You are on page 1of 1

‫كلمات‬ ‫السبت ‪ 6‬كانون الثاني ‪ 2018‬العدد ‪3364‬‬

‫‪6‬‬
‫تاريخ‬
‫االستشراقية‬
‫ّ‬ ‫«مصر األخرى» لفاضل الربيعي‪ :‬نقد القراءة‬ ‫َ‬
‫املصري في محافظة «إب» (ص‪.)٤٦‬‬ ‫وقوع املعركة الشهيرة بني‬ ‫املأتم (‪)1984‬‬ ‫نصور‬
‫اآلشوريني واملصريني بقيادة رمسيس‬
‫حسن ّ‬
‫ت ـ ـف ـ ـتـ ــرض ه ـ ـ ـ ــذه الـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــراءة أن جـ ـن ــوب‬
‫الـجــزيــرة الـعــربـيــة ـ ـ ـ الـيـمــن حــالـيــا ـ ـ ـ هو‬ ‫الـثــانــي فــي مــا ي ـعــرف‪ ،‬ال ـيــوم جغرافيًا‪،‬‬ ‫يواصل الباحث العراقي فاضل الربيعي‬
‫املنطقي لألحداث واملعارك بني‬ ‫ّ‬ ‫املسرح‬ ‫ب ــرف ــح الـفـلـسـطـيـنـيــة م ــن ض ـم ــن حـمـلــة‬ ‫(‪ )1952‬سلسلة إصــداراتــه في ما يمكن‬
‫عده تصحيح مكامن الخلل في القراءة‬ ‫ّ‬
‫اآلش ــوري ــن وق ـبــائــل االســرائ ـي ـل ـيــن من‬ ‫آشـ ــوريـ ــة ك ـب ـي ــرة ن ـت ــج ع ـن ـهــا أسـ ــر مـلــك‬
‫مصري ورد اسمه في النقوش القديمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫االستشراقية ملفاصل هامة من التاريخ‬
‫سـكــان ه ــذه املـنـطـقــة‪ ،‬وكــذلــك األم ــر‪ ،‬هو‬
‫م ـســرح امل ـع ــارك بــن تـلــك الـقـبــائــل فيما‬ ‫يكفي ـ ـ بحسب الربيعي ـ ـ مـقــارنــة منت‬ ‫الـقــديــم‪ ،‬ونـعـنــي تــاريــخ ال ـشــرق األدن ــى‪،‬‬
‫ّ‬
‫تقاطع‬ ‫الـ ـت ــوراة م ــع ن ـقــوش مـصــريــة وآش ــوري ــة‬ ‫ال س ـي ـم ــا ف ـي ـم ــا ي ــتـ ـص ــل ب ــال ـت ــأس ـي ــس‬
‫بـيـنـهــا لـلـسـيـطــرة ع ـلــى طـ ــرق ال ـت ـجــارة‬
‫َ‬ ‫قديمة لبناء منظور مغاير أكثر تماسكًا‬ ‫ال ـت ــاري ـخ ـ ّـي ل ـ ـ «إس ــرائـ ـي ــل» ف ــي ج ـنــوب‬
‫الـبـحــريــة وعـلــى مـنــتــج الـبـخــور الثمني‪،‬‬
‫حــاجــة امل ـعــابــد اآلش ــوري ــة‪ .‬مـمــالــك بني‬
‫مع‬ ‫ع ـ ــن مـ ـع ــرك ــة ق ـ ـ ـ ــادش ب ـ ــن اآلش ـ ــوري ـ ــن‬ ‫الشام‪ .‬نعني فلسطني‪.‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬ال ــوارد ذكرهم في النصوص‬ ‫كمال‬ ‫واملـ ـص ــري ــن فـ ــوق بـ ـ ّـر ف ـل ـس ـطــن ال ـي ــوم‪.‬‬ ‫محور إصداره الجديد «مصر األخرى»‬
