You are on page 1of 1

‫الثالثاء ‪ 21‬يوليو‪ /‬تموز ‪ 2020‬م ‪ 30‬ذو القعدة ‪ 1441‬هـ ¶ العدد ‪ 2150‬السنة السادسة‬

‫‪Tuesday 21 July 2020‬‬


‫‪26‬‬
‫كتب‬
‫نظرة أولى‬ ‫الكتاب‪ ،‬يمكن اعتباره‪ ،‬كما قال فرانز كافكا مر ًة عن الكتب المزلزلة‪،‬‬
‫تحطم البحار المتجمدة الموجودة في داخلنا»‪ ،‬وبالفعل‬ ‫ِّ‬ ‫«فأس‬
‫ٌ‬ ‫إنّه‬
‫«ال ـ ـعـ ــرب والـ ـهـ ـن ــد‪ :‬ت ـ ـحـ ـ ّـوالت ال ـع ــاق ــة م ــع قـ ـ ـ ّـوة نــاش ـئــة‬
‫جسرًا يصل به‬
‫ّ‬ ‫يمد‬
‫َّ‬ ‫هذا ما أراده فيرين‪ ،‬أن يفتح جدًال ونقاشًا وأن‬
‫كتاب صــدر قبل أيــام عن «املركز‬ ‫ٍ‬ ‫ومستقبلها» عنوان‬ ‫اإلسبان‪ ،‬وأقول العرب أيضًا‪ ،‬مع الماضي األندلسي‬
‫الـعــربــي لــأبـ ُحــاث ودراسـ ــة الـسـيــاســات»‪ ،‬وي ـضـ ُّـم ثالثة‬
‫عـشــر بحثًا قـ ّـدمــت فــي مــؤتـمــر بــالـعـنــوان نفسه عقده‬

‫إيميليو غونزاليس فيرين تحرير تاريخ األندلس‬


‫املركز في الدوحة في ‪ .2018‬تنطلق البحوث من اعتبار‬
‫ّأن ال ـصــورة الـتــي تــرســم مستقبل الهند بصفتها قـ ّـوة‬

‫حين كنّا عربًا‬


‫عاملية صاعدة من الشرق‪ ،‬إضافة إلى قربها الجغرافي‬
‫البر العربي‪ ،‬وروابطها التاريخية والثقافية بشعوبه‪،‬‬ ‫من ّ‬
‫ووج ــود عمالة هندية كبيرة فــي دول الخليج العربية‪،‬‬
‫ّ‬
‫تفرض اهتمام العرب املتزايد بها‪ ،‬خصوصًا أنها من‬
‫أكبر مستوردي الطاقة العربية‪.‬‬

‫في طبعة مشتركة بني «منشورات سوتيميديا» و«مركز‬


‫جعفر العلوني‬
‫املــوسـيـقــى الـعــربـيــة واملـتــوسـطـيــة ‪ -‬الـنـجـمــة ال ــزه ــراء»‪،‬‬
‫صدر أخيرًا كتاب «تحوالت العود‪ :‬من األرغانولوجيا‬ ‫ّ‬
‫إلــى الفضاء التأليفي» للباحث واملوسيقي التونسي‬ ‫التاريخ اإلسباني دون إقصاءات‬ ‫اس ـ ـت ـ ـنـ ــادًا إل ـ ـ ــى كـ ـت ــب الـ ــتـ ــاريـ ــخ‬
‫اإلسـبــانـ ّـيــة واملـنــاهــج املــدرســيــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ح ـمــدي مـخـلــوف بـتـقــديــم ج ــان‪-‬م ــارك ش ــوف ــال‪ .‬يـقـ ّـدم‬ ‫تبدو واضحة رغبة المؤرخ اإلسباني في تغيير نظرة مواطنيه اإلسبان‬ ‫ـوي ــة‪ ،‬في‬ ‫إن قـ ــوات ال ـخــافــة األم ـ ّ‬ ‫َّ‬
‫للتطور التاريخي واملورفولوجي آللة العود‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العمل قراءة‬ ‫َ‬
