Professional Documents
Culture Documents
72
يُوَ َّزع ّ
مجاناً مع العدد ( )115من مج َّلة «الدوحة» -مايو 2017 -
الناشر:
وزارة ّ
الثقافة والرياضة -دولة قطر
رقم اإليداع بدار الكتب القطرية121 / 2017 :
الترقيم الدولي (ردمك)ISBN / 978 / 9927 / 122 / 63 / 7 :
ّ
المجلة. المواد المنشورة في الكتاب ُتع ِّبر عن آراء ُك َّتابها ،وال ُتع ِّبر -بالضرورة -عن رأي الوزارة أو
پول پولز
يوميات طنجة
ّ
()1989 - 1987
ترجمها َّ
وقدم لها
إبراهيم الخطيب
مقدمة
دوَّن الكاتب األمريكي يوميّاته املذكورة يف حجرة نومه ،يف الطابق األخري
5
يوميّات طنجة
من عمارة «إيتيسا» ،وكانت جارته السيِّدة «بايف جونسن» ،وهي رسّ امة،
تقيم يف الطابق السفيل .وكان پول پولز يعتمد ،يف تدبري معيشه اليومي،
كل من محمَّد املرابط ،وعبد الواحد بولعيش ،وعبد الوهاب ،ورحمة. عىل ٍّ
يتكفل محمَّد املرابط وعبد الوهاب بالتسوُّق وإعداد الفطور والغداء َّ
والعشاء ،وكذا إيقاد املدفأة يف أيّام الزمهرير ،ويعمل عبد الواحد بولعيش
سائقا ً لسيّارة پولز ،وهي من نوع «فورد موستانغ» ،حيث يقوم بنقله
إىل مكتب الربيد أو القنصلية الفرنسية ،و -أحياناً -إىل املستشفى ،فضالً
ّ
الشقة. عن نقله للقيام بجوالته عىل الشاطئ .أمّا رحمة فتقوم بتنظيف
وإذاكان «پولز» ال يبدي أيّة مالحظات عىل سلوك بولعيش ،عدا كثرة
«حكاياته املليئة بالكنوز» ،فإنه كان ينزعج من ح ّدة مزاج املرابط ،وعنف
خصامه ،وبذاءة سبابه .يف مقابل ذلك ،كان يك ّن و ّدا ً بيّنا ً لعبد الوهاب ،إىل
تأثر لذهابه لإلقامة ،بصفة دائمة ،يف هوالندا. درجة أنه َّ
شقته ،بني حني وآخر ،لرتويض ساقيه، لم يكن «پولز» يرت َّدد يف مغادرة ّ
عن طريق امليش عىل كورنيش «مرقالة» مصطحباً -يف غالب األحيان-
سائقه .كان يعاني من تصلُّب يف ربلة الساق ،كما كان يعاني من فتق،
ومن انحباس الصوت ،أحياناً ،فكانت جارته «بايف جونسن» تنصحه
بإجراء فحوص ،باألشعة السينية ،للحنجرة .وعندما أجريت له عملية
عىل العصب ال ُو ّدي ،نصحه الطبيب باملكوث يف الفراش وعدم الحركة،
م ّدة من الزمن،وخالل ذلك كان پولز يتناول طعامه مندسّ ا ً يف فراشه ،إىل
أن نبَّهه عبد الواحد بولعيش إىل أن التعوُّد عىل هذا الوضع ليس صحِّ يا ً
بالنسبة إليه .وكان الكاتب يعتقد أن تقلُّبات الطقس مزعجة لصحَّ ته،
التغيات التي عرفتها طنجة ،عىل الصعيدين: ُّ كما كان يبدي استيا ًء من
6
يوميّات طنجة
العمراني ،والبيئي ،ومن بريوقراطية بعض املؤسَّ سات (الربيد مثالً) التي
كانت وسيلته الوحيدة لال ِّتصال بالخارج .مع ذلك ،كان «پول پولز»
حريصا ً عىل البقاء يف طنجة ،متهيِّبا ً مغادرتها ،بل كان يحاول الته ُّرب-
قدر املستطاع -من بعض األسفار ،متعلِّالً بعدم رغبته يف ركوب الطائرة.
شقته املتواضعة ،يف كان الكاتب حريصاً -أيضاً -عىل عدم إغالق باب َّ
وجه زوّاره الكثريين .لم يكن يملك هاتفا ً ثابتاً؛ لذا كان يفتح الباب ّ
لكل
الطارقني ،سواء أكانوا فضوليِّني عابرين ،غايتهم التع ُّرف إليه ،أم كانوا
صحافيِّني يريدون إجراء حوارات معه ،أو باحثني يع ّدون أطروحات
عن أدبه ،أو ُكتّاب ِس َي تتناول حياته ،أو فرقا ً تلفزية َقدِمت لتصوير
أفالم وثائقية عنه .لقد استقبل ،يف هذا الصددِ ،فرَقا ً قادمة من عديد
الدول األوروبية ،ومن أمريكا .ورغم انزعاجه من بعض مطالبها ،كان
ُّ
التنقل خارج البيت، ّ
مشقة ينصاع ،يف النهاية ،لها ،مع ما يكلِّفه ذلك من
ُس بزيارةيف أوقات ،قد ال يستسيغها ،أحياناً .واملالحظ أن «پولز» كان ي َ ّ
شقته ،مثل «رودريغو راي روسا» ،و«باتريسيا ُكتّاب أوموسيقيِّني له ،يف ّ
هاسميث» ،حيث يكون مزاجه رائقاً ،لكن مزاجه كان معتكراً ،تماماً،
طيلة األيّام التي استقبل فيها الكاتب األمريكي «كريستوفر -ساوير-
الوسا ّنو» الذي كان ُي ِع ّد سرية له ،يناقض تصوُّره لبعض مراحلها
يطلع الناس عليه من ما يتصوَّره «پولز» عن نفسه ،أو ما يرفض أن َّ
ترصُّفاته .كان مرسوراً -أيضاً -لزيارة «ميك جاغر» من فرقة «الرولينغ
ستونز» له ،يف أثناء قدوم هذا األخري إىل طنجة بمعية فريق «»BBC؛
قص َد تصوير حفل موسيقي مع فرقة «جهجوكة» ،وكذا لزيارة صديقيه: ْ
«فيليب رامي» و«كريزي كيت» اللذين كانا قد عادا من أمريكا حامل َ ْي
7
يوميّات طنجة
هدايا له ،هي تسجيالت جديدة لبعض ألحانه القديمة .استقبل «پولز»-
أيضاً -نارشين يابانيني ،وباحثني مغربيني من جامعة ليموج ،يف فرنسا،
كما استقبل املخرج محمَّد والد محاند ،الذي جاء لتصوير فيلم وثائقي
عنهُ ،ع ِرض ،فيما بعد ،عىل قناة « »Arteالفرنسية األملانية.
ورغم ميله إىل العزلة ،كان «پول پولز» مندمجاً -إىل حَ ّد ما -يف مجتمع
طنجة ،من خالل عالقاته الحميمية بمساعديه ،الذين كانوا يوجِّ هون إليه
الدعوة لحضور بعض احتفاالتهم ،مثلما حدث مع محمَّد املرابط ،الذي
كل سنة ،حفالً بمناسبة عيد ميالد «پولز» ،أو ما حدث كان يقيم يف بيتهّ ،
مع عبد الوهاب الذي دعاه لحضور حفل زفافه ،وكذا من خالل حرصه
عىل حضور الحفالت املوسيقية أو مشاهدة الرقص الشعبي يف الشارع
العامّ .كانت لـ«پولز» -أيضاً -عالقة ببعض النابهني يف املدينة ،مثل ّ
لل
فاطمة الزهراء ،كريمة السلطان موالي عبد العزيز ،أو ابنة أحد أمراء
الكويت من عائلة الصباح ،التي دعته لحضور حفل ،أقامته يف قرص لها
يطل من مرتفع عىل املحيط األطليس ،وأهدته ،حينئذٍ ،سلهاما ً من وبر ّ
اإلبل .وكان يلبّي دعوة بعض أصدقائه األجانب املقيمني ،بصورة دائمة
أو جزئية ،يف طنجة وذلك لقضاء أمسيات نقاش مهنية معهم ،أو لحضور
حفالت عشاء يف بعض املطاعم ،حيث كان يواظب عىل طلب رشيحة لحم
عجل ،أو يكتفي بعجّ ة بيض باردة.
بقي أن نشري إىل أن «يوميّات طنجة» ال تخلو ،مع ذلك ،من مالحظات،
مدارها بعض سلوكات املغاربة أو ترصُّفات السلطات املحلّيّة .هكذا،
بغيْظ -أن دهاقنة العقار أطلقوا بولدوزيراتهم الحظ «پول پولز»َ -
يف بادية طنجة ،حيث َت َّم تدمري النباتات ،وقطع األشجار ،وأن ّ
سكان
8
يوميّات طنجة
الڤيلت التي ُشيِّدت حديثاً ،هناك ،يرمون قمامتهم يف الخالء ،دون أيّ
ّ
احرتام للبيئة .الحظ -أيضاً -أن العداء بني الجنسني يبدأ منذ الصغر،
وذلك عندما شاهد ،يف الشارع ،صبيانا ً يقذفون ،بالحىص ،موكبا ً نسائيا ً
يعب مَن فيه عن الفرحة بالنقر عىل الدفوف .وبخصوص شهر رمضان، ِّ
انزعج «پولز» من حذف السلطات معزوفات الغيطة يف الصوامع،
ّ
بصفارة إنذار ،كما وتعويض رضبة املدفع املؤذنة بانتهاء يوم الصيام
انزعج من بعض السلوكات التي تصدر عن الصائمني ،والتي ترتاوح بني
العنف اللفظي والقتل العمد.
تلك هي -بإيجاز -بعض مالمح معيش «پول پولز» ،يف طنجة ،إبان
السنتني اللتني روى وقائعهما يف يوميّاته .لقد بدا يل ،من خالل ذلك،
رجالً منفتحاً؛ بحيث لم يكن يرت َّدد يف استقبال َم ْن شاء ،رغم إدراكه
بأن ذلك يقتنص من وجوده وعمله وقتا ً ثميناً ،كما كان متهيِّبا ً من
تغيات يف مجرى أيّامه ،حريصاً -مع ذلك -عىل التالؤم معها أو حدوث ُّ
االستسالم لها ،بمزاج زاهد .كان الكاتب مهتمّاً -أيضاً -بمسألة ترجمة
أعماله إىل اللغتني :الفرنسية ،واإلسبانية ،منزعجا ً من بعض الرتجمات
التي ال تروقه ،كما كان مهتمّا ً باحتمال تصوير فيلم مقتبَس عن أحد
أعماله األدبية .لكن ما يثري االنتباه هو أنه ،طيلة السنتني ،لم يتح َّدث قط،
عن انشغاله بالكتابة ما عدا م َّرتني؛ وعَد ،يف إحداهما ،صديقا ً له بوضع
مق ِّدمة ألحد كتبه ،وقد فعل ،وتساءل ،يف الثانية ،عمّا إذا كان سيلبِّي رغبة
حي «كي فولتري» يف باريس، «دانييل روندو» يف الكتابة عن ذكرياته يف ّ
إبّان سنتَ ْي 1931و ،1932وقد فعل.
ما يثري االنتباه -أيضاً -هو أن «پولز» لم يتح َّدث ،يف يوميّاته ،بتاتاً ،عن
9
يوميّات طنجة
محمّد شكري .والراجح هو أن ذلك لم يكن من قبيل السهو ،بل كان ناتجا ً
عن تفاقم سوء العالقة بينهما ،منذ أواسط الثمانينيات ،بسبب ا ِّتهام
شكري ،يف حوارات صحافية للكاتب األمريكي بأنه كان يترصَّف ،بح ِّريّة،
مستحقاته ،من مبيعات كتبه الثالثة ،التي ترجمها إىل اإلنجليزية، ّ يف
وهي« :الخبز الحايف» ،و«جان جينيه يف طنجة» ،و«تينييس وليامز يف
طنجة» .بيد أن املثري ،يف هذا الصدد ،هو أن «پولز» كتب يف وصيَّته ،التي
أودعها لدى القنصلية الفرنسية يف طنجة ،أن يُمنَح شكري مبلغا ً من
املال ،يعادل 1500دوالرا ً أمريكياً .فهل ُي َع ّد هذا جربا ً لخاطر هذا األخري؟.
إبراهيم الخطيب
10
يوميّات طنجة
11
يوميّات طنجة
19غشت (أغسطس/آب)
13
يوميّات طنجة
20غشت
م َّرت «كلود توما»((( بي ،وهي غضبى من العقود الجديدة التي بعثها لها
النارش « ،»Quai Voltaireقص َد توقيعها .آمل ّأل ُتغلِق الباب يف وجهه،
فرتفض ترجمة كتبي األخرى .لقد كتب إيلّ النارش « »Bourgoisمعلنا ً
عن نيَّته يف تكليفها برتجمة رسائل «جني پولز»(((.
25غشت
غريب َ ..كم هو صعب أمر تغذية الغيظ ورعايته ،بعد تاليش الفورة
((( مرتجمة فرنسية ،قضت جزءا ً من حياتها يف أمريكا ،التقت «پول پولز» -ألوَّل مرّة -سنة ،1973
نظمت ،يف طنجة ،مئوية وترجمت ،إىل الفرنسية ،روايتيه« :بيت العنكبوت» ،و«الغابة الحمراء»َّ .
ميالد «پولز» ،سنة .2010
((( كاتبة أمريكية ،هي زوجة «پول پولز»ُ .ولِدت يف نيويورك سنة ،1917وقضت نحبها سنة
.1973اش ُتهرت بروايتها «سيِّدتان جا ّدتان» ( ،)1943وكذا مرسحيَّتها «يف منزل الصيف».
14
يوميّات طنجة
األوىل! منذ ثالثة أيّام ،يأتي « (((»Lلقضاء ما بعد الزوال هنا .م َّرتني أو
ثالث ،يف السنة ،يصل قادما ً من بوسطن ،حيث يكتب هذه السرية التي
رفضتها قبل رشوعه فيها (((»Weidenfeld« .يعلم جيِّدا ً أنني لم أوافق
عليها ،ولقد ك َّررت لـ« »Lأنني سوف لن أساعده يف إنجازها ،بأيّ حال
ّ
األقل ،هو ال يضع عنّي أسئلة ،وعندما أناقشه ،يرتسَّ ب من األحوال .عىل
لديّ انطباع بأنني أتح َّدث إىل طبيب ،بعد أن يكون قد قال« :أجل ،أنت
مصاب بالرسطان» مضيفاً ،للتوّ« :لكن ،لنتح َّدث يف أمر آخر» .أتساءل
عمّا إذا كان يحدس؛ كم أنا كاره احتقاره لرغباتي! عىل األرجح ،ال؛ فأنا ال
أقول شيئاً ،وال أُظ ِهر شيئاً ،وبعد ّ
كل ذلك ال أشعر ،البتّة ،بيشء.
29غشت
و َّدعني « »Lهذا الزوال .سيسافر غداً ،ومن َّ
املؤكد أنه لم يتق َّدم يف إعداد
مرشوعه أكثر ممّا فعل عند حلوله يف طنجة .وخالل الزواالت الستّة ،التي
قضاها هنا ،قام محمَّد املرابط((( بالتح ُّدث إليه دون انقطاع ،تقريباً.
