You are on page 1of 96

‫«يوميّ ات طنجة»‬

‫‪72‬‬
‫يُوَ َّزع ّ‬
‫مجاناً مع العدد (‪ )115‬من مج َّلة «الدوحة» ‪ -‬مايو ‪2017 -‬‬

‫عنوان الكتاب‪ :‬يوم ّيات طنجة‬


‫ِّ‬
‫المؤلف‪ :‬پول پولز‬
‫المترجم‪ :‬إبراهيم الخطيب‬

‫الناشر‪:‬‬
‫وزارة ّ‬
‫الثقافة والرياضة ‪ -‬دولة قطر‬
‫رقم اإليداع بدار الكتب القطرية‪121 / 2017 :‬‬
‫الترقيم الدولي (ردمك)‪ISBN / 978 / 9927 / 122 / 63 / 7 :‬‬

‫العمل الفني للغالف‪ :‬صورة للكاتب بول پولز‬


‫ّ‬
‫مجلة الدوحة‬ ‫اإلخراج والتصميم‪ :‬القسم َ‬
‫الف ّني ‪-‬‬

‫ّ‬
‫المجلة‪.‬‬ ‫المواد المنشورة في الكتاب ُتع ِّبر عن آراء ُك َّتابها‪ ،‬وال ُتع ِّبر ‪-‬بالضرورة‪ -‬عن رأي الوزارة أو‬
‫پول پولز‬

‫يوميات طنجة‬
‫ّ‬
‫(‪)1989 - 1987‬‬

‫ترجمها َّ‬
‫وقدم لها‬
‫إبراهيم الخطيب‬

‫(العنوان األصلي للكتاب)‬


‫‪Days: a Tangier Diary‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫مقدمة‬

‫يعكس كتاب «يوميّات طنجة» (‪ )1989 - 1987‬حياة الكاتب األمريكي‬


‫«پول پولز»‪ ،‬يف مدينة البوغاز‪ ،‬خالل السنتني املذكورتني‪ ،‬أي عرش‬
‫سنوات قبل رحيله (‪ .)1999‬يتعلَّق األمر بيوميّات تصوِّر معيشه‬
‫اليومي‪ ،‬وعالقاته‪ ،‬وصداقاته‪ ،‬وردود أفعاله‪ ،‬ومشاكله مع نارشي‬
‫إنتاجه‪ ،‬وهواجسه الصحِّ يّة‪ .‬لقد ّ‬
‫حل «پول پولز» يف طنجة‪ ،‬ألوَّل م ّرة‪ ،‬يف‬
‫مطلع ثالثينيات القرن املايض‪ ،‬نزوال ً عند نصيحة «جريترود ستاين» التي‬
‫سبق لها أن زارت املدينة‪ ،‬وأعجبت بمناخها‪ .‬كانت زيارة «پولز»‪ ،‬حينئذ‪،‬‬
‫عابرة‪ ،‬لكن مجيئه لإلقامة يف طنجة إنما حدث يف أواسط األربعينيات‪ ،‬قبل‬
‫تنقل الزوجان بني ع ّدة مساكن يف‬ ‫أن تلتحق به زوجته «جني آور‪ -‬پولز»‪َّ .‬‬
‫(حي أمراح‪ ،‬مثالً)‪ ،‬إىل أن استق ّر بهما املقام عىل هضبة‬
‫ّ‬ ‫املدينة القديمة‬
‫جذابة وهادئة‪ ،‬وال يتع َّدى عدد‬‫مرشان‪ .‬لقد كانت طنجة‪ ،‬يف ذلك الوقت‪ّ ،‬‬
‫سكانها ‪ 60000‬نسمة‪ ،‬غري أنها‪ ،‬بعد فقدان صفتها «منطقة دولية»‬
‫(‪ ،)1960‬عرفت تحوُّالت عميقة َّأثرت يف صورتها القديمة يف عينَ ْي «پول‬
‫وخاصة بعد مغادرة العديد من أصدقائه لها‪ ،‬أو وفاتهم ودفنهم‬ ‫ّ‬ ‫پولز»‪،‬‬
‫يف إحدى مقابرها‪.‬‬

‫دوَّن الكاتب األمريكي يوميّاته املذكورة يف حجرة نومه‪ ،‬يف الطابق األخري‬

‫‪5‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫من عمارة «إيتيسا»‪ ،‬وكانت جارته السيِّدة «بايف جونسن»‪ ،‬وهي رسّ امة‪،‬‬
‫تقيم يف الطابق السفيل‪ .‬وكان پول پولز يعتمد‪ ،‬يف تدبري معيشه اليومي‪،‬‬
‫كل من محمَّد املرابط‪ ،‬وعبد الواحد بولعيش‪ ،‬وعبد الوهاب‪ ،‬ورحمة‪.‬‬ ‫عىل ٍّ‬
‫يتكفل محمَّد املرابط وعبد الوهاب بالتسوُّق وإعداد الفطور والغداء‬ ‫َّ‬
‫والعشاء‪ ،‬وكذا إيقاد املدفأة يف أيّام الزمهرير‪ ،‬ويعمل عبد الواحد بولعيش‬
‫سائقا ً لسيّارة پولز‪ ،‬وهي من نوع «فورد موستانغ»‪ ،‬حيث يقوم بنقله‬
‫إىل مكتب الربيد أو القنصلية الفرنسية‪ ،‬و‪ -‬أحياناً‪ -‬إىل املستشفى‪ ،‬فضالً‬
‫ّ‬
‫الشقة‪.‬‬ ‫عن نقله للقيام بجوالته عىل الشاطئ‪ .‬أمّا رحمة فتقوم بتنظيف‬
‫وإذاكان «پولز» ال يبدي أيّة مالحظات عىل سلوك بولعيش‪ ،‬عدا كثرة‬
‫«حكاياته املليئة بالكنوز»‪ ،‬فإنه كان ينزعج من ح ّدة مزاج املرابط‪ ،‬وعنف‬
‫خصامه‪ ،‬وبذاءة سبابه‪ .‬يف مقابل ذلك‪ ،‬كان يك ّن و ّدا ً بيّنا ً لعبد الوهاب‪ ،‬إىل‬
‫تأثر لذهابه لإلقامة‪ ،‬بصفة دائمة‪ ،‬يف هوالندا‪.‬‬ ‫درجة أنه َّ‬

‫شقته‪ ،‬بني حني وآخر‪ ،‬لرتويض ساقيه‪،‬‬ ‫لم يكن «پولز» يرت َّدد يف مغادرة ّ‬
‫عن طريق امليش عىل كورنيش «مرقالة» مصطحباً‪ -‬يف غالب األحيان‪-‬‬
‫سائقه‪ .‬كان يعاني من تصلُّب يف ربلة الساق‪ ،‬كما كان يعاني من فتق‪،‬‬
‫ومن انحباس الصوت‪ ،‬أحياناً‪ ،‬فكانت جارته «بايف جونسن» تنصحه‬
‫بإجراء فحوص‪ ،‬باألشعة السينية‪ ،‬للحنجرة‪ .‬وعندما أجريت له عملية‬
‫عىل العصب ال ُو ّدي‪ ،‬نصحه الطبيب باملكوث يف الفراش وعدم الحركة‪،‬‬
‫م ّدة من الزمن‪،‬وخالل ذلك كان پولز يتناول طعامه مندسّ ا ً يف فراشه‪ ،‬إىل‬
‫أن نبَّهه عبد الواحد بولعيش إىل أن التعوُّد عىل هذا الوضع ليس صحِّ يا ً‬
‫بالنسبة إليه‪ .‬وكان الكاتب يعتقد أن تقلُّبات الطقس مزعجة لصحَّ ته‪،‬‬
‫التغيات التي عرفتها طنجة‪ ،‬عىل الصعيدين‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫كما كان يبدي استيا ًء من‬

‫‪6‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫العمراني‪ ،‬والبيئي‪ ،‬ومن بريوقراطية بعض املؤسَّ سات (الربيد مثالً) التي‬
‫كانت وسيلته الوحيدة لال ِّتصال بالخارج‪ .‬مع ذلك‪ ،‬كان «پول پولز»‬
‫حريصا ً عىل البقاء يف طنجة‪ ،‬متهيِّبا ً مغادرتها‪ ،‬بل كان يحاول الته ُّرب‪-‬‬
‫قدر املستطاع‪ -‬من بعض األسفار‪ ،‬متعلِّالً بعدم رغبته يف ركوب الطائرة‪.‬‬

‫شقته املتواضعة‪ ،‬يف‬ ‫كان الكاتب حريصاً‪ -‬أيضاً‪ -‬عىل عدم إغالق باب َّ‬
‫وجه زوّاره الكثريين‪ .‬لم يكن يملك هاتفا ً ثابتاً؛ لذا كان يفتح الباب ّ‬
‫لكل‬
‫الطارقني‪ ،‬سواء أكانوا فضوليِّني عابرين‪ ،‬غايتهم التع ُّرف إليه‪ ،‬أم كانوا‬
‫صحافيِّني يريدون إجراء حوارات معه‪ ،‬أو باحثني يع ّدون أطروحات‬
‫عن أدبه‪ ،‬أو ُكتّاب ِس َي تتناول حياته‪ ،‬أو فرقا ً تلفزية َقدِمت لتصوير‬
‫أفالم وثائقية عنه‪ .‬لقد استقبل‪ ،‬يف هذا الصدد‪ِ ،‬فرَقا ً قادمة من عديد‬
‫الدول األوروبية‪ ،‬ومن أمريكا‪ .‬ورغم انزعاجه من بعض مطالبها‪ ،‬كان‬
‫ُّ‬
‫التنقل خارج البيت‪،‬‬ ‫ّ‬
‫مشقة‬ ‫ينصاع‪ ،‬يف النهاية‪ ،‬لها‪ ،‬مع ما يكلِّفه ذلك من‬
‫ُس بزيارة‬‫يف أوقات‪ ،‬قد ال يستسيغها‪ ،‬أحياناً‪ .‬واملالحظ أن «پولز» كان ي َ ّ‬
‫شقته‪ ،‬مثل «رودريغو راي روسا»‪ ،‬و«باتريسيا‬ ‫ُكتّاب أوموسيقيِّني له‪ ،‬يف ّ‬
‫هاسميث»‪ ،‬حيث يكون مزاجه رائقاً‪ ،‬لكن مزاجه كان معتكراً‪ ،‬تماماً‪،‬‬
‫طيلة األيّام التي استقبل فيها الكاتب األمريكي «كريستوفر‪ -‬ساوير‪-‬‬
‫الوسا ّنو» الذي كان ُي ِع ّد سرية له‪ ،‬يناقض تصوُّره لبعض مراحلها‬
‫يطلع الناس عليه من‬ ‫ما يتصوَّره «پولز» عن نفسه‪ ،‬أو ما يرفض أن َّ‬
‫ترصُّفاته‪ .‬كان مرسوراً‪ -‬أيضاً‪ -‬لزيارة «ميك جاغر» من فرقة «الرولينغ‬
‫ستونز» له‪ ،‬يف أثناء قدوم هذا األخري إىل طنجة بمعية فريق «‪»BBC‬؛‬
‫قص َد تصوير حفل موسيقي مع فرقة «جهجوكة»‪ ،‬وكذا لزيارة صديقيه‪:‬‬ ‫ْ‬
‫«فيليب رامي» و«كريزي كيت» اللذين كانا قد عادا من أمريكا حامل َ ْي‬

‫‪7‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫هدايا له‪ ،‬هي تسجيالت جديدة لبعض ألحانه القديمة‪ .‬استقبل «پولز»‪-‬‬
‫أيضاً‪ -‬نارشين يابانيني‪ ،‬وباحثني مغربيني من جامعة ليموج‪ ،‬يف فرنسا‪،‬‬
‫كما استقبل املخرج محمَّد والد محاند‪ ،‬الذي جاء لتصوير فيلم وثائقي‬
‫عنه‪ُ ،‬ع ِرض‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬عىل قناة «‪ »Arte‬الفرنسية األملانية‪.‬‬

‫ورغم ميله إىل العزلة‪ ،‬كان «پول پولز» مندمجاً‪ -‬إىل حَ ّد ما‪ -‬يف مجتمع‬
‫طنجة‪ ،‬من خالل عالقاته الحميمية بمساعديه‪ ،‬الذين كانوا يوجِّ هون إليه‬
‫الدعوة لحضور بعض احتفاالتهم‪ ،‬مثلما حدث مع محمَّد املرابط‪ ،‬الذي‬
‫كل سنة‪ ،‬حفالً بمناسبة عيد ميالد «پولز»‪ ،‬أو ما حدث‬ ‫كان يقيم يف بيته‪ّ ،‬‬
‫مع عبد الوهاب الذي دعاه لحضور حفل زفافه‪ ،‬وكذا من خالل حرصه‬
‫عىل حضور الحفالت املوسيقية أو مشاهدة الرقص الشعبي يف الشارع‬
‫العامّ‪ .‬كانت لـ«پولز»‪ -‬أيضاً‪ -‬عالقة ببعض النابهني يف املدينة‪ ،‬مثل ّ‬
‫لل‬
‫فاطمة الزهراء‪ ،‬كريمة السلطان موالي عبد العزيز‪ ،‬أو ابنة أحد أمراء‬
‫الكويت من عائلة الصباح‪ ،‬التي دعته لحضور حفل‪ ،‬أقامته يف قرص لها‬
‫يطل من مرتفع عىل املحيط األطليس‪ ،‬وأهدته‪ ،‬حينئذٍ‪ ،‬سلهاما ً من وبر‬ ‫ّ‬
‫اإلبل‪ .‬وكان يلبّي دعوة بعض أصدقائه األجانب املقيمني‪ ،‬بصورة دائمة‬
‫أو جزئية‪ ،‬يف طنجة وذلك لقضاء أمسيات نقاش مهنية معهم‪ ،‬أو لحضور‬
‫حفالت عشاء يف بعض املطاعم‪ ،‬حيث كان يواظب عىل طلب رشيحة لحم‬
‫عجل‪ ،‬أو يكتفي بعجّ ة بيض باردة‪.‬‬

‫بقي أن نشري إىل أن «يوميّات طنجة» ال تخلو‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬من مالحظات‪،‬‬
‫مدارها بعض سلوكات املغاربة أو ترصُّفات السلطات املحلّيّة‪ .‬هكذا‪،‬‬
‫بغيْظ‪ -‬أن دهاقنة العقار أطلقوا بولدوزيراتهم‬ ‫الحظ «پول پولز»‪َ -‬‬
‫يف بادية طنجة‪ ،‬حيث َت َّم تدمري النباتات‪ ،‬وقطع األشجار‪ ،‬وأن ّ‬
‫سكان‬

‫‪8‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫الڤيلت التي ُشيِّدت حديثاً‪ ،‬هناك‪ ،‬يرمون قمامتهم يف الخالء‪ ،‬دون أيّ‬
‫ّ‬
‫احرتام للبيئة‪ .‬الحظ‪ -‬أيضاً‪ -‬أن العداء بني الجنسني يبدأ منذ الصغر‪،‬‬
‫وذلك عندما شاهد‪ ،‬يف الشارع‪ ،‬صبيانا ً يقذفون‪ ،‬بالحىص‪ ،‬موكبا ً نسائيا ً‬
‫يعب مَن فيه عن الفرحة بالنقر عىل الدفوف‪ .‬وبخصوص شهر رمضان‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫انزعج «پولز» من حذف السلطات معزوفات الغيطة يف الصوامع‪،‬‬
‫ّ‬
‫بصفارة إنذار‪ ،‬كما‬ ‫وتعويض رضبة املدفع املؤذنة بانتهاء يوم الصيام‬
‫انزعج من بعض السلوكات التي تصدر عن الصائمني‪ ،‬والتي ترتاوح بني‬
‫العنف اللفظي والقتل العمد‪.‬‬

‫تلك هي‪ -‬بإيجاز‪ -‬بعض مالمح معيش «پول پولز»‪ ،‬يف طنجة‪ ،‬إبان‬
‫السنتني اللتني روى وقائعهما يف يوميّاته‪ .‬لقد بدا يل‪ ،‬من خالل ذلك‪،‬‬
‫رجالً منفتحاً؛ بحيث لم يكن يرت َّدد يف استقبال َم ْن شاء‪ ،‬رغم إدراكه‬
‫بأن ذلك يقتنص من وجوده وعمله وقتا ً ثميناً‪ ،‬كما كان متهيِّبا ً من‬
‫تغيات يف مجرى أيّامه‪ ،‬حريصاً‪ -‬مع ذلك‪ -‬عىل التالؤم معها أو‬ ‫حدوث ُّ‬
‫االستسالم لها‪ ،‬بمزاج زاهد‪ .‬كان الكاتب مهتمّاً‪ -‬أيضاً‪ -‬بمسألة ترجمة‬
‫أعماله إىل اللغتني‪ :‬الفرنسية‪ ،‬واإلسبانية‪ ،‬منزعجا ً من بعض الرتجمات‬
‫التي ال تروقه‪ ،‬كما كان مهتمّا ً باحتمال تصوير فيلم مقتبَس عن أحد‬
‫أعماله األدبية‪ .‬لكن ما يثري االنتباه هو أنه‪ ،‬طيلة السنتني‪ ،‬لم يتح َّدث قط‪،‬‬
‫عن انشغاله بالكتابة ما عدا م َّرتني؛ وعَد‪ ،‬يف إحداهما‪ ،‬صديقا ً له بوضع‬
‫مق ِّدمة ألحد كتبه‪ ،‬وقد فعل‪ ،‬وتساءل‪ ،‬يف الثانية‪ ،‬عمّا إذا كان سيلبِّي رغبة‬
‫حي «كي فولتري» يف باريس‪،‬‬ ‫«دانييل روندو» يف الكتابة عن ذكرياته يف ّ‬
‫إبّان سنتَ ْي ‪ 1931‬و‪ ،1932‬وقد فعل‪.‬‬

‫ما يثري االنتباه‪ -‬أيضاً‪ -‬هو أن «پولز» لم يتح َّدث‪ ،‬يف يوميّاته‪ ،‬بتاتاً‪ ،‬عن‬

‫‪9‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫محمّد شكري‪ .‬والراجح هو أن ذلك لم يكن من قبيل السهو‪ ،‬بل كان ناتجا ً‬
‫عن تفاقم سوء العالقة بينهما‪ ،‬منذ أواسط الثمانينيات‪ ،‬بسبب ا ِّتهام‬
‫شكري‪ ،‬يف حوارات صحافية للكاتب األمريكي بأنه كان يترصَّف‪ ،‬بح ِّريّة‪،‬‬
‫مستحقاته‪ ،‬من مبيعات كتبه الثالثة‪ ،‬التي ترجمها إىل اإلنجليزية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يف‬
‫وهي‪« :‬الخبز الحايف»‪ ،‬و«جان جينيه يف طنجة»‪ ،‬و«تينييس وليامز يف‬
‫طنجة»‪ .‬بيد أن املثري‪ ،‬يف هذا الصدد‪ ،‬هو أن «پولز» كتب يف وصيَّته‪ ،‬التي‬
‫أودعها لدى القنصلية الفرنسية يف طنجة‪ ،‬أن يُمنَح شكري مبلغا ً من‬
‫املال‪ ،‬يعادل ‪ 1500‬دوالرا ً أمريكياً‪ .‬فهل ُي َع ّد هذا جربا ً لخاطر هذا األخري؟‪.‬‬

‫إبراهيم الخطيب‬

‫‪10‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪11‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 19‬غشت (أغسطس‪/‬آب)‬

‫ج ّو صحو‪ .‬رست راجالً إىل شاطئ «مرقالة»‪ .‬ريح «رشقية» عنيفة‬


‫تثري جباال ً من الغبار‪ ،‬طيلة الطريق‪ .‬عىل الشاطئ‪ ،‬مئات من األطفال‬
‫الصغار‪ ،‬وال أحد‪ -‬تقريباً‪ -‬من البالغني‪ .‬كان األطفال يسوط بعضهم‬
‫بعضا ً بسيور طحلبية‪ّ .‬‬
‫نتنفس‪ ،‬باستمرار‪ ،‬رائحة «الواد» الحا ّر الذي‬
‫ُح ّقة يف‬ ‫ينصبُّ يف أقىص رشق الشاطئ‪ .‬كانت ّ‬
‫لل فاطمة الزهراء((( م ِ‬
‫منع ارتياد هذا املكان‪ ،‬من طرف العموم‪ ،‬قبل بضع سنوات‪ .‬لكن ذلك‬
‫حدث إبّان انتشار وباء الكولريا‪ .‬وصلت رسالة من باريس تخربني بأن‬
‫النارش «‪ »Quai Voltaire‬يرفض السماح يل بفحص التجارب املطبعية‬
‫قط‪ ،‬مراجعتها‪ .‬كنت أرغب‪ ،‬فقط‪،‬‬ ‫التي يو ّد نرشها‪ ،‬مع أني لم أطلب‪ّ ،‬‬
‫يف قراءة الرتجمة قبل تركيبها‪ .‬لقد وصف مسؤولو «‪»Quai Voltaire‬‬
‫طلبي بأنه((( «‪« .»légalisme excessif‬بايف جونسن»(((‪ ،‬عثرت عىل‬
‫َ‬
‫األلف ْي دوالر‪ ،‬وعىل جواز سفرها اللذين كانا مدسوسَ ْي يف مكان ما من‬
‫ّ‬
‫الشقة‪.‬‬

‫((( كريمة السلطان موالي عبد العزيز (‪.)2003-1926‬‬


‫((( إفراط يف تطبيق القانون‪.‬‬
‫((( رسّ امة وصديقة لفنّانني ُ‬
‫وكتّاب‪ ،‬من أبرزهم «پول پولز»‪ ،‬و«ترومان كابوت»‪ ،‬و«لورانس داريل»‬
‫وتوفيت سنة ‪ ،2006‬عن س ّن تناهز ‪ 94‬عاماً‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫إلخ‪ ،..‬وغريهم‪ُ .‬ولِدت يف نيويورك سنة ‪،1912‬‬

‫‪13‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 20‬غشت‬

‫قمت بزيارتي األخرية إىل القنصلية‪ ،‬حيث سُ لِّمتْ يل نسخة من وصيَّتي‬


‫التي كانوا يحتفظون بها‪ .‬شاحنات تذهب وتجيء أمام «اإلقامة»‪.‬‬
‫بعد الزوال‪ ،‬زارني شخص اسمه م‪ .‬الجباري‪ُ ،‬ي ِع ّد أطروحة يف جامعة‬
‫السوربون‪ .‬لقد َت َّم رفض اقرتاحه األوَّل امل َعنْوَن بـ«حياة پول پولز‬
‫وأعماله»‪ ،‬وعندما َعنْوَن موضوعه بـ«الرعب والعنف يف أعمال پول پولز»‬
‫حقاً‪.‬‬
‫َت َّم قبوله‪ .‬أمر مثري للسخرية‪ّ ،‬‬

‫م َّرت «كلود توما»((( بي‪ ،‬وهي غضبى من العقود الجديدة التي بعثها لها‬
‫النارش «‪ ،»Quai Voltaire‬قص َد توقيعها‪ .‬آمل ّأل ُتغلِق الباب يف وجهه‪،‬‬
‫فرتفض ترجمة كتبي األخرى‪ .‬لقد كتب إيلّ النارش «‪ »Bourgois‬معلنا ً‬
‫عن نيَّته يف تكليفها برتجمة رسائل «جني پولز»(((‪.‬‬

‫‪ 25‬غشت‬

‫غريب‪ َ ..‬كم هو صعب أمر تغذية الغيظ ورعايته‪ ،‬بعد تاليش الفورة‬

‫((( مرتجمة فرنسية‪ ،‬قضت جزءا ً من حياتها يف أمريكا‪ ،‬التقت «پول پولز»‪ -‬ألوَّل مرّة‪ -‬سنة ‪،1973‬‬
‫نظمت‪ ،‬يف طنجة‪ ،‬مئوية‬ ‫وترجمت‪ ،‬إىل الفرنسية‪ ،‬روايتيه‪« :‬بيت العنكبوت»‪ ،‬و«الغابة الحمراء»‪َّ .‬‬
‫ميالد «پولز»‪ ،‬سنة ‪.2010‬‬
‫((( كاتبة أمريكية‪ ،‬هي زوجة «پول پولز»‪ُ .‬ولِدت يف نيويورك سنة ‪ ،1917‬وقضت نحبها سنة‬
‫‪ .1973‬اش ُتهرت بروايتها «سيِّدتان جا ّدتان» (‪ ،)1943‬وكذا مرسحيَّتها «يف منزل الصيف»‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫األوىل! منذ ثالثة أيّام‪ ،‬يأتي «‪ (((»L‬لقضاء ما بعد الزوال هنا‪ .‬م َّرتني أو‬
‫ثالث‪ ،‬يف السنة‪ ،‬يصل قادما ً من بوسطن‪ ،‬حيث يكتب هذه السرية التي‬
‫رفضتها قبل رشوعه فيها‪ (((»Weidenfeld« .‬يعلم جيِّدا ً أنني لم أوافق‬
‫عليها‪ ،‬ولقد ك َّررت لـ«‪ »L‬أنني سوف لن أساعده يف إنجازها‪ ،‬بأيّ حال‬
‫ّ‬
‫األقل‪ ،‬هو ال يضع عنّي أسئلة‪ ،‬وعندما أناقشه‪ ،‬يرتسَّ ب‬ ‫من األحوال‪ .‬عىل‬
‫لديّ انطباع بأنني أتح َّدث إىل طبيب‪ ،‬بعد أن يكون قد قال‪« :‬أجل‪ ،‬أنت‬
‫مصاب بالرسطان» مضيفاً‪ ،‬للتوّ‪« :‬لكن‪ ،‬لنتح َّدث يف أمر آخر»‪ .‬أتساءل‬
‫عمّا إذا كان يحدس؛ كم أنا كاره احتقاره لرغباتي! عىل األرجح‪ ،‬ال؛ فأنا ال‬
‫أقول شيئاً‪ ،‬وال أُظ ِهر شيئاً‪ ،‬وبعد ّ‬
‫كل ذلك ال أشعر‪ ،‬البتّة‪ ،‬بيشء‪.‬‬

‫‪ 29‬غشت‬
‫و َّدعني «‪ »L‬هذا الزوال‪ .‬سيسافر غداً‪ ،‬ومن َّ‬
‫املؤكد أنه لم يتق َّدم يف إعداد‬
‫مرشوعه أكثر ممّا فعل عند حلوله يف طنجة‪ .‬وخالل الزواالت الستّة‪ ،‬التي‬
‫قضاها هنا‪ ،‬قام محمَّد املرابط((( بالتح ُّدث إليه دون انقطاع‪ ،‬تقريباً‪.‬‬
‫أعتقد أن «‪ »L‬سيكون مهيَّأً‪ ،‬من اآلن فصاعداً‪ ،‬للكتابة عن محمَّد املرابط‪،‬‬
‫أكثر من كتابته عن أيّ شخص آخر‪.‬‬

‫((( إشارة إىل الكاتب «كريستوفري ساوير – الوسانو»‪ُ .‬ولِد سنة ‪ 1951‬يف سان ماتيو (كاليفورنيا)‪،‬‬
‫وخاصة سرية «پول پولز» «املتفرِّج الالمرئي» (‪ .)1990‬ترجم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لس َي بعض الكتّاب‪،‬‬
‫وعُرف بتأليفه ِ‬
‫إىل اإلنجليزية‪ ،‬أعمال «فيديريكو غارسيا لوركا»‪.‬‬
‫((( نارش بريطاني‪ُ .‬ولِد يف فيينا (النمسا)‪ ،‬سنة ‪.1919‬‬
‫((( راوية‪ ،‬ورسّ ام مغربي‪ ،‬يعيش يف طنجة‪ُ .‬ولِد سنة ‪ .1936‬اسمه الحقيقي محمَّد بن شعيب‬
‫ِّ‬
‫«محشش»‬ ‫الحجّ ام‪ .‬من مرويّاته‪ ،‬التي ترجمها «پول پولز» إىل اإلنجليزية‪« :‬حب ببضع شعريات»‪،‬‬
‫و«حبّة الربتقال»‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 1‬شتنرب (سبتمرب‪/‬أيلول)‬

‫وكيل أعمال «جني پولز»‪ ،‬يف نيويورك‪ ،‬أخربني بأن جمعية املؤلِّفني‬
‫حق عىل أعمال «جني»‪ ،‬ما دمت لم ِّ‬
‫أوفر لهم‬ ‫الفرنسيني ترفض منحي أيّ ّ‬
‫كل هذه املشاكل إىل‬ ‫وثائق تربهن عىل أني وريثها الرشعي‪ .‬يعود سبب ّ‬
‫مرسحيَّتها «‪ »In The Summer House‬بني عام َْي (‪ )1953‬و(‪.)1966‬‬
‫أمّا كتابها «‪ »Plain Pleasures‬فقد مىض أمره بيرس‪ ،‬لكونه مج َّرد‬
‫كتاب‪ ،‬عكس املرسحية التي َت َّم بثّها‪ .‬يبدو أن جمعية املؤلِّفني تعتقد أن‬
‫اإلذاعة والتلفزة تقومان بمراقبة دقيقة مللكيّة األعمال املق َّدمة‪ ،‬ألن األمر‬
‫يتعلَّق ِب ِرهان عىل أموال كثرية‪.‬‬

‫‪ 11‬شتنرب‬

‫الڤيل ذات اإلصطبل‪ ،‬التي يملكها املرابط يف «مغايغ»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬


‫شاهدت‬ ‫أخرياً‪،‬‬
‫ُ‬
‫اكتشفت‪ -‬ليس‬ ‫«خرييس» تسمِّي املكان «‪ .(((»dchar chumbo‬لقد‬
‫دونما اندهاش‪ -‬أنه أدمج املرفقني يف مبنى واحد‪« .‬جان برينار»‪ ،‬الذي‬
‫كان برفقتنا‪ ،‬اعترب األمر عادياً‪ ،‬مضيفا ً أن الكثري من املباني‪ ،‬يف فرنسا‪،‬‬
‫قائم عىل هذا النحو‪ .‬األمر‪ ،‬هنا‪ ،‬ال يختلف‪ ،‬بطبيعة الحال‪ .‬لكن‪ ،‬يف مثل‬
‫هذه املباني‪ ،‬يجب أن يكون اإلصطبل يف األماكن النائية؛ فالحيوانات‬
‫تصدر خواراً‪ ،‬وتثغو‪ ،‬وتنرش رائحة كريهة‪ ،‬وتجذب الذباب‪ .‬ال يمكنني‬
‫أن أعتقد أن املكان قابل للسكنى‪ .‬وسوف لن تمكث «خرييس» هنا‪ ،‬م ّدة‬

‫((( «خرييس دي ال فرونتريا»‪ .‬اسمها الحقيقي «‪ .»Cherie Nutting‬مصوِّرة فوتوغرافية‪ .‬يف عام‬
‫‪ ،2000‬نرشت كتابا ً يحمل عنوان «عطر أمس‪ :‬ذكريات حميمية عن پول پولز»‪ ،‬ويتألَّف من صور‬
‫ومن نصوص لـ«پول پولز»‪ ،‬لم يسبق نرشها‪ ،‬ومن نصوص حوله‪ ،‬كتبها بعض أصدقائه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫طويلة‪ ،‬رغم ما تبديه‪ ،‬اآلن‪ ،‬من حماس‪.‬‬

‫‪ 14‬شتنرب‬
‫(((‬
‫قرأت‪ ،‬هذه امل ّرة‪ ،‬أجوبة االستبيان املنشور يف صحيفة «‪»Libération‬‬
‫قبل سنتني‪« :‬ملاذا تكتب؟» بحثا ً عن اإلجابة األكثر تواتراً‪ .‬قلّة من الكتّاب‬
‫يفسون ممارستهم ملهنتهم بأسباب ما ِّديّة‪ .‬الكثريون منهم يعرتفون‬ ‫ِّ‬
‫بأنهم يجهلون السبب الذي جعلهم يكتبون‪ ،‬لكن غالبيتهم يجيبون بأنهم‬
‫ُد ِفعوا للكتابة بقوّة باطنية‪ ،‬لم يكونوا يستطيعون مقاومتها‪ .‬واألكثر‬
‫تشككاً‪ ،‬منهم‪ ،‬ال يرت َّددون يف االعرتاف بأن رضاهم الرئيس ناتج عن‬ ‫ُّ‬
‫االنطباع بأنهم سوف يرتكون بعضا ً من كيانهم وراءهم‪ ،‬يعني‪ -‬بعبارة‬
‫أخرى‪ -‬أن الكتابة تبدو وكأنها تمنح نوعا ً من الخلود‪ ،‬يف ح ّدها األدنى‪.‬‬
‫كان يمكن لهذا األمر أن يكون مفهوما ً يف القرن املايض‪ ،‬عندما كان‬
‫االعتقاد سائدا ً بأن الحياة‪ ،‬عىل هذا الكوكب‪ ،‬سوف تستم ّر إىل ما ال نهاية‪.‬‬
‫التوقع صار مشكوكا ً فيه‪ ،‬اليوم‪ ،‬فإن الرغبة يف أن يرتك‬‫ُّ‬ ‫لكن‪ ،‬بما أن هذا‬
‫املرء أثرا ً وراءه تبدو من قبيل العبث‪ .‬وحتى لو نجح النوع اإلنساني يف‬
‫البقاء خالل قرن آخر‪ ،‬فإنه من غري املحتمل أن تكون‪ ،‬لكتاب ُكتِب سنة‬
‫يتصفحه سنة ‪ ،2090‬برشط‬ ‫َّ‬ ‫‪ ،1990‬أه ِّميّة كربى‪ ،‬بالنسبة إىل شخص‬
‫بديهي‪ ،‬هو أن يكون هذا الشخص قادرا ً عىل القراءة‪.‬‬

‫الخاص يف مارس‪ ،1985 ،‬وكان عنوان ّ‬


‫امللف‪« :‬ملاذا تكتبون‪:‬الكتّاب يجيبون»‬ ‫ّ‬ ‫((( صدر هذا العدد‬
‫وهو يف ‪ 114‬صفحة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 3‬أكتوبر (ترشين األوَّل)‬

‫أمس‪ ،‬جاء رجالن‪ ،‬من بنك (وفا)‪ ،‬لرؤيتي‪ ،‬حاملني رسالة من الدار‬
‫البيضاء تطلب مني إعارة البنك رسم َْي صغريَيْن ألحمد اليعقوبي(((؛‬
‫وذلك بغية عرضهما يف معرض‪ ،‬يعتزمون تنظيمه هناك‪ ،‬يف هذا الشهر‪.‬‬
‫وعندما أجبتهما بأنني ال أملك أيّ رسم لليعقوبي‪ ،‬بل عندي لوحات‬
‫كتفي‬
‫َّ‬ ‫زيتية‪ ،‬أخرباني بأنهما ال يريدان سوى الرسوم‪ .‬وعوض أن أه ّز‬
‫أتوفر‪ -‬فعالً‪ -‬عىل رسوم‪ ،‬لكنها سقطت‬ ‫قائالً‪« :‬آسف ج َّداً» أضفت بأنني َّ‬
‫وراء أحد الرفوف‪ ،‬يف إحدى الحجرات‪ ،‬وأنني ال َّ‬
‫أتذكر يف أيّة حجرة‪ ،‬وال‬
‫رف‪ ،‬وأنه ليس يف نيّتي‪ -‬تماماً‪ -‬زحزحة تلك األرفف‪ ،‬املثقلة بالكتب‪،‬‬ ‫أيّ ّ‬
‫عن مواضعها‪ ،‬للقيام بالبحث‪ .‬كانت الفكرة التي خطرت يل سيِّئة‪ ،‬ذلك‬
‫أن الرجلني تطوَّعا إلفراغ األرفف من آالف الكتب‪ ،‬وأنهما سيعودان مسا ًء‬
‫للقيام بذلك‪ .‬يف هذه األثناء‪ ،‬تح َّدثت إىل عبد الواحد(((‪ ،‬واملرابط‪ ،‬اللذين‬
‫بأل أترك نفيس نهبا ً لرغبتهما‪ .‬سيتطلَّب األمر‪ ،‬عىل أيّة حال‪،‬‬ ‫نصحاني ّ‬
‫ع ّدة ساعات‪ .‬لكنهما ا َّتفقا عىل القول بأنه إذا َت َّم العثور عىل تلك الرسوم‪،‬‬
‫وخرجت من هنا‪ ،‬فسوف لن أراها‪ ،‬أبداً‪ .‬عيلَّ اآلن‪ ،‬أن أواجه الرجلني‬
‫أفس لهما أن األمر مستحيل‪.‬‬ ‫املوفدين من بنك (وفا)‪ ،‬وأن ِّ‬

‫األكثر إزعاجا ً من ذلك‪ ،‬هو أن فريقا ً تابعا ً للتلفزة الربيطانية‪ ،‬فضالً عن‬
‫مق ِّدمي برامج‪ ،‬سيصلون‪ ،‬بعد أسبوعني‪ ،‬إلجراء حوار معي‪ .‬اليشء أخشاه‬
‫خاص ًة أن صوتي يزداد ضعفاً‪ ،‬رويدا ً رويداً‪« .‬بايف‬
‫ّ‬ ‫قدر خشيتي من ذلك‪،‬‬

‫ّ‬
‫وتوف يف نيويورك‪ ،‬سنة‬ ‫((( اسمه الكامل «أحمد بن إدريس اليعقوبي»‪ُ .‬ولِد يف فاس‪ ،‬سنة ‪،1928‬‬
‫ُ‬
‫‪ ،1985‬قبل أن ينقل جثمانه‪ ،‬برعاية امللك محمَّد السادس‪ ،‬إىل طنجة حيث د ِفن سنة ‪ .2003‬التقى‬
‫«پول پولز»‪ ،‬ألوَّل مرّة‪ ،‬يف فاس‪ ،‬سنة ‪. 1947‬‬
‫((( سائق سيارة «پول پولز»‪ ،‬ومساعده‪ ،‬اسمه الكامل عبد الواحد بولعيش‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫«جونسن» مقتنعة بأنني أعاني من رسطان الحنجرة‪ ،‬وغاضبة لكوني‬


‫أرفض إجراء أيّ فحص بواسطة األشعّة السينية)‪.‬‬

‫‪ 13‬أكتوبر‬

‫كانت «جريترود ستاين»((( تقول‪« :‬عندما يموت يهودي‪ ،‬فهو ميِّت»‪ .‬مع‬
‫ذلك‪ ،‬كانتا‪ ،‬هي و«أليس توكالس»(((‪ ،‬يهوديَّتني سيِّئتني‪« .‬ستاين»‪ ،‬كانت‬
‫لها ميول إىل املسيحية العلموية؛ أمّا «توكالس» فقد ارت َّدت‪ -‬عالنية‪ -‬إىل‬
‫كاثوليكية روما البابوية‪ ،‬يف ختام حياتها‪ .‬هل يمكن اعتبار ذلك تقهقرا ً‬
‫من جانبهما؟‪.‬‬

‫‪ 16‬أكتوبر‬

‫قبل خمسة وثالثني عاماً‪ ،‬قال سعيد الكوش لـ«جني»‪ ،‬وكان يدرِّسها‬
‫كل مُتع طنجة»‪ .‬كان ذلك صحيحا ً يف تلك الفرتة‪،‬‬ ‫العربية‪« :‬لقد تالشت ّ‬
‫لكن ال معنى له اليوم؛ ّ‬
‫فكل املباهج املاضية‪ ،‬لهذه املدينة‪ُ ،‬نسيت منذ زمن‬
‫بعيد‪ .‬لقد َت َّم إطالق البولدوزيرات يف البادية‪ ،‬وسُ حقت النباتات سحقاً‪،‬‬
‫كل مكان‪ .‬وليس هذا باألمر املدهش‪ ،‬فالضواحي‬ ‫وقطعت األشجار يف ّ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫الڤيلت الجديدة والالمعة‪ ،‬يف هذه‬ ‫الب َّد أن تكون يف موقع ما‪ .‬لكن ّ‬
‫سكان‬
‫الضواحي‪ ،‬يرمون نفاياتهم عرب النافذة‪ ،‬ويرسلون خادماتهم إلفراغ‬

‫((( كاتبة أمريكية (‪ ،)1946-1874‬من أشهر مؤلَّفاتها «سرية أليس توكالس الذاتية»‪.‬‬
‫((( صديقة «جريترود ستاين» (‪.)1967-1877‬‬

‫‪19‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫أوعية القمامة فوق ركام األزبال‪ ،‬يف األرض الخالء املجاورة‪.‬‬

‫عادت «بايف» إىل نيويورك‪.‬‬

‫‪ 28‬أكتوبر‬

‫مساء أمس‪ ،‬عاد الفريق التلفزي إىل لندن‪ ،‬بعد قضاء أحد عرش يوما ً يف‬
‫سحب وال أمطار‪ ،‬ألنهما‬
‫ٌ‬ ‫مغرب‪ ،‬بدون شمس‪ .‬لم تزعجهم‪ ،‬يف طنجة‪،‬‬
‫يوافقان‪ -‬تماماً‪ -‬طقس رواية «‪ »Let it come down‬عام (‪.)1952‬‬
‫وخاصة يف‬
‫ّ‬ ‫لكنهم كانوا يأملون يف أن يجدوا‪ ،‬يف فاس‪ ،‬جوّا ً صحواً‪،‬‬
‫«تافياللت»‪ ،‬حيث كانوا يرغبون يف تصوير كثبان الرمال هناك‪ .‬لألسف‪،‬‬
‫كانت الصحراء رطبة ورمادية‪( .‬اليوم‪ ،‬الج ّو صحو‪ ،‬هنا)‪.‬‬

‫‪ 31‬أكتوبر‬
‫ّ‬
‫والشك‪ -‬حفلة عرس‪ ،‬أو‬ ‫حوايل عرشين امرأة وفتاة ك ّن يقصدن‪-‬‬
‫التجوُّل يف الشارع‪ ،‬وه ّن يرضبن عىل الطبول‪ .‬وكانت جماعة من‬
‫الصبيان يتبعونه ّن ويرمونه ّن بالحجارة‪ .‬العداء بني الجنسني يبدأ يف‬
‫وقت ِّ‬
‫مبكر‪.‬‬
‫(لم يقصدن أيّ عرس‪ ،‬بل جلسن جميعا ً عىل األرض‪ ،‬يف قمّة ّ‬
‫التل الذي‬
‫يقابل نافذة غرفتي)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 10‬نوفمرب (ترشين الثاني)‬

‫يصوِّر مومن السميحي((( «املرآة الكربى‪ ((( »The great mirror -‬منذ‬
‫ليذكرني بأنه يرغب يف أن نظهر‪ ،‬املرابط وأنا‪،‬‬ ‫شهر‪ .‬مساء أمس‪َ ،‬م ّر بي ِّ‬
‫يف مشهد حانة‪ ،‬لكنه بادر إىل القول بأننا لن نكون مج َّرد ممثِّلني صامتني‪،‬‬
‫ذكرته بأن حوارا ً من هذا‬ ‫بل هو يريد منّا أن نتجاذب أطراف الحديث‪ّ .‬‬
‫النوع سيكون‪ -‬حتماً‪ -‬باللغة اإلسبانية‪ .‬اقرتحت عليه استبـدال املرابط‬
‫بـ «خرييس دي ال ْف ُرو ْنتريا»‪ ،‬وترك املرابط يجلس بني مغاربة آخرين‪َ .‬قبِل‬
‫السحيمي اقرتاحي‪ ،‬قائالً إنه سيم ّر بالفندق الذي تقيم به (خرييس) بعد‬
‫أن يخرج من هنا‪ .‬قال يل‪ -‬أيضاً‪ -‬بأنه سيكون عيلَّ الذهاب إىل «املنزه»‬
‫عند الساعة الثانية بعد الزوال‪ .‬ذهبت‪ ،‬وجاءت «خرييس» بمالبس‬
‫السهرة‪ ،‬لكن «املنزه» كان مغلقاً‪ ،‬والربد قارسا ً يف الشارع‪ .‬انتظرنا هناك‬
‫إىل غاية الثالثة والنصف عرصاً‪ .‬بعد ذلك حملنا املرابط يف السيّارة إىل هنا‪.‬‬
‫ويف الساعة الرابعة‪ ،‬عدنا‪ ،‬أنا و«خرييس»‪ ،‬مشيا ً عىل األقدام‪ ،‬إىل النادي‬
‫اللييل الذي كان ما يزال مغلقاً‪ ،‬ودون أن يكون موجودا ً هناك أيّ ممثِّل أو‬
‫تقني‪ .‬يف الخامسة ونصف‪ ،‬رافقنا «غافان يونغ»((( إىل املنزل‪ ،‬بالسيّارة‪.‬‬
‫وبعد السادسة بقليل‪ ،‬جاء السميحي معتذراً‪ ،‬محاوال ً إقناعي بالعودة‪،‬‬
‫صحبته‪ ،‬إىل «املنزه» فرفضت‪ .‬وعندما ذهب‪ ،‬تناولنا طعام العشاء‪ ،‬أنا‬
‫و«خرييس»‪.‬‬

‫مبعوثا بنك (وفا) جاءا ألخذ لوحة زيتية كبرية لليعقوبي‪ ،‬قصد عرضها‬

‫((( مخرج سينمائي مغربي‪ ،‬من مواليد طنجة‪ ،‬سنة ‪.1945‬‬


‫ً‬
‫وصوِّرت فيلما‪ ،‬تحت عنوان «قفطان‬
‫قصة محمَّد املرابط‪ .‬ترجمها «پول پولز» إىل اإلنجليزية‪ُ ،‬‬
‫((( ّ‬
‫الحبّ »‪ ،‬سنة ‪.1989‬‬
‫((( صحايف‪ ،‬ومراسل حربي‪ ،‬ورحّ الة إنجليزي (‪ ،)2001-1928‬عاش يف طنجة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫ضمن معرض سيقام يف الدار البيضاء‪ .‬وقال املرابط‪:‬‬

‫‪ -‬هذه اللوحة سوف لن تراها‪ ،‬أبداً‪.‬‬

‫‪ 11‬نوفمرب‬
‫ِّ‬
‫يؤكد املرابط أنه كان يكفيه إلقاء نظرة داخل «املنزه» (وهو ما قام به‬
‫خالل املساء)‪ ،‬ليدرك بأنه ما كان عليه القبول بالظهور يف مشهد من‬
‫ذلك القبيل‪ّ .‬‬
‫كل املغاربة الجالسني يف النادي اللييل كانوا من صنف من‬
‫يتعاطون الكحول‪ ،‬ويرت َّددون عىل املومسات‪ :‬وهو لن يقبل‪ ،‬بأي ثمن‬
‫كان‪ ،‬أن يُصوَّر صحبة هؤالء‪.‬‬

‫‪ 15‬نوفمرب‬

‫ذهبنا‪« ،‬رودريغو راي روسا»((( وأنا‪ ،‬أمس‪ ،‬إىل سوق فاس‪ .‬لفت انتباهي‬
‫فطر يف معرض خرضوات‪ ،‬وقال يل‪:‬‬ ‫إىل طبق ْ‬

‫‪ -‬إنها تشبه‪ -‬تماماً‪ -‬ما نسمّيه نحن «‪.»San Isidros‬‬

‫ثم واصل قائالً‪ ،‬يف حالة ما إذا كنت أجهل املوضوع‪ ،‬وكنت فعالً أجهله‪:‬‬

‫‪ -‬و«سان إيسيدروس»‪ ،‬هو فطر من نوع «‪.»Psilocybine‬‬

‫((( كاتب من غواتيماال‪ُ ،‬ولِد سنة ‪ .1958‬من أبرز أعماله املرتجمة إىل الفرنسية‪ ،‬لدى دار غاليمار‪:‬‬
‫«أحجار مسحورة»‪ ،‬و«الصمّ»‪ ،‬و«الساحل اإلفريقي»‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫كان منفعالً ج ّداً‪ ،‬لكون هذا الفطر يُستنبت يف املغرب‪َّ .‬‬


‫فكرت يف أنه إذا‬
‫كان هذا املخ ِّدر موجودا ً هنا‪ ،‬فالناس‪ -‬ال محالة‪ -‬سيعرفون ذلك‪ ،‬لكن‬
‫يشكون يف يشء غري عادي‪ .‬ابتاع «رودريغو» فطراً‪،‬‬ ‫من البديهي أنهم ال ّ‬
‫بدرهم واحد‪ .‬إثر ذلك‪ ،‬وقبل العودة إىل منزله‪ ،‬قال يل بأنه سيرتك الفطر‬
‫منقوعا ً يف محلول الشاي‪ .‬واليوم‪ ،‬جاء وعىل محيّاه عالمة فوز‪:‬‬

‫‪ -‬إنه «‪ »Hongos‬نفسه‪ ،‬والذي يوجد يف غواتيماال هو عينه‪.‬‬


‫وأضاف أن للرشاب طعما ً عفناً‪ ،‬وأنه تركه صاحيا ً طوال الليل‪ ،‬منهمكا ً‬
‫يف الكتابة‪ ،‬وليس يف الهذيان‪ .‬ال أكاد أص ِّدق أن فطر «سيلوسيبني» يباع‬
‫ّ‬
‫والشك‪ -‬هو أن املغاربة‬ ‫يف السوق‪ ،‬دون أن يالحظ امرؤ ذلك‪ .‬السبب‪-‬‬
‫ال يشتهون أكل الفطر‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬فاألوروبيون الذين يقتنونه‪ ،‬ال ب ّد أنه‬
‫َّ‬
‫يتعذر فهمها‪.‬‬ ‫كانت لهم معه تجارب غريبة‪ ،‬قد‬

‫‪ 9‬دجنرب (ديسمرب‪/‬كانون األول)‬

‫فرتة هادئة‪ ،‬نسبياً‪ ،‬بعد االزعاج املتطاول الذي عانيته خالل األسبوع‬
‫متنقالً‪ ،‬برسعة‪ ،‬بني مسـؤويل الربيـد‬
‫ِّ‬ ‫األخري‪ :‬لقد قضيت ستّة أيّام‬
‫والديوانة والرقـابة لتسـلُّم التجارب املطـبعية ملجموعتي القصـصية‬
‫«‪ »Call at Corazón‬عام (‪ ،)1947‬التي يقوم «بيرت أوين»((( بإصدارها‪،‬‬
‫تحت هذا العنوان‪.‬‬

‫((( نارش إنجليزي ُولِد سنة ‪ .1927‬انخرط يف عالم النرش وهو يف الرابعة والعرشين من عمره‪،‬‬
‫بعد انتهاء الحرب العاملية الثانية‪ .‬نرش ملحمَّد شكري سريته الذاتية «الخبز الحايف»‪ ،‬سنة ‪ ،1973‬يف‬
‫صيغتها اإلنجليزية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 26‬دجنرب‬

‫دكان‪ ،‬يملكه بائع هندي‪ ،‬يف شارع باستور‪ ،‬يُعرَض يشء‬ ‫يف (فيرتينة) ّ‬
‫بخاخ مضا ّد للعرق‪ُ ،‬ثبِّتت فيه‬
‫من أسخف ما شاهدته هذه السنة‪ :‬أنبوب ّ‬
‫بوصلة‪.‬‬

‫‪ 16‬يناير (كانون الثاني)‬

‫وصلتني من جمعية املؤلِّفني وامللحَّ نني املرسحيِّني‪ ،‬وثيقة تخربني بأنه‬


‫سأتمكن‪ ،‬حالياً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َت َّم قبويل «عضوا ً وارثاً‪ .»membre succession -‬ربَّما‬
‫من تسلُّم حقوقي كمؤلِّف‪ .‬لكن‪ ،‬من يدري؟ فالفرنسيون ما زالوا أوفياء‬
‫ّ‬
‫بشق‬ ‫ألنفسهم‪ ،‬وهم‪ -‬شأنهم شأن املغاربة‪ -‬ال يتنازلون عن املال ّإل‬
‫األنفس‪.‬‬

‫‪ 17‬يناير‬

‫كتبت «بايف» تقول بأنها اس ُتنطقت من طرف الرشطة‪ ،‬يف موضوع مقتل‬
‫«دونالد ويندهام‪ ، (((»Donald Windham -‬وأنها أملحت لهم بأن‬
‫املعتدي‪ -‬ربَّما‪ -‬شعر باإلهانة ج ّراء ما كتبه «ويندهام»‪.‬‬

‫((( كاتب وروائي أمريكي (‪ ،)2010 - 1920‬كان صديقا ً ّ‬


‫لكل من «تينييس وليامز»‪ ،‬و«ترومان‬
‫كابوت»‪ .‬من أبرز رواياته «نجم الكلب» (‪.)1950‬‬

‫‪24‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 20‬يناير‬

‫كل صباح‪ ،‬ومتى سمح الطقس بذلك‪ ،‬أغادر بيتي للقيام بمسرية طويلة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫لساقي‪ .‬وسواء أكان األمر كذلك أم لم يكن‪ ،‬فإنني‬
‫َّ‬ ‫يبدو أن التجوُّل نافع‬
‫كل يوم برفقة أغنية شعبية‪ ،‬ال يسمعها أحد غريي‪.‬‬ ‫أخرج للتجوُّل‪ .‬أميش ّ‬
‫الأبذل مجهودا ً للبحث عنها‪ ،‬بل تنبعث تلقائيا ً من ال وعيي الباطن‪ .‬يف‬
‫الصيف املنرصم‪ ،‬تنبَّهت إىل تسلُّل هذه األغاني القديمة‪ ،‬التي تنتمي إىل‬
‫أتمكن من ُّ‬
‫تذكر عنوان األغنية التي‬ ‫العرشينيات‪ ،‬إىل وجداني‪ ،‬وبما أني لم َّ‬
‫شغلتني أمس‪ ،‬فقد ق َّررت تسجيل عنوان أغنية اليوم «‪.»Red Hot Mama‬‬

‫‪ 22‬يناير‬

‫أغنية اليوم هي «‪.»I gave you up just before you threw me down‬‬
‫األقل‪ ،‬هذا ما ِّ‬
‫يؤكده عبد‬ ‫ّ‬ ‫ساقي تخوران من تحتي‪ .‬عىل‬
‫ّ‬ ‫لديَّ انطباع بأن‬
‫أتذكر أني شاهدت بردا ً‬ ‫الواحد وهو يساعدني عىل الوقوف منتصباً‪ .‬ال َّ‬
‫شك‪ -‬دون أن تستجيب‬ ‫قارسا ً مثل هذا‪ ،‬يف طنجة‪ ،‬وهذا الربد يحول‪ -‬وال ّ‬
‫العضالت للحركة‪ّ ،‬تواً‪.‬‬

‫‪ 24‬يناير‬

‫‪Sleepy time Gal‬‬


‫ُّ‬
‫التوقف م َّرتني‪ ،‬يف «بانما»‪ :‬يف طريقه إىل‬ ‫«رودريغو» عاد أمس‪ ،‬بعد‬
‫«غواتيماال»‪ ،‬ويف أثناء العودة منها‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 26‬يناير‬

‫‪Sueños de opio‬‬

‫كلّما قرأت مقاالً‪ ،‬حول ما يسمِّيه الصحافيون «مأساة سرييالنكا»‪،‬‬


‫انتظرت أن يشري أصبع اال ِّتهام إىل اإلنجليز‪ .‬األمر الذي ال يص َّدق هو أن‬
‫هذا ال يحدث‪ ،‬بتاتاً‪ .‬وعوض ذلك‪ ،‬يت ّم االنتقال إىل التفاصيل واستعراض‬
‫مشاكل الساللة والدين والتقاليد الثقافية‪ ،‬إىل أن يرتسَّ ب‪ ،‬لدى القارئ‪،‬‬
‫كل واحد يدرك بأن التاميل لم‬ ‫شعور بأن هذا النزاع ال يمكن تالفيه‪ .‬لكن ّ‬
‫رغبة منهم؛ فلماذا‪ -‬إذن‪ -‬استقدمهم الربيطانيون‬ ‫ً‬ ‫يهاجروا إىل «سيالن»‬
‫إىل هذه الجزيرة؟ ألنهم كانوا بحاجة إىل يد عاملة بائسة وإىل عمّال‬
‫فلحيني عاجزين‪ ،‬إلرغامهم عىل العمل‪ ،‬مقابل أجور زهيدة‪ .‬السِّ نْغاليون‬ ‫ّ‬
‫قط‪ ،‬معاملة من ذلك القبيل‪ ،‬أمّا التاميل‪ ،‬وهم يف أرض‬ ‫ما كانوا ليقبلوا‪ّ ،‬‬
‫أجنبية‪ ،‬فقد وجدوا أنفسهم تحت رحمة الربيطانيني‪.‬‬

‫‪ 27‬يناير‬

‫‪The Alcoholic Blues‬‬

‫تبي أن خرب مرصع «دونالد ويندهام» كان حيلة تضليل‪ ،‬مدبَّرة من‬ ‫َّ‬
‫طرف شخص حاقد عىل «بايف جونسن»‪ ،‬وهي تنسب هذه الخدعة املاكرة‬
‫بالشك؛ حيث كان مصابا ً‬
‫ّ‬ ‫إىل طالب من الساحل الغربي‪ ،‬وتقول إنه هو‪،‬‬
‫بداء انعدام املناعة «وليست لديه ّإل رغبة واحدة‪ ،‬هي إلحاق الرضر‬
‫بالغري»‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 4‬فرباير (شباط)‬

‫ثالثة يابانيني جاؤوا لزيارتي اليوم‪ :‬السيِّد والسيِّدة إينوهيكو‪ ،‬برفقة‬


‫«بريكي سوزوكي» رئيس تحرير املجلّة الشهرية األدبية «‪،(((»shincho‬‬
‫التي تصدر يف طوكيو‪ .‬موضوع املناقشة دار حول رغبتهم يف ترجمة بعض‬
‫نصويص‪ ،‬ونرشها‪ .‬إنهم يريدون مني‪ -‬أيضاً‪ -‬كتابة مق ِّدمة «للجمهور‬
‫قصتي «‪،»The delicat prey‬‬ ‫الياباني»‪ .‬رويت لهم كيف تمَّت قرصنة َّ‬
‫يف طوكيو‪ ،‬قبل خمسة وعرشين عاماً‪ ،‬تحت عنوان «‪.»Kayowaki Ejiki‬‬
‫ربَّما كان ذلك ترصُّفا ً سفيهاً‪ ،‬من جانبي‪ .‬وقال السيِّد «سوزوكي» بأنه ال‬
‫يو ّد التعامل مع وكيل‪ .‬سنعمل‪ -‬إذن‪ -‬بدون أيّ عقد‪.‬‬

