You are on page 1of 12

‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫‪http://www.saaid.net/bahoth/11.htm‬‬

‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫‪ ‬محمد بن عبدالعزيز الخضيري‬


‫كلية المعلمين قسم الدراسات القرآنية‬

‫‪ ‬‬
‫إن الدعوة إلى هللا تعالـى طريق األنبياء ‪-‬عليهم السالم‪ -‬وأتباعهم كما قال تعالى‪ُ((:‬قْل َهِذِه َسبيِلي َأْدُعو إَلى ِهَّللا َعَلى‬
‫َبِص يَر ٍة َأَنا وَمِن اَّتَبَعِني وُسْبَح اَن ِهَّللا وَم ا َأَنا ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) ‪.‬‬
‫وكان مما اعتنى به الـقـرآن الكريم ذكر قصص دعوات األنبياء ‪ ،‬وتصويرها بأبلغ أسلوب‪ ،‬وعـرضـهـا بأدق عبارة‪،‬‬
‫حـتـى أصـبـحــت أخبارهم في القرآن نماذج حّية يحتذيها الدعاة ويقتبسون مـن نـورها ‪ ،‬ويهتدون بهـــداها ((ُأْو َلِئَك‬
‫اَلِذيَن َهَدى ُهَّللا َفِبُه َداُهُم اْقَتِد ْه)) ‪ .‬وقد اخترنا دراسة موضـوع الدعوة إلى هللا من خالل قصة إمام الحنفاء وأبي األنبياء‬
‫إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ولم يكن اختياري لهذه الدعوة جزافًا بل ألسباب أوجزها فيما يلي ‪:‬‬
‫أوًال ‪ :‬أنها دعوة خليل الرحمن‪ ،‬ومؤسس الحنيفية‪ ،‬وأحد أولي العزم الخمسة من الرسل ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬أن رسولنا محـمــدًا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قد أمر باتباع ملته ((ُثَّم َأْو َح ْيَنا إَلْيَك َأِن اَّتِبْع ِم َّلَة إْبَر اِه يَم َح ِنيفًا وَم ا‬
‫َكاَن ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬تلك الصفات العظيمة التي تحلى بها إبراهيم حتى قال هللا تعالى فيه ((‪..‬وإْبَر اِه يَم اَلِذي وَّفى)) فكانت نبراسًا‬
‫يقتفى أثره فيها الدعاة إلى هللا ‪.‬‬
‫رابعًا ‪ :‬استغراق القرآن واستقصاؤه ألساليب إبراهيم المتنوعة في عرض دعوته على قومه ‪ ،‬حتى إنه ليعز على‬
‫الباحث أن يجد لنبي من األنبياء خال نبينا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مثلما يجد لهذه األيام من الطرائق والسبل في إقناع‬
‫المدعوين وترويضهم على قبول الدعوة ‪ .‬وال غرو فقد سَّن للناس من بعده من الدعوة أساليب لم تعهد ألحد من قبله‬
‫ولم تقف عند حد الكلمة بل تخطتها إلى الحركة والفعل ‪.‬‬
‫خامسًا ‪ :‬رسمت هذه الدعـــوة للدعاة منهاجًا في الصبر يحق لهم أن يقتدوا به ‪ ،‬فقد صبر إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬في‬
‫أحــــوال مختلفة وظروف متباينة وأعمال متنوعة كالصبر على جفاء األبوة ‪ ،‬وعدوان العشيرة‪ ،‬وهجران األرض‪،‬‬
‫والفتنة بالنار‪ ،‬واألمر بذبح الولد‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫وسنعرض الموضوع من خالل نماذج من صفات إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬الدعوية وأساليبه في نشر دعوته ‪.‬‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪1/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬



‫نماذج من صفات إبراهيم الدعوية ‪
:‬‬
‫لن يتسع المقام لحصر تلك الصفات التي اتسم بها إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬فلقد وصفه ربه بأنه وّفي جميع مقامات العبد‬
‫مع ربه ولذلك سنقـتـصـر ‪ .‬على جملة من الصفات ونخص بالذكر منها ما له صلة ظاهرة بدعوته ‪ ،‬وله أثر ظاهر في‬
‫االهتداء واالقتداء به ‪.‬‬
‫‪ -1‬أمة ‪
:‬‬
‫قال تعالى ‪(( :‬إَّن إْبَر اِه يَم َكاَن ُأَّم ًة‪ ))..‬وهذه الكلمة تأتي لعدة معان ‪ ،‬منها الجماعة ((َكاَن الَّناُس ُأَّم ًة واِح َدًة)) ‪ ،‬ومنها‬
‫الزمان والحين ((واَّدَكَر َبْعَد ُأَّم ٍة)) ومنها ‪ :‬الرجل الجامــــع لخـصـال الخير حتى يقوم مقام أمة من الناس ‪ ،‬وهذا هو‬
‫المقصود في حق إبراهيم ‪ ،‬وهذه تدلنا عـلـى عظيم ما كان يتصف به إبراهيم من عبادة ودعوة وخلق حري بأن‬
‫يحتذي به الدعاة في حـيـاتهم وتزكية أنفسهم ‪ ،‬واجتهاد أحدهم في تقويم أخالقه والنشاط في دعوته ليقوم مقام أمة في‬
‫ذلك ‪ .‬وقيل أن المقصود باألمة هنا ‪ :‬أي اإلمام ‪ ،‬أي قدوة يقتدى به في الخير ‪ ،‬وممن قال به ابن جرير الطبري وابن‬
‫كثير ‪.‬‬
‫‪ -2‬قانت ‪
:‬‬
‫قال تعالى ‪(( :‬إَّن إْبَر اِه يَم َكاَن ُأَّم ًة َقاِنتًا ِهَّلِّل َح ِنيفًا))‪ ،‬والقنوت ‪ :‬لزوم الطاعة مع الخضوع‪ ،‬وكـذا يجب أن يكون الداعية‬
‫مالزمًا لطاعة هللا على كل حال ‪ ،‬فال يكون كالمنبت يجتهد حتى تكّل راحلته ‪ ،‬ثم ينقطع ‪ ،‬بل يالزم ويستقيم ‪.‬‬
‫‪ -3‬حنيفًا ‪
:‬‬
‫والَح َنف ‪ :‬الميل عن الضالل إلى االستقامة ‪ ،‬والحنيُف ‪ :‬المائل والجنف ‪ :‬ضده ‪ .‬واألحنف ‪َ :‬م ْن في رجله ميل سمي‬
‫بذلك تفاؤًال ‪ ،‬وقيل لمجرد الميل ‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬الحـنـيـف ‪ :‬الـمنحرف قصدًا عن الشرك إلى التوحيد ‪ .‬وقد كان ذلك من إبراهيم حتى ُعَّد إمام الحنفاء‬
‫الموحدين ‪ ،‬قال تعالى ‪(( :‬وَلْم َيُك ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) ‪ ،‬وقال‪(( :‬وَم ا َكاَن ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) ‪ ،‬وهكذا فليكن أولياء هللا ‪.‬‬
‫‪ -4‬شاكر‪
:‬‬
‫قال تعالى ‪َ(( :‬شاِك رًا َألْنُعِم ِه )) أي قائمًا بشكر نعم هللا عليه (وأصل الشكر) ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهورًا‬
‫بينًا ‪ .‬يقال ‪ :‬شكرت الدابة ‪ :‬أي سمنت وظهر عليها العلف ‪ ،‬وكذلك حقيقته في العبودية ‪ :‬وهذا ظهور أثر نعمة هللا‬
‫على لسان عبده ‪ :‬ثناء واعترافًا ‪ ،‬وعلى قلبه ‪ :‬شهودًا ومحبة ‪ ،‬وعلى جوارحه ‪ :‬انقيادًا وطاعة ‪ .‬والشكر مبني على‬
‫خمس قواعد ‪ :‬خضوع الشاكر للمشكور ‪ ،‬وحبه له ‪ ،‬واعترافه بنعمته ‪ ،‬وثناؤه عليه ‪ ،‬وأن ال يستعملها فيما يكره(‪، )1‬‬
‫وقد كان ذلك من إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪. -‬‬
‫‪ -5‬الحلم ‪
:‬‬
‫قال تعالى ‪(( :‬إَّن إْبَر اِه يَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب )) ‪.‬‬
‫والحلم ‪ :‬ضبط النفس والطبع عـن الهـيـجـان عـنـد االستثارة ‪ .‬والحليم ‪ :‬الكثير الحلم وموقف إبراهيم من مقالة أبيه‬
‫((َألْر ُج َم َّنَك )) ومن الـعـتاة قوم لوط حينما مرت به المالئكة وأخبرته بما أمرت بها قال ‪(( :‬فَلَّم ا َذَهَب َعْن إْبَر اِه يَم‬
‫الَّر ْو ُع وَج اَء ْتُه الُبْش َر ى ُيَج اِد ُلَنا ِفي َقْو ِم ُلوٍط * إَّن إْبَر اِه يَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب )) ‪ ،‬ولم يكن حلم إبراهيم ذريعة يتذرع‬
‫للسكوت عن الـمـنـكـر بـل كــان يعلن الحق وينكر الباطل ((وَتاِهَّلل َألِك يَدَّن َأْص َناَم ُكم َبْعَد َأن ُتَو ُّلوا ُم ْدِبِر يَن ))‪.‬‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪2/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫‪ -6‬أّو اه‪
:‬‬
‫قال الراغب األصفهاني ‪" :‬الذي يكثر التأوه وهو أن يقول ‪ :‬أّو ه وكل كالم يدل على حزن يقال له التأّو ه‪ ،‬ويعبر باألّو اه‬
‫‪ ،‬عمن يظهر خشية هللا تعالى"(*) ‪ ،‬والذي يتحقق من معنى األّو اه أنه الخاشع الدّعاء المتضرع‪ ،‬وكثرة تأّو ه إبراهيم‬
‫وتضرعه بين يدي ربه قد ذكرت في آيات كثيرة تدل على تحقيق إبراهيم ((َّر َّبَنا َعَلْيَك َتَو َّكْلَنا وإَلْيَك َأَنْبَنا وإَلْيَك‬
‫الَم ِص يُر ))وجدير بمن سلك طريق الدعوة أن يجعل تعجيل اإلنابة من أبرز سماته ليكسب عون ربه وتسديده ومحبته ‪
.‬‬
‫‪ -7‬السخاء ‪
:‬‬
‫قال تعالى ‪َ(( :‬هْل َأَتاَك َح ِديُث َض ْيِف إْبَر اِه يَم الُم ْك َر ِم يَن * إْذ َدَخ ُلوا َعَلْيِه َفَقاُلوا َسالًم ًا َقاَل َسالٌم َقْو ٌم ُّم نَكُر وَن * َفَر اَغ‬
‫إَلى َأْه ِلِه َفَج اَء ِبِعْج ٍل َسِم يٍن * َفَقَّر َبُه إَلْيِهْم َقاَل َأال َتْأُكُلوَن )) فذكر أن الضـيـف مكـرمـون إلكرام إبراهيم لهم ‪ ،‬ولم يذكر‬
‫استئذانهم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان ‪ ،‬مـع أنهم قـوم منكرون ال يعرفهم فقد ذبح لهم عجًال واستسمنه ‪،‬‬
‫ولم يعلمهم بذلك بل راح‪ :‬أي ذهب خفية حتى ال ُيشعر به‪ ،‬تجاوبًا لضيافة ‪ ،‬فدل على أن ذلك كان معدًا عندهم مهيئًا‬
‫للضيفان‪ ،‬وخدمهم بنفسه‪ ،‬فجاء به ومّر به إليهم ولم يقربهم إليه ‪ ،‬وتلطف مبالغة في اإلكرام فقال‪َ(( :‬أال َتْأُكُلوَن )) ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪" :‬فقد جمعت هذه اآلية آداب الضيافة التي هي أشرف اآلداب ‪ ،‬وما عداها من التكلفات التي هي َتَخلف‬
‫وتكلف ‪ :‬إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم ‪ ،‬وكفى بهذه اآلداب شرفًا وفخرًا فصلى هللا على نبينا وعلى إبراهيم‬
‫وعلى آلهما وعلى سائر النبيين"(‪. )2‬‬
‫‪ -8‬الصبر ‪
:‬‬
‫كان إبراهيم مثًال يحتذى في الصبر حتى استحق أن يكون من أولي العزم الذين أمر رسولنا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫أن يصبر كصبرهم ((َفاْص ِبْر َكَم ا َص َبَر ُأْو ُلوا الَعْز ِم ِم َن الُّر ُسِل )) ‪ .‬وكان صبر إبراهيم شامًال البتالءات كثيرة ‪،‬‬
‫سيأتي بيان جملة منها بإذن هللا ‪.‬‬
‫‪ -9‬رعايته ألهله ‪
:‬‬
‫لم يكن إبراهيم ممن يلتفت إلى الـنــاس بدعوته ويترك أهله ‪ ،‬بل بدأ بهم وخصهم بمزيد الرعاية والعناية وقد قال هللا‬
‫لمحمد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪(( -‬وَأنِذ ْر َعِشيَر َتَك اَألْقَر ِبيَن )) وكذلك كان إبراهيم ‪ ،‬فدعا أباه ((َيا َأَبِت ِلَم َتْعُبُد َم ا ال‬
‫َيْس َم ُع وال ُيْبِص ُر )) ‪ ،‬ووصى أبناءه بالتمسك بالدين ((وَو َّص ى ِبَه ا إْبَر اِه يُم َبِنيِه وَيْعُقوُب َيا َبِنَّي إَّن َهَّللا اْص َطَفى َلُكُم‬
‫الِّديَن َفال َتُم وُتَّن إَّال وَأنُتم ُّم ْسِلُم وَن ‪ ، ))..‬وكان يدعو ((واْج ُنْبـِني وَبِنَّي َأن َّنْعُبَد اَألْص َناَم )) ‪ ،‬ويتضرع بقوله ‪َ(( :‬ر َّبَنا‬
‫إِّني َأْس َكنُت ِم ن ُذِّر َّيِتي بِــَو اٍد َغـيْــِر ِذي َز ْر ٍع ِع نَد َبْيِتَك الُمَح َّر ِم َر َّبَنا ِلُيِقيُم وا الَّص الَة َفاْج َعْل َأْفِئَدًة ِّم َن الَّناِس َتْه ِو ي إَلْيِهْم‬
‫واْر ُز ْقُه م ِّم َن الَّثَمَر اِت َلَعَّلُهْم َيْشُكُر وَن )) ‪.‬‬
‫‪ -10‬شجاعته ‪
:‬‬
‫واجه إبراهيم قومه ولم يخش كيدهم وقال مقسمًا ‪(( :‬وَتاِهَّلل َألِك يَدَّن َأْص َناَم ُكم َبْعَد َأن ُتَو ُّلوا ُم ْدِبِر يَن )) ‪ ،‬وقوله لهم ‪:‬‬
‫((ُأٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا‪. ))..‬‬
‫وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة التي ال تـهــزم‪ ،‬وأن مــا أصابه لم يكن يخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فرسم‬
‫للدعاة منهجًا في الشجاعة المنضبطة بضوابط الشرع بال تهور يحتذونه في مواجهة الباطل من إقرار الحق ‪.‬‬
‫‪ -11‬تحقيقه الكامل لعقيدة الوالء والبراء ‪:‬‬
‫قال تعالى عن ((َفَم ن َتِبَعِني َفإَّنُه ِم ِّني)) ‪ ،‬وقال ‪(( :‬وإْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َألِبيِه وَقْو ِم ِه إَّنِني َبَر اٌء ِم َّم ا َتْعُبُدوَن * إَّال اَلِذي‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪3/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫َفَطَر ِني َفإَّنُه َسَيْه ِديِن )) فكل عدو هلل وإن قربه النسب تجب البراءة منه‪ ،‬وكـل ولـي هلل وإن باعدت به األوطان‬
‫واألزمان تجب مواالته ومحبته وقد أمرنا أن نتأسى بإبـراهـيـم فـي ذلـك ‪َ(( :‬قْد َكاَنْت َلُكْم ُأْس َو ٌة َحَسَنٌة ِفي إْبَر اِه يَم‬
‫واَّلِذيَن َمَعُه إْذ َقاُلوا ِلَقْو ِم ِهْم إَّنا ُبَر آُء ِم ـنـُكْم ومِــَّم ــا َتـْعـُبـُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َكَفْر َنا ِبُكْم وَبَدا َبْيَنَنا وَبْيَنُكُم الَعَداَو ُة واْلَبْغَض اُء‬
‫َأَبدًا َح َّتى ُتْؤ ِم ُنوا ِباِهَّلل وْح َدُه‪. ))..‬‬
‫‪ -12‬سالمة القلب ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪(( :‬وإَّن ِم ن ِش ـيـَعـِتِه إلْبَر اِه يَم * إْذ َج اَء َر َّبُه ِبَقْلٍب َسِليٍم )) وسالمة القلب نوعان‪ :‬كـالهـما داخل في مضمون‬
‫اآلية‪ ،‬أحدهما‪ :‬فـي حــق هللا وهــو سـالمــة قلبه من الشرك‪ ،‬وإخالصــه العبودية هلل ‪ ،‬وصدق التوكل عليه ‪ .‬والثاني ‪:‬‬
‫في حق المخلوقـيـن بالنصح لهم وإيصال الخير إليهم ‪ ،‬وسالمة القلب من الحقد والحسد وسوء الظن والكبر وغير ذلك‬
‫‪.‬‬
‫وبعد فـهــذه جملة مختصرة من الصفات الدعوية إلبراهيم عليه السالم سائًال هللا تعالى أن يوفقنا التباع ملته والسير‬
‫على منهجه وباهلل التوفيق ‪.‬‬


