You are on page 1of 584

‫عمارة الفقراء‬

‫عمارة الفقراء‬
‫‪-‬‬
‫__________________________________‬

‫لوحة الغالف‬

‫اسم العمل الفين ‪ :‬ابيت يف العجمى‬


‫وصورة للمهندس حسن فتحي‬

‫حسن فتحي‬

‫صورة البيت املنشور على الغالف من تصميم املهندس الفنان عبد الواحد‬
‫الوكيل ‪ ،‬وهو من تالميذ عبقري العمارة املصري املهندس حسن فتحي والدور‬
‫السكنية اليت صممها يف العجمى ( قرب اإلسكندرية ) تدل داللة واضحة على‬
‫القدرة يف استخدام العناصر التكنيكية التقل يدية و تكييفها مع الشروط العصرية‬
‫‪ .‬و غالبية الدور تشابه عمارة مشال إفريقيا حيث حتتوي على شرفات مطلة‬
‫على اخلارج ‪ ،‬وقد شيدت حول ابحة تتوسطها انفورة مبثابة انعكاس لقبة‬
‫السماء حسب التقاليد ‪ ،‬ابإلضافة إىل استخدام اإليوان و املصاطب ‪.‬‬
‫حممود اهلندي‬
‫عمارة الفقراء‬

‫الطبعة الرابعة‬

‫د ‪ .‬حسن فتحي‬

‫ترمجة ‪ :‬د ‪ .‬مصطفى إبراهيم فهمي‬


‫على سبيل التقدمي ‪:‬‬

‫كان الكتاب وسيظل حلم كل راغب يف املعرفة واقتناؤه غاية كل متشوق‬


‫للث قافة مدرك ألمهيتها يف تشكيل الوجدان و الروح والفكر ‪ ،‬هكذا كان حلم‬
‫صاحبة فكرة القراءة للجميع ووليدها‬
‫(( مكتبة األسرة )) السيدة سوزان مبارك اليت مل تبخل بوقت أو جهد يف سبيل‬
‫إثراء احلياة الثقافية واالجتماعية ملواطنيها ‪ ..‬جاهدت و قادت محلة تنوير‬
‫جديدة و استطاعت أن توفر لشباب مصر كتاابً جديداً و استطاعت أن توفر‬
‫لشباب مصر كتاابً جاداً وبسعر يف متناول اجلميع ليشبع هنمه للمعرفة دون‬
‫عناء مادي وعلى مدى السنوات السبع املاضية جنحت مكتبة األسرة أن ترتبع‬
‫يف صدارة البيت املصري بثراء إصداراهتا املعرفية املتنوعة يف خمتل فرو املعرفة‬
‫اإلنسانية ‪ ..‬وهناك اآلن أكثر من ‪ 0222‬عنواانً و مايربو على األربعني مليون‬
‫نسخة كتاب بني أايدي أفراد األسرة املصرية أطفاالً وشباابً و شيوخاً تتوجها‬
‫موسوعة (( مصر القدمية )) للعامل األثري الكبري سليم حسن ( ‪ ) 81‬جزء ‪.‬‬
‫وتنضم إليها هذا العام موسوعة قصة احلضارة يف‬
‫( ‪ ) 02‬جزء ‪ ..‬مع السالسل املعتادة ملكتبة األسرة وتوسع من موقع الكتاب‬
‫يف البيت املصري تنهل منه األسرة املصرية زاداً ثقافياً ابقياً على مر الزمن و‬
‫سالحاً يف عصر املعلومات ‪.‬‬

‫د ‪ .‬مسري سرحان‬
‫‪0‬‬

‫*حسن فتحي *‬

‫عمارة الفقراء‬

‫جتربة يف ري مصر‬

‫(( عمارة الفقراء )) نشر أصالً يف ‪ 8191‬حتت عنوان (( القرنة ‪ :‬قصة‬


‫قريتني )) ‪ ،‬يف طبعة حمدودة ‪ ،‬بواسطة وزارة الثقافة يف القاهرة ‪.‬‬
‫ونشر ‪ 8191‬بواسطة جامعة شيكاغو‪.‬‬
‫ونشر يف مصر ألول مرة ‪ 8111‬بواسطة اجلامعة األمريكية يف القاهرة‬
‫مقدمة املرتجم‬

‫حسن فتحي ليس فحسب املهندس املعماري الفذ الساب لعصره ولكنه أيضاً‬
‫فنان يعش فن العمارة مبثل عشقه للموسيقى ‪ ،‬وكثرياً ما كان يعقد املقارانت‬
‫بني التكوين املعماري والتكوين املوسيقي مبا يبني ولعه ابلفنني ‪.‬‬
‫ورغم نشأته من أسرة ثرية فإنه كرس كل عبقريته وفنه الذي يعشقه يف العمل‬
‫على أن يتمكن أفقر الفقراء يف الري من احلصول على مسكن صحي رخيص‬
‫ابستخدام أبسط املواد والتقنيات املتاحة يف البيئة ‪ ،‬مع احلرص على أن يكون‬
‫لكل عائلة بيتها املميز بطابعه اخلاص حسب احتياجاهتا وذوقها ‪ ،‬مع عدم‬
‫اللجوء إىل النموذج النمطي إال يف النواحي األساسية وليست التفصيلية ‪ .‬وهو‬
‫أيضاً يعمل على أن يربط ما انقطع من تواصل يف تراث املعمار الشعيب ‪ ،‬ليس‬
‫فقط ملا يف هذا الرتاث من قيم مجالية ‪ ،‬بل وألنه أيضاً حصيلة جتارب األجيال‬
‫يف حل مشاكل ها املعمارية وتطوير املعمار للوصول إىل ماهو انفع ومفيد يف‬
‫البيئة احمللية ‪ .‬وهكذا فإن على املهندس املعماري أن يعمل على ربط املعمار‬
‫الشعيب ابملعمار اهلندسي األكادميي ‪ ،‬وأن يؤكد على ماجيده فيهما من مالمح‬
‫مشرتكة فيها الفائدة واجلمال معاً ‪.‬‬
‫ومل تكن هذه األفكار جمرد أحالم رومانسية نظرية بعيدة عن التطبي الواقعي ‪،‬‬
‫فقد أمكن للمهندس حسن فتحي إثبات صحة نظرايته عملياً يف عدة مناذج‬
‫أقامها وأاثرت اإلعجاب ‪ ،‬كما أنه حاول تطبيقها على نطاق واسع عندما عهد‬
‫إليه إبنشاء قرية أبكملها يف القرنة ابلصعيد ‪ .‬و مع أنه قطع شوطاً كبرياً يف‬
‫ذلك إال أنه كان يواجه دائماً بشىت العقبات واملعوقات سواء من البريوقراطيني‬
‫املتحجرين أو من املقاولني الذين رأوا أن نظرايته فيها كل اخلطر على مكاسبهم‬
‫اهلائلة من نظام البناء التقليدي السائد ‪ .‬ورغم كل املرارة اليت أحس هبا حسن‬
‫فتحي لعدم اكتمال جتربة القرنة ‪ ،‬وما القاه من عنت قبلها وبعدها ‪ ،‬فإنه مل‬
‫يتخل قط عن إميانه أبفكاره عن العمارة للفقراء ‪ ،‬وظل يعمل على نشر رسالته‬
‫مث إنه خيط جتربته مكتملة يف هذا الكتاب مع وضع خطة كاملة إلعادة بناء كل‬
‫بيوت الري يف مصر ‪ ،‬ويف هذه اخلطة خالصة خربته ونظرايته املعمارية‬
‫اجلمالي ة االجتماعية ‪ .‬وهو حيذر من خطورة أوضا اإلسكان الريفي وقتها ‪،‬‬
‫املباين اإلمسنتية‬ ‫وأنه مامل يتم تدارك األمر خبطة علمية متكاملة فسوف تزح‬
‫املشوهة الكئيبة من أطراف مدن مصر إىل قراها ‪ ،‬وهي نبوءة بدأت تتحق‬
‫بكل أس ‪ .‬ومن هنا كانت أمهية تقدمي هذا الكتاب مرتمجاً للعربية لعل فيه ما‬
‫يوق االنتشار العشوائي هلذا الوابء ‪ ،‬وابء املعمار املشوه املستورد ‪.‬‬
‫علي‬
‫ويسرين هنا أن أسجل عمي شكري لألساتذة املهندسني الذين تكرموا ّ‬
‫بثمني وقتهم واهتمامهم مبا ساعدين يف ترمجة املصطلحات اهلندسية ‪ ،‬وهم‬
‫الدكتور أمحد علي العراين والدكتور مصطفى عبد احلميد سعد واملهندس الفنان‬
‫عصام صفي الدين ‪ .‬فالفضل هلم كل الفضل يف املصطلحات الصحيحة ‪ ،‬أما‬
‫إذا كان مثة أي خطأ فلعله بسبب من عدم استيعايب لشرحهم ‪.‬‬

‫املرتجم‬
‫د ‪ .‬مصطفى إبراهيم فهمي‬
‫متهيد‬

‫هناك بليون فرد على األقل سوف ميوتون مبكراً ويعيشون حياة موقوفة النمو‬
‫بسبب االسكان الشائه غري الصحي وغري االقتصادي ‪ .‬وهذه املشكلة لة‬
‫اقتحمت ابلطرق ا لتقليدية فإهنا ستبدو بال حل ممكن ؛ وقد قدمت جلنة‬
‫بريسون دراسة للبنك الدويل متدان ببياانت تبني أنه حىت لو حدث ما هو غري‬
‫حمتمل ‪ ،‬فأعطى أغنياء العامل ‪ %8‬من دخلهم للمساعدة على النهوض بفقراء‬
‫العامل ‪ ،‬فسوف يظل ما يقرب من ثلث سكان العامل وهم يعيشون يف مستوايت‬
‫من الفقر الطاحن ‪ .‬ورمبا استمر ثلث سكان العامل حىت هناية هذا القرن حبيث ال‬
‫يكسبون يف العام إال أقل من األجر األسبوعي لعامل املصنع يف أمريكا حالياً ‪.‬‬
‫ورأس املال املطلوب توظيفه لتوفري أدىن حدمن االسكان لعائلة فقرية يف‬
‫الوالايت املتحدة هو يف حدود ‪ 02.222‬دوالر ‪ .‬وبكلمات أخرى فإنه حىت‬
‫حيصل اإلنسان على مأوى يسكنه فإنه يستهلك لذلك معظم حصيلة سنوات‬
‫حياته العملية املنتجة ‪.‬‬
‫وهذه األرقام على دقتها ‪ ،‬فإن فيها بعض ما يضلل ‪ .‬فتكالي اإلسكان جيب‬
‫أن ت قسم على عناصره املكونة له ‪ ،‬وهي فيما اقرتح ‪ ،‬عناصر ثالثة ‪ :‬اقتصادية‬
‫‪ ،‬واج تماعية ‪ ،‬ومجالية ‪ . ،‬وهي على عالقة وثيقة معاً ‪ ،‬إال أن كالً منها يستح‬
‫اهتماماً منفرداً ‪.‬‬
‫وقد تعلمنا أن نؤمن أن االقتصاد العاملي ينقسم إىل جزئني ‪ ،‬مها الدول الغنية‬
‫والدول الفقرية ‪ .‬وهذا التقسيم يتم التعبري عن جزء كبري منه ابملفارقة املوجودة‬
‫بني العملة الصع بة والعملة السهلة ‪ .‬فالعملة الصعبة هي اليت تسيطر على‬
‫التكنولوجيا املتقدمة وبذلك فإهنا هدف مرغوب لكل الناس ‪ .‬أما العملة‬
‫اآلخرون جد‬ ‫السهلة فتنتجها الدول الفقرية ذات املنتجات اليت ال يتله‬
‫التله على طلبها ‪ .‬وحىت عندما يتاح ألحد البالد وفرة من العمالت السهلة‬
‫‪ ،‬فإنه غالباً ال يستطيع احلصول على تلك اخلدمات والسلع اليت حيتاجها‬
‫احتياجاً شديداً أو يطلبها طلباً ملحاً‬
‫على أن مثة قسماً فرعياً آخر لالقتصاد ؛ هو عن فقراء الذين يف داخل كل بلد‬
‫‪ .‬فثلث سكان العامل على األقل يعيشون حتت مستوى أي اقتصاد حيسب‬
‫ابلنقود‪ .‬ومن منظورهم فإنه ليس سوى فارق بسيط بني العملة الصعبة والسهلة‬
‫؛ يكاد يكون األمر أن أي شيء ال يستطيعون اكتسابه بعملهم هم أنفسهم‬
‫ومن البيئة اليت جتاورهم مباشرةً ‪ ،‬هلو شيء لن يستطيعون اكتسابه أبداً ‪.‬‬
‫ومتوسط دخل هؤالء الناس يف أجزاء كثرية من العامل قد يتدىن ملا يصل إىل ثلث‬
‫املتوسط القومي القليل يف البالد الفقرية ‪ ،‬ذلك املتوسط الذي تثري قلته الراثء‬
‫من قبل ‪ .‬ويف قرى آسيا ‪ ،‬يبلغ الدخل السنوي للفرد قدراً من الصغر يكاد‬
‫يصبح احصائياً بال مغزى ‪ .‬فهو قريب أشد القرب من حد االبقاء على احلياة ‪،‬‬
‫بل ويهبط أحياانً ألقل من ذلك ‪.‬‬
‫وبلغة اإلسكان ‪ ،‬فإن هذا يعين أن احلديد الصلب الالزم إلنشاء املباين – وهذا‬
‫بند مستورد عادة من مناط العملة الصعبة – ال يكون هو وحده ترفاً مستحيالً‬
‫‪ ،‬بل هناك أيضاً منتجات الصناعة احلضرية أو منتجات املناط األخرى يف‬
‫نفس القطر – أي اإلمسنت واخلشب والزجاج – كلها تكون بدورها غري‬
‫اقتصادية وغري عملية ‪ .‬وإذا دفعت الضرورة إىل استخدام هذه املواد ‪ ،‬فإن‬
‫غلو مثنها سيتطلب وجوابً الشح يف استخدامها ‪ ،‬فيكون هلذا أتثريه املعوق يف‬
‫اإلسكان ‪.‬‬
‫وهكذا فإن املشاريع اليت تنشئها احلكومات كثرياً ما تكون مشاهبه لصفوف‬
‫منتظمة من عشش دجاج أمسنتية ‪.‬‬
‫والقرى التقليدية رغم حالتها من عدم االنتظام والقذارة واالزدحام ‪ ،‬اليت جتعل‬
‫املالحظ اخلارجي ال يكاد يرى فيها سوى الفوضى ‪ ،‬إال أهنا غالباً تعرب تعبريات‬
‫مرهفة حساسة عن النظام االجتماعي ‪ .‬فروابط القرابة هي وحواجز العداوة‬
‫كثرياً ما يتم التعبري عنها جغرافياً وإنشائياً ‪ .‬ومهما كانت درجة سوء اإلسكان‬
‫فيزايئياً ‪ ،‬إال أن القروي ليستمد من منطه بعض الراحة ‪ ،‬بل وبعض املعىن ‪.‬‬
‫وهذه القضية ليست غريبة حىت عن حضارة جعلت جد متجانسة مثل حضارتنا‬
‫‪ .‬ولنأخذ كمثل حالة اجملتمع األمريكي األسود ‪.‬إن خربته التارخيية الغالبة هي‬
‫خربة من اقتال للجذور ‪ .‬فهؤالء األفريقيون اقتلعت جذورهم من جمتمعاهتم‬
‫القبلية ‪ ،‬ليتم بيعهم يف معازل الرقي بغرب أفريقيا ‪ .‬وكثرياً ما كانوا خيلطون مع ًا‬
‫عن عمد ‪ ،‬وقتها أو فيما بعدها ‪ ،‬حبيث يتم تقويض متاسكهم القبلي ‪ ،‬بل إن‬
‫العبيد كانوا حىت من حيث اللغة جيدون مشقة يف االتصال أحدهم ابآلخر‬
‫بنفس مشقة اتصاهلم بسادهتم البيض اجلدد ‪ .‬وابلطبع فإن هذا مينع أي مكان‬
‫للتمرد ‪ .‬وابإلضافة إىل هذه العناصر ذات التأثري احلاسم ‪ ،‬كانت هناك أيضاً‬
‫معايري السوق ‪ .‬فكثرياً ما كان األطفال واألمهات يفصلون أحدهم عن اآلخر ‪،‬‬
‫حبيث أن أي جمتمع كان موجوداً أصالً يتم تفتيته إىل ذرات ‪ .‬وأايً ما كانت‬
‫ضالة ما مت الوصول إليه من االستقرار قبل احلرب األهلية ‪ ،‬فإن هذا قد تبدد‬
‫اثنية ابلتحرير ‪ ،‬حىت وإن كان ذلك تغرياً لألحسن ‪ .‬واقتال جذور اجملتمع‬
‫األسود األمريكي أبدى فعاليته يف مدن األكواخ ‪ ،‬ويف الفقر ‪ ،‬وانعدام املهارات‬
‫‪ .‬على أن األفراد السود من البشر إمنا هم حيواانت اجتماعية مثل األفراد‬
‫البيض والسمر والصفر ‪ ،‬وهكذا فإهنم ظلوا ميدون أيديهم يف حماولة لتلمس‬
‫جرياهنم وإلعادة التأكيد على دافعني أساسيني عند كل اجلنس البشري ‪ ،‬مها‬
‫نزعة االنتماء للمكان‪ Territoriality‬واجملتمع ‪ .‬مث ما لبث االضطراب‬
‫أن حل جمدداً ‪ ،‬إذ أطاح كساد السلم مبا سب أن أاتحه اقتصاد احلرب من‬
‫فرص ‪ ،‬فسبب ذلك هجرات مجاعية إىل املدن الكربى مشاالً ‪ .‬ومل تكن اهلجرة‬
‫حتدث من نقطة إىل نقطة ‪ ،‬ولكنها كانت ابحلري هجرة من سلسلة من نقط‬
‫مؤقتة للوصول إىل األخ رى ‪ .‬والكثري من األحياء الفقرية السوداء يف‬ ‫توق‬
‫مدن أمريكا كانت أصالً جمرد حمطات للطري ‪ ،‬حيث يتوق املهاجرون للراحة‬
‫وحملاولة كسب رأمسال ملواصلة املرحلة التالية ‪ ،‬وللوصول إىل االنتقال ذهنياً من‬
‫اجلنوب الريفي إىل الشمال احلضري ‪.‬‬
‫على أنه يف كل مرحلة من هذه املراحل كان دافعي االنتماء املكاين واجملتمع‬
‫يؤكدان نفسيهما ‪ .‬فالعائالت ‪ ،‬حىت وقد اجتاحها عدم االستقرار ‪ ،‬وحىت وهي‬
‫بال أب ‪ ،‬حتاول أتكيد عالقة اجلرية ‪ .‬ورغم أن هذه العالقة كان اإلحساس هبا‬
‫ضعيفاً ‪ ،‬وكان منوها دائماً مقلقالً ‪ ،‬إال أن مظاهرها كانت غالباً ال حتوز قبوالً‬
‫عند أولئك الذين هم أكثر غىن ‪ ،‬سوداً كانوا أم بيضاً ‪.‬‬
‫وقد أدى النظر إىل هذه الظروف بنظرة من خارجها إىل أن حاول أانس لرباليون‬
‫شرفاء ذوو دوافع طيبة أن ميدوا يدهم ابلعون ‪ .‬وكان أحد اجلوانب الرئيسية من‬
‫هذا العون هو التجديد احلضري لإلسكان ‪ ،‬أي إقامة إسكان أفضل مؤسس‬
‫على منط جتريدي أييت من اخلارج ‪ .‬وفكرة ذلك مبسطة نسبياً هي أن األحياء‬
‫الفقرية إسكان سيء ‪ ،‬واحلل هو هدم هذا اإلسكان السيئ وبناء إسكان‬
‫حضاري أجود ‪ .‬وقد يعرتض املرء على الكثري من ظواهر هذا التجديد احلضري‬
‫‪ .‬فهو مبثابة منجم ذهيب للمقاولني على أنه مهمة اتفه للمعماريني ‪ .‬كما أن‬
‫تكلفته جد مرتفعة ملن هم جد فقراء‪ .‬إال أن هذه جمرد قضااي على السطح إذا‬
‫نظران إليها ابملقارنة للثمن احلقيقي هلذا التجديد احلضري ؛ ذلك أنه مبثابة‬
‫اقتال اجلذور من جديد جملتمعات تعد جذورها من قبل معطوبة سيئة التغذية‬
‫ومهما كانت الروابط أصالً ضعيفة بني اجلريان إال أهنا هلا وجودها ‪ ،‬على أن‬
‫هذه العملية ستمزق هذه الروابط إرابً وجترب األفراد على أن يبدأوا كل شيء من‬
‫جديد يف بيئة هي جديدة عليهم وأجنبية ‪ ،‬حىت وغن كانت بيئة أفضل فيزايئياً‬
‫‪.‬‬
‫ولكن هل هذه البيئة أفضل اجتماعياً ؟ إن هذه املنشآت املرتفعة من املساكن‬
‫إمنا يطل عليها اسم األحياء الفقرية الرأسية ‪ .‬وأكثرها ‪ ،‬حىت ما يكون منها‬
‫‪ .‬فالسكان إذ ينقصهم اإلحساس‬ ‫جديداً ‪ ،‬هو ابلتأكيد جدير هبذا التوصي‬
‫هبوية االنتماء للمكان ‪ ،‬وال حتكمهم روابط اجلرية ‪ ،‬يتبعون أمناطاً سلوكية لعلها‬
‫مما قد نراها عند الثدييات العليا وهي يف حالة أيس ؛ فهم يلوثون مأواهم ‪.‬‬
‫وسرعان ما تفقد املباين أانقتها ‪ ،‬وتزيد إحصائيات اجلرائم زايدة مروعة ‪،‬‬
‫ويتجلى إحساس ابلالمباالة والغضب الكئيب هو مبثابة الطابع الدامغ ((‬
‫القصور يف النمو )) ‪ .‬ولعل من احلقيقي ‪ ،‬بل أعتقد أنه من احلقيقي ‪ ،‬أنه كلما‬
‫كان األفراد يف اجملتمعات أضع وأفقر ‪ ،‬فإهنم وال بد يزيدون التصاقاً ابلرغام‬
‫‪ .‬وسواء كان هذا حقاً أم مل يكن ‪ ،‬فمن الواضح ومن املؤكد أن الناس ينبغي أن‬
‫يعربوا عن عالقاهتم أحدهم ابآلخر ‪ .‬وإذا اعرتض سبيل تعبريهم هذا بكل‬
‫الطرق ‪ ،‬فإهنم سيفعلون ذلك من خالل خل عصاابت الشوار ‪ .‬وإذا اعرتض‬
‫سبيل هذا التعبري ابلكلية ‪ ،‬فإهنم يستسلمون لليأس ‪ .‬وهذا هو اللب من احلي‬
‫الفقري ومما يثري السخرية أن أنقى شكل يظهر فيه ذلك قد ال يكون يف القرية‬
‫اآلسيوية اليت متتد عشوائياً وإمنا هو مشرو التجديد احلضري احلديث ‪.‬‬
‫والعنصر الرئيسي الثالث يف مشاكل اإلسكان هو العنصر اجلمايل ‪ .‬والواقعيون‬
‫ذوو الرؤوس املتحجرة قد جيادلون أبن االعتبارات اجلمالية إمنا هي تزيد ‪.‬‬
‫فاجلمال أو القبح كالمها ال يكاد يكون له أمهية عند النظر لألمور من منظور‬
‫الشروط الصحية ‪ ،‬أو التكلفة ‪ ،‬أو مساحة األقدام املربعة اخلالصة لكل فرد ‪.‬‬
‫واألمر املهم هو توقي الربد واملطر ‪ ،‬وإمتام ذلك بتكلفة ميكننا أن نتحملها ‪.‬‬
‫أما فلسفياً فإن للمرء أن جيادل أبن البشر حيتاجون إىل اجلمال مثلما حيتاجون‬
‫إىل احلرية ‪ ،‬وعلى أي حال فمن املؤكد أن اهلدف الصحيح ألفراد اجلنس‬
‫البشري ليس جمرد أن يوجدوا أو جمرد أن يذووا ‪,‬هم يسلكون طريقهم من‬
‫الرحم إىل القرب ‪ .‬لقد داومنا زمناً طويالً على أن نسقط من حسابنا الوجدانيات‬
‫اليت من هذا النو ‪ ،‬إال أن الرباهني لتتزايد على أمهيتها ‪ .‬فنحن نعرف أن‬
‫األطفال الذين حيرمون من البيئة الشائقة بصرايً يف سنواهتم املبكرة ال تنمو‬
‫عقوهلم وقد (( برجمت )) الربجمة الصحيحة الالزمة للتعامل مع الكثري من‬
‫مشاكل النضوج ‪ .‬وقد رأينا عشرات من األمثلة يف خمتل أحناء العامل حيث‬
‫يفشل توفري كل املعدات املادية للتنمية يف أن يشعل شرارة العقل ‪ ،‬وابلتايل فإن‬
‫هذا الفشل يكون فشالً كلياً ‪ .‬واحلقيقة كما تعلمناها بصورة مؤملة من خالل‬
‫إنفاق ترليون دوالر يف الفرتة منذ احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬هي أن التنمية ال تتم‬
‫إال يف عقول البشر وقلوهبم وإال فإهنا ال حتدث أبداً فاإلسكان ‪ ،‬والطرق ‪،‬‬
‫واجلسور ‪ ،‬والسدود كلها شروط ضرورية للتنمية ولكنها وحدها ليست كافية‬
‫فالتنمية تكون مستحيلة دون عون من الذات ‪ .‬على أن الناس الذين تكون‬
‫بيئتهم شائحة قاحلة يصبحون عرضة ألن يكونوا غري منتجني وبال روح ‪.‬‬
‫وليست هذه جمرد أتمالت يف كسل حملب لفعل اخلري ؛ فأي مدير ملصنع يعرف‬
‫صدقها ‪ .‬والعمال الذين يعملون يف بيئة جذابة وضاءة ينتجون أكثر من العمال‬
‫الذين يعملون يف بيئة قبيحة كئيبة ‪ .‬وروح اإلنسان هلي أنفس مواردان ‪ .‬وبيئة‬
‫هذه الروح هلي أكرب ٍ‬
‫حتد لنا ‪ .‬ومن املؤكد أن هذه مشاكل مروعة إن مل تكن‬
‫ساحقة – تلك االعتبارات االقتصادية املعقدة ‪ ،‬وتلك احلساسية ابلنسبة‬
‫الحتياجات اإلنسان االجتماعية والعمل على تغذية الروح البشرية ‪ .‬هل ميكن‬
‫حل ذلك حالً مرضياً ؟‬
‫ما من شك أنه ال يوجد حل هنائي ‪ ،‬ولكن الطري قد ينريه لنا بعض من يعرض‬
‫من رجال ذوي عبقرية وحساسية وهدف أخالقي عمي ‪ .‬والكتاب التايل هو‬
‫منار انصع قوي ‪.‬‬
‫والدكتور حسن فتحي إذ خيوض الصرا مع مشاكل الفقر الطاحن – فقر‬
‫مبستوى ال يكاد يتذكره أي أمريكي على قيد احلياة – وخيوض الصرا مع‬
‫البريوقراطيني فاقدي اإلحساس ‪ ،‬ومع أانس مفعمني ابلشك ‪ ،‬ومع أانس كئيبني‬
‫بال مهارات ‪ ،‬فإنه هكذا قد ولد ال اإلجابة فحسب بل ولد أيضاً اإلهلام أي‬
‫إهلام ‪ .‬فاحلل الذي يطرحه له أمهيته على نطاق العامل كله ‪ ،‬وفكره وخربته‬
‫وروحه فيها ما يشكل مصدر إهلام أساسي على النطاق الدويل ‪.‬‬
‫وما يقرتحه الدكتور فتحي هو شكل جديد من املشاركة ‪ .‬أما ما ينبغي أن يسهم‬
‫به الفقراء يف هذه املشاركة فهو ابلضرورة عملهم ‪ .‬كما أهنم يف كثري من أحناء‬
‫العامل لديهم إمكانية أن حيوزوا بال تكلفة جوهرية ‪،‬على مادة البناء الوحيدة‬
‫املتاحة هكذا ‪ ،‬وهي الرتبة اليت من حتت أقدامهم ‪ .‬وهبذين الشيئني ‪ ،‬العمل‬
‫والرتبة ‪ ،‬ميكنهم أن ينجزوا الكثري ‪ .‬على أن هناك مشاكل تقنية ومشاكل أخرى‬
‫ال يستطيعون حلها أبنفسهم ‪ ،‬أو هي عرضة ألن يتم حلها بطرق مكلفة أو‬
‫قبيحة أو غري سليمة ‪ .‬وها هنا فإن املهندس املعماري يستطيع أن يقوم إبسهام‬
‫رئيسي ‪.‬‬
‫وما يبينه الدكتور فتحي لنا هو أن املهندس املعماري ميكن أن يكون هو املرشد‬
‫ملا يكون أساساً مشروعاً يعتمد على الذات أو يعتمد على العون الذايت ‪.‬‬
‫واملهندس املعماري ابستخدام مهارته التقنية يستطيع أن يساعد الناس للوصول‬
‫إىل حل رخيص حلل مشكلة التسقي ‪ .‬وهذه هي أصعب مشكلة يف البناء‬
‫وهي عادةً ختل طلباً ملواد بناء من خارج القرية وابلتايل فهي مواد غالية ‪ .‬وقد‬
‫أدت حماولة حل مشكلة التسقي يف مناط كثرية إىل خل أسق ثقيلة مرهقة‬
‫إىل حد هائل ‪ ،‬وهي كثرياً ما تنهار من الزالزل أو بعد األمطار الغزيرة ‪ .‬ومثل‬
‫هذه األسق كانت عموماً مسئولة عن الوفيات املرعبة اليت حدثت يف تركيا‬
‫وإيران يف الزالزل العنيفة ‪ .‬وهناك حل موجود ‪.‬‬
‫ويبني الدكتور فتحي يف هذا الكتاب ما هو هذا احلل وكي ميكن تعلمه سريع ًا‬
‫‪ .‬وهناك قضااي أخرى تؤثر يف الصحة واالتصال واخلصوصية ‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫الشئون اليت هتم األسرة ‪ .‬ويف كل هذه الشئون ‪ ،‬فإن املهندس املعماري‬
‫يستطيع مساعدة الناس للوصول إىل أهدافهم بواسطة جمهوداهتم هم أنفسهم ‪،‬‬
‫أبحسن وأرخص مما يستطيعونه دون مساعدته هلم ‪ .‬وحىت يف أمور بسيطة مثل‬
‫احلصول على الرتبة اليت يصنع منها الطوب الل ن ‪ ،‬قد ينت بشيء من‬
‫التخطيط خل مورد اقتصادي جملتمع القرية ؛ هو بركة تريب فيها األمساك ‪.‬‬
‫وكل هذا يتطلب التعاون ‪ :‬وبدون مسامهة املهندس املعماري ‪ ،‬تكون املباين‬
‫قبيحة ‪ ،‬غري سليمة و ‪ /‬أو غالية ‪ .‬وبدون تعاون الناس فإن املشرو يصبح‬
‫عقيماً ‪ ،‬وغري حمبوب ‪ ،‬فال يرعونه ‪.‬‬
‫ومما يثري السخرية أن معظم اإلسكان اجلماهريي يف العامل اآلن يتم بدون تعاون‬
‫ال من املهندس املعماري وال من الناس ‪ .‬فهو إسكان بقرار بريوقراطي يقوم‬
‫املقاولون ببنائه ‪ ،‬سواء كان اإلسكان ميتد أفقياً أو رأسياً ‪ ،‬فإنه غالباً يصبح يف‬
‫التو حياً من األحياء الفقرية ‪.‬‬
‫ولعل منتهى السخرية يف عصران كما يذكران الدكتور فتحي ‪ ،‬أن إنتاج هذا‬
‫الشكل من القبح مكل أكثر التكلفة ‪ ،‬وأننا يف النهاية سوف ندفع إىل‬
‫اإلسكان األفضل األمجل ألننا ببساطة ال نستطيع حتمل مثن أي نو آخر من‬
‫اإلسكان ‪.‬‬
‫إن الدكتور فتح ي جتسيد للمبدأ الذي يؤازره معهد أدالي ستيفنسون ؛ وهو‬
‫إاتحة الفرصة لرجل له رؤيته والتزام من أجل أن يدخل يف صرا مع مشكلة‬
‫اجتماعية هائلة ‪ .‬وهناك الكثري مما ميكن أن نتعلمه من ذلك حىت عند الفشل‬
‫– ومثة جوانب من هذا يف عمل الدكتور فتحي ‪ .‬على أن هناك أمراً واحداً‬
‫واضحاً ‪ .‬أنه حىت يف عامل السرعة والكتل والتجريد ‪ ،‬ما من بديل عن الفرد‬
‫املوهوب الذي يبذل من اهتمامه ‪.‬‬

‫وليام ر ‪ .‬بولك‬
‫رئيس معهد أدالي ستيفنسون‬
‫للشئون الدولية‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫‪ .‬إن مستوى املعيشة‬ ‫جديد إلصالح الري‬ ‫هذا الكتاب دعوة ملوق‬
‫واحلضارةبني فالحي العامل الفقراء فقراً مدقعاً هو مما ميكن رفعه بواسطة البناء‬
‫التعاوين ‪ ،‬الذي يتطلب تناوالً جديداً لإلسكان اجلماهريي يف الري ‪ .‬وهذا‬
‫التناول فيه ماهو أكثر من خالص األمور التقنية ‪ .‬اليت هتم املهندس املعماري‬
‫بتعقد ورهافة ابلغني ‪ ،‬وهناك‬ ‫‪ .‬فهناك مسائل اجتماعية وحضارية تتص‬
‫املسائل االقتصادية ‪ ،‬ومسألة عالقة املشرو ابحلكومة ‪ ،‬وهلم جراً ‪ .‬و ال ميكن‬
‫أن ترتك أي من هذه املسائل بدون اعتبار ‪ ،‬ألن كل واحدة منها هلا أتثريها على‬
‫األخرى ‪ ،‬والصورة الشاملة ستتشوه حبذف أي منها ‪.‬‬
‫وهلذا فإن الكتاب يعاجل املركب الكلي هلذه املشكالت ‪ ،‬وكل أمر يقع يف‬
‫مكانه املنطقي يف العرض ( إال ابلنسبة لبعض املعلومات التقنية احملضة ‪ ،‬اليت‬
‫مت وضعها يف ملح ) حبيث يتمكن كل القراء ‪ ،‬مهما كانت مؤهالهتم أو أوجه‬
‫اهتماماهتم اخلاصة ‪ .‬من استيعاب مشولية فلسفة التخطيط املعروضة ‪.‬‬
‫وملا كانت مقرتحايت تتعل أساساً ابلفالح ‪ ،‬فإن كتايب مهدي إليه ‪ ،‬وكم كنت‬
‫أود لو كان من املستطا أن يكون توجيهه مقصوراً عليه ‪ ،‬وأين آلمل أنه سيأيت‬
‫سريعاً ذلك الوقت الذي يستطيع فيه أن يقرأه وحيكم عليه ‪ ،‬على أن ينبغي‬
‫علي يف الوقت احلايل أن أوجهه إىل أولئك الذين يضعون رفاهية الفالح موضع‬
‫العناية ‪ :‬إىل املهندس املعماري ‪ ،‬وإىل املخطط ‪ ،‬وعامل االجتما ‪ ،‬وعامل‬
‫اإلنسان ‪ ،‬إىل كل الرمسيني احملليني والقوميني والدوليني الذين يهتمون ابإلسكان‬
‫وبرفاهية الري ‪ ،‬إىل السياسيني واحلكومات يف كل مكان ‪ ،‬وإىل كل فرد يعمل‬
‫يف املساعدة على تشكيل السياسة الرمسية املوجهة للري ‪.‬‬
‫ولن يكون من اإلنصاف ختام هذه املقدمة بدون اإلقرار ابلشكر لكل أولئك‬
‫الذين ساعدوين يف إنتاج هذا الكتاب ‪ .‬وهم من مصر ‪ ،‬الدكتور ثروت عكاشة‬
‫‪ ،‬والدكتور ‪ :‬جمدي وهبة ‪ ،‬ومسرت كريستوفر سكوت ‪ ،‬واآلنسة نوال حسن ‪،‬‬
‫ومسرت سبريو دايمانتيس ‪ ،‬والدكتور روالند إليس ‪ ،‬أما يف الوالايت املتحدة‬
‫فقد نلت العون من زماليت يف معهد أدالى ستيفنسون ‪ ،‬كما اكتسبت‬
‫واستمتعت إىل حد هائل من رفقيت هليئة التدريس ابملعهد وألصحاب الزمالة‬
‫اآلخرين ‪ ،‬إن هذا املعهد هو املكان الذي فيه أفكاري وجدت سكناها وروحها‬
‫يف صورة جداً واضحة مبا أث أنه سيمكنين من أضعها موضع التطبي ‪.‬‬