‫‪ 6‬فرباير‬

‫اقتنى «رودريغو» طائر باز‪ ،‬ثم حَ َّدثنا عن مرشوع تعليمه القنص‪،‬‬


‫وعندما سمع املرابط هذا النبأ‪ ،‬عزم عىل رسقة الطائر منه‪.‬‬

‫‪ 7‬فرباير‬

‫الربد ج ّد قارس‪ ،‬إىل درجة أني ق َّررت االمتناع عن القيام بجوالتي‬


‫الصباحية‪.‬جاء املرابط باكراً‪ ،‬وأوقد نارا ً كبرية يف املدفأة‪ .‬عند استيقاظي‪،‬‬
‫كان اللهب يصدر أزيزاً‪ .‬صباحات رائعة تلك التي تكون فيها الحرارة‪ ،‬يف‬
‫غرفتي‪ ،‬أربع درجات‪.‬‬

‫((( مجلّة أدبية يابانية‪ ،‬تصدر‪ ،‬شهريّاً‪ ،‬منذ‪ ،1904‬من طرف النارش «‪.»Shinchosha‬‬

‫‪27‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫احتفظ «رودريغو» بالطائر يف القفص‪ ،‬وهو ِّ‬


‫يؤكد أن الباز لطيف‪ ،‬وأنه‪،‬‬
‫فيما يبدو‪ ،‬ال يهابه‪ .‬كان يقتات من لحم عجل نيِّئ‪.‬‬

‫‪ 10‬فرباير‬

‫قضيت هذه الظهرية كلّها صحبة ثالثة صحافيِّني إيطاليِّني‪.‬‬

‫‪ 12‬فرباير‬

‫زيارة صحايف برازييل ذي لقب دساس‪ ،‬هو «‪ .(((»Leda‬أحرض «رودريغو»‬


‫الشقة‪ .‬إنه طائر جميل‪ ،‬يريد «رودريغو» نقله إىل قمّة الجبل‬ ‫ّ‬ ‫الباز إىل‬
‫إلطالق رساحه‪ ،‬فقال املرابط معلِّقاً‪:‬‬

‫‪ -‬حتى يقوم بافرتاس دجاج الناس؟‬

‫‪ 13‬فرباير‬

‫انطلقنا بالسيّارة‪ ،‬عبد الواحد وأنا‪ ،‬صحبة «رودريغو» ومعنا القفص‪،‬‬


‫تطل عىل مديونة‪ .‬كان الصعود إىل القمّة‪ ،‬فوق‬‫صوب القمّة العليا التي ّ‬
‫الصخور املسنَّنة‪ ،‬بالغ اإلرهاق‪ .‬أعانني عبد الواحد عىل تحمُّل ذلك‪ .‬وعندما‬
‫َت َّم فتح باب القفص‪ ،‬وإقناع الباز بالخروج منه‪ ،‬قذف به «رودريغو» يف‬

‫((( يلمِّح «پول پولز»‪ ،‬هنا‪ ،‬إىل أن ‪ ،Leda‬يف األساطري اليونانية‪ ،‬هو اسم أنثى وليس اسم ذكر‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫الجوّ‪ ،‬ومكثنا نحن ننظر إليه‪ ،‬وهو يحلِّق‪ .‬كانت ريح رشقية قويّة تهبّ ‪،‬‬
‫وبدا لنا أنها كانت تحول دون ارتفاع الطائر عالياً‪ ،‬يف الفضاء‪ .‬لقد ا َّتجه‪،‬‬
‫مبارشة‪ ،‬نحو الشمال الغربي‪ ،‬فوق غابة الصنوبر‪ ،‬كما لوكان يعرف‪،‬‬ ‫ً‬
‫جيّداً‪ ،‬طريقه‪ .‬كان يرتفع‪ ،‬رويدا ً رويداً‪ .‬الربد يُثلج عظامي؛ لذا ما إن‬
‫عدت إىل البيت حتى أويت إىل الفراش‪.‬‬

‫‪ 20‬فرباير‬

‫أعاني من زكام حا ّد‪ ،‬منذ اليوم الذي أخذنا فيه الباز إىل الجبل‪ .‬يعمل‬
‫«‪ ،(((»L‬كاتب سريتي املثابر‪ ،‬عىل تنظيم حفل موسيقي مقتبس من ألحاني‪،‬‬
‫يف إطار املهرجان املوسيقي «‪ ،(((»Manca de Nice‬وذلك يـوم ‪ 3‬أبريل‪.‬‬
‫من الصعب عيلَّ تجاوز غيظي تجاهه‪ ،‬أما هو فيحاول‪ ،‬جاهداً‪ ،‬أن يبدو‬
‫لطيفا ً ومؤ َّدبا ً حيايل‪ .‬أكثر من هذا‪ ،‬اقرتحَ أن يأتي إىل طنجة قادما ً من‬
‫«بوسطن» الصطحابي إىل املهرجان‪ ،‬فيما لو وافقت عىل الذهاب إىل هناك‪.‬‬
‫ُس ّن‪ ،‬وال أحتمل أن يتف َّرس الناس يف مالمحي‪.‬‬
‫لكني سوف لن أذهب؛ فأنا م ِ‬

‫‪ 2‬مارس (آذار)‬

‫ذهبت إىل وكالة بنك (وفا) لالستفسار عن لوحة اليعقوبي‪ .‬قيل يل إنها‬
‫موجودة يف الدار البيضاء‪ ،‬وإن املعرض لن يت ّم تنظيمه قبل أبريل ومايو‪.‬‬

‫((( انظر الهامش رقم ‪ 1‬يف الصفحة (‪.)13‬‬


‫ُعقد ّ‬
‫كل سنة‪ ،‬يف شهر أبريل‪ ،‬يف مدينة «نيس» الفرنسية‪،‬‬ ‫((( مهرجان للموسيقى املعارصة‪ ،‬ي َ‬
‫وإقليمها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫ويعتقد عبد الواحد واملرابط أن املعرض مج َّرد خدعة‪ ،‬وأن اللوحة بيعت‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬يبدو يل أنه من املستبعد حدوث ذلك‪.‬‬

‫‪ 11‬مارس‬

‫املنزل الذي يُفرتض أن املرابط شيَّده لـ«خرييس» انتهى العمل فيه‪ ،‬لكنه ال‬
‫يعتزم السماح لها باإلقامة هناك‪ .‬أمّا الثمانون ألف درهم التي سل َّ َمتْه إيّاها‬
‫منذ سنة‪ ،‬قبل عودتها إىل نيويورك‪ ،‬فقد استعملها بطريقة غري مسؤولة‪ ،‬بل‬
‫يمكننا وصفها بأنها إجرامية‪ ،‬لتشييد اإلصطبل الذي سيؤوي فيه حيواناته‪.‬‬
‫تطلَّب ثالثة أو أربعة أضعاف الثمن‪ ،‬وهو مبلغ‬ ‫املنزل املشيَّد فوق اإلصطبل َ‬
‫ذكر‪ ،‬بعد جدل طويل مع «خرييس»‪ .‬وعندما عادت‬ ‫رصفته‪ ،‬دون حماسة ُت َ‬
‫يتوقع أن تعطيه املزيد من املال‪ ،‬لكن‪ ،‬بما أنها‬ ‫هذه األخرية‪ ،‬كان املرابط َّ‬
‫رفضت‪ ،‬فقد كان مضط ّرا ً إىل اصطناع غيظ كبري (استعمل أسلوب الهجوم‬
‫مؤكدا ً‬
‫قبل مواجهة التهمة)‪ ،‬وقال لها‪« :‬ليس هذا بيتك»‪ ،‬ثم رشع يف تأثيثه ِّ‬
‫متعذر‪ ،‬ألنه ال وجود‪ ،‬يف البيت‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أنه هو َم ْن سيقيم فيه‪ ،‬مع أن هذا األمر‬
‫ملاء أو كهرباء أو مجرى «الواد» الحا ّر؛ ذلك يعني أنه ال «خرييس» وال هو‬
‫بقا َد ْرين عىل اإلقامة فيه‪ .‬سوف أذهب لرؤية املكان‪ ،‬ما إن يتحسَّ ن الجوّ‪.‬‬
‫متحفزاً‪ ،‬بعد أن تمَّت عملية التشييد‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫لقد غدا فضويل‬

‫‪ 15‬مارس‬

‫صيغة مخيِّبة لآلمال من رواية «‪ »The Sheltering Sky‬عام (‪)1449‬‬


‫وصلتني‪ ،‬اليوم‪ ،‬من مدريد‪ .‬لقد اختار النارش اإلسباني «‪»Alfaguara‬‬

‫‪30‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫العنوان نفسه‪ ،‬الذي استعملته طبعة «بوينوس آيريس» سنة ‪،1954‬‬


‫وهو «‪ ،»El cielo protector‬وهذه ترجمة سيِّئة‪ ،‬حافلة باملحذوفات‬
‫وباألخطاء‪ .‬إنه أمر مؤسف‪.‬‬

‫‪ 19‬أبريل (نيسان)‬

‫ال أحد يدري‪ -‬بالضبط‪ -‬ما إذا كان شهر رمضان سيبدأ اليوم أو غداً‪.‬‬
‫لقد علمنا‪ ،‬أمس مساءً‪ ،‬فقط‪ ،‬عندما دوَّت صفارات‪ ،‬أن الصيام سيبدأ‬
‫اليوم (هذا هو رمضان الثاني الذي اس ُتعملت فيه صفارات اإلنذار‪ِ ،‬عوَض‬
‫املدفع! «‪ .)»Allez donc savoir pourquoi‬رضبة مدفع تكون كافية‬
‫لتجد نفسك يف الجانب اآلخر من الحدود‪ ،‬يف بلد املمنوع‪ .‬البعض يزعمون‬
‫يتعذر سماع املدفع‪ .‬ربَّما كان هذا صحيحا ً‬
‫َّ‬ ‫أنه‪ ،‬بسبب جَ وَالن السيّارات‪،‬‬
‫عند غروب الشمس‪ ،‬أمّا يف الرابعة والنصف صباحاً‪ ،‬فاملدينة تكون‬
‫ُش أيّ مسلم إىل سخافة استعمال ّ‬
‫صفارة‬ ‫صامتة‪ .‬أستغرب كيف لم ي ِ ْ‬
‫عادة‪ -‬تحسُّ با ً من هجوم جوّيّ ) لإلعالن عن يوم الصيام‬
‫ً‬ ‫إنذار ( ُتستعمل‪-‬‬
‫املق َّدس‪.‬‬

‫أتذكر تنبيه الذين يأتون لرشب الشاي هنا‪،‬‬‫كل سنة‪ ،‬يكون عيلَّ أن َّ‬ ‫يف ّ‬
‫أن عليهم االنرصاف قبل م ّدة طويلة من غروب الشمس؛ ذلك أن الساعة‬
‫التي تتلو حلول الليل يجب قضاؤها يف البيوت‪ ،‬وليس يف الشارع‪ ،‬قطعاً‪،‬‬
‫ألنها الوقت الذي يت ّم فيه مهاجمة األجانب‪ .‬الشوارع تكون خالية تماماً‪،‬‬
‫رشطي يوجدون‪ ،‬حينئذ‪ ،‬يف أيّ مكان من املدينة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فال سيارة‪ ،‬والما ّر‪ ،‬وال‬

‫إحدى زائراتي‪ ،‬وهي أمريكية مُسنّة‪َ ،‬ت َّم رضبها وركلها باألقدام‪ ،‬ورسقة‬

‫‪31‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫متاعها يف الشارع‪ ،‬أمام العمارة‪ .‬لقد شعرت بالذنب‪ ،‬تقريباً‪ ،‬لكوني‬


‫أعيش يف مكان‪ ،‬لم تعد فيه اعتداءاتٌ من ذلك القبيل تثري دهشة أحد‪.‬‬
‫لكن الشعور الحقيقي بالذنب هو ذلك الذي يخامرني يف حضور أناس‬
‫مسلمني؛ فهم يعانون وأنا ال أعاني‪ .‬أنا مرغم‪ ،‬هنا‪ ،‬يف البيت‪ ،‬عىل األكل‬
‫والرشاب أمامهم‪ .‬هم يزعمون‪ ،‬دوماً‪ ،‬أن رؤيتهم شخصاً‪ ،‬وهو يتناول‬
‫الطعام‪ ،‬ال يزعجهم البتّة‪ .‬يقولون يل‪ :‬إذا جعت‪ ،‬فعليك أن تأكل‪ .‬ال أحد‬
‫أتوقف عن األكل‪ .‬هذا صحيح‪ ،‬لكن الضغط االجتماعي‬ ‫يطلب مني أن َّ‬
‫حا ّد‪ ،‬إىل درجة أنه لو فوجىء أحدهم‪ ،‬وهو يأكل يف مكان عامّ‪ ،‬لت ّم القبض‬
‫عليه‪ ،‬و ُزجَّ به يف السجن‪.‬‬
‫ِّ‬
‫واملدخنون يغدون حانقني‬ ‫هم يقولون إن العطش أش ّد إيالما ً من الجوع‪،‬‬
‫يف األيّام األوىل للصيام‪ .‬وطيلة الشهر تزداد املشا ّدات بني الناس‪ ،‬لكن ال‬
‫أحد يعرتف بأن سوء مزاجه ناتج عن رمضان‪ .‬يقول عبد الواحد‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كان مزاجك سيِّئا ً بسبب رمضان‪ ،‬فإن صيامك يغدو بدون قيمة‪،‬‬
‫واألفضل ّأل تصوم‪.‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬فالناس يهتاجون عند أوَّل فرصة‪ ،‬وأنا أحتاط ّأل أعارضهم‪ ،‬أو‬
‫أوجِّ ه النقد إليهم‪.‬‬

‫‪ 24‬أبريل‬

‫لديَّ عنكبوت يف بيتي‪ ،‬ترصُّفها مذهل‪ .‬إنها من ذلك النوع ذي الجسم‬


‫الصغري والقوائم الطويلة الذي ال يصنع له أيّ عكاش أو شبكة‪ .‬تقيض‬
‫أيّامها معلَّقة يف سلك ّ‬
‫يتدل من ّ‬
‫رف رخامي‪ ،‬وراء الباب‪ .‬منذ ثالثة أيّام‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫َّ‬
‫للتوقف عىل بعد حوايل مرت أو أكثر‪ ،‬بالقرب من‬ ‫وهي تميض ّ‬
‫كل مساء‬
‫املغسل‪ .‬ويف الصباح تعود إىل ركنها املعتاد‪ .‬ليس بني املكانني حرشة‪،‬‬
‫بإمكان العنكبوت التهامها‪ ،‬لكنها ال تتخلَّف عن قطع املسافة نفسها‪ّ ،‬‬
‫كل‬
‫مساء‪ .‬لو أنني أخربت أحدا ً بوجودها لت ّم القضاء عليها حتماً‪ ،‬فليس هناك‬
‫من يشجِّ ع عىل مكوث العناكب يف البيت‪ .‬لكن «رحمة» خادمة ال مبالية‪،‬‬
‫بحيث يمكن لهذه العنكبوت أن تقيض شهوراً‪ ،‬هنا‪ ،‬دون أن يزعجها أحد‪.‬‬
‫أمّا لو اكتشف املرابط أو عبد الواحد وجودها‪ ،‬فسيقومان بدعسها‪ ،‬دون‬
‫تر ُّدد‪ .‬أجهل ملاذا‪ ،‬لكني أفرتض أنها غري مؤذية‪ ،‬وأنها ليست البتّة من‬
‫صنف العناكب التي تهاجم وتلسع‪ ،‬فهذه األخرية لها جسوم أكثر كثافة‪،‬‬
‫وقوائم أكثر ثخانة‪ ،‬وذات سواد حالك‪.‬‬

‫‪ 25‬أبريل‬

‫ذهبت يوم الجمعة األخري إىل «مغايغ»‪ ،‬فكان الصعود مرهقاً‪ .‬لكن‪ ،‬بعد‬
‫ً‬
‫إضافة إىل الوخز‬ ‫مرور ثالثة أيّام‪ ،‬ازداد األلم استفحاال ً يف أعىل الساق‪،‬‬
‫املعتاد يف ربلته‪ ،‬ما يجعل مشيي بالغ الصعوبة‪ .‬عيلَّ أن أقنع نفيس بأن‬
‫األمور ستتحسَّ ن‪ ،‬يف نهاية املطاف‪.‬‬

‫‪ 27‬أبريل‬

‫بعد حوايل أسبوع‪ ،‬كان الطقس فيه ربيعياً‪ ،‬عدنا إىل طقس يناير‪ :‬سماء‬
‫ِّ‬
‫متقطعة‪ .‬يكاد يكون‬ ‫وزخات م ََطرية‬
‫ّ‬ ‫ملبَّدة بالغيوم‪ ،‬وريح رشقية‪،‬‬
‫مستحيالً‪ ،‬يف طنجة‪ ،‬أن تستقر درجة الحرارة عند حَ ّد محمود‪ ،‬ومن غري‬

‫‪33‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫أن تهبّ تلك الريح الرشقية اللعينة‪ ،‬التي تعطيك إحساسا ً بأن برودة‬
‫الج ّو املفاجئة تد َّنت بمقدار عرش درجات؛ لذا يبدو شهر يوليو‪ -‬يف‬
‫برودة من يوم هادىء‪ ،‬يف فصل الشتاء‪ .‬لقد تعوَّدت عىل‬ ‫ً‬ ‫الغالب‪ -‬أش ّد‬
‫إيقاد النار يف املدفأة‪ .‬ما زلت أعاني من آالم الساق‪ ،‬لكن بشكل ّ‬
‫أقل من‬
‫أمس‪ ،‬حيث قضيت يومي كلّه تقريبا ً يف الفراش‪ .‬أستعمل مزيجا ً من‬
‫«‪ »Adalgur‬و«‪ ،»Alpha- Kadol‬عند الرضورة‪ .‬بيد أن استهانتي‬
‫بأدوية الصناعة الصيدالنية تعود إىل طفولتي الباكرة‪ ،‬عندما لم أكن‬
‫أسمع سوى االعرتاضات عىل هذه املنتجات الصناعية التي كانت توصف‬
‫بأنها ضا ّرة‪ .‬أمّا اليوم‪ ،‬فال يبيع الصيادلة سوى هذه املنتجات (عىل ّ‬
‫األقل‪،‬‬
‫ّ‬
‫الشك)‪ .‬من‬ ‫كل مكان‪،‬‬‫يف هذا البلد الذي ينتمي إىل العالم الثالث‪ ،‬ويف ّ‬
‫املستحيل أن تطلب‪ ،‬اليوم‪ ،‬من صيديل أن ُي ِع ّد لك‪ -‬يدويّاً‪ -‬دواءً‪ ،‬يف خلفية‬
‫بركة هنا‪ ،‬فالله وحده يعلم كم من أخطاء قاتلة‬ ‫ً‬ ‫دكانه‪ ،‬وهذا ما أعتربه‬ ‫ّ‬
‫سيت ّم تالفيها‪ ،‬عىل هذا النحو‪.‬‬

‫‪ 3‬مايو (أيار)‬

‫حكاية تقليدية عن العنف يف شهر رمضان‪ ،‬وقعت يف سوق «كاسا براتا»‪.‬‬


‫كان رجل يقوم بإعداد «الشبّاكية) وهو يقتعد األرض‪ ،‬ويأمل يف اجتذاب‬
‫الزبائن (يف املايض كانت (الشبّاكية) ُت َع ّد بالعسل؛ أمّا اليوم‪ ،‬وبما أن‬
‫العسل نادر‪ ،‬فهي ُت َع ّد بواسطة السكر‪ ،‬والنتيجة ليست بالغة الجودة)‪.‬‬
‫متنقلة‪ ،‬بها أمشاط ومرايا جيب ومعاجن أسنان‬ ‫ِّ‬ ‫رجل آخر له عربة سلع‬
‫وأشياء مشابهة‪ ،‬جلس بحذاء األوَّل الذي يأمره‪ ،‬فوراً‪ ،‬بإخالء املكان‬
‫والذهاب إىل موقع آخر‪ .‬أجاب الرجل الثاني بأنه سوف لن يمكث هناك‬

‫‪34‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫أكثر من دقيقة واحدة‪ ،‬قص َد االسرتاحة‪ ،‬ثم سيغادر‪ .‬زمجر صاحب‬


‫(الشبّاكية) قائالً‪:‬‬

‫‪« -‬صايف»!‪.‬‬

‫وأخرج مدية طويلة‪ ،‬رضب بها الرجل اآلخر بحركة من أعىل إىل أسفل‬
‫مم ِّزقا ً أوداجه‪ .‬نهض الجريح‪ ،‬وخطا بضع خطوات‪ ،‬ثم سقط‪ .‬ولده‪ ،‬ذو‬
‫ظل ينظر إليه‪ ،‬وهو ينزف دماً‪ ،‬إىل أن مات‪.‬‬
‫األربع سنوات‪ّ ،‬‬

‫تلك هي ثاني جريمة تقع يف «كاسا براتا» منذ بداية رمضان‪ ،‬قبل‬
‫أسبوعني‪ .‬لقد وقعت جرائم أخرى يف أماكن مختلفة من املدينة‪ ،‬لكني لم‬
‫أتوصل‪ ،‬عن هذه األخرية‪ ،‬بأيّ وصف صادر عن شهود عيان‪.‬‬‫َّ‬

‫‪ 19‬أبريل (نيسان)‬

‫حظها أنها‬ ‫طارت «خرييس»‪ ،‬هذا اليوم‪ ،‬يف ا ِّتجاه نيويورك‪ .‬من سوء ِّ‬
‫جاءت‪ ،‬أمس‪ ،‬وهي تحمل باقة ورود وزنابق كبرية‪ ،‬وكان املرابط قد‬
‫اشرتى‪ ،‬يوم الجمعة‪ ،‬ك ّميّة من ورود بيضاء من نوع «كيف كونتي»‪،‬‬
‫ووضعها يف مزهرية‪ .‬لك ّن فكرة سيِّئة خطرت لـ«خرييس» قضت بجعل‬
‫ورود املرابط يف آنية متواضعة‪ ،‬وذلك إلعطاء باقتها املدهشة املكان‬
‫رت‪ ،‬للتوّ‪ ،‬يف أن املرابط سوف لن يكون سعيدا ً ج ّدا ً بهذا‬ ‫املناسب‪َّ .‬‬
‫فك ُ‬
‫أتوقع عنف ر ّد فعله‪ .‬تقاطرت من فمه أقذع ألفاظ‬ ‫الوضع‪ ،‬لكني لم أكن َّ‬
‫السباب والشتم‪ ،‬وكلّما حاولت «خرييس» الرشوع يف الكالم‪ ،‬كان رصاخه‬
‫كل من تعوَّد عىل العيش هنا‪ ،‬يف شهر رمضان‪،‬‬ ‫يعلو فوق صوتها‪ .‬إن ّ‬
‫كل محاولة إلقناع خصمه‪ ،‬لكن يبدو أن «خرييس»‬ ‫عليه أن يرتاجع عن ّ‬

‫‪35‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫كانت تعتقد أن الظروف عاديّة‪ ،‬تماماً‪ ،‬بحيث أرصَّت عىل أن تسأل املرابط‬
‫عمّا إذا كان ترصُّفها جارحاً‪ .‬ازداد رصاخ هذا األخري عنفاً‪ ،‬ورشع يسبّ‬
‫املرأة‪ ،‬بالعربية‪ ،‬واإلسبانية‪ ،‬واإلنجليزية‪ ،‬ثم عمد إىل قذفها بالوسائد‪ ،‬قبل‬
‫أن يصفعها صفعة مدوِّية‪ .‬لقد كانت «خرييس» منحنية عليه‪ ،‬لذلك لم‬
‫بخفة‪ ،‬والتقط عودا ً من أخشاب املدفأة‪ ،‬وتوجَّ ه‬ ‫نط ّ‬‫تسقط‪ .‬لكن املرابط َّ‬
‫صوب املرأة البائسة لرضبها عىل الجمجمة‪ .‬لم يُحدث رصاخي‪ ،‬وأمري‬
‫والكف عن الكالم‪ ،‬أيّ أثر‪ .‬لكن عبد الوهاب‪ ،‬الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫إيّاه بالجلوس‬
‫تمكن من تهدئة‬ ‫تدخل بني الخصمني‪ ،‬حيث َّ‬ ‫هناك صحبة عبد الواحد‪َّ ،‬‬
‫املرابط‪ ،‬لبضع لحظات (كان عبد الوهاب من أصول ريفية؛ لذا أصغى‬
‫والشك‪ -‬أنه رضخ‬‫ّ‬ ‫بكل طواعية)‪ .‬لكن هذا األخري شعر‪-‬‬ ‫إليه املرابط ّ‬
‫بسهولة‪ ،‬لذا واصل الرصاخ مج َّددا ً قائالً‪ :‬بأنه يوجد يف غرفة مليئة بالذين‬
‫يتنفسه املسلم‪ .‬إثر‬‫يجب‪ ،‬يف نظره‪ ،‬قتلهم ملنعهم من تلويث الج ّو الذي َّ‬
‫التلفظ بالسباب والكالم‬‫ذلك غادر الغرفة‪ ،‬وسمعناه وهو الزال يواصل ُّ‬
‫جيئة وذهاباً‪ .‬كانت «خرييس» تنتحب‪ ،‬وعبد الوهاب‬ ‫ً‬ ‫املقذع‪ ،‬قاطعا ً املطبخ‬
‫َّ‬
‫فظل‬ ‫ق َّرر املغادرة‪ ،‬وذلك ما فعله برسعة‪ ،‬ناسيا ً مطريَّته‪ .‬أمّا عبد الواحد‬
‫جالسا ً وهو يه ّز رأسه‪ ،‬ويهمس يل‪:‬‬

‫‪ -‬أيّ رجل رهيب هو! إن له قلبا ً أسود كالقار‪.‬‬

‫أظ ّن أن سلوك املرابط أثار حنقه‪ .‬أمّا أنا فلم أكن مندهشاً؛ إذ سبق يل أن‬
‫عاينت‪ ،‬من قبل‪ ،‬أزمات جنون املرابط وغضبه الشديد‪ ،‬لكني شعرت بالعار‬
‫شقتي‪ ،‬ومن أن تدفع إحدى مدعوّاتي ثمن ذلك‪.‬‬ ‫كل ذلك يف ّ‬ ‫من حدوث ّ‬
‫وعندما كانت «خرييس» تغادر‪ ،‬وهي مازالت تنتحب‪ ،‬رصخ املرابط فيها‪:‬‬

‫‪ -‬لوعدت من نيويورك‪ ،‬فسوف أقتلك‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫خمس دقائق‪ ،‬قبل ذلك‪ ،‬كانت قد همست يل‪:‬‬

‫‪ -‬هل تعتقد أنه سيقتلني؟‬

‫أجبتها وأنا أبتسم‪:‬‬

‫‪ -‬طبعاً‪ ،‬ال‪.‬‬

‫لك َّن وعي َد املرابط لم يكن ليطمئنها‪ ،‬وكنت أمنّي نفيس أنها حني تعود من‬
‫السفر‪ ،‬فإن شهر رمضان سيكون قد انتهى‪.‬‬

‫قبل الذهاب إىل بيته‪ ،‬جاء املرابط معتذرا ً عن ترصفه‪:‬‬

‫لص‪ .‬فهل‬ ‫‪ -‬لقد شاءت إثارة جنوني‪ ،‬وكانت تقول‪ ،‬دون ُّ‬
‫توقف‪ ،‬إنني ّ‬
‫باستطاعتها الربهنة عىل ذلك؟ وهل لديها شهود؟‬

‫إنه سيكون من العبث االعتقاد بأن ما حدث سببه باقة ورد‪ ،‬وُضعت يف‬
‫أجنبي عن البيت‪ ،‬لكن وعي املرابط‬
‫ٌّ‬ ‫املكان غري املناسب‪ ،‬كما قد يظ ّن ذلك‬
‫مغربي بأنه مذنب‪ ،‬فإنه يعمد إىل نهج سبيل‬
‫ّ‬ ‫كان شقيّاً‪ ،‬وعندما يشعر‬
‫الهجوم‪.‬‬

‫‪ 5‬مايو (أيار)‬
‫ً‬
‫فجأة‪ -‬االلتحاق‬ ‫العنكبوت التي كانت غائبة طيلة األسبوع‪ ،‬تقريباً‪ ،‬ق َّررت‪-‬‬
‫بملجئها اللييل املعتاد‪ ،‬حيث تقيض‪ ،‬منذ اآلن‪ ،‬نهاراتها ولياليها‪ .‬ذلك ما‬
‫بدا يل مثريا ً للشكوك‪ ،‬عىل نحو غامض‪ .‬إنه املكان الذي كان مستق ّرها من‬
‫قبل‪ ،‬إبّان الليل‪ ،‬لكني لست عىل يقني‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬من أنها الحرشة نفسها؛‬

‫‪37‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫فهذه تبدو أصغر حجماً‪ ،‬وأش ّد هزاال ً من األخرى‪ .‬وإذا كان األمر‪ -‬فعالً‪-‬‬
‫يتعلَّق بعنكبوت غريها‪ ،‬فماذا يكون قد حصل لألوىل؟‪ .‬وملاذا تشغل هذه‬
‫ّ‬
‫والشك‪ -‬أن‬ ‫املكان نفسه الذي شغلته األخرى؟ يف وسع عالم حرشات‪-‬‬
‫َّ‬
‫متوقع‪.‬‬ ‫يق ِّدم تفسريا ً مُرضيا ً وغري‬

‫‪ 6‬مايو‬

‫ذهب «رودريغو» أمس‪ ،‬يف سفر إىل الجنوب‪ ،‬يستغرق أسبوعا ً واحداً‪.‬‬
‫وبما أنه لم يكن يعرف «تنغري»‪ ،‬فقد اقرتحت عليه الذهاب إليها انطالقا ً‬
‫من مراكش‪ ،‬عىل أن يواصل صوب الرشق‪ ،‬إىل غاية الرشيدية‪ ،‬ثم إىل‬
‫الشمال إىل غاية «ميدلت»‪ .‬بدا يل أنه كان عازما ً عىل اخرتاق «تيزي‬
‫تيست» للذهاب إىل «تارودانت»‪ ،‬التي كان قد زارها من قبل‪ .‬يف هذه‬ ‫ْن ْ‬
‫ّ‬
‫والشك‪ -‬إىل «تنغري»‪.‬‬ ‫الحالة‪ ،‬هو لن يذهب‪-‬‬