‫نحو اإلسالم (وبالتالي نحو تاريخهم) مميزًا فيه بين الثقافة‪ ،‬الدين‬ ‫العام ‪ ،711‬عبرت مضيق جبل طارق وبدأت‬
‫منذ كتابات الكندي والفارابي وابن سينا وصفي الدين‬ ‫اإليبيرية كان‬ ‫ّ‬ ‫عسكريًا لشبه الجزيرة‬ ‫ّ‬ ‫غزوًا‬
‫والمجتمعات الحديثة‪ ،‬وهو يفعل ذلك بحيادية باحث قضى نصف‬ ‫ّ‬
‫األرموي إلى اليوم‪ ،‬كما يقترح مقاربة تحليلية ملمارسة‬ ‫نـتـيـجــة الـحـمـلــة الـعـسـكــريــة ال ـتــي انطلقت‬
‫العزف والتأليف على آلة العود منذ النصف الثاني من‬ ‫عمره في دراسة اإلسالم‪ .‬ضمن هذا السياق يمكن فهم كتابه هذا‬ ‫العربية مــع بــدايــة القرن‬ ‫ّ‬ ‫مــن شبه الجزيرة‬
‫الـقــرن العشرين‪ّ ،‬‬ ‫على أنَّه دراسة في علم التاريخ واإلسالم‪ ،‬عالوة على كونه طلبًا أو‬ ‫السابع عشر بهدف نشر الدين اإلسالمي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مقدمًا ق ــراءة فــي عــدد مــن التجارب‬ ‫َّ‬
‫التأليفية العربية‪.‬‬ ‫اقتراحًا مخلصًا بقراءة التاريخ اإلسباني دون إقصاءات‪.‬‬ ‫وت ـت ــاب ــع هـ ــذه ال ـك ـتــب إن الـ ـق ــوات املـسـلـمــة‬
‫غ ــزت ش ـبــه ال ـج ــزي ــرة اإلي ـب ـيـ ّ‬
‫ـريــة (إسـبــانـيــا‬
‫كجزء من حــرب مقدسة سعت‬ ‫ّ‬ ‫والبرتغال)‬
‫ٍ‬
‫فـيـهــا إل ــى ن ـشــر ال ـ ّـدي ــن اإلس ــام ــي وفــرضــه‬
‫«الفلسطينيون فــي ســوريــة‪ :‬ذكــريــات نكبة مجتمعات‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫على سكان املنطقة الــذيــن كــانــوا يعتنقون‬
‫ممزقة»‪ ،‬عنوان كتاب الباحثة الفلسطينية وأستاذة علم‬ ‫هـكــذا سنكتشف مــع غونزاليس فيرين أن‬ ‫شخصيًا من قبل الكتاب‪ :‬قراءة‬ ‫أو اقتراحًا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫األمـيــر األم ــوي‪ ،‬ولـيــس املـلــك الـقــوطــي‪ ،‬على‬ ‫التاريخ اإلسباني دون إقصاءات‪.‬‬ ‫القوات‬ ‫املسيحي‪ .‬سرعان ما هزمت‬ ‫َ‬ ‫الــديـ ّـن ُ‬
‫االجتماع في الجامعة األميركية ببيروت أناهيد الحردان‬ ‫سيطرتها‬ ‫ّ‬
‫سبيل املثال‪ ،‬هو َّأول من وضع تعبير «ملك‬ ‫مـفــاهـيــم تــاري ـخـ َّـيــة إش ـكــالـ َّـيــة م ـثــل «الـفـتــح‬ ‫األموية اململكة القوطية وبسطت ً‬
