Professional Documents
Culture Documents
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن
http://www.saaid.net/bahoth/11.htm
إن الدعوة إلى هللا تعالـى طريق األنبياء -عليهم السالم -وأتباعهم كما قال تعالىُ((:قْل َهِذِه َسبيِلي َأْدُعو إَلى ِهَّللا َعَلى
َبِص يَر ٍة َأَنا وَمِن اَّتَبَعِني وُسْبَح اَن ِهَّللا وَم ا َأَنا ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) .
وكان مما اعتنى به الـقـرآن الكريم ذكر قصص دعوات األنبياء ،وتصويرها بأبلغ أسلوب ،وعـرضـهـا بأدق عبارة،
حـتـى أصـبـحــت أخبارهم في القرآن نماذج حّية يحتذيها الدعاة ويقتبسون مـن نـورها ،ويهتدون بهـــداها ((ُأْو َلِئَك
اَلِذيَن َهَدى ُهَّللا َفِبُه َداُهُم اْقَتِد ْه)) .وقد اخترنا دراسة موضـوع الدعوة إلى هللا من خالل قصة إمام الحنفاء وأبي األنبياء
إبراهيم -عليه السالم -ولم يكن اختياري لهذه الدعوة جزافًا بل ألسباب أوجزها فيما يلي :
أوًال :أنها دعوة خليل الرحمن ،ومؤسس الحنيفية ،وأحد أولي العزم الخمسة من الرسل .
ثانيًا :أن رسولنا محـمــدًا -صلى هللا عليه وسلم -قد أمر باتباع ملته ((ُثَّم َأْو َح ْيَنا إَلْيَك َأِن اَّتِبْع ِم َّلَة إْبَر اِه يَم َح ِنيفًا وَم ا
َكاَن ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) .
ثالثًا :تلك الصفات العظيمة التي تحلى بها إبراهيم حتى قال هللا تعالى فيه ((..وإْبَر اِه يَم اَلِذي وَّفى)) فكانت نبراسًا
يقتفى أثره فيها الدعاة إلى هللا .
رابعًا :استغراق القرآن واستقصاؤه ألساليب إبراهيم المتنوعة في عرض دعوته على قومه ،حتى إنه ليعز على
الباحث أن يجد لنبي من األنبياء خال نبينا -صلى هللا عليه وسلم -مثلما يجد لهذه األيام من الطرائق والسبل في إقناع
المدعوين وترويضهم على قبول الدعوة .وال غرو فقد سَّن للناس من بعده من الدعوة أساليب لم تعهد ألحد من قبله
ولم تقف عند حد الكلمة بل تخطتها إلى الحركة والفعل .
خامسًا :رسمت هذه الدعـــوة للدعاة منهاجًا في الصبر يحق لهم أن يقتدوا به ،فقد صبر إبراهيم -عليه السالم -في
أحــــوال مختلفة وظروف متباينة وأعمال متنوعة كالصبر على جفاء األبوة ،وعدوان العشيرة ،وهجران األرض،
والفتنة بالنار ،واألمر بذبح الولد ،وغير ذلك .
وسنعرض الموضوع من خالل نماذج من صفات إبراهيم -عليه السالم -الدعوية وأساليبه في نشر دعوته .
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 1/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
نماذج من صفات إبراهيم الدعوية
:
لن يتسع المقام لحصر تلك الصفات التي اتسم بها إبراهيم -عليه السالم -فلقد وصفه ربه بأنه وّفي جميع مقامات العبد
مع ربه ولذلك سنقـتـصـر .على جملة من الصفات ونخص بالذكر منها ما له صلة ظاهرة بدعوته ،وله أثر ظاهر في
االهتداء واالقتداء به .
-1أمة
:
قال تعالى (( :إَّن إْبَر اِه يَم َكاَن ُأَّم ًة ))..وهذه الكلمة تأتي لعدة معان ،منها الجماعة ((َكاَن الَّناُس ُأَّم ًة واِح َدًة)) ،ومنها
الزمان والحين ((واَّدَكَر َبْعَد ُأَّم ٍة)) ومنها :الرجل الجامــــع لخـصـال الخير حتى يقوم مقام أمة من الناس ،وهذا هو
المقصود في حق إبراهيم ،وهذه تدلنا عـلـى عظيم ما كان يتصف به إبراهيم من عبادة ودعوة وخلق حري بأن
يحتذي به الدعاة في حـيـاتهم وتزكية أنفسهم ،واجتهاد أحدهم في تقويم أخالقه والنشاط في دعوته ليقوم مقام أمة في
ذلك .وقيل أن المقصود باألمة هنا :أي اإلمام ،أي قدوة يقتدى به في الخير ،وممن قال به ابن جرير الطبري وابن
كثير .
-2قانت
:
قال تعالى (( :إَّن إْبَر اِه يَم َكاَن ُأَّم ًة َقاِنتًا ِهَّلِّل َح ِنيفًا)) ،والقنوت :لزوم الطاعة مع الخضوع ،وكـذا يجب أن يكون الداعية
مالزمًا لطاعة هللا على كل حال ،فال يكون كالمنبت يجتهد حتى تكّل راحلته ،ثم ينقطع ،بل يالزم ويستقيم .
-3حنيفًا
:
والَح َنف :الميل عن الضالل إلى االستقامة ،والحنيُف :المائل والجنف :ضده .واألحنف َ :م ْن في رجله ميل سمي
بذلك تفاؤًال ،وقيل لمجرد الميل .
قال ابن كثير :الحـنـيـف :الـمنحرف قصدًا عن الشرك إلى التوحيد .وقد كان ذلك من إبراهيم حتى ُعَّد إمام الحنفاء
الموحدين ،قال تعالى (( :وَلْم َيُك ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) ،وقال(( :وَم ا َكاَن ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) ،وهكذا فليكن أولياء هللا .
-4شاكر
:
قال تعالى َ(( :شاِك رًا َألْنُعِم ِه )) أي قائمًا بشكر نعم هللا عليه (وأصل الشكر) ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهورًا
بينًا .يقال :شكرت الدابة :أي سمنت وظهر عليها العلف ،وكذلك حقيقته في العبودية :وهذا ظهور أثر نعمة هللا
على لسان عبده :ثناء واعترافًا ،وعلى قلبه :شهودًا ومحبة ،وعلى جوارحه :انقيادًا وطاعة .والشكر مبني على
خمس قواعد :خضوع الشاكر للمشكور ،وحبه له ،واعترافه بنعمته ،وثناؤه عليه ،وأن ال يستعملها فيما يكره(، )1
وقد كان ذلك من إبراهيم -عليه السالم. -
-5الحلم
:
قال تعالى (( :إَّن إْبَر اِه يَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب )) .
والحلم :ضبط النفس والطبع عـن الهـيـجـان عـنـد االستثارة .والحليم :الكثير الحلم وموقف إبراهيم من مقالة أبيه
((َألْر ُج َم َّنَك )) ومن الـعـتاة قوم لوط حينما مرت به المالئكة وأخبرته بما أمرت بها قال (( :فَلَّم ا َذَهَب َعْن إْبَر اِه يَم
الَّر ْو ُع وَج اَء ْتُه الُبْش َر ى ُيَج اِد ُلَنا ِفي َقْو ِم ُلوٍط * إَّن إْبَر اِه يَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب )) ،ولم يكن حلم إبراهيم ذريعة يتذرع
للسكوت عن الـمـنـكـر بـل كــان يعلن الحق وينكر الباطل ((وَتاِهَّلل َألِك يَدَّن َأْص َناَم ُكم َبْعَد َأن ُتَو ُّلوا ُم ْدِبِر يَن )).