أعتقد أن « »Lسيكون مهيَّأً ،من اآلن فصاعداً ،للكتابة عن محمَّد املرابط،
أكثر من كتابته عن أيّ شخص آخر.
((( إشارة إىل الكاتب «كريستوفري ساوير – الوسانو»ُ .ولِد سنة 1951يف سان ماتيو (كاليفورنيا)،
وخاصة سرية «پول پولز» «املتفرِّج الالمرئي» ( .)1990ترجم،
ّ لس َي بعض الكتّاب،
وعُرف بتأليفه ِ
إىل اإلنجليزية ،أعمال «فيديريكو غارسيا لوركا».
((( نارش بريطانيُ .ولِد يف فيينا (النمسا) ،سنة .1919
((( راوية ،ورسّ ام مغربي ،يعيش يف طنجةُ .ولِد سنة .1936اسمه الحقيقي محمَّد بن شعيب
ِّ
«محشش» الحجّ ام .من مرويّاته ،التي ترجمها «پول پولز» إىل اإلنجليزية« :حب ببضع شعريات»،
و«حبّة الربتقال».
15
يوميّات طنجة
1شتنرب (سبتمرب/أيلول)
وكيل أعمال «جني پولز» ،يف نيويورك ،أخربني بأن جمعية املؤلِّفني
حق عىل أعمال «جني» ،ما دمت لم ِّ
أوفر لهم الفرنسيني ترفض منحي أيّ ّ
كل هذه املشاكل إىل وثائق تربهن عىل أني وريثها الرشعي .يعود سبب ّ
مرسحيَّتها « »In The Summer Houseبني عام َْي ( )1953و(.)1966
أمّا كتابها « »Plain Pleasuresفقد مىض أمره بيرس ،لكونه مج َّرد
كتاب ،عكس املرسحية التي َت َّم بثّها .يبدو أن جمعية املؤلِّفني تعتقد أن
اإلذاعة والتلفزة تقومان بمراقبة دقيقة مللكيّة األعمال املق َّدمة ،ألن األمر
يتعلَّق ِب ِرهان عىل أموال كثرية.
11شتنرب
((( «خرييس دي ال فرونتريا» .اسمها الحقيقي « .»Cherie Nuttingمصوِّرة فوتوغرافية .يف عام
،2000نرشت كتابا ً يحمل عنوان «عطر أمس :ذكريات حميمية عن پول پولز» ،ويتألَّف من صور
ومن نصوص لـ«پول پولز» ،لم يسبق نرشها ،ومن نصوص حوله ،كتبها بعض أصدقائه.
16
يوميّات طنجة
14شتنرب
(((
قرأت ،هذه امل ّرة ،أجوبة االستبيان املنشور يف صحيفة «»Libération
قبل سنتني« :ملاذا تكتب؟» بحثا ً عن اإلجابة األكثر تواتراً .قلّة من الكتّاب
يفسون ممارستهم ملهنتهم بأسباب ما ِّديّة .الكثريون منهم يعرتفون ِّ
بأنهم يجهلون السبب الذي جعلهم يكتبون ،لكن غالبيتهم يجيبون بأنهم
ُد ِفعوا للكتابة بقوّة باطنية ،لم يكونوا يستطيعون مقاومتها .واألكثر
تشككاً ،منهم ،ال يرت َّددون يف االعرتاف بأن رضاهم الرئيس ناتج عن ُّ
االنطباع بأنهم سوف يرتكون بعضا ً من كيانهم وراءهم ،يعني -بعبارة
أخرى -أن الكتابة تبدو وكأنها تمنح نوعا ً من الخلود ،يف ح ّدها األدنى.
كان يمكن لهذا األمر أن يكون مفهوما ً يف القرن املايض ،عندما كان
االعتقاد سائدا ً بأن الحياة ،عىل هذا الكوكب ،سوف تستم ّر إىل ما ال نهاية.
التوقع صار مشكوكا ً فيه ،اليوم ،فإن الرغبة يف أن يرتكُّ لكن ،بما أن هذا
املرء أثرا ً وراءه تبدو من قبيل العبث .وحتى لو نجح النوع اإلنساني يف
البقاء خالل قرن آخر ،فإنه من غري املحتمل أن تكون ،لكتاب ُكتِب سنة
يتصفحه سنة ،2090برشط َّ ،1990أه ِّميّة كربى ،بالنسبة إىل شخص
بديهي ،هو أن يكون هذا الشخص قادرا ً عىل القراءة.
17
يوميّات طنجة
أمس ،جاء رجالن ،من بنك (وفا) ،لرؤيتي ،حاملني رسالة من الدار
البيضاء تطلب مني إعارة البنك رسم َْي صغريَيْن ألحمد اليعقوبي(((؛
وذلك بغية عرضهما يف معرض ،يعتزمون تنظيمه هناك ،يف هذا الشهر.
وعندما أجبتهما بأنني ال أملك أيّ رسم لليعقوبي ،بل عندي لوحات
كتفي
َّ زيتية ،أخرباني بأنهما ال يريدان سوى الرسوم .وعوض أن أه ّز
أتوفر -فعالً -عىل رسوم ،لكنها سقطت قائالً« :آسف ج َّداً» أضفت بأنني َّ
وراء أحد الرفوف ،يف إحدى الحجرات ،وأنني ال َّ
أتذكر يف أيّة حجرة ،وال
رف ،وأنه ليس يف نيّتي -تماماً -زحزحة تلك األرفف ،املثقلة بالكتب، أيّ ّ
عن مواضعها ،للقيام بالبحث .كانت الفكرة التي خطرت يل سيِّئة ،ذلك
أن الرجلني تطوَّعا إلفراغ األرفف من آالف الكتب ،وأنهما سيعودان مسا ًء
للقيام بذلك .يف هذه األثناء ،تح َّدثت إىل عبد الواحد((( ،واملرابط ،اللذين
بأل أترك نفيس نهبا ً لرغبتهما .سيتطلَّب األمر ،عىل أيّة حال، نصحاني ّ
ع ّدة ساعات .لكنهما ا َّتفقا عىل القول بأنه إذا َت َّم العثور عىل تلك الرسوم،
وخرجت من هنا ،فسوف لن أراها ،أبداً .عيلَّ اآلن ،أن أواجه الرجلني
أفس لهما أن األمر مستحيل. املوفدين من بنك (وفا) ،وأن ِّ
األكثر إزعاجا ً من ذلك ،هو أن فريقا ً تابعا ً للتلفزة الربيطانية ،فضالً عن
مق ِّدمي برامج ،سيصلون ،بعد أسبوعني ،إلجراء حوار معي .اليشء أخشاه
خاص ًة أن صوتي يزداد ضعفاً ،رويدا ً رويداً« .بايف
ّ قدر خشيتي من ذلك،
ّ
وتوف يف نيويورك ،سنة ((( اسمه الكامل «أحمد بن إدريس اليعقوبي»ُ .ولِد يف فاس ،سنة ،1928
ُ
،1985قبل أن ينقل جثمانه ،برعاية امللك محمَّد السادس ،إىل طنجة حيث د ِفن سنة .2003التقى
«پول پولز» ،ألوَّل مرّة ،يف فاس ،سنة . 1947
((( سائق سيارة «پول پولز» ،ومساعده ،اسمه الكامل عبد الواحد بولعيش.
18
يوميّات طنجة
13أكتوبر
كانت «جريترود ستاين»((( تقول« :عندما يموت يهودي ،فهو ميِّت» .مع
ذلك ،كانتا ،هي و«أليس توكالس»((( ،يهوديَّتني سيِّئتني« .ستاين» ،كانت
لها ميول إىل املسيحية العلموية؛ أمّا «توكالس» فقد ارت َّدت -عالنية -إىل
كاثوليكية روما البابوية ،يف ختام حياتها .هل يمكن اعتبار ذلك تقهقرا ً
من جانبهما؟.
16أكتوبر
قبل خمسة وثالثني عاماً ،قال سعيد الكوش لـ«جني» ،وكان يدرِّسها
كل مُتع طنجة» .كان ذلك صحيحا ً يف تلك الفرتة، العربية« :لقد تالشت ّ
لكن ال معنى له اليوم؛ ّ
فكل املباهج املاضية ،لهذه املدينةُ ،نسيت منذ زمن
بعيد .لقد َت َّم إطالق البولدوزيرات يف البادية ،وسُ حقت النباتات سحقاً،
كل مكان .وليس هذا باألمر املدهش ،فالضواحي وقطعت األشجار يف ّ ُ
ّ
الڤيلت الجديدة والالمعة ،يف هذه الب َّد أن تكون يف موقع ما .لكن ّ
سكان
الضواحي ،يرمون نفاياتهم عرب النافذة ،ويرسلون خادماتهم إلفراغ
((( كاتبة أمريكية ( ،)1946-1874من أشهر مؤلَّفاتها «سرية أليس توكالس الذاتية».
((( صديقة «جريترود ستاين» (.)1967-1877
19
يوميّات طنجة
28أكتوبر
مساء أمس ،عاد الفريق التلفزي إىل لندن ،بعد قضاء أحد عرش يوما ً يف
سحب وال أمطار ،ألنهما
ٌ مغرب ،بدون شمس .لم تزعجهم ،يف طنجة،
يوافقان -تماماً -طقس رواية « »Let it come downعام (.)1952
وخاصة يف
ّ لكنهم كانوا يأملون يف أن يجدوا ،يف فاس ،جوّا ً صحواً،
«تافياللت» ،حيث كانوا يرغبون يف تصوير كثبان الرمال هناك .لألسف،
كانت الصحراء رطبة ورمادية( .اليوم ،الج ّو صحو ،هنا).
31أكتوبر
ّ
والشك -حفلة عرس ،أو حوايل عرشين امرأة وفتاة ك ّن يقصدن-
التجوُّل يف الشارع ،وه ّن يرضبن عىل الطبول .وكانت جماعة من
الصبيان يتبعونه ّن ويرمونه ّن بالحجارة .العداء بني الجنسني يبدأ يف
وقت ِّ
مبكر.
(لم يقصدن أيّ عرس ،بل جلسن جميعا ً عىل األرض ،يف قمّة ّ
التل الذي
يقابل نافذة غرفتي).
20
يوميّات طنجة
يصوِّر مومن السميحي((( «املرآة الكربى ((( »The great mirror -منذ
ليذكرني بأنه يرغب يف أن نظهر ،املرابط وأنا، شهر .مساء أمسَ ،م ّر بي ِّ
يف مشهد حانة ،لكنه بادر إىل القول بأننا لن نكون مج َّرد ممثِّلني صامتني،
ذكرته بأن حوارا ً من هذا بل هو يريد منّا أن نتجاذب أطراف الحديثّ .
النوع سيكون -حتماً -باللغة اإلسبانية .اقرتحت عليه استبـدال املرابط
بـ «خرييس دي ال ْف ُرو ْنتريا» ،وترك املرابط يجلس بني مغاربة آخرينَ .قبِل
السحيمي اقرتاحي ،قائالً إنه سيم ّر بالفندق الذي تقيم به (خرييس) بعد
أن يخرج من هنا .قال يل -أيضاً -بأنه سيكون عيلَّ الذهاب إىل «املنزه»
عند الساعة الثانية بعد الزوال .ذهبت ،وجاءت «خرييس» بمالبس
السهرة ،لكن «املنزه» كان مغلقاً ،والربد قارسا ً يف الشارع .انتظرنا هناك
إىل غاية الثالثة والنصف عرصاً .بعد ذلك حملنا املرابط يف السيّارة إىل هنا.
ويف الساعة الرابعة ،عدنا ،أنا و«خرييس» ،مشيا ً عىل األقدام ،إىل النادي
اللييل الذي كان ما يزال مغلقاً ،ودون أن يكون موجودا ً هناك أيّ ممثِّل أو
تقني .يف الخامسة ونصف ،رافقنا «غافان يونغ»((( إىل املنزل ،بالسيّارة.
وبعد السادسة بقليل ،جاء السميحي معتذراً ،محاوال ً إقناعي بالعودة،
صحبته ،إىل «املنزه» فرفضت .وعندما ذهب ،تناولنا طعام العشاء ،أنا
و«خرييس».
مبعوثا بنك (وفا) جاءا ألخذ لوحة زيتية كبرية لليعقوبي ،قصد عرضها
21
يوميّات طنجة
11نوفمرب
ِّ
يؤكد املرابط أنه كان يكفيه إلقاء نظرة داخل «املنزه» (وهو ما قام به
خالل املساء) ،ليدرك بأنه ما كان عليه القبول بالظهور يف مشهد من
ذلك القبيلّ .
كل املغاربة الجالسني يف النادي اللييل كانوا من صنف من
يتعاطون الكحول ،ويرت َّددون عىل املومسات :وهو لن يقبل ،بأي ثمن
كان ،أن يُصوَّر صحبة هؤالء.
15نوفمرب
ذهبنا« ،رودريغو راي روسا»((( وأنا ،أمس ،إىل سوق فاس .لفت انتباهي
فطر يف معرض خرضوات ،وقال يل: إىل طبق ْ
ثم واصل قائالً ،يف حالة ما إذا كنت أجهل املوضوع ،وكنت فعالً أجهله:
((( كاتب من غواتيماالُ ،ولِد سنة .1958من أبرز أعماله املرتجمة إىل الفرنسية ،لدى دار غاليمار:
«أحجار مسحورة» ،و«الصمّ» ،و«الساحل اإلفريقي».
22
يوميّات طنجة
فرتة هادئة ،نسبياً ،بعد االزعاج املتطاول الذي عانيته خالل األسبوع
متنقالً ،برسعة ،بني مسـؤويل الربيـد
ِّ األخري :لقد قضيت ستّة أيّام
والديوانة والرقـابة لتسـلُّم التجارب املطـبعية ملجموعتي القصـصية
« »Call at Corazónعام ( ،)1947التي يقوم «بيرت أوين»((( بإصدارها،
تحت هذا العنوان.
((( نارش إنجليزي ُولِد سنة .1927انخرط يف عالم النرش وهو يف الرابعة والعرشين من عمره،
بعد انتهاء الحرب العاملية الثانية .نرش ملحمَّد شكري سريته الذاتية «الخبز الحايف» ،سنة ،1973يف
صيغتها اإلنجليزية.
23
يوميّات طنجة
26دجنرب
دكان ،يملكه بائع هندي ،يف شارع باستور ،يُعرَض يشء يف (فيرتينة) ّ
بخاخ مضا ّد للعرقُ ،ثبِّتت فيه
من أسخف ما شاهدته هذه السنة :أنبوب ّ
بوصلة.
17يناير
كتبت «بايف» تقول بأنها اس ُتنطقت من طرف الرشطة ،يف موضوع مقتل
«دونالد ويندهام ، (((»Donald Windham -وأنها أملحت لهم بأن
املعتدي -ربَّما -شعر باإلهانة ج ّراء ما كتبه «ويندهام».