‫الذي تصدر ترجمته هذه األيام عن «مؤسسة الدراسات‬ ‫هسبانيا»‪ ،‬إضافة إلــى دحــض فكرة الغزو‬ ‫اإلس ـ ــام ـ ــي» – وه ـ ــو ال ـت ـع ـب ـيــر امل ـس ـت ـخــدم‬ ‫على جزء كبير من إسبانيا‪ ،‬مقلصة وجود‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية» بتوقيع محمد األسعد‪ .‬يقوم الكتاب على‬ ‫تاريخية مفادها‬ ‫ّ‬ ‫املفترض‪ ،‬وإب ــراز حقيقة‬ ‫ع ــرب ـ ّـي ــا ل ـ ــإش ـ ــارة إلـ ـ ــى الـ ـفـ ـت ــح اإلسـ ــامـ ــي‬ ‫املسيحية إلــى شريط يمتد شماال‬ ‫املمالك‬
‫بحث تاريخي ومقابالت ميدانية أجرتها الكاتبة‪ .‬من‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫على مساحة ضيقة في الجبال األسترية‪.‬‬
‫أن املسلمني لم يغزوا األندلس بهدف بناء‬ ‫إسبانيًا من «الغزو‬ ‫لألندلس‪ -‬ومــا يقابله‬ ‫ّ‬
‫عـنــاويــن فـصــولــه‪« :‬مجتمع الــاجـئــن الفلسطينيني في‬ ‫خالفة إسالمية «فمن يريد أن يفهم تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫اإلســامــي» و«ح ــروب االس ـت ــرداد»‪ ،‬يتوقف‬ ‫ك ــل م ــن ّ درس وق ــرأ ال ـتــاريــخ ف ــي إسـبــانـيــا‪،‬‬
‫القصة‪ .‬لكن الحقيقة‬ ‫ال بــد أنــه يعرف هــذه ّ‬ ‫َّ‬
‫سورية»‪« ،‬حركة حق العودة وذكريات من أجل العودة»‪،‬‬ ‫منطقة البحر املتوسط يجب عليه أن يعرف‬
‫َّ‬
‫عندها صــاحــب «أه ــوال إبــراهـيــم‪ -‬األصــول‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أن ال ـف ـت ــوح ــات اإلس ــامـ ـي ــة آن ـ ـ ــذاك ل ــم تـكــن‬ ‫الثقافية لــإســام» (‪ ،)2013‬عــائـدًا فــي ذلك‬ ‫التاريخية ليست واضحة‪.‬‬ ‫هي ّ أن املصادر‬
‫«رواية حكاية فلسطني وتناقل فقدانها»‪« ،‬جماعات جيل‬ ‫فالنصوص اإلسالمية التي تتناول الغزو‬ ‫ّ‬
‫فلسطني وذكــريــات الـنـكـبــات»‪ ،‬لتختتم الـكـتــاب بفصل‬ ‫شيئًا غريبًا أو «خارجيًا» عن تلك املنطقة‪،‬‬ ‫إل ــى ال ـت ــأري ــخ امل ـه ـم ــش‪ ،‬وإلـ ــى أق ــران ــه من‬
‫كـمــا أن ـهــا لــم ت ـفــرض نفسها بـعـنــف وق ــوة‪،‬‬ ‫املـسـتـعــربــن م ــن أم ـث ــال أمـيــريـكــو كــاسـتــرو‬ ‫«إسـبــانـ ّـيــا»‪ ،‬والفتح «عــربـيــا»‪ ،‬تــأخــرت مدة‬
‫بعنوان‪« :‬نكبات اليوم ونكبة العام ‪.»1948‬‬ ‫ق ــرن ون ـصــف‪ ،‬وامل ـصــدر الــاتـيـنــي الــوحـيــد‪،‬‬
‫ب ــل كــانــت ضـمــن بـنـيــة الـتــركـيـبــة الــداخـلـيــة‬ ‫وإي ـم ـي ـل ـيــو غ ــارس ـي ــا غــوم ـيــز وغ ـي ــره ــم من‬
‫َّ‬ ‫الذين يدافعون َّ‬ ‫م ـج ـه ــول امل ـ ــؤل ـ ــف‪ ،‬والـ ـ ـ ــذي ي ـح ـم ــل ع ـن ــوان‬