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 2/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
-6أّو اه
:
قال الراغب األصفهاني " :الذي يكثر التأوه وهو أن يقول :أّو ه وكل كالم يدل على حزن يقال له التأّو ه ،ويعبر باألّو اه
،عمن يظهر خشية هللا تعالى"(*) ،والذي يتحقق من معنى األّو اه أنه الخاشع الدّعاء المتضرع ،وكثرة تأّو ه إبراهيم
وتضرعه بين يدي ربه قد ذكرت في آيات كثيرة تدل على تحقيق إبراهيم ((َّر َّبَنا َعَلْيَك َتَو َّكْلَنا وإَلْيَك َأَنْبَنا وإَلْيَك
الَم ِص يُر ))وجدير بمن سلك طريق الدعوة أن يجعل تعجيل اإلنابة من أبرز سماته ليكسب عون ربه وتسديده ومحبته
.
-7السخاء
:
قال تعالى َ(( :هْل َأَتاَك َح ِديُث َض ْيِف إْبَر اِه يَم الُم ْك َر ِم يَن * إْذ َدَخ ُلوا َعَلْيِه َفَقاُلوا َسالًم ًا َقاَل َسالٌم َقْو ٌم ُّم نَكُر وَن * َفَر اَغ
إَلى َأْه ِلِه َفَج اَء ِبِعْج ٍل َسِم يٍن * َفَقَّر َبُه إَلْيِهْم َقاَل َأال َتْأُكُلوَن )) فذكر أن الضـيـف مكـرمـون إلكرام إبراهيم لهم ،ولم يذكر
استئذانهم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان ،مـع أنهم قـوم منكرون ال يعرفهم فقد ذبح لهم عجًال واستسمنه ،
ولم يعلمهم بذلك بل راح :أي ذهب خفية حتى ال ُيشعر به ،تجاوبًا لضيافة ،فدل على أن ذلك كان معدًا عندهم مهيئًا
للضيفان ،وخدمهم بنفسه ،فجاء به ومّر به إليهم ولم يقربهم إليه ،وتلطف مبالغة في اإلكرام فقالَ(( :أال َتْأُكُلوَن )) .
قال ابن القيم " :فقد جمعت هذه اآلية آداب الضيافة التي هي أشرف اآلداب ،وما عداها من التكلفات التي هي َتَخلف
وتكلف :إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم ،وكفى بهذه اآلداب شرفًا وفخرًا فصلى هللا على نبينا وعلى إبراهيم
وعلى آلهما وعلى سائر النبيين"(. )2
-8الصبر
:
كان إبراهيم مثًال يحتذى في الصبر حتى استحق أن يكون من أولي العزم الذين أمر رسولنا -صلى هللا عليه وسلم -
أن يصبر كصبرهم ((َفاْص ِبْر َكَم ا َص َبَر ُأْو ُلوا الَعْز ِم ِم َن الُّر ُسِل )) .وكان صبر إبراهيم شامًال البتالءات كثيرة ،
سيأتي بيان جملة منها بإذن هللا .
-9رعايته ألهله
:
لم يكن إبراهيم ممن يلتفت إلى الـنــاس بدعوته ويترك أهله ،بل بدأ بهم وخصهم بمزيد الرعاية والعناية وقد قال هللا
لمحمد -صلى هللا عليه وسلم (( -وَأنِذ ْر َعِشيَر َتَك اَألْقَر ِبيَن )) وكذلك كان إبراهيم ،فدعا أباه ((َيا َأَبِت ِلَم َتْعُبُد َم ا ال
َيْس َم ُع وال ُيْبِص ُر )) ،ووصى أبناءه بالتمسك بالدين ((وَو َّص ى ِبَه ا إْبَر اِه يُم َبِنيِه وَيْعُقوُب َيا َبِنَّي إَّن َهَّللا اْص َطَفى َلُكُم
الِّديَن َفال َتُم وُتَّن إَّال وَأنُتم ُّم ْسِلُم وَن ، ))..وكان يدعو ((واْج ُنْبـِني وَبِنَّي َأن َّنْعُبَد اَألْص َناَم )) ،ويتضرع بقوله َ(( :ر َّبَنا
إِّني َأْس َكنُت ِم ن ُذِّر َّيِتي بِــَو اٍد َغـيْــِر ِذي َز ْر ٍع ِع نَد َبْيِتَك الُمَح َّر ِم َر َّبَنا ِلُيِقيُم وا الَّص الَة َفاْج َعْل َأْفِئَدًة ِّم َن الَّناِس َتْه ِو ي إَلْيِهْم
واْر ُز ْقُه م ِّم َن الَّثَمَر اِت َلَعَّلُهْم َيْشُكُر وَن )) .
-10شجاعته
:
واجه إبراهيم قومه ولم يخش كيدهم وقال مقسمًا (( :وَتاِهَّلل َألِك يَدَّن َأْص َناَم ُكم َبْعَد َأن ُتَو ُّلوا ُم ْدِبِر يَن )) ،وقوله لهم :
((ُأٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا. ))..
وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة التي ال تـهــزم ،وأن مــا أصابه لم يكن يخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فرسم
للدعاة منهجًا في الشجاعة المنضبطة بضوابط الشرع بال تهور يحتذونه في مواجهة الباطل من إقرار الحق .
-11تحقيقه الكامل لعقيدة الوالء والبراء :
قال تعالى عن ((َفَم ن َتِبَعِني َفإَّنُه ِم ِّني)) ،وقال (( :وإْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َألِبيِه وَقْو ِم ِه إَّنِني َبَر اٌء ِم َّم ا َتْعُبُدوَن * إَّال اَلِذي
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 3/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
َفَطَر ِني َفإَّنُه َسَيْه ِديِن )) فكل عدو هلل وإن قربه النسب تجب البراءة منه ،وكـل ولـي هلل وإن باعدت به األوطان
واألزمان تجب مواالته ومحبته وقد أمرنا أن نتأسى بإبـراهـيـم فـي ذلـك َ(( :قْد َكاَنْت َلُكْم ُأْس َو ٌة َحَسَنٌة ِفي إْبَر اِه يَم
واَّلِذيَن َمَعُه إْذ َقاُلوا ِلَقْو ِم ِهْم إَّنا ُبَر آُء ِم ـنـُكْم ومِــَّم ــا َتـْعـُبـُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َكَفْر َنا ِبُكْم وَبَدا َبْيَنَنا وَبْيَنُكُم الَعَداَو ُة واْلَبْغَض اُء
َأَبدًا َح َّتى ُتْؤ ِم ُنوا ِباِهَّلل وْح َدُه. ))..
-12سالمة القلب :
قال تعالى (( :وإَّن ِم ن ِش ـيـَعـِتِه إلْبَر اِه يَم * إْذ َج اَء َر َّبُه ِبَقْلٍب َسِليٍم )) وسالمة القلب نوعان :كـالهـما داخل في مضمون
اآلية ،أحدهما :فـي حــق هللا وهــو سـالمــة قلبه من الشرك ،وإخالصــه العبودية هلل ،وصدق التوكل عليه .والثاني :
في حق المخلوقـيـن بالنصح لهم وإيصال الخير إليهم ،وسالمة القلب من الحقد والحسد وسوء الظن والكبر وغير ذلك
.
وبعد فـهــذه جملة مختصرة من الصفات الدعوية إلبراهيم عليه السالم سائًال هللا تعالى أن يوفقنا التباع ملته والسير
على منهجه وباهلل التوفيق .