24
يوميّات طنجة
20يناير
كل صباح ،ومتى سمح الطقس بذلك ،أغادر بيتي للقيام بمسرية طويلة. ّ
لساقي .وسواء أكان األمر كذلك أم لم يكن ،فإنني
َّ يبدو أن التجوُّل نافع
كل يوم برفقة أغنية شعبية ،ال يسمعها أحد غريي. أخرج للتجوُّل .أميش ّ
الأبذل مجهودا ً للبحث عنها ،بل تنبعث تلقائيا ً من ال وعيي الباطن .يف
الصيف املنرصم ،تنبَّهت إىل تسلُّل هذه األغاني القديمة ،التي تنتمي إىل
أتمكن من ُّ
تذكر عنوان األغنية التي العرشينيات ،إىل وجداني ،وبما أني لم َّ
شغلتني أمس ،فقد ق َّررت تسجيل عنوان أغنية اليوم «.»Red Hot Mama
22يناير
أغنية اليوم هي «.»I gave you up just before you threw me down
األقل ،هذا ما ِّ
يؤكده عبد ّ ساقي تخوران من تحتي .عىل
ّ لديَّ انطباع بأن
أتذكر أني شاهدت بردا ً الواحد وهو يساعدني عىل الوقوف منتصباً .ال َّ
شك -دون أن تستجيب قارسا ً مثل هذا ،يف طنجة ،وهذا الربد يحول -وال ّ
العضالت للحركةّ ،تواً.
24يناير
25
يوميّات طنجة
26يناير
Sueños de opio
27يناير
تبي أن خرب مرصع «دونالد ويندهام» كان حيلة تضليل ،مدبَّرة من َّ
طرف شخص حاقد عىل «بايف جونسن» ،وهي تنسب هذه الخدعة املاكرة
بالشك؛ حيث كان مصابا ً
ّ إىل طالب من الساحل الغربي ،وتقول إنه هو،
بداء انعدام املناعة «وليست لديه ّإل رغبة واحدة ،هي إلحاق الرضر
بالغري».
26
يوميّات طنجة
4فرباير (شباط)
6فرباير
7فرباير
((( مجلّة أدبية يابانية ،تصدر ،شهريّاً ،منذ ،1904من طرف النارش «.»Shinchosha
27
يوميّات طنجة
10فرباير
12فرباير
13فرباير
((( يلمِّح «پول پولز» ،هنا ،إىل أن ،Ledaيف األساطري اليونانية ،هو اسم أنثى وليس اسم ذكر.
28
يوميّات طنجة
الجوّ ،ومكثنا نحن ننظر إليه ،وهو يحلِّق .كانت ريح رشقية قويّة تهبّ ،
وبدا لنا أنها كانت تحول دون ارتفاع الطائر عالياً ،يف الفضاء .لقد ا َّتجه،
مبارشة ،نحو الشمال الغربي ،فوق غابة الصنوبر ،كما لوكان يعرف، ً
جيّداً ،طريقه .كان يرتفع ،رويدا ً رويداً .الربد يُثلج عظامي؛ لذا ما إن
عدت إىل البيت حتى أويت إىل الفراش.
20فرباير
أعاني من زكام حا ّد ،منذ اليوم الذي أخذنا فيه الباز إىل الجبل .يعمل
« ،(((»Lكاتب سريتي املثابر ،عىل تنظيم حفل موسيقي مقتبس من ألحاني،
يف إطار املهرجان املوسيقي « ،(((»Manca de Niceوذلك يـوم 3أبريل.
من الصعب عيلَّ تجاوز غيظي تجاهه ،أما هو فيحاول ،جاهداً ،أن يبدو
لطيفا ً ومؤ َّدبا ً حيايل .أكثر من هذا ،اقرتحَ أن يأتي إىل طنجة قادما ً من
«بوسطن» الصطحابي إىل املهرجان ،فيما لو وافقت عىل الذهاب إىل هناك.
ُس ّن ،وال أحتمل أن يتف َّرس الناس يف مالمحي.
لكني سوف لن أذهب؛ فأنا م ِ
2مارس (آذار)
ذهبت إىل وكالة بنك (وفا) لالستفسار عن لوحة اليعقوبي .قيل يل إنها
موجودة يف الدار البيضاء ،وإن املعرض لن يت ّم تنظيمه قبل أبريل ومايو.
29
يوميّات طنجة
ويعتقد عبد الواحد واملرابط أن املعرض مج َّرد خدعة ،وأن اللوحة بيعت.
لكن ،يبدو يل أنه من املستبعد حدوث ذلك.
11مارس
املنزل الذي يُفرتض أن املرابط شيَّده لـ«خرييس» انتهى العمل فيه ،لكنه ال
يعتزم السماح لها باإلقامة هناك .أمّا الثمانون ألف درهم التي سل َّ َمتْه إيّاها
منذ سنة ،قبل عودتها إىل نيويورك ،فقد استعملها بطريقة غري مسؤولة ،بل
يمكننا وصفها بأنها إجرامية ،لتشييد اإلصطبل الذي سيؤوي فيه حيواناته.
تطلَّب ثالثة أو أربعة أضعاف الثمن ،وهو مبلغ املنزل املشيَّد فوق اإلصطبل َ
ذكر ،بعد جدل طويل مع «خرييس» .وعندما عادت رصفته ،دون حماسة ُت َ
يتوقع أن تعطيه املزيد من املال ،لكن ،بما أنها هذه األخرية ،كان املرابط َّ
رفضت ،فقد كان مضط ّرا ً إىل اصطناع غيظ كبري (استعمل أسلوب الهجوم
مؤكدا ً
قبل مواجهة التهمة) ،وقال لها« :ليس هذا بيتك» ،ثم رشع يف تأثيثه ِّ
متعذر ،ألنه ال وجود ،يف البيت، َّ أنه هو َم ْن سيقيم فيه ،مع أن هذا األمر
ملاء أو كهرباء أو مجرى «الواد» الحا ّر؛ ذلك يعني أنه ال «خرييس» وال هو
بقا َد ْرين عىل اإلقامة فيه .سوف أذهب لرؤية املكان ،ما إن يتحسَّ ن الجوّ.
متحفزاً ،بعد أن تمَّت عملية التشييد.
ِّ لقد غدا فضويل
15مارس
30
يوميّات طنجة
19أبريل (نيسان)
ال أحد يدري -بالضبط -ما إذا كان شهر رمضان سيبدأ اليوم أو غداً.
لقد علمنا ،أمس مساءً ،فقط ،عندما دوَّت صفارات ،أن الصيام سيبدأ
اليوم (هذا هو رمضان الثاني الذي اس ُتعملت فيه صفارات اإلنذارِ ،عوَض
املدفع! « .)»Allez donc savoir pourquoiرضبة مدفع تكون كافية
لتجد نفسك يف الجانب اآلخر من الحدود ،يف بلد املمنوع .البعض يزعمون
يتعذر سماع املدفع .ربَّما كان هذا صحيحا ً
َّ أنه ،بسبب جَ وَالن السيّارات،
عند غروب الشمس ،أمّا يف الرابعة والنصف صباحاً ،فاملدينة تكون
ُش أيّ مسلم إىل سخافة استعمال ّ
صفارة صامتة .أستغرب كيف لم ي ِ ْ
عادة -تحسُّ با ً من هجوم جوّيّ ) لإلعالن عن يوم الصيام
ً إنذار ( ُتستعمل-
املق َّدس.
أتذكر تنبيه الذين يأتون لرشب الشاي هنا،كل سنة ،يكون عيلَّ أن َّ يف ّ
أن عليهم االنرصاف قبل م ّدة طويلة من غروب الشمس؛ ذلك أن الساعة
التي تتلو حلول الليل يجب قضاؤها يف البيوت ،وليس يف الشارع ،قطعاً،
ألنها الوقت الذي يت ّم فيه مهاجمة األجانب .الشوارع تكون خالية تماماً،
رشطي يوجدون ،حينئذ ،يف أيّ مكان من املدينة.
ّ فال سيارة ،والما ّر ،وال
إحدى زائراتي ،وهي أمريكية مُسنّةَ ،ت َّم رضبها وركلها باألقدام ،ورسقة
31
يوميّات طنجة
-إذا كان مزاجك سيِّئا ً بسبب رمضان ،فإن صيامك يغدو بدون قيمة،
واألفضل ّأل تصوم.
مع ذلك ،فالناس يهتاجون عند أوَّل فرصة ،وأنا أحتاط ّأل أعارضهم ،أو
أوجِّ ه النقد إليهم.
24أبريل
32
يوميّات طنجة
َّ
للتوقف عىل بعد حوايل مرت أو أكثر ،بالقرب من وهي تميض ّ
كل مساء
املغسل .ويف الصباح تعود إىل ركنها املعتاد .ليس بني املكانني حرشة،
بإمكان العنكبوت التهامها ،لكنها ال تتخلَّف عن قطع املسافة نفسهاّ ،
كل
مساء .لو أنني أخربت أحدا ً بوجودها لت ّم القضاء عليها حتماً ،فليس هناك
من يشجِّ ع عىل مكوث العناكب يف البيت .لكن «رحمة» خادمة ال مبالية،
بحيث يمكن لهذه العنكبوت أن تقيض شهوراً ،هنا ،دون أن يزعجها أحد.
أمّا لو اكتشف املرابط أو عبد الواحد وجودها ،فسيقومان بدعسها ،دون
تر ُّدد .أجهل ملاذا ،لكني أفرتض أنها غري مؤذية ،وأنها ليست البتّة من
صنف العناكب التي تهاجم وتلسع ،فهذه األخرية لها جسوم أكثر كثافة،
وقوائم أكثر ثخانة ،وذات سواد حالك.
25أبريل
ذهبت يوم الجمعة األخري إىل «مغايغ» ،فكان الصعود مرهقاً .لكن ،بعد
ً
إضافة إىل الوخز مرور ثالثة أيّام ،ازداد األلم استفحاال ً يف أعىل الساق،
املعتاد يف ربلته ،ما يجعل مشيي بالغ الصعوبة .عيلَّ أن أقنع نفيس بأن
األمور ستتحسَّ ن ،يف نهاية املطاف.
27أبريل
بعد حوايل أسبوع ،كان الطقس فيه ربيعياً ،عدنا إىل طقس يناير :سماء
ِّ
متقطعة .يكاد يكون وزخات م ََطرية
ّ ملبَّدة بالغيوم ،وريح رشقية،
مستحيالً ،يف طنجة ،أن تستقر درجة الحرارة عند حَ ّد محمود ،ومن غري
33
يوميّات طنجة
أن تهبّ تلك الريح الرشقية اللعينة ،التي تعطيك إحساسا ً بأن برودة
الج ّو املفاجئة تد َّنت بمقدار عرش درجات؛ لذا يبدو شهر يوليو -يف
برودة من يوم هادىء ،يف فصل الشتاء .لقد تعوَّدت عىل ً الغالب -أش ّد
إيقاد النار يف املدفأة .ما زلت أعاني من آالم الساق ،لكن بشكل ّ
أقل من
أمس ،حيث قضيت يومي كلّه تقريبا ً يف الفراش .أستعمل مزيجا ً من
« »Adalgurو« ،»Alpha- Kadolعند الرضورة .بيد أن استهانتي
بأدوية الصناعة الصيدالنية تعود إىل طفولتي الباكرة ،عندما لم أكن
أسمع سوى االعرتاضات عىل هذه املنتجات الصناعية التي كانت توصف
بأنها ضا ّرة .أمّا اليوم ،فال يبيع الصيادلة سوى هذه املنتجات (عىل ّ
األقل،
ّ
الشك) .من كل مكان،يف هذا البلد الذي ينتمي إىل العالم الثالث ،ويف ّ
املستحيل أن تطلب ،اليوم ،من صيديل أن ُي ِع ّد لك -يدويّاً -دواءً ،يف خلفية
بركة هنا ،فالله وحده يعلم كم من أخطاء قاتلة ً دكانه ،وهذا ما أعتربه ّ
سيت ّم تالفيها ،عىل هذا النحو.
3مايو (أيار)
34
يوميّات طنجة
« -صايف»!.
وأخرج مدية طويلة ،رضب بها الرجل اآلخر بحركة من أعىل إىل أسفل
مم ِّزقا ً أوداجه .نهض الجريح ،وخطا بضع خطوات ،ثم سقط .ولده ،ذو
ظل ينظر إليه ،وهو ينزف دماً ،إىل أن مات.
األربع سنواتّ ،
تلك هي ثاني جريمة تقع يف «كاسا براتا» منذ بداية رمضان ،قبل
أسبوعني .لقد وقعت جرائم أخرى يف أماكن مختلفة من املدينة ،لكني لم
أتوصل ،عن هذه األخرية ،بأيّ وصف صادر عن شهود عيان.َّ
19أبريل (نيسان)
حظها أنها طارت «خرييس» ،هذا اليوم ،يف ا ِّتجاه نيويورك .من سوء ِّ
جاءت ،أمس ،وهي تحمل باقة ورود وزنابق كبرية ،وكان املرابط قد
اشرتى ،يوم الجمعة ،ك ّميّة من ورود بيضاء من نوع «كيف كونتي»،
ووضعها يف مزهرية .لك ّن فكرة سيِّئة خطرت لـ«خرييس» قضت بجعل
ورود املرابط يف آنية متواضعة ،وذلك إلعطاء باقتها املدهشة املكان
رت ،للتوّ ،يف أن املرابط سوف لن يكون سعيدا ً ج ّدا ً بهذا املناسبَّ .
فك ُ
أتوقع عنف ر ّد فعله .تقاطرت من فمه أقذع ألفاظ الوضع ،لكني لم أكن َّ
السباب والشتم ،وكلّما حاولت «خرييس» الرشوع يف الكالم ،كان رصاخه
كل من تعوَّد عىل العيش هنا ،يف شهر رمضان، يعلو فوق صوتها .إن ّ
كل محاولة إلقناع خصمه ،لكن يبدو أن «خرييس» عليه أن يرتاجع عن ّ
35
يوميّات طنجة
كانت تعتقد أن الظروف عاديّة ،تماماً ،بحيث أرصَّت عىل أن تسأل املرابط
عمّا إذا كان ترصُّفها جارحاً .ازداد رصاخ هذا األخري عنفاً ،ورشع يسبّ
املرأة ،بالعربية ،واإلسبانية ،واإلنجليزية ،ثم عمد إىل قذفها بالوسائد ،قبل
أن يصفعها صفعة مدوِّية .لقد كانت «خرييس» منحنية عليه ،لذلك لم
بخفة ،والتقط عودا ً من أخشاب املدفأة ،وتوجَّ ه نط ّتسقط .لكن املرابط َّ
صوب املرأة البائسة لرضبها عىل الجمجمة .لم يُحدث رصاخي ،وأمري
والكف عن الكالم ،أيّ أثر .لكن عبد الوهاب ،الذي كان ّ إيّاه بالجلوس
تمكن من تهدئة تدخل بني الخصمني ،حيث َّ هناك صحبة عبد الواحدَّ ،
املرابط ،لبضع لحظات (كان عبد الوهاب من أصول ريفية؛ لذا أصغى
والشك -أنه رضخّ بكل طواعية) .لكن هذا األخري شعر- إليه املرابط ّ
بسهولة ،لذا واصل الرصاخ مج َّددا ً قائالً :بأنه يوجد يف غرفة مليئة بالذين
يتنفسه املسلم .إثريجب ،يف نظره ،قتلهم ملنعهم من تلويث الج ّو الذي َّ
التلفظ بالسباب والكالمذلك غادر الغرفة ،وسمعناه وهو الزال يواصل ُّ
جيئة وذهاباً .كانت «خرييس» تنتحب ،وعبد الوهاب ً املقذع ،قاطعا ً املطبخ
َّ
فظل ق َّرر املغادرة ،وذلك ما فعله برسعة ،ناسيا ً مطريَّته .أمّا عبد الواحد
جالسا ً وهو يه ّز رأسه ،ويهمس يل:
أظ ّن أن سلوك املرابط أثار حنقه .أمّا أنا فلم أكن مندهشاً؛ إذ سبق يل أن
عاينت ،من قبل ،أزمات جنون املرابط وغضبه الشديد ،لكني شعرت بالعار
شقتي ،ومن أن تدفع إحدى مدعوّاتي ثمن ذلك. كل ذلك يف ّ من حدوث ّ
وعندما كانت «خرييس» تغادر ،وهي مازالت تنتحب ،رصخ املرابط فيها:
36
يوميّات طنجة
-طبعاً ،ال.
