You are on page 1of 145

‫إدغار موران‬

‫عدد خاص‬
‫مئة‬
‫سنة‬
‫‪w w w.dohamagazine.qa‬‬
‫ملتقى اإلبداع العريب والثقافة اإلنسانية‬

‫»‬
‫عدد خاص ‪ - 167-166‬أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪2021‬‬

‫جائحة القرن‬
‫كيف واكبت «‬
‫‪Year 14 - No. 166 - 167 - Dhul-Hijjah 1442 - Muharram 1443 - August - September 2021‬‬ ‫السنة ‪ - 14‬العددان ‪ - 167 - 166‬ذو الحجة ‪ - 1442‬محرم ‪ - 1443‬أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪2021‬‬ ‫‪AL-DOHA MAGAZINE‬‬ ‫‪167-166‬‬
‫تاريخية يف مسرية اإلصالح والحداثة‬
‫ّ‬ ‫محطة‬

‫ومســاءلة الــوزراء الســتيضاح األمــور الداخلــة فــي‬ ‫هويــة قطر عبر الزمــان‪ ،‬وتظهر في أبهى صورها‬ ‫تبلــورت ّ‬
‫اختصاصاتهــم‪.‬‬ ‫األخالقية‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫قيم‬ ‫وفي‬ ‫ـكه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وتماس‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫جتم‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫فــي تضامـ‬
‫متميــزة على مســتوى‬ ‫ـي هــام إذاً‪ ،‬وخطــوة‬ ‫ـه لوطنــه‪ .‬وعلــى هــذا األســاس المتيــن‬ ‫وحبـ ِ‬ ‫ـمحة‪،‬‬ ‫السـ‬
‫ِّ‬ ‫ـدث سياسـ ٌّ‬ ‫حـ ٌ‬ ‫ّ‬
‫الخليجيــة‪ ،‬هــذا مــا ينطــوي عليــه الترقُّــب‬ ‫ّ‬ ‫المنطقــة‬ ‫ـتمد‬
‫المجتمع‪ ،‬يسـ ُّ‬ ‫قــام نظــام راســخ ومتجــذِّ ر فــي بنيــة ُ‬
‫الشــعبي الواســع الــذي يســبق العــرس‬ ‫واالهتمــام‬ ‫قوتــه مــن تقاليــد راســخة مــن الحكــم العادل والرشــيد‬
‫ّ‬
‫المرتقَ ــب فــي قطــر مطلــع أكتوبــر‬ ‫ّ ُ‬ ‫الديموقراطــي‬ ‫بالمبايعــة وعالقــات الــوالء والثِّقــة‬ ‫المرتبــط بالشــعب ُ‬ ‫ُ‬
‫المقبــل‪ ،‬حيــث ســيختار الشــعب ‪ 35‬عضــو ًا لتمثيله في‬ ‫المجتمع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫وبي‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫بين‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫باش‬ ‫الم‬
‫المتبادلــة والتواصــل ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫أول مجلــس شــورى منتخــب‪ .‬وبذلــك تكــون دولــة قطــر‬ ‫ال لمســیرة اإلصــاح والحداثــة فــي دولة قطر‪،‬‬ ‫واســتكما ً‬
‫أساســية مــن‬ ‫السياســي بركيــز ٍة‬ ‫قــد عــ َّززت نموذجهــا‬ ‫رســمت القيــادة الرشــيدة فــي عــام ‪ 2008‬خریطة طریق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المشــاركة‬ ‫ـار‬
‫ـ‬ ‫إط‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـرار‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫الوطنیــة ‪،»2030‬‬ ‫للمســتقبل تحــت عنــوان «رؤیــة قطــر‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫المشــاركة فــي ُ‬ ‫ركائــز ُ‬ ‫ّ‬
‫ـعبية الواعيــة والمســؤولة عن اختياراتها وممارســة‬ ‫ـتراتیجیات تشــمل اإلنســان‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫لتطویر‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫عام‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫إطار‬ ‫لتكون‬
‫الشـ ّ‬ ‫ّ‬
‫صالحياتهــا وأدوارهــا المنوطة بها‪ ،‬في أفق ترســيخ هذه‬ ‫الثقافیــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والھویــة‬
‫ّ‬ ‫والمجتمــع واالقتصــاد والسیاســة‬ ‫ُ‬
‫ـة‬‫وترمــي إلــى تحویــل قطــر بحلــول عــام ‪ 2030‬إلــى دولـ ٍ‬
‫الديموقراطيــة التــي يختــار عبرهــا الشــعب نوابـ ًا‬ ‫ّ‬ ‫اآلليــة‬
‫عنه ليتكلَّموا باســمه ويدافعوا عن مصالحه وتطلّعاته‪.‬‬ ‫ســتدامة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫متقدمــة قــادرة علــى تحقیــق التنمیــة ُ‬ ‫ِّ‬
‫إن ترســيخ هــذه اآلليــة‪ ،‬مــن شــأنه الدفــع‬ ‫وتأمیــن اســتمرار العیــش الكریــم لشــعبھا‪ .‬وفــي هــذا‬
‫ـك ّ‬ ‫بــدون شـ ّ‬
‫تلخص القيادة الرشــيدة للبــاد أهداف التنمية‪،‬‬ ‫الصــدد ِّ‬
‫قدم ـ ًا بمســيرة اإلصــاح والحداثــة التــي خطَّ تهــا قطــر‬
‫بمــا فــي ذلــك رؤيــة قطــر ‪ ،2030‬فــي ثــاث كلمــات‪:‬‬
‫مؤسســات حريصــة علــى اعتمــاد‬ ‫َّ‬ ‫وجعلــت منهــا دولــة‬
‫والمواطــن‪ .‬وهــي األهــداف التــي تســعى‬ ‫بنــاء الوطــن ُ‬
‫حكم القانون ومبادئ الحكم الرشــيد ومكافحة الفســاد‬
‫التشــريعية إلــى تحقيقهــا وفــق المبــادئ‬ ‫ّ‬ ‫السياســة‬
‫والحر ّيــات األساسـ ّـية وتمكين‬ ‫ّ‬ ‫وحمايــة حقــوق اإلنســان‬ ‫ِ‬
‫دولــة‬ ‫المضــي فــي إقامــة‬ ‫ُ‬ ‫فــي‪:‬‬ ‫ِّلــة‬ ‫ث‬ ‫تم‬ ‫الم‬‫ُ‬ ‫ة‬ ‫الدســتوري‬
‫ّ‬
‫المشــاركة فــي الحيــاة العامــة علــى َقــدم‬ ‫المــرأة مــن ُ‬ ‫ؤسســات وتطويرهــا‪ ،‬وتنظيــم ســلطات‬ ‫والم َّ‬ ‫القانــون ُ‬
‫المســاواة مــع الرجــل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الدولــة الثــاث‪.‬‬
‫ـرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫التنمية‬ ‫محور‬ ‫هو‬ ‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫القط‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫واط‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫وإذا‬
‫اإلصالحيــة تأتــي انتخابــات‬ ‫ّ‬ ‫المســيرة‬ ‫ضمــن هــذه‬
‫والمتوازنــة‪ ،‬باعتبارهــا الســبيل إلــى إقامــة‬ ‫المتكاملــة ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫تاريخيــة هــي األولــى مــن‬ ‫ّ‬ ‫مجلــس الشــورى‪ ،‬كخطــوة‬
‫لمتطلَّبــات العصــر‬ ‫ُ‬ ‫تســتجيب‬ ‫التــي‬ ‫الحديثــة‬ ‫الدولــة‬ ‫بموجــب النظــام‬ ‫‪،1972‬‬ ‫ســنة‬ ‫نوعهــا‪ ،‬فبعــد تأسيســه‬
‫ُ‬
‫ـي األصيــل والعقيــدة‬ ‫دون التخ ّلــي عــن االنتمــاء العربـ ّ‬ ‫عدل في ‪ 19‬أبريل‪/‬نيســان ‪1972‬م‬ ‫الم َّ‬ ‫المؤقَّت ُ‬ ‫ـي ُ‬ ‫األساسـ ّ‬
‫اإلســامية الســمحاء‪ ،‬مــع ضــرورة أن يواكــب ارتفــاع‬ ‫ّ‬ ‫ومؤسســات الدولــة الحديثة‪ ،‬ومن بينها‬ ‫هياكل‬ ‫لتنظيــم‬
‫َّ‬
‫ـي‪ ،‬فإنــه‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫وثقاف‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫قيم‬ ‫ر‬‫ـو‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫تط‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫واط‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫معيش‬ ‫مســتوى‬ ‫مجلــس الشــورى‪ ،‬يأتــي إعــان حضــرة صاحــب الســمو‬
‫ـب فــي تحقيــق تلك‬ ‫بقــدر الحاجــة لبرامــج انتخابيــة تصـ ُّ‬ ‫الشــيخ تميــم بــن حمــد آل ثانــي أميــر البــاد المفــدى‬
‫المســاعي فــي االقتصــاد والصحــة والتعليــم واإلســكان‬ ‫فــي نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪ ،2020‬عن إجــراء انتخابات‬
‫المرتبطــة‪ ،‬بقــدر الحاجــة‬ ‫وغيرهــا مــن المجــاالت ُ‬ ‫للمرة األولى في أكتوبر‪/‬تشــرين األول‬ ‫مجلس الشــورى‬
‫ّ‬
‫المســتمرة إلــى االهتمــام بالثقافــة وإعطائهــا حيــز ًا‬ ‫ُ‬ ‫وتاريخيــة فــي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫مهم‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫لبن‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫لوض‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الجاري‬ ‫مــن الســنة‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫فــي البرامــج االنتخابيــة كباقــي المجــاالت‪ ،‬وهنــا يأتــي‬ ‫القطرية وتطوير عملية التشــريع‬ ‫ّ‬ ‫تعزيز تقاليد الشــورى‬
‫وأهميتــه فــي خــوض غمــار هــذه التجربــة‬ ‫ّ‬ ‫المث َّقــف‬
‫دور ُ‬ ‫المواطنيــن بموجــب الدســتور‬ ‫ُ‬ ‫مــن‬ ‫بمشــاركة أوســع‬ ‫ُ‬
‫االنتخابيــة لكــي يتمكَّ ــن مــن وضــع تجربته علــى المحك‬ ‫حــدد اختصاصــات وصالحيــات‬ ‫َّ‬ ‫الدائــم للبــاد‪ ،‬الــذي‬
‫ولعــلّ‬
‫الثقافيــة‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وتصوراتــه فــي األمــور‬ ‫ُّ‬ ‫واختبــار أفــكاره‬ ‫المنتخب‪ ،‬في تولّي ســلطة التشــريع‪،‬‬ ‫مجلس الشــورى ُ‬
‫الميــدان االنتخابــي هــو ذلــك الفضــاء الــذي تتكافــأ فيه‬ ‫الموازنــة العامــة للدولة‪ ،‬وممارســة الرقابة على‬ ‫وإقــرار ُ‬
‫الفــرص فــي تنزيــل األفــكار علــى أرض الواقــع وتفعيلها‬ ‫التنفيذيــة‪ ،‬واقتراح القوانيــن‪ ،‬وإبداء الرغبات‬ ‫ّ‬ ‫الســلطة‬
‫بمــا يخــدم الصالــح العــام‪.‬‬ ‫للحكومــة فــي المســائل العامــة‪ ،‬وصالحيــة اســتجواب‬

‫رئيس التحرير‬
‫العددان‬
‫‪166‬‬

‫الغالف‪:‬‬
‫ثــقــافـيـة شــــهــريــة‬

‫السنة الرابعة عرشة ‪ -‬العددان مئة وستة وستون ‪ -‬ومئة وسبعة وستون‬
‫‪167‬‬
‫ذو الحجة ‪ - 1442‬محرم ‪ - 1443‬أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪2021‬‬

‫تصدر عن‪:‬‬
‫إدارة اإلصدارات والرتجمة‬
‫وزارة الثقافة والرياضة‬
‫الـــدوحــــة ‪ -‬قـــــطــــر‬
‫صـــدر الــعــدد األول يف نــوفــمــر ‪ ،1969‬ويف يــنــايــر ‪ 1976‬أخـــذت توجهها الــعــريب واســتــمــرت‬
‫يف الـــصـــدور حــتــي يــنــايــر عــــام ‪ 1986‬لــتــســتــأنــف الـــصـــدور مـــجـــدد ًا يف نــوفــمــر ‪.2007‬‬

‫رئيس التحرير‬
‫خـــالد العــودة الفـضـــيل‬

‫التحرير‬
‫محـســن العـتيقـي‬

‫التنفيذ واإلخراج‬
‫أحمد غزالة‬
‫‪14‬‬ ‫‪10‬‬ ‫هـــنـد البنسعيد‬
‫فلوه الهاجري‬

‫جميــع املشــاركات ترســل باســم رئيــس التحريــر عــر الربيــد‬


‫االلكــروين للمجلــة أو عــى قــرص مدمــج يف حــدود ‪ 1000‬كلمــة‬
‫عــى العنــوان اآليت‪:‬‬
‫ص‪.‬ب‪ - 22404 :.‬الدوحة ‪ -‬قطر‬

‫البريد اإللكتروني‪:‬‬
‫‪editor-mag@mcs.gov.qa‬‬
‫رافاييل إنتوفن‬ ‫فريديريك كيك‬ ‫تليفون ‪)+974( 44022295 :‬‬
‫فاكس ‪)+974( 44022690 :‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ـر بالرضورة‬‫ـر عــن آراء كتّابها وال تُعـ ِّ‬
‫املــواد املنشــورة يف املجلــة تُعـ ِّ‬
‫عــن رأي الــوزارة أو املجلــة‪ .‬وال تلتــزم املجلــة بــردّ أصول مــا ال تنرشه‪.‬‬

‫الموقع اإللكتروني‬

‫‪www.dohamagazine.qa‬‬
‫مواقع التواصل‬
‫‪aldoha_magazine‬‬

‫‪aldohamagazineofficial‬‬
‫‪dohamagazineofficial‬‬

‫لينا مرواين‬ ‫توماس أوخرت‬


‫‪63‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪40‬‬

‫إدغار موران‬ ‫بول أريي‬ ‫يوخن هوريش‬

‫‪116‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪112‬‬

‫أديال كورتينا‬ ‫مارسيل غويش‬ ‫أندريه كومت سبوفيل‬

‫‪124‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪120‬‬

‫جان‪-‬بول دومول‬ ‫باتريك بورشون‬ ‫نيل فرغيسون‬

‫‪139‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪127‬‬

‫هانز يورجن فريث‬ ‫أوليفييه كالين‬ ‫نعوم تشومسيك‬


‫تقارير وقضايا‬

‫جون إبيتسون وداريل بريكر‪:‬‬


‫األرض ستفرغ قريبا ً من س ّكانها!‬
‫ملثــرة لالهتــام‪ ،‬بــأن انخفــاض معـ َّـدل الــوالدات‬‫كل مــن «جــون إبيتســون» و«داريــل بريكــر»‪ ،‬يف مقالتهــا ا ُ‬ ‫يــرى ٌّ‬
‫العامليــة سيشــكالن معـ ًا الظاهــرة األبــرز يف القــرن الحــادي والعرشيــن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وانخفــاض الدميوغرافيــا‬
‫ملقبلــة مرتبطـ ًا باالكتظــاظ الســكّ اين‪ ،‬بــل عــى العكــس برتاجــع كبــر يف‬ ‫ـان الحاســم يف العقــود ا ُ‬ ‫لــن يكــون الرهـ ُ‬
‫يوضــح الباحثــان الكنديــان «جــون إبيتســون» و«داريــل بريكــر» يف مقالتهــا اآلرسة‬ ‫ســاكنة املعمــورة‪ ،‬حيــث ِّ‬
‫معدل املواليد أصبح بالفعل يعرف انحداراً رسيع ًا يف جميع القارات تقريب ًا‪ ،‬وســتكون‬ ‫َّ‬ ‫«الكوكب الفارغ»(‪ )1‬بأن‬
‫ملهاجريــن‪ .‬ومنــذ صــدور كتابهــا هــذا‬ ‫واقتصاديــة وأخــرى متعلِّقــة بحركــة ا ُ‬
‫ّ‬ ‫راديكاليــة جيوسياسـ ّـية‬
‫ّ‬ ‫لذلــك نتائــج‬
‫ملعطيــات الجديــدة تؤكِّ ــد هــذه األطروحــة التــي تقلــب جميــع أفكارنــا املســبقة رأس ـ ًا‬ ‫يف عــام ‪ ،2020‬مــا فتئــت ا ُ‬
‫عــى عقــب‪ ..‬الحــوار‪:‬‬
‫التوجــه؟‬
‫ُّ‬ ‫هــذا‬ ‫منــذ ظهــور «نظريــة مالثــوس»‪ ،‬أصبحنــا جميعــ ًا‬
‫‪ -‬داريــل بريكر‪ :‬أصبحت فكرة الكوكب الذي ســيفرغ‬ ‫نخشــى االكتظاظ الســكّ اني‪ ،‬ولكن أطروحة كتابكما‬
‫مــن ســكّ انه تفرض نفســها أكثــر وأكثر‪ .‬وحتــى األمم‬ ‫تقــول بعكــس ذلــك‪ ،‬أي أن الحــدث األهــم فــي القرن‬
‫بمراجعــة توقُّعاتها فــي عام ‪،2019‬‬ ‫ـي‬ ‫الحــادي والعشــرين ســيكون هــو التراجــع الحتمـ ّ‬
‫المتحــدة قامــت ُ‬ ‫ُ‬
‫حيــث توقَّعت انخفاض ًا ســكّ اني ًا مقارنــةً باألرقام التي‬ ‫العالميــة‪...‬‬
‫ّ‬ ‫للديموغرافيــا‬
‫ســبق وأعلنــت عنهــا يصــل إلــى ‪ 300‬مليــون نســمة‬ ‫المتحدة‪ ،‬ينتظر‬ ‫‪ -‬داريــل بريكــر‪ :‬وفق ًا لتوقُّعــات األمم ُ‬
‫أمــا بالنســبة لـ«كوفيــد»‪ ،‬فقــد‬ ‫بحلــول نهايــة القــرن‪ّ .‬‬ ‫أن يبلــغ عــدد السـ ّكان ذروتــه في نهاية القــرن الحادي‬
‫المتحدة‬ ‫أظهــرت اإلحصائيــات في الصيــن والمملكة ُ‬ ‫والعشــرين بنحو ‪ 11‬مليار نســمة‪ .‬ولكــن هذا النموذج‬
‫وفرنســا انخفاض ـ ًا كبيــر ًا فــي عــدد الــوالدات خــال‬ ‫المتوقَّــع أن‬ ‫ال يبــدو واقعيــاً‪ .‬وبــد ً‬
‫ال مــن ذلــك‪ ،‬مــن ُ‬
‫مؤسســة‬‫َّ‬ ‫قدرت‬
‫المتحــدة‪َّ ،‬‬ ‫الجا ِئحــة‪ .‬وفــي الواليــات ُ‬ ‫َ‬ ‫يبلــغ عــدد السـكّان ذروتــه عنــد ‪ 8‬إلــى ‪ 9‬ماليير نســمة‬
‫«بروكينغز إنستيتيوشن» أن هناك (‪ )300.000‬طفل‬ ‫بحلــول منتصــف القــرن‪ ،‬قبل أن يشــهد انخفاض ًا كبير ًا‬
‫الجا ِئحــة‬‫لــم يولــدوا بســبب «كوفيــد‪ .»19 -‬وبعــد َ‬ ‫بعــد ذلــك‪ .‬وال أحــد يعــرف إلــى أي مــدى ســيذهب‬
‫ـدل الــوالدات‪ ،‬إنمــا‬ ‫شــاهدنا ارتفاعـ ًا طفيفـ ًا فــي معـ َّ‬ ‫هــذا االنخفــاض‪ .‬بــكلّ بســاطة ألننــا نحــن البشــر قــد‬
‫ـد ًا أن يكون «كوفيد» قد كشــف فقط‬ ‫رجــح جـ ّ‬‫الم َّ‬
‫مــن ُ‬ ‫اخترنــا أن ال ننجــب قــدر مــا كان ينجبــه أســافنا مــن‬
‫ـدالت الخصوبة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫مع‬ ‫انخفاض‬ ‫وهو‬ ‫ـم‪،‬‬‫ـ‬ ‫دائ‬ ‫اتجاه‬ ‫عــن‬ ‫رئيســي آخــر هــو أن حجــم‬ ‫عنصــر‬ ‫وثمــة‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫األطفــال‪َّ .‬‬
‫َ‬
‫العالــم‬
‫ويجــب أن نــدرك بــأن اســتمرار عــدد ســكّ ان َ‬ ‫لتغيرات‬ ‫العا َلــم ليــس وحــده الــذي ســيخضع‬
‫ُّ‬ ‫سـكّان َ‬
‫فــي النمــو اليــوم ال يرجــع الســبب فيــه للزيــادة فــي‬ ‫جذريــة‪ ،‬بــل أيضـ ًا بنيتــه‪ ،‬وبالتالــي فإننــا ســوف نواجه‬
‫ّ‬
‫عــدد الــوالدات‪ ،‬بــل ألن البشــر أصبحــوا يعيشــون‬ ‫الشــيخوخة الســريعة‪ .‬كمــا أن رحيــل جيــل طفــرة‬
‫لمــدة أطــول مــن ذي قبــل‪.‬‬ ‫اإلنجــاب‪ ،‬أي الذيــن ُو ِلــدوا قبــل منتصــف الســتينيات‪،‬‬
‫ســيكون بمثابــة انقــراض جماعــي‪( .‬يضحــك)‪ .‬ولذلــك‬
‫مــا هــي برأيــك األســباب الرئيسـ ّـية لهــذا االنخفــاض‬
‫معــدالت الخصوبــة فــي جميــع أنحــاء‬ ‫الكبيــر فــي‬
‫ـاداً‪ .‬نحن‬ ‫لــن نشــهد انخفاضـ ًا تدريجيـاً‪ ،‬بــل هبوط ًا حـ ّ‬
‫َّ‬ ‫حقّــ ًا بحاجــة إلــى إعــادة النظــر فــي مســتقبلنا‪ ،‬ألن‬
‫العا َلــم؟‬
‫َ‬ ‫تصوراتنــا الحاليــة خاطئــة تمامـاً‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫‪ -‬جــون إبيتســون‪ :‬الجــواب بســيط؛ إنــه التمديــن‪.‬‬
‫ففــي عــام ‪ ،1950‬كان ‪ 30‬فــي المئــة فقط من ســكّ ان‬ ‫أكَّ ــدت دراســة ن ِ‬
‫ُشــرت العــام الماضــي فــي مجلّــة‬
‫مرة‬
‫أمــا فــي ‪ ،2007‬وألول ّ‬ ‫العا َلــم يســكنون بالمــدن‪ّ .‬‬
‫َ‬ ‫«النســيت» أنــه يمكــن الوصــول إلــى ذروة الســكّ ان‬
‫فــي التاريــخ‪ ،‬تجــاوز عــدد ســكّ ان المدن عدد ســكّ ان‬ ‫انطالقـ ًا مــن عــام ‪ ..2064‬هــل ســيع ِّزز «كوفيــد‪»19 -‬‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪4‬‬
‫يغيــر كثيــر ًا مــن الوضــع‪( .‬يضحــك)‪ .‬قــد‬
‫ا فــي إنجابهــم لــن ِّ‬ ‫أصـ ً‬ ‫المتوقَّع أن يعيش ثلثا‬ ‫الريفية‪ .‬وبحلول عام ‪ ،2050‬من ُ‬ ‫ّ‬ ‫المناطق‬
‫ـدالت الخصوبــة فــي‬ ‫ـر ضئيــل علــى معـ َّ‬‫بالمقابــل تأثيـ ٌ‬
‫يكــون لــه ُ‬ ‫الحضريــة‪ .‬والحــال أن األطفــال في‬ ‫ّ‬ ‫العا َلــم فــي المناطــق‬ ‫ســاكنة َ‬
‫الريفيــة‪ ،‬ولكنــه لــن يعكــس االتجــاه‪ .‬والصيــن مثــالٌ‬
‫ّ‬ ‫المناطــق‬ ‫اقتصاديـ ًا وســواعد للعمــل فــي الحقــول‪.‬‬‫ّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫رصي‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫ِّل‬
‫ث‬ ‫الريــف يم‬
‫ـدن بســرعة‪ .‬ففــي عــام (‪ 16 ،)1960‬فــي المئــة‬ ‫ـي لبلــد تمـ َّ‬ ‫ٍ‬
‫نموذجـ ّ‬ ‫يتحولون إلى عــبء مالي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ولكــن عنــد االنتقــال إلــى المدينة فهــم‬
‫فقــط مــن ســكّ ان هــذا البلــد كانــوا يعيشــون فــي المناطــق‬ ‫ـإن التمديــن يعـ ِّزز‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـك‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫وربمــا األهــم مــن‬
‫وعــاوة علــى ذلــك‪ّ ،‬‬
‫الحضريــة‪ .‬واليــوم وصــل هــذا الرقــم إلــى ‪.% 54‬‬‫ّ‬ ‫فــرص تع ُّلــم النســاء مــن خــال النظــام المدرســي‪ ،‬واإلنترنــت‪،‬‬
‫والمكتبــات‪ ،‬ووســائل اإلعــام‪ ،‬وأيضــ ًا وجــود نســاء أخريــات‪.‬‬
‫العظمــى الوحيــدة التي‬
‫المتحــدة القــوة ُ‬‫يتو َّقــع أن تصيــر الواليــات ُ‬ ‫الحر ّيــة‪ ،‬ترغبــن فــي التحكــم بحياتهن‬ ‫ّ‬ ‫ـرد أن تحصلــن علــى‬ ‫وبمجـ َّ‬
‫ســيزداد عــدد ســكّ انها بحلــول نهايــة القــرن نتيجــة للهجــرة‪ ..‬هــل‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ممــا يعنــي إنجــاب عــدد أقــلّ مــن األطفال‪.‬‬ ‫وبأجســادهن كذلــك‪ّ ،‬‬
‫مهمــة؟‬
‫يشـكِّل ذلــك ميــزة َّ‬
‫مؤخــراً لــأزواج بــأن ينجبــوا ثالثــة أطفــال فــي‬
‫َّ‬ ‫ســمحت الصيــن‬
‫‪ -‬جــون إبيتســون‪ :‬ســوف تشــهد الصيــن تراجعــ ًا ســريعاً‪ .‬وإذا‬
‫محاولــة منهــا لوقــف انخفــاض الــوالدات‪ ..‬هــل ســيكون لهــذا‬
‫ـإن‬
‫ـدل الخصوبــة البالــغ (‪ )1.3‬حســب إحصــاء ‪ ،2020‬فـ ّ‬ ‫تأكَّ ــد معـ َّ‬
‫أي أثــر؟‬
‫اإلجــراء ُّ‬
‫هــذا البلــد قــد يفقــد نصــف ســكّ انه خــال هــذا القــرن‪ ،‬مــن (‪)1.4‬‬
‫ـدل والدة‬‫مليــار نســمة إلــى ‪ 700‬مليــون‪ .‬روســيا‪ ،‬التــي لديهــا معـ َّ‬ ‫‪ -‬داريــل بريكــر‪ :‬الســماح للنــاس بأن ينجبوا أطفــا ً‬
‫ال هم ال يرغبون‬

‫‪5‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫ـدل فــي كينيــا‬ ‫فنحــن نــرى‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬بــأن هــذا المعـ َّ‬ ‫فعليـ ًا عــدد‬
‫ّ‬ ‫منخفــض‪ ،‬وأمــد حيــاة منخفــض أيضـاً‪ ،‬لديهــا اليــوم‬
‫أمــا‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ـيوعي‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ممــا كان عليــه فــي نهايــة الحقبــة‬ ‫َ‬
‫ـدى (‪)3‬‬‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يتع‬ ‫ـد‬ ‫كان يقــدر بـــ(‪ )8‬خــال الســتينيات فــي حيــن لــم يعـ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ســكّ ان أقــلّ ّ‬
‫اليــوم‪ .‬إنهــا مســألة وقــت فقــط‪.‬‬ ‫العظمى األكثــر انفتاح ًا‬ ‫تاريخي ًا القــوة ُ‬
‫ّ‬ ‫المتحــدة فتم ِّثــل‬ ‫الواليــات ُ‬
‫اســتمرت األمــور بالســير فــي هــذا االتجــاه‬ ‫َّ‬ ‫وإذا‬ ‫الهجــرة‪.‬‬ ‫علــى‬
‫ولكن خالل هذه الفترة‪ ،‬ستشــهد إفريقيا جنوب الصحراء طفر ًة‬ ‫المتزايــدة لموضــوع‬ ‫ُ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫عارض‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـوء‬‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫مؤكَّ‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـر‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـو‬
‫‪-‬وهـ‬
‫ديموغرافيــة‪ ..‬هــل ينبغــي لنــا إذن أن نتو َّقــع موجــات هجرة أقوى‬
‫ّ‬ ‫ـإن عــدد ســكّ انها يمكــن‬ ‫األميركييــن‪ -‬فـ ّ‬
‫ّ‬ ‫الهجــرة مــن جانــب بعــض‬
‫مــن تلــك التي نشــهدها اليوم؟‬ ‫أن يرتفــع ببضعــة مالييــن مــن الســكّ ان فــي عــام ‪ .2100‬وســيكون‬
‫‪ -‬داريــل بريكــر‪ :‬علــى عكــس االعتقــاد الســائد‪ ،‬فقــد انخفضــت‬ ‫ـي واضــح‪.‬‬ ‫ـر جيوسياسـ ّ‬ ‫لذلــك بالطبــع تأثيـ ٌ‬
‫العا َلــم‪ ،‬ويرجع‬‫اإلجمالي لســكّ ان َ‬
‫ّ‬ ‫المهاجريــن مــن العــدد‬‫نســبة ُ‬ ‫العا َلــم‪ ،‬ينتمــي مواطــن‬
‫فــي اليابــان‪ ،‬البلــد األكثــر شــيخوخة فــي َ‬
‫ذلــك جزئيـ ًا إلــى زيــادة الثــروات‪ .‬وقــد انخفــض عــدد األشــخاص‬
‫واحــد مــن أصــل أربعــة إلى فئة كبار الســن‪ .‬هــل يمكن للروبوتات‬
‫الذيــن يعيشــون فــي فقـ ٍر مدقــع مــن (‪ )1.8‬مليــار فــي عــام ‪1990‬‬
‫ـي تعويــض مــا ينتــج عن ذلك مــن انخفاض في‬ ‫والــذَّكاء االصطناعـ ّ‬
‫إلــى َأقــلّ مــن (‪ )800‬مليــون فــي عــام ‪ .2015‬إنمــا علــى الرغــم من‬
‫عدد الســكّ ان النشــطين؟‬
‫ـخاص يبحثــون عــن فــرص أفضــل‬ ‫ٌ‬ ‫ذلــك‪ ،‬ســيكون هنــاك دائمـ ًا أشـ‬
‫فــي أماكــن أخــرى‪ .‬بعــض األماكــن علــى هــذا الكوكــب جذَّ ابــة‬ ‫‪ -‬داريــل بريكــر‪ :‬يمكنك بالتأكيــد تعويض اإلنتاجيــة بالتكنولوجيا‪،‬‬
‫المهاجريــن‪ .‬فــإذا كنــت تعيــش فــي «الغوس»‪،‬‬ ‫للغايــة‪ ،‬وتجــذب ُ‬ ‫لمواجهــة انخفاض االســتهالك‪.‬‬ ‫ولكــن لــن يمكنــك أن تفعــل شــيئ ًا ُ‬
‫فــإن ســعيك للهجــرة إلــى باريــس يمكــن أن يكــون أمــر ًا منطقيـاً‪.‬‬ ‫المنتجــات الجديــدة حيــن ينخفــض عــدد‬ ‫ـن الــذي سيشــتري ُ‬ ‫فمـ ْ‬
‫َ‬
‫ـتقرت‬
‫االقتصاديــة فــي إفريقيــا واسـ َّ‬
‫ّ‬ ‫ـتمرت التنميــة‬ ‫ولكــن إذا اسـ َّ‬ ‫ســكّ ان اليابــان‪ ،‬كمــا تقــول التوقُّعــات‪ ،‬مــن ‪ 125‬إلــى ‪ 80‬مليــون‬
‫ـإن ضغــط الهجرة ســيكون َأقلّ حدة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‪،‬‬
‫ـ‬ ‫فيه‬ ‫ة‬ ‫ـي‬
‫األنظمــة السياس ّ‬
‫ـ‬ ‫نســمة‪ ،‬أو حتــى إلــى ‪ 60‬مليــون نســمة فــي عــام ‪2100‬؟ يتوفَّر هذا‬
‫العا َلــم‪،‬‬
‫البلــد ح ّقـ ًا علــى أكبــر عــدد مــن الروبوتــات الخادمــة فــي َ‬
‫فــي انتظــار ذلــك‪ ،‬تم ِّثــل الهجــرة اليــوم واحــداً من أكثــر المواضيع‬ ‫ولكــن اآلالت ال تملــك ّأيــة قــوة شــرائية‪ .‬ووفقـ ًا لـ«تشــارلز جونز»‪،‬‬
‫الغربية‪...‬‬
‫ّ‬ ‫المجتمعــات‬ ‫إثــار ًة للخــاف فــي قلب ُ‬ ‫ـإن انخفــاض عــدد‬ ‫ـادي فــي جامعــة ســتانفورد‪ ،‬فـ ّ‬‫الخبيــر االقتصـ ّ‬
‫ـدد مــا ينبغــي‬ ‫رئيسيتان‪ .‬األولى هي أن‬ ‫ّ‬ ‫الســكّ ان ســوف تكون له نتيجتان ســلبيتان‬
‫ككندييــن أن نحـ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫يتعيــن علينــا‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬جــون إبيتســون‪ :‬ال‬
‫األوروبيــة بشــأن الهجــرة‪ .‬نحــن نعلــم تمام ـ ًا‬ ‫أن تفعلــه البلــدان‬ ‫أمر‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬ ‫ـو‪.‬‬
‫ـ‬ ‫النم‬ ‫في‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫انخفاض‬ ‫المســتهلكين يعنــي‬‫انخفــاض عــدد ُ‬
‫ّ‬ ‫ـر منــه‪ .‬والثانيــة هــي خطــوة إلــى الــوراء فــي مجــال االبتــكار‪.‬‬
‫إن بلداً‬ ‫قويــة‪ّ .‬‬
‫اتيــة ّ‬ ‫وهوي ّ‬
‫ّ‬ ‫ثقافيــة‬
‫ّ‬ ‫أن هــذا الموضــوع يخلــق توتــرات‬ ‫ال مفَ ـ ّ‬
‫ال من‬ ‫يفضــل مواجهــة انحــدار ديموغرافــي مؤكَّ ــد بد ً‬ ‫مثــل اليابــان ِّ‬
‫ّ‬ ‫المتو َّقــع أن ينخفــض عــدد ســكّ ان المجــر بأكثــر مــن (‪)% 10‬‬
‫مــن ُ‬
‫الكورييــن‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ـدو‬ ‫ـ‬ ‫ويب‬ ‫ـرة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الهج‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫مج‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫مفتوح‬ ‫تب ِّنــي سياســة‬
‫يفســر اهتمــام زعيمهــا «فيكتــور أوربــان»‬
‫ِّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫‪.2050‬‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـول‬
‫بحلـ‬
‫الجنوبييــن قــد اعتمــدوا النهــج نفســه‪ ،‬فــي الوقــت الــذي نــزل‬ ‫ّ‬
‫ـرة إلــى َأقلّ مــن (‪ .)1‬لذلك‬ ‫بالديموغرافيا وسياسته الهادفة إلى الرفع من عدد الوالدات‪...‬‬
‫ـدل الخصوبــة لديهــم وألول مـ ّ‬ ‫فيــه معـ َّ‬
‫والتعدديــة‬
‫ُّ‬ ‫إمــا أن نقبــل الهجــرة‬ ‫ـداً‪ّ :‬‬‫فالمعادلــة اليــوم بســيطة جـ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـجع‬‫ـن سياســات تشـ ِّ‬ ‫قوية ِل َسـ ّ‬
‫‪ -‬داريل بريكر‪« :‬أوربان» لديه إرادة ّ‬
‫ـي‪.‬‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الديموغراف‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫للتقهق‬ ‫ـلم‬ ‫ـ‬ ‫نستس‬ ‫أو‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬‫الثقافي‬
‫ّ‬ ‫علــى الزيــادة فــي عــدد المواليــد‪ ،‬ولكــن البيانــات الــواردة مــن‬
‫تبيــن أنــه يمكنــك إبطــاء وتيــرة انخفــاض الــوالدات‪،‬‬ ‫بلــدانٍ أخــرى ِّ‬
‫يشكل خبراً ساراً للبيئة أو التعليم‪،‬‬
‫يبدو أن تراجع عدد السكّ ان ِّ‬ ‫ولكــن مــن الصعــب عكــس االتجــاه كليـاً‪ .‬وهــذا مــا يعــرف باســم‬
‫وخبراً سيئ ًا لالقتصاد‪...‬‬ ‫ـرد مــا يصبــح إنجــاب‬ ‫المنخفضــة»‪ ،‬حيــث بمجـ َّ‬ ‫«فــخ الخصوبــة ُ‬
‫يخص مســألة البيئة‪ ،‬أعتقــد أننا بحاجة إلى‬ ‫‪ -‬داريــل بريكــر‪ :‬فيمــا‬ ‫طفــل أو طفليــن هــو القاعــدة‪ ،‬فإنــه يظــلُّ كذلــك‪ .‬وباإلضافــة إلى‬
‫ُّ‬
‫تغييــر أفكارنــا بســرعة‪ .‬ألنــك إذا ركَّ ــزت علــى االكتظــاظ الســكّ اني‬ ‫ـدل المواليــد‪ ،‬تواجــه المجــر مشــكلة أخــرى وهــي‬ ‫انخفــاض معـ َّ‬
‫يدمــرون الكوكب‪ ،‬فما الذي ســيحدث عندما‬ ‫هجــرة شــبابها‪ .‬هنــاك جاليــة مجريــة كبيــرة فــي جميــع أنحــاء‬
‫واعتقــدت أن البشــر ِّ‬
‫ينخفــض عــدد الســكّ ان بشــكلٍ كبيــر فــي غضــون بضعــة عقــود؟‬ ‫أوروبــا‪ .‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬شــهد ســكّ ان هــذا البلــد انخفاض ـ ًا منــذ‬
‫المناخيــة ال تأخــذ ‪-‬عــادةً‪ -‬فــي االعتبــار هــذا‬ ‫التغيــرات‬ ‫مســألة‬ ‫ـجعة علــى اإلنجاب‬ ‫المشـ ِّ‬ ‫الثمانينيــات‪ .‬وأنــا ال أعتقــد أن اإلعانــات ُ‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫سـ ُت ِ‬
‫تــم‬ ‫حدث فرقـ ًا كبيــر ًا فــي هــذا األمــر‪.‬‬
‫األساســي‪ .‬ونحــن ال نــزال حبيســي المنطــق الــذي َّ‬ ‫ّ‬ ‫التطــور‬
‫ُّ‬
‫الترويــج لــه فــي نهايــة الســتينيات مــن ِقبــل عا ِلــم األحيــاء «بــول‬
‫الزالــت منطقــة إفريقيــا جنــوب الصحــراء تم ِّثــل اســتثناء اليــوم‪.‬‬
‫ر‪ .‬ايرليــش» فــي كتابــه الــذي القى نجاحـ ًا كبير ًا «قنبلة الســكّ ان»‪،‬‬
‫ـجل معـ َّـدل خصوبــة يفــوق (‪...)7‬‬ ‫فبلــد مثــل النيجــر ال زال يسـ ِّ‬
‫جراء المجاعة‬ ‫العا َلــم َّ‬
‫تنبــأ فيه بموت الماليين من ســكّ ان َ‬ ‫والــذي َّ‬
‫التــي سيتســبب فيهــا االنفجار الســكّ اني‪...‬‬ ‫العا َلــم لــن يفلــت هــو اآلخــر‬
‫‪ -‬داريــل بريكــر‪ :‬هــذا الجــزء مــن َ‬
‫حوار‪ :‬توما ماهلر ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬ياسين المعيزي‬ ‫ـي الوحيد يرتبط‬ ‫ـدل الــوالدات‪ .‬الســؤال الحقيقـ ّ‬ ‫مــن انخفــاض معـ َّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫بالســرعة التــي ســيحدث بهــا ذلك‪ .‬لقد اســتغرق األمر مــن أوروبا‬
‫العنوان األصلي والمصدر‪:‬‬ ‫ـدالت الخصوبــة الحاليــة‪.‬‬‫مئــة وخمســين عامـ ًا للوصــول إلــى معـ َّ‬
‫‪La terre va bientôt se vider de ses habitants‬‬ ‫الالتينيــة‪ ،‬اســتغرق األمــر خمســين عامـاً‪ .‬وفي‬
‫ّ‬ ‫وبالنســبة ألميــركا‬
‫مجلة «‪ »L’Express‬عدد ‪ 1‬يوليو ‪.2021‬‬
‫‪Planète vide, Darrell Bricker, John Ibbitson, Ed. Les Arènes, 04 mars 2020‬‬ ‫ـيؤدي التمديــن الســريع وزيــادة فرص الحصــول على‬ ‫إفريقيــا‪ ،‬سـ ِّ‬
‫الكوكب الفارغ‪ ،‬داريل بريكر وجون إبيستون‪ ،‬منشورات ليزارين‪ 04 ،‬مارس ‪.2020‬‬ ‫ٍ‬
‫ـول يحصــل فــي وقــت أقصــر‪.‬‬ ‫التكنولوجيــا إلــى جعــل هــذا التحـ ُّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪6‬‬
‫«تراف ٌع عن العرب» لفؤاد العروي‪:‬‬
‫يف مواجهة املركزية األوروب ّية‬
‫ـى مؤ ِّلفــه‬
‫ـع عــن العــرب» مؤ َّلــف فكــري رصــن ُيســاجل الــذات واآلخــر‪ ،‬يحــاور بالفكــر ولغتــه دون أن يتخـ َّ‬ ‫«ترافـ ٌ‬
‫ـع عــن العــرب» مؤلَّفـ ًا ممتــازاً يصلــح للقــارئ العــام مــن‬ ‫األديب الشـ ّـيق‪ .‬ألجــل ذلــك ُي َعـ ُّـد كتــاب «ترافـ ٌ‬
‫ّ‬ ‫عــن أســلوبه‬
‫بالعربيــة ال يقــلُّ احتياجـ ًا إىل ُح َّجــة هــذا الكتــاب ومنطقــه‬
‫ّ‬ ‫والثقافيــة‪ .‬ولعـ ّ‬
‫ـل القــارئ‬ ‫ّ‬ ‫الفكريــة‬
‫ّ‬ ‫ملســتويات‬‫مختلــف ا ُ‬
‫عــن القــارئ بالفرنسـ ّـية‪ ،‬ومــن هنــا يصــر تعريــب الكتــاب غايــةً ُم ّ‬
‫لحــة‪.‬‬

‫األوروبيــة‪ .‬لذلك جاء بســردية تعيــد االعتبار‬ ‫ّ‬ ‫الــذات‬ ‫مغربي يقيم‬‫ّ‬ ‫فرنكوفوني‬
‫ّ‬ ‫ـب‬
‫يتصدى كاتـ ٌ‬ ‫َّ‬ ‫مــا معنــى أن‬
‫والفلســفية‬
‫ّ‬ ‫والعلميــة‬
‫ّ‬ ‫الفكريــة‬
‫ّ‬ ‫للعــرب وأدوارهــم‬ ‫بهولنــدا للترا ُفــع عــن العــرب اليــوم فــي كتــاب؟ أال‬
‫ـاني‪ .‬ولكــي يبنــي العــروي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫فــي بنــاء التاريــخ‬ ‫ـة‬‫الموضـ ُ‬ ‫ُيعتبــر ذلــك ســباحةً ضــد التيــار فــي زمــنٍ ُ‬
‫ال تفكيــك الخطابــات‬ ‫ســرديته البديلــة‪ ،‬كان عليــه أو ً‬ ‫المقيميــن‬ ‫عــدد مــن األدبــاء العــرب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فيــه ‪-‬لــدى‬
‫التــي عمــدت إلــى تهميــش العــرب والتقليــل مــن‬ ‫ـد الــذات‬ ‫َ ُ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ج‬ ‫ـه‪-‬‬ ‫ـ‬ ‫ُغات‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يكتب‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫والذي‬ ‫ـرب‬ ‫فــي الغـ‬
‫شــأنهم عــن «جهــل» أو عــن «ســوء طويــة»‪ .‬هكــذا‬ ‫الغربــي الــذي يخشــى‬ ‫ّ‬ ‫ومســايرة التيــار‬ ‫وتحقيرهــا ُ‬
‫ُ‬
‫الغربيين‬
‫ّ‬ ‫المستشــرقين‬ ‫انشــغل بخطــاب أحــد أهــم ُ‬ ‫تحضــر» مــن‬ ‫الم ِّ‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫ــر‬ ‫الح‬ ‫َــم‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫«الع‬
‫َ‬ ‫مســتقبل‬ ‫علــى‬
‫ـؤرخ الــذي نحــت مفهــوم «صــراع‬ ‫المـ ِّ‬
‫برنــارد لويــس ُ‬ ‫الخلقة التي‬ ‫ّ‬ ‫«اإلســام» و«اإلرهــاب» والفوضى غيــر‬
‫الحضــارات»‪ ،‬ليكشــف لنــا العــروي فــي تحليلــه أن‬ ‫المتوســط مع ـاً؟ فهــل‬ ‫انتهــى إليهــا جنــوب وشــرق ُ‬
‫ممــا يحيــل عليــه هــذا المفهــوم ليــس فــي‬ ‫الكثيــر ّ‬ ‫كان فــؤاد العــروي‪ ،‬صاحــب جائــزة الكونغــور فــي‬
‫األصــل ســوى «صدام جهــاالت»‪ .‬هــذا دون الحديث‬ ‫القصــة القصيــرة‪ ،‬يتو َّقــع أن تضعــه مجازفتــه خارج‬ ‫ّ‬
‫عــن التدليــس الــذي يحملــه خطــاب لويــس‪ .‬وفــي‬ ‫التحديــات؟ ربمــا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مــدار الحكايــة أمــام سلســلة مــن‬
‫ا عنــد ســؤال‬ ‫هــذا اإلطــار يتو َّقــف فــؤاد العــروي مثـ ً‬ ‫التحديات‬‫ّ‬ ‫ال أن يعيــش أول‬ ‫لكــن‪ ،‬هــل كان يتوقَّع مث ً‬
‫ـامي؟‬‫لويــس الشــهير‪« :‬ماهي أســباب البغض اإلسـ ّ‬ ‫ـره سـ ُـيبدي تحفُّظـ ًا‬ ‫حتــى قبــل صــدور العمــل؟ فناشـ ُ‬
‫العربي للغرب؟» الســؤال‬ ‫ّ‬ ‫ومــا مبــررات هذا العــداء‬ ‫حررنــاه مــن كلمــة‬ ‫صارم ـ ًا علــى العنــوان‪ :‬مــاذا لــو َّ‬
‫مشــروع لــوال أن لويــس يفاجئنا بجــواب طريف‪ .‬أول‬ ‫ـي‬ ‫َ‬
‫«العــرب»؟ علــى األقلّ لكي ال يظن القارئ الفرنسـ ّ‬
‫هــذه األســباب ألمانيــا‪ ،‬وبالضبــط «عصابــة» ريلكــه‬ ‫ـاب يرمــي‬ ‫ـي العــام أن األمــر يتع َّلــق بكتـ ٍ‬ ‫والفرنكوفونـ ّ‬
‫وهايدغــر وإرنســت جنغــر الذيــن اعتبــروا أميــركا‬ ‫إلــى «تبريــر» اإلرهــاب كفعــل وكســياق وكبيئــة‬
‫ـم الماركسـ ّـية فــي صيغتهــا‬ ‫حضــار ًة ال ثقافــةَ لهــا‪ .‬ثـ َّ‬ ‫حاضنــة‪ .‬اعتبــر فــؤاد العــروي إصــرار ناشــره علــى‬
‫الســوفياتية‪ ،‬وأخيــر ًا األيديولوجيــا العالمثالثيــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ا إضافيـ ًا‬ ‫حــذف كلمــة «العــرب» مــن العنــوان دليـ ً‬
‫يالحــظ العــروي أن «لويــس» يســتكثر علــى العــرب‬ ‫المرافعــة‪ ،‬ومــدى‬ ‫علــى مــدى الحاجــة إلــى هــذه ُ‬
‫والمســلمين أن يكــون غضبهم صــادر ًا عنهم‪ .‬فدائم ًا‬ ‫ُ‬ ‫اســتعجال ذلــك‪ .‬لذا وعــوض تغيير عنــوان الكتاب‪،‬‬
‫هنــاك آخــرون يفكِّ ــرون مــن أجلهــم ويلهمونهــم‬ ‫غيــر الناشــر دون عظيــم أســف‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أفكارهــم وتم ّثالتهــم‪ ،‬بــل ومشــاعر غضبهــم أيضـاً‪.‬‬ ‫بمرافعتــه إلــى قــارئ رهنتــه‬ ‫ُ‬ ‫ـروي‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫ـؤاد‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫يتوج‬
‫َّ‬
‫لكــن‪ ،‬هــل قــرأ العــرب «هايدغــر» و«ريلكــه» ح ّقـاً؟‬ ‫المهيمــن‬ ‫الفرنســية الســائدة واإلعــام ُ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافــة‬
‫أن هــذه‬‫ـدق ّ‬‫يتســاءل العــروي بســخرية‪ .‬ال أحــد يصـ ِّ‬ ‫داخــل خطــاب فرنكفونــي منغلــق ومتمركــز علــى‬
‫‪7‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫األلمانيــة قــد ُقرِئــت بيــن ظهرانينــا بالكثافــة والعمــق‬ ‫ّ‬ ‫العصبــة‬ ‫ُ‬
‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫العرب‬ ‫ـدان‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫التأثي‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫كلّ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ق‬‫ّ‬ ‫ليتح‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫الالزمي‬
‫ورطنــا فــي معــاداة جماعيــة للغــرب‪.‬‬ ‫بالشــكل الــذي ّ‬
‫إن في األمر تدليسـ ًا ال يخطئه المنطق الســليم‪ .‬فـ«برنارد لويس»‬
‫ـوفياتية فــي‬ ‫ّ‬ ‫ـدث عــن «ريلكــه» و«هايدغــر» والماركســية السـ‬ ‫يتحـ َّ‬
‫المــراد منهــا طمــس األســباب الحقيقيــة لهــذا‬ ‫فكريــة ُ‬ ‫ّ‬ ‫شــقلبات‬
‫العــداء‪ ،‬وهــي سياسـ ّـية علــى األرجــح‪ :‬تبدأ مــع اتفاقية ســايكس‬
‫العربيــة‬ ‫ّ‬ ‫مهم ـ ًا مــن الخارطــة‬ ‫ـرية التــي م َّزقــت جــزء ًا َّ‬ ‫بيكــو السـ ّ‬
‫ـراً‪ .‬هكذا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫وهل‬ ‫‪،1917‬‬ ‫ـنة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـؤوم‬ ‫ـ‬ ‫المش‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫بلف‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫وع‬ ‫‪،1916‬‬ ‫ســنة‬
‫الملفَّق الفكر‬ ‫ُ‬ ‫ـاب‬ ‫ـ‬ ‫الخط‬ ‫هذا‬ ‫ـتخدم‬ ‫ـ‬ ‫يس‬ ‫كيف‬ ‫العروي‬ ‫ـؤاد‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫يفض‬
‫ـم يحتــال بالسياســة علــى الفكــر‬ ‫ليحتــال بــه علــى السياســة‪ ،‬ثـ َّ‬
‫فــي خلــط غريــب لــأوراق بمــا يجعــل الضحيــة تظهــر بمظهــر‬
‫ـق‪.‬‬ ‫تحضــر مــن غيــر وجــه حـ ّ‬ ‫الم ِّ‬ ‫المتحامــل علــى العا َلــم ُ‬ ‫الباغــي ُ‬
‫المعرفيــة‬ ‫ّ‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫األخط‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫العدي‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫كتاب‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـروي‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫ترص‬‫أيضـ ًا َّ‬
‫المنطقيــة فــي خطــاب «برنــارد لويــس» وتالمذتــه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والمغالطــات‬ ‫ُ‬
‫ا بعنــوان «قضيــة‬ ‫خصــص لــه فص ـ ً‬ ‫ّ‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـم»‬ ‫ـ‬ ‫«غوغنهاي‬ ‫ـلّ‬ ‫ـ‬ ‫ولع‬
‫َ‬
‫غوغنهايــم» أطــرف هــؤالء‪.‬‬
‫يدعونــا فــؤاد العــروي إلــى فتــح كتــاب «ســيلفان غوغنهايــم»‬
‫ألوروبــا‬ ‫ّ‬ ‫اليونانيــة‬
‫ّ‬ ‫«أرســطو فــي جبــل ســان ميشــيل‪ :‬الجــذور‬
‫الصــادر بباريــس ســنة ‪ 2008‬عــن دار (ســوي)‪ ،‬حيــث‬ ‫ـيحية» ّ‬ ‫المسـ ّ‬
‫ـيحيين‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫المس‬ ‫بين‬ ‫ة‬ ‫صادمي‬
‫ّ‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫«الغيري‬
‫ّ‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـم»‬ ‫ـ‬ ‫«غوغنهاي‬ ‫يؤكِّ ــد‬
‫«فالغرب‬‫ُ‬ ‫وبه‬ ‫الحضارتين»‪.‬‬ ‫كلتا‬ ‫ي‬ ‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫هوي‬ ‫ل‬ ‫ـكّ‬ ‫ـ‬ ‫يش‬ ‫ما‬ ‫هي‬ ‫ـلمين‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫والم‬
‫ُ‬
‫ـامي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلس‬ ‫َم‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫فالع‬
‫َ‬ ‫ـيء»‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫بش‬ ‫ـامي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلس‬ ‫ـرق‬ ‫ـ‬ ‫للش‬ ‫يدين‬ ‫ال‬ ‫ـيحي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫المس‬
‫ـي‪ ،‬لذلك ظلّ اإلســام‬ ‫ً‬
‫أن رواية «حي‬ ‫مجرد توارد خواطر لوال ّ‬ ‫كان باإلمــكان اعتبــار األمــر‬ ‫ليــس عقالنيـا وهــو فقيــر إلــى التفكير العلمـ ّ‬
‫ّ‬ ‫العربيــة معـ ًا ‪-‬وهنــا يســتعيد أطروحــة قديمــة لـ«إرنســت‬ ‫واللّغــة‬
‫الهولنديــة زمــن «ســبينوزا»‬ ‫ِ‬
‫بــن يقظــان» كانــت قــد ُترجمــت إلــى‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ـي‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫اليونان‬ ‫ـراث‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫هض‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫بنيويـ ً‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـز‬ ‫ـ‬ ‫عج‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫عاجزي‬ ‫ـان»‪-‬‬ ‫رينـ‬
‫من طرف «جوهانيس بووميســتر»‪ ،‬الذي كان صديق ًا للفيلســوف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بــدأ فــؤاد العــروي بالتوقُّــف عنــد أخطــاء «غونغنهايــم» فــي‬
‫قصــة «حــي بــن يقظــان» بالذات ســيعود‬ ‫ومقربـ ًا منــه‪ّ .‬‬‫َّ‬ ‫ـدي‬‫الهولنـ ّ‬ ‫ا خلطُ ــه بيــن التفســير وعلــم الــكالم‪،‬‬ ‫تفصيليــة‪ ،‬منهــا مثـ ً‬ ‫قضايــا‬
‫فــؤاد العــروي لفتحهــا فــي فصــلٍ آخــر لطــرح الســؤال بخصوص‬ ‫ّ‬
‫ـول إلــى الترافــع عــن الــدور المحــوري الــذي لعبــه‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يتح‬ ‫أن‬ ‫قبــل‬
‫مــدى اســتفادة «دانييــل ديفــو» منهــا فــي تأليــف «روبينســون‬ ‫اليونانية إلى‬ ‫ّ‬ ‫المســلمون في نقــل الثقافــة‬ ‫والمفكِّ ــرون ُ‬ ‫الفالســفة ُ‬
‫ـس الفكــرة‪،‬‬‫كــروزو» ســنة ‪ ،1719‬خصوصـ ًا وأن للقصتيــن معـ ًا نفـ َ‬ ‫ـدث العــروي عــن فعاليــة الترجمــة‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫هك‬ ‫‪.‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫األوروب‬ ‫الغــرب‬
‫نفــس الحبكــة‪ ،‬ونفــس القماشــة الســردية تقريبـاً‪.‬‬ ‫ّ‬
‫متوقِّفـ ًا بشــكلٍ خــاص عنــد مجهــود حنيــن بــن إســحاق‪ ،‬مترجــم‬
‫قصــة «حي بن يقظان» إلــى أن المعرفة المنقولة (النقل)‬ ‫تخلــص ّ‬ ‫اليونانية ومســؤول «بيت‬ ‫«جالينوس» و«أبقراط» و«أرســطو» من‬
‫ّ‬
‫المالحظــة والتجربــة‬ ‫ُ‬ ‫ـبيل‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـلك‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫إذا‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫لإلنس‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ضروري‬
‫ّ‬ ‫ليســت‬ ‫الحكمــة» و«ديــوان الترجمــة» فــي عهــد المأمون‪ .‬قبل أن يسـلِّط‬
‫والتأمــل والتفكيــر‪ ،‬وكان قــادر ًا علــى إعمــال (العقــل)‪ .‬فقد يصل‬ ‫ُّ‬ ‫خاص ًا‬ ‫فكريـ ًا‬ ‫أدبي ًا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـي يكاد يكــون جنسـ ًا ّ‬ ‫الضــوء علــى تقليــد أساسـ ّ‬
‫الدينيــة‪ ،‬عــن طريــق العقــل وحــده‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـرء إلــى الحقيقــة‪ ،‬حتــى‬ ‫المـ ُ‬ ‫بالمســلمين وهــو تقليــد «الشــكوك»‪ .‬هكــذا وضــع الــرازي مقالــة‬ ‫ُ‬
‫ـاد الحــق» بتعبيــر ابــن رشــد فــي «فصــل‬ ‫ذاك أن «الحــق ال ُيضـ ُّ‬ ‫«الشــكوك علــى جالينــوس»‪ ،‬وأ َّلــف ابــن الهيثــم «الشــكوك علــى‬
‫المقــال»‪ .‬لهــذا حينمــا غــادر حــي بــن يقظــان جزيرتــه والتقــى‬ ‫بطليمــوس»‪ .‬ولقــد أبــان علمــاء اإلســام فــي «شــكوكهم» علــى‬
‫وتأمالتــه قادتــه إلــى ذات الخالصات‬ ‫أن تجربتــه ُّ‬ ‫بالنــاس اكتشــف ّ‬ ‫مجرد‬ ‫مصححون لهم إضافاتهم القيمة‪ ،‬ال‬ ‫ِّ‬ ‫أنهــم نقَّاد ُمراجعــون‬
‫َّ‬
‫التــي يريــدون تعليمه إياها حول الله والعالم والنفس والجســد‪.‬‬ ‫ـراحاً‪ ،‬بــل إن عــدد ًا مــن كتابــات ابــن رشــد وابــن‬ ‫مترجميــن أو ُشـ ّ‬
‫فهــل كتــب «ديفــو» قصته دون أن يطّ لع على «حي بن يقظان»؟ ال‬ ‫ســينا كانــت فــي الواقــع «شــكوكاً» علــى أرســطو نفســه‪ .‬ويكفــي‬
‫ـدم أكثر من دليل علــى الترجمات‬ ‫يملــك العــروي جوابـاً‪ ،‬لكنه يقـ ِّ‬ ‫اإللماح هنا إلى كتاب ابن ســينا الشــهير «اإلشــارات والتنبيهات»‪.‬‬
‫الالتينيــة‬
‫ّ‬ ‫أهمهــا الترجمــة‬
‫تعرضــت لهــا هــذه الروايــة (مــن ّ‬ ‫التــي َّ‬ ‫يشــتبك فــؤاد العــروي فــي مرافعتــه مع عدد مــن كتابــات وأفكار‬
‫أعدهــا «إدوارد بوكــوك» ســنة ‪ ،)1671‬وعلــى اهتمــام عــدد‬ ‫التــي َّ‬ ‫ومقــوالت ابــن ســينا وابــن طفيــل وابــن رشــد وغيرهــم مــن علماء‬
‫الغربييــن بهــا وتأثيرهــا األكيــد علــى فكرهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ري‬ ‫فكِّ‬ ‫الم‬
‫مــن ُ‬ ‫اإلســام قبــل أن ينتقــل مــن تفاعلهــم النقــدي وتطويرهــم للتراث‬
‫ابــن خلــدون بــدوره كان حاضــر ًا فــي أكثــر مــن فصــل‪ ،‬حيــث‬ ‫اليونانــي‪ ،‬إلــى مــا يمكــن اعتبــاره إضافــات ملهمــة لهــم مــن‬ ‫ّ‬
‫يخلــص العــروي إلــى أن منهــج ابــن خلــدون فــي دراســته‬ ‫ا‬ ‫أن تاريــخ الفكــر الغربــي تغاضــى عنهــا‪ .‬هكــذا مثــ ً‬ ‫َّ‬ ‫ؤســف‬ ‫الم‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫االجتماعيــة‬
‫ّ‬ ‫للمجتمــع والتاريــخ يقتــرب كثيــر ًا مــن روح العلــوم‬ ‫ُ‬ ‫كشــف عــن فضــل ابــن رشــد وابــن طفيــل علــى «ســبينوزا»‪ ،‬حيث‬
‫كمــا تبلــورت فــي أوروبــا انطالقـ ًا مــن القــرن التاســع عشــر‪ ،‬كمــا‬ ‫ـدي التي بدت‬ ‫أدرج العــروي عــدد ًا من مقوالت الفيلســوف الهولنـ ّ‬
‫أن تحليــل العــروي لبعــض مقــوالت صاحــب «المقدمــة» حــول‬ ‫العربيين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكأنهــا اســتعادة حرفية لبعض مقــوالت الفيلســوفين‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪8‬‬
‫العربيــة فــي حاجــة إلــى ترجمــة ‪ 42‬ألــف كلمــة‬ ‫ّ‬ ‫إلــى أن لغتنــا‬ ‫«الــرزق» و«العمــل» و«المكاســب» تجعــل هــذا األخيــر يظهــر‬
‫ـم مــاذا عــن باقــي‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫اآلن؟‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫بال‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫فم‬ ‫ـده‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫وح‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫الط‬ ‫فــي مجــال‬ ‫ـيكي‪ .‬وتواصلــت‬ ‫بمظهــر ُملهِ ــم حقيقــي لعلــم االقتصــاد الكالسـ ّ‬
‫ـي ال غبــار‬ ‫ـبقٍ‬ ‫ً‬
‫المعــارف والعلــوم؟‬ ‫مرافعــات العــروي فــي الكتــاب دفاعـا عــن سـ علمـ ّ‬
‫يؤكِّ ــد العــروي أن حاجتنــا إلــى مضاعفــة الجهــود فــي مجــال‬ ‫عليــه لعلمــاء عــرب فــي مجاالت مختلفــة‪ :‬ابن النفيس مكتشــف‬
‫علميــة‬ ‫ّ‬ ‫ـد ًا لكــي تصيــر لغتنــا‬ ‫لحــة جـ ّ‬ ‫العلميــة صــارت ُم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الترجمــة‬ ‫ـراح الــذي كان‬ ‫الدمويــة الصغــرى‪ ،‬ابــن زهــر الطبيــب الجـ َّ‬ ‫ّ‬ ‫الــدورة‬
‫تحولت «لغة الشــعر»‬ ‫َّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫العباس‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫العص‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫حص‬ ‫مثلمــا‬ ‫ِ‬
‫ـن اســتعمل التخدير في الجراحة‪ ،‬عالــم الرياضيات غياث‬ ‫أول َمـ ْ‬
‫ّ‬
‫علميــة بفضــل مجهــودات مترجمــي‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫لغ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـرآن»‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫ـة‬ ‫و«لغـ‬ ‫العشــرية‪ ،‬ثابــت بــن قــرة أول‬ ‫ُ‬ ‫الكســور‬ ‫مبتكــر‬ ‫الكاشــي‬ ‫الديــن‬
‫«بيــت الحكمــة»‪ .‬ويــرى أن تأهيــل لغتنــا لالنخــراط الســلس فــي‬ ‫مــن بــادر إلــى «تصحيــح مســائل الجبــر بالبراهيــن الهندســية»‪،‬‬
‫هــذا المشــروع الترجمــي الكبيــر يســتدعي إدخــال إصالحــات‬ ‫العلميــة للكيميــاء الحديثــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جابــر بــن حيــان واضــع األســس‬
‫اســتعجالية علــى مســتوى نحوها وصرفهــا وتركيبهــا‪ ،‬وأيض ًا على‬ ‫ابــن الهيثــم عا ِلــم البصريــات الــذي أثبــت أن الضــوء يأتــي إلــى‬
‫المورفولوجــي‪ .‬كمــا يدعو إلى االنفتــاح على العاميات‬ ‫المســتوى ُ‬ ‫ُ‬ ‫نظريــة حول‬‫ّ‬ ‫األجســام مــن العيــن وليــس العكــس وكان صاحــب‬
‫ـدوارج‬ ‫ـدد نفســها عبــر هــذه الـ ّ‬ ‫العربيــة بهــا وتجـ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫لتغتن‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫العربي‬
‫ّ‬ ‫ـن وضع‬ ‫َ ْ‬ ‫ـ‬‫م‬ ‫هو‬ ‫الكرويــة‪ ،‬وبــه يكــون‬ ‫ّ‬ ‫انعــكاس الضــوء علــى المرايــا‬
‫حيــة‪ .‬هكذا ســتقترب مــن الناس أكثــر‪ .‬فالعرب‬ ‫األســس األولــى الختــراع الكاميــرا‪.‬‬
‫كمــا يجــدر بلغــة ّ‬
‫ال يقرؤون‪ ،‬حســب العروي‪ ،‬ألنهم يحســون اللّغة التي سيقرؤون‬ ‫ـع عــن العــرب» الصــادر فــي مايو‪/‬أيــار‬ ‫صحيــح أن كتــاب «ترافـ ٌ‬
‫بهــا بعيــد ًة عنهــم وعــن حياتهــم‪ .‬لكــن كلّما أحســوا اللّغــة قريبةً‬ ‫‪ 2021‬عــن دار (ميالي‪-‬بــارو) بباريــس هــو كتــاب يحــاور الغــرب‬
‫المتعــة فــي‬ ‫منهــم سيأنســون لهــا أكثــر‪ ،‬وبالتالــي ســيجدون ُ‬ ‫العربي‪ ،‬حتــى أن ترجمته إلى‬ ‫ّ‬ ‫ـد ًا للقــارئ‬ ‫ويجادلــه‪ ،‬لكنــه نافــع جـ ّ‬
‫القــراءة بهــا‪ .‬لذا يجب االشــتغال على اللّغــة لتجديدها وتقريبها‬ ‫ـتعجالياً‪ .‬فمنطــق تأليــف هــذا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫مطلب‬ ‫لغــة الضــاد تــكاد تصيــر‬
‫ـدي‪ ،‬برأي‬ ‫مــن عامــة الشــعب ومن لغة العامــة‪ .‬هذا النقاش الجـ ّ‬ ‫العالَم‬‫الفكرية لصاحبه نحتاجهما معـ ًا في َ‬ ‫ّ‬ ‫العمــل وكــذا الرؤيــة‬
‫ـدي مــع الغــرب‪ .‬ففــؤاد العــروي‬ ‫ـ‬ ‫ون‬ ‫ي‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ر‬‫ٍ‬ ‫ـوا‬ ‫ـي لتأميــن حـ‬
‫العــروي‪ ،‬يجــب ّأل ُيتــرك للسياســيين وحدهــم يســتخدمونه فــي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربـ ّ‬
‫ســجاالتهم الحزبيــة والسياســوية‪ .‬إ ّنهــا قضيــة العلمــاء واألدباء‬ ‫األوروبيــة باالنغــاق‪ ،‬وال علــى الخطــاب‬ ‫ّ‬ ‫ـرد علــى المركزيــة‬ ‫لــم َيـ ُ‬
‫ورجــال الفكــر والفلســفة‪ .‬وفــي هــذا اإلطــار يذكِّ ــر العــروي بــأن‬ ‫ـوفينية معكوســة‪ .‬علــى العكــس‪ ،‬كان‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫بش‬ ‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫العنص‬ ‫ـوفيني‬
‫ّ‬ ‫الشـ‬
‫والفكرية‬ ‫العلميــة‬ ‫ـوالت‬ ‫الرجــل حريصـ ًا علــى بنــاء حجــاج يقــوم علــى تفكيــك الخطابــات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّغويــة كانــت في صلــب التحـ ُّ‬ ‫المســألة الل ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واألدبيــة التــي عرفها الغرب‪ .‬فـ«ســبينوزا» كان منهمــكا تماما في‬ ‫التورط في األيديولوجيا‪ .‬ومعلوم‬ ‫ُّ‬ ‫وتقديــم معطيات معرفية دون‬
‫ّ‬
‫العبريــة‪ ،‬نــزع القداســة‬ ‫ـري فــي أفــق تطويــر‬ ‫أن «أيديولوجيــا العروبــة واإلســام» التــي تنطلــق منهــا العديــد‬
‫ّ‬ ‫دراســة النحــو العبـ ّ‬
‫علمانيــة‪« .‬غاليلي» كان حريص ًا‬ ‫طبيعية‬ ‫عنهــا وتحويلهــا إلى لغة‬ ‫العربيــة فــي هــذا المجــال تجعلهــا عاجــز ًة عــن‬ ‫ّ‬ ‫مــن الكتابــات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالالتينية‪ ،‬وإنما باللهجة التوســكانية‬ ‫دون أبحاثه‪ ،‬ليس‬ ‫ـدم نحــو بلــورة خطــاب متماســك يحــرج الغــرب‪ .‬لهــذا مثالً‪،‬‬ ‫التقـ ُّ‬
‫ّ‬ ‫على أن ُي ِّ‬
‫اإليطاليــة فيمــا بعــد‪ .‬وهــي اللهجــة نفســها التــي‬ ‫ـتصير‬ ‫التــي سـ‬ ‫مقدمــة كتابــه باعتبــاره‬ ‫ِّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫اإلس‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫تحدي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـروي‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫ـر‬
‫أصـ َّ‬
‫ّ‬
‫ـي الخــارق «الكوميديــا اإللهيــة»‪.‬‬ ‫ـامية اغتنــت فــي تاريخهــا‬ ‫حضــارةً‪ ،‬ومعلــوم أن الحضــارة اإلسـ ّ‬
‫كتــب بهــا «دانتــي» عملــه األدبـ ّ‬ ‫ـعوب مختلفــة‪ُ :‬فــرس‬ ‫ٍ‬ ‫ـي بعطــاءات علمــاء وأدبــاء مــن شـ‬
‫وأخيــر ًا يســوق العروي مثــال «ديكارت» الذي أعلن عن مشــروعه‬ ‫الذهبـ ّ‬
‫نصــه الشــهير «مقــال عــن المنهــج» ســنة‬ ‫وأفغــان وأتــراك وأكــراد وهنــود وأمازيــغ‪ ،‬ومــن مختلــف الديانات‬
‫ـرة فــي ّ‬ ‫ـفي أول مـ ّ‬ ‫الفلسـ ّ‬
‫بالالتينيــة لغــة العلــم‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫ولي‬ ‫ة‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫بالفرنس‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫المق‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫وج‬ ‫‪،1936‬‬ ‫تعمــد العــروي منــذ البدايــة أن يتجــاوز المســألة‬ ‫كذلــك‪ .‬كمــا َّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتيولوجيــا فــي ذلــك الزمــن‪.‬‬ ‫العرقيــة فــي تحديــده للعــرب والعروبــة بالتركيــز علــى عنصــر‬ ‫ّ‬
‫قــد يختلــف القــارئ مــع عــدد مــن خالصــات فــؤاد العــروي‬ ‫العربيــة‬
‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ّغ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫الي‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫تتح‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـبة‬ ‫ـ‬ ‫بالنس‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫العروب‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫اللّغـ‬
‫جديته‬ ‫العا َلــم‪ ،‬والعلــم أيضـاً‪ ،‬مــن خالل‬ ‫َ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫نتم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫نح‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫وطبع‬ ‫ـا‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫وعبره‬
‫واســتنتاجاته فــي هــذا الكتاب‪ ،‬لكنه ال يملــك ّإل أن يحترم ّ‬
‫ا جا ّفـاً‪،‬‬ ‫ـاج لــم يكــن ثقيـ ً‬ ‫اللّغــة‪ .‬لذلــك يطــرح العــروي العديــد مــن األســئلة حــول واقــع‬
‫فــي طــرح قضايــاه وبنــاء حجاجــه‪ .‬حجـ ٌ‬
‫المجادلة‬ ‫ـارات‬ ‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫إلي‬ ‫ذاك أن فــؤاد العــروي عــرف كيــف يضيــف‬ ‫ا أن لغتنــا تعانــي قصور ًا‬ ‫العربيــة وتدريســها‪ .‬فيالحــظ مثـ ً‬ ‫ّ‬ ‫اللّغــة‬
‫ُ‬ ‫والمصطلحات‪ .‬وهنا‬ ‫ـميات‬ ‫ـ‬ ‫التس‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫بينهم‬ ‫من‬ ‫ة‬ ‫عد‬ ‫ـتويات‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫علــى‬
‫ال على‬ ‫والمناكفــة بمقدا ٍر جعله ســائغ ًا ممتع ًا يمــارس تأثير ًا جمي ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫قــرر «كارل فــون‬
‫المراوحة بين‬ ‫القــارئ‪ .‬كمــا أن روح الكاتب الســاخرة وبراعته فــي ُ‬ ‫يتوقَّــف عنــد أســماء النباتــات مثــاً‪ .‬فحينمــا َّ‬
‫ـخصية الطريفــة والحجــاج العلمي‬ ‫ســرد القصــص والوقائــع الشـ‬ ‫لينــي» فــي القــرن الســابع عشــر إنجــاز أول موســوعة للكائنــات‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫ســبات‬ ‫َمــي النبــات والحيــوان كان العــرب فــي‬
‫ـري رصيــن‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫فك‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫مؤ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫إن‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫خاص‬ ‫ّ‬ ‫الرزيــن أكســب الكتــاب نكهــةً‬ ‫الحيــة فــي عال ْ‬ ‫ّ‬
‫أي مــن مراجعهــم فــي‬ ‫ٍّ‬ ‫اعتمــاد‬ ‫يتــم‬ ‫لــم‬ ‫لــذا‬ ‫حضــاري حينهــا‪،‬‬
‫ُيســاجل الــذات واآلخــر‪ ،‬يحــاور بالفكــر ولغتــه دون أن يتخ َّلــى‬
‫العلميــة القديمــة‬ ‫ّ‬ ‫تصنيــف «لينــي»‪ .‬وهكــذا وجــدت التســميات‬
‫«ترافع‬
‫ٌ‬ ‫ـد كتاب‬ ‫األدبي الشـ ّـيق‪ .‬ألجل ذلك ُي َعـ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤلِّفــه عــن أســلوبه‬
‫المســلمين نفســها خــارج هــذا التصنيــف‪.‬‬ ‫التــي اقترحهــا علمــاء ُ‬
‫عــن العــرب» مؤلَّف ـ ًا ممتــاز ًا يصلــح للقــارئ العــام مــن مختلــف‬
‫والنتيجــة هــي أننــا اليــوم عاجــزون عــن محــاورة الغــرب فــي هــذا‬
‫بالعربيــة ال يقــلُّ‬ ‫ّ‬ ‫ولعــلّ القــارئ‬ ‫والثقافيــة‪َ .‬‬ ‫ّ‬ ‫الفكريــة‬
‫ّ‬ ‫المســتويات‬ ‫ُ‬ ‫المجــال‪ ،‬بــل غيــر قادريــن حتــى علــى إطــاق تســميات دقيقــة‬
‫احتياجـ ًا إلــى ُح َّجة هــذا الكتــاب ومنطقه عن القارئ بالفرنسـ ّـية‪،‬‬
‫ـي‪ ،‬بــل وح ّتــى داخــل‬ ‫موحــدة علــى النباتــات فــي َ َ‬
‫لحــة‪ .‬ياســين عدنــان‬ ‫ومــن هنــا يصيــر تعريــب الكتــاب غايــةً ُم ّ‬ ‫العالــم العربـ ّ‬ ‫َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫البلــد الواحــد‪ .‬فكيــف ســتتملَّك عالَم ـا لســت قــادرا حتــى علــى‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫موحــد؟ لكــن هــل يمكننــا التســمية اليــوم‬ ‫تســميته بشــكلٍ دقيــق َّ‬
‫‪Plaidoyer pour les Arabes, Fouad Laroui, Mialet-Barrault Editions, mai‬‬ ‫أن التســمية لــم تعــد ممكنــة‬ ‫َّ‬ ‫أم‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وحده‬ ‫باالعتمــاد علــى لغتنــا‬
‫‪2021‬‬ ‫نبه «جــاك بيرك»‬ ‫خــارج فعاليــة الترجمــة؟‪ ..‬قبــل أربعين ســنة‪َّ ،‬‬
‫‪9‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫فريديريك كيك‪:‬‬
‫ِّ‬
‫فكر مثل الفريوس‬
‫ويالحــظ‪ ،‬مــن‬
‫صيــادي الفريوســات ُ‬ ‫كان «فريديريــك كيــك ‪ »Frédéric Keck‬يتع َّقــب‪ ،‬ألكــر مــن عقـ ٍـد مــن ال َّزمــن‪َّ ،‬‬
‫األصليــة التــي تتشــكَّ ل بــن البــر وغــر البــر‪ .‬وألقــت جا ِئحــة (كوفيــد ‪ )19 -‬مــن‬
‫َّ‬ ‫خــال مامرســاتهم‪ ،‬العالقــات‬
‫أهميــة أبحاثــه‪.‬‬
‫الضــوء عــى ّ‬
‫جديــد َّ‬

‫الممارســات التــي نالحظهــا!»‪ .‬وعملــه‬ ‫مفاهيــم فــي ُ‬ ‫بــرز فــي‬ ‫وم َّ‬ ‫هــو طالــب ســابق بالمدرســة العليــا‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫أهميــة بالنســبة للفلســفة‪ .‬وســيرا علــى نهــج‬ ‫َّ‬ ‫ذو‬ ‫البرونزيــة مــن‬ ‫َّ‬ ‫الميداليــة‬
‫َّ‬ ‫الفلســفة‪ ،‬وحائــز علــى‬
‫عا ِلــم األنثروبولوجيــا «فيليــب ديســكوال ‪Philippe‬‬ ‫العلمــي ‪ ،CNRS‬ومديــر‬ ‫للبحــث‬ ‫الوطنــي‬ ‫المركــز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ُ ،»Descola‬يع َتبــر «ف‪.‬كيــك» جزء ًا من جيل جديد‬ ‫االجتماعيــة‬
‫َّ‬ ‫أبحــاث فــي مختبــر األنثروبولوجيــا‬
‫األنثروبولوجيــة الفرنسـ َّـية التــي تســعى جاهد ًة‬
‫ّ‬ ‫مــن‬ ‫(‪ /CNRS‬كوليــج دوفرانــس ‪Collège de France/‬‬
‫إلــى التفكيــر فــي مجتمعــات «تتجــاوز الطبيعــة‬ ‫‪ EHESS‬مدرســة الدراســات العليــا فــي العلــوم‬
‫والثقافــة»‪ .‬لقــد قــاده اهتمامــه بالعالقة بين البشــر‬ ‫االجتماعيــة) ‪ ...‬مســار فريديريــك كيــك يبعــث على‬ ‫َّ‬
‫قصة‬ ‫والفيروســات‪ ،‬بواســطة الحيوانــات‪ ،‬إلى ســرد َّ‬ ‫الرجــل‪ ،‬الــذي يتم َّتع بقــد ٍر كبير من‬ ‫َّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫لك‬ ‫ـاب!‬ ‫اإلعجـ‬
‫ـانية انطالقـ ًا مــن حدودها مــع األنواع‬‫عالميــة لإلنسـ َّ‬
‫َّ‬ ‫الـو ِِّد‪ ،‬سيســتقبلنا بــكلِّ بســاطة حــول فنجــان قهــوة‬
‫األخــرى‪ .‬وهــذا هــو عنــوان العمــل الجماعــي الــذي‬ ‫فــي منزله‪ ،‬على حافة غابة ‪ ،Fontaine bleu‬فمنذ‬
‫ُن ِشــر فــي شــهر مــارس‪/‬آذار الماضــي‪« :‬الخفافيش‪.‬‬ ‫بدايــة وبــاء (كوفيــد ‪ )19 -‬كان علــى اتصــال مســتمر‬
‫فــي الحــدود بيــن األنــواع‪Les chauve-souris. /‬‬ ‫مــع وســائل اإلعــام‪ .‬ورغــم ذلــك‪ ،‬فهــو ال يفقــد‬
‫‪ .Aux frontières entre les espèces‬إ َّنه برنامج‬ ‫والحاليــة‬ ‫الســابقة‬
‫َّ‬ ‫ســعادته فــي مناقشــة أبحاثــه َّ‬
‫عمــل واســع النطــاق‪.‬‬ ‫ـتقبلية‪ .‬ويــروي أ َّنه بــدأ بأعمال ترتبــط بتاريخ‬ ‫والمسـ‬‫ُ‬
‫َّ‬
‫األنثروبولوجيــا الفرنسـ َّـية فــي عالقاتهــا بالفلســفة‬
‫رد فعلك عندما أصبح موضوع دراستك‪،‬‬ ‫كيف كان ّ‬ ‫(«ليفــي بروهــل ‪ ،»Lévy-Bruhl‬و«دوركايــم‬
‫علميةً ِ‬
‫«آخ َذة في الظهور»؟‬ ‫َّ‬ ‫حالةً‬ ‫الوباء‪،‬‬ ‫‪ ،»Durkheim‬و«بيرجســون ‪ ،»Bergçon‬و«ليفــي‬
‫لي‪«:‬أنــت تعمــل علــى‬ ‫َ‬ ‫ــدة ســنوات‪ِ ،‬قيــل‬ ‫لع ّ‬ ‫‪ِ -‬‬ ‫شــتراوس ‪ .)»Lévi-Strauss‬وبعد ذلك‪ ،‬وبســرعة‪،‬‬
‫ـت‪« :‬أنا ال‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫فأجب‬ ‫للغاية!»‪،‬‬ ‫ـع‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ممت‬ ‫ـر‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫إ‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬ ‫األوبئ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫ـي للبحث‬ ‫وبعــد انضمامــه إلى المركز الوطنـ ّ‬
‫الحيوانية‪/‬‬
‫َّ‬ ‫ـراض‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫على‬ ‫بل‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫األوبئ‬ ‫على‬ ‫أعمــل‬ ‫‪ CNRS‬فــي عــام ‪ ،2005‬شــرع فــي إجــراء دراســات‬
‫ـم ْع ِد َية‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الـ‬ ‫األمراض‬ ‫من‬ ‫مجموعة‬ ‫أي‬ ‫‪zoonoses‬؛‬ ‫إثنوغرافيــة فــي آســيا عــن األزمــات‬ ‫َّ‬ ‫اســتقصائية‬
‫َّ‬
‫طبيعيـ ًا مــن الحيوانــات إلى البشــر»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التــي تنتقــل‬ ‫طور‬‫َّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫وهن‬ ‫ـة‪.‬‬
‫ـ‬‫الحيواني‬
‫َّ‬ ‫ـراض‬‫ـ‬ ‫باألم‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫صل‬ ‫ت‬
‫َّ‬ ‫الم‬
‫الصحيــة ُ‬ ‫َّ‬
‫ســببات األمــراض‬ ‫ِّ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ــور‬ ‫عب‬
‫ُ‬ ‫علــى‬ ‫العمــل‬ ‫بمعنــى‬ ‫مفهوم «الحارس»‪ Sentinelle /‬لوصف الحيوانات‬
‫تحــول بين األنــواع‪ ،‬إ ْذ يمكن لهذه‬ ‫للحواجــز التــي ُ‬ ‫ـدد الحيــاة‪.‬‬ ‫التــي ُتب ِّلــغ عــن خطــر العــدوى الــذي ُيهـ ِّ‬
‫سبب األوبئة أل َّننا ال نملك‬ ‫الحيواني ْ ُ ِّ‬
‫ت‬ ‫أن‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫األمراض‬ ‫«إن المغــزى مــن االنتقــال مــن الفلســفة إلــى‬ ‫َّ‬
‫لمسـ ِّـببات األمراض التــي تنتقل من‬ ‫مناعــةً كاملــةً ُ‬ ‫ـر ببســاطة‪ ،‬هــو أ َّننــا نجــد‬ ‫ـ‬
‫ُ ّ‬‫ق‬ ‫ي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كم‬ ‫ـا‪،‬‬
‫ـ‬ ‫األنثروبولوجي‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪10‬‬
‫هل يمكننا االستعداد لمثل هذا «الخطر» الوبائي؟‬ ‫الحيوانــات إلى اإلنســان‪ .‬لقد اســتفدنا من ق َْرنَيــن من المناعة‬
‫‪ -‬فــي هونــغ كونغ ‪ ،Hong Kong‬وتايوان ‪ ،Taiwan‬وســنغافورة‬ ‫العمومية‪ ،‬لكن‬
‫َّ‬ ‫ناعيــة بفضل باســتور ‪ Pasteur‬والصحــة‬ ‫الص َّ‬ ‫ِّ‬
‫الممارســات‬ ‫البريــة‬
‫َّ‬ ‫غيــرات فــي الظــروف المعيشـ َّـية للحيوانــات‬ ‫ُّ‬ ‫ت‬
‫َّ‬ ‫لل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫نتيج‬
‫نــت مــن مالحظــة بعــض ُ‬ ‫‪ ،Singapour‬تمكَّ ُ‬ ‫الحيوانية ِ‬
‫التــي دفعتنــي إلــى اإلصــرار علــى االســتعداد بوصفــه أســلوب ًا‬ ‫آخذة فــي االزدياد‪ ،‬وتؤدي‬ ‫َّ‬ ‫ـإن األمــراض‬ ‫واألليفــة‪ ،‬فـ َّ‬
‫ـؤدي إلى محــاكاة األوبئة‬ ‫افتراضيـاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الجا ِئحــة‪ .‬ولطالمــا اعتبــرت الوبــاء أُفقـ ًا‬ ‫إلــى خطــر َ‬
‫ـتراتيجياً‪ .‬هــذا ال َّنــوع مــن ال َّتحضير يـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اسـ‬
‫العموميــة مثــل تخزيــن‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الصح‬ ‫ـرارات‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫أو‬ ‫ـفيات‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ستش‬ ‫الم‬ ‫ـي‬ ‫فـ‬ ‫تهمني‪ .‬فــي عام (‪ ،)2009‬كان‬ ‫ُّ‬ ‫ة‬ ‫محلي‬
‫َّ‬ ‫ة‬‫قضي‬
‫َّ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫لتعمي‬ ‫وطريقــةً‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أول تحقُّ ــق للســيناريو‪ ،‬دون حدوث اضطرابات‬ ‫وبــاء (‪َّ )H1N1‬‬
‫ـإن االســتعداد‬ ‫اللقاحــات واألقنعــة‪ .‬وخالف ـ ًا للمبــدأ الوقائــي‪ ،‬فـ َّ‬
‫أن الكارثــة موجــودة بالفعل‬ ‫عالميــة كبيــرة‪ ،‬فــي عا َلــم ُمصــاب باألنفلونــزا‪un monde /‬‬
‫يتخيــل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال يحســب المخاطــر‪ ،‬ولك َّنــه‬ ‫َّ‬
‫ويتصــدى لتهديــدات مثــل‬ ‫َّ‬ ‫لذلــك‪.‬‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ويرســم أفقــ ًا للعمــل وفقــ‬ ‫ـأن الوبــاء أســطورة‪،‬‬ ‫الفرضيــة القائلــة بـ َّ‬
‫َّ‬ ‫ـت إذ ًا‬ ‫‪ ،grippé‬اقترحـ ُ‬
‫ـم ْعدية ال َّناشــئة‪،‬‬ ‫كارثية تتطلَّب االهتمام بظروف انتقال ُمسـ ِّـببات‬ ‫قصــة‬
‫بمعنــى ّ‬
‫اإلرهابية‪ ،‬أو األمراض الــ ُ‬ ‫َّ‬ ‫وويــة‪ ،‬أو‬‫الهجمــات ال َّن َّ‬ ‫َّ‬
‫أن المبــدأ الوقائــي‪،‬‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫فرضي‬ ‫ـاخ‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫المن‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫تغي‬ ‫األمــراض مــن الحيوانات إلى البشــر‪ .‬في عــام ‪ ،2020‬أصبحت‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫أو اضطرابــات ُّ‬
‫ـم تحديــده فــي أوروبــا‪ ،‬يقــوم علــى تــوازن دقيق بيــن تقييم‬ ‫كمــا تـ َّ‬ ‫كنت‬
‫ُ‬ ‫األســطورة حقيقــة‪ ،‬لقد حدث ســيناريو الكارثــة بالفعل!‬
‫وص َّنــاع القــرار‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـراء‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫الخ‬
‫ُ‬ ‫ـدرة‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـا‪،‬‬‫ـ‬ ‫وإدارته‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫المخاط‬ ‫مندهش ـ ًا مثــل الجميــع‪ .‬يفاجئنــا الوبــاء دائم ـ ًا بقدرتــه علــى‬
‫إن هنــاك خطــر ًا‬ ‫للمناقشــة بالقــول َّ‬ ‫ـة‪ ،‬نفتــح المجــال ُ‬ ‫فمــن ناحيـ ٍ‬ ‫ـل منــذ خمســة عشــر عام ـ ًا مــع‬ ‫ـت أعمـ ُ‬‫قلــب كلّ شــيء‪ .‬كنـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ناحية‬ ‫جديــد ًا ينبغــي تحديــده من خــال تقاســم المعارف‪ .‬ومــن‬ ‫علمــاء الفيروســات الذيــن أخــذوا هــذا الســيناريو على محمل‬
‫المطالبــة‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪،‬‬ ‫ـم إغالقــه مــن خــال ُ‬ ‫أخــرى‪ ،‬يتـ ُّ‬ ‫الجد ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪11‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫الحيوانــات الموجــودة علــى الحــدود بيــن الحيوانــات األليفــة‬ ‫انتقالية بين‬
‫َّ‬ ‫صابة‪ .‬إ َّنها مرحلــة‬
‫ـم َ‬
‫ـي للحيوانات الــ ُ‬ ‫بالذَّ بــح الجماعـ ّ‬
‫ـح َّراس»‪،‬‬‫ـميها «الــ ُ‬ ‫والمفترســة‪ .‬هــذه هــي الحيوانــات التــي أسـ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫الســكان بواســطة‬ ‫ّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـيطرتها‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الدول‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫ؤكِّ‬ ‫الوقايــة‪ ،‬حيــث ُت‬
‫المجتمعات‪ ،‬تمكِّ ننا من إدراك عالمات ال َّتحذير‬ ‫والتي‪ ،‬في كلِّ ُ‬ ‫ســلطة الخبــراء‪ ،‬واالســتعداد‪ ،‬الــذي يدعــو إلــى ال َّتشــكيك فــي‬
‫االجتماعيــة إلــى مقارنــة‬
‫َّ‬ ‫ـم تســعى األنثروبولوجيــا‬ ‫مســبقاً‪ ،‬ثـ َّ‬ ‫ال مــن ذلــك‪ ،‬يســتند ال َّتحضيــر إلــى أســاس‬ ‫الدولــة‪ .‬وبــد ً‬
‫ُقــدرات َّ‬
‫المشــتركة بيــن‬ ‫ُ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫العالم‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫توزي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـم‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـي‬ ‫الكيفيــة التـ‬
‫َّ‬ ‫تقاســم المعــارف بــدء ًا مــن كتابــة ســيناريو الكارثــة التــي نحــاول‬
‫المجتمعــات‪.‬‬ ‫البشــر وغيــر البشــر حســب ُ‬ ‫تفاديها‪.‬‬
‫المختلفة إلدراك إشــارات‬ ‫داخلياً‪ ،‬وظيفتي هي تحديد الطرائق ُ‬ ‫ّ‬
‫األنثروبولوجية‬ ‫الظواهر‬ ‫أن‬
‫أوضح َّ‬ ‫أن ِّ‬ ‫وخارجياً‪ ،‬أحاولُ ْ‬ ‫ال َّتحذير‪.‬‬ ‫في ِكتاب ُح َّراس األوبئة ‪،Les Sentinelles des pandémies /‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫عمليــات عبــور حواجــز األنــواع‪ .‬مــا‬ ‫َّ‬ ‫الرئيسـ ّـية تلعــب دور ًا فــي‬ ‫َّ‬ ‫االجتماعيــة والطّ ــب‬
‫َّ‬ ‫تقتــرح «جينيالوجيــا موازيــة لألنثروبولوجيــا‬
‫يؤدي عبــور حواجز األنــواع‪ ،‬في بيئات‬ ‫يهمنــي هــو أن أرى كيــف ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫الـــموازي‬
‫البيطــري»‪ .‬مــاذا سنكتشــف مــن خــال هــذا التاريــخ ُ‬
‫العالميــة اعتماد ًا‬
‫َّ‬ ‫مختلفــة‪ ،‬إلــى إصدار إنذار بشــأن التهديدات‬ ‫خصصــات؟‬
‫لل َّت ُّ‬
‫الجمعيــات التــي‬
‫َّ‬ ‫ـع‬ ‫المحليــة‪ ،‬وهــذا مــا أفعلــه مـ‬ ‫َّ‬ ‫علــى الظــروف‬ ‫ألن الطــب البيطــري والصحــة‬ ‫ـت هــذه الجينيالوجيــا َّ‬ ‫‪ -‬لقــد كتبـ ُ‬
‫ربيــن الذيــن يريــدون م َّنا‬ ‫الم‬
‫ُ ِّ‬ ‫أو‬ ‫ـات‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحيوان‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ـف‬ ‫تكافــح العنـ‬ ‫لمحاســبة‬ ‫االجتماعيــة ُ‬
‫َّ‬ ‫العموميــة يســتدعيان األنثروبولوجيــا‬ ‫َّ‬
‫الحيوانيــة بالنســبة‬
‫َّ‬ ‫أهميــة األمــراض‬ ‫َّ‬ ‫لعامــة ال َّنــاس‬ ‫َّ‬ ‫أن نشــرح‬ ‫ربين عندمــا تظهر أمــراض جديدة عنــد الحيوانات‪.‬‬ ‫ســلوك ُ ِّ‬
‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫الـ‬
‫لألنــواع فــي بيئتها‪.‬‬ ‫المعرفيــة مــن أجــل تحديــد‬ ‫العقبــات‬ ‫فهــم‬ ‫إ َّنهــا فكــرة‬
‫َّ‬
‫ـلوكيات التــي يمكــن تغييرهــا‪ .‬ومنــذ القــرن التاســع عشــر‬ ‫السـ ّ‬
‫لت إلى فكرة «حارس» األوبئة؟‬
‫توص َ‬
‫كيف َّ‬ ‫ريــة»‪ ،‬لكــن هــذا‬ ‫ُّ َّ‬ ‫طو‬ ‫ت‬
‫َّ‬ ‫«ال‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫األنثروبولوجي‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫الطَّ‬ ‫ـذا‬ ‫ُو ِّجــه هـ‬
‫ـتقصائية فــي هونــغ كونــغ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ـت أقــوم بدراســات اسـ‬ ‫‪ -‬عندمــا كنـ ُ‬ ‫ظريــة علــى الســلوك «البدائــي»‬ ‫َّ َّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫للقواع‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫األولوي‬
‫َّ‬ ‫يعطــي‬
‫اكتشــفت‬
‫ُ‬ ‫الحيوانيــة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بنــاء علــى أســئلة حــول إدارة األمــراض‬ ‫ً‬ ‫االجتماعية إلــى انتقاد‬
‫َّ‬ ‫والشــعبي‪ .‬يرمــي تاريــخ األنثروبولوجيــا‬ ‫َّ‬
‫يتــم اكتشــاف‬
‫ُّ‬ ‫حيــث‬ ‫المــزارع‪،‬‬ ‫فــي‬ ‫هــذه‬ ‫اس‬ ‫ــر‬‫الح‬
‫ُ َّ‬ ‫ممارســات‬ ‫كيفيــة التعامــل مــع‬ ‫َّ‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يعرف‬ ‫ال‬ ‫ين‬ ‫رب‬ ‫ـم‬
‫ُ ِّ‬ ‫ـ‬ ‫الـ‬ ‫ـأن‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫القائل‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫الفك‬
‫وباء مســبقاً‪ .‬فعلى‬ ‫ً‬ ‫وبائية أو حتى‬ ‫َّ‬ ‫األمراض التي يمكن أن تصبح‬ ‫ربــون معرفتهــم‬ ‫الم ُّ‬ ‫العمليــة‪ ،‬يبنــي ُ‬ ‫َّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫مارس‬ ‫الم‬
‫المــرض‪ .‬فــي ُ‬
‫ـملقَّح في مكانٍ‬ ‫الدجــاج غير الــ ُ‬ ‫وضع بعض َّ‬ ‫ُ‬ ‫ـم‬
‫ســبيل المثــال‪ ،‬يتـ ُّ‬ ‫الخاصــة باألمــراض‪ ،‬لذلــك يجب أن نحــاول مقارنتها بالمعارف‬ ‫َّ‬
‫فك تشــفير‬‫خاص ًا ِل ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫اهتمام‬ ‫ي‬ ‫رب‬
‫ُ ِّ‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫الـ‬ ‫ويولي‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫خــاص فــي المزرعـ‬ ‫االجتماعية ببناء مجال أوســع‬ ‫َّ‬ ‫لمية‪ .‬تســمح األنثروبولوجيا‬ ‫الع َّ‬ ‫ِ‬
‫بر َّمتهــا كانــت‬
‫أن المنطقــة ُ‬ ‫ـفت بعــد ذلــك َّ‬ ‫ـم اكتشـ ُ‬ ‫اإلشــارات‪ ،‬ثـ َّ‬ ‫ــعبية مــن خــال‬ ‫والش َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫مــن الترجمــة بيــن المعرفــة العال َمــة‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪12‬‬
‫ـورات دقيقــة تعطينا‬
‫علــى حــدود هــذه المجــاالت‪ ،‬من خــال تَصـ ُّ‬ ‫ص ِفهــا َحارســةً فيمــا يتع َّلــق بالصيــن‪ .‬وحتى في‬ ‫ف حينهــا ب َِو ْ‬ ‫ـر ُ‬
‫ُت َعـ َّ‬
‫معرفــة أفضــل بــه‪.‬‬ ‫مفهــوم الجهــاز المناعــي‪ ،‬نجد «خاليا حارســة» تلتقط ُمسـ ِّـببات‬
‫المناعــي‪ .‬ومــن‬ ‫بقيــة الجهــاز َ‬ ‫األمــراض ِل َن ْقــل معلوماتهــا إلــى َّ‬
‫فســر كذلــك اهتمامــك بأعمــال‬
‫أهميــة الخيــال هــذه‪ ،‬هــي مــا ُي ِّ‬ ‫أن‬
‫الســمات مــن خــال ال َّتأكيــد َّ‬
‫َّ‬ ‫ـت بتعميــم كلّ هــذه ّ‬ ‫هنــاك‪ ،‬قمـ ُ‬
‫المختلفة في كتابك األخير‪ :‬إشارات ال َّتحذير‪Signaux /‬‬ ‫الف َّنانين ُ‬ ‫ـي ينتقــل إلى الحــدود‪ ،‬حيث يــرى عالمات‬ ‫الحــارس هــو كائــن حـ ٌّ‬
‫‪d’alerte‬؟‬ ‫بقيــة الجماعــة (كائــن حــي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـغ‬
‫ـ‬ ‫ِّ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ـوف‬ ‫ال َّتهديــدات التــي سـ‬
‫‪ -‬لقــد أدهشــني بالفعــل عمــل الف َّنانين الذين يســتخدمون الخيال‬ ‫إقليــم‪ ،‬مجموعــة‪ ،‬أو حتــى عالَم)‪ .‬إ َّنه مثل الجنــدي الذي يذهب‬
‫ـتراتيجية‪ ،‬مثــل ف َّنانة الشــارع إنفاديــر ‪،Invader‬‬ ‫ـة غيــر اسـ‬ ‫بطريقـ ٍ‬ ‫ـط الجبهــة ويب ِّلــغ عــن إشــارات العــدو‪ .‬يقــع مصطلــح‬ ‫إلــى خـ ّ‬
‫َّ‬
‫تتخيــل‬ ‫التــي ُتنتــج صــور ًا فيروسـ َّـية‪ ،‬أو لينــا بــوي ‪ ،Lena Bui‬التــي‬ ‫ربين وتهديــدات الصحة‬ ‫الم‬
‫ُ ِّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬‫تقني‬
‫َّ‬ ‫ـرق‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫ـرق‬‫ـ‬ ‫مفت‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫عن‬ ‫الحــارس‬
‫َّ‬
‫ـكرية‪ ،‬وكلّهــا تتموضــع فــي قلــب‬ ‫العموميــة والمخــاوف العسـ َّ‬
‫بالريش‪.‬‬‫نفســها طائــر ًا عندما ترى ســكَّ ان قريــة ِفيتنا ِم َّية يتالعبــون ِّ‬ ‫َّ‬
‫غيــرون وجهة ال َّنطــر من خالل‬ ‫وبــد ً‬ ‫ســعيت إلــى تجريــد هــذا‬
‫ُ‬ ‫لكننــي‬ ‫البيولوجــي‪،‬‬ ‫أنظمــة األمــن‬
‫تتبــع الفيــروس‪ ،‬فإ َّنهم ُي ِّ‬ ‫ال مــن ُّ‬ ‫ّ‬
‫ـري‪ .‬إ َّنهــم يلعبــون بخيال‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫العا‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫رؤي‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫ـل‬ ‫جعـ‬ ‫ـكرية لجعله باألحرى أســاس شــكل‬ ‫الصفــة العسـ َّ‬ ‫المفهــوم مــن ّ‬
‫ّ‬
‫مركزيـ ًا من خالل‬ ‫انتقــام الطَّ بيعــة‪ ،‬ولكــن بطريقــة ُتخ ِّلــف تأثيــر ًا ال‬ ‫مــن أشــكال التضامــن بيــن البشــر وغيــر البشــر الذيــن يواجهون‬
‫ّ‬
‫الســعي إلى‬ ‫ري‬ ‫غ‬ ‫ـم‬ ‫تهديــدات مشــتركة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫تَب ِّنــي وجهــة نظر الفيروس أو الحيوان‪ .‬فمن الــ ُ‬
‫قوية‬
‫تخريبية َّ‬
‫َّ‬ ‫اعتمــاد منظــور الفيــروس‪ ،‬ألنــه يحتوي على حمولــة‬
‫مــن خــال طمــس الحــدود الفاصلــة بيــن األحيــاء وغيــر األحيــاء‪.‬‬ ‫ليبلِّغنــا بال َّتهديــدات التــي‬
‫أن الحــارس يعيــش فقــط ُ‬ ‫لكــن يبــدو َّ‬
‫عدو يســعى إلــى ال َّتعايش معنــا‪ .‬أنا أحاول‬ ‫تعـ َّـرض لهــا والتــي نريــد حمايــة أنفســنا منهــا‪...‬‬
‫ومــع ذلــك فالفيــروس ّ‬
‫مفاهيميــة‪ :‬رؤية من منظور‬ ‫َّ‬ ‫بعمليــة مماثلــة على نحـ ٍو أكثر‬ ‫َّ‬ ‫القيــام‬ ‫نميــز فــأر ال َّتجــارب عــن الحــارس؛ ففــأر ال َّتجــارب هــو‬ ‫ـب أن ِّ‬‫‪ -‬يجـ ُ‬
‫المجتمعــات‬ ‫ُ‬ ‫نهــج‬ ‫هــو‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫أيضــ‬ ‫هــذا‬ ‫َّــاش‪.‬‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫أو‬ ‫طائــر‬ ‫أو‬ ‫فيــروس‬ ‫جــزء مــن بروتوكــول لدينــا ســؤالٌ بشــأنه‪ ،‬ونملــك إجابــةً ُمســبقة‬
‫الصيــاد تو ُّقــع نتيجــة‬ ‫الشــامانِ َّية مــن خــال طقوســها‪ :‬يجــب علــى َّ‬ ‫َّ‬ ‫ـم تجنيــده‬‫عنــه‪ .‬والحــارس هــو جــزء مــن مجموعــة‪ ،‬وبالتالــي يتـ ُّ‬
‫ارد‪ ،‬مــع منــع‬ ‫طَ‬
‫ُ َ‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫الـ‬ ‫ـوان‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫نظ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫وجه‬ ‫ـذ‬‫ـ‬ ‫أخ‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫ي‬ ‫الص‬
‫َّ‬ ‫أن نعــرف مــا‬ ‫أن هنــاك تهديــدات دون ْ‬ ‫للمراقبــة‪ ،‬حيــث نعلــم َّ‬ ‫ُ‬
‫ـم َصاد مــن االنتقام‪.‬‬ ‫الحيوان الــ ُ‬ ‫نوعهــا‪ .‬المــوت ليــس اإلشــارة الوحيــدة التــي يرســلها‪ .‬يمكننــا‬
‫عينــات بســيطة كمــا نفعــل فــي‬ ‫ـك شــفرة اإلشــارة انطالقـ ًا مــن ِّ‬ ‫فـ ّ‬
‫صياد فيروسات؟‬
‫أن تصبح َّ‬
‫هل يمكن للدولة ْ‬ ‫حالــة الفيــروس غــرب النيــل‪ .‬وهنــاك أيضـ ًا طيــور الحراســة التي‬
‫ـدول؛ فهــو يتط َّلــب منهــا‬ ‫ـرج الـ ُّ‬ ‫َ‬ ‫المقاومــة‪ ،‬كمــا‬ ‫نراقبهــا لمعرفــة مــا إذا كانــت تلتقــط البكتيريــا ُ‬
‫أن هــذا الوبــاء أ ْحـ َ‬ ‫‪ -‬مــن الواضــح َّ‬
‫دبــر األمــور بطريقــة تســتبق األحــداث‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‬ ‫أن ُت ِّ‬ ‫نفعــل فــي جــزر أوســترال ‪.Australes‬‬
‫فــي مشــكلة مخــزون األقنعــة‪ .‬وهــذا يتعــارض مــع المنطــق‬ ‫لكــن يظــل الحارس فكرة محفوفــة بالمخاطر‪ .‬وهناك مجموعات‬
‫ال مــن ال َّتخزيــن‪.‬‬ ‫فضــلُ ال َّتــداول بــد ً‬ ‫ـي الجديــد الــذي ُي ِّ‬ ‫نتصور‬ ‫أن تطلب منها أن تكون ُح َّراسـاً‪ .‬وبوسعنا أن‬ ‫ـرية يمكن ْ‬ ‫بشـ َّ‬
‫الليبيرالـ ّ‬ ‫َّ‬
‫الدولــة الحديثــة َم ْب ِن َّيــة علــى الوقايــة‪ ،‬مــن خــال تقييــم توزيــع‬ ‫ـتراتيجية تضــم مجموعات‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫مة‬ ‫نظَّ‬‫م‬ ‫ـة‪:‬‬
‫ـ‬ ‫ب‬
‫َّ ُ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫رع‬‫م‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫بيولوجي‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫سياس‬
‫فســد هــذا‬ ‫إن الحاجــة إلــى ال َّتحضيــر ُت ِ‬ ‫الســكان‪َّ .‬‬ ‫المخاطــر بيــن ُّ‬ ‫ميــة في المركز‪ ،‬وعلى الهوامش مجموعات ِحراســة‬ ‫ـكانية َم ْح َّ‬
‫سـ َّ‬
‫أن تكــون هنــاك مرونــة با ِل َغــة فــي‬ ‫ْ‬ ‫ـروري‬ ‫ـ‬ ‫الض‬
‫َّ‬ ‫ـن‬ ‫المنطــق‪ ،‬أل َّنــه مـ‬ ‫عرضــة للخطــر‪ ،‬والتــي يتم َّثــل دورهــا فــي إبــاغ المعلومــات‬ ‫ُم َّ‬
‫أن تنتقــل إلــى‬ ‫ْ‬ ‫يمكــن‬ ‫هــا‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫إ‬ ‫إذ‬ ‫الفيروســات‪،‬‬ ‫لطفــرات‬ ‫صــدي‬‫ال َّت ّ‬ ‫إلــى المركز‪.‬‬
‫حيــوان وتعــود إلينــا فــي شــكلٍ آخــر‪ .‬وهــذا لــم يتــم َد ْم ُجــه فــي‬
‫أن تنفتــح علــى ُبعـ ٍ‬
‫ـد‬ ‫الســبب يجــب ْ‬ ‫إلعطــاء معنــى لهــذا الوبــاء‪ ،‬قــام البعــض مــن تلقــاء أنفســهم‬
‫نهــج الــدول الحديثــة‪ .‬ولهــذا َّ‬
‫ـول مــن مجتمعــات‬ ‫أدى ال َّتحـ ُّ‬ ‫ـي أكثــر رحابــةً بكثيــر‪ .‬فقــد َّ‬ ‫تاريخـ ّ‬
‫المؤامــرة‪.‬‬
‫ـي عــن ُ‬ ‫خي َلــة ِعقاب َِّيــة للطبيعــة أو ت ُّ‬
‫َخيــلٍ بوليسـ ّ‬ ‫بتعبئــة ُم ّ‬
‫الرعو َِّيــة إلــى شــكلٍ مــن أشــكال إدارة‬ ‫َّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫جتمع‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫الصيــد‬ ‫َّ‬ ‫مــاذا يعنــي هــذا لعالقــة مجتمعنــا بالطبيعــة؟‬
‫أن األمــراض الجديــدة تأتــي مــن‬ ‫َّ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫بم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ولك‬ ‫ـراض‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـر‬ ‫مخاطـ‬ ‫ـدم‬ ‫القصــة مــن نــوع «انتقــام الطبيعــة»‪ ،‬فإ َّنهــا ُتقـ َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ -‬فــي حالــة‬
‫ـن‬‫أن نجــد شــيئ ًا مــن قــوة فـ ّ‬ ‫ـوالت عا َلــم الحيــوان‪ ،‬فيجــب ْ‬ ‫تحـ ُّ‬
‫السياســية‬ ‫القــدرات‬ ‫وبالتالــي‬ ‫ــة‪،‬‬ ‫المعرفي‬ ‫والقــدرات‬ ‫الصيــد‪،‬‬
‫دت مــن خــال‬ ‫ـر‬
‫َّ ْ‬ ‫ـ‬ ‫تم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬‫ن‬‫َّ‬ ‫ولك‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ِيعه‬ ‫و‬ ‫َط‬ ‫ت‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـعينا‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ة‬ ‫علــى أنهــا ُقـ َّ‬
‫ـو‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫قويــة‪،‬‬‫َّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫إيكولوجي‬
‫َّ‬ ‫ـالة‬ ‫ـ‬ ‫رس‬ ‫ـك‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ّ َّ‬‫إ‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ـوائي‬ ‫ـ‬ ‫العش‬ ‫الطفــرات‬
‫لمجتمعــات الصيــد قصــد مواجهتهــا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لكــن عيبهــا هــو أ َّنهــا تقتــرح تفســير ًا أحــادي الجانــب ُيشــير إلــى‬
‫وآمــلُ أن يكــون لدينــا شــيء نتعلَّمــه من تجــارب مجتمعــات مثل‬ ‫ُ‬ ‫إن الوبــاء‬ ‫المؤامــرة‪ُ ،‬يقــال َّ‬ ‫قصــة ُ‬ ‫«الطبيعــة فقــط»‪ .‬وفــي حالــة َّ‬
‫البلدان‬ ‫ـك العديد من ُ‬ ‫ال َّتايــوان وســنغافورة وهونــغ كونغ‪ ،‬وبال شـ ّ‬
‫يدالنيــة‪ ،‬والــدول البوليسـ َّـية‪ ،‬ومــا‬ ‫َّ‬ ‫الص‬
‫لتلبيــة الصناعــات َّ‬ ‫َّ‬ ‫اخ ُتـرِع‬‫ْ‬
‫اضطرت‬ ‫َّ‬ ‫المجتمعات أقاليم ِحراســة ألنها‬ ‫األخرى‪ ،‬وتشــكِّ ل هذه ُ‬ ‫عيب‬
‫ٌ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫له‬ ‫ة‬ ‫المر‬
‫َّ‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫لك‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ـي‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫سياس‬ ‫ـالة‬ ‫ـ‬ ‫رس‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫تك‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـك‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬
‫ئيــة‬ ‫ي‬
‫َ ْ َّ‬ ‫الب‬ ‫ـرات‬ ‫ـ‬‫غي‬
‫َّ ُّ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫تتكي‬
‫َّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫لك‬ ‫ة‬ ‫ـي‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫سياس‬ ‫إلــى ابتــكار أشــكالٍ‬
‫هــو كونهــا فــي جانــب واحــد مــن الطَّ بيعــة‪ .‬أعتقــد أ َّنــه يمكننــا‬
‫ـر بها‪ .‬تايــوان‪ ،‬على ســبيل المثال‪ ،‬تشــكِّ ل نموذجاً‬ ‫التــي كانــت تمـ ُّ‬ ‫الوقــوف‪ ،‬مــع علمــاء البيئــة‪ ،‬وعلمــاء الفيروســات‪ ،‬وعلمــاء‬
‫وديموقراطي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الثقاف‬ ‫د‬ ‫تعد‬
‫ِّ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫مجتمع‬ ‫امــة‪:‬‬ ‫للحكَ َ‬ ‫َ‬ ‫الطيــور‪ ،‬علــى العتبــة الفاصلــة بيــن البشــر وغيــر البشــر لنــرى‬
‫أجرى الحوار‪ :‬ليو فابيوس ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬أسماء كريم‬
‫الممارســات التــي تضطلــع بهــا‪ .‬يدفعنــا الخيــال نحــو الجنــون‬ ‫ُ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫ـاحات شاســعة مثــل الطبيعــة أو الدولــة!‬ ‫ٍ‬ ‫إذا اختصرنــاه فــي مسـ‬
‫مجلة «‪ »Sciences Humaines‬الفرنسية‪ ،‬عدد (‪ ،)336‬مايو ‪ ،2021‬ص‪.)29 - 28 - 27 - 26( :‬‬ ‫ـم َوضعــه‬ ‫ال مــن أشــكال العمــل إذا تـ َّ‬ ‫ولكــن يمكنــه أن يصبــح شــك ً‬

‫‪13‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫رافاييل إنتوفن‪:‬‬
‫نعيش فعليا ً يف «‪ »1984‬كما نظر‬
‫لها جورج أورويل!‬
‫كالتكنولوجيــات الجديــدة‪ ،‬وتنامــي ظاهــرة‬
‫ّ‬ ‫ملقابلــة تطـ َّـرق الفيلســوف «رافاييــل إنتوفــن» ملواضيــع شـ َّتى‬‫يف هــذه ا ُ‬
‫ملرا َقبــة والســيطرة‪،‬‬‫عمليــات ا ُ‬
‫ّ‬ ‫وتوســع نطــاق‬
‫ُّ‬ ‫ملطالبــة باملزيــد مــن الشــفافية حــول الحيــا ِة الخاصــة لألفــراد‪،‬‬ ‫ا ُ‬
‫واســتغالل األخبــار الكاذبــة وثقافــة اإللغــاء‪ ،‬قبــل أن يخلــص إىل أننــا بتنــا نعيــش يف مجتمــع ُيعــاين فيــه األفــراد‪،‬‬
‫حر ّياتهــم يومـ ًا‬
‫تحولــوا إىل مجـ َّـرد بيانــات‪ ،‬مــن خضوعهــم الســتبداد خبيــث يصعــب اكتشــافه‪ ،‬يســتنزف ّ‬ ‫بعــد أن َّ‬
‫بعــد يــوم‪.‬‬
‫حان الوقت إذن إلعادة سكّ ة التاريخ إىل مسارها الصحيح‪...‬‬

‫وســيطرت عليهــا»‪ .‬بيــد أن أحــد أكثــر العوامــل إثار ًة للدهشــة في‬ ‫مــا هــو أكبــر تهديــد بالنســبة لــك؟ أخ أكبــر أم فرقــة مــن اإلخــوة‬
‫ديســتوبيا «جــورج أورويــل» «‪ »1984‬هو أنها‪ ،‬وهي تعالج مســألة‬ ‫الصغار؟ العين العمودية التي ينوء تحت وطأتها شعب اإليغور‬
‫االســتبداد السياســي في االتحاد الســوفياتي‪ ،‬فإنها تصف بشــكلٍ‬ ‫األفقيــة التــي تمــارس التلصــص علــى معطياتنا في كلِّ‬
‫ّ‬ ‫أم العيــون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـرض‬ ‫المعلــن الــذي نتعـ َّ‬ ‫الملتــوي وغيــر ُ‬ ‫كامــل أيض ـ ًا االســتبداد ُ‬ ‫العا َلم؟‬
‫مــكان مــن َ‬
‫لــه باســتمرار‪ .‬دعونــا نأخــذ كمثــال علــى ذلــك نــص اإلعــان عــن‬
‫نتوجــه بهــذا الســؤال إلى األشــخاص‬ ‫َّ‬ ‫‪ -‬رافاييــل إنتوفــن‪ :‬يجــب أن‬
‫المخالطيــن‪،‬‬ ‫ـت مــن ُ‬ ‫لمكافحــة كوفيــد‪« :‬إذا كنـ ُ‬ ‫تطبيــق جميع ـ ًا ُ‬ ‫«ديموقراطيتنا الزا ِئفة»‪ ،‬وفي نفس الوقت‬ ‫الذيــن يتظاهــرون ضد‬
‫َأعـزِل نفســي فــور ًا وأُحذِّ ر أقربائــي‪ ..»...‬التوصيات لــم تعد تكتب‬ ‫ّ‬
‫المتك ِّلــم (كمــا هــو الحــال مــع‬ ‫ديكتاتوريــات لــن يقووا علــى العيش داخلهــا‪ ...‬فعلى‬ ‫ّ‬ ‫يمتدحــون‬
‫فــي صيغــة األمــر‪ ،‬ولكــن بضميــر ُ‬ ‫الرغــم مــن النقائــص التــي تعتــري دولــة القانــون‪ ،‬فــا يمكــن أن‬
‫بعــض اإلعالنــات‪« :‬مــع كارفــور‪ ،‬أنــا إيجابيــة»‪« ،‬لوريــال؟ ألننــي‬
‫رســل‬ ‫الديكتاتوريات هنا‬
‫ّ‬ ‫نقــارن بيــن العيــش فيها والعيــش فــي إحــدى‬
‫الم َ‬ ‫تؤدي إلى حرمان ُ‬ ‫أســتحقه»‪،‬إلخ)‪ .‬ومثــل هــذه الطريقــة ِّ‬ ‫وهنــاك‪ .‬يبقــى مع ذلــك أن العيش في بلـ ٍ‬
‫رســل‬ ‫للم‬ ‫يترك‬ ‫الذي‬ ‫األمر‬ ‫إليــه مــن ّأيــة مبادرة‪ ،‬على عكــس فعل‬ ‫ديموقراطي ال يحمينا‬
‫ّ‬ ‫ـد‬
‫ُ َ‬
‫الحر ّيــة فــي أن يقــول ال‪.‬‬ ‫إليــه‬ ‫والدعائيــة‬
‫ّ‬ ‫قميــة‬
‫الر ّ‬ ‫مــن أن نكــون عرضــةً للعديــد مــن اآلليــات َّ‬
‫ّ‬
‫اإلعالنيــة التــي تضــع نفســها فــي مكانــي لكــي تبلغني‬ ‫ّ‬ ‫ـات‬
‫فالوصـ ُ‬
‫قمية (‪)nudges‬‬ ‫الر ّ‬‫واإلعالمية ‪-‬انطالق ًا من التنبيهات أو الوكزات َّ‬ ‫ّ‬
‫ـد ذاتهــا‪ ،‬كمــا تهاجــم‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الرغب‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫تهاج‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫رغبات‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫عــن طبيع‬ ‫ال إلى الخوارزميات‪ -‬تشــكِّ ل رغباتنا وتختزل ســلوكياتنا في‬ ‫ووصو ً‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫الديكتاتوريــات اإلرادة‪ .‬قــوة األخ األكبــر (مثــل قــوة صانعــي‬ ‫ً‬
‫مجموعــة مــن البيانــات‪ .‬األخ األصغــر ليس أقلّ نشــاطا من أخيه‬
‫ّ‬
‫ال مــن إخضــاع الفــرد‪ ،‬فهــو‬ ‫اإلعالنــات) تأتــي مــن حقيقــة أنــه بــد ً‬ ‫ـص زجاجــي‪ ،‬وصياغــة‬ ‫إن تحويــل الفضــاء العــام إلــى قفـ ٍ‬ ‫األكبــر‪ّ .‬‬
‫ـن يكون ومــا الذي‬ ‫قميــة‬ ‫الر‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫والمحاك‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫االصطناع‬ ‫ـذَّكاء‬
‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫طري‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫الرغبــات‬
‫بمـ ْ‬
‫يعمــل علــى نحــت أحاسيســه وعلــى إخباره َ‬ ‫َّ ّ‬ ‫ّ‬
‫يرغــب بــه دون أن يكــون هــذا الفــرد واعيـ ًا أو قــادر ًا علــى الفصــل‬ ‫للمتهميــن حتــى فرصــة الدفــاع عــن أنفســهم كلّهــا‬ ‫التــي ال تتــرك ُ‬
‫بيــن مــا ُيم َلــى عليــه وما يرغــب بــه واقعياً‪ .‬حيــث يقــول «أوبرايان‬ ‫الحر ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫به‬ ‫محتمية‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫ف‬
‫َّ‬ ‫وتتن‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫وتنم‬ ‫ـش‬ ‫ـ‬ ‫تعي‬ ‫للحر ّيــة‬
‫ّ‬ ‫أعــداء‬
‫لوينســتون ســميث»‪( :‬نحــن ال نطمــح فقــط إلــى الحصــول علــى‬ ‫األجنبيــة وحدهــا ترصدنــا‪ ،‬بــل عيــن‬ ‫ّ‬ ‫لــم تعــد عيــن الجهــات‬
‫طاعــة ســلبية‪ ،‬أو حتــى علــى أكثــر أشــكال الخضــوع انحطاط ـاً‪.‬‬ ‫الهاتــف الذَّكــي التــي يمكــن أن يفتحهــا جــارك خفيــة ليتلصــص‬
‫فعندمــا ســتأتي إلينــا أخيــر ًا يجب أن يكــون ذلك بمــلء إرادتك‪...‬‬ ‫عليــك‪« .‬النقطــة الهامــة‪ ،‬يقــول ميشــيل فوكــو فــي مؤلَّفــه إرادة‬
‫نغيــر عقيدتــه‪ .‬نأســر‬ ‫المعرفــة الصــادر ســنة ‪ ،1976‬ســتكون هــي أن نعــرف تحــت ّأيــة‬
‫ندمــر المــارق ألنــه يقاومنــا‪ ...‬بــل ِّ‬ ‫نحــن ال ِّ‬
‫ـموليين‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫الحكام‬ ‫لدى‬ ‫األمر‬ ‫كان‬ ‫آخر‪...‬‬ ‫ً‬
‫ال‬‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ونعطيها‬ ‫روحه‪،‬‬ ‫أشــكال‪ ،‬وعبــر ّأيــة قنوات‪ ،‬ومن خــال االنزالق في ّأيــة خطابات‪،‬‬
‫ّ‬
‫فيصــاغ بـ«هكذا أنت»)‪.‬‬ ‫لدينا‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أم‬
‫ّ‬ ‫عليك»‪،‬‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫«يج‬ ‫ـي‪:‬‬‫ـ‬ ‫كالتال‬ ‫ُيصــاغ‬ ‫وفرديــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التصرفــات دقــة‬ ‫ُّ‬ ‫تمكَّ نــت الســلطة مــن النفــاذ إلــى أكثــر‬
‫ُ‬
‫وأيــة طــرق ســمحت لهــا بالوصــول إلــى أكثــر أشــكال الرغبــة‬ ‫ّ‬
‫ـام مــن األخبــار الزائفــة‪،‬‬ ‫فــي وقــت أصبحنــا فيــه ضحيــة ِلكَ ـ ٍّ‬
‫ـم متنـ ٍ‬ ‫اليوميــة‬
‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫تع‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـذت‬ ‫ـ‬ ‫نف‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫وكي‬ ‫اإلدراك‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫وصعوب‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ـدر‬‫نـ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪14‬‬
‫قويــة لــوزارة الحقيقــة فــي القــرن الحــادي‬ ‫فنحــن نشــهد عــودة ّ‬ ‫حر ّيــة التعبيــر باســم الحقيقــة؟ هــل علــى‬
‫هــل ينبغــي الحـ ُّـد مــن ّ‬
‫ـرة يطمــح فيهــا البعــض إلــى إعــادة كتابــة‬ ‫والعشــرين فــي كلِّ مـ ّ‬ ‫الدولــة أن تكافــح انتشــار هــذه األخبــار؟ أليــس هنــاك خطـ ٌـر مــن‬
‫تكون في القرن الحادي والعشــرين‬ ‫َّ‬ ‫الذي‬ ‫التاريــخ وفقـ ًا للتعريف‬ ‫أن تتطـ َّـور األمــور باتجــاه وزارة حقيقــة أخــرى‪ ،‬ســوف تقـ ِّـرر مــا هــو‬
‫للجــواب عــن ســؤالي‪ :‬مــا هــو الخير؟ ومــا هو الشــر؟‪ ..‬إنهــا وزارة‬ ‫صحيــح ومــا هــو زائــف؟‬
‫الحقيقــة التــي تقــوم بإعــادة بعــث الحيــاة فــي «كارمــن»‪ ،‬ألننــا‬
‫االجتماعيــة الرقابة علــى رئيس دولة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬عندمــا تفــرض الشــبكات‬
‫«يجــب ّأل ُنظهــر مــوت امــرأة على خشــبة المســرح» (حدث ذلك‬
‫حر ّياتنــا‪ ،‬ولكــن عندمــا‬ ‫ـد مــن ّ‬ ‫فإننــا نتهــم شــركات الجافــا* بالحـ ِّ‬
‫فــي النســخة الجديــدة مــن مســرحية «كارمــن» تحــت إدارة ف ّن ّيــة‬
‫للديكتاتورية!‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫تمظه‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫في‬ ‫تتك َّفــل الدولــة بذلــك‪ ،‬فإننا نــرى‬
‫ـم عرضهــا فــي عــام ‪،))2018‬‬ ‫للمخــرج «ليــو موســكاتو»‪( ،‬والتــي تـ َّ‬
‫ُ‬
‫إنهــا وزارة الحقيقــة التــي أزالت عنوان «الزنوج العشــرة الصغار»‬ ‫بــد مــن الحســم فــي األمــر‪ ...‬كان لدينــا مرشــح ال يعتــرف‬ ‫ال ّ‬
‫مــن الروايــة المعروفــة لـ«أجاتا كريســتي»‪ ،‬وألغت عــروض فيلم‬ ‫ـرد فــي غــزو مبنــى‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫التم‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫دعوات‬ ‫ب‬ ‫ـب‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تتس‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫وعندم‬ ‫ـارته‪،‬‬‫ـ‬ ‫بخس‬
‫«ذهــب مــع الريــح»‪ ،‬أو قامــت بتغييــر اســم مدرســة ثانويــة‪...‬‬ ‫الكابيتــول وتفضــي إلــى وفاة خمســة أشــخاص‪ ،‬فليس مــن قبيل‬
‫الحر ّيــة أن تقــوم المنابــر المعنيــة بإبعــاده‪ ،‬وأن‬ ‫ّ‬ ‫اإلجهــاز علــى‬
‫مثــل «أورويــل»‪ ،‬أنــت صاحــب فكــر ُحـ ّـر‪ ،‬بطريقتــك الخاصــة‪ .‬هــل‬ ‫ـة أخــرى‪ ،‬بتجريــده مــن القــدرة علــى‬ ‫يتك َّفــل القانــون‪ ،‬مــن ناحيـ ٍ‬
‫ُح َّجــة األغلبيــة طغيان؟‬ ‫إلحــاق المزيــد من الضرر‪ .‬والقيام بذلك ال يعني التشــريع بشــأن‬
‫مــا ينتمــي للحقيقــة ومــا يخالــف الحقيقــة‪ .‬وعــاوة علــى ذلــك‪،‬‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬يأخــذ طغيــان األغلبية شــكل‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬فــي عصــر الشــبكات‬ ‫إعالميــة الغاية مــن وجودها هي إنتــاج أخبار‬ ‫فــإن ظهــور دكاكيــن‬
‫معيــن وإقصــاء صاحبــه أو‬ ‫ـول‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫بتزوي‬ ‫ـوم‬
‫جحافــل منظّ مــة تقـ‬ ‫ّ‬
‫َّ‬ ‫زائفــة يفــرض علينــا‪ ،‬مــن أجــل وقفها عــن إلحاق أضرار ملموســة‬
‫إلغائــه أو اســتعمال أعــداد كبيــرة مــن التغريــدات لكتــم صوتــه‬ ‫بالغيــر‪ ،‬أن نتوفَّــر علــى أدوات قانونيــة جديــدة‪ .‬ال وجــود ألي‬
‫وحرمانــه مــن ح ّقــه في الدفاع عن نفســه‪ .‬ماذا إذن عســانا نفعل‬ ‫ـإن وزارة الحقيقــة فــي‬ ‫اســتبداد فــي هــذا الموضــوع‪ .‬وأخيــراً‪ ،‬فـ ّ‬
‫حيــال هــذا؟ نلتــزم الصمت؟ ذلك أيســر األمور‪ ،‬لكنــه يترك طعم ًا‬ ‫روايــة «‪ »1984‬ليســت مســؤولة عــن «الحقيقــة»! ودورهــا ليــس‬
‫ـرد ونهاجــم الوحش‪.‬‬ ‫كريهـ ًا فــي الفــم‪ .‬مــن األفضــل أن نـ َّ‬ ‫تزويــر المعلومات طالما ليســت هناك ّأيــة معلومات من األصل‪،‬‬
‫حوار‪ :‬سفين أورتولي ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬سهام الوادودي‬
‫بــل إعــادة كتابــة التاريــخ وفقـ ًا الحتياجــات الحاضــر‪ .‬مثــل هــذا‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العنوان األصلي والمصدر‬
‫البلــد الجــار ألوســيانا الــذي كان حتــى األمــس القريــب‪ ،‬عــدو ًا‬
‫ـي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعيـ ًا لــأخ األكبــر‪ ،‬فتـ َّ‬
‫‪«Raphael Enthoven: «Nous vivons déjà en 1984‬‬
‫ـم تحويلــه إلــى حليــف أزلـ ّ‬
‫‪Philosophie Magazine, Hors série N 48 hiver printemps 2021‬‬ ‫وال يمكــن العثــور علــى معــادل لــوزارة الحقيقــة حالي ًا فــي قانون‬
‫* الجافــا‪ :‬اختصــار ألســماء الشــركات األربــع األكثــر قــوة فــي مجــال اإلنترنــت‪( :‬جوجــل‪ ،‬آبــل‪،‬‬ ‫تــم تعديلــه مــرار ًا وخضــع‬ ‫زيفــة‪ ،‬الــذي َّ‬ ‫الم َّ‬
‫مكافحــة األخبــار ُ‬
‫فيســبوك‪ ،‬أمــازون)‪.‬‬ ‫بالمقابــل‪،‬‬
‫ـي بوســائل شـ َّتى قبــل إصــداره‪ُ .‬‬ ‫للترشــيح الديموقراطـ ّ‬
‫‪15‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫«توماس أوخرت»‬
‫االنقسام يُولِّد رضا ً نرجس ّيا ً‬
‫والسعادة أكرث تعقيدا ً من الحزن‬
‫ملطلــق‪ ،‬بينــا متنحهــم االنقســامات حــول بلــوغ‬ ‫ؤامــرة خلــف الشــعور باألمــان ا ُ‬ ‫مل َ‬‫بنظريــات ا ُ‬
‫ّ‬ ‫ملؤمنــون‬ ‫«يركــض ا ُ‬
‫ين «تومــاس أوخــر»‪ ،‬يف إحــدى‬ ‫ملح ِّلــل النفـ ّ‬
‫ـي األملــا ّ‬ ‫ـي»‪ ..‬هكــذا ُيجيــب ا ُ‬
‫هــذه الغايــة حالــةً مــن الرضــا الرنجـ ّ‬
‫حلقــات برنامــج «مــؤازرة ‪ ،»Hilfe /‬الــذي ُيجـ َـرى ب ُّثــه ضمــن بودكاســت موقــع «دي تســايت»‪ ،‬الــذي يســتضيف‬
‫ـاعدة لل ُقـ َّـراء مــن خــال اإلجابــة عــن قامئــة من األســئلة التي‬ ‫يقدمــون يــد ا ُ‬
‫ملسـ َ‬ ‫وروائيــن ِّ‬
‫ّ‬ ‫أطبــاء ومح ّللــن نفسـ ّـيني‬
‫مريــة مختلفــة‬
‫ـلوكية بــن رشائــح ُع ّ‬ ‫الجا ِئحــة مــن اضطرابـ ٍ‬
‫ـات نفسـ ّـية وسـ ّ‬ ‫ـل مــا أفرزتــه َ‬ ‫باتــت تفــرض نفســها يف ظـ ّ‬
‫جتمعيــة‪ .‬يقـ ِّـدم «أوخــر» بعــض االجتهــادات يف‬
‫ّ‬ ‫مل‬ ‫ـخصية أو ا ُ‬
‫ّ‬ ‫عــى صعيــد التع ُّلــم أو العمــل أو العالقــات الشـ‬
‫يتطرق فيه إىل‬
‫َّ‬ ‫محاولــة لفهــم الحقائــق التــي طــرأت عــى واقعنــا‪ ،‬وهــو مــا تناولــه يف كتابه «حــزن ‪ »Trauer /‬الذي‬
‫كيفيــة فهــم مشــاعر الحــزن وتفكيكهــا‪ ،‬درءاً للوقــوع يف العديــد مــن األمــراض النفسـ ّـية‪ ،‬وعــى رأســها االكتئــاب‪،‬‬
‫واضطرابــات الســلوك وتحطُّ ــم الثقــة‪.‬‬

‫األكثــر حضــور ًا فــي خلفيــة األحــداث الراهنــة‪ .‬إحــدى اآلليــات‬ ‫وحيويــة للغايــة‬
‫ّ‬ ‫محادثــة ممتعــة‬
‫َ‬ ‫مؤخــراً‬
‫َّ‬ ‫ســيد «أوختــر»‪ ،‬أجريــت‬
‫دور مهيمن فــي مثل هــذه األوضاع‪ ،‬من‬ ‫التــي كثيــر ًا مــا يكــون لهــا ٌ‬ ‫حادثــة‪ ،‬فاجأنــي الرجــل‬
‫الم َ‬
‫الحرفييــن‪ ،‬ولكــن فــي نهايــة ُ‬
‫ّ‬ ‫مــع أحــد‬
‫ـي‪ ،‬مــا ُنطلــق عليــه مصطلح «االنقســام»‬ ‫منظــور التحليــل النفسـ ّ‬ ‫ؤامــرة حــول كورونــا‪ .‬فــي الواقــع‪،‬‬
‫الم َ‬‫نظريــات ُ‬
‫ّ‬ ‫بأنــه مــن أصحــاب‬
‫«الضديــة»‪« :‬هنــاك األقويــاء والضعفــاء‪ ،‬الخيــر والشــر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أو‬ ‫عندمــا أســمع شــيئ ًا كهــذا‪ُ ،‬أصــاب بحالــة مــن اإلجهــاد الشــديد‪.‬‬
‫المتناقضــات فــي ظــلِّ األزمــات وتجــد لهــا أتباعـ ًا‬ ‫ـش‬ ‫ـ‬ ‫تنتع‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـتحق العنــاء‬
‫المناقشــات ال تسـ ّ‬
‫ُ‬ ‫ـعور دائــم بــأن مثــل هــذه ُ‬
‫ـدي شـ ٌ‬ ‫لـ َّ‬
‫العا َلــم الــذي صــار ‪-‬أكثــر تعقيــد ًا‬ ‫المتو َّقــع أن َ‬ ‫ومريديــن»‪ .‬ومــن ُ‬ ‫على اإلطالق‪ ،‬لكونها ال تُجدي ولن تسفر عن شيء‪ ..‬في رأيك‪،‬‬
‫المثير‬ ‫ـرة أخــرى إلى صيغتــه األكثر بســاطة‪ُ .‬‬ ‫وتفســخاً‪ -‬ســيعود مـ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫هــل أنــا ُمخطــئ؟‬
‫العا َلــم –التــي‬ ‫َ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الحالي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫الذهني‬
‫ّ‬ ‫ـورة‬ ‫ـ‬ ‫الص‬ ‫لالهتمــام ح ّق ـ ًا أن‬
‫ؤامــرات األقويــاء وســط جهــل الجمــوع بمــا يــدور‬ ‫ال اســتيعاب دوافــع هــؤالء قبــل صــرف النظــر عــن‬ ‫‪ -‬ينبغــي أو ً‬
‫بم َ‬ ‫امتــأت ُ‬
‫خلــف الكواليــس– هــي بالفعــل صــورة رديئــة للغاية مــن الناحية‬ ‫مناقشــتهم‪ .‬يجــب علــى المــرء أن يأخــذ فــي االعتبــار أن مثــل‬
‫ـذر بهيكلــة عالَميــة وشــيكة‪،‬‬ ‫الواقعيــة‪ .‬ولكــن هــذا‪ ،‬فــي رأيــي‪ ،‬ي ُنـ ِ‬ ‫هــذه القناعــات لــم تتو َّلــد لديهــم من العــدم‪ ،‬بل أنها تلعــب دور ًا‬
‫ّ‬
‫أمــا عــن تعاطــي البعــض‬ ‫ـخصية‪.‬‬ ‫ال على دوافع نفسـ ّـية شـ‬ ‫مهمــة لــدى هــؤالء نــزو ً‬ ‫ووظيفــة َّ‬
‫ممــا يزيــل مخاوفــي بعــض الشــيء‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن‬ ‫تصادميــة‪ ،‬فهناك قاعــدة عامة تقــول َّ‬ ‫مــع مــا يحــدث بطريقـ ٍ‬
‫ـة‬ ‫ؤامــرة» أصبحــت بمثابــة‬ ‫الم َ‬‫«نظريــات ُ‬
‫ّ‬ ‫مــن الصعــب أن ننكــر أن‬
‫ّ‬
‫اآلليات‪.‬‬ ‫تطرفــة تجبــر النــاس علــى تب ِّنــي مثــل هــذه‬ ‫بركــة عميقــة تبتلــع أغلبنا‪ ،‬وذلــك نظر ًا للحالة التــي وضعتنا فيها‬
‫ّ‬ ‫الم ِّ‬ ‫المواقــف ُ‬
‫العا َلــم فــي االنهيــار‪ ،‬مثلمــا‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫أخ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫عندم‬ ‫ـال‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المث‬ ‫ـبيل‬ ‫فعلــى سـ‬ ‫ـاء هائــل مــن عــدم اليقيــن‪.‬‬ ‫صرنــا نَرتــع فــي فضـ ٍ‬ ‫أزمــة كورونــا‪ِ ..‬‬
‫َ‬
‫فقدنــا لألحباء‪:‬‬ ‫هــو الحــال فــي ظــلّ أزمــة كورونــا‪ ،‬وعندما توالــى ُ‬ ‫المختبــرات‬ ‫االســتناد إلــى فرضيــة أن الفيــروس نشــأ فــي أحــد ُ‬
‫نوجــه اللوم ســوى لألطبــاء»‪ .‬هذا الســلوك الهجومي يجعل‬ ‫«لــم ِّ‬ ‫العالَم من منطلق الصراع على الســلطة‬ ‫وجــرى إطالقــه في وجــه َ‬
‫مــر ًة أخــرى فــي‬ ‫ً‬ ‫ـخصي‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫األمان‬ ‫من‬ ‫حالة‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫البع‬ ‫ـح‬‫وســباق الهيمنــة‪ ،‬إنمــا تمنـ‬
‫الوضــع الخــارج عــن الســيطرة أكثــر وضوحــا ّ‬ ‫ّ‬
‫إن األفــراد‬ ‫َّ‬ ‫ـول‬ ‫الم َجهــد‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬يمكننــي القـ‬ ‫خلفيــة إدراكنــا ُ‬ ‫وإن كانــت‬‫ْ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـاؤالت‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫التس‬ ‫ـاب‬ ‫ـ‬ ‫ضب‬ ‫وبلــوغ طــرف خيــط وســط‬
‫الفوضــوي بطــرقٍ‬
‫ّ‬ ‫َــم‬
‫ل‬ ‫ا‬‫الع‬
‫َ‬ ‫مــع‬ ‫ــل‬ ‫التعام‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫دائمــ‬ ‫باســتطاعتهم‬ ‫فرضيــة مقبولــة بالــكاد‪ ،‬وذلــك ألنهــا تجعلهــم يعرفــون اآلن مــا‬
‫مختلفــة وســلوكيات غيــر متوقَّعــة‪.‬‬ ‫ؤامــرة تمنــح األفــراد هــذا‬ ‫الم َ‬ ‫نظريــات ُ‬ ‫ّ‬ ‫وراء هــذا «المجهــول»‪.‬‬
‫خاصــة أولئــك الذيــن يحتاجــون‬ ‫ّ‬ ‫المضطــرب مــن األمــان‪،‬‬ ‫النــوع ُ‬
‫مــن أيــن تنشــأ هــذه الســلوكيات إذن؟ ومــا الذي َيبقــى داخلنا بعد‬ ‫ـدة‪ ،‬لكونهــم عاجزيــن عــن قبــول الواقــع‪.‬‬ ‫إليــه بشـ ّ‬
‫خفــوت هذا الصخب؟‬
‫العا َلم؟ وإذا ما ك ّنا نعيش‬‫أتعتقد أن األمر يتعلَّق بإعادة ترتيب َ‬
‫المحلّليــن النفسـ ّـيين‬‫نتخيــل نحــن ُ‬
‫َّ‬ ‫ـوي‪،‬‬
‫‪ -‬فــي علــم النفــس التنمـ ّ‬ ‫فــي حالــة مــن «الفوضــى الخالقــة» ‪-‬إذا جــاز التعبيــر‪ -‬هــل هنــاك‬
‫األوليــة التــي ُتشــكِّ ل فيهــا األم مــع طفلها صيغــة تكافلية‬
‫ّ‬ ‫الحالــة‬
‫ـات ُعرضــة للوقــوع فــي هــذه االنقســامات أكثــر مــن غيرهم؟‬ ‫فئـ ٌ‬
‫ـعبة ال محــدودة‪ ،‬حيــث تتالشــى فيهــا األنــا والــذات تمامـاً‪.‬‬ ‫متشـ ِّ‬
‫الخاصــة بنــا‪ ،‬البــد مــن‬
‫ّ‬ ‫لكــي نصبــح قادريــن علــى تشــكيل األنــا‬ ‫العالَــم هــي‬
‫ــد ســيناريوهات إعــادة ترتيــب َ‬
‫‪ -‬فــي األغلــب‪ُ ،‬ت َع ُّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪16‬‬
‫لقــد تعلَّمنــا مــن تجربــة الوبــاء تقديــر كلّ مــا كان يمثِّــل حقّــ ًا‬
‫مكتسب ًا في الماضي‪ ..،‬فهل يمكننا اآلن أن نقبض على السعادة‬
‫الحياتية‬
‫ّ‬ ‫الخافتة في ظلِّ النمط الحياتي الجديد وعودة المظاهر‬
‫الســابقة‪ ،‬ولو بصور ٍة مؤقَّتة؟ ولكي نشــعر بالســعادة‪ ،‬هل يجب‬
‫أن نكون تعســاء مســبق ًا؟‬
‫ربمــا أكثــر تعقيــد ًا مــن‬ ‫‪ -‬الســعادة هــي تجربــة دقيقــة للغايــة‪ّ ،‬‬
‫الحــزن‪ ،‬إذ يصعــب التمســك بهــا أو اإلبقــاء عليهــا لفتــر ٍة طويلــة‬
‫النظــري فيمــا إذا كان «الشــخص‬ ‫ّ‬ ‫نســبياً‪ .‬يبــدأ األمــر بالتفكيــر‬
‫ّ‬
‫المحظــوظ» يمكنــه أن يختبــر ســعادة دائمــة ومثاليــة‪ .‬ببســاطة‬
‫طبيعيـاً‪ ،‬بــل ســيكون ممـاً‪ ،‬وذلــك وفقـ ًا لــرؤى‬ ‫ّ‬ ‫لــن يكــون األمــر‬
‫فرويــد‪ .‬لحظــات الــذروة تنتمــي‪ ،‬في األصل‪ ،‬إلى جوهر الســعادة‬
‫نفســها‪ .‬وهــو اســتثناء‪ ،‬فــي رأيــي‪ .‬يمكنــك أن تــرى ذلــك بوضــوح‬
‫شــديد في الوضع الذي نعيشــه حالياً‪ .‬نحن جميع ًا ســعداء اآلن‬
‫الجماعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫طبيعية تمامـاً‪ :‬العمل‬ ‫ّ‬ ‫بأشــياء كانــت تبدو في الســابق‬
‫تأمل معــي‪ ،‬إذا لم يتم‬ ‫الثقافيــة‪ .‬فقــط َّ‬‫ّ‬ ‫وحر ّيــة الحركــة‪ ،‬والحيــاة‬
‫ّ‬
‫حجــب هــذه المظاهــر وحرماننــا منهــا لمــدة عــام ونصــف العــام‬
‫ـرد‬
‫تقريبـاً‪ ،‬لــم نكــن لنشــعر بمثــل هــذه الســعادة الغامــرة لمجـ َّ‬
‫مر ًة أخرى‪ .‬تنشــأ الســعادة‪ ،‬في‬ ‫القدرة على خوض ذات التجربة ّ‬
‫ـم تعويضــه‪ .‬وهي‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـم‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بالفق‬ ‫العــادة‪ ،‬عندمــا يســود الشــعور‬
‫وديناميكيــة الحجــب‬
‫ّ‬ ‫آليــة نفسـ ّـية أيضـ ًا ترتبــط بمفهــوم االعتيــاد‬ ‫ّ‬
‫ـاالت وليــدة عنــد إنهــاء ذلــك المنع‪.‬‬ ‫أو المنــع ومــا تضفيــه مــن حـ ٍ‬
‫األوليــة ومراعــاة تتابعهــا بشــكلٍ‬
‫ّ‬ ‫تنظيــم ســير مثــل هــذه الحالــة‬
‫يبــدو األمــر مأســاوي ًا‪ .‬لطالمــا عرفنــا هــذه الســعادة الدائمــة فــي‬ ‫ســليم‪ ،‬كمــا ينبغــي أيض ـ ًا تقســيمها إلــى أطــوار‪ .‬نفــس الشــيء‬
‫إل أنهــا ضاعــت إلــى األبــد فــي زمــن‬ ‫الســابق دون أن ندركهــا‪ّ ،‬‬ ‫فطريــة مــع رؤيتنــا لألضــداد‪ .‬ففــي البدايــة يكون‬ ‫ّ‬ ‫يحــدث بطريقـ ٍ‬
‫ـة‬
‫ا بداخلنا لدرجة‬ ‫متأصـ ً‬
‫ِّ‬ ‫ـودة‬ ‫ـ‬‫الع‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫إل‬ ‫الكورونــا‪ .‬ولكــن يظــلّ التــوق‬ ‫ـم بعدهــا ال نــرى ســوى الخيــر فقــط‪ ،‬أو‬ ‫هنــاك الخيــر والشــر‪ .‬ثـ َّ‬
‫المستمر إلى استعادتها‪ ...‬تُرى‪ ،‬أيخفف‬ ‫نكف عن السعي ُ‬ ‫أننا ال ُّ‬ ‫المنغصــات فقــط‪ .‬وتتالشــى‬ ‫ُ‬ ‫أو‬ ‫ـط‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫فق‬ ‫المتعــة‬‫الشــر فقــط‪ ،‬أو ُ‬
‫ذلــك مــن حظوظنــا الســيئة فــي الواقــع؟‬ ‫للمتناقضــات لتهيمن أحاديــة الرؤية‬ ‫المزدوجــة ُ‬ ‫تدريجيـ ًا الرؤيــة ُ‬
‫َحمل األشــياء‬
‫ال مــن الرؤية الجمعية‪ .‬عن نفســي‪ ،‬ال يمكنني ت ُّ‬ ‫بــد ً‬
‫‪ -‬ليس لدينا أي ســلطة أو تأثير على ركضنا خلف الســعادة‪ ،‬لكن‬
‫يمكننــا التأثيــر فــي كيفيــة تعاملنــا مــع هــذا الســعي‪ .‬فــي مجــال‬ ‫الســيئة أو الشــريرة أو غير الســارة‪ .‬هي ُمحفِّزة من تلقاء نفســها‬
‫ا فــي داخلنــا وال تغــادر‬ ‫علــى االنقســام‪ ،‬كمــا أنهــا تمكــث طوي ـ ً‬
‫ـي‪ ،‬نطلــق علــى الحاجــة إلــى الرغبــة الدائمــة في‬ ‫التحليــل النفسـ ّ‬
‫المتعــة»‪.‬‬ ‫ســريع ًا علــى عكــس الســعادة أو البهجــة التــي تشــبه ومضــة‬
‫أن نكــون راضيــن تمامــاً‪ ،‬بــدون منغصــات‪« ،‬ســلطة ُ‬ ‫يصعــب إطالــة أمــد بقائها‪ .‬هكذا يقبع الحزن فــي داخلنا ويتع َّنت‬
‫نتقبــل احتمــاالت الفشــل فــي بلــوغ مثــل هــذه‬ ‫يجــب علينــا أن َّ‬
‫ـة أخــرى‪ ،‬إذا قبلنــا كلتــا الحالتيــن‪« :‬حاجتنــا‬ ‫الحالــة‪ .‬مــن ناحيـ ٍ‬ ‫ـي‪ ،‬يتبــع هــذا‬‫الصحـ ّ‬
‫ـي ّ‬ ‫ـور النفسـ ّ‬ ‫فــي حــزم حقائبــه‪ ..‬فــي التطـ ُّ‬
‫ٍ‬
‫للســعادة مــن ناحيــة‪ ،‬وحقيقــة أن الحيــاة تنطــوي علــى مظاهــر‬ ‫االنقســام الرأســي حــول مفهومــي الخيــر والشــر‪ ،‬انقســام آخــر‬
‫ـة أخــرى‪ ،‬نكــون قــد توصلنــا إلــى مــا هــو أهــم‬ ‫التعاســة مــن ناحيـ ٍ‬ ‫تفســر‬
‫أفقــي يخلــق ازدواجيــة بيــن كلتــا الحالتيــن‪ ،‬وهــي التــي ِّ‬
‫ـميه «ســلطة الواقــع»‪ .‬بلــوغ‬ ‫كيــف نحمــل داخلنــا بوصلــة استشــعار الخيــر والشــر‪.‬‬
‫المتعــة»‪ ،‬وهــو مــا نسـ ّ‬ ‫مــن «ســلطة ُ‬
‫ـداً‪ .‬عــن نفســي‪ ،‬تعلَّمــت مــن «ســلطة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫مفي‬ ‫ـاحة‬ ‫هــذه المسـ‬
‫العا َلم‪ ،‬فجأة‪ ،‬معقَّداً بشكلٍ رهيب‪...‬‬
‫وبعد كلّ ذلك‪ُ ،‬يصبح َ‬
‫الواقــع» أن تجربــة التعاســة عــاد ًة مــا تتبعهــا تجربــة أخــرى مــن‬
‫ـات الصعبــة بشــكلٍ‬ ‫الســعادة‪ .‬هــذا يجعلنــي أتغ َّلــب علــى األوقـ ِ‬ ‫‪ -‬بالضبــط‪ .‬لقَّنــت تجربــة الوبــاء الجميــع درسـ ًا قاســياً‪ ،‬وهــو أن‬
‫ـتبددها‪ .‬نتع َّلــم‬
‫ـة سـ ِّ‬ ‫ـق فيمــا ســيتبعها مــن حالـ ٍ‬ ‫أفضــل‪ ،‬ألننــي أثـ ُ‬ ‫األمــور ليســت بســيطة فــي العــادة‪ .‬فــي مســار الحيــاة نتع َّلــم‬
‫حــي‪ ،‬فعندمــا‬ ‫ٍ‬
‫هــذا الــدرس فــي وقــت مبكِّ ــر مــن‬ ‫تنظيميــة‬ ‫‪-‬آليــات‬
‫المختلفــة ّ‬ ‫اآلليــات واألســاليب ُ‬ ‫العديــد مــن‬
‫الص ّ‬ ‫التطــور ّ‬‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـم إرضاعــه‪ .‬ولكــن‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ة‬ ‫ـد‬
‫يجــوع الطفــلُ الرضيــع‪ ،‬يبكــي بشـ ّ‬ ‫التعامــل مــع مثــل‬
‫ُ‬ ‫دفاعيــة‪ -‬التــي تســاعدنا بدورهــا علــى‬
‫ّ‬ ‫وآليــات‬
‫ّ‬
‫بمــرور الوقــت‪ ،‬يتع َّلــم الطفــل التعامــل مع الجوع بشــكلٍ أفضل‬ ‫هــذه األزمــات‪ .‬ولكــن إذا تع َّقــدت األمــور فجــأة بصــور ٍة مربكــة‬
‫ـد ال يمتلــك صفــةَ الديمومــة‪.‬‬ ‫ـأن الفقـ َ‬
‫وأفضــل‪ ،‬فهنــاك يقيــن بـ َّ‬ ‫وضاغطــة للغايــة‪ ،‬فقــد يحــدث للبعــض أن ينزلقــوا إلــى حافــة‬
‫حوار‪ :‬أالرد كتليتس ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬شيرين ماهر‬ ‫العالَــم‬‫الهاويــة واالنهيــار‪ .‬لقــد جــاء الفيــروس القاتــل إلــى َ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫إن االنقســام واالختــاف يخلــق حالــة‬ ‫نتاج ـ ًا ألخطــاء البعــض‪َّ .‬‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫ـي‪ .‬لكــن هــذا يعنــي أيضـ ًا أنــه علينــا أن نقــول‬
‫مــن الرضــا النرجسـ ّ‬
‫‪https://www.zeit.de/zeit-magazin/2021/30/psychoanalytiker-thomas-‬‬
‫_‪auchter-spaltung-realitaet-komplexitaet-schutz?fbclid=IwAR2dZ3ngW‬‬ ‫وداع ـ ًا لحقيقــة محوريــة‪ ،‬وهــي‪« :‬ليــس هنــاك مــا هــو ســهل؛‬
‫‪e5PfBmHPMAryrMemw91euHgeCw35VgsRLN0YgjlAl6cNSh8Gk‬‬ ‫المجتمــع‪ ،‬أو ذاك الواقــع»‪...‬‬ ‫العا َلــم‪ ،‬أو ذلــك ُ‬
‫ســواء هــذا َ‬
‫‪17‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫اليشء باليشء يُذكر‬

‫مرآة الرغبة‬
‫العا َلــم مــن حولــه‪ .‬كانــت هــذه‬
‫اعتــاد اإلنســان منــذ قــرون أن يصنــع لنفســه مرايــا يك ينظــر فيهــا إىل نفســه وإىل َ‬
‫أن األمـ َـر اختلــف‬ ‫«الصحــة» يك ال نقــول العلــم‪ّ .‬‬
‫إل ّ‬ ‫ّ‬ ‫املرايــا ممهــورة بتوقيــع االقتصــاد أو السياســة أو الثقافــة أو‬
‫َ ِ‬
‫ـايل» بامتيــاز‪ .‬لقــد بدا اإلنســان‬ ‫«الجائحــة» منظــوراً إليهــا يف هــذا الزمــن «اإلعالمـ ّ‬
‫ـي واالتّصـ ّ‬ ‫مــع «الكوفيــد»‪ ،‬أي مــع‬
‫ا يف هــذه الســنوات عــى «مــرآة جديــدة» فرضــت نفســها عليــه‪ .‬مــرآة منفلتــة‪ ،‬مراوغــة‪« ،‬ال ميكــن تصنيفهــا»‬ ‫مقبـ ً‬
‫كل مبقــدار‪ .‬فكيف ينظر اإلنســان إىل نفســه‬ ‫كــا قــال جــاك جوليــار‪ ،‬ألنّهــا ميكــن أن تُنســب إىل التصنيفــات ك ّلهــا‪ّ ،‬‬
‫الجا ِئحــة»؟‬
‫ـظية؟ كيــف ينظــر إىل نفســه يف «مــرآة َ‬ ‫يف هــذه املــرآة املتشـ ّ‬