‫(رياض الريس) ـ ـ الذي يندرج في إطار‬
‫ال ـق ــدي ـم ــة‪ ،‬ه ــم أن ـف ـس ـهــم‪ ،‬ق ـبــائــل يمينة‬ ‫الصليبي‪،‬‬ ‫بنتيجة املقارنة‪ ،‬ليست «قــدس\ قدش»‬
‫(ال ـس ــن وال ـش ــن ت ـت ـب ــادالن األدوار في‬ ‫أبـحــاث سابقة‪ ،‬منها مجلدا «فلسطني‬
‫اع ـت ـن ـقــت ال ـي ـه ــودي ــة‪ ،‬والـ ـص ــراع ــات بني‬ ‫وتحديدًا‬ ‫اللغة العبرية) املذكورة في التوراة هي‬ ‫امل ـت ـخـ ّـي ـلــة‪ :‬أرض ال ـ ـتـ ــوراة ف ــي ال ـتــاريــخ‬
‫ممالك الجنوب والشمال ـ ونعني يهوذا‬ ‫ال ـ ـقـ ــديـ ــم» ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ي ـ ـهـ ــدف إلـ ـ ــى كـ ـش ــف ث ـغ ــرة‬
‫والسامرة ـ ـ في حقبة االنقسام بعد موت‬ ‫مؤلفه‬ ‫املــوضــع امل ـقــدس الشهير فــي فلسطني‪،‬‬
‫«مصر» الواردة في النصوص القديمة‪:‬‬
‫العربي اليوم‪ ،‬كما درجت على ذلك‬ ‫ّ‬ ‫البلد‬
‫سليمان‪ ،‬قد وقعت بني ممالك حميرية‬ ‫«التوراة‬ ‫ّ‬
‫القراءة االستشراقية‪ .‬نتحدث عن جبل‬ ‫الـ ـ ـنـ ـ ـص ـ ــوص اآلشـ ـ ـ ــوريـ ـ ـ ــة وال ـ ـس ـ ـجـ ــات‬
‫من الجنوب وسبئية من شمال اليمن‪.‬‬
‫وبــالـنـتـيـجــة‪ ،‬يـصـ ّـحــح الــربـيـعــي الخلط‬
‫جاءت‬ ‫ّ‬
‫اليمنية‬ ‫قدس‪ /‬قدش في منطقة الجوف‬ ‫املـ ـص ــري ــة الـ ـق ــديـ ـم ــة‪ ،‬ون ـ ـقـ ــوش م ـمــالــك‬
‫ّ‬
‫السبئية‬ ‫اليمن القديم‪ ،‬ونعني النقوش‬
‫ال ـش ــائ ــع ب ــن ال ـي ـه ــود وب ـن ــي إس ــرائ ـي ــل‪.‬‬ ‫من‬ ‫في مملكة «معني –مصرن»‪ ،‬التي كانت‬
‫واملعينية والحميرية‪.‬‬
‫ه ــدف ــا ل ـح ـم ــات اآلشـ ــوريـ ــن وت ـح ــدي ـدًا‬
‫فبني إسرائيل «هم قبيلة عربية يمينة‬ ‫جزيرة‬ ‫«ت ـجــات بــاســر الـثــالــث» فــي مــا يعرف‬
‫ـأســس ق ــراءة الــربـيـعــي‪ ،‬عـمــومــا‪ ،‬على‬ ‫تـتـ ّ‬
‫كفت عــن الــوجــود مثل عــاد وثـمــود‪ .‬أما‬
‫يمني قديم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اليهودية‪ ،‬فهي دين عربي‬
‫العرب»‬ ‫في األوساط األكاديمية بمعركة قادش‪.‬‬
‫كـشــف املـغــالـطــات ال ـفــادحــة فــي ال ـقــراءة‬