لك َّن وعي َد املرابط لم يكن ليطمئنها ،وكنت أمنّي نفيس أنها حني تعود من
السفر ،فإن شهر رمضان سيكون قد انتهى.
لص .فهل -لقد شاءت إثارة جنوني ،وكانت تقول ،دون ُّ
توقف ،إنني ّ
باستطاعتها الربهنة عىل ذلك؟ وهل لديها شهود؟
إنه سيكون من العبث االعتقاد بأن ما حدث سببه باقة ورد ،وُضعت يف
أجنبي عن البيت ،لكن وعي املرابط
ٌّ املكان غري املناسب ،كما قد يظ ّن ذلك
مغربي بأنه مذنب ،فإنه يعمد إىل نهج سبيل
ّ كان شقيّاً ،وعندما يشعر
الهجوم.
5مايو (أيار)
ً
فجأة -االلتحاق العنكبوت التي كانت غائبة طيلة األسبوع ،تقريباً ،ق َّررت-
بملجئها اللييل املعتاد ،حيث تقيض ،منذ اآلن ،نهاراتها ولياليها .ذلك ما
بدا يل مثريا ً للشكوك ،عىل نحو غامض .إنه املكان الذي كان مستق ّرها من
قبل ،إبّان الليل ،لكني لست عىل يقني ،مع ذلك ،من أنها الحرشة نفسها؛
37
يوميّات طنجة
فهذه تبدو أصغر حجماً ،وأش ّد هزاال ً من األخرى .وإذا كان األمر -فعالً-
يتعلَّق بعنكبوت غريها ،فماذا يكون قد حصل لألوىل؟ .وملاذا تشغل هذه
ّ
والشك -أن املكان نفسه الذي شغلته األخرى؟ يف وسع عالم حرشات-
َّ
متوقع. يق ِّدم تفسريا ً مُرضيا ً وغري
6مايو
ذهب «رودريغو» أمس ،يف سفر إىل الجنوب ،يستغرق أسبوعا ً واحداً.
وبما أنه لم يكن يعرف «تنغري» ،فقد اقرتحت عليه الذهاب إليها انطالقا ً
من مراكش ،عىل أن يواصل صوب الرشق ،إىل غاية الرشيدية ،ثم إىل
الشمال إىل غاية «ميدلت» .بدا يل أنه كان عازما ً عىل اخرتاق «تيزي
تيست» للذهاب إىل «تارودانت» ،التي كان قد زارها من قبل .يف هذه ْن ْ
ّ
والشك -إىل «تنغري». الحالة ،هو لن يذهب-
علبة تسجيل الحفل املوسيقي الذي ُن ِّظم يف مدينة «نيس» ،يف الشهر
املنرصم (وكنت أعتقد أنها ضاعت ،حيث َت َّم استخراجها من غشائها)،
حُ جزت ،فقط ،من طرف الرقابة ،بدعوى أنه لم يُرصَّ ح بها .لقد أحرضها
عبد الواحد ،هذا الزوال .القطع املعزوفة بواسطة آلتي (البيانو) رديئة
ج ّداً ،بل أردأ ممّا كنت أظ ّن .أداء بعض األغاني لم يكن سيِّئاً ،ونجح
عازف البيانو املفرد -بسبب عزفه للقطعة بعنف شبيه بسيل مدمِّر -يف
أداء ألحان كانت نشازا ً أكثر ممّا كانت صائبة .ملاذا يرفض عازفو البيانو
االمتثال لتعليمات ضابط الرسعة ،يف أثناء العزف؟ فرضيَّتي هي أنهم
يتخيَّلون بأنهم يُحدثون تأثريا ً عميقاً ،عند العزف ،بأكثر ما يمكن من
الرسعة ،شأنهم يف ذلك شأن الراقن عىل اآللة الكاتبة ،الذي يلهث ليربهن
38
يوميّات طنجة
رقنها يف ّ
كل دقيقة. عىل كثرة الكلمات التي َّ
7مايو
عندما نكون يف السيّارة ،وسط الخالء ،يروي عبد الواحد ،أحياناً ،حكاية
وقعت ،أو يقال إنها وقعت يف إحدى القرى التي كنّا بصدد عبورها.
بعض هذه الحكايات ال يخطر يف بايل ،أبداً ،ابتكارها ،أمّا البعض اآلخر
فعاديّ ،تماماً ،مثل هذه:
كان هنالك زوجان يعيشان ،يف دوّارهما ،ظروفا ً تزداد صعوبة .لقد نفقت
دجاجاتهما األخرية ،بسبب جائحة.
-لو أردنا ّأل نقيض نحبنا ،فعلينا الذهاب اآلن ،ما دمنا نستطيع امليش،
قال الزوج.
كانت املرأة الشابّة حامالً ،فرشعا يف السري عرب الطرقات إىل أن وصال إىل
باب «تازة» ،مع حلول الليل .رآهما رجل ،وأدرك ،للتوّ ،أنهما قادمان من
البادية ،فاستفرسهما عمّا إذا كان يستطيع مساعدتهما .رشحت املرأة
قائلة:
-نبحث عن مثوى.
-بيت؟
-أجل.
39
يوميّات طنجة
دلَّهما الرجل عىل منزل ،كان قد اشرتاه بغية بيعه .وقبل الدخول إليه،
أراد الزوج معرفة السعر (ولم يكن يملك فلسا ً واحداً) .كان املنزل خاليا ً
تماماً ،وبعد زيارته سأل الزوجان املالك ما إذا كان يسمح لهما بقضاء
الليل فيهِّ ،
مؤك َديْن له أنهما سيخربانه بر ِّدهما صباح الغد .وافق املالك عىل
ذلك .تبادلوا تحيّة املساء ،وذهب مالك املنزل إىل حال سبيله .مىض الزوج
للبحث عن املاء يف البرئ ،قصد االغتسال وإعداد العشاء ،فلمح صندوقا ً
صغريا ً يطفو وسط العتمة .عمد إىل انتشاله ،ثم الحظ أنه مغلق بواسطة
قفل .ق َّرر الزوجان أن مالك املنزل يجهل وجود هذا الصندوق ،ففتحاه،
واكتشفا أنه كان مملوءا ً بأوراق نقدية .يف صبيحة الغد ،وصل مالك
املنزل ،فأخرباه بقبولهما رشاء املنزل الذي كان سعره يساوي نصف ما
يف الصندوق من مال».
لقد كان عبد الواحد شغوفا ً بحكايات الكنوز املخبوءة التي تخلو ،يف
العادة ،من أيّة أه ِّميّة.
16مايو
من ميزات شهر رمضان ،ذلك العزف املنفرد عىل الغيطة ،يف صوامع
املساجد ،قبل اآلذان .يف هذه السنةَ ،ت َّم إلغاء ذلك .أتخيَّل أن أحدهم-
ربّما -ارتأى أن تلك املمارسة متخلِّفة ،أو أنها غري رشعيةّ .
يوضح عبد
الواحد:
-عىل أيَّة حال ،لم يعد الناس يريدون سماع رجل ينفخ يف غيطة ،فلديهم
موسيقى يف التلفزة.
40
يوميّات طنجة
20يونيو (حزيران)
26يونيو
((( مخرج سينمائي إيطايلُ ،ولِد سنة .1941من أشهر أفالمه «اإلمرباطور األخري» ،و«التانغو األخري
بباريس» ،و«جمال منهوب».
((( عملت وكيلة أعمال لدى «وليام موريس» منذ سنةُ .1944ولِدت يف نيويورك ،سنة ،1904
وتوفيت سنة ،1987عن س ّن تناهز 83عاماً.
ِّ
41
يوميّات طنجة
لقد وافق الدكتور «راوا »Rawa -عىل تخلييص منه ،لو أذنت له بإجراء العملية
ً
مبارشة ،إثر ذلك .بدا بواسطة تخدير موضعي ،وبرشط أن أغادر املستشفى،
خاصة أن سمعة مستشفى القرطبي بالغة يل ذلك هو ّ
الحل األمثل ملشكلتيّ ،
السوء ،وكلّما َق ُص زمن املكوث فيه كان ذلك أفضل.
7يوليوز (يوليو/تموز)
((( ملحِّ ن وعازف بيانو أمريكي ،من مواليد سنة .1939كان جارا ً لپول پولز وصديقا ً حميما ً له.
أجرى معه حوارا ً مهمّا ً حول مقامه يف طنجة واملغرب ،سنة .1997
((( منتجة ،ومخرجة أفالم وثائقية ،وباحثة ،وكاتبة دراسات حول ما يسمّى «جيل النَّعمةThe -
ّ
املنشق .»beat Generationصوَّرت فيلما ً وثائقيا ً عن «پول پولز» يحمل عنوان «پول پولز:
الكامل»ُ .ولِدت يف ميونيخ (أملانيا) ،سنة .1949
42
يوميّات طنجة
23يوليوز
لن أقرتب من الشاطىء بعد اليوم .قبل خمسني عاماً ،كنت أقيض ،هنا،
أيّامي يف فصل الصيف ،وإذا حدث -لسبب من األسباب -مانع ،ولم أذهب
إىل الشاطىء ،ترسَّ ب لديَّ انطباع بأيّام ال وجود لها أو فاشلة .كان املغاربة
يعتربونني أشبه بشخص أخرق ،فحتى الرجال لم يكونوا يأخذون حمّام
شمس ،يف تلك الفرتة؛ كانوا يعتقدون أن الشمس ضا ّرة .بعد الحرب
(العاملية الثانية) ،أخذ الشبّان يلعبون كرة القدم عىل الشاطىء ،ومن
وقت آلخر كان باإلمكان رؤية امرأة وهي تميش وسط املوج ،وقد ارتدت
كافة مالبسها ،بطبيعة الحال .لقد تعوَّدت الفتاة التي كانت تقطن ّ
بجانبنا ،يف شارع امليموني ،عىل اصطحاب جاراتها إىل الشاطىء ،بعد
الزوال ،وكن يعدن ج ّد مرسورات ،قبل الغروب .كانت «جني پولز» تقول
عن هذه الفتاة:
43
يوميّات طنجة
10غشت (أغسطس/آب)
متعة رائعة أن تستطيع امليش بعيداً ،عىل هواك ،دون أن تشعر بآالم الفتق.
متعذر الفهمَ ،تمَّ ،بموجبه ،من اآلن فصاعداً ،نرش بضع
َّ هناك قرار رسمي
خاصةَّ ،
تتلخص مهمَّتهم يف منع الناس ،الذين ال يرتدون عرشات من رشطة ّ
مالبس السباحة ،من امليش فوق الرمال .معنى ذلك أن األشخاص الذين
يرتدون املالبس العادية عليهم البقاء عىل الرصيف .ال يفيد هذا القانون غري
يوفرون كبائن ،حيث املفهوم أحدا ً عدا اصحاب املقاهي أو املطاعم الذين ِّ
يكون باستطاعة الراغبني يف السباحة التج ُّرد من مالبسهم ،وعىل هؤالء ّ
الكف
عن عادة التج ُّرد من املالبس عىل الشاطئ وتركها ملقاة وراءهم ،عندما
يذهبون للسباحة .تحدث هناك رسقات عديدة ،بسبب وجود عصابة أوالد
يتنقلون ،دون ُّ
توقف ،بني ركام املالبس لرسقة ساعات أو حافظات نقود أو
كل ما يمكن حمله بسهولة .لكن ،من الصعب االعتقاد بأن صدريات -أي ّ
معكري الصفو.وجود أولئك الرشطة له أيّ أثر ردعي عىل تلك العصابة من ِّ
لعلَّهم يعملون جميعا ً من أجل هدف مشرتك ،إىل درجة يمكن التساؤل
معها عمّا إذا لم يكن أصحاب املطاعم قد ش َّغلوا هؤالء املنحرفني ،وكذا أفراد
الرشطة ،ملساعدتهم يف تنفيذ «األمر» الجديد.
11غشت
كنت مم َّددا ً عىل الفراش ،بصدد تناول عشائي ،عندما ولجت غرفتي
44
يوميّات طنجة
مضيفة ،للتّو:
17غشت
((( روائية أمريكية ( .)1995 - 1921من أشهر رواياتها «املوهوب السيِّد ريبيل» التي تحوَّلت إىل
فيلم سينمائي أكثر من مرّة.
((( كاتب بيوغرافيات فرنيسُ ،ولِد سنة ،1956عمل أستاذا ً لألدب األوروبي الكالسيكي ومديرا ً
ف كتابا ً عن «پول پولز» ،صدر يف فرنسا ،سنة.1989 إلحدى دور النرش يف «غرونوبل» .ألَّ َ
45
يوميّات طنجة
23غشت
25غشت
((( من مواليد سنة ،1964يف جهجوكة ،بالقرب من القرص الكبري .عازف موسيقي ،ورئيس فرقة
موسيقيِّي جهجوكة.
46
يوميّات طنجة
9شتنرب (سبتمرب/أيلول)
نجح مسعى «خرييس» ،وحصل البشري عىل الفيزا ،وذهبا معا ً إىل
نيويورك .فهل سيتزوَّجان هناك؟ والدة «خرييس» تقيم بمفردها ،حالياً،
يف املنزل الكبري.
10شتنرب
وصل «وليام بيتش»((( من باريس ،هذا الزوال ،ومعه كتاب فنّي بالغ
الجمال (وإن كان ثقيل الوزن) ،عنوانه « .»Cites de l’Islamأتساءل:
ملاذا ُعنْ ِون الكتاب بـ« ،»Citesمع أن تلك الكلمة ال وجود لها يف أيّ معجم؟
لقد زوَّد «بيتش» كتابه بصور عديدة عن املغــرب ،وهو يريــدني أن
أضع مق ِّدمة لكتابه «(((»The Hakima :a tragedy in Fez؛ لذا لم
يسعني سوى تلبية طلبه .يتعلَّق األمر (يف الكتاب) بتقابل بالغ الغرابة
ّ
والشك -حكاية اغتيال فتاة ،ما لم يكن والنص الذي يحكي-
ّ بني الصور
47
يوميّات طنجة
ِّ
ومحي ،يرسي يف الكتاب األمر انتحارا ً أو مج َّرد حادثة .هناك ج ّو غريب
كل محاولةكلّه .الخالفات بني العائلة وأقرباء الفتاة تحكم بالفشل عىل ّ
لكشف الرسّ .سيصدر الكتاب عن النارش « ،»Aperturesوهو ما يُعترب
ضمانة لجودة إخراجه.
((( كاتب ونارش صحايف فرنيس ،من مواليد سنة .1948له عدة مؤلَّفات وروايات ونصوص رحلية،
حول بعض املدن :قرطاج ،وطنجة ،واإلسكندرية ،وإسطنبول.