‫وأن هــذه‬ ‫الجا ِئحــة‪ّ ،‬‬ ‫بمع ًنــى مــن المعانــي مــع هــذه َ‬ ‫األول مــن مغامــرات «هــاري بوتــر»‬ ‫ِ‬
‫الجــزء ّ‬ ‫فــي‬
‫مما‬‫ّ‬ ‫ـراب‬ ‫ـ‬ ‫«االقت‬ ‫ـن‬ ‫المــرآة قــد انتقلــت مــن التعبيــر عـ‬ ‫ابــن‬
‫ُ‬ ‫الطفــلُ‬ ‫يكتشــف‬ ‫«ج‪.‬ك‪.‬رولينــغ»‪،‬‬ ‫بــة‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫للكا‬
‫عمــا ال نرغــب فيه»‪.‬‬ ‫«التباعــد ّ‬
‫ُ‬ ‫نرغــب فيــه»‪ ،‬إلــى‬ ‫الحاديــة عشــرة مــرآ ًة عجيبــة‪ .‬ينظــر فيهــا فــا يــرى‬
‫…‬ ‫وأمــه اللذيــن فقدهمــا منــذ‬ ‫وجهــه‪ ،‬بــل يــرى أبــاه ّ‬
‫اعتــاد اإلنســان منــذ قــرون أن يصنــع لنفســه مرايــا‬ ‫يأســره مــرأى والديــه الراحليــن وتفتنــه‬ ‫ُ‬ ‫ســنوات‪.‬‬
‫العالَم مــن حوله‪.‬‬ ‫كــي ينظــر فيهــا إلــى نفســه وإلــى َ‬ ‫ـد تلك‬‫المــرآ ُة بقدرتهــا العجيبــة فــإذا هــو منذئــذ عبـ ُ‬
‫كانــت هــذه المرايــا ممهــورة بتوقيــع االقتصــاد أو‬ ‫يهمــه مــن أمر النهــار ّإل انتظــار الليل‬ ‫اللحظــات‪ .‬ال ّ‬
‫«الصحــة» كــي ال نقــول‬ ‫ّ‬ ‫السياســة أو الثقافــة أو‬ ‫وأمه فــي المرآة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـوه‬‫ـ‬ ‫أب‬ ‫حيث‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫كــي يعــود متخ ّف‬
‫أن األمــر اختلــف مــع «الكوفيــد»‪ ،‬أي مع‬ ‫العلــم‪ّ .‬إل ّ‬ ‫وتلــك الكتابــة الغريبــة المحفــورة أعالهــا‪« :‬تبغــرال‬
‫«اإلعالمي‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫الزم‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫إليه‬ ‫«الجا ِئحــة» منظــور ً‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫نــم كبلــق يــف أم لــب كهجــو كيــرا ال انــا»‪.‬‬
‫ّ‬
‫ا فــي‬ ‫واال ّتصالــي» بامتيــاز‪ .‬لقــد بــدا اإلنســان مقب ـ ً‬ ‫كلمــات غامضة حاول «هاري بوتر» تفكيك شــفرتها‬
‫ّ‬
‫هــذه الســنوات علــى «مــرآة جديدة» فرضت نفســها‬ ‫ثــم اكتفــى منهــا بتلــك األصــوات‬ ‫دون جــدوى‪َّ ،‬‬
‫عليــه‪ .‬مــرآة منفلتــة‪ ،‬مراوغــة‪« ،‬ال يمكــن تصنيفها»‬ ‫الصامتــة التــي أصبحت أنيــس لياليــه الطويلة رفقة‬
‫كمــا قــال «جــاك جوليــار»‪ ،‬أل ّنهــا يمكــن أن ُتنســب‬ ‫مرآتــه الفاتنــة‪ .‬وكان فــي وســعه أن يخســر طفولتــه‬
‫إلــى التصنيفــات كلّهــا‪ ،‬كلّ بمقــدار‪ .‬فكيــف ينظــر‬ ‫ـه «دمبلــدور»‬ ‫بتلــك الطريقــة لــوال أن حــذّ ره ُمعل ُِّمـ ُ‬
‫اإلنســان إلــى نفســه فــي هــذه المــرآة المتشــظّ ية؟‬ ‫ـر تلــك الكلمــات‪،‬‬ ‫مغبــة األمــر‪ ،‬شــارح ًا لــه سـ ّ‬ ‫مــن َّ‬
‫الجا ِئحــة»؟‬‫كيــف ينظــر إلــى نفســه فــي «مــرآة َ‬ ‫ـد مــن قراءتهــا علــى طريقــة المرايــا‪ ،‬أي‬ ‫التــي ال بـ ّ‬
‫…‬ ‫معكوســة‪ ،‬فــإذا كلمــة «تبغــرال» تعنــي «الرغبــة»‪،‬‬
‫آدم فتحي‬
‫قصــةٌ أبعــد مــن هــذا بكثيــر‪.‬‬ ‫كانــت للمرايــا معنــا ّ‬ ‫ـرأ بدايةً من آخــر حروفها‪ ،‬من‬ ‫وإذا العبــارة كلّهــا ُتقـ َ‬
‫األســطورية‬
‫ّ‬ ‫والفيلــة‬ ‫الديناصــورات‬ ‫أن‬‫شــك ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــا‬ ‫اليســار إلــى اليميــن‪ ،‬فتقــول‪« :‬أنــا ال أريــك وجهك‪،‬‬
‫الناريــة التــي مــأت الفانتازيــا والخرافــات‬ ‫ّ‬ ‫ـور‬
‫ـ‬ ‫والطي‬ ‫بــل مــا فــي قلبــك مــن الرغبــة»‪.‬‬
‫البدائــي فداحــة‬
‫ّ‬ ‫اإلنســان‬ ‫قبــل‬ ‫اكتشــفت‬ ‫كانــت‬ ‫أن مــرآة تبغــرال هي في‬ ‫هكــذا ينتبــه هــاري بوتــر إلــى ّ‬
‫وجوهها معكوســة على صفحــات المياه في الليالي‬ ‫حقيقــة األمــر مــرآة الرغبــة‪ :‬المــرآة التــي تعكس له‬
‫المقمــرة وفــي ضــوء الصباحــات‪ .‬كانــت تلــك «مرآة‬ ‫ُ‬ ‫مــا يريــده ومــا يرغــب فيــه ال ما يعيشــه فــي الواقع‪.‬‬
‫ـم جــاءت «مــرآة الزينــة» التــي عرفهــا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـرة»‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الفط‬ ‫ولــو أُتيــح للكاتبــة «ج‪ .‬ك‪ .‬رولينــغ» أن تؤلِّف روايتها‬
‫والقرطاجيــون وتف َّننوا‬
‫ّ‬ ‫الفراعنــة واليونــان والرومــان‬ ‫خــال انتشــار جا ِئحــة «الكوفيــد»‪ ،‬لمــا غفلــت عــن‬
‫فــي صنعها من الذهب والفضة والنحاس والبرونز‪.‬‬ ‫ـانية كلّها «تســتعيد طفولتها»‬ ‫أن اإلنسـ ّ‬ ‫التلميح إلى ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪18‬‬
‫المتعلِّقــة‬ ‫فــي الجميــع‪ ،‬وأ ّنهــا لــم تقتصــر علــى البنــى التحتيــة ُ‬ ‫البندقيــة قبــل سـ ّتة‬ ‫ّ‬ ‫ربمــا فــي‬ ‫ّوريــة‪ّ ،‬‬ ‫إلــى حيــن ظهــور المرايــا البل ّ‬
‫الجا ِئحة‬ ‫العقليــة أيضـاً‪ ،‬حيــث دكّ ــت َ‬ ‫ّ‬ ‫بالصحــة‪ ،‬بــل طالــت البنــى‬ ‫ّ‬ ‫قــرون‪.‬‬
‫ال‬‫كلّ األســوار وأطاحــت بــكلّ المتاريــس‪ ،‬بدايةً مــن األقنعة وصو ً‬ ‫دون أن ننســى «مــرآة نرســيس»‪ ،‬تلــك التــي جعلتــه يعشــق‬
‫الجا ِئحــة‬ ‫المؤامــرة‪ .‬لقــد لعبــت َ‬ ‫إلــى اللقاحــات مــرور ًا‬ ‫نفســه ليخســر نفســه‪ .‬نرســيس الــذي اعتبــره ألبرتــي «مختــرع‬
‫بنظريــات ُ‬ ‫ّ‬
‫ـول إلــى زهــرة مــا أن عانــق نفســه فــي مــاء‬ ‫ـن الرســم»‪ ،‬أل ّنــه تحـ َّ‬ ‫فـ ّ‬
‫أن «القناع» هو «المرآة»‪.‬‬ ‫التباعد‪ ،‬وشــيئ ًا فشــيئ ًا ا ّتضــح ّ‬ ‫ُ‬ ‫دور مــرآة‬
‫…‬ ‫ـر ذلــك؟ هكذا يســألنا ألبرتي ســنة ‪.1435‬‬ ‫العيــن‪ .‬وهــل الرســم غيـ ُ‬
‫نحتــاج دائمـ ًا إلــى مــرآة نــرى فيهــا حقيقة وجوهنــا‪ .‬لك ّنها تنكســر‬ ‫اي التــي عرضها تحت عنــوان «أوتوبرتريه» أثبتت‬ ‫ان َر ْ‬ ‫ـن مــرآة َم ْ‬ ‫لكـ ّ‬
‫ويطالهــا الصــدأ أو تعروهــا الخــدوش وتختفــي مالمحنــا بغيــاب‬ ‫ـر صورته‪ ،‬بل رأى‬ ‫وأن نرســيس لم يـ َ‬ ‫بعــد ذلــك أن للمرايــا حدوداً‪ّ ،‬‬
‫اي يســتعيد طفولتــه باســتعادة‬ ‫ـان َر ْ‬ ‫ـخص آخــر‪ .‬كان َمـ ْ‬ ‫صــورة شـ ٍ‬
‫وجههــا الصقيــل‪ .‬لذلك أصبحت الشــعوب ترى نفســها من خالل‬
‫وهــم «مــرآة الحقيقــة» كمــا عرفناها فــي حكاية الثلجــة البيضاء‪.‬‬
‫الثقافي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثقافتهــا‪ .‬وتدافــع عــن ثقافتهــا‪ .‬وتبحث عــن وجههــا‬
‫«مرآتــي‪ ،‬مرآتــي الجميلــة‪ ،‬قولي لي إ ّني أنا األجمــل»‪ .‬هكذا كانت‬
‫«هجــر» فــي جميــع‬ ‫َ‬ ‫أمــا ذاك الــذي ال يحلــم ّإل بتصريــف فعــل‬ ‫ّ‬ ‫أن المــرآ َة تكــذب حيــن تقلــب‬ ‫ـم ا ّتضــح ّ‬ ‫تترجــى مرآتهــا‪ .‬ثـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الملكــة‬
‫األزمنــة فهــو ال يكــره شــيئ ًا مثلمــا يكــره وجهــه‪ .‬الوجــه الجميــل‬ ‫ً‬
‫اليميــن يســارا وتضــع الخطوط في إســار الضوء والمســافة‪ .‬على‬
‫فــي نظــره هــو دائمـ ًا وجــه اآلخــر‪ .‬لغــة اآلخــر‪ .‬ثقافــة اآلخــر‪ .‬فكر‬ ‫إن لــم يكــن كذبهــا هــو‬ ‫أن بيكاســو تســاءل بعــد ذلــك ْ‬ ‫الرغــم مــن ّ‬
‫قص شــعر اآلخر وهندامــه وطعامه‬ ‫اآلخــر‪ .‬فنــون اآلخــر‪ .‬طريقــة ّ‬ ‫الصــدق المطلوب!‬
‫ومشــيته‪ .‬إ ّنــه يكســر مرايــاه كلّهــا بمــا فــي ذلــك مــرآة المرايــا‪:‬‬ ‫ممــا أعــاد االعتبــار إلــى ســخرية أفالطــون و«مرآتــه الحاجبــة»‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الخصوصية‪ .‬ليســتورد مرآة «تبغرال»‪ .‬مرآة الرغبة‪ .‬المرآة‬ ‫ّ‬ ‫ثقافته‬ ‫حيــن كان يطلــب مــن محاوريــه أن يمســكوا بمــرآة وأن يــروا فيهــا‬
‫يتوهــم أ ّنــه يــرى فيهــا مــا يرغــب فيــه ومــا يحلــم بــه‪ .‬لك ّنــه‬ ‫َّ‬ ‫التــي‬ ‫الشــمس واألشــجار والحيوانــات وغيرهــا‪ .‬هكذا اســتنتج أفالطون‬
‫ســرعان مــا يســمع «لــو خرجــت مــن جلــدك مــا عرفتــك»‪ .‬تلــك‬ ‫ـن عموم ـ ًا الــذي يحاكــي الطبيعــة ال يقــلُّ خطــر ًا‬ ‫أن الرســم والفـ ّ‬
‫ـر مرآتــه‪ .‬فــي داللــة علــى أ ّنــه‬ ‫هــي العبــارة التــي ُيصفــع بهــا كاسـ ُ‬ ‫عــن المــرآة‪ ،‬فكالهمــا يبتعــد بــاألرواح عــن الواقع ويحجــب عنها‬
‫قــد يكســر مرآتــه فيخســر نفســه ويطيــل عمــر محنتــه‪ ،‬لك ّنــه أبد ًا‬ ‫الفكرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـن «ســبينوزا» لــم يطرد المــرآة من مدينتــه‬ ‫الحقيقــة‪ .‬لكـ ّ‬
‫لــن يكــون اآلخــر‪.‬‬ ‫متصوفتنــا الكبار‪ ،‬منطلق ًا‬ ‫ِّ‬ ‫طريقة‬ ‫على‬ ‫ـفة»‬ ‫ـ‬ ‫كاش‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫«مرآ‬ ‫بــل جعلها‬
‫…‬ ‫ـرد لهــا الجميل‪،‬‬ ‫نظريــة وحــدة الوجــود‪ .‬ولع ّلــه كان يـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫منهــا لبنــاء‬
‫الجائحــة» الــذي ينبغــي على اإلنســان فهمه قبل‬ ‫ِ‬ ‫ذاك هــو «درس َ‬ ‫ـدة طويلــة مصــدر رزقــه الوحيد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫لم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫المراي‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫صق‬ ‫فقــد كان‬
‫يغيــر واقعــه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ـرف‬‫ـ‬ ‫يع‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـان‬‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫درس‬ ‫فــوات األوان‪.‬‬ ‫يتحول‬ ‫َّ‬ ‫وحين حلّل فوكو لوحة فيالســكيز‪ ،‬كان اإلنســان الحديث‬
‫ّ‬
‫تحمــل تبعــات أحالمــه‪.‬‬ ‫ـواء إلــى ابــن المــرآة‪« .‬مــرآة‬ ‫ـي مــن ابــن آدم وحـ ّ‬ ‫فــي الفكــر الغربـ ّ‬
‫ّإل إذا َّ‬
‫الحريــة والكرامــة يتيح‬ ‫وإذا كان مــن ح ّقــه أن يطالــب بمنــاخ مــن‬ ‫عميــاء» لفــرط مــا تــرى‪ .‬مــرآة تخفــي لفــرط مــا تظهــر‪ .‬وكان فــي‬
‫ّ‬
‫وســع بورديــو أو بودريــار تســميتها فيما بعــد‪« :‬مــرآة التلفزيون»‪.‬‬
‫هديــة‬
‫ّ‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫ينتظ‬ ‫أل‬ ‫ّ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫واجب‬ ‫ـإن مــن‬
‫ـب وجهــه فــي مرآتــه‪ ،‬فـ ّ‬ ‫لــه أن يحـ ّ‬ ‫ـي هــو الالمفكَّ ــر فيــه الــذي حاولــت مــدارس التفكيــر‬ ‫هــذا المخفـ ّ‬
‫ـول ّإل عليهــا‪ .‬ففــي‬ ‫وأل يعـ ّ‬ ‫مــن أحــد‪ .‬عليــه أن يتصالــح مــع ذاتــه ّ‬
‫والتأويــل والتفكيــك اللحــاق بــه عبثــ ًا علــى امتــداد القــرن‬
‫نديــة وال تح ُّقــق للرغبــة‪.‬‬ ‫ـدد وال ّ‬ ‫غيــاب هــذا الصلــح ال تعـ ُّ‬ ‫العشــرين‪ ،‬كــي تكتشــف أخيــر ًا أ ّنــه موجــود فــي الثقافــة‪ :‬المــرآة‬
‫ـول الحيــاة كلّهــا إلــى بئـ ٍر يــرى فيهــا األســد وجهــه منعكسـ ًا‬ ‫تتحـ َّ‬ ‫الوحيــدة التــي ال تكــذب‪.‬‬
‫علــى صفحــة المــاء فيهجم عليــه ويغرق‪ .‬تلك هــي َم ْهلَكة المرايا‬ ‫…‬
‫إذ يرتطــم بعضهــا ببعــض فــا يبقــى منها غيــر الهشــيم‪ .‬في حين‬ ‫ـم إلــى مــا يحــدث «فــي الصيــن»‬ ‫ـ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫الع‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫نظ‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ئ‬ ‫ا‬ ‫الج‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫بداي‬ ‫ـي‬ ‫فـ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ـاح‬‫تتعالــى صرخــة أنــدي وارهــول فــي المــدن الهرمــة‪« :‬مــاذا يتـ ُ‬ ‫المواطن‬ ‫ـه إلــى «شــيء غريب» يحدث «لآلخر البعيــد»‪ .‬كان ُ‬ ‫نظر َتـ ُ‬
‫للمــرآة أن تــرى‪ ،‬لــو أ ّنهــا نظــرت فــي مــرآة؟»‪.‬‬ ‫ال‬‫معو ً‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫األميرك‬ ‫واطن‬ ‫الم‬ ‫وكان‬ ‫ـه»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫«تفو‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫مطمئ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫األوروب‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫جيــداً‪ ،‬كــي‬ ‫ملي ـ ًا وأن يقــرأ الكتــاب ّ‬ ‫ـم عليــه أن يشــاهد الفيلــم ّ‬ ‫ثـ َّ‬ ‫علــى «ق ُّوتــه»‪ ،‬وهكــذا دواليك‪.‬‬
‫يســمع «دمبلــدور» وهــو يهمــس لتلميــذه «هــاري بوتــر»‪:‬‬ ‫ـت كلّ دولــة بالفرجــة على اآلخرين معتقــدة أ ّنها األقوى‪ ،‬أو‬ ‫اكتفـ ْ‬
‫ــي؟ إ ّنهــا تقــول‪ :‬ال‬ ‫«واآلن هــل فهمــت درس مــرآة تبغــرال يــا ُب َن ّ‬ ‫ولعــلّ لحظــة «ترامــب» كانت‬ ‫َ‬ ‫ـر!‬‫ـ‬ ‫الغي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫أكث‬ ‫ـة»‬ ‫ـ‬ ‫«محروس‬ ‫أ ّنهــا‬
‫فائــدة مــن اإلقامــة فــي األحــام إذا نســينا العيــش فــي الواقــع»‪.‬‬ ‫أن «الهشاشــة» كامنة‬ ‫ثم ا ّتضح ّ‬ ‫األوضــح داللــة فــي هذا الســياق‪َّ .‬‬
‫‪19‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫العُ مالت الرقم ّية‬
‫التعامالت املالية‬
‫ُ‬ ‫ومستقبل‬
‫ا وصــول ســعر‬ ‫ملشـفَّرة غــر الخاضعــة للحكومــات (مثـ ً‬ ‫العمــات ا ُ‬
‫ملصاحــب الرتفــاع أســعار ُ‬ ‫ـم الجنــون ا ُ‬ ‫يف ِخ َ‬
‫ضـ ّ‬
‫«البتكويــن» إىل مــا ُيقــارب ‪ 64‬ألــف دوالر)‪ ،‬مل تجــد املصــارف املركزيــة بـ ّـداً مــن النظــر يف حلــول متكِّنهــا مــن‬
‫التقليديــة‪ .‬فــا يبــدو أن َّ‬
‫مثــة‬ ‫ّ‬ ‫العمــات‬ ‫العمــات هــذه‪ ،‬املوازيــة ألســواق ُ‬ ‫اإلمســاك بخيـ ِ‬
‫ـوط التحكُّ ــم يف ســوق ُ‬
‫ـعب (أكــر مــن ‪ 5000‬عملــة مختلفــة‪ ،‬ليــس «البتكويــن» ّ‬
‫إل‬ ‫خيــاراً آخــر للحكومــات وهــذه ُ‬
‫العمــات تتوالــد وتتشـ َّ‬
‫أشــهرها وأغالهــا ســعراً)‪.‬‬

‫(صفــر)‪ .‬بعــد ذلــك بعــام وصــل ســعر «البتكويــن» إلــى أجــزاء‬ ‫الخفيــة وغســل األمــوال‬ ‫ّ‬ ‫ربمــا تكــون محاربــة التجــارة اإلجراميــة‬ ‫ّ‬
‫ـي‪ ،‬وفــي عــام ‪ 2011‬وصــل الســعر إلــى دوالر‬ ‫مــن الســنت األميركـ ّ‬ ‫التهــرب‬
‫ُّ‬ ‫محــاوالت‬ ‫أو‬ ‫َّرة‪،‬‬ ‫المشــف‬ ‫العمــات ُ‬ ‫التــي تيســرها هــذه ُ‬
‫ـرة األولــى‪ .‬وفــي عــام ‪ 2021‬وصــل ســعر «البتكويــن»‬ ‫واحــد للمـ ّ‬ ‫الضريبــي‪ ،‬علــى رأس قائمــة أولويــات المصــارف المركزيــة فــي‬
‫ممــا أوجــد شــريحة كبيــرة مــن مليونيــرات‬ ‫ّ‬ ‫دوالر‪،‬‬ ‫ـف‬ ‫إلــى ‪ 64‬ألـ‬ ‫المنفلتة التي تشــكِّ ل الالمركزية‬ ‫محاولتها الســيطرة على الســوق ُ‬
‫المشـفَّرة‪ .‬وهــذا الصعــود الجنونــي هــو ما يفــرض على‬ ‫العمــات ُ‬ ‫ُ‬ ‫العمالت‬ ‫ـم إن إعــان شــركات عديــدة أنهــا قيــد قبــول ُ‬ ‫قاعدتهــا‪ .‬ثـ َّ‬
‫الحكومــات إلقــاء نظــرة فاحصــة وتســنين القوانيــن للحفاظ على‬ ‫المشـفَّرة‪ ،‬مثــل شــركة «تســا» للســيارات الكهربائيــة‪ ،‬وعمــاق‬ ‫ُ‬
‫الورقية‬
‫ّ‬ ‫المســتثمرين على َأقلّ تقدير‪ .‬ومثلما أن ُ‬
‫العمالت‬ ‫حقوق ُ‬ ‫اإللكترونيــة «أمــازون»‪ ،‬يضــع المصــارف المركزيــة أمــام‬ ‫ّ‬ ‫ـارة‬ ‫ـ‬ ‫التج‬
‫فالرقميــة قابلــة للفقــدان هــي أيضـ ًا عندمــا‬ ‫ّ‬ ‫ـد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫تفق‬ ‫أو‬ ‫ـف‬ ‫قــد تتلـ‬ ‫المشــفَّرة بالدخــول‬ ‫للعمــات ُ‬ ‫األمــر الواقــع‪ ،‬وهــو بمثابــة إذن ُ‬
‫ـم نســيان أو ضيــاع كلمــة الســر للدخــول إلــى البرنامــج أو لدى‬ ‫يتـ ُّ‬ ‫ـرعة‪.‬‬
‫ـواب ُمشـ َ‬ ‫مــن أبـ ٍ‬
‫يــؤدي إلــى تدميــر البرامــج علــى الحاســوب أو فقــدان‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ر‬ ‫أمــ‬ ‫أي‬ ‫المشـفَّرة وســبب اختراعها‬ ‫ُ‬ ‫ملة‬ ‫الع‬
‫ُ‬ ‫وراء‬ ‫األولى‬ ‫ة‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫األساس‬ ‫الفكر ُة‬
‫الحاســوب‪ ،‬إلــخ‪ .‬ولكــن ليــس علــى غــرار فقــدان كلمــة الســر‬ ‫بالعملــة مــن المصــارف المركزيــة‪ ،‬بحيــث‬ ‫هــو انتــزاع التحكُّ ــم ُ‬
‫ـة مــا تتيــح لــك اختيــار‬ ‫للبرمجيــات‪ ،‬حيــث يمكــن االتِّصــال بجهـ ٍ‬ ‫رد‬
‫ّ‬ ‫ذلــك‬ ‫كان‬ ‫مــا‬ ‫رب‬
‫ّ‬ ‫دولــة‪.‬‬ ‫أو‬ ‫جهــة‬ ‫أي‬ ‫ال‬ ‫ال يتحكَّ ــم فيهــا أحــد‪،‬‬
‫المشـفَّرة بصفتهــا الالمركزيــة ال‬ ‫فالعمــات ُ‬ ‫ُ‬ ‫كلمــة ســر جديــدة‪،‬‬ ‫فعــل وصرخــة احتجــاج على انهيار األســواق الماليــة عام ‪.2008‬‬
‫ـر جديــدة‪ .‬وهــذا ‪-‬فقــدان األفــراد‬ ‫أحــد هنــاك ليتيــح لــك كلمــة سـ ٍّ‬ ‫المشـفَّرة والصفــة الضروريــة لها‪.‬‬ ‫العملــة ُ‬ ‫الالمركزيــة هــي ســمة ُ‬
‫المش ـفَّرة‪ -‬قــد يظــن أنهــا نــادرة‬ ‫المتعلِّقــة بالعمــات ُ‬ ‫البيانــات ُ‬ ‫المشـفَّرة قيمتهــا فــي ســوق العــرض والطلــب‬ ‫العملــة ُ‬ ‫وتكتســب ُ‬
‫تقدر بنســبة كبيرة تصل إلى عشــرات‬ ‫الحــدوث‪ ،‬إنمــا الواقــع أنها َّ‬ ‫مثل أي ســلعة‪ ،‬كذلك اعتبرتها وكالة تجارة ســلع العقود اآلجلة‬
‫البالييــن مــن الــدوالرات‪.‬‬ ‫األميركيـ�ة( (�‪US Commodity Futures Trading Commis‬‬ ‫ّ‬
‫التنقيــب (أو التعديــن‪ ،‬كمــا فــي المناجــم) عــن عمــات مشـفَّرة‬ ‫‪ .»sion» (CFTC‬وفــي حيــن أن الحكومــات والمصــارف المركزية‬
‫يتــم توليــد عمــات‬ ‫هــو عمليــة حســابية معقَّــدة عــن طريقهــا ُّ‬ ‫ـرر إصــدار النقــود والعمــات الورقيــة والتحكُّ ــم فــي‬ ‫هــي التــي تقـ ِّ‬
‫ـتخدمة فــي التنقيــب تتط َّلــب طاقــة‬ ‫المسـ َ‬ ‫جديــدة‪ .‬والحواســيب ُ‬ ‫يتــم التعديــن (أنظــر أدنــاه) عــن‬ ‫ُّ‬ ‫الســيولة‪ ،‬فــي مقابــل ذلــك‬
‫ـم تقديرهــا بحيــث إن الطاقــة المطلوبــة‬ ‫كهربائيــة غيــر عاديــة تـ َّ‬ ‫عمــات «بتكويــن» الجديــدة (بمثابــة إصــدار عمــات مشــفَّرة‬
‫لهــا فقــط تتسـ َّـبب فــي تلويــث البيئــة‪ ،‬وتتسـ َّـبب فــي أحيــانٍ كثيرة‬ ‫ا بالنســبة لعملــة مشـفَّرة واحــدة هي‬ ‫جديــدة)‪ .‬والفــرق أنــه‪ ،‬مثـ ً‬
‫المشـفَّرة‬
‫العمــات ُ‬ ‫وتميــز بعــض ُ‬ ‫ِّ‬ ‫إلــى ســرقة خطــوط الكهربــاء‪.‬‬ ‫«البتكويــن»‪ ،‬ينتهــي التعديــن لــدى وصــول الرقــم إلــى ‪ 21‬مليــون‬
‫توســط‬‫الم ّ‬ ‫جمة‪ .‬وفي ُ‬ ‫نفســها بأن التعدين عنها ال يســتهلك طاقة َّ‬ ‫المتو َّقــع الوصــول إلــى ذلــك الرقــم (عــام ‪)2140‬‬ ‫عملــة‪ .‬ومــن ُ‬
‫يولــد خبــراء الحاســوب تقريبـ ًا (‪« )144‬كتلــة‪« »block ،‬بتكويــن»‬ ‫حســب التوقُّعــات الحاليــة‪ .‬وعــدد عمــات «بتكويــن» الحاليــة‬
‫وألن كلّ كتلة تســاوي (‪« )6.25‬بتكوين» فعدد «البتكوين»‬ ‫ّ‬ ‫يومياً‪.‬‬ ‫قيــد التــداول (عــام ‪ )2021‬يصــل إلــى مــا يقــارب ‪ 19‬مليــون عملة‪.‬‬
‫المنقِّبيــن‬
‫ُ‬ ‫ـأة‬
‫ـ‬ ‫مكاف‬ ‫ـم‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫يومي‬ ‫‪900‬‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫يص‬ ‫ـاف‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫اليومـ‬ ‫وألن ســعر العملــة الواحــدة آالف الــدوالرات‪ ،‬ولتيســير التجــارة‬
‫العملة ذاتها‪ .‬وعملياً‪ ،‬فليســت الكتلة ســوى ملف‬ ‫ُ‬ ‫بوحدات‬ ‫عنهــا‬ ‫ـمى كلّ واحدة‬ ‫فئات أصغر تسـ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ـم تقســيم «البتكوين» إلى‬ ‫فيهــا‪ ،‬تـ َّ‬
‫الموازنــات أو دفتــر‬ ‫حاســوبي يم ِّثــل صفحــة (كمــا فــي صفحــات ُ‬ ‫ـإن ألف‬‫«ساتوشــي» (نســبة إلــى مخترعهــا)‪ .‬وفي حســاب اليوم فـ ّ‬
‫ـم حفظ هذه الصفحات في قاعــدة بيانات مو َّزعة‬ ‫الحســابات)‪ .‬يتـ ُّ‬ ‫ـي تقريبـاً‪.‬‬ ‫(ساتوشــي) تســاوي ثلــث دوالر أميركـ ّ‬
‫علــى حواســيب مختلفــة‪ ،‬ال مركزيــة‪ ،‬وبالتالــي ال تســتطيع جهــة‬ ‫ـرة األولــى عــام ‪ 2009‬كان ســعره‬ ‫عندمــا ظهــر «البتكويــن» للمـ ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪20‬‬
‫فيهــا مركزيــة هــذا الجهــاز الصغيــر فــي جيــوب النــاس فــي‬ ‫تمت أو عكســها أو‬
‫واحــدة التحكُّ ــم بهــا‪ ،‬وال يمكــن إبطــال عمليــة َّ‬
‫والمجتمعــات‪ ،‬مثل‬ ‫حياتهــم‪ ،‬بــل فــي حيــاة الحكومــات والــدول ُ‬ ‫إلغاؤهــا‪ .‬وال يمكــن أن تبــدأ كتلــة قبل اكتمال ما قبلها بتسلســل‪.‬‬
‫تطبيقــات االحتــراز مــن فيــروس كورونــا‪ .‬ومثــل ثــورة الهواتــف‬ ‫ـمى سلســلة الكتــل (‪ ،)blockchain‬والتــي‬ ‫وهــذه السلســلة تسـ َّ‬
‫المشـفَّرة فــي عالمنــا يشــكِّ ل‬ ‫الذكيــة فــإن بــزوغ فجــر العمــات ُ‬ ‫ّ‬ ‫المشـفَّرة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مالت‬ ‫تشــكِّ ل عصــب ُ‬
‫الع‬
‫شــرارة الثــورة التــي‪ ،‬كالمنجنيــق‪ ،‬ســوف يقــذف بنــا إلــى عالــم‬
‫جديــد لــن نــرى فيــه العمــات مــن أي نــوع ولــن نســتخدم فيــه‬ ‫ر ّد فعل املصارف املركزية‬
‫البطاقــات البنكيــة‪ ،‬ال العاديــة وال الذكيــة‪ .‬وباســتخدام الهواتف‬ ‫إزاء عالــم جديــد ‪-‬ما بدأ كقطرة لم تعرهــا المصارف والحكومات‬
‫الذكيــة فالفكــرة كالتالــي‪:‬‬ ‫بــاالً‪ -‬أصبــح فيضان ًا باتت المصارف في خشـ ٍ‬
‫ـية منه أن يكتســحها‪.‬‬
‫اإللكترونيــة (مثلمــا هــو موجــود‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫للمحفظ‬ ‫ـم تنزيــل برنامــج‬ ‫يتـ ُّ‬ ‫فأوجــد التعــاون بيــن المصــارف المركزيــة وشــركات الحوســبة‬
‫حاليـ ًا لـ«آپــل» و«جوجل») على الهاتف الجوال وقد يبدأ التطبيق‬
‫وإن لم تقم أي حكومــة بتطبيقه‬ ‫ال أصبحــت تلــوح فــي األفــق ْ‬ ‫حلــو ً‬
‫ببــدء تغذيــة الحســاب مــن حســاب مصرفــي م َّتصــل بالبرنامــج‪.‬‬
‫المقبلــة علــى التطبيــق‪.‬‬
‫مقدمــة الــدول ُ‬ ‫إلــى اآلن‪ .‬الصيــن فــي ِّ‬
‫وهــذا حاصــل اآلن‪ .‬اإلضافــة الجديــدة اتِّصــال هــذا البرنامــج‬
‫تعرف باســم (‪ ،)CBDC‬عملة المصــارف المركزية‬ ‫وهــذه الحلــول َ‬
‫فالتعامــات‬
‫ُ‬ ‫ـة أخــرى‬ ‫بالمصــرف المركــزي مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهـ ٍ‬
‫الرقميــة (‪e-‬‬
‫ّ‬ ‫ا باســتخدام العملــة‬ ‫الرقميــة‪ .‬وبــدأت الصيــن فعـ ً‬
‫ّ‬
‫جميعهــا تكــون عن طريق البرنامج على هاتفك‪ :‬راتبك الشــهري‪،‬‬
‫‪ )CNY‬علــى نحــوٍ تجريبــي لــدى محطَّ ــات القطــار‪ .‬كمــا تجــري‬
‫ـغ مــا‪ ،‬مشــترياتك الصغيــرة والكبيــرة‪،‬‬ ‫فواتيــرك‪ ،‬اســتالمك لمبلـ ٍ‬
‫الرقميــة فــي‬
‫ّ‬ ‫التدابيــر للنظــر فــي كيفيــة تكييــف هــذه العملــة‬
‫طالمــا أن الجهــة األخــرى أيضــ ًا تســتخدم برنامجــ ًا للمحفظــة‬
‫ـص زوار الصيــن والســواح مث ـاً‪،‬‬ ‫المختلفــة‪ ،‬فيمــا يخـ ُّ‬
‫الحــاالت ُ‬
‫اإللكترونيــة التابعــة للمصــرف المركــزي ذاتهــا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وفــي حالــة انقطــاع اإلنترنــت فــي بعــض الحــاالت‪ ،‬وللتبــادل‬
‫شــخصيته‬
‫ّ‬ ‫تــزال‬ ‫أمــا بالنســبة لمختــرع «البتكويــن» فمــا‬ ‫ّ‬ ‫الرقميـ�ة بسلسـ�لة الكتـ�ل( (�‪block‬‬
‫ّ‬ ‫الخارجـ�ي‪ ،‬وارتبـ�اط العملـ�ة‬
‫القصــة الشــائعة هــي أن مخترعهــا هــو‬ ‫ّ‬ ‫ـوض‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫بالغم‬ ‫ـةً‬‫ـ‬ ‫محاط‬
‫‪ ،)chain‬إلــخ‪ .‬والصيــن األخــرى‪ ،‬تايــوان‪ ،‬هــي كذلك قيــد تطبيق‬
‫«ساتوشــي ناكاموتــو»‪ ،‬وأنــه المســؤول كذلــك عــن سلســلة‬
‫مــا أســموه العملــة الحكوميــة‪ .Govcoin :‬والهنــد كذلــك أعلنت‬
‫عمــن يكــون «ساتوشــي» هــذا‪ ،‬أو‬ ‫الكتــل‪ .‬لكــن التكهنــات َّ‬
‫ِ‬ ‫الرقميــة قبــل أيــام‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬
‫ّ‬ ‫عــن نيتهــا إصــدار العملــة‬
‫تفض‬ ‫«هــؤالء» (باعتبــار أنــه ليــس فــرداً‪ ،‬بــل فريق عمل) لــم‬
‫إلى يقين‪ .‬ســبقت «البتكوين» محــاوالت عديدة في العقدين‬ ‫الســويد وفرنســا وجــزر البهامــا وتركيــا‪ ،‬والفلبيــن‪ ،‬واليابــان‪،‬‬
‫إلكترونيــة لــم ُيكتــب لهــا‬ ‫الســابقين لظهــوره لتحقيــق عملــة‬ ‫وسويســرا‪ .‬وهــذه الــدول فــي مختلــف مراحــل تطبيــق العملــة‬
‫ّ‬ ‫الرقميــة المركزيــة‪ :‬البحــث‪ ،‬أو التطبيــق التجريبــي الجزئــي‪ ،‬أو‬
‫وإن‬
‫كل التوقُّعــات‪ْ ،‬‬ ‫النجــاح‪ .‬لكــن نجــاح «البتكوين» تخطّ ــى َّ‬ ‫ّ‬
‫ـرون علــى أن هــذا النجــاح واالرتفــاع‬ ‫دراســة جــدوى وتقييــم‪ ،‬إلــخ‪.‬‬
‫كان كثيــرون مازالــوا يصـ ّ‬
‫إل فقاعــة‪ .‬لكــن األمــر الثابــت‪ ،‬إن‬ ‫الجنونــي لســعره مــا هــو ّ‬
‫الرقميــة‪ ،‬بشـ ٍ‬
‫ـكل‬ ‫العملــة‬ ‫التطبيق امل ُقرتح‬
‫ّ‬ ‫طالــت المــدة أو قصــرت‪ ،‬هــو أن ُ‬
‫أو بآخــر‪ ،‬وبدخــول المصــارف المركزيــة فــي هــذه اللعبــة‪،‬‬ ‫عندمــا ابتــدع «ســتيف جوبــز» (اآليفــون) عــام ‪ 2007‬لــم يكــن‬
‫للعمــات‪ .‬عبــد الوهــاب األنصــاري‬ ‫ـي ُ‬ ‫المســتقبل العملـ ّ‬ ‫هــو ُ‬ ‫ـور حينهــا أحــد‪ ،‬المــدى الــذي ســوف تصــل‬
‫ـور‪ ،‬كمــا لــم يتصـ َّ‬
‫يتصـ َّ‬
‫‪21‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫تأمالت‬

‫مصداقية اإلعالم التقليدي‬

‫تتحمــل‬
‫َّ‬ ‫التوجهــات للمتلقّ ــي‪ ،‬ولهــذا الســبب‬ ‫ُّ‬ ‫أهم ّيــة األخبــار والمعلومــات التــي تب ّثهــا‬ ‫رغــم ِّ‬
‫ممــا يســتوجب‬ ‫ّ‬ ‫األمانــة‬ ‫هــذه‬ ‫اإلعــام‬ ‫وســائل‬ ‫إل‬‫وســائل اإلعــام التقليديــة إلــى الجمهــور ّ‬
‫وموضوعيتهــا عنــد‬
‫َّ‬ ‫مصداقيتهــا‬
‫َّ‬ ‫حرصهــا علــى‬ ‫ـم هــو كيفيــة تنــاول الخبــر والمعلومــة‬ ‫أن األهـ ّ‬
‫تناولهــا األخبــار والمعلومــات‪.‬‬ ‫فيهــا‪ ،‬ألن طريقة معالجة األخبار والمعلومات‬
‫ومــن بيــن األســباب التــي تجعــل المتلقّ ــي واثق ًا‬ ‫فــي وســائل اإلعــام‪ ،‬هــي التــي تمنــح الوســيلة‬
‫مــن األخبــار والمعلومــات التي يتلقّ اهــا‪ ،‬يومياً‪،‬‬ ‫ومصداقيتهــا؛ بمعنــى آخــر‪ :‬هنــاك خبــر واحــد‬ ‫َّ‬
‫مــن وســائل اإلعــام هــي العالمــة التجاريــة‬ ‫ومعلومــة واحــدة‪ ،‬لكن هناك أكثر من أســلوب‬
‫(‪ ،)Logo‬وشــهرتها‪ ،‬وموقعهــا بيــن وســائل‬ ‫وطريقــة للصياغــة ولزاويــة التنــاول ومعالجــة‬
‫اإلعــام األخــرى‪ ،‬إضافــةً إلــى مصادرهــا‬ ‫المضمــون؛ وبهــذا‪ ،‬إن مــا يصــل إلــى المتلقّ ــي‬
‫تقصيهــا لألخبــار‬ ‫ِّ‬ ‫التــي تعتمــد عليهــا فــي‬ ‫ليــس شــكل الخبــر أو المعلومــة كمــا كانت من‬
‫والمعلومــات‪ ،‬فكلّمــا كان المصــدر موثوقــ ًا‬ ‫مصدرهــا األصلــي‪ ،‬بــل الخبــر أو المعلومة التي‬
‫زاد ذلــك مــن ثقــة المتلقّ ــي بتلــك الوســيلة‪،‬‬ ‫تقصدهــا الوســيلة‪ ،‬وتهــدف إلــى إيصالهــا إلــى‬
‫وأخبارهــا‪ ،‬ومعلوماتهــا‪ ،‬وكلّمــا كانت مصادرها‬ ‫المتلقّ ــي‪ :‬إنــه الخبــر (المعلومــة) الــذي انطلــق‬
‫ضعيفــة حــدث عكــس ذلــك‪.‬‬ ‫البوابات التي‬ ‫ـم اجتاز عدد ًا مــن ّ‬‫مــن مصــدره‪َ ،‬ثـ َّ‬
‫إن الموثوقيــة فــي وســائل اإلعــام تعتمــد علــى‬ ‫البوابات اإلعالمية (‪The gate‬‬ ‫حراس ّ‬ ‫يحرســها ّ‬
‫توازنهــا في عــرض المعلومات واألخبــار‪ ،‬وعلى‬ ‫‪ ،)keeper‬حيــث يعبــر الخبــر مــن خــال بوابــة‬ ‫مرزوق بشير بن مرزوق‬
‫موضوعيتهــا فــي تحريــر الخبــر والمعلومــة؛‬ ‫َّ‬ ‫المحــرر‪ ،‬ومديــر التحريــر‪ ،‬ورئيــس التحريــر‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫لذلــك ال توجــد عالقــة أبديــة ومتواصلــة مــع‬ ‫بوابــة الرقيــب الداخلــي‪ ،‬والرقيــب‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫وأيض ـ ًا‬
‫الوســيلة اإلعالميــة‏أو االعتقــاد بــأن المتلقّ ــي ال‬ ‫أيديولوجيتــه وثقافته‬
‫َّ‬ ‫ـارس‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـكل‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ول‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الخارج‬
‫يمكــن انفكاكــه منها مثل (الــزواج الكاثوليكي)‪،‬‬ ‫وموقفــه الــذي يعكســه علــى مضمــون الخبــر‬
‫فــإن فرصــة االنفــكاك بيــن الطرفيــن واردة فــي‬ ‫والمعلومة‪.‬‬
‫أيــة مرحلــة‪ ،‬وفــي أي وقــت‪ ،‬حينمــا يشــعر‬ ‫ّ‬ ‫أهــم وظائــف وســائل اإلعــام هــي‬ ‫ّ‬ ‫إن إحــدى‬
‫المتلقّ ــي بــأن هــذه الوســيلة فقــدت عدالتهــا‬ ‫إعطــاء المتلقّ ــي المعلومــات التــي يحتاجهــا‬
‫وموضوعيتهــا ومصداقيــة مصادرهــا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتوازنهــا‬ ‫توجهاتــه في قضايا السياســة‬ ‫لكــي يبنــي عليهــا ُّ‬
‫‏وقــد يكــون ســبب فقــدان هــذا الرابــط بيــن‬ ‫أهــم مصــادر تشــكيل‬ ‫ّ‬ ‫العامــة‪ ،‬واإلعــام مــن‬ ‫ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪22‬‬
‫مؤشــرات زيادة عدد المشــتركين في هذه‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬لكن‬ ‫الخلفيــات الفكريــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المتلقّ ــي والوســيلة اإلعالميــة هــو‬
‫ـول الجمهــور إلــى هــذه الوســائل‪،‬‬ ‫ـراس البوابة اإلعالمية‪ ،‬وأصحاب القرارات في‬ ‫والثقافيــة لحـ ّ‬
‫الوســائل دليــل علــى تحـ ّ‬
‫مصداقيــةً مــن تلــك التقليديــة‪.‬‬ ‫فلربمــا يراهــا أكثــر‬ ‫ـم فرض سياســات‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫عندم‬ ‫أو‬ ‫ـات‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫والمعلوم‬ ‫تمريــر الخبــر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المؤسســات‪،‬‏ســواء من الســلطة أو حتى‬ ‫خارجية على هذه‬
‫‏هنــاك عــدد مــن الدراســات العلميــة‪ ،‬والبحثيــة تشــير إلــى‬ ‫َّ‬
‫مــن مجالــس إدارتها الذيــن يريدون حمايــة مصالحهم على‬
‫معــدل فقــدان الثقــة والمصداقيــة فــي وســائل اإلعــام‬ ‫َّ‬ ‫العامــة‪.‬‬ ‫حســاب المصلحــة‬
‫ّ‬
‫األكاديمييــن‬
‫ّ‬ ‫بيــن‬ ‫الدراســات‪،‬‬ ‫هــذه‬ ‫وتتمركــز‬ ‫التقليديــة‪،‬‬ ‫مؤخراً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ـدل المشــاهدة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫مع‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫انخفاض‬ ‫‏إن مــا حــدث مــن‬
‫مؤسســات اإلعــام‬ ‫والنخبــة الواعيــة‪ ،‬حــول كيفيــة إدارة‬ ‫للقنــاة اإلخباريــة األميركيــة (‪ ،)C.N.N‬دليــل علــى عــدم‬
‫َّ‬
‫التقليــدي لألخبــار والمعلومــات‪ ،‬ومصادرهــا؛ لكــي يبقــى‬ ‫ثبــات المتلقّ ــي الدائــم‪ ،‬وارتباطــه بالوســيلة اإلعالميــة مهما‬
‫معدالت‬ ‫َّ‬ ‫كانــت عالمتهــا التجاريــة وشــهرتها‪،‬‏فلقد ارتفعــت‬
‫االرتباط األقوى بينها وبين الجماهير العاطفية‪ ،‬والشعبوية‬ ‫المشــاهدين فــي هــذه القنــاة عندمــا كانــت تصــوغ أخبارها‪،‬‬
‫معبــرة عن عواطفهــا‪ ،‬حتى وإن‬ ‫ِّ‬ ‫التــي تــرى أن تلــك الوســائل‬ ‫ـدم تقاريرهــا بطريقة غير متوازنة‪ ،‬بالتمــام‪ ،‬عند تناولها‬ ‫وتقـ ِّ‬
‫كانــت األخبــار أو المعلومــات غيــر موضوعيــة بالكامــل‪.‬‬ ‫أخبــار «ترامــب» الرئيــس الســابق ألميــركا؛‏مــا جعــل عــدد‬
‫والنخبوييــن‪ ،‬هناك قطاع‬‫ِّ‬ ‫األكاديمييــن‬ ‫‏باإلضافــة إلــى قطاع‬ ‫المشــاهدين الناقميــن علــى سياســات الرئيــس فــي ازديــاد‪،‬‬
‫ِّ‬
‫الشــباب واألجيــال الصاعــدة التــي تشــير الدراســات‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫لكنهــا فقــدت‪ ،‬بعــد ذلــك‪ ،‬نســبة مــن مشــاهديها‏عندمــا‬
‫ـتمرت القناة في سياســاتها الســابقة نفســها رغم وصول‬ ‫اسـ َّ‬
‫إلــى ابتعادهــا عن وســائل اإلعــام التقليدية لصالح وســائل‬ ‫ـرر مــع‬ ‫ـ‬ ‫تك‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫واألم‬ ‫ـض‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫األبي‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫البي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـدة‬‫ـ‬ ‫جدي‬ ‫إدارة‬
‫َّ‬
‫المقيدة‬
‫ّ‬ ‫التواصــل االجتماعــي ذات طبيعــة التفاعليــة وغيــر‬ ‫قناة (‪ )Fox News‬باصطفافها الدائم مع اليمين األميركي‪،‬‬
‫ـراس البوابابــات اإلعالمية‪.‬‬ ‫بحـ ّ‬ ‫موضوعيتهــا‬
‫َّ‬ ‫مجــرد أمثلــة عندمــا تفقــد الوســيلة‬ ‫َّ‬ ‫وهــذه‬
‫مؤسســات اإلعالم التقليدي أن تجري دراســات‬ ‫‏أخيــراً‪ ،‬على‬ ‫وحياديتهــا فــي تنــاول األخبــار وصياغــة تقاريرهــا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫علميــة محايــدة للتأكُّ ــد عــن مــدى مصداقيتهــا‪ ،‬ومــدى ثقــة‬ ‫الحالية في فقدان وســائل اإلعالم‬ ‫ّ‬ ‫ـباب‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫ـم‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫أه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫وربمــا‬
‫ّ‬
‫التقليديــة انتشــارها وحضورهــا عنــد المتلقّ ــي‪ ،‬هــو ظهــور‬
‫التمســك بوهم الجماهيرية والشــهرة‬ ‫ُّ‬ ‫ال من‬ ‫المتلقّ ي بها‪ ،‬بد ً‬
‫وانتشــار‏وســائل التواصل االجتماعي التي أصبحت منافسة‬
‫ـم اختبارهــا‪ ،‬بعــد‪ ،‬علمي ـاً‪ ،‬ومنهجي ـ ًا فــي‬ ‫ربمــا لــم يتـ ّ‬
‫التــي ّ‬ ‫لهــا‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن عــدم توفُّــر دراســات عــن مــدى‬
‫المؤسســات‪.‬‬‫َّ‬ ‫الكثيــر مــن تلك‬ ‫ثقــة المتلقّ ــي فــي مصداقيــة وموثوقيــة وســائل التواصــل‬

‫‪23‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫ترجمات‬

‫مختارات‬
‫من الشعر اإلفريقي‬
‫ـارة اإلفريقيــة الســمراء‪ ،‬إضافــةً إىل ثــراء مخزونهــا الشــفوي الضــارب يف القــدم والراســخ عــى الــدوام‪،‬‬ ‫تُعتــر القـ ّ‬
‫ـاء زاخــراً بــاآلداب املكتوبــة بلغــات إفريقيــة‪ ،‬وأوروبيــة‪ .‬ويعــود ظهــور هــذه اآلداب إىل أوىل فــرات االحتــكاك‬ ‫فضـ ً‬
‫بــن القــارة اإلفريقيــة والعــامل العــريب والغــرب انطالقـ ًا من القرن الســادس عرش‪ .‬فقد أشــار عــامل ال ّلغة األملاين‬
‫الشــعر العــريب يف إثــراء لغــات‬ ‫«جنهاينــز جــان»‪ ،‬يف كتابــه «دليــل األدب اإلفريقــي الجديــد» (‪ ،)1969‬إىل دور ّ‬
‫(الهوســا ‪ )Haoussa -‬يف غــرب إفريقيــا‪ ،‬و(الســواحييل ‪ )Swahili -‬رشق إفريقيــا‪ ،‬مقابــل ركــود لغــات (‪)Xhosa‬‬
‫و(‪ ،)Sotho‬جنــوب الق ّارة‪.‬‬
‫واملتأصلــة لــدى شــعوبها‪ ،‬وينتمــي‬
‫ّ‬ ‫الشــعر‪ ،‬يف إفريقيــا‪ ،‬مــن أكــر فنــون الــكالم الضاربــة يف القــدم‬ ‫ولذلــك يعتــر ّ‬
‫أن التكامل‬ ‫هذا الجنس األديب‪ ،‬اســتناداً إىل طريقة نقله وشــكله‪ ،‬إىل «األدب الشــفوي املنقول»‪ .‬ومن املؤكّ د ّ‬
‫الشــعر يحــر يف ّ‬
‫كل‬ ‫أن ّ‬ ‫اإلفريقيــة عــى مـ ّـر العصــور‪ ،‬يؤكّ ــد ّ‬
‫ّ‬ ‫ميــزت الســاحة‬
‫األدبيــة التــي ّ‬
‫ّ‬ ‫بــن مختلــف األجنــاس‬
‫اريخيــة‪ ...‬وبالتأكيــد‪ ،‬ميكــن‬
‫ّ‬ ‫مــكان‪ :‬يف القصــص واألســاطري والخرافــات املتع ّلقــة بنشــأة الكــون والحكايــات ال ّت‬
‫الرسديــة شــعراً‪ ،...‬وعــى هــذا‪ ،‬النحــو ميكــن تقســيم الشــعر التقليــدي إىل أربعة أصناف‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫اعتبــار هــذه الحكايــات‬
‫كل النصــوص‬ ‫«الســحر»‪ :‬وهــي ّ‬
‫ِّ‬ ‫والدهــاء والشــجاعة‪ ،‬وقصائــد‬ ‫حربيــة‪ ،‬تهــدف إىل متجيــد خصــال اإلقــدام ّ‬ ‫ّ‬ ‫قصائــد‬
‫الغيبيــات؛ تعزميــات وأناشــيد وطقــوس االنتســاب‪ ،...‬وقصائــد الحالــة أو‬ ‫ّ‬ ‫التــي تســتحرض‪ ،‬بطريقــة أو بأخــرى‪،‬‬
‫اليوميــة يف شــكلها املحفــوظ أو ا ُ‬
‫ملغ ّنــى وفــق األحــداث‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـمية‪ ،‬قصائــد الحيــاة‬
‫الواقــع‪ .‬وتنــدرج‪ ،‬تحــت هــذه التسـ ّ‬
‫ـى‬ ‫ـكل تفاصيلهــا‪ ...‬يتجـ ّ‬
‫اليوميــة بـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ـعر بإيقــاع الحيــاة‬‫الشــعر اإلفريقــي‪ ،‬قــال «ســنغور»‪« :‬إ ّنــه ِشـ ْ‬ ‫يف حديثــه عــن ّ‬
‫وينشــد يف املآتــم‪ .‬و‪-‬أخــراً‪ -‬نصــوص مــا‬ ‫يف نظــرات الرجــال ووقــع خطــى ال ّنســاء ويحــر يف مناســبات الــزواج‪ُ ،‬‬
‫للشــعر أن يصبــح موضــوع خطــاب»‪.‬‬ ‫وراء الخطــاب‪ ،‬حيــث ميكــن ّ‬

‫أحييك ُّأيها الفزع األكبر‬‫ِّ‬ ‫(‪)1‬‬


‫ألمسيات المعركة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أناشيد الحروب وقصائد التمجيد‬
‫شمس جاتا ترقص رقصة الجانجون‬
‫أمام الحشود المسرعة‬
‫أحييك ُّأيها المنتصر‬
‫ِّ‬
‫بساحة الموند‪.‬‬ ‫العدو‬ ‫وجه‬ ‫في‬ ‫االبتسامة‬
‫ّ‬
‫أحييك ُّأيها المنتصر‬
‫ِّ‬ ‫ال توقف القتال‪.‬‬
‫في أمسيات المعركة‪.‬‬ ‫العدو‬ ‫التسلّي مع‬
‫ّ‬
‫م‪ .‬م ديابيت (كاال جاتا)‬ ‫حد ًا للحروب‪.‬‬
‫ال يضع ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪24‬‬
‫أنت من ساللة ميتيفي كايمبي‬ ‫مديح إىل ميجيال نكاكا‬
‫صديق سيبوال‬
‫ميجيال نكاكا‪،‬‬
‫بيدمبي نكيبا‪ ،‬في منازل عديدة‪.‬‬
‫نخلة فتية ترهق متسلّقيها‪،‬‬
‫مولو‪ -‬بينجي (شعر التمجيد لوبا)‬ ‫السيد كايمبي‪.‬‬ ‫من بلد‬
‫ّ‬
‫من ساللة ميليال‪،‬‬
‫شرعية‬
‫ّ‬ ‫من رحم زوجة‬
‫(‪)2‬‬ ‫ال خليلة منبوذة‪.‬‬

‫قصائد «السِّ حر»‬ ‫أنت الرياح الهائجة‬


‫لو تعقّبتك لضايقتك‪،‬‬
‫لالنتساب‪ ،‬الدعاء‪ ،‬الحمد‪ ،‬السحر والمناجاة‬ ‫ولدفعتك لتسلّق شجرة‪.‬‬
‫السيد‬
‫ّ‬ ‫أنت من ساللة‬
‫يقدر‬
‫الله ّ‬ ‫الحاكم‬
‫والتحرر‪..‬‬
‫ّ‬ ‫تي‪،‬‬ ‫صح‬
‫َّ‬ ‫في‬ ‫المعافاة‬ ‫الجدير بفرو الفهد‪..‬‬
‫والتحرر‪..‬‬
‫ّ‬ ‫السعة في ملكي‬ ‫فرو األسد من نصيب العبيد‪.‬‬
‫والتحرر‪..‬‬
‫ّ‬ ‫أليامي‬
‫السعادة ّ‬ ‫أنت شقيق كزادي‬
‫والتحرر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السعادة ألطفالي‬ ‫ونغوييه المقيم مع سيتونج‪.‬‬
‫أحبه في هذا العالم‬
‫ُّ‬ ‫ما‬ ‫كلّ‬ ‫ويتحرر‬
‫ّ‬ ‫فلينطلق‪،‬‬ ‫أنت من ساللة ميتا الذي ال يرحل أبداً‪.‬‬
‫ليل الهموم ليل األمل!‬ ‫بل رعايا سيبوال الذين يرحلون‪.‬‬
‫ليل الهموم ليل األمل!‬ ‫أنت كانكي الذي قايض امرأة بحيوان مفترس‪،‬‬
‫أقدر!‬
‫يقدر‪ ..‬أنا ّ‬ ‫الله ّ‬ ‫لكنه ال يملك حتى هذا األخير‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫براقة‪..‬‬
‫والمرصع بنجوم ّ‬
‫ّ‬ ‫أتوسل!‬
‫َّ‬ ‫أقدر‪ .‬أنا‬
‫يقدر‪ .‬أنا ّ‬
‫النبي ّ‬
‫ّ‬
‫تمزقّين رداءه األسود‪.‬‬ ‫أنا الثور المنعزل‪ ،‬وحيد ًا في الفضاء‬
‫أي َّتها الشمس الكاشفة!‬ ‫الذي ال تبصره عين العدو‬
‫بنورك الساطع‪،‬‬ ‫العدو‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الذي ال تدوسه قدم‬
‫تبددين ظلمة الغيوم الداكنة‪.‬‬‫ّ‬ ‫العدو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذي ال تطاله يد‬
‫أي َّتها الشمس‪ ،‬لك كلّ اإلجالل!‪.‬‬
‫إ ‪ .‬سو (املرأة‪ ،‬البقرة‪ ،‬اإليمان)‬
‫ﻫ‪ .‬فيليه (طام – طام الحكيم‪،‬أشعار وأمثال إفريقية)‬

‫غيثا ً‪ ،‬يا الله!‬


‫أغنيّة املنتسب‬ ‫ربي‪ ،‬أرسل لنا سحاب مطر!‬ ‫ّ‬
‫حر ّية السافانا‪.‬‬
‫وراء مستنقعات األحشاء العفنة‪ ،‬تكمن ِّ‬ ‫يا الله!‬
‫يعد‬
‫سافانا سوداء تشبهني‪ ،‬حريق الموت الذي ّ‬ ‫هل رأيتم أجمل من سحاب المطر؟‬
‫للصحوة؛‬ ‫يا الله!‬
‫صحوة الضمير والعقل‪ .‬ثم الذهب األبيض‬ ‫سحاب داكن‪ ،‬سحاب مطر…‪.‬‬
‫للرمال تحت الضياء‪،‬‬ ‫إلهي موالي‪ ،‬ج ّفت حقول الذرة!‬
‫الصدى الصافي‬ ‫ّ‬ ‫في‬ ‫حيث تحترق رغباتي‪،‬‬ ‫إلهي ج ّفت حقول الذرة!‬
‫والفضاء الحماسي‪.‬‬ ‫موالي‪ ،‬أرسل علينا غيث ًا نافعاً!‬
‫أذني المجامل َت ْين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫سراب الواحة يغ ّني‬ ‫يا الله!‬
‫ويهاجمني إغراء سحب الضباب الجافّة التي تريد‬ ‫تروي به حبات الكرنيب الصغيرة‪،‬‬
‫إرهاق يقيني‪.‬‬ ‫ونصنع منها المغارف!‬
‫دوي النواقيس المتزاوجة! ما أعظم هدير‬ ‫ّ‬ ‫حاد‬
‫آه! كم هو ّ‬ ‫تروي به النباتات التي‬
‫طبول المنتسبين!‬ ‫حبات كرنيب صغيرة‪،‬‬ ‫ستثمر ّ‬
‫أتخطّ ى المحنة في ختاني‪ :‬حرائق ميل‬ ‫تروي األوراق الطويلة لسيقان الذرة‬
‫أديراس‪.‬‬ ‫بالماء‪.‬‬
‫ستقودني عبر الدروب المقطوعة‪ ،‬شمعة على طريق‬ ‫يا الله!‬
‫المعبد‪.‬‬ ‫السرفات المج ّنحة‪ ،‬المطر!‬ ‫َّأيتها ّ‬
‫يقودني‪ ،‬ثانيةً ‪ ،‬أريجها وعطر الصمغ‬ ‫إيدا إيو – إيو دويو‪.‬‬
‫في الحرور‪.‬‬ ‫السرفات‪ ،‬اشربوا!‬ ‫َّأيتها ّ‬
‫ل‪ .‬س‪ .‬سنغور‬ ‫إيدا إيو – إيو دويو‪.‬‬
‫ربنا‪:‬‬
‫استجاب ُّ‬
‫وتكلّم‪ ،‬عبر الرعد‪ ،‬إيو دويو!‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫إ‪ .‬محمّ دو (حكايات وقصائد «فولبيه دي ال بنويه»)‬
‫قصائد الحالة والواقع‬
‫(الجنائز والعرف والعمل)‬ ‫نشيد الشمس‬
‫قصيدة جنائزية‬ ‫َّأيتها الشمس الكاشفة‪،‬‬
‫الميت‪.‬‬
‫لنبكي صغيرنا ِّ‬ ‫تبددين ظلمة الغيوم الداكنة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫لماذا‪،‬‬ ‫َّأيتها الشمس‪ ،‬لك كلّ اإلجالل!‬
‫وأنت الصغير؟‬ ‫إليك ملكة السماء‪ ،‬والمطارِد الرائع‪.‬‬
‫ما كدت تع ّزي ابنك‪.‬‬ ‫َّأيتها الشمس‪ ،‬لك كلّ اإلجالل‪،‬‬
‫وها أنت تغادر! لماذا؟‬ ‫أمام سياطك المتوهجة‪.‬‬
‫تغادرنا على عجل!‬ ‫وسهامك الخاطفة من جعبة شعاعك‪.‬‬
‫متأوهاً!‬
‫ّ‬ ‫يرحل‬ ‫آه! الولد المسكين‬ ‫وفي األعماق السحيقة المظلمة‬
‫الموت أعظم سكون للحياة‪.‬‬ ‫الوجل مضطرب ًا‬ ‫ِ‬ ‫ينسلّ الليل‬
‫آه! تغادرنا على عجل!‬ ‫تحت ضربات أنوارك المتأللئة‪.‬‬
‫ُّأيها الولد‪ ،‬ما سبب موتك؟‬ ‫تم ّزقين رداءه؛‬
‫ينفطر قلبي المسكين‪،‬‬ ‫شح نوراً‪،‬‬
‫رداءه األسود الم ّت ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪26‬‬
‫لكنك تعلم‬ ‫وأنا أموت‪.‬‬
‫القدر يخطفك منا على عجل‪.‬‬
‫أنه َحملٌ ليس َ‬
‫كح ْمل سلّة الحقل‪.‬‬
‫بني! كيف حصل أن‬ ‫َّ‬
‫أرقد بسبب الوالدة‪.‬‬
‫تركتنا والبكاء؟‬
‫الطفل يبكي‪.‬‬ ‫ارحم والدين أوجعهما القدر‪.‬‬
‫ت‪ .‬أوبنغا (األدب القديم ملبويش)‪.‬‬ ‫ماذا حصل؟‬
‫ترحل في عجل‬
‫ترحل‪ ،‬وحيداً‪ ،‬إلى غابة لوامبا دوكيلي‪.‬‬
‫واحسرتاه! غادرتنا على عجل‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫نصوص ما وراء الخطاب‬
‫أغنية العمل‬
‫األشعة‪،‬‬‫ّ‬ ‫َّأيتها‬
‫من ينقل رسالة القيثارة؟‬ ‫قيدي الكسولة‪.‬‬ ‫الشمس!‬ ‫ة‬ ‫أشع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصيد يرغم الخنزير على البقاء في مخبئه؛‬ ‫انظري‪ :‬الرفيقات كادحات‪،‬‬
‫فمن ينقل رسالة القيثارة بالطريقة التي‬ ‫وهن فوق التلّ ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ُينقَ ل بها اإللهام؟‬ ‫قيدي الكسولة‪.‬‬‫األشعة! ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّأيتها‬
‫أشعة الشمس‪،‬‬ ‫ّ‬
‫شدوت حتى يأتوا في طلبي؟‬‫ُ‬ ‫هل‬
‫قيدي الكسولة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أحييك من كلّ قلبي! نوكوسا‪،‬‬
‫قائدنا‪ ،‬أنت نوكوسا‪ِّ ،‬‬ ‫وليكن الموت مصيرها‪.‬‬
‫(رعيتك)‪،‬‬
‫َّ‬ ‫إن كنت تخيط ِشباك ًا لتحبس كالم‬ ‫قيديها‪ ،‬وال ترحميها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فاجعل عيونها واسعة‪ ،‬واترك الصغير منها‪.‬‬ ‫األشعة!‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َّأيتها‬
‫يتحسرون على حال البلد الغ ّني‪ ،‬ويشتكون القدر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فالذين‬ ‫ذ‪ .‬أوبنغا (األدب القديم ملبويش)‬
‫ال يمكنهم اإلفالت منها‪.‬‬
‫إريك دي دمبيار (شعراء نزاكارا)‬
‫أغنيّة عاطفية زنجية‬
‫لو يجعلني الج ّن ّي‬
‫قمر ًا جمي ً‬
‫ال‬
‫أنا كالقبة الزرقاء‪ .‬أنا كفضاء‬ ‫فض ّي ًا ساطع ًا‬
‫قمر ًا ّ‬
‫سأتعلَّق بخاصرة السماء‬
‫اللقاء‪،‬‬
‫سأتأمل حبيبتي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ومن القصر الالزوردي‪،‬‬
‫محير‪ .‬ما ندركه اليوم كان موجود ًا‬ ‫ّ‬ ‫أمر‬ ‫سمراء‪ ،‬حبيبتي‬
‫قبل األزل‪..‬‬ ‫في لون األبنوس‪.‬‬
‫وما يجري اليوم لم ينقطع من قبل‪ :‬إنه اإليقاع‪.‬‬ ‫محياها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ضحكة العاج في‬
‫للتيار‪.‬‬ ‫حبيبتي بعيدة عني‬
‫سلّمت نفسي ّ‬
‫حبيبتي بعيدة ع ّني‬
‫إنه التغيير‪.‬‬
‫آه‪ ،‬حبيبتي الزنجية الجميلة!‬
‫بداية كلّ بداية كالم‬ ‫(‪)....‬‬
‫المطوق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هو طائر الكركي‬ ‫جَ مَ عها بول أكاكبو تيبام يف ‪ .‬ي ‪ .‬أ‪ .‬دوغيب‪( ،‬حكايات‬
‫المطوق‪« :‬أنا أتكلَّم‪.»...‬‬
‫َّ‬ ‫قال طائر الكركي‬ ‫وأساطري الطوغو)‬
‫قصيدة بامبارا‪( ،‬طام‪ -‬طام الحكيم)‬

‫‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود‬ ‫أمومة‬


‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫األم‪،‬‬
‫أنا ّ‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫أرقد بسبب الوالدة‪.‬‬
‫‪Locha Mateso : Anthologie de la poésie d’Afrique Noire d’expression‬‬ ‫الطفل يبكي‪.‬‬
‫‪française‬‬ ‫تبعد الزوج عن رفيقته‪،‬‬

‫‪27‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫نصوص‬

‫حطب ال يشتع ُل يف الربد‬


‫ٌ‬

‫يحسدها قليب الذي‬ ‫بالدوالب‬


‫ِ‬ ‫* يف القميص املعلّق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتمن أن يتفتَّت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدفء‪..‬‬
‫ِ‬ ‫مؤج ٌل إىل‬ ‫ّ‬ ‫شخص‬ ‫ٌ‬
‫أبتسم له كثريا ً‬
‫ُ‬
‫* نعم‪ ..‬تلك رجف ُة ديسمرب‪،‬‬ ‫وال يبتسم يل أبداً‪..‬‬
‫حطب ال يشتع ُل‬
‫ٍ‬ ‫ساقاي من‬
‫َ‬ ‫وأنا‬ ‫الصاخبة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الليلة‬
‫ِ‬ ‫يف هذه‬
‫أركب األرجوحة يف الصباح‬ ‫ُ‬ ‫م َّد يده فجأ ًة‪..‬‬
‫أعلو‬ ‫العلوي‬
‫ّ‬ ‫رفع ق َّبعة من ّ‬
‫الرف‬
‫وأعلو‬ ‫وناولين رأيس‬
‫حىت أرى الكو َن أصغ َر‬ ‫وتالىش‪.‬‬
‫من قطعة ثلج بصدري‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومع اختباء الشمس‪،‬‬ ‫* قليب املهاج ُر بعيداً‪،‬‬
‫أهبط فجأ ًة‬ ‫يده‪،‬‬
‫أنا حقيبة ثقيلة يف ِ‬
‫كطائر اقتنصه ص ّياد‪.‬‬ ‫ال يقوى عىل حملها‪.‬‬

‫* يتأخَّ ُر القطارُ أحيانا ً‬ ‫بصمته‬


‫ِ‬ ‫الج ُّد متدثّرا ً‬
‫* َ‬
‫القضبان؛‬ ‫فأميش أنا عىل‬ ‫َّ‬
‫يُج ّم ُد حروفه كلها‬
‫ِ‬
‫أص َل‬
‫ال ليك ِ‬ ‫يك يحيك لهم عن الربد‪..‬‬
‫ألدهس ك َّل يشء‪.‬‬
‫َ‬ ‫لكن‬
‫ْ‬ ‫األطفا ُل من حوله يسألون‪:‬‬
‫«أي شبح أبيض ابتلع املدفأة؟»‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫* حذا ٌء صغريٌ‬
‫يف صندوق قمامة‬ ‫بقبضتك‬
‫ِ‬ ‫* اصنعي املار َد‬
‫لم يعد يليق بصاحبه‪..‬‬ ‫أيَّتها الي ُد اليت تدعكُ الفانوس‪.‬‬
‫صاحبه الذي كرب وحده‬
‫ونيس أشياءه كلَّها‪..‬‬
‫َ‬ ‫بمحاذاة بحر ٍ ثائرٍ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫*‬
‫أشياءه اليت لم تكرب معه‬ ‫أميش ساكنا ً‬
‫أشياءه اليت لم تغادر طفولتها‪.‬‬ ‫يف ظلمة الليل‬
‫وحده الحزن قال‪:‬‬ ‫تحسدين صخرة كبرية‬
‫«هذا الحذاء الصغري‪ ..‬عىل مقايس دائما»ً‬ ‫تو ُّد أن تتح ّركَ ‪..‬‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪28‬‬
‫قديم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قلب‬
‫ٌ‬ ‫مع أن الحزن كبري ج ّداً؛‬
‫س‬‫خطوايت املتبقية َد ْه ٌ‬ ‫الحذاء‬
‫ِ‬ ‫صاحب‬
‫ِ‬ ‫أكرب من‬
‫لكل ما شعرتُ به من قبل‪.‬‬ ‫القمامة‬
‫ِ‬ ‫أكرب من صندوق‬
‫ِ‬
‫نفايات هذا العالم‪.‬‬‫ِ‬ ‫أكرب من‬
‫الباردة؟‬
‫ِ‬ ‫الليلة‬
‫ِ‬ ‫* ب ِ َم ْن أ َ ْحتَمي يف هذه‬
‫قريب ج ّدا ً‬
‫ٌ‬ ‫القم ُر‬ ‫نجوت‬
‫ِ‬ ‫ني كيف‬ ‫* آه‪ ،‬لو تعلم َ‬
‫من أسلحتهم؟‬
‫لكنه فريس ُة ال ّر ّح ِ‬
‫الة‬
‫والشعراء‬ ‫عليك رصاص ًة‬‫ِ‬ ‫أطلق‬
‫َ‬ ‫الذي‬
‫ِ‬ ‫فوجئ َ بصدري يص ُّدها عارياً‪،‬‬
‫واملرىض النفس ِّيني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نحوك‬ ‫اإلضاءة‬ ‫اف‬‫َ‬ ‫كش‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫و‬
‫ّ‬ ‫ص‬ ‫والذي‬
‫املعاطف كثرية ج ّداً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السوا ُد‬ ‫فوجئ َ بأنين ّ‬
‫ِ‬
‫تفرتس ِن‪.‬‬
‫َ‬ ‫لكنين أخىش أن‬
‫الدورة ال َّدموي ّ ِة ج ّداً‪،‬‬ ‫أنت حارض ٌة يف‬
‫س املشه َد كامال‪ً.‬‬ ‫الذي ط َ َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن تُذييب‬ ‫لكنك أنب ُل من ْ‬ ‫ِ‬ ‫دة‬
‫كة متج ِّم ٍ‬‫* من ب ْر ٍ‬
‫دهونا ً بيضا َء‬ ‫ت السمكة نابضةً‬ ‫َ‬
‫ف‪ ،‬تحت ِجلْ ِدي‬ ‫ُ ْ‬ ‫طل َع ِ‬
‫استق َّرتْ ‪ ،‬بِلط ٍ‬ ‫كضحكتك الضالّ ِة‬
‫ِ‬
‫منذ سنوات‪.‬‬ ‫يف هذا املأتم‪.‬‬
‫أنت مختئب ٌ تحت ّ‬
‫فك‪،‬‬ ‫* ملاذا َ‬ ‫أنام!‬
‫أنام كأنين ال ُ‬
‫* ُ‬
‫ُ‬
‫الصيف العجوزُ؟‬ ‫أيُّها‬ ‫انتبهت‬
‫ُ‬ ‫اقرتبت نسمة‪..‬‬
‫ْ‬ ‫وكلَّما‬
‫َ‬
‫األرض‬ ‫اخرج ليك ّ‬
‫تعض‬ ‫ْ‬ ‫أمال ً يف أن تكو َن ِ‬
‫أنت‪.‬‬
‫لشتاء جائع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الجماجم‬
‫َ‬ ‫وتطحن‬
‫َ‬
‫جران يصطدمان بق ّو ٍة‪..‬‬ ‫* َح َ‬
‫باب صدرِكَ قصيد ٌة‬
‫تطرق َ‬‫َ‬ ‫* أن‬ ‫رشار ٌة صغري ٌة تولَد‪..‬‬
‫يف آخر الليل‪،‬‬ ‫أعرف اسمه‬ ‫ُ‬ ‫يش ُء كبريٌ‪ ..‬ال‬
‫ِ‬
‫فتجدكَ مرهقا؛ً‬ ‫يموت‪.‬‬
‫هذا هو َوأ ْ ُد الصباح‪.‬‬
‫شريف الشافعي – مصر‬ ‫أرض‬
‫* يل يف ك ّل ٍ‬
‫‪29‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫أطفالُنا الفالسفة !‬
‫تخيــي هائــل تكتنفــه قــدرة غــر محــدودة عــى مالعبــة الحجــج‪،‬‬ ‫مســعى ُّ‬
‫ً‬ ‫الفلســفة‪ ،‬بالنســبة إىل األطفــال‪،‬‬
‫وتدويرهــا‪ ،‬والنظــر إليهــا مــن زوايــا مختلفــة‪ .‬ويعتمـ ُـد األطفــال‪ ،‬عــر هــذا املســعى‪ ،‬عــى وجهــة نظــر (طازجــة)‬
‫عامــة‪ ،‬وتلــك تجربــة‬‫غــر مســبوقة أو غــر معتمــدة ســابق ًا‪ ،‬وليســت مـ ّـا يتعامــل معــه اآلخــرون عــى أنــه بداهــة ّ‬
‫أهم ّيــة هــذا األمــر يف‬
‫ثريــة ســيكون مــن العبــث خســارتها أو فقدانهــا لــدى األطفــال‪ .‬وتتعاظــم ِّ‬ ‫فكريــة ومعرفيــة ّ‬
‫ـرة بإزاحــة مكامــن الجمــود والنكــوص يف‬ ‫ـن عــى أعتــاب ثــورة فلســفية مبـ ّ‬ ‫بخاصــة ونحـ ُ‬
‫ّ‬ ‫منطقتنــا العربيــة‪،‬‬
‫ثقافتنــا العربيــة املتداولــة‪.‬‬

‫لــم تكــن وحيــدة فــي تفكيرهــا بمثل هذه األفــكار فــي طفولتها؛ إذ‬ ‫يمكــن لمســاءلة األطفــال أن تكــون الوســيلة األولــى األكثــر‬
‫لطالمــا اعتــاد «أرســطو» علــى ترديد عبارتــه ذائعة الشــهرة‪« :‬كلّ‬ ‫التأمــل فــي‬ ‫ُّ‬ ‫الممارســات الفلســفية مــع األطفــال‪:‬‬ ‫فاعليــةً فــي ُ‬
‫البشــر يســعون ‪ -‬بالطبيعــة ‪ -‬لبلــوغ فهــم أفضــل لــكلّ شــيء»‪.‬‬ ‫ـم للعالــم‬ ‫معنــى التجــارب والمفاهيــم العاديــة بغيــة تطويــر فهـ ٍ‬
‫يشــرع األطفــال‪ ،‬فــي وقت مبكّ ر من حياتهم‪ ،‬فــي محاولة إضفاء‬ ‫واآلخرين ولألطفال أنفســهم‪ .‬عندما ُيســألُ األطفال عن األســئلة‬
‫مع ًنــى للعالــم‪ ،‬وكذلــك لفهــم الطريقــة التي تعمل بها األشــياء‪،‬‬ ‫ـإن إجاباتهــم األكثــر شــيوع ًا‬ ‫تثيــر دهشــتهم أكثــر مــن ســواها‪ ،‬فـ ّ‬
‫عندمــا يصيــر األطفــال قادريــن علــى صياغــة األســئلة المناســبة‬ ‫ـم‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ـا؟‬ ‫ـ‬ ‫أن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا؟‬‫ـ‬ ‫هن‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أن‬ ‫ـم‬ ‫ِ‬
‫تنطــوي علــى أســئلة مــن هــذا النــوع‪َ :‬‬
‫ـ‬ ‫ل‬
‫الخاصــة بالمفاهيــم التــي‬‫ّ‬ ‫ـرددون فــي طــرح األســئلة‬ ‫فإنهــم اليتـ ّ‬ ‫توجــد كراهيــة فــي العالــم؟ ماالــذي يحــدث عندمــا نمــوت؟ كيف‬
‫يســمعونها‪ ،‬والعالم الــذي يختبرونه‪.‬‬ ‫ـرف الطريقــة الصحيحــة فــي العيــش؟‬ ‫أعـ ُ‬
‫يبــدأ األطفــال‪ ،‬فــي حــدود الســنة الرابعــة مــن أعمارهــم‪ ،‬بطــرح‬ ‫ـي واســع‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫بحث‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫عم‬ ‫ـدان‬ ‫ـ‬ ‫مي‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ونظائره‬ ‫ـئلة‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ـل‬‫تم ّثـ َُ‬
‫األســئلة التــي تبــدأ بِـ (لمــاذا؟)‪:‬‬ ‫للبروفســورة «جانــا مــور لــون ‪ »Jana Mohr Lone -‬التــي‬
‫‪ -‬لماذا يكون البشر أشرار ًا لبش ٍر سواهم؟‬ ‫تعمــل مديــرة مركــز «الفلســفة لألطفــال»‪ ،‬وفــي الوقــت ذاتــه‬
‫علي الذهاب إلى المدرسة؟‬ ‫‪ -‬لماذا ينبغي َّ‬ ‫هــي أســتاذة مشــاركة فــي قســم الفلســفة فــي جامعة واشــنطن‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا التتكلّم الكالب؟‬ ‫ألَّفَ ــت «لــون» (أو ســاهمت فــي تأليــف وتحريــر ) الكتــب التاليــة‪- :‬‬
‫ُيبــدي العديــد مــن األطفــال‪ ،‬وهــم في عمــر المدرســة االبتدائية‪،‬‬ ‫الطفل الفلسفي ‪ - The Philosophical Child، 2012‬الفلسفة‬
‫نمطـ ًا مــن االنفتــاح المذهــل لألحجيــات الفلســفية فــي الحيــاة‪،‬‬ ‫والتربية ‪ - Philosophy and Education، 2012‬الفلســفة في‬
‫ـرتهم‪ ،‬ليـاً‪ ،‬وهــم ُيطيلــون‬ ‫وغالبـ ًا مايســتلقون‪ ،‬يقظيــن‪ ،‬فــي أسـ ّ‬ ‫التربيــة ‪.Philosophy in Education، 2016‬‬
‫التفكيــر فــي أســئلة كبــرى علــى شــاكلة‪ :‬لمــاذا يمتلــك العالــم‬ ‫نعرف‬ ‫ُ‬ ‫تــرى البروفســورة «لــون» أ ّننا نحن ‪ -‬البالغيــن ‪ -‬برغم كوننا‬
‫األلــوان التــي نراها فيــه؟ ماطبيعة الزمان؟ هــل األحالم حقيقية؟‬ ‫أن األطفال الصغار يميلون لطرح الكثير من األســئلة‪ ،‬مســكونون‬ ‫ّ‬
‫ـد‪ ،‬أصـاً‪ ،‬فــي العالــم؟‬ ‫لمــاذا نمــوت؟ لمــاذا نوجـ ُ‬ ‫أن هــؤالء األطفــال ليســوا علــى قــدر مــن النضج‬ ‫مفادهــا ّ‬
‫ُ‬ ‫بقناعــة‬
‫ُيبــدي األطفــال نوع ـ ًا مــن الشــغف المدهــش حــول كثيــر مــن‬ ‫تؤهلهــم للتفكُّ ــر الدقيــق فــي‬ ‫والتعقيــد الفكــري بالكيفيــة التــي ّ‬
‫جوانــب العالــم التــي يتعامــل معهــا معظــم البالغيــن‪ ،‬وكأنهــا‬ ‫ف األطفال‪ ،‬في العادة‪،‬‬ ‫ـن ِ‬
‫نص ُ‬ ‫موضوعــات (فلســفية) معقَّدة‪ .‬نحـ ُ‬
‫مســلَّم بهــا‪ ،‬واألطفــال‪ ،‬إذ يفعلــون هــذا‪،‬‬ ‫معطيــات جاهــزة َ‬ ‫وتحركهــم دهشــة خارقــة تمأل‬ ‫ّ‬ ‫بأ ّنهــم ذوو فضــول معرفــي هائــل‪،‬‬
‫يكشــفون عــن قــدرة غريزيــة لمســاءلة العناصــر األكثــر أساسـ ّـيةً‬ ‫ـرض أنهــم اليفهمــون‪ ،‬بطريقــة‬ ‫جوانحهــم؛ لكننــا‪ ،‬مــع هــذا‪ ،‬نفتـ ُ‬
‫أن األطفال مســكونون‬ ‫فــي الحيــاة والمجتمع؛ لكــن برغم إدراكنا ّ‬ ‫ـاد الفلســفية لألســئلة التي الينفكّ ــون يطرحونها‪.‬‬ ‫حقيقيــة‪ ،‬األبعـ َ‬
‫بالدهشــة التــي تدفعهــم لطــرح أســئلة كبــرى‪ ،‬يجــري تجاهــل‪،‬‬ ‫أن العديــد مــن‬ ‫لكننــا لــو فكّ رنــا بطريقــة اســترجاعية لوجدنــا ّ‬
‫المعنــى األعمــق الكامــن وراء تســاؤالتهم‪ ،‬علــى نحــوٍ نظامــي‬ ‫ـأن بواكيــر دهشــتهم الفلســفية إنما بدأت‬ ‫البالغيــن ســيعترفون بـ ّ‬
‫ردات‬ ‫ـن البالغيــن نميــلُ ‪-‬عــادةً‪ -‬إلبــداء ّ‬ ‫مــن ِق َبــل البالغيــن‪ .‬نحـ ُ‬ ‫ـور الحياتــي الــذي‬ ‫ـد الطفولــة لكثيريــن م ّنــا الطـ َ‬ ‫مــع الطفولــة‪ُ .‬تعـ ُّ‬
‫فعــلٍ متباينــة تجــاه األســئلة الكبــرى لألطفــال‪ ،‬أو تعبيراتهــم‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ـق‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫والح‬ ‫ـين‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ومندهش‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ري‬ ‫متفكّ‬ ‫ـه‪،‬‬‫ـ‬ ‫في‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫وقتن‬ ‫ُنمضــي معظــم‬
‫ات الفعــل هــذه مــن‬ ‫رد ُ‬ ‫ـن أفــكار ًا فلســفية‪ ،‬وتتــراوح ّ‬ ‫تتضمـ ُ‬
‫ّ‬ ‫التــي‬ ‫المتمرســين فــي حقــل‬ ‫ّ‬ ‫الولــع الفلســفي‪ ،‬للعديــد مــن الفالســفة‬
‫وجاذبيتهم‬
‫ّ‬ ‫ـال‬
‫ـ‬ ‫األطف‬ ‫ـؤالء‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫لط‬ ‫ـدار‬ ‫ـ‬ ‫مق‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الصريح‬ ‫ـارة‬
‫اإلشـ‬ ‫ـدد‪ ،‬انبثــق مدفوع ـ ًا مــن حماســة مبكّ ــرة للتســاؤل‬ ‫فلســفي محـ ّ‬
‫(تختصرهــا عبــارة «األطفــال هــم أجمــل كينونــة فــي الحيــاة»)‪،‬‬ ‫ـض مــن هــؤالء الفالســفة تجربــة‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫البع‬ ‫ـف‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يص‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الطفول‬ ‫فــي أثنــاء‬
‫ـد إهمــال هــذه األســئلة تحــت ذريعــة‬ ‫ردات الفعــل حـ ّ‬ ‫وقــد تبلــغ ّ‬ ‫ـص فلســفي‪ ،‬والكيفيــة‬ ‫ـف فلســفي أو قــراءة نـ ّ‬ ‫انخراطهــم فــي صـ ّ‬
‫أن البالغيــن‬ ‫ّ‬ ‫هــو‬ ‫الغالــب‬ ‫مايقولــون)‪.‬‬ ‫اليفهمــون‬ ‫(هــم‬ ‫القــول‪:‬‬ ‫التــي أدركــوا بهــا طبيعــة األســئلة الفلســفية المطروحــة فــي تلك‬
‫ـد‬
‫اليتعاملــون مــع تســاؤالت األطفــال وأفكارهــم الفلســفية بالحـ ّ‬ ‫الصفــوف‪ ،‬أو النصــوص والتــي هــي ‪-‬فــي عمومهــا‪ -‬أســئلة أطالــوا‬
‫الجد ّيــة والمعقوليــة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫األدنــى مــن‬ ‫النظــر فيهــا والتفكّ ــر العميــق بشــأنها منــذ أن كانــوا أطفــاالً‪.‬‬
‫بعامــة‪ ،‬مــن القــدرات المخبوءة لــدى األطفال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـون‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫البالغ‬ ‫يق ّلــل‬ ‫تكشــف النقاشــات المســتفيضة التي عقدتها «لون» مع األطفال‬
‫ـإن البالغيــن يقلّلون من شــأن قدرات‬ ‫وإذا ماشــئنا التخصيــص‪ ،‬فـ ّ‬ ‫واآلبــاء فــي المــدارس األميركية‪ ،‬على مدار ســنوات عديــدة‪ ،‬أنها‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪30‬‬
‫شــهر ًة غيــر محمــودة‪ ،‬هــي أنهــا موضوع دراســي تكتنفه مشـقّات‬ ‫ـع الحال هو‬ ‫الخاصــة بالتفكيــر (الفلســفي) العميق‪ .‬واقـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫األطفــال‬
‫ـددة مــن النــاس؛ وألجــل هــذا‪،‬‬ ‫ـر علــى فئــات محـ ّ‬‫هائلــة‪ ،‬ومقتصـ ٌ‬ ‫أن مدركاتنــا‪ ،‬بشــأن األطفــال‪ ،‬محكومــة إلــى َح ّد كبيــر‪ ،‬بمفاهيم‬ ‫ّ‬
‫ـاح للكثيــر مــن البالغين‪،‬فكيــف باألطفــال؟‪.‬‬ ‫صــار غيــر متـ ٍ‬ ‫ـأن األطفــال‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـائد‬
‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫االعتق‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫وبخاص‬
‫ّ‬ ‫قة‪،‬‬ ‫ـب‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ري‬ ‫تطو‬
‫ّ‬
‫بأي‬‫إن كثــر ًة مــن البالغيــن الذيــن لهــم تجربة ســابقة بالفلســفة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬بيولوجي ـ ًا ونفسـ ّـياً‪ -‬مــن كونهــم كائنــات بشــرية غيــر‬ ‫ّ‬ ‫ـورون‬ ‫يتطـ ّ‬
‫تحصلــوا هــذه التجربــة وهــم طلبــةٌ فــي كل ِّّيــة مــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كان‪،‬‬ ‫ـكل‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫قــادرة علــى التفكيــر المســتقلّ وإعالــة نفســها إلــى بالغيــن ذوي‬
‫ويحصــل فــي كثيــر مــن األحيــان أن يتســاءلوا مندهشــين‪ :‬كيــف‬ ‫قــدرة وتمكيــن بيولوجــي وفكــري ومالي‪.‬‬
‫يمكــن للفلســفة أن تكــون موضوع ـ ًا مناســب ًا لألطفــال؟ دراســة‬ ‫النمــو‬
‫ّ‬ ‫يعتمــد األطفــالُ ‪ -‬بالتأكيــد ‪ -‬علــى البالغيــن لغــرض‬ ‫ُ‬
‫واالرتقــاء‪ ،‬ويبــدو األمــر معقــوالً‪ ،‬تمامـاً‪ ،‬إذا ماافتــرض البالغون‬
‫ـررات جامعيــة هــي‬ ‫الفلســفة مــن ِق َبــل طالــب منخــرط فــي مقـ َّ‬
‫جهــد ينطــوي علــى تع ُّلــم الكثيــر بشــأن صياغــة الحجــج الدقيقــة‬ ‫طيبــة لألطفــال‪ ،‬وتطويــر‬ ‫ـؤوليتهم عــن إدامــة حيــاة ّ‬ ‫وجــوب مسـ َّ‬
‫ال عن‬ ‫ـيكيين ومعاصرين‪ ،‬فض ً‬ ‫حــس‬‫ّ‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫لــه‬ ‫ــف‬
‫ُ‬ ‫يؤس‬
‫َ‬ ‫مــا‬ ‫لكــن‬ ‫لديهــم‪،‬‬ ‫القــرار‬ ‫قــدرات ا ّتخــاذ‬
‫التــي صنعتهــا عقول فالســفة كالسـ ِّ‬
‫مهمــة مرتبطــة بالمســاءلة الفلســفية‪.‬‬ ‫المســؤولية هــذا‪ ،‬مــن جانــب البالغيــن نحــو األطفــال‪ ،‬غالبــ ًا‬
‫تطويــر مهــارات ّ‬
‫ـرن بتقييــم واطئ لقــدرات األطفال في التفكير باســتقاللية‪.‬‬ ‫مايقتـ ُ‬
‫حيــوي مــن كوننــا بشــراً؛ إذ غالبــ ًا‬ ‫ّ‬ ‫الدهشــة الفلســفية جــزء‬
‫فــرق‪ ،‬الينبغــي أن يخفــى‪ ،‬بيــن مســاعدة األطفــال علــى‬ ‫ٌ‬ ‫ثمــة‬
‫ّ‬
‫مانتســاءل‪ :‬ماالشــيء الصحيــح الــذي يجــب فعلــه؟ لمــاذا علــى‬
‫صح ّيــة إلــى جانب حمايتهــم من القســوة والعنف‬ ‫ِّ‬ ‫ـرق‬ ‫ـ‬ ‫بط‬ ‫ر‬ ‫ـو‬
‫التط ّ‬
‫ـ‬
‫النــاس أن يموتوا؟ هل هذا الشــخص صديقــي‪ ،‬ح ّقاً؟ عندما نفكّ ُر‬
‫المدربيــن عليهــا‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬والفشــل فــي‬ ‫ّ‬ ‫والمســؤوليات غيــر‬
‫ـارك‬‫ا فلســفياً‪ ،‬ونتشـ ُ‬ ‫ـارس فع ـ ً‬ ‫فــي مثــل هــذه األســئلة فإننــا نمـ ُ‬ ‫تثميــن وجهــات نظرهــم فــي الحيــاة‪ ،‬مــن جهــة أخــرى‪.‬‬
‫ومعظم البالغين‬ ‫ُ‬ ‫ـنوات‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫آالف من‬‫تقليد ًا إنســاني ًا مضى عليه ٌ‬
‫ا ال يفتــرض أن يعنــي معاملتــه‬ ‫أن يكــون الكائــن البشــري طفــ ً‬
‫متمرســين؛‬‫ّ‬ ‫الذين يستكشــفون أســئلة فلســفية ليســوا بفالســفة‬
‫ـن فكــرة كــون األطفال‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫لك‬ ‫ـائدة‪،‬‬‫ـ‬ ‫الس‬ ‫كمفكّ ــر بالمقاييــس العاديــة‬
‫مؤهليــن لخــوض‬ ‫ـن هــذا األمــر اليعنــي‪ ،‬أبــداً‪ ،‬إبطــال كونهــم ّ‬ ‫لكـ ّ‬ ‫قادريــن علــى التفكيــر الدقيــق بشــأن العديــد مــن الموضوعــات‬
‫مســاءالت فلســفية كبــرى‪.‬‬ ‫المجــردة‪ ،‬هــي فكــرة‪ ،‬يجــد العديــد مــن البالغيــن مشــقّة‬ ‫ّ‬
‫فــي مقايســة مماثلــة‪ ،‬يمكن النظر إلى األطفــال بمثل مايفعل‬ ‫ـتعصاء فــي قبولها‪ ،‬وبســبب هــذا األمر‪ ،‬تفــرض فكرة تعامل‬ ‫واسـ‬
‫ً‬
‫إن حقيقــة كــون األطفــال مبتدئيــن فــي حقــل‬ ‫الكبــار؛ إذ ّ‬ ‫المتفردة‪.‬‬ ‫الطبيعة‬ ‫ذات‬ ‫ة‬ ‫الخاص‬ ‫ياتها‬ ‫تحد‬ ‫ـفة‬ ‫ـ‬ ‫الفلس‬ ‫مع‬ ‫األطفال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫الفلســفة اليعني‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬ابتعادهم عن التفكير الفلســفي‬ ‫الفلســفة ليســت بالموضــوع العــادي أو المتــداول علــى نطــاق‬
‫الجادة‪ .‬األطفال الصغار اليســاهمون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والمســاءلة الفلســفية‬ ‫ـدة‬ ‫واســع‪ ،‬بالنســبة إلــى كثيــر مــن النــاس؛ فبخــاف بلــدان عـ ّ‬
‫فــي العــادة‪ ،‬فــي استكشــافات فلســفية عبــر قــراءة النصوص‬ ‫فــي أوربــا وأميــركا الالتينيــة‪ ،‬على ســبيل المثال‪ ،‬تفتقــد الواليات‬
‫الفلســفية أو كتابة األوراق البحثية أو الحصول على شــهادات‬ ‫المتحــدة إلــى تقليــد راســخ فــي تضميــن الفلســفة فــي مناهــج‬
‫جامعيــة‪ ،‬وهــم ‪-‬برغــم ذلــك‪ -‬يســتطيعون أن يتشــاركوا جانب ًا‬ ‫أن الفلســفة مملكــة‬ ‫الدراســة الثانويــة‪ ،‬والــرأي الســائد هنــاك ّ‬
‫بحس الشغف واالكتشاف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من النقاش الفلســفي‪ ،‬مدفوعين‬ ‫متقدمــة‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫جامعي‬ ‫حصريــة للبالغيــن الحائزيــن علــى شــهادات‬
‫فحســب‪ .‬لطفية الدليمي‬ ‫أن للفلســفة‬ ‫إن مــا يدعــو لألســف هــو ّ‬ ‫التخصصيــة‪ّ .‬‬ ‫ُّ‬ ‫فــي المعرفــة‬

‫‪31‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫كتب‬

‫«أن تعودي فلسطني»‬


‫لينا مرواين تستكشف ذاتها‪..‬‬

‫إمكانيــة فلســطين‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ـرة تثــب إليــه‬
‫ذهنــي فــي كلّ مـ ّ‬ ‫«إن مصيــر الفلســطينين‪ ،‬بطريقــة مــا‪ ،‬هــو أن ينتهي‬
‫ـي‪،‬‬‫لطالمــا كان كلّ مــا هــو فلســطيني‪ ،‬بالنســبة إلـ َّ‬ ‫بهــم المطــاف؛ ال حيــث بــدأوا‪ ،‬بــل فــي مــكان مــا‬
‫قصــة‬ ‫ـرد همهمــة يســمع صوتهــا فــي الخلفيــة‪ّ ،‬‬ ‫مجـ َّ‬ ‫غيــر متوقَّع‪ ،‬وبعيــد»‪ ..‬عبارة «إدوارد ســعيد» هذه‪،‬‬
‫نلجــأ إليهــا لننقــذ أصلنــا المشــترك مــن االندثــار‪...‬‬ ‫اختارتها الكاتبة التشــيلية من أصل فلســطيني‪ ،‬لينا‬
‫هــي عــودة مســتعارة‪ ،‬أي أن أعــود بــدل اآلخريــن‪،‬‬ ‫مروانــي‪ ،‬افتتاحيــة لكتابهــا «أن تعــودي فلســطين»‪،‬‬
‫جــدي‪ ،‬بــدل والــدي‪ .‬لكــن والــدي ال يريــد‬ ‫ّ‬ ‫بــدل‬ ‫مجســدة‪ ،‬بشــكل أو بآخــر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫حيــث تبــدو العبــارة‬
‫لقدميــه أن تدوســا تلــك األرض المحتلّــة»‪ .‬وهــي‬ ‫لحيــاة الكاتبــة‪ ،‬وواقــع ارتحــال أجدادها إلى تشــيلي‬
‫تختــار زمــن العــودة بعــد وقــوع أحــداث الحــادي‬ ‫ـد عيســى المروانــي الــذي‬ ‫منــذ عــام (‪ .)1920‬فالجـ ّ‬
‫عشــر مــن ســبتمبر (‪ ،)2001‬ومــا تالهــا مــن ســوء‬ ‫يؤرقــه حلــم‬
‫ِّ‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـد‪،‬‬
‫ـ‬ ‫البعي‬ ‫ـد بســام‪ ،‬فــي مغتربــه‬ ‫ر َقـ َ‬
‫فهــم لشــخصية العربــي‪ ،‬والفلســطيني (تحديــداً)‪،‬‬ ‫العــودة‪ ،‬وال اســمه الــذي أصبح ســلفادور‪ -‬عيســى‪،‬‬
‫وربطهمــا باإلرهــاب‪.‬‬ ‫مورثــ ًا جيناتــه لحفيدتــه التــي‬ ‫باإلســبانية‪ ،‬رحــل ِّ‬
‫ـص‪،‬‬ ‫قبــل ســفر الكاتبــة‪ ،‬تحضــر فلســطين فــي النـ ّ‬ ‫انشــغل تفكيرهــا بتلك األرض البعيدة «فلســطين»‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ماض‬ ‫ـددة لها‪ ،‬ونتف من‬ ‫كأرض أجــداد ال صــورة محـ َّ‬ ‫وصــار حلــم الزيــارة يطاردهــا‪ ،‬بإلحــاح‪ ،‬كــي تمضــي‬
‫عريــق جمعتهــا مــن هنــا وهنــاك‪ ،‬خيــاالت حكايــات‬ ‫خلفــه‪.‬‬
‫والعمات‪ ،‬تفاصيل تجمعها عبر اإلنترنت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مــن األب‬ ‫ـرك تاريخ مضــى‪ ،‬وذاكرة‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫في‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الكاتب‬ ‫ـع‬
‫ـ‬ ‫تق‬ ‫هكــذا‪،‬‬
‫ـجعها على القيام بالزيارة‬ ‫ومراســات مع صديق يشـ ّ‬ ‫مليئــة بالثقــوب‪ ،‬تجعلهــا غيــر قــادرة علــى تجــاوز‬
‫ـتحق اكتشــافها‬‫واكتشــاف أرض أجدادهــا التــي يسـ ّ‬ ‫هويتهــا األعمــق‪ ،‬فااللتصــاق بــاألرض مثلــه مثــل‬ ‫َّ‬
‫عبــور نصــف الكــرة األرضيــة للوصــول إليهــا‪ ،‬لكــن‬ ‫االغتــراب عنهــا‪َ ،‬و ْشــم أبــدي ال ســبيل للفــكاك منه‪،‬‬
‫األمــر لــن يكــون بمثــل هــذه الســهولة‪ ،‬حيــن يتع َّلــق‬ ‫أحدهمــا واقعــي متح ِّقــق‪ ،‬واآلخر ينغز فــي الذاكرة‪.‬‬
‫وبهويــة تلتبــس مــع اللّغــة‪ ،‬مــع ضيــاع‬ ‫ّ‬ ‫بالجــذور‪،‬‬ ‫ـص مــن منطقــة غيــر مألوفــة فــي‬ ‫لــذا‪ ،‬يأتــي هــذا النـ ّ‬
‫العربيــة‪ ،‬وحلــول اإلســبانية مكانهــا‪ ،‬إنهــا اللّغــة «‬ ‫والهويــة والحنيــن‪ ،‬ينتمــي إلى‬
‫ّ‬ ‫ـاء‬
‫الكتابــة عــن االنتمـ‬
‫اإلســبانية»‪ ،‬لغة تشيلي‪ ،‬حيث األرض التي أصبحت‬ ‫حقــل الســيرة الذاتيــة‪ ،‬لكــن يمكــن اعتبــاره‪ ،‬أيضــا‪،‬‬
‫وطنــ ًا بديالً‪.‬‬ ‫نصـ ًا تســجيلي ًا لرحلــة الزيــارة إلــى فلســطين وبلدان‬ ‫ّ‬
‫نكتشــف‪ ،‬في هــذا الكتاب‪ ،‬أجزاء أخــرى من التاريخ‬ ‫المحرضة‪ ،‬واإلشــارات‬ ‫ِّ‬ ‫ـباب‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫حل‬ ‫منذ‬ ‫ـرى‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫أخ‬
‫الفلســطيني غيــر معروفــة‪ ،‬مثــل وجــود أكبــر جالية‬ ‫القدريــة الداعمــة لتنفيــذ هــذا القــرار‪ .‬تقــول‬
‫للفلســطينيين فــي «تشــيلي»‪ ،‬فهــذا البلــد الالتينــي‬ ‫(مروانــي)‪« :‬أن أعــود؛ هــذا هــو الفعــل الــذي يداهــم‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪32‬‬
‫كلّ شــيء‪ ،‬فهناك طبقات أخرى من الواقع‪ ،‬كثيفة‪ ،‬ومحتشــدة‪،‬‬ ‫ـم أعــداد ًا كبيــرة مــن أهــل الشــام الذيــن ارتحلــوا‬ ‫الصغيــر يضـ ّ‬
‫وال يمكن تجاهلها‪ ،‬تطرح رؤية حقيقية‪ ،‬أيضاً‪ ،‬عن الفلســطينين‬ ‫ـدد‬ ‫إليــه مــن ّأيــام الحكــم العثمانــي‪ ،‬حيــن كان (ســفر برلــك) يهـ ِّ‬
‫فــي الداخل‪.‬‬ ‫أراض بعيدة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـرون نحــو‬
‫الرجــال بالذهــاب بــا عــودة؛ لذا كانوا يفـ ّ‬
‫العاديــة‬
‫ّ‬ ‫ـاة‬‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـيء‬‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ـي)‬ ‫ـ‬ ‫(مروان‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫تنقله‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫الواق‬ ‫حكايــات‬ ‫كمــا تطــرح مؤلّفــة الكتــاب‪ ،‬مــن خــال تدويــن تفاصيــل ارتحالها‬
‫ـرات وأحــزان‪ ،‬وفيها أجــزاء محفوفة بالظلــم‪ ،‬وبالخوف‪،‬‬ ‫مــن مسـ ّ‬ ‫والهويــة‪ ،‬والســؤال األبــدي عــن‬‫ّ‬ ‫بيــن عــدة بلــدان‪ ،‬فكــرة الجــذور‬
‫الهويــة واللّغــة‪ ،‬والعالقــة بينهمــا‪ ،‬فــي‬ ‫ّ‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫تحض‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫كم‬ ‫ـاس‪.‬‬ ‫وبااللتبـ‬ ‫معنــى الوطــن‪ ،‬واالنتمــاء‪ ،‬متســائلةً ‪ :‬ما هو الوطــن‪ ،‬إن لم نعرف‬
‫كلّ فصــل مــن الكتــاب‪ ،‬إلى جانب اعتماد الكاتبــة على معلومات‬ ‫لغتــه وشــوارعه وعــادات أهلــه‪ ،‬وإن لــم نكــن جــزء ًا منــه ومــن‬
‫تاريخيــة وجغرافيــة وسياســية تــرد ضمــن فص َلــي الكتــاب؛ َّ‬
‫األول‬ ‫وجــود مشــرق ومعتــم‪ ،‬فــي آن واحــد‪ ،‬ألرض محكومــة بالصــراع‬
‫بـ«لوعــة األشــياء»‪ ،‬والثانــي بـ«وجــوه فــي وجهــي»‪ .‬وفــي هــذا‬ ‫بين شــعبين؟‪.‬‬
‫األخيــر‪ ،‬ضمنــت الكاتبــة ارتحاالتهــا إلــى بلــدان أخــرى؛ ألمانيــا‪،‬‬ ‫وإذا كانــت الكاتبــة تحــاول العــودة إلــى قريتهــا «بيت جــاال» بحث ًا‬
‫الواليــات الم َّتحــدة‪ ،‬مصــر‪ ،‬ودائمـ ًا فــي ســياق ســردي تبــرز فيــه‬ ‫ـجل‪ ،‬في مقابل ذلك‪ ،‬سلســلة‬ ‫عمــا تب ّقــى مــن الذاكــرة‪ ،‬فإنها تسـ ِّ‬ ‫ّ‬
‫الهويــة فــي بلــدان المهجــر‪ ،‬ســواء‬ ‫ّ‬ ‫مقاربــة الكاتبــة لموضــوع‬ ‫مــن المالحــم والخســارات‪ ،‬متم ّثلــةً فــي اختفــاء تواريــخ ومــدن‬
‫بالنســبة إلــى العــرب الوافديــن‪ ،‬أو إلــى جنســيات أخــرى‪.‬‬ ‫وأماكــن وحكايــات‪ ،‬اندثــر شــطر منها‪.‬‬
‫ـص‪ ،‬حضــور ًا ألشــخاص عابريــن‪،‬‬ ‫يجــد القــارئ‪ ،‬علــى مــدار النـ ّ‬ ‫الهويــة فــي‬
‫ّ‬ ‫عبــر عــن‬
‫النــص‪ ،‬تفاصيــل صغيــرة ُت ِّ‬ ‫ّ‬ ‫تحضــر‪ ،‬فــي‬
‫عبــر الكاتبــة‪ ،‬مــن خاللهــم‪ ،‬عــن الفكــرة‬ ‫حيــز ًا ّ‬
‫مهمـاً‪ُ ،‬ت ِّ‬ ‫يشــكِّ لون ِّ‬ ‫العمــات توصــي الكاتبــة بأن‬ ‫ّ‬ ‫ـدى‬ ‫ـ‬ ‫إح‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فه‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المفرط‬ ‫تلقائيتهــا‬
‫َّ‬
‫العمــة مريــم والعالقــة الجينيــة والمعنويــة‬ ‫ّ‬ ‫إيصالهــا‪:‬‬ ‫المــراد‬ ‫تحضــر لهــا‪ ،‬مــن فلســطين‪« ،‬اللــوز األخضــر»‪ ،‬هــذه الثمــرة التي‬
‫معهــا‪ ،‬وآالن اليهــودي األميركــي الــذي يعتــرف بأنــه تب ّنــى األفكار‬ ‫حضــرت فــي قصيــدة محمود درويــش‪ ،‬وهو يحكي عن فلســطين‬
‫الصهيونيــة حتــى عودتــه إلــى «إســرائيل»‪ ،‬ثــم تخ ّلــى عنهــا بعــد‬ ‫البعيــدة‪« :‬كزهــر اللــوز أو أبعــد»‪ ،‬وتحضــر‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬فــي ترنيمــة‬
‫رؤيتــه مــا يحــدث علــى أرض الواقــع‪..‬‬ ‫فلســطينية شــهيرة‪ ،‬مــا يــزال الشــباب الفلســطيني يحفظهــا أبـ ًا‬
‫«أن تعــودي فلســطين»‪ ،‬كتــاب ترجمــه‪ ،‬عــن اإلســبانية الكاتــب‬ ‫ـد‪ ،‬وتقــول‪« :‬واللــه الزرعــك بالــدار يا عــود اللــوز األخضر‪،‬‬ ‫عــن َجـ ّ‬
‫والمترجــم الفلســطيني شــادي روحانــا‪.‬‬ ‫ـور فيهــا وتكبــر»‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ن‬‫ت‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫بدم‬ ‫ـاألرض‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫وأروي‬
‫ْ ِّ‬ ‫ّ‬
‫والجديــر بالذكــر أن لينــا مروانــي هــي كاتبــة وباحثــة تشــيلية‪ ،‬من‬ ‫فثمــة صــور‬ ‫ـص ليؤكِّ ــد صــور فلســطين ووجوههــا‪ّ ،‬‬ ‫يأتــي هــذا النـ ّ‬
‫ـدرس ال ّثقافــة األميركية الالتينيــة والكتابة‬ ‫مواليــد عــام (‪ُ ،)1970‬تـ ّ‬ ‫بيارات البرتقال‬ ‫واحد‬ ‫آن‬ ‫في‬ ‫ـودة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ومنش‬ ‫مفقودة‪،‬‬ ‫النهائية ألرض‬
‫ّ‬
‫االبداعيــة فــي جامعــة نيويــورك‪ ،‬صــدر لهــا‪ ،‬مــن قبــل‪ ،‬روايــة‬ ‫فــي يافــا‪ ،‬وشــاطئ حيفا‪ ،‬وســاحات القدس العتيقة‪ ،‬واألســواق‪،‬‬
‫«عيــون مدممــة»‪ ،‬باإلســبانية وباإلنجليزيــة‪ ،‬وهــي تعيــش فــي‬ ‫والخليــل‪ ،‬والض ّفــة الغربيــة‪ ..‬أماكــن واقعية موجــودة في ذاكرة‬
‫لنــا عبــد الرحمــن‬ ‫نيويــورك‪ ،‬وتعمــل فيهــا‪.‬‬ ‫ـن رحلــوا‪ ،‬وأينمــا ح ّلــوا فــي بلــدان اغترابهــم… لكــن هــذا ليــس‬ ‫َمـ ْ‬
‫‪33‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫قراءات‬

‫دون كيخوطي دي المنتشا‬


‫ّ‬
‫تشظي الحقيقة‬ ‫أو‬
‫تفتحـ ُـه روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا» للتأويــل‪ ،‬كــا لــو أ ّنــه متاهــةٌ ال حـ ّـد ألغوارهــا‪ .‬وهــي‬ ‫ُ‬ ‫يبــدو األفــق‪ ،‬الــذي‬
‫تؤمنهــا الكتابــةُ مبــا ت ََه ُبـ ُـه مــن إمكانــات للتأويــل‬‫ـدوم يف الكتابــة وبهــا‪ ،‬أي الدميومــة التــي ِّ‬‫ُعمومـ ًا صفــةُ مــا َيبقــى ويـ ُ‬
‫ا‪،‬‬‫ملديــم للمعنــى‪ ،‬ال تنتهــي؛ منهــا‪ ،‬متثيـ ً‬ ‫ملرشَعــة باســتمرار عــى التأويــلِ ا ُ‬ ‫والتمديــد‪ .‬فــأرايض هــذه الروايــة‪ ،‬ا ُ‬
‫ـظي الحقيقة‪ ،‬وأرض اخرتاق‬ ‫انترصت لها هذه الرواية‪ ،‬وأرض الكتابة فوق الكتابة‪ ،‬وأرض تشـ ّ‬ ‫َ‬ ‫رية التي‬ ‫الح ّ‬
‫أرض ُ‬
‫يتصدى لفَســادِ‬
‫َّ‬ ‫ـر ذاتــه‪ ،‬وأرض الخيــال وهو‬ ‫القــراءة لجــدار كلِّ َمنــع‪ ،‬وأرض «الظاهــر» الــذي ال َيظهــر ّ‬
‫إل ليكــون غـ ْ َ‬
‫ـم تبــدو دومـ ًا يف َطــور االندحــار‪.‬‬
‫قيـ ٍ‬
‫ـم باســتنبات َ‬
‫الحلـ ِ‬
‫ـم عـ ْـر ُ‬ ‫العا َلـ ِ‬
‫َ‬
‫خالد بلقاسم‬

‫أن كثافــة الخيــال البانــي لها جعلَهــا‪ ،‬على نحو‬ ‫تخيلــة‪ ،‬كمــا لــو ّ‬ ‫ُم ّ‬ ‫ـخصية دون كيخوطــي دي المنتشــا‪ ،‬في عمل ســرفانتس‬ ‫ّ‬ ‫تبــدو شـ‬
‫ـخصية‬ ‫أن كلّ شـ‬ ‫صحيح ّ‬ ‫ـي‪.‬‬ ‫ً‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫بوجودهــا الفعلـ ّ‬ ‫ـر إقناعـا ُ‬ ‫ُمفــارق‪ ،‬أكثـ َ‬ ‫ـخصية ذاتهــا‪ ،‬كمــا لــو أ ّنهــا‬ ‫ّ‬ ‫باســم هــذه الشـ‬ ‫ـي الموســوم ْ‬ ‫الروائـ ّ‬
‫ـف فيما‬ ‫ضاعـ ٌ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫َ ُ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫أن‬‫ّ‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـل‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫تخي‬
‫ُ َّ‬ ‫م‬ ‫ـنٍ‬ ‫ـ‬ ‫كائ‬ ‫ـوى‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـت‬ ‫ليسـ‬ ‫روائيــة َ‬ ‫ّ‬ ‫الكتابي‬
‫ِّ‬ ‫بالخيال‬ ‫ـدء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الب‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫‪،‬‬ ‫ومصوغةٌ‬ ‫ـب‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫الكُ‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫أص‬ ‫خارجــةٌ‬
‫ـدر عــن هذه‬ ‫ـخصية دون كيخوطــي‪ .‬فالفعــلُ الــذي َيصـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـص‬‫ّ‬ ‫يخـ‬ ‫الروائي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـؤد َي‪ ،‬في هذا العمــل‬ ‫ـي كي تـ ّ‬ ‫ـد فــي الخيــال القرائـ ّ‬ ‫الممتـ ّ‬ ‫ُ‬
‫المصــوغُ بالقراءة‪َ .‬عن ِفعــل القراءة‬ ‫َ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ُه‬ ‫ل‬ ‫خيا‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬
‫ّ َ ِّ ُ‬‫ج‬ ‫يو‬ ‫ة‬ ‫ـخصي‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫نســب ًا مكينـ ًا‬ ‫ّ َ‬ ‫ة‬ ‫ـخصي‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫له‬ ‫إن‬ ‫ّ‬ ‫ـاة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫بالحي‬ ‫ـض‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ينب‬ ‫ً»‬ ‫ا‬ ‫ـ‬ ‫«واقعي‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫دور‬
‫ـداث معناهــا فــي رواية‬ ‫ـع واألحـ ُ‬ ‫تحصــل منهــا‪ ،‬تأخــذُ الوقائـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫وعمــا‬ ‫ّ‬ ‫ـم‬ ‫ـت‪ ،‬وإليــه احتكـ َ‬ ‫نمـ ْ‬ ‫لت‪ ،‬وبــه َ‬ ‫إلــى خيــال القــراءة؛ منــه تشــكّ ْ‬
‫تخيلة‪ ،‬كما‬ ‫ُ َّ‬ ‫م‬ ‫كيخوطي‬ ‫دون‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫شخصي‬
‫ّ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ليس‬ ‫وبذلك‪،‬‬ ‫ـرفانتس‪.‬‬ ‫سـ‬ ‫ـون دون كيخوطــي ال‬ ‫ـر هــو كـ ْ‬ ‫ـح هــذا األمـ َ‬ ‫يوضـ ُ‬ ‫مصيرهــا‪ .‬لعــلّ مــا ِّ‬ ‫ُ‬
‫روائيــة‪ ،‬وحســب‪ ،‬بــل إ ّنهــا تحيــا‪ ،‬فضـ ً‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ـخصية‬
‫ّ‬ ‫هــي حــال كلّ شـ‬ ‫ال بهــذا‬ ‫ـرى إ ّ‬ ‫ـم فــي أفعالــه ومواقفــه ّإل إلــى مقروئــه‪ ،‬وال يـ َ‬ ‫يحتكـ ُ‬
‫ـدر‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫كلّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫إلي‬ ‫ـم‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫وتحتك‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫القرائ‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫بالخي‬ ‫عــن ذلــك‪،‬‬ ‫ـه ناجمــةٌ‬ ‫ـه ومواقفـ ُ‬ ‫ـر ُف ّإل فــي َضوئــه‪ .‬فأفعالـ ُ‬ ‫المقــروء‪ ،‬وال يتصـ َّ‬
‫ظت‬ ‫لعا َلــم الكُ تــب‪ .‬رغم ذلك ك ّلــه‪ ،‬احتفَ ْ‬ ‫بوصفهــا تجســيد ًا َ‬ ‫عنهــا َ‬ ‫قبــل انطــاق‬ ‫ـه مشــدود ًا فــي األصــل‪ ،‬أي ْ‬ ‫عــن القــراءة‪ ،‬بمــا يجعلـ ُ‬
‫بنبضها‬ ‫ْ‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بنائه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫إبداعي‬
‫ّ‬ ‫ـب‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫خصي‬ ‫ـر‬‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ـخصي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫هــذه‬ ‫باســمه‪ ،‬إلــى عالم الكُ ُتب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ـم‬‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تس‬ ‫التي‬ ‫ُحضــوره فــي نماء الرواية‬
‫حيــة‪ ،‬علــى نحــو مــا‬ ‫ـخصيةً ّ‬ ‫ّ‬ ‫تخيلهــا شـ‬ ‫ـد ُّ‬ ‫ـغ بالقــارئ حـ َّ‬ ‫الــذي يبلـ ُ‬ ‫ح ّتــى لقــد اعتقــد القســيس بيــرو بيــرث والحــاق نيكــوالس وابنــة‬
‫ـتفاد مــن‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـلّ‬ ‫ـ‬ ‫لع‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ـو‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫بق‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫الذاك‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫ـوخ‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـده ُر‬
‫جسـ ُ‬ ‫ُي ِّ‬ ‫«جنــون» دون كيخوطــي‪،‬‬ ‫أن ُ‬ ‫أخــت دون كيخوطــي والخادمــة ّ‬
‫حياً‪.‬‬ ‫بوصفه كائن ًا ّ‬ ‫تصو ُر َ‬ ‫إن دون كيخوطي يكاد «ال ُي َّ‬ ‫قــول كونديــرا ّ‬ ‫ـود أساسـ ًا إلــى الك ُتــب التــي‬ ‫ـه ُمختلــف ُمغامراتــه‪ ،‬يعـ ُ‬ ‫وجـ َ‬ ‫الــذي ّ‬
‫ـخصيات‪ ،‬فــي ذاكرتنــا‪ ،‬أكثــر حيــا ًة منــه؟»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـأي‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ـوغ اشــتراك هؤالء الشــخوص‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫طبع‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫عقل‬ ‫ـدت‬ ‫أفسـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـخصية مــن عا َلــم الك ُتــب وتشــكُّ َل حكمتهــا‬ ‫ّ‬ ‫ـدوم هــذه الشـ‬ ‫إن قـ َ‬ ‫ّ‬ ‫أجهــزوا بهــا علــى ك ُتــب الفروسـ ّـية التــي منهــا‬ ‫فــي المحرقــة التــي َ‬
‫دالن فــي روايــة‬ ‫أو جنونِهــا مــن داخــل خيــال القــراءة أمــران ّ‬ ‫إقبار ُهــم‪ ،‬فــي مشــهد‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ـو‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أيض‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـرج دون كيخوطــي‪.‬‬ ‫خـ َ‬
‫بالممكــن‬ ‫ُ‬ ‫األلمعــي دون كيخوطــي دي المنتشــا»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫«النبيــل‬ ‫دالٍّ َبعــد المحرقــة‪ ،‬مــا تب ّقــى مــن ك ُتبــه بواســطة الجــدار الــذي‬
‫ـخصي ُة دون كيخوطــي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫كان‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وعوالم‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫واحتماالت‬ ‫ـي‬
‫القرائـ ِّ‬ ‫ـدي إليهــا دون كيخوطــي‪.‬‬ ‫ـا يهتـ َ‬ ‫ـكان بــاب ُغرفــة الكُ تــب لئـ ّ‬ ‫ـوه مـ َ‬ ‫ب َنـ ُ‬
‫ماهية كلّ مــا ُيرى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ث قلبـ ًا فــي‬ ‫ِ‬
‫ُت ْبــدلُ الرؤيــةَ إلــى األشــياء‪ ،‬و ُتحــد ُ‬ ‫ـع خيــالَ‬ ‫ويمنـ َ‬
‫ـه الكُ ُتــب ْ‬ ‫ـر الــذي ُتحدثـ ُ‬ ‫ـع التأثيـ َ‬ ‫يمنـ َ‬ ‫ـي كــي ْ‬
‫ّ‬ ‫ـدار ُبنـ َ‬ ‫جـ ٌ‬
‫ـد االلتبـ ِ‬ ‫العا َلــم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ـاس‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـغَ‬‫ـ‬ ‫بل‬ ‫ـي‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫والواقع‬ ‫تداخــل دالٍّ بيــن الخيالـ ِّ‬
‫ـي‬ ‫ُ‬ ‫ضمــن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الرؤي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـري‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫أن‬
‫ْ َ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـراءة‬ ‫القـ‬
‫ـوض الذي‬ ‫بوصفــه حقيقــةَ كلّ شــيء‪ .‬إ ّنه الغمـ ُ‬ ‫للغمــوض َ‬ ‫البانــي ُ‬ ‫ـخصية دون كيخوطــي‪ ،‬القادمــة مــن‬ ‫ّ‬ ‫ـزت شـ‬ ‫تميـ َ‬
‫ومــع ذلــك ك ّلــه‪َّ ،‬‬
‫ـن الرواية‬ ‫ـد الرهانــات الكبــرى فــي هــذه الروايــة‪ ،‬وفي فـ ّ‬ ‫شــكّ ل أحـ َ‬ ‫ـعب‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫بتش‬ ‫الخيال‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫عدي‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫زواي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـبة‬ ‫ـ‬ ‫نتس‬ ‫عا َلــم الكُ ُتــب ُ‬
‫والم‬
‫ثم‪،‬‬ ‫الفن‪ .‬ومــن َّ‬ ‫ّ‬ ‫ـور كونديــرا لهــذا‬ ‫ـام‪ ،‬حســب تصـ ُّ‬ ‫بوجــه عـ ّ‬ ‫َبعدهــا َ‬ ‫ديناميــةً‬ ‫ّ‬ ‫ّــر لهــا‬
‫ممــا وف َ‬ ‫عمــل ســرفانتس‪ّ ،‬‬ ‫ــوي كبيــر داخــل َ‬ ‫حي ٍّ‬ ‫َ‬
‫ـرر إلى‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ـ‬ ‫تك‬ ‫الم‬ ‫كيخوطي‬ ‫دون‬ ‫ـروج‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـوازاة‬ ‫ـ‬ ‫بم‬
‫ُ‬ ‫ـث‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحدي‬ ‫ـن‬
‫يمكـ ُ‬ ‫ـخصي ُة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ـد‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫إذ‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫واقعي‬
‫ّ‬ ‫ـون‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يك‬ ‫ـكاد‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ً»‬‫ا‬ ‫ـود‬ ‫ـ‬ ‫و«وج‬ ‫الفتــةً‬
‫تأمــل فــي بعــض الدراســات‪ ،‬عــن‬ ‫موضــوع ّ‬ ‫َ‬ ‫العالَــم الــذي كان‬ ‫َ‬ ‫ـد احتمــالَ كونهــا‬ ‫ـكاد ُتبعـ ُ‬ ‫فــي ســيرور ِة نمائهــا نابضــةً بحيــاة تـ ُ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪34‬‬
‫موقــع فكــر الروايــة‪ .‬ذلــك‪ ،‬مثــاً‪ ،‬مــا‬ ‫ِ‬ ‫الروائــي للفكــر‪ ،‬أي ِمــن‬ ‫ّ‬ ‫ـت فيــه القــراء ُة ِف ْعلَها‬ ‫ُخروجــه هــو ذاتــه مــن الك ُتــب َبعــد أن فع َلـ ْ‬
‫مؤســس‬ ‫ِّ‬ ‫«إن‬
‫أضــاءه كونديــرا الــذي يقــول بتكثيــف شــديد‪ّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ـد ُد‬ ‫العالــم‪ ،‬يتحـ ّ‬ ‫َ‬ ‫ـحري‪ .‬مــن مجهــول الكُ تــب إلــى مجهــول َ‬ ‫ّ‬ ‫السـ‬‫ّ‬
‫ـي‪ ،‬ليــس ديــكارت وحســب‪ ،‬بــل‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـبة‬ ‫ـ‬ ‫بالنس‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحديث‬ ‫ـة‬ ‫األزمنـ‬ ‫المغامــرة علــى ُحــدود الخطــر عنــد دون كيخوطــي‪ ،‬دون‬ ‫ُ ُ‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫مس‬
‫ـح كونديــرا إلــى‬ ‫المك َّثــف‪ُ ،‬يلمـ ُ‬ ‫أيضـ ًا ســرفانتس»‪ .‬بهــذا االســتنتاج ُ‬ ‫وإن‬‫قصدهــا‪ ،‬حتى ْ‬ ‫َ‬ ‫الوجهــة التي‬ ‫ْ‬ ‫ـدر الخــروج عــن‬ ‫ـل مصـ ُ‬ ‫أن ينفصـ َ‬
‫ـب كونديــرا‪ ،‬فــي‬ ‫ـن الروايــة‪ ،‬إذ ذهـ َ‬ ‫عبــر فـ ّ‬ ‫ـه ســرفانتس ْ‬ ‫أسسـ ُ‬ ‫مــا ّ‬ ‫ـل‬ ‫أن يفصـ َ‬ ‫ـكان بــاب ُغرفــة الك ُتــب‪ْ ،‬‬ ‫ـد بالجــدار‪ ،‬الــذي حــلَّ مـ َ‬ ‫أُريـ َ‬
‫ســياق هــذا االســتنتاج الــذي ُيــوازي بيــن الروايــة والفكــر‪ ،‬إلــى‬ ‫قبــل‬ ‫ـخصيته ْ‬ ‫ّ‬ ‫الرحــم التــي فيهــا تشــكَّ لت شـ‬ ‫دون كيخوطــي عــن ّ‬
‫ـه روايــة «دون كيخوطــي دي‬ ‫أس َسـ ُ‬ ‫ـت ُ‬ ‫أرسـ ْ‬ ‫ـن الروايــة‪ ،‬الــذي َ‬ ‫أن فـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ـم الك ُتــب بداخله‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫عال‬ ‫يحملُ‬ ‫ـلّ‬ ‫ـ‬ ‫ظ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫العا َلــم‪،‬‬ ‫الخــروج إلــى َ‬
‫ـج فــي القــرون األربعــة التاليــة علــى ظهــور هــذه‬ ‫المنتشــا»‪ ،‬عالـ َ‬ ‫آخــر بــدا غريبـ ًا لــدون كيخوطــي مثلمــا بــدا فيــه‬ ‫واجهــة عا َلــم َ‬ ‫لم َ‬ ‫ُ‬
‫الروايــة التأسيسـ ّـية كلَّ الموضوعــات التــي حلّلهــا هايدغــر فــي‬ ‫ـوة القراءة فــي اختراق‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫على‬ ‫دليلٌ‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ً‪.‬‬ ‫ا‬ ‫غريب‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أيض‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫نفس‬‫ُ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬
‫ـض‬ ‫ـن نهـ َ‬ ‫أســس ســرفانتس لفـ ّ‬ ‫كتابــه «الوجــود والزمــان»‪ .‬فقــد ّ‬ ‫ـع تدفّق‬ ‫نبعهــا‪ ،‬وم ْنـ َ‬ ‫ـف ْ‬ ‫أرضهــا‪ ،‬وتجفيـ َ‬ ‫ـد ع ْزلَهــا عــن ْ‬ ‫أي جــدار ُيريـ ُ‬ ‫ِّ‬
‫ـي‪ ،‬وهو االستكشــاف الــذي لم يلتفت‬ ‫المنسـ ّ‬ ‫الوجــود َ‬ ‫باستكشــاف ُ‬ ‫ـخصية دون‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫إذ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـر‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫يتع‬ ‫ـي‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫تأت‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫من‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫الم‬
‫إليه‪ ،‬حســب كونديرا‪ ،‬ال هوســرل وال هايدغر في نقدهما لألزمنة‬ ‫روجيــن؛ ُخــروج مــن عالــم الكُ ُتــب التــي ظــلّ دون‬ ‫ْ‬ ‫بخ‬‫كيخوطــي ُ‬
‫ـيان الوجــود‪ .‬وبذلك‪ ،‬كان‬ ‫كر َســت فــي نظرهما نسـ َ‬ ‫الحديثــة التــي ّ‬ ‫العا َلــم الــذي‬ ‫َ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـروج‬ ‫ـ‬ ‫وخ‬ ‫ـده‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫جس‬
‫ُ ِّ‬ ‫وي‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫َه‬ ‫ل‬ ‫خيا‬ ‫ـلُ‬ ‫ـ‬ ‫يحم‬ ‫كيخوطــي‬
‫ـوم علــى اإلنصــات لفكــر‬ ‫ـي يقـ ُ‬ ‫ـد ُد علــى َمســلك قرائـ ٍّ‬ ‫كونديــرا ُيشـ ّ‬ ‫ـف‪ ،‬فــي روايــة ســرفانتس‪ ،‬عــن أن يظــلّ ُمتماســك ًا أو خاضعـ ًا‬ ‫كـ ّ‬
‫ـي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫التأسيس‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫العم‬ ‫ـذا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ته‬ ‫أنتج‬
‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫وللمعرف‬ ‫الروايــة‪،‬‬ ‫ـه كلَّ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬‫غموض‬‫ُ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ـطّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫أن‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫وب‬‫َ‬ ‫ى‪،‬‬ ‫ـظّ‬ ‫ـ‬ ‫تش‬ ‫أن‬‫ْ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫واح‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫لحقيق‬
‫َــه «إرث ســرفانتس‬ ‫تســاءلَ كونديــرا‪ ،‬فــي الفصــل الــذي َعنون ُ‬ ‫ـة بنــاء‬ ‫جســدها طريقـ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫وي‬
‫ّ‬ ‫الحي‬
‫َ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫تو َّهــم‪.‬‬ ‫ُوضــوح ُم َ‬
‫ـد‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫تري‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫«م‬ ‫ً‪:‬‬‫ا‬ ‫ـن الروايــة»‪ ،‬قائ ـ‬ ‫المذمــوم» ضمــن كتابــه «فـ ّ‬ ‫ـدها‪ ،‬مــن‬ ‫ـ‬‫جس‬
‫ُ ّ ُ‬ ‫وي‬ ‫ـرفانتس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫عم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬ ‫دون‬ ‫ـخصية‬‫ّ‬ ‫شـ‬
‫روايــة ســرفانتس الكبيــرة قولــه؟»‪ .‬وفــي اســتجالئه لقضايــا هــذا‬ ‫ـوة‬ ‫ـخصية فــي تحديــد قـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـري لهــذه الشـ‬ ‫ـد الفكـ ّ‬ ‫البعـ ُ‬ ‫جهــة أخــرى‪ُ ،‬‬
‫ــز‪ ،‬فــي البحــوث‬ ‫مي َ‬‫قبلــه‪ّ ،‬‬ ‫شــغل دارســين كثــر ْ‬ ‫َ‬ ‫الســؤال الــذي‬ ‫ـي‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الروائ‬ ‫هــذا العمــل‬
‫ّ‬
‫أن هــذه‬ ‫األول َيــرى ّ‬ ‫جوابيــن؛ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ـارت هــذا الموضــوع‪ ،‬بيــن‬ ‫التــي أثـ َ‬ ‫عمــل ســرفانتس‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بعــض الدراســات التــي تناولَــت‬ ‫ُ‬ ‫ــزت‬ ‫لقــد ركّ َ‬
‫لمثاليــة دون كيخوطــي الغامضــة‪ ،‬والثانــي‬ ‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫عقالن‬ ‫ـد‬
‫الروايــة ٌ‬
‫ـ‬ ‫نق‬ ‫ـي‪ ،‬علــى‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫التأسيس‬ ‫وره‬ ‫ود‬
‫َ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫مق‬ ‫وع‬‫ُ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫العم‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ة‬ ‫ـو‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫لق‬ ‫ـمها‬ ‫فــي َر ْسـ‬
‫المثاليــة ذاتهــا‪ .‬فــي ســياق ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َيــرى فــي الروايــة تمجيــد ًا لهــذه‬ ‫أن‬ ‫الروائيــة فيــه‪ .‬غيــر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشــخصية‬
‫ّ‬ ‫بنــاء‬
‫َ‬ ‫ســم‬
‫اإلبــداع الــذي َو َ‬
‫ـور‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫العث‬ ‫ـان‬‫ـ‬ ‫يروم‬ ‫ال‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫هم‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫ـ‬‫خاطئي‬
‫ْ‬ ‫التأويليــن معـ ًا‬
‫ْ‬ ‫ـد كونديــرا‬ ‫عـ ّ‬ ‫البعــد‬ ‫ُ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫زاوي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫مقَ‬ ‫وع‬‫ُ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫العم‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ـو‬ ‫ـتجلى ق ّ‬
‫ـ‬ ‫ـن اسـ ْ‬ ‫ثمــة َمـ ْ‬ ‫َّ‬
‫أخالقي‬‫ٍّ‬ ‫فــي أســاس الروايــة علــى ُســؤال مفتــوح‪ ،‬بــل علــى ُحكــم‬ ‫ـخصية‪ ،‬والســاري فــي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـيرورة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ضم‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـري‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الفك‬
‫ـر ُر من‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫فالتح‬ ‫ا مــع «روح الروايــة»‪.‬‬ ‫ـارض أصـ ً‬ ‫جاهــز‪ ،‬وهــو مــا يتعـ ُ‬ ‫ـة‬‫ويـ ِ‬ ‫حي ّ‬ ‫ـد َد علــى َ‬ ‫ـن شـ َّ‬ ‫أن ِمــن الكُ َّتــاب َمـ ْ‬ ‫ـد ّ‬ ‫ثنايــا الروايــة‪ ،‬إلــى حـ ّ‬
‫رهان‬‫ٌ‬ ‫األحــكام‪ ،‬الــذي أرسـ ْت ُه روايــة «دون كيخوطي دي المنتشــا»‬ ‫وقع االشــتغال‬ ‫البعــد‪ ،‬وعلــى المعرفــة التــي ُين ِت ُجهــا‪ِ ،‬مــن َم ِ‬ ‫هــذا ُ‬
‫‪35‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫ـك ويبكي‪،‬‬ ‫أثمــة َم ْن لم تجع ْلــه القراء ُة َيضحـ ُ‬ ‫ـد الصــراخ؟ ّ‬ ‫يبلــغ حـ َّ‬ ‫آداب‬ ‫َ‬ ‫ـي ُيع ِّلـ ُ‬
‫ـم‬ ‫ـان قرائـ ّ‬ ‫ـط بفكــر الروايــة‪ ،‬وهــو أيضـ ًا رهـ ٌ‬ ‫ـي ُمرتبـ ٌ‬ ‫روائـ ٌّ‬
‫ـن لــم ُتــره القــراء ُة‬ ‫ّ َ ْ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫أثم‬ ‫ـه؟‬ ‫ـ‬ ‫لكيان‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫البان‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫التناق‬ ‫ـس‬ ‫ويالمـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫تأويــل الروايــة؛ تأويلهــا بمنــأى عــن األحــكام‪ ،‬وباالســتناد إلــى‬
‫ـد‬ ‫ـرس بهــا فــي العــادة؟ ال حـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫تك‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـورة‬ ‫ـ‬ ‫الص‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـيء‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫الســؤال‪ ،‬واالرتيــاب‪ ،‬ودرجــة التعقيــد‪ .‬فروايــة «دون كيخوطــي‬
‫عتاد‬ ‫الم َ‬ ‫ـم ُيفــكّ ُك المعنــى ُ‬ ‫ـون حكيـ ٌ‬ ‫إذ ًا لجنــون القــراءة‪ ،‬لك ّنــه جنـ ٌ‬ ‫اإلنصات لفكــر الرواية ِمن‬ ‫َ‬ ‫ـح‬ ‫دي المنتشــا» مــن األعمــال التــي ُتتيـ ُ‬
‫ويلقي بمعنى الحقيقة‬ ‫ُ‬ ‫الوحيدة‪،‬‬ ‫للجنون‪ ،‬ويفكّ ُك َو ْه َم الحقيقة‬ ‫ـع‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يتقاط‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـو‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ينم‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫أكثــر مــن زاويــة‪ ،‬أي اإلنصــات للفكــر‬
‫ـد رهانــات‬ ‫إن هــذا التفكيــك أحـ ُ‬ ‫فــي التشــظّ ي المانــع لالمتــاء‪ّ .‬‬ ‫جماليـ ًا باألســاس؛ ينمــو مــن داخــل‬ ‫ّ‬ ‫المفكِّ ريــن‪،‬‬ ‫مــع انشــغاالت ُ‬
‫أمــا التأويــل الــذي ذهــب إلــى‬ ‫ّ‬ ‫ـيء‪.‬‬ ‫اســتنبات الغمــوض فــي كلّ شـ‬ ‫ـن الــذي إليــه َينتســب‪.‬‬ ‫قوانيــن الفـ ّ‬
‫اختزالي ًا إلى‬ ‫ّ‬ ‫رام ن ْقــد كُ ُتــب الفروسـ ّـية فيبــدو‬ ‫أن عمــل ســرفانتس َ‬ ‫ّ‬ ‫ـري‪ ،‬الــذي تنطــوي عليــه روايــة «دون كيخوطــي دي‬ ‫للبعــد الفكـ ّ‬ ‫ُ‬
‫بعض الدارســين‪ُ ،‬معتبرين‬ ‫ُ‬ ‫تنب َه إليه‬ ‫ّ‬ ‫ما‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫نح‬ ‫على‬ ‫ـدود‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫أبْ‬ ‫الفكرية» التي‬ ‫ّ‬ ‫«المفهومات‬ ‫ب‬ ‫ـع‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫بتش‬ ‫بة‬ ‫تشع‬‫ِّ‬ ‫م‬‫تفر ٌ ُ‬
‫عات‬ ‫المنتشــا» ُّ‬
‫كتابية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫أن ك ُتــب الفروسـ ّـية لــم تكُ ــن‪ ،‬في هذا العمل‪ ،‬ســوى لعبة‬ ‫ّ‬ ‫جوديــة‬ ‫ّ‬ ‫الو‬‫ـعب األراضــي ُ‬ ‫روائيـ ًا فــي هــذا العمــل‪ ،‬وبتشـ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫تشــتغلُ‬
‫تفرعــات شــديد ِة‬ ‫ُّ‬ ‫ذو‬ ‫ســرفانتس‬ ‫عمــل‬ ‫فــي‬ ‫الفكــري‬
‫ّ‬ ‫عــد‬ ‫الب‬
‫ّ ُ‬ ‫ألن‬ ‫أول‬ ‫ّ‬ ‫ـلّ‬ ‫ـ‬ ‫لع‬ ‫ـي‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الحك‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫داخ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الرواي‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ها‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫ـفَ‬ ‫ـ‬ ‫استكش‬ ‫التــي‬
‫ـتقصاء كلّ َمالمحــه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ـعب‪ ،‬وهــو أوســع مــن اسـ‬ ‫التشـ ُّ‬ ‫ـت روايــة‬ ‫ّ َ ْ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫قد‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫التعقي‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الفك‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫الب‬ ‫ُ‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـح‬ ‫مالمـ‬
‫البعــد‬ ‫ـن اإلشــارة إليــه فــي اســتجالء ُ‬ ‫الملمــح الثانــي الــذي ُيمكـ ُ‬ ‫العالَــم‪ ،‬وبــه أرســى ســرفانتس‬ ‫«دون كيخوطــي دي المنتشــا» َ‬
‫ـر ُمنفصــل‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـا»‬ ‫ـ‬ ‫المنتش‬ ‫دي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬ ‫ـري فــي روايــة «دون‬ ‫الفكـ ّ‬ ‫ـماه كونديــرا‪« ،‬روح التعقيــد»‪ ،‬التــي هــي «روح الروايــة»‬ ‫مــا سـ َّ‬
‫عــن ســابقه؛ يتج ّلــى أساس ـا فــي حــرص الروايــة علــى التشــديد‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ـام‪ ،‬أي تمكيــن األشــياء‪ ،‬بمــا فيهــا األشــياء التــي تبــدو‬ ‫بوجــه عـ ّ‬
‫يظهر‬
‫ُ‬ ‫ويظهــر‪ .‬كلُّ مــا‬ ‫بصورتــه التــي بهــا يبــدو َ‬ ‫َ‬ ‫ـد ُد‬ ‫أن ال شــيء يتحـ ّ‬ ‫ينفك‬ ‫ّ‬ ‫فــي العــادة بســيطةً ‪ ،‬مــن االنطــواء علــى ُغمــوض شــديد ال‬
‫ـردي‬ ‫ٍّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـت‬ ‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫بص‬ ‫ُ َ‬ ‫ـرح‬ ‫ـ‬ ‫تط‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الرواي‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـإن‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـك‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وبذل‬ ‫ـر ذاتــه‪.‬‬ ‫هــو غيـ ُ‬ ‫طيــات‬ ‫ـف عــن اإلفصــاح عــن ّ‬ ‫ـه باســتمرار‪ ،‬وال يتو ّقـ ُ‬ ‫ـد ُد مجهو َلـ ُ‬ ‫ُيجـ ّ‬
‫ـتبعد‪ ،‬في‬ ‫ُ‬ ‫ـديد التعقيــد‪ ،‬هو «مــا الظاهر؟»‪ ،‬وتسـ‬ ‫فكريـ ًا شـ َ‬ ‫ّ‬ ‫ســؤا ً‬
‫ال‬ ‫ـري‬ ‫ـح الفكـ ّ‬ ‫هــذا المجهــول التــي ال تنتهــي‪ .‬ال ينفصــلُ هــذا الملمـ ُ‬
‫ـكان الجــواب عنــه اعتمــاد ًا علــى افتــراض باطنٍ ما‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫إم‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫اآلن‬ ‫عــن َســيرورة الغامــض فــي روايــة «دون كيخوطي دي المنتشــا»‪،‬‬
‫تيحهــا التأويل‪،‬‬ ‫ـب‪َ ،‬وفــق االحتمــاالت التي ُي ُ‬ ‫لهــذا الظاهــر‪ ،‬إذ ُتغ ِّلـ ُ‬ ‫ـظ دائم‪،‬‬ ‫أن حقيقــة الشــيء في تشـ ٍّ‬ ‫عبــر «روح التعقيــد» ّ‬ ‫كاشــفاً‪ْ ،‬‬
‫غيــر حقيقتــه باســتمرار‪ ،‬وال ُيحيــلُ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هــو‬ ‫أن كلّ ظاهــر‬ ‫ترجيــح ّ‬ ‫َ‬ ‫ـد ًا يجعــلُ كلّ َشــيء ُملتبس ـ ًا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـغ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يبل‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫الغام‬ ‫ـتغال‬ ‫إن اشـ‬ ‫بــل ّ‬
‫ـاهد‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫«ظاهر»‬ ‫أي‬ ‫ُّ‬ ‫»‪،‬‬ ‫ـر‬‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫«الظاه‬ ‫وحيدة‪.‬‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫حقيق‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـك‪،‬‬ ‫تبعـ ًا لذلـ‬ ‫نفســه‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ّ ّ‬ ‫الضد‬ ‫الملمح‬ ‫ذو‬ ‫االلتباس‬
‫ُ‬ ‫هذا‬ ‫ل‬ ‫ـو‬‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫لقد‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ـد‬ ‫بضـ ّ‬
‫ـون‪ .‬فروايــة «دون‬ ‫ـدل ويتلـ َّ‬ ‫ـك يتبـ َّ‬ ‫علــى أ ّنــه عالمــةٌ علــى مــا ال ينفـ ّ‬ ‫الحكي وحوارات‬ ‫تواترت في هذه الرواية‪ ،‬وتخلّلت‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫إلــى موضوعــة‬
‫َ‬
‫ـف أ ّنــه ينطــوي‬ ‫ـر ال لتكشـ َ‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الظاه‬ ‫كيخوطــي دي المنتشــا» ُتســائلُ‬ ‫ـيء‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـزج‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يمت‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫في‬ ‫الــذي‬ ‫ـاس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫االلتب‬ ‫هــذا‬ ‫ّــى‬ ‫ل‬ ‫تج‬ ‫الشــخوص‪.‬‬
‫ـر لذاته‪ .‬فما‬ ‫أن كلّ ظاهــر ُمغايـ ٌ‬ ‫ـدد علــى ّ‬ ‫ـار‪ ،‬بل ل ُتشـ ِّ‬ ‫علــى باطــن قـ ّ‬ ‫ـده‪ ،‬بصــورة الفتــة فــي كلِّ مــا َيبــدو ويظهــر‪ .‬فكثيــر ًا مــا بــدا‬ ‫بضـ ّ‬
‫ـور االرتيابي الــذي تبنيه‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫التص‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ـس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫لي‬ ‫ـور‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ظه‬ ‫ـر‪ ،‬فــي كلّ‬ ‫َيظهـ ُ‬ ‫ـر ًا‬ ‫ُ ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫والخير‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ـواد‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫والبياض‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫بياض‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الرواي‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ـواد‬ ‫السـ ُ‬
‫ـاس ال يرتفــع‪ ،‬وعلــى‬ ‫ـه‪ .‬إ ّنــه ُمنط ـ ٍو علــى التبـ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الرواي‬ ‫زعز َعــت الثنائيــات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫االلتباس‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫وغيره‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫خي‬ ‫ـر‬
‫والشـ ّ‬
‫تعامــل دون‬ ‫ُ‬ ‫ـوع المجهــول‪ .‬فتكــرار‬ ‫ـدد‪ ،‬وعلــى ُشسـ ِ‬ ‫ـوض ُمتجـ ِّ‬ ‫غمـ ٍ‬ ‫اجتماع‬‫َ‬ ‫فيها لصالــح االلتباس الذي يقبلُ‬ ‫طر ْ‬ ‫ت مــن انفصال َ‬ ‫ـد ْ‬ ‫وحـ ّ‬
‫ـف‪،‬‬ ‫صورتها األولى يكشـ ُ‬ ‫َ‬ ‫ـارج‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫مظاهر‬
‫َ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬ ‫جالء فــي رواية «دون‬ ‫ً‬ ‫األكثر‬ ‫ـاس‬ ‫ـ‬ ‫االلتب‬ ‫ـلّ‬ ‫ـ‬ ‫لع‬ ‫ـا‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫َه‬ ‫ل‬ ‫وتداخ‬‫ُ‬ ‫ـداد‬ ‫ـ‬ ‫األض‬
‫ـح‪ ،‬مــن‬ ‫ويوضـ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الم َو ِّجــه دوم ـ ًا لــإدراك‪،‬‬ ‫الوهــم ُ‬ ‫مــن زاويــة‪ ،‬عــن َ‬ ‫تجســد‪ ،‬فــي كلّ مســار هــذه‬ ‫َّ‬ ‫كيخوطــي دي المنتشــا» هــو الــذي‬
‫ـظ‬ ‫وأن الحقيقــة فــي تشـ ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ذات‬ ‫ـر‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـيء‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫أن‬ ‫زاويــة ثانيــة‪ّ ،‬‬ ‫حدد ًا‬ ‫ُ ِّ‬ ‫م‬ ‫وكان‬ ‫والحكمة‪،‬‬ ‫نون‬ ‫الج‬
‫عبر التداخل القائم بين ُ‬ ‫الرواية‪ْ ،‬‬
‫ومغلــق‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـئ‬ ‫ـ‬ ‫متل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫وحي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫معن‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫لاللتئ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫قابل‬ ‫دائــم‪ ،‬وغيــر‬ ‫الفكري‬ ‫ّ‬ ‫عد‬ ‫الب‬
‫ُ‬ ‫صوغ‬ ‫وفي‬ ‫كيخوطي‬ ‫دون‬ ‫ة‬ ‫ـخصي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫بناء‬ ‫رئيسـ ًا في‬
‫ـر روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا»‬ ‫اســتناد ًا إلــى ذلــك‪ ،‬تنتصـ ُ‬ ‫ـتقيم فــي ضوئــه‬ ‫ـوت عليــه‪ .‬إ ّنــه التداخــلُ الــذي ال يسـ ُ‬ ‫الــذي انطـ َ‬
‫ـميه كونديــرا «حكمــة الاليقيــن»‪،‬‬ ‫المنفلتــة‪ ،‬و ِلمــا ُ ّ‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫للمعرفــة ُ‬ ‫ـر َوفــق مــا‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫آخ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫ومجنون‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫حكيم‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬ ‫ـد دون‬ ‫عـ ّ‬
‫تنتصــر الروايــة لهــذه‬ ‫ُ‬ ‫عــام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بوجــه‬ ‫التــي هــي حكمــة الروايــة َ‬ ‫رج َحهــا كلُّ الشــخوص الذيــن التقــى‬ ‫ـدى مــن التقييمــات التــي ّ‬ ‫تبـ َّ‬
‫ووفــق‬ ‫َ‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫رواي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫منه‬ ‫ـلُ‬ ‫ـ‬ ‫يجع‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـن‬ ‫مقومــات الفـ ّ‬ ‫المعرفيــة َوفــق ِّ‬ ‫رجــح أكثــر‪ ،‬اســتناد ًا إلــى ُعمــق‬ ‫ُ َّ‬ ‫الم‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫لرب‬
‫ّ‬ ‫ـي‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬ ‫دون‬ ‫ـم‬ ‫بهـ‬
‫الخاصة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫بطرائق‬ ‫ـن‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الف‬ ‫هذا‬ ‫ها‬ ‫ـج‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ينس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـابكة‬ ‫المتشـ‬ ‫الوشــائج ُ‬ ‫ـعت الروايــة إلــى اســتنباته‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫للغام‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫البان‬ ‫ـاس‬ ‫ـ‬ ‫االلتب‬
‫فــي ســياق اإللمــاح إلــى هــذه الوشــائج الصامتــة التــي تشــتغلُ‬ ‫ـد دون كيخوطــي مجنونـ ًا حكيمـ ًا فــي اآلن‬ ‫فــي كلِّ شــيء‪ ،‬هــو عـ ّ‬
‫ـن اإلشــارة إلــى مــا‬ ‫فــي روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا»‪ُ ،‬يمكـ ُ‬ ‫ـاس‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫االلتب‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ألن‬
‫ّ‬ ‫ـون‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫والج‬
‫ُ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الحكم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫فصــل بي‬ ‫أي ْ‬ ‫ذاتــه‪ ،‬دون ِّ‬
‫ا عــن‬ ‫الســحر بمــا يظهــر مــن األشــياء ُمنفص ـ ً‬ ‫يصــلُ موضوعــة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ـاء علــى م ْنــع الحقيقــة من‬ ‫ـمح‪ ،‬بنـ ً‬ ‫ـد ّي يسـ ُ‬ ‫ـم علــى لقــاء الضـ ّ‬ ‫القائـ َ‬
‫الســحر فــي روايــة «دون‬ ‫القــوي لموضوعــة ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ضــور‬
‫ُ‬ ‫فالح‬
‫ُ‬ ‫نفســه‪.‬‬ ‫تيح أيض ًا‬ ‫ُ ُ‬ ‫وي‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحكي‬ ‫نون‬ ‫الج‬ ‫ُ‬ ‫عن‬ ‫بالحديث‬ ‫ـاء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫واالمت‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫التماس‬
‫ُ‬
‫قويــةً‬ ‫ـائج ّ‬ ‫إن لــه وشـ َ‬ ‫ضيـاً‪ّ ،‬‬ ‫عر ّ‬ ‫ً‬
‫كيخوطــي دي المنتشــا» ليــس أمــرا َ‬ ‫إعــاد َة النظــر فــي مفهــوم الجنــون نفســه وهو ينسـ ُـبه‪ ،‬مــن موقع‬
‫«األصليــة»‬ ‫ّ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ت‬‫صور‬‫َ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـي‬ ‫ـد ّو الخــادع‪ ،‬وبظهــور الشــيء فـ‬ ‫بالبـ ُ‬
‫ُ‬ ‫العا َلــم‪ ،‬إلــى الحكمــة العاليــة‪.‬‬ ‫الغامــض فــي َ‬
‫الســحر‬ ‫ِّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫موضوع‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫تنم‬ ‫ـة؟)‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫أصلي‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ٌ‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أساس‬ ‫ـيء‬ ‫ـ‬ ‫للش‬ ‫(هــل‬ ‫ـوة األثــر الــذي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫عدي‬ ‫ـائج‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫بوش‬ ‫ـدودة‬ ‫ـ‬ ‫المش‬ ‫إ ّنهــا الحكمــة‬
‫للتلون فــي ظهوره‬ ‫ُّ‬ ‫قابليــة الشــيء‬ ‫ّ‬ ‫ـام مــع‬ ‫فــي الروايــة بانســجام تـ ّ‬ ‫الحــد الــذي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫حدثــه القــراءة وإلــى طاقتهــا علــى الفعــل‪ ،‬إلــى‬ ‫ُ‬ ‫ُت‬
‫ـحر لتعليــلِ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬ ‫دون‬ ‫ـتحضر‬
‫َ‬ ‫وبظهــوره‪ .‬وكثيــر ًا مــا اسـ‬ ‫ـم مــن ِســمات‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الحكي‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫الج‬‫ّ ُ‬ ‫ألن‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ـ‬ ‫جنون‬ ‫ـة‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الطاق‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫في‬ ‫ـدو‬ ‫ـ‬ ‫تب‬
‫ـتيعابه‪ ،‬أو إلقنــاع رفيقــه سانتشــو بعكــس مــا‬ ‫ُ‬ ‫ـتقيم اسـ‬ ‫مــا ال يسـ ُ‬ ‫ـتنتاج ُه‬ ‫ُ‬ ‫مكن اسـ‬ ‫قارئ‪َ ،‬وفق ما ُي ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أثمة‬ ‫ويتها‪ّ .‬‬ ‫ـددات ُه ّ‬ ‫ومحـ ِّ‬ ‫القــراءة ُ‬
‫ـري فــي‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫يس‬ ‫أن‬
‫ْ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـراءة‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫ـالِ‬ ‫ـ‬ ‫خي‬ ‫ـنِ‬ ‫ـ‬ ‫تمكي‬ ‫ـويغ‬ ‫ـ‬ ‫لتس‬ ‫يبــدو لــه‪ ،‬أو‬ ‫لم‬ ‫ْ‬ ‫ـراءة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫نون‬ ‫ج‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫موضوع‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬ ‫دون‬ ‫ة‬ ‫ـخصي‬
‫ّ‬ ‫مــن شـ‬
‫الســحر وموضوعة الجنون وموضوعة‬ ‫ِّ‬ ‫موضوعة‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫إن َ‬ ‫الوقائــع‪ّ .‬‬ ‫ـه‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫تجعل‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ول‬ ‫ـه»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫«عمائ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫أو‬ ‫ـه»‬ ‫ـ‬ ‫«صواب‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ـراء‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫ـه‬ ‫خرجـ ُ‬ ‫ُت ْ‬
‫ـابك‬ ‫ـائج تتشـ ُ‬ ‫المنفصل عن نفســه وشـ َ‬ ‫الخيــال وموضوعة الظاهر ُ‬ ‫بصــوت ُمرتفــع قــد‬ ‫ٍ‬ ‫بصــوت خفيــض وحتــى َ‬ ‫ٍ‬ ‫ث إلــى نفســه َ‬ ‫ـد ُ‬ ‫يتحـ َّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪36‬‬
‫ال محجوبـاً‪ ،‬انســجام ًا مــع‬ ‫األمــر مــن احتمــال كــون الواقــع خيــا ً‬ ‫خيوطُ هــا علــى امتــداد روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا»‪ ،‬إذ‬
‫ـل عــن نفســه‪ ،‬ح ّتــى‬ ‫ـر ّإل لينفصـ َ‬ ‫مفهــوم الظاهــر الــذي ال َيظهـ ُ‬ ‫ـد لالحتمــاالت التــي‬ ‫ـد للوشــائج فــي هــذه الروايــة‪ ،‬وال حـ ّ‬ ‫ال حـ ّ‬
‫وإن بــدا ثابتـ ًا فــي صــورة واحــدة‪ .‬تبــدو األســئلة الســابقة ُم َّ‬
‫وجهةً‬ ‫ْ‬ ‫واإلســهام فــي تعقيــد‬ ‫ْ‬ ‫ـل مــن تمديــد هــذه الوشــائج‬ ‫ـن التأويـ َ‬ ‫ُتمكّ ـ ُ‬
‫بالســؤال األكبــر الــذي شــكّ َل مــدار الروايــة الصامــت‪ ،‬أي ُســؤال‬ ‫تشابكاتها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تشــظّ ي الحقيقــة‪ .‬فعــن ُســؤال «الظاهــر» وســؤال «الواقــع»‬ ‫َّــد‪ ،‬فــي عمــل‬ ‫المتعلِّــق بالظاهــر‪ ،‬تتول ُ‬ ‫ُ‬ ‫الفكــري‬
‫ّ‬ ‫الســؤال‬ ‫عــن‬
‫ـق‪ ،‬فــي كلّ فُصــول روايــة «دون كيخوطــي دي‬ ‫المعقّديْــن‪َ ،‬ينبثـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فكريــة أخــرى‪ ،‬منها بصورة رئيســة ســؤال «ما‬ ‫ّ‬ ‫ـئلةٌ‬ ‫ـ‬ ‫أس‬ ‫ـرفانتس‪،‬‬ ‫سـ‬
‫ـري مــن صميــم «روح التعقيــد»؛‬ ‫ِ‬ ‫ـم ْيها‪ ،‬ســؤالٌ فكـ ّ‬ ‫بقسـ َ‬
‫ْ‬ ‫ـا»‬‫ـ‬ ‫المنتش‬ ‫و«أثمة فاصــلٌ بينهما؟»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الواقــع؟»‪ ،‬و«مــا ُحدود الخيال فيــه؟»‪،‬‬
‫المتشــابك‪ ،‬فــي أحــداث الروايــة‪ ،‬مع‬ ‫إ ّنــه ســؤال «مــا الحقيقــة؟» ُ‬ ‫أحد تجليات االلتباس‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫أيض‬ ‫وتداخلها ُهما‬ ‫ُ‬ ‫إن تنامي هذه األســئلة‬ ‫ّ‬
‫ويمنع الجــواب عنه‬ ‫ُ‬ ‫ـس بموضــوع هذا الســؤال‬ ‫الوهــم الــذي يلتبـ ُ‬ ‫َ‬ ‫تول ُِّدهــا الرواية‬ ‫ـر للغامــض‪ .‬تبــدو هذه األســئلة‪ ،‬التي َ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ينتص‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬
‫حرصــت روايــة «دون كيخوطــي دي المنتشــا»‬ ‫َ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫فق‬ ‫ـرار‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫إق‬ ‫أي‬
‫مـ ِّ‬
‫ـن‬ ‫ـب‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫قل‬ ‫ـروم‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫كم‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫جمالي‬
‫ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫فكر‬‫ُ‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫إلي‬ ‫ـم‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫حتك‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫َو‬
‫عبــر الحكــي‪ ،‬فكانــت الحقيقــة‪،‬‬ ‫علــى تفكيــك مفهــوم الحقيقــة ْ‬ ‫وليد الخيال‬ ‫الواقع َ‬ ‫َ‬ ‫االعتياديــة لألشــياء‪ ،‬على نحو يجعــلُ‬ ‫ّ‬ ‫الرؤيــة‬
‫بالحكــي وحســب‪ ،‬ولكــن أيضـ ًا‬ ‫علــى امتــداد الروايــة‪ ،‬تتشــظّ ى ال َ‬ ‫يتحــد ُد‪ِ ،‬مــن منظــور دون‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫الخيالــي‬
‫ّ‬ ‫أو‬ ‫فالخــارق‬
‫ُ‬ ‫العكــس‪.‬‬ ‫ال‬
‫ـة‬‫ويـ ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫ه‬ ‫ـاق‬ ‫ـ‬ ‫انغ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫زعزع‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫المســت ِند إلــى ُقــدر ِة الضحــك‬ ‫بالمــرح ُ‬ ‫َ‬ ‫تنضبط‬
‫ُ‬ ‫ـع ال‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫وقائ‬ ‫ـدوث‬ ‫ـ‬ ‫بح‬‫ُ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫غريب‬ ‫ـع‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫وقائ‬ ‫ـدوث‬ ‫ـ‬ ‫بح‬
‫ُ‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كيخوط‬
‫ـخر مــن‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫فيم‬ ‫ـك‬‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫الض‬
‫ّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الرواي‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـرح‬ ‫ـ‬
‫ُ ُ َ ُ‬‫م‬ ‫ـج‬ ‫ـ‬ ‫نت‬‫ي‬ ‫ـياء‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫األش‬ ‫الجوالة‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫الفرس‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫غام‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫نط‬ ‫ولم‬
‫َ‬ ‫ة‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الفروس‬ ‫لمنطــق ك ُتــب‬ ‫َ‬
‫ـياء والــرؤى مــن‬ ‫ـن األشـ َ‬ ‫ويمكّ ـ ُ‬‫األشــياء الجامــدة والــرؤى الثابتــة‪ُ ،‬‬ ‫ال تنضبــط لخيــال القــراءة‪ .‬فكثيــر ًا مــا كان دون كيخوطــي ُيبــدي‬
‫آخــر ِمــن‬ ‫ـي َ‬ ‫ـلك تأويلـ ٌّ‬ ‫أن ُتضــاء بإحــداث شــقوق فيهــا‪ .‬إ ّنــه مسـ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫عينة‪ ،‬ال لشــيء ّإل أل ّنه‬ ‫ـه لرفيقــه سانتشــو تجــاه «وقائــع» ُم َّ‬ ‫حير َتـ ُ‬
‫تيحهــا عمــلُ ســرفانتس الكبيــر‬ ‫الالنهائيــة التــي ُي ُ‬
‫ّ‬ ‫َبيــن المســالك‬ ‫أن علــى‬ ‫ّ‬ ‫ـو‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫كم‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الفروس‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫كُ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫َه‬ ‫ل‬ ‫مث‬ ‫ـرأ‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫أن‬‫ْ‬ ‫ـبق‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫لــم َي‬
‫للقــراءة والتمديــد‪.‬‬ ‫ـم َوفــق خيــال القــراءة‪ ،‬بمــا ينطــوي عليــه هــذا‬ ‫أن تنتظـ َ‬ ‫الوقائــع ْ‬
‫‪37‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫التح ِّدي الحرضي‪..‬‬
‫إعادة اكتشاف رغبة العيش يف املدينة‬
‫كل االحتــاالت‪ ،‬أضحــت‪ ،‬اآلن‪ ،‬يف خيالنــا‬ ‫املدينــة التــي بــدت‪ ،‬باألمــس‪ ،‬جذّ ابــة ومتطـ ّـورة‪ ،‬والتــي ُعـ َّـدت مــكان ّ‬
‫ً‬
‫ملوثــة‪ ،‬قــذرة‪ ،‬بــل خطــرة مــع انتشــار األوبئــة‪ .‬فكيــف الســبيل‪ ،‬إذا‪ ،‬إلحيــاء‬‫مدينــة مرتاميــة األطــراف‪ ،‬جائــرة‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرغبــة يف املدينــة؟ ومــا الــذي يجــب تغيــره حتــى تصبــح‪ ،‬مـ ّـر ًة أخــرى‪ ،‬كائنـا صديقـا للنــاس‪ ،‬وللبيئــة؟‬