‫للمنطقة‪ ،‬وبالتالي إن األندلس ليست ثمرة‬ ‫عما حدث حقًا على مجموع‬
‫ديني أو حرب مقدسة‪ ،‬بل هي نتيجة‬ ‫ٍّ‬ ‫غزو‬ ‫َّ‬
‫األراض ــي الـتــي تسمى الـيــوم إسبانيا عبر‬ ‫«ت ــأري ــخ ع ــام ‪ ،»754‬ي ـ ــروي ح ــادث ــة دخ ــول‬
‫ص ــدر حــديـثــا ع ــن «م ـن ـش ــورات مـفـتــرق ال ـط ــرق» كـتـ ٌ‬
‫ـاب‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ببعد‬ ‫ولكنه ال يتعاطى مع األمر‬
‫عـمـلـيــة بـطـيـئــة م ــن الــت ـغـ ُّـيــرات وال ـت ـطــوارت‬ ‫التاريخ‪ ،‬وليس عن تاريخ ما صــارت عليه‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫املسلمني‪ّ ،‬‬
‫بعنوان «الـ َّـديــن الـعــام واإلمبريالية فــي املـغــرب (‪-1856‬‬ ‫ال ـعــامــة الـشــائـعــة آنـ ــذاك ف ــي مـحـيــط البحر‬ ‫إسبانيا َّإبان تكوينها في العصر الحديث‪.‬‬ ‫وبشكل يتفق عليه الجميع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ديني‪ ،‬كما أنه‪،‬‬
‫ّ‬
‫ٍّ‬
‫‪ »)1956‬للباحث الفرنسي آدم بــاربــي‪ ،‬بتقديم توماس‬ ‫املتوسط بأكمله‪ ،‬تعززت في شبه الجزيرة‬ ‫ـزو ب ــاس ــم ال ــدي ــن ونـشــر‬ ‫ال ي ـت ـح ــدث ع ــن ّ غ ـ ـ ٍ‬
‫بيكيتي‪ .‬يعود العمل إلى «معاهدة فاس» عام ‪ 1912‬التي‬ ‫اإليبيرية بسبب انهيار اململكة القوطية»‬ ‫اإلسالمية‪ .‬دفع هذا األمر املؤرخني‬ ‫الديانة‬
‫ّ‬ ‫إلى التشكيك في الرواية املهيمنة والتأكيد‬
‫وضـعــت امل ـغــرب تـحــت «الـحـمــايــة» الـفــرنـسـيــة‪ ،‬موضحًا‬ ‫يؤكد فيرين بحيادية باحث قضى نصف‬ ‫َّ‬
‫كيف ّ‬ ‫عمره في دراسة اإلسالم‪.‬‬ ‫أن مــا ح ــدث فــي شـبــه الـجــزيــرة الـعــربـيــة لم‬
‫عجلت الديون املتراكمة في فرض «الحماية» عليه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ـرب مقدسة‪ ،‬بل كان‬
‫كما ُيضيء الكتاب املرفق بجداول ورسوم بيانية على‬ ‫يـ ـق ــف فـ ـي ــري ــن م ـ ـطـ ــوال عـ ـن ــد هـ ـ ــذه ال ـن ـق ـطــة‬ ‫ّ‬ ‫يكن غــزوًا ناتجًا عن حـ ٍ‬
‫وي ـ ـت ـ ـسـ ــاءل عـ ــن سـ ـب ــب اخـ ـتـ ـي ــار إس ـب ــان ـي ــا‬ ‫سـلـسـلــة م ــن م ــوج ــات ال ـه ـجــرة ال ـتــي ول ــدت‬
‫اآلل ـيــات االقـتـصــاديــة والــدبـلــومــاسـيــة الـكــامـنــة وراء هــذه‬ ‫عملية تعريب للمنطقة‪.‬‬
‫الـضــائـقــة املــالـيــة‪ ،‬معتبرًا ّأن الـسـيــاســة اإلمـبــريــالـيــة في‬ ‫لــروايــة معينة‪ ،‬أي رواي ــة الـغــزو اإلســامــي‪،‬‬