48
يوميّات طنجة
10أكتوبر
تناولت الغداء مع «غافان يونغ» ،الذي كان يستع ّد للسفر إىل إندونيسيا.
لقد نصحني بالذهاب إىل باريس.
17أكتوبر
ق َّررت أنه لن يكون أمرا ً سيِّئا ً أن تكون لديَّ فيزا فرنسية ،يف جواز سفري،
سواء أذهبت إىل باريس أم لم أذهب .ا َّتصلت بالسيِّد « ،»Bousquetوهو
ّ
ليتول، رجل بالغ اللطف ،فاقرتح عيلَّ مرافقتي إىل القنصلية الفرنسية
ً
مبارشة. بنفسه ،منحي الفيزا،
2نوفمرب (شباط)
كتبت إىل «روندو» ،اليوم ،أخربه بأني سأسافر إىل باريس بالطائرة.
سريسل يل بطاقة ذهاب وإياب.
11نوفمرب
التفكري يف هذا السفر ،الذي أُك ِرهت عليه ،يستثري يفَّ كآبة بالغة ،بحيث
يصعب التفكري يف أمر آخر .سأغادر يوم الخميس ،ولديَّ نيّة راسخة يف
العودة إىل هنا ،يوم السبت.
49
يوميّات طنجة
20نوفمرب
عدت أمس ،مساءً .غمرتني غبطة حا ّدة وأنا أعرب الجمارك ،يف املطار .عبد
الواحد كان بانتظاري ،يف الخارج ،داخل سيارتي «املوستانغ» ،فيما كان
حطم أعصابي .كان عيلَّ عبد الوهاب ببهو الوصول .السفر إىل باريس َّ
أن أقيض خمس ساعات يف انتظار الطائرة القادمة من الدار البيضاء.
وكلّما حاولت معرفة الخرب ،كان الجواب هو أن الطائرة لم تغادر بعد
مطار الدار البيضاء ،وأنه يستحيل معرفة السبب .أمّا السفر ،فكان دون
حطت الطائرة يف مطار «أوريل».مشاكل .كاد الوقت أن يكون ليالً ،عندما َّ
لقد قىض «روندو» و«كلود توما» فرتة الزوال كلّها يف انتظاري ،هناك.
حركة السيّارات ،يف باريس ،بالغة الكثافة :مرضبون أشعلوا نريان الفرح
وشلَّت
كل مكانُ ، يف وسط الشوارع ،وتجمهرت الرشطة مثل النمل ،يف ّ
حركة السري ،أو كادت .أخرياً ،نزلنا من السيّارة ،بغاية امليش ،بعد أن
طلبنا من السائق وضع حقائبي يف الفندق« .جون هوبكينس»((( جاء من
«يوركشاير» ملالقاتي ،وتناولنا العشاء يف غرفتي( ،كلود ،وجون ،وأنا).
كان عشاء طيِّباً ،طعمت فيه أوَّل رشيحة لحم جيِّدة ،منذ عرشين سنة.
نظمت مأدبة عشاء وبينْيي» َّ وكان يوم الغد حافالً .السيِّدة «بيبكا مري ْْل ُد ِ
ست الظهريةوالنقاد .لقد راقني أن أُعامَل مثل نجم .ك َّر ُ َّ فاخرة للنارشين
كلّها ألناس جاؤوا لطرح أسئلة عيلَّ ،والتقاط صور يل يف الفندق .تناولنا،
روندو وأنا ،طعام العشاء ،رأسا ً لرأس ،وإثر ذلكَ ،ت َّم نقلنا إىل األستوديو.
ُرض.
كانت الحلقة أطول ممّا كنت أوقع ،لكن األمور م َّرت عىل نحو م ٍ
((( أمريكي ،من أصدقاء «پول پولز» ،عاش حوايل 20سنة يف املغرب ،قبل أن يرحل إىل إنجلرتا .له
ع ّدة مؤلَّفات ،من بينها «بطائق طنجة».
50
يوميّات طنجة
يوم السبت ،ذهبت مع «كلود» القتناء بعض الحاجيات ،عىل أمل العثور
الدكان األوَّل الذي ولجناه ،كان هنالك واحدّ عىل برنس حمّام .يف
معروض ،لكن ثمنه هو 5000فرنك ،وهو مبلغ لم أكن مستع ّدا ً لدفعه.
أخرياً ،اقتنيت برنسا ً كاشمرييّ النسيج يساوي أكثر قليالً من 300
دوالر .لقد بدا يل الثمن باهظا ً بالنسبة إىل لباس ،لن يراه أحد سواي.
لكني ُسرت لهذه الغنيمة التذكارية التي سأحملها معي إىل طنجة .كان
كل من «كلود» ،و«روندو» ،و«سيلفان الليل قد أرخى سدوله ،عندما جاء ّ
باس ْكيِي»((( لتوديعي يف مطار أوريل .باريس كانت أزهى من سنة،1938ْ
لكني كنت أو ّد الفرار بجلدي ،قبل أن أرشع يف اسرتجاع ذكرياتي فيها.
22نوفمرب
ِّ
ومنشط برامج ثقافية ،يف التلفزة الفرنسية، ((( من مواليد سنة .1935صحايف فرنيس ،وكاتب،
وعضو أكاديمية «غونكور».
ّ
((( بعد «سيمون دو بوفوار» و«آنا كوهن -صوالل» ،تعترب «ليليان سييجيل» العشيقة الخامسة أو
رسيّة» (.)1988 السادسة لـ«سارتر» ،ولها كتاب عن عالقتها به ،يحمل عنوان «ال ِّ
((( صحايف فرنيس ،عمل يف مجلّة «ليكسربيس».
51
يوميّات طنجة
20دجنرب
اكرتى الفريق التلَفزي ّ
شقة «بايف» ،يف الطابق السفيل من العمارة ،مل ّدة
أسبوع ،وذلك لتخزين مع ّداته .لكن التقنيِّني -بحسب ما قالت فاطمة-
تركوا املكان يف حالة فوىض سيِّئة (فضالً عن كونهم تغاضوا عن منحها
ْ
لـ«ستيف ديامو ْند،(((»Diamond - نقودا ً لتنظيفه ،لذا اشتكت من ذلك
الشقة ،حالياًً ،
آملة أن يتح َّدث لـ«بايف» يف هذا الشأن ،لدى ّ الذي يشغل
ّ
الشقة املذكورة ،مل ّدة شهر أو عودتها من نيويورك) .و«ستيف» سيقيم يف
52
يوميّات طنجة
31دجنرب
أمس ،مساءًَّ ،
نظم «محمَّد» املرابط حفلة عيد ميالدي التقليدية ،يف منزله.
لم يكن هنالك جوق موسيقي ،بل مجموعة فتيات غنَّ ْي ،وه ّن ينقرن
عىل الدفوف .تر َّدد عبد الوهاب يف الذهاب ،لكونه يعرف أن املرابط ال
يك ّن له أيّ و ّد .لكن ،بما أن املرابط ال يرىضَ ،ق ّط ،عن أيّ شخص ممَّن
يزورونني ،فقد شجَّ عت عبد الوهاب عىل مرافقتي .أطباق الطعام كانت
لذيذة وكثرية.
ق َّرر «ستيف» إهدائي ببغاء .وعندما عاينّا (لدى أحد الباعة) ببغاء
إفريقية رمادية اللون ،دخل هو إىل ّ
الدكان لالستفسار عن الثمن فقيل
له إنه يساوي 2000درهم .إثر ذلك ،عدنا ،أمس ،ملعاينة الطائر نفسه،
فك َّررت عىل مسامع «ستيف» أنه باهظ الثمن ،وأن صاحبه يريد اآلن
3000درهم ،وهو ما حملنا عىل مغادرة ّ
الدكان ،دون نقاش زائد .عقب
ذلك ،أثار «ستيف» انتباه عبد الوهاب إىل أنني -بحسب تصوُّره -أ ُ ّ
فضل
أن أرى األمور وهي تؤول إىل نهاية سيِّئة ،عوض وصولها إىل نهاية
بدوت له بالغ االرتياح ،وأنا أغادر ّ
الدكان. ُ سعيدة ،وأني
53
يوميّات طنجة
6فرباير (شباط)
25فرباير
أتوصل بكتب ،من هنا وهناك ،وال أستغني عن عبد َّ كل يوم ،تقريباً،
ّ
َّ
وموظفي الربيد ،لكنه الواحد ،بخصوص تجاوز عوائق الرقابة والجمارك
عندما عاد ،أمس ،إىل السيّارة التي كنت أنتظره فيها ،كان يف حالة هياج
مفرط ،حيث عنّفني بهذه العبارات:
التوصل
ُّ ... -كتاب يُقتَل الناس بسببه ،يف العالم أجمع ،ومع ذلك تريد
به .هذا أمر سيِّئ ،والناس يف إدارة الربيد غاضبون.
سألته:
((( كتاب «سيِّدة الوحوش :اإللهة وحيواناتها املق َّدسة» يلقي نظرة حول هذه الربّة يف املجتمعات
القديمة ،يف آسيا وأوروبا والرشق األوسط ،مع 400صورة ورسوم ،بعضها باأللوان.
54
يوميّات طنجة
ذهب إىل ما وراء الشبّاك ،وإثر ذلك ،عرض عيلَّ -وسط العتمة -لفافة،
وهو يمسكها من الخيط الذي ُش َّد حولها ،كما لو كان يأنف املساس بها.
حدست أن األمر يتعلَّق بكتاب أثار موجة تعاليق ،بفضل (الخميني)(((،
لكني كنت أجهل ،جهالً تامّاً ،من الذي أرسله إيلََّّ .
موظف آخر مكفه ّر
الوجه ،دنا منّي وهو يقول:
أجبته:
-لست أريدها.
26فرباير
يف مبنى الربيد ،أراد املستخدمون ،اليوم ،معرفة ما إذا كانت الرشطة قد
زارتني ،فأجبتهم بالنفي.
55
يوميّات طنجة
-لقد جاء رجال الرشطة إىل هنا ،وطلبوا اسمك وعنوانك ،واستلموا
الكتاب بغية إرساله إىل الحكومة يف الرباط.
1مارس (آذار)
بما أنه ال علم يل بمجيء رجال الرشطة ،فقد افرتضت أنهم سوف لن يأتوا
سأتوصل بها ،من اآلن فصاعداً ،سوف تستغرق يوما ً
َّ إيلَّ ،لكن الكتب التي
إضافياً ،تكون فيه موضوع فحص ّ
أدق ممّا كان يحدث من قبل.
10مارس
يعتزم برنامج تلفزي آخر إرسال فريق إىل هنا ،يف األسبوع القادم .يحمل
الربنامج اسم « .»ex-librisإنني قلق من احتمال ّأل تقوم «كلود توما»
برتجمة روايتي « -The Spider’s houseبيت العنكبوت» .وإذا كانت
لم ترشع ،بعد ،يف العمل ،فهل يعني ذلك أنهم سيبحثون عن مرتجم
ِّ
كتابي«مذكرات آخر إلنجاز ترجمة سيِّئة للكتاب ،شبيهة بعمل مرتجم
مرتحِّ ل »without stopping -إىل الفرنسية؟
18مارس
فريق التلفزة الفرنسية موجود هنا ،اليوم .بدا املكلَّف بإجراء الحوار معي
َّ
لشقتي، ذكي ولطيف) مصدوما ً من الحالة املتواضعة ّ (وهو شخص
56
يوميّات طنجة
19مارس
لم يستغرق الحديث م ّدة طويلة .اآلن ،انتهى ّ
كل يشء .يُنتظر ّ
بث التسجيل
يوم 5أبريل املقبل.
27مارس
28مارس
جاءت «كلود توما» من باريس ،لقضاء بضعة أيّام هنا .إنها ال تشتغل،
حالياً ،عىل ترجمة «بيت العنكبوت» ،وهذا خرب سيِّئ ،ال أستطيع تحمُّله.
محقة يف إلحاحها عىل رضورة الحصول عىل عقد من النارش «Quai َّ هي
57
يوميّات طنجة
،»Voltaireالذي لم َّ
يتوقف عن إزجاء الوعود بإرسال هذه الوثيقة ،لكنه
لم يفعل بعد .ذلك ما يبدو يل غامضا ً بعض اليشء .ولقد استخلصت من
خاصة أن
ّ ذلك -بالطبع -أنهم كلَّفوا شخصا ً آخر بإنجاز العمل برسعة،
كلود كانت ِّ
مدققة ،وغري مترسِّعة ،وذلك هو واجب املرتجم.
31مارس
3أبريل (نيسان)
ِّ
متيقنَ ْي من أنه توجد مقا ٍه تقليدية أمام مصوِّران جاءا من روما .كانا
يلفان املدينة كلّها بالسيّارة ،دون العثور عىل مكان
البحر .وبعد أن تركتهما ّ
يرضيهما ،اقرتحت عليهما مقهى «الحافة» .أحدهما كان يف موسكو ،يف
األسبوع الفارط ،وكان يتح َّدث عنها ،فيما كان اآلخر يلتقط يل صورة تلو
أخرى ،وهو يكرِّر ،دون كلل ،بني (كليشيه) وآخر« :انظر يف ا ِّتجاهي».
((( مجلّة شهرية فرنسية ،أُحدثت سنة 1985يف باريس ،من طرف الصحايف والكاتب «جورج
توقفت عن الصدور سنة ،1992وكانت املجلّة قد أرسلت «بريجيل هويل» إلجراء
مارك بنامُّو» َّ .
حوار مع «پول پولز».
58
يوميّات طنجة
4أبريل
جاء «سوومي الفال ،((( »Suomi Lavalle -بدوره ،هذا الصباح ،اللتقاط
حوايل مئة صورة يل ،وذلك بعد أن رافقني إىل حديقة الشيخة فاطمة
الصباح (ال أعرف كيف أسمِّيها ،لكني أعلم أنها كريمة أمري الكويت). ُّ
أك ّن و ّدا ً كبريا ً لهذه السيِّدة.
20أبريل
أغاني،
َّ مشاكل مع الربيد .أسطوانة جديدة تتضمَّن إحدى عرشة أغنية من
رسل إيلَّ من ُ
صدرت يف الواليات املتَّحدة ،و َت ّم تسجيلها عىل كاسيت أ ِ
َّ
واستل الكاسيت ،ثم أغلقه نيويورك .أحد مستخدمي الربيد م َّزق الغالف،
بالصقات رسمية .اختفت األغاني ،إذن! أفرتض أن هذا الترصُّف له عالقة
بكتاب سلمان رشدي ،الذي أرسلته «كارول أردمان»Carol Ardman -
ّ
والشك؛ (فقد ((( ،من قبل .كان عليها أن ّ
تفكر م َّر َت ْي يف األمر ،وهو ما فعلته،
كتبت ،يف األسبوع األخري ،تعرتف بأنها مسؤولة عن إرسال ذلك الكتاب).