‫اليــوم‪ ،‬سلســلة مــن المشــاكل المع َّقــدة‪ .‬يســاعدنا‬ ‫شــكَّ ل هــذان الســؤاالن محــور عمــل «بييــر أندريــه‬
‫تتغير‬
‫َّ‬ ‫تخيل كيف يمكــن أن‬ ‫ـدي الحضــري علــى ّ‬ ‫التحـ ّ‬ ‫دي شالندار ‪ »Pierre-André de Chalendar‬في‬
‫وتنمــو‪ ،‬وأن تصبــح هــذه األماكــن أكثــر خضــرةً‪،‬‬ ‫ـدي الحضــري؛ إعــادة اكتشــاف رغبــة‬ ‫كتابــه «التحـ ّ‬
‫صحــةً ‪ ،‬وأكثــر ازدهــار ًا للجميــع»‪ .‬يشــير «دي‬ ‫وأكثــر ّ‬ ‫العيش في المدينة»‪ ،‬الصادر في مايو‪/‬أيار (‪،)2021‬‬
‫شــالندار» إلــى أن هــذه القولــة تعكــس نظــرة ثالثيــة‬ ‫عــن دار النشــر «أوديــل جاكــوب ‪.»Odile Jacob -‬‬
‫األبعــاد؛ إنهــا نظرة الزعيم‪ ،‬والمســافر‪ ،‬والمســؤول‬ ‫ويأتــي اهتمــام المؤ ِّلــف بهــذا الموضــوع مــن موقعه‬
‫الســابق‪ ،‬رفيــع المســتوى‪ :‬تكمــن نظــرة الزعيــم فــي‬ ‫بصفتــه رئيــس مجلــس اإلدارة‪ ،‬والرئيــس التنفيــذي‬
‫التفكيــر فــي إدارة الهجــرة الجماعيــة خــال مختلف‬ ‫المتخصصــة‬‫ّ‬ ‫لشــركة «‪»Groupe Saint Gobain‬‬
‫األزمــات‪ ،‬والرغبــة فــي أن تكــون المــدن‪ ،‬فــي عالــم‬ ‫ـواد البنــاء‪ ،‬حيــث قضــى فيهــا معظــم حياتــه‬ ‫فــي مـ ّ‬
‫ـاء‪ .‬وتكمن نظرة المســافر في‬ ‫الغــد‪ ،‬أكثــر أمنـ ًا ورخـ ً‬ ‫المهنيــة‪ ،‬والتــي قــام بتحويلهــا إلــى شــركة رائــدة‬
‫العديــد مــن مــدن الكوكــب التــي زارهــا علــى مــدى‬ ‫فــي تجديــد المنــازل الحضريــة والبنــاء المســتدام‪.‬‬
‫ـن‪ ،‬عــن قــرب‪ ،‬مــدى تراكــم‬ ‫عايـ َ‬
‫(‪ )30‬عام ـاً‪ ،‬حيــث َ‬ ‫إن هــذه المجموعــة تشــارك‪ ،‬بشــكلٍ كبير‪ ،‬فــي إثارة‬
‫األضــرار البيئيــة‪ ،‬واالجتماعيــة‪ ،‬والبشــرية‪ .‬فيمــا‬ ‫القضايــا البيئيــة‪ ،‬وحســن اســتخدام الطاقــة فــي‬
‫تكمــن نظــرة المســؤول فــي تحديــد االســتجابات‬ ‫المبانــي‪ ،‬ومــن هــذا المنطلــق يأتــي اهتمــام المؤلِّف‬
‫ـدي الحضــري‪ ،‬مــن خــال تضميــن انعكاســه‬ ‫للتحـ ّ‬ ‫وبقضية المنــاخ لفترة طويلة‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫بفضــاء المدينــة‬
‫فــي نهــج مســتقبلي‪ ،‬واســتراتيجي‪.‬‬ ‫ـم أعمالــه فــي هــذا المجــال‪« :‬معركتنــا مــن أجــل‬ ‫أهـ ّ‬
‫أهم ّيــة تقاطــع وجهــات النظــر‬ ‫ّ‬ ‫يثيــر المؤلِّــف‬ ‫المنــاخ»‪ ،‬و«عالــم بــا كربــون»‪.‬‬
‫الثــاث‪ ،‬التــي تجعــل عملــه مثيــر ًا لالهتمــام‪ ،‬وعلــى‬ ‫واقتناعـ ًا منــه بالمســتقبل الجديــد للمدينــة‪ ،‬يقترح‬
‫وضــح المؤ ِّلــف‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬كيفيــة‬ ‫منــوال «بلومبــرغ»‪َّ ،‬‬ ‫ـدي‬ ‫«بييــر أندريــه دي شــالندار»‪ ،‬فــي كتابــه «التحـ ّ‬
‫االســتفادة من رحالتــه‪ ،‬ومحادثاته مع المهندســين‬ ‫الحضــري‪ ،»...‬إعــادة تعريف أنمــوذج حضري يع ِّزز‬
‫الحضريين‪ ،‬كيف‪ ،‬اســتفاد‪ ،‬أيضاً‪ ،‬من‬ ‫ِّ‬ ‫والمخطّ طين‬ ‫أي مشــروع مبتكر في‬ ‫االندمــاج االجتماعــي‪ ،‬ويضع ّ‬
‫تحدينــا الحضــري الحالــي‬ ‫ِّ‬ ‫أن‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫لن‬ ‫ـرح‬
‫ـ‬ ‫فيش‬ ‫قراءاتــه‪،‬‬ ‫تشــاركي‪ ،‬وهــو توقيــع حقيقــي «للمدينــة‬ ‫ّ‬ ‫منطــق‬
‫أول مــدن‬ ‫ـداً‪ ،‬منــذ َّ‬ ‫هــو جــزء مــن تاريــخ طويــل جـ ّ‬ ‫المســتدامة»؛ وأنمــوذج تلتحــم فيــه الطبيعــة‬
‫ـدي يكمــن‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫التح‬ ‫كان‬ ‫بــاد مــا بيــن النهريــن‪ ،‬حيــث‬ ‫والمدينــة‪ ،‬حيــث تكــون الحركــة ســائلة وخاليــة مــن‬
‫فــي المزاوجــة بيــن الرغبــة فــي المدينــة والرغبــة‬ ‫والفعالــة الراحــةَ‬
‫َّ‬ ‫الكربــون‪ ،‬وتو ِّفــر المبانــي المتينــة‬
‫فــي الطبيعــة‪ .‬يشــير «دي شــالندار» إلــى أنــه‪ ،‬فــي‬ ‫والصحــة‪ ،‬مســتجيبةً للتطلُّعات التــي ع َّززتها األزمة‬ ‫ّ‬
‫القصة صورة رمزية‬ ‫ّ‬ ‫الســنوات األخيــرة‪ ،‬دخلت هــذه‬ ‫الصحيــة‪ ،‬للعيــش بشــكلٍ أفضــل‪ .‬وفي هــذا اإلطار‪،‬‬ ‫ّ‬
‫جديــدة‪ ،‬قائــاً‪« :‬أعتقــد‪ ،‬مــن جهتــي‪ ،‬أن العقــول‬ ‫يقــول «مايكل بلومبــرغ ‪»Michael Bloomberg -‬‬
‫تتحــرك بســرعة‪ .‬لقــد جعلــت أزمــة «كوفيــد ‪»19‬‬ ‫َّ‬ ‫ومؤســس‬ ‫ّ‬ ‫عمــدة مدينــة نيويــورك (‪،)2013 - 2002‬‬
‫هــذه القضيــة ُتطــرح‪ ،‬لــدى العمــوم‪ ،‬بشــكلٍ أوســع‬ ‫«مؤسســة بلومبــرغ»‪« :‬إن المــدن هــي أكثــر مراكزنــا‬ ‫َّ‬
‫وصريــح مــن خــال اســتحضار الصحــة والبيئــة‬ ‫ديناميكيــةً ‪ ،‬لكنهــا تواجــه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واالقتصاديــة‬ ‫الثقافيــة‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪38‬‬
‫هــو أكبــر مصــدر النبعــاث غــازات االحتبــاس الحــراري‪ ،‬خصوص ًا‬ ‫مؤخراً‪ ،‬حــول الكثافة‬ ‫وحمايــة كوكــب األرض‪ .‬وتمحــور النقاش‪َّ ،‬‬
‫الحد مــن البصمة‬ ‫ّ‬ ‫مــع ارتفــاع اســتهالك الوقــود‪ ،‬ومــن هنا يعنــي‬ ‫الحضريــة‪ ،‬واكتظــاظ المســاكن‪ ،‬وتقاســم المســاحات‪ ،‬وظــروف‬
‫الكربونيــة للمدينــة يعني‪ ،‬جزئيـاً‪ ،‬التخلّي عن األنموذج الحضري‬ ‫ـتد فيــه الهجــرة‬ ‫المعيشــة فــي المــدن»‪ .‬ففــي الوقــت الــذي تشـ ّ‬
‫يتحــول فيــه التنقُّــل إلــى‬ ‫ّ‬ ‫كمــا هــو قائــم اليــوم‪ ،‬وهــو أنمــوذج‬ ‫ـري‪ ،‬لــم تعــد‬ ‫إلــى الريــف‪ ،‬يعيــد المؤ ِّلــف تعريــف أنمــوذج حض ّ‬
‫ـ‬
‫أرق مقلــق؛ مــا يســتوجب التفكيــر فــي الســبل الكفيلــة لمواجهــة‬ ‫فيــه المدينــة معارضــة للطبيعــة‪ ،‬ويكــون التنقُّــل فيهــا ســائ ً‬
‫ال‬
‫هــذه المعضلــة‪ ،‬وقــد يكــون العمــل عــن بعــد مــن بيــن الحلــول‬ ‫وخاليـ ًا مــن الكربــون‪ ،‬داعيـاً‪ ،‬فــي اآلن ذاتــه إلــى نمــاذج مبتكــرة‬
‫التــي يمكــن تب ِّنيهــا فــي هــذا الصــدد‪ ،‬وهــي حلــول اســتخلصناها‬ ‫وتشــاركية تع ـ ِّزز الروابــط االجتماعيــة واالندمــاج‪ ،‬مؤكّ ــد ًا علــى‬
‫العالميــة التــي شــهدها العالــم مــع‬ ‫ّ‬ ‫الصح ّيــة‬
‫ِّ‬ ‫مــن تجربــة األزمــة‬ ‫لحــة إلعــادة التفكيــر فــي مســتقبل المــدن الكبــرى‪،‬‬ ‫الم ّ‬‫الضــرورة ُ‬
‫بدايــة (‪.)2020‬‬ ‫تغيــر المنــاخ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫ـد‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫يواج‬ ‫ـوذج‬ ‫وفــي أنمـ‬
‫يقــدم المؤلِّــف‪ ،‬كذلــك‪ ،‬عــدد ًا مــن الحلــول واالقتراحــات‬ ‫ِّ‬ ‫شــر مدن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫حوال‬ ‫أن‬ ‫ـالندار»‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫«دي‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫يكش‬ ‫ـدد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الص‬ ‫ـذا‬‫وفــي هـ‬
‫لتفــادي الكــوارث واألخطــار المحدقــة بمدننــا‪ ،‬داعي ـ ًا أصحــاب‬ ‫العالــم يزيــد عــدد ســكّ انها علــى عشــرة مالييــن نســمة‪ ،‬وأن هــذا‬
‫واالقتصادييــن‪ ،‬والمؤ ِّثريــن عبــر‬ ‫ِّ‬ ‫القــرار والفاعليــن السياسـ ِّـيين‪،‬‬ ‫ـرات‪ ،‬بعــد عشــر ســنوات فقــط‪ .‬إذ‬ ‫العــدد ســيتضاعف أربــع مـ َّ‬
‫التحديــات‪ ،‬وأخذ‬ ‫ّ‬ ‫العالــم‪ ،‬لالنخــراط الفعلــي لمواجهــة كلّ هــذه‬ ‫ُيتو َّقــع أن يبلــغ عــدد ســكّ ان دلهــي (‪ )39‬مليــون نســمة‪ ،‬وطوكيــو‬
‫زمــام المبــادرة‪ ،‬مــن خــال دعــوة إلعــادة النظــر فــي األنمــوذج‬ ‫(‪ )36‬مليونـاً‪ ،‬وشــنغهاي (‪ )33‬مليونـاً‪ ،‬ودكا (‪ )28‬مليونـاً‪ ،‬وبكيــن‬
‫الحضــري الــذي يجــب التفكيــر فــي تغييــره‪ ،‬يقــول‪« :‬أنــا مقتنــع‬ ‫(‪ )24‬مليونــاً‪ ،‬وكينشاســا (‪ )22‬مليونــاً‪ ،‬وكراتشــي (‪ )20‬مليونــاً‪،‬‬
‫بــأن الوقــت قــد حــان لبــدء حركــة واســعة لتجديــد نماذجنــا‬ ‫ـد آخــر‬ ‫وبومبــاي (‪ )24‬مليون ـاً‪ ،‬والغــوس (‪ )20‬مليون ـاً‪ ...‬إنــه تحـ ٍّ‬
‫خاصــة لوضــع‬ ‫ّ‬ ‫الحضريــة‪ .‬هنــا‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬تفتــح أســواق جديــدة‪،‬‬ ‫يتج َّلــى فــي الطريقــة التــي ســتواجه بهــا هــذه المــدن العمالقــة‬
‫األول (‪،)2020‬‬ ‫ــد للمصافــي الحراريــة‪ .‬ففــي أكتوبر‪/‬تشــرين ّ‬ ‫َح ّ‬ ‫يبيــن‬
‫مســتقبلها‪ ،‬علــى الرغــم مــن هشاشــتها‪ .‬مــن جهــة أخــرى‪ّ ،‬‬
‫ـررت أوروبــا مضاعفة وتيــرة تجديد المباني على مدار الســنوات‬ ‫قـ َّ‬ ‫اإلحصائيــات تمركُ ــز الثــروة‬
‫ّ‬ ‫«دي شــالندار» مــن خــال عــدد مــن‬
‫العشــر القادمــة‪ ،‬والوصــول‪ ،‬بحلــول ســنة (‪ )2030‬إلــى رقم (‪)35‬‬ ‫فــي المــدن‪ ،‬مشــير ًا إلــى دراســة أجرتهــا شــركة «ماكينــزي ‪-‬‬
‫ـيتم تجديدهــا‪ ،‬مــع توفيــر طاقــة نظيفــة للتدفئــة‬ ‫مليــون مبنــى سـ ّ‬ ‫بينــت أن أكثــر مــن ‪ %60‬مــن الناتــج‬ ‫‪ »McKinsey‬ســنة (‪َّ ،)2018‬‬
‫واالســتعمال اليومــي‪.‬‬ ‫المح ِّلــي اإلجمالــي العالمــي يتمركــز فــي (‪ )600‬مدينــة كبــرى‪،‬‬
‫لقــد أثــار الوبــاء الرغبــة فــي مدينــة أقــرب إلــى الطبيعــة‪ ،‬مــع‬ ‫وأن هــذه المــدن تســتهلك ‪ %78‬مــن الطاقــة‪ ،‬وتنتــج ‪ %70‬مــن‬
‫نقــل أكثــر سالســةً ‪ ،‬ومبــانٍ صديقــة للبيئة‪ .‬كمــا يؤكِّ ــد المؤلِّف أن‬ ‫التلــوث‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫انبعاثــات غــازات االحتبــاس الحــراري‪ ،‬والكثيــر مــن‬
‫«تجديــد الطاقــة هــو أجمل مشــروع فــي الوقت الحالــي»‪ ،‬ويبقى‬ ‫والضوضــاء المفرطــة‪ ،‬والســكن العشــوائي‪ ،‬والســكن الباهــظ‬
‫ـد مــن االحتبــاس الحــراري‪ ،‬وفــي‬ ‫ا فــي الحـ ّ‬ ‫الرهــان األكبــر متم ِّثـ ً‬ ‫الضيــق للغايــة‪ ،‬وصعوبــة التنقُّل‪ ،‬واإلجهــاد‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الثمــن‪ ،‬والســكن‬
‫هــذا الصــدد تعتبــر الشــركات الكبــرى جــزء ًا مــن الحــلّ بقــدر مــا‬ ‫والتو ُّتــرات االجتماعيــة‪ ،‬ناهيــك عن العنــف المتزايد‪ ...‬وحتى في‬
‫هــي جــزء مــن المشــكلة؛ يجــب أن تكــون هــذه الشــركات فــي‬ ‫أوروبــا‪ ،‬فــإن األنمــوذج الحضــري بــدأ ينفــد‪ ،‬وأصبحــت المدينــة‬
‫ـم أطروحــة‬ ‫ـدي الحضــري‪ ،‬وهــذه هــي أهـ ّ‬ ‫طليعــة مواجهــة التحـ ّ‬ ‫أقــلّ جاذبيــة‪ .‬لقــد كشــفت أزمــة «كوفيــد ‪ »19‬عــن هشاشــة هــذا‬
‫يقدمهــا «بييــر أندريــه دي شــالندر» فــي كتابــه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النمــوذج‪ ،‬وأثــارت لــدى العديــد مــن ســكّ ان المــدن الرغبــة فــي‬
‫وعلــى الرغــم مــن اجتيــاح جائحــة «كورونــا» للمــدن‪ ،‬كانــت‪ ،‬فــي‬ ‫ارتيــاد مــكان آخــر‪ ،‬حيــث بــدأ التفكيــر بشــكلٍ جــدي فــي النــزوح‬
‫التحدي‬
‫ِّ‬ ‫ـرع إلعادة التســاؤل حــول‬ ‫ومسـ ِّ‬ ‫المقابــل‪ ،‬مصــدر إلهام‪ُ ،‬‬ ‫إلــى الطبيعــة‪ ،‬واألريــاف‪ ،‬لكــن هــذا لــن يكــون كافي ًا لوقــف حركة‬
‫ويحصنوهــا‬ ‫ِّ‬ ‫الحضــري‪ :‬لقــد ذهــب النــاس ليحصــروا أنفســهم‪،‬‬ ‫ـول‬ ‫ـدن هــذه‪ ،‬كمــا يعتقــد المؤ ِّلــف‪ ،‬داعي ـ ًا إلــى حركــة تحـ ّ‬ ‫التمـ ُّ‬
‫ـد ذاتــه‪ ،‬ليــس الحــلّ األمثــل‪ .‬إن‬ ‫خــارج المــدن‪ ،‬وهــذا‪ ،‬فــي حـ ِّ‬ ‫مــن الداخــل‪.‬‬
‫األمــر يتط َّلــب معالجــة هــذا الوضــع‪ ،‬وإحيــاء مــدن مســتدامة‬ ‫ـدد المــدن‪ ،‬تتم َّثــل فــي‬ ‫يتو َّقــف المؤ ِّلــف‪ ،‬كذلــك‪ ،‬عــن ظاهــرة تهـ ّ‬
‫ومرغوبــة‪ .‬إن طمــوح المؤ ِّلــف يتم َّثــل فــي خلــق روابــط جديــدة‬ ‫االرتفــاع الحتمــي للميــاه‪ ،‬حيــث ســتتأثَّر (‪ )570‬مدينــة بهــذه‬
‫الحيــة لهــذا الكوكب؛ وهو أمر يســتدعي‬ ‫ّ‬ ‫المكونــات‬
‫ّ‬ ‫بيــن مختلــف‬ ‫الظاهــرة‪ .‬وبحلــول ســنة ‪ ،2024‬ســينتقل (‪ )1.5‬مليــون مســؤول‬
‫مراجعــة تنظيــم الفضــاء الحضــري‪ ،‬وخلــق توازنــات جديــدة‬ ‫فــي واليــة جاكرتــا إلــى عاصمــة جديــدة في جزيــرة بورنيــو‪ ،‬حيث‬
‫بشــكلٍ ملمــوس‪ ،‬ســواء علــى صعيــد التن ّقــل‪ ،‬أو االقتصــاد‪ ،‬أو‬ ‫تغمــر األحيــاء القريبــة مــن الشــاطئ بالميــاه بمعــدل (‪)cm 25‬‬
‫يتكيــف‬ ‫ترشــيد الطاقــة‪ ،‬أو التوزيــع الديموغرافــي‪ ،‬كمــا يجــب أن َّ‬ ‫فــي الســنة؛ أي أن مــا يقــرب مــن (‪ )%40‬مــن المدينــة ســيكون‬
‫سيما من خالل‬ ‫الســكن مع اســتخدامات الســكّ ان وتوقُّعاتهم‪ ،‬ال َّ‬ ‫تحــت مســتوى ســطح البحــر‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬خــال الســنوات القليلــة‬
‫تحســين أداء الطاقــة فــي المبانــي‪.‬‬ ‫المقبلــة‪ .‬وبحلــول ســنة (‪ ،)2050‬ستســتقبل مــدن العالــم أكثــر‬
‫التام؛ ما سيســمح بوصوله‬ ‫ّ‬ ‫يميــز هــذا الكتــاب هو وضوحــه‬ ‫إن مــا ّ‬ ‫مــن (‪ )2.5‬مليــار شــخص إضافــي‪ ،‬وســيتركَّ ز أغلبهــا علــى طــول‬
‫االقتصادييــن الذيــن‬‫ِّ‬ ‫الالعبيــن‬ ‫ــة‬ ‫وخاص‬
‫ّ‬ ‫عريــض‪،‬‬ ‫جمهــور‬ ‫إلــى‬ ‫ارتفاع منســوب الميــاه الحيا َة‬ ‫ُ‬ ‫الســواحل‪ ،‬حيــث يمكــن أن يجعل‬
‫قويــة‬
‫ـدي الحضــري‪ ،‬ويبحثــون عــن معاييــر ّ‬ ‫يدركــون حجــم التحـ ّ‬ ‫‪-‬ربما‪ -‬مســتحيلة‪ ،‬وحتى في أكثر الســيناريوهات‬ ‫أكثر صعوبةً أو َّ‬
‫لفهمه ‪.‬‬ ‫تفــاؤالً‪ ،‬مــع زيــادة درجات الحــرارة العالميــة المقدرة بـــدرج َت ْين‬
‫ـدق جرس‬ ‫عامــة عــن واقــع مدننا‪ ،‬ويـ ّ‬ ‫ـدم «دي شــالندر» لمحــة ّ‬ ‫يقـ ّ‬ ‫مئوي َت ْيــن‪ ،‬ســيصل ارتفــاع المحيطــات إلــى (‪ )cm 40‬فــي أفــق‬ ‫َّ‬
‫التحضر‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬مرآ ًة‬ ‫ُّ‬ ‫ا أن يكــون‬‫اإلنــذار لــكلّ عشــاق المدن‪ ،‬آمـ ً‬ ‫ســنة (‪.)2100‬‬
‫للحضــارة‪ ،‬وأن تكــون الحضــارة‪ ،‬بدورهــا‪ ،‬متناغمــة مع اإلنســان‪،‬‬ ‫التحديــات األخــرى التــي يطرحهــا «دي شــالندار» مشــكل‬ ‫ِّ‬ ‫ومــن‬
‫ومــع مصيــره‪ .‬عبد الرحمــان إكيدر‬ ‫التن ُّقــل واالكتظــاظ المــروري‪ ،‬ففي باريس‪ ،‬مثالً‪ ،‬ســيكون التنقُّل‬

‫‪39‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫قراءات‬

‫يوخن هوريش‪..‬‬
‫كيف ش َّوهت ال ّرقمنة والجَ ائِحة لغة الجسد!‬
‫ـل هيمنــة‬ ‫الديناميكيــة والحسـ ّـية منــذ مطلــع القــرن الحــادي والعرشيــن يف ظـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫«تناقصــت قيمــة األيــدي برمزيتهــا‬
‫اليومية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجا ِئحــة يك تُفا ِقــم مــن ســيناريو اإلهــال الواضح لقيمة األيــدي يف تفاصيل الحياة‬ ‫اآللــة‪ ،‬لتــأيت ظــروف َ‬
‫عاص وأســتاذ‬ ‫مل ِ‬ ‫ملفكِّر ا ُ‬‫نودع طقسـ ًا قدمي ًا انتزع حميمية التواصل»‪ ...‬هكذا يتســاءل «يوخن هوريش»‪ ،‬ا ُ‬ ‫كأننا ِّ‬
‫األملانيــة الحديثــة وتحليــل وســائل اإلعــام بجامعــة «مانهايــم»‪ ،‬يف كتابــه الجديــد «األيــدي‪ ..‬تاريــخ‬ ‫ّ‬ ‫الدراســات‬
‫ـايف‪ »Hände..Eine Kulturgeschichte/‬الصــادر عــن دار نــر «‪ ،»Hanser‬عـ ّـا إذا كانــت حياتنــا ال تــزال‬ ‫ثقـ ّ‬
‫تصدعــات‬‫ُّ‬ ‫ـل مــا لحــق بهــذه ال ّلغــة مــن‬
‫خاصــة يف ظـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ثقافيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يف أيدينــا‪ .‬يتنــاول الكتــاب لغــة الجســد مــن زاويــة‬
‫الجا ِئحــة التــي فرضــت انحســاراً قرسيـ ًا للتواصــل الجســدي‪ ،‬حيــث يرى «هوريــش» أن البرشَ ماضون‬ ‫بالتزامــن مــع َ‬
‫يف طريقهــم لتدشــن عالقــة أكــر اضطرابـ ًا مــع الجســد بعــد أن صــارت «لغــة الجســد» مجـ َّـرد «أوقــات منسـ ّـية»‬
‫يف زمــن الوبــاء‪.‬‬
‫ـايف‪ ،‬مــع الرتكيــز عــى‬ ‫يــرح «هوريــش» التأثــرات املعرفيــة لهــذه ال ّلغــة شــديدة الخصوصيــة يف املــوروث الثقـ ّ‬
‫«األيــدي» باعتبارهــا العضــو األكــر فاعليــة وتأثــراً يف هــذه ال ّلغــة الحسـ ّـية‪ ،‬إذ ُي َعـ ُّـد الكتــاب مبثابــة دراســة خــارج‬
‫األنرثوبولوجية‬
‫ّ‬ ‫الثقايف لأليدي والذي ميتد إىل ما وراء الدراسات األدبية إىل االعتبارات‬ ‫ّ‬ ‫الصندوق حول التاريخ‬
‫التاريخية للكلامت‬
‫ّ‬ ‫ـيكيات األدب األملــاينّ‪ ،‬حيــث يغــوص الكا ِتــب داخل االشــتقاقات‬ ‫مــن خــال التنقيــب يف كالسـ ّ‬
‫ـي لكلمــة يــد «‪ ،»manus‬والوقوف عىل العديد من التعابري‬ ‫ملصطلحــات‪ ،‬التــي يرجــع أغلبهــا إىل األصــل الالتينـ ّ‬ ‫وا ُ‬
‫ـعبية‪.‬‬
‫ُّغوية التشـ ّ‬
‫ملفردة وداللتها الل ّ‬ ‫ملتعلِّقــة باســتخدام هذه ا ُ‬ ‫ملب ِّكــرة ا ُ‬
‫للمدخــات املعجميــة ا ُ‬ ‫االصطالحيــة ُ‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪40‬‬


‫نصوصــه لــم يلحظهــا الباحثــون بعــد‪.‬‬ ‫ســيد «هوريــش»‪ ..‬هــل هــي مصادفــة أن يكــون بطــل أشــهر‬
‫األلماني للكاتب الكبير «يوهان فولفجانج‬ ‫ّ‬ ‫كالسيكيات األدب‬
‫ّ‬
‫ُّغويــة التــي تقــول إن كلمــة «يــد»‬
‫متحمــس للفرضيــة الل ّ‬ ‫أنــت‬ ‫لغويـ ًا «قبضــة اليد»؟‬ ‫ـمى «فاوســت» وهــو مــا يعنــي‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫جوتــه» يسـ َّ‬
‫ولغات أخرى‪ ...‬حيث تقول‬ ‫ٍ‬ ‫األلمانية‬
‫ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬‫لغتن‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـوة‬
‫ـ‬ ‫بق‬ ‫ـرة‬
‫ـ‬ ‫حاض‬ ‫إلى أي مدى هذه الصلة قائمة بين االسم وداللته في واحدة‬
‫«تكررت كلمة «يد» في كتاب «‪»Buddenbrooks‬‬ ‫في كتابك‪:‬‬ ‫ـي؟ ولــم اخترت‬
‫َّ‬ ‫ـي والعالمـ ّ‬‫ـيكيات األدب األلمانـ ّ‬
‫ـم كالسـ ّ‬ ‫مــن أهـ ّ‬
‫ً‬
‫لـ«تومــاس مــان» فيمــا يقــرب مــن ‪ 643‬موضعـا فــي حوالــي ‪837‬‬ ‫لغــة «جوتــه» تحديــداً لتقــوم بتشــريحها فــي كتابــك؟‬
‫تفســر‬
‫ـم مثيــر للدهشــة‪ .‬كيــف ِّ‬ ‫صفحــة»‪ ..‬والواقــع أن هــذا رقـ ٌ‬ ‫‪ -‬بالطبــع‪ ،‬ليــس ذلــك مــن قبيــل الصدفــة‪ .‬لقــد كان جوتــه‬
‫لغوية»؟‬
‫ّ‬ ‫أدبيـ ًا كـ«ظاهــرة‬
‫ّ‬ ‫المفــردة‬ ‫هيمنــة هــذه ُ‬ ‫شــديد الحساســية فــي انتقــاء أســماء أبطالــه‪ ،‬ودائمــ ًا مــا‬
‫‪ -‬يبــدو األمــر أشــبه باللعبة‪ ،‬لقــد كان «توماس مان» مهووسـ ًا‬ ‫ربمــا رأى‬ ‫كان لديــه مغــزى أدبــي مــن اختيــار أســماء بعينهــا‪ّ .‬‬
‫بمفهــوم «اليــد» وداللتــه فــي اللّغة‪.‬كما هو معــروف‪ ،‬أن رواية‬ ‫البعــض أن ذلــك تفســير مبا َلــغ فيــه مــن جانبــي‪ ،‬لكننــي أثــق‬
‫ثريــة منخرطــة فــي‬ ‫ـدث عــن عائلــة ّ‬ ‫«‪ »Buddenbrooks‬تتحـ َّ‬ ‫األدبي‪،‬‬ ‫بــأن «فاوســت»‪ ،‬بطل المســرحية األشــهر في تاريخنــا‬
‫ّ‬
‫المفــردات‬ ‫مجــال التجــارة‪ .‬إذن أنــت تتــداول العديــد مــن ُ‬ ‫هــو اســم وصفــي داللــي مــن الدرجة األولــى‪ ،‬وليس بــأي حال‬
‫المتعلِّقــة بالبضائــع وطــرق تبادلهــا‪ .‬فالتجــارة ال تعنــي‬ ‫ُ‬ ‫تاريخيــة فقــط‪ .‬لقــد كان‬‫ّ‬ ‫مــن األحــوال‪ ،‬تــم انتقــاؤه ألسـ ٍ‬
‫ـباب‬
‫ـم‬ ‫شــيئ ًا ســوى حركــة نشــطة بيــن اليديــن‪ .‬واألســئلة التــي تـ َّ‬ ‫شــخصية مثيــرة للفضــول ودائمــة البحــث عــن‬ ‫ّ‬ ‫«فاوســت»‬
‫تناولهــا فــي الروايــة تــدور تحديــد ًا حــول هــذا‪ :‬هــل ســيتمكن‬ ‫ـي للحيــاة‪ ،‬مــا قــاده إلــى اســتدعاءات مثيــرة‬ ‫ـ‬ ‫الحقيق‬ ‫الجوهــر‬
‫ّ‬
‫«آل بودنبروكــس» مــن العمــل يــد ًا بيــد؟ هــل الســيدة «تونــي‬ ‫عبــر األحــداث‪ .‬كمــا أنــه كان دائــم البحــث عــن يــد اللــه التــي‬
‫بودنبــروك» لهــا حظــوظ مــع الرجــال الذيــن يطلبــون يدهــا؟‬ ‫الفلســفي الــذي‬ ‫تنتشــله مــن الغوايــة‪ ،‬وهنــا ي َّتضــح الربــط‬
‫ّ‬
‫المســتوى الداللــي‬ ‫وهكــذا مــن االســتخدمات الالنهائيــة علــى ُ‬ ‫صنعــه «جوتــه» بيــن اســم بطلــه ورحلتــه الحياتيــة‪ .‬فنحــن ال‬
‫بمفــردة «اليــد»‪ .‬ولكن‪ ،‬فــي الواقع‪ ،‬هذا‬ ‫التــي ترتبــط جميعهــا ُ‬ ‫ننتزع األشــياء ســوى بقبضة تســتميت في البحث عن غاياتها‪.‬‬
‫المكثــف عكــس حقيقــة هامــة للغاية في‬ ‫ـوي ُ‬
‫االســتخدام اللُّغـ ّ‬ ‫لقــد واجــه «فاوســت» الســؤال األكثــر إلغــاز ًا فــي الحيــاة‪« :‬ما‬
‫الروايــة‪ ،‬أال وهــي أن جميــع محــاوالت أبطــال الروايــة ودأبهــم‬ ‫الــذي يربــط العا َلــم معـ ًا فــي جوهــره»‪ .‬فــي هــذا «االلتصــاق»‬
‫النتــزاع الحيــاة بأيديهــم قــد بــاءت بالفشــل تمامـاً‪ ،‬ومــن هنــا‬ ‫تكمــن بالفعــل اســتعارة يدويــة‪ .‬إنــه يريد أن يعــرف بالفعل ما‬
‫لمفــردة واحــدة‬ ‫ـوي ُ‬
‫ـوع فــي التوظيــف اللُّغـ ّ‬ ‫يتبيــن مــدى التنـ ُّ‬
‫َّ‬ ‫الــذي يملكــه فــي يديــه ومــا الــذي ينحصــر تواجــده فــي أيــدي‬
‫أدبيـ ًا لخلــق إســقاطات حياتيــة عديــدة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـتخدامها‬ ‫ورحابــة اسـ‬ ‫القــوى العليــا فقــط؟ وما اللحظة الحاســمة التــي تلتقطه فيها‬
‫اليــد اإللهيــة؟ كذلــك لــم يقــع اختيــاري علــى أعمــال «جوتــه»‬
‫نحــن نعيــش زمــن «التفاصيــل المنســية»‪ ..‬يســتعرض كتابــك‬ ‫ـور قوي‬ ‫كــي أدلــل بهــا علــى أطروحتــي مــن فــراغ‪ ..‬هنــاك حضـ ٌ‬
‫المستحيل لمس‬ ‫ظل الوباء‪ ،‬أصبح من ُ‬ ‫هذه األطروحة‪ .‬ففي ّ‬ ‫ـعبية لكلمــة‬ ‫ـد ًا الســتخدام «جوتــه» للدوائــر الدالليــة التشـ ّ‬ ‫جـ ّ‬
‫المقربين‪ .‬لقد قلت‪« :‬إننا نعيش عصر نسيان‬ ‫األشخاص غير ُ‬ ‫المهيمنــة» فــي‬ ‫«يــد» فــي كثيــر مــن مؤلَّفاتــه‪ .‬هــذه «الفكــرة ُ‬
‫‪41‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫ُّغــوي لكلمــة «‪ »Digit‬نجدهــا تعــود إلــى‬
‫ّ‬ ‫وبتتبــع األصــل الل‬
‫ُّ‬ ‫األيــدي»‪ .‬فهــل تدعــو فــي كتابــك الجمــوع إلــى إيــاء المزيــد‬
‫تخيــل إننــا ‪-‬مع‬
‫َّ‬ ‫ـع»‪.‬‬
‫ـ‬ ‫«اإلصب‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫بمعن‬ ‫«‪»Digitus‬‬ ‫ـة‬‫ـ‬‫التيني‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫كلمـ‬ ‫مــن االهتمــام بأيدينــا مـ ّـرة أخرى؟‬
‫قميــة‪ -‬نعيــش فــي عصــر األصابــع‬ ‫الر‬
‫َّ ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫التكنولوجي‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫كلّ‬
‫العا َلــم بعيونٍ‬
‫‪ -‬فــي الواقــع يــدرك أي شــخص ينظــر إلــى هــذا َ‬
‫وليــس اليــد الكاملــة‪« ..‬ضاحــكاً»‪.‬‬
‫ـزاء أخــرى فــي جســدنا‪.‬‬ ‫يقظــة أننــا نولــي اهتمام ـ ًا كبيــر ًا بأجـ ٍ‬
‫هــل تعتبرهــا أحــد أشــكال الخســارة أننــا نكتفــي باســتخدام‬ ‫ـخصية»‪ ،‬أو الرئتــان ألنهــا عضــو‬ ‫ّ‬ ‫ا هــو «مقــر الشـ‬ ‫الدمــاغ مث ـ ً‬
‫ـرية اســتخدام‬ ‫معــرض للخطــر بشــكلٍ خــاص‪ ،‬أو األمعــاء ألن الكثيريــن‬
‫األصابــع فحســب عندمــا تتيــح لنــا طبيعتنا البشـ ّ‬
‫أيدينــا بالكامــل وال نفعــل؟ وهــل هــذا نتاجـ ًا لهيمنــة الرقمنــة؟‬ ‫ـد كبيــر بهــا‪ .‬فــي حيــن‪،‬‬‫يعتقــدون أن ســامتهم ترتبــط إلــى حـ ٍّ‬
‫تنوعــة‪.‬‬
‫ُ ِّ‬‫الم‬ ‫وقدراتهــا‬ ‫باأليــدي‬ ‫يتــم إيــاء اهتمــام متناقــص‬ ‫ُّ‬
‫‪ -‬ال أريــد أن يبــدو األمــر بائسـ ًا تمامـاً‪ ،‬لكننــي أعتقــد أننــا نحرم‬ ‫دعونــا نفكِّ ــر فقــط فــي تقليــص قيمــة العديــد مــن المظاهــر‬
‫مهــم مــن تجريــب عالمنــا إذا ك ّنــا نصــل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫جــزء‬ ‫أنفســنا مــن‬ ‫اليدويــة أو العزف على‬‫ّ‬ ‫اليدويــة‪ ،‬مثــل المخطوطــات‬
‫ّ‬ ‫الثقافيــة‬
‫ّ‬
‫إليــه بشــكلٍ أساســي عــن طريــق التمريــر الســريع والتواصــل‬ ‫موسيقية أو رسم اللوحات وتصميم المالبس وتسريحات‬ ‫آلة‬
‫المعقَّ دة‬ ‫ّ‬
‫االفتراضــي‪ .‬يبــدو لــي أن اللمــس هــو مركــز القضايــا ُ‬ ‫الشــعر والجراحــات الدقيقــة ومــا إلــى غيــر ذلــك من مهـ ٍ‬
‫ـارات‬
‫وأداة الوصــول الكبــرى‪ .‬هنــاك عبــارة شــهيرة ألرســطو يقــول‬ ‫مجرد‬ ‫خاصة‪ .‬هــذا‬ ‫حيويــة تعتمــد علــى األيدي بصفـ ٍ‬
‫ـة‬ ‫حياتيــة‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فيهــا‪« :‬اليــد هــي أداة كلّ األدوات‪ ..‬إن مــا نعيشــه اآلن مــن‬ ‫الديناميكيــة الخفيــة بيــن العقــل واليــد‪،‬‬ ‫ـرح‬
‫ـ‬ ‫يش‬ ‫ـيط‬ ‫ـ‬ ‫بس‬ ‫مثــال‬
‫تناقــص لقيمــة التالمــس واكتشــاف ماهيــة األشــياء إنمــا هــو‬ ‫ّ‬
‫المترجــم الفــوري للعديــد مــن العمليــات‬ ‫وكأنهــا تقــوم بــدور ُ‬
‫وليــد لمفهــوم «االفتراضيــة» الــذي بــدأ ينســحب علــى كافــة‬
‫واإلبداعيــة والتــي يصعــب اســتعاضتها ببديــل لــه‬ ‫ّ‬ ‫المعرفيــة‬
‫ّ‬
‫تفاصيــل الحيــاة وكأننــا صرنــا نكتفــي باختبارهــا عن ُبعــد‪ .‬لقد‬
‫المدهشــة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـتجابة‬ ‫ـ‬ ‫االس‬ ‫نفــس‬
‫«للعا َلــم الفعلــي»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ا منافسـ ًا‬ ‫«العا َلــم االفتراضــي» بديـ ً‬
‫َ‬ ‫صــار‬
‫نتحــدث عنــه‪ ،‬فهــي‬ ‫َّ‬ ‫ــا‬ ‫عم‬
‫ّ‬ ‫بعيــدة‬ ‫ليســت‬ ‫بالفعــل‬ ‫الرقمنــة‬ ‫اتفــق معــك تمام ـ ًا‪ ..‬نســتخدم‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬هواتفنــا‬
‫أهم ّية األيدي‬
‫مشــتقة مــن كلمــة «أصابع» التــي وثَّقت تناقــص ِّ‬ ‫ـدة مـ ّـرات فــي اليــوم بواســطة أيدينــا‪ .‬هــذا المثــال‬ ‫الذَّكيــة عـ ّ‬
‫ال من‬ ‫وتراجعهــا‪ ،‬لتنحصــر فــي عدد مــن النقرات الســريعة بد ً‬
‫البســيط يعكــس أيض ـ ًا الــدور الهــام الــذي تلعبــه أيدينــا‪...‬‬
‫االســتغراق فــي الجانب الحســي لألشــياء‪ .‬لم نعــد نتحكم في‬
‫األشــياء بأيدينــا‪ ،‬بــل بأصابعنــا‪ .‬وحتــى هــذا العصــر‪ ،‬أصبحنــا‬ ‫‪ -‬ســتندهش أكثــر عندمــا أفــكّ ك لــك هــذه اآلليــة مــن منطلـ ٍ‬
‫ـق‬
‫نتركــه وراءنــا تدريجي ـاً‪ .‬نحــن نقفــز اآلن إلــى مســاحة أخــرى‬ ‫ـوي‪ .‬فــي البدايــة‪ ،‬يبــدو األمــر كمــا ذكــرت وإننــا نســتخدم‬ ‫لغـ ّ‬
‫ســتلغي حتــى اســتخدام األصابــع؛ كأن نتحكَّ ــم فــي األجهــزة‬ ‫هواتفنــا بأيدينــا‪ ،‬لكــن لــو ألقينــا نظــر ًة فاحصــةً علــى األمــر‪،‬‬
‫المختلفــة عبــر بصمــة الصــوت أو الوجــه‪ .‬نقــوم بتجريــب‬ ‫ُ‬ ‫ســنجد أننــا ال نســتخدم هواتفنــا المحمولــة بأيدينــا كاملــة‪،‬‬
‫القيــادة عــن ُبعــد فــي الطائــرات والمالحــة‪ ،‬وفتــح هواتفنــا‬ ‫ولكــن بأصابعنــا‪ .‬لذلــك كان بديهيــ ًا للغايــة أن نطلــق علــى‬
‫ببصمــة الوجــه أو الصــوت‪ .‬هــذا مــا اعتبــره تغييــر ًا حاســم ًا‬ ‫قميــة‪.»Digital Era /‬‬ ‫الر ّ‬
‫عصرنــا الحالــي اســم «الحقبــة َّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪42‬‬
‫هــو فريـ ٌـد مــن نوعــه وال يمكــن تكــراره‪ .‬وذلك علــى النقيض من‬ ‫ـول إلــى عالقــة لــم‬‫بالعا َلــم‪ ،‬والتــي تتحـ َّ‬‫فــي عالقتنــا الماديــة َ‬
‫رقميــة‪ ،‬ليبقــى العمــل‬
‫ّ‬ ‫ـم تصنيعــه بــاآلالت أو بصــور ٍة‬
‫شــيء يتـ ُّ‬ ‫ـور عالقة مضطربــة تمام ًا‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫نط‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫نح‬ ‫األصل‪.‬‬ ‫تعــد ملموســة مــن‬
‫اليــدوي ليــس مثالي ـ ًا بــأي حــال مــن األحــوال مقارنــةً بنظيــره‬ ‫مــع كلّ مــا هــو جســدي ولــه عالقــة بالجســد‪ .‬وبالتالــي أيضـ ًا‬
‫اآللــي‪ ،‬لكنــه يحمــل ملمحـ ًا مــن روح صانعــه وهــو مــا يكســبه‬ ‫نمضــي نحــو عالقــة مضطربــة مــع الكــون‪ .‬حقيقــة أننــا لــم‬
‫تفـ ُّـرده‪ ...‬ففــي نهايــة المطــاف نجد أنفســنا نتو َّقــف عند الفارق‬ ‫اإللكترونية أو اإلمالء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نعــد نكتــب بأيدينا‪ ،‬بــل نكتفي بالكتابــة‬
‫المدهــش الــذي يخلقــه العمــل باليــد مـ ّـر ًة أخــرى‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫لهــا تأثيــرات معرفيــة كبيــرة‪ ،‬إذ يتفــق علمــاء األنثروبولوجيــا‬
‫أدى‬ ‫ـور اليــد هــو الــذي ّ‬
‫التطوريــة علــى أن تطـ ُّ‬‫ُّ‬ ‫وعلمــاء األحيــاء‬
‫‪« -‬اليــد» هــي مايســترو الحيــاة وضابطة إيقاعهــا‪ .‬أعرف بعض‬
‫ـور نشــاط المــخ‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫تط‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـرة‬
‫إلــى قفــزة كبيـ‬
‫األشــخاص البارعيــن فــي العــزف علــى الكمــان أو البيانو‪ ،‬وقد‬
‫أكَّ ــدوا لــي جميعـ ًا أنــه مــن غيــر المعقــول تمامـ ًا بالنســبة لهم‬ ‫أتعتقــد أنــه يوجــد وراء العديــد مــن االســتعارات اليدويــة‬
‫الموســيقى‪ ،‬بــل اليد‬ ‫أن يعطــي المــخ األوامــر لليــد عنــد عــزف ُ‬ ‫افتراضــات ميتافيزيقيــة؟ وهــل يمكنــك شــرح االرتبــاط الوثيــق‬
‫ـرك الدمــاغ وليــس العكــس‪ .‬هنــا نجــد أن‬ ‫هنــا هــي التــي تحـ ِّ‬ ‫المعرفــي‬ ‫بيــن اليــد والعقــل‪ ،‬فكيــف يمكنــك وصــف أدائنــا‬
‫العــزف‪ ،‬مثـاً‪ ،‬قــد تجــاوز كونــه معادلة مــن التفكيــر الواعي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فــي ضــوء هــذا الربــط؟ وكذلــك كيــف تربــط اللُغــة بيــن اليــد‬
‫ليصبــح ذلــك البريــق واالتقــاد الــذي صنعتــه اليــد وحدهــا‬
‫والمشــاعر‪ ،‬فيمــا نســميه بـ«األحاســيس»؟‬
‫فــي حضــور العقــل‪ .‬أعنــي األمــر بجديــة شــديدة‪ :‬أجــزاء مــن‬
‫الدمــاغ مســؤولة فعليـ ًا عــن نشــاط اليــد‪ ،‬ولكــن هنــاك جــزء‬ ‫ترجم‬‫أيديولوجي‪ ،‬أرى أنه مــن الذكاء أن ُت َ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬مــن منظــو ٍر نقـ ّ‬
‫ـدي‬
‫ـرد شــديد‪ .‬العديد مــن الفَ َّنانيــن‪ ،‬بما في‬ ‫حــر تصوغــه اليــد بتفـ ُّ‬ ‫الصحيــة‪ .‬كمــا أن‬
‫ّ‬ ‫اليــد ميتافيزيقيـ ًا علــى أنهــا مثــال للواقعيــة‬
‫الرســامين‪ ،‬يقفــون أمــام لوحاتهــم‪ ،‬ليصنعــوا خطوطـاً‬ ‫ّ‬ ‫ذلــك‬ ‫ـري األساســي لفهم األشــياء من حولنــا قائم على‬ ‫منجزنــا الفكـ ّ‬
‫تميزهــم عــن‬ ‫ِّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫بصم‬ ‫ـبه‬‫ـ‬ ‫يش‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فيم‬ ‫ـم‪،‬‬‫ـ‬ ‫غيره‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫يصنعه‬ ‫ال‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫معين‬
‫َّ‬ ‫اليــد‪ .‬لكننــا كثيــر ًا مــا ننســى هــذا االرتبــاط الوثيق‪ .‬لغتنــا تعيد‬
‫غيرهــم‪ .‬وهــذا بالطبــع غيــر مخطّ ــط لــه ســلف ًا فــي الدمــاغ‬ ‫نتحدث عن «اســتيعاب»‬ ‫َّ‬ ‫إنتاجهــا بشــكلٍ ّ‬
‫جيــد للغاية‪ ،‬عندمــا‬
‫تحرر نفســها بنفســها‪ .‬وكلمة «تحرير» مشتقة‬ ‫ـري‪ ..‬اليد ِّ‬ ‫البشـ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شــيء مــا‪ ،‬ونعنــي بذلــك مفهوم ـا فكري ـا أو عمليــة معرفيــة‬
‫حر ّيــة اليــد لهــا قــوة فائقــة وغامضــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـد»‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫«ي‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫كلم‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫أيضـ ًا م‬ ‫ـص الجانــب الحســي فــي اللّغــة وعالقتــه‬ ‫موازيــة‪ .‬وفيمــا يخـ ُّ‬
‫ً‬
‫إن تحريــر اليــد مــن ســيطرة الدمــاغ يعنــي أيضـا أن الفَ َّنانيــن‬ ‫ال بســيط ًا عندمــا نتأ ّثــر بشــيء مــا‪،‬‬ ‫باأليــدي‪ ،‬أســوق لــك مثــا ً‬
‫ليســوا دائم ـ ًا األجــدر علــى تشــريح أعمالهــم وتحليلهــا‪ .‬هــم‬ ‫ـد أن يكــون ذلــك نتاجـ ًا القتــراب مــادي مــع هــذا الشــيء‪.‬‬ ‫البـ ّ‬
‫صانعوهــا ال بــأس‪ ،‬لكنهــم لــم يفكِّ ــروا فــي األمــر ك ّلــه بوعــي‬ ‫كلّ هــذه االختالجــات يولدهــا نطــاق اللمــس‪ ،‬بحيــث تشــترك‬
‫ـميه بـ«شــطحات الفَ َّنانين»‪.‬‬ ‫كامــل‪ ،‬وهــو مــا نسـ ّ‬ ‫كلّ مــن «اليــد» وفعــل «اللمــس» فــي مركزيــة حســية واحدة‪.‬‬
‫اســمح لــي أن أكــون عاطفيـ ًا بعــض الشــيء وأقتبس شــطرات‬
‫حدثنــا عــن الفلســفة‪ ،‬التــي يمكــن ســرد قصتهــا أيضـ ًا علــى أنهــا‬
‫ِّ‬ ‫مــن القصيــدة الرائعــة التــي كتبهــا «ريلكــه»‪ ،‬والتــي تقــول‪:‬‬
‫نــزاع دائــم مــع مصداقيــة حــواس المــرء‪ .‬مــا هــو الــدور الــذي‬ ‫لكن كلّ ما يمسنا‪ ،‬أنا وأنت‬
‫تلعبــه األيــدي فــي حــب «الحكمــة»؟‬ ‫يجمعنا مع ًا مثل القوس‬
‫الغربيــة مــع أفالطــون‪،‬‬ ‫‪ -‬إذا كنــت تريــد أن تبــدأ بالفلســفة‬ ‫يسحب الصوت من خيطين‬
‫ّ‬ ‫ُترى أي آلة هذه التي توقد حماسنا؟‬
‫فعليــك أن تالحــظ انخفاضـ ًا فــي قيمــة األيــدي منــذ البدايــة‪.‬‬
‫خاصــة‪ ،‬كان هــذا‬ ‫فــي حالــة أفالطــون التــي اعتبرهــا حالــة‬ ‫وأي عازف كمان ذلك الذي يسكن أيدينا؟‬
‫ّ‬
‫ثريــة ولــم يكــن مطروحـ ًا‬ ‫يرجــع إلــى كونــه ينحــدر مــن عائلــة ّ‬ ‫المصافحــة‪ ...‬مــا الــذي خســرناه‬
‫أفقدنــا الوبــاء قدرتنــا علــى ُ‬
‫ـدوي‪ .‬لذلــك‬ ‫االجتماعيــة القيــام بعمــل يـ ّ‬
‫ّ‬ ‫لرجــل مــن شــريحته‬
‫جـ َّـراء ذلــك الفقــد؟‬
‫لــم تظهــر هــذه العالقــة بقــوة فــي فلســفته‪ .‬لقــد كان يــرى‬
‫أما بالنســبة لـ«كانــط»‪ ،‬فنجده‬ ‫الع َّمــال عبيــد ًا ال أكثــر‪ّ .‬‬
‫هــؤالء ُ‬ ‫‪ -‬تــزداد حياتنــا ثقـاً‪ ،‬وتبتعــد أكثــر فأكثر عن دائــرة الملموس‬
‫تجريديــة‬
‫ّ‬ ‫يغفــل هــذه الفلســفة تقريب ـاً‪ ،‬فهــو صاحــب نظــرة‬ ‫مجرد «كائنات»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫والحســي‪ ،‬لنصبح بلغة «هايدجــر» العامية‪:‬‬
‫عنيفــة بعــض الشــيء‪ ،‬إذ يــرى الميــاد بمثابــة فعــل قهــري‬ ‫ففــي نهايــة المطــاف يســفر هــذا أيضـ ًا عــن توليــد المزيــد مــن‬
‫تحكمــه الطبيعــة‪ ،‬وأن األشــخاص ال يملكــون حتــى تفاصيــل‬ ‫المؤامــرة فــي ضــوء تفاقــم‬ ‫نظريــات ُ‬
‫ّ‬ ‫وتفشــي‬
‫ّ‬ ‫األخبــار الزائفــة‬
‫المفكِّ ــرون الماديــون؛ من أمثال‬ ‫أما ُ‬ ‫هــذه الحيــاة فــي أيديهــم‪ّ .‬‬ ‫ـي والفجــوة الحسـ ّـية بيــن البشــر‬ ‫ـ‬ ‫االجتماع‬ ‫ـاب‬ ‫مســاحة الرهـ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫«لودفيــج فيوربــاخ» أو الفالســفة الحســيين مثــل «فريدريــك‬ ‫ـؤدي ذلك التناقص‬ ‫ـعوري‪ ،‬إذ يـ ِّ‬‫ّ‬ ‫ـدي والشـ‬ ‫التباعد الجسـ ّ‬
‫ُ‬ ‫بفعــل‬
‫ـداً‪.‬‬ ‫خصصــوا لهــذه الفرضيــة صفحــات قليلــة جـ ّ‬ ‫نيتشــه» فقــد َّ‬ ‫وتغير طبيعته‬ ‫ُّ‬ ‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫ـدي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الجس‬ ‫التواصل‬ ‫منحنى‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـاد‬
‫الحـ‬
‫حتــى فــي القــرن العشــرين مــع «تيــودور دبليــو أدورنــو» أو‬ ‫ـم تقديــر‬
‫ربمــا ال يتـ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫المألوفــة إلــى اضطرابــات نفسـ ّـية كبيــرة‪ّ ،‬‬
‫«لودفيــج فيتجنشــتاين» ال يوجــد شــيء عملي ـ ًا علــى ذلــك‪.‬‬ ‫خاصــة بالنســبة‬ ‫ّ‬ ‫النفســية بدقّــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫خطورتهــا وانعكاســاتها‬
‫أحدثــك عنــه‪ ،‬لــه جانــب مظلــم أيضــ ًا‬ ‫فهــذا الســحر الــذي ِّ‬ ‫يتعيــن عليهم البقاء دون اتصــال لفتر ٍة طويلة‬ ‫َّ‬ ‫لألطفــال الــذي‬
‫يرافقــه‪ .‬ولكــن‪ ،‬يبقــى االســتثناء الكبيــر هو «مارتــن هايدجر»‪،‬‬ ‫االجتماعيــة الحقـاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا فــي ســلوكياتهم‬ ‫ِ‬
‫ممــا ُيحــدث خلـ ً‬‫ـداً‪ّ ،‬‬ ‫جـ ّ‬
‫جلي ـ ًا‬
‫عمليــة‪ ،‬وهــو مــا اتضــح ّ‬ ‫ّ‬ ‫الــذي تفلســف يدوي ـ ًا بصــور ٍة‬
‫ـدد أيضـ ًا «كونديــاك»‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـخية‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ُّغويــة الس‬
‫فــي مصطلحاتــه الل ّ‬ ‫إذا حاولت الوصول إلى ماهية قيمة «الجمال»‪ ،‬فأنت تدرك‪،‬‬
‫مما‬ ‫ـعر بواســطة اللمــس لــه حقيقــة أعمــق ّ‬ ‫علــى أن مــا ُيستشـ َ‬ ‫ـم إنشــاؤه باليــد‬
‫بمفهــوم «جوتــه»‪ ،‬أن الشــيء الوحيــد الــذي تـ َّ‬
‫‪43‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫أتحدث عن انســجامه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫المجمل‬‫ـرد الجســد‪ ،‬لكنني في ُ‬ ‫عــن تمـ ُّ‬ ‫ـمع «فقــط»‪ .‬كمــا وصــف «شــليغل» األيــدي بأنهــا‬ ‫ُيــرى أو ُيسـ َ‬
‫ـمح‬
‫الــذي يجــب أن نكــرس أنفســنا لــه أكثر‪ ،‬خاصــةً عندما ُيسـ َ‬ ‫ـدد «هيردر»‬ ‫ـرة»‪ ،‬فيمــا شـ ّ‬ ‫«هوائيــات العقــل» و«فضاءاتــه الحـ ّ‬
‫مرة أخرى وعــودة اللمســات التي هجرت‬ ‫بمعانقــة النــاس ّ‬ ‫لنــا ُ‬ ‫أهميتهــا فــي اكتشــاف الــذات‪ ،‬قائـاً‪ :‬مــن خــال لمــس‬ ‫علــى ِّ‬
‫حياتنا‪.‬‬ ‫ً‬
‫خاص ـا بــه؛‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ـرء حــدودا ووجــودا‬ ‫األشــياء األخــرى‪ ،‬يختبــر المـ ُ‬
‫ـرء‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـدرك‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫هك‬ ‫ـس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اللم‬ ‫فقــط يتحقَّ ــق ذلــك مــن خــال‬
‫العا َلــم؟ بيــده أم بالكلمــات؟ هــذا المنظــور‬
‫كيــف خلــق اللــه َ‬ ‫نفســه»‪.‬‬
‫ُّغويــة؟‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫أطروحت‬ ‫ـوء‬ ‫ـ‬‫ض‬ ‫كيــف تفلســفه فــي‬
‫تستشــهد فــي كتابــك أيضــ ًا بمقطــع مــن كتــاب «جــان بــول‬
‫المدهــش فــي ســفر التكويــن‪.‬‬ ‫‪ -‬كالهمــا‪ .‬هــذا هــو الشــيء ُ‬ ‫سارتر»‪ ،»The Disgust« :‬الذي يعرب فيه عن قلقه العميق‬
‫مــن ناحيــة‪ ،‬قــال اللــه إنــه ســيكون هنــاك نــور‪ ،‬وكان بالفعــل‪.‬‬ ‫ربمــا ال يملــك ســلطان ًا‬
‫مــن أن يــده التــي أمامــه علــى الطاولــة‪ّ ،‬‬
‫لوغولوجيــة للخلــق مــن خالل قــوة الكلمة‬
‫ّ‬ ‫لذلــك فهــي عمليــة‬ ‫عليهــا‪ ،‬فتبــدو كأنهــا علــى قيــد حيــاة ال يعرفهــا‪ ..‬مــاذا تقصــد‬
‫ـة أخــرى‪ِ ،‬قيــل الحقـاً‪ ،‬إن اللــه خلقنــا مــن‬ ‫الخلقــة‪ .‬مــن ناحيـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫بهــذا االستشــهاد؟‬
‫التــراب والطيــن‪ .‬وهــو مــا ُيعظِّ ــم «علويـاً» مــن دور اليــد‪ .‬لقــد‬
‫ـة أو بأخــرى‪.‬‬ ‫‪ -‬أعتقــد أننــا جميعـ ًا نعــرف هــذا الشــعور بطريقـ ٍ‬
‫ـه دون الحاجــة إلــى شــروح‪ .‬هــذا الفعــل المــزدوج‬ ‫صنعنــا اللـ ُ‬
‫التوحيدية الرئيسـ ّـية الثالث‪.‬‬ ‫الوحي‬ ‫ديانات‬ ‫جميع‬ ‫ـي‬ ‫موجــود فـ‬
‫تفســر ذلك مثل‬ ‫علــى األقــلّ نحــن جميعـ ًا علــى درايــة بتعابير ِّ‬
‫ّ‬ ‫«انزلقــت يــدي»‪ .‬لدينــا معرفــة بديهية أن اليد يمكــن أن تصبح‬
‫اللــه هــو أكثــر مــن إلــه للكلمة ُينــزل وحــي الكلمــات‪ ،‬لكنه يمد‬
‫ـدث العديــد‬ ‫مســتقلّة فــي أفعالهــا‪ ،‬فــي ســياقات ســلبية‪ .‬يتحـ َّ‬
‫خفيــة يصعــب شــرحها‪ ،‬لكنهــا‬ ‫ّ‬ ‫يــده أيضـ ًا إلــى خلقــه بطريقــة‬ ‫مــن الفَ َّنانيــن أيضـ ًا عــن هيمنــة أياديهــم وأحيانـ ًا ســلطويتها‪.‬‬
‫حقيقــة ال تقبــل الجــدل‪ ..‬يد اللــه كائنة بين خلقــه دائم ًا وأبداً‪.‬‬ ‫يتحدثــون عــن عــدم معرفة مــا تفعلــه أيديهم بالضبــط عندما‬ ‫َّ‬
‫حوار‪ :‬فينكا هوسمان ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬شيرين ماهر‬ ‫المثيرة‪ ،‬نجد أن‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫اللحظ‬ ‫في‬ ‫رنا‬ ‫فكّ‬ ‫ـو‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـون‪.‬‬
‫ـ‬ ‫يعزف‬ ‫أو‬ ‫ـمون‬ ‫يرسـ‬
‫ُ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫األيــدي تعــرف مــن تلقــاء نفســها إلــى أيــن تريــد الذهــاب دون‬
‫المصدر‪:‬‬
‫توجيــه أو تحديــد مســار‪ .‬هنــاك أيض ـ ًا أدلــة كثيــرة فــي علــم‬
‫‪https://www.zeit.de‬‬
‫الرابط المختصر‪:‬‬ ‫األعصــاب علــى أن أيدينــا تكــون أحيانـ ًا شــبحية‪ ،‬وأحيانـ ًا تكون‬
‫‪https://bit.ly/3xZlkdU‬‬ ‫خصومـ ًا ودودة ألدمغتنــا‪ .‬وفقـ ًا لذلــك‪ ،‬أردت الحديــث أيضـ ًا‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪44‬‬
‫تاريخ‬

‫بول أريي‬
‫«ولدت السياسة حول مائدة الطعام»‬
‫ـي شــامل بامتيــاز‪ .‬هــذا مــا يحــاول «بــول أريــي ‪ »Paul Ariès‬صاحــب كتــاب «نحــو تاريــخ‬
‫التغذيــة فعــل اجتامعـ ّ‬
‫سيايس للتغذية»‪ ،‬ورئيس تحرير مجلة «‪ »Les Z’Indigné(e)s‬إبرازه من خالل أبحاثه التي تجمع بني التاريخ‬
‫والسوســيولوجيا وعلــم السياســة‪ ،‬حيــث يســعى إىل استكشــاف مــا تفصــح عنــه أطباقنــا وأذواقنــا‪.‬‬

‫المص َّنعــة دون أن‬ ‫الســوفيات يحلمــون باألغذيــة ُ‬ ‫ما الذي يدفعكم إلى القول بأن وجبة طعام تشكِّل‬
‫ولربمــا‬
‫ّ‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫التقني‬ ‫تتو َّفــر لديهــم آنــذاك اإلمكانيــات‬ ‫سياسي ًا بامتياز؟‬
‫ّ‬ ‫فع ً‬
‫ال‬
‫ـرة فــي التاريــخ مــن تحقيــق هــذا‬ ‫ألول مـ ّ‬
‫ســنتمكّ ن ّ‬ ‫‪ -‬ألن المائــدة والسياســة تتداخــان علــى الــدوام‪.‬‬
‫الحلــم الخرافــي‪.‬‬
‫فالتغذيــة هــي مســألة توزيــع وقواعــد‪ ،‬وهــو‬
‫منــذ عشــرة آالف ســنة خلــت كانــت هنــاك قطيعتان‬ ‫ـدد فيــه األصدقــاء والخصــوم‪.‬‬ ‫المجــال الــذي يتحـ َّ‬
‫ـانية‪ .‬األولى عندمــا تمكَّ نت‬ ‫كبيرتــان فــي تاريخ اإلنسـ ّ‬ ‫ـد ًا أن تخزيــن الطعــام والنــار التــي‬ ‫المحتمــل جـ ّ‬
‫مــن ُ‬
‫َأقل ّّيــة محــدودة للغايــة مــن التحكُّ ــم فــي المخــزون‬ ‫المشــتركة‬ ‫الممتلــكات ُ‬ ‫اســتعملت لطبخــه كانــا أول ُ‬
‫عبــرت عــن‬ ‫الغذائــي‪ .‬هــذه اللحظــة هــي التــي َّ‬ ‫ـانية‪ .‬ومــن هنــا يمكــن التصريــح بأن السياســة‬
‫ـري القديــم إلــى العصــر‬
‫ّ‬ ‫لإلنسـ ّ‬
‫االنتقــال مــن العصــر الحجـ ّ‬ ‫ُولــدت من خــال التغذية‪ .‬وبخصوص الرهان الكبير‬
‫ـانية عــن‬
‫ـري الحديــث‪ .‬وخاللهــا تخ ّلــت اإلنسـ ّ‬ ‫الحجـ ّ‬ ‫لعصرنــا فــإن األمــر ال يتعلَّق باســتيطان المجال‪ ،‬بل‬
‫الصيــد وااللتقــاط لتنتقــل إلــى الزراعــة والتدجيــن‪.‬‬ ‫بكيفيــة توفيــر الغــذاء لثمانيــة أو اثنــي عشــر مليــار‬
‫الدينيــة والتفاوتــات‬ ‫المعتقــدات‬
‫وظهــرت بالتتابــع ُ‬ ‫ـرف علــى مــا كان‬
‫ّ‬ ‫إنســان‪ .‬ولهــذا يجــب علينــا أن نتعـ َّ‬
‫االقتصاديــة‪ .‬فقــد أصبــح األقوياء يحتكــرون الغذاء‬
‫ّ‬ ‫يعنيــه فعــل األكل فــي الماضــي‪.‬‬
‫بالمقابــل تغذيــة الشــعب‪ .‬وتر َّتب عن‬ ‫ُ‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫عليه‬ ‫وصــار‬ ‫نحــن اليــوم عنــد مفتــرق الطريــق‪ :‬علــى مــاذا ســوف‬
‫هــذا نتائج عديدة‪ .‬فعندما قامت االنتفاضات األولى‬ ‫نتغــذَّ ى بعــد بضعــة عقــود؟ تبــدو الزراعــة الخلويــة‬
‫فــي مصــر القديمــة علــى ســبيل المثــال كان الدافــع‬ ‫كإحــدى اإلمكانــات المطروحة‪ ،‬حيث يمكننا صناعة‬
‫اليوميــة مــن‬
‫ّ‬ ‫التــزود بالحصــص‬
‫ُّ‬ ‫إليهــا هــو ضمــان‬ ‫مــواد غذائيــة مــن خــال اســتخالص خاليــا جذريــة‬
‫الخبــز والشــراب‪ ،‬وهــو لفــظ يجمــع فــي كلّ مــا هــو‬ ‫نزرعهــا لنصنــع غــذاء حســب الرغبــة‪ .‬نظريـ ًا يمكننا‬
‫حيــوي بالنســبة للنــاس آنــذاك‪.‬‬ ‫كمية الحليب‬ ‫ا مــن خــال ‪ 150‬بقرة أن ننتــج كلّ ّ‬ ‫مثـ ً‬
‫المســتهلكة اليــوم فــي كوكبنــا‪ .‬هــذا بالطبــع إذا‬ ‫ُ‬
‫الغذائيــة تكشــف عــن‬
‫ّ‬ ‫منــذ متــى صــارت الوجبــات‬ ‫صدقنــا الوعــود التــي تفصــح عنهــا التكنولوجيــات‬
‫التفاوتــات؟‬ ‫الحيوية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ألقــلّ منــذ ظهــور مــدن الــدول األولــى‪ ،‬وهذه‬‫‪-‬علــى ا َ‬
‫ـانية‪.‬‬ ‫هل يمكن حمل الزراعة الخلوية على محمل الجد؟‬
‫هــي القطيعــة الثانيــة الكبــرى فــي تاريــخ اإلنسـ ّ‬
‫الغذائــي‪ .‬لــم يعــد‬
‫ّ‬ ‫أســميه باالنفصــال‬
‫ِّ‬ ‫وهــو مــا‬ ‫‪ -‬ســتحظى هــذه الزراعــة بمزيــد مــن االهتمــام فــي‬
‫األثريــاء يرغبــون فــي تنــاول الشــيء نفســه الــذي‬ ‫ا كان‬‫المســتقبل‪ .‬فخــال الثــورة البلشــفية مثــ ً‬ ‫ُ‬
‫‪45‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫ببعــد آخــر‪ :‬المائــدة كمتعــة‪.‬‬‫الرومانيــة ُ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وهــي مدينــة للمائــدة‬ ‫ـيتطور الطبخ‬
‫َّ‬ ‫يتناولــه العــوام‪ ،‬وال تناولــه بالطريقة ذاتها‪ .‬وهنا سـ‬
‫إذ لــم تنفــق ّأيــة حضــارة علــى مائدتهــا مثــل مــا أنفقــت الحضــارة‬ ‫ـي األنثــوي‪.‬‬
‫الرفيــع الذكــوري فــي مقابــل الطبــخ اليومـ ّ‬
‫المبالــغ‬
‫ـد إصــدار تشــريعات لتقنيــن اإلنفــاق ُ‬ ‫الرومانيــة‪ ،‬إلــى حـ ّ‬
‫ّ‬ ‫المصريــة التي تخلَّت عن تناول‬
‫ّ‬ ‫نجســد هذا مع النخبة‬ ‫ِّ‬ ‫يمكننــا أن‬
‫فيــه علــى الطعــام‪.‬‬ ‫مخصص ًا للفئــات االجتماعية‬ ‫َّ‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫منذئ‬ ‫أصبح‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـر‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الخنزي‬ ‫لحــم‬
‫والمتعــة‪ ،‬تشــكِّ ل‬
‫إن هــذه األبعــاد الثالثــة‪ ،‬أي اللُّغــة والتقاســم ُ‬ ‫ّ‬ ‫الدينية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدنيــا‪ .‬فنبــذ الخنزيــر الــذي نجده في عــدد من العقائــد‬
‫المعادلــة التــي ينبغــي حلّهــا لنســير نحــو التغذيــة‬ ‫ُ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـزء‬
‫ـ‬ ‫ج‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫التمايز‬
‫ُ‬ ‫مؤشــر ًا علــى‬
‫ِّ‬ ‫كان فــي األصل‬
‫ّ‬
‫الســليمة‪ ،‬أي القــدرة علــى توفيــر الغــذاء الكافــي لــكلّ البشــر‬
‫المســتقبل‪.‬‬ ‫فــي ُ‬ ‫مجرد ورثة لألسالف؟‬
‫َّ‬ ‫الغذائية‬
‫ّ‬ ‫هل هذا يعني أننا في اختياراتنا‬
‫‪ -‬بــكلّ تأكيــد‪ ،‬فالمائــدة الفرنسـ ّـية مثـ ً‬
‫ا تبــدو لــي مدينــة لمائــدة‬
‫جيداً بأن وجبات الطعام تساهم بدورها في تشكيل‬
‫من المعلوم ّ‬ ‫العصــور القديمــة علــى ثالثــة مســتويات‪:‬‬
‫الوطنية‪...‬‬
‫ّ‬ ‫الهويات‬
‫ّ‬ ‫المصريــة بتم ُّثــل المائــدة كلغــة‪ .‬إذ إن‬ ‫‪ -‬فهــي مدينــة للمائــدة‬
‫ّ‬
‫ـرة أخــرى مثــال فرنســا‪.‬‬ ‫‪ -‬فــي هــذا الجانــب يمكننــا أن نأخــذ مـ ّ‬ ‫رمــز ًا هيروغليفيـ ًا واحــد ًا كان يــدل علــى فعلــي «أكل» و «تكلــم»‪.‬‬
‫ـرء يرغــب فــي أن‬ ‫فقبــل «لويــس الرابــع عشــر» عندمــا كان المـ ُ‬ ‫فقــد ابتكــر المصريــون القدمــاء األطعمــة الرمزيــة األولــى‪ ،‬اثنان‬
‫اإليطالــي‪ .‬وهــو طعــام‬
‫ّ‬ ‫جيــد‪ ،‬يتنــاول الطعــام‬ ‫يــأكل بشــكلٍ ّ‬ ‫منهــا يســترعيان انتباهــي بشــكلٍ خــاص‪ :‬الخبــز كرمــز للخلــود‪،‬‬
‫مرتكــز علــى االســتمتاع والوجبــات الحلــوة‪ .‬وفي هــذه المرحلة‬ ‫والشــراب كرمــز لألنســنة‪.‬‬
‫بــدأ الســعي إلــى ابتــكار مائــدة فرنسـ ّـية‪ ،‬لقــد كان هــذا قــرار ًا‬ ‫اإلغريقيــة بتمثُّــل المائــدة كتقاســم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وهــي مدينــة للمائــدة‬
‫الوطنية ســترتكز‬
‫ّ‬ ‫نبســط األمــور‪ ،‬فهــذه المائدة‬‫سياسـ ّـياً‪ .‬ولكــي ِّ‬ ‫اإلغريقيــة القديمــة للتعبيــر عــن فعلــي‬
‫ّ‬ ‫فهنــاك لفــظ واحــد فــي‬
‫اهتمام‬
‫ٍ‬ ‫ـن الصلصات مــع‬ ‫ـي مضافـ ًا إليه فـ ّ‬
‫علــى المطبــخ اإليطالـ ّ‬ ‫«أكل» و«تقاســم»‪ .‬ومــن هنــا فإن كلمتي زميــل (‪ )copain‬ورفيق‬
‫كبيــر بالحلويــات‪ .‬وصناعــة الحلويــات ُت َع ُّد فرع ًا من الهندســة‪،‬‬ ‫(‪ )compagnon‬فــي اللّغــة الفرنسـ ّـية تحيــان علــى َم ْن نتقاســم‬
‫ألنهــا تســمح بخلــق أشــكال هندسـ ّـية غايــة فــي الدقــة‪ .‬ومــن‬ ‫معــه الخبــز‪.‬‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪46‬‬
‫الغذائيــة‪ ،‬أو تســريع الخطــى علــى الجانــب اآلخــر مــع الزراعــة‬ ‫ّ‬ ‫هنــا اعتبــر رمزيـ ًا أن أكل الحلويــات ُيشــير إلــى االعتــراض علــى‬
‫اإليكولوجيــة‪ .‬فــي هــذا المنحــى الثانــي ســوف تكــون ضيعــة‬ ‫ّ‬ ‫الدينيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الظالميــة‬
‫التخصصــات‪ ،‬تنتــج الفواكــه والخضــر‬ ‫ُّ‬ ‫متعــددة‬
‫ِّ‬ ‫المســتقبل‬ ‫الفرنســية التــي اســتحوذت علــى خطــاب‬ ‫ّ‬ ‫ثــم جــاءت الثــورة‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫والحبــوب والقطانــي‪ ،‬وكذلــك الحليــب والبيــض‪ ،‬وأيض ـ ًا روث‬ ‫عصــر األنــوار‪ُ .‬خــذ علــى ســبيل المثــال األونســيكلوبيديا‬
‫موجهة نحو‬ ‫الحيوانــات الــذي يغــذّ ي دبــال التربــة‪ .‬إنهــا زراعــة‬ ‫(الموســوعة) التــي وضعهــا «ديــدرو»‪ ،‬نجــد أن المقــاالت‬
‫َّ‬
‫خصصــة للمطبــخ صاغهــا الفــارس «لويــس دو جوكــور»‪.‬‬ ‫الم َّ‬‫ُ‬
‫تلبيــة االحتياجــات المحلّيــة دون أن تكــون زراعــة منكفئة ذاتياً‪.‬‬
‫الذي كان شــخص ًا يعتبر بأن األكل الســليم هو األكل الشــعبي‪،‬‬
‫ألنهــا ال تلغــي التســويق مــن حســاباتها كل ّّيــاً‪ ،‬بــل هــي بــكلّ‬
‫ـي‪ .‬ففــرض فكــرة أن‬ ‫ـي والطبيعـ ّ‬ ‫ـي والواقعـ ّ‬
‫ألنــه األكل الحقيقـ ّ‬
‫بســاطة زراعــة تعيــد االعتبــار لعمــل الزراعــي وللبيئــة وتراعــي‬ ‫يتكون‬ ‫المواطــن الصالــح‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الشــخص ذا الــذوق الرفيــع‪ ،‬بمعنــى ُ‬
‫المواســم الفالحيــة وال تســتنزف الكثيــر من المــاء‪ .‬يقتضي هذا‬ ‫حــول مائــدة الطعــام‪ ،‬ألن اكتســاب القــدرة علــى التمييــز بيــن‬
‫األمــر تنويــع االختيارات‪ ،‬وهي اختيارات سياسـ ّـية‪ .‬هل يجب أن‬ ‫األذواق يفضــي إلــى اكتســاب القــدرة علــى التمييز بيــن األفكار‪.‬‬
‫نغــذّ ي ســكّ ان كوكبنــا بملياري مزارع صغير‪ ،‬أو بخمســمئة ألف‬ ‫لــذا عندمــا أدخلــت الثــورة الفرنسـ ّـية تغييــر ًا علــى المدرســة‪،‬‬
‫زراعيــة؟ إن إنتاج الطعام يســتهلك اليوم عشــرة‬ ‫ّ‬ ‫مســير ضيعــة‬ ‫أســندت للفرســان الســود (التعبيــر الــذي أطلقــه «شــار بيغــي»‬
‫أضعــاف مــا ينتجــه مــن الســعرات الحراريــة‪ /‬الكالوريهــات‪،‬‬ ‫علــى رجــال التعليــم) ثــاث مهــام‪ :‬تعليــم الصبيــان القــراءة‬
‫خصبات‬ ‫الم ِّ‬‫ألننــا نحتــاج إلــى الكثيــر مــن المحروقــات لصناعــة ُ‬ ‫والكتابــة‪ ،‬تعليمهــم الحســاب‪ ،‬وتعليمهــم القدرة علــى التمييز‬
‫والمبيــدات الحشــرية‪ .‬والجميــع علــى وعــي اليــوم بــأن هــذه‬ ‫جيــد ًا في فترة طفولتــي عندما كان‬ ‫بيــن األذواق‪ .‬وال زلــت أذكــر ّ‬
‫ُ‬
‫المنظومــة غيــر قابلــة لالســتمرار‪ ،‬فلــن ندافــع عــن البيئــة دون‬ ‫نميــز بعيــون مغلقــة أو مغمضة‪،‬‬ ‫يطلــب م ّنــا فــي المدرســة‪ ،‬أن ِّ‬
‫رائحــة الخــل عــن رائحــة الخــردل‪.‬‬
‫ـي ألطباقنــا‪.‬‬‫ـوع البيولوجـ ّ‬
‫أن نعيــد التنـ ُّ‬
‫حوار‪ :‬لوران تيستو ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبد اللطيف القرشي‬ ‫مــا الــذي يمكننــا القيــام بــه لكــي نو ِّفــر الغــذاء الكافــي لعشــرة‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مليــارات مــن البشــر؟‬
‫المصدر‪:‬‬
‫مجلة «‪ »Sciences Humaines‬العدد (‪ )338‬يوليو ‪. 2021‬‬ ‫تصوران محتمالن‪ :‬القفز على الجدار مع البيوتكنولوجيا‬
‫ُّ‬ ‫‪-‬هناك‬

‫‪47‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫استعادة‬

‫مح َّمد عفيفي‬


‫صاحب أ َّول «عمود ساخر»‬
‫يف الصحافة العرب ّية‬
‫يــرى بعــض املعلِّقــن أن (عفيفــي) هــو الــذي اخــرع «التغريــدات» القصرية‪ ،‬قبل ظهور موقــع «تويرت» بنحو نصف‬
‫قــرن‪ ،‬فقــد ابتكــر الرجــل هــذا النــوع مــن الكتابــة عــى غــر مثــال؛ ولهــذا الســبب‪ ،‬تتناســب عباراتــه الســاخرة مــع‬
‫منشــورات وســائل التواصــل اإللكــروين يف عرصنــا؛ األمــر الــذي جعــل تــراث الكاتــب عرضةً لالنتحــال واالقتباس‪،‬‬
‫دون ذكــر اســم صاحبــه‪.‬‬

‫االجتماعيــة «المســكوت عنهــا» فــي عصــره‪ ،‬بشــكل‬ ‫لــو كان نقّــاد األدب منصفيــن‪ ،‬لوضعــوا الكاتــب‬
‫علني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تهكُّ مــي‪ ،‬وفــي حــدود المســموح بــه مــن نقــد‬ ‫محمــد عفيفــي (‪ )1981 - 1922‬فــي ِعــداد‬ ‫َّ‬ ‫الراحــل‬
‫آنــذاك‪ ،‬بطبيعــة الحــال‪.‬‬ ‫كبــار كُ ّتــاب الســخرية العــرب‪ ،‬لكــن (عفيفــي) لــم‬
‫غيــر أن هــذا العنــوان المثيــر‪« :‬للكبــار فقــط»‪ ،‬لــم‬ ‫يأخــذ ح َّقــه مــن الشــهرة والتقديــر بيــن معاصريــه‪،‬‬
‫يمنعــه مــن تب ّنــي فكــرة إصــدار النســخة العربية من‬ ‫بــل إن بعــض تالمذتــه صاروا أكثر شــهر ًة منــه‪ ،‬بينما‬
‫مج ّلــة «ميكــي» األميركيــة‪ ،‬لألطفــال‪ ،‬التــي صنعــت‬ ‫كان مصيــره «النســيان»‪ .‬وهــو القائــل عــن نفســه‪،‬‬
‫وعــي أجيــال مــن الصغــار‪ .‬وقــد تولّــى (عفيفــي)‬ ‫علــى كلّ حــال‪« :‬أنــا لســت متواضعـاً‪ ،‬فالتواضع هو‬
‫بنفســه ترجمــة المجلّة بأســلوبه الســلس البســيط‪،‬‬ ‫شــيمة الكبــار فقــط!»‪.‬‬
‫مؤسســة‬ ‫َّ‬ ‫مرة‪ ،‬عام (‪ ،)1959‬عن‬ ‫منذ صدورها‪ ،‬ألول ّ‬ ‫كان (عفيفــي) عضــو ًا فــي شــلّة «الحرافيــش»‬
‫«دار الهــال» بترخيــص مــن شــركة «والــت ديزنــي»‪،‬‬ ‫أسســها نجيــب محفــوظ‪ ،‬وهــو‬
‫وحتــى مطلــع الثمانينيــات‪.‬‬ ‫الشــهيرة‪ ،‬التــي َّ‬
‫أول عمــود ســاخر فــي الصحافــة العربيــة‪،‬‬ ‫صاحــب َّ‬
‫بــدأ (عفيفــي) عملــه بالصحافــة فــي مجلّــة «آخــر‬
‫كان ُينشر في جريدة «األخبار»‪ ،‬خالل الخمسينيات‬
‫ســاعة»‪ ،‬منتصــف األربعينيــات‪ ،‬وكان الكاتــب‬
‫مــن القــرن الماضــي‪ ،‬تحــت عنــوان «للكبــار فقــط»‪،‬‬
‫مؤســس المجلّــة‬ ‫ّ‬ ‫محمــد التابعــي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الصحافــي‬
‫ويعتمــد علــى العبــارات القصيــرة التلغرافيــة‪،‬‬
‫وصاحبهــا‪ ،‬يكلفــه بكتابــة تقاريــر إخباريــة ميدانيــة‬
‫عــن األحــداث الجاريــة‪ ،‬ثــم عمــل فــي عــدد مــن‬ ‫الالذعــة‪ ،‬التــي كشــف‪ ،‬من خاللهــا‪ ،‬عــن المفارقات‬
‫ـات‪ ،‬ثــم انتقــل‪ ،‬بعــد ذلــك‪ ،‬إلــى‬ ‫الصحــف والمجـ ّ‬
‫األخــوان؛‬ ‫صحيفــة «أخبــار اليــوم»‪ ،‬بعــد ان اشــترى َ‬
‫مصطفــى وعلــي أميــن‪ ،‬المجلّــةَ مــن التابعــي‪.‬‬
‫ا مــن الكتــب‪ ،‬منهــا «للكبــار‬ ‫أصــدر عــدد ًا قليــ ً‬
‫فقــط»‪ ،‬و«ابتســم مــن فضلــك»‪ ،‬و«ابتســم للدنيــا»‪،‬‬
‫و«ســكّ ة ســفر»‪ ،‬و«ضحــكات عابســة»‪ ،‬و«ضحــكات‬
‫وتحولــت بعــض قصصــه ورواياتــه إلــى‬ ‫َّ‬ ‫صارخــة»‪.‬‬
‫أفــام ســينمائية‪ ،‬مــن بينهــا «حكايــة بنــت اســمها‬
‫مرمــر»‪ ،‬و«التفاحــة والجمجمــة»‪ ،‬التــي صــدرت في‬
‫ـد تحفته األدبية‪ ،‬بامتياز‪.‬‬ ‫القاهــرة عام (‪ ،)2019‬و ُت َعـ ّ‬
‫ـجلها‬‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫رات‬ ‫مذكِّ‬ ‫ـي‬‫ويقــول نجيــب محفــوظ فـ‬
‫محمــد عفيفــي مــن‬ ‫َّ‬ ‫رجــاء النقــاش‪« :‬لقــد نهــل‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪48‬‬
‫ـهي‪ ،‬أو فــي حبكــة‬ ‫داللــةً ليســلكها فــي ســياق فكــري لمقــال شـ ّ‬
‫ـن‪ .‬ورغم ذلك‪،‬‬ ‫لقصــة أو رواية شــائقة طافحة بســحر الفـ ّ‬ ‫دراميــة ّ‬
‫إن (عفيفــي) هــو الكاتــب الــذي نســيه القــوم‪ ،‬وغــدرت بــه ذاكــرة‬
‫التقديــر‪ ،‬كأن لــم يكــن»!‪.‬‬
‫لمــاذا لــم يشــتهر (عفيفــي)‪ ،‬إذن‪ ،‬فــي حيــن أن بعــض تالميــذه‬
‫الســاخرين الجــدد‪ ،‬مــن قامــات أقصــر بكثيــر‪ ،‬طبقــت شــهرتهم‬
‫طبــع كتبــه عشــرات‬ ‫اآلفــاق فــي ّأيامنــا المعاصــرة‪ ،‬ومنهــم مــن ُت َ‬
‫الطبعــات؟ الحقيقــة أن (عفيفــي) كان يكتــب ســخرية مثقّفــة‪،‬‬
‫األوروبييــن العظــام‪ ،‬النادريــن فــي تاريــخ‬ ‫ّ‬ ‫علــى شــاكلة الكُ ّتــاب‬
‫األدب الغربــي‪ ،‬أمثال جوناثان ســويفت‪ ،‬وبييــر دانينوس‪ ،‬وماري‬
‫ســتندال؛ تلك الســخرية التــي ُينظر إليها باعتبارهــا «قفزات عقل‬
‫محــض»‪ ،‬والتــي تحتــاج إلــى ثقافــة واســعة مــن أجــل فهمهــا‪،‬‬
‫وليــس علــى طريقــة مــارك تويــن الفكاهيــة الضحلــة‪.‬‬
‫كانــت مشــكلة (عفيفــي)‪ ،‬بالضبــط‪ ،‬فــي حياتــه وفــي مماتــه‪ ،‬أنــه‬
‫ـاد اللســان‪ ،‬ومثقّفـ ًا أكثــر مــن الالزم‪،‬‬ ‫كان كاتبـ ًا المــع العقــل وحـ ّ‬
‫ـاد لل ّثقافــة‪ ،‬لذلــك اختــار الرجــل أن يعيــش حيــاة‬ ‫فــي واقــع معـ ٍ‬
‫منعزلــة‪ ،‬وأن يقضــي معظــم وقتــه فــي حديقــة منزلــه الصغيــرة‬
‫«تحــت ظــلّ تمــارا»‪ ،‬وهــو اســم أحــد كتبــه‪ ،‬واســم الشــجرة التــي‬
‫ا الحيــاة‬ ‫متأمــ ً‬
‫ِّ‬ ‫يفضــل الجلــوس تحتهــا‪ ،‬فــي الحديقــة‪،‬‬ ‫كان ّ‬
‫والعالــم مــن مســافة كافيــة‪.‬‬
‫مجــرد‬
‫َّ‬ ‫محمــد عفيفــي هــي‬ ‫َّ‬ ‫ويعتقــد بعــض النــاس أن كتابــات‬
‫بحــر ال ّثقافــة‪ ،‬بعمــق وشــمول‪ ،‬وقــام فــي (ســبيل) ذلــك برحلــة‬
‫«نكــت» قصيــرة الذعــة‪ ،‬لكــن الحقيقــة أن مــا كتبه الرجل‪ ،‬ســواء‬ ‫تيارات‬ ‫طويلــة‪ ،‬بــدء ًا مــن التــراث وحتــى أحــدث مــا تمــوج به مــن ّ‬
‫فــي الصحــف أو فــي الكتــب‪ ،‬هــو أعمــق مــن ذلــك بكثيــر‪ ،‬فقــد‬ ‫وفنيــة‪ ،‬واجتماعيــة‪ ،‬ومــع هــذا فقــد ُعــرف بـــ «الكاتــب‬ ‫فكريــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫اختــرع تقنيــة الكتابــة بالعبــارات القصيرة الســاخرة‪ ،‬التي تنتقد‪،‬‬ ‫ـداً‪ ،‬اكتشــف عبثيــة الوجــود‬ ‫الســاخر»‪،‬ألنه منــذ زمــن مبكِّ ــر جـ ّ‬
‫ـاد‪ ،‬ظاهــرة اجتماعيــة مــا فــي عصــره‪ ،‬مــن ذلــك قولــه‬ ‫بــذكاء حـ ّ‬ ‫والمجتمــع‪ ،‬وتابعهمــا بعيــن متف ِّتحــة فــي الطبيعــة والعالقــات‬
‫ا َد ْخلــه‬‫عــن الشــخص الفاســد‪ ،‬مث ـاً‪« :‬ال يزعجنــي أن أرى رج ـ ً‬ ‫االجتماعيــة والتقاليــد البشــرية والحيــاة اليوميــة»‪ .‬ويضيــف‬
‫ا َد ْخلــه أكبــر‬ ‫أكبــر مــن دخلــي‪ ،‬بقــدر مــا يزعجنــي أن أرى رج ـ ً‬ ‫محفــوظ‪« :‬كانــت الســخرية محور حياة عفيفــي‪ ،‬ينبض بها قلبه‪،‬‬
‫مــن دخلــه!»‪.‬‬ ‫ـرك بها إرادتــه‪ ،‬فهي ليســت بالثوب الذي‬ ‫ويفكِّ ــر بهــا عقلــه‪ ،‬وتتحـ َّ‬
‫العــام‪ ،‬أنــه‬ ‫وكانــت مشــكلة (عفيفــي)‪ ،‬فــي المحيــط الشــعبي‬ ‫يرتديــه عندمــا يمســك القلــم‪ ،‬وينزعــه إذا خــاض الحيــاة‪ ،‬ولكنها‬
‫ّ‬
‫ـد والهــزل»‪.‬‬ ‫جلــده ولحمــه ودمــه وأســلوبه عنــد الجـ ّ‬
‫رجــل تشـ ّـبع بتــراث الســخرية األوروبيــة الرفيعــة‪ ،‬وكان يجنــح‬
‫و(عفيفــي)‪ ،‬بهــذا المعنــى‪ ،‬هــو «األب الروحــي» الحقيقــي لجيــل‬
‫إلــى طريقــة السفســطائيين القدامــى‪ ،‬أســاتذة اللعــب بالمعانــي‬
‫كامــل مــن الكُ ّتــاب الجــدد‪ ،‬ظهــر فــي مصــر خــال الســنوات‬
‫عامــة‬
‫واأللفــاظ؛ وهــو مــا جعــل كتاباتــه بعيــدة عــن متنــاول ّ‬ ‫األخيــرة‪ ،‬مــع تفــاوت المواهــب والقامــات‪ ،‬مــن بــال فضــل‪ ،‬إلى‬
‫ـرس لســبر أغوارهــا البعيــدة‪،‬‬ ‫ـد مــن قــارئ متمـ ِّ‬ ‫ـراء‪ ،‬بــل البـ ّ‬‫القـ ّ‬ ‫عمــر طاهــر‪ ،‬وحتــى أحمــد خالــد توفيــق‪ .‬هــؤالء جميعـاً‪ ،‬تأ َّثــروا‬
‫المخفيــة بيــن الســطور‪.‬‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫قافي‬‫ث‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫إحاالته‬ ‫ـم‬‫وفهـ‬ ‫وتقمصهــا‪ ،‬ومنهــم مــن‬ ‫تلبــس روحــه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بـــ (عفيفــي)‪ ،‬فمنهــم مــن ّ‬
‫كان الرجــل‪ ،‬بمعنــى مــا‪« ،‬الوجــه المث َّقــف» للكتابــة المصريــة‬ ‫عمليات «تمصير» لكتاباته الســاخرة ذات الطابع األوروبي‬ ‫ّ‬ ‫أجرى‬
‫العربيــة الســاخرة‪ ،‬التــي كان وجههــا اآلخــر هــو أحــد تالميــذه‬ ‫رفيــع ال ّثقافــة‪ ،‬بــل إن منهــم َمــن «اقتبــس» منــه…‬
‫المشــاهير‪ ،‬الكاتــب الراحــل محمــود الســعدني‪ ،‬الــذي كانــت‬ ‫يقــول األديــب الراحــل خيــري شــلبي‪ ،‬فــي أحــد كتبــه‪ ،‬عــن‬
‫ســخريته مزيجـ ًا من الفكاهات الشــعبية والقفشــات والتلفيقات‬ ‫(عفيفــي)‪« :‬كنــت تــرى الحرفــوش فــي وجهــه‪ ،‬شــكله‪ ،‬وثيابــه‬
‫الذكية؛ لذلك حقَّق الســعدني شــهر ًة أكبر من شــهرته‪ ،‬في نهاية‬ ‫التــي حتــى وإن كانــت مســتوردة مــن بيــوت األزيــاء العالميــة‪،‬‬
‫خاصــة‪ ،‬فــي‬ ‫ّ‬ ‫فهــي تكتســب علــى جســده «حرفشــة» أنيقــة أناقــة‬
‫أمــا (عفيفــي)‪ ،‬فــكان أقــرب إلــى «الصنايعــي» الماهــر‪،‬‬ ‫المطــاف‪ّ .‬‬ ‫ربطــة العنــق‪ ،‬فــي الســترة المحكمــة علــى كتفيــه‪ ،‬فــي القمصان‬
‫ذلك الســاخر الســاحر‪ ،‬أو إلى الفيلســوف الذي تعلَّم اســتقصاء‬
‫(النصــف كُ م)‪ ،‬واقترابها من شــكل الجلبــاب البلدي‪ ،‬وفي طريقة‬
‫ـار‪ ،‬مــن داخــل متاهــة عزلتــه؛ لذلــك‬ ‫مفارقــات الحيــاة‪ ،‬بعقــل بـ ّ‬ ‫تدخينــه‪ ،‬وفــي التعامــل مع األشــياء‪ ،‬ومــع الحياة كلّها ببســاطة‬
‫لماحــة‪ ،‬مفارقــة للمألــوف‪.‬‬ ‫كانــت ســخريته قاســية‪ّ ،‬‬ ‫آســرة‪ ،‬بســاطة فيلســوف هــادئ األعصــاب بــارد العقــل‪ ،‬ســخن‬
‫محمــد عفيفــي‪ ،‬الذي‬ ‫َّ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫الكبي‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫الكات‬ ‫هــذا غيــض مــن فيــض عــن‬ ‫القلــب‪ ،‬محتــدم المشــاعر‪ ،‬تتطايــر مــن حــول برجــه المفارقــات‬
‫ـق التكريم الذي يســتحقُّه‪،‬‬ ‫عــاش متعفِّفـاً‪ ،‬ومــات فقيــراً‪ ،‬فلــم يلـ َ‬ ‫ـم بحــر الحيــاة الواقعــة مــن حولــه‪،‬‬ ‫الفلســفية النابعــة مــن خضـ ّ‬
‫وميتـاً‪ .‬طايــع الديب‬ ‫حيـ ًا ِّ‬ ‫ولــم يعتــرض أحــد علــى ســرقته‪ّ ،‬‬ ‫ـدها لمعان ـاً‪ ،‬وأعمقهــا‬ ‫ـد أصابعــه الطويلــة فيلتقــط منهــا أشـ ّ‬ ‫يمـ ّ‬
‫‪49‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫أندلسيات‬

‫البحر من ورائكم والعدو من أمامكم‬


‫رسديّة حرق ّ‬
‫السفن‬
‫اهتمــوا بتاريــخ فتــح األندلــس‪ ،‬ســواء مــن‬ ‫ّ‬ ‫ؤرخــن الذيــن‬ ‫للســفن يف كُ تــب ا ُ‬
‫مل ِّ‬ ‫«قصــة» حــرق طــارق بــن زيــاد ّ‬
‫ّ‬ ‫غابــت‬
‫ـي يف‬ ‫محمــد القرطبـ ّ‬‫ّ‬ ‫ـي أبــو بكــر‬
‫ـؤرخ األندلـ ّ‬ ‫ؤرخــن‪ ،‬فلــم يذكــر ا ُ‬
‫ملـ ِّ‬ ‫األندلسـ ّـيني أنفســهم أم مــن غريهــم مــن ا ُ‬
‫مل ِّ‬
‫ـري يف كتابــه «فتــوح مــر‬ ‫ّ‬ ‫كتابــه «تاريــخ افتتــاح األندلــس» شــيئ ًا عــن ذلــك‪ ،‬ومل يتعـ َّـرض ابــن عبــد الحكــم املـ‬
‫الشــهرية يف أذهــان النــاس‪ ،‬وقــد خلــت كتابــات القرنــن الثالــث والرابــع‬ ‫واملغــرب واألندلــس» إىل تلــك الواقعــة ّ‬
‫القصــةُ غائبــةً ح ّتــى‬
‫ّ‬ ‫عمليــة الفتــح‪ .‬وظ ّلــت‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫يشء مــن هــذا القبيــل أثنــاء‬ ‫أيــة إشـ ٍ‬
‫ـارات دا ّلــة عــى وقــوع‬ ‫ـري مــن ّ‬
‫الهجـ ّ‬
‫عــن كتابــات ابــن خلــدون ولســان الديــن بــن الخطيــب‪ ،‬يف حــدود القــرن الثامــن الهجــري‪.‬‬

‫ـتثنائية تقــوم على‬ ‫ّ‬ ‫الكبــرى تتط َّلــب هالــةً وأفعــا ً‬


‫ال اسـ‬ ‫عمليــة «فتح األندلس»‬ ‫ّ‬ ‫ـعب المخيال في نســج‬ ‫يتشـ َّ‬
‫أن‬ ‫ـك ّ‬ ‫ـد «األســطرة»‪ .‬والشـ ّ‬ ‫اإلدهــاش الــذي يبلــغ حـ َّ‬ ‫حينمــا يقتــرب مــن اللحظــة الفارقــة التي وطــئ فيها‬ ‫ِ‬
‫ـاك حولهــا قصــص فيهــا مــن‬ ‫همــة ُتحـ ُ‬ ‫الم َّ‬‫الحــوادث ُ‬ ‫األرض األندلسـ ّـية‪ ،‬ولــم تكــن خطبة‬ ‫َ‬ ‫العــرب والبربــر‬
‫ـك‬ ‫أهم ّيــة عبر األجيال‪ ،‬والشـ ّ‬ ‫المبالغــات مــا يزيدهــا ّ‬ ‫ُ‬ ‫طــارق بــن زيــاد هــي «البيــان» الوحيــد لنســج جــزء‬
‫العســكرية الكبيــرة فــي تاريــخ‬ ‫ّ‬ ‫المعــارك‬ ‫كلّ‬ ‫بــأن‬
‫َّ‬ ‫اإلخباريــون أن‬ ‫ّ‬ ‫مــن نســيج ال ّتخييــل‪ ،‬فقــد اســتطاع‬
‫ـرية شــهدت تأثيث ـ ًا غيــر يســير لقصــص تفــوق‬ ‫البشـ ّ‬ ‫ـة قبل البدء‬ ‫يؤهلــوا لهــذا الحدث مــا يتطلَّبه من هالـ ٍ‬ ‫ّ‬
‫حقيقتهــا وواقــع مــا جــرى فيهــا‪ ،‬وتلــك ســمةٌ غالبــة‬ ‫وصية «راشــدة»‬ ‫ّ‬ ‫«الفتح»‬ ‫ليكون‬ ‫ـود‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بعق‬ ‫ـازه‬‫ـ‬ ‫إنج‬ ‫ـي‬ ‫فـ‬
‫فــي ســرد المعــارك‪.‬‬ ‫ينبغــي القيــام بهــا وإتمامها‪.‬‬
‫للســفن فــي‬ ‫«قصــة» حــرق طــارق بــن زيــاد ّ‬ ‫ّ‬ ‫غابــت‬ ‫اإلخباريــون القدامى و«الجــدد» في إبراز‬ ‫ّ‬ ‫لقــد أغــرق‬
‫اهتموا بتاريخ فتح األندلس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الذين‬ ‫خين‬ ‫ؤر‬
‫كتــب ُ ِّ‬
‫الم‬ ‫عمليــة «الفتــح»‪ ،‬واصليــن بينــه‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الدين‬ ‫الهــدف‬
‫األندلســيين أنفســهم أم مــن غيرهــم‬ ‫ّ‬ ‫ســواء مــن‬ ‫أي فتــح سـ عليــه‪ ،‬ومســتدلين بالحادثــة‬ ‫ـابقٍ‬ ‫وبيــن ّ‬
‫ـي أبــو‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫األندلس‬ ‫خ‬‫ـؤر‬
‫ُ ِّ‬ ‫ـ‬‫الم‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫يذك‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫فل‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫خي‬ ‫ؤر‬
‫الم ِّ‬ ‫مــن ُ‬ ‫توجــه‬ ‫َّ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫عندم‬ ‫ـه»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫«تاريخ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـري‬ ‫ـ‬ ‫الطب‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫أورده‬ ‫التــي‬
‫القرطبــي فــي كتابــه «تاريــخ افتتــاح‬ ‫ّ‬ ‫ــد‬ ‫محم‬‫ّ‬ ‫بكــر‬ ‫«إن‬‫ّ‬ ‫ً‪:‬‬‫ا‬ ‫ـ‬ ‫قائ‬ ‫ـرس‬ ‫ـ‬ ‫الف‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫قائ‬ ‫ـتم‬ ‫ـ‬ ‫رس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫عام‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـي‬ ‫ربعـ‬
‫ـرض ابــن عبــد‬ ‫األندلــس» شــيئ ًا عــن ذلــك‪ ،‬ولــم يتعـ َّ‬ ‫ـن عبــادة العبــاد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاء مـ ْ‬ ‫ـن شـ َ‬ ‫ـه ابتعثنــا لنخــرج َمـ ْ‬ ‫ال ّلـ َ‬
‫ـري فــي كتابــه «فتــوح مصــر والمغرب‬ ‫الحكــم المصـ ّ‬ ‫الدنيــا إلــى ســعتها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ضي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ة‬‫ِ‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫عب‬ ‫إلــى‬
‫الشــهيرة فــي أذهــان‬ ‫واألندلــس» إلــى تلــك الواقعــة ّ‬ ‫وســرت‬ ‫ومــن جــور األديــان إلــى عــدل اإلســام»‪َ ،‬‬
‫النــاس‪ ،‬وقــد خلــت كتابــات القرنيــن الثالــث والرابع‬ ‫العقائــدي‬
‫ّ‬ ‫للبعــد‬ ‫واقعيــة ُ‬ ‫ّ‬ ‫هــذه الحادثــة كقاعــدة‬
‫ـارات دا ّلــة علــى وقــوع شـ ٍ‬
‫ـيء‬ ‫ـري مــن ّأيــة إشـ ٍ‬ ‫الهجـ ّ‬ ‫ـف‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫أضي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫العام‬
‫ّ‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫القاع‬ ‫ـذه‬ ‫ـن هـ‬ ‫أي فتــح‪ .‬ولكـ ّ‬ ‫فــي ّ‬
‫القص ُة‬ ‫ّ‬ ‫عملية الفتــح‪ .‬وظ ّلــت‬ ‫ّ‬ ‫مــن هــذا القبيــل أثنــاء‬ ‫نــوع‬
‫ٌ‬ ‫فتــح‪ ،‬وفــي ذلــك‬ ‫ٍ‬ ‫إليهــا تخصيــص مــع كلّ‬
‫غائبــةً ح ّتــى عــن كتابــات ابــن خلــدون ولســان الدين‬ ‫ـص‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫تعتم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫الديني‬
‫ّ‬ ‫ـرعية‬‫الشـ ّ‬ ‫مــن إشــباع ّ‬
‫بــن الخطيــب‪ ،‬فــي حــدود القــرن الثامــن الهجــري‪.‬‬ ‫ـاري‪ ،‬ومنــه مــا‬ ‫د‪ .‬نزار شقرون‬
‫ـي واإلخبـ ّ‬ ‫مثلمــا تعتمــد علــى الوقائعـ ّ‬
‫ـي‬ ‫يذكــر الشــريف اإلدريســي فــي معجمــه الجغرافـ ّ‬ ‫ـن أقــوال جــرت علــى لســان القــادة أو‬ ‫كان ُيذكــر مـ ْ‬ ‫َ‬
‫ـن معــه مــن‬ ‫بمـ ْ‬ ‫«نزهــة المشــتاق»‪« ،‬لمــا جــاز طــارق َ‬ ‫ورد بحســب‬ ‫أن فتــح األندلــس َ‬ ‫الخلفــاء‪ ،‬مــن ذلــك ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫في‬ ‫ـس‬
‫وتحصنــوا بهــذا الجبــل‪ ،‬أحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫البرابــر‬ ‫اإلخبارييــن فــي قــول للخليفــة عثمــان بــن ع ّفــان‪:‬‬ ‫ّ‬
‫العــرب ال تثــق بــه‪ ،‬فــأراد أن يزيــح ذلــك عنــه فأمــر‬ ‫القســطنطينية إ ّنمــا تفتــح مــن قبــل البحــرِ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫«إن‬ ‫َّ‬
‫عما‬ ‫ـرأ بذلــك ّ‬ ‫بإحــراق المراكــب التــي جــاز عليهــا فتبـ َّ‬ ‫ــن‬ ‫لم ْ‬ ‫َ‬ ‫شــركاء‬ ‫فأنتــم‬ ‫األندلــس‬ ‫فتحتــم‬ ‫إذا‬ ‫وأنتــم‬
‫ا ّتهــم بــه»‪ ،‬واعتبــرت هــذه اإلشــارة هي األصــل الذي‬ ‫ـطنطينية فــي األجــر آخــر ال ّزمــان»‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫يفتــح القسـ‬
‫التاريخيــة الالحقــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نســجت عليــه أغلــب الكتــب‬ ‫ـن بفتــح‬ ‫ـطنطينية رهيـ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫أن فتــح القسـ‬ ‫ذهــب االعتقــاد ّ‬
‫عمليــة الحــرق «المزعومــة»‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫وفيهــا إشــار ٌة إلــى ّ‬ ‫أن «األندلــس»‬ ‫ّ‬ ‫ســلمين‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫بيــن‬ ‫فشــاع‬ ‫األندلــس‪،‬‬
‫مــا هــي ّإل وســيلة لدفــع العــرب مــن الجنــد‪ ،‬وقــد‬ ‫ـة البحر األســود‬ ‫ضروريــة لالنطــاق مــن جهـ ِ‬ ‫ّ‬ ‫محطّ ــة‬
‫قياســا بالبربــر‪ ،‬إلــى اإلذعان إلــى المصير‬ ‫ً‬ ‫كانــوا ِق ّلــةً‬ ‫ـطنطينية التــي ُحوصــرت في زمــن عثمان‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫نحــو القسـ‬
‫المشــترك بينهــم وبيــن البربر‪ .‬وليســت هــذه الفكرة‬ ‫ُ‬ ‫حاصريهــا‪.‬‬
‫َ‬ ‫لم‬‫ُ‬ ‫ـلم‬ ‫ـ‬ ‫تستس‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫بــن ع ّفــان‬
‫ـث‬ ‫ـي‪ ،‬حيـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الحرب‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫التكتي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ن‬ ‫بهي‬
‫ِّ‬ ‫ـاطتها‬ ‫ـ‬ ‫بس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫يحتــاج المخيــالُ دائم ـ ًا إلــى مــا ُيغذّ يــه‪ ،‬فالوقائــع‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪50‬‬
‫ورد فيهــا مــن قــول «البحــر مــن ورائكــم والعــدو مــن أمامكم»‬ ‫مــا َ‬ ‫الخاصــة‪ ،‬ونســيان‬ ‫ّ‬ ‫اإلثنيــة‬
‫ّ‬ ‫تعمــلُ علــى وحــدة الجيــش‪ ،‬وتجــاوز‬
‫ـث الجند‬ ‫ـه معنــى الحــرق‪ ،‬فقــد ُيكــون معناهــا حـ ّ‬ ‫ال ُيمكــن تحمي ُلـ ُ‬ ‫ـمى «المصير»‪.‬‬ ‫ـاص‪ ،‬أمــام مــا ُيسـ َّ‬ ‫ّغويــة‪ ،‬والتاريــخ الخـ ّ‬ ‫الهويــة الل ّ‬ ‫ّ‬
‫ـار ًة دامغــةً علــى حــرقِ‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫إش‬ ‫ـس‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ولي‬ ‫ـداد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫واالرت‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫التراج‬ ‫علــى عــدم‬ ‫للهويــة إلــى إدراج عنصــر «وحــدة‬ ‫ّ‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫كثي‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫تعريف‬ ‫قــد تذهــب‬
‫اإلخباريين فــي تحميل بعض أقــوال طارق‬ ‫ّ‬ ‫ـار بعــض‬ ‫الســفنِ ‪ .‬وسـ َ‬ ‫ّ‬ ‫الممكن‬ ‫وكان ِم َن ُ‬ ‫َ‬ ‫األساسي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫المصير» كعنصر من عناصر‬
‫إن ِقيلــت فعـاً) معنــى الحــرق أيضـاً‪ ،‬فابــن الكردبوس بعد‬ ‫(هــذا ْ‬ ‫الســفن تنضــوي ضمــن هــذا اإلطــار‪،‬‬ ‫ـأن عمليــة حــرق ّ‬ ‫االقتنــاع بـ ّ‬
‫أن يصــف المعركــة التــى خاضهــا طارق الحتالل هــذا الجبل الذى‬ ‫متميــز لطــارق بــن زيــاد‪ ،‬فــي تذليــل‬ ‫ِّ‬ ‫ـي‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫حرب‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫وع‬ ‫ـن‬ ‫وتكشــف عـ‬
‫ـم رحــل طــارق إلــى‬ ‫ـمي باســمه‪ ،‬يقــول فــي اختصــا ٍر شــديد‪« :‬ثـ َّ‬ ‫ُسـ ِّ‬ ‫أن‬ ‫أي فتنــة بيــن صفــوف جيشــه‪ّ .‬إل ّ‬ ‫المواجهــة ودرء ّ‬ ‫صعوبــة ُ‬
‫قرطبــة بعــد أن أحــرق المراكب وقال ألصحابه‪ :‬قاتلــوا أو موتوا»‪،‬‬ ‫اإلخبارييــن‪ ،‬ولــم يتــم التعامــل‬ ‫ّ‬ ‫ـدى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـرد‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـر»‬ ‫ـ‬ ‫«المصي‬ ‫فكــرة‬
‫دون أن‬ ‫ـد لجيشــه َ‬ ‫أي قائـ ٍ‬ ‫ـدر عــن ّ‬ ‫ـل هــذا قــد يصـ ُ‬ ‫ال مثـ َ‬ ‫أن قــو ً‬ ‫رغــم ّ‬ ‫ـوع اإلثنــي للجيــش مــن هــذه الزاويــة‪ ،‬ذلــك أ ّنهــم غلَّبــوا‬ ‫مــع التنـ ُّ‬
‫للســفن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـراقٍ‬ ‫ـ‬ ‫إح‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫عملي‬
‫ّ‬ ‫يعقــب‬ ‫«وحــدة العقيــدة» على ذلك‪ .‬ولكن هــل كان �يإمكان هذه الوحدة‬
‫ؤرخون‬ ‫الم ِّ‬ ‫كلِّ‬
‫أن يسـل ََّم فكــره إلى ما كتبــه ُ‬ ‫ـلٍ‬
‫لذلــك ال ُيمكــن لعاقـ ْ‬ ‫دون تشـ ُّتت الجيــش؟‬ ‫أن تحــول َ‬ ‫النظريــة ْ‬ ‫ّ‬
‫ـرط ًا من شـ ِ‬
‫ـروط‬ ‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫كان‬
‫َ‬ ‫والتهويل‬ ‫بالغة‬ ‫الم‬
‫فاالنقياد إلى ُ‬ ‫ُ‬ ‫القدامى‪،‬‬ ‫اإلخباريين بعد‬ ‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫رواي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫الجيش‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫جع‬ ‫الر‬
‫ّ‬ ‫ـط‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫إن قط‬ ‫ّ‬
‫القوطيــة «فــي‬‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫اب‬ ‫ـاب‬ ‫ـ‬ ‫كت‬ ‫ـرأ‬ ‫ـ‬ ‫نق‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫حينم‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ناهي‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫كتابتهـ‬ ‫كان طــارق‬ ‫َ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـؤال‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫أكث‬ ‫ـرح‬ ‫ـ‬ ‫يط‬ ‫‪،‬‬ ‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الهج‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫الثام‬ ‫ـرن‬ ‫القـ‬
‫ـأن طــارق بــن زيــاد وجنده‬ ‫ـعور بـ ّ‬
‫افتتــاح األندلــس» يســري فينــا شـ ٌ‬ ‫ـه متماســكاً؟‬ ‫الســفن لــو كان جيشـ ُ‬ ‫بــن زيــاد مجبــر ًا علــى حــرق ّ‬
‫توحــش وليســوا ُدعــا َة حضــارة‪ ،‬ومثــالُ ذلــك مــا أتــى عليــه‬ ‫ُدعــا ُة ُّ‬ ‫أن العقيــدة مــا تــزالُ غيــر راســخة‬ ‫ـرق عالمــةً علــى َّ‬ ‫كان الحـ ُ‬ ‫وهــل َ‬
‫أول فتحــه لألندلس‬ ‫فــي وصــف دخولــه إلــى مدينــة قرطاجنــة فــي ّ‬ ‫فــي كيــان البربــر‪ ،‬وبالتالــي فإنها ال ُتشــكِّ ل ضمانــةً كافية لخوض‬
‫«فلمــا جــاوز طــارق وصــار بعــدوة األندلــس كان أول مــا افتتحــه‬ ‫ّ‬ ‫رد فعل الجنود‬ ‫اإلخباريون عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدين؟ ولماذا تك ّتــم‬ ‫ـرب باســم ّ‬ ‫حـ ٍ‬
‫ـر أصحابه بتقطيــع َم ْن قتلوه‬ ‫مدينــة قرطاجنــة بكــورة الجزيرة فأمـ َ‬ ‫المواجهة‬ ‫ُ‬ ‫أمام‬ ‫بأنهم‬ ‫ويوقنون‬ ‫ـفنهم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫احتراق‬ ‫ـاهدون‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫يش‬ ‫وهم‬
‫ـن بقــي‬ ‫مــن األســراء‪ ،‬وطبــخ لحومهــم بالقــدور وعهــد بإطــاق َمـ ْ‬ ‫ـف يحرق طارق بن زياد ســفن ًا ليســت‬ ‫ـم كيـ َ‬ ‫النهائيــة لمصيرهــم؟ ثـ َّ‬ ‫ّ‬
‫ـن لقــوه فمــأ اللــه‬ ‫المنطلقــون بذلــك كلَّ َمـ ْ‬ ‫مــن األســراء‪ ،‬وأخبــر ُ‬ ‫الســفن مــا ُيشــبه درامــا‬ ‫ّ‬ ‫حــرق‬ ‫واقعــة‬ ‫علــى ملكــه؟ أال تشــكِّ ل‬
‫ـدة هــذا الصنيــع‬ ‫ِ‬
‫ـف ابــن كردبــوس مــن حـ ّ‬ ‫ويخ ِّفـ ُ‬ ‫قلوبهــم رعب ـاً»‪ُ ،‬‬ ‫الجماعي؟‬ ‫لالنتحــار‬
‫ّ‬
‫ـررات‪ ،‬ومنهــا لجوء طــارق إلى خطّ ــة ترهيب الخصم‬ ‫ـه مبـ ِّ‬ ‫فيضــع لـ ُ‬ ‫قصــة‬ ‫ّ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫مؤن‬ ‫ـين‬ ‫ـ‬ ‫حس‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ري‬ ‫ِ‬
‫عاص‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫خي‬ ‫ؤر‬‫ُ ِّ‬ ‫الم‬ ‫ـض‬ ‫يف ِّنــد بعـ‬
‫ـن جنــده «فأمــر ببعــض‬ ‫ِ‬ ‫ـنٍ‬
‫ـعر بوجــود عيـ لــه بيـ َ‬ ‫لذريــق حينمــا شـ َ‬ ‫الســفن ليســت علــى ملــك جيــش‬ ‫أن ّ‬ ‫الســفن‪ ،‬باعتبــار ّ‬ ‫حــرق ّ‬
‫ـاس القتلى‪ ،‬فقطعوا‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الن‬ ‫فأخذ‬ ‫‪،‬‬ ‫طبخ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫لحومه‬ ‫القتلــى أن تقطــع‬ ‫أن يأتي‬ ‫ْ‬ ‫ـ‬
‫ـلُ‬ ‫عق‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫وال‬ ‫ـان‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫يولي‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫الكون‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫مل‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـلمين‪،‬‬ ‫المسـ‬ ‫ُ‬
‫ـك رســول لذريــق أ ّنهــم يأكلونهــا‪.‬‬ ‫لحومهــم وطبخوهــا‪ ،‬ولــم يشـ ّ‬ ‫ـع قيم الوفــاء لاللتزامــات‪ ،‬كما‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫يتعارض‬
‫ُ‬ ‫ـقٍ‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫بخ‬ ‫ُ‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫زي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـارق‬ ‫طـ‬
‫ـن الليــلُ أمــر طــارق بهــرق تلــك اللحــوم ودفنهــا‪ ،‬وذبــح‬ ‫فلمــا جـ َّ‬ ‫ّ‬ ‫الســفن راســية علــى‬ ‫ـارض مــع بقــاء ّ‬ ‫أن منطــق األحــداث قــد يتعـ ُ‬ ‫ّ‬
‫ـاس‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـح‬‫ـ‬ ‫وأصب‬ ‫ـدور‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫تل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫لحومه‬ ‫ـلَ‬ ‫ـ‬ ‫وجع‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫وغنم‬ ‫بقــر ًا‬ ‫أن تكــون‬ ‫َ ْ‬ ‫دون‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫جن‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫بنق‬ ‫ـارق‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫يولي‬ ‫ـاعد‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫فق‬ ‫ـاطئ‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الش‬
‫ّ‬
‫عنده ورســول لذريق‬ ‫ُ‬ ‫ـودي فيهــم باالجتمــاع إلى الطعــام فأكلوا‬ ‫ف ُنـ َ‬ ‫ذمــة الجيــش بعــد بلوغــه‬ ‫الســفن علــى ّ‬ ‫هنــاك إشــار ٌة إلــى وضــع ّ‬
‫اإلخبارييــن على‬ ‫ّ‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫بع‬ ‫ـاق‬ ‫ـ‬ ‫اتف‬ ‫ـرد‬ ‫ـ‬ ‫الس‬
‫ّ‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ويبي‬
‫ِّ‬ ‫ـم»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫معه‬ ‫يــأكلُ‬ ‫ألن طــارق‬ ‫ّ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫أدراجه‬ ‫ـفن‬ ‫ـ‬ ‫الس‬
‫ّ‬ ‫ـود‬ ‫ـ‬ ‫تع‬ ‫أن‬
‫األندلــس‪ .‬ومــن البديهــي ْ‬
‫عمليــة «تقطيــع القتلــى وطبخهــم» فــي ســياق البرهنة على‬ ‫ّ‬ ‫ـوع‬ ‫وقـ‬ ‫ـة خاطفــة‪،‬‬ ‫وجنــده لــم يركبــوا البحــر فــي ســياق نزهــة أو معركـ ٍ‬
‫ـارئ‬
‫ـك فإ ّنهــم أوهمــوا القـ َ‬ ‫ـكرية‪ ،‬والشـ َّ‬ ‫ِحيلــة طــارق وحنكتــه العسـ ّ‬ ‫أن‬ ‫ـتقرار بهــا‪ .‬كمــا ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـاد بأســرها واالسـ‬ ‫فقــد كان العــزم هــو فتــح بـ ٍ‬
‫ـن يأمــر بفعــل ذلــك مــن أجــل زعزعــة نفــوس األعــداء‪ ،‬لــن‬ ‫ـأن َمـ ْ‬ ‫بـ َّ‬ ‫عمليــة الحــرق يبــدو خالي ًا‬ ‫ّ‬ ‫صحــة‬
‫االعتمــاد علــى الخطبــة إلثبــات ّ‬
‫الســفن مــن أجــل تقويــة صالبــة نفــوس جنــده‪ِ.‬‬ ‫ـردد فــي حــرق ّ‬ ‫يتـ َّ‬ ‫فإن‬ ‫مــن الوجاهــة‪ ،‬فباإلضافــة إلــى تشــكيكنا فــي الخطبة نفســها ّ‬
‫‪51‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫سينما‬

‫بحثا ً عن الزمن املفقود‪..‬‬


‫بروست العَ ّ‬
‫يص عىل السينما‬
‫ـم إلهامــات التأســيس لشــكل الروايــة الحديثــة‪ّ ،‬‬
‫إل أن‬ ‫عــى الرغــم مــن ريادتهــا األدبيــة‪ ،‬بصفتهــا واحــدة مــن أهـ ّ‬
‫«البحــث عــن الزمــن املفقــود»‪ ،‬عــاىن «مارســيل بروســت» يف إيجــاد مــن يقبــل بنرش ما يقــارب املليون ونصف من‬
‫الكلــات‪ ،‬مبزاجهــا الــذايت املنبثــق كمونولــوج‪ ،‬وامتداداتهــا الالمحــدودة رسديـ ًا‪ ،‬يف إســهاب واســع تــرك الكثــر‬
‫مــن لجــان الفحــص يف دور النــر مغموريــن بشــعور امللــل‪ ،‬وبقيــت الروايــة ُمتم ّنعــة عــى التكييــف الســيناميئ‪،‬‬
‫يتهيــب تحويلهــا إىل فيلــم‪ ،‬لســبب أو آلخــر‪ ،‬مخرجــون كبــار مثــل «لوكينــو فيســكونتي»‪ ،‬و«جوزيــف لــوزي»‪.‬‬ ‫َّ‬

‫األول‪ ،‬خصوص ـاً‪ ،‬وهــو المعجــب بهــا‬ ‫فيلــم عــن جــزء الروايــة ّ‬ ‫فرغم اقترابها من أجواء الســينما‪ ،‬بطبيعتها الســردية المازجة‪،‬‬
‫إيــام المراهقــة‪ .‬كان «بروســت» البــاب‬ ‫ـرة قرأهــا فــي ّ‬
‫أول مـ ّ‬‫منــذ ّ‬ ‫بتواشــج مبهــر‪ ،‬بيــن فضــاء الخيــال وأرض الواقــع‪ ،‬مــن خــال‬
‫الــذي دلــف منــه إلــى ثالثــة عوالم كمــا يقــول‪« :‬اللّغة الفرنســية‪،‬‬ ‫ـرك األصيــل‬ ‫اللعــب علــى إيقــاع الزمــن وتداعــي الذكريــات المحـ ِّ‬
‫ـب والغيــرة»‪.‬‬ ‫والمجتمــع المتناظــر‪ ،‬والمناطــق المجهولــة للحـ ّ‬ ‫وتلمــس مشــاعرها يترافــق معهــا تأثيــر‬ ‫لســبر كينونــة الشــخصية ُّ‬
‫مــا دار فــي ذهنــه مــن خيــاالت صــور لـ«ســوان» ‪-‬بطــل الحكايــة‪-‬‬ ‫عميــق للفنــون المختلفــة فــي خلــق الصــورة الكل ِّّيــة‪ ،‬كانــت‬
‫ـول فــي‬‫ســتكون المرجــع لمــا سيســرده علينــا الفيلــم‪ .‬رجــل يتجـ ّ‬ ‫ضخامتهــا ‪-‬وهــي المؤلّفة من ســبعة أجزاء‪ -‬ســبب ًا رئيســي ًا يجعل‬
‫ثنايــا ومنعطفــات األماكــن‪ ،‬لطبقــة االرســتقراطيين الباريســية‪،‬‬ ‫مــن محدوديــة وقــت العــرض الســينمائي عائقـ ًا أمــام اســتثمارها‬
‫ـب محمــوم بالبحــث عــن امــرأة تتف َّلــت منــه‪،‬‬ ‫ـرض‪ ،‬علــى ا َ‬
‫ألقــلّ إن لــم يح ِّقــق نجاحـ ًا كبيــراً‪ .‬أكثــر من‬ ‫بشــكلٍ ُمـ ٍ‬
‫فــي حالــة هــوس حـ ّ‬
‫تدفعــه رغبــات متناقضــة‪ ،‬ال تأبــه هــي بهــا ّإل بقــدر مصلحتهــا‪.‬‬ ‫قــرن مضــى علــى صدورهــا‪ ،‬ومــع ذلــك لــم تكــن هنــاك ســوى‬
‫نقــف علــى نبــض عذابــه‪ ،‬واحتقــاره لذاتــه التــي ســقطت فــي بحر‬ ‫محــاوالت ال تتجــاوز أصابــع اليــد الواحــدة‪ ،‬ســعت فيها الســينما‬
‫عاطفــة مجنونــة المــرأة ســاقطة لــم تكــن ســوى مرافقــة للرجــال‬ ‫لمعالجــة أحــد أجزائهــا‪ ،‬ســنحاول اســتعراض أبــرز ثالثــة أفــام‬
‫مــن الطبقــة الراقيــة للمجتمــع الباريســي‪ .‬يــدرك صاحــب فيلــم‬ ‫وتتميــز بنظــرة صانعيهــا‬‫َّ‬ ‫لهــا الحضــور النقــدي‪ ،‬والجماهيــري‪،‬‬
‫ـخ األجــواء لخلــق البيئــة المناســبة‬ ‫«طبــل الصفيــح» قيمــة ضـ ّ‬ ‫المختلفــة فــي الرؤيــة والمقاربــة البصريــة للروايــة‪:‬‬
‫الشــخصيات‪ ،‬فــكان تصميــم اإلنتــاج للمــكان‬ ‫ّ‬ ‫بتكويــن مالمــح‬
‫والمواقــع رائعـاً‪ ،‬فيمــا عملــت األزيــاء وتصاميمهــا األنيقــة علــى‬ ‫«سوان» العاشق‪)1984( ،‬‬
‫نصور مــا كتبه‬‫ّ‬ ‫ـم هــو كيــف‬
‫اســتعادة جوهــر الحقبــة‪ .‬غيــر أن األهـ ّ‬ ‫تتجرأ الســينما على االقتــراب من ملحمة‬ ‫َّ‬ ‫حتــى فــي أوج ع ّزهــا لــم‬
‫«بروســت»؟ مــا خلُصــت إليــه مجموعــة كتابــة الســيناريو‪ ،‬والتــي‬ ‫الكاتــب «مارســيل بروســت»‪ ،‬فناهيــك عن عــدد كلماتهــا الهائل‪،‬‬
‫ضمــت أســماء كبيــرة لهــا باعهــا‪ ،‬منهــم‪« :‬بيتــر بــروك»‪ ،‬و«جــان‬ ‫ّ‬ ‫تحدي ًا‬
‫ـخصياتها التــي قاربت األلفَ ْيــن‪ ،‬كانت الصعوبــة األكثر ِّ‬ ‫ّ‬ ‫وشـ‬
‫كلود كاريير»‪ ،‬و«ماري هيلين اســتيان»‪ ،‬وبالطبع «شــلوندورف»‪،‬‬ ‫ـس الكتابــي الذي رســم به «بروســت»‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫والح‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫التعبي‬ ‫ـط‬‫ـ‬ ‫نم‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ـارا‬
‫ـ‬ ‫مج‬
‫هــو تكويــن لطبيعــة المجتمــع‪ ،‬وشــكل العالقــات الشــخصية‪،‬‬ ‫المشــاعر والوعــي‪ ،‬وتدفُّقهمــا إلــى عمــق عاطفــي بالــغ الثــراء‪،‬‬
‫والعاطفيــة‪ ،‬وطبائــع الســلوك‪ ،‬ونمــط الوعــي والثقافــة‪ .‬إنهــا‬ ‫مضافـ ًا إليهمــا وقــع الذكريــات وإيقــاع الزمــن الفريــد‪ .‬قيــل عنها‬
‫ـرف المتــرف‬ ‫نظــرة ُتطــلّ مــن خــال «ســوان»‪ ،‬علــى نزعــات التصـ ّ‬ ‫فربما‬ ‫كثيــر ًا أنهــا روايــة غيــر قابلــة لألفلمــة‪ ،‬وليــس ذلــك بخطــأ‪ّ ،‬‬
‫وهمســات النميمــة ومؤامراتهــا‪ ،‬ونــزق وســخافة الطبــاع التــي‬ ‫هــي الحقيقــة عند مقارنة تأثير المنتج الســينمائي‪ ،‬بفعل الرواية‬
‫يكونهــا الثــراء‪ .‬مــن جانــب آخــر‪ ،‬هنــاك محاولــة لدراســة التنامي‬ ‫ِّ‬ ‫األصلــي‪ ،‬علــى المتل ّقــي‪ ،‬فالوقــت فيهــا يبــدو باهــظ الثمــن‪ ،‬ال‬
‫ـب‪ .‬إنــه‪ ،‬اآلن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫وق‬ ‫أن‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫بع‬ ‫ـوان»‬ ‫ـ‬ ‫«س‬ ‫ـلوك‬‫ـ‬ ‫لس‬ ‫ـر‬‫ـ‬‫المتفج‬
‫ّ‬ ‫المخــرج‬‫يمكــن اإلمســاك بــه ّإل بفطنــة الكاتــب الفرنســي‪ .‬عــرف ُ‬
‫يطــارد روحــه التــي شــغفتها «أوديــت» جنونـاً‪ .‬يتراكــض وراءهــا‬ ‫األلماني «فولكر شــلوندورف» ذلك‪ ،‬حين شــرع باإلعداد لصناعة‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪52‬‬
‫تحويــل األعمــال األدبيــة إلى أفالم مثل «طبــل الصفيح» لـ«غونتر‬
‫غــراس» وغيرهــا‪ ،‬قاصــر ًا فــي الرؤيــة وفــق منظــور أن الســينما‬
‫وســيط وعالــم آخــر‪ ،‬لــه اشــتراطاته وأســاليبه فــي المعالجــة‬
‫والتنــاول‪ ،‬بيــد أنــه افتقــد‪ ،‬أحيانـاً‪ ،‬إلــى نكهــة كلمــات «مارســيل‬
‫المبرح‬
‫ِّ‬ ‫ضخ الحنين إلى الماضي‪ ،‬ولســعة الشــعور‬ ‫بروســت» في ّ‬
‫المنســكب مــن لحظــات‬ ‫المرافــق لهــا بذلــك الفيــض التعبيــري ُ‬
‫صــراع الــذات‪ ،‬وتج ِّلــي األحاســيس بعنفــوان مكتــوم‪.‬‬

‫الزمن امل ُستعاد‪)1999( ،‬‬


‫المقتبســة مــن روايــة «البحــث عــن‬ ‫رآه الكثيــرون أفضــل األفــام ُ‬
‫الزمــن المفقــود»‪ ،‬رغــم إنــه تعامــل مــع أكثــر أجزائهــا صعوبــةً‬
‫فــي التكييــف‪ ،‬وهــو الجــزء الســابع واألخيــر‪ .‬ففيــه الكثيــر مــن‬
‫المرجعيــة الذاتيــة المشــبعة بتقاطعــات اســترجاعيه‪ ،‬وصــور‬
‫الحيــاة الشــخصية المغمــورة بضبــاب الذاكرة‪ .‬قــرب نهاية زمنه‪،‬‬
‫تتحرك أحاســيس كلماته‬ ‫َّ‬ ‫يبــدو «بروســت» أكثر اِلتصاق ًا بســيرته‪.‬‬
‫فــي اســتعراض يســتعيد الوجــوه وحوادثهــا وطبيعتهــا وســلوكها‬
‫ومشــاعرها األقــرب إلــى روح «مارســيل»‪ ،‬بيــن الطفولــة والصبــا‬
‫والشــباب حتــى الرجولــة‪.‬‬
‫المخــرج التشــيلي «راؤول رويــز» األقــدر علــى التماهــي مــع‬ ‫كان ُ‬
‫حر ّيــة‬
‫ّ‬ ‫ـاه‬
‫ـ‬ ‫أعط‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـي؛‬ ‫ـ‬ ‫الفرنس‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫الكات‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫لرواي‬ ‫ـردي‬
‫ـ‬ ‫الس‬ ‫النمــط‬
‫التوظيــف لبعــض األشــياء مــن األجــزاء الســابقة فــي ســياق ســرد‬
‫ـول‪ ،‬بفعل قدرته األدبية‪ ،‬إلى‬ ‫الفيلــم‪ .‬فكلمات «بروســت» التي تتحـ َّ‬
‫صــور متوالــدة تلقائيـاً‪ ،‬تكســبها الصياغــة اإلبداعية مقاربــة حياتية‬
‫المخرج‬ ‫ـره ُ‬‫لإلمســاك بالزمــن المفقود بمنحنــى عودة للماضي‪ ،‬أطَّ ـ َ‬ ‫بيــن صالونــات باريــس‪ ،‬لعلّهــا تــرأف بحالــه‪.‬‬
‫«رويــز» فــي معالجــة تســتلهم كثيــر ًا مــن الواقعيــة الســحرية التــي‬ ‫جيــدة‪ ،‬دون‬ ‫ّ‬ ‫اداءات‬ ‫ـدم «جيريمــي ايرونــز» و«اورنيــا موتــي»‬ ‫يقـ ِّ‬
‫ازدهــرت فــي أميــركا الالتينيــة‪ ،‬موطنــه األصــل‪ ،‬فتحــاط الذكريــات‬ ‫ـم‬
‫أن ننســى «آلــن دولــون» بشــخصية البــارون دي شــارلز‪ ،‬التــي تـ َّ‬
‫بمزيــج ســاحر للفنتازيــا والواقــع‪ ،‬بمــا يجعلهــا حقيقيــة‪ ،‬خصوص ًا‬ ‫اســتقدامها‪ ،‬دراميـاً‪ ،‬مــن أجــزاء أخــرى لتشــكِّ ل إضافــة داعمــة‪.‬‬
‫المســتعاد‪ .‬يزخرف‬ ‫ـرك ضمــن بيئتها الطبيعية في عصرها ُ‬ ‫أنهــا تتحـ ّ‬ ‫حــاول صانــع الفيلــم االعتمــاد علــى عيــن مديــر التصويــر‬
‫«رويز» مشــاهد فيلمه على أســاس الســلوك والمظاهر االجتماعية‬ ‫(قــدم روائــع رفقــة‬ ‫َّ‬ ‫الســينمائي الســويدي «ســفين نكفيســت»‬
‫والثقافية‪ ،‬والف ِّن ّية‪ ،‬والسياســية‪ ،‬خالق ًا ‪-‬بالصورة‪ -‬مالمح المنحنى‬ ‫«بيرغمــان»‪ ،‬كمــا أنــه عمــل مــع «تاركوفســكي»‪ ،‬وودي آلــن‪،‬‬
‫يضخ‪ ،‬فــي ثنايا تكوينات‬ ‫ّ‬ ‫الزمنــي الذي شـكَّله «بروســت» بالكلمات‪.‬‬ ‫بصريــاً‪،‬‬ ‫الشــخصيات‬ ‫وفيليــب كوفمــان) اإلمســاك بعوالــم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـخصيات بزمنهــا‪ ،‬فهناك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أبديــة الشـ‬ ‫الصــورة‪ ،‬روح العصــر ليحفــظ ّ‬ ‫المميــزة ّإل أن البنــاء الدرامــي لــم‬ ‫ورغــم العديــد مــن المشــاهد‬
‫فقــط‪ ،‬تصبــح الذكريــات نضــرة تضــع بهجاتهــا اليوميــة وحواراتهــا‬ ‫َّ‬
‫مادة «بروســت» فــي التوصيف‬ ‫ّ‬ ‫ـق‬‫ـ‬ ‫عم‬ ‫يســاعد بســبب افتقــاره إلــى‬
‫وتصرفاتهــا فــي دفــق الوقــت‪ .‬حتــى كاميــراه تختــار حركــة منحنية‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫واإلحســاس‪ ،‬فظ ّلــت المشــاعر‪ ،‬غالب ـاً‪ ،‬علــى الســطح‪ ،‬بعــد أن‬
‫جيئــةً وذهابـاً‪ ،‬بمتواليــات نصف قُطرية تســتدعي لخيال المشــاهد‬
‫ـخصيات التــي‬‫ّ‬ ‫ماهيــة روح الشـ‬ ‫ّ‬ ‫ـد مــا‪ -‬فــي إدراك‬ ‫عجــزت ‪-‬إلــى حـ ٍّ‬
‫أن كتابــات «بروســت» لــم تكــن خطِّ ّية‪.‬‬
‫تفــاوت نضوجهــا الشــعوري علــى الشاشــة‪ .‬كمــا أن ترابطهــا‪،‬‬ ‫َ‬
‫المخــرج فــي حقائــق الواقــع الســحرية‪ ،‬بــل يغذِّ يهــا‬ ‫ـتقر ُ‬
‫ال يسـ ّ‬ ‫يتوهــج‬ ‫َّ‬ ‫الحكايــة‬ ‫فخــط‬
‫ّ‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫بــ‬ ‫مضب‬
‫َّ‬ ‫ظــلّ‬ ‫ســردية‪،‬‬ ‫وحــدة‬ ‫بصفتهــا‬
‫بســريالية ترتفــع مــن ذوات الشــخوص وتداعيات الــذات للراوي‪.‬‬
‫فــي مشــاهد‪ ،‬ثــم مــا يلبــث أن يخبــو بمشــاهد أخــرى‪.‬‬
‫جد ّية الحقيقة لصالح‬ ‫ـس ِّ‬ ‫فهنــاك لحظــات يختفي فيها كلّ ما يمـ ّ‬
‫كتبدل الحــال الخاطف‬ ‫الســخرية مــن الزمــن وفعلــه على البشــر‬ ‫كان «شــلوندورف» يــدرك أنــه ليــس فــي صــدد مجــاراة رائعــة‬
‫ّ‬
‫يتلمــس «رويــز» طريقــه إلى انعكاســات‬ ‫الخــاص عــن الزمــن‬ ‫ّ‬ ‫«بروســت»‪ ،‬فلجــأ إلــى ابتــكار عالمــه‬
‫بيــن الكهولــة والشــباب‪َّ .‬‬
‫الوقائــع علــى الشــخصيات لتعميــق الشــعور بأحاسيســها‪.‬‬ ‫الم َّتســق‪ ،‬لكلمــات الروائــي‪ ،‬إلــى‬ ‫ـول الهارمونــي ُ‬ ‫المفقــود‪ ،‬وحـ َّ‬
‫فالســرد‪ ،‬باألصــل‪ ،‬ال يقتــرب مــن بنــاء درامــي متسلســل بقدر ما‬ ‫موســيقى كالســيكية صنعهــا المؤ ِّلــف «هانــز فيرنــر هينــزه» الذي‬
‫هــو انتقــاالت أشــبه بومضــات ألكثــر اللحظــات ثبات ًا فــي الذاكرة‪،‬‬ ‫ـدم مقطوعــات لموســيقى الغرفــة تحاكــي العاطفــة المتد ِّفقــة‬ ‫قـ َّ‬
‫تم ِّثــل كلّ الحيــاة التــي ترتفع بالبشــر إلى الوجود الفعلي كســيرة‬ ‫ـدت أحوالهــا‪ ،‬وتعكــس البيئــة واألجــواء‪ ،‬أرادهــا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫وتب‬ ‫ـوان»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫لـ«س‬
‫تحفظــه فــي ســجلّ الحضــارة اإلنســانية‪ ،‬مثــل تلــك المنحوتــات‬ ‫ا مــن رؤيتــه للفيلــم والصــوت‬ ‫الصانــع الســينمائي جــزء ًا أصي ـ ً‬
‫التــي امتــأ بهــا الفيلم‪ ،‬ومثل كلّ المشــغوالت الف ِّن ّيــة المتزاحمة‬ ‫الرديــف الــذي يدعــم مشــاعر وهواجــس «ســوان» فــي بحثــه عــن‬
‫تؤ ِّثــث معمــار المكان في الصورة الســينمائية‪ .‬زمن ال نعيشــه في‬ ‫ـب‪ .‬لقــد منحت الموســيقى‪ ،‬لألحاســيس‪ ،‬إيقاعهــا الالزم في‬ ‫الحـ ّ‬
‫نتحســس روحــه بنمط الفعــل التعبيري‬ ‫َّ‬ ‫واقعنــا المعاصــر‪ ،‬لكننا‬ ‫مواضــع كثيــرة مــن الفيلــم‪.‬‬
‫لذائق َت ْيــه؛ االجتماعيــة‪ ،‬والف ِّن ّية‪.‬‬ ‫لــم يكــن فيلــم «فولكــر شــلوندورف»‪ ،‬بمــا لديــه مــن خبــرة فــي‬

‫‪53‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫يحبهــا‪،‬‬
‫تقــوم الحكايــة علــى رجــل يســتضيف فــي منزلــه فتــاة ّ‬ ‫‪-‬بصريـاً‪ ،‬فــي «الزمــن المســتعاد»‪-‬‬
‫ّ‬ ‫رحلــة «راؤول رويــز» الفخمــة‬
‫التلصــص عليهــا‪.‬‬‫ُّ‬ ‫فتأخــذه أفــكاره فــي االســتحواذ إلــى نهــم‬ ‫ـتحث الذكريــات بــروح نقاء األلــوان وصفائها‬ ‫جريــان عاطفــي يسـ ّ‬
‫تدفعــه خياالتــه إلــى الظنــون‪ ،‬ســاعياً‪ ،‬بشـ ّتى الوســائل‪ ،‬لفــرض‬ ‫فــي االنطباعيــة‪ ،‬حيــن تؤطّ ــر اإلحســاس للحظــة أبديــة فــي زمان‬
‫وم َرضي‪ .‬عند «بروســت»‪ ،‬تذهب‬ ‫وجــوده العاشــق بخيالء غريــب َ‬ ‫المخــرج‪ ،‬بمجازفــة محســوبة‪،‬‬ ‫معي َن ْيــن‪ ،‬يلعــب فيهمــا ُ‬
‫ومــكان َّ‬
‫القصــة إلــى قمــع ذاتــي واســترجاعات مضنيــة‪ ،‬تمتــزج بملجــأ‬ ‫ّ‬ ‫علــى شــعور الســأم المصاحــب لقــراءة الرواية‪ ،‬عنــد العديد من‬
‫ف ّنــي تعبيــري تختلــط فيــه الذائقــة بالتشــكيل والموســيقى ونكهة‬ ‫ـراء‪ ،‬لصالــح تفعيلــه بصري ـ ًا كترديــد طقــوس يســترجع كلّ‬ ‫القـ ّ‬
‫وقصــة مدينــة فاتنــة فــي زمــن يضــيء‬ ‫ّ‬ ‫الحيــاة االرســتقراطية‪،‬‬ ‫األجــواء المحيطــة بفعــل الدخــول لعالــم «بروســت»‪ ،‬دون أن‬
‫بالحفــات والحياة الغارقة بالتلذُّ ذ‪ .‬مع «أكرمان»‪ ،‬نحن نتشــارك‬ ‫ننســى أن ذلــك جــزء مــن مســار الحيــاة للبشــر وهــو مــا يجعــل‬
‫فكــرة الســجن االســتحواذي الذكــوري‪ُ .‬يف َتتــح الفيلــم بمداعبــة‬ ‫لقيمــة االســتعادة للَّحظــات البهيجــة أو الحافلــة بفعــل يلتصــق‬
‫التلصــص‪ ،‬إلــى إثارة‬ ‫ُّ‬ ‫بصريــة لـ«فرتيغــو هيتــش» تنزلــق‪ ،‬بفضــول‬ ‫ذكي ًا لمعنى الرواية‪،‬‬
‫ـينمائي ًا ّ‬
‫ّ‬ ‫بالذاكرة‪ ،‬قيمة مضافة‪ ،‬وتفســير ًا سـ‬
‫يؤســس للســرد التالــي‪ ،‬ثــم ينتقــل الفيلــم إلــى نزعــات‬ ‫غمــوض ّ‬ ‫وغايتها‪.‬‬
‫ـوس المتنامــي برغبــة متعاظمــة تقمعهــا الشــكوك‪ ،‬لتزيــد‬ ‫الهـ َ‬
‫ـس يتماوج وفــق منحنيات الجســد‪ .‬تلتقــط‪ ،‬هنا‪،‬‬ ‫مــن فردانيــة حـ ّ‬ ‫السجينة‪)2000( ،‬‬
‫نبــض ســينما «هيروشــي تيشــيغاهارا» الطليعيــة فــي «امــرأة فــي‬ ‫تقــدم‬
‫ِّ‬ ‫عــن الجــزء الخامــس مــن روايــة «مارســيل بروســت»‬
‫الكثبــان ووجــه آخــر»‪ ،‬فتــذوب‪ ،‬رويد ًا رويداً‪ ،‬بين ســلطة الجســد‬ ‫المخرجــة البلجيكيــة «شــانتال أكرمــان» قراءة بصريــة فضفاضة‬ ‫ُ‬
‫لتطرف‬
‫ّ‬ ‫وقانــون الرغبــات‪ ،‬يرتفع معهــا منحنى الفعل وانعكاســه‬ ‫ـص األصلــي‬ ‫لســرد الروائــي الفرنســي‪ ،‬ال تقــف عنــد االلتــزام بالنـ ّ‬
‫تصرفــات مأزومــة بدافــع عاطفــة اســتحواذية‬ ‫ُّ‬ ‫مهيمــن ينــزع إلــى‬ ‫ّإل بمــا ينســجم مــع رؤيتهــا الســينمائية؛ فهــي تأخــذ الهيــكل‬
‫مجنونــة‪ .‬البنــاء المشــهدي هــو عمــود ســينما «أكرمــان»‪ ،‬بنســق‬ ‫األســاس للحــدث‪ ،‬ورســم الشــخصيات‪ ،‬لتصهــر كلّ ذلــك فــي‬
‫تجريبــي فيــه تأثيــرات مــن «غــودار»‪ ،‬بيــد أنــه شــخصي يعتمــد‬ ‫مــزاج بوتقــة نظرتهــا للحيــاة والعالــم‪ .‬ال يمكــن فهــم الفيلــم‬
‫أفكارهــا النســوية‪ ،‬وميولهــا المثليــة ورؤيتهــا المركّ بــة بتراكمــات‬ ‫دون أن تكــون علــى اطِّ ــاع ُمســبق بشــخصية «أكرمــان» اإلنســانة‬
‫ـرك‪ ،‬علــى أكثــر مــن‬ ‫نفســية تحــاول كســر قضبــان الســجن المتحـ ِّ‬ ‫ـام وفــق منظــور نســوي‪ ،‬كانــت فيــه‬ ‫والمخرجــة‪ ،‬ومزاجهــا العـ ّ‬‫ُ‬
‫ـام ‪ -‬الذكري‪ ،‬واألنثوي‪.‬‬ ‫بثنائيات كلٍّ من الشــخصي‪ ،‬والعـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اتِّجــاه‪،‬‬ ‫المــرأة حجــر الزاوية‪ ،‬تتشــكَّ ل عوالمها باســتغراق عاطفي بطيء‬
‫وحر ّية فــي عالمها‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫حيوي‬ ‫أكثر‬ ‫ـرأة‬
‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـانتال»‬‫ـ‬ ‫«ش‬ ‫ـرى‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫بالمجم‬ ‫متراكــم‪ ،‬يبــدأ رصــده البصــري مــن تداعيــات الهيمنــة والروتيــن‬
‫النســوي لذلــك حيــن تضــع المســافة أو الحاجز (بصري ًا وســردياً)‬ ‫بانســحاب شــعوري للملــل‪ ،‬إلــى غايــة النقطة التــي تفيض بكأس‬
‫بينهــا وبيــن الرجــل فــإن العالقــة ‪-‬بمفارقــة مح ّفــزة‪ -‬تبــدو أفضل‬ ‫الصــورة‪ ،‬حيــن يتســارع اإليقــاع فــي الربــع األخيــر مــن الفيلــم‬
‫المميزة حيــن تخضع لهيمنة الرجل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫معهــا؛ فهــي تفقد مالمحها‬ ‫ـرر‬
‫ـط الســرد لديهــا متحـ ِّ‬ ‫ليح ِّقــق عنصــر الصدمــة المطلوبــة‪ .‬خـ ّ‬
‫ـف أن الرجل يصنع خطيئته بيديه‪ ،‬ويبني جدران الســجن‬ ‫تستشـ ّ‬ ‫مــن األشــكال والقوالــب‪ .‬ال تخضع ّإل لمعيار الذات وأحاسيســها‬
‫لذاتــه حيــن يغالــي فــي فــرض أفــكاره ومشــاعره علــى األنثــى‪،‬‬ ‫والمتيمــة‬
‫َّ‬ ‫وهواجســها‪« .‬شــانتال» العاشــقة لتجريــب «غــودار»‬
‫وحيــن يفقدهــا يكون قــد ضاع في دروب النســيان لجانب الوجود‬ ‫بإثــارة «هيتشــكوك»‪ ،‬تذهــب إلــى حكايــات «بروســت» دون أن‬
‫ـم‪ ،‬وهــو االكتمــال باآلخــر‪ ،‬وفــق مبــدأ التســاوي واحتــرام‬ ‫األهـ ّ‬ ‫حر ّيــة‬‫ـص‪ ،‬بــل تضــع شــخوصها فــي ّ‬ ‫تقتفــي أثــره الزمنــي فــي القـ ّ‬
‫المشــاعر‪ .‬علي الياســري‬ ‫الحســي هــو بالنزعــة الشــعورية ذاتهــا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تفردهــا‬
‫(زمكانيــة)‪ ،‬لكــن ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪54‬‬
‫صدر في‬

‫‪55‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫‪95‬‬ ‫يوليو ‪165 2021‬‬
‫فيلم «األب»‪..‬‬
‫فلوريان زيلر وسينما النوع‬
‫العا َلــم‪ ،‬فــرض فيلــم «األب ‪THE -‬‬
‫ـم اقتباســه عــن مرسحيــة حقَّقــت نجاح ـ ًا باهــراً يف جميــع أنحــاء َ‬ ‫بعــد أن تـ َّ‬
‫‪ »FATHER‬نفســه كشــهادة ميــاد بالغــة الصالبــة يف مجــال الســينام‪ ..‬إليكــم هــذا الحــوار مــع مخــرج مل يكــن‬
‫أحــد يتوقَّعــه وال حتــى ينتظــره‪.‬‬

‫فالمقاربــة‬
‫ُ‬ ‫مــادة المســرحية بــأدوات الســينما‪:‬‬ ‫«‪( Le père‬األب)» أو «‪( The father‬األب)»‪ ،‬األول‬
‫الســينمائية التــي تب َّناهــا «زيلــر» حافظــت علــى‬
‫ّ‬ ‫عنــوان مســرحية‪ ،‬والثانــي عنــوان لفيلــم‪ :‬نفــس‬
‫العاطفيــة‪ ،‬ولكنهــا تالفــت اســتدرار‬
‫ّ‬ ‫القــوة‬ ‫نفــس‬ ‫المخــرج‪ :‬فلوريــان زيلــر‪ ،‬نفــس الحبكــة‪ :‬عالقــة‬ ‫ُ‬
‫تفرجيــن‪ ،‬واســتخدمت الغمــوض الــذي‬ ‫ُ ِّ‬ ‫الم‬ ‫ـفقة‬ ‫شـ‬ ‫الصــراع بيــن ثمانينــي بــدأ يفقــد الشــعور بالواقــع‪،‬‬
‫نجــده فــي أفــام الجريمــة وفــي األعمــال الدراميــة‬ ‫وابنتــه التــي يتجاذبهــا مــن جهــة اإلحســاس بالذنب‬
‫ـويدي «إنغمــار برغمــان»‪ ،‬ولكــن مــن‬
‫ّ‬ ‫للمخــرج السـ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جهــة‬ ‫المســن ومــن‬ ‫بســبب التخلّــي عــن والدهــا ُ‬
‫دون أن تســقط فــي فــخ التقليد‪ .‬وينــدرج هذا الفيلم‬ ‫متخصصــة‬
‫ِّ‬ ‫ـدار‬‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـه‬‫أخــرى الشــعور باالرتيــاح إلنزالـ‬
‫ضمــن تقليــد ســينمائي ‪-‬ينطلــق مــع الــدوار الذهنــي‬ ‫المغلق‪.‬‬ ‫المســنين‪ ،‬نفــس مبــدأ الفضــاء ُ‬ ‫فــي رعايــة ُ‬
‫ـوره رومــان بوالنســكي فــي بداياتــه‪ ،‬وينتهــي‬ ‫كمــا صـ َّ‬ ‫ومــع ذلــك العمــان يختلفــان بشــكلٍ جــذري‪ .‬فبعد‬
‫عنــد التجــارب الحسـ ّـية لـ«دارين أرونوفســكي»‪ -‬مع‬ ‫العــرض الناجــح للمســرحية‪ ،‬احتــلَّ «زيلــر» مكانــه‬
‫تأكيــده فــي اآلن نفســه لحساســية ورؤيــة بالغــة‬ ‫ـي فــي المشــهد المســرحي بفرنســا‪.‬‬ ‫كعنصــر أساسـ ّ‬
‫المرهف‬‫الخصوصيــة‪ .‬رؤيــة مؤلِّف التأم فيــه الحس ُ‬
‫ّ‬ ‫حولــه علــى الفــور إلــى مخــرج‬ ‫َّ‬ ‫فقــد‬ ‫أمــا الفيلــم‬
‫ّ‬
‫بعلــم اإلخــراج‪ ،‬وتعـ َّززت لديــه الموهبــة بالمعرفــة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يســتحق اإلعجــاب‪ .‬علــى األقــلّ لكونــه أعــاد صياغــة‬
‫النظريــة‪.‬‬
‫ّ‬

‫مقاربــة آلزهايمــر مــن الداخــل‪ ،‬وذلك‬


‫َ‬ ‫لمــاذا اختــرت‬
‫عــن طريــق رؤيتــه بعيــون شــخص أصيــب بهــذا‬
‫المــرض؟‬
‫ـرق لهــذا المــرض فــي الســينما‬ ‫ـم التطـ ُّ‬
‫‪ -‬عــاد ًة مــا يتـ ُّ‬
‫الخارجيــة ألقــارب المرضــى‪...‬‬
‫ّ‬ ‫عبــر زاويــة النظــر‬
‫يمكــن لذلك أن يعطينــا أفالم ًا قوية‪ ،‬تثير العواطف‪،‬‬
‫ولكــن فــي هــذه الحالــة‪ ،‬نكــون دائمــ ًا علــى علــم‬
‫بمــكان تواجدنــا‪ ،‬وأيض ًا بالوجهة التي نســير نحوها‪.‬‬
‫لــذا تجدنــا نشــاهد مــا يجــري بشــكلٍ ســلبي‪ ،‬ألننــا‬
‫نشــاهد قصة مكتوبة مســبقاً‪ .‬والحال أن هدفي كان‬
‫عكس ذلك‪ :‬أردت أن أترك مســاحة شــاغرة ال يمكن‬
‫تفرجيــن‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬وعلــى‬ ‫ملؤهــا ّإل مــن ِقبــل ُ‬
‫الم ِّ‬
‫الرغــم مــن إعجابــي الشــديد بأفــام دافيــد لينــش‪،‬‬
‫فقــد حاولــت عــدم االقتــداء بــه فــي تصويــر أحــام‬
‫اليقظــة‪ ،‬واالســتيهامات وأجــزاء الواقــع الموضوعة‬
‫ـم تصميــم لغــز الفيلــم‬‫بعضهــا فــوق بعــض‪ .‬فقــد تـ َّ‬
‫للمشــاهدين أنفسهم تجميع عناصره‪،‬‬ ‫بطريقة تتيح ُ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪56‬‬
‫االضطــراب هــذه أكثــر إربــاك ًا وأكثــر عمقـاً‪ .‬وأردت أيضـ ًا الذهــاب‬ ‫بحيــث يتح َّقــق المعنى مع اكتمال الصــورة‪ ،‬لكنني حرصت دائم ًا‬
‫المتعــارف عليها في تجربــة اقتباس فيلم‬ ‫عكــس بعــض المبــادئ ُ‬ ‫علــى أن تظــلَّ هناك قطعة مفقودة‪ ،‬بحيث تفضي عملية تشــكيل‬
‫ســينمائي من أصل مســرحي‪ ،‬حيث في كثير من األحيان‪ ،‬نضيف‬ ‫ـوع مــن الطريــق المســدود‪.‬‬ ‫المعنــى هــذه بشــكلٍ منهجــي إلــى نـ ٍ‬
‫مشــاهد مــن الخــارج إلعطــاء االنطبــاع بــأن مجــال الحكايــة قــد‬ ‫كان هدفــي هــو وضــع النــاس فــي نفس الحالــة التي يوجــد عليها‬
‫ا ّتســع‪ .‬علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬أردت البقــاء فــي هــذه الشــقة‬ ‫مريــض دماغــه ال َيقــوى علــى فهم ما يحدث بشــكلٍ كامل‪ ،‬وأكثر‬
‫الســتخدام هــذا الديكــور واللعــب بــأدوات الســينما‪ .‬علــى ســبيل‬ ‫ـم حملهــم علــى االستســام‬ ‫مــن ذلــك ال يســتطيع القبــول بــه‪ ،‬ثـ َّ‬
‫ـتمرة في الخلفية مــع إخفائها‬‫المثــال‪ ،‬عبــر إدخــال تعديالت مسـ ّ‬ ‫الــذي مــن شــأنه أن يقودهــم إلــى القيــام بقــراءة أكثــر عاطفيــة‬
‫قدر اإلمكان‪ ،‬بهدف رســم خط ســردي آخر‪ ،‬يســاهم في اســتمرار‬ ‫لألحــداث‪ .‬أردت ّأل يكــون الفيلــم لعبــةً بســيطة للعقــل‪ ،‬ولكــن‬
‫ـك‬
‫ـاهد يشـ ّ‬‫المشـ ِ‬
‫الحيــرة‪ ،‬وعــدم اليقيــن‪ ،‬للدرجــة التــي تجعــل ُ‬ ‫بالمشــاهد‪ ،‬ولــو عبــر مســا ٍر ســردي مع َّقــد‪ ،‬إلــى مكان‬ ‫أن يفضــي ُ‬
‫فيمــا يعتقــد أنــه رآه‪ .‬عندمــا كتبــت الســيناريو‪ ،‬قمــت فور ًا برســم‬ ‫ومهيــج للعواطــف‪ .‬عندمــا يقــول البطــل بأنــه‬ ‫ِّ‬ ‫ـاطة‬ ‫شــديد البسـ‬
‫تصميــم لهــذه الشــقة‪ ،‬التــي كانــت أساسـ ّـية فــي هــذا المشــروع‬ ‫ـد ذاتهــا ال‬
‫يشــعر وكأنــه يفقــد كل أوراقــه‪ ،‬هــذه الجملــة فــي حـ ِّ‬
‫ـخصية نفســها‪.‬‬‫ّ‬ ‫بقــدر مســار الشـ‬ ‫تعنــي شــيئاً‪ ،‬ولكــن إذا كنــا قــد وصلنــا إلــى حالــة االستســام كما‬
‫تحدثنــا عنهــا‪ ،‬فســنفهم جيــد ًا مــا ِّ‬
‫تعبــر عنــه‪ .‬هــذا هــو المــكان‬ ‫َّ‬
‫مفهــوم الحيــرة هــذا يقــذف علــى الفــور بالفيلــم إلــى خانــة فيلــم‬ ‫الــذي أردت الوصــول إليــه مــن خــال هــذا الفيلــم‪.‬‬
‫الشخصيات من القلق واالرتياب‬‫ّ‬ ‫الجريمة الذي تعاني فيه إحدى‬
‫العجائبية‪ .‬هل كانت تلك‬
‫ّ‬ ‫ـينما‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫والوســاوس‪ ،‬بل وحتى خانة‬ ‫هــل كنــت تطمــح أيضـ ًا إلــى أخــذ نصيبــك مــن فرصــة اللعــب التــي‬
‫المشـ ِ‬
‫ـاهد منــذ‬ ‫طريقــة للتحـ ُّـرر مــن المســرحية؟ طريقــة تخبــر بهــا ُ‬ ‫ـينمائي أكثــر مــن اإلخــراج المســرحي‪ ،‬ألننــا‬
‫ّ‬ ‫يتيحهــا اإلخــراج السـ‬
‫البدايــة بأنــه لــن يرى الشــيء نفســه؟‬ ‫ال بالفروق بين زوايا النظر للواقع‬ ‫في السينما يمكن أن نلعب قلي ً‬
‫ـينمائية؟‬
‫ّ‬ ‫وأيض ًا بالخدع السـ‬
‫‪ -‬هــذا صحيــح جزئي ـاً‪ .‬أنــا مقتنــع بــأن «األب» ليــس فيلم ـ ًا عــن‬
‫مــرض آلزهايمــر‪ ...‬وفــي نفــس الوقــت أعــي بأنــه كذلــك علــى أية‬ ‫ـد مــا لعبــة البحــث عــن‬‫‪-‬ســأكون واضحـاً‪ .‬الفيلــم ُيشــبه إلــى حـ ٍّ‬
‫حــال‪ .‬لكننــي أردتــه أن يكــون أكثــر مــن ذلــك بكثيــر‪ .‬فــإذا جــاء‬ ‫ـم تصميــم الفيلــم فــي البدايــة‬ ‫الكنــز‪ ،‬مــع قليــل مــن التالعــب‪ .‬تـ َّ‬
‫أحدهــم وقــال لــي‪« :‬حســنا‪ ،‬هناك فيلم عــن مــرض آلزهايمر من‬ ‫علــى شــكل متاهــة‪ ،‬ولكــن لــم يكــن يكفــي أن نجعــل النــاس‬
‫بطولــة أنتونــي هوبكنــز وهــو مؤثر جــداً»‪ ،‬ربما لن أرغــب كثير ًا في‬ ‫يتوهــون بداخلهــا‪ ،‬ألن ذلــك ســهل جداً‪ .‬ما أردته هو خلق شــعور‬
‫الذهــاب لرؤيتــه‪ ،‬ألنــه علــى الــورق‪ ،‬ســيعطيني الشــعور بأنني قد‬ ‫ـورة‪.‬‬‫بفقــدان الواقــع‪ .‬فأنــا لــم أكــن أريــد إخــراج مســرحية مصـ َّ‬
‫رأيــت مثلــه مــن قبــل‪ ،‬وبأنــه ينتمــي إلــى الســينما القائمــة علــى‬ ‫تقدمــه الســينما مــن إمكانــات لجعــل تجربــة‬ ‫أردت اســتخدام مــا ِّ‬
‫‪57‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫المســتحيل ظهورهــا فــي المســرح؟‬
‫والتــي يــكاد يكــون مــن ُ‬ ‫التكــرار‪ .‬والحــال أننــي أردت لفيلــم «األب» أن يكــون عكــس ذلــك‬
‫أن العديد‬ ‫معينة‪ ،‬ومع ذلــك ال يتوقَّف عن‬ ‫ـدم للنــاس كفكــرة َّ‬ ‫تمامـاً‪ ،‬أن يتقـ َّ‬
‫‪-‬يمكــن للمــرء أن يعتقــد فــي الواقع بعد رؤيته للفيلــم ّ‬
‫من األشــياء‪ ،‬مثل ســيولة الســرد‪ ،‬لم تخرج إلى الوجود ّإل أثناء‬ ‫ـإن الفيلم ُيفت َتح بأجــواء تنتمي‬ ‫إظهــار أفــكار أخــرى لهــم‪ .‬لذلك فـ ّ‬
‫المونتاج ظلَّ وفي ًا للســيناريو‪.‬‬ ‫ـيكولوجية أو يســتعير بعــض العناصــر‬ ‫ّ‬ ‫إلــى أفــام الجريمــة السـ‬
‫المونتــاج‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬فأنا أؤكِّ د أن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ومــع أنــه شــكَّ ل خطــو ًة حاســمة فــي إنجــاز الفيلــم ّإل أننــي لــم‬ ‫ـم‬
‫مــن ســينما الرعــب‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬أعتقــد بصــدق أنــه تتـ ُّ‬
‫أعشــه كإعــادة كتابــة لهــذا األخير‪ .‬عملــت مع المونتيــر يورغوس‬ ‫المنطلــق‪ ،‬لــم أرغــب فــي‬
‫ـاهد‪ .‬ومــن هــذا ُ‬ ‫المشـ ِ‬
‫االســتهانة بــذكاء ُ‬
‫ـدني مــا أنجــزه فــي فيلــم ‪JUSQU’À LA‬‬ ‫جعــل األمــور ســهلة جــد ًا عليــه‪ .‬العمــل مــع أنتونــي هوبكنــز كان‬
‫المبرينــوس‪ ،‬الــذي شـ ّ‬
‫‪ .GARDE‬واتفقنــا علــى أننــا ال نرغــب باكتشــاف الســرد في غرفة‬ ‫ـتراتيجية‪ :‬كل ممثــل معــروف فهــو‬ ‫ّ‬ ‫أيض ـ ًا جــزء ًا مــن هــذه االسـ‬
‫المونتــاج‪ ،‬بــل نرغــب فــي نقــل مــا يطرحــه الســيناريو والديكــور‬ ‫يحمــل معــه رغمـ ًا عنــه مجمــوع مــا أنجزه مــن أعمال‪ .‬وبالنســبة‬
‫ُ‬
‫بشــكلٍ كامل‪.‬‬ ‫ـدق علــى خلــق جــو مــن‬ ‫يجســد هوبكنــز قــدرة ال ُتصـ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫للجمهــور‪،‬‬
‫علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــي المشــهد الــذي نرى فيــه أنتونــي هوبكنز‬ ‫المعلنة‪ .‬وأنا اســتخدمت كل ذلك‬ ‫القلــق والخطــر واألشــياء غيــر ُ‬
‫يعثــر علــى أكيــاس زرقــاء فــي المطبــخ‪ ،‬حيــث لــم يعرف مــن أين‬ ‫ـاهد فــي‬‫للمشـ ِ‬
‫ُ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫يمك‬ ‫ال‬ ‫ـث‬
‫ـ‬ ‫بحي‬ ‫بطبيعــة الحــال كمؤشــر زائــف‪،‬‬
‫ـرر أن يخبئها في جيبه‪ .‬هذا مشــهد‬ ‫أتــت هــذه األكيــاس‪ ،‬ولكنــه قـ َّ‬ ‫أي لحظــة مــن لحظــات الفيلــم أن يقــول‪« :‬حســناً‪ ،‬لقــد فهمــت‬
‫ثابــت وطويــل بالقدر الذي يســمح لنــا بتحديد عناصــره‪ .‬في ٍ‬
‫وقت‬ ‫الموضوع»‪.‬‬
‫الحــق‪ ،‬ومــن خــال زاوية الرؤيــة ذاتها‪ ،‬ولكن فــي مطبخ مختلف‬
‫تمام ـاً‪ ،‬نشــاهد أوليفيــا كولمــان تضــع نفــس األكيــاس الزرقــاء‬ ‫إن الفــرق الملمــوس بين المســرحية والفيلم يكمن في‬ ‫هــل تقــول ّ‬
‫علــى طاولــة أخــرى‪ ،‬غيــر أنهــا تتواجــد فــي نفــس المــكان الــذي‬ ‫المونتــاج‪ ،‬والــذي يســمح لــك بالتركيــز علــى االختالفــات‬ ‫أعمــال ُ‬
‫كانــت تتواجــد بــه الطاولــة األولى في المشــهد من قبل‪ .‬بالنســبة‬ ‫الدقيقــة‪ ،‬مــا يغــذِّ ي الحيــرة التــي تبحــث عنهــا مــن خــال الفيلــم‪،‬‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪58‬‬


