Professional Documents
Culture Documents
عدد خاص
مئة
سنة
w w w.dohamagazine.qa
ملتقى اإلبداع العريب والثقافة اإلنسانية
»
عدد خاص - 167-166أغسطس -سبتمرب 2021
جائحة القرن
كيف واكبت «
Year 14 - No. 166 - 167 - Dhul-Hijjah 1442 - Muharram 1443 - August - September 2021 السنة - 14العددان - 167 - 166ذو الحجة - 1442محرم - 1443أغسطس -سبتمرب 2021 AL-DOHA MAGAZINE 167-166
تاريخية يف مسرية اإلصالح والحداثة
ّ محطة
ومســاءلة الــوزراء الســتيضاح األمــور الداخلــة فــي هويــة قطر عبر الزمــان ،وتظهر في أبهى صورها تبلــورت ّ
اختصاصاتهــم. األخالقية
ّ ِ
ـه ـ قيم وفي ـكه، ـ وتماس ـع ـ جتم الم
ُ ـن فــي تضامـ
متميــزة على مســتوى ـي هــام إذاً ،وخطــوة ـه لوطنــه .وعلــى هــذا األســاس المتيــن وحبـ ِ ـمحة، السـ
ِّ ـدث سياسـ ٌّ حـ ٌ ّ
الخليجيــة ،هــذا مــا ينطــوي عليــه الترقُّــب ّ المنطقــة ـتمد
المجتمع ،يسـ ُّ قــام نظــام راســخ ومتجــذِّ ر فــي بنيــة ُ
الشــعبي الواســع الــذي يســبق العــرس واالهتمــام قوتــه مــن تقاليــد راســخة مــن الحكــم العادل والرشــيد
ّ
المرتقَ ــب فــي قطــر مطلــع أكتوبــر ّ ُ الديموقراطــي بالمبايعــة وعالقــات الــوالء والثِّقــة المرتبــط بالشــعب ُ ُ
المقبــل ،حيــث ســيختار الشــعب 35عضــو ًا لتمثيله في المجتمع. ُ ـن ـ وبي ـه ـ بين ـر ـ باش الم
المتبادلــة والتواصــل ُ ُ
ُ
أول مجلــس شــورى منتخــب .وبذلــك تكــون دولــة قطــر ال لمســیرة اإلصــاح والحداثــة فــي دولة قطر، واســتكما ً
أساســية مــن السياســي بركيــز ٍة قــد عــ َّززت نموذجهــا رســمت القيــادة الرشــيدة فــي عــام 2008خریطة طریق
ّ ّ
المشــاركة ـار
ـ إط ـي ـ ف ـرار ـ الق ـع ـ ن ص الوطنیــة ،»2030 للمســتقبل تحــت عنــوان «رؤیــة قطــر ُ
ُ المشــاركة فــي ُ ركائــز ُ ّ
ـعبية الواعيــة والمســؤولة عن اختياراتها وممارســة ـتراتیجیات تشــمل اإلنســان ـ اس لتطویر ً
ا عام ً
ا إطار لتكون
الشـ ّ ّ
صالحياتهــا وأدوارهــا المنوطة بها ،في أفق ترســيخ هذه الثقافیــة،
ّ والھویــة
ّ والمجتمــع واالقتصــاد والسیاســة ُ
ـةوترمــي إلــى تحویــل قطــر بحلــول عــام 2030إلــى دولـ ٍ
الديموقراطيــة التــي يختــار عبرهــا الشــعب نوابـ ًا ّ اآلليــة
عنه ليتكلَّموا باســمه ويدافعوا عن مصالحه وتطلّعاته. ســتدامة، َ الم
متقدمــة قــادرة علــى تحقیــق التنمیــة ُ ِّ
إن ترســيخ هــذه اآلليــة ،مــن شــأنه الدفــع وتأمیــن اســتمرار العیــش الكریــم لشــعبھا .وفــي هــذا
ـك ّ بــدون شـ ّ
تلخص القيادة الرشــيدة للبــاد أهداف التنمية، الصــدد ِّ
قدم ـ ًا بمســيرة اإلصــاح والحداثــة التــي خطَّ تهــا قطــر
بمــا فــي ذلــك رؤيــة قطــر ،2030فــي ثــاث كلمــات:
مؤسســات حريصــة علــى اعتمــاد َّ وجعلــت منهــا دولــة
والمواطــن .وهــي األهــداف التــي تســعى بنــاء الوطــن ُ
حكم القانون ومبادئ الحكم الرشــيد ومكافحة الفســاد
التشــريعية إلــى تحقيقهــا وفــق المبــادئ ّ السياســة
والحر ّيــات األساسـ ّـية وتمكين ّ وحمايــة حقــوق اإلنســان ِ
دولــة المضــي فــي إقامــة ُ فــي: ِّلــة ث تم المُ ة الدســتوري
ّ
المشــاركة فــي الحيــاة العامــة علــى َقــدم المــرأة مــن ُ ؤسســات وتطويرهــا ،وتنظيــم ســلطات والم َّ القانــون ُ
المســاواة مــع الرجــل. ُ الدولــة الثــاث.
ـرية، ّ ـ البش التنمية محور هو ـري
ّ ـ القط ـن ـ واط الم
ُ كان وإذا
اإلصالحيــة تأتــي انتخابــات ّ المســيرة ضمــن هــذه
والمتوازنــة ،باعتبارهــا الســبيل إلــى إقامــة المتكاملــة ُ ُ ٍ
تاريخيــة هــي األولــى مــن ّ مجلــس الشــورى ،كخطــوة
لمتطلَّبــات العصــر ُ تســتجيب التــي الحديثــة الدولــة بموجــب النظــام ،1972 ســنة نوعهــا ،فبعــد تأسيســه
ُ
ـي األصيــل والعقيــدة دون التخ ّلــي عــن االنتمــاء العربـ ّ عدل في 19أبريل/نيســان 1972م الم َّ المؤقَّت ُ ـي ُ األساسـ ّ
اإلســامية الســمحاء ،مــع ضــرورة أن يواكــب ارتفــاع ّ ومؤسســات الدولــة الحديثة ،ومن بينها هياكل لتنظيــم
َّ
ـي ،فإنــه ّ ـ وثقاف ـي
ّ ـ قيم رـو ُّ ـ تط ـن ـ واط الم
ُ ـة ـ معيش مســتوى مجلــس الشــورى ،يأتــي إعــان حضــرة صاحــب الســمو
ـب فــي تحقيــق تلك بقــدر الحاجــة لبرامــج انتخابيــة تصـ ُّ الشــيخ تميــم بــن حمــد آل ثانــي أميــر البــاد المفــدى
المســاعي فــي االقتصــاد والصحــة والتعليــم واإلســكان فــي نوفمبر/تشــرين الثانــي ،2020عن إجــراء انتخابات
المرتبطــة ،بقــدر الحاجــة وغيرهــا مــن المجــاالت ُ للمرة األولى في أكتوبر/تشــرين األول مجلس الشــورى
ّ
المســتمرة إلــى االهتمــام بالثقافــة وإعطائهــا حيــز ًا ُ وتاريخيــة فــي ـة ـ مهم ـة ـ لبن ـع ـ لوض ـة، ـ الجاري مــن الســنة
ّ َّ
فــي البرامــج االنتخابيــة كباقــي المجــاالت ،وهنــا يأتــي القطرية وتطوير عملية التشــريع ّ تعزيز تقاليد الشــورى
وأهميتــه فــي خــوض غمــار هــذه التجربــة ّ المث َّقــف
دور ُ المواطنيــن بموجــب الدســتور ُ مــن بمشــاركة أوســع ُ
االنتخابيــة لكــي يتمكَّ ــن مــن وضــع تجربته علــى المحك حــدد اختصاصــات وصالحيــات َّ الدائــم للبــاد ،الــذي
ولعــلّ
الثقافيــةَ ،
ّ وتصوراتــه فــي األمــور ُّ واختبــار أفــكاره المنتخب ،في تولّي ســلطة التشــريع، مجلس الشــورى ُ
الميــدان االنتخابــي هــو ذلــك الفضــاء الــذي تتكافــأ فيه الموازنــة العامــة للدولة ،وممارســة الرقابة على وإقــرار ُ
الفــرص فــي تنزيــل األفــكار علــى أرض الواقــع وتفعيلها التنفيذيــة ،واقتراح القوانيــن ،وإبداء الرغبات ّ الســلطة
بمــا يخــدم الصالــح العــام. للحكومــة فــي المســائل العامــة ،وصالحيــة اســتجواب
رئيس التحرير
العددان
166
الغالف:
ثــقــافـيـة شــــهــريــة
السنة الرابعة عرشة -العددان مئة وستة وستون -ومئة وسبعة وستون
167
ذو الحجة - 1442محرم - 1443أغسطس -سبتمرب 2021
تصدر عن:
إدارة اإلصدارات والرتجمة
وزارة الثقافة والرياضة
الـــدوحــــة -قـــــطــــر
صـــدر الــعــدد األول يف نــوفــمــر ،1969ويف يــنــايــر 1976أخـــذت توجهها الــعــريب واســتــمــرت
يف الـــصـــدور حــتــي يــنــايــر عــــام 1986لــتــســتــأنــف الـــصـــدور مـــجـــدد ًا يف نــوفــمــر .2007
رئيس التحرير
خـــالد العــودة الفـضـــيل
التحرير
محـســن العـتيقـي
التنفيذ واإلخراج
أحمد غزالة
14 10 هـــنـد البنسعيد
فلوه الهاجري
البريد اإللكتروني:
editor-mag@mcs.gov.qa
رافاييل إنتوفن فريديريك كيك تليفون )+974( 44022295 :
فاكس )+974( 44022690 :
32 16 ـر بالرضورةـر عــن آراء كتّابها وال تُعـ ِّ
املــواد املنشــورة يف املجلــة تُعـ ِّ
عــن رأي الــوزارة أو املجلــة .وال تلتــزم املجلــة بــردّ أصول مــا ال تنرشه.
الموقع اإللكتروني
www.dohamagazine.qa
مواقع التواصل
aldoha_magazine
aldohamagazineofficial
dohamagazineofficial
األوروبيــة .لذلك جاء بســردية تعيــد االعتبار ّ الــذات مغربي يقيمّ فرنكوفوني
ّ ـب
يتصدى كاتـ ٌ َّ مــا معنــى أن
والفلســفية
ّ والعلميــة
ّ الفكريــة
ّ للعــرب وأدوارهــم بهولنــدا للترا ُفــع عــن العــرب اليــوم فــي كتــاب؟ أال
ـاني .ولكــي يبنــي العــروي ّ ـ اإلنس فــي بنــاء التاريــخ ـةالموضـ ُ ُيعتبــر ذلــك ســباحةً ضــد التيــار فــي زمــنٍ ُ
ال تفكيــك الخطابــات ســرديته البديلــة ،كان عليــه أو ً المقيميــن عــدد مــن األدبــاء العــرب ُ ٍ فيــه -لــدى
التــي عمــدت إلــى تهميــش العــرب والتقليــل مــن ـد الــذات َ ُ ـ ل
ْ ج ـه- ـ ُغات ل ب ـون ـ يكتب ـن ـ والذي ـرب فــي الغـ
شــأنهم عــن «جهــل» أو عــن «ســوء طويــة» .هكــذا الغربــي الــذي يخشــى ّ ومســايرة التيــار وتحقيرهــا ُ
ُ
الغربيين
ّ المستشــرقين انشــغل بخطــاب أحــد أهــم ُ تحضــر» مــن الم ِّ ُ ّ ُ ــر الح َــم ل ا«الع
َ مســتقبل علــى
ـؤرخ الــذي نحــت مفهــوم «صــراع المـ ِّ
برنــارد لويــس ُ الخلقة التي ّ «اإلســام» و«اإلرهــاب» والفوضى غيــر
الحضــارات» ،ليكشــف لنــا العــروي فــي تحليلــه أن المتوســط مع ـاً؟ فهــل انتهــى إليهــا جنــوب وشــرق ُ
ممــا يحيــل عليــه هــذا المفهــوم ليــس فــي الكثيــر ّ كان فــؤاد العــروي ،صاحــب جائــزة الكونغــور فــي
األصــل ســوى «صدام جهــاالت» .هــذا دون الحديث القصــة القصيــرة ،يتو َّقــع أن تضعــه مجازفتــه خارج ّ
عــن التدليــس الــذي يحملــه خطــاب لويــس .وفــي التحديــات؟ ربمــا. ّ مــدار الحكايــة أمــام سلســلة مــن
ا عنــد ســؤال هــذا اإلطــار يتو َّقــف فــؤاد العــروي مثـ ً التحدياتّ ال أن يعيــش أول لكــن ،هــل كان يتوقَّع مث ً
ـامي؟لويــس الشــهير« :ماهي أســباب البغض اإلسـ ّ ـره سـ ُـيبدي تحفُّظـ ًا حتــى قبــل صــدور العمــل؟ فناشـ ُ
العربي للغرب؟» الســؤال ّ ومــا مبــررات هذا العــداء حررنــاه مــن كلمــة صارم ـ ًا علــى العنــوان :مــاذا لــو َّ
مشــروع لــوال أن لويــس يفاجئنا بجــواب طريف .أول ـي َ
«العــرب»؟ علــى األقلّ لكي ال يظن القارئ الفرنسـ ّ
هــذه األســباب ألمانيــا ،وبالضبــط «عصابــة» ريلكــه ـاب يرمــي ـي العــام أن األمــر يتع َّلــق بكتـ ٍ والفرنكوفونـ ّ
وهايدغــر وإرنســت جنغــر الذيــن اعتبــروا أميــركا إلــى «تبريــر» اإلرهــاب كفعــل وكســياق وكبيئــة
ـم الماركسـ ّـية فــي صيغتهــا حضــار ًة ال ثقافــةَ لهــا .ثـ َّ حاضنــة .اعتبــر فــؤاد العــروي إصــرار ناشــره علــى
الســوفياتية ،وأخيــر ًا األيديولوجيــا العالمثالثيــة. ّ ا إضافيـ ًا حــذف كلمــة «العــرب» مــن العنــوان دليـ ً
يالحــظ العــروي أن «لويــس» يســتكثر علــى العــرب المرافعــة ،ومــدى علــى مــدى الحاجــة إلــى هــذه ُ
والمســلمين أن يكــون غضبهم صــادر ًا عنهم .فدائم ًا ُ اســتعجال ذلــك .لذا وعــوض تغيير عنــوان الكتاب،
هنــاك آخــرون يفكِّ ــرون مــن أجلهــم ويلهمونهــم غيــر الناشــر دون عظيــم أســف. ّ
أفكارهــم وتم ّثالتهــم ،بــل ومشــاعر غضبهــم أيضـاً. بمرافعتــه إلــى قــارئ رهنتــه ُ ـروي ـ الع ـؤاد
ـ ف ـه
ـ يتوج
َّ
لكــن ،هــل قــرأ العــرب «هايدغــر» و«ريلكــه» ح ّقـاً؟ المهيمــن الفرنســية الســائدة واإلعــام ُ ّ الثقافــة
أن هــذهـدق ّيتســاءل العــروي بســخرية .ال أحــد يصـ ِّ داخــل خطــاب فرنكفونــي منغلــق ومتمركــز علــى
7 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
األلمانيــة قــد ُقرِئــت بيــن ظهرانينــا بالكثافــة والعمــق ّ العصبــة ُ
ـي ّ ـ العرب ـدان ـ الوج ـى ـ عل ـر ـ التأثي ـذا ـ ه كلّ ـا ـ له ـق ـ قّ ليتح ـن ـ الالزمي
ورطنــا فــي معــاداة جماعيــة للغــرب. بالشــكل الــذي ّ
إن في األمر تدليسـ ًا ال يخطئه المنطق الســليم .فـ«برنارد لويس»
ـوفياتية فــي ّ ـدث عــن «ريلكــه» و«هايدغــر» والماركســية السـ يتحـ َّ
المــراد منهــا طمــس األســباب الحقيقيــة لهــذا فكريــة ُ ّ شــقلبات
العــداء ،وهــي سياسـ ّـية علــى األرجــح :تبدأ مــع اتفاقية ســايكس
العربيــة ّ مهم ـ ًا مــن الخارطــة ـرية التــي م َّزقــت جــزء ًا َّ بيكــو السـ ّ
ـراً .هكذا ّ ـ ش ـم ـ وهل ،1917 ـنة ـ س ـؤوم ـ المش ـور ـ بلف ـد ـ وع ،1916 ســنة
الملفَّق الفكر ُ ـاب ـ الخط هذا ـتخدم ـ يس كيف العروي ـؤاد ـ ف ـح ـ يفض
ـم يحتــال بالسياســة علــى الفكــر ليحتــال بــه علــى السياســة ،ثـ َّ
فــي خلــط غريــب لــأوراق بمــا يجعــل الضحيــة تظهــر بمظهــر
ـق. تحضــر مــن غيــر وجــه حـ ّ الم ِّ المتحامــل علــى العا َلــم ُ الباغــي ُ
المعرفيــة ّ ـاء ـ األخط ـن ـ م ـد ـ العدي ـه ـ كتاب ـي ـ ف ـروي ـ الع ـدـ ترصأيضـ ًا َّ
المنطقيــة فــي خطــاب «برنــارد لويــس» وتالمذتــه. ّ والمغالطــات ُ
ا بعنــوان «قضيــة خصــص لــه فص ـ ً ّ ـذي ـ ال ـم» ـ «غوغنهاي ـلّ ـ ولع
َ
غوغنهايــم» أطــرف هــؤالء.
يدعونــا فــؤاد العــروي إلــى فتــح كتــاب «ســيلفان غوغنهايــم»
ألوروبــا ّ اليونانيــة
ّ «أرســطو فــي جبــل ســان ميشــيل :الجــذور
الصــادر بباريــس ســنة 2008عــن دار (ســوي) ،حيــث ـيحية» ّ المسـ ّ
ـيحيين ّ ـ المس بين ة صادمي
ّ ت
ّ ال ة «الغيري
ّ أن ّ ـى ـ عل ـم» ـ «غوغنهاي يؤكِّ ــد
«فالغربُ وبه الحضارتين». كلتا ي َ ْ ت هوي ل ـكّ ـ يش ما هي ـلمين ـ س والم
ُ
ـامي
ّ ـ اإلس َم ل ا فالع
َ ـيء». ـ بش ـامي
ّ ـ اإلس ـرق ـ للش يدين ال ـيحي
ّ ـ المس
ـي ،لذلك ظلّ اإلســام ً
أن رواية «حي مجرد توارد خواطر لوال ّ كان باإلمــكان اعتبــار األمــر ليــس عقالنيـا وهــو فقيــر إلــى التفكير العلمـ ّ
ّ العربيــة معـ ًا -وهنــا يســتعيد أطروحــة قديمــة لـ«إرنســت واللّغــة
الهولنديــة زمــن «ســبينوزا» ِ
بــن يقظــان» كانــت قــد ُترجمــت إلــى ّ
ّ ـي. ـ اليونان ـراث ـ الت ـم ـ هض ـن ـ ع بنيويـ ً
ا ً
ا ـز ـ عج ـن ـ عاجزي ـان»- رينـ
من طرف «جوهانيس بووميســتر» ،الذي كان صديق ًا للفيلســوف ّ ّ
بــدأ فــؤاد العــروي بالتوقُّــف عنــد أخطــاء «غونغنهايــم» فــي
قصــة «حــي بــن يقظــان» بالذات ســيعود ومقربـ ًا منــهّ .َّ ـديالهولنـ ّ ا خلطُ ــه بيــن التفســير وعلــم الــكالم، تفصيليــة ،منهــا مثـ ً قضايــا
فــؤاد العــروي لفتحهــا فــي فصــلٍ آخــر لطــرح الســؤال بخصوص ّ
ـول إلــى الترافــع عــن الــدور المحــوري الــذي لعبــه َّ ـ يتح أن قبــل
مــدى اســتفادة «دانييــل ديفــو» منهــا فــي تأليــف «روبينســون اليونانية إلى ّ المســلمون في نقــل الثقافــة والمفكِّ ــرون ُ الفالســفة ُ
ـس الفكــرة،كــروزو» ســنة ،1719خصوصـ ًا وأن للقصتيــن معـ ًا نفـ َ ـدث العــروي عــن فعاليــة الترجمــة َّ ـ تح ـذا ـ هك . ـي ـ األوروب الغــرب
نفــس الحبكــة ،ونفــس القماشــة الســردية تقريبـاً. ّ
متوقِّفـ ًا بشــكلٍ خــاص عنــد مجهــود حنيــن بــن إســحاق ،مترجــم
قصــة «حي بن يقظان» إلــى أن المعرفة المنقولة (النقل) تخلــص ّ اليونانية ومســؤول «بيت «جالينوس» و«أبقراط» و«أرســطو» من
ّ
المالحظــة والتجربــة ُ ـبيل
ـ س ـلك ـ س إذا ـان ـ لإلنس ـة ـ ضروري
ّ ليســت الحكمــة» و«ديــوان الترجمــة» فــي عهــد المأمون .قبل أن يسـلِّط
والتأمــل والتفكيــر ،وكان قــادر ًا علــى إعمــال (العقــل) .فقد يصل ُّ خاص ًا فكريـ ًا أدبي ًا
ّ ّ ـي يكاد يكــون جنسـ ًا ّ الضــوء علــى تقليــد أساسـ ّ
الدينيــة ،عــن طريــق العقــل وحــده.
ّ ـرء إلــى الحقيقــة ،حتــى المـ ُ بالمســلمين وهــو تقليــد «الشــكوك» .هكــذا وضــع الــرازي مقالــة ُ
ـاد الحــق» بتعبيــر ابــن رشــد فــي «فصــل ذاك أن «الحــق ال ُيضـ ُّ «الشــكوك علــى جالينــوس» ،وأ َّلــف ابــن الهيثــم «الشــكوك علــى
المقــال» .لهــذا حينمــا غــادر حــي بــن يقظــان جزيرتــه والتقــى بطليمــوس» .ولقــد أبــان علمــاء اإلســام فــي «شــكوكهم» علــى
وتأمالتــه قادتــه إلــى ذات الخالصات أن تجربتــه ُّ بالنــاس اكتشــف ّ مجرد مصححون لهم إضافاتهم القيمة ،ال ِّ أنهــم نقَّاد ُمراجعــون
َّ
التــي يريــدون تعليمه إياها حول الله والعالم والنفس والجســد. ـراحاً ،بــل إن عــدد ًا مــن كتابــات ابــن رشــد وابــن مترجميــن أو ُشـ ّ
فهــل كتــب «ديفــو» قصته دون أن يطّ لع على «حي بن يقظان»؟ ال ســينا كانــت فــي الواقــع «شــكوكاً» علــى أرســطو نفســه .ويكفــي
ـدم أكثر من دليل علــى الترجمات يملــك العــروي جوابـاً ،لكنه يقـ ِّ اإللماح هنا إلى كتاب ابن ســينا الشــهير «اإلشــارات والتنبيهات».
الالتينيــة
ّ أهمهــا الترجمــة
تعرضــت لهــا هــذه الروايــة (مــن ّ التــي َّ يشــتبك فــؤاد العــروي فــي مرافعتــه مع عدد مــن كتابــات وأفكار
أعدهــا «إدوارد بوكــوك» ســنة ،)1671وعلــى اهتمــام عــدد التــي َّ ومقــوالت ابــن ســينا وابــن طفيــل وابــن رشــد وغيرهــم مــن علماء
الغربييــن بهــا وتأثيرهــا األكيــد علــى فكرهم. ّ ـن ـ ري فكِّ الم
مــن ُ اإلســام قبــل أن ينتقــل مــن تفاعلهــم النقــدي وتطويرهــم للتراث
ابــن خلــدون بــدوره كان حاضــر ًا فــي أكثــر مــن فصــل ،حيــث اليونانــي ،إلــى مــا يمكــن اعتبــاره إضافــات ملهمــة لهــم مــن ّ
يخلــص العــروي إلــى أن منهــج ابــن خلــدون فــي دراســته ا أن تاريــخ الفكــر الغربــي تغاضــى عنهــا .هكــذا مثــ ً َّ ؤســف الم
ُ
ّ
االجتماعيــة
ّ للمجتمــع والتاريــخ يقتــرب كثيــر ًا مــن روح العلــوم ُ كشــف عــن فضــل ابــن رشــد وابــن طفيــل علــى «ســبينوزا» ،حيث
كمــا تبلــورت فــي أوروبــا انطالقـ ًا مــن القــرن التاســع عشــر ،كمــا ـدي التي بدت أدرج العــروي عــدد ًا من مقوالت الفيلســوف الهولنـ ّ
أن تحليــل العــروي لبعــض مقــوالت صاحــب «المقدمــة» حــول العربيين. ّ وكأنهــا اســتعادة حرفية لبعض مقــوالت الفيلســوفين
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 8
العربيــة فــي حاجــة إلــى ترجمــة 42ألــف كلمــة ّ إلــى أن لغتنــا «الــرزق» و«العمــل» و«المكاســب» تجعــل هــذا األخيــر يظهــر
ـم مــاذا عــن باقــي َّ ـ ث اآلن؟ ـك ـ بال ـا ـ فم ـده. ـ وح ـب ـ الط فــي مجــال ـيكي .وتواصلــت بمظهــر ُملهِ ــم حقيقــي لعلــم االقتصــاد الكالسـ ّ
ـي ال غبــار ـبقٍ ً
المعــارف والعلــوم؟ مرافعــات العــروي فــي الكتــاب دفاعـا عــن سـ علمـ ّ
يؤكِّ ــد العــروي أن حاجتنــا إلــى مضاعفــة الجهــود فــي مجــال عليــه لعلمــاء عــرب فــي مجاالت مختلفــة :ابن النفيس مكتشــف
علميــة ّ ـد ًا لكــي تصيــر لغتنــا لحــة جـ ّ العلميــة صــارت ُم ّ ّ الترجمــة ـراح الــذي كان الدمويــة الصغــرى ،ابــن زهــر الطبيــب الجـ َّ ّ الــدورة
تحولت «لغة الشــعر» َّ ـن ـ حي ـي ـ العباس ـرـ العص ـي ـ ف ـل ـ حص مثلمــا ِ
ـن اســتعمل التخدير في الجراحة ،عالــم الرياضيات غياث أول َمـ ْ
ّ
علميــة بفضــل مجهــودات مترجمــي ّ ـة ـ لغ ـى ـ إل ـرآن» ـ الق ـة و«لغـ العشــرية ،ثابــت بــن قــرة أول ُ الكســور مبتكــر الكاشــي الديــن
«بيــت الحكمــة» .ويــرى أن تأهيــل لغتنــا لالنخــراط الســلس فــي مــن بــادر إلــى «تصحيــح مســائل الجبــر بالبراهيــن الهندســية»،
هــذا المشــروع الترجمــي الكبيــر يســتدعي إدخــال إصالحــات العلميــة للكيميــاء الحديثــة، ّ جابــر بــن حيــان واضــع األســس
اســتعجالية علــى مســتوى نحوها وصرفهــا وتركيبهــا ،وأيض ًا على ابــن الهيثــم عا ِلــم البصريــات الــذي أثبــت أن الضــوء يأتــي إلــى
المورفولوجــي .كمــا يدعو إلى االنفتــاح على العاميات المســتوى ُ ُ نظريــة حولّ األجســام مــن العيــن وليــس العكــس وكان صاحــب
ـدوارج ـدد نفســها عبــر هــذه الـ ّ العربيــة بهــا وتجـ ِّ ّ ـي ـ لتغتن ـةـ العربي
ّ ـن وضع َ ْ ـم هو الكرويــة ،وبــه يكــون ّ انعــكاس الضــوء علــى المرايــا
حيــة .هكذا ســتقترب مــن الناس أكثــر .فالعرب األســس األولــى الختــراع الكاميــرا.
كمــا يجــدر بلغــة ّ
ال يقرؤون ،حســب العروي ،ألنهم يحســون اللّغة التي سيقرؤون ـع عــن العــرب» الصــادر فــي مايو/أيــار صحيــح أن كتــاب «ترافـ ٌ
بهــا بعيــد ًة عنهــم وعــن حياتهــم .لكــن كلّما أحســوا اللّغــة قريبةً 2021عــن دار (ميالي-بــارو) بباريــس هــو كتــاب يحــاور الغــرب
المتعــة فــي منهــم سيأنســون لهــا أكثــر ،وبالتالــي ســيجدون ُ العربي ،حتــى أن ترجمته إلى ّ ـد ًا للقــارئ ويجادلــه ،لكنــه نافــع جـ ّ
القــراءة بهــا .لذا يجب االشــتغال على اللّغــة لتجديدها وتقريبها ـتعجالياً .فمنطــق تأليــف هــذا ّ ـ اس ً
ا ـ مطلب لغــة الضــاد تــكاد تصيــر
ـدي ،برأي مــن عامــة الشــعب ومن لغة العامــة .هذا النقاش الجـ ّ العالَمالفكرية لصاحبه نحتاجهما معـ ًا في َ ّ العمــل وكــذا الرؤيــة
ـدي مــع الغــرب .ففــؤاد العــروي ـ ون ي ـد ـ ج رٍ ـوا ـي لتأميــن حـ
العــروي ،يجــب ّأل ُيتــرك للسياســيين وحدهــم يســتخدمونه فــي ّ ّ العربـ ّ
ســجاالتهم الحزبيــة والسياســوية .إ ّنهــا قضيــة العلمــاء واألدباء األوروبيــة باالنغــاق ،وال علــى الخطــاب ّ ـرد علــى المركزيــة لــم َيـ ُ
ورجــال الفكــر والفلســفة .وفــي هــذا اإلطــار يذكِّ ــر العــروي بــأن ـوفينية معكوســة .علــى العكــس ،كان ّ ـ بش ـري
ّ ـ العنص ـوفيني
ّ الشـ
والفكرية العلميــة ـوالت الرجــل حريصـ ًا علــى بنــاء حجــاج يقــوم علــى تفكيــك الخطابــات
ّ ّ ُّغويــة كانــت في صلــب التحـ ُّ المســألة الل ّ
ً ً
واألدبيــة التــي عرفها الغرب .فـ«ســبينوزا» كان منهمــكا تماما في التورط في األيديولوجيا .ومعلوم ُّ وتقديــم معطيات معرفية دون
ّ
العبريــة ،نــزع القداســة ـري فــي أفــق تطويــر أن «أيديولوجيــا العروبــة واإلســام» التــي تنطلــق منهــا العديــد
ّ دراســة النحــو العبـ ّ
علمانيــة« .غاليلي» كان حريص ًا طبيعية عنهــا وتحويلهــا إلى لغة العربيــة فــي هــذا المجــال تجعلهــا عاجــز ًة عــن ّ مــن الكتابــات
ّ ّ
بالالتينية ،وإنما باللهجة التوســكانية دون أبحاثه ،ليس ـدم نحــو بلــورة خطــاب متماســك يحــرج الغــرب .لهــذا مثالً، التقـ ُّ
ّ على أن ُي ِّ
اإليطاليــة فيمــا بعــد .وهــي اللهجــة نفســها التــي ـتصير التــي سـ مقدمــة كتابــه باعتبــاره ِّ ـي ـ ف ـام ـ اإلس ـد ـ تحدي ـى ـ عل ـروي ـ الع ـر
أصـ َّ
ّ
ـي الخــارق «الكوميديــا اإللهيــة». ـامية اغتنــت فــي تاريخهــا حضــارةً ،ومعلــوم أن الحضــارة اإلسـ ّ
كتــب بهــا «دانتــي» عملــه األدبـ ّ ـعوب مختلفــةُ :فــرس ٍ ـي بعطــاءات علمــاء وأدبــاء مــن شـ
وأخيــر ًا يســوق العروي مثــال «ديكارت» الذي أعلن عن مشــروعه الذهبـ ّ
نصــه الشــهير «مقــال عــن المنهــج» ســنة وأفغــان وأتــراك وأكــراد وهنــود وأمازيــغ ،ومــن مختلــف الديانات
ـرة فــي ّ ـفي أول مـ ّ الفلسـ ّ
بالالتينيــة لغــة العلــم ـس ـ ولي ة ـي ـ بالفرنس ـال ـ المق ـاء ـ وج ،1936 تعمــد العــروي منــذ البدايــة أن يتجــاوز المســألة كذلــك .كمــا َّ
ّ ّ
والتيولوجيــا فــي ذلــك الزمــن. العرقيــة فــي تحديــده للعــرب والعروبــة بالتركيــز علــى عنصــر ّ
قــد يختلــف القــارئ مــع عــدد مــن خالصــات فــؤاد العــروي العربيــة
ّ ـةـ ّغ ل ال ـي ـ ف ـوم ـ الي ـق ـ ق
ّ تتح ـهـ ل ـبة ـ بالنس ـة ـ العروب ـة. اللّغـ
جديته العا َلــم ،والعلــم أيضـاً ،مــن خالل َ ـك ـ َّ
ل نتم ـن ـ نح ً
ا ـ وطبع ـا. ـ وعبره
واســتنتاجاته فــي هــذا الكتاب ،لكنه ال يملــك ّإل أن يحترم ّ
ا جا ّفـاً، ـاج لــم يكــن ثقيـ ً اللّغــة .لذلــك يطــرح العــروي العديــد مــن األســئلة حــول واقــع
فــي طــرح قضايــاه وبنــاء حجاجــه .حجـ ٌ
المجادلة ـارات ـ به ـه ـ إلي ذاك أن فــؤاد العــروي عــرف كيــف يضيــف ا أن لغتنــا تعانــي قصور ًا العربيــة وتدريســها .فيالحــظ مثـ ً ّ اللّغــة
ُ والمصطلحات .وهنا ـميات ـ التس ـاـ بينهم من ة عد ـتويات ـ مس علــى
ال على والمناكفــة بمقدا ٍر جعله ســائغ ًا ممتع ًا يمــارس تأثير ًا جمي ً ُ ّ
ُ قــرر «كارل فــون
المراوحة بين القــارئ .كمــا أن روح الكاتب الســاخرة وبراعته فــي ُ يتوقَّــف عنــد أســماء النباتــات مثــاً .فحينمــا َّ
ـخصية الطريفــة والحجــاج العلمي ســرد القصــص والوقائــع الشـ لينــي» فــي القــرن الســابع عشــر إنجــاز أول موســوعة للكائنــات
ّ ٍ
ســبات َمــي النبــات والحيــوان كان العــرب فــي
ـري رصيــن ّ ـ فك ـف ـ َّ
ل مؤ ـه ـ إن ـة. ـ خاص ّ الرزيــن أكســب الكتــاب نكهــةً الحيــة فــي عال ْ ّ
أي مــن مراجعهــم فــي ٍّ اعتمــاد يتــم لــم لــذا حضــاري حينهــا،
ُيســاجل الــذات واآلخــر ،يحــاور بالفكــر ولغتــه دون أن يتخ َّلــى
العلميــة القديمــة ّ تصنيــف «لينــي» .وهكــذا وجــدت التســميات
«ترافع
ٌ ـد كتاب األدبي الشـ ّـيق .ألجل ذلك ُي َعـ ُّ ّ مؤلِّفــه عــن أســلوبه
المســلمين نفســها خــارج هــذا التصنيــف. التــي اقترحهــا علمــاء ُ
عــن العــرب» مؤلَّف ـ ًا ممتــاز ًا يصلــح للقــارئ العــام مــن مختلــف
والنتيجــة هــي أننــا اليــوم عاجــزون عــن محــاورة الغــرب فــي هــذا
بالعربيــة ال يقــلُّ ّ ولعــلّ القــارئ والثقافيــةَ . ّ الفكريــة
ّ المســتويات ُ المجــال ،بــل غيــر قادريــن حتــى علــى إطــاق تســميات دقيقــة
احتياجـ ًا إلــى ُح َّجة هــذا الكتــاب ومنطقه عن القارئ بالفرنسـ ّـية،
ـي ،بــل وح ّتــى داخــل موحــدة علــى النباتــات فــي َ َ
لحــة .ياســين عدنــان ومــن هنــا يصيــر تعريــب الكتــاب غايــةً ُم ّ العالــم العربـ ّ َّ
ً ً
البلــد الواحــد .فكيــف ســتتملَّك عالَم ـا لســت قــادرا حتــى علــى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
موحــد؟ لكــن هــل يمكننــا التســمية اليــوم تســميته بشــكلٍ دقيــق َّ
Plaidoyer pour les Arabes, Fouad Laroui, Mialet-Barrault Editions, mai أن التســمية لــم تعــد ممكنــة َّ أم ـا، ـ وحده باالعتمــاد علــى لغتنــا
2021 نبه «جــاك بيرك» خــارج فعاليــة الترجمــة؟ ..قبــل أربعين ســنةَّ ،
9 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
فريديريك كيك:
ِّ
فكر مثل الفريوس
ويالحــظ ،مــن
صيــادي الفريوســات ُ كان «فريديريــك كيــك »Frédéric Keckيتع َّقــب ،ألكــر مــن عقـ ٍـد مــن ال َّزمــنَّ ،
األصليــة التــي تتشــكَّ ل بــن البــر وغــر البــر .وألقــت جا ِئحــة (كوفيــد )19 -مــن
َّ خــال مامرســاتهم ،العالقــات
أهميــة أبحاثــه.
الضــوء عــى ّ
جديــد َّ
الممارســات التــي نالحظهــا!» .وعملــه مفاهيــم فــي ُ بــرز فــي وم َّ هــو طالــب ســابق بالمدرســة العليــاُ ،
ً
أهميــة بالنســبة للفلســفة .وســيرا علــى نهــج َّ ذو البرونزيــة مــن َّ الميداليــة
َّ الفلســفة ،وحائــز علــى
عا ِلــم األنثروبولوجيــا «فيليــب ديســكوال Philippe العلمــي ،CNRSومديــر للبحــث الوطنــي المركــز
ّ ّ
ُ ،»Descolaيع َتبــر «ف.كيــك» جزء ًا من جيل جديد االجتماعيــة
َّ أبحــاث فــي مختبــر األنثروبولوجيــا
األنثروبولوجيــة الفرنسـ َّـية التــي تســعى جاهد ًة
ّ مــن ( /CNRSكوليــج دوفرانــس Collège de France/
إلــى التفكيــر فــي مجتمعــات «تتجــاوز الطبيعــة EHESSمدرســة الدراســات العليــا فــي العلــوم
والثقافــة» .لقــد قــاده اهتمامــه بالعالقة بين البشــر االجتماعيــة) ...مســار فريديريــك كيــك يبعــث على َّ
قصة والفيروســات ،بواســطة الحيوانــات ،إلى ســرد َّ الرجــل ،الــذي يتم َّتع بقــد ٍر كبير من َّ ـن ـ لك ـاب! اإلعجـ
ـانية انطالقـ ًا مــن حدودها مــع األنواععالميــة لإلنسـ َّ
َّ الـو ِِّد ،سيســتقبلنا بــكلِّ بســاطة حــول فنجــان قهــوة
األخــرى .وهــذا هــو عنــوان العمــل الجماعــي الــذي فــي منزله ،على حافة غابة ،Fontaine bleuفمنذ
ُن ِشــر فــي شــهر مــارس/آذار الماضــي« :الخفافيش. بدايــة وبــاء (كوفيــد )19 -كان علــى اتصــال مســتمر
فــي الحــدود بيــن األنــواعLes chauve-souris. / مــع وســائل اإلعــام .ورغــم ذلــك ،فهــو ال يفقــد
.Aux frontières entre les espècesإ َّنه برنامج والحاليــة الســابقة
َّ ســعادته فــي مناقشــة أبحاثــه َّ
عمــل واســع النطــاق. ـتقبلية .ويــروي أ َّنه بــدأ بأعمال ترتبــط بتاريخ والمسـُ
َّ
األنثروبولوجيــا الفرنسـ َّـية فــي عالقاتهــا بالفلســفة
رد فعلك عندما أصبح موضوع دراستك، كيف كان ّ («ليفــي بروهــل ،»Lévy-Bruhlو«دوركايــم
علميةً ِ
«آخ َذة في الظهور»؟ َّ حالةً الوباء، ،»Durkheimو«بيرجســون ،»Bergçonو«ليفــي
لي«:أنــت تعمــل علــى َ ــدة ســنواتِ ،قيــل لع ّ ِ - شــتراوس .)»Lévi-Straussوبعد ذلك ،وبســرعة،
ـت« :أنا ال ُ ـ فأجب للغاية!»، ـع
ٌ ـ ممت ـر
ٌ ـ أم ـه
ـ ن
َّ إ ـة،ـ األوبئ العلمي
ّ ـي للبحث وبعــد انضمامــه إلى المركز الوطنـ ّ
الحيوانية/
َّ ـراض ـ األم على بل ـة، ـ األوبئ على أعمــل CNRSفــي عــام ،2005شــرع فــي إجــراء دراســات
ـم ْع ِد َية
ُ ـ الـ األمراض من مجموعة أي zoonoses؛ إثنوغرافيــة فــي آســيا عــن األزمــات َّ اســتقصائية
َّ
طبيعيـ ًا مــن الحيوانــات إلى البشــر»، ّ التــي تنتقــل طورَّ ـا
ـ وهن ـة.
ـالحيواني
َّ ـراضـ باألم ـة ـ صل ت
َّ الم
الصحيــة ُ َّ
ســببات األمــراض ِّ م
ُ ــور عب
ُ علــى العمــل بمعنــى مفهوم «الحارس» Sentinelle /لوصف الحيوانات
تحــول بين األنــواع ،إ ْذ يمكن لهذه للحواجــز التــي ُ ـدد الحيــاة. التــي ُتب ِّلــغ عــن خطــر العــدوى الــذي ُيهـ ِّ
سبب األوبئة أل َّننا ال نملك الحيواني ْ ُ ِّ
ت أن ة َّ األمراض «إن المغــزى مــن االنتقــال مــن الفلســفة إلــى َّ
لمسـ ِّـببات األمراض التــي تنتقل من مناعــةً كاملــةً ُ ـر ببســاطة ،هــو أ َّننــا نجــد ـ
ُ ّق ي ـا
ـ كم ـا،
ـ األنثروبولوجي
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 10
هل يمكننا االستعداد لمثل هذا «الخطر» الوبائي؟ الحيوانــات إلى اإلنســان .لقد اســتفدنا من ق َْرنَيــن من المناعة
-فــي هونــغ كونغ ،Hong Kongوتايوان ،Taiwanوســنغافورة العمومية ،لكن
َّ ناعيــة بفضل باســتور Pasteurوالصحــة الص َّ ِّ
الممارســات البريــة
َّ غيــرات فــي الظــروف المعيشـ َّـية للحيوانــات ُّ ت
َّ لل ـة ـ نتيج
نــت مــن مالحظــة بعــض ُ ،Singapourتمكَّ ُ الحيوانية ِ
التــي دفعتنــي إلــى اإلصــرار علــى االســتعداد بوصفــه أســلوب ًا آخذة فــي االزدياد ،وتؤدي َّ ـإن األمــراض واألليفــة ،فـ َّ
ـؤدي إلى محــاكاة األوبئة افتراضيـاً،
ّ الجا ِئحــة .ولطالمــا اعتبــرت الوبــاء أُفقـ ًا إلــى خطــر َ
ـتراتيجياً .هــذا ال َّنــوع مــن ال َّتحضير يـ ّ ّ اسـ
العموميــة مثــل تخزيــن ـة ـ الصح ـرارات ـ ق أو ـفيات، ـ ستش الم ـي فـ تهمني .فــي عام ( ،)2009كان ُّ ة محلي
َّ ةقضي
َّ ـم ـ لتعمي وطريقــةً
َّ ُ
أول تحقُّ ــق للســيناريو ،دون حدوث اضطرابات وبــاء (َّ )H1N1
ـإن االســتعداد اللقاحــات واألقنعــة .وخالف ـ ًا للمبــدأ الوقائــي ،فـ َّ
أن الكارثــة موجــودة بالفعل عالميــة كبيــرة ،فــي عا َلــم ُمصــاب باألنفلونــزاun monde /
يتخيــل َّ َّ ال يحســب المخاطــر ،ولك َّنــه َّ
ويتصــدى لتهديــدات مثــل َّ لذلــك. ً
ا ويرســم أفقــ ًا للعمــل وفقــ ـأن الوبــاء أســطورة، الفرضيــة القائلــة بـ َّ
َّ ـت إذ ًا ،grippéاقترحـ ُ
ـم ْعدية ال َّناشــئة، كارثية تتطلَّب االهتمام بظروف انتقال ُمسـ ِّـببات قصــة
بمعنــى ّ
اإلرهابية ،أو األمراض الــ ُ َّ وويــة ،أوالهجمــات ال َّن َّ َّ
أن المبــدأ الوقائــي، ـيـ ه ـي ـ ت فرضي ـاخ. ـ المن ـرـ تغي األمــراض مــن الحيوانات إلى البشــر .في عــام ،2020أصبحت
َّ َّ أو اضطرابــات ُّ
ـم تحديــده فــي أوروبــا ،يقــوم علــى تــوازن دقيق بيــن تقييم كمــا تـ َّ كنت
ُ األســطورة حقيقــة ،لقد حدث ســيناريو الكارثــة بالفعل!
وص َّنــاع القــرار. ُ ـراء ـ ب الخ
ُ ـدرة ـ وق ـا،ـ وإدارته ـر
ـ المخاط مندهش ـ ًا مثــل الجميــع .يفاجئنــا الوبــاء دائم ـ ًا بقدرتــه علــى
إن هنــاك خطــر ًا للمناقشــة بالقــول َّ ـة ،نفتــح المجــال ُ فمــن ناحيـ ٍ ـل منــذ خمســة عشــر عام ـ ًا مــع ـت أعمـ ُقلــب كلّ شــيء .كنـ ُ
ٍ
ناحية جديــد ًا ينبغــي تحديــده من خــال تقاســم المعارف .ومــن علمــاء الفيروســات الذيــن أخــذوا هــذا الســيناريو على محمل
المطالبــة ،علــى ســبيل المثــال، ـم إغالقــه مــن خــال ُ أخــرى ،يتـ ُّ الجد .
ّ
11 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
الحيوانــات الموجــودة علــى الحــدود بيــن الحيوانــات األليفــة انتقالية بين
َّ صابة .إ َّنها مرحلــة
ـم َ
ـي للحيوانات الــ ُ بالذَّ بــح الجماعـ ّ
ـح َّراس»،ـميها «الــ ُ والمفترســة .هــذه هــي الحيوانــات التــي أسـ ِّ ُ الســكان بواســطة ّ ـى ـ عل ـيطرتهاـ س ـةـ الدول ـد
ـ ؤكِّ الوقايــة ،حيــث ُت
المجتمعات ،تمكِّ ننا من إدراك عالمات ال َّتحذير والتي ،في كلِّ ُ ســلطة الخبــراء ،واالســتعداد ،الــذي يدعــو إلــى ال َّتشــكيك فــي
االجتماعيــة إلــى مقارنــة
َّ ـم تســعى األنثروبولوجيــا مســبقاً ،ثـ َّ ال مــن ذلــك ،يســتند ال َّتحضيــر إلــى أســاس الدولــة .وبــد ً
ُقــدرات َّ
المشــتركة بيــن ُ ـات ـ العالم ـذهـ ه ـعـ توزي ـا
ـ به ـم
ُّ ـ يت ـي الكيفيــة التـ
َّ تقاســم المعــارف بــدء ًا مــن كتابــة ســيناريو الكارثــة التــي نحــاول
المجتمعــات. البشــر وغيــر البشــر حســب ُ تفاديها.
المختلفة إلدراك إشــارات داخلياً ،وظيفتي هي تحديد الطرائق ُ ّ
األنثروبولوجية الظواهر أن
أوضح َّ أن ِّ وخارجياً ،أحاولُ ْ ال َّتحذير. في ِكتاب ُح َّراس األوبئة ،Les Sentinelles des pandémies /
َّ َّ
عمليــات عبــور حواجــز األنــواع .مــا َّ الرئيسـ ّـية تلعــب دور ًا فــي َّ االجتماعيــة والطّ ــب
َّ تقتــرح «جينيالوجيــا موازيــة لألنثروبولوجيــا
يؤدي عبــور حواجز األنــواع ،في بيئات يهمنــي هــو أن أرى كيــف ِّ ُّ الـــموازي
البيطــري» .مــاذا سنكتشــف مــن خــال هــذا التاريــخ ُ
العالميــة اعتماد ًا
َّ مختلفــة ،إلــى إصدار إنذار بشــأن التهديدات خصصــات؟
لل َّت ُّ
الجمعيــات التــي
َّ ـع المحليــة ،وهــذا مــا أفعلــه مـ َّ علــى الظــروف ألن الطــب البيطــري والصحــة ـت هــذه الجينيالوجيــا َّ -لقــد كتبـ ُ
ربيــن الذيــن يريــدون م َّنا الم
ُ ِّ أو ـات، ـ الحيوان ـد ـ ض ـف تكافــح العنـ لمحاســبة االجتماعيــة ُ
َّ العموميــة يســتدعيان األنثروبولوجيــا َّ
الحيوانيــة بالنســبة
َّ أهميــة األمــراض َّ لعامــة ال َّنــاس َّ أن نشــرح ربين عندمــا تظهر أمــراض جديدة عنــد الحيوانات. ســلوك ُ ِّ
ـم ـ الـ
لألنــواع فــي بيئتها. المعرفيــة مــن أجــل تحديــد العقبــات فهــم إ َّنهــا فكــرة
َّ
ـلوكيات التــي يمكــن تغييرهــا .ومنــذ القــرن التاســع عشــر السـ ّ
لت إلى فكرة «حارس» األوبئة؟
توص َ
كيف َّ ريــة» ،لكــن هــذا ُّ َّ طو ت
َّ «ال ـاـ األنثروبولوجي ـىـ إل ـب ـ ل الطَّ ـذا ُو ِّجــه هـ
ـتقصائية فــي هونــغ كونــغ، َّ ـت أقــوم بدراســات اسـ -عندمــا كنـ ُ ظريــة علــى الســلوك «البدائــي» َّ َّ ن ال ـد
ـ للقواع ـة ـ األولوي
َّ يعطــي
اكتشــفت
ُ الحيوانيــة،
َّ بنــاء علــى أســئلة حــول إدارة األمــراض ً االجتماعية إلــى انتقاد
َّ والشــعبي .يرمــي تاريــخ األنثروبولوجيــا َّ
يتــم اكتشــاف
ُّ حيــث المــزارع، فــي هــذه اس ــرالح
ُ َّ ممارســات كيفيــة التعامــل مــع َّ ـون ـ يعرف ال ين رب ـم
ُ ِّ ـ الـ ـأن
َّ ـ ب ـة ـ القائل ـرة ـ الفك
وباء مســبقاً .فعلى ً وبائية أو حتى َّ األمراض التي يمكن أن تصبح ربــون معرفتهــم الم ُّ العمليــة ،يبنــي ُ َّ ـةـ مارس الم
المــرض .فــي ُ
ـملقَّح في مكانٍ الدجــاج غير الــ ُ وضع بعض َّ ُ ـم
ســبيل المثــال ،يتـ ُّ الخاصــة باألمــراض ،لذلــك يجب أن نحــاول مقارنتها بالمعارف َّ
فك تشــفيرخاص ًا ِل ِّ ّ ً
ا اهتمام ي رب
ُ ِّ ـم
ـ الـ ويولي ـة، خــاص فــي المزرعـ االجتماعية ببناء مجال أوســع َّ لمية .تســمح األنثروبولوجيا الع َّ ِ
بر َّمتهــا كانــت
أن المنطقــة ُ ـفت بعــد ذلــك َّ ـم اكتشـ ُ اإلشــارات ،ثـ َّ ــعبية مــن خــال والش َّ َّ ِ
مــن الترجمــة بيــن المعرفــة العال َمــة
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 12
ـورات دقيقــة تعطينا
علــى حــدود هــذه المجــاالت ،من خــال تَصـ ُّ ص ِفهــا َحارســةً فيمــا يتع َّلــق بالصيــن .وحتى في ف حينهــا ب َِو ْ ـر ُ
ُت َعـ َّ
معرفــة أفضــل بــه. مفهــوم الجهــاز المناعــي ،نجد «خاليا حارســة» تلتقط ُمسـ ِّـببات
المناعــي .ومــن بقيــة الجهــاز َ األمــراض ِل َن ْقــل معلوماتهــا إلــى َّ
فســر كذلــك اهتمامــك بأعمــال
أهميــة الخيــال هــذه ،هــي مــا ُي ِّ أن
الســمات مــن خــال ال َّتأكيــد َّ
َّ ـت بتعميــم كلّ هــذه ّ هنــاك ،قمـ ُ
المختلفة في كتابك األخير :إشارات ال َّتحذيرSignaux / الف َّنانين ُ ـي ينتقــل إلى الحــدود ،حيث يــرى عالمات الحــارس هــو كائــن حـ ٌّ
d’alerte؟ بقيــة الجماعــة (كائــن حــي، َّ ـا
ـ به ـغ
ـ ِّ
ل ب ي
ُ ـوف ال َّتهديــدات التــي سـ
-لقــد أدهشــني بالفعــل عمــل الف َّنانين الذين يســتخدمون الخيال إقليــم ،مجموعــة ،أو حتــى عالَم) .إ َّنه مثل الجنــدي الذي يذهب
ـتراتيجية ،مثــل ف َّنانة الشــارع إنفاديــر ،Invader ـة غيــر اسـ بطريقـ ٍ ـط الجبهــة ويب ِّلــغ عــن إشــارات العــدو .يقــع مصطلــح إلــى خـ ّ
َّ
تتخيــل التــي ُتنتــج صــور ًا فيروسـ َّـية ،أو لينــا بــوي ،Lena Buiالتــي ربين وتهديــدات الصحة الم
ُ ِّ ـات ـتقني
َّ ـرق ـ ط ـرقـ مفت ـد ـ عن الحــارس
َّ
ـكرية ،وكلّهــا تتموضــع فــي قلــب العموميــة والمخــاوف العسـ َّ
بالريش.نفســها طائــر ًا عندما ترى ســكَّ ان قريــة ِفيتنا ِم َّية يتالعبــون ِّ َّ
غيــرون وجهة ال َّنطــر من خالل وبــد ً ســعيت إلــى تجريــد هــذا
ُ لكننــي البيولوجــي، أنظمــة األمــن
تتبــع الفيــروس ،فإ َّنهم ُي ِّ ال مــن ُّ ّ
ـري .إ َّنهــم يلعبــون بخيال ـ البش ـمـ َ
ل العا ـى
ـ إل ـةـ رؤي ـروس ـ الفي ـل جعـ ـكرية لجعله باألحرى أســاس شــكل الصفــة العسـ َّ المفهــوم مــن ّ
ّ
مركزيـ ًا من خالل انتقــام الطَّ بيعــة ،ولكــن بطريقــة ُتخ ِّلــف تأثيــر ًا ال مــن أشــكال التضامــن بيــن البشــر وغيــر البشــر الذيــن يواجهون
ّ
الســعي إلى ري غ ـم تهديــدات مشــتركة.
َّ ْ تَب ِّنــي وجهــة نظر الفيروس أو الحيوان .فمن الــ ُ
قوية
تخريبية َّ
َّ اعتمــاد منظــور الفيــروس ،ألنــه يحتوي على حمولــة
مــن خــال طمــس الحــدود الفاصلــة بيــن األحيــاء وغيــر األحيــاء. ليبلِّغنــا بال َّتهديــدات التــي
أن الحــارس يعيــش فقــط ُ لكــن يبــدو َّ
عدو يســعى إلــى ال َّتعايش معنــا .أنا أحاول تعـ َّـرض لهــا والتــي نريــد حمايــة أنفســنا منهــا...
ومــع ذلــك فالفيــروس ّ
مفاهيميــة :رؤية من منظور َّ بعمليــة مماثلــة على نحـ ٍو أكثر َّ القيــام نميــز فــأر ال َّتجــارب عــن الحــارس؛ ففــأر ال َّتجــارب هــو ـب أن ِّ -يجـ ُ
المجتمعــات ُ نهــج هــو ً
ا أيضــ هــذا َّــاش. ف خ أو طائــر أو فيــروس جــزء مــن بروتوكــول لدينــا ســؤالٌ بشــأنه ،ونملــك إجابــةً ُمســبقة
الصيــاد تو ُّقــع نتيجــة الشــامانِ َّية مــن خــال طقوســها :يجــب علــى َّ َّ ـم تجنيــدهعنــه .والحــارس هــو جــزء مــن مجموعــة ،وبالتالــي يتـ ُّ
ارد ،مــع منــع طَ
ُ َ ـمـ الـ ـوان ـ الحي ـرـ نظ ـةـ وجه ـذـ أخ ـال ـ خ ـن ـ م ـدـ ي الص
َّ أن نعــرف مــا أن هنــاك تهديــدات دون ْ للمراقبــة ،حيــث نعلــم َّ ُ
ـم َصاد مــن االنتقام. الحيوان الــ ُ نوعهــا .المــوت ليــس اإلشــارة الوحيــدة التــي يرســلها .يمكننــا
عينــات بســيطة كمــا نفعــل فــي ـك شــفرة اإلشــارة انطالقـ ًا مــن ِّ فـ ّ
صياد فيروسات؟
أن تصبح َّ
هل يمكن للدولة ْ حالــة الفيــروس غــرب النيــل .وهنــاك أيضـ ًا طيــور الحراســة التي
ـدول؛ فهــو يتط َّلــب منهــا ـرج الـ ُّ َ المقاومــة ،كمــا نراقبهــا لمعرفــة مــا إذا كانــت تلتقــط البكتيريــا ُ
أن هــذا الوبــاء أ ْحـ َ -مــن الواضــح َّ
دبــر األمــور بطريقــة تســتبق األحــداث ،علــى ســبيل المثــال أن ُت ِّ نفعــل فــي جــزر أوســترال .Australes
فــي مشــكلة مخــزون األقنعــة .وهــذا يتعــارض مــع المنطــق لكــن يظــل الحارس فكرة محفوفــة بالمخاطر .وهناك مجموعات
ال مــن ال َّتخزيــن. فضــلُ ال َّتــداول بــد ً ـي الجديــد الــذي ُي ِّ نتصور أن تطلب منها أن تكون ُح َّراسـاً .وبوسعنا أن ـرية يمكن ْ بشـ َّ
الليبيرالـ ّ َّ
الدولــة الحديثــة َم ْب ِن َّيــة علــى الوقايــة ،مــن خــال تقييــم توزيــع ـتراتيجية تضــم مجموعات َّ ـ اس مة نظَّم ـة:
ـ ب
َّ ُ َ ُ ِ
رعم ـة
ـ بيولوجي ـةـ سياس
فســد هــذا إن الحاجــة إلــى ال َّتحضيــر ُت ِ الســكانَّ . المخاطــر بيــن ُّ ميــة في المركز ،وعلى الهوامش مجموعات ِحراســة ـكانية َم ْح َّ
سـ َّ
أن تكــون هنــاك مرونــة با ِل َغــة فــي ْ ـروري ـ الض
َّ ـن المنطــق ،أل َّنــه مـ عرضــة للخطــر ،والتــي يتم َّثــل دورهــا فــي إبــاغ المعلومــات ُم َّ
أن تنتقــل إلــى ْ يمكــن هــا ن
َّ إ إذ الفيروســات، لطفــرات صــديال َّت ّ إلــى المركز.
حيــوان وتعــود إلينــا فــي شــكلٍ آخــر .وهــذا لــم يتــم َد ْم ُجــه فــي
أن تنفتــح علــى ُبعـ ٍ
ـد الســبب يجــب ْ إلعطــاء معنــى لهــذا الوبــاء ،قــام البعــض مــن تلقــاء أنفســهم
نهــج الــدول الحديثــة .ولهــذا َّ
ـول مــن مجتمعــات أدى ال َّتحـ ُّ ـي أكثــر رحابــةً بكثيــر .فقــد َّ تاريخـ ّ
المؤامــرة.
ـي عــن ُ خي َلــة ِعقاب َِّيــة للطبيعــة أو ت ُّ
َخيــلٍ بوليسـ ّ بتعبئــة ُم ّ
الرعو َِّيــة إلــى شــكلٍ مــن أشــكال إدارة َّ ـات ـ جتمع الم
ُ ـى ـ إل الصيــد َّ مــاذا يعنــي هــذا لعالقــة مجتمعنــا بالطبيعــة؟
أن األمــراض الجديــدة تأتــي مــن َّ ـاـ بم ـن ـ ولك ـراض، ـ األم ـر مخاطـ ـدم القصــة مــن نــوع «انتقــام الطبيعــة» ،فإ َّنهــا ُتقـ َّ َّ -فــي حالــة
ـنأن نجــد شــيئ ًا مــن قــوة فـ ّ ـوالت عا َلــم الحيــوان ،فيجــب ْ تحـ ُّ
السياســية القــدرات وبالتالــي ــة، المعرفي والقــدرات الصيــد،
دت مــن خــال ـر
َّ ْ ـ تم ـا
ـ هنَّ ولك ـا، ـ ِيعه و َط ت ـى ـ إل ـعيناـ س ة علــى أنهــا ُقـ َّ
ـو
َّ َّ قويــة،َّ ـة ـإيكولوجي
َّ ـالة ـ رس ـك
ّ ـ ش ـا
ـ ب ـاـ ه ن
ّ َّإ ة. ـوائي ـ العش الطفــرات
لمجتمعــات الصيــد قصــد مواجهتهــا. ُ ُ
لكــن عيبهــا هــو أ َّنهــا تقتــرح تفســير ًا أحــادي الجانــب ُيشــير إلــى
وآمــلُ أن يكــون لدينــا شــيء نتعلَّمــه من تجــارب مجتمعــات مثل ُ إن الوبــاء المؤامــرةُ ،يقــال َّ قصــة ُ «الطبيعــة فقــط» .وفــي حالــة َّ
البلدان ـك العديد من ُ ال َّتايــوان وســنغافورة وهونــغ كونغ ،وبال شـ ّ
يدالنيــة ،والــدول البوليسـ َّـية ،ومــا َّ الص
لتلبيــة الصناعــات َّ َّ اخ ُتـرِعْ
اضطرت َّ المجتمعات أقاليم ِحراســة ألنها األخرى ،وتشــكِّ ل هذه ُ عيب
ٌ ـاـ له ة المر
َّ ـذهـ ه ـن ـ لك ة، ـي
َّ ـ سياس ـالة ـ رس ـون ـ تك ـد ـ ق ـك. ـ ذل ـى ـ إل
ئيــة ي
َ ْ َّ الب ـرات ـغي
َّ ُّ ت ال ـع ـ م ـف ـ تتكي
َّ ـي ـ لك ة ـي
َّ ـ سياس إلــى ابتــكار أشــكالٍ
هــو كونهــا فــي جانــب واحــد مــن الطَّ بيعــة .أعتقــد أ َّنــه يمكننــا
ـر بها .تايــوان ،على ســبيل المثال ،تشــكِّ ل نموذجاً التــي كانــت تمـ ُّ الوقــوف ،مــع علمــاء البيئــة ،وعلمــاء الفيروســات ،وعلمــاء
وديموقراطي.
ّ ـات ـ الثقاف د تعد
ِّ م
ُ مجتمع امــة: للحكَ َ َ الطيــور ،علــى العتبــة الفاصلــة بيــن البشــر وغيــر البشــر لنــرى
أجرى الحوار :ليو فابيوس ۹ترجمة :أسماء كريم
الممارســات التــي تضطلــع بهــا .يدفعنــا الخيــال نحــو الجنــون ُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ـاحات شاســعة مثــل الطبيعــة أو الدولــة! ٍ إذا اختصرنــاه فــي مسـ
مجلة « »Sciences Humainesالفرنسية ،عدد ( ،)336مايو ،2021ص.)29 - 28 - 27 - 26( : ـم َوضعــه ال مــن أشــكال العمــل إذا تـ َّ ولكــن يمكنــه أن يصبــح شــك ً
وســيطرت عليهــا» .بيــد أن أحــد أكثــر العوامــل إثار ًة للدهشــة في مــا هــو أكبــر تهديــد بالنســبة لــك؟ أخ أكبــر أم فرقــة مــن اإلخــوة
ديســتوبيا «جــورج أورويــل» « »1984هو أنها ،وهي تعالج مســألة الصغار؟ العين العمودية التي ينوء تحت وطأتها شعب اإليغور
االســتبداد السياســي في االتحاد الســوفياتي ،فإنها تصف بشــكلٍ األفقيــة التــي تمــارس التلصــص علــى معطياتنا في كلِّ
ّ أم العيــون
ّ ّ
ـرض المعلــن الــذي نتعـ َّ الملتــوي وغيــر ُ كامــل أيض ـ ًا االســتبداد ُ العا َلم؟
مــكان مــن َ
لــه باســتمرار .دعونــا نأخــذ كمثــال علــى ذلــك نــص اإلعــان عــن
نتوجــه بهــذا الســؤال إلى األشــخاص َّ -رافاييــل إنتوفــن :يجــب أن
المخالطيــن، ـت مــن ُ لمكافحــة كوفيــد« :إذا كنـ ُ تطبيــق جميع ـ ًا ُ «ديموقراطيتنا الزا ِئفة» ،وفي نفس الوقت الذيــن يتظاهــرون ضد
َأعـزِل نفســي فــور ًا وأُحذِّ ر أقربائــي ..»...التوصيات لــم تعد تكتب ّ
المتك ِّلــم (كمــا هــو الحــال مــع ديكتاتوريــات لــن يقووا علــى العيش داخلهــا ...فعلى ّ يمتدحــون
فــي صيغــة األمــر ،ولكــن بضميــر ُ الرغــم مــن النقائــص التــي تعتــري دولــة القانــون ،فــا يمكــن أن
بعــض اإلعالنــات« :مــع كارفــور ،أنــا إيجابيــة»« ،لوريــال؟ ألننــي
رســل الديكتاتوريات هنا
ّ نقــارن بيــن العيــش فيها والعيــش فــي إحــدى
الم َ تؤدي إلى حرمان ُ أســتحقه»،إلخ) .ومثــل هــذه الطريقــة ِّ وهنــاك .يبقــى مع ذلــك أن العيش في بلـ ٍ
رســل للم يترك الذي األمر إليــه مــن ّأيــة مبادرة ،على عكــس فعل ديموقراطي ال يحمينا
ّ ـد
ُ َ
الحر ّيــة فــي أن يقــول ال. إليــه والدعائيــة
ّ قميــة
الر ّ مــن أن نكــون عرضــةً للعديــد مــن اآلليــات َّ
ّ
اإلعالنيــة التــي تضــع نفســها فــي مكانــي لكــي تبلغني ّ ـات
فالوصـ ُ
قمية ()nudges الر ّواإلعالمية -انطالق ًا من التنبيهات أو الوكزات َّ ّ
ـد ذاتهــا ،كمــا تهاجــم ـ ح ـي ـ ف ـةـ الرغب ـمـ تهاج ـي ـ رغبات ـة ـ عــن طبيع ال إلى الخوارزميات -تشــكِّ ل رغباتنا وتختزل ســلوكياتنا في ووصو ً
ِّ َ
الديكتاتوريــات اإلرادة .قــوة األخ األكبــر (مثــل قــوة صانعــي ً
مجموعــة مــن البيانــات .األخ األصغــر ليس أقلّ نشــاطا من أخيه
ّ
ال مــن إخضــاع الفــرد ،فهــو اإلعالنــات) تأتــي مــن حقيقــة أنــه بــد ً ـص زجاجــي ،وصياغــة إن تحويــل الفضــاء العــام إلــى قفـ ٍ األكبــرّ .
ـن يكون ومــا الذي قميــة الر ـم ـ والمحاك ، ـي ـ االصطناع ـذَّكاء
ـ ال ـق ـ طري ـن ـ ع الرغبــات
بمـ ْ
يعمــل علــى نحــت أحاسيســه وعلــى إخباره َ َّ ّ ّ
يرغــب بــه دون أن يكــون هــذا الفــرد واعيـ ًا أو قــادر ًا علــى الفصــل للمتهميــن حتــى فرصــة الدفــاع عــن أنفســهم كلّهــا التــي ال تتــرك ُ
بيــن مــا ُيم َلــى عليــه وما يرغــب بــه واقعياً .حيــث يقــول «أوبرايان الحر ّية.
ّ ـذه ـ به محتمية ـس ـ ف
َّ وتتن ـو
ـ وتنم ـش ـ تعي للحر ّيــة
ّ أعــداء
لوينســتون ســميث»( :نحــن ال نطمــح فقــط إلــى الحصــول علــى األجنبيــة وحدهــا ترصدنــا ،بــل عيــن ّ لــم تعــد عيــن الجهــات
طاعــة ســلبية ،أو حتــى علــى أكثــر أشــكال الخضــوع انحطاط ـاً. الهاتــف الذَّكــي التــي يمكــن أن يفتحهــا جــارك خفيــة ليتلصــص
فعندمــا ســتأتي إلينــا أخيــر ًا يجب أن يكــون ذلك بمــلء إرادتك... عليــك« .النقطــة الهامــة ،يقــول ميشــيل فوكــو فــي مؤلَّفــه إرادة
نغيــر عقيدتــه .نأســر المعرفــة الصــادر ســنة ،1976ســتكون هــي أن نعــرف تحــت ّأيــة
ندمــر المــارق ألنــه يقاومنــا ...بــل ِّ نحــن ال ِّ
ـموليين ـ الش الحكام لدى األمر كان آخر... ً
الـك ـ ش ونعطيها روحه، أشــكال ،وعبــر ّأيــة قنوات ،ومن خــال االنزالق في ّأيــة خطابات،
ّ
فيصــاغ بـ«هكذا أنت»). لدينا ـا
ـ أم
ّ عليك»، ـب ـ «يج ـي:ـ كالتال ُيصــاغ وفرديــة.