23أبريل
رمضان يجعل األمور صعبة .م ّرة أخرى ،برهن املرابط أن فرتة الصيام
تؤثر عليه تأثريا ً مثريا ً للحنق .أعرف أنه ال يحبّ عبد الوهاب إطالقاً،
هاته ِّ
59
يوميّات طنجة
تمكن من الترصُّف معه بصورة عادية ،إىل أن حَ ّل رمضان .يف هذا لكنه َّ
ويدخن عوض أن يصوم، ِّ الوقت ،وعندما الحظ أن عبد الوهاب كان يأكل
انقلب نفوره منه إىل غيظ أهوج؛ ففي هذا الزوال ،وصل ،فوجد (ع)
متكئا ً عىل وسادة وهو يحتيس كأس شاي .انقض عىل مائدة الطعام، َّ
ورفعها ،ثم قذف ،بها وبما عليها من شاي وغريه ،يف وجه عبد الوهاب،
مُر ِفقا ً ترصُّفه هذا بسَ يْل من الشتائم ،ينطقها بالعربية وباإلسبانية.
ابنته الصغرية ،التي ستكمل سنواتها الخمس ،يف األسبوع القادم ،ظلَّت
والشك -مشاهد أخرى من هذا القبيل ،قبل ّ جامدة ،مذهولة .ستقع-
كل يوم إلعداد طعامي،نهاية شهر الصيام؛ ذلك أن عبد الوهاب يأتي ّ
واملرابط ال يحتمل ،بتاتاً ،فكرة كونه يرفض االلتزام برمضان ،مثل ّ
كل
الناس.
24أبريل
-ملاذا إذن؟
تخص
ّ ُ
تراجعت عن سلوكي هذا ،ورصَّحت لها بأن مالحظتي ال بعد ذلك،
60
يوميّات طنجة
25أبريل
شقتي ،حوايل الثانية والنصف فتَيان مغربيّان شاحبان ،ر ّنا جرس باب ّ
بعد الزوال .لم يكونا ،يف الظاهر ،يدركان ماذا يقوالن .إثر ذلك ،وصل
املصعد ،وخرج منه عبد الواحد .قال أحدهما ،أخرياً:
-بل لديك بنت ،وهي هنا ،واسمها «كاترين» ،وهي أملانية .إنها لم تر ََك
ّ
قط ،لكنها تريد ،اآلن ،التع ُّرف إليك.
أجبته:
61
يوميّات طنجة
يؤكد يل أن األمر يتعلَّق بمنحرفني،ذهبا إثر ذلك .دخل عبد الواحد ،وهو ِّ
وأن عيلَّ ّأل أسمح لهما بدخول الشقة فيما إذا ر ّنا الجرس ،مج َّدداً .كنت
متأكد من أنهما سوف لن يعودا .لكن ،بعد عودتي من السوق والربيد شبه ِّ
رن الجرس م ّرة أخرى ،فكان الفتيان، وذهاب عبد الوهاب إىل بيتهّ ،
وخامرني شعور بأنهما يسندان امرأة .كانت املرأة تضع عىل رأسها قبَّعة
أتمكن من ُّ
تبي مالمح وجهها. حواف واسعة ،تخفي عينيها ،فلم َّ
ّ ذات
قال الفتَيان:
كل ذلك غريبا ً وتافهاً ،إىل درجة أني لم أتمالك نفيس من مقاومة بدا يل ّ
غواية السماح لها بالدخول ،طالبا ً من الفتَي َْي املغربي َّْي املكوث يف بسطة
السلم .وبغية تقديم املرأة نفسها ،استلَّت من جيبها نسخـة من روايـة
( )So Mager Fallen Let it come downيف طبعة جيب ،وقالت
بإنجليزية موسومة بتلفظ جرماني قويّ :
بدا يل ،من كالمها ،أنها لم تتخيَّل وسيلة أخرى للِّقاء بي ،خالل األمسية
الوحيدة التي ستقضيها يف طنجة ،سوى أن تذهب إىل «سوق الداخل»،
وتلتمس من أيٍّ كان أن يقبل االستماع إليها ،ويرافقها إىل بيت أبيها
معي ،وأشفقا عىل َّ املدع ّو «پول پولز» .ا َّتفق الفتَيان معها عىل مبلغ
حالها ،زاعم َْي أنهما يعرفانني ،مع أنه لم يسبق لهما أن رأَياني .كان
حديث املرأة الشابّة مشوَّشاً ،يصعب تتبُّعه .وحينئذ ،تساءلت عن طريقة
للتخلُّص منها .يف أثناء هذيانها ،رصَّحت يل بأنها تو ّد أن تنتحر ،فق َّر ُ
رت
62
يوميّات طنجة
مت لها قدح شاي ،فرشحت يل ،يف أثناء احتسائها أنه آن أوان طردها .ق َّد ُ
تل رمال كبري ،لكنله ،أنها كانت تأمل أن تموت يف «مرزوقة» فوق قمّة ّ
َّ
يتحقق .وعندما أجبتها بأن هذا األمر مؤسف ،ه َّزت رأسها ،قبل نذرها لم
أن ترتاجع عن قولها ،يف الختام:
بعد ذلك ،أعادت صبغ شفتيها بأحمر الشفاه ،وهي ترمقني من تحت
حواف قبعتها .ق َّدمت لها نسخة ممهورة بتوقيعي من «الغابة الحمراء ّ
،»Gesang der Insectenفش ُع َرتْ بخيبة الظ ّن عندما اكتشفتْ أن
بديهي أنها كانت تعاني من ُّ
تركز ّ سياق الكتاب هو أمريكا الالتينية.
وسوايس؛ فهي ال تريد أن تقرأ سوى كتب عن شمال إفريقيا .عندما
صت منها ،يف نهاية املطاف ،كان رفيقاها قد مضيا .آمل ّأل تكون قد تخل َّ ُ
دفعت لهما مسبقاً ،وأنهما ما زاال ينتظرانها يف أسفل العمارة ،ذلك ألنها
قالت يل بأنها ال تعرف ،تماماً ،كيف تعود أدراجها إىل الفندق.
26أبريل
63
يوميّات طنجة
ّ
العش .أمس، ّ
العش األوَّل .خالل فصل الشتاء ،دمَّر بعض العمّال هذا
الحظت أن اللقالق عادت ،وم ّرة أخرى كان هناك ّ
عش كبري يف قمّة العمود
كل سنة؟ وهل يعود اللقلقان الكهربائي .هل هما الزوجان أنفسهما ،يف ّ
الصغريان رفقة والديهما؟
ّ
األقل ،منذ ثالثني سنة)، لم أشاهد هجرة اللقالق منذ م ّدة طويلة (عىل
كنت أنزل ،حينها ،إىل شاطىء «مرقالة» لتأمُّل تشكيلتها البديعة التي
تتألَّف من مئات الطيور ،التي تحلّق عىل عل ٍّو منخفض ،إىل درجة أنني
كنت أسمع خفق أجنحتها املعتاد .يف فصل الربيع ،تعرب اللقالق مضيق
جبل طارق نحو إسبانيا ،ثم تعود يف فصل الخريف .لقد بدت يل اللقالق،
دوماً ،بالغة الجمال يف أثناء الطريان ،رغم سيقانها الشبيهة بقضبان
خاصة -أعناقها الطويلة ،وأجنحتهاّ ّ
تتدل تحت جسومها .إنني أحبّ -
الكبرية التي تصطفق ،بتؤدة وبطء.
28أبريل
قط ،وسوف نادرا ً ما تم ّر ظهرية دون أن أستقبل زيارة أحد ،لم أره ّ
لن أراه بعد ذلك ،دون شك .يبدو يل ّ
كل هذا الوقت املك َّرس للغرباء
وكأنه يجمِّد وجودي ،وكما لو كان ما يزال أمامي عدد ال متنا ٍه من
السنني .بيد أن هذه الزيارات ،لم تغ ُد خطرية ّإل منذ سنة أو سنتني،
وزاد من خطورتها غياب الهاتف :الناس يأتون ،ثم يطرقون الباب،
فيغدو رفض استقبالهم أمرا ً صعباً .هذا األسبوع ،استقبلت ،يف ّ
كل
ظهرية ،زائراً.
64
يوميّات طنجة
10ماي (مايو/أيار)
أتساءل ،أحياناً :إىل متى سأواصل تناول أكالتي يف الفراش؟ بعد عمليّة
برت العصب ال ُو ّدي ،اعترب الطبيب ذلك أمرا ً حسناً .أمّا اليوم ،وبعد مرور
ثالث سنوات عىل إجراء العملية ،ما زلت أواصل هذه العادة .يأتي عبد
الواحد ،يف منتصف النهار ،إلعداد طعام الغداء ،ثم يأتي املرابط بالزاد
لينهمك يف إعداد عشائي .ومع أن الفطور هو أه ّم األكالت الثالثّ ،إل أن
كف عن القدوم يف معيَّ ،املرابط يبدو وكأنه ال يفهم هذا؛ فمنذ زمن َّ
الصباح ،وهو ما يعني أن عيلّ ،بمفردي ،إعداد فطوري وحمله إىل طاولة
املطبخ .إنني أعترب نفيس محظوظا ً لوجود أصدقاء يوافقون عىل تقديم
الطعام يل ،يف الفراش .مع ذلك ،يقول عبد الواحد يل:
جاء أحدهم من نيويورك ،حامالً نسخة من تلك البيوغرافيا التي تع َّم َد
تبي«سَ ا ْوير -الَوْسَ ا ُنو» تأليفها عني ،مع أني طلبت منه ّأل يفعل .لقد َّ
انزعاجه من رفيض ملساعدته واضحاً ،بحيث أصبح كتابه -شاء ذلك أم
أبى -عبارة عن سباب وقذف .وإلنجاز عمله ،كان عليه استعمال سريتي
الذاتية ،بيد أن الفرق ،بني هذه السرية وكتابه كامن يف كونه تعمَّد وضع
الشك يفّ الخاصة للوقائع.
ّ ُح ّلً محلَّها رؤيتَه صدقية أقوايل موضع ّ
شك ،م ِ
أنه وجد هذه الرؤية أكثر إثارة ،بحيث جعل مني كائنا ً مفرتياً .بإمكاني
رسد الئحة ،ال حرص لها ،من األخطاء التي اعتمد فيها ،فقط ،عىل ما يقال،
بداهة ،عن سوء ط ِويّة .لقد كان «سَ اوير- ً أو عىل مج َّرد ظنون صادرة،
65
يوميّات طنجة
التهات املؤذية والجارحة، الَوْسَ ا ُنو» مفرط العجلة يف اإلصغاء لبعض َّ
مدرجا ً سخافاتها يف كتابه ،دون أخذ الوقت الكايف للتثبُّت من صحّ تها،
األقل -كان من األنسب نسبة املعلومات ّ وهذا شأن مثري للقلق ،إذ -عىل
املزعومة إىل َم ْن زوَّده ،أو زو َد ْته ،بها .عىل العموم ،إن ما ال يُحتمل هو
ميله إىل تخيُّل أنني قمت -عمداً -بتزوير بعض األحداث ،ذلك أن الحقيقة،
بالنسبة إىل نوع الكتابة الصحافية ،التي يعشقها املؤلِّف ،تكون شاحبة
وغري مثرية .إن الصورة التي ق َّدمها عني -بوصفي شخصا ً متسوِّالً ،إبّان
ري سعاري ،مثلما أثارت غضبي تفسرياته الشخصية الثالثينات -لتستث ُ
لسفر «جني پولز» إىل الربتغال ،يف سنة .1958لقد ذهبنا ،جني وأناّ ،
كل
يوم ،وخالل أسبوعني ،إىل السفارة األمريكية يف الربتغال ،للحصول عىل
جواز سفر جديد لها ،حيث انتهت صالحيّة القديم ،عندما كنّا يف «جزيرة
مَادِي ْر»((( ،فكانوا يجيبوننا ،يف ّ
كل م ّرة:
ّ -
كل ،علينا استشارة الـ«( »F.B.Iمكتب التحقيق الفيدرايل).
واصلنا اال ِّتصال بالسفارة ،يف انتظار ر ّد رسيع من واشنطن ،لكن الر ّد لم
يكن رسيعاً ،بل كان سلبياً:
إثر ذلك ،ذهبت «جني» ،بعد يوم أو يومني .لكن «س -ل» أق َّر أن وزارة
أكدت له أن تلك املسطرة مستحيلة ،واستنتج ،من ذلك ،أن الخارجية َّ
رسدي كان محض تخييل ،وأنني ابتكرت تلك «الحيلة» للتخلُّص من
((( أرخبيل برتغايل يف املحيط األطليس ،مؤلَّف من جزيرة «مادير» ،ومن جزر صغرية أخرى.
66
يوميّات طنجة
َّ
يتعذر عيلَّ -لألسف -عرضه عىل «جني» .إنه كتاب سبّ وقذف ،لكن،
القضاء(((.
12مايو
توقف» الصادر عن النارش «بيرت أوين»، ((( ُر ِويت هذه الوقائع يف كتاب «پول پولز» «بدون ُّ
سنة ،1972يف الصفحة ( .)452ورواها «كريستوفري ساوير الوسانو» يف كتابه «املتفرِّج الالمرئي:
سرية پول پولز» الصادر عن النارش « ،»Paladinسنة ،1990يف الصفحة (.)343
((( مؤسَّ سة ثقافية ،ومرسح غري ربحي ،يف نيويوركَ .ت َّم تأسيسها من طرف «إلني ستيوارت» ،سنة
.1961
ُ
((( فرقة روك بريطانية ،أسَّ ست يف لندن ،سنة .1962
67
يوميّات طنجة
25مايو
2يونيو (حزيران)
كل من «كرايزي كيت» و«فيليب» ،وجاء األخري وصل أخرياً ،من نيويوركٌّ ،
شقتي ،سوى صنوبرة رأس ُثقالً بالهدايا .لم يكن ينقص الحفل يف ّ م ّ
السنة .كانت «كرايزي كيت» مفتونة بلقاء «جاغر» ،لكني كنت متشائما ً
لشكي يف أن فريق « »B.B.Cسوف يكون لديهم ّ من تحقيق املرشوع؛
كافة اإلجراءات الرضورية ،إلدخال آليّات الوقت الكايف لالنكباب عىل ّ
التصوير إىل املغربَّ .
أتذكر أن الهولنديَّني كان عليهم أن يرت َّددوا ،بني
يتمكنوا من إقناعَّ جيئة وذهاباً ،قبل أن
ً بلدهم واملغرب ،ثالث مرات،
موظفي الجمارك بالسماح لهم بإدخال آالت التسجيل. َّ
أه ّم هدايا «فيليب» ،يف نظري ،أسطوانتان حديثتا العهد :إحداهما هي-
( Music for a Farceصادرة عن Reference Recording ,chicago
،)pro Musicaوالثانية تتضمّن أغاني من أداء «وليام شارب-
((( مغ ٍن وملحِّ ن ومؤلِّف موسيقي بريطاني ،من مواليد سنة 1943يف «دارتفورد» ،وأحد مؤسِّ يس
فرقة «رولينغ ستونز».
68
يوميّات طنجة
3يونيو
كتبت إىل «ساوير -الوسانو» أخربه بنقمتي عىل تلك التلميحات الجارحة
الواردة يف كتابه .إثر ذلكَ ،ر ّد عيلَّ قائالً« :بإلحاح من نارشي ،أجريت
تحقيقا ً لدى وزارة الخارجية ،فنَ َف ْوا ،بصورة قطعية ،بل عنيفة ،أنهم
قاموا بإجراءات من ذلك القبيل ...إنني أتفهَّم -بأثر رجعي -كيف َّ
تمك ُ
نت
من إعطاء انطباع بأنني ال أصدق روايتك للوقائع .يف الحقيقة ،حاولت،
فقط ،عرض صيغة أخرى لألحداث» .كان عليه أن يستعمل حنكته وطاقة
االبتكار لديه ،لإلتيان بثالث أو أربع صيغ إضافية عن مسألة خروج جني
«پولز» من الربتغال.