‫*حسن فتحي‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫(( قرآن كرمي ))‬


‫حلن االستهالل‬

‫احللم والواقع‬

‫اجلنة املفقودة ‪ :‬الري‬


‫لو أعطيت مليون جنيه ‪ ،‬ماذا سوف تفعل هبا ؟ هذا سؤال كانوا يسألونه‬
‫لنا دائماً عندما كنا شباابً ‪ ،‬سؤال يطل من اخليال هائماً ‪ ،‬ويطل فينا‬
‫أحالم اليقظة ‪ .‬وكانت هناك إجابتان حمتملتان لدى ‪ :‬إحدامها أن‬
‫اشرتي خيتاً ‪ ،‬واستأجر أوركسرتا ‪ ،‬وأحبر حول العامل مع أصدقائي مستمعني إىل‬
‫ابخ وشومان وبرامز ؛ واألخرى أن أبين قرية يتبع فيها الفالحون أسلوب احلياة‬
‫الذي أمتناه هلم ‪.‬‬
‫وكان هلذه األمنية الثانية جذور عميقة ترتد إىل طفوليت ‪ .‬لقد أحسست دائماً‬
‫حبب عمي للري ‪ ،‬ولكنه كان حباً لتصور ‪ ،‬وليس لشيء أعرفه حقاً فالري ‪،‬‬
‫املكان الذي يعيش فيه الفالحون ‪ .‬مل أكن أراه إال من نوافذ القطار عندما‬
‫نذهب إىل اإلسكندرية لقضاء إجازة الصي ‪ ،‬ولكن هذه اخلربة العابرة أضيفت‬
‫هلا صوراتن متباينتان حصلت عليهما من أيب وأمي ابلتتايل ‪.‬‬
‫أما أيب فكان يتجنب الري ‪ .‬فهو ابلنسبة له مكان مليء ابلذابب والبعوض ‪،‬‬
‫واملاء امللوث ‪ ،‬وكان مينع أطفاله من أن تكون هلم أي عالقة به ورغم أنه كان‬
‫ميتلك العديد من الضيا يف الري إال أنه مل يكن يزورها قط ‪ ،‬وال يقرتب من‬
‫الري ألكثر من املنصورة ‪ ،‬العاصمة اإلقليمية ‪ ،‬حيث كان يذهب مرة كل سنة‬
‫ليلتقي بوكالئه يف األرض ليقبض إجياره ‪ .‬وحىت السنة السابعة والعشرين من‬
‫‪.‬‬ ‫عمري مل أضع قط قدماي على أي من ممتلكاتنا يف الري‬
‫‪ ،‬فكانت حتتفظ له أبمتع‬ ‫أما أمي فقد قضت جزءاً من طفولتها يف الري‬
‫الذكرايت ‪ ،‬وكانت تتوق حىت أخر يوم يف حياهتا للعودة إليه ‪ .‬وكانت تقص‬
‫علينا حكاايت عن اخلراف الوديعة اليت تتبعها يف سريها ‪ ،‬وعن كل حيواانت‬
‫املزرعة ‪ ،‬والدجاج واحلمام وكي كانت ت نشئ الصداقات معها وتظل ترقبها‬
‫طوال العام ‪ .‬وكانت احليواانت الوحيدة اليت رأينها عن قرب هي اخلراف اليت‬
‫تشرتي لعيد األضحى ‪ ،‬واليت ما أن نقيم صداقة معها حىت تؤخذ لتذبح ‪ .‬أو‬
‫قطعان العجول الصغرية اليت كانت تساق من خالل الشوار إىل املذبح ‪.‬‬
‫وقصت علينا أمي كي ينت الناس يف الري كل ما حيتاجونه ألنفسهم ‪ ،‬وكي‬
‫أن‬ ‫أهنم ال حيتاجون أبداً إىل شراء شيء غري قماش مالبسهم ‪ ،‬بل وكي‬
‫السمار الالزم ملكانسهم ينمو بطول القنوات يف املزرعة ‪ .‬ويبدو أنين قد ورثت‬
‫شوق أمي ‪ ،‬الذي مل يتحق ‪ ،‬للعودة إىل الري ‪ ،‬وكنت أعتقد أن الري يعطي‬
‫الفرصة حلياة أبسط و أسعد و أقل قلقاً مما تفعل املدينة ‪.‬‬
‫وقد احتدت هااتن الصوراتن يف خيايل لتنتجا صورة للري كجنة ‪ ،‬ولكنها جنة‬
‫يعتمها من فوقها سحب من الذابب ‪ ،‬وجداوهلا اليت جتري حتت األقدام قد‬
‫أصبحت موحلة وموبوءة ابلبلهارسيا والدوسنتاراي ‪ .‬والزمتين هذه الصورة‬
‫وجعلتين أشعر أنه ينبغي عمل شيء ليستعيد الري املصري نعيم اجلنة ‪ .‬وإذا‬
‫كانت املشكلة قد بدت يل بسيطة آنذاك ‪ ،‬فسبب ذلك أين كنت شاابً بال‬
‫خربة ‪ ،‬على أهنا كانت ومازالت مسألة تشغل اجلانب األعظم من أفكاري‬
‫ونشاطايت من وقتها حىت اآلن ‪ ،‬مشكلة كلما تكش يل تعقدها عرب السنني مل‬
‫يؤد ذلك إال لتعزيز اقتناعي أبنه ينبغي عمل شيء حللها ‪ .‬إال أن (( الشيء))‬
‫الذي حيلها هكذا ال ميكن أن يكون مما يصلح لذلك إال إذا كان ملهماً ابحلب‬
‫لن يستطيعوا القيام بذلك بناء على‬ ‫‪ .‬إن من يكون عليهم أن حيولوا الري‬
‫توجيهات عالية تصدر من املكاتب الوظيفية يف القاهرة ‪ ،‬وإمنا سيكون عليهم‬
‫أن حيبوا الفالح مبا يكفي ألن يعيشوا معه ‪ ،‬وعليهم أن يتخذوا مسكنهم يف‬
‫الري ‪ ،‬وأن يكرسوا حياهتم لألداء العملي يف املوقع مباشرة ‪ ،‬من أجل إصالح‬
‫احلياة الريفية ‪.‬‬
‫وبسبب من إحساسي هذا جتاه احلياة الريفية ‪ ،‬وجدتين مدفوعاً عندما أمتمت‬
‫دراسيت الثانوية إىل أن أقدم طلباً لدخول مدرسة الزراعة ‪ .‬على أنه كان هناك‬
‫امتحان يعقد للطلبة الذين يطمحون لدخول هذه املدرسة ‪.‬ووقتها ‪ ،‬كانت‬
‫خربيت العملية ابلفالحة تقتصر فحسب على ما كنت أراه من نوافذ القطار ‪،‬‬
‫ولكين ظننت أنين رمبا أعوض ما لدي من أوجه قصور أبن أدرس النظرايت‬
‫الزراعية من املراجع ‪ .‬ودرست بعناية كل شيء عن كل حمصول لوحده وذهبت‬
‫ألواجه املمتحنني ( كان االمتحان شفوايً ) ‪ .‬وسألين املمتحن ‪ ((:‬لو كان لديك‬
‫حقل قطن وأردت أن تزر فيه أرزاً ‪ ،‬ماذا ستفعل ؟ )) (( ايله من سؤال‬
‫سخي )) هكذا فكرت ‪ ،‬مث أجبت ‪ ((،‬األمر بسيط سوف اقتلع القطن وأزر‬
‫األرز )) ‪ .‬ومل يقل شيئاً ‪ ،‬ولكنه سألين عن الزمن الذي يستغرقه منو الذرة‪.‬‬
‫وخانتين الذاكرة ‪ ،‬فقلت ستة شهور بدالً من ستة أسابيع ‪ .‬وسألين املمتحن ((‬
‫أمتأكد أنت ؟ ‪ ،‬أال تكون سبعة شهور هي األقرب ؟)) وفكرت يف األمر ‪،‬‬
‫وكنت قد الحظت من القطار أن حقول الذرة ميكن أن تكون كبرية جداً ومل‬
‫أكن أرى قط أي فرد يف داخلها ‪ .‬البد أن حصاد الذرة يتطلب زمناً طويالً ‪.‬‬
‫وقلت (( نعم ‪ ،‬رمبا سبعة شهور ‪ )) .‬أو حىت مثانية شهور ؟ )) (( حسن ‪ ،‬نعم‬
‫أظن ذلك )) ‪ (( .‬أو هي تسعة ؟ )) وهنا بدأ خيطر يل أنه لعله ال ينظر إلجابيت‬
‫مبا تستحقه من االحرتام ‪ .‬وصرفوين يف أدب ‪ ،‬ومل أدخل مدرسة الزراعة ‪.‬‬
‫***‬
‫وذهبت بدالً من ذلك إىل الفنون التطبيقية ‪ ،‬حيث اخرتت دراسة العمارة ‪.‬‬
‫وبعد خترجي ذهبت يوماً لإلشراف على بناء مدرسة يف طلخا ‪ .‬وطلخا مدينة‬
‫ريفية صغرية على النهر يف مشال الدلتا ‪ ،‬مقابل املنصورة ‪ .‬وكان موقع املدرسة‬
‫خارج املدينة ‪ .‬وبعد أول يوم أيومني غريت طريقي عامداً ألجتنب اخرتاق املدينة‬
‫‪ .‬فقد بلغ من امشئزازي من منظر ورائحة الشوار الضيقة الغارقة يف الطني وكل‬
‫أنوا القذر ‪ ،‬حيث تلقى ابنتظام كل قمامة املطابخ – املاء الوسخ ‪ ،‬وقشور‬
‫السمك ‪ ،‬واخلضروات العطنة وبقااي الذابئح – وبلغ من اكتئايب من مظهر‬
‫الدكاكني الصغرية الرزية – وواجهاهتا املفتوحة على ما يف الشار من روائح‬
‫وذابب ‪ ،‬وهي تعرض سلعها البائسة على املارة املبتلني ابلفقر ‪ ،‬بلغ من هذا‬
‫كله أين مل اعد استطيع حتمل مرور خالل املدينة ‪.‬‬
‫وظلت صورة هذه املدينة تالزمين ‪ ،‬ومل اعد أستطيع التفكري إال يف استسالم‬
‫هؤالء القرويني حلاهلم استسالماً ايئساً ويف نظرهتم للحياة نظرة ضيقة قاصرة ‪،‬‬
‫وتقبلهم الذليل لكل هذا الوضع املرو الذي جيربون فيه على إنفاق حياهتم‬
‫كادحني يف سبيل املال وسط املباين الزرية يف طلخا ‪ .‬وكان ما يتبدى من‬
‫المباالهتم ميسك خبناقي وكنت أتعذب من عجزي أمام هذا املشهد ‪ ،‬فمن‬
‫املؤكد أن هناك شيئاً ما ميكن عمله ؟ ولكن ما هو؟ إن الفالحني جد غارقني‬
‫يف بؤسهم مبا ال يسمح هلم ابملبادرة إىل التغيري ‪ .‬إهنم حيتاجون لبيوت الئقة ‪،‬‬
‫ولكن البيوت غالية ‪ .‬ويف املدن الكبرية ينجذب الرأمساليون إىل عائد االستثمار‬
‫يف اإلسكان ‪ ،‬وكثرياً ما تقدم اهليئات العامة – الوزارات وجمالس املدن ‪ ،‬اخل –‬
‫تسهيالت واسعة للمواطنني ‪ .‬ولكن ال الرأمساليون وال الدولة يبدو أهنم يرغبون‬
‫يف أن أيخذوا على عاتقهم متويل بيوت الفالحني ‪ ،‬اليت ال تعود أبي إجيار على‬
‫الرأمساليني ‪ ،‬وال تعود على السياسيني إال أبقل األجماد ؛ وهكذا فإن كال‬
‫الطرفني ينفضان أيديهما من األمر ‪ ،‬ويظل الفالحون يعيشون يف القذر ‪ .‬وقد‬
‫تقول أن هللا ال يعني إال من يعينون أنفسهم ‪ ،‬ولكن هؤالء الفالحني ال‬
‫يستطيعون ذلك ‪ .‬وهم ال يك ادون حىت يستطيعوا حتمل مثن البوص لتسقي‬
‫أكواخهم ‪ ،‬فكي ميكنهم أن أيملوا شراء أعواد احلديد الصلب أو اخلشب أو‬
‫اإلمسنت إلقامة بيوت جديدة ؟ وكي ميكنهم أن يدفعوا أجر البنائني إلقامة‬
‫البيوت ؟ ال ‪ .‬إهنم وقد ن بذوا من هللا ومن البشر ‪ ،‬جيرون معه سنوات حياهتم‬
‫القصرية العليلة القبيحة فيما يولدون فيه من قذر وجهد ‪ .‬وهذا احلال يشارك‬
‫فيه املاليني يف مصر ‪ ،‬أما يف املعمورة كلها فإنه يوجد حسب تقدير األمم‬
‫املتحدة ‪ 122,222,222 ..‬فالح – ثلث سكان العامل – حمكوم عليهم‬
‫اآلن ابملوت قبل األوان بسبب سوء إسكاهنم ‪.‬‬
‫وتصادف أن كانت إحدى عزبنا قريبة من طلخا ‪ .‬وانتهزت الفرصة أللقي نظرة‬
‫عليها ‪ .‬وكانت خربة مروعة ‪ .‬مل تكن لدى حىت ذلك الوقت أي فكرة عن‬
‫القذارة املخيفة والقبح الذي يعيش فيه الفالحون يف عزية ‪ .‬وشاهدت جمموعة‬
‫أكواخ من الطني ‪ ..‬منخفضة ‪ ،‬مظلمة ‪ ،‬قذرة ‪ ،‬بال نوافذ وال مراحيض و‬
‫المياه نظيفة ‪ ،‬واملاشية تعيش عملياً يف نفس احلجرة مع الناس ؛ مل يكن هناك‬
‫أدىن صلة يف خيايل من ري شاعري ‪ .‬وكل شيء يف هذه العزبة التعيسة خيضع‬
‫لالقتصادايت ؛ املزروعات متتد مباشرة حىت عتبات األكواخ اليت تتزاحم يف‬
‫ذات فناء العزبة القذر لترتك أقصى مساحة ممكنة للمزروعات اليت تدر املال ؛‬
‫وليس مثة ظل ‪ ،‬فظل األشجار يعوق منو القطن ؛ وما من شيء مما يفعل يكون‬
‫فيه نظرة اعتبار للكائنات البشرية اليت تنف حياهتا هناك ‪.‬‬
‫***‬
‫وحلت هذه الصورة مكان الصورة األوىل للجنة الريفية ذات اجلداول املوحلة ‪.‬‬
‫على أنه رمبا كان من حسن احلظ أن العزبة كانت ملكنا ‪ ،‬فقد أدى ذلك إىل‬
‫أن خيطر ببايل أننا حنن أنفسنا املسئولون ‪ .‬لقد كان أول جزء أراه من الري هو‬
‫إحدى عزب عائلتنا ‪ ،‬وقد قنعنا أبن حنيا وحنن جنهل بؤس الفالحني هذا الذي‬
‫يثري السقم ‪.‬‬
‫والدي على إعادة بناء العزبة ‪ .‬وقد ف عال ‪ .‬ولكين إىل‬
‫ّ‬ ‫وابلطبع فقد حثثت‬
‫جانب بناء العزبة وبيوت الفالحني نفسها كنت مهتماً للغاية ابحلصول على‬
‫بيت يبين هناك لعائلتنا ‪ .‬فقد أحسست أن السبب الرئيسي لسوء حال العزبة‬
‫هو أن أحداً منا ال يزورها ‪ ،‬وأن أحسن ضمان الستمرار رفاهتها هو أن يعيش‬
‫أفراد عائلتنا هناك كثرياً بقدر اإلمكان وحلسن احلظ كانت هناك اسرتاحة‬
‫والدي أنين‬
‫ّ‬ ‫صغرية من غرفتني ‪ ،‬أمكنين إصالحها وإعادة تشكيلها ‪ ،‬وإن اعتقد‬
‫جمنون ‪ ،‬ويف النهاية فقد ثبت يف احلقيقة أن فيها ما ميتع حىت أخي أقام هناك‬
‫وكان أييت ابلضيوف إليها ‪ ،‬حبيث أهنا ظلت تقريباً مسكونة دائماً ‪.‬‬
‫طوب ال ن – األمل الوحيد إلعادة بناء الري ‪.‬‬
‫اخلري أقصى اخلري مثله كاملاء‬
‫يصنع اجلميل‬
‫لكل األشياء مث ميضي‬
‫بال تذمر إىل أماكن يزدريها البشر‬
‫* الوتزى‬ ‫ولكنه هكذا ‪ ،‬قريب ابلطبيعة للطري ‪.‬‬
‫إنه ابلتأكيد لوضع شاذ إن أي فالح يف مصر حيوز قدر فدان من األرض ابمسه‬
‫ميتلك منزالً ‪ ،‬بينما مالك األراضي من أصحاب املائة فدان أو أكثر ال‬
‫يتحملون دفع مثن منزل ‪ .‬إال أن الفالح يبين منزله من الطني ‪ ،‬أو طوب الل ن‬
‫‪ ،‬الذي حيفره من األرض وجيففه يف الشمس ‪ .‬وهاهنا ‪ ،‬يف كل عشة وكوخ‬
‫متدا يف مصر ‪ ،‬كانت اإلجابة على مشكليت ‪ .‬فهنا طيلة السنني والقرون ظ ل‬
‫الفالح يستثمر حبكمة وهدوء مادة البناء الظاهرة‪ ،‬بينما حنن أبفكاران احلديثة‬
‫من التعليم املدرسي ال حنلم أبداً ابستخدام مادة مضحكة هكذا مثل الطني‬
‫لعملية خل جدية للغاية ‪ .‬مثل املسكن ‪ .‬ولكنه مل ال ؟ من املؤكد أن بيوت‬
‫الفالحني قد تكون ضيقة ومظلمة وقذرة وغري مرحية‪ ،‬ولكن هذا ليس نتيجة‬
‫خطأ من طوب الل ن ‪ .‬فليس هناك ما ال ميكن إصالح أمره ابلتصميم اجليد‬
‫وحسن االنتقاء‪ .‬ملاذا ال نستخدم لبيوتنا يف الري هذه املادة اليت أرسلت من‬
‫السماء ؟ وملاذا حقاً ال جتعل بيوت الفالحني أنفسهم أفضل ؟ملاذا ينبغي أن‬
‫يكون هناك أي فارق بني بيت الفالح‪ ،‬وبيت املالك ؟ هيا نبنيها معاً من طوب‬
‫الل ن ونصممها معاً تصميماً جيداً ‘ وسوف ميكن هلما معاً أن يوفرا ملالكيهما‬
‫اجلمال والراحة‪.‬‬
‫وهكذا أخذت أصمم بيواتً ريفية من طوب الل ن ‪ ،‬وأنتجت عدداً من‬
‫التصميمات ‪ ،‬بل وأقمت يف ‪ 8119‬معرضاً يف املنصورة ‪ ،‬مث بعدها يف القاهرة‬
‫‪ ،‬حيث ألقيت حماضرة عن تصوري للبيت الريفي ‪ ,‬قد أتتت عن هذه احملاضرة‬
‫عدة فرص للبناء ‪ .‬وكانت هذه البيوت يف غالبها لعمالء أغنياء ‪ ،‬وكان فيها‬
‫ابلتأكيد حتسني عن منط البلدة القدمي للبيت الريفي ‪ ،‬إال أن سبب ذلك يف‬
‫أغلبه أهنا كانت أكثر مجاالً ‪ .‬على أهن ا ابلرغم من جدراهنا االقتصادية املصنوعة‬
‫من طوب الل ن ‪ ،‬مل تكن أرخص كثرياً من املنازل املبنية من املواد األكثر تقليدية‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬والسبب هو غلو مثن خشب األسق‬
‫‪ ،‬هبتيم ‪ :‬التجربة واخلطأ‬ ‫الطني للتسقي‬
‫سرعان ما بدأت احلرب * بعد ذلك ؛ وتوق كل البناء ‪ .‬فقد انقطعت متاماً‬
‫إمدادات احلديد والصلب واخلشب ‪ .‬وصادر اجليش ما كان موجوداً يف البلد‬
‫من قبل من تلك املواد ‪ .‬على أين و أان مازلت مأخوذاً برغبيت يف البناء يف‬
‫الري ‪ ،‬أخذت أحبث عن وسائل للتغلب على نقص مواد البناء ‪ .‬وعلى األقل‬
‫فمازال لدى طوب الل ن ! مث خطر يل أنه مادام لدي طوب الل ن وليس من‬
‫شيء أخر ‪ ،‬فإين لست أبسوأ حاالً من أجدادي األقدمني ‪ ..‬إن مصر مل تكن‬
‫ابليت تستورد دائماً حديد الصلب من بلجيكا واخلشب من رومانيا ‪ ،‬وإن كانت‬
‫قد ظلت دائماً تبين البيوت ‪ .‬ولكن كي كانوا يبنوهنا ؟ اجلدران نعم ‪ .‬أستطيع‬
‫أيضاً أن أبين اجلدران ‪ ،‬ولكن ليس لدي شيء أسقفها به ‪ .‬أال ميكن استخدام‬
‫طوب الل ن ألسق به بيويت من فوق ؟ ما الرأي يف نو األقبية * * ؟‬
‫واملعتاد أنه حىت تسق غرفة بقبو ‪ ،‬فإن البناء أييت بنجار لصنع شدة خشبية‬
‫قوية ‪ ،‬جيب إزالتها عندما يتم صنع القبو ‪ ،‬وهذه تكون قبواً خشبياً كامالً ‪،‬‬
‫جيري بكل طول الغرفة ‪ ،‬ومتسك به دعامات خشبية وتستقر عليه مداميك قبو‬
‫البناء أثناء صنعها ‪.‬‬
‫إال أن طريقة اإلنشاء هذه ابإلضافة إىل تعقيدها وتطلبها ملهارة خاصة للتأكد‬
‫من أن لبنات إسفني القبو تتجه إىل املركز من القوس ‪ ،‬فأهنا أيضاً مما يتجاوز‬
‫وسائل الفالح فهي من نفس نو الوسيلة املستخدمة يف بناء أحد اجلسور ‪.‬‬
‫مث تذكرت أن القدماء أمكنهم بناء األقبية دون شدة خشبية كهذه ففكرت يف‬
‫أن أحاول فعل نفس الشيء ‪ .‬وحوايل ذلك الوقت كان قد طلب مين أن أضع‬
‫بعض التصميمات للجمعية امللكية الزراعية ‪ ،‬وضمنت أفكاري اجلديدة يف هذه‬
‫البيوت ‪ .‬وشرحت ما أريده للبنائني ‪ ،‬فحاولوا إقامة أقبية بدون استخدام‬
‫الشدات اخلشبية ‪ .‬وسرعان ما اهنارت األقبية ‪.‬‬
‫ومل حترز احملاوالت املتكررة أي جناح ‪ .‬كان من الواضح أنه إذا كان القدماء قد‬
‫عرفوا طريقة بناء القبو بدون شدة خشبية فإن السر قد مات معهم ‪.‬‬
‫وتصادف أن كان أخي األكرب وقتها مديراً لألعمال يف خزان أسوان ‪ .‬واستمع‬
‫إىل أخبار فشلى ‪ .‬وأنصت متعاطفاً ‪ ،‬مث ذكر أن النوبيني يف احلقيقة يبنون أقبية‬
‫‪ ،‬يقيموهنا أثناء تشييدها بدون استخدام أي دعامة مطلقاً ‪ ،‬وذلك لتسقي‬
‫بيوهتم وجوامعهم ‪ .‬وانفعلت أشد االنفعال ؛ فلعل القدماء رغم كل شيء مل‬
‫يدفنوا سرهم معهم يف مقابرهم ذات األقبية املستفزة ‪ .‬ولعل اجلواب عن كل‬
‫مشاكلي ‪ ،‬ذلك التكنيك الذي سيجعلين أخرياً أستخدم طوب الل ن يف كل‬
‫جزء من البيت ‪ ،‬ينتظرين هناك يف النوبة ‪.‬‬
‫______________________________‬

‫* يقصد بدء احلرب العاملية الثانية ‪ (8111‬املرتجم )‬


‫** القبو هو الطل املعقود يف البناء بعضة إىل بعض يف شكل قوس وكلمة‬
‫القبو هلا معىن آخر يف العربية هو بناء حتت األرض حلفظ األغذية‬
‫واملشروابت ‪ .‬واملقصود هنا ويف كل الكتاب املعىن األول ‪(.‬املرتجم)‬

‫***‬
‫النوبة – تكنيك قدمي للتقبية مازال ابقياً‬
‫ذات صباح يف فرباير ‪ 8198‬غادرت القطار يف أسوان ‪ ،‬يف صحبة عدد من‬
‫الطلبة واملدرسني من مدرسة الفنون اجلميلة ‪ .‬يقومون برحلة دراسية للمواقع‬
‫األثرية ‪ ،‬وانتهزت الفرصة للذهاب معهم ملشاهدة ما ينبغي رؤيته يف النوبة ‪.‬‬
‫إىل حد ابلغ‬ ‫وكان انطباعي األول هو عن معمار أسوان نفسها الذي يتص‬
‫بعدم التميز ‪ .‬إهنا مدينة إقليمية صغرية ‪ ،‬تبدو كقاهرة رثة مصغرة مزروعة يف‬
‫الري ؛ نفس واجهات املباين امل ّدعية ‪ ،‬نفس واجهات الدكاكني املبهرجة ‪،‬‬
‫نفس اجلو املعتذر ذو العالقات السقيمة لشيء لعله قد يصبح جو مدينة ‪.‬‬
‫قرحة صغرية كئيبة للعني ‪ ،‬تتل املشهد الدرامي البديع للجندل الثاين ‪ .‬مل يكن‬
‫يف أسوان شيء مما أطلبه ؛ وابلتأكيد ما من عالمة تشري إىل تلك اإلشاعات عن‬
‫التكنيكات اليت أتيت حبثاً عنها ‪ .‬وكان من خيبة أملي أنين كدت أقرر أن أالزم‬
‫فندقي ‪.‬‬
‫على أين قمت برحلة عرب النهر ‪ ،‬ذلك أن أخي كان قد أخربين أنين جيب أن‬
‫ألقي نظرة على القرى اليت يف الضواحي بدالً من أسوان نفسها ‪ .‬وما أن‬
‫دخلت أول قرية ‪ ،‬وهي (( غرب أسوان )) حىت أدركت أنين قد وجدت ما‬
‫علي ‪ ،‬قرية أبكملها من بيوت رحبة‬
‫جئت من أجله ‪ .‬كان ذلك عاملاً جديداً ّ‬
‫مجيلة ‪ ،‬نظيفة ‪ ،‬ومتجانسة‬
‫‪ ،‬كل بيت فيها أمجل من البيت التايل ‪ .‬ليس هناك يف مصر أي مما يشبه ذلك‬
‫‪ ،‬إهنا قرية من بلد لألحالم ‪ ،‬لعلها من قرى مدينة قدمية خمبوءة يف قلب‬
‫الصحراء الكربى – وقد احتفظ هبا مهندسها املعماري طيلة القرون بال تلوث‬
‫من أي أتثريات أجنبية ‪ ،‬أو لعلها كانت من أطلنطس * نفسها ‪ .‬مل يكن مثة أثر‬
‫ملا حيدث عادة يف القرية املصرية من حشد تعس للبيوت ‪ ،‬وإمنا كل بيت يتلو‬
‫اآلخر سامقاً ‪ ،‬مراتحاً مسقوفاً سقفاً نظيفاً بقبو من الطوب ‪ ،‬وكل منزل مزين‬
‫على حنو فريد أني حول املدخل أبشغال املخرمات الطوبية ‪** Claustra‬‬
‫‪ ،‬حليات ابرزة وخطية من الطني ‪ .‬أدركت أنين إمنا أنظر إىل األثر احلي الباقي‬
‫ملعمار الرتاث املصري ‪ ،‬إىل طريقة بناء‬
‫كانت مبثابة منو طبيعي من املشهد اخللوي الطبيعي ‪ ،‬هي جزء منه مبثل ما‬
‫تكونه خنلة الدوم يف املنطقة ‪ .‬وكان األمر كرؤاي معمارية من عهود ما قبل‬
‫السقوط ‪ :‬قبل أن تؤدي النقود ‪ ،‬والصناعة ‪ ،‬واجلشع ‪ ،‬والتكرب إىل فصم‬
‫املعمار عن جذوره احلقيقية يف الطبيعة ‪ .‬و إذا كنت قد أحسست ابلسعادة ‪،‬‬
‫فإن الرسامني الذين أتوا معي كانوا يف حال غامر من النشوة ‪ .‬واختذوا جمالسهم‬
‫يف كل ركن ‪ ،‬وفضوا لوحات رمسهم‪ ،‬ونصبوا احلوامل ‪ ،‬وأمسكوا لوحات‬
‫األلوان والفرش وبدأوا العمل ‪ ،‬وأخذوا حيملقون ويصرخون ‪ ،‬ويشريون ؛ إهنا‬
‫هلدية اندرة نفيسة ابلنسبة ألي فنان ‪ .‬وحاولت أثناء ذلك أن أجد من يستطيع‬
‫أن خيربين عن املكان الذي يعيش فيه البناءون الذين خلقوا هذه القرية ‪ .‬ولكين‬
‫ها هاان كنت أقل حظاً ؛ ويبدوا أن كل الرجال كانوا يعيشون بعيداً عن املكان ‪،‬‬
‫ويعملون يف املدن ‪ ،‬فلم يكن هناك سوى النساء واألطفال ‪ ،‬وكانوا أشد خجالً‬
‫من أن يتحدثوا ‪ .‬وكانت الفتيات يكتفني ابجلري بعيداً وهن يكركرن ضاحكات‬
‫‪ .‬ومل أمتكن من احلصول على أي معلومة مطلقاً ‪ ،‬وعدت ومل أمتكن من احلصول‬
‫على أي معلومة مطلقاً ‪ ،‬وعدت إىل أسوان وقد استثريت شهييت وإن كانت مل‬
‫تشبع مطلقاً ‪ ،‬فواصلت حبثي عن بّن اء يعرف سر بناء هذه األقبية ‪ .‬وتصادف‬
‫أن حتدثت مع النادل يف الفندق عن مطليب ‪ ،‬فأخربين أن هناك حقاً بنائني‬
‫يعيشون يف أسوان ‪ ،‬وأنه سيوصلين إليهم ‪ .‬ويبدو أنه مل يكن هناك عمل كثري‬
‫ليقوم به البّناء احملرتف لبناء منازل طوب الل ن ‪ .‬ذلك أن كل رجل يف القرية أ ًاي‬
‫كان عمله املعتاد يستطيع أن يقيم لنفسه منزالً مقبياً ‪ ،‬وهكذا فإن تلك القلة‬
‫للعمل حلساب سكان املدن اإلقليمية مثل أسوان ‪،‬‬ ‫من البنائني كانت توظ‬
‫ممن قد فقدوا مهارات البناء ابلطريقة الرتاثية وعلى كل ‪ ،‬فقد كان هناك بناءون‬
‫قليلون جداً يبنون األقبية ‪ ،‬وقال النادل أنه سيعرفين للمعلم بغدادي أمحد علي‬
‫‪ ،‬أكربهم سناً ‪ .‬ويف اليوم التايل ذهبت جمموعتنا لرؤية اجلبانة الفاطمية يف أسوان‬
‫وهي جمموعة من األضرحة املتقنة ترجع إىل القرن العاشر ‪ ،‬بنيت ابلكامل من‬
‫طوب الل ن ‪ ،‬حيث األقبية والقباب تستخدم أبسلوب واث فخيم ‪ .‬ويوجد‬
‫أيضاً على مقربة من أسوان دير رهبان القديس سيمون ‪ ،‬وهو مبىن قبطي من‬
‫نفس الفرتة ‪ ,‬هنا أيضاً قد استخدمت قباب وأقبية من طوب الل ن ‪ ،‬ولكن‬
‫معمار الدير تتكش فيه البساطة والتواضع مبا يكون مثاالً للدير ‪ ،‬وهذا يثبت‬
‫أن هلذا النو من املعمار القدرة على أن يتواف توافقاً يتساوى جودة يف‬
‫اإلهلامات املتباينة للداينة اإلسالمية واملسيحية ‪ .‬ومن بني أشياء أخرى الحظت‬
‫بدهشة واهتمام عظيمني أن املطعم له رواق واسع يعتمد اعتماداً كلياً على‬
‫منظومة حاذقة من أقبية رئيسية واثنوية وذلك لتجنب أي حشو ثقيل فيما بني‬
‫السطح املقوس للقبو والسطح األفقي لألرضية من فوقه ‪ .‬ويف هذا إثبات‬
‫للحجة أبن مباين طوب الل ن ميكن أن ترتفع إىل طابقني وتظل قوية مبا يكفي‬
‫عام ‪ .‬كنت هكذا أحصل على مزيد ومزيد مما يؤكد ظنوين أبن‬ ‫لبقائها ألل‬
‫املواد واألساليب الرتاثية للفالح املصري هي أكثر من الئقة ألن يستخدمها‬
‫املهندسون املعماريون احملدثون ‪ ،‬وأن حل مشكلة اإلنسان يف مصر يكمن يف‬
‫اتريخ مصر‪.‬‬
‫___________________________________‬
‫* قارة أسطورية يزعم أهنا غارقة يف احمليط األطلسي ‪.‬‬
‫** أصالً خمرمات جصية ولكنها هنا من الطوب ( املرتجم )‬
‫ومع هذا فقد بقي علي أن أتعلم الطريقة احمللية لصنع األقبية ‪ .‬وكنت قد‬
‫وعدت بلقاء مع هذا املعلم البناء ‪ ،‬ولكنه مل يظهر ‪ .‬ومل يصل بغدادي أمحد‬
‫علي يف النهاية إال عند أخر حلظة ابلضبط لزايرتنا ‪ ،‬وعندما كنا ابلفعل على‬
‫يف انتظار القطار ‪ ،‬وعندها ‪ ،‬والقطار يزع بصرب انفذ ‪ ،‬ووسط‬ ‫الرصي‬
‫هسيس البخار وقعقعة العرابت ‪ ،‬وصيحات احلارس والركاب واملودعني ‪ ،‬مل‬
‫يكن لدينا من الوقت إال ما يكفي للمصافحة ابأليدي وتبادل العناوين قبل أن‬
‫حيملين القطار بعيداً إىل األقصر ‪.‬‬
‫***‬
‫كانت هذه الرحلة املعمارية ابلنسبة يل رحلة قنص وراء أقبية طوب الل ن ‪ ،‬وبعد‬
‫أ سوان ‪ ،‬ذهبنا لألقصر ‪ ،‬حيث أهبجين بوجه خاص أن أتفحص صوامع قمح‬
‫الرامسيوم – خمازن طويلة مقبية ‪ ،‬بنيت من طوب الل ن منذ ‪ 1922‬عام ‪ ،‬إهنا‬
‫كما يبدو مادة تتحمل حتمالً جيداً ‪.‬‬
‫ومن األقصر ذهبنا إىل تونة اجلبل ‪ ،‬حيث وجدت املزيد من األقبية اليت يبلغ‬
‫عمرها ‪ 0222‬عام ‪ ،‬وكان أحدها يدعم درجاً ممتازاً ‪.‬‬
‫ومن عجب أنين يف جولة واحدة قصرية شاهدت الدليل القائم على انتشار‬
‫البناء ابألقبية خالل التاريخ املصري كله ‪ ،‬إال أنين حسب ما تعلمناه يف مدرسة‬
‫العمارة ما كنت ألظن أن أحداً قبل الرومان كان يعرف كي يبين عقداً وعلماء‬
‫اآلاثر يقصرون ا نتباههم على اآلنية املهشمة والنقوش املطموسة ‪ ،‬ومن آن‬
‫آلخر قد تدب احليوية يف دراساهتم الصارمة عندما يكتشفون خبيئة من الذهب‬
‫‪ .‬أما ابلنسبة للعمارة فليس لديهم أي رؤية و ال أي وقت هلا ‪ .‬وهم يف وسعهم‬
‫أن يغفلوا عن املقوالت املعمارية اليت تقع حتت أنوفهم مباشرة – ومثة كتب‬
‫تذكر أن قدماء املصريني مل يتمكنوا من بناء القباب ‪ ،‬على أين قد رأيت قبة‬
‫مصرية قدمية يف مقربة سينب ‪ ،‬يف الوسط متاماً من جبانة اجليزة ‪ .‬و ال ميكن أن‬
‫يكون مثة شك يف أن تكنيك بناء األقبية والقباب – بطوب الل ن أيضاً – كان‬
‫تكنيكياً مألوفاً متاماً للمصريني يف عهد األسرة الثانية عشرة ‪.‬‬