ّ التصرفــات دقــة ُّ تمكَّ نــت الســلطة مــن النفــاذ إلــى أكثــر
ُ
وأيــة طــرق ســمحت لهــا بالوصــول إلــى أكثــر أشــكال الرغبــة ّ
ـام مــن األخبــار الزائفــة، فــي وقــت أصبحنــا فيــه ضحيــة ِلكَ ـ ٍّ
ـم متنـ ٍ اليوميــة
ّ ـةـ تع الم
ُ ـى ـ إل ـذت ـ نف ـف ـ وكي اإلدراك، ـي ـ ف ـة
ـ وصعوب ة
ً ـدرنـ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 14
قويــة لــوزارة الحقيقــة فــي القــرن الحــادي فنحــن نشــهد عــودة ّ حر ّيــة التعبيــر باســم الحقيقــة؟ هــل علــى
هــل ينبغــي الحـ ُّـد مــن ّ
ـرة يطمــح فيهــا البعــض إلــى إعــادة كتابــة والعشــرين فــي كلِّ مـ ّ الدولــة أن تكافــح انتشــار هــذه األخبــار؟ أليــس هنــاك خطـ ٌـر مــن
تكون في القرن الحادي والعشــرين َّ الذي التاريــخ وفقـ ًا للتعريف أن تتطـ َّـور األمــور باتجــاه وزارة حقيقــة أخــرى ،ســوف تقـ ِّـرر مــا هــو
للجــواب عــن ســؤالي :مــا هــو الخير؟ ومــا هو الشــر؟ ..إنهــا وزارة صحيــح ومــا هــو زائــف؟
الحقيقــة التــي تقــوم بإعــادة بعــث الحيــاة فــي «كارمــن» ،ألننــا
االجتماعيــة الرقابة علــى رئيس دولة، ّ -عندمــا تفــرض الشــبكات
«يجــب ّأل ُنظهــر مــوت امــرأة على خشــبة المســرح» (حدث ذلك
حر ّياتنــا ،ولكــن عندمــا ـد مــن ّ فإننــا نتهــم شــركات الجافــا* بالحـ ِّ
فــي النســخة الجديــدة مــن مســرحية «كارمــن» تحــت إدارة ف ّن ّيــة
للديكتاتورية!
ّ ً
ا ـر
ـ تمظه ـك ـ ذل في تتك َّفــل الدولــة بذلــك ،فإننا نــرى
ـم عرضهــا فــي عــام ،))2018 للمخــرج «ليــو موســكاتو»( ،والتــي تـ َّ
ُ
إنهــا وزارة الحقيقــة التــي أزالت عنوان «الزنوج العشــرة الصغار» بــد مــن الحســم فــي األمــر ...كان لدينــا مرشــح ال يعتــرف ال ّ
مــن الروايــة المعروفــة لـ«أجاتا كريســتي» ،وألغت عــروض فيلم ـرد فــي غــزو مبنــى ُّ ـ التم ـى ـ إل ـه ـ دعوات ب ـب
َّ ـ تتس ـا
ـ وعندم ـارته،ـ بخس
«ذهــب مــع الريــح» ،أو قامــت بتغييــر اســم مدرســة ثانويــة... الكابيتــول وتفضــي إلــى وفاة خمســة أشــخاص ،فليس مــن قبيل
الحر ّيــة أن تقــوم المنابــر المعنيــة بإبعــاده ،وأن ّ اإلجهــاز علــى
مثــل «أورويــل» ،أنــت صاحــب فكــر ُحـ ّـر ،بطريقتــك الخاصــة .هــل ـة أخــرى ،بتجريــده مــن القــدرة علــى يتك َّفــل القانــون ،مــن ناحيـ ٍ
ُح َّجــة األغلبيــة طغيان؟ إلحــاق المزيــد من الضرر .والقيام بذلك ال يعني التشــريع بشــأن
مــا ينتمــي للحقيقــة ومــا يخالــف الحقيقــة .وعــاوة علــى ذلــك،
االجتماعيــة ،يأخــذ طغيــان األغلبية شــكل
ّ -فــي عصــر الشــبكات إعالميــة الغاية مــن وجودها هي إنتــاج أخبار فــإن ظهــور دكاكيــن
معيــن وإقصــاء صاحبــه أو ـولـ ق ـر
ـ بتزوي ـوم
جحافــل منظّ مــة تقـ ّ
َّ زائفــة يفــرض علينــا ،مــن أجــل وقفها عــن إلحاق أضرار ملموســة
إلغائــه أو اســتعمال أعــداد كبيــرة مــن التغريــدات لكتــم صوتــه بالغيــر ،أن نتوفَّــر علــى أدوات قانونيــة جديــدة .ال وجــود ألي
وحرمانــه مــن ح ّقــه في الدفاع عن نفســه .ماذا إذن عســانا نفعل ـإن وزارة الحقيقــة فــي اســتبداد فــي هــذا الموضــوع .وأخيــراً ،فـ ّ
حيــال هــذا؟ نلتــزم الصمت؟ ذلك أيســر األمور ،لكنــه يترك طعم ًا روايــة « »1984ليســت مســؤولة عــن «الحقيقــة»! ودورهــا ليــس
ـرد ونهاجــم الوحش. كريهـ ًا فــي الفــم .مــن األفضــل أن نـ َّ تزويــر المعلومات طالما ليســت هناك ّأيــة معلومات من األصل،
حوار :سفين أورتولي ۹ترجمة :سهام الوادودي
بــل إعــادة كتابــة التاريــخ وفقـ ًا الحتياجــات الحاضــر .مثــل هــذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان األصلي والمصدر
البلــد الجــار ألوســيانا الــذي كان حتــى األمــس القريــب ،عــدو ًا
ـي. ٍ طبيعيـ ًا لــأخ األكبــر ،فتـ َّ
«Raphael Enthoven: «Nous vivons déjà en 1984
ـم تحويلــه إلــى حليــف أزلـ ّ
Philosophie Magazine, Hors série N 48 hiver printemps 2021 وال يمكــن العثــور علــى معــادل لــوزارة الحقيقــة حالي ًا فــي قانون
* الجافــا :اختصــار ألســماء الشــركات األربــع األكثــر قــوة فــي مجــال اإلنترنــت( :جوجــل ،آبــل، تــم تعديلــه مــرار ًا وخضــع زيفــة ،الــذي َّ الم َّ
مكافحــة األخبــار ُ
فيســبوك ،أمــازون). بالمقابــل،
ـي بوســائل شـ َّتى قبــل إصــدارهُ . للترشــيح الديموقراطـ ّ
15 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
«توماس أوخرت»
االنقسام يُولِّد رضا ً نرجس ّيا ً
والسعادة أكرث تعقيدا ً من الحزن
ملطلــق ،بينــا متنحهــم االنقســامات حــول بلــوغ ؤامــرة خلــف الشــعور باألمــان ا ُ مل َبنظريــات ا ُ
ّ ملؤمنــون «يركــض ا ُ
ين «تومــاس أوخــر» ،يف إحــدى ملح ِّلــل النفـ ّ
ـي األملــا ّ ـي» ..هكــذا ُيجيــب ا ُ
هــذه الغايــة حالــةً مــن الرضــا الرنجـ ّ
حلقــات برنامــج «مــؤازرة ،»Hilfe /الــذي ُيجـ َـرى ب ُّثــه ضمــن بودكاســت موقــع «دي تســايت» ،الــذي يســتضيف
ـاعدة لل ُقـ َّـراء مــن خــال اإلجابــة عــن قامئــة من األســئلة التي يقدمــون يــد ا ُ
ملسـ َ وروائيــن ِّ
ّ أطبــاء ومح ّللــن نفسـ ّـيني
مريــة مختلفــة
ـلوكية بــن رشائــح ُع ّ الجا ِئحــة مــن اضطرابـ ٍ
ـات نفسـ ّـية وسـ ّ ـل مــا أفرزتــه َ باتــت تفــرض نفســها يف ظـ ّ
جتمعيــة .يقـ ِّـدم «أوخــر» بعــض االجتهــادات يف
ّ مل ـخصية أو ا ُ
ّ عــى صعيــد التع ُّلــم أو العمــل أو العالقــات الشـ
يتطرق فيه إىل
َّ محاولــة لفهــم الحقائــق التــي طــرأت عــى واقعنــا ،وهــو مــا تناولــه يف كتابه «حــزن »Trauer /الذي
كيفيــة فهــم مشــاعر الحــزن وتفكيكهــا ،درءاً للوقــوع يف العديــد مــن األمــراض النفسـ ّـية ،وعــى رأســها االكتئــاب،
واضطرابــات الســلوك وتحطُّ ــم الثقــة.
األكثــر حضــور ًا فــي خلفيــة األحــداث الراهنــة .إحــدى اآلليــات وحيويــة للغايــة
ّ محادثــة ممتعــة
َ مؤخــراً
َّ ســيد «أوختــر» ،أجريــت
دور مهيمن فــي مثل هــذه األوضاع ،من التــي كثيــر ًا مــا يكــون لهــا ٌ حادثــة ،فاجأنــي الرجــل
الم َ
الحرفييــن ،ولكــن فــي نهايــة ُ
ّ مــع أحــد
ـي ،مــا ُنطلــق عليــه مصطلح «االنقســام» منظــور التحليــل النفسـ ّ ؤامــرة حــول كورونــا .فــي الواقــع،
الم َنظريــات ُ
ّ بأنــه مــن أصحــاب
«الضديــة»« :هنــاك األقويــاء والضعفــاء ،الخيــر والشــر، ّ أو عندمــا أســمع شــيئ ًا كهــذاُ ،أصــاب بحالــة مــن اإلجهــاد الشــديد.
المتناقضــات فــي ظــلِّ األزمــات وتجــد لهــا أتباعـ ًا ـش ـ تنتع ـث ـ حي ـتحق العنــاء
المناقشــات ال تسـ ّ
ُ ـعور دائــم بــأن مثــل هــذه ُ
ـدي شـ ٌ لـ َّ
العا َلــم الــذي صــار -أكثــر تعقيــد ًا المتو َّقــع أن َ ومريديــن» .ومــن ُ على اإلطالق ،لكونها ال تُجدي ولن تسفر عن شيء ..في رأيك،
المثير ـرة أخــرى إلى صيغتــه األكثر بســاطةُ . وتفســخاً -ســيعود مـ ّ ُّ هــل أنــا ُمخطــئ؟
العا َلــم –التــي َ ـنـ ع ـة
ـ الحالي ـة ـالذهني
ّ ـورة ـ الص لالهتمــام ح ّق ـ ًا أن
ؤامــرات األقويــاء وســط جهــل الجمــوع بمــا يــدور ال اســتيعاب دوافــع هــؤالء قبــل صــرف النظــر عــن -ينبغــي أو ً
بم َ امتــأت ُ
خلــف الكواليــس– هــي بالفعــل صــورة رديئــة للغاية مــن الناحية مناقشــتهم .يجــب علــى المــرء أن يأخــذ فــي االعتبــار أن مثــل
ـذر بهيكلــة عالَميــة وشــيكة، الواقعيــة .ولكــن هــذا ،فــي رأيــي ،ي ُنـ ِ هــذه القناعــات لــم تتو َّلــد لديهــم من العــدم ،بل أنها تلعــب دور ًا
ّ
أمــا عــن تعاطــي البعــض ـخصية. ال على دوافع نفسـ ّـية شـ مهمــة لــدى هــؤالء نــزو ً ووظيفــة َّ
ممــا يزيــل مخاوفــي بعــض الشــيءّ . ّ ّ
إن تصادميــة ،فهناك قاعــدة عامة تقــول َّ مــع مــا يحــدث بطريقـ ٍ
ـة ؤامــرة» أصبحــت بمثابــة الم َ«نظريــات ُ
ّ مــن الصعــب أن ننكــر أن
ّ
اآلليات. تطرفــة تجبــر النــاس علــى تب ِّنــي مثــل هــذه بركــة عميقــة تبتلــع أغلبنا ،وذلــك نظر ًا للحالة التــي وضعتنا فيها
ّ الم ِّ المواقــف ُ
العا َلــم فــي االنهيــار ،مثلمــا ـذ ـ أخ ـا
ـ عندم ـال، ـ المث ـبيل فعلــى سـ ـاء هائــل مــن عــدم اليقيــن. صرنــا نَرتــع فــي فضـ ٍ أزمــة كورونــاِ ..
َ
فقدنــا لألحباء: هــو الحــال فــي ظــلّ أزمــة كورونــا ،وعندما توالــى ُ المختبــرات االســتناد إلــى فرضيــة أن الفيــروس نشــأ فــي أحــد ُ
نوجــه اللوم ســوى لألطبــاء» .هذا الســلوك الهجومي يجعل «لــم ِّ العالَم من منطلق الصراع على الســلطة وجــرى إطالقــه في وجــه َ
مــر ًة أخــرى فــي ً ـخصي ـ الش األمان من حالة ـض ـ البع ـحوســباق الهيمنــة ،إنمــا تمنـ
الوضــع الخــارج عــن الســيطرة أكثــر وضوحــا ّ ّ
إن األفــراد َّ ـول الم َجهــد .ومــع ذلــك ،يمكننــي القـ خلفيــة إدراكنــا ُ وإن كانــتْ ـى ـ حت ـاؤالت، ـ التس ـاب ـ ضب وبلــوغ طــرف خيــط وســط
الفوضــوي بطــرقٍ
ّ َــم
ل االع
َ مــع ــل التعام
ُ ً
ا دائمــ باســتطاعتهم فرضيــة مقبولــة بالــكاد ،وذلــك ألنهــا تجعلهــم يعرفــون اآلن مــا
مختلفــة وســلوكيات غيــر متوقَّعــة. ؤامــرة تمنــح األفــراد هــذا الم َ نظريــات ُ ّ وراء هــذا «المجهــول».
خاصــة أولئــك الذيــن يحتاجــون ّ المضطــرب مــن األمــان، النــوع ُ
مــن أيــن تنشــأ هــذه الســلوكيات إذن؟ ومــا الذي َيبقــى داخلنا بعد ـدة ،لكونهــم عاجزيــن عــن قبــول الواقــع. إليــه بشـ ّ
خفــوت هذا الصخب؟
العا َلم؟ وإذا ما ك ّنا نعيشأتعتقد أن األمر يتعلَّق بإعادة ترتيب َ
المحلّليــن النفسـ ّـييننتخيــل نحــن ُ
َّ ـوي،
-فــي علــم النفــس التنمـ ّ فــي حالــة مــن «الفوضــى الخالقــة» -إذا جــاز التعبيــر -هــل هنــاك
األوليــة التــي ُتشــكِّ ل فيهــا األم مــع طفلها صيغــة تكافلية
ّ الحالــة
ـات ُعرضــة للوقــوع فــي هــذه االنقســامات أكثــر مــن غيرهم؟ فئـ ٌ
ـعبة ال محــدودة ،حيــث تتالشــى فيهــا األنــا والــذات تمامـاً. متشـ ِّ
الخاصــة بنــا ،البــد مــن
ّ لكــي نصبــح قادريــن علــى تشــكيل األنــا العالَــم هــي
ــد ســيناريوهات إعــادة ترتيــب َ
-فــي األغلــبُ ،ت َع ُّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 16
لقــد تعلَّمنــا مــن تجربــة الوبــاء تقديــر كلّ مــا كان يمثِّــل حقّــ ًا
مكتسب ًا في الماضي ..،فهل يمكننا اآلن أن نقبض على السعادة
الحياتية
ّ الخافتة في ظلِّ النمط الحياتي الجديد وعودة المظاهر
الســابقة ،ولو بصور ٍة مؤقَّتة؟ ولكي نشــعر بالســعادة ،هل يجب
أن نكون تعســاء مســبق ًا؟
ربمــا أكثــر تعقيــد ًا مــن -الســعادة هــي تجربــة دقيقــة للغايــةّ ،
الحــزن ،إذ يصعــب التمســك بهــا أو اإلبقــاء عليهــا لفتــر ٍة طويلــة
النظــري فيمــا إذا كان «الشــخص ّ نســبياً .يبــدأ األمــر بالتفكيــر
ّ
المحظــوظ» يمكنــه أن يختبــر ســعادة دائمــة ومثاليــة .ببســاطة
طبيعيـاً ،بــل ســيكون ممـاً ،وذلــك وفقـ ًا لــرؤى ّ لــن يكــون األمــر
فرويــد .لحظــات الــذروة تنتمــي ،في األصل ،إلى جوهر الســعادة
نفســها .وهــو اســتثناء ،فــي رأيــي .يمكنــك أن تــرى ذلــك بوضــوح
شــديد في الوضع الذي نعيشــه حالياً .نحن جميع ًا ســعداء اآلن
الجماعي،
ّ طبيعية تمامـاً :العمل ّ بأشــياء كانــت تبدو في الســابق
تأمل معــي ،إذا لم يتم الثقافيــة .فقــط َّّ وحر ّيــة الحركــة ،والحيــاة
ّ
حجــب هــذه المظاهــر وحرماننــا منهــا لمــدة عــام ونصــف العــام
ـرد
تقريبـاً ،لــم نكــن لنشــعر بمثــل هــذه الســعادة الغامــرة لمجـ َّ
مر ًة أخرى .تنشــأ الســعادة ،في القدرة على خوض ذات التجربة ّ
ـم تعويضــه .وهي ُّ ـ يت ـم
َّ ـ ث ـد، ـ بالفق العــادة ،عندمــا يســود الشــعور
وديناميكيــة الحجــب
ّ آليــة نفسـ ّـية أيضـ ًا ترتبــط بمفهــوم االعتيــاد ّ
ـاالت وليــدة عنــد إنهــاء ذلــك المنع. أو المنــع ومــا تضفيــه مــن حـ ٍ
األوليــة ومراعــاة تتابعهــا بشــكلٍ
ّ تنظيــم ســير مثــل هــذه الحالــة
يبــدو األمــر مأســاوي ًا .لطالمــا عرفنــا هــذه الســعادة الدائمــة فــي ســليم ،كمــا ينبغــي أيض ـ ًا تقســيمها إلــى أطــوار .نفــس الشــيء
إل أنهــا ضاعــت إلــى األبــد فــي زمــن الســابق دون أن ندركهــاّ ، فطريــة مــع رؤيتنــا لألضــداد .ففــي البدايــة يكون ّ يحــدث بطريقـ ٍ
ـة
ا بداخلنا لدرجة متأصـ ً
ِّ ـودة ـالع ـى
ـ إل الكورونــا .ولكــن يظــلّ التــوق ـم بعدهــا ال نــرى ســوى الخيــر فقــط ،أو هنــاك الخيــر والشــر .ثـ َّ
المستمر إلى استعادتها ...تُرى ،أيخفف نكف عن السعي ُ أننا ال ُّ المنغصــات فقــط .وتتالشــى ُ أو ـط، ـ فق المتعــةالشــر فقــط ،أو ُ
ذلــك مــن حظوظنــا الســيئة فــي الواقــع؟ للمتناقضــات لتهيمن أحاديــة الرؤية المزدوجــة ُ تدريجيـ ًا الرؤيــة ُ
َحمل األشــياء
ال مــن الرؤية الجمعية .عن نفســي ،ال يمكنني ت ُّ بــد ً
-ليس لدينا أي ســلطة أو تأثير على ركضنا خلف الســعادة ،لكن
يمكننــا التأثيــر فــي كيفيــة تعاملنــا مــع هــذا الســعي .فــي مجــال الســيئة أو الشــريرة أو غير الســارة .هي ُمحفِّزة من تلقاء نفســها
ا فــي داخلنــا وال تغــادر علــى االنقســام ،كمــا أنهــا تمكــث طوي ـ ً
ـي ،نطلــق علــى الحاجــة إلــى الرغبــة الدائمــة في التحليــل النفسـ ّ
المتعــة». ســريع ًا علــى عكــس الســعادة أو البهجــة التــي تشــبه ومضــة
أن نكــون راضيــن تمامــاً ،بــدون منغصــات« ،ســلطة ُ يصعــب إطالــة أمــد بقائها .هكذا يقبع الحزن فــي داخلنا ويتع َّنت
نتقبــل احتمــاالت الفشــل فــي بلــوغ مثــل هــذه يجــب علينــا أن َّ
ـة أخــرى ،إذا قبلنــا كلتــا الحالتيــن« :حاجتنــا الحالــة .مــن ناحيـ ٍ ـي ،يتبــع هــذاالصحـ ّ
ـي ّ ـور النفسـ ّ فــي حــزم حقائبــه ..فــي التطـ ُّ
ٍ
للســعادة مــن ناحيــة ،وحقيقــة أن الحيــاة تنطــوي علــى مظاهــر االنقســام الرأســي حــول مفهومــي الخيــر والشــر ،انقســام آخــر
ـة أخــرى ،نكــون قــد توصلنــا إلــى مــا هــو أهــم التعاســة مــن ناحيـ ٍ تفســر
أفقــي يخلــق ازدواجيــة بيــن كلتــا الحالتيــن ،وهــي التــي ِّ
ـميه «ســلطة الواقــع» .بلــوغ كيــف نحمــل داخلنــا بوصلــة استشــعار الخيــر والشــر.
المتعــة» ،وهــو مــا نسـ ّ مــن «ســلطة ُ
ـداً .عــن نفســي ،تعلَّمــت مــن «ســلطة ّ ـ ج ـد ـ مفي ـاحة هــذه المسـ
العا َلم ،فجأة ،معقَّداً بشكلٍ رهيب...
وبعد كلّ ذلكُ ،يصبح َ
الواقــع» أن تجربــة التعاســة عــاد ًة مــا تتبعهــا تجربــة أخــرى مــن
ـات الصعبــة بشــكلٍ الســعادة .هــذا يجعلنــي أتغ َّلــب علــى األوقـ ِ -بالضبــط .لقَّنــت تجربــة الوبــاء الجميــع درسـ ًا قاســياً ،وهــو أن
ـتبددها .نتع َّلــم
ـة سـ ِّ ـق فيمــا ســيتبعها مــن حالـ ٍ أفضــل ،ألننــي أثـ ُ األمــور ليســت بســيطة فــي العــادة .فــي مســار الحيــاة نتع َّلــم
حــي ،فعندمــا ٍ
هــذا الــدرس فــي وقــت مبكِّ ــر مــن تنظيميــة -آليــات
المختلفــة ّ اآلليــات واألســاليب ُ العديــد مــن
الص ّ التطــور ُّّ ّ ّ
ـم إرضاعــه .ولكــن َّ ـ يت ـى ـ حت ة ـد
يجــوع الطفــلُ الرضيــع ،يبكــي بشـ ّ التعامــل مــع مثــل
ُ دفاعيــة -التــي تســاعدنا بدورهــا علــى
ّ وآليــات
ّ
بمــرور الوقــت ،يتع َّلــم الطفــل التعامــل مع الجوع بشــكلٍ أفضل هــذه األزمــات .ولكــن إذا تع َّقــدت األمــور فجــأة بصــور ٍة مربكــة
ـد ال يمتلــك صفــةَ الديمومــة. ـأن الفقـ َ
وأفضــل ،فهنــاك يقيــن بـ َّ وضاغطــة للغايــة ،فقــد يحــدث للبعــض أن ينزلقــوا إلــى حافــة
حوار :أالرد كتليتس ۹ترجمة :شيرين ماهر العالَــمالهاويــة واالنهيــار .لقــد جــاء الفيــروس القاتــل إلــى َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إن االنقســام واالختــاف يخلــق حالــة نتاج ـ ًا ألخطــاء البعــضَّ .
المصدر: ـي .لكــن هــذا يعنــي أيضـ ًا أنــه علينــا أن نقــول
مــن الرضــا النرجسـ ّ
https://www.zeit.de/zeit-magazin/2021/30/psychoanalytiker-thomas-
_auchter-spaltung-realitaet-komplexitaet-schutz?fbclid=IwAR2dZ3ngW وداع ـ ًا لحقيقــة محوريــة ،وهــي« :ليــس هنــاك مــا هــو ســهل؛
e5PfBmHPMAryrMemw91euHgeCw35VgsRLN0YgjlAl6cNSh8Gk المجتمــع ،أو ذاك الواقــع»... العا َلــم ،أو ذلــك ُ
ســواء هــذا َ
17 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
اليشء باليشء يُذكر
مرآة الرغبة
العا َلــم مــن حولــه .كانــت هــذه
اعتــاد اإلنســان منــذ قــرون أن يصنــع لنفســه مرايــا يك ينظــر فيهــا إىل نفســه وإىل َ
أن األمـ َـر اختلــف «الصحــة» يك ال نقــول العلــمّ .
إل ّ ّ املرايــا ممهــورة بتوقيــع االقتصــاد أو السياســة أو الثقافــة أو
َ ِ
ـايل» بامتيــاز .لقــد بدا اإلنســان «الجائحــة» منظــوراً إليهــا يف هــذا الزمــن «اإلعالمـ ّ
ـي واالتّصـ ّ مــع «الكوفيــد» ،أي مــع
ا يف هــذه الســنوات عــى «مــرآة جديــدة» فرضــت نفســها عليــه .مــرآة منفلتــة ،مراوغــة« ،ال ميكــن تصنيفهــا» مقبـ ً
كل مبقــدار .فكيف ينظر اإلنســان إىل نفســه كــا قــال جــاك جوليــار ،ألنّهــا ميكــن أن تُنســب إىل التصنيفــات ك ّلهــاّ ،
الجا ِئحــة»؟
ـظية؟ كيــف ينظــر إىل نفســه يف «مــرآة َ يف هــذه املــرآة املتشـ ّ
وأن هــذه الجا ِئحــةّ ، بمع ًنــى مــن المعانــي مــع هــذه َ األول مــن مغامــرات «هــاري بوتــر» ِ
الجــزء ّ فــي
مماّ ـراب ـ «االقت ـن المــرآة قــد انتقلــت مــن التعبيــر عـ ابــن
ُ الطفــلُ يكتشــف «ج.ك.رولينــغ»، بــة ِ
ت للكا
عمــا ال نرغــب فيه». «التباعــد ّ
ُ نرغــب فيــه» ،إلــى الحاديــة عشــرة مــرآ ًة عجيبــة .ينظــر فيهــا فــا يــرى
… وأمــه اللذيــن فقدهمــا منــذ وجهــه ،بــل يــرى أبــاه ّ
اعتــاد اإلنســان منــذ قــرون أن يصنــع لنفســه مرايــا يأســره مــرأى والديــه الراحليــن وتفتنــه ُ ســنوات.
العالَم مــن حوله. كــي ينظــر فيهــا إلــى نفســه وإلــى َ ـد تلكالمــرآ ُة بقدرتهــا العجيبــة فــإذا هــو منذئــذ عبـ ُ
كانــت هــذه المرايــا ممهــورة بتوقيــع االقتصــاد أو يهمــه مــن أمر النهــار ّإل انتظــار الليل اللحظــات .ال ّ
«الصحــة» كــي ال نقــول ّ السياســة أو الثقافــة أو وأمه فــي المرآة، ّ ـوهـ أب حيث ـى ـ إل ً
ا ـ ي كــي يعــود متخ ّف
أن األمــر اختلــف مــع «الكوفيــد» ،أي مع العلــمّ .إل ّ وتلــك الكتابــة الغريبــة المحفــورة أعالهــا« :تبغــرال
«اإلعالمي ـنـ الزم هذا في ـا ـ إليه «الجا ِئحــة» منظــور ً
ا َ نــم كبلــق يــف أم لــب كهجــو كيــرا ال انــا».
ّ
ا فــي واال ّتصالــي» بامتيــاز .لقــد بــدا اإلنســان مقب ـ ً كلمــات غامضة حاول «هاري بوتر» تفكيك شــفرتها
ّ
هــذه الســنوات علــى «مــرآة جديدة» فرضت نفســها ثــم اكتفــى منهــا بتلــك األصــوات دون جــدوىَّ ،
عليــه .مــرآة منفلتــة ،مراوغــة« ،ال يمكــن تصنيفها» الصامتــة التــي أصبحت أنيــس لياليــه الطويلة رفقة
كمــا قــال «جــاك جوليــار» ،أل ّنهــا يمكــن أن ُتنســب مرآتــه الفاتنــة .وكان فــي وســعه أن يخســر طفولتــه
إلــى التصنيفــات كلّهــا ،كلّ بمقــدار .فكيــف ينظــر ـه «دمبلــدور» بتلــك الطريقــة لــوال أن حــذّ ره ُمعل ُِّمـ ُ
اإلنســان إلــى نفســه فــي هــذه المــرآة المتشــظّ ية؟ ـر تلــك الكلمــات، مغبــة األمــر ،شــارح ًا لــه سـ ّ مــن َّ
الجا ِئحــة»؟كيــف ينظــر إلــى نفســه فــي «مــرآة َ ـد مــن قراءتهــا علــى طريقــة المرايــا ،أي التــي ال بـ ّ
… معكوســة ،فــإذا كلمــة «تبغــرال» تعنــي «الرغبــة»،
آدم فتحي
قصــةٌ أبعــد مــن هــذا بكثيــر. كانــت للمرايــا معنــا ّ ـرأ بدايةً من آخــر حروفها ،من وإذا العبــارة كلّهــا ُتقـ َ
األســطورية
ّ والفيلــة الديناصــورات أنشــك ّ ّ فــا اليســار إلــى اليميــن ،فتقــول« :أنــا ال أريــك وجهك،
الناريــة التــي مــأت الفانتازيــا والخرافــات ّ ـور
ـ والطي بــل مــا فــي قلبــك مــن الرغبــة».
البدائــي فداحــة
ّ اإلنســان قبــل اكتشــفت كانــت أن مــرآة تبغــرال هي في هكــذا ينتبــه هــاري بوتــر إلــى ّ
وجوهها معكوســة على صفحــات المياه في الليالي حقيقــة األمــر مــرآة الرغبــة :المــرآة التــي تعكس له
المقمــرة وفــي ضــوء الصباحــات .كانــت تلــك «مرآة ُ مــا يريــده ومــا يرغــب فيــه ال ما يعيشــه فــي الواقع.
ـم جــاءت «مــرآة الزينــة» التــي عرفهــا ّ ـ ث ـرة». ـ الفط ولــو أُتيــح للكاتبــة «ج .ك .رولينــغ» أن تؤلِّف روايتها
والقرطاجيــون وتف َّننوا
ّ الفراعنــة واليونــان والرومــان خــال انتشــار جا ِئحــة «الكوفيــد» ،لمــا غفلــت عــن
فــي صنعها من الذهب والفضة والنحاس والبرونز. ـانية كلّها «تســتعيد طفولتها» أن اإلنسـ ّ التلميح إلى ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 18
المتعلِّقــة فــي الجميــع ،وأ ّنهــا لــم تقتصــر علــى البنــى التحتيــة ُ البندقيــة قبــل سـ ّتة ّ ربمــا فــي ّوريــةّ ، إلــى حيــن ظهــور المرايــا البل ّ
الجا ِئحة العقليــة أيضـاً ،حيــث دكّ ــت َ ّ بالصحــة ،بــل طالــت البنــى ّ قــرون.
الكلّ األســوار وأطاحــت بــكلّ المتاريــس ،بدايةً مــن األقنعة وصو ً دون أن ننســى «مــرآة نرســيس» ،تلــك التــي جعلتــه يعشــق
الجا ِئحــة المؤامــرة .لقــد لعبــت َ إلــى اللقاحــات مــرور ًا نفســه ليخســر نفســه .نرســيس الــذي اعتبــره ألبرتــي «مختــرع
بنظريــات ُ ّ
ـول إلــى زهــرة مــا أن عانــق نفســه فــي مــاء ـن الرســم» ،أل ّنــه تحـ َّ فـ ّ
أن «القناع» هو «المرآة». التباعد ،وشــيئ ًا فشــيئ ًا ا ّتضــح ّ ُ دور مــرآة
… ـر ذلــك؟ هكذا يســألنا ألبرتي ســنة .1435 العيــن .وهــل الرســم غيـ ُ
نحتــاج دائمـ ًا إلــى مــرآة نــرى فيهــا حقيقة وجوهنــا .لك ّنها تنكســر اي التــي عرضها تحت عنــوان «أوتوبرتريه» أثبتت ان َر ْ ـن مــرآة َم ْ لكـ ّ
ويطالهــا الصــدأ أو تعروهــا الخــدوش وتختفــي مالمحنــا بغيــاب ـر صورته ،بل رأى وأن نرســيس لم يـ َ بعــد ذلــك أن للمرايــا حدوداًّ ،
اي يســتعيد طفولتــه باســتعادة ـان َر ْ ـخص آخــر .كان َمـ ْ صــورة شـ ٍ
وجههــا الصقيــل .لذلك أصبحت الشــعوب ترى نفســها من خالل
وهــم «مــرآة الحقيقــة» كمــا عرفناها فــي حكاية الثلجــة البيضاء.
الثقافي.
ّ ثقافتهــا .وتدافــع عــن ثقافتهــا .وتبحث عــن وجههــا
«مرآتــي ،مرآتــي الجميلــة ،قولي لي إ ّني أنا األجمــل» .هكذا كانت
«هجــر» فــي جميــع َ أمــا ذاك الــذي ال يحلــم ّإل بتصريــف فعــل ّ أن المــرآ َة تكــذب حيــن تقلــب ـم ا ّتضــح ّ تترجــى مرآتهــا .ثـ ّ ّ الملكــة
األزمنــة فهــو ال يكــره شــيئ ًا مثلمــا يكــره وجهــه .الوجــه الجميــل ً
اليميــن يســارا وتضــع الخطوط في إســار الضوء والمســافة .على
فــي نظــره هــو دائمـ ًا وجــه اآلخــر .لغــة اآلخــر .ثقافــة اآلخــر .فكر إن لــم يكــن كذبهــا هــو أن بيكاســو تســاءل بعــد ذلــك ْ الرغــم مــن ّ
قص شــعر اآلخر وهندامــه وطعامه اآلخــر .فنــون اآلخــر .طريقــة ّ الصــدق المطلوب!
ومشــيته .إ ّنــه يكســر مرايــاه كلّهــا بمــا فــي ذلــك مــرآة المرايــا: ممــا أعــاد االعتبــار إلــى ســخرية أفالطــون و«مرآتــه الحاجبــة»، ّ
الخصوصية .ليســتورد مرآة «تبغرال» .مرآة الرغبة .المرآة ّ ثقافته حيــن كان يطلــب مــن محاوريــه أن يمســكوا بمــرآة وأن يــروا فيهــا
يتوهــم أ ّنــه يــرى فيهــا مــا يرغــب فيــه ومــا يحلــم بــه .لك ّنــه َّ التــي الشــمس واألشــجار والحيوانــات وغيرهــا .هكذا اســتنتج أفالطون
ســرعان مــا يســمع «لــو خرجــت مــن جلــدك مــا عرفتــك» .تلــك ـن عموم ـ ًا الــذي يحاكــي الطبيعــة ال يقــلُّ خطــر ًا أن الرســم والفـ ّ
ـر مرآتــه .فــي داللــة علــى أ ّنــه هــي العبــارة التــي ُيصفــع بهــا كاسـ ُ عــن المــرآة ،فكالهمــا يبتعــد بــاألرواح عــن الواقع ويحجــب عنها
قــد يكســر مرآتــه فيخســر نفســه ويطيــل عمــر محنتــه ،لك ّنــه أبد ًا الفكرية، ّ ـن «ســبينوزا» لــم يطرد المــرآة من مدينتــه الحقيقــة .لكـ ّ
لــن يكــون اآلخــر. متصوفتنــا الكبار ،منطلق ًا ِّ طريقة على ـفة» ـ كاش ة
ً «مرآ بــل جعلها
… ـرد لهــا الجميل، نظريــة وحــدة الوجــود .ولع ّلــه كان يـ ّ ّ منهــا لبنــاء
الجائحــة» الــذي ينبغــي على اإلنســان فهمه قبل ِ ذاك هــو «درس َ ـدة طويلــة مصــدر رزقــه الوحيد. ّ ـ لم ـا
ـ المراي ـل ـ صق فقــد كان
يغيــر واقعــه ـن ـ ل ـه ـ ن
ّ أ ـرفـ يع ـذي ـ ال ـانـ اإلنس درس فــوات األوان. يتحول َّ وحين حلّل فوكو لوحة فيالســكيز ،كان اإلنســان الحديث
ّ
تحمــل تبعــات أحالمــه. ـواء إلــى ابــن المــرآة« .مــرآة ـي مــن ابــن آدم وحـ ّ فــي الفكــر الغربـ ّ
ّإل إذا َّ
الحريــة والكرامــة يتيح وإذا كان مــن ح ّقــه أن يطالــب بمنــاخ مــن عميــاء» لفــرط مــا تــرى .مــرآة تخفــي لفــرط مــا تظهــر .وكان فــي
ّ
وســع بورديــو أو بودريــار تســميتها فيما بعــد« :مــرآة التلفزيون».
هديــة
ّ ـرـ ينتظ أل ّ ـه ـ واجب ـإن مــن
ـب وجهــه فــي مرآتــه ،فـ ّ لــه أن يحـ ّ ـي هــو الالمفكَّ ــر فيــه الــذي حاولــت مــدارس التفكيــر هــذا المخفـ ّ
ـول ّإل عليهــا .ففــي وأل يعـ ّ مــن أحــد .عليــه أن يتصالــح مــع ذاتــه ّ
والتأويــل والتفكيــك اللحــاق بــه عبثــ ًا علــى امتــداد القــرن
نديــة وال تح ُّقــق للرغبــة. ـدد وال ّ غيــاب هــذا الصلــح ال تعـ ُّ العشــرين ،كــي تكتشــف أخيــر ًا أ ّنــه موجــود فــي الثقافــة :المــرآة
ـول الحيــاة كلّهــا إلــى بئـ ٍر يــرى فيهــا األســد وجهــه منعكسـ ًا تتحـ َّ الوحيــدة التــي ال تكــذب.
علــى صفحــة المــاء فيهجم عليــه ويغرق .تلك هــي َم ْهلَكة المرايا …
إذ يرتطــم بعضهــا ببعــض فــا يبقــى منها غيــر الهشــيم .في حين ـم إلــى مــا يحــدث «فــي الصيــن» ـ لَ ا الع ـر ـ نظ ـة، ـ ح ِ
ئ ا الج ـة ـ بداي ـي فـ
َ ُ َ
ـاحتتعالــى صرخــة أنــدي وارهــول فــي المــدن الهرمــة« :مــاذا يتـ ُ المواطن ـه إلــى «شــيء غريب» يحدث «لآلخر البعيــد» .كان ُ نظر َتـ ُ
للمــرآة أن تــرى ،لــو أ ّنهــا نظــرت فــي مــرآة؟». المعو ً ـيـ األميرك واطن الم وكان ـه»، ـ ق «تفو ـى ـ إل ً
ا ـ ن
ّ مطمئ ـي ـ األوروب
ِّ ّ ُ ُّ ّ
جيــداً ،كــي ملي ـ ًا وأن يقــرأ الكتــاب ّ ـم عليــه أن يشــاهد الفيلــم ّ ثـ َّ علــى «ق ُّوتــه» ،وهكــذا دواليك.
يســمع «دمبلــدور» وهــو يهمــس لتلميــذه «هــاري بوتــر»: ـت كلّ دولــة بالفرجــة على اآلخرين معتقــدة أ ّنها األقوى ،أو اكتفـ ْ
ــي؟ إ ّنهــا تقــول :ال «واآلن هــل فهمــت درس مــرآة تبغــرال يــا ُب َن ّ ولعــلّ لحظــة «ترامــب» كانت َ ـر!ـ الغي ـن ـ م ـر ـ أكث ـة» ـ «محروس أ ّنهــا
فائــدة مــن اإلقامــة فــي األحــام إذا نســينا العيــش فــي الواقــع». أن «الهشاشــة» كامنة ثم ا ّتضح ّ األوضــح داللــة فــي هذا الســياقَّ .
19 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
العُ مالت الرقم ّية
التعامالت املالية
ُ ومستقبل
ا وصــول ســعر ملشـفَّرة غــر الخاضعــة للحكومــات (مثـ ً العمــات ا ُ
ملصاحــب الرتفــاع أســعار ُ ـم الجنــون ا ُ يف ِخ َ
ضـ ّ
«البتكويــن» إىل مــا ُيقــارب 64ألــف دوالر) ،مل تجــد املصــارف املركزيــة بـ ّـداً مــن النظــر يف حلــول متكِّنهــا مــن
التقليديــة .فــا يبــدو أن َّ
مثــة ّ العمــات العمــات هــذه ،املوازيــة ألســواق ُ اإلمســاك بخيـ ِ
ـوط التحكُّ ــم يف ســوق ُ
ـعب (أكــر مــن 5000عملــة مختلفــة ،ليــس «البتكويــن» ّ
إل خيــاراً آخــر للحكومــات وهــذه ُ
العمــات تتوالــد وتتشـ َّ
أشــهرها وأغالهــا ســعراً).
(صفــر) .بعــد ذلــك بعــام وصــل ســعر «البتكويــن» إلــى أجــزاء الخفيــة وغســل األمــوال ّ ربمــا تكــون محاربــة التجــارة اإلجراميــة ّ
ـي ،وفــي عــام 2011وصــل الســعر إلــى دوالر مــن الســنت األميركـ ّ التهــرب
ُّ محــاوالت أو َّرة، المشــف العمــات ُ التــي تيســرها هــذه ُ
ـرة األولــى .وفــي عــام 2021وصــل ســعر «البتكويــن» واحــد للمـ ّ الضريبــي ،علــى رأس قائمــة أولويــات المصــارف المركزيــة فــي
ممــا أوجــد شــريحة كبيــرة مــن مليونيــرات ّ دوالر، ـف إلــى 64ألـ المنفلتة التي تشــكِّ ل الالمركزية محاولتها الســيطرة على الســوق ُ
المشـفَّرة .وهــذا الصعــود الجنونــي هــو ما يفــرض على العمــات ُ ُ العمالت ـم إن إعــان شــركات عديــدة أنهــا قيــد قبــول ُ قاعدتهــا .ثـ َّ
الحكومــات إلقــاء نظــرة فاحصــة وتســنين القوانيــن للحفاظ على المشـفَّرة ،مثــل شــركة «تســا» للســيارات الكهربائيــة ،وعمــاق ُ
الورقية
ّ المســتثمرين على َأقلّ تقدير .ومثلما أن ُ
العمالت حقوق ُ اإللكترونيــة «أمــازون» ،يضــع المصــارف المركزيــة أمــام ّ ـارة ـ التج
فالرقميــة قابلــة للفقــدان هــي أيضـ ًا عندمــا ّ ـد، ـ تفق أو ـف قــد تتلـ المشــفَّرة بالدخــول للعمــات ُ األمــر الواقــع ،وهــو بمثابــة إذن ُ
ـم نســيان أو ضيــاع كلمــة الســر للدخــول إلــى البرنامــج أو لدى يتـ ُّ ـرعة.
ـواب ُمشـ َ مــن أبـ ٍ
يــؤدي إلــى تدميــر البرامــج علــى الحاســوب أو فقــدان ِّ ٍ
ر أمــ أي المشـفَّرة وســبب اختراعها ُ ملة الع
ُ وراء األولى ة ـي
ّ ـ األساس الفكر ُة
الحاســوب ،إلــخ .ولكــن ليــس علــى غــرار فقــدان كلمــة الســر بالعملــة مــن المصــارف المركزيــة ،بحيــث هــو انتــزاع التحكُّ ــم ُ
ـة مــا تتيــح لــك اختيــار للبرمجيــات ،حيــث يمكــن االتِّصــال بجهـ ٍ رد
ّ ذلــك كان مــا رب
ّ دولــة. أو جهــة أي ال ال يتحكَّ ــم فيهــا أحــد،
المشـفَّرة بصفتهــا الالمركزيــة ال فالعمــات ُ ُ كلمــة ســر جديــدة، فعــل وصرخــة احتجــاج على انهيار األســواق الماليــة عام .2008
ـر جديــدة .وهــذا -فقــدان األفــراد أحــد هنــاك ليتيــح لــك كلمــة سـ ٍّ المشـفَّرة والصفــة الضروريــة لها. العملــة ُ الالمركزيــة هــي ســمة ُ
المش ـفَّرة -قــد يظــن أنهــا نــادرة المتعلِّقــة بالعمــات ُ البيانــات ُ المشـفَّرة قيمتهــا فــي ســوق العــرض والطلــب العملــة ُ وتكتســب ُ
تقدر بنســبة كبيرة تصل إلى عشــرات الحــدوث ،إنمــا الواقــع أنها َّ مثل أي ســلعة ،كذلك اعتبرتها وكالة تجارة ســلع العقود اآلجلة
البالييــن مــن الــدوالرات. األميركيـ�ة( (�US Commodity Futures Trading Commis ّ
التنقيــب (أو التعديــن ،كمــا فــي المناجــم) عــن عمــات مشـفَّرة .»sion» (CFTCوفــي حيــن أن الحكومــات والمصــارف المركزية
يتــم توليــد عمــات هــو عمليــة حســابية معقَّــدة عــن طريقهــا ُّ ـرر إصــدار النقــود والعمــات الورقيــة والتحكُّ ــم فــي هــي التــي تقـ ِّ
ـتخدمة فــي التنقيــب تتط َّلــب طاقــة المسـ َ جديــدة .والحواســيب ُ يتــم التعديــن (أنظــر أدنــاه) عــن ُّ الســيولة ،فــي مقابــل ذلــك
ـم تقديرهــا بحيــث إن الطاقــة المطلوبــة كهربائيــة غيــر عاديــة تـ َّ عمــات «بتكويــن» الجديــدة (بمثابــة إصــدار عمــات مشــفَّرة
لهــا فقــط تتسـ َّـبب فــي تلويــث البيئــة ،وتتسـ َّـبب فــي أحيــانٍ كثيرة ا بالنســبة لعملــة مشـفَّرة واحــدة هي جديــدة) .والفــرق أنــه ،مثـ ً
المشـفَّرة
العمــات ُ وتميــز بعــض ُ ِّ إلــى ســرقة خطــوط الكهربــاء. «البتكويــن» ،ينتهــي التعديــن لــدى وصــول الرقــم إلــى 21مليــون
توســطالم ّ جمة .وفي ُ نفســها بأن التعدين عنها ال يســتهلك طاقة َّ المتو َّقــع الوصــول إلــى ذلــك الرقــم (عــام )2140 عملــة .ومــن ُ
يولــد خبــراء الحاســوب تقريبـ ًا (« )144كتلــة« »block ،بتكويــن» حســب التوقُّعــات الحاليــة .وعــدد عمــات «بتكويــن» الحاليــة
وألن كلّ كتلة تســاوي (« )6.25بتكوين» فعدد «البتكوين» ّ يومياً. قيــد التــداول (عــام )2021يصــل إلــى مــا يقــارب 19مليــون عملة.
المنقِّبيــن
ُ ـأة
ـ مكاف ـم
ُّ ـ يت ً،
ا ـ يومي 900 ـى ـ إل ـلـ يص ـاف ـ ض الم
ُ ـي اليومـ وألن ســعر العملــة الواحــدة آالف الــدوالرات ،ولتيســير التجــارة
العملة ذاتها .وعملياً ،فليســت الكتلة ســوى ملف ُ بوحدات عنهــا ـمى كلّ واحدة فئات أصغر تسـ َّ ٍ ـم تقســيم «البتكوين» إلى فيهــا ،تـ َّ
الموازنــات أو دفتــر حاســوبي يم ِّثــل صفحــة (كمــا فــي صفحــات ُ ـإن ألف«ساتوشــي» (نســبة إلــى مخترعهــا) .وفي حســاب اليوم فـ ّ
ـم حفظ هذه الصفحات في قاعــدة بيانات مو َّزعة الحســابات) .يتـ ُّ ـي تقريبـاً. (ساتوشــي) تســاوي ثلــث دوالر أميركـ ّ
علــى حواســيب مختلفــة ،ال مركزيــة ،وبالتالــي ال تســتطيع جهــة ـرة األولــى عــام 2009كان ســعره عندمــا ظهــر «البتكويــن» للمـ ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 20
فيهــا مركزيــة هــذا الجهــاز الصغيــر فــي جيــوب النــاس فــي تمت أو عكســها أو
واحــدة التحكُّ ــم بهــا ،وال يمكــن إبطــال عمليــة َّ
والمجتمعــات ،مثل حياتهــم ،بــل فــي حيــاة الحكومــات والــدول ُ إلغاؤهــا .وال يمكــن أن تبــدأ كتلــة قبل اكتمال ما قبلها بتسلســل.
تطبيقــات االحتــراز مــن فيــروس كورونــا .ومثــل ثــورة الهواتــف ـمى سلســلة الكتــل ( ،)blockchainوالتــي وهــذه السلســلة تسـ َّ
المشـفَّرة فــي عالمنــا يشــكِّ ل الذكيــة فــإن بــزوغ فجــر العمــات ُ ّ المشـفَّرة.
ُ مالت تشــكِّ ل عصــب ُ
الع
شــرارة الثــورة التــي ،كالمنجنيــق ،ســوف يقــذف بنــا إلــى عالــم
جديــد لــن نــرى فيــه العمــات مــن أي نــوع ولــن نســتخدم فيــه ر ّد فعل املصارف املركزية
البطاقــات البنكيــة ،ال العاديــة وال الذكيــة .وباســتخدام الهواتف إزاء عالــم جديــد -ما بدأ كقطرة لم تعرهــا المصارف والحكومات
الذكيــة فالفكــرة كالتالــي: بــاالً -أصبــح فيضان ًا باتت المصارف في خشـ ٍ
ـية منه أن يكتســحها.
اإللكترونيــة (مثلمــا هــو موجــود
ّ ـة ـ للمحفظ ـم تنزيــل برنامــج يتـ ُّ فأوجــد التعــاون بيــن المصــارف المركزيــة وشــركات الحوســبة
حاليـ ًا لـ«آپــل» و«جوجل») على الهاتف الجوال وقد يبدأ التطبيق
وإن لم تقم أي حكومــة بتطبيقه ال أصبحــت تلــوح فــي األفــق ْ حلــو ً
ببــدء تغذيــة الحســاب مــن حســاب مصرفــي م َّتصــل بالبرنامــج.
المقبلــة علــى التطبيــق.
مقدمــة الــدول ُ إلــى اآلن .الصيــن فــي ِّ
وهــذا حاصــل اآلن .اإلضافــة الجديــدة اتِّصــال هــذا البرنامــج
تعرف باســم ( ،)CBDCعملة المصــارف المركزية وهــذه الحلــول َ
فالتعامــات
ُ ـة أخــرى بالمصــرف المركــزي مــن جهــة ،ومــن جهـ ٍ
الرقميــة (e-
ّ ا باســتخدام العملــة الرقميــة .وبــدأت الصيــن فعـ ً
ّ
جميعهــا تكــون عن طريق البرنامج على هاتفك :راتبك الشــهري،
)CNYعلــى نحــوٍ تجريبــي لــدى محطَّ ــات القطــار .كمــا تجــري
ـغ مــا ،مشــترياتك الصغيــرة والكبيــرة، فواتيــرك ،اســتالمك لمبلـ ٍ
الرقميــة فــي
ّ التدابيــر للنظــر فــي كيفيــة تكييــف هــذه العملــة
طالمــا أن الجهــة األخــرى أيضــ ًا تســتخدم برنامجــ ًا للمحفظــة
ـص زوار الصيــن والســواح مث ـاً، المختلفــة ،فيمــا يخـ ُّ
الحــاالت ُ
اإللكترونيــة التابعــة للمصــرف المركــزي ذاتهــا. ّ وفــي حالــة انقطــاع اإلنترنــت فــي بعــض الحــاالت ،وللتبــادل
شــخصيته
ّ تــزال أمــا بالنســبة لمختــرع «البتكويــن» فمــا ّ الرقميـ�ة بسلسـ�لة الكتـ�ل( (�block
ّ الخارجـ�ي ،وارتبـ�اط العملـ�ة
القصــة الشــائعة هــي أن مخترعهــا هــو ّ ـوض. ـ بالغم ـةًـ محاط
،)chainإلــخ .والصيــن األخــرى ،تايــوان ،هــي كذلك قيــد تطبيق
«ساتوشــي ناكاموتــو» ،وأنــه المســؤول كذلــك عــن سلســلة
مــا أســموه العملــة الحكوميــة .Govcoin :والهنــد كذلــك أعلنت
عمــن يكــون «ساتوشــي» هــذا ،أو الكتــل .لكــن التكهنــات َّ
ِ الرقميــة قبــل أيــام ،باإلضافــة إلــى
ّ عــن نيتهــا إصــدار العملــة
تفض «هــؤالء» (باعتبــار أنــه ليــس فــرداً ،بــل فريق عمل) لــم
إلى يقين .ســبقت «البتكوين» محــاوالت عديدة في العقدين الســويد وفرنســا وجــزر البهامــا وتركيــا ،والفلبيــن ،واليابــان،
إلكترونيــة لــم ُيكتــب لهــا الســابقين لظهــوره لتحقيــق عملــة وسويســرا .وهــذه الــدول فــي مختلــف مراحــل تطبيــق العملــة
ّ الرقميــة المركزيــة :البحــث ،أو التطبيــق التجريبــي الجزئــي ،أو
وإن
كل التوقُّعــاتْ ، النجــاح .لكــن نجــاح «البتكوين» تخطّ ــى َّ ّ
ـرون علــى أن هــذا النجــاح واالرتفــاع دراســة جــدوى وتقييــم ،إلــخ.
كان كثيــرون مازالــوا يصـ ّ
إل فقاعــة .لكــن األمــر الثابــت ،إن الجنونــي لســعره مــا هــو ّ
الرقميــة ،بشـ ٍ
ـكل العملــة التطبيق امل ُقرتح
ّ طالــت المــدة أو قصــرت ،هــو أن ُ
أو بآخــر ،وبدخــول المصــارف المركزيــة فــي هــذه اللعبــة، عندمــا ابتــدع «ســتيف جوبــز» (اآليفــون) عــام 2007لــم يكــن
للعمــات .عبــد الوهــاب األنصــاري ـي ُ المســتقبل العملـ ّ هــو ُ ـور حينهــا أحــد ،المــدى الــذي ســوف تصــل
ـور ،كمــا لــم يتصـ َّ
يتصـ َّ
21 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
تأمالت
تتحمــل
َّ التوجهــات للمتلقّ ــي ،ولهــذا الســبب ُّ أهم ّيــة األخبــار والمعلومــات التــي تب ّثهــا رغــم ِّ
ممــا يســتوجب ّ األمانــة هــذه اإلعــام وســائل إلوســائل اإلعــام التقليديــة إلــى الجمهــور ّ
وموضوعيتهــا عنــد
َّ مصداقيتهــا
َّ حرصهــا علــى ـم هــو كيفيــة تنــاول الخبــر والمعلومــة أن األهـ ّ
تناولهــا األخبــار والمعلومــات. فيهــا ،ألن طريقة معالجة األخبار والمعلومات
ومــن بيــن األســباب التــي تجعــل المتلقّ ــي واثق ًا فــي وســائل اإلعــام ،هــي التــي تمنــح الوســيلة
مــن األخبــار والمعلومــات التي يتلقّ اهــا ،يومياً، ومصداقيتهــا؛ بمعنــى آخــر :هنــاك خبــر واحــد َّ
مــن وســائل اإلعــام هــي العالمــة التجاريــة ومعلومــة واحــدة ،لكن هناك أكثر من أســلوب
( ،)Logoوشــهرتها ،وموقعهــا بيــن وســائل وطريقــة للصياغــة ولزاويــة التنــاول ومعالجــة
اإلعــام األخــرى ،إضافــةً إلــى مصادرهــا المضمــون؛ وبهــذا ،إن مــا يصــل إلــى المتلقّ ــي
تقصيهــا لألخبــار ِّ التــي تعتمــد عليهــا فــي ليــس شــكل الخبــر أو المعلومــة كمــا كانت من
والمعلومــات ،فكلّمــا كان المصــدر موثوقــ ًا مصدرهــا األصلــي ،بــل الخبــر أو المعلومة التي
زاد ذلــك مــن ثقــة المتلقّ ــي بتلــك الوســيلة، تقصدهــا الوســيلة ،وتهــدف إلــى إيصالهــا إلــى
وأخبارهــا ،ومعلوماتهــا ،وكلّمــا كانت مصادرها المتلقّ ــي :إنــه الخبــر (المعلومــة) الــذي انطلــق
ضعيفــة حــدث عكــس ذلــك. البوابات التي ـم اجتاز عدد ًا مــن ّمــن مصــدرهَ ،ثـ َّ
إن الموثوقيــة فــي وســائل اإلعــام تعتمــد علــى البوابات اإلعالمية (The gate حراس ّ يحرســها ّ
توازنهــا في عــرض المعلومات واألخبــار ،وعلى ،)keeperحيــث يعبــر الخبــر مــن خــال بوابــة مرزوق بشير بن مرزوق
موضوعيتهــا فــي تحريــر الخبــر والمعلومــة؛ َّ المحــرر ،ومديــر التحريــر ،ورئيــس التحريــر، ِّ
لذلــك ال توجــد عالقــة أبديــة ومتواصلــة مــع بوابــة الرقيــب الداخلــي ،والرقيــب ّ ـن ـ م وأيض ـ ًا
الوســيلة اإلعالميــةأو االعتقــاد بــأن المتلقّ ــي ال أيديولوجيتــه وثقافته
َّ ـارس ـ ح ـكل
ّ ـ ول ـي، ـ الخارج
يمكــن انفكاكــه منها مثل (الــزواج الكاثوليكي)، وموقفــه الــذي يعكســه علــى مضمــون الخبــر
فــإن فرصــة االنفــكاك بيــن الطرفيــن واردة فــي والمعلومة.
أيــة مرحلــة ،وفــي أي وقــت ،حينمــا يشــعر ّ أهــم وظائــف وســائل اإلعــام هــي ّ إن إحــدى
المتلقّ ــي بــأن هــذه الوســيلة فقــدت عدالتهــا إعطــاء المتلقّ ــي المعلومــات التــي يحتاجهــا
وموضوعيتهــا ومصداقيــة مصادرهــا، َّ وتوازنهــا توجهاتــه في قضايا السياســة لكــي يبنــي عليهــا ُّ
وقــد يكــون ســبب فقــدان هــذا الرابــط بيــن أهــم مصــادر تشــكيل ّ العامــة ،واإلعــام مــن ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 22
مؤشــرات زيادة عدد المشــتركين في هذه ّ االجتماعي ،لكن الخلفيــات الفكريــة، ّ المتلقّ ــي والوســيلة اإلعالميــة هــو
ـول الجمهــور إلــى هــذه الوســائل، ـراس البوابة اإلعالمية ،وأصحاب القرارات في والثقافيــة لحـ ّ
الوســائل دليــل علــى تحـ ّ
مصداقيــةً مــن تلــك التقليديــة. فلربمــا يراهــا أكثــر ـم فرض سياســات ّ ـ يت ـا
ـ عندم أو ـات، ـ والمعلوم تمريــر الخبــر
ّ ّ المؤسســات،ســواء من الســلطة أو حتى خارجية على هذه
هنــاك عــدد مــن الدراســات العلميــة ،والبحثيــة تشــير إلــى َّ
مــن مجالــس إدارتها الذيــن يريدون حمايــة مصالحهم على
معــدل فقــدان الثقــة والمصداقيــة فــي وســائل اإلعــام َّ العامــة. حســاب المصلحــة
ّ
األكاديمييــن
ّ بيــن الدراســات، هــذه وتتمركــز التقليديــة، مؤخراً،
َّ ـدل المشــاهدة، َّ ـ مع ـي ـ ف انخفاض إن مــا حــدث مــن
مؤسســات اإلعــام والنخبــة الواعيــة ،حــول كيفيــة إدارة للقنــاة اإلخباريــة األميركيــة ( ،)C.N.Nدليــل علــى عــدم
َّ
التقليــدي لألخبــار والمعلومــات ،ومصادرهــا؛ لكــي يبقــى ثبــات المتلقّ ــي الدائــم ،وارتباطــه بالوســيلة اإلعالميــة مهما
معدالت َّ كانــت عالمتهــا التجاريــة وشــهرتها،فلقد ارتفعــت
االرتباط األقوى بينها وبين الجماهير العاطفية ،والشعبوية المشــاهدين فــي هــذه القنــاة عندمــا كانــت تصــوغ أخبارها،
معبــرة عن عواطفهــا ،حتى وإن ِّ التــي تــرى أن تلــك الوســائل ـدم تقاريرهــا بطريقة غير متوازنة ،بالتمــام ،عند تناولها وتقـ ِّ
كانــت األخبــار أو المعلومــات غيــر موضوعيــة بالكامــل. أخبــار «ترامــب» الرئيــس الســابق ألميــركا؛مــا جعــل عــدد
والنخبوييــن ،هناك قطاعِّ األكاديمييــن باإلضافــة إلــى قطاع المشــاهدين الناقميــن علــى سياســات الرئيــس فــي ازديــاد،
ِّ
الشــباب واألجيــال الصاعــدة التــي تشــير الدراســات ،أيضاً، لكنهــا فقــدت ،بعــد ذلــك ،نســبة مــن مشــاهديهاعندمــا
ـتمرت القناة في سياســاتها الســابقة نفســها رغم وصول اسـ َّ
إلــى ابتعادهــا عن وســائل اإلعــام التقليدية لصالح وســائل ـرر مــع ـ تك ـه ـ نفس ـرـ واألم ـض، ـ األبي ـت ـ البي ـى ـ إل ـدةـ جدي إدارة
َّ
المقيدة
ّ التواصــل االجتماعــي ذات طبيعــة التفاعليــة وغيــر قناة ( )Fox Newsباصطفافها الدائم مع اليمين األميركي،
ـراس البوابابــات اإلعالمية. بحـ ّ موضوعيتهــا
َّ مجــرد أمثلــة عندمــا تفقــد الوســيلة َّ وهــذه
مؤسســات اإلعالم التقليدي أن تجري دراســات أخيــراً ،على وحياديتهــا فــي تنــاول األخبــار وصياغــة تقاريرهــا. َّ
َّ
علميــة محايــدة للتأكُّ ــد عــن مــدى مصداقيتهــا ،ومــدى ثقــة الحالية في فقدان وســائل اإلعالم ّ ـباب ـ األس ـم
ّ ـ أه ـن ـ م وربمــا
ّ
التقليديــة انتشــارها وحضورهــا عنــد المتلقّ ــي ،هــو ظهــور
التمســك بوهم الجماهيرية والشــهرة ُّ ال من المتلقّ ي بها ،بد ً
وانتشــاروســائل التواصل االجتماعي التي أصبحت منافسة
ـم اختبارهــا ،بعــد ،علمي ـاً ،ومنهجي ـ ًا فــي ربمــا لــم يتـ ّ
التــي ّ لهــا ،وعلــى الرغــم مــن عــدم توفُّــر دراســات عــن مــدى
المؤسســات.َّ الكثيــر مــن تلك ثقــة المتلقّ ــي فــي مصداقيــة وموثوقيــة وســائل التواصــل
مختارات
من الشعر اإلفريقي
ـارة اإلفريقيــة الســمراء ،إضافــةً إىل ثــراء مخزونهــا الشــفوي الضــارب يف القــدم والراســخ عــى الــدوام، تُعتــر القـ ّ
ـاء زاخــراً بــاآلداب املكتوبــة بلغــات إفريقيــة ،وأوروبيــة .ويعــود ظهــور هــذه اآلداب إىل أوىل فــرات االحتــكاك فضـ ً
بــن القــارة اإلفريقيــة والعــامل العــريب والغــرب انطالقـ ًا من القرن الســادس عرش .فقد أشــار عــامل ال ّلغة األملاين
الشــعر العــريب يف إثــراء لغــات «جنهاينــز جــان» ،يف كتابــه «دليــل األدب اإلفريقــي الجديــد» ( ،)1969إىل دور ّ
(الهوســا )Haoussa -يف غــرب إفريقيــا ،و(الســواحييل )Swahili -رشق إفريقيــا ،مقابــل ركــود لغــات ()Xhosa
و( ،)Sothoجنــوب الق ّارة.
واملتأصلــة لــدى شــعوبها ،وينتمــي
ّ الشــعر ،يف إفريقيــا ،مــن أكــر فنــون الــكالم الضاربــة يف القــدم ولذلــك يعتــر ّ
أن التكامل هذا الجنس األديب ،اســتناداً إىل طريقة نقله وشــكله ،إىل «األدب الشــفوي املنقول» .ومن املؤكّ د ّ
الشــعر يحــر يف ّ
كل أن ّ اإلفريقيــة عــى مـ ّـر العصــور ،يؤكّ ــد ّ
ّ ميــزت الســاحة
األدبيــة التــي ّ
ّ بــن مختلــف األجنــاس
اريخيــة ...وبالتأكيــد ،ميكــن
ّ مــكان :يف القصــص واألســاطري والخرافــات املتع ّلقــة بنشــأة الكــون والحكايــات ال ّت
الرسديــة شــعراً ،...وعــى هــذا ،النحــو ميكــن تقســيم الشــعر التقليــدي إىل أربعة أصناف: ّ اعتبــار هــذه الحكايــات
كل النصــوص «الســحر» :وهــي ّ
ِّ والدهــاء والشــجاعة ،وقصائــد حربيــة ،تهــدف إىل متجيــد خصــال اإلقــدام ّ ّ قصائــد
الغيبيــات؛ تعزميــات وأناشــيد وطقــوس االنتســاب ،...وقصائــد الحالــة أو ّ التــي تســتحرض ،بطريقــة أو بأخــرى،
اليوميــة يف شــكلها املحفــوظ أو ا ُ
ملغ ّنــى وفــق األحــداث. ّ ـمية ،قصائــد الحيــاة
الواقــع .وتنــدرج ،تحــت هــذه التسـ ّ
ـى ـكل تفاصيلهــا ...يتجـ ّ
اليوميــة بـ ّ
ّ ـعر بإيقــاع الحيــاةالشــعر اإلفريقــي ،قــال «ســنغور»« :إ ّنــه ِشـ ْ يف حديثــه عــن ّ
وينشــد يف املآتــم .و-أخــراً -نصــوص مــا يف نظــرات الرجــال ووقــع خطــى ال ّنســاء ويحــر يف مناســبات الــزواجُ ،
للشــعر أن يصبــح موضــوع خطــاب». وراء الخطــاب ،حيــث ميكــن ّ
لــم تكــن وحيــدة فــي تفكيرهــا بمثل هذه األفــكار فــي طفولتها؛ إذ يمكــن لمســاءلة األطفــال أن تكــون الوســيلة األولــى األكثــر
لطالمــا اعتــاد «أرســطو» علــى ترديد عبارتــه ذائعة الشــهرة« :كلّ التأمــل فــي ُّ الممارســات الفلســفية مــع األطفــال: فاعليــةً فــي ُ
البشــر يســعون -بالطبيعــة -لبلــوغ فهــم أفضــل لــكلّ شــيء». ـم للعالــم معنــى التجــارب والمفاهيــم العاديــة بغيــة تطويــر فهـ ٍ
يشــرع األطفــال ،فــي وقت مبكّ ر من حياتهم ،فــي محاولة إضفاء واآلخرين ولألطفال أنفســهم .عندما ُيســألُ األطفال عن األســئلة
مع ًنــى للعالــم ،وكذلــك لفهــم الطريقــة التي تعمل بها األشــياء، ـإن إجاباتهــم األكثــر شــيوع ًا تثيــر دهشــتهم أكثــر مــن ســواها ،فـ ّ
عندمــا يصيــر األطفــال قادريــن علــى صياغــة األســئلة المناســبة ـم َ ـ ِ
ل ـا؟ ـ أن ـن ـ م ـا؟ـ هن ـا
ـ أن ـم ِ
تنطــوي علــى أســئلة مــن هــذا النــوعَ :
ـ ل
الخاصــة بالمفاهيــم التــيّ ـرددون فــي طــرح األســئلة فإنهــم اليتـ ّ توجــد كراهيــة فــي العالــم؟ ماالــذي يحــدث عندمــا نمــوت؟ كيف
يســمعونها ،والعالم الــذي يختبرونه. ـرف الطريقــة الصحيحــة فــي العيــش؟ أعـ ُ
يبــدأ األطفــال ،فــي حــدود الســنة الرابعــة مــن أعمارهــم ،بطــرح ـي واســع ّ ـ بحث ـل ـ عم ـدان ـ مي ـاـ ونظائره ـئلة ـ األس ـذه ـ ه ـل
ـ مث ـلتم ّثـ َُ
األســئلة التــي تبــدأ بِـ (لمــاذا؟): للبروفســورة «جانــا مــور لــون »Jana Mohr Lone -التــي
-لماذا يكون البشر أشرار ًا لبش ٍر سواهم؟ تعمــل مديــرة مركــز «الفلســفة لألطفــال» ،وفــي الوقــت ذاتــه
علي الذهاب إلى المدرسة؟ -لماذا ينبغي َّ هــي أســتاذة مشــاركة فــي قســم الفلســفة فــي جامعة واشــنطن.
