Professional Documents
Culture Documents
وماٌأٌثيرٌحولهاٌمنٌنقد ٌ
دٌ.سلطانٌالعميري ٌ
الحمد لله رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين ،وعلى
آله وصحبه أجمعين ..أما بعد:
فقد تفضل الشيخ الفاضل /أحمد السيد بالشروع في سلسة عن قضايا المرأة في
اإلسالم ،قصد من خاللها تأصيل القضايا الكبرى التي ينبغي أن تتوجه إليها أنظار
المسلمات ،من غير قصد إلى الدخول في التفاصيل ،ومن مقاصدها األساسية :بيان
المعالم الكلية لشخصية المرأة في اإلسالم وتأصيلها ،ومن مقاصدها :استنهاض
المسلمات لالبتعاد عن التفاهات التي طغت في واقعنا المعاصر وأشغلت كثيرا منهن
عن القصد إلى معالي األمور ،وتوسيع دائرة تفكير المرأة المسلمة وتوسيع أفقها في
نظرتها لما يمكن أن تؤثر به في حياتها.
وما زالت السلسلة في مراحلها األولى ،وقد انتفع بها كثير من الشباب :رجاال
ونساء ،وأسأل الله أن يفتح على الشيخ أحمد فيها وفي غيرها وأن يبارك في جهوده
وأن يرزقه اإلخالص والسداد والتوفيق.
ومع أن الشيخ ما زال في بداية السلسلة ،ولم ينته من كل ما عنده من أفكار إال
إني رأيت عددا من االنتقادات الموجهة إلى ما قام به الشيخ الكريم ،وال شك أن
الشيخ ليس معصوما من الوقوع في الخطأ ،وحق النقد واالعتراضات مكفول لكل
أحد ما دام بعلم وعدل.
1
وقد الحظت أن موجة النقد هذه ليست خاصة بالشيخ أحمد ،وإنما هي موجة
طالت عددا من الفضالء الذين عالجوا قضايا المرأة في اإلسالم في األشهر الماضية،
كالدكتور /سامي عامري والدكتور /إياد قنيبي ،وكأن النقدة يقولون :ال يحق ألحد أن
يعالج قضايا المرأة غيرنا ،وال يحق ألحد أن يسلك غير مسلكنا وطريقتنا في بحث
تلك المسائل.
والبحث ليس في أصل مشروعية النقد وال في أهميته ،وإنما البحث في شروطه
وصحته واستقامته.
وقد الحظت بعد أن قرأت قدرا كبيرا من تلك االعتراضات أنها تلبست بعدد من
األغالط ،وهي في مجملها اعتراضات هزيلة قائمة على قدر كبير من االختزال
والتكلف في الفهم والنقد ،ولوال أني رأيت عددا من الشباب قد تأثر بقدر منها ودخل
عليه اإلشكال بسببها لما كان ثم موجب لكتابة تعليق عليها.
وهذا االستعجال أوقع بعضهم في أن نسب إلى الشيخ ما لم يقله ،وأن حمل
كالمه ما ال يحتمل ،بل أوقع بعضهم في أن ينسب إليه قوال صرح الشيخ أحمد
بنقيضه ،مما اضطره إلى االعتذار والتراجع!
2
وإن أبوا إال استعجال النقد فال بأس ،ولكن ال يحق لهم أن يحملوا الكالم ما ال
يحتمل ،وال أن ينسبوا إلى المخالف أقواال ذكر أنه سيأتي لها موضع في كالمه يفصل
فيها مقصوده.
األمرٌالثاني :الوقوع في اإللزام بما ال يلزم ،وهذا كثير ،فالقارئ لتلك االعتراضات
يجد فيها قدرا كبيرا من إلزام كالم الشيخ أحمد ما ال يلزمه ال من قريب وال من بعيد.
فالقول بأن من أعمال المرأة في اإلسالم الدعوة إلى الله وحثها على ذلك ،ال
يلزم منه خروجها من البيت ،فالمرأة المسلمة قد تدعو إلى الله من بيتها ،وقد تدعو
إلى الله إذا خرجت من بيتها ألجل حاجاتها األخرى.
وكذلك حث المرأة على الدعوة إلى الله وحمل هم اإلسالم ،ال يلزم منه الدعوة
إلى ترك القرار في البيت وال المنازعة في كونه أصال أو نحو ذلك من المعاني.