‫االسـتـشــراقـيــة لـنــاحـيــة مـطــابـقــة أسـمــاء‬
‫ُّ‬ ‫امللك املصري املأسور ليس‪ ،‬إذن‪ ،‬ملكًا\‬
‫فـلـيــس كـ ــل ي ـه ــودي م ــن ب ـنــي اســرائ ـيــل‬ ‫املناطق والقرى واألشخاص التي وردت‬
‫ّ‬ ‫فرعون مصر (رمسيس الثاني)‪ ،‬بل هو‬ ‫في التوراة‪ ،‬مع أسماء مناطق وقرى تقع‬
‫بــالـضــرورة‪ .‬وفــي املقابل‪ ،‬ليس كــل بني‬ ‫ملك هذه اململكة اليمنية القديمة‪ .‬تقدم‬
‫اسرائيل يهودًا»‪.‬‬ ‫في فلسطني اليوم والشام عمومًا‪.‬‬
‫لـنــا ه ــذه الـ ـق ــراءة‪ ،‬ت ـص ـ ّـورًا واض ـحــا عن‬ ‫فــي هــذا الـبـحــث‪ُ ،‬يـقـيـ ُـم الــربـيـعــي قــراءة‬
‫عـمــومــا‪ ،‬يـبـقــى تــاريــخ مملكة إســرائـيــل‬ ‫ك ــون الـحـمــات اآل ّش ــوري ــة لــم تستهدف‬
‫ّ‬ ‫يـعـتـبــرهــا األكـ ـث ــر مـعـقــولـيــة م ــن ضمن‬
‫وك ــل مــا يتصل بتلك الـحـقـبــة إشكاليًا‬ ‫البر الشامي‪ ،‬بل إنها تتوجه في األصل‬
‫كونه واقعًا في قلب الصراع الهوياتي‬ ‫ال ـ ـقـ ــراءات ال ـت ــي تـتـصــل بـحـقـبــة مـمــالــك‬
‫إلــى جنوب الجزيرة العربية‪ ،‬واملعارك‬ ‫اإلسرائيليني‪ ،‬مــن أواخ ــر األل ــف الثاني‬
‫الـ ـ ـ ــذي ق ـ ــد «يـ ـ ــؤسـ ـ ــس» لـ ـحـ ـق ــوق س ــوف‬ ‫في األساس كانت في سبيل تطويع تلك‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫تغدو ذرائــع لتبرير كيانات دينية ذات‬ ‫السبئية‪،‬‬ ‫قبل امليالد وصوال إلى الحقبة‬
‫القبائل الـتــي تستوطن جـبــال وسهول‬ ‫األول قبل امل ـيــاد‪ .‬قــراءة‬ ‫أواس ــط األل ــف ّ‬
‫طابع «ديني‪ /‬إثني» في منطقة شكلت‬ ‫اليمن الخصيبة‪.‬‬ ‫ت ـح ـي ــل إلـ ـ ــى أع ـ ـمـ ــال الـ ـب ــاح ــث وامل ـف ـك ــر‬
‫ق ـلــب ال ـع ــال ــم ال ـق ــدي ــم‪ .‬ع ـلــى أن الـ ـق ــراءة‬ ‫ب ـم ـقــارنــة مـنـهـجـيــة ل ـن ـصــوص ال ـت ــوراة‬ ‫ال ـل ـب ـنــانــي ك ـم ــال ال ـص ـل ـي ـبــي‪ ،‬وت ـحــدي ـدًا‬
‫االسـ ـتـ ـش ــراقـ ـي ــة لـ ـلـ ـت ــوراة هـ ــي ال ـ ـقـ ــراءة‬ ‫وال ـس ـج ــات امل ـصــريــة ال ـقــدي ـمــة (سـجــل‬ ‫م ــؤل ـف ــه ال ـش ـه ـي ــر «ال ـ ـت ـ ــوراة جـ ـ ــاءت مــن‬
