You are on page 1of 12

‫حديثٌٌعنٌ"سلسةٌالتأصيلٌلقضاياٌالمرأة"ٌ ٌ‬

‫وماٌأٌثيرٌحولهاٌمنٌنقد ٌ‬

‫د‪ٌ.‬سلطانٌالعميري ٌ‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪ ..‬أما بعد‪:‬‬

‫فقد تفضل الشيخ الفاضل‪ /‬أحمد السيد بالشروع في سلسة عن قضايا المرأة في‬
‫اإلسالم‪ ،‬قصد من خاللها تأصيل القضايا الكبرى التي ينبغي أن تتوجه إليها أنظار‬
‫المسلمات‪ ،‬من غير قصد إلى الدخول في التفاصيل‪ ،‬ومن مقاصدها األساسية‪ :‬بيان‬
‫المعالم الكلية لشخصية المرأة في اإلسالم وتأصيلها‪ ،‬ومن مقاصدها‪ :‬استنهاض‬
‫المسلمات لالبتعاد عن التفاهات التي طغت في واقعنا المعاصر وأشغلت كثيرا منهن‬
‫عن القصد إلى معالي األمور‪ ،‬وتوسيع دائرة تفكير المرأة المسلمة وتوسيع أفقها في‬
‫نظرتها لما يمكن أن تؤثر به في حياتها‪.‬‬

‫وما زالت السلسلة في مراحلها األولى‪ ،‬وقد انتفع بها كثير من الشباب‪ :‬رجاال‬
‫ونساء‪ ،‬وأسأل الله أن يفتح على الشيخ أحمد فيها وفي غيرها وأن يبارك في جهوده‬
‫وأن يرزقه اإلخالص والسداد والتوفيق‪.‬‬

‫ومع أن الشيخ ما زال في بداية السلسلة‪ ،‬ولم ينته من كل ما عنده من أفكار إال‬
‫إني رأيت عددا من االنتقادات الموجهة إلى ما قام به الشيخ الكريم‪ ،‬وال شك أن‬
‫الشيخ ليس معصوما من الوقوع في الخطأ‪ ،‬وحق النقد واالعتراضات مكفول لكل‬
‫أحد ما دام بعلم وعدل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقد الحظت أن موجة النقد هذه ليست خاصة بالشيخ أحمد‪ ،‬وإنما هي موجة‬
‫طالت عددا من الفضالء الذين عالجوا قضايا المرأة في اإلسالم في األشهر الماضية‪،‬‬
‫كالدكتور‪ /‬سامي عامري والدكتور‪ /‬إياد قنيبي‪ ،‬وكأن النقدة يقولون‪ :‬ال يحق ألحد أن‬
‫يعالج قضايا المرأة غيرنا‪ ،‬وال يحق ألحد أن يسلك غير مسلكنا وطريقتنا في بحث‬
‫تلك المسائل‪.‬‬

‫والبحث ليس في أصل مشروعية النقد وال في أهميته‪ ،‬وإنما البحث في شروطه‬
‫وصحته واستقامته‪.‬‬

‫وقد الحظت بعد أن قرأت قدرا كبيرا من تلك االعتراضات أنها تلبست بعدد من‬
‫األغالط‪ ،‬وهي في مجملها اعتراضات هزيلة قائمة على قدر كبير من االختزال‬
‫والتكلف في الفهم والنقد‪ ،‬ولوال أني رأيت عددا من الشباب قد تأثر بقدر منها ودخل‬
‫عليه اإلشكال بسببها لما كان ثم موجب لكتابة تعليق عليها‪.‬‬

‫وليس القصد النقد التفصيلي لكل ما في تلك االعتراضات من انحراف وخلل‪،‬‬


‫وإنما القصد بيان قدر من أصول الغلط التي تلبست بها‪ ،‬وذلك فيما يلي‪:‬‬

‫األمرٌاألول‪ :‬االستعجال في النقد‪ ،‬فالمعترضون بادروا بالنقد قبل أن تكتمل‬


‫السلسلة‪ ،‬وعدد مما طرحوه سيأتي له تأصيل وتبيين كما أعلن الشيخ نفسه في أول‬
‫كالمه‪ ،‬فكان الواجب عليهم أن ينتظروا أن تكتمل السلسة‪ ،‬ثم بعد ذلك يقدمون ما‬
‫لديهم من نقد واعتراض‪.‬‬