‫البناءون النوبيون يعملون – النجاحات األوىل ‪.‬‬


‫عندما عدت إىل القاهرة ‪ ،‬كتبت مباشرة إىل أسوان يف طلب البنائني مل يكن‬
‫هناك وقت يضيع ‪ ،‬ذلك أن مزرعة اجلمعية امللكية للزراعة كانت ومازالت بال‬
‫سق بعد أن هتاوت أول حماولة لنا لبناء األقبية ‪ .‬وخالل أايم قليلة ‪ ،‬التقيت‬
‫وأبو أمحد و عبد الرحيم وأبو النور – بناءون من أسوان – ويف اليوم التايل‬
‫كانوا يعملون يف املزرعة ‪ .‬ومنذ نفس اللحظة األوىل للقائي هبم ‪ ،‬كان منهم ما‬
‫يعد بعصر جديد للبناء ‪ ،‬فعندما سألت هم عن الطريقة اليت يفضلوهنا لدفع‬
‫أجرهم ‪ ،‬ابليوم أو ابلقطعة ‪ ،‬كانوا أبسط من أن يروا أي فارق بني االثنني ‪.‬‬
‫واآلن ‪ ،‬فإن العامل العادي يفضل كثرياً أن أيخذ أجره ابليومية ‪ ،‬ألنه عندها‬
‫نفسه بتناول القهوة كل‬ ‫يستطيع أن ينال فرتات راحة عديدة ‪ ،‬وأن يكي‬
‫ساعة أو م ا شابه ‪ ،‬وأن ميط من العمل حبيث يستمر مصدر دخل له‬ ‫نص‬
‫ألسابيع كثرية ‪ .‬ومع هذا مل خيطر قط هلؤالء البنائني األسوانيني أنه ميكن أن‬
‫يكون هناك توقيتان إلهناء عمل ما ‪ ،‬يعتمدان على طريقة دفع األجر ‪ ،‬وقالوا‬
‫ببساطة أهنم سيبنون سق الغرفة مقابل ‪ 802‬قرشاً وعندما سألتهم كم من‬
‫الوقت سيستغرق ذلك قالوا ‪ (( :‬يوم ونص اليوم )) ‪ .‬ومائة وعشرون قرشاً‬
‫الطوب ما يقرب من جنيه واحد ‪ ،‬وهناك عامالن‬ ‫هي ‪ 8.0‬جنيه ‪ .‬ويكل‬
‫ملساعدهتم يكلفان جنيهاً واحداً آخر ‪ ،‬وهكذا فإنه يبلغ ‪ 1.9‬جنيه مصري‬
‫يكون لدينا غرفة من ‪1‬م × ‪9‬م يتم بناؤها يف يوم ونص اليوم ‪ .‬ولو أهنا‬
‫صنعت من اإلمسنت لتكلفت ما يقرب من ‪ 89‬جنيهاً مصرايً ‪ ،‬ومن اخلشب‬
‫‪ 02‬جنيهاً‬
‫واحلقيقة أهنم ما أن بدأوا العمل حىت استغرقوا ابلضبط يوماً ونص اليوم‬
‫لتسقي الغرفة الواحدة ‪ .‬وإن مت االتفاق على الشروط فقد طلب البناءون أن‬
‫يصنع هلم النو اخلاص من قوالب الطوب اليت يستخدموهنا لألقبية ‪ .‬وهي‬
‫مصنوعة بقش أكثر من املعتاد لتكون خفيفة ‪ .‬وكانت مقاييسها هي ‪02‬سم ×‬
‫‪82‬سم × ‪2‬سم ( ‪ 82‬بوصة × ‪ 9‬بوصة × ‪ 0‬بوصة ) وعليها عالمتان من‬
‫أخدودين مائلني متوازيني ‪ ،‬يرمسان ابألصابع من زاوية لألخرى فوق الوجه‬
‫األكرب ‪ .‬وهذه األخاديد مهمة جداً ألهنا متكن القوالب من االلتصاق ابلسطح‬
‫الطيين بواسطة االمتصاص ‪ .‬وهكذا صنعنا قوالب الطوب وجففناها ‪ ،‬بعد‬
‫مرور أسبو ذهبنا إىل املوقع ‪ .‬و الحظت وحنن يف طريقنا أن البنائني مل يكن‬
‫لديهم أي أدوات سوى قدومهم ‪ .‬وسألتهم (( وأين املسطرين معكم ؟ ))‬
‫فقالوا (( إنن ا ال نستخدم مسطرين ‪ ،‬والقدوم فيه الكفاية )) ‪.‬‬
‫وعند مسرح فشلنا كانت اجلدران مازالت قائمة وإن كان القبو الذي حاولناه‬
‫قد اهنار ‪ .‬وكان يف كل غرفة جداران جانبيان يبعدان بثالثة أمتار ‪ ،‬وجدار طريف‬
‫أعلى قليالً سيبين القبو عليه ‪ .‬ووضع البناءان سقالتني عرب اجلدارين اجلانبيني‬
‫على مقربة من اجلدار الطريف ‪ ،‬وصعدا عليهما ‪ ،‬وتناوال حفنات من الطني ‪،‬‬
‫وخطا قوساً مبدئياً مبونة طينية على اجلدار الطريف ‪ .‬ومل يستخدما أي مقياس أو‬
‫أداة ‪ ،‬و إمنا اتبعا ابلعني وحدها قطعاً مكافئاً مضبوطاً ‪ ،‬طرفاه على اجلدارين‬
‫اجلانبيني ‪ .‬مث استخدما القدوم يف تشذيب املونة الطينية جلعل حدودها أكثر‬
‫حتدداً ‪.‬‬
‫واحد منهما يف كل جانب ‪ ،‬أخذا يف رص الطوب ‪.‬‬ ‫وبعدها ‪ ،‬وقد وق‬
‫وجعلت الطوبة األوىل قائمة على طرفها فوق اجلدار اجلانيب ‪ ،‬ووجهها املشقوق‬
‫مبسوطاً على مونة الطني اليت فوق اجلدار الطريف ودقاها جيداً يف هذه املونة ‪.‬‬
‫مث أخذ البّن اء بعض الطني وصنع إزاء الطرف األسفل هلذه الطوية حشوة صغرية‬
‫وتدية الشكل ‪ ،‬حبيث يكون املدماك التايل مائالً بعض الشيء جتاه اجلدار‬
‫الطريف بدالً من أن يق قائماً يف استقامته ‪ .‬وحىت يتم كسر خط الوصالت ما‬
‫بني قوالب الطوب يبدأ املدماك الثاين بنص طوبة ‪ ،‬تنتصب على طرفها‬
‫العلوي طوبة كاملة ‪ .‬ولو كانت الوصالت يف خط مستقيم ‪ ،‬لقلت بذلك قوة‬
‫القبو ورمبا اهنار ‪ .‬مث يقوم البّناء بوضع مزيد من حشو الطني إزاء هذا املدماك‬
‫الثاين ‪ ،‬حبيث أن املدماك الثالث يكون ميله حىت ميالً أكثرحدة عن اخلط‬
‫العمودي ‪ .‬وهبذه الطري قة قام البناءان ابلتدري بتنفيذ بناء املداميك املائلة وكل‬
‫منها يعلو الرتفا أكثر قليالً على خط حتديد القوس ‪ ،‬حىت يلتقي خطا قوالب‬
‫الطوب املقوسان عند القمة ‪ .‬وكلما كان البناءان ينتهيان من بناء مدماك كامل‬
‫‪ ،‬فإهنما كاان حيرصان على إدخال حشوات جافة تقطع من احلجارة أو كسر‬
‫الفخار ‪ ،‬وذلك يف الفراغات ما بني قوالب الطوب اليت تكون املدماك ( يف‬
‫املنحنيات اخلارجية ألسافني القبو ) ‪ .‬ومن األمهية مبكان أال يوضع مالط طيين‬
‫بني أطراف قوالب الطوب يف كل مدماك ‪ ،‬ذلك أن الطني قد ينكمش ملا يصل‬
‫إىل ‪ 19‬يف املائة من احلجم ‪ ،‬وانكماش ك هذا سيشوه بصورة خطرية من القطع‬
‫املكافئ ‪ ،‬حبيث قد ينهار القبو ‪ .‬فأطراف * قوالب الطوب جيب أن تتالمس‬
‫أحدها ابآلخر وهي جافة بال مالط ‪ .‬وعند هذه املرحلة كان للقبو الوليد مسك‬
‫ستة قوالب طوب ابلطول عند القاعدة ومسك طوبة واحدة ابلطول عند القمة ‪،‬‬
‫حبيث بدا مائالً بزاوية هلا اعتبارها على اجلدار الطريف ‪ .‬وهكذا فإنه قدم واجهة‬
‫مائلة ترص من فوقها املداميك التالية ‪ ،‬حبيث تصبح قوالب الطوب مدعومة‬
‫دعماً متيناً ؛ وهذا امليل ‪ ،‬حىت بدون األخدودين ‪ ،‬مينع قوالب الطوب من‬
‫السقوط ‪ ،‬مثلما قد حيدث لطوبة انعمة على واجهة عمودية ‪ .‬وهكذا ميكن‬
‫بناء القبو كله مباشرًة يف العراء ‪ ،‬من غري دعامة أو شدة خشبية ومن غري‬
‫أدوات ‪ ،‬ومن غري ختطيط مرسوم ؛ مل يكن هناك غري بنائني يقفان على سقالة‬
‫وصيب من حتتهما يلقي بقوالب الطوب ألعلى ‪ ،‬ليمسكها البناءان حبذق يف‬
‫اهلواء ‪ ،‬مث يضعاهنا بعفوية على الطني ويطرقاهنا يف مكاهنا بقدوميهما ‪ .‬كان‬
‫األمر بسيطاً مبا ال يصدق وكاان يعمالن بسرعة وبدون انشغال ابل ‪ ،‬وبدون‬
‫أدىن تفكري أبن ما يفعالنه هو عمل جد رائع من األعمال اهلندسية ‪ ،‬فهذان‬
‫البناءان كاان يطبقان بفهم حدسي خارق قوانني االستاتيكا وعلم مقاومة املواد ‪.‬‬
‫وطوب الرتبة ليس مم ا يستجيب للحين وال لالحنراف ؛ وهكذا فإن القبو صنع‬
‫يف شكل قطع مكافئ يطاب شكل رسوم منحين عزم االحنناء ‪ .‬وهبذا تزول‬
‫احلاجة ألي حين ويسمح ملادة البناء أن تعمل فحسب حتت أتثري االنضغاط ‪.‬‬
‫بنفس اللبنات الطينية‬ ‫وهبذه الطريقة أصبح من املمكن إنشاء السق‬
‫املستخدمة للحوائط ‪ .‬واحلقيقية أن حبراً من ثالثة أمتار ميد بطوب الل ن هلو‬
‫عمل تقين فذ يف نفس عظمة حبر* من ثالثني مرتاً ابإلمسنت ويؤدي إىل نفس‬
‫اإلحساس ابالجناز ‪.‬‬
‫كانت الطريقة من البساطة والطبيعة حبيث خلبت ليب متاماً ‪ .‬إن املهندسني‬
‫واملعماريني الذين يهتمون أبساليب البناء الرخيصة للجماهري قد ابتكروا كل‬
‫األنوا من الوسائل املعقدة إلنشاء األقبية والقباب ‪ .‬وكانت مشكلتهم هي‬
‫االحتفاظ مبكوانت البناء يف مكاهنا حىت يكتمل اإلنشاء ‪ ،‬وتراوحت حلوهلم‬
‫ابتداء من قوالب طوب ذات أشكال عجيبة تشبه قطعاً من لعبة جتميع الصور‬
‫ً‬
‫املقطعة ‪ Jigsaw‬ولكنها ذات أبعاد ثالثية ‪ ،‬ومروراً بشىت وسائل نصب‬
‫السقاالت ‪ ،‬ووصوالً إىل احليلة ذات التطرف اليت تنفخ فيها ابلونة ضخمة يف‬
‫شكل القبة املطلوبة لريش اإلمسنت من فوقها أما بنائي فلم حيتاجا إال إىل قدوم‬
‫وزوج من األيدي ‪ .‬ويف خالل أايم معدودة كان قد مت تسقي كل البيوت ‪،‬‬
‫وغطيت الغرف ‪ ،‬واملمرات ‪ ،‬واملقاصري ** ‪ Loggia‬كلها ابألقبية والقباب ؛‬
‫لقد حل البناءون كل مشكلة كانت تقلقين ( حىت بناء الدرج ) ‪ .‬ومل يب إال‬
‫االنطالق لتطبي منهجهم يف كل مصر ‪.‬‬
‫وحدث أن كان يل صدي ‪ ،‬وهو طاهر عمري ‪ ،‬وميتلك عزبة يف سدمنت‬
‫اجلبل عل ى طرف صحراء الفيوم ‪ .‬وكانت يف موقع مجيل وتقع ابلضبط على‬
‫حرف ما يشبه جرف هلضبة تطل على قناة حبر يوس ووادي النيل ولسوء‬
‫احلظ فإهنا كانت إىل حد ما بعيدة عن الطري املطروق ‪ ،‬حبيث أن صديقي مل‬
‫يكن يستطيع أن يشرف عليها إشرافاً مستمراً ‪ ،‬وابلتايل فإن الفالحني احملليني‬
‫الذين يتشهون اخلشب ‪ ،‬سرقوا كل األسق اليت يف العزبة فكان هناك العديد‬
‫من املباين وكلها قد فغرت فاها وهي مفتوحة للسماء – وكان أحسن موضو‬
‫يصلح للعرض التايل لبنائي‪.‬‬
‫***‬
‫واآلن وقد ثبت أن التسقي رخيص هكذا ‪ ،‬فقد كان ميكننا أن نتحمل نفقة‬
‫أي توسع لنا ‪ .‬فكل ما كنا حنتاجه هو الطني ‪ ،‬وكان لدينا منه ما يكفي متاماً ؛‬
‫وهكذا مل تكن هناك حاجة ألن نبخل ابلنسبة للمساحات املسقوفة ‪ .‬وشرعنا‬
‫يف إنشاء سقوف للحظائر واملخازن ومساكن العمال – وكنا نعمل يف حال ابلغ‬
‫من االبتهاج فغطينا العزبة كلها يف وقت ال يذكر أبسق طينية لطيفة ‪ ..‬وسعد‬
‫بذلك طاهر العمري ‪ .‬وكان هناك بناء قصد به أن يكون خمزانً ‪ ،‬قد مت تسقيفه‬
‫بقبة ذات نبل ‪ ،‬وبلغ من سروره ابملخزن أن اختذه كقاعة للموسيقى ‪ .‬على أن‬
‫املباين كلها كانت تسر العني ‪ .‬وسواء كانت خمصصة للحمري أو للبشر أو‬
‫كمخازن فحسب فإهنا كلها كانت ذات إيقا‬
‫_________________________________________‬
‫____________‬

‫* البحر معمارايً هو املسافة األفقية بني عمودين أو كتفني أو جدارين وكل عقد‬
‫أو قبو أو قبة له حبره‬
‫** مقصورة ‪ : Loggia‬شرفة مسقوفة ‪ ،‬مكشوفة من جانب أو أكثر ‪ ،‬أو‬
‫رواق خارجي ‪ ،‬أو حجرة مقعد ‪.‬‬
‫( املرتجم )‬
‫مقوسي يثري الرضا ويبدو وكأنه قد أتيت عن غري عمد إذ وضعنا تصميم األقبية‬
‫‪ ،‬إال أنه مما ال يكاد ينت قط فيما لو استخدمت اخلطوط املستقيمة واألسق‬
‫السطحية ‪ .‬وهذه هي النقطة العظيمة الثانية بشأن مساكن طوب الل ن ذات‬
‫األسق املقبية ‪ .‬فهي إىل جانب كوهنا رخيصة ‪ ،‬فإهنا مجيلة ‪ .‬وهي ال ميكنها‬
‫إال أن تكون مجيلة ‪ ،‬ذلك أن‬
‫البنية اإلنشائية متلي األشكال ومادة البناء تفرض املقياس ‪ ،‬وكل خط حيرتم‬
‫توزيع الضغوط ‪ ،‬ويتخذ البناء شكالً‬
‫طبيعياً ومرضياً ‪ .‬ويف احلدود اليت تفرضها مقاومة مادة البناء – الطني –‬
‫وحسب قوانني االستاتيكا ‪ ،‬جيد املهندس املعماري نفسه فجأة حراً يف تشكيل‬
‫الفراغ مببناه ‪ ،‬وأن يطوق حجماً من اجلو الفوضوي ليصل به إىل أن يصبح ذا‬
‫نظام ومعىن مبعيار اإلنسان ‪ ،‬حبيث أنه أخرياً ال حيتاج يف بيته ألي زخرفة توضع‬
‫بعد ذلك ‪ .‬فالعناصر اإلنشائية نفسها متد مبا يشوق العني إىل ماال هناية ‪ .‬القبو‬
‫‪ ،‬والقبة ‪ ،‬واخلناصر املدالة ‪ ،‬واخلناصر املعقودة ‪ ،‬والعقود ‪ ،‬واجلدران ‪ ،‬كلها‬
‫تعطي املهندس املعماري جماالً بال حدود إلحداث تفاعل له مربره بني خطوط‬
‫مقوسة جتري يف كل اجتاه بسراين متناغم الواحد منها لآلخر ‪.‬‬
‫وكان يل صدي آخر يعيش يف املرج ‪ ،‬خارج القاهرة مباشرة ‪ ،‬وهو حامد سعيد‬
‫‪ .‬وكان فناانً يعيش مع زوجته يف خيمة ‪ ،‬وسبب ذلك يف جزء منه أن يكون‬
‫قريباً من الطبيعة اليت كان يعشقها عشقاً مجاً ‪ ،‬ويف جزء آخر ألنه ال يستطيع‬
‫حتمل مثن منزل ‪ .‬وعندما مسع عن مزرعة اجلمعية امللكية للزراعة يف هبتيم وكي‬
‫كانت تك لفة بنائها رخيصة ‪ ،‬فإنه اهتم ابألمر أشد االهتمام ‪ ،‬ذلك أنه ظل‬
‫لزمن حيتاج إىل مرسم ‪.‬‬
‫وذهب ليلقي نظرة على املباين ‪ ،‬وعندما رأى النوعية الفريدة للنور يف مقصورة‬
‫مقىب ‪ ،‬قرر يف احلال أن يبين لنفسه مقصورة مماثلة ‪ .‬وكان لبعض‬ ‫ذات سق‬
‫أقاربه عزبة ‪ ،‬أقمنا فيها مرمساً يتكون من حجرة واحدة كبرية ذات قبة ‪ ،‬وخمد‬
‫مقىب مبيت يف اجلدران ‪ ،‬وأصونة مبيتة يف اجلدار ‪ ،‬ومقصورة مفتوحة عند‬
‫طرفها تطل على احلقول وعلى منظر يطرد بال انقطا لفدان أثر فدان من‬
‫أشجار النخيل ‪ .‬وقد صنع له الطوب يف نفس املوقع – وكانت الرتبة رملية –‬
‫فلم حيت حىت للقش – وبىن البناءون البيت مقابل ‪ 02‬جنيهاً فحسب ‪.‬‬
‫والتقطنا بعض شبابيك خشبية قدمية مجيلة جداً لتستخدم للنوافذ ‪ ،‬وبعض‬
‫األبواب املهملة لتستخدم لألصونة ‪ ،‬وكلها كان قد أمهل شأهنا زمناً طويالً إذ‬
‫حلت مكاهنا التجهيزات الرباقة ذات األسلوب األورويب ‪ .‬وإمجاالً فإنه حصل‬
‫على كوخ صغري ساحر كمرسم مبا يقرب من ‪ 22‬جنيهاً ‪.‬‬
‫***‬
‫عزبة البصري ‪ :‬إبليس يف كمني ‪:‬‬
‫كان مثة قرية أخرى صغرية ‪ ،‬أو هي ابألوىل كفر ‪ ،‬يتكون مما يقرب من مخسة‬
‫وعشرين بيتاً ‪ ،‬تقع خارج املعادي على بعد يقرب من تسعة أميال من القاهرة ؛‬
‫وكانت تسمى عزبة البصري ‪ ،‬ويسكنها يف أغلبها اللصوص ‪ .‬ويف عدالة صارمة‬
‫مت اكتساح الكفر متاماً بفيضان مفاجئ مما حيدث كل عشرين عاماً أو ما يقرب ‪،‬‬
‫وتعهد اهلالل األمحر املصري إسكان العائالت اليت فقدت مسكنها ‪ .‬وقد‬
‫جتلت يد هللا يف هذا الفيضان أوضح التجلي ‪ ،‬فلم يق تصر األمر على إنزاهلا‬
‫العقاب ابآلمثني ‪ ،‬وإمنا أدت أيضاً إىل رد ممتلكات مسروقة لواحد على األقل‬
‫من ضحااي هؤالء ‪ .‬وكان هذا الرجل الضحية هو أمني رستم ‪ ،‬الذي سرق‬
‫إطاران من سيارته يف وقت كان من الصعب فيه احلصول على اإلطارات بوسيلة‬
‫شريفة ‪ ،‬وحيث كان اإلطار الواحد جيلب بوسائل غري شريفة مبا يساوي ‪ 12‬إىل‬
‫‪ 822‬جنيه ‪ .‬وكان رستم يعرف أن اجملرم – هو واإلطارين – موجودين يف عزبة‬
‫البصري ‪ ،‬على أن الشرطة مل تكن لتفعل شيئاً هبذا الشأن ‪ .‬وعلى أي حال‬
‫فقد فارت يوم الفيضان دوامة من املياه ‪ ،‬وإذا إبطاري رستم اإلثنتني ومها‬
‫يبحران يف مرح ليصال إىل قسم الشرطة ‪ ،‬حيث حطا الرحال برشاقة ‪،‬‬
‫ليستعيدمها هو ‪.‬‬
‫للهالل األمحر جلنة للسيدات فيها املنفذ ملا لدى سيدات القاهرة من دوافع‬
‫خريية ‪ ،‬وقد أخذت هذه اللجنة على عاتقها مسئولية إعادة بناء عزبة البصري‬
‫‪ .‬وتوصلت عن طري رئيسة اللجنة حرم سرى * ابشا إىل أن أعرض خدمايت‬
‫بشأن هذا املوضو ‪ ،‬وذهبت أللقي نظرة على القرية املخربة ‪ ،‬واليت تبني أهنا‬
‫كانت مبنية بطوب الل ن ولكن بطريقة فيها قصور ابلغ ‪ .‬فكان للبيوت على‬
‫مستوى الدور األرضي حائط من الطني مسكه طوبة واحدة ال غري ‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي أنه مما ال ميكن توقعه أنه سيقاوم سيالً من املياه ‪ .‬وهكذا فإن اجلدران‬
‫ما لبثت أن تقوضت فاهنارت البيوت ‪ .‬وعلى كل ‪ ،‬فلم يكن مثة جدل حول‬
‫استخدام طوب الل ن يف ذلك املوقع ‪ .‬فبيوت طوب الل ن عند استخدام‬
‫جدران مسيكة مبا يكفي وأساسات حجرية ‪ ،‬تستطيع أن تظل ابقية ‪ .‬حىت بعد‬
‫طوفان نوح ‪ .‬وأعددت تصميمايت وتقديرايت ‪ .‬وحسبت تكلفة عشرين بيتاً مبا‬
‫يصل إىل ‪ 122‬جنيه مصري ‪ .‬وقدمت ذلك إىل اللجنة وقد أفعمت محاساً ‪.‬‬
‫وكم أنفقنا من ساعات العصر وحنن نشرب الشاي وندخن السجائر يف حديث‬
‫متقطع عن القرية ‪ ،‬ومر اجتما أثر اجتما ‪ ،‬وقرار أثر قرار ‪ ،‬واعرتاضات ‪،‬‬
‫واقرتاحات ‪ ،‬ومراوغات ‪ ،‬وأفكار براقة ‪ ،‬وشكوك خطرية حىت لقد كان يف‬
‫استطاعتنا أن نبين عشر قرى أبيدينا نفسها يف ذلك الوقت الذي أضعناه هكذا‬
‫‪.‬‬
‫وكان البناءون لدي مستعدين ‪ ،‬والسكان مازالوا يقيمون يف اخليام ‪ ،‬وليس ما‬
‫يبدو أنه يوضع موضع التنفيذ ! وأخرياً وسط أحد االجتماعات ‪ ،‬وأان أتوسل‬
‫أن يسمح يل على األقل ببناء منزل واحد ألوضح – ال غري – أنه مما ميكن‬
‫تنفيذه ‪ ،‬إذ حبرم عبود * ابشا فجأة تقول ‪ (( :‬يبدو أنك رجل من النو العملي‬
‫‪ .‬هاك ‪ ،‬خذ دفرت شيكايت ‪ .‬اكتب املبلغ الذي تشاء ‪ ،‬وخذ النقود وانطل‬
‫لتبين لنا بيتك )) ووافقت على هذا العرض ؛ كنت أعرف من قبل أين استطيع‬
‫بناء بيت ب ‪ 822‬جنيهاً مصرايً ‪ ،‬وهكذا أخربت اللجن بذلك ‪ .‬ولكن‬
‫مهندساً معمارايً آخر كان يف هذه اللحظة جيلس يف اللجنة ممثالً لوزارة الشئون‬
‫االجتماعية ‪ ،‬مهس يل ‪ ،‬ال تكن مغفالً ‪ ،‬اكتب مبلغاً أكرب ‪ .‬إنك لن تستطيع‬
‫تنفيذه هبذا املبلغ )) وقلت له ‪ (( :‬أان أعرف متاماً ما أفعله ‪ .‬لقد بنيت من قبل‬
‫مبثل هذا املبلغ ‪ ،‬وأان أعرف أنه ميكنين تنفيذه )) ‪.‬‬
‫وهبذه النقود اليت توافرت يل من مصدر خاص ‪ ،‬كان ميكنين أن انطل للعمل ‪،‬‬
‫فما عاد يف وسع اللجنة بعد أن متاطل ألكثر من ذلك ‪ .‬ويف خالل أربعني يوماً‬
‫كان البيت قد اكتمل ‪ .‬كان مبىن أنيقاً للغاية ‪ ،‬ذا غرفتني واسعتني ومضاجع‬
‫مبنية يف اجلدران كما سب ‪ ،‬وأصونة مبنية يف اجلدران ‪ ،‬ومساحة رحبة للتخزين‬
‫ابلضبط ‪ 899‬جنيهاً‬ ‫‪ ،‬ومقصورة كبرية وفناء مسور وإمجاالً فقد تكل‬
‫مصرايً ‪.‬‬
‫إيل مبهمة إكمال البيوت التسعة عشر‬
‫وإذ جنحت هكذا توقعت أن سيعهد ّ‬
‫األخرى املطلوبة ‪ ،‬ولكن سرعان ما أتت حرم سري ابشا بعد ذلك وبينت يل‬
‫أنه ملا كان للجنة مهندسها املعماري اخلاص هبا ‪ ،‬والذي عليه أن يصمم البيوت‬
‫إيل ‪ .‬وداريت من خيبة أملي ‪ ،‬وتقبلت‬
‫هلم ‪ ،‬فإهنا ال تستطيع أن تعهد ابملهمة ّ‬
‫متلطفاً اعتذارها ‪ .‬على أن البيت ظل هناك ‪ ،‬وأصبح له استخدام مفيد غاية‬
‫الفائدة ؛ بل إننا أقمنا فيه حفالً أو حفلني ‪ ،‬وأتى أانس كثريون لرؤيته‬
‫واإلعجاب به ‪ .‬وقد تعودت أن أحس أان نفسي إبعجايب به كلما مررت به كل‬
‫يوم ابلقطار ما بني القاهرة واملعادي ‪ ،‬وكان يف استطاعيت أن أراه على مبعدة من‬
‫النافذة ‪ ،‬وكنت أحرص دائماً على التطلع إليه يف كل مرة أمر فيها به ‪ .‬وذات‬
‫يوم تطلعت من النافذة ‪ ،‬فإذا ابلبيت ليس هناك ‪ ،‬ونظرت اثنية وتساءلت عما‬
‫إذا كنت قد أخطأت النظر ‪ ،‬أو أن هذا مل يكن هو املوقع ‪ ،‬أو أنين ركبت‬
‫القطار خطأ ‪ ،‬ولكين كنت مصيباً متاماً ‪ .‬لقد اختفى البيت ليس إال ‪ .‬وذهبت‬
‫إىل املوقع ألرى ما حدث ‪ .‬وهناك وجدت بييت اجلميل وقد تبدد لقطع تنتشر‬
‫على األرض ‪ .‬وحىت يف تلك اللحظة ‪ ،‬كان لدي الوقت الكايف ألن احلظ كي‬
‫كان البيت قوايً ‪ ،‬وكي أن القبو مل يتهاو‬
‫_________________________________________‬
‫_____‬

‫* حسني سري ابشا رأس الوزارة يف عهد فاروق ( املرتجم )‬


‫* عبود ابشا من كبار رجال األعمال يف عهد فاروق ‪ .‬وكانت زوجته هذه‬
‫اجنليزية ( املرتجم )‬