5يونيو
69
يوميّات طنجة
جزئية((( .أعتقد أنه يعرف أن نسبة اسرتداده للمنزل ال تزيد عىل واحد يف
املئة ،لكونه مسجَّ الً باسم ال ُّزهرة((( وليس باسم املرابط.
7يونيو
8يونيو
كل واحد منا وقد انهارت؛ إذ رفض الجمركيون السماح بدت قناعات ّ
بدخول تجهيزات « .»B.B.Cضجّ ة كبرية ،ومكاملات هاتفية ال حرص لها،
مع لندن .وكيل أعمال فرقة (ستونز) ه َّدد :إذا لم تم ّر اآلليّات ،بالجمارك،
قبل التاسعة من صباح غد ،فسألغي العقد« .خرييس» جاءت هذا املساء،
وهي تلهث من القلق ،قائلة:
70
يوميّات طنجة
كنت أرتدي ،حينئذ ،معطف حمّام ،وأنا يف غرفة «بايف جونسن» ،يف
صحبة آخرين .كانوا جميعا ً مقتنعني بأنه من واجبي،
َ ّ
الشقة السفىل،
لل فاطمة الزهرة ،وأرشح لها الوضع ،وهو ما يبدو عىل ّ
األقل ،أن أهاتف ّ
أن «خرييس» لم ُتحسن القيام به بسبب مشاكل لسانية (لقد غاب عني
اعرتضت قائالً:
ُ أن ّ
لل فاطمة الزهرة كانت تجيد الحديث باإلنجليزية).
لل فاطمةُ ،مدْليا ً لها باسمي ،قبل أناقرتح عبد الوهاب ،حينئذ ،أن أهاتف ّ
لل فاطمة من عبد الوهاب أن أنقل إليه السمّاعة .ذلك ما قمنا به ،فطلبتْ ّ
هاتفها هذا األخري مج َّدداً ،بدا
يعيد اال ِّتصال بها ،بعد نصف ساعة .وعندما َ
له وكأنها كانت تتح َّدث يف هاتفني ،يف الوقت نفسه .كانت هناك لحظات
وترقب طويلة ،وكان املوجودون يمعنون النظر خاللها يف عبد ُّ انتظار
الوهاب ،محاولني التع ُّرف ،من تعابري وجهه ،إىل الكلمات الصادرة من
قرص موالي عبد العزيز .بني آونة وأخرى ،كان يكتفي بالقولْ « :نعام..
آلل» .تواصلت املحادثة -إذا شئنا وصف ذلك بأنه محادثة ،فعالً -حوايل ّ
عرش دقائق .علَّق عبد الوهاب ،أخرياً ،السماعة ،معلنا ً أنها وعدته بأن
تهاتف الجمارك طالبة السماح بمرور تجهيزات التلفزة .حينئذ ،بدا لنا
أن مجيء «الرولينغ ستونز» إىل طنجة ،مشكوك فيه ،وقلت إنني لست
لل فاطمة الزهرة لها سلطة إلجبار الجمركيني عىل فعل عىل يقني من أن ّ
كل من البشري وعبد الوهاب ،ورصخ هذا األخري: أيّ يشء .عارضني ّ
71
يوميّات طنجة
9يونيو
عبد الوهاب ،الذي كان مهتمّاً ،تقريباً ،بتصوير الرشيط ،مثل البشري،
(((
م ّر بي يف منتصف النهار ،وأخربني أن «جاغر» ،و«كيت ريتشارد»
حل يف فندق «أنرتكونتيننتال» ،وأنهما رفضا َ
غرفتَي (السويت) اللتني ّ
حَ جَ زتهما «خرييس» (يحاول عبد الوهاب ،الذي سيتزوَّج يف الشهر
القادم ،االستمتاع ،أكثر ما يمكن ،بوقته ،قبل العرس).
عط َي اإلذن ملرور التجهيزات ،إذن ،ووصل فريق «ستونز» قادما ً من ُ
أ ِ
تنقلت ،طيلة ً
لحظة ،يف نجاح مسعاهاَّ ، لندن« .خرييس» ،التي لم َت ْر َتب
يوم أمس واليوم ،من مكان إىل آخر ،بحثا ً عن الديكور املناسب لتصوير
الرشيط .لم يكن لديها متَّسع ال لألكل وال النوم؛ وهو ما يعني -بالتأكيد-
ستعتل بعد يوم أو يومني .لقد وافق «مالكولم فوربس»((( عىل ّ أن صحّ تها
كافة التجهيزات يف حديقة قرصه ،لكن العاملني يف التلفزة رفضوا وضع ّ
مفضلني ساحة منزل «أكعبون» التي سبق أن اقرتح ُتها ،لكونها ِّ املكان،
تشكل ديكورا ً أكثر أصالة .وصل «جاغر» ،حوايل الخامسة مساءً ،رفقة ِّ
عدد من الناس ،بحيث ضاقت غرفتي بهم .كان بينهم «كيت ريتشارد»
موسيقي ملحِّ ن ،وعازف قيثار بريطاني .أحد مؤسِّ يس فرقة «رولينغ ستونز» .من مواليد سنة
ّ (((
1943يف دارتفورد.
((( ثري أمريكي ( ،)1990 - 1919صاحب مجلة .Forbesكان له قرص ومتحف يف طنجة.
72
يوميّات طنجة
الذي حيّاني ،ثم مىض قائالً إنه سيذهب لينام .عقب ذلك ،جلس «جاغر»
بجواري ،ورشعنا يف الحديث .لم أالحظ ،فوراً ،أن حديثنا كان قيد
توقف التصوير ،فبادرني «جاغر» قائالً:
التصوير .وبعد ربع ساعةَّ ،
-إنني متعب .لقد أيقظني أطفايل عند الفجر .أنت تعلم أن األحد هو يوم
راحة ّ
لكل اآلباء ،لكنهم أرصّوا عىل منحي هداياهم ،اليوم ،قبل السفر.
سأراك غداً ،يف الحفل.
10يونيو
بعد الظهرية ،قضيت ساعتني قاعدا ً يف ساحة منزل «أكعبون» .كان هناك
ستّة عرش فردا ً من «جهجوكة» ،مصحوبني بغيطاتهم وبناديرهم ،وهم
يرتدون جالبيب بنِّية ثقيلة .كان الطقس مفرط الحرارة وغري مناسب
تماماً ،لتلك الجالبيب الصوفية .لقد كانوا مدهشني عندما عزفوا موسيقى
رائعة ،لكن الله وحده ،يعلم كيف سيكون أثر تصوير ذلك يف الرشيط،
مع االعرتاف بأن ذلك ليس باألمر املهمّ.
البشري أ ّدى معزوفات فردية عديدة ،دون طبول ،واألصوات الوحيدة التي
صدرت عن «ميك جاغر» كانت عن طبل .لعله غنّى بعد انرصايف ،لكني
تتوقف املوسيقى ،نوعا ً
أشك يف ذلك .يف حجرة مجاورة كنت أسمع ،عندما َّ ّ
ب منتظم وخفيض، شبيها ً بعزف عىل األرغن ،يتواصل دونما نهايةَ :ن ْ ٌ
أقل من نصف املقام الذي تعزف فيه الغيطات والنايات يتموقع يف ّ
القصبية.
73
يوميّات طنجة
12يونيو
تناولت طعام الغداء ،يف الجبل ،مع «غلوريا كريبي ،(((»Gloria Kirbi
كل يشء عن املخرج «پيدرو وكان مدعوُّوها القادمون من مدريد يعرفون ّ
تخصص يف األفالم الفكاهية .من الصعب َّ أملودوفار»((( ،الذي يبدو أنه
قصتي « ،»Time of friend shipعلما ً معرفة ملاذا وقع اختياره عىل ّ
ً
بداهة، بأنها ال تتضمَّن أيّة مواقف من َقبيل الكوميدياّ ،إل إذا كانت الغاية،
هي معالجة الحكاية ،عىل مستوى آخر .وفعالً ،لن يكون صعبا ً تحويل
مشهد دار الحضانة إىل هجاء ساخر ،حيث يكفي إضافة ثالث أو أربع
(سليمان) لتغيري طبيعة الصلة التي تجمعه «فراولني سنوات إىل ُعمْر ْ
ويندلني» .لكن ،كيف -بالله -يمكن إدراج الفكاهة يف ّ
كل هذا؟ لقد أملح
املدعوّون إىل مائدة الغداء ،إىل فكرة ،مفادها أن «أملودوفار» يعتقد بأنه
استنفد قريحته الكوميدية ،وأنه يرغب ،من اآلن ،فصاعداً ،يف إضافة بُعد
جا ّد إىل أعماله السينمائية.
16يونيو
أمس ،عقد السفري األمريكي ،يف الرباط ،موعدا ً معي للّقاء به يف حان
«املنزه» .كان اللقاء لطيفا ً للغاية ،لكني ال أعلم -بتاتاً -ملاذا رغب يف
الحديث إيلَّ ،وما زلت أجهل ذلك ،إىل اآلن!
((( أمريكية مقيمة يف طنجة .قامت بتنظيم معرض مئوية ميالد «پول پولز» الذي َّ
شكل نواة
تأسيس جناح «پول پولز» يف املندوبية األمريكية يف طنجة.
((( مخرج سينمائي معروفُ .ولِد يف «كالسادا دي كاالترابا» ،يف إقليم «سيوداد ريال» ،سنة .1949
74
يوميّات طنجة
20يونيو
أتمكن من الدن ّو من الشاطئ ،مصحوبا ً بشخص َّ أمّا اليوم ،فإنني أكاد
يدفعني ويش ّدني .إنها لبالهة أن ي ِّدعي املرء أن الزمن ال تأثري له فيه.
24يونيو
مساء أمس ،أرسل «بريتولوتيش» سيّارة ،لنقيل إىل «املنزه» ،قص َد تناول
العشاء معه .يف بداية ذلك ،قال يل:
فأجبته:
75
يوميّات طنجة
بوروز» بصحبته من لندن .كان الحديث مرهقاً؛ ألن حفالً بالغ الصخب
كان يجري يف القاعة لتنشيط جماعة كبرية من السيّاح ،كثريي الجَ لَبة.
طرح «بريتولوتيش» مشكل (املوسيقى املصاحبة) .كان ينوي دعوة
«دافيد برين (((»David Byrne -للقيام باملهمة ،لكنه ذكر -أيضاً -اسم
«ريتشارد هوروويتز ،(((»Horowitz -بل اقرتح ،يف لحظة ما ،أن أتكلَّف
أنا بنصيب من موسيقى «شاي يف الصحراء» .لم نناقش ،ج ّديّاً ،هذا األمر.
يفضل األنغام اإللكرتونية عىل املوسيقى السامفونية؛ فهي وأنا أعتقد أنه ِّ
وأقل كلفة ،وال تتطلَّب توليفات لحنية وال تدريبات .والحظ ّ ٌ
عملية أكثر،
«سكارفيوتي ((( »Scarfiotti -أنه يحبِّذ تصوير املشهد األخري ،الذي
وأل يحاولوا يجري يف الجنوب ،يف أَغ ِد ْز((( .آمل أن يكون ذلك ممكناًّ ،
تصوير الفيلم كلّه ،يف املغرب .إنني أتفهَّم ملاذا ال يريدون اال ِّتصال
بالسلطات الجزائرية ،لكن املغرب ال يمكن -قطعاً -أن يكون بديالً
للجزائر أو للنيجر.
30يونيو
ّ
يستحق الذكر. فريق تلفزي فرنيس ،جاء أمس إلجراء حوار معي .ال يشء
ذهبنا إىل «سيدي اعْمار» ،وهناك ،صوَّروا مشهدا ً طويالً أمام البحر.
يحدث ،أحياناً ،أن أشاهد رشيط فيديو لهذه األفالم ،لكن ليس دائماً.
((( موسيقي أمريكي ،معروف بتأليفه ألغاني فرقة « ،»Talking Headsمن مواليد سنة .1952
((( مؤلِّف أمريكي ملوسيقى األفالمُ .ولِد يف نيويورك ،سنة .1949
((( «فريديناندو سكارفيوتي» ،مدير فنّي ،و ُم ِع ّد ديكورات األفالم .اشتغل مع «بريتولوتيش» يف فيلم
«شاي يف الصحراء».
ّ ُ
((( من أه ّم مدن شمال النيجر ،وت َعد عاصمة للطوارق.
76
يوميّات طنجة
ً
عادة -باللونني: تكون النتيجة ،دوماً ،مخيِّبة للظ ّن ،فالرشيط يكون-
األبيض ،واألسود.
5يوليوز (يوليو/تموز)
تناولت غدائي ،أمس ،مع «غافان يونغ» ،واصطحبت معي عبد الوهاب.
بعد ذلك ،احتسينا شايا ً بالنعناع ،يف الحديقة .وعندما مددت ذراعي ألخذ
وسادة ،كانت ملقاة عىل العشب ،الحظت وجود حرشة مهتاجة فوق
الوسادة ،فقال عبد الوهاب:
77
يوميّات طنجة
17يوليوز
مغربي آخر ،جاء هذا الزوال ،وهو يعمل أستاذا ً يف جامعة «ليموج» ،يف
فرنسا .لم يق ّم بأيّ يشء إلخفاء نواياه ،إذ أخرج ،للتوّ ،آلة تسجيل.
19يوليوز
دعانا «غافان» (عبد الوهاب وأنا) ،اليوم ،لتناول طعام الغذاء معه .إنه عىل
أهبة السفر إىل إنجلرتا ،لكنه يعتزم العودة يف أكتوبر .وحينها ،سيرشح
يل املزيد عن تعيينه يف منصب رئيس يف رشكة « ،»Samoaوهي الوظيفة
التي يأمل الرشوع فيها بداية فصل الشتاء القادم .لقد اقرتح عيلَّ الذهاب
لزيارته هناك ،عندما يتسلَّم منصبه املهمّ ،لكنه يعرف أنني سوف لن أفعل.
21يوليوز
78
يوميّات طنجة
ما زلت أجهل ،تماماً ،معنى ذلك ،ويبدو يل أن ال أحد بقادر عىل رشح
مدلول ذلك التقليد.
الفقيه العوامي ،أستاذ يف جامعة «ليموج» ،وقد َهيَّأ أسئلة لطرحها عيلّ.
25يوليوز
((( أمس ،رافقني ٌّ
كل من فيليب ،وكرايزي كيت ،ورودريغو ،وليديا بريدا
لحضور حفل زفاف عبد الوهاب .حفلة صاخبة ،فيها أكثر من مئة مدعوّ:
كل حديث شبه مستحيل ،والرقص موسيقى الراي املصمّة لآلذان جعلت ّ
يكاد يكون إجبارياً .وحدهم الرجال واألطفال ،كانوا يرقصون يف حركة
مزوبعة عنيفة ،طيلة ساعات ،دون أن يشعروا -بحسب الظاهر -بأيّ
تعب .أمّا الفتيات فاكتفني بالنظر ،وه ّن جالسات يف صفوف طويلة.