‫ســلك طريق ـ ًا عكــس الــذي ســلكته فــي فيلمــي تمام ـاً‪« .‬فلوريــد‬ ‫الموالية‪،‬‬
‫ـاهد‪ ،‬األمــر واضح جــداً‪ :‬فهو يرى أننا فــي اللقطة ُ‬ ‫للمشـ ِ‬ ‫ُ‬
‫المشــاهد يعيــش‬ ‫يــروي حكايــة‪ ،‬وأنــا أردت لفيلمــي أن يجعــل ُ‬ ‫الزمني للقصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫التسلس‬ ‫مع‬ ‫ذلك‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫تناق‬ ‫من‬ ‫ـش‬ ‫ـ‬ ‫ينده‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫أن‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫غي‬
‫تجربــة‪ .‬ولقــد كانــت هناك محــاوالت أخرى غير فلوريــد القتباس‬ ‫المونتــاج أفادنــا كثيــر ًا فــي إدخــال هــذه االلتــواءات‪ ،‬ولكــن فقط‬ ‫ُ‬
‫األميركيــة‬ ‫المتحــدة‬ ‫مــن أجــل تســخيرها لخدمــة الســيناريو‪ .‬هــذه القــوة التــي يتيحها‬
‫ّ‬ ‫مســرحية «األب»‪ ،‬مــن إنجلتــرا والواليــات ُ‬
‫علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬ولكــن حينهــا كنــت قد بــدأت أعــرف بأنني‬ ‫المســتحيل أن‬‫تجــاور الصــور ال نجدهــا ّإل فــي الســينما‪ ،‬ومــن ُ‬
‫أحولهــا بنفســي إلــى فيلــم‪ .‬وقــد اســتغرق منــي ذلــك‬ ‫نجدهــا على المســرح‪.‬‬
‫أريــد أن ّ‬
‫ثــاث ســنوات‪ .‬كان يلزمنــي إقنــاع الكثيــر مــن النــاس بأننــي قــادر‬
‫ِ‬
‫شــاهد‪ ،‬بســينما النــوع‪.‬‬ ‫كم‬
‫يعيدنــا ذلــك إلــى مســألة عالقتــك‪ُ ،‬‬
‫ـينمائي‪ ،‬فلــم تكــن تلــك أول تجربــة لــي فــي‬ ‫ّ‬ ‫علــى اإلخــراج السـ‬
‫ـي يعــود بنــا إلــى األفــام األولــى‬
‫ومبــدأ االرتبــاك أو الفضــاء الذهنـ ّ‬
‫إن الفيلــم كان أيضـ ًا بلغــة أخــرى‬ ‫ميــدان الســينما فحســب‪ ،‬بــل ّ‬ ‫لرومــان بوالنســكي أو داريــن أرونوفســكي‪...‬‬
‫غيــر لغتــي‪ .‬كانــت تلــك كلهــا عقبــات أمــام إنجــاز فيلــم مســتقل‬
‫باإلنجليزيــة‪ .‬وحتــى مــع ممثليــن كالذيــن حصلنــا عليهــم‪،‬‬ ‫ناطــق‬ ‫قــررت أن أخــرج فيلمــ ًا لــن يغــادر هــذه الشــقة أبــداً‪،‬‬ ‫‪-‬عندمــا َّ‬
‫ّ‬
‫كان أمــر ًا فــي غايــة الصعوبــة‪ .‬أريــد أن أؤكِّ ــد أمــر ًا ألننــا ننســى‬ ‫ـراه ســيغني الفيلــم عــوض أن يفقــره‪ ،‬تســاءلت عــن‬ ‫ألن ذلــك إكـ ٌ‬
‫المغلــق دون أن‬ ‫ُ‬ ‫ـاء‬
‫ـ‬ ‫الفض‬ ‫ـدأ‬
‫ـ‬ ‫مب‬ ‫ـاول‬ ‫ـ‬ ‫تن‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـت‬
‫ـ‬ ‫ن‬ ‫تمكَّ‬ ‫األفــام التــي‬
‫ـد فرنســا بلــد الســينما‪ ،‬وإلى أي‬ ‫فــي كثيـ ٍر مــن األحيــان إلــى أي حـ ّ‬
‫تظــل حبيســة للشــكل المســرحي‪ ،‬ومــن البديهــي أن فيلــم روز‬
‫صرحــت بأننــي أنــوي إخــراج‬ ‫ـد تســاعد علــى إنتاجهــا‪ .‬فحالمــا َّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫مــاري بيبــي قــد فــرض نفســه بقــوة‪ .‬لقــد أدركــت‪ ،‬حينمــا رأيتــه‬
‫ـم إقصائــي مــن أي دعم مــن المركز‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬‫اإلنجليزي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫باللغ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫فيلم‬
‫شــخصية‬
‫ّ‬ ‫مــر ًة أخــرى‪ ،‬كيــف أن بوالنســكي جعــل مــن الشــقة‬ ‫ّ‬
‫ـي أو مــن القنوات الفرنسـ ّـية‪ .‬ووجدت نفســي‬ ‫ـينمائي الفرنسـ ّ‬
‫ّ‬ ‫السـ‬
‫محسوســة ونفــخ فيهــا الحيــاة بشــكلٍ حرفــي‪...‬‬
‫أمــام مــا يســمونه بالســوق‪ .‬وقوانيــن هذا األخيــر ال تتوافــق دائم ًا‬
‫المســتقلّة‪ .‬إنجــاز هــذا الفيلــم ذكَّ رنــي بأنــه‬ ‫مــع طبيعــة الســينما ُ‬ ‫ـم‬
‫كانــت هنــاك مرحلــة أخــرى بيــن المســرحية والفيلــم‪ :‬فقــد تـ َّ‬
‫علــى الرغــم مــن أن نظامنــا ملــيء بالعيــوب‪ ،‬فهــو يشــكِّ ل امتياز ًا‬ ‫ـينمائي‪ ،‬ولكــن مــن زاويــة مختلفــة جــداً من‬ ‫اقتباســها فــي عمــل سـ‬
‫ّ‬
‫كبيراً‪.‬‬ ‫للمخــرج فيليــب لــو غــاي‪ .‬مــا رأيــك فــي‬
‫ُ‬ ‫ـد»‪،‬‬‫خــال فيلــم «فلوريـ‬
‫حوار‪ :‬أليكس ماسان ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مونية فارس‬ ‫هــذه التجربــة؟‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـباب عديدة خاصة‬ ‫‪ -‬لقــد انطلــق من نفس المســرحية‪ ،‬ولكن ألسـ ٍ‬
‫العنوان األصلي والمصدر‪:‬‬
‫‪Florian Zeller un cinéma de genre‬‬ ‫ـول إلى قصة‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫تدريجيـ ًا حتى‬
‫ّ‬ ‫ـور ذلــك الفيلــم‪ ،‬ابتعــد عنها‬
‫بتصـ ُّ‬
‫‪Cinéma Teaser, N 103 JUIN 2021‬‬ ‫ـخصية فقــدت إحساســها بالواقــع‪ .‬لقــد‬ ‫ّ‬ ‫أخــرى تمام ـاً‪ ،‬قصــة شـ‬

‫‪59‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫استعادة‬

‫ذكريات عن توفيق الحكيم‬


‫رحلة باريس الثانية وسنوات‬
‫الغليان يف صالون الحكيم‬
‫الرســام صالح‬
‫َّ‬ ‫كُ نــت يف تلــك السـ ِ‬
‫ـنوات أبقــى كثــراً يف مكتــب الحكيــم‪ ،‬حتــى ينــرف الجميــع‪ ،‬ويصعــد إليــه عــاد ًة‬
‫طاهــر مــن مكتبــه‪ /‬مرســمه يك يوصلــه يف طريــق عودتــه إىل منزلــه‪ ،‬ويف بعــض األحيــان يوســف إدريس يف األيام‬
‫التــي ال يحــر فيهــا صــاح طاهــر إىل مبنــى األهــرام‪ .‬وألننــي كُ نــت أســكن أيضـ ًا عــى مســار رحلــة صــاح طاهــر يف‬
‫العــودة إىل مســكنه يف الجيــزة أو بدايــة شــارع الهــرم عــى مــا أذكــر(‪ ،)1‬كنــت أصحبهــا يف تلــك الرحلــة‪ ،‬وأنــزل‬
‫أنــا بعدمــا ينــزل توفيــق الحكيــم عــى كورنيــش النيــل‪ ،‬عنــد «كوبــري الجامعــة»‪.‬‬

‫ـوره‬ ‫شــيئ ًا ســوى كلمــة شــكر علــى تعيينــه‪ ،‬وتصـ ُّ‬ ‫أن تناولــت عالقــة توفيــق الحكيــم اإلشــكالية‬ ‫بعــد ْ‬
‫أنــه يتو َّقــع كثيــر ًا مــن ذهابــه إلــى باريــس‪ .‬وكان‬ ‫مــع حركــة الضبــاط التــي اســتولت علــى الحكــم‬
‫مــن بيــن مــا قالــه لــه عبــد الناصــر إنــه ســيكون‬ ‫عــام ‪ 1952‬وهــو فــي َأ ْو ِج العطــاء‪ ،‬ورغبتــه فــي‬
‫ـوق ًا لقــراءة مــا يكتبــه‪ .‬ونصحــه بــأن يتــرك‬ ‫متشـ ِّ‬ ‫أن يبقــي بينــه وبينهــا مســافة‪ ،‬برغــم حــرص‬
‫الروتينيــة لمنــدوب مصــر فــي اليونســكو‬ ‫ّ‬ ‫ـال‬ ‫األعمـ‬ ‫عبدالناصــر علــى االقتــراب منــه‪ ،‬أحــاول هنــا‬
‫ـن يشــاء لمكتبــه‬ ‫ألحــد مســاعديه‪ ،‬وأن ينتــدب َمـ ْ‬ ‫إماطــة اللثــام عــن فصــلٍ آخر مــن فصولهــا‪ .‬وأبدأ‬
‫ـرغ هــو‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يتف‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫حت‬ ‫مــن ســفارة مصــر فــي باريــس‪،‬‬ ‫هنــا بمــا كتبــه محمــد حســنين هيــكل عــن هــذه‬
‫تأمــل وتفكير وكتابــة‪ .‬وعندما عاد‬ ‫لمــا يتم َّنــاه من ُّ‬ ‫المســألة مــن وجهــة نظــر هــي أقــرب مــا يكــون‬
‫الحكيــم مــن باريــس لــم يطلــب مقابلــة جمــال‬ ‫إلــى وجهــة نظــر عبدالناصــر‪ ،‬وهــو يتنــاول عالقــة‬
‫عبدالناصــر‪ ،‬مــع أن عــدد ًا مــن أصدقائــه ‪-‬ومــن‬ ‫الحكيــم بــه كمــا شــهدها‪« :‬توفيــق الحكيــم فــي‬
‫ضمنهــم الدكتــور حســين فــوزي كمــا قــال لــي‪-‬‬ ‫مقابلتــه األولــى مــع عبدالناصــر عندمــا ســلَّمه‬
‫ـدون اســمه فــي دفتــر التشــريفات‬ ‫نصحــه بــأن يـ ِّ‬ ‫قــادة النيــل‪ ،‬حــاول عبدالناصــر أن يتك َّلــم معــه‪،‬‬
‫فــي الرئاســة تعبيــر ًا عــن شــكره بعــد عودتــه مــن‬ ‫ولكنــه كان قليــل الــكالم‪ .‬ك ّنا قبل الســويس‪ ،‬ولم‬
‫إن كان ذلــك‬ ‫مهمتــه‪ .‬ســألني توفيــق الحكيــم ْ‬ ‫َّ‬ ‫ترســخت بعــد‪ ،‬وبالتالــي فأنــا‬ ‫تكــن األســطورة قــد َّ‬
‫ضروريــاً؛ ألنــه يشــعر بخجــل فهــو ال يعتقــد‬ ‫أظــن أن هــذا اللقــاء كان فــي أجــواء مقابلــة بيــن‬
‫تهمــه‬ ‫أنــه نجــح فــي اليونســكو‪ ،‬وأن باريــس لــم ّ‬ ‫ـب كبيــر والرجــل القــوي علــى قمــة الدولــة‪.‬‬ ‫أديـ ٍ‬ ‫صبري حافظ‬
‫ـدت نفســه»‪ ،‬وأن قرينتــه‬ ‫ـرة‪ ،‬وأنهــا «صـ ّ‬ ‫هــذه المـ ّ‬ ‫فــي اللقــاء الثانــي اختلفــت الصــورة‪ ،‬ألن اللقــاء‬
‫تصور أن في اســتطاعته‬ ‫َّ‬ ‫ألنه‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫كثير‬ ‫عليه‬ ‫ضحكــت‬ ‫ـطوري‪ ،‬وعنــد‬‫ّ‬ ‫وجوهــا األسـ‬
‫ِّ‬ ‫جــرى بعــد الســويس‬
‫بعــد الســتين اســتعادة أجــواء كان فيهــا تحــت‬ ‫ســفر الحكيــم مندوبـ ًا لمصر في اليونســكو‪ ،‬وكان‬
‫الثالثيــن»(‪.)2‬‬ ‫ـدة‪ ،‬وكان‬ ‫توفيــق الحكيــم يريــد هــذا المنصب بشـ ّ‬
‫ممــا قالــه محمــد حســنين هيكل‬ ‫المقتطــف‪ّ ،‬‬ ‫هــذا ُ‬ ‫ـور أن عودتــه إلــى باريــس أديب ـ ًا كبيــر ًا هــذه‬ ‫يتصـ َّ‬
‫عــن تلــك العــودة لباريــس‪ ،‬ينطــوي علــى تعبي ـ ٍر‬ ‫ـدد ًا فــي‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫متج‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫انبثاق‬ ‫ـده‬ ‫ـ‬ ‫عن‬ ‫ـدث‬
‫ـ‬ ‫تح‬ ‫ـوف‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ـر‬
‫المـ ّ‬
‫إن كان‬ ‫«صدت نفســه»‪ ،‬وأنه ْ‬ ‫ّ‬ ‫دال وهــو أن باريــس‬ ‫الفكــر‪ ،‬يفــوق مــا أحدثــه لقــاؤه األول مــع باريــس‬
‫يعتــرف بأنــه لــم ينجــح فــي اليونســكو‪ ،‬فهــو لــم‬ ‫عندمــا ذهــب إليها طالــب بعثة لدراســة الحقوق‪.‬‬
‫الحــرة التــي‬
‫ّ‬ ‫ينجــح أيضــ ًا فــي أن يعــود لنفســه‬ ‫المقابلــة لــم يتك َّلــم الحكيــم‪ ،‬ولــم يقــل‬ ‫فــي هــذه ُ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪60‬‬
‫ـور أنه قد‬ ‫ـد نفســه» وليســت باريــس‪ ،‬التي تصـ َّ‬ ‫األمــر الــذي «صـ ّ‬
‫ممــا يضيــق بــه فــي مصــر‪ ،‬حتــى ولــو كان ســعيد ًا‬ ‫يهــرب إليهــا ّ‬
‫بــأن أغاللــه كانــت مــن حريــر كمــا ذكــرت‪ ،‬ألن باريــس لديهــا‬
‫القــدرة دائمـ ًا علــى أن «تفتــح النفــس» المصــدودة‪ ،‬وتســتثير‬
‫خلقــة‪.‬‬ ‫ـات ّ‬ ‫أفضــل مــا فــي اإلنســان مــن طاقـ ٍ‬
‫ونحــن نعــرف كــم كانــت رحــات طــه حســين إلــى فرنســا تثمــر‬
‫دائمـ ًا إنتاجـ ًا ثريـاً‪ ،‬وكيــف كانت واحــدة منها حينمــا التقيا مع ًا‬
‫المشــترك‬ ‫فيهــا‪ ،‬هــو وتوفيــق الحكيــم‪ ،‬قــد أثمرت هــذا العمل ُ‬
‫(القصــر المســحور)‪ ،‬لكــن ذلــك ك ّلــه كان فــي زمــنٍ ســابق على‬
‫أمــا تفســير زوجتــه الــذي‬ ‫زمــن االســتبداد وحكــم العســكر‪ّ .‬‬
‫ينقلــه لنــا هيــكل وإحالتهــا األمر ك ّلــه إلى عمر توفيــق الحكيم‪،‬‬
‫فهــذا يفتــح البــاب علــى جــرح آخــر فــي حيــاة الحكيــم‪ ،‬وهــو‬
‫المو َّفــق‪ ،‬والــذي عانــى منــه طويـاً‪ ،‬علــى العكــس‬ ‫زواجــه غيــر ُ‬
‫ـة َح ِف ّيــة ورائعة‪،‬‬ ‫ـه عليــه بزوجـ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الل‬ ‫أنعم‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـين‬ ‫مــن طــه حسـ‬
‫ـر أعرفــه‪ ،‬وأعــرف شــيئ ًا عــن طريقــة توفيــق الحكيــم‬ ‫وهــو أمـ ٌ‬
‫ـور أن من الالئق أن‬ ‫المراوغــة فــي التعامــل معه‪ ،‬ولكني ال أتصـ َّ‬ ‫ُ‬
‫أكتــب عنــه شــيئ ًا هنــا فــي هــذه الذكريــات عــن الحكيــم الكا ِتب‬
‫والمبــدع الكبير‪.‬‬ ‫ُ‬
‫نعــود إلــى صالــون الحكيــم المفتــوح فــي مبنــى (األهــرام)‬
‫ـي طــوال‬ ‫يومـ ّ‬ ‫ـردد عليــه بشــكلٍ شــبه‬ ‫الجديــد‪ ،‬والــذي كنــت أتـ َّ‬
‫أكثــر مــن عامين حينما عملت في ملحــق الطليعة ‪ ،‬من ‪1971‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪ ،1973 -‬وحتــى غــادرت مصــر إلــى إنجلتــرا فــي أواخــر مــارس‪/‬‬


‫تحــول فيهــا الصالــون إلــى‬ ‫َّ‬ ‫آذار ‪ ،)4( 1973‬وهــي الفتــرة التــي‬
‫ال‬‫ـاحة مفتوحــة للنقــاش والجــدل فــي الشــأن العــام‪ ،‬وصــو ً‬ ‫سـ ٍ‬
‫إلــى كتابــة بيــان األدبــاء الشــهير فــي غرفتــه تلــك‪ ،‬وكان اســمه‬
‫ـب‬ ‫الموقِّعيــن عليــه‪ ،‬وهــي أيض ـ ًا الفتــرة التــي كتـ َ‬ ‫فــي صــدارة ُ‬
‫تيبــه المشــهور (عــودة الوعــي)‪.‬‬ ‫فيهــا كُ ّ‬
‫كنــت فــي تلــك الســنوات أبقــى كثير ًا فــي مكتب الحكيــم‪ ،‬حتى‬ ‫ِ‬
‫الرســام صــاح طاهر من‬ ‫ّ‬ ‫ينصــرف الجميــع‪ ،‬ويصعــد إليه عاد ًة‬
‫مكتبــه‪ /‬مرســمه كــي يوصله في طريــق عودته إلــى منزله‪ ،‬وفي‬
‫بعــض األحيــان يوســف إدريــس فــي األيــام التي ال يحضــر فيها‬ ‫ـرة األولــى‪ .‬وعلــى غيــر‬ ‫أبدعــت مــا أبدعــت فــي باريــس فــي المـ ّ‬
‫صــاح طاهــر إلــى مبنــى األهــرام‪ .‬وألننــي كنــت أســكن أيض ـ ًا‬ ‫ـإن األمر كان من ناحيــة الحكيم كان محاولة‬ ‫توهــم هيكل فـ َّ‬
‫مــا َّ‬
‫علــى مســار رحلــة صــاح طاهــر فــي العــودة إلــى مســكنه فــي‬ ‫للهــرب مــن المنــاخ الثقيــل الــذي كان يشــهد تخلُّــق آليــات‬
‫الجيــزة أو بدايــة شــارع الهــرم علــى مــا أذكــر‪ ،‬كنــت أصحبهمــا‬ ‫المث َّقفيــن‪ ،‬ع ّلــه يســترد‬
‫االســتبداد فيــه‪ ،‬والعصــف بكثيــر مــن ُ‬
‫فــي تلــك الرحلــة‪ ،‬وأنــزل أنــا بعدمــا ينــزل توفيــق الحكيــم على‬ ‫حريتــه‪ .‬وليتــه ذهــب إليهــا دون أن يلتقــي بعبــد الناصــر‬ ‫فيهــا ّ‬
‫كورنيــش النيــل‪ ،‬عند «كوبري الجامعة»‪ .‬وكان الحكيم يحرص‬ ‫كــي يشــكره‪ ،‬وهــو األمــر الــذي ألــح الكثيــرون مــن أصدقائــه‬
‫علــى أن ينــزل مــن الســيارة علــى كورنيــش النيــل فــي جــاردن‬ ‫وعلــى رأســهم هيــكل نفســه للقيــام بــه‪ ،‬ألن لقــاءه هــذا مــع‬
‫ســيتي‪ ،‬وفــي مــكان ال بيــوت أمامــه‪ ،‬وإنمــا أمام ســور الســفارة‬ ‫مما‬
‫عبدالناصــر كشــف لــه فيمــا يبــدو أنــه لن يســتطيع الهــرب ّ‬
‫المطلــة علــى هــذا الجزء مــن كورنيــش النيل‪ .‬ومع‬ ‫البريطانيــة ُ‬
‫ّ‬ ‫نغصت‬ ‫أراد تج ُّنبــه‪ ،‬وأيقــظ قرون االستشــعار لديه‪ ،‬وهــي التي َّ‬
‫أننــا نعــرف اآلن أنــه كان يســكن علــى ُبعــد أكثــر مــن مئتــي متر‬ ‫ـس أنــه ُمراقب‪،‬‬ ‫المرة أحـ ّ‬
‫ّ‬ ‫عليــه إقامتــه فــي باريــس‪ .‬ففــي هــذه‬
‫إل أنــه‬ ‫مــن المــكان الــذي كان يطلــب إنزالــه مــن الســيارة فيــه؛ ّ‬ ‫وأن عبدالناصــر ينتظــر منــه شــيئ ًا ‪-‬وهــو يقــول إنــه «ســيكون‬
‫كان يريــد أن يــراه الجيــران وبــواب العمــارة مع ـاً‪ ،‬عائــد ًا إلــى‬ ‫ـوق ًا لقــراءة مــا يكتبــه»‪ -‬لــم يكــن فــي طاقتــه أن يفعلــه‪.‬‬ ‫متشـ ِّ‬
‫التقليديــة والبيريه الشــهير‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بيتــه‪ ،‬ماشــي ًا علــى قدميه بعصــاه‬ ‫فلــم يكــن غائب ـ ًا عنــه أن تلــك الســفرة التــي طلبهــا قبــل عــام‬
‫هــذا وقــد ســمعت أكثر مــن تأويلٍ لهــذا اإلصرار الــذي عاصرته‬ ‫إل بعــده‪ ،‬وبعــد أكبــر حملــة اعتقــاالت‬ ‫‪ ،1959‬لــم تتح ّقــق ّ‬
‫لعاميــن تقريبـ ًا وبشــكلٍ شــبه منتظــم‪ .‬كان أســوأها ناجمـ ًا عن‬ ‫َّفي اليســار الذين‬ ‫للمثقَّفيــن فــي مصر‪ ،‬وفي طليعتهم ُجلُّ مثق ّ‬ ‫ُ‬
‫إن لــم نقــل اإلشــكالية مــع زوجتــه‪،‬‬ ‫عالقتــه غيــر الســعيدة‪ْ ،‬‬ ‫ـدد مــن األصدقــاء‪،‬‬ ‫كان يعــرف الكثيريــن منهــم‪ ،‬ولــه بينهــم عـ ٌ‬
‫ـخصي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫تأويلي‬ ‫ا‬ ‫أم‬
‫ّ‬ ‫ـره‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫أذك‬ ‫أن‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫وهــو األمــر الــذي ال أريد‬ ‫المعاونين من مصر‪،‬‬ ‫ـن معه مــن ُ‬ ‫كمــا لــم يغــب عنه أيض ًا أن َمـ ْ‬
‫خاصــة‬ ‫ّ‬ ‫لهــذا فهــو أنــه ابــن حــرص الحكيــم علــى ترويــج صــورة‬ ‫ا عــن منطق‬ ‫قــد يكونــون عيونـ ًا عليــه‪ ،‬فلــم يكــن الحكيــم غافـ ً‬
‫ـخصية عــن نفســه‪ ،‬اليــزال يحــرص فيهــا علــى أن يبــدو فــي‬ ‫ّ‬ ‫وشـ‬ ‫الحكــم الناصــري فــي تســليط العيــون علــى الجميــع‪ ،‬وانتشــار‬
‫ـعبي الــذي يذهــب لعملــه ماشــياً‪ ،‬كمــا‬ ‫كتبــة التقاريــر الذيــن ألمــح إليهــم فــي (بنــك القلــق)‪ .‬وهــو‬
‫صــورة ابــن البلــد الشـ ّ‬
‫‪61‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫ـف عــن تلــك النكات‪.‬‬ ‫ـاب علنــي بالكـ ِّ‬ ‫الشــعب فــي خطـ ٍ‬ ‫يذهــب لمقهــاه ماشــي ًا في أيــام الجمعة‪ ،‬وقد ذكــرت أنه اختار‬
‫النــكات التــي صاحبــت الســادات منــذ توليــه الســلطة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أمــا‬
‫ّ‬ ‫مقهــى فنــدق (ســميراميس) القديــم‪ ،‬الــذي ال يبعــد عــن هــذا‬
‫ال إلــى أغنيــة الشــيخ إمام الشــهيرة «شــحاتة المعســل»‪،‬‬ ‫وصــو ً‬ ‫العنــوان بأكثــر مــن خمســمئة متر‪.‬‬
‫ـوع آخــر‪ .‬أعتقــد أنــه أخــذ ينخــر فــي هيبــة‬ ‫فقــد كانــت مــن نـ ٍ‬ ‫وكان صالــون الحكيــم فــي تلــك الفتــرة العاصفــة مــن تاريــخ‬
‫المرعبــة التــي بنتهــا مرحلــة عبدالناصــر‪ ،‬وجعلتهــا‬ ‫الدولــة ُ‬ ‫تغيــرات جلبهــا حكــم الســادات بعــد‬ ‫مصــر ‪-‬ومــا شــهدته مــن ُّ‬
‫كيانـ ًا مخيفـ ًا ال يجــرؤ أحــد علــى الســخرية منــه‪ ،‬ناهيــك عــن‬ ‫ـج بالجــدل‬ ‫انتهــاء عصــر عبدالناصــر‪ ،‬بمــا لــه ومــا عليــه‪ -‬يعـ ُّ‬
‫ولم ْن يثق بهم‪ .‬لكن ســحابة الخوف‬ ‫إل همسـ ًا َ‬ ‫التطــاول عليــه‪ّ ،‬‬ ‫المفتــوح حــول مســتقبل مصــر‪ ،‬وقــد عــاد عــبء التخلص من‬
‫ـدد‪ ،‬منذ أن‬ ‫تكونــت في زمــن عبدالناصر بدأت تتبـ َّ‬ ‫الثقيلــة التــي َّ‬ ‫ـرة وليــس‬ ‫أميركي ـ ًا هــذه المـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ـرائيلي المدعــوم‬ ‫ّ‬ ‫االحتــال ‪-‬اإلسـ‬
‫وإن لم تنقشــع كليةً‬ ‫ْ‬ ‫‪،1967‬‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الهزيم‬ ‫كســرتها صدمــة‬ ‫البريطانــي‪ -‬يقــض مضاجــع الجميــع ويشــغلهم‪ .‬وكانــت‬ ‫ّ‬
‫إل بعــد رحيلــه‪ ،‬وإعــان الســادات اإلجهــاز علــى مراكــز القوى‬ ‫ّ‬ ‫هــذه الســنوات األولــى مــن الســبعينيات مشــحونة بالكثيــر‬
‫والتنصــت علــى الشــعب‪ ،‬وأخــذَ الكثيــر مــن الكُ َّتــاب يحلــون‬ ‫ُّ‬ ‫مــن األحــداث‪ ،‬مــن تخلــص الســادات مــن كلِّ مناوئيــه ِم ّمـ ْ‬
‫ـن‬
‫المؤتمــرات الطالبيــة التــي أخــذت تتنامــى فــي‬ ‫ضيوف ـ ًا علــى ُ‬ ‫كانــوا يعتبــرون أنفســهم أكثــر منــه ناصرية في مراكز الســلطة‬
‫الجامعــة‪ ،‬ويطرحــون فيهــا آراءهــم النا ِقــدة لمــا يــدور بجــرأ ٍة‬ ‫السياسـ ّـية‪ ،‬إلى ســعيه للتخلّص من أنصار فكرهم في وســائل‬
‫غيــر مســبوقة‪ .‬وكانــت تلــك أيض ـ ًا هــي الفتــرة التــي ازدهــرت‬ ‫المختلفــة‪.‬‬ ‫اإلعــام ُ‬
‫تزعمهــا «الشــيخ إمام‬ ‫فيهــا األغنيــة السياسـ ّـية الســاخرة التــي َّ‬ ‫ٍ‬
‫ولــم يكــن هــذا كلّــه ‪-‬رغــم إحاطتــه بأجــواء مــن الســرية‪-‬‬
‫ـم «عدلــي فخــري»‪ ،‬وغيرهمــا‪.‬‬ ‫عيســى»‪ ،‬ثـ َّ‬ ‫المســتمر حــول‬ ‫ـي‪ ،‬وال عــن الجــدل ُ‬ ‫بغائــب عــن الواقــع الثقافـ ّ‬
‫وهــي أيضــ ًا الفتــرة التــي بــدا فيهــا أن مصــر قــد أزالــت عــن‬ ‫مــا يــدور فــي مصــر فــي صالــون الحكيــم‪ .‬وقــد بــدأ فــي هــذا‬
‫ران علــى روحهــا وعقلهــا‬ ‫روحهــا عــبء الخــوف الثقيــل الــذي َ‬ ‫يمينيــون مــن نــوع ثــروت أباظــة ُيكثِّفــون مــن‬ ‫ّ‬ ‫الوقــت مثقَّفــون‬
‫الحر ّيــة‬‫ّ‬ ‫مــن‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫شــيئ‬ ‫واســتعادت‬ ‫فــي مرحلــة عبــد الناصــر‪،‬‬ ‫خاصــةً ‪،‬‬‫ّ‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫أباظ‬ ‫ـب‬
‫ـ‬ ‫اكتس‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحكي‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫صال‬ ‫ترددهــم علــى‬ ‫ُّ‬
‫التــي عاشــتها قبــل اســتيالء العســكر علــى الســلطة‪ .‬وحســب‬ ‫اليمينيــة مــا كان يحلــم بالتعبيــر عنهــا‬ ‫ّ‬ ‫جــرأة فــي طــرح أفــكاره‬
‫الدكتــور أحمــد عبــد اللــه رزة تركَّ ــزت مطالب الطلبــة على ثالث‬ ‫ـدق ما أشــاعه الســادات‬ ‫قبــل عاميــن‪ .‬وأخــذ الحكيــم ‪-‬وقــد صـ ّ‬
‫قضايــا رئيســة هــي‪ :‬إنهــاء حالــة الالســلم والالحــرب واتخــاذ‬ ‫الحر ّيــات‪ ،‬وإلغــاء الرقابــة‪ -‬يفصــح عــن كثيـ ٍر مــن‬ ‫ّ‬ ‫مــن إطــاق‬
‫المصريــة‬
‫ّ‬ ‫قــرار حاســم ونهائــي بالحــرب‪ ،‬وتحريــر األراضــي‬ ‫آرائــه النا ِقــدة للنظــام بشــكلٍ أوضــح‪ ،‬بمــا فيهــا مــن نقــد حــاد‬
‫ٍ‬
‫ـي في مصر‪،‬‬ ‫المحتلة‪ .‬وكانت‬ ‫لتلكؤ الســادات في العمل على تحرير األرض ُ‬
‫الديموقراطية والنظام السياسـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحتلــة‪ ،‬وقضيــة‬ ‫ُ‬
‫حر ّيــة الصحافــة؛ وكانــت ثالــث القضايــا هــي‬ ‫ّ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫بم‬ ‫قضيــة التحريــر تلــك‪ ،‬ورفــض حالــة الالســلم والالحــرب التــي‬
‫االقتصاديــة للبــاد‪ ،‬حيــث نــادى الطلبــة‬ ‫ّ‬ ‫ــة‬ ‫االجتماعي‬
‫ّ‬ ‫البنيــة‬ ‫ـال جــدلٍ مســتمر بيــن‬ ‫ســادت منــذ مــوت عبــد الناصــر‪ ،‬مجـ َ‬
‫ســموه «اقتصــاد حــرب»‪ ،‬واإلجهــاز علــى‬ ‫ّ‬ ‫بضــرورة قيــام مــا‬ ‫تتجمــع‬
‫َّ‬ ‫كانــت‬ ‫والتــي‬ ‫المصريــة‬
‫ّ‬ ‫الثقافيــة‬
‫ّ‬ ‫مختلــف التيــارات‬
‫راديكاليــة فــي تلــك القضيــة‬ ‫ّ‬ ‫الفســاد‪ .‬وكانــت أكثــر المطالــب‬ ‫فــي كثي ـ ٍر مــن األحيــان فــي غرفتــه تلــك‪ ،‬كمــا كانــت بالقطــع‬
‫ـد األعلــى لألجــور فــي البــاد‬ ‫ـأل يتجــاوز الحـ ّ‬ ‫المطالبــة بـ ّ‬ ‫هــي ُ‬ ‫موضــوع الحركــة الطالبيــة األثيــر‪ ،‬منــذ انــدالع أول مظاهــرات‬
‫ـد األدنــى‪ ،‬مــع رفــض سياســة ربــط االقتصاد‬ ‫عشــرة أمثــال الحـ ّ‬ ‫فــي الجامعــة بعــد هزيمــة ‪ ،1967‬وتنامــي االســتقطاب بيــن‬
‫ـرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـارة‬ ‫ـ‬ ‫التج‬ ‫ـق‬‫ـ‬ ‫مناط‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫عب‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫اإلمبريالي‬
‫ّ‬ ‫ـح‬ ‫ـري بالمصالـ‬ ‫المصـ ّ‬ ‫المختلفــة‪.‬‬ ‫تياراتهــا ُ‬
‫المعتقليــن وإعــادة االعتبــار‬ ‫الع َّمــال ُ‬ ‫وطالبــوا باإلفــراج عــن ُ‬ ‫ومــا أن انتهــى العــام التالــي لتولي الســادات الحكــم‪ ،‬وهو عام‬
‫تعرضــت للتشــهير مــن ِقبــل‬ ‫َّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫اليــة‬
‫الع َّم ّ‬
‫للجــان النقابيــة ُ‬ ‫‪- 1971‬وكان قــد جعــل شــعاره فــي هذا العام‪ ،‬أنه عام الحســم‬
‫الع َّمــال عــام ‪.)6( 1971‬‬ ‫ُ‬ ‫ـراب‬ ‫ـ‬ ‫إض‬ ‫الحكومــة نتيجــة‬ ‫الديموقراطية وتحرير األرض أو تصفية آثار العدوان‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫وتحقيق‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫دون حســم‪ ،‬حتــى أخــذت الحركــة الطالبيــة في الغليــان‪ ،‬وفي‬
‫الهوامش‪:‬‬ ‫ـوي‪،‬‬
‫بالمولــد النبـ ّ‬ ‫وبمناســبة االحتفــال ُ‬ ‫‪ 13‬يناير‪/‬كانــون الثانــي‪ُ ،‬‬
‫ـي المنيــل وبالقــرب مــن «كوبــري الجامعــة»‪ ،‬الــذي كان البــد أن يعبــره‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫أول‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـكني‬ ‫ـ‬ ‫‪ - 1‬كان مس‬
‫ّ‬
‫فــي طريقــه إلــى الجيــزة‪ ،‬وكنــت أنــزل مــن ســيارته قبــل أن يعبــر الجســر مباشــرةً‪.‬‬
‫خطــب الســادات «خطبــة الضبــاب» المشــهورة‪ ،‬ومــا أعقبهــا‬
‫والمثقَّفون والثقافة)‪ ،‬ص ‪.252 - 251‬‬ ‫‪( - 2‬محمد حسنين هيكل يتذكَّر‪ :‬عبدالناصر ُ‬ ‫وفجــر هذا الخطــاب ثــور َة الطالب في‬ ‫ـكات لــم تنقطــع ‪َّ .‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫مــن نـ ٍ‬
‫ـدة شــهور‪ ،‬حتــى أخــذ المنــاخ الطــارد وقتهــا‪،‬‬ ‫الملحــق بهيئــة تحريــره الكاملــة لعـ ّ‬ ‫‪ - 3‬مــا أن بــدأ ُ‬ ‫خطاب اســتفزاز بد ً‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫كلِّ الجامعــات‪ ،‬وأصبــح خطــاب الضباب‬
‫ـق منهم‬ ‫تدريجيـ ًا بأعضــاء لجنــة تحريــره‪ ،‬فيغــادرون مصــر واحــد ًا بعــد اآلخــر‪ .‬حتــى لم يبـ َ‬ ‫يعصــف‬
‫ـردد علــى مبنــى األهــرام بشــكلٍ شــبه يومــي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـاب تبريــر‪ .‬فقــد قــال فيــه إن ضبــاب الحــرب‬ ‫مــن أن يكــون خطـ َ‬
‫ممــا جعلنــي أتـ َّ‬ ‫ســواي‪ّ .‬‬
‫‪ - 4‬جاءتنــي فرصــة للســفر إلــى إنجلتــرا فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬وطلــب منــي لطفــي الخولــي أن أرشِّ ــح له‬ ‫ـتانية قــد أعــاق تنفيــذ وعــده بعــام الحســم‪،‬‬ ‫الهنديــة ‪ -‬الباكسـ ّ‬ ‫ّ‬
‫ورشــحته‬ ‫فرحــب بــه‪ّ ،‬‬ ‫الملحــق‪ ،‬وفاتحــت فــاروق عبدالقــادر فــي األمــر َّ‬ ‫ـن يحــلّ مكانــي فــي هــذا ُ‬ ‫َمـ ْ‬ ‫ـع النــدالع حربيــن كُ برييــن فــي‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫متس‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫في‬ ‫العا َلــم لــم يكــن‬‫ألن َ‬
‫َّ‬
‫ـي فــي مــارس‪/‬آذار عــام‬ ‫للطفــي الخولــي‪ .‬واســتلم فــاروق العمــل منــي فــي ملحــق الطليعــة األدبـ ّ‬
‫‪ ،1973‬وهــو الشــهر الــذي غــادرت مصــر فــي نهايتــه‪.‬‬ ‫آنٍ واحــد‪ .‬وكنــت دائم ـ ًا مــا أتطلــع إلــى الوصــول إلــى غرفــة‬
‫والمســتهزئة بــه لــم تنقطــع أبــد ًا منذ تولي الســادات‬ ‫‪ - 5‬الواقــع أن النــكات الســاخرة مــن الســادات ُ‬ ‫الحكيــم فــي تلــك الفتــرة كــي أبلغــه بأحــدث مــا ســمعت مــن‬
‫ـرعية حتى انــدالع حــرب ‪ 6‬أكتوبر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫بأي‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫تعترف‬ ‫الســلطة‪ .‬فلــم تأخــذه مصــر مأخــذ الجــد‪ ،‬ولــم‬ ‫المصرييــن‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫نــكات «الضبــاب»‪ ،‬وكان مولعـ ًا بســماعها ككلّ‬
‫المظاهــرات العارمــة فــي‬ ‫ـددت بعــد فتــر ٍة قصيــرة‪ .‬وخرجــت ُ‬ ‫ـرعية التــي ســرعان مــا تبـ َّ‬ ‫وهــي الشـ ّ‬
‫المتوســط حتــى شــواطئ بحيــرة ناصــر تنــزع‬ ‫ـواطئ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫‪1977‬‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الثان‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يناير‪/‬كان‬ ‫‪ 18‬و ‪19‬‬ ‫أســمع منــه خيــر ًا مــن تلــك التي جئــت له بهــا‪ .‬والواقــع أن أحد‬
‫ُ‬
‫ـرائيلي ع ّلــه يســبغ عليــه شــيئ ًا ّ‬
‫ممــا‬ ‫ّ‬ ‫ـرعية إلــى العــدو اإلسـ‬ ‫فتوجــه فاقــد ًا للشـ ّ‬ ‫َّ‬ ‫ـرعية‪.‬‬
‫عنــه كلّ شـ ّ‬ ‫المجــاالت التــي لــم تأخذ ح ّقهــا من الدرس والجمــع والتحليل‬
‫فضيــع مصــر معــه‪.‬‬ ‫فقــده‪َّ ،‬‬ ‫المصرية»‪ ،‬والسياسـ ّـية منها بشــكلٍ خاص‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هــو حقــل «النكتــة‬
‫‪ - 6‬راجــع كتــاب أحمــد عبــد اللــه الشــهير‪Ahmed Abdalla, The Student Movement and :‬‬
‫وخاصة الفصل‬ ‫‪،)the National Politics in Egypt: 1923-1973 (London, Saqi Books, 1985‬‬ ‫المضــادة للعســكر‪ ،‬وانســحابهم مــن‬ ‫ُ‬ ‫ـكات‬ ‫ـ‬ ‫وكانــت موجــة الن‬
‫ّ‬
‫التاســع عــن انتفاضــة الطالب عــام ‪ ،73 - 1972‬ص ‪.211 - 176‬‬ ‫ســيناء بعــد هزيمــة ‪ ،1967‬قــد دفعت عبدالناصــر إلى أن يرجو‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪62‬‬
‫إدغار موران‬
‫مئة سنة‬
‫‪63‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫يوميات شاردة‬

‫إدغار مورا ْن‪:‬‬


‫مئة سنة من التوا ُزن بني العقل والشغف‬
‫ِ‬
‫ـبوعي خــال شــهر مايو‪/‬أيــار ‪ ،2020‬عندمــا اســتضفناه يف بيتنــا‬ ‫ْ‬ ‫أتيــح يل أن أعايــش «إدغــار» عــن قــرب ملـ ّـدة أسـ‬
‫اليوميــة وعــى طيبتــه وشــغفه‬
‫ّ‬ ‫ـت عــى طقــوس حياتــه‬ ‫فتعرفـ ُ‬
‫َّ‬ ‫أثنــاء ســفر زوجتــه الســيدة صبــاح خــارج فرنســا‪،‬‬
‫ـم يتنــاول بعــض‬ ‫ـرب عصــر الليمــون مــع مـ ٍ‬
‫ـاء ســاخن‪ ،‬ثـ َّ‬ ‫بالحيــاة‪ .‬يســتيقظ حــوايل التاســعة صباح ـ ًا ويبــدأ بـ ُ‬
‫ـوب مــن الشــاي األســود وبيضــة مســلوقة َس ـلْق ًا خفيف ـ ًا؛ وبعــد مهلــة يتنــاول رشائــح خبــز‬ ‫الفيتامينــات ومعهــا كـ ٌ‬
‫بالزبْــدة والعســل‪...‬‬
‫مدهونــة ُ‬

‫احتــال ألمانيــا النازيــة لفرنســا‪ .‬وإذا كان المنــاخ‬ ‫احتفــل الفيلســوف «إدغــار مــوران» يــوم ‪ 8‬يوليــو‪/‬‬
‫ـي والف ّنــي آنــذاك قــد أســعفه علــى معرفــة‬ ‫الثقافـ ّ‬ ‫تمــوز ‪ 2021‬بعيــد ميــاده المئــة‪ ،‬ومعــه احتفــل‬
‫ـريالية والفكر‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫ازده‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫من‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫العص‬ ‫إيقــاع‬ ‫الثقافيــة ورئاســة الجمهوريــة‬ ‫ّ‬ ‫أصدقــاؤه واألوســاط‬
‫ـإن االحتــال ومحنــة تصفيــة اليهــود‬ ‫الماركســي فـ ّ‬ ‫العمــر المديــد يحمله شــخص‬ ‫الفرنسـ ّـية‪ ،‬ألن هــذا ُ‬
‫المقاومــة‪ ،‬حيــث التقــى‬ ‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـراط‬ ‫ـ‬ ‫االنخ‬ ‫ـاداه إلــى‬
‫قـ ُ‬ ‫وعاصــر أحداث ـ ًا‬ ‫َ‬ ‫دة‪،‬‬ ‫ـر‬‫ـخصي ُ ِّ‬
‫ـ‬ ‫تف‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫عــاش تجربــة شـ‬
‫مثقَّفيــن بارزيــن وهــو في مطلع الشــباب‪ .‬وكان من‬ ‫أن َيســتقرئ‬ ‫وازنــة وحــرص طــوال رحلتــه علــى ْ‬
‫ـيوعي‬
‫ّ‬ ‫ـم إلــى الحــزب الشـ‬ ‫الطبيعــي أيض ـ ًا أن ينضـ َّ‬ ‫الخاصــة‬
‫ّ‬ ‫حياتــه‬ ‫ويحلِّــل مــا عاشــه فــي‬ ‫ويتأمــل ُ‬
‫َّ‬
‫يجســد بعض ـ ًا مــن مطامحــه‬ ‫ـي الــذي كان‬ ‫وتفاعــلٍ‬
‫ِّ‬ ‫الفرنسـ ّ‬ ‫لــت بــه تلــك المئــة‬ ‫َ ْ‬ ‫حب‬ ‫مــا‬ ‫مــع‬ ‫بتمــاس‬
‫ٍّ‬
‫إلــى التغييــر‪ .‬غيــر أن التكويــن الجامعــي إلدغــار‬ ‫بالتحــوالت والصراعــات والحــروب‬ ‫ُّ‬ ‫ســنة الزاخــرة‬
‫(فلســفة‪ ،‬علــم اجتمــاع‪ ،‬علــم نفــس‪ ،‬تاريــخ‪)...‬‬ ‫المذهلــة فــي العلــوم والتكنولوجيــا‬ ‫واالكتشــافات ُ‬
‫حاســة النقــد الذاتــي وجعلــه منفتحـ ًا‬ ‫ّ‬ ‫شــحذ لديْــه‬ ‫والفنــون‪...‬‬
‫فــي تفكيــره علــى المناهــج والمقــوالت الحريصــة‬ ‫ذكياً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يك‬ ‫وأن‬ ‫ـن‪،‬‬‫ـ‬ ‫الزم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫قرن‬ ‫ـرء‬
‫أن يعيــش َ ُ‬
‫ـ‬‫الم‬ ‫ْ‬
‫المجتمــع والتاريــخ وأســئلة الــذات‬ ‫فهــم ُ‬ ‫علــى ْ‬ ‫ـاه أنــه‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫معن‬ ‫ـاة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـرار‬ ‫ـ‬ ‫أس‬ ‫ـاف‬ ‫ـ‬ ‫الكتش‬ ‫حبـ ًا‬
‫طلعــة‪ُ ،‬م ّ‬
‫ال فــي انســحابه مــن‬ ‫المع َّقــدة‪ .‬وهــذا مــا تج ّلــى أو ً‬ ‫ُ‬ ‫ســيجد نفســه ُمعاشــر ًا للتاريــخ‪ُ ،‬متابع ـ ًا ألســئلته‬
‫تبين أنه ليس حزبـ ًا ثوري ًا‬ ‫الحــزب الشــيوعي عندمــا َّ‬ ‫الصيرورة ونســبية‬ ‫ْ‬ ‫وتقلُّباته‪ُ ،‬مضطر ًا إلى اســتيعاب‬
‫ـوفياتي ويســتعمل اللُّغة‬ ‫إ ْذ كان تابعـ ًا لالتحــاد السـ‬ ‫ـوالت‪ ،‬وضرورة البحث عن فلسـ ٍ‬
‫ـفة‬ ‫األحــداث والتحـ ُّ‬
‫ّ‬
‫تخشــبة التــي تظــلّ أبعــد مــا تكــون عــن النفــاذ‬ ‫الم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ومنهــج ُيتيحــان لــه الســباحة فــي عا َلــم ينتقــل مــن‬
‫االجتماعــي‪.‬‬ ‫الصــراع‬ ‫وعالئــق‬ ‫الواقــع‬ ‫صلــب‬ ‫إلــى‬ ‫ـدم وصالحيــة القيــم‬
‫محمد برادة‬
‫ّ‬ ‫المطلــق بالتقـ ُّ‬ ‫فتــرة اإليمــان ُ‬
‫السياســي هــو مــا جعلــه‬
‫ّ‬ ‫الفكــري‬
‫ّ‬ ‫التحــول‬
‫ُّ‬ ‫هــذا‬ ‫الشــك وســيادة المصالــح‬ ‫ّ‬ ‫الكونيــة إلــى مرحلــة‬
‫ـد ذاتي» (‪ )1959‬شــرح فيه‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫«نق‬ ‫ـوان‬ ‫ـ‬ ‫بعن‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫كتاب‬ ‫ـف‬ ‫يؤ ِّلـ‬ ‫المتوحشــة‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫الليبرالي‬
‫ّ‬ ‫المطامع‬ ‫الذاتية‪ ،‬وتعاظم‬
‫الموفقــة والبعيــدة عــن الصــواب‪ ،‬مؤكِّ ــد ًا‬ ‫ُ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫مواقف‬ ‫لكــن‪ ،‬قبــل أن يواجــه «إدغــار» أســئلة القــرن‬ ‫ْ‬
‫علــى أن هــذا المبــدأ ضــروري الكتشــاف «الطريــق»‬ ‫ـف مــع‬ ‫الــذي عاصــره ومــا يــزال‪ ،‬كان عليــه أن يتآلـ َ‬
‫وســط عا َلــم بالــغ التعقيــد‪ ،‬بــل أكثــر مــن ذلــك‪،‬‬ ‫ـد أمــه وهــو‬ ‫وضعــه العائلــي الصعــب‪ ،‬إ ْذ إنــه فقَ ـ َ‬
‫ـد ماركــس» (‪.)2010‬‬ ‫نشــر كتابـ ًَا بعنــوان «مــع وضـ ّ‬ ‫فــي الحاديــة عشــرة مــن عمــره‪ ،‬وعالقتــه بــاألب‬
‫النظريــة عــن‬
‫ّ‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫رات‬ ‫تصو‬
‫ُّ‬ ‫وحيــن بــدأ «إدغــار» يصــوغُ‬ ‫ومنــاخ باريــس فــي‬ ‫التفاهــم والتواطــؤ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ينقصهــا‬
‫العا َلــم ومنهــج تحليلــه‪ ،‬لــم يبتعــد عــن الواقع في‬ ‫َ‬ ‫ثالثينيــات القــرن الماضــي يقتضي الجهــد والمرونة‬
‫ـعورية‬ ‫ّ‬ ‫تجل ّّياتــه الملموســة‪ ،‬النابضــة بالحقائق الشـ‬ ‫خاصة خالل‬ ‫ّ‬ ‫المحن والمآسي‪،‬‬ ‫والشــجاعة الجتياز ِ‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪64‬‬


‫اليوميــة وعلــى طيبتــه وشــغفه بالحيــاة‪ .‬يســتيقظ حوالــي‬ ‫ّ‬ ‫حياتــه‬ ‫وثائقي‬
‫ّ‬ ‫ـينمائي‬
‫ّ‬ ‫والوجوديــة؛ كمــا يتج ّلــى ذلك من إنجازه لفيلم سـ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بشــرب عصيــر الليمــون مــع ماء ســاخن‪،‬‬ ‫التاســعة صباحـ ًا ويبــدأ ُ‬ ‫صيــف»‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫«وقائــع‬ ‫عنــوان‬ ‫يحمــل‬ ‫روش»‪،‬‬ ‫«جــان‬
‫ْ‬ ‫مــع‬ ‫مشــترك‬
‫ـوب من الشــاي األســود‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ومعه‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الفيتامين‬ ‫ـم يتنــاول بعــض‬ ‫ثـ َّ‬ ‫وجــه للنــاس فــي الشــارع‪:‬‬ ‫ُ َّ‬ ‫ي‬ ‫ـري‬ ‫ـ‬ ‫جوه‬ ‫ـؤالٍ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـدور‬ ‫ـ‬ ‫وي‬ ‫‪،1961‬‬
‫وبيضــة مســلوقة َسـلْق ًا خفيفـاً؛ وبعــد مهلــة يتنــاول شــرائح خبز‬ ‫مــا هــي الســعادة فــي نظــرك؟ وهــذا الولــع بالســينما ســيجعله‬
‫مدهونــة بال ُزبْــدة والعســل‪ .‬فــي األثنــاء‪ ،‬نتبــادل الحديــث حــول‬ ‫ـاهدة األفــام ومناقشــتها‪ ،‬ألنهــا‬ ‫طــوال حياتــه ُمداومـ ًا علــى مشـ َ‬
‫الح ْجــر‪ .‬بعــد ذلــك‪،‬‬ ‫العا َلــم وعــن كورونــا (‪ )19‬وامتــدادات َ‬ ‫أنبــاء َ‬ ‫المتباينــة‪ .‬علــى‬ ‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ِّياته‬ ‫ل‬ ‫تج‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫نافــذة تطــلّ مباشــر ًة علــى الحيــاة‬
‫ليمتــد إلــى موعــد الغــداء‪ .‬وألنــه ُمتعلِّــق‬ ‫ّ‬ ‫القــراءة‬ ‫وقــت‬ ‫يبــدأ‬ ‫المركَّ ــب» لالقتــراب مــن‬ ‫هــذا النحــو‪ ،‬اســتطاع أن يبلــور «منهجــه ُ‬
‫بالمعرفــة والحــوار‪ ،‬فإنــه يســتغني عــن القيلولــة ليشــارك فــي‬ ‫المعقَّــد»‪ ...‬وألن كلّ شــيء فــي الطبيعــة والعالقــات‬ ‫«الفكــر ُ‬
‫ـزوم)‪ .‬وهــو يجــد‬ ‫ـم بالتعقيــد والتداخــل فإنــه‬ ‫ِ‬
‫ـرية والمعــارف والعلــوم يتسـ ُ‬ ‫البشـ ّ‬
‫عبــر الشاشــة الصغيــرة (الـ ْ‬ ‫نــدوات وحــوارات ْ‬
‫واالجتماعــي‬ ‫المعرفــي‬ ‫مســرة وارتياحــ ًا ألن الحــوار‬ ‫فــي ذلــك‬ ‫ال يمكــن أن نح ِّلــل أو نفهــم أن العطَ ب ال يأتي فقط من الهشاشــة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يجعلــه حاضــر ًا فــي ســاحة الثقافــة الواســعة التــي عــاش فيهــا‬ ‫الالمتوقّع)‪ ،‬بــل أيض ًا من العواقب‬ ‫ُ‬ ‫ـرية (المصائــب‪ ،‬الموت‪،‬‬ ‫البشـ ّ‬
‫«إدغار»‬ ‫خــال أيــام الشــباب والتدريــس والنضــال‪ .‬ا ّتضــح لــي أن‬ ‫واقتصادية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتقنية‬ ‫ة‬ ‫علمي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫هائل‬ ‫قوة‬ ‫كلّ‬ ‫عن‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الناجم‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫حطم‬ ‫الم‬
‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ـدن شـ ٍ‬
‫ـرب مــن الناس هي‬ ‫ـطط فــي إرادة ترمــي إلــى‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـخرة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ـها‬ ‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـون‬ ‫تكـ‬
‫ُيؤمــن بــأن المعرفــة والثقافــة والصداقــة والقـ ْ‬
‫لجعــل الحيــاة حاضــرة وملموســة فــي‬ ‫كلّهــا عناصــر ضروريــة‬ ‫فــرض العنــف واالســتئثار بالربْــح «(جريدة لومونــد‪ 8 ،‬يوليو‪ ،‬من‬
‫ْ‬
‫الســلوك والعالئــق والمواقــف؛ ذلــك أن الحيــاة كلٌّ ال يتجــزأ‪.‬‬ ‫المركَّ ــب هو ما ســيقوده منذ عقود‬ ‫مقــال إلدغــار)‪ .‬وهــذا المنهــج ُ‬
‫أهم ّيــة البيئــة وضــرورة النضال لتحقيق الشــروط التي‬ ‫إلــى إدراك ِّ‬
‫ـد ُد اهتماماتــه بــكلّ مــا ُيضفــي علــى العيــش حيــاة‬ ‫ـم‪ ،‬تعـ ّ‬ ‫ومــن َثـ َّ‬ ‫تحمــي اإلنســان مــن عواقــب التلــوث والكــوارث واألوبئــة‪« ،‬ألن‬
‫حقيقيــة‪ ،‬ال «حيــاة غائبــة»‪ .‬وفــي هــذا اإلطــار وجد ُتــه يهتــم‬ ‫ّ‬ ‫اإلنســان هــو داخــل الطبيعــة وليــس خارجهــا»‪.‬‬
‫رواتيا التــي كانــت‬ ‫بكــرة القــدم فشــاهدنا مع ـ ًا مبــاراة فرنســا‪/‬كَ َ‬ ‫السـ َند الوحيــد‬ ‫ـن‬ ‫ـي‪ ،‬لــم يكـ‬
‫ــدت لــي إعجابــه‬ ‫ذات جــودة عاليــة‪ .‬وكانــت هنــاك مناســبة أكَّ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ـي‪ ،‬السياسـ ّ‬ ‫ّإل أن هــذا المســار العلمـ ّ‬
‫ـوران» وهــو يبلــور منظومتــه الحياتيــة طوال قرنٍ مــن الزمن؛‬ ‫لـ«مـ ْ‬ ‫ُ‬
‫بروايــات «دوستويفســكي»‪ ،‬عندمــا شــاهدنا سلســلة أفــام عــن‬
‫ـت بنيانــه الشــامخ‪ ،‬الجــاذب‬ ‫ّ ْ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫دع‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الثاني‬ ‫ـزة‬ ‫ـ‬ ‫الركي‬ ‫أن‬ ‫ـك‬ ‫ذلـ‬
‫حيــاة الكا ِتــب الروســي التــي ال تقــلّ فــي كثافتهــا ومأســويتها عــن‬
‫والمثيــر لإلعجــاب‪ ،‬تتم َّثــلُ فــي شــغفه العــارم بالحيــاة وبــكلّ مــا‬ ‫ُ‬
‫ـب الحيــاة‪،‬‬ ‫بحـ ّ‬‫ـار» ُمفعمــا ُ‬ ‫رواياتــه‪ .‬كلّ صبــاح‪ ،‬يســتيقظ «إدغـ ْ‬ ‫المســحة التي تجعلنا ُنسـ ِّـبح بالحمد‪ ،‬ونراهن‬ ‫ُ‬ ‫تلك‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫عليه‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ضف‬ ‫ُي‬
‫ـة مضيئــة إلــى مناطــق الظلمــة فيهــا؛‬ ‫حريصـ ًا علــى إضافــة لمسـ ٍ‬
‫تترص ُدنا مــن المهد‬ ‫َّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫باألخط‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫بالي‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـتدامتها‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬
‫فهــو حريــص علــى أن تكــون المعرفــة والذاكــرة والتجربــة فــي‬
‫إلــى اللحد‪ .‬أدرك فيلســوفنا‪ ،‬منذ نعومــة أظفاره أن العقل وحده‬
‫يومي ـاً‪ .‬هــو ُيــدرك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حالــة ِعنــاق مــن أجــل إعــادة ابتــكار الحيــاة‬ ‫عبر المســالك الوعرة‬
‫«اإلنســان والمــوت»‪ ،1951 ،‬أن حيــاة الفــرد‬ ‫َشــر كتابــه‬ ‫ال يكفــي لحمايــة خطواتنــا ونحــن نتدحــرج ْ‬
‫ُ‬ ‫منــذ ن َ‬ ‫قلبــه‬ ‫ـح َ‬ ‫ـاءات نســتهدي ب ُنورهــا‪ .‬ألجــل ذلــك‪ ،‬ف َتـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫بحث ـ ًا عــن َمضـ‬
‫ـعة‬ ‫مؤقَّتــة‪ ،‬لكنــه يتذكَّ ــر أن المئــة ســنة التــي عاشــها كانــت ُمشـ ّ‬ ‫ـب ودفء‬ ‫ـف الحـ ّ‬ ‫ـرب ويعيــش فــي ك َنـ ِ‬ ‫راعيــه لكــي يجـ ِّ‬ ‫ص ْ‬ ‫علــى ِم ْ‬
‫رت مالحــم البطــوالت وثــورات‬ ‫المشــرقات التــي ســطّ ْ‬ ‫باللحظــات ُ‬ ‫تحدي ـ ًا‬ ‫م‬ ‫ات‪،‬‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫أرب‬ ‫ج‬ ‫ـزو‬ ‫ـ‬ ‫وت‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫أكث‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫أح‬ ‫ـف‪.‬‬ ‫العواطـ‬
‫ُ ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المســتضعفة‪ ،‬وعبقريات اإلبداع والفنون‪ ،‬وكشــوفات‬ ‫الشــعوب ُ‬ ‫ـوت والمــرض‪ .‬ذلــك أن «إدغــار» يمتلــك قلبـ ًا دائــم الخفــق‪،‬‬ ‫المـ َ‬
‫المراهنــة علــى حمايــة تلــك‬ ‫ُ‬ ‫ـرورة‬‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ـم‬
‫َّ‬ ‫ـ‬‫ث‬‫َ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـة؛‬ ‫ـ‬ ‫والمعرف‬ ‫العلــم‬ ‫ُمتجاوبـ ًا مــع الجمــال والعواطــف التــي ُتغنــي الوجــود‪ .‬وهــذا مــا‬
‫ـرات قصيــرة‪ ،‬الصــورة‬ ‫ـت‪ ،‬ولــو فــي فتـ ٍ‬ ‫الكونيــة التــي حقَّقـ ْ‬ ‫القيــم‬
‫ّ‬ ‫والمبــادرة ومســاندة قوى‬ ‫المغامــرة ُ‬ ‫جعــل مســاره مفتوحـ ًا علــى ُ‬
‫«إدغار‬
‫ْ‬ ‫األكثــر اكتمــاال وصدقيــةً للحيــاة‪ .‬علــى هــذا النحو‪ ،‬يتابــع‬ ‫ً‬ ‫ـتمد‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ـرة‬
‫ـ‬ ‫الزاخ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الحياتي‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫تجربت‬ ‫اإلبــداع عنــد الشــباب‪ .‬ومــن‬
‫ـب والصداقــة‬ ‫الحياتيــة‪ُ ،‬مسـلَّح ًا بالمعرفــة والحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـوران» رحلتــه‬ ‫مـ ْ‬ ‫ـميه‪ :‬مــا ال نتو َّقــع ُحدو َثــه‬ ‫ضــرورة األخــذ فــي االعتبــار لمــا ُيسـ ّ‬
‫ـه منــذ بضــع ســنوات‬ ‫والــرأي الشــجاع‪ .‬تلــك الشــجاعة التــي قادتْـ ُ‬ ‫(الالمتوقــع) ‪ .l’inattendu‬ذلــك أنــه علــى رغــم انغــاق آفــاق‬ ‫ُ‬
‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫كت‬ ‫ذ‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫ـامية‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫للس‬ ‫إلــى محاكمــة كان فيهــا ُمتهم ـاً‪ ،‬بأنــه ُمعـ ٍ‬
‫ـاد‬ ‫الطبيعية والسياسـ ّـية التي تبعث‬ ‫المعضالت‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫المســتقبل وتراكُ ــم ُ‬ ‫ُ‬
‫ـرائيلي لفلســطين ويفضح أســلوب‬ ‫ال ينتقد فيه االحتالل اإلسـ‬ ‫مقا ً‬ ‫علــى اليــأس‪ ،‬تظــلّ هنــاك إمكانيــات ُمحتملــة تنبثــق مــن صلــب‬
‫ّ‬
‫يصرح‬ ‫ِّ‬ ‫وهو‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫واضح‬ ‫كان‬ ‫لقد‬ ‫ـباب‪...‬‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫واعتق‬ ‫ـازل‬ ‫ـ‬ ‫المن‬ ‫م‬ ‫ـد‬
‫َهـ ْ‬ ‫لتمنحنــا بصيصـ ًا مــن الضــوء نســتهدي بــه‪...‬‬ ‫األزمــة ْ‬
‫قبــل أيــام لجريــدة «ليبراســيون» الفرنسـ ّـية‪« :‬علينــا أن نعتــرف‬ ‫ـبوعين خالل‬ ‫ْ‬ ‫لقــد أتيــح لــي أن أعايش «إدغــار» عن قرب لمدة أسـ‬
‫والمهانيــن‪.‬‬ ‫المح َتقريــن‪ُ ،‬‬ ‫ـون باالعتــراف‪ُ :‬‬ ‫بأولئــك الذيــن ال يحظـ ْ‬ ‫شــهر مايو‪/‬أيــار ‪ ،2020‬عندمــا اســتضفناه فــي بيتنــا أثنــاء ســفر‬
‫ـس األخــوة تجــا َه جميــع الذيــن يتألَّمــون!»‪.‬‬ ‫ـن لديْكــم حـ ُّ‬ ‫ليكـ ْ‬ ‫ـت علــى طقــوس‬ ‫فتعرفـ ُ‬‫َّ‬ ‫زوجتــه الســيدة صبــاح خــارج فرنســا‪،‬‬

‫‪65‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫إدغار موران‪:‬‬
‫ليس لدينا وعي تام بأننا نسري نحو الهاوية‬
‫ـي (‪ ،)CNRS‬وهــو‬ ‫ِ‬
‫ـي للبحــث العلمـ ّ‬ ‫إدغــار مــوران‪َ ،‬عالــم اجتــاع وفيلســوف ومديــر أبحــاث فخــري يف املركــز الوطنـ ّ‬
‫ملع َّقــد‪ .‬احتفــل بعيــد ميالده الـ ‪ 100‬يــوم ‪ 8‬يوليو‪/‬متوز املايض‪.‬‬ ‫منظــري الفكــر ا ُ‬
‫كذلــك مف ِّكــر إنســاينّ‪ ،‬وأحــد أبــرز ِّ‬
‫ملقابلــة التــي أجراهــا مــع «‪ ،»franceinfo‬تطـ َّـرق إىل «دروس قــرن مــن الحيــاة»‪ ،‬مســتحرضاً انضاممــه إىل‬ ‫يف ا ُ‬
‫والقوميــة‬
‫ّ‬ ‫األنانيــة‬
‫ّ‬ ‫ملقاومــة وهــو يف الـــ ‪ 20‬مــن عمــره‪ ،‬عــام ‪ .1941‬ال يخفــي إدغــار مــوران قلقــه مــن تنامــي نزعــات‬ ‫ا ُ‬
‫ومحاربة قوى الدمار»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اإليجابية‬
‫ّ‬ ‫ال‪ ،‬داعي ًا الشباب إىل «الوقوف إىل جانب كلِّ القوى‬ ‫يظل متفائ ً‬
‫واالنغالق‪ .‬لكنه ّ‬

‫ثريــة لكنهــا بــدأت بشــكلٍ ســيئ‪ .‬حاولــت‬


‫تجربتــك فــي الحيــاة ّ‬ ‫إدغــار مــوران‪ ،‬أنــت عا ِلــم اجتمــاع وفيلســوف‪ .‬لكنــك أيضـ ًا مديــر‬
‫ثــم ُولــدت والحبــل الســري حــول رقبتــك‪.‬‬
‫والدتــك إجهاضــك‪َّ .‬‬ ‫أبحــاث فخــري فــي (‪ ،)CNRS‬ومقــاوم ســابق ًا‪ .‬يمكــن تقديمــك‬
‫ِ‬
‫وعانيــت مــن صدمــة وفــاة والدتــك عندمــا كنــت فــي العاشــرة‪.‬‬ ‫المصطلحــات التــي‬ ‫المف ِّكــر واإلنسـ ّ‬
‫ـاني هــي ُ‬ ‫بعـ ّـدة طــرق مختلفــة‪ُ .‬‬
‫قويـ ًا لتعيــش طويـ ً‬
‫ا؟‬ ‫كلّ هــذه األحــداث الصادمــة هــل جعلتــك ّ‬ ‫تناســبك أكثــر؟‬
‫المقاومــة التــي منحتنــي إياهــا الحيــاة‪ ،‬عندمــا كنــت‬ ‫ـم اختزالــي فــي تعريـ ٍ‬
‫ـف واحــد‪ .‬لذلــك‪ ،‬إذا‬ ‫‪ -‬ال أرغــب فــي أن يتـ َّ‬
‫ربمــا هــي ُ‬
‫‪ّ -‬‬
‫جنينـ ًا وأرادوا إجهاضــي‪ .‬قد يكون األمر كذلــك بعد وفاة والدتي‪،‬‬ ‫وضعــت خمســة أو ســتة‪ ،‬فــا بــأس بذلــك!‬
‫تعرضــت للمــرض‬ ‫ـرة أخــرى َّ‬ ‫كنــت أعانــي مــن مــرض غريــب‪ .‬مـ ّ‬
‫ربمــا كلهــا لعبــت دوراً‪ .‬ولكــن أيض ـ ًا‬ ‫علــى أي حــال‪ ،‬بلغــت المئــة فــي الثامن من يوليو‪ /‬تموز الماضي‪.‬‬
‫الشــديد‪ ،‬وقــاوم جســدي‪ّ .‬‬
‫تعرضــت والدتــي لمــرض فــي القلــب ولــم‬ ‫تــم اســتقبالك فــي‬
‫خاصــة وقــد َّ‬
‫ّ‬ ‫هــل احتفلــت بعيــد ميــادك؟‬
‫كنــت الطفــل الوحيــد‪َّ .‬‬
‫تســتطع إنجــاب طفــلٍ آخــر‪ .‬لذلــك كانــت هنــاك عالقــة عشــق‬ ‫اإلليزيــه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومتكاملــة‪.‬‬ ‫متبادلــة‬
‫َ‬ ‫‪ -‬نعــم‪ .‬كمــا أقيمــت بالفعــل مراســم فــي اليونســكو‪ .‬وكان هنــاك‬
‫هــذا الهــروب مــن ألمــي جعلنــي أكتشــف الواقــع عبــر الخيــال‪.‬‬ ‫احتفــال فــي دار البلديــة فــي باريــس‪ .‬لقــد احتفلــت بميــادي‬
‫شــاهدت أفالمـ ًا عــن حــرب عــام ‪ 1914‬التــي كشــفت لي عــن وجه‬ ‫مــع عائلتــي وأطفالــي‪ ،‬وســيكون هنــاك احتفــال فــي «أفينيــون»‪.‬‬
‫المجتمــع‪ .‬علَّمتنــي الروايــات‬ ‫الحــروب‪ .‬شــاهدت أفالمــ ًا عــن ُ‬ ‫حــد مــا‪ ،‬لكــن هــذا يحــدث‬
‫ٍّ‬ ‫هنــاك ســيل مــن االحتفــاالت إلــى‬
‫والســينما أكثــر حتــى مــن المدرســة‪.‬‬ ‫فقــط كلّ مئــة عــام!‬

‫لقــد اســتخدمت كلمــة «مقاومــة»‪ .‬كان عمــرك ‪ 21‬عام ـ ًا عندمــا‬ ‫مئــة عــام هــي علــى أي حــال فرصــة للتقييــم بطريقـ ٍـة مــا‪ .‬هــذا مــا‬
‫المقاومــة‪ ...‬هــل تــرى بأنهــا فتــرة صعبــة‪ ،‬وقــد‬
‫انضممــت إلــى ُ‬ ‫قمــت بــه فــي كتابــك «دروس قــرن مــن الحيــاة»‪ .‬هــل هــو ســيرة‬
‫عايشــت الحــرب العالميــة الثانيــة؟‬ ‫ذاتيــة‪ ،‬أو مقــال؟‬
‫‪ -‬هنــاك حالــة مــن عــدم االســتقرار ليســت هــي نفســها علــى‬ ‫‪ -‬ال‪ ،‬ليســت ســيرة ذاتيــة‪ .‬الكتــاب فيه عناصر ســيرة ذاتيــة لتنوير‬
‫اإلطــاق‪ .‬لكننــي أعتقــد أن الشــدائد أيضــ ًا هــي التــي يجــب أن‬ ‫ٍ‬
‫مجاالت‬ ‫القــارئ‪ ،‬حــول الــدروس التــي تعلَّمتهــا فــي حياتــي‪ ،‬فــي‬
‫المقاومــة فــي األســاس مــن الشــباب‪ :‬تراوحــت‬ ‫تحفِّزنــا‪ .‬كانــت ُ‬ ‫مختلفــة‪ .‬لنفتــرض أنهــا تجربة‪.‬‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪66‬‬
‫علــى اإلطــاق‪ .‬فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬كانــت ألمانيــا أســيرة هتلــر‬ ‫عبر فيها الشــباب‬ ‫أعمــار قادتنــا بيــن ‪ 24‬و ‪ 28‬ســنة‪ .‬كانــت حركــة َّ‬
‫ـوق اآلري الــذي خطّ ــط للســيطرة علــى كامــل أوروبا‬ ‫ومفهــوم التفـ ُّ‬ ‫وتمردهــم‪ .‬أعتقــد أنــه علــى الشــباب التعبيــر عن‬ ‫ُّ‬ ‫عــن تطلّعاتهــم‬
‫العا َلــم الســافي‪ .‬كان التهديــد‬ ‫َ‬ ‫ـتعباد‬
‫ـ‬ ‫واس‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫الحيوي‬
‫ّ‬ ‫بمســاحتها‬ ‫تطلّعاتهــم وثوراتهــم في نفس الوقت‪ ،‬كمــا فعلنا‪ .‬اليوم‪ ،‬الدافع‬
‫ـي‪ .‬اليــوم هنــاك المزيــد‬ ‫مــن ألمانيــا النازيــة هــو الخطــر الرئيسـ ّ‬ ‫مختلــف‪ .‬كنــا ندافــع عــن الوطــن‪ ،‬وحتــى علــى نطــاقٍ أوســع‪،‬‬
‫ـووي‪ .‬لديــك الخطــر‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـر‬
‫مــن المخاطــر‪ .‬هنــاك الكثيــر‪ .‬لديــك خطـ ٌ‬ ‫ـتبدادية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫معرضــة للخطــر مــن ِقبــل القــوى االسـ‬ ‫َّ‬ ‫ـانية‬
‫كانــت اإلنسـ ّ‬
‫ـادي‪ ،‬خطــر الســيطرة علــى المــال فــي كلِّ مــكان‪ .‬لديكــم‬ ‫االقتصـ ّ‬ ‫ـدد‪ .‬إنــه ليــس عا َلــم الحيــوان والنبــات‬ ‫لكــن الكوكــب اليــوم مهـ َّ‬
‫الديموقراطيــة‪ ،‬كمــا كانــت فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬والتــي هــي‬
‫ّ‬ ‫ـات‬
‫أزمـ ُ‬ ‫الصناعيــة‪ .‬لدينا ألف‬
‫ّ‬ ‫والزراعة‬ ‫ث‪،‬‬ ‫ـو‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫التل‬ ‫فقــط‪ .‬نحــن أنفســنا‪ ،‬مع‬
‫اليوم بنفس الدرجة من الخطورة‪ .‬إذن‪ ،‬هناك ســمات متشــابهة‪،‬‬ ‫والتعصــب واالنغــاق علــى أنفســنا‪ .‬هنــاك‬ ‫ُّ‬ ‫تهديــد بالصراعــات‬
‫ـداً‪ .‬وفــوق كلّ شــيء‪ ،‬هناك‬ ‫لكــن هنــاك أيضـ ًا ســمات مختلفــة جـ ّ‬ ‫ـباب وجيهــة تمامـ ًا للشــباب‪ ،‬الدفــاع عــن األرض‪ ،‬الدفــاع عن‬ ‫أسـ ٌ‬
‫ـرء نحــو الهاويــة‪ .‬مــا‬ ‫ـاب للوعــي الواضــح عندمــا يســير المـ ُ‬ ‫غيـ ٌ‬ ‫ـانية جمعــاء‪ .‬هنــاك غريتــا ثونبــرج الصغيــرة‪،‬‬ ‫ـانية‪ ،‬اإلنسـ ّ‬
‫اإلنسـ ّ‬
‫أقولــه ليــس قــدر ًا محتوم ـاً‪ .‬كثيــر ًا مــا أقتبــس كلمــات الشــاعر‬ ‫وكذلــك الشــباب اآلخــرون الذيــن يشــعرون بذلــك‪ .‬أعتقــد أننــا‬
‫هولدرليــن الــذي يقــول‪« :‬حيــث يوجــد الخطــر يوجــد أيض ـ ًا مــا‬ ‫نحتــاج دائمـ ًا إلــى التعبئــة مــن أجــل شــيء مشــترك‪ ،‬مــن أجــل‬
‫ينقــذك»‪ .‬لذلــك‪ ،‬أعتقــد أن األمــل ال يــزال قائم ـاً‪.‬‬ ‫مجتمــع‪ .‬ال يمكنــك إثبات نفســك من خــال التقوقع في أنانيتك‪،‬‬
‫ـانية‬
‫المشــاركة في اإلنسـ ّ‬ ‫فــي حياتــك المهنيــة‪ .‬يجــب علينــا أيضـ ًا ُ‬
‫الصحافية‪« :‬يجب أن نفهم أن أي شيء‬ ‫ّ‬ ‫كتبت في إحدى مقاالتك‬ ‫وهــذا أحــد األســباب‪ ،‬علــى ما أعتقــد‪ ،‬الــذي جعلني متأهبـ ًا حتى‬
‫يحررنــا تقنيـ ًا وماديـ ًا يمكــن فــي نفــس الوقــت أن يســتعبدنا»‪ .‬أنت‬ ‫ِّ‬ ‫فــي ُعمــري هــذا‪.‬‬
‫تحولــت إلــى ســاح علــى الفــور‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫األول‬ ‫األداة‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ث‬ ‫ـد‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تتح‬
‫المراقبة‬
‫وخاصة ُ‬‫ّ‬ ‫تتحدث عن مخاطر التكنولوجيا الحديثة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أنت‬ ‫غالب ـ ًا مــا نقــارن بيــن فرنســا اليــوم وفرنســا فــي الثالثينيــات‪ ،‬مــع‬
‫والخوارزميــات‪ .‬هــل هي مخاطر فورية؟‬
‫ّ‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫بالفيدي‬ ‫ارتفــاع منســوب العنــف‪ ،‬واالنغــاق علــى الــذات‪ .‬هــل تجــد هــذا‬
‫التشــابه أيض ـ ًا؟‬
‫ـمولية‬
‫المجتمع‪ ،‬دعونا نســمها الشـ ّ‬ ‫‪ -‬إنهــا أحــد المخاطر في هذا ُ‬
‫المحيط‬‫ـخ‪ .‬لكــن يجــب ّأل ننســى ُ‬ ‫تترسـ َ‬
‫َّ‬ ‫الجديــدة‪ ،‬التــي يمكــن أن‬ ‫معيــن‪ .‬لقــد كانــت فتــرة‬ ‫‪ -‬إنــه تشــابه أرســمه علــى مســتوى َّ‬
‫ـتمرت أزمــة المناخ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫إذا‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـوء‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫كلّ‬ ‫ـوي الــذي ســيزيد‬
‫الحيـ ّ‬ ‫المتزايــدة التــي عشــناها تقريبــ ًا مثــل الســائر أثنــاء‬
‫المخاطــر ُ‬
‫التعصــب منتشــر فــي كلّ مــكان‪ .‬مــا يذهلنــي‬ ‫ُّ‬ ‫يجــب ّأل ننســى أن‬ ‫النــوم‪ ،‬دون أن نــدرك ذلــك‪ .‬لكــن الخطــر اليــوم ليــس هــو نفســه‬

‫‪67‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫حر ّيــة التعبيــر‪.‬‬
‫أظــن أنــك مــع الدفــاع عــن ّ‬ ‫كثيــر ًا هــو أننــا في هــذه اللحظة ‪-‬والوبــاء دليل علــى ذلك‪ -‬جميع‬
‫‪ -‬إنها ليست اتفاقية‪ ،‬إنها قضية دائمة يجب الدفاع عنها!‬ ‫البشــر‪ ،‬مجتمــع المصيــر‪ ،‬نعيــش جميع ـ ًا نفــس الشــيء مــن‬
‫نيوزيلنــدا إلــى الصيــن وأوروبــا‪ .‬لقــد عانينــا مــن نفــس المخاطــر‬
‫لكــن إلــى أي مــدى؟ هــل يمكــن لفتــاة فــي المدرســة الثانوية إهانة‬ ‫واالجتماعية والسياسـ ّـية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـخصية‬
‫ّ‬ ‫ـدية والشـ‬‫الجسـ ّ‬
‫ديــن عبــر اإلنترنــت؟ ورداً علــى ذلــك هــل يمكــن أن يدعــو النــاس‬
‫المتحرشــين‬ ‫لقتلهــا؟ هــل كانــت هنــاك عدالــة فــي الحكــم علــى ُ‬ ‫ـي‪ ،‬أو هــذه‬
‫الصحـ ّ‬
‫الح ْجـ َـر ّ‬
‫ـري‪َ ،‬‬
‫المســتوى الفكـ ّ‬‫جربــت‪ ،‬علــى ُ‬
‫كيــف َّ‬
‫بالفتــاة ميــا بالســجن ‪ 4‬إلــى ‪ 6‬أشــهر؟‬ ‫أهم من االقتصاد؟‬
‫الصحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرة لحبس األفراد؟ هل ترون بأن‬
‫الحر ّيات؟‬ ‫ّ‬ ‫حساب‬ ‫الح ْج ُر على‬
‫أم بالعكس كان َ‬
‫ـي‪ .‬أنــا أؤيــد‬ ‫ً‬
‫‪ -‬أعتقــد أننــا هنــا أيض ـا نتعامــل مــع تناقــض أخالقـ ّ‬
‫ً‬
‫حر ّيــة التعبيــر الكاملــة‪ ،‬لكننــي بالطبــع أعتقــد أيضــا أنــه فــي‬ ‫‪ -‬التعقيــد هــو أن تــرى تناقــض األشــياء‪ .‬هنــاك رغبــة واضحــة‬
‫ّ‬
‫الكاريكاتوريــة‪ ،‬فهــي ليســت قــذرة فــي‬
‫ّ‬ ‫التاريــخ الشــهير للرســوم‬ ‫ربمــا لــم تكــن مناســبة تمامـ ًا‬
‫صحيــة‪ ،‬لكنهــا ّ‬
‫ّ‬ ‫فــي فــرض سياســة‬
‫المســلمين‬ ‫الجهادييــن فحســب‪ ،‬بــل يمكــن أن تســيء إلــى ُ‬ ‫ّ‬ ‫نظــر‬ ‫ـر كانــت لــه نتائــج مفيــدة لــدى البعــض‪ ،‬وكذلــك‬ ‫الح ْجـ ُ‬
‫للوضــع‪َ .‬‬
‫أشــجع علــى الرقابــة‪ ،‬لكــن مــن واجــب‬ ‫ِّ‬ ‫األتقيــاء‪ .‬لذلــك ال‬ ‫المآســي عنــد البعــض اآلخــر‪ .‬إنــه متناقــض للغايــة‪ .‬لكنــي أعتقد‬
‫والمســؤولية‪ .‬هــذا مــا‬ ‫التعقيــد‬ ‫بشــعور‬ ‫ّــي‬‫الصحافييــن التحل‬ ‫جيــداً‪ .‬ما زلنا فــي مغامرة‬
‫أن هــذا الفيــروس لــم يتــم التفكيــر فيه ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للصحافييــن لمعرفــة‬ ‫ـروك‬ ‫ـ‬ ‫مت‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـار‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫االعتب‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫بعي‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫أخ‬ ‫يجــب‬ ‫غيــر معروفــة وخطيــرة وأعتقــد أنــه يجب إعــادة التفكير سياسـ ًـيا‬
‫ّ‬
‫متــى يتج َّنبــون موضوعـ ًا مســيئاً‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬لتج ُّنب أي‬ ‫وصح ّيـ ًا بشــكلٍ جــذري اليــوم‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـيحية‪ .‬عندمــا‬ ‫مقارنــة مــع المســائل الحاليــة‪ ،‬اإلســام أو المسـ ّ‬
‫قدســة للهنــود‪ ،‬وهذه‬ ‫العمــر‪ ،‬نف ِّكــر فــي‬
‫اآلن وقــد بلغــت المئــة‪ .‬مــن الواضــح‪ ،‬فــي هــذا ُ‬
‫الم َّ‬
‫يذهــب البيــض فــي أميــركا إلــى الغابات ُ‬
‫مقدســة ألنهــا مرقــد أســافهم‪،‬‬ ‫النهايــة‪ .‬أكســل كان‪ ،‬الــذي وافتــه المنيــة يــوم الثالثــاء ‪ 6‬يوليــو‪/‬‬
‫الغابــات بالنســبة لهــم أكثــر مــن َّ‬
‫قدســات الهنــود‪.‬‬ ‫أرخ تقريب ًا لنهاية حياته‪ .‬هل أعددت لذلك أيض ًا؟‬ ‫تموز‪ ،‬كان قد َّ‬
‫لم َّ‬
‫أعتقــد أنــه يجــب علينــا إدانــة مــا هــو انتهــاك ُ‬
‫مــن الضــروري التفكيــر فــي كلِّ حالــة‪ ،‬وليــس الحصــول علــى‬ ‫ـرق كبيــر مــع أكســل كان‪ ،‬الــذي كان يعلــم أنــه مصــاب‬ ‫‪ -‬هنــاك فـ ٌ‬
‫ـردة عامــة‪.‬‬ ‫أفــكا ٍر مجـ َّ‬ ‫لــدي أي مشــكل‪ ،‬وال يمكــن‬ ‫ّ‬ ‫ليــس‬ ‫اآلن‪،‬‬ ‫حتــى‬ ‫قاتــل‪.‬‬ ‫بســرطان‬
‫أن يكــون لــدي نفــس موقــف أكســل كان‪ .‬مازلــت أتمتــع‪ ،‬علــى‬
‫ـوداوية ســواء في الحاضر أو الماضي‪ .‬هل‬ ‫ّ‬ ‫ذكرنا أشــياء كثيرة سـ‬ ‫العقليــة‪ ،‬بقوى الحياة التــي تمنحني الرغبات‬ ‫ا َ‬
‫ألقــلّ مــن الناحية‬
‫ّ‬
‫بمناســبة عيــد ميــادك المئــة؟ هــل تــرى مســتقب ً‬
‫ال‬ ‫مــن إشــارة أمــل ُ‬ ‫والمشــاريع والملــذَّ ات‪ .‬بالطبــع‪ ،‬أنــا أعيــش بطريقـ ٍ‬
‫ـة أكثــر تقييد ًا‬
‫مشــرق ًا محتم ً‬
‫ال؟‬ ‫ممــا كُ نــت عليــه فــي الماضــي‪ .‬ضعــف ســمعي‪ .‬عينــي ال‬ ‫بكثيــر ّ‬
‫‪ -‬أوالً‪ ،‬أعلم أنه ال يوجد شــيء غير قابل لإلصالح‪ .‬لســوء الحظ‪،‬‬ ‫تقــرأ األشــياء المجهريــة بعــد اآلن‪ .‬لــم يعــد بإمكانــي الركــض‪.‬‬
‫الديكتاتورية يمكن أن تكون‬ ‫الديموقراطية‪ ،‬لكــن‬ ‫ال يمكــن عكــس‬ ‫أي وقــت‪ ،‬وأعلــم أنــي‬‫لــذا‪ ،‬أعــرف أن المــوت يمكــن أن يأتــي فــي ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عكــس ذلــك‪ .‬عشــنا أزمنــة مظلمــة مثــل االحتــال‪ ،‬حيــث لــم‬ ‫قــد أنــام ذات ليلــة وال أســتيقظ‪ ،‬لكــن هــذا قــدر اإلنســان‪.‬‬
‫يكــن هنــاك أمــلٌ لســنوات‪ ،‬حتــى وصلــت معجــزة الدفــاع عــن‬
‫ناضــل أكســل كان كثيــراً مــن أجــل أن ينهــي حياتــه بكرامــة‪ .‬هــل‬
‫فــإن مــا‬
‫َّ‬ ‫المتحــدة للحــرب‪ .‬لذلــك‪،‬‬ ‫موســكو ودخــول الواليــات ُ‬ ‫تهمــك أيض ـ ًا؟‬
‫المعركــة ّ‬
‫محتمــل يحــدث فــي التاريــخ‪ .‬تحــدث أحــداث ســعيدة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هــو غيــر‬
‫مهمــة‪ .‬خــذ‬
‫َّ‬ ‫أحيانـ ًا يكــون لهــا معنــى محــدود فقــط‪ ،‬لكنهــا تظــلّ‬ ‫جيــد ًا هــذه الحاجــة إلــى تج ُّنــب ُ‬
‫المعانــاة األكثــر‬ ‫‪ -‬إننــي أتفهــم ّ‬
‫البابــا فرانســيس‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬إنــه أول بابــا منــذ قــرون‬ ‫رعب ًا لألشــخاص الذين يعيشــون التجربة‪ .‬لكــن األطباء يواجهون‬
‫يعــود إلــى مبــادئ اإلنجيــل‪ ،‬وأصبــح مــدرك ًا للمخاطر التــي ِّ‬
‫تهدد‬ ‫ـم أبقراط‪ ،‬الــذي يأمرهم بإطالة‬ ‫َسـ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ناحية‪ ،‬ق َ‬ ‫أخالقيـاً‪ .‬مــن‬
‫ّ‬ ‫تناقضـ ًا‬
‫ـري‪ .‬لــم يكــن متوقَّعــا أن يخلف هذا‬ ‫ـانية‬‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـزء‬
‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـرى‪،‬‬
‫ـ‬ ‫أخ‬ ‫ٍ‬
‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ناحي‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـكان‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اإلم‬ ‫ـدر‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫العمــر‬
‫األرض والفقــر والبــؤس البشـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ـد ًا ورجعيـ ًا للغايــة‪.‬‬
‫البابــا بابــا آخــر كان منغلقـ ًا جـ ّ‬ ‫يقــول لهــم‪ :‬دعونــا نوقــف معاناة هــذا المســكين‪ .‬أنا أؤيــد وجهة‬
‫ٍ‬
‫ـخاص فــي‬ ‫النظــر هــذه‪ ،‬لكننــي أعلــم أن هنــاك حـ ٍ‬
‫ـاالت نــادرة ألشـ‬
‫ـميه قوى‬ ‫فــي األســاس‪ ،‬هنــاك دائمـ ًا صــراع بيــن مــا يمكــن أن نسـ ِّ‬
‫المضادة للدمار‬ ‫غيبوبــة يئــس األطبــاء مــن عالجهــم‪ ،‬لكنهــم يســتيقظون فجــأة‬
‫االتحــاد والتجميــع والصداقة‪ ،‬إيروس‪ ،‬والقــوى ُ‬
‫والمــوت‪ ،‬ثاناتــوس‪ .‬إنــه الصــراع األزلــي منــذ نشــأة الكــون‪ ،‬حيث‬ ‫بعــد بضع ســنوات‪.‬‬
‫ـوم بعضهــا البعــض‪ ،‬وتبلعها‬ ‫تدمــر النجـ ُ‬ ‫تلتقــي الــذرات‪ ،‬وحيــث ِّ‬
‫الثقوب الســوداء‪ .‬هناك اتحاد وموت في كلِّ مكان‪ .‬في الطبيعة‬ ‫أخالقيات البيولوجيا؟‬
‫ّ‬ ‫هل نحن بحاجة إلى تغيير قانون‬
‫ـري‪ .‬أقول للناس وللشــباب‪ :‬اصطفوا‬ ‫العالَم البشـ ّ‬
‫الماديــة‪ ،‬وفــي َ‬ ‫أخالقيــات علــم األحيــاء‪ .‬نحــن‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يجــب أن نفكِّ ــر فــي تناقضــات‬
‫إلــى جانــب قــوى الخيــر‪ ،‬قــوى االتحــاد والتجميــع والمحبــة‪،‬‬ ‫نــرى أن علــم الوراثــة يســمح بالتالعــب الــذي يمكــن أن يكــون‬
‫وناضلــوا ضــد كلّ قــوى الدمار والكراهيــة واالزدراء‪.‬‬ ‫خطيــراً‪ ،‬وفــي نفــس الوقت التدخالت التي يمكــن أن تكون مفيدة‬
‫حوار‪ :‬لورين سينشال ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود‬ ‫للغايــة‪ .‬يجــب أن نتذكَّ ــر أننــا فــي هــذا المجــال غالبـ ًا مــا نتعامــل‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مــع واجبــات متناقضــة‪ .‬لذلــك‪ ،‬قبــل كلّ شــيء‪ ،‬يجــب أن نضــع‬
‫قانونـ ًا وفقـ ًا لتعقيــد األشــياء‪ ،‬وليــس بطريقــة ّ‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫مبســطة‪.‬‬
‫‪https://www.francetvinfo.fr‬‬
‫المختصر‪:‬‬ ‫الرابط ُ‬ ‫دائمـ ًا هــذا التناقــض و«التفكيــر ُ‬
‫المع َّقــد»‪ .‬يمكننــا أن نــرى ذلــك‬
‫‪https://bit.ly/3xYcSvo‬‬ ‫ـرة‪.‬‬
‫بحر ّيــة التعبيــر هــذه المـ ّ‬ ‫أيض ـ ًا فــي قضيــة ميــا ُ‬
‫المتعلِّقــة ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪68‬‬
‫إدغار موران‪:‬‬
‫علينا ْ‬
‫أن نتع َّود عىل العيش بالاليقني‬
‫ِ‬
‫ـمولية‬
‫ّ‬ ‫وفي ـ ًا لنظرتــه الشـ‬
‫ـي ببيتــه مبدينــة مونبلييــه‪ ،‬يبقــى الفيلســوف إدغــار مــوران ّ‬ ‫الصحـ ّ‬
‫حتــى وهــو يف معزلــه ِّ‬
‫ـم بشــكلٍ أفضــل‪،‬‬ ‫الوبائيــة‪ ،‬حســب ترصيحــه لنــا‪ ،‬يجــب أن نتع َّلــم منهــا كيــف نفهــم ِ‬
‫العلـ َ‬ ‫ّ‬ ‫إن هــذه األزمــة‬
‫للمجتمــع‪ّ .‬‬
‫ـتعيد شــك ً‬
‫ال مــن األنســنة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ـش بالاليقــن‪ ،‬وأن نسـ‬ ‫وأن نعيـ َ‬

‫خالفات حادة عند ظهور «الســيدا» في الثمانينيات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ســبق‬ ‫ألقــت جائحــة الفيــروس التاجــي فجــأة ِ‬
‫بالعلــم فــي قلــب‬ ‫ّ‬
‫والحــال أن مــا أوضحه لنا فالســفة العلــوم‪ ،‬هو أن القضايا‬ ‫المجتمــع‪ .‬فهــل ســيخرج هــذا األخيــر مختلف ـ ًا مــن هــذه‬
‫الخالفيــة بالــذات مســألة ال محيــد عنهــا فــي البحــث‪ ،‬وأن‬ ‫األزمــة؟‬
‫ـور‪.‬‬‫هــذا األخيــر يحتــاج إلــى هــذه القضايــا الخالفيــة ليتطـ َّ‬ ‫‪ -‬مــا يثيرنــي هو أن قســم ًا واســع ًا مــن الجمهــور كان يعتبر‬
‫مــع كامــل األســف‪ ،‬قليلــون هــم العلمــاء الذيــن قــرأوا‬
‫القطعيــة واليقينيــات غيــر القابلة‬
‫ّ‬ ‫ال للحقائــق‬ ‫ِ‬
‫العلــم ســج ً‬
‫العلمية‬
‫ّ‬ ‫النظرية‬
‫ّ‬ ‫(أعمــال) كارل بوبــر‪ ،‬الــذي برهن علــى أن‬
‫للدحــض‪ .‬فقــد كان الجميــع مطمئن ـ ًا وهــو يــرى الرئيــس‬
‫ال تســتحق هــذه الصفــة ّإل إذا كانــت قابلــة للدحــض‪،‬‬
‫ـس علمــي‪ .‬لكــن مــا‬ ‫(الفرنســي) وقــد أحــاط نفســه بمجلـ ٍ‬
‫المركَّ بــة‪،‬‬
‫قضيــة المعرفــة ُ‬ ‫ّ‬ ‫وغاســتون باشــار‪ ،‬الــذي طــرح‬
‫ٍ‬
‫برهــة إلــى أن هــؤالء‬ ‫الــذي حصــل؟ لقــد انتبهنــا بعــد‬
‫بيــن أن تاريــخ العلــوم عبــارة‬
‫وكذلــك تومــاس كــون‪ ،‬الــذي َّ‬
‫ـداً‪ ،‬بــل‬ ‫ِ‬
‫العلمــاء يدافعــون عــن وجهــات نظــر متباعــدة جـ ّ‬ ‫ُ‬
‫عــن ســيرورة متقطِّ عــة‪ .‬كثيــر مــن العلمــاء يجهلــون‬
‫عطــاءات هــؤالء اإلبســتمولوجيين الكبــار ويواصلــون‬ ‫أحيانـ ًا متنا ِقضــة‪ .‬ســواء تع َّلــق األمــر باإلجــراءات الواجب‬
‫عملهــم بمنظــو ٍر وثوقــي‪.‬‬ ‫حتملــة للتعاطــي مع‬ ‫الم َ‬
‫اتخاذهــا‪ ،‬وبالعالجــات الجديــدة ُ‬
‫حالــة الطــوارئ‪ ،‬ونجاعــة هــذا الــدواء أو ذاك‪ ،‬والمــدة‬
‫يغيــر هــذه‬
‫هــل ســتكون األزمــة الحاليــة مــن النــوع الــذي ِّ‬ ‫العالجيــة التــي ســيقع‬
‫ّ‬ ‫ـارب‬
‫الزمنيــة التــي تســتغرقها التجـ ُ‬
‫ّ‬ ‫يجب أن ِّ‬
‫يذكرنا هذا‬
‫النظــرة إلــى ِ‬
‫العلــم؟‬ ‫اعتمادهــا‪ ...‬كلّ هــذه القضايــا الخالفيــة تــزرع الريبــة فــي‬
‫الفريوس بأن الاليقني‬
‫أذهــان المواطنيــن‪.‬‬
‫‪ -‬ليــس بوســعي التكهــن بهــذا األمــر‪ ،‬لكننــي أتمنــى أن‬ ‫يبقى العنرص الذي‬
‫تســاهم (األزمــة) فــي إبــراز أن ِ‬
‫العلــم مســألة أكثــر تركيبـ ًا‬ ‫ُّ‬
‫التغلب‬ ‫ال يمكن‬
‫حتمــل أن يفقــد الجمهــور الثقــة‬
‫الم َ‬
‫هــل تقصــدون بأنــه مــن ُ‬
‫يتصورونــه‬
‫َّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫جه‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ـود اعتقــاده‪ ،‬ســواء كنــا ف‬
‫ممــا نـ ُّ‬
‫ّ‬ ‫فــي ِ‬ ‫عليه يف حالنا‬
‫العلــم؟‬
‫ـن ال يــرون فــي العلمــاء ســوى‬ ‫ـ‬
‫َ ْ‬‫م‬ ‫أو‬ ‫ـات‪،‬‬
‫ـ‬ ‫لليقيني‬ ‫كســجلٍ‬ ‫كبرش‪ّ .‬‬
‫كل التأمينات‬
‫الدجاليــن (علــى غــرار ديافــواروس فــي‬ ‫مجموعــة مــن ّ‬ ‫وتتطــور‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬أبــداً‪ ،‬إذا فهــم (الجمهــور) بــأن العلــوم تحيــا‬ ‫االجتماع ّية اليت يمكن‬
‫مســرحية المريــض المتوهــم لمولييــر) يناقضون أنفســهم‬ ‫بالجــدل‪ .‬فالنقاشــات حــول الكلوروكيــن‪ ،‬علــى ســبيل‬ ‫أن نكتتبها‪ ،‬ليس‬
‫بشــكلٍ دائــم‪.‬‬ ‫المثــال‪ ،‬ســمحت لنــا بالتســاؤل حــول االختيــار مــا بيــن‬ ‫بوسعها أن تضمن لنا‬
‫ـري‪ ،‬مثله مثل الديموقراطية يســتند‬ ‫العلــم معطــى بشـ ّ‬ ‫إن ِ‬ ‫ـي فيمــا‬ ‫ِ‬
‫االســتعجال واالحتيــاط‪ .‬لقــد شــهد الحقــل العلمـ ّ‬ ‫عدم اإلصابة باملرض‬

‫‪69‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫هددها‪ ،‬ودرجــات خطورته‪...‬‬ ‫وال حــول الفئــات الســكّ انية التي ُي ِّ‬ ‫ـري‪ ،‬هــذا مــع العلــم بــأن طــرق التح ُّقــق أكثــر‬ ‫إلــى الجــدل الفكـ ّ‬
‫فنحــن نجتــاز مســتوى عالي ـ ًا مــن الاليقيــن حــول كلّ تبعــات‬ ‫النظريــات الكبــرى المقبولــة تنحو‬
‫ّ‬ ‫صرامــة‪ .‬ولكــن مــع ذلــك فــإن‬
‫واالقتصادية‪...‬‬
‫ّ‬ ‫االجتماعيــة‬
‫ّ‬ ‫الوبــاء في جميــع المجــاالت‪،‬‬ ‫جدديــن صعوبــةً فــي‬ ‫نحــو اليقينيــة‪ ،‬ودائم ـ ًا مــا وجــد كبــار ُ‬
‫الم ِّ‬
‫الحصــول علــى اعتــراف باكتشــافاتهم‪ .‬إن الفتــرة التــي نعيشــها‬
‫ولكن‪ ،‬لماذا تشــكّ ل هذه الاليقينيات‪ ،‬من وجهة نظركم‪ ،‬الرابط‬ ‫اليــوم يمكــن أن تكــون الوقــت األنســب لتوعيــة المواطنيــن‪،‬‬
‫بين كلّ هذه األزمات؟‬ ‫العلمية‬
‫ّ‬ ‫النظريــات‬
‫ّ‬ ‫والباحثيــن أنفســهم‪ ،‬بالحاجــة إلــى إدراك أن‬
‫تقبلها والعيــش معها‪ ،‬علم ًا أن‬ ‫شــأنها شــأن اليقينيات الدينية‪ ،‬ليســت مطلقة‪ ،‬بل قابلة للتحلل‬
‫ـود على ُّ‬ ‫‪ -‬ألنــه يجــب علينــا أن نتعـ َّ‬
‫حضارتنــا غرســت فينــا الحاجــة إلــى يقينيــات ال تفتــأ تتزايــد حول‬ ‫طبيعيـاً‪.‬‬
‫المســتقبل‪ ،‬وهــي غالبـ ًا مــا تكــون وهميــة‪ ،‬وأحيانـ ًا تافهــة (حدث‬
‫حــي غيــر‬
‫الص ّ‬‫حيــة وحالــة العــزل ِّ‬
‫الص ّ‬
‫بالمقارنــة بيــن الكارثــة ِّ‬
‫هــذا) عندمــا وصفــوا لنــا بدقــة ما ســيقع لنــا ســنة ‪ .2025‬يجب أن‬
‫المسبوقة التي نعيشها حالياً‪ ،‬أي الوضعيتين هي األكثر تأثيراً؟‬
‫يذكِّ رنــا هــذا الفيــروس بــأن الاليقين يبقــى العنصر الــذي ال يمكن‬
‫االجتماعيــة التي‬
‫ّ‬ ‫التغ ُّلــب عليــه فــي حالنــا كبشــر‪ .‬كلّ التأمينــات‬ ‫‪ -‬ال مجــال إلقامــة تراتبيــة بيــن الوضعيتيــن مــا دام أن هنــاك‬
‫يمكــن أن نكتتبهــا‪ ،‬ليــس بوســعها أن تضمــن لنــا عــدم اإلصابــة‬ ‫تعاقبـ ًا كرونولوجيـ ًا بينهمــا‪ ،‬يفضــي إلــى أزمــة يمكــن أن نقــول‬
‫بالمــرض أو أن نتمتــع بالســعادة فــي بيوتنــا! نحــن نســعى إلــى‬ ‫نغيــر ســلوكاتنا‪ ،‬كما أنها‬ ‫حضاريــة‪ ،‬ألنهــا تفــرض علينــا أن ِّ‬ ‫ّ‬ ‫إنهــا‬
‫إحاطــة أنفســنا بأقصــى مــا يمكــن مــن اليقينيــات‪ ،‬لكــن الحيــاة‬ ‫تغيــر حياتنــا علــى المســتوى المح ّلــي‪ ،‬كمــا علــى المســتوى‬ ‫ِّ‬
‫هــي إبحــار فــي محيــط مــن الشــكوك‪ ،‬تتخلــه جــزر وأرخبيــات‬ ‫ـرض لهــا‬ ‫الكونــي‪ .‬إن هــذا ك ّلــه مجمــوع ُمركَّ ــب‪ .‬وإذا شــئنا التعـ ُّ‬
‫ـزود منهــا (لمواصلــة اإلبحــار)‪.‬‬
‫مــن اليقيــن التــي نتـ َّ‬ ‫فلســفية‪ ،‬يجــب أن نحــاول الربــط بيــن كلّ‬ ‫ّ‬ ‫مــن وجهــة نظــر‬
‫هــذه األزمــات وأن نفكــر قبــل كلّ شــيء فــي الاليقيــن الــذي‬
‫أهذه هي فلسفتكم في الحياة؟‬ ‫الخاصيــة األساسـ ّـية بينهــا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هــو‬
‫لحد‬
‫ِّ‬ ‫لدينا‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫لي‬ ‫أنه‬ ‫ـي‪،‬‬‫ـ‬ ‫التاج‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫أزم‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـد‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـم‬
‫ـ‬
‫ُ ّ‬‫ه‬ ‫والم‬
‫‪ -‬إنهــا باألحــرى حصيلــة تجربتــي‪ .‬لقــد عاينت عدد ًا مــن األحداث‬
‫اآلن أدنــى يقيــن حتــى حول أصــل الفيروس‪ ،‬وال حول أشــكاله‪،‬‬
‫الســوفياتية‬
‫ّ‬ ‫المتوقَّعــة فــي حياتــي‪ -‬بــدء ًا مــن المقاومــة‬ ‫غيــر ُ‬
‫ـوفياتي‪ ،‬لكــي نكتفي‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫االتح‬ ‫ـار‬‫ـ‬ ‫انهي‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫الثالثيني‬ ‫ســنوات‬
‫ليس بوسعنا الحديث‬
‫عن صحوة التضامن‬ ‫فقــط بهذيــن الحدثين اللذيــن كانا غير متوقَّعيــن قبل حدوثهما‪-‬‬
‫ين أو الكو ّ‬
‫ين‪،‬‬ ‫اإلنسا ّ‬ ‫إلــى درجــة أن هــذا األمــر أصبــح جــزء ًا مــن كينونتي‪ .‬أنــا ال أعيش‬
‫كارثيــة بدرجـ ٍ‬
‫ـة‬ ‫فــي قلــقٍ دائــم‪ ،‬ولكنــي أتو َّقــع حصــول أحــداث‬
‫علماً أننا ككائنات‬ ‫ّ‬
‫برشيّة يف مختلف‬ ‫مــا‪ .‬ال أقصــد أننــي توقَّعــت حــدوث الوبــاء الحالــي‪ .‬ولكنــي أقصد‬
‫األقطار كنا نواجه‬ ‫ـوي‪ ،‬كان علينــا‬ ‫بأنــه منــذ ســنوات‪ ،‬ومــع تدهــور محيطنــا الحيـ ّ‬
‫نفس املشاكل أمام‬ ‫ا هــذا جــزء مــن فلســفتي «تو ّقــع مــا‬ ‫ـتعد للكــوارث‪ .‬وفعـ ً‬ ‫أن نسـ َّ‬
‫تدهور البيئة أو‬ ‫ليــس متوقَّعـاً»‪.‬‬
‫االستهتار االقتصادي‪.‬‬ ‫ا عــن هــذا فإننــي منشــغل بمصيــر العالــم منــذ أن‬ ‫وفضــ ً‬
‫واليوم‪ ،‬ونحن يف‬ ‫اســتوعبت‪ -‬أثنــاء قراءتــي (ألعمــال) هيدغــر ســنة ‪ - 1960‬بأننــا‬
‫صحي من‬ ‫حالة عزل‬ ‫نعيــش عصــر ًا كونيـاً‪ ،‬ثــم بعــد ســنة ‪ 2000‬عندمــا اســتوعبت أن‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫نيجرييا إىل نيوزيالندا‪،‬‬ ‫العولمــة يمكنهــا أن تفضــي إلــى مزايــا بنفــس قــدر ما تفضــي إليه‬
‫يجب أن ندرك أن‬ ‫اقتصادي‬
‫ّ‬ ‫مــن رزايــا‪ .‬وأالحــظ أيض ًا تســارع ًا مفرطـ ًا للنمو التكنــو ‪-‬‬
‫مصائرنا مرتبطة‬ ‫حركــه تهافــت علــى الربــح مدعــوم مــن ِق َبــل سياســة نيوليبرالية‬ ‫ُي ِّ‬
‫هدامــة وتفضــي إلى أزمات مــن كل األصناف‪...‬‬ ‫َّ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫أصبح‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫م‬‫ُم َع َّ‬
‫فكري ـ ًا لمواجهــة مــا هــو‬
‫ّ‬ ‫منــذ تلــك اللحظــة أصبحــت مســتعد ًا‬
‫ـدي للتقلُّبــات‪.‬‬ ‫غيــر ُمنتظَ ــر‪ ،‬والتصـ ِّ‬

‫ُقيمــون تدبيــر الوبــاء مــن طــرف‬


‫حتــى نبقــى فــي فرنســا‪ ،‬كيــف ت ِّ‬
‫العموميــة؟‬
‫ّ‬ ‫الســلطات‬
‫ُّ‬
‫ـم إنكار بعــض االحتياجات‪ ،‬مثل اســتعمال‬ ‫‪ -‬يؤســفني أنــه تـ َّ‬
‫ـي‪ ،‬فقــط‪ ...‬للتســتر علــى عــدم توفــره! كمــا ِقيل‬ ‫القنــاع الطبـ ّ‬
‫الطبية ال تفيد في شــيء إلخفاء حقيقة‬ ‫ّ‬ ‫أيض ًا إن االختبارات‬
‫عــدم توفرهــا لدينــا أيضـاً‪ .‬ســيكون مــن الطبيعي اإلقــرار بأن‬
‫ـؤولية‬
‫ـاء قــد ار ُتكبــت‪ ،‬وأننا ســنقوم بتصحيحها‪ .‬فالمسـ ّ‬ ‫أخطـ ً‬
‫تقتــرن باإلقــرار باألخطــاء‪ .‬ومــع ذلــك فقد الحظــت بأنه منذ‬
‫ـف الرئيــس ماكــرون بالحديــث‬ ‫أول خطــاب لألزمــة لــم يكتـ ِ‬ ‫ّ‬
‫والع َّمــال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ـراء‬
‫ـ‬ ‫ج‬‫ُ‬
‫أل‬‫ا‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫كذل‬ ‫ـدث‬‫عــن المقــاوالت‪ ،‬بــل تحـ َّ‬
‫ـرر فــي نهايــة األمــر مــن‬‫ـول‪ .‬ونتمنــى أن يتحـ َّ‬ ‫أول تحـ ُّ‬‫وهــذا ّ‬
‫عالــم المــال‪ :‬واألكثــر مــن ذلــك أنــه أثــار إمكانيــة تغييــر‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪70‬‬


‫ـرية فــي مختلــف األقطــار كنــا نواجــه نفــس‬ ‫ـي‪ ،‬علمـ ًا أننــا ككائنــات بشـ ّ‬ ‫الكونـ ّ‬ ‫النمــوذج التنموي‪.‬‬
‫المشــاكل أمــام تدهــور البيئــة أو االســتهتار االقتصــادي‪ .‬واليــوم‪ ،‬ونحــن فــي‬
‫ـي مــن نيجيريــا إلــى نيوزيالنــدا‪ ،‬يجــب أن نــدرك أن مصائرنــا‬ ‫ـزلٍ‬ ‫اقتصادي؟‬ ‫هل نسير إذن نحو تغيير‬
‫حالــة عـ صحـ ّ‬ ‫ّ‬
‫الحيويــة‬
‫ّ‬ ‫ـث‬‫ـ‬ ‫لبع‬ ‫ـبة‬‫ـ‬ ‫المناس‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫اللحظ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـاه‪.‬‬
‫ـ‬ ‫أبين‬ ‫أم‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـئنا‬
‫ـ‬ ‫ش‬ ‫مرتبطــة‪،‬‬ ‫‪ -‬إن نظامنــا القائــم علــى التنافســية والربــح يفضــي فــي الغالــب إلــى تأثيــرات‬
‫ـرية كجماعــة ذات مصير مشــترك‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫ننظ‬ ‫ال‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫دمن‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فم‬ ‫ـانيتنا‪،‬‬‫فــي إنسـ‬
‫المكثــف علــى العمــل عن بعــد الذي‬ ‫وخيمــة علــى ظــروف العمــل‪ .‬فاالعتمــاد ُ‬
‫فــا يمكننــا أن ندفــع الحكومــات فــي اتجــاه منحــى التجديــد‪.‬‬
‫حــي مــن شــأنه أن يســاهم فــي تغييــر طريقــة اشــتغال‬ ‫الص ّ‬‫فرضــه العــزل ِّ‬
‫مــاذا يمكــن أن نســتفيد منكــم كفيلســوف لكــي نقضــي هــذه الفتــرة الطويلــة‬ ‫المقــاوالت التــي ال زالــت شــديدة التراتبيــة‪ ،‬أو اســتبدادية‪ .‬كمــا أن األزمــة‬
‫ـي؟‬ ‫ـرع العــودة إلــى اإلنتــاج المح ّلــي والتخ ّلــي عــن‬‫الحاليــة مــن شــأنها أن ُتسـ ِّ‬
‫الصحـ ّ‬
‫مــن العــزل ِّ‬
‫الصناعــات التــي تنتــج مــواد غيــر قابلــة إلعــادة االســتعمال‪ .‬وتعيــد فــرص‬
‫‪ -‬فعــاً‪ ،‬بالنســبة للكثيريــن م ّنــا‪ -‬نحــن الذيــن نقضــي معظــم الوقــت‬ ‫الشــغل للحرفييــن‪ ،‬وفــي ذات الوقــت لتجــارة القــرب‪ .‬ففــي هــذه الفتــرة التــي‬
‫المباغــت يمكــن أن يشــكِّ ل إزعاجــ ًا‬ ‫حــي ُ‬ ‫الص ّ‬‫خــارج بيوتنــا‪ -‬هــذا العــزل ِّ‬ ‫الجماعيــة هــي التــي‬ ‫اليــة‪ ،‬فــإن هــذه المبــادرات‬
‫ّ‬ ‫الع َّم ّ‬
‫ضعفــت فيهــا النقابــات ُ‬
‫للتدبــر‪ ،‬ولمراجعــة‬‫ُّ‬ ‫مناســبة‬ ‫تكــون‬ ‫أن‬ ‫يمكــن‬ ‫اليحتمــل‪ .‬أعتقــد أن هــذه‬ ‫بمقدورهــا أن تضغــط لتغييــر ظــروف العمــل‪.‬‬
‫فهــم مــن‬‫ُ َ‬‫ي‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫ـب‬
‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ـا‪.‬‬
‫ـ‬ ‫حياتن‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫منه‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫فائ‬ ‫األمــور التافهــة‪ ،‬والتــي ال‬
‫كالمــي أن الحكمــة تقتضــي أن يبقــى المــرء حبيــس غرفتــه طيلــة حياتــه‪.‬‬ ‫تتغير فيه العالقات بين الفرد والجماعة؟‬ ‫سياسي‬ ‫تحول‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫هل نحن بصدد ُّ‬
‫أنــا أقصــد أن يعيــد المــرء التفكيــر فــي طريقــة اســتهالكه وفــي تغذيتــه‪.‬‬
‫االصطناعيــة التــي‬ ‫لعلّهــا فرصــة مناســبة للتخلــص مــن كلّ هــذه الثقافــة‬ ‫المبــادرات‬ ‫الفرديــة تهيمــن علــى كلّ شــيء‪ ،‬وهــا هــي ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬لقــد كانــت المصلحــة‬
‫ّ‬
‫نعــرف عيوبهــا‪ ،‬إنــه الوقــت المالئــم للتخلــص مــن اإلدمــان‪ .‬وهــي مناســبة‬ ‫التضامنيــة تنهــض مــن جديــد‪ .‬لننظــر إلــى مجــال المستشــفيات‪ ،‬لقــد كان‬
‫ـانية التــي نعرفهــا جميعـاً‪ ،‬والتي‬ ‫ـدع واالســتياء العميقيــن‪ ،‬ولكنــه أظهــر أمام‬ ‫هــذا القطــاع فــي حالــة مــن التصـ ُّ‬
‫ســانحة لكــي نــدرك هــذه الحقائــق اإلنسـ ّ‬
‫ـب والصداقة والتالحــم والتضامن‪ ،‬وهي‬ ‫تــوارت فــي ال وعينــا‪ ،‬أال وهــي الحـ ّ‬ ‫جيــداً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـاس‬‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـتوعب‬‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـر‪.‬‬
‫ـ‬ ‫النظي‬ ‫تد ُّفــق المرضــى تضامنـ ًا منقطــع‬
‫التــي تمنــح للحيــا ِة معنــى‪.‬‬ ‫ـي‪ ،‬بالتصفيــق كلّ مســاء لــكلّ هــؤالء األشــخاص‬ ‫ـزلٍ‬
‫حتــى وهــم فــي عـ صحـ ّ‬
‫■ حوار‪ :‬فرانسيس لوكونت ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبداللطيف القرشي‬ ‫ـدم‪،‬‬‫ـك لحظــة تقـ ُّ‬‫ـد مــن دون أدنــى شـ ّ‬ ‫الذيــن يتفانــون فــي خدمتهــم‪ .‬وهــذا ُيعـ ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ـي‪.‬‬
‫علــى األقــلّ علــى المســتوى الوطنـ ّ‬
‫المصدر‪ :‬صحيفة المعهد الوطني للبحث العلمي (‪ ،)CNRS‬تاريخ ‪ 6‬أبريل ‪.2020‬‬ ‫ـاني أو‬
‫لكــن بــكلّ أســف ليــس بوســعنا الحديــث عــن صحــوة التضامــن اإلنسـ ّ‬
‫‪71‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫إدغار موران‪:‬‬
‫العولـمة تشابك يفتقد للتضامن‬
‫ـي الــذي يجــب تعلّمــه فــي هــذه المرحلــة‬
‫مــا هــو الــدرس الرئيسـ ّ‬ ‫العاملية الراهنة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الصحة‬‫يف هذا الحوار ُيح ّلل إدغار موران أزمة ِّ‬
‫مــن جائحــة فيــروس كورونــا؟‬
‫ـي العــام ميكــن أن يكــون مفيــداً‬
‫الصحـ ّ‬
‫ويــرح‪ ،‬كيــف أن «الحجــر ِّ‬
‫ـرد تشــابك يخلــو مــن‬ ‫تبيــن لنــا هــذه األزمــة أن العولمــة مجـ َّ‬
‫‪ّ -‬‬ ‫عاص»‪.‬‬ ‫للتخ ّلــص مــن الســموم العالقة بأســلوب حياتنا ا ُ‬
‫مل ِ‬
‫كلّ تضامــن‪ .‬لقــد أنتجــت حركــة العولمــة بالتأكيــد وحــدة تقنيــة‬
‫واقتصاديــة للكوكــب‪ ،‬لكنها لم تع ّزز التفاهم بين الشــعوب‪ .‬منذ‬
‫ّ‬
‫بدايــة العولمــة فــي التســعينيات‪ ،‬اشــتعلت الحــروب وتفاقمــت‬
‫األزمــات الماليــة‪ .‬المخاطــر الكونيــة‪ -‬البيئــة واألســلحة النوويــة‬
‫واالقتصــاد غيــر المنظّ م‪ -‬جعلت الشــعوب أمام مصير مشــترك‪،‬‬
‫لكــن البشــر لــم يدركــوا ذلــك بعــد‪ .‬اليــوم وضعنــا الفيــروس‬
‫علــى الفــور وبشــكلٍ مأســاوي أمــام هــذا المصيــر المشــترك‪.‬‬
‫الدولي‬
‫ّ‬ ‫فهــل اســتوعبنا الــدرس أخيــراً؟ بســبب فقــدان التضامــن‬
‫وغيــاب الهيئات المشــتركة التي تســمح باتخــاذ تدابير على نطاق‬
‫الجائحــة‪ ،‬نــرى اليــوم هــذا االنغــاق األنانــي للدول على نفســها‪.‬‬

‫تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون في خطابه عن خطر «االنطواء‬


‫ّ‬
‫القومي»‪...‬‬
‫حقيقــي‪ .‬لــم يكــن األمــر‬
‫ّ‬ ‫مــرة‪ ،‬هــذا خطــاب رئيــس‬ ‫ألول ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫يتع َّلــق باالقتصــاد واألعمــال فحســب‪ ،‬بــل أيضـ ًا بمصيــر جميــع‬
‫والع َّمــال‬
‫ُ‬ ‫الفرنســيين‪ ،‬المرضــى والعامليــن فــي المستشــفيات‪،‬‬
‫الجزئيــة‪ .‬إن تلميحــه إلــى ضــرورة‬
‫ّ‬ ‫الذيــن أجبــروا علــى البطالــة‬
‫تغييــر نمــوذج التنمية بدايــة لمرحلة جديدة‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬مقابلة‬
‫ـي ليــس القــرار المناســب‪،‬‬ ‫ـي باالنطــواء األوروبـ ّ‬
‫االنطــواء القومـ ّ‬
‫ألن أوروبــا غيــر قــادرة علــى التوحــد فــي هــذا الشــأن‪ .‬ما نشــهده‬
‫ـي كان قــد بــدأه أطبــاء وباحثــون‬‫هــو بدايــة تشــكُّ ل تضامــن دولـ ّ‬
‫مــن جميــع القــارات‪.‬‬

‫ما هي التغييرات التي يجب إدخالها برأيك؟‬


‫ـرية جمعــاء يجــب‬ ‫يبيــن لنــا فيــروس كورونــا بوضــوح أن البشـ ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫أن تبحــث عــن مســار جديــد يقطــع مــع المذهــب الليبرالــي‬
‫ـي جديــد‪.‬‬‫ـي وبيئـ ّ‬
‫ـي واجتماعـ ّ‬ ‫الجديــد مــن أجــل مشــروع سياسـ ّ‬
‫العامــة مثل‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الخدم‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫وتطوي‬ ‫مهمتــه حمايــة المســار الجديــد‬
‫ّ‬
‫المستشــفيات فــي أوروبــا التــي عانــت مــن تخفيضــات مجنونــة‬
‫يصحــح هــذا المســار الجديــد‬ ‫ِّ‬ ‫فــي ميزانياتهــا لســنوات‪ .‬ســوف‬
‫آثــار العولمــة مــن خــال إنشــاء مناطــق غيــر معولمة من شــأنها‬
‫ـي‪...‬‬ ‫حمايــة االســتقالل الذاتــي األساسـ ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪72‬‬
‫الصيفيــة‪ .‬وفــي أكتوبر‪/‬تشــرين األول‪ ،‬أعيــد فتــح المــدارس‪.‬‬ ‫األساسي»؟‬
‫ّ‬ ‫الذاتي‬
‫ّ‬ ‫ما المقصود بـ «الحكم‬
‫أوالً‪ ،‬االكتفــاء الذاتــي مــن الغــذاء‪ .‬فــي وقــت االحتــال األلمانــي‬ ‫‪ّ -‬‬
‫مــاذا يمكــن أن نتوقَّــع مــن إجــراءات العــزل والتباعــد‬
‫متنوعــة جعلــت مــن الممكــن‬ ‫ِّ‬ ‫مث ـاً‪ ،‬كانــت لدينــا زراعــة فرنسـ ّـية‬
‫االجتماعــي؟ الخــوف؟ عــدم الثقــة بيــن األفــراد؟ أو‪ ،‬علــى‬
‫ّ‬ ‫إطعــام جميــع الســكان دون خــوف مــن الجــوع رغــم الهجمــات‬
‫العكــس مــن ذلــك‪ ،‬تطويــر عالقــات جديــدة مــع اآلخريــن؟‬
‫ـدث‬‫األلمانيــة‪ .‬اليــوم نحــن بحاجــة إلــى إعــادة التنويــع‪ .‬ثــم نتحـ َّ‬ ‫ّ‬
‫التقليدية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬نحــن في مجتمع يشــهد تدهور هيــاكل التضامن‬ ‫ـم تصنيــع الكثيــر مــن األدوية في‬ ‫صحيــة‪ .‬اليــوم‪ ،‬يتـ ُّ‬
‫ّ‬ ‫عــن اســتقاللية‬
‫التحديــات الكبيــرة اســتعادة التضامــن‪ ،‬بيــن‬ ‫ّ‬ ‫مــن بيــن‬ ‫معرضــون لخطــر نقــص اإلمــدادات‪ .‬يجــب‬ ‫ّ‬ ‫الهنــد والصيــن ونحــن‬
‫الع َّمــال‪ ،‬بيــن المواطنيــن‪ ...‬ومــع القيــود‬ ‫ُ‬ ‫بيــن‬ ‫الجيــران‪،‬‬ ‫ـوي لألمــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫علينــا إعــادة كلّ مــا ه‬
‫ـيتم تعزيــز التضامــن بيــن اآلبــاء واألبنــاء‬‫ـر بهــا‪ ،‬سـ ُّ‬ ‫التــي نمـ ُّ‬
‫الذيــن لــم يعــودوا إلى المــدارس‪ ،‬بيــن الجيــران‪ ...‬حاجياتنا‬ ‫عامة؟‬ ‫ٍ‬
‫أزمة ّ‬ ‫حية إلى‬
‫الص ّ‬
‫تؤدي العولمة إلى تفاقم األزمة ِّ‬
‫هل ِّ‬
‫ـتهالكية ســوف تتأثــر‪ ،‬ويجــب علينــا االســتفادة مــن هذا‬ ‫ّ‬ ‫االسـ‬ ‫ـرر بوتيــن الحفــاظ علــى إنتــاج‬ ‫‪ -‬نحــن نعيشــها بالفعــل‪ .‬عندمــا يقـ ِّ‬
‫ـتهالكية‪ ،‬وبعبــارة‬ ‫ـ‬ ‫االس‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫النزع‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫التفكي‬ ‫ـادة‬
‫ـ‬ ‫إلع‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫الوض‬ ‫ـؤدي إلــى انخفــاض األســعار فــي المملكــة‬ ‫ـي‪ ،‬هــذا يـ ِّ‬
‫ّ‬ ‫النفــط الروسـ ّ‬
‫التسمم بمنتجات‬ ‫ُّ‬ ‫أخرى اإلدمان‪« ،‬االســتهالك المخدر»‪ ،‬أي‬ ‫المحتمــل أن‬‫ـعودية والواليــات المتحــدة‪ ،‬حيــث مــن ُ‬ ‫ّ‬ ‫العربيــة السـ‬
‫ّ‬
‫حقيقية‪ ،‬وتج ُّنب اســتهالك الوفرة على حســاب‬ ‫ّ‬ ‫بــدون فائــدة‬ ‫وربما تتسـ َّـبب في خســارة ترامب‬ ‫َّ‬ ‫خطيرة‪،‬‬ ‫صعوبات‬ ‫ـاس‬ ‫ـ‬ ‫تكس‬ ‫تواجه‬
‫الجودة‪.‬‬ ‫الرئاســية‪...‬‬
‫ّ‬ ‫لالنتخابات‬
‫ممــا يتسـ َّـبب فــي انهيــار ســوق‬
‫المموليــن‪ّ ،‬‬ ‫يؤثــر الذعــر أيضـ ًا علــى ُ‬
‫ستتغير عالقتنا بالزمن أيضاً‪...‬‬
‫ّ‬ ‫ربما‬
‫َّ‬ ‫المتسلســلة‪ .‬إن األزمة‬
‫األســهم‪ .‬نحــن ال نتحكّ ــم في هذه التفاعالت ُ‬
‫العامــة للمجتمعات التي‬
‫ّ‬ ‫التــي سـ ّـببها الفيــروس قــد فاقمت األزمــة‬
‫‪ -‬نعــم بفضــل المكوث فــي المنازل‪ ،‬وبفضــل هذا الوقت‬
‫جرفتهــا القــوى غيــر المحكومــة بأي ســلطة‪.‬‬
‫الــذي يتو ّفــر لدينــا‪ ،‬والــذي لــم يعــد مجزئـاً‪ ،‬وعلــى مدار‬
‫الســاعة‪ ،‬هــذا الوقــت الــذي أفلــت مــن تدافــع متــرو‬ ‫ـبانية» ‪ 1919 - 1918‬التــي‬ ‫إذا قارنــا الوضــع الراهــن «باألنفلونــزا اإلسـ ّ‬
‫العمــل‪ ،‬ذهابــ ًا وإيابــاً‪ ،‬يمكننــا أن نجــد أنفســنا‪ ،‬ونــرى‬ ‫الســلطات‪ ،‬اختار حكّ ام‬ ‫كانــت موضوعـ ًا ألومرتــا حقيقيــة مــن جانب ُّ‬
‫األساســية‪ ،‬أي الحــب والصداقــة‬
‫ّ‬ ‫مــا هــي احتياجاتنــا‬ ‫اليــوم التعامــل مــع األزمــة بشــفافية‪ ...‬أليــس هــذا تأثيــراً إيجابي ـ ًا‬ ‫البقاء يف املنزل‬
‫والحنــان والتضامــن وشــعر الحيــاة‪ ...‬البقاء فــي المنزل‬ ‫للعولمــة؟‬ ‫للرضورة يمكن أن‬
‫للضــرورة يمكــن أن يســاعدنا علــى التخلّص من الســموم‬ ‫ّ‬
‫التخلص‬ ‫يساعدنا عىل‬
‫ـبانية‪ ،‬لــم نكــن نريــد أن يعلــم النــاس‪،‬‬ ‫‪ -‬فــي زمــن األنفلونــزا اإلسـ ّ‬ ‫من السموم اليت‬
‫التــي علقــت بنمــط حياتنــا وأن نــدرك أن العيــش األفضل‬
‫وخاصــة المقاتليــن‪ ،‬بخطــورة اآلفــة‪ .‬هــذا التعتيــم مســتحيل اليوم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫علقت بنمط حياتنا‬
‫يكمــن فــي تحقيــق الـــ «أنــا»‪ ،‬ولكــن دائمـ ًا داخــل «نحن»‬
‫ـي لــم يتمكــن من حجــب المعلومــات من خالل‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الصين‬ ‫ـام‬
‫ـ‬ ‫النظ‬ ‫حتــى‬ ‫وأن ندرك أن العيش‬
‫تنو عة‪.‬‬
‫الم ِّ‬
‫ُ‬ ‫معاقبــة البطــل الــذي أطلــق ناقــوس الخطــر‪ ...‬لقــد مكّ نتنا شــبكات‬ ‫األفضل يكمن يف‬
‫وأخيــراً‪ ،‬هــل يمكــن أن تكــون هــذه األزمــة مفيــدة بشــكلٍ‬ ‫ـور الحالــة الوبائية حســب‬ ‫المعلومــات مــن أن نكــون علــى علــم بتطـ ُّ‬ ‫تحقيق الـ «أنا»‪،‬‬
‫البلــد‪ .‬لكــن ذلــك لــم يفضــي إلــى تعــاون على مســتوى أعلــى‪ .‬هناك‬ ‫ولكن دائماً داخل‬
‫عكســي ؟‬
‫عفويــة مــن الباحثيــن واألطبــاء فقــط‪ .‬ال‬ ‫ّ‬ ‫مبــادرات تعــاون دوليــة‬ ‫«نحن» املُتنوِّعة‬
‫اإليطاليــات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬لقــد تأثــرت للغايــة لرؤيــة هــؤالء النســاء‬ ‫الصحــة العالمية أو األمم المتحدة توفير وســائل‬ ‫تســتطيع منظَّ مــة ِّ‬
‫على شــرفاتهن‪ ،‬يغنين ترنيمة األخــوة «‪»Fratelli d’Italia‬‬ ‫المقاومــة ألكثــر البلــدان حرماناً‪.‬‬
‫الوطنــي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نؤســس للتضامــن‬ ‫(«إخــوة إيطاليــا»)‪ .‬يجــب أن ّ‬
‫بعيــد ًا عــن االنغــاق واألنانيــة‪ ،‬المنفتــح علــى وحــدة‬ ‫«نحــن فــي حالــة حــرب»‪ :‬غالب ـ ًا مــا تُســتعمل هــذه العبــارة لوصــف‬
‫مصيرنــا «الدنيــوي» ‪ ...‬قبــل ظهــور الفيــروس‪ ،‬كان البشــر‬ ‫الوضــع فــي إيطاليــا وفرنســا‪ .‬باعتباركــم شــاهداً علــى هــذه الفتــرة‪.‬‬
‫مــن جميــع القــارات يعانــون مــن نفــس المشــاكل‪ :‬تدهــور‬ ‫مــاذا يلهمــك هــذا التشــبيه؟‬
‫المحيط الحيوي‪ ،‬انتشــار األســلحة النوويــة‪ ،‬واالقتصاد غير‬ ‫‪ -‬فــي ظــل االحتــال‪ ،‬كانــت هنــاك ظواهــر مــن العــزل والحجــر‬
‫المنظَ ــم الــذي يزيــد مــن حالــة عــدم المســاواة‪ ...‬وحــدة‬ ‫حــي فــي المنــازل‪ ،‬كانــت هنــاك غيتــوات‪ ...‬ولكــن االختــاف‬
‫ُ‬ ‫الص ّ‬‫ِّ‬
‫المصيــر موجــودة‪ ،‬ولكــن بمــا أن العقــول متلهفــة‪ ،‬وبــد ً‬
‫ال‬ ‫الكبيــر هــو أن إجــراءات العــزل فرضهــا العــدو‪ ،‬بينمــا اآلن يفرضــون‬
‫الوطنيــة أو‬
‫ّ‬ ‫مــن أن تــدرك قيمتهــا‪ ،‬فإنهــا تلجــأ إلــى األنانيــة‬ ‫تلــك اإلجــراءات علــى العــدو‪ ،‬أي الفيــروس‪ .‬بعــد بضعــة أشــهر من‬
‫الدينيــة‪ .‬بالطبــع‪ ،‬التضامــن الوطنــي ضــروري‪ ،‬ولكــن إذا لم‬ ‫ـزود‪ .‬لم‬
‫ـي‪ ،‬بــدأت القيــود علــى حركــة التموين والتـ ُّ‬
‫ّ‬ ‫االحتــال األلمانـ ّ‬
‫نــدرك أننــا بحاجــة إلــى وعــي مشــترك بمصيــر اإلنســان‪ ،‬إذا‬ ‫نصــل إلــى تلــك المرحلــة بعد‪ ،‬على الرغــم من أن هناك بــوادر ذعر‪.‬‬
‫ـي‪ ،‬فــإن‬ ‫ولكــن إذا اســتمرت هــذه األزمــة‪ ،‬مــع انخفــاض نقــل البضائــع علــى‬
‫نغيــر التفكيــر السياسـ ّ‬‫لــم نعـ ِّزز التضامــن‪ ،‬إذا لــم ّ‬
‫ـانية ستســوء بالتأكيــد‪ .‬رســالة فيــروس كورونــا‬ ‫أزمــة اإلنسـ ّ‬ ‫المســتوى الدولــي‪ ،‬يمكننــا أن نتو َّقــع عــودة تقنيــن الغــذاء‪ .‬هنــاك‬
‫واضحــة‪ ،‬ومــن المؤســف أننــا ال نريــد ســماعها‪.‬‬ ‫ينتهــي التشــابه‪ .‬نحــن لســنا فــي حــرب مــن هــذا النــوع‪.‬‬
‫■ حوار‪ :‬ديفيد لو بايلي وسيلفان كوراج‬
‫مرة منذ عام ‪ 1940‬يتم إغالق المدارس والجامعات‪...‬‬
‫ألول ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبد الله بن محمد‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪ -‬نعــم‪ ،‬ولكــن فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬كان اإلغــاق مؤقتـ ًا للغايــة‪ .‬وقــع‬
‫المصدر‪ :‬مجلّة «‪ »L’OBS‬عدد ‪.19/03/2020‬‬ ‫إلحــاق الهزيمــة بفرنســا فــي يونيو‪/‬حزيــران‪ ،‬عندما بــدأت اإلجازات‬

‫‪73‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫إدغار موران‪..‬‬
‫«أقوال حكيم»‬
‫يح ّلــل إدغــار مــوران الفيلســوف وعالــم االجتمــاع الفرنسـ ّ‬
‫ـي الــذي يبلــغ مــن العمــر ‪ 98‬ســنة‪ ،‬فــي هــذا الحــوار‪ ،‬انعكاســات‬
‫ـي‪.‬‬
‫ـري والثقافـ ّ‬
‫فيــروس كورونــا علــى عالمنــا الفكـ ّ‬

‫والبيولوجييــن بخصوصــه‪ ،‬إضافــة إلــى ما أحدثه الوباء مــن أزمات في الصين‪.‬‬ ‫هــل خطــر علــى بالكــم يوم ـاً‪ ،‬بمــا لكــم مــن حيــا ٍة حافلــة‪ ،‬عيـ ُ‬
‫ـش وضعيــة مــن‬
‫أضــف إلــى ذلــك مــا صرنــا نتو ّفــر عليــه مــن إمكانيــة أكبــر ألن نتشــارك فــي كلّ‬ ‫هــذا القبيــل؟‬
‫مــا أتوصــل بــه مــن قبيــل طلــب إجــراء حــوارات أو تقديــم مقــاالت‪ ،‬وهــو مــا‬
‫عالميــة‪ ،‬لكــن لــم يســبق أبــد ًا أن كان هنــاك‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إطالقــاً‪ ،‬كانــت هنــاك أوبئــة‬
‫ـرك ًا وغيــر‬ ‫تتعــاون فيــه معــي صبــاح بآرائهــا وتأمالتهــا‪ .‬فــكلّ شــيء يظــل متحـ ّ‬ ‫ـي‪ .‬كما كانــت هنــاك اضطرابات‪ ‬وارتجاجات‬ ‫ـي علــى النطاق العالمـ ّ‬ ‫ـر صحـ ّ‬‫حجـ ٌ‬‫ْ‬
‫ـن النكت‬ ‫ثمـ ُ‬ ‫ٍ‬
‫جهة أخــرى نحن ُن ِّ‬ ‫يقينــي‪ ،‬ومــا نحاولــه هــو أن نضــع تقييمـاً‪ .‬ومــن‬
‫عالمي‪ .‬لقد‬
‫ّ‬ ‫ـراب‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫اضط‬ ‫هناك‬ ‫كان‬ ‫أن‬ ‫ـبق‬‫ـ‬ ‫يس‬ ‫لم‬ ‫لكن‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫األوبئ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أثارته‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫اجتماعي‬
‫ّ‬
‫الصحي‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫الح‬
‫َ ْ‬ ‫أثارها‬ ‫التي‬ ‫اخرة‬‫الس‬
‫وأشــكال التصوير الكاريكاتوري والرســائل َّ‬ ‫كنــت مــن بيــن أولئــك الذيــن ذهبــوا إلــى أن المجــرى المجنــون الــذي انجرفــت‬
‫باعتبارهــا أجســام ًا مضــادة أو مضــادات لالكتئــاب‪ .‬وعلــى وجــه اإلجمــال قــد‬
‫ـانية ســيحمل معــه كــوارث‪ ،‬لكــن مثــل هــذه الكارثــة لــم‬ ‫فــي خضمــه اإلنسـ ّ‬
‫ـي كمــا لــو كان حبسـ ًا‬ ‫بالح ْجــر الصحـ ّ‬
‫ـعور َ‬
‫ج َّنبنــا التواصــل مــن كلّ نــوع الشـ َ‬ ‫ـن تخطــر لــي علــى بــال‪.‬‬ ‫تكـ ْ‬
‫واحتجازاً‪.‬‬
‫الصحي؟‬
‫ّ‬ ‫الح ْجر‬
‫كيف تعيش َ‬
‫هــل تظــن مثــل كامــو أن «النــاس وســط المحــن يكــون مــا يثيــر اإلعجــاب فيهــم‬
‫ممــا يدعــو إلــى االحتقــار واالزدراء»؟‬ ‫‪ -‬أعتبــر أن الحــظ كان فــي صفــي بأن جعلني أعيش في مثل هذه الســن تجربة‬
‫أكثــر بكثيــر ّ‬
‫ال مــن عيشــها فــي دار المســنين‪ .‬ومحظــوظ‬ ‫الح ْجــر الصحــي فــي منزلــي بــد ً‬ ‫َ‬
‫(عمليات ســرقة األقنعة‪،‬‬ ‫‪ -‬إذا كانت هناك بعض األفعال الدنيئة والخسيســة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ـي إلــى جانــب زوجــة تحبنــي وتعتنــي بــي‪ .‬وأن تكون لي‬ ‫ـ‬ ‫الصح‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬‫ج‬‫ْ‬ ‫للح‬
‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫بعيش‬
‫عمليــات احتيــال بخصــوص الوعــود الزائفــة بتوفيــر أدويــة مث ـاً)‪ ،‬فإننــا لــم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫حديقــة تتيــح لــي الجلــوس تحــت شــجرة الويســتارية مســتمتع ًا ببدايــة فصل‬
‫نعــدم تجليــات مدهشــة للتضامــن الــذي كان يشــارف على التالشــي‪ ،‬انتشــرت‬ ‫ْ‬ ‫ـوقون لنــا‪ .‬كمــا أن بناتــي وأســرتي‬ ‫الربيــع‪ .‬وأن يكــون لنــا جيــران طيبــون يتسـ ّ‬
‫عمــت كلّ مــكان تقريبـاً‪ ،‬علــى‬ ‫فــي صفــوف المعا ِلجيــن بالدرجــة األولــى‪ ،‬ثــم َّ‬ ‫الرائعــة وأصدقائــي‪ ،‬القريبيــن والبعيديــن‪ ،‬جميعهــم حاضــرون عبــر الهاتــف‬
‫ـن يعيشــون فــي وضعيــة‬ ‫مســتوى تقديــم يــد المســاعدة بشــكلٍ عفــوي َ‬
‫لمـ ْ‬ ‫الح ْجــر من االكتظاظ‬ ‫والســكايب‪ .‬غيــر أننــي أفكّ ر في كلّ المآســي الناتجة عن َ‬
‫وممــا يبعــث‬
‫ّ‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـأوى‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ـن‬
‫ولمـ ْ‬
‫عزلــة ولألشــخاص المســنين‪ ،‬وللبؤســاء‪َ ،‬‬ ‫فالح ْجر‬ ‫ـن‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫رتعبي‬ ‫الم‬
‫َ‬ ‫المع َّنفــات واألطفال ُ‬ ‫فــي اإلقامــات الصغيرة إلى النســاء ُ‬
‫علــى العــزاء أيضـ ًا أن نــرى نكــران الــذات الــذي َأبــان عنــه العديــد من الشــباب‬ ‫ـي يضاعــف االختالفــات والخالفــات فــي العالقــات الزوجيــة‪ ،‬وبالتالــي‬
‫همشــة‪ .‬فقــد كانــت هنــاك صحــوة للتضامن الجمعــي وجدت‬ ‫الصحـ ّ‬
‫الم َّ‬
‫فــي األحيــاء ُ‬ ‫جيــد ًا جديــد ًا كذلــك‪ .‬فقــد صار‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫وتفاهم‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫تواص‬ ‫ـجع‬ ‫ـ‬ ‫يش‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫مثلم‬ ‫ـا‪،‬‬
‫ـ‬ ‫يحطمه‬ ‫قــد‬
‫تعبيرهــا الرمــزي عبــر التصفيقــات مــن شــرفات المنــازل‪.‬‬ ‫لــي مــع زوجتــي الكثيــر مــن الوقــت ألجــل التبــادل والتواصل‪.‬‬
‫ـي ال تعانــي فراغ ـ ًا وهــي ممتلئــة تمام ـاً‪ ،‬فقــد‬ ‫الح ْجــر الصحـ ّ‬ ‫أيامــي فــي ظــلّ َ‬
‫أنــت الــذي ِعشــت الحــرب‪ ،‬بمــاذا شـ َ‬
‫ـعرت حيــن ســمعت الرئيــس يعلــن عــن‬
‫باشــر أنشــطتي مــن بيتــي عبــر الســكايب والبريــد اإللكترونــي‪ ،‬إذ‬ ‫ت أُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ــر ُ‬
‫ص ْ‬
‫«أننــا فــي حالــة حــرب»؟‬
‫ليحثَّنــا دون توقــف علــى مســاءل ِته‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫رقم‬ ‫ـو‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫عب‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫َن‬
‫ت‬ ‫و‬ ‫بي‬
‫ُ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫العال‬ ‫ـج‬
‫ي ُ‬ ‫ـ‬‫ل‬‫ِ‬
‫ـم فعـاً‪ ،‬لكــن مــن طــرف عــدو ليــس عــدو ًا‬
‫‪ -‬لقــد أحسســت أن اجتياحنــا قــد تـ ّ‬ ‫ـس التبــادل حــول‬ ‫ولي َســائلَنا‪ ،‬كمــا أن لــي طقْسـ ًا يوميـ ًا رفقــة زوجتــي هــو طقـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ـانياً‪ ،‬وبأنــه ال منــاص لنــا مــن المقاومــة‪ ،‬وبإيجــاز كان للفــظ الحــرب قيمة‬
‫إنسـ ّ‬ ‫معلومــات التليفزيــون والمذيــاع والجرائــد لنبحــث معـ ًا عــن مراجعتها وخلق‬
‫اســتثارة إجــراءات االحتــراس (وتبريــر اإلجــراءات التــي اتخذتهــا الســلطة)‪،‬‬ ‫تقاطــع علــى نحــوٍ أفضــل بيــن المعلومــات التــي تخــص الوبــاء؛ في مــا يتعلَّق‬
‫ولــم يكــن ألجــل تعريــف الوضعيــة وتحديدهــا علــى الحقيقــة‪ .‬وهــو مــا يعني‪،‬‬ ‫والمتعارضــة أحيانـ ًا لألطبــاء‬
‫تنوعــة ُ‬ ‫الم ِّ‬
‫بمســاره‪ ،‬وعالجاتــه‪ ،‬ووجهــات النظــر ُ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪74‬‬
‫ـول كــي تعيــد إنتــاج نفســها‪ .‬لذلــك فــإن‬
‫والفيروســات التــي تعــرف كيــف تتحـ َّ‬ ‫كمــا عليــه كان الحــال َّإبــان حــرب ‪ ،1940‬أن هنــاك الكثيــر من انعــدام اإلعداد‬
‫مــا يلــزم االعتــراف بــه هــو أن كلّ شــيء إلــى زوال ومــوت بمــا في ذلك شمســنا‬ ‫وأشــكال الضعــف ومــن األخطاء‪.‬‬
‫ممــا يجعــل مــن حيواتنــا المؤقتــة والظرفيــة هــي خيراتنــا الوحيــدة‬‫وكوننــا‪ّ ،‬‬
‫التــي ال ينبغــي تبديدهــا وتبذيرهــا‪.‬‬ ‫لــم يعــد فــي مقدورنــا إقامــة طقــوس تليــق بــوداع موتانــا‪ ،‬مــا هــي آثــار ذلــك‬
‫على عالقتنا بالموت‪ ،‬وعالقتك أنت بالموت‪ .‬أال تقودنا الحياة بشــكلٍ مفجع‬
‫ـي يمكــن أن يكــون ناجع ـ ًا ألجــل تنقيــة‬
‫الح ْجــر الصحـ ّ‬
‫ســبق لكــم أن قلتــم إن َ‬ ‫إلــى نهايتنــا؟‬
‫ممــا‬
‫ممــا علــق بــه مــن ســموم‪ ،‬لكــن ألــن نســتأنف عاداتنــا بأســرع ّ‬
‫نمــط عيشــنا ّ‬ ‫‪ -‬مــا يقتضيــه مــوت قريــب هــو ضــرورة مرافقتــه إلــى أن يتــم دفنــه‪ ،‬بحيــث‬
‫يمكــن أن نعتقــد؟‬
‫تلزمنــا طقــوس ومأتــم جماعــي‪ ،‬ألن األحيــاء يكونــون بحاجــة إلــى التطهــر‬
‫‪ -‬قبــل الوبــاء تشــكَّ ل بالتدريــج ولكــن ببــطء اتجــاه‪ ،‬وإن كان ممثلــوه قلــة‪،‬‬ ‫ـي يكفــل العــزاء‬ ‫مــن األلــم داخــل ضــرب مــن المشــاركة‪ .‬بــدون طقــس دينـ ّ‬
‫مــن أجــل مواجهــة النزعــة االســتهالكية‪ ،‬والجبــروت الــذي يمارســه الزمــن‬ ‫والمواســاة‪ ،‬يشــعر البعــض وأنــا منهــم‪ ،‬بالحاجــة إلــى الطقــوس التــي تعمــل‬
‫المقــاس بدقــة‪ ،‬وألجــل محاولــة العيــش بشــكلٍ أفضــل‪ ،‬ومــا يقوم بــه َ‬
‫الح ْجر‬ ‫بشــكلٍ مكثــف علــى إحيــاء الشــخص الميــت فــي أنفســنا و ُت ِ‬
‫خمــد األلــم بنــوع‬
‫ـي هــو أنــه يســاعدنا علــى أن ن َِعــي مــا ك ّنــا نعرفــه جميع ـ ًا علــى نحــو‬
‫الصحـ ّ‬ ‫ـدس‪.‬‬‫المقـ َّ‬
‫مــن األوخارســتيا ‪ eucharistie‬أو القربــان ُ‬
‫غامــض‪ :‬أن الحــب والصداقــة وازدهــار الــذات داخــل جماعــة والتضامــن هــي‬
‫الح ْجر‬
‫الحقيقيــة‪ .‬وإمكانيــة االســتمتاع بالروائــع مــن األعمال في فــراغ َ‬ ‫القيــم‬ ‫ـي‪،‬‬
‫للح ْجــر الصحـ ّ‬ ‫عمليــات الدفــن المســتعجلة أحــد المظاهــر الكارثيــة َ‬ ‫ّ‬ ‫َمثَّلــت‬
‫ّ‬
‫ـي يمكنهــا إعانتنــا علــى البحــث بشــكلٍ أفضــل عن شــعرية الحيــاة‪ .‬ماذا‬ ‫بحيــث يتــم االستشــهاد بحالــة فــي إيطاليــا وصــل فيهــا األمــر إلــى حـ ِّـد اإللقــاء‬
‫الصح ّ‬
‫ـ‬
‫تبقــى منهــا؟ لســت أدري ‪..‬؟‬ ‫بجثــة ميــت فــي القمامــة لغيــاب مــكان لدفنــه بالمقبــرة‪.‬‬
‫‪ -‬لقــد انتظــرت‪ ،‬مــن جهتــي‪ ،‬أن أمــوت فــي الثمانيــن مــن عمــري‪ ،‬وبعــد أن‬
‫هــل يمكــن أن يكــون هــذا الوبــاء مناســبة ألجــل تنميــة التــزام بيئــي مســتدام‬
‫تجــاوزت التســعين تعــودت علــى االســتمرار في الحيــاة‪ ،‬لذلك فقــد الموت ما‬
‫وكوني؟ هل تعتقدون في ميالد «عالم جديد»‪ ،‬وأشكال جديدة من التضامن؟‬
‫ـم اليقيــن بدنوه وقربــه‪ .‬وهنا‬ ‫وإن كنــت أعلــم ِع ْلـ َ‬
‫ُيمكِّ نــه مــن إثــارة ذهنــي حتــى ْ‬
‫ـي منــذ خمســين ســنة من طــرف تقرير‬ ‫ـم إطــاق اإلنــذار البيئــي العالمـ ّ‬
‫‪ -‬لقــد تـ ّ‬ ‫ـر علــي بمــا يشــبه العــدوى‪.‬‬ ‫ـك فــي أن شــباب زوجتــي قــد أ َّثـ َ‬
‫كذلــك‪ ،‬مــا مــن شـ ٍّ‬
‫ـد ًا وغير‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫بطيئ‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫يبق‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الوع‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫لك‬ ‫‪،)1972‬‬ ‫ـنة‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـدر‬‫ـ‬ ‫(ص‬ ‫ـدوز»‬ ‫ـ‬ ‫مي‬ ‫«‪Meadows‬‬ ‫ألن صبــاح تجذبنــي نحــو الحيــاة أكثــر ممــا تجرنــي صــوب المــوت‪ .‬لقــد صارت‬
‫كاف بشــكلٍ كبيــر أيضـاً‪ .‬أعتقــد أن عالمـ ًا جديــد ًا ســيكون ممكنـ ًا لكنــه لحــدود‬ ‫ٍ‬ ‫متعددة‪ :‬تحلل الكوكب األرضي وتكاثر األســلحة النووية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التهديدات المميتة‬
‫اآلن غيــر متمتــع باألرجحيــة‪ .‬ألن القــوى التــي تحافــظ علــى الوضــع كمــا هــو‬ ‫وعــودة صــور البربريــة‪ ،‬وفــي األخيــر هــذا الفيــروس المكتســح الــذي فــرض‬
‫ـي مــن فــراغ هائــل‪ ،‬بحكــم ارتفــاع‬ ‫تبقــى هائلــة‪ .‬مــا يشــهده الفكــر السياسـ ّ‬ ‫التخلــي نهائيـ ًا عن أســطورة اإلنســان سـ ِّـي ُد مصيره وسـ ِّـي ُد الطبيعــة‪ .‬فنحن في‬
‫الطلــب فــي كلّ مــكان علــى الفكــر التجزيئــي الــذي يختــزل كلّ شــيء إلــى‬ ‫ـرون علــى صعيــد‬ ‫ـد‪ ،‬ظا ِفـ ُ‬
‫ـد ًا وواهنــون إلــى أقصــى حـ ٍّ‬‫الوقــت نفســه أقويــاء جـ ّ‬
‫الحســاب‪ .‬كما أن الربح المنفلت من كلّ عقال يعمل على تقويض كلّ عملية‬ ‫تقنيا ِتنــا‪ ،‬عاجــزون أمــام األلــم والمــوت‪ .‬وعلــى العكــس مــن حلــم أصحــاب‬ ‫َّ‬
‫التقدمــي‬
‫ُّ‬ ‫ا عــن ذلــك‪ ،‬نســيان التوجــه‬ ‫للتضبيــط والتنظيــم‪ .‬وال ينبغــي‪ ،‬فضـ ً‬ ‫إن كان فــي اســتطاعته تأخيــر‬ ‫ـانية‪ ،‬أقــول بــأن اإلنســان ْ‬
‫النزعــة المابعــد إنسـ ّ‬
‫الديموقراطيات وما‬
‫ّ‬ ‫العالمية خالل الســنوات العشــر األخيــرة‪ .‬وأزمــة‬ ‫ّ‬ ‫للنزعــة‬ ‫ـي‪ ،‬مــن الضــروري أن يواجــه دائمـ ًا الحــوادث وأصنــاف البكتيريــا‬ ‫موتــه الطبيعـ ّ‬
‫‪75‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫ـي يبقــى رهيب ًا بالنســبة للعالقات الزوجية المســتعرة أو‬ ‫الح ْجــر الصحـ ّ‬
‫غيــر أن َ‬ ‫شــهدته أمــم عظيمــة مــن انتصــار وظفــر للديماغوجيــات‪ ،‬ثــم األزمــة العامــة‬
‫التــي هــي فــي طــور االنحــال‪ .‬البــد مــن التفكيــر فــي أن كلّ «أنــا» هــي حاجــة‬ ‫ـي‪ .‬ومــا أنتظــره هــو حصــول ُمنعطــف غيــر محتمــل الوقــوع‬ ‫للفكــر السياسـ ّ‬
‫إلــى «أنــت» وإلــى «نحن»‪.‬‬ ‫ـور الجــاري‪ .‬لكــن يمكننــي أن أقــول لكــم بــأن هــذا‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫التط‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫تعدي‬ ‫يعمــل علــى‬
‫التســاؤل‪ :‬هــل تؤمنــون بميــاد «عالــم جديــد» يشــكّ ل جــزء ًا من األســئلة التي‬
‫أال يبــدو لكــم أن الثقافــة صــارت أكثــر قابليــة ألن يتــم الولــوج إليهــا مع إمكانية‬ ‫ـدث مــع زوجتــي وأصدقائــي حولهــا‪ .‬ولقــد حاولــت أنــا نفســي‬ ‫غالب ـ ًا مــا أتحـ ّ‬
‫اإلطــاق المجانــي علــى شــبكة اإلنترنــت لألوبــرا والمتاحــف وبعــض الكتــب؟ أم‬ ‫اســتخالص طريــق جديــد (كتــاب طريــق ‪ ،)la Voie 2012‬وهــي الطريــق التــي‬
‫أننــا علــى العكــس ســنتجاوزها في المســتقبل؟‬ ‫مخلِّصــة وناجعــة‪.‬‬‫تبــدو َ‬

‫ا اإلطــاق المجانــي علــى شــبكة اإلنترنــت ألوبريهــات ومتاحــف وبعــض‬ ‫‪ -‬فعـ ً‬ ‫ـي‬
‫هــل ســنخرج مــن اإلغــراء الــذي يمارســه االنطــواء علــى المســتوى العالمـ ّ‬
‫همــة مــن أجــل فتــح الثقافة علــى ثقافة أولئــك الذين ليس‬
‫الكتــب‪ ،‬مبــادرات ُم ّ‬ ‫والشــخصي فــي نفــس الوقــت‪ .‬وهــل الزال باإلمــكان التفكيــر فــي الحــل‬
‫ّ‬
‫لهــم منفــذ إليهــا‪ .‬وهــو ما ســيولد دون شــك صــور ًا مــن االفتتــان الجمالي لدى‬ ‫الكوســموبوليتي؟‬
‫أولئــك الذيــن يكتشــفون األعمــال المشــهورة‪ .‬أمــا بالنســبة لــي فــا يســعني‬ ‫الوطنيــة على نفســها‪ .‬وإذا‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬لقــد أدى الوبــاء إلــى انطــواء وانغــاق الــدول‬
‫ســوى الحــث على قــراءة الكُ َّتاب الذيــن أحبهم بالدرجة األولى دستويفســكي‪.‬‬ ‫اقتصاديــة كبــرى بعــد الوبــاء‪ ،‬ســيتفاقم الميــل إلى‬ ‫ّ‬ ‫مــا كانــت هنــاك أزمــة‬
‫الوطنيــة القائمــة علــى كراهيــة األجانــب‪ ،‬بــل وحتــى نزعــات‬ ‫ّ‬ ‫النزعــات‬
‫وفنية ستشهد ميالدها من رحم هذه الفترة؟‬
‫ّ‬ ‫فكرية‬
‫ّ‬ ‫هل تعتقد أن تيارات‬ ‫وطنيــة عنيفــة‪ .‬تعرفــون مســرحية اوجيــن يونســكو ‪« Ionesco‬وحيــد‬ ‫ّ‬
‫إنســانية بالتتالــي إلــى حيوانــات وحيــد‬
‫ّ‬ ‫كائنــات‬ ‫ل‬‫تتحــو‬
‫ّ‬ ‫حيــت‬ ‫القــرن»‪،‬‬
‫الصحي‬
‫ّ‬ ‫الح ْجــر‬
‫فن وســخرية من َ‬‫‪ -‬ال أعلــم‪ ،‬وفــي كل األحــوال ســيكون هنــاك ٌ‬ ‫ـول إلــى وحيد القــرن! والحلّ‬ ‫أل يتحـ َّ‬‫القــرن‪ .‬وإذن فليحــاول كلّ واحــد م ّنــا ّ‬
‫مــع تزايــد الطرائــف والنكــت ومقاطــع فيديو قصيــرة والمحاكاة الســاخرة التي‬
‫ا مأمــوالً‪ ،‬وممكنـ ًا تقنيـاً‪،‬‬‫عالميــة يبقــى حـ ً‬
‫ّ‬ ‫الكوســموبوليتي لكونفدراليــة‬
‫يتعيــن المحافظة علــى بعضها‪.‬‬ ‫لكنــه غيــر ممكــن حاليـاً‪ .‬لذلــك فمــا يلزم كشــرط مســبق هو الوعــي القوي‬