‫علبة تسجيل الحفل املوسيقي الذي ُن ِّظم يف مدينة «نيس»‪ ،‬يف الشهر‬
‫املنرصم (وكنت أعتقد أنها ضاعت‪ ،‬حيث َت َّم استخراجها من غشائها)‪،‬‬
‫حُ جزت‪ ،‬فقط‪ ،‬من طرف الرقابة‪ ،‬بدعوى أنه لم يُرصَّ ح بها‪ .‬لقد أحرضها‬
‫عبد الواحد‪ ،‬هذا الزوال‪ .‬القطع املعزوفة بواسطة آلتي (البيانو) رديئة‬
‫ج ّداً‪ ،‬بل أردأ ممّا كنت أظ ّن‪ .‬أداء بعض األغاني لم يكن سيِّئاً‪ ،‬ونجح‬
‫عازف البيانو املفرد‪ -‬بسبب عزفه للقطعة بعنف شبيه بسيل مدمِّر‪ -‬يف‬
‫أداء ألحان كانت نشازا ً أكثر ممّا كانت صائبة‪ .‬ملاذا يرفض عازفو البيانو‬
‫االمتثال لتعليمات ضابط الرسعة‪ ،‬يف أثناء العزف؟ فرضيَّتي هي أنهم‬
‫يتخيَّلون بأنهم يُحدثون تأثريا ً عميقاً‪ ،‬عند العزف‪ ،‬بأكثر ما يمكن من‬
‫الرسعة‪ ،‬شأنهم يف ذلك شأن الراقن عىل اآللة الكاتبة‪ ،‬الذي يلهث ليربهن‬

‫‪38‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫رقنها يف ّ‬
‫كل دقيقة‪.‬‬ ‫عىل كثرة الكلمات التي َّ‬

‫‪ 7‬مايو‬

‫عندما نكون يف السيّارة‪ ،‬وسط الخالء‪ ،‬يروي عبد الواحد‪ ،‬أحياناً‪ ،‬حكاية‬
‫وقعت‪ ،‬أو يقال إنها وقعت يف إحدى القرى التي كنّا بصدد عبورها‪.‬‬
‫بعض هذه الحكايات ال يخطر يف بايل‪ ،‬أبداً‪ ،‬ابتكارها‪ ،‬أمّا البعض اآلخر‬
‫فعاديّ ‪ ،‬تماماً‪ ،‬مثل هذه‪:‬‬

‫كان هنالك زوجان يعيشان‪ ،‬يف دوّارهما‪ ،‬ظروفا ً تزداد صعوبة‪ .‬لقد نفقت‬
‫دجاجاتهما األخرية‪ ،‬بسبب جائحة‪.‬‬

‫‪ -‬لو أردنا ّأل نقيض نحبنا‪ ،‬فعلينا الذهاب اآلن‪ ،‬ما دمنا نستطيع امليش‪،‬‬
‫قال الزوج‪.‬‬

‫كانت املرأة الشابّة حامالً‪ ،‬فرشعا يف السري عرب الطرقات إىل أن وصال إىل‬
‫باب «تازة»‪ ،‬مع حلول الليل‪ .‬رآهما رجل‪ ،‬وأدرك‪ ،‬للتوّ‪ ،‬أنهما قادمان من‬
‫البادية‪ ،‬فاستفرسهما عمّا إذا كان يستطيع مساعدتهما‪ .‬رشحت املرأة‬
‫قائلة‪:‬‬

‫‪ -‬نبحث عن مثوى‪.‬‬

‫‪ -‬بيت؟‬

‫‪ -‬أجل‪.‬‬

‫‪ -‬هيّا‪ ..‬سأريكما منزال ً مناسباً‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫دلَّهما الرجل عىل منزل‪ ،‬كان قد اشرتاه بغية بيعه‪ .‬وقبل الدخول إليه‪،‬‬
‫أراد الزوج معرفة السعر (ولم يكن يملك فلسا ً واحداً)‪ .‬كان املنزل خاليا ً‬
‫تماماً‪ ،‬وبعد زيارته سأل الزوجان املالك ما إذا كان يسمح لهما بقضاء‬
‫الليل فيه‪ِّ ،‬‬
‫مؤك َديْن له أنهما سيخربانه بر ِّدهما صباح الغد‪ .‬وافق املالك عىل‬
‫ذلك‪ .‬تبادلوا تحيّة املساء‪ ،‬وذهب مالك املنزل إىل حال سبيله‪ .‬مىض الزوج‬
‫للبحث عن املاء يف البرئ‪ ،‬قصد االغتسال وإعداد العشاء‪ ،‬فلمح صندوقا ً‬
‫صغريا ً يطفو وسط العتمة‪ .‬عمد إىل انتشاله‪ ،‬ثم الحظ أنه مغلق بواسطة‬
‫قفل‪ .‬ق َّرر الزوجان أن مالك املنزل يجهل وجود هذا الصندوق‪ ،‬ففتحاه‪،‬‬
‫واكتشفا أنه كان مملوءا ً بأوراق نقدية‪ .‬يف صبيحة الغد‪ ،‬وصل مالك‬
‫املنزل‪ ،‬فأخرباه بقبولهما رشاء املنزل الذي كان سعره يساوي نصف ما‬
‫يف الصندوق من مال»‪.‬‬

‫لقد كان عبد الواحد شغوفا ً بحكايات الكنوز املخبوءة التي تخلو‪ ،‬يف‬
‫العادة‪ ،‬من أيّة أه ِّميّة‪.‬‬

‫‪ 16‬مايو‬

‫من ميزات شهر رمضان‪ ،‬ذلك العزف املنفرد عىل الغيطة‪ ،‬يف صوامع‬
‫املساجد‪ ،‬قبل اآلذان‪ .‬يف هذه السنة‪َ ،‬ت َّم إلغاء ذلك‪ .‬أتخيَّل أن أحدهم‪-‬‬
‫ربّما‪ -‬ارتأى أن تلك املمارسة متخلِّفة‪ ،‬أو أنها غري رشعية‪ّ .‬‬
‫يوضح عبد‬
‫الواحد‪:‬‬

‫‪ -‬عىل أيَّة حال‪ ،‬لم يعد الناس يريدون سماع رجل ينفخ يف غيطة‪ ،‬فلديهم‬
‫موسيقى يف التلفزة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫يف سنة ‪ ،1977‬قمت بتسجيل معزوفات املزامري الليلية‪ ،‬طيلة شهر‬


‫رمضان‪ .‬لعلّني‪ -‬دون أن انتبه إىل ذلك‪ -‬كنت أرتاب‪ -‬بالتأكيد‪ -‬يف أنهم‬
‫سيقومون بإلغاء العزف‪ ،‬آجالً أو عاجالً؛ فاألشياء الجميلة‪ -‬لألسف‪ -‬ال‬
‫تبقى‪.‬‬

‫‪ 20‬يونيو (حزيران)‬

‫توصلت بقصاصات صحف ناطقة‬ ‫أمور ج ّد قليلة‪ ،‬جديرة بالتسجيل‪َّ .‬‬


‫بلغات مختلفة‪ ،‬تعلن جميعها عن نيّة املخرج «بريتولوتيش»((( يف تصوير‬
‫«شاي يف الصحراء»‪ .‬لك َّن أيّ ترصيح‪ ،‬يف عالم السينما‪ ،‬يمكن أن يكون‬
‫ُصوَّر أم ال‪ .‬يصعب‬ ‫متأكدا ً أن الفيلم سي َ‬
‫مج َّرد دعاية؛ ما يعني أنني لست ِّ‬
‫عىل الناس االعتقاد بأن «هيلني سرتاوس»((( لم تشرتط بندا ً يح ِّدد زمنية‬
‫العقد‪ ،‬عندما قامت ببيع الحقوق السينمائية لكتبي‪ ،‬يف الخمسينيات‪ .‬وإذا‬
‫كان «بريتولوتيش» قد اقتناها‪ ،‬فإني أجهل الجهة التي كانت واسطته يف‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ 26‬يونيو‬

‫معاناة بالغة‪ ،‬بحيث لم أعد قادرا ًعىل احتماله‪.‬‬


‫ً‬ ‫منذ زمن طويل‪ ،‬أعاني من الفتق‬

‫((( مخرج سينمائي إيطايل‪ُ ،‬ولِد سنة ‪ .1941‬من أشهر أفالمه «اإلمرباطور األخري»‪ ،‬و«التانغو األخري‬
‫بباريس»‪ ،‬و«جمال منهوب»‪.‬‬
‫((( عملت وكيلة أعمال لدى «وليام موريس» منذ سنة‪ُ .1944‬ولِدت يف نيويورك‪ ،‬سنة ‪،1904‬‬
‫وتوفيت سنة ‪ ،1987‬عن س ّن تناهز ‪ 83‬عاماً‪.‬‬
‫ِّ‬

‫‪41‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫لقد وافق الدكتور «راوا‪ »Rawa -‬عىل تخلييص منه‪ ،‬لو أذنت له بإجراء العملية‬
‫ً‬
‫مبارشة‪ ،‬إثر ذلك‪ .‬بدا‬ ‫بواسطة تخدير موضعي‪ ،‬وبرشط أن أغادر املستشفى‪،‬‬
‫خاصة أن سمعة مستشفى القرطبي بالغة‬ ‫يل ذلك هو ّ‬
‫الحل األمثل ملشكلتي‪ّ ،‬‬
‫السوء‪ ،‬وكلّما َق ُص زمن املكوث فيه كان ذلك أفضل‪.‬‬

‫‪ 7‬يوليوز (يوليو‪/‬تموز)‬

‫يوم ملبَّد بالغيوم‪ .‬اقرتح «فيليب رامي»((( اصطحابي إىل املستشفى‬


‫وانتظاري هناك‪ ،‬يف أثناء إجراء العملية‪ .‬عبد الواحد مكث داخل السيّارة‬
‫يف الخارج‪ .‬لم يكن يعتقد أنه سيكون بإمكاني امليش من مدخل املستشفى‬
‫مشقة‪ .‬أ َ َثر البنج رشع يف التضاؤل‪،‬‬
‫تمكنت من ذلك‪ ،‬دون ّ‬ ‫إىل بوّابته‪ ،‬لكنني َّ‬
‫الشقة‪ .‬أخذ املطر يتساقط زخات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫رويدا ً رويداً‪ ،‬ونحن نميض يف ا ِّتجاه‬
‫متوقفا ً عن الحركة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫أحدث هذا السيل عطالً كهربائياً‪ ،‬بحيث كان املصعد‬
‫عندما وصلنا إىل (عمارة) «إيتيسا»‪ .‬صعد أحدهم إلحضار مقعد من‬
‫كل من فيليب رامي‪ ،‬واملرابط‪،‬‬ ‫الشقة‪ .‬أجلسوني عليه‪ ،‬وإثر ذلك حملني ّ‬ ‫ّ‬
‫وعبد الواحد‪ ،‬إىل الطابق األخري‪ .‬لقد ظلَّت هذه املرحلة‪ ،‬من اليوم‪ ،‬مبهمة‬
‫يف ذهني‪ .‬مكثت يف الرسير‪ ،‬وكان األلم محتمالً‪.‬‬

‫«ريجينا وينريش»(((‪ ،‬التي وصلت‪ ،‬لتوّها‪ ،‬من نيويورك‪ ،‬جاءت لرؤيتي‪،‬‬

‫((( ملحِّ ن وعازف بيانو أمريكي‪ ،‬من مواليد سنة‪ .1939‬كان جارا ً لپول پولز وصديقا ً حميما ً له‪.‬‬
‫أجرى معه حوارا ً مهمّا ً حول مقامه يف طنجة واملغرب‪ ،‬سنة ‪.1997‬‬
‫((( منتجة‪ ،‬ومخرجة أفالم وثائقية‪ ،‬وباحثة‪ ،‬وكاتبة دراسات حول ما يسمّى «جيل النَّعمة‪The -‬‬
‫ّ‬
‫املنشق‬ ‫‪ .»beat Generation‬صوَّرت فيلما ً وثائقيا ً عن «پول پولز» يحمل عنوان «پول پولز‪:‬‬
‫الكامل»‪ُ .‬ولِدت يف ميونيخ (أملانيا)‪ ،‬سنة ‪.1949‬‬

‫‪42‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫وللحديث عن الفيلم الوثائقي الذي تنوي تصويره لحساب التلفزة‬


‫األمريكية‪ .‬لقد كان اختيارها هذا الوقت‪ ،‬للحديث عن املوضوع‪ ،‬سيِّئاً‪،‬‬
‫وأنا لم أكن راضياً‪ .‬فاليشء أش ّد إثارة للغيظ من احتمال تعامل مطوَّل‬
‫مع فريق تلفزي‪ .‬لقد أعطيت موافقتي املبدئية لـ«ريجينا وينريش»‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬بما أن التصوير لن يُرشع فيه قبل أكتوبر‪ ،‬فقد قلت يف نفيس‪ :‬ربَّما‬
‫نكون‪ ،‬أنا وهي‪ ،‬قد قضينا نحبنا قبل ذلك‪ .‬وتلك هي إحدى وسائل جعل‬
‫املستقبل محتمالً بعض اليشء‪.‬‬

‫‪ 23‬يوليوز‬

‫لن أقرتب من الشاطىء بعد اليوم‪ .‬قبل خمسني عاماً‪ ،‬كنت أقيض‪ ،‬هنا‪،‬‬
‫أيّامي يف فصل الصيف‪ ،‬وإذا حدث‪ -‬لسبب من األسباب‪ -‬مانع‪ ،‬ولم أذهب‬
‫إىل الشاطىء‪ ،‬ترسَّ ب لديَّ انطباع بأيّام ال وجود لها أو فاشلة‪ .‬كان املغاربة‬
‫يعتربونني أشبه بشخص أخرق‪ ،‬فحتى الرجال لم يكونوا يأخذون حمّام‬
‫شمس‪ ،‬يف تلك الفرتة؛ كانوا يعتقدون أن الشمس ضا ّرة‪ .‬بعد الحرب‬
‫(العاملية الثانية)‪ ،‬أخذ الشبّان يلعبون كرة القدم عىل الشاطىء‪ ،‬ومن‬
‫وقت آلخر كان باإلمكان رؤية امرأة وهي تميش وسط املوج‪ ،‬وقد ارتدت‬
‫كافة مالبسها‪ ،‬بطبيعة الحال‪ .‬لقد تعوَّدت الفتاة التي كانت تقطن‬ ‫ّ‬
‫بجانبنا‪ ،‬يف شارع امليموني‪ ،‬عىل اصطحاب جاراتها إىل الشاطىء‪ ،‬بعد‬
‫الزوال‪ ،‬وكن يعدن ج ّد مرسورات‪ ،‬قبل الغروب‪ .‬كانت «جني پولز» تقول‬
‫عن هذه الفتاة‪:‬‬

‫‪ -‬إنها ثورية؛ فهي تملك طوّافة اإلنقاذ الوحيدة املوجودة يف طنجة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 10‬غشت (أغسطس‪/‬آب)‬

‫متعة رائعة أن تستطيع امليش بعيداً‪ ،‬عىل هواك‪ ،‬دون أن تشعر بآالم الفتق‪.‬‬
‫متعذر الفهم‪َ ،‬تمَّ‪ ،‬بموجبه‪ ،‬من اآلن فصاعداً‪ ،‬نرش بضع‬
‫َّ‬ ‫هناك قرار رسمي‬
‫خاصة‪َّ ،‬‬
‫تتلخص مهمَّتهم يف منع الناس‪ ،‬الذين ال يرتدون‬ ‫عرشات من رشطة ّ‬
‫مالبس السباحة‪ ،‬من امليش فوق الرمال‪ .‬معنى ذلك أن األشخاص الذين‬
‫يرتدون املالبس العادية عليهم البقاء عىل الرصيف‪ .‬ال يفيد هذا القانون غري‬
‫يوفرون كبائن‪ ،‬حيث‬ ‫املفهوم أحدا ً عدا اصحاب املقاهي أو املطاعم الذين ِّ‬
‫يكون باستطاعة الراغبني يف السباحة التج ُّرد من مالبسهم‪ ،‬وعىل هؤالء ّ‬
‫الكف‬
‫عن عادة التج ُّرد من املالبس عىل الشاطئ وتركها ملقاة وراءهم‪ ،‬عندما‬
‫يذهبون للسباحة‪ .‬تحدث هناك رسقات عديدة‪ ،‬بسبب وجود عصابة أوالد‬
‫يتنقلون‪ ،‬دون ُّ‬
‫توقف‪ ،‬بني ركام املالبس لرسقة ساعات أو حافظات نقود أو‬
‫كل ما يمكن حمله بسهولة‪ .‬لكن‪ ،‬من الصعب االعتقاد بأن‬ ‫صدريات ‪ -‬أي ّ‬
‫معكري الصفو‪.‬‬‫وجود أولئك الرشطة له أيّ أثر ردعي عىل تلك العصابة من ِّ‬
‫لعلَّهم يعملون جميعا ً من أجل هدف مشرتك‪ ،‬إىل درجة يمكن التساؤل‬
‫معها عمّا إذا لم يكن أصحاب املطاعم قد ش َّغلوا هؤالء املنحرفني‪ ،‬وكذا أفراد‬
‫الرشطة‪ ،‬ملساعدتهم يف تنفيذ «األمر» الجديد‪.‬‬

‫‪ 11‬غشت‬

‫كنت مم َّددا ً عىل الفراش‪ ،‬بصدد تناول عشائي‪ ،‬عندما ولجت غرفتي‬

‫‪44‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫«باتريسيا هايسميث»(((‪ .‬لقد جاءت من سويرسا تلبية لدعوة وجَّ هَتها‬


‫لها «بايف جونسن» التي نسيت موعد قدوم «باتريسيا»‪ ،‬فلم تكن موجودة‬
‫حني وصولها‪ .‬رجوتها أن تجلس‪ ،‬وأرشت إىل املكان الذي يمكن أن تجد‬
‫فيه زجاجة الويسكي وقطع الثلج‪ .‬وإثر ذلك‪ ،‬أخذنا نتجاذب أطراف‬
‫عبت عن رغبتها يف النزول‬ ‫الحديث‪ .‬وبعد مرور حوايل نصف ساعة‪َّ ،‬‬
‫شقة «بايف» للتخلُّص من حقائبها‪ .‬أعطيتها‪ ،‬حينها‪ ،‬سلسلة مفاتيح‪.‬‬
‫إىل ّ‬
‫وصلت «بايف»‪ ،‬بالضبط‪ ،‬عندما كانت «باتريسيا» تحاول فتح قفل الباب‪،‬‬
‫فقالت لها‪:‬‬

‫‪ -‬لم أفهم أنك تعتزمني املجيء‪...‬‬

‫مضيفة‪ ،‬للتّو‪:‬‬

‫‪ -‬أعني هذا اليوم‪.‬‬

‫‪ 17‬غشت‬

‫ع ََّبَ يل «روبريت بريات»((( عن نيَّته تأليف كتاب عن سريتي‪ ،‬قائالً إن‬


‫النارش «‪ »plon‬سيقوم بإصداره‪ .‬يبدو أنه لم يكن بحاجة إىل أيّة وثيقة‪،‬‬
‫وهذا أمر يرسني ج ّداً‪ ،‬نظرا ً لكوني ال أملك وثائق يمكن أن ِّ‬
‫أوفرها له‪ .‬إنه‬
‫يريد أن يعطي للموسيقى بعض األه ِّميّة‪ ،‬يف كتابه‪ ،‬وهذا ما يرسُّني‪ ،‬أيضاً‪.‬‬

‫((( روائية أمريكية (‪ .)1995 - 1921‬من أشهر رواياتها «املوهوب السيِّد ريبيل» التي تحوَّلت إىل‬
‫فيلم سينمائي أكثر من مرّة‪.‬‬
‫((( كاتب بيوغرافيات فرنيس‪ُ ،‬ولِد سنة ‪ ،1956‬عمل أستاذا ً لألدب األوروبي الكالسيكي ومديرا ً‬
‫ف كتابا ً عن «پول پولز»‪ ،‬صدر يف فرنسا‪ ،‬سنة‪.1989‬‬ ‫إلحدى دور النرش يف «غرونوبل»‪ .‬ألَّ َ‬

‫‪45‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 23‬غشت‬

‫ذهبْت بالسيّارة‪ ،‬صحبة «بات هايسميث» و«رودريغو راي روسا» إىل‬


‫أشقار‪ .‬احتسينا رشابا ً يف املقهى الذي ُشيِّد فوق الكهف‪« .‬هايسميث»‬
‫رفيقة ممتعة‪ ،‬وأنا آسف لكونها ستغادر بعد حني‪ .‬أخىش ّأل يكون‬
‫مقامها يف طنجة قد َم َّر يف ظروف جيِّدة‪ .‬كانت «بايف»‪ ،‬طيلة الوقت‪،‬‬
‫معتلَّة الصحّ ة‪ ،‬فانعزلت يف غرفتها؛ لذا وجدت «باتريسيا» نفسها وحيدة‪،‬‬
‫دون رفيق‪.‬‬

‫‪ 25‬غشت‬

‫عندما عادت «خرييس دي ال فرونتريا» من أمريكا‪ ،‬كانت أمَّها بصحبتها‪.‬‬


‫َّ‬
‫ويتوفر عىل‬ ‫استأجرت منزال ً كبريا ً يتألَّف من ثالثة طوابق‪ ،‬يف دار البارود‪،‬‬
‫إطاللة جميلة عىل امليناء‪ .‬هناك‪ ،‬استق ّرت املرأتان‪ .‬يبدو أن أمَّها كانت‬
‫معجبة بطنجة‪ ،‬لذا م َّرت األمور بيرس‪ ،‬إىل أن اعرتفت «خرييس» (التي‬
‫تغاضت‪ ،‬بحرص‪ ،‬عن إخبار والدتها بأن منزل «مغايغ» ت ّم تشييده‪،‬‬
‫تتمكن من اإلقامة فيه) بأن املرابط ال يعتزم تسليمها‬‫َّ‬ ‫لكنها سوف لن‬
‫منزل «مغايغ»‪ .‬أحدث هذا الخرب ر ّد فعل عنيفا ً من طرف األمّ‪ .‬ذهبت‬
‫«خرييس» إىل جهجوكة ألخذ قسط من الراحة‪ ،‬وعندما عادت‪ ،‬رفقة بشري‬
‫ّ‬
‫العطار(((‪ ،‬رفضت أمّها السماح لها باملبيت يف الدار‪ .‬يبدو أنها ظنّت أن‬
‫البشري هو محمَّد املرابط‪ ،‬فالمت «خرييس» عىل االستمرار يف صداقتها‬

‫((( من مواليد سنة ‪ ،1964‬يف جهجوكة‪ ،‬بالقرب من القرص الكبري‪ .‬عازف موسيقي‪ ،‬ورئيس فرقة‬
‫موسيقيِّي جهجوكة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫صب عليها‪ .‬رشعت خرييس يف القيام بحملة يف أوساط األمريكيني‪،‬‬ ‫لرجل َن َ‬


‫إلثارة اهتمامهم إىل موسيقيِّي جهجوكة؛ وذلك بهدف مساعدة البشري‬
‫للحصول عىل فيزا أمريكية‪ .‬لقد كتبت‪ ،‬يف ذلك الشأن‪ ،‬رسالة توصية إىل‬
‫القنصل‪ ،‬يف الرباط‪.‬‬

‫‪ 9‬شتنرب (سبتمرب‪/‬أيلول)‬

‫نجح مسعى «خرييس»‪ ،‬وحصل البشري عىل الفيزا‪ ،‬وذهبا معا ً إىل‬
‫نيويورك‪ .‬فهل سيتزوَّجان هناك؟ والدة «خرييس» تقيم بمفردها‪ ،‬حالياً‪،‬‬
‫يف املنزل الكبري‪.‬‬

‫‪ 10‬شتنرب‬

‫وصل «وليام بيتش»((( من باريس‪ ،‬هذا الزوال‪ ،‬ومعه كتاب فنّي بالغ‬
‫الجمال (وإن كان ثقيل الوزن)‪ ،‬عنوانه «‪ .»Cites de l’Islam‬أتساءل‪:‬‬
‫ملاذا ُعنْ ِون الكتاب بـ«‪ ،»Cites‬مع أن تلك الكلمة ال وجود لها يف أيّ معجم؟‬
‫لقد زوَّد «بيتش» كتابه بصور عديدة عن املغــرب‪ ،‬وهو يريــدني أن‬
‫أضع مق ِّدمة لكتابه «‪(((»The Hakima :a tragedy in Fez‬؛ لذا لم‬
‫يسعني سوى تلبية طلبه‪ .‬يتعلَّق األمر (يف الكتاب) بتقابل بالغ الغرابة‬
‫ّ‬
‫والشك‪ -‬حكاية اغتيال فتاة‪ ،‬ما لم يكن‬ ‫والنص الذي يحكي‪-‬‬
‫ّ‬ ‫بني الصور‬

‫((( مصوِّر فوتوغرايف أمريكي (‪.)2010 - 1945‬‬


‫((( صدر يف نيويورك‪ ،‬سنة ‪ ،1991‬وفيه مق ِّدمة لـ«پول پولز»‪ .‬يتألَّف الكتاب من صور فوتوغرافية‬
‫ويوميّات‪ ،‬وأحاديث مسجَّ لة بواسطة آلة تسجيل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫ِّ‬
‫ومحي‪ ،‬يرسي يف الكتاب‬ ‫األمر انتحارا ً أو مج َّرد حادثة‪ .‬هناك ج ّو غريب‬
‫كل محاولة‬‫كلّه‪ .‬الخالفات بني العائلة وأقرباء الفتاة تحكم بالفشل عىل ّ‬
‫لكشف الرسّ‪ .‬سيصدر الكتاب عن النارش «‪ ،»Apertures‬وهو ما يُعترب‬
‫ضمانة لجودة إخراجه‪.‬‬

‫‪ 7‬أكتوبر (ترشين األول)‬

‫يحاول مسؤولو دار النرش «‪ ،»Quai Voltaire‬منذ م ّدة‪ ،‬إقناعي بالذهاب‬


‫إىل باريس للظهور يف الربنامج التلفزي «‪ .»Apostrophes‬إىل حَ ّد‬
‫اآلن‪ ،‬نجحت يف االمتناع عن تلبية الدعوة‪ ،‬لكن «دانييل روندو»((( جاء‬
‫من باريس‪ ،‬بالطائرة‪ ،‬محاوال ً إقناعي بما يكتسيه ظهوري من أه ِّميّة‬
‫كافة املصاريف‪ ،‬لكن‬ ‫ملحــوظة بالنسبة إىل «مساري»‪ .‬إنهم سيتحمَّلون ّ‬
‫املشكل هو معرفة كيف سأذهب إىل هناك‪ .‬لقد رفضت السفر بالطائرة‬
‫(متى‪ -‬إذن‪ -‬استقللت الطائرة‪ ،‬يف األربعني سنة األخرية؟)‪ ،‬لكن بإمكاني‬
‫السفر بالباخرة إىل غاية «سيت‪ ،»Sète -‬حيث من املفرتض أن تنتظرني‬
‫خاصة‬‫ّ‬ ‫سيّارة يقودها سائق لنقيل إىل باريس‪ .‬ثم‪ :‬ملاذا التلفزة‪ ،‬دائماً‪،‬‬
‫وأنهم لم يقرتحوا عيل أيّ تعويض ما ّدي؟ «روندو» قال يل إن من واجبات‬
‫الكاتب أن يسمح لجمهوره برؤيته‪ ،‬برصف النظر عن تأثري ذلك الربنامج‬
‫عىل مبيعات كتبه‪ .‬لم أ ِعده بيشء‪ ،‬وعاد هو إىل باريس‪ ،‬لكن ليس قبل‬
‫نص عن فصل شتاء‪ ،‬قضيته يف «كي‬ ‫أن يلتمس مني‪ -‬مسبقاً‪ -‬كتابة ّ‬
‫فولتري»‪ ،‬قبل ثمانية وخمسني عاماً‪ .‬هل بإمكاني التملُّص من هذا الطلب؟‬

‫((( كاتب ونارش صحايف فرنيس‪ ،‬من مواليد سنة ‪ .1948‬له عدة مؤلَّفات وروايات ونصوص رحلية‪،‬‬
‫حول بعض املدن‪ :‬قرطاج‪ ،‬وطنجة‪ ،‬واإلسكندرية‪ ،‬وإسطنبول‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 10‬أكتوبر‬

‫تناولت الغداء مع «غافان يونغ»‪ ،‬الذي كان يستع ّد للسفر إىل إندونيسيا‪.‬‬
‫لقد نصحني بالذهاب إىل باريس‪.‬‬

‫‪ 17‬أكتوبر‬

‫ق َّررت أنه لن يكون أمرا ً سيِّئا ً أن تكون لديَّ فيزا فرنسية‪ ،‬يف جواز سفري‪،‬‬
‫سواء أذهبت إىل باريس أم لم أذهب‪ .‬ا َّتصلت بالسيِّد «‪ ،»Bousquet‬وهو‬
‫ّ‬
‫ليتول‪،‬‬ ‫رجل بالغ اللطف‪ ،‬فاقرتح عيلَّ مرافقتي إىل القنصلية الفرنسية‬
‫ً‬
‫مبارشة‪.‬‬ ‫بنفسه‪ ،‬منحي الفيزا‪،‬‬