-لماذا التتكلّم الكالب؟ ألَّفَ ــت «لــون» (أو ســاهمت فــي تأليــف وتحريــر ) الكتــب التاليــة- :
ُيبــدي العديــد مــن األطفــال ،وهــم في عمــر المدرســة االبتدائية، الطفل الفلسفي - The Philosophical Child، 2012الفلسفة
نمطـ ًا مــن االنفتــاح المذهــل لألحجيــات الفلســفية فــي الحيــاة، والتربية - Philosophy and Education، 2012الفلســفة في
ـرتهم ،ليـاً ،وهــم ُيطيلــون وغالبـ ًا مايســتلقون ،يقظيــن ،فــي أسـ ّ التربيــة .Philosophy in Education، 2016
التفكيــر فــي أســئلة كبــرى علــى شــاكلة :لمــاذا يمتلــك العالــم نعرف ُ تــرى البروفســورة «لــون» أ ّننا نحن -البالغيــن -برغم كوننا
األلــوان التــي نراها فيــه؟ ماطبيعة الزمان؟ هــل األحالم حقيقية؟ أن األطفال الصغار يميلون لطرح الكثير من األســئلة ،مســكونون ّ
ـد ،أصـاً ،فــي العالــم؟ لمــاذا نمــوت؟ لمــاذا نوجـ ُ أن هــؤالء األطفــال ليســوا علــى قــدر مــن النضج مفادهــا ّ
ُ بقناعــة
ُيبــدي األطفــال نوع ـ ًا مــن الشــغف المدهــش حــول كثيــر مــن تؤهلهــم للتفكُّ ــر الدقيــق فــي والتعقيــد الفكــري بالكيفيــة التــي ّ
جوانــب العالــم التــي يتعامــل معهــا معظــم البالغيــن ،وكأنهــا ف األطفال ،في العادة، ـن ِ
نص ُ موضوعــات (فلســفية) معقَّدة .نحـ ُ
مســلَّم بهــا ،واألطفــال ،إذ يفعلــون هــذا، معطيــات جاهــزة َ وتحركهــم دهشــة خارقــة تمأل ّ بأ ّنهــم ذوو فضــول معرفــي هائــل،
يكشــفون عــن قــدرة غريزيــة لمســاءلة العناصــر األكثــر أساسـ ّـيةً ـرض أنهــم اليفهمــون ،بطريقــة جوانحهــم؛ لكننــا ،مــع هــذا ،نفتـ ُ
أن األطفال مســكونون فــي الحيــاة والمجتمع؛ لكــن برغم إدراكنا ّ ـاد الفلســفية لألســئلة التي الينفكّ ــون يطرحونها. حقيقيــة ،األبعـ َ
بالدهشــة التــي تدفعهــم لطــرح أســئلة كبــرى ،يجــري تجاهــل، أن العديــد مــن لكننــا لــو فكّ رنــا بطريقــة اســترجاعية لوجدنــا ّ
المعنــى األعمــق الكامــن وراء تســاؤالتهم ،علــى نحــوٍ نظامــي ـأن بواكيــر دهشــتهم الفلســفية إنما بدأت البالغيــن ســيعترفون بـ ّ
ردات ـن البالغيــن نميــلُ -عــادةً -إلبــداء ّ مــن ِق َبــل البالغيــن .نحـ ُ ـور الحياتــي الــذي ـد الطفولــة لكثيريــن م ّنــا الطـ َ مــع الطفولــةُ .تعـ ُّ
فعــلٍ متباينــة تجــاه األســئلة الكبــرى لألطفــال ،أو تعبيراتهــم أن ّ ـق
ُّ ـ والح ـين، ـ ومندهش ـنـ ري متفكّ ـه،ـ في ـا
ـ وقتن ُنمضــي معظــم
ات الفعــل هــذه مــن رد ُ ـن أفــكار ًا فلســفية ،وتتــراوح ّ تتضمـ ُ
ّ التــي المتمرســين فــي حقــل ّ الولــع الفلســفي ،للعديــد مــن الفالســفة
وجاذبيتهم
ّ ـال
ـ األطف ـؤالء
ـ ه ـف ـ لط ـدار ـ مق ـى ـ إل ـةـ الصريح ـارة
اإلشـ ـدد ،انبثــق مدفوع ـ ًا مــن حماســة مبكّ ــرة للتســاؤل فلســفي محـ ّ
(تختصرهــا عبــارة «األطفــال هــم أجمــل كينونــة فــي الحيــاة»)، ـض مــن هــؤالء الفالســفة تجربــة ُ ـ البع ـف
ُ ـ يص ـة. ـ الطفول فــي أثنــاء
ـد إهمــال هــذه األســئلة تحــت ذريعــة ردات الفعــل حـ ّ وقــد تبلــغ ّ ـص فلســفي ،والكيفيــة ـف فلســفي أو قــراءة نـ ّ انخراطهــم فــي صـ ّ
أن البالغيــن ّ هــو الغالــب مايقولــون). اليفهمــون (هــم القــول: التــي أدركــوا بهــا طبيعــة األســئلة الفلســفية المطروحــة فــي تلك
ـد
اليتعاملــون مــع تســاؤالت األطفــال وأفكارهــم الفلســفية بالحـ ّ الصفــوف ،أو النصــوص والتــي هــي -فــي عمومهــا -أســئلة أطالــوا
الجد ّيــة والمعقوليــة. ِّ األدنــى مــن النظــر فيهــا والتفكّ ــر العميــق بشــأنها منــذ أن كانــوا أطفــاالً.
بعامــة ،مــن القــدرات المخبوءة لــدى األطفال، ّ ـون، ـ البالغ يق ّلــل تكشــف النقاشــات المســتفيضة التي عقدتها «لون» مع األطفال
ـإن البالغيــن يقلّلون من شــأن قدرات وإذا ماشــئنا التخصيــص ،فـ ّ واآلبــاء فــي المــدارس األميركية ،على مدار ســنوات عديــدة ،أنها
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 30
شــهر ًة غيــر محمــودة ،هــي أنهــا موضوع دراســي تكتنفه مشـقّات ـع الحال هو الخاصــة بالتفكيــر (الفلســفي) العميق .واقـ ُ ّ األطفــال
ـددة مــن النــاس؛ وألجــل هــذا، ـر علــى فئــات محـ ّهائلــة ،ومقتصـ ٌ أن مدركاتنــا ،بشــأن األطفــال ،محكومــة إلــى َح ّد كبيــر ،بمفاهيم ّ
ـاح للكثيــر مــن البالغين،فكيــف باألطفــال؟. صــار غيــر متـ ٍ ـأن األطفــال ّ ـ ب ـائد
ـ الس ـاد ـ االعتق ـك ـ ذل ـة ـ وبخاص
ّ قة، ـب
ّ ـ مس ـة ـ ري تطو
ّ
بأيإن كثــر ًة مــن البالغيــن الذيــن لهــم تجربة ســابقة بالفلســفةّ ، ّ -بيولوجي ـ ًا ونفسـ ّـياً -مــن كونهــم كائنــات بشــرية غيــر ّ ـورون يتطـ ّ
تحصلــوا هــذه التجربــة وهــم طلبــةٌ فــي كل ِّّيــة مــا، ّ كان، ـكل ـ ش قــادرة علــى التفكيــر المســتقلّ وإعالــة نفســها إلــى بالغيــن ذوي
ويحصــل فــي كثيــر مــن األحيــان أن يتســاءلوا مندهشــين :كيــف قــدرة وتمكيــن بيولوجــي وفكــري ومالي.
يمكــن للفلســفة أن تكــون موضوع ـ ًا مناســب ًا لألطفــال؟ دراســة النمــو
ّ يعتمــد األطفــالُ -بالتأكيــد -علــى البالغيــن لغــرض ُ
واالرتقــاء ،ويبــدو األمــر معقــوالً ،تمامـاً ،إذا ماافتــرض البالغون
ـررات جامعيــة هــي الفلســفة مــن ِق َبــل طالــب منخــرط فــي مقـ َّ
جهــد ينطــوي علــى تع ُّلــم الكثيــر بشــأن صياغــة الحجــج الدقيقــة طيبــة لألطفــال ،وتطويــر ـؤوليتهم عــن إدامــة حيــاة ّ وجــوب مسـ َّ
ال عن ـيكيين ومعاصرين ،فض ً حــسّ أن
ّ لــه ــف
ُ يؤس
َ مــا لكــن لديهــم، القــرار قــدرات ا ّتخــاذ
التــي صنعتهــا عقول فالســفة كالسـ ِّ
مهمــة مرتبطــة بالمســاءلة الفلســفية. المســؤولية هــذا ،مــن جانــب البالغيــن نحــو األطفــال ،غالبــ ًا
تطويــر مهــارات ّ
ـرن بتقييــم واطئ لقــدرات األطفال في التفكير باســتقاللية. مايقتـ ُ
حيــوي مــن كوننــا بشــراً؛ إذ غالبــ ًا ّ الدهشــة الفلســفية جــزء
فــرق ،الينبغــي أن يخفــى ،بيــن مســاعدة األطفــال علــى ٌ ثمــة
ّ
مانتســاءل :ماالشــيء الصحيــح الــذي يجــب فعلــه؟ لمــاذا علــى
صح ّيــة إلــى جانب حمايتهــم من القســوة والعنف ِّ ـرق ـ بط ر ـو
التط ّ
ـ
النــاس أن يموتوا؟ هل هذا الشــخص صديقــي ،ح ّقاً؟ عندما نفكّ ُر
المدربيــن عليهــا ،مــن جهــة ،والفشــل فــي ّ والمســؤوليات غيــر
ـاركا فلســفياً ،ونتشـ ُ ـارس فع ـ ً فــي مثــل هــذه األســئلة فإننــا نمـ ُ تثميــن وجهــات نظرهــم فــي الحيــاة ،مــن جهــة أخــرى.
ومعظم البالغين ُ ـنوات، ـ الس آالف منتقليد ًا إنســاني ًا مضى عليه ٌ
ا ال يفتــرض أن يعنــي معاملتــه أن يكــون الكائــن البشــري طفــ ً
متمرســين؛ّ الذين يستكشــفون أســئلة فلســفية ليســوا بفالســفة
ـن فكــرة كــون األطفال ّ ـ لك ـائدة،ـ الس كمفكّ ــر بالمقاييــس العاديــة
مؤهليــن لخــوض ـن هــذا األمــر اليعنــي ،أبــداً ،إبطــال كونهــم ّ لكـ ّ قادريــن علــى التفكيــر الدقيــق بشــأن العديــد مــن الموضوعــات
مســاءالت فلســفية كبــرى. المجــردة ،هــي فكــرة ،يجــد العديــد مــن البالغيــن مشــقّة ّ
فــي مقايســة مماثلــة ،يمكن النظر إلى األطفــال بمثل مايفعل ـتعصاء فــي قبولها ،وبســبب هــذا األمر ،تفــرض فكرة تعامل واسـ
ً
إن حقيقــة كــون األطفــال مبتدئيــن فــي حقــل الكبــار؛ إذ ّ المتفردة. الطبيعة ذات ة الخاص ياتها تحد ـفة ـ الفلس مع األطفال
ّ ّ ِّ
الفلســفة اليعني ،بالضرورة ،ابتعادهم عن التفكير الفلســفي الفلســفة ليســت بالموضــوع العــادي أو المتــداول علــى نطــاق
الجادة .األطفال الصغار اليســاهمون، ّ والمســاءلة الفلســفية ـدة واســع ،بالنســبة إلــى كثيــر مــن النــاس؛ فبخــاف بلــدان عـ ّ
فــي العــادة ،فــي استكشــافات فلســفية عبــر قــراءة النصوص فــي أوربــا وأميــركا الالتينيــة ،على ســبيل المثال ،تفتقــد الواليات
الفلســفية أو كتابة األوراق البحثية أو الحصول على شــهادات المتحــدة إلــى تقليــد راســخ فــي تضميــن الفلســفة فــي مناهــج
جامعيــة ،وهــم -برغــم ذلــك -يســتطيعون أن يتشــاركوا جانب ًا أن الفلســفة مملكــة الدراســة الثانويــة ،والــرأي الســائد هنــاك ّ
بحس الشغف واالكتشاف، ّ من النقاش الفلســفي ،مدفوعين متقدمــة ّ ـة ـ جامعي حصريــة للبالغيــن الحائزيــن علــى شــهادات
فحســب .لطفية الدليمي أن للفلســفة إن مــا يدعــو لألســف هــو ّ التخصصيــةّ . ُّ فــي المعرفــة
إمكانيــة فلســطين..
ّ ـرة تثــب إليــه
ذهنــي فــي كلّ مـ ّ «إن مصيــر الفلســطينين ،بطريقــة مــا ،هــو أن ينتهي
ـي،لطالمــا كان كلّ مــا هــو فلســطيني ،بالنســبة إلـ َّ بهــم المطــاف؛ ال حيــث بــدأوا ،بــل فــي مــكان مــا
قصــة ـرد همهمــة يســمع صوتهــا فــي الخلفيــةّ ، مجـ َّ غيــر متوقَّع ،وبعيــد» ..عبارة «إدوارد ســعيد» هذه،
نلجــأ إليهــا لننقــذ أصلنــا المشــترك مــن االندثــار... اختارتها الكاتبة التشــيلية من أصل فلســطيني ،لينا
هــي عــودة مســتعارة ،أي أن أعــود بــدل اآلخريــن، مروانــي ،افتتاحيــة لكتابهــا «أن تعــودي فلســطين»،
جــدي ،بــدل والــدي .لكــن والــدي ال يريــد ّ بــدل مجســدة ،بشــكل أو بآخــر، ِّ حيــث تبــدو العبــارة
لقدميــه أن تدوســا تلــك األرض المحتلّــة» .وهــي لحيــاة الكاتبــة ،وواقــع ارتحــال أجدادها إلى تشــيلي
تختــار زمــن العــودة بعــد وقــوع أحــداث الحــادي ـد عيســى المروانــي الــذي منــذ عــام ( .)1920فالجـ ّ
عشــر مــن ســبتمبر ( ،)2001ومــا تالهــا مــن ســوء يؤرقــه حلــم
ِّ ـمـ ل ـد،
ـ البعي ـد بســام ،فــي مغتربــه ر َقـ َ
فهــم لشــخصية العربــي ،والفلســطيني (تحديــداً)، العــودة ،وال اســمه الــذي أصبح ســلفادور -عيســى،
وربطهمــا باإلرهــاب. مورثــ ًا جيناتــه لحفيدتــه التــي باإلســبانية ،رحــل ِّ
ـص، قبــل ســفر الكاتبــة ،تحضــر فلســطين فــي النـ ّ انشــغل تفكيرهــا بتلك األرض البعيدة «فلســطين»،
ٍ
ماض ـددة لها ،ونتف من كأرض أجــداد ال صــورة محـ َّ وصــار حلــم الزيــارة يطاردهــا ،بإلحــاح ،كــي تمضــي
عريــق جمعتهــا مــن هنــا وهنــاك ،خيــاالت حكايــات خلفــه.
والعمات ،تفاصيل تجمعها عبر اإلنترنت، ّ مــن األب ـرك تاريخ مضــى ،وذاكرة َ ـ ش في ـةـ الكاتب ـع
ـ تق هكــذا،
ـجعها على القيام بالزيارة ومراســات مع صديق يشـ ّ مليئــة بالثقــوب ،تجعلهــا غيــر قــادرة علــى تجــاوز
ـتحق اكتشــافهاواكتشــاف أرض أجدادهــا التــي يسـ ّ هويتهــا األعمــق ،فااللتصــاق بــاألرض مثلــه مثــل َّ
عبــور نصــف الكــرة األرضيــة للوصــول إليهــا ،لكــن االغتــراب عنهــاَ ،و ْشــم أبــدي ال ســبيل للفــكاك منه،
األمــر لــن يكــون بمثــل هــذه الســهولة ،حيــن يتع َّلــق أحدهمــا واقعــي متح ِّقــق ،واآلخر ينغز فــي الذاكرة.
وبهويــة تلتبــس مــع اللّغــة ،مــع ضيــاع ّ بالجــذور، ـص مــن منطقــة غيــر مألوفــة فــي لــذا ،يأتــي هــذا النـ ّ
العربيــة ،وحلــول اإلســبانية مكانهــا ،إنهــا اللّغــة « والهويــة والحنيــن ،ينتمــي إلى
ّ ـاء
الكتابــة عــن االنتمـ
اإلســبانية» ،لغة تشيلي ،حيث األرض التي أصبحت حقــل الســيرة الذاتيــة ،لكــن يمكــن اعتبــاره ،أيضــا،
وطنــ ًا بديالً. نصـ ًا تســجيلي ًا لرحلــة الزيــارة إلــى فلســطين وبلدان ّ
نكتشــف ،في هــذا الكتاب ،أجزاء أخــرى من التاريخ المحرضة ،واإلشــارات ِّ ـباب ـ األس ـول ـ حل منذ ـرى، ـ أخ
الفلســطيني غيــر معروفــة ،مثــل وجــود أكبــر جالية القدريــة الداعمــة لتنفيــذ هــذا القــرار .تقــول
للفلســطينيين فــي «تشــيلي» ،فهــذا البلــد الالتينــي (مروانــي)« :أن أعــود؛ هــذا هــو الفعــل الــذي يداهــم
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 32
كلّ شــيء ،فهناك طبقات أخرى من الواقع ،كثيفة ،ومحتشــدة، ـم أعــداد ًا كبيــرة مــن أهــل الشــام الذيــن ارتحلــوا الصغيــر يضـ ّ
وال يمكن تجاهلها ،تطرح رؤية حقيقية ،أيضاً ،عن الفلســطينين ـدد إليــه مــن ّأيــام الحكــم العثمانــي ،حيــن كان (ســفر برلــك) يهـ ِّ
فــي الداخل. أراض بعيدة. ٍ ـرون نحــو
الرجــال بالذهــاب بــا عــودة؛ لذا كانوا يفـ ّ
العاديــة
ّ ـاةـ الحي ـيءـ ض ت
ُ ـي) ـ (مروان ـا
ـ تنقله ـي
ـ الت ـع ـ الواق حكايــات كمــا تطــرح مؤلّفــة الكتــاب ،مــن خــال تدويــن تفاصيــل ارتحالها
ـرات وأحــزان ،وفيها أجــزاء محفوفة بالظلــم ،وبالخوف، مــن مسـ ّ والهويــة ،والســؤال األبــدي عــنّ بيــن عــدة بلــدان ،فكــرة الجــذور
الهويــة واللّغــة ،والعالقــة بينهمــا ،فــي ّ ـر
ـ تحض ـاـ كم ـاس. وبااللتبـ معنــى الوطــن ،واالنتمــاء ،متســائلةً :ما هو الوطــن ،إن لم نعرف
كلّ فصــل مــن الكتــاب ،إلى جانب اعتماد الكاتبــة على معلومات لغتــه وشــوارعه وعــادات أهلــه ،وإن لــم نكــن جــزء ًا منــه ومــن
تاريخيــة وجغرافيــة وسياســية تــرد ضمــن فص َلــي الكتــاب؛ َّ
األول وجــود مشــرق ومعتــم ،فــي آن واحــد ،ألرض محكومــة بالصــراع
بـ«لوعــة األشــياء» ،والثانــي بـ«وجــوه فــي وجهــي» .وفــي هــذا بين شــعبين؟.
األخيــر ،ضمنــت الكاتبــة ارتحاالتهــا إلــى بلــدان أخــرى؛ ألمانيــا، وإذا كانــت الكاتبــة تحــاول العــودة إلــى قريتهــا «بيت جــاال» بحث ًا
الواليــات الم َّتحــدة ،مصــر ،ودائمـ ًا فــي ســياق ســردي تبــرز فيــه ـجل ،في مقابل ذلك ،سلســلة عمــا تب ّقــى مــن الذاكــرة ،فإنها تسـ ِّ ّ
الهويــة فــي بلــدان المهجــر ،ســواء ّ مقاربــة الكاتبــة لموضــوع مــن المالحــم والخســارات ،متم ّثلــةً فــي اختفــاء تواريــخ ومــدن
بالنســبة إلــى العــرب الوافديــن ،أو إلــى جنســيات أخــرى. وأماكــن وحكايــات ،اندثــر شــطر منها.
ـص ،حضــور ًا ألشــخاص عابريــن، يجــد القــارئ ،علــى مــدار النـ ّ الهويــة فــي
ّ عبــر عــن
النــص ،تفاصيــل صغيــرة ُت ِّ ّ تحضــر ،فــي
عبــر الكاتبــة ،مــن خاللهــم ،عــن الفكــرة حيــز ًا ّ
مهمـاًُ ،ت ِّ يشــكِّ لون ِّ العمــات توصــي الكاتبــة بأن ّ ـدى ـ إح ـيـ ه ـا
ـ فه ـة، ـ المفرط تلقائيتهــا
َّ
العمــة مريــم والعالقــة الجينيــة والمعنويــة ّ إيصالهــا: المــراد تحضــر لهــا ،مــن فلســطين« ،اللــوز األخضــر» ،هــذه الثمــرة التي
معهــا ،وآالن اليهــودي األميركــي الــذي يعتــرف بأنــه تب ّنــى األفكار حضــرت فــي قصيــدة محمود درويــش ،وهو يحكي عن فلســطين
الصهيونيــة حتــى عودتــه إلــى «إســرائيل» ،ثــم تخ ّلــى عنهــا بعــد البعيــدة« :كزهــر اللــوز أو أبعــد» ،وتحضــر ،أيض ـاً ،فــي ترنيمــة
رؤيتــه مــا يحــدث علــى أرض الواقــع.. فلســطينية شــهيرة ،مــا يــزال الشــباب الفلســطيني يحفظهــا أبـ ًا
«أن تعــودي فلســطين» ،كتــاب ترجمــه ،عــن اإلســبانية الكاتــب ـد ،وتقــول« :واللــه الزرعــك بالــدار يا عــود اللــوز األخضر، عــن َجـ ّ
والمترجــم الفلســطيني شــادي روحانــا. ـور فيهــا وتكبــر». ـ نت ت
َ ـيـ بدم ـاألرض ـ ه وأروي
ْ ِّ ّ
والجديــر بالذكــر أن لينــا مروانــي هــي كاتبــة وباحثــة تشــيلية ،من فثمــة صــور ـص ليؤكِّ ــد صــور فلســطين ووجوههــاّ ، يأتــي هــذا النـ ّ
ـدرس ال ّثقافــة األميركية الالتينيــة والكتابة مواليــد عــام (ُ ،)1970تـ ّ بيارات البرتقال واحد آن في ـودة، ـ ومنش مفقودة، النهائية ألرض
ّ
االبداعيــة فــي جامعــة نيويــورك ،صــدر لهــا ،مــن قبــل ،روايــة فــي يافــا ،وشــاطئ حيفا ،وســاحات القدس العتيقة ،واألســواق،
«عيــون مدممــة» ،باإلســبانية وباإلنجليزيــة ،وهــي تعيــش فــي والخليــل ،والض ّفــة الغربيــة ..أماكــن واقعية موجــودة في ذاكرة
لنــا عبــد الرحمــن نيويــورك ،وتعمــل فيهــا. ـن رحلــوا ،وأينمــا ح ّلــوا فــي بلــدان اغترابهــم… لكــن هــذا ليــس َمـ ْ
33 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
قراءات
أن كثافــة الخيــال البانــي لها جعلَهــا ،على نحو تخيلــة ،كمــا لــو ّ ُم ّ ـخصية دون كيخوطــي دي المنتشــا ،في عمل ســرفانتس ّ تبــدو شـ
ـخصية أن كلّ شـ صحيح ّ ـي. ً
ّ ٌ بوجودهــا الفعلـ ّ ـر إقناعـا ُ ُمفــارق ،أكثـ َ ـخصية ذاتهــا ،كمــا لــو أ ّنهــا ّ باســم هــذه الشـ ـي الموســوم ْ الروائـ ّ
ـف فيما ضاعـ ٌ َ م َ ُ ـر ـ األم أنّ ـرـ غي ـل، ـ تخي
ُ َّ م ـنٍ ـ كائ ـوى ـ س ـت ليسـ روائيــة َ ّ الكتابي
ِّ بالخيال ـدء، ـ الب
َ في ، ومصوغةٌ ـب، ـ ت
ُ الكُ من ا ً ـ أص خارجــةٌ
ـدر عــن هذه ـخصية دون كيخوطــي .فالفعــلُ الــذي َيصـ ُ ّ ـ ش ـصّ يخـ الروائي، ّ ـؤد َي ،في هذا العمــل ـي كي تـ ّ ـد فــي الخيــال القرائـ ّ الممتـ ّ ُ
المصــوغُ بالقراءةَ .عن ِفعــل القراءة َ ـا ـ ُه ل خيا ـه ـ ه
ّ َ ِّ ُج يو ة ـخصي ـ الش نســب ًا مكينـ ًا ّ َ ة ـخصي ـ الش ـذه ـ له إن ّ ـاة. ـ بالحي ـض ُ ـ ينب ً» ا ـ «واقعي
ّ ً
ا دور
ـداث معناهــا فــي رواية ـع واألحـ ُ تحصــل منهــا ،تأخــذُ الوقائـ ُ ّ وعمــا ّ ـم ـت ،وإليــه احتكـ َ نمـ ْ لت ،وبــه َ إلــى خيــال القــراءة؛ منــه تشــكّ ْ
تخيلة ،كما ُ َّ م كيخوطي دون ة
ُ شخصي
ّ ـت ـ ليس وبذلك، ـرفانتس. سـ ـون دون كيخوطــي ال ـر هــو كـ ْ ـح هــذا األمـ َ يوضـ ُ مصيرهــا .لعــلّ مــا ِّ ُ
روائيــة ،وحســب ،بــل إ ّنهــا تحيــا ،فضـ ً
ا ّ ـخصية
ّ هــي حــال كلّ شـ ال بهــذا ـرى إ ّ ـم فــي أفعالــه ومواقفــه ّإل إلــى مقروئــه ،وال يـ َ يحتكـ ُ
ـدر
ُ ـ ص يَ ـا ـ م كلّ ـي ـ ف ـه ـ إلي ـم
ُ ـ وتحتك ، ـي ّ ـ القرائ ـال ـ بالخي عــن ذلــك، ـه ناجمــةٌ ـه ومواقفـ ُ ـر ُف ّإل فــي َضوئــه .فأفعالـ ُ المقــروء ،وال يتصـ َّ
ظت لعا َلــم الكُ تــب .رغم ذلك ك ّلــه ،احتفَ ْ بوصفهــا تجســيد ًا َ عنهــا َ قبــل انطــاق ـه مشــدود ًا فــي األصــل ،أي ْ عــن القــراءة ،بمــا يجعلـ ُ
بنبضها ْ ـا، ـ بنائه ـي ـ ف ً
ا ـ إبداعي
ّ ـب ٌ ـ خصي ـرٌ ـ أم ـذا ـ وه ة، ـخصي
ّ ـ الش هــذه باســمه ،إلــى عالم الكُ ُتب، ْ ت ـمَّ ـ تس التي ُحضــوره فــي نماء الرواية
حيــة ،علــى نحــو مــا ـخصيةً ّ ّ تخيلهــا شـ ـد ُّ ـغ بالقــارئ حـ َّ الــذي يبلـ ُ ح ّتــى لقــد اعتقــد القســيس بيــرو بيــرث والحــاق نيكــوالس وابنــة
ـتفاد مــن ُ ـ س ي
ُ ـا
ـ م ـذا ـ ه ـلّ ـ لع ة. ـوّ ـ بق ـرة ـ الذاك ـي ـ ف ها ـوخ
ُ ـ س ـده ُر
جسـ ُ ُي ِّ «جنــون» دون كيخوطــي، أن ُ أخــت دون كيخوطــي والخادمــة ّ
حياً. بوصفه كائن ًا ّ تصو ُر َ إن دون كيخوطي يكاد «ال ُي َّ قــول كونديــرا ّ ـود أساسـ ًا إلــى الك ُتــب التــي ـه ُمختلــف ُمغامراتــه ،يعـ ُ وجـ َ الــذي ّ
ـخصيات ،فــي ذاكرتنــا ،أكثــر حيــا ًة منــه؟». ّ ـ الش ـأي
ومــع ذلــك ،فـ ّ ـوغ اشــتراك هؤالء الشــخوص َّ ـ س ـا
ـ م ً
ا ـ طبع ـك ـ ذل ـه. ـ عقل ـدت أفسـ َ
ِ ِ
ـخصية مــن عا َلــم الك ُتــب وتشــكُّ َل حكمتهــا ّ ـدوم هــذه الشـ إن قـ َ ّ أجهــزوا بهــا علــى ك ُتــب الفروسـ ّـية التــي منهــا فــي المحرقــة التــي َ
دالن فــي روايــة أو جنونِهــا مــن داخــل خيــال القــراءة أمــران ّ إقبار ُهــم ،فــي مشــهد َ غ ـو
َّ ـ س ـا ـ م ً
ا ـ أيض ـو ـ وه ـرج دون كيخوطــي. خـ َ
بالممكــن ُ األلمعــي دون كيخوطــي دي المنتشــا». ّ «النبيــل دالٍّ َبعــد المحرقــة ،مــا تب ّقــى مــن ك ُتبــه بواســطة الجــدار الــذي
ـخصي ُة دون كيخوطــي ّ ـ ش ـت ـ كان ـه، ـ وعوالم ـه ـ واحتماالت ـي
القرائـ ِّ ـدي إليهــا دون كيخوطــي. ـا يهتـ َ ـكان بــاب ُغرفــة الكُ تــب لئـ ّ ـوه مـ َ ب َنـ ُ
ماهية كلّ مــا ُيرى، ِ ث قلبـ ًا فــي ِ
ُت ْبــدلُ الرؤيــةَ إلــى األشــياء ،و ُتحــد ُ ـع خيــالَ ويمنـ َ
ـه الكُ ُتــب ْ ـر الــذي ُتحدثـ ُ ـع التأثيـ َ يمنـ َ ـي كــي ْ
ّ ـدار ُبنـ َ جـ ٌ
ـد االلتبـ ِ العا َلــم. ِ
ـاس َّ ـ ح ـغَـ بل ـي
ِّ ـ والواقع تداخــل دالٍّ بيــن الخيالـ ِّ
ـي ُ ضمــن ْ َ ـى ـ إل ـة ـ الرؤي ـي ـ ف ـري َ ـ س ي أن
ْ َ ـن ـ م ـراءة القـ
ـوض الذي بوصفــه حقيقــةَ كلّ شــيء .إ ّنه الغمـ ُ للغمــوض َ البانــي ُ ـخصية دون كيخوطــي ،القادمــة مــن ّ ـزت شـ تميـ َ
ومــع ذلــك ك ّلــهَّ ،
ـن الرواية ـد الرهانــات الكبــرى فــي هــذه الروايــة ،وفي فـ ّ شــكّ ل أحـ َ ـعب ُّ ـ بتش الخيال، إلى ـدة ـ عدي ـاـ زواي ـن ـ م ـبة ـ نتس عا َلــم الكُ ُتــب ُ
والم
ثم، الفن .ومــن َّ ّ ـور كونديــرا لهــذا ـام ،حســب تصـ ُّ بوجــه عـ ّ َبعدهــا َ ديناميــةً ّ ّــر لهــا
ممــا وف َ عمــل ســرفانتسّ ، ــوي كبيــر داخــل َ حي ٍّ َ
ـرر إلى ُ ِّ ـ تك الم كيخوطي دون ـروج ـ خ ـع ـ م ـوازاة ـ بم
ُ ـث، ـ الحدي ـن
يمكـ ُ ـخصي ُة ّ ـ الش ـذه ـ ه ت ـد
َ ـ ب إذ ً،
ا ـ واقعي
ّ ـون
ُ ـ يك ـكاد
ُ ـ ي ً»ا ـود ـ و«وج الفتــةً
تأمــل فــي بعــض الدراســات ،عــن موضــوع ّ َ العالَــم الــذي كان َ ـد احتمــالَ كونهــا ـكاد ُتبعـ ُ فــي ســيرور ِة نمائهــا نابضــةً بحيــاة تـ ُ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 34
موقــع فكــر الروايــة .ذلــك ،مثــاً ،مــا ِ الروائــي للفكــر ،أي ِمــن ّ ـت فيــه القــراء ُة ِف ْعلَها ُخروجــه هــو ذاتــه مــن الك ُتــب َبعــد أن فع َلـ ْ
مؤســس ِّ «إن
أضــاءه كونديــرا الــذي يقــول بتكثيــف شــديدّ : ُ ـد ُد العالــم ،يتحـ ّ َ ـحري .مــن مجهــول الكُ تــب إلــى مجهــول َ ّ السـّ
ـي ،ليــس ديــكارت وحســب ،بــل ّ ـ إل ـبة ـ بالنس ـة، ـ الحديث ـة األزمنـ المغامــرة علــى ُحــدود الخطــر عنــد دون كيخوطــي ،دون ُ ُ ـار ـ مس
ـح كونديــرا إلــى المك َّثــفُ ،يلمـ ُ أيضـ ًا ســرفانتس» .بهــذا االســتنتاج ُ وإنقصدهــا ،حتى ْ َ الوجهــة التي ْ ـدر الخــروج عــن ـل مصـ ُ أن ينفصـ َ
ـب كونديــرا ،فــي ـن الروايــة ،إذ ذهـ َ عبــر فـ ّ ـه ســرفانتس ْ أسسـ ُ مــا ّ ـل أن يفصـ َ ـكان بــاب ُغرفــة الك ُتــبْ ، ـد بالجــدار ،الــذي حــلَّ مـ َ أُريـ َ
ســياق هــذا االســتنتاج الــذي ُيــوازي بيــن الروايــة والفكــر ،إلــى قبــل ـخصيته ْ ّ الرحــم التــي فيهــا تشــكَّ لت شـ دون كيخوطــي عــن ّ
ـه روايــة «دون كيخوطــي دي أس َسـ ُ ـت ُ أرسـ ْ ـن الروايــة ،الــذي َ أن فـ ّ
ّ ـم الك ُتــب بداخله َ ـ عال يحملُ ـلّ ـ ظ ـه ـ ن
ّ أ ـك ـ ذل العا َلــم، الخــروج إلــى َ
ـج فــي القــرون األربعــة التاليــة علــى ظهــور هــذه المنتشــا» ،عالـ َ آخــر بــدا غريبـ ًا لــدون كيخوطــي مثلمــا بــدا فيــه واجهــة عا َلــم َ لم َ ُ
الروايــة التأسيسـ ّـية كلَّ الموضوعــات التــي حلّلهــا هايدغــر فــي ـوة القراءة فــي اختراق ّ ـ ق على دليلٌ ـذا ـ وه ً. ا غريب ً
ا ـ أيض ـه ـ نفسُ ـو ـ ه
ـض ـن نهـ َ أســس ســرفانتس لفـ ّ كتابــه «الوجــود والزمــان» .فقــد ّ ـع تدفّق نبعهــا ،وم ْنـ َ ـف ْ أرضهــا ،وتجفيـ َ ـد ع ْزلَهــا عــن ْ أي جــدار ُيريـ ُ ِّ
ـي ،وهو االستكشــاف الــذي لم يلتفت المنسـ ّ الوجــود َ باستكشــاف ُ ـخصية دون ّ ـ ش ـي ـ ف ً، ا إذ ، ـر
ُ ـ األم ـق ـ َّ
ل يتع ـي. ـ تأت ـه ـ من ـذي ـ ال ـاء ـ الم
إليه ،حســب كونديرا ،ال هوســرل وال هايدغر في نقدهما لألزمنة روجيــن؛ ُخــروج مــن عالــم الكُ ُتــب التــي ظــلّ دون ْ بخكيخوطــي ُ
ـيان الوجــود .وبذلك ،كان كر َســت فــي نظرهما نسـ َ الحديثــة التــي ّ العا َلــم الــذي َ ـى ـ إل ـروج ـ وخ ـده، ـ جس
ُ ِّ وي ـاـ َه ل خيا ـلُ ـ يحم كيخوطــي
ـوم علــى اإلنصــات لفكــر ـي يقـ ُ ـد ُد علــى َمســلك قرائـ ٍّ كونديــرا ُيشـ ّ ـف ،فــي روايــة ســرفانتس ،عــن أن يظــلّ ُمتماســك ًا أو خاضعـ ًا كـ ّ
ـي. ّ ـ التأسيس ـل ـ العم ـذاـ ه ـذ ـ ن م ُ ـا
ـ ته أنتج
َ ـي ـ الت ـةـ وللمعرف الروايــة، ـه كلَّ ُ ـغموضُ ب َ ـطّ ـ ش أن ـد ـ ع وبَ ى، ـظّ ـ تش أنْ ـد ـ ع ب
َ ـدة ـ واح ـة ـ لحقيق
َــه «إرث ســرفانتس تســاءلَ كونديــرا ،فــي الفصــل الــذي َعنون ُ ـة بنــاء جســدها طريقـ ُ ِّ ت
ُ ـي ـ الت ـة ـ وي
ّ الحي
َ ـاـ ن ه
ُ ـن ـ م تو َّهــم. ُوضــوح ُم َ
ـدُ ـ تري ـذي ـ ال ـا
ـ «م ً:ا ـن الروايــة» ،قائ ـ المذمــوم» ضمــن كتابــه «فـ ّ ـدها ،مــن ـجس
ُ ّ ُ وي ـرفانتس، ـ س ـل ـ عم ـي ـ ف ـي ـ كيخوط دون ـخصيةّ شـ
روايــة ســرفانتس الكبيــرة قولــه؟» .وفــي اســتجالئه لقضايــا هــذا ـوة ـخصية فــي تحديــد قـ ّ ّ ـري لهــذه الشـ ـد الفكـ ّ البعـ ُ جهــة أخــرىُ ،
ــز ،فــي البحــوث مي َقبلــهّ ، شــغل دارســين كثــر ْ َ الســؤال الــذي ـي. ـ الروائ هــذا العمــل
ّ
أن هــذه األول َيــرى ّ جوابيــن؛ ّ ْ ـارت هــذا الموضــوع ،بيــن التــي أثـ َ عمــل ســرفانتس، َ بعــض الدراســات التــي تناولَــت ُ ــزت لقــد ركّ َ
لمثاليــة دون كيخوطــي الغامضــة ،والثانــي ّ ـي ّ ـ عقالن ـد
الروايــة ٌ
ـ نق ـي ،علــى ّ ـ التأسيس وره ود
َ ـه ـ مق وعُ ـل ـ العم ـذا ـ ه ة ـو
ّ ـ لق ـمها فــي َر ْسـ
المثاليــة ذاتهــا .فــي ســياق ذلك، ّ َيــرى فــي الروايــة تمجيــد ًا لهــذه أن الروائيــة فيــه .غيــر ّ ّ الشــخصية
ّ بنــاء
َ ســم
اإلبــداع الــذي َو َ
ـور
َ ـ العث ـانـ يروم ال ـا
ـ هم ن
ّ أل ـن، ـخاطئي
ْ التأويليــن معـ ًا
ْ ـد كونديــرا عـ ّ البعــد ُ ـة ـ زاوي ـن ـ م ـه ـ مقَ وعُ ـل ـ العم ـذا ـ ه ة
َ ـو ـتجلى ق ّ
ـ ـن اسـ ْ ثمــة َمـ ْ َّ
أخالقيٍّ فــي أســاس الروايــة علــى ُســؤال مفتــوح ،بــل علــى ُحكــم ـخصية ،والســاري فــي ّ ـ الش ـذه ـ ه ـيرورة ـ س َ ـي ـ ف ـر ـ ضم
َ الم
ُ ـري ّ ـ الفك
ـر ُر من ُّ ـ فالتح ا مــع «روح الروايــة». ـارض أصـ ً جاهــز ،وهــو مــا يتعـ ُ ـةويـ ِ حي ّ ـد َد علــى َ ـن شـ َّ أن ِمــن الكُ َّتــاب َمـ ْ ـد ّ ثنايــا الروايــة ،إلــى حـ ّ
رهانٌ األحــكام ،الــذي أرسـ ْت ُه روايــة «دون كيخوطي دي المنتشــا» وقع االشــتغال البعــد ،وعلــى المعرفــة التــي ُين ِت ُجهــاِ ،مــن َم ِ هــذا ُ
35 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
ـك ويبكي، أثمــة َم ْن لم تجع ْلــه القراء ُة َيضحـ ُ ـد الصــراخ؟ ّ يبلــغ حـ َّ آداب َ ـي ُيع ِّلـ ُ
ـم ـان قرائـ ّ ـط بفكــر الروايــة ،وهــو أيضـ ًا رهـ ٌ ـي ُمرتبـ ٌ روائـ ٌّ
ـن لــم ُتــره القــراء ُة ّ َ ْ ـ م ـة ـ أثم ـه؟ ـ لكيان ـي ـ البان ـض ـ التناق ـس ويالمـ ُ ُ تأويــل الروايــة؛ تأويلهــا بمنــأى عــن األحــكام ،وباالســتناد إلــى
ـد ـرس بهــا فــي العــادة؟ ال حـ ّ ّ ـ تك ـي ـ الت ـورة ـ الص ـر ـ غي ـي ـ ف ـيء
َ ـ الش الســؤال ،واالرتيــاب ،ودرجــة التعقيــد .فروايــة «دون كيخوطــي
عتاد الم َ ـم ُيفــكّ ُك المعنــى ُ ـون حكيـ ٌ إذ ًا لجنــون القــراءة ،لك ّنــه جنـ ٌ اإلنصات لفكــر الرواية ِمن َ ـح دي المنتشــا» مــن األعمــال التــي ُتتيـ ُ
ويلقي بمعنى الحقيقة ُ الوحيدة، للجنون ،ويفكّ ُك َو ْه َم الحقيقة ـع ُ ـ يتقاط ـو ـ وه ـو، ـ ينم ـذي ـ ال أكثــر مــن زاويــة ،أي اإلنصــات للفكــر
ـد رهانــات إن هــذا التفكيــك أحـ ُ فــي التشــظّ ي المانــع لالمتــاءّ . جماليـ ًا باألســاس؛ ينمــو مــن داخــل ّ المفكِّ ريــن، مــع انشــغاالت ُ
أمــا التأويــل الــذي ذهــب إلــى ّ ـيء. اســتنبات الغمــوض فــي كلّ شـ ـن الــذي إليــه َينتســب. قوانيــن الفـ ّ
اختزالي ًا إلى ّ رام ن ْقــد كُ ُتــب الفروسـ ّـية فيبــدو أن عمــل ســرفانتس َ ّ ـري ،الــذي تنطــوي عليــه روايــة «دون كيخوطــي دي للبعــد الفكـ ّ ُ
بعض الدارســينُ ،معتبرين ُ تنب َه إليه ّ ما ـو ـ نح على ـدود، ـ الح ـد ـ ع أبْ الفكرية» التي ّ «المفهومات ب ـع ُّ ـ بتش بة تشعِّ متفر ٌ ُ
عات المنتشــا» ُّ
كتابية، ّ ٍ
أن ك ُتــب الفروسـ ّـية لــم تكُ ــن ،في هذا العمل ،ســوى لعبة ّ جوديــة ّ الوـعب األراضــي ُ روائيـ ًا فــي هــذا العمــل ،وبتشـ ُّ ّ تشــتغلُ
تفرعــات شــديد ِة ُّ ذو ســرفانتس عمــل فــي الفكــري
ّ عــد الب
ّ ُ ألن أول ّ ـلّ ـ لع ـي. ـ الحك ـل ـ داخ ـن ـ م ـة ـ الرواي ـذه ـ ه ها ت
ْ ـفَ ـ استكش التــي
ـتقصاء كلّ َمالمحــه. ِ ـعب ،وهــو أوســع مــن اسـ التشـ ُّ ـت روايــة ّ َ ْ ـ م قد ـه ـ ب ـذي ـ ال ـد ـ التعقي ـو ـ ه ـري
ّ ـ الفك ـد ـ ع الب ُ ـذا ـ ه ـح مالمـ
البعــد ـن اإلشــارة إليــه فــي اســتجالء ُ الملمــح الثانــي الــذي ُيمكـ ُ العالَــم ،وبــه أرســى ســرفانتس «دون كيخوطــي دي المنتشــا» َ
ـر ُمنفصــل ُ ـ غي ـا» ـ المنتش دي ـي ـ كيخوط ـري فــي روايــة «دون الفكـ ّ ـماه كونديــرا« ،روح التعقيــد» ،التــي هــي «روح الروايــة» مــا سـ َّ
عــن ســابقه؛ يتج ّلــى أساس ـا فــي حــرص الروايــة علــى التشــديد ِ ً ـام ،أي تمكيــن األشــياء ،بمــا فيهــا األشــياء التــي تبــدو بوجــه عـ ّ
يظهر
ُ ويظهــر .كلُّ مــا بصورتــه التــي بهــا يبــدو َ َ ـد ُد أن ال شــيء يتحـ ّ ينفك ّ فــي العــادة بســيطةً ،مــن االنطــواء علــى ُغمــوض شــديد ال
ـردي ٍّ ـ س ـت ٍ ـ م بص ُ َ ـرح ـ تط ـةـ الرواي ـذه ـ ه ـإن
ّ ـ ف ـك، ـ وبذل ـر ذاتــه. هــو غيـ ُ طيــات ـف عــن اإلفصــاح عــن ّ ـه باســتمرار ،وال يتو ّقـ ُ ـد ُد مجهو َلـ ُ ُيجـ ّ
ـتبعد ،في ُ ـديد التعقيــد ،هو «مــا الظاهر؟» ،وتسـ فكريـ ًا شـ َ ّ ســؤا ً
ال ـري ـح الفكـ ّ هــذا المجهــول التــي ال تنتهــي .ال ينفصــلُ هــذا الملمـ ُ
ـكان الجــواب عنــه اعتمــاد ًا علــى افتــراض باطنٍ ما َ ـ إم ـه، ـ نفس اآلن عــن َســيرورة الغامــض فــي روايــة «دون كيخوطي دي المنتشــا»،
تيحهــا التأويل، ـبَ ،وفــق االحتمــاالت التي ُي ُ لهــذا الظاهــر ،إذ ُتغ ِّلـ ُ ـظ دائم، أن حقيقــة الشــيء في تشـ ٍّ عبــر «روح التعقيــد» ّ كاشــفاًْ ،
غيــر حقيقتــه باســتمرار ،وال ُيحيــلُ ، ُ هــو أن كلّ ظاهــر ترجيــح ّ َ ـد ًا يجعــلُ كلّ َشــيء ُملتبس ـ ًا ّ ـ ح ـغ ُ ـ يبل ـض ـ الغام ـتغال إن اشـ بــل ّ
ـاهد ٌ ـ ش «ظاهر» أي ُّ »، ـرٌ ـ «الظاه وحيدة. ـة ـ حقيق ـى ـ عل ـك، تبعـ ًا لذلـ نفســه ُ ي ّ ّ الضد الملمح ذو االلتباس
ُ هذا ل ـوَّ ـ تح لقد ـى ـ حت ه، ـد بضـ ّ
ـون .فروايــة «دون ـدل ويتلـ َّ ـك يتبـ َّ علــى أ ّنــه عالمــةٌ علــى مــا ال ينفـ ّ الحكي وحوارات تواترت في هذه الرواية ،وتخلّلت ْ ٍ
إلــى موضوعــة
َ
ـف أ ّنــه ينطــوي ـر ال لتكشـ َ َ ـ الظاه كيخوطــي دي المنتشــا» ُتســائلُ ـيء ُ ـ الش ـزجُ ـ يمت ـه ـ في الــذي ـاس، ـ االلتب هــذا ّــى ل تج الشــخوص.
ـر لذاته .فما أن كلّ ظاهــر ُمغايـ ٌ ـدد علــى ّ ـار ،بل ل ُتشـ ِّ علــى باطــن قـ ّ ـده ،بصــورة الفتــة فــي كلِّ مــا َيبــدو ويظهــر .فكثيــر ًا مــا بــدا بضـ ّ
ـور االرتيابي الــذي تبنيه ُّ ـ التص ـق ـ ف و َ ـس، ـ لي ـور، ـ ظه ـر ،فــي كلّ َيظهـ ُ ـر ًا ُ ّ ـ ش والخير ً، ا ـواد ـ س والبياض
ُ ً
ا ـ بياض ـة، ـ الرواي ـذه ـ ه ـي ـ ف ، ـواد السـ ُ
ـاس ال يرتفــع ،وعلــى ـه .إ ّنــه ُمنط ـ ٍو علــى التبـ ٍ ُ ـ نفس ـو ـ ه ـة، ـ الرواي زعز َعــت الثنائيــات، َ ـي ـ الت ـات ـ االلتباس ـن ـ م ـا
ـ وغيره ً، ا ـر ـ خي ـر
والشـ ّ
تعامــل دون ُ ـوع المجهــول .فتكــرار ـدد ،وعلــى ُشسـ ِ ـوض ُمتجـ ِّ غمـ ٍ اجتماعَ فيها لصالــح االلتباس الذي يقبلُ طر ْ ت مــن انفصال َ ـد ْ وحـ ّ
ـف، صورتها األولى يكشـ ُ َ ـارج ـ خ ـن ـ م مظاهر
َ ـع ـ م ً، ا ـ مث ـي، ـ كيخوط جالء فــي رواية «دون ً األكثر ـاس ـ االلتب ـلّ ـ لع ـا. ـ َه ل وتداخُ ـداد ـ األض
ـح ،مــن ويوضـ ُ ِّ الم َو ِّجــه دوم ـ ًا لــإدراك، الوهــم ُ مــن زاويــة ،عــن َ تجســد ،فــي كلّ مســار هــذه َّ كيخوطــي دي المنتشــا» هــو الــذي
ـظ وأن الحقيقــة فــي تشـ ٍّ ّ ـه، ـ ذات ـر
ُ ـ غي ـو ـ ه ـيء
َ ـ الش أن زاويــة ثانيــةّ ، حدد ًا ُ ِّ م وكان والحكمة، نون الج
عبر التداخل القائم بين ُ الروايةْ ،
ومغلــق. ُ ـئ ـ متل م ُ ـد ـ وحي ـى ـ معن ـي ـ ف ـام ـ لاللتئ ـة ـ قابل دائــم ،وغيــر الفكري ّ عد الب
ُ صوغ وفي كيخوطي دون ة ـخصي
ّ ـ ش بناء رئيسـ ًا في
ـر روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا» اســتناد ًا إلــى ذلــك ،تنتصـ ُ ـتقيم فــي ضوئــه ـوت عليــه .إ ّنــه التداخــلُ الــذي ال يسـ ُ الــذي انطـ َ
ـميه كونديــرا «حكمــة الاليقيــن»، المنفلتــة ،و ِلمــا ُ ّ
ـ س ي للمعرفــة ُ ـر َوفــق مــا َ ـ آخ ً
ا ـور ـ ط ً
ا ـ ومجنون ً
ا ـور ـ ط ً
ا ـ حكيم ـي، ـ كيخوط ـد دون عـ ّ
تنتصــر الروايــة لهــذه ُ عــام.
ّ بوجــه التــي هــي حكمــة الروايــة َ رج َحهــا كلُّ الشــخوص الذيــن التقــى ـدى مــن التقييمــات التــي ّ تبـ َّ
ووفــق َ ـة، ـ رواي ـا ـ منه ـلُ ـ يجع ـذي ـ ال ـن مقومــات الفـ ّ المعرفيــة َوفــق ِّ رجــح أكثــر ،اســتناد ًا إلــى ُعمــق ُ َّ الم ـا ـ م لرب
ّ ـي. ـ كيخوط دون ـم بهـ
الخاصة. ّ ـه ـ بطرائق ـن ّ ـ الف هذا ها ـج ُ ـ ينس ـي ـ الت ـابكة المتشـ الوشــائج ُ ـعت الروايــة إلــى اســتنباته َ ـ س ـذي ـ ال ـض ـ للغام ـي ـ البان ـاس ـ االلتب
فــي ســياق اإللمــاح إلــى هــذه الوشــائج الصامتــة التــي تشــتغلُ ـد دون كيخوطــي مجنونـ ًا حكيمـ ًا فــي اآلن فــي كلِّ شــيء ،هــو عـ ّ
ـن اإلشــارة إلــى مــا فــي روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا»ُ ،يمكـ ُ ـاس َ ـ االلتب ـذا ـ ه ألن
ّ ـون، ـ ن والج
ُ ـة ـ الحكم ـن ـ فصــل بي أي ْ ذاتــه ،دون ِّ
ا عــن الســحر بمــا يظهــر مــن األشــياء ُمنفص ـ ً يصــلُ موضوعــة ِّ ِ ـاء علــى م ْنــع الحقيقــة من ـمح ،بنـ ً ـد ّي يسـ ُ ـم علــى لقــاء الضـ ّ القائـ َ
الســحر فــي روايــة «دون القــوي لموضوعــة ِّ ّ ضــور
ُ فالح
ُ نفســه. تيح أيض ًا ُ ُ وي ـم، ـ الحكي نون الج ُ عن بالحديث ـاء، ـ واالمت ـك ـ التماس
ُ
قويــةً ـائج ّ إن لــه وشـ َ ضيـاًّ ، عر ّ ً
كيخوطــي دي المنتشــا» ليــس أمــرا َ إعــاد َة النظــر فــي مفهــوم الجنــون نفســه وهو ينسـ ُـبه ،مــن موقع
«األصليــة» ّ ـه ـ تصورَ ـر ـ غي ـي ـد ّو الخــادع ،وبظهــور الشــيء فـ بالبـ ُ
ُ العا َلــم ،إلــى الحكمــة العاليــة. الغامــض فــي َ
الســحر ِّ ـة ـ موضوع ـو ـ تنم ـة؟). ـ أصلي
ّ ة ٌ ـور ـ ص ً
ا ـ أساس ـيء ـ للش (هــل ـوة األثــر الــذي ّ ـ ق ـى ـ إل ـدة ـ عدي ـائج َ ـ بوش ـدودة ـ المش إ ّنهــا الحكمــة
للتلون فــي ظهوره ُّ قابليــة الشــيء ّ ـام مــع فــي الروايــة بانســجام تـ ّ الحــد الــذي ّ ِ
حدثــه القــراءة وإلــى طاقتهــا علــى الفعــل ،إلــى ُ ُت
ـحر لتعليــلِ ِّ َ ـ الس ـي ـ كيخوط دون ـتحضر
َ وبظهــوره .وكثيــر ًا مــا اسـ ـم مــن ِســمات َ ـ الحكي ـون ـ ن الجّ ُ ألن ً، ا ـ جنون ـة ُ ـ الطاق ـذه ـ ه ـهـ في ـدو ـ تب
ـتيعابه ،أو إلقنــاع رفيقــه سانتشــو بعكــس مــا ُ ـتقيم اسـ مــا ال يسـ ُ ـتنتاج ُه ُ مكن اسـ قارئَ ،وفق ما ُي ُ ٌ أثمة ويتهاّ . ـددات ُه ّ ومحـ ِّ القــراءة ُ
ـري فــي َ ـ يس أن
ْ ـن ـ م ـراءة ـ الق ـالِ ـ خي ـنِ ـ تمكي ـويغ ـ لتس يبــدو لــه ،أو لم ْ ـراءة، ـ الق نون جُ ِ
ـة ـ موضوع ـن ـ وم ـي ـ كيخوط دون ة ـخصي
ّ مــن شـ
الســحر وموضوعة الجنون وموضوعة ِّ موضوعة ـن ـ ي ب
إن َ الوقائــعّ . ـهُ ـ تجعل ـم ـ ول ـه»، ـ «عمائ ـن ـ ع أو ـه» ـ «صواب ـن ـ ع ة ُ ـراء ـ الق ـه خرجـ ُ ُت ْ
ـابك ـائج تتشـ ُ المنفصل عن نفســه وشـ َ الخيــال وموضوعة الظاهر ُ بصــوت ُمرتفــع قــد ٍ بصــوت خفيــض وحتــى َ ٍ ث إلــى نفســه َ ـد ُ يتحـ َّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 36
ال محجوبـاً ،انســجام ًا مــع األمــر مــن احتمــال كــون الواقــع خيــا ً خيوطُ هــا علــى امتــداد روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا» ،إذ
ـل عــن نفســه ،ح ّتــى ـر ّإل لينفصـ َ مفهــوم الظاهــر الــذي ال َيظهـ ُ ـد لالحتمــاالت التــي ـد للوشــائج فــي هــذه الروايــة ،وال حـ ّ ال حـ ّ
وإن بــدا ثابتـ ًا فــي صــورة واحــدة .تبــدو األســئلة الســابقة ُم َّ
وجهةً ْ واإلســهام فــي تعقيــد ْ ـل مــن تمديــد هــذه الوشــائج ـن التأويـ َ ُتمكّ ـ ُ
بالســؤال األكبــر الــذي شــكّ َل مــدار الروايــة الصامــت ،أي ُســؤال تشابكاتها. ُ
تشــظّ ي الحقيقــة .فعــن ُســؤال «الظاهــر» وســؤال «الواقــع» َّــد ،فــي عمــل المتعلِّــق بالظاهــر ،تتول ُ ُ الفكــري
ّ الســؤال عــن
ـق ،فــي كلّ فُصــول روايــة «دون كيخوطــي دي المعقّديْــنَ ،ينبثـ ُ ُ فكريــة أخــرى ،منها بصورة رئيســة ســؤال «ما ّ ـئلةٌ ـ أس ـرفانتس، سـ
ـري مــن صميــم «روح التعقيــد»؛ ِ ـم ْيها ،ســؤالٌ فكـ ّ بقسـ َ
ْ ـا»ـ المنتش و«أثمة فاصــلٌ بينهما؟». ّ الواقــع؟» ،و«مــا ُحدود الخيال فيــه؟»،
المتشــابك ،فــي أحــداث الروايــة ،مع إ ّنــه ســؤال «مــا الحقيقــة؟» ُ أحد تجليات االلتباس ُ ً
ا أيض وتداخلها ُهما ُ إن تنامي هذه األســئلة ّ
ويمنع الجــواب عنه ُ ـس بموضــوع هذا الســؤال الوهــم الــذي يلتبـ ُ َ تول ُِّدهــا الرواية ـر للغامــض .تبــدو هذه األســئلة ،التي َ ُ ـ ينتص ـذي ـ ال
حرصــت روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا» َ ـد ـ فق ـرار. ـ إق أي
مـ ِّ
ـن ـب َ ـ قل ـروم
ُ ـ ت ـاـ ه ن
ّ أ ـو ـ ل ـا ـ كم ً،
ا ـ جمالي
ّ ـا
ـ ه فكرُ ـهـ إلي ـم
ُ ـ حتك ي
َ ـا
ـ م ـق ـ ف َو
عبــر الحكــي ،فكانــت الحقيقــة، علــى تفكيــك مفهــوم الحقيقــة ْ وليد الخيال الواقع َ َ االعتياديــة لألشــياء ،على نحو يجعــلُ ّ الرؤيــة
بالحكــي وحســب ،ولكــن أيضـ ًا علــى امتــداد الروايــة ،تتشــظّ ى ال َ يتحــد ُدِ ،مــن منظــور دون ّ ال الخيالــي
ّ أو فالخــارق
ُ العكــس. ال
ـةويـ ِ
ُ ّ ه ـاق ـ انغ ـة
ـ زعزع ـى ـ عل المســت ِند إلــى ُقــدر ِة الضحــك بالمــرح ُ َ تنضبط
ُ ـع ال
َ ـ وقائ ـدوث ـ بحُ ـل ـ ب ـة، ـ غريب ـع َ ـ وقائ ـدوث ـ بح
ُ ـي، ـ كيخوط
ـخر مــن ُ ـ س ي
َ ـو
ـ ه ـاـ فيم ـكَ ـ ح الض
ّ ـة
ـ الرواي ـذه ـ ه ـرح ـ
ُ ُ َ ُم ـج ـ نتي ـياء. ـ األش الجوالة ،أي ّ ـان ـ الفرس ـرة ـ غام م
ُ ـق ـ نط ولم
َ ة ـي
ّ ـ الفروس لمنطــق ك ُتــب َ
ـياء والــرؤى مــن ـن األشـ َ ويمكّ ـ ُاألشــياء الجامــدة والــرؤى الثابتــةُ ، ال تنضبــط لخيــال القــراءة .فكثيــر ًا مــا كان دون كيخوطــي ُيبــدي
آخــر ِمــن ـي َ ـلك تأويلـ ٌّ أن ُتضــاء بإحــداث شــقوق فيهــا .إ ّنــه مسـ ٌ ْ عينة ،ال لشــيء ّإل أل ّنه ـه لرفيقــه سانتشــو تجــاه «وقائــع» ُم َّ حير َتـ ُ
تيحهــا عمــلُ ســرفانتس الكبيــر الالنهائيــة التــي ُي ُ
ّ َبيــن المســالك أن علــى ّ ـوـ ل ـا ـ كم ة. ـي
ّ ـ الفروس ـب ـ ت
ُ كُ ـي ـ ف ـا ـ َه ل مث ـرأ ـ ق أنْ ـبق ـ س لــم َي
للقــراءة والتمديــد. ـم َوفــق خيــال القــراءة ،بمــا ينطــوي عليــه هــذا أن تنتظـ َ الوقائــع ْ
37 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
التح ِّدي الحرضي..
إعادة اكتشاف رغبة العيش يف املدينة
كل االحتــاالت ،أضحــت ،اآلن ،يف خيالنــا املدينــة التــي بــدت ،باألمــس ،جذّ ابــة ومتطـ ّـورة ،والتــي ُعـ َّـدت مــكان ّ
ً
ملوثــة ،قــذرة ،بــل خطــرة مــع انتشــار األوبئــة .فكيــف الســبيل ،إذا ،إلحيــاءمدينــة مرتاميــة األطــراف ،جائــرةَّ ،
ً ً
الرغبــة يف املدينــة؟ ومــا الــذي يجــب تغيــره حتــى تصبــح ،مـ ّـر ًة أخــرى ،كائنـا صديقـا للنــاس ،وللبيئــة؟
اليــوم ،سلســلة مــن المشــاكل المع َّقــدة .يســاعدنا شــكَّ ل هــذان الســؤاالن محــور عمــل «بييــر أندريــه
تتغير
َّ تخيل كيف يمكــن أن ـدي الحضــري علــى ّ التحـ ّ دي شالندار »Pierre-André de Chalendarفي
وتنمــو ،وأن تصبــح هــذه األماكــن أكثــر خضــرةً، ـدي الحضــري؛ إعــادة اكتشــاف رغبــة كتابــه «التحـ ّ
صحــةً ،وأكثــر ازدهــار ًا للجميــع» .يشــير «دي وأكثــر ّ العيش في المدينة» ،الصادر في مايو/أيار (،)2021
شــالندار» إلــى أن هــذه القولــة تعكــس نظــرة ثالثيــة عــن دار النشــر «أوديــل جاكــوب .»Odile Jacob -
األبعــاد؛ إنهــا نظرة الزعيم ،والمســافر ،والمســؤول ويأتــي اهتمــام المؤ ِّلــف بهــذا الموضــوع مــن موقعه
الســابق ،رفيــع المســتوى :تكمــن نظــرة الزعيــم فــي بصفتــه رئيــس مجلــس اإلدارة ،والرئيــس التنفيــذي
التفكيــر فــي إدارة الهجــرة الجماعيــة خــال مختلف المتخصصــةّ لشــركة «»Groupe Saint Gobain
األزمــات ،والرغبــة فــي أن تكــون المــدن ،فــي عالــم ـواد البنــاء ،حيــث قضــى فيهــا معظــم حياتــه فــي مـ ّ
ـاء .وتكمن نظرة المســافر في الغــد ،أكثــر أمنـ ًا ورخـ ً المهنيــة ،والتــي قــام بتحويلهــا إلــى شــركة رائــدة
العديــد مــن مــدن الكوكــب التــي زارهــا علــى مــدى فــي تجديــد المنــازل الحضريــة والبنــاء المســتدام.
ـن ،عــن قــرب ،مــدى تراكــم عايـ َ
( )30عام ـاً ،حيــث َ إن هــذه المجموعــة تشــارك ،بشــكلٍ كبير ،فــي إثارة
األضــرار البيئيــة ،واالجتماعيــة ،والبشــرية .فيمــا القضايــا البيئيــة ،وحســن اســتخدام الطاقــة فــي
تكمــن نظــرة المســؤول فــي تحديــد االســتجابات المبانــي ،ومــن هــذا المنطلــق يأتــي اهتمــام المؤلِّف
ـدي الحضــري ،مــن خــال تضميــن انعكاســه للتحـ ّ وبقضية المنــاخ لفترة طويلة ،ومن ّ بفضــاء المدينــة
فــي نهــج مســتقبلي ،واســتراتيجي. ـم أعمالــه فــي هــذا المجــال« :معركتنــا مــن أجــل أهـ ّ
أهم ّيــة تقاطــع وجهــات النظــر ّ يثيــر المؤلِّــف المنــاخ» ،و«عالــم بــا كربــون».
الثــاث ،التــي تجعــل عملــه مثيــر ًا لالهتمــام ،وعلــى واقتناعـ ًا منــه بالمســتقبل الجديــد للمدينــة ،يقترح
وضــح المؤ ِّلــف ،أيض ـاً ،كيفيــة منــوال «بلومبــرغ»َّ ، ـدي «بييــر أندريــه دي شــالندار» ،فــي كتابــه «التحـ ّ
االســتفادة من رحالتــه ،ومحادثاته مع المهندســين الحضــري ،»...إعــادة تعريف أنمــوذج حضري يع ِّزز
الحضريين ،كيف ،اســتفاد ،أيضاً ،من ِّ والمخطّ طين أي مشــروع مبتكر في االندمــاج االجتماعــي ،ويضع ّ
تحدينــا الحضــري الحالــي ِّ أن ـا ـ لن ـرح
ـ فيش قراءاتــه، تشــاركي ،وهــو توقيــع حقيقــي «للمدينــة ّ منطــق
أول مــدن ـداً ،منــذ َّ هــو جــزء مــن تاريــخ طويــل جـ ّ المســتدامة»؛ وأنمــوذج تلتحــم فيــه الطبيعــة
ـدي يكمــن ِّ ـ التح كان بــاد مــا بيــن النهريــن ،حيــث والمدينــة ،حيــث تكــون الحركــة ســائلة وخاليــة مــن
فــي المزاوجــة بيــن الرغبــة فــي المدينــة والرغبــة والفعالــة الراحــةَ
َّ الكربــون ،وتو ِّفــر المبانــي المتينــة
فــي الطبيعــة .يشــير «دي شــالندار» إلــى أنــه ،فــي والصحــة ،مســتجيبةً للتطلُّعات التــي ع َّززتها األزمة ّ
القصة صورة رمزية ّ الســنوات األخيــرة ،دخلت هــذه الصحيــة ،للعيــش بشــكلٍ أفضــل .وفي هــذا اإلطار، ّ
جديــدة ،قائــاً« :أعتقــد ،مــن جهتــي ،أن العقــول يقــول «مايكل بلومبــرغ »Michael Bloomberg -
تتحــرك بســرعة .لقــد جعلــت أزمــة «كوفيــد »19 َّ ومؤســس ّ عمــدة مدينــة نيويــورك (،)2013 - 2002
هــذه القضيــة ُتطــرح ،لــدى العمــوم ،بشــكلٍ أوســع «مؤسســة بلومبــرغ»« :إن المــدن هــي أكثــر مراكزنــا َّ
وصريــح مــن خــال اســتحضار الصحــة والبيئــة ديناميكيــةً ،لكنهــا تواجــه،
ّ واالقتصاديــة الثقافيــة
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 38
هــو أكبــر مصــدر النبعــاث غــازات االحتبــاس الحــراري ،خصوص ًا مؤخراً ،حــول الكثافة وحمايــة كوكــب األرض .وتمحــور النقاشَّ ،
الحد مــن البصمة ّ مــع ارتفــاع اســتهالك الوقــود ،ومــن هنا يعنــي الحضريــة ،واكتظــاظ المســاكن ،وتقاســم المســاحات ،وظــروف
الكربونيــة للمدينــة يعني ،جزئيـاً ،التخلّي عن األنموذج الحضري ـتد فيــه الهجــرة المعيشــة فــي المــدن» .ففــي الوقــت الــذي تشـ ّ
يتحــول فيــه التنقُّــل إلــى ّ كمــا هــو قائــم اليــوم ،وهــو أنمــوذج ـري ،لــم تعــد إلــى الريــف ،يعيــد المؤ ِّلــف تعريــف أنمــوذج حض ّ
ـ
أرق مقلــق؛ مــا يســتوجب التفكيــر فــي الســبل الكفيلــة لمواجهــة فيــه المدينــة معارضــة للطبيعــة ،ويكــون التنقُّــل فيهــا ســائ ً
ال
هــذه المعضلــة ،وقــد يكــون العمــل عــن بعــد مــن بيــن الحلــول وخاليـ ًا مــن الكربــون ،داعيـاً ،فــي اآلن ذاتــه إلــى نمــاذج مبتكــرة
التــي يمكــن تب ِّنيهــا فــي هــذا الصــدد ،وهــي حلــول اســتخلصناها وتشــاركية تع ـ ِّزز الروابــط االجتماعيــة واالندمــاج ،مؤكّ ــد ًا علــى
العالميــة التــي شــهدها العالــم مــع ّ الصح ّيــة
ِّ مــن تجربــة األزمــة لحــة إلعــادة التفكيــر فــي مســتقبل المــدن الكبــرى، الم ّالضــرورة ُ
بدايــة (.)2020 تغيــر المنــاخ.