‫املكرسة أكاديميًا‪ ،‬بطبيعة الحال‪ .‬قراءة‬ ‫ال ـك ــرن ــك ال ـش ـه ـي ــر) م ــع نـ ـق ــوش سـبـئـيــة‬ ‫جزيرة العرب»‪ .‬على أن الربيعي ينحو‬
‫ان ــدرج ــت ف ــي س ـي ــاق ط ــوي ــل م ــن سعي‬ ‫ومعينية قديمة‪ ،‬أمكن ّ‬
‫ي ـطــابــق وصـ ــف م ـصــر االق ـل ـي ــم‪ .‬ك ـمــا أن‬ ‫مـصــر امل ـق ـصــودة فــي ال ـتــاريــخ الرسمي‬ ‫فك ثغرات مهمة‬ ‫مـ ـنـ ـح ـ ًـى ت ـف ـص ـي ـل ـ ّـي ــا ف ـ ــي ض ـ ـ ــوء ب ـعــض‬
‫الـ ـ ــدول ال ـغــرب ـيــة الــرئ ـي ـس ـيــة إلـ ــى وضــع‬ ‫مـصــر ال تـقــع فــي أرض جـ ــازان بحسب‬ ‫املـ ـ ـك ـ ــرس مل ـم ـل ـك ــة اسـ ــرائ ـ ـيـ ــل ال ـق ــدي ـم ــة‪.‬‬ ‫من ثغرات تلك الحقبة‪ .‬ونعني االنتباه‬ ‫امل ـع ـط ـي ــات ال ـن ـق ـش ـيــة املـ ـكـ ـش ــوف عـنـهــا‬
‫املنطقة العربية والشرق األدنى عمومًا‬ ‫الصيغة الــرابـعــة‪ .‬فــي املـقــابــل‪ ،‬وبحسب‬ ‫نص التوراة‬ ‫وبحسب الربيعي‪ ،‬يتحدث ّ‬ ‫إل ــى ك ــون الـنـقــد االس ـت ـشــراقـ ّـي لـلـتــوراة‬ ‫حديثًا (نقش صخرة واحة تيماء للملك‬
‫فــي تـشـكـيـ ٍـل ي ـخــدم ت ـص ــورات املــؤسـســة‬ ‫الــرب ـي ـعــي‪ ،‬ف ــإن ن ـقــوش املـسـنــد اليمنية‬ ‫ع ــن ورود اسـ ــم م ـصــر وامل ـص ــري ــن في‬ ‫قد أغفل ما يمكن اعتباره شبه تطابق‬ ‫رمـسـيــس الـثــالــث ‪ ١١٩٢‬ق‪ .‬م‪١١٦٠ -‬ق‪.‬م‬
‫االس ـت ـع ـمــاريــة الـتـقـلـيــديــة‪ .‬ب ـه ــذا‪ ،‬تبقى‬ ‫قد أوردت اسم «مصريم» التوراتي في‬ ‫التوراة بأربع صيغ رئيسية‪« :‬مصري»‪،‬‬ ‫منطقي بني املدونات القديمة (التوراة)‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫مـ ـث ــاال ال ح ـ ـص ـ ـرًا)‪ .‬ن ـت ـح ــدث‪ ،‬إذن‪ ،‬عــن‬
‫أب ـح ــاث الــربـيـعــي وم ــن قـبـلــه الصليبي‬ ‫صــورة «مـصــرن» وهــي صيغة تتطابق‬ ‫«م ـص ــري ــم»‪ ،‬و«م ـش ـف ـحــات ه ــا مـصــريــم»‬ ‫مــن جهة واملـعـطـيــات املـثـيــرة املتضمنة‬ ‫خ ــاص ــات مـثـيــرة تـتـعـلــق بـ ــردم ثـغــرات‬
‫ع ـل ــى أه ـم ـي ـت ـهــا ف ــي ح ــاج ــة م ــاس ــة إل ــى‬ ‫مع الصيغة التوراتية (ألن مصريم هو‬ ‫(أي عـشــائــر امل ـصــريــن) و«م ـصــريــم في‬ ‫ف ـ ــي الـ ـنـ ـق ــوش ال ـس ـب ـئ ـي ــة وال ـح ـم ـي ــري ــة‬ ‫تتصل بــأحــداث تاريخية فاصلة ظلت‬