‫‪ 2‬نوفمرب (شباط)‬

‫كتبت إىل «روندو»‪ ،‬اليوم‪ ،‬أخربه بأني سأسافر إىل باريس بالطائرة‪.‬‬
‫سريسل يل بطاقة ذهاب وإياب‪.‬‬

‫‪ 11‬نوفمرب‬

‫التفكري يف هذا السفر‪ ،‬الذي أُك ِرهت عليه‪ ،‬يستثري يفَّ كآبة بالغة‪ ،‬بحيث‬
‫يصعب التفكري يف أمر آخر‪ .‬سأغادر يوم الخميس‪ ،‬ولديَّ نيّة راسخة يف‬
‫العودة إىل هنا‪ ،‬يوم السبت‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 20‬نوفمرب‬

‫عدت أمس‪ ،‬مساءً‪ .‬غمرتني غبطة حا ّدة وأنا أعرب الجمارك‪ ،‬يف املطار‪ .‬عبد‬
‫الواحد كان بانتظاري‪ ،‬يف الخارج‪ ،‬داخل سيارتي «املوستانغ»‪ ،‬فيما كان‬
‫حطم أعصابي‪ .‬كان عيلَّ‬ ‫عبد الوهاب ببهو الوصول‪ .‬السفر إىل باريس َّ‬
‫أن أقيض خمس ساعات يف انتظار الطائرة القادمة من الدار البيضاء‪.‬‬
‫وكلّما حاولت معرفة الخرب‪ ،‬كان الجواب هو أن الطائرة لم تغادر بعد‬
‫مطار الدار البيضاء‪ ،‬وأنه يستحيل معرفة السبب‪ .‬أمّا السفر‪ ،‬فكان دون‬
‫حطت الطائرة يف مطار «أوريل»‪.‬‬‫مشاكل‪ .‬كاد الوقت أن يكون ليالً‪ ،‬عندما َّ‬
‫لقد قىض «روندو» و«كلود توما» فرتة الزوال كلّها يف انتظاري‪ ،‬هناك‪.‬‬
‫حركة السيّارات‪ ،‬يف باريس‪ ،‬بالغة الكثافة‪ :‬مرضبون أشعلوا نريان الفرح‬
‫وشلَّت‬
‫كل مكان‪ُ ،‬‬ ‫يف وسط الشوارع‪ ،‬وتجمهرت الرشطة مثل النمل‪ ،‬يف ّ‬
‫حركة السري‪ ،‬أو كادت‪ .‬أخرياً‪ ،‬نزلنا من السيّارة‪ ،‬بغاية امليش‪ ،‬بعد أن‬
‫طلبنا من السائق وضع حقائبي يف الفندق‪« .‬جون هوبكينس»((( جاء من‬
‫«يوركشاير» ملالقاتي‪ ،‬وتناولنا العشاء يف غرفتي‪( ،‬كلود‪ ،‬وجون‪ ،‬وأنا)‪.‬‬
‫كان عشاء طيِّباً‪ ،‬طعمت فيه أوَّل رشيحة لحم جيِّدة‪ ،‬منذ عرشين سنة‪.‬‬

‫نظمت مأدبة عشاء‬ ‫وبينْيي» َّ‬ ‫وكان يوم الغد حافالً‪ .‬السيِّدة «بيبكا مري ْْل ُد ِ‬
‫ست الظهرية‬‫والنقاد‪ .‬لقد راقني أن أُعامَل مثل نجم‪ .‬ك َّر ُ‬ ‫َّ‬ ‫فاخرة للنارشين‬
‫كلّها ألناس جاؤوا لطرح أسئلة عيلَّ‪ ،‬والتقاط صور يل يف الفندق‪ .‬تناولنا‪،‬‬
‫روندو وأنا‪ ،‬طعام العشاء‪ ،‬رأسا ً لرأس‪ ،‬وإثر ذلك‪َ ،‬ت َّم نقلنا إىل األستوديو‪.‬‬
‫ُرض‪.‬‬
‫كانت الحلقة أطول ممّا كنت أوقع‪ ،‬لكن األمور م َّرت عىل نحو م ٍ‬

‫((( أمريكي‪ ،‬من أصدقاء «پول پولز»‪ ،‬عاش حوايل ‪ 20‬سنة يف املغرب‪ ،‬قبل أن يرحل إىل إنجلرتا‪ .‬له‬
‫ع ّدة مؤلَّفات‪ ،‬من بينها «بطائق طنجة»‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫ذكي‪ ،‬لكني أجهل إىل أيّ حد يهتمّ‪ -‬فعالً‪ -‬باألدب‪.‬‬


‫«برنار بيڤو»((( رجل ّ‬
‫لقد ترصَّف‪ ،‬بنوع من الخشونة‪ ،‬مع اآلنسة «ليليان سييجيل‪.(((»Siegel -‬‬
‫لكن‪ ،‬عندما تق ِّدم امرأة نفسها عىل أنها عشيقة «سارتر» الرسيِّة‪ ،‬فعليها‬
‫أن تنتظر معاملة غري الئقة‪.‬‬

‫يوم السبت‪ ،‬ذهبت مع «كلود» القتناء بعض الحاجيات‪ ،‬عىل أمل العثور‬
‫الدكان األوَّل الذي ولجناه‪ ،‬كان هنالك واحد‬‫ّ‬ ‫عىل برنس حمّام‪ .‬يف‬
‫معروض‪ ،‬لكن ثمنه هو ‪ 5000‬فرنك‪ ،‬وهو مبلغ لم أكن مستع ّدا ً لدفعه‪.‬‬
‫أخرياً‪ ،‬اقتنيت برنسا ً كاشمرييّ النسيج يساوي أكثر قليالً من ‪300‬‬
‫دوالر‪ .‬لقد بدا يل الثمن باهظا ً بالنسبة إىل لباس‪ ،‬لن يراه أحد سواي‪.‬‬
‫لكني ُسرت لهذه الغنيمة التذكارية التي سأحملها معي إىل طنجة‪ .‬كان‬
‫كل من «كلود»‪ ،‬و«روندو»‪ ،‬و«سيلفان‬ ‫الليل قد أرخى سدوله‪ ،‬عندما جاء ّ‬
‫باس ْكيِي»((( لتوديعي يف مطار أوريل‪ .‬باريس كانت أزهى من سنة‪،1938‬‬‫ْ‬
‫لكني كنت أو ّد الفرار بجلدي‪ ،‬قبل أن أرشع يف اسرتجاع ذكرياتي فيها‪.‬‬

‫‪ 22‬نوفمرب‬

‫وصلني (تلغراف) من «ريجينا وينريش»‪ ،‬تخربني فيه أنها ستصل‬


‫صحبة فريقها التلفزي‪ .‬كنت قد اقتنعت‪ ،‬تقريباً‪ ،‬بأن مرشوع الفيلم‬

‫ِّ‬
‫ومنشط برامج ثقافية‪ ،‬يف التلفزة الفرنسية‪،‬‬ ‫((( من مواليد سنة ‪ .1935‬صحايف فرنيس‪ ،‬وكاتب‪،‬‬
‫وعضو أكاديمية «غونكور»‪.‬‬
‫ّ‬
‫((( بعد «سيمون دو بوفوار» و«آنا كوهن‪ -‬صوالل»‪ ،‬تعترب «ليليان سييجيل» العشيقة الخامسة أو‬
‫رسيّة» (‪.)1988‬‬ ‫السادسة لـ«سارتر»‪ ،‬ولها كتاب عن عالقتها به‪ ،‬يحمل عنوان «ال ِّ‬
‫((( صحايف فرنيس‪ ،‬عمل يف مجلّة «ليكسربيس»‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫أتوصل بأيّ خرب من «ريجينا»‪ ،‬خالل شهر‬


‫َّ‬ ‫ذهب أدراج الرياح‪ ،‬لكوني لم‬
‫أكتوبر املايض‪.‬‬

‫‪ 1‬دجنرب (ديسمرب‪/‬كانون األول)‬

‫عبت «وينريش» عن نيَّتها يف منحي ‪ 10000‬دوالر‪،‬‬ ‫يف إحدى رسائلها‪َّ ،‬‬


‫غري أنها‪ ،‬عقب وصولها‪ ،‬أخربتني بأنني سوف لن أتقاىض أيّ تعويض‪.‬‬
‫مكث فريقها التلفزي‪ ،‬هنا‪ ،‬أسبوعاً‪ .‬وقد كبَّدت املخرجة «كاترين وورناو»‬
‫تقنيِّيها‪ ،‬كما كبَّدتني أنا‪ ،‬ساعاتٍ إضافية متعبة‪ :‬مشاهد يف الخارج مع‬
‫«الحافة»‪ ،‬وسوق فاس‪ ،‬ويف غرفتي‪ ،‬حيث كنت‬ ‫ّ‬ ‫هبوب الريح‪ ،‬ويف مقهى‬
‫أتناول طعامي يف الفراش‪ .‬من الصعب عيلَّ تصوُّر من هو املُشاهد الذي‬
‫سيهت ّم ّ‬
‫بكل تلك اللقطات‪.‬‬

‫‪ 20‬دجنرب‬
‫اكرتى الفريق التلَفزي ّ‬
‫شقة «بايف»‪ ،‬يف الطابق السفيل من العمارة‪ ،‬مل ّدة‬
‫أسبوع‪ ،‬وذلك لتخزين مع ّداته‪ .‬لكن التقنيِّني‪ -‬بحسب ما قالت فاطمة‪-‬‬
‫تركوا املكان يف حالة فوىض سيِّئة (فضالً عن كونهم تغاضوا عن منحها‬
‫ْ‬
‫لـ«ستيف ديامو ْند‪،(((»Diamond -‬‬ ‫نقودا ً لتنظيفه‪ ،‬لذا اشتكت من ذلك‬
‫الشقة‪ ،‬حالياً‪ً ،‬‬
‫آملة أن يتح َّدث لـ«بايف» يف هذا الشأن‪ ،‬لدى‬ ‫ّ‬ ‫الذي يشغل‬
‫ّ‬
‫الشقة املذكورة‪ ،‬مل ّدة شهر أو‬ ‫عودتها من نيويورك)‪ .‬و«ستيف» سيقيم يف‬

‫((( مقلِّد أمريكي‪ ،‬ومضحك‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫حصتي من امليش الرضوري‬ ‫ستّة أسابيع‪ ،‬وهو يم ّر بي ّ‬


‫كل صباح آلخذ َّ‬
‫لساقي‪ ،‬داخل املدينة وخارجها‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪ 31‬دجنرب‬
‫أمس‪ ،‬مساءً‪َّ ،‬‬
‫نظم «محمَّد» املرابط حفلة عيد ميالدي التقليدية‪ ،‬يف منزله‪.‬‬
‫لم يكن هنالك جوق موسيقي‪ ،‬بل مجموعة فتيات غنَّ ْي‪ ،‬وه ّن ينقرن‬
‫عىل الدفوف‪ .‬تر َّدد عبد الوهاب يف الذهاب‪ ،‬لكونه يعرف أن املرابط ال‬
‫يك ّن له أيّ و ّد‪ .‬لكن‪ ،‬بما أن املرابط ال يرىض‪َ ،‬ق ّط‪ ،‬عن أيّ شخص ممَّن‬
‫يزورونني‪ ،‬فقد شجَّ عت عبد الوهاب عىل مرافقتي‪ .‬أطباق الطعام كانت‬
‫لذيذة وكثرية‪.‬‬

‫‪ 8‬يناير (كانون الثاني)‬

‫ق َّرر «ستيف» إهدائي ببغاء‪ .‬وعندما عاينّا (لدى أحد الباعة) ببغاء‬
‫إفريقية رمادية اللون‪ ،‬دخل هو إىل ّ‬
‫الدكان لالستفسار عن الثمن فقيل‬
‫له إنه يساوي ‪ 2000‬درهم‪ .‬إثر ذلك‪ ،‬عدنا‪ ،‬أمس‪ ،‬ملعاينة الطائر نفسه‪،‬‬
‫فك َّررت عىل مسامع «ستيف» أنه باهظ الثمن‪ ،‬وأن صاحبه يريد اآلن‬
‫‪ 3000‬درهم‪ ،‬وهو ما حملنا عىل مغادرة ّ‬
‫الدكان‪ ،‬دون نقاش زائد‪ .‬عقب‬
‫ذلك‪ ،‬أثار «ستيف» انتباه عبد الوهاب إىل أنني‪ -‬بحسب تصوُّره‪ -‬أ ُ ّ‬
‫فضل‬
‫أن أرى األمور وهي تؤول إىل نهاية سيِّئة‪ ،‬عوض وصولها إىل نهاية‬
‫بدوت له بالغ االرتياح‪ ،‬وأنا أغادر ّ‬
‫الدكان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سعيدة‪ ،‬وأني‬

‫‪53‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 6‬فرباير (شباط)‬

‫شقة «بايف» ويتميَّزون بكونهم‬‫ثالثة أشخاص مسنّني يقيمون‪ ،‬حاليّاً‪ ،‬يف ّ‬


‫بالغي الهدوء‪ .‬سيكون الج ّو قارس الربد‪ ،‬يف األسفل‪ ،‬دون جهاز تدفئة‪.‬‬
‫تسلَّمت نسخة من كتاب «بايف» «‪Lady of the Beasts : The Goddess‬‬
‫‪»and her Sacred Animals‬؛ يتعلَّق األمر بعمل بالغ اإلثارة(((‪.‬‬

‫‪ 25‬فرباير‬

‫أتوصل بكتب‪ ،‬من هنا وهناك‪ ،‬وال أستغني عن عبد‬ ‫َّ‬ ‫كل يوم‪ ،‬تقريباً‪،‬‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫وموظفي الربيد‪ ،‬لكنه‬ ‫الواحد‪ ،‬بخصوص تجاوز عوائق الرقابة والجمارك‬
‫عندما عاد‪ ،‬أمس‪ ،‬إىل السيّارة التي كنت أنتظره فيها‪ ،‬كان يف حالة هياج‬
‫مفرط‪ ،‬حيث عنّفني بهذه العبارات‪:‬‬

‫التوصل‬
‫ُّ‬ ‫‪ ... -‬كتاب يُقتَل الناس بسببه‪ ،‬يف العالم أجمع‪ ،‬ومع ذلك تريد‬
‫به‪ .‬هذا أمر سيِّئ‪ ،‬والناس يف إدارة الربيد غاضبون‪.‬‬

‫سألته‪:‬‬

‫‪ -‬أي كتاب تعني؟ وما موضوعه؟‬


‫نزلت من السيّارة بغية الدخول إىل املبنى‪ ،‬حيث رمقني ّ‬
‫كافة املستخدمني‬
‫بنظرات شزراء‪ .‬أحدهم خرج الستقبايل وتقديم بعض اإليضاحات‪.‬‬

‫((( كتاب «سيِّدة الوحوش‪ :‬اإللهة وحيواناتها املق َّدسة» يلقي نظرة حول هذه الربّة يف املجتمعات‬
‫القديمة‪ ،‬يف آسيا وأوروبا والرشق األوسط‪ ،‬مع ‪ 400‬صورة ورسوم‪ ،‬بعضها باأللوان‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ -‬لديك هنا كتاب ممنوع‪.‬‬


‫سألته‪ ،‬إذ ذاك‪ ،‬ما إذا كان بإمكاني ِّ‬
‫االطالع عليه‪ ،‬غري أنه أجابني بأنهم‬
‫أعادوا تلفيفه‪ ،‬وال أحد بإمكانه إلقاء نظرة عليه‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكنك السماح يل برؤية مظروفه‪ ،‬حتى أعرف‪ -‬عىل ّ‬
‫األقل‪ -‬من أين‬
‫جاء؟‬

‫ذهب إىل ما وراء الشبّاك‪ ،‬وإثر ذلك‪ ،‬عرض عيلَّ‪ -‬وسط العتمة‪ -‬لفافة‪،‬‬
‫وهو يمسكها من الخيط الذي ُش َّد حولها‪ ،‬كما لو كان يأنف املساس بها‪.‬‬
‫حدست أن األمر يتعلَّق بكتاب أثار موجة تعاليق‪ ،‬بفضل (الخميني)(((‪،‬‬
‫لكني كنت أجهل‪ ،‬جهالً تامّاً‪ ،‬من الذي أرسله إيلَّ‪َّ .‬‬
‫موظف آخر مكفه ّر‬
‫الوجه‪ ،‬دنا منّي وهو يقول‪:‬‬

‫‪ -‬إنها إرسالية غري قانونية‪ ،‬وال يمكنك الحصول عليها‪.‬‬

‫أجبته‪:‬‬

‫‪ -‬لست أريدها‪.‬‬

‫‪ 26‬فرباير‬

‫يف مبنى الربيد‪ ،‬أراد املستخدمون‪ ،‬اليوم‪ ،‬معرفة ما إذا كانت الرشطة قد‬
‫زارتني‪ ،‬فأجبتهم بالنفي‪.‬‬

‫((( يتعلَّق األمر بكتاب «آيات شيطانية»‪ ،‬لسلمان رشدي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ -‬لقد جاء رجال الرشطة إىل هنا‪ ،‬وطلبوا اسمك وعنوانك‪ ،‬واستلموا‬
‫الكتاب بغية إرساله إىل الحكومة يف الرباط‪.‬‬

‫‪ 1‬مارس (آذار)‬

‫بما أنه ال علم يل بمجيء رجال الرشطة‪ ،‬فقد افرتضت أنهم سوف لن يأتوا‬
‫سأتوصل بها‪ ،‬من اآلن فصاعداً‪ ،‬سوف تستغرق يوما ً‬
‫َّ‬ ‫إيلَّ‪ ،‬لكن الكتب التي‬
‫إضافياً‪ ،‬تكون فيه موضوع فحص ّ‬
‫أدق ممّا كان يحدث من قبل‪.‬‬

‫‪ 10‬مارس‬

‫يعتزم برنامج تلفزي آخر إرسال فريق إىل هنا‪ ،‬يف األسبوع القادم‪ .‬يحمل‬
‫الربنامج اسم «‪ .»ex-libris‬إنني قلق من احتمال ّأل تقوم «كلود توما»‬
‫برتجمة روايتي «‪ -The Spider’s house‬بيت العنكبوت»‪ .‬وإذا كانت‬
‫لم ترشع‪ ،‬بعد‪ ،‬يف العمل‪ ،‬فهل يعني ذلك أنهم سيبحثون عن مرتجم‬
‫ِّ‬
‫كتابي«مذكرات‬ ‫آخر إلنجاز ترجمة سيِّئة للكتاب‪ ،‬شبيهة بعمل مرتجم‬
‫مرتحِّ ل‪ »without stopping -‬إىل الفرنسية؟‬

‫‪ 18‬مارس‬

‫فريق التلفزة الفرنسية موجود هنا‪ ،‬اليوم‪ .‬بدا املكلَّف بإجراء الحوار معي‬
‫َّ‬
‫لشقتي‪،‬‬ ‫ذكي ولطيف) مصدوما ً من الحالة املتواضعة‬ ‫ّ‬ ‫(وهو شخص‬

‫‪56‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫وقال إنه كان َّ‬


‫يتوقع أن يجدني أعيش يف الجبل‪ ،‬يف منزل كبري‪ ،‬تحيط به‬
‫حديقة جميلة‪ .‬سألني بصدق ب َِّي‪:‬‬

‫‪ -‬هل تحبّذ العيش‪ ،‬عىل هذا النحو‪ ،‬فعالً؟‬


‫إثر ذلك‪ ،‬ق َّرر تصوير الحوار معي بفندق «املنزه»‪ ،‬باعتباره ديكورا ً‬
‫مناسبا ً النتظارات جمهوره‪.‬‬

‫‪ 19‬مارس‬
‫لم يستغرق الحديث م ّدة طويلة‪ .‬اآلن‪ ،‬انتهى ّ‬
‫كل يشء‪ .‬يُنتظر ّ‬
‫بث التسجيل‬
‫يوم ‪ 5‬أبريل املقبل‪.‬‬

‫‪ 27‬مارس‬

‫َق ِدمَ‪ ،‬من باريس‪ ،‬شاب يعمل يف صحيفة «‪ ،»Le Quotidien‬لوضع‬


‫أتمكن من إعطائه متَّسعا ً من الوقت‪.‬‬
‫بضع أسئلة عني‪ .‬لم َّ‬

‫‪ 28‬مارس‬

‫جاءت «كلود توما» من باريس‪ ،‬لقضاء بضعة أيّام هنا‪ .‬إنها ال تشتغل‪،‬‬
‫حالياً‪ ،‬عىل ترجمة «بيت العنكبوت»‪ ،‬وهذا خرب سيِّئ‪ ،‬ال أستطيع تحمُّله‪.‬‬
‫محقة يف إلحاحها عىل رضورة الحصول عىل عقد من النارش «‪Quai‬‬ ‫َّ‬ ‫هي‬

‫‪57‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ ،»Voltaire‬الذي لم َّ‬
‫يتوقف عن إزجاء الوعود بإرسال هذه الوثيقة‪ ،‬لكنه‬
‫لم يفعل بعد‪ .‬ذلك ما يبدو يل غامضا ً بعض اليشء‪ .‬ولقد استخلصت من‬
‫خاصة أن‬
‫ّ‬ ‫ذلك‪ -‬بالطبع‪ -‬أنهم كلَّفوا شخصا ً آخر بإنجاز العمل برسعة‪،‬‬
‫كلود كانت ِّ‬
‫مدققة‪ ،‬وغري مترسِّعة‪ ،‬وذلك هو واجب املرتجم‪.‬‬

‫‪ 31‬مارس‬

‫مساء أمس‪ ،‬ذهبت لتناول العشاء مع «كلود» مصحوبا ً بـ«بريجيل هويل‬


‫‪ ،»Bergil Howell‬الذي سحره جمال منزلها‪ .‬كانت الغابة معتمة‪،‬‬
‫وجانب من القمر ييضء ُنتَفا ً من الزبد‪ ،‬عندما يصطدم املوج بالصخور‪،‬‬
‫دون جلبة‪ .‬يزورني محاوري يومياً‪ ،‬وأنا أعتقد أنه يهيِّئ مقاله عني ملجلّة‬
‫«‪.((( »Globe‬‬

‫‪ 3‬أبريل (نيسان)‬
‫ِّ‬
‫متيقنَ ْي من أنه توجد مقا ٍه تقليدية أمام‬ ‫مصوِّران جاءا من روما‪ .‬كانا‬
‫يلفان املدينة كلّها بالسيّارة‪ ،‬دون العثور عىل مكان‬
‫البحر‪ .‬وبعد أن تركتهما ّ‬
‫يرضيهما‪ ،‬اقرتحت عليهما مقهى «الحافة»‪ .‬أحدهما كان يف موسكو‪ ،‬يف‬
‫األسبوع الفارط‪ ،‬وكان يتح َّدث عنها‪ ،‬فيما كان اآلخر يلتقط يل صورة تلو‬
‫أخرى‪ ،‬وهو يكرِّر‪ ،‬دون كلل‪ ،‬بني (كليشيه) وآخر‪« :‬انظر يف ا ِّتجاهي»‪.‬‬

‫((( مجلّة شهرية فرنسية‪ ،‬أُحدثت سنة ‪ 1985‬يف باريس‪ ،‬من طرف الصحايف والكاتب «جورج‬
‫توقفت عن الصدور سنة‪ ،1992‬وكانت املجلّة قد أرسلت «بريجيل هويل» إلجراء‬
‫مارك بنامُّو» ‪َّ .‬‬
‫حوار مع «پول پولز»‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 4‬أبريل‬

‫جاء «سوومي الفال‪ ،((( »Suomi Lavalle -‬بدوره‪ ،‬هذا الصباح‪ ،‬اللتقاط‬
‫حوايل مئة صورة يل‪ ،‬وذلك بعد أن رافقني إىل حديقة الشيخة فاطمة‬
‫الصباح (ال أعرف كيف أسمِّيها‪ ،‬لكني أعلم أنها كريمة أمري الكويت)‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫أك ّن و ّدا ً كبريا ً لهذه السيِّدة‪.‬‬

‫‪ 20‬أبريل‬

‫أغاني‪،‬‬
‫َّ‬ ‫مشاكل مع الربيد‪ .‬أسطوانة جديدة تتضمَّن إحدى عرشة أغنية من‬
‫رسل إيلَّ من‬ ‫ُ‬
‫صدرت يف الواليات املتَّحدة‪ ،‬و َت ّم تسجيلها عىل كاسيت أ ِ‬
‫َّ‬
‫واستل الكاسيت‪ ،‬ثم أغلقه‬ ‫نيويورك‪ .‬أحد مستخدمي الربيد م َّزق الغالف‪،‬‬
‫بالصقات رسمية‪ .‬اختفت األغاني‪ ،‬إذن! أفرتض أن هذا الترصُّف له عالقة‬
‫بكتاب سلمان رشدي‪ ،‬الذي أرسلته «كارول أردمان‪»Carol Ardman -‬‬
‫ّ‬
‫والشك؛ (فقد‬ ‫(((‪ ،‬من قبل‪ .‬كان عليها أن ّ‬
‫تفكر م َّر َت ْي يف األمر‪ ،‬وهو ما فعلته‪،‬‬
‫كتبت‪ ،‬يف األسبوع األخري‪ ،‬تعرتف بأنها مسؤولة عن إرسال ذلك الكتاب)‪.‬‬

‫‪ 23‬أبريل‬

‫رمضان يجعل األمور صعبة‪ .‬م ّرة أخرى‪ ،‬برهن املرابط أن فرتة الصيام‬
‫تؤثر عليه تأثريا ً مثريا ً للحنق‪ .‬أعرف أنه ال يحبّ عبد الوهاب إطالقاً‪،‬‬
‫هاته ِّ‬

‫((( مصوِّر فوتوغرايف‪ ،‬وصاحب كتاب «‪ »Hashish‬الصادر عن «‪ ،»Quartet books‬عام (‪.)1984‬‬


‫((( كاتبة أمريكية‪ ،‬صديقة لـ«پول پولز»‪ ،‬وعاشقة ملدينة طنجة ‪ .‬لها كتاب حول هذه املدينة‪ ،‬يحمل‬
‫عنوان «‪.»Tangier : Love story‬‬

‫‪59‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫تمكن من الترصُّف معه بصورة عادية‪ ،‬إىل أن حَ ّل رمضان‪ .‬يف هذا‬ ‫لكنه َّ‬
‫ويدخن عوض أن يصوم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الوقت‪ ،‬وعندما الحظ أن عبد الوهاب كان يأكل‬
‫انقلب نفوره منه إىل غيظ أهوج؛ ففي هذا الزوال‪ ،‬وصل‪ ،‬فوجد (ع)‬
‫متكئا ً عىل وسادة وهو يحتيس كأس شاي‪ .‬انقض عىل مائدة الطعام‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ورفعها‪ ،‬ثم قذف‪ ،‬بها وبما عليها من شاي وغريه‪ ،‬يف وجه عبد الوهاب‪،‬‬
‫مُر ِفقا ً ترصُّفه هذا بسَ يْل من الشتائم‪ ،‬ينطقها بالعربية وباإلسبانية‪.‬‬

‫ابنته الصغرية‪ ،‬التي ستكمل سنواتها الخمس‪ ،‬يف األسبوع القادم‪ ،‬ظلَّت‬
‫والشك‪ -‬مشاهد أخرى من هذا القبيل‪ ،‬قبل‬ ‫ّ‬ ‫جامدة‪ ،‬مذهولة‪ .‬ستقع‪-‬‬
‫كل يوم إلعداد طعامي‪،‬‬‫نهاية شهر الصيام؛ ذلك أن عبد الوهاب يأتي ّ‬
‫واملرابط ال يحتمل‪ ،‬بتاتاً‪ ،‬فكرة كونه يرفض االلتزام برمضان‪ ،‬مثل ّ‬
‫كل‬
‫الناس‪.‬‬

‫‪ 24‬أبريل‬

‫ظننت أنني اسرتحت من توافد الفرق التلفزية‪ ،‬لكنهم جاؤوا من ميالن‪،‬‬


‫وأمسرتدام‪ ،‬ولندن‪ ،‬وباريس‪ ،‬ونيويورك‪ .‬وأنا أنتظر‪ ،‬اآلن‪ ،‬فريقا ً آخر‬
‫سيقدم من جنيف‪ .‬أمس واليوم‪ ،‬استقبلت زوجني أملانيَّني سجَّ الً معي‬
‫ً‬
‫عادة‪-‬‬ ‫حديثا ً إلحدى اإلذاعات يف برلني‪ .‬كانت املرأة ترشع يف أسئلتها‪-‬‬
‫بكلمة (ملاذا؟)‪ ،‬فأثرت انتباهها إىل أنه ليس باإلمكان اإلجابة‪ -‬ال بذكاء وال‬
‫كل سؤال يبدأ بـ (ملاذا؟)‪ ،‬لكنها سألتني عىل الفور‪:‬‬‫بصدق‪ -‬عىل ّ‬

‫‪ -‬ملاذا إذن؟‬

‫تخص‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫تراجعت عن سلوكي هذا‪ ،‬ورصَّحت لها بأن مالحظتي ال‬ ‫بعد ذلك‪،‬‬

‫‪60‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫سواي‪ ،‬لكن الجواب لم ينفع معها يف يشء‪ ،‬حيث ر َّدت قائلة‪:‬‬