‫إال يف قطع كبرية ‪ ،‬كقطاعات من شكل بيضاوي ‪ ،‬أجزاء متينة متجانسة كقطع‬
‫من جلد مدبوغ ‪ ،‬ذلك أن اللبنات الطينية متاسكت يف حمارة واحدة مرتاصة ‪.‬‬
‫و أخربوين مع تقدمي االعتذارات ‪ ،‬أنه كان من الضروري لسوء احلظ أن يهدم‬
‫البيت ألنه مل يكن يتجانس مع‬
‫البيوت اليت صممها املهندس املعماري اخلاص هبم ‪ ،‬ولكنهم واثقون أين أتفهم‬
‫األمر ‪ .‬وكان ذلك املهندس املعماري اخلاص هبم قد أوفد أحد مساعديه ‪ ،‬وهو‬
‫شاب كان وقتها مشهوراً أساساً ببنائه لنسخة أمينة لكوخ سويسري بني أشجار‬
‫النخيل واإلبل اليت يف طري األهرام ‪ ،‬وهو هنا قد أنت نسخته من األكواخ‬
‫املالئمة ألن يعيش الفالحون فيها ‪ .‬وقد رأيت رسوماته فيما بعد ‪ ،‬وكانت تبني‬
‫صفاً من عشرين بيتاً أمسنتياً ‪ ،‬يتكون كل منها من حجرتني مربعتني وممر عرضه‬
‫تسعني سنتيمرتاً يف هنايته دورة مياه ‪ .‬ومل يكن هناك حىت أي مطبخ ‪ ،‬د عنك‬
‫االحتياجات من مثل املضاجع املبنية واألصونة ‪ ،‬ومل يكن يف هذه املباين أي‬
‫إهلام معماري أكثر مما يلهم به ص من خمابئ الغارات اجلوية ‪ .‬وأدركت متاماً‬
‫أن بييت مل يكن ليتجانس مع هذه البيوت ‪.‬‬
‫ويف وقت الح اكتشفت سبباً آخر جعل املهندس املعماري اخلاص ابللجنة‬
‫عازفاً عن استدعاء أي مقارانت ‪ ،‬فقد تكلفت إقامة بيوته العشرين ‪00.222‬‬
‫جنيه مصري ابإلمجال ‪.‬‬
‫على أنه رغم قصر حياة هذا البيت الصغري ‪ ،‬ورغم أنه فشل يف حتقي هدفه‬
‫الرئيسي من التأثري يف اهلالل األمحر ‪ ،‬إال أنه قد جنح يف التأثري يف أانس آخرين‬
‫‪ .‬فقد أدى إىل أن كلفتين شركة نرتات شيلي مبهمة لبناء بعض االسرتاحات يف‬
‫سفاجة على البحر األمحر ‪ .‬وقد أعطاين هذا الفرصة لتوسيع فريقي من البنائني‬
‫وألن ازداد إدراكاً لقدراهتم ‪ .‬وقد أحسنا القيام بعملنا هناك ‪ ،‬حىت أنه أمكن‬
‫لرئيس البنائني بغدادي أمحد على أن يدخر ما يكفي للقيام برحلة إىل احلجاز‬
‫ليصبح حاجاً ‪ .‬ووصلنا إىل أن أصبح أحدان يعرف اآلخر معرفة أفراد العائلة‬
‫الواحدة ‪ ،‬ووجدت أن احرتامي هلؤالء الرجال يتزايد كل يوم كلما عملت معهم‬
‫‪.‬‬
‫***‬
‫سرقة أحدى املقابر تنسب يف مشرو إسكان رائد ‪:‬‬
‫أثناء حياة بيت عزبة البصري القصرية حدث أن رآه أيضاً أانس معينون يعملون‬
‫يف مصلحة اآلاثر ‪ ،‬ومل يكن ذلك حقاً من ابب االهتمام األثري ‪ ،‬وإمنا هو من‬
‫ابب استيفاء مطلب جد عملي وشائ ‪ .‬ففي مصر ‪ ،‬كما قد يتبادر إىل للذهن‬
‫بسهولة ‪ ،‬تعد مصلحة اآلاثر من بني أهم املصاحل احلكومية ‪ ،‬وكانت املصلحة‬
‫قد انل منها مؤخراً فضيحة كربى ‪.‬‬
‫فمن بني اآلاثر القدمية اليت كانت مسئولة عنها كانت هناك جبانة طيبة القدمية‬
‫اليت تقع يف مكان يسمى القرنة ‪ ،‬عرب النهر عند األقصر اليت بنيت هي نفسها‬
‫هذه اجلبانة من ثالثة أجزاء رئيسية ‪:‬‬ ‫فوق موقع مدينة طيبة القدمية ‪ .‬وتتأل‬
‫وادي امللوك إىل الشمال ‪ ،‬ووادي امللكات إىل اجلنوب ‪ ،‬ومقابر النبالء يف‬
‫الوسط على سفح التل املواجهة لألراضي الزراعية ‪ .‬وقرية القرنة قد بنيت على‬
‫موقع مقابر النبالء هذه ‪ .‬وتوجد ها هنا قبور كثرية جداً بعضها معروف قد مت‬
‫إخالؤه وتنظيفه ‪ ،‬وبعضها مازال غري معروف للمصلحة وابلتايل فهو مازال‬
‫مليئاً أبشياء ذات أمهية أثرية عظيمة ‪.‬‬
‫***‬
‫ومثة سبعة آالف فالح يعيشون يف القرنة وقد احتشدوا يف مخس جمموعات من‬
‫البيوت ‪ ،‬قد بنيت من فوق ومن حول هذه القبور ‪ .‬سبعة آالف فرد يعيشون‬
‫من فوق املاضي ابملعىن احلريف متاماً للكلمة ‪ .‬وهم – أو أابئهم – قد اجتذهبم‬
‫إىل القرنة منذ ما يقرب من مخسني عاماً مقابر أجدادهم الغنية ‪ ،‬ومن وقتها‬
‫وهذا اجملتمع كله يعيش على نقب هذه القبور ‪ .‬وكان اقتصادهم يعتمد تقريباً‬
‫اعتماداً كلياً على سرقة الق بور ؛ فاألرض الزراعية من حوهلم ما كان يف اإلمكان‬
‫أن تقيم ْأود عدد يبلغ سبعة آالف من األفراد ‪ .‬وعلى أي حال فقد كانت‬
‫األرض يف معظمها ملكاً لعدد قليل من أثرايء املالك الزراعيني ‪.‬‬
‫ورغم أن أهل القرنة قد أصبحوا خرباء ال يبارون يف حتديد موقع املقابر املختفية‬
‫‪ ،‬وك انوا من أبر اللصوص ‪ ،‬إال أهنم مل يقوموا مبهنتهم على حنو حكيم ‪ .‬فقد‬
‫نقبوا القبور بطيش ‪ ،‬مستنفذين أنفس الكنوز وذلك يف زمن سب كثرياً الزمن‬
‫الذي أصبحت اآلاثر فيه مما جيلب مثناً عالياً حقاً ‪ .‬وقد أخربين حكيم أبو سي‬
‫أحد مفتشي اآلاثر ‪ ،‬أنه يف عام ‪ 8181‬قدم له أحد الفالحني سلة كاملة من‬
‫اجلعارين مقابل عشرين قرشاً ‪ ،‬وأنه رفضها ! واليوم فإن اجلعارين يبلغ مثنها‬
‫مخسة جنيهات على األقل لكل جعران واحد ‪.‬‬
‫ومل تكن الغنيمة تقتصر على اجلعارين ‪ ،‬كما أن الفالحني مل يكونوا كلهم هبذه‬
‫السذاجة ‪ .‬ففي وقت اكتشاف مقربة أمنحتب الثاين – وهي مقربة سليمة من‬
‫األسرة الثامنة عشرة – سرق قارب مقدس بواسطة أحد احلراس ‪ .‬وقد اختذ‬
‫لنفسه عائد العملية أربعني فداانً ‪.‬‬
‫على أن عمليات لصوص املقابر هذه ينبغي أال ينظر إليها نظرة جد مستخفة ‪.‬‬
‫فرغم كل براعتهم ‪ ،‬ورغم خفة ظلهم ‪ ،‬ومع كل ما هم فيه من فقر ال‬
‫يستحقونه ‪ ،‬إال أن الضرر الذي حيدثونه هو مما ال يقاس ‪ .‬إهنم حيفرون ويبيعون‬
‫‪ ،‬وما من أحد يعرف مصدر ما يعثرون عليه ‪ ،‬مما يعين خسارة كبرية لعلم‬
‫املصرايت ‪ .‬وهم أحياانً يفعلون ما هو أسوأ ؛ فلو وجد أحد هؤالء اللصوص‬
‫صدفة كنزاً من الذهب ‪ ،‬فإنه يصهره ‪ .‬وهكذا فإن هناك جواهر وصحافاً ‪،‬‬
‫ومتاثيل صغرية – روائع من مشغوالت اإلنسان ‪ ،‬ال تقدر بثمن يف أي سوق –‬
‫تذهب مباشرةً إىل البوتقة لتتحول إىل قوالب خسيسة ‪ ،‬تبا ابلسعر اجلاري‬
‫للذهب ‪ .‬وميكننا مما تبقى من األعمال الفنية – ككنوز مقربة توت عنخ أمون ‪،‬‬
‫والطب ذي الرسومات اجلميلة الذي عثر عليه حديثاً يف اتنيس – أن حنصل‬
‫على بعض فكرة عن التخريب اخلبيث الذي ظل متصالً ‪ .‬وقد رأيت مسز‬
‫برويري ‪ ،‬وهي زوجة أحد علماء اآلاثر ‪ ،‬يف بيت أحد الفالحني قضبان خام من‬
‫الذهب ال بد أهنا كانت من قبل كنوزاً ميكن أن تتخذ موضعها املشرف يف أي‬
‫متح يف العامل ‪.‬‬
‫***‬
‫وابلطبع فإن الفالحني كانوا يقعون كفريسة طبيعية لتجار املدينة ‪ ،‬فالتجار‬
‫وحدهم هم القادرون على االتصال ابملشرتين من األجانب فاقدي الضمري ‪،‬‬
‫بشراء منتجهم‬ ‫سكان القرنة الضعي‬ ‫وبذا فإهنم استطاعوا استغالل موق‬
‫النفيس مبا يقل كثرياً عن قيمته احلقيقية ‪ .‬وهكذا كان الفالحون يتحملون كل‬
‫املخاطر ‪ ،‬وينمون مهاراهتم ليقوموا ابجلانب الشاق من العمل ؛ بينما التجار‬
‫جيلسون يف آمان اتم ‪ ،‬يشجعون ختريب املمتلكات العامة ‪ ،‬ويزيدون ثراء على‬
‫حساب ما يغنمه أهل القرية مبجهودهم الشاق ‪.‬‬
‫***‬
‫ويف النهاية ‪ ،‬فإن العائد املتناقض من سرقة املقابر أرغم السكان على الدخول‬
‫يف مغامرات أكثر خطورة وعلى القيام بعمليات تزيي أكثر هتوراً ( ذلك أن‬
‫تزيي اآلاثر كان مهارة عارضة مناها فيهم موقفهم احملرج ) حىت حدثت يف هناية‬
‫األمر فضيحة ال مثيل هلا ‪ .‬فقد مت انتزا وسرقة نقش صخري ابلكامل من أحد‬
‫‪ .‬كان األمر وكأن أحداً قد سرق انفذة من‬ ‫القبور – أثر قدمي مشهور ومصن‬
‫كاتدرائية شارتز أو عموداً أو عمودين من البارثينون‪.‬‬
‫وقد أحدثت هذه السرقة رجة حبيث كان على مصلحة اآلاثر أن تتخذ إجراء ما‬
‫إجيابياً بشأن مشكلة القرنة ‪ .‬وكان هناك من قبل مرسوم ملكي بنز ملكية‬
‫األرض اليت بنيت عليها بيوت القرنة و أن تلح ملكية كل منطقة مدينة املوتى‬
‫ابحلكومة كأرض للمنفعة العامة ‪ .‬وقد أعطى هذا املرسوم ألهل القرنة احل يف‬
‫االستمرار يف استخدام البيوت املوجودة ‪ ،‬ولكنه منع أي إضافات أو توسعات‬
‫جديدة ‪ .‬واآلن فقد كان يتوجب إصدار مرسوم آخر وزراي لنز ملكية البيوت‬
‫أيضاً ‪ ،‬هبدف إخالء املنطقة األثرية كلها من مغتصبيها غري املرغوب فيهم ‪.‬‬
‫على أن إصدار املرسوم شيء ‪ ،‬وتنفيذه شيء آخر متاماً ‪ ،‬إىل أين سينقل سبعة‬
‫آالف فرد ؟ إن بيوت أهل القرنة لو مت شراؤها ابلثمن اجلاري ‘ فإن أصحاهبا‬
‫لن ينالوا من املال ما يكفي لشراء أرض جديدة وبناء بيوت جديدة ‪ .‬وحىت لو‬
‫مت تعويضهم بسخاء ‪ ،‬فإهنم وحسب سينفقون النقود يف اختاذ مزيد من‬
‫الزوجات وهبذا فإهنم يصبحون مشردين بال أرض وال مال ‪ .‬وكان احلل الوحيد‬
‫هو إعادة تسكينهم ‪ ،‬على أن هذا االقرتاح كان حىت ذلك الوقت اقرتاحاً‬
‫مكلفاً للغاية ‪ .‬فقد قدر مبلغ مليون جنيه لقرية مشاهبة متاماً كان جيري بناؤها‬
‫للعمال يف امبابة خارج القاهرة مباشرًة ‪ .‬وكان هذا هو الوقت الذي تنبهت فيه‬
‫مصلحة اآلاثر إىل املباين ‪.‬‬
‫وقد تصادف أن خطرت نفس الفكرة على حنو مستقل لكل من عثمان رستم‬
‫مدير اهلندسة واحلفائر ‪،‬و م ‪ .‬ستوبلري مدير قسم الرتميمات يف مصلحة اآلاثر‬
‫‪ ،‬حبيث اقرتح كل منهما على األب درايتون املدير العام للمصلحة ‪ ،‬االتصال‬
‫يب بشأن قرية القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫منوذجي من بناايت طوب الل ن ‪ ،‬بيوت اجلمعية امللكية الزراعية‬
‫ّ‬ ‫وكاان قد شاهدا‬
‫‪ ،‬وبيت اهلالل األمحر ‪ ،‬وقد أتثرا أتثراً متماثالً إبمكاانت مادة البناء ‪ ،‬ورخص‬
‫تكلفة استخدامها ‪ .‬وابلتايل فقد ذهب درايتون لرؤية هذه املباين وواف على‬
‫االقرتاح ‪ ،‬وكانت النتيجة أنه صرح يل إبجازة أتغيب فيها عن مدرسة الفنون‬
‫اجلميلة ملدة ثالث سنوات حىت أبين القرية ‪ .‬وهكذا كنت يف سبيلي لتحقي‬
‫أمنية طفوليت – وأ ان آمل أن يكون ذلك بتكلفة أرخص بعض الشيء من‬
‫املليون جنيه ‪.‬‬
‫***‬

‫مولد القرنة اجلديدة – املوقع‬


‫انعقدت جلنة اختيار موقع للقرنة اجلديدة ‪ ،‬وتكونت من ممثلني ملصلحة اآلاثر (‬
‫رئيس قسم التفتيش ‪ ،‬وعثمان رستم ‪ ،‬وكبري مفتشي األقصر) ‪ ،‬وعمدة القرنة ‪،‬‬
‫وم شايخ النجو اخلمسة فيها وإايي ‪ .‬وكان على هذه اللجنة أن تعثر على‬
‫موقع يبتعد متاماً عن كل اآلاثر القدمية ‪ ،‬مما يعين أنه ال ميكن إقامة القرية‬
‫اجلديدة على التالل اليت تعلو وادي النهر ‪ ،‬وهو األمر الذي كان يبدو معقوالً‬
‫أبكثر ‪ ،‬ذلك أن هذه التالل كانت مكتظة ابملقابر ملسافة تقرب من ثالثة أميال‬
‫ونص امليل بطول حافة األرض الزراعية اليت متتلكها القرية ‪ ،‬وذلك من وادي‬
‫امللكات حىت وادي القرود ؛ وأخرياً استقر رأينا على رقعة من األرض الزراعية‬
‫قريبة من الطري الرئيسي واخلط احلديدي ‪ ،‬وتنخفض يف أحد األحواش ‪ -‬أي‬
‫يف حقل جاف ابس تمرار تتم وقايته من ماء الفيضان مبنظومة من اجلسور ‪ .‬ومت‬
‫اء جربايً من مالكها بولس حنا ابشا ؛ كان هناك مخسون فدا انً‬
‫شراء األرض شر ً‬
‫‪ ،‬مثن كل فدان منها ‪ 122‬جنيه مصري ‪.‬‬
‫ومهما كان مشرو بناء قرية كاملة هو يف النهاية مشرو جذاب ‪ ،‬إال أن األمر‬
‫فيه أيضاً ما حيبط بعض الشيء عندما يواجه املرء خبمسني فداانً من أرض بكر‬
‫وبسبعة آالف فرد من سكان القرنة كان عليهم أن خيلقوا ألنفسهم حياة جديدة‬
‫هناك ‪ .‬وكان هؤالء األفراد مجيعهم ‪ ،‬مبا هم عليه من صلة قرابة يف شبكة‬
‫معقدة من صالت القرابة ابلدم وابلزواج ‪ ،‬وبعاداهتم وميوهلم ‪ ،‬وبصداقاهتم‬
‫‪ ،‬يتكامل محيماً مع طوبوغرافية‬ ‫وعداواهتم – كائناً اجتماعياً يف توازن رهي‬
‫القرية ‪ ،‬وصميم لبناهتا وأخشاهبا – هذا اجملتمع أبسره كان يلزم أن يتم تفكيكه‬
‫ليعاد بناؤه يف موقع آخر ‪ .‬وحىت أصدقك القول ‪ ،‬فقد كانت سعاديت من أول‬
‫األمر مشوبة أبكثر من ذلك من عامل يثري اهلواجس ‪ .‬فقد كان غريباً مبا يكفي‬
‫أن تقام قرية أبكملها دون الرجو إىل مصلحة املباين األمريية ‪ ،‬بل إن ما يثري‬
‫اخلوف أكثر من ذلك أن أجد نفسي املسئول الوحيد عن خل هذه القرية ‪،‬‬
‫ويل مطل احلرية ألن أفعل ابملوقع ما أشاء ‪.‬‬
‫كان األمر حيتاج إىل مهندس معماري واث من نفسه جد الوثوق ليبدأ البناء‬
‫هناك على مرأى من معبد الدير البحري ‪ ،‬والرامسيوم ‪ ،‬وحتت نظرة األعني‬
‫املنذرة لتمثايل ممنون وهي حتدق برود عرب الري جتاه موقعنا ‪.‬‬
‫***‬
‫حلن الرتنيمة ( كورال )‬

‫اإلنسان واجملتمع والتكنولوجيا‬

‫الطابع املعماري‬
‫كل شعب ممن أنت معماراً يطور أشكاله احملببة له هو نفسه ‪،‬‬
‫واليت ختص هذا الشعب مثلما‬
‫ختصه لغته ‪ ،‬أو ملبسه ‪ ،‬أو فنونه الشعبية ‪ .‬وقبل اهنيار‬
‫جبهات احلضارة يف القرن املاضي ‪،‬‬
‫كان هناك يف العامل كله أشكال وتفاصيل حملية متميزة للمعمار‬
‫‘ وكانت بناايت كل موقع حملي مبثابة أطفال مجيلة لزواج سعيد قد عقد بني‬
‫خيال أفراد الشعب واحتياجات ريفهم ‪ .‬ولست ابلذي يطلب التأمل يف املنابع‬
‫احلقيقية للخصوصية القومية ‪ ،‬كما أين لست مؤهالً لذلك أبي حال ‪ .‬ولكين‬
‫أود أن أطرح ببساطة أن أشكاالً بعينها تفنت أفراد أحد الشعوب ‪،‬‬
‫فيستخدموهنا يف جماالت جد متنوعة ‪ ،‬انبذين فيما حيتمل أي تطبيقات غري‬
‫مالئمة ‪ ،‬وإمنا هم يقومون بتطوير لغة بصرية رائعة مفعمة ابللون هي لغة خاصة‬
‫هبم وتالءم متاماً شخصيتهم ووطنهم ‪ .‬وما من أحد ميكن أن خيطئ طريقة احنناء‬
‫القبة الفارسية وقوس احنناء القبة السورية ‪ ،‬أو املغربية ‪ ،‬أو املصرية ‪ .‬وما من‬
‫أحد ميكن أن خيطئ تبني وجود نفس االحنناء ونفس البصمة يف القبة واجلرة‬
‫والعمامة اليت تنتمي ملنطقة واحدة ‪ .‬ويتبع ذلك أيضاً أن أحداً ال يستطيع أن‬
‫ينظر بعني الرضا إىل املباين اليت تزر يف بيئة أجنبية عنها ‪.‬‬
‫***‬
‫على أن مصر احلديثة ليس فيها أسلوب حملي ‪ ،‬فالبصمة مفتقدة ؛ وبيوت‬
‫األغنياء والفقراء هي على السواء بال طابع ‪ ،‬بال هلجة مصرية ‪ ،‬لقد ضا‬
‫الرتاث ‪ ،‬وانفصمنا عن ماضينا منذ قطع حممد علي رأس آخر مملوك ‪ .‬وهذه‬
‫الثغرة يف تواصل الرتاث املصري قد أحس هبا أانس كثريون ‪ ،‬فطرحت هلا كل‬
‫صنوف العالج ‪ .‬واحلقيقة أن هناك نوعاً من الغرية بني أولئك الذين يعدون‬
‫القبط الساللة احلقيقية املنحدرة من قدماء املصريني ‪ ،‬وأولئك الذين يؤمنون‬
‫أبن األسلوب العريب هو ما ينبغي أن ميد بنموذج للمعمار املصري احلديث ‪.‬‬
‫واحل أنه كانت هناك حماولة شبه رمسية للتوفي بني هذين الفريقني ‪ ،‬وذلك‬
‫عندما اقرتح عثمان حمرم ابشا وزير األشغال العمومية أن تقسم مصر إىل شطرين‬
‫‪ ،‬مبا يشبه اقرتاح سليمان بشطر الطفل ‪ ،‬وأن تسلم مصر العليا إىل األقباط ‪،‬‬
‫حيث ميكن أن ينمى أسلوب من تراث فرعوين ‪ ،‬بينما ينبغي أن تعطى مصر‬
‫السفلى للمسلمني ليجعلوا من عمارهتا عمارة عربية حب !‬
‫وتؤدي هذه احلكاية إىل إيضاح شيئني ‪ .‬األول هو احلقيقة املشجعة من أن‬
‫الناس يدركون ابلفعل البلبلة احلضارية اليت يف معماران ‪ ،‬ويرغبون يف عالجها ‪،‬‬
‫واآلخر – وهو أمر ليس جبد مشجع – وهو أن هذه البلبلة ينظر إليها‬
‫كإشكالية يف األسلوب ‪ ،‬وأن األسلوب ينظر إليه كنو من التشطيبات‬
‫السطحية اليت ميكن تطبيقها على أي بناء بل و ميكن إزالتها وتغيريها عند‬
‫الضرورة ‪ .‬واملهندس املعماري املصري احلديث يعتقد أن العمارة املصرية القدمية‬
‫ربع الدائرية ‪ ،‬وأن‬ ‫تتمثل يف املعبد ببوااب ته الضخمة وإفريزة املزين ابلتجاوي‬
‫العمارة العربية تتمثل يف سدائل املقرنصات اجملمعة ‪ ،‬وذلك يف حني أن العمارة‬
‫متتماً عن عمارة املعبد ‪ ،‬والعمارة العربية‬ ‫املصرية القدمية للبيوت كانت ختتل‬
‫للبيوت ختتل متاماً عن عمارة املسجد ‪ .‬فاملباين املصرية القدمية غري الدينية ‪،‬‬
‫مثل البيوت ‪ ،‬كانت تكوينات سخيفة بسيطة ‪ ،‬هلا خطوط واضحة مثلما‬
‫ألفضل البيوت احلديثة ‪ .‬ولكن مدارس العمارة ليس فيها أي دراسة لتاريخ‬
‫تدرس العصور املعمارية عن طري ما هو أسلوب عارض‬
‫البناايت املنزلية وهي ّ‬
‫ليس إال ‪ ،‬كاملعامل الظاهرة من مثل بواابت املعبد الضخمة وسدائل املقرنصات‬
‫‪ .‬وهكذا فإن املهندس املعماري يتخرج وهو يعتقد أن هذا هو كل ما يعنيه ((‬
‫األسلوب )) ‪ ،‬ويتخيل أن البّن اء ميكن أن يغري أسلوبه مبثل ما يغري اإلنسان‬
‫مالبسه ‪ .‬والتفكري من هذا النو هو الذي أدى أبحد املهندسني املعماريني إىل‬
‫أن خيرب املدخل املؤدي إىل حجرات الفصول الدراسية يف مدرسة القرنة أبن‬
‫حول املدخل األصلي املعقود إىل بوابة معبد على الطرز املصري القدمي قد‬
‫اكتملت إبفريزها املزين بتجاوي من أراب دوائر ‪ .‬ومما ال يفهم حىت اآلن أن‬
‫املعمار احلقيقي ال ميكن أن يكون موجوداً إال يف تراث حي ‪ ،‬وأن الرتاث‬
‫املعماري يف مصر هو اآلن تقريباً ميت ‪.‬‬
‫وكنتيجة مباشرة لضيا الرتاث هذا فإن مدننا وقراان أصبحت تزيد وتزيد قبحاً ‪.‬‬
‫ال‬ ‫وكل بناء مبفرده يؤدي إىل زايدة هذا القبح ‪ ،‬وكل حماولة لعالج املوق‬
‫تؤدي إال لتأكيد هذا القبح أتكيداً أثقل ‪.‬‬
‫ويف ضواحي املدن اإلقليمية ابلذات حيث جتري أحدث عمليات البناء ‪ ،‬يتأكد‬
‫التصميم القبيح للبيوت ابلتنفيذ السيئ للعمل ‪ ،‬فتربز صنادي مربعة مضغوطة‬
‫يف أحجام متباينة ‪ ،‬أبسلوب مث نقله عن أفقر أحياء املرتوبوليس ‪ ،‬ورغم أهنا‬
‫نص مكتملة إال أن التل ينال منها ابلفعل ‪ ،‬وقد انتصبت إزاء بعضها بكل‬
‫الزوااي ‪ ،‬وقد انبثت فوق خالء رث بطرق غري ممهدة ‪ ،‬وأسالك وصفوف غسيل‬
‫تتدىل مرتبة من فوق حظائر الدجاج ‪.‬‬
‫ويف أجواء من هذه اجملاورات الكابوسية تؤدي الشهوة إىل االستعراض واحلداثة‬
‫إىل أن يقوم مالك البيت بتبديد نقوده على جتهيزات وتزاوي مبهرجة مما يكون‬
‫للبيوت احلضرية ‪ ،‬بينما هو يضن مبساحة للمعيشة وحيرم نفسه متاماً من فوائد‬
‫الصنعة احلقيقية ‪ ،‬وجتعل املنازل بسبب هذا املوق متضاغطة ومتجهة مما‬
‫يكون للبيوت احلضرية على األسرة أن تقوم بتهوية بياضاهتا على الشار‬
‫العمومي ‪ ،‬وهتوية نفسها وهي مكشوفة للجريان يف شرفاهت ا القاحلة ؛ بينما لو‬
‫كان هؤالء املالك أقل ابتذاالً يف تفكريهم ألمكنهم االستفادة بنمط البيت ذو‬
‫الفناء ‪ ،‬فيستمتعون ابملساحة واخلصوصية معاً ‪ .‬ولسوء احلظ فإن هذا النو من‬
‫معمار الضواحي هو ما يتخذه الفالحون كنموذج للحداثة ‪ ،‬حبيث أنه أخذ‬
‫يكتسب موقعاً يف قراان ؛ وميكننا أن نطلع يف ضواحي القاهرة أو بنها على ما‬
‫سيكون قريباً املصري لقرية غرب أسوان ‪.‬‬

‫***‬
‫وبّناء القرية إذ يتمل عمالءه ليقنعهم أبهنم أصحاب دراية وحتضر ‪ ،‬أيخذ يف‬
‫جتربة أساليب بناء مل يراها إال عند تداوهلا للمرة الثانية أو الثالثة ‪ ،‬ومبواد بناء‬
‫اليستطيع هو يف احلقيقية أن يتناوهلا يف فهم ‪ .‬وهكذا فإنه يهجر ما لديه يف‬
‫الرتاث من مرشد آمن ‪ ،‬وحياول وهو الميلك علم وخربة املهندس املعماري أن‬
‫ينت (( معمار املهندسني املعماريني )) ‪ .‬وتكون النتيجة هي بناء فيه كل أوجه‬
‫القصور لعمل املهندس املعماري وليس فيه أايً من مزاايه ‪.‬‬
‫وهكذا فإن املهندس املعماري إذ يصمم مثالً شقة يف منزل يف أحياء القاهرة‬
‫الفقرية ألحد املضاربني البخالء ‪ ،‬ويضمن فيها مالمح خمتلفة من تصميم‬
‫حديث منقول عن عمل أورويب رائ ‪ ،‬فإن عمله هذا يتسرب عرب فرتة من‬
‫السنني لينحدر من خالل الضواحي الرخيصة إىل القرية ‪ ،‬حيث يعدل رويداً‬
‫على تسميم الرتاث األصيل ‪.‬‬
‫وقد بلغ من خطورة هذا املوق أن أصبح القيام بعمل حبث علمي حمكم عنه ‪،‬‬
‫هو مطلب ملح إذا كنا حقاً نريد أن نعكس هذا االجتاه لإلسكان السيئ القبيح‬
‫املبتذل وغري الك ء يف قراان ‪.‬‬
‫وقد انتباين اليأس يف وقت ما لضخامة املشكلة ‪ .‬فسلمت أبهنا مما ال يقبل حالً‬
‫‪ .‬فهي عملية مميتة من صنع القدر ال تقبل العكس و أدعنت إلحساسي‬
‫علي أن‬
‫ابلعجز واألسى واألمل ملا حيل بناسي وبلدي ‪ .‬ولكين عندما وجدت أنه ّ‬
‫أتعامل بنفسي مع احلالة الواقعية للقرنة متالكت نفسي وبدأت أفكر يف املشكلة‬
‫بصورة عملية أبكثر ‪.‬‬
‫عملية اختاذ القرار‬
‫احلضارة تنطل من اجلذور‬
‫وتتسرب لتنفذ إىل كل طلع‬
‫إىل الورقة والزهرة والربعم‬
‫ومن خلية لألخرى ‪ .‬وكأهنا دم أخضر‬
‫ويطلقها رذاذ املطر‬
‫كعطر من زهور منداة‬
‫يفعم اهلواء‬
‫ولكن احلضارة اليت تنصب على البشر‬
‫من فوقهم من عل ‪ .‬ال تلبث أن تنعقد‬
‫كما ي نعقد السكر الرطيب ‪ .‬وهكذا يصبحون‬
‫مثل عرائس السكر ‪ .‬وعندما‬
‫يبللهم بعض رذاذ من املطر الواهب للحياة‬
‫فإهنم يتالشون ‪ .‬يذوبون‬
‫يف خليط لزج‬
‫كان يبدو يل أننا مل نتمكن من عالج أزمة املعمار املصري العامة مبجرد أن نبين‬
‫مثاالً من منوذج جيد للبيت أو منوذجني ‪ .‬و ال حىت قرية كاملة ‪ .‬واألوىل هو‬
‫أننا ينبغي أن حناول تشخيص الداء ‪ .‬أن نفهم األسباب اجلذرية لألزمة ‪،‬‬
‫وهنامجها من جذورها هذه ‪ .‬إن الفساد احلضاري يبدأ ابلفرد نفسه ‪ ،‬الذي‬
‫يواجه خبيارات مل يهيأ للقيام هبا ‪ .‬وينبغي أن نعاجله عند هذه املرحلة ‪ .‬والبناء‬
‫إمنا هو نشاط خالق حيث اللحظة احلامسة هي حلظة التصور ‪ .‬تلك اللحظة‬
‫اليت تتخذ الروح عندها شكالً ‪ .‬وتتحدد ابلفعل كل مالمح املخلوق اجلديد ‪.‬‬
‫وإذا كانت خصائص الكائن احلي تتقرر بال رجعة يف حلظة اإلخصاب ‪ ،‬فإن‬
‫خصائص املبين تتحدد بكل مركب القرارات اليت يعطيها كل من له يد يف األمر‬
‫‪ .‬ع ند كل مرحلة يف بنائه ‪ .‬وهكذا فإن حلظة التصور اليت يعتمد عليها الشكل‬
‫النهائي للكائن احلي تصبح ابلنسبة للمبىن تعدداً من تلك اللحظات ‪ ،‬كل منها‬
‫تقوم بدور حاسم يف العملية اخلالقة مبجملها ‪.‬‬
‫ولو أمكننا حتديد هذه اللحظات واإلمساك هبا ‪ ،‬فإننا سنستطيع عندها التحكم‬
‫يف كل عملية اخلل ‪.‬‬
‫وممارسة االختيار ممارسة مرتوية – أي اختاذ القرارات – هلي النشاط الرئيسي‬
‫للحياة ‪ ،‬وكلما زادت املناسبات اليت ميارس فيها الكائن احلي االختيار ‪ ،‬زاد‬
‫علو املرتبة اليت يوضع عليها مبقياس احلياة ‪ .‬وابتداء من أبسط الكائنات‬
‫املعروفة ‪ ،‬وهي دوارايت املاء اليت يتأل وجودها كله من متييزها بني ما ميكنها‬
‫وال ميكنها أكله ‪ ،‬وانتهاء إىل أكثر الكائنات تعقداً وهو اإلنسان ‪ ،‬الذي تفعم‬
‫كل ساعة من حياته ابختاذ القرارات أو ابحلاجة إىل اختاذ القرارات ‪ ،‬فإنه ما من‬
‫كائن حي ال ينف وقته كله يف االختيار ‪ .‬فأن تكون حياً هو أن تتخذ قراراً ‪.‬‬
‫والقرارات اليت جيب على اإلنسان أن يتخذها هلي أكثر رهافة إىل حد بعيد ‪،‬‬
‫ويتطلب تقييمها وعياً بعوامل أكثر إىل حد بعيد ‪ ،‬مما يف تلك القرارات اليت‬
‫تتخذها احليواانت األبسط ‪.‬‬
‫وفوق ذلك ‪ ،‬فإن قرارات اإلنسان ختتل كيفاً عن قرارات احليواانت األخرى ‪،‬‬
‫ذلك أن اإلنسان لديه القدرة على التأثري بقراراته يف العامل من حوله وأن يغري‬
‫من مظهره ومن طبيعته تغيرياً جذرايً ابلغاً ‪ .‬وملا كان لقرارات اإلنسان هذه‬
‫اإلمكاانت اهلائلة مبا هو خري وشر معاً ‪ ،‬فإن مسئوليته هلي حقاً مسئولية خطرية‬
‫‪ .‬وهذا يف احلقيقة هو واحد من أهم أوجه مأزق اإلنسان ‪ ،‬وهو أن كل قرارات‬
‫اإلنسان تغري من العامل ‪ ،‬وأنه ال مفر له من أن يصدر القرارات ‪ ،‬وأنه على وعي‬
‫مبا يفعله من خري أو شر ‪ ،‬ومبا خيلقه من مجال أو قبح ‪.‬‬
‫ويقال أن هللا استدعى املالئكة ذات يوم وعرض عليها مسئولية اختاذ القرار ؛‬
‫ولكن املالئكة بكل حكمة تفادت ذلك ‪ ،‬مفضلة أن تبقى يف كماهلا غري املتغري‬
‫يف انسجام مع الكون ‪ .‬مث طلب هللا من اجلبال أن تقبل املسئولية ‪ ،‬فرفضت‬
‫هي أيضاً ‪ ،‬قانعة أبن ختضع يف سلبية لقوى الطبيعة ‪ .‬على أنه عندما عرض هللا‬
‫على اإلنسان هبة املسئولية ‪ ،‬فإن ذلك املخلوق اجلاهل تقبلها ألنه مل يتبني ما‬
‫يستتبعه ذلك ‪ .‬وهكذا فإن اإلنسان اآلن ‪ ،‬أحب أو كره ذلك ‪ ،‬هو ملجم‬
‫ابملسئولية اليت أرعبت املالئكة واجلبال معاً ‪ ،‬وأصبح لديه فرصة إلثبات أنه‬
‫أعظم من أيهما ‪ .‬وعلى أي ‪ ،‬دعنا ال ننسى أنه بذلك يتقبل أيضاً خماطر اهلزمية‬
‫‪ ،‬وأنه لو هزم سينظر إليه على أنه من دون اخلليقة هلو أكثر احليواانت ادعاء‬
‫واستحقاقاً للزراية ‪ .‬إن العامل يف أي حلظة إمنا هو صفحة بيضاء يف انتظار قلمنا‬
‫؛ والفراغ الشاغر قد يتم شغله بكاتدرائية أو هو يشغل بكوم من خبث ‪.‬‬
‫وحيث أهنما من رجلني يصدران يف الظروف املتماثلة القرارات ذاهتا ‪ ،‬فإننا‬
‫نقول أن شخصيات البشر ختتل ‪ .‬واختاذ القرار ‪ ،‬أو االختيار ‪ ،‬هو كلمة‬
‫أخرى تعين التعبري عن الذات – أو لعل األفضل أنه التمهيد الالزم لكل‬
‫التعبريات عن الذات ‪.‬‬
‫والقرار الواعي لعله مما يتم الوصول إليه إما ابالسرتشاد ابلرتاث أو ابلتفكري‬
‫املنطقي والتحليل العلمي ‪ .‬وكلتا العمليتني ينبغي أن تؤداي إىل نفس النتيجة ‪،‬‬
‫ذلك أن الرتاث جيسد استنتاجات التجربة العملية ألجيال عديدة على املشكلة‬
‫نفسها ‪ ،‬بينما التحليل العلمي هو ببساطة املالحظة املنظمة لظواهر املشكلة ‪.‬‬
‫وأره القرارات إمنا تستدعي عندما يقوم اإلنسان بصنع شيء ما ‪ .‬والكثري من‬
‫القرارات الواعية ظاهرايً يف حياة املرء اليومية هي ببساطة مما يتم حبكم العادة ‪،‬‬
‫ولكن عندما يقدم املرء على صنع شيء فإن جمال اختاذ القرار يصبح أوسع مما‬
‫الثانوية للعيش ‪ .‬ومن املؤكد أن املرء قد يقوم بصنع شيء‬ ‫عند أداء الوظائ‬
‫حبكم العادة – ولكنه وقتها لن يكون حياً ومجيالً إال بسبب ما يتبقى من فضل‬
‫للق رارات اليت اختذها املرء عندما حاول ألول مرة القيام بصنع هذا الشيء ‪،‬‬
‫وأيضاً بفضل القرارات الثانوية اليت يتخذها أثناء أداء احلركات املعتادة إلنتاج‬
‫هذا الشيء ‪ .‬على أن أفضل وسيلة خلل اجلمال ليست ابلضرورة أبن تصنع‬
‫تصميماً غريباً أو أصيالً ‪ .‬وكم يصدق ذلك حىت على صنع هللا ‪ ،‬حيث ال‬
‫يتوجب أن يغري يف تصوير التصميم من أجل أن ينت التفرد فيما بني البشر ‪،‬‬
‫وإمنا هو ميكنه أن يبسط كل درجات مقياس اجلمال من كليوابترا حىت كالبيان‬
‫مبجرد تعديل وضع أو حجم ما يف الوجوه من عناصر ‪.‬‬
‫ومن الشائ أن نالحظ أن العادة قد حترر اإلنسان يف احلقيقة من احلاجة ألن‬
‫يتخذ قرارات كثرية قليلة األمهية ‪ ،‬حبيث ميكنه أن يركز على القرارات املهمة‬
‫حقاً لفنه ‪ .‬واملخ الواحد ال يستطيع أن يتخذ أكثر من عدد حمدود من‬
‫القرارات يف وقت بعينه ؛ ولذا فإن من اإلنصاف أيضاً أن حيال بعضها إىل‬
‫الالوعي ‪ .‬وانسجة السجاد تتعلم أن تعمل بيدها بسرعة وثقة ابلعني حبيث ال‬
‫تعود تفكر يف كل حركة منفصلة ولكنها تستطيع أن تركزعلى التصميم وهو‬
‫ينمو حتت يديها ‪ .‬فهي كاملوسيقى الذي يبذل كل انتباهه لعزفه للمقطوعة‬
‫ويكاد ال يتتبع كل أصبع وهو يصدر إحدى النغمات ‪.‬‬
‫***‬
‫دور الرتاث‬
‫لعل ما نطل عليه أنه حديث هو فحسب ماالً‬
‫يستح أن يبقى حىت يصبح قدمياً‬
‫دانيت البجيريي‬
‫الرتاث للمجتمع هو املماثل للعادة عند الفرد ‪ ،‬وهو يف الفن له نفس التأثري‬
‫أبن حيرر الفنان من القرارات غري الضرورية اليت تصرف االنتباه حبيث يستطيع‬
‫أن يعطي كل انتباهه إىل القرارات احليوية ‪ .‬وما إن يتم اختاذ قرار فين ‪ ،‬بصرف‬
‫النظر عن وقت اختاذه ومن الذي اختذه ‪ ،‬فإنه ال ميكن أن يتخذ مرة أخرى‬
‫على حنو مفيد ؛ واألفضل أنه ينبغي أن ميرر إىل خمزن العادة العام ‪ ،‬فال يشغلنا‬
‫ألكثر من ذلك ‪.‬‬
‫والرتاث ليس ابلضرورة طرز قدمي وهو ال يرادف الركود ‪ .‬وفوق ذلك ‪ ،‬فإن‬
‫الرتاث مما ال يلزم أن يرجع إىل ما سب بزمن طويل و إمنا قد يكون مما بدأ من‬
‫وقت جد قصري ‪ .‬فبمجرد أن جيابه أحد العاملني مبشكلة جديدة ويتخذ قراراً‬
‫بكيفية التغلب عليها ‪ ،‬يكون قد مت اختاذ اخلطوة األوىل يف إرساء تراث ‪.‬‬
‫وعندما يقرر عامل آخر اختاذ نفس احلل ‪ ،‬فإن الرتاث يكون يف حركة ‪ ،‬وحني‬
‫يتبع رجل اثلث الرجلني األولني ويضي إسهامه ‪ ،‬يصبح الرتاث وقد مت إرساؤه‬
‫حد كبري ‪ .‬وبعض مشاكل يسهل حلها ؛ وقد يقرر رجل يف دقائ معدودة‬ ‫إىل ٍ‬
‫ماذا يفعل ‪ .‬وهناك مشاكل أخرى حتتاج وقتاً ‪ ،‬رمبا يوماً ‪ ،‬ورمبا عاماً ‪ ،‬ورمبا‬
‫حياة أبسرها ؛ ويف كل حالة قد يكون احلل من صنع رجل واحد ‪.‬‬
‫على أن هناك حلوالً أخرى قد ال ميكن التوصل إليها كاملة قبل مرور أجيال‬
‫كثرية ‪ ،‬وها هنا يكون للرتاث دور خالق يقوم به ‪ ،‬ذلك أنه ابلرتاث وحده ‪،‬‬
‫وابحرتام عمل األجيا ل األقدم والبناء عليه ‪ ،‬ميكن لكل جيل جديد أن يصنع‬
‫بعض تقدم إجيايب حنو حل املشكلة ‪ .‬وعندما حيل الرتاث مشكلته ويتوق عن‬
‫النمو ‪ ،‬ميكننا أن نقول أن الدورة قد اكتملت ‪ .‬إال أنه يف العمارة ‪ ،‬كما يف‬
‫النشاطات البشرية األخرى وكما يف العمليات الطبيعية ‪ ،‬يكون هناك من‬
‫الدورات ما هي يف بدايتها فحسب ‪ ،‬وأخرى قد اكتملت ‪ ،‬وأخرى عند كل‬
‫أطوار النمو فيما بني الطرفني وكلها توجد معاً يف نفس الوقت ويف نفس‬
‫اجملتمع ‪ .‬وهناك أيضاً أوجه من الرتاث تعود إىل بداية اجملتمع البشري ‪ ،‬إال أهنا‬
‫مازالت حية ولعلها ستظل موجودة ما وجد اجملتمع البشري ؛ كما يف صنع اخلبز‬
‫مثالً ‪ ،‬وضرب الطوب ‪ .‬ومن الناحية األخرى ‪ ،‬مثة أوجه للرتاث ‪ ،‬رغم أهنا مل‬
‫تظهر إال حديثاً وكان ينبغي أن تكون يف الطور األول من دورهتا ‪ ،‬إال أهنا يف‬
‫احلقيقة قد ولدت ميتة ‪ .‬فاحلداثة ال تعين ابلضرورة احليوية ‪ ،‬والتغري ال يكون‬
‫تستدعي التجديد ‪ .‬ووجهة‬ ‫دائماً لألفض ل ‪ .‬ومن جهة أخرى هناك مواق‬
‫نظري هي أن التجديد جيب أن يكون مما قد مت التبصر فيه كامالً كاستجابة‬
‫لتغري يف الظروف ‪ .‬وليس كأمر يطلب يف حد ذاته ‪ .‬وال أحد يطلب أن يكون‬
‫برج املراقبة يف املطار مبنياً أبسلوب ما ريفي ‪ ،‬واإلنشاء الصناعي من مثل حمطة‬
‫للقوى الذرية قد يفرض على املصمم تقليداً جديداً ‪.‬‬
‫وما أن يتم إرساء وقبول تقليد بعينه ‪ ،‬حىت يكون من واجب الفنان أن يبقى‬
‫على تواصل هذا الرتاث ‪ .‬على أن يعطيه من ابتكاره الذايت وبصريته العزم‬
‫‪ ،‬وذلك حىت يصل إىل‬ ‫اإلضايف الذي ينقذه من أن ينتهي األمر به إىل التوق‬
‫هناية دورته ويستكمل منوه ابلكامل ‪ .‬والفنان سيتحرر ابلرتاث من قرارات كثرية‬
‫‪ ،‬ولكنه سيكون مضطراً الختاذ قرارات أخرى بنفس القدر من اإلحلاح ليمنع‬
‫موت الرتاث بني يديه ‪ .‬واحلقيقية أنه كلما زاد منو تراث ما ‪ ،‬زاد اجلهد الذي‬
‫جيب أن ينفقه الفنان جلعل كل خطوة فيه لألمام ‪.‬‬
‫والرتاث للفالحني هو الضمان الوحيد حلضارهتم ‪ ،‬فهم ال يستطيعون التمييز‬
‫بني األساليب غري املألوفة هلم ‪ ،‬وإذا خرجوا عن قضبان الرتاث فسوف يلقون‬
‫اهلالك حتماً ‪ .‬إن اخلروج عن الرتاث عمداً يف جمتمع هو أساساً جمتمع تقليدي‬
‫كما يف جمتمع الفالحني ‪ ،‬هلو نو من اجلرمية احلضارية ‪ ،‬وجيب على املهندس‬
‫املعماري أن حيرتم الرتاث الذي يقتحمه ‪ .‬أما ما يفعله يف املدينة فهو أمر آخر ‪،‬‬
‫فاجلمهور والبيئة احمليطة هناك يستطيعان العناية أبنفسهما ‪.‬‬
‫***‬