‫مؤس ّ‬ ‫تجذير ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫سي وأكاديمي على نطاق‬ ‫اسم النسبة من مصر)‪ ،‬فضال عن كون‬ ‫أرض ج ـ ـ ـ ــازان»‪ .‬ك ــل ـه ــا ص ـي ــغ مـخـتـلـفــة‪،‬‬ ‫واملعينية القديمة‪.‬‬ ‫تفتقد‪ ،‬برأيه‪ ،‬إلى قدر من املعقولية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٌّ‬
‫أوس ــع مــن شــأنــه خــدمــة اإلحـ ــاالت التي‬ ‫«معني‪-‬مصرن» هو اسم دال على مملكة‬ ‫وكل منها له مدلول محدد‪ ،‬فـ «مصري»‬
‫يفترض أن تــؤدي إليها إعــادة تأسيس‬ ‫– مجتمع ينتمي إلى مكان يدعى مصر‪.‬‬ ‫ال يمكنه أن يكون هــو ذاتــه «مصريم»‪.‬‬ ‫مصر التوراة‬ ‫قدس\قدش\قادش‬
‫ً‬
‫حقبة مملكة اسرائيل القديمة‪.‬‬ ‫وحـ ـت ــى الـ ـي ــوم ث ـم ــة ق ــري ــة ت ــدع ــى قــريــة‬ ‫كــذلــك‪ ،‬ف ــإن تعبير عـشــائــر املـصــريــن ال‬ ‫إذن‪ ،‬مصر اإلقليم العربي اليوم‪ ،‬ليست‬ ‫م ـث ــاال ال ح ـص ـرًا‪ ،‬يـنـفــي صــاحــب عـشــاء‬

‫مذكرات‬
‫مهني‪ :‬السجن مرآة للتاريخ‬
‫الصادق بن ّ‬
‫الـطــرودي الصحافة‪ ،‬فيما ساهم آخــرون‬ ‫عـ ــرف أم ــاك ــن ل ــم ي ـكــن ي ـعــرف ـهــا م ــن قـبــل‪.‬‬ ‫من ّالسجن‪ ،‬فقد كان األمر مختلفًا‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫حبيب الحاج سالم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫«ل ـكــن ـنــي ع ـنــدمــا دخ ـل ـنــا مـكـتـبــه وجــدتــه‬
‫التونسية لحقوق‬ ‫في تأسيس «الرابطة‬ ‫وداخل السجن عرف بشرًا من كل األعمار‬
‫ّ‬
‫اإلنسان» وفرع «منظمة العفو الدولية»‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وجـهــات الـبــاد والـتــوجـهــات السياسية‪.‬‬ ‫«عـجــوزًا» تفشل املساحيق رغــم كثافتها‬ ‫ف ــي ك ـتــابــه «سـ ـ ــارق ال ـط ـمــاطــم أو زادنـ ــي‬
‫ّ‬ ‫وحدتها‪ ،‬ثم رأيت‬ ‫في التخفيف من وجهه ّ‬ ‫ال ـح ـبــس ع ـم ـرًا» ّ(دار سـ ـي ــراس)‪ ،‬يـغــوص‬
‫بـعـيـدًا عــن املــاضــي وتـفــاصـيـلــه‪ ،‬تختلف‬ ‫لـعــل أب ــرز الــوجــوه الـتــي تـنــاولـهــا املــؤلــف‬