وكذلك حث المرأة على الدعوة إلى الله وحمل هم اإلسالم ،ال يلزم منه تهوين
الواجبات األخرى على المرأة؛ كطاعة زوجها ،وتربيتها أوالدها ،وبرها لوالديها،
وحفاظها على واجباتها الشرعية.
وكذلك جمع األخبار والنصوص التي فيها إثبات تميز المرأة في العلم أو الدعوة
وحمل هم العمل من أجل اإلسالم ،ال يلزم منه تحديد ما هو األصل في حقها وما
هو االستثناء بالضرورة ،وإنما القصد منه بيان معلم من معالم شخصيتها ،وتقوية روح
االعتزاز بالدين واالهتمام بنفع اإلسالم كل بما يناسبه.
وال شك أن االنحراف النسوي عظيم وعميق وضرره وبيل ،ولكنه ليس االنحراف
الوحيد الواقع في قضايا المرأة ،فثم انحراف آخر في الطرف اآلخر ،يختزل حال المرأة
في اإلسالم في أمور محددة وكأنه ليس لها شأن في الحياة إال هي فقط ،وهو ما
يمكن أن يسمى بالخطاب الذكوري على تفصيل وتفريق فيه.
وال شك أن هذا طريق صحيح في مواجهة النسوية المنحرفة ،فمن أعظم طرق
مقارعة الباطل التوجه إلى نقده وتقويض أصوله ودعاواه ،ولكن مواجهته ليست
منحصرة في هذه الطريق ،فمن طرق مواجهة االنحراف في قضايا المرأة :االشتغال
بتأصيل قضايا المرأة من خالل نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه المجتمع النبوي
مجتمع الصحابة ،وإبراز النموذج الصالح.
ومع ذلك فالشيخ أحمد السيد ذكر أنه سيقوم باستعراض عدد من الشبهات
والدعاوى التي يطلقها النسوية وغيرهم ويقوم بنقدها في آخر السلسلة.
ومن أمثلة ذلك :االعتماد على القدح فيما طرحه الشيخ أحمد بأن ما طرحه
يحتفي به النسويات المتأسلمات على حد قولهم.
وهذا استدالل غير صحيح ،ففرح المنحرف بشيء من الحق ليس دليال على
خطأ ذلك الحق وال عدم مناسبته.
ثم هذا االستدالل فيه إلزام بالنماذج الخاطئة ،فتجاوز بعض المنتسبين إلى الحق
في لفظه أو في حاله أو في حكمه ال يلزم منه بطالن الحق وال ضعفه.
ثم إن هذا االستدالل يمكن أن ي قلب عليهم ،فيقال :كثير من المخالفين لمنهج
5
أهل السنة ومن أتباع االتجاهات الليبرالية والتنويرية فرحوا بنقدكم لما طرحه الشيخ
أحمد ،ألنه يرى فيه تفريقا للصف ،وتشويها للدعوة ،فهل هذا دليل على خطأ ما
طرحتم؟!
ومن أمثلة ذلك :استدالل بعضهم على أن المرأة ال تحث على طلب العلم وال
يذكر ذلك من أعمالها ،ألنه ال ي عرف عنها في التاريخ اإلسالمي وال غيره التميز في
تحقيق العلم.
وهذا استدالل خاط ،،فليس المقصود من حث المرأة المسلمة على طلب العلم
واالجتهاد فيه تحقيق التميز بالضرورة ،مع أن هذا ممكن ومتحقق في الواقع ،وإنما
المقصود منه مع ذلك أغراض أخرى ،منها :االستكثار من عبادة الله وزيادة األجر،
ومنها :االشتغال بمعالي األمور عن التوافه والسفاسف المنتشرة في الواقع ،ومنها :تعلم
ما يقوي المرأة -من األعمال القلبية والعقلية والفكرية -على تمسكها بواجباتها
الشرعية ،ومنها :تعلم المهارات والوسائل التي تعينها على الدعوة إلى الله من خالل
بيتها.
فلو سلمنا أن المرأة ال يمكن أن يتحقق منها التميز في تحصيل العلم وتحقيقه؛
فإن ذلك ليس دليال كافيا على ترك حثها على طلب العلم واالجتهاد فيه ،لتحقيق
المقاصد األخرى.
ومن أمثلة ذلك :اعتراضهم على جملة" :العمل من أجل اإلسالم رسالة مشتركة
بين الرجال والنساء" ،بأنها عبارة فضفاضة منافية لبيان الحكم الشرعي.