‫وهذا االستعجال أوقع بعضهم في أن نسب إلى الشيخ ما لم يقله‪ ،‬وأن حمل‬
‫كالمه ما ال يحتمل‪ ،‬بل أوقع بعضهم في أن ينسب إليه قوال صرح الشيخ أحمد‬
‫بنقيضه‪ ،‬مما اضطره إلى االعتذار والتراجع!‬

‫‪2‬‬
‫وإن أبوا إال استعجال النقد فال بأس‪ ،‬ولكن ال يحق لهم أن يحملوا الكالم ما ال‬
‫يحتمل‪ ،‬وال أن ينسبوا إلى المخالف أقواال ذكر أنه سيأتي لها موضع في كالمه يفصل‬
‫فيها مقصوده‪.‬‬

‫األمرٌالثاني‪ :‬الوقوع في اإللزام بما ال يلزم‪ ،‬وهذا كثير‪ ،‬فالقارئ لتلك االعتراضات‬
‫يجد فيها قدرا كبيرا من إلزام كالم الشيخ أحمد ما ال يلزمه ال من قريب وال من بعيد‪.‬‬

‫فالقول بأن من أعمال المرأة في اإلسالم الدعوة إلى الله وحثها على ذلك‪ ،‬ال‬
‫يلزم منه خروجها من البيت‪ ،‬فالمرأة المسلمة قد تدعو إلى الله من بيتها‪ ،‬وقد تدعو‬
‫إلى الله إذا خرجت من بيتها ألجل حاجاتها األخرى‪.‬‬

‫وكذلك حث المرأة على الدعوة إلى الله وحمل هم اإلسالم‪ ،‬ال يلزم منه الدعوة‬
‫إلى ترك القرار في البيت وال المنازعة في كونه أصال أو نحو ذلك من المعاني‪.‬‬

‫وكذلك حث المرأة على الدعوة إلى الله وحمل هم اإلسالم‪ ،‬ال يلزم منه تهوين‬
‫الواجبات األخرى على المرأة؛ كطاعة زوجها‪ ،‬وتربيتها أوالدها‪ ،‬وبرها لوالديها‪،‬‬
‫وحفاظها على واجباتها الشرعية‪.‬‬

‫وكذلك جمع األخبار والنصوص التي فيها إثبات تميز المرأة في العلم أو الدعوة‬
‫وحمل هم العمل من أجل اإلسالم‪ ،‬ال يلزم منه تحديد ما هو األصل في حقها وما‬
‫هو االستثناء بالضرورة‪ ،‬وإنما القصد منه بيان معلم من معالم شخصيتها‪ ،‬وتقوية روح‬
‫االعتزاز بالدين واالهتمام بنفع اإلسالم كل بما يناسبه‪.‬‬

‫األمرٌالثالث‪ :‬الوقوع في االختزال للمعاني الواسعة‪ ،‬وذلك أن بعض المعترضين‬


‫اختزل عددا من المعاني الواسعة في مفاهيم ضيقة‪ ،‬ثم طفق ينقد كالم الشيخ أحمد‬
‫بناء على فهمه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ومنٌأظهرٌتلكٌالمفاهيم‪ :‬مفهوم المرأة‪ ،‬فكثير من النقد موجه إلى أن المراد‬
‫بالتأصيل المرأة المتزوجة‪ ،‬ولهذا تراهم يكثرون من ذكر النصوص التي فيها بيان عظم‬
‫حق الزوج على زوجته‪ ،‬وال شك في ثبوت هذا األمر‪ ،‬ولكن المراد بالمرأة في التأصيل‬
‫ما يشمل كل األحوال‪ ،‬وكثير من المخاطبات بتلك السلسلة غير متزوجات أصال‪،‬‬
‫فالنصوص التي فيها بيان عظم حق الزوج على زوجته ال تتعلق بها‪ ،‬وإن كان يجب‬
‫عليها اإليمان بها والتسليم لها‪ ،‬ولكن البحث فيما يتعلق بحالها اآلن وكيف يمكن‬
‫أن تحقق مقاصد اإلسالم في حقها‪.‬‬