مراحل دعوة إبراهيم
ذكر القرآن الكريم لدعوة إبراهيم عليه السالم ثالث مراحل ،نوجزها فيما يلي
:
المرحلة األولى
:
دعوته ألبيه ،وقد صورتها أبـلـغ تـصـويـر آيـــات سـورة مريم حيث يقول هللا جل وعال ((واْذُكْر ِفي الِك َتاِب إْبَر اِه يَم
إَّنُه َكاَن ِص ِّديقًا َّنِبيًا ( )41إْذ َقـــاَل َألِبيِه َيا َأَبِت ِلَم َتْعُبُد َم ا ال َيْس َم ُع وال ُيْبِص ُر وال ُيْغِني َعنَك َشْيئًا (َ )42يا َأَبِت إِّني َقْد
َج ـاَء ِنــــي ِم َن الِع ْلِم َم ا َلْم َيْأِتَك َفاَّتِبْعِني َأْه ِدَك ِص َر اطًا َسِو يًا (َ )43يا َأَبِت ال َتْعُبِد الَّشْيَطاَن إَّن الَّشْيطَــاَن َكاَن ِللَّر ْح َمِن
َعِص يًا (َ )44يا َأَبِت إِّني َأَخاُف َأن َيَم َّسَك َعَذاٌب ِّم َن الَّر ْح َمِن َفَتُكوَن ِللَّشْيَطاِن ولِــيـــًا (َ )45قـاَل َأَر اِغـــٌب َأنَت َعْن
آِلَه ِتي َيا إْبَر اِه يُم َلِئن َّلْم َتنَتِه َألْر ُج َم َّنَك واْه ُجْر ِني َم ِليًا (َ )46قاَل َسالٌم َعَلْيَك َسَأْس َتْغِفُر َلَك َر ِّبي إَّنُه َكاَن ِبي َح ِفيًا ()47
وَأْع َتِز ُلُكْم وَم ا َتْدُعوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا وَأْدُعو َر ِّبي َعَسى َأَّال َأُكوَن ِبُدَعاِء َر ِّبي َشِقيًا))[مريم.]48 / 41
لقد كانت كلمات إبراهيم تفيض حنانًا وشفقة وتتدفق عطفًا ورقة ،فبّين ألبيه أن ما يعبده فاقد ألوصاف الربوبية من
السمع والبصر فضًال عن الخلق فكيف يضر أو ينفع ثم أردف ذلك بـبـيـان ما قد أوتيه من علم وحكمة وأن دعوته فد
بنيت عليهما ففى اتباعه سلوك الصراط السوي ،ثم حذره من عدو البشرية الذي تلبس بمعصية الرحمن فهو جدير
بأن يتخذ عدوًا وأن ال يطاع بل يعصى ،ثم أعلمه بشدة خوفه عليه من أن يمسه مجرد مس عذاب من الرحمن فيكون
وليًا للشيطان ،وأمام هذه الدعوة الحانية الرفيقة المتزنة نسمع عبارات األب الفـجـــة الغليظة التي تمثل صورة التقليد
األعمى وإغالق القلب عن النظر والتأمل ،ومع ذلك كله فإن االبن البار لم يواجه تلك السيئة إال بالتي هي أحسن
(سالم عليك) كحال عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا( :سالمًا) بل وعد باالستغفار ألبيه ،وذلك قبل أن
يتبين له أنه عدو هلل ((َفَلَّم ا َتَبَّيَن َلُه َأَّنُه َعُدٌّو ِهَّلِّل َتَبَّر َأ ِم ْنُه)) ثم قرر اعتزاله ليراجع األب نفسه ،ولينأى إبراهيم بنفسه عن
الشر ومواطنه ،وكانت رحمة هللا إلبراهيم أن عوضه بأبناء صالحين بررة عن أولئك القوم الفجرة.
المرحلة الثانية
:
دعوته لقومه .بعد أن دعا إبراهيم أباه لقربه توجه بالدعوة إلـى قومه ،وكانوا فيما قبل قسمان ،منهم من يعبد األصنام
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 4/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
،ومنهم من يعبد الكواكب ،وقيل :إنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون أصنامًا على صورها يعبدونها ويعكفون
عليها ،وعلى أي ،فقد أبطل كال المعبودين باألدلة القطعية وبين وهاء ما هم عليه من العـبــــادة ،وبدأهم بالدعوة إلى
توحيد هللا بالعبادة وتقواه وبين لهم أن ما يعبدون ما هو إال إفك مفترى ،وأنها ال تملك لهم رزقًا فليعبدوا من يملك
رزقهم ،ثم أخبرهم بأنه مبلغ ال يستطيع هدايتهم إال بإذن هللا ،ولفت أنظارهم إلى أن مصيرهم إن لم يستجيبوا للدعوة
مصير أمثالهم فقد سبقهم على ذلك أمم ولحقهم من ربهم من النكال والعذاب ما ال يخفي عليهم ،قال تعالى ((وإْبَر اِه يَم
إْذ َقاَل ِلَقْو ِم ِه اْعُبُدوا َهَّللا واَّتُقوُه َذِلُكْم َخْيٌر َّلُكْم إن ُكنُتْم َتْعَلُم وَن * إَّنَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأْو َثانًا وَتْخ ُلُقوَن إْفكًا إَّن اَلِذيَن
َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا ال َيْم ِلُكوَن َلُكْم ِر ْز قًا َفاْبَتُغوا ِع نَد ِهَّللا الِّر ْز َق واْعُبُدوُه واْشُكُر وا َلُه إَلْيِه ُتْر َجُعوَن * وإن ُتَكِّذُبوا َفَقْد
َكَّذَب ُأَمٌم ِّم ن َقْبِلُكْم وَم ا َعَلى الَّر ُسوِل إَّال الَبالُغ الُم ِبيُن ))[العنكبوت. ]18-16:
-ولقد سلك إبراهيم في إقناع قومه مسلك المساءلة عن جدوى أصنامهم ،هل تنفع أو تضر أو تسمع الدعاء ،فما وجد
إال التبعية العمياء ((واْتُل َعَلْيِهْم َنَبَأ إْبَر اِه يَم * إْذ َقاَل َألِبيِه وَقْو ِم ِه َم ا َتْعُبُدوَن * َقاُلوا َنْعُبُد َأْص َنامًا َفَنَظُّل َلَه ا َعاِكِفيَن *
َقاَل َهْل َيْس َم ُعوَنُكْم إْذ َتْدُعوَن * َأْو َينَفُعوَنُكْم َأْو َيُضُّر وَن * َقاُلوا َبْل وَج ْدَنا آَباَء َنا َكَذِلَك َيْفَعُلوَن )) فما كان من إبراهيم إال
أن أعلن البراءة مما هم عليه ،وأوضح سبب ذلك وسبب قصره العبادة على هللا ((َقاَل َأَفَر َأْيُتم َّم ا ُكنُتْم َتْعُبُدوَن * َأنُتْم
وآَباُؤ ُكُم اَألْقَدُم وَن * َفإَّنُهْم َعُدٌّو ِّلي إَّال َر َّب الَعاَلِم يَن * اَلِذي َخ َلَقِني َفُه َو َيْه ِديِن * واَّلِذي ُهَو ُيْط ِع ُم ِني وَيْسِقيِن * وإَذا
َمِر ْض ُت َفُه َو َيْش ِفيِن … اآليات)) [الشعراء.]80- 69:
-وبدأ القوم يراوغون فيما عـرضـــــه عليهم إبراهيم إال أنه ما كان من إبراهيم إال إعالن النكير ،وبيان الحق فعًال ال
قوًال فحسب ودخل بهذا مرحلة خطرة من مراحل إقناع القوم بعدم جدوى أصنامهم وفي هذا يقول هللا تعالى ((وَلَقْد
آَتْيَنا إْبَر اِه يَم ُر ْش َدُه ِم ن َقْبُل وُكَّنا ِبِه َعاِلِم يَن * إْذ َقاَل َألِبيِه وَقْو ِم ِه َم ا َهِذِه الَّتَم اِثيُل اَلِتي َأنُتْم َلَه ا َعاِك ُفوَن * َقاُلوا وَج ْدَنا