27يوليوز
روى يل عبد الوهاب أن أرسة زوجته جاءت تطالب أب َويْه بمعاينة غطاء
رسير العرس ،وعليه بقعة الدم .بعد حفل ،تواصل ثمانية وأربعني ساعة
((( فيلسوفة ونارشة ،ابتكرت سلسلة «مكتبة Payotالصغرية» لدى النارش «پايوت /ريفاج» ،حيث
نجحت يف إبراز كتب هامة كانت مهمّة ،بالنسيان.
79
يوميّات طنجة
دون نوم ،تهاوى الزوجان الجديدان عىل الفراش متعب َْي ،ث ّم اسرتجعا
حيويَّتهما خالل ساعتني ،قبل أن ينادى عليهما ملواصلة االحتفال ،لذا لم
صدم والدا عبد الوهاب للطلب ،وعلَّقا
تكن عىل الرسير نقطة دم واحدةُ .
قائل َ ْي:
مع ذلك ،وافقا عىل أن يسلِّما غطاء رسير العرس لعائلة الزوجة ،بمج َّرد
مرضجا ً بالدم ،وهو ما سيحدث ال محالة غداً.
َّ أن يصري
28يوليوز
الصباح ،مساء أمس ،سيارة لنقيل ،فحرضت أرسلت السيِّدة فاطمة ُّ
« »Garden Partyالذي عزف فيه البشري ،صحبة فرقة من موسيقيِّي
مصطفون فوق صخرة هائلة ،ترشف عىل حوض ّ «جهجوكة» ،وهم
السباحة .وعندما كان املدعوُّون يخرتقون املم ّر املؤ ّدي إىل الحديقة،
الحظوا وجود صف مؤلَّف من عرشة من الخدم ،عليهم مالبس الخدمة،
وقد وقفوا هناك ،الستقبالهم .أمّا األمرية فقد ظلَّت متوارية عن األنظار؛
األمر الذي جعل «دافيد هربرت»((( يُص َدم لهذا الغياب ،فهتف قائالً:
ِّ
وتوف يف طنجة ،سنة ((( مهندس ديكور ،وكاتب ،وعالم جمالياتُ ،ولِد يف إنجلرتا ،سنة ،1908
.1995
80
يوميّات طنجة
التلفع به ،حيث من وبر اإلبل ،هو املقابل الكويتي للجلباب ،وطلبت مني ُّ
خاصة أن الحديقة التي توجد عىل ّ كانت تعرف أنني رسيع ُّ
التأثر بالربد،
شفا جرف يرشف عىل املحيط ،كانت تكتسحها ،يف الغالب ،زوابع عنيفة
صادرة عن ريح قاسية الربودة .رحَّ بت بالسلهام ،وقضيت بعض الوقت
مرتديا ً إياه ،وقد التقط يل «سوامي الڤال» ،خالل ذلك ،صورا ً وأنا مم َّدد
عىل الصخرة ،عند أقدام املوسيقيني.
بدون ذلك السلهام املصنوع من وبر اإلبل ،كنت سأصاب حتما ً بنزلة برد.
عت السيدة فاطمة ،أرصَّتْ عىل أن أحتفظ بالسلهام؛ إذ كان- وعندما و َّد ُ
بحسب رأيها -مناسبا ً يل ،تماماً.
30يوليوز
«آل يارمولينسكي»((( ،أحيوا حفل «جياللة» ،مساء أمس ،يف «فيال جويل».
خاصة ،من طرف النساء اللواتي بدا بعضه ّن يف ّ كانت هنالك رقصات
حالة جذبة ،وإن كنت يف ريب من ذلك (أرملة املجذوبي كانت فاتنة ،عىل
حظي أني طعمته وأنا يف خاص)( .الكسكس) كان ممتازاً ،وكان من ّّ نحو
الداخل ،حيث كان هناك ناموس يف الحديقة .لقد أمتعنا عبد الواحد كثرياً،
حني دعانا لركوب حافلة كبرية ،تتَّسع لحوايل سبعني شخصاً .اصطنع
هيئة مهرِّج عابث ،فيما كان يقودنا إىل قمّة الجبل ،قبل االنحدار منه،
بدون فرامل ،طبعاً .تساءل «فيليب» ،قلقاً ،عمّا إذا كان الفتى سيلقي
((( بنجامان يارمولينسكي ،وهو ملحِّ ن أمريكي ،وواضع موسيقى فيلم « 44أو حكايات الليل»،
( ،)1984للمخرج مومن السميحي.
81
يوميّات طنجة
بنا يف وهدة ،لكن عبد الواحد يعرف ،جيِّداً ،ما يفعل ،وقد قادنا إىل البيت
ساملني.
1غشت (أغسطس/آب)
تناولنا العشاء أمس ،لدى عبد الوهاب ،بحضور زوجته الجديدة .وخالل
َ
تسجيلْ ذلك ،شاهدنا (فيليب ،وكرايزي كيت ،ورودريغو ،وليديا وأنا)
فيديو عن «بول بوبز» :أحدهما هو الفيلم الذي كان «غاري كونكالن-
مؤخراً ،يف التلفزة الفرنسية،
((( »Gary Conklinقد أخرجه ،وعُرضَّ ،
أقل أه ِّمي ًّة من سابقه.
والثاني جزء من برنامج « ،»ex-librisوهو ّ
شاهدنا ،كذلك ،مَشاهد ال متناهية من حفل زفاف األسبوع املايض .العشاء
كان جيِّداً ،وانرصفنا ،بعد أن وافق عبد الواحد عىل املجيء للجلوس يف
املنزل ،رغم خصامه مع عبد الوهاب .الوداعات تطاولت ،وكانت مفعمة
باالنفعال .الزوجان الجديدان سيسافران ،غداً ،إىل هوالندا .سأشتاق إىل
عبد الوهاب ,فعالً.
2غشت
((( مخرج ومنتج سينمائي أمريكي ،أخرج فيلما ً وثائقياً ،عن «پول پولز» ،بعنوان «پول پولز يف
املغرب».)1970( ،
82
يوميّات طنجة
معبا ً عن
أن يقوم باستشارة طبيب للقلب ،يف مسألة إجراء فحص عامِّّ ،
حرصه عىل دفع مصاريف االستشارة الطبِّية.
4غشت
دعاني «غافان» لتناول الغذاء ،معه ومع وكيل أعماله «جيلون آيتكن-
((( »Gillon Aitkenيف مدينة «أصيلة» ،حيث حجز لدى مطعم
«غارسيا» (وكانت السيدتان :آيتكن ،وآ َّنا ماكهاف حارض َت ْي إىل جانب
أحمد امليموني) .اعتقد «آيتكن» أن بإمكانه إقناعي برتك وكالة «وليام
موريس»((( ،وااللتحاق بـ«أندرو وييل ،(((»Andrew Wylie -رشيك
«آيتكن» يف نيويورك .كان «وييل» قد ا َّتصل بي سابقاً ،يف بداية العام،
(((
مقرتحا ً عيلّ أن أ َّتخذه وكيالً ألعمايل ،لكن «نيد ليفيث»Ned Leavitt -
نصحني بالعدول عن ذلك ،فق َّررت ،حينها ،البقاء لدى «وليام موريس».
كنت جالسا ً وسط صخب مطعم «غارسيا» (حيث لم أتناول سوى عجّ ة
َّ
فتمكن «آيتكن» من إقناعي ،وق َّررت تغيري وكيل أعمايل ،بعد بيض ،باردة)
اثنتني وأربعني سنة ،قضيتها لدى «وليام موريس» .لم يكتف «آيتكن»
ُنفذ أدبي «exécuteur بذلك ،بل قال يل إنه من العبث أن يكون لديك م ِّ
((( وكيل أعمال عدد من كبار الكتّاب :جون فولز ،ونورمان مايلر ،وفيليب روث ،ودون دي ليلو،
وسوزان سونتاغ ،وسلمان رشدي.
((( أُحدثت سنة ،1898وهي تمثل مصالح املمثلني واملوسيقيِّني والكتاب والفنانني ،إزاء رشكات
ّ ّ ِّ ِّ
اإلنتاج الفني .توجد مقارّاتها يف نيويورك ،وميامي ولندن ،وشنغهاي.
((( وكيل أدبي ونارش أمريكي ،أسَّ س سنة »The Wylie Agency«1980التي يوجد مقرّها يف كلٍّ
من لندن ،ونيويورك.
((( صاحب وكالة أعمال يف نيويورك.
83
يوميّات طنجة
7غشت
12غشت
سأكون مرغما ً عىل الرتاجع عمّا قلته يف يوم االثنني (املايض) ،فيما يتَّصل
بلحم العجل يف طنجة؛ فقد أقام «فيليب» ،مساء أمس ،حفل عشاء يف
طعمت فيه شيئاً ،هو مطعم .L’Osso Bucco ُ مطعم ،لم يسبق يل أن
طلبت رشيحة (فو -فييل) فوجدتها لذيذة ،وكان بإمكاني أن أعتربها
جيِّدة ،يف باريس أو نيويورك .ال أفهم كيف َّ
تمكن هذا املطعم من العثور
عىل لحم عجل عايل الجودة ،بينما لحم العجل يف أماكن أخرى ،يكاد َّ
يتعذر
84
يوميّات طنجة
أكله .كانت «خرييس» موجودة ،أيضاً .وفيما كنّا نتناول العشاء ،جاء
البشري دون ُّ
توقع منّا ،وانض َّم إىل مائدتنا ،لكنه لم يتبادل مع «خرييس»
أيّ حديث.
15غشت
كل يوم ،بحيث أجد صعوبة يف ُّ
تذكر ماذا يريده يزورني (مغاربتي) ّ
كل واحد منهم .الفقيه العوامي هو مَن أَج ُد ترضيته صعبة؛ نظرا ً
مني ّ
ِ
لتوفره ،دوماً ،عىل الئحة أسئلة ،يريد طرحها عيلّ .سمعت أمس مساءً،
ُّ
قرع طبول ،ليس دفوف عاشوراء ،وإنما طبول ذات إيقاعات متنوِّعة .بدا
يل أن األمر يتعلَّق برقصة أحواش((( .وبما أني لم أشاهد هذه الرقصة يف
فكرت يف أن سمعي -ربَّما- غري األطلس الكبري واألطلس املتوسِّ ط ،فقد َّ
أخذ يخدعني .بيد أني عندما فتحت نافذة غرفتي وأصغيت إىل األغاني
كافة شكوكي .كانت هناك -فعالً- التي تهيمن عىل قرع الطبول ،تالشت ّ
رقصة أحواش ،يف الشارع ،بالقرب من املدرسة .خرجت مستعجالً،
فوجدت حوايل ثالثني رجالً ،يرتدون جالبيب تقليدية بيضاءّ ،
وكل واحد
صف طويل ،وكان ضاربو الطبل ّ منهم علَّق خنجره ،وهم يرقصون يف
الثمانية مقرفصني أمامهم .تصوَّرت أنني أوجد يف «تافراوت» .مكثت
هناك ،ال أتململ ،حوايل الساعة ،وأنا مسحور منبهر ،إىل أن غادروا
الساحة .إثر ذلك ،سألت رشطيا ً كان متِّكئا ً عىل البوابة :كيف حدث أن
جاءت هذه الفرقة إىل طنجة؟ فأجابني:
((( رقصة مع أناشيد أمازيغية ،من جبال األطلس ،يشرتك فيها الذكور واإلناث.
85
نجيب محفوظ
اليمكن أن يكون سوى «مالكولم فوربس» .لقد دعيت إىل العشاء الذي يقام
يوم التاسع عرش من هذا الشهر ،لذا َّ
فكرت« :استقدام هؤالء املوسيقيِّني،
من الجنوب البعيد إىل هنا ،فكرة ذكيّة» .كانت هناك تسع حافالت كبرية
مركونة عند مدخل املدرسة ،وهو ما يعني أن مئات الراقصني واملنشدين
قد حلّوا يف طنجة.
16غشت
17غشت
86
يوميّات طنجة
يرقصن عىل أنغام الكدرة((( .وكان البشري عمل يف «كوليمني» ،حيث التقى
«بشارة» ،وتح َّدث إليها عقب التداريب .اقرتحت علينا «بشارة» احتساء
مخصصة لراقصات الكدرة.
َّ شاي معها ،يف غرفة بالطابق العلوي،
َّ
تتذكرني ،مع أني ال أرى كيف أمكنها ذلك، وعندما رأتني ،ا ّدعت أنها
حيث التقيتها ،آلخر م ّرة ،سنة ،1962يف كواليس مرسح «نيويوركي»
(كانت «كاترين دونهام (((»Katherine Dunham -قد أحرضتها ،هي
وحوايل ثالثني مغربية ،للظهور يف حفلها املوسيقي سيِّئ الذكر ،الذي لم
يت ّم عرضه سوى م َّرتني) .لقد سجَّ لت لها يف «كوليمني» ،سنة ،1959
ّ
والشك .عىل أيّة حالَ ،ت َّم استقبالنا بحسب َّ
تتذكر تلك األمسيّة، لكنها ال
قواعد الضيافة التقليدية املغربية .بضع راقصات دسسن أيديه ّن داخل
فضية ،عمد ّ
كل من صدوره ّن ،وأخرجن من مالبسه ّن حفنات من دمًى ِّ
«خرييس» والبشري إىل اقتنائها .وعند انرصافنا ،أعاد البشري عىل مسامعي
ما قالته املرأة له ،قبل هنيهة:
«بما أنه أمريكي يعيش يف طنجة ،فيجب أن يكون له مال كثري .هل هو
متزوِّج؟».
وا َّتفقنا معا ً عىل العودة للِّقاء بها ،مج َّدداً ،هذا املساء.
((( رقصة من منطقة الصحراء ،جنوب املغرب ،تمارسها النساء عىل إيقاع آالت عزف تقليدية.
((( راقصة أمريكية شهرية ،من أب إفريقي وأ ّم كندية ،ومؤسِّ سة فرقة رقصُ ،ولِدت يف شيكاغو،
وتوفيت سنة ،2006عن س ّن تناهز 93عاماً.
ِّ سنة ،1909
87
يوميّات طنجة
سرية املرتجم
إبراهيم الخطيب
صدر له من الرتجمات:
« -نظرية املنهج الشكيل»( ،دار األبحاث العربية للنرش ،بريوت). 1982 ،
« -مورفولوجية الخرافة»( ،النارشون املتِّحدون ،الرباط).1986 ،
« -النقد والحقيقة»( ،النارشون املتَّحدون ،الرباط).1985 ،
« -املرايا واملتاهات»( ،توبقال -الدار البيضاء).1987 ،
« -البستان»( ،توبقال -الدار البيضاء).1992 ،
89
« -الدن ّو من املعتصم»( ،منشورات نجمة -الدار البيضاء).1993 ،
« -األربعينية»( ،دار الفنك -الدار البيضاء).1994 ،
« -أسابيع الحديقة»( ،دار الفنك -الدار البيضاء).2000 ،
« -حصار الحصارات»( ،توبقال -الدار البيضاء).2000 ،
« -مديح العتمة»( ،توبقال الدار -البيضاء).2001 ،
صدر له من َّ
املؤلفات:
« -پول پولز يف املغرب :أقنعة الكتابة» (املوجة -الرباط) .1996
« -پول پولز :التخييل واملثاقفة» (منشورات ا ِّتحاد كتاب املغرب -الرباط)،
.2003
90
يوميّات طنجة
91
صدر من سلسلة كتاب الدوحة