‫و على املهندس املعماري أال يفرتض أن هذا الرتاث هو عائ له ‪ .‬وعندما‬


‫تكون ك ل قوة اخليال البشري مدعومة بثقل تراث حي ‪ ،‬فإن العمل الفين النات‬
‫يكون أعظم كثرياً مما يستطيع أي فنان إجنازه عندما ال يكون لديه تراث يعمل‬
‫من خالله أو عندما ينبذ عامداً تراثه ‪.‬‬
‫وجهد اإلنسان الواحد قد ينت عنه تقدم هائل متاماً ‪ ،‬إذا كان يبين عمله على‬
‫تراث راسخ ‪ .‬واألمر يكاد يشبه إضافة بلورية ميكروسكوبية واحدة إىل حملول‬
‫هو من قبل حملول فوق املتشبع ‪ ،‬وهكذا فإن احمللول كله يتحول فجأة إىل‬
‫بلورات على حنو رائع ‪ .‬على أن األمر خيتل عن هذه العملية الفيزايئية من‬
‫حيث أن هذا التبلور الفين ليس مما حيدث مرة واحدة وأخرية ‪ ،‬ولكنه عملية‬
‫تفاعل جيب جتديدها أبدأ ‪ (( :‬الكمال من غري اكتمال له فائدته ‪ .‬واالجناز دون‬
‫إيفاء فيه ما يرغب )) ) الوتزي ) ‪.‬‬
‫والعمارة مازالت من أكثر الفنون تعلقاً ابلرتاث ‪ ،‬وعمل املهندس املعماري‬
‫يقصد به أن يتم استخدامه ‪ ،‬وشكل العمل يتحدد إىل حد كبري مبا سبقه ‪ ،‬وهو‬
‫يقام أمام اجلمهور حيث جيب أن يراه أفراده كل يوم ‪ .‬وينبغي أن حيرتم املهندس‬
‫املعماري أعمال سابقيه وحيرتم إدراك اجلماهري وذلك أبال يستخدم معماره‬
‫كوسيلة لإلعالن الشخصي ‪ .‬واحلقيقية أنه ما من معماري يستطيع جتنب‬
‫استخدام عمل املعماريني السابقني له ؛ ومها كان ما يبذله من جهد جرايً وراء‬
‫األصالة ‪ ،‬فإن اجلزء األكرب من عمله يكون إىل حد بعيد منتسباً إىل تراث أو‬
‫آخر ‪ .‬فلماذا ينبغي إذن أن يزدري تراث بلده هو نفسه أو منطقته ‪ .‬وملاذا‬
‫ينبغي أن جير ترااثً أجنبياً يف تركيبات مصطنعة وغري مرحية وملاذا ينبغي أن يكون‬
‫من الوقاحة ابلنسبة للمعماريني األسب حىت ليشوه أفكارهم ويسيء تطبيقها ؟‬
‫و هذا هو ما حدث عندما يؤخذ عنصر معماري مت تطويره عرب سنوات طويلة‬
‫إىل حجم وشكل ووظيفة كلها متقنة ‪ ،‬مث يستخدم مقلوابً رأساً على عقب أو‬
‫مضخماً مبا جيعل منه شيئاً ال يدرك حبيث أنه حىت ال يعود بعد يقوم بوظيفته كما‬
‫ينبغي ‪ ،‬وذلك جملرد إرضاء شهوة املعماري األاننية للشهرة ‪.‬‬
‫وكمثل فقد استغرق البشر سنوات كثرية للوصول إىل احلجم املناسب للنافذة يف‬
‫أنوا الرتاث املعماري ‪ ،‬وإذا ارتكب اآلن معماري اخلطأ الفظيع أبن‬ ‫خمتل‬
‫يضخم من حجم النافذة حىت لتحتل حائطاً أبكمله ‪ ،‬فإنه سيواجه يف التو‬
‫مبشكلة ؛ إن حائطه الزجاجي سيدخل من اإلشعا عشرة أضعاف ما يدخله‬
‫اجلدار املصمت ‪ .‬واآلن فإنه لو أضاف كاسرة مشس ‪brise – Soleil‬‬
‫ليظلل النافذة ‪ ،‬وهذه ليست إال مصراعاً بندقياً ‪Venetian blind‬‬
‫مكرباً ‪ ،‬فإن الغرفة ستظل تتلقى إشعاعاً يزيد ‪ 122‬يف املائة عن اإلشعا من‬
‫جدار مصمت ‪ .‬وفوق ذلك ‪ ،‬فإن املهندس املعماري عندما يزيد عرض شرائح‬
‫املصرا البنقي من ‪ 9‬سنتيمرتات إىل ‪ 92‬سنتيمرتاً ‪ ،‬حتلى ال يفسد املقياس‬
‫املالئم للجدار الزجاجي ‪ ،‬فماذا ستكون نتيجة ذلك ؟ بدالً من أن يسمح‬
‫املصرا بدخول نور لطي منتشر كما يفعل املصرا البندقي ‪ ،‬فإنه سيبهر عني‬
‫أي فرد يف الغرفة بنمط من قضبان عريضة مظلمة فوق وه نور المع ‪.‬‬
‫وليس هذا فحسب ‪ .‬ولكن املشهد ‪ ،‬الذي كان اهلدف األول من اجلدار‬
‫الزجاجي هو ضمان رؤيته ‪ ،‬سوف يفسد فساداً دائماً بسبب تلك القضبان‬
‫الكثرية اليت تقطعه ‪ ،‬بل إن كاسرة الشمس لن يكون هلا ميزة إمكان طيها بعيداً‬
‫‪ ،‬مثلما حيدث مع الصرا العادي واملصرا البندقي ‪ .‬وحىت يف املناخ البارد مثل‬
‫مناخ ابريس ‪ ،‬ميكن أن يثبت يف النهاية أن اجلدار الزجاجي هو تطرف ال ميكن‬
‫‪ 8121‬احلار ارتفعت احلرارة داخل مبىن اليونسكو‬ ‫احتماله ‪ ،‬فأثناء صي‬
‫بسبب من ظاهرة (( بيوت الصوبة للنبااتت )) الناجتة عن جدرانه الزجاجية ‪،‬‬
‫ورغم جهد آالت التكيي ‪ ،‬فقد بلغ من ارتفا احلرارة أن أصيب الكثريون من‬
‫املوظفني ابإلغماء ‪ .‬وإذن فإن من انقلة القول أن يعل املرء على إدخال‬
‫اجلدران الزجاجية وكاسرات الشمس يف البالد االستوائية ؛ ورغم هذا فإنه من‬
‫الصعب أن جيد املرء مثاالً من املعمار االستوائي احلديث مل تستخدم فيه هذه‬
‫املالمح ‪ ،‬وعندما جيوس املهندس املعماري يف تيقظ من خالل تراث حضارته ‪،‬‬
‫فإنه جيب أال يفرتض أن فنيته هبذا ستختن ‪ .‬فاألمر أبعد من ذلك وفنه سيعرب‬
‫عن نفسه يف إسهامات للرتاث تتعل به تعلقاً وثيقاً ‪ ،‬وسيسهم فنه يف تقدم‬
‫حضارة جمتمعه ‪.‬‬
‫وعندما يوهب املعماري ترااثً واضحاً ليعمل فيه ‪ ،‬كما يف قرية قد بنيت بواسطة‬
‫الفالحني ‪ ،‬فإنه ال حي له أن حيطم هذا الرتاث بنزواته اخلاصة به ‪ .‬وما ميكن‬
‫تقبله يف مدينة كوزموبوليتاتيه مثل ابريس أو لندن أو القاهرة هو مما يؤدي‬
‫ابلقرية إىل حتفها ‪.‬‬
‫وعقل أي إنسان هو من الرتكب حبيث أن قراراته تكون دائماً قرارات فريدة ‪.‬‬
‫وتفاعله مع األشياء من حوله هو أمر خاص به وحده ‪ .‬و إذا كنت يف‬
‫تعامالتك مع البشر تعتربهم جمرد مجهور وتلجأ للتجريد ‪ ،‬وتستغل املالمح‬
‫املشرتكة بينهم ‪ ،‬فإنك ستدمر من املالمح املتفردة لكل منهم ‪ .‬إن املعلن الذي‬
‫يلعب على مظاهر الضع املشرتكة عند البشر ‪ ،‬والصانع الذي يرضي‬
‫الشهوات املشرتكة ‪ ،‬واملدرس الذي يع ّلم بردود الفعل املشرتكة ‪ ،‬لكل منهم‬
‫يعمل بطريقته على قتل الروح ‪ .‬ذلك أن كالً منهم إذا يعطي للمالمح املشرتكة‬
‫أكثر مما تستحقه ‪ ،‬خين املالمح الفردية ابلزحام ‪ .‬صحيح أن الفرد هم مما جيب‬
‫إىل ٍ‬
‫حد ٍٍ ما أن يضحي به للجماهري ‪ ،‬وإال فإنه لن يكون مثة جمتمع ‪ ،‬وميوت‬
‫اإلنسان من العزلة ‪ ،‬إال أنه ينبغي أن يسأل كل الناس أنفسهم ‪ ،‬كي ميكن إىل‬
‫التوازن يف الشخصية اإلنسانية ما بني العوامل املشرتكة و الفردية ‪ .‬وقد سادت‬
‫سيادة عنيفة ‪ ،‬هي غالباً سيادة بال حتد ‪ ،‬تلك العوامل اليت تروج التماثل‬
‫فمحت من احلياة احلديثة تراث الفردية ‪.‬‬
‫فهناك وسائل االتصاالت ابجلملة ‪ ،‬واإلنتاج ابجلملة ‪ ،‬والتعليم ابجلملة ‪ ،‬وكلها‬
‫عالمات على جمتمعاتنا احلديثة ‪ ،‬اليت سواء كانت شيوعية أو رأمسالية ‪ ،‬فإهنا ال‬
‫تتمايز من هذه النواحي ‪.‬‬
‫والعامل الذي يتحكم يف آلة يف مصنع ال يضع شيئاً من ذاته يف األشياء اليت‬
‫تصنع اآللة ‪ .‬واملنتجات اليت تصنعها اآللة منتجات متماثلة ‪ ،‬غري شخصية ‪،‬‬
‫وبغري مردود سواء ابلنسبة ملستخدمها أو ملن يشغل اآللة ‪ .‬أما املنتجات‬
‫املصنوعة ابليد فإهنا تستهوينا ألهنا تعرب عن مزاج احلريف ‪ .‬وكل وجه من عدم‬
‫انتظام أو شذوذ أو اختالف هو نتيجة لقرار يتخذ حلظة اإلنتاج ‪ ،‬وتغيري‬
‫التصميم عندما يصيب احلريف الزه من تكرار نفس الفكرة ‪ ،‬أو التغيري اللون‬
‫إذ ينقص ما لديه من أ حد األلوان أو اخليوط ‪ ،‬فيه ما يشهد على التفاعل‬
‫احلي املتواصل بني اإلنسان ومواده ‪ .‬والشخص الذي يستخدم الشيء الذي‬
‫صنع هكذا سوف يفهم شخصية احلريف من خالل أوجه تردده هذه هي ونزواته‬
‫‪ ،‬وسيكون هذا الشيء بسبب ذلك جزءاً من بيئته احمليطة له قيمة أكرب ‪.‬‬
‫***‬
‫إنقاذ الفردية يف القرية‬
‫فيما مضى ‪ ،‬عندما كان أحد الرجال يريد بناء بيت ‪ ،‬فإنه كان يندفع إىل عملية‬
‫من أعقد وأطول عمليات اختاذ القرار يف حياته ‪ .‬وابتداءً من أول مناقشة‬
‫عائلية للفكرة حىت اليوم الذي يغادر فيه آخر العمال البيت وقد مت بناؤه ‪،‬فإن‬
‫صاحب البيت يظل يعمل مع البنائني – ولعله ال يعمل بيديه ‪ .‬ولكنه يقرتح ‪،‬‬
‫ويصر ‪ ،‬ويرفض – مثابراً على إجراء مشاورات متصلة معهم وجاعالً نفسه‬
‫املسئول عن الشكل النهائي للبيت ‪ .‬واحل أن اهتمام املالك املستمر هذا ببيته‬
‫سوف يظل مستمراً إىل ما الهنايه ‪ ،‬فهناك عقيدة خرافية مؤداها أنه ما إن ينتهي‬
‫العمل يف أحد البيوت متاماً حىت ميوت صاحبه ‪ ،‬وهكذا فإن صاحب البيت‬
‫احلصي يواصل دائماً تغيري انشاءاته واإلضافة إليها ليؤجل إرساء الطوبة‬
‫األخرية القاتلة ‪.‬‬
‫والرجال العاملون يف بناء البيت كلهم حرفيون ‪ .‬يعرفون ما ميكنهم عمله‬
‫ويعرفون ما هي حدودهم هم ‪ .‬ورمبا كانوا من نفس اجلرية مثل املالك ‪،‬‬
‫ويعرفونه جيداً ‪ ،‬حبيث أنه ال يوجد صعوبة يف شرح ما يريده ‪ ،‬كما أن مقاول‬
‫البناء سيفهم جيداً جداً قدر ما ميكن للمالك أن يطي إنفاقه ‪ ،‬و ما لذي ميكنه‬
‫احلصول عليه مقابل نقوده ‪ .‬و إذ يتقدم العمل ‪ ،‬فإن املالك خيتار التجهيزات‬
‫املختلفة ؛ فهو يتحدث مع النجار عن املشربيات واألبواب ‪ ،‬واألصونة ‪ ،‬ولو‬
‫كان فقرياً فسوف يتحدث مع حنات احلجر عن اخلواانت و الزخارف اليت من‬
‫حول الباب ‪ ،‬ولو كان غنياً فسيتحدث مع حنات املرمر عما سيصنعه‬
‫ابلفسيفساء من خواانت ‪ ،‬ونوافري ‪ ،‬وتكسيات ‪ ،‬وأرضيات ‪ ،‬ويتحدث مع‬
‫اجلصاص عن النوافذ الزجاجية املعشقة امللونة‪ .‬وهو صاحب خربة هبذه األشياء‬
‫‪ ،‬فمن املستحيل خداعه ‪ ،‬وهو يعرف ما يريد ويستوث من احلصول عليه ‪.‬‬
‫وكل حريف يعرض للمالك ما هو ممكن عملياً وخيتار املالك ما بني تنوعات‬
‫رهيفة معروضة يف تصميمات ثالثية األبعاد ال ميكن قط متثيلها على مسقط‬
‫معماري ‪.‬‬
‫واإلنسان الوحيد الذي ليس له وجود يف مشرو البناء هذا هو املهندس‬
‫املعماري ‪ .‬فاملالك كان يتعامل مباشرةً مع الرجال الذين يقومون ابلعمل ‪ ،‬وكان‬
‫يف وسعه أن يرى ما الذي حيصل عليه ‪ .‬ومن انحيتهم ‪ ،‬فإن هؤالء احلرفيني‬
‫كانوا أحراراً يف تنويعات تصميماهتم يف حدود الرتاث بشرط موافقة املالك ‪.‬‬
‫ولو أن مهندساً معمارايً تدخل بني املالك واحلرفيني ‪ ،‬لكان قد أنت رسومات‬
‫مساقط ال يفهمها أي منهم ‪ .‬وحيث إنه ال يستطيع فراراً من لوحة رمسه ‪،‬‬
‫فسوف يظل جيهل متاماً أن التنوعات املمكنة يف تفصيل أحد التصميمات فيها‬
‫كل الفارق بني البيت اجليد والبيت السيئ ‪.‬‬
‫وقد حتدثت ذات مرة إىل املعلم حممد امساعيل ‪ ،‬وهو أحد احلرفيني الذين‬
‫يصنعون النوافذ من الزجاج امللون املعش يف اجلص ‪ ،‬وكان هذا فيما مضى‬
‫أحد أوجه الزينة الشائعة يف بيوت املدينة ‪ ،‬إال أنين عندما سألت حممد امساعيل‬
‫كم عدد احلرفيني غريه هو نفسه الذين ميارسون هذه احلرفة ‪ ،‬مل يتمكن من أن‬
‫يتذكر سوى رجل واحد هو املعلم لطفي ‪ .‬وسألت امساعيل عما إذا كان يع ّلم‬
‫هذه احلرفة ألوالده ‪ .‬فقال ‪ (( :‬إن ابين األكرب ميكانيكي وقد أرسلت األصغر‬
‫إىل املدرسة ‪)) .‬‬
‫(( و إذن لن يبقى أحد بعد جيلك يواصل الرتاث ؟ ))‬
‫(( وماذا تريدين أن أفعل ؟ أتعرف أننا كثرياً ما ال يكون لدينا ما أنكله ‪ ..‬ال‬
‫أحد يطلب اليوم عملي ‪ .‬مل يعد هناك مكان لنافذة من الزجاج امللون يف‬
‫معماركم اجلديد هذا ‪ .‬فكر ابألمر ‪ ،‬ففيما مضى كان حىت السقا معتاداً على‬
‫تزيني بيته ‪ ،‬فكان يش غلين ‪ .‬أما اآلن ‪ ،‬فكم عدد املهندسني املعماريني الذين‬
‫يعرفون حىت بوجودان ؟ ))‬
‫وقلت له ‪ (( :‬و لو أحضرت لك عشرة صبيان ‪ ،‬هل تعلمهم الصنعة ؟ ))‬
‫وهز امساعيل رأسه ‪ ،‬أان مل أتعلم يف مدرسة ‪.‬‬
‫إذا كنت تريد إحياء الصنعة أعطنا عمالً ‪ .‬فإذا كان لدينا عمل ‪ ،‬فإنك سوف‬
‫ترى هنا ‪ ،‬ليس فحسب عشرة تالميذ ‪ ،‬وإمنا عشرين صبياً للصنعة ‪) )) ..‬‬
‫واستطعت أن أعهد إليه مبهمة ‪ ،‬ولفت عمله انتباه مهندسني معماريني آخرين‬
‫حبيث مت جر ابنه األكرب امليكانيكي مرة أخرى إىل الصنعة ‪ ،‬وهو اآلن فاق أابه‬
‫مهارة ‪) .‬‬
‫***‬
‫_________________________________________‬
‫_‬

‫* ذات مرة كان على كبري املهندسني املعماريني يف وزارة األشغال ‪ ،‬وهو‬
‫املسئول عن بناء املساجد وصيانتها أن يعد بعض رسومات مشرو تتضمن اتج‬
‫عمود له سدائل مقرنصات من النمط العريب املعتاد ‪ .‬وثبت أنه من الصعوبة‬
‫مبكان رسم التاج منتصباً بتلك السدائل احلجرية املعقدة ‪ .‬وظل املهندس‬
‫املعماري يناطح هذه املشكلة عدة أايم ‪ ،‬وهويف أسوأ مزاج ‪ ،‬مث أتى أحد‬
‫اجلصاصني إىل املكتب وتطلع إىل الرسم ‪ .‬وسأل املهندس املعماري عما يفعله ‪،‬‬
‫وإذ أخربه ابألمر فإنه قال ‪ (( :‬ولكن هذا أمر بسيط جداً ‪ .‬سأصنع لك أحد‬
‫هذه التيجان ابجلص وأحضره لك صباح غد )) وقد فعل ‪ ،‬وكان النموذج غاية‬
‫يف اإلتقان حبيث متكن املهندس املعماري من رسم مساقطه من النموذج مث‬
‫أعادها بكل وقار إىل نفس اجلصاص ليصنع منها التيجان ‪ .‬واحلقيقية أن مالمح‬
‫كثرية من اجلمال املعماري العظيم ال ميكن متثيلها مبساقط هندسية على رسم‬
‫املشرو مثلما ال ميكن ذلك مع قطعة حنت عظيمة ‪.‬‬

‫و إذا كان التقدم احلديث يف التكنولوجيا قد منحنا مواد ومناه جديدة للبناء‬
‫فإنه قد استوجب أيضاً إقحام املهندس املعماري احملرتف ‪ ،‬وهو متخصص يتم‬
‫تلقينه علم العمل هبذه املواد ‪ .‬وهذا املهندس املعماري خبربته هذه يضيع كل‬
‫هبجة بناء البيت على عميله ‪ ،‬الذي ال يستطيع أن يالح تلك التكنيكات‬
‫اليت تتقدم سريعاً ‪ .‬واآلن فبدالً من املناقشات املتأنية العارفة مع احلرفيني أثناء‬
‫بناء البيت ‪ ،‬مل يعد للمالك فرصة ممارسة اختياره إال بعالمات على رسم‬
‫للمشرو يف مكتب املهندس املعماري ‪ .‬وهو ال يفهم لغة الرسم املعماري و ال‬
‫رطانة املهندس املعماري ‪ ،‬وهكذا فإن املهندس املعماري يزدريه متكرباً عليه (‬
‫‪ ، ) 0‬أو هو ميكر به ليتقبل ما يريده املهندس املعماري و ذلك أبن يضي‬
‫أشجاراً وسيارات خداعة ‪.‬‬
‫واملهندس املعماري حيس أن ماله من معرفة تقنية – قدرته على احلديث عن‬
‫االجهادات وعزم االحنناء – يصنعه يف مرتبة أعلى من عميله ‪ ،‬والعميل وقد‬
‫ه ّول عليه األمر يذعن مستسلماً ‪ .‬و من السخرية مبكان ‪ ،‬أنه مع كل هذا فإن‬
‫القليلني من املهندسني املعماريني هم الذين يستطيعون تناول األشكال اجلديدة‬
‫تناوالً فنياً ‪ ،‬وهكذا حتل اهلندسة املبسطة مكان املعمار ‪ ،‬ليتزايد تشويه املدينة‬
‫‪.‬‬ ‫و الري‬
‫هكذا إذن ‪ ،‬فإن الرجل الغين الذي يطي حتمل أتعاب املهندس املعماري‬
‫يصبح حمروماً من الكثري من سلطته السابقة الختاذ القرار لنفسه ‪ .‬أما الرجل‬
‫الفقري ‪ ،‬فلعلك تفرتض أنه أكثر حظاً ولعله أحياانً يكون هكذا ‪ ،‬وذلك لو ترك‬
‫لشأنه ‪ ،‬أما عندما تقرر احلكومة أن تبين له ‪ ،‬فإن حاله يصبح أسوأ كثرياً من‬
‫حال أي رجل غين يستبد به املهندس املعماري ‪ .‬ذلك أن مهندسي احلكومة‬
‫املعماريني ‪ ،‬حىت عندما ال يصرفون الفقراء بعيداً على أهنم أجهل من أن‬
‫يستشاروا ‪ ،‬فإهنم سيقولون أهنم ال وقت لديهم للتعامل مع كل عائلة على حدة‬
‫(( لدينا مليون بيت نبنيها ‪ ،‬ولدينا مال قليل ووقت قليل ‪ .‬كن واقعياً من‬
‫فضلك ‪ .‬كي نستطيع أبي حال أن نرسل مهندسينا املعماريني ليناقشوا مليون‬
‫عائلة ؟ هذه مثالية مبالغ فيها ‪ ،‬إن اإلسكان سياسة حمكمة – وقد أحسنا‬
‫عملنا متاماً – لقد بوبنا عائالتنا حسب احلجم ‪،‬والرتكيب ‪ ،‬والدخل ‪ ،‬والتغري‬
‫املتوقع ‪.‬‬
‫و اكتشفنا من التحليل اإلحصائي أن هناك أنواعاً مخسة من العائالت ‪ ،‬وقد‬
‫صممنا املنزل املثايل لكل منها ‪ .‬وسوف نبين اآلن ‪ 022.222‬بيت من كل‬
‫نو ‪ .‬ماذا ميكن أن نفعل أكثر من ذلك ؟ )) هكذا يقدم معماريو احلكومة‬
‫حججهم اليت ال تقبل اجلدل ويبنون منازهلم املليون املتماثلة ‪ ،‬والنتيجة هي‬
‫شيء شنيع ال إنساين ‪ ،‬مليون عائلة تكدس يف تلك الزانزين ذات التجهيز‬
‫السيئ من غري أن يتمكن أفرادها من أن ينطقوا و ال بكلمة عن التصميم ‪،‬‬
‫ومهما كان قدر ما يطب من علم لتصني العائالت وجعل املساكن مالئمة هلا‪.‬‬
‫فمن احملتم أن الغالبية ستكون ساخطة ‪.‬‬
‫إن هؤالء املهندسني املعماريني إذ يطبقون املتوسطات اإلحصائية على اإلسكان‬
‫يتجاهلون حتذيراً أولياً يوجه لكل هواة استخدام اإلحصاءات‪ .‬فعلماء اإلحصاء‬
‫أنفسهم خيربوننا أنه رغم أن خواص السكان ككل اثبتة ‪ ،‬إال أن أفراد هؤالء‬
‫السكان يتباينون مبا ال ميكن التنبؤ به ‪.‬‬
‫فاملتوسطات اإلحصائية قد تكون هلا قيمة عظيمة عند شركة للتأمني على احلياة‬
‫وهي تقدر متوسط األعمار بني املؤمنني لديها ‪ ،‬ولكن حىت شركة التأمني ‪ ،‬ود‬
‫عنك عامل اإلحصاء ‪ ،‬ال تستطيع أن ختربان مىت سيموت فرد بعينه ‪ .‬وابلنسبة‬
‫ملصلحة حكومية ينقصها املهندسون املعماريون ‪ ،‬فإن إنتاج التصميمات‬
‫ابجلملة لعائالت خمتلفة على أساس املتوسطات اإلحصائية ‪ ،‬مثله مثل شركة‬
‫مؤمن لديها قدر ما خصص له من‬‫أتمني ينقصها احملاسبون ‪ ،‬وهي تقرر لكل ّ‬
‫عمر مث ترسل له وكيلها ومعه مسدسه لتدبري أمر العميل حىت تظل دفاترها‬
‫منتظمة ‪.‬‬
‫واملهندس املعماري الذي أيخذ على عاتقه هذه املذحبة ابجلملة للفردية سوف‬
‫حيس ابلنقمة لو طلب منه تصميم مائة بيت خمتل ملائة عميل خاص يف شهر‬
‫واحد ‪ .‬ليس ابلنقمة فحسب بل واملرض ‪ ،‬فهو سينهار بعد عشرين تصميماً ‪.‬‬
‫أما عندما يصمم مليون بيت للفقراء فأنه أببعد من أن ينهار سيكون على‬
‫استعداد لتصميم مليون بيت آخر يف الشهر التايل ‪ .‬فهو يصمم بيتاً واحداً‬
‫ويضي إليه ستة أصفار‪ .‬وهو إذ يفعل هذا إمنا يضاع بعملية ضرب ما ال‬
‫ميكن أن يتم تضاعفه هكذا على النحو صحيح ‪ .‬وعندما يبين أحد البيوت ‪،‬‬
‫فإن صنوفاً شىت من العمل تسهم يف البناء ‪ ..‬وميكن تصني عمليات الشغل‬
‫كالتايل ‪ - 8 :‬عمل خالق ( التصميم ) ‪ - 0‬عمل تقين‬
‫( احلساابت اهلندسية ) ‪ - 1 ،‬عمل إداري وتنظيمي ( حساابت مالية وجتنيد‬
‫العمال ‪ ،‬اخل ) ‪ - 9 ،‬عمل ماهر‬
‫_________________________________________‬
‫_________________________‬