آَباَء َنا َلَه ا َعاِبِديَن * َقاَل َلَقْد ُكنُتْم َأنُتْم وآَباُؤ ُكْم ِفي َض الٍل ُّم ِبيٍن * َقاُلوا َأِج ْئَتَنا ِباْلَح ِّق َأْم َأنَت ِم َن الَّالِع ِبيَن * َقاَل َبل َّر ُّبُكْم
َر ُّب الَّسَم ـــَو اِت واَألْر ِض اَلـــِذي َفــَطــــَر ُهَّن وَأَنا َعَلى َذِلُكم ِّم َن الَّشاِهِديَن ))[لألنبياء ]56-51:ولم يكتف القوم بهذه
المراوغة مع إبراهيم بل دعوه للخروج معهم إلي عيد من أعيادهم ولكنه اعتذر عن الخروج بتورية ((َفَنَظَر َنْظ َر ًة ِفي
الُّنُج وِم * َفَقاَل إِّني َسِقيٌم * َفَتَو َّلْو ا َعْنُه ُم ْدِبِر يَن ))[الصافات ]90-88:وقــال عـنــد ذلـك ((وَتاِهَّلل َألِك يَدَّن َأْص َناَم ُكم َبْعَد
َأن ُتَو ُّلوا ُم ْدِبِر يَن )) فسمعها بعض القوم ،وبادر إبراهيم ((َفَج َعَلُهْم ُج َذاذًا إَّال َكِبيرًا َّلُهْم َلَعَّلُهْم إَلْيِه َيْر ِج ُعوَن * َقاُلوا َم ن
َفَعَل َهَذا ِبآِلَه ِتَنا إَّنُه َلِم َن الَّظاِلِم يَن * َقاُلوا َسِم ْعَنا َفًتى َيْذُكُر ُهْم ُيَقاُل َلُه إْبَر اِه يُم * َقاُلوا َفْأُتوا ِبِه َعَلى َأْعُيِن الَّناِس َلَعــَّلُهْم
َيْش َه ُدوَن * َقاُلوا َأَأنَت َفَعْلَت َهَذا ِبآِلَه ِتَنا َيا إْبَر اِه يُم * َقاَل َبْل َفَعَلُه َكِبيُر ُهْم َهَذا َفاْس َأُلوُهْم إن َكاُنوا َينِط ُقوَن * َفَر َجُعوا إَلى
َأنُفِس ِهْم َفَقاُلوا إَّنُكْم َأنُتُم الَّظاِلُم وَن * ُثَّم ُنِكُسوا َعَلى ُر ُء وِس ِهْم َلَقْد َعِلْم َت َم ا َهُؤالِء َينِط ُقوَن )) لقد ورطهم إبراهيم في هذه
اإلجابة وهذا ما كان يريده لـيـنـدفع بكل قوة مخاطبا عقولهم إن كانت لهم عقول َ ((:قاَل َأَفَتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َم ا ال
َينَفُعُكْم َشْيئًا وال َيُضُّر ُكْم * ُأٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأَفال َتْعِقُلوَن )) وهنا لم يجد القوم بدا من تدبير المؤامرة
عليه والتخلص منه ((َقاُلوا َحِّر ُقوُه وانُصُر وا آِلَه َتُكْم إن ُكنُتْم َفاِعِليَن * ُقْلَنا َيا َناُر ُكوِني َبْر دًا وَسالمًا َعَلى إْبَر اِه يَم *
وَأَر اُدوا ِبِه َكْيدًا َفَج َعْلَناُهُم اَألْخ َسِر يَن )) [األنبياء
.]70-51:
أما عبادتهم للكواكب فقد سلك في دحض تعلقهم بها سبيل المناظرة وذلـك فـيمـا حكاه هللا عنهم في سورة األنعام ،
وسيأتي إن شاء هللا تفصيل ذلك في رسائل إبراهيم العملية.
المرحلة الثالثة
:
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 5/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
دعوته للملك ،حين ناظره في ربه وذلك فيما حكاه هللا تعالى عنهم في سورة البقرة فقالَ(( :أَلْم َتَر إَلى اَلِذي َح اَّج
إْبَر اِه يَم ِفي َر ِّبِه َأْن آَتاُه ُهَّللا الُم ْلَك إْذ َقاَل إْبَر اِه يُم ))...:وتفصيل ما وقع فيها آت بإذن هللا في الوسائل ،وهذه المناظرة
كانت فيما يظهر بعد نجاة الخليل من النار كما ذكره السدي ويدل عليه :أن الـعـادة جارية بأن األنبياء يبدأون بتكوين
قـاعــدة شعبية حتى يكون للدعوة ثقل ثم يلتفـتون إلى القيادة ليدعوها ،وأيضًا ،فمن عادة خصوم الدعوة مالحقة
الداعية وإحراجه ليفـضح أمام الناس خصوصًا وأن إبراهيم بعد نجاته من الـنــار بمعـجـــزة التفتت إليه األنـظــار
وتعجب الناس من ربه الذي نجاه فبادر الملك إلى مناظرته ليوقعه في الحرج ظنا منه أن إبراهيم قد ينهزم في
المناظرة ،وما علم أنه المؤيد من عند هللا وهو سيد المناظرين ،ومنظرهم األكبر ،والمجادل عن حوزة التوحيد
وحمى الملة بكل ألوان الجدل.
-وال نستطيع الجزم بأن هـذه الـمـنـاظرة كانت بعد النجاة لكنه الذي يظهر من خالل ما تقدم من األدلة وهللا أعلم.
أساليب إبراهيم في الدعوة
أوًال :األساليب النظرية
- 1تقرير توحيد األلوهية ببيان دالئل الربوبية :
جـمــيع دعــوات الرسل قائمة على تقرير توحيد األلوهية الذي من أجله خلق هللا الثقلين ((وَم ا َخ َلْقُت الـِج ـَّن واإلنـَس
إَّال ِلَيْعُبُدوِن )) ،وهو الذي اختلف الناس فيه ،ووقع لديهم بسببه زيغ عظيم ،ولذلك أخـبـــرنا هللا عن هدف بعث
الرسل بقوله ((وَلَقْد َبَعْثَنا ِفي ُكِّل ُأَّم ٍة َّر ُسوًال َأِن اْعُبُدوا َهَّللا واْج َتِنُبوا الَّطاُغوَت )).
أما توحيد الربوبية :فأكثر الناس مـتـفـقون عليه ،وهو اإلقرار هلل بالخلق والتدبير والملك ((وَلِئن َسَأْلَتُه م َّم ْن َخ َلَق
الَّسَمَو اِت واَألْر َض َلـيَـقُـوُلَّن ُهَّللا)) وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد األلوهية ،فالذي يستحق العبادة وحده هو الــذي
يـخلق ويرزق ،ويحي ويميت ،وينفع ويدفع ،ويملك ويدبر ،وقد بّين األنبياء ألقوامهم هذا أتم بيان ،ومنهم إبراهيم
((إْذ َقاَل ِلَقْو ِم ِه اْعُبُدوا َهَّللا واَّتُقوُه َذِلُكْم َخْيٌر َّلُكْم إن ُكنُتْم َتْعَلُم وَن * إَّنَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأْو َثانًا وَتـْخ ـُلـُقـوَن إْفـكـًا إَّن
اَلِذيَن َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا ال َيْم ِلُكوَن َلُكْم ِر ْز قًا َفاْبَتُغوا ِع نَد ِهَّللا الِّر ْز َق واْعُبُدوُه واْش ـكُــُر وا َلـُه إَلـْيـِه ُتْر َجُعوَن )) فبين أن
هللا هو الرزاق ،فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه ممن ال يملكون ألنـفـسـهـم -فـضـًال عن غيرهم -رزقًا وال نفعًا
وال ضرًا ،وقالَ(( :أَفَر َأْيُتم َّم ا ُكنُتْم َتْعُبُدوَن * َأنُتْم وآَباُؤ ُكُم اَألْقَدُم وَن * َفإَّنُهْم َعُدٌّو ِّلي إَّال َر َّب الَعاَلـمِــيَن * اَلِذي َخ َلَقِني
َفُه َو َيْه ِديِن * واَّلِذي ُهَو ُيْط ِع ُم ِني وَيْسِقيِن * وإَذا َمِر ْض ُت َفُه َو َيْش ِفيِن * واَّلِذي ُيِم يُتِني ُثَّم ُيْح ِييِن ))...وأمثلة ذلك كثيرة.
