عهد جبابرة‬
‫األرض ككسرى و قيصر ‪.‬‬

‫و إنن]ا ن]رى فيم]ا س]بق ق]د حتققت حماس]ن التش]بيه ب]أن حتص]]ل ب]ه الفوائ]د املقص]]ودة من]ه و هي الوض]]وح و‬
‫املبالغة و االختصار و التأكيد‪. 1‬‬

‫يقول أيضًا‪:2‬‬

‫و تناسوا سخاءها اهلتانــا‬ ‫ملن األرض إن سالها بنوها‬

‫القلب و شدت بساعديها قوانا‬ ‫وهبتنا من قلبها ‪ ،‬خفقة‬

‫فوق ما أفق حلمنا أعطانـا!!‬ ‫وأباحت لنا جناها و أعطت‬

‫و مرآة سخطنا و رضانــا‬ ‫فهي مرآتنا و مرآة مسرانا‬

‫على صرخة احلنني بكانــا !!‬ ‫ما بكينا نفارها ‪،‬إمنا العجز‬

‫يأسى الشاعر على حال أمته ‪ ،‬فتدمي عيناه ‪ ،‬و يتساءل بتوبيخ وهتكم عن أبنائها الذين نس]]وا الفض]]ل و‬
‫نك]]روا اجلمي]]ل هلذه األرض ال]]يت ق]]دمت لن]]ا خريه]]ا أفال تس]]تحق من]]ا محايته]]ا و ص]]ون كرامته]]ا ؟ ! أم أن‬
‫البك ]]اء على أطالهلا يش ]]في داء الوج ]]د و يش ]]عر بتقري ]]ع الض ]]مري الع ]]اجز ح ]]ىت أن الت ]]أنيب ‪ ،‬ف ]]إن مل نكن‬
‫رج]]اًال ذوي ع]]ز فلس]]نا ج]]ديرين بس]]كناها و العيش يف ظ]]ل مساها ‪ .‬و لع]]ل تعب]]ريه يف ال]]بيت الث]]اين يش]]عر‬
‫بشدة االنتم]اء و االرتب]اط بثراه]ا ‪،‬عن]دما جع]ل م]ا منحتن]ا إي]اه مق]دمًا من قلبه]ا ميدنا باحلي]اة ال ب]ل زاُده]ا‬
‫ليس بالشيء القليل بل فوق ما حنتاج و نريد لتلتحم فينا كأهنا مرآة واقعن]ا تراف]ق أبن]اء أمته]ا يف س]رائهم‬
‫وضرائهم ‪ .‬متدهم بالعزمية و اإلقدام ‪ ،‬وتفتح ذراعيها الستقبال الشهداء لتبعث الكربياء يف األحياء ‪.‬‬

‫‪ 1‬الجندي‪،‬علي ‪ ،‬فن التشبيه‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.474-473‬‬

‫‪27‬‬
‫على أن التجرب ]]ة الواقعي ]]ة تظه ]]ر عن ]]د الش ]]عراء يف ث ]]راء التجرب ]]ة ذاهتا ‪ ،‬وحبكم التص ]]اق اإلنس ]]ان الع ]]ريب‬
‫بالشعر الذي جيد فيه خالصة جتاربه ومرآة حياته و صراعه مع الواقع املعيش ‪.1‬‬

‫كما أن ممارسة األدب هي ممارسة ثورية ‪،‬إهنا عمل إنقاليب يهدف إىل تثوير اجلماهري الش]]عبية لتعي ذاهتا‬
‫و تعرف دورها و حتتل مكاهنا حتت الشمس ‪.2‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬الدعوة إلى الثورة‬

‫رؤية األديب قطعة من عقل]ه و ذوق]ه واختي]اره متر ع]رب عملي]ة فردي]ة اجتماعي]ة ‪ ،‬تك]ون فيه]ا املعان]اة مع]رب‬
‫الشخص]]ية املوهوب]]ة إىل م]]ا ت]]روم خلق]]ه و إبداع]]ه ‪،‬و ه]]ذه النظ]]رة أو الق]]درة على االص]]طفاء أو االختي]]ار‬
‫جتعل األديب يلتقط من الواقع ما يصوغه من جديد أكثر منوذجية و تعبريًا و كماًال‪.3‬‬

‫فق ]]د الحظن ]]ا فيم ]]ا س ]]بق من األبي ]]ات أن الش ]]اعر يفخ ]]ر و يع ]]تز ‪ ،‬حيرض و حيذر ‪ ،‬ك ]]ل ذل ]]ك ملا وض ]]عه‬
‫نص ]]ب عيني ]]ه أال و ه ]]و الث ]]ورة و التم] ]ّر د على واق ]]ع مري ]]ر تص ]]احبه آالم الش ]]عوب ال ]]يت تع ]]اين الفق ]]ر و‬
‫االضطهاد ‪ ،‬ومع ذلك ال بد من بزوغ مشس احلرية لينعم هبا شعبنا العريب مثل باقي البشرية ‪.‬‬

‫على أن الث]]ورة ال تق]]وم بني ليل]]ة وض]]حاها ‪ ،‬فال ب]]د من ترس]]يخ دعائمه]]ا يف نف]]وس الش]]باب الع]]ريب ‪ ،‬و‬
‫التخطي]]ط للنه]]وض باألم]]ة هنوض]ًا ال نكس]]ة بع]]ده ‪ ،‬لينبث]]ق األم]]ل الواح]]د من تعاض]]د عناص]]ر األم]]ة ال]]ذين‬
‫جتمعهم أواصر القومية العربية ‪.‬‬

‫استشعار الواقع المرير ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫الواقعية تعين أول ما تعين أن يستند حتديد األهداف على كشف للرغبات األص]لية يف األم]ة ‪ ،‬و التع]رف‬
‫على العوامل األساسية يف تكوينها ‪ ،‬أي أن تكون صياغة األهداف حمكومة بالرتاث العريب و مقتض]]يات‬
‫الظروف احلالية لألمة وجتارب األمم األخرى ال مبعزل عن ذلك‪. 4‬‬

‫‪ 1‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪،‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪ ، ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ 2‬عبود ‪،‬حنا ‪ ،‬المدرسة الواقعية في النقد العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ 3‬سركيس ‪ ،‬إحسان ‪،‬األدب والدولة ‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫‪ 4‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪ ،‬األدب وقيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪.274‬‬

‫‪28‬‬
‫فك ]]ان ال ب ]]د من اس ]]تعراض الواق ]]ع و ط ]]رح قض ]]اياه و مش ]]اكله ‪ ،‬ليعلم حجم اخلط ]]ر احملدق ‪ ،‬و التطل ]]ع‬
‫إلشراقة املستقبل اليت تنتظر السواعد العاملة و العقول املفكرة فنجد أبا ريشة يرسم الواقع بريش]ة الفن]ان‬
‫املعاصر له و بلغة األجداد مبا حتمله من رصانة وقوة‪ .‬ليدخل شعره التاريخ و الفن من أوسع أبوابه ‪:1‬‬

‫يشتف الثأر و مل تنتقمي‬ ‫فيم أقدمت و أحجمت و مل‬

‫و انظري دمع اليتامى و ابسمي‬ ‫امسعي نوح احلزاىن و اطريب‬

‫وتتفاىن يف خسيس املغنم !‬ ‫و دعي القادة يف أهوائها‬

‫ملء أفواه البنات الُّيتم‬ ‫رَّب وامعتصماه انطلقت‬

‫مل تالمس خنوة املعتصم‬ ‫المست أمساعهم لكنها‬

‫مل يكن حيمل طهر الصنم!‬ ‫أميت كم صنم جمدته‬

‫إن يُك الراعي عدو الغنم!‬ ‫ال يالم الذئب يف عدوانه‬

‫كان يف احلكم عبيد الدرهم !‬ ‫فاحبسي الشكوى فلوالك ملا‬

‫تقري]]ع و ت]]وبيخ و خط]]اب ص]]ريح للق]]ادة واحلك]]ام و الطعن هبم و بسياس]]اهتم القائم]]ة على الص]]راع جلم]]ع‬
‫األموال ‪ ،‬إذ تفصلنا عهود وأجيال عن خنوة العرب اليت تراءت لنا يف أحد عظمائها وهو املعتص]]م ال]]ذي‬
‫قاد حربًا شعواء لنداء أطلقت]ه فت]اة مشاء لريت]د ص]وهتا فتح]ًا للعروب]ة مجع]اء ‪ ،‬وق]د جتدد ه]ذا الن]داء و لكن‬
‫هيه]]ات هيه]]ات ‪ ،‬فق]]د مسعته اآلذان فلم تل]]ق جواب]ًا و مل يش]]غل هلا ب]]اًال إذا اس]]تمر احلك]]ام بظلم الع]]وام ‪.‬‬
‫ون]]رى يف ه]]ذه األبي]]ات ح]]دة الط]]رح و ج]]رأة النق]]د يف رفض الظلم ‪،‬وارتف]]اع وت]]رية الس]]خط على الواق]]ع‬
‫بش ]]كل ع ]]ام و على الساس ]]ة بش ]]كل خ ]]اص ‪ ،‬ليك ]]ون الواق ]]ع األليم غرس] ]ًا ألي ]]ديهم وجني] ]ًا لسياس ]]تهم‬
‫املتهتك]]ة الرامي]]ة للمحص]]لة الذاتي]]ة املعادي]]ة ملص]]لحة اجلماع]]ة أال و هي األم]]ة ‪ .‬و ال نعلم ه]]ل عم]]ر خل]]د‬
‫البيتني الرابع و اخلامس أم هم خلداه ‪.‬‬

‫و يقول مستحضرًا صورة الواقع معززًا ذلك بذكره لبعض األماكن ( نينوى )‪:2‬‬

‫فالراح ال عبٌق والغصـن ال مثـر‬ ‫غّنت ‪....‬فمن نينوى مر الشقاء بنا‬

‫‪ 1‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.10-9‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪29‬‬
‫فأين ‪-‬ال أين‪ -‬منه الورد و الصدر‬ ‫رمى بنا القفر و افتض السراب به‬
‫إال وأقدمنا من سعينـا محــر !‬ ‫خصاصة العيش ما مدت لنا يدها‬
‫و كم هنضنا ومل يشمت بنا خـور‬ ‫فكـم عثرنا و مل تعثر إباءتنــا‬
‫مننا عليها و مل تكشف لنا ستـر‬ ‫وكم لدى صلف احلرمان من غصص‬

‫ينوه الشاعر يف هذه األبيات على الواقع املعيش ال يعد هناية املصري ن على الرغم مما فيه ‪.‬إذ يرى الشقاء‬
‫قد أرخى رحله يف البالد فنفذت اخلريات ‪،‬و ضاقت احليل]ة بأهله]ا ‪،‬فهم يف س]عي مس]تمر إلدراك العيش‬
‫‪ ،‬ولكن األم]]ل بالنص]]ر يع]]ود يف قول]]ه ‪ (:‬فكم عثرن]]ا و مل تع]]ثر إباءتن]]ا) فلك]]ل ج]]واد كب]]وة ‪،‬و الفح]]ول ال‬
‫يهز عزائمهم عارض أو مصيبة ألن الفشل يعد بداية حي]اة جدي]دة ‪،‬ودافع]ًا مهم]ًا حيرك ض]]مري الش]عب ‪،‬‬
‫و حبمله إىل التطلع ملصري مشرتك ينعم فيه برغد عيٍش كان و عز جمد مضى ‪.‬‬

‫و تسري األحداث و اخليال على وترية واحدة ‪ ،‬فيأيت بصور جتسد الواقع لتصبح البالد بعد نزول الش]]قاء‬
‫فيها (ف]الراح ال عب]ق و الغص]ن ال مثر ) و يص]ور العب]اد فيه]ا (و أق]دامنا من س]عينا محر ) أي أهنم ي]دأبون‬
‫على املسري يف طريق النضال للحصول على حرية العيش و كرامته ‪.‬‬

‫و من مسات الشعر القومي أن نلمحه مشبعًا بالعاطفة ‪،‬ممتزجًا باملشاعر ‪ ،‬متميزًا بالعفوي]ة ‪ ،‬وق]د ش]حذته‬
‫‪1‬‬
‫األح]]داث و بلورت]]ه املص]]ائب و ص]]قلته التج]]ارب ‪ .‬يف حني أن الش]]اعر يق]]ر هبذا الواق]]ع و يص]]فه وص]]فًا‬
‫شامًال يف قوله ‪:2‬‬