‫الح ْجر؟‬ ‫جــد ًا بالمصيــر المشــترك لجميــع الكائنــات اإلنسـ ّ‬


‫ـانية‪.‬‬
‫تود أن تفعله أو أن تراه عند نهاية هذا َ‬
‫ما هو الشيء الذي ُّ‬
‫هــل ســنفكر فــي عالقتنــا باآلخــر مــن منظــور اإليثــار والــود أكثــر مــن زاويــة‬
‫‪ -‬احتضان َم ْن أُكر ِْه ُ‬
‫ت على االنفصالِ عنهم‪.‬‬
‫الجســد والمحبــة؟‬
‫■ حوار‪ :‬فاليري ترييرفيلور ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬يحيى بوافي‬
‫ـي علــى نفســها‬ ‫الحقيقيــة فــي ظــلِّ َ‬
‫الح ْجــر الصحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـت الصداقــات‬
‫تعرفـ ْ‬
‫‪ -‬لقــد َّ‬
‫وتعرفها بشــكلٍ أفضل‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصدر‪ Paris Match :‬بتاريخ ‪.2020/04/16‬‬ ‫ُّ‬ ‫تم اكتشــافها‬‫بــأن ازدادت متانــة‪ ،‬والعالقــات الزوجية ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪76‬‬
‫‪77‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫دروس كورونا إلدغار موران‬
‫ل ُن ِّ‬
‫غي السبيل‬
‫ملهمتــه األساسـ ّـية‪ :‬التفكــر والكتابــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وفي ـ ًا‬
‫إل أن يبقــى ّ‬‫يــأىب إدغــار مــوران‪ ،‬الــذي يبلــغ التاســعة والتســعني مــن العمــر‪ّ ،‬‬
‫فبعــد أن أضــاف العــام املــايض إىل الئحــة مؤلَّفاتــه ســرة ذاتيــة تحــت عنــوان «لقــاء مــع الذكريــات»‪ ،‬هــا هــو يطالعنــا هــذا‬
‫ـاصة املوبــوءة بفعــل «كوفيــد ‪ ،»19 -‬تحــت عنــوان «ل ُنغـ ِّـر الســبيل‪،‬‬ ‫العــام مبؤ َّلــف جديــد‪ُ ،‬و ِلـ َـد مــن رحــم اللحظــة ا ُ‬
‫ملعـ ِ‬
‫دروس فــروس كورونــا»‪ ،‬وذلــك باالشــراك مــع الباحثــة صبــاح أبــو إســام‪ ،‬ليصبــح عــدد مؤلَّفاتــه يف مجموعهــا‪ ،‬ســتني‬
‫مؤلَّفـ ًا‪ .‬هــذه الغــزارة يف التأليــف تشــهد يف الوقــت نفســه عــى عمــق ودقــة التحليــل مــن جهــة‪ ،‬والرغبــة يف التغيــر نحــو‬
‫ملفكِّريــن الفرنسـ ّـيني القالئــل اليــوم‪ ،‬الذيــن يقومــون بخطــوة إىل الــوراء‪ ،‬يف‬ ‫األفضــل مــن جهـ ٍـة أخــرى‪ .‬كــا أنــه واحــد مــن ا ُ‬
‫ملســتقبل‪ .‬هــذا‬ ‫الزمــن طبعـ ًا‪ ،‬ليــس فقــط مــن أجــل فهــم املــايض‪ ،‬وإمنــا أيضـ ًا مــن أجــل اســتيعاب الحــارض واســترشاف ا ُ‬
‫ملشــار إليهــا أعــاه‪.‬‬‫مــا نلمســه بوضــوح يف مختلــف مؤلَّفاتــه‪ ،‬وعــى رأســها الكتابــان ا ُ‬

‫االقتصاديــة العالميــة لســنة‬ ‫ّ‬ ‫القــرن الماضــي‪ ،‬بــدء ًا مــن األزمــة‬ ‫غير الســبيل‪ ،‬دروس فيروس كورونا»‪ ،‬موضوع هذه‬ ‫إن كتاب «ل ُن ِّ‬
‫واالجتماعي‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫السياس‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫المجالي‬ ‫‪ 1929‬وعواقبهــا الوخيمــة علــى‬ ‫المفكِّ ــر بالعصر وقضاياه‬ ‫ُ‬ ‫هذا‬ ‫ـاط‬‫ـ‬ ‫ارتب‬ ‫على‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫مبدئي‬ ‫ـدل‬ ‫القــراءة‪ ،‬يـ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مــرور ًا باإلعصــار الــذي تخ ّلــل العالقــات الدولية بيــن ‪ 1930‬و‪1940‬‬ ‫الفكريــة‬
‫ّ‬ ‫ـتراتيجيته‬
‫ّ‬ ‫وفي ـ ًا كالعــادة‪ ،‬السـ‬ ‫وتحوالتــه‪ ،‬مــع البقــاء ّ‬ ‫ُّ‬
‫مدمــرة وكارثيــة‪ ،‬وكذلــك األزمة‬ ‫ـرب عالميــة ثانيــة ِّ‬ ‫ومــا تــاه مــن حـ ٍ‬ ‫المركَّ ــب فــي‬ ‫ُ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫الفك‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫اعتم‬ ‫ـرورة‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫القائم‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫والمنهجي‬
‫ّ‬
‫الثقافيــة الكبــرى لســنوات (‪ )1958 - 1956‬وأحــداث مايو‪/‬أيــار ‪،68‬‬ ‫ّ‬ ‫ـإن ظاهرة مثــل فيروس‬ ‫ـتراتيجية‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫دراســتها‪ .‬وطبقـ ًا لهــذه االسـ‬
‫ـبعينيات القــرن الماضي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫خالل‬ ‫ة‬ ‫اإليكولوجي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫األزم‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ً‬
‫ال‬ ‫وصــو‬ ‫طبية‬ ‫كورونــا ال يمكــن دراســتها بشــكلٍ معــزول‪ ،‬مــن وجهة نظــر ّ‬
‫يريــد مــوران تأكيــد أنــه االبــن الشــرعي لهــذه األزمــات‪ّ ،‬إل أن‬ ‫صحيــة بشــكلٍ عــام‪ ،‬وإنمــا فــي ارتبــاط بأســبابها وامتداداتهــا‬ ‫ّ‬ ‫أو‬
‫هــذا لــم يفقــده األمــل فــي يقظــة واســتيقاظ الوعــي لــدى البشــر‬ ‫واإليكولوجية‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫والتقني‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫والعلمي‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫والسياسي‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫السوسيو‪-‬اقتصادي‬
‫ّ‬
‫المجتمــع»‪ ،‬كمــا يشــير فــي‬ ‫«مــن أجــل حمايــة الكوكــب وأنســنة ُ‬ ‫ـدى‬ ‫المتواضــع (حيــث ال يتعـ َّ‬ ‫والثقافيــة‪ .‬ورغــم حجــم ال ِكتــاب ُ‬ ‫ّ‬
‫يميــز «كوفيــد ‪ »19 -‬عــن غيــره‬ ‫مقدمــة الكتــاب‪ ،‬معتبــر ًا أن مــا ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫عــدد صفحاتــه مئــة وســتين صفحــة مــن الحجــم الصغيــر)‪ّ ،‬إل‬
‫ـرية‪ ،‬هــو أنــه يم ِّثــل أزمــة شــاملة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫عرفته‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫األوبئ‬ ‫ـن‬ ‫مـ‬ ‫تنوعــة‪ ،‬كمــا تــدل‬ ‫الم ِّ‬ ‫بالمعطيــات واألفــكار ُ‬ ‫ـعب وغنــي ُ‬ ‫أنــه متشـ ِّ‬
‫(‪ ،)mégacrise‬تتداخــل فــي تشــكيلها عناصــر األزمــة السياسـ ّـية‬ ‫علــى ذلــك عناوينــه الفرعيــة‪ ،‬ســواء فــي الديباجــة والتقديــم‪،‬‬
‫المجتمعــات‬ ‫واإليكولوجيــة‪ ،‬وتطــال ُ‬ ‫ّ‬ ‫واالجتماعيــة‬
‫ّ‬ ‫واالقتصاديــة‬
‫ّ‬ ‫ـعب‬ ‫أو فــي الفصــول الثالثــة‪ ،‬أو حتــى فــي الخاتمــة‪ .‬هــذا التشـ ُّ‬
‫ـي‪ ،‬وهــي مترابطــة فيمــا بينهــا‬ ‫ـ‬ ‫والعالم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الوطن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫الصعيدي‬ ‫علــى‬ ‫واع تمــام‬ ‫ـي‪ٍ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يفــرض علــى القــارئ أيضـا أن يكــون ذا حــس تركيبـ ّ‬
‫وتم ِّثــل مفهــوم التركيــب (‪ )complexus‬خيــر تمثيــل‪ .‬فــي هــذا‬ ‫الوعــي بتداخــل األســباب والنتائــج فــي إنتــاج الظواهــر وتحديــد‬
‫الســياق تأتــي ضــرورة تغييــر البراديغــم الحالــي‪ ،‬وهــي عمليــة‬ ‫امتداداتهــا؛ ولعــلّ ظاهــرة فيــروس كورونــا ودراســتها مــن هــذا‬
‫طويلــة المــدى وشــاقة وغيــر مضمومــة النتائــج‪ .‬ومرحلــة مــا بعــد‬ ‫المركَّ ــب التــي‬ ‫ـتراتيجية الفكــر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـي السـ‬ ‫المنظــور هــي اختبــار حقيقـ ّ‬
‫والتخوف‪« :‬هل ســتؤدي‬ ‫ُّ‬ ‫كورونــا ال تخلــو هي األخــرى من الخطورة‬ ‫يتب َّناهــا ويدعــو إليهــا إدغــار مــوران‪.‬‬
‫واالجتماعيــة إلى تفكُّك‬
‫ّ‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬السياسـ ّـية‬ ‫ّ‬ ‫الصحيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األزمــة‬ ‫علــى غــرار رائعــة «غابرييــل غارســيا ماركيــز ‪Gabriel Garcia‬‬
‫الجا ِئحة التي‬‫َ‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫من‬ ‫ـدروس‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـتخلص‬ ‫ـ‬ ‫سنس‬ ‫وهل‬ ‫ـات؟‬ ‫ـ‬ ‫جتمع‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـون إدغــار مــوران توطئــة كتابــه هــذا بـ«مئــة عــام‬ ‫‪َ ،»Marquez‬عنـ َ‬
‫ـاني‪ ،‬فــي ارتبــاط‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫للمصي‬ ‫ـترك‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫الطاب‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـفت‬ ‫ـ‬ ‫كش‬ ‫مــن التقلبــات»‪ ،‬ليعــود بنــا إلــى ســنة ‪ ،1921‬تاريــخ والدتــه «حيـ ًا ‪-‬‬
‫ـي (‪ )bioécologique‬للكوكب؟»‪ ،‬لقد‬ ‫مــع المصير البيــو إيكولوجـ ّ‬ ‫ـد تعبيــره‪ ،‬وذلــك فــي َأ ْو ِج انتشــار وبــاء األنفلوانــزا‬ ‫ميتـاً» علــى حـ ِّ‬
‫أصبحنــا اليــوم فــي مواجهــة اليقينيــات كبــرى ومســتقبل مجهول‪،‬‬ ‫ـبانية‪ ،‬معتبر ًا نفســه ضحية غير مباشــرة لهذا الوباء‪ ،‬ومدعوا‬ ‫اإلسـ ّ‬
‫ـانية ســلفاً‪« :‬حان الوقت لتغيير الســبيل‬ ‫وهــو مــا لم تتهيأ له اإلنسـ ّ‬ ‫اليــوم لتجديــد نفــس الموعــد مــع فيــروس كورونــا‪ ،‬بعــد مــرور‬
‫المجتمــع»‪.‬‬ ‫مــن أجــل حمايــة الكوكــب وأنســنة ُ‬ ‫غيــر الســبيل‪،‬‬ ‫تســعة وتســعين عامـاً‪ .‬عنــوان هــذا الموعــد هــو «ل ُن ِّ‬
‫فــي الفصــول الثالثــة لهــذا الكتــاب‪« ،‬الــدروس الخمســة عشــر‬ ‫دروس فيــروس كورونــا»‪ ،‬والــذي يواجهنــا بالتســاؤالت التاليــة‪:‬‬
‫تحديــات ما بعد كورونا‪ ،‬تغيير الســبيل»‪ ،‬يبدأ‬ ‫لفيــروس كورونــا‪ّ ،‬‬ ‫ـد ًا‬
‫«كيــف تم َّكــن فيــروس غايــة فــي الصغــر فــي مدينــة بعيــدة جـ ّ‬
‫المســتخلصة مــن أزمة‬ ‫إدغــار مــوران بإحصــاء الــدروس والعبــر ُ‬ ‫مــن مــدن الصيــن مــن أن يقلــب األمــور رأســ ًا علــى عقــب‪ ،‬فــي‬
‫المتعلِّق بحياة ووجود‬ ‫«كوفيــد ‪ ،»19 -‬مشــير ًا بدايــة إلى الــدرس ُ‬ ‫المجتمعات؟ هــل تكفي هذه‬ ‫مختلــف مجــاالت الحيــاة وفــي ســائر ُ‬
‫ـي‪ ،‬ومعانــاة العديديــن‬ ‫الح ْجــر الصحـ ّ‬ ‫النــاس فــي ظــلّ تجربــة َ‬ ‫المشــترك؟ وكــذا‬ ‫ُ‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫بمصيره‬ ‫الصدمــة لحصــول وعــي لــدى البشــر‬
‫الضروريــة‪ ،‬ومؤكّ ــد ًا‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ـاني‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫فــي الحصــول علــى الحاجي‬ ‫واالقتصادي؟»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التقني‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫ـد‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫التق‬ ‫كبح جماح تســابقنا المحموم نحو‬
‫ـاص علــى مــا هــو‬ ‫ـي يجــب أن يفتــح بشــكلٍ خـ ّ‬ ‫الح ْجــر الصحـ ّ‬ ‫أن َ‬ ‫كمــا تذكّ رنــا هذه التوطئة بتواريخ مرتبطة بأزمات وتقلبات شــهدها‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪78‬‬


‫جانــب آخــر‪ ،‬كشــفت هــذه األزمــة عــن اختــاف األوضــاع بيــن دول العالــم‪،‬‬ ‫أساســي فــي الوجــود‪ ،‬والتمييــز بيــن الضروريــات والكماليــات‪ ،‬وعلــى إشــاعة‬
‫خاصــة بيــن دول‬ ‫ّ‬ ‫وهــو مــا أ َّثــر بشــكلٍ الفــت علــى طــرق مواجهتهــا للوبــاء‪،‬‬ ‫المحبــة والصداقــة بيــن النــاس وتضامنهم مــن خالل صهر الــذوات في النحن‬
‫الشــمال والجنــوب‪ ،‬حيــث فُوجــئ العالــم بنجــاح بعــض دول الشــرق األقصى‬ ‫وحــد للبشــر الــذي يعتبــر كلّ واحــد م ّنــا جــزء ًا منــه‪.‬‬ ‫الم ّ‬ ‫المشــترك والمصيــر ُ‬ ‫ُ‬
‫ـك أن‬ ‫ألقــلّ ‪ .‬وال شـ ّ‬ ‫ـد منهــا علــى ا َ‬ ‫وشــمال إفريقيــا فــي احتــواء األزمــة أو الحـ ِّ‬ ‫ـري‬ ‫ـاني أو الوضع البشـ ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـرط‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫في‬ ‫النظر‬ ‫إعادة‬ ‫ـرورة‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ي‬ ‫ـؤد‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫وه‬
‫ّ‬
‫خاصــة‬ ‫ّ‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الاليقيني‬ ‫ـكلة‬ ‫هــذه األزمــة قــد لعبــت دور ًا فــي إثــارة مشـ‬ ‫فــي العالــم؛ فقــوة اإلنســان ال تنفــي ضعفــه‪ ،‬وتحكّ مــه فــي الطبيعــة ال ينفــي‬
‫فــي مجــال الطــب‪ ،‬كمــا فضحــت أيضـ ًا صــراع المصالــح بيــن لوبيــات صناعــة‬ ‫ـم فــإن عــدم طــرح الســؤال‪« :‬مــا اإلنســان» مــن جديــد‬ ‫خضوعــه لهــا‪ ،‬ومــن َثـ َّ‬
‫والمختبــرات فــي ســباقها نحــو اكتشــاف اللقــاح وتســويقه‪ .‬كلّ هــذا‬ ‫األدويــة ُ‬ ‫ـاني‪ .‬تعلمنا مــن «كوفيــد ‪ »19 -‬أيض ًا أن‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـرط‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـذا‬ ‫هــو تجاهــل صــارخ لهـ‬
‫ّ‬
‫ـدي عولمــة‬ ‫ـرية‪ :‬تحـ ّ‬ ‫التحديــات التــي تواجــه البشـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫يفــرض رفــع العديــد مــن‬ ‫ـددة‬ ‫حيواتنــا مطبوعــة بالجــواز‪ ،‬ألن كلّ حيــاة هــي مغامــرة‪ ،‬نتائجهــا غيــر محـ َّ‬
‫ـادي‪ .‬وإذا نحن‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫واقتص‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫إيكولوج‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫رقم‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫سياس‬ ‫ـودي‪،‬‬ ‫ـدي وجـ‬ ‫مأزومــة‪ ،‬تحـ ّ‬ ‫يقين ـاً‪« :‬نحــن ال نعــرف مســبق ًا الحــال الــذي ســتكون عليــه حياتنــا المهنيــة‪،‬‬
‫ثقافي‬ ‫ـامل‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫انحطاط‬ ‫في‬ ‫التحديات‪ ،‬فســيكون الخطــر متم ِّث ً‬
‫ال‬ ‫ّ‬ ‫هذه‬ ‫لــم نرفــع‬ ‫صحتنــا‪ ،‬تجاربنــا فــي الحــب‪ ،‬وال متــى ســتحضرنا المنيــة‪ ،‬رغم أنها أمــر يقيني‬
‫ّ‬
‫ال وليــس ثورة‪،‬‬ ‫ال بدي ً‬ ‫ـري‪ ،‬أخالقــي وديموقراطــي‪ .‬لذلــك يقتــرح مــوران ســبي ً‬ ‫فكـ ّ‬ ‫حتمـاً»‪ .‬لقــد عمــل هــذا الوبــاء العنيــف وبشــكلٍ مفاجــئ‪ ،‬علــى إحــداث تغيير‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحريرية»)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫همتهــا‬ ‫لم َّ‬ ‫ألن («الثــورات تسـ َّـببت‪ ،‬فــي الغالــب‪ ،‬فــي قمع مضــاد ُ‬ ‫فــي عالقتنــا بالمــوت‪« :‬كانت الحداثــة العلمانية قد كبتت جذري ًا شــبح الموت‬
‫ً‪-‬اجتماعياً‪ ،‬كان قــد أوضــح خطوطــه‬ ‫ّ‬ ‫ً‪-‬اقتصاديا‬
‫ّ‬ ‫ً‪-‬إيكولوجيا‬
‫ّ‬ ‫سياســيا‬
‫ّ‬ ‫ســبي ً‬
‫ال‬ ‫ـخصي‪ ،‬كان‬ ‫ـوت شـ‬ ‫(‪ )...‬وفجــأة فــرض فيــروس كورونــا انبثاقــه مــن جديــد كمـ ٍ‬
‫ّ‬
‫ـانية»**‪ .‬هــذا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـتقبل‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫أج‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـبيل‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫«الس‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫كتاب‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـلف‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫العريض‬ ‫مؤجـ ًـا فــي الحيــاة اليوميــة»‪ .‬يســتعيد مــوران هــذه الواقعــة التــي‬ ‫َّ‬ ‫ـد اآلن‬ ‫لحـ ِّ‬
‫ديموقراطية‬
‫ّ‬ ‫المواطن)‪،‬‬ ‫المجتمع‪ُ ،‬‬ ‫الســبيل يستلزم حكامة تشــاورية (الدولة‪ُ ،‬‬ ‫والمتعلِّقــة باختفــاء المــوت فــي‬ ‫ُ‬ ‫‪،»Philippe‬‬ ‫‪Ariès‬‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫أريي‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫«فيلي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أثاره‬
‫ـاركية‪ ،‬يقظــة مواطنــة‪ ،‬ولكــن أيضـ ًا وقبــل كلّ شــيء «سياســة ُتــزاوِج بيــن‬ ‫تشـ ّ‬ ‫عاصــر‪ .‬لكــن‪ ،‬مــع ذلــك‪« ،‬نحــن نحصــي الموتــى يومياً‪،‬‬ ‫الم ِ‬ ‫الفضــاء الحضــري ُ‬
‫ـد منــه‪ ،‬بيــن التنميــة والكفــاف»‪ .‬هــذه‬ ‫ـ‬
‫َ ِّ‬‫والح‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫النم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫بي‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫واطن‬ ‫والم‬
‫ُ‬ ‫ـة‬ ‫العولمـ‬ ‫وربمــا زاد مــن إمكانيــة حدوثــه بشــكلٍ فــوري‪ ،‬فــي ظــل‬ ‫الشــيء الــذي عـ َّزز‪َّ ،‬‬
‫ـاري جديــد فــي‬ ‫ـ‬ ‫حض‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫لبراديغ‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫ـبي‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫تك‬ ‫أن‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫ظاهري‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫تناقض‬ ‫الم‬ ‫والضروريــة‬ ‫المعتــادة‬ ‫ـي الرهيــب والــذي حظــر الطقــوس ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫هــذا الوضــع الصحـ ّ‬
‫والمفاهيمية‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫الفكري‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬‫الثنائي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫مواجه‬ ‫ـوران»‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫لـ«إدغ‬ ‫ـروق‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـتقبل‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫أدى إلغــاء مراســيم العــزاء إلى إحســاس الجميع‪ ،‬بمن‬ ‫اجتماعيـاً»‪َّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫للتشــييع‬
‫المتعارضــة بوضــوح وبســاطة وجعلهــا تنتهــي إلــى التكامــل‪ .‬نالحــظ ذلــك في‬ ‫ُ‬ ‫فيهــم العلمانيــون‪ ،‬بالحاجــة إلــى الطقــوس التــي تجعلنــا نحيــي بقــوة روح‬
‫الطبيعــة مثـاً‪ ،‬فبفضــل التعاون والتشــارك تتعايــش األنواع‪ ،‬وتنمــو الكائنات‬ ‫ـدة ألــم الفــراق علــى شــاكلة مــا يحــدث‬ ‫الميــت فــي أنفســنا وتخ ِّفــف مــن حـ َّ‬
‫الحيــة ويتح َّقــق التــوازن‪ .‬يمكــن القــول‪ ،‬فــي الختــام‪ ،‬يجــب التفــاؤل رغــم كلّ‬ ‫ّ‬ ‫ـي أن هناك عالمـ ًا داخلي ًا‬ ‫ـ‬ ‫الصح‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫الح‬ ‫َ‬ ‫ـة‬ ‫ـداس‪« .‬علمتنــا تجربـ‬ ‫فــي (حفــل) القُ ـ ّ‬
‫ّ‬
‫وتجدده‪ ،‬واســتجابة الطاقــات والهمم‬ ‫ُّ‬ ‫شــيء‪ ،‬والرهــان علــى اســتيقاظ الوعــي‬ ‫التوجــه نحــو‬ ‫ُّ‬ ‫أو‬ ‫ـة»‬
‫ـ‬ ‫اني‬‫«البر‬
‫ّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬
‫عاص‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫حضارتن‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫قي‬ ‫تناســيناه بفعــل‬
‫يقدمهــا لنــا مــوران مشــفوعة بتحليلــه‬ ‫المســتنهضة‪ .‬إننــا أمــام دعــوة لألمــل‪ِّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫التوجــه نحــو الــذات‪ ،‬وكذلــك ســقوطنا ضحيــة‬ ‫ُّ‬ ‫أو‬ ‫ـة»‬ ‫ـ‬ ‫اني‬ ‫«الجو‬
‫ّ‬ ‫الخــارج‪ ،‬بــدل‬
‫الدقيــق لحــاالت إفالســنا وإخفاقنــا وبــكلِّ شــجاعة‪ .‬ولعلّ هذه األخيــرة هي ما‬ ‫أســلوب شــنيع ومشــوه فــي االســتهالك‪ .‬لذلــك فإني أدعــو إلى إصالح أســلوب‬
‫نحتاجــه اليــوم كبشــر مــن أجــل االنخــراط فــي هــذا الســبيل البديــل وااللتــزام‬ ‫االســتهالك لدينــا‪ ،‬وأن نتع َّلــق بمــا هــو مســتدام وليــس بمــا هــو عابــر وســريع‬
‫ـوره‬ ‫ـري فــي تطـ ُّ‬ ‫ـاء للتفكيــر فــي موضــوع مركَّ ــب‪ ،‬يمثّلــه وضعنــا البشـ ّ‬ ‫بــه‪ ،‬وفـ ً‬ ‫للكــم‬
‫ّ‬ ‫انتهــاء الصالحيــة»‪ ،‬وأن نعطــي األولويــة للكيــف (الجــودة)‪ ،‬وليــس‬
‫ـي‪ ■ .‬محمــد مــروان‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫طبيع‬ ‫الفــوق ‪-‬‬ ‫والمتــاح للجميــع‬ ‫(الوفــرة)‪ ،‬والتفكيــر فــي حضــارة تتيــح االســتهالك الســليم ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫بــدون تمييــز‪ .‬درس آخــر اســتفدناه مــن هــذا االختبــار غيــر المســبوق‪ ،‬ويتمثَّل‬
‫الهوامش‪:‬‬ ‫ـس التضامــن بمختلــف أشــكاله ومــن جهـ ٍ‬
‫‪* Edgar Morin, avec la collaboration de Sabah Abouessalam, CHANGEONS DE VOIE, les‬‬
‫لمحاربــة‬ ‫ـددة ُ‬ ‫ـات متعـ ِّ‬ ‫فــي إيقــاظ ِحـ ّ‬
‫‪leçons de coronavirus, DONËL ,2020.‬‬ ‫االجتماعيــة فــي ظــلّ‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫التفاوت‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أيض‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أعينن‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫وفت‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫األناني‬ ‫الفردانيــة‬
‫ّ‬
‫‪** Edgar Morin, La Voie, pour l’avenir de l’humanité, Fayard, 2011.‬‬ ‫ـآس‪ .‬مــن‬ ‫تكبدتــه الفئــات المحرومــة مــن معانــاة ومـ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الصح‬ ‫ـر‬ ‫الح ْجـ‬‫َ‬
‫ّ‬
‫‪79‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪80‬‬
‫»‬ ‫كيف واكبت «‬

‫جائحة‬
‫القرن‬
‫قبلها‪،‬‬‫غري الزمن الذي كان ْ‬ ‫جائحة «كورونا» ُ‬ ‫ِ‬ ‫َمن‬
‫«ز ُ‬
‫انتشار‬
‫َ‬ ‫ألن‬‫عدها‪ ،‬ال فقط ّ‬ ‫سيكون َب َ‬‫ُ‬ ‫وال هو الزمن الذي‬
‫ض َع كلَّ َشء َم ْو َ‬
‫ضع‬ ‫كونيا َو َ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫صنع حدثا‬
‫َ‬ ‫الفريوس‬
‫حد الرشوع يف الحديث عن‬ ‫ومراجعة إىل ِّ‬‫ٍ‬ ‫ُمساءلة ُ‬
‫العاملي ويف‬
‫ّ‬ ‫االقتصادي‬
‫ّ‬ ‫تحولٍ الحق يف النظام‬ ‫ُّ‬
‫الزمن‬
‫َ‬ ‫ألن هذا‬ ‫أيضا ّ‬
‫للبلدان‪ ،‬ولكن ً‬ ‫االجتامعي ُ‬
‫ّ‬ ‫النظام‬
‫رجةً‬ ‫جس ًدا ّ‬‫عام‪ُ ،‬م ِّ‬
‫جه ّ‬ ‫بو ْ‬
‫النظر يف مفهوم الحياة َ‬ ‫َ‬ ‫أعاد‬
‫إن ما‬
‫واقعية فحسب‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫رجةً‬ ‫معرفية َمكينة‪ ،‬وليس ّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ترتّب عىل ظهور الفريوس وانتشاره ُيشكِّل إعاد َة نظ ٍر‬
‫جذرية يف مفهوم الحياة‪»..‬‬ ‫ّ‬

‫‪81‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫جائحة‪ ‬القرن‬
‫الـمستفادة‬
‫الدروس ُ‬
‫للبرشيــة الــذي ينبغــي أن يكــون منطلــق‬
‫ّ‬ ‫ملشــرك‬ ‫يتأكّ ــد لنــا مـ ّـر ًة أخــرى عــر جائحــة كورونــا حقيقــة املصــر ا ُ‬
‫السياســات والعالقــات بــن الــدول يف أوقــات الرخــاء أو‪ ‬الكــوارث‪ ،‬كــا تظهــر لنــا الجائحــة مــدى صغــر حجــم‬
‫قريتنــا الكونيــة التــي تقاربــت املســافات بــن مدنهــا واتّصلــت أطرافهــا البعيــدة بواســطة وســائل املواصــات‬
‫الحديثة‪ .‬ومــن املفارقــة أن الطائــرات التــي تعـ ّـد الوســيلة األكــر فعاليــة يف التنقــل بــن أرجــاء الكوكــب واألكــر‬
‫تحولــت خــال األســابيع املاضيــة إىل‬ ‫رسعــة يف نقــل اإلمــدادات الطبيــة واإلغاثيــة ملواجهــة الكــوارث بأنواعهــا‪ّ ،‬‬
‫مــا يشــبه طائــر النار‪( ‬الحدأة)‪ ‬املتهــم بنقــل أعــواد النــار وتوســيع بــؤر الحرائــق يف مناطــق الغابــات‪ ،‬ففــي ظــرف‬
‫ـام قليلــة انتقــل فــروس كورونــا برسعــة مذهلــة مــن بؤرتــه األوىل يف مدينة‪ ‬ووهان‪ ‬الصينيــة إىل مناطق واســعة‬ ‫أيـ ٍ‬
‫واحد مشــرك‬ ‫عدوٍ‬ ‫توجهــت بوصلــة معظــم حكومات العامل نحو‬ ‫وقصيــة يف الغــرب والرشق‪ .‬ومــع بدايــة مــارس َّ‬
‫تكافــح ملحاولــة احتــواء انتشــاره مــن خــال اتخــاذ تدابــر مشــركة كتعليــق حركــة الطــران وإغــاق مــدن بكاملهــا‬
‫وســعي بعــض الــدول إىل إغــاق الحــدود الربيــة والبحريــة ووضــع املاليــن مــن البــر قيــد الحجــر الصحــي‪ .‬‬

‫جداً‪  .‬‬
‫بمعدل قليــل ّ‬ ‫دعــا المليارديــر األميركــي بيــل جيتــس فــي مقــال لــه («نيو‪ ‬إنجالند‪ ‬جورنال أو‬
‫شــك أن البشــرية تمــر اآلن بكارثــة لــم تكــن فــي الحســبان إذ يواصــل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ف‪ ‬ميديســن»‪ 28 ،‬فبراير‪ )2020 ‬إلى جملــة مــن اإلجراءات الســريعة كتدابير‬
‫(كوفيــد‪ )19 -‬تمــدده المســتمر فــي مناطــق جديــدة مــن العالــم فيرتفــع‬ ‫ـرة كلّ مئــة‬‫الحتــواء الفيــروس الــذي رأى أنــه مــن تلــك الجوائــح التــي تأتــي مـ ّ‬
‫بذلــك عــدد اإلصابــات وتــزداد أرقــام الضحايــا‪ ،‬ومــا زاد األمــر ســوءاً‪ ،‬كمــا‬ ‫يتصرف بهــا الفيروس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عــام‪ ،‬وبــدا لــه هذا االســتقراء من خالل الطريقــة التي‬
‫يكتــب «آالن‪ ‬ليفينوفيتــز» أســتاذ الفلســفة والديانــة الصينيــة بجامعــة‬ ‫فهنــاك ســببان يجعــان (كوفيــد‪ )19 -‬يم ِّثــل هــذا التهديد‪« ،‬فهــو أو ً‬
‫ال قــادر‬
‫جيمــس ماديســون (مجلّــة السياســة الخارجية‪ 5 ،‬مــارس‪/‬آذار‪،)2020 ‬‬ ‫علــى قتــل البالغيــن األصحــاء‪ ،‬باإلضافــة إلــى المســنين الذيــن يعانــون مــن‬
‫أن خطــاب أصحــاب الخبــرات المســؤولة ينــزاح إلــى الخلــف وتحــلّ مح ّلــه‬ ‫مشــاكل صحيــة مزمنة‪ .‬وتشــير البيانــات حتــى اآلن إلــى أن الفيــروس قــد‬
‫الصحة‬
‫ّ‬ ‫همســات التآمــر لــدى أولئــك الذين يزعمــون معرفــة الحقيقة‪ .‬فهــواة‬ ‫ـدل مــن شــأنه أن‬ ‫يتســبب فــي وفــاة حالــة واحــدة حوالــي‪ ،% 1 ‬وهــذا المعـ َّ‬
‫الطبيعيــة المناهضــون للقاحــات يتهمــون شــركات األدويــة بإثــارة الذعــر بيــن‬ ‫ـرات مــن األنفلونــزا الموســمية النموذجيــة‪ ،‬األمــر‬ ‫يجعلــه أكثــر حــدة عــدة مـ ّ‬
‫الســكّ ان لبيــع منتجاتهــا‪ ،‬فــي حيــن يــرى النباتيــون والمدافعــون عــن حقــوق‬ ‫الــذي يضعــه فــي مــكان ما بيــن وبــاء األنفلونزا فــي عــام‪ )% 6 .0( 1957 ‬ووباء‬
‫الحيــوان أن أســواق اللحــوم هــي مصــدر األمــراض القاتلــة‪ .‬إن ردود األفعــال‬ ‫األنفلونــزا في عــام‪ .»)% 2( 1918 ‬‬
‫الصحة‬‫ّ‬ ‫المضخمــة أيديولوجيـ ًا تجــاه (كوفيــد‪ )19 -‬غالبـ ًا مــا تتجــاوز مجــاالت‬ ‫ثانياً‪ ،‬ينتقل (كوفيد‪ )19 -‬بكفاءة تامة‪ .‬فالشــخص المصاب ينشــر المرض في‬
‫والطــب‪ ،‬وتصبــح فــي المقــام األول سياســية والهوتية‪ .‬فالساســة اليمينيــون‬ ‫المتوســط إلــى اثنيــن أو ثالثــة آخرين‪ ،‬وهو معدل زيادة بالغ الســرعة‪ .‬وهناك‬
‫فــي جميــع أنحــاء العالــم يــرون الفيــروس عقابـ ًا علــى انفتــاح الحــدود تجــاه‬ ‫أيضـ ًا أدلــة قويــة علــى أنــه يمكــن أن ينتقــل عــن طريــق أشــخاص يعانــون مــن‬
‫المهاجرين‪ .‬وبطبيعــة الحــال فالمتعصبــون الدينيــون يــرون ذلــك كعقوبــة‬ ‫المــرض بشــكلٍ طفيــف أو حتــى لــم تظهــر عليهــم أعراضه‪ .‬وهــذا يعنــي أن‬
‫علــى خطايانا‪ .‬وهــؤالء جميعـ ًا يســتغلون الرغبــة اإلنســانية فــي إقامــة نظــام‬ ‫احتــواء مــرض (كوفيــد‪ )19 -‬ســوف يكــون أصعــب كثيــر ًا مــن احتــواء متالزمــة‬
‫يعبــر عنــه تقليدي ـ ًا باألنظمــة‬
‫ثنائــي تبســيطي لتفســير الخيــر والشــر‪ ،‬الــذي ّ‬ ‫الشــرق األوســط التنفســية أو مرض ســارس‪ .‬وفي الواقع فإن‪( ‬كوفيد‪ )19 -‬قد‬
‫الطبيعيــة وغيــر الطبيعية‪ .‬عليــك أن تطيــع قوانيــن تلك األنظمــة لتنجو‪ ،‬وإذا‬ ‫تســبب بالفعل بعشــرة أضعاف عدد حاالت انتشــار السارس في‪ ‬ربع‪ ‬الوقت‪ .‬‬
‫خالفتها ســتعاني‪ .‬‬ ‫مــن جانبــه يتســاءل جســتن فوكــس مديــر التحريــر الســابق لمج ّلــة هارفــارد‬
‫يرى‪« ‬ليفينوفيتز»‪ ‬أن‪ ‬الالطبيعية‪ )unnaturalness( ‬كانــت تســتخدم منــذ‬ ‫بيزنــس ريفيــو (وكالة‪ ‬بلومبرغ‪ 7 ‬مــارس‪/‬آذار‪ :)2020 ‬إذا كان مــرض ســارس‬
‫فتــرة طويلــة لتفســير كلّ أشــكال الخلــل الوظيفي‪ .‬ففــي جميــع مســرحيات‬ ‫ـم القضــاء عليــه فــي حوالي‪ ‬عام‪ ،‬فــي‬ ‫أكثــر فتــك ًا مــن (كوفيــد‪ )19 -‬فلمــاذا تـ ّ‬
‫شكســبير‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬تعمــل كلمة‪« ‬الالطبيعية»‪ ‬كمــرادف للنقــص‬ ‫حيــن أن بعــض الخبــراء يحــذرون مــن أن (كوفيــد‪ )19 -‬قــد يكــون موجــود ًا‬
‫األخالقــي‪« :‬غيــر طبيعــي وغيــر لطيــف»‪ ،‬و«غيــر جديــر وغيــر طبيعــي»‪،‬‬ ‫إلــى األبــد؟ ألن ســارس عــاد ًة ال يصبــح معديـ ًا ّإل بعــد عــدة أيــام مــن ظهــور‬
‫و«بربــري وغيــر طبيعــي»‪ ،‬و«غيــر إنســاني وغيــر طبيعي»‪ .‬ففــي عصــر‬ ‫وإن كان‬‫األعــراض‪ ،‬ويبــدو أن (كوفيــد‪ )19 -‬ينتقــل قبــل أن تظهــر األعــراض ْ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪82‬‬
‫ممــا قــد ينجــم من خســائر‬ ‫النيويوركــر‪ 5 ،‬مــارس‪/‬آذار‪ )2020 ‬أنــه علــى الرغــم ّ‬ ‫ا يولــد مــع‬ ‫شكســبير‪ -‬وقبلــه‪ -‬كانــت الوالدة‪« ‬غيــر الطبيعية»‪ ‬تعنــي طفــ ً‬
‫ثمة دروسـ ًا يمكننــا تعلمها‪ ،‬وبعض‬ ‫بشــرية كبيــرة بســبب هــذه الجائحة ّإل أن ّ‬ ‫التشــوه‪ .‬والموت‪« ‬غير الطبيعي»‪ ‬يعنــي‪ ،‬وال يــزال‪ ،‬الحيــاة التــي‬ ‫ُّ‬ ‫بعــض‬
‫هــذه الــدروس تبــدو واضحــة‪ ،‬فســفن الرحــات العمالقة هــي عبارة عــن قاتل‬ ‫تنتهــي مبكــر ًا بســبب القتــل أو وقوع حادث‪ .‬وفيما يتعلق بالنشــاط الجنســي‪،‬‬
‫ـول إلــى عنابــر عائمــة للمرضى‪ .‬ومــن الجديــر‬ ‫للمنــاخ‪ ،‬ومــن الممكــن أن تتحـ ّ‬ ‫الســلطة‬ ‫فــإن تعبير‪« ‬غيــر الطبيعي»‪ ‬هــو توصيــف النحرافــات الرغبــة‪ ،‬وفــي ُّ‬
‫أن نالحــظ الكيفيــة التــي بــدا فيهــا أن المالييــن مــن النــاس قــد تعلّمــوا بشــكل‬ ‫الحاكمــة‪ ،‬توصيــف النحرافــات العدالــة‪ .‬‬
‫ا تكافــح اليــوم مــن أجــل الحفــاظ علــى‬ ‫أســرع أنماطـ ًا جديدة‪ .‬فالشــركات مثـ ً‬ ‫تعودنا على فكرة الشر غير الطبيعي إلى الدرجة التي يبدو معها النشاط‬ ‫لقد ّ‬
‫إنتاجيتهــا‪ ،‬ولــو عمــل العديــد مــن النــاس مــن منازلهم‪ .‬كمــا أن فكــرة أننــا‬ ‫غيــر الطبيعــي وكأنه األصل البديهــي لجميع الويالت‪ .‬لكن‪ ‬الالطبيعية‪ ‬ليســت‬
‫نحتــاج إلــى ســفر يومــي إلــى موقــع مركــزي للقيــام بعملنــا قــد تكــون فــي‬ ‫تفســير ًا للخلــل الوظيفي‪ .‬بعــض األنظمــة الطبيعيــة‪ -‬كالــوالدة الطبيعيــة‬
‫المحســنة اصطناعياً‪ .‬واألشــكال‬ ‫َّ‬ ‫مثالً‪ -‬هــي أدنــى بشــكلٍ واضــح مــن إصداراتنا‬
‫كثيــر مــن األحيــان نتيجــة حالــة مــن الجمــود أكثــر مــن أي شــيء آخر‪ .‬وفــي‬
‫المتقدمــة لتوليــد الطاقــة مثــل األلــواح الشمســية هــي أفضــل‬ ‫ّ‬ ‫التكنولوجيــة‬
‫ربما ســنرى أن‬ ‫ظــل حاجتنــا الفعليــة إلــى التنقــل بالمــاوس بــد ً‬
‫ال مــن الســيارة َّ‬ ‫للعالــم الطبيعــي مــن التنقيــب عــن الفحــم وإشــعال النــار فيــه‪ ،‬برغــم كــون‬
‫فوائــد المرونــة فــي مــكان العمــل تمتد لتشــمل كلّ شــيء بــدء ًا من اســتهالك‬
‫مجــرد‬
‫َّ‬ ‫األخيــر مــادة طبيعيــة‪ .‬إن كلمة‪« ‬الطبيعي»‪ ‬و«غيــر الطبيعي»‪ ‬هــي‬
‫البنزيــن إلــى مــدى حاجتنــا إلــى مجمعــات مكتبيــة متراميــة األطــراف‪ .‬‬
‫أوصــاف‪ ،‬ورغــم ذلــك فإننــا نصــر علــى اســتخدامها كأحكام‪ .‬‬
‫تجمــع الموظفيــن بالنســبة للعمــل‬ ‫ويضيف‪ ‬ماكيبيــن‪ ‬أن الع ّلــة الكامنــة وراء ّ‬ ‫يخلــص «ليفينوفيتــز» إلــى أن الحديــث عــن المــرض باعتبــاره نتاج ـ ًا لنشــاط‬
‫هــي تالقــح األفــكار لزيــادة اإلنتاجيــة‪ ،‬وبالنســبة للمجتمــع فــإن الغايــة مــن‬ ‫غيــر طبيعــي يفتــح المجــال إلبــراز األســباب والحلــول المؤدلجــة‪ ،‬وعندمــا‬
‫التجمــع انتفــاع النــاس مــن بعضهــم البعــض‪ ،‬وهــو أمــر يــزداد صعوبــة‬ ‫ـدد فيــروس آخر العالم‪ ،‬ســيكون هنــاك سياسيون‪ ‬شعبويون‪ ‬يســتخدمونه‬ ‫يهـ ّ‬
‫فــي الوقــت الراهن‪ .‬ولكن‪« ‬اإلبعــاد االجتماعي»‪ ‬الــذي يطالبنــا بــه علمــاء‬ ‫لزيــادة الكراهيــة وكراهيــة األجانب‪ .‬وســوف يــرون فــي شــبح المــرض مبــرر ًا‬
‫األوبئــة اآلن لوقــف انتشــار المــرض المعــدي مألــوف بالفعــل لــدى العديــد‬ ‫ـر منه‪ .‬ولكــن إذا لــم‬ ‫ة‪ .‬ربمــا هــذا أمــر ال مفـ ّ‬‫َّ‬ ‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫لميولهــم األيديولوجيــة‬
‫وربمــا تقودنــا‬
‫مــن األميركيين‪ .‬فنحــن نعيــش حيــاة مــن العزلــة النســبية‪َّ ،‬‬ ‫ـدث بهــا عــن أســباب أزمتنــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نتح‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الكيفي‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫لتغيي‬ ‫نتخــذ التدابيــر الالزمــة‬
‫احتمــاالت العزلــة القســرية علــى نحــو غريب إلــى أن نغدو اجتماعيين بشــكلٍ‬ ‫بدايــة بـ«كوفيــد‪ ،»19 -‬فــإن جــزء ًا مــن اللــوم ســوف يقــع علينــا‪ .‬‬
‫أكبــر حيــن يختفــي الفيــروس‪ ■ .‬ربيــع ردمــان (اليمــن)‬ ‫ـة أخــرى يــرى بيــل ماكيبيــن الكاتــب والمدافــع عــن البيئــة (مج ّلــة‬ ‫مــن جهـ ٍ‬

‫‪83‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫عولـمة الفزع‬
‫والفزع‪ ،‬وربــا ســاهمت وســائل اإلعــام أيضـ ًا يف ارتفــاع‬
‫َّ‬ ‫ملثــر للرعــب‬ ‫ربــا ســاهمت العوملــة يف هــذا االنتشــار ا ُ‬ ‫َّ‬
‫قريــة صغرية‪ .‬الــدول والحكومــات والساســة يفكِّــرون عــاد ًة يف اتخــاذ‬ ‫ٍ‬ ‫تحــول إىل‬
‫َّ‬ ‫عــامل‬ ‫يف‬ ‫الفــزع‬ ‫هــذا‬ ‫ة‬ ‫حــد‬
‫َّ‬
‫حدهــا األدىن‪ ،‬مســتعينني يف ذلــك‬ ‫ِّ‬ ‫إىل‬ ‫ـائر‬ ‫ـ‬ ‫الخس‬ ‫ـص‬ ‫ـ‬ ‫تقلي‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫قص‬ ‫ـوادث‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫مث‬ ‫يف‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫والتداب‬ ‫ـراءات‬ ‫ـ‬ ‫اإلج‬
‫ملثقَّفون فإن اهتاممهم ينرصف إىل تحليل األسباب‬ ‫ملفكِّرون وا ُ‬ ‫املدين‪ .‬أما ا ُ‬
‫ّ‬ ‫سمية واملجتمع‬ ‫الر ّ‬ ‫باملؤسسات َّ‬‫َّ‬
‫ـري يف القــادم مــن األيــام‪ .‬‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الب‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫الوض‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫وتأثريه‬ ‫ـدى‬ ‫ـ‬ ‫امل‬ ‫ـدة‬
‫ـ‬ ‫البعي‬ ‫ـج‬
‫ـ‬ ‫النتائ‬ ‫ـم‬ ‫وتقييـ‬

‫تبــدو حالتنــا اليــوم علــى أنهــا حالــة فــزع الــكلّ مــن الكلّ ‪ ،‬حالــة‬ ‫ـتجد الــذي‬ ‫المسـ َ‬ ‫فــي أواخــر ســنة ‪ 2019‬ظهــر فيــروس كورونــا ُ‬
‫مــن الشــك والريبة وانعــدام اليقين إزاء المجهول؛‪ ‬والســبب في‬ ‫ليتحول‬‫َّ‬ ‫ـرعة‬ ‫ـ‬ ‫بس‬ ‫أصبحت تســميته العلمية «كوفيد ‪ ،»19‬وانتشــر‬
‫هــذا يعــود إلــى جائحــة «كوفيــد ‪ .»19‬إننا أمــام فــزع ُمعولَم يدل‬ ‫ـول إلــى‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫اإلقليمية‪ ،‬ث‬ ‫إلــى وبــاء ضــرب العديــد مــن الــدول‬
‫بصحــة البشــر التــي هــي الخير‬ ‫ّ‬ ‫علــى حجــم األزمــة التــي تعصــف‬ ‫العالمية‪ ،‬بعــد أن غزا‬ ‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬ ‫جائحـ ٍ‬
‫ـة ُمعلَنــة مــن طــرف منظَّ مة‬
‫ـم دروس هــذه األزمــة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫أه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫تعبير‪ ‬ديكارت‪ .‬وم‬ ‫ـد‬
‫األعظــم علــى حـ ِّ‬ ‫مختلــف الــدول والمناطــق في العالم‪ ‬مطلع ســنة ‪ .2020‬صحيح‬
‫الكبــرى في نظر‪ ‬السوســيولوجي الفرنســي‪« ‬إدغار موران‪Edgar ‬‬ ‫مرة‪ ،‬مــن‬ ‫ـرية عاشــت أهــوال األوبئــة والجوائــح غيرمــا ّ‬ ‫أن البشـ ّ‬
‫‪ »Morin‬أنه ال يمكننا االنفالت من الريبة والاليقين‪ :‬نحن ال زلنا‬ ‫قبيل‪« ‬الطاعــون األسود»‪ ‬و«األنفلونزا‪ ‬اإلســبانية»‪ ‬وغيرهما‪،‬‬
‫دائمـ ًا مرتابيــن بصــدد إيجــاد عــاج لهــذا الفيروس‪ ،‬وكذلــك إزاء‬ ‫المقلــق والمخيــف فــي هــذا الفيــروس الجديــد هــو ســرعة‬ ‫ّإل أن ُ‬ ‫نعتقد أننا نعيش‬
‫د‪ ‬موران‪ ‬مهمة‬
‫َّ‬ ‫ذلك‪ ،‬يحد‬
‫ِّ‬ ‫األزمة‪ .‬بناء علــى‬
‫ً‬ ‫ـورات ونتائــج هذه‬ ‫تطـ ُّ‬ ‫انتشــاره وقــوة فتكــه باألجســاد الضعيفــة المنخــورة باألمــراض‬ ‫تطوُّراً‪ ،‬بل تحوُّالً‬
‫ـن‪ .‬إل أنــه‬
‫ّ‬ ‫أساسـ ّـية للتربية‪ ،‬تتم َّثــل فــي تدريــس الريبــة والاليقيـ‬ ‫المزمنــة أو التــي تنقصهــا المناعــة الكافية‪  .‬‬
‫جذرياً‪ ،‬لكن الفريوس‬
‫تتضمن فــي نفس الوقــت الخطر‬ ‫َّ‬ ‫مــن مفارقــات هــذه الريبــة أنهــا‬ ‫ـروج فــي عالــم الفكــر‬ ‫وإذا كان مــن الصعــب اإلحاطــة بــكلّ مــا يـ َّ‬ ‫يذكرنا بأننا نعيش‬ ‫ّ‬
‫ال جذرياً‪ ،‬لكــن‬ ‫تحــو ً‬‫ُّ‬ ‫ً‪ ،‬بــل‬ ‫ا‬‫ر‬ ‫تطو‬
‫ُّ‬ ‫واألمل‪ .‬نعتقــد أننــا نعيــش‬ ‫تقدم‬
‫ِّ‬ ‫أن‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫يمك‬ ‫ـاذج‬ ‫اليــوم حــول هــذه الجائحة‪ ،‬فــإن بعــض النمـ‬
‫املغامرة؛‪ ‬املغامرة‬
‫الفيــروس يذكّ رنــا بأننــا نعيــش المغامرة؛‪ ‬المغامــرة أمــام‬ ‫لنــا صــورة عــن واقــع اليــوم وســيناريوهات المســتقبل‪ .‬لذلك‬
‫أمام املجهول‬
‫المجهــول وداخله‪ ،‬المغامــرة التــي لــم نســمع عنهــا مــن قبــل‬ ‫انفتحنــا علــى مفكِّ ريــن لهــم عالقــة وثيقــة بعلــم االجتمــاع‬
‫وداخله‪ ،‬املغامرة اليت‬
‫البشــري‪ .‬ويبدو‪ ،‬في نظــره‪ ،‬أن الفيــروس‬ ‫ّ‬ ‫بالنســبة للجنــس‬ ‫والفلســفة وعلم‪ ‬النفس‪ ،‬وهــي المجــاالت المعنيــة أكثــر مــن‬
‫لم نسمع عنها من‬
‫يقتــل النيوليبراليــة ويقتلنــا معها‪ ‬فــي نفــس الوقت؛‪ ‬ولذلــك‬ ‫تمدنــا‬ ‫غيرهــا اآلن بهــذه الجائحــة العابــرة للقارات‪ ،‬فلعلّهــا ّ‬ ‫قبل بالنسبة للجنس‬
‫ـد ًا ّأل يخــرج مــن هــذه األزمــة فكـ ٌ‬
‫ـر‬ ‫فإنــه ســيكون مــن المحــزن جـ ّ‬ ‫بإشــارات إلــى الطريــق الــذي يجــب أن نســلكه مســتقبالً‪ .‬‬
‫البرشيّ‬
‫ـي يرســم طريقـ ًا جديداً‪ .‬مــن هــذه الفكرة‪ ،‬أي ضــرورة فكر‬ ‫سياسـ ٌّ‬
‫ؤرخ الفرنسي‪« ‬مارســيل‬ ‫والم‬
‫ُ ِّ‬ ‫ـوف‬ ‫ـ‬ ‫الفيلس‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫جديد‪ ،‬ينطل‬ ‫ـي‬‫سياسـ ّ‬
‫ـر بهــا‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫األزم‬ ‫أن‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫‪ ،»Marcel‬معتب‬ ‫ـيه‪Gaucher ‬‬ ‫غوشـ‬
‫هــي فرصــة للحظــة الحقيقة‪ ،‬الرهــان فيهــا يتركــز علــى عالقــة‬
‫السياسية‪ .‬وينتقد‪ ‬غوشــيه‪ ‬عبارة «إننــا‬ ‫ّ‬ ‫كلّ مواطــن بالجماعــة‬
‫ـرد وصف‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫مج‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫الواقع‪ ،‬ورب‬
‫َّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫بعي‬ ‫فــي حالــة حرب»‪ ،‬ألنهــا‬
‫مجــازي لهــول هــذه األزمة‪ ،‬مؤكّ ــد ًا ذلــك بقوله‪« ‬لســنا فــي حالــة‬
‫حــرب‪ ،‬أو إن األمــر يشــبه الحــرب الزائفة‪ ...‬تذكــرون أنــه خــال‬
‫حــرب ‪ 1918 - 1914‬ســقط أكثــر مــن عشــرين ألــف قتيــل فــي‬
‫ـد ًا عــن ذلــك»‪  .‬‬ ‫األول‪ .‬نحن‪ ،‬لحســن الحظ‪ ،‬بعيــدون جـ ّ‬ ‫يومهــا ّ‬
‫أهــم مــا كشــفت عنــه هــذه األزمــة هــو عــودة مــا هــو‬ ‫ّ‬ ‫إن‬
‫سياســي‪ ،)le politique( ‬أي‪ ‬مــا يضمــن بقــاء ودوام جماعــة‬
‫مــا‪ ،‬وقاعدة‪ ‬مشــتركة تلــزم الجميــع ألنهــا تهــم حيــاة ومــوت كلّ‬
‫عضــو مــن الجماعة‪ .‬ففــي نظر‪ ‬غوشــيه‪ ‬أن الداللــة العميقة لهذا‬
‫المتعلِّق بما هو سياســي والذي‬ ‫الحــدث تتم َّثــل في صحوة البعد ُ‬
‫ـي‬
‫نســيناه واعتقدنــا أنــه يمكننــا االســتغناء عنه‪ .‬مــا هــو سياسـ ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪84‬‬
‫األول‪« ‬بوريس‪ ‬جونســون‪ »Boris Johnson ‬أن المملكــة‬ ‫ّ‬ ‫تأكيــد الوزيــر‬ ‫ً؛‪ ‬أمــا االنتخابات‪ ‬البلدية‪ ،‬فهــي‬ ‫يرتبــط بحيــاة الجماعــة‪ ،‬وهو‪ ‬األهــم حاليا ّ‬
‫الم َّتحــدة لــن تتخــذ أي إجــراء مــن قبيــل إغــاق المــدارس وفــرض الحجــر‬ ‫بم ْن نجح أو خســر فيها‪ ،‬وهي‬ ‫ترتبــط بالسياســة‪ ،)la politique( ‬وهــي تهتــم َ‬
‫الصحي‪ ،‬إلخ‪ .‬لكــن بالنســبة لهــذا الفيلســوف‪ ،‬يمكن فهــم هذا األمر بســهولة‬ ‫تافهــة حالياً‪ ،‬بــل ومدعــاة للســخرية والتهكــم‪  .‬‬
‫ـن يعــرف طريقــة تفكيــر اإلنجليز‪ .‬فقــد حاول‪ ‬جاهــد ًا في‬ ‫لمـ ْ‬ ‫ووضــوح بالنســبة َ‬ ‫تصاعدي‪ ،‬إل أنه‬
‫ّ‬ ‫يتطور بشــكلٍ‬
‫َّ‬ ‫في تقدير‪ ‬غوشــيه‪ ،‬أن «كوفيد‪ ،»19 ‬رغم كونه‬
‫كتابه‪« ‬كيــف يفكّ ر‪ ‬العالــم‪ »How The World Think ‬توضيــح التشــابهات‬ ‫ـبانية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلس‬ ‫األنفلونزا‬ ‫أو‬ ‫ـود‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫لحــد اآلن‪ ،‬لــم يصــل بعــد إلى هــول الطاعــون‬
‫ـفي الــذي‬ ‫ٍ‬
‫القويــة بيــن الخصائــص المهيمنــة علــى ثقافــة مــا والنمــوذج الفلسـ ّ‬ ‫وفــي توقّعــه وتســاؤله معـاً‪ :‬أننا‪ ‬ســنعرف فــي القادم مــن األيام‪ ،‬إلــى أي مدى‬
‫تجســده‪ .‬ولعلّ األزمــة الحاليــة تجســيد واضــح لهــذه الفكرة‪ .‬فهــو يــرى‬ ‫ـدد الفجــوة بيــن الفــرد والجماعة‪ .‬يعنــي هــذا أننــا نعيــش‬ ‫ســتتقلص أو تتمـ َّ‬
‫أن‪ ‬جونســون‪ ‬قدم اســتراتيجيته باعتبارهــا «أمبريقيــة‪ »empirique ‬فــي‬ ‫َّ‬ ‫اليــوم اختبــار ًا سياسـ ّـي ًا حقيقيـ ًا وعلــى أعلــى مســتوى؛‪ ‬فهل البعــد الفردانــي‬
‫تعــارض مــع المثاليــة‪ ،‬إذ أوضــح أن القــرار الــذي ا ّتخــذه جــاء بعــد استشــارة‬ ‫المهيمــن كلّيــةً علــى مجتمعاتنــا الغربية؟‪ ‬سنكتشــف‬ ‫ـاص هــو ُ‬ ‫الليبرالــي والخـ ّ‬
‫العلمــاء المرموقين‪ ‬حــول الموضوع؛‪ ‬وهــؤالء أقنعــوه بأنــه فــي مصلحــة‬ ‫هــذا األمــر فــي المســتقبل القريــب‪ .‬هــذا هــو مــا يهم‪ ،‬وهــذا هــو األساســي‬
‫يطــور قدراتــه ودفاعاتــه المناعية‪( ‬مناعــة القطيع)‪ ،‬حتــى لــو‬ ‫ِّ‬ ‫الشــعب أن‬ ‫ـد تعبير‪ ‬غوشــيه‪ .‬‬ ‫فــي هــذه األزمــة علــى حـ ِّ‬
‫تكبــد المزيــد مــن الخســائر فــي البداية‪ .‬باإلضافــة إلــى‬ ‫كان ذلــك يعنــي ُّ‬ ‫وعلــى غرار‪ ‬إدغــار موران‪ ،‬يرى‪ ‬غوشــيه‪ ‬أن العولمــة الليبراليــة قــد ماتــت‪ ،‬وأن‬
‫ذلك‪ ،‬إنهــا مقاربــة ذرائعية‪ .‬ومعلــوم أن هــذه األخيــرة تشــير إلــى مذهــب‬ ‫المبــدأ القائــل بــأن «التجــارة الناعمة»‪ ‬ســتحلّ ‪ ‬جميع المشــاكل أصبــح‬
‫‪ ‬وأخالقي‪ ،‬تبلور مــع كلّ مــن «جيريمي‪ ‬بنثهــام‪Jeremy ‬‬ ‫ّ‬ ‫سياســي‬
‫ّ‬ ‫فلســفي‬
‫ّ‬ ‫ـي‪ ،‬يقول بأنه ليس‬ ‫بائداً‪ .‬وفــي معــرض الحديــث عــن مناعــة الجســم السياسـ ّ‬
‫‪ )Bentham» (1748-1832‬و«جــون ســتيوارت ميــل »‪John Stuart Mill‬‬ ‫ـون مــن أفــراد‪ ،‬أن يضمــن مناعتــه‬ ‫مــن البســاطة والبداهة‪ ،‬فــي مجتمــع يتكـ َّ‬
‫ـد‬
‫‪ ،)(1806-1873‬ويقــوم علــى مبــدأ عــام هــو تجويــد الوجــود إلــى أقصــى حـ ٍّ‬ ‫السياسـ ّـية‪ .‬ذلك أننــا نطلــب مــن األفــراد أن يبتعدوا عن بعضهــم البعض قدر‬
‫ـق بعــض‬ ‫لفائــدة األغلبية‪ ،‬حتــى ولــو تر َّتــب عــن ذلــك إجحــاف أو ظلــم فــي حـ ّ‬ ‫اإلمكان‪( ‬الحجــر الصحي)‪ ،‬لكننــا نقــول لهــم فــي نفــس الوقت‪« ‬فكّ ــروا فــي‬
‫األفــراد‪ ،‬أي حتــى ولــو كان األمــر يتعلَّــق بعــدد مــن الوفيــات فــي الحالــة‬ ‫اآلخريــن فقــد تكونــوا خطــر ًا عليهــم»‪ .‬هكــذا يجــد األفــراد أنفســهم بيــن شـ ٍّ‬
‫ـد‬
‫نتحــدث عنهــا وهــي الجائحة‪ .‬يســعى‪ ‬باجيني‪ ‬من وراء كلّ هــذا إلــى‬ ‫َّ‬ ‫التــي‬ ‫وجــذب‪ ،‬أي فــي حالــة توتــر بيــن المســافة الفردانيــة وااللتــزام الغيري‪ .‬فــي‬
‫عاطفية‪ ،‬إنهــا تريــد أن تكون‪ ،‬عكــس‬ ‫ّ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ليس‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫اإلنجليزي‬ ‫ـفة‬ ‫ـ‬ ‫الفلس‬ ‫أن‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫توضي‬ ‫وقوية‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫رجــة فكريــة وخلخلــة أيديولوجيــة كبيــرة‬ ‫األخير‪ ،‬يؤكِّ ــد بــأن هنــاك ّ‬
‫ـدد‪ ،‬ال‬ ‫والمتشـ ِّ‬
‫ـد تعبيره‪ .‬فالذرائعــي الصــارم ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬هادئــة وعقالنية‪ ،‬علــى حـ ِّ‬ ‫ـه‪ ،‬إل أننــا فــي حاجــةٍ‬ ‫ّ‬ ‫أحــد يمكنــه التنبــؤ بخطــورة الحدث‪ ‬ومــا ســيترتب عنـ‬
‫يجــب عليــه فقــط التقليــص مــن عــدد الوفيات‪ ،‬وإنمــا التســاؤل أساسـ ًا عــن‬ ‫ـي جديد‪ .‬‬ ‫ماســة إلــى برنامــج سياسـ ّ‬
‫جيدة‪ .‬بعبــارة‬ ‫عــدد الذيــن ســينعمون بإمكانيــة العيــش المديــد وبصحــة ّ‬ ‫البريطانيــة فــي التعاطــي مــع أزمــة «كوفيــد‬ ‫ّ‬ ‫التجربــة‬ ‫وبالنظــر إلــى فــرادة‬
‫تواً‪ ،‬فيمــا‬ ‫ـن ســيموت ّ‬ ‫المسـ ّنون فــي البلد‪ ،‬هــم َمـ ْ‬ ‫أخــرى‪ ،‬إذا كان األشــخاص ُ‬ ‫ً‪ ،‬خاصــة‬
‫ّ‬ ‫إعالميا‬
‫ّ‬ ‫‪ ،»19‬ارتأينــا أن ننفتــح علــى بعــض فالســفتها األكثــر حضــور ًا‬
‫جيد؛‪ ‬ولعــلّ هــذا‬ ‫ّ‬ ‫«كوفيد‪ ،»19 ‬فالحســاب‬ ‫ضــد‬ ‫ســيطور الشــباب مناعــة‬ ‫ِّ‬ ‫على‪ ‬صفحات‪« ‬الغارديان‪ »Guardian ‬وقنــاة الـ«‪ ،»BBC‬يتعلَّــق األمــر‬
‫إنجليزيـ ًا محضاً‪ .‬يضــاف إلــى ذلــك أن التقليــد الليبرالــي فــي‬ ‫ّ‬ ‫االســتثناء يبــدو‬ ‫بالفيلســوف اإلنجليزي‪« ‬جوليــان باجينــي‪ »Julian Baggini ‬الــذي يتماثــل‬
‫الفرديــة‬
‫ّ‬ ‫ـؤولية‬
‫المملكــة الم َّتحدة‪ ،‬يفــرض علــى الحكومــة اعتمــاد مبــدأ المسـ ّ‬ ‫للشــفاء حاليـ ًا مــن أزمة التهــاب رئوي‪ .‬ما يبدو غريب ًا بالنســبة لنــا جميعاً‪ ،‬هو‬

‫‪85‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫الوعــي بــأن معــدل الوفيــات منخفــض نسبياً‪ ،‬وبشــيء مــن الحكمــة ســتكون‬ ‫ـق هادئـ ًا وتابــع طريقــك‪ .‬هــذه هــي‬ ‫وكأن الحكومــة تخاطــب األفــراد قائلة‪ :‬ابـ َ‬
‫تقبله‪ ،‬ومــا‬ ‫ـاة‪ .)...‬إل أن مــا هــو أعمــق مــن ذلك‪ ،‬ومــا يجــب ُّ‬ ‫ّ‬ ‫لنــا فرصــة للنجـ‬ ‫الطريقة‪ ‬اإلنجليزيــة فــي كيفيــة مواجهــة الشــدائد‪ .‬وقد الحظ‪ ‬باجينــي‪ ‬أن‬ ‫ّ‬
‫يجــب علينــا التوا ُفــق معه‪ ،‬هــو أن الحيــاة كانــت دائم ـ ًا قائمــة علــى أســاس‬ ‫ـك فــي‬ ‫األول وبعــض السياسـ ّـيين نابــع مــن الشـ ّ‬ ‫تغييــر نبــرة خطــاب الوزيــر ّ‬
‫تكرر للفيروســات التي‪ ،‬مثل أموات أحياء‪ ،‬تلقي بظاللها‬ ‫والم ِّ‬ ‫االنتشــار الغبي ُ‬ ‫القرار‪ ،‬والتخــوف مــن عــرض‬ ‫ُّ‬ ‫النمــوذج العلمــي المعتمــد فــي اتخــاذ هــذا‬
‫ـددة بقاءنا‪ .‬هكــذا تذكّ رنــا الفيروســات فــي العمــق بجــواز وعــدم‬ ‫علينا‪ ،‬مهـ ّ‬
‫ُ‬ ‫جثــث الموتــى بــاآلالف فــي المستشــفيات علــى مختلــف وســائل اإلعــام‬
‫أهميــة وجودنــا‪ :‬مهمــا كان حجــم اآلثــار العقليــة الروحيــة التــي أقامتهــا‬ ‫ِّ‬ ‫ـخصي وليــس‬ ‫ّ‬ ‫ـي شـ‬ ‫ـوح سياسـ ٌّ‬ ‫يحركه‪ ،‬فــي نظــره طمـ ٌ‬ ‫والتواصل‪ .‬هــذا التغييــر ِّ‬
‫يدمــر‬ ‫أن‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫يمكن‬ ‫ـب‬‫ـ‬ ‫كويك‬ ‫أو‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫في‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫غبي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫طبيعي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫طارئ‬ ‫ة‪ ،‬فإن‬ ‫ـري‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫بدافــع الغيرية‪ .‬لكــن يبــدو أن المملكــة الم َّتحــدة رضخــت أخيــر ًا لتتخــذ نفس‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫كلّ شــيء‪ .‬هذا دون الحديــث عــن درس اإليكولوجيــا الذي يمكننا اســتخالصه‬ ‫التدابيــر واإلجــراءات التــي اتخذتهــا الــدول األخرى‪ .‬وفــي عالقــة مــع األزمــة‬
‫ـانية‪ ،‬من دون قصد‪ ،‬تخاطــر بتعجيــل نهايتها‪ .‬كمــا يؤكِّ ــد‬ ‫ـر بها‪( ‬التهــاب رئــوي)‪ ‬ودور الفلســفة فيها‪ ،‬انتقــد االعتقــاد‬ ‫الصحيــة التــي مـ ّ‬‫ّ‬
‫مــن هــذا‪ :‬إن اإلنسـ ّ‬
‫ـد ًا أدنــى مــن الثقة بين ســلطات‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـرض‬ ‫ـ‬ ‫ل‪ ،‬تفت‬ ‫التقب‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫نح‬ ‫بــأن الخطــوة األولــى‬ ‫الســائد عند الكثيرين في أن الفلســفة تجعلنا سعداء‪ ‬وتســاعدنا على تخطي‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫الــدول وشــعوبها‪ .‬لذلك ينتقد‪ ‬جيجيك‪ ‬الطريقــة التــي تعاملــت بهــا الصيــن‬ ‫أهميتها‪ :‬إنهــا تمنحنا فهمـ ًا أوضح‬ ‫ـب‪ ،‬إل أنــه يؤكّ ــد فــي نفس الوقــت ِّ‬ ‫ّ‬ ‫المصاعـ‬
‫ٍ‬
‫كلمــة‬ ‫لمــا نعيشــه‪ ،‬وتحول دون انجرافنــا مــع األهــواء والالمعقول‪ .‬وفــي‬
‫أول مــن اكتشــف‬ ‫مــع الدكتور‪« ‬لــي وينليانــغ‪ »Li Wenliang ‬الــذي كان هــو ّ‬
‫أخيرة‪ :‬مــا هــو أساسي‪ ،‬بالنســبة إليه‪ ،‬هــو تقبــل الجــواز الــذي يطبــع الوضــع‬
‫ـر‪ ،‬وتم منعــه وإخضاعــه للرقابــة بدعــوى محاربــة الشــائعات‬ ‫َّ‬ ‫المنتشـ‬ ‫الوبــاء ُ‬
‫ٍ‬ ‫ـري وكــذا طبيعــة الحيــاة العابــرة‪ .‬‬ ‫البشـ ّ‬
‫ـد منهــا لتفــادي الذعــر والفزع‪ .‬مــن جهــة أخرى‪ ،‬يــرى جيجيــك ضــرورة‬ ‫والحـ ّ‬
‫السياســي‪ ،‬خصص‬ ‫ّ‬ ‫النفســي بالنقــد‬ ‫ّ‬ ‫ومــن منظــور يمتــزج فيــه التحليــل‬
‫والمواءمــة بيــن‬ ‫ُ‬ ‫ـيق‬‫ـ‬ ‫التنس‬ ‫ـيوعية‪ ،‬مثل‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫بأنه‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫أغلبن‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫يعتب‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫تدابي‬ ‫ـاذ‬ ‫اتخـ‬
‫الفيلســوف السلوفيني‪« ‬ســافوي جيجيك‪ »Slavoj Zizek ‬مقاالتــه األخيــرة‬
‫المهمــة‬ ‫َّ‬ ‫اإلنتــاج والتوزيــع خــارج معاييــر الســوق وبمعــزل عنها‪ .‬والواقــع أن‬
‫لتقديــم آرائــه حــول جائحــة (كوفيــد ‪ .)19‬وقــد ركّ ــز بدايــة علــى طريقــة ردود‬
‫التــي تنتظرنــا هــي فــي غايــة الصعوبــة والتعقيد‪ :‬يجــب علينا التخ ّلــص من أي‬
‫أفعالنــا إزاء هــذه الجائحة‪ ،‬معتمــد ًا فــي ذلــك علــى خطاطــة الطبيبــة‬
‫ـيوعية القرن العشــرين البائدة‪ ،‬وإبداع أشــكال جديدة متمركزة‬ ‫ّ‬ ‫حنيــن إلــى شـ‬
‫النفسانية‪« ‬إليزابيث كوبلر‪-‬روس‪ »Elisabeth Kübler-Ross ‬والتي عرضتها‬
‫المج َّنحة االعتقــاد في طريقةٍ‬ ‫حــول المشــترك اإلنســاني؛‪ ‬وإنه لمــن اليوتوبيــا ُ‬ ‫ـون هــذه الخطاطــة مــن خمــس‬ ‫فــي كتابها‪« ‬اللحظــات األخيــرة للحياة»‪ .‬تتكـ ّ‬
‫األول‬
‫ّ‬ ‫الوزير‬ ‫أن‬ ‫ـار‪ ‬جيجيك‪ ‬إلى‬ ‫أخــرى للخالص‪ .‬فــي معرض هذا الحديث‪ ،‬أشـ‬ ‫مراحــل هي‪ :‬اإلنكار‪ ،‬الغضب‪ ،‬المســاومة‪ ،‬اإلحباط والتقبل‪ .‬فــي البداية كان‬
‫الســلطات‬ ‫ـد مــن انتشــار الفيروس‪ ،‬اقتــرح علــى ُّ‬ ‫ـرائيلي‪ ،‬ومن أجــل الحـ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسـ‬ ‫اإلنكار‪( ‬األمــر ليــس علــى هــذه الدرجــة مــن الخطورة)‪ ،‬ثــم الغضب‪« ‬بنبــرات‬
‫الفلسطينية‪ ‬المســاعدة والتنســيق‪ ،‬معلِّق ًا علــى ذلــك بقوله‪ ،‬إن هــذا االقتراح‬ ‫ّ‬ ‫للدول»‪( :‬مــرة أخــرى الخطــأ صــادر عــن‬ ‫ال تخلــو مــن عنصريــة أو عــداء‬
‫ّ‬
‫يميــز‬‫ـانية‪ ،‬وإنما بــكلّ بســاطة‪ ،‬ألن الفيــروس ال ِّ‬ ‫ليــس بدافــع الخيــر أو اإلنسـ ّ‬ ‫فعالة)‪ ،‬بعــد ذلــك جــاء دور‬ ‫وغيــر‬ ‫ضعيفــة‬ ‫هــؤالء الصينيين)‪( ،‬حكومتنــا‬
‫ّ‬
‫والفلســطينيين‪ .‬إضافة إلــى هذا‪ ،‬فشــعار‪« ‬أميركا‪( ‬أو أي دولــة‬ ‫ّ‬ ‫بيــن اليهــود‬ ‫ـد من‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫قادري‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫نك‬ ‫أن‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ضحايا‪ ،‬لك‬ ‫المســاومة‪( ‬هناك طبعـ ًا‬
‫ـرى)‪ ‬أوالً» انتهــت صالحيتــه فــي ظــلّ عولمــة الفزع‪ .‬وفــي األخيــر يذكّ رنــا‬ ‫ّ‬ ‫أخـ‬ ‫الخســائر)‪ ،‬وإذا لــم تســر األمــور فــي هــذا االتِّجــاه ســيظهر اإلحباط‪( ‬يجــب‬
‫بمــا قالــه مارتــن لوثــر كينــغ منــذ مــا يزيــد علــى نصــف قرن‪« :‬لقــد قدمنــا على‬ ‫عبــر‬ ‫ّأل‪ ‬نخــدع أنفســنا‪ ،‬نحن جميعــ ًا‬
‫مرحلة‪ ‬التقبــل فقــد َّ‬ ‫ُّ‬ ‫مدانون)؛‪ ‬أمــا‬
‫ّ‬
‫مراكــب مختلفة‪ ،‬لكننــا اليــوم جميعـ ًا علــى نفــس الســفينة»‪ .‬وإذا لــم نترجم‬ ‫تقبــل واقــع أن الوبــاء ســيأخذ حتمـ ًا بعــد ًا‬ ‫عنها‪ ‬جيجيك‪ ‬بقوله‪( ‬يجــب علينــا ُّ‬
‫هــذه األقــوال إلــى أفعال‪ ،‬فإننــا نجــازف بــأن نجــد أنفســنا علــى متن‪« ‬أميــرة‬ ‫عالمياً‪ ،‬وأنــه ال يمكــن احتــواؤه عــن طريــق الحجر‪ ‬والعــزل وال عــن طريــق‬ ‫ّ‬
‫الماس»‪ ،‬وهــو اســم الســفينة التــي اجتاحهــا الوبــاء‪ ■ .‬محمــد مــروان‬ ‫بتقبله‪ ،‬مــع‬ ‫ُّ‬ ‫إذن‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـق‬
‫ـ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫والفزع‪ .‬يتع‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫الذع‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ناج‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫وحش‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫تدبي‬ ‫أي‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪86‬‬


‫يف زمن الجائحة‬
‫ـار‬
‫ألن انتشـ َ‬ ‫عدهــا‪ ،‬ال فقــط ّ‬ ‫ـيكون َب َ‬
‫ُ‬ ‫قبلهــا‪ ،‬وال هــو الزمــن الــذي سـ‬ ‫ـر الزمــن الــذي كان ْ‬ ‫ـن جائحـ ِـة «كورونــا» غـ ُ‬
‫زَمـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ومراجعــة إىل حـ ِّـد الــروع يف الحديــث عــن تحـ ُّـولٍ‬ ‫ـع ُمســاءلة ُ‬ ‫ـع كلَّ َشء َم ْوضـ َ‬ ‫ضـ َ‬‫كونيــا َو َ‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫ـع حدثــا‬
‫الفــروس صنـ َ‬
‫ـن أعــاد النظـ َـر‬
‫ألن هــذا الزمـ َ‬
‫أيضــا ّ‬‫للبلــدان‪ ،‬ولكــن ً‬
‫ـي ُ‬
‫ـي ويف النظــام االجتامعـ ّ‬ ‫ـادي العاملـ ّ‬‫الحــق يف النظــام االقتصـ ّ‬
‫إن مــا تر ّتــب عــى‬ ‫واقعيــة فحســب‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫رجــةً‬
‫معرفيــة َمكينــة‪ ،‬وليــس ّ‬
‫ّ‬ ‫رجــةً‬
‫جسـ ًـدا ّ‬‫ـام‪ُ ،‬م ِّ‬‫جــه عـ ّ‬‫بو ْ‬
‫يف مفهــوم الحيــاة َ‬
‫جذريــة يف مفهــوم الحيــاة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ظهــور الفــروس وانتشــاره ُيشـك ُ‬
‫ِّل إعــاد َة نظـ ٍر‬

‫تحــول‬ ‫ُّ‬ ‫نســجما مــع‬ ‫ً‬ ‫انتشــاره‪ُ ،‬م‬ ‫ُ‬ ‫ســمها‬ ‫وعلــى الخريطــة التــي َر َ‬ ‫وتمكيــن‬ ‫الحــدود ْ‬ ‫قامــت علــى إلغــاء ُ‬ ‫العولمــة‪ ،‬التــي َ‬ ‫فــي ُمقابــل َ‬
‫قادمــا مــن أقصــى‬ ‫ً‬ ‫ـروس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ـر‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫ـة صغيــرة‪.‬‬ ‫العالــم إلــى قريـ ٍ‬ ‫ـرض‬ ‫ـام‪ ،‬فـ َ‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫ـاة‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫نظ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫التحكّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫العب‬ ‫َخصيصــة‬
‫بســرعة تَحمــلُ‬ ‫ٍ‬ ‫ـو َّزع فــي ُمختلــف بقــاع العالــم‪ُ ،‬‬ ‫قبــل أن يتـ َ‬ ‫مــكان ْ‬ ‫ـتجد إقامــةَ الحــدود ال َبيــن البلــدان وحســب‪،‬‬ ‫المسـ ّ‬ ‫ـاء كورونــا ُ‬ ‫وبـ ُ‬
‫إيقاع‬ ‫ٌ‬ ‫واالفتراضي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـي‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫الرقم‬ ‫الزمن‬
‫ُ‬ ‫ـاه‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫أر‬
‫ْ‬ ‫الذي‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫اإليق‬ ‫ـص‬ ‫َ‬ ‫خصائـ‬ ‫المصابيــن‬ ‫ُ‬ ‫مــكان‬ ‫بيــن‬ ‫وحتــى‬ ‫الواحــد‪،‬‬ ‫لــد‬ ‫الب‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ــد‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫بيــن‬ ‫بــل‬
‫ـي‪ ،‬فــي‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫وئ‬ ‫الض‬
‫َّ‬ ‫ـن‬‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الزم‬ ‫ـس‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ناف‬ ‫ي‬
‫َ ُ‬‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫حم‬ ‫الم‬
‫َ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫تنامي‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫كم‬ ‫يبــدو‬ ‫ـي الواحــد أو‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ان‬ ‫ـكّ‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫وبي‬ ‫ـدون‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وج‬ ‫ُ َ‬ ‫ي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫فيه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫والمدين‬
‫الصــوت‬ ‫ُ ُ ـرعةَ َّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫ناف‬ ‫ت‬
‫ُ ُ‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫الصواري‬ ‫‪/‬‬ ‫ـلحة‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ـد‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ـر‬ ‫صـ‬ ‫َع ْ‬ ‫الح ْجــر‬ ‫اإلرادي أو َ‬ ‫ّ‬ ‫العمــارة الواحــدة‪َ ،‬وفــق مــا يقتضيــه الع ـ ْزل‬
‫ـب على‬ ‫اليــوم‪ ،‬للجائحــة ُمتر ّتـ ٌ‬ ‫ـازم‪َ ،‬‬ ‫المـ ُ‬ ‫ـب ُ‬ ‫فالرعـ ُ‬ ‫ـو ُق عليهــا‪ُّ .‬‬ ‫وتتفـ ّ‬ ‫ـدودا بيــن الفــرد‬ ‫ـرض الفيــروس ُحـ ً‬ ‫ـي‪ .‬أبْعــد مــن ذلــك‪ ،‬فـ َ‬ ‫الطّ بـ ّ‬
‫وعبر كلّ‬ ‫ْ‬ ‫ـيء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫كلّ‬ ‫وفي‬ ‫ـيء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫لّ‬ ‫كُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ـر‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫نتش‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫كــون‬ ‫ومــي‪،‬‬ ‫الي‬
‫َ‬ ‫ــلوكه‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ْــب‬ ‫ل‬ ‫وق‬ ‫عاداتــه‪،‬‬ ‫بتغييــر‬ ‫ــاه‬ ‫إي‬
‫ُ ً ّ‬ ‫ــا‬ ‫ِم‬
‫ز‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫وذاتــه‪،‬‬
‫ّ‬
‫مكن‬ ‫ُ‬ ‫الم‬ ‫ُ‬ ‫هو‬ ‫الذي‬ ‫ـار‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫االنتش‬ ‫إبطاء‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫كما‬ ‫خيف‪.‬‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫بإيقاع‬ ‫ـيء‪،‬‬ ‫شـ‬ ‫ـاب‬
‫ـه الخطـ ُ‬ ‫ـح عنـ ُ‬ ‫بجســده‪ ،‬علــى نحــو مــا ُيفصـ ُ‬ ‫وتقويــة شــعوره َ‬
‫بصــورةٍ‬ ‫ّــب ُ‬ ‫التصــدي للفيــروس‪ُ ،‬متطل ٌ‬ ‫لحــد اآلن‪ ،‬فــي‬ ‫المتــاح‪،‬‬ ‫ـلة من األوامــر والنواهي‪:‬‬ ‫عبر سلسـ ٍ‬ ‫ـي وهــو ُيواصــلُ تنبيهاته ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫الطبـ ّ‬
‫ّ‬
‫اقتصاديــا‬ ‫ًّ‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫اإلبط‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـب‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫يتر‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ـاز‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اإلعج‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫قريب‬ ‫التجمعــات»‪« ،‬ال ُتصافــح»‪« ،‬ال ُتعانــق»‪« ،‬ال تلمــس‬ ‫ّ‬ ‫عتــزل‬ ‫«اِ‬
‫واجتماعيــا‪ ،‬و ِلمــا َيقتضيه ِمن تجهيزات ّ‬ ‫ٍ‬
‫لمكاســب‬ ‫طب ّية‪ ،‬وتعليقٍ َ‬ ‫غدت‬ ‫َ‬ ‫الحياة‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫كما‬ ‫ـة»‪..‬‬ ‫ـ‬ ‫واقي‬ ‫ـازات‬ ‫ـ‬‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ت‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫وأن‬ ‫إل‬ ‫ّ‬ ‫ـياء‬ ‫ـ‬ ‫األش‬ ‫صا َر املر ُء مُرتابًا ال من‬
‫ًّ‬ ‫ُ ْ‬
‫الفرد قد‬ ‫ُ‬ ‫نظام الحيــاة ذاتها‪ ،‬مــادام‬ ‫ِ‬ ‫ـب فــي‬ ‫ُحقــوق اإلنســان‪ ،‬وقلـ ٍ‬ ‫ـمها الفيــروس‬ ‫ـدود التــي َرسـ َ‬ ‫الحـ َ‬ ‫إن ُ‬ ‫هــي االنفصــال واالنغــاق‪ّ .‬‬ ‫األشياء وحسب‪ ،‬بل‬
‫ومالبســه‪ ،‬وحذائه‪،‬‬ ‫رتابا فــي أعضائــه‪َ ،‬‬ ‫غــدا‪ ،‬فــي َزمــن كورونــا‪ُ ،‬م ً‬ ‫ـدا‪ .‬لقد أعاد‬ ‫ّب ُعزلةً ال تَســتثني أحـ ً‬ ‫الصرامــة‪ ،‬وهــي تتطل ُ‬ ‫شــديد ُة ّ‬ ‫حىت من ذاته وهو‬
‫تهجــى‪ ،‬إلــى‬ ‫ي‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫‪،‬‬ ‫ـقه‬ ‫ـ‬ ‫ستنش‬ ‫ي‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫واحتكاكاتــه‪ ،‬وفــي الهــواء ال‬ ‫ـزم بإدماجهــا‬ ‫ـ‬ ‫وأل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫نس‬ ‫الم‬ ‫ـاري‬ ‫ـ‬ ‫االعتب‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫زل‬ ‫للع‬ ‫يُجاب ُه عد ّوًا ال مَرئ ًّيا‪،‬‬
‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫الفيــروس ُ‬
‫وابطَ‬ ‫شاع ًرا‪ ،‬يف اآلن ذاته‪،‬‬
‫هــا وقواعدها‪.‬‬ ‫ـم َض‬ ‫العزلــة ويتع َّلـ ُ‬ ‫أبجديــةَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫جانــب ذلــك ك ّلــه‪،‬‬ ‫والتو ُّجــس‬ ‫َ‬ ‫فــي نَمــط الحيــاة‪ ،‬ولكــن علــى نحــو َممـ ُزوج باإلكــراه‬
‫يرتصدُ ه‬
‫ّ‬ ‫أنّ هذا العد َّو‬
‫ـعر كمــا‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يش‬ ‫ـار‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫ـأ‬ ‫ـ‬ ‫فج‬ ‫ـر‬
‫ـس األمـ ُ‬ ‫لقــد التبـ َ‬ ‫ـق فــي‬ ‫ألن داللــةَ الحـ ّ‬ ‫والهلــع وتعليــقِ َمكاســب ُحقــوق اإلنســان‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ـخصي ٍة‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ور‬ ‫د‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫قب‬ ‫ـتعداد‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ودون‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫إرادت‬ ‫دون‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ـؤد‬ ‫ً‬ ‫أدق تفاصيل حياته‬ ‫يف ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ ٍّ َ َ‬ ‫ـه ُيـ ّ‬ ‫لــو أ ّنـ ُ‬ ‫مســت‬ ‫َّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـداالت‬ ‫ـ‬ ‫اإلب‬ ‫ـرار‬‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫داللي‬
‫ًّ‬ ‫ـدال‬ ‫ـ‬ ‫إب‬ ‫ـهد‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـاة‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬
‫ـم مــن أفــام الخيــال‬ ‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫فيل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫أو‬ ‫ـب‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫الر‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫رواي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫رواي‬ ‫فــي‬ ‫ـروس‬
‫ـن الفيـ ُ‬ ‫الضروريــة‪ ،‬مكّ ـ َ‬ ‫ّ‬ ‫العزلــة‬ ‫كلَّ شــيء‪ .‬إلــى جانــب هــذه ُ‬
‫العلمي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صارت‬ ‫العامــة‪ ،‬التي َ‬ ‫ّ‬ ‫قوي فــي كلّ الفضاءات‬ ‫الفــراغَ مــن ُحضــور ٍّ‬
‫ـوع ُشــبهة‪.‬‬ ‫ـار موضـ َ‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـيء‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫كلُّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـتجد‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫ـن‬ ‫فــي زمـ‬ ‫ـورا دا ّلــة ال‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫َ ْ‬ ‫والح‬ ‫ـاق‬ ‫ـ‬‫واإلغ‬
‫ْ‬ ‫ـراغُ‬ ‫ـ‬ ‫الف‬ ‫ـدا‬ ‫بالخــاء‪ ،‬فغـ‬ ‫َ‬ ‫شــبيهةً‬
‫أي‬ ‫ـس االرتيــاب علــى نحــو لــم َي ُعــد َيســتثني َّ‬ ‫ـع هاجـ ُ‬ ‫توسـ َ‬ ‫لقــد ّ‬ ‫اآلخــر‪ ،‬بــل علــى احتــرام ح ِّقــه فــي الحيــاة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫علــى ر‬
‫وضــوع‬ ‫ُ‬ ‫يعــد َم‬ ‫شــيء‪ ،‬بمــا فــي ذلــك عالقــة الفــرد بذاتــه‪ .‬لــم ُ‬ ‫نظامــا َوفقها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ويفــرض‬ ‫بالحــدود َ‬ ‫ـزم ُ‬ ‫المنحــى الــذي ُيلـ ُ‬ ‫رغــم هــذا َ‬
‫صار‬
‫َ‬ ‫ـذات‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫إحساســا ُتجاه‬ ‫ً‬ ‫ـتباه‬
‫خارجيــا‪ ،‬بــل غــدا االشـ ُ‬ ‫ًّ‬ ‫االشــتباه‬ ‫ـص مشــدود ٍة إلــى نتائــج العولمة‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫بخصائ‬ ‫ـروس‬ ‫ـظ الفيـ‬ ‫َيحتفـ ُ‬
‫رتابــا ال مــن األشــياء وحســب‪ ،‬بــل حتــى مــن ذاتــه وهــو‬ ‫ـرء ُم ً‬ ‫المـ ُ‬ ‫ـك ِســمة‬ ‫الرهيــب وانتشــاره الــذي َيمتلـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـره‬ ‫ـ‬ ‫ُ‬
‫ث‬ ‫تكا‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫نظ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ســيما‬
‫العــدو‬ ‫أن هــذا‬ ‫شــاعرا‪ ،‬فــي اآلن ذاتــه‪ّ ،‬‬ ‫رئيــا‪،‬‬ ‫عــدوا ال َم ًّ‬ ‫جابــه‬ ‫ُي‬ ‫ـتبعد احتمالَ‬ ‫ـي‪ ،‬انطالقــا مــن ُصعوبة تطويقه التي ال تسـ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الالنهائـ ّ‬
‫ـأن ُيفكّ ــر‪،‬‬ ‫ـرد بـ ْ‬ ‫ـزم الفـ َ‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫أل‬ ‫ـد‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫َ ُّ‬‫َر‬ ‫ت‬ ‫ـه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫حيات‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫تفاصي‬ ‫أدق‬‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ـد‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يترص‬
‫ّ‬ ‫بناء على رحلته‬ ‫ً‬ ‫الفيروس‪،‬‬ ‫ـلوك‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ى‬ ‫تبد‬
‫َّ‬ ‫إذ‬ ‫رعب‪،‬‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـتحالة‬ ‫االسـ‬

‫‪87‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫دث‬ ‫أح َ‬ ‫بعــد أن ْ‬ ‫ـات والدول فــي الحاضر واآلتي‪ْ ،‬‬ ‫ؤسسـ ُ‬ ‫الم ّ‬ ‫فــي َيومــه‪ ،‬وبــه تُفكّ ُر ُ‬ ‫ـرض‬ ‫ـأي عـ َ‬ ‫ـر فيــه وانطال ًقــا منــه؛ فـ ُّ‬ ‫علــى امتــداد َيومــه‪ ،‬بالفيــروس‪ ،‬وأن يفكّ ـ َ‬
‫ـوال فــي نَمــط الحيــاة وفــي نَمــط التعامــل مــع ال ّزمــن والمــكان‪ .‬ضمــن هذا‬ ‫تحـ ُّ‬ ‫ـه‬ ‫ـر ُه ب َتوجيـ ٍ‬ ‫ـ‬ ‫فس‬ ‫وي‬ ‫إل‬ ‫‪،‬‬ ‫ـتجد‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬
‫ـرد‪ ،‬فــي زمــن كورونـ ُ‬
‫ـا‬ ‫ره الفـ ُ‬ ‫ـع ُ‬ ‫ستشـ ِ‬ ‫ـي َي‬
‫ُ ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َمرضـ ّ‬
‫البعــد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫لمفه‬ ‫ـار‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫االعتب‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫ـاد‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫أع‬ ‫ـاة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـط‬ ‫ـ‬ ‫نم‬ ‫ـالَ‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ـو‬‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫التح‬ ‫ـرض‬ ‫ـتيهامات هــذا ال ّزمــن‪ ،‬الــذي فـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ـروس‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫بالفي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫اإلصاب‬ ‫ـالِ‬ ‫ـ‬ ‫احتم‬ ‫مــن‬
‫ـي للمــكان‬ ‫ـ‬ ‫االفتراض‬ ‫ـوم‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫المفه‬ ‫ـه‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫أحد‬
‫َ‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫الق‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ـر‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫تغي‬
‫ّ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫كان‬ ‫الــذي‬ ‫وأوهامــا‬ ‫ً‬ ‫أيضــا خيــال وتوقّعــات‬ ‫ً‬ ‫ـتنبت ً‬ ‫ال نمــط حيــاة جديــدة وحســب‪ ،‬بــل اسـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫ـرب‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ع‬‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـاء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫الو‬
‫َ‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫انتش‬ ‫ِ‬
‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫إبط‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـاق‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـعى‬ ‫ـ‬ ‫المس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـن‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫والزم‬ ‫ـزءا من الحياة‪،‬‬ ‫جعل الهلع ُجـ ً‬ ‫ْ‬ ‫على‬ ‫ـو ًدا‬ ‫يفرض تعـ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وهلعــا‪ .‬كمــا بــدأ‬ ‫ً‬ ‫وهلوســات‬
‫ك‬ ‫ـان ُيفكّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫كان‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫فار‬
‫ُ َ‬ ‫ْم‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ـو‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ـاغً‬ ‫ـ‬ ‫ستس‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫وال‬ ‫ـول‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫مقب‬ ‫ا‬ ‫ـر‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الفعل‬ ‫أن احتمــالَ اإلصابــة‬ ‫ّ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـاهده‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ومش‬ ‫ره‬ ‫ـو‬
‫ُ َ‬ ‫ـ‬ ‫وص‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫الر‬
‫ّ‬ ‫ـاب‬ ‫ـ‬ ‫خط‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫بالتعايــش‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫ـرب بيــن النــاس‬ ‫ـه علــى أ ّنهــا جع َلــت ال ُقـ َ‬ ‫نبـ َ‬ ‫خطــور َة التقنيــة فــي َضوئــه عندمــا ّ‬ ‫بالفيــروس ليــس ُمرتبطً ــا‪ ،‬فــي هــذه الجائحــة‪ ،‬بالغَ يــر‪ ،‬بــل بالذات نفْســها‪ .‬ال‬
‫تتم‪،‬‬ ‫ـورا ُّ‬ ‫ـدي للجائحة أمـ ً‬ ‫ـر الحياة والتصـ ّ‬ ‫ـار التواصــلُ وتدبيـ ُ‬ ‫ـدا للقُ ــرب‪ .‬صـ َ‬ ‫ُمفت ِقـ ً‬ ‫حامل‬ ‫ً‬ ‫ـه‬
‫ـرد ذاتـ ُ‬ ‫أن يكــون الفـ ُ‬ ‫بخطــر العــدوى مــن الغَ يــر‪ ،‬بــل مــن ْ‬ ‫ـر َ‬ ‫ـق األمـ ُ‬ ‫يتع َّلـ ُ‬
‫ـف الحاجــة إلــى التقنيــة‪ ،‬وأبــر َز‬ ‫فــي زمــن كورونــا‪ ،‬مــن ُبعــد‪ ،‬علــى نحــو كشـ َ‬ ‫عر ًضا لها‪ .‬كلُّ َشــخص‪ ،‬بل كلُّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫م‬ ‫ـط‬ ‫ـ‬ ‫فق‬ ‫وليس‬ ‫ـدوى‬ ‫ـ‬ ‫للع‬ ‫ا‬ ‫ـدر‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫مص‬ ‫أي‬ ‫ـروس‪،‬‬ ‫للفيـ‬
‫ـن إمــكانٍ فــي إنجــاز‬ ‫ـاني‪ِ ،‬لمـ ُ ُ ُ ْ‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫تيح‬ ‫ت‬ ‫ـا‬ ‫ـر لآللــة‪ ،‬أي َو ْجههــا اإلنسـ ّ‬ ‫اآلخـ َ‬ ‫ـه َ‬ ‫الوجـ َ‬ ‫َ‬ ‫ـه‬ ‫ّ ُ ُ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫صح‬ ‫ـت‬ ‫ُ َ‬ ‫ـ‬ ‫َثب‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫بالفي‬ ‫ـاب‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫م‬‫ّ ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـتجد‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـيء‪،‬‬ ‫شـ‬
‫ـي‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫قم‬ ‫الر‬
‫َّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ز‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ـاع‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫إيق‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ضاه‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ـاع‬
‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫بإيق‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫تكاث‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫الوب‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫إبط‬ ‫ـاء؛‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫ْ‬ ‫اإلب‬ ‫ـد أمام‬ ‫صمـ َ‬‫أن َي ُ‬ ‫ـر قادر علــى ْ‬ ‫هشــا‪ ،‬غيـ َ‬ ‫ـه َيبقى ًّ‬ ‫ـات ذا َتـ ُ‬ ‫ـن هــذا اإلثبـ َ‬ ‫وســام ُته‪ ،‬لكـ ّ‬
‫ّ‬
‫المح ِّقــق لإلبطــاء‪ ،‬كمــا لــو‬ ‫الب ْعــد ُ‬ ‫المعنــى‪ ،‬تعمــلُ علــى تأميــن ُ‬ ‫فاآللــة‪ ،‬بهــذا َ‬ ‫ـع با ّتســاع انتشــار الفيــروس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫جه‬ ‫الم‬ ‫َ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اآلت‬ ‫الرعــب مــن‬ ‫ّ‬
‫ممــا‬ ‫ّ‬ ‫ـرعة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الس‬
‫ُ ّ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫عال‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫َمه‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ـد‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫وض‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫نطقه‬ ‫م‬ ‫ّ َ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫أن اآللــة تشــتغلُ‬ ‫ّ‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫حتم‬ ‫ر‬ ‫ـد‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫لق‬ ‫ـلٍ‬ ‫ـ‬ ‫تأجي‬ ‫ـوى‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫لي‬
‫ْ‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫الوب‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫النج‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫كم‬
‫ّ‬
‫صار‬
‫بالســرعة هــي مــا َ‬ ‫لحقيقتهــا‪ .‬فاآللــة المهووســة ّ‬ ‫ـف عــن َوجــه ُمغايــر َ‬ ‫ٍ‬ ‫كشـ َ‬ ‫ـم‬ ‫أن تأكّ ــد العا َلـ ُ‬ ‫تو َّلــد لــدى اإلنســان‪َ ،‬ب ْعــد ْ‬ ‫الرعــب الــذي َ‬ ‫ـد عوامــل ّ‬ ‫وهــذا أحـ ُ‬
‫ـه الفيــروس ال فــي‬ ‫أح َدثـ ُ‬ ‫ـد مظاهــر الق ْلــب الــذي ْ‬ ‫ـهم فــي اإلبطــاء‪ .‬إ ّنــه أحـ ُ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ُي ْ‬ ‫ـر‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫حاض‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫وج‬‫َ‬ ‫األرض‪،‬‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫كوك‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫أصاب‬
‫َ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫غريب‬ ‫ـة‬ ‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫بجائح‬ ‫ـق‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫يتع‬ ‫ـر‬ ‫أن ْ َ‬
‫ـ‬ ‫األم‬ ‫مــن ّ‬
‫ـور العديــد مــن األشــياء‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫تص‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫أيض‬
‫ً‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـع‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫والوقائ‬ ‫ـلوكات‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫العدي‬ ‫ـتقبل البلــدان التــي مــازال‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫لم‬ ‫ا‬
‫ُ ِّ ً ُ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫جس‬ ‫م‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫العا‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ـر‬
‫ُّ ً‬ ‫ـ‬ ‫تض‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫األكث‬ ‫ـدان‬ ‫البلـ‬
‫ـة إلــى التقنيــة‪ ،‬وهــي حاجــةٌ َتنطَ ــوي علــى‬ ‫ـدت الحاجـ ُ‬ ‫بانتشــار الفيــروس‪ ،‬تبـ َّ‬ ‫درجــةَ‬ ‫ـدان َ‬ ‫ت البلـ ُ‬ ‫ـم ْ‬ ‫ـف فيهــا بإيقــاع أبطــأ‪ .‬فالمراحــل التــي بهــا َرسـ َ‬ ‫ـاء َيزحـ ُ‬ ‫الوبـ ُ‬
‫العزلــة والتقنيــة‪ ،‬إذ أخذَ ت‬ ‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫بي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫العالق‬ ‫ـب‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ترتي‬ ‫ـد‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫عي‬ ‫أولهمــا أ ّنهــا ُت‬ ‫حيــن؛ ّ‬ ‫لم ْ‬ ‫َم َ‬ ‫خاضعــا ل ُنمــو هذا الفيــروس‪ ،‬الذي‬ ‫ً‬ ‫ـار‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـن‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الزم‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ـفَ‬ ‫ـ‬ ‫كش‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫ـار‬ ‫انتشـ‬
‫س مع غــزو التقنية للحيــاة الحديثة‬ ‫ّ َ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫تك‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـر‬
‫َ ْ َ‬‫ـ‬‫غي‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫آخ‬ ‫َ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ج‬
‫َ ُّ ً‬ ‫تو‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫العالق‬ ‫ـذه‬ ‫هـ‬ ‫جديدا‬ ‫ً‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ـوغ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ي‬
‫ّ َ‬‫ال‬ ‫ـتجد‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫إن‬‫ّ‬ ‫ـن‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ز‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ـيم‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫تقس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫تحكِّ‬ ‫م‬
‫غــدا ُ‬
‫نمــط حيــاةٍ‬ ‫َ‬ ‫ســتجد‬
‫ّ‬ ‫الم‬‫خلــق فيــروس كورونــا ُ‬ ‫َ‬ ‫وتحولهــا إلــى نمــط ُوجــود‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ـرا‬ ‫ـتجد أثـ ً‬ ‫المسـ ّ‬ ‫أن لكورونــا ُ‬ ‫ـرض عالقــةً جديــد ًة بالمــكان‪ ،‬أي ّ‬ ‫وحســب‪ ،‬بــل َيفـ ُ‬
‫التقنيــة فــي تأميــن اال ّتصــال‬ ‫ّ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫أتاح‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫اإلمكان‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ـتفيد‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫م‬
‫آخـ ُ‬ ‫ـر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـور ال ّزمــن والمــكان‪ ،‬وفــي إعــادة ترتيــب العالقــة معهمــا‪ ،‬أي‬ ‫ـما فــي تصـ ُّ‬ ‫حاسـ ً‬
‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫المكان‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬
‫ّ ُ ْ َ‬‫ع‬ ‫الب‬ ‫أن‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫كم‬ ‫‪،‬‬ ‫ـاني‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫فء‬ ‫ـد‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـاظ‬ ‫ـ‬ ‫الحف‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫وف‬ ‫ـد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ِمـ ُ‬
‫ب‬ ‫ـن‬ ‫ـام‪.‬‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬
‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫بو‬
‫َ‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫التاري‬ ‫ـز‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫رتك‬ ‫وم‬ ‫ُ‬ ‫ـاة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـز‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫رتك‬ ‫م‬‫ُ َ ُّ ُ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ا‬ ‫ـر‬
‫أن لــه ً‬
‫ـ‬ ‫أث‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـراري لــم َيكُ ن‬ ‫ٍّ‬ ‫ـ‬ ‫اضط‬ ‫ٍ‬
‫فء‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫اآلل‬ ‫ـرود‬
‫مكّ َ ُ َ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫زم‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـروض‪،‬‬ ‫المفـ‬ ‫ترتيب‬ ‫َ‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫غيان‬ ‫م‬
‫َ ْ َ طُ‬ ‫ه‬ ‫وو‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـةَ‬ ‫ـ‬ ‫هشاش‬ ‫ـف‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫كش‬ ‫أن‬ ‫عد‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ـروس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫ـاد‬ ‫لقــد أعـ‬
‫الم َو َّجــه إلــى التقنيــة‬ ‫ـري‪ُ ،‬‬ ‫أن النقــد الفكـ ّ‬ ‫ـح الثانــي هــو ّ‬ ‫الملمـ ُ‬ ‫مــن انشــغاالتها‪َ .‬‬ ‫ـرد‬ ‫ـط حيــاة‪ ،‬أل ّنــه لــم َيبــق ُمجـ ّ‬ ‫وباليومــي‪ ،‬وغــدا نمـ َ‬ ‫َ‬ ‫ـة الفــرد باألشــياء‬ ‫عالقـ ِ‬
‫ّ‬
‫ور الــذي تضط ِل ُع‬ ‫َّ َ‬ ‫الد‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫نس‬ ‫ي‬ ‫أن‬
‫ُ ْ ُ ْ َ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫ـاني‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫إجهازه‬ ‫وإلــى مظهــر‬ ‫وميــة‬ ‫الي ّ‬ ‫وج ًهــا لــكلّ الســلوكات َ‬ ‫ـار ُم ِّ‬ ‫بع ْينــه‪ ،‬بــل صـ َ‬ ‫أمــر َ‬ ‫هاجــس مقصــور علــى ْ‬
‫ـدى مــن تأميــن تدبيــر َمرافــق‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تب‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫لكورون‬ ‫ي‬ ‫ـد‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫التص‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫بــه فــي تأمي‬ ‫ـرء فــي كلّ مــا ُيقْبــل عليه‬ ‫ـ‬‫الم‬
‫ُفكّ ُ َ ُ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـم؛‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫العا‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫بق‬ ‫وأس االنشــغال فــي كلِّ‬ ‫َّ‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪88‬‬


‫ـزي‪،‬‬ ‫ـي‪ ،‬بإبْعــاده عــن الغريـ ِّ‬ ‫ـلٍ‬
‫بالبقــاء إلــى فعـ قيمـ ّ‬ ‫أن ترقــى َ‬ ‫التــي لــم تســتطع ْ‬ ‫ـي فــي‬ ‫ـذَّكاء االصطناعـ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ؤد َيــه الـ‬ ‫الحيــاة ِمــن ُبعــد‪ ،‬ومــن الــدور الــذي ُي ْمكــن أن ُي ّ‬
‫ـه‪،‬‬ ‫تكشــفَ ت فداح ُتـ ُ‬ ‫ـار ّ‬ ‫للقيــم‪ .‬انهيـ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ـهد علــى انهيــار فــادح َ‬ ‫ـت لــه أن يشـ َ‬ ‫وأتاحـ ْ‬ ‫االستشــفاء مــن فيــروس ينتقلُ من اإلنســان إلى اإلنســان‪ ،‬لك ّنــه ال َينتقلُ على‬
‫أول‬ ‫ّ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫قب‬
‫ْ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫خيف‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ـورة‬ ‫ـ‬ ‫بص‬ ‫ُ ُ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ترتس‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫مالمح‬
‫ُ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫كان‬ ‫التــي‬ ‫االصطناعي‬
‫ّ‬ ‫كلّ حــال بيــن اإلنســان وداخــل اآللــة‪ /‬الروبــو‪ ،‬التي َيظــلّ ذكاؤُهــا‬
‫وخطرهــا‪،‬‬ ‫ها‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫كان‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬‫أي‬
‫ًّ‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الجائح‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫زم‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ـال‬ ‫ـ‬ ‫والح‬ ‫ـوت‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـاه‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ت‬
‫امتح ُ‬
‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫خارجهــا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ـم‬ ‫رمج ُتهــا علــى تعقيـ ِ‬ ‫تمــت َب َ‬ ‫َمصو ًنــا متــى َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ـف‬ ‫ضاعـ ٍ‬ ‫قبلهــا‪ ،‬وال هــو الزمــن الــذي‬ ‫كان‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫الزم‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـا»‬ ‫ـ‬ ‫«كورون‬ ‫ـن جائحـ ِ‬
‫ـة‬ ‫َزمـ ُ‬
‫ـم ُم َ‬ ‫ـد مــن تعقيـ ٍ‬ ‫القيــم‪ .‬البـ ّ‬ ‫هــو لحظــة إلعــادة ترتيــب العالقــة مــع َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫صيبــت فــي‬ ‫ُ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫وح‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـرأت‬ ‫ـ‬ ‫اهت‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ـد مــن َجســد اإلنســان إلــى ُروحــه‪ .‬كلّم‬ ‫َيمتـ ّ‬ ‫ـع كلَّ‬ ‫كونيــا َو َضـ َ‬ ‫ًّ‬ ‫ـع حد ًثــا‬ ‫ـار الفيــروس صنـ َ‬ ‫ألن انتشـ َ‬ ‫عدهــا‪ ،‬ال فقــط ّ‬ ‫ـيكون َب َ‬ ‫ُ‬ ‫سـ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫خرابــا‪ ،‬يبقــى كلُّ تعقيــم وتطهيــر عاجزيْــن عــن‬ ‫ـاني وصــارت‬ ‫ـولٍ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫الحدي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـروع‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـد‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـة‬‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫راجع‬ ‫وم‬ ‫ـاءلة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫م‬‫َ ْ َ ُ‬‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ـيء‬ ‫ـ‬ ‫َش‬
‫ً‬ ‫َجوهرهــا اإلنسـ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫المــوت‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫قاب‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫المعن‬ ‫ـاء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الوب‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـاة‬ ‫ـ‬ ‫للحي‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫اآلخ‬
‫َ‬ ‫َصــون المعنــى‬ ‫للبلدان‪ ،‬ولكن‬ ‫ّ ُ‬ ‫االجتماعي‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫النظ‬ ‫وفي‬ ‫العالمي‬
‫ّ‬ ‫االقتصادي‬
‫ّ‬ ‫النظام‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫الح‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ـدا‬ ‫جسـ ً‬ ‫ـام‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫ـه عـ ّ‬ ‫بو ْجـ ٍ‬ ‫ـر فــي مفهــوم الحيــاة َ‬ ‫ـن أعــاد النظـ َ‬ ‫ألن هــذا الزمـ َ‬ ‫أيضــا ّ‬ ‫ً‬
‫مفهــوم‬
‫َ‬ ‫هــد َد‪ ،‬اليــوم‪،‬‬ ‫كــن أن ُي ِّ‬ ‫االجتماعــي الــذي ُي ْم ُ‬ ‫ّ‬ ‫االنهيــار‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫بالضــرورة‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫ـادم مــن‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬‫واقعي‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫المجتم‬ ‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫يق‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫عليه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫د‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫وي‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫المجتم‬ ‫إن مــا تر ّتــب علــى ظهــور‬ ‫ّ‬ ‫ـب‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫فحس‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫واقعي‬
‫ّ‬ ‫ـةً‬ ‫ـ‬ ‫رج‬‫ّ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫ولي‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كين‬ ‫م‬ ‫ّ َ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫معرفي‬ ‫ـةً‬ ‫ـ‬ ‫رج‬ ‫ّ‬
‫ٌ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ـة‬‫ـن حاجـ ٍ‬ ‫جذريــة في مفهــوم الحياة‪ ،‬بمــا َم َن َح ُه‬ ‫ّ‬ ‫ـر‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫نظ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫إع‬ ‫لُ‬ ‫ـكِّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ي‬‫ُ‬ ‫ـاره‬ ‫ـ‬ ‫وانتش‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬
‫قيــم‪ ،‬وزمـ َ‬ ‫بوصفــه َزمــن َ‬ ‫القيــم فــي َزمــن الجائحــة‪َ ،‬‬ ‫ُخطــورة انهيــار َ‬
‫للتأمــل في هذا‬ ‫ُّ‬ ‫التو ُّجــس والقلــق واالرتيــاب‪،‬‬ ‫ـحة‪ ،‬غيـ ِر ُمنفصلــة عــن َ‬ ‫مــن فسـ ٍ‬
‫ـة الحيــاة‪ ،‬علــى نحــو مــا‬ ‫حبـ ِ‬ ‫القيــم‪ .‬وبمــا هــو كذلــك‪ ،‬فهــو زمــن َم ّ‬ ‫لحــة إلــى َ‬ ‫ُم ّ‬ ‫ِ‬
‫الح ُجب عــن الحيــاة‪ ،‬أي رفْعها‬ ‫ـرص علــى ر ْفــع ُ‬ ‫ِ‬
‫المفهــوم وإعــادة َصوغــه بالحـ ْ‬
‫المــرح واألمــل‪ ،‬ومــن‬ ‫َ‬ ‫وح‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫العا‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫بق‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫عدي‬ ‫ـاهد‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ى‪،‬‬ ‫ـد‬
‫تبـ َّ‬
‫ويختفــي‪ .‬لقــد كانــت الحيــا ُة‬ ‫َ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫فيه‬ ‫ـب‬ ‫ُ ْ َ ُ‬‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫وي‬ ‫ـاة‪،‬‬ ‫ـك ينــأى فــي الحيـ‬ ‫عمــا ال ينفـ ّ‬ ‫َّ‬
‫ـول إلــى‬ ‫ـم تتحـ َّ‬ ‫ـارا علــى الهشاشــة مــا لـ ْ‬ ‫ـو ًة وانتصـ ً‬ ‫ـد قـ ّ‬ ‫ـخرية التــي ُتعـ ُّ‬ ‫روح السـ ّ‬ ‫باســم‬ ‫ْ‬ ‫ـها‬ ‫ـ‬ ‫ْس‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫االبتع‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـرع‬
‫ّ ُ ْ ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـف‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫تكش‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫حتــى قبــل‬
‫ـذف بهــا فــي متاهة الخرافة والهلوســات‪ .‬ال‬ ‫ـور أو اســتخفاف بالجائحــة أو قـ ٍ‬ ‫تهـ ُّ‬ ‫ـولُ البالهــة والتفاهــة‬ ‫آخــر للحيــاة َيبنيــه تحـ ُّ‬ ‫ـه َ‬ ‫وجـ ٍ‬ ‫باســم ْ‬ ‫ـدم‪ ،‬أي ْ‬ ‫ـور والتقـ ُّ‬ ‫التطـ ُّ‬
‫برؤيــة للحيــاة‬ ‫ـي‪ ،‬بــل ُ‬ ‫ً‬ ‫يتع َّلـ ُ‬
‫ـر إطالقــا‪ ،‬فــي هــذا الســياق‪ ،‬بخطــاب أخالقـ ّ‬ ‫ـق األمـ ُ‬ ‫ـة‬ ‫ـأي الحيــا ِة عــن َنفْســها ُصــور َة بداهـ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـس‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫َب‬ ‫ل‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫هي‬
‫َ ّ‬ ‫بد‬ ‫ر‬‫ٍ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫والجش‬
‫باآلخــر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫توقّفً ــا علــى ُن ْبــل العالقــة‬ ‫ُ َ‬ ‫م‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـرح‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫والف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫وتمجيد‬
‫َ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫حب‬
‫تجعـ َ ّ‬
‫م‬ ‫ـلُ‬
‫ـح الجائحــة‬ ‫بسـ ُـبلٍ عديــدة‪ ،‬قبــل أن ُتلـ ّ‬ ‫تو ُّحــش اإلنســان ُ‬ ‫ـويغ َ‬ ‫ـف عــن تسـ ِ‬ ‫ال تكُ ـ ُّ‬
‫ـد إلــى العالقــة بيــن النــاس ليــس‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫وامت‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الجائح‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫فر‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـال‪،‬‬ ‫فاالنفصـ‬
‫ـه‬ ‫ـف طغيا ُنـ ُ‬ ‫تكشـ َ‬ ‫علــى إعــادة ترتيــب عالقــة اإلنســان مــع الطبيعــة َبعــد أن ّ‬
‫تأمــل لمفهــوم العالقــة ولمفهــوم الحيــاة‪ ،‬مادامــت الحيــاة‪ ،‬في‬ ‫ســوى إعــادة ّ‬‫ِ‬
‫جاهها‪ ،‬وعلــى إعــادة ترتيب عالقة‬ ‫ـه حقيقــةَ هشاشــته ُت َ‬ ‫ـب عنـ ُ‬ ‫عليهــا‪ ،‬بمــا حجـ َ‬
‫الخيــوط‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بةَ‬ ‫ـع‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫تش‬ ‫م‬
‫ُعمقهــا‪ ،‬عالقــةً ُ‬ ‫ـة اإلنســان باإلنســان‪.‬‬ ‫اإلنســان ب َنفســه‪ ،‬وعالقـ ِ‬
‫ودهشــتها‬ ‫وأســها الحامي ألســرارها َ‬ ‫دوما ُنســغَ الحياة ُّ‬ ‫أن المجهولَ كان ً‬ ‫رغم ّ‬ ‫أن غريــز َة البقــاء‬ ‫ـف َزمــن كورونــا‪ ،‬علــى األقــلّ مــن مظاهــره األولــى‪ّ ،‬‬ ‫لقــد كشـ َ‬
‫بصور ِة‬ ‫ُ‬ ‫ـوت‬ ‫ـ‬‫للم‬
‫َ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫حتفظً‬ ‫وم‬
‫ُ‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫قاتم‬
‫ً‬ ‫ـا»‬ ‫ـ‬ ‫«كورون‬ ‫ـة‬‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫جائح‬ ‫ـولُ‬ ‫ـ‬ ‫مجه‬ ‫ـدو‬ ‫ـ‬ ‫يب‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ده‬ ‫وتجد‬
‫ُّ‬ ‫ضــع‬ ‫الو ْ‬ ‫مــن‬ ‫بهــا‬ ‫ـل‬‫َ‬ ‫ـ‬ ‫تنتق‬ ‫أن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫التــي‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫القي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫تخترقه‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫لــدى‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ـف‬ ‫ـف‪ ،‬من بين ما كشـ َ‬ ‫المضــيء فــي هــذا المجهــول هــو أ ّنه كشـ َ‬ ‫لربمــا ُ‬ ‫القتــل‪ّ .‬‬ ‫غيــر‬ ‫البقــاء‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫غريــز‬ ‫أن‬ ‫ذلــك‬ ‫الحيــاة‪.‬‬ ‫ــة‬ ‫حب‬ ‫لم‬ ‫ــب‬ ‫ح‬ ‫الر‬ ‫األفــق‬ ‫إلــى‬ ‫الغريــزي‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ّ‬
‫ـي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحـ ٍّ‬ ‫العلمــاء‪ ،‬وإلــى نظــام ّ‬ ‫ـاني وإلــى ُ‬ ‫عنــه‪ ،‬عــن الحاجــة إلــى العلــم اإلنسـ ّ‬ ‫محبــة الحيــاة قيمــةٌ ترتك ـ ُز علــى تقديــر الــذات للغَ يــر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن‬‫محبــة الحيــاة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫القيــم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـةَ‬‫ـ‬ ‫قيم‬
‫َ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫وتطويره‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫التفاه‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ق‬ ‫ـاب‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫التس‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫في‬ ‫ـدا‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ـور‪ ،‬فــي َزمــن‬ ‫متطـ ِّ‬ ‫ـهدتها‬ ‫ـاع التــي شـ َ‬ ‫ـي‪ .‬فاألوضـ ُ‬ ‫ـ‬ ‫الثقاف‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫نح‬ ‫ـزي‬‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫الغري‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـذات‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـروج‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫وعل‬
‫ّ‬
‫ْضى‬ ‫ـولَ التنا ُفــس علــى إنتــاج التفاهــة عالمــةَ الزمــن الحديث‪ ،‬بمــا أف َ‬ ‫حتــى تحـ َّ‬ ‫ـابق المحمــوم للظفَ ــر‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫والتس‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫العال‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫بق‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫ختل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫التجاري‬
‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ـا‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫المح‬
‫ـض ال يبــدو‪ ،‬فــي زمــن كورونــا‪ُ ،‬معيقً ــا‬ ‫إلــى إنتــاج فائــض مــن التفاهــة‪ .‬فائـ ٌ‬ ‫الغذائيــة وغيرهــا‪ ،‬وظهــور ُت ّجــار الحــروب واألوبئــة واألزمــات‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬ ‫بالمــواد‬
‫ّ‬
‫بحد ِة الهشاشــة‪ ■ .‬خالد بلقاســم‬ ‫عامل من عوامل اإلحســاس ّ‬ ‫ً‬ ‫وحســب‪ ،‬بل‬ ‫شــرية‬ ‫ّ‬ ‫الب‬
‫َ‬ ‫الــذات‬ ‫ِ‬
‫حقيقــة‬ ‫علــى‬ ‫‪،‬‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫تفــر‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫لإلنســان‬ ‫أتاحــت‬
‫ْ‬ ‫ــوت‪،‬‬ ‫الم‬
‫َ‬ ‫ُت ّجــار‬

‫‪89‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫«كورونا»‪ ‬الذي يُعيد‪« ‬تربية»‪ ‬العالم‪ ‬‬
‫العدو‪ ‬الالمريئ ورسديّة الرعب املُعمم‬
‫لربــا مــن‬
‫لربــا مــن الســابق ألوانــه‪ ،‬الدخــول يف محاولــة الســتخالص الــدروس والعــر مــن رعــب كورونا‪« ‬الســائل»‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫غــر املنطقــي‪ ،‬الحســم يف‪ ‬مآالت‪ ‬الوضــع املربــك واملخيــف الــذي نختــره آن ـا‪ ،‬ومــع ذلــك ال بــأس أن نجـ ِّـرب القــراءة‬
‫ونهفــو إىل‪ ‬ت ّلمــس الخالص‪ .‬األمــر جلــل واملوقــف عــي عــى الفهــم والتأويــل‪ ،‬فالعــامل الــذي كان مطمئنــا إىل يقينياتــه‬
‫واعتقاداتــه املتص ّلبــة‪ ،‬بــات غائصـ ًا يف حــرة كــرى‪ ،‬وكأنــه يجــرب دهشــة البدايــات وقلــق النهايــات كــا يف العــود األبــدي‪،‬‬
‫كل املســالك واملتاهــات‪ ،‬فقــط هــو‬ ‫ـؤَول‪ ،‬فقــط هو‪« ‬الاليقني»‪ ‬مــا يشــمخ عاليـ ًا يف ّ‬
‫ويـ َّ‬
‫ـؤَول ُ‬
‫فــا حقيقــة تصمــد وال معنــى ُيـ ِّ‬
‫الضعــف والخــوف واملــرض واملــوت‪ ،‬مــا يعيدنــا إىل الصفــر ويدفعنــا نحــو املجهــول‪ .‬‬

‫ـول العالــم إلــى محجــر صحــي كبيــر‪ ،‬وانســجن األفــراد‬ ‫لقــد تحـ ّ‬ ‫ال الحكومــات التي أدمنت طويالً‪« ‬البلطجة الدولية»‪ ‬واالســتبداد‬
‫تحــت ضغــط الجائحــة فــي منازلهــم‪ ،‬وتوقَّفــت دورة اإلنتــاج‬ ‫السياســي‪ ،‬فــي الشــمال أو الجنــوب‪ ،‬اســتطاعت أن تتغلَّــب‬
‫ــع والكنائــس‬ ‫فــي كثيــر مــن المصانــع واإلدارات‪ ،‬وباتــت الب َِّي ُ‬ ‫علــى هــذا العدو‪ ‬الالمرئــي‪ ،‬الــذي ينتشــر ســريع ًا وال يبقــي وال‬
‫والمســاجد‪ ،‬توصــد أبوابهــا في وجــه المصلين‪ ،‬فمــن كان يعتقد‬ ‫يــذر‪ .‬وال الحكومــات التــي أدمنت‪« ‬التبعية»‪ ‬أو‪« ‬األنفــة وعــزة‬
‫يومــ ًا أن يصيــر الحــرم المكــي فارغــاً؟ وأن تنتهــي الســعودية‬ ‫ـرر مــن لعنــة كورونــا‪ ،‬وتبقــى‬ ‫النفس»‪ ‬اســتطاعت بدورهــا أن تتحـ َّ‬
‫ـن كان يعتقــد‪ ،‬يوم ـاً‪ ،‬أن تصيــر‬ ‫مــن منــح تأشــيرات العمــرة؟ َمـ ْ‬ ‫فــي ِحــلٍّ من‪« ‬رعبه»‪ ‬و«ترعيبــه»‪ ،‬فالفقــراء كمــا األغنيــاء‪،‬‬
‫المطارات والفنادق والمزارات الســياحية بال مسافرين وزائرين؟‬ ‫المشــاهير والمغمــورون‪ ،‬آل الشــمال وآل الجنــوب‪ ،‬الــكلّ بــات‬
‫الحــب‬
‫ّ‬ ‫يتخيــل أن تصيــر فينيســيا‪« ‬البندقية»‪ ،‬مدينــة‬ ‫ّ‬ ‫ــن كان‬
‫َم ْ‬ ‫ومو ِقن ـ ًا بــأن رســاميله الرمزيــة والماديــة‬ ‫خائف ـ ًا مــن الجائحــة‪ُ ،‬‬
‫والجمــال‪ ،‬خاويــة على عروشــها؟‪  ‬‬ ‫لــن تمنــع عنه‪« ‬الوبــاء الســائل»‪ .‬‬
‫إن ســردية الرعــب المعمــم نابعــة أساسـ ًا مــن خطــاب التهويــن‬ ‫فجأة توارت عن قصاصات وكاالت األنباء ومسائيات اإلذاعة والتلفزة‬
‫أو التهويــل الــذي رافــق الفيــروس منــذ ظهــوره األول فــي‬ ‫أخبار داعش‪ ‬وقفشــات‪ ‬ترامب وتداعيات‪ ‬بريكسيت‪ ‬وثورات‪ ‬الربيع‪،‬‬
‫ـه اآللــة اإلعالميــة‪ ،‬ولــو مــن غيــر‬‫إقليم‪ ‬ووهان‪ ‬الصينــي‪ ،‬فلــم َت ْن َتـ ِ‬ ‫تراجــع كلّ ذلــك إلــى الــوراء‪ ،‬ليصيــر خبزنــا اليومــي هــو فيــروس‬
‫قصديــة مباشــرة‪ ،‬مــن بــث القلــق والذعــر فــي نفــوس المواطنين‬ ‫كورونــا القاتــل‪ ،‬نداعب شاشــات الهاتــف وأزرار الريمــوت كونترول‪،‬‬
‫فــي أكثــر مــن ســياق‪ ،‬مثلمــا لــم تنتــه قنــوات التواصــل الشــعبية‬ ‫بحثـ ًا عــن أعــداد القتلــى والمصابين في الهنــا والهنــاك‪ ،‬ونتطلَّع إلى‬
‫مــن إنتــاج النكت والشــائعات واألخبار الزائفة بصــدد الفيروس‪،‬‬ ‫ـت للضحك والتهوين‬ ‫ـد ُر حين ًا بِ ُنكَ ـ ٍ‬
‫بشــر باكتشــاف اللقاح‪َ ،‬ن َت َنـ َّ‬
‫أخبــار ُت ّ‬
‫ليتدخل‪« ‬تجــار الحــروب وأثريــاء األزمــات»‪ ،‬لصــب مزيــد مــن‬ ‫َّ‬ ‫مــن الواقعــة‪ ،‬أو ننخــرط خطــأ فــي مســارات التهويــل والرفــع مــن‬ ‫َمنْ كان يعتقد‪،‬‬
‫الزيــت علــى النــار‪ ،‬باحتــكار الســلع وتوجيــه المســتهلك نحــو‬ ‫منســوب الذعــر جراء تقاســم بعــض األخبار الزائفــة أو الصادقة‪ .‬‬ ‫يوماً‪ ،‬أن تصري‬
‫ُســعار الشــراء والتخزين اســتعداد ًا لألســوأ‪ ،‬كلّ ذلك كان ســبب ًا‬ ‫يبــدو أنه‪« ‬وبــاء ُم َعل ٌِّم»‪ ‬جــاء ليضــع اإلنســانية أمــام ضعفهــا‬ ‫املطارات والفنادق‬
‫رئيس ـ ًا فــي تعميــم الرعــب والهلــع وفتــح علبــة شــرور العالــم‬ ‫المتأصــل‪ ،‬ليذكّ رهــا بــأال شــيء يمكــن التحكّ ــم فيــه‪ ،‬وأن‬ ‫ّ‬ ‫واملزارات السياحية‬
‫من جديد‪  .‬‬ ‫للطبيعــة منطقــ ًا آخــر‪ ،‬و«رياضيات»‪ ‬أخــرى‪ ،‬ال تخضــع‬ ‫بال مسافرين‬
‫الفيــروس فعلهــا‪ ،‬وأعــاد كلّ شــيء إلــى الصفــر‪ ،‬أعــاد اإلنســان‬ ‫ــي‬ ‫ِ ِ‬ ‫وزائرين؟ َمنْ كان‬
‫لقوانيــن الســوق ومتاهــات الحداثة‪ ‬المفرطــة‪ ،‬جاء‪ ‬ل ُي ْعل َ‬
‫إلــى ســردية الرعــب الممتــدة عبــر األزمنــة‪ ،‬والتــي دعتــه فــي‬ ‫مــن فرضية‪« ‬ســردية الرعــب المعمــم»‪ ،‬حيــث قلــق المــوت‬ ‫يتخ ّيل أن تصري‬
‫حالة‪« ‬حــرب الجميــع ضــد الجميع»‪ ‬إلــى االحتمــاء بالســحر‬ ‫ينتصــر علــى قلــق المعنى‪ ،‬وحيــث غريــزة البقــاء تحــاور غريزة‬ ‫فينيسيا‪« ‬البندقية»‪،‬‬
‫والمعتقــد والخيــال لمواجهــة ظــام الجهــل والمــرض وباقــي‬ ‫المــوت‪ ،‬وتفــاوض بشــأن التجــاوز واالنتصــار علــى فيــروس‪،‬‬ ‫الحب‬
‫ّ‬ ‫مدينة‬
‫الشــرور‪ .‬كورونا فعلهــا وأعــاد اإلنســان إلــى ضعفــه وعجــزه‪،‬‬ ‫يعبــث باألبــدان واألرواح واالقتصاديــات ويقودهــا قســر ًا نحــو‬ ‫والجمال‪ ،‬خاوية عىل‬
‫ـد ًا مــن االختبــاء واالمتنــاع عــن اللقــاء باآلخر‪ .‬إنــه‬ ‫فــا يجــد بـ ّ‬ ‫أحلــك االحتمــاالت‪ .‬‬ ‫عروشها؟‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪90‬‬


‫تعرضــت‪ ،‬وألســباب تاريخيــة وسياســية واقتصادية‪ ‬صرفــة‪ ،‬للمزيــد‬ ‫التــي َّ‬ ‫الفيــروس الــذي يعيــد بنــاء المســافة االجتماعيــة ويعمــل فــي اآلن ذاتــه على‬
‫مــن التهجيــن والمســخ واالحتبــاس القيمــي‪ ،‬وأنتجــت فــي النهاية‪« ‬مســخ ًا‬ ‫تحييــن أو تهجيــن الرابــط االجتماعي‪ .‬ففــي لحظــات الخطــر تلــوح الحاجــة‬
‫ا أمــام اختبــارات الجوائح واألوبئة‪ ،‬بل يكشــف‬ ‫ً»‪ ‬هشـاً‪ ،‬ال يصمــد طويـ ً‬ ‫ّ‬ ‫إنسانيا‬ ‫إلــى الشــبيه‪ ،‬لمواجهــة عنــف المتوقّع‪ ‬والالمتو ّقــع‪ ،‬فكيــف يســتقيم األمر في‬
‫المتأصــل فــي أعماقــه‪ ،‬يســتيقظ فيه‬‫ّ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫والبائ‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫المخف‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫الجان‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ســريع‬ ‫ظــل فيــروس يقتضــي التباعــد ال التقــارب؟ هنــا يشــتغل الرمــزي بدرجــة أعلى‬
‫الوحــش‪ ،‬ويموت فيه اإلنســان‪  .‬‬ ‫وتصيــر المســافة‪« ‬صحية‪/‬احترازية»‪ ،‬مــع عــودة دالــة إلى الــذات واآلخر‪ ،‬في‬
‫رســائل‪/‬دروس الجائحــة ال تنتهــي‪ ،‬إنهــا تتجــاوز المحلــي إلــى الكونــي‪،‬‬ ‫أشــكال تضامنيــة وحدويــة لمواجهــة الخطــر‪ ،‬بــل وحتــى في مســتوى أشــكال‬
‫ـوق علــى كلّ الســرديات الدائــرة بغيــر انقطــاع‪ ،‬لتعلــن للجميــع‪ ،‬وفــي‬ ‫وتتفـ ّ‬ ‫عدوانيــة تعلــن انتصــار األنانيــة والجشــع واالحتكار‪ .‬وهــو مــا الح بقــوة فــي‬
‫عتبــة العتبــات‪ ،‬أن الجائحــة ديموقراطيــة‪ ،‬فــي اســتهدافها للــدول الغنيــة‬ ‫التســابق نحــو إدخــار الطعــام وإعــادة ترتيــب األولويــات‪ .‬‬
‫كمــا الفقيــرة‪ ،‬وللفئــات المهيمــن عليهــا‪ ،‬كمــا األخــرى التــي تهيمــن وتمتلــك‬ ‫لقــد تنــازل الفرد‪ ،‬مكرهاً‪ ،‬عن طقوســه اليومية‪ ،‬وانســجن‪ ،‬ضــد ًا على رغباته‪،‬‬
‫وســائل اإلنتــاج واإلكــراه‪ ،‬فهــو فيــروس ال يختــار ضحايــاه بســبب اللــون أو‬ ‫فــي بيتــه‪ ،‬مذعــور ًا مــن خطر محدق‪ ،‬قادم من لمــس زر مصعد أو فتح باب أو‬
‫الديــن أو االنتماء‪ ‬المراتبــي‪ ،‬مثلمــا هــو الحــال بالنســبة لمــرض الســل الــذي‬ ‫ال بالبحث عن األســفار والرحالت‬ ‫مصافحة مريض‪ ،‬لم يعد ذات الفرد منشــغ ً‬
‫يصيــب آل القــاع االجتماعــي مــن الذيــن يقيمــون في ســكن حــاط بالكرامة‪ ،‬أو‬ ‫ألقلّ ســعراً‪ ،‬أو مهووساً‪ ‬بالتمشــهد‪ ‬الرقمي لحصد‪ ‬الاليكات‪ ‬وتسويق الذات‪،‬‬ ‫ا َ‬
‫فيروس‪ ‬اإليبوال‪ ‬الــذي اســتهدف مواطنين من إفريقيا الوســطى بالتحديد‪ .‬هنا‬ ‫المعمــم هــو البقــاء وتالفــي ممكنــات العــدوى‬
‫ّ‬ ‫مــا يهمــه فــي ســردية الرعــب‬
‫ـأل واحــدة مــن الــدول الكبرى‬ ‫الجائحــة تعلــن أنهــا جــاءت لتقــول للجميــع‪ ،‬بـ ّ‬ ‫واالعتالل‪ .‬‬
‫التحصــن ضــد الفيــروس‪ .‬‬ ‫ّ‬ ‫أو الصغــرى بمقدورهــا‬ ‫ـم الوجــودي لألفــراد والجماعــات هــو تخزيــن الطعام والتســابق‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اله‬ ‫لقــد بــات‬
‫فــي عتبــة ثانيــة يعلــن الفيــروس للجميــع أن العلــم هــو مفتــاح الفــرج‪ ،‬وأن‬ ‫نحــو تأميــن أكبــر قــدر مــن الــدواء‪ ،‬وهــو مــا فتــح البــاب لظهــور األنانيــات‬
‫المراهنــة علــى التفاهــة ونجــوم الكــرة والغنــاء والبالهــة‪ ،‬لن تنقــذ العالم من‬ ‫والهويــات القاتلــة‪ ،‬وكأن األمــر يتع َّلــق‬
‫ّ‬ ‫المســتحكمة‪ ‬والفردانيات‪ ‬المعطوبة‬
‫مصيــر الهاويــة‪ ،‬فقــط هــو البحــث العلمــي مــا قــد يقــود إلــى اكتشــاف اللقاح‬ ‫بهندســة اجتماعيــة جديــدة أساســها التباعــد االجتماعــي واإلعــاء مــن شــرط‬
‫ال باالســتثمار في بنيــات التربية والتعليم‬ ‫وتأميــن المســتقبل‪ ،‬وهــو ما يكون قب ً‬ ‫البقاء‪ .‬فــكلّ التعليمــات االحترازيــة توصــي بضــرورة االنتهــاء مــن طقــوس‬
‫ـرة أخــرى أمــام حقيقــة القطاعــات‬ ‫والصحة‪ .‬فالفيــروس وضــع اإلنســانية مـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحيــة والتقبيــل والعنــاق‪ ،‬لصالــح أشــكال جديــدة من‪« ‬اليومــي التواصلي»‪،‬‬
‫والمقرِضــة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫المانح‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫المؤس‬
‫َّ‬ ‫ـات‬‫ـ‬ ‫توصي‬ ‫ـبب‬ ‫ـ‬ ‫بس‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ل‬‫م‬‫ِ‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الحيوي‬ ‫تنبنــي علــى التباعــد ال التقــارب‪ ،‬وعلى االنفصــال ال اال ّتصال‪ .‬وهــو ما تعضده‬
‫والتــي توصــي دوم ـ ًا بوجــوب تخلــي الدولــة عــن اإلنفــاق العمومــي لصالــح‬ ‫العامة وإغــاق دور العبــادة والمطــارات والمقاهي‬ ‫ّ‬ ‫خيــارات منــع التجمعــات‬
‫الصحــة والتعليــم وباقــي القطاعــات االجتماعية‪ .‬‬ ‫ّ‬ ‫والمطاعم‪ .‬‬
‫ثمــة عتبــة أخــرى للفهــم والســؤال المســتفز‪ ،‬تنكشــف مــن خــال‬ ‫ّ‬ ‫إنها مجتمعات الخطر والمخاطرة التي أهدتنا إياها النيوليبرالية المتوحشــة‪،‬‬
‫تداعيات‪« ‬حــرب كورونــا»‪ ،‬وهي بالضبط عتبة المصير المشــترك‪ ،‬فاإلنســانية‬ ‫وقادتنــا إليهــا التفكيكات‪ ‬والتذريرات‪ ‬المتواصلــة للرابــط االجتماعــي ولكافــة‬
‫المعمــم التــي أفرزتهــا وعززتهــا جائحــة‬
‫ّ‬ ‫تختبــر اليــوم‪ ،‬عبــر ســردية الرعــب‬ ‫أشــكال وبنيــات التضامــن والتعاضــد الجمعــي‪ ،‬إنهــا ذات المجتمعــات‪،‬‬

‫‪91‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫حقّقتــه البشــرية مــن انتصــارات مزعومــة علــى الطبيعــة‪ ،‬ومــا‬ ‫كورونــا‪ ،‬تختبــر أن األلــم مشــترك والمعانــاة واحــدة‪ ،‬وأن‬
‫بلغتــه مــن شــأ ٍو فــي بــاب المســتحدثات التقنيــة‪ ،‬وأن ما ّ‬
‫كرســته‬ ‫المجهول‪ ‬يتســيد‪ ‬الوضع‪ ،‬ويلقــي بثقلــه علــى كلّ‬
‫ّ‬ ‫الخــوف مــن‬
‫مــن قيــم االســتهالك واحتمــاالت الضبــط والتوجيــه‪ ،‬بــات بــا‬ ‫ال بعــدد‬ ‫الديناميــات والفعاليــات اإلنســانية‪ ،‬فالــكلّ بــات منشــغ ً‬
‫معنــى‪ ،‬أمــام فيــروس مجهــري أصــاب العالــم في مقتــل‪ ،‬وعمق‬ ‫المصابيــن والمتعافيــن والراحليــن تباعـاً‪ ،‬فــي الصيــن وإيطاليــا‬
‫مــن جرحه النرجســي‪  .‬‬ ‫والمدينــة الفالنيــة والحــي األقــرب‪ ،‬لــم تعــد أهــداف ميســي وال‬
‫ســتدرك البشــرية‪ ،‬ولــو بعــد حين‪ ،‬أن الحيــاة تســتمر بالضروري‬ ‫مؤخرة‪ ‬كارديشــيان‪ ‬تغري بالمتابعــة على‪ ‬اليوتيــوب‪ ،‬وتحقّــق‬
‫مــن أساســيات حفــظ النفــس والحيــاة‪ ،‬وأال حاجــة إلــى‬ ‫بالتالــي أعلــى أرقام‪« ‬الطوندونــس»‪ ،‬فقــط هــو الخــوف مــن‬
‫العالمــات الفاخــرة لتأكيــد التمايــز االجتماعــي‪ ،‬وأال حاجــة‬ ‫ـن الرهــاب‪ .‬‬‫ومك َْمـ َ‬‫س االنهمــام َ‬‫االعتــال مــا يشــكل أُ َّ‬
‫إلى‪« ‬المؤثرين»‪ ‬مــن ص َّنــاع التفاهــة والبالهــة‪ ،‬لصناعــة الــرأي‬ ‫لقــد أحــدث كورونــا‪ ،‬فينــا ومــن حولنــا‪ ،‬فائــق االرتبــاك وعميــق‬
‫العــام‪ ،‬وأن مــا يمكــث وينفــع النــاس هــو العلم‪/‬مفتــاح الفــرج‪ .‬‬ ‫الصدمــة‪ ،‬لقــد َع َّرانــا مــن الداخل قبــل الخارج‪ ،‬وكشــف جروحنا‬
‫إن الحجــر الصحــي الــذي يختبــره العالــم اليــوم‪ ،‬هــو أشــبه مــا‬ ‫النرجســية العميقة‪ ،‬وأعطابنا‪ ‬االجتماعيــة والسياســية الثقيلــة‪،‬‬ ‫إن الحجر الصحي‬
‫يكــون بعــودة مفروضــة إلــى الــذات‪ ،‬فــي شــكل خلــوة تفكيــر‬ ‫األهــم‪ ،‬خســائرنا القيميــة الكبــرى‪ ،‬فــي‬ ‫ّ‬ ‫وكشــف‪ ،‬وهــذا هــو‬ ‫الذي يختربه العالم‬
‫وتغييــر وتنويــر‪ ،‬إلعــادة اكتشــاف األنــا واآلخــر‪ ،‬وإزالــة الســحر‬ ‫إنتاج‪« ‬إنســانية جمعيــة»‪ ‬أو حتى‪« ‬فردانيــة عقالنية»‪ ‬تدبــر‬ ‫اليوم‪ ،‬هو أشبه ما‬
‫عــن الوقائــع واألشــياء‪ ،‬فالمطلــوب أن تصيــر هذه‪« ‬الخلــوة‬ ‫والتبصــر واإليثار‪ .‬لهــذا‬
‫ّ‬ ‫األزمــات العصيبــة بمزيــد مــن الحكمــة‬ ‫يكون بعودة مفروضة‬
‫القســرية»‪ ‬عتبة تأسيســاتية فارقة‪ ‬ومائزة‪ ‬إلعــادة قــراءة وتأويــل‬ ‫يتوجــب علينــا االعتــراف بــأن اإلنســانية رســبت في هــذا االمتحان‬ ‫َّ‬ ‫إىل الذات‪ ،‬يف شكل‬
‫الحــال والمــآل‪ ،‬عبــر اكتشــاف الذات فــي محدوديتهــا القصوى‪،‬‬ ‫بشــرت به العولمة والحداثة وحوار الحضارات‪،‬‬ ‫العســير‪ ،‬وأن ما ّ‬ ‫خلوة تفكري وتغيري‬
‫م‪ ‬الهوياتــي‪  .‬‬
‫ّ‬ ‫التضخ‬
‫ّ‬ ‫بعيــد ًا عــن وهــم‬ ‫ومــا إلــى ذلــك من‪« ‬مفاهيــم مســكوكة‪  ‬وترحالية»‪ ،‬لــم نجــد لــه‬ ‫وتنوير‬
‫لربمــا كان مــن الضــروري‪ ،‬أن تصفــع الجوائــح‪ ،‬اإلنســان مــن‬ ‫َّ‬ ‫ـن‬‫مــن أثــر فــي قلــب اإلعصــار‪ ،‬وتحديــد ًا فــي الــدول التــي لــم ُي ْبـ َ‬
‫حيــن آلخــر‪ ،‬ع ّلــه يســتفيق وينتهــي من‪« ‬رأســمالية الكــوارث»‪،‬‬ ‫فيها اإلنســان‪ ،‬و ُتـر َِك فيهــا منــذور ًا ألدوات‪« ‬التضبيع»‪ ‬والتتفيه‪ .‬‬
‫فعالــم مــا قبــل ســردية الرعب‪ ‬الكوروني‪ ،‬كان غائصـ ًا في بلطجة‬ ‫بــد مــن التأكيــد علــى أن درس الــدرس الــذي‬ ‫فــي الختــام ال َّ‬
‫فجــة‪ ،‬لــم يكــن معهــا يعيــر أدنــى انتبــاه ِ ُ‬
‫ل ِّم َنــا األرض‪،‬‬ ‫دوليــة ّ‬ ‫يتوجــب الخلــوص إليــه‪ ،‬مــن هــذي الجائحــة‪ ،‬هــو البنــاء‬ ‫َّ‬
‫ـدالت‪ ،‬كان‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫المع‬ ‫كلّ‬ ‫ـاق‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫وتدميره‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ونهبه‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫تلوثه‬ ‫وال إلــى‬ ‫الحضــاري لألمــم والشــعوب‪ ،‬عبــر بنــاء اإلنســان وجعلــه محــور‬
‫ال فقــط بالتحريــض على االســتهالك وتوطين قيم الســوق‬ ‫منشــغ ً‬ ‫كلّ ‪ ‬االســتهدافات‪ ‬التنموية‪ ،‬مــع مــا يوجبــه هــذا البنــاء مــن‬
‫والتفاهة‪ .‬وهــا هــو الفيــروس يصفــع الجميــع‪ ،‬ويعيــد اإلنســان‬ ‫تعاقــدات مجتمعيــة جديــدة‪ ،‬ومصالحــات ذكيــة بيــن الطبيعــة‬
‫إلــى ُعريــه وضعفــه ودهشــة البــدء‪ ،‬فهــل سيســتوعب الواقعــة‬ ‫الوباء‪ ‬الم َع ْو ِل ُم‪ ‬لأللم‬
‫ُ‬ ‫واإلنســان‪ ،‬وبين اإلنســان واإلنســان‪ .‬فهذا‬
‫تتلخــص فــي هكــذا عبــارة‪« ‬أال مــا أضعفــك أيها‬ ‫والــدرس؟ والتــي ّ‬ ‫والفــزع والشــر‪ ،‬ســيغرس فــي ذاكــرة الشــعوب خبــرات مؤلمــة‬
‫اإلنســان»‪ ■ .‬عبــد الرحيــم العطــري‬ ‫عــن ســوء التدبيــر والتعاطــي مع‪ ‬األزمــات‪ ،‬وســيذكرها‪ ‬بأن مــا‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪92‬‬


‫جان كالبيترس‪:‬‬
‫آمن وعلينا التك ُّيف‬
‫ِ‬ ‫غري‬ ‫العالم‬
‫املروعــة غابــات أســراليا‪ ،‬والتهمــت‬‫ِّ‬ ‫دمــرت الحرائــق‬
‫ـر‪ :‬ففــي ينايــر‪ /‬كانــون الثــاين‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫ـتهالل غــر ُمبـ ِّ‬ ‫كان لعــام ‪ 2020‬اسـ‬
‫ـت مــى‪ ،‬بينــا‬ ‫الربيــة‪ ،‬لتصبــح أزمــة «التغيــرات املناخيــة» معضلــةً أكــر واقعيــة مــن أي وقـ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫النــران آالف الحيوانــات‬
‫ملنتــر يف جميــع أنحــاء‬ ‫ـتجد ا ُ‬
‫ملسـ َ‬ ‫والصاعــات‪ ،‬ليــأيت فــروس «كورونــا» ا ُ‬‫ِّ‬ ‫تواصــل مئــات اآلالف زحفهــا هربـ ًا مــن الحــروب‬
‫العــامل‪ ،‬خالقـ ًا حالــة مــن القلــق وعــدم االســتقرار‪ ،‬فأصبــح الكثــرون يعتكفــون يف املنــازل ويتقوقعــون عــى ذواتهــم جـ َّـراء‬
‫األيــام القادمــة‪.‬‬
‫آت ومــا تحملــه ّ‬ ‫نوبــات مــن الهلــع االســتباقي خشــية مــا هــو ٍ‬
‫أهميــة احتــواء مخــاوف البعــض والتخفيــف مــن تهويــات البعــض اآلخــر‪ ،‬كان ملوقــع «دي تســايت» األملــاين‬ ‫انطالقـ ًا مــن ِّ‬
‫ـي مــن جامعــة كوبنهاغــن‪ ،‬ورئيــس‬ ‫هــذا الحــوار مــع الطبيــب النفــي «جــان كالبيتــر» الحاصــل عــى دكتــوراه الطــب النفـ ّ‬
‫ـي يف عيــادة أوبريبــرج النهاريــة ‪ Kurfürstendamm‬يف برلــن‪ ،‬الــذي صــدر لــه العــام املايض كتاب‬ ‫وحــدة العــاج النفـ ّ‬
‫أهميــة‬‫قميــة‪ ،»Digitale Paranoia – bleiben /‬إذ يف ِّنــد «كالبيتــر» يف حــواره ِّ‬ ‫بعنــوان «أن تكــون مصاب ـ ًا بالبارنويــا َّ‬
‫الر ّ‬
‫للحـ ِّـد مــن املخــاوف التــي تحيــط بهــم والتعاطــي معهــا بصــور ٍة أكــر إيجابيــة‪.‬‬‫التواصــل مــع اآلخريــن َ‬

‫يعــد بإمكانهــم التفكيــر بمعــزل عــن هذه األحــداث‪ ،‬وذلك‬ ‫تخوف ًا من ُ‬


‫المعتاد مقارنةً بالماضي؟‬ ‫هل أصبح البشر أكثر ُّ‬
‫نظر ًا لحجم التهديدات المباشــرة وتداول األخبار الســيئة‪،‬‬
‫‪ -‬نعــم‪ ،‬بالتأكيــد ‪ .‬الحظــت ذلــك فــي مجــال عملــي ســواء‬
‫التــي لــم يعــد باإلمــكان إيقافهــا أو حجبهــا‪.‬‬
‫علــى الصعيــد الجماعــي أو الفــردي‪ ،‬وعلــى مــا يبــدو أن‬
‫إذن أنــت تــرى أن اآللــة اإلعالميــة تلعــب دوراً حاســم ًا فــي‬ ‫األمــر فــي تصاعــد بحكــم تزايــد التهديــدات العالميــة التــي‬
‫مثــل هــذه األحــوال‪..‬‬ ‫ـخصية‪ .‬فعلــى‬
‫ّ‬ ‫صــارت تؤ ِّثــر حاليـ ًا علــى محيــط حياتنــا الشـ‬
‫ـتجد ومــا يثيره‬
‫المسـ َ‬‫ســبيل المثــال‪ ،‬لدينــا فيــروس كورونــا ُ‬
‫االجتماعيــة تعــد‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬بالطبــع‪ ..‬الصحــف ووســائل اإلعــام‬ ‫مــن حالــة هلع لــدى المواطنين‪ ،‬فبعض األشــخاص الذين‬
‫بصــر مــن خاللهــا العالــم ك ّلــه‪ .‬كذلــك هناك‬ ‫هامــة ُن ِ‬
‫نافــذة ّ‬ ‫يأتــون إلينــا فــي العيــادة الخارجيــة والعيــادة النهاريــة لــم‬
‫أهميــة حثيثــة لعنصري الصورة واللُّغــة باعتبارهما عاملين‬ ‫ِّ‬
‫ـم‬ ‫للمتل ِّقــي‪ ،‬ومــن َثـ َّ‬
‫حاســمين فــي رســم الصــورة الذهنيــة ُ‬
‫وجــب علــى هــذه الوســائل الجماهيريــة أن تنقــل صــور ًة‬
‫حقيقيــة تتماهــى مع العالم علــى أرض الواقع‪ ،‬ولكن غالب ًا‬
‫مــا يتــم ذلــك بصورة يشــوبها القصــور‪ .‬على ســبيل المثال‪،‬‬
‫تتضمن صور ًا ألشــخاص‬ ‫َّ‬ ‫نجــد بعــض التقاريــر التليفزيونية‬
‫والســترات‬ ‫ُ‬ ‫التنفــس‬ ‫أقنعــة‬ ‫مــن أصــل آســيوي يرتــدون‬
‫تعبــر عــن واقــع الحــال فــي دولتنــا‬ ‫الواقيــة‪ ،‬وهــي صــور ال ِّ‬
‫اال ّتحاديــة‪ .‬المشــكلة تكمــن أيضـ ًا فــي اإلشــارات الخاطئــة‬
‫التحيــزات والمخــاوف‪ ..‬ال يمكننــي تأكيــد حجــم‬ ‫ُّ‬ ‫التــي تثيــر‬
‫الميلودرامــا النفسـ ّـية التــي تخلقهــا مثــل هــذه اإليعــازات‬
‫بحــق أن‬ ‫ّ‬ ‫غيــر الدقيقــة فــي شــوارع ألمانيــا‪ .‬مــا نحتاجــه‬
‫ـرية ككلّ ‪ ،‬ليكــون بيننــا‬ ‫ـدد للبشـ ّ‬
‫المهـ ِّ‬
‫نعــي حجــم الخطــر ُ‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫ـوع مــن التراحــم المطلــوب تحديــدا فــي أوقــات كهــذه‪،‬‬ ‫نـ ٌ‬
‫بحيــث ال يفكِّ ــر الجميــع فــي خالصهــم فحســب‪ ،‬بــل أيضـ ًا‬
‫ـرية‪.‬‬ ‫يفكِّ ــرون فــي الصــورة الكبيــرة للبشـ ّ‬
‫‪93‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫للســكّ ان وتشــجيع المشاركة‪ .‬فعلى ســبيل المثال‪ ،‬يمكن تيسير‬ ‫ـبية ترتبط بالفئــة العمرية‪ ،‬أم‬‫فــي رأيــك‪ ،‬هــل الخــوف مســألة نسـ ّ‬
‫ـهل علــى ســكّ ان المنــازل تثبيــت‬‫ممــا يسـ ِّ‬
‫شــروط ولوائــح البنــاء‪ّ ،‬‬ ‫ممــا يشــهده العالــم‬
‫ّ‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫ـدر‬ ‫يتخوفــون بالقـ‬
‫َّ‬ ‫ـباب والكبــار‬
‫أن الشـ ّ‬
‫أنظمــة الطاقــة الشمســية أو إنشــاء واجهــات خضــراء للمنــازل‪.‬‬ ‫حالياً؟‬
‫ٍ‬
‫ـردود‬ ‫مــن حيــث التأثيــر الملمــوس‪ ،‬قــد ال يكــون هــذا األمــر ذا مـ‬
‫‪ -‬الخــوف شــعور فطــري ال إرادي يعتري جميــع الفئات العمرية‪.‬‬
‫التحديــات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كبيــر‪ ،‬ولكــن حتــى نتمكَّ ــن مــن اســتيعاب مثــل هــذه‬
‫والمبالــغ فيهــا‬‫بــررة ُ‬ ‫الم َّ‬
‫وإن كنــت أرى انتشــار المخــاوف غيــر ُ‬ ‫ْ‬
‫يجــب علــى الفــرد أن يكــون قــادر ًا فعليــ ًا علــى القيــام بشــيء‬
‫باألكثــر لــدى كبــار الســن‪ ،‬كالخــوف مــن اعتــداءات المهاجريــن‬
‫لتحســين بيئتــه المعيشــية إلــى جانــب جهــود الدولــة‪.‬‬
‫هام ًا للغاية‪،‬‬‫أو جرائــم العصابــات‪ .‬هنــا يلعب اإلعالم أيضـ ًا دور ًا ّ‬
‫ـوه وســائل التواصــل االجتماعــي‬ ‫فقــد أصبــح مــن الممكــن أن تشـ ِّ‬
‫عرف بـ«الحزن‬
‫مستحدث في اللُّغة اإلنجليزية؛ ُي َ‬
‫َ‬ ‫هناك مصطلح‬
‫أما‬ ‫فحــوى الرســالة الجماهيريــة وتجعلهــا علــى النقيــض تمامـاً‪ّ .‬‬
‫تغيــر المنــاخ‪ ..»Solastalgia /‬تــرى أي المشــاعر‬
‫الناشــئ عــن ُّ‬ ‫ـص الشــباب‪ ،‬فهــم بالطبع قلقــون من إيذاء المســتقبل‬ ‫فيمــا يخـ ُّ‬
‫يعكســها هــذا المصطلــح؟‬
‫ومــا يحملــه لهــم‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬فإنهــم غالب ًا ما ينجحــون في إحالة‬
‫‪ -‬مــن الطبيعــي أن تهيمــن مشــاعر الحــزن والخــوف والعجــز‬ ‫ـي‬ ‫الخــوف إلــى شــعور إيجابــي مــن خــال ممارســة نشــاط سياسـ ّ‬
‫يتوعــد اإلنســان‬
‫َّ‬ ‫ـرد الطبيعــة الــذي بــات‬ ‫ـراء تمـ ُّ‬ ‫ـرية جـ َّ‬
‫علــى البشـ ّ‬ ‫ـوي‪ .‬هــذا الشــعور بالقــدرة علــى فعــل شــيء يســاعدهم‬ ‫أو توعـ ّ‬ ‫ربَّما األحرى بنا يف‬
‫المنضبِط معها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫غي‬ ‫تعامله‬ ‫اء‬ ‫ـر‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫فيها‬ ‫ب‬ ‫ـب‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫المتس‬ ‫بمخاطــر هــو‬ ‫علــى تجــاوز الســياج الســلبي لمشــاعر الخــوف والقلــق‪ ..‬فــا‬ ‫التعامل مع تحدّ ي‬
‫ـك أن النــاس يشــعرون باالرتباك تجاه العديــد من األحداث‬ ‫ال شـ ّ‬ ‫غضاضــة مــن تعامــل شــريحة الشــباب مــع تهديــدات العالــم‪،‬‬ ‫فريوس كورونا‬
‫تتطــور مشــاعر‬
‫َّ‬ ‫األحيــان‬ ‫بعــض‬ ‫فــي‬ ‫ولكــن‬ ‫لآلمــال‪،‬‬ ‫بــة‬ ‫خي‬
‫الم ِّ‬
‫ُ‬ ‫يؤرقنــي ح ّق ـ ًا‬
‫ألنهــم يســتطيعون بلــورة واســتنفار قدراتهــم‪ .‬مــا ِّ‬ ‫أن نلتقط الدرس‬
‫ـدث انفراجـاً‪ .‬األخطر هو‬ ‫االرتبــاك بصــور ٍة إيجابيــة يمكنهــا أن ُتحـ ِ‬ ‫نفســي «األطفــال»‪ ،‬إذ تنبغــي حمايتهــم مــن تســلل‬ ‫كمعالــج‬ ‫املُستفاد عندما‬
‫ّ‬
‫أن يصبــح االضطــراب حالــةً دائمــة ال تــزول‪ ،‬لكونهــا تلتهــم طاقة‬ ‫مخــاوف اآلبــاء إليهــم‪ ،‬كما ينبغي أن يظ ّلــوا بمعزل عن تهديدات‬ ‫تبدأ مشاعر الخوف‬
‫ـول هــذه الحالــة فيمــا بعــد إلــى‬ ‫الفــرد كاملــةً ‪ .‬ثــم يمكــن أن تتحـ َّ‬ ‫العالــم الصاخــب قــدر المســتطاع‪.‬‬ ‫والقلق يف االنحسار‬
‫اكتئــاب‪ .‬وهــو مــا يصيــب البعــض بعــدم التــوازن والعجــز التــام‬
‫إيــذاء مــا يواجهــون‪ ،‬وكأنهــم يريــدون فقــط االختبــاء وســحب‬ ‫للتغيــرات المناخية‪ ،‬يشــعر الغالبية باالرتباك‬
‫ُّ‬ ‫فــي ظــلّ التصــدي‬
‫ـد مــن التعامــل مــع األمــر قبيــل‬ ‫األغطيــة فــوق رؤوســهم‪ ..‬البـ ّ‬ ‫والعجز وكونهم بمعزل عن واضعي السياســات‪ ،‬ما هي رؤيتك‬
‫الوصــول إلــى مثــل هــذه النقطــة اليائســة‪.‬‬ ‫حيــال ذلك؟‬

‫كيف يمكن التعامل مع هذه المشاعر على أرض الواقع؟‬


‫ـم أن تكون هناك‬ ‫‪ -‬لكــي يصبــح الخــوف نشــاط ًا إيجابيـاً‪ ،‬من المهـ ّ‬
‫مســاحة للعمــل المشــترك‪ .‬هــذه هــي أفضــل طريقــة لمواجهــة‬
‫هامــة للغايــة‪ .‬كثيــرون يفضلون االنســحاب‪ ،‬نظر ًا‬
‫‪ -‬ردود الفعــل ّ‬ ‫مشــاعر الخــوف‪ .‬فــإذا كانــت السياســات ُتوضع في األســاس من‬
‫الملــح إلــى مســاحات وفــرص تجعلهــم يشــعرون‬ ‫الحتياجهــم ُ‬ ‫الصحــة العقليــة‬
‫َّ‬ ‫أجــل األفــراد‪ ،‬فيمكــن تطويعهــا أيضـ ًا لحمايــة‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪94‬‬