‫العادية لهذا‬‫ّ‬ ‫بداية الكتاب عن البدايات‬ ‫ه ــم حـ ـ ــراس الـ ـسـ ـج ــون‪ ،‬م ــن ال ـف ـت ــى ال ــذي‬ ‫حركات يديه وقفزه يبغي مغالبة قصره‬ ‫الـصــادق بن مهني في تفاصيل تجربته‬
‫ّ‬ ‫داخ ــل س ـجــون ن ـظــام الـحـبـيــب بــورقـيـبــة‪،‬‬
‫الطراز من الكتب‪ ،‬إذ انطلق الصادق من‬ ‫ارتمى في حضنه وأخذ يبكي نادمًا على‬ ‫ومكابدته ليظل واقفًا طــوال اللقاء فكاد‬
‫قصة‬ ‫الحاضر‪ ،‬ومن حكاية غيره‪ .‬تتعلق ّ‬ ‫اختياره هــذه املهنة إلــى العم عمار الذي‬ ‫يغالبني الضحك»‪.‬‬ ‫واس ـت ــرج ــاع ص ــور شـخـصـ ّـيــاتـهــا‪ ،‬بعيدًا‬
‫ال ـب ــداي ــة ب ـ ّشــاب ج ــاء مل ـنــزل امل ــؤل ــف حتى‬ ‫«ط ـ ّـب ــق مـعــايـيــر ح ـقــوق اإلنـ ـس ــان وإن لم‬
‫ّ‬
‫ي ـلــخــص ال ــوص ــف ك ــل ال ـح ـكــايــة‪ ،‬ينتمي‬
‫ّ‬ ‫ع ــن ثـنــائـيــة املــائ ـكــة وال ـش ـيــاطــن وبـقـ ّـيــة‬
‫ً‬ ‫الثنائيات املنبثقة عنها‪.‬‬
‫يصلح سخانه‪ ،‬فيرى كتبًا كثيرة‪ .‬عرف‬ ‫يعلمه ّإياها أحــد»‪ ،‬وصــوال إلــى السجني‬ ‫املؤلف إلى جيل تجاوز زعامة «الزعيم»‬
‫ب ـعــد اس ـت ـف ـســاره ّأن ـه ــا ت ـبــرعــات مـ ّ‬
‫ـوجـهــة‬ ‫امل ـك ـل ــف ب ــإس ـن ــاد ال ـ ـ ُـح ـ ــراس الـ ـ ــذي تـمـنــى‬ ‫وسلطته الشخصية‪ .‬هو ينتمي إلى جيل‬ ‫في أحد أيام حزيران (يونيو) ‪ ،1980‬أفاق‬
‫ً‬ ‫«أن يقضم بما تبقى لــه مــن أسـنــان ّ‬ ‫ّ‬ ‫الـحـبـيــب بــورقـيـبــة فــي ق ـصــره الــرئــاســي‪،‬‬
‫إل ــى مـكـتـبــات ال ـس ـج ــون‪ ،‬وت ـك ــون مــدخــا‬ ‫حبة‬ ‫سياسي متعلم‪ ،‬وإن كــان ابــن سياسات‬
‫ّ ّ‬ ‫جـ ّـهــز نـفـســه ث ـ ّـم ج ـلــس ف ــي مـكـتـبــه لـيـبــدأ‬
‫ل ـل ـحــديــث ع ــن ت ـع ـ ّـرض ــه‪ ،‬بـمـحــض صــدفــة‬ ‫طماطم طازجة» فسرق من مؤونة رفاقه‬ ‫نظام بورقيبة‪ ،‬إال أنــه يعارضه (أليست‬
‫ّ‬ ‫ي ــوم ــا آخـ ــر م ــن ال ـع ـم ــل‪ .‬كـ ــان ل ــه ل ـق ــاء مع‬
‫سيئة‪ ،‬إلــى التعذيب مــن قبل أع ــوان أمن‬ ‫واحدة وأهداها له‪.‬‬ ‫األض ـ ــداد م ــن بـعـضـهــا ت ـت ــوال ــد؟)‪ .‬ت ــروي‬