ُّ ي ـد
ّ ـ تح ـه
ـ يواج ـوذج وفــي أنمـ
يقــدم المؤلِّــف ،كذلــك ،عــدد ًا مــن الحلــول واالقتراحــات ِّ شــر مدن ْ ِ
ع ـي
ـ حوال أن ـالندار» ـ ش «دي ـف ـ يكش ـدد، ـ الص ـذاوفــي هـ
لتفــادي الكــوارث واألخطــار المحدقــة بمدننــا ،داعي ـ ًا أصحــاب العالــم يزيــد عــدد ســكّ انها علــى عشــرة مالييــن نســمة ،وأن هــذا
واالقتصادييــن ،والمؤ ِّثريــن عبــر ِّ القــرار والفاعليــن السياسـ ِّـيين، ـرات ،بعــد عشــر ســنوات فقــط .إذ العــدد ســيتضاعف أربــع مـ َّ
التحديــات ،وأخذ ّ العالــم ،لالنخــراط الفعلــي لمواجهــة كلّ هــذه ُيتو َّقــع أن يبلــغ عــدد ســكّ ان دلهــي ( )39مليــون نســمة ،وطوكيــو
زمــام المبــادرة ،مــن خــال دعــوة إلعــادة النظــر فــي األنمــوذج ( )36مليونـاً ،وشــنغهاي ( )33مليونـاً ،ودكا ( )28مليونـاً ،وبكيــن
الحضــري الــذي يجــب التفكيــر فــي تغييــره ،يقــول« :أنــا مقتنــع ( )24مليونــاً ،وكينشاســا ( )22مليونــاً ،وكراتشــي ( )20مليونــاً،
بــأن الوقــت قــد حــان لبــدء حركــة واســعة لتجديــد نماذجنــا ـد آخــر وبومبــاي ( )24مليون ـاً ،والغــوس ( )20مليون ـاً ...إنــه تحـ ٍّ
خاصــة لوضــع ّ الحضريــة .هنــا ،أيض ـاً ،تفتــح أســواق جديــدة، يتج َّلــى فــي الطريقــة التــي ســتواجه بهــا هــذه المــدن العمالقــة
األول (،)2020 ــد للمصافــي الحراريــة .ففــي أكتوبر/تشــرين ّ َح ّ يبيــن
مســتقبلها ،علــى الرغــم مــن هشاشــتها .مــن جهــة أخــرىّ ،
ـررت أوروبــا مضاعفة وتيــرة تجديد المباني على مدار الســنوات قـ َّ اإلحصائيــات تمركُ ــز الثــروة
ّ «دي شــالندار» مــن خــال عــدد مــن
العشــر القادمــة ،والوصــول ،بحلــول ســنة ( )2030إلــى رقم ()35 فــي المــدن ،مشــير ًا إلــى دراســة أجرتهــا شــركة «ماكينــزي -
ـيتم تجديدهــا ،مــع توفيــر طاقــة نظيفــة للتدفئــة مليــون مبنــى سـ ّ بينــت أن أكثــر مــن %60مــن الناتــج »McKinseyســنة (َّ ،)2018
واالســتعمال اليومــي. المح ِّلــي اإلجمالــي العالمــي يتمركــز فــي ( )600مدينــة كبــرى،
لقــد أثــار الوبــاء الرغبــة فــي مدينــة أقــرب إلــى الطبيعــة ،مــع وأن هــذه المــدن تســتهلك %78مــن الطاقــة ،وتنتــج %70مــن
نقــل أكثــر سالســةً ،ومبــانٍ صديقــة للبيئة .كمــا يؤكِّ ــد المؤلِّف أن التلــوث،
ُّ انبعاثــات غــازات االحتبــاس الحــراري ،والكثيــر مــن
«تجديــد الطاقــة هــو أجمل مشــروع فــي الوقت الحالــي» ،ويبقى والضوضــاء المفرطــة ،والســكن العشــوائي ،والســكن الباهــظ
ـد مــن االحتبــاس الحــراري ،وفــي ا فــي الحـ ّ الرهــان األكبــر متم ِّثـ ً الضيــق للغايــة ،وصعوبــة التنقُّل ،واإلجهــاد، ِّ الثمــن ،والســكن
هــذا الصــدد تعتبــر الشــركات الكبــرى جــزء ًا مــن الحــلّ بقــدر مــا والتو ُّتــرات االجتماعيــة ،ناهيــك عن العنــف المتزايد ...وحتى في
هــي جــزء مــن المشــكلة؛ يجــب أن تكــون هــذه الشــركات فــي أوروبــا ،فــإن األنمــوذج الحضــري بــدأ ينفــد ،وأصبحــت المدينــة
ـم أطروحــة ـدي الحضــري ،وهــذه هــي أهـ ّ طليعــة مواجهــة التحـ ّ أقــلّ جاذبيــة .لقــد كشــفت أزمــة «كوفيــد »19عــن هشاشــة هــذا
يقدمهــا «بييــر أندريــه دي شــالندر» فــي كتابــه. ّ النمــوذج ،وأثــارت لــدى العديــد مــن ســكّ ان المــدن الرغبــة فــي
وعلــى الرغــم مــن اجتيــاح جائحــة «كورونــا» للمــدن ،كانــت ،فــي ارتيــاد مــكان آخــر ،حيــث بــدأ التفكيــر بشــكلٍ جــدي فــي النــزوح
التحدي
ِّ ـرع إلعادة التســاؤل حــول ومسـ ِّ المقابــل ،مصــدر إلهامُ ، إلــى الطبيعــة ،واألريــاف ،لكــن هــذا لــن يكــون كافي ًا لوقــف حركة
ويحصنوهــا ِّ الحضــري :لقــد ذهــب النــاس ليحصــروا أنفســهم، ـول ـدن هــذه ،كمــا يعتقــد المؤ ِّلــف ،داعي ـ ًا إلــى حركــة تحـ ّ التمـ ُّ
ـد ذاتــه ،ليــس الحــلّ األمثــل .إن خــارج المــدن ،وهــذا ،فــي حـ ِّ مــن الداخــل.
األمــر يتط َّلــب معالجــة هــذا الوضــع ،وإحيــاء مــدن مســتدامة ـدد المــدن ،تتم َّثــل فــي يتو َّقــف المؤ ِّلــف ،كذلــك ،عــن ظاهــرة تهـ ّ
ومرغوبــة .إن طمــوح المؤ ِّلــف يتم َّثــل فــي خلــق روابــط جديــدة االرتفــاع الحتمــي للميــاه ،حيــث ســتتأثَّر ( )570مدينــة بهــذه
الحيــة لهــذا الكوكب؛ وهو أمر يســتدعي ّ المكونــات
ّ بيــن مختلــف الظاهــرة .وبحلــول ســنة ،2024ســينتقل ( )1.5مليــون مســؤول
مراجعــة تنظيــم الفضــاء الحضــري ،وخلــق توازنــات جديــدة فــي واليــة جاكرتــا إلــى عاصمــة جديــدة في جزيــرة بورنيــو ،حيث
بشــكلٍ ملمــوس ،ســواء علــى صعيــد التن ّقــل ،أو االقتصــاد ،أو تغمــر األحيــاء القريبــة مــن الشــاطئ بالميــاه بمعــدل ()cm 25
يتكيــف ترشــيد الطاقــة ،أو التوزيــع الديموغرافــي ،كمــا يجــب أن َّ فــي الســنة؛ أي أن مــا يقــرب مــن ( )%40مــن المدينــة ســيكون
سيما من خالل الســكن مع اســتخدامات الســكّ ان وتوقُّعاتهم ،ال َّ تحــت مســتوى ســطح البحــر ،بالفعــل ،خــال الســنوات القليلــة
تحســين أداء الطاقــة فــي المبانــي. المقبلــة .وبحلــول ســنة ( ،)2050ستســتقبل مــدن العالــم أكثــر
التام؛ ما سيســمح بوصوله ّ يميــز هــذا الكتــاب هو وضوحــه إن مــا ّ مــن ( )2.5مليــار شــخص إضافــي ،وســيتركَّ ز أغلبهــا علــى طــول
االقتصادييــن الذيــنِّ الالعبيــن ــة وخاص
ّ عريــض، جمهــور إلــى ارتفاع منســوب الميــاه الحيا َة ُ الســواحل ،حيــث يمكــن أن يجعل
قويــة
ـدي الحضــري ،ويبحثــون عــن معاييــر ّ يدركــون حجــم التحـ ّ -ربما -مســتحيلة ،وحتى في أكثر الســيناريوهات أكثر صعوبةً أو َّ
لفهمه . تفــاؤالً ،مــع زيــادة درجات الحــرارة العالميــة المقدرة بـــدرج َت ْين
ـدق جرس عامــة عــن واقــع مدننا ،ويـ ّ ـدم «دي شــالندر» لمحــة ّ يقـ ّ مئوي َت ْيــن ،ســيصل ارتفــاع المحيطــات إلــى ( )cm 40فــي أفــق َّ
التحضر ،دائمـاً ،مرآ ًة ُّ ا أن يكــوناإلنــذار لــكلّ عشــاق المدن ،آمـ ً ســنة (.)2100
للحضــارة ،وأن تكــون الحضــارة ،بدورهــا ،متناغمــة مع اإلنســان، التحديــات األخــرى التــي يطرحهــا «دي شــالندار» مشــكل ِّ ومــن
ومــع مصيــره .عبد الرحمــان إكيدر التن ُّقــل واالكتظــاظ المــروري ،ففي باريس ،مثالً ،ســيكون التنقُّل
يوخن هوريش..
كيف ش َّوهت ال ّرقمنة والجَ ائِحة لغة الجسد!
ـل هيمنــة الديناميكيــة والحسـ ّـية منــذ مطلــع القــرن الحــادي والعرشيــن يف ظـ ّ ّ «تناقصــت قيمــة األيــدي برمزيتهــا
اليومية.
ّ الجا ِئحــة يك تُفا ِقــم مــن ســيناريو اإلهــال الواضح لقيمة األيــدي يف تفاصيل الحياة اآللــة ،لتــأيت ظــروف َ
عاص وأســتاذ مل ِ ملفكِّر ا ُنودع طقسـ ًا قدمي ًا انتزع حميمية التواصل» ...هكذا يتســاءل «يوخن هوريش» ،ا ُ كأننا ِّ
األملانيــة الحديثــة وتحليــل وســائل اإلعــام بجامعــة «مانهايــم» ،يف كتابــه الجديــد «األيــدي ..تاريــخ ّ الدراســات
ـايف »Hände..Eine Kulturgeschichte/الصــادر عــن دار نــر « ،»Hanserعـ ّـا إذا كانــت حياتنــا ال تــزال ثقـ ّ
تصدعــاتُّ ـل مــا لحــق بهــذه ال ّلغــة مــن
خاصــة يف ظـ ّ
ّ ثقافيــة،
ّ يف أيدينــا .يتنــاول الكتــاب لغــة الجســد مــن زاويــة
الجا ِئحــة التــي فرضــت انحســاراً قرسيـ ًا للتواصــل الجســدي ،حيــث يرى «هوريــش» أن البرشَ ماضون بالتزامــن مــع َ
يف طريقهــم لتدشــن عالقــة أكــر اضطرابـ ًا مــع الجســد بعــد أن صــارت «لغــة الجســد» مجـ َّـرد «أوقــات منسـ ّـية»
يف زمــن الوبــاء.
ـايف ،مــع الرتكيــز عــى يــرح «هوريــش» التأثــرات املعرفيــة لهــذه ال ّلغــة شــديدة الخصوصيــة يف املــوروث الثقـ ّ
«األيــدي» باعتبارهــا العضــو األكــر فاعليــة وتأثــراً يف هــذه ال ّلغــة الحسـ ّـية ،إذ ُي َعـ ُّـد الكتــاب مبثابــة دراســة خــارج
األنرثوبولوجية
ّ الثقايف لأليدي والذي ميتد إىل ما وراء الدراسات األدبية إىل االعتبارات ّ الصندوق حول التاريخ
التاريخية للكلامت
ّ ـيكيات األدب األملــاينّ ،حيــث يغــوص الكا ِتــب داخل االشــتقاقات مــن خــال التنقيــب يف كالسـ ّ
ـي لكلمــة يــد « ،»manusوالوقوف عىل العديد من التعابري ملصطلحــات ،التــي يرجــع أغلبهــا إىل األصــل الالتينـ ّ وا ُ
ـعبية.
ُّغوية التشـ ّ
ملفردة وداللتها الل ّ ملتعلِّقــة باســتخدام هذه ا ُ ملب ِّكــرة ا ُ
للمدخــات املعجميــة ا ُ االصطالحيــة ُ
بول أريي
«ولدت السياسة حول مائدة الطعام»
ـي شــامل بامتيــاز .هــذا مــا يحــاول «بــول أريــي »Paul Arièsصاحــب كتــاب «نحــو تاريــخ
التغذيــة فعــل اجتامعـ ّ
سيايس للتغذية» ،ورئيس تحرير مجلة « »Les Z’Indigné(e)sإبرازه من خالل أبحاثه التي تجمع بني التاريخ
والسوســيولوجيا وعلــم السياســة ،حيــث يســعى إىل استكشــاف مــا تفصــح عنــه أطباقنــا وأذواقنــا.
المص َّنعــة دون أن الســوفيات يحلمــون باألغذيــة ُ ما الذي يدفعكم إلى القول بأن وجبة طعام تشكِّل
ولربمــا
ّ ـة. ـ التقني تتو َّفــر لديهــم آنــذاك اإلمكانيــات سياسي ًا بامتياز؟
ّ فع ً
ال
ـرة فــي التاريــخ مــن تحقيــق هــذا ألول مـ ّ
ســنتمكّ ن ّ -ألن المائــدة والسياســة تتداخــان علــى الــدوام.
الحلــم الخرافــي.
فالتغذيــة هــي مســألة توزيــع وقواعــد ،وهــو
منــذ عشــرة آالف ســنة خلــت كانــت هنــاك قطيعتان ـدد فيــه األصدقــاء والخصــوم. المجــال الــذي يتحـ َّ
ـانية .األولى عندمــا تمكَّ نت كبيرتــان فــي تاريخ اإلنسـ ّ ـد ًا أن تخزيــن الطعــام والنــار التــي المحتمــل جـ ّ
مــن ُ
َأقل ّّيــة محــدودة للغايــة مــن التحكُّ ــم فــي المخــزون المشــتركة الممتلــكات ُ اســتعملت لطبخــه كانــا أول ُ
عبــرت عــن الغذائــي .هــذه اللحظــة هــي التــي َّ ـانية .ومــن هنــا يمكــن التصريــح بأن السياســة
ـري القديــم إلــى العصــر
ّ لإلنسـ ّ
االنتقــال مــن العصــر الحجـ ّ ُولــدت من خــال التغذية .وبخصوص الرهان الكبير
ـانية عــن
ـري الحديــث .وخاللهــا تخ ّلــت اإلنسـ ّ الحجـ ّ لعصرنــا فــإن األمــر ال يتعلَّق باســتيطان المجال ،بل
الصيــد وااللتقــاط لتنتقــل إلــى الزراعــة والتدجيــن. بكيفيــة توفيــر الغــذاء لثمانيــة أو اثنــي عشــر مليــار
الدينيــة والتفاوتــات المعتقــدات
وظهــرت بالتتابــع ُ ـرف علــى مــا كان
ّ إنســان .ولهــذا يجــب علينــا أن نتعـ َّ
االقتصاديــة .فقــد أصبــح األقوياء يحتكــرون الغذاء
ّ يعنيــه فعــل األكل فــي الماضــي.
بالمقابــل تغذيــة الشــعب .وتر َّتب عن ُ ـمـ عليه وصــار نحــن اليــوم عنــد مفتــرق الطريــق :علــى مــاذا ســوف
هــذا نتائج عديدة .فعندما قامت االنتفاضات األولى نتغــذَّ ى بعــد بضعــة عقــود؟ تبــدو الزراعــة الخلويــة
فــي مصــر القديمــة علــى ســبيل المثــال كان الدافــع كإحــدى اإلمكانــات المطروحة ،حيث يمكننا صناعة
اليوميــة مــن
ّ التــزود بالحصــص
ُّ إليهــا هــو ضمــان مــواد غذائيــة مــن خــال اســتخالص خاليــا جذريــة
الخبــز والشــراب ،وهــو لفــظ يجمــع فــي كلّ مــا هــو نزرعهــا لنصنــع غــذاء حســب الرغبــة .نظريـ ًا يمكننا
حيــوي بالنســبة للنــاس آنــذاك. كمية الحليب ا مــن خــال 150بقرة أن ننتــج كلّ ّ مثـ ً
المســتهلكة اليــوم فــي كوكبنــا .هــذا بالطبــع إذا ُ
الغذائيــة تكشــف عــن
ّ منــذ متــى صــارت الوجبــات صدقنــا الوعــود التــي تفصــح عنهــا التكنولوجيــات
التفاوتــات؟ الحيوية.
ّ
ألقــلّ منــذ ظهــور مــدن الــدول األولــى ،وهذه-علــى ا َ
ـانية. هل يمكن حمل الزراعة الخلوية على محمل الجد؟
هــي القطيعــة الثانيــة الكبــرى فــي تاريــخ اإلنسـ ّ
الغذائــي .لــم يعــد
ّ أســميه باالنفصــال
ِّ وهــو مــا -ســتحظى هــذه الزراعــة بمزيــد مــن االهتمــام فــي
األثريــاء يرغبــون فــي تنــاول الشــيء نفســه الــذي ا كانالمســتقبل .فخــال الثــورة البلشــفية مثــ ً ُ
45 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
ببعــد آخــر :المائــدة كمتعــة.الرومانيــة ُ
ّ -وهــي مدينــة للمائــدة ـيتطور الطبخ
َّ يتناولــه العــوام ،وال تناولــه بالطريقة ذاتها .وهنا سـ
إذ لــم تنفــق ّأيــة حضــارة علــى مائدتهــا مثــل مــا أنفقــت الحضــارة ـي األنثــوي.
الرفيــع الذكــوري فــي مقابــل الطبــخ اليومـ ّ
المبالــغ
ـد إصــدار تشــريعات لتقنيــن اإلنفــاق ُ الرومانيــة ،إلــى حـ ّ
ّ المصريــة التي تخلَّت عن تناول
ّ نجســد هذا مع النخبة ِّ يمكننــا أن
فيــه علــى الطعــام. مخصص ًا للفئــات االجتماعية َّ ـذ ـ منذئ أصبح ـذي ـ ال ـر، ـ الخنزي لحــم
والمتعــة ،تشــكِّ ل
إن هــذه األبعــاد الثالثــة ،أي اللُّغــة والتقاســم ُ ّ الدينية،
ّ الدنيــا .فنبــذ الخنزيــر الــذي نجده في عــدد من العقائــد
المعادلــة التــي ينبغــي حلّهــا لنســير نحــو التغذيــة ُ ـنـ م ً
ا ـزء
ـ ج االجتماعي. التمايز
ُ مؤشــر ًا علــى
ِّ كان فــي األصل
ّ
الســليمة ،أي القــدرة علــى توفيــر الغــذاء الكافــي لــكلّ البشــر
المســتقبل. فــي ُ مجرد ورثة لألسالف؟
َّ الغذائية
ّ هل هذا يعني أننا في اختياراتنا
-بــكلّ تأكيــد ،فالمائــدة الفرنسـ ّـية مثـ ً
ا تبــدو لــي مدينــة لمائــدة
جيداً بأن وجبات الطعام تساهم بدورها في تشكيل
من المعلوم ّ العصــور القديمــة علــى ثالثــة مســتويات:
الوطنية...
ّ الهويات
ّ المصريــة بتم ُّثــل المائــدة كلغــة .إذ إن -فهــي مدينــة للمائــدة
ّ
ـرة أخــرى مثــال فرنســا. -فــي هــذا الجانــب يمكننــا أن نأخــذ مـ ّ رمــز ًا هيروغليفيـ ًا واحــد ًا كان يــدل علــى فعلــي «أكل» و «تكلــم».
ـرء يرغــب فــي أن فقبــل «لويــس الرابــع عشــر» عندمــا كان المـ ُ فقــد ابتكــر المصريــون القدمــاء األطعمــة الرمزيــة األولــى ،اثنان
اإليطالــي .وهــو طعــام
ّ جيــد ،يتنــاول الطعــام يــأكل بشــكلٍ ّ منهــا يســترعيان انتباهــي بشــكلٍ خــاص :الخبــز كرمــز للخلــود،
مرتكــز علــى االســتمتاع والوجبــات الحلــوة .وفي هــذه المرحلة والشــراب كرمــز لألنســنة.
بــدأ الســعي إلــى ابتــكار مائــدة فرنسـ ّـية ،لقــد كان هــذا قــرار ًا اإلغريقيــة بتمثُّــل المائــدة كتقاســم.
ّ -وهــي مدينــة للمائــدة
الوطنية ســترتكز
ّ نبســط األمــور ،فهــذه المائدةسياسـ ّـياً .ولكــي ِّ اإلغريقيــة القديمــة للتعبيــر عــن فعلــي
ّ فهنــاك لفــظ واحــد فــي
اهتمام
ٍ ـن الصلصات مــع ـي مضافـ ًا إليه فـ ّ
علــى المطبــخ اإليطالـ ّ «أكل» و«تقاســم» .ومــن هنــا فإن كلمتي زميــل ( )copainورفيق
كبيــر بالحلويــات .وصناعــة الحلويــات ُت َع ُّد فرع ًا من الهندســة، ( )compagnonفــي اللّغــة الفرنسـ ّـية تحيــان علــى َم ْن نتقاســم
ألنهــا تســمح بخلــق أشــكال هندسـ ّـية غايــة فــي الدقــة .ومــن معــه الخبــز.
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 46
الغذائيــة ،أو تســريع الخطــى علــى الجانــب اآلخــر مــع الزراعــة ّ هنــا اعتبــر رمزيـ ًا أن أكل الحلويــات ُيشــير إلــى االعتــراض علــى
اإليكولوجيــة .فــي هــذا المنحــى الثانــي ســوف تكــون ضيعــة ّ الدينيــة.
ّ الظالميــة
التخصصــات ،تنتــج الفواكــه والخضــر ُّ متعــددة
ِّ المســتقبل الفرنســية التــي اســتحوذت علــى خطــاب ّ ثــم جــاءت الثــورة
َّ
ُ
والحبــوب والقطانــي ،وكذلــك الحليــب والبيــض ،وأيض ـ ًا روث عصــر األنــوارُ .خــذ علــى ســبيل المثــال األونســيكلوبيديا
موجهة نحو الحيوانــات الــذي يغــذّ ي دبــال التربــة .إنهــا زراعــة (الموســوعة) التــي وضعهــا «ديــدرو» ،نجــد أن المقــاالت
َّ
خصصــة للمطبــخ صاغهــا الفــارس «لويــس دو جوكــور». الم َُّ
تلبيــة االحتياجــات المحلّيــة دون أن تكــون زراعــة منكفئة ذاتياً.
الذي كان شــخص ًا يعتبر بأن األكل الســليم هو األكل الشــعبي،
ألنهــا ال تلغــي التســويق مــن حســاباتها كل ّّيــاً ،بــل هــي بــكلّ
ـي .ففــرض فكــرة أن ـي والطبيعـ ّ ـي والواقعـ ّ
ألنــه األكل الحقيقـ ّ
بســاطة زراعــة تعيــد االعتبــار لعمــل الزراعــي وللبيئــة وتراعــي يتكون المواطــن الصالــح،
َّ الشــخص ذا الــذوق الرفيــع ،بمعنــى ُ
المواســم الفالحيــة وال تســتنزف الكثيــر من المــاء .يقتضي هذا حــول مائــدة الطعــام ،ألن اكتســاب القــدرة علــى التمييــز بيــن
األمــر تنويــع االختيارات ،وهي اختيارات سياسـ ّـية .هل يجب أن األذواق يفضــي إلــى اكتســاب القــدرة علــى التمييز بيــن األفكار.
نغــذّ ي ســكّ ان كوكبنــا بملياري مزارع صغير ،أو بخمســمئة ألف لــذا عندمــا أدخلــت الثــورة الفرنسـ ّـية تغييــر ًا علــى المدرســة،
زراعيــة؟ إن إنتاج الطعام يســتهلك اليوم عشــرة ّ مســير ضيعــة أســندت للفرســان الســود (التعبيــر الــذي أطلقــه «شــار بيغــي»
أضعــاف مــا ينتجــه مــن الســعرات الحراريــة /الكالوريهــات، علــى رجــال التعليــم) ثــاث مهــام :تعليــم الصبيــان القــراءة
خصبات الم ِّألننــا نحتــاج إلــى الكثيــر مــن المحروقــات لصناعــة ُ والكتابــة ،تعليمهــم الحســاب ،وتعليمهــم القدرة علــى التمييز
والمبيــدات الحشــرية .والجميــع علــى وعــي اليــوم بــأن هــذه جيــد ًا في فترة طفولتــي عندما كان بيــن األذواق .وال زلــت أذكــر ّ
ُ
المنظومــة غيــر قابلــة لالســتمرار ،فلــن ندافــع عــن البيئــة دون نميــز بعيــون مغلقــة أو مغمضة، يطلــب م ّنــا فــي المدرســة ،أن ِّ
رائحــة الخــل عــن رائحــة الخــردل.
ـي ألطباقنــا.ـوع البيولوجـ ّ
أن نعيــد التنـ ُّ
حوار :لوران تيستو ۹ترجمة :عبد اللطيف القرشي مــا الــذي يمكننــا القيــام بــه لكــي نو ِّفــر الغــذاء الكافــي لعشــرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مليــارات مــن البشــر؟
المصدر:
مجلة « »Sciences Humainesالعدد ( )338يوليو . 2021 تصوران محتمالن :القفز على الجدار مع البيوتكنولوجيا
ُّ -هناك
االجتماعيــة «المســكوت عنهــا» فــي عصــره ،بشــكل لــو كان نقّــاد األدب منصفيــن ،لوضعــوا الكاتــب
علني،
ّ تهكُّ مــي ،وفــي حــدود المســموح بــه مــن نقــد محمــد عفيفــي ( )1981 - 1922فــي ِعــداد َّ الراحــل
آنــذاك ،بطبيعــة الحــال. كبــار كُ ّتــاب الســخرية العــرب ،لكــن (عفيفــي) لــم
غيــر أن هــذا العنــوان المثيــر« :للكبــار فقــط» ،لــم يأخــذ ح َّقــه مــن الشــهرة والتقديــر بيــن معاصريــه،
يمنعــه مــن تب ّنــي فكــرة إصــدار النســخة العربية من بــل إن بعــض تالمذتــه صاروا أكثر شــهر ًة منــه ،بينما
مج ّلــة «ميكــي» األميركيــة ،لألطفــال ،التــي صنعــت كان مصيــره «النســيان» .وهــو القائــل عــن نفســه،
وعــي أجيــال مــن الصغــار .وقــد تولّــى (عفيفــي) علــى كلّ حــال« :أنــا لســت متواضعـاً ،فالتواضع هو
بنفســه ترجمــة المجلّة بأســلوبه الســلس البســيط، شــيمة الكبــار فقــط!».
مؤسســة َّ مرة ،عام ( ،)1959عن منذ صدورها ،ألول ّ كان (عفيفــي) عضــو ًا فــي شــلّة «الحرافيــش»
«دار الهــال» بترخيــص مــن شــركة «والــت ديزنــي»، أسســها نجيــب محفــوظ ،وهــو
وحتــى مطلــع الثمانينيــات. الشــهيرة ،التــي َّ
أول عمــود ســاخر فــي الصحافــة العربيــة، صاحــب َّ
بــدأ (عفيفــي) عملــه بالصحافــة فــي مجلّــة «آخــر
كان ُينشر في جريدة «األخبار» ،خالل الخمسينيات
ســاعة» ،منتصــف األربعينيــات ،وكان الكاتــب
مــن القــرن الماضــي ،تحــت عنــوان «للكبــار فقــط»،
مؤســس المجلّــة ّ محمــد التابعــي، َّ الصحافــي
ويعتمــد علــى العبــارات القصيــرة التلغرافيــة،
وصاحبهــا ،يكلفــه بكتابــة تقاريــر إخباريــة ميدانيــة
عــن األحــداث الجاريــة ،ثــم عمــل فــي عــدد مــن الالذعــة ،التــي كشــف ،من خاللهــا ،عــن المفارقات
ـات ،ثــم انتقــل ،بعــد ذلــك ،إلــى الصحــف والمجـ ّ
األخــوان؛ صحيفــة «أخبــار اليــوم» ،بعــد ان اشــترى َ
مصطفــى وعلــي أميــن ،المجلّــةَ مــن التابعــي.
ا مــن الكتــب ،منهــا «للكبــار أصــدر عــدد ًا قليــ ً
فقــط» ،و«ابتســم مــن فضلــك» ،و«ابتســم للدنيــا»،
و«ســكّ ة ســفر» ،و«ضحــكات عابســة» ،و«ضحــكات
وتحولــت بعــض قصصــه ورواياتــه إلــى َّ صارخــة».
أفــام ســينمائية ،مــن بينهــا «حكايــة بنــت اســمها
مرمــر» ،و«التفاحــة والجمجمــة» ،التــي صــدرت في
ـد تحفته األدبية ،بامتياز. القاهــرة عام ( ،)2019و ُت َعـ ّ
ـجلهاَّ ـ س ـيـ الت ـه ـ رات مذكِّ ـيويقــول نجيــب محفــوظ فـ
محمــد عفيفــي مــن َّ رجــاء النقــاش« :لقــد نهــل
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 48
ـهي ،أو فــي حبكــة داللــةً ليســلكها فــي ســياق فكــري لمقــال شـ ّ
ـن .ورغم ذلك، لقصــة أو رواية شــائقة طافحة بســحر الفـ ّ دراميــة ّ
إن (عفيفــي) هــو الكاتــب الــذي نســيه القــوم ،وغــدرت بــه ذاكــرة
التقديــر ،كأن لــم يكــن»!.
لمــاذا لــم يشــتهر (عفيفــي) ،إذن ،فــي حيــن أن بعــض تالميــذه
الســاخرين الجــدد ،مــن قامــات أقصــر بكثيــر ،طبقــت شــهرتهم
طبــع كتبــه عشــرات اآلفــاق فــي ّأيامنــا المعاصــرة ،ومنهــم مــن ُت َ
الطبعــات؟ الحقيقــة أن (عفيفــي) كان يكتــب ســخرية مثقّفــة،
األوروبييــن العظــام ،النادريــن فــي تاريــخ ّ علــى شــاكلة الكُ ّتــاب
األدب الغربــي ،أمثال جوناثان ســويفت ،وبييــر دانينوس ،وماري
ســتندال؛ تلك الســخرية التــي ُينظر إليها باعتبارهــا «قفزات عقل
محــض» ،والتــي تحتــاج إلــى ثقافــة واســعة مــن أجــل فهمهــا،
وليــس علــى طريقــة مــارك تويــن الفكاهيــة الضحلــة.
كانــت مشــكلة (عفيفــي) ،بالضبــط ،فــي حياتــه وفــي مماتــه ،أنــه
ـاد اللســان ،ومثقّفـ ًا أكثــر مــن الالزم، كان كاتبـ ًا المــع العقــل وحـ ّ
ـاد لل ّثقافــة ،لذلــك اختــار الرجــل أن يعيــش حيــاة فــي واقــع معـ ٍ
منعزلــة ،وأن يقضــي معظــم وقتــه فــي حديقــة منزلــه الصغيــرة
«تحــت ظــلّ تمــارا» ،وهــو اســم أحــد كتبــه ،واســم الشــجرة التــي
ا الحيــاة متأمــ ً
ِّ يفضــل الجلــوس تحتهــا ،فــي الحديقــة، كان ّ
والعالــم مــن مســافة كافيــة.
مجــرد
َّ محمــد عفيفــي هــي َّ ويعتقــد بعــض النــاس أن كتابــات
بحــر ال ّثقافــة ،بعمــق وشــمول ،وقــام فــي (ســبيل) ذلــك برحلــة
«نكــت» قصيــرة الذعــة ،لكــن الحقيقــة أن مــا كتبه الرجل ،ســواء تيارات طويلــة ،بــدء ًا مــن التــراث وحتــى أحــدث مــا تمــوج به مــن ّ
فــي الصحــف أو فــي الكتــب ،هــو أعمــق مــن ذلــك بكثيــر ،فقــد وفنيــة ،واجتماعيــة ،ومــع هــذا فقــد ُعــرف بـــ «الكاتــب فكريــة،
ّ
اختــرع تقنيــة الكتابــة بالعبــارات القصيرة الســاخرة ،التي تنتقد، ـداً ،اكتشــف عبثيــة الوجــود الســاخر»،ألنه منــذ زمــن مبكِّ ــر جـ ّ
ـاد ،ظاهــرة اجتماعيــة مــا فــي عصــره ،مــن ذلــك قولــه بــذكاء حـ ّ والمجتمــع ،وتابعهمــا بعيــن متف ِّتحــة فــي الطبيعــة والعالقــات
ا َد ْخلــهعــن الشــخص الفاســد ،مث ـاً« :ال يزعجنــي أن أرى رج ـ ً االجتماعيــة والتقاليــد البشــرية والحيــاة اليوميــة» .ويضيــف
ا َد ْخلــه أكبــر أكبــر مــن دخلــي ،بقــدر مــا يزعجنــي أن أرى رج ـ ً محفــوظ« :كانــت الســخرية محور حياة عفيفــي ،ينبض بها قلبه،
مــن دخلــه!». ـرك بها إرادتــه ،فهي ليســت بالثوب الذي ويفكِّ ــر بهــا عقلــه ،وتتحـ َّ
العــام ،أنــه وكانــت مشــكلة (عفيفــي) ،فــي المحيــط الشــعبي يرتديــه عندمــا يمســك القلــم ،وينزعــه إذا خــاض الحيــاة ،ولكنها
ّ
ـد والهــزل». جلــده ولحمــه ودمــه وأســلوبه عنــد الجـ ّ
رجــل تشـ ّـبع بتــراث الســخرية األوروبيــة الرفيعــة ،وكان يجنــح
و(عفيفــي) ،بهــذا المعنــى ،هــو «األب الروحــي» الحقيقــي لجيــل
إلــى طريقــة السفســطائيين القدامــى ،أســاتذة اللعــب بالمعانــي
كامــل مــن الكُ ّتــاب الجــدد ،ظهــر فــي مصــر خــال الســنوات
عامــة
واأللفــاظ؛ وهــو مــا جعــل كتاباتــه بعيــدة عــن متنــاول ّ األخيــرة ،مــع تفــاوت المواهــب والقامــات ،مــن بــال فضــل ،إلى
ـرس لســبر أغوارهــا البعيــدة، ـد مــن قــارئ متمـ ِّ ـراء ،بــل البـ ّالقـ ّ عمــر طاهــر ،وحتــى أحمــد خالــد توفيــق .هــؤالء جميعـاً ،تأ َّثــروا
المخفيــة بيــن الســطور. ـةـ قافيثّ ال ـاـ إحاالته ـموفهـ وتقمصهــا ،ومنهــم مــن تلبــس روحــه،
ّ ّ ّ بـــ (عفيفــي) ،فمنهــم مــن ّ
كان الرجــل ،بمعنــى مــا« ،الوجــه المث َّقــف» للكتابــة المصريــة عمليات «تمصير» لكتاباته الســاخرة ذات الطابع األوروبي ّ أجرى
العربيــة الســاخرة ،التــي كان وجههــا اآلخــر هــو أحــد تالميــذه رفيــع ال ّثقافــة ،بــل إن منهــم َمــن «اقتبــس» منــه…
المشــاهير ،الكاتــب الراحــل محمــود الســعدني ،الــذي كانــت يقــول األديــب الراحــل خيــري شــلبي ،فــي أحــد كتبــه ،عــن
ســخريته مزيجـ ًا من الفكاهات الشــعبية والقفشــات والتلفيقات (عفيفــي)« :كنــت تــرى الحرفــوش فــي وجهــه ،شــكله ،وثيابــه
الذكية؛ لذلك حقَّق الســعدني شــهر ًة أكبر من شــهرته ،في نهاية التــي حتــى وإن كانــت مســتوردة مــن بيــوت األزيــاء العالميــة،
خاصــة ،فــي ّ فهــي تكتســب علــى جســده «حرفشــة» أنيقــة أناقــة
أمــا (عفيفــي) ،فــكان أقــرب إلــى «الصنايعــي» الماهــر، المطــافّ . ربطــة العنــق ،فــي الســترة المحكمــة علــى كتفيــه ،فــي القمصان
ذلك الســاخر الســاحر ،أو إلى الفيلســوف الذي تعلَّم اســتقصاء
(النصــف كُ م) ،واقترابها من شــكل الجلبــاب البلدي ،وفي طريقة
ـار ،مــن داخــل متاهــة عزلتــه؛ لذلــك مفارقــات الحيــاة ،بعقــل بـ ّ تدخينــه ،وفــي التعامــل مع األشــياء ،ومــع الحياة كلّها ببســاطة
لماحــة ،مفارقــة للمألــوف. كانــت ســخريته قاســيةّ ، آســرة ،بســاطة فيلســوف هــادئ األعصــاب بــارد العقــل ،ســخن
محمــد عفيفــي ،الذي َّ ـر ـ الكبي ـب ـ الكات هــذا غيــض مــن فيــض عــن القلــب ،محتــدم المشــاعر ،تتطايــر مــن حــول برجــه المفارقــات
ـق التكريم الذي يســتحقُّه، عــاش متعفِّفـاً ،ومــات فقيــراً ،فلــم يلـ َ ـم بحــر الحيــاة الواقعــة مــن حولــه، الفلســفية النابعــة مــن خضـ ّ
وميتـاً .طايــع الديب حيـ ًا ِّ ولــم يعتــرض أحــد علــى ســرقتهّ ، ـدها لمعان ـاً ،وأعمقهــا ـد أصابعــه الطويلــة فيلتقــط منهــا أشـ ّ يمـ ّ
49 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
أندلسيات
األول ،خصوص ـاً ،وهــو المعجــب بهــا فيلــم عــن جــزء الروايــة ّ فرغم اقترابها من أجواء الســينما ،بطبيعتها الســردية المازجة،
إيــام المراهقــة .كان «بروســت» البــاب ـرة قرأهــا فــي ّ
أول مـ ّمنــذ ّ بتواشــج مبهــر ،بيــن فضــاء الخيــال وأرض الواقــع ،مــن خــال
الــذي دلــف منــه إلــى ثالثــة عوالم كمــا يقــول« :اللّغة الفرنســية، ـرك األصيــل اللعــب علــى إيقــاع الزمــن وتداعــي الذكريــات المحـ ِّ
ـب والغيــرة». والمجتمــع المتناظــر ،والمناطــق المجهولــة للحـ ّ وتلمــس مشــاعرها يترافــق معهــا تأثيــر لســبر كينونــة الشــخصية ُّ
مــا دار فــي ذهنــه مــن خيــاالت صــور لـ«ســوان» -بطــل الحكايــة- عميــق للفنــون المختلفــة فــي خلــق الصــورة الكل ِّّيــة ،كانــت
ـول فــيســتكون المرجــع لمــا سيســرده علينــا الفيلــم .رجــل يتجـ ّ ضخامتهــا -وهــي المؤلّفة من ســبعة أجزاء -ســبب ًا رئيســي ًا يجعل
ثنايــا ومنعطفــات األماكــن ،لطبقــة االرســتقراطيين الباريســية، مــن محدوديــة وقــت العــرض الســينمائي عائقـ ًا أمــام اســتثمارها
ـب محمــوم بالبحــث عــن امــرأة تتف َّلــت منــه، ـرض ،علــى ا َ
ألقــلّ إن لــم يح ِّقــق نجاحـ ًا كبيــراً .أكثــر من بشــكلٍ ُمـ ٍ
فــي حالــة هــوس حـ ّ
تدفعــه رغبــات متناقضــة ،ال تأبــه هــي بهــا ّإل بقــدر مصلحتهــا. قــرن مضــى علــى صدورهــا ،ومــع ذلــك لــم تكــن هنــاك ســوى
نقــف علــى نبــض عذابــه ،واحتقــاره لذاتــه التــي ســقطت فــي بحر محــاوالت ال تتجــاوز أصابــع اليــد الواحــدة ،ســعت فيها الســينما
عاطفــة مجنونــة المــرأة ســاقطة لــم تكــن ســوى مرافقــة للرجــال لمعالجــة أحــد أجزائهــا ،ســنحاول اســتعراض أبــرز ثالثــة أفــام
مــن الطبقــة الراقيــة للمجتمــع الباريســي .يــدرك صاحــب فيلــم وتتميــز بنظــرة صانعيهــاَّ لهــا الحضــور النقــدي ،والجماهيــري،
ـخ األجــواء لخلــق البيئــة المناســبة «طبــل الصفيــح» قيمــة ضـ ّ المختلفــة فــي الرؤيــة والمقاربــة البصريــة للروايــة:
الشــخصيات ،فــكان تصميــم اإلنتــاج للمــكان ّ بتكويــن مالمــح
والمواقــع رائعـاً ،فيمــا عملــت األزيــاء وتصاميمهــا األنيقــة علــى «سوان» العاشق)1984( ،
نصور مــا كتبهّ ـم هــو كيــف
اســتعادة جوهــر الحقبــة .غيــر أن األهـ ّ تتجرأ الســينما على االقتــراب من ملحمة َّ حتــى فــي أوج ع ّزهــا لــم
«بروســت»؟ مــا خلُصــت إليــه مجموعــة كتابــة الســيناريو ،والتــي الكاتــب «مارســيل بروســت» ،فناهيــك عن عــدد كلماتهــا الهائل،
ضمــت أســماء كبيــرة لهــا باعهــا ،منهــم« :بيتــر بــروك» ،و«جــان ّ تحدي ًا
ـخصياتها التــي قاربت األلفَ ْيــن ،كانت الصعوبــة األكثر ِّ ّ وشـ
كلود كاريير» ،و«ماري هيلين اســتيان» ،وبالطبع «شــلوندورف»، ـس الكتابــي الذي رســم به «بروســت» ّ ـ والح ـرـ التعبي ـطـ نم ة
َ ـارا
ـ مج
هــو تكويــن لطبيعــة المجتمــع ،وشــكل العالقــات الشــخصية، المشــاعر والوعــي ،وتدفُّقهمــا إلــى عمــق عاطفــي بالــغ الثــراء،
والعاطفيــة ،وطبائــع الســلوك ،ونمــط الوعــي والثقافــة .إنهــا مضافـ ًا إليهمــا وقــع الذكريــات وإيقــاع الزمــن الفريــد .قيــل عنها
ـرف المتــرف نظــرة ُتطــلّ مــن خــال «ســوان» ،علــى نزعــات التصـ ّ فربما كثيــر ًا أنهــا روايــة غيــر قابلــة لألفلمــة ،وليــس ذلــك بخطــأّ ،
وهمســات النميمــة ومؤامراتهــا ،ونــزق وســخافة الطبــاع التــي هــي الحقيقــة عند مقارنة تأثير المنتج الســينمائي ،بفعل الرواية
يكونهــا الثــراء .مــن جانــب آخــر ،هنــاك محاولــة لدراســة التنامي ِّ األصلــي ،علــى المتل ّقــي ،فالوقــت فيهــا يبــدو باهــظ الثمــن ،ال
ـب .إنــه ،اآلن، ّ ـ الح ـي
ـ ف ـعـ وق أن ـد
ـ بع ـوان» ـ «س ـلوكـ لس ـرـالمتفج
ّ المخــرجيمكــن اإلمســاك بــه ّإل بفطنــة الكاتــب الفرنســي .عــرف ُ
يطــارد روحــه التــي شــغفتها «أوديــت» جنونـاً .يتراكــض وراءهــا األلماني «فولكر شــلوندورف» ذلك ،حين شــرع باإلعداد لصناعة
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 52
تحويــل األعمــال األدبيــة إلى أفالم مثل «طبــل الصفيح» لـ«غونتر
غــراس» وغيرهــا ،قاصــر ًا فــي الرؤيــة وفــق منظــور أن الســينما
وســيط وعالــم آخــر ،لــه اشــتراطاته وأســاليبه فــي المعالجــة
والتنــاول ،بيــد أنــه افتقــد ،أحيانـاً ،إلــى نكهــة كلمــات «مارســيل
المبرح
ِّ ضخ الحنين إلى الماضي ،ولســعة الشــعور بروســت» في ّ
المنســكب مــن لحظــات المرافــق لهــا بذلــك الفيــض التعبيــري ُ
صــراع الــذات ،وتج ِّلــي األحاســيس بعنفــوان مكتــوم.
فالمقاربــة
ُ مــادة المســرحية بــأدوات الســينما: «( Le pèreاألب)» أو «( The fatherاألب)» ،األول
الســينمائية التــي تب َّناهــا «زيلــر» حافظــت علــى
ّ عنــوان مســرحية ،والثانــي عنــوان لفيلــم :نفــس
العاطفيــة ،ولكنهــا تالفــت اســتدرار
ّ القــوة نفــس المخــرج :فلوريــان زيلــر ،نفــس الحبكــة :عالقــة ُ
تفرجيــن ،واســتخدمت الغمــوض الــذي ُ ِّ الم ـفقة شـ الصــراع بيــن ثمانينــي بــدأ يفقــد الشــعور بالواقــع،
نجــده فــي أفــام الجريمــة وفــي األعمــال الدراميــة وابنتــه التــي يتجاذبهــا مــن جهــة اإلحســاس بالذنب
ـويدي «إنغمــار برغمــان» ،ولكــن مــن
ّ للمخــرج السـ ُ ٍ
جهــة المســن ومــن بســبب التخلّــي عــن والدهــا ُ
دون أن تســقط فــي فــخ التقليد .وينــدرج هذا الفيلم متخصصــة
ِّ ـدارـ ب ـهأخــرى الشــعور باالرتيــاح إلنزالـ
ضمــن تقليــد ســينمائي -ينطلــق مــع الــدوار الذهنــي المغلق. المســنين ،نفــس مبــدأ الفضــاء ُ فــي رعايــة ُ
ـوره رومــان بوالنســكي فــي بداياتــه ،وينتهــي كمــا صـ َّ ومــع ذلــك العمــان يختلفــان بشــكلٍ جــذري .فبعد
عنــد التجــارب الحسـ ّـية لـ«دارين أرونوفســكي» -مع العــرض الناجــح للمســرحية ،احتــلَّ «زيلــر» مكانــه
تأكيــده فــي اآلن نفســه لحساســية ورؤيــة بالغــة ـي فــي المشــهد المســرحي بفرنســا. كعنصــر أساسـ ّ
المرهفالخصوصيــة .رؤيــة مؤلِّف التأم فيــه الحس ُ
ّ حولــه علــى الفــور إلــى مخــرج َّ فقــد أمــا الفيلــم
ّ
بعلــم اإلخــراج ،وتعـ َّززت لديــه الموهبــة بالمعرفــة ِ َ
يســتحق اإلعجــاب .علــى األقــلّ لكونــه أعــاد صياغــة
النظريــة.
ّ
ـوره شــيئ ًا ســوى كلمــة شــكر علــى تعيينــه ،وتصـ ُّ أن تناولــت عالقــة توفيــق الحكيــم اإلشــكالية بعــد ْ
أنــه يتو َّقــع كثيــر ًا مــن ذهابــه إلــى باريــس .وكان مــع حركــة الضبــاط التــي اســتولت علــى الحكــم
مــن بيــن مــا قالــه لــه عبــد الناصــر إنــه ســيكون عــام 1952وهــو فــي َأ ْو ِج العطــاء ،ورغبتــه فــي
ـوق ًا لقــراءة مــا يكتبــه .ونصحــه بــأن يتــرك متشـ ِّ أن يبقــي بينــه وبينهــا مســافة ،برغــم حــرص
الروتينيــة لمنــدوب مصــر فــي اليونســكو ّ ـال األعمـ عبدالناصــر علــى االقتــراب منــه ،أحــاول هنــا
ـن يشــاء لمكتبــه ألحــد مســاعديه ،وأن ينتــدب َمـ ْ إماطــة اللثــام عــن فصــلٍ آخر مــن فصولهــا .وأبدأ
ـرغ هــو َّ ـ يتف ـىـ حت مــن ســفارة مصــر فــي باريــس، هنــا بمــا كتبــه محمــد حســنين هيــكل عــن هــذه
تأمــل وتفكير وكتابــة .وعندما عاد لمــا يتم َّنــاه من ُّ المســألة مــن وجهــة نظــر هــي أقــرب مــا يكــون
الحكيــم مــن باريــس لــم يطلــب مقابلــة جمــال إلــى وجهــة نظــر عبدالناصــر ،وهــو يتنــاول عالقــة
عبدالناصــر ،مــع أن عــدد ًا مــن أصدقائــه -ومــن الحكيــم بــه كمــا شــهدها« :توفيــق الحكيــم فــي
ضمنهــم الدكتــور حســين فــوزي كمــا قــال لــي- مقابلتــه األولــى مــع عبدالناصــر عندمــا ســلَّمه
ـدون اســمه فــي دفتــر التشــريفات نصحــه بــأن يـ ِّ قــادة النيــل ،حــاول عبدالناصــر أن يتك َّلــم معــه،
فــي الرئاســة تعبيــر ًا عــن شــكره بعــد عودتــه مــن ولكنــه كان قليــل الــكالم .ك ّنا قبل الســويس ،ولم
إن كان ذلــك مهمتــه .ســألني توفيــق الحكيــم ْ َّ ترســخت بعــد ،وبالتالــي فأنــا تكــن األســطورة قــد َّ
ضروريــاً؛ ألنــه يشــعر بخجــل فهــو ال يعتقــد أظــن أن هــذا اللقــاء كان فــي أجــواء مقابلــة بيــن
تهمــه أنــه نجــح فــي اليونســكو ،وأن باريــس لــم ّ ـب كبيــر والرجــل القــوي علــى قمــة الدولــة. أديـ ٍ صبري حافظ
ـدت نفســه» ،وأن قرينتــه ـرة ،وأنهــا «صـ ّ هــذه المـ ّ فــي اللقــاء الثانــي اختلفــت الصــورة ،ألن اللقــاء
تصور أن في اســتطاعته َّ ألنه ً،
ا كثير عليه ضحكــت ـطوري ،وعنــدّ وجوهــا األسـ
ِّ جــرى بعــد الســويس
بعــد الســتين اســتعادة أجــواء كان فيهــا تحــت ســفر الحكيــم مندوبـ ًا لمصر في اليونســكو ،وكان
الثالثيــن»(.)2 ـدة ،وكان توفيــق الحكيــم يريــد هــذا المنصب بشـ ّ
ممــا قالــه محمــد حســنين هيكل المقتطــفّ ، هــذا ُ ـور أن عودتــه إلــى باريــس أديب ـ ًا كبيــر ًا هــذه يتصـ َّ
عــن تلــك العــودة لباريــس ،ينطــوي علــى تعبي ـ ٍر ـدد ًا فــي
ِّ ـ متج ً
ا ـ انبثاق ـده ـ عن ـدث
ـ تح ـوف ـ س ة، ـر
المـ ّ
إن كان «صدت نفســه» ،وأنه ْ ّ دال وهــو أن باريــس الفكــر ،يفــوق مــا أحدثــه لقــاؤه األول مــع باريــس
يعتــرف بأنــه لــم ينجــح فــي اليونســكو ،فهــو لــم عندمــا ذهــب إليها طالــب بعثة لدراســة الحقوق.
الحــرة التــي
ّ ينجــح أيضــ ًا فــي أن يعــود لنفســه المقابلــة لــم يتك َّلــم الحكيــم ،ولــم يقــل فــي هــذه ُ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 60
ـور أنه قد ـد نفســه» وليســت باريــس ،التي تصـ َّ األمــر الــذي «صـ ّ
ممــا يضيــق بــه فــي مصــر ،حتــى ولــو كان ســعيد ًا يهــرب إليهــا ّ
بــأن أغاللــه كانــت مــن حريــر كمــا ذكــرت ،ألن باريــس لديهــا
القــدرة دائمـ ًا علــى أن «تفتــح النفــس» المصــدودة ،وتســتثير
خلقــة. ـات ّ أفضــل مــا فــي اإلنســان مــن طاقـ ٍ
ونحــن نعــرف كــم كانــت رحــات طــه حســين إلــى فرنســا تثمــر
دائمـ ًا إنتاجـ ًا ثريـاً ،وكيــف كانت واحــدة منها حينمــا التقيا مع ًا
المشــترك فيهــا ،هــو وتوفيــق الحكيــم ،قــد أثمرت هــذا العمل ُ
(القصــر المســحور) ،لكــن ذلــك ك ّلــه كان فــي زمــنٍ ســابق على
أمــا تفســير زوجتــه الــذي زمــن االســتبداد وحكــم العســكرّ .
ينقلــه لنــا هيــكل وإحالتهــا األمر ك ّلــه إلى عمر توفيــق الحكيم،
فهــذا يفتــح البــاب علــى جــرح آخــر فــي حيــاة الحكيــم ،وهــو
المو َّفــق ،والــذي عانــى منــه طويـاً ،علــى العكــس زواجــه غيــر ُ
ـة َح ِف ّيــة ورائعة، ـه عليــه بزوجـ ٍ ُ ـ الل أنعم ـذي ـ ال ـين مــن طــه حسـ
ـر أعرفــه ،وأعــرف شــيئ ًا عــن طريقــة توفيــق الحكيــم وهــو أمـ ٌ
ـور أن من الالئق أن المراوغــة فــي التعامــل معه ،ولكني ال أتصـ َّ ُ
أكتــب عنــه شــيئ ًا هنــا فــي هــذه الذكريــات عــن الحكيــم الكا ِتب
والمبــدع الكبير. ُ
نعــود إلــى صالــون الحكيــم المفتــوح فــي مبنــى (األهــرام)
ـي طــوال يومـ ّ ـردد عليــه بشــكلٍ شــبه الجديــد ،والــذي كنــت أتـ َّ
أكثــر مــن عامين حينما عملت في ملحــق الطليعة ،من 1971
()3
احتــال ألمانيــا النازيــة لفرنســا .وإذا كان المنــاخ احتفــل الفيلســوف «إدغــار مــوران» يــوم 8يوليــو/
ـي والف ّنــي آنــذاك قــد أســعفه علــى معرفــة الثقافـ ّ تمــوز 2021بعيــد ميــاده المئــة ،ومعــه احتفــل
ـريالية والفكرّ ـ الس ـار ـ ازده ـال ـ خ من ـر
ـ العص إيقــاع الثقافيــة ورئاســة الجمهوريــة ّ أصدقــاؤه واألوســاط
ـإن االحتــال ومحنــة تصفيــة اليهــود الماركســي فـ ّ العمــر المديــد يحمله شــخص الفرنسـ ّـية ،ألن هــذا ُ
المقاومــة ،حيــث التقــى ُ ـي ـ ف ـراط ـ االنخ ـاداه إلــى
قـ ُ وعاصــر أحداث ـ ًا َ دة، ـرـخصي ُ ِّ
ـ تف م ة ّ عــاش تجربــة شـ
مثقَّفيــن بارزيــن وهــو في مطلع الشــباب .وكان من أن َيســتقرئ وازنــة وحــرص طــوال رحلتــه علــى ْ
ـيوعي
ّ ـم إلــى الحــزب الشـ الطبيعــي أيض ـ ًا أن ينضـ َّ الخاصــة
ّ حياتــه ويحلِّــل مــا عاشــه فــي ويتأمــل ُ
َّ
يجســد بعض ـ ًا مــن مطامحــه ـي الــذي كان وتفاعــلٍ
ِّ الفرنسـ ّ لــت بــه تلــك المئــة َ ْ حب مــا مــع بتمــاس
ٍّ
إلــى التغييــر .غيــر أن التكويــن الجامعــي إلدغــار بالتحــوالت والصراعــات والحــروب ُّ ســنة الزاخــرة
(فلســفة ،علــم اجتمــاع ،علــم نفــس ،تاريــخ)... المذهلــة فــي العلــوم والتكنولوجيــا واالكتشــافات ُ
حاســة النقــد الذاتــي وجعلــه منفتحـ ًا ّ شــحذ لديْــه والفنــون...
فــي تفكيــره علــى المناهــج والمقــوالت الحريصــة ذكياً،
ّ ـون ـ يك وأن ـن،ـ الزم ـن ـ م ً
ا ـ قرن ـرء
أن يعيــش َ ُ
ـالم ْ
المجتمــع والتاريــخ وأســئلة الــذات فهــم ُ علــى ْ ـاه أنــهُ ـ معن ـاة، ـ الحي ـرار ـ أس ـاف ـ الكتش حبـ ًا
طلعــةُ ،م ّ
ال فــي انســحابه مــن المع َّقــدة .وهــذا مــا تج ّلــى أو ً ُ ســيجد نفســه ُمعاشــر ًا للتاريــخُ ،متابع ـ ًا ألســئلته
تبين أنه ليس حزبـ ًا ثوري ًا الحــزب الشــيوعي عندمــا َّ الصيرورة ونســبية ْ وتقلُّباتهُ ،مضطر ًا إلى اســتيعاب
ـوفياتي ويســتعمل اللُّغة إ ْذ كان تابعـ ًا لالتحــاد السـ ـوالت ،وضرورة البحث عن فلسـ ٍ
ـفة األحــداث والتحـ ُّ
ّ
تخشــبة التــي تظــلّ أبعــد مــا تكــون عــن النفــاذ الم ِّ ُ ومنهــج ُيتيحــان لــه الســباحة فــي عا َلــم ينتقــل مــن
االجتماعــي. الصــراع وعالئــق الواقــع صلــب إلــى ـدم وصالحيــة القيــم
محمد برادة
ّ المطلــق بالتقـ ُّ فتــرة اإليمــان ُ
السياســي هــو مــا جعلــه
ّ الفكــري
ّ التحــول
ُّ هــذا الشــك وســيادة المصالــح ّ الكونيــة إلــى مرحلــة
ـد ذاتي» ( )1959شــرح فيه ٌ ـ «نق ـوان ـ بعن ً
ا ـ كتاب ـف يؤ ِّلـ المتوحشــة... ُ ة الليبرالي
ّ المطامع الذاتية ،وتعاظم
الموفقــة والبعيــدة عــن الصــواب ،مؤكِّ ــد ًا ُ ـه ـ مواقف لكــن ،قبــل أن يواجــه «إدغــار» أســئلة القــرن ْ
علــى أن هــذا المبــدأ ضــروري الكتشــاف «الطريــق» ـف مــع الــذي عاصــره ومــا يــزال ،كان عليــه أن يتآلـ َ
وســط عا َلــم بالــغ التعقيــد ،بــل أكثــر مــن ذلــك، ـد أمــه وهــو وضعــه العائلــي الصعــب ،إ ْذ إنــه فقَ ـ َ
ـد ماركــس» (.)2010 نشــر كتابـ ًَا بعنــوان «مــع وضـ ّ فــي الحاديــة عشــرة مــن عمــره ،وعالقتــه بــاألب
النظريــة عــن
ّ ـهـ رات تصو
ُّ وحيــن بــدأ «إدغــار» يصــوغُ ومنــاخ باريــس فــي التفاهــم والتواطــؤُ ، ُ ينقصهــا
العا َلــم ومنهــج تحليلــه ،لــم يبتعــد عــن الواقع في َ ثالثينيــات القــرن الماضــي يقتضي الجهــد والمرونة
ـعورية ّ تجل ّّياتــه الملموســة ،النابضــة بالحقائق الشـ خاصة خالل ّ المحن والمآسي، والشــجاعة الجتياز ِ
لقــد اســتخدمت كلمــة «مقاومــة» .كان عمــرك 21عام ـ ًا عندمــا مئــة عــام هــي علــى أي حــال فرصــة للتقييــم بطريقـ ٍـة مــا .هــذا مــا
المقاومــة ...هــل تــرى بأنهــا فتــرة صعبــة ،وقــد
انضممــت إلــى ُ قمــت بــه فــي كتابــك «دروس قــرن مــن الحيــاة» .هــل هــو ســيرة
عايشــت الحــرب العالميــة الثانيــة؟ ذاتيــة ،أو مقــال؟
-هنــاك حالــة مــن عــدم االســتقرار ليســت هــي نفســها علــى -ال ،ليســت ســيرة ذاتيــة .الكتــاب فيه عناصر ســيرة ذاتيــة لتنوير
اإلطــاق .لكننــي أعتقــد أن الشــدائد أيضــ ًا هــي التــي يجــب أن ٍ
مجاالت القــارئ ،حــول الــدروس التــي تعلَّمتهــا فــي حياتــي ،فــي
المقاومــة فــي األســاس مــن الشــباب :تراوحــت تحفِّزنــا .كانــت ُ مختلفــة .لنفتــرض أنهــا تجربة.
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 66
علــى اإلطــاق .فــي ذلــك الوقــت ،كانــت ألمانيــا أســيرة هتلــر عبر فيها الشــباب أعمــار قادتنــا بيــن 24و 28ســنة .كانــت حركــة َّ
ـوق اآلري الــذي خطّ ــط للســيطرة علــى كامــل أوروبا ومفهــوم التفـ ُّ وتمردهــم .أعتقــد أنــه علــى الشــباب التعبيــر عن ُّ عــن تطلّعاتهــم
العا َلــم الســافي .كان التهديــد َ ـتعباد
ـ واس ـة ـالحيوي
ّ بمســاحتها تطلّعاتهــم وثوراتهــم في نفس الوقت ،كمــا فعلنا .اليوم ،الدافع
ـي .اليــوم هنــاك المزيــد مــن ألمانيــا النازيــة هــو الخطــر الرئيسـ ّ مختلــف .كنــا ندافــع عــن الوطــن ،وحتــى علــى نطــاقٍ أوســع،
ـووي .لديــك الخطــر ّ ـ ن ـر
مــن المخاطــر .هنــاك الكثيــر .لديــك خطـ ٌ ـتبدادية.
ّ معرضــة للخطــر مــن ِقبــل القــوى االسـ َّ ـانية
كانــت اإلنسـ ّ
ـادي ،خطــر الســيطرة علــى المــال فــي كلِّ مــكان .لديكــم االقتصـ ّ ـدد .إنــه ليــس عا َلــم الحيــوان والنبــات لكــن الكوكــب اليــوم مهـ َّ
الديموقراطيــة ،كمــا كانــت فــي ذلــك الوقــت ،والتــي هــي
ّ ـات
أزمـ ُ الصناعيــة .لدينا ألف
ّ والزراعة ث، ـو
ُّ ـ التل فقــط .نحــن أنفســنا ،مع
اليوم بنفس الدرجة من الخطورة .إذن ،هناك ســمات متشــابهة، والتعصــب واالنغــاق علــى أنفســنا .هنــاك ُّ تهديــد بالصراعــات
ـداً .وفــوق كلّ شــيء ،هناك لكــن هنــاك أيضـ ًا ســمات مختلفــة جـ ّ ـباب وجيهــة تمامـ ًا للشــباب ،الدفــاع عــن األرض ،الدفــاع عن أسـ ٌ
ـرء نحــو الهاويــة .مــا ـاب للوعــي الواضــح عندمــا يســير المـ ُ غيـ ٌ ـانية جمعــاء .هنــاك غريتــا ثونبــرج الصغيــرة، ـانية ،اإلنسـ ّ
اإلنسـ ّ
أقولــه ليــس قــدر ًا محتوم ـاً .كثيــر ًا مــا أقتبــس كلمــات الشــاعر وكذلــك الشــباب اآلخــرون الذيــن يشــعرون بذلــك .أعتقــد أننــا
هولدرليــن الــذي يقــول« :حيــث يوجــد الخطــر يوجــد أيض ـ ًا مــا نحتــاج دائمـ ًا إلــى التعبئــة مــن أجــل شــيء مشــترك ،مــن أجــل
ينقــذك» .لذلــك ،أعتقــد أن األمــل ال يــزال قائم ـاً. مجتمــع .ال يمكنــك إثبات نفســك من خــال التقوقع في أنانيتك،
ـانية
المشــاركة في اإلنسـ ّ فــي حياتــك المهنيــة .يجــب علينــا أيضـ ًا ُ
الصحافية« :يجب أن نفهم أن أي شيء ّ كتبت في إحدى مقاالتك وهــذا أحــد األســباب ،علــى ما أعتقــد ،الــذي جعلني متأهبـ ًا حتى
يحررنــا تقنيـ ًا وماديـ ًا يمكــن فــي نفــس الوقــت أن يســتعبدنا» .أنت ِّ فــي ُعمــري هــذا.
تحولــت إلــى ســاح علــى الفــور.
َّ ـي
ـ الت ـى
ـ األول األداة ـنـ ع ث ـد
َّ ـ تتح
المراقبة
وخاصة ُّ تتحدث عن مخاطر التكنولوجيا الحديثة، َّ أنت غالب ـ ًا مــا نقــارن بيــن فرنســا اليــوم وفرنســا فــي الثالثينيــات ،مــع
والخوارزميــات .هــل هي مخاطر فورية؟
ّ ـو
ـ بالفيدي ارتفــاع منســوب العنــف ،واالنغــاق علــى الــذات .هــل تجــد هــذا
التشــابه أيض ـ ًا؟
ـمولية
المجتمع ،دعونا نســمها الشـ ّ -إنهــا أحــد المخاطر في هذا ُ
المحيطـخ .لكــن يجــب ّأل ننســى ُ تترسـ َ
َّ الجديــدة ،التــي يمكــن أن معيــن .لقــد كانــت فتــرة -إنــه تشــابه أرســمه علــى مســتوى َّ
ـتمرت أزمــة المناخ.
ّ ـ اس إذا ً
ا ـوء
ـ س ـذا ـ ه كلّ ـوي الــذي ســيزيد
الحيـ ّ المتزايــدة التــي عشــناها تقريبــ ًا مثــل الســائر أثنــاء
المخاطــر ُ
التعصــب منتشــر فــي كلّ مــكان .مــا يذهلنــي ُّ يجــب ّأل ننســى أن النــوم ،دون أن نــدرك ذلــك .لكــن الخطــر اليــوم ليــس هــو نفســه
خالفات حادة عند ظهور «الســيدا» في الثمانينيات. ٍ ســبق ألقــت جائحــة الفيــروس التاجــي فجــأة ِ
بالعلــم فــي قلــب ّ
والحــال أن مــا أوضحه لنا فالســفة العلــوم ،هو أن القضايا المجتمــع .فهــل ســيخرج هــذا األخيــر مختلف ـ ًا مــن هــذه
الخالفيــة بالــذات مســألة ال محيــد عنهــا فــي البحــث ،وأن األزمــة؟
ـور.هــذا األخيــر يحتــاج إلــى هــذه القضايــا الخالفيــة ليتطـ َّ -مــا يثيرنــي هو أن قســم ًا واســع ًا مــن الجمهــور كان يعتبر
مــع كامــل األســف ،قليلــون هــم العلمــاء الذيــن قــرأوا
القطعيــة واليقينيــات غيــر القابلة
ّ ال للحقائــق ِ
العلــم ســج ً
العلمية
ّ النظرية
ّ (أعمــال) كارل بوبــر ،الــذي برهن علــى أن
للدحــض .فقــد كان الجميــع مطمئن ـ ًا وهــو يــرى الرئيــس
ال تســتحق هــذه الصفــة ّإل إذا كانــت قابلــة للدحــض،
ـس علمــي .لكــن مــا (الفرنســي) وقــد أحــاط نفســه بمجلـ ٍ
المركَّ بــة،
قضيــة المعرفــة ُ ّ وغاســتون باشــار ،الــذي طــرح
ٍ
برهــة إلــى أن هــؤالء الــذي حصــل؟ لقــد انتبهنــا بعــد
بيــن أن تاريــخ العلــوم عبــارة
وكذلــك تومــاس كــون ،الــذي َّ
ـداً ،بــل ِ
العلمــاء يدافعــون عــن وجهــات نظــر متباعــدة جـ ّ ُ
عــن ســيرورة متقطِّ عــة .كثيــر مــن العلمــاء يجهلــون
عطــاءات هــؤالء اإلبســتمولوجيين الكبــار ويواصلــون أحيانـ ًا متنا ِقضــة .ســواء تع َّلــق األمــر باإلجــراءات الواجب
عملهــم بمنظــو ٍر وثوقــي. حتملــة للتعاطــي مع الم َ
اتخاذهــا ،وبالعالجــات الجديــدة ُ
حالــة الطــوارئ ،ونجاعــة هــذا الــدواء أو ذاك ،والمــدة
يغيــر هــذه
هــل ســتكون األزمــة الحاليــة مــن النــوع الــذي ِّ العالجيــة التــي ســيقع
ّ ـارب
الزمنيــة التــي تســتغرقها التجـ ُ
ّ يجب أن ِّ
يذكرنا هذا
النظــرة إلــى ِ
العلــم؟ اعتمادهــا ...كلّ هــذه القضايــا الخالفيــة تــزرع الريبــة فــي
الفريوس بأن الاليقني
أذهــان المواطنيــن.