- 2التصريح بقصد النصيحة وأنه ال هدف للداعي إال نفع المدعوين وأنه ال يريد على ذلك حظا من الدنيا :
إن إعـالن الـداعـيـة عـن هــذا للمدعوين من شأنه أن يلين قلوبهم ،ويدعوهم إلى تأمل ما ُيدعون إليه ،ولقد درج
على ذلك األنبـيـاء جميعًا ،فقال نوح (( :وَيا َقْو ِم ال َأْس َأُلُكْم َعَلْيِه َم اًال إْن َأْج ِر َي إَّال َعَلى ِهَّللا ))..وقـال هــــودَ(( :يا َقْو ِم
ال َأْس َأُلُكْم َعَلْيِه َأْج رًا إْن َأْج ِر َي إَّال َعَلى اَلِذي َفَطَر ِني)) وفي سورة الشعراء ذكــر هللا ((:وَم ا َأْس َأُلُكْم َعَلْيِه ِم ْن َأْج ٍر إْن
َأْج ِر َي إَّال َعَلى َر ِّب الَعاَلِم يَن )) ذكرها عن نوح وهود وصـالـح ولوط وشعيب ،وقال محمد -صلى هللا عليه وسلم:-
((ُقْل َم ا َسَأْلُتُكم ِّم ْن َأْج ٍر َفُه َو َلُكْم إْن َأْج ــِر َي إَّال َعَلى هللا َو ُهَو َعَلى ُكِّل َشْي ٍء َشِه يٌد)) .
وحكى هللا عن إبراهيم أنه قال ألبيه َ((:يا َأَبِت إِّني َأَخاُف َأن َيَم َّسَك َعَذاٌب ِّم َن الَّر ْح ـمَـِن َفَتُكوَن ِللَّشْيَطاِن وِليًا)) فهـو ال
يريد شيئًا من أبيه ،وإنما يخاف عليه من عذاب الرحـمن ،فـيـكـون ولـيــًا للـشيطان ،وتأمل في العبارات التي نطق
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 6/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
بها إبراهيم ( :أخاف) و(يمسك) و(عذاب من الرحمن) ُتلفها تعبر بصدق عما يكنه إبراهيم ألبيه.
- 3الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة :
وقد جاءت جلية في دعوته ألبيه وخطابه الرقيق الحاني المتدفق لينًا -وعطفًا ولطفًا ،اتباعًا للحكمة التي تقرب
المدعو من الدعوة وتلين قلبه لالستجابة.
- 4التشنيع على المعبودات الباطلة وعابديها :
لما بين إبراهيم لقومه دعوته ،وأالن لهم الخطــاب ،لعنهم يستجيبون ،وما زادهم ذلك إال التمادي في باطلهم ،فما
كان من إبراهيم إال أن أظهر تهافت معبوداتهم وأحنق النكير عليهم ،فقال َ((:م ا َهـِذِه الَّتَم اِثيُل اَلِتـي َأنـُتــــْم َلَه ا
َعاِك ُفوَن )) فسماها تماثيل ولم ينعتها بوصف (األلوهية) ،ولمـا ظهر له أنهم ال يعتمدون فيما فعلوا على حجة وبرهان
قال لهمَ(( :لَقْد ُكنُتْم َأنُتْم وآَباُؤ ُكْم ِفي َض الٍل ُّم ِبيٍن )) وزاد فقال ُ((:أٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأفَـــال َتْعِقُلوَن )) ولقد
برهن لهم على سفههم ما سوغ في تهكمه بتصرفاتهم حيث سألهمَ(( :هْل َيْس َم ُعوَنُكْم إْذ َتْدُعوَن * َأْو َينَفُعوَنُكْم َأْو
َيُضُّر وَن )) فإن أقل ما يقال في هؤالء المعبودين أنهم ال يسمعون كعابدين فكيف يجلبون لهم نفعًا أو يدفعون عنهم
ضرًا؟
- 5التذكير بنعم هللا على عباده :
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ولذلك عنَى الدعاة إلى هللا بتذكير الخلق إحسان هللا إليهم ليكون ذلك أدعى إلى
قبول الدعوة فهذا هود يقول ((:واْذُكُر وا إْذ َج َعَلُكْم ُخ َلَفاَء ِم ْن َبْعِد َقْو ِم ُنوٍح وَز اَدُكْم ِفي الَخ ْلِق َبْص َطًة َفاْذُكُر وا آالَء ِهَّللا
َلَعَّلُكْم ُتْفِلُح وَن )) .وقال صالح ((:واْذُكُر وا إْذ َج َعَلُكْم ُخ َلَفاَء ِم ْن َبْعِد َعاٍد وَبَّو َأُكْم ِفي اَألْر ِض َتَّتِخ ُذوَن ِم ن ُسُه وِلَه ا ُقُص ورًا
وَتْنِح ُتوَن الِج َباَل ُبُيوتًا َفاْذُكُر وا آالَء ِهَّللا وال َتْعَثْو ا ِفي اَألْر ِض ُم ْفِسِديَن )) وأما إبراهيم فقال َ ((:أَفَر َأْيُتم َّم ا ُكنُتْم َتْعُبُدوَن *
َأنُتْم وآَباُؤ ُكُم اَألْقَدُم وَن * َفإَّنُهْم َعُدٌّو ِّلي إَّال َر َّب الَعاَلِم يَن * اَلِذي َخ َلَقِني َفُه َو َيْه ِديِن * واَّلِذي ُهَو ُيْط ِع ُم ِني وَيْسِقيِن * وإَذا
َمِر ْض ُت َفُه َو َيْش ِفيِن * واَّلِذي ُيِم يُتِني ُثَّم ُيْح ِييِن * واَّلِذي َأْط َم ُع َأن َيْغِفَر ِلي َخ ِط يَئِتي َيْو َم الِّديِن ))
- 6التذكير بأّيام هللا :
ما مـن أمــة َتْخ لف في األرض إال وتنظر في أحوال من سلف من األمم تتبع مواطن العبرة فيها ،فتستفيد من
اإليجابيات ،وتحذر من السلبيات ،وكان أنبياء هللا يذكرون أممهم بأحوال الغابرين ممن كذبوا أو آمنوا ،فيذكرونهم
بعاقبتهم ،وينذرونهم أن يحل بهم ما حل بمن كفر من أمم األرض ،لعلهم يتعظون أو يرتدعون ،ولذا قال إبراهيم
لقومه ((:وإن ُتَكِّذُبوا َفَقْد َكَّذَب ُأَمٌم ِّم ن َقْبِلُكْم وَم ا َعَلى الَّر ُسوِل إَّال الَبالُغ الُم ِبيُن )) أي فـقــد كذبت أمٌم أنبياءهم فحل
بهم ما تعلمون من العذاب ،فإن فعلتم عوقبتم بمثل عقابهم ،ومــــا على الرسول إال البالغ المبين.