‫ّ‬ ‫مـجـمــوعــة مــن ال ـشـ ّـبــان‪ .‬وص ــل ُامل ــدع ـ ّـوون‪،‬‬
‫على امتداد أيــام‪ .‬الكتاب إذًا ليس وثيقة‬ ‫ف ـ ــي الـ ـسـ ـج ــن أي ـ ـضـ ــا ب ـ ـ ـ ــدأت املـ ــراج ـ ـعـ ــات‬ ‫السيرة‪ ،‬باألساس‪ ،‬سنوات سجن املؤلف‬
‫ّ‬ ‫ورفــاقــه فــي منظمة «آف ــاق» الـيـسـ ّ‬ ‫كانوا شبابًا يافعني وأنيقني‪ .‬أعجب بهم‬
‫للتأريخ فقط‪ ،‬بل هو أيضًا بيان سياسي‬ ‫الفكرية‪ .‬بمرور الوقت‪ ،‬ابتعدت الجماعة‬ ‫ـاريــة‪ .‬لم‬
‫الرئيس‪ ،‬سألهم عــن عــدد السنوات التي‬
‫موجه للحاضر‪ ،‬عن جريمة التعذيب التي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ع ــن امل ــارك ـس ــيــة الـلـيـنـيـنــيــة وق ــرب ــت أكـثــر‬ ‫ت ـكــن املـنـظـمــة ب ــال ـق ـ ّـوة ال ـتــي تـمـكـنـهــا من‬ ‫قـضــوهــا فــي الـسـجــن‪ ،‬واسـتـنـتــج‪ ،‬ارض ـ ً‬
‫ـاء‬
‫السجون وأوضاعها‪،‬‬ ‫لم تختف بعد‪ ،‬عن‬ ‫إل ــى ال ـطــروحــات الــديـمـقــراطـيــة والـنـشــاط‬ ‫ّ‬
‫لرمزية‬ ‫إسقاط النظام‪ ،‬لكن ضربها كــان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ومنفيًا‬ ‫ألنــاه‪ ،‬أن ما قضاه هو مسجونًا‬
‫وعن منظومة العدالة املتعثرة‪.‬‬ ‫الثقافي‪ .‬يصف املؤلف هذا املسار‪« :‬بدأنا‬ ‫ما تطرحه‪.‬‬ ‫يتجاوزها‪ .‬وبعد تبادل أطــراف الحديث‪،‬‬
‫يأتي الكتاب استمرارًا لسلسلة مؤلفات‬ ‫نتبدل‪ ،‬بدأت تشدنا مقوالت‬ ‫شيئًا فشيئًا ّ‬ ‫كـ ــان بــورق ـي ـبــة يـ ــرى امل ـس ــأل ــة شـخـصـ ّـيــة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫انتهى اللقاء بالعفو عنهم‪ ،‬وترك مسألة‬
‫واألف ـكــار الـتــي ب ــدأت تــروج‬ ‫تروي السيرة سنوات سجن‬ ‫أن ي ـن ــادي ش ـبــابــا ب ـش ـعــار «ال ـش ـع ــب هو‬ ‫ّ‬
‫كتبت على أيدي أفراد هذه املجموعة من‬ ‫الديمقراطية ّ‬ ‫مولده‪ .‬كان‬ ‫العفو عن بقية رفاقهم لذكرى ّ‬
‫املساجني الــرفــاق‪ .‬بــدأت السلسلة بكتاب‬ ‫بـ ـخـ ـص ــوص الـ ــن ـ ـضـ ــال مـ ــن أجـ ـ ــل ح ـق ــوق‬ ‫املجاهد األكبر» فتلك إهانة له‪ ،‬لذلك هو‬ ‫مــن بــن أولـئــك‪ ،‬الـصــادق بــن مهني‪ ،‬الــذي‬