-ليــس بوســعي التكهــن بهــذا األمــر ،لكننــي أتمنــى أن يبقى العنرص الذي
تســاهم (األزمــة) فــي إبــراز أن ِ
العلــم مســألة أكثــر تركيبـ ًا ُّ
التغلب ال يمكن
حتمــل أن يفقــد الجمهــور الثقــة
الم َ
هــل تقصــدون بأنــه مــن ُ
يتصورونــه
َّ ـن ـ
َ ْ م ـة
ـ جه ـي
ـ ـود اعتقــاده ،ســواء كنــا ف
ممــا نـ ُّ
ّ فــي ِ عليه يف حالنا
العلــم؟
ـن ال يــرون فــي العلمــاء ســوى ـ
َ ْم أو ـات،
ـ لليقيني كســجلٍ كبرشّ .
كل التأمينات
الدجاليــن (علــى غــرار ديافــواروس فــي مجموعــة مــن ّ وتتطــور
َّ -أبــداً ،إذا فهــم (الجمهــور) بــأن العلــوم تحيــا االجتماع ّية اليت يمكن
مســرحية المريــض المتوهــم لمولييــر) يناقضون أنفســهم بالجــدل .فالنقاشــات حــول الكلوروكيــن ،علــى ســبيل أن نكتتبها ،ليس
بشــكلٍ دائــم. المثــال ،ســمحت لنــا بالتســاؤل حــول االختيــار مــا بيــن بوسعها أن تضمن لنا
ـري ،مثله مثل الديموقراطية يســتند العلــم معطــى بشـ ّ إن ِ ـي فيمــا ِ
االســتعجال واالحتيــاط .لقــد شــهد الحقــل العلمـ ّ عدم اإلصابة باملرض
والبيولوجييــن بخصوصــه ،إضافــة إلــى ما أحدثه الوباء مــن أزمات في الصين. هــل خطــر علــى بالكــم يوم ـاً ،بمــا لكــم مــن حيــا ٍة حافلــة ،عيـ ُ
ـش وضعيــة مــن
أضــف إلــى ذلــك مــا صرنــا نتو ّفــر عليــه مــن إمكانيــة أكبــر ألن نتشــارك فــي كلّ هــذا القبيــل؟
مــا أتوصــل بــه مــن قبيــل طلــب إجــراء حــوارات أو تقديــم مقــاالت ،وهــو مــا
عالميــة ،لكــن لــم يســبق أبــد ًا أن كان هنــاك
ّ -إطالقــاً ،كانــت هنــاك أوبئــة
ـرك ًا وغيــر تتعــاون فيــه معــي صبــاح بآرائهــا وتأمالتهــا .فــكلّ شــيء يظــل متحـ ّ ـي .كما كانــت هنــاك اضطرابات وارتجاجات ـي علــى النطاق العالمـ ّ ـر صحـ ّحجـ ٌْ
ـن النكت ثمـ ُ ٍ
جهة أخــرى نحن ُن ِّ يقينــي ،ومــا نحاولــه هــو أن نضــع تقييمـاً .ومــن
عالمي .لقد
ّ ـراب
ٌ ـ اضط هناك كان أن ـبقـ يس لم لكن ـة،
ـ األوبئ ـا
ـ أثارته ـة
ـ اجتماعي
ّ
الصحي
ّ ر ج الح
َ ْ أثارها التي اخرةالس
وأشــكال التصوير الكاريكاتوري والرســائل َّ كنــت مــن بيــن أولئــك الذيــن ذهبــوا إلــى أن المجــرى المجنــون الــذي انجرفــت
باعتبارهــا أجســام ًا مضــادة أو مضــادات لالكتئــاب .وعلــى وجــه اإلجمــال قــد
ـانية ســيحمل معــه كــوارث ،لكــن مثــل هــذه الكارثــة لــم فــي خضمــه اإلنسـ ّ
ـي كمــا لــو كان حبسـ ًا بالح ْجــر الصحـ ّ
ـعور َ
ج َّنبنــا التواصــل مــن كلّ نــوع الشـ َ ـن تخطــر لــي علــى بــال. تكـ ْ
واحتجازاً.
الصحي؟
ّ الح ْجر
كيف تعيش َ
هــل تظــن مثــل كامــو أن «النــاس وســط المحــن يكــون مــا يثيــر اإلعجــاب فيهــم
ممــا يدعــو إلــى االحتقــار واالزدراء»؟ -أعتبــر أن الحــظ كان فــي صفــي بأن جعلني أعيش في مثل هذه الســن تجربة
أكثــر بكثيــر ّ
ال مــن عيشــها فــي دار المســنين .ومحظــوظ الح ْجــر الصحــي فــي منزلــي بــد ً َ
(عمليات ســرقة األقنعة، -إذا كانت هناك بعض األفعال الدنيئة والخسيســة ّ
ّ ـي إلــى جانــب زوجــة تحبنــي وتعتنــي بــي .وأن تكون لي ـ الصح ـر ـجْ للح
َ ـي ـ بعيش
عمليــات احتيــال بخصــوص الوعــود الزائفــة بتوفيــر أدويــة مث ـاً) ،فإننــا لــم ّ
ّ حديقــة تتيــح لــي الجلــوس تحــت شــجرة الويســتارية مســتمتع ًا ببدايــة فصل
نعــدم تجليــات مدهشــة للتضامــن الــذي كان يشــارف على التالشــي ،انتشــرت ْ ـوقون لنــا .كمــا أن بناتــي وأســرتي الربيــع .وأن يكــون لنــا جيــران طيبــون يتسـ ّ
عمــت كلّ مــكان تقريبـاً ،علــى فــي صفــوف المعا ِلجيــن بالدرجــة األولــى ،ثــم َّ الرائعــة وأصدقائــي ،القريبيــن والبعيديــن ،جميعهــم حاضــرون عبــر الهاتــف
ـن يعيشــون فــي وضعيــة مســتوى تقديــم يــد المســاعدة بشــكلٍ عفــوي َ
لمـ ْ الح ْجــر من االكتظاظ والســكايب .غيــر أننــي أفكّ ر في كلّ المآســي الناتجة عن َ
وممــا يبعــث
ّ ـم، ـ له ـأوى
ـ م ال ـن
ولمـ ْ
عزلــة ولألشــخاص المســنين ،وللبؤســاءَ ، فالح ْجر ـن. ـ رتعبي الم
َ المع َّنفــات واألطفال ُ فــي اإلقامــات الصغيرة إلى النســاء ُ
علــى العــزاء أيضـ ًا أن نــرى نكــران الــذات الــذي َأبــان عنــه العديــد من الشــباب ـي يضاعــف االختالفــات والخالفــات فــي العالقــات الزوجيــة ،وبالتالــي
همشــة .فقــد كانــت هنــاك صحــوة للتضامن الجمعــي وجدت الصحـ ّ
الم َّ
فــي األحيــاء ُ جيــد ًا جديــد ًا كذلــك .فقــد صار
ّ ً
ا ـ وتفاهم ً
ا ـ تواص ـجع ـ يش ـا
ـ مثلم ـا،
ـ يحطمه قــد
تعبيرهــا الرمــزي عبــر التصفيقــات مــن شــرفات المنــازل. لــي مــع زوجتــي الكثيــر مــن الوقــت ألجــل التبــادل والتواصل.
ـي ال تعانــي فراغ ـ ًا وهــي ممتلئــة تمام ـاً ،فقــد الح ْجــر الصحـ ّ أيامــي فــي ظــلّ َ
أنــت الــذي ِعشــت الحــرب ،بمــاذا شـ َ
ـعرت حيــن ســمعت الرئيــس يعلــن عــن
باشــر أنشــطتي مــن بيتــي عبــر الســكايب والبريــد اإللكترونــي ،إذ ت أُ ِ ِ
ــر ُ
ص ْ
«أننــا فــي حالــة حــرب»؟
ليحثَّنــا دون توقــف علــى مســاءل ِته ُ ، ـي
ّ ـ رقم ـوـ ه ـا
ـ م ـرـ عب ـاـ َن
ت و بي
ُ ـم ـ العال ـج
ي ُ ـلِ
ـم فعـاً ،لكــن مــن طــرف عــدو ليــس عــدو ًا
-لقــد أحسســت أن اجتياحنــا قــد تـ ّ ـس التبــادل حــول ولي َســائلَنا ،كمــا أن لــي طقْسـ ًا يوميـ ًا رفقــة زوجتــي هــو طقـ ُ ِ ُ
ـانياً ،وبأنــه ال منــاص لنــا مــن المقاومــة ،وبإيجــاز كان للفــظ الحــرب قيمة
إنسـ ّ معلومــات التليفزيــون والمذيــاع والجرائــد لنبحــث معـ ًا عــن مراجعتها وخلق
اســتثارة إجــراءات االحتــراس (وتبريــر اإلجــراءات التــي اتخذتهــا الســلطة)، تقاطــع علــى نحــوٍ أفضــل بيــن المعلومــات التــي تخــص الوبــاء؛ في مــا يتعلَّق
ولــم يكــن ألجــل تعريــف الوضعيــة وتحديدهــا علــى الحقيقــة .وهــو مــا يعني، والمتعارضــة أحيانـ ًا لألطبــاء
تنوعــة ُ الم ِّ
بمســاره ،وعالجاتــه ،ووجهــات النظــر ُ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 74
ـول كــي تعيــد إنتــاج نفســها .لذلــك فــإن
والفيروســات التــي تعــرف كيــف تتحـ َّ كمــا عليــه كان الحــال َّإبــان حــرب ،1940أن هنــاك الكثيــر من انعــدام اإلعداد
مــا يلــزم االعتــراف بــه هــو أن كلّ شــيء إلــى زوال ومــوت بمــا في ذلك شمســنا وأشــكال الضعــف ومــن األخطاء.
ممــا يجعــل مــن حيواتنــا المؤقتــة والظرفيــة هــي خيراتنــا الوحيــدةوكوننــاّ ،
التــي ال ينبغــي تبديدهــا وتبذيرهــا. لــم يعــد فــي مقدورنــا إقامــة طقــوس تليــق بــوداع موتانــا ،مــا هــي آثــار ذلــك
على عالقتنا بالموت ،وعالقتك أنت بالموت .أال تقودنا الحياة بشــكلٍ مفجع
ـي يمكــن أن يكــون ناجع ـ ًا ألجــل تنقيــة
الح ْجــر الصحـ ّ
ســبق لكــم أن قلتــم إن َ إلــى نهايتنــا؟
ممــا
ممــا علــق بــه مــن ســموم ،لكــن ألــن نســتأنف عاداتنــا بأســرع ّ
نمــط عيشــنا ّ -مــا يقتضيــه مــوت قريــب هــو ضــرورة مرافقتــه إلــى أن يتــم دفنــه ،بحيــث
يمكــن أن نعتقــد؟
تلزمنــا طقــوس ومأتــم جماعــي ،ألن األحيــاء يكونــون بحاجــة إلــى التطهــر
-قبــل الوبــاء تشــكَّ ل بالتدريــج ولكــن ببــطء اتجــاه ،وإن كان ممثلــوه قلــة، ـي يكفــل العــزاء مــن األلــم داخــل ضــرب مــن المشــاركة .بــدون طقــس دينـ ّ
مــن أجــل مواجهــة النزعــة االســتهالكية ،والجبــروت الــذي يمارســه الزمــن والمواســاة ،يشــعر البعــض وأنــا منهــم ،بالحاجــة إلــى الطقــوس التــي تعمــل
المقــاس بدقــة ،وألجــل محاولــة العيــش بشــكلٍ أفضــل ،ومــا يقوم بــه َ
الح ْجر بشــكلٍ مكثــف علــى إحيــاء الشــخص الميــت فــي أنفســنا و ُت ِ
خمــد األلــم بنــوع
ـي هــو أنــه يســاعدنا علــى أن ن َِعــي مــا ك ّنــا نعرفــه جميع ـ ًا علــى نحــو
الصحـ ّ ـدس.المقـ َّ
مــن األوخارســتيا eucharistieأو القربــان ُ
غامــض :أن الحــب والصداقــة وازدهــار الــذات داخــل جماعــة والتضامــن هــي
الح ْجر
الحقيقيــة .وإمكانيــة االســتمتاع بالروائــع مــن األعمال في فــراغ َ القيــم ـي،
للح ْجــر الصحـ ّ عمليــات الدفــن المســتعجلة أحــد المظاهــر الكارثيــة َ ّ َمثَّلــت
ّ
ـي يمكنهــا إعانتنــا علــى البحــث بشــكلٍ أفضــل عن شــعرية الحيــاة .ماذا بحيــث يتــم االستشــهاد بحالــة فــي إيطاليــا وصــل فيهــا األمــر إلــى حـ ِّـد اإللقــاء
الصح ّ
ـ
تبقــى منهــا؟ لســت أدري ..؟ بجثــة ميــت فــي القمامــة لغيــاب مــكان لدفنــه بالمقبــرة.
-لقــد انتظــرت ،مــن جهتــي ،أن أمــوت فــي الثمانيــن مــن عمــري ،وبعــد أن
هــل يمكــن أن يكــون هــذا الوبــاء مناســبة ألجــل تنميــة التــزام بيئــي مســتدام
تجــاوزت التســعين تعــودت علــى االســتمرار في الحيــاة ،لذلك فقــد الموت ما
وكوني؟ هل تعتقدون في ميالد «عالم جديد» ،وأشكال جديدة من التضامن؟
ـم اليقيــن بدنوه وقربــه .وهنا وإن كنــت أعلــم ِع ْلـ َ
ُيمكِّ نــه مــن إثــارة ذهنــي حتــى ْ
ـي منــذ خمســين ســنة من طــرف تقرير ـم إطــاق اإلنــذار البيئــي العالمـ ّ
-لقــد تـ ّ ـر علــي بمــا يشــبه العــدوى. ـك فــي أن شــباب زوجتــي قــد أ َّثـ َ
كذلــك ،مــا مــن شـ ٍّ
ـد ًا وغير
ّ ـ ج ً
ا بطيئ ـى
ـ يبق ـيـ الوع ـنـ لك ،)1972 ـنة
ـ س ـدرـ (ص ـدوز» ـ مي «Meadows ألن صبــاح تجذبنــي نحــو الحيــاة أكثــر ممــا تجرنــي صــوب المــوت .لقــد صارت
كاف بشــكلٍ كبيــر أيضـاً .أعتقــد أن عالمـ ًا جديــد ًا ســيكون ممكنـ ًا لكنــه لحــدود ٍ متعددة :تحلل الكوكب األرضي وتكاثر األســلحة النووية، ّ التهديدات المميتة
اآلن غيــر متمتــع باألرجحيــة .ألن القــوى التــي تحافــظ علــى الوضــع كمــا هــو وعــودة صــور البربريــة ،وفــي األخيــر هــذا الفيــروس المكتســح الــذي فــرض
ـي مــن فــراغ هائــل ،بحكــم ارتفــاع تبقــى هائلــة .مــا يشــهده الفكــر السياسـ ّ التخلــي نهائيـ ًا عن أســطورة اإلنســان سـ ِّـي ُد مصيره وسـ ِّـي ُد الطبيعــة .فنحن في
الطلــب فــي كلّ مــكان علــى الفكــر التجزيئــي الــذي يختــزل كلّ شــيء إلــى ـرون علــى صعيــد ـد ،ظا ِفـ ُ
ـد ًا وواهنــون إلــى أقصــى حـ ٍّالوقــت نفســه أقويــاء جـ ّ
الحســاب .كما أن الربح المنفلت من كلّ عقال يعمل على تقويض كلّ عملية تقنيا ِتنــا ،عاجــزون أمــام األلــم والمــوت .وعلــى العكــس مــن حلــم أصحــاب َّ
التقدمــي
ُّ ا عــن ذلــك ،نســيان التوجــه للتضبيــط والتنظيــم .وال ينبغــي ،فضـ ً إن كان فــي اســتطاعته تأخيــر ـانية ،أقــول بــأن اإلنســان ْ
النزعــة المابعــد إنسـ ّ
الديموقراطيات وما
ّ العالمية خالل الســنوات العشــر األخيــرة .وأزمــة ّ للنزعــة ـي ،مــن الضــروري أن يواجــه دائمـ ًا الحــوادث وأصنــاف البكتيريــا موتــه الطبيعـ ّ
75 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
ـي يبقــى رهيب ًا بالنســبة للعالقات الزوجية المســتعرة أو الح ْجــر الصحـ ّ
غيــر أن َ شــهدته أمــم عظيمــة مــن انتصــار وظفــر للديماغوجيــات ،ثــم األزمــة العامــة
التــي هــي فــي طــور االنحــال .البــد مــن التفكيــر فــي أن كلّ «أنــا» هــي حاجــة ـي .ومــا أنتظــره هــو حصــول ُمنعطــف غيــر محتمــل الوقــوع للفكــر السياسـ ّ
إلــى «أنــت» وإلــى «نحن». ـور الجــاري .لكــن يمكننــي أن أقــول لكــم بــأن هــذا
ُّ ـ التط ـل
ـ تعدي يعمــل علــى
التســاؤل :هــل تؤمنــون بميــاد «عالــم جديــد» يشــكّ ل جــزء ًا من األســئلة التي
أال يبــدو لكــم أن الثقافــة صــارت أكثــر قابليــة ألن يتــم الولــوج إليهــا مع إمكانية ـدث مــع زوجتــي وأصدقائــي حولهــا .ولقــد حاولــت أنــا نفســي غالب ـ ًا مــا أتحـ ّ
اإلطــاق المجانــي علــى شــبكة اإلنترنــت لألوبــرا والمتاحــف وبعــض الكتــب؟ أم اســتخالص طريــق جديــد (كتــاب طريــق ،)la Voie 2012وهــي الطريــق التــي
أننــا علــى العكــس ســنتجاوزها في المســتقبل؟ مخلِّصــة وناجعــة.تبــدو َ
ا اإلطــاق المجانــي علــى شــبكة اإلنترنــت ألوبريهــات ومتاحــف وبعــض -فعـ ً ـي
هــل ســنخرج مــن اإلغــراء الــذي يمارســه االنطــواء علــى المســتوى العالمـ ّ
همــة مــن أجــل فتــح الثقافة علــى ثقافة أولئــك الذين ليس
الكتــب ،مبــادرات ُم ّ والشــخصي فــي نفــس الوقــت .وهــل الزال باإلمــكان التفكيــر فــي الحــل
ّ
لهــم منفــذ إليهــا .وهــو ما ســيولد دون شــك صــور ًا مــن االفتتــان الجمالي لدى الكوســموبوليتي؟
أولئــك الذيــن يكتشــفون األعمــال المشــهورة .أمــا بالنســبة لــي فــا يســعني الوطنيــة على نفســها .وإذا
ّ -لقــد أدى الوبــاء إلــى انطــواء وانغــاق الــدول
ســوى الحــث على قــراءة الكُ َّتاب الذيــن أحبهم بالدرجة األولى دستويفســكي. اقتصاديــة كبــرى بعــد الوبــاء ،ســيتفاقم الميــل إلى ّ مــا كانــت هنــاك أزمــة
الوطنيــة القائمــة علــى كراهيــة األجانــب ،بــل وحتــى نزعــات ّ النزعــات
وفنية ستشهد ميالدها من رحم هذه الفترة؟
ّ فكرية
ّ هل تعتقد أن تيارات وطنيــة عنيفــة .تعرفــون مســرحية اوجيــن يونســكو « Ionescoوحيــد ّ
إنســانية بالتتالــي إلــى حيوانــات وحيــد
ّ كائنــات لتتحــو
ّ حيــت القــرن»،
الصحي
ّ الح ْجــر
فن وســخرية من َ -ال أعلــم ،وفــي كل األحــوال ســيكون هنــاك ٌ ـول إلــى وحيد القــرن! والحلّ أل يتحـ َّالقــرن .وإذن فليحــاول كلّ واحــد م ّنــا ّ
مــع تزايــد الطرائــف والنكــت ومقاطــع فيديو قصيــرة والمحاكاة الســاخرة التي
ا مأمــوالً ،وممكنـ ًا تقنيـاً،عالميــة يبقــى حـ ً
ّ الكوســموبوليتي لكونفدراليــة
يتعيــن المحافظة علــى بعضها. لكنــه غيــر ممكــن حاليـاً .لذلــك فمــا يلزم كشــرط مســبق هو الوعــي القوي
المصدر Paris Match :بتاريخ .2020/04/16 ُّ تم اكتشــافهابــأن ازدادت متانــة ،والعالقــات الزوجية ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 76
77 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
دروس كورونا إلدغار موران
ل ُن ِّ
غي السبيل
ملهمتــه األساسـ ّـية :التفكــر والكتابــة.
ّ وفي ـ ًا
إل أن يبقــى ّيــأىب إدغــار مــوران ،الــذي يبلــغ التاســعة والتســعني مــن العمــرّ ،
فبعــد أن أضــاف العــام املــايض إىل الئحــة مؤلَّفاتــه ســرة ذاتيــة تحــت عنــوان «لقــاء مــع الذكريــات» ،هــا هــو يطالعنــا هــذا
ـاصة املوبــوءة بفعــل «كوفيــد ،»19 -تحــت عنــوان «ل ُنغـ ِّـر الســبيل، العــام مبؤ َّلــف جديــدُ ،و ِلـ َـد مــن رحــم اللحظــة ا ُ
ملعـ ِ
دروس فــروس كورونــا» ،وذلــك باالشــراك مــع الباحثــة صبــاح أبــو إســام ،ليصبــح عــدد مؤلَّفاتــه يف مجموعهــا ،ســتني
مؤلَّفـ ًا .هــذه الغــزارة يف التأليــف تشــهد يف الوقــت نفســه عــى عمــق ودقــة التحليــل مــن جهــة ،والرغبــة يف التغيــر نحــو
ملفكِّريــن الفرنسـ ّـيني القالئــل اليــوم ،الذيــن يقومــون بخطــوة إىل الــوراء ،يف األفضــل مــن جهـ ٍـة أخــرى .كــا أنــه واحــد مــن ا ُ
ملســتقبل .هــذا الزمــن طبعـ ًا ،ليــس فقــط مــن أجــل فهــم املــايض ،وإمنــا أيضـ ًا مــن أجــل اســتيعاب الحــارض واســترشاف ا ُ
ملشــار إليهــا أعــاه.مــا نلمســه بوضــوح يف مختلــف مؤلَّفاتــه ،وعــى رأســها الكتابــان ا ُ
االقتصاديــة العالميــة لســنة ّ القــرن الماضــي ،بــدء ًا مــن األزمــة غير الســبيل ،دروس فيروس كورونا» ،موضوع هذه إن كتاب «ل ُن ِّ
واالجتماعي، ـي ـ السياس ـن ـ المجالي 1929وعواقبهــا الوخيمــة علــى المفكِّ ــر بالعصر وقضاياه ُ هذا ـاطـ ارتب على ً
ا ـ مبدئي ـدل القــراءة ،يـ
ّ ّ
مــرور ًا باإلعصــار الــذي تخ ّلــل العالقــات الدولية بيــن 1930و1940 الفكريــة
ّ ـتراتيجيته
ّ وفي ـ ًا كالعــادة ،السـ وتحوالتــه ،مــع البقــاء ّ ُّ
مدمــرة وكارثيــة ،وكذلــك األزمة ـرب عالميــة ثانيــة ِّ ومــا تــاه مــن حـ ٍ المركَّ ــب فــي ُ ـر ـ الفك ـاد ـ اعتم ـرورة ـ ض ـى
ـ عل ـة ـ القائم ـة ـ والمنهجي
ّ
الثقافيــة الكبــرى لســنوات ( )1958 - 1956وأحــداث مايو/أيــار ،68 ّ ـإن ظاهرة مثــل فيروس ـتراتيجية ،فـ ّ ّ دراســتها .وطبقـ ًا لهــذه االسـ
ـبعينيات القــرن الماضي. ّ ـ س خالل ة اإليكولوجي
ّ ـة ـ األزم ـى ـ إل ً
ال وصــو طبية كورونــا ال يمكــن دراســتها بشــكلٍ معــزول ،مــن وجهة نظــر ّ
يريــد مــوران تأكيــد أنــه االبــن الشــرعي لهــذه األزمــاتّ ،إل أن صحيــة بشــكلٍ عــام ،وإنمــا فــي ارتبــاط بأســبابها وامتداداتهــا ّ أو
هــذا لــم يفقــده األمــل فــي يقظــة واســتيقاظ الوعــي لــدى البشــر واإليكولوجية
ّ ة والتقني
ّ ة والعلمي
ّ ة والسياسي
ّ ة السوسيو-اقتصادي
ّ
المجتمــع» ،كمــا يشــير فــي «مــن أجــل حمايــة الكوكــب وأنســنة ُ ـدى المتواضــع (حيــث ال يتعـ َّ والثقافيــة .ورغــم حجــم ال ِكتــاب ُ ّ
يميــز «كوفيــد »19 -عــن غيــره مقدمــة الكتــاب ،معتبــر ًا أن مــا ِّ ِّ عــدد صفحاتــه مئــة وســتين صفحــة مــن الحجــم الصغيــر)ّ ،إل
ـرية ،هــو أنــه يم ِّثــل أزمــة شــاملة ّ ـ البش ـا ـ عرفته ـي ـ الت ـة ـ األوبئ ـن مـ تنوعــة ،كمــا تــدل الم ِّ بالمعطيــات واألفــكار ُ ـعب وغنــي ُ أنــه متشـ ِّ
( ،)mégacriseتتداخــل فــي تشــكيلها عناصــر األزمــة السياسـ ّـية علــى ذلــك عناوينــه الفرعيــة ،ســواء فــي الديباجــة والتقديــم،
المجتمعــات واإليكولوجيــة ،وتطــال ُ ّ واالجتماعيــة
ّ واالقتصاديــة
ّ ـعب أو فــي الفصــول الثالثــة ،أو حتــى فــي الخاتمــة .هــذا التشـ ُّ
ـي ،وهــي مترابطــة فيمــا بينهــا ـ والعالم ـي ـ الوطن ـن ـ الصعيدي علــى واع تمــام ـيٍ ، ٍ ً
ّ ّ يفــرض علــى القــارئ أيضـا أن يكــون ذا حــس تركيبـ ّ
وتم ِّثــل مفهــوم التركيــب ( )complexusخيــر تمثيــل .فــي هــذا الوعــي بتداخــل األســباب والنتائــج فــي إنتــاج الظواهــر وتحديــد
الســياق تأتــي ضــرورة تغييــر البراديغــم الحالــي ،وهــي عمليــة امتداداتهــا؛ ولعــلّ ظاهــرة فيــروس كورونــا ودراســتها مــن هــذا
طويلــة المــدى وشــاقة وغيــر مضمومــة النتائــج .ومرحلــة مــا بعــد المركَّ ــب التــي ـتراتيجية الفكــر ُ ّ ـي السـ المنظــور هــي اختبــار حقيقـ ّ
والتخوف« :هل ســتؤدي ُّ كورونــا ال تخلــو هي األخــرى من الخطورة يتب َّناهــا ويدعــو إليهــا إدغــار مــوران.
واالجتماعيــة إلى تفكُّك
ّ االقتصاديــة ،السياسـ ّـية ّ الصحيــة،
ّ األزمــة علــى غــرار رائعــة «غابرييــل غارســيا ماركيــز Gabriel Garcia
الجا ِئحة التيَ ـذه ـ ه من ـدروس ـ ال ـتخلص ـ سنس وهل ـات؟ ـ جتمع الم
ُ ـون إدغــار مــوران توطئــة كتابــه هــذا بـ«مئــة عــام َ ،»Marquezعنـ َ
ـاني ،فــي ارتبــاط ّ ـ اإلنس ـرـ للمصي ـترك ـ ش الم
ُ ـعـ الطاب ـن ـ ع ـفت ـ كش مــن التقلبــات» ،ليعــود بنــا إلــى ســنة ،1921تاريــخ والدتــه «حيـ ًا -
ـي ( )bioécologiqueللكوكب؟» ،لقد مــع المصير البيــو إيكولوجـ ّ ـد تعبيــره ،وذلــك فــي َأ ْو ِج انتشــار وبــاء األنفلوانــزا ميتـاً» علــى حـ ِّ
أصبحنــا اليــوم فــي مواجهــة اليقينيــات كبــرى ومســتقبل مجهول، ـبانية ،معتبر ًا نفســه ضحية غير مباشــرة لهذا الوباء ،ومدعوا اإلسـ ّ
ـانية ســلفاً« :حان الوقت لتغيير الســبيل وهــو مــا لم تتهيأ له اإلنسـ ّ اليــوم لتجديــد نفــس الموعــد مــع فيــروس كورونــا ،بعــد مــرور
المجتمــع». مــن أجــل حمايــة الكوكــب وأنســنة ُ غيــر الســبيل، تســعة وتســعين عامـاً .عنــوان هــذا الموعــد هــو «ل ُن ِّ
فــي الفصــول الثالثــة لهــذا الكتــاب« ،الــدروس الخمســة عشــر دروس فيــروس كورونــا» ،والــذي يواجهنــا بالتســاؤالت التاليــة:
تحديــات ما بعد كورونا ،تغيير الســبيل» ،يبدأ لفيــروس كورونــاّ ، ـد ًا
«كيــف تم َّكــن فيــروس غايــة فــي الصغــر فــي مدينــة بعيــدة جـ ّ
المســتخلصة مــن أزمة إدغــار مــوران بإحصــاء الــدروس والعبــر ُ مــن مــدن الصيــن مــن أن يقلــب األمــور رأســ ًا علــى عقــب ،فــي
المتعلِّق بحياة ووجود «كوفيــد ،»19 -مشــير ًا بدايــة إلى الــدرس ُ المجتمعات؟ هــل تكفي هذه مختلــف مجــاالت الحيــاة وفــي ســائر ُ
ـي ،ومعانــاة العديديــن الح ْجــر الصحـ ّ النــاس فــي ظــلّ تجربــة َ المشــترك؟ وكــذا ُ ـمـ بمصيره الصدمــة لحصــول وعــي لــدى البشــر
الضروريــة ،ومؤكّ ــد ًا
ّ ة ـاني
ّ ـ اإلنس ـات ـ فــي الحصــول علــى الحاجي واالقتصادي؟». ّ التقني
ّ م ـد
ُّ ـ التق كبح جماح تســابقنا المحموم نحو
ـاص علــى مــا هــو ـي يجــب أن يفتــح بشــكلٍ خـ ّ الح ْجــر الصحـ ّ أن َ كمــا تذكّ رنــا هذه التوطئة بتواريخ مرتبطة بأزمات وتقلبات شــهدها
جائحة
القرن
قبلها،غري الزمن الذي كان ْ جائحة «كورونا» ُ ِ َمن
«ز ُ
انتشار
َ ألنعدها ،ال فقط ّ سيكون َب َُ وال هو الزمن الذي
ض َع كلَّ َشء َم ْو َ
ضع كونيا َو َ ًّ ً
صنع حدثا
َ الفريوس
حد الرشوع يف الحديث عن ومراجعة إىل ٍِّ ُمساءلة ُ
العاملي ويف
ّ االقتصادي
ّ تحولٍ الحق يف النظام ُّ
الزمن
َ ألن هذا أيضا ّ
للبلدان ،ولكن ً االجتامعي ُ
ّ النظام
رجةً جس ًدا ّعامُ ،م ِّ
جه ّ بو ْ
النظر يف مفهوم الحياة َ َ أعاد
إن ما
واقعية فحسبّ . ّ رجةً معرفية َمكينة ،وليس ّ
ّ
ُ
ترتّب عىل ظهور الفريوس وانتشاره ُيشكِّل إعاد َة نظ ٍر
جذرية يف مفهوم الحياة».. ّ
جداً .
بمعدل قليــل ّ دعــا المليارديــر األميركــي بيــل جيتــس فــي مقــال لــه («نيو إنجالند جورنال أو
شــك أن البشــرية تمــر اآلن بكارثــة لــم تكــن فــي الحســبان إذ يواصــل ّ ال ف ميديســن» 28 ،فبراير )2020 إلى جملــة مــن اإلجراءات الســريعة كتدابير
(كوفيــد )19 -تمــدده المســتمر فــي مناطــق جديــدة مــن العالــم فيرتفــع ـرة كلّ مئــةالحتــواء الفيــروس الــذي رأى أنــه مــن تلــك الجوائــح التــي تأتــي مـ ّ
بذلــك عــدد اإلصابــات وتــزداد أرقــام الضحايــا ،ومــا زاد األمــر ســوءاً ،كمــا يتصرف بهــا الفيروس، ّ عــام ،وبــدا لــه هذا االســتقراء من خالل الطريقــة التي
يكتــب «آالن ليفينوفيتــز» أســتاذ الفلســفة والديانــة الصينيــة بجامعــة فهنــاك ســببان يجعــان (كوفيــد )19 -يم ِّثــل هــذا التهديد« ،فهــو أو ً
ال قــادر
جيمــس ماديســون (مجلّــة السياســة الخارجية 5 ،مــارس/آذار،)2020 علــى قتــل البالغيــن األصحــاء ،باإلضافــة إلــى المســنين الذيــن يعانــون مــن
أن خطــاب أصحــاب الخبــرات المســؤولة ينــزاح إلــى الخلــف وتحــلّ مح ّلــه مشــاكل صحيــة مزمنة .وتشــير البيانــات حتــى اآلن إلــى أن الفيــروس قــد
الصحة
ّ همســات التآمــر لــدى أولئــك الذين يزعمــون معرفــة الحقيقة .فهــواة ـدل مــن شــأنه أن يتســبب فــي وفــاة حالــة واحــدة حوالــي ،% 1 وهــذا المعـ َّ
الطبيعيــة المناهضــون للقاحــات يتهمــون شــركات األدويــة بإثــارة الذعــر بيــن ـرات مــن األنفلونــزا الموســمية النموذجيــة ،األمــر يجعلــه أكثــر حــدة عــدة مـ ّ
الســكّ ان لبيــع منتجاتهــا ،فــي حيــن يــرى النباتيــون والمدافعــون عــن حقــوق الــذي يضعــه فــي مــكان ما بيــن وبــاء األنفلونزا فــي عــام )% 6 .0( 1957 ووباء
الحيــوان أن أســواق اللحــوم هــي مصــدر األمــراض القاتلــة .إن ردود األفعــال األنفلونــزا في عــام .»)% 2( 1918
الصحةّ المضخمــة أيديولوجيـ ًا تجــاه (كوفيــد )19 -غالبـ ًا مــا تتجــاوز مجــاالت ثانياً ،ينتقل (كوفيد )19 -بكفاءة تامة .فالشــخص المصاب ينشــر المرض في
والطــب ،وتصبــح فــي المقــام األول سياســية والهوتية .فالساســة اليمينيــون المتوســط إلــى اثنيــن أو ثالثــة آخرين ،وهو معدل زيادة بالغ الســرعة .وهناك
فــي جميــع أنحــاء العالــم يــرون الفيــروس عقابـ ًا علــى انفتــاح الحــدود تجــاه أيضـ ًا أدلــة قويــة علــى أنــه يمكــن أن ينتقــل عــن طريــق أشــخاص يعانــون مــن
المهاجرين .وبطبيعــة الحــال فالمتعصبــون الدينيــون يــرون ذلــك كعقوبــة المــرض بشــكلٍ طفيــف أو حتــى لــم تظهــر عليهــم أعراضه .وهــذا يعنــي أن
علــى خطايانا .وهــؤالء جميعـ ًا يســتغلون الرغبــة اإلنســانية فــي إقامــة نظــام احتــواء مــرض (كوفيــد )19 -ســوف يكــون أصعــب كثيــر ًا مــن احتــواء متالزمــة
يعبــر عنــه تقليدي ـ ًا باألنظمــة
ثنائــي تبســيطي لتفســير الخيــر والشــر ،الــذي ّ الشــرق األوســط التنفســية أو مرض ســارس .وفي الواقع فإن( كوفيد )19 -قد
الطبيعيــة وغيــر الطبيعية .عليــك أن تطيــع قوانيــن تلك األنظمــة لتنجو ،وإذا تســبب بالفعل بعشــرة أضعاف عدد حاالت انتشــار السارس في ربع الوقت .
خالفتها ســتعاني . مــن جانبــه يتســاءل جســتن فوكــس مديــر التحريــر الســابق لمج ّلــة هارفــارد
يرى« ليفينوفيتز» أن الالطبيعية )unnaturalness( كانــت تســتخدم منــذ بيزنــس ريفيــو (وكالة بلومبرغ 7 مــارس/آذار :)2020 إذا كان مــرض ســارس
فتــرة طويلــة لتفســير كلّ أشــكال الخلــل الوظيفي .ففــي جميــع مســرحيات ـم القضــاء عليــه فــي حوالي عام ،فــي أكثــر فتــك ًا مــن (كوفيــد )19 -فلمــاذا تـ ّ
شكســبير ،علــى ســبيل المثــال ،تعمــل كلمة« الالطبيعية» كمــرادف للنقــص حيــن أن بعــض الخبــراء يحــذرون مــن أن (كوفيــد )19 -قــد يكــون موجــود ًا
األخالقــي« :غيــر طبيعــي وغيــر لطيــف» ،و«غيــر جديــر وغيــر طبيعــي»، إلــى األبــد؟ ألن ســارس عــاد ًة ال يصبــح معديـ ًا ّإل بعــد عــدة أيــام مــن ظهــور
و«بربــري وغيــر طبيعــي» ،و«غيــر إنســاني وغيــر طبيعي» .ففــي عصــر وإن كاناألعــراض ،ويبــدو أن (كوفيــد )19 -ينتقــل قبــل أن تظهــر األعــراض ْ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 82
ممــا قــد ينجــم من خســائر النيويوركــر 5 ،مــارس/آذار )2020 أنــه علــى الرغــم ّ ا يولــد مــع شكســبير -وقبلــه -كانــت الوالدة« غيــر الطبيعية» تعنــي طفــ ً
ثمة دروسـ ًا يمكننــا تعلمها ،وبعض بشــرية كبيــرة بســبب هــذه الجائحة ّإل أن ّ التشــوه .والموت« غير الطبيعي» يعنــي ،وال يــزال ،الحيــاة التــي ُّ بعــض
هــذه الــدروس تبــدو واضحــة ،فســفن الرحــات العمالقة هــي عبارة عــن قاتل تنتهــي مبكــر ًا بســبب القتــل أو وقوع حادث .وفيما يتعلق بالنشــاط الجنســي،
ـول إلــى عنابــر عائمــة للمرضى .ومــن الجديــر للمنــاخ ،ومــن الممكــن أن تتحـ ّ الســلطة فــإن تعبير« غيــر الطبيعي» هــو توصيــف النحرافــات الرغبــة ،وفــي ُّ
أن نالحــظ الكيفيــة التــي بــدا فيهــا أن المالييــن مــن النــاس قــد تعلّمــوا بشــكل الحاكمــة ،توصيــف النحرافــات العدالــة .
ا تكافــح اليــوم مــن أجــل الحفــاظ علــى أســرع أنماطـ ًا جديدة .فالشــركات مثـ ً تعودنا على فكرة الشر غير الطبيعي إلى الدرجة التي يبدو معها النشاط لقد ّ
إنتاجيتهــا ،ولــو عمــل العديــد مــن النــاس مــن منازلهم .كمــا أن فكــرة أننــا غيــر الطبيعــي وكأنه األصل البديهــي لجميع الويالت .لكن الالطبيعية ليســت
نحتــاج إلــى ســفر يومــي إلــى موقــع مركــزي للقيــام بعملنــا قــد تكــون فــي تفســير ًا للخلــل الوظيفي .بعــض األنظمــة الطبيعيــة -كالــوالدة الطبيعيــة
المحســنة اصطناعياً .واألشــكال َّ مثالً -هــي أدنــى بشــكلٍ واضــح مــن إصداراتنا
كثيــر مــن األحيــان نتيجــة حالــة مــن الجمــود أكثــر مــن أي شــيء آخر .وفــي
المتقدمــة لتوليــد الطاقــة مثــل األلــواح الشمســية هــي أفضــل ّ التكنولوجيــة
ربما ســنرى أن ظــل حاجتنــا الفعليــة إلــى التنقــل بالمــاوس بــد ً
ال مــن الســيارة َّ للعالــم الطبيعــي مــن التنقيــب عــن الفحــم وإشــعال النــار فيــه ،برغــم كــون
فوائــد المرونــة فــي مــكان العمــل تمتد لتشــمل كلّ شــيء بــدء ًا من اســتهالك
مجــرد
َّ األخيــر مــادة طبيعيــة .إن كلمة« الطبيعي» و«غيــر الطبيعي» هــي
البنزيــن إلــى مــدى حاجتنــا إلــى مجمعــات مكتبيــة متراميــة األطــراف .
أوصــاف ،ورغــم ذلــك فإننــا نصــر علــى اســتخدامها كأحكام .
تجمــع الموظفيــن بالنســبة للعمــل ويضيف ماكيبيــن أن الع ّلــة الكامنــة وراء ّ يخلــص «ليفينوفيتــز» إلــى أن الحديــث عــن المــرض باعتبــاره نتاج ـ ًا لنشــاط
هــي تالقــح األفــكار لزيــادة اإلنتاجيــة ،وبالنســبة للمجتمــع فــإن الغايــة مــن غيــر طبيعــي يفتــح المجــال إلبــراز األســباب والحلــول المؤدلجــة ،وعندمــا
التجمــع انتفــاع النــاس مــن بعضهــم البعــض ،وهــو أمــر يــزداد صعوبــة ـدد فيــروس آخر العالم ،ســيكون هنــاك سياسيون شعبويون يســتخدمونه يهـ ّ
فــي الوقــت الراهن .ولكن« اإلبعــاد االجتماعي» الــذي يطالبنــا بــه علمــاء لزيــادة الكراهيــة وكراهيــة األجانب .وســوف يــرون فــي شــبح المــرض مبــرر ًا
األوبئــة اآلن لوقــف انتشــار المــرض المعــدي مألــوف بالفعــل لــدى العديــد ـر منه .ولكــن إذا لــم ة .ربمــا هــذا أمــر ال مفـ َّّ الخاص
ّ لميولهــم األيديولوجيــة
وربمــا تقودنــا
مــن األميركيين .فنحــن نعيــش حيــاة مــن العزلــة النســبيةَّ ، ـدث بهــا عــن أســباب أزمتنــا، ّ ـ نتح ـيـ الت ـة
ـ الكيفي ـر
ـ لتغيي نتخــذ التدابيــر الالزمــة
احتمــاالت العزلــة القســرية علــى نحــو غريب إلــى أن نغدو اجتماعيين بشــكلٍ بدايــة بـ«كوفيــد ،»19 -فــإن جــزء ًا مــن اللــوم ســوف يقــع علينــا .
أكبــر حيــن يختفــي الفيــروس ■ .ربيــع ردمــان (اليمــن) ـة أخــرى يــرى بيــل ماكيبيــن الكاتــب والمدافــع عــن البيئــة (مج ّلــة مــن جهـ ٍ
تبــدو حالتنــا اليــوم علــى أنهــا حالــة فــزع الــكلّ مــن الكلّ ،حالــة ـتجد الــذي المسـ َ فــي أواخــر ســنة 2019ظهــر فيــروس كورونــا ُ
مــن الشــك والريبة وانعــدام اليقين إزاء المجهول؛ والســبب في ليتحولَّ ـرعة ـ بس أصبحت تســميته العلمية «كوفيد ،»19وانتشــر
هــذا يعــود إلــى جائحــة «كوفيــد .»19إننا أمــام فــزع ُمعولَم يدل ـول إلــى َّ ـ تح ـمـ اإلقليمية ،ث إلــى وبــاء ضــرب العديــد مــن الــدول
بصحــة البشــر التــي هــي الخير ّ علــى حجــم األزمــة التــي تعصــف العالمية ،بعــد أن غزا ّ الصحــة
َّ جائحـ ٍ
ـة ُمعلَنــة مــن طــرف منظَّ مة
ـم دروس هــذه األزمــة ّ ـ أه ـن ـ تعبير ديكارت .وم ـد
األعظــم علــى حـ ِّ مختلــف الــدول والمناطــق في العالم مطلع ســنة .2020صحيح
الكبــرى في نظر السوســيولوجي الفرنســي« إدغار مورانEdgar مرة ،مــن ـرية عاشــت أهــوال األوبئــة والجوائــح غيرمــا ّ أن البشـ ّ
»Morinأنه ال يمكننا االنفالت من الريبة والاليقين :نحن ال زلنا قبيل« الطاعــون األسود» و«األنفلونزا اإلســبانية» وغيرهما،
دائمـ ًا مرتابيــن بصــدد إيجــاد عــاج لهــذا الفيروس ،وكذلــك إزاء المقلــق والمخيــف فــي هــذا الفيــروس الجديــد هــو ســرعة ّإل أن ُ نعتقد أننا نعيش
د موران مهمة
َّ ذلك ،يحد
ِّ األزمة .بناء علــى
ً ـورات ونتائــج هذه تطـ ُّ انتشــاره وقــوة فتكــه باألجســاد الضعيفــة المنخــورة باألمــراض تطوُّراً ،بل تحوُّالً
ـن .إل أنــه
ّ أساسـ ّـية للتربية ،تتم َّثــل فــي تدريــس الريبــة والاليقيـ المزمنــة أو التــي تنقصهــا المناعــة الكافية .
جذرياً ،لكن الفريوس
تتضمن فــي نفس الوقــت الخطر َّ مــن مفارقــات هــذه الريبــة أنهــا ـروج فــي عالــم الفكــر وإذا كان مــن الصعــب اإلحاطــة بــكلّ مــا يـ َّ يذكرنا بأننا نعيش ّ
ال جذرياً ،لكــن تحــو ًُّ ً ،بــل ار تطو
ُّ واألمل .نعتقــد أننــا نعيــش تقدم
ِّ أن ـنـ يمك ـاذج اليــوم حــول هــذه الجائحة ،فــإن بعــض النمـ
املغامرة؛ املغامرة
الفيــروس يذكّ رنــا بأننــا نعيــش المغامرة؛ المغامــرة أمــام لنــا صــورة عــن واقــع اليــوم وســيناريوهات المســتقبل .لذلك
أمام املجهول
المجهــول وداخله ،المغامــرة التــي لــم نســمع عنهــا مــن قبــل انفتحنــا علــى مفكِّ ريــن لهــم عالقــة وثيقــة بعلــم االجتمــاع
وداخله ،املغامرة اليت
البشــري .ويبدو ،في نظــره ،أن الفيــروس ّ بالنســبة للجنــس والفلســفة وعلم النفس ،وهــي المجــاالت المعنيــة أكثــر مــن
لم نسمع عنها من
يقتــل النيوليبراليــة ويقتلنــا معها فــي نفــس الوقت؛ ولذلــك تمدنــا غيرهــا اآلن بهــذه الجائحــة العابــرة للقارات ،فلعلّهــا ّ قبل بالنسبة للجنس
ـد ًا ّأل يخــرج مــن هــذه األزمــة فكـ ٌ
ـر فإنــه ســيكون مــن المحــزن جـ ّ بإشــارات إلــى الطريــق الــذي يجــب أن نســلكه مســتقبالً .
البرشيّ
ـي يرســم طريقـ ًا جديداً .مــن هــذه الفكرة ،أي ضــرورة فكر سياسـ ٌّ
ؤرخ الفرنسي« مارســيل والم
ُ ِّ ـوف ـ الفيلس ـق ـ جديد ،ينطل ـيسياسـ ّ
ـر بهــاّ ـ نم ـي ـ الت ـة ـ األزم أن ً
ا ـرـ ،»Marcelمعتب ـيهGaucher غوشـ
هــي فرصــة للحظــة الحقيقة ،الرهــان فيهــا يتركــز علــى عالقــة
السياسية .وينتقد غوشــيه عبارة «إننــا ّ كلّ مواطــن بالجماعــة
ـرد وصف َّ ـ مج ـا ـ م الواقع ،ورب
َّ ـن ـ ع ـدة ـ بعي فــي حالــة حرب» ،ألنهــا
مجــازي لهــول هــذه األزمة ،مؤكّ ــد ًا ذلــك بقوله« لســنا فــي حالــة
حــرب ،أو إن األمــر يشــبه الحــرب الزائفة ...تذكــرون أنــه خــال
حــرب 1918 - 1914ســقط أكثــر مــن عشــرين ألــف قتيــل فــي
ـد ًا عــن ذلــك» . األول .نحن ،لحســن الحظ ،بعيــدون جـ ّ يومهــا ّ
أهــم مــا كشــفت عنــه هــذه األزمــة هــو عــودة مــا هــو ّ إن
سياســي ،)le politique( أي مــا يضمــن بقــاء ودوام جماعــة
مــا ،وقاعدة مشــتركة تلــزم الجميــع ألنهــا تهــم حيــاة ومــوت كلّ
عضــو مــن الجماعة .ففــي نظر غوشــيه أن الداللــة العميقة لهذا
المتعلِّق بما هو سياســي والذي الحــدث تتم َّثــل في صحوة البعد ُ
ـي
نســيناه واعتقدنــا أنــه يمكننــا االســتغناء عنه .مــا هــو سياسـ ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 84
األول« بوريس جونســون »Boris Johnson أن المملكــة ّ تأكيــد الوزيــر ً؛ أمــا االنتخابات البلدية ،فهــي يرتبــط بحيــاة الجماعــة ،وهو األهــم حاليا ّ
الم َّتحــدة لــن تتخــذ أي إجــراء مــن قبيــل إغــاق المــدارس وفــرض الحجــر بم ْن نجح أو خســر فيها ،وهي ترتبــط بالسياســة ،)la politique( وهــي تهتــم َ
الصحي ،إلخ .لكــن بالنســبة لهــذا الفيلســوف ،يمكن فهــم هذا األمر بســهولة تافهــة حالياً ،بــل ومدعــاة للســخرية والتهكــم .
ـن يعــرف طريقــة تفكيــر اإلنجليز .فقــد حاول جاهــد ًا في لمـ ْ ووضــوح بالنســبة َ تصاعدي ،إل أنه
ّ يتطور بشــكلٍ
َّ في تقدير غوشــيه ،أن «كوفيد ،»19 رغم كونه
كتابه« كيــف يفكّ ر العالــم »How The World Think توضيــح التشــابهات ـبانية،
ّ ـ اإلس األنفلونزا أو ـود ـ األس لحــد اآلن ،لــم يصــل بعــد إلى هــول الطاعــون
ـفي الــذي ٍ
القويــة بيــن الخصائــص المهيمنــة علــى ثقافــة مــا والنمــوذج الفلسـ ّ وفــي توقّعــه وتســاؤله معـاً :أننا ســنعرف فــي القادم مــن األيام ،إلــى أي مدى
تجســده .ولعلّ األزمــة الحاليــة تجســيد واضــح لهــذه الفكرة .فهــو يــرى ـدد الفجــوة بيــن الفــرد والجماعة .يعنــي هــذا أننــا نعيــش ســتتقلص أو تتمـ َّ
أن جونســون قدم اســتراتيجيته باعتبارهــا «أمبريقيــة »empirique فــي َّ اليــوم اختبــار ًا سياسـ ّـي ًا حقيقيـ ًا وعلــى أعلــى مســتوى؛ فهل البعــد الفردانــي
تعــارض مــع المثاليــة ،إذ أوضــح أن القــرار الــذي ا ّتخــذه جــاء بعــد استشــارة المهيمــن كلّيــةً علــى مجتمعاتنــا الغربية؟ سنكتشــف ـاص هــو ُ الليبرالــي والخـ ّ
العلمــاء المرموقين حــول الموضوع؛ وهــؤالء أقنعــوه بأنــه فــي مصلحــة هــذا األمــر فــي المســتقبل القريــب .هــذا هــو مــا يهم ،وهــذا هــو األساســي
يطــور قدراتــه ودفاعاتــه المناعية( مناعــة القطيع) ،حتــى لــو ِّ الشــعب أن ـد تعبير غوشــيه . فــي هــذه األزمــة علــى حـ ِّ
تكبــد المزيــد مــن الخســائر فــي البداية .باإلضافــة إلــى كان ذلــك يعنــي ُّ وعلــى غرار إدغــار موران ،يرى غوشــيه أن العولمــة الليبراليــة قــد ماتــت ،وأن
ذلك ،إنهــا مقاربــة ذرائعية .ومعلــوم أن هــذه األخيــرة تشــير إلــى مذهــب المبــدأ القائــل بــأن «التجــارة الناعمة» ســتحلّ جميع المشــاكل أصبــح
وأخالقي ،تبلور مــع كلّ مــن «جيريمي بنثهــامJeremy ّ سياســي
ّ فلســفي
ّ ـي ،يقول بأنه ليس بائداً .وفــي معــرض الحديــث عــن مناعــة الجســم السياسـ ّ
)Bentham» (1748-1832و«جــون ســتيوارت ميــل »John Stuart Mill ـون مــن أفــراد ،أن يضمــن مناعتــه مــن البســاطة والبداهة ،فــي مجتمــع يتكـ َّ
ـد
،)(1806-1873ويقــوم علــى مبــدأ عــام هــو تجويــد الوجــود إلــى أقصــى حـ ٍّ السياسـ ّـية .ذلك أننــا نطلــب مــن األفــراد أن يبتعدوا عن بعضهــم البعض قدر
ـق بعــض لفائــدة األغلبية ،حتــى ولــو تر َّتــب عــن ذلــك إجحــاف أو ظلــم فــي حـ ّ اإلمكان( الحجــر الصحي) ،لكننــا نقــول لهــم فــي نفــس الوقت« فكّ ــروا فــي
األفــراد ،أي حتــى ولــو كان األمــر يتعلَّــق بعــدد مــن الوفيــات فــي الحالــة اآلخريــن فقــد تكونــوا خطــر ًا عليهــم» .هكــذا يجــد األفــراد أنفســهم بيــن شـ ٍّ
ـد
نتحــدث عنهــا وهــي الجائحة .يســعى باجيني من وراء كلّ هــذا إلــى َّ التــي وجــذب ،أي فــي حالــة توتــر بيــن المســافة الفردانيــة وااللتــزام الغيري .فــي
عاطفية ،إنهــا تريــد أن تكون ،عكــس ّ ـت ـ ليس ـة
ـ اإلنجليزي ـفة ـ الفلس أن ـح ـ توضي وقوية ،وال ّ رجــة فكريــة وخلخلــة أيديولوجيــة كبيــرة األخير ،يؤكِّ ــد بــأن هنــاك ّ
ـدد ،ال والمتشـ ِّ
ـد تعبيره .فالذرائعــي الصــارم ُ ذلك ،هادئــة وعقالنية ،علــى حـ ِّ ـه ،إل أننــا فــي حاجــةٍ ّ أحــد يمكنــه التنبــؤ بخطــورة الحدث ومــا ســيترتب عنـ
يجــب عليــه فقــط التقليــص مــن عــدد الوفيات ،وإنمــا التســاؤل أساسـ ًا عــن ـي جديد . ماســة إلــى برنامــج سياسـ ّ
جيدة .بعبــارة عــدد الذيــن ســينعمون بإمكانيــة العيــش المديــد وبصحــة ّ البريطانيــة فــي التعاطــي مــع أزمــة «كوفيــد ّ التجربــة وبالنظــر إلــى فــرادة
تواً ،فيمــا ـن ســيموت ّ المسـ ّنون فــي البلد ،هــم َمـ ْ أخــرى ،إذا كان األشــخاص ُ ً ،خاصــة
ّ إعالميا
ّ ،»19ارتأينــا أن ننفتــح علــى بعــض فالســفتها األكثــر حضــور ًا
جيد؛ ولعــلّ هــذا ّ «كوفيد ،»19 فالحســاب ضــد ســيطور الشــباب مناعــة ِّ على صفحات« الغارديان »Guardian وقنــاة الـ« ،»BBCيتعلَّــق األمــر
إنجليزيـ ًا محضاً .يضــاف إلــى ذلــك أن التقليــد الليبرالــي فــي ّ االســتثناء يبــدو بالفيلســوف اإلنجليزي« جوليــان باجينــي »Julian Baggini الــذي يتماثــل
الفرديــة
ّ ـؤولية
المملكــة الم َّتحدة ،يفــرض علــى الحكومــة اعتمــاد مبــدأ المسـ ّ للشــفاء حاليـ ًا مــن أزمة التهــاب رئوي .ما يبدو غريب ًا بالنســبة لنــا جميعاً ،هو
تحــول ُّ نســجما مــع ً انتشــارهُ ،م ُ ســمها وعلــى الخريطــة التــي َر َ وتمكيــن الحــدود ْ قامــت علــى إلغــاء ُ العولمــة ،التــي َ فــي ُمقابــل َ
قادمــا مــن أقصــى ً ـروس، ـ الفي ك َ ـر
َّ ـ تح ـة صغيــرة. العالــم إلــى قريـ ٍ ـرض ـام ،فـ َ ّ ـ الع ـاة ـ الحي ـام ـ نظ ـيـ ف ـم ـ التحكّ ـن ـ م ـور ـ العب َخصيصــة
بســرعة تَحمــلُ ٍ ـو َّزع فــي ُمختلــف بقــاع العالــمُ ، قبــل أن يتـ َ مــكان ْ ـتجد إقامــةَ الحــدود ال َبيــن البلــدان وحســب، المسـ ّ ـاء كورونــا ُ وبـ ُ
إيقاع ٌ واالفتراضي.
ّ ـي
ُّ ـ الرقم الزمن
ُ ـاه
ُ ـ س أر
ْ الذي ـاع ـ اإليق ـص َ خصائـ المصابيــن ُ مــكان بيــن وحتــى الواحــد، لــد الب
َ ن ــد
ُ م
ُ بيــن بــل
ـي ،فــي َّ ـ وئ الض
َّ ـنَ ـ الزم ـس ُ ـ ناف ي
َ ُـوم ـ حم الم
َ ـه ـ تنامي أن
ّ ـو ـ ل ـا ـ كم يبــدو ـي الواحــد أو ّ ـ الح ان ـكّـ س ـن ـ وبي ـدون، ـ وج ُ َ ي ـا ـ فيه ـي ـ الت ـة ـ والمدين
الصــوت ُ ُ ـرعةَ َّ ـ س ـس ـ ناف ت
ُ ُ ـخ ـ الصواري / ـلحة
ُ ـ األس ـه ـ في ت ـد
َ ـ غ ـر صـ َع ْ الح ْجــر اإلرادي أو َ ّ العمــارة الواحــدةَ ،وفــق مــا يقتضيــه الع ـ ْزل
ـب على اليــوم ،للجائحــة ُمتر ّتـ ٌ ـازمَ ، المـ ُ ـب ُ فالرعـ ُ ـو ُق عليهــاُّ . وتتفـ ّ ـدودا بيــن الفــرد ـرض الفيــروس ُحـ ً ـي .أبْعــد مــن ذلــك ،فـ َ الطّ بـ ّ
وعبر كلّ ْ ـيء، ـ ش كلّ وفي ـيء، ـ ش لّ كُ ـن ـ ِ
م ـر
ُ ـ نتش ي
َ ـروس ـ الفي كــون ومــي، الي
َ ــلوكه سُ ْــب ل وق عاداتــه، بتغييــر ــاه إي
ُ ً ّ ــا ِم
ز ل م وذاتــه،
ّ
مكن ُ الم ُ هو الذي ـار، ـ االنتش إبطاء
َ أن
ّ كما خيف. م ُ بإيقاع ـيء، شـ ـاب
ـه الخطـ ُ ـح عنـ ُ بجســده ،علــى نحــو مــا ُيفصـ ُ وتقويــة شــعوره َ
بصــورةٍ ّــب ُ التصــدي للفيــروسُ ،متطل ٌ لحــد اآلن ،فــي المتــاح، ـلة من األوامــر والنواهي: عبر سلسـ ٍ ـي وهــو ُيواصــلُ تنبيهاته ْ
ِّ ِّ ُ الطبـ ّ
ّ
اقتصاديــا ًّ ـاء ـ اإلبط ـذا ـ ه ـى ـ عل ـب ُ ـ ت
ّ يتر ـا ـ م ِ
ل ـاز، ـ اإلعج ـن ـ م ـة ـ قريب التجمعــات»« ،ال ُتصافــح»« ،ال ُتعانــق»« ،ال تلمــس ّ عتــزل «اِ
واجتماعيــا ،و ِلمــا َيقتضيه ِمن تجهيزات ّ ٍ
لمكاســب طب ّية ،وتعليقٍ َ غدت َ الحياة أن
ّ ـو ـ ل كما ـة».. ـ واقي ـازات ـف ّ ق ـد ـ تر م ـت ـ وأن إل ّ ـياء ـ األش صا َر املر ُء مُرتابًا ال من
ًّ ُ ْ
الفرد قد ُ نظام الحيــاة ذاتها ،مــادام ِ ـب فــي ُحقــوق اإلنســان ،وقلـ ٍ ـمها الفيــروس ـدود التــي َرسـ َ الحـ َ إن ُ هــي االنفصــال واالنغــاقّ . األشياء وحسب ،بل
ومالبســه ،وحذائه، رتابا فــي أعضائــهَ ، غــدا ،فــي َزمــن كورونــاُ ،م ً ـدا .لقد أعاد ّب ُعزلةً ال تَســتثني أحـ ً الصرامــة ،وهــي تتطل ُ شــديد ُة ّ حىت من ذاته وهو
تهجــى ،إلــى ي ـو ـ وه ، ـقه ـ ستنش ي ـذي ـ واحتكاكاتــه ،وفــي الهــواء ال ـزم بإدماجهــا ـ وأل ـي ـ نس الم ـاري ـ االعتب ـا ـ ه ع ض و ـة ـ زل للع يُجاب ُه عد ّوًا ال مَرئ ًّيا،
َ ّ ُ َ َ ّ ّ َ َ َ ْ الفيــروس ُ
وابطَ شاع ًرا ،يف اآلن ذاته،
هــا وقواعدها. ـم َض العزلــة ويتع َّلـ ُ أبجديــةَ ُ ّ جانــب ذلــك ك ّلــه، والتو ُّجــس َ فــي نَمــط الحيــاة ،ولكــن علــى نحــو َممـ ُزوج باإلكــراه
يرتصدُ ه
ّ أنّ هذا العد َّو
ـعر كمــا ُ ـ يش ـار
َ ـ ص ـى ـ حت ـان ـ اإلنس ـى ـ عل ةً ـأ ـ فج ـر
ـس األمـ ُ لقــد التبـ َ ـق فــي ألن داللــةَ الحـ ّ والهلــع وتعليــقِ َمكاســب ُحقــوق اإلنســانّ ، َ
ـخصي ٍة ـ ش ور د ، ـي ـ ل قب ـتعداد ـ اس ودون ـه ـ إرادت دون ي، ـؤد ً أدق تفاصيل حياته يف ّ
ّ ْ ٍّ َ َ ـه ُيـ ّ لــو أ ّنـ ُ مســت َّ ـي ـ الت ـداالت ـ اإلب ـرارـ غ ـى ـ عل ـا، ـ داللي
ًّ ـدال ـ إب ـهد َ ـ ش ـاة ـ الحي
ـم مــن أفــام الخيــال ٍ ـ فيل ـي ـ ف أو ـب، ـ ع الر
ّ ـات ـ رواي ـن ـ م ـة ـ رواي فــي ـروس
ـن الفيـ ُ الضروريــة ،مكّ ـ َ ّ العزلــة كلَّ شــيء .إلــى جانــب هــذه ُ
العلمي .
ّ صارت العامــة ،التي َ ّ قوي فــي كلّ الفضاءات الفــراغَ مــن ُحضــور ٍّ
ـوع ُشــبهة. ـار موضـ َ َ ـ ص ـيء ـ ش كلُّ ، ـتجد
ّ ـ س الم
ُ ـاـ كورون ـن فــي زمـ ـورا دا ّلــة ال ً ـ أم ـر ـ ج َ ْ والح ـاق ـواإلغ
ْ ـراغُ ـ الف ـدا بالخــاء ،فغـ َ شــبيهةً
أي ـس االرتيــاب علــى نحــو لــم َي ُعــد َيســتثني َّ ـع هاجـ ُ توسـ َ لقــد ّ اآلخــر ،بــل علــى احتــرام ح ِّقــه فــي الحيــاة. َ ـض ـ ْ
ف علــى ر
وضــوع ُ يعــد َم شــيء ،بمــا فــي ذلــك عالقــة الفــرد بذاتــه .لــم ُ نظامــا َوفقها، ً ويفــرض بالحــدود َ ـزم ُ المنحــى الــذي ُيلـ ُ رغــم هــذا َ
صار
َ ـذات. ـ ال إحساســا ُتجاه ً ـتباه
خارجيــا ،بــل غــدا االشـ ُ ًّ االشــتباه ـص مشــدود ٍة إلــى نتائــج العولمة ،وال َ ـ بخصائ ـروس ـظ الفيـ َيحتفـ ُ
رتابــا ال مــن األشــياء وحســب ،بــل حتــى مــن ذاتــه وهــو ـرء ُم ً المـ ُ ـك ِســمة الرهيــب وانتشــاره الــذي َيمتلـ ُ ّ ـره ـ ُ
ث تكا ـام ـ نظ ـي ـ ف ســيما
العــدو أن هــذا شــاعرا ،فــي اآلن ذاتــهّ ، رئيــا، عــدوا ال َم ًّ جابــه ُي ـتبعد احتمالَ ـي ،انطالقــا مــن ُصعوبة تطويقه التي ال تسـ ِ ً
َّ ً ًّ ُ ُ الالنهائـ ّ
ـأن ُيفكّ ــر، ـرد بـ ْ ـزم الفـ َ َ ـ أل ـد
ٌ ـ ص َ َُّر ت ـه. ـ حيات ـل ـ تفاصي أدقّ ـي ـ ف ه ـد
ُ ـ يترص
ّ بناء على رحلته ً الفيروس، ـلوك
ُ ـ س ُ ى تبد
َّ إذ رعب، الم
ُ ـتحالة االسـ
ـول العالــم إلــى محجــر صحــي كبيــر ،وانســجن األفــراد لقــد تحـ ّ ال الحكومــات التي أدمنت طويالً« البلطجة الدولية» واالســتبداد
تحــت ضغــط الجائحــة فــي منازلهــم ،وتوقَّفــت دورة اإلنتــاج السياســي ،فــي الشــمال أو الجنــوب ،اســتطاعت أن تتغلَّــب
ــع والكنائــس فــي كثيــر مــن المصانــع واإلدارات ،وباتــت الب َِّي ُ علــى هــذا العدو الالمرئــي ،الــذي ينتشــر ســريع ًا وال يبقــي وال
والمســاجد ،توصــد أبوابهــا في وجــه المصلين ،فمــن كان يعتقد يــذر .وال الحكومــات التــي أدمنت« التبعية» أو« األنفــة وعــزة
يومــ ًا أن يصيــر الحــرم المكــي فارغــاً؟ وأن تنتهــي الســعودية ـرر مــن لعنــة كورونــا ،وتبقــى النفس» اســتطاعت بدورهــا أن تتحـ َّ
ـن كان يعتقــد ،يوم ـاً ،أن تصيــر مــن منــح تأشــيرات العمــرة؟ َمـ ْ فــي ِحــلٍّ من« رعبه» و«ترعيبــه» ،فالفقــراء كمــا األغنيــاء،
المطارات والفنادق والمزارات الســياحية بال مسافرين وزائرين؟ المشــاهير والمغمــورون ،آل الشــمال وآل الجنــوب ،الــكلّ بــات
الحــب
ّ يتخيــل أن تصيــر فينيســيا« البندقية» ،مدينــة ّ ــن كان
َم ْ ومو ِقن ـ ًا بــأن رســاميله الرمزيــة والماديــة خائف ـ ًا مــن الجائحــةُ ،
والجمــال ،خاويــة على عروشــها؟ لــن تمنــع عنه« الوبــاء الســائل» .