‫‪ -‬صحيح‪ ،‬فنحن ال نتح َّدث ّإل عنك‪.‬‬

‫‪ 25‬أبريل‬

‫شقتي‪ ،‬حوايل الثانية والنصف‬ ‫فتَيان مغربيّان شاحبان‪ ،‬ر ّنا جرس باب ّ‬
‫بعد الزوال‪ .‬لم يكونا‪ ،‬يف الظاهر‪ ،‬يدركان ماذا يقوالن‪ .‬إثر ذلك‪ ،‬وصل‬
‫املصعد‪ ،‬وخرج منه عبد الواحد‪ .‬قال أحدهما‪ ،‬أخرياً‪:‬‬

‫‪ -‬ابنتك تريد رؤيتك‪.‬‬


‫اعرتضت‪ ،‬بأنه ال ذرية يل‪ ،‬اكتفيا بالضحك‪ .‬حينئذ‪َّ ،‬‬
‫تدخل رفيقه‬ ‫ُ‬ ‫وعندما‬
‫قائالً‪:‬‬

‫‪ -‬بل لديك بنت‪ ،‬وهي هنا‪ ،‬واسمها «كاترين»‪ ،‬وهي أملانية‪ .‬إنها لم تر ََك‬
‫ّ‬
‫قط‪ ،‬لكنها تريد‪ ،‬اآلن‪ ،‬التع ُّرف إليك‪.‬‬

‫أجبته‪:‬‬

‫‪ -‬ال أريد رؤيتها‪.‬‬

‫مؤكدا ً لهما أن يف األمر خطأ‪ ،‬لكنهما لم يعبأا‬


‫تدخل عبد الواحد‪ِّ ،‬‬
‫إذ ذاك‪ّ ،‬‬
‫بما قال‪.‬‬

‫‪ -‬سنحرضها إىل هنا يف الخامسة عرصاً‪ ،‬ا َّتفقنا؟‬

‫‪،‬كل‪ .‬ليس لديَّ أيّة بنت‪ .‬شكراً‪ ،‬وال أو ّد رؤيتها‪.‬‬


‫كل ّ‬‫كل‪ّ ،‬‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪61‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫يؤكد يل أن األمر يتعلَّق بمنحرفني‪،‬‬‫ذهبا إثر ذلك‪ .‬دخل عبد الواحد‪ ،‬وهو ِّ‬
‫وأن عيلَّ ّأل أسمح لهما بدخول الشقة فيما إذا ر ّنا الجرس‪ ،‬مج َّدداً‪ .‬كنت‬
‫متأكد من أنهما سوف لن يعودا‪ .‬لكن‪ ،‬بعد عودتي من السوق والربيد‬ ‫شبه ِّ‬
‫رن الجرس م ّرة أخرى‪ ،‬فكان الفتيان‪،‬‬ ‫وذهاب عبد الوهاب إىل بيته‪ّ ،‬‬
‫وخامرني شعور بأنهما يسندان امرأة‪ .‬كانت املرأة تضع عىل رأسها قبَّعة‬
‫أتمكن من ُّ‬
‫تبي مالمح وجهها‪.‬‬ ‫حواف واسعة‪ ،‬تخفي عينيها‪ ،‬فلم َّ‬
‫ّ‬ ‫ذات‬

‫قال الفتَيان‪:‬‬

‫‪ -‬ها هي ابنتك‪ .‬لقد جاءت من «إِسِّ ن‪.»Essen -‬‬

‫كل ذلك غريبا ً وتافهاً‪ ،‬إىل درجة أني لم أتمالك نفيس من مقاومة‬ ‫بدا يل ّ‬
‫غواية السماح لها بالدخول‪ ،‬طالبا ً من الفتَي َْي املغربي َّْي املكوث يف بسطة‬
‫السلم‪ .‬وبغية تقديم املرأة نفسها‪ ،‬استلَّت من جيبها نسخـة من روايـة‬
‫(‪ )So Mager Fallen Let it come down‬يف طبعة جيب‪ ،‬وقالت‬
‫بإنجليزية موسومة بتلفظ جرماني قويّ ‪:‬‬

‫‪ -‬إنني خجلة‪ .‬لكنني سأغادر غداً‪ ،‬إىل أملانيا‪.‬‬

‫بدا يل‪ ،‬من كالمها‪ ،‬أنها لم تتخيَّل وسيلة أخرى للِّقاء بي‪ ،‬خالل األمسية‬
‫الوحيدة التي ستقضيها يف طنجة‪ ،‬سوى أن تذهب إىل «سوق الداخل»‪،‬‬
‫وتلتمس من أيٍّ كان أن يقبل االستماع إليها‪ ،‬ويرافقها إىل بيت أبيها‬
‫معي‪ ،‬وأشفقا عىل‬ ‫َّ‬ ‫املدع ّو «پول پولز»‪ .‬ا َّتفق الفتَيان معها عىل مبلغ‬
‫حالها‪ ،‬زاعم َْي أنهما يعرفانني‪ ،‬مع أنه لم يسبق لهما أن رأَياني‪ .‬كان‬
‫حديث املرأة الشابّة مشوَّشاً‪ ،‬يصعب تتبُّعه‪ .‬وحينئذ‪ ،‬تساءلت عن طريقة‬
‫للتخلُّص منها‪ .‬يف أثناء هذيانها‪ ،‬رصَّحت يل بأنها تو ّد أن تنتحر‪ ،‬فق َّر ُ‬
‫رت‬

‫‪62‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫مت لها قدح شاي‪ ،‬فرشحت يل‪ ،‬يف أثناء احتسائها‬ ‫أنه آن أوان طردها‪ .‬ق َّد ُ‬
‫تل رمال كبري‪ ،‬لكن‬‫له‪ ،‬أنها كانت تأمل أن تموت يف «مرزوقة» فوق قمّة ّ‬
‫َّ‬
‫يتحقق‪ .‬وعندما أجبتها بأن هذا األمر مؤسف‪ ،‬ه َّزت رأسها‪ ،‬قبل‬ ‫نذرها لم‬
‫أن ترتاجع عن قولها‪ ،‬يف الختام‪:‬‬

‫‪ -‬ال أريد أن أموت‪ ..‬أريد‪ ،‬فقط‪ ،‬أن َّ‬


‫أتغي‪.‬‬

‫بعد ذلك‪ ،‬أعادت صبغ شفتيها بأحمر الشفاه‪ ،‬وهي ترمقني من تحت‬
‫حواف قبعتها‪ .‬ق َّدمت لها نسخة ممهورة بتوقيعي من «الغابة الحمراء‬ ‫ّ‬
‫‪ ،»Gesang der Insecten‬فش ُع َرتْ بخيبة الظ ّن عندما اكتشفتْ أن‬
‫بديهي أنها كانت تعاني من ُّ‬
‫تركز‬ ‫ّ‬ ‫سياق الكتاب هو أمريكا الالتينية‪.‬‬
‫وسوايس؛ فهي ال تريد أن تقرأ سوى كتب عن شمال إفريقيا‪ .‬عندما‬
‫صت منها‪ ،‬يف نهاية املطاف‪ ،‬كان رفيقاها قد مضيا‪ .‬آمل ّأل تكون قد‬ ‫تخل َّ ُ‬
‫دفعت لهما مسبقاً‪ ،‬وأنهما ما زاال ينتظرانها يف أسفل العمارة‪ ،‬ذلك ألنها‬
‫قالت يل بأنها ال تعرف‪ ،‬تماماً‪ ،‬كيف تعود أدراجها إىل الفندق‪.‬‬

‫‪ 26‬أبريل‬

‫كل فصل ربيع‪،‬‬ ‫مبني يف قمّة مدخنة أحد املنازل‪ .‬يف ّ‬


‫ّ‬ ‫هناك ّ‬
‫عش لقالق كبري‪،‬‬
‫تأتي عائلة طيور‪ ،‬فتمكث هناك شهرين‪ ،‬تقريباً‪ ،‬ثم تواصل طريقها‪.‬‬
‫يكفان عن‬‫يف السنة الفارطة‪ ،‬جاء‪ -‬أيضاً‪ -‬لقلقان صغريان‪ ،‬لم يكونا ّ‬
‫ّ‬
‫العش‪ ،‬والتد ُّرب عىل الطريان‪ ،‬بالقفز يف الفراغ‪ ،‬مع تحريك‬ ‫التململ حول‬
‫والشك‪ -‬من هيجانهما‪ ،‬ابتنى‬‫ّ‬ ‫الجناحني‪ .‬وعندما ضجر اللقلق الذكر‪-‬‬
‫عشا ً آخر‪ ،‬يف ذروة عمود كهربائي‪ ،‬عىل بعد حوايل ثالثني مرتا ً من‬‫لنفسه ّ‬

‫‪63‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫ّ‬
‫العش‪ .‬أمس‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العش األوَّل‪ .‬خالل فصل الشتاء‪ ،‬دمَّر بعض العمّال هذا‬
‫الحظت أن اللقالق عادت‪ ،‬وم ّرة أخرى كان هناك ّ‬
‫عش كبري يف قمّة العمود‬
‫كل سنة؟ وهل يعود اللقلقان‬ ‫الكهربائي‪ .‬هل هما الزوجان أنفسهما‪ ،‬يف ّ‬
‫الصغريان رفقة والديهما؟‬
‫ّ‬
‫األقل‪ ،‬منذ ثالثني سنة)‪،‬‬ ‫لم أشاهد هجرة اللقالق منذ م ّدة طويلة (عىل‬
‫كنت أنزل‪ ،‬حينها‪ ،‬إىل شاطىء «مرقالة» لتأمُّل تشكيلتها البديعة التي‬
‫تتألَّف من مئات الطيور‪ ،‬التي تحلّق عىل عل ٍّو منخفض‪ ،‬إىل درجة أنني‬
‫كنت أسمع خفق أجنحتها املعتاد‪ .‬يف فصل الربيع‪ ،‬تعرب اللقالق مضيق‬
‫جبل طارق نحو إسبانيا‪ ،‬ثم تعود يف فصل الخريف‪ .‬لقد بدت يل اللقالق‪،‬‬
‫دوماً‪ ،‬بالغة الجمال يف أثناء الطريان‪ ،‬رغم سيقانها الشبيهة بقضبان‬
‫خاصة‪ -‬أعناقها الطويلة‪ ،‬وأجنحتها‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتدل تحت جسومها‪ .‬إنني أحبّ ‪-‬‬
‫الكبرية التي تصطفق‪ ،‬بتؤدة وبطء‪.‬‬

‫‪ 28‬أبريل‬

‫قط‪ ،‬وسوف‬ ‫نادرا ً ما تم ّر ظهرية دون أن أستقبل زيارة أحد‪ ،‬لم أره ّ‬
‫لن أراه بعد ذلك‪ ،‬دون شك‪ .‬يبدو يل ّ‬
‫كل هذا الوقت املك َّرس للغرباء‬
‫وكأنه يجمِّد وجودي‪ ،‬وكما لو كان ما يزال أمامي عدد ال متنا ٍه من‬
‫السنني‪ .‬بيد أن هذه الزيارات‪ ،‬لم تغ ُد خطرية ّإل منذ سنة أو سنتني‪،‬‬
‫وزاد من خطورتها غياب الهاتف‪ :‬الناس يأتون‪ ،‬ثم يطرقون الباب‪،‬‬
‫فيغدو رفض استقبالهم أمرا ً صعباً‪ .‬هذا األسبوع‪ ،‬استقبلت‪ ،‬يف ّ‬
‫كل‬
‫ظهرية‪ ،‬زائراً‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 10‬ماي (مايو‪/‬أيار)‬

‫أتساءل‪ ،‬أحياناً‪ :‬إىل متى سأواصل تناول أكالتي يف الفراش؟ بعد عمليّة‬
‫برت العصب ال ُو ّدي‪ ،‬اعترب الطبيب ذلك أمرا ً حسناً‪ .‬أمّا اليوم‪ ،‬وبعد مرور‬
‫ثالث سنوات عىل إجراء العملية‪ ،‬ما زلت أواصل هذه العادة‪ .‬يأتي عبد‬
‫الواحد‪ ،‬يف منتصف النهار‪ ،‬إلعداد طعام الغداء‪ ،‬ثم يأتي املرابط بالزاد‬
‫لينهمك يف إعداد عشائي‪ .‬ومع أن الفطور هو أه ّم األكالت الثالث‪ّ ،‬إل أن‬
‫كف عن القدوم يف‬ ‫معي‪َّ ،‬‬‫املرابط يبدو وكأنه ال يفهم هذا؛ فمنذ زمن َّ‬
‫الصباح‪ ،‬وهو ما يعني أن عيلّ‪ ،‬بمفردي‪ ،‬إعداد فطوري وحمله إىل طاولة‬
‫املطبخ‪ .‬إنني أعترب نفيس محظوظا ً لوجود أصدقاء يوافقون عىل تقديم‬
‫الطعام يل‪ ،‬يف الفراش‪ .‬مع ذلك‪ ،‬يقول عبد الواحد يل‪:‬‬

‫‪ -‬أنت لست عليالً‪ ،‬فلماذا يجب أن تأكل‪ ،‬دوماً‪ ،‬يف الفراش؟‬

‫املغاربة يكرهون‪ ،‬طبعاً‪ ،‬البقاء يف الفراش‪ ،‬حتى لو كانوا مصابني‬


‫بالحمّى‪ ،‬وهم يعتقدون أن ّ‬
‫كل مريض قابع يف الفراش هو مشارف املوت‪.‬‬

‫جاء أحدهم من نيويورك‪ ،‬حامالً نسخة من تلك البيوغرافيا التي تع َّم َد‬
‫تبي‬‫«سَ ا ْوير‪ -‬الَوْسَ ا ُنو» تأليفها عني‪ ،‬مع أني طلبت منه ّأل يفعل‪ .‬لقد َّ‬
‫انزعاجه من رفيض ملساعدته واضحاً‪ ،‬بحيث أصبح كتابه‪ -‬شاء ذلك أم‬
‫أبى‪ -‬عبارة عن سباب وقذف‪ .‬وإلنجاز عمله‪ ،‬كان عليه استعمال سريتي‬
‫الذاتية‪ ،‬بيد أن الفرق‪ ،‬بني هذه السرية وكتابه كامن يف كونه تعمَّد وضع‬
‫الشك يف‬‫ّ‬ ‫الخاصة للوقائع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُح ّلً محلَّها رؤيتَه‬ ‫صدقية أقوايل موضع ّ‬
‫شك‪ ،‬م ِ‬
‫أنه وجد هذه الرؤية أكثر إثارة‪ ،‬بحيث جعل مني كائنا ً مفرتياً‪ .‬بإمكاني‬
‫رسد الئحة‪ ،‬ال حرص لها‪ ،‬من األخطاء التي اعتمد فيها‪ ،‬فقط‪ ،‬عىل ما يقال‪،‬‬
‫بداهة‪ ،‬عن سوء ط ِويّة‪ .‬لقد كان «سَ اوير‪-‬‬ ‫ً‬ ‫أو عىل مج َّرد ظنون صادرة‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫التهات املؤذية والجارحة‪،‬‬ ‫الَوْسَ ا ُنو» مفرط العجلة يف اإلصغاء لبعض َّ‬
‫مدرجا ً سخافاتها يف كتابه‪ ،‬دون أخذ الوقت الكايف للتثبُّت من صحّ تها‪،‬‬
‫األقل‪ -‬كان من األنسب نسبة املعلومات‬ ‫ّ‬ ‫وهذا شأن مثري للقلق‪ ،‬إذ‪ -‬عىل‬
‫املزعومة إىل َم ْن زوَّده‪ ،‬أو زو َد ْته‪ ،‬بها‪ .‬عىل العموم‪ ،‬إن ما ال يُحتمل هو‬
‫ميله إىل تخيُّل أنني قمت‪ -‬عمداً‪ -‬بتزوير بعض األحداث‪ ،‬ذلك أن الحقيقة‪،‬‬
‫بالنسبة إىل نوع الكتابة الصحافية‪ ،‬التي يعشقها املؤلِّف‪ ،‬تكون شاحبة‬
‫وغري مثرية‪ .‬إن الصورة التي ق َّدمها عني‪ -‬بوصفي شخصا ً متسوِّالً‪ ،‬إبّان‬
‫ري سعاري‪ ،‬مثلما أثارت غضبي تفسرياته الشخصية‬ ‫الثالثينات‪ -‬لتستث ُ‬
‫لسفر «جني پولز» إىل الربتغال‪ ،‬يف سنة ‪ .1958‬لقد ذهبنا‪ ،‬جني وأنا‪ّ ،‬‬
‫كل‬
‫يوم‪ ،‬وخالل أسبوعني‪ ،‬إىل السفارة األمريكية يف الربتغال‪ ،‬للحصول عىل‬
‫جواز سفر جديد لها‪ ،‬حيث انتهت صالحيّة القديم‪ ،‬عندما كنّا يف «جزيرة‬
‫مَادِي ْر»(((‪ ،‬فكانوا يجيبوننا‪ ،‬يف ّ‬
‫كل م ّرة‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫كل‪ ،‬علينا استشارة الـ«‪( »F.B.I‬مكتب التحقيق الفيدرايل)‪.‬‬

‫واصلنا اال ِّتصال بالسفارة‪ ،‬يف انتظار ر ّد رسيع من واشنطن‪ ،‬لكن الر ّد لم‬
‫يكن رسيعاً‪ ،‬بل كان سلبياً‪:‬‬

‫‪ -‬عىل السيِّدة پولز أن تعود‪ ،‬فوراً‪ ،‬إىل الواليات املتَّحدة‪ ،‬وسنمنحها‬


‫َ‬
‫عوض جواز السفر‪.‬‬ ‫ترصيحا ً باملرور‬

‫إثر ذلك‪ ،‬ذهبت «جني»‪ ،‬بعد يوم أو يومني‪ .‬لكن «س‪ -‬ل» أق َّر أن وزارة‬
‫أكدت له أن تلك املسطرة مستحيلة‪ ،‬واستنتج‪ ،‬من ذلك‪ ،‬أن‬ ‫الخارجية َّ‬
‫رسدي كان محض تخييل‪ ،‬وأنني ابتكرت تلك «الحيلة» للتخلُّص من‬

‫((( أرخبيل برتغايل يف املحيط األطليس‪ ،‬مؤلَّف من جزيرة «مادير»‪ ،‬ومن جزر صغرية أخرى‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫َّ‬
‫يتعذر عيلَّ‪ -‬لألسف‪ -‬عرضه عىل‬ ‫«جني»‪ .‬إنه كتاب سبّ وقذف‪ ،‬لكن‪،‬‬
‫القضاء(((‪.‬‬

‫‪ 12‬مايو‬

‫توصلت بع ّدة رسائل بعثَتْها «خرييس» من نيويورك‪ .‬البشري يوجد‬ ‫َّ‬


‫تمكنت من دفعه‬ ‫بصحبتها‪ ،‬وهي جا ّدة يف البحث له عن عمل‪ .‬لقد َّ‬
‫لالنخراط يف فرقة «‪(((»La Mama‬التي ستقوم بتقديم مرسحية «‪The‬‬
‫‪ ،»Night before Thinking‬التي كان أحمد اليعقوبي يأمل يف تقديمها‬
‫منذ سنوات‪ ،‬لكني اعرتضت بسبب حذف مساعده ملشهد الطفل الصغري‬
‫ّ‬
‫املغطى جسمه بحدقات العيون‪ .‬لقد بدا يل هذا الطفل‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬أه ّم‬
‫شخصية يف الحكاية‪ .‬املرسحية عُرضت أخريا ً (دون طفل‪ ،‬بطبيعة‬
‫الحال)‪ ،‬وفيها عزف البشري عىل الغيطة‪ ،‬والناي القصبي‪ ،‬وحتى عىل‬
‫الكنربي‪ ،‬لكن «ال ماما» أثارت حنقه؛ ما دفع «خرييس» إىل االستنتاج‬
‫بأنها خرقاء‪ .‬يف إحدى الرسائل‪ ،‬كتبت «خرييس» تقول إنها اقرتنت‬
‫ِّ‬
‫سيمكنه من تمديد مقامه يف الواليات‬ ‫بالبشري «يف مسجد قريب»‪ ،‬وذلك ما‬
‫املتِّحدة‪ ،‬دون مشاكل‪ .‬وهو أمر مهمّ‪ ،‬إذ يأمل يف أن يسافر يف جولة مع‬
‫فرق مختلفة‪ ،‬من بينها فرقة «رولينغ ستونز»(((‪.‬‬

‫توقف» الصادر عن النارش «بيرت أوين»‪،‬‬ ‫((( ُر ِويت هذه الوقائع يف كتاب «پول پولز» «بدون ُّ‬
‫سنة‪ ،1972‬يف الصفحة (‪ .)452‬ورواها «كريستوفري ساوير الوسانو» يف كتابه «املتفرِّج الالمرئي‪:‬‬
‫سرية پول پولز» الصادر عن النارش «‪ ،»Paladin‬سنة ‪ ،1990‬يف الصفحة (‪.)343‬‬
‫((( مؤسَّ سة ثقافية‪ ،‬ومرسح غري ربحي‪ ،‬يف نيويورك‪َ .‬ت َّم تأسيسها من طرف «إلني ستيوارت»‪ ،‬سنة‬
‫‪.1961‬‬
‫ُ‬
‫((( فرقة روك بريطانية‪ ،‬أسَّ ست يف لندن‪ ،‬سنة ‪.1962‬‬

‫‪67‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 25‬مايو‬

‫عوض تنظيمها جولة أمريكية‪ ،‬رشعت «خرييس» يف تنظيم جولة يف‬


‫َ‬
‫صحبة فريق‬ ‫املغرب‪ ،‬سينتقل «ميك جاغر»(((‪ ،‬خاللها‪ ،‬إىل جهجوكة‪،‬‬
‫مصوِّري «‪ ،»B.B.C‬ليعزف مع البشري‪ ،‬يف القرية التي هي مسقط رأس‬
‫هذا األخري‪ .‬سيصل ّ‬
‫كل من «خرييس» والبشري‪ ،‬يف الرابع من يونيو القادم‪.‬‬
‫أمّا فريق «ستونز» فسيصل‪ ،‬بضعة أيّام‪ ،‬بعد ذلك‪.‬‬

‫‪ 2‬يونيو (حزيران)‬

‫كل من «كرايزي كيت» و«فيليب»‪ ،‬وجاء األخري‬ ‫وصل أخرياً‪ ،‬من نيويورك‪ٌّ ،‬‬
‫شقتي‪ ،‬سوى صنوبرة رأس‬ ‫ُثقالً بالهدايا‪ .‬لم يكن ينقص الحفل يف ّ‬ ‫م ّ‬
‫السنة‪ .‬كانت «كرايزي كيت» مفتونة بلقاء «جاغر»‪ ،‬لكني كنت متشائما ً‬
‫لشكي يف أن فريق «‪ »B.B.C‬سوف يكون لديهم‬ ‫ّ‬ ‫من تحقيق املرشوع؛‬
‫كافة اإلجراءات الرضورية‪ ،‬إلدخال آليّات‬ ‫الوقت الكايف لالنكباب عىل ّ‬
‫التصوير إىل املغرب‪َّ .‬‬
‫أتذكر أن الهولنديَّني كان عليهم أن يرت َّددوا‪ ،‬بني‬
‫يتمكنوا من إقناع‬‫َّ‬ ‫جيئة وذهاباً‪ ،‬قبل أن‬
‫ً‬ ‫بلدهم واملغرب‪ ،‬ثالث مرات‪،‬‬
‫موظفي الجمارك بالسماح لهم بإدخال آالت التسجيل‪.‬‬ ‫َّ‬

‫أه ّم هدايا «فيليب»‪ ،‬يف نظري‪ ،‬أسطوانتان حديثتا العهد‪ :‬إحداهما هي‪-‬‬
‫‪( Music for a Farce‬صادرة عن ‪Reference Recording ,chicago‬‬
‫‪ ،)pro Musica‬والثانية تتضمّن أغاني من أداء «وليام شارب‪-‬‬

‫((( مغ ٍن وملحِّ ن ومؤلِّف موسيقي بريطاني‪ ،‬من مواليد سنة ‪ 1943‬يف «دارتفورد»‪ ،‬وأحد مؤسِّ يس‬
‫فرقة «رولينغ ستونز»‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ (((»William Sharp‬الذي ق َّدم‪ ،‬بحسب رأيي‪ ،‬الصيغة النهائية إلحدى‬


‫أغاني القديمة‪ .‬تبدواألغاني املؤ ّداة يف «‪ »Farce‬تلقائي ًّة‬
‫َّ‬ ‫عرشة أغنية من‬
‫وبالغة الطراوة‪ ،‬إذا قورنت بالتسجيالت القديمة الصادرة عن رشكتَ ْي‬
‫«‪ ،»Columbia‬و«‪ ،»MGM‬والتي قضيت سنوات يف االستماع إليها‪.‬‬

‫‪ 3‬يونيو‬

‫كتبت إىل «ساوير‪ -‬الوسانو» أخربه بنقمتي عىل تلك التلميحات الجارحة‬
‫الواردة يف كتابه‪ .‬إثر ذلك‪َ ،‬ر ّد عيلَّ قائالً‪« :‬بإلحاح من نارشي‪ ،‬أجريت‬
‫تحقيقا ً لدى وزارة الخارجية‪ ،‬فنَ َف ْوا‪ ،‬بصورة قطعية‪ ،‬بل عنيفة‪ ،‬أنهم‬
‫قاموا بإجراءات من ذلك القبيل‪ ...‬إنني أتفهَّم‪ -‬بأثر رجعي‪ -‬كيف َّ‬
‫تمك ُ‬
‫نت‬
‫من إعطاء انطباع بأنني ال أصدق روايتك للوقائع‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬حاولت‪،‬‬
‫فقط‪ ،‬عرض صيغة أخرى لألحداث»‪ .‬كان عليه أن يستعمل حنكته وطاقة‬
‫االبتكار لديه‪ ،‬لإلتيان بثالث أو أربع صيغ إضافية عن مسألة خروج جني‬
‫«پولز» من الربتغال‪.‬‬

‫‪ 5‬يونيو‬

‫«خرييس» والبشري‪ ،‬موجودان‪ ،‬حالياً‪ ،‬يف طنجة‪ ،‬وهما مهتاجان‬


‫ومنفعالن لوصول «ستونز»‪ ،‬لذا تحاشيت التعبري لهما عن تشاؤمي‪ .‬من‬
‫جهتهما‪ ،‬كانا يحتاطان بالغ الحيطة حتى ال يقوما بزيارتي ّإل عندما‬
‫متأكدين من أن املرابط غري موجود يف َّ‬
‫شقتي‪ .‬البشري هو‪ ،‬اآلن‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫يكونان‬
‫زوج «خرييس»؛ لذا هو يعترب املنزل الذي ُشيّد بأموالها ملكا ً له‪ ،‬بصفة‬

‫((( منشد أمريكي‪ ،‬أداؤه من صنف «‪ .»Bass-Bariton‬حصل عىل جوائز عديدة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫جزئية(((‪ .‬أعتقد أنه يعرف أن نسبة اسرتداده للمنزل ال تزيد عىل واحد يف‬
‫املئة‪ ،‬لكونه مسجَّ الً باسم ال ُّزهرة((( وليس باسم املرابط‪.‬‬

‫‪ 7‬يونيو‬

‫وصل بعض تقنيِّي «‪ »B.B.C‬مسبقاً‪ ،‬لتصوير «جاغر» عند نزوله من‬


‫فكرت‪ :‬يبقى ذلك رهينا ً بمجيئه إىل طنجة‪ .‬رئيس الفريق يبدو‬
‫الطائرة‪َّ .‬‬
‫مقتنعا ً بأن «جاغر»‪ -‬ال محالة‪ -‬قادم‪.‬‬

‫‪ 8‬يونيو‬

‫كل واحد منا وقد انهارت؛ إذ رفض الجمركيون السماح‬ ‫بدت قناعات ّ‬
‫بدخول تجهيزات «‪ .»B.B.C‬ضجّ ة كبرية‪ ،‬ومكاملات هاتفية ال حرص لها‪،‬‬
‫مع لندن‪ .‬وكيل أعمال فرقة (ستونز) ه َّدد‪ :‬إذا لم تم ّر اآلليّات‪ ،‬بالجمارك‪،‬‬
‫قبل التاسعة من صباح غد‪ ،‬فسألغي العقد‪« .‬خرييس» جاءت هذا املساء‪،‬‬
‫وهي تلهث من القلق‪ ،‬قائلة‪:‬‬

‫‪ -‬يجب أن تكلَّم امللك (وهي تدري أنني لم ِ‬


‫ألتق به ّ‬
‫قط‪ ،‬وحتى لو كان‬
‫األمر خالف هذا‪ ،‬فلن أهاتفه)‪.‬‬
‫إثر ذلك‪ ،‬رصَّحتْ بأنها زارت ّ‬
‫لل فاطمة الزهرة‪ ،‬يف منتصف النهار‪ ،‬فقيل‬

‫((( إشارة إىل منزل «مغايغ»‪ ،‬الذي شيَّده محمَّد املرابط‪.‬‬


‫((( زوجة محمَّد املرابط‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫لها أن تهاتفها فيما بعد‪ .‬عقب ذلك‪ ،‬وجَّ هت نظرها إيلّ‪:‬‬


‫‪ -‬لكنك تعرف ّ‬
‫لل فاطمة الزهرة‪ ..‬ها ِت ْفها‪ ،‬وقل لها إنه من بالغ األه ِّميّة‪،‬‬
‫بالنسبة إىل املغرب‪ ،‬أن تقوم «‪ »B.B.C‬بتصوير الحفل‪.‬‬