‫ومنٌالمفاهيمٌالتيٌتمٌاختزالها‪ :‬مفهوم العمل من أجل اإلسالم‪ ،‬فيظهر في عدد‬


‫من االعتراضات أن العمل لإلسالم هو العمل الذي فيه خروج من البيت للجهاد‬
‫وإصالح المجتمع وإصالح ذات الب ين‪ ،‬مع أن العمل لإلسالم مفهوم واسع يدخل فيه‬
‫كل ما فيه نفع لإلسالم‪ ،‬فيدخل فيه الدعوة والتعليم من خالل وسائل التواصل‪ ،‬ويدخل‬
‫فيه الحرص على تربية األبناء وتكوين عائلة متماسكة تساعد على تنشئة من يخدم‬
‫اإلسالم‪ ،‬ويدخل فيه التبرع بالمال والصدقة‪ ،‬ويدخل فيه التعريف بالبرامج الدعوية‬
‫واإلصالحية والتعليمية‪ ،‬وغير ذلك من المعاني‪.‬‬

‫ومنٌصورٌاالختزالٌفيٌنظرٌالمعترضين‪ :‬أنهم اختزلوا االنحراف الواقع في قضايا‬


‫المرأة في االنحراف النسوي‪ ،‬فأخذوا يصبون جهودهم في مواجهته‪.‬‬

‫وال شك أن االنحراف النسوي عظيم وعميق وضرره وبيل‪ ،‬ولكنه ليس االنحراف‬
‫الوحيد الواقع في قضايا المرأة‪ ،‬فثم انحراف آخر في الطرف اآلخر‪ ،‬يختزل حال المرأة‬
‫في اإلسالم في أمور محددة وكأنه ليس لها شأن في الحياة إال هي فقط‪ ،‬وهو ما‬
‫يمكن أن يسمى بالخطاب الذكوري على تفصيل وتفريق فيه‪.‬‬

‫ومنٌصورٌاالختزالٌأيضا‪ :‬أن بعضهم حصر طريق اإلصالح ومواجهة االنحراف‬


‫‪4‬‬
‫النسوي في المواجهة المباشرة للنسوية وجمع كل ما يناقض ما هم عليه وما يدعون‬
‫إليه‪.‬‬

‫وال شك أن هذا طريق صحيح في مواجهة النسوية المنحرفة‪ ،‬فمن أعظم طرق‬
‫مقارعة الباطل التوجه إلى نقده وتقويض أصوله ودعاواه‪ ،‬ولكن مواجهته ليست‬
‫منحصرة في هذه الطريق‪ ،‬فمن طرق مواجهة االنحراف في قضايا المرأة‪ :‬االشتغال‬
‫بتأصيل قضايا المرأة من خالل نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه المجتمع النبوي‬
‫مجتمع الصحابة‪ ،‬وإبراز النموذج الصالح‪.‬‬

‫ومع ذلك فالشيخ أحمد السيد ذكر أنه سيقوم باستعراض عدد من الشبهات‬
‫والدعاوى التي يطلقها النسوية وغيرهم ويقوم بنقدها في آخر السلسلة‪.‬‬

‫األمرٌالرابع‪ :‬االعتماد على ما ال يصح االعتماد عليه‪ ،‬فترى عددا من المعترضين‬


‫يعتمد على أدلة إللزام المخالف له ليس فيها داللة في نفسها أو ال يصح االعتماد‬
‫عليها من حيث األصل‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬االعتماد على القدح فيما طرحه الشيخ أحمد بأن ما طرحه‬
‫يحتفي به النسويات المتأسلمات على حد قولهم‪.‬‬