إن ســردية الرعــب المعمــم نابعــة أساسـ ًا مــن خطــاب التهويــن فجأة توارت عن قصاصات وكاالت األنباء ومسائيات اإلذاعة والتلفزة
أو التهويــل الــذي رافــق الفيــروس منــذ ظهــوره األول فــي أخبار داعش وقفشــات ترامب وتداعيات بريكسيت وثورات الربيع،
ـه اآللــة اإلعالميــة ،ولــو مــن غيــرإقليم ووهان الصينــي ،فلــم َت ْن َتـ ِ تراجــع كلّ ذلــك إلــى الــوراء ،ليصيــر خبزنــا اليومــي هــو فيــروس
قصديــة مباشــرة ،مــن بــث القلــق والذعــر فــي نفــوس المواطنين كورونــا القاتــل ،نداعب شاشــات الهاتــف وأزرار الريمــوت كونترول،
فــي أكثــر مــن ســياق ،مثلمــا لــم تنتــه قنــوات التواصــل الشــعبية بحثـ ًا عــن أعــداد القتلــى والمصابين في الهنــا والهنــاك ،ونتطلَّع إلى
مــن إنتــاج النكت والشــائعات واألخبار الزائفة بصــدد الفيروس، ـت للضحك والتهوين ـد ُر حين ًا بِ ُنكَ ـ ٍ
بشــر باكتشــاف اللقاحَ ،ن َت َنـ َّ
أخبــار ُت ّ
ليتدخل« تجــار الحــروب وأثريــاء األزمــات» ،لصــب مزيــد مــن َّ مــن الواقعــة ،أو ننخــرط خطــأ فــي مســارات التهويــل والرفــع مــن َمنْ كان يعتقد،
الزيــت علــى النــار ،باحتــكار الســلع وتوجيــه المســتهلك نحــو منســوب الذعــر جراء تقاســم بعــض األخبار الزائفــة أو الصادقة . يوماً ،أن تصري
ُســعار الشــراء والتخزين اســتعداد ًا لألســوأ ،كلّ ذلك كان ســبب ًا يبــدو أنه« وبــاء ُم َعل ٌِّم» جــاء ليضــع اإلنســانية أمــام ضعفهــا املطارات والفنادق
رئيس ـ ًا فــي تعميــم الرعــب والهلــع وفتــح علبــة شــرور العالــم المتأصــل ،ليذكّ رهــا بــأال شــيء يمكــن التحكّ ــم فيــه ،وأن ّ واملزارات السياحية
من جديد . للطبيعــة منطقــ ًا آخــر ،و«رياضيات» أخــرى ،ال تخضــع بال مسافرين
الفيــروس فعلهــا ،وأعــاد كلّ شــيء إلــى الصفــر ،أعــاد اإلنســان ــي ِ ِ وزائرين؟ َمنْ كان
لقوانيــن الســوق ومتاهــات الحداثة المفرطــة ،جاء ل ُي ْعل َ
إلــى ســردية الرعــب الممتــدة عبــر األزمنــة ،والتــي دعتــه فــي مــن فرضية« ســردية الرعــب المعمــم» ،حيــث قلــق المــوت يتخ ّيل أن تصري
حالة« حــرب الجميــع ضــد الجميع» إلــى االحتمــاء بالســحر ينتصــر علــى قلــق المعنى ،وحيــث غريــزة البقــاء تحــاور غريزة فينيسيا« البندقية»،
والمعتقــد والخيــال لمواجهــة ظــام الجهــل والمــرض وباقــي المــوت ،وتفــاوض بشــأن التجــاوز واالنتصــار علــى فيــروس، الحب
ّ مدينة
الشــرور .كورونا فعلهــا وأعــاد اإلنســان إلــى ضعفــه وعجــزه، يعبــث باألبــدان واألرواح واالقتصاديــات ويقودهــا قســر ًا نحــو والجمال ،خاوية عىل
ـد ًا مــن االختبــاء واالمتنــاع عــن اللقــاء باآلخر .إنــه فــا يجــد بـ ّ أحلــك االحتمــاالت . عروشها؟
الصحــي ،يواصــل النــاس العاديــون العمــل ،والتن ُّقــل، ِّ الحجــز غــداة تفشــي وبــاء كورونــا شــهدت أســواق األســهم العالميــة
والذهــاب إلــى المطاعــم ...إنهــم ببســاطة يواصلــون حياتهــم أســوأ أســبوع لهــا منــذ األزمــة المالية فــي ،2008بخســارة أكثر
المحتملــة.الطبيعيــة ،وفــي الوقــت نفســه ينتبهــون للمخاطــر ُ من 6تريليونات دوالر في قيمة األســهم ،وفي بعض األســواق،
ـر نحــو حالة مــن الذعــر؛ مثــل قطيع من ـقوط حـ ّ النخــب فــي سـ ٍ ـدل لــم يشــهده العالــم منذ الكســاد عمليــات بيــع بمعـ َّ
ّ ـجلتسـ ّ
الحيوانــات البريــة ،مذعــور مــن رؤيــة حيــوان مفتــرس واندفــاع الكبيــر قبــل قــرن تقريبـاً .لمــاذا؟ ألن المســتثمرين العالمييــن
أعمى عبر المياه الموبوءة بالتماســيح ،قد يتسـ َّـببون في انهيا ٍر المحتملة االقتصاديــة ُ
ّ فــي ذعــر غير مســبوق بســبب التداعيات
ـي محتمــل .وفــي الوقــت نفســه ،نــرى الحــس ـادي عالمـ ّ اقتصـ ّ لوبــاء كورونا.
الرواقي الســليم ،والحكمة البســيطة ولكن العميقة ،للحشــود ـي يرتقــيالمعلِّقيــن إلــى أن المشــهد العالمـ ّ يشــير العديــد مــن ُ
تطهرة».الم ّ «العظيمــة غيــر ُ لحالــة الجنــون .يجــادل «روس كالرك» بشــكلٍ مقنــع في مجلّة
ٍ
لعقود ـرف. ُّ ـ تص ـوءـ س نتاج كانت ـا، ـ منه ٍ
ـزء ـ ج ردود النخبــة ،فــي « »Spectatorبــأن «أخطــر شــيء فــي فيــروس كورونــا هــو
مــن الزمــن حتــى اآلن ،استســلمت ثقافتنــا لفكــرة أن البشــر هم ـرر االقتصــاد حالــة الهســتيريا» .ويوافــق فيليــب ألدريــك ،محـ ِّ
ـم تصويــر النــاس دائمـ ًا علــى أنهــم مصــدر مشــاكل العالــم .يتـ ُّ فــي صحيفــة «التايمــز» ،علــى ذلــك« :مــا يجــب أن نخافــه هــو
المشــكلة :ســواء ك ّنــا بصــدد تدميــر الكوكــب أو حمــل أمــراض ـد ذاتــه».
حالــة الذعــر أكثــر مــن الفيــروس بحـ ِّ
مهد دة. ّ ويلقــى باللــوم علــى نزعتنــا للتفكيــر فــي القــدر والخــوف مــن
ـي .لويس ّ ـ الغرب ـعـ المجتم ـي
ـ ف ـل ـ طوي ـخ ـ تاري ـا
ـ له ـرة ـ الظاه ـذههـ المجهــول كتفســيرات لهــذا الســلوك .إن ثقافــة المخاطــرة
باســتور ،العالم العظيم في القرن التاســع عشــر الذي اكتشــف رد الفعــل تجــاه التهديــدات همــا بالتأكيد وميلنــا للمبالغــة فــي ّ
حــدِّ الميكروبــات ،كان لديــه رعــب مــن الديموقراطيــة .علــى أســباب لمــا يحــدث اليــوم .لكــن هنــاك عنصــر ًا آخــر ال يقــل
تعبيــر «ديفيــد بودانيــس» ،اعتبــر باســتور الغوغــاء بأنهــم أهميــة مرتبــط بهــذه العناصــر لــم يتــم طرحــه -أن هــذا الجنون ِّ
«مجموعــة مــن المخلوقــات الصغيــرة المصابــة والتــي لــم ال يتأ ّتــى مــن «الجماهيــر الجاهلــة ،بســيطة المعرفــة ،ســهلة
ـود النــاس المحترمــون علــى رؤيتهــا عــادةً ،ولكنهــا كانــت يتعـ َّ االنقيــاد ،والســاذجة» ،ولكــن مــن الطبقــة الراقيــة المطّ لعــة لعقود من الزمن
ٍ
موجــودة دائمـاً ،جاهــزة لالنقضــاض ،لدخــول مجتمعنــا وتولّي المثقَّفــة
تخرجيــن مــن أعلــى الجامعــات ،والنخــب ُ والم ِّجيــداًُ ، ّ حىت اآلن ،استسلمت
المســؤولية والتكاثــر». والحكومــات. ثقافتنا لفكرة أن
اســتعارة هــذا التشــبيه للجماهيــر كبكتيريــا -كائنــات صغيــرة كان التناقــض بيــن ردود الفعــل تجــاه انتشــار الفيــروس مــن البرش هم مصدر
تنتشــر فــي كلّ مــكان ،وعلــى اســتعداد للهجــوم والنمــو وعامــة الناس صارخـاً .فحتى مع ارتفاع مســتوى الذعر ّ النخــب مشاكل العالم .يتمُّ
تلخــص خــوف اليميــن مــن الجماهيــر فــي ذلــك تصوير الناس دائماً
واالنتشــارّ - فــي التقاريــر المتواتــرة حــول فيــروس كورونــا ،واصــل النــاس
الوقــت. العاديــون حياتهــم بنســقٍ عــادي .النخبة التي يفتــرض أنها على عىل أنهم املشكلة:
خاصــة بعــد الثــورة البلشــفية لعــام ـرين، ـ العش ـرن ـ الق طــوال جيــدة ،والتــي ت ّتهــم فــي كثي ـ ٍر مــن األحيــان الجماهيــر سواء ك ّنا بصدد تدمري
ّ درايــة ّ
وسياســية ــةاجتماعي قــوة الجماهيــر أصبحــت عندمــا ،1917 زيفة» بســهولة، الم و«األخبار ـتيريا
ـ للهس عرضة بأنها ـة»
«الغبيـ الكوكب أو حمل
ّ ّ ُ َّ
حقيقيــة فــي المجتمــع ،أصبحت اســتعارة الحشــود /البكتيريا كانــت تح ّفــز علــى الذعــر .فــي هــذه األثنــاء ،وباســتثناء مناطق أمراض مهدّ دة
ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 96
روايــة خبيثــة موجــودة من قبل ،ولكنها ال يمكــن ّإل أن تزيد من ـم إرســال لينيــن إلى روســيا عام ـاص .عندمــا تـ ّ ســائدة بشــكلٍ خـ ّ
تقسـ�يم المجتمـ�ع ،وتزيـ�د مـ�ن الشـ�عور بالضعـ�ف الـ�ذَّ ري( (�at ُ ،1917وصــف بـ«طاعــون (بكتيريــا) العصيــة» ،وهــو جالــس فــي يمكن لإلبداع البرشيّ
وقدرتنا عىل حلّ
،)omisedوتنــأى بالنخــب العالميــة غير العقالنيــة والمذعورة قطــاره محكــم اإلغــاق .اســتخدم قــادة أوروبــا الغربيــة عبــارة
«التطويــق الصحــي »cordon sanitaire -لوصــف سياســة املشاكل أن تحتوي،
بعيــد ًا عــن مجــال الخطــر فــي هــذه العمليــة.
التلوث والعدوى تطويــق الوافــد الجديــد (القطار) هناك ،لمنــع وستحتوي فريوس
والوفيـ�ات بسـ�بب فيـ�روس كورونـ�ا( (�Cov ّ إنهـ�ا حالـ�ة مأسـ�اوية. ُّ
كورونا بالتأكيد.
ـرب بداخلــه. مــن التسـ ُّ
ســمي ،أمــر مؤســف للغايــة، ّ الر
،)id-19باســتخدام اســمه َّ األفراد ليسوا املشكل،
وفــي عــام ،1920وصف «ونســتون تشرشــل» ،الــذي كان آنذاك
ـدل إماتة لكننــا بحاجــة إلــى إحســاس بالتناســب .يعتقــد أن معـ َّ لكن النخب العامل ّية
وزيــر الخارجيــة للحــرب والجــو ،الثورة البلشــفية بأنها «روســيا
الفيــروس ال تتجــاوز واحــد ًا فــي المئــة ،وهــذا أعلــى بنحو ســبع هي بالتأكيد كذلك،
المســمومة ،وروســيا المصابــة ،وروســيا التي تحمــل الطاعون،
معــدل إماتــة األنفلونــزا المألوفــة ،ولكنــه يمثِّــل َّ مــرات مــن إن سلوكهم يثري املزيد
َّ وروســيا الحشــود المســلَّحة التــي ال تضــرب فقــط بالحربــة
ـي ـ التنفس ـاز ـ الجه ـةـ متالزم ـاتـ وفي ل ـد ـ مع ـن ـ م ً
ا ـيطـ بس جــزء ً
ا ِّ
ويهدد من الذعر،
َّ ـوام الحاملة
ّ والمدفــع ،ولكــن ترافقها وتســبقها أســراب من الهـ ّ املجتمعات البرشيّة
ـادة لعــام 9.6( 2003في المئة) ،ومتالزمة الشــرق األوســط الحـ ّ للتيفــوس الــذي يقتــل أجســاد الرجــال ،والمذاهــب السياسـ ّـية ِ
بالركود االقتصاديّ
التنفسـ ّـية فــي عــام 34.4( 2012فــي المئــة). صحــة األمــم وحتــى روحهــا». تدمــر َّ التــي ِّ
يعتبــر فيــروس كورونــا معديــ ًا أكثــر مــن مــرض الســارس اليهوديــة فيروســا
ّ والنازيــون هتلــر اعتبــر األثنــاء، تلــك فــي
ومتالزمــة الشــرق األوســط التنفسـ ّـية ،لكــن العلمــاء يعملــون ـن ينقلــوه ،وبالتالــي كان الحــلّ الوحيــد ـم َمـ ْقاتـاً ،واليهــود هـ ّ
جاهديــن علــى إيجــاد العالجــات واللقاحــات .وتعتقــد منظَّ مــة نظريــة احتواء مــا بعد الحــرب التي تهدف ّ ـم. هــو القضــاء عليهـ
طورته شــركة العالمية أن عقار « ،»remdesivirالذي َّ الصحــة
َّ ـيوعية،
ّ ـيوعية ،أو فــي حالــة الصيــن الشـ ّ إلــى وقــف انتشــار الشـ
ّ
فعــاالً ،وهــو حالي ًا في «الخطــر األصفــر» ،هــي نســخة أكثــر حداثــة من نفس الشــعور
« ،»Gilead Sciencesقــد يكــون عالجـ ًا ّ
طــور التجــارب اإلكلينيكيــة. تأسســت المكارثية في محاولة اليــوم .وفــي الواليــات الم َّتحدةَّ ،
ـري وقدرتنــا على حلّ المشــاكل أن تحتوي، ـيوعية مثــل البكتيريــا فــي المنــزل. ّ لوقــف انتشــار الشـ
ويمكــن لإلبــداع البشـ ّ
هــذا النــوع مــن اللّغــة ال يســتخدم علــى نطــاقٍ واســع فــي حالة
وســتحتوي فيــروس كورونــا بالتأكيــد .األفــراد ليســوا المشــكل،
الذعــر اليــوم حول فيــروس كورونا ،بالطبــع( .رغم وجود بعض
العالميــة هــي بالتأكيــد كذلــك ،إن ســلوكهم يثيــر ّ لكــن النخــب
اإلشــارات إلــى «خطــر أصفــر» جديــد) .ومــع ذلــك ،فإننــا نحمل
البشــرية بالركــودِ
ّ ويهــدد المجتمعــات ِّ المزيــد مــن الذعــر،
ـي بالتأكيــد :ســواء كان النــاس يقاطعــون هــذا الشــعور األساسـ ّ
االقتصــادي .ونحــن بحاجــة اليــوم إلــى تب ِّنــي هــدوء وحكمــة ّ ـعبويين ـ الش ين ـيـ السياس أو ـدن، ـ الم ـز ـ مراك الحــي الصينــي فــي
ّ ّ
الجماهيــر ،بــدل جنــون وهســتيريا النخــب. مثــل ماتيــو ســالفيني أو ماريــن لوبان الذيــن يلقــون باللوم على
ترجمة :مروى بن مسعود (تونس) ■ نورمان لويس ۹ تفشــي المرض. األجانــب فــي ِّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتــم تصويرهــم -عــن غيــر قصــد ُّ -هكــذا الخطــر األفــراد هــم
المصدرwww.spiked-online.com : يحملــون تهديــد ًا مميتـ ًا وغيــر مرئــي .وهــو اعتقــاد يســتند إلــى
أهميــة التواصــل والشــفافية بيــن الــدول ومــع النــاس. جماعــي بعنــوان «عــودة فــي عــام ،2015قمتــم بنشــر عمــلٍ
ـاص ِّ خـ ّ ّ
ـرة جهــود ًا كبيــرة فــي هــذا الصــدد بعــد ـ الم ـذه ـ ه ـن ـ الصي ـتبذلـ األوبئــة» :لمــاذا يتزايــد خطــر انتشــار األمــراض المعديــة علــى
ّ
انتقــادات إلدارتهــا لفيــروس الســارس فــي عــام .2003وتعمــل نطــاقٍ واســع فــي الســنوات األخيــرة؟
للتكيف مع الســياق العالميــة أيضـ ًا علــى ذلــك، الصحــة منظَّ مــة مرة ليســت
ُّ ّ َّ -إن فكــرة الظهــور الدائــم لألمــراض المعدية في كلّ ّ
الحالــي :اجتمعــت علــى ســبيل المثــال فــي 13فبراير/شــباط كلّ جديــدة :كمــا توقَّع تشــارلز نيكــول ،الحائز على جائــزة نوبل عام
للحد من تداول المعلومات ِّ من غوغل ،وفيســبوك ،ويوتيوب... تتكيــف دائمـاً .يســاهم فــي هــذا الوضع ،1928فــإن الميكروبــات َّ
الكاذبــة. حدتها في الســنوات األخيرة، َّ ازدادت العديــد مــن العوامــل التي
ـد المــرض ّ ـ ض ـة ـ المعرك ـت
ـ أصبح ـث
ـ حي ـر، ـ األخي ـوالـ إيب ـاء
أبــرز وبـ ـي ،وزيــادة ـ العالم ـرار
ـ واالحت ، ـيـ الجماع ـور النقــل
وال ســيما تطـ ُّ
ّ ّ
صعبــة للغايــة فــي البلــدان التــي تعانــي مــن خلــل فــي النظــم عــدد ســكّ ان العالم ،وتوســيع الزراعــة وتكثيفهــا ،والتكاثر وإزالة
المفارقــات أن كورونــا يأتــي فــي ســياق يشـكِّك فــي التمويــل طويــل المــدى
مــن ُ الصحيــة العالميــة مســتعدة بشــكلٍ أفضــل ّ
ممــا كانــت عليــه ّ المؤسســات
َّ هــل
العامة. للمستشــفيات والبحــوث قبل بضع سنوات؟ هل ال يزال التفاوت قائم ًا بين دول أو مناطق من العالم؟
ّ
ـي ،مثل األموال مما كانت عليه العالمية تتواصل بشــكلٍ أفضــل ّ ّ الصحة
ّ -يبــدو لــي أن منظَّ مــة
-بالنســبة آلليــات التمويــل البديلة التــي يقترحها البنك الدولـ ّ ـزم أكبــر :يمكننــا أن نــرى ذلــك علــى
المتأ ّتيــة مــن شــراء «ســندات كارثــة وبائيــة» ،حيــث يخاطــر المســتثمرون فــي األوبئــة الســابقة وتظهــر وجودهــا بحـ ٍ
ـي الوبــاء ســبيل المثــال فــي جهودهــا الراميــة إلــى عــدم التقليــل مــن خطــورة الوضــع،
بعــدم تل ِّقــي فوائــد أو خســارة جــزء مــن رأســمالهم فــي حالــة تفشـ ّ عالميـاً .مــن وجهــة النظــر هــذه ،يمكننا ـرع فــي إعــان كورونــا وبــاء
جــد ًا طالمــا لــم ينتشــر الوبــاء) ّ ولكنهــم يحصلــون علــى عائــدات مرتفعــة ّ دون التسـ ُّ
ـم انتقادهــاَّ ـ ت ـث
ـ (حي ـابق ـ الس H1N1 ـروس ـ في ـنـ م ـدرس ـ ال ـت ـ َّم
ل تع ـا القــول إنهـ
،فقــد ثبــت أنهــا غيــر كافيــة .فــي عــام ،2018لــم يســمحوا باإلفــراج عــن
ـرعها فــي اإلعــان عــن حالــة وبــاء) ومــع إيبــوال (خــال وبــاء 2014فــي لتسـ ُّ
تمويــات لوبــاء اإليبــوال فــي جمهوريــة الكونغــو الديموقراطيــة ،ألن تعريفهــا
تعرضــت النتقادات إلعالنها حالة الطــوارئ بعد فوات األوان). ٍ غــرب إفريقيــاَّ ،
مقيــد ًا للغايــة .وفيمــا يتع َّلــق بوبــاء فيــروس كورونــا الحالــي ،حتــى لــو
كان َّ قويــة للغايــة فــي مــا يتع َّلــق بمرونــة النظــم ّ ـةـعالمي
ّ ـات ـ تفاوت ال تــزال هنــاك
ـم اإلفــراج عــن األمــوال ،ســيكون ذلــك فــي أحســن األحــوال فــي أبريــل/ تـ َّ الصحيــة ،األمــر الــذي يمكــن أن يجعــل جميــع جهــود التحضيــر باليــةً .وعلــى ّ
نيســان -بعــد فــوات األوان...
الرغــم مــن الــدروس المســتفادة مــن وبــاء اإليبــوال ،ال يــزال الوضــع في غرب
ـي ،ال ـ عالم يجــب االســتعداد لمكافحــة الوبــاء فــي وقـ ٍ
ـت مبكِّ ــر ،وعلــى نطــاقٍ
ّ العالميــة
ّ الصحــة
َّ إفريقيــا مقلقـاً ،علــى ســبيل المثــال ،وقــد أعربــت منظَّ مــة
الصحــة والبحــوث الدقيقة مــع التمويل َّ ســيما مــن خــال الجمــع بيــن أنظمــة اإلفريقيــة علــى التعامــل مــع فيــروس كورونــا. عــن قلقهــا بشــأن قــدرة القــارة
ّ
والعالمية،
ّ ـةـ الوطني
ّ ة العام
ّ المصلحة ـم الدائــم .وهــذا النســيج يقوم على دعـ
المفارقــات أن وبــاء بعــد أن كشــفت األوبئــة عــن أوجــه القصــور فيهــا .ومــن ُ العالمية .هل
ّ الصحة
َّ وخاصة منظَّ مة
ّ الدولي، الصح ّي
ّ لقد انتقدتم التعاون
ّ
كورونــا يأتــي فــي ســياق يشــكِّ ك فــي التمويــل طويــل المــدى للمستشــفيات مــا زالــت انتقاداتكــم ســارية فــي عــام ،2020بينمــا يســتعد العالــم لمواجهــة
العامــة ■ .حــوار :بــول ســوجي ۹ترجمــة :مروى بن مســعود
ّ والبحــوث وبــاء جديــد واســع النطاق؟
ـزاالت شرســة مــن أجــل الفــوز ٍ ـزاب التــي تخــوض نـ ـن األحـ ِ وبيـ َ لقــد نســي العالــم ،أو باألحــرى تناســى ،أن محــاوالت الخــروج
والســلطة واألمثلــة علــى ذلــك عديــدة ُّ ـب ـ والمناص ـن ـ بالناخبي تجارية بيــن الصين ّ مــن أزمــة ،2008تسـ ّـببت فــي اندالع حــرب
فــي أميــركا وأوروبــا وفــي البرازيــل إبــان االنتخابــات التــي أتــت والواليــات المتحــدة ،باتهــام األخيــرة لألولــى بعــدم احتــرام
بجاييــر بولســونارو اليمينــي إلــى الحكــم؛ وثاني ـ ًا فــي أن آفــاق الدوليــة ،وباتهــام العالــم ألميــركا ّ قواعــد الســوق فــي التجــارة
الجا ِئحــة التــي جفَّفــت حتــى هــذا التحالــف مــن أجــل محاربــة َ ترامــب بالتراجــع عــن التزاماتهــا ،ســواء بالنســبة للعديــد مــن
ـي
ـولُ عليهــا لتعافــي االقتصــاد العالمـ ّ المنابــع التــي كان يعـ َّ المناخيــة ،وبالعمــل الحثيــث ّ للتغيــرات
ُّ التجاريــة أم
ّ القضايــا
ـد في ظلِّ اســتمرار ـد بعيـ ٍ
مــن أزمــة ،2008تبــدو غائمــةً إلــى حـ ٍّ ـم رفعها َّ ـ ت التي ـةـ الحمائي ـراءات ـ اإلج ـاء ـ إرس ـى ـ إل ـودة ـ الع علــى
المتشــائمة بشــأن تراجعــه قريبـاً ،وهــو مــا الوبــاء والتوقعــات ُ العالميــة ،حيــث صــارت الصيــن، ّ ـارة ـ التج ـةـ م منظَّ ـارـ إط فــي
ـي فــي آخــر ً ً
يمكــن قراءتــه مثـا نقـا عــن صنــدوق النقــد الدولـ ّ االقتصادي
ّ كمــا اتضــح فــي الــدورات األخيرة لمنتــدى دافــوس
ظل اإلجراءات يف ِّ
تقاريــره حــول آفــاق االقتصــاد العالمــي لســنة 2020عندمــا الدوليــة وتنقــل
ّ حر ّيــة التجــارة مثـاً ،هــي المدافــع األكبــر عــن ّ تخذة يصعب تحفيز امل ُ َ
يقــول إن هــذه األزمــة غيــر مســبوقة ،وأنــه فــي ظلِّ اإلجــراءات اإلقليميــة والالجئــون والعقوبات ّ األمــوال .ولــم تعــد التوتــرات
األنشطة االقتصاديّة
االقتصاديــة خاصــة منهــا
ّ تخــذة يصعــب تحفيــز األنشــطة الم َ ُ األوروبيون
ّ الدولية .وأوقــف ّ علــى إيــران تحتلّ عناويــن األخبــار
خاصة منها األكرث
حتمل جد ًا أن يســجل االقتصاد ُ َ الم من وبالتالي ً،اـررـ تض ـر األكثـ التفكيــر فــي مــا بعد خــروج بريطانيا ،ومــا إذا كان هــذا الحدث ترضراً ،وبالتايل من
ـه مقارنــةً مــع مــا شــهده خــال الســنوات التــي أســوأ تراجــع لـ ُ ـي وخــروج أعضــاء آخريــن فــي ً
إيذانـا بتفــكك االتحــاد األوروبـ ّ املُحتمَ ل جدا ً أن
تلــت أزمــة ،1929وأيضــا خــال الســنوات العشــر األخيــرة منذ نقاش اليســار واليمين ُ يهمهم ّ يعد لم ـا
ـ كم ـة،ـ المقبل ـنوات السـ يسجل االقتصاد
األزمــة الماليــة لســنة .2008 ـرف .لكلّ هــذا من غير الممكــن التفكير ِّ ـ تط الم
ُ ـن ـ اليمي ـود ـ وصع ً
مقارنة أسوأ تراجع ل ُه
ـتنتج ممــا ســبق حــول ـي ُيسـ ُ ٍ
ثمــة مــن وصــف تقريبـ ّ وإذا كان ّ فــي مــا بعد األزمة بالمنطق نفســه بالنســبة لألزمات الســابقة. مع ما شهده خالل
ـي ،فهــو أنــه ســينطلق مــن ّ ـ العالم ـاد ـ لالقتص ـةـ الراهن الوضعيــة ـر فــي أي فتــر ٍة الم ِ
عاصـ ُ ثمــة مفارقــةٌ لــم يعرفهــا العالــم ُ اآلن َّ َ السنوات اليت تلت
الصف ـرِ ،أو يــكاد ،بعــد انقشــاع األزمــة .فقــد تع َّقــدت حالــة ٍ
ال فــي وجــود تحالــف غيــر مــن الفتــرات ،يتمثــلُ قطباهــا ،أو ً ِ أزمة ،1929وأيضا
الحــد الــذي بــدت معــه ِّ الدوليــة إلــى
ّ التجاريــة
ّ المبــادالت ُ ـرت ـرب ،بيــن الــدول التــي تناحـ ْ ـن الشــرقِ والغـ ِ ـد بيـ َ معلــنٍ وحيـ ٍ خالل السنوات العرش
العالميــة للتجــارة غيــر قــادرة علــى تحديــد نســبة ّ المنظمــة ُ تجاريــة ،كمــا كانّ أو ـة ـ مختلف ة ـي
ّ ـ سياس ـات ـ خالف ـبب ا بسـ طويـ ً األخرية منذ األزمة
تقريبيــة لتراجعهــا خــال الســنة الجاريــة .وتظهر هــذه الحيرة ّ عليــه األمــر منــذ وصــول دونالــد ترامــب إلــى البيــت األبيــض، املالية لسنة 2008
103
167-166 2021 سبتمرب- أغسطس
إيمانويل كوكيا:
الفريوس قوة فوضويّة للتح ُّول
منــذ بدايــة وبــاء (كوفيــد ،)19 -غــزت الفريوســات األجســاد والعقــول .لكــن أي نــوع مــن الكائنــات هــي؟ بالنســبة
االجتامعيــة بفرنســا ،فــإن
ّ تقدمــة يف العلــوم
مل ِّ ملحــارض يف كليــة الدراســات ا ُ
إلميانويــل كوكيــا ،الفيلســوف وا ُ
كل يشء قــوة تحـ ُّـول .بانتقالهــا مــن مخلــوقٍ إىل آخــر ،تشــهد عــى أن أصــل الحيــاة واحــد.الفريوســات هــي قبــل ّ
ربــا للتخفيــف مــن القلــق جـ َّـراء العــدوى.
يف هــذه املقابلــة ،يطــرح الفيلســوف فكرتــه مــن زاويــة مختلفــةَّ ،
بمعنى؟ الحية
ّ فــي كتابــك األخيــر «التحـ ُّـوالت» ،تؤكِّ د بأن جميع الكائنات
تنطلــق مــن حيــاة واحــدة ،تتحـ َّـول إلــى مــا ال نهايــة .أليــس هــذا
ســيد
ّ النرجســية التــي تجعــل اإلنســان
ّ -ال أفكــر فقــط فــي
الطبيعــة ،ولكــن أيض ـ ًا مــا يقودنــا إلــى أن ننســب لإلنســان قــوة مــا نشــهده جميعـ ًا مــع هــذا الوبــاء؟
متميــزون
ّ الطبيعيــة .نحــن
ّ وحصريــة علــى التوازنــات ّ مدمــرة
ّ خصصتهمــا للفيروســات. «التحــوالت» ّ
ُّ -آخــر صفحتيــن مــن
ومختلفــون واســتثنائيون فــي الكــون ،هكــذا نعتقــد ،رغــم الضرر أرى بــأن الفيروســات هــي الطريقــة التــي يتح ّقــق بهــا المســتقبل
الحيــة األخــرى .ومــع ذلــك ،فــإن قــوة الــذي نلحقــه بالكائنــات ـول
ّ فــي الحاضــر .الفيــروس ،فــي الواقــع ،قــوة نقيــة مــن التحـ ُّ
التدميــر هــذه ،تمام ًا مثل قــوة التوالد ،مو َّزعة بشــكلٍ عادل على الــذي ينتقــل مــن حيــاة إلــى أخــرى دون أن يقتصــر علــى حــدود
الحيــة .اإلنســان ليــس الكائــن الوحيــد القــادر
ّ جميــع الكائنــات الجســم .حــر ،فوضــوي ،غير مادي تقريبـاً ،ال ينتمي إلى أي فرد،
علــى تغييــر الطبيعــة .أي بكتيريــا أو فيــروس أو حشــرة يمكــن أن الحيــة ويســمح لهــا لديــه القــدرة علــى تحويــل جميــع الكائنــات
ّ
ـر علــى العالــم. ـر كبيـ ٌيكــون لهــا تأثيـ ٌ ميــز .أعتقــد أن جــزء مــن حمضنــا النــووي، الم َّ
بتحقيــق شــكلها ُ
ربمــا حوالــي ،% 8مــن أصــل فيروســي! الفيروســات هــي قــوة َّ
هــل ينبغــي أن يدفعنــا الوبــاء الحالــي إلــى تغييــر تفكيرنــا فــي
ـول ،ولديهــا إمكانيــة لالختــراع الــذي ُّ ـ والتح ـل ـ والتعدي ـد
ـ التجدي
الطبيعــة؟
هوياتنــا التطــور .إنهــا دليــل علــى أن ّ
ُّ يلعــب دور ًا أساســي ًا فــي
الم ِ
عاصــرة تتغــذَّ ى مــن خيــال تظهــر فيــه األرض -ال تــزال البيئــة ُ ـددة .أســتحضر هنــا مــا الجينيــة كانــت نتيجــة لتداخــات متعـ ِّ
ضمنــة فــي كلمــات علــم البيئــةُ َّم ـرة
ـ الفك ـذهـ كمنــزل الحيــاة .ه ذكــره جيــل ديلــوز« ،نحــن نصنــع جــذور ًا مــع فيروســاتنا ،أو
باليونانيــة ،تعنــي المســكن ،المجــال
ّ ـي،oikos : والنظــام البيئـ ّ باألحــرى فيروســاتنا تجعلنا نمــد الجذور مع الكائنــات األخرى».
المنظــم جيــداً .فــي الواقــع ،الطبيعــة ليســت مجــال ـي ُالمحلـ ّ الهويــة،ّ مــن وجهــة النظــر هــذه ،فــإن المســتقبل يشــبه مــرض
التــوازن الدائــم ،حيــث يكــون الجميــع فــي مكانهم .إنها مســاحة
التحول.
ُّ الحيــة علــى
ّ وســرطان الحاضــر :إنــه يجبــر كلّ الكائنــات
الحيــة الجديــدة التــي تخــلّ بالتوازن.
ّ لالختــراع الدائــم للكائنــات
وربمــا َّ العــدوى، بالتقــاط عليــك أن تمــرض ،وتســمح لنفســك
تهاجــر جميــع الكائنات ،وتحتلّ جميع الكائنــات منازل اآلخرين.
المــوت ،حتــى تمضــي الحيــاة فــي مســارها وتصنــع المســتقبل.
هــذا هــو ،فــي األســاس ،جوهــر الحيــاة.
قــد تبــدو هــذه النظــرة إلــى األشــياء أكثــر إزعاجــ ًا بــد ً
ال مــن
أكثــر مــن الخــوف مــن الفيــروس ،هــل يكشــف المنــاخ الحالي عن إيمانويل كوكيا ▲
الطمأنــة...
الخــوف مــن الموت بالنســبة لك؟
ـي أن تخــاف مــن المــوت وتتج ّنبــه قــدر -مــن الواضــح أن القــوة التحويليــة للفيروســات لديهــا شــيء
-بالتأكيــد .مــن الطبيعـ ّ مخيــف فــي الوقــت الــذي نجــح فيــه (كوفيــد )19 -فــي تغييــر
الطبيعــي اتخــاذ إجــراءات لحمايــة المجتمــع ّ اإلمــكان .ومــن
وخاصــةً أفــراده األكثــر هشاشــة .لكــن مــا وراء األزمــة التــي نمــر ّ عالمنــا بشــكلٍ عميــق .سـ ُّ
ـيتم التغلــب علــى األزمــة الوبائيــة فــي
بهــا ،تميــل مجتمعاتنــا إلــى مكافحة المــوت والتفكير فــي الحياة غيــر أنماط حياتنا ّ قد الفيروس هذا نهايــة المطــاف ،ولكن ظهــور
الفرديــة مــن حيــث المطلــق .ورغــم ذلــك ،فــإن الحيــاة التــي ّ ـي وتوازناتنــا الجيوسياسـ ّـية .ينتــج الكثيــر مــن
وواقعنــا االجتماعـ ّ
ـدت نعيشــها ال تبــدأ بلحظــة ميالدنــا :إنهــا حيــاة أُمنــا التــي امتـ َّ ـي
األلــم الــذي نعيشــه اليــوم عــن إدراكنــا بــأن أصغــر كائــن حـ ّ
إلينــا وستســتمر مــع أطفالنــا .نحــن نســتمد الجســد ،والنفــس، ـرية مجهــزة مــن وجهــة نظــر قــادر علــى شــلّ أفضــل حضــارة بشـ ّ
والــذرات مــن أمنــا التــي حملتنــا فــي بطنهــا تســعة أشــهر .تنتقل تقنيــة .أعتقــد أن هــذه القــوة التحويليــة لكائــن غيــر مرئــي تثيــر
ـد إلــى آخر ،مــن األنواع إلــى األنواع ،مــن مملكة الحيــاة مــن جسـ ٍ تســاؤالت حــول نرجسـ ّـية مجتمعاتنــا.
تعددة
الم ِّ
جزء من الكائنات ُ
ٌ هل يجب أن نعترف بأن الفيروسات تحرري ،ولكنه مقلق في البداية ،أليس كذلك؟
إنه نهج ُّ
التي تسكننا؟
بحــد ذاتهــا تثيــر القلــق والغمــوض! كلّ الحيــاة هــي ِّ -الحيــاة
ـدق مــن البكتيريــا والفيروســات كميــة ال تصـ َّ -أجســامنا تحمــل ّ إمكانيــة للخلــق ،واالختــراع .كلّ حيــاة قــادرة علــى فــرض نظــام
ـرية 100 .مليــار بكتيريا من 500إلى ّ ـ بش غير والفطريــات ،كائنــات جديــد ،منظــور جديــد ،طريقــة جديــدة للوجــود .لكــن هــذا
ـون منهاَّ ـ يتك التي ـا
ـ الخالي ـدد
ـ ع ـن ـ م ـرـ أكث ـا.ـ فين 1000نــوع تســتقر ومدمــر.
ّ االنفتــاح علــى الجديــد ينطــوي دائمـ ًا علــى جــزء مظلــم
حي ًا واحداً ،بل مرات .باختصار ،نحن لســنا كائن ًا ّ الجســم بعشــر ّ يكفــي التفكيــر فــي الحقيقــة األوليــة لــأكل :حياتنا مبنيــة حرفي ًا
نحن لسنا كائناً ح ّياً
شــعباً ،أشــبه بحديقــة حيوانــات متنقِّلة .واألعمق مــن ذلك ،عدد ـدد ال نهائي مــن الكائنات علــى جثــث األحيــاء .جســدنا مقبرة لعـ ٍ
ـرية -بدء ًا بالفيروســات -ســاهم في واحداً ،بل شعباً،
كبيــر مــن الكائنــات غيــر البشـ ّ األخــرى .ونحــن أنفســنا سنســتهلك مــن ِق َبــل األحيــاء اآلخريــن.
ـري وشــكله وبنيته .وبالتالي فإن ميتوكوندريا أشبه بحديقة
تشــكيل الكائن البشـ ّ مــع الفيــروس ،نــدرك أن هــذه القــوة المذهلــة للحداثــة ال ترتبط ِّ
خاليانــا ،التــي تنتــج الطاقــة ،هــي نتيجة دمــج البكتيريــا .يجب أن متنقلة. حيوانات
ـددة ،علــى ســبيل المثال فــي الحجم ،أو فــي القدرات بميــزة محـ َّ
يقودنــا هــذا الدليــل العلمــي إلــى التشــكيك فــي جوهريــة الفــرد، واألعمق من ذلك،
ـرد أن تكــون هناك حياة ،بغــض النظر عن مكانها َّ ـ بمج الدماغيــة.
عدد كبري من الكائنات
كيــان منطــ ٍو علــى نفســه ،ومغلــق علــى العالــم ٌ والفكــرة بأنــه ـور ،فإننــا نشــهد علــى قــوة هائلــة قــادرة علــى
فــي شــجرة التطـ ُّ غري البرشيّة -بدءا ً
واآلخــر ،ولكــن يجــب علينــا أيضـ ًا التخ ُّلــص مــن تعميم األنــواع... تغييــر وجــه الكوكــب. بالفريوسات -ساهم
■ حوار :أوكتاف الرمانياك -ماثرون ۹ترجمة :مروى بن مسعود
يف تشكيل الكائن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التقليدية لتسلسل األنواع؟
ّ لذلك هل يجب أن نتخلّى عن الفكرة البرشيّ وشكله
المصدر:
مجلّة «( »Philosophie magazineمارس )2020 متفــوق علــى النبــات،
ِّ -بالطبــع .نفتــرض تلقائيــ ًا أن الحيــوان وبنيته
ـدية ،األمر الــذي تتبعه زيادة فــي الســلوكيات الصحــة النفسـ ّـية والجسـ ّ ّ صعيــد جــاء التقريــر الــذي نشــرته مجلّة Health Psychology الصادرة عــن
المتطلبــة للدعم المســتمر ،والتي تتســم بالمبالغة غير المتســقة مع حجم الح رتقبة للتعــرض ا
ُّ الم
األميركيــة لعلم النفس ليؤكِّ ــد علــى التداعيــات ُ ّ الجمعيــة
دث الفعلــي ،تلــك الســلوكيات من شــأنها خلق أعباء إضافية علــى مرافق الرعاية لمستمر لوســائل اإلعــام خالل أوقات األزمــات ،حيــث تشــمل تلــك التداعيــات
مؤخــر ًا الحيويــة ،مثــال علــى ذلــك مــا شــهدناه َّ ّ الصحيــة وغيرهــا مــن المــوارد ّ ارتفــاع مســتويات التوتــر والقلــق لــدى األفــراد ،وتفاقــم الســلوكيات المتطلبــة
مــن مظاهر هوس الشراء النابع من اإلحســاس بالذعر ،والتــي أدت -وبشــكلٍ مؤسســات ومرافق للدعم المســتمر ،والتي من شــأنها خلــق أعبــاء إضافيــة علــى َّ
ـص عالمــي فــي بعــض المــواد األساسـ ّـية والتالعــب بأســعارها . مباشــر -إلى نقـ ٍ الصحية .
ّ الرعايــة
ة ،يعتمد عامة الناس على وســائل اإلعالم مــن ّ الصحي
ّ خــال أوقــات األزمــات تمت االستعانة بها خالل أزمات مشابهة ،على سبيل يستند التقرير إلى أبحاث َّ
أجــل الحصول علــى المعلومــات الدقيقة لمســاعدتهم على الوصــول إلى قرارات المثال ،خالل أزمة تفشي مرض اإليبوال وأنفلونزا الخنازير ،)H1N1( وخالل
ـلوكيات وقائية ،حينمــا تمتــزج
ّ بما يتعيــن عليهــم اتباعه من سـ َّ مســتنيرة تتعلَّق أحداث مثلت كوارث جمعية ،كالهجمات اإلرهابية ،حيث أشارت تلك األبحاث
والتخبط ،تتعاظم تلك االعتمادية بشــكلٍ ُّ األزمة مع مشــاعر الاليقين والغموض إلى العواقب الوخيمة التي ساهمت في خلقها الكيفية التي تعاطت بها وسائل
المواطنين ُ ـد
ـ لتزوي بها موثوق ـةـ معلوماتي مصادر كبيــر ،لــذا فمــن الضــروري توفُّر الصحي .
ّ اإلعالم مع تلك األحداث ،وتداعيات ذلك على القطاع
بمــا يحتاجون إليه مــن توصيــات وأدوات لتقييــم األبعــاد الحقيقيــة لألزمــة .يؤكِّ د المؤكَّ ــدة لفيــروس
ُ ـة
ـ اإليجابي
ّ فــي غضــون أقــلّ مــن شــهر ،كانــت أعــداد الحــاالت
«علــم اتخــاذ القــرار» أنــه فــي حــال توفُّر الحقائــق والمعلومات الدقيقة مع توفُّر ـتجد قــد تخطّ ــت مــا ســجله فيــروس ســارس )SARS-COV( مــن المسـ َ كورونــا ُ
العامــة علــى تقييــم وإدراك الحجــم ّ الفعالــة لنقلهــا ،تــزداد قــدرة الوســائل ّ إيجابيــة مؤكَّ ــدة خــال تســعة أشــهر كاملــة ،وعلــى الفور ،وفــي ينايــر/ ّ حــاالت
أمــا االلتبــاس الناجــم عــن عــدم تو ُّفــر تلــك المعلومــات ّ ـر، ـ للمخاط ـي
الحقيقـ ّ عالمياً ،وهو
ّ الطوارئ حالة ة العالمي
ّ ـة
ـ الصح
ّ مة منظَّ ،2020أعلنت ـي
ـ الثان كانــون
فيؤدي إلــى تقييــم ِّ ـةـ الكافي ـة ـ بالفاعلي ـمـ يتس ال ـكلٍ ـ بش ـا
ـ نقله أو ـؤولين ـ المس لــدى اإلعــان الــذي عكــف العلمــاء على إثــره على تحليــل خصائص الفيــروس ،قابليته
ما يتهددهم مــن مخاطــر . ّ مبالــغ فيــه لحجــم ـدالت الوفــاة الناجمــة عنــه ،وبالتزامــن مــع ذلك ،شــرع مســؤولو لالنتشــار ،ومعـ َّ
ولعلّ من أكثر األمثلة وضوح ًا ما حدث خالل أزمة أنفلونزا الخنازير )H1N1( حينما َ الحيويــة التــي مــن شــأنها مســاعدة األفراد ّ ـات ـ في نقل المعلوم ـي
القطــاع الصحـ ّ
التخبط وفقدان السيطرة إلى تعزيز مشاعر القلق والخوف لدى ُّ أدت مشاعر ّ المثلــى للوقايــة مــن المــرض ،والحكومــات ُ ـات ـ واالحتياط ـر
ـ التدابي علــى اتخــاذ
وأدت إلى تفاقمها .مثالٌ آخر يمكن رؤيته خالل كوارث العامة بشكلٍ كبير ،بل ّ ّ علــى ســرعة التخطيــط واالســتجابة لتفشــي الوباء .
العامة بالمعلومات ّ أدى تباطؤ المسؤولين في تزويد إطالق النار على المدارس حينما ّ ولكن ،وللمفارقــة ،فــي الوقــت الــذي كان فيــه صحافيــون ومســؤولون بالقطــاع ُ
الكافية وموافاتهم بالتحديثات الالزمة في حينها إلى انتشار الشائعات والمعلومات يلزم العامة مــن معلومــات
ّ الصحي يبذلــون جهوداً مضنيــة مــن أجل نقل مــا ّ
مما فاقم من مشاعر القلق والحزن .يمكن تطبيق كلّ ذلك على أزمة المغلوطة ّ حيويــة ونصائــح وتوصيــات للتعامــل األمثــل مــع أزمــة تفشــي الفيــروس ،بــرز ّ
العلمية على ميل الناس إلى اعتبار ّ األبحاث د تؤكِّ إذ خاص، بشكلٍ كورونا فيروس ـر آخــر لــم يكــن فــي الحســبان ،أال وهــو ظهــور أزمــات نفسـ ّـية ناجمــة عــن خطـ ٌ
المجهولة أشد خطورة وفتكاً من الفيروسات المعلومة لهم، ّ الجديدة الفيروسات الجا ِئحة ،وهــو
َ مســتجدات تغطــي التــي اإلعــام لوســائل المســتمر ض التعــر
ُّ
حدثة الم َّ
العامة بالحقائق والمعلومات ُ ّ لذا فمن الضروري الحرص على موافاة األمــر الــذي ينــذر بتداعيات ســلبية مباشــرة ،ليــس فقــط علــى الصعيــد
وإل فإننا نخاطر بنزع فتيل يخص الفيروس المجهولّ ، ُّ باستمرار حول كلّ ما ـادي الــذي يشــهد تدهــور ًا غيــر مســبوق ،ولكن أيضـاً -وبمرور االجتماعي واالقتصـ ّ ّ
الشائعات وانتشار المعلومات المغلوطة التي س ُتفاقم حتم ًا من مستويات األلم ـدية لألفراد ،وهو ما أكَّ دته مجموعة ّ ـ والجس ة ـي
ّ ـ النفس ة الصح
ّ الوقت -على صعيد
والجسدي .
ّ النفسي
ّ المرتفعة أثنــاء وفــي من االســتطالعات ،والتي أشــارت إلــى أن مســتويات القلــق ُ
االجتماعي
ّ تقــع وكاالت إدارة الطــوارئ في خطأ عدم اســتغالل وســائل التواصــل ـؤدي إلى عواقــب ســلبية على أعقــاب األزمــات التي تشـكّل تهديداً علــى الحياة ،تـ ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 108
وســائل اإلعــام وازديــاد أعــراض التوتــر الحــاد ،إذ زادت نســبة األعراض لدى
هــؤالء الذيــن كانــوا األكثر متابعــة لوســائل اإلعالم مــن نســبته لدى هؤالء الذين
تعرضوا بشــكلٍ مباشــر للتفجيرات .دائم ًا مــا يلجــأ هــؤالء األكثــر معانــاة مــن َّ
أعــراض التوتر والقلق إلــى متابعــة المزيــد مــن األخبــار التــي تغطــي الحــدث
ممــا يخلق حلقــةً ال متناهيــة مــن األلــم النفســي .
ـرض المكثَّف ُّ ـ للتع ـلبية ـ الس التبعات وبخــاف األثر النفــس -جســدي ،قــد تشــمل
الصحيــة التــي
ّ ـةـ الرعاي ـق ـ ً لمراف ا األزمات ،إرهاق لوســائل اإلعــام خــال أوقــات
حتمـ ًا ســتعاني مــن تد ُّفــق فــي أعداد المرضى القلقيــن .وهــو األمــر الــذي حــدث
أدت المتابعة المكثَّفة لوســائل اإلعالم بالفعل خالل أزمات وبائية ســابقة ،حيث ّ
إلــى تد ُّفــق المرضــى ألقســام الطــوارئ فــي مجتمعــات لــم تشــهد تفشــي ًا للمرض
أدى في األســاس .ونشــهد ذلك اآلن في إطار تفشــي فيروس ( ،)Covid-19حيث ّ
عالمي في األقنعــة والكمامات ّ ـصالمســتهلكين إلى نقـ ٍ تخزيــن األقنعــة مــن ِق َبــل ُ
الصحية .مثــل هــذا ّ مقدمــي الرعايــة المانعــة لالستنشــاق الضروريــة لحمايــة ِّ
النقــص يضــر بالمجتمعــات األكثــر عرضــةً لمخاطــر تفشــي الفيــروس ،ويعرقــل
كما يؤدي تدفُّق المرضــى ِّ الصحــي الحتــواء الفيــروس، ّ جهــود القطــاع
أعراض مرضية طفيفــة على أقســام الطوارئ ،إلــى ٍ الذين ال يعانون إل مــن
ّ
المثقلة فــي األســاس . ُ ـة ـ الصحي
ّ ـة ـ الرعاي إجهــاد مرافــق
أهمية قيام اإلعــام بنقــل كافــة المعلومات التــي تمكّــن ِّ مــن علــى الرغــم
والمؤسســات من اتخاذ اإلجــراءات الالزمــةّ ،إل َّ من حماية أنفســهم، العامــة
ّ
أنــه مــن الضــروري أن تحــرص وســائل اإلعــام علــى فعــل ذلك بشــكلٍ يخلــو
مــن اإلثــارة أو عــرض الصــور المؤ ِّثــرة .وعلــى الجانــب اآلخــر ،يجــب توجيــه
المتكــررـرض ُ العامــة إلــى تج ُّنــب متابعــة القصــص االفتراضيــة ،وتج ُّنــب التعـ ُّ ّ
ال مــن ذلك -علــى متابعــة ـدم الجديــد ،والتركيــز -بــد ً لوســائل اإلعــام التــي ال تقـ ِّ يعد االســتغالل االســتراتيجي لمثــل هــذه كمصــدر لإلبــاغ عــن المخاطر ،حيــث ُّ
العامــة معلوماتهــم مــن همة لألحــداث .كمــا نوصــي أن يســتقي الفعالــة فــي نقــل الوســائل المثال) مــن الوســائل («الهاشــتاج» على ســبيل
ّ التحديثات الم ّ
ُ ّ
العالميــة ومراكز الســيطرة علــى األمــراض ـة
ـ الصح ـة ـ م منظَّ ـل ـ مث ـمية للعامــة خالل أوقات األزمــات .يمكــن توجيــه السـكّان إلــى المعلومــات الدقيقــة
ّ ّ مصــادر رسـ ّ ّ
والوقاية منها .»Centers for Disease Control and Prevention« نظر ًا إلى العامــة للحصول
ّ مقدمــي الخدمات الصحيــة وغيرهــا من ِّ ّ التواصــل مــع الهيئــات
اإلعالم االجتماعية ،كتلك التابعة لـ،Apple المســتبعد أن تقوم وســائل الجغرافيــة ،كما يمكــن للباحثيــن ـةـ الناحي ـنـ م ـة ـ دق ـر
ـ األكث علــى المعلومــات
ّ أنه من ُ ّ
تويتــر وانســتغرام ،بعرض صــو ٍر ذات محتــوى مثيــر ،فتعتبــر تلــك الوســائل مــن المتاحة للجمهــور عن طريــق «التغريــدات» ُ الضخمــة» اســتخدام« البيانات
العامة لمثيرات مقلقة. للتزود بالمعلومــات الالزمة دون تعريــض ُّ أفضــل الطــرق المحلّيــة -علــى ســبيل المثــال -لقيــاس الجهود التــي تبذلها الشــركات والوكاالت
ّ
ولكــن مــع ذلــك ،مــن الضــروري االنتبــاه إلــى ضــرورة اســتخدام تلــك الوســائل المحلّيــة فــي اإلبــاغ عــن المخاطر .
ـد إحــدى الوســائل الســهلة والســريعة لنقــل المعلومــات بشــكلٍ مســؤول ،إذ تعـ ُّ العامة إلى نقطة أبعد ّ ة الصحي
ّ التهديدات تمتد مجتمعاتنا المتشابكة ،يمكن أن ُ في
العالميــة ــة الصح
ّ مــة منظَّ مــن أنه لكلٍ إلــى اإلشــارة تجــدر المغلوطة .وهنــا التعرض المستمر والواسع لألخبار التي تبثها وسائل ُّ من المتوقع .ومع ذلك ،فإن
ّ
ـات علــى مواقــع التواصــل ٌ ـ منها ،صفح ـة ـ والوقاي ـراض ـ األم ـى ـ عل ومراكز الســيطرة أن يدفع المشاهدين إلىُ يمكن األسبوع أيام طيلة اإلعالم على مدار الساعة
ـي يمكــن االســتعانة بها . تقدير حجم المخاطر على مجتمعاتهم بشكلٍ غير دقيق أو مبالغ فيه .على
االجتماعـ ّ
ـم تزويــد الجماهيــر ،خــال َّ ـ يت أن ـروري ـ الض ـن ـ م ـه ـ د إن نؤكِّ ـن ـ نح ـة، ـ النهاي وفــي معدل اإلصابة بفيروس اإليبوال خالل موجة تفشيه عام ّ سبيل المثال ،كان
العامــة ،بالمعلومــات الالزمة في حينهــا ،مع األخذ في ّ ـة ـ الصحي
ّ ـات ـ األزم ـات أوقـ 2014منخفضاً للغاية في الواليات المتحدة ،ومع ذلك ،أظهرت نتائج الدراسات
التعرض غير المرغوب فيــه لوســائل اإلعــام والذي ُّ ـل ـ تقلي ـى ـ عل ـل ـ العم ـار
ـ االعتب ض المكثف لألخبار التي ُ أن التعر
ُّ على عينة من المقيمين داخل الواليات المتحدة ِّ
مقدمو خدمات ـدية ِع ّدة .كما يلعب ِّ من شــأنه التسـ ُّـبب في أمراض نفسـ ّـية وجسـ ّ اإلعالم حول اإليبوال أدى إلى تزايد مشاعر الضيق وضعف األداء ّ تبثها وسائل
مهمـ ًا فــي نقــل المعلومــات الالزمــة للمرضــى وغيرهم من الصحيــة دور ًا ّ ّ الرعايــة لدى هؤالء األفراد .
للعامــة تطبيقهــا لحمايتهم ّ يمكن ـي ـ الت ـة ـ العملي
ّ ـح ـ النصائ ـك ـ تل ـع. ـ المجتم أفــراد ـؤدي القلق الناشــئ مــن المتابعة المســتمرة لوســائل اإلعالم خالل األزمات قــد يـ ِّ
مــن الفيروســات المعديــة (مثــل غســل اليديــن ،تعقيــم األســطح ،التخلــص ـدية
ّ ـ الجس ة الصح
ّ ـد ـ صعي ـى ـ عل ـدـ األم ـةـ طويل ـات ـ تداعي ـى ـ الجمعية ،إل ـوارث والكـ
االجتماعي) قــد تثبــت فائدتهــا التباعــد
ُ لوثــة، ة الم َّ الورقي ُ ّ الفــوري من المناديــل لألفــراد ،ففــي دراســة تناولــت ردود أفعال األميركيين تجاه هجمات 11ســبتمبر/
ّ
ـراض معديــة أخرى مثــل األنفلونــزا .إذاً ،فقد تســاعد مخاوف فــي الوقايــة مــن أمـ ٍ ـاعات طويلــة في متابعة األخبار اإلرهابية ،تبيــن وجود عالقة بين قضاء سـ ٍ َّ أيلــول
العامــة مــن الفيــروس الجديــد في« ترويج» ســلوكيات وقائية تقي من فيروســات ّ ـمى بـ«إجهــاد ُ َّـ س ي ـاـ م ـدالت ـ مع ـاعـ وارتف ـة ـ الكارث ـول ـ ح ـام ـ اإلع ـائل
ـ وس ـا
ـ تبثه التــي
ومســببات أخــرى لألمــراض ،كمــا يمكــن أن تشـ ّكل تلــك المخــاوف منصــة انطالق ـدية التــي بــدأت فــي الظهور بعد مــرور2 مــا بعــد الصدمــة» واألمــراض الجسـ ّ
ـم تجاهلها ،كإعــداد عدة طــوارئ جاهزة صحيــة أخــرى لطالمــا تـ َّ ّ لنشر ســلوكيات وأهمهــا أمــراض اضطرابات القلــب واألوعيــة ّ أو 3ســنوات من الحدث الفعلــي،
الصحيــة
ّ ـة
ـ الرعاي ـي ـ م مقد
ِّ ـي ـ عل ـال. ـ المث ـبيل ـ س ـى ـ عل ـت ٍ ـ وق أي ـي لالســتخدام فـ ة ،خاصــةً ضمــن هؤالء الذيــن كانوا األكثــر قلقـ ًا إزاء تكــرار تلك الهجمات ّ الدموي
ّ
توفيــر المعلومــات الضروريــة ووضع االســتراتيجيات وإعطاء النصائح بالتزامــن في المســتقبل.
مــع الســعي إلــى تهدئــة حالــة «الهيســتيريا» التــي مــن شــأنها عرقلــة كافــة جهود ال مــن نوع وســائل اإلعالم ،وكثافــة فــي العقــد الماضــي ،كشــفت دراســات أن ك ً
العامــة فــي محاربة تفشــي فيــروس (.)Covid-19 ّ الصحــة
ّ قطــاع الصحــة
ّ قوي علــى ّران بشــكلٍ ث الكوارث الجمعية ،يؤ متابعتهــا خــال أوقــات
■ د .اليسون هولمان ،د .دانا روز جارفين ،د .روكسانا كوهين سيلفر ـدية لألفــراد ،فعلى ســبيل المثال ،في أعقــاب تفجيرات ماراثون النفسـ ّـية والجسـ ّ
۹ترجمة :دينا البرديني بوســطن عــام ،2013توصلــت األبحاث إلى وجــود عالقة وثيقة بيــن كثافة متابعة
هامش:
1- https://legrandcontinent.eu/fr/2020/04/01/coronavirus-conver- الطبيعــة »nature strikes back-؛ بعبــارة أخــرى :نســتخدم األســلحة ضــد
sation-avec-francois-moutou-et-frederic-keck/ مرة،الطبيعــة مثــل اللقاحات واألدوية المضادة للفيروســات ،ومع ذلك ،في كلّ ّ
111 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
أندريه كومت سبوفيل:
دعونا نمت كما يحلو لنا!
عشرات الكُ تب ،منها مقالة وجيزة ِ فالفرنسي «أندريه كومت سبوفيل ،»Andre-Comtes Ponvilleمؤ ِّل ُ ُ
الفيلسوف غر ُد
ُي ِّ
ُّ
الســمفونية التي
ـي) ،خــارج ّ فــي الفضائــل العظيمــة (منشــورات ســاي) ،ومقالــة فــي اليــأس والنعيــم (منشــورات النشــر الجامعـ ّ
ـباب ـي .ويرمــي َح َجــراً فــي البركــة ،إذْ يســتنكر ْ
أن ُي َض َّحــي بالشـ ِ والح ْجـ ِر الصحـ ِّ
َ ـي (كورونــا) تُعـ َـزف حاليــا حــول الفيــروس التاجـ ِّ
ـوت... الصحــة ،ويتســاءل عــن عالقتنــا بالمـ ِ
ّ الحر ّيـ ِـة قربانـ ًا علــى مذبــح
ّ وأن تُقـ َّـدم
المسـ ّنينْ ،
مــن أجــل ُ
المؤامرة!
نظريات ُ
ّ نسيت ،سيد أندريه،
َ أح ّق ًا؟ لقد
ـن ،مــع األسـ ِ
ـف ،تظــلّ نســبة ـع .ولكـ ْ
ـي تراجـ َ -بالفعــلِ ! ولكـ َّ
ـر الخرافـ َّ
ـن التفكيـ َ
الغبــاء ثابتــةً .
الصحة؟
ّ ما هي حسب رأيك القيم التي تعلو على
ـوع
ـد عليــه ،وليســت موضـ َ ـيء ُن ْح َسـ ُ ـة ليســت قيمــةً .إنهــا نعمــةٌ .شـ ٌ الصحـ ُ ّ -
ـب والكــرم ُّ ـ والح ـة ـ العدال ـي ـ ه ـع
ُ ـ الجمي ـا
ـ يعرفه ـي ـ الت ـمِ ـ القي ـم
ُ ـ فأعظ ! ٍ
ـاب ـ إعج
مذبح
ِ حر ّيتــي قربانـ ًا علــى ّ مَ ـد
ِّ ـ أق ألن
ْ ً
ا ـتعد
ّ ـ مس ـتـ لس ـا
ـ أن ـة. ـيّ والحر
ّ والشــجاعة
الصحــيّ ،إل ــر
َ ْ ُج الح وهــي أال ، ــة الجبري
ّ ِ
اإلقامــة قبــولُ يمكننــا ال الصحــة! ّ
ّ
ـي محــلّ «النظام ـ الصح ـام
ُ ـ النظ ـلّ ـ يح أن
ْ ـى ـ أخش ـاـ أن ٍ.ر ـ قصي ـتٍ ـ لوق ـت ـ كان متــى
ّ
ـم
أن نغــرق فــي الحكـ ِ ْ ـى ـأخشَ ـة. ـ المكارثي
ّ ـن
َ ـ زم ـون ـ يصف ـوا ـ كان ـا
ـ كم »، ـي ـ األخالق
ّ
الصحيــح سياسـ ّـياً. صحيـاً» مثــل ّ ّ ـأن هــذا «صحيــح بـ َّ
الطبيــة .هــل
ّ ِ
ـع لإلمــاءات أن أخضـ َ ـاء ،ولكننــي ال أقبــلُ ْ ـب كثيــر ًا األطبـ َ أنــا أحـ ُّ
الســن ،بدعــوى ّ كبــار علــى ِ
ر ــ جَ ْ الح فــي ى ســم
َّ مُ ِ
ر غيــ أجــلٍ إلــى سنســتمر
ـر مــنـاف مــن العبوديــة أكثـ َ حبســي فــي بيتــي؟ أنــا أخـ ُ ـق ْ ـأي حـ ّ حماي ِتهــم؟ بـ ِّ
ـويدياً .كنــت
ّ ـن سـ ـدم بســبب أ ّننــي لــم أكـ ْ ـعر بنـ ٍ ـوت .منــذ أســبوعين أشـ ُ المـ ِ
ســأكون أقــلَّ حرمان ـ ًا مــن التنقــل ،علــى األقــلِّ ! أندريه كومت سبوفيل ▲
حساب الحياة؟
ِ ح ّتى وإ ِْن كان ذلك على
ـي!
الصحـ ُّ
ّ ـن
ومجتمعنــا .وحالُنــا يقــولُ فليعــش التأميـ ُ
َ حياتَنــا
ـرطان يقضيــان علــى ُ ـن ،دعونــا نمــت كمــا يحلــو لنــا! فالزهايمــر والسـ -ولكـ ْ ـع التــي تزعجهــم .إنهــم ال يشــتغلون َ ـ المواضي ـونـ يتحاش اآلن
َ ين ـي ـ السياس إن
ّ
ّ
ـي .هــل اهتممنــا لألمــر؟ عـ ٍ
ـر مــن ضحايــا الفيــروس التاجـ ِّ ـدد مــن ال ّنــاس أكثـ َ ولكــن ،إذا عهدنــا
ْ هــم. ِ
ن وأم مواطنيهــم ِ
ــةبصح
ّ إلّ يهتمــون وال ياســة، بالس
ّ
ـن
ـة ،ولكـ ْ واالجتماعيـ ِ
ّ الصحيــة
ّ ـاتؤسسـ ِ الم َّ نعــم ،نحــن نحــزن للمو َتــى فــي ُ بالديموقراطيــة إلــى الخبــراء فإنهــا ســتموت.
ّ
ـوت؟ ـب إلــى هنــاك ،غالب ـاً ،لنمـ َ أن نتذكَّ ــر أننــا نذهـ ُ أليــس علينــا ْ
ـر
ْ َ ـم الغَ ـذاـ ه ـ
ـلُ أتحم
ّ ـد ـ أع ـم
ْ ـ ل ـي ـ ن
ِّ ولك ً!اـ يصح
ِّ ً
ا ـ صحيح ـذا ـ ه ـون ـ أنــا آســف ّأل يك هــل يرجــع موقفنــا مــن الوبـ ِ
ـاء إلى كون الموت يقف عائق ًا أمام شــعورنا
ِ
ـوالت ـمةَ البطـ ـ س ِ و َ
وأ ـم ـ الرحي ـي ـ اإلعالم ـق ـ ف الد ـذا ـ وه ـة، ـ بالطي مــن المشــاع ِر
َ ْ َ َّ ّ ّ المطلقة؟المعاص ِر بالقوة ُ ُ
التــي ُتمنــح إلــى هــذا وذاك.
ـولَ ـ نع أن ـب ـ يج ـا
ـ ف . ـي ـ طبيع ـر ـ أم ـذا
ـ وه ٍ. ر ـ ِ
ث َ
وأ ـي ـ أنان ـر منقســمون بيــن أن ُنعيــد قــراءة مونتيــن المــوت ُيعــاش اليــوم باعتبــاره فشــاً .يجــب ْ َ إن
َّ -
ّ ُ ْ ٌّ ٌ ٍّ إن البشـ َ ّ
ـة.الطيبــة لتحــلَّ محلّ السياسـ ِ رِ ـاع ـ المش ـى
ـ كثيــر ًا عل ـاء الطاعــون األكث ـ ِر خطــورة مــن الكورونــا ،والــذي كتــب فــي َ ـ وب ف َ ـر ـ
َ َ ع ـذي الـ
ّ
ـوت .إذا كان المــوت ُي ِخيفنا فكيف ـدف مــن حياتنــا هو المـ ُ «إن الهـ َ المحــاوالتّ :
ـتغير
أن هــذه األزمــة سـ ِّ
ـاد فــي ّ
ـم ،ســيد أندريــه ،االعتقـ ُ
الوهـ ِ
ْ هــل ِمـ َ
ـن ـدم
ُ ـ ع ـو ـ ه ـذلـ المبت ـاج
َ ـ الع إن
ّ ـى؟ ـ حم
ّ دون ـام
ِ ـ األم ـى ـ إل ـوةـ خط ـي
أن نمضـ َ لنــا ْ
المجتمــع؟
َ ـرض هــم أو زوجاتهــم ـاس المـ ُ ـب النـ َ ـن عندمــا يصيـ ُ التفكيـ ِر فــي ذلــك [ ،]..ولكـ ْ
ِ
والبكاء ـف حجم العـ ِ
ـذاب أو أطفالهــم أو أصدقاؤهــم ،عندمــا يفاجئهم ،نكتشـ ُ
ـر شــيئ ًا مخطئــون .كذلــك الذيــن يعتقــدون تغيـ َ
ـن ِّ إن الذيــن يعتقــدون أنهــا لـ ْ ّ - ـأس الــذي يطغــى عليهــم!». والغضــب واليـ ِ
ـاء يطــرح علي َنــا إن هــذا الوبـ َ ٍ
ـتغي ُر كلَّ شــيء ،هــم أيض ـ ًا مخطئــونّ . أ ّنهــا سـ ِّ ـوت ،بينمــا إذَ ا فكّ رنا ُ ـ نم ـا ـ عندم ـنا ـ أنفس َ
ـافـ اكتش يد
ُ عِ ن
ُ ـن ـ فنح إ ّنــا مــا نــزال هنــا!