‫إن تسأيل تتأملي !‬ ‫ال تسأيل أين انتهت‬


‫و ممزق و مثلمِ‬ ‫الشمل بني مشتٍت‬
‫الظامل املتظلم‬ ‫واألرض ما زالت مهاد‬

‫ي ]]أيت الش ]]اعر هبذه األبي ]]ات التقريري ]]ة وال ]]يت تص ]]ف الواق ]]ع وص ]]فًا دقيق ]ًا و ش ]]امًال ‪ ،‬إذ ي ]]وحي من خالل‬
‫ال]]بيت األول ب]]احلزن واملأس]]اة و عمي]]ق األمل ‪ .‬مبين]ًا س]]ببه فيم]]ا يتب]]ع من األبي]]ات ‪ .‬أال و ه]]و متزق وح]]دة‬
‫األمة يف ظل االستعمار وأتباعه ‪.‬‬

‫‪ 1‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.123‬‬

‫‪30‬‬
‫يف حني يقو الدكتور حممد مندور يف صف الواقع]يني ‪ ":‬ش]ديدو الفطن]ة إىل م]ا حيي]ط هبم حريص]ون على‬
‫تسجيله كم ه]و ب]ل تناول]ه بالنق]د و التج]ريح وهم أمي]ل إىل التش]اؤم و احلذر و س]وء الظن ‪ "1.....‬و ال‬
‫أجد أبا ريشة منوطًا هبذا القول ‪ ،‬فهو أنزع إىل التفاؤل وأقرب إليه ‪.‬‬

‫و إين ألرى خالص ]]ة م ]]ا س ]]بق نب ]]دو حبل] ]ٍة أهبى جتم ]]ع الفخ ]]ر و الع ]]زة ‪ ،‬و اجملد و العظم ]]ة ‪ ،‬و األس ]]ى و‬
‫احلسرة يف قالب فين رائع يقود القارئ إىل قوة يف املعىن و سالسة يف النغم‪: 2‬‬

‫و غفت عن كيد دهٍر ُقلِب‬ ‫سكرت أجيالنا يف زهوها‬


‫مثقالٍت بقيود األجنيب‬ ‫و صحونا ‪ ،‬فإذا أعناقنـا‬
‫نرخص املهر و مل حنتسِب‬ ‫قد عرفنا مهرك الغايل فلم‬
‫فاعزيف ما شئت منها و اشريب !‬ ‫و أرقناها دم ــاء حــرًة‬
‫و املسي جرح احلزاىن و اطريب‬ ‫و امسحي دمع اليتامى و ابسمي‬

‫يتمث ]]ل أب ]]و ريش ]]ة املاض ]]ي و احلاض ]]ر و يسرتس ]]ل يف ع ]]رض األح ]]داث ‪ ،‬فيب ]]دأ بغفل ]]ة الش ]]عب ال ]]ذي أمن‬
‫ص ]]روف ال ]]دهر يف زمن س ]]ادت في ]]ه الكلم ]]ة للع ]]رب فلم يص ]]ح من ه ]]ذه الغفل ]]ة إال و االس ]]تعمار على‬
‫األبواب ‪ ،‬جير احلزاب باسم االنتداب ‪ ،‬ليتوجه بنداء لع]روس اجملد ال]يت جتيب]ه بزف]رات تن]بئ بأس]ى ولوع]ة‬
‫‪ ،‬لتس]تجيب القل]وب للحري]ة مقدم]]ة ال]دماء الزكي]ة رخيص]]ة س]خية ل]رتتفع الراي]ة خفاق]ة مدوي]ة ‪ ،‬فتش]فى‬
‫اجلراح و تعم األفراح بالد األحرار ‪.‬ه]ذه ص]ورة إمجالي]ة عن نض]ال أم]ة عربي]ة حققت النص]ر فاس]تعادت‬
‫الفخر ‪.‬‬

‫و ن]]رى يف ه]]ذه األبي]]ات الكث]]ري من الص]]ور و املع]]اين ال]]يت تص]]ور الواق]]ع منق]]وًال أخي الق]]ارئ بك]]ل دقائق]]ه‬
‫نقًال سريًا ‪ ،‬فالصور مثقلة باملشاعر فياضة باخليال الذي ال يعدو كونه نقًال وجتس]يدًا للنض]ال فقول]ه (‬
‫ف]]إذا أعناقن]]ا مثقل]]ة بقي]]ود األجن]]يب ) حتم]]ل ه]]ذه الص]]ورة مع]]ان عظيم]]ة فقول]]ه ‪( :‬أعن]]اق) ي]]دل على عظم‬
‫ال]]ذل ‪ ،‬فع]]زة اإلنس]]ان و كربي]]اؤه يف انعت]]اق العن]]ق و حريت]]ه تل]]ك احلري]]ة ال]]يت جع]]ل مهره]]ا الغ]]ايل رخيص]ًا‬
‫وافرًا كالنهر اجلاري ‪.‬‬

‫لنلمح يف خطاب الشاعر ألرض الوطن هلجة املذنب املؤنب ‪ ،‬فيق]ر بتقص]ري أبن]اء األم]ة و غفلتهم ‪ ،‬ومن‬
‫مث تنّبههم و صحوهتم ‪،‬وبذهلم األرواح يف سبيل احلرية و عودة األرض كما كانت عربية أبية‪.‬‬

‫‪ 1‬مندور ‪ ،‬محمد ‪ ،‬في األدب والنقد‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.441-440‬‬

‫‪31‬‬
‫ليعقب ه]]ذه األبي]]ات ت]]ذكري مبا وص]]لت إلي]]ه أمتن]]ا ‪ ،‬فاهلزمية ال تع]]ين االستس]]الم و ل]]و ك]]انت ك]]ذلك ملا‬
‫استقامت لنا شوكة و ملا كانت هناك أمة جتمعها القومية العربية و اليت يعد الوطن الواحد أهم ركائزه]ا‬
‫فم ]]ا علين ]]ا س ]]وى الث ]]ورة ومحل أعب ]]اء األم ]]ة و أن نك ]]ون كاجلس ]]د الواح ]]د إذا احت ]]ل قط ]]ر هبت األقط ]]ار‬
‫األخرى للوثوب بالنصرة ‪:1‬‬

‫مل تكن للمارج امللتهب‬ ‫حنن من صنوف بنينا قوة‬


‫عن جناحيها غبار التعب‬ ‫كم لنا من ميسلون نفضت‬
‫وكبت أفراسنا يف ملعب‬ ‫كم نبت أسيافنا يف ملعب‬
‫لنضال عائر مصطخب‬ ‫من نضال عاثر مصطخب‬
‫غلب الواثب أم مل تغلب‬ ‫شرف الوثبة أن ترضي العال‬

‫يلخص الش]]اعر مس]]رية الث]]ورة ال]]يت نش]]أت من الع]]دم ليتح]]ول الض]]عف إىل ق]]وة و يتحق]]ق النص]]ر املنش]]ود‬
‫ب]أعني الرعي]ة و اجلن]ود ‪ ،‬و لع]ل قم]ة الش]رف يف رأي]ه هي التح]رك و احملاول]ة ‪ ،‬ال االستس]الم و املراهن]ة ‪،‬‬
‫فه]]و ي]]رى يف ميس]]لون فخ]]رًا ه]]ز الض]]مائر العربي]]ة لتتح]]ول اهلزمية إىل ث]]ورة تنجب ث]]ورة وت]]ربز ش]]اعريته و‬
‫مجال أسلوبه يف قوله (قوة مل تكن للمارج امللتهب ) لرتتسم احلرية يف تراب ال]وطن بع]د ف]داء و تض]حية‬
‫‪.‬‬

‫يتحدث عمر أبو ريشة عن مذهبه الشعري فيقول ‪ ":‬إنه ش]اعر قص]يدة وليس ش]اعر بيت ‪ ،‬و القص]يدة‬
‫عنده وحدة ال تتجزأ تعود أن خيتمها مبا يسميه البيت املفاجأة أو بيت القصيد‪ ،‬و تك]]ون القص]]يدة تافه]]ة‬
‫ال معىن هلا إن هي خلت من]ه ‪ ،‬و كالم]]ه ه]]ذا من]اقض لبعض]]ه البعض ألن ختم القص]]يدة مبا يس]ميه ال]بيت‬
‫املفاجأة ‪ ،‬يدل على أنه شاعر بيت ال شاعر قصيدة ‪"2.‬‬

‫و ق ]]د رأى إب ]]راهيم املازين أن إدراك ]]ه للقومي ]]ة من أج ]]ل املس ]]تقبل الع ]]ريب ‪ ،‬يق ]]ول و ه ]]و ي ]]رتجم القومي ]]ة‬
‫العربي ]]ة إىل ك ]]ائن حي يف النف ]]وس ‪ ":‬و ل ]]و أن ه ]]ذه القومي ]]ة العربي ]]ة مل تكن إال ومهًا ‪ ،‬ال س ]]ند ل ]]ه من‬
‫حقائق احلياة و التاريخ لوجب أن خنلقها خلقًا ‪ ،‬فما لألمم الصغرية أمل يف حياة مأمونة ‪"3....‬‬

‫على أن أب ]]ا ريش ]]ة ك ]]ان ذو روح متفائل ]]ة ص ]]لبة ‪ .‬و ق ]]د ك ]]ان ه ]]ذا أح ]]د العوام ]]ل ال ]]يت س ]]اعدته على أن‬
‫يكتس ]]ب ش ]]عبية عظيم ]]ة يف احلقيب ]]تني الرابع ]]ة و اخلامس ]]ة من الق ]]رن العش ]]رين ‪ ،‬ألن ]]ه اس ]]تطاع أن ميس ]]ك‬
‫بروح هذه الفرتة و يغذيها‪. 4‬‬
‫‪ 1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.442 -441‬‬
‫‪ 2‬عثمان ‪،‬هاشم ‪،‬عمر أبو ريشة آثار ‪ ،‬مجهولة ‪.‬ص ‪.191‬‬
‫‪ 3‬الخوص ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 4‬الجيوسي ‪ ،‬سلمى الخضراء ‪ ،‬االتجاهات و الحركات في الشعر العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪. 302‬‬

‫‪32‬‬
‫استنهاض الهمم و الحض على الثورة ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ظهر يف العامل العريب جيل من الشباب يؤمن بأننا غر يف مرحلة من تارخين]ا حتت]اج إىل طاق]ة حمرك]ة بن]اءة‬
‫تنهض بعبء وطين يتجه حنو قضايا الوطن ‪ ،‬سواء أكانت إقليمية أم إفريقية آسيوية أم إنسانية عامة ‪.1‬‬

‫و بع]]د أن متكن أب]]و ريش]]ة من استحض]]ار ص]]ورة الواق]]ع ‪ ،‬ونقله]]ا نقًال فني ]ًا للش]]باب الع]]ريب ‪ ،‬ح]]ق هدف]]ه‬
‫باس]تنهاض اهلم]ة و قي]ام الث]ورة ‪ ،‬أخ]ذ يص]ور اجملد الق]ادم و نش]وة ال]وطن الع]ريب إذا اس]تيقظ بع]د رق]اد و‬
‫عاود األجماد يف ظل رايات ختفق باحلرية و رفض العبودية ‪.‬‬

‫نلح]ظ هن]ا تف]اؤل الش]اعر و ارتف]اع أمل]ه و نظرت]ه إىل املس]تقبل نظ]رة املتأم]ل بع]ودة املاض]ي بك]ل هبائ]ه و‬
‫أجماده ‪.‬‬

‫يقول ‪:2‬‬

‫بسوانا من محاة ندب‬ ‫هذه تربتنا لن تزدهي‬

‫منرب احلقد و سيف الغضب‬ ‫فلنصن من حرم امللك هلا‬

‫بني أطالل الضحايا الغّيب‬ ‫و لنسل حنجرة الشدود هبا‬

‫جرح ماضيها الكثيف احلجب‬ ‫ضلت األمة إن أرخت على‬

‫ذلك احللم الكرمي الذهيب‬ ‫ما بلغنا بعد من أحالمنا‬

‫هذه أرضنا منذا الذي يذود عنها سوانا فأمتنا أمانة يف أعناقنا ‪،‬وواجب علينا أن حنمي أرضها اليت إليها‬
‫معادنا ‪ ،‬و مهما ارتقينا إىل املعايل لن نبلغ حلمنا الغايل أال وهو وحدة أمتنا و ّمل مشلنا ‪.‬‬