‫وهذا استدالل غير صحيح‪ ،‬ففرح المنحرف بشيء من الحق ليس دليال على‬
‫خطأ ذلك الحق وال عدم مناسبته‪.‬‬

‫ثم هذا االستدالل فيه إلزام بالنماذج الخاطئة‪ ،‬فتجاوز بعض المنتسبين إلى الحق‬
‫في لفظه أو في حاله أو في حكمه ال يلزم منه بطالن الحق وال ضعفه‪.‬‬

‫ثم إن هذا االستدالل يمكن أن ي قلب عليهم‪ ،‬فيقال‪ :‬كثير من المخالفين لمنهج‬

‫‪5‬‬
‫أهل السنة ومن أتباع االتجاهات الليبرالية والتنويرية فرحوا بنقدكم لما طرحه الشيخ‬
‫أحمد‪ ،‬ألنه يرى فيه تفريقا للصف‪ ،‬وتشويها للدعوة‪ ،‬فهل هذا دليل على خطأ ما‬
‫طرحتم؟!‬

‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬استدالل بعضهم على أن المرأة ال تحث على طلب العلم وال‬
‫يذكر ذلك من أعمالها‪ ،‬ألنه ال ي عرف عنها في التاريخ اإلسالمي وال غيره التميز في‬
‫تحقيق العلم‪.‬‬

‫وهذا استدالل خاط‪ ،،‬فليس المقصود من حث المرأة المسلمة على طلب العلم‬
‫واالجتهاد فيه تحقيق التميز بالضرورة‪ ،‬مع أن هذا ممكن ومتحقق في الواقع‪ ،‬وإنما‬
‫المقصود منه مع ذلك أغراض أخرى‪ ،‬منها‪ :‬االستكثار من عبادة الله وزيادة األجر‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬االشتغال بمعالي األمور عن التوافه والسفاسف المنتشرة في الواقع‪ ،‬ومنها‪ :‬تعلم‬
‫ما يقوي المرأة ‪-‬من األعمال القلبية والعقلية والفكرية‪ -‬على تمسكها بواجباتها‬
‫الشرعية‪ ،‬ومنها‪ :‬تعلم المهارات والوسائل التي تعينها على الدعوة إلى الله من خالل‬
‫بيتها‪.‬‬

‫فلو سلمنا أن المرأة ال يمكن أن يتحقق منها التميز في تحصيل العلم وتحقيقه؛‬
‫فإن ذلك ليس دليال كافيا على ترك حثها على طلب العلم واالجتهاد فيه‪ ،‬لتحقيق‬
‫المقاصد األخرى‪.‬‬

‫األمرٌالخامس‪ :‬سوء الفهم والتقدير للكالم وتحميله ما ال يحتمل‪ ،‬وهذا كثير‬


‫في اعتراضهم‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬اعتراضهم على جملة‪" :‬العمل من أجل اإلسالم رسالة مشتركة‬
‫بين الرجال والنساء"‪ ،‬بأنها عبارة فضفاضة منافية لبيان الحكم الشرعي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫والحق أنها ليست كذلك‪ ،‬وإنما هي جملة تبين أصل االشتراك في لزوم العمل‬
‫ألجل اإلسالم كل بما يناسبه‪ ،‬فالرجل له عمل من أجل اإلسالم يناسبه‪ ،‬والمرأة لها‬
‫عمل من أجل اإلسالم يناسبها‪ ،‬وليس فيها ما يدل على أن الرجل يعمل بما يخص‬
‫المرأة‪ ،‬وال أن المرأة تعمل بما يخص الرجل‪ ،‬وليس فيها أن الرجل والمرأة يشتركان في‬
‫كال من الرجل والمرأة عليه أن يحمل هم‬ ‫عمل واحد بعينه‪ ،‬وإنما غاية ما فيها أن ً‬
‫العمل من أجل اإلسالم كل بما يناسبه‪.‬‬

‫والهادئ في فكره ونظره يفهم هذا المعنى بسهولة وال يحتاج إلى أن يحمل الكالم‬
‫ما ال يحتمل‪.‬‬