6
والحق أنها ليست كذلك ،وإنما هي جملة تبين أصل االشتراك في لزوم العمل
ألجل اإلسالم كل بما يناسبه ،فالرجل له عمل من أجل اإلسالم يناسبه ،والمرأة لها
عمل من أجل اإلسالم يناسبها ،وليس فيها ما يدل على أن الرجل يعمل بما يخص
المرأة ،وال أن المرأة تعمل بما يخص الرجل ،وليس فيها أن الرجل والمرأة يشتركان في
كال من الرجل والمرأة عليه أن يحمل هم عمل واحد بعينه ،وإنما غاية ما فيها أن ً
العمل من أجل اإلسالم كل بما يناسبه.
والهادئ في فكره ونظره يفهم هذا المعنى بسهولة وال يحتاج إلى أن يحمل الكالم
ما ال يحتمل.
وهذه الجملة الرسالية صدر مثلها من عدد من العلماء ،يقول الشيخ ابن باز مثال:
"المرأة كالرجل عليها واجبها في الدعوة إلى الله ،واألمر بالمعروف والنهي عن
المنكر" ،ويقول الشيخ محمد العثيمين لما سئل عن اشتغال المرأة بالدعوة إلى الله:
"تكون المرأة داعية كالرجل تماما إذا كان لديها علم بشريعة الله ،فإن لم يكن لديها
علم فال يحل لها أن تتكلم بال علم".
فهل يصح أن يقال :هذه عبارات فضفاضة يفرح بها النسويات؟ وهل يصح أن
يقال :إن هذه الجمل ذكرت فيها حاالت االستثناء ولم ينبه فيها على حالة األصل؟!
أم الواجب أن نفهم تلك الجمل على أنها جاءت للبيان العام ال مجمل ،وت فهم
بناء على التفاصيل المعروفة الخاصة بكل جنس ،ونرجع الناس إلى كالم العلماء
المفصل في هذه القضايا.
ومن ذلك الزعم بأن دعوة المرأة إلى العمل من أجل اإلسالم وحثها على ذلك
وعدم ذكر عمل المرأة في بيتها ،يعني أن في هذا تقديما لفرع على أصل والستثناء
7
على أصل.
وهذا غير الزم ،فإن البحث في أول السلسلة ليس عن الموازنة بين األعمال التي
يمكن أن تقوم بها المرأة المسلمة وتحديد درجاتها ،وما األصل فيها وما االستثناء،
وإنما البحث في تحديد المعالم األساسية للمرأة المسلمة من الواجبات والحقوق
واألعمال ،من خالل النصوص الشرعية وما وقع في مجتمع الصحابة ،وال شك أن
تلك المعالم -ما ذكر منها وما لم يذكر -متفاوتة فيما بينها ،فبعضها واجب وبعضها
مستحب ،وبعضها أوجب من بعض ،وبعضها يختلف الحال فيه بحسب القرائن
المحيطة بالمرأة ،وبعضها أصل في حال المرأة وبعضها استثناء.
وتفصيل بعض ما يتعلق بهذه القضايا سيأتي في السلسلة ،وليس الزما أن يذكر
المتحدث كل ما يتعلق بقضايا المرأة في آن واحد.
وليس في كالم الشيخ -حتى اآلن -تصريح وال تلميح بأن قرار المرأة في بيتها
ليس أصال ،وال أن طاعة المرأة لزوجها ليست من أعظم الواجبات عليها فيما إذا
كانت متزوجة ،وإنما غاية ما في كالمه -حتى اآلن -بيان للمقدمات المبينة لمعالم
شخصية المسلمة ،من غير دخول في تفاصيل الموازنة بينها.
والمتتبع لفتاوى العلماء في قضايا المرأة يجدهم يذكرون أن لها الخروج من بيتها
ألجل طلب العلم ولطلب العمل ولممارسة الرياضة وللدعوة إلى الله ،ولغيرها من
األغراض والٌيلتزمون في كل كالمهم اإلشارة إلى أن هذا خالف األصل في حالها،
وإنما يذكرون التنبيه على ضرورة االلتزام بالحجاب والحشمة.
وهذا يدل على أن ذكر معالم شخصية المرأة أو بعض ما جاء في الشريعة في
شأنها من غير التنبيه على الفرق بين األصل والفرع والفرض والواجب والمستحب،
8
ليس مشكال إذا كان سيجيء في الكالم ما يبين المراد ويوضحه.