‫إلــى جمعيــة أو االشــتراك فــي نشــاط خدمــي تطوعــي ســواء داخــل العمــل‪،‬‬ ‫ـم خلــق تــوازن صحــي بيــن الرجــوع إلــى‬ ‫أنهــم علــى مــا يــرام‪ .‬ولكــن مــن المهـ ّ‬
‫ـد مــن خلــق أهـ ٍ‬
‫ـداف‬ ‫المجتمعيــة‪ .‬البـ ّ‬
‫ّ‬ ‫أماكــن العبــادة‪ ،‬أو غيرهــا مــن الكيانــات‬ ‫تهددنا بالخارج‪ .‬يحتــاج البعض أحيان ًا‬ ‫التحديات التــي ّ‬ ‫ّ‬ ‫المنطقــة اآلمنــة وبيــن‬
‫أمر حيوي وضروي الســتمرارية المقاومة النفسـ ّـية‪.‬‬ ‫مشــتركة مع آخرين‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫إلــى االنــزواء واالبتعــاد‪ ،‬ولكــن عليهــم ّأل يطيلــوا أمــد ذلــك‪ ،‬فيســقطون مــن‬
‫ـي للحصــول علــى فــرص‬ ‫يمكــن االســتفادة أيض ـ ًا مــن تقنيــات الواقــع َّ‬ ‫المعــاش‪ .‬االنســحاب ال‬ ‫حســابات العالــم ويصبحــون معزوليــن عــن الواقــع ُ‬
‫الرقمـ ّ‬
‫ـخاص متطابقيــن فــي طريقــة التفكيــر‪ ،‬مــا يجعــل‬‫ٍ‬ ‫جديــدة للتواصــل مــع أشـ‬ ‫يــدرأ مخاطــر األشــياء الســلبية فحســب‪ ،‬بــل يجعلهــم يفقــدون أيضـ ًا أولئــك‬
‫األمــر أكثــر نجاحـاً‪.‬‬ ‫ـعدهم‪ .‬وبذلــك‬ ‫عضديــن لهــم واللحظــات الجميلــة التــي تسـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫األشــخاص ُ‬
‫يصبحــون بالفعــل خــارج العالــم وخــارج الحيــاة‪ .‬فعندمــا ينحصــر اإلطــار‬
‫تغيــر المنــاخ‪ ،‬أو منــع الجرائــم الفظيعــة‪ ،‬أو تعطيــل زحــف فيــروس‬
‫وقــف ُّ‬ ‫ـرك فيــه الشــخص أكثــر وأكثــر بســبب المخــاوف واالنســحابات‪،‬‬ ‫الــذي يتحـ َّ‬
‫قاتــل‪ ،‬كلّهــا أهــداف تبــدو ضخمــة ويصعــب تحقيقهــا‪ .‬كيــف يمكــن إذن خلــق‬ ‫ـي»‪ ،‬وهــو العامــل‬ ‫ـ‬ ‫اإليجاب‬ ‫ـز‬
‫ـ‬ ‫التعزي‬ ‫ـدان‬‫ـ‬ ‫بـ«فق‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫النف‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـك‬ ‫ـرف ذلـ‬‫ُيعـ َ‬
‫ّ‬
‫هــدف َم ـرِن وإدارتــه…؟‬ ‫ـور مشــاعر االكتئــاب‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫تط‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـؤول‬ ‫ـ‬ ‫المس‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫األساس‬
‫ّ‬
‫ال تحديــد الشــيء أو الهــدف المرجــو الحفــاظ عليــه‪ .‬بالطبــع إنقــاذ‬ ‫أو ً‬
‫‪ -‬يجــب ّ‬ ‫النفسي؟‬
‫ّ‬ ‫كيف يمكن تج ُّنب الوصول إلى ذلك المنعطف‬
‫ـرية هــدف نبيــل‪ ،‬لكنه غير واقعي‪ .‬ال يمكن ألحــد أن يفعل ذلك بمفرده‪،‬‬ ‫البشـ ّ‬
‫حتــى الشــخصيات البــارزة مثل غريتا ثونبــرغ‪ ،‬المهاتما غانــدي‪ ،‬روزا باركس‪،‬‬ ‫ال مــع اآلخريــن حــول هــذه المخــاوف‪ .‬وإخبــار األصدقــاء‬ ‫أو ً‬
‫ـدث ّ‬ ‫‪ -‬يجــب التحـ ُّ‬
‫نيلســون مانديــا… لم يتمكّ نــوا من إحداث تأثي ٍر كبير‪ ،‬لكنهــم بدأوا خطواتهم‬ ‫أو العائلــة أو زمــاء العمــل بالحاجــة إلــى الخــروج تدريجيـ ًا مــن ذلــك النفــق‬
‫أيض ـ ًا علــى نطــاقٍ فـ ّ‬
‫ـردي‪ .‬وهــذه هــي نــواة أي فعــل عظيــم أن نبــدأ بأنفســنا‬ ‫قربيــن‪،‬‬
‫الم َّ‬
‫المظلــم‪ .‬واألفضــل‪ ،‬بالطبــع‪ ،‬أن يكــون ذلــك بمرافقــة أحــد ُ‬
‫اإلنســانية‬ ‫علــى‬ ‫للحفــاظ‬ ‫بيئتــه‬ ‫فــي‬ ‫فــرد‬ ‫كلّ‬ ‫يعمــل‬ ‫أوالً‪ ..‬فقــط ينبغــي أن‬‫ّ‬ ‫للمســاعدة وقــت أن تخــرج األمــور عــن الســيطرة‪ ..‬أولى الخطوات تبدأ بكســر‬
‫ّ‬
‫ككلّ ‪ .‬فاألمــر يتع َّلــق بإبقــاء مســيرة الحيــاة رغــم كلّ المخــاوف والتهديــدات‬ ‫دائــرة الخــوف واالشــتباك الحســي مــع فعــل مغاير كمشــاهدة سلســلة دراما‬
‫الحقيقيــة‪ .‬بهــذه الطريقــة‪ ،‬يمكــن الحفــاظ علــى مســاحتنا الصغيــرة داخــل‬ ‫تليفزيونيــة جديدة تســاعد علــى االنفصال اللحظي المؤقت عــن دائرة األفكار‬
‫ّ‬
‫المنظومــة األكبر‪.‬‬ ‫ـم اختياره‬‫المشــتعلة‪ ،‬وليكــن ذلــك المســاء وكلّ مســاء هــو الموعــد الــذي يتـ ُّ‬
‫لالمتنــاع عــن الحديــث بشــأن المخــاوف أو حتــى التفكيــر فيهــا‪ ،‬وكأنــه تمريــن‬
‫بتغيــرات المنــاخ مقارنــةً بالبلــدان األخــرى‪.‬‬ ‫ألمانيــا مــن الــدول ا َ‬
‫ألقــلّ تأ ُّثــراً‬ ‫يومــي لكســر الدائــرة المحترقــة داخــل العقــل‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ـبي ًا فــي ألمانيــا‪ .‬تنعــم دولتنــا‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نس‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫قليل‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫ـروس‬ ‫معـ َّـدالت اإلصابــة بفيـ‬
‫االتّحاديــة بالســام‪ ،‬علــى عكــس أجــزاء أخــرى مــن العالــم‪ُ ،‬تــرى‪ ..‬هــل تبــدو‬ ‫اجتماعيــة ثابتــة تســاعد علــى‬
‫ّ‬ ‫إذا لــم تتــح هــذه الفرصــة ولــم تكــن هنــاك بيئــة‬
‫مشــاعر الخــوف التــي تعتــري كثيــراً مــن النــاس فــي ألمانيــا أمــراً غيــر منطقــي‬ ‫ذلــك‪ ،‬مــا البدائــل األخــرى؟‬
‫فــي رأيــك؟‬ ‫ـم الشــعور باالنتمــاء‬
‫‪ -‬هنــاك ضــرورة‪ ،‬فــي هــذه الحالــة‪ ،‬إليجــاد مجموعــة يتـ ُّ‬
‫لتغيــر المنــاخ فــي‬ ‫‪ -‬إن المخــاوف مــن التأ ُّثــر المباشــر بالكــوارث الشــديدة‬ ‫ـم وجــود حلفــاء فــي مثــل هــذه المرحلــة‪ .‬يمكــن االنضمــام‬ ‫إليهــا‪ .‬مــن المهـ ّ‬
‫ُّ‬
‫ألقــلّ فــي الوقــت الحالــي‪ .‬كذلــك ال‬ ‫ألمانيــا‪ ،‬هــي أمــر غيــر منطقــي‪ ،‬علــى ا َ‬
‫يؤ ِّثــر تفشــي فيــروس كورونــا علينــا بصــورة مقلقــة مثــل البلــدان األخــرى‪:‬‬
‫ـام صحــي أفضــل وسياســة أكثــر فاعليــة وشــفافية‬ ‫ـاالت َأقــلّ ونظـ ٌ‬
‫لدينــا حـ ٌ‬
‫ـرر قــد يكــون لــه معنــى أيضاً‪.‬‬ ‫ـ‬
‫ُ َّ‬‫ب‬ ‫الم‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـوف‬ ‫ـ‬ ‫الخ‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫لك‬ ‫ـة‪.‬‬
‫ـ‬ ‫مجاني‬ ‫ـام‬‫ووســائل إعـ‬
‫وإن لــم تؤ ِّثــر‬
‫ْ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـر»‬
‫ـ‬ ‫«مخاط‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫لكلم‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الجمع‬ ‫اإلدراك‬ ‫ـوم‬‫ـ‬ ‫مفه‬ ‫ـي‬‫أننــا نحاكـ‬
‫تهمنــا باعتبارنــا جــزء ًا مــن ســكّ ان هــذا‬ ‫ـخصياً‪ ،‬فهــي فــي النهايــة ّ‬
‫ّ‬ ‫علينــا شـ‬
‫الكوكــب‪ .‬والواقــع أن هــذا يقودنــا إلــى التفكيــر بصــور ٍة أعمــق فــي القضايــا‬
‫ذات البعــد العالمــي‪.‬‬

‫هــل الخــوف لــدى أفــراد فــي أجـ ٍ‬


‫ـزاء أخــرى مــن العالــم يختلــف عــن مخــاوف‬
‫البعــض فــي ألمانيــا؟‬
‫متطرفــة مــن الخــوف يمكــن أن تشــل حيــاة البشــر‪ ،‬ونــادر ًا‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬هنــاك أشــكال‬
‫الغنية‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬نجــد في مخيمــات الالجئين‬ ‫ّ‬ ‫مــا يكــون ذلــك فــي الــدول‬
‫ـة مــن اليــأس التــام‪ ،‬حيــث تنتــاب‬ ‫اليونانيــة‪ ،‬األطفــال يعيشــون فــي حالـ ٍ‬
‫بعضهــم حالــة من الالمباالة‪ ،‬ويلتزمون الصمت‪ ،‬وال يكادون يأكلون‪ ،‬فقط‬
‫ـانية التــي ينتمون إليهــا أيضاً‪.‬‬ ‫يحدقــون فــي الفضــاء‪ .‬نحــن جــزء مــن اإلنسـ ّ‬ ‫ِّ‬
‫ـانية تحــدث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـوارث‬ ‫ـ‬ ‫الك‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـأن‬‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـي‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫وع‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫لدين‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يك‬ ‫أن‬ ‫ـم‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫المه‬ ‫ـن‬ ‫ومـ‬
‫حتــى لــو لــم نتمكَّ ــن مــن رؤيتهــا مباشــرة‪ .‬فاألمــر يتع َّلــق دائم ـ ًا بضــرورة‬
‫االنفصــال عــن وهــم «المدينــة الفاضلــة»‪ .‬نحــن نعلــم أن العالــم ليــس‬
‫التحديــات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نتكيــف مــع هــذه الحقيقــة‪ ،‬فدائمـ ًا مــا نواجــه‬ ‫َّ‬ ‫آمنـاً‪ .‬وعلينــا أن‬
‫ـدي فيــروس كورونــا أن نلتقط‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫مع‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫التعام‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫بن‬ ‫ـرى‬ ‫ـ‬ ‫األح‬ ‫ربمــا‬
‫ولكــن َّ‬
‫المســتفاد عندمــا تبــدأ مشــاعر الخــوف والقلــق فــي االنحســار‪.‬‬ ‫الــدرس ُ‬
‫ترجمة‪ :‬شيرين ماهر‬ ‫■ حوار‪ :‬ماريا ماست ‪۹‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪ :‬موقع «‪ /Die Zeit‬دى تسايت» األلماني ‪.2020/3/1‬‬

‫‪95‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫الكوين‬
‫ّ‬ ‫حافة الذعر‬
‫الصحيــن اليقظــة واالســتباقية الحتــواء التهديــد‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫تتوخــى الحكومــات مــع املهنيــن‬‫َّ‬ ‫كل ظهــو ٍر حديــث لفــروس جديــد‪،‬‬ ‫مــع ّ‬
‫ـرع قــد يكــون تهديــداً أكــر مــن الفــروس بحـ ِّـد ذاتــه‪ .‬حيــث يبــدو أن الحكومــات‬ ‫رد الفعــل ا ُ‬
‫ملتـ ِّ‬ ‫لكــن وبــاء اإلفــراط يف ِّ‬
‫ملختلفــة غــر قــادرة عــى االســتجابة لفــروس كورونــا بطريقــة هادئــة وعقالنيــة‪.‬‬ ‫واملؤسســات ا ُ‬
‫َّ‬ ‫العامليــة‬
‫ّ‬ ‫ووســائل اإلعــام‬
‫ٍ‬
‫ـروس جديــد‬ ‫الصحيــن مييلــون إىل أن يكونــوا أكــر قلق ـ ًا بشــأن انتشــار فـ‬
‫ِّ‬ ‫أحــد أســباب ذلــك هــو أن العلــاء واملهنيــن‬
‫ـي تهيمــن عليــه ثقافــة الخــوف‪ ،‬هنــاك دامئـ ًا تو ُّقــع بــأن يكــون‬ ‫ِ‬
‫ـاالت األنفلونــزا األكــر شــيوع ًا‪ .‬يف منـ ٍ‬ ‫مقارنــةً بسـ‬
‫ـاخ اجتامعـ ٍّ‬
‫الفــروس الجديــد األخطــر عــى اإلطــاق‪.‬‬

‫الصحــي‪ ،‬يواصــل النــاس العاديــون العمــل‪ ،‬والتن ُّقــل‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الحجــز‬ ‫غــداة تفشــي وبــاء كورونــا شــهدت أســواق األســهم العالميــة‬
‫والذهــاب إلــى المطاعــم‪ ...‬إنهــم ببســاطة يواصلــون حياتهــم‬ ‫أســوأ أســبوع لهــا منــذ األزمــة المالية فــي ‪ ،2008‬بخســارة أكثر‬
‫المحتملــة‪.‬‬‫الطبيعيــة‪ ،‬وفــي الوقــت نفســه ينتبهــون للمخاطــر ُ‬ ‫من ‪ 6‬تريليونات دوالر في قيمة األســهم‪ ،‬وفي بعض األســواق‪،‬‬
‫ـر نحــو حالة مــن الذعــر؛ مثــل قطيع من‬ ‫ـقوط حـ ّ‬ ‫النخــب فــي سـ ٍ‬ ‫ـدل لــم يشــهده العالــم منذ الكســاد‬ ‫عمليــات بيــع بمعـ َّ‬
‫ّ‬ ‫ـجلت‬‫سـ ّ‬
‫الحيوانــات البريــة‪ ،‬مذعــور مــن رؤيــة حيــوان مفتــرس واندفــاع‬ ‫الكبيــر قبــل قــرن تقريبـاً‪ .‬لمــاذا؟ ألن المســتثمرين العالمييــن‬
‫أعمى عبر المياه الموبوءة بالتماســيح‪ ،‬قد يتسـ َّـببون في انهيا ٍر‬ ‫المحتملة‬ ‫االقتصاديــة ُ‬
‫ّ‬ ‫فــي ذعــر غير مســبوق بســبب التداعيات‬
‫ـي محتمــل‪ .‬وفــي الوقــت نفســه‪ ،‬نــرى الحــس‬ ‫ـادي عالمـ ّ‬ ‫اقتصـ ّ‬ ‫لوبــاء كورونا‪.‬‬
‫الرواقي الســليم‪ ،‬والحكمة البســيطة ولكن العميقة‪ ،‬للحشــود‬ ‫ـي يرتقــي‬‫المعلِّقيــن إلــى أن المشــهد العالمـ ّ‬ ‫يشــير العديــد مــن ُ‬
‫تطهرة»‪.‬‬‫الم ّ‬ ‫«العظيمــة غيــر ُ‬ ‫لحالــة الجنــون‪ .‬يجــادل «روس كالرك» بشــكلٍ مقنــع في مجلّة‬
‫ٍ‬
‫لعقود‬ ‫ـرف‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫تص‬ ‫ـوء‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫نتاج‬ ‫كانت‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫منه‬ ‫ٍ‬
‫ـزء‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ردود النخبــة‪ ،‬فــي‬ ‫«‪ »Spectator‬بــأن «أخطــر شــيء فــي فيــروس كورونــا هــو‬
‫مــن الزمــن حتــى اآلن‪ ،‬استســلمت ثقافتنــا لفكــرة أن البشــر هم‬ ‫ـرر االقتصــاد‬ ‫حالــة الهســتيريا»‪ .‬ويوافــق فيليــب ألدريــك‪ ،‬محـ ِّ‬
‫ـم تصويــر النــاس دائمـ ًا علــى أنهــم‬ ‫مصــدر مشــاكل العالــم‪ .‬يتـ ُّ‬ ‫فــي صحيفــة «التايمــز»‪ ،‬علــى ذلــك‪« :‬مــا يجــب أن نخافــه هــو‬
‫المشــكلة‪ :‬ســواء ك ّنــا بصــدد تدميــر الكوكــب أو حمــل أمــراض‬ ‫ـد ذاتــه»‪.‬‬
‫حالــة الذعــر أكثــر مــن الفيــروس بحـ ِّ‬
‫مهد دة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويلقــى باللــوم علــى نزعتنــا للتفكيــر فــي القــدر والخــوف مــن‬
‫ـي‪ .‬لويس‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الغرب‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫المجتم‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫طوي‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫تاري‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫الظاه‬ ‫ـذه‬‫هـ‬ ‫المجهــول كتفســيرات لهــذا الســلوك‪ .‬إن ثقافــة المخاطــرة‬
‫باســتور‪ ،‬العالم العظيم في القرن التاســع عشــر الذي اكتشــف‬ ‫رد الفعــل تجــاه التهديــدات همــا بالتأكيد‬ ‫وميلنــا للمبالغــة فــي ّ‬
‫حــد‬‫ِّ‬ ‫الميكروبــات‪ ،‬كان لديــه رعــب مــن الديموقراطيــة‪ .‬علــى‬ ‫أســباب لمــا يحــدث اليــوم‪ .‬لكــن هنــاك عنصــر ًا آخــر ال يقــل‬
‫تعبيــر «ديفيــد بودانيــس»‪ ،‬اعتبــر باســتور الغوغــاء بأنهــم‬ ‫أهميــة مرتبــط بهــذه العناصــر لــم يتــم طرحــه ‪ -‬أن هــذا الجنون‬ ‫ِّ‬
‫«مجموعــة مــن المخلوقــات الصغيــرة المصابــة والتــي لــم‬ ‫ال يتأ ّتــى مــن «الجماهيــر الجاهلــة‪ ،‬بســيطة المعرفــة‪ ،‬ســهلة‬
‫ـود النــاس المحترمــون علــى رؤيتهــا عــادةً‪ ،‬ولكنهــا كانــت‬ ‫يتعـ َّ‬ ‫االنقيــاد‪ ،‬والســاذجة»‪ ،‬ولكــن مــن الطبقــة الراقيــة المطّ لعــة‬ ‫لعقود من الزمن‬
‫ٍ‬
‫موجــودة دائمـاً‪ ،‬جاهــزة لالنقضــاض‪ ،‬لدخــول مجتمعنــا وتولّي‬ ‫المثقَّفــة‬
‫تخرجيــن مــن أعلــى الجامعــات‪ ،‬والنخــب ُ‬ ‫والم ِّ‬‫جيــداً‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫حىت اآلن‪ ،‬استسلمت‬
‫المســؤولية والتكاثــر»‪.‬‬ ‫والحكومــات‪.‬‬ ‫ثقافتنا لفكرة أن‬
‫اســتعارة هــذا التشــبيه للجماهيــر كبكتيريــا ‪-‬كائنــات صغيــرة‬ ‫كان التناقــض بيــن ردود الفعــل تجــاه انتشــار الفيــروس مــن‬ ‫البرش هم مصدر‬
‫تنتشــر فــي كلّ مــكان‪ ،‬وعلــى اســتعداد للهجــوم والنمــو‬ ‫وعامــة الناس صارخـاً‪ .‬فحتى مع ارتفاع مســتوى الذعر‬ ‫ّ‬ ‫النخــب‬ ‫مشاكل العالم‪ .‬يتمُّ‬
‫تلخــص خــوف اليميــن مــن الجماهيــر فــي ذلــك‬ ‫تصوير الناس دائماً‬
‫واالنتشــار‪ّ -‬‬ ‫فــي التقاريــر المتواتــرة حــول فيــروس كورونــا‪ ،‬واصــل النــاس‬
‫الوقــت‪.‬‬ ‫العاديــون حياتهــم بنســقٍ عــادي‪ .‬النخبة التي يفتــرض أنها على‬ ‫عىل أنهم املشكلة‪:‬‬
‫خاصــة بعــد الثــورة البلشــفية لعــام‬ ‫ـرين‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫العش‬ ‫ـرن‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫طــوال‬ ‫جيــدة‪ ،‬والتــي ت ّتهــم فــي كثي ـ ٍر مــن األحيــان الجماهيــر‬ ‫سواء ك ّنا بصدد تدمري‬
‫ّ‬ ‫درايــة ّ‬
‫وسياســية‬ ‫ــة‬‫اجتماعي‬ ‫قــوة‬ ‫الجماهيــر‬ ‫أصبحــت‬ ‫عندمــا‬ ‫‪،1917‬‬ ‫زيفة» بســهولة‪،‬‬ ‫الم‬ ‫و«األخبار‬ ‫ـتيريا‬
‫ـ‬ ‫للهس‬ ‫عرضة‬ ‫بأنها‬ ‫ـة»‬
‫«الغبيـ‬ ‫الكوكب أو حمل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َّ‬
‫حقيقيــة فــي المجتمــع‪ ،‬أصبحت اســتعارة الحشــود ‪ /‬البكتيريا‬ ‫كانــت تح ّفــز علــى الذعــر‪ .‬فــي هــذه األثنــاء‪ ،‬وباســتثناء مناطق‬ ‫أمراض مهدّ دة‬
‫ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪96‬‬
‫روايــة خبيثــة موجــودة من قبل‪ ،‬ولكنها ال يمكــن ّإل أن تزيد من‬ ‫ـم إرســال لينيــن إلى روســيا عام‬ ‫ـاص‪ .‬عندمــا تـ ّ‬ ‫ســائدة بشــكلٍ خـ ّ‬
‫تقسـ�يم المجتمـ�ع‪ ،‬وتزيـ�د مـ�ن الشـ�عور بالضعـ�ف الـ�ذَّ ري( (�‪at‬‬ ‫‪ُ ،1917‬وصــف بـ«طاعــون (بكتيريــا) العصيــة»‪ ،‬وهــو جالــس فــي‬ ‫يمكن لإلبداع البرشيّ‬
‫وقدرتنا عىل حلّ‬
‫‪ ،)omised‬وتنــأى بالنخــب العالميــة غير العقالنيــة والمذعورة‬ ‫قطــاره محكــم اإلغــاق‪ .‬اســتخدم قــادة أوروبــا الغربيــة عبــارة‬
‫«التطويــق الصحــي ‪ »cordon sanitaire -‬لوصــف سياســة‬ ‫املشاكل أن تحتوي‪،‬‬
‫بعيــد ًا عــن مجــال الخطــر فــي هــذه العمليــة‪.‬‬
‫التلوث والعدوى‬ ‫تطويــق الوافــد الجديــد (القطار) هناك‪ ،‬لمنــع‬ ‫وستحتوي فريوس‬
‫والوفيـ�ات بسـ�بب فيـ�روس كورونـ�ا( (�‪Cov‬‬ ‫ّ‬ ‫إنهـ�ا حالـ�ة مأسـ�اوية‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫كورونا بالتأكيد‪.‬‬
‫ـرب بداخلــه‪.‬‬ ‫مــن التسـ ُّ‬
‫ســمي‪ ،‬أمــر مؤســف للغايــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الر‬
‫‪ ،)id-19‬باســتخدام اســمه َّ‬ ‫األفراد ليسوا املشكل‪،‬‬
‫وفــي عــام ‪ ،1920‬وصف «ونســتون تشرشــل»‪ ،‬الــذي كان آنذاك‬
‫ـدل إماتة‬ ‫لكننــا بحاجــة إلــى إحســاس بالتناســب‪ .‬يعتقــد أن معـ َّ‬ ‫لكن النخب العامل ّية‬
‫وزيــر الخارجيــة للحــرب والجــو‪ ،‬الثورة البلشــفية بأنها «روســيا‬
‫الفيــروس ال تتجــاوز واحــد ًا فــي المئــة‪ ،‬وهــذا أعلــى بنحو ســبع‬ ‫هي بالتأكيد كذلك‪،‬‬
‫المســمومة‪ ،‬وروســيا المصابــة‪ ،‬وروســيا التي تحمــل الطاعون‪،‬‬
‫معــدل إماتــة األنفلونــزا المألوفــة‪ ،‬ولكنــه يمثِّــل‬ ‫َّ‬ ‫مــرات مــن‬ ‫إن سلوكهم يثري املزيد‬
‫َّ‬ ‫وروســيا الحشــود المســلَّحة التــي ال تضــرب فقــط بالحربــة‬
‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫التنفس‬ ‫ـاز‬ ‫ـ‬ ‫الجه‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫متالزم‬ ‫ـات‬‫ـ‬ ‫وفي‬ ‫ل‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫مع‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـيط‬‫ـ‬ ‫بس‬ ‫جــزء ً‬
‫ا‬ ‫ِّ‬
‫ويهدد‬ ‫من الذعر‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ـوام الحاملة‬
‫ّ‬ ‫والمدفــع‪ ،‬ولكــن ترافقها وتســبقها أســراب من الهـ ّ‬ ‫املجتمعات البرشيّة‬
‫ـادة لعــام ‪ 9.6( 2003‬في المئة)‪ ،‬ومتالزمة الشــرق األوســط‬ ‫الحـ ّ‬ ‫للتيفــوس الــذي يقتــل أجســاد الرجــال‪ ،‬والمذاهــب السياسـ ّـية‬ ‫ِ‬
‫بالركود االقتصاديّ‬
‫التنفسـ ّـية فــي عــام ‪ 34.4( 2012‬فــي المئــة)‪.‬‬ ‫صحــة األمــم وحتــى روحهــا»‪.‬‬ ‫تدمــر َّ‬ ‫التــي ِّ‬
‫يعتبــر فيــروس كورونــا معديــ ًا أكثــر مــن مــرض الســارس‬ ‫اليهوديــة فيروســا‬
‫ّ‬ ‫والنازيــون‬ ‫هتلــر‬ ‫اعتبــر‬ ‫األثنــاء‪،‬‬ ‫تلــك‬ ‫فــي‬
‫ومتالزمــة الشــرق األوســط التنفسـ ّـية‪ ،‬لكــن العلمــاء يعملــون‬ ‫ـن ينقلــوه‪ ،‬وبالتالــي كان الحــلّ الوحيــد‬ ‫ـم َمـ ْ‬‫قاتـاً‪ ،‬واليهــود هـ ّ‬
‫جاهديــن علــى إيجــاد العالجــات واللقاحــات‪ .‬وتعتقــد منظَّ مــة‬ ‫نظريــة احتواء مــا بعد الحــرب التي تهدف‬ ‫ّ‬ ‫ـم‪.‬‬ ‫هــو القضــاء عليهـ‬
‫طورته شــركة‬ ‫العالمية أن عقار «‪ ،»remdesivir‬الذي َّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬ ‫ـيوعية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـيوعية‪ ،‬أو فــي حالــة الصيــن الشـ‬ ‫ّ‬ ‫إلــى وقــف انتشــار الشـ‬
‫ّ‬
‫فعــاالً‪ ،‬وهــو حالي ًا في‬ ‫«الخطــر األصفــر»‪ ،‬هــي نســخة أكثــر حداثــة من نفس الشــعور‬
‫«‪ ،»Gilead Sciences‬قــد يكــون عالجـ ًا ّ‬
‫طــور التجــارب اإلكلينيكيــة‪.‬‬ ‫تأسســت المكارثية في محاولة‬ ‫اليــوم‪ .‬وفــي الواليــات الم َّتحدة‪َّ ،‬‬
‫ـري وقدرتنــا على حلّ المشــاكل أن تحتوي‪،‬‬ ‫ـيوعية مثــل البكتيريــا فــي المنــزل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لوقــف انتشــار الشـ‬
‫ويمكــن لإلبــداع البشـ ّ‬
‫هــذا النــوع مــن اللّغــة ال يســتخدم علــى نطــاقٍ واســع فــي حالة‬
‫وســتحتوي فيــروس كورونــا بالتأكيــد‪ .‬األفــراد ليســوا المشــكل‪،‬‬
‫الذعــر اليــوم حول فيــروس كورونا‪ ،‬بالطبــع‪( .‬رغم وجود بعض‬
‫العالميــة هــي بالتأكيــد كذلــك‪ ،‬إن ســلوكهم يثيــر‬ ‫ّ‬ ‫لكــن النخــب‬
‫اإلشــارات إلــى «خطــر أصفــر» جديــد)‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فإننــا نحمل‬
‫البشــرية بالركــودِ‬
‫ّ‬ ‫ويهــدد المجتمعــات‬ ‫ِّ‬ ‫المزيــد مــن الذعــر‪،‬‬
‫ـي بالتأكيــد‪ :‬ســواء كان النــاس يقاطعــون‬ ‫هــذا الشــعور األساسـ ّ‬
‫االقتصــادي‪ .‬ونحــن بحاجــة اليــوم إلــى تب ِّنــي هــدوء وحكمــة‬ ‫ّ‬ ‫ـعبويين‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ين‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫السياس‬ ‫أو‬ ‫ـدن‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـز‬ ‫ـ‬ ‫مراك‬ ‫الحــي الصينــي فــي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجماهيــر‪ ،‬بــدل جنــون وهســتيريا النخــب‪.‬‬ ‫مثــل ماتيــو ســالفيني أو ماريــن لوبان الذيــن يلقــون باللوم على‬
‫ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود (تونس)‬ ‫■ نورمان لويس ‪۹‬‬ ‫تفشــي المرض‪.‬‬ ‫األجانــب فــي ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫يتــم تصويرهــم‪ -‬عــن غيــر قصــد‬ ‫ُّ‬ ‫‪-‬هكــذا‬ ‫الخطــر‬ ‫األفــراد هــم‬
‫المصدر‪www.spiked-online.com :‬‬ ‫يحملــون تهديــد ًا مميتـ ًا وغيــر مرئــي‪ .‬وهــو اعتقــاد يســتند إلــى‬

‫‪97‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫هل أصبحنا عرضة لها م ّرة أخرى؟‬
‫عودة األوبئة‬
‫إن الوبــاء موضــوع الســاعة قــد شــغل النــاس وقلــب عاداتنــا وأمنــاط حياتنــا ويقيننــا بشــكلٍ غــر مســبوق‪ .‬أعــاد‬
‫ـات متفاوتــة‪ ،‬بعجزنــا عــن مواجهتــه‪.‬‬ ‫ترتيــب أولوياتنــا وعطَّ ــل حركتنــا لبعــض الوقــت‪ .‬وأصبحنــا نشــعر‪ ،‬بدرجـ ٍ‬
‫خاصــة وأن‬
‫ّ‬ ‫ـن نخــاف‪ ،‬أو حتــى مــا إذا كان يجــب أن نخــاف‪،‬‬ ‫والعجيــب يف األمــر أننــا مل نعــد نعــرف دامئ ـ ًا َّ‬
‫ممـ ْ‬
‫الفــروس ال يعــرف بالحــدود‪ .‬إن حالــة عــدم اليقــن الســائدة قــد غــذَّ ت أوهام ـ ًا ال حـ َّـد لهــا‪ ،‬وأثــارت شــائعات‬
‫جامحــة تكــر وتتســارع ككــرة ثلــج‪.‬‬

‫ممــا يعنــي زيــادة االتِّصــال بيــن البشــر والحيوانــات‪،‬‬


‫الغابــات ّ‬ ‫منــذ القدم‪ ،‬كانت الفيروســات والطفيليــات والبكتيريا والكائنات‬
‫وتعزيــز انتقــال الفيروســات بيــن األنواع‪.‬‬ ‫الدقيقــة األخــرى التــي تسـ ِّـبب األمــراض المعديــة تتعايــش مــع‬
‫العامــة‪ ،‬ال‬
‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬ ‫وتطــور‬
‫ُّ‬ ‫العلمــي‬
‫ّ‬ ‫التقــدم‬
‫ُّ‬ ‫البشــر‪ .‬ورغــم‬
‫هل أصبحنا أكثر عرضةً لمثل هذه األوبئة ّ‬
‫مرة أخرى؟‬ ‫تــزال األمــراض المعروفــة منــذ قــرونٍ تصيــب البشــر (كالكوليــرا‬
‫والمالريــا) ‪ ،‬مــع ظهــور أمــراض جديــدة يمكــن أن تنتشــر علــى‬
‫يقدمــان لنــا آفاقــ ًا أرحــب‬
‫الطبــي ِّ‬
‫ّ‬ ‫العلمــي والبحــث‬
‫ّ‬ ‫التقــدم‬
‫ُّ‬ ‫‪-‬‬
‫نطــاقٍ واســع (كاإليــدز والســارس)‪ .‬وبنهايــة القــرن العشــرين‪،‬‬
‫لمكافحــة األوبئــة التــي لــم يكــن مــن الممكــن التفكيــر فيهــا مــن‬
‫ـي حقيقــي أمــر ًا غيــر مســتبعد‬ ‫ٍ‬
‫ـدم‬
‫قبــل‪ ،‬ســواء مــن حيــث الكشــف أو العــاج‪ .‬لكــن هــذا التقـ ُّ‬ ‫بــدت إمكانيــة انتشــار وبــاء عالمـ ّ‬
‫ممــا فاقــم شــعورنا بالضعــف‪ ،‬وأذكــى المخاوف من العــودة إلى‬ ‫ّ‬
‫تهور للمضادات‬ ‫الم ِّ‬
‫ـورات مقلقة‪ ،‬ال ســيما االســتخدام ُ‬ ‫تقابلــه تطـ ُّ‬ ‫ـرية عاجــز ًة عــن مواجهــة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫كان‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫عندم‬ ‫ـود»‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫«العص‬
‫ـري الــذي يعـ ِّزز المقاومــة‪،‬‬ ‫ـري والبيطـ ّ‬
‫الحيويــة فــي الطــب البشـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـول‬ ‫األوبئــة‪ .‬لكــن لمــاذا تظهــر (مــن جديــد) هــذه األمــراض وتتحـ َّ‬
‫ـبي مقابــل التطعيــم‪ .‬وقــد أبــرزت جميــع‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫النس‬ ‫ـض‬‫ـ‬ ‫التناق‬ ‫ـودة‬ ‫وعـ‬
‫إلــى أوبئــة؟ وكيــف يمكننــا محاربتهــا؟ يســتعرض كتــاب «عــودة‬
‫ـي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الدول‬ ‫ـاون‬
‫ـ‬ ‫التع‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ي‬‫أهم‬
‫ِّ‬ ‫ـابقة‬‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫األوبئ‬
‫الوطني‬
‫ّ‬ ‫األوبئــة»‪ ،‬الــذي شــاركت فــي تأليفــه الباحثة فــي المركــز‬
‫حاضــرة فــي العلــوم السياسـ ّـية‬ ‫والم ِ‬ ‫العلميــة بفرنســا ُ‬ ‫ّ‬ ‫للبحــوث‬
‫المســتفادة التــي تعلَّمناهــا مــن األوبئة الســابقة‬
‫مــا هــي الــدروس ُ‬ ‫األوروبيــة فــي جامعــة «باريــس ‪« ،»8‬أوريــان‬ ‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الدراس‬ ‫بمعهــد‬
‫(اإليبوال‪ ،‬فيروس األنفلونزا أ ‪ ،H1N1‬الســارس…)؟‬
‫َّ‬
‫غيلبــو»‪ ،‬بعــض األوبئــة التــي أثــرت على ســكّ ان العالم فــي بداية‬
‫ـي وعــدم‬‫أهميــة التعــاون الدولـ ّ‬ ‫‪ -‬أبــرزت جميــع األوبئــة الســابقة ِّ‬ ‫العلميــة‬
‫ّ‬ ‫التحديــات‬
‫ّ‬ ‫القــرن الحــادي والعشــرين‪ ،‬ويح ِّلــل أبــرز‬
‫فعاليــة التدابيــر الجزئيــة والفوضويــة مثــل إغــاق الحــدود‬ ‫واالجتماعيــة والسياسـ ّـية النتشــارها‪.‬‬‫ّ‬
‫بيــن لنــا وبــاء «ســارز» و «‪ »H1N1‬بشــكلٍ‬ ‫بــدون تنســيق‪ .‬وقــد َّ‬ ‫أوريان غيلبو ▲‬

‫أهميــة التواصــل والشــفافية بيــن الــدول ومــع النــاس‪.‬‬ ‫جماعــي بعنــوان «عــودة‬ ‫فــي عــام ‪ ،2015‬قمتــم بنشــر عمــلٍ‬
‫ـاص ِّ‬ ‫خـ ّ‬ ‫ّ‬
‫ـرة جهــود ًا كبيــرة فــي هــذا الصــدد بعــد‬ ‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫الصي‬ ‫ـت‬‫بذلـ‬ ‫األوبئــة»‪ :‬لمــاذا يتزايــد خطــر انتشــار األمــراض المعديــة علــى‬
‫ّ‬
‫انتقــادات إلدارتهــا لفيــروس الســارس فــي عــام ‪ .2003‬وتعمــل‬ ‫نطــاقٍ واســع فــي الســنوات األخيــرة؟‬
‫للتكيف مع الســياق‬ ‫العالميــة أيضـ ًا علــى ذلــك‪،‬‬ ‫الصحــة‬ ‫منظَّ مــة‬ ‫مرة ليســت‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ -‬إن فكــرة الظهــور الدائــم لألمــراض المعدية في كلّ ّ‬
‫الحالــي‪ :‬اجتمعــت علــى ســبيل المثــال فــي ‪ 13‬فبراير‪/‬شــباط كلّ‬ ‫جديــدة‪ :‬كمــا توقَّع تشــارلز نيكــول‪ ،‬الحائز على جائــزة نوبل عام‬
‫للحد من تداول المعلومات‬ ‫ِّ‬ ‫من غوغل‪ ،‬وفيســبوك‪ ،‬ويوتيوب‪...‬‬ ‫تتكيــف دائمـاً‪ .‬يســاهم فــي هــذا الوضع‬ ‫‪ ،1928‬فــإن الميكروبــات َّ‬
‫الكاذبــة‪.‬‬ ‫حدتها في الســنوات األخيرة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ازدادت‬ ‫العديــد مــن العوامــل التي‬
‫ـد المــرض‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫المعرك‬ ‫ـت‬
‫ـ‬ ‫أصبح‬ ‫ـث‬
‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـر‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫األخي‬ ‫ـوال‬‫ـ‬ ‫إيب‬ ‫ـاء‬
‫أبــرز وبـ‬ ‫ـي‪ ،‬وزيــادة‬ ‫ـ‬ ‫العالم‬ ‫ـرار‬
‫ـ‬ ‫واالحت‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الجماع‬ ‫ـور النقــل‬
‫وال ســيما تطـ ُّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صعبــة للغايــة فــي البلــدان التــي تعانــي مــن خلــل فــي النظــم‬ ‫عــدد ســكّ ان العالم‪ ،‬وتوســيع الزراعــة وتكثيفهــا‪ ،‬والتكاثر وإزالة‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪98‬‬


‫األعضــاء‪ .‬وكمــا هــو الحــال فــي األوبئــة الســابقة‪ ،‬علــى الرغــم مــن إلحاحيــة‬ ‫قويــة ومرنة‪ .‬فــي جميع هــذه النقاط‪،‬‬ ‫صحيــة ّ‬ ‫أهميــة وجــود أنظمــة ّ‬ ‫الصحيــة‪ِّ ،‬‬‫ّ‬
‫الوضــع ســواء الســابق أو الحالــي‪ ،‬لــم تكــن التمويــات بالشــكل أو الســرعة‬ ‫يتعيــن القيــام بــه‪ ،‬ولكــن الحالــة دقيقــة بشــكلٍ‬
‫َّ‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫الكثي‬ ‫ـاك‬ ‫ال يــزال هنـ‬
‫المطلوبــة‪ :‬مــن ‪ 61‬مليــون دوالر طلبتهــا المنظَّ مــة لمكافحــة فيــروس كورونــا‬ ‫الصحيــة‪ ،‬لضمــان الوصــول إلــى الرعايــة‬
‫ّ‬ ‫ـاص فيمــا يتع َّلــق بتعزيــز النظــم‬ ‫خـ ّ‬
‫(‪ ،)COVID-19‬لــم تحصــل ســوى علــى ‪ 1.4‬مليــون حتــى اآلن‪ ،‬و‪ 28‬مليــون‬ ‫المفاجئة‬‫ُ‬ ‫ـادة‬‫ـ‬ ‫الزي‬ ‫ـتيعاب‬
‫ـ‬ ‫اس‬ ‫على‬ ‫القادرة‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬ ‫الوظيفي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫التحتي‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫والبني‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الطبي‬
‫ّ‬
‫دوالر فــي شــكل وعــود‪.‬‬ ‫فــي عــدد المرضــى‪.‬‬

‫المفارقــات أن كورونــا يأتــي فــي ســياق يشـكِّك فــي التمويــل طويــل المــدى‬
‫مــن ُ‬ ‫الصحيــة العالميــة مســتعدة بشــكلٍ أفضــل ّ‬
‫ممــا كانــت عليــه‬ ‫ّ‬ ‫المؤسســات‬
‫َّ‬ ‫هــل‬
‫العامة‪.‬‬ ‫للمستشــفيات والبحــوث‬ ‫قبل بضع سنوات؟ هل ال يزال التفاوت قائم ًا بين دول أو مناطق من العالم؟‬
‫ّ‬
‫ـي‪ ،‬مثل األموال‬ ‫مما كانت عليه‬ ‫العالمية تتواصل بشــكلٍ أفضــل ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصحة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يبــدو لــي أن منظَّ مــة‬
‫‪ -‬بالنســبة آلليــات التمويــل البديلة التــي يقترحها البنك الدولـ ّ‬ ‫ـزم أكبــر‪ :‬يمكننــا أن نــرى ذلــك علــى‬
‫المتأ ّتيــة مــن شــراء «ســندات كارثــة وبائيــة»‪ ،‬حيــث يخاطــر المســتثمرون‬ ‫فــي األوبئــة الســابقة وتظهــر وجودهــا بحـ ٍ‬
‫ـي الوبــاء‬ ‫ســبيل المثــال فــي جهودهــا الراميــة إلــى عــدم التقليــل مــن خطــورة الوضــع‪،‬‬
‫بعــدم تل ِّقــي فوائــد أو خســارة جــزء مــن رأســمالهم فــي حالــة تفشـ ّ‬ ‫عالميـاً‪ .‬مــن وجهــة النظــر هــذه‪ ،‬يمكننا‬ ‫ـرع فــي إعــان كورونــا وبــاء‬
‫جــد ًا طالمــا لــم ينتشــر الوبــاء)‬ ‫ّ‬ ‫ولكنهــم يحصلــون علــى عائــدات مرتفعــة‬ ‫ّ‬ ‫دون التسـ ُّ‬
‫ـم انتقادهــا‬‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ـث‬
‫ـ‬ ‫(حي‬ ‫ـابق‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫‪H1N1‬‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫في‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدرس‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫َّم‬
‫ل‬ ‫تع‬ ‫ـا‬ ‫القــول إنهـ‬
‫‪ ،‬فقــد ثبــت أنهــا غيــر كافيــة‪ .‬فــي عــام ‪ ،2018‬لــم يســمحوا باإلفــراج عــن‬
‫ـرعها فــي اإلعــان عــن حالــة وبــاء) ومــع إيبــوال (خــال وبــاء ‪ 2014‬فــي‬ ‫لتسـ ُّ‬
‫تمويــات لوبــاء اإليبــوال فــي جمهوريــة الكونغــو الديموقراطيــة‪ ،‬ألن تعريفهــا‬
‫تعرضــت النتقادات إلعالنها حالة الطــوارئ بعد فوات األوان)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫غــرب إفريقيــا‪َّ ،‬‬
‫مقيــد ًا للغايــة‪ .‬وفيمــا يتع َّلــق بوبــاء فيــروس كورونــا الحالــي‪ ،‬حتــى لــو‬
‫كان َّ‬ ‫قويــة للغايــة فــي مــا يتع َّلــق بمرونــة النظــم‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬‫عالمي‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫تفاوت‬ ‫ال تــزال هنــاك‬
‫ـم اإلفــراج عــن األمــوال‪ ،‬ســيكون ذلــك فــي أحســن األحــوال فــي أبريــل‪/‬‬ ‫تـ َّ‬ ‫الصحيــة‪ ،‬األمــر الــذي يمكــن أن يجعــل جميــع جهــود التحضيــر باليــةً ‪ .‬وعلــى‬ ‫ّ‬
‫نيســان ‪ -‬بعــد فــوات األوان‪...‬‬
‫الرغــم مــن الــدروس المســتفادة مــن وبــاء اإليبــوال‪ ،‬ال يــزال الوضــع في غرب‬
‫ـي‪ ،‬ال‬ ‫ـ‬ ‫عالم‬ ‫يجــب االســتعداد لمكافحــة الوبــاء فــي وقـ ٍ‬
‫ـت مبكِّ ــر‪ ،‬وعلــى نطــاقٍ‬
‫ّ‬ ‫العالميــة‬
‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬ ‫إفريقيــا مقلقـاً‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬وقــد أعربــت منظَّ مــة‬
‫الصحــة والبحــوث الدقيقة مــع التمويل‬ ‫َّ‬ ‫ســيما مــن خــال الجمــع بيــن أنظمــة‬ ‫اإلفريقيــة علــى التعامــل مــع فيــروس كورونــا‪.‬‬ ‫عــن قلقهــا بشــأن قــدرة القــارة‬
‫ّ‬
‫والعالمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الوطني‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫العام‬
‫ّ‬ ‫المصلحة‬ ‫ـم‬ ‫الدائــم‪ .‬وهــذا النســيج يقوم على دعـ‬
‫المفارقــات أن وبــاء‬ ‫بعــد أن كشــفت األوبئــة عــن أوجــه القصــور فيهــا‪ .‬ومــن ُ‬ ‫العالمية‪ .‬هل‬
‫ّ‬ ‫الصحة‬
‫َّ‬ ‫وخاصة منظَّ مة‬
‫ّ‬ ‫الدولي‪،‬‬ ‫الصح ّي‬
‫ّ‬ ‫لقد انتقدتم التعاون‬
‫ّ‬
‫كورونــا يأتــي فــي ســياق يشــكِّ ك فــي التمويــل طويــل المــدى للمستشــفيات‬ ‫مــا زالــت انتقاداتكــم ســارية فــي عــام ‪ ،2020‬بينمــا يســتعد العالــم لمواجهــة‬
‫العامــة‪ ■ .‬حــوار‪ :‬بــول ســوجي ‪ ۹‬ترجمــة‪ :‬مروى بن مســعود‬
‫ّ‬ ‫والبحــوث‬ ‫وبــاء جديــد واســع النطاق؟‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العالميــة مــن تجاربهــا الســابقة‪ ،‬لكنهــا ال‬


‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬لقــد تعلَّمــت منظَّ مــة‬
‫المصدر‪ le figaro :‬عدد ‪ 27‬فبراير ‪.2020‬‬ ‫ـم فــي نهايــة المطــاف الــدول‬
‫دوليــة‪ ،‬وص َّنــاع القــرار هـ ّ‬
‫ّ‬ ‫حكوميــة‬
‫ّ‬ ‫تــزال منظَّ مــة‬

‫‪99‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫اقتصاد ما بعد كورونا‬
‫هل سينطلق من الصفر؟!‬
‫الدوليــة مقارنـ ٍ‬
‫ـات بــن مــا يحــدث‬ ‫ّ‬ ‫ملتتبعــن ملســتجدات األحــداث‬ ‫االقتصاديــن وا ُ‬
‫ّ‬ ‫ـر مــن ا ُ‬
‫ملحللــن‬ ‫يطلــق كثـ ٌ‬
‫ـل منــذ أزمــة ‪ 1929‬التــي‬ ‫االقتصاديــة التــي عرفهــا العــامل عــى األقـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫منــذ بدايــة الســنة الجاريــة ‪ 2020‬واألزمــات‬
‫املاليــة لســنة ‪.2008‬‬
‫ّ‬ ‫ال إىل األزمــة‬ ‫متخــض عنهــا بعــد نهايتهــا‪ ،‬وصــو ً‬ ‫العامليــة الثانيــة‪ ،‬ومــا َّ‬
‫ّ‬ ‫مهــدت للحــرب‬ ‫َّ‬
‫وأي مــن ســابقاتها‪ .‬هــذا‬
‫ٍّ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫وتداعياته‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫كورون‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫أزم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫قارن‬ ‫للم‬
‫ُ‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫مداخ‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫إيج‬ ‫ـب‬‫ـ‬ ‫الصع‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫أن‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫والواق‬
‫عامليــة بــن الــدول أدت إىل‬ ‫ّ‬ ‫ـرات‬ ‫ـ‬ ‫بتوت‬ ‫ـق‬
‫ـ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫يتع‬ ‫ال‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫األم‬ ‫إن‬ ‫‪.‬‬‫ه‬‫ِ‬ ‫ـد‬ ‫االســتنتاج ال يحتــاج إىل مــا ُيســتدل بـ ِـه لتأكيـ‬
‫انــدالع حــرب‪ ،‬وال بحــروب الــرق األوســط وســاح النفــط‪ ،‬كــا ال يتع ّلــق بأزمــة عقــارات أو هبــوط أســهم‪،‬‬
‫أدت إىل ســحب األمــوال مــن بلــدانٍ وضخهــا يف أخــرى‪ .‬اليــوم األزمــة مختلفــة يف أســبابها‪،‬‬ ‫أو مبضاربــات َّ‬
‫وبالتأكيــد يف نتائجهــا وتداعياتهــا‪.‬‬

‫ـزاالت شرســة مــن أجــل الفــوز‬ ‫ٍ‬ ‫ـزاب التــي تخــوض نـ‬ ‫ـن األحـ ِ‬ ‫وبيـ َ‬ ‫لقــد نســي العالــم‪ ،‬أو باألحــرى تناســى‪ ،‬أن محــاوالت الخــروج‬
‫والســلطة واألمثلــة علــى ذلــك عديــدة‬ ‫ُّ‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫والمناص‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫بالناخبي‬ ‫تجارية بيــن الصين‬ ‫ّ‬ ‫مــن أزمــة ‪ ،2008‬تسـ ّـببت فــي اندالع حــرب‬
‫فــي أميــركا وأوروبــا وفــي البرازيــل إبــان االنتخابــات التــي أتــت‬ ‫والواليــات المتحــدة‪ ،‬باتهــام األخيــرة لألولــى بعــدم احتــرام‬
‫بجاييــر بولســونارو اليمينــي إلــى الحكــم؛ وثاني ـ ًا فــي أن آفــاق‬ ‫الدوليــة‪ ،‬وباتهــام العالــم ألميــركا‬ ‫ّ‬ ‫قواعــد الســوق فــي التجــارة‬
‫الجا ِئحــة التــي جفَّفــت حتــى‬ ‫هــذا التحالــف مــن أجــل محاربــة َ‬ ‫ترامــب بالتراجــع عــن التزاماتهــا‪ ،‬ســواء بالنســبة للعديــد مــن‬
‫ـي‬
‫ـولُ عليهــا لتعافــي االقتصــاد العالمـ ّ‬ ‫المنابــع التــي كان يعـ َّ‬ ‫المناخيــة‪ ،‬وبالعمــل الحثيــث‬ ‫ّ‬ ‫للتغيــرات‬
‫ُّ‬ ‫التجاريــة أم‬
‫ّ‬ ‫القضايــا‬
‫ـد في ظلِّ اســتمرار‬ ‫ـد بعيـ ٍ‬
‫مــن أزمــة ‪ ،2008‬تبــدو غائمــةً إلــى حـ ٍّ‬ ‫ـم رفعها‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫التي‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الحمائي‬ ‫ـراءات‬ ‫ـ‬ ‫اإلج‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫إرس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـودة‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫علــى‬
‫المتشــائمة بشــأن تراجعــه قريبـاً‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫الوبــاء والتوقعــات ُ‬ ‫العالميــة‪ ،‬حيــث صــارت الصيــن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـارة‬ ‫ـ‬ ‫التج‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫منظَّ‬ ‫ـار‬‫ـ‬ ‫إط‬ ‫فــي‬
‫ـي فــي آخــر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يمكــن قراءتــه مثـا نقـا عــن صنــدوق النقــد الدولـ ّ‬ ‫االقتصادي‬
‫ّ‬ ‫كمــا اتضــح فــي الــدورات األخيرة لمنتــدى دافــوس‬
‫ظل اإلجراءات‬ ‫يف ِّ‬
‫تقاريــره حــول آفــاق االقتصــاد العالمــي لســنة ‪ 2020‬عندمــا‬ ‫الدوليــة وتنقــل‬
‫ّ‬ ‫حر ّيــة التجــارة‬ ‫مثـاً‪ ،‬هــي المدافــع األكبــر عــن ّ‬ ‫تخذة يصعب تحفيز‬ ‫امل ُ َ‬
‫يقــول إن هــذه األزمــة غيــر مســبوقة‪ ،‬وأنــه فــي ظلِّ اإلجــراءات‬ ‫اإلقليميــة والالجئــون والعقوبات‬ ‫ّ‬ ‫األمــوال‪ .‬ولــم تعــد التوتــرات‬
‫األنشطة االقتصاديّة‬
‫االقتصاديــة خاصــة منهــا‬
‫ّ‬ ‫تخــذة يصعــب تحفيــز األنشــطة‬ ‫الم َ‬ ‫ُ‬ ‫األوروبيون‬
‫ّ‬ ‫الدولية‪ .‬وأوقــف‬ ‫ّ‬ ‫علــى إيــران تحتلّ عناويــن األخبــار‬
‫خاصة منها األكرث‬
‫حتمل جد ًا أن يســجل االقتصاد‬ ‫ُ َ‬ ‫الم‬ ‫من‬ ‫وبالتالي‬ ‫ً‪،‬‬‫ا‬‫ـرر‬‫ـ‬ ‫تض‬ ‫ـر‬ ‫األكثـ‬ ‫التفكيــر فــي مــا بعد خــروج بريطانيا‪ ،‬ومــا إذا كان هــذا الحدث‬ ‫ترضراً‪ ،‬وبالتايل من‬
‫ـه مقارنــةً مــع مــا شــهده خــال الســنوات التــي‬ ‫أســوأ تراجــع لـ ُ‬ ‫ـي وخــروج أعضــاء آخريــن فــي‬ ‫ً‬
‫إيذانـا بتفــكك االتحــاد األوروبـ ّ‬ ‫املُحتمَ ل جدا ً أن‬
‫تلــت أزمــة ‪ ،1929‬وأيضــا خــال الســنوات العشــر األخيــرة منذ‬ ‫نقاش اليســار واليمين‬ ‫ُ‬ ‫يهمهم‬ ‫ّ‬ ‫يعد‬ ‫لم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كم‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬ ‫المقبل‬ ‫ـنوات‬ ‫السـ‬ ‫يسجل االقتصاد‬
‫األزمــة الماليــة لســنة ‪.2008‬‬ ‫ـرف‪ .‬لكلّ هــذا من غير الممكــن التفكير‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫تط‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫اليمي‬ ‫ـود‬ ‫ـ‬ ‫وصع‬ ‫ً‬
‫مقارنة‬ ‫أسوأ تراجع ل ُه‬
‫ـتنتج ممــا ســبق حــول‬ ‫ـي ُيسـ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ثمــة مــن وصــف تقريبـ ّ‬ ‫وإذا كان ّ‬ ‫فــي مــا بعد األزمة بالمنطق نفســه بالنســبة لألزمات الســابقة‪.‬‬ ‫مع ما شهده خالل‬
‫ـي‪ ،‬فهــو أنــه ســينطلق مــن‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫العالم‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫لالقتص‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الراهن‬ ‫الوضعيــة‬ ‫ـر فــي أي فتــر ٍة‬ ‫الم ِ‬
‫عاصـ ُ‬ ‫ثمــة مفارقــةٌ لــم يعرفهــا العالــم ُ‬ ‫اآلن َّ‬ ‫َ‬ ‫السنوات اليت تلت‬
‫الصف ـرِ‪ ،‬أو يــكاد‪ ،‬بعــد انقشــاع األزمــة‪ .‬فقــد تع َّقــدت حالــة‬ ‫ٍ‬
‫ال فــي وجــود تحالــف غيــر‬ ‫مــن الفتــرات‪ ،‬يتمثــلُ قطباهــا‪ ،‬أو ً‬ ‫ِ‬ ‫أزمة ‪ ،1929‬وأيضا‬
‫الحــد الــذي بــدت معــه‬ ‫ِّ‬ ‫الدوليــة إلــى‬
‫ّ‬ ‫التجاريــة‬
‫ّ‬ ‫المبــادالت‬ ‫ُ‬ ‫ـرت‬ ‫ـرب‪ ،‬بيــن الــدول التــي تناحـ ْ‬ ‫ـن الشــرقِ والغـ ِ‬ ‫ـد بيـ َ‬ ‫معلــنٍ وحيـ ٍ‬ ‫خالل السنوات العرش‬
‫العالميــة للتجــارة غيــر قــادرة علــى تحديــد نســبة‬ ‫ّ‬ ‫المنظمــة‬ ‫ُ‬ ‫تجاريــة‪ ،‬كمــا كان‬‫ّ‬ ‫أو‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫مختلف‬ ‫ة‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫سياس‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫خالف‬ ‫ـبب‬ ‫ا بسـ‬ ‫طويـ ً‬ ‫األخرية منذ األزمة‬
‫تقريبيــة لتراجعهــا خــال الســنة الجاريــة‪ .‬وتظهر هــذه الحيرة‬ ‫ّ‬ ‫عليــه األمــر منــذ وصــول دونالــد ترامــب إلــى البيــت األبيــض‪،‬‬ ‫املالية لسنة ‪2008‬‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪100‬‬


‫ـي خــال الســنة الحاليــة بنســبة ‪ 3‬فــي المئــة‬ ‫بانكمــاش االقتصــاد العالمـ ّ‬ ‫والحد األقصــى (‪ 32‬في‬ ‫ِّ‬ ‫ـد األدنــى (‪ 13‬فــي المئــة)‬ ‫فــي الفــرق الكبيــر بيــن الحـ ِّ‬
‫بأنهــا متفائلــة‪ ،‬أو علــى األقــلّ تنــأى مــا أمكــن عــن الحديــث عــن احتمــال‬ ‫المتو َقــع مــن خبرائهــا لهــذا التراجــع مقارنــةً مــع ســنة ‪ .2019‬وعلى‬ ‫المئــة) ُ‬
‫ـي علما أن أســبابه قائمــة‪ ،‬وباتت منظــور ًا إليها بوضوح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حــدوث كســاد حقيقـ ّ‬ ‫بصيص‬ ‫ـي للتعبير عن‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الدول‬ ‫النقد‬ ‫صندوق‬ ‫ـراء‬‫ـ‬ ‫خب‬ ‫بها‬ ‫الذ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـرة‬
‫ـ‬ ‫النب‬ ‫خــاف‬
‫ٍ‬
‫ربمــا أكثــر مــن أي وقــت ســابق (بطالــة مرتفعــة مقرونــةً بضعــف كبيـ ٍر فــي‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫حتمل تســجيل انتعاش فــي االقتصاد‬ ‫الم َ‬ ‫مــن التفــاؤل باإلشــارة إلى أنــه من ُ‬
‫ـص قــد تصل‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫وتقل‬ ‫ـاج‬ ‫ـ‬ ‫اإلنت‬ ‫ـاض‬ ‫ـ‬ ‫انخف‬ ‫ـودات‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫تراجع‪ ‬الموج‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ـرائي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـدرة‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫قدمت الحكومات دعم ًا سياسـ ّـي ًا القتصاداتها‪،‬‬ ‫العالمــي بدايــةً من ‪ 2021‬إذا َّ‬
‫الدوليــة)‪ .‬وألن األزمــة شــاملة لــم تســتثنِ‬ ‫ّ‬ ‫نســبته إلــى الثلــث فــي التجــارة‬ ‫العالميــة للتجــارة التــي قــال مديرهــا عــن نســب التراجــع‬ ‫ّ‬ ‫فــإن المنظمــة‬
‫ـاش ســيكون مفعولهــا‬ ‫وإن بشــكلٍ متفــاوت‪ ،‬فــإن محفــزات االنتعـ ِ‬ ‫أي بلــد‪ْ ،‬‬ ‫المتوقعــة بأنهــا «أرقــام مخيفــة»‪ ،‬ال تــرى مــا يــراه الصنــدوق‪ ،‬مســتند ًة إلــى‬ ‫ُ‬
‫للمعطيــات الــواردة فــي نشــرة األونكتــاد‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫فوفق‬ ‫ـوال‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫األح‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫أفض‬ ‫بطيئـ ًا فــي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫العالم‬ ‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫االقتص‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫منه‬ ‫الواقــع الناتــج عــن أزمــة ‪ ،2008‬التــي لــم يتعـ َ‬
‫ـاف‬
‫ّ‬
‫والخدماتيــة لــم‬
‫ّ‬ ‫والتجاريــة‬
‫ّ‬ ‫والطاقيــة‬
‫ّ‬ ‫الصناعيــة‬
‫ّ‬ ‫المذكــورة‪ ،‬كلّ القطاعــات‬ ‫حتــى اآلن بالرغــم مــن أنهــا أزمــة ال تصــل فــي خطورتهــا إلــى أزمــة كورونــا‪.‬‬
‫خاصــة أن عــدد ًا مــن الــدول الكبــرى والناشــئة‬ ‫ّ‬ ‫ـة‪،‬‬‫الجا ِئحـ‬ ‫تســلم مــن آثــار َ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫ـرد مثالٍ وصورة للمجــاالت‬ ‫التجاريــة ال تعــدو مجـ َّ‬ ‫ّ‬ ‫المبــادالت‬ ‫إن ُ‬
‫ـد ســواء اتخــذت إجــراءات صارمــة لمواجهــة الوبــاء عطّ لــت بشــكلٍ‬ ‫علــى حـ ٍّ‬ ‫دمرهــا الوبــاء‪ ،‬وهــي نفســها مــرآة لحجــم اإلنتــاج‬ ‫والماليــة األخــرى‪ ،‬التــي َّ‬ ‫ّ‬
‫وخارجيـاً‪ .‬وهــي المعطيــات التي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬‫داخلي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬‫االقتصادي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الحرك‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫تقريب‬ ‫كامــل‬ ‫الح ْجــر المفــروض علــى مــا يقارب‬ ‫َ‬ ‫ـبب‬ ‫ـ‬ ‫بس‬ ‫ـتوياته‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫أدن‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫يوج‬ ‫الــذي‬
‫الدولي بعــد اجتماعها منتصف أبريل‪ /‬نيســان‬ ‫ّ‬ ‫للبنك‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫التنمي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫لجن‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫دعمته‬ ‫الصناعية الكبــرى بما فيها الصين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الدول‬ ‫في‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫أغلبه‬ ‫األرض‪،‬‬ ‫ان‬ ‫ـكّ‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـف‬ ‫نصـ‬
‫«الجا ِئحة تسـ ّـببت في تعطيل التجارة‪ ،‬وسالســل‬ ‫َ‬ ‫الماضــي بالتأكيــد علــى أن‬ ‫المباشــرة التي كانت تنشــط اإلنتاج وســوق‬ ‫األجنبيــة ُ‬
‫ّ‬ ‫ولحجــم االســتثمارات‬
‫البشــري غيــر مســتغل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المــال‬ ‫رأس‬ ‫وأن‬ ‫االســتثمارات‪.‬‬ ‫التوريــد‪ ،‬وتدفُّــق‬ ‫الشــغل‪ ،‬وتمتــص البطالــة‪ ،‬وتغــذِّ ي بالتالــي الطلــب الداخلــي واالســتهالك‬
‫للمغتربيــن‪ ،‬وعائــدات النقــل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫المالي‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫التحوي‬ ‫ـرعة‬ ‫ـ‬ ‫بس‬ ‫بينمــا تناقصــت‬ ‫فــي الكثيــر مــن الــدول الناشــئة والفقيــرة‪ ،‬دون الحديث عن دورهــا في رفع‬
‫األوليــة»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والســياحة‪ ،‬باإلضافــة إلــى انهيــار أســعار المــواد‬ ‫المتوقَّع أن‬ ‫ديناميــة االقتصــاد فــي الــدول الكبــرى‪ .‬فهــذه االســتثمارات مــن ُ‬
‫الدوليــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫واالقتصادي‬
‫ّ‬ ‫الماليــة‬
‫ّ‬ ‫المؤسســات‬‫َّ‬ ‫إن إجمــاع هــذه‬ ‫ّ‬ ‫تشــهد تراجعـ ًا حــاد ًا هــذه الســنة‪ ،‬حســب نشــرة مــارس‪/‬آذار ‪ 2020‬لمؤتمر‬
‫المتبادلــة‪ -‬أحيانـاً‪-‬‬ ‫المعلــن‪ ،‬بالرغــم مــن االتهامــات ُ‬ ‫ـي غيــر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫العالم‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫التحال‬ ‫األمــم المتحــدة للتجــارة والتنميــة (أونكتــاد)‪ ،‬يتــراوح بيــن ‪ 5‬و‪ 15‬فــي المئة‪،‬‬
‫وجهة لهذا البلد أو ذاك‪ -‬أحيان ًا‬ ‫الم َّ‬ ‫حية ُ‬ ‫الص ّ‬ ‫بصنع الفيروس وبقرصنة المواد ِّ‬ ‫عالميــة كبــرى لهــا أنشــطة عبــر العالــم أعلنــت عــن تأثـ ٍر‬ ‫ّ‬ ‫خاصــة أن شــركات‬ ‫ّ‬
‫المســتقبل‪،‬‬ ‫أخــرى‪ -‬وغيــر ذلــك‪ ،‬يعنــي أن ال أحــد يملــك اإلجابــةَ عــن ســؤال ُ‬ ‫ـع غير مســبوقٍ ألرباحهــا‪ ،‬وأنها مضطرة لتقليــص نفقاتها‪.‬‬ ‫كبيـرٍ‪ ،‬وعــن تراجـ ٍ‬
‫ـي‬ ‫ً‬
‫المتوســط ناهيــك عــن المــدى الطويــل‪.‬‬ ‫ســواء فــي المــدى القصيــر أم ُ‬ ‫انطالق ـا مــن ذلــك‪ ،‬يمكــن الحكــم علــى توقعــات صنــدوق النقــد الدولـ ّ‬
‫‪101‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫الغنيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القويــة‬
‫ّ‬ ‫االعتبــار المصالــح الوطنيــة تمامـ ًا كمــا تقــوم بذلــك الــدول‬ ‫ِ‬
‫الوباء‪،‬‬ ‫ـم التعامل بها مــع‬ ‫التصرفــات واإلجــراءات التي تـ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫بيــد أن قــراءة فــي‬
‫ـاء‪ ،‬كمــا ســبق الذكــر‪ ،‬إلــى‬ ‫المفاجئــة التــي فرضهــا الوبـ ُ‬ ‫الظرفيــة ُ‬ ‫ّ‬ ‫لقــد أدت‬ ‫التوجهــات‬ ‫ُّ‬ ‫حتملــة لمــا ســتكون عليــه‬ ‫ـدم صــورة مركَّ بــة ُم َ‬ ‫مــن شــأنها أن تقـ ِّ‬
‫جماعيــة علــى مســتوى العالــم‪ ،‬والتفكيــر‬ ‫ّ‬ ‫لــروح‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫أيضــ‬ ‫مفاجــئ‬ ‫ٍ‬
‫صعــود‬ ‫االقتصاديــة لعالــم مــا بعــد الجائحــة التــي يمكــن اعتبارهــا منعطفـ ًا فــي ما‬ ‫ّ‬
‫ممــا يطفــو إلــى ســطح األحــداث من‬ ‫ّ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫بالرغ‬ ‫ـول‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـترك‬ ‫ـ‬ ‫مش‬ ‫بشــكلٍ‬ ‫االجتماعية‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫ّ‬ ‫يتع َّلــق بإعــادة ترتيــب األولويات ليس‬
‫ممارســات (أنانيــة) مــن ق َبــل دول كبــرى أحيانـ ًا تجعــل كلّ ذلــك فــي مهــب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضـاً‪ ،‬وهــو مــا يحتــم القيــام بإصالحات سياسـ ّـية عميقــة مالءمــة بإمكانها‬
‫إل أن األمــر قــد يتجــاوز الشــكوك ليصبــح‬ ‫شــكوك كثيــرة بشــأن المســتقبل‪ّ .‬‬ ‫حتملــة فــي المســتقبل بفعالية ونجاعــة أكثر‪.‬‬ ‫الم َ‬ ‫مواجهــة األزمــات ُ‬
‫ـإن كثير ًا من‬ ‫ـرر الــدول الفقيــرة فـ ّ‬ ‫طبيعيـ ًا وعاديـ ًا أن تتضـ َّ‬ ‫ّ‬ ‫حقيقــة‪ .‬فــإذا كان‬ ‫اإلفريقيــة التي اعتبرها‬ ‫ّ‬ ‫فــي هــذا الســياق‪ ،‬يمكن التمثيل بالوضــع في القارة‬
‫الــدول العظمــى تبــدو ضعيفــة أمــام أزمــة مثــل األزمــة الراهنــة‪ ،‬يتداخــل‬ ‫خاصــة مع توالــي االضطرابات علــى االقتصاد‬ ‫ّ‬ ‫دوليــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومؤسســات‬ ‫َّ‬ ‫محللــون‬
‫ـرية‪ ،‬توفيــر الغذاء‬ ‫ـادي بضــرورة المحافظــة علــى الحياة البشـ ّ‬ ‫فيهــا االقتصـ ّ‬ ‫المتواصلة خــال العقدين‬ ‫ُ‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫النم‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫نس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫بالنظ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـارة‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬
‫العالمـ ّ‬
‫ـك لــم ينفعهــا مــا أنفقته مــن جهدٍ‬ ‫حيــة‪ ،‬وفــي ذلـ َ‬ ‫الص ّ‬ ‫المســتلزمات ِّ‬ ‫بتأميــن ُ‬ ‫األخيرين‪ .‬ذلك أن التوقُّعات تبدو ســيئةً ‪ ،‬ألن هذا النمو ظلَّ مرتبط ًا بشــكلٍ‬
‫ـتهالكية أو‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫االس‬ ‫ـواق‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫على‬ ‫ـتحواذ‬ ‫ـ‬ ‫لالس‬ ‫ـكري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫عس‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫وأحيان‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫وسياس‬ ‫مالي‬ ‫خاصــة الصيــن التــي كســبت‬ ‫ّ‬ ‫اإلفريقيــة‬
‫ّ‬ ‫كبيــر بالشــركاء األساسـ ّـيين للــدول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال إلى المزيد‬ ‫ـتثمارية فــي العالــم‪ ،‬وهذا قد يدفع الواليات المتحــدة مث ً‬ ‫ّ‬ ‫االسـ‬ ‫األوروبييــن والواليــات‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫التقليدي‬
‫ّ‬ ‫ـركاء‬ ‫ـ‬ ‫متقدمــة علــى حســاب الش‬ ‫ِّ‬ ‫مواقــع‬
‫ـي‬
‫ـد مــن دول االتحــاد األوروبـ ّ‬ ‫مــن «أميــركا أوالً» ولــو بــدون ترامــب‪ ،‬والعديـ َ‬ ‫المتحــدة‪ ،‬وبعــد هــذه الســنوات «الزاهــرة» التــي لــم تتأثــر كثيــر ًا بتداعيــات‬
‫وسياســياً‪،‬‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ــ‬ ‫اقتصادي‬ ‫يــن‬ ‫الوطني‬ ‫إلــى إعــادة االعتبــار لســيادتها ولقرارهــا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـي تســجيل نســبة نمــو ســلبية تتــراوح بيــن‬ ‫أزمــة ‪ ،2008‬يتو ّقــع البنــك الدولـ ّ‬
‫ـدم ما يكفــي من الدعــم ألعضائها‪.‬‬ ‫األوروبيــة لــم تقـ ّ‬‫ّ‬ ‫المؤسســات‬ ‫َّ‬ ‫خاصــة أن‬ ‫ّ‬ ‫اإلفريقية‬
‫ّ‬ ‫ناقــص ‪ 2.1‬فــي المئــة وناقــص ‪ 5.1‬فــي المئــة فــي بالنســبة للــدول‬
‫ـكرية وال‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫عس‬ ‫قوة‬ ‫تفرضها‬ ‫لم‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ة‬ ‫جديد‬ ‫معايير‬ ‫وفق‬ ‫ـكيله‬ ‫ـ‬ ‫تش‬ ‫عاد‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫العالم‬ ‫إن‬
‫ّ‬ ‫األوليــة وتراجــع‬ ‫ا ذلــك بانخفــاض أســعار المــواد‬ ‫جنــوب الصحــراء‪ ،‬معلـ ً‬
‫ّ‬
‫المســتبعد‬ ‫ُ‬ ‫غير‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫وم‬ ‫اآلن‪،‬‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫األقلّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـر‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫مباش‬ ‫ـكلٍ‬ ‫ـ‬ ‫بش‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫فيه‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ألح‬ ‫ـد‬ ‫يـ‬ ‫الســياحة‪ُ ،‬يضــاف إليهمــا غلــق منافذ التصديــر وتوقُّف تدفُّق االســتثمارات‪.‬‬
‫أن نشــهد عــود ًة بشــكلٍ مــرنٍ إلــى بعــض المبــادئ التــي قامــت عليهــا‬ ‫الوضعية يمكن تعميمها لتشــمل أغلب البلدان النامية والفقيرة أو‬ ‫ّ‬ ‫إن هذه‬ ‫ّ‬
‫وطنيــة وإجــراءات لحمايــة ودعــم االقتصــاد‪ ،‬واالنفتــاح‬ ‫ّ‬ ‫ـم مــن ســيادة‬ ‫األمـ ُ‬ ‫ديناميــة االقتصاد فيها إلى‬ ‫ّ‬ ‫تحتاج‬ ‫والتي‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫األساس‬ ‫ة‬‫األولي‬
‫ّ‬ ‫ـواد‬ ‫ـ‬ ‫بالم‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الغني‬
‫ّ‬
‫الحيويــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الوطني‬
‫ّ‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫المصال‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ِّ‬
‫ث‬ ‫يؤ‬ ‫ال‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫بم‬ ‫ـارج‬ ‫ـ‬ ‫الخ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـدروس‬ ‫المـ‬ ‫خارجيــة‪ ،‬ســواء تع َّلــق األمــر باالســتيراد والتصديــر أم بتحويــات‬ ‫ّ‬ ‫ُمحفــزات‬
‫قيدة‬ ‫الم ِّ‬ ‫ال بفــرض بعض المعاييــر ُ‬ ‫المقبلــة بدأت فع ً‬ ‫ولعــلّ بــوادر المرحلــة ُ‬ ‫الخارجيــة‪ ،‬أم كذلــك بالمســاعدات والقــروض‬ ‫ّ‬ ‫المهاجريــن واالســتثمارات‬ ‫ُ‬
‫ـي‪ ،‬والدعــوات إلى الحفاظ‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫األوروب‬ ‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫االتح‬ ‫دول‬ ‫ـي‬‫األجنبيــة فـ‬ ‫ّ‬ ‫لالســتثمارات‬ ‫الحيوية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫القطاع‬ ‫ـاش‬ ‫ـ‬ ‫إنع‬ ‫أو‬ ‫ة‬‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫التنمي‬ ‫ـم‬
‫وجهــة لمشــاريع تهـ ُّ‬ ‫الم َّ‬‫ُ‬
‫الزراعيــة ومخزونات األدوية‪ ،‬باإلضافــة إلى ما كان دونالد‬ ‫ّ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫المحاصي‬ ‫علــى‬ ‫إن هــذه الهــزة غيــر المســبوقة تفــرض علــى هــذه الــدول إعــادة النظــر أو ً‬
‫ال‬
‫حمائية‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫ترامــب قــد شــرع فــي تنفيذه قبــل ظهــور الوباء مــن إجــراءات‬ ‫االختياريــة بحكــم‬
‫ّ‬ ‫الحــد مــن تبعيتهــا‬ ‫ِّ‬ ‫االقتصاديــة باتجــاه‬ ‫ّ‬ ‫فــي نماذجهــا‬
‫المنافســة‬ ‫ُ‬ ‫واجهة‬ ‫لم‬
‫ـت طويل ُ‬ ‫المقــرر للمقــاوالت قد يســتمر لوقـ ٍ‬ ‫أن الدعــم ُ‬ ‫المتوفــرة والتــي تتحكَّ م في توجيه سياســات هــذه الدول في مجال‬ ‫المــوارد ُ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫الخارجيــة عنــد االقتضــاء‪ .‬فهــل يكــون مــا يحــدث إيذانـا بنهايــة مرحلــة من‬ ‫ّ‬ ‫الدوليــة‪ ،‬وبحكــم ظــروف‬ ‫ّ‬ ‫ـوى‬ ‫ـ‬ ‫الق‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫موازي‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫بحك‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫المفروض‬ ‫أو‬ ‫ـاد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫االقتص‬
‫ـاملة؟ ■ جمال الموســاوي‬ ‫العولمــة الشـ ِ‬ ‫تاريخيــة كاالســتعمار مثـاً‪ ،‬وتحويــل هــذه التبعيــة إلــى عالقــات تأخــذ فــي‬ ‫ّ‬

‫من غري املُستبعد‬


‫أن نشهد عود ًة‬
‫ٍ‬
‫مرن إىل‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬
‫بعض املبادئ اليت‬
‫قامت عليها األممُ‬
‫من سيادة وطن ّية‬
‫وإجراءات لحماية‬
‫ودعم االقتصاد‪،‬‬
‫واالنفتاح املدروس‬
‫عىل الخارج بما ال يؤثِّر‬
‫عىل املصالح الوطن ّية‬
‫الحيويّة‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪102‬‬


Jess Rodrigues (Espagne) shutterstock

103
167-166 2021 ‫ سبتمرب‬- ‫أغسطس‬
‫إيمانويل كوكيا‪:‬‬
‫الفريوس قوة فوضويّة للتح ُّول‬
‫منــذ بدايــة وبــاء (كوفيــد ‪ ،)19 -‬غــزت الفريوســات األجســاد والعقــول‪ .‬لكــن أي نــوع مــن الكائنــات هــي؟ بالنســبة‬
‫االجتامعيــة بفرنســا‪ ،‬فــإن‬
‫ّ‬ ‫تقدمــة يف العلــوم‬
‫مل ِّ‬ ‫ملحــارض يف كليــة الدراســات ا ُ‬
‫إلميانويــل كوكيــا‪ ،‬الفيلســوف وا ُ‬
‫كل يشء قــوة تحـ ُّـول‪ .‬بانتقالهــا مــن مخلــوقٍ إىل آخــر‪ ،‬تشــهد عــى أن أصــل الحيــاة واحــد‪.‬‬‫الفريوســات هــي قبــل ّ‬
‫ربــا للتخفيــف مــن القلــق جـ َّـراء العــدوى‪.‬‬
‫يف هــذه املقابلــة‪ ،‬يطــرح الفيلســوف فكرتــه مــن زاويــة مختلفــة‪َّ ،‬‬

‫بمعنى؟‬ ‫الحية‬
‫ّ‬ ‫فــي كتابــك األخيــر «التحـ ُّـوالت»‪ ،‬تؤكِّ د بأن جميع الكائنات‬
‫تنطلــق مــن حيــاة واحــدة‪ ،‬تتحـ َّـول إلــى مــا ال نهايــة‪ .‬أليــس هــذا‬
‫ســيد‬
‫ّ‬ ‫النرجســية التــي تجعــل اإلنســان‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬ال أفكــر فقــط فــي‬
‫الطبيعــة‪ ،‬ولكــن أيض ـ ًا مــا يقودنــا إلــى أن ننســب لإلنســان قــوة‬ ‫مــا نشــهده جميعـ ًا مــع هــذا الوبــاء؟‬
‫متميــزون‬
‫ّ‬ ‫الطبيعيــة‪ .‬نحــن‬
‫ّ‬ ‫وحصريــة علــى التوازنــات‬ ‫ّ‬ ‫مدمــرة‬
‫ّ‬ ‫خصصتهمــا للفيروســات‪.‬‬ ‫«التحــوالت» ّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬آخــر صفحتيــن مــن‬
‫ومختلفــون واســتثنائيون فــي الكــون‪ ،‬هكــذا نعتقــد‪ ،‬رغــم الضرر‬ ‫أرى بــأن الفيروســات هــي الطريقــة التــي يتح ّقــق بهــا المســتقبل‬
‫الحيــة األخــرى‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن قــوة‬ ‫الــذي نلحقــه بالكائنــات‬ ‫ـول‬
‫ّ‬ ‫فــي الحاضــر‪ .‬الفيــروس‪ ،‬فــي الواقــع‪ ،‬قــوة نقيــة مــن التحـ ُّ‬
‫التدميــر هــذه‪ ،‬تمام ًا مثل قــوة التوالد‪ ،‬مو َّزعة بشــكلٍ عادل على‬ ‫الــذي ينتقــل مــن حيــاة إلــى أخــرى دون أن يقتصــر علــى حــدود‬
‫الحيــة‪ .‬اإلنســان ليــس الكائــن الوحيــد القــادر‬
‫ّ‬ ‫جميــع الكائنــات‬ ‫الجســم‪ .‬حــر‪ ،‬فوضــوي‪ ،‬غير مادي تقريبـاً‪ ،‬ال ينتمي إلى أي فرد‪،‬‬
‫علــى تغييــر الطبيعــة‪ .‬أي بكتيريــا أو فيــروس أو حشــرة يمكــن أن‬ ‫الحيــة ويســمح لهــا‬ ‫لديــه القــدرة علــى تحويــل جميــع الكائنــات‬
‫ّ‬
‫ـر علــى العالــم‪.‬‬ ‫ـر كبيـ ٌ‬‫يكــون لهــا تأثيـ ٌ‬ ‫ميــز‪ .‬أعتقــد أن جــزء مــن حمضنــا النــووي‪،‬‬ ‫الم َّ‬
‫بتحقيــق شــكلها ُ‬
‫ربمــا حوالــي ‪ ،% 8‬مــن أصــل فيروســي! الفيروســات هــي قــوة‬ ‫َّ‬
‫هــل ينبغــي أن يدفعنــا الوبــاء الحالــي إلــى تغييــر تفكيرنــا فــي‬
‫ـول‪ ،‬ولديهــا إمكانيــة لالختــراع الــذي‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫والتح‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫والتعدي‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫التجدي‬
‫الطبيعــة؟‬
‫هوياتنــا‬ ‫التطــور‪ .‬إنهــا دليــل علــى أن ّ‬
‫ُّ‬ ‫يلعــب دور ًا أساســي ًا فــي‬
‫الم ِ‬
‫عاصــرة تتغــذَّ ى مــن خيــال تظهــر فيــه األرض‬ ‫‪ -‬ال تــزال البيئــة ُ‬ ‫ـددة‪ .‬أســتحضر هنــا مــا‬ ‫الجينيــة كانــت نتيجــة لتداخــات متعـ ِّ‬
‫ضمنــة فــي كلمــات علــم البيئــة‬‫ُ َّ‬‫م‬ ‫ـرة‬
‫ـ‬ ‫الفك‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫كمنــزل الحيــاة‪ .‬ه‬ ‫ذكــره جيــل ديلــوز‪« ،‬نحــن نصنــع جــذور ًا مــع فيروســاتنا‪ ،‬أو‬
‫باليونانيــة‪ ،‬تعنــي المســكن‪ ،‬المجــال‬
‫ّ‬ ‫ـي‪،oikos :‬‬ ‫والنظــام البيئـ ّ‬ ‫باألحــرى فيروســاتنا تجعلنا نمــد الجذور مع الكائنــات األخرى»‪.‬‬
‫المنظــم جيــداً‪ .‬فــي الواقــع‪ ،‬الطبيعــة ليســت مجــال‬ ‫ـي ُ‬‫المحلـ ّ‬ ‫الهويــة‪،‬‬‫ّ‬ ‫مــن وجهــة النظــر هــذه‪ ،‬فــإن المســتقبل يشــبه مــرض‬
‫التــوازن الدائــم‪ ،‬حيــث يكــون الجميــع فــي مكانهم‪ .‬إنها مســاحة‬
‫التحول‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الحيــة علــى‬
‫ّ‬ ‫وســرطان الحاضــر‪ :‬إنــه يجبــر كلّ الكائنــات‬
‫الحيــة الجديــدة التــي تخــلّ بالتوازن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لالختــراع الدائــم للكائنــات‬
‫وربمــا‬ ‫َّ‬ ‫العــدوى‪،‬‬ ‫بالتقــاط‬ ‫عليــك أن تمــرض‪ ،‬وتســمح لنفســك‬
‫تهاجــر جميــع الكائنات‪ ،‬وتحتلّ جميع الكائنــات منازل اآلخرين‪.‬‬
‫المــوت‪ ،‬حتــى تمضــي الحيــاة فــي مســارها وتصنــع المســتقبل‪.‬‬
‫هــذا هــو‪ ،‬فــي األســاس‪ ،‬جوهــر الحيــاة‪.‬‬
‫قــد تبــدو هــذه النظــرة إلــى األشــياء أكثــر إزعاجــ ًا بــد ً‬
‫ال مــن‬
‫أكثــر مــن الخــوف مــن الفيــروس‪ ،‬هــل يكشــف المنــاخ الحالي عن‬ ‫إيمانويل كوكيا ▲‬
‫الطمأنــة‪...‬‬
‫الخــوف مــن الموت بالنســبة لك؟‬
‫ـي أن تخــاف مــن المــوت وتتج ّنبــه قــدر‬ ‫‪ -‬مــن الواضــح أن القــوة التحويليــة للفيروســات لديهــا شــيء‬
‫‪ -‬بالتأكيــد‪ .‬مــن الطبيعـ ّ‬ ‫مخيــف فــي الوقــت الــذي نجــح فيــه (كوفيــد ‪ )19 -‬فــي تغييــر‬
‫الطبيعــي اتخــاذ إجــراءات لحمايــة المجتمــع‬ ‫ّ‬ ‫اإلمــكان‪ .‬ومــن‬
‫وخاصــةً أفــراده األكثــر هشاشــة‪ .‬لكــن مــا وراء األزمــة التــي نمــر‬ ‫ّ‬ ‫عالمنــا بشــكلٍ عميــق‪ .‬سـ ُّ‬
‫ـيتم التغلــب علــى األزمــة الوبائيــة فــي‬
‫بهــا‪ ،‬تميــل مجتمعاتنــا إلــى مكافحة المــوت والتفكير فــي الحياة‬ ‫غيــر أنماط حياتنا‬ ‫ّ‬ ‫قد‬ ‫الفيروس‬ ‫هذا‬ ‫نهايــة المطــاف‪ ،‬ولكن ظهــور‬
‫الفرديــة مــن حيــث المطلــق‪ .‬ورغــم ذلــك‪ ،‬فــإن الحيــاة التــي‬ ‫ّ‬ ‫ـي وتوازناتنــا الجيوسياسـ ّـية‪ .‬ينتــج الكثيــر مــن‬
‫وواقعنــا االجتماعـ ّ‬
‫ـدت‬ ‫نعيشــها ال تبــدأ بلحظــة ميالدنــا‪ :‬إنهــا حيــاة أُمنــا التــي امتـ َّ‬ ‫ـي‬
‫األلــم الــذي نعيشــه اليــوم عــن إدراكنــا بــأن أصغــر كائــن حـ ّ‬
‫إلينــا وستســتمر مــع أطفالنــا‪ .‬نحــن نســتمد الجســد‪ ،‬والنفــس‪،‬‬ ‫ـرية مجهــزة مــن وجهــة نظــر‬ ‫قــادر علــى شــلّ أفضــل حضــارة بشـ ّ‬
‫والــذرات مــن أمنــا التــي حملتنــا فــي بطنهــا تســعة أشــهر‪ .‬تنتقل‬ ‫تقنيــة‪ .‬أعتقــد أن هــذه القــوة التحويليــة لكائــن غيــر مرئــي تثيــر‬
‫ـد إلــى آخر‪ ،‬مــن األنواع إلــى األنواع‪ ،‬مــن مملكة‬ ‫الحيــاة مــن جسـ ٍ‬ ‫تســاؤالت حــول نرجسـ ّـية مجتمعاتنــا‪.‬‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪104‬‬


‫والنبــات علــى البكتيريــا‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن أصغــر‬
‫أشــكال الحيــاة ليســت هــي األشــكال األساسـ ّـية أو األكثــر بدائية‪.‬‬
‫ـي بالشــكل الــذي كان عليــه منــذ مالييــن‬ ‫لــم يحتفــظ أي كائــن حـ ّ‬
‫ـي تاريــخ األلفيــة الذي يشــمل كائنات‬ ‫الســنين‪ .‬وراء كلّ كائــن ّ‬
‫ـ‬ ‫ح‬
‫ـور‬
‫ـور الفيروســات‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬بتطـ ُّ‬ ‫أخــرى‪ .‬يرتبــط تطـ ُّ‬
‫الحيــة األخــرى‪ ،‬ألنهــا تتغــذَّ ى على أجزاء مــن الحمض‬ ‫ّ‬ ‫الكائنــات‬
‫النووي‪.‬‬

‫ميز في حالة الفيروسات؟‬


‫الم ّ‬
‫ما ُ‬
‫يتــم االتفــاق بشــأنها‬ ‫َّ‬ ‫‪ -‬بدايــة‪ ،‬هنــاك نقاشــات أعتقــد أنــه لــن‬
‫ـري‪ ،‬في‬ ‫حيــة؟ هــذا النقــاش النظـ ّ‬ ‫أبــداً‪ :‬هــل الفيروســات كائنــات ّ‬
‫اعتقــادي‪ ،‬ســؤال ضعيــف طرحــه‪ .‬فــي الواقــع يوجــد دائمـ ًا غيــر‬
‫األحيــاء فــي األحيــاء‪ .‬نحــن مخلوقــون مــن نفــس مــادة األرض؛‬
‫تتكــون مــن عنصــ ٍر معدنــي‪ .‬لذلــك فــإن‬ ‫َّ‬ ‫لدينــا بنيــة جزيئيــة‬
‫ـدث‬ ‫ا للغايــة مــن تأليــف تومــاس هيمــز يقتــرح التحـ ُّ‬ ‫كتابـ ًا جميـ ً‬
‫ال مــن عــدم األحيــاء‪ .‬يتــم اختــزال‬ ‫عــن «مــا دون األحيــاء» بــد ً‬
‫الفيروســات تقريب ـ ًا إلــى ‪ DNA‬أو ‪ - RNA‬باختصــار‪ ،‬هــي مــادة‬
‫وراثيــة‪ .‬ليــس لديهــا بنيــة خليــة ‪ -‬النــواة‪ ،‬الميتوكوندريــا‪ ،‬ومــا‬
‫ـر بالوحــدة‬ ‫إلــى ذلــك‪ .‬هــذا مدهــش‪ ،‬ألن الخليــة غالب ـ ًا مــا تمـ ُّ‬
‫الحيــة‪ .‬حتــى البكتيريــا‬ ‫ّ‬ ‫األساسـ ّـية المشــتركة لجميــع الكائنــات‬
‫ـددة للغايــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تحتاج‬ ‫خلويــة‪ ،‬رغــم أنهــا محـ ّ‬
‫ّ‬ ‫لهــا بنيــة‬
‫الفيروســات إلــى االعتمــاد علــى تركيبــة بيولوجيــة أخــرى أكبــر‬
‫الحيــة األخــرى وتعطيهــا‬ ‫ّ‬ ‫للتكاثــر‪« :‬تختــرق» خاليــا الكائنــات‬
‫تعليمــات جينيــة جديــدة لتتكاثــر‪.‬‬

‫ما رأيك في استعارة فيروس الكمبيوتر؟‬


‫‪ -‬أعتقــد أنــه يجــب أن نقلبهــا‪ :‬كلّ معلومــة هــي فيــروس‪ .‬جميــع‬
‫المعلومــات تأتينــا مــن مــكانٍ آخــر‪ .‬بنفــس المعنــى‪ ،‬يمكــن‬
‫القــول إن اللّغــة والفكــر منظمــان مثــل الجينــات‪ :‬كلّ فكــر يمكن‬ ‫إلــى مملكــة مــن خــال الــوالدة والتغذيــة‪ ،‬ولكــن كذلــك واألهــم‬
‫تقســيمه إلــى عناصــر بدرجـ ٍ‬
‫ـات متفاوتــة مــن التعقيــد‪ ،‬ويمكــن‬ ‫المــوت‪ .‬وبحكــم النفــس الــذي نتقاســمه (البشــر‪ ،‬والحيوانــات‪،‬‬
‫أن ننقلهــا‪ ،‬تمامــ ًا مثــل الجينــات‪ .‬هــذا يســمح لعقــول أولئــك‬ ‫والنباتــات‪ ،‬والفطريــات‪ ،‬والفيروســات‪ ،‬ومــا إلى ذلــك)‪ ،‬والموت‬
‫الذيــن يســتقبلونها بالتفكيــر فــي نفــس الشــيء‪ ،‬أو القيام بنفس‬ ‫الــذي نفضــي إليــه‪ :‬الحياة التي فــي داخلي يمكــن أن تصبح حياة‬
‫اإليمــاءة ‪ -‬فــي ســياقٍ جديــد‪.‬‬ ‫جديــدة لكائــن آخــر بعــد أن أفقدهــا‪.‬‬

‫تعددة‬
‫الم ِّ‬
‫جزء من الكائنات ُ‬
‫ٌ‬ ‫هل يجب أن نعترف بأن الفيروسات‬ ‫تحرري‪ ،‬ولكنه مقلق في البداية‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫إنه نهج ُّ‬
‫التي تسكننا؟‬
‫بحــد ذاتهــا تثيــر القلــق والغمــوض! كلّ الحيــاة هــي‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬الحيــاة‬
‫ـدق مــن البكتيريــا والفيروســات‬ ‫كميــة ال تصـ َّ‬‫‪ -‬أجســامنا تحمــل ّ‬ ‫إمكانيــة للخلــق‪ ،‬واالختــراع‪ .‬كلّ حيــاة قــادرة علــى فــرض نظــام‬
‫ـرية‪ 100 .‬مليــار بكتيريا من ‪ 500‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫بش‬ ‫غير‬ ‫والفطريــات‪ ،‬كائنــات‬ ‫جديــد‪ ،‬منظــور جديــد‪ ،‬طريقــة جديــدة للوجــود‪ .‬لكــن هــذا‬
‫ـون منها‬‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يتك‬ ‫التي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫الخالي‬ ‫ـدد‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫أكث‬ ‫ـا‪.‬‬‫ـ‬ ‫فين‬ ‫‪ 1000‬نــوع تســتقر‬ ‫ومدمــر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االنفتــاح علــى الجديــد ينطــوي دائمـ ًا علــى جــزء مظلــم‬
‫حي ًا واحداً‪ ،‬بل‬ ‫مرات‪ .‬باختصار‪ ،‬نحن لســنا كائن ًا ّ‬ ‫الجســم بعشــر ّ‬ ‫يكفــي التفكيــر فــي الحقيقــة األوليــة لــأكل‪ :‬حياتنا مبنيــة حرفي ًا‬
‫نحن لسنا كائناً ح ّياً‬
‫شــعباً‪ ،‬أشــبه بحديقــة حيوانــات متنقِّلة‪ .‬واألعمق مــن ذلك‪ ،‬عدد‬ ‫ـدد ال نهائي مــن الكائنات‬ ‫علــى جثــث األحيــاء‪ .‬جســدنا مقبرة لعـ ٍ‬
‫ـرية‪ -‬بدء ًا بالفيروســات‪ -‬ســاهم في‬ ‫واحداً‪ ،‬بل شعباً‪،‬‬
‫كبيــر مــن الكائنــات غيــر البشـ ّ‬ ‫األخــرى‪ .‬ونحــن أنفســنا سنســتهلك مــن ِق َبــل األحيــاء اآلخريــن‪.‬‬
‫ـري وشــكله وبنيته‪ .‬وبالتالي فإن ميتوكوندريا‬ ‫أشبه بحديقة‬
‫تشــكيل الكائن البشـ ّ‬ ‫مــع الفيــروس‪ ،‬نــدرك أن هــذه القــوة المذهلــة للحداثــة ال ترتبط‬ ‫ِّ‬
‫خاليانــا‪ ،‬التــي تنتــج الطاقــة‪ ،‬هــي نتيجة دمــج البكتيريــا‪ .‬يجب أن‬ ‫متنقلة‪.‬‬ ‫حيوانات‬
‫ـددة‪ ،‬علــى ســبيل المثال فــي الحجم‪ ،‬أو فــي القدرات‬ ‫بميــزة محـ َّ‬
‫يقودنــا هــذا الدليــل العلمــي إلــى التشــكيك فــي جوهريــة الفــرد‪،‬‬ ‫واألعمق من ذلك‪،‬‬
‫ـرد أن تكــون هناك حياة‪ ،‬بغــض النظر عن مكانها‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫بمج‬ ‫الدماغيــة‪.‬‬
‫عدد كبري من الكائنات‬
‫كيــان منطــ ٍو علــى نفســه‪ ،‬ومغلــق علــى العالــم‬ ‫ٌ‬ ‫والفكــرة بأنــه‬ ‫ـور‪ ،‬فإننــا نشــهد علــى قــوة هائلــة قــادرة علــى‬
‫فــي شــجرة التطـ ُّ‬ ‫غري البرشيّة ‪-‬بدءا ً‬
‫واآلخــر‪ ،‬ولكــن يجــب علينــا أيضـ ًا التخ ُّلــص مــن تعميم األنــواع‪...‬‬ ‫تغييــر وجــه الكوكــب‪.‬‬ ‫بالفريوسات‪ -‬ساهم‬
‫■ حوار‪ :‬أوكتاف الرمانياك ‪ -‬ماثرون ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود‬
‫يف تشكيل الكائن‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫التقليدية لتسلسل األنواع؟‬
‫ّ‬ ‫لذلك هل يجب أن نتخلّى عن الفكرة‬ ‫البرشيّ وشكله‬
‫المصدر‪:‬‬
‫مجلّة «‪( »Philosophie magazine‬مارس ‪)2020‬‬ ‫متفــوق علــى النبــات‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬بالطبــع‪ .‬نفتــرض تلقائيــ ًا أن الحيــوان‬ ‫وبنيته‬

‫‪105‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫إشارات لنهاية عرص ساد طويال ً‬
‫عندما ترتبَّص الطبيعة‬
‫بالحداثة املُتعجرفة‬
‫يتضمنهــا‪ ،‬ولع ّلهــا‬
‫َّ‬ ‫تاريخيـ ًا مهـ ّ ً‬
‫ـا قــد ال نســتطيع قيــاس قــدر املعــاين التــي‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫يعيــش العا َلـ ُ‬
‫ـم اليــوم حدثـ ًا‬
‫ا‪ ،‬وبدايــة عــر جديــد ســبق وأطلقنــا عليــه اســم عــر «الحداثــة‬ ‫إشــارات لنهايــة عــر ســاد طوي ـ ً‬
‫العابــرة ‪.»Trans-modernity -‬‬
‫الجيــد لشــيء عديــم الفائــدة إلــى تبديــده عشــوائي ًا مــع‬ ‫ّ‬ ‫االســتعمال‬ ‫ـرة خــال ألفية‬ ‫ألول مـ ّ‬ ‫ـانية اليــوم‪ّ ،‬‬‫إن الفيــروس الــذي يهاجــم اإلنسـ ّ‬ ‫ّ‬
‫ـد تدميــر الغابــات‬ ‫عــدم القــدرة علــى اســترجاعه واســتغالله)‪ ،‬ويعـ ُّ‬ ‫ـة هي قادرة فيه تمام ًا علــى إدراك حجم التزامن‬ ‫تطورهــا‪ ،‬وفــي لحظـ ٍ‬
‫ُّ‬
‫ال عليهــا‪.‬‬‫التــي تنتــج األوكســجين لتحويلهــا إلــى حقــولٍ زراعيــة مثــا ً‬ ‫اإللكترونيــة الحديثــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫داخلهــا والتح ُّقــق منــه عــن طريــق الوســائل‬
‫ـدى بالحيوانات‬ ‫وكمخلوقــات الحمــة فإننا معشــر البشــر نقتــل لنتغـ َّ‬ ‫يجعلنــا نف ِّكــر فــي هــذا الصمــت وهــذه العزلــة اللذيــن فرضهمــا كلّ‬
‫أول طابــو وضعــه اإلنســان هــو تحريــم أكل لحم‬ ‫غيــر البشــرية (كان ّ‬ ‫تلقائي ـ ًا لمواجهــة خط ـ ٍر أظهــر حقيقــة عيشــنا‬ ‫ّ‬ ‫إنســان علــى نفســه‬
‫ـورت الحضــارات المدنيــة الكبــرى فــي‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫وتط‬ ‫ـأت‬ ‫البشــر)‪ ،‬هكــذا نشـ‬ ‫داخــل قصــر مــن ورق بعدمــا ك ّنــا نعتقــد أن العالــم هيــكل بالــغ‬
‫العصــر الحجــري الحديــث بأوراســيا وإفريقيــا وأميــركا‪.‬‬ ‫التحصيــن‪ .‬وقــد أثــار الحــدث ردود فعــل ال ُتحصــى مــن الزمــاء‬
‫في حدود عام ‪ 1492‬بعد الميالد‪ ،‬ســيحاول كريســتوفر كولومبوس‪،‬‬ ‫ردود جديــرة باالهتمــام العميــق‪ ،‬وســنحاول‬ ‫ٌ‬ ‫الفالســفة والعلمــاء؛‬
‫شــخص ينحــدر مــن أوروبــا الالتينيــة الجرمانيــة استكشــاف‬ ‫ٌ‬ ‫وهــو‬ ‫المتعلِّقة‬ ‫ُ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫التأم‬
‫ُّ‬ ‫هاته‬ ‫لجملة‬ ‫ـرة‬
‫ـ‬ ‫صغي‬ ‫رمل‬ ‫ـة‬ ‫بدورنــا أن نضيــف حبـ‬
‫المحيــط األطلســي‪ ،‬وســيغزو أرض الهنــود الحمــر ليولَــد معــه‬ ‫بهــذا الحــدث الصــادم‪.‬‬
‫عصــر األنثروبوســين األخيــر‪ ،‬أي عصــر الحداثــة‪ ،‬حيث ســاهمت في‬ ‫ـرية علــى األقــلّ فــي نســخة «اإلنســان العاقــل‬ ‫لقــد تمكَّنــت البشـ ّ‬
‫علميــة وتقنيــة ســتترك خلفهــا باقــي حضــارات الماضــي‬ ‫ّ‬ ‫إنتــاج ثــورة‬ ‫ـور عبــر‬ ‫‪ »homo sapiens -‬ولمــدة مئتــي ألــف عــام تقريبـ ًا أن تتطـ َّ‬
‫وح َرفيــة‪ ،‬هــي التــي نطلــق‬ ‫متأخــرة ومتخلِّفــة ِ‬ ‫ّ‬ ‫وتصنفهــا كحضـ ٍ‬
‫ـارات‬ ‫التغ ُّلــب علــى عقبــات ال حصــر لهــا علــى مــدى التاريــخ حفاظـ ًا علــى‬
‫ـول حصــل منــذ مــا‬ ‫عليهــا اآلن مصطلــح (الجنــوب)‪ ،‬كلّ هــذا التحـ ُّ‬ ‫بقائهــا‪ ،‬وقــد دخلــت‪ -‬إن شــئنا أن نبــدأ مــن األصل‪ -‬في مشــروع كان‬
‫ُيقــارب الخمســمئة عــام‪.‬‬ ‫ـمى باالنفجار العظيــم (‪( )Big Bang‬منذ‬ ‫قــد بــدأ من قَبل مع ما يسـ َّ‬
‫المبهــر بالطبيعــة مع فرانســيس‬ ‫ـيتم ربــط هــذا العصــر ُ‬ ‫منهجيـاً‪ ،‬سـ ُّ‬ ‫تجمــد الكــرة األرضية‬ ‫حوالــي خمســة عشــر مليــار ســنة) فــي لحظــة ُّ‬
‫بيكــون (‪ )1662 - 1626‬فــي عملــه ‪ ،Novum Organum‬وكذلــك‬ ‫التحول إلى‬
‫ُّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫الحياة‬ ‫(منــذ حوالي خمســة ماليير ســنة)‪ ،‬ثــم بدأت‬
‫ـفي لرينيــه ديــكارت (‪ ،)1650 - 1596‬الذي‬ ‫ً‬
‫انطالقـا مــن البيــان الفلسـ ّ‬ ‫غايــا(‪( )Gaya( )1‬منــذ حوالي ثالثة ماليير ونصــف المليار عام)‪ ،‬حيث‬ ‫الطبيعة تتحدَّ انا‬
‫ســيتم النظــر لهــذه‬ ‫ُّ‬ ‫حيــث‬ ‫‪،)1677‬‬ ‫المنهــج‬ ‫فــي‬ ‫(مقــال‬ ‫فــي‬ ‫أورده‬ ‫قامــت الحيــاة تحــت غالف جوي ومحيط حيوي ال تقدر األشــعة فوق‬ ‫اليوم‪ ،‬ولسان‬
‫للمالحظة واالســتغالل‪ ،‬وأن مواردها ال نهاية‬ ‫ٍ‬
‫الطبيعة كشــيء قابل ُ‬ ‫البنفســجية علــى تدميــره‪ ،‬وقبــل حوالي ســبعين مليون عــام ظهرت‬ ‫حالها يقول‪ :‬إما أن‬
‫ا للتح ُّكــم فيــه مــن ِقبــل ديميورغــوس‬ ‫لهــا باعتبارهــا جســم ًا قاب ـ ً‬ ‫الرئيســات‪ ،‬وأخير ًا الهوموســابيان (مجال العقــل ‪ Noosphere‬عند‬ ‫تحرتمين أو أبيدك!!‪،‬‬
‫كذات ال حدود لمعارفهــا ولقدراتها على التحكُّم‬ ‫ٍ‬ ‫ـم تصويره‬ ‫بشــري تـ َّ‬ ‫بيير دي شــاردان‪ ،‬والذي ُيدعى اآلن باألنثروبوســين أو عصر الوجود‬ ‫وأمّا الحدث فإنه‬
‫فــي هــذا الجســم ‪ /‬الطبيعــة‪.‬‬ ‫ـاني فوق األرض)‪.‬‬ ‫اإلنسـ ّ‬ ‫يعرض نفسه كعالمة‬
‫اإلنســاني حســب ديــكارت هــو «روح ليســت بحاجــة‬ ‫ّ‬ ‫إن الكائــن‬ ‫ومــع العصــر الحجــري (‪( )Neolithic‬قبــل حوالــي خمســة عشــر‬ ‫من عالمات نهاية‬
‫فالجســد كمــا‬ ‫راديكاليــة‪،‬‬ ‫ثنائيــة‬ ‫علــى‬ ‫بذلــك‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ــد‬ ‫للجســد»‪،‬‬ ‫الر َّحــل‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫مؤكّ‬ ‫ـول مــن مرحلــة عيــش ُ‬ ‫ـانية فــي التحـ ُّ‬‫ألــف عــام) بــدأت اإلنسـ ّ‬ ‫وكإعالن‬ ‫الحداثة‪،‬‬
‫كميــة‪،‬‬
‫الطبيعــة يمتــاز بخاصيــة االمتــداد‪ ،‬بمعنــى أن حقيقتــه ّ‬ ‫حضريــة‪ ،‬وبــدأت فــي إنشــاء أولــى‬ ‫ّ‬ ‫ـق‬
‫ـ‬ ‫بمناط‬ ‫إلــى مرحلــة االســتقرار‬ ‫عن بزوغ عرص‬
‫أهميــة ُتعطــى للماهيــة أو الحيــاة‪ ،‬بــل يتــم تفســيره كآلــة كان‬ ‫وال ِّ‬ ‫ِ‬
‫القــرى والمــدن بفضــل تنظيــم مــا ُيعــرف بـ«التطفيــل المــزدوج‬ ‫جديد يف العالم‬
‫للرياضيــات امتيــاز التعــرف عليهــا‪ .‬وبهــذا االعتبار فــإن الطبيعة هي‬ ‫‪( »DoubleParasitism -‬مــن الخضــراوات مــع الزراعــة ومــن‬ ‫يخلف هذه الحضارة‬
‫ـتتحول الفيزيــاء‬ ‫شــيء قابــل لــإدراك وللتح ُّكــم واالســتغالل‪ ،‬وسـ‬ ‫الحيوانــات مــع الرعــي)‪ ،‬وهكــذا كان علينــا كبشــر أحيــاء أن نتغــذّ ى‬ ‫تعجرفة‬‫ِ‬ ‫الحديثة امل ُ‬
‫َّ‬
‫إلــى علــم أساســي بعــد أن بنــى الكائــن اإلنســاني تميــزه على أســاس‬ ‫علــى الخضــراوات للحصــول علــى البروتينــات ومــواد أخــرى ال توجد‬ ‫اليت أصبحت حضارة‬
‫الطبيعية‬
‫ّ‬ ‫نظري ًا فــي مقابــل األشــياء‬ ‫ّ‬ ‫مبــدأ (أنــا أفكــر)‪ ،‬الــذي يجعلــه‬ ‫ّإل فيهــا‪ ،‬فكانــت تلــك هــي البدايــة الحتميــة لالنتروبيــا (االنتقال من‬ ‫انتحارية‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪106‬‬


‫تتحدانــا اليــوم‪ ،‬ولســان حالهــا يقــول‪ :‬إمــا أن تحترمنــي أو‬ ‫َّ‬ ‫ـن‬
‫هــي الطبيعــة إذن َمـ ْ‬ ‫لتصرفنــا بالكامــل‪ ،‬وبهــذه االفتراضــات‬ ‫ُّ‬ ‫ـي‪ ،‬والتــي تخضــع‬ ‫القابلــة للقيــاس الكمـ ّ‬
‫وأمــا الحــدث فإنــه يعــرض نفســه كعالمــة مــن عالمــات نهايــة الحداثــة‪،‬‬ ‫أبيــدك!!‪ّ ،‬‬ ‫ـرت القــرون التاليــة‪ ،‬إذ أثــار مبــدأ (أنــا أفكــر) ثــورة علميــة فــي القــرن الســابع‬ ‫مـ َّ‬
‫وكإعــانٍ عــن بــزوغ عصــر جديــد فــي العالــم يخلــف هــذه الحضــارة الحديثــة‬ ‫تكنولوجيــة فــي القــرن الثامــن عشــر بعــد أن كان قــد بــدأ منــذ القرن‬ ‫ّ‬ ‫ـورة‬ ‫ـ‬ ‫وث‬ ‫ـر‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫عش‬
‫نبــه فالتــر بنياميــن‪ ،‬فإنــه‬‫المتعجرِفــة التــي أصبحــت حضــارة انتحاريــة‪ ،‬وكمــا ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـمالي يتمحــور منطقــه الغائي على‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫رأس‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫نظ‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫إنش‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـروع‬ ‫الســادس عشــر الشـ‬
‫يتعيــن علينــا أن نســتخدم الفرامــل وليــس دواســة الســرعة‪ ،‬حتــى نوقــف‬ ‫َّ‬ ‫كان‬ ‫ـدل الربــح فــي أي اســتثمار داخــل الســوق عبــر االســتئثار‬ ‫الكميــة فــي معـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزيــادة‬
‫المســير نحــو الهاويــة‪.‬‬ ‫بأيديولوجيــة حداثيــة ذات‬ ‫ّ‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫تغليف‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـال‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫العم‬
‫َّ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫يخلقه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫القيم‬ ‫ـض‬ ‫بفائـ‬
‫يتع َّلــق األمــر إذن بمحاولــة فهــم للوبــاء الحالــي كمــا لــو كان بوميرانــغ(‪ )2‬رمتــه‬ ‫ـي‪ ....‬إلخ)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫والسياس‬ ‫واألخالقي‬
‫ّ‬ ‫والجمالي‬
‫ّ‬ ‫الثقافي‬
‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ـو‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫(التف‬ ‫ة‬ ‫أوروبي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫مركزي‬ ‫ـة‬ ‫نزعـ‬
‫المسـ ِّـببة لألمــراض هــي‬
‫الحداثــة مــن قبــل فــي وجــه الطبيعــة (طفــرات الجراثيــم ُ‬ ‫ـي بفضــل عنفهــا العســكري‬ ‫وطابــع كولونيالــي (كانــت أوروبــا مركــز النظــام الدولـ ّ‬
‫تأثيــر غيــر مقصــود أنتجتــه أبحــاث علــوم الطــب وصناعــة األدويــة)‪ ،‬وبــدأ يرجــع‬ ‫ـس باترياركي‬ ‫ٍّ‬ ‫ـ‬‫بح‬‫ِ‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫وك‬ ‫ـعوب)‪،‬‬ ‫ـق فــي الســيطرة علــى باقــي الشـ‬ ‫الــذي أعطاهــا الحـ ّ‬
‫ضدهــا علــى شــكل فيــروس ينطلــق مــن المختبــرات أو يولــد نتيجــة التكنولوجيــا‬ ‫أوالً‪ ،‬ثــم علــى‬ ‫ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أوروب‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـرأة‬ ‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـيطر‬ ‫ـ‬ ‫يس‬ ‫أن‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫األبي‬ ‫ـر‬ ‫(حيــث ُســمح للذكـ‬
‫العالجيــة‪.‬‬ ‫لونــات)‪ ،‬وكنتيجــة تراكميــة لــكلّ ذلــك فــإن األوروبي قــد تموضع‬ ‫الم َّ‬
‫باقــي النســاء ُ‬
‫إن هــذه القــراءة تحــاول التنبيــه إلــى أن هــذا الحــدث الــذي لــم نشــهده مــن قبــل‬ ‫كمســتغلٍ مطلــق للطبيعــة‪.‬‬
‫ـي‬ ‫فــي الواقــع فــإن القيــم اإليجابيــة للحداثــة‪ ،‬والتــي ال يمكــن ألحــد أن ينكرهــا قــد‬
‫بطريقته المعولمة التي نعايشــها اآلن‪ ،‬هو شــيء يتجاوز فكرة التعميم السياسـ ّ‬
‫لحالــة الطــوارئ (علــى النحــو الــذي اقترحــه ج‪.‬أغامبيــن)‪ ،‬أو اختزالــه فــي ضــرورة‬ ‫تعرضــت للفســاد وللتنكُّــر مــن خــال التعامــي الممنهــج عــن اآلثــار الســلبية‬ ‫َّ‬
‫تجــاوز الرأســمالية (كمــا هــو موقــف ســافوي جيجيــك)‪ ،‬واالكتفــاء بالمطالبــة‬ ‫ـزء منــه‬ ‫الكتشــافاتها ولتدخالتهــا المســتمرة فــي الطبيعــة‪ ،‬ويرجــع ذلــك فــي جـ ٍ‬
‫بإظهــار فشــل نيوليبراليــة الدولــة المختزلــة التــي تتــرك صحــة الشــعب فــي يــد‬ ‫إلــى التبخيــس من القيمــة النوعية للطبيعــة‪ ،‬وباألخص القيمة التأسيسـ ّـية العليا‬
‫همة‪ .‬إننا نعتقد أننا نشــهد‬ ‫الم ّ‬
‫الســوق والرأســمال الخــاص‪ ،‬وغيــر ذلــك مــن اآلراء ُ‬ ‫ـيء ميكانيكــي‪،‬‬ ‫ـرد شـ ٍ‬ ‫ـيء حــي وعضــوي وليســت مجـ َّ‬ ‫التــي تنظــر للطبيعــة كشـ ٍ‬
‫ـانية أعــراض اإلنهــاك الشــديد علــى الحداثــة‬ ‫ـرة فــي تاريــخ الكــون واإلنسـ ّ‬ ‫ألول مـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ـي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الكم‬ ‫ـاس‬ ‫ـ‬ ‫للقي‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫وقاب‬ ‫ـداد‬ ‫ـ‬ ‫االمت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫خاصي‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫جس‬ ‫ـرد‬‫فالطبيعــة ليســت مجـ َّ‬
‫باعتبارهــا مرحلــة أخيــرة مــن عصــر األنثروبوســين‪ ،‬وهــو مــا يســنح لنــا بإلقــاء‬ ‫المتربعــة علــى عــرش العلــم وأخــذت البيولوجيــا مكانهــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لــم تعــد الفيزيــاء هــي‬
‫ـي جديــد‪ ،‬هــو عصــر الحداثــة العابــرة‪ ،‬والــذي عرضنــا‬ ‫ٍ‬ ‫وفــي هــذه اللحظــة المركزيــة كونيـ ًا يتزايــد االهتمــام بعلــم األحيــاء العصبــي‪ ،‬أي‬
‫إطاللــة علــى عص ـر عالمـ ّ‬
‫ـب أخــرى‪ ،‬حيــث يتح َّتــم علــى اإلنســانية أن‬ ‫لبعــض خصائصــه فــي مقـ ٍ‬
‫ـاالت وكُ تـ ٍ‬ ‫الحيــة تعقيــد ًا فــي العالــم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـد الكائنــات‬ ‫ـري‪ ،‬هــذا األخيــر هــو أشـ ُّ‬ ‫بالدمــاغ البشـ ّ‬
‫تتع َّلــم مــن أخطــاء الحداثــة لولــوج عصــر جديــد للعالــم‪ ،‬يفتــرض علينــا خاللهــا‬ ‫ـرد مــادة للمعرفــة‪ ،‬إنهــا الــكلّ‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫مج‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ليس‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الطبيع‬ ‫ـإن‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـن‬ ‫لكــن بالرغــم مـ‬
‫أن نســتفيد مــن ثقافــة المــوت (‪ )necro-culture‬التــي ســادت خــال القــرون‬ ‫ـانية ُنشـكِّل جــزء ًا مــن هــذا الــكلّ ‪ ،‬إننــا إذن ثمــرة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫إنس‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫ككائن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ونح‬ ‫(الشــامل)‪،‬‬
‫الخمســة األخيــرة‪ ،‬لنؤكّ ــد قبــل كلّ شــيء علــى أولويــة الحيــاة علــى الرأســمال‬ ‫ٍ‬
‫ـور حيــاة الطبيعــة التــي تتموضع كأصلٍ لنــا وتحملنا كمجد لهــا‪ ،‬وقد أوجدتنا‬ ‫لتطـ ُّ‬
‫دمــرة للشــروط الكونيــة إلعادة‬ ‫الم ِّ‬
‫التحديــات ُ‬‫ّ‬ ‫والكولونياليــة والباترياركيــة‪ ،‬وباقــي‬ ‫لعمليــة داخليــة (نحــن أبناؤهــا وبناتهــا) ولذلــك‪ ،‬ومــن غيــر مجازيــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫كنتيج‬
‫ا لتحقيقه خــال القرن‬ ‫ـد يتط ّلــب نفَ سـ ًا طويـ ً‬
‫ٍّ‬ ‫ـ‬ ‫تح‬ ‫إنتــاج الحيــاة علــى األرض‪ ،‬وهــذا‬ ‫األول المطلــق والكونــي علــى تأكيــد الحيــاة بشــكلٍ‬ ‫قامــت األخــاق فــي مبدأهــا ّ‬
‫الحــادي والعشــرين الــذي بدأنــاه للتــو‪.‬‬ ‫المطلقــة‬ ‫عــام والحيــاة اإلنســانية كأمجــد مــا فيهــا‪ ،‬ألن ذلــك هــو شــرط اإلمكانيــة ُ‬
‫إننــا فــي غمــرة هــذا الصمــت الــذي ُيطبق علــى عزلتنــا التــي طالبتنا بهــا الحكومات‬ ‫والكونيــة لــكلّ مــا تبقــى‪ ،‬أي إلمكانيــة الحضــارة‪ ،‬الســعادة‪ ،‬العلــم‪ ،‬التكنولوجيــا‬
‫كاف للتفكير‬‫ـت ٍ‬ ‫ـس الحاجة ألخــذ وقـ ٍ‬ ‫كــي ال تصيبنــا عــدوى عالمــة القيامــة‪ ،‬في أمـ ِّ‬ ‫ـانية‪.‬‬‫مؤسســةٌ ما إذا ماتت اإلنسـ ّ‬ ‫إجراء ما أو ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وحتى الدين‪ ،‬إذ يســتحيل أن يســتمر‬
‫ـانية مســتقبالً‪.‬‬ ‫في مصير اإلنسـ ّ‬ ‫تتربــص‬ ‫َّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫وه‬ ‫اآلن‪-‬‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫وحقيقي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫مجازي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـردت أمنــا الطبيعــة‪ -‬بصيغـ‬ ‫لقــد تمـ َّ‬
‫ترجمة‪ :‬البشير عبدالسالم‬ ‫■ إنريكي دوسيل ‪۹‬‬ ‫ـانية‪ ،‬مســتخدمة عنصــراً‬ ‫علــى شــاكلة «كــش ملــك» فــي الشــطرنج بابنتهــا اإلنسـ ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫بســيط ًا فــي الطبيعــة (الفيــروس جــزء مــن الطبيعــة‪ ،‬ويتشــارك في هــذه الحقيقة‬
‫هوامش‪:‬‬ ‫مــع اإلنســان)‪ .‬إنــه حــدث يجعــل الحداثــة فــي موضــع مســاءلة‪ ،‬ويفعــل ذلــك‬
‫ـري يؤ ّثــر فــي البيئــة فــي أي مــكان مــن الكــرة‬ ‫‪ - 1‬حســب فرضيــة غايــا ‪ Gaya‬فــإن أي نشــاط بشـ ّ‬ ‫مــن خــال «الفيــروس» الــذي هــو كائــن حــي أصغــر بكثيــر مــن البكتيريــا‪ ،‬ومــن‬
‫البيئيــة تهــدف إلــى إعــادة التــوازن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تلقائيــة معاكســة فــي المنظومــة‬ ‫ّ‬ ‫ردة فعــل‬ ‫األرضيــة يو ّلــد ّ‬
‫ـم إطالقهــا فــي الهــواء لترجــع فــي حركــة تتط ّلــب تمرينــات‪ ،‬وقــد‬ ‫ـاني الــذي يمتلــك مليــارات‬ ‫الخليــة‪ ،‬وأبســط إلــى مــا ال نهايــة مــن الكائــن اإلنسـ ّ‬
‫‪ - 2‬لعبــة علــى شــكل مثلــث يتـ ُّ‬
‫ـتخدم فــي الصيــد أيضـاً‪.‬‬ ‫كانــت ُتسـ َ‬ ‫والمع َّقــدة (تصــل للمالييــن)‪.‬‬ ‫الخاليــا ذات الوظائــف المختلفــة ُ‬
‫‪107‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫جائِحة‪..‬‬
‫إعال ُم ال َ‬
‫وسيط‪ ‬املعرفة‬
‫ٌ‬
‫سالح ذو حدين؟‬ ‫أم‬
‫الصحة‬
‫ّ‬ ‫ـتجد والتخفيــف مــن آثــاره على قطــاع‬
‫المسـ َ‬
‫ـي إلــى احتواء‪ ‬أزمــة فيــروس كورونــا ُ‬
‫فيمــا يســعى مســؤولو القطــاع الصحـ ّ‬
‫الدولي مع األزمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يتحســب له هؤالء‪ ،‬أال‪ ‬وهو طريقة تعاطي اإلعــام‬
‫َّ‬ ‫األفق‪ ‬خطر‪ ‬آخــر لــم‬
‫ٌ‬ ‫العامــة حــول العالــم‪ ،‬يظهــر فــي‬
‫ّ‬

‫ـدية‪ ،‬األمر الــذي تتبعه‪ ‬زيادة‪ ‬فــي الســلوكيات‬ ‫الصحــة النفسـ ّـية والجسـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫صعيــد‬ ‫جــاء التقريــر الــذي نشــرته مجلّة‪ Health Psychology ‬الصادرة‪ ‬عــن‬
‫المتطلبــة للدعم‪ ‬المســتمر‪ ،‬والتي تتســم بالمبالغة غير‪ ‬المتســقة‪ ‬مع‪ ‬حجم‪ ‬الح‬ ‫رتقبة‪ ‬للتعــرض‪ ‬ا‬
‫ُّ‬ ‫الم‬
‫األميركيــة لعلم‪ ‬النفس‪ ‬ليؤكِّ ــد علــى التداعيــات ُ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيــة‬
‫دث‪ ‬الفعلــي‪ ،‬تلــك الســلوكيات من شــأنها خلق أعباء إضافية علــى مرافق الرعاية‬ ‫لمستمر‪ ‬لوســائل اإلعــام خالل‪ ‬أوقات‪ ‬األزمــات‪ ،‬حيــث تشــمل تلــك التداعيــات‬
‫مؤخــر ًا‬ ‫الحيويــة‪ ،‬مثــال علــى ذلــك مــا شــهدناه َّ‬ ‫ّ‬ ‫الصحيــة وغيرهــا مــن المــوارد‬ ‫ّ‬ ‫ارتفــاع مســتويات التوتــر والقلــق لــدى األفــراد‪ ،‬وتفاقــم الســلوكيات المتطلبــة‬
‫مــن مظاهر‪ ‬هوس‪ ‬الشراء‪ ‬النابع‪ ‬من‪ ‬اإلحســاس‪ ‬بالذعر‪ ،‬والتــي أدت‪ -‬وبشــكلٍ‬ ‫مؤسســات ومرافق‬ ‫للدعم‪ ‬المســتمر‪ ،‬والتي‪ ‬من شــأنها خلــق أعبــاء إضافيــة علــى َّ‬
‫ـص عالمــي فــي بعــض المــواد األساسـ ّـية والتالعــب بأســعارها‪ .‬‬ ‫مباشــر‪ -‬إلى نقـ ٍ‬ ‫الصحية‪ .‬‬
‫ّ‬ ‫الرعايــة‬
‫ة‪ ،‬يعتمد‪ ‬عامة‪ ‬الناس‪ ‬على‪ ‬وســائل اإلعالم‪ ‬مــن‬ ‫ّ‬ ‫الصحي‬
‫ّ‬ ‫خــال أوقــات األزمــات‬ ‫تمت‪ ‬االستعانة‪ ‬بها خالل أزمات مشابهة‪ ،‬على سبيل‬ ‫يستند التقرير‪ ‬إلى‪ ‬أبحاث َّ‬
‫أجــل الحصول‪ ‬علــى المعلومــات الدقيقة‪ ‬لمســاعدتهم‪ ‬على الوصــول إلى قرارات‬ ‫المثال‪ ،‬خالل‪ ‬أزمة‪ ‬تفشي مرض اإليبوال وأنفلونزا الخنازير‪ ،)H1N1( ‬وخالل‬
‫ـلوكيات‪ ‬وقائية‪ ،‬حينمــا تمتــزج‬
‫ّ‬ ‫بما‪ ‬يتعيــن عليهــم اتباعه‪ ‬من‪ ‬سـ‬ ‫َّ‬ ‫مســتنيرة‪ ‬تتعلَّق‬ ‫أحداث‪ ‬مثلت‪ ‬كوارث جمعية‪ ،‬كالهجمات اإلرهابية‪ ،‬حيث أشارت تلك األبحاث‬
‫والتخبط‪ ،‬تتعاظم تلك االعتمادية‪ ‬بشــكلٍ‬ ‫ُّ‬ ‫األزمة مع مشــاعر الاليقين والغموض‬ ‫إلى العواقب الوخيمة التي ساهمت في خلقها الكيفية التي تعاطت بها وسائل‬
‫المواطنين‬ ‫ُ‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫لتزوي‬ ‫بها‬ ‫موثوق‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫معلوماتي‬ ‫مصادر‬ ‫كبيــر‪ ،‬لــذا فمــن الضــروري توفُّر‬ ‫الصحي‪ .‬‬
‫ّ‬ ‫اإلعالم مع تلك األحداث‪ ،‬وتداعيات ذلك على‪ ‬القطاع‬
‫بمــا يحتاجون‪ ‬إليه‪ ‬مــن توصيــات وأدوات لتقييــم األبعــاد الحقيقيــة لألزمــة‪ .‬يؤكِّ د‬ ‫المؤكَّ ــدة لفيــروس‬
‫ُ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫اإليجابي‬
‫ّ‬ ‫فــي غضــون أقــلّ مــن شــهر‪ ،‬كانــت أعــداد الحــاالت‬
‫«علــم اتخــاذ القــرار» أنــه فــي حــال توفُّر‪ ‬الحقائــق والمعلومات‪ ‬الدقيقة‪ ‬مع‪ ‬توفُّر‬ ‫ـتجد قــد تخطّ ــت مــا ســجله فيــروس ســارس‪ )SARS-COV( ‬مــن‬ ‫المسـ َ‬ ‫كورونــا ُ‬
‫العامــة علــى تقييــم وإدراك الحجــم‬ ‫ّ‬ ‫الفعالــة لنقلهــا‪ ،‬تــزداد قــدرة‬ ‫الوســائل ّ‬ ‫إيجابيــة مؤكَّ ــدة خــال تســعة أشــهر كاملــة‪ ،‬وعلــى الفور‪ ،‬وفــي ينايــر‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫حــاالت‬
‫أمــا االلتبــاس الناجــم عــن عــدم تو ُّفــر تلــك المعلومــات‬ ‫ّ‬ ‫ـر‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫للمخاط‬ ‫ـي‬
‫الحقيقـ ّ‬ ‫عالمياً‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫الطوارئ‬ ‫حالة‬ ‫ة‬ ‫العالمي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الصح‬
‫ّ‬ ‫مة‬ ‫منظَّ‬ ‫‪ ،2020‬أعلنت‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الثان‬ ‫كانــون‬
‫فيؤدي‪ ‬إلــى تقييــم‬ ‫ِّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الكافي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫بالفاعلي‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫يتس‬ ‫ال‬ ‫ـكلٍ‬ ‫ـ‬ ‫بش‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫نقله‬ ‫أو‬ ‫ـؤولين‬ ‫ـ‬ ‫المس‬ ‫لــدى‬ ‫اإلعــان الــذي عكــف العلمــاء على إثــره على تحليــل خصائص الفيــروس‪ ،‬قابليته‬
‫ما‪ ‬يتهددهم‪ ‬مــن مخاطــر‪ .‬‬ ‫ّ‬ ‫مبالــغ فيــه لحجــم‬ ‫ـدالت الوفــاة الناجمــة عنــه‪ ،‬وبالتزامــن مــع ذلك‪ ،‬شــرع مســؤولو‬ ‫لالنتشــار‪ ،‬ومعـ َّ‬
‫ولعلّ من أكثر األمثلة وضوح ًا ما حدث خالل أزمة أنفلونزا الخنازير‪ )H1N1( ‬حينما‬ ‫َ‬ ‫الحيويــة التــي مــن شــأنها مســاعدة األفراد‬ ‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫في‪ ‬نقل‪ ‬المعلوم‬ ‫ـي‬
‫القطــاع الصحـ ّ‬
‫التخبط‪ ‬وفقدان‪ ‬السيطرة‪ ‬إلى تعزيز‪ ‬مشاعر القلق والخوف‪ ‬لدى‬ ‫ُّ‬ ‫أدت مشاعر‬ ‫ّ‬ ‫المثلــى للوقايــة مــن المــرض‪ ،‬والحكومــات‬ ‫ُ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫واالحتياط‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫التدابي‬ ‫علــى اتخــاذ‬
‫وأدت إلى تفاقمها‪ .‬مثالٌ آخر يمكن رؤيته خالل كوارث‬ ‫العامة‪ ‬بشكلٍ كبير‪ ،‬بل ّ‬ ‫ّ‬ ‫علــى ســرعة التخطيــط واالســتجابة لتفشــي الوباء‪ .‬‬
‫العامة بالمعلومات‬ ‫ّ‬ ‫أدى تباطؤ المسؤولين في تزويد‬ ‫إطالق النار على المدارس حينما ّ‬ ‫ولكن‪ ،‬وللمفارقــة‪ ،‬فــي الوقــت الــذي كان فيــه صحافيــون ومســؤولون بالقطــاع‬ ‫ُ‬
‫الكافية وموافاتهم بالتحديثات الالزمة في حينها إلى انتشار الشائعات والمعلومات‬ ‫يلزم‪ ‬العامة‪ ‬مــن معلومــات‬
‫ّ‬ ‫الصحي‪ ‬يبذلــون جهوداً‪ ‬مضنيــة مــن أجل‪ ‬نقل‪ ‬مــا‬ ‫ّ‬
‫مما فاقم من مشاعر القلق والحزن‪ .‬يمكن تطبيق كلّ ذلك على أزمة‬ ‫المغلوطة ّ‬ ‫حيويــة ونصائــح وتوصيــات للتعامــل األمثــل مــع أزمــة تفشــي الفيــروس‪ ،‬بــرز‬ ‫ّ‬
‫العلمية على‪ ‬ميل‪ ‬الناس إلى اعتبار‬ ‫ّ‬ ‫األبحاث‬ ‫د‬ ‫تؤكِّ‬ ‫إذ‬ ‫خاص‪،‬‬ ‫بشكلٍ‬ ‫كورونا‬ ‫فيروس‬ ‫ـر آخــر لــم يكــن فــي الحســبان‪ ،‬أال وهــو ظهــور أزمــات نفسـ ّـية ناجمــة عــن‬ ‫خطـ ٌ‬
‫المجهولة‪ ‬أشد خطورة‪ ‬وفتكاً‪ ‬من الفيروسات المعلومة لهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الجديدة‬ ‫الفيروسات‬ ‫الجا ِئحة‪ ،‬وهــو‬
‫َ‬ ‫مســتجدات‬ ‫تغطــي‬ ‫التــي‬ ‫اإلعــام‬ ‫لوســائل‬ ‫المســتمر‬ ‫ض‬ ‫التعــر‬
‫ُّ‬
‫حدثة‬ ‫الم َّ‬
‫العامة بالحقائق والمعلومات ُ‬ ‫ّ‬ ‫لذا فمن الضروري الحرص على موافاة‬ ‫األمــر الــذي ينــذر بتداعيات‪ ‬ســلبية مباشــرة‪ ،‬ليــس فقــط علــى الصعيــد‬
‫وإل فإننا نخاطر بنزع فتيل‬ ‫يخص الفيروس المجهول‪ّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫باستمرار حول كلّ ما‬ ‫ـادي الــذي يشــهد تدهــور ًا غيــر مســبوق‪ ،‬ولكن أيضـاً‪ -‬وبمرور‬ ‫االجتماعي‪ ‬واالقتصـ ّ‬ ‫ّ‬
‫الشائعات وانتشار المعلومات المغلوطة التي س ُتفاقم حتم ًا من مستويات األلم‬ ‫ـدية لألفراد‪ ،‬وهو‪ ‬ما‪ ‬أكَّ دته مجموعة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫والجس‬ ‫ة‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫النفس‬ ‫ة‬ ‫الصح‬
‫ّ‬ ‫الوقت‪ -‬على صعيد‬
‫والجسدي‪ .‬‬
‫ّ‬ ‫النفسي‬
‫ّ‬ ‫المرتفعة‪ ‬أثنــاء وفــي‬ ‫من‪ ‬االســتطالعات‪ ،‬والتي أشــارت إلــى‪ ‬أن مســتويات القلــق ُ‬
‫االجتماعي‬
‫ّ‬ ‫تقــع‪ ‬وكاالت‪ ‬إدارة الطــوارئ في خطأ عدم اســتغالل وســائل التواصــل‬ ‫ـؤدي إلى‪ ‬عواقــب ســلبية على‬ ‫أعقــاب األزمــات التي‪ ‬تشـكّل تهديداً‪ ‬علــى الحياة‪ ،‬تـ ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪108‬‬
‫وســائل اإلعــام وازديــاد أعــراض التوتــر الحــاد‪ ،‬إذ زادت نســبة‪ ‬األعراض‪ ‬لدى‬
‫هــؤالء الذيــن كانــوا األكثر‪ ‬متابعــة لوســائل اإلعالم‪ ‬مــن نســبته‪ ‬لدى‪ ‬هؤالء الذين‬
‫تعرضوا‪ ‬بشــكلٍ مباشــر‪ ‬للتفجيرات‪ .‬دائم ًا مــا يلجــأ هــؤالء األكثــر معانــاة مــن‬ ‫َّ‬
‫أعــراض التوتر‪ ‬والقلق‪ ‬إلــى متابعــة المزيــد مــن األخبــار التــي تغطــي الحــدث‬
‫ممــا يخلق‪ ‬حلقــةً ‪ ‬ال متناهيــة مــن األلــم النفســي‪ .‬‬
‫ـرض المكثَّف‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫للتع‬ ‫ـلبية‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫التبعات‬ ‫وبخــاف األثر‪ ‬النفــس ‪ -‬جســدي‪ ،‬قــد تشــمل‬
‫الصحيــة التــي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الرعاي‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ً‪ ‬لمراف‬ ‫ا‬ ‫األزمات‪ ،‬إرهاق‬ ‫لوســائل اإلعــام خــال أوقــات‬
‫حتمـ ًا ســتعاني مــن تد ُّفــق فــي أعداد‪ ‬المرضى‪ ‬القلقيــن‪ .‬وهــو األمــر الــذي حــدث‬
‫أدت المتابعة المكثَّفة لوســائل اإلعالم‬ ‫بالفعل خالل أزمات وبائية ســابقة‪ ،‬حيث ّ‬
‫إلــى تد ُّفــق المرضــى ألقســام الطــوارئ فــي مجتمعــات لــم تشــهد تفشــي ًا للمرض‬
‫أدى‬ ‫في األســاس‪ .‬ونشــهد ذلك اآلن في إطار تفشــي فيروس (‪ ،)Covid-19‬حيث ّ‬
‫عالمي في األقنعــة والكمامات‬ ‫ّ‬ ‫ـص‬‫المســتهلكين إلى نقـ ٍ‬ ‫تخزيــن األقنعــة مــن ِق َبــل ُ‬
‫الصحية‪ .‬مثــل هــذا‬ ‫ّ‬ ‫مقدمــي الرعايــة‬ ‫المانعــة لالستنشــاق الضروريــة لحمايــة ِّ‬
‫النقــص يضــر بالمجتمعــات األكثــر عرضــةً لمخاطــر تفشــي الفيــروس‪ ،‬ويعرقــل‬
‫كما‪ ‬يؤدي‪ ‬تدفُّق‪ ‬المرضــى‬ ‫ِّ‬ ‫الصحــي الحتــواء الفيــروس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جهــود القطــاع‬
‫أعراض‪ ‬مرضية‪ ‬طفيفــة على‪ ‬أقســام الطوارئ‪ ،‬إلــى‬ ‫ٍ‬ ‫الذين‪ ‬ال‪ ‬يعانون‪ ‬إل‪ ‬مــن‬
‫ّ‬
‫المثقلة‪ ‬فــي األســاس‪ .‬‬ ‫ُ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الصحي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الرعاي‬ ‫إجهــاد مرافــق‬
‫أهمية‪ ‬قيام‪ ‬اإلعــام بنقــل كافــة المعلومات‪ ‬التــي تمكّــن‬ ‫ِّ‬ ‫مــن‬ ‫علــى الرغــم‬
‫والمؤسســات‪ ‬من‪ ‬اتخاذ اإلجــراءات الالزمــة‪ّ ،‬إل‬ ‫َّ‬ ‫من‪ ‬حماية‪ ‬أنفســهم‪،‬‬ ‫العامــة‬
‫ّ‬
‫أنــه مــن الضــروري‪ ‬أن تحــرص وســائل اإلعــام علــى فعــل ذلك‪ ‬بشــكلٍ يخلــو‬
‫مــن اإلثــارة أو عــرض الصــور المؤ ِّثــرة‪ .‬وعلــى الجانــب اآلخــر‪ ،‬يجــب توجيــه‬
‫المتكــرر‬‫ـرض ُ‬ ‫العامــة إلــى تج ُّنــب متابعــة القصــص االفتراضيــة‪ ،‬وتج ُّنــب التعـ ُّ‬ ‫ّ‬
‫ال مــن ذلك‪ -‬علــى متابعــة‬ ‫ـدم الجديــد‪ ،‬والتركيــز‪ -‬بــد ً‬ ‫لوســائل اإلعــام التــي ال تقـ ِّ‬ ‫يعد‪ ‬االســتغالل االســتراتيجي لمثــل هــذه‬ ‫كمصــدر لإلبــاغ عــن المخاطر‪ ،‬حيــث ُّ‬
‫العامــة معلوماتهــم مــن‬ ‫همة‪ ‬لألحــداث‪ .‬كمــا نوصــي أن يســتقي‬ ‫الفعالــة فــي نقــل‬ ‫الوســائل‬ ‫المثال)‪ ‬مــن‬ ‫الوســائل («الهاشــتاج»‪ ‬على ســبيل‬
‫ّ‬ ‫التحديثات‪ ‬الم ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫العالميــة ومراكز‪ ‬الســيطرة علــى األمــراض‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الصح‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫منظَّ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ـمية‬ ‫للعامــة خالل‪ ‬أوقات‪ ‬األزمــات‪ .‬يمكــن توجيــه السـكّان إلــى‬ ‫المعلومــات الدقيقــة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مصــادر رسـ ّ‬ ‫ّ‬
‫والوقاية منها‪ .»Centers for Disease Control and Prevention« ‬نظر ًا إلى‬ ‫العامــة للحصول‬
‫ّ‬ ‫مقدمــي الخدمات‬ ‫الصحيــة وغيرهــا من ِّ‬ ‫ّ‬ ‫التواصــل مــع الهيئــات‬
‫اإلعالم‪ ‬االجتماعية‪ ،‬كتلك التابعة لـ‪،Apple ‬‬ ‫المســتبعد‪ ‬أن تقوم وســائل‬ ‫الجغرافيــة‪ ،‬كما‪ ‬يمكــن للباحثيــن‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الناحي‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫دق‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫األكث‬ ‫علــى المعلومــات‬
‫ّ‬ ‫أنه من ُ‬ ‫ّ‬
‫تويتــر وانســتغرام‪ ،‬بعرض صــو ٍر ذات محتــوى مثيــر‪ ،‬فتعتبــر تلــك الوســائل مــن‬ ‫المتاحة‪ ‬للجمهــور عن‪ ‬طريــق «التغريــدات»‬ ‫ُ‬ ‫الضخمــة»‬ ‫اســتخدام‪« ‬البيانات‬
‫العامة‪ ‬لمثيرات مقلقة‪.‬‬ ‫للتزود بالمعلومــات الالزمة دون‪ ‬تعريــض‬ ‫ُّ‬ ‫أفضــل الطــرق‬ ‫المحلّيــة‪ -‬علــى ســبيل المثــال‪ -‬لقيــاس الجهود التــي تبذلها الشــركات والوكاالت‬
‫ّ‬
‫ولكــن مــع ذلــك‪ ،‬مــن الضــروري االنتبــاه إلــى ضــرورة اســتخدام تلــك الوســائل‬ ‫المحلّيــة فــي اإلبــاغ عــن المخاطر‪ .‬‬
‫ـد إحــدى الوســائل الســهلة والســريعة لنقــل المعلومــات‬ ‫بشــكلٍ مســؤول‪ ،‬إذ تعـ ُّ‬ ‫العامة إلى‪ ‬نقطة‪ ‬أبعد‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫الصحي‬
‫ّ‬ ‫التهديدات‬ ‫تمتد‬ ‫مجتمعاتنا‪ ‬المتشابكة‪ ،‬يمكن أن‬ ‫ُ‬ ‫في‬
‫العالميــة‬ ‫ــة‬ ‫الصح‬
‫ّ‬ ‫مــة‬ ‫منظَّ‬ ‫‪ ‬مــن‬ ‫أنه‪ ‬لكلٍ‬ ‫إلــى‬ ‫اإلشــارة‬ ‫تجــدر‬ ‫المغلوطة‪ .‬وهنــا‬ ‫التعرض‪ ‬المستمر والواسع‪ ‬لألخبار التي تبثها‪ ‬وسائل‬ ‫ُّ‬ ‫من‪ ‬المتوقع‪ .‬ومع‪ ‬ذلك‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬
‫ـات علــى مواقــع التواصــل‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫منها‪ ،‬صفح‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫والوقاي‬ ‫ـراض‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ومراكز‪ ‬الســيطرة‬ ‫أن‪ ‬يدفع‪ ‬المشاهدين إلى‬‫ُ‬ ‫يمكن‬ ‫األسبوع‬ ‫أيام‬ ‫طيلة‬ ‫اإلعالم على مدار الساعة‬
‫ـي يمكــن االســتعانة بها‪ .‬‬ ‫تقدير‪ ‬حجم‪ ‬المخاطر‪ ‬على مجتمعاتهم بشكلٍ ‪ ‬غير دقيق‪ ‬أو مبالغ فيه‪ .‬على‬
‫االجتماعـ ّ‬
‫ـم تزويــد الجماهيــر‪ ،‬خــال‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫أن‬ ‫ـروري‬ ‫ـ‬ ‫الض‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫د‪ ‬إن‬ ‫نؤكِّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫نح‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫النهاي‬ ‫وفــي‬ ‫معدل اإلصابة بفيروس‪ ‬اإليبوال‪ ‬خالل‪ ‬موجة تفشيه‪ ‬عام‬ ‫ّ‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬كان‬
‫العامــة‪ ،‬بالمعلومــات الالزمة في حينهــا‪ ،‬مع األخذ في‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الصحي‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫األزم‬ ‫ـات‬ ‫أوقـ‬ ‫‪ 2014‬منخفضاً‪ ‬للغاية‪ ‬في الواليات المتحدة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬أظهرت نتائج الدراسات‬
‫التعرض‪ ‬غير‪ ‬المرغوب‪ ‬فيــه لوســائل اإلعــام والذي‬ ‫ُّ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫تقلي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫العم‬ ‫ـار‬
‫ـ‬ ‫االعتب‬ ‫ض‪ ‬المكثف‪ ‬لألخبار التي‬ ‫ُ‬ ‫أن‪ ‬التعر‬
‫ُّ‬ ‫على‪ ‬عينة‪ ‬من‪ ‬المقيمين داخل‪ ‬الواليات المتحدة‬ ‫ِّ‬
‫مقدمو خدمات‬ ‫ـدية ِع ّدة‪ .‬كما يلعب ِّ‬ ‫من شــأنه التسـ ُّـبب في أمراض نفسـ ّـية وجسـ ّ‬ ‫اإلعالم‪ ‬حول‪ ‬اإليبوال‪ ‬أدى إلى تزايد مشاعر الضيق‪ ‬وضعف األداء‬ ‫ّ‬ ‫تبثها وسائل‬
‫مهمـ ًا فــي نقــل المعلومــات الالزمــة للمرضــى وغيرهم من‬ ‫الصحيــة دور ًا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرعايــة‬ ‫لدى‪ ‬هؤالء‪ ‬األفراد‪ .‬‬
‫للعامــة تطبيقهــا لحمايتهم‬ ‫ّ‬ ‫يمكن‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫العملي‬
‫ّ‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫النصائ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫تل‬ ‫ـع‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫المجتم‬ ‫أفــراد‬ ‫ـؤدي القلق الناشــئ مــن المتابعة المســتمرة لوســائل اإلعالم‪ ‬خالل‪ ‬األزمات‬ ‫قــد يـ ِّ‬
‫مــن الفيروســات المعديــة (مثــل غســل اليديــن‪ ،‬تعقيــم األســطح‪ ،‬التخلــص‬ ‫ـدية‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الجس‬ ‫ة‬ ‫الصح‬
‫ّ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫صعي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫طويل‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫تداعي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫الجمعية‪ ،‬إل‬ ‫ـوارث‬ ‫والكـ‬
‫االجتماعي)‪ ‬قــد تثبــت فائدتهــا‬ ‫التباعــد‬
‫ُ‬ ‫لوثــة‪،‬‬ ‫ة‪ ‬الم َّ‬ ‫الورقي ُ‬ ‫ّ‬ ‫الفــوري من‪ ‬المناديــل‬ ‫لألفــراد‪ ،‬ففــي دراســة تناولــت ردود‪ ‬أفعال‪ ‬األميركيين تجاه هجمات ‪ 11‬ســبتمبر‪/‬‬
‫ّ‬
‫ـراض معديــة أخرى مثــل األنفلونــزا‪ .‬إذاً‪ ،‬فقد تســاعد مخاوف‬ ‫فــي الوقايــة مــن أمـ ٍ‬ ‫ـاعات طويلــة في متابعة األخبار‬ ‫اإلرهابية‪ ،‬تبيــن وجود عالقة بين قضاء سـ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫أيلــول‬
‫العامــة مــن الفيــروس الجديــد في‪« ‬ترويج»‪ ‬ســلوكيات وقائية تقي من فيروســات‬ ‫ّ‬ ‫ـمى بـ«إجهــاد‬ ‫ُ َّ‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدالت‬ ‫ـ‬ ‫مع‬ ‫ـاع‬‫ـ‬ ‫وارتف‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الكارث‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫اإلع‬ ‫ـائل‬
‫ـ‬ ‫وس‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫تبثه‬ ‫التــي‬
‫ومســببات أخــرى لألمــراض‪ ،‬كمــا يمكــن أن تشـ ّكل تلــك المخــاوف منصــة انطالق‬ ‫ـدية التــي بــدأت فــي الظهور‪ ‬بعد‪ ‬مــرور‪2 ‬‬ ‫مــا بعــد الصدمــة» واألمــراض الجسـ ّ‬
‫ـم تجاهلها‪ ،‬كإعــداد عدة طــوارئ جاهزة‬ ‫صحيــة أخــرى لطالمــا تـ َّ‬ ‫ّ‬ ‫لنشر‪ ‬ســلوكيات‬ ‫وأهمهــا أمــراض اضطرابات‪ ‬القلــب واألوعيــة‬ ‫ّ‬ ‫أو ‪ 3‬ســنوات‪ ‬من‪ ‬الحدث الفعلــي‪،‬‬
‫الصحيــة‬
‫ّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الرعاي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫مقد‬
‫ِّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـال‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫المث‬ ‫ـبيل‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـت‬ ‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫أي‬ ‫ـي‬ ‫لالســتخدام فـ‬ ‫ة‪ ،‬خاصــةً ضمــن هؤالء‪ ‬الذيــن كانوا‪ ‬األكثــر قلقـ ًا إزاء تكــرار تلك الهجمات‬ ‫ّ‬ ‫الدموي‬
‫ّ‬
‫توفيــر المعلومــات الضروريــة ووضع‪ ‬االســتراتيجيات‪ ‬وإعطاء النصائح‪ ‬بالتزامــن‬ ‫في المســتقبل‪.‬‬
‫مــع الســعي إلــى تهدئــة حالــة «الهيســتيريا» التــي مــن شــأنها عرقلــة كافــة جهود‬ ‫ال مــن نوع‪ ‬وســائل اإلعالم‪ ،‬وكثافــة‬ ‫فــي العقــد الماضــي‪ ،‬كشــفت دراســات أن ك ً‬
‫العامــة فــي محاربة تفشــي فيــروس (‪.)Covid-19‬‬ ‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫ّ‬ ‫قطــاع‬ ‫الصحــة‬
‫ّ‬ ‫قوي‪ ‬علــى‬ ‫ّران‪ ‬بشــكلٍ‬ ‫ث‬ ‫الكوارث‪ ‬الجمعية‪ ،‬يؤ‬ ‫متابعتهــا خــال أوقــات‬
‫■ د‪ .‬اليسون‪ ‬هولمان‪ ،‬د‪ .‬دانا روز جارفين‪ ،‬د‪ .‬روكسانا كوهين سيلفر‪ ‬‬ ‫ـدية لألفــراد‪ ،‬فعلى ســبيل المثال‪ ،‬في أعقــاب تفجيرات ماراثون‬ ‫النفسـ ّـية والجسـ ّ‬
‫‪ ۹‬ترجمة‪ :‬دينا‪ ‬البرديني‬ ‫بوســطن عــام ‪ ،2013‬توصلــت األبحاث إلى‪ ‬وجــود عالقة وثيقة بيــن كثافة متابعة‬

‫‪109‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫صيادو األوبئة‪..‬‬
‫ّ‬
‫الباحثون عن الفريوسات‬
‫صــدر حديثــا لـ«فريديريــك كيــك»‪ ،‬عالــم األنثروبولوجيــا‪ ،‬والباحــث بـــالمركز الوطنــي للبحــث العلمــي‪ ،‬ورئيــس مختبــر‬
‫األنثروبولوجيــا االجتماعيــة فــي كوليــج فرنســا‪ ،‬وأحــد أبــرز طلبــة «ليفــي ســتراوس»‪ ،‬كتــاب جديــد بعنــوان «الباحثــون عــن‬
‫الفيروســات‪ ،‬ومراقبــو الطيــور علــى حــدود الصيــن»‪ ،‬عــن دار «‪.»Zones Sensibles Editions‬‬

‫األنثروبولوجيــا االجتماعيــة فــي كوليــج فرنســا‪ ،‬وأحــد أبــرز طلبــة‬ ‫نــص‬


‫أول وبــاء عرفتــه البشــرية‪ ،‬وذُكــر فــي ّ‬ ‫علــى الرغــم مــن أن ّ‬
‫ـراس األوبئــة‪ :‬الباحثــون عــن‬ ‫«ليفــي ســتراوس»‪ ،‬كتابــه الجديــد «حـ ّ‬ ‫ـدون‪ ،‬لــم يكــن ّإل فــي ســنة ‪ 430‬قبــل الميــاد‪ ،‬فــي أثينــا‪ ،‬فقــد‬ ‫مـ َّ‬
‫الفيروســات‪ ،‬ومراقبــو الطيور على حــدود الصين»‪ ،‬عن دار « ‪Zones‬‬ ‫قيــل‪ -‬فــي كثيــر من األحيــان‪ -‬إن الميكروبــات واألوبئة التي تســببها‪،‬‬
‫‪ ،»Sensibles Editions‬قبــل أيــام قليلــة ( الطبعــة األولــى صــدرت‬ ‫ـدم العالــم‪ .‬لكــن‪ ،‬كيــف اســتطاع العالــم القضــاء عليهــا‪،‬‬ ‫قديمــة ِقـ َ‬
‫فــي ‪ 15‬مايــو ‪ ،)2020‬فالكتــاب‪ ،‬الــذي كان خروجــه للســوق منتظــر ًا‬ ‫ومواجهتهــا؟ ومــا الســبل التــي م َّكنــت البشــرية مــن اســتعادة‬
‫فــي بدايــة أبريل‪/‬نيســان‪ ،‬زمــن اجتيــاح كورونــا لفرنســا‪ ،‬لــم يغفــل‬ ‫حياتهــا الطبيعيــة‪ ،‬بعــد مرحلــة الوبــاء؟ هــذه بعــض األســئلة التــي‬
‫خصــص لهــا الكاتــب خاتمــة‬ ‫الحديــث عــن الجائحــة الحاليــة حيــث َّ‬ ‫تو ّفــر لهــا دراســة األوبئــة‪ ،‬مــن وجهــة نظــر العلــوم االجتماعيــة‪،‬‬
‫المؤ ّلــف تحــت عنوان «الدروس األولى من فيــروس كورونا لووهان»‪،‬‬ ‫واألنتروبولوجيــة‪ ،‬بعــض عناصر اإلجابة‪ .‬فاألوبئة ليســت اختصاص ًا‬
‫مؤكِّ ــد ًا القــول‪« :‬تعيدنا جائحة الفيروس كورونا الحالية إلى إشــكالية‬ ‫حصريـ ًا لعلمــاء األوبئــة والمناعــة‪ ،‬بــل اقتحــم المجــال جغرافيــون‬
‫ّ‬
‫التوطيــن‪ ،‬حيــث يمكــن إعــادة النظــر فــي طبيعــة العالقــات بيــن‬ ‫كبــار‪ ،‬منهــم بيتــر هاجيــت‪ ،‬و أنــدرو كليــف‪ ،‬فــي رؤيــة تركّ ــز علــى‬
‫األول‬‫وقســم الكتــاب إلــى قســمين‪ :‬القســم ّ‬ ‫البشــر والحيوانــات»‪ّ .‬‬ ‫عمليات االنتشــار «المكاني ‪ .»spatiale -‬كما عمل علماء االجتماع‬
‫َع ْن َو َنــه بـ«األمــراض الحيوانيــة»‪ ،‬تنــاول فيــه اإلشــكاليات المتعلقــة‬ ‫علــى رســم الخريطــة التفاعليــة لألوبئــة داخــل الجماعة اإلنســانية‪،‬‬
‫بالســامة األحيائيــة وذبح الحيوانــات المعدية وتطعيمهــا ومراقبتها‬ ‫فــي حيــن حــاول بعــض الدارســين الجمــع بيــن هــذه الزوايــا مــن‬
‫الصحــة الشــاملة إلــى إيكولوجيــا الحفــظ‪ ،‬وفــي القســم الثانــي‬ ‫َّ‬ ‫مــن‬ ‫خــال معالجــة قــدرات الــدول علــى مواجهــة الوبــاء‪ ،‬وعالقــة‬
‫تنــاول تقنيــات االســتعداد لمواجهــة الوباء من خالل إشــارات اإلنذار‬ ‫ذلــك بالعولمــة وقيمهــا التــي بنيــت عليهــا نظرياتهــا؛ إذ ال تتسـ ّـبب‬
‫المبكــر وســيناريوهات المحــاكاة وطبيعــة مخــزون المواجهــة؛ حيث‬ ‫األمــراض الحيوانيــة فــي حــدوث تغييــرات فــي العالقــات بين البشــر‬
‫يحــاول المؤ ِّلــف مــن خــال كلّ هــذه العناصــر تســليط الضــوء علــى‬ ‫والحيوانــات‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل تجبــر‪ -‬أيضـاً‪ -‬أولئــك الذيــن يرغبــون فــي‬
‫مــدى اســتعدادات الــدول واألنظمــة لمواجهــة األوبئــة المنتشــرة‬ ‫دراســتها‪ ،‬اجتماعي ـاً‪ ،‬علــى ممارســة اإلثنوغرافيــا بشــكلٍ مختلــف‪.‬‬
‫الخاصــة فــي بعــض دول جنــوب شــرق‬ ‫ّ‬ ‫مــن خــال تجربتــه العلميــة‬ ‫فحيــن يقــول «فريديريــك كيــك» إن «األنفلونــزا هي مــرض العولمة»‬
‫ـاء علــى البحــث اإلثنوغرافي الــذي أجراه الكاتــب في هونغ‬ ‫آســيا؛ فبنـ ً‬ ‫(ص ‪ )15‬فهــو يــروم التأكيد على أن األنفلونزا‪ ،‬كباقي األوبئة‪ ،‬تنتشــر‬
‫كونغ‪ ،‬وتايوان‪ ،‬وســنغافورة بين عامي ‪ 2007‬و‪ ،2013‬يبرز‪ ،‬في كتابه‬ ‫بســهولة أكبــر فــي ســياق العولمــة‪ ،‬ال ســيما بســبب زيــادة تحــركات‬
‫الجديــد‪ ،‬اســتعدادات األقاليــم الثالثــة‪ ،‬التــي تأ َّثــرت‪ ،‬ســلفاً‪ ،‬بأزمــة‬ ‫السـ ّكان و«ثــورة الثــروة الحيوانية»‪ ،‬وإن نهايتهــا الطبيعية هي نهاية‬
‫«الســارس» فــي العــام ‪ ،2003‬لوباء األنفلونزا‪ ،‬فــي أثناء تحركها ضد‬ ‫التبــادل التجــاري واالقتصــادي؛ و ‪ -‬مــن ثــم ‪ -‬توضــح اإلثنوغرافيــا‬
‫خاصةً مــع تزايد أعداد‬
‫فيــروس أنفلونــزا الطيــور القــادم من الصيــن‪َّ ،‬‬ ‫التحديــات المنهجيــة والمعرفيــة ألنثروبولوجيــا العولمــة‪.‬‬
‫الدواجــن المحلّيــة بشــكلٍ كبير‪ ،‬على مــدى األربعين عامـ ًا الماضية‪.‬‬ ‫ففــي الوقــت الــذي يعيش فيــه العالم أجــواء الحرب علــى «(فيروس‬
‫ويتو َّقــف‪ ،‬علــى الخصــوص‪ ،‬عنــد التغييــرات التــي عرفتهــا التقنيــات‬ ‫كورونــا‪ )Coronavirus disease -‬كوفيــد‪ ،»19 -‬بعــد خروجــه مــن‬
‫المطبقــة علــى عالقــة اإلنســان بالطيــور‪ ،‬حيــث ق ِ‬
‫ُضــي علــى مليــارات‬ ‫َّ‬ ‫معقــل ظهــوره فــي «ووهــان» بالصيــن‪ ،‬وشــموله مســاحة جغرافيــة‬
‫الدواجــن فــي جميــع أنحــاء العالم لمنع مســببات األمــراض الوبائية‬ ‫واســعة من الكوكب‪ ،‬أصدر «فريديريك كيك»‪ ،‬عا ِلم األنثروبولوجيا‪،‬‬
‫تم رصــد الطيــور المهاجرة‬ ‫المحتملــة مــن عبــور حــدود األنــواع‪ ،‬كمــا ّ‬ ‫والباحــث فــي المركــز الوطنــي للبحــث العلمــي‪ ،‬ورئيــس مختبــر‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪110‬‬