‫وهذه الجملة الرسالية صدر مثلها من عدد من العلماء‪ ،‬يقول الشيخ ابن باز مثال‪:‬‬
‫"المرأة كالرجل عليها واجبها في الدعوة إلى الله‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر"‪ ،‬ويقول الشيخ محمد العثيمين لما سئل عن اشتغال المرأة بالدعوة إلى الله‪:‬‬
‫"تكون المرأة داعية كالرجل تماما إذا كان لديها علم بشريعة الله‪ ،‬فإن لم يكن لديها‬
‫علم فال يحل لها أن تتكلم بال علم"‪.‬‬

‫فهل يصح أن يقال‪ :‬هذه عبارات فضفاضة يفرح بها النسويات؟ وهل يصح أن‬
‫يقال‪ :‬إن هذه الجمل ذكرت فيها حاالت االستثناء ولم ينبه فيها على حالة األصل؟!‬

‫أم الواجب أن نفهم تلك الجمل على أنها جاءت للبيان العام ال مجمل‪ ،‬وت فهم‬
‫بناء على التفاصيل المعروفة الخاصة بكل جنس‪ ،‬ونرجع الناس إلى كالم العلماء‬
‫المفصل في هذه القضايا‪.‬‬

‫ومن ذلك الزعم بأن دعوة المرأة إلى العمل من أجل اإلسالم وحثها على ذلك‬
‫وعدم ذكر عمل المرأة في بيتها‪ ،‬يعني أن في هذا تقديما لفرع على أصل والستثناء‬

‫‪7‬‬
‫على أصل‪.‬‬

‫وهذا غير الزم‪ ،‬فإن البحث في أول السلسلة ليس عن الموازنة بين األعمال التي‬
‫يمكن أن تقوم بها المرأة المسلمة وتحديد درجاتها‪ ،‬وما األصل فيها وما االستثناء‪،‬‬
‫وإنما البحث في تحديد المعالم األساسية للمرأة المسلمة من الواجبات والحقوق‬
‫واألعمال‪ ،‬من خالل النصوص الشرعية وما وقع في مجتمع الصحابة‪ ،‬وال شك أن‬
‫تلك المعالم ‪-‬ما ذكر منها وما لم يذكر‪ -‬متفاوتة فيما بينها‪ ،‬فبعضها واجب وبعضها‬
‫مستحب‪ ،‬وبعضها أوجب من بعض‪ ،‬وبعضها يختلف الحال فيه بحسب القرائن‬
‫المحيطة بالمرأة‪ ،‬وبعضها أصل في حال المرأة وبعضها استثناء‪.‬‬

‫وتفصيل بعض ما يتعلق بهذه القضايا سيأتي في السلسلة‪ ،‬وليس الزما أن يذكر‬
‫المتحدث كل ما يتعلق بقضايا المرأة في آن واحد‪.‬‬

‫وليس في كالم الشيخ ‪-‬حتى اآلن‪ -‬تصريح وال تلميح بأن قرار المرأة في بيتها‬
‫ليس أصال‪ ،‬وال أن طاعة المرأة لزوجها ليست من أعظم الواجبات عليها فيما إذا‬
‫كانت متزوجة‪ ،‬وإنما غاية ما في كالمه ‪-‬حتى اآلن‪ -‬بيان للمقدمات المبينة لمعالم‬
‫شخصية المسلمة‪ ،‬من غير دخول في تفاصيل الموازنة بينها‪.‬‬

‫والمتتبع لفتاوى العلماء في قضايا المرأة يجدهم يذكرون أن لها الخروج من بيتها‬
‫ألجل طلب العلم ولطلب العمل ولممارسة الرياضة وللدعوة إلى الله‪ ،‬ولغيرها من‬
‫األغراض والٌيلتزمون في كل كالمهم اإلشارة إلى أن هذا خالف األصل في حالها‪،‬‬
‫وإنما يذكرون التنبيه على ضرورة االلتزام بالحجاب والحشمة‪.‬‬