‫( ‪ ) 0‬قال دي الو وهو يسأل ليكوربوزييه ‪ :‬عندما يكون عليك أن تبين‬


‫مسكناً فما هي هواجسك عندها حسب ترتيب أمهيتها ؟‬
‫وأجابه ‪ :‬أول كل شيء من الذي يقصد أن يكون البناء له؟ أهو العميل اخلاص‬
‫‪ ،‬أو اإلنسان بوجه عام ؟ أما العميل اخلاص فهو عموماً فاقد االتزان ‪ ،‬وغيب ‪،‬‬
‫وله أوجه جنونه اليت اكتسبها يف سياق احلياة ‪ .‬وهذا اليهمين أمره كثرياً ‪( .‬‬
‫األسرة واملسكن ) ‪ ،‬لبول شومبارت دي الو – املركز القومي للبحث العلمي‬
‫– ص ‪. ) 819‬‬
‫وحىت ندرك إسهام املواطن العادي يف حضارة مدينة اليوم ‪ ،‬ميكننا لذلك أن‬
‫نقارن أوجه املفارقة بني نظرة ليكوربوزييه إىل عميله و عالقة أصحاب العمل‬
‫فيما مضى مع احلرفيني ‪ ..‬و دعنا نتذكر أن (( صاحب العمل )) قد يكون‬
‫شخصاً متواضعاً مثل سقا حممد امساعيل ‪ .‬ومسئولية احندار وضع صاحب‬
‫العمل هكذا حىت أصبح يف وضع العميل إمنا تقع بصورة قاطعة على املهندس‬
‫املعماري ‪ ،‬الذي احندر حاله هو نفسه من فنان إىل مهين ‪.‬‬
‫ماهر ( رمي‬ ‫( البناءون ‪ ،‬النجارون ‪ ،‬السباكون ‪ ،‬اخل ) ‪ - 2‬عمل نص‬
‫اخلرسانة ‪ ،‬اخل ) ‪ - 9‬عمل غري ماهر‬
‫وكل صن من صنوف العمل هذه ي ّكون نسبة معينة من اجملمو الكلي للعمل‬
‫‪ ،‬وما بينها من تناسب ينبغي أن يكون اثبتاً إىل حد ما ‪ ،‬وإذا غاب أي صن‬
‫منها ‪ ،‬فإن البناء النهائي سيتأثر على حنو أو آخر ويصبح دور املعمار يف‬
‫التنمية احلضارية للبلد منقوصاً ‪.‬‬
‫فلو غابت العمالة غري املاهرة ‪ ،‬فمن الواضح أن البناء لن يبىن ! وهلذا السبب‬
‫فإن املرء ال يستطيع أن يقتصد على حساب العمالة غري املاهرة ‪ .‬ولكن املرء‬
‫يستطيع أن يوفر على حساب بعض األنوا األخرى للعمالة ‪ .‬واإلقالل من‬
‫العمالة املاهرة يف العمل سيؤدي إىل اإلضرار بنوعية الشغل ‪ .‬واإلقالل من‬
‫العمل اإلداري سيؤدي مبشرو بيتك إىل الفوضى ‪ .‬وحيث أن السلطات اليت‬
‫تبين للفقراء تصمم على التوفري يف شيء ما ‪ ،‬فإهنا هكذا تلجأ عادة إىل التوفري‬
‫يف العمل اخلالق والعمل التقين ‪ .‬ولرمبا أمكن أن يتم عمل شغل اهلندسي مرة‬
‫واحدة مث يضرب مضاعفاً ‪ ،‬أما العمل اخلالق فهو مما ال ميكن التقتري فيه ‪.‬‬
‫ومن العسري أن يفهم املرء ملاذا ينبغي أن‬
‫تكون السلطات ضنينة هكذا يف تقدمي خدمة مهنية جيدة للعائالت املنفردة ‪،‬‬
‫وملاذا يذعن املهندسون املعماريون ملا متليه السلطات ‪ .‬واحلقيقة اليت جيب أن‬
‫تقال ‪ ،‬هي أن اخلطأ ليس خطأ السلطات بقدر ماهو خطأ التقنيني ‪ .‬فبالنسبة‬
‫للطب ما من أحد يتوقع من الطبيب عندما يعامل الفقراء أن حياول إجراء‬
‫عمليا ت ابجلملة ‪ .‬ما السبب إذن يف أن علة عارضة مثل زائدة دودية ملتهبة‬
‫تشرف أبن يتم تناوهلا بعناية تناوالً فردايً ‪ ،‬بينما تلقى حاجة ضرورية دائمة‬
‫كبيت عائلة عناية أقل ؟ لو أنك برتت الزوائد الدودية ابأللوف مستخدماً ألة‬
‫ما ‪ ،‬فإن مرضاك سيموتون ‪ ،‬ولو دفعت ابلعائالت إىل صفوف من بيوت‬
‫متماثلة ‪ ،‬فإن شيئاً ما سيموت يف هذه العائالت ‪ ،‬خاصة إذا كانت عائالت‬
‫فقرية ‪ .‬سوف يصبح الناس متبلدين بال روح مثل بيوهتم ويذوي منهم اخليال ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن مهندس احلكومة املعماري ‪ ،‬أو احلكومة نفسها ‪ ،‬قد يكون هلما‬
‫العذر يف التساؤل هنا عما إذا كنت أقرتح أن ترتك العائالت املليون يف عناءها‬
‫املرو وكأنه ليس هناك من بديل للتصميم ابجلملة ‪ .‬ويقينا فإنه لسؤال بليغ ‪،‬‬
‫ميكن إسكان‬ ‫على أن احلكومة ستعقبه أبن نتساءل اببتسامة منتصرة ‪ ،‬كي‬
‫مليون عائلة ابلقدر القليل من النقود املتاح هلا ‪ .‬فليس هناك من يعمل جماانً‬
‫حباً يف العمل و ال حىت املهندسون املعماريون ‪ ،‬والبناءون من كل األنوا‬
‫يطلبون أجرهم أسبوعياً ‪ .‬واملواد تكل الكثري ‪ ،‬وكذا اآلالت ‪ .‬وحسب قوهلم‬
‫جبعل براجمنا برام معقولة ‪ ،‬وابلفعل على تبسيط‬ ‫فإنه جيب ختفيض التكالي‬
‫العملية كلها ‪ ،‬وعلى التوفري ابألسلوب الذي يدلنا عليه اإلنتاج الصناعي‬
‫ابجلملة ‪ .‬أبي وسيلة أخرى سيمكننا إسكان املاليني إال جبعل البيوت بنمط‬
‫موحد ؟ على انه ال يبدو أن أحداً من هؤالء احلواريني لإلنتاج ابجلملة‬
‫والستخدام املواد السابقة التجهيز يدرك جمرد اإلدراك مدى فقر الفالح‬
‫املصري ‪ .‬وليس من مصنع على وجه األرض ميكنه أن ينت بيواتً يطي هؤالء‬
‫القرويون تكلفتها ‪ .‬إن متوسط دخل الفالح املصري هو أربعة جنيهات سنوايً ‪.‬‬
‫وقد تبني من مسح ألربع عشرة قرية مصرية منوذجية يف مصر العليا والسفلى‬
‫أن ‪ 09‬يف املائة من العدد الكلي لغرفها ليس له أسق ‪ .‬والشكل املعتاد اآلن‬
‫للتسقي هو استخدام أعواد البوص اليت ترص فوق عمود خفي أو عمودين‬
‫من اخلشب ‪ .‬وكثرياً ما يكون الفالحون أفقر من أن يطيقوا تكلفة عيدان‬
‫البوص ( عشرة قروش حلمل مجل ) مث يتوقع هلم أتبا التجهيز املسب ‪ ،‬أهنم‬
‫هلؤالء الناس الذين يبلغ فقرهم أهنم ال‬ ‫سيشرتون خرسانة مسلحة ! كي‬
‫يطيقون حىت شراء خبزهتم خبزة مسبقاً ‪ ،‬وإمنا عليهم أن خيربوا عيشهم أبنفسهم‬
‫هلم أن يستطيعوا حىت أن حيملوا بيت مصنو يف‬ ‫ليوفروا ربح اخلباز ‪ ،‬كي‬
‫املصنع ؟ إن احلديث عن التجهيز املسب ألانس يعيشون يف مثل هذا الفقر هلو‬
‫أسوأ من الغباء ‪ ،‬إنه سخرية قاسية من حاهلم ‪.‬‬
‫حسن إننا ال نستطيع إسكاهنم بوسيلة رخيصة حىت عندما ننمط البيوت ابلفعل‬
‫‪ ،‬وال نستطيع إسكاهنم مبا فيه أضال مظهر للكرامة اإلنسانية إال إذا ألغينا‬
‫أن سلطات احلكومة‬ ‫‪ .‬ومن أس‬ ‫التنميط ‪ ،‬األمر الذي سيقال أنه مكل‬
‫تفكر يف الناس على أهنم (( ابملاليني )) ‪ .‬وعندما تنظر للناس (( كماليني ))‬
‫جترف يف صنادي شىت ‪ ،‬مثلهم كمثل أكوام احلصى ‪ ،‬وعندما تنظر إليهم على‬
‫أهنم أشياء متماثلة ‪ ،‬جامدة غري حمتجة ‪ ،‬ودائماً سلبيون ‪ ،‬ودائماً حيتاجون ألن‬
‫تصنع هلم األشياء ‪ ،‬فإنك بذلك تضيع أعظم فرصة تسنح لك لتوفري املال ‪.‬‬
‫ذلك أن من الطبيعي أن اإلنسان له عقله الذي خيصه ‪ ،‬وله زوج من األيدي‬
‫يقومان بصنع ما يقوله هلما عقله ‪ .‬واإلنسان خملوق نشط ‪ ،‬مصدر للفعل‬
‫واملبادرة وليس عليك أن تبين له بيتاً مثلما ليس عليك أن تبين لطيور اجلو‬
‫فرصة فإنه سيحل اجلزء الذي خيصه‬ ‫أعشاشها ‪ .‬ولو أعطيت اإلنسان نص‬
‫من مشكلة اإلسكان – دون عون من املهندسني املعماريني ‪ ،‬واملقاولني ‪،‬‬
‫واملخططني – وسجله أبفضل إىل حد كبري مما تستطيعه أي سلطة حكومية‬
‫وبدالً من مهندس معماري واحد جيلس إىل مكتبه طول الليل ليكتش كم بيتاً‬
‫من كل حجم يالءم أحسن املالئمة اجلمو اليت جيب إسكاهنا فيه ‪ ،‬فإن كل‬
‫عائلة ستبين بيتها اخلاص هبا حسب متطلباهتا اخلاصة هبا ‪ ،‬وستصنعه حتماً يف‬
‫شكل عمل فين حي ‪ .‬وهكذا ‪ .‬فإن تشوق كل فرد تشوقه اخلاص إىل بيت ‪،‬‬
‫وهلفته ألن يبين بيتاً بنفسه ‪ ،‬فيهما البديل خلطط كوارث اإلسكان ابجلملة اليت‬
‫تقوم هبا حكومات كثرية ‪.‬‬
‫وماذا عن املهندس املعماري ؟ إنه إذا مل يكن لديه وقت ينفقه للمشورة‬
‫الشخصية ‪ ،‬وإذا مل يعط له املال الكايف مبا جيعل املهمة جديرة ابهتمامه ‪ ،‬فإن‬
‫هذه املهمة إذن ليست له ‪.‬‬
‫فلندعه يذهب ليدور خبربته على من سيدفعون من أجلها ‪ ،‬ولند الفقراء‬
‫ليصمموا بيوهتم هم ‪ .‬أما البديل اآلخر ‪ ،‬تصميم منزل واحد وضربه مضاعفاً‬
‫ويكره‬
‫ّ‬ ‫إىل األل ‪ ،‬مثلما يفعل مهندس الطرق عندما يصمم جزءاً من الطري‬
‫كراً ألي عدد من األميال ‪ ،‬فإن اختاذ املهندس املعماري هلذا البديل هو خيانة‬
‫ملهنته ‪ ،‬وتضحية ابلطبيعة الفنية للبيت مقابل النقود ‪ ،‬ونبذ لكرامته هو نفسه ‪.‬‬
‫وسيبقى للحكومة دور كبري جداً تقوم به يف عملية أحياء البناء اليت تبزغ من‬
‫العائلة الفردية ‪ .‬فسوف يكون عليها أن ختل الظروف اليت تكفل ازدهار هذا‬
‫اإلحياء ‪ ،‬ومن الواضح أن هذه الظروف غري موجودة اآلن ‪ ،‬وإال ملا كان مثة‬
‫مشكلة ‪ .‬فعلى احلكومة أن تزيل العقبات املختلفة أمام البناء اخلاص ‪ ،‬وعليها‬
‫أن توفر قدراً هائالً من اإلرشاد إىل األفراد الذين ليس لديهم أي خربة على‬
‫اإلطالق ( التخطيط العام للقرية أو املدينة هو اجملال الصحيح للسلطة ‪ ،‬كما‬
‫أن هذا اجملال يكون أيضاً يف توفري اخلدمات ‪ ،‬وتدريب األفراد على حرفة البناء‬
‫‪ ،‬وإعطاء العون املادي يف األمور املالئمة ) ‪ .‬وما جيب أن توفره السلطة من‬
‫تدريب خاص سيمتد ابلضرورة إىل املهندسني املعماريني يف مصر ليتم تدريبهم‬
‫على مشاكل املعمار الريفي ‪.‬‬
‫وهذا كله يدخل يف نطاق موارد أي حكومة ‪ .‬ولو أن احلكومة غريت فحسب‬
‫موقفها من اإلسكان ‪ ،‬ولو أهنا تذكرت أن البيت هو الرمز املرئي هلوية األسرة ‪،‬‬
‫وأنه اهم ملكية مادية ميكن لإلنسان أن حيوزها ‪ ،‬وأنه الشاهد الدائم على‬
‫وجوده ‪ ،‬و أن غيابه هو أحد أقوى األسباب لسخط املواطنني ‪ ،‬وابلعكس فإن‬
‫امتالكه هو أحد أقوى الضماانت لالستقرار االجتماعي ‪ ،‬ولو أن احلكومة‬
‫تذكرت ذلك فإهنا ستتبني أن أي إنسان إمنا سيبذل أقصى ما يستطيع من فكر‬
‫‪ ،‬وعناية ‪ .‬ووقت وجهد يف صنع بيته الذي سيعيش فيه ‪ .‬وسوف تتبني أن من‬
‫أعظم اخلدمات اليت ميكن أن تقدمها حكومة لشعبها ‪ ،‬ان تعطي كل أسرة‬
‫الفرصة لبناء بيتها اخلاص املنفرد ‪ ،‬والفرصة ألن تقرر يف كل مرحلة كي يكون‬
‫‪ ،‬وأن حتس أبن البناء عندما يكتمل هو تعبري حقيقي عن شخصية األسرة ‪.‬‬
‫و إذا كان هناك أي فرد يشك يف أن من العملي أن يرتك الناس ليبنوا بيوهتم‬
‫اخلاصة هبم ‪ .‬فما عليه إال أن يذهب للنوبة ‪ .‬و هناك سوف يرى الربهان القائم‬
‫على أن الفالحني من غري أي تعليم ‪ ،‬عندما تكون لديهم املهارات الالزمة ‪،‬‬
‫يستطيعون العمل أبفضل كثرياً مما قد قامت به أي خطة حكومية لإلسكان ‪ .‬بل‬
‫إن نفس الربهان على اخليال ‪ ،‬واإلبدا ‪ ،‬واحلماس ميكن رؤيته يف الكثري من‬
‫مدن األكواخ حيث يبين الناس الذين بال مأوى بناايت هبيجة من صنادي‬
‫التعبئة ‪ ،‬وصفائح اجلاز وغري ذلك من النفاية ‪ .‬وطبيعي أن هذه املناط ليس‬
‫فيها صرف صحي ‪ ،‬وال شوار مرصوفة و البيوت نفسها غري حمكمة ‪ ،‬وذات‬
‫ضجي ‪ ،‬ومزدمحة ‪ ،‬وعرضة ألن متسك هبا النريان ‪ .‬إال أن هلذه املباين مظهراً‬
‫طيباً ابلفعل ‪ ،‬وسبب ذلك أن الناس مبا هم عليه من تفنن ال يكبت جيعلون كل‬
‫عن اآلخر ‪ ،‬ويتمسكون بوسيلة التجميل الوحيدة املمكنة –‬ ‫بيت خيت ل‬
‫األلوان الزاهية والزهور – كما أن السبب أيضاً أن املواد املستخدمة تفرض‬
‫جتانساً عاماً على هذه املواقع ‪ .‬وقد بىن الالجئون الفلسطينيون يف األردن‬
‫ألنفسهم مدينة من هذا النو ‪ ،‬ويف أثينا بىن الالجئون أيضاً مناط كثرية هي‬
‫اليوم تشكل النو الوحيد من املعمار املنزيل الذي له مظهر حسن يف املدينة ‪،‬‬
‫بينما حدث يف بريو ما يشكل درساً لكل املخططني يف كل مكان ‪ .‬ففي عام‬
‫فرد يعيشون يف األحياء الفقرية يف ليما أن يبنوا‬ ‫‪ ، 8121‬قرر مائة أل‬
‫ألنفسهم ضاحية كاملة جديدة على أرض خالء تبعد بعض الشيء عن املدينة ‪.‬‬
‫وملا كانوا يعرفون أن السلطات لن تتعاط معهم ‪ .‬فإن هؤالء الناس خططوا‬
‫للعملية كلها سراً ‪ ،‬و كأهنا مناورة عسكرية ‪ ،‬فقسموا أنفسهم إىل أربع‬
‫جمموعات ‪ ،‬كل منها هلا قائدها اخلاص وكل هلا منطقة يف الضاحية اجلديدة ‪،‬‬
‫ورمسوا اخلطط ‪ ،‬خمطط ني الضاحية ابلطرق وامليادين واملدارس والكنائس ‪ ،‬ويف‬
‫ليلة ‪ 02‬ديسمرب ‪ ،‬اختذوا مسريهتم ‪ ،‬حاملني مواد البناء معهم ‪ .‬ووصلوا إىل‬
‫بيت‬ ‫الليل كانوا قد أقاموا أل‬ ‫مساء ومنتص‬
‫ً‬ ‫هدفهم ‪ ،‬وفيما بني العاشرة‬
‫مؤقت اختذت مواقعها حسب خطتهم ‪ ،‬وكان لكل حي كنيسته ‪ .‬وعند‬
‫منتص الليل كانت السلطات قد الحظت ما حيدث ‪ .‬ودفع ابلشرطة إليقاف‬
‫هذا االحتالل ‪ .‬ورغم هذا ‪ ،‬فقد بقي هناك مخسة آالف فرد ( من املائة أل‬
‫املخطط هلم ) ومازالوا يعيشون هناك يف كيوديد دي دوا ‪ ،‬على بعد عشرة‬
‫أميال من ليما ‪ .‬واملغزى ال يكاد حيتاج إليضاح ؛ إذا كان مخسة آالف فرد‬
‫يستطيعون إسكان أنفسهم يف ليلة واحدة ‪ ،‬يف ضاحية أحسن إرساؤها‬
‫بتخطيطهم هم أنفسهم ورغماً عن املعارضة الرمسية ‪ ،‬فما الذي ال يقدرون عليه‬
‫لو انلوا تشجيعاً رمسياً ؟‬
‫ايملا تبينه هذه القصة من جو لإلسكان ‪ ،‬ومن العزمية على العمل والبناء‬
‫ومساعدة كل واحد لآلخر !‬
‫على أنه ميكن أيضاً أن يضاف حتذير هنا ‪ .‬فيجب أال يفرتض أن كل الفالحني‬
‫ينتجون ابلطبيعة مباين لطيفة مبجرد إعطائهم مواد البناء وتوضيح طريقته هلم ‪.‬‬
‫ومعظم الفقراء حيسدون األغنياء وحياولون تقليد ممتلكات األغنياء ‪ .‬وابلتايل ‪،‬‬
‫فعندما حيصل أحد الفالحني على نقود كافية لبناء بيت ‪ ،‬فإنه غالباً ما يبين‬
‫نسخة – أكثر ابتذاالً وسوءاً من كل وجه – من بيوت األغنياء احملليني ‪ ،‬اليت‬
‫قد نسخت بدورها عن فيالت أورواب ‪.‬‬
‫وهكذا فالفالح الذي يسمح له إبطالق العنان لذوقه هو ‪ ،‬سينتهي به األمر‬
‫إىل نسخة فجة عن نسخة أخرى ‪ .‬بل إن األصل البعيد قد يكون بيتاً أقامه‬
‫أحد العمالء اخلاصني األوروبيني من األغبياء فاقدي االتزان الذين يرفضهم‬
‫مسيو ليكو بوزييه ‪ ،‬فاملصريون ليسوا مطلقاً هم الشعب الوحيد الذي يعادل‬
‫احلداثة ابلتفوق ‪ .‬على أنه يوجد يف‬

‫مصر ابلفعل قدرة كامنة خلل التصميمات اجلميلة ‪ .‬ومنذ بضع سنوات قام‬
‫السيد حبيب جورجي والسيد رمسيس ويصا واص بتعليم جمموعة من أطفال‬
‫القرية طريقة نس السجاد* ‪ ،‬وتركهم ليضعوا تصميماهتم اخلاصة هبم فأنتجوا‬
‫أعماالً بلغ من مجاهلا أهنا مما ميكن مقارنته أبمجل السجاد القبطي ‪ .‬وعندما‬
‫عرضت يف أورواب شدت إعجاب كل فنان وانقد رآها ‪.‬‬
‫***‬
‫إحياء حرف الرتاث يف القرية‬
‫كان من املعتاد أن يوجد يف األقصر والقرى اليت من حوهلا نو جد شائ من‬
‫النجارة ‪ .‬وذلك أنه ملا كان اخلشب اندراً ومن النو السيئ ‪ ،‬فإن النجار حىت‬
‫يصنع ابابً فإنه يشكله من ألواح صغرية كثرية تسمر معاً يف منط أصيل هبي ‪.‬‬
‫وم ازال عدد قليل من هذه األبواب موجوداً ‪ ،‬خاصة يف قرية نقادة ‪ ،‬ولكن‬
‫أصحاهبا مشغولون هبدم ليضعوا مكاهنا أبواابً من النو األورويب املعتاد ذي‬
‫األلواح األربعة ‪ ،‬الذي يسمى على حنو يثري العجب ملكاين ( أمريكاين )‬
‫وعندما وصلنا إىل إقامة األبواب لبيوتنا يف القرنة ‪ ،‬رفض جناري إبراهيم‬
‫عجالن يف ازدراء أن يصنع أبواب (( الصربات )) الرتاثية ‪ ،‬وعندما ضغطت‬
‫عليه قال أنه جنار مبثل ما ينبغي للنجار ‪ ،‬وقد تدرب يف املدينة ‪ ،‬وال يعرف‬
‫األساليب اخلرقاء للنجارة يف القرية ‪ .‬وتصادف أن كان عندان جنار قروي قد‬
‫آتى لصنع ذرا طاحون ‪ ،‬فسألت هذا الرجل – الذي كان يعمل بقدوم ال غري‬
‫– إن كان يستطيع صنع أبواب الصربات و أجاب (( ابلطبع )) وعندها‬
‫احتضنته أمام إبراهيم عجالن ‪ ،‬ودعوته أبنه فنان حقيقي‪ ،‬إنسان استطيع أن‬
‫أفهمه ‪ ،‬مصري حقاً ‪ ،‬وابتسمت له وربت على ظهره ‪ .‬ويف نفس الوقت‬
‫جتهمت عابساً لعجالن ودعوته أبنه إنسان بال إحساس ‪ ،‬وبال فن ‪ ،‬فهو مقلد‬
‫‪ ،‬و مزي ‪ ،‬وليس مصرايً ‪ ،‬وإمنا هو ملكاين ‪ ،‬وليس صنايعياً ‪ ،‬وإمنا هو جمرد‬
‫قاطع أخشاب أخرق ال يستح ما عنده من عدد ‪ ،‬حىت وصلت به إىل أن‬
‫من املهانة والغضب ‪ .‬فقلت له (( حسن جداً ‪ ،‬إذا‬ ‫يصبح يف حال مره‬
‫كنت تريد أن تثبت أنك حقاً أفضل من جنار القرية هذا فلديك تسعة أبواب‬
‫هناك جيب صنعها للدكاكني اذهب واصنعها ‪ ،‬واجعل كل واحداً منها خمتلفاً ‪.‬‬
‫هيا بعيداً ‪ ،‬وال تعد اثنية إال إذا أثبت يل أنك ميكنك صنع أبواب الصربات‬
‫أبفضل من هذا الرجل )) ‪ .‬وقد فعل ‪ .‬فما إن أجرب على العودة إىل الرتاث‬
‫الوطين حىت أصبح هو أيضاً متحمساً له ‪ ،‬وقبل أن ميضي زمن طويل أصبح‬
‫ينت أكثر األمناط مجاالً و إبداعاً ‪ ،‬و كان أفضلها ابب املسجد الضخم ‪.‬‬
‫و عاجلت البنائني أيضاً بنفس الطريقة ‪ ،‬طالباً منهم أن ميلؤا نوافذ بناء السوق‬
‫بشىت أنوا حليات املخرمات ‪ ،‬و كانت النتيجة هي احلصول على مسطح جداً‬
‫شائ إىل حد أكرب كثرياً مما كان ميكن احلصول عليه من األمناط املتماثلة ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن حرف الرتاث ميكن إعادة إحيائها سريعاً – واألمر حيتاج إىل‬
‫إعادة رد اعتبارها أكثر ما حيتاج إلعادة تعليمها ‪ .‬وجيب على الفنان – وهو يف‬
‫حالتنا املهندس املعماري – أن يستخدم سلطته ليقاوم فتنة امللكاين وجيب‬
‫عليه أن يعثر على احلرف املخبوءة اليت متوت وأييت هبا للنور ‪ ،‬وحيييها ‪ ،‬ويعيد‬
‫للحريف مرة اثنية ثقته اليت فقدها ‪ ،‬ويشجع على نشر احلرفة بزايدة ما يعهد به‬
‫من مهام جديدة منها ‪.‬‬
‫ومن بؤس احلال ‪ ،‬أنه ما من شيء يكاد ينجز يف هذا االجتاه ‪ .‬ومعظم‬
‫املهندسني املعماريني ‪ ،‬مبا فيهم من يتشدقون ال غري ابلكالم عن سحر الرتاث ‪،‬‬
‫يقولون أن الصنعة اليت من هذا النو قد راح زماهنا وال تستطيع بقاء يف‬
‫الظروف احلديثة – حىت وهم يروهنا حية ابقية حتت أعينهم – ومن النغمات‬
‫السائدة أن يدور احلديث عن احلرف و كأن األمر بديهي فيقال (( آه – نعم ‪،‬‬
‫ولكننا ابلطبع ال ميكننا االرتداد إىل ذلك ‪ )) ،‬أو أن يدور احلديث عن أن‬
‫أساليب اإلنتاج هذه ال ميكن إحياؤها يف اقتصاد متشابك متاماً هكذا ‪ ،‬اخل ‪.‬‬
‫هراء ال غري ‪ ،‬التقاء األسئلة احملرجة وإلخفاء حقيقة إن معظم املهندسني‬
‫املعماريني ليس لديهم معرفة إال مبواد البناء الصناعية ‪ ،‬وال يستطيعون أن يتقنوا‬
‫العمل كما يتقنه احلرفيون احملليون فيما لو أعطيت هلم نفس موادهم ‪.‬‬
‫ويبدو أيضاً هذا املوق املتعايل يف الطريقة اليت يؤكد لك هبا الرمسيون واخلرباء‬
‫أن الفالحني ال حيبون احلرف الفالحية ‪ ،‬و أهنم مجيعاً يريدون املباين اإلمسنتية‬
‫اخلراسانية ‪ .‬وهذا يف املكان األول هو هترب من املسؤولية ‪ ،‬ألن الفالحني يف‬
‫مصر لو كانوا يريدون اخلراسانة ‪ ،‬فسيكون عليهم أبي حال أن ينتظروا‬
‫خلمسمائة عام ‪ ،‬مث يقوم اخلرباء بطرح بدائل يعلمون أهنا ال وجود هلا ‪ .‬وقد‬
‫رأيت يف نيجرياي عرضاً لعمل من أعمال العالقات العامة – لوحتني ‪ ،‬إحدامها‬
‫تعرض أسوأ األكواخ اإلفريقية وقد التقطت صورهتا من زوااي تسيء ملظهرها ‪،‬‬
‫واألخرى تعرض مباين نظيفة من النو األورويب من اخلراسانة واألملنيوم ‪،‬‬
‫والسؤال هو (( هذا أم ذاك ؟ )) ‪ .‬واعرتف يل الرمسيون أن هذه ليست مطلق اً‬
‫بدائل حقيقية ‪ ،‬فالبلد ال يطي إال تكلفة الطني والقش ‪.‬‬
‫على أنه بصرف النظر عن عدم األمانة عند اإلمياء إىل أن احللول الغالية التكلفة‬
‫هي احللول العملية ‪ ،‬فإنه أيضاً‬
‫_________________________________________‬
‫__________‬

‫*مازال هؤال ء األطفال يصنعون السجاد حىت اآلن يف احلرانية ابجليزة (‬


‫املرتجم )‬

‫أن تفرض ذوقك اخلاص املنحرف على الفالحني ‪.‬‬ ‫ملما يعد من التجدي‬
‫والفالحون مثل كل الناس يرهبون السلطة والنفوذ ‪ ،‬وعندما ميلي عليهم ما‬
‫ينبغي أن يريدوه ‪ ،‬فإهنم يفعلون كل ما يف وسعهم لإلذعان ‪ .‬وحىت لو كان‬
‫الفالحون يريدون حقاً مباين قبيحة ‪ ،‬فإن من واجبنا كمهندسني معماريني أن‬
‫نرشدهم إىل تقدير اجلمال ‪ ،‬ومن املؤكد أن هذا ال يكون إبفساد ذوقهم لفرض‬
‫سلطتنا واإلذعان هلا ‪.‬‬
‫على أن احلقيقة هي أن الفالحني حيبون ابلفعل العمارة اجليدة عندما يروهنا ‪،‬‬
‫وأهنم بقليل من التشجيع يستطيعون نقد العمارة السيئة نقداً غاية يف اإلدراك ‪.‬‬
‫وعندما بدأان بناء املدرسة يف فارس ‪ ،‬عارض الفالحون استخدام طوب الل ن‬
‫وقالوا أهنم يريدون مدرسة من اخلرسانة اإلمسنتية – هذا رغم أنه ال يوجد و ال‬
‫بيت واحد من بيوت القرية فيه أي إمسنت والكثريون منهم رمبا مل يروا قط‬
‫اإلمسنت ‪ ،‬على أنه عند االنتهاء من املدرسة ‪ ،‬آتى العمدة ذات يوم لرؤييت ‪،‬‬
‫وهو حيتدم زهواً وقال إن احلجاج الذين أيتون كل عام لالحتفال مبولد أحد‬
‫األولياء هناك وليزوروا قربه ‪ ،‬قد ذهبوا هذا العام لرؤية املدرسة بدالً منه ‪ ،‬وأن‬
‫القرية كلها فخورة بذلك ‪.‬‬
‫ومرة أخرى ‪ ،‬كنت قد أخذت اثنني من بنائي ( بغداد أمحد علي و عرايب ) إىل‬
‫الغداء يف القاهرة ‪ ،‬وملا كنت أريد أن أجد مكاانً حيسون فيه أهنم على سجيتهم‬
‫فقد أخذهتم إىل مطعم حايت ‪ ،‬قد زين زينة سقيمة نوعاً ابملرااي املذهبة والثرايت‬
‫وحنو ذلك ‪ ،‬ويف أول األمر راعهما املكان رغم سوقيته فحاوال الفرار منه ‪،‬‬
‫ولكنين جذبتهما ليعودوا و طلبت منهما أال يكوان كاألطفال ‪ ،‬وإهنما ليسا أقل‬
‫شأانً من أي شخص آخر هناك ‪ .‬فقاال أن هذا مكان ابلغ الفخامة ابلنسبة هلما‬
‫‪ ،‬فانفجرت فيهما ‪ (( :‬فخامة ! أجترؤان على تسمية هذه احملاكاة املبتذلة أبهنا‬
‫فخامة ‪ ،‬أنتما اي من تستطيعان إقامة بناء أفضل من هذا و أعينكما مغمضة !‬
‫)) واستجمعا شجاعتهما ‪ .‬فدخال و أخذا يناقشان أمر املكان ‪ ،‬و مها ينتقدانه‬
‫نقداً سليماً حصيفاً مبا قد ال يستطيعه حىت الكثريون من املهندسني املعماريني ‪.‬‬