‫نرى يف هذه األبيات اإلحساس اجلماعي من خالل استخدام (نا) يف أكثر من موضع تربتنا‪،‬سوانا ‪،‬‬
‫أحالمنا ‪....،‬ويف قوله ‪(:‬ضلت األمة ‪)......‬تأجج روح الثورة وانطالق اآلمال ببلوغ الغايات اليت‬
‫جعل ذروهتا احللم الذهيب ‪.‬‬

‫و لعل روح الثورة تثور يف صدر الشاعر لتنطلق زفراهتا عالية تعرب عن أمل يف حتقيق النصر ‪:3‬‬

‫‪ 1‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪ ،‬األدب وقيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.444‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.191-190‬‬

‫‪33‬‬
‫و أذياله للسائمات مالعب‬ ‫فكم جبل يغفو على النجم حّد ه‬

‫كبريًا أداري أو صغريًا أعاتب‬ ‫نظرت إىل الدنيا فلم ألف عندها‬

‫و ال الن يل يف جانب احلق جانب‬ ‫وما هان يل يف موقف العز موقف‬

‫و ملء غيابات الدروب غياهب‬ ‫فيا غربة األحرار ما أطول السرى‬

‫تتجسد جتربة الشاعر يف ال]بيت األخ]ري فاإلنس]ان ال]ذي يت]ذوق طعم الغرب]ة ‪ ،‬ال ي]زال ي]ذكر أن]ه ع]ريب ذو‬
‫قومي]ة مفعم]ة بك]ل مش]اعر احلري]ة و اإلب]اء لتص]در ه]ذه األش]عار جمس]دة مش]اعر أبن]اء ال]وطن و حرص]هم‬
‫على إخ]]واهنم و أبن]]اء حلتهم و تلح]]ظ هن]]ا كي]]ف امتل]ك أب]]و ريش]]ة الق]]درة على ابت]]داع املع]]اين اجلدي]]دة ‪،‬‬
‫وخلق الصور املبتكرة فينقل فكرته بوسائط و أواين عديدة ‪.‬‬

‫على أن الطريقة اليت خيتارها األديب منوطة بتكوينه الشخصي ‪،‬وأن واقعًا فعليًا ‪ ،‬يف وحدت]]ه وثرائ]]ه ‪ ،‬ال‬
‫متكن معرفته أو معايشته دون أن يعرف أصله ووجهته‪. 1‬‬

‫و ال ي ]]زال أب ]]و ريش ]]ة حيرض على الث ]]ورة و رفض الواق ]]ع املري ]]ر بك ]]ل أش ]]كاله و ص ]]وره من اس ]]تعمار و‬
‫استبداد و اضطهاد لتعود احلرية إىل مجيع األقطار ‪ ،‬و متًال البس]مة ش]فاه األح]رار بع]ودة احلق و االنتص]ار‬
‫على كل معتد جبار ‪ .‬فيقول أبو ريشة بأبيات وصفية إخبارية‪: 2‬‬

‫فاغضيب يا ذرا اجلبال و ثوري‬ ‫أصبح السفر ملعبًا للنسور‬

‫يف مساع الدىن فحيح سعري‬ ‫إن للجرح صيحة فابعثيها‬

‫حتت أقدام دهرك السكري‬ ‫واطرحي الكربياء شلوًا مدّم ى‬

‫و ارمي هبا صدور العصور‬ ‫مللمي يا ذرا جلبال بقايا النسر‬

‫تيهًا بريشه املنث ــور‬ ‫إنه مل يعد يكحل جفن النجم‬

‫شيء من الوداع األخري‬ ‫هجر الوكر ذاهًال و على عينيه‬

‫تتهاوى من أفقها املسحور‬ ‫تاركًا خلفه مواكب سحب‬

‫‪ 1‬سركيس ‪ ،‬إحسان ‪ ،‬األدب و الدولة ‪ ،‬ص ‪.106‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.159-158‬‬

‫‪34‬‬
‫قومه قبلة الضحى املخمور‬ ‫كم أكبت عليه و هي تنّد ي‬

‫لعله املستقبل الزاهر كما يراه الشاعر متأللئًال بأنوار الثورة اليت حتمل يف طياهتا الكربياء و العزة ‪ ،‬لتنش]]ر‬
‫اخلري و الربكة يف أرض سقيت بدماء شهداء األمة الذين بلغوا الذروة بأرواح طاهرة ق]]دمت رخيص]]ة يف‬
‫س] ]]بيل بل] ]]وغ الغاي] ]]ة ‪ .‬ويف قول] ]]ه ه] ]]ذا حتس أن الش] ]]عر ليس فراغ ] ]ًا مُي أل باأللف] ]]اظ و إمنا ه] ]]و مش] ]]اعر و‬
‫أحاسيس و حياة جلبة صاخبة فيها قوة مث]رية ‪ ،‬وكأن]ه جمداف أهدت]ه الطبيع]ة إىل س]ورية ليح]رك س]فينتها‬
‫و يقوده ]]ا يف حمنته ]]ا ‪ ،‬حني ك ]]انت تغ ]]وص أق ]]دامها يف ذل االس ]]تعمار الفرنس ]]ي ‪ .‬وق ]]د ذهب يتغ ]]ىن يف‬
‫ضجر وحدة يف الكربياء و أن قناته لن ختضد شوكتها األحداث ‪ ،‬و أن ال]زمن مهم]ا عص]ف ب]ه لن يلني‬
‫‪.‬‬

‫و هو دائم التصوير لذلك ت]ارة ينظم في]ه ال]بيت ‪،‬و ت]ارة يش]يعه يف قص]يدة أو ص]ورة كب]رية ‪ ،‬و لع]ل خ]ري‬
‫م]ا يوض]ح ذل]ك األبي]ات الس]ابقة ‪ ،‬ال]يت يص]ور فيه]ا نس]رًا هب]ط من عش]ه يف القم]ة إىل الس]طح‪ ،‬إذ أحس‬
‫دبيب املوت ‪ ،‬فسقط يرتنح ‪ ،‬فتجمعت بنا ت الط]ري تش]مت ب]ه ‪ ،‬ف]انتفض لكرامت]ه ‪ ،‬وارتف]ع إىل وك]ره‬
‫فوق الصخرة حىت ال ميوت على سطٍح باٍل وضيع‪. 1‬‬

‫يرى أبو ريشة أبناء أمته شعلة متقدة يف درب اجلهاد و التضحية ‪ ،‬سيتوجهون ق]وميتهم بتيج]ان الكرام]ة‬
‫و احلرية كما كانوا منذ أيام اجلاهلي]ة ح]ىت رف]ع راي]ات اإلس]الم عالي]ة مدوي]ة ‪.‬جند ه]ذا املع]ىن يف األبي]ات‬
‫التالية‪: 2‬‬

‫إمنا حنن مشوع املعبــد!!‬ ‫فأتلق يا معبد النجوى بنا‬

‫صغت يف فجر السنا من مرود‬ ‫كم كحلنا مقلة اجملد مبا‬

‫و تلقيت جناها بيـ ــد‬ ‫يوم طوقت الربايا بيد‬

‫و فم يلثم خد الفرق ــد‬ ‫قدم جترح أحشاء الثرى‬

‫خلفهم ركب الزمان األمرد‬ ‫و على جنبيك فتيان مشى‬

‫كل أفق مئزر من زبــد‬ ‫غمسوا اجملداف يف اليم ففي‬

‫حلنه البكر شفاه األبــد‬ ‫محلوا احلرف الذي انشقت على‬


‫‪ 1‬ضيف ‪ ،‬شوقي ‪،‬دراسات في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.130-129‬‬

‫‪35‬‬
‫أمة هتدي ! و دنيا هتتدي !‬ ‫فتلفت فلن تلمح سوى‬

‫ما أمجل هذه األبيات ال]يت تزخ]ر ب]روح الث]ورة و اجله]اد‪ ،‬للنه]وض باألم]ة مجع]اء ‪ ،‬ال]يت عاش]ت برخ]اء يف‬
‫أي]]ام النش]]وة و اإلب]]اء ‪ .‬فكي]]ف هلا أن ختفض الراي]]ة و ت]]رتك الغاي]]ة لتك]]ون النهاي]]ة على ي]]د أع]]داء م]]ا عرف]]وا‬
‫ه ]]ذه األم ]]ة وم ]]ا جيمعه ]]ا من وح ]]دة ال ]]دين ال ]]ذي يل ]]ف محاه ]]ا وكربي ]]اء النس ]]ر ال ]]ذي يس ]]بح يف فض ]]اها ‪،‬‬
‫ب ]]أخالق ك ]]انت مض ]]رب األمث ]]ال و حمط األنظ ]]ار يف ك ]]ل األمص ]]ار ل ]]تزداد عزهتا ع ]]زًا ‪ ،‬وجمدها جمدًا و‬
‫فخرها فخرًا ‪.‬‬

‫و نلحظ عنده ح]دة الكربي]اء من خالل ص]ور عدي]دة كقول]ه (حنن مشوع املعب]د ) ( كحلن]ا مقل]ة اجملد) ‪.‬‬
‫و آلثار هذه األمة جلية يف البالد بل بلغت عنان السماء يف قوله ( قدم جترح أحشاء الثرى ‪)....‬‬

‫و هن ]]ا نلح ]]ظ أن شخص ]]ية األديب تتجلى يف عبقريت ]]ه عن ]]دما يس ]]تطيع التعب ]]ري عن روح األم ]]ة ‪ ،‬و يرس ]]م‬
‫صورة أوضاعها ‪ ،‬و يتنبه لألخطار اليت حتيط هبا ‪ ،‬ويتنبأ مبستقبلها ‪ ،‬أفضل و أسرع من الف]رد الع]ادي ‪.‬‬
‫و لذلك كان لألديب رسالة ‪.‬‬

‫األديب ال] ]]ذي يتنب] ]]ه عن] ]]ده الش] ]]عور الق] ]]ومي هبذا املع] ]]ىن الواس] ]]ع للش] ]]عور يس] ]]تطيع أن يس] ]]اعد اإلنس] ]]ان‬
‫االعتيادي يف إدراك هذه املعاين اليت مل يستطع أن يتوصل إليها بقواه الذاتية ألنه ليس أديبًا أو عبقريًا‪. 1‬‬

‫و نرى أن األدب قد دخل ميدان التح]رر الق]ومي ‪ ،‬ودع]ا األدب]اء إىل الوح]دة العربي]ة ألن منط]ق احلي]اة و‬
‫متطلب ]]ات الت ]]اريخ و مفه ]]وم العص ]]ر ‪،‬و ق ]]د ف ]]رض ذل ]]ك على الع ]]رب فرض] ]ًا و ال س ]]يما أن التح ]]رر من‬
‫االستعمار يف كل قطر إن هو إال لبنة على طريق الوحدة العربية الشاملة ‪.2‬‬

‫على أّن فكرة االلتزام قد جاءت نتيجة الرتباط األديب مبشكالت احلي]اة الواقع]]ة و إدراك]ه خلط]]ورة ه]]ذا‬
‫ال]]دور ال]]ذي يق]]وم ب]]ه إزاء ه]]ذه املش]]كالت ‪.‬لتك]]ون ق]]وة التعب]]ري الف]]ين وس]]يلة يف تنبي]]ه النف]]وس إىل حقيق]]ة‬
‫واقعها و توعيتها‪. 3‬‬

‫دور الشعر في بث روح الثورة و التمرد ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫دخلن]ا عص]ر ال]وعي ‪ ،‬و خباص]ة ال]وعي االجتم]اعي و االقتص]ادي و السياس]ي ‪ .‬وميكن الق]ول ‪ :‬أن حي]اة‬
‫اإلنسان وسيلة إىل حتويل اإلنس]ان ال]واعي إىل ال]وعي أو إىل درج]ة متزاي]دة من ال]وعي ووج]وده ذات]ه ه]و‬

‫‪ 1‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪.‬‬


‫‪ 2‬الخوص ‪،‬أحمد ‪ ،‬نظرات في األدب العربي ‪ ،‬الحديث ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 3‬اسماعيل ‪،‬عز الدين ‪ ،‬الشعر في إطار العصر الثوري ‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪36‬‬
‫حرك ]]ة تع ]]رب عن تل ]]ك اإلمكان ]]ات و جتس ]]دها ‪ .‬و جند هن ]]ا أهم م ]]ا مييز اإلنس ]]ان ه ]]و حريت ]]ه أو إمكاني ]]ة‬
‫االرتداد على الواقع و التأثري فيه تبعًا ملفهوم عام عنه‪. 1‬‬