‫واح ـ ـ ٌـد م ــن أشـ ـ ّـد امل ــداف ـع ــن ع ــن ه ــذا الـتـيــار‬
‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫وتاليًا حــروب االسـتــرداد والهوية القومية‬
‫للتوسع االستعماري األوروبي‬ ‫مجال الديون كانت أداة‬ ‫ا َّلـكــاثــولـيـكـيــة األح ــادي ــة ال ـتــي ي ــرى الـكــاتــب‬ ‫التاريخي هو إيميليو غونزاليس فيرين‪،‬‬
‫في القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫أن ـ ـهـ ــا تـ ـع ــود ألب ـ ـعـ ــاد وأسـ ـ ـب ـ ــاب س ـيــاس ـيــة‬ ‫أستاذ الفكر العربي واإلسالمي في جامعة‬
‫«إذ إن الـكـيــان اإلس ـبــانــي ق ــام عـلــى أســاس‬ ‫إش ـب ـي ـل ـيــة‪ ،‬والـ ـ ــذي ي ــؤك ــد س ـ ــواء ف ــي كـتــابــه‬
‫«حـ ـ ــروب االسـ ـ ـتـ ـ ــرداد»‪ ،‬ومـ ــن دون «غ ـ ــزو»‪،‬‬ ‫«قصة األنــدلــس» (‪ )Almuzara 2006‬أو في‬
‫«من إسطنبول إلى باريس‪ :‬رحلة محمد جلبي أفندي إلى‬ ‫ال ت ــوج ــد «ح ـ ـ ــروب اسـ ـ ـت ـ ــرداد» ذات قـيـمــة‪،‬‬ ‫األخير الصادر عن دار النشر نفسها‬ ‫ّ‬ ‫كتابه‬
‫َّ‬
‫غير أن «حــروبـنــا االس ـتــرداديــة» ليست إال‬ ‫«ع ـن ــدم ــا ك ــن ــا ع ــرب ــا» (‪ ،)2018‬أن ح ــوض‬
‫فــرنـســا‪-‬املـعــروف بيكرمي سيكز ‪ »1720-1721‬عنوان‬ ‫ال ـب ـحــر امل ـت ــوس ــط كـ ــان ف ــي لـ ـ َّـب عـمـلـيــة من‬
‫مجردًا‪ ،‬فهي ليست حدثًا تاريخيًا‬ ‫ّ‬ ‫مفهومًا‬
‫الكتاب الصادر عن «املؤسسة العربية للدراسات والنشر»‬ ‫بجذور يهودية مسيحية‪،‬‬ ‫االستشراق بدأت‬
‫و«ارتياد اآلفاق»‪ ،‬بتحقيق وتقديم الباحث املغربي محمد‬ ‫يمكن إثباته‪ ،‬بل إنها فكرة‪ -‬قوة تأسيسية‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫إسالمي‬ ‫ٍّ‬ ‫بطابع‬ ‫بعد‪،‬‬ ‫فيما‬ ‫أوال‪ ،‬واستمرت‪،‬‬
‫الزاهي‪ .‬تندرج هذه الرحلة ضمن الرحالت الدبلوماسية‪،‬‬ ‫إلسـبــانـيــا ال ـت ـفــرديــة»‪ .‬م ــن هـنــا كــانــت هــذه‬ ‫ٍ‬
‫الـنـهــايــة لـقـصــة األن ــدل ــس‪ ،‬فــاملـهــم فــي األمــر‬ ‫واضــح‪ .‬ضمن هــذا السياق‪ ،‬يبدو نوعًا من‬
‫عـلــى خـلـفـيــة إرسـ ــال الـسـلـطــان الـعـثـمــانــي أح ـمــد الـثــالــث‬ ‫لـيــس اإلخـ ــاص إل ــى األح ـ ــداث الـتــاريـخـيــة‪،‬‬ ‫ال ـس ـخــف‪ ،‬إذًا‪ ،‬تـحــديــد ال ـع ــام ‪ 711‬كـتــاريــخ‬