‫مراحل دعوة إبراهيم

‫ذكر القرآن الكريم لدعوة إبراهيم عليه السالم ثالث مراحل ‪ ،‬نوجزها فيما يلي‪
:‬‬
‫المرحلة األولى ‪
:‬‬
‫دعوته ألبيه ‪ ،‬وقد صورتها أبـلـغ تـصـويـر آيـــات سـورة مريم حيث يقول هللا جل وعال ((واْذُكْر ِفي الِك َتاِب إْبَر اِه يَم‬
‫إَّنُه َكاَن ِص ِّديقًا َّنِبيًا (‪ )41‬إْذ َقـــاَل َألِبيِه َيا َأَبِت ِلَم َتْعُبُد َم ا ال َيْس َم ُع وال ُيْبِص ُر وال ُيْغِني َعنَك َشْيئًا (‪َ )42‬يا َأَبِت إِّني َقْد‬
‫َج ـاَء ِنــــي ِم َن الِع ْلِم َم ا َلْم َيْأِتَك َفاَّتِبْعِني َأْه ِدَك ِص َر اطًا َسِو يًا (‪َ )43‬يا َأَبِت ال َتْعُبِد الَّشْيَطاَن إَّن الَّشْيطَــاَن َكاَن ِللَّر ْح َمِن‬
‫َعِص يًا (‪َ )44‬يا َأَبِت إِّني َأَخاُف َأن َيَم َّسَك َعَذاٌب ِّم َن الَّر ْح َمِن َفَتُكوَن ِللَّشْيَطاِن ولِــيـــًا (‪َ )45‬قـاَل َأَر اِغـــٌب َأنَت َعْن‬
‫آِلَه ِتي َيا إْبَر اِه يُم َلِئن َّلْم َتنَتِه َألْر ُج َم َّنَك واْه ُجْر ِني َم ِليًا (‪َ )46‬قاَل َسالٌم َعَلْيَك َسَأْس َتْغِفُر َلَك َر ِّبي إَّنُه َكاَن ِبي َح ِفيًا (‪)47‬‬
‫وَأْع َتِز ُلُكْم وَم ا َتْدُعوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا وَأْدُعو َر ِّبي َعَسى َأَّال َأُكوَن ِبُدَعاِء َر ِّبي َشِقيًا))[مريم‪.]48 / 41‬‬
‫لقد كانت كلمات إبراهيم تفيض حنانًا وشفقة وتتدفق عطفًا ورقة ‪ ،‬فبّين ألبيه أن ما يعبده فاقد ألوصاف الربوبية من‬
‫السمع والبصر فضًال عن الخلق فكيف يضر أو ينفع ثم أردف ذلك بـبـيـان ما قد أوتيه من علم وحكمة وأن دعوته فد‬
‫بنيت عليهما ففى اتباعه سلوك الصراط السوي ‪ ،‬ثم حذره من عدو البشرية الذي تلبس بمعصية الرحمن فهو جدير‬
‫بأن يتخذ عدوًا وأن ال يطاع بل يعصى ‪ ،‬ثم أعلمه بشدة خوفه عليه من أن يمسه مجرد مس عذاب من الرحمن فيكون‬
‫وليًا للشيطان ‪ ،‬وأمام هذه الدعوة الحانية الرفيقة المتزنة نسمع عبارات األب الفـجـــة الغليظة التي تمثل صورة التقليد‬
‫األعمى وإغالق القلب عن النظر والتأمل ‪ ،‬ومع ذلك كله فإن االبن البار لم يواجه تلك السيئة إال بالتي هي أحسن‬
‫(سالم عليك) كحال عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا‪( :‬سالمًا) بل وعد باالستغفار ألبيه ‪ ،‬وذلك قبل أن‬
‫يتبين له أنه عدو هلل ((َفَلَّم ا َتَبَّيَن َلُه َأَّنُه َعُدٌّو ِهَّلِّل َتَبَّر َأ ِم ْنُه)) ثم قرر اعتزاله ليراجع األب نفسه‪ ،‬ولينأى إبراهيم بنفسه عن‬
‫الشر ومواطنه‪ ،‬وكانت رحمة هللا إلبراهيم أن عوضه بأبناء صالحين بررة عن أولئك القوم الفجرة‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪
:‬‬
‫دعوته لقومه‪ .‬بعد أن دعا إبراهيم أباه لقربه توجه بالدعوة إلـى قومه ‪ ،‬وكانوا فيما قبل قسمان ‪ ،‬منهم من يعبد األصنام‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪4/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫‪ ،‬ومنهم من يعبد الكواكب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون أصنامًا على صورها يعبدونها ويعكفون‬
‫عليها ‪ ،‬وعلى أي ‪ ،‬فقد أبطل كال المعبودين باألدلة القطعية وبين وهاء ما هم عليه من العـبــــادة ‪ ،‬وبدأهم بالدعوة إلى‬
‫توحيد هللا بالعبادة وتقواه وبين لهم أن ما يعبدون ما هو إال إفك مفترى ‪ ،‬وأنها ال تملك لهم رزقًا فليعبدوا من يملك‬
‫رزقهم ‪ ،‬ثم أخبرهم بأنه مبلغ ال يستطيع هدايتهم إال بإذن هللا ‪ ،‬ولفت أنظارهم إلى أن مصيرهم إن لم يستجيبوا للدعوة‬
‫مصير أمثالهم فقد سبقهم على ذلك أمم ولحقهم من ربهم من النكال والعذاب ما ال يخفي عليهم ‪ ،‬قال تعالى ((وإْبَر اِه يَم‬
‫إْذ َقاَل ِلَقْو ِم ِه اْعُبُدوا َهَّللا واَّتُقوُه َذِلُكْم َخْيٌر َّلُكْم إن ُكنُتْم َتْعَلُم وَن * إَّنَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأْو َثانًا وَتْخ ُلُقوَن إْفكًا إَّن اَلِذيَن‬
‫َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا ال َيْم ِلُكوَن َلُكْم ِر ْز قًا َفاْبَتُغوا ِع نَد ِهَّللا الِّر ْز َق واْعُبُدوُه واْشُكُر وا َلُه إَلْيِه ُتْر َجُعوَن * وإن ُتَكِّذُبوا َفَقْد‬
‫َكَّذَب ُأَمٌم ِّم ن َقْبِلُكْم وَم ا َعَلى الَّر ُسوِل إَّال الَبالُغ الُم ِبيُن ))[العنكبوت‪. ]18-16:‬‬
‫‪ -‬ولقد سلك إبراهيم في إقناع قومه مسلك المساءلة عن جدوى أصنامهم ‪ ،‬هل تنفع أو تضر أو تسمع الدعاء ‪ ،‬فما وجد‬
‫إال التبعية العمياء ((واْتُل َعَلْيِهْم َنَبَأ إْبَر اِه يَم * إْذ َقاَل َألِبيِه وَقْو ِم ِه َم ا َتْعُبُدوَن * َقاُلوا َنْعُبُد َأْص َنامًا َفَنَظُّل َلَه ا َعاِكِفيَن *‬
‫َقاَل َهْل َيْس َم ُعوَنُكْم إْذ َتْدُعوَن * َأْو َينَفُعوَنُكْم َأْو َيُضُّر وَن * َقاُلوا َبْل وَج ْدَنا آَباَء َنا َكَذِلَك َيْفَعُلوَن )) فما كان من إبراهيم إال‬
‫أن أعلن البراءة مما هم عليه‪ ،‬وأوضح سبب ذلك وسبب قصره العبادة على هللا ((َقاَل َأَفَر َأْيُتم َّم ا ُكنُتْم َتْعُبُدوَن * َأنُتْم‬
‫وآَباُؤ ُكُم اَألْقَدُم وَن * َفإَّنُهْم َعُدٌّو ِّلي إَّال َر َّب الَعاَلِم يَن * اَلِذي َخ َلَقِني َفُه َو َيْه ِديِن * واَّلِذي ُهَو ُيْط ِع ُم ِني وَيْسِقيِن * وإَذا‬
‫َمِر ْض ُت َفُه َو َيْش ِفيِن … اآليات)) [الشعراء‪.]80- 69:‬‬
‫‪ -‬وبدأ القوم يراوغون فيما عـرضـــــه عليهم إبراهيم إال أنه ما كان من إبراهيم إال إعالن النكير ‪ ،‬وبيان الحق فعًال ال‬
‫قوًال فحسب ودخل بهذا مرحلة خطرة من مراحل إقناع القوم بعدم جدوى أصنامهم وفي هذا يقول هللا تعالى ((وَلَقْد‬
‫آَتْيَنا إْبَر اِه يَم ُر ْش َدُه ِم ن َقْبُل وُكَّنا ِبِه َعاِلِم يَن * إْذ َقاَل َألِبيِه وَقْو ِم ِه َم ا َهِذِه الَّتَم اِثيُل اَلِتي َأنُتْم َلَه ا َعاِك ُفوَن * َقاُلوا وَج ْدَنا‬
‫آَباَء َنا َلَه ا َعاِبِديَن * َقاَل َلَقْد ُكنُتْم َأنُتْم وآَباُؤ ُكْم ِفي َض الٍل ُّم ِبيٍن * َقاُلوا َأِج ْئَتَنا ِباْلَح ِّق َأْم َأنَت ِم َن الَّالِع ِبيَن * َقاَل َبل َّر ُّبُكْم‬
‫َر ُّب الَّسَم ـــَو اِت واَألْر ِض اَلـــِذي َفــَطــــَر ُهَّن وَأَنا َعَلى َذِلُكم ِّم َن الَّشاِهِديَن ))[لألنبياء‪ ]56-51:‬ولم يكتف القوم بهذه‬
‫المراوغة مع إبراهيم بل دعوه للخروج معهم إلي عيد من أعيادهم ولكنه اعتذر عن الخروج بتورية ((َفَنَظَر َنْظ َر ًة ِفي‬
‫الُّنُج وِم * َفَقاَل إِّني َسِقيٌم * َفَتَو َّلْو ا َعْنُه ُم ْدِبِر يَن ))[الصافات‪ ]90-88:‬وقــال عـنــد ذلـك ((وَتاِهَّلل َألِك يَدَّن َأْص َناَم ُكم َبْعَد‬
‫َأن ُتَو ُّلوا ُم ْدِبِر يَن )) فسمعها بعض القوم ‪ ،‬وبادر إبراهيم ((َفَج َعَلُهْم ُج َذاذًا إَّال َكِبيرًا َّلُهْم َلَعَّلُهْم إَلْيِه َيْر ِج ُعوَن * َقاُلوا َم ن‬
‫َفَعَل َهَذا ِبآِلَه ِتَنا إَّنُه َلِم َن الَّظاِلِم يَن * َقاُلوا َسِم ْعَنا َفًتى َيْذُكُر ُهْم ُيَقاُل َلُه إْبَر اِه يُم * َقاُلوا َفْأُتوا ِبِه َعَلى َأْعُيِن الَّناِس َلَعــَّلُهْم‬
‫َيْش َه ُدوَن * َقاُلوا َأَأنَت َفَعْلَت َهَذا ِبآِلَه ِتَنا َيا إْبَر اِه يُم * َقاَل َبْل َفَعَلُه َكِبيُر ُهْم َهَذا َفاْس َأُلوُهْم إن َكاُنوا َينِط ُقوَن * َفَر َجُعوا إَلى‬
‫َأنُفِس ِهْم َفَقاُلوا إَّنُكْم َأنُتُم الَّظاِلُم وَن * ُثَّم ُنِكُسوا َعَلى ُر ُء وِس ِهْم َلَقْد َعِلْم َت َم ا َهُؤالِء َينِط ُقوَن )) لقد ورطهم إبراهيم في هذه‬
‫اإلجابة وهذا ما كان يريده لـيـنـدفع بكل قوة مخاطبا عقولهم إن كانت لهم عقول ‪َ ((:‬قاَل َأَفَتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َم ا ال‬
‫َينَفُعُكْم َشْيئًا وال َيُضُّر ُكْم * ُأٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأَفال َتْعِقُلوَن )) وهنا لم يجد القوم بدا من تدبير المؤامرة‬
‫عليه والتخلص منه ((َقاُلوا َحِّر ُقوُه وانُصُر وا آِلَه َتُكْم إن ُكنُتْم َفاِعِليَن * ُقْلَنا َيا َناُر ُكوِني َبْر دًا وَسالمًا َعَلى إْبَر اِه يَم *‬
‫وَأَر اُدوا ِبِه َكْيدًا َفَج َعْلَناُهُم اَألْخ َسِر يَن )) [األنبياء‪
.]70-51:‬‬
‫أما عبادتهم للكواكب فقد سلك في دحض تعلقهم بها سبيل المناظرة وذلـك فـيمـا حكاه هللا عنهم في سورة األنعام ‪،‬‬
‫وسيأتي إن شاء هللا تفصيل ذلك في رسائل إبراهيم العملية‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪
:‬‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪5/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫دعوته للملك‪ ،‬حين ناظره في ربه وذلك فيما حكاه هللا تعالى عنهم في سورة البقرة فقال‪َ(( :‬أَلْم َتَر إَلى اَلِذي َح اَّج‬
‫إْبَر اِه يَم ِفي َر ِّبِه َأْن آَتاُه ُهَّللا الُم ْلَك إْذ َقاَل إْبَر اِه يُم ‪ ))...:‬وتفصيل ما وقع فيها آت بإذن هللا في الوسائل ‪ ،‬وهذه المناظرة‬
‫كانت فيما يظهر بعد نجاة الخليل من النار كما ذكره السدي ويدل عليه‪ :‬أن الـعـادة جارية بأن األنبياء يبدأون بتكوين‬
‫قـاعــدة شعبية حتى يكون للدعوة ثقل ثم يلتفـتون إلى القيادة ليدعوها ‪ ،‬وأيضًا ‪ ،‬فمن عادة خصوم الدعوة مالحقة‬
‫الداعية وإحراجه ليفـضح أمام الناس خصوصًا وأن إبراهيم بعد نجاته من الـنــار بمعـجـــزة التفتت إليه األنـظــار‬
‫وتعجب الناس من ربه الذي نجاه فبادر الملك إلى مناظرته ليوقعه في الحرج ظنا منه أن إبراهيم قد ينهزم في‬
‫المناظرة ‪ ،‬وما علم أنه المؤيد من عند هللا وهو سيد المناظرين ‪ ،‬ومنظرهم األكبر ‪ ،‬والمجادل عن حوزة التوحيد‬
‫وحمى الملة بكل ألوان الجدل‪.‬‬
‫‪ -‬وال نستطيع الجزم بأن هـذه الـمـنـاظرة كانت بعد النجاة لكنه الذي يظهر من خالل ما تقدم من األدلة وهللا أعلم‪.‬‬