‫مل يس ]]تطع األدب يف وض ]]عه احلايل أن يك ]]ون مع ]]زوًال عن الوض ]]ع الفك ]]ري و الثق ]]ايف ال ]]ذي منر ب ]]ه ‪ ،‬و‬
‫الوضع الفكري و الثقايف الذي منر به اآلن وضع هابط و متأثر ‪ ،‬بدًال من أن يك]]ون يف وض]]ع الص]]عود و‬
‫األصالة‪. 2‬‬

‫وق ]]د اس ]]تجاب أدبن ]]ا الع ]]ريب احلديث ملعظم تي ]]ارات املقاوم ]]ة على حنو س ]]ريع و إجيايب مما دع ]]ا أباءن ]]ا و‬
‫ش]]عراءنا إىل مقاوم]]ة الواق]]ع االس]]تعماري اجلدي]]د وإىل حتدي س]]لطانه و أعوان]]ه ‪ ،‬فك]]ان ه]]دف التحري]]ر و‬
‫االستقالل الوتر الواحد الذي كرر األدباء العزف عليه بع]]د أن التص]]قوا بقض]]ايا أمتهم ‪،‬وال]تزموا مببادئه]]ا‬
‫و أه ]]دافها العظيم ]]ة ‪ ،‬فوقف ]]وا يف طليع ]]ة الش ]]عب يتح ]]دون االس ]]تعمار بالكلم ]]ة امللتزم ]]ة ال ]]يت تس ]]عى إىل‬
‫الكشف عن أساليب املستعمر و طرقه وخداعه املستمر للشعب ‪.3‬‬

‫فحم]]ل أب]]و ريش]]ة على عاتق]]ه مهم]]ة ص]]عبة ب]]أن جيع]]ل من ش]]عره رس]]الة تنتش]]ر بني أقط]]ار ال]]وطن خارج ]ًا‬
‫بالشعر عن أغراضه التقليدية مع حفاظه على الفنية واجلمالية وحس]ن الص]ياغة و الش]اعرية ‪،‬ال]يت ت]ؤثر يف‬
‫القارئ الذي يغوص يف أعماق األبي]ات ليس]تخرج نفيس املع]اين و درر التج]ارب و ه]دف الش]اعر و م]ا‬
‫يرمي إليه من نصح وإرش]اد و فخ]ر واع]تزاز وحتس]ر وت]أوه على حاض]ر يش]كو جراح]ًا ال ب]د من التئامه]ا‬
‫يف يوم ما ‪.‬‬

‫فالواقعية يف األدب ‪ ،‬مبعناها العام ‪ ،‬هي حماولة هتدف إىل تصوير احلياة الطبيعية اإلنسانية بأوسع معانيها‬
‫وب]]أدق أمان]]ة ممكن]]ة ‪ ،‬وهي هبذا املع]]ىن ت]]رفض أن ترف]]ع الواق]]ع إىل مس]]توى املث]]ال أو مبع]]ىن آخ]]ر ت]]رفض أن‬
‫تصور الواقع يف هيئة املتكامل أو املثايل من أج]ل أغ]راض معين]ة ‪ ،‬كم]ا ت]رفض أن تع]اجل املوض]وعات ال]يت‬
‫تس ]]مو عن ع ]]امل الواق ]]ع إىل م ]]ا وراء الطبيع ]]ة ‪ .‬وهي (أي الواقعي ]]ة ) ال تعت ]]رب حديث ]]ة عه ]]د ب ]]األدب فق ]]د‬
‫ظه]]رت يف عص]]ور األدب]]ة املختلف]]ة من ق]]دمي الزم]]ان إال أهنا مل تكتس]]ب ه]]ذا املفه]]وم احملدد إال يف عص]]رنا‬
‫احلديث‪. 4‬‬

‫يق]]ول أب]و ريش]ة أبيات]ًا ختتل]ط فيه]]ا املش]اعر و تلتهب العواط]]ف لتبقى كلمات]ه شاخص]]ة يف ض]]مري الش]باب‬
‫العريب‪: 5‬‬

‫‪ 1‬سركيس ‪،‬إحسان ‪ ،‬األدب و الدولة ‪ ،‬ص ‪110‬‬


‫‪ 2‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 3‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪ 4‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪ ،‬األدب وقيمة الحياة المعاصرة ‪،‬ص‪.177‬‬
‫‪ 5‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.17-16‬‬

‫‪37‬‬
‫ما دام مغموسًا بذل إساره‬ ‫فذري العقاب فلن يهزك حلنه‬

‫منها أصابعه على أوتاره‬ ‫لو شاء بّث شجونه لتكسرت‬

‫ما هدم اجلبناء من أسواره‬ ‫اجملد خيجل أن جيعل الطرف يف‬

‫محل جتاذبه يدا جزاره‬ ‫فكأنه من نيله لفراته‬

‫تلمح برتبته ُخ طى أحراره‬ ‫ما ذنب فتيته إذا شبت و مل‬

‫يبقى مطوقها بلعنة عاره‬ ‫تركت هلا أباؤها اإلرث الذي‬

‫يا حسرة الوطن الغريب ‪ ،‬وغربة الش]عب الش]ريد يف رب]ا وطن ض]م الع]دو املقيت ‪،‬ليول]د الطف]ل الي]تيم و‬
‫يف عيني]]ه دمع]]ة القي]]د ال]]ذليل ‪ .‬تتجلى لن]]ا يف ه]]ذه األبي]]ات أص]]وات الش]]اعر ميلؤه]]ا احلزن و يثقله]]ا األس]]ى‬
‫كقوله ‪( :‬مل تلمح برتبته ُخ طى أحراره‪ ،‬يبقى مطوقها بلعنة عاره) ‪.‬‬

‫لق]]د محل الش]]اعر امله]]اجر رس]]الة قومي]]ة و إنس]]انية يف دار غربت]]ه ‪ ،‬وعن]]دنا أن الرس]]الة القومي]]ة األص]]لية ال‬
‫ميكن إال أن تكون إنسانية ‪ ،‬ولذلك فإن الرسالة اإلنس]انية احلقيقي]ة ال ميكن إال أن تك]ون عميق]ة اجلذور‬
‫يف القومية األصيلة ‪.1‬‬

‫ولذلك ليس كل األدب أدبًا مؤثرًا يف اجلماهري ‪ ،‬ولكن مبقدار م]]ا يك]]ون األدب أص]]يًال مبع]]ىن الص]]دق يف‬
‫التعبري عن الشعور القومي ‪،‬ومبقدار ما يك]ون األدب عميق]ًا وجي]دًا يف رس]م أبع]اد ذل]ك الش]عور ‪،‬ب]املعىن‬
‫الواس]]ع للش]]عور‪ ،‬ب]]ذلك املق]]دار يك]]ون األدب م]]ؤثرًا يف بّث ال]]وعي الق]]ومي ‪،‬أو حتري]]ك ال]]وعي الق]]ومي‬
‫بعبارة أدق‪. 2‬‬

‫وال ي]]زال أب]]و ريش]]ة ي]]ربع يف وص]]فه و يب]]دع يف حنت]]ه ح]]ىت غ]]دا ش]]عره متث]]اًال مجع معاني]]ه وأغراض]]ه ‪ ،‬لك]]ل‬
‫مقصد وغاية وجدها جديرة بالرواية عن معرفة ودراي]ة ‪ ،‬فه]]و ص]]احب مض]]مار يف ش]ؤون السياس]ة وذو‬
‫خربة و مراسة ‪،‬داخل وطنه و خارج أسواره ‪.‬فيقول‪:3‬‬

‫فيصل العلياء وانظر واعجب‬ ‫فالتفت من كوة الفردوس يا‬

‫الفاتح املسرتق املستلب‬ ‫أترى كيف اشتفى الثأر من‬


‫‪ 1‬األحمد ‪ ،‬أحمد سليمان ‪ ،‬هذا الشعر الحديث ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ 2‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 3‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.443-42‬‬

‫‪38‬‬
‫يف ثنايا جنمه احملتجب‬ ‫وطوى ما طال مت راياته‬

‫يف وداع األمل املرتقب‬ ‫ما نسينا دمعة عاصيها‬

‫ما محلنا يف ركاب احلقب‬ ‫يالنعمى خّف يف أظالهلا‬

‫و طيوف الزهو فوق اهلدب‬ ‫أينما جال بنا الطرف انثىن‬

‫تس]]تحق ه]]ذه األبي]]ات أن نق]]ف عن]]دها ملي ]ًا ‪ ،‬ملا فيه]]ا من مش]]اعر و أفك]]ار متوج يف خلج]]ات الش]]اعر ‪،‬‬
‫وق]]د س]]كرت الت]]اريخ ال]]ذي س]]طرها وعلت بعل]]و مقص]]دها ‪ .‬وهن]]ا مع]]ىن يع]]اكس األبي]]ات األول حيث‬
‫األمل و الوعد بالنصر ‪ ،‬بل رؤيته نص]]ب العني ألن]ه آٍت ال حمال]ة على ي]د من خياطبهم الش]اعر دوم]ًا ‪،‬أال‬
‫و هم أبن]اء األم]ة ‪،‬أم]ل احلاض]ر وبن]اة املس]تقبل الزاه]ر ‪.‬فأينم]ا التفت يف أرج]اء ال]وطن ت]رى الزه]و و الع]ز‬
‫آتيًا بعد جهاد و عمل لتحقيق األمل وبلوغ احللم ‪.‬‬

‫على أن ثقة الشاعر كبرية إذ كان النصر غاية املسرية ‪ .‬يقول‪: 1‬‬

‫إال لتشرتي هبا ما املوت يدخر‬ ‫وكل حسناء ما باعت أساورها‬

‫إذا الطواغيت من إمياهنا سخروا‬ ‫كتائـب بالنضال احلق مؤمنـة‬

‫أو حوربوا هربوا أو صوحبوا غدروا‬ ‫إن خوطبوا كذبوا أو طولبوا اغضبوا‬

‫على الرباط ‪،‬لدعم العار ‪ ،‬مؤمتر !!‬ ‫خافوا على العار أن ميحى فكان هلم‬

‫جيم]]ع يف ه]]ذه الش]]اعر يف ه]]ذه األبي]]ات ثقت]]ه العالي]]ة بالنص]]ر ووص]]ف للع]]دو فه]]و جب]]ان ‪ ،‬إذ رأى ب]]وادر‬
‫الوحدة وىل مدبرًا إىل غري رجعة ولعله يلمح إىل من يدعم االستعمار من خونة و جتار ‪،‬جلبوا ألنفس]]هم‬
‫العار بأن باعوا الثمني بأزهد األسعار ‪.‬‬

‫ذلك هو دور قيادة اجلمهور للتوصل إىل ما توصل إليه األديب ‪ ،‬إلدراك ما أدركه هو بصورة أوضح و‬
‫ب]وقت أقص]ر مما أدرك]ه اجلمه]ور الع]ادي ‪،‬ل]ذلك ك]ان األدب س]باقًا يف فهم أوض]اع األم]ة ‪ ،‬و تش]خيص‬
‫أمراضها ‪،‬و رس]م مس]تقبلها ‪،‬ل]ذلك ك]انت الث]ورات غالب]ًا م]ا تس]بقها هنض]]ة أدبي]ة و فكري]ة ت]دل عليه]ا ‪،‬‬
‫وتقود اجلماهري يف طريقها‪. 2‬‬

‫‪ 1‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.‬‬


‫‪ 2‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪39‬‬
‫ويف احلديث عن األس ] ]]لوب املباش ] ]]ر و غ ] ]]ري املباش ] ]]ر ‪ ،‬جتدر اإلش ] ]]ارة إىل أن م ] ]]دى الت ] ]]أثري و عمق ] ]]ه يف‬
‫املخاطب ال يعتمد على كمية ما يقال ‪ ،‬و ال على التكرار ‪،‬بل على النوعية أي املقدرة على إي]راد املع]ىن‬
‫الذي يرمز للمعىن املقصود ‪،‬أي الذي يقدح يف الذهن فكرة الوحدة العربية و التعلق القومي‪. 1‬‬