- 7المناظرة والتدرج في إفحام الخصم :
قال ابن القيم في مناظرات إبراهيم » :وهو الذي فتح لألمة باب مناظرة المشركين وأهـــــل الباطل ،وكسر حججهم ،
وقد ذكر هللا مناظرته في القرآن مع إمام المعطلين ،ومناظرته مع قومه المشركين ،وكسر حجج الطائفتين بأحسن
مناظرة ،وأقربها إلى الفهم وحصول العلم(» )1وسنذكر هنا مناظرتين وقعتا إلبراهيم ،وذكرهما القرآن الكريم :
-األولى :مناظرته لعبدة النجوم قال هللا تعالى ((وإْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َألِبيِه آَز َر َأَتَّتِخ ُذ َأْص َنامًا آِلَه ًة إِّني َأَر اَك وَقْو َم َك ِفي
َض الٍل ُّم ِبيٍن * وَكَذِلَك ُنِر ي إْبَر اِه يَم َم َلُكوَت الَّسَمَو اِت واَألْر ِض وِلَيُكوَن ِم َن الُم وِقِنيَن * َفَلَّم ا َج َّن َعَلْيِه الَّلْيُل َر َأى َكْو َكبًا
َقاَل َهَذا َر ِّبي َفَلَّم ا َأَفَل َقاَل ال ُأِح ُّب اآلِفِليَن * َفَلَّم ا َر َأى الَقَمَر َباِز غًا َقاَل َهَذا َر ِّبي َفَلَّم ا َأَفَل َقاَل َلِئن َّلْم َيْه ِدِني َر ِّبي َألُكوَنَّن
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 7/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
ِم َن الَقْو ِم الَّض اِّليَن * َفَلَّم ا َر َأى الَّشْم َس َباِز َغًة َقاَل َهَذا َر ِّبي َهَذا َأْك َبُر َفَلَّم ا َأَفَلْت َقاَل َيا َقْو ِم إِّني َبِر يٌء ِّم َّم ا ُتْش ِر ُكوَن *
إِّني وَّج ْه ُت وْج ِه َي ِلَّلِذي َفَطَر الَّسَمَو اِت واَألْر َض َح ِنيفًا وَم ا َأَنا ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن * وَح اَّج ُه َقْو ُم ُه َقاَل َأُتَح اُّج وِّني ِفي ِهَّللا
وَقْد َهَداِن ...اآلية)) إلى قوله ((وِتْلَك ُحَّج ُتَنا آَتْيَناَها إْبَر اِه يَم َعَلى َقْو ِم ِه َنْر َفُع َدَر َج اٍت َّم ن َّنَشاُء إَّن َر َّبَك َح ِك يٌم َعِليٌم ))*
لقد عني إبراهيم وإخوانه من األنبياء بالتوحيد وإيضاحه،واالستدالل له أيما عناية،وسلك في سبيل بيان الحق ،
وتزييف الباطل كل وسيلة تؤدي إلى ذلك ،ومنها هذه المناظرة التي قامت بينه وبين قومه لبيان حقيقة ما هم عليه من
الضالل.
فأنكر على أبيه اتخاذ األصنام آلهة ،ولما أشرك قومه معه شدد في إعالن النكير عليهم ،وبين أن ما هم فيه ما هو إال
ضالل يُبين عن نفسه ،وذلك ليثير عواطفهم ،ويدفعهم إلى التفكير الجاد العميق فيما هم فيه ،وكان إبراهيـم قد بصره
هللا بالدالئل الكونية الدالة على وحدانية هللا تعالى ،فآراه آياته في ملكوته ،ليعلم حقيقة التوحيد ،أو ليزداد علما به ،
ويقينا إلى يقينه.
وأرشده إلى طريقة االستدالل بها على المراد من العباد.
ودخل إبراهيم مع قومه الصابئة الذين يعبدون النجوم ،ويقيمون لها الهياكل في األرض ،دخل معهم في مناظرة لبيان
بطالن ربوبية هذه الكواكب المعبودة ،ولم يشأ أن يقرر التوحيد مباشرة .بل جعل دعوى قومه موضوع بحثه ،
وفرضها فرض المستدل لما ال يعتقده ،ثم كر عليها بالنقض واإلبطال ،وكشف عن وجه الحق ،فحينما أظلم الليل
ورأى النجم قال :هذا ربي فرضا وتقديرا ،وقال :أهذا ربي ،فلما غاب عن أعينهم علم أنه مسخر ليس أمره إليه ،
بل إلى مدبر حكيم يصرفه كيف شاء ،ثم انتقل بهم في البحث إلى كوكب هو في أعينهم أضوأ وأكبر من األول ،وهو
القمر ،فلما رآه قال مثل مقالته األولى ،فلما ذهب عن أعينهم تبين أنه ليس بالرب الذي يجب أن تألهه القلوب،
ويضرع العباد إليه في السراء والضراء ،ثم انتقل بهم إلى معبود لهم آخر أكبر جرمًا من السابقين فلما أفل ،قال :يا
قوم إني بريء مما تشركون ،إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض حنيفا وما أنا من المشركين ،فاستدل
بما يعرض لها من غيرها على أنها مأمورة مسخرة بتسخير خالقها.
فإذا كانت هذه الكواكب الثالثة في نظرهم أرفع الكواكب السيارة وأنفعها قد قضت لوازُم ها بانتقاء سمات الربوبية
واأللوهية عنها ،وأحالت أن تستوجب لنفسها حقًا في العبادة فما ســواهـــا من الكواكب أبعد من أن يكون لها حظ ما
في الربوبية أو األلوهية ،ولذا أعلن إبراهيم في ختام مناظرته براءته مما يزعمون من الشركاء ،وأسلم وجهه لفاطر
السماوات واألرض ومـبـــدعهما ،دون شريك أو ظهير ،وضَّم ن إعالن النتيجة االستدالل بتوحيد الربوبية على
توحيد األلوهية ،وهذا هو معنى (ال إله إال هللا) فإن ما فيه من البراءة من الشركاء نظير نفي األلهية الحقة عن
الشركاء في كلمة التوحيد ،وبهذا يكون إبراهيم قد سَّن للدعاة إلـى هللا أسـلـوبــا متميزا في دعوة المنحرفين ،وذلك
بالتنزل معهم بالتسليم بأباطيلهم فرضًا ،ثم يرتب عـلـيـهـا لوازمها الباطلة ،وآثارها الفاسدة ،ثم يكر عليها بالنقض
واإلبطال ،فإن الدعوة إلى الحق -كما تكون بتزيينه ،وذكر محاسنه -تكون بتشويه الباطل ،وذكر مساويه ومخازيه
(بتصرف من مقالة الشيخ عبد الرازق عفيفي في مجلة التوعية اإلسالمية عدد .)7 ، 6
وقد اختلف المفسرون هل كان إبراهيم ناظرًا أو كان منظرًا * [ والصحيح أن إبراهيم في هذا الموطن كان مناظرا
لقومه ال ناظرا بنفسه ويدل على ذلك:
أ -قوله تعالى(( :وَلَقْد آَتْيَنا إْبَر اِه يَم ُر ْش َدُه ِم ن َقْبُل)) والمراد بالَقْبلية ما كان قبل النبوة على الصحيح ،وأي رشد آتاه هللا
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 8/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
الثانية :مناظرته للملك في قوله تعالى _((َأَلْم َتَر إَلى اَلِذي َح اَّج إْبَر اِه يَم ِفي َر ِّبِه َأْن آَتاُه ُهَّللا الُم ْلَك إْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َر ِّبَي
اَلِذي ُيْح ِيي وُيِم يُت َقاَل َأَنا ُأْح ِيي وُأِم يُت َقاَل إْبَر اِه يُم َفإَّن َهَّللا َيْأِتي ِبالَّشْم ِس ِم َن الَم ْش ِر ِق َفْأِت ِبَه ا ِم ـــَن الـمَـْغِر ِب َفُبِه َت
اَلِذي َكَفَر وُهَّللا ال َيْه ِدي الَقْو َم الَّظاِلِم يَن ))[البقرة.]258:
لقد جادل الملُك إبراهيم في ربه ،وفي ذكر الرب وإضافته إلى الضمير العائد على إبراهيم تشريف إلبراهيم وإشعار
بأن هللا سيتواله وينصره.