ـواع المشــاكلِ ،ولك ّنــه ال يحــلُّ ّأيــا منهــا. ـع أنـ ِ جميـ َ
ـع فــي أجــو ِر ـ الترفي ـيقع ـ س ـا
ـ مرب ـه.ـ ومطالب ـه ـتِ ياتحد ـرحـ يط ـاد
ـ االقتص ـيظلُّ سـ
وع ْمقاً.ـنعيش بشــكلٍ أكثــر قــو ًة ُ ُ فــي األمـ ِر أكثــر فإننا سـ
ُ ّ َ ّ ُ المطلقــة والســعاد ِة الدائمــة. ةِ بالقــو الحلــم عــن إذن نتوقــف
ِ ِ ُ دعونــا ْ
ـنـد علــى كلّ حــالٍ ! ولكـ ّ جيـ ٌ
االجتماعيــة .وهــذا ّ
ّ ـض المهــن ذات المنفعــة بعـ ِ
ِ
اإلنســانية ح ّتــى جــزء مــن الحالــة ــات كلّهــا
ـب المالييــن ،وهــو األمــر الــذي مــن الع ِبــي كــرة القــدم سيســتمرون فــي كسـ ِ ّ ٌ والعقب ُ
َ فالمحدوديــة والفشــلُ
ِ
الموت. ـاء مــا لــم نقبلْ حقيقــةَ أن نمــوت .ســنقف مذعوريــن أمــام كلِّ وبـ ٍ ـل ْقبـ َ
الم َمرِضـ ِ
ـات. ـبة إلــى ُ ـح ّأل يحصــل بالنسـ ِ رجـ ِ الم َّ
ُ المبالــغ فيــه فــي مســألة (كوفيــد،)-19 ُ ـفِ ـ التعاط ـذا ـ ه ـل ـ مث ـدي ـ ب ن
ُ ال ـاذا لمـ
■ حوار :لور ليجون ۹ترجمة :رضا األبيض
وإزاء تســعة مالييــن َ هجريــن، الم ّ ـرب فــي ســورية ،ومآســي ُ ـوع الحـ ِ فــي موضـ ِ
ـوء التغذيــة؟ ـبب سـ ِ مــن البشــر (مــن بينهــم ثالثــة مالييــن طفــل) يموتــون بسـ ِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
Le temps –laissez-nous-mourir- comme nous voulons? 2020/04/17 أخالقي ـ ًا ونفسـ ّـياً. ّ إن هــذا ال ُي ْح َت َمــلُ ّ
113 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
مارسيل غويش:
كشفت لنا صدمة األزمة عن عجزنا
ـؤرخ ورئيــس تحريــر مج ّلــة «لوديبــا» ( ،)le Débatمارســيل غوشــي عــن قلقــه تجــاه والمـ ِّ
عبــر الفيلســوف ُ فــي هــذا اللقــاءُ ،ي ِّ
َ
«عالــم مــا قبلهــا». ً
الصحيــة ،الــذي قــد ُيشــبه ،وفقـا لــهَ ،
ّ «عا َلــم مــا بعــد» األزمــة
َ
ـرر بشــكلٍ صحيــح مــا ينبغــي القيــام الديموقراطيــة .كيــف يمكننــا أن نقـ ّ
ّ غالبـ ًا مــا نــددت بمــا تســميه «الال تســييس الليبرالــي» .بالنظر إلى أحكامك
بــه ،دون أن تتو ّفــر لنــا فكــرة دقيقــة قــدر المســتطاع ،عــن مكاننــا؟ علينــا «العا َلم ما بعد»؟
َ تتخيــل
َّ الســابقة ،كيــف
أن نعيــد ترســيخ أنفســنا فــي مســيرنا ،بعيــد ًا عــن هــذا النــوع مــن الحاضر
ـي ،علــى الح ْجــر الصحـ ّ
-كلّ مــا يمكــن أن ُيقــال حتــى اآلن ،مــن داخــل َ
الدائــم حيــث نطفــو ،بــدون فكــرة عــن الماضــي الــذي قدمنــا منــه ،وبــدون
«العا َلــم مــا بعــد» ،هــو أنــه ســيكون مســرح ًا لمعركــة هائلــة بيــن القــوى
َ
بــد مــن المزيــد مــن المــال،
نــود الذهــاب .ال ُّّ صــورة للمســتقبل حيــث
«العا َلــم
َ األغلبيــة ،دعونــا ال نغلــط أنفســنا ،ســتدفع باتجــاه العــودة إلــى
ّ
ومــن المزيــد مــن الوســائل التقنيــة ،ومــن المزيــد مــن الحقــوق :هــل هــذا
يســتنفد الموضــوع؟ األقليــة ،التــي ســتحاول االســتفادة مــن دروس األزمــة ّ مــا قبــل» ،وقــوى
إلحــداث انعطــاف فــي خــط ســير مجتمعاتنــا .تتلخــص هــذه الــدروس في
لطالمــا قلــت إن لدينــا األدوات الالزمــة لتغييــر عالمنــا .نحــن نعلــم مــاذا بضــع كلمــات ،لكنهــا بعيــدة كلّ البعــد عــن الوضــوح ،حتــى فــي أذهــان
يجــب أن نفعــل ،لكننــا ال نفعــل ذلــك .هــل تعتقــد أن الوبــاء يمكــن أن أولئــك الذيــن قــد تكــون لهــم مصلحــة كبيــرة فــي االعتمــاد عليهــا :عــودة
يعالــج هــذا النقــص؟ ـي وللدول ـي تحــت المظهــر المــزدوج لألمم كإطار للقــرار الجماعـ ّ السياسـ ّ
ـتراتيجية ،ضد اســتيهام كوكــب بال حدود،ّ ـ االس ـاءةـ والكف ـع
ـ للتوق ٍ
كأدوات
-يهــز الوبــاء ضمائــر النــاس ،هــذا أمــر مؤكَّ ــد .إلــى أي مــدى وإلــى متــى؟
ينظمــه التشــغيل اآللــي لألســواق .باختصــار ،ضــرورة الســيادة كأســاس
نحــن نجهــل ذلــك ،وســيكون مــن ســوء الحكمــة التعويــل عليــه .نعــرف
اإلعالميــة التــي ال تعــرف جيــد ًا قــوة النســيان المميــزة لعمــل مجتمعاتنــا المتحكّ ــم فيــه بيــن األمم .حتــى ماكرون
الديموقراطيــة والتعــاون ُ
ّ للحيــاة
ّ
االقتصاديــة األزمــة بــأن باألحــرى، ســوى األخبــار .يســتهويني االعتقــاد عمليــة ســوى خطوة .لن
ّ ـتنتاجات ـ اس ـتخالص ـ الس ـا
ـ ينقصن وال ـك! ـ ذل أدرك
ّ
الرهيبــة التــي نســير نحوهــا ،هــي التــي ســتفتح بــاب التســاؤل .وسـ َتطرح ـدداً .تبقــى نتيجــة المعركــة
تتأخــر الوصفــات القديمــة فــي الظهــور مجـ ّ
اإلكراهــات التــي ســتفرضها األزمــة علينــا ،كلّ البداهــات الكاذبــة التــي مفتوحة .
اعتمدنــا عليهــا ألكثــر مــن ثالثيــن عام ـاً ،مــن جديــد.
المفضلــة .ماذا ســيعني
التاريخيــة» هــو مــن شــعاراتك ُ
ّ «االضطــاع بحالتنــا
العالميــة بســبب الوعــي هــل يمكــن أن ُيكبــح انحــال السياســة فــي الســوق التاريخي؟
ّ بالنســبة لــك ،فــي ضــوء مــا ُيعلــن عنــه ،االضطــاع بوضعنــا
ّ
الصحيــة؟
ّ الناتــج عــن األزمــة ـي تســيران
ـي والعــودة إلــى فكــر تاريخـ ّ
ـي حقيقـ ّ
-العــودة إلــى فكــر سياسـ ّ
العالميــة بالفعــل ،بســبب
ّ -لقــد تو َّقــف انحــال السياســة فــي الســوق معـاً .لقــد كشــفت لنــا صدمــة األزمــة أننــا أصبحنــا عاجزين عن تشــخيص
ـوائي دون ـكلٍ
ضــرورات مكافحــة الوباء الملموســة للغاية .إنها تكشــف عــن الوهم الذي وضعنــا ،وعــن معرفــة مكاننــا الســابق .كنــا نندفــع بشـ عشـ ّ
ـد كبيــر .لكــن قــوة هــذا الوهــم ضخمــة .ولهــا جذور
كانــت تجســده إلــى حـ ٍّ ـي للحياة
قلــق بخصــوص خط الســير .والحال أن ذلك هو الســؤال األساسـ ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 114
مارسيل غوشي ▲
منــذ الثــورة الفرنسـ ّـية .أعتقــد أنهــا أيض ـ ًا أفــق ال يمكــن تجــاوزه ،ولكنــه ـي الكليــة التي
ـداً .إنهــا مــا يعــادل الوهــم العكســي لقدرة السياسـ ّ
قويــة جـ ّ
ّ
الديموقراطيــة كمــا هــي ،وســننتقل
ّ أفــق بعيــد .لــذا دعونــا نبــدأ بتوطيــد هيمنــت علــى عصــر األنظمــة الكليانيــة فــي القــرن الماضــي .وهــذا يعنــي
إلــى الباقــي علــى أســس جيــدة ،حتــى فــي بلدنــا ،حيــث لــم يتــم تحقيــق أن الوعــي البســيط بهــا ،لــن يكفــي للتغلــب عليهــا.
هــذا المثــل األعلــى.
فــي َعا َلــم مــا بعــد ،قــد نشــهد أيضـ ًا طريقــة جديــدة للنظــر إلــى االقتصــاد،
هل تعتقد أننا سنلج عصراً جديداً من التضامن؟ ـي ،غيــر طريقــة النظــر إلــى
ـي اإلجمالـ ّ
واإلنتاجيــة ،وقيــاس الناتــج المحلـ ّ
ـدق ذلــك؟مؤشــرات النمــو .هــل تصـ ِّ ِّ
-بــل نحــن بداخلــه! إننــا نعيــش فــي المجتمعــات األولــى فــي التاريــخ،
الطبيعي ،وخاصــة إنتاجها للثروات، التي اســتطاعت التضحية باشــتغالها أصــدق ذلــك علــى اإلطــاق .طالمــا أن هنــاك فقــراء ،واللــه يعلــم ِّ -ال
ّ
ـد ًا مــن المرضــى
ّ ـ ج ٍ
ـدود ـ مح ٍ
ـدد ـ ع ـل ـ مــع عواقــب ســتكون هائلــة ،مــن أج أنهــم كثيــرون علــى هــذا الكوكــب ،فــإن الحاجــة إلــى زيــادة إنتــاج الثــروة
ويبيــن ذلــك ،إلــى أي مــدى صــار . ـي ســتكون هائلــة .إن الفقــر هــو أقوى عذر فــي نظامنا اإلنتاجي االســتهالكي.
ّ بالمقارنــة مــع عــدد ســكّ انها اإلجمال ّ
ـ ُ
ـؤدي هــذا إلــى بعــضمبــدأ التضامــن جــزء ًا مــن العقــول والعــادات .قــد يـ ِّ يفتــرض للخــروج مــن هذا األخيــر شــيئان .أوالً ،تغيير جذري فــي تطلعات
ـورات اإلضافيــة ،ولكــن األساســي بــات مكتســب ًا بالفعــل. التطـ ُّ ممــا يجعلهــم يرغبون في شــيء آخر غير الوصول إلى اســتهالك الفقــراءّ ،
تحــول عــام لمجتمعاتنــا إلــى المثــل األعلــى للمســاواة. ُّ ثــم األغنيــاء،
أقل بكثير من عددها في ألمانيا. أسرة العناية المركزة في فرنسا ّ ّ إن عدد وســيتطلب تحديــد إطــار ســتتم بداخلــه ممارســة هــذه المســاواة ،والــذي
كمــا أن الدولــة الفرنسـ ّـية ال تــزال ترفــض إخضــاع المرضى في مستشــفيات المكثف.ـي ،مــع جهاز إلعــادة التوزيــع ُ ٍ
ال يمكنــه أن يكــون ســوى إطــار وطنـ ّ
األمــراض العقليــة ،والمعتقليــن فــي ســجوننا ،للفحــص الفيروســي .هــل يكفــي أن تذكــر هــذه الشــروط لنعلــم أننــا بعيــدون جــد ًا عنــه .أنــا آســف،
وترددهــا فــي مــا يخــص مرحلــة مــا بعــد 11مايو؟
ّ يحزنــك إهمــال الدولــة لكــن هــذا مــا أعاينــه.
ـي الــذي اكتشــفناه فــي هــذه المناســبة ال إن تخفيــض التصنيــف الفرنسـ ّ ّ - يوم من األيام ،عندما اســتخدمت صيغة ســارتر عن الماركســية، قلت في ٍ
يحزننــي فقــط :إنــه يقودنــي إلــى اليــأس .كيــف أمكننــا أن نســمح بخــراب
«الديموقراطيــة هــي األفــق الــذي ال يمكــن تجــاوزه فــي عصرنــا» .ومــاذا عــن
ّ
الدولــة ،وبمثــل هــذا االنعــدام العــام للكفــاءة؟ واألســوأ مــن ذلــك أنــه ال
الجمهورية؟
وجــود لعالجــات فــي األفــق المنظــور.
■ حوار :فيليب بوتي ۹ترجمة :عبد الرحيم نور الدين يتعرف فيها
َّ العامــة التي يمكن لكلّ واحـ ٍ
ـد أن ّ الديموقراطيــة هــي الفكــرة
ّ -
إلــى ذاتــه .الجمهوريــة ،فــي الواقــع ،هــي نســخة جذريــة مــن هــذه الفكرة
العامــة التــي ُدفــع الفرنسـ ّـيون إلــى تنميتها ،بســبب خصوصيــات تاريخهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخــروج ،وال يمكننــا القيــام بالعديــد مــن األشــياء التــي نرغب في القيــام بها، ٍ
وصفة لهذه األيام من أقوال أرســطو «غاية اإلنســان هي الســعادة» .هل من
لهــذا الســبب ،فــإن االعتــدال ضــروري أيضـاً .أعتقــد أن الرســالة الرئيسـ ّـية فــي الصعبة ولأليام القادمة؟
ـخصية األفــراد والشــعوبّ يتعيــن علينــا تشــكيل شـ
َّ الوقــت الحالــي هــي أنــه
ـخصية
ّ ـيكيين ،أن صوغ الشـ -يذكِّ رنــا أرســطو أيضـاً ،مثلــه كمثل جميع الكالسـ ّ
ـداً،
جيــدة جـ ّ
ـيكيون نصيحــة ّمــن أجــل مواجهــة المحــن .لقــد تــرك لنــا الكالسـ ّ ـم شــيء لتحقيــق الســعادة .مــن الواضــح أن الصدفــة والحظ الســعيد هــو أهـ ّ
يحدثوننــا عــن العدالــة والقــوة والحصافــة واالعتــدال .وألن المحادثــة وهــم ّ يتدخلــون أيضـاً .ولــم يكــن الفيــروس التاجــي بيــن أيدينــا، ّ ومــا ليــس بأيدينــا،
ٍ
ـنتحدث الحقـ ًا عــن األمــل والحــب ،كجــزء ال يتجزأ مــن كلّ هذا. ّ ستســتمر ،سـ
ولــم نتوقَّعــه علــى اإلطــاق .ولكــن مــن الصحيــح أنــه عندمــا يتــم تشــكيل
جيــد ،فــإن التعامــل مع هــذه الوضعيات ـخصية األفــراد والشــعوب بشــكلٍ ّ ّ شـ
يكــون بشــكلٍ أفضــل ،والتــي هــي ح ّق ـ ًا وضعيــات دراماتيكيــة .لذلــك ســأبدأ
ـانية والتضامــن ،ومــن ناحيـ ٍـة أخــرى،
أنتــج المجتمــع ردتــي فعــل :دافــع اإلنسـ ّ ـدـي .وفــي إطــار هــذا البنــاء ،ال بـ ّ ـر أساسـ ٌ ـخصية أمـ ٌ
ّ بالتذكيــر بــأن بنــاء الشـ
خطــاب االنقســام والكراهيــة والمواجهــة المســتمرة.
تقليديــة منهــا :الحصافــة
ّ ـر ـ األكث ـة
ـ وخاص
ّ ـهيرة،ـ الش ـل مــن اســتحضار الفضائـ
-مــا يجــب أن نبحــث عنــه اآلن ،فــي إســبانيا وفــي العالــم أجمــع ،هــو مــا ـداً؛ ولقــد نســيناها كثيــر ًا فــي مهمــة جـ ّوالعدالــة والقــوة واالعتــدال .القــوة ّ
يؤججــون الصــراع يوحدنــا وليــس مــا يفصــل بيننــا .إن األشــخاص الذيــن ّ ّ ـد مــن القيام بذلــك في التعليــم ،وفي هــذه األوقــات .يجــب تربيــة القــوة .والبـ ّ
واالســتقطاب يصنعــون أضــرار ًا هائلــة وجســيمة ،ليــس فقــط ألننــا جميع ـ ًا ٍ
المدرســة ،ومنــذ الطفولــة .يجــب علــى كلّ واحــد أن يحــاول أن يكــون قوي ـ ًا
يؤججــون الصــراع ينتهــي بهــم األمــر إلــى
فــي نفــس القــارب ،وأولئــك الذيــن ّ فــي مواجهــة هــذا النــوع مــن الشــدائد ،لكــي نكــون مســؤولين تجــاه اآلخريــن
ـش للغايــة ،إضافــة إلــى كوننــا بصــددإيــذاء الجميــع ،ولكــن ألن تعايشــنا هـ ٌ وقادريــن علــى مســاعدتهم .يجــب أن نحــاول معالجــة هذا الوضــع الذي نحن
تحويلــه إلــى صــراع للجميــع ضــد الجميــع .الــدرس اآلخــر الــذي علينــا أن فيــه ،باالعتمــاد علــى قوتنــا وتضامننــا واعتدالنــا .فــي هــذا الوقــت ال يمكننــا
تسـ َّـببت األزمــة الماليــة فــي موجـ ٍـة كبيــرة مــن الســخط :شــعر المواطنــون بــأن
ـعبوية .هــل
ّ النخــب تخ ّلــت عنهــم ،وتسـ َّـبب ذلــك فــي صعــود الحــركات الشـ
ـعبوية -ليحدث
ّ تخشــين أن يعــود هــذا التخلــي -فــي ســياقٍ عالمـ ّ
ـي لتوطيــد الشـ
مـ ّـرة أخــرى؟ كيــف يمكننــا تج ُّنــب ذلــك؟
ـدة .مــن ناحية، مهمــة للغايــة .ســوف يتأ َّثــر عالــم األعمال بشـ ّ -هــذه نقطــة ّ
ـدد كبي ٍر من الشــركات الصغيرة والمتوســطة ،ليس بســبب بســبب إغــاق عـ ٍ
ســوء النيــة ،ولكــن ببســاطة لعــدم وجــود زبنــاء ،وألنهــا ال تســتطيع البقــاء
علــى قيــد الحيــاة .ســيكون ذلــك مقلقـاً .وبعــد ذلــك ،ســيكون هنــاك أولئك
الذيــن يســتفيدون مــن الموقــف لتحويــل إجــراء التنظيــم المؤ َّقــت للشــغل
إلــى إجــراء تنظيم دائم ويجعلونه ضروري ًا بشــكلٍ متواصل .ســيكون الوضع
أل تقوم بفصل دراماتيكيـ ًا وعلينــا أن نطالب تلك الشــركات التي لديهــا قوةّ ،
المســتخدمين إذا لــم يكــن ذلــك ضروريــاً ،وال تســتغل الموقــف .تكمــن أديال كورتينا ▲
ـؤولية هــذه الشــركات اآلن فــي محاولــة الحفــاظ علــى جميــع الوظائف. مسـ ّ
االجتماعيــة للشــركات
ّ ة ـؤولي
ّ ـ والمس ـركة ـ الش ـات
ـ أخالقي ـر
ـ لتذكُّ ـت ـ الوق حــان نتعلّمــه ،هــذا إذا كنــا نتع َّلــم -ألنــه فــي بعــض األحيــان يبــدو أننــا ال نتع َّلــم أي
جيــد .فــي األزمــة الســابقة ،بقــي النــاس محبطيــن للغايــة بســبب ّ ـكلٍ بشـ شــيء مــن المصائــب -هــو كفــى مــن النزاعــات ،كفــى مــن االســتقطاب ،ومــن
الشــركات والبنــوك ،ولكــن لــم نســتخلص أي درس مــن ذلــك علــى اإلطالق، عما
واأليديولوجية .مــن فضلكم ،فلنبحث ّ ّ ـوق ،ومــن الصراعــات الطائفية التفـ ُّ
ســوى االســتمرار فــي العمــل بنفــس الطريقــة تماماً .فــي هذا الوقــت ،يجب الحر ّيــة والمســاواة ـدر ً
ـداً ،ألننــي أعتقــد أننــا جميعـا نقـ ِّ
يوحدنــا ،وهــو كثيــر جـ ّ
ّ ّ
ممــا
تحمــل مســؤولية وأخالقيــات الشــركة وليــس إغــاق الشــركات أكثــر ّ ّ عما أســماه البحث رجى ي فضلكم، ـن ـ م ـتقبل.ـ المس وبناء ـوارـ والح ـنـ والتضام
ّ ُ
المســتدامة:
هــو ضــروري .لهــذا ،مــن الــازم الدفــاع عــن أهــداف التنميــة ُ أرســطو «الصداقــة المدنيــة».
واالقتصاديــة
ّ لقــد حــان وقــت التحالفــات .إذا لــم تضــع الســلط السياسـ ّـية
واالجتماعيــة اليــد فــي اليــد ،فلــن ننجــح.
ّ ـم التأكيــد فــي هــذه اللحظــات ،علــى أن رؤيــة
فــي الوقــت نفســه ،مــن المهـ ّ
مســؤولة وناقدة للســلطة ،تبقى أساسـ ّـية لمواجهة هذه الحالة الطارئة وكذا
لقــد تسـ َّـببت حالــة الطــوارئ (كوفيــد )19 -فــي إطــاق جميــع اإلنــذارات ،وقــد لبنــاء الديموقراطيــة والمســتقبل.
ك ّنا بالفعل نشــهد حالة طوارئ مناخية يمكن أن تكون عواقبها مدمرة أيضاً.
هــل نحــن بصــدد وضــع النظــام تحــت ضغــط ال يمكــن تحملــه؟ يوحدنــا ،فاألمــر يعنــي علــى وجــه -أوافــق تمام ـاً .بمــا أننــا نبحــث عــن مــا ّ
التحديــد أن نحــاول أن نكــون نقدييــن .وهــو مــا معنــاه أن نتســم بالتمييــز.
ـر واضــح .لقــد كشــفت حالــة الطــوارئ األخيــرة عــن شــيء بــدا أننــا -ذلــك أمـ ٌ ممــا يوحدنــا ،يجــب علينــا أن نذكــر كلّ فئــة بتعهداتهــا وبواجباتهــا .أعتقــد أن ّ
ـي .يحتــاج ـ العلم ـث
ـ البح ـي ـ ف ـال
ـ الم ـن ـ م ـد ً
ا ّ ـ ج ـل
ـ القلي ـتثمار ـ اس ـم ـ نســيناه :يت السياســيين نســوا ذلــك بشــكلٍ مفــرط .ال يجــب علــى السياســيين أن يكونــوا
ّ
ـي إلــى تعزيــز ودعــم كبيريــن .مــن فضلكــم ،دعونــا ال نســتثمر البحــث العلمـ ّ االجتماعيــة علــى اإلطــاق ،كمــا ال يجــب عليهــم أن يعطونــا أبطــال الحيــاة
ّ
األيديولوجيــة .دعونــا نضــع المــوارد
ّ ـارك ـ المع ـي ـ ف ـام ـ الع ـال الكثيــر مــن المـ وصفــات للســعادة .مــا يجــب عليهــم فعلــه هــو أن يكونــوا مدبريــن للحيــاة
ـي والتعليــم .هــو مــا يمكــن أن يســاعدنا فــي حــاالت ّ ـ العلم ـث ـ البح فــي خدمــة اليوميــة حتــى يتمكّ ــن النــاس والمواطنــون مــن تنفيــذ خطــط الحيــاة .ليــس
ـد مــن الدعــوة لالســتثمار ّ ـ ب ال ـاء.ـ أقوي ـاـ يجعلن أن ـنـ يمك ـاـ وم ـذهـ ه الطــوارئ الديموقراطيــة هــي بطولــة المواطنيــن. عليهــم أن يأخــذوا دورنــا فــي الحيــاة.
ّ
فــي البحــث والتعليــم. بهــذا المعنــى ،أعتقــد أن علــى السياســيين أن يتعلمــوا .وبالفعــل ،علينــا تذكُّ ر
ذلــك كلمــا اســتطعنا .أنــا فعلــت ذلــك كلمــا كان بوســعي ،ويجــب علينــا
الصحييــن
ّ إن التفكيــر فــي الهشاشــة التــي أصابــت وضــع األطبــاء والعامليــن
مجرد
َّ االســتمرار فــي القيــام بــه .إنهم ليســوا أصحــاب األدوار البطوليــة ،إنهم
فــي العقــود الماضيــة ،يدمــي القلــب.
يتوجــب عليهــم إرســاء أســس العدالة حتــى يتمكَّ ن الناس مــن تنفيذ َّ مدبريــن
ّ
الصحة مثير ًا
ّ -كان موقــف األطبــاء والممرضــات وجميــع العاملين في مجــال الجيــدة .النقــد هــو التمييــز.
ّ ـاة
ـ والحي ـعادةـ الس ـطـ خط ـن ـ م ـم
ـ لديه مــا
المصدر:
ethic.es/2020/03/coronavirus-adela-cortina/ عالميــة .فالخطــر ال يوجــد
ّ ـد متفقــة بخصــوص ضــرورة توفرنــا علــى نظــرة
جـ ّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 118
ميشيل بوتور
بحوث
98
العـامل
الـذي نعيـش فيـه يتغـر
ِّ برسعـة كبـرة .والتقنيـات التقليديـة
يف ال ّر َواية ال َ
للـرسد ،مل تعد صالحة ال
ميشيل بوتور
سـتيعاب جميع العالقات
جديدة
الجديـدة التـي
تنشـأ عـن هـذا الوضـع ا
لجديـد .وإن التفتيـش عـن األشـكال ا
لجديـدة الخياليـة التـي
تتمتَّـع ّ
بقـوة اسـتيعاب ً ادور يلعـب، كـرى،
حاسـا يف
تحيـن مفهومنـا للواقـع اآلين ..لكننـا
نعـرف جيـداً أن هنالـك
أوضاعـ ًا تتصـف بعـدم القـدرة عـى
االنعـكاس ،وال تقـوم ّإال
بالوهـم الـذي تسـبغه وإليهـا عـى موضوعهـا،
تنتمـي
الجديدة
عـن الحقيقـة تناقـض كلّ ا ملناقضـة ا
لحقيقـة التـي جعلتها تـرى
النور ،والتـي تحاول أن
تخفيهـا .هنـا خـداع ينبغي
للناقـد أن يكشـفه ،ألن أعا ً
ال أدبية كهـذه ،مـع
كلّ مـا تتمتَّـع بـه مـن
روعـة ،تُبقـي عـى الظـالم، وتبقـي حلكـة، وتزيـده
الضمـر يف
متناقضاتـه ،ويف عـاه الـذي
يخـى أن يقـوده إىل
أسـوأ حـاالت الفـوىض.
يوليو 2019
فريد أنطونيوس
صدر في
97
ُ
أ ْغ ِن َّي ُة ِفلِسْ طِ ْ
ني
خوان مانويل روكا
لِ
نَّنِي إِ ْذ أَمْشِ ـي بِاتِّجَا ِه ِه
أَتَذكّ ُر أَ َّن مر
َ ْكَ َز ذَاتِـي فِـي ِفلِسْ طِ نيْ.
ح ٌد لَي ََال لِـي أَ ََوإِذَا ق َ
ْس ث َـ َّم َة ِفلِسْ طِ نيْ،
حِي َنئِذٍ َمركَز
ْ ُ ذَاتِـي سَ يَسْ قِي ِه العَالَمُ،
ترجمة :خالد الريسوني
مختارات شعرية
ت
يونيو 2019
الر ّحل َ ُ
ة ا ْل َ
جوّية
79
فِي ا َ
س عشر من شهر
ِ لمر
ْكبة الهَ وا ِئيّة
يناير /كانون الثاني سنة
الصحيفة اإلنجليزية
ين وستين أذاعت
ي
تلغراف» النبذة اآلتي ذكرها:
الرحلة
شرقي إ (من
فريقية إلى غربيها) للعيان غيوم الظالم
الجوية في المركبة الهوائية
ألول لألديب
الفرنسي الشهير «جول
اليان سركيس عن كتاب جول
،)1905 -رائد
أدب الخيال العلمي
واياته بمخترعات
علمية كثيرة طبعت
يو
سف اليان سركيس www.aldohama
ديسمبر 2017
119
(الجزء الثاني)
المصدر:
»Niall Ferguson, «La nouvelle guerre froide encouragera une saine compétition.
Le Point N° 2489, 7 Mai 2020, pp.32-35.
المقارنــة صعبــة .ومــع ذلــك ،دعونــا نتذكّ ــر أن إيطاليــا فــي النصــف الثانــي هــذه ُ يكشــف لنــا الوبــاء إلــى أي حـ ٍّـد نحــن بشــر فانــون وضعفــاء ومترابطــون فيمــا
مــن القــرن الرابــع عشــر ،عقــب انتشــار الطاعــون األســود ،عرفــت ظهــور مفهــوم يغيــر ذلــك مجتمعاتنــا؟ بيننــا .فهــل ِّ
صحــة الجميــع هــي ملكيــة مشــتركة ـرة ،أي فكــرة أن ّ ألول مـ ّالعموميــة ّ
ّ الصحــة
َّ الحميمية ،أي
ّ -لــم يســبق لنــا أن واجهنــا وعشــنا التاريــخ إلــى هذه الدرجــة مــن
العموميــة بأن
ّ ٍ َّ
يمكنهــا أن تتأثــر بقــرارات أي واحــد منــا .وهــو مــا يســمح للســلطات
أن نجــرب واقــع تســلل العالــم إلــى أجســادنا .يقــول لنــا العلمــاء إنــه فــي ســوق
حر ّيتهــم فــي التنقــل .هــذه الفكــرة
وخاصــة عبــر تقييــد ّ
ّ تقــوم بمراقبــة النــاس،
المســتورد مــن إفريقيــا، ووهــان فــي الصيــن ،حيــث ُيبــاع لحــم حيــوان البنغــول ُ
الفردية
ّ ـلوكياتـ الس بين تفصل التي ـةـ الصارم الحدود ـك ـ تل تختبر وتمتحــن اليــوم
ـد مــن الحيــوان إلــى ـروس جديـ ٍ الصينيــون ،وقــع انتقــال لفيـ ٍ
ّ والــذي يعشــقه
الجماعيــة ،والتــي مــا زال مــن الصعــب تفهمهــا :فالكثيــرون مازالــواّ ـؤولية
والمسـ ّ البشــر ،وهــذا االنتقــال بيــن األجنــاس يتسـ َّـبب دائمـ ًا فــي ظهــور األوبئــة .وهكذا
ال يعترفــون بأنــه إذا مــا طلبنــا منهــم حمايــة أنفســهم ،فــإن الهــدف هــو أيض ـ ًا
عــدم تعريــض اآلخريــن للخطــر .فــي ،2009وأمــام معارضــة السـكّان للخضــوع أدركنــا بشــكلٍ مفاجــئ أن حدثـ ًا بعيــد ًا كانــت لــه عواقــب ملموســة علــى حيواتنا
اإلجبــاري ضــد أنفلونــزا الخنازيــر ( ،)H1N1تذكَّ ــر بعــض الباحثيــن أن للتلقيــح وعلــى المــكان الــذي نعيــش فيــه .فهــذا العــبء الثقيــل الذي نشــعر بأنــه يجثم
ّ
ِ
العالــم علــى صدورنــا أتــى مــن مــكانٍ بعيــد .فــي الوقــت نفســه ،نكتشــف أن بإمكاننــا أن
عصــر األنــوار كان قــد عــرف نفــس المشــكل فــي القــرن ،18حيــث إن َ
ـداً .وكماـدية بســيطة جـ ّ ـركات جسـ ّنبطــئ مــن انتشــاره واحتوائــه عبــر قيامنــا بحـ ٍ
المســاح «شــارل مــاري الكونداميــن» الــذي كان يطالــب اآلبــاء بتلقيــح أبنائهــم
ـدد فــي 1750بـ«األشــخاص الطائشــين» الذيــن يــرون أن «كلّ ـي الكبيــر فــي علــم الفيروســات ،فــإن يوضــح ذلــك فيليــب سانســونيتي األخصائـ ّ
ضــد الجــدري كان ينـ ِّ
شــيء يمكــن عالجــه فقــط بالــكالم». مســتقبل العالــم يوجــد بيــن أيدينــا .فنحــن لســنا فقط ضحايــا للعولمــة ،ولكننا
طبيعيــة قــادرة
ّ ـانية أصبحــت قــوة أيضـ ًا الفاعلــون الرئيسـ ّـيون فيهــا ،ألن اإلنسـ ّ
أليــس هــذا تقريب ـ ًا مــا يحــدث لنــا اليــوم ،حيــث إن الــكالم صــار يجــري بيننــا علــى نشــر الفيــروس وعلــى احتوائــه .هــذا هــو مــا يجعــل وبــاء (كوفيــد )19 -
عبــر اإلنترنــت؟ ـرة
ـري .إنهــا المـ ّ ـي البشـ ّ ً
مرضـا يرتبــط بعصــر األنثروبوســين أو العصــر الجيولوجـ ّ
-إن أكثــر شــيء ُمعـ ٍ ـداً.
ّ ـ ج ٍ
ـوس ـ ملم ـكلٍ
ـ بش ـكـ ذل ـي
ـ لنع ـة
ـ الفرص ـا
ـ أمامن ـاح
ـ تت ـي
ـ الت ـىاألولـ
ـد هــو جهــل أشــباه العلمــاء! يجــب علينــا أن نعلــم أنــه
الحجــج ذات المرجعيــة عندمــا مــن غيــر المجــدي دائم ـ ًا تقديــم الكثيــر مــن ُ مؤرخـ ًا للعصــور الوســطى ،هــل تــرون فــي هــذا الوبــاء أوجــه شــبه مــع
ـخصياً ،مــا يســائلني ـ ش ـراء.ـ الخب يكــون الــرأي العــام أصــم وال يســمع لــكالم باعتباركــم ِّ
ّ األوبئــة التــي ســبق أن ظهــرت فــي الماضــي؟
التاريخيــة .لقــد ُولــدت فــي
ّ أكثــر حاليـ ًا هــو االمتحــان الــذي تمـ ّ
ـر منــه ظرفيتنــا
،1965بعــد وقــوع كــوارث كبــرى ،وكان ُيقال لــي إنني ُولدت بعــد وقوع أحداث ؤرخــون هــم
والم ِّ
ـارب لكنــه ال يعطــي الــدروس للحاضــرُ ، -التاريــخ كنــز مــن التجـ ُ
تاريخيــة كبــرى .لكننــي ،عاصــرت انهيــار جــدار برليــن ،وهجمــات 11ســبتمبر/ ّ الممارســة
ُ ـكـ تل ـن
ـ م ً
ا ـذر
ـ ح ـى
ـ أبق ـا
ـ فأن ـاب.
ـ الب ـذا
ـ ه ـيـ ف ـن يعطــي دروس ـ ًا أقــلّ َمـ ْ
أمــا األجيــال الســابقة فقــدأيلــول فــي ،2001وموجــة اإلرهــاب فــي ّ ...2015 االنتهازيــة ،فــي كثيــر مــن األحيــان ،والتــي تتم َّثــل فــي اإلحالــة علــى وجــود تطابق
ـي والهجــرة القرويــة .فآباؤنــا خائفــون اليــوم، ـر الصحـ ّ
والح ْجـ َ
َ عاصــروا الحــرب التاريخيــة .فتع ُّقــد عالمنــا الــذي صــار مترابطـ ًا اليــوم يجعل
ّ وتوافــق بيــن األزمنــة
ـي وبانطالقــات
هــل يبشــر تجــاوز األوبئــة ،عنــد تجــاوز هــذا الوبــاء ،بتقـ ُّـدم ثقافـ ّ
السياسي؟ هل يمكننا أن نأمل في حدوث ّ وتطورات على مستوى الوعي ُّ فنية
ّ
إيجابية؟
ّ تغييرات
أشــك فــي ذلــك .لقــد عرفنــا منــذ 2017 ّ -يجــب علينــا أن نؤمــن بهــذا ،لكننــي
العا ِلــم ألكســندر يرســين فــي هونــغ كونــغ أن نفــس الجرثومــة التــي اكتشــفها َ
فــي ،1894هــي المســؤولة عــن كلّ موجــات الطاعــون التــي شــهدتها أوروبــا منــذ
القــرن الســادس إلــى غايــة الطاعــون الــذي ضــرب مارســيليا فــي .1720ففــي كلّ
ـابك علــى مســتوى العالــم ،ويقــوم ترابــط وتشـ ُ القصــة :يحــدث ُ ّ ـرر نفــس ـرة ،تتكـ َّ مـ ّ
المسـ ّـببة للمرض من ُ العوامل فتخرج ة الطبيعي
ّ ـاكن ـ المس على ي بالتعد
ِّ ـان ـ اإلنس
اجتماعية وسياسـ ّـية
ّ البيئيــة .لكــن كلّ عــودة للطاعون تكــون لها عواقب ّ مســاكنها
ؤرخيــن اليــوم أن وباء جاســتينيان في القرن الســادس ُ ِّ الم ـض ـ بع ـد ـ يعتق مختلفــة.
الرومانيــة ،لكــن الطاعــون األســود الذي ّ ـة ـ لإلمبراطوري
ّ ـي
ّ ـ النهائ ـقوط ـ الس أدى إلــى ّ
ديموغرافيــة فــي التاريــخ -أي وفــاة مــاّ ـةـ كارث ـر
ـ أكب ـي ـ ف 1352 ـى ـ إل 1347 ـن ـ م تسـ َّـبب
أوروبيــة -لــم يــؤ ِد إلــى حــدوث أي تغيير ّ ـدة مــدن بيــن نصــف وثلثــي السـكّان فــي ِعـ ّ
يتغير أي ملك وال أي تتغيــر منظومــة الطاعة وال منظومة الفكر ،ولــم َّ تقريبـاً ،فلــم َّ
سياســة .لمــاذا؟ هــذه القــدرة على المرونة لــدى المجتمعات مســألة تفاجئني .إن
ـبانية التــي قتلــت أكثــر وبــاء يشــبه الوبــاء الــذي نعيشــه حاليـ ًا هــو األنفلونــزا اإلسـ ّ
مــا بيــن 50و 100مليــون شــخص عبــر العالــم ،والتــي انمحــت ذاكرتهــا بســبب
العالميــة األولــى ،حيــث إنهــا انتشــرت مباشــر ًة بعــد الحــرب فــي .1919 ّ الحــرب
ـبانية رغــم أننــا نعيــش حاليـ ًا فــي ّ ـ اإلس ـزا ـ األنفلون ـث ـ وري ـو ـ ه )19 - ـد ـ (كوفي ـاء إن وبـ
ـي لعالمنا ً ً
الزمــن األنثروبوســيني ،وهــو مــا يشـكِّل اختبــارا كبيــرا وبالحجم الحقيقـ ّ
تميــزة .علينا أن ُ ِّالم ـا
ـ بأنانياتن ـه ـ معالجت ـدد األقطــاب الــذي نــدرك أننــا ال يمكن متعـ ِّ
ـدة مراحــل بــدء ًا مــن غســل اليديــن إلــى غايــة تغييــر العالــم ،لكــن هــل ّ ـ ِ
بع ـر
نمـ َّ
ـم تمتــد َّ ـ ث ـادنا، ـ أجس ـنـ م ـدأ ـ تب ـة ـ السياس إن ـل؟ ـ المراح ـذه ـ به ـر
َّ ـ نم أن ً
ا ـ فع ـد نريـ
إلــى جيراننــا وأحيائنــا وقُرانــا وبلداننــا .ليســت هنــاك أي حركــة أقــوم بهــا تعنينــي
أنــا وحــدي فقــط ،وإذا مــا كنــا نعيــش منعزليــن فــي أزمنــة األوبئــة ،فــأن مــا هــو
ـي .مــن اآلن فصاعــداً ،صار كلّ مــا نقوم ـد إلــى مــا هــو خصوصـ ّ ـود ويرتـ ُّ ـي يعـ ُ عمومـ ّ
ـي .فإلــى أيــن ســنذهب جميعـاً؟ ـ سياس ـع
ٌ ـ طاب ـه ـ ل ً
ا ـ يومي بــه
ٌّ
■ حوار :إيميلي النيز ۹ترجمة :محمد مستعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البشري؟
ّ حجر النوع
يحدد ْ
ما الذي ِّ حجرها التدريجي،
البشرية هو تاريخ ْ
ّ بالنسبة إليكم ،فإن تاريخ
أليس كذلك؟
ـارع ًا بفضــل اختــراع الزراعــة المســتقرة حجــر اإلنســان تسـ ُ -عــرف ْ
الح َجــري الحديــث ،وهــو االختــراع الــذي َ ِ
ر بالعصــ والمعروفــة ـون ـرية فــي عهــد القناصين-قاطفــي الثمــار تتكـ َّ -كانــت البشـ ّ
ـد هــذه الممارســة أتــاح للطعــام أن يكــون فــي متنــاول اليــد .وتعـ ُّ الر َّحــلِ .وكان اإلنســان العاقــل األول ــد ِو ُّ الب ْ بالضــرورة مــن َ
ـرية .ففيمــا يرجــع تاريــخ األشــكال ـبي ًا فــي تاريــخ البشـ ّ
حديثــة نسـ ّ يعتمــد علــى المــوارد الموســمية .وبحســب الحيوانــات التــي
البشــرية القديمــة إلــى حوالــي 7مالييــن ســنة ،وتاريــخ ظهــور ّ يقتنصهــا ،واألســماك التــي يصطادهــا ،والنباتــات التــي
اإلنســان العاقــل األول إلــى 300000ســنة ،فــإن الزراعــة وتربيــة يمــا ـان تلــك الفتــرة ُم ِق ً
يلتقطهــا ،فمــن النــادر أن يظــل إنسـ ُ
المواشــي ال يتجــاوز تاريخهمــا بالــكاد 10000ســنة ،وهــو مــا يربو فــي المــكان نفســه طــوال الســنة .وفــي الوقــت نفســه الــذي
ا علــى % 3مــن وجود اإلنســان العاقــل األول .وكلمــا ازدادت قليـ ً تتشــكّ ل فيــه مجموعــات صغيــرة مــن الرجــال ،وتســتمر فــي
الحاجــة إلــى الزراعــة ّإل وتضاءلــت حيــاة الترحال لتقتصــر علــى التنقــل داخل مســاحة شاســعة نســبياً ،فإن اإلنســان العاقل
مناطــق نــادر ٍة مــن العالــم ،تتصــل بالرعــي أو بظــروف معيشــية األول قــد أنجــز حركــةَ غَ ـ ْز ٍو شــاملة للكوكــب بأكملــه ،امتـ ْ
ـدت
قاســية ،كمــا هــو الحــال فــي الصحــارى .وفــي العص ـ ِر َ
الح َجــري البشر مجموع ُ لعشــرات اآلالف من الســنين .وما أن اســتوطن
الحديــث ســيظهر لنــا المنــزل ذو «الجــدران الصلبة» ،ســواء أكان تدريجياً.
ّ ـلـ التنق الكــرة األرضيــة حتــى بــدأوا فــي التوقــف عــن
مــن الخشــب أو مــن التــراب أو مــن الحجــارة ،وهــو المــكان الــذي أمــا فــي أيامنا هذه ،فإن األغلبية الســاحقة من ســكّ ان العالم ّ
س حجــر األشــخاص داخــل صنــدوق ثابــت ،حولــه يتــم تنظيم ْ كر
ُي ِّ بيــن الح ْجــر الحالــي ،الــذي َّ مســتقرة .إلــى أن جــاءت فتــرة َ
فضــاءات أليفــة متمركزة :المنازل األخرى ،ثــم الحقول والمراعي أن كثيــر ًا مــن المهــن والوظائــف يمكــن ممارســتها عــن ُبعــد.
المحيطــة بالقريــة ،وأخيــراً :المســاحات البريــة التــي ســتتضاءل فنحــن فــي الظــروف العاديــة ال نعمــل بالضــرورة عــن ُبعــد،
ـداً .وممــا ال شـ َّ
ـك فيــه أن رويــد ًا رويــد ًا إلــى أن تصبــح محــدودة جـ ّ ـل محبوســين فــي صنــدوق ،أو ســيارة، ولكننــا مــع ذلــك َن َت َنقَّ ـ ُ
التاريــخ لــم يشــهد فــي أيــة فتــرة مــن فتراتــه غيابـ ًا تامـ ًا لحــركات أو داخــل عربــة مــن عربــات المتــرو ،لنلتحــق بأحــد المكاتب،
الهجــرة ،ولكــن هــذه الحــركات لــم تكــن تهــدف ّإل الــى االســتقرار ـرك أبــداً ،جالســين أمــام شاشــة ثابتــة. حيــث ال يمكننــا التحـ ُّ
مــن جديــد فــي مناطــق تتو َّفــر فيهــا ظــروف معيشــية أفضــل ،منــذ وهكــذا ،فإننــا لــم نعــد نعيــش فــي منــازل متباعــدة ،ولكــن
األوروبي تلــك التي كانت في العصور الوســطى مرور ًا باالســتعمار وبأعــداد متزايــدة داخــل شــقق ٍ الغالبيــة منــا تعيــش اآلن
ّ
الم ِ
عاصــرة. ال إلــى الحــركات ُ لألميركيتين ،ووصــو ً
ّ ـدس بعضهــا فــوق بعــض. يتكـ َّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 124
جان-بول دومول ▲
أن يســتمر بشــكلٍ دائــم ّإل فــي مجتمــع يضــم 300000شــخص .والحــال أننــا هل يشكّ ل اقتراب اإلنسان من الحيوان اقتراب ًا من المرض؟
لــم نبلــغ هــذا الرقــم ّإل مــع ظهــور المــدن والــدول.
حقيقيـ ًا ومتزايــد ًا فــي النظــام
ّ ـرة األولــى التــي يؤ ِّثــر فيهــا البشــر تأثيــر ًا -إنهــا المـ ّ
المتعلّقة ـي .فالقريــة والمدينة تثيران العديد من المشــاكل ُ ـي األرضـ ّاإليكولوجـ ّ
الديموغرافية؟
ّ متى حدثت الطفرة
الصحيــة .إذ إن المنــازل والمبانــي الملحقــة بهمــا تعيــش إلــى جانــب ّ بالنظافــة
ـتقر معدل ـور الزراعــة ،تحقَّق اســتقرار المــوارد الغذائيــة ،كمــا اسـ َّ -مــع تطـ ُّ متنوعــة مــن الحيوانــات األليفــة ،وذلــك تبع ـ ًا لمناطــق المعمــورة ِّ ـةمجموعـ
ـد ـ ويع ـنة. ـ س كل ـلٍ
ـ طف ـدلـ بمع ـتقرات ـ سالم ـات ـ المزارع ـدـ األطفال عن إنجــاب
ُّ ُ ـماة (خنزير ،المــا ،دجــاج ،إلخ .)...كما تعيش أيض ًا إلى جانب الحيوانات ُ
المسـ ّ
بالمقارنــة مــع مــا كانــت عليــه ـرات ُ ذلــك أكثــر خصوبــة بثــاث إلى أربــع مـ ّ رفيقــة الســكن مثل :الصراصيــر والجــرذان ،ومــا يعيــش فوقهــا مــن براغيــث،
المتنقّــات .وهكــذا فقــد انتقلــت المجتمعــات القناصات-قاطفــات الثمــار ُ الح َمــام .فهــذه الحيوانــات ناقلــة لألمــراض .فالطاعــون وفــي اآلونــة األخيــرةَ :
ـرية مــن عشــرات إلــى مئــات األفــراد ،ثــم إلــى اآلالف ثــم إلــى المالييــن. البشـ ّ البريــة أيض ـ ًا أمراضهــا،
ّ ـات
ـ وللحيوان ـود.ـ أس ـرذ
ـ ج ـوث ا ُنقــل بواســطة برغـ مث ـ ً
ـي كائــن ْ ـنَ مليو أو ـون ـ ملي ـن ـ م ة ـري
ّ ـ البش ـت ـ انتقل ـط،ـ فق ـنة ـ س 10000 ـال وخـ الطبيعيــة لهذه الحيوانــات ،فإنه يقترب ّ ـاحة ـ من المس ـان
ـ اإلنس يقلص ـا
ـ فحينم
المتزايــدة ســمحت ُ ة البشــري
ّ التجمعــات وهــذه اآلن. مالييــر 7 إلــى بشــري ـوعـرية علــى التنـ ُّ
منهــا بالقــوة .وفــي الفتــرة األخيــرة ،ع ـ ّززت األنشــطة البشـ ّ
ـدم الطبــي قــد ســاعد فــي الســيطرة علــى عـ ٍ
ـدد بانتشــار األوبئــة .وإذا كان التقـ ُّ ـي انتقــال الفيــروس ،الــذي ربمــا انتقــل إلينــا عبــر أحــد الخفافيــش،
ّ البيولوجـ ّ
مــن األمــراض ،فــإن التلــوث والمبيــدات الحشــرية واالكتظاظ فــي المناطــق أو ســنور الزبــاد أو البنغــول .ومــن وجهــة النظــر هاتــه ،يمكننــا القــول إن وبــاء
الحضريــة قــد أدت إلــى ظهــور أمــراض جديــدة ،ناهيــك عــن آثــار المضــادات كورونــا الحالي هــو إذن جــزء مــن التاريخ الطويــل لعصــر األنثروبوســين.
وربمــا حتــى اإلفــراط فــي النظافــة. الحيويــة ،بــل ّ
ّ
البشرية أيض ًا تمثل بيئةً مالئمةً لتفشي األمراض؟
ّ هل صارت التجمعات
في ظلِّ العولمة ،ألم تدخل الحضارة الحديثة في عصر التنقل الدائم؟
البيولوجيــة واألركيولوجيا وعلم الوراثة إلى أن
ّ -تشــير كلٌ مــن األنثروبولوجيا
ـد مــن
ـري يميــل إلــى الحـ ِّ
-علــى النقيــض مــن ذلــك فــإن منطــق التاريــخ البشـ ّ عــدد ًا مــن األمــراض كانــت موجــودة بالفعــل عنــد القناصين-قاطفــي الثمــار،
كلّ تنقــل علــى كوكــب فــانٍ .إذ بإمكاننــا أن ننجــز المزيــد مــن األشــياء دون ـور على ـداً ،بحيــث لم تتطـ َّ
ولكنهــا كانــت منتشــرة فــي مجموعــات محــدودة جـ ّ
الحاجــة إلــى التنقــل .يكفــي أن يملــك الواحــد منــا شاشــة حاســوب أمامــه. ـي
ْ ـنَ مليو أو ـون
ـ ملي ـاوز
ـ تتج نطــاقٍ واســع .وفــي تلــك الحقبــة لــم تكــن البشـ ّ
ـرية
ففــي القــرن التاســع عشــر ،كان % 80مــن ســكّ ان فرنســا مــا يزالــون يعيشــون شــخص ينتشــرون فــي جميــع أنحــاء األرض ضمــن مجموعــات مــن عشــرات
فــي األريــاف .وخــال الخمســينيات مــن القــرن الماضــي ،لــم يعــد المزارعــون األفــراد .وعلــى ســبيل المثــال ،تشــير التقديرات إلــى أن داء الحصبــة ال يمكن
المصدر:
Libération, samedi 2 et dimanche 3 Mai 2020, pp. 18-19. الح ْجرـرات منتظمة ،لنعــاود الدخــول فــي َداخــل ســفينة ،حيث نغادرهــا لفتـ ٍ
ضــرب كُ ويكــب ضخــم األرض ،وقتــل معظــم األرواح علــى األرض .نحــن نفعــل احتفلنــا مؤخــراً بالذكــرى الخمســين ليــوم األرض ،بينمــا نشــهد أزمــةً ّ
بيئيــة كبيرة
نفــس الشــيء اليــوم .نحــن نو ِّقــع علــى االنقــراض الســادس .ليس البشــر فقط، اليــوم .يشــير الدكتــور ســتيفن بيزروشــكا إلــى أن فقــدان الموائــل وإزالــة الغابات
الممكن حصرها- فمجموعــات الحشــرات تختفي بســرعة .فــي األماكن التي مــن ُ ـري ،مما تسـ َّـبب
الحيوانية على اتصال أوثق مع الجنس البشـ ّ ّ قد جعل المملكة
مــن الصعــب جــد ًا حصرهــا -نــرى بــأن معظــم أنــواع الحشــرات تختفــي اليــوم. التاجية.
ّ ـات فــي نمو الفيروسـ
نحــن نعيش على أســاس الحشــرات .وكذلــك تفعل العديد من األنــواع األخرى.
-هــذا بالضبــط مــا حــدث فــي الصيــن .لكنه وضــع عام .مــع تدميــر الموائل ،فإن
إنــه دمــار هائــل.
الحيوانــات التــي لــم يكــن للبشــر أي اتصــال معهــا قــد تخطّ ــت نطــاق الغابــات،
تحدثنــا
لحســن الحــظ ،هنــاك طــرق للخــروج .كلّ مشــكلة مــن المشــاكل التــي َّ ُ واقتربــت مــن البشــر .هنــاك اتصــال أكبــر .واحــدة مــن أخطــر الحــاالت ،كمــا
ـدث عنها ،لهــا حلول ممكنــة .ولكن عنهــا ،والعديــد مــن المشــاكل التــي لــم نتحـ َّ ذكــرت ،الخفافيــش ،التــي تحمــل مجموعـ ٍ
التاجيــة.
ّ ـات هائلــة مــن الفيروســات
علينــا أن نفعــل أي شــيء حيــال ذلــك .في ســياق جا ِئحة فيروس كورونــا ،يمكننا
الصينيــون الشــجعان يغامــرون فــي أماكــن خطيــرة ّ ـاء
لهــذا الســبب كان العلمـ ُ
جيــد ًا إذا لــم نفعــل أي شــيء
معرفــة كيفيــة التعامــل معهــا ،ولكــن هــذا ليــس ّ للغايــة ،فــي أعمــاق الكهــوف وما إلــى ذلك ،لســنوات -ومات الكثير -في مســعى
ـرر مــع كلّ أزمــة مــن هــذه األزمــات .لدينــا المعرفــة بالمعرفــة .هــذا األمــر يتكـ َّ التاجية .وجــدوا الكثير من المعلومات .كان ّ لجمــع معلومات حول الفيروســات
والفهــم ،لكــن ينقصنــا العمــل. األميركيــون يعملــون معهــم لبعــض الوقــت ،لكنهــم توقَّفــوا بعد ذلك. ـاء
ّ العلمـ ُ
وبشــكلٍ عــام ،هــذا صحيــح .بينمــا نقــوم بتوســيع الزراعــة عاليــة التقنيــة ،فــي
كتــب روب الرســون كتابـ ًا باســم « ،»Bit Tyrantsوقــد راجعتــه بشــكلٍ إيجابـ ّ
ـي.
ـطحية -لــن تكــون لألجيــال تدمــر التربــة السـ
إنــه قلــق للغايــة بشــأن مقــدار القــوة التــي جمعهــا العمالقــة غوغــل ،وفيســبوك، ّ ـتدامة ،فإنهــا ِّ ـد ذاتهــا غيــر مسـ َ حـ ِّ
الصناعيــة غيــر
ّ الزراعيــة
ّ الســطحية -إذا اســتمرت األنشــطة ّ القادمــة التربــة
وبخاصة اآلثار
ّ وأمــازون ،ومايكروســوفت ،وآبــل( ،الشــركات الخمــس الكبــرى)،
ـتدامة ،وتدميــر الموائــل. المسـ َ ُ
والمراقبة.
الخصوصيــة ُ
ّ المترتبــة علــى مخــاوف
ُ ربما ّ ّ ، التاجي ـروس ـ الفي ما رب
ّ نعرفها. ال التي األمراض ـن ـ م المزيد ـيحدث؟ مــاذا سـ
ـميه شوشــانا زوبــوف ،عا ِلمــة ـتمر هــذا لبعــض الوقــت .هــذا مــا تسـ ِّ -لقــد اسـ ّ شــيء آخــر .لذلــك نحــن نعمل مــن ِع ّدة جوانــب ،ليس لتدمير أنفســنا فقــط ،إ ّنما
المراقَبة» .كتبت كتابـ ًا بهذا العنوان ـمالية ُ
االجتمــاع فــي جامعــة هارفــارد« ،رأسـ ّ ـميه اآلن ،الفتــرة الحيــاة علــى األرض .دعونــا ال ننســى أن األنثروبوســين ،كمــا نسـ ِّ
ـدم كميــات هائلــة مــن ِّ ـ يق ـذي ـ ال ـاء، ـ الوب حولــه قبــل عــام أو عاميــن .حتــى قبــل ـر
ٌ ـ تأثي ـان ـ لإلنس ـون الجيولوجيــة عندمــا يكـّ العالميــة الثانيــة ،الحقبــة ّ منــذ الحــرب
المعلومــات لشــركات التكنولوجيــا الكبــرى ،وبالطبــع للحكومــة ،كانــت هنــاك ـراري،
العالميــة ،ليســت فقــط فتــرة مــن االحتباس الحـ ّ ّ ومدمــر علــى البيئــة ِّ هائــل
ـم جمعهــا عــن الجميــع. مجموعــات ضخمــة مــن المعلومــات التــي يتـ ُّ المتزايد والســيئ بما فيه الكفاية ،ولكن أيض ًا تدمير البيئة -الموائل ،والبالســتيك ُ
اإللكترونيــة الموجــودة حولــك تلتقــط ـإن كلّ القمامــةإذا كنــت تقــود ســيارة ،فـ ّ ـوائي ،والزراعة غير
ّ الصحي العشـ ّ ّ دمــر لحيــاة المحيطــات ،والقمامة والصــرف الم ِّ ُ
معلومــات حــول مــا تفعلــه ،وإلــى أيــن تذهــب ،كلّ شــيء آخــر مرتبــط بقيادتك. ـاس ،وهــو مــا يفتــح الصناعيــة ،بشــكلٍ وحشــي وقـ ٍ ّ ـتدامة ،وإنتــاج اللحــوم المسـ َ ُ
جيــد لشــركات التأميــن .نحــن نصــل إلــى النقطــة التــي قــد تحصــل فيهــا هــذا ّ الحيويــة يعنــي ّ للمضــادات ـور ُ المتهـ ِّ
أن االســتخدام ُ البــاب أيض ـ ًا لألوبئــة .كمــا ّ
ـر ًة أخــرى
ّ ـ م ـك ـ ذل ـت
ـ فعل إذا ـر. ـ أحم ٍ
ـوء ـ بض ـررتـ م ـد
ـ «لق ـك: ـ ل ـول ـ يق ـرـ تحذي علــى ـول بســرعة أكبــر ،لذلــك توجــد اآلن بكتيريــا نجهــل عالجاتها. أن البكتيريــا تتحـ َّ
الصينيــة،
ّ حصتــك مــن التأميــن» .وإذا اكتشــفوا أنــك تحــب المطاعــم ســتزيد ّ والتصرفــات ،مدفوعــة بالحاجــة إلــى المزيــد مــن الربــح ُّ كلّ هــذه األعمــال
ـي علــى ُبعــد نصــف ميــل .هــذا ال ـ صين ـم ـ مطع ـودـ بوج ـد
ـ يفي ســتتلقى إشــعار ً
ا ـمى ُ َّ ـ س ي ـا ـ م ـفـ منتص ـي ـ ف ـق ـ بح ـنـ نح ـواع. ـ لألن ً
ا ـر
ـ كبي ً
ا ـارـ دم ب والســيطرة ،تسـ ِّـب
ّ
يبــدو ســيئ ًا للغايــة .إنــه ســيئ. «االنقــراض الســادس» .حــدث االنقــراض الخامــس قبــل 65مليون ســنة ،عندما
127 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
نعوم تشومسكي ▲
وتنقلــه لشــركات التكنولوجيــا الكبــرى واألخ األكبــر الــذي يجمعهــا فــي مــكانٍ
المصدر:
https://lithub.com/noam-chomsky-what-history-shows-us-about-responding-to-coronavirus/ ضخــم لالســتخدام ،إذا لــزم األمــر.
مايو 2020 ال شــيء مــن هــذا يجــب أن يحــدث .بــادئ ذي بــدء ،يمكــن تفكيــك شــركات
بضيــاع ـن َ أيضــا؛ فضــاع الباطـ ُ ظاهــره الــذي بــه وفيــه يشــتغلُ باط ُنــه ً وي ُتــه ،وقــد ـد ُد ُه ّ يتميـ ُز وبــه تتحـ ّ ّ ـان عــن َو ْجهــه ،إذ بــه ال ينفصــلُ اإلنسـ ُ
ـأت هيـ ْ ـة الوجــهّ ، ـتوعبه داللـ ُ ُ ـد ّي الــذي تسـ الظاهــر .بهــذا المعنــى الضـ ّ جعل َ ضاعفً ا ،علــى نحو ـه ،انطال ًقــا مــن تركيبته ،ألن يكــون ُم َ الوجـ ُ تهيــأ َ ّ
ـكان قراءتــه ِمــن ثــاث زوايــا؛ زاويــة الظاهــر وزاويــة ومــا إمـ َ ـه َد ً مالمحـ ُ ُ القدحي ّ ـى ـ بالمعن ال ن، جهي
ْ بو
َ ـشَ ـ عي ي
َ ألن ـدء ـ الب ـذ ـ ن م
ُ ا ـذور
ً ـ من ـان
َ ـ اإلنس
التقابــات التــي َيقــوى ُ كلَّ ـدان ـ جس
ِّ ت
ُ ـان ـ زاويت ـا ـ أساس
ً ـا ـ م وه
ُ ـن، الباطـ غيــر مــا ُيبطــن، َ المــرء جــه بالنفــاق ،وبإظهــار َ الو ُ اقتــرن فيــه َ َ الــذي
التقابــل ،بــل ُ ـم زاويــة ثالثــة ال تقــوم علــى ـه علــى احتضانهــا ،ثـ ّ الوجـ ُ َ الوجه َوفق ـأول َ ـر لتـ ُّ آخـ ُـى َ ـي منحـ ً والتحايــل .فالمعنــى القدحـ ّ ُ ـون وبالتلـ ُّ
الوجــه ،إذ ليــس عب ًثــا َ ـي ـ ف ـن ـ ي
ّ ْالضد ِ
ـاء ـ لق ـن ـ م ـى ـتّ يتأ ـث ـ ثال ـر ـ نص ع عل ُ ـى ـ ووفق ِفعل َ ـل، ـ للتأوي المنحى ـذا ـ ه ّها ق ـ ش ي
َ التي بة ـع
ِّ ـ تش الم
ُ ـدادات االمتـ
ضاعــف وإن لــم ُي َ ـانين ،حتــى ْ وأذنيــن وبلسـ ْ ْ ينيــنبع ْ ـه َ الوجـ ُ ـون َ أن يكـ َ ـر دراســات عديــد ًة الســتجالء تعقّد صيغــه التــي تنتظـ ُ ـدد َ االنتحــال بتعـ ُّ
ضاعفــة انطال ًقــا مــن َ للم
ً ُ اـرـ ضم ِ م
ُ ـى ـ يبق إذ ـه، ـ الوج ـي ـ ف ـا ـ عضوي
ًّ ـان
اللسـ ُ قديما، ً ـي
ّ ـ األدب غناه ـى ـ ت
ّ ح ـتجالء ـ والس األولى، مظاهره ـي هــذا ال ِفعــل فـ
ـده. الالنهائيــة علــى قــول الشــيء وضـ ِّ ّ طاقتــه ـرا من مظاهــر تقلّباتهــا وزيفها. الحيــاة ومظهـ ً َ ـزءا مــن ـدو ُجـ ً قبــل أن َيغـ َ ْ
أن
ضاعفــة ّإل ليتس ـ ّنى لــه ْ الم َ ـه علــى هــذه الصــورة ُ الوجـ ُ مــا تَشــكّ َل َ ـتفاد من ـر مــا ُيسـ ُ ُ ـ غي ـن، ـ جهي
ْ بو
َ ـش ـ ي بالع
َ ـياق، ـ الس ـذا ـ ه ـي ـ ف ـود، ـ المقص
فقهما و
َْ ُ ْ َ َ ُع ِ
ـم ـ س وي ن ي ت بصيغ ع ُ ْ َ َ ـم ـ س وي ـا، ـأيضً بهما ى ـر
ُ َ ـ وي ـن ـ باحتمالي
ْ َيــرى ـق علــى صــور ٍة ـان ُخلـ َ أن اإلنسـ َ المــراد بــه ّ ـي الســابق ،إذ ُ المنحــى القدحـ ّ َ
ف بما ينطوي ضاع ٌ
عني ْين؛ هــو ُم َ بم َ ف َ ضاع ٌ أي وجــهُ ،م َ كذلــك .فالوجــهُّ ، أكثرَ كان ـان، ـ اإلنس َركيبة ت في جه، الو
ّ َ وأن ـه، ـ كينونت أس َّ لتْ ـكّ ـ ش ـة ـ ي
ّ ضد
ّ
ألن ُيتل ّقــى فــي َضوئــه ،مــن جهــة ،وبمــا بــه َيتل ّقــى ـه قابـ ً ْ ـا ويجعلـ ُ عليــه َ دوما على الوجــه ً مالمح َ ُ ـوت ـد انطـ َ الضد ّيــة .فقـ ِ ّ ـيدا لهــذه أجزائهــا تجسـ ً
خارجــه ،مــن جهــة أخــرى ،أل ّنــه َ ـر ،أي مــا بــه َيتل ّقــى اآلخـ َ نفســه َ هــو ُ ـزن الحـ ُ ـم ُ ـده؛ يرتسـ ُ ـيء وضـ ُّ ـم الشـ ُ ـد ّي ،إذ عليهــا َيرتسـ ُ البعــد الضـ ّ هــذا ُ
ذات صبغة الحالتيــنُ ، ْ ضاعفــة ،فــي الم َ ـم ُع بأذن َْيــنُ . ويسـ َ ينيــن َ بع ْ َيــرى َ ـكينة والقلــق ،وغيرهــا مــن األضــداد، ـب والرضــا ،السـ ُ ـرح ،الغضـ ُ والفـ َ
الوجــهَ ،ينطــوي َ ـاء ـ أعض ـن ـ م ـو
ٌ ـ عض ـو ـ ه ـا ـ بم ـان، ـ اللس ـى ـ ت
ّ وح ـة. ضد ّيـ
ّ التقابالت. ُ كلِّ ـان ـ الحتض ـةـ قابل ـح ـ المالم ـذه ـ ألن ه ّ
ضاعــف الضد ّيــة ،إذ يبقــى ،وإن لــم ُي َ ّ كمــا سـ َـبقت اإلشــارة علــى هــذه ـه علــى اإلظهــار واإلخفاء، أيضــا طاقتـ ُ ـون ُتوازيهــا ً ُّ ـ للتل ـه ـ ج الو
َ ـةـ قابلي
ّ إنّ
ـدر علــى تقديــم الشــيء الواحــد فــي صــورة الوجــه ،األقـ َ عضويــا فــي َ ًّ مقلوبــا إلــى ً ـيء ـ الش ـار ـ إظه أي ـن، ـ بط يُ ـا
ـ م ـر
َ ـ غي ِ
ـه ـ الوج ـار ـ إظه ـى ـ عل ـل بـ
الوجــه ،علــى أخطــر ال ِّنعــم بتعبيــر هيدغــر، َ ـي ـ ف ، ـن ُ َـ مِ ت ائ ـه ـ ن
ّ أل ـة، ضد ّيـ ّ ألن تَركيبــة الوجــه قائمــة ،فــي اآلن ذاته ،على ما ُيــرى فيه وعلى ـدهّ ، ضـ ّ
أيضا. ـمها ً ـل ال عب َئهــا وحســب ،بل اسـ َ تحمـ َ ّ ـي ـ الت ـة ـ اللغ ـى ـ عل ـن
َ ـ مِ تُ ائ أي إن للوجــه ،فــي حقيقتــه، ـر وباطــنّ . ـم ،ظاهـ ٌ مــا ال ُيــرى ،وهــو ،مــن ثـ ّ
جعــل ْ ـى ـ وعل ـة، ـ ي الضد
ّ ـاج ـ إنت ـى ـ عل ـدر ـ أق ـو ـ ه ـا ـ م ـة ـ ثم
ّ ـس ـ لي ـك، ـ لذل طويــا فــي مــا ُيــرى منــه وفــي ً َ ًّ م ـا ـ ن وباط ـه، ـ من ـرا يرتبــط بمــا َيبــدو ظاهـ ً
ـن اللســان ،أي اللغــة .علــى ضدهــاِ ،مـ َ ـر فــي ُصورتــه وفــي ِّ الشــيء َيظهـ ُ ممــا يــدلُّ ـي يــدلُّ ّ ، إن لفــظ الوجــه فــي اللســان العربـ ّ مــا ال ُيــرى ،حتــى ّ
تخيــلُ
وإن كان ُّ ـانين ،حتــى ْ الوجــه بلسـ ْ ـور َ هــذا األســاسُ ،يستســاغُ تصـ ُّ لتفرعاتــه ُّ ـد
الوجــه معنــى ال حـ َّ عليــه ،علــى القلــب .لقــد كان لظاهــر َ
ـرياليا .علــى كلٍّ ،فنــوا ُة هــذه الصــورة ًّ ـ س ا ـر
هــذه الصــورة فــي الواقــع أمـ ً ـار
َ ـ ص ـذي ـ ال ـاع ـ القن ب ـب
َ ـ بس ـا ـ نـر راه ً قبــل أن َيختــلَّ هــذا األمـ ُ وأبعــادهْ ،
قصــة آدم ،احتمالَ تضم َنُ ،منذ ّ ّ ضمــر ٌة في اللســان المشــقوق ،الذي ُم َ ـن ـه مـ ْ ِ ـر َم الوجـ َ ممــا حـ َ ـا عليــهّ ، ـرا دخيـ ً للوجــه ،بــل غــدا ُعنصـ ً الزمــا َ ُم ً
129 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
تظهر
ُ ـحر الوشــيجة التي ـتنفاد ِسـ ْ ُ ـع معه اسـ الوجــه ،ويتم ّنـ ُ ـر َ حصـ ُ معــه ْ ـق ـانين ،وقــد ظــلّ تح ّقـ ُ ـون لسـ ْ ضاعفــة ،أي احتمــالَ أن يكـ َ للم َ قابليتــه ُ ّ
ـر َر الصــورة ،ودون ّ ـ تتك أن دون ـها، ـ نفس ـر ـ العناص ـل ـ داخ ـن ـ م ـا ـ دوم
فيــه ً جهين ،على َ ْ بو ـةـ اللغ ـتغالِ ـ اش ـن ـ م ـاـ قً انطال ـا، ـدوم ً ـا ـ ن
ً مك مُ ـورة هــذه الصـ
ِ
ـرة ُمغايــر ًة ل َن ْفســها .لعــلّ ـود فــي كلِّ مـ ّ أن تعـ َ ـد طاق َتهــا علــى ْ أن تفقـ َ ـم يكُ ن، الم َو ّجــه ،الذي لـ ْ نحــو َحــدا بالقدمــاء إلــى الحديــث عن الــكالم ُ
سـ َن ُد إلــى ي ألن ه َ
ـأ ـ هي ـا
ـ م ـو ـ ه ـه، ـ ج الو ر ـو ـ ص ـم ـ س ِ ي ـذي ـ ال ، ـي ـ الالنهائ هــذا جهيــن.