‫أساليب إبراهيم في الدعوة

‫أوًال ‪ :‬األساليب النظرية

‫‪ - 1‬تقرير توحيد األلوهية ببيان دالئل الربوبية ‪:‬‬
‫جـمــيع دعــوات الرسل قائمة على تقرير توحيد األلوهية الذي من أجله خلق هللا الثقلين ((وَم ا َخ َلْقُت الـِج ـَّن واإلنـَس‬
‫إَّال ِلَيْعُبُدوِن )) ‪ ،‬وهو الذي اختلف الناس فيه ‪ ،‬ووقع لديهم بسببه زيغ عظيم ‪ ،‬ولذلك أخـبـــرنا هللا عن هدف بعث‬
‫الرسل بقوله ((وَلَقْد َبَعْثَنا ِفي ُكِّل ُأَّم ٍة َّر ُسوًال َأِن اْعُبُدوا َهَّللا واْج َتِنُبوا الَّطاُغوَت ))‪.‬‬
‫أما توحيد الربوبية ‪ :‬فأكثر الناس مـتـفـقون عليه ‪ ،‬وهو اإلقرار هلل بالخلق والتدبير والملك ((وَلِئن َسَأْلَتُه م َّم ْن َخ َلَق‬
‫الَّسَمَو اِت واَألْر َض َلـيَـقُـوُلَّن ُهَّللا)) وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد األلوهية ‪ ،‬فالذي يستحق العبادة وحده هو الــذي‬
‫يـخلق ويرزق ‪ ،‬ويحي ويميت ‪ ،‬وينفع ويدفع ‪ ،‬ويملك ويدبر ‪ ،‬وقد بّين األنبياء ألقوامهم هذا أتم بيان ‪ ،‬ومنهم إبراهيم‬
‫((إْذ َقاَل ِلَقْو ِم ِه اْعُبُدوا َهَّللا واَّتُقوُه َذِلُكْم َخْيٌر َّلُكْم إن ُكنُتْم َتْعَلُم وَن * إَّنَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأْو َثانًا وَتـْخ ـُلـُقـوَن إْفـكـًا إَّن‬
‫اَلِذيَن َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا ال َيْم ِلُكوَن َلُكْم ِر ْز قًا َفاْبَتُغوا ِع نَد ِهَّللا الِّر ْز َق واْعُبُدوُه واْش ـكُــُر وا َلـُه إَلـْيـِه ُتْر َجُعوَن )) فبين أن‬
‫هللا هو الرزاق ‪ ،‬فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه ممن ال يملكون ألنـفـسـهـم ‪ -‬فـضـًال عن غيرهم ‪ -‬رزقًا وال نفعًا‬
‫وال ضرًا‪ ،‬وقال‪َ(( :‬أَفَر َأْيُتم َّم ا ُكنُتْم َتْعُبُدوَن * َأنُتْم وآَباُؤ ُكُم اَألْقَدُم وَن * َفإَّنُهْم َعُدٌّو ِّلي إَّال َر َّب الَعاَلـمِــيَن * اَلِذي َخ َلَقِني‬
‫َفُه َو َيْه ِديِن * واَّلِذي ُهَو ُيْط ِع ُم ِني وَيْسِقيِن * وإَذا َمِر ْض ُت َفُه َو َيْش ِفيِن * واَّلِذي ُيِم يُتِني ُثَّم ُيْح ِييِن ‪ ))...‬وأمثلة ذلك كثيرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬التصريح بقصد النصيحة وأنه ال هدف للداعي إال نفع المدعوين وأنه ال يريد على ذلك حظا من الدنيا ‪:‬‬
‫إن إعـالن الـداعـيـة عـن هــذا للمدعوين من شأنه أن يلين قلوبهم ‪ ،‬ويدعوهم إلى تأمل ما ُيدعون إليه ‪ ،‬ولقد درج‬
‫على ذلك األنبـيـاء جميعًا ‪ ،‬فقال نوح ‪(( :‬وَيا َقْو ِم ال َأْس َأُلُكْم َعَلْيِه َم اًال إْن َأْج ِر َي إَّال َعَلى ِهَّللا‪ ))..‬وقـال هــــود‪َ(( :‬يا َقْو ِم‬
‫ال َأْس َأُلُكْم َعَلْيِه َأْج رًا إْن َأْج ِر َي إَّال َعَلى اَلِذي َفَطَر ِني)) وفي سورة الشعراء ذكــر هللا ‪((:‬وَم ا َأْس َأُلُكْم َعَلْيِه ِم ْن َأْج ٍر إْن‬
‫َأْج ِر َي إَّال َعَلى َر ِّب الَعاَلِم يَن )) ذكرها عن نوح وهود وصـالـح ولوط وشعيب ‪ ،‬وقال محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪:-‬‬
‫((ُقْل َم ا َسَأْلُتُكم ِّم ْن َأْج ٍر َفُه َو َلُكْم إْن َأْج ــِر َي إَّال َعَلى هللا َو ُهَو َعَلى ُكِّل َشْي ٍء َشِه يٌد)) ‪.‬‬
‫وحكى هللا عن إبراهيم أنه قال ألبيه ‪َ((:‬يا َأَبِت إِّني َأَخاُف َأن َيَم َّسَك َعَذاٌب ِّم َن الَّر ْح ـمَـِن َفَتُكوَن ِللَّشْيَطاِن وِليًا)) فهـو ال‬
‫يريد شيئًا من أبيه ‪ ،‬وإنما يخاف عليه من عذاب الرحـمن‪ ،‬فـيـكـون ولـيــًا للـشيطان ‪ ،‬وتأمل في العبارات التي نطق‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪6/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫بها إبراهيم ‪( :‬أخاف) و(يمسك) و(عذاب من الرحمن) ُتلفها تعبر بصدق عما يكنه إبراهيم ألبيه‪.‬‬
‫‪
- 3‬الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ‪:‬‬
‫وقد جاءت جلية في دعوته ألبيه وخطابه الرقيق الحاني المتدفق لينًا ‪ -‬وعطفًا ولطفًا ‪ ،‬اتباعًا للحكمة التي تقرب‬
‫المدعو من الدعوة وتلين قلبه لالستجابة‪.‬‬
‫‪ - 4‬التشنيع على المعبودات الباطلة وعابديها ‪:‬‬
‫لما بين إبراهيم لقومه دعوته ‪ ،‬وأالن لهم الخطــاب ‪ ،‬لعنهم يستجيبون ‪ ،‬وما زادهم ذلك إال التمادي في باطلهم ‪ ،‬فما‬
‫كان من إبراهيم إال أن أظهر تهافت معبوداتهم وأحنق النكير عليهم ‪ ،‬فقال ‪َ((:‬م ا َهـِذِه الَّتَم اِثيُل اَلِتـي َأنـُتــــْم َلَه ا‬
‫َعاِك ُفوَن )) فسماها تماثيل ولم ينعتها بوصف (األلوهية)‪ ،‬ولمـا ظهر له أنهم ال يعتمدون فيما فعلوا على حجة وبرهان‬
‫قال لهم‪َ(( :‬لَقْد ُكنُتْم َأنُتْم وآَباُؤ ُكْم ِفي َض الٍل ُّم ِبيٍن )) وزاد فقال ‪ُ((:‬أٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأفَـــال َتْعِقُلوَن )) ولقد‬
‫برهن لهم على سفههم ما سوغ في تهكمه بتصرفاتهم حيث سألهم‪َ(( :‬هْل َيْس َم ُعوَنُكْم إْذ َتْدُعوَن * َأْو َينَفُعوَنُكْم َأْو‬
‫َيُضُّر وَن )) فإن أقل ما يقال في هؤالء المعبودين أنهم ال يسمعون كعابدين فكيف يجلبون لهم نفعًا أو يدفعون عنهم‬
‫ضرًا؟