‫نخترع فيها ســاحاً‪ ،‬تخلق الطبيعة ســاح ًا جديداً‪ .‬ظهور فيروس الخفافيش هو‬ ‫لفهــم انتشــار فيروســات األنفلونــزا خــارج مــكان ظهورهــا‪ .‬ففيروســات األنفلونــزا‪،‬‬
‫ســاح اختــرع بطبيعتــه للــرد على إزالــة الغابات‪ .‬وأشــار «دوبــوس»‪ ،‬المتخصص‬ ‫وخاصــة الطيــور المائيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتتغيــر فــي الطيــور‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـول‬
‫علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬تتحـ َّ‬
‫فــي بكتيريــا التربــة‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬إلــى أن المضــادات الحيويــة التــي قتلت‬ ‫والخنازيــر‪ ،‬التــي توصــف بأنهــا «وســيطة»؛ ألن لديهــا مســتقبالت فــي مجاريهــا‬
‫‪ % 90‬مــن البكتيريــا التــي تــم توزيعهــا منــذ الخمســينيات مــن القــرن الماضــي‪،‬‬ ‫يتتبــع علمــاء‬
‫الهوائيــة يمكــن أن تلتصــق بفيروســات الطيــور والبشــر‪ ،‬فعندمــا َّ‬
‫ظهــرت جرعــات جديــدة أكثــر مقاومة(‪.)1‬‬ ‫الخاصــة بهــم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األحيــاء‪ ،‬بدقــة‪ ،‬مسـ ّـببات األمــراض فــي مســتودعات الحيوانــات‬
‫ولعــلّ اهتمــام الكاتــب باألنفلوانــزا نابــع‪ -‬زيــادة علــى انشــغاله البحثــي‪ -‬مــن‬ ‫الســتباق ظهورهــا فــي البشــر‪ ،‬فإنهــم‪ -‬بذلــك‪ -‬يدخلــون الحيوانــات فــي المجتمع‪.‬‬
‫كــون جائحــة األنفلونــزا هــي أحــد األحــداث المحوريــة للتعبئــة العالميــة‬ ‫الصحيــة‬
‫ّ‬ ‫لــذا يدعونــا الكاتــب إلــى التمييــز بيــن طريقتيــن للتعامــل مــع التأثيــرات‬
‫حولهــا‪ ،‬فقــد أدت الطبيعــة الدوريــة لألوبئــة («األنفلونــزا اإلســبانية»‪ ،‬عــام‬ ‫بيــن البشــر والحيــوان‪« :‬أســلوب االســتعداد فــي الحيــاة البرية» و«أســلوب وقاية‬
‫‪ ،1918‬و«األنفلونــزا اآلســيوية»‪ ،‬عــام ‪ ،1957‬و«إنفلونــزا هونــج كونــج»‪ ،‬عــام‬ ‫القطيــع»؛ إذ يعتمــد البحــث اإلثنوغرافــي علــى فهــم الســبل التي طورها اإلنســان‬
‫ـاء جديــد ًا وشــيك الظهــور‪ ،‬وأنــه ســيقتل‬ ‫‪ )1968‬إلــى اعتقــاد الخبــراء بــأن وبـ ً‬ ‫فــي عالقتــه بالحيــوان‪ ،‬خــال الصيــد‪ ،‬مــن خــال الســؤال االشــكالي‪ :‬هــل يوافــق‬
‫الصحــة العالميــة‪ ،‬لــم يكــن هــو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مالييــن النــاس‪ .‬فالســؤال‪ ،‬وفقـ ًا لســلطات‬ ‫الفريســة علــى القتــل؟‪ ،‬وفــي الرعــي‪ :‬هل ســيقبل القطيــع أن يتــم التضحية بأحد‬
‫عمــا إذا كنــا مســتعدين لعواقبــه‬ ‫متــى ســيبدأ الوبــاء‪ ،‬أو أيــن ســيبدأ؟‪ ،‬بــل َّ‬ ‫ـور الكاتــب فــي مؤلَّفــه تقنيــات‬ ‫أعضائــه مــن أجــل الخــاص الجماعــي؟ لــذا طـ ّ‬
‫الكارثيــة‪ .‬لذلــك فاالســتعداد‪ -‬حســب الكاتــب‪ -‬لمواجهــة األوبئــة ليــس للحــد‬ ‫االســتعداد فــي الحيــاة البريــة التــي تبناهــا علمــاء الفيروســات خــال مالحقتهــم‬
‫مــن عــدد الضحايــا مــن البشــر‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل للحــد مــن آثارهــا السياســية‪،‬‬ ‫الم ْمرضــات التــي تنتقــل مــن الحيــوان إلــى اإلنســان‪ ،‬ألنها كانــت أقلّ اعتمــاد ًا من‬
‫ُ‬
‫واألخالقيــة أيضـاً؛ لــذا يدعونا الكاتب‪ ،‬في مؤلَّفه الجديــد‪ ،‬ومن خالل التجربة‬ ‫تقنيــات القطيــع التــي تب َّناهــا علمــاء األوبئــة الذين يبنــون نماذج افتراضيــة للتنبؤ‬
‫الشــرق آســيوية‪ ،‬إلــى عــدم االستســام للخــوف‪ ،‬بــل إلــى إعــادة التفكيــر فــي‬ ‫الم ْمرضــات فــي الس ـ ّكان‪ ،‬فــي حيــن أنهــا أكثــر صلــة بالتفكيــر فــي‬ ‫بتأثيــر هــذه ُ‬
‫العولمــة وعالقتنــا بالطبيعــة‪ .‬فمــن خالل قــراءة إثنوغرافيــة اجتماعية يالحظ‬ ‫األســئلة البيئيــة التي تثيرها األوبئة‪ .‬فاســتناد ًا إلى تحليــات علماء األنثروبولوجيا‬
‫الكاتــب أن هونــج كونــج‪ ،‬وتايــوان‪ ،‬وســنغافورة هــي ثــاث نقاط لعبــور العمال‬ ‫والتاريــخ‪ ،‬يذهــب المؤ ّلــف إلــى أن االســتعداد لمواجهــة األوبئة ليــس جديداً‪ ،‬بل‬
‫الصينييــن المغادريــن إلــى الخــارج‪ ،‬والتي يمكن أن تتطابق مع المســار نفســه‬ ‫ـاص‪ ،‬من‬ ‫هــو قديــم يعتمــد علــى القــدرات البشــرية التــي تــم تطويرهــا‪ ،‬بشــكلٍ خـ ّ‬
‫للطيــور المهاجــرة المتهمــة بنشــر األنفلونــزا فــي جميــع أنحــاء العالــم‪ .‬ففــي‬ ‫ِق َبــل الشــامان فــي ســيبيريا واألمــازون‪ ،‬إلدراك الكيانــات غيــر المرئيــة الموجودة‬
‫تعقبــه للفيــروس‪ ،‬اســتطاع عالــم األنثروبولوجيــا «فريديريــك كيــك»‪ ،‬بعــد‬ ‫عنــد الحــدود‪ ،‬بيــن األنــواع‪ ،‬وفــي العصــر الحالــي باالعتمــاد علــى نظــام الوقايــة‬
‫كتابــه الســابق «عالــم مصــاب باألنفلوانــزا ‪ »Un monde grippé -‬الصــادر‬ ‫طورتــه اإلمبراطوريــات والــدول الحديثــة‪ ،‬لتحقيــق النظــام فــي أوقــات‬ ‫الــذي َّ‬
‫ـف عــن «أمــراض العولمــة»؛ إذ تخبــر أوبئــة األنفلونــزا‬ ‫فــي ســنة ‪ ،2010‬الكشـ َ‬ ‫األزمــات‪ ،‬مــن خــال تصنيــف األفــراد فــي فئــات تســتبعد اكتســاح العــدوى‪.‬‬
‫ً‬
‫والفيروســات عــن ترابطنــا المضطــرب مــع الحيوانــات‪ ،‬وترســم عالمـا يصعــب‬ ‫إذ يعتقــد الكاتــب بوجــود خطاب مدعوم من الناحيــة العلمية في تناول األمراض‬
‫التنبــؤ بــه‪ ،‬إن لــم نتو َّقــع أحداثــه‪ ■ .‬فــؤاد بوعلــي‬ ‫المعدية الناشــئة‪ ،‬والذي يذهب إلى القول إن الطبيعة تنتقم بإرســال فيروســات‬
‫جديــدة إلينــا‪ .‬وصاحــب هــذا الخطــاب هــو األميركــي الفرنســي «رينيــه دوبــوس»‪،‬‬
‫الــذي يســتعمل العبــارة المشــهورة التــي يســتعملها الكاتــب كثيــراً‪« :‬ضربــات‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هامش‪:‬‬
‫‪1- https://legrandcontinent.eu/fr/2020/04/01/coronavirus-conver-‬‬ ‫الطبيعــة ‪»nature strikes back-‬؛ بعبــارة أخــرى‪ :‬نســتخدم األســلحة ضــد‬
‫‪sation-avec-francois-moutou-et-frederic-keck/‬‬ ‫مرة‪،‬‬‫الطبيعــة مثــل اللقاحات واألدوية المضادة للفيروســات‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬في كلّ ّ‬
‫‪111‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫أندريه كومت سبوفيل‪:‬‬
‫دعونا نمت كما يحلو لنا!‬
‫عشرات الكُ تب‪ ،‬منها مقالة وجيزة‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫الفرنسي «أندريه كومت سبوفيل ‪ ،»Andre-Comtes Ponville‬مؤ ِّل ُ‬ ‫ُ‬
‫الفيلسوف‬ ‫غر ُد‬
‫ُي ِّ‬
‫ُّ‬
‫الســمفونية التي‬
‫ـي)‪ ،‬خــارج ّ‬ ‫فــي الفضائــل العظيمــة (منشــورات ســاي)‪ ،‬ومقالــة فــي اليــأس والنعيــم (منشــورات النشــر الجامعـ ّ‬
‫ـباب‬ ‫ـي‪ .‬ويرمــي َح َجــراً فــي البركــة‪ ،‬إذْ يســتنكر ْ‬
‫أن ُي َض َّحــي بالشـ ِ‬ ‫والح ْجـ ِر الصحـ ِّ‬
‫َ‬ ‫ـي (كورونــا)‬ ‫تُعـ َـزف حاليــا حــول الفيــروس التاجـ ِّ‬
‫ـوت‪...‬‬ ‫الصحــة‪ ،‬ويتســاءل عــن عالقتنــا بالمـ ِ‬
‫ّ‬ ‫الحر ّيـ ِـة قربانـ ًا علــى مذبــح‬
‫ّ‬ ‫وأن تُقـ َّـدم‬
‫المسـ ّنين‪ْ ،‬‬
‫مــن أجــل ُ‬

‫أن نزيد من اإلنفاقِ‬ ‫يجب ْ‬


‫ُ‬ ‫ـانية! أال‬
‫واالجتماعية والسياس ّــية واإلنسـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫ـرية إنقــاذَ الجميــع‪ ..‬أال ُيعـ ُّـد‬ ‫ألولِ مـ ّـر ٍة فــي التاريــخ تكــون ُم ّ‬
‫همــةُ البشـ ّ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـاد‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫االعتق‬ ‫إن‬
‫ّ‬ ‫؟‬ ‫ـاد‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫االقتص‬ ‫ـار‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫انه‬ ‫إذا‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـم‬‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫كي‬ ‫ـد!‬ ‫ـ‬ ‫جي‬
‫ّ‬ ‫ـة؟‬ ‫ـ‬ ‫الصح‬
‫ّ‬ ‫علــى‬ ‫ـاراً؟‬
‫ذلــك خبــراً سـ ّ‬
‫ـيدفعون‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الذين‬ ‫هم‬ ‫فأبناؤنا‬ ‫‪.‬‬ ‫ـم‬‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫محض‬
‫ُ‬ ‫هو‬ ‫ٍ‬
‫ـة‬ ‫ـ‬‫ي‬ ‫بحر‬
‫ّّ‬ ‫ّق‬ ‫ف‬ ‫ـيتد‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـازم‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـالَ‬‫المـ‬
‫ـف‪ .‬ولكنه‬ ‫رد فعلٍ لطيـ ٍ‬ ‫ـر َّ‬ ‫‪ -‬لــي شــعوران متناقضــان‪ .‬فللوهلــة األولــى يبــدو األمـ ُ‬
‫أن متوســط الوفــاة بســببِه هــو ‪ 81‬ســنة‪.‬‬ ‫أن نتذكَّ ــر َّ‬ ‫ـرض يجــب ْ‬ ‫ـون مـ ٍ‬ ‫ديـ َ‬ ‫ـبة عاليـ ٍ‬
‫ـة‪،‬‬ ‫ـروع عبثــي فعـاً‪ ،‬أل ّنــه إذا كان أمــلُ الحيــا ِة قــد ازداد بنسـ ٍ‬ ‫أيضـ ًا مشـ ٌ‬
‫يضحــون مــن أجــل أبنائهــم؟ إننــا اآلن نقــوم‬ ‫ـن‬
‫َ ْ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ـ‬ ‫تقليدي‬
‫ّ‬ ‫ـاء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اآلب‬ ‫ـس‬ ‫أليـ‬ ‫ٌّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ـدلَ الوفيــات‬
‫ِ‬
‫يتغيــر منــذ ‪20‬‬‫َّ‬ ‫ـم‬
‫الفرديــة لـ ْ‬
‫ّ‬ ‫جيــد علــى كلِّ حــالٍ ‪ ،‬فـ ّ‬
‫ـإن معـ ّ‬ ‫وهــذا ّ‬
‫ـد ذلــك ُم ْرضيـاً!‬ ‫األخالقيــة ال أجـ ُ‬
‫ّ‬ ‫بعكــس ذلــك‪ .‬مــن الناحيــة‬ ‫أي ‪ !% 100‬باختصــارٍ‪ ،‬عنــدي لـ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ـك‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫واح‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـد‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫واح‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫دائم‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫إن‬ ‫ـنة‪.‬‬
‫ألــف سـ‬
‫ـد‬
‫ّ ُ‬‫ـ‬‫الجي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫أم‬
‫ّ‬ ‫ـنموت‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كلن‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أنن‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ئ‬ ‫ـي‬
‫ِّ ُ‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ئ‪.‬‬ ‫ـي‬‫ـ‬
‫ُ ِّ‬‫س‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫واآلخ‬ ‫ـد‬‫ـ‬‫جي‬
‫ٌ ّ ٌ‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫واح‬ ‫خبــران‬
‫ِ‬
‫المستشفيات سبب ًا كافي ًا َ‬
‫للح ْجرِ؟‬ ‫الزائد على‬
‫ُ‬ ‫أليس الضغط‬
‫ـبب آخــر ليــس (كوفيــد ‪!)19 -‬‬ ‫العظمــى م ّنــا ســتموت بسـ ٍ‬ ‫أن الغالبيــة ُ‬ ‫فهــو ّ‬
‫ـي لعــدم‬ ‫ـبب الرئيسـ ُّ‬ ‫للح ْج ـرِ‪ .‬وهــو السـ ُ‬ ‫ـي َ‬ ‫ـر ُر الرئيسـ ُّ‬ ‫المبـ ِّ‬ ‫‪ -‬هــذا فــي الواقــع ُ‬
‫ـب أن‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ـاورة‬ ‫ـ‬ ‫للمن‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫هامش‬ ‫ـفيات‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫المستش‬ ‫ـد‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫تج‬ ‫أن‬
‫ّ ْ‬ ‫د‬‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫بمج‬ ‫ـن‪،‬‬
‫معارضتــي‪ .‬ولكـ ْ‬ ‫أن تكــون ســعيداً‬
‫ـب ْ‬
‫أنــت‪ ،‬ســيد أندريــه‪ ،‬فــي الثامنــة والســتين‪ ،‬أال يجـ ُ‬
‫أن في فرنســا‪،‬‬ ‫الح ْجـرِ‪ .‬أنا أخشــى ّ‬ ‫ـدة َ‬ ‫ِ‬ ‫ـف مــن حـ ّ‬ ‫أن نخ ّفـ َ‬ ‫ـف‪ ،‬أو علــى األقــلّ ْ‬ ‫نتو ّقـ َ‬ ‫ِ‬
‫ـراءات التو ّقــي؟‬‫بمــا اتّخــذ مــن إجـ‬
‫بالحر ّية (الحظي‬ ‫ّ‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫االهتم‬ ‫تناقص‬‫ِ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫مقاب‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫ـة‬‫ـ‬ ‫ح‬ ‫بالص‬
‫ّ ّ‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫يتزاي‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫االهتم‬ ‫ـث‬‫حيـ ُ‬ ‫ـوت بســبب هــذا الفيــروس‪ .‬إنه يخيفنــي أقلّ‬ ‫ـق‪ ،‬ولكنــي ال أخشــى المـ َ‬ ‫‪ -‬أنــا قلـ ٌ‬
‫ً‬
‫فرنســا مــا تــزال واحــدة مــن الــدول القليلــة التــي غالبـا مــا تكون فيهــا كلمة‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بكثيـ ٍر مــن مــرض الزهايمــر‪ .‬وإذا أصبــت بعدواه فســتكون عندي نســبة ‪% 95‬‬
‫ـدولِ التــي‬ ‫ـم الـ ّ‬‫متأخــر مقارنــةً بمعظـ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ـت‬‫ـيتم ذلــك فــي وقـ ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـة)‬‫ـ‬ ‫إهان‬ ‫ـي»‬ ‫ـ‬ ‫«ليبرال‬ ‫أن أخـ َ‬ ‫للشـ ِ‬
‫صحتــي‪ ،‬بــلْ‬
‫إن مــا يزعجنــي ليــس ّ‬ ‫ـاف منــه؟ ّ‬ ‫ـي ْ‬ ‫ـم علـ ّ‬ ‫ـفاء منــه‪ .‬فلـ َ‬
‫بحر ّيــة؟‬
‫ـش ّ‬ ‫أن أعيـ َ‬‫ـن ْ‬ ‫ـتقر فــي سويســرا ألتمكَّ ــن ِمـ ْ‬ ‫أن أسـ َّ‬ ‫ـي ْ‬ ‫ـبهها‪ .‬فهــل علـ َّ‬ ‫تشـ ُ‬ ‫الح ْجـ ِر ســيدفع‬
‫َ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫الناج‬ ‫ـادي‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫االقتص‬ ‫ِ‬
‫ـود‬ ‫ـ‬ ‫الرك‬ ‫ـبب‬ ‫ـ‬ ‫فبس‬ ‫ـباب‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـر‬
‫مصيـ ُ‬
‫إن التضحيــة‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫ـونٍ‬
‫ـ‬ ‫دي‬ ‫أو‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫بطال‬ ‫ـكلِ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـواء‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫ثق‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫األكث‬ ‫ـن‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الثم‬ ‫ـباب‬
‫الشـ ُ‬
‫هل تستنكر‪ ،‬سيد أندريه‪ ،‬عود َة نعمة العلماء؟‬ ‫أرغب‬ ‫ـادح‪ .‬هذا هــو ما يجعلنــي‬ ‫بالشـ ِ‬
‫ُ‬ ‫المســنين خطــأ فـ ٌ‬ ‫صحــة ُ‬ ‫ـباب مــن أجــل ّ‬
‫الشــامل‪ ،‬هــذه األيديولوجيــا التــي ُتعطــي كلَّ الســلطة‬ ‫ـب ّ‬ ‫ِ‬
‫البــكاء‪.‬‬ ‫في‬
‫‪ -‬أنــا أســتنكر التطبيـ َ‬
‫لنتأمــل‬
‫َّ‬ ‫ـا‪.‬‬
‫ـ‬ ‫علي‬
‫َ‬ ‫ـ‬
‫ـةً‬ ‫قيم‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الصح‬
‫ّ‬ ‫ء‬
‫ِّ ُ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫تب‬ ‫لِ‬ ‫ـكُّ‬‫ـ‬ ‫التش‬ ‫ِ‬
‫ـدد‬ ‫ـ‬ ‫بص‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫حض‬ ‫ثمــة‬
‫ـب‪َّ .‬‬
‫إلــى الطـ ِّ‬
‫للصحــة»‪.‬‬ ‫ـد‬ ‫سوف تتهم بالدعوة إلى قتل الناس لغاية إنقاذ االقتصاد!‬
‫ّ‬ ‫جيـ ٌ‬
‫ألن ذلــك ّ‬ ‫أن أكــون ســعيداً‪ّ ،‬‬ ‫رت ْ‬ ‫ـر ُ‬‫مزحــة فولتيــر‪ .‬يقــول‪« :‬قـ ّ‬
‫أمــا اليوم فإننــا نجعلُ‬ ‫ّ‬ ‫ـعادة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الس‬
‫ّ‬ ‫ـق‬‫ـ‬ ‫لتحقي‬ ‫ـيلةً‬ ‫ـ‬ ‫وس‬ ‫ـة‬
‫الصحـ ُ‬
‫ّ‬ ‫فــي الســابق كانــت‬ ‫ـاد مزدهــر‪.‬‬ ‫ـاج إلــى اقتصـ ٍ‬‫ـدا‪ .‬ولذلــك هــو يحتـ ُ‬ ‫ـف جـ ّ‬ ‫ـب مكلـ ٌ‬‫ـح! الطـ ُّ‬
‫ـر صحيـ ٍ‬‫‪-‬غيـ ُ‬
‫نفوض‬ ‫ِّ‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫لذل‬ ‫ونتيجة‬ ‫‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ـيلة‬ ‫ـ‬ ‫وس‬ ‫د‬ ‫مجر‬
‫َّ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ـعاد‬ ‫ـ‬ ‫والس‬ ‫ـوى‬ ‫ـ‬ ‫القص‬ ‫ـة‬
‫ُ‬ ‫الصحــة هــي الغايـ‬ ‫ّ‬ ‫ـق‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الحقائ‬ ‫ـذ‬‫ـ‬ ‫ؤخ‬ ‫ت‬ ‫أن‬
‫ُ ْ ُ‬‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ـالِ‬
‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫بطبيع‬ ‫ِ؟‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الح‬
‫َ ْ‬ ‫ـذا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـنخرج‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫متــى‬
‫ولكن أيض ًا‬ ‫ْ‬ ‫ـي ومعقــولٌ ‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫طبيع‬ ‫أمر‬
‫ٌ‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫‪،‬‬ ‫ـب‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫فحس‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫أمراض‬ ‫إدارة‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫لي‬ ‫ـب‬
‫ِّ‬ ‫للطـ‬ ‫ـق‬ ‫أن نأخــذَ بعيــن االعتبــار أيضـ ًا الحقائـ َ‬
‫ـب ْ‬
‫ـن يجـ ُ‬ ‫الصحيــة بعيــن االعتبــار‪ .‬ولكـ ْ‬
‫ّ‬
‫ٌّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪112‬‬
‫الجماعي؟‬
‫َّ‬ ‫عدم اليقينِ الذي ُيولِّد هذا االرتعاب‬
‫ُ‬ ‫هل هو‬
‫ـري ِة والميكروبــات‬‫ـم‪ .‬فالمعركــة بيــن البشـ ّ‬ ‫ـدم اليقيــن هــو قدرنــا الدائـ ُ‬
‫إن عـ َ‬‫‪ّ -‬‬
‫ِ‬
‫القديمة‬ ‫العالم‪ .‬فــي العصــور‬
‫ِ‬ ‫ـرض لــن يكــون نهايــةَ‬
‫ليســت جديــدةً‪ .‬وهــذا المـ ُ‬
‫ـة‪ ،‬لحســن حظّ ــي‪ ،‬لــم‬ ‫ـابيع الماضيـ ِ‬
‫ـدث مــا هــو أســوأ مــن هــذَ ا‪ .‬وفــي األسـ ِ‬‫حـ َ‬
‫تقــدم! فأقــلُّ‬
‫ُّ‬ ‫إن (كوفيــد ‪ )19 -‬هــو لعنــة أصابتنــا هــذا‬ ‫أســمع أحــد ًا يقــول ّ‬
‫ْ‬
‫خرافــة يعنــي أكثــر عقالنيــة!‬

‫المؤامرة!‬
‫نظريات ُ‬
‫ّ‬ ‫نسيت‪ ،‬سيد أندريه‪،‬‬
‫َ‬ ‫أح ّق ًا؟ لقد‬
‫ـن‪ ،‬مــع األسـ ِ‬
‫ـف‪ ،‬تظــلّ نســبة‬ ‫ـع‪ .‬ولكـ ْ‬
‫ـي تراجـ َ‬ ‫‪ -‬بالفعــلِ ! ولكـ َّ‬
‫ـر الخرافـ َّ‬
‫ـن التفكيـ َ‬
‫الغبــاء ثابتــةً ‪.‬‬

‫الصحة؟‬
‫ّ‬ ‫ما هي حسب رأيك القيم التي تعلو على‬
‫ـوع‬
‫ـد عليــه‪ ،‬وليســت موضـ َ‬ ‫ـيء ُن ْح َسـ ُ‬ ‫ـة ليســت قيمــةً ‪ .‬إنهــا نعمــةٌ ‪ .‬شـ ٌ‬ ‫الصحـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ـب والكــرم‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫والح‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫العدال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـع‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الجمي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫يعرفه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـم‬‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫القي‬ ‫ـم‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫فأعظ‬ ‫!‬ ‫ٍ‬
‫ـاب‬ ‫ـ‬ ‫إعج‬
‫مذبح‬
‫ِ‬ ‫حر ّيتــي قربانـ ًا علــى‬ ‫ّ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ـد‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫أق‬ ‫ألن‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـتعد‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫لس‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أن‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬‫ي‬‫ّ‬ ‫والحر‬
‫ّ‬ ‫والشــجاعة‬
‫الصحــي‪ّ ،‬إل‬ ‫ــر‬
‫َ ْ ُ‬‫ج‬ ‫الح‬ ‫وهــي‬ ‫أال‬ ‫‪،‬‬ ‫ــة‬ ‫الجبري‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫اإلقامــة‬ ‫قبــولُ‬ ‫يمكننــا‬ ‫ال‬ ‫الصحــة!‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ـي محــلّ «النظام‬ ‫ـ‬ ‫الصح‬ ‫ـام‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫النظ‬ ‫ـلّ‬ ‫ـ‬ ‫يح‬ ‫أن‬
‫ْ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫أخش‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫أن‬ ‫ٍ‪.‬‬‫ر‬ ‫ـ‬ ‫قصي‬ ‫ـت‬‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫لوق‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫كان‬ ‫متــى‬
‫ّ‬
‫ـم‬
‫أن نغــرق فــي الحكـ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬‫أخش‬‫َ‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫المكارثي‬
‫ّ‬ ‫ـن‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫زم‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يصف‬ ‫ـوا‬ ‫ـ‬ ‫كان‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كم‬ ‫»‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫األخالق‬
‫ّ‬
‫الصحيــح سياسـ ّـياً‪.‬‬ ‫صحيـاً» مثــل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـأن هــذا «صحيــح‬ ‫بـ َّ‬
‫الطبيــة‪ .‬هــل‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ـع لإلمــاءات‬ ‫أن أخضـ َ‬ ‫ـاء‪ ،‬ولكننــي ال أقبــلُ ْ‬ ‫ـب كثيــر ًا األطبـ َ‬ ‫أنــا أحـ ُّ‬
‫الســن‪ ،‬بدعــوى‬ ‫ّ‬ ‫كبــار‬ ‫علــى‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ــ‬ ‫ج‬‫َ ْ‬ ‫الح‬ ‫فــي‬ ‫ى‬ ‫ســم‬
‫َّ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫غيــ‬ ‫أجــلٍ‬ ‫إلــى‬ ‫سنســتمر‬
‫ـر مــن‬‫ـاف مــن العبوديــة أكثـ َ‬ ‫حبســي فــي بيتــي؟ أنــا أخـ ُ‬ ‫ـق ْ‬ ‫ـأي حـ ّ‬ ‫حماي ِتهــم؟ بـ ِّ‬
‫ـويدياً‪ .‬كنــت‬
‫ّ‬ ‫ـن سـ‬ ‫ـدم بســبب أ ّننــي لــم أكـ ْ‬ ‫ـعر بنـ ٍ‬ ‫ـوت‪ .‬منــذ أســبوعين أشـ ُ‬ ‫المـ ِ‬
‫ســأكون أقــلَّ حرمان ـ ًا مــن التنقــل‪ ،‬علــى األقــلِّ !‬ ‫أندريه كومت سبوفيل ▲‬

‫حساب الحياة؟‬
‫ِ‬ ‫ح ّتى وإ ِْن كان ذلك على‬
‫ـي!‬
‫الصحـ ُّ‬
‫ّ‬ ‫ـن‬
‫ومجتمعنــا‪ .‬وحالُنــا يقــولُ فليعــش التأميـ ُ‬
‫َ‬ ‫حياتَنــا‬
‫ـرطان يقضيــان علــى‬ ‫ُ‬ ‫ـن‪ ،‬دعونــا نمــت كمــا يحلــو لنــا! فالزهايمــر والسـ‬ ‫‪ -‬ولكـ ْ‬ ‫ـع التــي تزعجهــم‪ .‬إنهــم ال يشــتغلون‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫المواضي‬ ‫ـون‬‫ـ‬ ‫يتحاش‬ ‫اآلن‬
‫َ‬ ‫ين‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫السياس‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ـي‪ .‬هــل اهتممنــا لألمــر؟‬ ‫عـ ٍ‬
‫ـر مــن ضحايــا الفيــروس التاجـ ِّ‬ ‫ـدد مــن ال ّنــاس أكثـ َ‬ ‫ولكــن‪ ،‬إذا عهدنــا‬
‫ْ‬ ‫هــم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫وأم‬ ‫مواطنيهــم‬ ‫ِ‬
‫ــة‬‫بصح‬
‫ّ‬ ‫إل‬‫ّ‬ ‫يهتمــون‬ ‫وال‬ ‫ياســة‪،‬‬ ‫بالس‬
‫ّ‬
‫ـن‬
‫ـة‪ ،‬ولكـ ْ‬ ‫واالجتماعيـ ِ‬
‫ّ‬ ‫الصحيــة‬
‫ّ‬ ‫ـات‬‫ؤسسـ ِ‬ ‫الم َّ‬ ‫نعــم‪ ،‬نحــن نحــزن للمو َتــى فــي ُ‬ ‫بالديموقراطيــة إلــى الخبــراء فإنهــا ســتموت‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـوت؟‬ ‫ـب إلــى هنــاك‪ ،‬غالب ـاً‪ ،‬لنمـ َ‬ ‫أن نتذكَّ ــر أننــا نذهـ ُ‬ ‫أليــس علينــا ْ‬
‫ـر‬
‫ْ َ‬ ‫ـ‬‫م‬ ‫الغَ‬ ‫ـذا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬
‫ـلُ‬ ‫أتحم‬
‫ّ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫أع‬ ‫ـم‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ِّ‬ ‫ولك‬ ‫ً!‬‫ا‬‫ـ‬ ‫ي‬‫صح‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫صحيح‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫أنــا آســف ّأل يك‬ ‫هــل يرجــع موقفنــا مــن الوبـ ِ‬
‫ـاء إلى كون الموت يقف عائق ًا أمام شــعورنا‬
‫ِ‬
‫ـوالت‬ ‫ـمةَ البطـ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫وأ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫الرحي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫اإلعالم‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫الد‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ب‬‫الطي‬ ‫مــن المشــاع ِر‬
‫َ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المطلقة؟‬‫المعاص ِر بالقوة ُ‬ ‫ُ‬
‫التــي ُتمنــح إلــى هــذا وذاك‪.‬‬
‫ـولَ‬ ‫ـ‬ ‫نع‬ ‫أن‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫طبيع‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ٍ‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫َ‬
‫وأ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫أنان‬ ‫ـر منقســمون بيــن‬ ‫أن ُنعيــد قــراءة مونتيــن‬ ‫المــوت ُيعــاش اليــوم باعتبــاره فشــاً‪ .‬يجــب ْ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫‪َّ -‬‬
‫ّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫إن البشـ َ‬ ‫ّ‬
‫ـة‪.‬‬‫الطيبــة لتحــلَّ محلّ السياسـ ِ‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫المش‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫كثيــر ًا عل‬ ‫ـاء الطاعــون األكث ـ ِر خطــورة مــن الكورونــا‪ ،‬والــذي كتــب فــي‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫وب‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬
‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫ـذي‬ ‫الـ‬
‫ّ‬
‫ـوت‪ .‬إذا كان المــوت ُي ِخيفنا فكيف‬ ‫ـدف مــن حياتنــا هو المـ ُ‬ ‫«إن الهـ َ‬ ‫المحــاوالت‪ّ :‬‬
‫ـتغير‬
‫أن هــذه األزمــة سـ ِّ‬
‫ـاد فــي ّ‬
‫ـم‪ ،‬ســيد أندريــه‪ ،‬االعتقـ ُ‬
‫الوهـ ِ‬
‫ْ‬ ‫هــل ِمـ َ‬
‫ـن‬ ‫ـدم‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـذل‬‫ـ‬ ‫المبت‬ ‫ـاج‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫إن‬
‫ّ‬ ‫ـى؟‬ ‫ـ‬ ‫حم‬
‫ّ‬ ‫دون‬ ‫ـام‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـوة‬‫ـ‬ ‫خط‬ ‫ـي‬
‫أن نمضـ َ‬ ‫لنــا ْ‬
‫المجتمــع؟‬
‫َ‬ ‫ـرض هــم أو زوجاتهــم‬ ‫ـاس المـ ُ‬ ‫ـب النـ َ‬ ‫ـن عندمــا يصيـ ُ‬ ‫التفكيـ ِر فــي ذلــك [‪ ،]..‬ولكـ ْ‬
‫ِ‬
‫والبكاء‬ ‫ـف حجم العـ ِ‬
‫ـذاب‬ ‫أو أطفالهــم أو أصدقاؤهــم‪ ،‬عندمــا يفاجئهم‪ ،‬نكتشـ ُ‬
‫ـر شــيئ ًا مخطئــون‪ .‬كذلــك الذيــن يعتقــدون‬ ‫تغيـ َ‬
‫ـن ِّ‬ ‫إن الذيــن يعتقــدون أنهــا لـ ْ‬ ‫‪ّ -‬‬ ‫ـأس الــذي يطغــى عليهــم!»‪.‬‬ ‫والغضــب واليـ ِ‬
‫ـاء يطــرح علي َنــا‬ ‫إن هــذا الوبـ َ‬ ‫ٍ‬
‫ـتغي ُر كلَّ شــيء‪ ،‬هــم أيض ـ ًا مخطئــون‪ّ .‬‬ ‫أ ّنهــا سـ ِّ‬ ‫ـوت‪ ،‬بينمــا إذَ ا فكّ رنا‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫نم‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫عندم‬ ‫ـنا‬ ‫ـ‬ ‫أنفس‬ ‫َ‬
‫ـاف‬‫ـ‬ ‫اكتش‬ ‫يد‬
‫ُ‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫فنح‬ ‫إ ّنــا مــا نــزال هنــا!‬
‫ـواع المشــاكلِ ‪ ،‬ولك ّنــه ال يحــلُّ ّأيــا منهــا‪.‬‬ ‫ـع أنـ ِ‬ ‫جميـ َ‬
‫ـع فــي أجــو ِر‬ ‫ـ‬ ‫الترفي‬ ‫ـيقع‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬‫رب‬ ‫ـه‪.‬‬‫ـ‬ ‫ومطالب‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬‫ت‬‫ِ‬ ‫يا‬‫تحد‬ ‫ـرح‬‫ـ‬ ‫يط‬ ‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫االقتص‬ ‫ـيظلُّ‬ ‫سـ‬
‫وع ْمقاً‪.‬‬‫ـنعيش بشــكلٍ أكثــر قــو ًة ُ‬ ‫ُ‬ ‫فــي األمـ ِر أكثــر فإننا سـ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫المطلقــة والســعاد ِة الدائمــة‪.‬‬ ‫ة‬‫ِ‬ ‫بالقــو‬ ‫الحلــم‬ ‫عــن‬ ‫إذن نتوقــف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫دعونــا ْ‬
‫ـن‬‫ـد علــى كلّ حــالٍ ! ولكـ ّ‬ ‫جيـ ٌ‬
‫االجتماعيــة‪ .‬وهــذا ّ‬
‫ّ‬ ‫ـض المهــن ذات المنفعــة‬ ‫بعـ ِ‬
‫ِ‬
‫اإلنســانية ح ّتــى‬ ‫جــزء مــن الحالــة‬ ‫ــات كلّهــا‬
‫ـب المالييــن‪ ،‬وهــو األمــر الــذي مــن‬ ‫الع ِبــي كــرة القــدم سيســتمرون فــي كسـ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫والعقب ُ‬
‫َ‬ ‫فالمحدوديــة والفشــلُ‬
‫ِ‬
‫الموت‪.‬‬ ‫ـاء مــا لــم نقبلْ حقيقــةَ‬ ‫أن نمــوت‪ .‬ســنقف مذعوريــن أمــام كلِّ وبـ ٍ‬ ‫ـل ْ‬‫قبـ َ‬
‫الم َمرِضـ ِ‬
‫ـات‪.‬‬ ‫ـبة إلــى ُ‬ ‫ـح ّأل يحصــل بالنسـ ِ‬ ‫رجـ ِ‬ ‫الم َّ‬
‫ُ‬ ‫المبالــغ فيــه فــي مســألة (كوفيــد‪،)-19‬‬ ‫ُ‬ ‫ـف‬‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫التعاط‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ـدي‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ـاذا‬ ‫لمـ‬
‫■ حوار‪ :‬لور ليجون ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬رضا األبيض‬
‫وإزاء تســعة مالييــن‬ ‫َ‬ ‫هجريــن‪،‬‬ ‫الم ّ‬ ‫ـرب فــي ســورية‪ ،‬ومآســي ُ‬ ‫ـوع الحـ ِ‬ ‫فــي موضـ ِ‬
‫ـوء التغذيــة؟‬ ‫ـبب سـ ِ‬ ‫مــن البشــر (مــن بينهــم ثالثــة مالييــن طفــل) يموتــون بسـ ِ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪Le temps –laissez-nous-mourir- comme nous voulons? 2020/04/17‬‬ ‫أخالقي ـ ًا ونفسـ ّـياً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن هــذا ال ُي ْح َت َمــلُ‬ ‫ّ‬
‫‪113‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫مارسيل غويش‪:‬‬
‫كشفت لنا صدمة األزمة عن عجزنا‬
‫ـؤرخ ورئيــس تحريــر مج ّلــة «لوديبــا» (‪ ،)le Débat‬مارســيل غوشــي عــن قلقــه تجــاه‬ ‫والمـ ِّ‬
‫عبــر الفيلســوف ُ‬ ‫فــي هــذا اللقــاء‪ُ ،‬ي ِّ‬
‫َ‬
‫«عالــم مــا قبلهــا»‪.‬‬ ‫ً‬
‫الصحيــة‪ ،‬الــذي قــد ُيشــبه‪ ،‬وفقـا لــه‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫«عا َلــم مــا بعــد» األزمــة‬
‫َ‬

‫ـرر بشــكلٍ صحيــح مــا ينبغــي القيــام‬ ‫الديموقراطيــة‪ .‬كيــف يمكننــا أن نقـ ّ‬
‫ّ‬ ‫غالبـ ًا مــا نــددت بمــا تســميه «الال تســييس الليبرالــي»‪ .‬بالنظر إلى أحكامك‬
‫بــه‪ ،‬دون أن تتو ّفــر لنــا فكــرة دقيقــة قــدر المســتطاع‪ ،‬عــن مكاننــا؟ علينــا‬ ‫«العا َلم ما بعد»؟‬
‫َ‬ ‫تتخيــل‬
‫َّ‬ ‫الســابقة‪ ،‬كيــف‬
‫أن نعيــد ترســيخ أنفســنا فــي مســيرنا‪ ،‬بعيــد ًا عــن هــذا النــوع مــن الحاضر‬
‫ـي‪ ،‬علــى‬ ‫الح ْجــر الصحـ ّ‬
‫‪ -‬كلّ مــا يمكــن أن ُيقــال حتــى اآلن‪ ،‬مــن داخــل َ‬
‫الدائــم حيــث نطفــو‪ ،‬بــدون فكــرة عــن الماضــي الــذي قدمنــا منــه‪ ،‬وبــدون‬
‫«العا َلــم مــا بعــد»‪ ،‬هــو أنــه ســيكون مســرح ًا لمعركــة هائلــة بيــن القــوى‬
‫َ‬
‫بــد مــن المزيــد مــن المــال‪،‬‬
‫نــود الذهــاب‪ .‬ال ّ‬‫ُّ‬ ‫صــورة للمســتقبل حيــث‬
‫«العا َلــم‬
‫َ‬ ‫األغلبيــة‪ ،‬دعونــا ال نغلــط أنفســنا‪ ،‬ســتدفع باتجــاه العــودة إلــى‬
‫ّ‬
‫ومــن المزيــد مــن الوســائل التقنيــة‪ ،‬ومــن المزيــد مــن الحقــوق‪ :‬هــل هــذا‬
‫يســتنفد الموضــوع؟‬ ‫األقليــة‪ ،‬التــي ســتحاول االســتفادة مــن دروس األزمــة‬ ‫ّ‬ ‫مــا قبــل»‪ ،‬وقــوى‬
‫إلحــداث انعطــاف فــي خــط ســير مجتمعاتنــا‪ .‬تتلخــص هــذه الــدروس في‬
‫لطالمــا قلــت إن لدينــا األدوات الالزمــة لتغييــر عالمنــا‪ .‬نحــن نعلــم مــاذا‬ ‫بضــع كلمــات‪ ،‬لكنهــا بعيــدة كلّ البعــد عــن الوضــوح‪ ،‬حتــى فــي أذهــان‬
‫يجــب أن نفعــل‪ ،‬لكننــا ال نفعــل ذلــك‪ .‬هــل تعتقــد أن الوبــاء يمكــن أن‬ ‫أولئــك الذيــن قــد تكــون لهــم مصلحــة كبيــرة فــي االعتمــاد عليهــا‪ :‬عــودة‬
‫يعالــج هــذا النقــص؟‬ ‫ـي وللدول‬ ‫ـي تحــت المظهــر المــزدوج لألمم كإطار للقــرار الجماعـ ّ‬ ‫السياسـ ّ‬
‫ـتراتيجية‪ ،‬ضد اســتيهام كوكــب بال حدود‪،‬‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫االس‬ ‫ـاءة‬‫ـ‬ ‫والكف‬ ‫ـع‬
‫ـ‬ ‫للتوق‬ ‫ٍ‬
‫كأدوات‬
‫‪ -‬يهــز الوبــاء ضمائــر النــاس‪ ،‬هــذا أمــر مؤكَّ ــد‪ .‬إلــى أي مــدى وإلــى متــى؟‬
‫ينظمــه التشــغيل اآللــي لألســواق‪ .‬باختصــار‪ ،‬ضــرورة الســيادة كأســاس‬
‫نحــن نجهــل ذلــك‪ ،‬وســيكون مــن ســوء الحكمــة التعويــل عليــه‪ .‬نعــرف‬
‫اإلعالميــة التــي ال تعــرف‬ ‫جيــد ًا قــوة النســيان المميــزة لعمــل مجتمعاتنــا‬ ‫المتحكّ ــم فيــه بيــن األمم‪ .‬حتــى ماكرون‬
‫الديموقراطيــة والتعــاون ُ‬
‫ّ‬ ‫للحيــاة‬
‫ّ‬
‫االقتصاديــة‬ ‫األزمــة‬ ‫بــأن‬ ‫باألحــرى‪،‬‬ ‫ســوى األخبــار‪ .‬يســتهويني االعتقــاد‬ ‫عمليــة ســوى خطوة‪ .‬لن‬
‫ّ‬ ‫ـتنتاجات‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ـتخالص‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ينقصن‬ ‫وال‬ ‫ـك!‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫أدرك‬
‫ّ‬
‫الرهيبــة التــي نســير نحوهــا‪ ،‬هــي التــي ســتفتح بــاب التســاؤل‪ .‬وسـ َتطرح‬ ‫ـدداً‪ .‬تبقــى نتيجــة المعركــة‬
‫تتأخــر الوصفــات القديمــة فــي الظهــور مجـ ّ‬
‫اإلكراهــات التــي ســتفرضها األزمــة علينــا‪ ،‬كلّ البداهــات الكاذبــة التــي‬ ‫مفتوحة ‪.‬‬
‫اعتمدنــا عليهــا ألكثــر مــن ثالثيــن عام ـاً‪ ،‬مــن جديــد‪.‬‬
‫المفضلــة‪ .‬ماذا ســيعني‬
‫التاريخيــة» هــو مــن شــعاراتك ُ‬
‫ّ‬ ‫«االضطــاع بحالتنــا‬
‫العالميــة بســبب الوعــي‬ ‫هــل يمكــن أن ُيكبــح انحــال السياســة فــي الســوق‬ ‫التاريخي؟‬
‫ّ‬ ‫بالنســبة لــك‪ ،‬فــي ضــوء مــا ُيعلــن عنــه‪ ،‬االضطــاع بوضعنــا‬
‫ّ‬
‫الصحيــة؟‬
‫ّ‬ ‫الناتــج عــن األزمــة‬ ‫ـي تســيران‬
‫ـي والعــودة إلــى فكــر تاريخـ ّ‬
‫ـي حقيقـ ّ‬
‫‪ -‬العــودة إلــى فكــر سياسـ ّ‬
‫العالميــة بالفعــل‪ ،‬بســبب‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬لقــد تو َّقــف انحــال السياســة فــي الســوق‬ ‫معـاً‪ .‬لقــد كشــفت لنــا صدمــة األزمــة أننــا أصبحنــا عاجزين عن تشــخيص‬
‫ـوائي دون‬ ‫ـكلٍ‬
‫ضــرورات مكافحــة الوباء الملموســة للغاية‪ .‬إنها تكشــف عــن الوهم الذي‬ ‫وضعنــا‪ ،‬وعــن معرفــة مكاننــا الســابق‪ .‬كنــا نندفــع بشـ عشـ ّ‬
‫ـد كبيــر‪ .‬لكــن قــوة هــذا الوهــم ضخمــة‪ .‬ولهــا جذور‬
‫كانــت تجســده إلــى حـ ٍّ‬ ‫ـي للحياة‬
‫قلــق بخصــوص خط الســير‪ .‬والحال أن ذلك هو الســؤال األساسـ ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪114‬‬
‫مارسيل غوشي ▲‬

‫منــذ الثــورة الفرنسـ ّـية‪ .‬أعتقــد أنهــا أيض ـ ًا أفــق ال يمكــن تجــاوزه‪ ،‬ولكنــه‬ ‫ـي الكليــة التي‬
‫ـداً‪ .‬إنهــا مــا يعــادل الوهــم العكســي لقدرة السياسـ ّ‬
‫قويــة جـ ّ‬
‫ّ‬
‫الديموقراطيــة كمــا هــي‪ ،‬وســننتقل‬
‫ّ‬ ‫أفــق بعيــد‪ .‬لــذا دعونــا نبــدأ بتوطيــد‬ ‫هيمنــت علــى عصــر األنظمــة الكليانيــة فــي القــرن الماضــي‪ .‬وهــذا يعنــي‬
‫إلــى الباقــي علــى أســس جيــدة‪ ،‬حتــى فــي بلدنــا‪ ،‬حيــث لــم يتــم تحقيــق‬ ‫أن الوعــي البســيط بهــا‪ ،‬لــن يكفــي للتغلــب عليهــا‪.‬‬
‫هــذا المثــل األعلــى‪.‬‬
‫فــي َعا َلــم مــا بعــد‪ ،‬قــد نشــهد أيضـ ًا طريقــة جديــدة للنظــر إلــى االقتصــاد‪،‬‬
‫هل تعتقد أننا سنلج عصراً جديداً من التضامن؟‬ ‫ـي‪ ،‬غيــر طريقــة النظــر إلــى‬
‫ـي اإلجمالـ ّ‬
‫واإلنتاجيــة‪ ،‬وقيــاس الناتــج المحلـ ّ‬
‫ـدق ذلــك؟‬‫مؤشــرات النمــو‪ .‬هــل تصـ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬بــل نحــن بداخلــه! إننــا نعيــش فــي المجتمعــات األولــى فــي التاريــخ‪،‬‬
‫الطبيعي‪ ،‬وخاصــة إنتاجها للثروات‪،‬‬ ‫التي اســتطاعت التضحية باشــتغالها‬ ‫أصــدق ذلــك علــى اإلطــاق‪ .‬طالمــا أن هنــاك فقــراء‪ ،‬واللــه يعلــم‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬ال‬
‫ّ‬
‫ـد ًا مــن المرضــى‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ٍ‬
‫ـدود‬ ‫ـ‬ ‫مح‬ ‫ٍ‬
‫ـدد‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫مــع عواقــب ســتكون هائلــة‪ ،‬مــن أج‬ ‫أنهــم كثيــرون علــى هــذا الكوكــب‪ ،‬فــإن الحاجــة إلــى زيــادة إنتــاج الثــروة‬
‫ويبيــن ذلــك‪ ،‬إلــى أي مــدى صــار‬ ‫‪.‬‬ ‫ـي‬ ‫ســتكون هائلــة‪ .‬إن الفقــر هــو أقوى عذر فــي نظامنا اإلنتاجي االســتهالكي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالمقارنــة مــع عــدد ســكّ انها اإلجمال ّ‬
‫ـ‬ ‫ُ‬
‫ـؤدي هــذا إلــى بعــض‬‫مبــدأ التضامــن جــزء ًا مــن العقــول والعــادات‪ .‬قــد يـ ِّ‬ ‫يفتــرض للخــروج مــن هذا األخيــر شــيئان‪ .‬أوالً‪ ،‬تغيير جذري فــي تطلعات‬
‫ـورات اإلضافيــة‪ ،‬ولكــن األساســي بــات مكتســب ًا بالفعــل‪.‬‬ ‫التطـ ُّ‬ ‫ممــا يجعلهــم يرغبون في شــيء آخر غير الوصول إلى اســتهالك‬ ‫الفقــراء‪ّ ،‬‬
‫تحــول عــام لمجتمعاتنــا إلــى المثــل األعلــى للمســاواة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ثــم‬ ‫األغنيــاء‪،‬‬
‫أقل بكثير من عددها في ألمانيا‪.‬‬ ‫أسرة العناية المركزة في فرنسا ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن عدد‬ ‫وســيتطلب تحديــد إطــار ســتتم بداخلــه ممارســة هــذه المســاواة‪ ،‬والــذي‬
‫كمــا أن الدولــة الفرنسـ ّـية ال تــزال ترفــض إخضــاع المرضى في مستشــفيات‬ ‫المكثف‪.‬‬‫ـي‪ ،‬مــع جهاز إلعــادة التوزيــع ُ‬ ‫ٍ‬
‫ال يمكنــه أن يكــون ســوى إطــار وطنـ ّ‬
‫األمــراض العقليــة‪ ،‬والمعتقليــن فــي ســجوننا‪ ،‬للفحــص الفيروســي‪ .‬هــل‬ ‫يكفــي أن تذكــر هــذه الشــروط لنعلــم أننــا بعيــدون جــد ًا عنــه‪ .‬أنــا آســف‪،‬‬
‫وترددهــا فــي مــا يخــص مرحلــة مــا بعــد ‪ 11‬مايو؟‬
‫ّ‬ ‫يحزنــك إهمــال الدولــة‬ ‫لكــن هــذا مــا أعاينــه‪.‬‬
‫ـي الــذي اكتشــفناه فــي هــذه المناســبة ال‬ ‫إن تخفيــض التصنيــف الفرنسـ ّ‬ ‫‪ّ -‬‬ ‫يوم من األيام‪ ،‬عندما اســتخدمت صيغة ســارتر عن الماركســية‪،‬‬ ‫قلت في ٍ‬
‫يحزننــي فقــط‪ :‬إنــه يقودنــي إلــى اليــأس‪ .‬كيــف أمكننــا أن نســمح بخــراب‬
‫«الديموقراطيــة هــي األفــق الــذي ال يمكــن تجــاوزه فــي عصرنــا»‪ .‬ومــاذا عــن‬
‫ّ‬
‫الدولــة‪ ،‬وبمثــل هــذا االنعــدام العــام للكفــاءة؟ واألســوأ مــن ذلــك أنــه ال‬
‫الجمهورية؟‬
‫وجــود لعالجــات فــي األفــق المنظــور‪.‬‬
‫■ حوار‪ :‬فيليب بوتي ‪ ۹‬ترجمة ‪:‬عبد الرحيم نور الدين‬ ‫يتعرف فيها‬
‫َّ‬ ‫العامــة التي يمكن لكلّ واحـ ٍ‬
‫ـد أن‬ ‫ّ‬ ‫الديموقراطيــة هــي الفكــرة‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫إلــى ذاتــه‪ .‬الجمهوريــة‪ ،‬فــي الواقــع‪ ،‬هــي نســخة جذريــة مــن هــذه الفكرة‬
‫العامــة التــي ُدفــع الفرنسـ ّـيون إلــى تنميتها‪ ،‬بســبب خصوصيــات تاريخهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصدر‪ :‬مجلّة «ماريان» عدد ‪ 8 ،1208‬مايو ‪.2020‬‬ ‫ّ‬


‫‪115‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫أديال كورتينا‪:‬‬
‫يجب استثمار الـمال العام‬
‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫يف التعليم والبحث‬
‫والجماعيــة‪ .‬إنهــا تفيــد فــي تمييــز المتعالــي عــن الطــارئ الملحــق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفرديــة‬
‫ّ‬ ‫ـؤولية‬
‫المدنيــة والمسـ ّ‬
‫ّ‬ ‫إن األزمــات الكبــرى ال تســتدعي فقــط اإلتيقــا‬
‫والقوميــات التــي تبنــي الجــدران‬
‫ّ‬ ‫األيديولوجيــة‬
‫ّ‬ ‫الدوغمائيــات‬
‫ّ‬ ‫المقابلــة‪ ،‬تحــذِّ ر الفيلســوفة أديــا كورتينــا مــن‬ ‫ـطحي‪ .‬فــي هــذه ُ‬
‫ّ‬ ‫ـي عــن السـ‬
‫واألساسـ ّ‬
‫العالميــة»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الضياف‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ممارس‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫علين‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ـى‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫مض‬ ‫ٍ‬
‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫أي‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫وأكث‬ ‫اآلن‬ ‫ـات‪.‬‬
‫ـ‬ ‫التحالف‬ ‫ـت‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـان‬
‫ـ‬ ‫«ح‬ ‫ـن‪:‬‬
‫ـ‬ ‫واطني‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫الحائلــة بي‬

‫الخــروج‪ ،‬وال يمكننــا القيــام بالعديــد مــن األشــياء التــي نرغب في القيــام بها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وصفة لهذه األيام‬ ‫من أقوال أرســطو «غاية اإلنســان هي الســعادة»‪ .‬هل من‬
‫لهــذا الســبب‪ ،‬فــإن االعتــدال ضــروري أيضـاً‪ .‬أعتقــد أن الرســالة الرئيسـ ّـية فــي‬ ‫الصعبة ولأليام القادمة؟‬
‫ـخصية األفــراد والشــعوب‬‫ّ‬ ‫يتعيــن علينــا تشــكيل شـ‬
‫َّ‬ ‫الوقــت الحالــي هــي أنــه‬
‫ـخصية‬
‫ّ‬ ‫ـيكيين‪ ،‬أن صوغ الشـ‬ ‫‪ -‬يذكِّ رنــا أرســطو أيضـاً‪ ،‬مثلــه كمثل جميع الكالسـ ّ‬
‫ـداً‪،‬‬
‫جيــدة جـ ّ‬
‫ـيكيون نصيحــة ّ‬‫مــن أجــل مواجهــة المحــن‪ .‬لقــد تــرك لنــا الكالسـ ّ‬ ‫ـم شــيء لتحقيــق الســعادة‪ .‬مــن الواضــح أن الصدفــة والحظ الســعيد‬ ‫هــو أهـ ّ‬
‫يحدثوننــا عــن العدالــة والقــوة والحصافــة واالعتــدال‪ .‬وألن المحادثــة‬ ‫وهــم ّ‬ ‫يتدخلــون أيضـاً‪ .‬ولــم يكــن الفيــروس التاجــي بيــن أيدينــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومــا ليــس بأيدينــا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ـنتحدث الحقـ ًا عــن األمــل والحــب‪ ،‬كجــزء ال يتجزأ مــن كلّ هذا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ستســتمر‪ ،‬سـ‬
‫ولــم نتوقَّعــه علــى اإلطــاق‪ .‬ولكــن مــن الصحيــح أنــه عندمــا يتــم تشــكيل‬
‫جيــد‪ ،‬فــإن التعامــل مع هــذه الوضعيات‬ ‫ـخصية األفــراد والشــعوب بشــكلٍ ّ‬ ‫ّ‬ ‫شـ‬
‫يكــون بشــكلٍ أفضــل‪ ،‬والتــي هــي ح ّق ـ ًا وضعيــات دراماتيكيــة‪ .‬لذلــك ســأبدأ‬
‫ـانية والتضامــن‪ ،‬ومــن ناحيـ ٍـة أخــرى‪،‬‬
‫أنتــج المجتمــع ردتــي فعــل‪ :‬دافــع اإلنسـ ّ‬ ‫ـد‬‫ـي‪ .‬وفــي إطــار هــذا البنــاء‪ ،‬ال بـ ّ‬ ‫ـر أساسـ ٌ‬ ‫ـخصية أمـ ٌ‬
‫ّ‬ ‫بالتذكيــر بــأن بنــاء الشـ‬
‫خطــاب االنقســام والكراهيــة والمواجهــة المســتمرة‪.‬‬
‫تقليديــة منهــا‪ :‬الحصافــة‬
‫ّ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫األكث‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫وخاص‬
‫ّ‬ ‫ـهيرة‪،‬‬‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـل‬ ‫مــن اســتحضار الفضائـ‬
‫‪ -‬مــا يجــب أن نبحــث عنــه اآلن‪ ،‬فــي إســبانيا وفــي العالــم أجمــع‪ ،‬هــو مــا‬ ‫ـداً؛ ولقــد نســيناها كثيــر ًا فــي‬ ‫مهمــة جـ ّ‬‫والعدالــة والقــوة واالعتــدال‪ .‬القــوة ّ‬
‫يؤججــون الصــراع‬ ‫يوحدنــا وليــس مــا يفصــل بيننــا‪ .‬إن األشــخاص الذيــن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـد مــن القيام بذلــك في التعليــم‪ ،‬وفي‬ ‫هــذه األوقــات‪ .‬يجــب تربيــة القــوة‪ .‬والبـ ّ‬
‫واالســتقطاب يصنعــون أضــرار ًا هائلــة وجســيمة‪ ،‬ليــس فقــط ألننــا جميع ـ ًا‬ ‫ٍ‬
‫المدرســة‪ ،‬ومنــذ الطفولــة‪ .‬يجــب علــى كلّ واحــد أن يحــاول أن يكــون قوي ـ ًا‬
‫يؤججــون الصــراع ينتهــي بهــم األمــر إلــى‬
‫فــي نفــس القــارب‪ ،‬وأولئــك الذيــن ّ‬ ‫فــي مواجهــة هــذا النــوع مــن الشــدائد‪ ،‬لكــي نكــون مســؤولين تجــاه اآلخريــن‬
‫ـش للغايــة‪ ،‬إضافــة إلــى كوننــا بصــدد‬‫إيــذاء الجميــع‪ ،‬ولكــن ألن تعايشــنا هـ ٌ‬ ‫وقادريــن علــى مســاعدتهم‪ .‬يجــب أن نحــاول معالجــة هذا الوضــع الذي نحن‬
‫تحويلــه إلــى صــراع للجميــع ضــد الجميــع‪ .‬الــدرس اآلخــر الــذي علينــا أن‬ ‫فيــه‪ ،‬باالعتمــاد علــى قوتنــا وتضامننــا واعتدالنــا‪ .‬فــي هــذا الوقــت ال يمكننــا‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪116‬‬


‫في هذا المجتمع المرتبط بالخاصية الوضعية‪ ،‬هل لرهاب الفقراء ‪-‬أبوروفوبيا‬
‫(‪ -)aporofobia‬انعكاس أيض ًا على رفض المريض والمصاب بالعدوى؟‬
‫‪ -‬حاليــ ًا فــي إســبانيا‪ ،‬ي َّتســم هــذا الوضــع بالكثيــر مــن الغمــوض‪ .‬يعانــي‬
‫األشــخاص المتضامنــون مــن عــدم القــدرة علــى الخــروج‪ ،‬لمســاعدة أولئــك‬
‫الذيــن ُتركــوا بمفردهــم‪ ،‬والذيــن يموتــون بمفردهــم فــي اإلقامــات الســكنية‬
‫وفــي المستشــفيات‪ .‬لكــن الموجوديــن فــي الوضــع األســوأ‪ ،‬هــم أولئــك الذين‬
‫يعانــون مــن األســوأ‪ ،‬كمــا هــو الحــال دائم ـاً‪ ،‬ألننــا نظمنــا المجتمــع ليــس‬
‫جيــداً‪ .‬يســتمر رهــاب الفقــراء فــي‬ ‫للضعفــاء‪ ،‬ولكــن للذيــن يعيشــون وضعـ ًا ّ‬
‫هــذه الــا مســاواة‪ ،‬التــي نــرى فيهــا أن البعــض يعانــي أكثــر بكثير مــن البعض‬
‫اآلخــر‪ ،‬ألنــه موجــود فــي الموضــع األكثــر ســوءاً‪ .‬لكنــي قلقــة للغايــة فــي‬
‫هــذه الحالــة الطارئــة‪ ،‬مــن حقيقــة كوننــا نشــعر بالعجــز عــن مســاعدة أولئك‬
‫الذيــن يعانــون‪ ،‬تحديــد ًا ألن أفضــل مســاعدة يمكننــا تقديمهــا‪ ،‬هــي تلــك التي‬
‫تقربنــا مــن بعضنــا البعــض‪ .‬نحــن علــى صلــة وفــي عالقــة‪ .‬إننــا نتط َّلــع إلــى‬
‫ِّ‬
‫ربــط عالقــات باآلخريــن‪.‬‬

‫تسـ َّـببت األزمــة الماليــة فــي موجـ ٍـة كبيــرة مــن الســخط‪ :‬شــعر المواطنــون بــأن‬
‫ـعبوية‪ .‬هــل‬
‫ّ‬ ‫النخــب تخ ّلــت عنهــم‪ ،‬وتسـ َّـبب ذلــك فــي صعــود الحــركات الشـ‬
‫ـعبوية‪ -‬ليحدث‬
‫ّ‬ ‫تخشــين أن يعــود هــذا التخلــي‪ -‬فــي ســياقٍ عالمـ ّ‬
‫ـي لتوطيــد الشـ‬
‫مـ ّـرة أخــرى؟ كيــف يمكننــا تج ُّنــب ذلــك؟‬
‫ـدة‪ .‬مــن ناحية‪،‬‬ ‫مهمــة للغايــة‪ .‬ســوف يتأ َّثــر عالــم األعمال بشـ ّ‬‫‪ -‬هــذه نقطــة ّ‬
‫ـدد كبي ٍر من الشــركات الصغيرة والمتوســطة‪ ،‬ليس بســبب‬ ‫بســبب إغــاق عـ ٍ‬
‫ســوء النيــة‪ ،‬ولكــن ببســاطة لعــدم وجــود زبنــاء‪ ،‬وألنهــا ال تســتطيع البقــاء‬
‫علــى قيــد الحيــاة‪ .‬ســيكون ذلــك مقلقـاً‪ .‬وبعــد ذلــك‪ ،‬ســيكون هنــاك أولئك‬
‫الذيــن يســتفيدون مــن الموقــف لتحويــل إجــراء التنظيــم المؤ َّقــت للشــغل‬
‫إلــى إجــراء تنظيم دائم ويجعلونه ضروري ًا بشــكلٍ متواصل‪ .‬ســيكون الوضع‬
‫أل تقوم بفصل‬ ‫دراماتيكيـ ًا وعلينــا أن نطالب تلك الشــركات التي لديهــا قوة‪ّ ،‬‬
‫المســتخدمين إذا لــم يكــن ذلــك ضروريــاً‪ ،‬وال تســتغل الموقــف‪ .‬تكمــن‬ ‫أديال كورتينا ▲‬
‫ـؤولية هــذه الشــركات اآلن فــي محاولــة الحفــاظ علــى جميــع الوظائف‪.‬‬ ‫مسـ ّ‬
‫االجتماعيــة للشــركات‬
‫ّ‬ ‫ة‬ ‫ـؤولي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫والمس‬ ‫ـركة‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫أخالقي‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫لتذكُّ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫الوق‬ ‫حــان‬ ‫نتعلّمــه‪ ،‬هــذا إذا كنــا نتع َّلــم‪ -‬ألنــه فــي بعــض األحيــان يبــدو أننــا ال نتع َّلــم أي‬
‫جيــد‪ .‬فــي األزمــة الســابقة‪ ،‬بقــي النــاس محبطيــن للغايــة بســبب‬ ‫ّ‬ ‫ـكلٍ‬ ‫بشـ‬ ‫شــيء مــن المصائــب‪ -‬هــو كفــى مــن النزاعــات‪ ،‬كفــى مــن االســتقطاب‪ ،‬ومــن‬
‫الشــركات والبنــوك‪ ،‬ولكــن لــم نســتخلص أي درس مــن ذلــك علــى اإلطالق‪،‬‬ ‫عما‬
‫واأليديولوجية‪ .‬مــن فضلكم‪ ،‬فلنبحث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـوق‪ ،‬ومــن الصراعــات الطائفية‬ ‫التفـ ُّ‬
‫ســوى االســتمرار فــي العمــل بنفــس الطريقــة تماماً‪ .‬فــي هذا الوقــت‪ ،‬يجب‬ ‫الحر ّيــة والمســاواة‬ ‫ـدر‬ ‫ً‬
‫ـداً‪ ،‬ألننــي أعتقــد أننــا جميعـا نقـ ِّ‬
‫يوحدنــا‪ ،‬وهــو كثيــر جـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ممــا‬
‫تحمــل مســؤولية وأخالقيــات الشــركة وليــس إغــاق الشــركات أكثــر ّ‬ ‫ّ‬ ‫عما أســماه‬ ‫البحث‬ ‫رجى‬ ‫ي‬ ‫فضلكم‪،‬‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـتقبل‪.‬‬‫ـ‬ ‫المس‬ ‫وبناء‬ ‫ـوار‬‫ـ‬ ‫والح‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫والتضام‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫المســتدامة‪:‬‬
‫هــو ضــروري‪ .‬لهــذا‪ ،‬مــن الــازم الدفــاع عــن أهــداف التنميــة ُ‬ ‫أرســطو «الصداقــة المدنيــة»‪.‬‬
‫واالقتصاديــة‬
‫ّ‬ ‫لقــد حــان وقــت التحالفــات‪ .‬إذا لــم تضــع الســلط السياسـ ّـية‬
‫واالجتماعيــة اليــد فــي اليــد‪ ،‬فلــن ننجــح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـم التأكيــد فــي هــذه اللحظــات‪ ،‬علــى أن رؤيــة‬
‫فــي الوقــت نفســه‪ ،‬مــن المهـ ّ‬
‫مســؤولة وناقدة للســلطة‪ ،‬تبقى أساسـ ّـية لمواجهة هذه الحالة الطارئة وكذا‬
‫لقــد تسـ َّـببت حالــة الطــوارئ (كوفيــد ‪ )19 -‬فــي إطــاق جميــع اإلنــذارات‪ ،‬وقــد‬ ‫لبنــاء الديموقراطيــة والمســتقبل‪.‬‬
‫ك ّنا بالفعل نشــهد حالة طوارئ مناخية يمكن أن تكون عواقبها مدمرة أيضاً‪.‬‬
‫هــل نحــن بصــدد وضــع النظــام تحــت ضغــط ال يمكــن تحملــه؟‬ ‫يوحدنــا‪ ،‬فاألمــر يعنــي علــى وجــه‬ ‫‪ -‬أوافــق تمام ـاً‪ .‬بمــا أننــا نبحــث عــن مــا ّ‬
‫التحديــد أن نحــاول أن نكــون نقدييــن‪ .‬وهــو مــا معنــاه أن نتســم بالتمييــز‪.‬‬
‫ـر واضــح‪ .‬لقــد كشــفت حالــة الطــوارئ األخيــرة عــن شــيء بــدا أننــا‬ ‫‪ -‬ذلــك أمـ ٌ‬ ‫ممــا يوحدنــا‪ ،‬يجــب علينــا أن نذكــر كلّ فئــة بتعهداتهــا وبواجباتهــا‪ .‬أعتقــد أن‬ ‫ّ‬
‫ـي‪ .‬يحتــاج‬ ‫ـ‬ ‫العلم‬ ‫ـث‬
‫ـ‬ ‫البح‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـال‬
‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـد ً‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫القلي‬ ‫ـتثمار‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫نســيناه‪ :‬يت‬ ‫السياســيين نســوا ذلــك بشــكلٍ مفــرط‪ .‬ال يجــب علــى السياســيين أن يكونــوا‬
‫ّ‬
‫ـي إلــى تعزيــز ودعــم كبيريــن‪ .‬مــن فضلكــم‪ ،‬دعونــا ال نســتثمر‬ ‫البحــث العلمـ ّ‬ ‫االجتماعيــة علــى اإلطــاق‪ ،‬كمــا ال يجــب عليهــم أن يعطونــا‬ ‫أبطــال الحيــاة‬
‫ّ‬
‫األيديولوجيــة‪ .‬دعونــا نضــع المــوارد‬
‫ّ‬ ‫ـارك‬ ‫ـ‬ ‫المع‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـام‬ ‫ـ‬ ‫الع‬ ‫ـال‬ ‫الكثيــر مــن المـ‬ ‫وصفــات للســعادة‪ .‬مــا يجــب عليهــم فعلــه هــو أن يكونــوا مدبريــن للحيــاة‬
‫ـي والتعليــم‪ .‬هــو مــا يمكــن أن يســاعدنا فــي حــاالت‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫العلم‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫البح‬ ‫فــي خدمــة‬ ‫اليوميــة حتــى يتمكّ ــن النــاس والمواطنــون مــن تنفيــذ خطــط الحيــاة‪ .‬ليــس‬
‫ـد مــن الدعــوة لالســتثمار‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫ـاء‪.‬‬‫ـ‬ ‫أقوي‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫يجعلن‬ ‫أن‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫يمك‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫الطــوارئ‬ ‫الديموقراطيــة هــي بطولــة المواطنيــن‪.‬‬ ‫عليهــم أن يأخــذوا دورنــا فــي الحيــاة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فــي البحــث والتعليــم‪.‬‬ ‫بهــذا المعنــى‪ ،‬أعتقــد أن علــى السياســيين أن يتعلمــوا‪ .‬وبالفعــل‪ ،‬علينــا تذكُّ ر‬
‫ذلــك كلمــا اســتطعنا‪ .‬أنــا فعلــت ذلــك كلمــا كان بوســعي‪ ،‬ويجــب علينــا‬
‫الصحييــن‬
‫ّ‬ ‫إن التفكيــر فــي الهشاشــة التــي أصابــت وضــع األطبــاء والعامليــن‬
‫مجرد‬
‫َّ‬ ‫االســتمرار فــي القيــام بــه‪ .‬إنهم ليســوا أصحــاب األدوار البطوليــة‪ ،‬إنهم‬
‫فــي العقــود الماضيــة‪ ،‬يدمــي القلــب‪.‬‬
‫يتوجــب عليهــم إرســاء أســس العدالة حتــى يتمكَّ ن الناس مــن تنفيذ‬ ‫َّ‬ ‫مدبريــن‬
‫ّ‬
‫الصحة مثير ًا‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬كان موقــف األطبــاء والممرضــات وجميــع العاملين في مجــال‬ ‫الجيــدة‪ .‬النقــد هــو التمييــز‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـاة‬
‫ـ‬ ‫والحي‬ ‫ـعادة‬‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـط‬‫ـ‬ ‫خط‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫لديه‬ ‫مــا‬

‫‪117‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫فــي مجتمــع واحــد فقــط‪ ،‬وعندمــا يتع َّلــق األمــر بالتعامــل مــع المشــكالت‪،‬‬ ‫لإلعجــاب ومثاليــ ًا تمامــاً‪ .‬نأمــل أن تعمــل جميــع الهيئــات المهنيــة بنفــس‬
‫ال يمكننــا القيــام بذلــك فقــط مــن وجهــة نظــر مجتمعنــا المســتقل أو أمتنــا أو‬ ‫االجتهــاد‪ .‬الحقيقــة هــي أنهــم كانــوا مثيريــن بالنســبة لــي‪ -‬وهــم كذلــك‪ -‬إذ‬
‫عالميــة‪ .‬نحــن كــون‪ ،‬كلنا‬ ‫بلدنــا‪ ،‬ولكــن يجــب علينــا مقاربتهــا مــن وجهــة نظــر‬ ‫بفضلهــم أنقــذ عــدد كبير مــن األرواح وتعافى أناس‪ ،‬ويشــعر آخرون باالرتياح‬
‫ّ‬
‫ـي‪ -‬مترابطون‪.‬‬ ‫ألنهــم يتل َّقــون العــاج‪ .‬لقــد كان اســتثنائي ًا علــى وجــه التحديــد‪ ،‬وقــد أســيئت‬
‫متشــابكون ومتحــدون‪ .‬نحــن‪ -‬وهذا في مــا يبدو لي تعلّم أساسـ ّ‬ ‫اقتصاديــة بمــوارد غيــر ضعيفــة‪ .‬ومــن‬ ‫معاملــة هــذه الهيئــة‪ ،‬مــن وجهــة نظــر‬
‫نحــن نعتمــد علــى بعضنــا البعــض‪ ،‬وعندمــا ســندرك ذلــك فــي هــذه الحــاالت‬ ‫ّ‬
‫الصحييــن‪ ،‬ورد فعلهــم‬‫ّ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫العاملي‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫ض‬ ‫وجهــة نظــر المواطنيــن‪ ،‬العدوانيــة‬
‫العالمية التي أســميتها تبع ًا لكانط‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الطارئــة ســيكون علينــا اتخــاذ تلك النظــرة‬
‫علــى المــرض‪ ،‬كمــا لــو كان هــذا األخيــر خطــأ األطبــاء والممرضــات وأولئــك‬
‫العالميــة‪ ،‬وهــي اآلن أكثــر ضــرورة‬
‫ّ‬ ‫والتــي ذهبــت إليهــا قبــل قليــل‪ ،‬الضيافــة‬ ‫الذيــن يعالجــون النــاس‪ .‬يبــدو لــي أنــه يجــب تعويــض هــذا الوضــع العدوانــي‬
‫ـت مضــى‪ .‬مــاذا حــدث مــع عــدد المهاجريــن الذيــن لقــوا حتفهــم‬ ‫مــن أي وقـ ٍ‬ ‫وهــذه المعاملــة الســيئة بالكامــل‪ ،‬ويجــب أن يكون مفهوم ًا أنهم جســم مهني‬
‫فــي البحــر األبيــض المتوســط؟ إن مــا يظهــره لنــا مجتمــع المخاطــر بشــكلٍ‬ ‫رائــع‪ .‬أتمنــى أن يكــون لــدى جميــع المهنييــن هــذا الشــعور القــوي بالمهنــة‪.‬‬
‫ـؤولية المخاطــر فــي جميــع أنحــاء العالــم‪،‬‬
‫نتحمــل مسـ ّ‬
‫َّ‬ ‫إمــا أن‬
‫فعــال‪ ،‬هــو ّ‬
‫ّ‬ ‫ودعونــا أيض ـ ًا ال ننســى المزارعيــن ومربــي الماشــية الذيــن تركــوا بيــد اللــه‪،‬‬
‫والقوميــة التــي‬
‫ّ‬ ‫االســتقاللية‬
‫ّ‬ ‫وإمــا أننــا ســنتركها دون مســاس‪ .‬إن النزعــات‬
‫ّ‬ ‫ومــع ذلــك وبفضلهــم‪ ،‬مــا زلنــا علــى قيــد الحيــاة‪.‬‬
‫قطعــت العالقــات مــع بعضهــا البعــض هــي ح ّقـ ًا حــركات بائســة‪.‬‬
‫األلماني «أولريش بيك ‪ »Ulrich Beck‬قائ ً‬
‫ال بأن نظام‬ ‫ّ‬ ‫جادل عالم االجتماع‬
‫■ بابلو بالزكيز ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبد الرحيم نور الدين‬
‫نغير؟‬
‫إنتــاج الثــروة يقودنــا إلــى مجتمــع المخاطر‪ .‬ماذا يجب أن ِّ‬
‫ـدث عنــه‪ ،‬أنــا‬
‫‪ -‬بالنظــر إلــى مجتمــع المخاطــر الــذي كان أولريــش بيــك يتحـ َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪ethic.es/2020/03/coronavirus-adela-cortina/‬‬ ‫عالميــة‪ .‬فالخطــر ال يوجــد‬
‫ّ‬ ‫ـد متفقــة بخصــوص ضــرورة توفرنــا علــى نظــرة‬
‫جـ ّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪118‬‬
‫ميشيل بوتور‬

‫بحوث‬
‫‪98‬‬
‫العـامل‬
‫الـذي نعيـش فيـه يتغـر‬
‫ِّ برسعـة كبـرة‪ .‬والتقنيـات‬ ‫التقليديـة‬

‫يف ال ّر َواية ال َ‬
‫للـرسد‪ ،‬مل تعد صالحة ال‬

‫ميشيل بوتور‬
‫سـتيعاب جميع العالقات‬

‫جديدة‬
‫الجديـدة التـي‬
‫تنشـأ عـن هـذا الوضـع ا‬
‫لجديـد‪ .‬وإن التفتيـش‬ ‫عـن األشـكال ا‬
‫لجديـدة الخياليـة التـي‬
‫تتمتَّـع ّ‬
‫بقـوة اسـتيعاب‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫دور‬ ‫يلعـب‪،‬‬ ‫كـرى‪،‬‬
‫حاسـا يف‬
‫تحيـن مفهومنـا للواقـع‬ ‫اآلين‪ ..‬لكننـا‬
‫نعـرف جيـداً أن هنالـك‬
‫أوضاعـ ًا تتصـف بعـدم‬ ‫القـدرة عـى‬
‫االنعـكاس‪ ،‬وال تقـوم ّإال‬
‫بالوهـم الـذي تسـبغه‬ ‫وإليهـا‬ ‫عـى موضوعهـا‪،‬‬
‫تنتمـي‬

‫بحوث في الرّ وَ اية َ‬


‫تلـك‬
‫األعـال األدبيـة التـي ال‬ ‫ميكـن أن تظهـر‬
‫الوحـدة يف داخلهـا‪،‬‬
‫وإليهـا تنتمـي مواقـف‬ ‫الروائيـن الذيـن ال‬
‫ِّ‬
‫يتسـاءلون عـن طبيعـة‬
‫صحة‬‫عملهـم وعن ّ‬ ‫األشـكال‬
‫التـي يسـتعملونها‪ ،‬هـذه ا‬
‫ألشـكال التـي ال ميكـن أن‬ ‫تنعكـس دون‬
‫أن تكشـف‪ ،‬عـى الفـور‪،‬‬
‫عـن تقصرهـا وكذبهـا‪،‬‬ ‫وهـذه ا‬
‫ألشـكال التـي تعطينـا صـورة‬

‫الجديدة‬
‫عـن الحقيقـة تناقـض كلّ‬ ‫ا‬ ‫ملناقضـة‬ ‫ا‬
‫لحقيقـة التـي جعلتها تـرى‬
‫النور‪ ،‬والتـي تحاول أن‬
‫تخفيهـا‪ .‬هنـا خـداع ينبغي‬
‫للناقـد أن يكشـفه‪ ،‬ألن أعا ً‬
‫ال أدبية‬ ‫كهـذه‪ ،‬مـع‬
‫كلّ مـا تتمتَّـع بـه مـن‬
‫روعـة‪ ،‬تُبقـي عـى الظـالم‪،‬‬ ‫وتبقـي‬ ‫حلكـة‪،‬‬ ‫وتزيـده‬
‫الضمـر يف‬
‫متناقضاتـه‪ ،‬ويف عـاه‬ ‫الـذي‬
‫يخـى أن يقـوده إىل‬
‫أسـوأ حـاالت الفـوىض‪.‬‬

‫ترجمة‪ :‬فريد أنطونيوس‬


‫ترجمة‪:‬‬

‫يوليو ‪2019‬‬
‫فريد أنطونيوس‬
‫صدر في‬

‫‪97‬‬
‫ُ‬
‫أ ْغ ِن َّي ُة ِفلِسْ طِ ْ‬
‫ني‬
‫خوان مانويل روكا‬

‫ْت َز ْهر ًة‬ ‫َرأَي ُ‬


‫َ تُشْ ِب ُه ِم ْنقَا َر الطُّوقَانِ ‪،‬‬
‫َرأَي ُ طِ‬
‫َم َن فِـي الحَدِ ي َقةِ‪،‬‬ ‫ْت ْفالً يَ ْعز ُِف الك َ‬
‫ْت الرِّيحَ تَع ُ‬ ‫َرأَي ُ‬
‫ْب ُمت َ ْ‬
‫َس ِبلَ ًة ِبأَشْ جَا ِر الج ْوزِ‬
‫لَ ِكنِّي اليوم‬
‫َ ْ َ الَ أسْ تَطِ ي ُع أَ ْن أَتَ َ‬
‫حدَّثَ‬
‫خر سِ و‬ ‫ش ٍء آ َ‬ ‫عَنْ َ ْ‬
‫َ َى َزهْر ِة دَمٍ فِـي ب َْيُوتَ ‪،‬‬
‫صانع الـمرايا‬

‫خ َتلِ َف ٍة عنْ طِ‬ ‫ُم ْ‬


‫فْلِ ب َْيوتَ ب َِال َو ْ‬
‫جهٍ‪،‬‬
‫خ َتلِ َف ٍة عَنِ الرِّيح ا‬ ‫ُم ْ‬
‫ِ ملُتَس ِبلَ ِة بِاالنْتِحَابَاتْ ‪.‬‬
‫خْ و ْ‬
‫َان َمان ِْويلْ رُّوكَا‬
‫كل صَ م ٍ‬ ‫فِـي ّ‬

‫َصانِعُ الـ َم َرايَا‬


‫ْت ث َـ‬
‫َّم َة َرج ٌُل ِفلِسْ طِ ينيٌّ مُتخ ‪ٍ.‬‬
‫َف‬
‫ِيق إلَـى بَيتِي يَ ْغدُو طَوِيالً‬ ‫الطَّر ُ‬
‫مختارات شعرية‬

‫لِ‬
‫نَّنِي إِ ْذ أَمْشِ ـي بِاتِّجَا ِه ِه‬
‫أَتَذكّ ُر أَ َّن مر‬
‫َ ْكَ َز ذَاتِـي فِـي ِفلِسْ طِ نيْ‪.‬‬
‫ح ٌد لَي َ‬‫َال لِـي أَ َ‬‫َوإِذَا ق َ‬
‫ْس ث َـ َّم َة ِفلِسْ طِ نيْ‪،‬‬
‫حِي َنئِذٍ َمركَز‬
‫ْ ُ ذَاتِـي سَ يَسْ قِي ِه العَالَمُ‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬خالد الريسوني‬

‫ُه َو ُهنَال َِك‪َ ،‬‬


‫حيْثُ لَي َ‬
‫ْس ث َـ َّم َة َ‬
‫خرِيطَةٍ‪ ،‬فِـي ال ُ‬
‫حلْمِ سَ َيكُونُ‪.‬‬

‫مختارات شعرية‬
‫ت‬
‫يونيو ‪2019‬‬

‫رجمة‪ :‬خالد الريسوني‬

‫الر ّحل َ ُ‬
‫ة ا ْل َ‬
‫جوّية‬
‫‪79‬‬
‫فِي ا َ‬
‫س عشر من شهر‬
‫ِ‬ ‫لمر‬
‫ْكبة الهَ وا ِئيّة‬
‫يناير‪ /‬كانون الثاني سنة‬
‫الصحيفة اإلنجليزية‬
‫ين وستين أذاعت‬
‫ي‬
‫تلغراف» النبذة اآلتي ذكرها‪:‬‬
‫الرحلة‬

‫شرقي إ‬ ‫(من‬
‫فريقية إلى غربيها)‬ ‫للعيان غيوم الظالم‬
‫الجوية في المركبة الهوائية‬

‫التي تستر عن الخاص‬


‫إفريقية وأقفارها‬
‫الشاسعة من األسرار‬
‫فايا‪ ،‬ولطالما جد‬
‫في اكتشافها العلماء‬
‫م في الدخول إلى‬
‫تلك األقاليم والبطاح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ان يُ عَ دّ‬
‫ضربا من‬
‫الجنون والخرافات‬ ‫قصد‬
‫اكتشاف عيون النيل‪.»...‬‬
‫‪ ،1863‬بعنوان‬
‫««خمسة أسابيع في‬
‫يوسف‬

‫ألول لألديب‬
‫الفرنسي الشهير «جول‬
‫اليان سركيس عن كتاب جول‬

‫‪ ،)1905 -‬رائد‬
‫أدب الخيال العلمي‬
‫واياته بمخترعات‬
‫علمية كثيرة طبعت‬

‫التي تعيد مجلة‬


‫الدوحة إحياءها في‬
‫الدوحة ا‬
‫لمجاني‪ ،‬دوّ ن فيرن مغامراته‬
‫غابرييل فيرن «خمسة أسابيع‬

‫ً‬ ‫والقت‪ ،‬عند‬


‫صدورها‪ ،‬نجاحا لم يكن‬ ‫َّ‬
‫شكلت في زمنها‬
‫ُ تذكرة سفر نحو قارة‬
‫ن عامة‪ .‬وقد ن‬
‫شرت الترجمة العربية‬
‫‪ 1875‬بعنوان‬
‫«الرحلة الجوية في‬
‫في منطاد» (الجزء الثاني)‬

‫يو‬
‫سف اليان سركيس‬ ‫‪www.aldohama‬‬
‫ديسمبر ‪2017‬‬

‫عن كتاب جول‬


‫غابرييل فيرن «خمسة‬
‫أسابيع في منطاد»‬

‫‪119‬‬
‫(الجزء الثاني)‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫نيل فرغيسون‪:‬‬
‫الحرب الباردة الجديدة‬
‫ستشجع املنافسة الصح ّية‬
‫ـبانية‪ .‬لكــن جا ِئحــة (كوفيــد ‪ )19 -‬قــد تكشــف‬
‫عــاد ًة مــا تُو ِّلـ ُـد الحــروب األوبئــة‪ ،‬كمــا فــي ســنة ‪ 1918‬مــع األنفلونــزا اإلسـ ّ‬
‫ـؤرخ‬
‫المـ ِّ‬
‫ـوع آخــر مــن الصــراع‪ ،‬بــل وتســرعه‪« :‬الحــرب البــاردة الجديــدة» بيــن أميــركا والصيــن‪ ،‬حســب تعبيــر ُ‬ ‫عــن نـ ٍ‬
‫ـكتلندي «نيــل فرغيســون ‪.»Niall Ferguson‬‬ ‫ّ‬ ‫ذي األصــل األسـ‬

‫يعد جزء ًا أساسـ ّـي ًا من حلِّ األزمــة‪ .‬فقول «احذروا‬


‫عرضيــن للخطــر‪ ،‬والــذي ُّ‬ ‫الم َّ‬
‫ُ‬ ‫ماذا سيكون دور ِ‬
‫العلم في هذه الحرب الباردة الجديدة؟‬
‫مصداقيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫في‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫ليس‬ ‫ـبوك»‬
‫ـ‬ ‫فيس‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫لي‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ولك‬ ‫‪،Huawei‬‬ ‫ـواوي‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـن‬ ‫مـ‬
‫‪ -‬أحــد األســباب التــي تجعلنــي أؤيــد هــذه الحــرب البــاردة الجديــدة‪ ،‬طالمــا‬
‫ألنــه غيــر متســقٍ بعمــق‪.‬‬
‫أننــا نتج َّنــب األزمــات النوويــة والحــروب بالوكالــة‪ ،‬هــو أنهــا ستشــجع علــى‬
‫الصحيــة‪ .‬مثـاً‪ ،‬كما كان الســوفيات جيدين بما يكفــي في الفيزياء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المنافســة‬
‫ـي فــي كلّ هــذا؟ هــل هــو محكــوم عليــه باتبــاع مصيــر‬
‫مــاذا عــن االتحــاد األوروبـ ّ‬ ‫ـي‪ .‬تحتــاج أميــركا لهــذا‬ ‫ـ‬ ‫االصطناع‬ ‫ـذكاء‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـد ً‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـدون‬
‫ـ‬ ‫جي‬
‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫الصيني‬
‫ّ‬ ‫فــإن‬
‫الواليــات المتحــدة؟‬ ‫ّ‬
‫ـد ًا عــن قدرتنا علــى قيادة‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫راضي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كن‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫لق‬ ‫‪.‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫والتكنولوج‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫لم‬ ‫ِ‬
‫الع‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫التناف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـي‪ .‬مــع‬ ‫ّ ً‬ ‫ا دور ًا‬ ‫‪ -‬يلعــب االتحــاد األوروبــي فعـ ً‬
‫خاصـا كمنظــم فــي النظــام الغربـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـرد أننــا عرفنــا كيفيــة إنشــاء برمجيــات‪.‬‬ ‫الرقــص فــي العلــوم الدقيقــة‪ ،‬لمجـ َّ‬
‫ـي علــى ضبــط وادي الســيليكون‪ ،‬فقــد أخــذ هــو‬ ‫عــدم قــدرة الكونغــرس األميركـ ّ‬ ‫الجا ِئحــة‪ ،‬أننــا لــم نعــد القــادة‪ ،‬علــى األقــلّ فــي‬ ‫جزئي ـ ًا بســبب َ‬
‫ّ‬ ‫لقــد أدركنــا‪،‬‬
‫تكنولوجيــة كبــرى‪ّ ،‬إل‬
‫ّ‬ ‫مؤسســات‬
‫َّ‬ ‫هــذا الــدور‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنــه ال يمتلــك‬ ‫ـدة مجــاالت بحــث‪ ،‬وهــي ليســت‬ ‫العلميــة المنشــورة فــي ِعـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ـاالت‬ ‫عــدد المقـ‬
‫األميركيــة‪ .‬تتمتــع أوروبــا بميــزة‬
‫ّ‬ ‫ـركات‬ ‫أنــه لديــه مصلحــة فــي خلــق قواعــد للشـ‬ ‫جيــدة‪ .‬ســتكون هــذه المنافســة مفيــدة للجميــع‪ ،‬ألنهــا ستســمح‪ ،‬مــن‬ ‫عالمــة ّ‬
‫أيض ًا بالنســبة للجيل الخامس ‪ ،5G‬ألن الشــركات المنافســة لـ«هواوي»‪ ،‬وهي‬ ‫بيــن أمــو ٍر أخــرى‪ ،‬بإيجــاد لقــاح ضــد (كوفيــد ‪ .)19 -‬وبعكــس الصيــن‪ ،‬يمكــن‬
‫المعلِّقيــن الذين أعلنوا‬ ‫أوروبيــة‪ .‬العديد من ُ‬ ‫ّ‬ ‫«إريكســون ونوكيــا»‪ ،‬هي شــركات‬ ‫الصينيــون‬
‫ّ‬ ‫ألميــركا اســتيراد العلمــاء مــن جميــع أنحــاء العالــم‪ ،‬بينمــا يعتمــد‬
‫اليونانيــة كانــوا‬
‫ّ‬ ‫ـي فــي عــام ‪ ،2012‬فــي ذروة األزمــة‬ ‫عــن نهايــة االتحــاد األوروبـ ّ‬ ‫األميركيــون مغناطيــس المواهــب الذي‬ ‫ّ‬ ‫علــى الســكّ ان المحلّييــن‪ .‬وطالمــا بقــي‬
‫ـدي‪ ،‬الذي‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫النق‬ ‫ـاد‬‫ـ‬ ‫االتح‬ ‫بخصوص‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ك‬ ‫ـكّ‬ ‫ـ‬ ‫متش‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫كن‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ســلبيين حيــال ذلــك‪ .‬لطالم‬ ‫كانــوا عليــه دائمـاً‪ ،‬فســيحافظون علــى ميزتهــم‪.‬‬
‫أراه خطــأ كبيــراً‪ ،‬ولكــن مــن وجهــة نظــر جيوسياسـ ّـية‪ ،‬ال تــزال أوروبــا قــادرة‬
‫والمفارقــة أن تلــك القــدرة تعـ َّززت بخــروج بريطانيــا منهــا‪ ،‬التــي‬ ‫علــى الحيــاة‪ُ ،‬‬ ‫طورهــا «كاي‪-‬فــو لــي ‪ »Kai-Fu Lee -‬بــأن الصيــن‬ ‫مــا رأيــك فــي الحجــة التــي َّ‬
‫الفيدراليــة‪ .‬لــو بقيــت جــزء ًا منــه‪ ،‬لمــا‬
‫ّ‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫تحقي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫إمكاني‬ ‫ـام‬‫كانــت العقبــة أمـ‬ ‫ـي‪ ،‬ألنها تتمتــع بإمكانية الوصول‬ ‫ســتمضي بعيــداً فــي تطويــر الــذكاء االصطناعـ ّ‬
‫للجا ِئحة كما يفعــل اليوم‪ ،‬ألن الحكومة‬ ‫َ‬ ‫ـتجابة‬ ‫ـ‬ ‫االس‬ ‫األوروبي‬
‫ّ‬ ‫اســتطاع االتحــاد‬ ‫إلــى البيانــات مــن مئــات المالييــن مــن النــاس علــى عكــس أميــركا‪ ،‬التــي تحمــي‬
‫البريطانيــة كانــت ســتمنعه‪ .‬لقــد اعترفــت ميــركل بالفعــل‪ ،‬تحــت ضغــط مــن‬ ‫ّ‬ ‫الليبراليــة؟‬
‫ّ‬ ‫بيانــات األفــراد بســبب تقاليدهــم‬
‫األوروبية‬
‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫المالي‬ ‫ـاعدة‬‫ـ‬ ‫المس‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫أدن‬ ‫ـد‬
‫ٍّ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫بالحاج‬ ‫ـرون‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ماك‬ ‫ـل‬‫إيمانويـ‬ ‫جيــدة توازن‬ ‫تكنولوجيــة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يتع ّلــق األمــر بحجــة زائفــة‪ .‬أعتقــد أنــه توجــد حلــول‬
‫إلصــاح األضــرار الناجمــة عــن األزمــة‪.‬‬ ‫بيــن الحاجــة إلــى تجميــع البيانــات مــع حمايــة األفــراد‪ .‬تايــوان تفعــل ذلــك‬
‫قويــة‪ ،‬على األقلّ‬
‫ـخصية في «بلوكتشــين‬ ‫ّ‬ ‫جيد! هنالك‪ ،‬هاتفكم الذكي يخزن بياناتكم الشـ‬ ‫بشــكلٍ ّ‬
‫وطنيــة ّ‬
‫ّ‬ ‫أال تعتقــد أنــه علــى العكــس‪ ،‬كشــف الوبــاء عــن أنانيــة‬ ‫ِ‬
‫‪ ،»blockchain‬حيــث ال يمكــن الوصــول إليهــا ال مــن ق َبــل أحــد‪ ..‬لقد ســمحنا‬
‫فــي البداية؟‬
‫ـخصية‪ ،‬وهــو‬
‫ّ‬ ‫لمنصــات مثــل غوغــل أو فيســبوك بالحصــول علــى بياناتنــا الشـ‬
‫‪ -‬فــي الواقــع‪ ،‬فــي البدايــة‪ ،‬كان األمــر إنقــاذ َم ْن يســتطيع! وذلك ســيترك آثاراً‪،‬‬ ‫الصينيــة مــع علــي بابــا وتنســنت‪ .‬هــذا يجعــل ادعاءاتنــا‬ ‫ّ‬ ‫مــا تفعلــه الحكومــة‬
‫خاصــةً فــي إيطاليــا‪ .‬وتجــدر مالحظــة أيضـ ًا أن ألمانيا لــم تبدأ فــي الحديث عن‬ ‫ّ‬ ‫بأننــا حمــاة البيانــات أقــلّ إقناع ـاً! يجــب علــى أميــركا أن تحــلَّ مشــكلة فــرط‬
‫«‪ »Schicksals gemeinschaft‬أي «مجتمع المصير» قبل أن يستقر الوضع‬ ‫تحدثــت‬
‫ـد مركــزي‪َّ ،‬‬ ‫ســلطة المنصــات‪ ،‬وأن تعيــد البيانــات ألصحابهــا‪ .‬هــذا تحـ ٍ‬
‫تصرفاتهــا‬
‫ُّ‬ ‫فــي البــاد‪ .‬لــم تســتخدم ميــركل قــط تعبيــر «ألمانيــا أوالً»‪ ،‬لكــن‬ ‫ـرت ســنوات ونحــن لــم نح ّلــه بعــد‪.‬‬ ‫عنــه فــي كتــاب الســاحة والبــرج‪ ،‬وقــد مـ َّ‬
‫الوطنية أللمانيا‪ .‬لحســن الحــظ ال توجد‬‫ّ‬ ‫تشــير إلــى أن أولويتهــا هــي المصلحــة‬ ‫الجا ِئحــة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫األميركي‬
‫ّ‬ ‫ـتجابة‬ ‫تفســر ســوء اسـ‬
‫هــذا أحــد األســباب التــي ّ‬
‫األلمانية‪ ،‬ألنها تترجم إلــى ‪Deutschland‬‬ ‫ّ‬ ‫عبــارة «ألمانيــا أوالً» فــي السياســة‬ ‫لدينــا البيانــات‪ ،‬لكنهــا بيــن أيدي غافــا ‪( Gafa‬غوغل‪ ،‬آبل‪ ،‬فيســبوك وأمازون)‪.‬‬
‫المقلقة! (ضحــك)‪ ،‬لكن معك حق‪،‬‬ ‫‪ uber alles‬التــي تذكّ ــر ببعــض الذكريــات ُ‬ ‫ـتخدام ذي صلــة للبيانــات مــن أجــل تتبــع األشــخاص‬ ‫ٍ‬ ‫لــم يكــن هنــاك أي اسـ‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪120‬‬


‫الرئــوي‪ .‬أنــا‬
‫ّ‬ ‫فاعليــة فــي عــاج االلتهــاب‬ ‫ّ‬ ‫الطبيــة كانــت أقــلّ‬ ‫ّ‬ ‫وتكنولوجياتنــا‬
‫ّ‬ ‫ـداً‪ ،‬بعــد جــدل محــرج حــول‬ ‫األوروبيــة متأخــر ًا جـ ّ‬
‫ّ‬ ‫جــاء التضامــن بيــن الــدول‬
‫الجا ِئحــة التــي‬
‫َ‬ ‫‪،)1958‬‬ ‫‪-‬‬ ‫(‪1957‬‬ ‫ــ‬
‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ة»‬ ‫ـيوي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اآلس‬ ‫ـزا‬ ‫ـ‬ ‫«األنفلون‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫المقارن‬ ‫أفضــل‬ ‫الطبيــة وإدارة الحــدود‪ .‬وهــذا يذكّ رنــا بأنــه فــي أوروبــا ال‬ ‫ّ‬ ‫إرســال التجهيــزات‬
‫ـرقية‪ ،‬وفرضــت‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـيا‬‫ـ‬ ‫آس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـدأت‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـزا‬
‫ـ‬ ‫أنفلون‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أيض‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ً‪.‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫تمام‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫إهماله‬ ‫ـم‬
‫تـ َّ‬ ‫تحدثت‬‫َّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫المتجلي‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫الظاه‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫نف‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫نج‬ ‫ـودة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫موج‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الوطني‬
‫ّ‬ ‫تــزال الحــدود‬
‫فيدراليــة‪ ،‬وأنــه‬ ‫ـي ليــس دولــة‬ ‫ِ‬
‫نفــس نــوع التهديــد لســكّ ان العالــم‪ ،‬مــع معــدل ضــراوة وفتــك مكافــئ لـــ‬ ‫ّ‬ ‫بينــت أن االتحــاد األوروبـ ّ‬ ‫الجائحــة َّ‬ ‫عنهــا ســابقاً‪َ :‬‬
‫ـك‪ .‬فــي (‪ ،)1958 - 1957‬اســتجابت الحكومــات بشــكلٍ‬ ‫(كوفيــد ‪ )19 -‬بــدون شـ ّ‬ ‫حر ّيــة التنقــل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـروطة‬ ‫ـ‬ ‫المش‬ ‫ـاج‬ ‫ـ‬ ‫االندم‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫عملي‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫جمي‬ ‫يمكــن إلغــاء‬
‫التباعد‬
‫ُ‬ ‫ـراءات‬ ‫ـ‬ ‫إج‬ ‫بعض‬ ‫ـة!‬‫ـ‬ ‫كلي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـيئ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫تفعل‬ ‫لم‬ ‫ألنها‬ ‫ـوم‪،‬‬ ‫مختلــف تمامـ ًا عــن اليـ‬ ‫ـب واحــد تجــاه‬ ‫ـرف األلمــان مــن جانـ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تص‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫عندم‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫مثلمــا حــدث‬
‫الجائحــة تسـ َّـببت إذن‬ ‫ِ‬ ‫للح ْجــر‪َ .‬‬ ‫ـي وال وجــود َ‬ ‫أزمــة الالجئيــن‪ .‬فــي أميــركا علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬مــن المســتحيل إدارة‬
‫ـي علــى المســتوى الوطنـ ّ‬ ‫االجتماعـ ّ‬
‫اقتصاديــة‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫اضطراب‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫أحدث‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫لكنه‬ ‫ـاس‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـلٍ‬ ‫ـ‬ ‫قلي‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ٍ‬
‫ـدد‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫فــي قتــل‬ ‫ـتراتيجيات مختلفــة‪،‬‬‫ّ‬ ‫الحــدود بيــن الواليــات بينمــا تتبــع واليــات مختلفــة إسـ‬
‫قليلــة فقــط‪ .‬الــدرس الــذي يمكــن اســتخالصه هــو أنــه فــي ســنوات ‪،1950‬‬ ‫فوضويــة‪ ،‬حيــث ال يمكنهــا منــع التنقــل‬ ‫ّ‬ ‫وبالتالــي ســتكون النتيجــة بالضــرورة‬
‫المعديــة‪ .‬كان الجيــل الــذي‬ ‫جديــة تجــاه األمــراض ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـف أكثــر‬ ‫كان للنــاس موقـ ٌ‬ ‫اجتماعيـ ًا واآلخريــن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بيــن أولئــك الذيــن يطبقــون تباعــد ًا‬
‫الكوريــة علــى درايــة بأوبئــة األنفلونــزا‬ ‫ّ‬ ‫ـرب‬ ‫ـ‬ ‫والح‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الثاني‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫العالمي‬
‫ّ‬ ‫عــرف الحــرب‬
‫وشــلل األطفــال والجــدري‪ .‬إذا ذهبنــا للبحــث عــن «أيزنهــاور ‪»Eisenhower‬‬ ‫الجا ِئحة تكشف عن أزمة الخبرة؟‬
‫أال تعتقد أن هذه َ‬
‫باســتخدام آلــة زمــن وإعادتــه إلــى ســنة ‪ ،2020‬فســوف يســتنتج أننــا أصبحنــا‬ ‫همـاً‪ ،‬فــي حيــن أن نماذجهــم‬ ‫ـاء األوبئــة دور ًا ُم َّ‬
‫‪ -‬فــي هــذه األزمــة‪ ،‬يلعــب علمـ ُ‬
‫العامــة‪ ،‬قد ألحقنا‬‫ّ‬ ‫الصحة‬
‫ّ‬ ‫جماعيـاً‪ ،‬وال شــك أنه ســيقول إنه لضمــان‬ ‫ّ‬ ‫مجانيــن‬ ‫ليســت معفيــة مــن األخطــاء‪ ،‬فــي المقابــل الحظــت أنهــم لــم يســتدعوا‬
‫ضــرر ًا أكبــر مــن الــازم باالقتصــاد‪.‬‬ ‫جيد ًا كيفية عمل الوباء‪ .‬في الســاحة والبرج أوضح‬ ‫ؤرخيــن الذيــن يعرفــون ّ‬ ‫الم ِّ‬‫ُ‬
‫خصوصيــات‬
‫ّ‬ ‫ال دراســة خصائــص الفيــروس‪ ،‬ثــم‬ ‫أنــه لفهــم العــدوى‪ ،‬يجــب أو ً‬
‫كوننا مختلفين تمام ًا عن رجال سنوات ‪ ،1950‬هل هو عالمة عن االنحطاط؟‬
‫ـي المعنــي‪ .‬لذلــك يجــب‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬وخصائــص النظــام السياسـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشــبكات‬
‫‪ -‬فــي إدارتنــا لألزمــة‪ ،‬تشــير بعــض العناصــر إلــى االنحطــاط‪ .‬موقفنــا مــن‬ ‫ـاء األوبئــة‪ ،‬بــل مــع‬‫علــى ُص َّنــاع القــرار السياســي ّأل يتناقشــوا فقــط مــع علمـ ِ‬
‫ّ‬
‫المــوت أكثــر غرابــةً مما كان عليه عندما كتبت «إيفليــن وو ‪»Evelyn Waugh‬‬ ‫ـرة األولى‬‫ؤرخيــن أيضـاً‪ .‬لــم يحــدث شــيء مــن هذا القبيــل‪ ،‬إنها ليســت المـ ّ‬ ‫الم ِّ‬‫ُ‬
‫«المفقــود العزيــز ‪ .»Le Cher disparu -‬وهــو هجــاء حــول صناعــة الجنــازة‬ ‫نظريــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـاذج‬ ‫ـ‬ ‫نم‬ ‫ـاس‬ ‫ـ‬ ‫أس‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـرارات‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـاذ‬
‫ـ‬ ‫واتخ‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫التاري‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫تجاه‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فيه‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫رن‬‫قر‬
‫ّ‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الت‬
‫صعوبات كثيــرة في فهــم أننا نموت‬ ‫ٍ‬ ‫األميركيــة‪ .‬أعتقــد أننــا فــي الغــرب‪ ،‬نواجــه‬
‫ّ‬ ‫والتــي ســتكون حســب تعريفهــا‪ ،‬تبســيط ًا للواقــع‪ .‬وبالتالــي ليســت المشــكلة‬
‫ـداد كبيــرة‪ ،‬بســبب وبــاء أم ال‪ ،‬وأن مشــكلة الوبــاء هي زيادة‬ ‫فــي كلّ ســنة وبأعـ ٍ‬ ‫ـد فقــط مــن الخبــرة‪.‬‬ ‫ـوع واحـ ٍ‬ ‫فــي الخبــراء‪ ،‬ولكــن فــي واقــع االســتناد إلــى نـ ٍ‬
‫ـرض ما بشــكلٍ غير متناســب‬ ‫ـدل الوفيــات وليــس الوفيــات‪ .‬عندمــا يقتــل مـ ٌ‬ ‫معـ َّ‬
‫أشــخاص ًا تزيــد أعمارهــم علــى ‪ 70 ،60‬أو ‪ 80‬ســنة‪ ،‬يكــون أقــلّ فظاعــة بكثيــر‬ ‫ؤرخ أن يجد مقارنةً مناسبةً مع الوضع الحالي؟‬
‫الم ِّ‬
‫أليس من الصعب على ُ‬
‫معرضيــن للخطــر مثــل والدينــا‪.‬‬ ‫تقليديــة‪ ،‬حيــث يكــون أبناؤنــا‬ ‫ّ‬ ‫مــن جا ِئحــة‬ ‫العالميــة األولــى‪ ،‬كان‬ ‫ـبانية فــي نهايــة الحــرب‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬بعــد حــدوث األنفلونــزا اإلسـ ّ‬
‫ـرية‪ .‬يبــدو األمــر كمــا‬ ‫هــذا كان مصيرنــا خــال الجــزء األكبــر مــن تاريــخ البشـ ّ‬ ‫مــن الصعــب التمييــز بيــن نتائــج نهايــة الحــرب ونتائــج األنفلونــزا‪ .‬مثــال ‪1918‬‬
‫لــو أننــا نحــاول أن نحصــل علــى «صفــر مــن الموتــى»‪ ،‬إنــه أمــر ســخيف‪ .‬فــي‬ ‫ـبب آخــر‪ :‬ذلــك الوبــاء كان أكثــر فتــك ًا مــن (كوفيــد ‪،)19 -‬‬
‫يشــكّ ل إشــكالية لسـ ٍ‬
‫المملكــة المتحــدة‪ ،‬مــن الواضــح أنــه كان أســوأ شــهر أبريل‪/‬نيســان مقارنــةً‬
‫بالســنوات الخمــس الماضيــة‪ ،‬لكــن مقارنــةً بــكلّ شــهر أبريــل منذ ســنة ‪،1970‬‬
‫لــم يكــن هــذا الشــهر مميتـ ًا بشــكلٍ خــاص‪ ،‬لم يكــن حتى فــي قائمة العشــرين‬
‫األعلــى‪ .‬لدينــا اآلن توقُّعــات غيــر واقعيــة تجــاه المــوت‪ ،‬مــا ســاهم فــي إربــاك‬
‫االســتجابة السياسـ ّـية‪ ،‬كمــا لــو كنــا قادريــن علــى الوصــول إلــى هــذا الهــدف‬
‫ـي‪ -‬وهــو مــا يقلقني فعـاً‪ -‬هو‬ ‫«صفــر ميــت»‪ .‬لكــن فــي رأيــي االنحطــاط الحقيقـ ّ‬
‫ـي‪ .‬هــذا األخيــر شــوهته‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الجامع‬ ‫فــي مــكانٍ آخــر‪ ،‬إنــه موجــود فــي قلــب َ‬
‫العا َلــم‬
‫أهمية‬ ‫ِّ‬ ‫أكثر‬ ‫اآلن‬ ‫ع»‬ ‫ـو‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫«التن‬ ‫متزايد‪.‬‬ ‫ـكلٍ‬ ‫األيديولوجيــة والسياسـ ّـية بشـ‬
‫ّ‬ ‫األولويــات‬
‫يفســر لمــاذا الخبــرة‪ ،‬عنــد اختبارهــا‬ ‫ـري‪ .‬بالنســبة لــي هــذا ّ‬ ‫التميــز الفكـ ّ‬
‫ُّ‬ ‫مــن‬
‫جيــد‪ ،‬يجــب أن تكــون قــادر ًا‬ ‫ّ‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫بح‬ ‫ـراء‬‫ـ‬ ‫إلج‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ألن‬ ‫ـا‪،‬‬‫ـ‬ ‫قدره‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـون‬
‫ـ‬ ‫تك‬ ‫ال‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫بأزم‬
‫ـخص باإلهانة‪ .‬اآلن‪ ،‬أولئك الذين‬ ‫على طرح أســئلة ســيئة دون أن يشــعر أي شـ ٍ‬
‫ـي‬ ‫يتعرضــون للتمييــز‪ ،‬ويطــردون مــن َ َ‬
‫العالــم األكاديمـ ّ‬ ‫َّ‬ ‫يطرحــون هــذه األســئلة‬
‫مــن ِق َبــل اللجــان المســؤولة عــن تعزيــز مــا هــو صائــب سياسـ ّـياً‪.‬‬

‫جربت ذلك بنفسك؟‬


‫هل َّ‬
‫التحيــز بمــرو ِر‬
‫ُّ‬ ‫ـم فــرض هــذا‬‫‪ -‬لنقــلْ إنــه مــن الصعــب عــدم مالحظــة كيــف تـ َّ‬
‫تغيــرت القيــم‪ .‬عندمــا بــدأت مســيرتي‪ ،‬بحثــت عــن الصرامــة‬ ‫الوقــت‪ ،‬فقــد َّ‬
‫األيديولوجيــة‬
‫ّ‬ ‫ـوع مــن‬
‫الفكريــة‪ ،‬واليــوم تتحلــل هــذه األفــكار فــي نـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫والشــجاعة‬
‫الغامضــة‪ ،‬الفاتــرة والسياسـ ّـية‪ .‬ومــن هنــا يأتــي تدهــور البحــث والتعليــم‪.‬‬
‫■ حوار‪ :‬التيتيا ستراوخ بونارد وغبراييل بوشار ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عثمان عثمانية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصدر‪:‬‬
‫»‪Niall Ferguson, «La nouvelle guerre froide encouragera une saine compétition.‬‬
‫‪Le Point N° 2489, 7 Mai 2020, pp.32-35.‬‬

‫‪121‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫باتريك بورشون‪:‬‬
‫اإلنسان ّية قادرة عىل نرش‬
‫الفريوس وعىل احتوائه‬
‫تخصــص فــي العصــر الوســيط وعضــو «كوليــج دو فرانــس»‬ ‫الم ِّ‬ ‫ـي باتريــك بوشــرون ُ‬ ‫ـؤرخ الفرنسـ ّ‬
‫المـ ِّ‬
‫فــي هــذا الحــوار يتنــاول ُ‬
‫والمجتمعيــة‪ ،‬حيــث يتو َّقــف عنــد الــدروس الممكــن اســتخالصها مــن‬
‫ّ‬ ‫الفكريــة والسياسـ ّـية‬
‫ّ‬ ‫الجا ِئحــات بالتحـ ُّـوالت‬
‫عالقــة َ‬
‫الرومانيــة‬
‫ّ‬ ‫ـرية وقيمهــا كمــا حصــل عنــد انهيــار اإلمبراطوريــة‬ ‫الجائحــات اليــوم‪ ،‬ومــدى تأثيرهــا علــى الحضــارات البشـ ّ‬ ‫ِ‬ ‫تاريــخ َ‬
‫ـارب‪ ،‬لكنــه ال يعطــي دروس ـ ًا للحاضــر»‪ .‬ويتو َّقــف أيض ـ ًا عنــد الــدور المنــوط‬ ‫وغيرهــا‪ .‬وهــو يــرى أن «التاريــخ كنــز مــن التجـ ُ‬
‫الوبائيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالمثقَّفيــن وتجاربهــم مــع الظواهــر‬‫ُ‬

‫المقارنــة صعبــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬دعونــا نتذكّ ــر أن إيطاليــا فــي النصــف الثانــي‬ ‫هــذه ُ‬ ‫يكشــف لنــا الوبــاء إلــى أي حـ ٍّـد نحــن بشــر فانــون وضعفــاء ومترابطــون فيمــا‬
‫مــن القــرن الرابــع عشــر‪ ،‬عقــب انتشــار الطاعــون األســود‪ ،‬عرفــت ظهــور مفهــوم‬ ‫يغيــر ذلــك مجتمعاتنــا؟‬ ‫بيننــا‪ .‬فهــل ِّ‬
‫صحــة الجميــع هــي ملكيــة مشــتركة‬ ‫ـرة‪ ،‬أي فكــرة أن ّ‬ ‫ألول مـ ّ‬‫العموميــة ّ‬
‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬ ‫الحميمية‪ ،‬أي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬لــم يســبق لنــا أن واجهنــا وعشــنا التاريــخ إلــى هذه الدرجــة مــن‬
‫العموميــة بأن‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫يمكنهــا أن تتأثــر بقــرارات أي واحــد منــا‪ .‬وهــو مــا يســمح للســلطات‬
‫أن نجــرب واقــع تســلل العالــم إلــى أجســادنا‪ .‬يقــول لنــا العلمــاء إنــه فــي ســوق‬
‫حر ّيتهــم فــي التنقــل‪ .‬هــذه الفكــرة‬
‫وخاصــة عبــر تقييــد ّ‬
‫ّ‬ ‫تقــوم بمراقبــة النــاس‪،‬‬
‫المســتورد مــن إفريقيــا‪،‬‬ ‫ووهــان فــي الصيــن‪ ،‬حيــث ُيبــاع لحــم حيــوان البنغــول ُ‬
‫الفردية‬
‫ّ‬ ‫ـلوكيات‬‫ـ‬ ‫الس‬ ‫بين‬ ‫تفصل‬ ‫التي‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الصارم‬ ‫الحدود‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫تل‬ ‫تختبر‪ ‬وتمتحــن اليــوم‬
‫ـد مــن الحيــوان إلــى‬ ‫ـروس جديـ ٍ‬ ‫الصينيــون‪ ،‬وقــع انتقــال لفيـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫والــذي يعشــقه‬
‫الجماعيــة‪ ،‬والتــي مــا زال مــن الصعــب تفهمهــا‪ :‬فالكثيــرون مازالــوا‬‫ّ‬ ‫ـؤولية‬
‫والمسـ ّ‬ ‫البشــر‪ ،‬وهــذا االنتقــال بيــن األجنــاس يتسـ َّـبب دائمـ ًا فــي ظهــور األوبئــة‪ .‬وهكذا‬
‫ال يعترفــون بأنــه إذا مــا طلبنــا منهــم حمايــة أنفســهم‪ ،‬فــإن الهــدف هــو أيض ـ ًا‬
‫عــدم تعريــض اآلخريــن للخطــر‪ .‬فــي ‪ ،2009‬وأمــام معارضــة السـكّان للخضــوع‬ ‫أدركنــا بشــكلٍ مفاجــئ أن حدثـ ًا بعيــد ًا كانــت لــه عواقــب ملموســة علــى حيواتنا‬
‫اإلجبــاري ضــد أنفلونــزا الخنازيــر (‪ ،)H1N1‬تذكَّ ــر بعــض الباحثيــن أن‬ ‫للتلقيــح‬ ‫وعلــى المــكان الــذي نعيــش فيــه‪ .‬فهــذا العــبء الثقيــل الذي نشــعر بأنــه يجثم‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫العالــم‬ ‫علــى صدورنــا أتــى مــن مــكانٍ بعيــد‪ .‬فــي الوقــت نفســه‪ ،‬نكتشــف أن بإمكاننــا أن‬
‫عصــر األنــوار كان قــد عــرف نفــس المشــكل فــي القــرن ‪ ،18‬حيــث إن َ‬
‫ـداً‪ .‬وكما‬‫ـدية بســيطة جـ ّ‬ ‫ـركات جسـ ّ‬‫نبطــئ مــن انتشــاره واحتوائــه عبــر قيامنــا بحـ ٍ‬
‫المســاح «شــارل مــاري الكونداميــن» الــذي كان يطالــب اآلبــاء بتلقيــح أبنائهــم‬
‫ـدد فــي ‪ 1750‬بـ«األشــخاص الطائشــين» الذيــن يــرون أن «كلّ‬ ‫ـي الكبيــر فــي علــم الفيروســات‪ ،‬فــإن‬ ‫يوضــح ذلــك فيليــب سانســونيتي األخصائـ ّ‬
‫ضــد الجــدري كان ينـ ِّ‬
‫شــيء يمكــن عالجــه فقــط بالــكالم»‪.‬‬ ‫مســتقبل العالــم يوجــد بيــن أيدينــا‪ .‬فنحــن لســنا فقط ضحايــا للعولمــة‪ ،‬ولكننا‬
‫طبيعيــة قــادرة‬
‫ّ‬ ‫ـانية أصبحــت قــوة‬ ‫أيضـ ًا الفاعلــون الرئيسـ ّـيون فيهــا‪ ،‬ألن اإلنسـ ّ‬
‫أليــس هــذا تقريب ـ ًا مــا يحــدث لنــا اليــوم‪ ،‬حيــث إن الــكالم صــار يجــري بيننــا‬ ‫علــى نشــر الفيــروس وعلــى احتوائــه‪ .‬هــذا هــو مــا يجعــل وبــاء (كوفيــد ‪)19 -‬‬
‫عبــر اإلنترنــت؟‬ ‫ـرة‬
‫ـري‪ .‬إنهــا المـ ّ‬ ‫ـي البشـ ّ‬ ‫ً‬
‫مرضـا يرتبــط بعصــر األنثروبوســين أو العصــر الجيولوجـ ّ‬
‫‪ -‬إن أكثــر شــيء ُمعـ ٍ‬ ‫ـداً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ٍ‬
‫ـوس‬ ‫ـ‬ ‫ملم‬ ‫ـكلٍ‬
‫ـ‬ ‫بش‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫لنع‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الفرص‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫أمامن‬ ‫ـاح‬
‫ـ‬ ‫تت‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـى‬‫األولـ‬
‫ـد هــو جهــل أشــباه العلمــاء! يجــب علينــا أن نعلــم أنــه‬
‫الحجــج ذات المرجعيــة عندمــا‬ ‫مــن غيــر المجــدي دائم ـ ًا تقديــم الكثيــر مــن ُ‬ ‫مؤرخـ ًا للعصــور الوســطى‪ ،‬هــل تــرون فــي هــذا الوبــاء أوجــه شــبه مــع‬
‫ـخصياً‪ ،‬مــا يســائلني‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـراء‪.‬‬‫ـ‬ ‫الخب‬ ‫يكــون الــرأي العــام أصــم وال يســمع لــكالم‬ ‫باعتباركــم ِّ‬
‫ّ‬ ‫األوبئــة التــي ســبق أن ظهــرت فــي الماضــي؟‬
‫التاريخيــة‪ .‬لقــد ُولــدت فــي‬
‫ّ‬ ‫أكثــر حاليـ ًا هــو االمتحــان الــذي تمـ ّ‬
‫ـر منــه ظرفيتنــا‬
‫‪ ،1965‬بعــد وقــوع كــوارث كبــرى‪ ،‬وكان ُيقال لــي إنني ُولدت بعــد وقوع أحداث‬ ‫ؤرخــون هــم‬
‫والم ِّ‬
‫ـارب لكنــه ال يعطــي الــدروس للحاضــر‪ُ ،‬‬ ‫‪ -‬التاريــخ كنــز مــن التجـ ُ‬
‫تاريخيــة كبــرى‪ .‬لكننــي‪ ،‬عاصــرت انهيــار جــدار برليــن‪ ،‬وهجمــات ‪ 11‬ســبتمبر‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫الممارســة‬
‫ُ‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫تل‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـذر‬
‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫أبق‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فأن‬ ‫ـاب‪.‬‬
‫ـ‬ ‫الب‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـن يعطــي دروس ـ ًا‬ ‫أقــلّ َمـ ْ‬
‫أمــا األجيــال الســابقة فقــد‬‫أيلــول فــي ‪ ،2001‬وموجــة اإلرهــاب فــي ‪ّ ...2015‬‬ ‫االنتهازيــة‪ ،‬فــي كثيــر مــن األحيــان‪ ،‬والتــي تتم َّثــل فــي اإلحالــة علــى وجــود تطابق‬
‫ـي والهجــرة القرويــة‪ .‬فآباؤنــا خائفــون اليــوم‪،‬‬ ‫ـر الصحـ ّ‬
‫والح ْجـ َ‬
‫َ‬ ‫عاصــروا الحــرب‬ ‫التاريخيــة‪ .‬فتع ُّقــد عالمنــا الــذي صــار مترابطـ ًا اليــوم يجعل‬
‫ّ‬ ‫وتوافــق بيــن األزمنــة‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪122‬‬


‫ـن‪.‬‬ ‫المثلييــن جنســياً‪ ،‬أو أن ُيقــال إن فيــروس كورونــا ال يصيــب ّإل كبــار السـ ّ‬ ‫ممــا نحن عليــه‪ .‬وما أالحظــه هو أن‬ ‫ربمــا هــم مندهشــون بصــور ٍة أقــلّ ّ‬
‫ولكنهــم ّ‬
‫وهــذا غيــر صحيــح فــي كلتــا الحالتيــن‪ ،‬كمــا أنهــا مســألة مشــينة‪ .‬لقــد قــام‬ ‫المثقَّفيــن يكونــون دائمـ ًا قليلــي الحيلة‪ ،‬حيــث إنهم يكونون بصدد االســتعداد‬ ‫ُ‬
‫العديــد مــن الفرنسـ ّـيين بتخزيــن الدقيــق والمعكرونــة وورق المرحــاض فــي‬ ‫عالميــة‪ ،‬أو كارثــة‬
‫ّ‬ ‫ـداث كبيــرة يأملونهــا أو يخشــونها‪ -‬مثــل حــدوث ثــورة‬ ‫ألحـ ٍ‬
‫ال‬‫ـاض لم نعشــه‪ ...‬مــن الصعب فع ً‬ ‫منازلهــم كمــا لــو أن ذكرياتنــا مســكونة بمـ ٍ‬ ‫مناخيــة‪ -‬ولكــن يحــدث شــيء آخــر لــم يكونــوا يفكِّ ــرون فيــه‪.‬‬
‫ّ‬
‫وماض‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ـرف فــي هــذا الصــدد علــى وجــود نزعــة إلــى تقليد مــا هو قديــم‬ ‫ّأل نتعـ ّ‬
‫ـداً‪ ،‬ولكنــه ال يــزال نشــطاً‪ ،‬ومخبـ ًـأ فــي ذاكراتنــا‪،‬‬ ‫بمعنــى أنــه خــوف قديــم جـ ّ‬ ‫هذا يعني إذن أننا لم نتعلَّم أي شيء من األوبئة الماضية؟‬
‫متخصــص فــي‬ ‫ِّ‬ ‫ـؤرخ‬
‫كمـ ِّ‬
‫وال زال يحكمنــا‪ .‬فالمخــاوف القديمــة تســكننا‪ .‬وأنــا ُ‬ ‫‪ -‬المفــروض أن علينــا أن نتع َّلــم منهــا‪ .‬لقــد ســبق لــي أن قلــت إن التاريــخ هــو‬
‫القــرون الوســطى ال يمكننــي أن أغضــب مــن مثــل هــذه الســلوكيات‪ ،‬ولكننــي‬ ‫كنـ ٌز مــن التجــارب التــي يجب أن تلهمنــا كيفيــة االحتياط‪ .‬واالحتيــاط يعني أن‬
‫ـرف عليهــا بوصفهــا كذلــك‪ .‬ويمكــن أن نجــد مواقف أخرى ســابقة‬ ‫ببســاطة أتعـ َّ‬ ‫ـد نفســك لمواجهــة الكــوارث الكبــرى‪ ،‬أو علــى األقــلّ أن تكــون أكثــر مراعاة‬ ‫ُتعـ َّ‬
‫كمــا يشــهد علــى ذلــك كتــاب «الديكاميــرون»‪ ،‬وهــي مجموعــة قصــص كُ تبــت‬ ‫ألولئــك الذيــن تهددهــم الكــوارث‪ .‬لنأخــذ كمثال الوبــاء الذي عرفنــاه في زمنٍ‬
‫يحركهــا‪ .‬فهــو يظــن‬ ‫فــي ‪ 1350‬بنفــس اإلحســاس بالمناعــة والحصانــة الــذي ّ‬ ‫ـي‪ ،‬ال‬‫قريــب منــا‪ ،‬وهــو مــرض اإليــدز فــي الثمانينيــات‪ .‬علــى المســتوى الطبـ ّ‬
‫أن الخــوف لــن يمســه‪ ،‬ويعتقــد أنــه ال ينتمــي إلــى نفــس فصيلــة البشــر التــي‬
‫عالقــة لــه بكورونــا‪ ،‬ألننــا احتجنــا إلــى ِع ّدة ســنوات لعــزل فيروس اإليــدز‪ ،‬في‬
‫ـمى‬ ‫ُعولجــت فــي المستشــفى‪ .‬ولكنــه بعــد بضعــة أيــام‪ ،‬ســيموت بمــا كان ُيسـ َّ‬ ‫ـي ســمح لنــا‬‫ـدم الهائــل اليــوم فــي مجــال علــم األحيــاء الجزيئـ ّ‬ ‫حيــن أن التقـ ُّ‬
‫«الخــوف األزرق»‪ .‬وأنــا اليــوم أالحــظ كــم لزمنا من الوقت لنســتخلص دروسـ ًا‬
‫بتشــخيص فيــروس كورونــا خــال بضعــة أيــام‪ .‬ورغــم ذلــك‪ ،‬فــإن العامليــن‬
‫حميميــة أمــام آفــة (كوفيــد ‪ .)19 -‬إن قدرتنــا علــى اإلنــكار تبقــى هائلــة‪ ،‬فنحــن‬ ‫ّ‬ ‫ـم تكوينهــم بشــكلٍ كبيــر نتيجــة هــذا‬ ‫العموميــة تـ َّ‬
‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫ّ‬ ‫اليــوم فــي مجــال‬
‫نفهــم علــى مراحــل‪ ،‬بحيــث إننــا علمنــا بظهــور هــذا الفيــروس فــي الصيــن‪،‬‬
‫االمتحــان‪ ،‬وهــم يعرفــون أن المرضــى يمكــن أن يكونــوا أفضــل الخبــراء في ما‬
‫وفــي المراحــل األولــى كنــا قلقيــن فقــط مــن انعكاســاته علــى تباطــؤ االقتصاد‬
‫يتع َّلــق بمرضهــم‪ .‬كمــا يعرفــون اســتمرار وجــود بعــض أشــكال اإلنــكار عنــد‬
‫ـرض لكارثــة‪،‬‬ ‫ـد كانــت إيطاليــا تتعـ َّ‬
‫تتخيــل إلــى أي حـ ٍّ‬
‫ّ‬ ‫ـي‪ .‬هــل يمكنــك أن‬ ‫العالمـ ّ‬ ‫ظهــور المــرض‪ :‬ومــن أمثلــة ذلــك أن ُيقــال مــع مرض اإليــدز‪ ،‬إنــه يصيب فقط‬
‫تحركنــا فــي إيطاليــا؟! فالعــدد اليومي‬ ‫َّ‬ ‫ـكاد‬‫ـ‬ ‫بال‬ ‫أو‬ ‫ـر‪،‬‬
‫ـ‬ ‫يذك‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـيئ‬
‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫نفع‬ ‫ـم‬ ‫لكننــا لـ‬
‫ٍ‬
‫للوفيــات فــي مدينــة برغامــو كان يشــبه حصيلــة بلــد فــي حالــة حــرب‪.‬‬

‫ـي وبانطالقــات‬
‫هــل يبشــر تجــاوز األوبئــة‪ ،‬عنــد تجــاوز هــذا الوبــاء‪ ،‬بتقـ ُّـدم ثقافـ ّ‬
‫السياسي؟ هل يمكننا أن نأمل في حدوث‬ ‫ّ‬ ‫وتطورات على مستوى الوعي‬ ‫ُّ‬ ‫فنية‬
‫ّ‬
‫إيجابية؟‬
‫ّ‬ ‫تغييرات‬
‫أشــك فــي ذلــك‪ .‬لقــد عرفنــا منــذ ‪2017‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬يجــب علينــا أن نؤمــن بهــذا‪ ،‬لكننــي‬
‫العا ِلــم ألكســندر يرســين فــي هونــغ كونــغ‬ ‫أن نفــس الجرثومــة التــي اكتشــفها َ‬
‫فــي ‪ ،1894‬هــي المســؤولة عــن كلّ موجــات الطاعــون التــي شــهدتها أوروبــا منــذ‬
‫القــرن الســادس إلــى غايــة الطاعــون الــذي ضــرب مارســيليا فــي ‪ .1720‬ففــي كلّ‬
‫ـابك علــى مســتوى العالــم‪ ،‬ويقــوم‬ ‫ترابــط وتشـ ُ‬ ‫القصــة‪ :‬يحــدث ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـرر نفــس‬ ‫ـرة‪ ،‬تتكـ َّ‬ ‫مـ ّ‬
‫المسـ ّـببة للمرض من‬ ‫ُ‬ ‫العوامل‬ ‫فتخرج‬ ‫ة‬ ‫الطبيعي‬
‫ّ‬ ‫ـاكن‬ ‫ـ‬ ‫المس‬ ‫على‬ ‫ي‬ ‫بالتعد‬
‫ِّ‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬
‫اجتماعية وسياسـ ّـية‬
‫ّ‬ ‫البيئيــة‪ .‬لكــن كلّ عــودة للطاعون تكــون لها عواقب‬ ‫ّ‬ ‫مســاكنها‬
‫ؤرخيــن اليــوم أن وباء جاســتينيان في القرن الســادس‬ ‫ُ ِّ‬ ‫الم‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫بع‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫يعتق‬ ‫مختلفــة‪.‬‬
‫الرومانيــة‪ ،‬لكــن الطاعــون األســود الذي‬ ‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫لإلمبراطوري‬
‫ّ‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫النهائ‬ ‫ـقوط‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫أدى إلــى‬ ‫ّ‬
‫ديموغرافيــة فــي التاريــخ‪ -‬أي وفــاة مــا‬‫ّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫كارث‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫أكب‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫‪1352‬‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫‪1347‬‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫تسـ َّـبب‬
‫أوروبيــة‪ -‬لــم يــؤ ِد إلــى حــدوث أي تغيير‬ ‫ّ‬ ‫ـدة مــدن‬ ‫بيــن نصــف وثلثــي السـكّان فــي ِعـ ّ‬
‫يتغير أي ملك وال أي‬ ‫تتغيــر منظومــة الطاعة وال منظومة الفكر‪ ،‬ولــم َّ‬ ‫تقريبـاً‪ ،‬فلــم َّ‬
‫سياســة‪ .‬لمــاذا؟ هــذه القــدرة على المرونة لــدى المجتمعات مســألة تفاجئني‪ .‬إن‬
‫ـبانية التــي قتلــت‬ ‫أكثــر وبــاء يشــبه الوبــاء الــذي نعيشــه حاليـ ًا هــو األنفلونــزا اإلسـ ّ‬
‫مــا بيــن ‪ 50‬و ‪ 100‬مليــون شــخص عبــر العالــم‪ ،‬والتــي انمحــت ذاكرتهــا بســبب‬
‫العالميــة األولــى‪ ،‬حيــث إنهــا انتشــرت مباشــر ًة بعــد الحــرب فــي ‪.1919‬‬ ‫ّ‬ ‫الحــرب‬
‫ـبانية رغــم أننــا نعيــش حاليـ ًا فــي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلس‬ ‫ـزا‬ ‫ـ‬ ‫األنفلون‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫وري‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫‪)19‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫(كوفي‬ ‫ـاء‬ ‫إن وبـ‬
‫ـي لعالمنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الزمــن األنثروبوســيني‪ ،‬وهــو مــا يشـكِّل اختبــارا كبيــرا وبالحجم الحقيقـ ّ‬
‫تميــزة‪ .‬علينا أن‬ ‫ُ ِّ‬‫الم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫بأنانياتن‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫معالجت‬ ‫ـدد األقطــاب الــذي نــدرك أننــا ال يمكن‬ ‫متعـ ِّ‬
‫ـدة مراحــل بــدء ًا مــن غســل اليديــن إلــى غايــة تغييــر العالــم‪ ،‬لكــن هــل‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬
‫بع‬ ‫ـر‬
‫نمـ َّ‬
‫ـم تمتــد‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـادنا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫أجس‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدأ‬ ‫ـ‬ ‫تب‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫السياس‬ ‫إن‬ ‫ـل؟‬ ‫ـ‬ ‫المراح‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـر‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫نم‬ ‫أن‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫فع‬ ‫ـد‬ ‫نريـ‬
‫إلــى جيراننــا وأحيائنــا وقُرانــا وبلداننــا‪ .‬ليســت هنــاك أي حركــة أقــوم بهــا تعنينــي‬
‫أنــا وحــدي فقــط‪ ،‬وإذا مــا كنــا نعيــش منعزليــن فــي أزمنــة األوبئــة‪ ،‬فــأن مــا هــو‬
‫ـي‪ .‬مــن اآلن فصاعــداً‪ ،‬صار كلّ مــا نقوم‬ ‫ـد إلــى مــا هــو خصوصـ ّ‬ ‫ـود ويرتـ ُّ‬ ‫ـي يعـ ُ‬ ‫عمومـ ّ‬
‫ـي‪ .‬فإلــى أيــن ســنذهب جميعـاً؟‬ ‫ـ‬ ‫سياس‬ ‫ـع‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫طاب‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫يومي‬ ‫بــه‬
‫ٌّ‬
‫■ حوار‪ :‬إيميلي النيز ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬محمد مستعد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصدر‪ :‬مجلة «باريس ماتش» ‪ 31‬مارس ‪2020‬‬

‫‪123‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫كورونا جزء من عرص األنرثوبوسني!‬
‫ما قبل تاريخ الحَ ْ‬
‫جر‬
‫ـرية»‪ .‬هــذه هــي األطروحــة التــي يســعى إلــى إثباتهــا َعا ِلــم اآلثــار‬ ‫منطقي ـ ًا فــي تاريــخ البشـ ّ‬
‫ّ‬ ‫الح ْجـ ُـر المنزلــي امتــداداً‬
‫«يشــكّ ل َ‬ ‫ُ‬
‫مؤخــراً عــن دار‬ ‫َّ‬ ‫الح ْجــر»‪ ،‬وهــو الكتــاب الــذي أصــدره‬
‫َ‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫تاري‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫قب‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫بـ«م‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫المعن‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫كتاب‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫دوم‬ ‫ـول‬‫ـ‬ ‫جان‪-‬ب‬ ‫خ‬ ‫ـؤر‬
‫ُ ِّ‬‫ـ‬ ‫والم‬
‫تخصــص فــي التاريــخ القديــم‪ ،‬واألســتاذ بجامعــة باريــس ‪1‬‬ ‫ِّ‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫الباح‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـبة‬
‫ـ‬ ‫بالنس‬ ‫‪.2020‬‬ ‫ـان‬
‫ـ‬ ‫أبريل‪/‬نيس‬ ‫ـار‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫غاليم‬ ‫نشــر‬
‫حجـ ٍر فــي البيــوت بســبب وبــاء (كوفيــد ‪ )19 -‬ليــس هــو «الحــدث األهــم»‬ ‫بالســوربون ‪ -‬فرنســا‪ ،‬فــإن مــا يشــهده العالــم مــن ْ‬
‫ربمــا أن نعتقــد‪ ،‬بــل علــى العكــس مــن ذلــك تمام ـ ًا‪ ،‬فقــد كُ تــب هــذا الحــدث منــذ آالف الســنين‪ .‬وعلــى وجــه‬ ‫كمــا ُيــراد لنــا ّ‬
‫التحديــد عندمــا قــام اإلنســان العاقــل األول بالتخ ّلــي عــن القــوس والســاطور ليشــرع فــي زراعة الحقول وبنــاء المدن‪ .‬وعلى‬
‫كدســين فــي المنــازل التــي نقيــم‬ ‫والم َّ‬
‫مـ ِّـر القــرون اسـ ُتبدلت حضــارة الق ّناصين‪-‬قاطفــي الثمــار بحضــارة العامليــن عــن ُبعــد‪ُ ،‬‬
‫إل آخــر أشــكال العيــش‬ ‫ربمــا ّ‬ ‫بهــا حاليـ ًا بشــكلٍ مســتمر‪ .‬وتبعـ ًا لمــا ســبق يوضــح جان‪-‬بــول دومــول أن هــذا َ‬
‫الح ْجــر ال يمثــل َّ‬
‫المســتقر علــى كوكبنــا الفانــي‪ ،‬وذلــك علــى الرغــم مــن الحركيــة الظاهــرة للعولمــة‪.‬‬ ‫ُ‬

‫البشري؟‬
‫ّ‬ ‫حجر النوع‬
‫يحدد ْ‬
‫ما الذي ِّ‬ ‫حجرها التدريجي‪،‬‬
‫البشرية هو تاريخ ْ‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة إليكم‪ ،‬فإن تاريخ‬
‫أليس كذلك؟‬
‫ـارع ًا بفضــل اختــراع الزراعــة المســتقرة‬ ‫حجــر اإلنســان تسـ ُ‬ ‫‪ -‬عــرف ْ‬
‫الح َجــري الحديــث‪ ،‬وهــو االختــراع الــذي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫بالعصــ‬ ‫والمعروفــة‬ ‫ـون‬ ‫ـرية فــي عهــد القناصين‪-‬قاطفــي الثمــار تتكـ َّ‬ ‫‪ -‬كانــت البشـ ّ‬
‫ـد هــذه الممارســة‬ ‫أتــاح للطعــام أن يكــون فــي متنــاول اليــد‪ .‬وتعـ ُّ‬ ‫الر َّحــلِ ‪ .‬وكان اإلنســان العاقــل األول‬ ‫ــد ِو ُّ‬ ‫الب ْ‬ ‫بالضــرورة مــن َ‬
‫ـرية‪ .‬ففيمــا يرجــع تاريــخ األشــكال‬ ‫ـبي ًا فــي تاريــخ البشـ ّ‬
‫حديثــة نسـ ّ‬ ‫يعتمــد علــى المــوارد الموســمية‪ .‬وبحســب الحيوانــات التــي‬
‫البشــرية القديمــة إلــى حوالــي ‪ 7‬مالييــن ســنة‪ ،‬وتاريــخ ظهــور‬ ‫ّ‬ ‫يقتنصهــا‪ ،‬واألســماك التــي يصطادهــا‪ ،‬والنباتــات التــي‬
‫اإلنســان العاقــل األول إلــى ‪ 300000‬ســنة‪ ،‬فــإن الزراعــة وتربيــة‬ ‫يمــا‬ ‫ـان تلــك الفتــرة ُم ِق ً‬
‫يلتقطهــا‪ ،‬فمــن النــادر أن يظــل إنسـ ُ‬
‫المواشــي ال يتجــاوز تاريخهمــا بالــكاد ‪ 10000‬ســنة‪ ،‬وهــو مــا يربو‬ ‫فــي المــكان نفســه طــوال الســنة‪ .‬وفــي الوقــت نفســه الــذي‬
‫ا علــى ‪ % 3‬مــن وجود اإلنســان العاقــل األول‪ .‬وكلمــا‪ ‬ازدادت‬ ‫قليـ ً‬ ‫تتشــكّ ل فيــه مجموعــات صغيــرة مــن الرجــال‪ ،‬وتســتمر فــي‬
‫الحاجــة إلــى الزراعــة ّإل وتضاءلــت حيــاة الترحال‪ ‬لتقتصــر علــى‬ ‫التنقــل داخل مســاحة شاســعة نســبياً‪ ،‬فإن اإلنســان العاقل‬
‫مناطــق نــادر ٍة مــن العالــم‪ ،‬تتصــل بالرعــي أو بظــروف معيشــية‬ ‫األول قــد أنجــز حركــةَ غَ ـ ْز ٍو شــاملة للكوكــب بأكملــه‪ ،‬امتـ ْ‬
‫ـدت‬
‫قاســية‪ ،‬كمــا هــو الحــال فــي الصحــارى‪ .‬وفــي العص ـ ِر َ‬
‫الح َجــري‬ ‫البشر مجموع‬ ‫ُ‬ ‫لعشــرات اآلالف من الســنين‪ .‬وما أن اســتوطن‬
‫الحديــث ســيظهر لنــا المنــزل ذو «الجــدران الصلبة»‪ ،‬ســواء أكان‬ ‫تدريجياً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫التنق‬ ‫الكــرة األرضيــة حتــى بــدأوا فــي التوقــف عــن‬
‫مــن الخشــب‪ ‬أو مــن التــراب أو مــن الحجــارة‪ ،‬وهــو المــكان الــذي‬ ‫أمــا فــي أيامنا هذه‪ ،‬فإن األغلبية الســاحقة من ســكّ ان العالم‬ ‫ّ‬
‫س‪ ‬حجــر األشــخاص داخــل صنــدوق ثابــت‪ ،‬حولــه يتــم تنظيم‬ ‫ْ‬ ‫كر‬
‫ُي ِّ‬ ‫بيــن‬ ‫الح ْجــر الحالــي‪ ،‬الــذي َّ‬ ‫مســتقرة‪ .‬إلــى أن جــاءت فتــرة َ‬
‫فضــاءات أليفــة متمركزة‪ :‬المنازل األخرى‪ ،‬ثــم الحقول والمراعي‬ ‫أن كثيــر ًا مــن المهــن والوظائــف يمكــن ممارســتها عــن ُبعــد‪.‬‬
‫المحيطــة بالقريــة‪ ،‬وأخيــراً‪ :‬المســاحات البريــة التــي ســتتضاءل‬ ‫فنحــن فــي الظــروف العاديــة ال نعمــل بالضــرورة عــن ُبعــد‪،‬‬
‫ـداً‪ .‬وممــا ال شـ َّ‬
‫ـك فيــه أن‬ ‫رويــد ًا رويــد ًا إلــى أن تصبــح محــدودة جـ ّ‬ ‫ـل محبوســين فــي صنــدوق‪ ،‬أو ســيارة‪،‬‬ ‫ولكننــا مــع ذلــك َن َت َنقَّ ـ ُ‬
‫التاريــخ لــم يشــهد فــي أيــة فتــرة مــن فتراتــه غيابـ ًا تامـ ًا لحــركات‬ ‫أو داخــل عربــة مــن عربــات المتــرو‪ ،‬لنلتحــق بأحــد المكاتب‪،‬‬
‫الهجــرة‪ ،‬ولكــن هــذه الحــركات لــم تكــن تهــدف ّإل الــى االســتقرار‬ ‫ـرك أبــداً‪ ،‬جالســين أمــام شاشــة ثابتــة‪.‬‬ ‫حيــث ال يمكننــا التحـ ُّ‬
‫مــن جديــد فــي مناطــق تتو َّفــر فيهــا ظــروف معيشــية أفضــل‪ ،‬منــذ‬ ‫وهكــذا‪ ،‬فإننــا لــم نعــد نعيــش فــي منــازل متباعــدة‪ ،‬ولكــن‬
‫األوروبي‬ ‫تلــك التي كانت في العصور الوســطى مرور ًا باالســتعمار‬ ‫وبأعــداد متزايــدة داخــل شــقق‬ ‫ٍ‬ ‫الغالبيــة منــا تعيــش اآلن‬
‫ّ‬
‫الم ِ‬
‫عاصــرة‪.‬‬ ‫ال إلــى الحــركات ُ‬ ‫لألميركيتين‪ ،‬ووصــو ً‬
‫ّ‬ ‫ـدس بعضهــا فــوق بعــض‪.‬‬ ‫يتكـ َّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪124‬‬
‫جان‪-‬بول دومول ▲‬

‫أن يســتمر بشــكلٍ دائــم ّإل فــي مجتمــع يضــم ‪ 300000‬شــخص‪ .‬والحــال أننــا‬ ‫هل يشكّ ل اقتراب اإلنسان من الحيوان اقتراب ًا من المرض؟‬
‫لــم نبلــغ هــذا الرقــم ّإل مــع ظهــور المــدن والــدول‪.‬‬
‫حقيقيـ ًا ومتزايــد ًا فــي النظــام‬
‫ّ‬ ‫ـرة األولــى التــي يؤ ِّثــر فيهــا البشــر تأثيــر ًا‬‫‪ -‬إنهــا المـ ّ‬
‫المتعلّقة‬ ‫ـي‪ .‬فالقريــة والمدينة تثيران العديد من المشــاكل ُ‬ ‫ـي األرضـ ّ‬‫اإليكولوجـ ّ‬
‫الديموغرافية؟‬
‫ّ‬ ‫متى حدثت الطفرة‬
‫الصحيــة‪ .‬إذ إن المنــازل والمبانــي الملحقــة بهمــا تعيــش إلــى جانــب‬ ‫ّ‬ ‫بالنظافــة‬
‫ـتقر‪ ‬معدل‬ ‫ـور الزراعــة‪ ،‬تحقَّق‪ ‬اســتقرار المــوارد الغذائيــة‪ ،‬كمــا اسـ َّ‬ ‫‪ -‬مــع تطـ ُّ‬ ‫متنوعــة مــن الحيوانــات األليفــة‪ ،‬وذلــك تبع ـ ًا لمناطــق المعمــورة‬ ‫ِّ‬ ‫ـة‬‫مجموعـ‬
‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ويع‬ ‫ـنة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫كل‬ ‫ـلٍ‬
‫ـ‬ ‫طف‬ ‫ـدل‬‫ـ‬ ‫بمع‬ ‫ـتقرات‬ ‫ـ‬ ‫س‬‫الم‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫المزارع‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫األطفال‪ ‬عن‬ ‫إنجــاب‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ـماة‬ ‫(خنزير‪ ،‬المــا‪ ،‬دجــاج‪ ،‬إلخ‪ .)...‬كما تعيش أيض ًا إلى جانب الحيوانات ُ‬
‫المسـ ّ‬
‫بالمقارنــة مــع مــا كانــت عليــه‬ ‫ـرات ُ‬ ‫ذلــك أكثــر خصوبــة بثــاث إلى‪ ‬أربــع مـ ّ‬ ‫رفيقــة الســكن مثل‪ :‬الصراصيــر والجــرذان‪ ،‬ومــا يعيــش فوقهــا مــن براغيــث‪،‬‬
‫المتنقّــات‪ .‬وهكــذا فقــد انتقلــت المجتمعــات‬ ‫القناصات‪-‬قاطفــات الثمــار ُ‬ ‫الح َمــام‪ .‬فهــذه الحيوانــات ناقلــة لألمــراض‪ .‬فالطاعــون‬ ‫وفــي اآلونــة األخيــرة‪َ :‬‬
‫ـرية مــن عشــرات إلــى مئــات األفــراد‪ ،‬ثــم إلــى اآلالف ثــم إلــى المالييــن‪.‬‬ ‫البشـ ّ‬ ‫البريــة أيض ـ ًا أمراضهــا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫وللحيوان‬ ‫ـود‪.‬‬‫ـ‬ ‫أس‬ ‫ـرذ‬
‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـوث‬ ‫ا ُنقــل بواســطة برغـ‬ ‫مث ـ ً‬
‫ـي كائــن‬ ‫ْ‬ ‫ـ‬‫ن‬‫َ‬ ‫مليو‬ ‫أو‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫ملي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫البش‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫انتقل‬ ‫ـط‪،‬‬‫ـ‬ ‫فق‬ ‫ـنة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫‪10000‬‬ ‫ـال‬ ‫وخـ‬ ‫الطبيعيــة لهذه الحيوانــات‪ ،‬فإنه يقترب‬ ‫ّ‬ ‫ـاحة‬ ‫ـ‬ ‫من‪ ‬المس‬ ‫ـان‬
‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫يقلص‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فحينم‬
‫المتزايــدة ســمحت‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫البشــري‬
‫ّ‬ ‫التجمعــات‬ ‫وهــذه‬ ‫اآلن‪.‬‬ ‫مالييــر‬ ‫‪7‬‬ ‫إلــى‬ ‫بشــري‬ ‫ـوع‬‫ـرية علــى التنـ ُّ‬
‫منهــا بالقــوة‪ .‬وفــي الفتــرة األخيــرة‪ ،‬ع ـ ّززت األنشــطة البشـ ّ‬
‫ـدم الطبــي قــد ســاعد فــي الســيطرة علــى عـ ٍ‬
‫ـدد‬ ‫بانتشــار األوبئــة‪ .‬وإذا كان التقـ ُّ‬ ‫ـي انتقــال الفيــروس‪ ،‬الــذي ربمــا انتقــل إلينــا عبــر أحــد الخفافيــش‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البيولوجـ ّ‬
‫مــن األمــراض‪ ،‬فــإن التلــوث والمبيــدات الحشــرية‪ ‬واالكتظاظ فــي المناطــق‬ ‫أو ســنور الزبــاد أو البنغــول‪ .‬ومــن وجهــة النظــر هاتــه‪ ،‬يمكننــا القــول إن وبــاء‬
‫الحضريــة قــد أدت إلــى ظهــور أمــراض جديــدة‪ ،‬ناهيــك عــن آثــار المضــادات‬ ‫كورونــا الحالي‪ ‬هــو إذن جــزء مــن التاريخ‪ ‬الطويــل لعصــر األنثروبوســين‪.‬‬
‫وربمــا حتــى اإلفــراط فــي النظافــة‪.‬‬ ‫الحيويــة‪ ،‬بــل ّ‬
‫ّ‬
‫البشرية أيض ًا تمثل بيئةً مالئمةً لتفشي األمراض؟‬
‫ّ‬ ‫هل صارت‪ ‬التجمعات‬
‫في ظلِّ العولمة‪ ،‬ألم تدخل الحضارة الحديثة في عصر التنقل الدائم؟‬
‫البيولوجيــة واألركيولوجيا وعلم الوراثة إلى‪ ‬أن‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬تشــير كلٌ مــن األنثروبولوجيا‬
‫ـد مــن‬
‫ـري يميــل إلــى الحـ ِّ‬
‫‪ -‬علــى النقيــض مــن ذلــك فــإن منطــق التاريــخ البشـ ّ‬ ‫عــدد ًا مــن األمــراض كانــت موجــودة بالفعــل عنــد القناصين‪-‬قاطفــي الثمــار‪،‬‬
‫كلّ تنقــل علــى كوكــب فــانٍ ‪ .‬إذ بإمكاننــا أن ننجــز المزيــد مــن األشــياء دون‬ ‫ـور على‬ ‫ـداً‪ ،‬بحيــث لم تتطـ َّ‬
‫ولكنهــا كانــت منتشــرة فــي مجموعــات محــدودة جـ ّ‬
‫الحاجــة إلــى التنقــل‪ .‬يكفــي أن يملــك الواحــد منــا شاشــة حاســوب أمامــه‪.‬‬ ‫ـي‬
‫ْ‬ ‫ـ‬‫ن‬‫َ‬ ‫مليو‬ ‫أو‬ ‫ـون‬
‫ـ‬ ‫ملي‬ ‫ـاوز‬
‫ـ‬ ‫تتج‬ ‫نطــاقٍ واســع‪ .‬وفــي تلــك الحقبــة لــم تكــن البشـ ّ‬
‫ـرية‬
‫ففــي القــرن التاســع عشــر‪ ،‬كان ‪ % 80‬مــن ســكّ ان فرنســا مــا يزالــون يعيشــون‬ ‫شــخص ينتشــرون فــي جميــع أنحــاء األرض ضمــن مجموعــات مــن عشــرات‬
‫فــي األريــاف‪ .‬وخــال الخمســينيات مــن القــرن الماضــي‪ ،‬لــم يعــد المزارعــون‬ ‫األفــراد‪ .‬وعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬تشــير التقديرات إلــى أن داء الحصبــة ال يمكن‬

‫‪125‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫داخــل إحــدى الحافــات‪ ،‬والتــي ال ننــزل منهــا ّإل لكــي نخطــو بضــع خطــوات‬ ‫يمثلــون أكثــر مــن ‪ % 30‬مقابــل ‪ % 1‬اليــوم‪ .‬واألمــر نفســه ينطبــق علــى قطــاع‬
‫فــي مــكانٍ يفتــرض أن يكــون جديــر ًا باالهتمــام‪ ،‬لكــي نشــتري بعــض الهدايــا‬ ‫ـدث عــن القطــاع‬ ‫الصناعــة الــذي تق َّلــص أيض ـ ًا إلــى حـ ٍّ‬
‫ـد كبيــر‪ .‬بقــي أن نتحـ َّ‬
‫التذكاريــة المتصلــة بهــذا المــكان‪.‬‬ ‫الثالــث‪ ،‬وهــو قطــاع الخدمــات‪ ،‬والــذي يجــري نشــاطه الرئيــس على شاشــاتنا‬
‫ـور العديد مــن االضطرابــات العضلية‪-‬الهيكلية المتصلة‬ ‫‪ -‬التــي تقــف وراء تطـ ُّ‬
‫ألم يكن من الممكن إذن‪ ‬تج ُّنب كلّ ما سبق؟‬ ‫بوضعيــة الجلــوس وعــدم الحركة‪ .‬ومــن المتو َّقــع أن تتناقص‪ ‬حاجة اإلنســان‬
‫إلــى التنقــل للمتاجــر القتنــاء مشــترياته‪ ،‬والتــي ســيتوصل بهــا منــذ اآلن وهــو‬
‫‪ -‬إن االتجــاه نحــو زيــادة التدفُّقات ســواء بالنســبة لألشخاص‪ ‬أو‪ ‬الســلع ال يمكن‬
‫ـرد نتيجة‪ ‬للنمــو غير المحدود‪ ‬للبشــر على كوكــب األرض‪ .‬وال يمثِّل‬
‫المسـ َّـيرة (‪ ،)Drones‬وليــس حتــى عبــر‬ ‫فــي منزلــه‪ .‬وقريب ـ ًا عبــر الطائــرات ُ‬
‫أن يكــون مجـ َّ‬ ‫ـرية‪.‬‬
‫طبيعيـاً‪ ‬ال نســتطيع أن نفعــل ضــده أي شــيء‪ .‬فالمجتمعــات‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫هــذا االتجــاه‬ ‫الكائنــات البشـ ّ‬
‫ّ‬
‫ال تحصــد غيــر مــا تــزرع‪ .‬كمــا ينبغــي ّأل ننظــر إلــى عصــر األنثروبوســين علــى أنه‬
‫‪ ‬حقيقية!‬
‫ّ‬ ‫هاته‪ ‬تعد مسألةً‬
‫ُّ‬ ‫االستهالكية‬
‫ّ‬ ‫إذن فحركة السلع‬
‫واجتماعيــة متواصلــة‬
‫ّ‬ ‫ـارات سياسـ ّـية‬ ‫ـوم‪ ،‬وإنمــا بوصفــه نتيجــةً لخيـ ٍ‬ ‫ـر محتـ ٌ‬ ‫مصيـ ٌ‬
‫ـوري‪ ،‬واالنقــراض‬ ‫ـ‬ ‫األحف‬ ‫ـود‬
‫ـ‬ ‫الوق‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫هيمن‬ ‫ـ‬
‫ـلّ‬ ‫ظ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الحال‬ ‫ـارع‬ ‫ـ‬ ‫التس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـي‬ ‫تفضـ‬ ‫تتميــز عولمــة تبــادل الســلع بشــكلٍ خــاص‪ ،‬بالبحــث عــن عمالــة منخفضــة‬ ‫َّ‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫الحراري‪ ،‬والتزايد المســتمر للتفاوتات‬ ‫ـي الســادس لألنواع‪ ،‬واالحتبــاس‬ ‫ـمالي‪ ،‬بمــا فــي ذلــك‬‫يتميــز بهــا النظــام الرأسـ ّ‬‫َّ‬ ‫التكلفــة‪ ،‬وهــي الخاصيــة التــي‬
‫ّ‬ ‫الجماعـ ّ‬
‫أن رفــض عــدد مــن الــدول واللوبيــات مقاومــة هــذه اآلليــة‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫فض‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫الطبقيـ‬ ‫رأســمالية الدولــة‪ ،‬كمــا هــو الحــال فــي الصيــن‪ .‬نحــن نضــع فــي االعتبــار‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المهيمنــة التــي‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫المجموع‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫خي‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫واضح‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫سياس‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـار‬
‫ـ‬ ‫خي‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫يمث‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الجهنمي‬ ‫ـمالية اليــوم فــي ظلِّ نقــص األقنعة‬ ‫المشــكالت الخطيــرة التــي تطرحهــا الرأسـ ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تفضــل عــدم إعــادة النظــر فــي نمــط حياتها‪-‬طالمــا أن متوســط أعمــار صانعــي‬ ‫ِّ‬ ‫إنتاجهــا لــدولٍ أخــرى‪ ،‬هنــاك‪ ،‬حيــث‬ ‫َ‬ ‫الغربيــة‬
‫ّ‬ ‫الواقيــة التــي فوضــت الــدولُ‬
‫ـد عاملــه بأقــلّ تكلفــة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإننــا ن ّتهم الهنــد والصين‬ ‫يمكــن العثــور علــى يـ ٍ‬
‫القــرار فــي هــذه المجموعــات قد يجعلهــم يعتقدون بأنهــم لن يتأ َّثــروا بالكوارث‬
‫ـوث عن‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫تل‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أيض‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫األوروبي‬
‫ّ‬ ‫ـدان‬
‫ـ‬ ‫البل‬ ‫أن‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬ ‫ث‬‫لو‬
‫بأنهمــا مــن البلــدان ُ ِّ‬
‫الم‬
‫واقتصاديــة‬
‫ّ‬ ‫اجتماعيــة‬
‫ّ‬ ‫ـتقبلية‪ .‬وفــي الواقــع‪ ،‬توجــد خيــارات وتنظيمــات‬ ‫ّ‬ ‫المسـ‬ ‫ُ‬
‫طريــق وســطائها عندمــا تدفعهــم إلــى تصنيــع منتجاتهــا وأشــيائها األرخــص‬
‫ـدد مــن المجتمعــات التــي تقــلّ‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـتطاع‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـخ‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫التاري‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫لن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬‫يبي‬
‫ِّ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫كم‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بديل‬
‫ســعر ًا قــدر اإلمــكان‪.‬‬
‫فيهــا كثيــر ًا التفاوتــات الطبقيــة ودرجات القمــع‪ ،‬من إثبات وجودهــا في الماضي‬
‫بشــكلٍ منتظــم‪ .‬كمــا ُيظهــر التاريــخ أيض ـ ًا أن عــدد ًا مــن األنظمــة التــي عرفــت‬
‫الجماعية؟‬
‫ّ‬ ‫وماذا عن حركة األفراد من قبيل السياحة‬
‫ارتفاعـ ًا فــي تفاوتاتهــا الطبقيــة‪ ،‬لــم تتمكــن أبــد ًا مــن االســتمرار في البقــاء لفترة‬
‫تجدد‬‫للجا ِئحــة الحالية أن تكون مفيــدة‪ ،‬ألنها ِّ‬ ‫‪ -‬يطــرح تنقــل األشــخاص كذلــك مشــكلة ألســباب واضحــة تتع ّلــق أساس ـ ًا‬
‫ـداً‪ .‬ولهــذا وذاك‪ ،‬يمكن َ‬ ‫طويلــة جـ ّ‬
‫النقاشــات حــول نمــوذج المجتمــع المرغــوب فيــه مــن حيــث إنهــا تســمح‪ ،‬علــى‬ ‫نتصــور كيــف ســيتمكن المالييــن‬
‫َّ‬ ‫بالحفــاظ علــى البيئــة‪ .‬ومــن الصعــب أن‬
‫ـرة‪.‬‬ ‫مــن األشــخاص‪ -‬دون رســوم أو حصــص‪ -‬مــن االســتمرار فــي زيــارة المواقــع‬
‫ســبيل المثــال‪ ،‬بــأن تدفعنــا إلــى التســاؤل عــن مفاهيــم النمــو والســوق الحـ ّ‬ ‫ٍ‬
‫■ حوار‪ :‬سيمون بالن ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬فيصل أبو الطُّ ف َْيل‬ ‫بهجرات‬ ‫ـياحية فــي العالــم‪ ،‬كلّ ســنة‪ ،‬بــل وحتى مــا يمكن أن يبدو شــبيه ًا‬
‫السـ ّ‬
‫كبيــرة مثــل الرحــات المنظمــة‪ ،‬ســواء أكانــت بريــة أم بحريــة‪ ،‬وذات حركيــة‬
‫حجر‬ ‫محــدودة نوعـ ًا مــا‪ :‬ففــي رحلــة سـ ّ‬
‫ـياحية بحريــة مثالً‪ ،‬نحــن في وضعيــة ْ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪Libération, samedi 2 et dimanche 3 Mai 2020, pp. 18-19.‬‬ ‫الح ْجر‬‫ـرات منتظمة‪ ،‬لنعــاود الدخــول فــي َ‬‫داخــل ســفينة‪ ،‬حيث نغادرهــا لفتـ ٍ‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪126‬‬


‫نعوم تشومسيك‪:‬‬
‫نحن ّ‬
‫نوقع عىل االنقراض السادس!‬
‫ـي الــدؤوب‪ ،‬وطبيعــة األشــياء التــي‬
‫يــرى الباحــث نعــوم تشومســي أن األثــر األعظــم يف السياســة يــأيت مــن «النشــاط اليومـ ّ‬
‫تحديات‬
‫ّ‬ ‫والخلفيــة التــي ميكــن أن تحــدث فيها التغيريات»‪ ..‬يف هــذه املقابلة يناقش‬
‫ّ‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬والفهــم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تغـ ِّـر الظــروف‬
‫جدداً‪.‬‬
‫االســتجابة لفــروس كورونــا‪ ،‬ومســتقبل عالقتنــا بالتكنولوجيــا‪ ،‬ودروس التاريــخ للنهوض ُم َّ‬