‫وهذا يدل على أن ذكر معالم شخصية المرأة أو بعض ما جاء في الشريعة في‬
‫شأنها من غير التنبيه على الفرق بين األصل والفرع والفرض والواجب والمستحب‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫ليس مشكال إذا كان سيجيء في الكالم ما يبين المراد ويوضحه‪.‬‬

‫ومنٌصورٌسوءٌالفهمٌللكالمٌوالخطأٌفيٌتقديره‪ :‬ما فهمه بعضهم من أن ذكر‬


‫االعتماد على الكتاب والسنة يستلزم عدم اعتبار كالم الفقهاء‪ ،‬وربما يستلزم اتهامهم‬
‫بأنهم لم يخدموا قضايا المرأة‪.‬‬

‫وهذا ليس بالزم‪ ،‬فإن ذكر االعتماد على المصادر األصلية في التشريع اإلسالمي‬
‫ال يتضمن ال من قريب وال من بعيد عدم اعتبار كالم العلماء في فهمه وحسن التعامل‬
‫معه‪ ،‬وإنما األمر كمن يريد أن يتحدث عن األخالق في اإلسالم ‪ ،‬فيقول‪ :‬أخالق‬
‫المسلم في الكتاب والسنة‪ ،‬فهو في الحقيقة يريد أن يستخرج األصول والضوابط‬
‫والمعالم من نصوص الكتاب والسنة مستعينا بكالم العلماء‪ ،‬وكذلك من أراد أن‬
‫يتحدث عن فضل الدعوة إلى الله وضوابطها‪ ،‬فقال‪ :‬الدعوة إلى الله في نصوص‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬فهو في الحقيقة يريد أن يستخرج األصول والشروط الخاصة بالدعوة‬
‫إلى الله من نصوص الكتاب والسنة مستعينا بكالم العلماء‪.‬‬

‫وهذا ما فعله أحمد السيد‪ ،‬فإنه حاول أن يجمع معالم شخصية المرأة المسلمة‬
‫من نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه المجتمع النبوي ومجتمع الصحابة‪ ،‬وإذا‬
‫تناول قضية تفصيلية ينقل كالم العلماء فيها‪ ،‬كما ذكر ذلك في قضية اإلمامة وغيرها‬
‫مما سيأتي في السلسة‪.‬‬

‫والغريب ح ًقا أن بعضهم يستنكر التوجه إلى نصوص الكتاب والسنة واستخراج‬
‫القواعد منها‪ ،‬ويطالب بالرجوع إلى بعض فتاوى المتأخرين والمعاصرين الستخراج‬
‫القواعد المتعلقة بالمرأة منها‪.‬‬

‫ولو أنه قرر بأن الواجب أن يجمع الباحث بين النظر في نصوص الكتاب والسنة‬

‫‪9‬‬
‫مستعينا بكالم العلماء من المتقدمين والمتأخرين لكان مصيبا في منهجه ودعوته‪.‬‬

‫األمرٌالسادس‪ :‬فرض التعارض بين عمومات الشريعة الغراء وأصولها‪ ،‬فإن الشريعة‬
‫أمرت النساء بالقرار في البيوت ولزوم طاعة الزوج فيما إذا كانت متزوجة‪ ،‬وهي في‬
‫الوقت نفسه أمرت عموم المسلمين ‪-‬رجاال ونساء‪ -‬باألمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر واالستزادة من الخير في طلب العلم وترقيق القلوب‪.‬‬

‫وهذا النوع من الخطاب شامل للمرأة‪ ،‬وهو أصل من أصول األحكام المتعلقة‬
‫بها‪ ،‬وال يعارض األمر بالقرار في البيوت وهو أصل من أصولها أيضا‪ ،‬فالمرأة المسلمة‬
‫يمكن أن تقوم باألمرين معا من غير تعارض بينهما وال تفريط في أحدهما؛ ألنه ال‬
‫يلزم من حرص المرأة المسلمة على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخدمة‬
‫اإلسالم‪ ،‬كثرة الخروج من البيت أو التفريط في حق زوجها وتربية أوالدها‪.‬‬