‫كنت أرتدي‪ ،‬حينئذ‪ ،‬معطف حمّام‪ ،‬وأنا يف غرفة «بايف جونسن»‪ ،‬يف‬
‫صحبة آخرين‪ .‬كانوا جميعا ً مقتنعني بأنه من واجبي‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫الشقة السفىل‪،‬‬
‫لل فاطمة الزهرة‪ ،‬وأرشح لها الوضع‪ ،‬وهو ما يبدو‬ ‫عىل ّ‬
‫األقل‪ ،‬أن أهاتف ّ‬
‫أن «خرييس» لم ُتحسن القيام به بسبب مشاكل لسانية (لقد غاب عني‬
‫اعرتضت قائالً‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أن ّ‬
‫لل فاطمة الزهرة كانت تجيد الحديث باإلنجليزية)‪.‬‬

‫‪ -‬لكن دارجتي ليست جيِّدة‪ ،‬حتى أستعملها يف حديثي‪.‬‬

‫لل فاطمة‪ُ ،‬مدْليا ً لها باسمي‪ ،‬قبل أن‬‫اقرتح عبد الوهاب‪ ،‬حينئذ‪ ،‬أن أهاتف ّ‬
‫لل فاطمة من عبد الوهاب أن‬ ‫أنقل إليه السمّاعة‪ .‬ذلك ما قمنا به‪ ،‬فطلبتْ ّ‬
‫هاتفها هذا األخري مج َّدداً‪ ،‬بدا‬
‫يعيد اال ِّتصال بها‪ ،‬بعد نصف ساعة‪ .‬وعندما َ‬
‫له وكأنها كانت تتح َّدث يف هاتفني‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ .‬كانت هناك لحظات‬
‫وترقب طويلة‪ ،‬وكان املوجودون يمعنون النظر خاللها يف عبد‬ ‫ُّ‬ ‫انتظار‬
‫الوهاب‪ ،‬محاولني التع ُّرف‪ ،‬من تعابري وجهه‪ ،‬إىل الكلمات الصادرة من‬
‫قرص موالي عبد العزيز‪ .‬بني آونة وأخرى‪ ،‬كان يكتفي بالقول‪ْ « :‬نعام‪..‬‬
‫آلل»‪ .‬تواصلت املحادثة‪ -‬إذا شئنا وصف ذلك بأنه محادثة‪ ،‬فعالً‪ -‬حوايل‬ ‫ّ‬
‫عرش دقائق‪ .‬علَّق عبد الوهاب‪ ،‬أخرياً‪ ،‬السماعة‪ ،‬معلنا ً أنها وعدته بأن‬
‫تهاتف الجمارك طالبة السماح بمرور تجهيزات التلفزة‪ .‬حينئذ‪ ،‬بدا لنا‬
‫أن مجيء «الرولينغ ستونز» إىل طنجة‪ ،‬مشكوك فيه‪ ،‬وقلت إنني لست‬
‫لل فاطمة الزهرة لها سلطة إلجبار الجمركيني عىل فعل‬ ‫عىل يقني من أن ّ‬
‫كل من البشري وعبد الوهاب‪ ،‬ورصخ هذا األخري‪:‬‬ ‫أيّ يشء‪ .‬عارضني ّ‬

‫‪71‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ -‬رغبا ُتها أوامر‪ ،‬يف طنجة‪.‬‬


‫قلت له إنني آمل ذلك‪ ،‬ثم صعدت إىل َّ‬
‫شقتي ألنام‪.‬‬

‫‪ 9‬يونيو‬

‫عبد الوهاب‪ ،‬الذي كان مهتمّاً‪ ،‬تقريباً‪ ،‬بتصوير الرشيط‪ ،‬مثل البشري‪،‬‬
‫(((‬
‫م ّر بي يف منتصف النهار‪ ،‬وأخربني أن «جاغر»‪ ،‬و«كيت ريتشارد»‬
‫حل يف فندق «أنرتكونتيننتال»‪ ،‬وأنهما رفضا َ‬
‫غرفتَي (السويت) اللتني‬ ‫ّ‬
‫حَ جَ زتهما «خرييس» (يحاول عبد الوهاب‪ ،‬الذي سيتزوَّج يف الشهر‬
‫القادم‪ ،‬االستمتاع‪ ،‬أكثر ما يمكن‪ ،‬بوقته‪ ،‬قبل العرس)‪.‬‬

‫عط َي اإلذن ملرور التجهيزات‪ ،‬إذن‪ ،‬ووصل فريق «ستونز» قادما ً من‬ ‫ُ‬
‫أ ِ‬
‫تنقلت‪ ،‬طيلة‬ ‫ً‬
‫لحظة‪ ،‬يف نجاح مسعاها‪َّ ،‬‬ ‫لندن‪« .‬خرييس»‪ ،‬التي لم َت ْر َتب‬
‫يوم أمس واليوم‪ ،‬من مكان إىل آخر‪ ،‬بحثا ً عن الديكور املناسب لتصوير‬
‫الرشيط‪ .‬لم يكن لديها متَّسع ال لألكل وال النوم؛ وهو ما يعني‪ -‬بالتأكيد‪-‬‬
‫ستعتل بعد يوم أو يومني‪ .‬لقد وافق «مالكولم فوربس»((( عىل‬ ‫ّ‬ ‫أن صحّ تها‬
‫كافة التجهيزات يف حديقة قرصه‪ ،‬لكن العاملني يف التلفزة رفضوا‬ ‫وضع ّ‬
‫مفضلني ساحة منزل «أكعبون» التي سبق أن اقرتح ُتها‪ ،‬لكونها‬ ‫ِّ‬ ‫املكان‪،‬‬
‫تشكل ديكورا ً أكثر أصالة‪ .‬وصل «جاغر»‪ ،‬حوايل الخامسة مساءً‪ ،‬رفقة‬ ‫ِّ‬
‫عدد من الناس‪ ،‬بحيث ضاقت غرفتي بهم‪ .‬كان بينهم «كيت ريتشارد»‬

‫موسيقي ملحِّ ن‪ ،‬وعازف قيثار بريطاني‪ .‬أحد مؤسِّ يس فرقة «رولينغ ستونز»‪ .‬من مواليد سنة‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫‪ 1943‬يف دارتفورد‪.‬‬
‫((( ثري أمريكي (‪ ،)1990 - 1919‬صاحب مجلة ‪ .Forbes‬كان له قرص ومتحف يف طنجة‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫الذي حيّاني‪ ،‬ثم مىض قائالً إنه سيذهب لينام‪ .‬عقب ذلك‪ ،‬جلس «جاغر»‬
‫بجواري‪ ،‬ورشعنا يف الحديث‪ .‬لم أالحظ‪ ،‬فوراً‪ ،‬أن حديثنا كان قيد‬
‫توقف التصوير‪ ،‬فبادرني «جاغر» قائالً‪:‬‬
‫التصوير‪ .‬وبعد ربع ساعة‪َّ ،‬‬

‫‪ -‬إنني متعب‪ .‬لقد أيقظني أطفايل عند الفجر‪ .‬أنت تعلم أن األحد هو يوم‬
‫راحة ّ‬
‫لكل اآلباء‪ ،‬لكنهم أرصّوا عىل منحي هداياهم‪ ،‬اليوم‪ ،‬قبل السفر‪.‬‬
‫سأراك غداً‪ ،‬يف الحفل‪.‬‬

‫‪ 10‬يونيو‬

‫بعد الظهرية‪ ،‬قضيت ساعتني قاعدا ً يف ساحة منزل «أكعبون»‪ .‬كان هناك‬
‫ستّة عرش فردا ً من «جهجوكة»‪ ،‬مصحوبني بغيطاتهم وبناديرهم‪ ،‬وهم‬
‫يرتدون جالبيب بنِّية ثقيلة‪ .‬كان الطقس مفرط الحرارة وغري مناسب‬
‫تماماً‪ ،‬لتلك الجالبيب الصوفية‪ .‬لقد كانوا مدهشني عندما عزفوا موسيقى‬
‫رائعة‪ ،‬لكن الله وحده‪ ،‬يعلم كيف سيكون أثر تصوير ذلك يف الرشيط‪،‬‬
‫مع االعرتاف بأن ذلك ليس باألمر املهمّ‪.‬‬

‫البشري أ ّدى معزوفات فردية عديدة‪ ،‬دون طبول‪ ،‬واألصوات الوحيدة التي‬
‫صدرت عن «ميك جاغر» كانت عن طبل‪ .‬لعله غنّى بعد انرصايف‪ ،‬لكني‬
‫تتوقف املوسيقى‪ ،‬نوعا ً‬
‫أشك يف ذلك‪ .‬يف حجرة مجاورة كنت أسمع‪ ،‬عندما َّ‬ ‫ّ‬
‫ب منتظم وخفيض‪،‬‬ ‫شبيها ً بعزف عىل األرغن‪ ،‬يتواصل دونما نهاية‪َ :‬ن ْ ٌ‬
‫أقل من نصف املقام الذي تعزف فيه الغيطات والنايات‬ ‫يتموقع يف ّ‬
‫القصبية‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 12‬يونيو‬

‫تناولت طعام الغداء‪ ،‬يف الجبل‪ ،‬مع «غلوريا كريبي ‪،(((»Gloria Kirbi‬‬
‫كل يشء عن املخرج «پيدرو‬ ‫وكان مدعوُّوها القادمون من مدريد يعرفون ّ‬
‫تخصص يف األفالم الفكاهية‪ .‬من الصعب‬ ‫َّ‬ ‫أملودوفار»(((‪ ،‬الذي يبدو أنه‬
‫قصتي «‪ ،»Time of friend ship‬علما ً‬ ‫معرفة ملاذا وقع اختياره عىل ّ‬
‫ً‬
‫بداهة‪،‬‬ ‫بأنها ال تتضمَّن أيّة مواقف من َقبيل الكوميديا‪ّ ،‬إل إذا كانت الغاية‪،‬‬
‫هي معالجة الحكاية‪ ،‬عىل مستوى آخر‪ .‬وفعالً‪ ،‬لن يكون صعبا ً تحويل‬
‫مشهد دار الحضانة إىل هجاء ساخر‪ ،‬حيث يكفي إضافة ثالث أو أربع‬
‫(سليمان) لتغيري طبيعة الصلة التي تجمعه «فراولني‬ ‫سنوات إىل ُعمْر ْ‬
‫ويندلني»‪ .‬لكن‪ ،‬كيف‪ -‬بالله‪ -‬يمكن إدراج الفكاهة يف ّ‬
‫كل هذا؟ لقد أملح‬
‫املدعوّون إىل مائدة الغداء‪ ،‬إىل فكرة‪ ،‬مفادها أن «أملودوفار» يعتقد بأنه‬
‫استنفد قريحته الكوميدية‪ ،‬وأنه يرغب‪ ،‬من اآلن‪ ،‬فصاعداً‪ ،‬يف إضافة بُعد‬
‫جا ّد إىل أعماله السينمائية‪.‬‬

‫‪ 16‬يونيو‬

‫أمس‪ ،‬عقد السفري األمريكي‪ ،‬يف الرباط‪ ،‬موعدا ً معي للّقاء به يف حان‬
‫«املنزه»‪ .‬كان اللقاء لطيفا ً للغاية‪ ،‬لكني ال أعلم‪ -‬بتاتاً‪ -‬ملاذا رغب يف‬
‫الحديث إيلَّ‪ ،‬وما زلت أجهل ذلك‪ ،‬إىل اآلن!‬

‫((( أمريكية مقيمة يف طنجة‪ .‬قامت بتنظيم معرض مئوية ميالد «پول پولز» الذي َّ‬
‫شكل نواة‬
‫تأسيس جناح «پول پولز» يف املندوبية األمريكية يف طنجة‪.‬‬
‫((( مخرج سينمائي معروف‪ُ .‬ولِد يف «كالسادا دي كاالترابا»‪ ،‬يف إقليم «سيوداد ريال»‪ ،‬سنة ‪.1949‬‬

‫‪74‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 20‬يونيو‬

‫بعد الغداء‪ ،‬ذهب «رودريغو» إىل مرقالة‪ ،‬للسباحة يف شاطئ (الصندوق)‪،‬‬


‫وذلك ديدنه‪ -‬يف الغالب‪ -‬عندما يكون الطقس مناسباً‪ .‬وقبل انسداد‬
‫كل يوم‪ ،‬تقريباً‪ ،‬فأحذو حذو‬‫رشياني‪ ،‬كنت‪ ،‬بدوري‪ ،‬أذهب إىل هناك ّ‬
‫الشاطئ‪ ،‬وأنا أتسلَّق الصخور‪ ،‬قافزا ً من صخرة إىل أخرى‪ .‬كان ذلك هو‬
‫قدمي‪ ،‬وعندما كان‬
‫ّ‬ ‫املفضل‪ :‬أثب مثل ظبي‪ ،‬واثقا ً من رسوخ‬ ‫َّ‬ ‫نشاطي‬
‫يقال يل إنني أشبه جَ ّدياً‪ ،‬كنت أمزح‪ ،‬مشريا ً إىل برجي‪ ،‬قائالً‪:‬‬

‫‪ -‬بطبيعة الحال‪ ،‬أنا من مواليد برج الجدي‪.‬‬

‫أتمكن من الدن ّو من الشاطئ‪ ،‬مصحوبا ً بشخص‬ ‫َّ‬ ‫أمّا اليوم‪ ،‬فإنني أكاد‬
‫يدفعني ويش ّدني‪ .‬إنها لبالهة أن ي ِّدعي املرء أن الزمن ال تأثري له فيه‪.‬‬

‫‪ 24‬يونيو‬

‫مساء أمس‪ ،‬أرسل «بريتولوتيش» سيّارة‪ ،‬لنقيل إىل «املنزه»‪ ،‬قص َد تناول‬
‫العشاء معه‪ .‬يف بداية ذلك‪ ،‬قال يل‪:‬‬

‫‪ -‬أخرياً‪ ،‬أخذت األمور تتق َّدم‪.‬‬

‫فأجبته‪:‬‬

‫‪ -‬لقد قضيت سنتني‪ ،‬وأنا أتساءل‪.‬‬


‫ّ‬
‫كل القائمني‪ ،‬من قريب أو من بعيد‪ ،‬عىل إعداد الفيلم‪ ،‬كانوا هناك‪ ،‬بما‬
‫يف ذلك املنتج الذي سبق أن التقيته قبل بضع سنوات عندما جاء «بيل‬

‫‪75‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫بوروز» بصحبته من لندن‪ .‬كان الحديث مرهقاً؛ ألن حفالً بالغ الصخب‬
‫كان يجري يف القاعة لتنشيط جماعة كبرية من السيّاح‪ ،‬كثريي الجَ لَبة‪.‬‬
‫طرح «بريتولوتيش» مشكل (املوسيقى املصاحبة)‪ .‬كان ينوي دعوة‬
‫«دافيد برين‪ (((»David Byrne -‬للقيام باملهمة‪ ،‬لكنه ذكر‪ -‬أيضاً‪ -‬اسم‬
‫«ريتشارد هوروويتز‪ ،(((»Horowitz -‬بل اقرتح‪ ،‬يف لحظة ما‪ ،‬أن أتكلَّف‬
‫أنا بنصيب من موسيقى «شاي يف الصحراء»‪ .‬لم نناقش‪ ،‬ج ّديّاً‪ ،‬هذا األمر‪.‬‬
‫يفضل األنغام اإللكرتونية عىل املوسيقى السامفونية؛ فهي‬ ‫وأنا أعتقد أنه ِّ‬
‫وأقل كلفة‪ ،‬وال تتطلَّب توليفات لحنية وال تدريبات‪ .‬والحظ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫عملية أكثر‪،‬‬
‫«سكارفيوتي‪ ((( »Scarfiotti -‬أنه يحبِّذ تصوير املشهد األخري‪ ،‬الذي‬
‫وأل يحاولوا‬ ‫يجري يف الجنوب‪ ،‬يف أَغ ِد ْز(((‪ .‬آمل أن يكون ذلك ممكناً‪ّ ،‬‬
‫تصوير الفيلم كلّه‪ ،‬يف املغرب‪ .‬إنني أتفهَّم ملاذا ال يريدون اال ِّتصال‬
‫بالسلطات الجزائرية‪ ،‬لكن املغرب ال يمكن‪ -‬قطعاً‪ -‬أن يكون بديالً‬
‫للجزائر أو للنيجر‪.‬‬

‫‪ 30‬يونيو‬
‫ّ‬
‫يستحق الذكر‪.‬‬ ‫فريق تلفزي فرنيس‪ ،‬جاء أمس إلجراء حوار معي‪ .‬ال يشء‬
‫ذهبنا إىل «سيدي اعْمار»‪ ،‬وهناك‪ ،‬صوَّروا مشهدا ً طويالً أمام البحر‪.‬‬
‫يحدث‪ ،‬أحياناً‪ ،‬أن أشاهد رشيط فيديو لهذه األفالم‪ ،‬لكن ليس دائماً‪.‬‬

‫((( موسيقي أمريكي‪ ،‬معروف بتأليفه ألغاني فرقة «‪ ،»Talking Heads‬من مواليد سنة ‪.1952‬‬
‫((( مؤلِّف أمريكي ملوسيقى األفالم‪ُ .‬ولِد يف نيويورك‪ ،‬سنة ‪.1949‬‬
‫((( «فريديناندو سكارفيوتي»‪ ،‬مدير فنّي‪ ،‬و ُم ِع ّد ديكورات األفالم‪ .‬اشتغل مع «بريتولوتيش» يف فيلم‬
‫«شاي يف الصحراء»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫((( من أه ّم مدن شمال النيجر‪ ،‬وت َعد عاصمة للطوارق‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫ً‬
‫عادة‪ -‬باللونني‪:‬‬ ‫تكون النتيجة‪ ،‬دوماً‪ ،‬مخيِّبة للظ ّن‪ ،‬فالرشيط يكون‪-‬‬
‫األبيض‪ ،‬واألسود‪.‬‬

‫‪ 5‬يوليوز (يوليو‪/‬تموز)‬

‫تناولت غدائي‪ ،‬أمس‪ ،‬مع «غافان يونغ»‪ ،‬واصطحبت معي عبد الوهاب‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬احتسينا شايا ً بالنعناع‪ ،‬يف الحديقة‪ .‬وعندما مددت ذراعي ألخذ‬
‫وسادة‪ ،‬كانت ملقاة عىل العشب‪ ،‬الحظت وجود حرشة مهتاجة فوق‬
‫الوسادة‪ ،‬فقال عبد الوهاب‪:‬‬

‫‪ -‬ال تقتلها‪ ،‬أرجوك‪.‬‬

‫بعد ذلك قال غافان‪:‬‬

‫‪ -‬هل رصت بوذيّاً؟‬

‫استقبلت اليوم‪ ،‬يف منتصف النهار‪« ،‬ريكي سوزوكي» الذي أعطاني‬


‫نشتها «شينشوشا» يف طوكيو‪.‬‬ ‫نسخة من مجموعتي القصصية التي َ َ‬
‫كالعادة‪ ،‬وجدت نفيس غري مرتاح‪ ،‬وهو ما يحدث يل‪ ،‬دوماً‪ ،‬يف حضور‬
‫ياباني ِّْي؛ ذلك أنه من بالغ الصعوبة أن تحدس فيما يفكرون به‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫األقل‪ -‬بحسب‬ ‫أن أدرك إىل أيّ حَ ّد يكون ترصُّيف معهم غري الئق‪ -‬عىل‬
‫معايريهم‪ .‬فهل يشريون إيلَّ (عندما يه ّزون رؤوسهم) بأنهم يوافقون‪ ،‬أم‬
‫األمر عكس ذلك؟‬

‫‪77‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ 17‬يوليوز‬

‫مغربي‪ ،‬قادما ً من هولندا‪ ،‬مبعوثا ً من طرف «روبري‬‫ّ‬ ‫هذا الصباح‪ ،‬وصل‬


‫بريات»‪ .‬لم أفهم جيِّداً‪ ،‬ما يريده مني‪ .‬أعرف أنه يريد تصوير فيلم‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬بما أنه عازم عىل السفر‪ ،‬عاجالً‪ ،‬إىل الواليات املتِّحدة‪ ،‬فأنا ال َّ‬
‫أتوقع‬
‫أن ينجز فيلمه يف مستقبل قريب‪ .‬لقد حرص عىل أن نذهب إىل مقهى‬
‫فأخذنا عبد الوهاب وصهره بالسيّارة‪ ،‬وتركانا هناك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫«الحافة»‪،‬‬

‫مغربي آخر‪ ،‬جاء هذا الزوال‪ ،‬وهو يعمل أستاذا ً يف جامعة «ليموج»‪ ،‬يف‬
‫فرنسا‪ .‬لم يق ّم بأيّ يشء إلخفاء نواياه‪ ،‬إذ أخرج‪ ،‬للتوّ‪ ،‬آلة تسجيل‪.‬‬

‫‪ 19‬يوليوز‬

‫دعانا «غافان» (عبد الوهاب وأنا)‪ ،‬اليوم‪ ،‬لتناول طعام الغذاء معه‪ .‬إنه عىل‬
‫أهبة السفر إىل إنجلرتا‪ ،‬لكنه يعتزم العودة يف أكتوبر‪ .‬وحينها‪ ،‬سيرشح‬
‫يل املزيد عن تعيينه يف منصب رئيس يف رشكة «‪ ،»Samoa‬وهي الوظيفة‬
‫التي يأمل الرشوع فيها بداية فصل الشتاء القادم‪ .‬لقد اقرتح عيلَّ الذهاب‬
‫لزيارته هناك‪ ،‬عندما يتسلَّم منصبه املهمّ‪ ،‬لكنه يعرف أنني سوف لن أفعل‪.‬‬

‫‪ 21‬يوليوز‬

‫ثالثة مغاربة يأتون‪ ،‬حالياً‪ ،‬بانتظام‪ ،‬الستجوابي يف البيت‪ :‬مْحاند‪،‬‬


‫وال َّرايس‪ ،‬والفقيه العوامي‪ .‬عندما جاء الرايس‪ -‬ألوَّل م ّرة‪ -‬أهداني باقة‬
‫ورد وقالب سكر‪ ،‬قائالً‪ ،‬وهو يسلِّمني القالب‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ -‬أنت تعرف معنى هذا التقليد عندنا؟‬

‫ح َّركت رأيس باإليجاب‪ ،‬لكنني لم أكن صادقاً‪.‬‬

‫ما زلت أجهل‪ ،‬تماماً‪ ،‬معنى ذلك‪ ،‬ويبدو يل أن ال أحد بقادر عىل رشح‬
‫مدلول ذلك التقليد‪.‬‬

‫الفقيه العوامي‪ ،‬أستاذ يف جامعة «ليموج»‪ ،‬وقد َهيَّأ أسئلة لطرحها عيلّ‪.‬‬

‫‪ 25‬يوليوز‬
‫(((‬ ‫أمس‪ ،‬رافقني ٌّ‬
‫كل من فيليب‪ ،‬وكرايزي كيت‪ ،‬ورودريغو‪ ،‬وليديا بريدا‬
‫لحضور حفل زفاف عبد الوهاب‪ .‬حفلة صاخبة‪ ،‬فيها أكثر من مئة مدعوّ‪:‬‬
‫كل حديث شبه مستحيل‪ ،‬والرقص‬ ‫موسيقى الراي املصمّة لآلذان جعلت ّ‬
‫يكاد يكون إجبارياً‪ .‬وحدهم الرجال واألطفال‪ ،‬كانوا يرقصون يف حركة‬
‫مزوبعة عنيفة‪ ،‬طيلة ساعات‪ ،‬دون أن يشعروا‪ -‬بحسب الظاهر‪ -‬بأيّ‬
‫تعب‪ .‬أمّا الفتيات فاكتفني بالنظر‪ ،‬وه ّن جالسات يف صفوف طويلة‪.‬‬

‫‪ 27‬يوليوز‬

‫روى يل عبد الوهاب أن أرسة زوجته جاءت تطالب أب َويْه بمعاينة غطاء‬
‫رسير العرس‪ ،‬وعليه بقعة الدم‪ .‬بعد حفل‪ ،‬تواصل ثمانية وأربعني ساعة‬

‫((( فيلسوفة ونارشة‪ ،‬ابتكرت سلسلة «مكتبة ‪ Payot‬الصغرية» لدى النارش «پايوت‪ /‬ريفاج»‪ ،‬حيث‬
‫نجحت يف إبراز كتب هامة كانت مهمّة‪ ،‬بالنسيان‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫دون نوم‪ ،‬تهاوى الزوجان الجديدان عىل الفراش متعب َْي‪ ،‬ث ّم اسرتجعا‬
‫حيويَّتهما خالل ساعتني‪ ،‬قبل أن ينادى عليهما ملواصلة االحتفال‪ ،‬لذا لم‬
‫صدم والدا عبد الوهاب للطلب‪ ،‬وعلَّقا‬
‫تكن عىل الرسير نقطة دم واحدة‪ُ .‬‬
‫قائل َ ْي‪:‬‬

‫‪ -‬كم هم أناس متخلِّفون!‬

‫مع ذلك‪ ،‬وافقا عىل أن يسلِّما غطاء رسير العرس لعائلة الزوجة‪ ،‬بمج َّرد‬
‫مرضجا ً بالدم‪ ،‬وهو ما سيحدث ال محالة غداً‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أن يصري‬

‫‪ 28‬يوليوز‬

‫الصباح‪ ،‬مساء أمس‪ ،‬سيارة لنقيل‪ ،‬فحرضت‬ ‫أرسلت السيِّدة فاطمة ُّ‬
‫«‪ »Garden Party‬الذي عزف فيه البشري‪ ،‬صحبة فرقة من موسيقيِّي‬
‫مصطفون فوق صخرة هائلة‪ ،‬ترشف عىل حوض‬ ‫ّ‬ ‫«جهجوكة»‪ ،‬وهم‬
‫السباحة‪ .‬وعندما كان املدعوُّون يخرتقون املم ّر املؤ ّدي إىل الحديقة‪،‬‬
‫الحظوا وجود صف مؤلَّف من عرشة من الخدم‪ ،‬عليهم مالبس الخدمة‪،‬‬
‫وقد وقفوا هناك‪ ،‬الستقبالهم‪ .‬أمّا األمرية فقد ظلَّت متوارية عن األنظار؛‬
‫األمر الذي جعل «دافيد هربرت»((( يُص َدم لهذا الغياب‪ ،‬فهتف قائالً‪:‬‬

‫‪ -‬لن أترصَّف‪ ،‬أبداً‪ ،‬عىل هذا النحو‪.‬‬


‫قبل ذلك‪ ،‬أخرجت األمرية‪ ،‬ونحن داخل البيت‪ ،‬سلهاما ً جميالً مصنوعا ً‬

‫ِّ‬
‫وتوف يف طنجة‪ ،‬سنة‬ ‫((( مهندس ديكور‪ ،‬وكاتب‪ ،‬وعالم جماليات‪ُ ،‬ولِد يف إنجلرتا‪ ،‬سنة ‪،1908‬‬
‫‪.1995‬‬

‫‪80‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫التلفع به‪ ،‬حيث‬ ‫من وبر اإلبل‪ ،‬هو املقابل الكويتي للجلباب‪ ،‬وطلبت مني ُّ‬
‫خاصة أن الحديقة التي توجد عىل‬ ‫ّ‬ ‫كانت تعرف أنني رسيع ُّ‬
‫التأثر بالربد‪،‬‬
‫شفا جرف يرشف عىل املحيط‪ ،‬كانت تكتسحها‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬زوابع عنيفة‬
‫صادرة عن ريح قاسية الربودة‪ .‬رحَّ بت بالسلهام‪ ،‬وقضيت بعض الوقت‬
‫مرتديا ً إياه‪ ،‬وقد التقط يل «سوامي الڤال»‪ ،‬خالل ذلك‪ ،‬صورا ً وأنا مم َّدد‬
‫عىل الصخرة‪ ،‬عند أقدام املوسيقيني‪.‬‬

‫بدون ذلك السلهام املصنوع من وبر اإلبل‪ ،‬كنت سأصاب حتما ً بنزلة برد‪.‬‬
‫عت السيدة فاطمة‪ ،‬أرصَّتْ عىل أن أحتفظ بالسلهام؛ إذ كان‪-‬‬ ‫وعندما و َّد ُ‬
‫بحسب رأيها‪ -‬مناسبا ً يل‪ ،‬تماماً‪.‬‬

‫‪ 30‬يوليوز‬

‫«آل يارمولينسكي»(((‪ ،‬أحيوا حفل «جياللة»‪ ،‬مساء أمس‪ ،‬يف «فيال جويل»‪.‬‬
‫خاصة‪ ،‬من طرف النساء اللواتي بدا بعضه ّن يف‬ ‫ّ‬ ‫كانت هنالك رقصات‬
‫حالة جذبة‪ ،‬وإن كنت يف ريب من ذلك (أرملة املجذوبي كانت فاتنة‪ ،‬عىل‬
‫حظي أني طعمته وأنا يف‬ ‫خاص)‪( .‬الكسكس) كان ممتازاً‪ ،‬وكان من ّ‬‫ّ‬ ‫نحو‬
‫الداخل‪ ،‬حيث كان هناك ناموس يف الحديقة‪ .‬لقد أمتعنا عبد الواحد كثرياً‪،‬‬
‫حني دعانا لركوب حافلة كبرية‪ ،‬تتَّسع لحوايل سبعني شخصاً‪ .‬اصطنع‬
‫هيئة مهرِّج عابث‪ ،‬فيما كان يقودنا إىل قمّة الجبل‪ ،‬قبل االنحدار منه‪،‬‬
‫بدون فرامل‪ ،‬طبعاً‪ .‬تساءل «فيليب»‪ ،‬قلقاً‪ ،‬عمّا إذا كان الفتى سيلقي‬