ولماذا يجادله؟ ألن هللا آتاه الملك ،فحـمـلـه كبره وبطره على طلب المخاصمة ،ولم يكن بسبب إيثاره الحق وطلبه له.
وكان الملك قد طلب من إبراهيم عليه الـســالم أن يقيم له الدليل على وجود الرب الذي يدعو إليه ،فقال إبراهيم :
»ربي الذي يحيي ويميت« أى أن الدليل على وجوده هو :هذه المعجزة المتكررة الظاهرة المستترة ،مـعـجــزة الحياة
والموت ،عندئذ قال الملك »أنا أحيي وأميت« فآتى برجلين استحقا القتل فأمضيه فـي أحدهما دون اآلخر ،فأكون قد
أحييت الثاني ،وأمت األول ،وهذه مكابرة صريحة ،وعناد ظاهر ،يعلمه كل ذي عقل ،ولذلك ترك إبراهيم الخوض
معه في مكابرته ،وجاءه بواقعة ال يحير معها جوبا ،قال » :فإن هللا يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب«
أي إذا كنت قادرًا على اإلحياء واإلماتــــة ،وهما من صفات الرب ،فيلزم أن يكون بمقدورك التصرف في الكون ،
وأن تأتي بالشمــس من المغرب ،عندئذ بهت الذي كفر ،وهللا ال يهدي القوم الظالمين.
إن انتقال إبراهيم من دليل إلى آخر دون مناقشة إلجابة الملك الساذجة ليس عن هزيمة ؛ ألن حجته كانت قائمة ،إذ
إبراهيم وكل عاقل يعلم أن المراد حقيقة اإلحياء واإلماتة ،أما ما فعله الملك فأمر يقدر عليه كل أحد ،حتى إبراهيم
كان يمكن أن يقول له :إني أردت حقيقة اإلحياء واإلماتة ،أما هذا فأنا أفعل مثله ،ولكن إن قدرت على اإلماتة
واإلحياء فأمت هذا الذي أطلقته من غير استخدام آلة وسبب ،وأحي هذا الذي قتلته ،فيظهر به بهت اللعين ،إال أن
القوم لما كانوا أصحاب ظواهر ،وكانوا ال يتأملون في حقائق المعاني خاف إبراهيم االشتباه وااللتباس عليهم ،فضم
إلى الحجة األولى حجة ظاهرة ،ال يكاد يقع فيها أدنى اشتباه.
وهذا االنتقال من أحسن ما يكون ،ألن المحاجج إذا تكلم بكالم يدق على سامعيه فهمه ،ولجأ الخصم إلى الخداع
والتلبيس جاز له أن يتحول إلى كالم يدركه السامعون ،وأن يأتي بأوضح مما جاء به ،ليثبت ما يريد إثباته ،وهذا
ألن الحجج مثل األنوار ،وضم حجة إلى حجة كضم سراج إلى سراج ،وهذا ال يكون إال دليال على ضعف أحدهما
أو بطالن أثره.
- 9استثارة الخصم :
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 9/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
والمقصود بذلك :تحريك نفوس المدعوين ،وتنبيه عقولهم ،ولفت أنظارهم إلى األمر الذي يدعوهم إليه الداعية.
لقد فعل إبراهيم ذلك حين ترك كبير األصنام بال هدم (فجعلهم حطامًا إال كبيرًا لهم لعلهم إليه يرجعون) وذلك من أجل
أن تدور في أذهانهم األسئلة التالية؟
-من فعل هذا بآلهتنا؟
ِ -لم لْم يدافع الصنم الكبير عن صغاره؟ وهل كان ذلك عن عجز أو عدم إدراك لما يقع حوله؟
ِ -لم لْم يوقع الصنم .الكبير سوءًا بمن فعل ذلك ؟
ثم استشارهم مرة أخرى حينما جاؤا إليه يسألونه عمن أوقع ذلك بآلهتهم فقال :
-بل فعله كبيرهم هذا ،فنسكب التكسير إلى جماد ال يتحرك ،ليقولوا له مباشرة :إنه ال يفعل شيئًا ،وليقروا بضعف
هذه اآللهة.
-ولم يكتف بذلك ،بل أمرهم أن يوجهوا إليها األسئلة إن أخبرهم بمن أوقع بها ذلك ،ولذلك أجابوا بكل سذاجة » :لقد
علمت ما هؤالء ينطقون« وعند ذلك انطلق مبادرا »أفتعبدون من دون هللا ما ال ينفعكم شيئًا وال يضركم ،أف لكم
ولما تعبدون من دون هللا أفال تعقلون«.
ثانيًا :األساليب العملية
:
وهي كثيرة نختار منها :
- 1القدوة :لقد كان إبراهيم مثاًال يحتذى في الخير ،ولذلك وصفه هللا بقوله ((إَّن إْبَر اِه يَم َكاَن ُأَّم ًة)) أي جامعا للخير
،كلفه هللا بأمور فقام بها خير قيام ((وإِذ اْبَتَلى إْبَر اِه يَم َر ُّبُه ِبَكِلَم اٍت َفَأَتَّمُه َّن )) وكان الجزاء (( :إِّني َج اِع ُلَك ِللَّناِس
إَم امًا)) فالسبب الذي أهله لإلمامة إتمامه الكلمات التي ابتاله ربه بها ،ومن أجل ذلك ُأمر نبينا -صلى هللا عليه وسلم-
باتباع ملته (ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) وُأمرت هذه األمة أن تأتسي بإبراهيم ومن معه ،لكونهم قدوة
(قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) واألمر الذي نهينا عن اإلقتداء بإبراهيم فيه استغفاره ألبيه »إال قول
إبراهيم ألبيه ألستغفرن لك ،وما أملك لك من هللا من شيء« وقد تقدم ذكر بعض من صفات هذا النبي الكريم وأساليبه
وأعماله وما كان به قدوة للمصلحين من بعده (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه نفسه).
- 2البداءة باألهم :بدأ إبراهيم بالدعوة إلى توحيد العبادة ،وهو أهم ما يدعي إليه ،وأول ما يبدأ به (وإبراهيم إذ قال
لقومه اعبدوا هللا واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
- 3اللين والشدة :وهذا ظهر جليا في دعوته ألبيه ،وفي دعوته لقومه ،فقد دعا كال منهم باللين واالستعطاف ،لعل
كالمه يتخلل قلوبهم ،ولينه يعطف أفئدتهم لقبول الحق الذي جاء به ،ولكن ما زادهم إال عتوا ،فما كان منه إال أن
أغلظ لهم القول ،وشدد اللهجة ،ففي اللين قال َ((:يا َأَبِت ِلَم َتْعُبُد َم ا ال َيْس َم ُع وال ُيْبِص ُر وال ُيْغِني َعنَك َشْيئًا)) وفي
الشدة قال (( :وإْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َألِبيِه آَز َر َأَتَّتِخ ُذ َأْص َنامًا آِلَه ًة إِّني َأَر اَك وَقْو َم َك ِفي َض الٍل ُّم ِبيٍن )) .
-4البراءة والمعاداة :التي تعني البراءة من الشرك وأهله واعتزالهم ،وهي أصل من أصول العقيدة ومن مستلزمات
(ال اله إال هللا) .قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم» : -أوثق عرى اإليمان الحب في هللا والبغض في هللا« ومفاصلة
خصوم الدعوة ارتفاع بالنفس والعقيدة إلى المستوى الالئق بهما ،فال يستوي حزب هللا الذى كتب هللا له العزة
والكرامة وحزب الشيطان الذي كتب هللا له الذلة والهوان ،وفيها إشعار ألولئك الخصوم بأنهم على باطل ،وأن األمر
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 10/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
ما وصل بالداعية إلى المقاطعة إال لحق يعتنقه ويدعو إليه ،فيكون ذلك ردعا لهم عما هم فيه .وفيها قطع آلمال أعداء
الدعوة في الحصول على تنازالت من الدعاة ،يستدرجونهم بها.