‫‪ - 5‬التذكير بنعم هللا على عباده ‪:‬‬
‫جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ولذلك عنَى الدعاة إلى هللا بتذكير الخلق إحسان هللا إليهم ليكون ذلك أدعى إلى‬
‫قبول الدعوة فهذا هود يقول ‪ ((:‬واْذُكُر وا إْذ َج َعَلُكْم ُخ َلَفاَء ِم ْن َبْعِد َقْو ِم ُنوٍح وَز اَدُكْم ِفي الَخ ْلِق َبْص َطًة َفاْذُكُر وا آالَء ِهَّللا‬
‫َلَعَّلُكْم ُتْفِلُح وَن ))‪ .‬وقال صالح ‪ ((:‬واْذُكُر وا إْذ َج َعَلُكْم ُخ َلَفاَء ِم ْن َبْعِد َعاٍد وَبَّو َأُكْم ِفي اَألْر ِض َتَّتِخ ُذوَن ِم ن ُسُه وِلَه ا ُقُص ورًا‬
‫وَتْنِح ُتوَن الِج َباَل ُبُيوتًا َفاْذُكُر وا آالَء ِهَّللا وال َتْعَثْو ا ِفي اَألْر ِض ُم ْفِسِديَن )) وأما إبراهيم فقال ‪َ ((:‬أَفَر َأْيُتم َّم ا ُكنُتْم َتْعُبُدوَن *‬
‫َأنُتْم وآَباُؤ ُكُم اَألْقَدُم وَن * َفإَّنُهْم َعُدٌّو ِّلي إَّال َر َّب الَعاَلِم يَن * اَلِذي َخ َلَقِني َفُه َو َيْه ِديِن * واَّلِذي ُهَو ُيْط ِع ُم ِني وَيْسِقيِن * وإَذا‬
‫َمِر ْض ُت َفُه َو َيْش ِفيِن * واَّلِذي ُيِم يُتِني ُثَّم ُيْح ِييِن * واَّلِذي َأْط َم ُع َأن َيْغِفَر ِلي َخ ِط يَئِتي َيْو َم الِّديِن ))‬
‫‪ - 6‬التذكير بأّيام هللا ‪:‬‬
‫ما مـن أمــة َتْخ لف في األرض إال وتنظر في أحوال من سلف من األمم تتبع مواطن العبرة فيها‪ ،‬فتستفيد من‬
‫اإليجابيات ‪ ،‬وتحذر من السلبيات ‪ ،‬وكان أنبياء هللا يذكرون أممهم بأحوال الغابرين ممن كذبوا أو آمنوا ‪ ،‬فيذكرونهم‬
‫بعاقبتهم ‪ ،‬وينذرونهم أن يحل بهم ما حل بمن كفر من أمم األرض‪ ،‬لعلهم يتعظون أو يرتدعون‪ ،‬ولذا قال إبراهيم‬
‫لقومه ‪ ((:‬وإن ُتَكِّذُبوا َفَقْد َكَّذَب ُأَمٌم ِّم ن َقْبِلُكْم وَم ا َعَلى الَّر ُسوِل إَّال الَبالُغ الُم ِبيُن )) أي فـقــد كذبت أمٌم أنبياءهم فحل‬
‫بهم ما تعلمون من العذاب ‪ ،‬فإن فعلتم عوقبتم بمثل عقابهم‪ ،‬ومــــا على الرسول إال البالغ المبين‪.‬‬
‫‪ - 7‬المناظرة والتدرج في إفحام الخصم ‪:‬‬
‫قال ابن القيم في مناظرات إبراهيم ‪» :‬وهو الذي فتح لألمة باب مناظرة المشركين وأهـــــل الباطل ‪ ،‬وكسر حججهم ‪،‬‬
‫وقد ذكر هللا مناظرته في القرآن مع إمام المعطلين ‪ ،‬ومناظرته مع قومه المشركين ‪ ،‬وكسر حجج الطائفتين بأحسن‬
‫مناظرة ‪ ،‬وأقربها إلى الفهم وحصول العلم(‪» )1‬وسنذكر هنا مناظرتين وقعتا إلبراهيم‪ ،‬وذكرهما القرآن الكريم ‪:‬‬
‫‪ -‬األولى ‪ :‬مناظرته لعبدة النجوم قال هللا تعالى ((وإْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َألِبيِه آَز َر َأَتَّتِخ ُذ َأْص َنامًا آِلَه ًة إِّني َأَر اَك وَقْو َم َك ِفي‬
‫َض الٍل ُّم ِبيٍن * وَكَذِلَك ُنِر ي إْبَر اِه يَم َم َلُكوَت الَّسَمَو اِت واَألْر ِض وِلَيُكوَن ِم َن الُم وِقِنيَن * َفَلَّم ا َج َّن َعَلْيِه الَّلْيُل َر َأى َكْو َكبًا‬
‫َقاَل َهَذا َر ِّبي َفَلَّم ا َأَفَل َقاَل ال ُأِح ُّب اآلِفِليَن * َفَلَّم ا َر َأى الَقَمَر َباِز غًا َقاَل َهَذا َر ِّبي َفَلَّم ا َأَفَل َقاَل َلِئن َّلْم َيْه ِدِني َر ِّبي َألُكوَنَّن‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪7/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫ِم َن الَقْو ِم الَّض اِّليَن * َفَلَّم ا َر َأى الَّشْم َس َباِز َغًة َقاَل َهَذا َر ِّبي َهَذا َأْك َبُر َفَلَّم ا َأَفَلْت َقاَل َيا َقْو ِم إِّني َبِر يٌء ِّم َّم ا ُتْش ِر ُكوَن *‬
‫إِّني وَّج ْه ُت وْج ِه َي ِلَّلِذي َفَطَر الَّسَمَو اِت واَألْر َض َح ِنيفًا وَم ا َأَنا ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن * وَح اَّج ُه َقْو ُم ُه َقاَل َأُتَح اُّج وِّني ِفي ِهَّللا‬
‫وَقْد َهَداِن ‪ ...‬اآلية)) إلى قوله ((وِتْلَك ُحَّج ُتَنا آَتْيَناَها إْبَر اِه يَم َعَلى َقْو ِم ِه َنْر َفُع َدَر َج اٍت َّم ن َّنَشاُء إَّن َر َّبَك َح ِك يٌم َعِليٌم ))*‬
‫لقد عني إبراهيم وإخوانه من األنبياء بالتوحيد وإيضاحه‪،‬واالستدالل له أيما عناية‪،‬وسلك في سبيل بيان الحق ‪،‬‬
‫وتزييف الباطل كل وسيلة تؤدي إلى ذلك‪ ،‬ومنها هذه المناظرة التي قامت بينه وبين قومه لبيان حقيقة ما هم عليه من‬
‫الضالل‪.‬‬
‫فأنكر على أبيه اتخاذ األصنام آلهة ‪ ،‬ولما أشرك قومه معه شدد في إعالن النكير عليهم‪ ،‬وبين أن ما هم فيه ما هو إال‬
‫ضالل يُبين عن نفسه ‪ ،‬وذلك ليثير عواطفهم ‪ ،‬ويدفعهم إلى التفكير الجاد العميق فيما هم فيه ‪ ،‬وكان إبراهيـم قد بصره‬
‫هللا بالدالئل الكونية الدالة على وحدانية هللا تعالى ‪ ،‬فآراه آياته في ملكوته ‪ ،‬ليعلم حقيقة التوحيد ‪ ،‬أو ليزداد علما به ‪،‬‬
‫ويقينا إلى يقينه‪.‬‬
‫وأرشده إلى طريقة االستدالل بها على المراد من العباد‪.‬‬
‫ودخل إبراهيم مع قومه الصابئة الذين يعبدون النجوم ‪ ،‬ويقيمون لها الهياكل في األرض ‪ ،‬دخل معهم في مناظرة لبيان‬
‫بطالن ربوبية هذه الكواكب المعبودة‪ ،‬ولم يشأ أن يقرر التوحيد مباشرة‪ .‬بل جعل دعوى قومه موضوع بحثه ‪،‬‬
‫وفرضها فرض المستدل لما ال يعتقده ‪ ،‬ثم كر عليها بالنقض واإلبطال ‪ ،‬وكشف عن وجه الحق ‪ ،‬فحينما أظلم الليل‬
‫ورأى النجم قال ‪ :‬هذا ربي فرضا وتقديرا ‪ ،‬وقال ‪ :‬أهذا ربي ‪ ،‬فلما غاب عن أعينهم علم أنه مسخر ليس أمره إليه ‪،‬‬
‫بل إلى مدبر حكيم يصرفه كيف شاء ‪ ،‬ثم انتقل بهم في البحث إلى كوكب هو في أعينهم أضوأ وأكبر من األول ‪ ،‬وهو‬
‫القمر ‪ ،‬فلما رآه قال مثل مقالته األولى ‪ ،‬فلما ذهب عن أعينهم تبين أنه ليس بالرب الذي يجب أن تألهه القلوب‪،‬‬
‫ويضرع العباد إليه في السراء والضراء ‪ ،‬ثم انتقل بهم إلى معبود لهم آخر أكبر جرمًا من السابقين فلما أفل‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫قوم إني بريء مما تشركون ‪ ،‬إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض حنيفا وما أنا من المشركين ‪ ،‬فاستدل‬
‫بما يعرض لها من غيرها على أنها مأمورة مسخرة بتسخير خالقها‪.‬‬
‫فإذا كانت هذه الكواكب الثالثة في نظرهم أرفع الكواكب السيارة وأنفعها قد قضت لوازُم ها بانتقاء سمات الربوبية‬
‫واأللوهية عنها ‪ ،‬وأحالت أن تستوجب لنفسها حقًا في العبادة فما ســواهـــا من الكواكب أبعد من أن يكون لها حظ ما‬
‫في الربوبية أو األلوهية ‪ ،‬ولذا أعلن إبراهيم في ختام مناظرته براءته مما يزعمون من الشركاء ‪ ،‬وأسلم وجهه لفاطر‬
‫السماوات واألرض ومـبـــدعهما ‪ ،‬دون شريك أو ظهير ‪ ،‬وضَّم ن إعالن النتيجة االستدالل بتوحيد الربوبية على‬
‫توحيد األلوهية ‪ ،‬وهذا هو معنى (ال إله إال هللا) فإن ما فيه من البراءة من الشركاء نظير نفي األلهية الحقة عن‬
‫الشركاء في كلمة التوحيد ‪ ،‬وبهذا يكون إبراهيم قد سَّن للدعاة إلـى هللا أسـلـوبــا متميزا في دعوة المنحرفين ‪ ،‬وذلك‬
‫بالتنزل معهم بالتسليم بأباطيلهم فرضًا ‪ ،‬ثم يرتب عـلـيـهـا لوازمها الباطلة ‪ ،‬وآثارها الفاسدة ‪ ،‬ثم يكر عليها بالنقض‬
‫واإلبطال ‪ ،‬فإن الدعوة إلى الحق ‪ -‬كما تكون بتزيينه ‪ ،‬وذكر محاسنه ‪ -‬تكون بتشويه الباطل ‪ ،‬وذكر مساويه ومخازيه‬
‫(بتصرف من مقالة الشيخ عبد الرازق عفيفي في مجلة التوعية اإلسالمية عدد ‪.)7 ، 6‬‬
‫وقد اختلف المفسرون هل كان إبراهيم ناظرًا أو كان منظرًا * [ والصحيح أن إبراهيم في هذا الموطن كان مناظرا‬
‫لقومه ال ناظرا بنفسه ويدل على ذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قوله تعالى‪(( :‬وَلَقْد آَتْيَنا إْبَر اِه يَم ُر ْش َدُه ِم ن َقْبُل)) والمراد بالَقْبلية ما كان قبل النبوة على الصحيح‪ ،‬وأي رشد آتاه هللا‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪8/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫إبراهيم إن لم يكن موحدًا مؤمنا باهلل‪.‬‬