‫فال موجب لجعل األمر بالقرار في البيت ولزوم طاعة الزوج أصال‪ ،‬والحث على‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر استثناء‪ ،‬ألن هذا مبني على توهم خاط‪ ،،‬وهو أن‬
‫حرص المرأة على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلزم منه بالضرورة التفريط في‬
‫القرار في البيت أو في حق زوجها وأوالدها‪.‬‬

‫األمر ٌالسابع‪ :‬اعتماد أسلوب القسوة والغلظة في التعامل مع قضايا المرأة‪،‬‬


‫فالمتابع لكثير مما يكتبه المعترضون يجد فيه أسلوب تهجميا على المرأة وسعيا إلى‬
‫تحجيم دورها في الحياة‪ ،‬وكأن بعضهم يعيش في حالة صراع مع جنس النساء‪ ،‬فال‬
‫يرى فيهم إال خيرا محدودا وال يأمل منهن إال نفعا محصورا‪.‬‬

‫وهذا األسلوب ال يليق بالدعاة والمصلحين‪ ،‬فجنس النساء يعيش في عصر من‬
‫أكثر العصور التي نحتاج فيه إلى خطاب الرحمة والرفق الذي يعيننا جميعا على تحقيق‬

‫‪11‬‬
‫مراد الله ورسوله‪.‬‬

‫وليس القصد من ذلك الدعوة إلى مراعاة النساء على حساب أحكام الشريعة‬
‫وقطعياتها المتعلقة بالنساء أو بغيرهن‪ ،‬وإنما القصد أن الواجب على المسلم أن يغلب‬
‫عليه الرفق واللين والسعي إلى النصح واإلصالح بأحسن أسلوب وأجمل عبارة‪.‬‬

‫األمرٌالثامن‪ :‬الدخول في النيات‪ ،‬فالمتابع لعدد من االعتراضات والمعترضين‬


‫يجد في كالمهم قدحا في نية الشيخ أحمد وقصده‪ ،‬بل بعضهم يستهزئ بذلك‬
‫ويستعمل أسلوب الهمز واللمز‪ ،‬فيكثر في كالمهم اإلشارة إلى أن الشيخ يستعطف‬
‫بذلك النساء‪ ،‬وأنه يراعي مشاعرهن فيما يذكره من تأصيل‪ ،‬وما يضيفه إلى نصوص‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وأن الشيخ يقصد حصول اإلعجاب من النسويات وإرضاءهن‪.‬‬

‫وهذا تجرؤ عظيم ال يليق بمسلم أن يقدم عليه‪ ،‬فكيف يصح لمسلم أن يدخل‬
‫في نية أخيه المسلم ويقدح فيها بهذه الطريقة القبيحة؟!‬

‫هذا بعض ما تيسر التعليق عليه‪ ،‬وبقي في كالمهم كثير مما يمكن أن يعلق عليه‪،‬‬
‫ولكني أحسب أن فيما ذكر كفاية وتنبيه على ما لم يذكر‪.‬‬

‫وفي ختام هذه الورقة أنصح جميع إخواني المتابعين لما يطرحه الشيخ أحمد ولما‬
‫يقدمه المعترضون من اعتراضات بتقوى الله تعالى في السر والعلن‪ ،‬يجب علينا أن‬
‫نتقي الله في األحكام التي نطلقها على إخواننا المسلمين في نياتهم ومقاصدهم‪ ،‬وأن‬
‫نتقي الله في ألفاظنا التي نعبر بها عنهم‪ ،‬وأن نتقي الله فيما ننسبه إليهم من أقوال‪.‬‬

‫ويجب علينا مع ذلك أن نلتزم بالهدوء والتريث في تبني المواقف أو رفضها‪،‬‬


‫وعلينا أن نلزم بالدليل والبرهان وال نتأثر بالمسالك الخطابية العاطفية‪ ،‬وعلينا أن‬
‫نحرص على نقد ما نراه خطأ بالعلم والعدل‪ ،‬وأن نحرص على تأييد ما هو حق والدفاع‬
‫‪11‬‬
‫عنه‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like