وهذا ليس بالزم ،فإن ذكر االعتماد على المصادر األصلية في التشريع اإلسالمي
ال يتضمن ال من قريب وال من بعيد عدم اعتبار كالم العلماء في فهمه وحسن التعامل
معه ،وإنما األمر كمن يريد أن يتحدث عن األخالق في اإلسالم ،فيقول :أخالق
المسلم في الكتاب والسنة ،فهو في الحقيقة يريد أن يستخرج األصول والضوابط
والمعالم من نصوص الكتاب والسنة مستعينا بكالم العلماء ،وكذلك من أراد أن
يتحدث عن فضل الدعوة إلى الله وضوابطها ،فقال :الدعوة إلى الله في نصوص
الكتاب والسنة ،فهو في الحقيقة يريد أن يستخرج األصول والشروط الخاصة بالدعوة
إلى الله من نصوص الكتاب والسنة مستعينا بكالم العلماء.
وهذا ما فعله أحمد السيد ،فإنه حاول أن يجمع معالم شخصية المرأة المسلمة
من نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه المجتمع النبوي ومجتمع الصحابة ،وإذا
تناول قضية تفصيلية ينقل كالم العلماء فيها ،كما ذكر ذلك في قضية اإلمامة وغيرها
مما سيأتي في السلسة.
والغريب ح ًقا أن بعضهم يستنكر التوجه إلى نصوص الكتاب والسنة واستخراج
القواعد منها ،ويطالب بالرجوع إلى بعض فتاوى المتأخرين والمعاصرين الستخراج
القواعد المتعلقة بالمرأة منها.
ولو أنه قرر بأن الواجب أن يجمع الباحث بين النظر في نصوص الكتاب والسنة
9
مستعينا بكالم العلماء من المتقدمين والمتأخرين لكان مصيبا في منهجه ودعوته.
األمرٌالسادس :فرض التعارض بين عمومات الشريعة الغراء وأصولها ،فإن الشريعة
أمرت النساء بالقرار في البيوت ولزوم طاعة الزوج فيما إذا كانت متزوجة ،وهي في
الوقت نفسه أمرت عموم المسلمين -رجاال ونساء -باألمر بالمعروف والنهي عن
المنكر واالستزادة من الخير في طلب العلم وترقيق القلوب.
وهذا النوع من الخطاب شامل للمرأة ،وهو أصل من أصول األحكام المتعلقة
بها ،وال يعارض األمر بالقرار في البيوت وهو أصل من أصولها أيضا ،فالمرأة المسلمة
يمكن أن تقوم باألمرين معا من غير تعارض بينهما وال تفريط في أحدهما؛ ألنه ال
يلزم من حرص المرأة المسلمة على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخدمة
اإلسالم ،كثرة الخروج من البيت أو التفريط في حق زوجها وتربية أوالدها.
فال موجب لجعل األمر بالقرار في البيت ولزوم طاعة الزوج أصال ،والحث على
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر استثناء ،ألن هذا مبني على توهم خاط ،،وهو أن
حرص المرأة على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلزم منه بالضرورة التفريط في
القرار في البيت أو في حق زوجها وأوالدها.
وهذا األسلوب ال يليق بالدعاة والمصلحين ،فجنس النساء يعيش في عصر من
أكثر العصور التي نحتاج فيه إلى خطاب الرحمة والرفق الذي يعيننا جميعا على تحقيق
11
مراد الله ورسوله.
وليس القصد من ذلك الدعوة إلى مراعاة النساء على حساب أحكام الشريعة
وقطعياتها المتعلقة بالنساء أو بغيرهن ،وإنما القصد أن الواجب على المسلم أن يغلب
عليه الرفق واللين والسعي إلى النصح واإلصالح بأحسن أسلوب وأجمل عبارة.
وهذا تجرؤ عظيم ال يليق بمسلم أن يقدم عليه ،فكيف يصح لمسلم أن يدخل
في نية أخيه المسلم ويقدح فيها بهذه الطريقة القبيحة؟!
هذا بعض ما تيسر التعليق عليه ،وبقي في كالمهم كثير مما يمكن أن يعلق عليه،
ولكني أحسب أن فيما ذكر كفاية وتنبيه على ما لم يذكر.
وفي ختام هذه الورقة أنصح جميع إخواني المتابعين لما يطرحه الشيخ أحمد ولما
يقدمه المعترضون من اعتراضات بتقوى الله تعالى في السر والعلن ،يجب علينا أن
نتقي الله في األحكام التي نطلقها على إخواننا المسلمين في نياتهم ومقاصدهم ،وأن
نتقي الله في ألفاظنا التي نعبر بها عنهم ،وأن نتقي الله فيما ننسبه إليهم من أقوال.
12