‫ب ‪ -‬قوله تعالى‪(( :‬وَم ا َكاَن ِم َن الُم ْش ِر ِكيَن )) يقتضي نفي الشرك عن إبراهيم في كل مراحل عمره السابقة‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬أن هللا ذكر هذه الحادثة بعد إنكاره على أبيه وقومه ‪ ،‬مما يدل على المناظرة‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن هللا تعالـى ذكــــر القصة بعد أن ذكر منته على إبراهيم برؤية ملكوت السماوات واألرض ليكون من المؤمنين‬
‫‪ ،‬ولذلك ذكر الفاء التعقيبية ((َفَلَّم ا َج َّن َعَلْيِه الَّلْيُل))‪.‬‬
‫ر ‪ -‬أن هللا ذكر فيها ((وَح اَّج ُه َقْو ُم ُه)) مما يدل على قيام المناظرة بينه وبينهم‪.‬‬
‫و ‪ -‬أن هللا تعالى ذكر في خاتمتها ((وِتْلَك ُحَّج ُتَنا آَتْيَناَها إْبَر اِه يَم َعَلى َقْو ِم ِه )) فقال (على قومه) ولم يقل (على نفسه)‪.‬‬
‫وبهذا القول قال كثير من علماء السلف والخلف وهو الذي تدل عليه األدلة‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬مناظرته للملك في قوله تعالى _((َأَلْم َتَر إَلى اَلِذي َح اَّج إْبَر اِه يَم ِفي َر ِّبِه َأْن آَتاُه ُهَّللا الُم ْلَك إْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َر ِّبَي‬
‫اَلِذي ُيْح ِيي وُيِم يُت َقاَل َأَنا ُأْح ِيي وُأِم يُت َقاَل إْبَر اِه يُم َفإَّن َهَّللا َيْأِتي ِبالَّشْم ِس ِم َن الَم ْش ِر ِق َفْأِت ِبَه ا ِم ـــَن الـمَـْغِر ِب َفُبِه َت‬
‫اَلِذي َكَفَر وُهَّللا ال َيْه ِدي الَقْو َم الَّظاِلِم يَن ))[البقرة‪.]258:‬‬
‫لقد جادل الملُك إبراهيم في ربه ‪ ،‬وفي ذكر الرب وإضافته إلى الضمير العائد على إبراهيم تشريف إلبراهيم وإشعار‬
‫بأن هللا سيتواله وينصره‪.‬‬
‫ولماذا يجادله؟ ألن هللا آتاه الملك ‪ ،‬فحـمـلـه كبره وبطره على طلب المخاصمة ‪ ،‬ولم يكن بسبب إيثاره الحق وطلبه له‪.‬‬
‫وكان الملك قد طلب من إبراهيم عليه الـســالم أن يقيم له الدليل على وجود الرب الذي يدعو إليه ‪ ،‬فقال إبراهيم ‪:‬‬
‫»ربي الذي يحيي ويميت« أى أن الدليل على وجوده هو ‪ :‬هذه المعجزة المتكررة الظاهرة المستترة ‪ ،‬مـعـجــزة الحياة‬
‫والموت ‪ ،‬عندئذ قال الملك »أنا أحيي وأميت« فآتى برجلين استحقا القتل فأمضيه فـي أحدهما دون اآلخر ‪ ،‬فأكون قد‬
‫أحييت الثاني ‪ ،‬وأمت األول ‪ ،‬وهذه مكابرة صريحة‪ ،‬وعناد ظاهر ‪ ،‬يعلمه كل ذي عقل ‪ ،‬ولذلك ترك إبراهيم الخوض‬
‫معه في مكابرته ‪ ،‬وجاءه بواقعة ال يحير معها جوبا ‪ ،‬قال ‪» :‬فإن هللا يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب«‬
‫أي إذا كنت قادرًا على اإلحياء واإلماتــــة‪ ،‬وهما من صفات الرب ‪ ،‬فيلزم أن يكون بمقدورك التصرف في الكون ‪،‬‬
‫وأن تأتي بالشمــس من المغرب ‪ ،‬عندئذ بهت الذي كفر ‪ ،‬وهللا ال يهدي القوم الظالمين‪.‬‬
‫إن انتقال إبراهيم من دليل إلى آخر دون مناقشة إلجابة الملك الساذجة ليس عن هزيمة ؛ ألن حجته كانت قائمة ‪ ،‬إذ‬
‫إبراهيم وكل عاقل يعلم أن المراد حقيقة اإلحياء واإلماتة ‪ ،‬أما ما فعله الملك فأمر يقدر عليه كل أحد ‪ ،‬حتى إبراهيم‬
‫كان يمكن أن يقول له ‪ :‬إني أردت حقيقة اإلحياء واإلماتة ‪ ،‬أما هذا فأنا أفعل مثله ‪ ،‬ولكن إن قدرت على اإلماتة‬
‫واإلحياء فأمت هذا الذي أطلقته من غير استخدام آلة وسبب ‪ ،‬وأحي هذا الذي قتلته ‪ ،‬فيظهر به بهت اللعين ‪ ،‬إال أن‬
‫القوم لما كانوا أصحاب ظواهر ‪ ،‬وكانوا ال يتأملون في حقائق المعاني خاف إبراهيم االشتباه وااللتباس عليهم ‪ ،‬فضم‬
‫إلى الحجة األولى حجة ظاهرة ‪ ،‬ال يكاد يقع فيها أدنى اشتباه‪.‬‬
‫وهذا االنتقال من أحسن ما يكون ‪ ،‬ألن المحاجج إذا تكلم بكالم يدق على سامعيه فهمه ‪ ،‬ولجأ الخصم إلى الخداع‬
‫والتلبيس جاز له أن يتحول إلى كالم يدركه السامعون ‪ ،‬وأن يأتي بأوضح مما جاء به ‪ ،‬ليثبت ما يريد إثباته ‪ ،‬وهذا‬
‫ألن الحجج مثل األنوار ‪ ،‬وضم حجة إلى حجة كضم سراج إلى سراج ‪ ،‬وهذا ال يكون إال دليال على ضعف أحدهما‬
‫أو بطالن أثره‪.‬‬
‫‪ - 9‬استثارة الخصم ‪:‬‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪9/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫والمقصود بذلك ‪ :‬تحريك نفوس المدعوين ‪ ،‬وتنبيه عقولهم ‪ ،‬ولفت أنظارهم إلى األمر الذي يدعوهم إليه الداعية‪.‬‬
‫لقد فعل إبراهيم ذلك حين ترك كبير األصنام بال هدم (فجعلهم حطامًا إال كبيرًا لهم لعلهم إليه يرجعون) وذلك من أجل‬
‫أن تدور في أذهانهم األسئلة التالية؟‬
‫‪ -‬من فعل هذا بآلهتنا؟‬
‫‪ِ -‬لم لْم يدافع الصنم الكبير عن صغاره؟ وهل كان ذلك عن عجز أو عدم إدراك لما يقع حوله؟‬
‫‪ِ -‬لم لْم يوقع الصنم‪ .‬الكبير سوءًا بمن فعل ذلك ؟‬
‫ثم استشارهم مرة أخرى حينما جاؤا إليه يسألونه عمن أوقع ذلك بآلهتهم فقال ‪:‬‬
‫‪ -‬بل فعله كبيرهم هذا ‪ ،‬فنسكب التكسير إلى جماد ال يتحرك ‪ ،‬ليقولوا له مباشرة ‪ :‬إنه ال يفعل شيئًا ‪ ،‬وليقروا بضعف‬
‫هذه اآللهة‪.‬‬
‫‪ -‬ولم يكتف بذلك ‪ ،‬بل أمرهم أن يوجهوا إليها األسئلة إن أخبرهم بمن أوقع بها ذلك ‪ ،‬ولذلك أجابوا بكل سذاجة ‪» :‬لقد‬
‫علمت ما هؤالء ينطقون« وعند ذلك انطلق مبادرا »أفتعبدون من دون هللا ما ال ينفعكم شيئًا وال يضركم ‪ ،‬أف لكم‬
‫ولما تعبدون من دون هللا أفال تعقلون«‪.‬‬