‫السفير محمد جلبي أف ـنــدي مبعوثا إل ــى مـلــك فرنسا‬ ‫ـرد تــاري ـخ ـ ٍّـي يــدعــم‬ ‫ب ــل الــرغ ـبــة ف ــي ب ـنــاء سـ ـ ٍ‬
‫أبعاد‬ ‫ٍ‬ ‫رئيسي للحديث عن غزو عسكري ذي‬
‫لويس الخامس عشر‪ ،‬وقد ّدونها الكاتب إثر عودته من‬ ‫رؤي ــة مـعـ ّـيـنــة ل ـتــاريــخ ال ـب ــاد‪ ،‬ويـ ـب ـ ّـرر‪ ،‬كما‬ ‫دي ـن ـيــة‪ ،‬ل ـقــد ك ــان ــت عـمـلـيــة ت ـعــريــب بطيئة‬
‫بــاريــس فــي شـكــل تـقــريــر عــن الــرحـلــة قـ ّـدمــه إلــى الـصــدر‬ ‫أيديولوجية معينة في‬ ‫ّ‬ ‫واضح‪ ،‬مواقف‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬ ‫انـتـشــرت فــي جميع أنـحــاء البحر األبيض‬
‫األعـظــم إبراهيم بــاشــا‪ .‬حــاز الكتاب «جــائــزة ابــن بطوطة‬ ‫الحاضر‪.‬‬ ‫الوقت‬ ‫املتوسط بسبب سلسلة من حركات الهجرة‬
‫ّ‬ ‫غ ـي ــر ّأن أكـ ـث ـ ّ‬ ‫املستمرة‪.‬‬
‫ألدب الرحلة» في فرع تحقيق املخطوطات عام ‪.2020‬‬ ‫ـري ــة اإلس ـ ـب ـ ــان‪ ،‬ك ـم ــا ي ــوض ــح‬
‫فيرين نفسه‪ ،‬ال يتفقون مع ذلك الجزء من‬ ‫كما قال فرانز كافكا‬ ‫اعتباره‪،‬‬ ‫يمكن‬ ‫الكتاب‪،‬‬
‫ـأس تحطم‬
‫ِّ‬ ‫ـرة عــن الكتب املــزلــزلــة‪ّ ،‬إن ــه «ف ـ ٌ‬ ‫ً‬
‫مـ‬
‫املاضي‪ ،‬أي األندلس‪ ،‬ألنه يعني‪ ،‬بالنسبة‬ ‫حرب‬
‫ٍ‬ ‫لم يكن غزو‬ ‫الـبـحــار املـتـجـمــدة امل ــوج ــودة فــي داخـلـنــا»‪،‬‬
‫ل ـهــم‪ ،‬وج ــود ك ـيــان إس ــام ــي هــائــل ال يفهم‬
‫مقدسة‪ ،‬بل سلسلة‬
‫«املــؤسـســة الجامعية والـحــركــات الطالبية‪ :‬بــن اإلدم ــاج‬ ‫ً‬
‫الفروقات وال األوقات‪ ،‬وبما أنه ال يجذبهم‬ ‫وبالفعل هذا ما أراده فيرين‪ ،‬أن يفتح جدال‬
‫وال ـق ـط ـي ـعــة» عـ ـن ــوان ك ـت ــاب ج ـمــاعــي صـ ــدر أخـ ـيـ ـرًا عن‬ ‫يمد ّ‬‫ونقاشًا وأن َّ‬
‫منشورات «الرمتان» تحت إشراف الباحثني الفرنسيني‬
‫الـيــوم‪ ،‬فهم ال يــريــدون التعامل معه كجزء‬ ‫هجرات ع ّربت المنطقة‬ ‫جسرًا يصل به اإلسبان‪،‬‬
‫وأقــول العرب أيضًا‪ ،‬مع املاضي األندلسي‪.‬‬
‫مــن تــاريــخ إسبانيا‪ .‬وه ــذا مــا يـبــرر الرغبة‬
‫ج ــان فيليب لــوجــوا وج ــان ل ــوي فـيــولــو‪ .‬ي ــدرس العمل‬ ‫َّ‬ ‫وق ــد ب ــدا واض ـحــا مــن مـقــدمــة الـكـتــاب نزعة‬
‫يجب أن تبقى األندلس‬
‫ّ‬ ‫مصممة على قياس مصالح‬ ‫في بناء قصة‬
‫تحوالت الجامعة كفضاء اجتماعي ومعرفي وسياسي‬ ‫ّ‬