‫انبثاق األمل المشترك من خالل الكفاح المرير‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫إن حتليل مضمون الواقعية يف الفكر العريب املعاصر يقودنا إىل نت]ائج ‪:‬هي أن النهض]ة العربي]ة احلالي]ة تعب]ري‬
‫عن ن] ]]زوع األم] ]]ة للح] ]]ق املطل] ]]ق و أن دور الفك] ]]ر ينحص] ]]ر بتجدي] ]]د أه] ]]داف النهض] ]]ة ‪،‬وحتلي] ]]ل الوض] ]]ع‬
‫االجتماعي املتأخر ‪.2‬‬

‫يف ه]ذا اجملال جند أن الش]اعر ي]زداد ح]دة وكلمات]ه ق]وة و ال ننس]ى اجلرأة ال]يت وثنب من ص]دره لتختط]ف‬
‫الراي ]]ة و تغرس ]]ها يف قم ]]ة جب ]]ل تك ]]البت علي ]]ه األطم ]]اع واس ]]تبيح ح ]]ىت ص ]]اح ‪ :‬أال أين الفتي ]]ان ال ]]ذين‬
‫يهجرون اخليام حىت تبلغ أجمادهم الغمام ‪.‬‬

‫يقول ‪:3‬‬

‫حام وراء جفون احلق موؤود‬ ‫وكيف ينشق عن أطياف عزتنا‬

‫وماهلا من أساة احلق تضميد‬ ‫طالعتنا و جراح البغي راعقة‬

‫و للرجولة يف األمساع تنديد‬ ‫فللفجيعة يف األفواه غمغمة‬

‫فأين من دوهنا تلك الصناديد‬ ‫فتلك راياتنا خجلى منكسة‬

‫وسيفها يف قراب الذل مغمود‬ ‫ما باهلا وثبت للثأر وانكفأت‬


‫‪4‬‬
‫على الليايل عبابيد رعاديــد‬ ‫يا للشعوب اليت قادت أزمتها‬

‫تزخ]ر ه]ذه األبي]ات بص]ور البالغ]ة و البي]ان ‪ ،‬فك]ل كلم]ة حتم]ل يف طياهتا مع]اٍن عظيم]ة ‪ ،‬م]ع استحض]ار‬
‫اجلزال]]ة القدمية ‪ ،‬ال]]يت ُح كي بانكفائه]]ا وزوال هبجته]]ا وغي]]اب رونقه]]ا ‪ ،‬إنن]]ا نلمحه]]ا هن]]ا يف أهبى حل]]ة و‬
‫أمجل ص]]نعة كم]]ا يف قول]]ه ( م]]ا هلا من أس]]اة احلق تض]]ميد ‪،‬س]]يفها يف ق]]راب ال]]ذل مغم]]ود ) فه]]و يتعجب‬

‫‪ 1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪ 2‬العشماوي ‪ ،‬محمد زكي ‪ ،‬األدب و قيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪ 3‬الديوان ‪ ،‬ص ‪. 94 -93‬‬
‫‪ 4‬رعاديد ‪ ،‬الرعديد هو الجبان (مختار الصحاح ص ‪.)486‬‬

‫‪40‬‬
‫من حلم ينبث ]]ق من عي ]]ون قت ]]ل فيه ]]ا احلق ‪،‬في ]]ا للفجيع ]]ة ال ]]يت يكتض ص ]]وهتا حزين ]ًا يهت ]]ف للرج ]]ال ال ]]ذين‬
‫يرفعون الرايات و يشهرون السيوف ‪.‬‬

‫هلذا ك ]]ان األديب احلقيقي ‪،‬مبنح ]]ه اإلنس ]]ان كرام ]]ة أك ]]رب ‪،‬وإمنا ي ]]دل اجلمه ]]ور على طري ]]ق حي ]]اة أفض ]]ل‬
‫‪.‬ويص]]دق ذل]]ك يف مجي]]ع األزمن]]ة ال]]يت ك]]ان فيه]]ا األدب]]اء يع]]ربون عن ص]]ورة اجملتم]]ع الن]]امي أو األم]]ل يف‬
‫جمتمع جديد ‪.1‬‬

‫ومن حسن الصنيع أن نردف هذه األبيات بُأخر حتمل املعىن نفسه أو ما يقاربه ‪:2‬‬

‫إىل العوامل فانطلق أيها احلجر‬ ‫ازميل مبدعه أدى رسالته‬

‫ودون قيد خطاك املسلك الوعر‬ ‫درجت فوق ثراه يف كآبته‬

‫وشدقه عن لعاب الكيد منحسر‬ ‫وحش الغزاة متطى يف مرابعه‬

‫مسنونة الناب ال تبقي وال تذر‬ ‫ينساب بالنهم الطاغي و شّر ته‬

‫ومل حيل دوهنا خوف و ال حذر‬ ‫حطمت بالصرخة الزهراء شوكته‬

‫فكل ميدان ثائر بالدما عطر‬ ‫ثارت على وجعها األجيال و انطلقت‬

‫ترتاوح األبيات بني السهولة والسالسة ‪،‬والقوة و اجلزالة ‪،‬فهو حيسن املعىن و جيي]]د استحض]]ار الص]]ور يف‬
‫خميل]]ة الق]]ارئ ‪،‬ولع]]ل ه]]ذا أهم م]]ا مييز الش]]اعر ال س]]يما إن ك]]ان ح]]داثيًا ‪،‬أي يف عص]]ر غلب علي]]ه الرم]]ز‬
‫واألس]طورة و الغم]وض ‪.‬كم]ا جند أب]ا ريش]ة يواف]ق بني جزال]ة الش]عر وأص]الته ‪ ،‬و ش]رف املع]ىن و جدت]ه‬
‫وهو أمر ال يستهان به ‪ .‬فوق]ف على اخلط]ر وص]ورة هنم]ًا يبتل]ع ال]وطن مبا في]ه ‪ ،‬و ال س]بيل س]وى الث]ورة‬
‫اليت تشعل األرض نارًا وقودها الدماء و األرواح ‪:‬‬

‫يقول أيضًا ‪:3‬‬

‫حيالك إهنم رمم‬ ‫سكـ ـ ــوت قاتل ‪.....‬انظر‬

‫هنا رأٌس هنا قدم‬ ‫هنا أيـٍد مقطعـ ـ ــة‬

‫‪ 1‬سركيس‪ ،‬إحسان‪ ،‬األدب و الدولة ‪ ،‬ص ‪.108‬‬


‫‪ 2‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.73-72‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.88-87‬‬

‫‪41‬‬
‫تصطكان من أمل‬ ‫أخـ ــي ما يب أرى قدمّي‬
‫قواي ‪...‬تنهد اجلرح‬ ‫أخي ‪..‬خدرت ‪..‬يدي ‪..‬خارت‬

‫أخي‪ ...‬هيهات لن أصحو‬ ‫فقـ ــم أنت ‪ ...‬و دعين يا‬

‫وداعًا متع الدنيا‬ ‫وداعـًا وطـين الغـ ــايل‬

‫انتهى أجلي ‪ ...‬وداعًا يا‪...‬‬ ‫وداعـ ـًا يا أخ ــي ‪...‬إين‬

‫خياطب أبو ريشة أخاه العريب ‪،‬ويشكو إلي]ه آالم]ه وجراح]ه عل]ه يش]اركه فيه]ا واص]فًا الواق]ع وص]فًا مؤملًا‬
‫‪،‬ب]]أن جيع]]ل من]]ه ص]]ورة دامي]]ة ه]]و أح]]د شخص]]ياهتا ‪ ،‬آتي ]ًا بص]]ور جتس]]د املعان]]اة املري]]رة يف معرك]]ة احلي]]اة‬
‫املص ]]ريية ال ]]يت يبحث عنه ]]ا الش ]]اعر يف ذات الق ]]ارئ حماوًال النف ]]اذ إىل وجدان ]]ه عل ]]ه ي ]]درك و يتنب ]]ه معلن ]ًا‬
‫النهاية املشرتكة ‪،‬مطلقًا زفرات الوداع األخري ‪.‬‬

‫إن وجه ]]ة األديب ش ]]أهنا ش ]]أن األدب ‪ ،‬هي أن تك ]]ون ض ]]مريًا ‪،‬فكلم ]]ا ك ]]ان األدب موهوب ]ًا كلم ]]ا مسع‬
‫صوت الضمري بقوة أكرب يف عمله ‪،‬إنه ص]وت قل]ق ومقل]ق ‪ ،‬و ال]واجب الرئيس]ي بني الواجب]ات العدي]دة‬
‫األخرى هو أن يكون إنسانًا ‪ ،‬وواجب األديب هو أال يكل عن التفكري يف ذلك ‪ ،‬ألن رسالة األدب و‬
‫األديب هي أن يكونا ضمري عصرمها ‪.1‬‬

‫رابعًا ‪ :‬تجلي الطابع القومي ‪:‬‬


‫‪ 1‬سركيس ‪ ،‬إحسان ‪ ،‬األدب و الدولة ‪ ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪42‬‬
‫األديب إنس] ]]ان خيدر خيال] ]]ه اخلاص ‪ ،‬فك] ]]ل إبداع] ]]ه حماوالت للعث] ]]ور على حقيق] ]]ة احلي] ]]اة األك] ]]ثر عمق ] ]ًا‬
‫الستعادة االتصال بأعمق ما يف قلبه وربط كل شيء باحلياة االجتماعية احمليطة ب]]ه ‪،‬وه]]ذا اجله]]د م]]ا مييزه‬
‫من اآلخرين الذين ليسوا بأدباء‪.‬‬

‫التغني بربوع البالد ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫جند فيم]]ا ي]]أيت من األبي]]ات م]]ا م]]ر معن]]ا يف الش]]واهد الس]]ابقة من فخ]]ر و اع]]تزاز وتغ]]ين برب]]وع البالد ‪ ،‬إال‬
‫أننا نق]ف عن]د كلم]ات ت]ؤرخ للقومي]ة يف ش]عر أيب ريش]ة ك]ذكره لفلس]طني و لبن]ان ‪،‬والني]ل و الف]رات ‪،‬‬
‫فكأن]]ه وح]]د ال]]وطن بني دف]]يت ش]]عره على أم]]ل أن يتح]]د من مش]]رقه ملغرب]]ه ‪،‬لت]]ربز مش]]اعره القومي]]ة رقيق]]ة‬
‫س] ]]خية تنبض ب] ]]احلب و األخوي] ]]ة ‪ ،‬من خالل وقف] ]]ات س] ]]ريعة على أفك] ]]ار بس] ]]يطة و ش] ]]واهد جدي ]]دة‪.‬‬
‫كقوله‪: 1‬‬

‫بني الفرات و بني النيل تنتشر‬ ‫وخلف هذي الربا هتفو إليك يا ربا‬

‫أجفاهنا فهي تستجدي و تنتظر‬ ‫علي شهي‪ 2‬رؤاك لقياك مطبقة‬

‫إال و راحت إىل جنواك تغتفر‬ ‫محلت أجفاهنا احلرى فما شهقت‬

‫نرى شوقًا شديدًا و عاطفة جياشة ختفق يف وج]دان الش]اعر امله]اجر لرتتس]م يف كلم]ات ندي]ة تالمس يف‬
‫شذاها قلوب الربية ‪ .‬ومن ذكره لربوع الوطن إشادته بالقدس يف مواضع عدة‪: 3‬‬

‫هلا على الرفرف العلوي تعييد‬ ‫يا عيد كم يف روايب القدس من كبد‬

‫والعّز عند أباة الضيم معبود‬ ‫سالت على العز إرواًء لغصته‬

‫فاحلقد مضطرم والعزم مشدود‬ ‫هيهات لن يشتكي ما ُطل من دمها‬

‫وحنن يف فمه املشبوب تغريد‬ ‫سينجلي ليلنا عن فجر معرتك‬

‫جتس ]]د ه ]]ذه األبي ]]ات القومي ]]ة العربي ]]ة بك ]]ل معانيه ]]ا ‪ ،‬من ش ]]وق للبالد و ف ]]رح باألجماد ‪،‬و أم ]]ل ب ]]اقرتاب‬
‫امليعاد ‪ .‬ذلك الوعد احلق بالنصر و عودة األرض ‪ .‬هكذا نرى أنه كان للقضية الفلسطينية أدهبا ‪ ،‬الذي‬

‫‪ 1‬الديوان ‪،‬ص ‪.74-73‬‬


‫‪ 2‬شهي ‪:‬أي االشتهاء ‪( ،‬مختار الصحاح مادة شهَي ‪.).‬‬
‫‪ 3‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.95‬‬