‫جلبار النقاش «كــريـسـتــال»؛ وفتحي بن‬ ‫اإلنـ ـ ـس ـ ــان‪ ،‬وأغ ــرمـ ـن ــا ب ـن ـظ ــري ــات الـ ـث ــورة‬ ‫المؤلف ورفاقه في‬ ‫من يعاقب‪ ...‬ومن يعفو أيضًا‪ .‬من ذلك ما‬ ‫السجنية هذه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أنهى بهذا املشهد سيرته‬
‫الـ ـح ــاج ي ـح ـيــى (ال ـح ـب ــس ك ـ ــذاب وال ـح ـ ّـي‬ ‫ـذريـ ــة‪ ،‬ث ـ ــورة ال ـع ـق ـلـ ّـيــات‪،‬‬
‫ال ـع ـم ـي ـقــة وال ـ ـجـ ـ ّ‬ ‫اليسارية‬ ‫منظمة «آفاق»‬ ‫قيل للمؤلف ورفــاقــه‪« :‬سـيــادتــه غاضب‪.‬‬
‫يــــ ّ‬
‫ـروح‪ :‬ورقـ ـ ـ ــات مـ ــن دفـ ــاتـ ــر الـ ـيـ ـس ــار فــي‬ ‫ال ـ ـثـ ــورة ال ـث ـق ــاف ـ ّـي ــة والـ ـفـ ـك ــري ــة»‪ .‬سـيـثـمــر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قاسية‪.‬‬ ‫علينا أن نهدئه‪ .‬ستكون األحكام‬
‫في استرجاعه للمشهد‪ ،‬لم ينس الصادق‬
‫أن يذكر بما شعر به وأسقطه بيان رئاسة‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫البورقيبي)؛ ومحمد صالح فليس‬ ‫ّ‬ ‫الزمن‬ ‫ـوج ــه ع ــدد من‬ ‫ـا ت ـ ّ‬ ‫ه ــذا ال ـت ـح ـ ّـول مـسـتـقـبـ‬ ‫قلب األب الحنون سرعان ما سيستيقظ»‪.‬‬ ‫ـوريــة حـيـنـهــا‪ .‬ب ـعــد رب ــع ق ــرن من‬ ‫ال ـج ـم ـهـ ّ‬
‫(س ـج ــن ف ــي وط ـن ــي‪ :‬ص ــور م ــن يــومـيــات‬ ‫املساجني املذكورين في الكتاب إلى آفاق‬ ‫ُوضـ ـ ــع املـ ـع ــارض ــون ف ــي ال ـس ـج ــن‪ .‬ه ـنــاك‬ ‫الحكم‪ ،‬وما يقارب خمسة عقود من العمل‬
‫ّ‬
‫مـعـتـقــل س ـي ــاس ـ ّـي)؛ وأح ـم ــد ك ــرع ــود (مــن‬ ‫جــديــدة‪ .‬انغمس الـنــوري بــوزيــد أكثر في‬ ‫اكتشف الصادق أن املكان أكثر من مجرد‬ ‫الـسـيــاســي‪ ،‬كــانــت أج ـهــزة ال ـن ـظــام تجهد‬
‫دروس الشيخ خليف بمسجد القيروان‬ ‫صناعة السينما‪ ،‬ونــور الــديــن بــن خضر‬ ‫ّ‬
‫جــدران مغلقة‪ ،‬وعــاش تجربة حولته بال‬ ‫السـتـبـقــاء «ك ــاري ــزم ــا» الــزع ـيــم وصــورتــه‬
‫إلى اليسار املاوي)‬ ‫ف ـ ــي صـ ـن ــاع ــة الـ ـنـ ـش ــر‪ ،‬مـ ـ ـ ــارس هــاش ـمــي‬ ‫رجعة‪ .‬في الرحالت الكثيرة بني السجون‪،‬‬ ‫املـشــرقــة‪ .‬أمــا بالنسبة للشاب الـقــادم تـ ّـوًا‬

You might also like