‫جـيــوسـيــاسـيــة م ـح ــددة ت ـقــوم عـلــى أس ــاس‬ ‫الـكــاتــب ورغـبـتــه فــي تغيير نـظــرة اإلسـبــان‬
‫فــي آن‪ ،‬منذ بــدايــة الـقــرن العشرين إلــى أيــامـنــا‪ ،‬متوقفًا‬ ‫سلبية للعرب واإلســام‪ ،‬تم شحذها‬ ‫ّ‬ ‫نظرة‬ ‫مزيجًا من عناصر مختلفة‬ ‫نحو اإلسالم‪ ،‬مميزًا فيه بني الثقافة‪ ،‬الدين‬
‫ّ‬ ‫ضمن هــذا السياق‬ ‫واملجتمعات الحديثة‪َّ .‬‬
‫عـنــد تــواريــخ مرجعية أبــرزهــا «ث ــورة ‪ .»68‬كـمــا ينفتح‬ ‫بشكل مدروس ال سيما بعد أحداث الحادي‬ ‫مؤتلفة‬ ‫يمكن فهم الكتاب على أنــه دراســة في علم‬
‫ال ـع ـمــل ع ـلــى ج ـغــراف ـيــات م ــن خـ ــارج امل ــرك ــز األوروبـ ـ ــي‪،‬‬ ‫عشر من أيلول ‪ ،2001‬وهــذا ما دفع أكثرية‬
‫الـجـمـهــور إل ــى دف ــن وط ـمــس م ــا يــوجــد من‬ ‫الـتــاريــخ واإلس ــام‪ ،‬ع ــاوة على كــونــه طلبًا‬
‫ومن ذلك مساهمة الباحث التونسي محمد ضيف الله‬
‫بمقال بـعـنــوان‪« :‬املـشــاركــة وال ـطــرد‪ :‬الطلبة التونسيون‬ ‫ال ـث ـقــافــة ال ـعــرب ـيــة اإلس ــام ـي ــة ف ــي ال ـتــاريــخ‬
‫وإصالحات الجامعة من ‪ 1958‬إلى ‪.»1986‬‬ ‫اإلسباني‪.‬‬
‫ال ـغــريــب‪ ،‬أو رب ـمــا لـيــس ك ـث ـي ـرًا‪ ،‬هــو تــوافــق‬
‫رؤي ـ ـ ــة األص ــولـ ـي ــن اإلس ــامـ ـي ــن مـ ــع كـتــب‬
‫عن «دار الفاصلة للنشر»‪ ،‬صدر قبل أيام ٌ‬ ‫التاريخ اإلسبانية التي تتحدث عــن فكرة‬
‫بعنوان‬
‫ً‬ ‫كتاب‬ ‫«ال ـغ ــزو اإلس ــام ــي»‪ .‬فــالـســرديــة األصــولـ ّـيــة‬
‫«الـتــأويـلـيــات والـفـكــر ال ـعــربــي»‪ ،‬يـضـ ُّـم عـشــريــن دراس ــة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬والتي تمثل األندلس بالنسبة‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫واملسوغات‬ ‫وأكاديميني عرب تبحث في الحوافز‬ ‫ّ‬ ‫لباحثني‬ ‫ّ‬
‫لها ذروة الخالفة اإلسالمية‪ ،‬ال تتردد في‬
‫وجه اليوم االهتمام امللحوظ بالتأويليات في الفكر‬ ‫التي ُت ّ‬ ‫سيما أعـضــاء أكثر‬ ‫إص ــدار الــدعــوات ‪ -‬وال ّ‬
‫العربي‪ ،‬وتذهب إلى ّأن ذلك يندرج في سياق مواصلة هذا‬ ‫ّ‬
‫الـجـمــاعــات وال ـت ـيــارات تـطــرفــا ‪ -‬السـتـعــادة‬
‫تجديد ذاتــه وتطوير أسئلته بما يتيح‬ ‫الفكر سعيه إلى‬ ‫األنــدلــس والـخــافــة اإلســامـ ّـيــة عـبــر الـغــزو‬
‫ُ‬ ‫بد من الدفاع عن‬ ‫العسكري‪ .‬من هنا كان ال َّ‬