‫‪43‬‬
‫تفج ]]ر بركان ]ًا حتت أق ]]دام املس ]]تعمر ليثبت أن الع ]]رب هم الق ]]وة ال ]]يت ال تقه ]]ر ‪ ،‬و هك ]]ذا ن ]]رى أيض ]ًا أن‬
‫األدب هو الشعلة املقدسة اليت أنارت طريق الكفاح والنضال‪. 1‬‬

‫على أن ذاتي]]ة األديب ال تتمث]]ل يف ك]]ون جتربت]]ه ختتل]]ف يف أساس]]ها عن جتارب غ]]ريه من أبن]]اء عص]]ره أو‬
‫جمتمعه وإمنا يف كوهنا أكثر عنفًا و شدة و أوضح يف اإلحساس و الوعي وأبعد تركيزًا‪.2‬‬

‫بث مشاعر الحب ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ها هو اجلاحظ حيمل عصاه اليعربية ليضرب النزعات على رأسها حيث يقول مؤكدًا على وحد الع]]رب‬
‫‪ ":‬كلهم ش ]]يء واح ]]د ألن ال ]]دار و اجلزي ]]رة واح ]]دة ‪،‬واللغ ]]ة واح ]]دة ‪،‬وبينهم من التص ]]اهر و التش ]]ابك مث‬
‫املناسبة اليت بينت على غريزة الرتبة ‪،‬وطبع اهلواء و املاء ‪.‬فهم يف ذل]ك ش]يء واح]د يف الطبيع]]ة و اللغ]]ة و‬
‫اهلمة و الشمائل و املرعى و الصناعة والشهرة‪." 3‬‬

‫إن أبا ريشة ملتزم بقضايا أمته فهو يشاركها يف آالمها و أماهلا مع]ربًا عن حب]ه العمي]ق ألرض ال]وطن من‬
‫احمليط إىل اخلليج ‪ ،‬فهي أرض األج]داد ‪ ،‬س]قيت ب]دمائهم و ب]نيت بس]واعدهم ‪،‬وع]زت بأجمادهم ‪،‬لينظ]ر‬
‫بعني األمل إىل وطن واحد حتتضنه القومية العربية ال]يت كرس]ها غ]الب ش]عره للتعب]ري عنه]ا و ال]دعوة إليه]ا‬
‫مصريًا واحدًا و هدفًا ساميًا ‪.‬كما يف قوله‪: 4‬‬

‫يا رؤى عيسى على جفن النيب‬ ‫يا روايب القدس يا جملى السنا‬

‫صهلة اخليل ووهج العضب‬ ‫دون عليائك يف الرحب املدى‬

‫ومنت ما بيننا من نسب‬ ‫ملت اآلالم منا مشلنا‬

‫و إذا بغداد جنوى يثرب‬ ‫فإذا مصر أغاين جلق‬

‫والتقى مشرقها باملغرب‬ ‫ذهبت أعالمها خافقة‬

‫‪ 1‬الخوص ‪،‬أحمد ‪ ،‬نظرات في األدب العربي ‪ ،‬الحديث ‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫‪ 2‬سركيس ‪،‬إحسان ‪ ،‬األدب و الدولة ‪ ،‬ص ‪110‬‬
‫‪ 3‬الخوص ‪،‬أحمد ‪ ،‬نظرات في األدب العربي ‪ ،‬الحديث ‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪4‬الديوان ص‬

‫‪44‬‬
‫ي ]]رى أب ]]و ريش ]]ة يف آالم ال ]]وطن و م ]]ا يآس ]]يه على ي ]]د حمتلي ]]ه س ]]ببًا يف اجتم ]]اع األم ]]ة على كلم ]]ة واح ]]دة‬
‫وتعزيز الرواب]ط و توثي]ق الص]الت يف س]بيل الص]مود و التح]دي لتتج]اوب مجي]ع األقط]ار لن]داء واح]د أال‬
‫وهو نداء الثورة والتحرير ‪.‬‬

‫على أن ه ]]ذه القومي]]ة ال تلبث أن ت]]زدهي حلته ]]ا خبي]]وط الس]]ماحة اإلنس]]انية على ي]]د خ]]ري الربي]]ة وخ]]امت‬
‫الديانات السماوية حممد (ص) فيقول‪: 1‬‬

‫فيها جناحًا و ال جرت فيها قدمًا‬ ‫مرت طيوفًا على الدنيا فما غمست‬

‫شوقًا و سالت على أجوائها نعما‬ ‫حىت إذا طالعتها مكة اختلجت‬

‫يسلسل الوحي إن صمتًا وإن كلما‬ ‫فالح أمحد يف أعراس دعوته‬

‫ما زادها النور إال ضلة وعمى‬ ‫و يسحب املرود األسىن على مقٍل‬

‫فعربدت صلفًا و استكربت مشما‬ ‫هناءًة شقيت هوج النفوس هبا‬

‫يف هذه األبيات يتنافس املعىن مع القالب على اجلودة ‪ ،‬و لكن األح]رى بن]ا أن نستش]هد يق]ول أيب هالل‬
‫‪ ":‬وأجود الكالم ما يكون جزًال سهًال ال ينعلق معناه وال يستبهم مغزاه ‪،‬وال يكون مكدودًا مس]]تكرهًا‬
‫‪ ،‬ومت]]وعرًا متقع]]رًا ‪ ،‬و يك]]ون بريئ]ًا من الغثاث]]ة عاري]ًا من الرثاث]]ة ‪..........‬والكالم إذا ك]]ان لفظ]]ه منث]ًا ‪،‬‬
‫ومعرضه رثًا كان مردودًا ‪ ،‬و لو احتوى على أجّل معىن وأنبله ‪،‬وأرفعه وأفضله ‪"2......‬‬

‫الفخر بالبلدان العربية‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫و ال يف]]رت أب]]و ريش]]ة عن ذك]]ر البالد العربي]]ة وال س]]يما الق]]دس ‪،‬ملا تركت]]ه من أث]]ر يف الش]]عب الع]]ريب عام]]ة‬
‫فكيف بأصحاب األحاسيس املرهفة و القرائح امللتهبة ‪،‬ليخلد أبو ريشة القس يف شعره كما هي خال]]دة‬
‫يف ضمريه ‪ ،‬يناجيها و يفتخر هبا وكأنه ابن أرضها‪: 3‬‬

‫حتنو جوانبه على أحباره‬ ‫هل يف روايب القدس كهف عبادة‬

‫بدماء من نعموا بطيب جواره‬ ‫خشب الصليب على الرمال خمضب‬

‫‪ 1‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.486-485‬‬


‫‪ 2‬العسكري ‪،‬أبو هالل ‪:‬الصناعتين ‪،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ 3‬الديوان ‪ ،‬ص‬

‫‪45‬‬
‫تاهت به الطلقاء من زواره‬ ‫فإذا سبيل احلق منفض الصوى‬

‫إنن]]ا حني نص]]ف قص]]يدة بأهنا تنبض باحلي]]اة ‪،‬فإن]]ا نش]]ري إىل امليزة الك]]ربى ال]]يت ينبغي أن تت]]وافر يف أي أث]]ر‬
‫أديب ‪،‬فكيف إذا كان هذا األدب يعايش احلياة ويعرب عنها ‪.‬‬

‫و يقول يف موضع آخر‪: 1‬‬

‫مل تالمسها ذناىب عقرب‬ ‫أين يف القدس ضلوع غضة‬

‫وقفة املرجتف املضطرب‬ ‫وقف التاريخ يف حمراهبا‬

‫يف مساع العامل املسغرتب‬ ‫كم روى عنها أناشيد النهى‬

‫هك ]]ذا ميض ]]ي الش ]]عر م ]]ع مع ]]ارك األم ]]ة ‪ ،‬حمرض ]ًا و ش ]]اهدًا و مبش ]]رًا وعن ]]دما يته ]]دد اخلط ]]ر الكب ]]ري أرض‬
‫فلس ]]طني ‪ ،‬يت ]]دافع أبن ]]اء األم ]]ة للقت ]]ال يف ص ]]فوف الث ]]وار ‪،‬و الش ]]عر يف قلب املعرك ]]ة داخ ]]ل فلس ]]طني و‬
‫خارجها‪. 2‬‬

‫خامسًا ‪:‬تخليد أبطال األمة شهدائها‬


‫‪ 1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.445‬‬
‫‪ 2‬أبو نضال ‪ ،‬نزيه ‪،‬جدل الشعر و الثورة ‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪46‬‬
‫االستنجاد باألبطال ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫إن هذه السلس]لة األدبي]ة ال تكتم]ل إال ب]ذكر الف]داء و التض]حية ‪،‬من خالل ختلي]د أبط]ال األم]ة ومحاهتا ‪.‬‬
‫و ه هو أبو ريشة يتابع املس]رية األوىل بال]دعوة للث]ورة و النهض]ة و اس]تنهاض مهم الش]باب ‪ ،‬يبث األم]ل‬
‫بأبطال األمة فهم مصريها و شعلة نورها على حد تعبريه ‪:1‬‬

‫يا شعاع األمل املبتسم‬ ‫أيها اجلندي يا كبش الفدا‬

‫طلبتها غصص اجملد الظمي‬ ‫ما عرفت البخل بالروح إذا‬

‫شرفًا حتت ظالل العلم‬ ‫بورك اجلرح الذي حتمله‬

‫يك]]رب أب]]و ريش]]ة من ش]]أن ه]]ؤالء األبط]]ال ‪ ،‬وحيي فيهم الش]]جاعة و اإلق]]دام والتض]]حية ب]]النفس يف س]]بيل‬
‫رفع الراية و بلوغ الغاية ‪.‬‬

‫ك]]ذلك بني الش]]هيد عب]]د الغ]]ين العريس]]ي يف م]]ؤمتر ب]]اريس ‪ ،‬حق]]وق الع]]رب القومي]]ة و أوض]]ح أن القومي]]ة‬
‫العربي]]ة قائم]]ة على وح]]دة اللغ ]]ة والت]]اريخ و الع ]]ادات فق ]]ال ‪ ":‬إن الع ]]رب جتمعهم وح]]دة لغ ]]ة ‪ ،‬ووح]]دة‬
‫عنصر ‪،‬ووحدة تاريخ ‪ ،‬ووحدة عادات ‪،‬ووحدة مطمح سياسي‪." 2‬‬

‫ليس ه]]ذا فحس]]ب ب]]ل جنده متف]]ائًال واثق]ًا على ي]]د ه]]ؤالء األبط]]ال ال]]ذين س]]يعيدون جمد األولني بع]]د ذل‬
‫السنني ‪:3‬‬

‫حافر املهر جبني الكوكب‬ ‫هب للفتح فأدمى حتته‬

‫غيهب الذل و ذل الغيهب‬ ‫وأمانيه انتفاض األرض من‬

‫كل جفن بالثرى خمتضب‬ ‫و انطالق النور حىت يرتوي‬

‫شرف املسعى و نبل املطلب‬ ‫حلم وىل و مل جيرح به‬

‫‪ 1‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ 2‬التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ‪،‬نظرات في األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ 3‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.439‬‬

‫‪47‬‬
‫أمجل قول]ه غيهب ال]ذل و ذل الغيهب ‪.‬ف]نراه يص]]ل إىل املع]]ىن برباع]]ة ناش]رًا برياع]]ه مس]تقبًال زاه]]رًا بالنص]]ر‬
‫‪،‬ويشري إىل عظمة الثوار بأن جيعل البطل يف ثورته حيقق نصرًا مؤزرًا يبلغ عنان الس]]ماء ‪ ،‬لتنفض األرض‬
‫عنها وشاح الذل بعد سعي حثيث لبلوغ املقاصد ‪ .‬ويقول أيضًا‪: 1‬‬

‫وأبيت أن تصغي إىل أعذاره‬ ‫عاتبت ونسيت طيب جناره‬

‫نضبت و مل تنفع غليل أواره‬ ‫تلك البقية من سالفه حلمه‬

‫ما شقت األقدار من أستاره ‪.‬‬ ‫أو ما حملت على كآبة صمته‬

‫هتتك بنات الدهر حرمة داره‬ ‫كانت له خيالؤه ‪،‬أيام مل‬

‫ت]]ربز يف ه]]ذه األبي]]ات براعت]]ه األدبي]]ة ‪ ،‬وفص]]احته الش]]عرية ‪،‬و ص]]وره البياني]]ة ‪ ،‬ال]]يت أتت ت]]دهش الق]]ارئ‬
‫وحتاكي وج ]]دان الس ]]امع ‪ ،‬لتث ]]ور كربي]]اؤه و يهب إىل اجملد والعلي ]]اء طالب ]ًا النص ]]ر و اإلب ]]اء ‪،‬يف ذرا وطن‬
‫دارت علي]]ه األق]]دار فكاب]]د االس]]تعمار بع]]د جمد و اس]]تقرار ‪ ،‬وبع]]د وص]]فه لل]]وطن يرن]]و بط]]رف إىل اجملد‬
‫البعيد والبطل الشهيد ‪،‬كأنه جنمة يف السمو تطلب اجملد يف العلو ‪:2‬‬