‫ضــرب كُ ويكــب ضخــم األرض‪ ،‬وقتــل معظــم األرواح علــى األرض‪ .‬نحــن نفعــل‬ ‫احتفلنــا مؤخــراً بالذكــرى الخمســين ليــوم األرض‪ ،‬بينمــا نشــهد أزمــةً ّ‬
‫بيئيــة كبيرة‬
‫نفــس الشــيء اليــوم‪ .‬نحــن نو ِّقــع علــى االنقــراض الســادس‪ .‬ليس البشــر فقط‪،‬‬ ‫اليــوم‪ .‬يشــير الدكتــور ســتيفن بيزروشــكا إلــى أن فقــدان الموائــل وإزالــة الغابات‬
‫الممكن حصرها‪-‬‬ ‫فمجموعــات الحشــرات تختفي بســرعة‪ .‬فــي األماكن التي مــن ُ‬ ‫ـري‪ ،‬مما تسـ َّـبب‬
‫الحيوانية على اتصال أوثق مع الجنس البشـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫قد جعل المملكة‬
‫مــن الصعــب جــد ًا حصرهــا‪ -‬نــرى بــأن معظــم أنــواع الحشــرات تختفــي اليــوم‪.‬‬ ‫التاجية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫فــي نمو الفيروسـ‬
‫نحــن نعيش على أســاس الحشــرات‪ .‬وكذلــك تفعل العديد من األنــواع األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬هــذا بالضبــط مــا حــدث فــي الصيــن‪ .‬لكنه وضــع عام‪ .‬مــع تدميــر الموائل‪ ،‬فإن‬
‫إنــه دمــار هائــل‪.‬‬
‫الحيوانــات التــي لــم يكــن للبشــر أي اتصــال معهــا قــد تخطّ ــت نطــاق الغابــات‪،‬‬
‫تحدثنــا‬
‫لحســن الحــظ‪ ،‬هنــاك طــرق للخــروج‪ .‬كلّ مشــكلة مــن المشــاكل التــي َّ‬ ‫ُ‬ ‫واقتربــت مــن البشــر‪ .‬هنــاك اتصــال أكبــر‪ .‬واحــدة مــن أخطــر الحــاالت‪ ،‬كمــا‬
‫ـدث عنها‪ ،‬لهــا حلول ممكنــة‪ .‬ولكن‬ ‫عنهــا‪ ،‬والعديــد مــن المشــاكل التــي لــم نتحـ َّ‬ ‫ذكــرت‪ ،‬الخفافيــش‪ ،‬التــي تحمــل مجموعـ ٍ‬
‫التاجيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـات هائلــة مــن الفيروســات‬
‫علينــا أن نفعــل أي شــيء حيــال ذلــك‪ .‬في ســياق جا ِئحة فيروس كورونــا‪ ،‬يمكننا‬
‫الصينيــون الشــجعان يغامــرون فــي أماكــن خطيــرة‬ ‫ّ‬ ‫ـاء‬
‫لهــذا الســبب كان العلمـ ُ‬
‫جيــد ًا إذا لــم نفعــل أي شــيء‬
‫معرفــة كيفيــة التعامــل معهــا‪ ،‬ولكــن هــذا ليــس ّ‬ ‫للغايــة‪ ،‬فــي أعمــاق الكهــوف وما إلــى ذلك‪ ،‬لســنوات‪ -‬ومات الكثير‪ -‬في مســعى‬
‫ـرر مــع كلّ أزمــة مــن هــذه األزمــات‪ .‬لدينــا المعرفــة‬ ‫بالمعرفــة‪ .‬هــذا األمــر يتكـ َّ‬ ‫التاجية‪ .‬وجــدوا الكثير من المعلومات‪ .‬كان‬ ‫ّ‬ ‫لجمــع معلومات حول الفيروســات‬
‫والفهــم‪ ،‬لكــن ينقصنــا العمــل‪.‬‬ ‫األميركيــون يعملــون معهــم لبعــض الوقــت‪ ،‬لكنهــم توقَّفــوا بعد ذلك‪.‬‬ ‫ـاء‬
‫ّ‬ ‫العلمـ ُ‬
‫وبشــكلٍ عــام‪ ،‬هــذا صحيــح‪ .‬بينمــا نقــوم بتوســيع الزراعــة عاليــة التقنيــة‪ ،‬فــي‬
‫كتــب روب الرســون كتابـ ًا باســم «‪ ،»Bit Tyrants‬وقــد راجعتــه بشــكلٍ إيجابـ ّ‬
‫ـي‪.‬‬
‫ـطحية‪ -‬لــن تكــون لألجيــال‬ ‫تدمــر التربــة السـ‬
‫إنــه قلــق للغايــة بشــأن مقــدار القــوة التــي جمعهــا العمالقــة غوغــل‪ ،‬وفيســبوك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـتدامة‪ ،‬فإنهــا ِّ‬ ‫ـد ذاتهــا غيــر مسـ َ‬ ‫حـ ِّ‬
‫الصناعيــة غيــر‬
‫ّ‬ ‫الزراعيــة‬
‫ّ‬ ‫الســطحية‪ -‬إذا اســتمرت األنشــطة‬ ‫ّ‬ ‫القادمــة التربــة‬
‫وبخاصة اآلثار‬
‫ّ‬ ‫وأمــازون‪ ،‬ومايكروســوفت‪ ،‬وآبــل‪( ،‬الشــركات الخمــس الكبــرى)‪،‬‬
‫ـتدامة‪ ،‬وتدميــر الموائــل‪.‬‬ ‫المسـ َ‬ ‫ُ‬
‫والمراقبة‪.‬‬
‫الخصوصيــة ُ‬
‫ّ‬ ‫المترتبــة علــى مخــاوف‬
‫ُ‬ ‫ربما‬ ‫ّ ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫التاجي‬ ‫ـروس‬ ‫ـ‬ ‫الفي‬ ‫ما‬ ‫رب‬
‫ّ‬ ‫نعرفها‪.‬‬ ‫ال‬ ‫التي‬ ‫األمراض‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫المزيد‬ ‫ـيحدث؟‬ ‫مــاذا سـ‬
‫ـميه شوشــانا زوبــوف‪ ،‬عا ِلمــة‬ ‫ـتمر هــذا لبعــض الوقــت‪ .‬هــذا مــا تسـ ِّ‬ ‫‪ -‬لقــد اسـ ّ‬ ‫شــيء آخــر‪ .‬لذلــك نحــن نعمل مــن ِع ّدة جوانــب‪ ،‬ليس لتدمير أنفســنا فقــط‪ ،‬إ ّنما‬
‫المراقَبة»‪ .‬كتبت كتابـ ًا بهذا العنوان‬ ‫ـمالية ُ‬
‫االجتمــاع فــي جامعــة هارفــارد‪« ،‬رأسـ ّ‬ ‫ـميه اآلن‪ ،‬الفتــرة‬ ‫الحيــاة علــى األرض‪ .‬دعونــا ال ننســى أن األنثروبوســين‪ ،‬كمــا نسـ ِّ‬
‫ـدم كميــات هائلــة مــن‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫يق‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـاء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الوب‬ ‫حولــه قبــل عــام أو عاميــن‪ .‬حتــى قبــل‬ ‫ـر‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫تأثي‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫لإلنس‬ ‫ـون‬ ‫الجيولوجيــة عندمــا يكـ‬‫ّ‬ ‫العالميــة الثانيــة‪ ،‬الحقبــة‬ ‫ّ‬ ‫منــذ الحــرب‬
‫المعلومــات لشــركات التكنولوجيــا الكبــرى‪ ،‬وبالطبــع للحكومــة‪ ،‬كانــت هنــاك‬ ‫ـراري‪،‬‬
‫العالميــة‪ ،‬ليســت فقــط فتــرة مــن االحتباس الحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومدمــر علــى البيئــة‬ ‫ِّ‬ ‫هائــل‬
‫ـم جمعهــا عــن الجميــع‪.‬‬ ‫مجموعــات ضخمــة مــن المعلومــات التــي يتـ ُّ‬ ‫المتزايد والســيئ بما فيه الكفاية‪ ،‬ولكن أيض ًا تدمير البيئة ‪ -‬الموائل‪ ،‬والبالســتيك‬ ‫ُ‬
‫اإللكترونيــة الموجــودة حولــك تلتقــط‬ ‫ـإن كلّ القمامــة‬‫إذا كنــت تقــود ســيارة‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ـوائي‪ ،‬والزراعة غير‬
‫ّ‬ ‫الصحي العشـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫دمــر لحيــاة المحيطــات‪ ،‬والقمامة والصــرف‬ ‫الم ِّ‬ ‫ُ‬
‫معلومــات حــول مــا تفعلــه‪ ،‬وإلــى أيــن تذهــب‪ ،‬كلّ شــيء آخــر مرتبــط بقيادتك‪.‬‬ ‫ـاس‪ ،‬وهــو مــا يفتــح‬ ‫الصناعيــة‪ ،‬بشــكلٍ وحشــي وقـ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ـتدامة‪ ،‬وإنتــاج اللحــوم‬ ‫المسـ َ‬ ‫ُ‬
‫جيــد لشــركات التأميــن‪ .‬نحــن نصــل إلــى النقطــة التــي قــد تحصــل فيهــا‬ ‫هــذا ّ‬ ‫الحيويــة يعنــي‬ ‫ّ‬ ‫للمضــادات‬ ‫ـور ُ‬ ‫المتهـ ِّ‬
‫أن االســتخدام ُ‬ ‫البــاب أيض ـ ًا لألوبئــة‪ .‬كمــا ّ‬
‫ـر ًة أخــرى‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـت‬
‫ـ‬ ‫فعل‬ ‫إذا‬ ‫ـر‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫أحم‬ ‫ٍ‬
‫ـوء‬ ‫ـ‬ ‫بض‬ ‫ـررت‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫«لق‬ ‫ـك‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫يق‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫تحذي‬ ‫علــى‬ ‫ـول بســرعة أكبــر‪ ،‬لذلــك توجــد اآلن بكتيريــا نجهــل عالجاتها‪.‬‬ ‫أن البكتيريــا تتحـ َّ‬
‫الصينيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حصتــك مــن التأميــن»‪ .‬وإذا اكتشــفوا أنــك تحــب المطاعــم‬ ‫ســتزيد ّ‬ ‫والتصرفــات‪ ،‬مدفوعــة بالحاجــة إلــى المزيــد مــن الربــح‬ ‫ُّ‬ ‫كلّ هــذه األعمــال‬
‫ـي علــى ُبعــد نصــف ميــل‪ .‬هــذا ال‬ ‫ـ‬ ‫صين‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫مطع‬ ‫ـود‬‫ـ‬ ‫بوج‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫يفي‬ ‫ســتتلقى إشــعار ً‬
‫ا‬ ‫ـمى‬ ‫ُ َّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـف‬‫ـ‬ ‫منتص‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫بح‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫نح‬ ‫ـواع‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫لألن‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫كبي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـار‬‫ـ‬ ‫دم‬ ‫ب‬ ‫والســيطرة‪ ،‬تسـ ِّـب‬
‫ّ‬
‫يبــدو ســيئ ًا للغايــة‪ .‬إنــه ســيئ‪.‬‬ ‫«االنقــراض الســادس»‪ .‬حــدث االنقــراض الخامــس قبــل ‪ 65‬مليون ســنة‪ ،‬عندما‬
‫‪127‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫نعوم تشومسكي ▲‬

‫الخصوصيــة‪ ،‬على غرار‬


‫ّ‬ ‫التكنولوجيــا الكبــرى‪ .‬قــد ُيطلب منها تلبية نفس شــروط‬ ‫ـؤدي إلــى الســيطرة والتح ّكــم؛ انتهــى األمــر‪ ،‬لقــد وصــل بالفعــل إلــى‬ ‫لكنــه يـ ِّ‬
‫تعرضــت للتشــهير فــي إحــدى الصحــف‪ ،‬فيمكنــك تقديــم قضيــة‬ ‫الصحــف‪ .‬إذا َّ‬ ‫مرحلــة التجــارب‪ -‬بــدأ هــذا بالفعــل فــي الســويد‪ ،‬عــن طريــق زرع رقائــق فــي‬
‫تعرضــت للتشــهير علــى فيســبوك‪ ،‬فــا يمكنــك فعــل شــيء‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وإذا‬ ‫فــي التشــهير‪.‬‬ ‫العامليــن‪ .‬الحافــز هــو‪ ،‬إذا كانــت لديــك رقاقــة‪ ،‬يمكنــك الحصول على مشــروب‬
‫ـخصي ًا ال أؤمــن بدعــاوى‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـي؟‬‫ـ‬ ‫اإلضاف‬ ‫ـاز‬
‫ـ‬ ‫االمتي‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫لديه‬ ‫ـون‬
‫ـ‬ ‫يك‬ ‫أن‬ ‫لمــاذا يجــب‬ ‫الكــوكا مجانـ ًا مــن آلــة البيــع‪ .‬لكن الشــريحة تراقب أيضـ ًا تحركاتك‪ .‬هــذا يحدث‬
‫التشــهير‪ ،‬ولكــن إذا كانــت موجــودة‪ ،‬فيجــب أن تكــون هــي نفســها للجميــع‪.‬‬ ‫بالفعــل بطــرقٍ أقــلّ تدخـاً‪ .‬لذلــك تراقب الشــركات الكبرى ســائقي الشــاحنات‪.‬‬
‫يمكــن أن تفعــل ذلــك مــن خــال جميــع القمامــة اإللكترونيــة مــن حولهــم‪.‬‬
‫ـخاص أثنــاء الوبــاء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قدمهــا أشـ‬ ‫هنــاك األنانيــة‪ ،‬وهنــاك أيض ـ ًا تضحيـ ٌ‬
‫ـات هائلــة َّ‬ ‫إذا توقفــوا لفتــر ٍة طويلــة فــي مــكان للذهــاب إلــى الحمــام أو شــيء مــن هــذا‬
‫ومقدمــي الرعاية الذين قاموا‬
‫ِّ‬ ‫الطبية‬
‫ّ‬ ‫ـوارئ‬
‫والممرضيــن وفــرق الطـ‬
‫أذكــر األطبــاء ُ‬ ‫ـلبية؛ وإذا توقفــوا‪ ،‬حيــث ال يجــب‪،‬‬ ‫القبيــل‪ ،‬فإنهــم ســيحصلون علــى نقـ ٍ‬
‫ـاط سـ ّ‬
‫بعمــلٍ غيــر عــادي‪.‬‬ ‫فســتخصم مــن رصيدهــم مجموعــة مــن النقــاط‪ .‬وهنــاك الكثيــر مــن األمثلــة‪،‬‬
‫عملــك دائمـ ًا فــي خطــر‪ .‬يزعمــون أنهــم قامــوا بتحســين الكفــاءة بشــكلٍ كبيــر‬
‫ـرية‪ .‬في‬‫حقيقية لما يمكن أن تحقّقه الروح البشـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـدق‪ .‬إنها إشــارة‬ ‫ـر ال يصـ َّ‬‫‪ -‬إنــه أمـ ٌ‬ ‫ـدد أقــلّ مــن األفــراد‪ .‬يعمــل أمازون‬ ‫بهــذه الطريقــة‪ -‬المزيــد مــن التســليمات بعـ ٍ‬
‫المجتمعات‬ ‫ُ‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫غالب‬ ‫ـرى‪،‬‬
‫ـ‬ ‫أخ‬ ‫بلدان‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫وف‬ ‫هنا‪،‬‬ ‫ـل‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫البرازي‬ ‫ـم‪-‬‬‫ـ‬ ‫العال‬ ‫ـاء‬
‫ـ‬ ‫أنح‬ ‫جميــع‬
‫بإحكام‬
‫ٍ‬ ‫ـم مراقبــة األشــخاص‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫تت‬ ‫ـازون‪،‬‬ ‫بهــذه الطريقــة‪ .‬فــي مــكان العمــل فــي أمـ‬
‫األكثــر فقــراً‪ -‬يجتمــع النــاس للتــو فــي مجموعــات دعــم متبــادل‪ .‬دعنــا نجتمــع‬
‫شــديد‪ .‬إنــك تســلك المســار الخاطــئ بين هــذا المكان وذلــك المكان‪ ،‬وســتتلقى‬
‫المســن الــذي علــق فــي منزلــه فــي مــكانٍ مــا وليــس لديــه‬ ‫ونســاعد ذلــك الرجــل ُ‬ ‫إلكترونيـ ًا بشــأن ذلــك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إشــعار ًا‬
‫أي طعــام‪ .‬أو دعنــا نلتــقِ وننظّ ــم وننشــئ بنــك طعــام‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪ .‬النــاس‬
‫المثــال الــذي ن ّتجــه إليــه يشــبه الصيــن‪ ،‬حيــث مــدن بالكامــل تعمــل علــى مــا‬
‫قــادرون علــى كل أنواع األشــياء‪.‬‬
‫ـي‪ .‬تحصــل‪ ،‬لنقــل علــى‪ 1000 ،‬نقطــة‪ ،‬وأنــت‬ ‫ـمى بنظــام االئتمــان االجتماعـ ّ‬ ‫ُيسـ َّ‬
‫ـي‪ ،‬أحــد األمثلــة علــى دولــة ُتظهــر‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الدول‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫الصعي‬ ‫بالمناســبة‪ ،‬هنــاك أيضـ ًا علــى‬ ‫ُ‬ ‫اإللكترونيــات‪ .‬إذا‬
‫ّ‬ ‫مشــددة‪ :‬نظــام الكاميــرات‪ ،‬تحديــد الوجــه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تحــت مراقبــة‬
‫ـد غنــي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫بل‬ ‫ـاك‬
‫ـ‬ ‫هن‬ ‫‪.‬‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫األوروب‬ ‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫االتح‬ ‫ى‬ ‫ـم‬
‫ُ َّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ـان‬‫ـ‬ ‫كي‬ ‫الحقيقيــة‪ .‬هنــاك‬
‫ّ‬ ‫األمميــة‬
‫كســرت إشــارة المرور‪ ،‬ستخســر رصيدك من النقاط؛ إذا قمت بمســاعدة ســيدة‬
‫الجا ِئحــة بنجــاح‪ .‬علــى ُبعــد ميليــن إلــى الجنــوب هنــاك‬ ‫ألمانيــا‪ ،‬تعامــل مــع َ‬ ‫ـد ًا كلّ شــيء يصبــح‬ ‫عجــوز تعبــر الشــارع‪ ،‬فســتحصل علــى أرصــدة‪ .‬قريب ـ ًا جـ ّ‬
‫ِ‬
‫ـع صعــب‪ .‬يوجــد في شــمال إيطاليــا جائحة‬ ‫ـمى إيطاليــا‪ ،‬وهــي فــي وضـ ٍ‬ ‫دولــة ُتسـ َّ‬ ‫داخليـاً‪ .‬لدرجــة أنــك ال تالحــظ شــيئاً‪ .‬إنــه مثــل التو ُّقــف عنــد األضــواء الحمــراء‪.‬‬ ‫ّ‬
‫خطيــرة‪ .‬هــل ســاعدتهم ألمانيــا؟ كال‪ ،‬بــل دولــة أخــرى‪ .‬إنهــا كوبــا‪ ،‬البلــد الــذي‬
‫ـددة ومســتمرة‪.‬‬ ‫العالَم‪ .‬أنت تعيش تحت مراقَبة مشـ َّ‬ ‫مجرد طريقة لتســيير َ‬ ‫َّ‬ ‫إنها‬
‫المتحــدة لمــدة ‪ 60‬عامـاً‪ ،‬وحاولــت ســحقها‪ .‬إنهــم يرســلون‬ ‫حاصرتــه الواليــات ُ‬ ‫إذا ف ّكــرت فــي األمــر‪ ،‬حتــى الحصــول علــى وظيفــة ســتكون بهــذا الشــكل‪.‬‬
‫األماميــة لتعويــض مــا ال‬
‫ّ‬ ‫العا َلــم إلــى الخطــوط‬ ‫اآلن األطبــاء فــي جميــع أنحــاء َ‬
‫يفعلــه األغنيــاء واألقويــاء‪ .‬هــذا ليــس بجديــد‪ .‬لقــد كان يحــدث لفتــر ٍة طويلــة‪.‬‬
‫ـمى بإنترنــت األشــياء‪ .‬تحتــوي‬ ‫ـر ســوء ًا عندمــا تنتقــل إلــى مــا ُيسـ َّ‬‫ســيزداد األمـ ُ‬
‫اإللكترونيــة‪ ،‬لــذا إذا كنــت تقــود ســيارتك إلــى‬ ‫ّ‬ ‫ـزة‬‫ـ‬ ‫األجه‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫بع‬ ‫ثالجتــك علــى‬
‫لكــن ال ُيســمح لنــا بمالحظــة ذلــك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫المنــزل‪ ،‬فيمكنــك االعتمــاد عليهــا ل َن ْقــلِ شــيء مــن الفريــزر أو شــيء مــن هــذا‬
‫■ حوار‪ :‬ديفيد بارساميان ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود‬ ‫القبيــل‪ .‬كلّ هــذه األشــياء ســتلتقط معلومات عنك‪ .‬ســيتم مراقبــة كلّ ما تفعله‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وتنقلــه لشــركات التكنولوجيــا الكبــرى واألخ األكبــر الــذي يجمعهــا فــي مــكانٍ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪https://lithub.com/noam-chomsky-what-history-shows-us-about-responding-to-coronavirus/‬‬ ‫ضخــم لالســتخدام‪ ،‬إذا لــزم األمــر‪.‬‬
‫مايو ‪2020‬‬ ‫ال شــيء مــن هــذا يجــب أن يحــدث‪ .‬بــادئ ذي بــدء‪ ،‬يمكــن تفكيــك شــركات‬

‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪128‬‬


‫رتد قنا َعك»‬
‫«ا ِ ِ‬
‫الحياة بنصف وجه‬
‫للتصدي‬ ‫ّ‬ ‫ملتاحة اليوم‬‫أحد اإلمكانــات ا ُ‬‫ـض النظر عن كونه َ‬ ‫وريــة‪ ،‬وبغَ ـ ّ‬
‫الض ّ‬‫الصح ّيــة ّ‬
‫ّ‬ ‫ـض النظــر عــن دواعــي ارتــداء القنــاع‬ ‫بغَ ـ ِّ‬
‫وح ْج ًبــا‬
‫العمــق‪ ،‬لتعـ ُّـدد الحيــاة الخصيــب‪َ ،‬‬
‫ـارا‪ ،‬يف ُ‬
‫ـقيته‪ ،‬وإفقـ ً‬‫للوجــه بتجريــده مــن نسـ ّ‬
‫ـارا َ‬ ‫ِ‬
‫للجائحــة‪ ،‬فإ ّنــه يبــدو إفقـ ً‬ ‫زئيــا َ‬
‫ُج ًّ‬
‫تصفيــة القلــب وتخليــص‬
‫ّ‬ ‫ـل عــى‬ ‫والصفــاء‪ ،‬فالعمـ ُ‬
‫ّ‬ ‫الجــال والكـ َـرم والضيافــة‬‫ـص يف َجســد اإلنســان باحتضــان َ‬ ‫لجــزء ُخـ َّ‬ ‫ُ‬
‫الوجــه‪.‬‬
‫َ‬ ‫يف‬ ‫ّ‬
‫إل‬ ‫ـى‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫يتج‬ ‫ال‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فيه‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫ظل‬ ‫ُ‬
‫مل‬ ‫ا‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬‫م‬‫ِ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫النف‬

‫بضيــاع‬ ‫ـن َ‬ ‫أيضــا؛ فضــاع الباطـ ُ‬ ‫ظاهــره الــذي بــه وفيــه يشــتغلُ باط ُنــه ً‬ ‫وي ُتــه‪ ،‬وقــد‬ ‫ـد ُد ُه ّ‬ ‫يتميـ ُز وبــه تتحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـان عــن َو ْجهــه‪ ،‬إذ بــه‬ ‫ال ينفصــلُ اإلنسـ ُ‬
‫ـأت‬ ‫هيـ ْ‬ ‫ـة الوجــه‪ّ ،‬‬ ‫ـتوعبه داللـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـد ّي الــذي تسـ‬ ‫الظاهــر‪ .‬بهــذا المعنــى الضـ ّ‬ ‫جعل‬ ‫َ‬ ‫ضاعفً ا‪ ،‬علــى نحو‬ ‫ـه‪ ،‬انطال ًقــا مــن تركيبته‪ ،‬ألن يكــون ُم َ‬ ‫الوجـ ُ‬ ‫تهيــأ َ‬ ‫ّ‬
‫ـكان قراءتــه ِمــن ثــاث زوايــا؛ زاويــة الظاهــر وزاويــة‬ ‫ومــا إمـ َ‬ ‫ـه َد ً‬ ‫مالمحـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫القدحي‬ ‫ّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫بالمعن‬ ‫ال‬ ‫ن‪،‬‬ ‫جهي‬
‫ْ‬ ‫بو‬
‫َ‬ ‫ـش‬‫َ‬ ‫ـ‬ ‫عي‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ـدء‬ ‫ـ‬ ‫الب‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ـذور‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫من‬ ‫ـان‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬
‫التقابــات التــي َيقــوى‬ ‫ُ‬ ‫كلَّ‬ ‫ـدان‬ ‫ـ‬ ‫جس‬
‫ِّ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫زاويت‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫أساس‬
‫ً‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫وه‬
‫ُ‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫الباطـ‬ ‫غيــر مــا ُيبطــن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المــرء‬ ‫جــه بالنفــاق‪ ،‬وبإظهــار َ‬ ‫الو ُ‬ ‫اقتــرن فيــه َ‬ ‫َ‬ ‫الــذي‬
‫التقابــل‪ ،‬بــل‬ ‫ُ‬ ‫ـم زاويــة ثالثــة ال تقــوم علــى‬ ‫ـه علــى احتضانهــا‪ ،‬ثـ ّ‬ ‫الوجـ ُ‬ ‫َ‬ ‫الوجه َوفق‬ ‫ـأول َ‬ ‫ـر لتـ ُّ‬ ‫آخـ ُ‬‫ـى َ‬ ‫ـي منحـ ً‬ ‫والتحايــل‪ .‬فالمعنــى القدحـ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـون‬ ‫وبالتلـ ُّ‬
‫الوجــه‪ ،‬إذ ليــس عب ًثــا‬ ‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ي‬
‫ّ ْ‬‫الضد‬ ‫ِ‬
‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫لق‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬‫ت‬‫ّ‬ ‫يتأ‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫ثال‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫نص‬ ‫ع‬ ‫عل ُ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ووفق ِفعل‬ ‫َ‬ ‫ـل‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫للتأوي‬ ‫المنحى‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ّها‬ ‫ق‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫التي‬ ‫بة‬ ‫ـع‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫تش‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـدادات‬ ‫االمتـ‬
‫ضاعــف‬ ‫وإن لــم ُي َ‬ ‫ـانين‪ ،‬حتــى ْ‬ ‫وأذنيــن وبلسـ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ينيــن‬‫بع ْ‬ ‫ـه َ‬ ‫الوجـ ُ‬ ‫ـون َ‬ ‫أن يكـ َ‬ ‫ـر دراســات عديــد ًة الســتجالء تعقّد‬ ‫صيغــه التــي تنتظـ ُ‬ ‫ـدد َ‬ ‫االنتحــال بتعـ ُّ‬
‫ضاعفــة انطال ًقــا مــن‬ ‫َ‬ ‫للم‬
‫ً ُ‬ ‫ا‬‫ـر‬‫ـ‬ ‫ضم‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫يبق‬ ‫إذ‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫عضوي‬
‫ًّ‬ ‫ـان‬
‫اللسـ ُ‬ ‫قديما‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫األدب‬ ‫غناه‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ـتجالء‬ ‫ـ‬ ‫والس‬ ‫األولى‪،‬‬ ‫مظاهره‬ ‫ـي‬ ‫هــذا ال ِفعــل فـ‬
‫ـده‪.‬‬ ‫الالنهائيــة علــى قــول الشــيء وضـ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫طاقتــه‬ ‫ـرا من مظاهــر تقلّباتهــا وزيفها‪.‬‬ ‫الحيــاة ومظهـ ً‬ ‫َ‬ ‫ـزءا مــن‬ ‫ـدو ُجـ ً‬ ‫قبــل أن َيغـ َ‬ ‫ْ‬
‫أن‬
‫ضاعفــة ّإل ليتس ـ ّنى لــه ْ‬ ‫الم َ‬ ‫ـه علــى هــذه الصــورة ُ‬ ‫الوجـ ُ‬ ‫مــا تَشــكّ َل َ‬ ‫ـتفاد من‬ ‫ـر مــا ُيسـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫جهي‬
‫ْ‬ ‫بو‬
‫َ‬ ‫ـش‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫بالع‬
‫َ‬ ‫ـياق‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـود‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المقص‬
‫فقهما‬ ‫و‬
‫َْ ُ ْ َ َ ُ‬‫ع‬ ‫ِ‬
‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫وي‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫بصيغ‬ ‫ع‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫وي‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬‫أيض‬‫ً‬ ‫بهما‬ ‫ى‬ ‫ـر‬
‫ُ َ‬ ‫ـ‬ ‫وي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫باحتمالي‬
‫ْ‬ ‫َيــرى‬ ‫ـق علــى صــور ٍة‬ ‫ـان ُخلـ َ‬ ‫أن اإلنسـ َ‬ ‫المــراد بــه ّ‬ ‫ـي الســابق‪ ،‬إذ ُ‬ ‫المنحــى القدحـ ّ‬ ‫َ‬
‫ف بما ينطوي‬ ‫ضاع ٌ‬
‫عني ْين؛ هــو ُم َ‬ ‫بم َ‬ ‫ف َ‬ ‫ضاع ٌ‬ ‫أي وجــه‪ُ ،‬م َ‬ ‫كذلــك‪ .‬فالوجــه‪ُّ ،‬‬ ‫أكثر‬‫َ‬ ‫كان‬ ‫ـان‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫َركيبة‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫جه‪،‬‬ ‫الو‬
‫ّ َ‬ ‫وأن‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كينونت‬ ‫أس‬ ‫َّ‬ ‫لت‬‫ْ‬ ‫ـكّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ضد‬
‫ّ‬
‫ألن ُيتل ّقــى فــي َضوئــه‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬وبمــا بــه َيتل ّقــى‬ ‫ـه قابـ ً ْ‬ ‫ـا‬ ‫ويجعلـ ُ‬ ‫عليــه َ‬ ‫دوما على‬ ‫الوجــه ً‬ ‫مالمح َ‬ ‫ُ‬ ‫ـوت‬ ‫ـد انطـ َ‬ ‫الضد ّيــة‪ .‬فقـ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ـيدا لهــذه‬ ‫أجزائهــا تجسـ ً‬
‫خارجــه‪ ،‬مــن جهــة أخــرى‪ ،‬أل ّنــه‬ ‫َ‬ ‫ـر‪ ،‬أي مــا بــه َيتل ّقــى‬ ‫اآلخـ َ‬ ‫نفســه َ‬ ‫هــو ُ‬ ‫ـزن‬ ‫الحـ ُ‬ ‫ـم ُ‬ ‫ـده؛ يرتسـ ُ‬ ‫ـيء وضـ ُّ‬ ‫ـم الشـ ُ‬ ‫ـد ّي‪ ،‬إذ عليهــا َيرتسـ ُ‬ ‫البعــد الضـ ّ‬ ‫هــذا ُ‬
‫ذات صبغة‬ ‫الحالتيــن‪ُ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ضاعفــة‪ ،‬فــي‬ ‫الم َ‬ ‫ـم ُع بأذن َْيــن‪ُ .‬‬ ‫ويسـ َ‬ ‫ينيــن َ‬ ‫بع ْ‬ ‫َيــرى َ‬ ‫ـكينة والقلــق‪ ،‬وغيرهــا مــن األضــداد‪،‬‬ ‫ـب والرضــا‪ ،‬السـ ُ‬ ‫ـرح‪ ،‬الغضـ ُ‬ ‫والفـ َ‬
‫الوجــه‪َ ،‬ينطــوي‬ ‫َ‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫أعض‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـو‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫عض‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫بم‬ ‫ـان‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اللس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫وح‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ضد ّيـ‬
‫ّ‬ ‫التقابالت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كلِّ‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫الحتض‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫قابل‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫المالم‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ألن ه‬ ‫ّ‬
‫ضاعــف‬ ‫الضد ّيــة‪ ،‬إذ يبقــى‪ ،‬وإن لــم ُي َ‬ ‫ّ‬ ‫كمــا سـ َـبقت اإلشــارة علــى هــذه‬ ‫ـه علــى اإلظهــار واإلخفاء‪،‬‬ ‫أيضــا طاقتـ ُ‬ ‫ـون ُتوازيهــا ً‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫للتل‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الو‬
‫َ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫قابلي‬
‫ّ‬ ‫إن‬‫ّ‬
‫ـدر علــى تقديــم الشــيء الواحــد فــي صــورة‬ ‫الوجــه‪ ،‬األقـ َ‬ ‫عضويــا فــي َ‬ ‫ًّ‬ ‫مقلوبــا إلــى‬ ‫ً‬ ‫ـيء‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫إظه‬ ‫أي‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بط‬ ‫ي‬‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫غي‬ ‫ِ‬
‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫إظه‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـل‬ ‫بـ‬
‫الوجــه‪ ،‬علــى أخطــر ال ِّنعــم بتعبيــر هيدغــر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ـن‬ ‫ُ َ‬‫ـ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ائ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ضد ّيـ‬ ‫ّ‬ ‫ألن تَركيبــة الوجــه قائمــة‪ ،‬فــي اآلن ذاته‪ ،‬على ما ُيــرى فيه وعلى‬ ‫ـده‪ّ ،‬‬ ‫ضـ ّ‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ـمها ً‬ ‫ـل ال عب َئهــا وحســب‪ ،‬بل اسـ َ‬ ‫تحمـ َ‬ ‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫اللغ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـن‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ائ‬ ‫أي‬ ‫إن للوجــه‪ ،‬فــي حقيقتــه‪،‬‬ ‫ـر وباطــن‪ّ .‬‬ ‫ـم‪ ،‬ظاهـ ٌ‬ ‫مــا ال ُيــرى‪ ،‬وهــو‪ ،‬مــن ثـ ّ‬
‫جعــل‬ ‫ْ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫وعل‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫الضد‬
‫ّ‬ ‫ـاج‬ ‫ـ‬ ‫إنت‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـدر‬ ‫ـ‬ ‫أق‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫لي‬ ‫ـك‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫لذل‬ ‫طويــا فــي مــا ُيــرى منــه وفــي‬ ‫ً َ ًّ‬ ‫م‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫وباط‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫من‬ ‫ـرا يرتبــط بمــا َيبــدو‬ ‫ظاهـ ً‬
‫ـن اللســان‪ ،‬أي اللغــة‪ .‬علــى‬ ‫ضدهــا‪ِ ،‬مـ َ‬ ‫ـر فــي ُصورتــه وفــي ِّ‬ ‫الشــيء َيظهـ ُ‬ ‫ممــا يــدلُّ‬ ‫ـي يــدلُّ ‪ّ ،‬‬ ‫إن لفــظ الوجــه فــي اللســان العربـ ّ‬ ‫مــا ال ُيــرى‪ ،‬حتــى ّ‬
‫تخيــلُ‬
‫وإن كان ُّ‬ ‫ـانين‪ ،‬حتــى ْ‬ ‫الوجــه بلسـ ْ‬ ‫ـور َ‬ ‫هــذا األســاس‪ُ ،‬يستســاغُ تصـ ُّ‬ ‫لتفرعاتــه‬ ‫ُّ‬ ‫ـد‬
‫الوجــه معنــى ال حـ َّ‬ ‫عليــه‪ ،‬علــى القلــب‪ .‬لقــد كان لظاهــر َ‬
‫ـرياليا‪ .‬علــى كلٍّ ‪ ،‬فنــوا ُة هــذه الصــورة‬ ‫ًّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ـر‬
‫هــذه الصــورة فــي الواقــع أمـ ً‬ ‫ـار‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫القن‬ ‫ب‬ ‫ـب‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫بس‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬‫ـر راه ً‬ ‫قبــل أن َيختــلَّ هــذا األمـ ُ‬ ‫وأبعــاده‪ْ ،‬‬
‫قصــة آدم‪ ،‬احتمالَ‬ ‫تضم َن‪ُ ،‬منذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضمــر ٌة في اللســان المشــقوق‪ ،‬الذي‬ ‫ُم َ‬ ‫ـن‬ ‫ـه مـ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ـر َم الوجـ َ‬ ‫ممــا حـ َ‬ ‫ـا عليــه‪ّ ،‬‬ ‫ـرا دخيـ ً‬ ‫للوجــه‪ ،‬بــل غــدا ُعنصـ ً‬ ‫الزمــا َ‬ ‫ُم ً‬
‫‪129‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫تظهر‬
‫ُ‬ ‫ـحر الوشــيجة التي‬ ‫ـتنفاد ِسـ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ـع معه اسـ‬ ‫الوجــه‪ ،‬ويتم ّنـ ُ‬ ‫ـر َ‬ ‫حصـ ُ‬ ‫معــه ْ‬ ‫ـق‬ ‫ـانين‪ ،‬وقــد ظــلّ تح ّقـ ُ‬ ‫ـون لسـ ْ‬ ‫ضاعفــة‪ ،‬أي احتمــالَ أن يكـ َ‬ ‫للم َ‬ ‫قابليتــه ُ‬ ‫ّ‬
‫ـر َر الصــورة‪ ،‬ودون‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫تتك‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫ـها‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫العناص‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫داخ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫دوم‬
‫فيــه ً‬ ‫جهين‪ ،‬على‬ ‫َ ْ‬ ‫بو‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫اللغ‬ ‫ـتغالِ‬ ‫ـ‬ ‫اش‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ق‬‫ً‬ ‫انطال‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬‫دوم‬ ‫ً‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ً‬ ‫مك‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ـورة‬ ‫هــذه الصـ‬
‫ِ‬
‫ـرة ُمغايــر ًة ل َن ْفســها‪ .‬لعــلّ‬ ‫ـود فــي كلِّ مـ ّ‬ ‫أن تعـ َ‬ ‫ـد طاق َتهــا علــى ْ‬ ‫أن تفقـ َ‬ ‫ـم يكُ ن‪،‬‬ ‫الم َو ّجــه‪ ،‬الذي لـ ْ‬ ‫نحــو َحــدا بالقدمــاء إلــى الحديــث عن الــكالم ُ‬
‫سـ َن ُد إلــى‬ ‫ي‬ ‫ألن‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ـأ‬ ‫ـ‬ ‫هي‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الو‬ ‫ر‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الالنهائ‬ ‫هــذا‬ ‫جهيــن‪.‬‬
‫ّ ُ ْ ُ ْ‬ ‫َ ُ ُ ََ َ‬ ‫ّ‬ ‫بو ْ‬ ‫كالم َ‬ ‫ٍ‬ ‫فــي داللتــه‪ ،‬ســوى‬
‫أيضــا مــا‬ ‫والجــال‪ ،‬وهــو ً‬ ‫َ‬ ‫ـرم‬ ‫المطلــق‪ُ ،‬مقتر ًنــا‪ ،‬فــي هــذا اإلســناد‪ ،‬بالكـ َ‬ ‫ُ‬ ‫بالصــورة التــي عليهــا‬ ‫ّ‬ ‫أساســا‬‫ً‬ ‫الوجــه ُمرتبـ ٌ‬
‫ـط‬ ‫ضد ًّيــا فــي َ‬ ‫ـد ّ‬ ‫لعــلّ مــا يتو ّلـ ُ‬
‫قديمــا‪،‬‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الصوفي‬ ‫ـدى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫صي‬ ‫خ‬ ‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫مفه‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫لَ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫يتح‬ ‫ألن‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الو‬ ‫َ‬
‫ـأ‬ ‫ـ‬ ‫هي‬ ‫ـط‪،‬‬ ‫ومرتبـ ٌ‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الصوف‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫التأوي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫جه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ـخ‬ ‫ـ‬ ‫ترس‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ـر‪َ ،‬وفــق م‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ظهـ َ‬
‫أن‬ ‫ـوم فــي فلســفته َبعــد ْ‬ ‫ب المفهـ ُ‬ ‫ـع َ‬ ‫ولــدى ليفينــاس حدي ًثــا‪ ،‬الــذي تشـ ّ‬ ‫تجم ُع‬ ‫ـقيته‪ ،‬أي بتلــك الوشــيجة الغامضــة التــي َ‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬بنسـ ّ‬
‫باآلخــر انطال ًقــا‬ ‫َ‬ ‫ـولَ عليــه فــي إعــادة تأويــل الــذات‪ ،‬وتأويــل عالقتهــا‬ ‫عـ ّ‬ ‫ــور التــي بهــا‬ ‫ّ َ‬ ‫الص‬ ‫فــي‬ ‫ر‬‫َّ‬ ‫يتكــر‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫لُ‬ ‫يتشــكّ‬ ‫أعضــاء الوجــه‪ ،‬وبهــا‬ ‫َ‬
‫ـه بالضيافــة والمســؤولية‪.‬‬ ‫ـط الوجـ َ‬ ‫ـي َيربـ ُ‬ ‫ِّ‬
‫مــن ُمنطلــق إيتيقـ ّ‬ ‫غيــر االختــاف‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ـد‬
‫ُ‬ ‫ـ‬‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ـقي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نس‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ضم‬ ‫ـه‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫مالمح‬ ‫ـلُ‬ ‫ـ‬ ‫تتفاع‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫وفيه‬ ‫َيظهــر‪،‬‬
‫ـط باالنكمــاش الــذي طالــه‪ ،‬أي‬ ‫الوجــه اليــوم ُمرتبـ ٌ‬ ‫ـتحضار دالالت َ‬ ‫ُ‬ ‫اِسـ‬ ‫ـن‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ولك‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫تفاعل‬ ‫م‬
‫َ ُ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫عناص‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫واح‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫نص‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـه‬ ‫َ ُ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الو‬ ‫لُ‬ ‫ـكّ‬ ‫ال يتشـ‬
‫عامــة فــي‬ ‫ـي بصــورة ّ‬ ‫اليومـ َّ‬ ‫ـس َ‬ ‫ممــا مـ َّ‬ ‫ـزءا ّ‬ ‫ـه فغــدا ُجـ ً‬ ‫بتغيـ ٍر َم ّسـ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ـط‬ ‫ُمرتبـ ٌ‬ ‫ـف‪،‬‬ ‫نفســها مــا بــه يتشــكّ لُ كلُّ َوجــه‪ ،‬ال تكـ ُّ‬ ‫هــذه العناصــر‪ ،‬التــي هــي ُ‬
‫والتعايش‬ ‫ُ‬ ‫ـش‬ ‫ـ‬ ‫العي‬ ‫تفاصيل‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ها‬ ‫إيقاع‬
‫َ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫فرض‬‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ئ‬ ‫ا‬ ‫الج‬ ‫َزمــن َ‬ ‫ـه‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬
‫َ ُ‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫بم‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ـقي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫النس‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ورته‬ ‫ص‬ ‫عددهــا‪ ،‬عــن تجديـ ُ‬
‫ـد‬ ‫ـة َ‬ ‫علــى ق ّلـ ِ‬
‫ـار فيــه هــذا‬ ‫أثرهــا ال فقــط إلــى َوجــه الحيــاة‪ ،‬علــى نحــو صـ َ‬ ‫ـد ُ‬ ‫حتــى امتـ َّ‬ ‫تكــون صــور ُة كلِّ‬ ‫ُ‬ ‫ــور ظهــوره‪ ،‬إذ‬ ‫أي صــورة مــن ُص َ‬ ‫يتكــر َر فــي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِمــن أن‬
‫أبعد‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـر‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫األث‬ ‫هذا‬ ‫ـد‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫امت‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـات‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫القطاع‬ ‫كلّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ت‬
‫ً‬ ‫الف‬ ‫ا‬ ‫ـاح‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫اكتس‬ ‫ـداد‬
‫االمتـ ُ‬ ‫الوجــوه‪ ،‬وإن انب َنــت‬ ‫ـه عــن غيــره مــن ُ‬ ‫لتميــزه و ِلمــا َي ْفصلـ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َوجــه ُمنتجــةً‬
‫ـير فــي األرض‬ ‫لز ًمــا بــأن َيسـ َ‬ ‫ـار ُم َ‬ ‫مــن ذلــك‪ ،‬إلــى َوجــه اإلنســان الــذي صـ َ‬ ‫الوجــوه‪ .‬فالوجه‬ ‫ـترك فــي ُ‬ ‫المشـ َ‬ ‫أساســا علــى العناصــر ذاتهــا‪ ،‬أي علــى ُ‬ ‫ً‬
‫أقنع َتــه علــى امتــداد التاريــخ‬ ‫ـرف كيــف ُيخفــي َ‬ ‫فعليــا َبعــد أن عـ َ‬ ‫ًّ‬ ‫ُمق ّن ًعــا‬ ‫عدد‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫ّ‬ ‫ـدود‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المح‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ا‬ ‫ـاد‬
‫ً‬ ‫ـ‬ ‫اعتم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ِّق‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫خصيص‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـدود‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫مح‬ ‫ال‬
‫الجائحة عــن حقيقة‬ ‫ِ‬ ‫«كشــفَ ت» َ‬ ‫َ‬ ‫ـف َوجهــه ال َفوقــه‪ .‬فهــل‬ ‫ويجعلهــا خلـ َ‬ ‫ـك‬ ‫ـد مــن هــذا القليــل َيمتلـ ُ‬ ‫مــا بــه يتشــكّ لُ قليــلٌ للغايــة‪ ،‬لكّ ــن مــا يتو ّلـ ُ‬
‫قناعــه‪ ،‬وأرغم ْت ُه على أن‬ ‫خفي‬ ‫ي‬ ‫أل‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ألز‬ ‫ـأن‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫قناعه‪،‬‬ ‫ـة‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫حقيق‬ ‫اإلنســان؛‬ ‫له‬ ‫تأو‬ ‫إذ‬ ‫ـد؛‬ ‫ـ‬ ‫الواح‬ ‫د‬ ‫تعد‬ ‫على‬ ‫ـاهدا‬
‫ـه شـ ً‬ ‫الوجـ ُ‬ ‫ـي‪ .‬لذلــك كان َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫صفــةَ الالنهائـ ّ‬
‫فعليــا علــى وجهــه حتــى ال يظــلَّ ُمتسـ ّت ًرا علــى جوهــر حقيقته؟‬ ‫ًّ‬ ‫ضعــه‬ ‫َي َ‬ ‫تعكس صــور َة َوجه واحد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ـادا علــى مرآة ُمك ِّثــرة؛ مرآة ال‬ ‫ٍ‬ ‫الصوفيــة اعتمـ ً‬
‫ـر مــا كان‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ظه‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫ـف‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫كاش‬ ‫ـاع‬
‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫بقن‬ ‫ـد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بعي‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫تأوي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ـر‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫أيتع‬ ‫الوجــوه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫تتج‬ ‫أن‬‫ُ ْ ُ ْ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـماء‬ ‫ـ‬ ‫األس‬ ‫د‬ ‫ـد‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫بتع‬ ‫ر‬‫ـو َ‬
‫الصـ َ‬ ‫ـد ُد ّ‬ ‫بــل ُتعـ ِّ‬
‫ـان كلَّ مظاهــر إخفــاء قناعــه فانتهــى إلــى‬ ‫ـتنفد اإلنسـ ُ‬ ‫ـتورا؟ هــل اسـ َ‬ ‫مسـ ً‬ ‫ضمرة فيــه قائمتان على تو ُّلــد الالنهائي‬ ‫الم َ‬ ‫الوجــه والحكمــة ُ‬ ‫ـقية َ‬ ‫إن نسـ ّ‬ ‫ّ‬
‫ـف‬ ‫فعليــا علــى َوجهه؟ أال يكشـ ُ‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫القن‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫بو‬
‫َ َ‬ ‫ِم‬ ‫ز‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ـأن‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫حقيقت‬ ‫كشــف‬ ‫ْ‬ ‫بحكــم العناصــر القليلــة التــي منهــا‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ـف‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫كش‬ ‫ي‬
‫ُ َ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫فالوج‬ ‫ـدود‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المح‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬
‫ًّ‬
‫ـي بوجــوه ُمق ّن َعــة‪ ،،‬عــن‬ ‫اليومـ ِّ‬ ‫تأملــه فــي ازدحــام َ‬ ‫ـم ُّ‬ ‫هــذا القنــاع‪ ،‬إن تـ َّ‬ ‫صور َتــه ُمتم ّنعــة علــى التكــرار‬ ‫َ‬ ‫ألن‬
‫ـي‪ّ ،‬‬ ‫نســبه إلــى الالنهائـ ّ‬ ‫يتشــكّ لُ ‪ ،‬عــن َ‬
‫والتلون؟‬ ‫ُّ‬ ‫ّب‬ ‫ل‬ ‫التق‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫حقيقتها‬ ‫وتجعلُ‬ ‫ـاة‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـير‬
‫الح ُجــب التــي تَبني َ َ‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ـر‪ ،‬أل ّنه‬ ‫ٌّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫المعنى‪،‬‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫به‬ ‫‪،‬‬ ‫ـه‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫هة‪.‬‬ ‫ـاب‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـات‬‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ّي‬ ‫ل‬ ‫تج‬ ‫ـى‬ ‫حتــى فــي أقصـ‬
‫ـح هــذا‬ ‫الوجــه؟ هــل اكتسـ َ‬ ‫النهائيــة َ‬ ‫ّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـري‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫الب‬
‫َ‬ ‫م»‬ ‫ـد‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫«التق‬ ‫ـز‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫أجه‬ ‫ـل‬ ‫هـ‬ ‫ـدو فــي حقيقتــه‬ ‫ـر بالعناصــر المحــدودة التــي بهــا يتشــكّ ل‪ ،‬ليغـ َ‬ ‫يتك ّثـ ُ‬
‫يتحولَ‬
‫ّ‬ ‫أن‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫معن‬ ‫ما‬ ‫منه؟‬ ‫كبير‬ ‫ز‬ ‫حي‬
‫ِّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫وأتى‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـه‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫وج‬ ‫م»‬ ‫ـد‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫«التق‬ ‫ـد االختــاف من ال ّنســق الذي‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫يتو‬ ‫ـاف‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫االخت‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫دوم‬
‫ً‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫قائم‬ ‫ـا‬‫ـ‬‫جوه‬
‫ُو ً‬
‫ضاعفــة‪ ،‬التي بها‬ ‫الم َ‬ ‫ُ‬ ‫ـئ‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫تنكف‬ ‫أن‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫معن‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـاع؟‬ ‫ـ‬ ‫قن‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الالنهائ‬ ‫مــأوى‬ ‫ـي‪ ،‬علــى نحــو يســتحيلُ‬ ‫ـه تجل ًّيــا لالنهائـ ّ‬ ‫ـر الوجــه وتجع ُلـ ُ‬ ‫ـذه عناصـ ُ‬ ‫تأخـ ُ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪130‬‬
‫ـه‬‫الربــع‪ ،‬أي إلــى نِصــف َوجــه َبعــد أن كان الوجـ ُ‬ ‫الوجــه‪ ،‬إلــى ّ‬ ‫تشــكّ َل َ‬
‫ألن تكون َخصيصــة القناع ال َخصيصة‬ ‫ْ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ضاعف‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫تنح‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ُمضاعفً ــا؟‬
‫ـن وجــه الحيــاة بصــورة‬ ‫ومـ ْ‬ ‫ـن َوجــه اليومــي‪ِ ،‬‬ ‫ـاع ِمـ ْ‬ ‫الوجــه؟ مــا الــذي ضـ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫غيــر أنصافها؟ لقد‬ ‫ْ‬ ‫منها‬ ‫ـرى‬ ‫ـ‬ ‫ي‬
‫َ ُ ُ‬‫د‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ول‬ ‫ـوه‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الو‬
‫ُ‬ ‫ـت‬ ‫عامــة‪َ ،‬بعــد أن اختفَ ـ‬ ‫ّ‬
‫ـا عــن قــراءة المالمــح التــي اختفَ ــت‬ ‫وغيرهــا بديـ ً‬ ‫ُ‬ ‫ـدت هــذه األســئلةَ‬ ‫غـ َ‬
‫الوجــوه فــي الشــارع وفــي‬ ‫ـزا مــن ُ‬ ‫حيـ ً‬ ‫ـارت األقنعــة ُتغطّ ــي ِّ‬ ‫فجــأةً‪ ،‬إذ صـ َ‬
‫التلفزيــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـوات‬ ‫ـ‬ ‫والقن‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الشاش‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ّلت‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫وتس‬ ‫ـاة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـق‬ ‫ُمختلــف َمرافـ‬
‫ـم‬ ‫ـاع زاحـ َ‬ ‫أن القنـ َ‬ ‫ـي‪ ،‬كمــا لــو ّ‬ ‫ـتأثرت باالهتمــام وبالنقــاش العمومـ ّ‬ ‫واسـ َ‬
‫ـن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫وتمكّ‬ ‫ـريع‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫َ ّ‬ ‫ـوع‬ ‫ـ‬ ‫الذي‬ ‫ـها‬ ‫ـ‬ ‫ونافس‬
‫َ‬ ‫ـاحها‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫اكتس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫المرئي‬
‫ّ‬ ‫الصــورة‬ ‫ُّ‬
‫ـا مــن‬ ‫أصـ ً‬ ‫ْ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫ظه‬ ‫كلّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫رته‬ ‫جاو‬
‫ُ َ‬ ‫م‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـز‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫جي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـي‬ ‫فـ‬
‫رئيــة بالقنــاع َمكينــةٌ َوفــق مــا تنطــوي‬ ‫َ ّ‬ ‫الم‬ ‫ـورة‬ ‫ـ‬ ‫الص‬ ‫ّ‬ ‫ـةَ‬ ‫ـ‬ ‫صل‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫لب‬ ‫ص‬ ‫ُ‬
‫آليات اشــتغالها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عليــه‬
‫ـص مــا َيبــدو منه‪،‬‬ ‫ـر ُه وتق ّلـ َ‬ ‫ـد ظاهـ َ‬ ‫الوجــه‪َ ،‬بعــد أن فقـ َ‬ ‫لعــلّ مــا ضــاع ِمــن َ‬
‫ـي الــذي يجعلُ‬ ‫ـرار تركيبتــه‪ِ ،‬‬
‫ـحر الالنهائـ ّ‬ ‫وسـ ُ‬ ‫جمــالُ االختــاف‪ ،‬وأسـ ُ‬ ‫هــو َ‬
‫ـبيل إلــى اســتنفادِ‬ ‫عبــر تك ُّثــر ال َسـ َ‬ ‫ـدد ْ‬ ‫ـف عــن التجـ ّ‬ ‫ـه تجل ًّيــا ال يكُ ـ ُّ‬ ‫الوجـ َ‬ ‫َ‬
‫فالتأم َل‬ ‫ّ‬ ‫ـاه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫معن‬ ‫ة‬ ‫النهائي‬
‫ّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـا‬‫ً‬ ‫ـ‬ ‫دلي‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫كان‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬‫النهائي‬
‫ّ‬ ‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫ـاه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫معن‬
‫ـى‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫غن‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫وم‬
‫ً‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ـكّ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫‪،‬‬ ‫ـره‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ضم‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الالنهائ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫زاوي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـوه‬ ‫الوجـ‬ ‫فــي ُ‬
‫ّ‬
‫ـد‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ـرار‬ ‫ـ‬ ‫أس‬ ‫ـاء‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫فض‬ ‫ـه‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫فالوج‬ ‫د‪.‬‬ ‫ـد‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫تج‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫مجه‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـةً‬ ‫ـ‬ ‫وعالم‬ ‫ـى‬ ‫للمعنـ‬
‫دومــا أ ّنهــا‬ ‫ـح ً‬ ‫الوجــوه ُيفصـ ُ‬ ‫ـر ُ‬ ‫ـن ظاهـ َ‬ ‫ـدا‪ ،‬ولكـ ّ‬ ‫ـف أبـ ً‬ ‫ـرار ال تنكشـ ُ‬ ‫لهــا؛ أسـ ٌ‬
‫طويــةٌ فيــه‪ ،‬فهــي‪ ،‬وإن لــم تكُ ــن ُتــرى‪ ،‬تَحتفــظ بظاللهــا فــي الوجــه‪.‬‬ ‫َم ّ‬
‫أن األســرار هنــاك فــي زاوية‬ ‫المالمــح‪ّ ،‬‬ ‫ـحر َ‬ ‫ـهد‪ ،‬مــن داخــل ِسـ ْ‬ ‫ظــالٌ تشـ ُ‬
‫ـر‬
‫طيــات ظاهــر الوجــه‪ ،‬قبــل أن يختــلّ هــذا الظاهـ ُ‬ ‫طيــة مــن ّ‬ ‫مــا‪ ،‬وفــي ّ‬
‫ـرء‪ ،‬اليــوم‪ ،‬فــي‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـراه‬ ‫ـ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ـن‬‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫مك‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫‪.‬‬ ‫ـه‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫نصفَ‬ ‫ـاع‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫القن‬ ‫ـح‬‫ويكتسـ َ‬
‫جهــا؟‬ ‫ـه لــم َي ُعــد َو ً‬ ‫َوجـ ٍ‬
‫الوجــوه ُمق ّنعــة‪،‬‬ ‫ـرء عــن حقيقتــه‪ .‬هكــذا صــارت ُمعظــم ُ‬ ‫ـح المـ ُ‬ ‫ُيفصـ َ‬ ‫ـض‬ ‫وبغـ ّ‬ ‫روريــة‪َ ،‬‬ ‫الض ّ‬ ‫الصح ّيــة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـض النظــر عــن دواعــي ارتــداء القنــاع‬ ‫بغـ ِّ‬ ‫َ‬
‫للمرء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـبيل‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫قناعه‪.‬‬ ‫ـداء‬ ‫ـ‬ ‫بارت‬ ‫ـرد‬ ‫ـ‬ ‫الف‬ ‫ـزام‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـلطات‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫رص‬ ‫وح َ‬ ‫َ‬ ‫زئيــا‬ ‫للتصــدي ُج ًّ‬ ‫ّ‬ ‫المتاحــة اليــوم‬ ‫أحــد اإلمكانــات ُ‬ ‫النظــر عــن كونــه َ‬
‫ـه علــى وجهــه‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ضع‬ ‫ي‬ ‫أن‬
‫ُ ً ْ َ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫لزم‬ ‫م‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫فق‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫قناع‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫إخف‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـوم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الي‬ ‫ـارا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫وإفق‬ ‫ته‪،‬‬ ‫ـقي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نس‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـده‬ ‫ـ‬ ‫بتجري‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫للو‬
‫ً َ‬ ‫ا‬‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫إفق‬ ‫ـدو‬ ‫للجا ِئحــة‪ ،‬فإ ّنــه يبـ‬ ‫َ‬
‫ـم فــي أطوارهــا‬ ‫ـت التحكّ ـ ُ‬ ‫ـرحية انف َلـ َ‬ ‫دوره فــي مسـ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـؤدي‬ ‫ـرج ليـ ّ‬ ‫قبــل أن َيخـ َ‬ ‫ْ‬ ‫ـص في َجســد‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ُ‬ ‫ـزء‬ ‫ـ‬ ‫لج‬‫َ ْ ً ُ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫وح‬ ‫ـب‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الخصي‬ ‫ـاة‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫د‬ ‫ـد‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫لتع‬ ‫ـق‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫الع‬‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫فـ‬
‫ـادي الملموس‬ ‫الخفي إلى القنــاع المـ ّ‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫القن‬ ‫ـن‬‫َ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ـا‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫خرجيه‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ـن‬‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ح ّتــى ِ‬
‫م‬ ‫والصفــاء‪ ،‬فالعمــلُ‬ ‫ّ‬ ‫والضيافــة‬ ‫م‬ ‫والكــر‬
‫َ‬ ‫مــال‬ ‫الج‬ ‫َ‬ ‫باحتضــان‬ ‫اإلنســان‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ـداء قنــاع‬ ‫بتبيــن مســاره‪ .‬ولكــن أال َيعنــي ارتـ ُ‬ ‫الجا ِئحــة ُّ‬ ‫ـت َ‬ ‫عج َلـ ْ‬ ‫َمنحــى ّ‬ ‫المظلــم فيهــا ال يتج ّلــى ّإل‬ ‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫النف‬ ‫ـص‬ ‫ـ‬ ‫وتخلي‬ ‫تصفيــة القلــب‬ ‫ّ‬ ‫علــى‬
‫ـف َبعــد أن‬ ‫ضاعـ ٍ‬ ‫ـي أ ّننــا فــي الطريــق نحــو قنــاع ُم َ‬ ‫ـر خفـ ٍّ‬ ‫آخـ َ‬ ‫ـاد ٍّي فــوق َ‬ ‫مـ ّ‬ ‫لمكابــدة‬ ‫ـيدا ُ‬ ‫الوجــه‪ ،‬الــذي كان كلُّ ظفَ ــر بانبثــاق ال ّنــور فيــه تجسـ ً‬ ‫فــي َ‬
‫الوجــه ال خصيصــةَ قنــاع؟‬ ‫إن مــا حــلّ‬ ‫ّ‬ ‫ـه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫صفائ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫وتمكين‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫القل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ظلم‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫تجفي‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬ ‫داخليـ‬
‫ميـ ُز َ‬ ‫ـة خصيصــةً ُت ِّ‬ ‫المضاعفـ ُ‬ ‫كانــت ُ‬ ‫ّ‬
‫الحيـ ُز األكبر الذي‬ ‫أيضــا إلى اللســان مادام‬ ‫ـه ً‬ ‫«اِرتـ ِ‬ ‫أن إجها َز اإلنســان على‬ ‫ـه بانكمــاش ُمفقــر‪ ،‬كمــا لــو ّ‬ ‫بالوجــه اليــوم أصابـ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫موجـ ٌ‬‫ـر َّ‬ ‫ـد قناعــك»‪ .‬أمـ ٌ‬
‫المضطلــع‬ ‫ُيغطّ يــه القنــاع هــو الفَ ــم‪ .‬فتغطيــة الفَ ــم‪ِ ،‬‬ ‫ـد فــي انكمــاش‬ ‫ّ َ‬ ‫ـ‬ ‫وتجس‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫علي‬ ‫ـب‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫انقل‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـاة‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫غن‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫وعل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫الطبيع‬
‫وض ْمنــه اللســان ُ‬
‫ضعــون‬ ‫وهــم َي َ‬ ‫ليســت دون داللــة‪ ،‬فقــد بــدا النــاس ُ‬
‫أن‬ ‫ـان بنصــف َوجــه‪ ،‬والحــال ّ‬ ‫ـار اإلنسـ ُ‬ ‫ـز علــى نِصــف َوجهــه‪ ،‬فصـ َ‬ ‫أجهـ َ‬
‫همــة الــكالم‪ْ ،‬‬ ‫بم َّ‬ ‫ُ‬
‫بالتفاعــل الغامــض بيــن أعضائــه‪ ،‬وباألســرار‬ ‫إل‬‫ّ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫وجه‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يك‬ ‫ال‬ ‫ـه‬ ‫الوجـ‬
‫الصمــت‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫تدعوه‬ ‫ـ‬
‫ـةً‬ ‫خفي‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫أن‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫كم‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬‫ه‬ ‫أفواه‬
‫َ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫تغطّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫أقنع‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ـقي ُتها‪ ،‬وبالمجهــول الــذي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ونس‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫األعض‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـة‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫تركيب‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ضمر‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬
‫ـد‬
‫ـم» علــى حـ ّ‬ ‫الص َمـ ُ‬ ‫ـد ّ‬ ‫ـون بالــكالم حتــى «أُ ْح ِمـ َ‬ ‫ـا َبعــد أن امتــأ الكـ ُ‬ ‫قليـ ً‬
‫ـه إلــى‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫لَ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـاع‬ ‫ـ‬ ‫بالقن‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ـور‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ّه‬ ‫ل‬ ‫وك‬ ‫ـه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الوج‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـرأ‬ ‫ـ‬ ‫ُيق‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫اختفَ‬ ‫ٌ‬
‫ـان في‬ ‫افتقدها اإلنسـ ُ‬ ‫َ‬ ‫ـت مــن أجلِّ األشــياء التي‬ ‫المتنبــي‪ .‬فالصمـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫تعبيــر‬
‫مفصولتيــن عــن ســياقهما الــذي كان َيبنــي‬ ‫ْ‬ ‫ـتين‪،‬‬ ‫تو ِّجسـ ْ‬ ‫ينيــن ُم َ‬ ‫ـرد َع ْ‬ ‫مجـ ّ‬
‫المتدفّقــة مــن كلّ مــكان‪ .‬فلو كان‬ ‫الزمــن الحديــث أمــام أمــواج الــكالم ُ‬ ‫ـرار ُهما‪.‬‬ ‫ـون أسـ َ‬ ‫ويصـ ُ‬ ‫مالهمــا َ‬ ‫َج ُ‬
‫ـش فيــه‪.‬‬ ‫ـان مكا ًنــا علــى األرض يعيـ ُ‬ ‫ـد اإلنسـ ُ‬ ‫ـاد ًة ُصلبــة ل ََمــا َوجـ َ‬ ‫ـكالم مـ ّ‬ ‫الـ ُ‬ ‫المرء‪ ،‬اليوم‪ ،‬في الشــارع‪ ،‬وعند‬ ‫عه‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬
‫ينفك‬ ‫ال‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـك»‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫قناع‬ ‫«اِرتـ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ـد َ‬
‫ً‬
‫ـه العالــم قليل حتى‬ ‫َ‬ ‫ص ُمت وجـ ُ‬ ‫ـاء علــى لســانه ول َْي ْ‬ ‫ـع اإلنســان غطـ ً‬ ‫ضـ ِ‬ ‫فل َْي َ‬ ‫ـات العمــل‪ ،‬وفــي ُمختلف‬ ‫المتاجــر‪ ،‬ومداخــل المصانــع‪ ،‬ومحـ ّ‬ ‫عتبــات َ‬
‫ـت عليــه‪.‬‬ ‫ُ َ ْ‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ائ‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫والالنهائ‬ ‫ها‬ ‫ـرار‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫وأس‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫حكمته‬ ‫ـوه‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫الو‬
‫َ ُ‬ ‫ـتعيد‬ ‫تسـ‬ ‫ـمعنا معناه‬ ‫ـديد االلتباس متى سـ ِ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫أمر‬ ‫وهو‬ ‫ة‪.‬‬ ‫اليومي‬ ‫الحياة‬ ‫فضاءات‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫الصحية‬
‫ّ‬ ‫اإلجراءات‬
‫ُ‬ ‫الوجه اليــوم‪ ،‬الذي فرضته‬ ‫انكماش َ‬ ‫َ‬ ‫ـوي أن نقــرأ‬ ‫حيـ ٌّ‬ ‫َ‬ ‫طالب‬ ‫الصح ّي ومن خارج ُمقتضيات الســلوك الذي ُت‬ ‫مــن خــارج اإللزام‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ـه‬
‫وممــا يفتحـ ُ‬ ‫دالالت‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫يحتمل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬‫مم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ً‬ ‫انطال‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ئ‬ ‫ا‬ ‫للج‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫صاح‬ ‫الم‬ ‫ـد إلــى حقيقة‬ ‫ـ‬ ‫مت‬ ‫ي‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫األم‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫بالتزام‬ ‫الجا ِئحــة‬ ‫ظـ ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ ْ َ ُ‬ ‫ـروف َ‬
‫مــن تآويــل‪ .‬فســيرور ُة الحيــاة تبــدو‪ ،‬مــن غيــر تهويــل أو اطمئنــان إلــى‬ ‫كأن الحيــا َة لــم ت َُعــد تحتمــلُ أن يتسـ ّت َر‬ ‫وينفــذُ إلــى َجوهــره‪ّ ،‬‬ ‫اإلنســان َ‬
‫أن يعيش‬ ‫ـود ال إلــى ْ‬ ‫ـلك طريقً ا يقـ ُ‬ ‫ـي‪ ،‬كمــا لــو أ ّنهــا تسـ ُ‬ ‫المنحــى الفجائعـ ّ‬ ‫َ‬ ‫ـه‬ ‫َ ُ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫حي‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫َع‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ول‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫مفضوح‬
‫ً‬ ‫ـدا‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ر‬‫َّ‬ ‫ت‬ ‫ـ‬ ‫التس‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫قناع‬ ‫ـى‬ ‫ـرء علـ‬ ‫المـ ُ‬
‫أن َيعيــش بــا َوجــه‪ ■ .‬خالد بلقاســم‬ ‫ْ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وج‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫ـان‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـرادف لألمــر بــأن‬ ‫ٌ‬ ‫ـر بارتــداء القنــاع ُمـ‬ ‫تنطلــي علــى أحــد‪ .‬وهكــذا‪ ،‬فاألمـ ُ‬
‫‪131‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫ما الذي تكشفه أطروحات املؤامرة خالل وباء «كوفيد ‪»19 -‬؟‬
‫هل تُصنع للخارسين؟‬
‫نظريــات املؤامــرة‬
‫ّ‬ ‫يح ّلــل «أوليفييــه كاليــن»‪ ،‬أســتاذ علــم النفــس االجتامعــي يف جامعــة بروكســل الحـ ّـرة‪ ،‬أســباب انفجــار‬
‫منــذ بدايــة الوبــاء‪ ،‬ونتائجهــا‪.‬‬
‫يدعــي كشــفه مؤامــرة وراء أزمــة فــروس كورونــا‪ ،‬أحــدث‬ ‫يعتــر نجــاح الفيلــم (الوثائقــي) التآمــري‪ ،Hold-up ،‬الــذي ّ‬
‫وخاصــة‬
‫ّ‬ ‫أعــراض هــذا الفكــر‪ .‬منــذ بدايتــه‪ ،‬اقــرن وبــاء «كوفيــد ‪ »19‬بـــ «وبــاء املعلومــات»‪ :‬وبــاء املعلومــات الكاذبــة‪،‬‬
‫نظريــات املؤامــرة‪.‬‬‫ّ‬
‫ـم صنــع الفــروس يف املختــر‪ ،‬وحظــي حتــى بــراءة اخــراع‪ ،‬وســيحتوي اللقــاح عــى‬ ‫ً‬
‫وفقـا لهــذه األطروحــات التآمريــة‪ ،‬تـ َّ‬
‫تقنيــات النانــو‪ ،‬وســتعمل الحكومــات عــى تعميمــه بهــدف التحكّ ــم يف الســكان‪...‬‬
‫نظريــات املؤامــرة‪ ،‬أجــرى موقــع ‪ franceinfo‬مقابلــة مــع «أوليفييــه‬ ‫ّ‬ ‫لفهــم أســباب وعواقــب هــذا االنتشــار الواســع يف‬
‫واملتخصــص يف املؤامــرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كاليــن»‪ ،‬أســتاذ علــم النفــس االجتامعــي يف جامعــة بروكســل الحـ ّـرة‪،‬‬

‫المجموعــات‪ ،‬وهــذا يزيــد مــن شــأنك‪.‬‬ ‫ندد به المدير‬


‫هل يفاجئك هذا «الوباء المعلوماتي» الذي ّ‬
‫الصحة العالمية في مارس المنصرم؟‬
‫ّ‬ ‫العام لمنظَّ مة‬
‫ّ‬
‫فيروســات‪ ،‬لقاحــات‪ ،5G ،‬عملــة مشـفَّرة‪ ..‬أال نشــهد‪ ،‬مــع‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ليــس مفاجئـاً‪ .‬في أوقات األزمات‪ ،‬تنتشــر المعتقدات‬
‫هــذا الوبــاء‪« ،‬تشــابك نضــاالت» تآمريــة؟‬
‫نظريــات المؤامــرة‬ ‫ّ‬ ‫ذات الطبيعــة التآمريــة؛ فتســتجيب‬
‫‪ -‬غالبــ ًا مــا يؤمــن األشــخاص الذيــن يؤمنــون بنظريــة‬ ‫أولهــا معرفــي‪ ،‬حيــن‬ ‫إلــى ثــاث حاجــات نفســية رئيســية؛ ّ‬
‫المؤامــرة‪ ،‬باآلخريــن‪ ،‬لكــن مــا أذهلنــي‪ ،‬مــع هــذا الوبــاء‪،‬‬ ‫يســعى النــاس لفهــم مــا يجــري‪ .‬وتعمــل نظريــة المؤامــرة‬
‫هــو تقــارب المجموعات رغم تباين أصولهــا كل ِّّياً‪ ،‬وإعالنها‪،‬‬ ‫ـدم تفســير ًا‬‫كشــبكة بســيطة لتحليــل واقــع مع ّقــد‪ .‬إنهــا تقـ ِّ‬
‫بشــكل جماعــي‪ ،‬عــن نظريــة المؤامــرة نفســها‪.‬‬ ‫ـم حالــة من عــدم اليقين‪ .‬أمــا الثاني فهو الشــعور‬ ‫فــي خضـ ّ‬
‫فمــن ناحيــة‪ ،‬نجــد مجموعــات مــن اليميــن األميركــي‪،‬‬ ‫تسبب‬ ‫ّ‬ ‫فاألزمة‬ ‫لذاتك‪.‬‬ ‫إيجابية‬ ‫نظرة‬ ‫تكتسب‬ ‫أن‬ ‫أي‬
‫بالرضا‪ّ ،‬‬
‫وأقصــى اليميــن‪ ،‬شــعبوية‪ ،‬ترامبيــة؛ ومــن ناحيــة أخــرى‪،‬‬ ‫حالــة مــن الوهــن النفســي‪ .‬تســمح لنــا نظريــة المؤامــرة‬
‫ـب البديــل‬ ‫ـرك‪ ،‬كمــا يمكننــا‬ ‫باســتعادة التحكّ ــم؛ عندهــا يمكننــا التحـ ّ‬
‫نجــد كلّ هــذا الفضــاء‪ ،‬الــذي ال عالقــة لــه بالطـ ّ‬
‫ـادة للّقاحات‪،‬‬ ‫ـرر عــدم ارتــداء القنــاع‪ .‬لــم نعــد قطيعـ ًا‬ ‫المقاومــة‪ .‬قــد نقـ ّ‬
‫ـاص‪ ،‬الحركة المضـ ّ‬ ‫والــذي يغذّ ي‪ ،‬بشــكل خـ ّ‬
‫ـاص‪ ،‬فيلــم ‪.Hold-up‬‬ ‫يكتفــي باتِّبــاع تعليمــات ســلطة‪ ،‬لــم نعــد نثــق بهــا كثيــراً‪.‬‬
‫ـرق لــه‪ ،‬بشــكل خـ ّ‬
‫وهــذا مــا تطـ ّ‬ ‫أمــا الدافــع الثالــث فهــو التواصــل مــع اآلخريــن‪ ،‬إذ يجــب‬ ‫ّ‬
‫الصح ّيــة واجهــت‬ ‫طريقــة تعامــل السياســيين مــع األزمــة‬ ‫أن تكــون قريبـ ًا مــن أشــخاص آخريــن‪ .‬إنهــا فطــرة إنســانية‬
‫ِّ‬
‫أي مــدى يغــذّ ي منــاخ‬ ‫أساســية‪ .‬مــع الحجــر المنزلــي‪ ،‬يكــون النــاس أكثــر عزلــة‪،‬‬
‫انتقــادات علــى نطــاق واســع‪ .‬إلــى ِّ‬
‫مهددة‪ .‬تســمح‬ ‫وتصبــح شــبكاتهم االجتماعيــة محدودة أو ّ‬
‫عــدم الثقــة فــي الحــكّ ام الفكـ َـر التآمــري؟‬
‫لنــا المؤامــرة بــأن نصبح أعضــاء في المجتمع‪ .‬إن مشــاركة‬
‫‪ -‬فقــدان الث ّقــة فــي الحكومات تفاقم بســبب هــذه األخطاء‬ ‫نظريــات المؤامــرة‪ ،‬التــي تشــكّ ك فــي الخطــاب الســائد‪،‬‬ ‫ّ‬
‫قســمت المجتمــع إلــى‬ ‫اإلداريــة‪ .‬لكــن هــذه المؤامــرة ّ‬ ‫ـرة تشــارك فيها‬ ‫قيمــة‪ .‬ففــي كلّ مـ ّ‬ ‫هويــة ّ‬
‫تمكّ ــن مــن تكويــن ّ‬
‫عاديــون‪ ،‬وأنــاس بســطاء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فئ َت ْيــن رئيســتين؛ األولــى أنــاس‬ ‫غيــرك مقطــع فيديو جديداً‪ ،‬يســتجيب أصدقــاؤك وأعضاء‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪132‬‬
‫بالضــرورة‪ ،‬أفقــر النــاس‪ ،‬بــل هــم أولئــك الذيــن يشــعرون بالهشاشــة‪،‬‬
‫عطــي لآلخرين؛‬ ‫الذيــن لديهــم انطبــاع بــأن شــيئ ًا ما قد ُســلب منهــم أو أُ ِ‬
‫نظريات‬‫ّ‬ ‫ـتبعد ًا أن يتب ّنى أصحاب «الســترات الصفــراء»‬ ‫لذلــك ليس مسـ َ‬
‫مؤامــرة تتوافــق مــع هــذا النــوع مــن البروفايــات‪ .‬كتــب «جوزيــف‬
‫المتخصصيــن فــي المؤامــرة األميركيــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أوسينســكي»‪ ،‬أحــد أعظــم‬
‫«نظريــات المؤامــرة ُتصنــع للخاســرين»‪ ،‬وهــذه العبــارة‬ ‫ّ‬ ‫فــي كتابــه‪:‬‬
‫مناســبة للغايــة‪.‬‬
‫مــن وجهــة نظــر سياســية‪ ،‬تكــون معتقــدات المؤامــرة أكثــر وضوح ـ ًا‬
‫علــى اليميــن منهــا علــى اليســار‪ ،‬وأكثــر لــدى أقصــى اليميــن منهــا لدى‬
‫نظريــات المؤامــرة الخطاب الســائد؛ لذلك من‬ ‫ّ‬ ‫ـدى‬ ‫أقصــى اليســار‪ .‬تتحـ ّ‬
‫ـرف‪ ،‬أيض ـاً‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫المتط‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫اليمي‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫يحم‬ ‫ـى‪.‬‬
‫ـ‬ ‫األقص‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫إل‬ ‫المنطقــي أن يميلــوا‬
‫نظريــات المؤامــرة التــي ترى‬‫ّ‬ ‫تحرريــة للغايــة‪ ،‬تتوافــق مــع‬ ‫أيديولوجيــة ُّ‬
‫أن الدولــة ترغــب فــي التحكّ ــم فــي األفــراد‪.‬‬

‫ّ‬
‫الشك‪ ،‬ثم إلى المؤامرة؟‬ ‫متى ننتقل من التساؤل إلى‬
‫‪ -‬هنــاك العديــد مــن المســارات الفرديــة‪ ،‬لكــن يمكننــا وصــف مســار‬
‫ـك‪ ،‬وعــدم يقيــن‪،‬‬ ‫ـد مــا‪ :‬نجــد أنفســنا فــي لحظــة شـ ّ‬ ‫نموذجــي إلــى َحـ ّ‬
‫فيمــا يتع َّلــق بتجربــة شــخصية أو وضــع اجتماعــي‪ ،‬ونســعى للحصــول‬
‫ـؤدي إلــى وضــع آخــر‪ ،‬وال نتع ّلــق بالخطابــات‪،‬‬ ‫علــى إجابــات‪ .‬وضــع يـ ّ‬
‫فحســب‪ ،‬بــل بأصحــاب الخطابــات‪ ،‬أيضـاً‪.‬‬
‫ســوف ننخــرط فــي هــذه المجتمعــات حيــن نعمــل علــى مشــاركة تلــك‬
‫الخطابــات‪ ،‬ويمكــن أن يكــون مجتمعـ ًا افتراضياً‪ .‬نرتبط عاطفي ًا بشــبكة‬
‫مــن األشــخاص الذيــن نتفاعــل معهــم‪ ،‬ونثــق بهــم‪ ،‬وستســمح لنا هذه‬
‫الهويــة الجماعيــة بالشــعور باالنتمــاء‪ .‬هــذا االعتقــاد ينظّ ــم حياتنــا‬‫ّ‬
‫هويتنــا االجتماعيــة‪.‬‬
‫ـزءا مــن َّ‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ويصبــح جـ ً‬
‫التنشــئة االجتماعيــة‪ ،‬فــي تلــك المجتمعــات‪ ،‬تعنــي أننــا ســننتقل مــن‬
‫الشــك وعــدم اليقيــن إلــى التماهــي مع تلــك الخطابــات‪ .‬ما إن‬ ‫وضعيــة ّ‬ ‫أوليفييه كالين ▲‬
‫تدخــل إلــى المجتمعات المذكورة‪ ،‬حتى تجد نفســك فــي نظام إعالمي‬
‫ـروج لسلســلة كاملــة مــن المعتقــدات‪،‬‬ ‫معــارض كل ّّيـاً‪ ،‬مــن شــأنه أن يـ ّ‬ ‫وآخــرون فضــاء‪ ،‬مــن ناحيــة‪ ،‬والنخــب الجشــعة التــي تحــاول التحكّ م‬
‫ـنتقبلها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫التي‬ ‫ـيحدد طبيعــة المعلومات‬ ‫وسـ ّ‬ ‫واالســتغالل‪ ،‬مــن ناحيــة ثانيــة‪.‬‬
‫ـم‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫تض‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫النخ‬ ‫ـذه‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـوح‪.‬‬‫ـ‬ ‫الوض‬ ‫ـديدة‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫فــي ‪ ،Hold-up‬هنــاك معارضــة‬
‫هل يمكن إقناع المتآمر بخطاب معقول؟‬ ‫والمؤسســات أيض ـاً‪،‬‬ ‫ـم الصحافييــن والعلمــاء‬
‫َّ‬ ‫السياســيين‪ ،‬كمــا تضـ ّ‬
‫‪ -‬إن الدعــوة «لإلقنــاع بخطــاب معقــول» تفتــرض أننــا علــى صــواب‪،‬‬ ‫وكلّهــم مــن أتبــاع الســلطة‪.‬‬
‫المؤشــر‪ .‬مــا يمكنك أن تأمل‬ ‫ِّ‬ ‫وأنهــم مخطئــون‪ .‬األمــل يكمن في تحريك‬ ‫صحافيــي وســائل اإلعــام التقليديــة يوالــون‬ ‫ِّ‬ ‫يشــعر المتآمــرون أن‬
‫فيــه هــو أنــه‪ ،‬بعــد مناقشــتهم‪ ،‬يتراجــع اعتقادهــم بنســختهم بعــض‬ ‫الحكومــات؛ لذلــك هنــاك فقــدان كامــل لشــرعية الخطــاب الصحافي‪،‬‬
‫الشــيء‪ ،‬وتصبــح النســخة المقبولــة‪ ،‬عمومـاً‪ ،‬منطقيــة‪ ،‬فــي نظرهــم‪،‬‬ ‫وهــذا ‪-‬بــدوره‪ -‬يســمح بإضفــاء الشــرعية علــى خطــاب المؤامــرة‪ ،‬ألنــه‬
‫أكثــر مــن ذي قبــل‪ .‬إنــه هــدف يجــب أن نكــون قادريــن علــى تحقيقــه‪.‬‬ ‫محــلّ شــكوك الصحافييــن‪.‬‬
‫بقولنــا‪« :‬أنتــم متآمــرون»‪ ،‬أنــت تقــول فــي الوقــت نفســه‪« :‬أنــا لســت‬ ‫هنــاك‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬فــي فرنســا‪ ،‬فقــدان مقلــق للث ّقــة فــي العلــم والخبــراء‪.‬‬
‫الهوي َت ْين‬ ‫ـم التعبير عنها في هات َْيــن‬ ‫والحقيقــة أن شــخصيات مثــل البروفيســور «ديدييــه راولــت»‪،‬‬
‫َّ‬ ‫متآمــراً»‪ ،‬وأنــت تبنــي العالقــة كما َتـ َّ‬
‫ـداء مــن اللحظــة التــي تبــدأ فيهــا نقاشـ ًا قائمـ ًا علــى‬ ‫مؤيــدي اســتخدام هيدروكســي كلوروكيــن‬ ‫و«كريســتيان بيــرون» (مــن ِّ‬
‫المتعارض َت ْيــن‪ .‬ابتـ ً‬
‫يميزكمــا‪ ،‬لــن يعتبــر ذلــك نقاشـاً‪.‬‬ ‫ـب‪« ،‬لــوك‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫للط‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫نوب‬ ‫ـزة‬
‫ـ‬ ‫جائ‬ ‫ـب‬‫ـ‬ ‫صاح‬ ‫أو‬ ‫كعــاج لفيــروس كوفيــد ‪)19 -‬‬
‫مــا ّ‬
‫أوالً‪،‬‬ ‫مونتانييــه»‪( ،‬الــذي دافــع عن أطروحة الفيــروس المص ّنع في المختبر‪،‬‬
‫ـدث مــع األشــخاص الذيــن يتب ّنــون نظريــات المؤامرة يجــب‪َّ ،‬‬ ‫للتحـ ّ‬
‫يوحدنــا عــوض مــا يفرقنــا‪ ،‬فــي‬ ‫ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـاركة‬ ‫ـ‬ ‫ومش‬ ‫ـتركة‪،‬‬‫ـ‬ ‫مش‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫أرضي‬ ‫ـاد‬ ‫إيجـ‬ ‫ـم تقديمهــم‬ ‫يقدمــون أنفســهم‪ ،‬أو يتـ ّ‬ ‫انطالق ـ ًا مــن فيــروس اإليــدز)‪ِّ ،‬‬
‫ـم‪ -‬يبــدو لــي أنــه مــن‬ ‫َ‬ ‫شــجع علــى انتقــال الخيــال التآمــري إلــى‬ ‫ّ‬ ‫كضحايــا للنظــام‪ ،‬الــذي‬
‫هــذه الحالــة‪ ،‬يمكننــا اعتبــاره نقاش ـاً‪ ،‬و‪ -‬مــن ثـ َّ‬
‫ـاص‪ ،‬تحديــد مصــدر لالنســجام واالتِّفــاق‪ ،‬أو‪ ،‬علــى‬ ‫المجــال العلمــي‪.‬‬
‫ـم‪ ،‬بشــكل خـ ّ‬ ‫المهـ ّ‬
‫ســبيل المثــال تســاؤل‪ ،‬أو حتــى شــعور بعــدم الرضــا فيمــا يتعلَّــق‬
‫هل هناك صورة اجتماعية أو سياسية نموذجية للمتآمر؟‬
‫بطريقــة إدارة الوبــاء‪ .‬فــي بعــض األحيــان‪ ،‬هــذا ال يعمــل‪ .‬هنــاك‬
‫بهوياتهــم حتــى أنهــم ال يريــدون تعريفـ ًا مختلفـ ًا‬ ‫َّ‬ ‫يتمســكون‬
‫َّ‬ ‫أشــخاص‬ ‫نظريــات المؤامــرة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬مــن وجهــة نظــر علــم االجتمــاع‪ ،‬غالبـ ًا مــا تنتشــر‬
‫للعالقــة مــع اآلخــر‪.‬‬ ‫لــدى األشــخاص الذيــن لديهــم إحســاس بالضعــف‪ .‬إنهــم ليســوا‪،‬‬

‫‪133‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫الحقيقيــة‪ ،‬علــى غــرار فضيحــة «ووترغيــت»‪ .‬هــذه األخيــرة تســتند‪،‬‬ ‫فــي هــذه الحالــة‪ ،‬مــن الصعــب‪ ،‬للغايــة‪ ،‬تغييــر آراء هــؤالء‪ ،‬ألننــا‬
‫عــام إلــى تحقيــق شــامل ‪ -‬صحفــي أو قضائــي ‪ -‬يفضــي إلــى‬ ‫ّ‬ ‫بشــكل‬ ‫ال نشــكّ ك فــي المعتقــدات فحســب‪ ،‬بــل فــي مــا يشــكّ ل وجودهــم‪،‬‬
‫كلي ـ ًا مــا إن نســحب ورقــة واحــدة‪.‬‬
‫اعترافــات‪ .‬البيــت الورقــي ينهــار ّ‬ ‫ال من التشــكيك‬ ‫وينظّ مــه‪ .‬يصبــح ذلــك تشــكيك ًا فــي وجودهــم كلّه‪ ،‬بــد ً‬
‫ـد ًا منيعاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫فــي مثــل هــذه القناعــات‪ .‬الخطــاب العقالنــي يجــد أمام‬
‫تفســر نجــاح بعــض الشــخصيات التــي تنقــل هــذه الخطابــات‬
‫كيــف ّ‬ ‫المتطرفة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ـكار‬ ‫ـ‬ ‫ـد مــا‪ -‬محــاوالت التخ ّلــص مــن األف‬
‫وهــذا يشــبه ‪-‬إلــى َحـ ٍّ‬
‫التآمريــة؟‬ ‫التــي ال تنجــح دائمـاً‪.‬‬
‫ومؤيد‬ ‫ـدث بلجيكــي‪ ،‬يعــارض التطعيــم‬ ‫بحــد ذاتهــا‪ ،‬فإنــي أنصــح بذلــك؛ ال علــى‬ ‫ِّ‬ ‫الحقائــق‬ ‫اآلن‪ ،‬إذا ناقشــنا‬
‫ِّ‬ ‫‪« -‬جــان جــاك كريفكــور» (متحـ ِّ‬
‫لألدويــة البديلــة‪ ،‬لــه مقاطــع فيديــو بلهجــات تآمريــة علــى (كوفيــد ‪-‬‬ ‫برمتهــا‪ ،‬بــل انطالق ـ ًا مــن عنصــر أو حقيقــة‬ ‫أســاس نظريــة المؤامــرة َّ‬
‫‪ ،)19‬وح ّقــق نجاحـ ًا كبيــر ًا علــى «يوتيــوب») مــن أكثر الشــخصيات التي‬ ‫ـاص‪ ،‬للشــخص‪ ،‬وتفكيكهــا بعمــق وبأكبــر قــدر‬ ‫تبــدو مقنعــة بشــكل خـ ّ‬
‫ـد مــا‪ .‬أســلوبه فــي نشــر «خي ـ ِر‬ ‫ممكــن مــن االنفتــاح‪ ،‬وهــذا يريحنــا مــن عنــاء الجــدال الــذي ال ينتهي‪.‬‬
‫درســتها‪ .‬إنــه يشــبه المســيح إلــى َحـ ّ‬
‫ـاص‪ .‬مثــل هــذه الشــخصية‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫الــكالم» يجعــل خطابــه مقنع ـ ًا بشــكل‬ ‫صحــة كلّ الحجــج‪ ،‬فلــن نخــرج مــن المتاهــة‪.‬‬ ‫إذا حاولنــا التح ّقــق مــن ّ‬
‫ّ‬
‫وتؤســس لجســور مــن الثقة مع‬ ‫ّ‬ ‫مصداقيتهــا بدايةً ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫تعمــل علــى تعزيــز‬
‫هــل يعنــي ذلــك أن تدقيــق الحقائــق‪ ،‬والتح ّقــق مــن الوقائــع مــن ِق َبــل‬
‫ـدم تأكيدات غير مدعومــة‪ ،‬فيتأثر المتل ّقــي بالخطاب‪.‬‬ ‫المشــاهد ثــم تقـ ّ‬ ‫الصحافييــن غيــر مجـ ٍـد؟‬
‫إنهــم أصحــاب بالغــة عالية‪ .‬يضعون أنفســهم فــي الموقــف الديكارتي‪.‬‬
‫أي شــيء‪ .‬لكــن‬ ‫يقولــون لــك‪ :‬أنــت‪ ،‬رأيــك أنــت‪ ،‬أنــا ال أفــرض عليــك ّ‬ ‫‪ -‬هــذا مــا ك ّنــا نؤمــن بــه لوقــت طويــل‪ ،‬لكنــه ليــس صحيحـاً‪ .‬قبــل بضع‬
‫هــذا مض ِّلــل تمام ـاً‪ ،‬ألنهــم‪ ،‬فــي الواقــع‪ ،‬ال يملكــون الحجــج لتوجيــه‬ ‫ســنوات‪ ،‬كشــفت أبحــاث فــي علــم النفــس عــن وجــود تأثيــر ارتــدادي‬
‫ـدث وفــق‬ ‫االتِّهــام‪ .‬إنــه التالعــب بعينــه‪ .‬ســيقولون لــك‪ ،‬أيضـاً‪« :‬أنــا أتحـ َّ‬ ‫يتمســك النــاس بأفكارهــم أكثر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لعمليــة التح ّقــق مــن الحقائــق‪ ،‬حيث‬
‫مســتوى فهمــك‪ ،‬وبلغتــك أنــت»‪ .‬غالب ـ ًا مــا تكــون مقاطــع الفيديــو‪،‬‬ ‫ـن هنــاك اعتراضـ ًا علــى هــذه الفكرة‪.‬‬ ‫كلَّمــا كشــفنا تناقضاتهــا‪ .‬لكـ ّ‬
‫ـد ًا فــي طريقــة إخراجهــا؛ مــا يعـ ّزز االنطبــاع بأننــا أمــام‬ ‫أيضـاً‪ ،‬سـ ِّـيئة جـ ّ‬ ‫جيــد‪ ،‬لكنها واحدة‬ ‫ّ‬ ‫وعمل‬ ‫ـروري‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫إنه‬ ‫ضروري‪.‬‬ ‫تدقيــق الحقائــق جهــد‬
‫أشــخاص يشــبهوننا‪.‬‬ ‫ـدة أدوات أخــرى‪ ،‬يجــب اســتخدامها بحــذر‪ .‬مثـاً‪ ،‬عندمــا‬ ‫مــن بيــن عـ ّ‬
‫وصعــد‬‫ّ‬ ‫يســتخدم فيلــم «‪ »Hold-up‬تقنيــة تالعــب معروفــة‪ :‬اقتحــم‬ ‫ينقــل شــخص ما خطابـ ًا تآمرياً‪ ،‬قد نقابله بمقال «ند ّقــق فيه الحقائق»‬
‫الحجــة الجدليــة‬
‫ّ‬ ‫ـدم لــك حقيقــة‪ ،‬ثــم أخــرى‪ ،‬وأخــرى‪،‬‬ ‫االشــتباك‪ ..‬نقـ ِّ‬ ‫يعمــل علــى تفكيــك معتقداتــه‪ ،‬مصحوبـ ًا بتعليــق مقتضــب‪ ،‬فهــذا هــو‬
‫تنضــم إلــى الفيلــم‬
‫ّ‬ ‫الشــهيرة‪ .‬هــذه الحجــج ضعيفــة‪ ،‬لكنــك مــا إن‬ ‫أســوأ طريــق للقيــام بذلــك‪ .‬مــن األفضــل إرســال المقــال دون اعتبــاره‬
‫الوثائقــي‪ ،‬وتنخــرط فيــه ألكثر من ســاعتين‪ ،‬حتى تصبح على اســتعداد‬ ‫ال مــن أشــكال الحقيقة المطلقــة‪ ،‬بل كمعلومــات للنقاش‪ ،‬يمكن‪،‬‬ ‫شــك ً‬
‫النظريــات الرائعــة‪ ،‬تمامـاً‪ ،‬التــي لــو ق ُِّدمــت إلينــا‪ ،‬منــذ‬
‫ّ‬ ‫لســماع بعــض‬ ‫مــن خاللهــا‪ ،‬بــدء النقاش‪.‬‬
‫ـد ًا لرغبتنــا فــي المشــاهدة‪.‬‬ ‫البدايــة‪ ،‬لوضعــت حـ ّ‬ ‫خاصــةً مــع األشــخاص‬ ‫ّ‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ّــ‬‫ق‬ ‫ح‬ ‫مفيــد‬ ‫الحقائــق‬ ‫صحــة‬
‫التحقّــق مــن ّ‬
‫المهمشــين قليــاً‪ ،‬وغيــر المقتنعيــن تمامــاً‪ .‬لكــن مــع المتآمريــن‬ ‫َّ‬
‫منصــات‬
‫َّ‬ ‫جمــع فيلــم«‪ »Hold-up‬أكثــر مــن (‪ )280‬ألــف يــورو‪ ،‬علــى‬ ‫األقويــاء‪ ،‬هــذا ال يكفــي‪ ،‬ألنهم ســيعمدون إلى تشــويه المصدر نفســه‪.‬‬
‫التمويــل الجماعــي‪ .‬أال يســلّط ذلــك الضــوء‪ ،‬أيضــ ًا‪ ،‬علــى المخاطــر‬
‫االقتصاديــة للتآمــر؟‬ ‫أال تخشون من تعزيز المؤامرة بالرغبة في محاربتها؟‬

‫‪ -‬األشــخاص الذيــن أنتجــوا ‪ Hold-up‬يشــبهون‪ ،‬إلى َح ّد مــا‪ ،‬المبلّغين‬ ‫‪ -‬منــذ اللحظــة التــي تســعى فيهــا جميــع وســائل اإلعــام التقليدية إلى‬
‫العامــة‪ ،‬لكــن مــن الواضــح أن‬ ‫ّ‬ ‫عــن المخالفــات‪ ،‬ويعملــون للمنفعــة‬ ‫ـرد‬‫تحبونــه كثيــر ًا مجـ َّ‬
‫الذهــاب بعيــداً‪ ،‬بقولهــا إن «هــذا الفيلــم الــذي ّ‬
‫ماد ّيــة‪ .‬فــي البدايــة‪ ،‬يجــب أن تدفــع مقابــل مشــاهدة‬ ‫ـدث عنــا‪.‬‬
‫هــراء»‪ ،‬يتعـ ّزز شــعورنا بــأن هــذه الوســائط ال تتحـ ّ‬
‫مشــاريعهم ِّ‬
‫ـق الوصــول إلــى نتيجــة‬ ‫الفيلــم‪ .‬إذا كان الهــدف هــو منــح الجميــع حـ ّ‬ ‫عندمــا نســمع جوقــة تقــوم بتشــويه خطــاب حقيقــي فــي نظرنــا‪ ،‬حتــى‬
‫عملهــم‪ ،‬فمــن األجــدر وضعــه فــي متنــاول الجميــع‪ ،‬بشــكل مباشــر‪،‬‬ ‫لــو كان مشــكوك ًا فيــه مــن الناحيــة الواقعيــة‪ ،‬فــإن ذلك يمكــن أن يع ّزز‬
‫منــذ البدايــة‪.‬‬ ‫شــعورنا باالنتمــاء إلــى مجتمعنا‪.‬‬
‫نتحــدث عــن‬ ‫يتــم تجاهلــه عندمــا‬ ‫مــا‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫غالبــ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫مــاد‬ ‫جانــب‬ ‫هنــاك‬ ‫ولمــا كان الصحافيــون يفكّ كــون الخطــاب الذي ينقلــه المتآمرون‪ ،‬فمن‬ ‫ّ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جيــد آخــر‪ .‬بالتــوازي مــع‬ ‫ـال‬
‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ـو‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـور»‬‫ـ‬ ‫كريفك‬ ‫ـاك‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـان‬‫ـ‬ ‫«ج‬ ‫ـرة‪.‬‬‫ـ‬ ‫المؤام‬ ‫الســهل عليهــم التشــكيك فــي ّأيــة محاولــة للتح ّقــق مــن خطابهــم‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ـداً‪ ،‬ضمــن مقاطع‬ ‫بالقــول إن الصحافييــن ووســائل اإلعالم في خدمة الســلطة والمصالح‬
‫ـروج‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬لتدريبــات مكلفــة جـ ّ‬ ‫نشــر أفــكاره‪ ،‬هــو يـ ّ‬
‫الفيديــو التــي يب ّثهــا‪ .‬يكفي أن يشــترك ‪ ،%1‬فقط‪ ،‬من األشــخاص الذين‬ ‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـعبيةً ‪ ،‬فــي برامــج التدريبــات‬ ‫يشــاهدون أحــد أكثــر مقاطــع الفيديــو شـ ّ‬ ‫نظريات المؤامرة جذّ ابة للبعض؟‬
‫ّ‬ ‫ما الذي يجعل‬
‫التــي يشــرف عليهــا‪ ،‬حتــى يكســب مليــون يــورو علــى مــدار العــام‪.‬‬
‫ـؤدي إلــى‬‫الماد ّيــة تـ ّ‬
‫ِّ‬ ‫ـام‪ ،‬يقــول خطــاب المؤامــرة إن المنافــع‬ ‫بشــكل عـ ّ‬ ‫تتضمــن‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬هنــاك العديــد مــن العناصــر التــي تجعلهــا جذّ ابــة؛ فهــي‬
‫تمويــه الحقيقــة‪ .‬نحــن نكــذب عليــك ألننــا نريــد أن نبيــع لــك األدويــة‪.‬‬ ‫ثنائيـاً‪ ،‬فــي الغالــب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـف عالمـ ًا‬
‫جانبـ ًا مــن القصــص الخياليــة‪ .‬نحــن نَصـ ُ‬
‫نظريــات المؤامــرة؟‬ ‫ّ‬ ‫مروجــي‬ ‫لمــاذا ال يكــون األمــر نفســه بالنســبة إلــى ِّ‬ ‫الجيــد أن نشــعر بالضيــاع قليـاً‪ .‬تســتند‬ ‫ّ‬ ‫مــن الســهل فهمــه أيضـاً‪ .‬مــن‬
‫إن وضــع النــاس‪ ،‬وجهـ ًا لوجــه‪ ،‬مــع تناقضاتهــم‪ ،‬أســلوب آخــر للحـ ِّ‬
‫ـد‬ ‫تضم َنهــا فيلــم ‪ ،Hold-up‬إلــى عناصــر‬ ‫َّ‬ ‫نظريــات المؤامــرة‪ ،‬كالتــي‬
‫مــن ســيطرة هــذا الخطــاب‪.‬‬ ‫قصــة تبــدو‬
‫ّ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫نبن‬ ‫ـة»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المنحرف‬ ‫ـات‬‫ـ‬ ‫«البيان‬ ‫غريبــة‪ ،‬ومصادفــات‪ ،‬بهــذه‬
‫ـداً‪.‬‬
‫لنــا مقنعــة جـ ّ‬
‫للتصــدي «لألخبــار الكاذبــة»‪ ،‬مــن‬
‫ّ‬ ‫مجهــودات الشــبكات االجتماعيــة‬ ‫نظريــات المؤامــرة عــن كشــف المؤامــرات‬ ‫ّ‬ ‫فــي هــذا الصــدد‪ ،‬تختلــف‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪134‬‬
‫ـد عمليــة «التدقيــق فــي‬ ‫إلثبــات التآمــر‪ ،‬بالطبــع‪ ،‬إذ يصبــح منيع ـ ًا ضـ ّ‬ ‫خــال اإلبــاغ عــن المنشــورات المضلّلــة‪ ،‬أو حتــى مــن خــال إغــاق‬
‫الحقائــق»‪ .‬هــذا هــو النهــج الــذي يســتخدمه «دونالــد ترامــب» عندمــا‬ ‫الحســابات أو مجموعــات الحــوار‪ ،‬أال تنتــج‪ ،‬أيض ـ ًا‪ ،‬تأثيــراً معاكس ـ ًا؟‬
‫أي‬
‫مــزورة فــي يــوم االنتخابــات‪ ،‬فــي غيــاب ّ‬ ‫َّ‬ ‫يقــول إن االنتخابــات‬ ‫ـث رقابــة علــى المحتــوى‪ ،‬بوضــوح‪ .‬التبليــغ عــن أن‬ ‫‪ -‬يعتبــر حظــر البـ ّ‬
‫دليــل‪ .‬داخــل شــبكته‪ ،‬سيشــارك الجميــع هــذه الرســالة التي ســتصبح‬ ‫يتضمــن معلومــات خاطئــة أو مضلّلة‪،‬‬ ‫المحتــوى الــذي يشــاركونه ألنــه‬
‫َّ‬
‫ـمى الفاعليــة والشــرعية‬ ‫حقيقــة لسلســلة كاملــة مــن األفــراد‪ .‬هــذا يسـ ّ‬ ‫يمكن أن يمنحهم شــعور ًا بعدم االنتماء إلى هذه الشــبكة االجتماعية‪،‬‬
‫أحبهــم‪ ،‬والمنتمــون إلــى مجموعتــي‪،‬‬ ‫االجتماعيــة‪ .‬األشــخاص الذيــن ُّ‬ ‫ويدفعهــم للبحــث عــن مــكان آخر‪.‬‬
‫ـم‪ ،‬خبــر ًا صحيح ـاً‪ ،‬لــم نعــد بحاجــة‬ ‫ـرددون ذلــك‪ ،‬فيصبــح‪ ،‬مــن َثـ َّ‬‫يـ ّ‬ ‫لكــن الهــدف ليــس الوصــول إلــى المتآمريــن أنفســهم بقــدر مــا هــو‬
‫إلــى حقائــق لتدعيمــه‪.‬‬ ‫وصــول إلــى األشــخاص الذين يشــاركون هذا النوع مــن المحتوى‪ ،‬دون‬
‫للمؤامــرة عواقــب سياســية‪ ،‬والعمــل فــي ديموقراطيــة مثــل‬ ‫ـاص‪،‬‬
‫أن يكونــوا ‪-‬بالضــرورة‪ -‬متآمريــن‪ .‬يســاعد هــذا النهــج‪ ،‬بشــكل خـ ّ‬
‫نؤســس لواقــع مشــترك‪ ،‬يجــب أن نتفَّــق‬ ‫ديموقراطيتنــا‪ ،‬يفتــرض أن ّ‬ ‫ـم تحديــد انتماءاتهــم‪ ،‬بشــكل كامــل‪ ،‬مــع‬ ‫األشــخاص الذيــن لــم يتـ ّ‬
‫ـدد‬‫علــى مجموعــة مــن المبــادئ والمعتقــدات األساســية‪ .‬عندمــا ينـ ّ‬ ‫ـد ذلــك‬‫توخــي مزيــد مــن اليقظــة‪ ،‬وقــد يحـ ّ‬ ‫مجموعــات تآمريــة‪ ،‬علــى ّ‬
‫ـزورة‪ ،‬فهــذا أمــر خطيــر للغايــة‪ ،‬ألنه‬ ‫والمتردديــن فــي نشــر هــذا النــوع‬
‫ّ‬ ‫كين‬ ‫ـكّ‬‫مــن رغبــة األشــخاص المتشـ‬
‫«دونالــد ترامــب» باالنتخابــات المـ ّ‬
‫يدعــو إلــى التشــكيك فــي إمــكان وجــود أســاس مــن القيــم المشــتركة‪،‬‬ ‫مــن المعلومــات‪.‬‬
‫التــي تمكِّ ننــا مــن إرســاء نقــاش ديموقراطــي‪ .‬ومــع تقســيم الفضــاء‬ ‫لكــن مــن الواضــح أن األشــخاص المقتنعيــن‪ ،‬للغايــة‪ ،‬بحقيقــة هــذه‬
‫ـدةً‪ ،‬برز خطــر حقيقي‬ ‫المعتقــدات التآمريــة‪ ،‬ســيجدون ســبب ًا للتنديــد برقابــة «فيســبوك» أو‬
‫اإلعالمــي‪ ،‬الــذي زادتــه الشــبكات االجتماعيــة حـ ّ‬
‫ضحيــة جــزء مــن الترســانة البالغيــة‬ ‫ّ‬ ‫التحــول إلــى‬
‫ّ‬ ‫«تويتــر» عليهــم‪.‬‬
‫أي مرجــع مشــترك‪ ،‬وفــي هــذه الحالــة‪ ،‬لــن يكــون هنــاك‬ ‫فــي غيــاب ّ‬ ‫للمتآمريــن‪.‬‬
‫أي مجــال للنقــاش‪.‬‬
‫ّ‬
‫■ حوار‪ :‬لويس سان‪ ،‬وبينوا زغدون ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبدالله بن محمد‬ ‫نظريات المؤامرة في مجتمعنا؟‬ ‫ما الخطر الذي تمثّله‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫‪ -‬لدينــا شــكل جديــد ومقلــق مــن المؤامــرة‪ ،‬لــم يعــد قائمــ ًا علــى‬
‫‪https://bit.ly/37zssCK‬‬ ‫الحقائــق‪ ،‬ونــرى ذلــك مــع «كيــو أنــون ‪ .»Q Anon -‬ال نحتــاج حتــى‬

‫‪135‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫يف زمن «كوفيد ‪:»19 -‬‬
‫َّ‬
‫نتحدث بها؟‬ ‫تغيت الطريقة اليت‬
‫كيف َّ‬
‫متكررة من اإلغالق لتســطيح منحنــى العدوى بفريوس كورونا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫العا َلــم موجـ ٌ‬
‫ـات‬ ‫فيــا تُواجــه عــدداً كبــراً مــن دول َ‬
‫اليومية‬
‫ّ‬ ‫الجا ِئحة‪ .‬يف مارس‪/‬آذار ‪ ،2020‬دخلت حياتنا‬ ‫العا َلــم عىل دراســة «لغــة» َ‬ ‫ُّغويــات حــول َ‬
‫يعكــف خــراء الل ّ‬
‫ملصطلحــات ليســت‬‫ـي» و«عــزل»‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن تلــك ا ُ‬ ‫«ح ْجــر صحـ ّ‬ ‫ـي» َ‬ ‫«تباعــد اجتامعـ ّ‬
‫ُ‬ ‫مصطلحــات مثــل‬
‫للعا َلــم مــن حولنــا‪.‬‬
‫إل أنهــا اكتســبت معــاين جديــدة تؤ ِّثــر عــى إدراكنــا َ‬
‫بجديــدة‪ّ ،‬‬

‫ـرة‬
‫ـم طرحهــا‪« :‬مــاذا كان شــعورك فــي أول مـ ّ‬ ‫األســئلة التــي يتـ ُّ‬ ‫منــذ منتصــف شــهر أبريل‪/‬نيســان الماضــي تقوم «بيتســي ســنيلر‬
‫ارتديــت فيهــا القنــاع خــارج المنــزل؟» أو «هــل اضطــررت أنــت أو‬ ‫ُّغويــات‬
‫المســاعد فــي علــم الل ّ‬ ‫‪- »Betsy Sneller -‬األســتاذ ُ‬
‫مهمة؟»‪ .‬علــى الرغم من‬ ‫قربيــن إليــك إلــى إلغاء خطــط َّ‬ ‫الم َّ‬‫أحــد ُ‬ ‫بمســاعدة‬ ‫ُ‬ ‫(‪،)MSU‬‬ ‫األميركية‬ ‫ـيجان»‬ ‫االجتماعيــة بجامعة «ميشـ‬ ‫ّ‬
‫تع ُّلــق معظــم األســئلة المطروحة بالوضــع الحالي الذي نعيشــه‬ ‫المســاعد‬ ‫ُ‬ ‫المديــر‬ ‫‪»Suzanne‬‬ ‫‪Wagner‬‬ ‫«ســوزان واجنــر ‪-‬‬
‫للتعرف بشــكلٍ أكبر على‬ ‫ُّ‬ ‫ـم طرحهــا‬ ‫اآلن‪ّ ،‬إل أن بعــض األســئلة يتـ ُّ‬ ‫صوتيــة‬
‫ّ‬ ‫ـق مــن الباحثيــن‪ -‬بجمــع رســائل‬ ‫للمشــروع ومعهمــا فريـ ٌ‬
‫المشــاركين‪ ،‬مثــل «ماهــي األشــياء التــي ُتشــعرك باالمتنــان؟»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لتتبع ما طــرأ على اللُّغة‬ ‫ُّ‬ ‫ة‬ ‫األميركي‬
‫ّ‬ ‫ـيجان»‬ ‫مــن ســكّ ان واليــة «ميشـ‬
‫الشخصية‪،‬‬ ‫المشــاركون بتسجيل مدخالتهم على هواتفهم‬ ‫يقوم ُ‬ ‫ُ‬
‫الجائحــة‪ .‬ويهــدف المشــروع الــذي أطلــق‬ ‫ِ‬ ‫تغيــرات خــال َ‬
‫ّ‬ ‫مــن ُّ‬
‫ـم تحميلهــا علــى تطبيق مشــروع يوميــات (‪.)MI‬‬ ‫ومــن َثـ َّ‬ ‫ـي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫االجتماع‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫التباع‬
‫ُ‬ ‫ـواء‬ ‫ـ‬ ‫أج‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫تأثي‬ ‫ـع‬‫ـ‬ ‫تتب‬
‫ُّ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫‪»MI‬‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫«يومي‬ ‫عليــه‬
‫ُّغــوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫التوثيــق‬ ‫مــن‬ ‫أبعــد‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫هدفــ‬ ‫دخــات‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫تلــك‬ ‫تحقِّــق‬ ‫االفتراضــي علــى اللُّغــة‪ ،‬وذلــك ســواء علــى المــدى‬ ‫والتعليــم‬
‫ّ‬
‫التاريخيــة التــي طــرأت‬
‫ّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫االجتماعي‬
‫ّ‬ ‫ـرات‬ ‫ـ‬ ‫التغي‬
‫ُّ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫بتتب‬
‫ُّ‬ ‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫تق‬ ‫فهــي‬ ‫القصيــر أو البعيــد‪ .‬تقــول «ســنيلر ‪« :»Sneller -‬ولكــن هنــاك‬
‫ال فــي نبــرات‬ ‫تحــو ً‬ ‫الجائحــة‪ .‬الحظــت «ســنيلر»‬ ‫ِ‬ ‫تزامنــ ًا مــع َ‬
‫ُّ‬ ‫ـاني لألشــياء (‪ )...‬أنــت تراقــب مشــاعر‬ ‫البعــد اإلنسـ ّ‬ ‫أيض ـ ًا ذلــك ُ‬
‫المشــاركين خــال فتــرة الثالثــة أشــهر التاليــة‪ ،‬تل َّقــى‬ ‫أصــوات ُ‬ ‫تتغيــر بشــكلٍ كبيــر‬ ‫َّ‬ ‫أســبوع ألســبوع‪ ،‬وكيــف‬ ‫ٍ‬ ‫األشــخاص مــن‬
‫ـاس يشــعرون‬ ‫المدخــات مــن أنـ ٍ‬ ‫فيهــا التطبيــق عــدد ًا أكبــر مــن ُ‬ ‫الموضوعــات التــي يرغبــون فــي الحديــث بهــا»‪.‬‬
‫باإلحبــاط وفقــدان األمــل‪ .‬علــى الرغــم مــن أن البحــث مــازال في‬ ‫األميركيــة‪ ،‬تقــوم «واجنــر ‪-‬‬ ‫بحــث لجامعــة «ميشــيجان»‬ ‫ٍ‬ ‫فــي‬
‫ّ‬
‫بداياتــه‪ّ ،‬إل أن «ســنيلر» لديهــا بعــض التنبــؤات حــول الكيفيــة‬ ‫ُّغويــات‪ -‬بوصــف‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫علــم‬ ‫فــي‬ ‫ســاعد‬ ‫الم‬ ‫‪-‬األســتاذ‬ ‫‪»Wagner‬‬
‫ُ‬
‫االجتماعــي علــى طريقــة الحديــث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التباعــد‬
‫ُ‬ ‫التــي ســيؤ ِّثر بهــا‬ ‫حقيقي ًا فــي اللُّغة‬ ‫العالميــة الثانيــة بأنهــا تم ِّثــل منعطفـ ًا‬ ‫الحــرب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫«الجا ِئحــة»‪ .‬فــي بدايــة شــهر‬ ‫َ‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫مصطل‬ ‫ـص‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫يخ‬ ‫وباألحــرى فيمــا‬ ‫اإلنجليزيــة إلحداثهــا تقارب ـ ًا بيــن أنــاس لــم يكــن لتوجــد بينهــم‬ ‫ّ‬
‫والعا َلــم بشــكلٍ عــام غيــر‬ ‫َ‬ ‫ـاركون‬‫ـ‬ ‫ش‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫‪،2020‬‬ ‫أبريل‪/‬نيســان‬ ‫ـم إرســال الجنود‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫«كان‬ ‫‪:»Wagner‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫«واجن‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫تق‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫أي عالقـ‬
‫ُّ‬
‫متأكِّ ديــن مــاذا يطلقــون علــى الفيــروس‪ ،‬تقــول «ســنيلر» «كان‬ ‫ـكرية فيمــا دخلــت النســاء ســاحة العمــل‬ ‫الــى القواعــد العسـ ّ‬
‫ـاس يشــيرون إلــى الفيــروس فــي جمــل تتخلَّلهــا عبــارات‬ ‫لدينــا أنـ ٌ‬ ‫ـرة»‪ .‬وعلــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬أجبرنا «كوفيــد ‪ »19 -‬على‬ ‫ألول مـ ّ‬
‫مثــل «األوقــات الســابقة» أو «األوقــات الحاليــة» أو كلمــات مثــل‬ ‫االفتراضية شــيئ ًا طبيعياً‪.‬‬ ‫التعامالت‬ ‫من‬ ‫ً‬
‫ال‬ ‫جاع‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـدي‬ ‫ـ‬ ‫جس‬ ‫التباعد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ـي»‪ ،‬وأضافت أن األغلبيــة متفقة اآلن على‬ ‫و«حجــر صحـ ّ‬ ‫ْ‬ ‫«إغــاق»‬ ‫بــدأت «ســنيلر ‪ »Sneller -‬عملهــا فــي جامعــة «ميشــيجان» فــي‬
‫«الجا ِئحــة»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ـح‬ ‫ـ‬ ‫مصطل‬ ‫ـتخدام‬ ‫اسـ‬ ‫منتصــف شــهر مــارس‪/‬آذار ‪ ،2020‬وهــو تقريب ـ ًا نفــس التوقيــت‬
‫العالميــة حالــة الطــوارئ‬ ‫ّ‬ ‫الصحــة‬ ‫َّ‬ ‫الــذي أعلنــت فيــه منظَّ مــة‬
‫كلمات لعام غري مسبوق‬ ‫الجا ِئحة‪ .‬مدفوعــة بتصميمها على توثيق لحظة‬ ‫العالمية بســبب َ‬ ‫ّ‬
‫فــي نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي الماضــي‪ ،‬أصــدر قامــوس أكســفورد‬ ‫تاريخيــة‪ ،‬نجحــت كلٌّ مــن «ســنيلر» و«واجنر» فــي الحصول على‬ ‫ّ‬
‫اإلنجليزيــة (‪ )OED‬تقريــر ًا تحــت اســم «كلمــات لعــام غيــر‬
‫ّ‬ ‫للغــة‬ ‫المؤسســية في «ميشــيجان» إلجراء‬ ‫َّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫راجع‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫مجل‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫موافق‬
‫ـم فيهــا اختيار‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫كان‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـابقة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـوام‬
‫ـ‬ ‫األع‬ ‫ـس‬
‫ـ‬ ‫بعك‬ ‫ـبوق»‪.‬‬
‫مسـ‬ ‫مرة أســبوعي ًا‬‫ّ‬ ‫العمل‬ ‫فريق‬ ‫بلقاء‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫حالي‬ ‫«واجنر»‬ ‫وتقوم‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الدراس‬
‫كلمــة واحــدة لتكــون كلمــة العــام (علــى ســبيل المثــال كلمــة‬ ‫المشــاركين‪ .‬أمثلة لبعض‬ ‫يتم طرحها علــى ُ‬ ‫لوضــع األســئلة التــي ُّ‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪136‬‬
‫أرض‬‫إجــراء أبحــاث عــن «الميمــات»‪ ،‬فهــي مــن وجهــة نظرهــا ٌ‬ ‫حــررون باســتحالة‬ ‫الم ِّ‬ ‫«طــوارئ مناخيــة» لعــام ‪ )2019‬شــعر ُ‬
‫لتغيــر اللُّغــة‪ .‬تقــول «كايثلــر»‪« :‬تزدهــر (الميمــات) بنــاء‬ ‫ُّ‬ ‫خصبــة‬ ‫تضمــن التقريــر عشــرات‬ ‫َّ‬ ‫تلخيــص عــام ‪ 2020‬فــي كلمــة واحــدة‪.‬‬
‫المشــترك» وتضيــف أن «كوفيــد»‬ ‫ُ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫الفه‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫أرضي‬ ‫ـود‬‫ـ‬ ‫وج‬ ‫علــى‬ ‫الكلمات مثل «عنصرية ممنهجة‪ »systemic racism /‬و«انتقاد‬
‫يمنحنــا خلفيــة مشــتركة تمكِّ ن الجميــع من أن يكونوا مشــمولين‬ ‫متع ِّلــق بالقنــاع‪ »mask-shaming/‬وبالطبــع كلمــة «فيــروس‬
‫الجا ِئحــة أظهــرت كيــف‬ ‫داخــل الوضــع ذاتــه‪ ،‬كمــا تشــير إلــى أن َ‬ ‫كورونــا‪ .»Corona virus/‬وجــاء فــي تحليل التقريــر أنه في فترة‬
‫يســتخدم النــاس الدعابــة للتأقلــم مــع األوضــاع الصعبــة‪.‬‬ ‫مــا قبــل يناير‪/‬كانــون الثاني ‪ 2020‬ظهرت كلمــة «فيروس كورونا»‬
‫التعبيري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـن‬
‫فــي ‪ ،2019‬أنهــت «كايثلر» دراســتها فــي العالج بالفَ ـ ّ‬ ‫ـوي يشــير‬ ‫ـرة كلّ مليــون رمــز (وهــو مصطلــح لُغـ ّ‬ ‫بمعــدل ‪ 0.03‬مـ ّ‬
‫ـن ‪-‬كالرســم‬ ‫ـوع مــن العــاج يســتخدم مختلــف أشــكال الفَ ـ ّ‬ ‫وهــو نـ ٌ‬ ‫إلــى أصغــر وحدات اللُّغة)‪ .‬فيما شــهد شــهر أبريل‪/‬نيســان ‪2020‬‬
‫للمســاعدة فــي التشــافي والنمــو‪ .‬في رأيهــا‪ ،‬الميمات‬ ‫ُ‬ ‫ـة‪-‬‬ ‫أو الكتابـ‬ ‫‪-‬متضمنة مشــتقاتها‬ ‫ِّ‬ ‫قفــز ًة هائلــة في اســتخدام الكلمة المذكورة‬
‫ـري‪ ،‬لذلــك فهــي تحــاول إدمــاج‬ ‫ـن التعبيـ ّ‬ ‫شــكل مــن أشــكال الفَ ـ ّ‬ ‫ُغوي‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ـز‬
‫ـ‬ ‫رم‬ ‫مليون‬ ‫ـرة‬
‫ّ‬ ‫كلّ‬ ‫مثــل كلمــة كوفيــد‪ -‬ليصل إلى ‪ 1.750‬مـ ّ‬
‫أبحاثها في الفصول التي تقوم بتدريســها‪ .‬في مارس‪/‬آذار ‪،2020‬‬ ‫اإلنجليزيــة‪.‬‬ ‫ليصبــح بذلــك أكثــر األســماء اســتخدام ًا فــي اللُّغــة‬
‫ّ‬
‫اضطــرت «كايثلــر» ‪-‬شــأنها فــي ذلــك شــأن العديــد من األســاتذة‪-‬‬ ‫تضمــن أكثــر عشــرين كلمــة‬ ‫تجــدر اإلشــارة أيضـ ًا إلــى أن التقريــر‬
‫َّ‬
‫إلــى اســتخدام نمــوذج التعليــم عبــر تطبيــق «زووم ‪.»zoom -‬‬ ‫اســتخدام ًا فــي يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ ،2020‬مثــل «حرائــق غابــات‬
‫ـي في عــدد هائل من‬ ‫ـكلٍ‬
‫بشـ عــام‪ ،‬تسـ َّـبب ذلــك النمــوذج التعليمـ ّ‬ ‫‪ »bushfires -‬و«عــزل الرئيــس ‪ »Impeachment -‬و«ضربــة‬
‫همشــة‪،‬‬ ‫الم َّ‬‫المجتمعات ُ‬ ‫معوقات االتصال‪ ،‬والتي أثَّرت ســلب ًا على ُ‬ ‫أمــا فــي مــارس‪/‬آذار ‪ 2020‬فكانــت جميــع‬ ‫جويــة ‪ّ ،»airstrike -‬‬
‫الجا ِئحة‬‫َ‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫المعلوم‬ ‫خاصــة إذا مــا اقتــرن ذلــك بســيل مــن‬ ‫ّ‬ ‫حررون‬ ‫الم‬ ‫ومازال‬ ‫ـد‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫بكوفي‬ ‫صلة‬ ‫ذات‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـتخدام‬‫الكلمــات األكثر اسـ‬
‫ُ ِّ‬
‫والتــي قــد يكــون معظمهــا غيــر دقيــق‪ .‬وقــد أوضحــت دراســة‬ ‫ُّغويــة ذات الصلــة‬ ‫التغيــرات الل ّ‬ ‫ُّ‬ ‫تتبــع‬
‫فــي (‪ )OED‬عاكفيــن علــى ُّ‬
‫اإلنجليزية لغيــر ناطقيها‬ ‫ّ‬ ‫أميركيــة نشــرتها دوريــة «تدريس اللُّغــة‬ ‫ّ‬ ‫بالجا ِئحــة‪ ،‬حتــى أنهــم قامــوا بإصــدار تحديثيــن إضافيين بخالف‬ ‫َ‬
‫االفتراضــي‬
‫ّ‬ ‫التعليــم‬ ‫أن‬ ‫الماضــي‪،‬‬ ‫أغســطس‪/‬آب‬ ‫فــي‬ ‫‪»TOESL/‬‬ ‫المعتــاد‪ .‬تجــدر اإلشــارة أيض ًا إلــى وجود‬ ‫ـنوي‬‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـع‬
‫ـ‬ ‫رب‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫تقريره‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أ َّثــر ســلب ًا علــى الطــاب الناطقيــن بأكثــر مــن لغــة‪ .‬وفــي الوقــت‬ ‫الجا ِئحــة‬
‫ـم إفرازهــا نتيجــة َ‬ ‫مزاعــم بــأن الكلمــة الوحيــدة التــي تـ َّ‬
‫اإلنجليزيــة‪ ،‬كانــت هنــاك‬ ‫ّ‬ ‫الــذي تدفَّقــت فيــه المعلومــات باللُّغــة‬ ‫المركَّ بــة «كوفيــد ‪.»19 -‬‬
‫اإلنجليزيــة فــي أنظمــة التعليــم‬ ‫إمكانيــات َأقــلّ لدارســي اللُّغــة‬ ‫هــي الكلمــة ُ‬
‫ّ‬
‫التكنولوجيــة‬ ‫األميركيــة‪ ،‬وذلــك بســبب افتقارهــا للبنيــة التحتيــة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غري الناطقني باللّغة السائدة هم األكرث عرض ًة‬
‫ـول إلــى التعليــم عبــر اإلنترنــت‪.‬‬ ‫التــي تمكِّ نهــا مــن إدارة التحـ ُّ‬ ‫التخاذ قرارات أ َقلّ وعياً‬
‫ـرت منظَّ مة «مترجمين بال حــدود» (‪)TWB‬‬ ‫فــي الوقت نفســه‪ ،‬أقـ َّ‬
‫العامة‪ -‬في‬ ‫ّ‬ ‫بالصحــة‬
‫َّ‬ ‫‪-‬والتــي تعمــل علــى ترجمــة كل مــا يختــص‬ ‫تعــزي «الفريــدا كايثلــر ‪ ،»Elfrieda Lepp-Kaethler -‬أســتاذة‬
‫تتحدث اللُّغة‬ ‫َّ‬ ‫المجتمعات التــي ال‬ ‫العامة‪ ،‬بــأن ُ‬ ‫ّ‬ ‫موجــز سياســتها‬ ‫ـوي‪ ،‬هــذا التغييــر غيــر المســبوق فــي اللُّغــة‬
‫علــم النفــس اللُّغـ ّ‬
‫الســائدة قــد ال تتمكــن مــن اتخــاذ قــرارات واعيــة حــول ماهيــة‬ ‫إلــى الســرعة التــي انتشــر بهــا الفيــروس‪ ،‬والتــي دفعتنــا دفع ـ ًا‬
‫الجا ِئحة‪ .‬وأوضحت «إيلــي كيمب ‪Ellie -‬‬ ‫ـرف األمثــل خــال َ‬ ‫التصـ ُّ‬ ‫ـي‪ .‬فــي فتــرة اإلغــاق‪ ،‬بــدأت «كايثلــر» في‬‫إلــى الفضــاء االفتراضـ ّ‬
‫‪137‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫حقيقية بيــن «كوفيــد» وبعض‬ ‫ّ‬ ‫ممــا يعـ ِّزز مــن إيجــاد روابــط غيــر‬
‫ّ‬ ‫‪ ،»Kemp‬رئيس إدارة االســتجابة لألزمات في منظَّ مة «مترجمين‬
‫العوامــل األخــرى‪ ،‬كمــا تخلق حالة من الخوف واســعة االنتشــار‬ ‫اإلعالمية‬
‫ّ‬ ‫لمنصــة «ديفيكــس ‪»Devex -‬‬ ‫ّ‬ ‫بــا حــدود»‪ ،‬فــي حديث‬
‫ـانية»‪.‬‬ ‫المصابيــن بالمــرض مــن صفــة اإلنسـ ّ‬ ‫ـؤدي إلــى تجريــد ُ‬ ‫وتـ ِّ‬ ‫العالميــة‪ ،‬أن الكلمــات‬ ‫ّ‬ ‫ر‬‫التطــو‬
‫ُّ‬ ‫ــرات‬ ‫مؤش‬
‫ّ‬ ‫المعنيــة بمتابعــة‬
‫مصور‬
‫ِّ‬ ‫متعمــداً‪ ،‬وهــو ما أكَّ ــده‬ ‫َّ‬ ‫للمصطلــح‬ ‫كان اســتخدام ترامــب ُ‬ ‫اجتماعي» يمكنهــا أن تكون غير‬‫ّ‬ ‫«تباعــد‬
‫ُ‬ ‫االصطالحيــة مثــل كلمــة‬
‫ّ‬
‫صحافــي تابــع لجريــدة «واشــنطن بوســت» حيــن التقــط صــور ًة‬ ‫المصطلح نفســه غير مألــوف‪ .‬وتقترح‬ ‫ُ‬ ‫ألن‬ ‫مفيــدة علــى اإلطــاق‪،‬‬
‫خاصــة بترامــب خــال إحــدى خطبــه فــي مــارس‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫لمالحظــات‬ ‫ُ‬ ‫«كيمــب» اســتخدام عبــارات مثــل «الحفــاظ علــى مســافة مــن‬
‫بخط أســود عريض‬ ‫ٍ‬ ‫آذار ‪ ،2020‬وكان قــد شــطب كلمــة «كورونــا»‬ ‫للمســاعدة على نقل التعليمات بشــكلٍ أوضح‪.‬‬ ‫اآلخرين» كبديل ُ‬
‫ـي»‪.‬‬
‫ليكتــب مكانهــا كلمــة «صينـ ّ‬ ‫ث ســلطات‬ ‫باإلضافــة إلــى ذلك‪ ،‬قامت منظَّ مة «محامي كندا» ب َِح ِّ‬
‫اســتخدام االســتعارات‪ /‬التشــبيهات ذات الصلة بفكرة «الحرب»‬ ‫المتعلِّقــة بلقــاح‬ ‫العامــة علــى إتاحــة كافــة المعلومــات ُ‬ ‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬
‫ُّغويــات‪ ،‬إذ حــث‬ ‫الجا ِئحــة ظاهــرة لفتــت أنظــار خبــراء الل ّ‬ ‫خــال َ‬ ‫اإلنجليزيــة‪ ،‬وذلــك نظــر ًا‬
‫ّ‬ ‫«كوفيــد ‪ »19 -‬لغيــر الناطقيــن باللُّغــة‬
‫أغلبهــم علــى اســتخدام اســتعارات غيــر ذات صلة بفكــرة الحرب‬ ‫لتزايــد انتشــار المعلومــات المغلوطــة حــول أمــان اللقــاح‪ .‬فــي‬
‫لتشــجيع األفــراد علــى اتبــاع احتياطــات األمــان‪ .‬فتشــبيهات مثل‬ ‫بمراقبــة‬‫ـاص ُ‬ ‫األميركيــة نجــد أن البرنامــج الخـ ّ‬
‫ّ‬ ‫المتحــدة‬
‫الواليــات ُ‬
‫ـؤدي إلــى إحــداث حالــة من‬ ‫«الحــرب ضــد فيــروس كورونــا» قــد تـ ِّ‬ ‫اللقــاح ‪-‬التابــع لمراكــز الســيطرة علــى األمــراض والوقايــة منهــا‪-‬‬
‫العا َلــم‬ ‫َ‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ي‬‫ُّغوي‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫القلــق ال داعــي لهــا‪ ،‬األمــر الــذي دعــا‬ ‫لتتبــع األعــراض الجانبيــة للقــاح «كوفيــد‬ ‫صمــم خصيص ـ ًا ُّ‬ ‫والم َّ‬
‫ُ‬
‫إلــى التشــاور بشــأن إيجــاد عبــارات بديلــة‪ ،‬وذلــك مــن خــال‬ ‫اإلنجليزيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ُّغ‬
‫ل‬ ‫بال‬ ‫ـط‬‫ـ‬ ‫فق‬ ‫ـاح‬‫ـ‬ ‫مت‬ ‫‪،»19‬‬ ‫‪-‬‬
‫تفعيــل هاشــتاج «‪( »Reframe covid#‬أعيــدوا صياغة كوفيد)‪.‬‬
‫ال فــي اســتخدام لفــظ «أبطــال» لإلشــارة‬ ‫أعطــت «كايثلــر» مثــا ً‬ ‫للغة أهمِّ يتها الحتمية‬
‫الجا ِئحــة‪ ،‬مؤكِّ ــد ًة أن‬ ‫إلــى العامليــن بالصفــوف األماميــة خــال َ‬ ‫تقــول «ســنيلر» «نحــن نجــد أن اللُّغــة مرتبطــة بشــكلٍ عميــق‬
‫ـانية‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اإلنس‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫التحد‬
‫ّ‬ ‫اســتخدام ذلــك اللفــظ ُيبعــد التركيــز عــن‬
‫ـخصية لألفــراد‪ ،‬كمــا أنهــا غالب ـ ًا مــا ُتظهــر التاريــخ‬
‫ّ‬ ‫بالهويــة الشـ‬
‫ّ‬
‫التــي يواجهــا هــؤالء العاملــون‪ .‬وأخيــراً‪ ،‬تشــير «ســنيلر» إلــى أن‬
‫أهميتهــا!»‪ .‬نجــد‬
‫ِّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫«للغ‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫مؤكِّ‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫وتضي‬ ‫»‪،‬‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫والجمع‬ ‫ـردي‬
‫ّ‬ ‫الفـ‬
‫يتعين‬ ‫َّ‬ ‫حجــم الدراســة النهائــي مــازال مجهوالً‪ ،‬وذلك ألنه مــازال‬
‫األميركي الســابق دونالد ترامب‬ ‫ّ‬ ‫ال واضحـ ًا عندما قام الرئيس‬ ‫مثــا ً‬
‫المشــاركات حتــى بعد‬ ‫عليهــم االســتمرار فــي توثيــق المزيــد مــن ُ‬ ‫الصيني»‪ .‬إن اللُّغة التي اختارها لإلشــارة‬ ‫ّ‬ ‫«الفيروس‬ ‫كلمة‬ ‫بتكرار‬
‫ـر غيــر‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫وه‬ ‫‪،‬‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫االجتماع‬ ‫التباعــد‬
‫ُ‬ ‫إتاحــة اللقــاح وانتهــاء فتــرة‬
‫ـيويين عبــر‬
‫إلــى كوفيــد أدت الــى ظهــور مشــاعر معاديــة لآلسـ ّ‬
‫معلــوم ميعــاده حتــى اآلن‪.‬‬
‫ـدي‬
‫ـي والجسـ ّ‬ ‫البــاد‪ ،‬وبالتبعيــة تزايــدت حــاالت االعتــداء اللفظـ ّ‬
‫■ بيا آرانيتا ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬دينا البرديني‬
‫بســبب مخــاوف تتع َّلــق بفيــروس كورونــا‪ .‬واســتجابة منهــا لذلــك‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫العالميــة بالتغريــد «إن‬
‫ّ‬ ‫الصحــة‬
‫َّ‬ ‫الســيناريو‪ ،‬قامــت منظَّ مــة‬
‫‪https://lithub.com/tracking-the-changing-ways-we-talk-in-the-covid-19-era/‬‬ ‫الكلمــات قــادرة علــى تخليــد أفــكار وفرضيــات نمطيــة ســلبية‪،‬‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪138‬‬
‫يف التعايش مع الوباء‪:‬‬
‫علينا التخلُّص‬
‫َ‬
‫ستحدثات‬‫من مقاومة امل ُ‬
‫ـوت دفــن يرفــض قبــول الحقيقــة‪ ..‬يشء أقــوى مــن املنطــق والعقــل يتحكَّ ــم يف ردود أفعالنــا ويــأىب قبــول‬ ‫مثــة صـ ٌ‬ ‫َّ‬
‫كل يشء‪ ،‬ولكــن هــذا مل يحــدث‪ ،‬ورسعــان مــا عاودنــا الركــض خلــف‬ ‫غي ّ‬ ‫الجائحــة سـ ُت ِّ‬‫ِ‬ ‫أن َ‬ ‫الواقــع الجديــد‪ ..‬ظننــا ّ‬
‫الحياتيــة الســابقة فيــا قبــل كورونــا‬
‫ّ‬ ‫كتســب الــذي يدفعنــا دفعـ ًا نحــو محــاكاة أغلــب ســلوكياتنا‬ ‫ذلــك اإلدراك ا ُ‬
‫مل َ‬
‫وكأن شــيئ ًا مل يكــن‪ ..‬يبــدو ح ّقـ ًا أنــه يتعــذَّ ر علينــا تصديــق مــا نحــن فيــه!!‬ ‫ّ‬
‫ـي األملــاين «هانــز يورجــن فــرث ‪ »Hans-Jürgen Wirth‬األســباب النفسـ ّـية‬ ‫ـي واالجتامعـ ّ‬ ‫ملح ِّلــل النفـ ّ‬ ‫يف ِّنــد ا ُ‬
‫ـل التعايــش مــع أزمــة كورونــا‪ .‬كــا‬ ‫واالجتامعيــة التــي تدفــع كثرييــن إىل إنــكار الواقــع الجديــد يف حياتنــا يف ظـ ّ‬ ‫ّ‬
‫ملواطنــن عــى التخ ُّلــص مـ ّـا أســاه ظاهــرة‬ ‫مجتمعيــة تســاعد ا ُ‬
‫ّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬‫منهجي‬
‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬‫ن‬‫ِّ‬ ‫تب‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ي‬‫وأهم‬
‫ِّ‬ ‫ـرورة‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أيض‬ ‫يــويص‬
‫اليوميــة يف مقتــل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـتجد عــى واقعنــا املعيــش ورضب روتــن الحيــاة‬ ‫ـل مــا اسـ َّ‬ ‫ـتحدثات» يف ظـ ّ‬ ‫ملسـ َ‬ ‫«مقاومــة ا ُ‬
‫ـم‬
‫ملتصالحــن مــع هــذه الحقيقــة بالصدمــة‪ ،‬لتبــدو كارثيــة الوبــاء كـ«فيلـ ٍ‬ ‫لكــن البعــض ال يكــرث لدرجــة أصابــت ا ُ‬
‫داهــم الجميــع بأجزائــه األكــر ُرعب ـ ًا‪.‬‬ ‫ســيناميئّ» رسعــان مــا ُي ِ‬

‫األهم؛‬
‫ّ‬ ‫ســوف ينتهي‪ ..‬وهو ما لم يحدث‪ ..‬والتساؤل‬ ‫الصيفية‪ ،‬حيــث كانت تكتظ‬ ‫ّ‬ ‫نتذكَّ ــر أجواء العطــات‬
‫والحث على‬‫ّ‬ ‫مــاذا عــن األصــوات التي دعــت للتغييــر‬ ‫بـ«المصطافين»‬‫ُ‬ ‫المطِّ لة على بحر البلطيق‬ ‫الشواطئ ُ‬
‫إيجابيــات‬
‫ّ‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫إعــادة التفكيــر فــي نمــط الحيــاة‪ ،‬وتقيي‬ ‫المتعــة‪ ..‬الجميــع كانــوا‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ـب‬
‫ـ‬ ‫الرع‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫يثي‬ ‫فــي مشــهد‬
‫األزمــة‪ ،‬التــي قــد تســاعدنا كــي نصبــح عالَمـ ًا أكثــر‬ ‫ممــا مضــى‪ ،‬طمعـ ًا في أنه‬ ‫يحاولــون اقتنــاص لمحــة ّ‬
‫أما الســؤال‬ ‫رقميــة وأكثــر اســتدامة وأكثــر دفاعيــة؟ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ســيعود‪ ..‬والواقــع أن ذلــك الســلوك كان هو الخطر‬
‫تعجيزيـ ًا بصــور ٍة الفتة؛ رغــم الخطر الذي‬ ‫ّ‬ ‫الــذي بــدا‬ ‫الــذي ينضج فــي الخفاء!!‬
‫ـم يتعــذَّ ر علينــا تغييــر نمــط‬ ‫يتربــص بنــا‪ِ ،‬لـ َ‬
‫ال يــزال َّ‬ ‫جا ِئحــة كورونــا‪ !!..‬هــل كانــت أكذوبــة‪ ،‬أم ُهــراء‪،‬‬
‫ـة دائمة ودون قالقل؟ لمــاذا ننظر دائم ًا‬ ‫حياتنــا بصفـ ٍ‬ ‫العامــة‬ ‫ؤامــرة؟ تســاؤالت شــكَّ لتها ممارســات‬
‫ّ‬ ‫أم ُم َ‬
‫إلــى الــوراء ونعجــز عــن تــرك عاداتنا القديمــة وننكر‬ ‫يتخبطــون بيــن تخفيــف إجــراءات‬ ‫ّــوا‬
‫ل‬ ‫ظ‬ ‫الذيــن‬
‫َّ‬
‫الواقــع الجديــد‪ ،‬بــل ونمنحــه تفســيرات تخلــو مــن‬ ‫الطبيعيــة‬ ‫الصحــي واســتئناف الحيــاة‬ ‫الح ْجــر‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ـرر أفعالنــا؟‬‫المقنعــة‪ ،‬كــي نبـ ِّ‬ ‫والحجــج ُ‬
‫ُ‬ ‫المنطــق‬ ‫الصيــف الماضــي وبيــن تحذيرات من ظهور ســاالت‬
‫شرســة مــن الوبــاء خــال األعــوام القادمــة‪ ..‬ولكــن‬
‫نحن رهائن ملشاعر االعتياد‬ ‫ـم ممارســته‬ ‫مــع األســف‪ ،‬كلّ شــيء فــي النهايــة تتـ ُّ‬
‫المعتــادة دائمــ ًا مــا‬
‫األيديولوجيــات ُ‬
‫ّ‬ ‫التخلــي عــن‬ ‫يتوجــب علينــا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫المعتــادة نفســها‪ ..‬فقــط‬ ‫بالطريقــة ُ‬
‫ينطــوي علــى الكثيــر مــن الشــكوك والمخــاوف‪.‬‬ ‫كشــر عن‬‫سي ِّ‬
‫ارتــداء أقنعــة الوقايــة‪ ..‬رغــم أن الوباء ُ‬
‫الخــوف مــن كلّ مــا هــو جديــد‪ ،‬نظــر ًا لمــا ينطــوي‬ ‫أنيابــه بالتأكيــد بطــرق لــن يمكننــا التنبــؤ بهــا‪ ،‬ولكــن‬
‫عليــه مــن مجهــول يتعــذَّ ر التعاطــي معــه وفــق‬ ‫الغالبيــة استســلمت لغوايــة التم ِّنــي بــأن الكابــوس‬ ‫هانز يورجن فيرث ▲‬

‫‪139‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬


‫علــى هــؤالء‪ ،‬مع محــاوالت دائمة إلنــكار ردود أفعالهم الدفاعية‬ ‫وأن المخــاوف‬ ‫خاصــةً ّ‬‫ّ‬ ‫العقالنيــة وحدهــا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المخاطــرة‬ ‫اعتبــارات ُ‬
‫تتجســد‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــي «االســتهزاء بهــذه‬ ‫َّ‬ ‫التــي‬ ‫ِ‬
‫الواقعيــة غالبـا مــا تكــون متراكبــة وتقتــرن بمخــاوف أخــرى غيــر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫المخــاوف»‪ ..‬وعنــد الوصــول إلــى تلــك المنطقــة التــي يعجــزون‬ ‫ـدر كبيــر مــن اإليهــام‪ .‬دعونــا نتفــق أن أحد‬ ‫منطقيــة يمتــزج بهــا قـ ٌ‬ ‫ّ‬
‫ـور‪ ،‬حيــث‬ ‫فيهــا عــن مســاعدة أنفســهم‪ ،‬تبــدأ المشــكلة فــي التطـ ُّ‬ ‫أنمــاط ردود الفعــل تتم َّثــل فــي «إنــكار الحاجــة إلــى التغييــر»‪،‬‬
‫المرتبطــة‬
‫الســلبية ُ‬
‫ّ‬ ‫يتمــادون فــي إنــكار الخطــر وكلّ المشــاعر‬ ‫وذلــك انطالقـ ًا مــن البحــث عــن األمــان الــذي ُيعتقَ ــد بأنــه مقترن‬
‫ـد هنــا مــن وقفــة للتقييــم وقوفـ ًا على‬‫بالواقــع غيــر المقبــول‪ ..‬البـ ّ‬ ‫االجتماعيان‬
‫ّ‬ ‫بالتقليديــة‪ ،‬وذلــك طبقـ ًا لمــا توصــل إليــه الباحثــان‬ ‫ّ‬
‫المضطربة وتحديد أســباب‬ ‫ـلوكية ُ‬
‫ـور هــذه األنمــاط السـ ّ‬ ‫مــدى تطـ ُّ‬ ‫«أوليفــر ديكــر» و«إلمــار براهلــر» فــي دراســاتهما التــي تميــل إلى‬
‫المترتبــة علــى ذلــك‪ ،‬حتــى يمكــن رســم خريطــة‬ ‫ُ‬ ‫ـار‬
‫ـ‬ ‫واآلث‬ ‫ظهورهــا‬ ‫يرجحان‬ ‫ـعورية‪ ،‬إذ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ـتبدادية الشـ‬
‫ّ‬ ‫ـلوكية واالسـ‬‫تغليب الهيمنة السـ ّ‬
‫جديــدة تســاعدهم علــى مواجهــة الحيــاة بمنظــو ٍر جديــد‪.‬‬ ‫«مأمونيــة الحفــاظ على كلّ مــا هو معتاد وقيــد التجريب‬ ‫ّ‬ ‫فرضيــة‬
‫وســع»‪ ،‬وذلك اعتقاد ًا بأنه من األفضل دائم ًا القيام باألشــياء‬ ‫الم َ‬
‫ُ‬
‫امل ُشكالت ال تُحَ لُّ من تلقاء نفسها‬ ‫المعتــادة»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫بالطريق‬
‫الذاتيــة بهــدف تغييــر‬ ‫الطبيــة أو‬ ‫للمعالَجــة‬ ‫المفرطــة إنمــا هــي تعبير دفيــن عن الرغبة‬ ‫التقليديــة ُ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫والواقــع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرحلــة الخضــوع ُ‬
‫العصبية» أو «العالج‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫بـ«البرمج‬ ‫والمعروفة‬ ‫ســلوكيات األفــراد‪،‬‬ ‫فــي انتــزاع مشــاعر الطمأنينــة والثقــة بالنفــس عنــو ًة مــن خــال‬
‫ّ‬ ‫التماهــي مــع العــادات واألعــراف وكلّ مــا ُينظَ ــر إليــه علــى أنــه‬
‫لمجــرد الخضــوع لجلســة العــاج‬ ‫َّ‬ ‫بســام‬ ‫تمــر‬
‫ّ‬ ‫الســلوكي»‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫مهددة طيلــة الوقت بعدم‬ ‫ـي ومألــوف‪ ،‬وذلــك إلخمــاد مشــاعر الخــوف مــن كلّ مــا‬ ‫طبيعـ ّ‬
‫األولــى‪ ،‬وإنمــا تظــلّ المرحلــة بأكملها َّ‬
‫المشــكلة واعتبارهــا ليســت‬ ‫هــو جديــد أو مجهــول وإبقائهــا بمعــزل عــن المنطقــة اآلمنــة‬
‫واصلــة بســبب محــاوالت إنــكار ُ‬ ‫الم َ‬ ‫ُ‬
‫ـي‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المرض‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫التوه‬ ‫ـكال‬ ‫ـ‬ ‫وأش‬ ‫ـغ‬ ‫ـ‬ ‫صي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫بي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـرة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ذات صلــة مؤ ِّ‬
‫ث‬ ‫العا َلــم بــؤرة تهديــد‪ ،‬إنمــا هــو‬ ‫فــي حياتنــا‪ .‬أي شــخص يم ِّثــل لــه َ‬
‫ّ‬ ‫ـول بفعلهــا‬ ‫ـ‬ ‫يتح‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫حي‬ ‫ـه‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫حول‬ ‫أســير لـ«وشــائج» آمنــة تربطــه بمــا‬
‫ربمــا تآكلــت أو ح َّلــت نفســها بنفســها‬ ‫المشــكالت ّ‬ ‫االعتقــاد بــأن ُ‬ ‫َّ‬
‫تلقائيــة‪.‬‬ ‫بصــور ٍة‬ ‫ــم‪ ،‬ال‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ث‬ ‫ومــن‬ ‫غيابهــا‪،‬‬ ‫حــال‬ ‫األمــان‬ ‫إلــى طفــلٍ يستشــعر عــدم‬
‫ّ‬ ‫مؤسســات‬ ‫يتمكَّ ــن الحقـ ًا مــن إقامة عالقــات موثوقة مع فئات أو‬
‫ـي‪ ،‬ال يتوافر‬ ‫َّ‬
‫وعلــى عكــس مــا هو معتــاد في برامــج العالج النفسـ ّ‬ ‫المغلقــة ســتجعل كلّ مــا هــو‬
‫قدمــو رعايــة نفسـ ّـية كافيــن فــي ظــلّ األزمــة الطاحنــة‪ ،‬والذيــن‬ ‫ُم ِّ‬ ‫اجتماعيــة‪ .‬مثــل هــذه الدائــرة ُ‬ ‫ّ‬
‫مــن شــأنهم تعضيــد اســتكمال مراحــل التغييــر المطلوبــة‪ .‬مثــل‬ ‫ألن التعريــف غيــر المشــروط‬ ‫مثالي ـ ًا للغايــة‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫ـدي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫وتقلي‬ ‫مألــوف‬
‫ـي‬ ‫جربــة باألمــان‪ .‬وبالتالــي‪،‬‬ ‫ُ َّ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫وعــود‬ ‫م‬ ‫يقــد‬
‫ِّ‬ ‫واألعــراف‬ ‫بالتقاليــد‬
‫المعالج النفسـ ّ‬ ‫يؤديه ُ‬ ‫األهمية والفعالية الذي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫هــذا الــدور بالــغ‬
‫ـدي االبتــكارات‬
‫ال ينحصــر فــي معرفــة المزيــد عــن المرضــى أو تحديــد األفضــل‬ ‫ـي التقليـ ّ‬ ‫يقــاوم األشــخاص أصحــاب الفكــر النمط ّ‬
‫ـ‬
‫ـد إلــى تعزيــز آليــة‬ ‫االجتماعيــة بدافــع االقتنــاع والوثــوق فيمــا هــو كائــن بالفعــل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫لكيفيــة إدارة حياتهــم‪ ،‬فحســب‪ ،‬وإنمــا يمتـ ُّ‬
‫ـي وإدارتهــا بفاعليــة‪ ،‬عــن ُبعد‪.‬‬ ‫تغييــر التفكيــر الذاتـ ّ‬
‫ـر بهــا‪ ،‬ال تحظــى‬ ‫العَ الَم يم ّر بمرحلة مخاض‬
‫ـي الحاليــة التــي نمـ ّ‬ ‫عمليــة التغييــر االجتماعـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫بوجــود ُمرا ِقــب أو ُمحكِّ ــم‪ ،‬يمكنــه اتخــاذ مثــل هــذا الوقــوف‬ ‫ولكــن‪ ،‬مــاذا عــن األشــخاص الذيــن أدركــوا وجــود ضــرورة ملحــة‬
‫المشــكلة‪ ،‬ويعكــف‬ ‫ـي‪ ،‬ليكــون بمعــزل عــن ُ‬ ‫ـي الخارجـ ّ‬ ‫البانورامـ ّ‬ ‫ـتجدات‬‫جذريــة فــي نمــط الحيــاة نتيجــة مسـ َ‬ ‫ّ‬ ‫إلحــداث تغييــرات‬
‫علــى التقييــم والدراســة‪ .‬ال علمــاء الفيروســات وال السياسـ ّـيون‬ ‫كونيــة‪ ،‬ورغــم ذلــك يعارضــون باســتمرار مبــدأ التغييــر ذاته؟ في‬ ‫ّ‬
‫ـراف كالجميــع فــي‬ ‫قــادرون علــى القيــام بذلــك الــدور‪ ،‬ألنهــم أطـ ٌ‬ ‫الواقــع أن أوجــه التشــابه هنــا مذهلة بين هؤالء األشــخاص وبين‬
‫ـؤدي ذلــك الــدور بواســطة‬ ‫ـم‪ ،‬علينــا جميعـ ًا أن نـ ِّ‬ ‫األزمــة‪ .‬ومــن َثـ َّ‬ ‫ـخصية‪.‬‬ ‫ألزمات شـ‬‫ٍ‬ ‫تعرضهم‬ ‫ـي إثر ُّ‬
‫ّ‬ ‫الذين يخضعون للعالج النفسـ ّ‬
‫الذاتييــن‪ .‬فــي هــذا الصــدد‪ ،‬مــن الضــروري‬ ‫ّ‬ ‫ـتغراق‬ ‫التأمــل واالسـ‬ ‫ُّ‬ ‫العا َلــم بأســره عالقـ ًا داخــل‬ ‫َ‬ ‫ـزال‬ ‫ـي للكلمــة‪ ،‬ال يـ‬ ‫بالمعنــى الحرفـ ّ‬
‫موســع يشــمل أكبــر عــدد ممكــن مــن األفراد‬ ‫أيضـ ًا إجــراء نقــاش َّ‬ ‫يمر بســام من عنــق الزجاجة‪ ،‬بينمــا التوصيف‬ ‫نفــق كورونــا ولــم ّ‬
‫المجتمع‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬لتحديــد كيفيــة إدارة تغيير ُ‬ ‫ّ‬ ‫ؤسســات‬ ‫والم َّ‬ ‫ُ‬ ‫الدقيــق لمــا نعيشــه كوننــا فــي مرحلــة مخــاض وإعــادة توجيــه‬
‫ا عــن‬ ‫صعيــد شــخصي منفــرد‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ٍ‬ ‫علــى‬ ‫فقــط‬ ‫وليــس‬ ‫‪،‬‬ ‫ككلّ‬ ‫ســتقبلية‪ .‬فمنــذ أن بــدأت أزمــة كورونــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الم‬
‫لدفــة ســلوكياتنا ُ‬
‫ّ‬
‫المتفــق عليها كي ي ّتبعهــا الجميع‪..‬‬ ‫الجمعيــة ُ‬
‫ّ‬ ‫تحديــد المســارات‬ ‫ـخصية التــي تســتلزم تلقــي‬ ‫ّ‬ ‫تفاقمــت معهــا حــدة األزمــات الشـ‬
‫ـتثنائية للتغيير‪ ..‬غروب بعض التفاصيل بال‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫اس‬ ‫فرصة‬ ‫لدينــا بالفعــل‬ ‫ـي‪ .‬لقــد أصبــح الوضــع‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نفس‬ ‫طبيــة وتطبيــق برامــج تأهيــل‬ ‫رعايــة ّ‬
‫رجعــة‪ ،‬وســقوطها مــن جعبــة حياتنــا لعــدم قدرتنا على ممارســتها‬ ‫ـي وتأثيراته‬ ‫لمعاناة المرض النفسـ ّ‬ ‫واقعية ُ‬
‫ّ‬ ‫يتعلَّق بحالة معايشــة‬
‫بالشــكل الــذي كانــت عليــه مــن ذي قبــل‪ ،‬إنمــا يتيــح لنــا فرصــة‬ ‫تقبــل الواقع‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫عن‬ ‫العجز‬ ‫ـم‬‫َّ‬ ‫ـ‬‫ث‬‫َ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـراد‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫األف‬ ‫وعقليـ ًا علــى‬
‫ّ‬ ‫ـدي ًا‬
‫جسـ ّ‬
‫الحياتيــة المرجــوة علــى أرض الواقــع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حقيقيــة لتطبيــق التغييــرات‬ ‫ّ‬ ‫أوليــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫فع‬ ‫ردود‬ ‫ـورة‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫عن‬ ‫ـال‬
‫ـ‬ ‫واالنفص‬
‫ـتتحول بدورهــا إلــى عــادات وتقاليد‪ ،‬وذلــك بموجب‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫الوق‬ ‫ومــع‬ ‫مبدئية‬
‫ّ‬ ‫ة‬‫ٍ‬ ‫بصور‬ ‫ـز‬
‫ـ‬ ‫والعج‬ ‫فــي كلتا الحالتين تهيمن مشــاعر الخوف‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬ ‫‪140‬‬
‫ـم يتمثَّل في قــوة الرغبة فــي التغيير‪،‬‬ ‫هنــاك أيضـ ًا عامــل آخــر مهـ ّ‬ ‫أمــا اإلصــرار علــى‬
‫تحدثــت عنهــا‪ّ ...‬‬
‫التبعيــة النفسـ ّـية ذاتهــا التــي ّ‬
‫ّ‬
‫الذاتيــة لــدى األفــراد‬
‫ّ‬ ‫وهــي مســألة تتعلَّــق بمســتوى الكفــاءة‬ ‫ـروب بــا غطــاء‪.‬‬
‫معانــدة الواقــع‪ ،‬فهــو هـ ٌ‬
‫واختبارهــا‪ .‬فعندمــا يمكننــا بشــكلٍ مباشــر اختبــار أن جهودنــا‬
‫نحــو التغييــر ذات مــردود وتأثيــر‪ ،‬فهــذا مــن شــأنه تعزيــز الثقــة‬ ‫كيف نكتسب الجرأة للدفاع عمَّ ا هو صحيح؟‬
‫والمثابــرة للوقــوف فــي وجــه مــا كان‬ ‫بالنفــس‪ ،‬وتوليــد الجــرأة ُ‬ ‫ـرية‪ ،‬ال يمكننــا‬ ‫والتنميــة البشـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫المعالجــة النفسـ ّـية‬ ‫وفــق أبحــاث ُ‬
‫ـد مــن تهشــيم قضبــان االعتيــاد‪ ،‬التــي‬ ‫عترف ـ ًا بــه‪ ..‬البـ ّ‬‫وم َ‬ ‫ســائد ًا ُ‬ ‫إدخــال تغييــرات علــى أنمــاط الحيــاة بأنفســنا‪ ،‬فهــذا ال يحــدث‬
‫تحــول دون قدرتنــا علــى التخ ّلــي عــن عاداتنــا الســابقة حتــى فــي‬ ‫بمشــاركة اآلخريــن‪ .‬يجب‬ ‫ـم ُ‬ ‫تبادليــة وثيقــة تتـ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫عمليــة‬
‫ّ‬ ‫ســوى وفــق‬
‫ظــلّ مــا يتر َّتــب عليها من انتكاســات وخســائر‪ .‬تلك الثقــة الوليدة‬ ‫ـدث أوال بكثافــة حــول مــا ينبغــي تغييــره في حياتنــا وتحديد‬ ‫ً‬ ‫التحـ ُّ‬
‫ـرد علــى‬ ‫الخاصــة بــكلّ فـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫عمليــة التغييــر‬ ‫ّ‬ ‫تدريجيـ ًا كفــاءة‬
‫ّ‬ ‫سـ ُتع ِّزز‬ ‫الداخلية التي تتصارع‬ ‫ّ‬ ‫قاومة‬ ‫والم‬
‫ُ‬ ‫ـكوك‬ ‫ـ‬ ‫والش‬ ‫والمخاوف‬ ‫األهداف‬
‫ـم الجمــوع‪.‬‬ ‫حــدة‪ ،‬ومــن َثـ َّ‬ ‫داخلنــا جــراء هــذه الرغبــة فــي التغييــر؟‬
‫ِ‬
‫الجائحــة‬ ‫ـي بحــت‪ ،‬يمكــن القــول بــأن تأثيــرات َ‬ ‫ٍ‬ ‫ـاني‬
‫مــن أجــل الوصول إلى تغيير دائم في الوعي والســلوك اإلنسـ ّ‬
‫ومــن منظــور عالمـ ّ‬
‫المســاواة‬ ‫ُ‬ ‫قدم‬ ‫على‬ ‫يقف‬ ‫ال‬ ‫َم‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫فالع‬
‫َ‬ ‫البلدان‪،‬‬ ‫جميع‬ ‫متفاوتــة فــي‬ ‫عملية‬
‫ّ‬ ‫الحياتيــة‪ ،‬من الضروري أيضـ ًا بدء‬ ‫ّ‬ ‫بالممارســات‬ ‫المتع ِّلــق ُ‬ ‫ُ‬
‫ـدالت االنتشــار والتأ ُّثــر بالفيروس‬ ‫ـعورية علــى صعيــد االنفعاالت واألحاســيس‪ ،‬ليتم من خاللها‬ ‫ّ‬ ‫شـ‬
‫مــع كورونــا‪ ،‬حيــث تتفاوت معـ َّ‬
‫المحيطين‬ ‫ُ‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫جمي‬ ‫تطال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المعرفي‬
‫ّ‬ ‫ـكار‬ ‫ـ‬ ‫األف‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫وإزاح‬ ‫ـاوز‬ ‫ـ‬ ‫تج‬
‫للتحدث‬
‫ُّ‬ ‫للعالَم بأســره‬
‫ـم‪ُ ،‬يوفر ذلك فرصةً فريدة َ‬ ‫ـدة‪ .‬ومــن َثـ َّ‬ ‫بشـ ّ‬
‫موحــد ومشــترك‪ ،‬الحتــواء األزمة‬ ‫ـياق‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫التغيي‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ثقاف‬ ‫عــن‬ ‫ـي‪ ،‬أن‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫جتمع‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـتوى‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫بنــا بصــور ٍة كاملــة‪ .‬وهــذا يعنـ‬
‫َّ‬
‫العنصريــة وغيرهمــا‬
‫ّ‬ ‫أو‬ ‫ـاخ‬ ‫ـ‬ ‫المن‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫تغي‬
‫الجماعيــة‪ ،‬مثــل ُّ‬ ‫ّ‬ ‫المشــاكل‬
‫ربمــا‬ ‫ـي‪ّ .‬‬‫ـردي وجماعـ ّ‬ ‫ومناقشــة طــرق التعامــل معهــا بشــكلٍ فـ ّ‬ ‫العامــة‪ ،‬يجــب أن يواجههــا الفرد أيضـ ًا باعتبارها‬ ‫مــن المشــكالت‬
‫كان ذلــك التوقيــت هــو األنســب علــى اإلطــاق التخــاذ خطــوات‬ ‫ّ‬
‫خاصــة‪ ،‬وكأنهــا تواجهــه بمفــرده وتطعنــه دون غيــره‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مشــكلة‬
‫حثيثــة نحــو عا َلــم أكثــر نضج ًا وتــآزراً‪.‬‬
‫المســتقبل»‪ ،‬وكذلــك‬ ‫فقــد أظهــرت حركــة «الجمعــة مــن أجــل ُ‬
‫‪ ۹‬ترجمة‪ :‬شيرين ماهر‬
‫العنصريــة‪ ،‬أن حركــة‬ ‫ّ‬ ‫العالميــة الحاليــة ضــد‬ ‫ّ‬ ‫االحتجاجــات‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ديناميكيــة هائلــة علــى‬ ‫ّ‬ ‫تطــور‬
‫ِّ‬ ‫الجماعــي يمكنهــا أن‬ ‫ّ‬ ‫االحتجــاج‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪Spiegel Online‬‬ ‫المعنيين‪ ،‬وكذلك على المستوى‬ ‫َ‬ ‫ـطاء‬ ‫ـ‬ ‫للنش‬ ‫الشعوري‬
‫ّ‬ ‫المســتوى‬ ‫ُ‬
‫‪https://bit.ly/38DQ9dL‬‬ ‫السياسي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪141‬‬ ‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫أرشيف‬
https://www.dohamagazine.qa

167-166 2021 ‫ سبتمرب‬- ‫أغسطس‬


142
‫‪shutterstock‬‬
‫‪144‬‬‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪167-166 2021‬‬
‫نصب اإلبهام البرونزي في سوق واقف فن للفنان الفرنسي سيزار بالداتشيني ▲‬

You might also like