وقد قال إبراهيم ألبيه حين استكنف واستكبر ( :واعتزلكم وما تدعون من دون هللا وأدعو ربي )...وجعله هللا في
براءته من المشركين قدوة ،فقال َ(( :قْد َكاَنْت َلُكْم ُأْس َو ٌة َحَسَنٌة ِفي إْبَر اِه يَم واَّلِذيَن َمَعُه إْذ َقاُلوا ِلَقْو ِم ِهْم إَّنا ُبَر آُء ِم نُكْم
وِم َّم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َكَفْر َنا ِبُكْم وَبَدا َبْيَنَنا وَبْيَنُكُم الَعَداَو ُة واْلَبْغَض اُء َأَبدًا َح َّتى ُتْؤ ِم ُنوا ِباِهَّلل وْح َدُه إَّال َقْو َل إْبَر اِه يَم
َألِبيِه َألْس َتْغِفَر َّن َلَك وَم ا َأْم ِلُك َلَك ِم َن ِهَّللا ِم ن َشْي ٍء َّر َّبَنا َعَلْيَك َتَو َّكْلَنا وإَلْيَك َأَنْبَنا وإَلْيَك الَم ِص يُر )) .وقد اشتملت هذه
اآلية على أمور نوجزها فيما يلي -:
-أن البراءة قائمة على اإليمان باهلل فمن كان مؤمنا باهلل أحب في هللا.
-أنها نهج األنبياء ،فمن أراد النجاة فليلحق بركابهم ،ويستن بهديهم.
-أن البراءة ليست من أشخاصهم فحسب ،بل ومن آلهتهم ،وأفكارهم ،ومذاهبهم.
-أنها مستمرة علنية ،وليست مجرد شعور قلبي إال عند الضرورة.
-أنها مما اتفقت عليه الشرائع ،وليست لهذه األمة الخاتمة فحسب.
-أن دعامتها التوكل على هللا والدعاء كما ذكر في ختام اآلية ((ربنا لجيك َّر َّبَنا َعَلْيَك َتَو َّكْلَنا وإَلْيَك َأَنْبَنا وإَلْيَك
الَم ِص يُر ))
.
-أنه ال فرق في البراء بين قريب أو بعيد مادام قد وحد بينهم كفر أو شرك.
- 5الدعاء والتضرع :وهو السالح الذي ال يحق للمؤمن أن يسير في ركاب الحياة بدونه ،وقـد امـتـدح هللا خليله
بدعائه فقال (( :إَّن إْبَر اِه يَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب )) وقد تقدم معنى (األواه) ،ولــــذا تل أن نجد موطنا تذكر فيه دعوة
إبراهيم إال ويذكر معها جانب من تضرعه ودعائه ومن ذلك َ(( :ر َّبَنا واْبَعْث ِفيِهْم َر ُسوًال َ(( ، ))...ر َّبَنا َتَقَّبْل ِم َّنا إَّنَك
َأنَت الَّسِم يُع الَعِليُم )) (( ،وُتْب َعَلْيَنا إَّنَك َأنَت الَّتَّو اُب الَّر ِح يُم )) (( ،واْج ُنْبِني وَبِنَّي َأن َّنْعُبَد اَألْص َناَم )) َ(( ،ر ِّب اْج َعْلِني
ُم ِقيَم الَّص الِة وِم ن ُذِّر َّيِتي َر َّبَنا وَتَقَّبْل ُدَعاِء )) َ(( ،ر َّبَنا اْغ ِفْر ِلي وِلَو اِلَدَّي َ(( ، ))...ر ِّب اْج َعْل َهَذا َبَلدًا آِم نًا واْر ُز ْق َأْه َلُه
ِم َن الَّثَمَر اِت .))...إلى آخر ما هناك من الدعوات المباركات ،التي تضّر ع بها إبراهيم ،وخلدها القرآن ،فكان قدوة
في اللجوء إلى الدعاء.
- 6تحطيمه لألصــنـــام :لم يكتفي إبراهيم في دعوته بالكلمة والحجة التي أبطل بها حجج الخصوم ،بل عضد ذلك
بعمل كبير ،أقدم عليه بشجاعة وعلو همة ،وهو تحطيم األصنام التي تعلق بها قومه ،حتى صرفهم تعلقهم بها عن
التفكير في حقيقتها ،والنظر في ماهيتها ،فأراد إبراهيم أن يبين عن ذلك بالقول والفعل فكان بيانه القولي الذي شرحنا
طرفا منه فيما تقدم ،وكـــــان بيانه الفعلي بما أقدم عليه من تحطيم األصنام ،وجعلها جذاذًا ((إَّال َكِبيرًا َّلُهْم َلَعَّلُهْم إَلْيِه
َيْر ِج ُعوَن )) .واآلية هذه تشير إلى مدي البيان الذي أراد إبراهيم إبالغه لقومه ،فلم تأخذه فورة التكسير بتحطيمها كلها
،بل ترك كبيرها ال لعجز وال لخوف بل لعلهم إليه يرجـعــــون ،فيحقق إبراهيم غرضه من هذا األسلوب الدعوي
الرائع ،وفعًال لقد كان ما أراده إبـراهـيـــم حين قالوا َ(( :لَقْد َعِلْم َت َم ا َهُؤالِء َينِط ُقوَن )) وحينها انقض عليهم كالشهاب
َ(( :أَفَتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َم ا ال َينَفُعُكْم َشْيئًا والَيُضُّر ُكْم * ُأٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأَفال َتْعِقُلوَن )) وتحقق
إلبراهيم مراده حين قالوا َ((:قاُلوا َحِّر ُقوُه وانُصُر وا آِلَه َتُكْم إن ُكنُتْم َفاِعِليَن )) فاآللهة تحتاج إلى من ينصرها ،ويدافع
عنها ،وتحقق له كذلك حين (رجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) ولكنه التعصب الذي ردهم على أعقابهم
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 11/12
7/28/22, 3:15 PM دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن
((ُثَّم ُنِكُسوا َعَلى ُر ُء وِس ِهْم َلَقْد َعِلْم َت َم ا َهُؤالِء َينِط ُقوَن )) .
- 7الهجرة :ذكر هللا تعالى هجرة الخليل في ثالثة مواطن فقال (( :وَنَّج ْيَناُه وُلوطًا إَلى اَألْر ِض اَلِتي َباَر ْك َنا ِفيَه ا
ِلْلَعاَلِم يَن )) ((وَقاَل إِّني َذاِهٌب إَلى َر ِّبي َسَيْه ِديِن )) .
فهو أول من هاجر هلل -كما ذكره بعض المحققين -وكانت سنة لمن بعده من األنبياء وأتباعهم ،وممن عمل بها محمد
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -وصحبه ،فكانت هذه من ثمرات تلك التجربة اإلبراهيمية ولونا من اإلقتداء به.
إن الهجرة أسلوب يلجأ الدعاة إليه ألن أرضهم ما عادت تقبل الكلمة الطيبة،فهم يبحثون عن أرض طيبة تحمل
دعوتهم ،أو ألن القوم المعرضين بدأوا يناوشون الداعية ،ويوصلون األذى إليه فهو يفر بدينه من الغتن ((وَم ن
ُيَه اِج ْر ِفي َسِبيِل ِهَّللا َيِج ْد ِفي اَألْر ِض ُم َر اَغمًا َكِثيرًا وَسَعًة)) .
بحوث علمية
بحوث في التوحيد
بحوث فقهية
بحوث حديثية
بحوث في التفسير
بحوث في اللغة
بحوث متفرقة
الصفحة الرئيسية
www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1 12/12