‫ثانيًا ‪ :‬األساليب العملية ‪
:‬‬
‫وهي كثيرة نختار منها ‪:‬‬
‫‪ - 1‬القدوة ‪ :‬لقد كان إبراهيم مثاًال يحتذى في الخير ‪ ،‬ولذلك وصفه هللا بقوله ((إَّن إْبَر اِه يَم َكاَن ُأَّم ًة)) أي جامعا للخير‬
‫‪ ،‬كلفه هللا بأمور فقام بها خير قيام ((وإِذ اْبَتَلى إْبَر اِه يَم َر ُّبُه ِبَكِلَم اٍت َفَأَتَّمُه َّن )) وكان الجزاء ‪(( :‬إِّني َج اِع ُلَك ِللَّناِس‬
‫إَم امًا)) فالسبب الذي أهله لإلمامة إتمامه الكلمات التي ابتاله ربه بها ‪ ،‬ومن أجل ذلك ُأمر نبينا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫باتباع ملته (ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) وُأمرت هذه األمة أن تأتسي بإبراهيم ومن معه ‪ ،‬لكونهم قدوة‬
‫(قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) واألمر الذي نهينا عن اإلقتداء بإبراهيم فيه استغفاره ألبيه »إال قول‬
‫إبراهيم ألبيه ألستغفرن لك ‪ ،‬وما أملك لك من هللا من شيء« وقد تقدم ذكر بعض من صفات هذا النبي الكريم وأساليبه‬
‫وأعماله وما كان به قدوة للمصلحين من بعده (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه نفسه)‪.‬‬
‫‪ - 2‬البداءة باألهم ‪ :‬بدأ إبراهيم بالدعوة إلى توحيد العبادة ‪ ،‬وهو أهم ما يدعي إليه ‪ ،‬وأول ما يبدأ به (وإبراهيم إذ قال‬
‫لقومه اعبدوا هللا واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)‪.‬‬
‫‪ - 3‬اللين والشدة ‪ :‬وهذا ظهر جليا في دعوته ألبيه ‪ ،‬وفي دعوته لقومه ‪ ،‬فقد دعا كال منهم باللين واالستعطاف ‪ ،‬لعل‬
‫كالمه يتخلل قلوبهم ‪ ،‬ولينه يعطف أفئدتهم لقبول الحق الذي جاء به ‪ ،‬ولكن ما زادهم إال عتوا ‪ ،‬فما كان منه إال أن‬
‫أغلظ لهم القول ‪ ،‬وشدد اللهجة ‪ ،‬ففي اللين قال ‪َ((:‬يا َأَبِت ِلَم َتْعُبُد َم ا ال َيْس َم ُع وال ُيْبِص ُر وال ُيْغِني َعنَك َشْيئًا)) وفي‬
‫الشدة قال ‪(( :‬وإْذ َقاَل إْبَر اِه يُم َألِبيِه آَز َر َأَتَّتِخ ُذ َأْص َنامًا آِلَه ًة إِّني َأَر اَك وَقْو َم َك ِفي َض الٍل ُّم ِبيٍن )) ‪.‬‬
‫‪ -4‬البراءة والمعاداة ‪ :‬التي تعني البراءة من الشرك وأهله واعتزالهم ‪ ،‬وهي أصل من أصول العقيدة ومن مستلزمات‬
‫(ال اله إال هللا)‪ .‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪» : -‬أوثق عرى اإليمان الحب في هللا والبغض في هللا« ومفاصلة‬
‫خصوم الدعوة ارتفاع بالنفس والعقيدة إلى المستوى الالئق بهما ‪ ،‬فال يستوي حزب هللا الذى كتب هللا له العزة‬
‫والكرامة وحزب الشيطان الذي كتب هللا له الذلة والهوان ‪ ،‬وفيها إشعار ألولئك الخصوم بأنهم على باطل ‪ ،‬وأن األمر‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪10/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫ما وصل بالداعية إلى المقاطعة إال لحق يعتنقه ويدعو إليه ‪ ،‬فيكون ذلك ردعا لهم عما هم فيه‪ .‬وفيها قطع آلمال أعداء‬
‫الدعوة في الحصول على تنازالت من الدعاة ‪ ،‬يستدرجونهم بها‪.‬‬
‫وقد قال إبراهيم ألبيه حين استكنف واستكبر ‪( :‬واعتزلكم وما تدعون من دون هللا وأدعو ربي‪ )...‬وجعله هللا في‬
‫براءته من المشركين قدوة ‪ ،‬فقال ‪َ(( :‬قْد َكاَنْت َلُكْم ُأْس َو ٌة َحَسَنٌة ِفي إْبَر اِه يَم واَّلِذيَن َمَعُه إْذ َقاُلوا ِلَقْو ِم ِهْم إَّنا ُبَر آُء ِم نُكْم‬
‫وِم َّم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َكَفْر َنا ِبُكْم وَبَدا َبْيَنَنا وَبْيَنُكُم الَعَداَو ُة واْلَبْغَض اُء َأَبدًا َح َّتى ُتْؤ ِم ُنوا ِباِهَّلل وْح َدُه إَّال َقْو َل إْبَر اِه يَم‬
‫َألِبيِه َألْس َتْغِفَر َّن َلَك وَم ا َأْم ِلُك َلَك ِم َن ِهَّللا ِم ن َشْي ٍء َّر َّبَنا َعَلْيَك َتَو َّكْلَنا وإَلْيَك َأَنْبَنا وإَلْيَك الَم ِص يُر )) ‪ .‬وقد اشتملت هذه‬
‫اآلية على أمور نوجزها فيما يلي ‪-:‬‬
‫‪ -‬أن البراءة قائمة على اإليمان باهلل فمن كان مؤمنا باهلل أحب في هللا‪.‬‬
‫‪ -‬أنها نهج األنبياء ‪ ،‬فمن أراد النجاة فليلحق بركابهم ‪ ،‬ويستن بهديهم‪.‬‬
‫‪ -‬أن البراءة ليست من أشخاصهم فحسب ‪ ،‬بل ومن آلهتهم ‪ ،‬وأفكارهم ‪ ،‬ومذاهبهم‪.‬‬
‫‪ -‬أنها مستمرة علنية ‪ ،‬وليست مجرد شعور قلبي إال عند الضرورة‪.‬‬
‫‪ -‬أنها مما اتفقت عليه الشرائع ‪ ،‬وليست لهذه األمة الخاتمة فحسب‪.‬‬
‫‪ -‬أن دعامتها التوكل على هللا والدعاء كما ذكر في ختام اآلية ((ربنا لجيك َّر َّبَنا َعَلْيَك َتَو َّكْلَنا وإَلْيَك َأَنْبَنا وإَلْيَك‬
‫الَم ِص يُر )) ‪
.‬‬
‫‪ -‬أنه ال فرق في البراء بين قريب أو بعيد مادام قد وحد بينهم كفر أو شرك‪.‬‬
‫‪ - 5‬الدعاء والتضرع ‪ :‬وهو السالح الذي ال يحق للمؤمن أن يسير في ركاب الحياة بدونه‪ ،‬وقـد امـتـدح هللا خليله‬
‫بدعائه فقال ‪(( :‬إَّن إْبَر اِه يَم َلَح ِليٌم َأَّو اٌه ُّم ِنيٌب )) وقد تقدم معنى (األواه) ‪ ،‬ولــــذا تل أن نجد موطنا تذكر فيه دعوة‬
‫إبراهيم إال ويذكر معها جانب من تضرعه ودعائه ومن ذلك ‪َ(( :‬ر َّبَنا واْبَعْث ِفيِهْم َر ُسوًال ‪َ(( ، ))...‬ر َّبَنا َتَقَّبْل ِم َّنا إَّنَك‬
‫َأنَت الَّسِم يُع الَعِليُم )) ‪(( ،‬وُتْب َعَلْيَنا إَّنَك َأنَت الَّتَّو اُب الَّر ِح يُم )) ‪(( ،‬واْج ُنْبِني وَبِنَّي َأن َّنْعُبَد اَألْص َناَم )) ‪َ(( ،‬ر ِّب اْج َعْلِني‬
‫ُم ِقيَم الَّص الِة وِم ن ُذِّر َّيِتي َر َّبَنا وَتَقَّبْل ُدَعاِء )) ‪َ(( ،‬ر َّبَنا اْغ ِفْر ِلي وِلَو اِلَدَّي ‪َ(( ، ))...‬ر ِّب اْج َعْل َهَذا َبَلدًا آِم نًا واْر ُز ْق َأْه َلُه‬
‫ِم َن الَّثَمَر اِت‪ .))...‬إلى آخر ما هناك من الدعوات المباركات ‪ ،‬التي تضّر ع بها إبراهيم ‪ ،‬وخلدها القرآن ‪ ،‬فكان قدوة‬
‫في اللجوء إلى الدعاء‪.‬‬
‫‪ - 6‬تحطيمه لألصــنـــام ‪ :‬لم يكتفي إبراهيم في دعوته بالكلمة والحجة التي أبطل بها حجج الخصوم ‪ ،‬بل عضد ذلك‬
‫بعمل كبير ‪ ،‬أقدم عليه بشجاعة وعلو همة ‪ ،‬وهو تحطيم األصنام التي تعلق بها قومه ‪ ،‬حتى صرفهم تعلقهم بها عن‬
‫التفكير في حقيقتها ‪ ،‬والنظر في ماهيتها ‪ ،‬فأراد إبراهيم أن يبين عن ذلك بالقول والفعل فكان بيانه القولي الذي شرحنا‬
‫طرفا منه فيما تقدم ‪ ،‬وكـــــان بيانه الفعلي بما أقدم عليه من تحطيم األصنام ‪ ،‬وجعلها جذاذًا ((إَّال َكِبيرًا َّلُهْم َلَعَّلُهْم إَلْيِه‬
‫َيْر ِج ُعوَن )) ‪ .‬واآلية هذه تشير إلى مدي البيان الذي أراد إبراهيم إبالغه لقومه ‪ ،‬فلم تأخذه فورة التكسير بتحطيمها كلها‬
‫‪ ،‬بل ترك كبيرها ال لعجز وال لخوف بل لعلهم إليه يرجـعــــون ‪ ،‬فيحقق إبراهيم غرضه من هذا األسلوب الدعوي‬
‫الرائع ‪ ،‬وفعًال لقد كان ما أراده إبـراهـيـــم حين قالوا ‪َ(( :‬لَقْد َعِلْم َت َم ا َهُؤالِء َينِط ُقوَن )) وحينها انقض عليهم كالشهاب‬
‫‪َ(( :‬أَفَتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َم ا ال َينَفُعُكْم َشْيئًا والَيُضُّر ُكْم * ُأٍّف َّلُكْم وِلَم ا َتْعُبُدوَن ِم ن ُدوِن ِهَّللا َأَفال َتْعِقُلوَن )) وتحقق‬
‫إلبراهيم مراده حين قالوا ‪َ((:‬قاُلوا َحِّر ُقوُه وانُصُر وا آِلَه َتُكْم إن ُكنُتْم َفاِعِليَن )) فاآللهة تحتاج إلى من ينصرها ‪ ،‬ويدافع‬
‫عنها ‪ ،‬وتحقق له كذلك حين (رجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) ولكنه التعصب الذي ردهم على أعقابهم‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪11/12‬‬
‫‪7/28/22, 3:15 PM‬‬ ‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬

‫((ُثَّم ُنِكُسوا َعَلى ُر ُء وِس ِهْم َلَقْد َعِلْم َت َم ا َهُؤالِء َينِط ُقوَن )) ‪.‬‬
‫‪ - 7‬الهجرة ‪ :‬ذكر هللا تعالى هجرة الخليل في ثالثة مواطن فقال ‪(( :‬وَنَّج ْيَناُه وُلوطًا إَلى اَألْر ِض اَلِتي َباَر ْك َنا ِفيَه ا‬
‫ِلْلَعاَلِم يَن )) ((وَقاَل إِّني َذاِهٌب إَلى َر ِّبي َسَيْه ِديِن )) ‪.‬‬
‫فهو أول من هاجر هلل ‪ -‬كما ذكره بعض المحققين ‪ -‬وكانت سنة لمن بعده من األنبياء وأتباعهم ‪ ،‬وممن عمل بها محمد‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وصحبه ‪ ،‬فكانت هذه من ثمرات تلك التجربة اإلبراهيمية ولونا من اإلقتداء به‪.‬‬
‫إن الهجرة أسلوب يلجأ الدعاة إليه ألن أرضهم ما عادت تقبل الكلمة الطيبة‪،‬فهم يبحثون عن أرض طيبة تحمل‬
‫دعوتهم ‪ ،‬أو ألن القوم المعرضين بدأوا يناوشون الداعية ‪ ،‬ويوصلون األذى إليه فهو يفر بدينه من الغتن ((وَم ن‬
‫ُيَه اِج ْر ِفي َسِبيِل ِهَّللا َيِج ْد ِفي اَألْر ِض ُم َر اَغمًا َكِثيرًا وَسَعًة)) ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫بحوث علمية‬
‫بحوث في التوحيد‬
‫بحوث فقهية‬
‫بحوث حديثية‬
‫بحوث في التفسير‬
‫بحوث في اللغة‬
‫بحوث متفرقة‬
‫الصفحة الرئيسية‬

‫‪www.saaid.net/bahoth/11.htm?print_it=1‬‬ ‫‪12/12‬‬

You might also like