‫***‬
‫استخدام طوب الل ن ضرورة اقتصادية ‪:‬‬
‫من حسن احلظ أننا جمربون على استخدام طوب الل ن لإلسكان الريفي على‬
‫النطاق الواسع ؛ فالفقر يرغمنا على استخدام طوب الل ن وعلى اختاذ القبو‬
‫والقبة للتسقي ‪ ،‬على أن ما للطني من ضع ابلطبيعة حيدد من حجم القبو‬
‫والقبة ‪ .‬وكل م بانينا جيب أن تتكون من نفس العناصر ‪ ،‬وقد تباينت تبايناً‬
‫بسيطا يف الشكل واحلجم ‪ ،‬وانتظمت يف توليفات خمتلفة ‪ ،‬ولكنها كلها حسب‬
‫املعيار اإلنساين ‪ ،‬وكلها هلا نوعيتها اليت يسهل إدراكها وهلا تناغمها أحدها مع‬
‫يفرض حله الذايت ‪ ،‬وهو حل مجيل – رمبا حلسن احلظ ‪،‬‬ ‫اآلخر ‪ .‬إن املوق‬
‫ورمبا بصورة حتمية ‪.‬‬
‫ومهما كان ما يريد الفالح أن يصنعه ‪ ،‬ومهما كان ما يتمىن حماكاته من فيالت‬
‫األغنياء ‪ ،‬فإنه لن يستطيع الفرار من القيود الصارمة اليت تفرضها عليه مادة‬
‫بنائه ‪ .‬والتساؤل عما لو كان سيظل يتوق إىل احلداثة املستوردة عندما يتم له‬
‫العيش يف قرية هي حقاً ذات مجال و كرامة هلو تساؤل علينا أن ننتظر لنرى‬
‫إجابته ‪ .‬و لعله حينما ال توجد لديه على اإلطالق أسباب حيسد الرجل الغين‬
‫من أجلها – ثروته ‪ ،‬وحتضره ‪ ،‬ومكانته االجتماعية – فإنه سيتوق أيضاً عن‬
‫أن حيسده بسبب منزله ‪ .‬و للفالح يف األحوال الطبيعية فرصة كبرية واحدة يف‬
‫كل حياته خيتار فيها لنفسه نو البيت و األاثث الذي يريده ‪ .‬فهو ال يستطيع‬
‫إال عند زواجه فقط أن يصنع أي تغيري أساسي يف بيئته احمليطة ‪ ،‬فهذه هي‬
‫املناسبة الوحيدة اليت جيمع هلا من النقود ما يكفي الختاذ قرار أساسي هكذا ‪،‬‬
‫والتقليد هو أن يعطي الع ريس لعروسه قدراً من املال ‪ ،‬هو املهر ‪ ،‬وهو مبثابة‬
‫نو من الدوطة ‪ ،‬بينما يتوقع منها هي أن جتهز األاثث ‪ ،‬و أدوات املطبخ ‪،‬‬
‫والبياضات ‪ ،‬وجيمع كل هذا املتا يف منزل والدي العروس مث حيمل يف موكب‬
‫ابحتفال كبري إىل بيت الزوجني اجلديد ‪ .‬ويدور املوكب من حول القرية كلها ‪،‬‬
‫عارضاً املتا ‪ ،‬حىت يرى كل واحد ان الزوجني اجلديدين قد جهز جتهيزاً جيداً‬
‫و أن استطاعتهما أن يتخذا مكاهنما بني جرياهنما كعائلة مستقلة ‪ .‬وينبغي أن‬
‫يكون متا البيت حبيث يبقى طيلة حياهتما ‪ ،‬ومشرتوات الزوجني هذه تقرر‬
‫مدى اجلمال أو القبح الذي سيحيط هبما مه ا و أطفاهلما لسنني قادمة ‪.‬‬
‫ويتم اختاذ خطوة حامسة أخرى عندما تبين األسرة بيتاً لنفسها ‪ .‬وهذا حقاً قد‬
‫حيدد البيئة احمليطة ليس فحسب طيلة حياة الفرد بل و ألجيال قادمة ‪.‬‬
‫و إذا كان املرء ال أتتيه فرصة أحداث تغيري كبري يف بيئته احمليطة به إال مرة‬
‫واحدة يف حياته أو مرة واحدة كل عدة أجيال ‪ ،‬فما هو عدد املرات اليت يتاح‬
‫فيها لقرية أبكملها فرصة كهذه ؟ ها هنا ‪ ،‬مع الفارق اهلائل يف القياس ‪ ،‬توجد‬
‫ابلضبط نفس الفرصة ‪ .‬ابلضبط نفس احلرية لالختيار بني اجلمال و القبح ‪،‬‬
‫وما إن يتم اختاذ القرار فإنه سوف حيدد البيئة البصرية آلآلف األفراد ملدة قرن‬
‫آت أو يزيد ‪ .‬وأمهية القرارات اليت تتخذ يف هذا الوقت واضحة أكمل الوضوح‬
‫‪ .‬وعند حلظة كهذه فإن أي عناية تبذل ‪ ،‬و أي مهارة ‪ ،‬و أي ممارسة للرتوي ال‬
‫ميكن أبداً أن تعد تزيداً ‪.‬‬
‫لقد كانت اآلف العائالت يف القرية على أهبة اختاذ هذه اخلطوة ال متالك بيت‬
‫جديد ‪ .‬و كل عائلة منها تستح أن تكون هلا فرصة أن تصنع بيتها حبيث‬
‫يكون مجيالً و صاحلاً بقدر اإلمكان ‪ ،‬وكل عائلة تستح أن يكون هلا رأيها يف‬
‫عن األخرى ‪ ،‬فسيكون من‬ ‫تصميم البيت ‪ .‬و حيث أن كل عائلة ختتل‬
‫الضروري أن يتم تصميم كل بيت تصميماً متفرداً ‪ .‬و إذا كان لكل عائلة أن‬
‫حتصل على بيتها املنفرد و قد هىيء حبرص حلاجاهتا وألسلوب املعيشة يف القرية‬
‫‪ ،‬فإن تصميم البيوت كلها سيستغرق زمناً طويالً ‪ .‬ويف اعتقادي أن يف هذا ما‬
‫يرضي كل الرضى ‪ .‬فلم أكن ألحفل مطلقاً بذلك املنه الذي تصمم فيه‬
‫القرية ككل تصميماً تعسفياً منذ أول بداية املشرو ‪ ،‬مث أظل أان طيلة األعوام‬
‫الثالثة احملددة إلهنائها ال أقوم إال مبجرد اإلشراف على البناء ‪ .‬فباإلضافة إىل‬
‫مايتص به هذا املنه من ابلغ اجلمود والالإنسانية ‪ ،‬فإنه أيضاً يف غاية‬
‫اإلمالل ‪ .‬كان على القرنة أن تسكن تسعمائة عائلة ‪ ،‬مما يعين أن يتم البناء‬
‫مبعدل ثالثني بيتاً يف كل شهر ‪ .‬وثالثون بيتاً هي على األكثر ثالث جماورات‬
‫عائلية ‪ .‬ومن املؤكد أن تصميم ثالثة بلوكات كهذه هو مما ميكن إهناؤه بسهولة‬
‫يف شهر واحد ‪ .‬على أننا عندما وصلنا للبناء ابلفعل ‪ ،‬تبني يل أنه حىت‬
‫الرسومات التنفيذية كانت تفقد الكثري مما يكون هلا عادة من أمهية ‪ .‬فالبناءون‬
‫كانوا معلمني يف حرفتهم حبيث أن كل تفصيل يف العمل قد أصبح مألوفاً لديهم‬
‫عرب السنني الكثرية ‪ ،‬فقد كان هذا هو فنهم التقين اخلاص هبم ‪ .‬وكانوا يعرفون‬
‫عن ظهر قلب نسب الغرف املختلفة ‪ ،‬وعندما يذكر هلم ارتفا القبة أو القبو ‪،‬‬
‫فإهنم يستطيعون للتو أن يذكروا أين يبدأ اإلنشاء ‪ .‬واحلقيقة أهنم كانوا يرقبونين‬
‫و أان أرسم ‪ ،‬ويطلبون مين أال أشغل ابيل هبذه املقاييس ‪ ..‬وهكذا كنا فيما‬
‫بيننا ‪ ،‬البناءون و إايي ‪ ،‬قد أحببنا العالقة اخلاصة بني املصمم واحلريف وضممنا‬
‫معاً عضوين من األعضاء الثالوث املشتت ؛ و إذا كان العضو الثالث ‪ ،‬وهو‬
‫أعميل ‪ ،‬مل يلعب دوراً كامالً يف القرية فإن هذا مل يكن خطأان ‪ ،‬و إين لواث أنه‬
‫يف أي مشرو يف املستقبل سوف يتعاون األعضاء الثالثة تعاوانً منسجماً كما‬
‫تعودوا فيما مضى ‪.‬‬
‫***‬
‫إعادة إرساء (( الثالوث )) ؛ املالك ‪ ،‬وامل هندس املعماري ‪ ،‬واحلريف ‪.‬‬
‫يف مشاريع البناء الرمسية ‪ ،‬تقوم إدارة التصميم إبعداد كل الرسومات التفصيلية‬
‫وتسلمها إىل أحد املقاولني ‪ ،‬الذي يكون عليه أن يتبعها ابحلرف ‪ ،‬حتت إشراف‬
‫املهندسني املعماريني يف املوقع ‪ .‬أما يف القرنة فقد كنا نقوم ألنفسنا بدور‬
‫املصممني ‪ ،‬واملشرفني ‪ ،‬واملقاولني ‪ .‬وكان البناءون ملمون بكل عمليات‬
‫علي أن‬
‫اإلنشاء مثلهم مثل املهندس املعماري نفسه ‪ .‬وهكذا فإن كل ما كان ّ‬
‫ارمسه هو املساقط األرضية للبيوت املنفردة ‪ ،‬و أن أعطيهم االرتفاعات ‪،‬‬
‫والرسومات املظللة لبلوكات اجملاورة العائلية ‪.‬‬
‫و أحد أعظم مزااي استخدام طرق البناء الرتاثية و العودة ابحلرفيني إىل عمل‬
‫الفري هي أن املهندس املعماري عندما يفعل ذلك يتحرر من أعمال كان قد‬
‫أخذها من احلرفيني ليضعها على عاتقه بال ضرورة ‪ .‬ويف طريقة اإلنشاء هذه‬
‫تكون الغرفة هي وحدة التصميم ‪ ،‬وميكن للمرء أن يث يف أن البنائني‬
‫سينفذوهنا ابلكيفية النمطية وبكل األحجام كما لو كانت قد أتت من مصنع‬
‫مواد سابقة التجهيز ‪ .‬وال ميكن أبداً أن يتم لنا احلصول على االقتصاد هكذا‬
‫لو أننا استخدمنا اخلرسانة اإلمسنتية أو غريها من املواد أو التقنيات األجنبية ‪.‬‬
‫***‬
‫و من الوجهة املثالية ‪ ،‬إذا كان ب ناء القرية سيستغرق ثالث سنوات ‪ ،‬فإن‬
‫التصميم ينبغي أن يستمر لعامني و أحد عشر شهراً ‪ ،‬فينبغي أن أظل آلخر‬
‫حلظة وأان أتعلم ن و أع ّدل ‪ ،‬و أحسن تصميمايت ألجعلها تتالئم تالؤماً أكمل‬
‫مع العائالت اليت ستعيش فيها ‪ .‬و لكن رغم هذه النوااي الطيبة ‪ ،‬إال أين قد‬
‫وجدت يف القرنة أنه من الصعب جداً أن يثري املرء اهتمام الفالحني ببيوهتم‬
‫اجلديدة ‪ .‬وكانت ال مباالهتم ترجع حقاً إىل حد كبري إىل نفورهم من فعل أي‬
‫يؤول فيما بعد على أنه موافقة منهم على خطة نقلهم ‪ ،‬على أهنا أيضاً‬
‫شيء قد ّ‬
‫كانت تنبع من عجزهم عن التعبري ابلكلمات عن حاجاهتم و ميوهلم ‪ .‬وقد قال‬
‫يل أحد الشيوخ أنه طاملا سيتم إيواء ما شيته كما ينبغي فإنه ال يطلب شيئاً آخر‬
‫‪ .‬و كان هذا إىل ٍ‬
‫حد ٍٍ ما رأايً عاماً ‪ .‬ومل أستطع تغيري رأيهم هذا إال بعد أن‬
‫بينت هلم أهنم إذا كرسوا كل انتباههم للماشية وحدها و اعتربوا بيوهتم و كأهنا‬
‫جمرد ملح ل لحظرية ‪ ،‬فإن أبناءهم الذين يدرسون يف املدينة سيخجلون ابلغ‬
‫اخلجل من زايرهتم ‪ .‬وهكذا وافقوا على أهنم جيدر هبم أن مينحوا البيت بعضاً‬
‫من عنايتهم ‪ ،‬على أهنم قالوا أهنم سيرتكون األمر يل ألصمم أايً مما أحب ‪ ،‬و‬
‫يل أبي حال أن‬ ‫هذا التفويض على البياض جعل املشكلة أكثر إرابكاً ‪ .‬كي‬
‫أعرف كل تفاصيل احلياة املنزلية لفالح من القرنة و أن أفهم ماذا يريده يف بيته‬
‫؟‬
‫ولعل ال مباالة الرجال هذه ابلنسبة لبيوهتم قد نشأت عن حقيقة أن البيت هو‬
‫مملكة املرأة ال الرجل ‪ .‬ولو كان يف استطاعيت أن استشري النساء لكان يف ذلك‬
‫أعظم العون ‪ .‬على أن هذا كان لسوء احلظ أمراً مستحيالً ألهنن كن حيج ن‬
‫بعيداً يف غرية ‪ .‬وفيما بعد ‪ ،‬عندما آتى إىل القرية بعض السيدات من معاريف ‪،‬‬
‫أمكننا ابلفعل أن حنصل على آراء بعض نساء القرية ‪.‬‬
‫عندما أدركت صعوبة أن أجعل أهل القرنة يسامهون بدور بناء يف ختطيط‬
‫مدينتهم ‪ ،‬قمت يف وقت مبكر جداً ببناء حوايل عشرين بيتاً ألبني هلم هكذا‬
‫نو من املعمار الذي نطرحه عليهم ‪ ،‬حيث أهنم ال يستطيعون فهم رسومات‬
‫املشرو ‪ .‬وكنت آمل أيضاً أن أرقب العائالت إذ تعيش ابلفعل يف هذه البيوت‬
‫‪ ،‬وهبذا يكون األمر و كأين (( أستشريهم )) عندما أرى حاجاهتم ابلتطبي ‪.‬‬
‫وقد يبدو يف هذا حتمل ملشقة ابلغة ‪ ،‬ولعل القارئ أن يتساءل عما إذا كان أهل‬
‫القرنة قد سامهوا ابلفعل بدورهم كعمالء ‪ .‬على أين أعتقد أن اإلسهام الذي‬
‫يقوم به العميل فيما يتعل ابلتصميم ‪ ،‬مهما كان من جهله أو حىت من ارتيابه ‪،‬‬
‫هلو أمر ال نستطيع االستغناء عنه ‪ .‬فنحن لسنا فحسب مطالبني بواجب نؤديه‬
‫هلؤالء الفالحني الفقراء هو أن نعيد هلم وضعهم كأصحاب حرفة – سواء كانوا‬
‫هم أنفسهم أو مل يكونوا قد أضاعوا هذا احل ‪ ،‬وسواء كانوا أو مل يكونوا‬
‫مستاءين من فكرة املشرو – وإمنا حنن مطالبون أيضاً أمام أنفسنا كمهندسني‬
‫معماريني أبال حناول عمل أي تصميم بدون عون العميل الذي ال غىن لنا عنه ‪.‬‬
‫ومن املؤكد أن موق أهل القرنة هكذا موقفاً غري ودي نوعاً جتاهنا ‪ ،‬مل ينشأ‬
‫إال ألهنم كانوا ينظرون إلينا كعمالء للحكومة يتدخلون يف حياهتم دون أي دعوة‬
‫منهم ‪ .‬ولو كان أحد أهل القرنة يبين لنفسه بيتاً بنقوده اخلاصة لكان له موق‬
‫متاماً ‪ ،‬وللعب دوراً يف البناء هو أكثر إجيابية إىل حد بعيد مهما أراده‬ ‫خمتل‬
‫معنا ‪ .‬وإمنا كنت أود أن أشجع يف عمالئنا من أهل القرنة موقفاً من االنشغال‬
‫النشط الذي يتدخل يف كل طور من عملية البناء ‪.‬‬
‫إن اإلسهام الذكي للعميل هو ضرورة مطلقة لتنفيذ عملية البناء تنفيذاً متناغماً‬
‫‪ .‬فالعميل ‪ ،‬واملهندس املعماري ‪ ،‬واحلريف ‪ ،‬كل يف جماله ‪ ،‬جيب أن يتخذ‬
‫القرارات ‪ ،‬وإذا تنازل أي واحد منهم عن مسؤوليته فسوف يعاين التصميم من‬
‫ذلك وسيتقلص من ذلك وسيتقلص الدور الذي يقوم به املهندس املعماري يف‬
‫النمو واالزدهار احلضاري للشعب كله ‪.‬‬
‫و أهل القرنة كانوا ال يكادون يستطيعون مناقشة أمر املباين معنا ‪ .‬فهم ال‬
‫يستطيعون التعبري ابلكلمات حىت عن احتياجاهتم املادية يف اإلسكان ؛ وهكذا‬
‫كانوا عاجزين متاماً عن احلديث عن أسلوب البيت أو عن مجاله ‪ .‬فالفالح ال‬
‫يتحدث عن الفن ‪ ،‬و إمنا هو يصنعه ‪.‬‬
‫والفن القروي يف القرنة مل يكن مما يبهر على وجه اخلصوص ‪ .‬وهو حيتل مرتبة‬
‫لعلها مما يتوقعه املرء عند درجة تقع بني األسلوب الراقي للبناء عند الفالح‬
‫النويب و احنطاطه ابلكامل يف الدلتا ‪ .‬ولو سافرت ابلقطار إىل أسوان حىت البحر‬
‫فسوف تالحظ أن مستوى الفن الشعيب ينحدر يف اطراد ‪ ،‬ولو رمست لذلك‬
‫رمساً بيانياً ‪ ،‬فسينت منحىن يتبع تقريباً بروفيل النهر ‪ .‬والقرنة تقع تقريباً فيما‬
‫يقرب من املنتص على النهر بني النوبة ومصر السفلى ‪.‬‬
‫املعمار الدارج يف القرنة القدمية‬
‫وهكذا فرغم أن القرنة مل يكن فيها ما تقدمه مما مياثل معمار النوبة ذا األلوان‬
‫والتأثري ‪ ،‬ولعلها أيضاً مل يكن فيها نفس الفخر مبا هو حقاً حرفية مجيلة ‪ ،‬إال‬
‫أنه كان هناك بعض مباين عارضة تظهر نوعاً من النقاء يف الشكل ‪ ،‬فهي على‬
‫األقل خالصة من الفساد الفين الذي يزداد غلظة يف كل احلياة القروية كلما‬
‫اجتهنا مشاالً ‪.‬‬
‫وما من شعب يف أي مكان يكون حمروماً كل احلرمان من القدرة على اإلبدا‬
‫الفين ‪ .‬ومهما كانت الظروف قامعة ‪ ،‬فإن هذه القدرة اإلبداعية سوف جتد‬
‫دائماً طريقها للظهور من خالل ٍ‬
‫شيء ٍٍ ما ‪ .‬ويف القرنة مل يكن ذلك يظهر كثرياً‬
‫يف بيوهتم ‪ ،‬حيث كانوا يتعرضون لتأثريات سيئة ‪ .‬و إمنا كان ظهور ذلك فيما‬
‫ألهل القرية من إنشاءات منزلية صغرية ‪ ،‬يتيح فيها أهل القرية ألنفسهم صياغة‬
‫أمجل التكوينات التشكيلية و أكثرها ذاتية ‪ .‬فكان يف القرية القدمية أسرة تشبه‬
‫نبات عش غراب كبري حيث ميكن لألطفال أن يناموا آمنني من العقارب (‬
‫وهكذا تستقى األسرة امسها منها وهو بيت العقرب ) ؛ وكان هناك أبراج محام‬
‫ترتفع كنصب جليل له نوعه اخلاص جداً من املهابة ؛ وهناك سرير بسيط فخيم‬
‫مجيل ينشئه الفالح يف بيته مياثل يف أمهيته و مركزيته سرير أو ديسيوس بل إن‬
‫هناك بيتاً أو بيتني ابلكامل يظهر فيهما نفس التشكيل و انسياب اخلطوط كما‬
‫يف بيت العقرب ‪ .‬ويتصادف أن هذين البيتني كاان من بني أفقر بيوت القرية ‪.‬‬
‫وقد اضطر صاحبامها إىل اللجوء إىل هذا التصميم األصيل بسبب فقرمها ‪.‬‬
‫فلما كاان ال يطيقان أن يتكلفا يف بيتيهما ما تكلفه تلك التعقيدات من الذوق‬
‫السقيم اليت ينحو إليها جرياهنما األغىن ‪ ،‬و ال يطيقان تكلفة بناء أبجر ‪ ،‬فقد‬
‫كان عليهما أن يبتكرا كل جزء من مسكنيهما بنفسيهما ‪ .‬وهكذا فإن ختطيط‬
‫إحدى الغرف أو وضع خط ألحد اجلدران مل يكن يتم يف أبسلوب ما يقاس‬
‫قياساً متوازانً بليداً ‪ ،‬وإمنا يصاغ شكلها حبساسية كما يصاغ إانء الفخار ‪ .‬ويف‬
‫كثري من هذه البيوت ابلغة الفقر لو أمكن للمرء أن ينظر فيها متجاوزاً عن‬
‫القذر و الفوضى العارضني ‪ ،‬فإنه سوف يرى أن خطوط البناء إمنا تطرح درساً‬
‫تعليمياً يف املعمار ‪ .‬أنظر إىل الصورة الضوئية للمنزل الصغري يف قرنة مرعى؛ ما‬
‫من أثر هنا ألي حذلقة معمارية ‪ ،‬ليس من تشن حملاولة التسل إىل مرتبة‬
‫اجتماعية (( أعلى )) ‪ ،‬وإمنا استخدام مباشر ملواد البناء يف أغراض حياة‬
‫الفالح ؛ و أي تفصيل يتم بناؤه ألن الفالح حيتاج إليه و يتم حيث حيتاجه ‪،‬‬
‫ويف أكثر األشكال و األحجام مالئمة ‪ ،‬من غري أي تفكري يف حماولة التأثري يف‬
‫أانس آخرين ‪ .‬والنتيجة يف احلقيقة يكون هلا أتثريها البالغ ‪ ،‬فالبيت فيه اكتفاء‬
‫ذايت كما يف أي صنيع ابر ينتجه مهين متمكن ‪.‬‬
‫وهذا النو اخلاص من التشكل الطيع والالتقليدي هو مما ال ميكن إعادة نسخه‬
‫عن لوحة رسم هندسية ‪ .‬فهو مما يتم تصوره أثناء بنائه ‪ ،‬مثله كمثل قطعة‬
‫صلصال يتم تشكيلها ‪ ،‬ف الرسم املسطح ال دور له يف عملية كهذه ‪ .‬وبيت من‬
‫هذا النو ال بد أن يبنيه صاحبه ‪ ،‬ذلك أن كل خط غري منتظم وكل منحىن‬
‫هو انعكاس لشخصيته ‪ .‬على أنه بسبب هذا الطابع الشخصي الذي حيمله‬
‫البيت ‪ ،‬فإنه ال ميكن أن يوجد إال يف إحدى القرى حيث تكون عملية البناء‬
‫جتري على ال راحة وبدون حذلقة ‪ ،‬و ما إن يبدأ إنشاء مشرو كمشروعنا ‪،‬‬
‫حىت تقفز عملية البناء إىل مستوى خمتل متاماً ‪ ،‬فتصبح عملية منظمة ‪ ،‬فيها‬
‫إحساس ابلوقت ‪ ،‬وبصورة عامة فهي أكثر التصاقاً‬
‫(( ابملهنية )) ‪ .‬وهذه القفزة من بيت (( يتشكل )) إىل بيت (( يتهندس )) هلي‬
‫مرحلة طبيع ية يف تطور البناء ‪ ،‬تتبع زايدة ثروة أهل القرية ‪ .‬ولو حدث التغري‬
‫بصورة طبيعية ‪ ،‬فإن املعمار اجلديد سوف ينمو ليصبح ترااثً ‪ .‬واحلقيقة أن‬
‫مهميت يف القرنة مل تكن أن أخل ترااثً ينبغي أن يتخذه أهل القرنة ألنفسهم ‪،‬‬
‫فحىت لو كان من املمكن أن يصنع ألحد الرجال ما ينبغي أن يصنعه هو لنفسه‬
‫‪ ،‬و أن تدخل يف إهابة ‪ ،‬وتكون ابلنسبة له مبثابة ضمريه الفين ‪ ،‬فإن ادعاء‬
‫كهذا سيدمر ما يكون لديه من حافز وتكامل فين ‪ ،‬ويكون فيه القضاء على‬
‫الغاية ذاهتا ‪.‬‬
‫على أنه ما كان ميكنين أن أجتاهل متاماً كل ما كان أهل القرنة قد صنعوه ‪ ،‬و‬
‫أحمو كل أث ر إلبداعيتهم اخلاصة هبم ‪ ،‬فأغرس تصميمايت هكذا يف املوقع‬
‫علي أن استخدم املنشآت الرتاثية ابلقدر‬
‫متخلصاً من أي إرابكات ‪ .‬و إمنا كان ّ‬
‫الذي ميكن تضمينه ‪ ،‬و أن أظهر يف التصميمات اجلديدة قدر ما ميكن إظهاره‬
‫من روح أهل القرنة‬
‫وكان من السهل تضمني منشآت بعينها ‪ ،‬وهي بذلك قد ساعدتنا مساعدة‬
‫عظيمة منذ البداية أبن وفرت يف التصميم نغمة رئيسية له ‪ .‬فمثالً كانت أبراج‬
‫احلمام يف القرية القدمية ‪ ،‬هي أشكال فالحية أصيلة وتلقائية ابلكامل ‪ ،‬مل تطرح‬
‫من مكان آخر و إمنا أمالها ابلكلية ذوق أهل القرية ‪ ،‬فهي ردهم اإلبداعي‬
‫اخلاص هبم على مشكلة حفظ محامهم ‪ .‬وبنيان كهذا دخل إنشاء القرية‬
‫اجلديدة دومنا أي إحساس جبهد ‪ .‬وقامت بصنعه نفس األيدي ‪ ،‬فأقام البّناء‬
‫القروي برج احلمام القدمي للقرية اجلديدة ‪ ،‬وكان الربج اليوم مالئماً مثلما كان‬
‫ابألمس ‪.‬‬
‫ومرة أخرى وجدان (( مزيرة )) جداً شائقة يف القرية القدمية ‪ ،‬واملزيرة مكان‬
‫توضع فيه جرة املياه املسماه‬
‫(( الزير )) ‪ ،‬وهي يف هذه احلالة تتخذ شكل قبو يظلل جرة املاء من الشمس ‪،‬‬
‫وهذا الرتتيب بدائي بعض الشيء ولكنه مجيل نوعاً ‪ .‬ويف القرية اجلديدة و فر‬
‫لنا القبو الذي يدعم السلم موقفاً مناسباً و ظالً قامتاً حقاً ‪ ،‬بينما أمكننا‬
‫استكمال هذا التنظيم إبضافة حلية خمرمات – نو من (( مشربيه منطوب‬
‫الل ن )) – لتعمل مبثابة مرشح هواء طبيعي للهواء ‪.‬‬
‫و أمكننا يف اجلامع أيضاً أن حنتفظ جبزء مهم من تراث القرنة ‪ .‬فقد كان أحد‬
‫املساجد القدمية ابلقرنة يستخدم سلماً خارجياً مستقيماً يطلع مائالً إىل املئذنة ‪،‬‬
‫وهو شكل يرجع إىل أول أايم اإلسالم ومازال يوجد يف النوبة ومصر العليا ‪.‬‬
‫ورغم أن اجلامع يف القرية اجلديدة كان جيب أن يكون أكرب كثرياً ‪،‬ألنه سيخدم‬
‫السكان كلهم الذين يرتكزون اآلن يف قرية واحدة ‪ ،‬إال أن األمر كان يستح‬
‫التصميم القدمي ‪ ،‬مبا فيه السلم اخلارجي ‪ ،‬حسب‬ ‫متاماً بذل اجلهد ل تكيي‬
‫املقياس اجلديد ‪.‬‬
‫ومن املهم أن يفهم أن هذا البحث عن األشكال احمللية لتضمينها يف القرية‬
‫اجلديدة مل يكن مبعثه رغبة عاطفية لالحتفاظ ببعض تذكار من القرية القدمية ‪.‬‬
‫فقد كان هديف دائماً أن استعيد ألهل القرنة إرث هم من تراث البناء املستلهم‬
‫حملياً استلهاماً قوايً ‪ ،‬مما يتطلب تعاوانً نشطاً بني العمالء ذوي املعرفة واحلرفيني‬
‫ذوي املهارة ‪.‬‬

‫***‬
‫التغيري مع التواصل‬
‫كنت أريد أبي مثن أن أجتنب موقفاً كثرياً ما كان يتخذه املهنيون من املعماريني‬
‫أبن اجملتمع القروي‬ ‫واملخططني عندما جياهبون مبج تمع قروي ‪ ،‬وهو موق‬
‫ليس فيه ما يستح نظرة اعتبار من املهنيني ‪ ،‬و أن كل مشاكله ميكن حلها‬
‫ابسترياد تناول حضري متحذل لعملية البناء ‪ .‬وكنت أود ‪ ،‬لو يف اإلمكان ‪،‬‬
‫أن أمد جسراً على الفجوة اليت تفصل املعمار الشعيب عن معمار املهندس‬
‫املعماري ‪ .‬وكنت أود أن أوفر صلة متينة مرئية بني هذين املعماريني يف شكل‬
‫مالمح مشرتكة بينهما معاً ‪ ،‬حيث يستطيع القرويون أن جيدوا فيها نقطة ارتكاز‬
‫كمرجع مألوف هلم يبدؤون منها توسيع فهمهم للجديد ‪ ،‬كما يستطيع املهندس‬
‫املعماري أن يستخدمها ليخترب هبا صدق عمله هو نفسه ابلنسبة للناس‬
‫وللمكان ‪ .‬واملهندس املعماري له وضعه الفريد إلحياء إميان الفالح حبضارته هو‬
‫نفسه ‪ .‬وإذا قام املهندس املعماري ‪ .‬بصفته انقداً يوث به ‪ .‬إبظهار ما هو‬
‫جدير ابإلعجاب يف األشكال احمللية ‪ .‬بل و إذا ذهب ألبعد من ذلك‬
‫فاستخدمها هو نفسه ‪ ،‬فإن الفالحني سيأخذون يف احلال يف النظر إىل منتجاهتم‬
‫يف تيه ‪ .‬وما كان فيما مضى يتم جتاهله أو حىت الزراية به ‪ ،‬سيصبح فجأة شيئاً‬
‫يفخر به ‪ .‬ويصبح فوق ذلك شيئاً يستطيع القروي أن يفخر به عن معرفة ‪.‬‬
‫وهكذا فإن احلريف يف القرية سيحفز إىل استخدام وتنمية األشكال الرتاثية احمللية‬
‫‪ ،‬وذلك ب بساطة ألنه يرى أهنا قد انلت احرتام مهندس معماري حقيقي ؛ أما‬
‫القروي العادي ‪ ،‬أي العميل ‪ ،‬فإنه يعود مرة أخرى إىل وضع يفهم فيه عمل‬
‫احلريف ويقدره ‪.‬‬
‫على أنه كان من الضروري للوصول إىل قرار موضوعي بشأن نو معمار القرية‬
‫اجلديدة ‪ ،‬أن يتم املزيد من االستقصاء ‪.‬‬
‫فباإلضافة إىل البيئة املصنوعة يف القرنة بواسطة اإلنسان ‪ ،‬واليت ينبغي أن‬
‫تتجانس معها القرية اجلديدة ‪ ،‬كانت هناك أيضاً البيئة الطبيعية من املشهد‬
‫اخللوي الطبيعي ‪ ،‬والنبات واحليوان ‪ .‬واملعمار الرتاثي يكي نفسه عرب القرون‬
‫الكثرية مع بيئة الطبيعية هذه ‪ ،‬من الوجهة البصرية والعملية معاً ‪ .‬وينبغي على‬
‫القرية اجلديدة أن تتناغم مع هذه البيئة منذ البداية األوىل ‪ ،‬وجيب أن تبدو‬
‫علي أن أحاول أن أضفي‬
‫مبانيها كما لو كانت نتاج قرون من الرتاث ‪ .‬فكان ّ‬
‫على تصميمايت اجلديدة مظهراً و كأهنا قد نشأت من املشهد اخللوي ألشجار‬
‫املنطقة وينبغي أن تبدو يف مستقرها يف احلقول مثلما يبدو خنيل البلح والدوم ‪.‬‬
‫وينبغي أن يعيش فيها قاطنوها مبا يكون طبيعياً مبثل ارتدائهم ملالبسهم ‪ .‬على‬
‫أن هذه مهمة هي جد شاقة ابلنسبة لرجل واحد ‪ ،‬أيكون يف استطاعيت أن‬
‫أتصور نفسي من خالل خربة أجيال من بنائي القرية أو أن أتصور يف ذهين كل‬
‫التعديالت البطيئة اليت جنمت عن املناخ والبيئة ؟‬
‫على أننا نستطيع طلب العون من أجدادان لنحصل على معرفة كهذه لقد نفذ‬
‫قدماء املصريون إىل روح هذه األرض ومثلوا طابعها أبمانة وصلت إلينا عرب‬
‫آالف السنني اليت تفصلنا ‪ .‬فهم يف رسوماهتم – تلك اخلطوط البسيطة اليت‬
‫رمست على جدران القبور – ينقلون جوهر طابع الطبيعة أبكثر مما تنقله أرو‬
‫أتثريات اللون والضوء والظل يف أعمال أشهر العارضني للوحات اليت من‬
‫األسلوب األورويب احلديث ‪.‬‬
‫وملا كانت مشروعات املهندس املعماري هي كلها رسومات من خطوط فقد‬
‫فكرت يف أنه ميكنين أن أضع فوق تصميمايت رسوم نبااتت و حيواانت املنطقة‬
‫‪ ،‬وأن يصنع ذلك يف بساطة كما يف الرسومات املصرية القدمية ‪ ،‬و كنت على‬
‫ثقة من أن هذه الصورة ألشجار النخيل أو األبقار كما ترى يف مقابر النبالء‬
‫ستبدي مدى الصدق أو تكش مدى الزي الذي يف املباين ‪ .‬ونفذت كل‬
‫أدائي يف ال تصميمات التجريبية هكذا ؛ وجتنبت يف حرص احلذلقة املهنية اليت‬
‫تكون يف رسوم مشروعات الكثري من املهندسني املعماريني و اليت كثرياً ما تشوه‬
‫األشكال الطبيعية لتجعل اخللفية موافقة للمباين ‪ ،‬وهكذا فإنين مل أحاول‬
‫إحداث أتثريات ابلعم ‪ ،‬أو أن أجلب ما ال يتناسب من أشجار البلوط حىت‬
‫أوزان هبا الكتل ‪ ،‬و إمنا نفذت رسومي يف خطوط بسيطة و جعلت من حوهلا‬
‫اسكتشات للحيواانت و األشجار و املالمح الطبيعية يف القرنة ‪ .‬و كانت تلك‬
‫هي ؛ التل املطل على على القرنة و الذي يبدو دائماً كصخرة مقدسة مباله عند‬
‫قمته من هرم طبيعي ‪ ،‬و البقرة ‪ ،‬ذلك أن اآلهلة – البقرة حتحور كانت حامية‬
‫جبانة القرنة ‪ ،‬كما كانت القرية يف منطقة يكثر فيها البقر و ال يرى فيها‬
‫جاموس مصر صاحب اهليمنة ؛ مث شجرات النخيل ‪ ،‬خنيل البلح وخنيل الدوم ‪،‬‬
‫ذلك أهنما مها أشجار مصر العليا ؛ و طابع معني كان يظهر يف تكتل لبعض‬
‫بيوت القرنة القدمية مبقصوراهتا اليت يف قمتها ‪.‬‬
‫و قد وضعت كل هذه األشكال على رسومي التجريبية األوىل املؤقتة ‪ ،‬لتعمل‬
‫كمعيار للمقارنة ‪ .‬فقد أحسست أن من واجبنا يف القرنة أن نبين قرية ينبغي أال‬
‫تكون مزيفة على مصر ‪ .‬فيجب إعادة اكتشاف أسلوب الشعب ؛ أو ابألوىل ‪،‬‬
‫إعادة اإلحساس به من خالل الدالئل املتناثرة يف احلرف احمللية و املزاج احمللي‬
‫‪ .‬وقد كان لدينا تكنيك من النوبة ؛ إال أننا ما كنا نستطيع بناء بيوت نوبية هنا ‪.‬‬
‫فاإلخالص لألسلوب ‪ ،‬حسب ما أفهمه ‪ ،‬ال يعين أن نعيد بوقار نسخ إبدا‬
‫ينتمي ألانس آخرين ‪ .‬ولن يكون مما يرضي أن ننسخ حىت أفضل املباين اليت‬
‫تنتمي إىل جيل آخر أو ملنطقة أخرى ‪ .‬رمبا يكون من اجلائز استخدام منه‬
‫البناء ‪ ،‬ولكن عليك أ ن تنز عنه كل ما فيه من طابع وتفصيل خاصني ‪ ،‬وأن‬
‫تطرد من ذهنك صورة تلك البيوت اليت سب أن أوفت برغباتك أمجل إيفاء ‪.‬‬
‫وجيب عليك أن تبدأ من البداية األوىل ‪ ،‬اتركاً مبانيك اجلديدة لتنشأ عن احلياة‬
‫اليومية للناس الذين سيعيشون فيها‪ ،‬ومشكالً البيوت مبقياس ما يتغىن به‬
‫الناس ‪ ،‬وانسجاً منط القرية كمل لو كان ذلك أبنواهلا هي ‪ ،‬وقد أفعمت بكل‬
‫اليقظة لألشجار و احملاصيل اليت تنمو هناك ‪ ،‬و أفعمت تبجيالً خلط األف ‪،‬‬
‫أو حداثة‬ ‫وتواضعاً أمام تغريات الفصول ‪ .‬وجيب أال يكون هناك تراث زائ‬
‫زائفة ‪ ،‬و إمنا هم معمار يكون منه التعبري املرئي الدائم لطابع اجملتمع ‪ .‬على أن‬
‫هذا يعين ال اقل من معمار جديد ابلكامل إن التغيري آت حتماً إىل القرنة أبي‬
‫حال ‪ .‬فالتغيري هو شرط احلياة و الفالحون أنفسهم يريدون التغيري ‪ ،‬ولكنهم‬
‫يكون ذلك ‪ .‬وملا كان احلال هو أهنم مستهدفون لتأثريات‬ ‫ال يعرفون كي‬
‫املباين املبهرجة يف املدن اإلقليمية اليت من حوهلم ‪ ،‬فإهنم فيما حيتمل سيتبعون‬
‫هذه األمثلة السيئة ‪ .‬و إذا مل نتمكن من إنقاذهم ‪ ،‬و إذا مل نتمكن من حثهم‬
‫على أن يتغريوا معمارايً إىل األفضل فإهنم سيتغريون إىل األسوأ ‪.‬‬
‫كان أملي أنه قد يكون من القرنة إشارة فحسب للطري إىل بدء إحياء الرتاث‬
‫يف البناء ‪ ،‬حبيث يواصل التجربة آخرون ‪ ،‬ويوسعون من نطاقها ‪ ،‬حبيث يرسون‬
‫يف هناية األمر مرتاساً حضارايً يوق االنزالق إىل املعمار الزائ اخلايل من املعىن‬
‫و الذي يتزايد بناؤه بسرعة يف مصر ‪ .‬فالقرية اجلديدة ميكن أن تبني كي أن‬
‫معماراً يندم يف واحد مع الناس هلو أمر ممكن يف مصر ‪.‬‬
‫***‬
‫املناخ و العمارة‬
‫يتميز مناخ مصر العليا أبنه مناخ منطقة حارة جافة ‪ ،‬مع اختالف واسع جداً يف‬
‫درجات احلرارة هناراً وليالً ‪ .‬وملا كان وجود ظل من السحاب هو أمر يكاد‬
‫يكون معدوماً ابلكامل ‪ ،‬فإن األرض تتلقى يف النهار قدراً هائالً من إشعا‬
‫الشمس ‪ ،‬بينما هي تشع ليالً قدراً هائالً من احلرارة يتجه اثنية للسماء ‪.‬‬
‫وهكذا فإن أي مسطح معرض لضوء الشمس املباشر ‪ ،‬كأرضية أحد املباين أو‬
‫جدرانه أو سقفه ‪ ،‬ستزيد حرارته زايدة مهولة أثناء النهار ‪ ،‬ويفقد من حرارته‬
‫أثناء الليل ‪.‬‬
‫وابلتايل فإن توفري راحة الناس يف الداخل من مباين هذه املنطقة يعتمد إىل حد‬
‫‪ .‬وأفضل مواد البناء هي تلك‬ ‫كبري على اخلواص احلرارية للجدران والسق‬
‫توصل احلرارة ‪.‬‬
‫اليت ال ّ‬
‫يف الشمس هو من أسوأ موصالت‬ ‫وحلسن احلظ فإن طوب من الرتبة اجملف‬
‫احلرارة ‪ .‬ويرجع هذا اجلزء منه إىل االخنفاض البالغ يف قدرته على التوصيل‬
‫طبيعياً ( ‪ 2.00‬كالوري ‪ /‬دقيقة ‪ /‬سم املربع ‪ /‬لوحدة مسك الطوب املصنو‬
‫بعشرين يف املائة من الرمل الناعم ‪ ،‬و ‪ 2.10‬كالوري ‪ /‬دقيقة ‪ /‬سم املربع ‪/‬‬
‫لوحدة مسك الطوب املصنو بثمانني يف املائة من الرمل اخلشن ‪ ،‬وهذا مقابل‬
‫‪ 2.91‬للطوب احملروق ‪ ،‬و ‪ 2.1‬لبلوكات األمسنت اجملوفة ) ‪ ،‬كما يرجع يف‬
‫جزء آخر إىل ضع الطني مما يستلزم أن تكون جدرانه مسيكة ‪ ،‬وبيوت طوب‬
‫الل ن يف مصر العليا تبقى فعالً مربد ة إىل حد ملحوظ ملعظم اليوم ‪ ،‬وقد ثبت يف‬
‫كوم امبو أن املنازل اإلمسنتية اليت بنتها شركة السكر ملوظفيها هي أسخن من‬
‫شتاء ‪ ،‬وهكذا فضل املوظفون أن‬
‫أن يعيش املرء فيها صيفاً وهي ابلغة الربودة ً‬
‫يعيشوا يف بيوت الفالحني الطينية ‪.‬‬
‫على أن جدران الطني السميكة ليست ابلوسيلة املثلى لالحتفاظ ابلبيت مربداً‬
‫ال‬
‫‪ ،‬ذلك أن الطني و إن كان موصالً رديئاً للحرارة ‪ ،‬إال أنه حيتفظ هبا زمناً طوي ً‬
‫‪ .‬و هكذا فإن اجلدار الذي جيعلك حتس ابلربودة طول الصباح يواصل يف‬
‫الواقع اكتساب و اختزان كل احلرارة اليت تقع عليه ‪ ،‬وسوف يشع طول الليل‬
‫كله هذه احلرارة اثنية خلارجه ‪ ،‬و يكون هذا يف جزء منه لداخل احلجرة ‪ .‬وهلذا‬
‫فإن احلرارة من داخل بيت طوب الل ن تكون يف الليل أعلى كثرياً مما يف خارجه‬
‫‪.‬‬
‫واحلل الواضح هو أن يعيش املرء يف الطاب السفلي أثناء النهار ‪ ،‬حيث حتميه‬
‫بنية حوائط البيت السميكة هي و السق ‪ ،‬و أن ينتقل ليالً ألعلى إىل‬
‫السطح لينام يف هواء الليل املربد ‪ .‬واحلقيقة أن األمر سيحتاج إىل إنشاء خفي‬
‫جداً من فوق ومن حول مساحة السطح العلوي ليبقى الطاب السفلي ما‬
‫أمكن من الشمس ‪ ،‬وحىت يقي النائم أيضاً من البعوض ‪ .‬والقاعدة هي أن‬
‫احلائط الطيين السميك جداً ‪ ،‬و أن ينام ليالً على‬ ‫حيتمي املرء هناراً خل‬
‫السطح حتت خيمة أو ما يساوي ذلك يف رقته ‪ ،‬ويف القرنة فإن احلجرات‬
‫مساء ‪،‬‬
‫ً‬ ‫السفلية للبيت قد تصل إىل أقصى ارتفا يف احلرارة حوايل السابعة‬
‫وذلك بعد مرور حوايل مخس ساعات على وصول احلرارة ألقصاها يف العراء ‪،‬‬
‫أما يف الثامنة صباحاً ‪ ،‬عندما يكون السطح العلوي قد أصبح ابلفعل ساخناً مبا‬
‫يثري الضي ‪ ،‬فإن الغرف السفلية تكون أبرد مبا ينعش ‪.‬‬
‫وهذا النظام احلراري ميكن تعديله إذا مت بناء البيت من حول فناء ‪ .‬فالفناء‬
‫يعمل مبثابة بئر يرسب فيه اهلواء األبرد اآليت من السطح ‪ ،‬وهكذا فإن الغرف‬
‫ال سفلية تربد أثناء الليل بسرعة اكرب ‪ .‬والعامل الثاين الذي يتحكم يف راحة‬
‫الناس داخل البيت يف مصر العليا هو حركة اهلواء ‪ .‬وحيث أن اهلواء جاف‬
‫للغاية ‪ ،‬فإن أي قدر من النسيم يساعد على تبخري العرق ‪ ،‬وبذا فإنه يربد‬
‫اجلسم ‪ .‬وهكذا فإن من املهم جداً أن نراعي هتوية الب يت هنا أوث مراعاة‬
‫‪.‬والريح السائدة هي مشالية – مشالية غربية وهي ابردة نسبياً ‪ .‬وحىت ميكن هلذه‬
‫الريح أن هتوي بيتاً ‪ ،‬فإنه جيب أن يتاح هلا الدخول من خالل فتحات البيت ‪.‬‬
‫والسؤال هو ‪ ،‬أين ينبغي أن تكون هذه الفتحات ؟ عندما ذهبت إىل القرنة‬
‫‪ ،‬زرت مسرت ستوبلري ‪ ،‬الذي كان يقيم يف‬ ‫الصي‬ ‫ألول مرة ‪ ،‬يف منتص‬
‫اسرتاحة هوارد كارتر * ‪ ،‬وكانت حارة مبا ال حيتمل ‪ .‬وكان ذلك ابعثاً على‬
‫الضي حىت أين فضلت اخلروج إىل الشمس ‪ ،‬واقرتحت على صديقي أن خنرج‬
‫لنلقي نظرة على بعض املقابر ‪ .‬وأخذين إىل مقربة تفر – رنبت يف خوخة ‪،‬‬
‫وعندما وصلنا إليها وجدانها مغلقة ‪ .‬وأثناء انتظاران إلحضار املفاتيح ‪ ،‬جلأان إىل‬
‫الظل يف مضيفة قريبة ‪ ،‬على أنه يف الداخل من مقصورة هذه املضيفة كان هناك‬
‫تيار ابرد منعش إىل حد جعلنا نتطلع يف التو لنرى سبب ذلك كانت املقصورة‬
‫قد بنيت و ظهرها إىل الريح السائدة ‪ ،‬وقد فتحت حتت الريح ‪ ،‬فكان اجلدار‬
‫اخللفي يف أعاله من فوق مشقوقاً بصفني من فتحات صغرية تواجه الريح ‪ .‬و‬
‫الشائع يف التطبي املعماري أن جيعل املرء دائماً الفتحة األكرب يف مواجهة الريح‬
‫‪ ،‬إذا كان الغرض هو اصطياد أكرب قدر ممكن من النسيم ‪ .‬على أن املضيفة‬
‫كانت يف احلقيقة جمهزة ع لى حنو ابر حسب أحسن مفاهيم الديناميات اهلوائية‬
‫‪ .‬وكما شرح يل أخي فيما بعد ‘ فإن املقصورة املفتوحة يف اجتاه مهب الريح ‪،‬‬
‫سينساب من خالهلا تيار هوائي اثبت ألن انسياب اهلواء من‬
‫(( فوقها )) ومن (( حوهلا )) خيل ضغطاً منخفضاً من داخلها ‪ ،‬حبيث يشد‬
‫اهلواء يف تي ار اثبت من خالل الفتحات الصغرية‪ ،‬ومن الناحية األخرى فإن‬
‫املقصورة ذات الفتحات الكبرية يف اجتاه مهب الريح ‪ ،‬واليت ليس فيها فتحات‬
‫أو فيها فتحات صغرية فحسب يف االجتاه مع الريح ‪ ،‬فإهنا سرعان ما متتلئ‬
‫ابهلواء ‪ ،‬حبيث أن اهلواء الطازج يستمر من فوق املقصورة بدالً من أن مير من‬
‫خالهلا ‪ ،‬اتركاً بذلك اهلواء القدمي من داخلها ‪.‬‬
‫وهذه الظاهرة ‪ ،‬اليت ميكن فهمها بسهولة جداً هكذا عامة ‪ ،‬قد عرب عنها‬
‫حديثها تعبرياً أكثر دقة ابملعادلة التالية ‪:‬‬
‫معدل انسياب اهلواء من خالل املبىن ‪ ،‬ابلقدم املكعب ‪ /‬ساعة = ‪( 1.822‬‬
‫مساحة املداخل ابلقدم املربع ) ( سرعة الريح ابمليل ‪ /‬ساعة)‬
‫و تصح هذه املعادلة إذا كانت الريح اليت يف اجلرية املباشرة لفتحة املدخل‬
‫عمودية على مستوى اجلدار ‪ .‬أما إذا مل تكن كذلك ‪ ،‬فإن املعدل املفروض‬
‫النسياب اهلواء جيب أن يقلل حسب الزاوية ؛ فعندما يكون اجتاه الريح هو‬
‫خبمس و أربعني درجة على أحد املساقط الرئسية للبناء ‪ ،‬فإن انسياب اهلواء‬
‫ينبغي أن يقلل خيمسني يف املائة ‪.‬‬
‫وفوق ذلك ‪ ،‬فإنه إذا كان هناك فارق ملحوظ بني مساحات فتحات املخارج و‬
‫املداخل ‪ ،‬فإن املعادلة جيب أن تعدل مبا يناسب هذا الفارق ‪ .‬و يتأل التعديل‬
‫أبن تستبدل قيمة أخرى برقم ‪ ، 1.822‬وذلك حسب اجلدول التايل ‪ ،‬حيث‬
‫القيم اليت يف العمود األول هي نسبة املساحة الكلية لفتحات املخرج إىل‬
‫املساحة الكلية لفتحات املدخل ‪:‬‬
‫القيمة‬
‫‪1.822‬‬ ‫= ‪8‬‬ ‫مساحة فتحات املخرج‬
‫مساحة فتحات املدخل‬