‫روى جفونه الرمد من أنواره‬ ‫أين انطالق خياله يف ملعب‬

‫تظفر به ‪،‬فتعلقت بإزاره‬ ‫كم جنمة وثبت لتلثمه فلم‬

‫والعز بني يديه من مساره‬ ‫و لكم متوج يف صداه ندية‬

‫وهم اخلطوب على عريق فخاره‬ ‫غىن عريق فخاره حىت أتت‬

‫ويف ك ]]ل ج ]]انب من ج ]]وانب ال ]]ديوان جند ه ]]ذا التص ]]وير الب ]]ارع ‪،‬حبيث نس ]]تطيع أن نق ]]ول إن التص ]]وير‬
‫أساس فنه ‪ ،‬و هو تصوير يد صناع ‪ ،‬تع]رف كي]ف تض]م اخلط إىل اخلط و الل]ون و الض]وء إىل الض]وء و‬
‫الظل إىل الظل ‪ ،‬فال حنسب نشازًا ‪،‬بل حنسن استواًء وائتالفًا ‪.3‬‬

‫رثاء الشهداء ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ 1‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.14‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 3‬ضيف ‪ ،‬شوقي ‪،‬دراسات في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص ‪.236‬‬

‫‪48‬‬
‫يتوج أبو ريشة شعره القومي برثاء الشهداء ليصب يف مس]اعيه القومي]ة وأهداف]ه االش]رتاكية ‪ ،‬فتظه]]ر لن]ا‬
‫أك]ثر التص]اقًا ب]الواقع وتعب]ري عن]ه بك]ل جزئيات]ه و افتتان]ه بالوص]ف و التص]وير ف]إذا ه]و تقري]ر و تعب]ري عن‬
‫مشاعر صادقة سخية تزخر بالفخر و طلب احلرية على أعتاب وطن عاىن االحتالل و االضطهاد ‪.‬‬

‫فيقول أبو ريشة مفتخرًا هبذا البطل راثيًا إياه‪: 1‬‬

‫ما زال يندي عليه العشب والزهر!‬ ‫يا راقدًا يف محى النعمى ومضجعه‬

‫ورّده عن مدى آفاقه الكرب‬ ‫جنيك اليوم من أزرى الزمان به‬

‫فخضب من شظايا الشهب منكسر‬ ‫جناحه بعدما طال املطاف به‬

‫وصحبه الليل و األشباح و السهر‬ ‫ميشي اهلويىن على صحراء رحلته‬

‫تكاد لوال بقايا الصرب تنتحر‬ ‫وبني جنبيه آمال مبعثرة‬

‫نسيج الكرامة معقود به الظفر‬ ‫كانت له هضاب الشرق ألوية‬

‫يعلي أبو ريشة من شأن الشهيد و ميجد تضحيته مكربًا جهاده و إن مل حيقق النصر فالشهادة نصر أيض]ًا‬
‫على أن يعيش املرء يف ذل احملتل ‪،‬ويرى هذا الشهيد وقد بانت آثار القتال على جبينه امللطخة بالدماء ‪،‬‬
‫وهو سائر يف دجى الطريق دون صاحب أو رفيق ‪،‬متمثًال الصرب طالب الظفر‪.‬‬

‫ومما يالحظ أن الغموض يشيع يف بعض أشعاره ‪ ،‬فتتجلى لن]ا ص]]ور جيم]ع فيه]]ا بني أط]]راف متن]افرة ح]ىت‬
‫يغدو املقصود معدوم الصلة مبا يرمي إليه ‪.‬‬

‫فيحت ]]اج الق ]]ارئ إىل الوق ]]وف و النظ ]]ر وتقص ]]ي األث ]]ر عل ]]ه يص ]]ل إىل فك ]]ر الش ]]اعر ال ]]ذي يع ]]ود ليكش ]]ف‬
‫الستار فرتتسم الصورة واضحة جلية من خالل كلمات مفتاحية علينا أن حنسن استخدامها ‪.‬‬

‫لتس]]تمر مش]]اعر احلزن ممزوج]]ة ب]]الفخر تعكس نفس]]ية الش]]اعر و هي متق]]دة بالقومي]]ة العربي]]ة ال]]يت س]]طرها‬
‫بشعره ‪ ،‬ناقًال واقعًا و جمسدًا مصري أمة ‪:2‬‬

‫‪ 1‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.75‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.76‬‬

‫‪49‬‬
‫عنها فيفضي على استحائها القدر‬ ‫يسائل القدر احملموم يف خجل‬

‫إىل الردى ة الفدا أرواحهم نذروا‬ ‫عزاؤه أن ملء الساِح فتيته‬

‫باحلقد و الغضب العلوي تنفجر‬ ‫كتائب الفتح يف إعصار عاصفة‬

‫يف رعشة الشوق إال الوحل و املدر‬ ‫من كل أمرد ما أدمى مراشفه‬

‫لرتتسم خطوط احلزن تقاطعها نظرات األسى مملوءة باحلسرة فتقطر دمعًا و دمًا‪: 1‬‬

‫األرض أنفاس اكتئاب‬ ‫مات الشباب فملء صدر‬

‫فأتته أنضاء انتحـاب‬ ‫مسعت به أترابه‬

‫و احلسن جمروح األهاب‬ ‫فالزهو مشلول اخلطى‬

‫والروض مسلوب املالب‬ ‫والطري حمدود الغصن‬

‫و السحر مكوي الكتاب‬ ‫و الشعر خمنوق الصدى‬

‫املكرم يف الت ــراب‬ ‫وقفت تواري ذلك النعش‬

‫فه ]]و يق ]]ول الش ]]عر و يقيم ال ]]وزن ‪،‬ولكن لش ]]دة احلزن تت ]]وارى الكلم ]]ات خل ]]ف س ]]تور اكتئ ]]اب ‪،‬وي ]]أيت‬
‫بص ]]ور تع ]]رب عن تت ]]ابع و تقاب ]]ل ‪ ،‬جتس ]]د حال ]]ة احلزن ال ]]يت مشلت ك ]]ل م ]]ا يف ال ]]وطن ‪،‬مبا في ]]ه الطبيع ]]ة ال ]]يت‬
‫ضمت الثريا يف ثراها ‪،‬لتعلو زفرات احلسرة األرض و الروض ‪،‬و الشعر و الطري ‪.‬‬

‫مث يصف لنا جنازة الشهيد ‪:2‬‬

‫واملصلى ميوج يف أحباره‬ ‫لست أنسى الناقوس ملا نعاه‬

‫ساج مسربل بوقاره‬ ‫و رؤوس الرجال مطرقة واحلزن‬

‫تشرب الدمع من مقر انفجاره‬ ‫واملناديل يف أكف الغواين‬

‫‪ 1‬المصدر السابق‪،‬ص ‪.217-216‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.432‬‬

‫‪50‬‬
‫سرقته اآلذان من أسراره‬ ‫محلوه بكل حلٍن شجي‬

‫نلمح هن]ا احلزن يف دم]وع الغ]واين و خط]وات الرج]ال ال]يت تب]دو وق]ورة ق]د أثق]ل النعش خطاه]ا ‪ ،‬ليختم‬
‫الصور بلحٍن حزين هو امتداد لصدوٍر أجهشت يف البكاء لتالمس كل اآلذان ‪،‬وإن كانت صماء ‪.‬‬

‫إن الدفاع عن وجود األمة و توحيدها و بناء كياهنا اجلديد ‪ ،‬إمنا هي أهداف كربى ال ميكن أن تتحق]]ق‬
‫إال باملعاناة و بالنضال ‪ .‬إن إعادة بن]اء اإلنس]ان الع]ريب من جدي]د و ب]دء النهض]ة العربي]ة حبد ذات]ه ‪،‬حيت]اج‬
‫إىل عملية النضال و املعاناة ‪ .‬لذلك فال بد من ترسيخ هذه القيم عن]د اإلنس]ان الع]ريب ‪،‬ويع]ين ب]ذلك أنن]ا‬
‫حباج]]ة إىل غ]]رس مث]]ل القت]]ال و اجملاهبة ‪،‬واقتح]]ام الص]]عاب‪ ،‬وتنمي]]ة روح التح]]دي والتم]]رد على الواق]]ع ‪،‬‬
‫ومقاوم] ]]ة الع] ]]دو ‪ .‬إن قيم القت] ]]ال ‪،‬وروح الفروس] ]]ية ‪،‬ونظ] ]]رة األدب أن ي] ]]ؤدي دورًا مهم ] ]ًا يف ذل] ]]ك ‪.‬‬
‫بإمك ]]ان األدب أن يتخ ]]ذ من االستش ]]هاد ‪،‬و العيش الص] ]]عب ‪،‬واحلي ]]اة اخلش ]]نة ‪،‬واإلقب ]]ال على النض ]]ال‬
‫‪،‬واالس]]تهانة ب]]املوت ‪،‬وت]]وخي البطول]]ة واملث]]ل العلي]]ا ‪،‬مواض]]يع وم]]ادة ل]]ه ‪،‬ب]]دًال من وص]]ف احلي]]اة املرتف]]ة ‪،‬‬
‫ومتجيد امللذات املادية ‪ ،‬و التعلق مبباهج احلياة ‪،‬ووصف عواطف االستقرار و الركود ‪ ،‬وتزكية مواق]]ف‬
‫املس]]اومة والواقعي]]ة ‪،‬وحل]]ول التالؤم ومواق]]ف ال]]رتدد ‪ .‬إن األدب ال]]ذي يتج]]ه حنو ش]]حذ اهلمم ‪،‬وجتدي]]د‬
‫احليوي]]ة ‪،‬ونفخ روح الش]]باب ‪،‬وهتيئ]]ة املواطن ملواجه]]ة الظ]]روف الص]]عبة احمليط]]ة باألم]]ة ‪ ،‬ال ب]]د أن ميج]]د‬
‫قيم الكرام ]]ة و الرجول ]]ة و الفروس ]]ية واملث ]]ل العلي ]]ا مقاب ]]ل املص ]]لحة و قب ]]ول الواق ]]ع والقناع ]]ة ب ]]املوجود و‬
‫التعلق باحلياة‪. 1‬‬

‫هك ]]ذا ن ]]رى الفن ناق ]]دًا للحي ]]اة و باني ]ًا هلا ‪ ،‬فالواقعي ]]ة ليس ]]ت جمرد ‪":‬دعاي ]]ة لعقي ]]دة سياس ]]ية ‪،‬أو م ]]ذهب‬
‫اجتم]]اعي ‪ ،‬ومن مث فمن حقن]]ا أن نس]]ميها الواقعي]]ة العربي]]ة‪،‬متي]]يزًا هلا عن الواقعي]]ة االش]]رتاكية ‪ ،‬واملذاهب‬
‫املادية األخرى ‪ ،‬و على الرغم من أن هذه الواقعية قد تأثرت تأثرًا واضحًا حبركات ثورية خارجية ‪،‬من‬
‫حيث الش]]كل و املض]]مون ‪ ،‬فاالجتاه ن]]ابع من أرض]]نا العربي]]ة وتعب]]ري عن واقعن]]ا االجتم]]اعي ‪،‬وليس جمرد‬
‫دعوة شعوبية‪. 2‬‬

‫الخاتمة و نتائج البحث‬


‫ليس من اهلني الوقوف عند النتائج اليت وصلُت إليها يف هذا البحث ؛ أي الوقوف عند كل نقطة بالنق]]د‬
‫إجيابًا أو سلبًا لذا ستكون هذه النتائج عامة تشمل البحث كامًال‪:‬‬