‫مؤتمر‬
‫ٍ‬ ‫ضمن‬ ‫الدراسات‬ ‫نجزت‬ ‫أ‬ ‫العصر‪.‬‬ ‫له التفاعل مع‬
‫ّ‬ ‫بالعنوان نفسه كان ّ‬ ‫األنــدلــس كــرمــز حـضــاري وكـنــواة تاريخية‬
‫مقررًا أن ينظمه «مختبر التأويليات‬
‫ت ـجـ ّـســد ح ــرك ـ َّـي ــة الـ ـخ ــروج م ــن الـ ـ ــذات نحو‬
‫والــدراســات النصية واللسانية» في تطوان املغربية في‬ ‫لـقــاء شـخــص آخ ــر أو ش ــيء آخ ــر‪ .‬وف ــي هــذا‬
‫نيسان‪ /‬إبريل املــاضــي‪ ،‬لكن جــرى إلـغــاؤه بسبب وباء‬ ‫الخروج ال تضيع الذات في هذا الغريب بل‬
‫كورونا‪.‬‬ ‫تتغير وتتجدد‪ .‬بهذا املعنى يجب أن تبقى‬ ‫ّ‬
‫األن ـ ّـدل ــس‪ ،‬تـمــامــا كالكلمة الـتــي ابتكرتها‪:‬‬
‫امل ــوش ــح‪ .‬أي مــزيـجــا م ــن عـنــاصــر مختلفة‬
‫عن «دار اآلداب»‪ ،‬صدرت النسخة العربية من رواية «أنا‬ ‫مــؤتـلـفــة‪ ،‬عــديــدة واحـ ــدة‪ ،‬إنـســانـيــا‪ ،‬ثقافيًا‪،‬‬
‫تيتوبا‪ ..‬ســاحــرة سالم ال ـســوداء» للكاتبة الغوادولوبية‬ ‫حضاريًا وتاريخيًا‪.‬‬
‫َّ‬
‫م ــاري ــز ك ــون ــدي (‪ ،)1937‬ونـقـلـهــا إل ــى الـعــربـيــة محمد‬ ‫مما ال شك فيه أن كتاب «عندما كنا عربًا»‬
‫ملــؤلـفــه إيـمـيـلــو غــونــزال ـيــس ف ـيــريــن‪ ،‬مـفـيــد‪ٌ،‬‬
‫آيــت حنا‪ .‬تستعير الــروائـيــة أساليب القص فــي منطقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫اجتماعية‬ ‫ألن ــه يـســاهــم فــي نـشــر مصلحة‬
‫الكاريبي حيث تنتمي إلى سكانها األصليني‪ ،‬لكنها في‬ ‫ً‬
‫وتاريحية في إسبانيا‪ :‬أوال استعادة محور‬ ‫ّ‬
‫هذا العمل تعيد سرد حكاية امراة سوداء من الرقيق في‬ ‫كامل من التاريخ اإلسباني‪ ،‬وثانيًا التعامل‬
‫والية ماساشوستس األميركية‪ ،‬والتي اتهمت بالشعوذة‬ ‫مــع اإلسـ ــام عـلــى مـحـمــل ال ـجــد وفـهـمــه في‬
‫تتخيل قصتها‬‫ّ‬ ‫السحرة هناك‪ ،‬حيث‬ ‫خــال محاكمات ّ‬
‫َّ‬ ‫إط ـ ــاره ال ـص ـح ـيــح‪ ،‬وبــال ـتــالــي ت ـحــريــره من‬
‫لحظة َح ْم ِل والدتها بها‪ ،‬على منت السفينة التي أقلتها‬ ‫هب ودب‬ ‫املناقشات التي يشارك فيه كل من ّ‬
‫ُ‬
‫لــتـبــاع مــع املستعبدين فــي جــزيــرة ب ــارب ــادوس‪ ،‬لترسم‬ ‫دون أن يكون له علم باملوضوع‪.‬‬
‫مسار حياتها في عالم يفتقد الحرية‪.‬‬ ‫(كاتب ومترجم مقيم في إسبانيا)‬ ‫من قصبة مدينة ألمرية في األندلس (‪)Getty‬‬

You might also like