‫((( بنجامان يارمولينسكي‪ ،‬وهو ملحِّ ن أمريكي‪ ،‬وواضع موسيقى فيلم «‪ 44‬أو حكايات الليل»‪،‬‬
‫(‪ ،)1984‬للمخرج مومن السميحي‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫بنا يف وهدة‪ ،‬لكن عبد الواحد يعرف‪ ،‬جيِّداً‪ ،‬ما يفعل‪ ،‬وقد قادنا إىل البيت‬
‫ساملني‪.‬‬

‫‪ 1‬غشت (أغسطس‪/‬آب)‬

‫تناولنا العشاء أمس‪ ،‬لدى عبد الوهاب‪ ،‬بحضور زوجته الجديدة‪ .‬وخالل‬
‫َ‬
‫تسجيلْ‬ ‫ذلك‪ ،‬شاهدنا (فيليب‪ ،‬وكرايزي كيت‪ ،‬ورودريغو‪ ،‬وليديا وأنا)‬
‫فيديو عن «بول بوبز»‪ :‬أحدهما هو الفيلم الذي كان «غاري كونكالن‪-‬‬
‫مؤخراً‪ ،‬يف التلفزة الفرنسية‪،‬‬
‫‪ ((( »Gary Conklin‬قد أخرجه‪ ،‬وعُرض‪َّ ،‬‬
‫أقل أه ِّمي ًّة من سابقه‪.‬‬
‫والثاني جزء من برنامج «‪ ،»ex-libris‬وهو ّ‬
‫شاهدنا‪ ،‬كذلك‪ ،‬مَشاهد ال متناهية من حفل زفاف األسبوع املايض‪ .‬العشاء‬
‫كان جيِّداً‪ ،‬وانرصفنا‪ ،‬بعد أن وافق عبد الواحد عىل املجيء للجلوس يف‬
‫املنزل‪ ،‬رغم خصامه مع عبد الوهاب‪ .‬الوداعات تطاولت‪ ،‬وكانت مفعمة‬
‫باالنفعال‪ .‬الزوجان الجديدان سيسافران‪ ،‬غداً‪ ،‬إىل هوالندا‪ .‬سأشتاق إىل‬
‫عبد الوهاب‪ ,‬فعالً‪.‬‬

‫‪ 2‬غشت‬

‫هذا املساء‪ ،‬ذهبت لتناول العشاء يف مطعم «‪ »Marquis‬مع «غولدستون»‪.‬‬


‫ً‬
‫جودة من املعتاد‪« .‬غولد ستون» يريد من محمَّد املرابط‬ ‫كان املطبخ ّ‬
‫أقل‬

‫((( مخرج ومنتج سينمائي أمريكي‪ ،‬أخرج فيلما ً وثائقياً‪ ،‬عن «پول پولز»‪ ،‬بعنوان «پول پولز يف‬
‫املغرب»‪.)1970( ،‬‬

‫‪82‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫معبا ً عن‬
‫أن يقوم باستشارة طبيب للقلب‪ ،‬يف مسألة إجراء فحص عامّ‪ِّ ،‬‬
‫حرصه عىل دفع مصاريف االستشارة الطبِّية‪.‬‬

‫‪ 4‬غشت‬

‫دعاني «غافان» لتناول الغذاء‪ ،‬معه ومع وكيل أعماله «جيلون آيتكن‪-‬‬
‫‪ ((( »Gillon Aitken‬يف مدينة «أصيلة»‪ ،‬حيث حجز لدى مطعم‬
‫«غارسيا» (وكانت السيدتان‪ :‬آيتكن‪ ،‬وآ َّنا ماكهاف حارض َت ْي إىل جانب‬
‫أحمد امليموني)‪ .‬اعتقد «آيتكن» أن بإمكانه إقناعي برتك وكالة «وليام‬
‫موريس»(((‪ ،‬وااللتحاق بـ«أندرو وييل‪ ،(((»Andrew Wylie -‬رشيك‬
‫«آيتكن» يف نيويورك‪ .‬كان «وييل» قد ا َّتصل بي سابقاً‪ ،‬يف بداية العام‪،‬‬
‫(((‬
‫مقرتحا ً عيلّ أن أ َّتخذه وكيالً ألعمايل‪ ،‬لكن «نيد ليفيث‪»Ned Leavitt -‬‬
‫نصحني بالعدول عن ذلك‪ ،‬فق َّررت‪ ،‬حينها‪ ،‬البقاء لدى «وليام موريس»‪.‬‬
‫كنت جالسا ً وسط صخب مطعم «غارسيا» (حيث لم أتناول سوى عجّ ة‬
‫َّ‬
‫فتمكن «آيتكن» من إقناعي‪ ،‬وق َّررت تغيري وكيل أعمايل‪ ،‬بعد‬ ‫بيض‪ ،‬باردة)‬
‫اثنتني وأربعني سنة‪ ،‬قضيتها لدى «وليام موريس»‪ .‬لم يكتف «آيتكن»‬
‫ُنفذ أدبي «‪exécuteur‬‬ ‫بذلك‪ ،‬بل قال يل إنه من العبث أن يكون لديك م ِّ‬

‫((( وكيل أعمال عدد من كبار الكتّاب‪ :‬جون فولز‪ ،‬ونورمان مايلر‪ ،‬وفيليب روث‪ ،‬ودون دي ليلو‪،‬‬
‫وسوزان سونتاغ‪ ،‬وسلمان رشدي‪.‬‬
‫((( أُحدثت سنة ‪ ،1898‬وهي تمثل مصالح املمثلني واملوسيقيِّني والكتاب والفنانني‪ ،‬إزاء رشكات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلنتاج الفني‪ .‬توجد مقارّاتها يف نيويورك‪ ،‬وميامي ولندن‪ ،‬وشنغهاي‪.‬‬
‫((( وكيل أدبي ونارش أمريكي‪ ،‬أسَّ س سنة ‪ »The Wylie Agency«1980‬التي يوجد مقرّها يف كلٍّ‬
‫من لندن‪ ،‬ونيويورك‪.‬‬
‫((( صاحب وكالة أعمال يف نيويورك‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪ »littéraire‬دون وكيل أعمال‪ ،‬يأخذ مصالحك مأخذ الج ّد‪.‬‬

‫«أصيلة»‪ ،‬مدينة نظيفة بصورة مدهشة‪ .‬عشيَّة املهرجان الفني الذي‬


‫ينظم يف شهر غشت‪ ،‬الحظت أمراً‪ ،‬لم أعاينه يف أيّ مكان آخر‪ :‬مرمدات‬ ‫َّ‬
‫منظفون يف ّ‬
‫كل النواحي‬ ‫ِّ‬ ‫الفخار موضوعة عىل األرصفة‪ .‬هناك‬ ‫ّ‬ ‫من‬
‫يجمعون ِمزق الورق أو البالستيك (رئيس املجلس البلدي للمدينة هو‬
‫وزير الثقافة‪ ،‬يف الرباط)(((‪.‬‬

‫‪ 7‬غشت‬

‫ذهبت مسا َء أمس‪ ،‬لحضور حفل العشاء السنوي «‪ »Callaway‬يف مطعم‬


‫«‪ .»Marquis‬لحم البقر املشوي لم يكن ليِّناً‪ ،‬إىل حَ ّد ما‪ ،‬لكنه أفضل ممّا‬
‫توقعه يف طنجة‪ ،‬حيث لحوم العجل َع ِفنة‪ ،‬يف ّ‬
‫كافة األحوال‪.‬‬ ‫يمكن ُّ‬

‫‪ 12‬غشت‬

‫سأكون مرغما ً عىل الرتاجع عمّا قلته يف يوم االثنني (املايض)‪ ،‬فيما يتَّصل‬
‫بلحم العجل يف طنجة؛ فقد أقام «فيليب»‪ ،‬مساء أمس‪ ،‬حفل عشاء يف‬
‫طعمت فيه شيئاً‪ ،‬هو مطعم ‪.L’Osso Bucco‬‬ ‫ُ‬ ‫مطعم‪ ،‬لم يسبق يل أن‬
‫طلبت رشيحة (فو‪ -‬فييل) فوجدتها لذيذة‪ ،‬وكان بإمكاني أن أعتربها‬
‫جيِّدة‪ ،‬يف باريس أو نيويورك‪ .‬ال أفهم كيف َّ‬
‫تمكن هذا املطعم من العثور‬
‫عىل لحم عجل عايل الجودة‪ ،‬بينما لحم العجل يف أماكن أخرى‪ ،‬يكاد َّ‬
‫يتعذر‬

‫((( محمّد بنعيىس‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫أكله‪ .‬كانت «خرييس» موجودة‪ ،‬أيضاً‪ .‬وفيما كنّا نتناول العشاء‪ ،‬جاء‬
‫البشري دون ُّ‬
‫توقع منّا‪ ،‬وانض َّم إىل مائدتنا‪ ،‬لكنه لم يتبادل مع «خرييس»‬
‫أيّ حديث‪.‬‬

‫‪ 15‬غشت‬
‫كل يوم‪ ،‬بحيث أجد صعوبة يف ُّ‬
‫تذكر ماذا يريده‬ ‫يزورني (مغاربتي) ّ‬
‫كل واحد منهم‪ .‬الفقيه العوامي هو مَن أَج ُد ترضيته صعبة؛ نظرا ً‬
‫مني ّ‬
‫ِ‬
‫لتوفره‪ ،‬دوماً‪ ،‬عىل الئحة أسئلة‪ ،‬يريد طرحها عيلّ‪ .‬سمعت أمس مساءً‪،‬‬
‫ُّ‬
‫قرع طبول‪ ،‬ليس دفوف عاشوراء‪ ،‬وإنما طبول ذات إيقاعات متنوِّعة‪ .‬بدا‬
‫يل أن األمر يتعلَّق برقصة أحواش(((‪ .‬وبما أني لم أشاهد هذه الرقصة يف‬
‫فكرت يف أن سمعي‪ -‬ربَّما‪-‬‬ ‫غري األطلس الكبري واألطلس املتوسِّ ط‪ ،‬فقد َّ‬
‫أخذ يخدعني‪ .‬بيد أني عندما فتحت نافذة غرفتي وأصغيت إىل األغاني‬
‫كافة شكوكي‪ .‬كانت هناك‪ -‬فعالً‪-‬‬ ‫التي تهيمن عىل قرع الطبول‪ ،‬تالشت ّ‬
‫رقصة أحواش‪ ،‬يف الشارع‪ ،‬بالقرب من املدرسة‪ .‬خرجت مستعجالً‪،‬‬
‫فوجدت حوايل ثالثني رجالً‪ ،‬يرتدون جالبيب تقليدية بيضاء‪ّ ،‬‬
‫وكل واحد‬
‫صف طويل‪ ،‬وكان ضاربو الطبل‬ ‫ّ‬ ‫منهم علَّق خنجره‪ ،‬وهم يرقصون يف‬
‫الثمانية مقرفصني أمامهم‪ .‬تصوَّرت أنني أوجد يف «تافراوت»‪ .‬مكثت‬
‫هناك‪ ،‬ال أتململ‪ ،‬حوايل الساعة‪ ،‬وأنا مسحور منبهر‪ ،‬إىل أن غادروا‬
‫الساحة‪ .‬إثر ذلك‪ ،‬سألت رشطيا ً كان متِّكئا ً عىل البوابة‪ :‬كيف حدث أن‬
‫جاءت هذه الفرقة إىل طنجة؟ فأجابني‪:‬‬

‫((( رقصة مع أناشيد أمازيغية‪ ،‬من جبال األطلس‪ ،‬يشرتك فيها الذكور واإلناث‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫نجيب محفوظ‬

‫‪ -‬الرئيس األمريكي هو َم ْن أحرضهم إىل هنا‪.‬‬

‫‪ -‬هل تقصد الحكومة؟‬

‫‪ -‬أنت تعرف جيِّداً‪ ،‬أنه الرئيس وحده َم ْن لديه قرص يف «مرشان»‪.‬‬

‫اليمكن أن يكون سوى «مالكولم فوربس»‪ .‬لقد دعيت إىل العشاء الذي يقام‬
‫يوم التاسع عرش من هذا الشهر‪ ،‬لذا َّ‬
‫فكرت‪« :‬استقدام هؤالء املوسيقيِّني‪،‬‬
‫من الجنوب البعيد إىل هنا‪ ،‬فكرة ذكيّة»‪ .‬كانت هناك تسع حافالت كبرية‬
‫مركونة عند مدخل املدرسة‪ ،‬وهو ما يعني أن مئات الراقصني واملنشدين‬
‫قد حلّوا يف طنجة‪.‬‬

‫‪ 16‬غشت‬

‫عدت إىل مشاهدة املوسيقيني والراقصني‪ ،‬مساء أمس‪ ،‬لكني وصلت‬


‫متأخرا ً ج ّداً‪ ،‬فلم أجد سوى بضعة شبّان يرقصون‪ .‬كانوا يحسنون‬
‫ِّ‬
‫الرقص إىل حَ ّد ما‪ ،‬لكنهم‪ -‬بحسب رأيي‪ -‬لم يكونوا محرتفني‪.‬‬

‫‪ 17‬غشت‬

‫جاءت «خرييس»‪ ،‬صحبة البشري‪ ،‬لزيارتي‪ ،‬مساء أمس‪ .‬كانا يريدان‬


‫الذهاب معي إىل املدرسة‪ .‬هذه امل ّرة‪ ،‬وجدنا حشدا ً من مئتَ ْي (أو ثالثمئة)‬
‫رجل‪ ،‬يرقصون مع حوايل خمسني امرأة‪ .‬كان العرض رائعاً‪ .‬رأيت‪ -‬أيضاً‪-‬‬
‫فرقة «هوّارة» املدهشة‪ .‬التقينا‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬بالبشري‪ ،‬صحبة نسوته اللواتي‬

‫‪86‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫يرقصن عىل أنغام الكدرة(((‪ .‬وكان البشري عمل يف «كوليمني»‪ ،‬حيث التقى‬
‫«بشارة»‪ ،‬وتح َّدث إليها عقب التداريب‪ .‬اقرتحت علينا «بشارة» احتساء‬
‫مخصصة لراقصات الكدرة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫شاي معها‪ ،‬يف غرفة بالطابق العلوي‪،‬‬
‫َّ‬
‫تتذكرني‪ ،‬مع أني ال أرى كيف أمكنها ذلك‪،‬‬ ‫وعندما رأتني‪ ،‬ا ّدعت أنها‬
‫حيث التقيتها‪ ،‬آلخر م ّرة‪ ،‬سنة ‪ ،1962‬يف كواليس مرسح «نيويوركي»‬
‫(كانت «كاترين دونهام‪ (((»Katherine Dunham -‬قد أحرضتها‪ ،‬هي‬
‫وحوايل ثالثني مغربية‪ ،‬للظهور يف حفلها املوسيقي سيِّئ الذكر‪ ،‬الذي لم‬
‫يت ّم عرضه سوى م َّرتني)‪ .‬لقد سجَّ لت لها يف «كوليمني»‪ ،‬سنة ‪،1959‬‬
‫ّ‬
‫والشك‪ .‬عىل أيّة حال‪َ ،‬ت َّم استقبالنا بحسب‬ ‫َّ‬
‫تتذكر تلك األمسيّة‪،‬‬ ‫لكنها ال‬
‫قواعد الضيافة التقليدية املغربية‪ .‬بضع راقصات دسسن أيديه ّن داخل‬
‫فضية‪ ،‬عمد ّ‬
‫كل من‬ ‫صدوره ّن‪ ،‬وأخرجن من مالبسه ّن حفنات من دمًى ِّ‬
‫«خرييس» والبشري إىل اقتنائها‪ .‬وعند انرصافنا‪ ،‬أعاد البشري عىل مسامعي‬
‫ما قالته املرأة له‪ ،‬قبل هنيهة‪:‬‬

‫«بما أنه أمريكي يعيش يف طنجة‪ ،‬فيجب أن يكون له مال كثري‪ .‬هل هو‬
‫متزوِّج؟»‪.‬‬

‫وا َّتفقنا معا ً عىل العودة للِّقاء بها‪ ،‬مج َّدداً‪ ،‬هذا املساء‪.‬‬

‫((( رقصة من منطقة الصحراء‪ ،‬جنوب املغرب‪ ،‬تمارسها النساء عىل إيقاع آالت عزف تقليدية‪.‬‬
‫((( راقصة أمريكية شهرية‪ ،‬من أب إفريقي وأ ّم كندية‪ ،‬ومؤسِّ سة فرقة رقص‪ُ ،‬ولِدت يف شيكاغو‪،‬‬
‫وتوفيت سنة ‪ ،2006‬عن س ّن تناهز ‪ 93‬عاماً‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫سنة ‪،1909‬‬

‫‪87‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫سرية املرتجم‬

‫إبراهيم الخطيب‬

‫‪ -‬من مواليد تطوان‪ .‬سنة ‪.1945‬‬


‫‪ -‬أستاذ جامعي‪ ،‬كاتب ومرتجم‪.‬‬
‫‪ -‬درس يف املغرب (تطوان‪ ،‬فاس‪ ،‬الرباط)‪ ،‬ويف بلجيكا (غاند)‬
‫‪ -‬ينرش أبحاثا ً ومقاالت عن األدب املغربي‪ ،‬واألدب األمريكي الالتيني‪ ،‬واألدب‬
‫ّ‬
‫ومجلت مغربية‪ ،‬وعربية‪ ،‬وأجنبية‪.‬‬ ‫اإلسباني‪ ،‬يف صحف‬
‫‪ -‬عضو يف ا ِّتحاد ُكتّاب املغرب‪ ،‬منذ ‪.1968‬‬
‫‪ -‬شارك يف ندوات أدبية وفكرية‪ ،‬يف املغرب وتونس ومرص والعراق وإسبانيا‬
‫وفرنسا وبريطانيا‪.‬‬

‫صدر له من الرتجمات‪:‬‬
‫‪« -‬نظرية املنهج الشكيل»‪( ،‬دار األبحاث العربية للنرش‪ ،‬بريوت)‪. 1982 ،‬‬
‫‪« -‬مورفولوجية الخرافة»‪( ،‬النارشون املتِّحدون‪ ،‬الرباط)‪.1986 ،‬‬
‫‪« -‬النقد والحقيقة»‪( ،‬النارشون املتَّحدون‪ ،‬الرباط)‪.1985 ،‬‬
‫‪« -‬املرايا واملتاهات»‪( ،‬توبقال‪ -‬الدار البيضاء)‪.1987 ،‬‬
‫‪« -‬البستان»‪( ،‬توبقال‪ -‬الدار البيضاء)‪.1992 ،‬‬

‫‪89‬‬
‫‪« -‬الدن ّو من املعتصم»‪( ،‬منشورات نجمة‪ -‬الدار البيضاء)‪.1993 ،‬‬
‫‪« -‬األربعينية»‪( ،‬دار الفنك‪ -‬الدار البيضاء)‪.1994 ،‬‬
‫‪« -‬أسابيع الحديقة»‪( ،‬دار الفنك‪ -‬الدار البيضاء)‪.2000 ،‬‬
‫‪« -‬حصار الحصارات»‪( ،‬توبقال‪ -‬الدار البيضاء)‪.2000 ،‬‬
‫‪« -‬مديح العتمة»‪( ،‬توبقال الدار‪ -‬البيضاء)‪.2001 ،‬‬

‫صدر له من َّ‬
‫املؤلفات‪:‬‬
‫‪« -‬پول پولز يف املغرب‪ :‬أقنعة الكتابة» (املوجة‪ -‬الرباط) ‪.1996‬‬
‫‪« -‬پول پولز‪ :‬التخييل واملثاقفة» (منشورات ا ِّتحاد كتاب املغرب‪ -‬الرباط)‪،‬‬
‫‪.2003‬‬

‫له قيد الطبع‪:‬‬


‫‪« -‬التهامي الو ّزاني‪ :‬حفريّات يف حياته وأدبه» (منشورات تطاون أسمري)‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫‪91‬‬
‫صدر من سلسلة كتاب الدوحة‬

‫عبد الرحمن الكواكبي‬ ‫طبائع االستبداد‬ ‫‪1‬‬


‫غسان كنفاين‬ ‫برقوق نيسان‬ ‫‪2‬‬
‫سليامن فياض‬ ‫األمئة األربعة‬ ‫‪3‬‬
‫عمر فاخوري‬ ‫الفصول األربعة‬ ‫‪4‬‬
‫عيل عبدالرازق‬ ‫اإلسالم وأصول الحكم ‪ -‬بحث يف الخالفة والحكومة يف اإلسالم‬ ‫‪5‬‬
‫نبي‬
‫مالك بن ّ‬ ‫رشوط النهضة‬ ‫‪6‬‬
‫محمد بغدادي‬ ‫صالح جاهني ‪ -‬أمري شعراء العامية‬ ‫‪7‬‬
‫أبو القاسم الشايب‬ ‫نداء الحياة ‪ -‬مختارات شعرية ‪ -‬الخيال الشعري عند العرب‬ ‫‪8‬‬
‫سالمة موىس‬ ‫ح ّر ّية الفكر وأبطالها يف التاريخ‬ ‫‪9‬‬
‫ميخائيل نعيمة‬ ‫الغربال‬ ‫‪10‬‬
‫الشيخ محمد عبده‬ ‫اإلسالم بني العلم واملدنية‬ ‫‪11‬‬
‫بدر شاكر السياب‬ ‫أصوات الشاعر املرتجم ‪ -‬مختارات من قصائده وترجامته‬ ‫‪12‬‬
‫ترجمة‪ :‬غادة حلواين‬ ‫فتنة الحكاية جون أيديك ‪ -‬سينثيا أوزيك ‪ -‬جيل ماكوركل ‪ -‬باتريشيا هامبل‬ ‫‪--‬‬
‫الطاهر حداد‬ ‫امرأتنا يف الرشيعة واملجتمع‬ ‫‪13‬‬
‫طه حسني‬ ‫الشيخان‬ ‫‪14‬‬
‫محمود درويش‬ ‫ورد أكرث ‪ -‬مختارات شعرية ونرثية‬ ‫‪15‬‬
‫توفيق الحكيم‬ ‫يوميات نائب يف األرياف‬ ‫‪16‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية عمر‬ ‫‪17‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية الصدّيق‬ ‫‪18‬‬
‫عيل أحمد الجرجاوي‪/‬صربي حافظ‬ ‫رحلتان إىل اليابان‬ ‫‪19‬‬
‫ميخائيل الصقال‬ ‫لطائف السمر يف سكان ال ُّزهرة والقمر أو (الغاية يف البداءة والنهاية)‬ ‫‪20‬‬
‫د‪ .‬محمد حسني هيكل‬ ‫ثورة األدب‬ ‫‪21‬‬
‫ريجيس دوبريه‬ ‫يف مديح الحدود‬ ‫‪22‬‬
‫اإلمام محمد عبده‬ ‫الكتابات السياسية‬ ‫‪23‬‬
‫عبد الكبري الخطيبي‬ ‫نحو فكر مغاير‬ ‫‪24‬‬
‫روحي الخالدي‬ ‫تاريخ علم األدب‬ ‫‪25‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية خالد‬ ‫‪26‬‬
‫خمسون قصيدة من الشعر العاملي‬ ‫أصوات الضمري‬ ‫‪27‬‬
‫يحيى حقي‬ ‫مرايا يحيى حقي‬ ‫‪28‬‬
‫عباس محمود العقاد‬ ‫عبقرية محمد‬ ‫‪29‬‬
‫حوار أجراه محمد الداهي‬ ‫عبدالله العروي من التاريخ إىل الحب‬ ‫‪30‬‬
‫فتاوى كبار الكتّاب واألدباء يف مستقبل اللغة العرب ّية‬ ‫‪31‬‬
‫ترجمة‪ :‬رشف الدين شكري‬ ‫عام جديد بلون الكرز (مختارات من أشعار ونصوص مالك حداد)‬ ‫‪32‬‬
‫خالد النجار‬ ‫ِساج ال ُّرعاة (حوارات مع ُكتاب عامل ّيني)‬ ‫‪33‬‬
‫ترجمة‪ :‬مصطفى صفوان‬ ‫مقالة يف العبودية املختارة (إيتيان دي البويسيه)‬ ‫‪34‬‬
‫د‪.‬بنسامل حِ ّميش‬ ‫سريت ابن بطوطة وابن خلدون‬ ‫عن َ‬ ‫‪35‬‬
‫يوميّات طنجة‬

‫الطيب صالح‬ ‫مريود‬ ‫‪69‬‬


‫ميشال سار‬ ‫اإلصبع الصغرية ‪ -‬ترجمة‪ :‬د‪.‬عبدالرحمن بوعيل‬ ‫‪37‬‬
‫محمد إقبال‬ ‫محمد إقبال ‪ -‬مختارات شعرية‬ ‫‪38‬‬
‫ترجمة‪ :‬محمد الجرطي‬ ‫تزفيتان تودوروف (تأ ُّمالت يف الحضارة‪ ،‬والدميوقراطية‪ ،‬والغريية)‬ ‫‪39‬‬
‫أحمد رضا حوحو‬ ‫مناذج برشية‬ ‫‪40‬‬
‫د‪.‬زيك نجيب محمود‬ ‫الرشق الفنان‬ ‫‪41‬‬
‫ترجمة‪ :‬يارس شعبان‬ ‫تشيخوف ‪ -‬رسائل إيل العائلة‬ ‫‪42‬‬
‫مختارات شعرية‬ ‫إلياس أبو شبكة “العصفور الصغري”‬ ‫‪43‬‬
‫األمري شكيب أرسالن‬ ‫ملاذا تأخر املسلمون؟ وملاذا تقدم غريهم؟‬ ‫‪44‬‬
‫عيل املك‬ ‫مختارات من األدب السوداين‬ ‫‪45‬‬
‫ُجرجي زيدان‬ ‫رحلة إىل أوروبا‬ ‫‪46‬‬
‫د‪.‬عبدالدين حمروش‬ ‫ا ُملعتمدُ بنُ ع َّباد يف سنواته األخرية باألرس‬ ‫‪47‬‬
‫سالمة موىس‬ ‫تاريخ الفنون وأشهر الصور‬ ‫‪48‬‬
‫إيدوي بلينيل ‪ -‬ترجمة‪ :‬عبداللطيف القريش‬ ‫من أجل املسلمني‬ ‫‪49‬‬
‫يوسف َذنّون‬ ‫زِينة املعنى (الكتابة ‪ ،‬الخط ‪ ،‬الزخرفة)‬ ‫‪50‬‬
‫أحمد فارس الشدياق‬ ‫الواسطة يف معرفة أحوال مالطة‬ ‫‪51‬‬
‫النخبة الفكرية واالنشقاق‬
‫د‪ُ .‬محسن املوسوي‬ ‫(تحـ ُّوالت الصـفـوة العارفة يف املجتمع العريب الحديث)‬ ‫‪52‬‬
‫إيزابيل إيربهاردت‬ ‫ياسمينة وقصص أخرى‬ ‫‪53‬‬
‫ترجمة وتقديم‪ :‬بوداود عمري‬ ‫آباي (كتاب األقوال)‬ ‫‪54‬‬
‫ترجمة‪ :‬عبدالسالم الغرياين‬ ‫مأساة واق الواق‬ ‫‪55‬‬
‫محمد محمود الزبريي‬ ‫بني الج ْزر وامل ّد (صفحات يف اللغة واآلداب والفنّ والحضارة)‬ ‫‪56‬‬
‫مي زيادة‬ ‫ظل ال ّذاكرة (حوارات ونصوص من أرشيف «الدوحة»)‬ ‫ّ‬ ‫‪57‬‬
‫قسم التحرير «مج ّلة الدوحة»‬ ‫الرحلة الفنّية إىل الديار املرصية (‪ )1932‬تحقيق‪ :‬رشيد العفاقي‬ ‫‪58‬‬
‫أليكيس شوتان ‪-‬تعريب‪ :‬عبد الكريم أبو علو‬ ‫قيرص وكليوبرتا‬ ‫‪59‬‬
‫إسامعيل مظهر‬ ‫الصني وفنون اإلسالم‬ ‫‪60‬‬
‫ترجمة‪ :‬مي عاشور‬ ‫اعم األمل ( ُمختارات شِ ْعر ّية للكاتب الصيني وانغ جو جن)‬ ‫بر ُ‬ ‫‪61‬‬
‫محمد العرويس املطوي‬ ‫التّوت ا ُمل ّر‬ ‫‪62‬‬
‫غونار إيكليوف‬ ‫درب الغريب‬ ‫‪63‬‬
‫أحمد حافظ بك‬ ‫من والد إىل ولده‬ ‫‪64‬‬
‫بول ُبورجيه‬ ‫التلــــميذ‬ ‫‪65‬‬
‫تقديم وترجمة‪ :‬طه باقر‬ ‫ملحمة جلجامِش‬ ‫َ‬ ‫‪66‬‬
‫الشيخ مصطفى الغالييني‬ ‫أريج ال ّزهر‬‫ُ‬ ‫‪67‬‬
‫مح ّمد فريد سيالة‬ ‫اعرتافات إنسان‬ ‫‪68‬‬
‫الطيب صالح‬ ‫مريود‬ ‫‪69‬‬
‫نجيب محفوظ‬ ‫قصص قصرية‬ ‫‪70‬‬
‫‪93‬‬
‫يمكنكم تصفح النسخة اإللكترونية من كافة إصدارات السلسلة‬
‫على موقع مج ّلة الدوحة اإللكتروني ‪www.aldohamagazine.com‬‬

You might also like