‫‪ 1‬دور األدب في الوعي القومي ‪ ،‬ص ‪. 38-37‬‬


‫‪ 2‬سركيس ‪،‬إحسان ‪ ،‬األدب وقيم الحياة المعاصرة ‪ ،‬ص ‪.118‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ -1‬و يف ض]]وء م]]ا س]]بق أس]]تطيع الق]]ول ‪ :‬ب]]أنين ق]]د وقفت على معظم ش]]عر أيب ريش]]ة فوج]]دت‬
‫في]]ه م]]ا يس]]ر الق]]ارئ و حياكي وجدان]]ه ‪ ،‬وينقل]]ه إىل ع]]وامل خيتل]]ط فيه]]ا الواق]]ع بص]]ور اخلي]]ال‬
‫املفعم باحلركة و االنتقال الزم]ين ‪.‬حيث ت]رتاوح األبي]ات كم]ا س]بق من املاض]ي إىل احلاض]ر‬
‫‪،‬ومن مث التطلع إىل املستقبل ‪.‬‬
‫‪ -2‬أهم ما جتسد يف رؤيته هو املستقبل الذي كان يراه براقًا زاهرًا زاخرًا بالنقد واخللود ‪.‬‬
‫‪ -3‬على الرغم مما كان يستعرضه من واقع مؤمل و مظلم فإنك ت]]رى يف اجلانب املقاب]]ل تف]]اؤًال‪،‬‬
‫و روح ]ًا مرح]]ة تطلب الط]]واف يف أج]]واء اخلي]]ال و األمني]]ات ‪ ،‬نعم (األمني]]ات ) ‪ ،‬فكلم]]ة‬
‫األم] ]]اين ك] ]]انت أك] ]]ثر الكلم] ]]ات ت] ]]ردادًا يف ال] ]]ديوان ‪،‬وموازي] ]]ة يف كثرهتا اجملد و الص] ]]رب و‬
‫العنفوان ‪.‬منها قوله ‪:‬‬
‫على ك كوكب تتفاىن‬ ‫حنن نسبح ؛فما ألمانينا‬
‫ال بل إنه يذكرها مرتني يف البيت الواحد كقوله ‪:‬‬
‫وامجاٌت ‪ ...‬يا أماين‬ ‫واألماين اليت استماتت عليها‬
‫‪ -4‬ه ]]ذا إن دل على ش ]]يء إمنا ي ]]دل على ارتف ]]اع وت ]]رية األم ]]ل لدي ]]ه و تطلع ]]ه إىل آف ]]اق بعي ]]دة‬
‫عدها أماين ميكن أن تطاهلا اليد كما تطاهلا العني ‪.‬‬
‫‪ -5‬أما بالنسبة لش]اعريته فهي أم]ر مف]رغ من]ه فق]د اس]تطاع من خالهلا بل]وغ الغاي]ات السياس]ية‬
‫و الوطنية و القومية عن طريق وساطة فنية أال و هي األدب امللتصق باحلياة و مرآهتا ‪.‬‬
‫‪ -6‬مل يكن اإلب ]]داع و اإلتق ]]ان و اخلي ]]ال على وت ]]رية واح ]]دة يف ك ]]ل أش ]]عاره ‪،‬إذ جند عن ]]ده يف‬
‫بعض األحي]]ان الفت]]ور يف ال]]وزن و اخنف]]اض اخلي]]ال وانع]]دام الص]]ورة إال أن الغ]]الب علي]]ه ه]]و‬
‫النقيض ‪.‬‬
‫‪ -7‬ك]]ان التنوي]]ع والتغي]]ري ديدن]]ه ففي ك]]ل قص]]يدة جتد ش]]عورًا مغ]]ايرًا وحال]]ة نفس]]ية خمتلف]]ة ‪ ،‬و‬
‫لكنها يف النهاية ال تلبث أن تصب يف حبرية القومية ‪.‬‬
‫‪ -8‬اس]]تطاع أن خيل]]د امسه ب]]ذكاء وبراع]]ة‪ ،‬فجم]]ع الق]]دمي و احلديث ‪ ،‬وس]]ار يف ركب التط]]ور‬
‫باتزان ليكرس غالب شعره يف خدمة متطلبات عصره ‪.‬‬
‫‪ -9‬كان مثاًال للواقعية اجلديدة بكل ما نزعت إليه من مسو يف املقصد وروعة يف العرض ‪.‬‬
‫‪ -10‬استطعت من خالل هذا البحث أن أغوص يف أعماق هذا الشعر و أناقش أفكاره مناقش]]ة‬
‫أدبية نقدية أتطلع من خالهلا إىل تقدمي الفائدة املرجوة ‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪52‬‬
‫المصادر ‪ :‬أبو ريشة ‪ ،‬عمر ‪ ،‬الديوان ‪،‬دار العودة ‪،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫المراجع‬

‫أب ]]و نض ]]ال ‪ ،‬نزي ]]ه ‪،‬ج ]]دل الش ]]عر و الث ]]ورة ‪ ،‬املؤسس ]]ة العربي ]]ة للدراس ]]ات والنش ]]ر ‪،‬ط‪، 1‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪.1979‬‬
‫األمحد ‪ ،‬أمحد سليمان ‪ ،‬هذا الشعر احلديث‪ ،‬منشورات مكتبة النوري ‪ ،‬دمشق ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫امساعيل ‪،‬ع]]ز ال]]دين ‪ ،‬الش]]عر يف إط]]ار العص]]ر الث]]وري‪ ،‬دار القم ‪ ،‬ب]]ريوت ‪ ،‬لبن]]ان ‪ ،‬الطبع]]ة‬ ‫‪-3‬‬
‫األوىل‪ ،‬أيلول ‪.1974‬‬
‫آل جندي‪ ،‬أدهم ‪،‬أعالم األدب و الفن ‪ ،‬ج ‪، 2‬مطبعة االحتاد ‪.1958 ،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ب] ]]رهم ‪ ،‬لطيف] ]]ة إب] ]]راهيم ‪،‬اجتاه] ]]ات الش] ]]عر احلديث يف س] ]]ورية ‪ ،‬منش] ]]ورات أمان] ]]ة عم] ]]ان‬ ‫‪-5‬‬
‫الكربى ‪2002‬م‪.‬‬
‫التدمري ‪،‬غازي ‪ ،‬الغزي ‪،‬كمال ياس]ني ‪،‬نظ]رات يف األدب الع]ريب احلديث ‪ ،‬دار اإلرش]اد‬ ‫‪-6‬‬
‫يف محص ‪ ،‬ط‪1997- 1996 ، 1‬م‪.‬‬
‫اجلرج] ]]اين ‪ ،‬عب] ]]د الق] ]]اهر ‪،‬أس] ]]رار البالغ] ]]ة يف علم البي] ]]ان ‪،‬مديري] ]]ة الكتب و املطبوع ]]ات ‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪1989-1988‬م‪.‬‬
‫اجلرج]]اين ‪ ،‬عب]]د الق]]اهر ‪،‬دالئ]]ل اإلعج]]از ‪،‬مكتب]]ة س]]عد ال]]دين ‪،‬دمش]]ق ‪،‬ط‪-1407، 2‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫اجلندي‪،‬علي ‪ ،‬فن التشبيه ‪ ،‬ج‪ ، 3‬مكتبة هنضة مصر‪ 18 ،‬شارع كامل باشا صدقي ‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫اجليوسي ‪ ،‬سلمى اخلضراء ‪ ،‬االجتاهات و احلركات يف الشعر العريب احلديث ‪ ،‬ترمجة عب]]د‬ ‫‪-10‬‬
‫الواحد لؤلؤة ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬بريوت ‪،‬ط‪، 1‬أيار ‪2001‬م‪.‬‬
‫اخلوص ‪،‬أمحد ‪ ،‬نظرات يف األدب العريب ‪،‬احلديث‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫اخلري ‪ ،‬ه ]]اين ‪ ،‬عم ]]ر أب ]]و ريش ]]ة قيث ]]ارة اخلل ]]ود ‪ ،‬دار رس ]]الن للطباع ]]ة والنش ]]ر والتوزي ]]ع ‪،‬‬ ‫‪-12‬‬
‫دمشق سورية‪.‬‬
‫الدسوقي ‪،‬عمر‪ ،‬يف األدب احلديث ‪ ،‬ج‪ ، 2‬مطبعة الرسالة شارع عابدين ‪،‬ط‪، 6‬‬ ‫‪-13‬‬
‫‪1966‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬ال]]دقاق ‪،‬عم]]ر ‪ ،‬االجتاه الق]]ومي يف الش]]عر الع]]ريب احلديث ‪،‬مكتب]]ة دار الش]]رق ‪ ،‬حلب‪،‬ط‬
‫‪.2،1963‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -15‬س ] ]]اعي ‪،‬أمحد بس ] ]]ام ‪،‬حرك ] ]]ة الش ] ]]عر احلديث يف س ] ]]ورية من خالل أعالم ] ]]ه ‪،‬دار املأمون‬
‫للرتاث ‪،‬دمشق ‪.‬‬
‫‪ -16‬سركيس ‪،‬إحسان ‪ ،‬األدب والدولة ‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر ‪ ،‬بريوت ‪،‬ط‪،1‬تشرين‬
‫األول ‪.1977‬‬
‫‪ -17‬ضيف ‪ ،‬شوقي ‪،‬دراسات يف الشعر العريب املعاصر‪ ،‬دار املعارف مصر‪.‬‬
‫‪ -18‬عباس ‪،‬إحسان ‪ ،‬فن الشعر ‪ ،‬دار الثقافة ‪،‬بريوت ‪،‬ط‪.3‬‬
‫‪ -19‬عبود ‪،‬حنا ‪ ،‬املدرسة الواقعية يف النقد العريب احلديث ‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة ‪،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -20‬عثمان ‪،‬هاشم ‪،‬عمر أبو ريشة آثار جمهولة ‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة يف اجلمهورية العربية‬
‫السورية ‪،‬دمشق ط‪1،2003‬م‪.‬‬
‫العس]]كري ‪،‬أب]]و هالل احلس]]ن بن عب]]د اهلل ‪،‬حتقي]]ق مفي]]د قمين]]ة ‪ ،‬دار الكتب العلمي]]ة ب]]ريوت‬ ‫‪-21‬‬
‫‪،‬ط‪1989-1409 ، 2‬م‪.‬‬
‫العش ]]ماوي ‪،‬حمم ]]د زكي ‪ ،‬األدب و قيم ]]ة احلي ]]اة املعاص ]]رة ‪،‬دار النهض ]]ة العربي ]]ة للطباع ]]ة‬ ‫‪-22‬‬
‫النشر ‪،‬بريوت ‪1980،‬م‪.‬‬
‫مريدن ‪ ،‬عزيزة ‪ ،‬الشعر القومي يف املهجر اجلنويب ‪،‬دار الفكر ‪،‬ط‪.1973، 2‬‬ ‫‪-23‬‬
‫من ]]دور ‪ ،‬حمم ]]د ‪ ،‬يف األدب والنق ]]د ‪ ،‬مطبع ]]ة جلن ]]ة الت ]]أليف ‪،‬الق ]]اهرة ‪،‬ط‪-1368 ، 1‬‬ ‫‪-24‬‬
‫‪.1949‬‬
‫المعاجم ‪:‬‬
‫اجلوهري ‪ ،‬الص] ] ]]حاح يف اللغ] ] ]]ة والعل] ] ]]وم ‪ ،‬تق] ] ]]دمي عب] ] ]]د اهلل العاليلي ‪ ،‬إع] ] ]]داد و‬ ‫‪-1‬‬
‫تصنيف ندمي مرعشلي و أس]امة مرعش]لي ‪،‬دار احلض]]ارة العربي]ة ‪،‬ب]ريوت ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪1974‬م‪.‬‬
‫الزبي ]]دي ‪،‬حمم ]]د مرتض ]]ى‪،‬ت ]]اج الع ]]روس يف ج ]]واهر الق ]]اموس ‪،‬حتقي ]]ق عب ]]د الك ]]رمي‬ ‫‪-2‬‬
‫الغرباوي ‪،‬مراجعة إبراهيم الس]امرائي وعب]د الس]تار أمحد مع]]راج ‪،‬مطبع]]ة الك]ويت‬
‫‪1967 -1386 ،‬م‪.‬‬
‫المحاضرات و الدوريات ‪:‬‬
‫دور األدب يف ال ]]وعي الق ]]ومي ‪ ،‬حبوث ومناقش ]]ات الن ]]دوة الفكري ]]ة ال ]]يت أع ]]ده و‬
‫نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪.4،1986‬‬

‫‪54‬‬

You might also like