ّ ُ ْ ُ ْ َ ُ ُ ََ َ ّ بو ْ كالم َ ٍ فــي داللتــه ،ســوى
أيضــا مــا والجــال ،وهــو ً َ ـرم المطلــقُ ،مقتر ًنــا ،فــي هــذا اإلســناد ،بالكـ َ ُ بالصــورة التــي عليهــا ّ أساســاً الوجــه ُمرتبـ ٌ
ـط ضد ًّيــا فــي َ ـد ّ لعــلّ مــا يتو ّلـ ُ
قديمــا، ـة ـ الصوفي ـدى ـ ل ـب ـ صي خ ـوم ـ مفه ـى ـ إل لَ ـو ـ يتح ألن ـه ـ ج الو َ
ـأ ـ هي ـط، ومرتبـ ٌ ـي، ـ الصوف ـل ـ التأوي ـي ـ ف ـة، ـ جه ـن ـ م ، ـخ ـ ترس ـا ـ ـرَ ،وفــق م
ً َ ّ َ َ ّ ُ َ ّ ظهـ َ
أن ـوم فــي فلســفته َبعــد ْ ب المفهـ ُ ـع َ ولــدى ليفينــاس حدي ًثــا ،الــذي تشـ ّ تجم ُع ـقيته ،أي بتلــك الوشــيجة الغامضــة التــي َ مــن جهــة أخــرى ،بنسـ ّ
باآلخــر انطال ًقــا َ ـولَ عليــه فــي إعــادة تأويــل الــذات ،وتأويــل عالقتهــا عـ ّ ــور التــي بهــا ّ َ الص فــي رَّ يتكــر أن دون لُ يتشــكّ أعضــاء الوجــه ،وبهــا َ
ـه بالضيافــة والمســؤولية. ـط الوجـ َ ـي َيربـ ُ ِّ
مــن ُمنطلــق إيتيقـ ّ غيــر االختــاف. ْ ـد
ُ ـل و ت
ُ ال ة ـقي
ّ ـ نس ـن ـ ضم ـه
ُ ـ مالمح ـلُ ـ تتفاع ـا ـ وفيه َيظهــر،
ـط باالنكمــاش الــذي طالــه ،أي الوجــه اليــوم ُمرتبـ ٌ ـتحضار دالالت َ ُ اِسـ ـن ّ ـ ولك ـة، ـ تفاعل م
َ ُ ـر ـ عناص ـن ـ م ـل ـ ب ـد ـ واح ـر ـ نص ع
ُ ـن ـ م ـه َ ُ ـ ج الو لُ ـكّ ال يتشـ
عامــة فــي ـي بصــورة ّ اليومـ َّ ـس َ ممــا مـ َّ ـزءا ّ ـه فغــدا ُجـ ً بتغيـ ٍر َم ّسـ ُ ُّ ـط ُمرتبـ ٌ ـف، نفســها مــا بــه يتشــكّ لُ كلُّ َوجــه ،ال تكـ ُّ هــذه العناصــر ،التــي هــي ُ
والتعايش ُ ـش ـ العي تفاصيل ـى ـ عل ها إيقاع
َ ـت ـ فرضَ ـي ـ الت ـة، ـ ح ِ
ئ ا الج َزمــن َ ـه َ ـ الوج ـع ـ
َ ُ من ي ـاـ بم ة، ـقي
ّ ـ النس ـا ـ ورته ص عددهــا ،عــن تجديـ ُ
ـد ـة َ علــى ق ّلـ ِ
ـار فيــه هــذا أثرهــا ال فقــط إلــى َوجــه الحيــاة ،علــى نحــو صـ َ ـد ُ حتــى امتـ َّ تكــون صــور ُة كلِّ ُ ــور ظهــوره ،إذ أي صــورة مــن ُص َ يتكــر َر فــي ِّ َّ ِمــن أن
أبعد
َ ، ـر
ُ ـ األث هذا ـد ّ ـ امت ـل ـ ب ـات، ـ القطاع كلّ ـي ـ ف ـا ـ ت
ً الف ا ـاح ً ـ اكتس ـداد
االمتـ ُ الوجــوه ،وإن انب َنــت ـه عــن غيــره مــن ُ لتميــزه و ِلمــا َي ْفصلـ ُ ُّ َوجــه ُمنتجــةً
ـير فــي األرض لز ًمــا بــأن َيسـ َ ـار ُم َ مــن ذلــك ،إلــى َوجــه اإلنســان الــذي صـ َ الوجــوه .فالوجه ـترك فــي ُ المشـ َ أساســا علــى العناصــر ذاتهــا ،أي علــى ُ ً
أقنع َتــه علــى امتــداد التاريــخ ـرف كيــف ُيخفــي َ فعليــا َبعــد أن عـ َ ًّ ُمق ّن ًعــا عدد
َ ألن
ّ ـدود، ـ المح ـى ـ عل ا ـاد
ً ـ اعتم ـا
ـ ه ِّق
ُ ق ح ي
ُ ـة ـ خصيص ـي ـ وه ـدود، ـ مح ال
الجائحة عــن حقيقة ِ «كشــفَ ت» َ َ ـف َوجهــه ال َفوقــه .فهــل ويجعلهــا خلـ َ ـك ـد مــن هــذا القليــل َيمتلـ ُ مــا بــه يتشــكّ لُ قليــلٌ للغايــة ،لكّ ــن مــا يتو ّلـ ُ
قناعــه ،وأرغم ْت ُه على أن خفي ي أل ه ت م ألز ـأن ـ ب قناعه، ـة ِ ـ حقيق اإلنســان؛ له تأو إذ ـد؛ ـ الواح د تعد على ـاهدا
ـه شـ ً الوجـ ُ ـي .لذلــك كان َ
َ َ ْ َ ُْ ُ ّ َّ ُ ُّ صفــةَ الالنهائـ ّ
فعليــا علــى وجهــه حتــى ال يظــلَّ ُمتسـ ّت ًرا علــى جوهــر حقيقته؟ ًّ ضعــه َي َ تعكس صــور َة َوجه واحد، ٍ ُ ـادا علــى مرآة ُمك ِّثــرة؛ مرآة ال ٍ الصوفيــة اعتمـ ً
ـر مــا كان ُ ـ ظه ي
ُ ـه ـ ن
ّ أل ـف، ـ كاش ـاع
ٍ ـ بقن ـد، ـ بعي ـل ـ تأوي ـي ـ ف ، ـر ُ ـ األم ـق ـ ل
ّ أيتع الوجــوه. ُ ـاـ به ـى ـ ل
ّ تتج أنُ ْ ُ ْ ـن ـ ك م ي ـي ـ الت ـماء ـ األس د ـد ُّ ـ بتع رـو َ
الصـ َ ـد ُد ّ بــل ُتعـ ِّ
ـان كلَّ مظاهــر إخفــاء قناعــه فانتهــى إلــى ـتنفد اإلنسـ ُ ـتورا؟ هــل اسـ َ مسـ ً ضمرة فيــه قائمتان على تو ُّلــد الالنهائي الم َ الوجــه والحكمــة ُ ـقية َ إن نسـ ّ ّ
ـف فعليــا علــى َوجهه؟ أال يكشـ ُ ـاع ـ القن ـع ـ ض بو
َ َ ِم ز ـ ل ُ أ ـأن
ْ ـ ب ـه ـ حقيقت كشــف ْ بحكــم العناصــر القليلــة التــي منهــا ُ ، ـف ُ ـ كش ي
ُ َ ـه ـ فالوج ـدود، ـ المح ـن
ـ م
ًّ
ـي بوجــوه ُمق ّن َعــة ،،عــن اليومـ ِّ تأملــه فــي ازدحــام َ ـم ُّ هــذا القنــاع ،إن تـ َّ صور َتــه ُمتم ّنعــة علــى التكــرار َ ألن
ـيّ ، نســبه إلــى الالنهائـ ّ يتشــكّ لُ ،عــن َ
والتلون؟ ُّ ّب ل التق ـي ـ ف حقيقتها وتجعلُ ـاة ـ الحي ـير
الح ُجــب التــي تَبني َ َ
ـ س ُ ـر ،أل ّنه ٌّ ـ س المعنى، ـذا ـ به ، ـه
ُ ـ الوج هة. ـاب
َ ـ ش الم
ُ ـاتِ ـ ّي ل تج ـى حتــى فــي أقصـ
ـح هــذا الوجــه؟ هــل اكتسـ َ النهائيــة َ ّ ـى ـ عل ـري
ّ ـ ش الب
َ م» ـد
ُّ ـ «التق ـز
َ ـ أجه ـل هـ ـدو فــي حقيقتــه ـر بالعناصــر المحــدودة التــي بهــا يتشــكّ ل ،ليغـ َ يتك ّثـ ُ
يتحولَ
ّ أن ـى ـ معن ما منه؟ كبير ز حي
ِّ ـى ـ عل وأتى ـان ـ اإلنس ـه َ ـ وج م» ـد
ُّ ـ «التق ـد االختــاف من ال ّنســق الذي ُ ـ ل
ّ يتو ـاف. ـ االخت ـى ـ عل ـا ـ دوم
ً ـة ـ قائم ـاـجوه
ُو ً
ضاعفــة ،التي بها الم َ ُ ـئ
َ ـ تنكف أن ـى ـ معن ـاـ وم ـاع؟ ـ قن ـى ـ إل ـي
ّ ـ الالنهائ مــأوى ـي ،علــى نحــو يســتحيلُ ـه تجل ًّيــا لالنهائـ ّ ـر الوجــه وتجع ُلـ ُ ـذه عناصـ ُ تأخـ ُ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 130
ـهالربــع ،أي إلــى نِصــف َوجــه َبعــد أن كان الوجـ ُ الوجــه ،إلــى ّ تشــكّ َل َ
ألن تكون َخصيصــة القناع ال َخصيصة ْ ـة ـ ضاعف الم
ُ ـو ـ تنح ـل ـ ه ُمضاعفً ــا؟
ـن وجــه الحيــاة بصــورة ومـ ْ ـن َوجــه اليومــيِ ، ـاع ِمـ ْ الوجــه؟ مــا الــذي ضـ َ َ
ّ
غيــر أنصافها؟ لقد ْ منها ـرى ـ ي
َ ُ ُد ع ي ـم ـ ول ـوه
ُ ـ ج الو
ُ ـت عامــةَ ،بعــد أن اختفَ ـ ّ
ـا عــن قــراءة المالمــح التــي اختفَ ــت وغيرهــا بديـ ً ُ ـدت هــذه األســئلةَ غـ َ
الوجــوه فــي الشــارع وفــي ـزا مــن ُ حيـ ً ـارت األقنعــة ُتغطّ ــي ِّ فجــأةً ،إذ صـ َ
التلفزيــة، ّ ـوات ـ والقن ـات ـ الشاش ـى ـ إل ّلت ل ـ وتس ـاة، ـ الحي ـق ُمختلــف َمرافـ
ـم ـاع زاحـ َ أن القنـ َ ـي ،كمــا لــو ّ ـتأثرت باالهتمــام وبالنقــاش العمومـ ّ واسـ َ
ـن، َ ـ وتمكّ ـريع، ـ الس َ ّ ـوع ـ الذي ـها ـ ونافس
َ ـاحها، ـ اكتس ـي ـ ف ـة ـ المرئي
ّ الصــورة ُّ
ـا مــن أصـ ً ْ ـاـ ه ن
ّ أل ـا، ـ له ـور ـ ظه كلّ ـي ـ ف ـا ـ رته جاو
ُ َ م ـن ـ م ـز، ـ جي و َ ـت ـ وق ـي فـ
رئيــة بالقنــاع َمكينــةٌ َوفــق مــا تنطــوي َ ّ الم ـورة ـ الص ّ ـةَ ـ صل أن
ّ ـك ـ ذل ـه، ـ لب ص ُ
آليات اشــتغالها. ُ عليــه
ـص مــا َيبــدو منه، ـر ُه وتق ّلـ َ ـد ظاهـ َ الوجــهَ ،بعــد أن فقـ َ لعــلّ مــا ضــاع ِمــن َ
ـي الــذي يجعلُ ـرار تركيبتــهِ ،
ـحر الالنهائـ ّ وسـ ُ جمــالُ االختــاف ،وأسـ ُ هــو َ
ـبيل إلــى اســتنفادِ عبــر تك ُّثــر ال َسـ َ ـدد ْ ـف عــن التجـ ّ ـه تجل ًّيــا ال يكُ ـ ُّ الوجـ َ َ
فالتأم َل ّ ـاه. ـ معن ة النهائي
ّ ـى ـ عل ـاً ـ دلي ـت ـ كان ـه ـ الوج ـة ـالنهائي
ّ ألن ّ ـاه، ـ معن
ـى ً ـ غن ـا ـ وم
ً دَ ل َ ـكّ ـ ش ، ـره
ُ ـ ضم ت
ُ ـذي ـ ال ، ـي ـ الالنهائ ـة ـ زاوي ـن ـ م ـوه الوجـ فــي ُ
ّ
ـد َّ ـ ح ال ـرار ـ أس ـاءُ ـ فض ـه
ُ ـ فالوج د. ـد
ِّ ـ تج م
ُ ـول ـ مجه ـى ـ عل ـةً ـ وعالم ـى للمعنـ
دومــا أ ّنهــا ـح ً الوجــوه ُيفصـ ُ ـر ُ ـن ظاهـ َ ـدا ،ولكـ ّ ـف أبـ ً ـرار ال تنكشـ ُ لهــا؛ أسـ ٌ
طويــةٌ فيــه ،فهــي ،وإن لــم تكُ ــن ُتــرى ،تَحتفــظ بظاللهــا فــي الوجــه. َم ّ
أن األســرار هنــاك فــي زاوية المالمــحّ ، ـحر َ ـهد ،مــن داخــل ِسـ ْ ظــالٌ تشـ ُ
ـر
طيــات ظاهــر الوجــه ،قبــل أن يختــلّ هــذا الظاهـ ُ طيــة مــن ّ مــا ،وفــي ّ
ـرء ،اليــوم ،فــي ُ ـ الم ـراه ـ ي
َ أن ـنُ ـ مك ي ُ ـذي ـ ال ـا ـ م . ـه ُ ـ نصفَ ـاع
ُ ـ القن ـحويكتسـ َ
جهــا؟ ـه لــم َي ُعــد َو ً َوجـ ٍ
الوجــوه ُمق ّنعــة، ـرء عــن حقيقتــه .هكــذا صــارت ُمعظــم ُ ـح المـ ُ ُيفصـ َ ـض وبغـ ّ روريــةَ ، الض ّ الصح ّيــة ّ ّ ـض النظــر عــن دواعــي ارتــداء القنــاع بغـ ِّ َ
للمرء، َ ـبيل ـ س ال قناعه. ـداء ـ بارت ـرد ـ الف ـزام ـ إل ـى ـ عل ـلطات ـ الس ـت ـ رص وح َ َ زئيــا للتصــدي ُج ًّ ّ المتاحــة اليــوم أحــد اإلمكانــات ُ النظــر عــن كونــه َ
ـه علــى وجهــه ُ ـ ضع ي أن
ُ ً ْ َ ـا
ـ لزم م ـار ـ ص ـد ـ فق ـه، ـ قناع ـاء ـ إخف ـى ـ إل ـوم، ـ الي ـارا، ً ـ وإفق ته، ـقي
ّ ـ نس ـن ـ م ـده ـ بتجري ـه ـ ج للو
ً َ اـار ـ إفق ـدو للجا ِئحــة ،فإ ّنــه يبـ َ
ـم فــي أطوارهــا ـت التحكّ ـ ُ ـرحية انف َلـ َ دوره فــي مسـ ّ ُ ـؤدي ـرج ليـ ّ قبــل أن َيخـ َ ْ ـص في َجســد َّ ـ خ ُ ـزء ـ لجَ ْ ً ُ ـا ـ ب ج وح ـب، ـ الخصي ـاة ـ الحي د ـد ُّ ـ لتع ـق، ـ م العُ ـي فـ
ـادي الملموس الخفي إلى القنــاع المـ ّ ـاع ـ القن ـنَ ـ م ِ ـا. ـ خرجيه م
ُ ـنْ ـ ح ّتــى ِ
م والصفــاء ،فالعمــلُ ّ والضيافــة م والكــر
َ مــال الج َ باحتضــان اإلنســان
ّ
ِ
ـداء قنــاع بتبيــن مســاره .ولكــن أال َيعنــي ارتـ ُ الجا ِئحــة ُّ ـت َ عج َلـ ْ َمنحــى ّ المظلــم فيهــا ال يتج ّلــى ّإل ُ ـن ـ م ـس ـ النف ـص ـ وتخلي تصفيــة القلــب ّ علــى
ـف َبعــد أن ضاعـ ٍ ـي أ ّننــا فــي الطريــق نحــو قنــاع ُم َ ـر خفـ ٍّ آخـ َ ـاد ٍّي فــوق َ مـ ّ لمكابــدة ـيدا ُ الوجــه ،الــذي كان كلُّ ظفَ ــر بانبثــاق ال ّنــور فيــه تجسـ ً فــي َ
الوجــه ال خصيصــةَ قنــاع؟ إن مــا حــلّ ّ ـه. ـ صفائ ـن ـ مِ ـه ـ وتمكين ـب ـ القل ـة ـ ظلم ـف ـ تجفي ـي ـ ف ـة داخليـ
ميـ ُز َ ـة خصيصــةً ُت ِّ المضاعفـ ُ كانــت ُ ّ
الحيـ ُز األكبر الذي أيضــا إلى اللســان مادام ـه ً «اِرتـ ِ أن إجها َز اإلنســان على ـه بانكمــاش ُمفقــر ،كمــا لــو ّ بالوجــه اليــوم أصابـ ُ َ
ّ موجـ ٌـر َّ ـد قناعــك» .أمـ ٌ
المضطلــع ُيغطّ يــه القنــاع هــو الفَ ــم .فتغطيــة الفَ ــمِ ، ـد فــي انكمــاش ّ َ ـ وتجس ـه ـ علي ـب َ ـ انقل ـد ـ ق ـاة ـ الحي ـى ـ غن ـى ـ وعل ـة ـ الطبيع
وض ْمنــه اللســان ُ
ضعــون وهــم َي َ ليســت دون داللــة ،فقــد بــدا النــاس ُ
أن ـان بنصــف َوجــه ،والحــال ّ ـار اإلنسـ ُ ـز علــى نِصــف َوجهــه ،فصـ َ أجهـ َ
همــة الــكالمْ ، بم َّ ُ
بالتفاعــل الغامــض بيــن أعضائــه ،وباألســرار إلّ ـا ـ وجه ـون ـ يك ال ـه الوجـ
الصمــت ـى ـ إل ـم ـ تدعوه ـ
ـةً خفي ةً ـو ـ ق أن ـو ـ ل ـا ـ كم ـم ـه أفواه
َ ـي ـ تغطّ ـة ـ أقنع ُ ً َ
ّ ّ ّ ّ ُ ـقي ُتها ،وبالمجهــول الــذي ّ ـ ونس ـاء ـ األعض ـذه ـ ه ـة
ُ ـ تركيب ـا ـ ه ضمر
ُ تُ ـي ـ الت
ـد
ـم» علــى حـ ّ الص َمـ ُ ـد ّ ـون بالــكالم حتــى «أُ ْح ِمـ َ ـا َبعــد أن امتــأ الكـ ُ قليـ ً
ـه إلــى ـ الوج لَ ـو ـ ح ـذي ـ ال ـاع ـ بالقن ـت ـ ـور ـ أم ـا ـ ّه ل وك ـه. ـ الوج ـي ـ ف ـرأ ـ ُيق
َ ّ اختفَ ٌ
ـان في افتقدها اإلنسـ ُ َ ـت مــن أجلِّ األشــياء التي المتنبــي .فالصمـ ُ ّ تعبيــر
مفصولتيــن عــن ســياقهما الــذي كان َيبنــي ْ ـتين، تو ِّجسـ ْ ينيــن ُم َ ـرد َع ْ مجـ ّ
المتدفّقــة مــن كلّ مــكان .فلو كان الزمــن الحديــث أمــام أمــواج الــكالم ُ ـرار ُهما. ـون أسـ َ ويصـ ُ مالهمــا َ َج ُ
ـش فيــه. ـان مكا ًنــا علــى األرض يعيـ ُ ـد اإلنسـ ُ ـاد ًة ُصلبــة ل ََمــا َوجـ َ ـكالم مـ ّ الـ ُ المرء ،اليوم ،في الشــارع ،وعند عه ـم ـ س ي ُّ
ينفك ال ـر ـ أم ـك». ـ قناع «اِرتـ ِ
ُ َ َ ُ ٌ ـد َ
ً
ـه العالــم قليل حتى َ ص ُمت وجـ ُ ـاء علــى لســانه ول َْي ْ ـع اإلنســان غطـ ً ضـ ِ فل َْي َ ـات العمــل ،وفــي ُمختلف المتاجــر ،ومداخــل المصانــع ،ومحـ ّ عتبــات َ
ـت عليــه. ُ َ ْـ ن مِ ت ائ ـذي ـ ال ـي ـ والالنهائ ها ـرار
َ ـ وأس ـاـ حكمته ـوه
ُ ـ ج الو
َ ُ ـتعيد تسـ ـمعنا معناه ـديد االلتباس متى سـ ِ ـ ش أمر وهو ة. اليومي الحياة فضاءات
َّ ُ ٌ ّ
الصحية
ّ اإلجراءات
ُ الوجه اليــوم ،الذي فرضته انكماش َ َ ـوي أن نقــرأ حيـ ٌّ َ طالب الصح ّي ومن خارج ُمقتضيات الســلوك الذي ُت مــن خــارج اإللزام
ُ ّ
ـه
وممــا يفتحـ ُ دالالت ـن ـ م ـه ـ يحتمل ـا ـمم ـا
ـ ق ً انطال ـة، ـ ح ِ
ئ ا للج ـة ـ ب ِ
صاح الم ـد إلــى حقيقة ـ مت ي ـر ـ األم ـذا ـ ه ـي ـ ف ع ـم ـ س ي ـا ـ م ـه. ـ بالتزام الجا ِئحــة ظـ ُ
ّ ُ ّ َ ُ َ ُّ ُ ْ َ ُ ـروف َ
مــن تآويــل .فســيرور ُة الحيــاة تبــدو ،مــن غيــر تهويــل أو اطمئنــان إلــى كأن الحيــا َة لــم ت َُعــد تحتمــلُ أن يتسـ ّت َر وينفــذُ إلــى َجوهــرهّ ، اإلنســان َ
أن يعيش ـود ال إلــى ْ ـلك طريقً ا يقـ ُ ـي ،كمــا لــو أ ّنهــا تسـ ُ المنحــى الفجائعـ ّ َ ـه َ ُ ـ ل حي ـد ـ َعُ ت ـم ـ ول ـا ـ مفضوح
ً ـدا ـ غ رَّ ت ـ التس ـذا ـ ه ألن ّ ـه، ـ قناع ـى ـرء علـ المـ ُ
أن َيعيــش بــا َوجــه ■ .خالد بلقاســم ْ ـى ـ إل ـل ـ ب ـه، ـ وج ـف ـ ص ِ
ن ب ـان
ُ ـ اإلنس ـرادف لألمــر بــأن ٌ ـر بارتــداء القنــاع ُمـ تنطلــي علــى أحــد .وهكــذا ،فاألمـ ُ
131 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
ما الذي تكشفه أطروحات املؤامرة خالل وباء «كوفيد »19 -؟
هل تُصنع للخارسين؟
نظريــات املؤامــرة
ّ يح ّلــل «أوليفييــه كاليــن» ،أســتاذ علــم النفــس االجتامعــي يف جامعــة بروكســل الحـ ّـرة ،أســباب انفجــار
منــذ بدايــة الوبــاء ،ونتائجهــا.
يدعــي كشــفه مؤامــرة وراء أزمــة فــروس كورونــا ،أحــدث يعتــر نجــاح الفيلــم (الوثائقــي) التآمــري ،Hold-up ،الــذي ّ
وخاصــة
ّ أعــراض هــذا الفكــر .منــذ بدايتــه ،اقــرن وبــاء «كوفيــد »19بـــ «وبــاء املعلومــات» :وبــاء املعلومــات الكاذبــة،
نظريــات املؤامــرة.ّ
ـم صنــع الفــروس يف املختــر ،وحظــي حتــى بــراءة اخــراع ،وســيحتوي اللقــاح عــى ً
وفقـا لهــذه األطروحــات التآمريــة ،تـ َّ
تقنيــات النانــو ،وســتعمل الحكومــات عــى تعميمــه بهــدف التحكّ ــم يف الســكان...
نظريــات املؤامــرة ،أجــرى موقــع franceinfoمقابلــة مــع «أوليفييــه ّ لفهــم أســباب وعواقــب هــذا االنتشــار الواســع يف
واملتخصــص يف املؤامــرة.
ّ كاليــن» ،أســتاذ علــم النفــس االجتامعــي يف جامعــة بروكســل الحـ ّـرة،
ّ
الشك ،ثم إلى المؤامرة؟ متى ننتقل من التساؤل إلى
-هنــاك العديــد مــن المســارات الفرديــة ،لكــن يمكننــا وصــف مســار
ـك ،وعــدم يقيــن، ـد مــا :نجــد أنفســنا فــي لحظــة شـ ّ نموذجــي إلــى َحـ ّ
فيمــا يتع َّلــق بتجربــة شــخصية أو وضــع اجتماعــي ،ونســعى للحصــول
ـؤدي إلــى وضــع آخــر ،وال نتع ّلــق بالخطابــات، علــى إجابــات .وضــع يـ ّ
فحســب ،بــل بأصحــاب الخطابــات ،أيضـاً.
ســوف ننخــرط فــي هــذه المجتمعــات حيــن نعمــل علــى مشــاركة تلــك
الخطابــات ،ويمكــن أن يكــون مجتمعـ ًا افتراضياً .نرتبط عاطفي ًا بشــبكة
مــن األشــخاص الذيــن نتفاعــل معهــم ،ونثــق بهــم ،وستســمح لنا هذه
الهويــة الجماعيــة بالشــعور باالنتمــاء .هــذا االعتقــاد ينظّ ــم حياتنــاّ
هويتنــا االجتماعيــة.
ـزءا مــن َّ
االجتماعيــة ،ويصبــح جـ ً
التنشــئة االجتماعيــة ،فــي تلــك المجتمعــات ،تعنــي أننــا ســننتقل مــن
الشــك وعــدم اليقيــن إلــى التماهــي مع تلــك الخطابــات .ما إن وضعيــة ّ أوليفييه كالين ▲
تدخــل إلــى المجتمعات المذكورة ،حتى تجد نفســك فــي نظام إعالمي
ـروج لسلســلة كاملــة مــن المعتقــدات، معــارض كل ّّيـاً ،مــن شــأنه أن يـ ّ وآخــرون فضــاء ،مــن ناحيــة ،والنخــب الجشــعة التــي تحــاول التحكّ م
ـنتقبلها.
ّ ـ س التي ـيحدد طبيعــة المعلومات وسـ ّ واالســتغالل ،مــن ناحيــة ثانيــة.
ـم
ّ ـ تض ـب ـ النخ ـذه
ـ ه ـوح.ـ الوض ـديدة ـ ش فــي ،Hold-upهنــاك معارضــة
هل يمكن إقناع المتآمر بخطاب معقول؟ والمؤسســات أيض ـاً، ـم الصحافييــن والعلمــاء
َّ السياســيين ،كمــا تضـ ّ
-إن الدعــوة «لإلقنــاع بخطــاب معقــول» تفتــرض أننــا علــى صــواب، وكلّهــم مــن أتبــاع الســلطة.
المؤشــر .مــا يمكنك أن تأمل ِّ وأنهــم مخطئــون .األمــل يكمن في تحريك صحافيــي وســائل اإلعــام التقليديــة يوالــون ِّ يشــعر المتآمــرون أن
فيــه هــو أنــه ،بعــد مناقشــتهم ،يتراجــع اعتقادهــم بنســختهم بعــض الحكومــات؛ لذلــك هنــاك فقــدان كامــل لشــرعية الخطــاب الصحافي،
الشــيء ،وتصبــح النســخة المقبولــة ،عمومـاً ،منطقيــة ،فــي نظرهــم، وهــذا -بــدوره -يســمح بإضفــاء الشــرعية علــى خطــاب المؤامــرة ،ألنــه
أكثــر مــن ذي قبــل .إنــه هــدف يجــب أن نكــون قادريــن علــى تحقيقــه. محــلّ شــكوك الصحافييــن.
بقولنــا« :أنتــم متآمــرون» ،أنــت تقــول فــي الوقــت نفســه« :أنــا لســت هنــاك ،أيضـاً ،فــي فرنســا ،فقــدان مقلــق للث ّقــة فــي العلــم والخبــراء.
الهوي َت ْين ـم التعبير عنها في هات َْيــن والحقيقــة أن شــخصيات مثــل البروفيســور «ديدييــه راولــت»،
َّ متآمــراً» ،وأنــت تبنــي العالقــة كما َتـ َّ
ـداء مــن اللحظــة التــي تبــدأ فيهــا نقاشـ ًا قائمـ ًا علــى مؤيــدي اســتخدام هيدروكســي كلوروكيــن و«كريســتيان بيــرون» (مــن ِّ
المتعارض َت ْيــن .ابتـ ً
يميزكمــا ،لــن يعتبــر ذلــك نقاشـاً. ـب« ،لــوك ّ ـ للط ـل
ـ نوب ـزة
ـ جائ ـبـ صاح أو كعــاج لفيــروس كوفيــد )19 -
مــا ّ
أوالً، مونتانييــه»( ،الــذي دافــع عن أطروحة الفيــروس المص ّنع في المختبر،
ـدث مــع األشــخاص الذيــن يتب ّنــون نظريــات المؤامرة يجــبَّ ، للتحـ ّ
يوحدنــا عــوض مــا يفرقنــا ،فــي ّ ـا
ـ م ـاركة ـ ومش ـتركة،ـ مش ـة
ـ أرضي ـاد إيجـ ـم تقديمهــم يقدمــون أنفســهم ،أو يتـ ّ انطالق ـ ًا مــن فيــروس اإليــدز)ِّ ،
ـم -يبــدو لــي أنــه مــن َ شــجع علــى انتقــال الخيــال التآمــري إلــى ّ كضحايــا للنظــام ،الــذي
هــذه الحالــة ،يمكننــا اعتبــاره نقاش ـاً ،و -مــن ثـ َّ
ـاص ،تحديــد مصــدر لالنســجام واالتِّفــاق ،أو ،علــى المجــال العلمــي.
ـم ،بشــكل خـ ّ المهـ ّ
ســبيل المثــال تســاؤل ،أو حتــى شــعور بعــدم الرضــا فيمــا يتعلَّــق
هل هناك صورة اجتماعية أو سياسية نموذجية للمتآمر؟
بطريقــة إدارة الوبــاء .فــي بعــض األحيــان ،هــذا ال يعمــل .هنــاك
بهوياتهــم حتــى أنهــم ال يريــدون تعريفـ ًا مختلفـ ًا َّ يتمســكون
َّ أشــخاص نظريــات المؤامــرة
ّ -مــن وجهــة نظــر علــم االجتمــاع ،غالبـ ًا مــا تنتشــر
للعالقــة مــع اآلخــر. لــدى األشــخاص الذيــن لديهــم إحســاس بالضعــف .إنهــم ليســوا،
-األشــخاص الذيــن أنتجــوا Hold-upيشــبهون ،إلى َح ّد مــا ،المبلّغين -منــذ اللحظــة التــي تســعى فيهــا جميــع وســائل اإلعــام التقليدية إلى
العامــة ،لكــن مــن الواضــح أن ّ عــن المخالفــات ،ويعملــون للمنفعــة ـردتحبونــه كثيــر ًا مجـ َّ
الذهــاب بعيــداً ،بقولهــا إن «هــذا الفيلــم الــذي ّ
ماد ّيــة .فــي البدايــة ،يجــب أن تدفــع مقابــل مشــاهدة ـدث عنــا.
هــراء» ،يتعـ ّزز شــعورنا بــأن هــذه الوســائط ال تتحـ ّ
مشــاريعهم ِّ
ـق الوصــول إلــى نتيجــة الفيلــم .إذا كان الهــدف هــو منــح الجميــع حـ ّ عندمــا نســمع جوقــة تقــوم بتشــويه خطــاب حقيقــي فــي نظرنــا ،حتــى
عملهــم ،فمــن األجــدر وضعــه فــي متنــاول الجميــع ،بشــكل مباشــر، لــو كان مشــكوك ًا فيــه مــن الناحيــة الواقعيــة ،فــإن ذلك يمكــن أن يع ّزز
منــذ البدايــة. شــعورنا باالنتمــاء إلــى مجتمعنا.
نتحــدث عــن يتــم تجاهلــه عندمــا مــا ً
ا غالبــ ي، مــاد جانــب هنــاك ولمــا كان الصحافيــون يفكّ كــون الخطــاب الذي ينقلــه المتآمرون ،فمن ّ
َّ ّ ّ
جيــد آخــر .بالتــوازي مــع ـال
ـ مث ـوـ ه ـور»ـ كريفك ـاك ـ ج ـانـ «ج ـرة.ـ المؤام الســهل عليهــم التشــكيك فــي ّأيــة محاولــة للتح ّقــق مــن خطابهــم،
ِّ
ـداً ،ضمــن مقاطع بالقــول إن الصحافييــن ووســائل اإلعالم في خدمة الســلطة والمصالح
ـروج ،أيضـاً ،لتدريبــات مكلفــة جـ ّ نشــر أفــكاره ،هــو يـ ّ
الفيديــو التــي يب ّثهــا .يكفي أن يشــترك ،%1فقط ،من األشــخاص الذين الخاصة.
ّ
ـعبيةً ،فــي برامــج التدريبــات يشــاهدون أحــد أكثــر مقاطــع الفيديــو شـ ّ نظريات المؤامرة جذّ ابة للبعض؟
ّ ما الذي يجعل
التــي يشــرف عليهــا ،حتــى يكســب مليــون يــورو علــى مــدار العــام.
ـؤدي إلــىالماد ّيــة تـ ّ
ِّ ـام ،يقــول خطــاب المؤامــرة إن المنافــع بشــكل عـ ّ تتضمــن
َّ -هنــاك العديــد مــن العناصــر التــي تجعلهــا جذّ ابــة؛ فهــي
تمويــه الحقيقــة .نحــن نكــذب عليــك ألننــا نريــد أن نبيــع لــك األدويــة. ثنائيـاً ،فــي الغالــب،
ّ ـف عالمـ ًا
جانبـ ًا مــن القصــص الخياليــة .نحــن نَصـ ُ
نظريــات المؤامــرة؟ ّ مروجــي لمــاذا ال يكــون األمــر نفســه بالنســبة إلــى ِّ الجيــد أن نشــعر بالضيــاع قليـاً .تســتند ّ مــن الســهل فهمــه أيضـاً .مــن
إن وضــع النــاس ،وجهـ ًا لوجــه ،مــع تناقضاتهــم ،أســلوب آخــر للحـ ِّ
ـد تضم َنهــا فيلــم ،Hold-upإلــى عناصــر َّ نظريــات المؤامــرة ،كالتــي
مــن ســيطرة هــذا الخطــاب. قصــة تبــدو
ّ ـيـ نبن ـة»، ـ المنحرف ـاتـ «البيان غريبــة ،ومصادفــات ،بهــذه
ـداً.
لنــا مقنعــة جـ ّ
للتصــدي «لألخبــار الكاذبــة» ،مــن
ّ مجهــودات الشــبكات االجتماعيــة نظريــات المؤامــرة عــن كشــف المؤامــرات ّ فــي هــذا الصــدد ،تختلــف
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 134
ـد عمليــة «التدقيــق فــي إلثبــات التآمــر ،بالطبــع ،إذ يصبــح منيع ـ ًا ضـ ّ خــال اإلبــاغ عــن المنشــورات المضلّلــة ،أو حتــى مــن خــال إغــاق
الحقائــق» .هــذا هــو النهــج الــذي يســتخدمه «دونالــد ترامــب» عندمــا الحســابات أو مجموعــات الحــوار ،أال تنتــج ،أيض ـ ًا ،تأثيــراً معاكس ـ ًا؟
أي
مــزورة فــي يــوم االنتخابــات ،فــي غيــاب ّ َّ يقــول إن االنتخابــات ـث رقابــة علــى المحتــوى ،بوضــوح .التبليــغ عــن أن -يعتبــر حظــر البـ ّ
دليــل .داخــل شــبكته ،سيشــارك الجميــع هــذه الرســالة التي ســتصبح يتضمــن معلومــات خاطئــة أو مضلّلة، المحتــوى الــذي يشــاركونه ألنــه
َّ
ـمى الفاعليــة والشــرعية حقيقــة لسلســلة كاملــة مــن األفــراد .هــذا يسـ ّ يمكن أن يمنحهم شــعور ًا بعدم االنتماء إلى هذه الشــبكة االجتماعية،
أحبهــم ،والمنتمــون إلــى مجموعتــي، االجتماعيــة .األشــخاص الذيــن ُّ ويدفعهــم للبحــث عــن مــكان آخر.
ـم ،خبــر ًا صحيح ـاً ،لــم نعــد بحاجــة ـرددون ذلــك ،فيصبــح ،مــن َثـ َّيـ ّ لكــن الهــدف ليــس الوصــول إلــى المتآمريــن أنفســهم بقــدر مــا هــو
إلــى حقائــق لتدعيمــه. وصــول إلــى األشــخاص الذين يشــاركون هذا النوع مــن المحتوى ،دون
للمؤامــرة عواقــب سياســية ،والعمــل فــي ديموقراطيــة مثــل ـاص،
أن يكونــوا -بالضــرورة -متآمريــن .يســاعد هــذا النهــج ،بشــكل خـ ّ
نؤســس لواقــع مشــترك ،يجــب أن نتفَّــق ديموقراطيتنــا ،يفتــرض أن ّ ـم تحديــد انتماءاتهــم ،بشــكل كامــل ،مــع األشــخاص الذيــن لــم يتـ ّ
ـددعلــى مجموعــة مــن المبــادئ والمعتقــدات األساســية .عندمــا ينـ ّ ـد ذلــكتوخــي مزيــد مــن اليقظــة ،وقــد يحـ ّ مجموعــات تآمريــة ،علــى ّ
ـزورة ،فهــذا أمــر خطيــر للغايــة ،ألنه والمتردديــن فــي نشــر هــذا النــوع
ّ كين ـكّمــن رغبــة األشــخاص المتشـ
«دونالــد ترامــب» باالنتخابــات المـ ّ
يدعــو إلــى التشــكيك فــي إمــكان وجــود أســاس مــن القيــم المشــتركة، مــن المعلومــات.
التــي تمكِّ ننــا مــن إرســاء نقــاش ديموقراطــي .ومــع تقســيم الفضــاء لكــن مــن الواضــح أن األشــخاص المقتنعيــن ،للغايــة ،بحقيقــة هــذه
ـدةً ،برز خطــر حقيقي المعتقــدات التآمريــة ،ســيجدون ســبب ًا للتنديــد برقابــة «فيســبوك» أو
اإلعالمــي ،الــذي زادتــه الشــبكات االجتماعيــة حـ ّ
ضحيــة جــزء مــن الترســانة البالغيــة ّ التحــول إلــى
ّ «تويتــر» عليهــم.
أي مرجــع مشــترك ،وفــي هــذه الحالــة ،لــن يكــون هنــاك فــي غيــاب ّ للمتآمريــن.
أي مجــال للنقــاش.
ّ
■ حوار :لويس سان ،وبينوا زغدون ۹ترجمة :عبدالله بن محمد نظريات المؤامرة في مجتمعنا؟ ما الخطر الذي تمثّله
ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: -لدينــا شــكل جديــد ومقلــق مــن المؤامــرة ،لــم يعــد قائمــ ًا علــى
https://bit.ly/37zssCK الحقائــق ،ونــرى ذلــك مــع «كيــو أنــون .»Q Anon -ال نحتــاج حتــى
ـرة
ـم طرحهــا« :مــاذا كان شــعورك فــي أول مـ ّ األســئلة التــي يتـ ُّ منــذ منتصــف شــهر أبريل/نيســان الماضــي تقوم «بيتســي ســنيلر
ارتديــت فيهــا القنــاع خــارج المنــزل؟» أو «هــل اضطــررت أنــت أو ُّغويــات
المســاعد فــي علــم الل ّ - »Betsy Sneller -األســتاذ ُ
مهمة؟» .علــى الرغم من قربيــن إليــك إلــى إلغاء خطــط َّ الم َّأحــد ُ بمســاعدة ُ (،)MSU األميركية ـيجان» االجتماعيــة بجامعة «ميشـ ّ
تع ُّلــق معظــم األســئلة المطروحة بالوضــع الحالي الذي نعيشــه المســاعد ُ المديــر »Suzanne Wagner «ســوزان واجنــر -
للتعرف بشــكلٍ أكبر على ُّ ـم طرحهــا اآلنّ ،إل أن بعــض األســئلة يتـ ُّ صوتيــة
ّ ـق مــن الباحثيــن -بجمــع رســائل للمشــروع ومعهمــا فريـ ٌ
المشــاركين ،مثــل «ماهــي األشــياء التــي ُتشــعرك باالمتنــان؟». ُ لتتبع ما طــرأ على اللُّغة ُّ ة األميركي
ّ ـيجان» مــن ســكّ ان واليــة «ميشـ
الشخصية، المشــاركون بتسجيل مدخالتهم على هواتفهم يقوم ُ ُ
الجائحــة .ويهــدف المشــروع الــذي أطلــق ِ تغيــرات خــال َ
ّ مــن ُّ
ـم تحميلهــا علــى تطبيق مشــروع يوميــات (.)MI ومــن َثـ َّ ـي ّ ـ االجتماع ـدـ التباع
ُ ـواء ـ أج ـرـ تأثي ـعـ تتب
ُّ ـى ـ إل »MI ـات ـ «يومي عليــه
ُّغــوي،
ّ ل ال التوثيــق مــن أبعــد ً
ا هدفــ دخــات الم
ُ تلــك تحقِّــق االفتراضــي علــى اللُّغــة ،وذلــك ســواء علــى المــدى والتعليــم
ّ
التاريخيــة التــي طــرأت
ّ ـة
ـ االجتماعي
ّ ـرات ـ التغي
ُّ ـع ـ بتتب
ُّ ـوم ـ تق فهــي القصيــر أو البعيــد .تقــول «ســنيلر « :»Sneller -ولكــن هنــاك
ال فــي نبــرات تحــو ً الجائحــة .الحظــت «ســنيلر» ِ تزامنــ ًا مــع َ
ُّ ـاني لألشــياء ( )...أنــت تراقــب مشــاعر البعــد اإلنسـ ّ أيض ـ ًا ذلــك ُ
المشــاركين خــال فتــرة الثالثــة أشــهر التاليــة ،تل َّقــى أصــوات ُ تتغيــر بشــكلٍ كبيــر َّ أســبوع ألســبوع ،وكيــف ٍ األشــخاص مــن
ـاس يشــعرون المدخــات مــن أنـ ٍ فيهــا التطبيــق عــدد ًا أكبــر مــن ُ الموضوعــات التــي يرغبــون فــي الحديــث بهــا».
باإلحبــاط وفقــدان األمــل .علــى الرغــم مــن أن البحــث مــازال في األميركيــة ،تقــوم «واجنــر - بحــث لجامعــة «ميشــيجان» ٍ فــي
ّ
بداياتــهّ ،إل أن «ســنيلر» لديهــا بعــض التنبــؤات حــول الكيفيــة ُّغويــات -بوصــف ّ ل ال علــم فــي ســاعد الم -األســتاذ »Wagner
ُ
االجتماعــي علــى طريقــة الحديــث، ّ التباعــد
ُ التــي ســيؤ ِّثر بهــا حقيقي ًا فــي اللُّغة العالميــة الثانيــة بأنهــا تم ِّثــل منعطفـ ًا الحــرب
ّ ّ
«الجا ِئحــة» .فــي بدايــة شــهر َ ـح ـ مصطل ـص ُّ ـ يخ وباألحــرى فيمــا اإلنجليزيــة إلحداثهــا تقارب ـ ًا بيــن أنــاس لــم يكــن لتوجــد بينهــم ّ
والعا َلــم بشــكلٍ عــام غيــر َ ـاركونـ ش الم
ُ كان ،2020 أبريل/نيســان ـم إرســال الجنود ـ يت «كان :»Wagner - ـر ـ «واجن ـول ـ تق ـة. أي عالقـ
ُّ
متأكِّ ديــن مــاذا يطلقــون علــى الفيــروس ،تقــول «ســنيلر» «كان ـكرية فيمــا دخلــت النســاء ســاحة العمــل الــى القواعــد العسـ ّ
ـاس يشــيرون إلــى الفيــروس فــي جمــل تتخلَّلهــا عبــارات لدينــا أنـ ٌ ـرة» .وعلــى العكــس مــن ذلــك ،أجبرنا «كوفيــد »19 -على ألول مـ ّ
مثــل «األوقــات الســابقة» أو «األوقــات الحاليــة» أو كلمــات مثــل االفتراضية شــيئ ًا طبيعياً. التعامالت من ً
ال جاع ً،
ا ـدي ـ جس التباعد
ّ ّ ُ
ـي» ،وأضافت أن األغلبيــة متفقة اآلن على و«حجــر صحـ ّ ْ «إغــاق» بــدأت «ســنيلر »Sneller -عملهــا فــي جامعــة «ميشــيجان» فــي
«الجا ِئحــة». َ ـح ـ مصطل ـتخدام اسـ منتصــف شــهر مــارس/آذار ،2020وهــو تقريب ـ ًا نفــس التوقيــت
العالميــة حالــة الطــوارئ ّ الصحــة َّ الــذي أعلنــت فيــه منظَّ مــة
كلمات لعام غري مسبوق الجا ِئحة .مدفوعــة بتصميمها على توثيق لحظة العالمية بســبب َ ّ
فــي نوفمبر/تشــرين الثانــي الماضــي ،أصــدر قامــوس أكســفورد تاريخيــة ،نجحــت كلٌّ مــن «ســنيلر» و«واجنر» فــي الحصول على ّ
اإلنجليزيــة ( )OEDتقريــر ًا تحــت اســم «كلمــات لعــام غيــر
ّ للغــة المؤسســية في «ميشــيجان» إلجراء َّ ـةـ راجع الم
ُ ـس ـ مجل ـة ـ موافق
ـم فيهــا اختيار
ُّ ـ يت كان ـي
ـ الت ـابقة،
ـ الس ـوام
ـ األع ـس
ـ بعك ـبوق».
مسـ مرة أســبوعي ًاّ العمل فريق بلقاء ً
ا حالي «واجنر» وتقوم ـة. ـ الدراس
كلمــة واحــدة لتكــون كلمــة العــام (علــى ســبيل المثــال كلمــة المشــاركين .أمثلة لبعض يتم طرحها علــى ُ لوضــع األســئلة التــي ُّ
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 136
أرضإجــراء أبحــاث عــن «الميمــات» ،فهــي مــن وجهــة نظرهــا ٌ حــررون باســتحالة الم ِّ «طــوارئ مناخيــة» لعــام )2019شــعر ُ
لتغيــر اللُّغــة .تقــول «كايثلــر»« :تزدهــر (الميمــات) بنــاء ُّ خصبــة تضمــن التقريــر عشــرات َّ تلخيــص عــام 2020فــي كلمــة واحــدة.
المشــترك» وتضيــف أن «كوفيــد» ُ ـم ـ الفه ـن ـ م ـة
ـ أرضي ـودـ وج علــى الكلمات مثل «عنصرية ممنهجة »systemic racism /و«انتقاد
يمنحنــا خلفيــة مشــتركة تمكِّ ن الجميــع من أن يكونوا مشــمولين متع ِّلــق بالقنــاع »mask-shaming/وبالطبــع كلمــة «فيــروس
الجا ِئحــة أظهــرت كيــف داخــل الوضــع ذاتــه ،كمــا تشــير إلــى أن َ كورونــا .»Corona virus/وجــاء فــي تحليل التقريــر أنه في فترة
يســتخدم النــاس الدعابــة للتأقلــم مــع األوضــاع الصعبــة. مــا قبــل يناير/كانــون الثاني 2020ظهرت كلمــة «فيروس كورونا»
التعبيري،
ّ ـن
فــي ،2019أنهــت «كايثلر» دراســتها فــي العالج بالفَ ـ ّ ـوي يشــير ـرة كلّ مليــون رمــز (وهــو مصطلــح لُغـ ّ بمعــدل 0.03مـ ّ
ـن -كالرســم ـوع مــن العــاج يســتخدم مختلــف أشــكال الفَ ـ ّ وهــو نـ ٌ إلــى أصغــر وحدات اللُّغة) .فيما شــهد شــهر أبريل/نيســان 2020
للمســاعدة فــي التشــافي والنمــو .في رأيهــا ،الميمات ُ ـة- أو الكتابـ -متضمنة مشــتقاتها ِّ قفــز ًة هائلــة في اســتخدام الكلمة المذكورة
ـري ،لذلــك فهــي تحــاول إدمــاج ـن التعبيـ ّ شــكل مــن أشــكال الفَ ـ ّ ُغوي، ل ـز
ـ رم مليون ـرة
ّ كلّ مثــل كلمــة كوفيــد -ليصل إلى 1.750مـ ّ
أبحاثها في الفصول التي تقوم بتدريســها .في مارس/آذار ،2020 اإلنجليزيــة. ليصبــح بذلــك أكثــر األســماء اســتخدام ًا فــي اللُّغــة
ّ
اضطــرت «كايثلــر» -شــأنها فــي ذلــك شــأن العديــد من األســاتذة- تضمــن أكثــر عشــرين كلمــة تجــدر اإلشــارة أيضـ ًا إلــى أن التقريــر
َّ
إلــى اســتخدام نمــوذج التعليــم عبــر تطبيــق «زووم .»zoom - اســتخدام ًا فــي يناير/كانــون الثانــي ،2020مثــل «حرائــق غابــات
ـي في عــدد هائل من ـكلٍ
بشـ عــام ،تسـ َّـبب ذلــك النمــوذج التعليمـ ّ »bushfires -و«عــزل الرئيــس »Impeachment -و«ضربــة
همشــة، الم َّالمجتمعات ُ معوقات االتصال ،والتي أثَّرت ســلب ًا على ُ أمــا فــي مــارس/آذار 2020فكانــت جميــع جويــة ّ ،»airstrike -
الجا ِئحةَ ـول ـ ح ـات ـ المعلوم خاصــة إذا مــا اقتــرن ذلــك بســيل مــن ّ حررون الم ومازال ـد. ـ بكوفي صلة ذات ً
ا ـتخدامالكلمــات األكثر اسـ
ُ ِّ
والتــي قــد يكــون معظمهــا غيــر دقيــق .وقــد أوضحــت دراســة ُّغويــة ذات الصلــة التغيــرات الل ّ ُّ تتبــع
فــي ( )OEDعاكفيــن علــى ُّ
اإلنجليزية لغيــر ناطقيها ّ أميركيــة نشــرتها دوريــة «تدريس اللُّغــة ّ بالجا ِئحــة ،حتــى أنهــم قامــوا بإصــدار تحديثيــن إضافيين بخالف َ
االفتراضــي
ّ التعليــم أن الماضــي، أغســطس/آب فــي »TOESL/ المعتــاد .تجــدر اإلشــارة أيض ًا إلــى وجود ـنويـ الس ـع
ـ رب ـم
ـ تقريره
ُ ّ
أ َّثــر ســلب ًا علــى الطــاب الناطقيــن بأكثــر مــن لغــة .وفــي الوقــت الجا ِئحــة
ـم إفرازهــا نتيجــة َ مزاعــم بــأن الكلمــة الوحيــدة التــي تـ َّ
اإلنجليزيــة ،كانــت هنــاك ّ الــذي تدفَّقــت فيــه المعلومــات باللُّغــة المركَّ بــة «كوفيــد .»19 -
اإلنجليزيــة فــي أنظمــة التعليــم إمكانيــات َأقــلّ لدارســي اللُّغــة هــي الكلمــة ُ
ّ
التكنولوجيــة األميركيــة ،وذلــك بســبب افتقارهــا للبنيــة التحتيــة
ّ ّ غري الناطقني باللّغة السائدة هم األكرث عرض ًة
ـول إلــى التعليــم عبــر اإلنترنــت. التــي تمكِّ نهــا مــن إدارة التحـ ُّ التخاذ قرارات أ َقلّ وعياً
ـرت منظَّ مة «مترجمين بال حــدود» ()TWB فــي الوقت نفســه ،أقـ َّ
العامة -في ّ بالصحــة
َّ -والتــي تعمــل علــى ترجمــة كل مــا يختــص تعــزي «الفريــدا كايثلــر ،»Elfrieda Lepp-Kaethler -أســتاذة
تتحدث اللُّغة َّ المجتمعات التــي ال العامة ،بــأن ُ ّ موجــز سياســتها ـوي ،هــذا التغييــر غيــر المســبوق فــي اللُّغــة
علــم النفــس اللُّغـ ّ
الســائدة قــد ال تتمكــن مــن اتخــاذ قــرارات واعيــة حــول ماهيــة إلــى الســرعة التــي انتشــر بهــا الفيــروس ،والتــي دفعتنــا دفع ـ ًا
الجا ِئحة .وأوضحت «إيلــي كيمب Ellie - ـرف األمثــل خــال َ التصـ ُّ ـي .فــي فتــرة اإلغــاق ،بــدأت «كايثلــر» فيإلــى الفضــاء االفتراضـ ّ
137 أغسطس -سبتمرب 167-166 2021
حقيقية بيــن «كوفيــد» وبعض ّ ممــا يعـ ِّزز مــن إيجــاد روابــط غيــر
ّ ،»Kempرئيس إدارة االســتجابة لألزمات في منظَّ مة «مترجمين
العوامــل األخــرى ،كمــا تخلق حالة من الخوف واســعة االنتشــار اإلعالمية
ّ لمنصــة «ديفيكــس »Devex - ّ بــا حــدود» ،فــي حديث
ـانية». المصابيــن بالمــرض مــن صفــة اإلنسـ ّ ـؤدي إلــى تجريــد ُ وتـ ِّ العالميــة ،أن الكلمــات ّ رالتطــو
ُّ ــرات مؤش
ّ المعنيــة بمتابعــة
مصور
ِّ متعمــداً ،وهــو ما أكَّ ــده َّ للمصطلــح كان اســتخدام ترامــب ُ اجتماعي» يمكنهــا أن تكون غيرّ «تباعــد
ُ االصطالحيــة مثــل كلمــة
ّ
صحافــي تابــع لجريــدة «واشــنطن بوســت» حيــن التقــط صــور ًة المصطلح نفســه غير مألــوف .وتقترح ُ ألن مفيــدة علــى اإلطــاق،
خاصــة بترامــب خــال إحــدى خطبــه فــي مــارس/ ّ لمالحظــات ُ «كيمــب» اســتخدام عبــارات مثــل «الحفــاظ علــى مســافة مــن
بخط أســود عريض ٍ آذار ،2020وكان قــد شــطب كلمــة «كورونــا» للمســاعدة على نقل التعليمات بشــكلٍ أوضح. اآلخرين» كبديل ُ
ـي».
ليكتــب مكانهــا كلمــة «صينـ ّ ث ســلطات باإلضافــة إلــى ذلك ،قامت منظَّ مة «محامي كندا» ب َِح ِّ
اســتخدام االســتعارات /التشــبيهات ذات الصلة بفكرة «الحرب» المتعلِّقــة بلقــاح العامــة علــى إتاحــة كافــة المعلومــات ُ ّ الصحــة
َّ
ُّغويــات ،إذ حــث الجا ِئحــة ظاهــرة لفتــت أنظــار خبــراء الل ّ خــال َ اإلنجليزيــة ،وذلــك نظــر ًا
ّ «كوفيــد »19 -لغيــر الناطقيــن باللُّغــة
أغلبهــم علــى اســتخدام اســتعارات غيــر ذات صلة بفكــرة الحرب لتزايــد انتشــار المعلومــات المغلوطــة حــول أمــان اللقــاح .فــي
لتشــجيع األفــراد علــى اتبــاع احتياطــات األمــان .فتشــبيهات مثل بمراقبــةـاص ُ األميركيــة نجــد أن البرنامــج الخـ ّ
ّ المتحــدة
الواليــات ُ
ـؤدي إلــى إحــداث حالــة من «الحــرب ضــد فيــروس كورونــا» قــد تـ ِّ اللقــاح -التابــع لمراكــز الســيطرة علــى األمــراض والوقايــة منهــا-
العا َلــم َ ـول ـ ح ـن ـ يُّغوي
ّ ل ال القلــق ال داعــي لهــا ،األمــر الــذي دعــا لتتبــع األعــراض الجانبيــة للقــاح «كوفيــد صمــم خصيص ـ ًا ُّ والم َّ
ُ
إلــى التشــاور بشــأن إيجــاد عبــارات بديلــة ،وذلــك مــن خــال اإلنجليزيــة.
ّ ـة ـ ُّغ
ل بال ـطـ فق ـاحـ مت ،»19 -
تفعيــل هاشــتاج «( »Reframe covid#أعيــدوا صياغة كوفيد).
ال فــي اســتخدام لفــظ «أبطــال» لإلشــارة أعطــت «كايثلــر» مثــا ً للغة أهمِّ يتها الحتمية
الجا ِئحــة ،مؤكِّ ــد ًة أن إلــى العامليــن بالصفــوف األماميــة خــال َ تقــول «ســنيلر» «نحــن نجــد أن اللُّغــة مرتبطــة بشــكلٍ عميــق
ـانية ّ ـ اإلنس ـات ـ ي التحد
ّ اســتخدام ذلــك اللفــظ ُيبعــد التركيــز عــن
ـخصية لألفــراد ،كمــا أنهــا غالب ـ ًا مــا ُتظهــر التاريــخ
ّ بالهويــة الشـ
ّ
التــي يواجهــا هــؤالء العاملــون .وأخيــراً ،تشــير «ســنيلر» إلــى أن
أهميتهــا!» .نجــد
ِّ ـة ـ «للغ ـدة ـ مؤكِّ ـف ـ وتضي »، ـي
ّ ـ والجمع ـردي
ّ الفـ
يتعين َّ حجــم الدراســة النهائــي مــازال مجهوالً ،وذلك ألنه مــازال
األميركي الســابق دونالد ترامب ّ ال واضحـ ًا عندما قام الرئيس مثــا ً
المشــاركات حتــى بعد عليهــم االســتمرار فــي توثيــق المزيــد مــن ُ الصيني» .إن اللُّغة التي اختارها لإلشــارة ّ «الفيروس كلمة بتكرار
ـر غيــر ٌ ـ أم ـو ـ وه ، ـي
ّ ـ االجتماع التباعــد
ُ إتاحــة اللقــاح وانتهــاء فتــرة
ـيويين عبــر
إلــى كوفيــد أدت الــى ظهــور مشــاعر معاديــة لآلسـ ّ
معلــوم ميعــاده حتــى اآلن.
ـدي
ـي والجسـ ّ البــاد ،وبالتبعيــة تزايــدت حــاالت االعتــداء اللفظـ ّ
■ بيا آرانيتا ۹ترجمة :دينا البرديني
بســبب مخــاوف تتع َّلــق بفيــروس كورونــا .واســتجابة منهــا لذلــك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: العالميــة بالتغريــد «إن
ّ الصحــة
َّ الســيناريو ،قامــت منظَّ مــة
https://lithub.com/tracking-the-changing-ways-we-talk-in-the-covid-19-era/ الكلمــات قــادرة علــى تخليــد أفــكار وفرضيــات نمطيــة ســلبية،
أغسطس -سبتمرب 167-166 2021 138
يف التعايش مع الوباء:
علينا التخلُّص
َ
ستحدثاتمن مقاومة امل ُ
ـوت دفــن يرفــض قبــول الحقيقــة ..يشء أقــوى مــن املنطــق والعقــل يتحكَّ ــم يف ردود أفعالنــا ويــأىب قبــول مثــة صـ ٌ َّ
كل يشء ،ولكــن هــذا مل يحــدث ،ورسعــان مــا عاودنــا الركــض خلــف غي ّ الجائحــة سـ ُت ِِّ أن َ الواقــع الجديــد ..ظننــا ّ
الحياتيــة الســابقة فيــا قبــل كورونــا
ّ كتســب الــذي يدفعنــا دفعـ ًا نحــو محــاكاة أغلــب ســلوكياتنا ذلــك اإلدراك ا ُ
مل َ
وكأن شــيئ ًا مل يكــن ..يبــدو ح ّقـ ًا أنــه يتعــذَّ ر علينــا تصديــق مــا نحــن فيــه!! ّ
ـي األملــاين «هانــز يورجــن فــرث »Hans-Jürgen Wirthاألســباب النفسـ ّـية ـي واالجتامعـ ّ ملح ِّلــل النفـ ّ يف ِّنــد ا ُ
ـل التعايــش مــع أزمــة كورونــا .كــا واالجتامعيــة التــي تدفــع كثرييــن إىل إنــكار الواقــع الجديــد يف حياتنــا يف ظـ ّ ّ
ملواطنــن عــى التخ ُّلــص مـ ّـا أســاه ظاهــرة مجتمعيــة تســاعد ا ُ
ّ ـات ـمنهجي
ّ ـي ـنِّ تب ـة
ـ يوأهم
ِّ ـرورة ـ ب ً
ا ـ أيض يــويص
اليوميــة يف مقتــل.
ّ ـتجد عــى واقعنــا املعيــش ورضب روتــن الحيــاة ـل مــا اسـ َّ ـتحدثات» يف ظـ ّ ملسـ َ «مقاومــة ا ُ
ـم
ملتصالحــن مــع هــذه الحقيقــة بالصدمــة ،لتبــدو كارثيــة الوبــاء كـ«فيلـ ٍ لكــن البعــض ال يكــرث لدرجــة أصابــت ا ُ
داهــم الجميــع بأجزائــه األكــر ُرعب ـ ًا. ســيناميئّ» رسعــان مــا ُي ِ
األهم؛
ّ ســوف ينتهي ..وهو ما لم يحدث ..والتساؤل الصيفية ،حيــث كانت تكتظ ّ نتذكَّ ــر أجواء العطــات
والحث علىّ مــاذا عــن األصــوات التي دعــت للتغييــر بـ«المصطافين»ُ المطِّ لة على بحر البلطيق الشواطئ ُ
إيجابيــات
ّ ـم
ـ إعــادة التفكيــر فــي نمــط الحيــاة ،وتقيي المتعــة ..الجميــع كانــوا ُ ال ـب
ـ الرع ـر
ـ يثي فــي مشــهد
األزمــة ،التــي قــد تســاعدنا كــي نصبــح عالَمـ ًا أكثــر ممــا مضــى ،طمعـ ًا في أنه يحاولــون اقتنــاص لمحــة ّ
أما الســؤال رقميــة وأكثــر اســتدامة وأكثــر دفاعيــة؟ ّ ّ ســيعود ..والواقــع أن ذلــك الســلوك كان هو الخطر
تعجيزيـ ًا بصــور ٍة الفتة؛ رغــم الخطر الذي ّ الــذي بــدا الــذي ينضج فــي الخفاء!!
ـم يتعــذَّ ر علينــا تغييــر نمــط يتربــص بنــاِ ،لـ َ
ال يــزال َّ جا ِئحــة كورونــا !!..هــل كانــت أكذوبــة ،أم ُهــراء،
ـة دائمة ودون قالقل؟ لمــاذا ننظر دائم ًا حياتنــا بصفـ ٍ العامــة ؤامــرة؟ تســاؤالت شــكَّ لتها ممارســات
ّ أم ُم َ
إلــى الــوراء ونعجــز عــن تــرك عاداتنا القديمــة وننكر يتخبطــون بيــن تخفيــف إجــراءات ّــوا
ل ظ الذيــن
َّ
الواقــع الجديــد ،بــل ونمنحــه تفســيرات تخلــو مــن الطبيعيــة الصحــي واســتئناف الحيــاة الح ْجــر
َ
ّ ّ
ـرر أفعالنــا؟المقنعــة ،كــي نبـ ِّ والحجــج ُ
ُ المنطــق الصيــف الماضــي وبيــن تحذيرات من ظهور ســاالت
شرســة مــن الوبــاء خــال األعــوام القادمــة ..ولكــن
نحن رهائن ملشاعر االعتياد ـم ممارســته مــع األســف ،كلّ شــيء فــي النهايــة تتـ ُّ
المعتــادة دائمــ ًا مــا
األيديولوجيــات ُ
ّ التخلــي عــن يتوجــب علينــا، َّ المعتــادة نفســها ..فقــط بالطريقــة ُ
ينطــوي علــى الكثيــر مــن الشــكوك والمخــاوف. كشــر عنسي ِّ
ارتــداء أقنعــة الوقايــة ..رغــم أن الوباء ُ
الخــوف مــن كلّ مــا هــو جديــد ،نظــر ًا لمــا ينطــوي أنيابــه بالتأكيــد بطــرق لــن يمكننــا التنبــؤ بهــا ،ولكــن
عليــه مــن مجهــول يتعــذَّ ر التعاطــي معــه وفــق الغالبيــة استســلمت لغوايــة التم ِّنــي بــأن الكابــوس هانز يورجن فيرث ▲