‫فإذا كان املخرج أكرب من املدخل ‪ ،‬فإن ‪:‬‬

‫‪9.222‬‬ ‫=‪0‬‬ ‫مساحة فتحات املخرج‬


‫مساحة فتحات املدخل‬
‫‪9.022‬‬ ‫=‪1‬‬
‫‪9.122‬‬ ‫= ‪9‬‬
‫‪9.922‬‬ ‫=‪2‬‬
‫و إذا كان املخرج أصغر من املدخل فإن ‪:‬‬

‫‪0.9 -‬‬ ‫= ‪1/9‬‬ ‫مساحة املخرج‬


‫مساحة املدخل‬
‫‪0, -‬‬ ‫= ‪8/0‬‬
‫‪8.8 -‬‬ ‫= ‪8/9‬‬
‫_________________________________________‬
‫______‬
‫* هوارد كارتر مكتش مقربة توت عنخ أمون ‪ ،‬وقد اطل امسه على االسرتاحة‬
‫( املرتجم )‬
‫وهكذا نرى بوضوح أنه كلما زادت نسبة مساحة املخرج إىل مساحة املدخل ‪،‬‬
‫زاد انسياب اهلواء من خالل املبىن ‪.‬‬

‫توجيه املنازل يتحدد يف جزء منه ابلشمس ‪ ،‬ويف جزء ابلريح ‪:‬‬
‫حتديد موقع الغرف حبيث تصبح لطيفة اجلو هلو أمر يتطلب تفكرياً حريصاً ‪.‬‬
‫واملساحة الظليلة اليت يتخللها تيار هواء هي اليت تظل دائماً ابردة نسبياً ‪.‬‬
‫والنقطة هي ‪ ،‬من أي شيء ينبغي أن تظلل الغرفة ؟ أتظلل من ضوء الشمس‬
‫املباشر ‪ ،‬هذا أمر أكيد ‪ ،‬ولكنها جيب أن تظلل أيضاً من اإلشعا املنعكس ‪،‬‬
‫الذي ميكنه أن جيعل الغرفة أحياانً أسخن حىت من مما ميكن للشمس ‪ .‬ذلك أن‬
‫كل جدار مواجه للجنوب يعكس أشعة الشمس عن سطحه األبيض الناصع‬
‫لتذهب مباشرة إىل احلجرات اليت تكون عرب الطري ‪ .‬بل وحىت قطع احلجارة و‬
‫األسطح غري املن تظمة يف األرض كلها تعكس أشعة الشمس من أسطحها‬
‫اجلنوبية ‪ ،‬حبيث تعمل كاملشعا يف نظام التدفئة املركزية ‪.‬‬
‫على أن احلجرات اليت ستتلقى كل هذا اإلشعا املنعكس مصطدماً بواجهتها‬
‫هي احلجرات اليت تواجه الشمال ‪ .‬وهكذا فإن من الضروري فحص كل ما‬
‫حييط مباشرًة ابلبيت قبل أن تطب دون حميص القاعدة املعتادة من أن‬
‫(( حجرات املعيشة ينبغي أن تواجه الشمال )) ‪ .‬و ما من شك أن احلجرات‬
‫اليت تواجه الشمال ستفيد من النسيم البحري البارد ‪ ،‬فالشمال هو أحسن‬
‫واجهة للحجرة بشرط أن يكون يف استطاعتنا التأكد من أنه ليس مثة إشعا‬
‫منعكس هناك ‪ .‬أما إذا كان هناك منازل أخرى على مقربة ‪ ،‬فلعله مما حيتمل أن‬
‫تكون غرفة املعيشة أبرد عندما تواجه اجلنوب ‪ ،‬رغماً عن التطبي املعتاد هبذا‬
‫الشأن ‪ .‬ذلك أنه لن يكون هناك وقتها إشعا منعكس ‪ ،‬أما ابلنسبة لإلشعا‬
‫املباشر من الشمس اليت ستكون عالية جداً يف السماء عند سقوطها على هذا‬
‫‪ .‬بل إن من املمكن أن جيعل النسيم‬ ‫اجلدار ‪ ،‬فإنه ميكن إيقافه مبظلة للسق‬
‫البحري حبيث ينساب من خالل غرفات املعيشة عن طري ختطيط هذه الغرف‬
‫‪ .‬وفالحو العراق يبنون غرف معيشتهم إىل اجلنوب ‪ ،‬وجيعلون من خلفها‬
‫مقصورة تواجه الشمال ‪ .‬وتسق غرفة املعيشة بقبة هلا ثقب يف قمتها ‪ ،‬حبيث‬
‫أن اهلواء الذي سيسخن يف القبة اليت تشبه الفرن سيهرب ابستمرار ‪ ،‬بينما‬
‫ينجذب اهلواء البارد ابستمرار للداخل من املقصورة الظليلة ‪ .‬والعيب الوحيد‬
‫يف هذا التصميم العراقي أنه ليس فيه مظلة تظلل اجلدار اجلنويب من الشمس ‪،‬‬
‫ذلك أن العراقيني ينقصهم اخلشب ‪ .‬و كل بيت يف قريتنا قد وفرت له غرفة‬
‫للضيوف ‪ ،‬ابإلضافة إىل مضيفة اجملاورة للعائلية ‪ ،‬اليت هيأت أيضاً ألن‬
‫تستخدم كغرفة معيشة للعائلة‪ ،‬وليس ألن تظل مستبقاة (( كأفضل )) الغرف‬
‫بغرض استقبال الغرابء ‪.‬وتصميم الغرفة يتبع قاعدة (( القاعة )) ‪ .‬فهناك ((‬
‫الدرقاعة )) املركزية املربعة ‪ ،‬اليت تسق بقبة ‪ ،‬ويكون هلا أيواانت خترج منها‬
‫وجيلس فيها الناس ‪ .‬وهذه الغرفة عالية جداً – فهي ترتفع لعلو طاب ونص‬
‫الطاب من الطواب العادية ابإلضافة إىل ارتفا القبة – حىت يسمح ذلك‬
‫بفتحات عالية فوق خط السطح للدور األرضي ‪ .‬وهكذا فإن اهلواء الساخن‬
‫يرتفع و يهرب من خالل هذه الفتحات العالية ‪ ،‬مما ينت عنه دخول تيار من‬
‫اهلواء ألسفل ليربد الغرفة ‪.‬‬
‫وهكذا فإن توجيه املباين يتحدد يف جزء منه ابلشمس و يف جزء ابلريح ‪،‬‬
‫وأحسن توجيه للشمس هو أن يقع احملور الطويل للمبىن يف اجتاه الشرق –‬
‫الغرب ‪ ،‬و هذه قاعدة معمارية شائعة ‪.‬‬
‫ولكننا نود أن جنعل الريح هتب على أكرب مساحة ممكنة من اجلدران ‪ ،‬لتسري‬
‫من خالل البيت وتربده ‪ .‬والريح السائدة أتيت من الشمال الغريب ‪ ،‬و هكذا‬
‫فاألمثل أنه ينبغي أن يكون اجتاه البيت من الشمال الشرقي إىل اجلنوب الغريب‬
‫‪ ،‬متعامداً ع لى هذه الرايح ‪ .‬أفينبغي استخدام حل وسط ‪ ،‬فننص الزواية بني‬
‫االجتاهني املشار إليهما ‪ ،‬فنجعل البيت يف اجتاه من شرق – مشال شرق إىل‬
‫غرب – جنوب غرب ‪ ،‬كما هو يف التطبي املعماري‬
‫املعتاد ؟ ال ذلك املعضلة هي معضلة حمض زائفة ‪ ،‬خلقها موقفنا من النافذة‬
‫موقفاً غري حصي ‪.‬‬
‫***‬
‫امللق أو مصيدة الريح‬
‫يف أورواب حيث ال يكون للتحكم يف احلرارة أمهية رئيسية ‪ ،‬تقوم النافذة‬
‫خبدمة ثالثة أهداف ؛ أن تدخل اهلواء ‪ ،‬و أن تدخل الضوء و أن جتعلك‬
‫الثالث ليست مما ال يقبل أن‬ ‫ترى ما يف اخلارج ‪ .‬على أن هذه الوظائ‬
‫ينفصل ‪ ،‬واحلقيقة أن البنائني يف الشرق األوسط قد اعتادوا أن يفصلوا فيما‬
‫بينها ‪ .‬ففي بيوت القاهرة القدمية تؤدي وظيفة التهوية يف األهباء الرئيسية (‬
‫)) يصطاد الريح يف أعلى ‪،‬‬ ‫القاعات ) بواسطة جتهيز يدعى (( امللق‬
‫حيث تكون قوية نقية ‪ ،‬وذلك عن طري تصميم الغرفة تصميماً خاصاً‬
‫حيث يكون اجلزء املركزي ( الدرقاعة ) عالية جداً ‪ ،‬مبا جيعل اهلواء الساخن‬
‫يهرب عند القمة ‪ .‬وميكن أن تقام مصيدة الريح هذه ابلزاوية املناسبة‬
‫ابلضبط الصطياد الريح ‪ ،‬بصرف النظر عن توجيه البيت ‪.‬‬
‫وقد استخدمنا يف املدارس اليت بنيناها يف القرنة مصيدة ريح تتكون من‬
‫جمرى للهواء يشبه املدخنة له فتحة كبرية يف أعلى تواجه الريح السائدة ‪.‬‬
‫وقد وضع من داخلها صفحة معدنية مائلة ممتلئة بفحم ميكن أن يتم بله‬
‫بصنبور ؛ وينساب اهلواء من على هذا احلاجز فيتم بذلك تربيده قبل أن‬
‫يدخل احلجرة ‪ .‬ويف هذه األداة ما ي ّذكر ابلسلسبيل الذي كان يوجد‬
‫منتصباً يف قاعات و إيواانت البيوت العربية القدمية – و كان من لوح من‬
‫الرخام املقوس يف منط مموج ‪ ،‬بينما ينساب من فوقه ماء انفورة ‪ .‬ومن‬
‫املربد‬
‫املمكن يف التطبيقات املستقبلة لقاعدة مصيدة الريح أن جيعل احلاجز ّ‬
‫مرئياً ويصنع من مادة ماصة مثل احلرير الصخري ويكون عليه منط هبي‬
‫مثلما يف السلسبيل ‪ .‬وقد نت عن مصيدة الريح يف القرنة اخنفاض احلرارة‬
‫داخل احلجرات الدراسية بقدر ْ‪82‬م ‪.‬‬
‫أما وظيفة توفري رؤية املشهد فتقوم هبا املشربية – وهي نو من انفذة‬
‫خارجة تبىن من خارج اجلدار ويثبت فيها ساتر من خشب خمروط متشابك‬
‫ي ِّّ‬
‫روض و يرف الضوء املصري اجلايف مبا يناسب قبا أن يدخله إىل الغرفة ‪.‬‬
‫وميكن لسيدات البيت أن جيلسن من خل هذه املشربية ويرق ن الشار يف‬
‫راحة وهن معزوالت عنه متاماً – وفيما يعرض فإن هذا يكون من غري حاجة‬
‫إىل اختالس النظر من وراء الستائر ‪ ،‬أو إىل املرور عرب احلجرة لرؤية ما يف‬
‫اخلارج ؛ واحلقيقة أن املشربية تقوم بكل ما يقوم به اجلدار الزجاجي و أكثر‬
‫‪.‬‬
‫وهكذا فإننا نستطيع استخدام مصيدة الريح لتحرران من احلاجة إىل توجيه‬
‫البيت للريح ‪ ،‬وهبذا نضع يف االعتبار فحسب التوجه الشمسي ‪ .‬واحلقيقة‬
‫انه حىت هذا سيكون إىل ٍ‬
‫حد ما أمراً اثنوايً ابلنسبة ملتطلبات املشرو ‪ ،‬ذلك‬
‫أنه لو انتظم كل بناء يف نفس االجتاه سيصبح املشرو رتيباً ‪ .‬وفوق ذلك ‪،‬‬
‫فإن كل احنراف عن الفكر العام إمنا يعين نظرة اعتبار فردية لكل بيت وحالً‬
‫فردايً ملشاكله اخلاصة ‪ ،‬وهذا أمر مرغوب من الوجهة الفنية ‪.‬‬
‫***‬
‫اجملتمع والعمارة‬
‫رغم إمياين أبن مظهر البناء له أعم التأثري يف سكانه ‪ ،‬إال أن املرء ال‬
‫يستطيع أن يسكن الناس يف البارثينون ‪ .‬وجيب أن تكون التصميمات‬
‫اجلميلة عند الواحد منا حبيث تفي حباجات الناس اليومية املتواضعة ؛‬
‫واحلقيقة أنه عندما تكون هذه التصميمات صادقة ابلنسبة ملوادها وبيئتها‬
‫ومهمتها اليومية ‪ ،‬فإهنا ستكون وجوابً مجيلة ابلضرورة ‪.‬‬
‫على أن القرية اجلديدة ال ميكن ان تكون صادقة ابلنسبة لوظيفتها إال إذا‬
‫كنا نعرف ابلضبط ما ستكونه هذه الوظيفة ‪ .‬وسيكون علينا أن نزيل الغطاء‬
‫عن احلياة اليومية ألهل القرنة ونكشفها ‪ ،‬ولعل ذلك سيكون حىت أبدق مما‬
‫يعرفونه هم أنفسهم عنها ‪.‬‬
‫وكل إنسان يكون له جمموعة من العادات يف أفعاله ‪ ،‬وأفكاره ‪ ،‬وردود فعله‬
‫‪ ،‬وحنن عندما نرغب يف متييزه عن غريه نستدعي ماله من فردية ‪ .‬وعندما‬
‫ننظر يف أمر جمتمع ‪ ،‬سوف نرى أنه منط من هذه الفردايت ‪ ،‬وأهم من ذلك‬
‫أن كل فردية منها هي من خل كل اآلخرين ‪ .‬فكل خصوصية يف الفعل ‪،‬‬
‫أو الفكر أو رد الفعل إمنا قد نشأت حتت ضغط من تلك اخلصوصيات‬
‫األخرى الكثرية اليت جتاورها و حتت أتثري مطالب املناخ ‪ ،‬والعمل ‪ ،‬واملهنة ‪،‬‬
‫فالفردية ليست (( صفة )) جمردة غامضة و لكنها حمصلة تفاصيل كثرية‬
‫ملموسة ؛ مىت ينهض اإلنسان من نومه ‪ ،‬و ما إذا كان حيل ذقنه ‪،‬‬
‫واملالبس اليت يفضلها ‪ ،‬وعاداته يف احلديث ‪ ،‬والناس الذين خيضع هلم‬
‫وأولئك الذين يتحكم فيهم ‪ .‬وفوق كل شيء آخر فإهنا بيته ‪.‬‬
‫فالبيت ‪ ،‬وهو مكرب اإلنسان نفسه ونصبه التذكاري األبقى ‪ ،‬وينف يف‬
‫احلجم واملظهر والرفاهية مع التفاصيل األخرى لفردية اإلنسان ‪ .‬وهو‬
‫ابلطبع يتكي حسب حاجاته االقتصادية ‪ ،‬على أنه أيضاً فيه كل‬
‫اخلصائص العارضة ملزاجه ‪ .‬وقاعة قصر كتخداً يف القاهرة بسموقها ‪،‬‬
‫وبرودها يف بساطة ‪ ،‬وجبالهلا إمنا تعكس مهابة اإلمارة عند األمري الذي‬
‫بن يت له ‪ ،‬أما هبو بيت مجال الدين الذهيب الذي يعد ابملقارنة خمسوفاً‬
‫ومسرفاً يف زينته فهو بالئم ما لشيخ التجار هذا من روح جتارية متحذلقة ‪.‬‬
‫والوادعون من الناس يعيشون يف بيوت هادئة ‪ ،‬والشحاذون تنحىن اجلدران‬
‫يف قريتهم مبذلة وأنني ‪ ،‬واملتعالون من الناس حتمل بيوهتم يف برود فوق‬
‫رأسك ‪ .‬فالبيت أيضاً يعي متاماً مكانته االجتماعية ؛ وكما يعرف اإلنسان‬
‫من الذين يفوقونه مكانة ومن الذين ينظر هو إليهم من عل ‪ ،‬فإن البيت‬
‫كذلك يتخذ موقعاً يتف ومرتبته ‪ ،‬وهو حسب ما لتجهيزاته من حجم‬
‫وترف أو فقر يظهر مالئمة هي أره ما تكون ابلنسبة للتقسيم الطبقي‬
‫للمجتمع ‪ .‬ويف مصر يعترب القروي أن إحدى عالمات التميز ألعلى هي أن‬
‫ميتلك بيتاً له أرضيات خشبية تسمى (( املصرية )) أي القاهرية ‪ ،‬وهو‬
‫يتباهى ابمتالكها على زمالئه من أهل القرية الذين ليس لديهم إال أسق‬
‫من القش والبوص ‪.‬‬
‫وهكذا فإن القرية بعد أن تعيش فيها أجيال كثرية ‪ ،‬ال تقتصر على أن‬
‫تصبح متوائمة مع روتني سكاهنا يف العمل والرتويح ‪ ،‬وإمنا هي أيضاً تنمو‬
‫كل حي واحد‬ ‫لتعكس أوجه الغرابة يف جمتمعها ن وينمو الطوب واملالط يف ِّّ‬
‫مع احلصاد والزر ‪ ،‬وحفالت الزفاف واجلنازات ‪ ،‬والبيع والشراء ‪ ،‬واحلرفة‬
‫واملهنة ‪ ،‬وإحساس العائلة العائلي ‪ ،‬وإحساس الطبقة الطبقي ‪ .،‬وتتخذ‬
‫املباين شكل اجملتمع مبا له من أبعاد كثرية ‪ ،‬مثلما يتخذ احلذاء القدمي‬
‫الشكل اخلاص لقدم أحد الرجال أو ابألحرى مثلما يواصل نبات متنام‬
‫تكيي نفسه مع بيئته ‪.‬‬
‫وصانع احلذاء قد يبذل اجلهد حىت يالئم احلذاء عميله ‪ ،‬وذلك أبن يقيس‬
‫قدمه ‪ ،‬ويشكل احلذاء حبرص‬
‫حبيث يكون مناسباً للعميل وحده – أو هو قد يكون مثل صانع أحذية‬
‫اجلنود ‪ ،‬فينت حجماً منطياً من األحذية ويرتك قدم العميل لتكي نفسها‬
‫لدي جمتمع بكل‬
‫أبحسن ما ميكنها ‪ .‬والشيء نفسه ابلنسبة للقرنة ؛ كان ّ‬
‫تركبه وكان يف وسعي إما أن أدفع به يف مساكن ذات أحجام منطية معدودة‬
‫‪ ،‬اتركاً إايه ليمارس من التقلصات والبثرات كل ما ميارسه العسكر ايجملند‬
‫عندما أيخذ يف التعود على حذائه ‪ ،‬وأما أن أقيسه وأنت قرية تتواءم معه‬
‫بكل ما فيه من أوجه عدم االنتظام والتواء ‪ ،‬األمر الذي يشبه نوعاً نز‬
‫قوقع من حمارته و إدخاله يف حمارة أخرى ‪.‬‬
‫وجمتمع القرية يستغرق قياسه زمناً طويالً وحيتاج ألدوات قياس أكثر دقة من‬
‫شريط القياس ‪ .‬على أن هناك أمراً واحداً كان واضحاً منذ البداية ؛ وهو أنه‬
‫جيب أن يتم التصميم لكل عائلة على حدة ‪ .‬وهكذا ينبغي على األقل أن‬
‫تتم استش ارة كل عائلة يف القرنة ‪ ،‬وينبغي أن نكش عن أشياء كثرية كان‬
‫من الصعب نوعاً استجالؤها من أهل القرنة املتشككني املتحفظني ‪.‬‬
‫وكان لدينا نو من دليل من مسح مبكر للقرية القدمية يضع قائمة للبيوت‬
‫؛ على أن هذا املسح‬ ‫مناطقها ‪ ،‬وعدد احلجرات ومواد التسقي‬ ‫ويص‬
‫قد مت م نذ عشرة إىل مخسة عشر عاماً ‪ ،‬و حىت إذا كان مل يع زمنه ‪ ،‬فإنه‬
‫مل يكن ابلذي يعطي نو من املعلومات الذي أطلبه ‪ .‬كان مثة حاجة ملحة‬
‫لبعض املسح االجتماعي ‪ ،‬إال أنه مل يكن من السهل أن يصل إىل هناك‬
‫حباثون اجتماعيون ‪ ،‬وحىت لو أمكن احلصول عليهم ‪ ،‬فإين كنت أعرف‬
‫ابخلربة أن ما سيسألونه من أسئلة فجة إجابتها (( بنعم أو ال )) ‪ ،‬مما يتم‬
‫تصميمه ليس للكش عن جمتمع و إمنا إلنتاج اإلحصائيات ‪ .‬وإحصائيات‬
‫كهذه ليس هلا سوى أقل قيمة للمعماري ‪ ،‬إهنا مما ميكن أن ينبؤان وحسب‬
‫بعدد أطفال زيد أو إذا كان عبيد عنده محار ‪ ،‬و ال تستطيع الكش عما‬
‫إذا كان زيد وعبيد على عالقة طيبة معاً ‪ .‬واالستبيان املعتاد ال يستطيع أبدًا‬
‫أن جيلب إىل انتباهي حقيقة اجتماعية مهمة كما مثالً عندما يفعل املهندس‬
‫املعماري شيئاً فيؤدي إىل حتطيم عائلة ‪ .‬ولو استطا أحد الصبية أن يش‬
‫طريقه من كوخ فالح إىل املدرسة فاجلامعة حىت يصبح حمامياً أو طبيباً أو‬
‫مدرساً أو ضابطاً ‪ ،‬األمر الذي ال بد أنه سيحدث للمزيد واملزيد من الصبية‬
‫الفالحني ‪ ،‬فإنه سيحس ابخلجل من بيته القدمي ولن يعود إىل القذارة والقبح‬
‫الذي يعيش فيه والده ‪ .‬ومن بني سبعة آالف من أهل القرنة مل يكن قد‬
‫خترج من اجلامعة سوى فرد واحد ‪ ،‬هو اآلن حمام ميارس مهنته يف القاهرة ومل‬
‫يضع قدمه قط اثنية يف قرية موطنه ‪ .‬ومع انتشار التعليم يف ظل القانون‬
‫اجلديد ‪ ،‬سيتعلم جيل جديد أبسره من األطفال ليزدروا – وهم على ح‬
‫متاماً – قذارة بيوهتم ؛ ولكنهم سوف ينظرون – وهم على خطأ متاماً ‪ -‬إىل‬
‫احلد اثة الرباقة للمساكن احلضرية على أهنا العالمة احلقيقية للتقدم والتمدن‬
‫‪ .‬ونو األسئلة اليت تسأل يف أحباث املسح املعتادة ال يستطيع أن يكش‬
‫عن مدى سرعة التغري يف حياة الري ‪ .‬وقد اليستطيع الواحد أبداً أن يدرك‬
‫أن النمط التقليدي القدمي من العزلة واجلهل ابلعامل اخلارجي هلو منط‬ ‫كي‬
‫والسيارة األجرة ؛ وفيما‬ ‫يتحطم بدداً عن طري حافلة ( أتوبيس ) الري‬
‫مضى لرمبا عاش الرجل ليموت يف قريته وهو مل يذهب قط حىت ألقرب‬
‫مدينة ‪ ،‬أما اآلن فإن وجه مصر تشقه آالف من طرق احلافالت ‪ ،‬وتكدس‬
‫كل أنوا الناس وطبقاهتم يف سيارات مرتحنة ‪ ،‬ال شيء إال جملرد الركوب فيها‬
‫‪.‬‬
‫واحلكومة الربملانية أيضاً ‪ ،‬بدعايتها ‪ ،‬وخطب انتخاهبا ‪ ،‬أتيت ابملدينة مباشرة‬
‫إىل القرية ‪ .‬ومذاي املقهى قد حل منذ زمن طويل مكان احلكاايت الشعبية‬
‫واألساطري ‪ .‬والتعليم العام ينت اآلن آفاقاً جديدة ألطفالنا ‪ .‬وقد فعلت‬
‫وسائل االتصال الغربية ابلقرية ما فعله كوبر نيوكس ابألرض – فالقرية اآلن‬
‫أصبح ينظر إليها كجزء صغري من الكون ‪ ،‬وليس على أهنا مركزة ‪ ،‬بينما‬
‫العامل الغريب ‪ ،‬وهو مصانع تشيكوسلوفاكيا وإيطاليا بسلعها اليت تصمم‬
‫خصيصاً أبلوان فجة سقيمة لرتضى الذوق الفاسد عند الفالح ‪ ،‬هو الذي‬
‫أصبح يبدو على حنو متزايد وكأنه الشمس أو املصدر الوحيد للحياة ‪.‬‬
‫والفالح املغلوب على أمره ‪ ،‬وهو يبحث عن التقدم ‪ ،‬يهجر الرتاث‬
‫احلضاري الذي حيمي ذوقه ‪ ،‬وذلك قبل أن يتم له اكتساب ما يلزم من‬
‫قدرة على التمييز ‪ ،‬حتل مكان تراثه ‪.‬‬
‫وهكذا فإن منتجات أورواب و أمريكا بلمعتها اليت تزداد دائماً ‪ ،‬تلك‬
‫األقداح املعدنية الناصعة ‪ ،‬واألكواب املوشاة ابلذهب ‪ ،‬واحللي الزجاجية‬
‫ذات األلوان الباهرة ‪ ،‬واألاثث املذهب ‪ ،‬كل هذا يقهر أسواق القرى‬
‫احملرومة من أي دفا ‪ ،‬وجيرب األعمال اليدوية اجلميلة اجلليلة اليت ينتجها‬
‫احلرفيون احملليون على ان ختتفي يف هوان ‪ .‬والفالح ‪ ،‬وقد تفتحت عيناه‬
‫احلضري و ضابط‬ ‫على ثراء حياة املدينة ‪ ،‬يتخذ لنفسه مثاالً من املوظ‬
‫الشرطة ‪ ،‬وهذان ‪ ،‬يكون أي شيء أورويب هو ابلنسبة هلما الشيء اجليد ‪.‬‬
‫إنه ال إله إال هللا ؛ و ال مدينة إال مدينة الغرب ‪ .‬ويصبح الذوق الوضيع‬
‫الشره لسكان املدينة من الطبقة الوسطى هو ما ميلي الطرز الرائ عند‬
‫ماليني الفالحني ‪ .‬وكما أن سائر اتريخ مصر احلي على النيل قد أصبح يف‬
‫حالة تقهقر كامل ‪ ،‬فإن حرفيتها قد أخذت ختتفي أمام هجوم الصفيح‬
‫الرباق واألقمشة املبهرجة ‪ .‬والطابع املرئي‬
‫للقرية ‪ ،‬مثله مثل عادات سكاهنا ‪ ،‬يتغري ألبعد مما ميكن إدراكه ‪ ،‬بينما يظل‬
‫يف عني رجل اإلحصاء اليت ال متيز وكأنه هو نفسه ابلضبط ‪ .‬فاإلحصائيات‬
‫تغفل متاماً عن املعلومات احليوية من مثل طريقة احتفال الناس أبعيادهم‬
‫الشخصية والدينية ‪ .‬وهناك مثالً التقليد السائد يف بعض قرى مصر العليا ‪،‬‬
‫حيث أي فرد يعود من القاهرة ال يقيم أول ليلة يف بيته اخلاص و إمنا يف‬
‫مضيفة العمدة ‪ ،‬وذلك ليديل مبا لديه من أخبار جديدة ‪ ،‬و إذ جيهل‬
‫املهندس املماري هذا التقليد فإنه يفشل يف توفري ما يناسبه ‪ .‬وحىت نكتش‬
‫التقاليد والطقوس‬
‫السائدة ‪ ،‬ونرسم خريطة طبقات اجملتمع ‪ ،‬ينبغي أن تتحدث إىل املسنني‬
‫ابلقرية ‪ ،‬وأن نرقب حياة القرية لشهور كثرية ‪ .‬وحىت نكتش كي يقوم‬
‫الناس بعملهم وكي يستخدمون بيوهتم ‪ ،‬ينبغي أن نرصد اآلراء ونستدعيها‬
‫‪ .‬واحلقيقة أنه كان ينبغي أن خنضع القرنة حقاً لبحث شامل اجتماعي –‬
‫اثنوجرايف *‬
‫واقتصادي ‪ ،‬ينفذ على حنو صارم أبقصى درجة ‪ ،‬ذلك أننا كنا نريد‬
‫معلومات يعتمد عليها حىت نؤسس عليها ختطيط مشروعنا ‪ .‬والناس بصفة‬
‫عامة ال يدركون أن االثنوجرايف االجتماعي له إسهامه الضروري يف ختطيط‬
‫املدن واملناط ؛ على أين أرى أنه له نفس أمهية الدميوجرايف ** ‪.‬‬
‫واملخططون كلهم تقريباً يتعاملون اآلن مع جمتمعات هي يف عملية تغيري‪ ،‬و‬
‫ما من خمطط يستطيع الزعم أبنه خبربته اخلاصة احملدودة و مالحظته غري‬
‫املتمرسة سيفهم التغريات احلضارية اليت حتدث حىت يف جمتمعه هو ‪ .‬وأقل‬
‫من ذلك ما يستطيع أن يزعمه من فهم للمجتمع األجنيب ‪ ،‬حيث حيدث‬
‫كثرياً أن يكون عليه فهمه ‪ .‬واالثنوجرايف االجتماعي هو وحده الذي‬
‫يستطيع أن يوفر هذا الفهم ‪ ،‬وهو فهم قد يثبت يف النهاية أنه أمر حيوي‬
‫لنجاح املشرو ‪ .‬وينبغي أن يعد املسح االثنوجرايف االجتماعي معاً مما ال‬
‫ميكن حذفه عند ختطيط املدينة مثلما‬
‫_______________________________________‬
‫_______‬
‫* االثنوجرافيا ‪ :‬االثنروبولوجيا الوصفية ‪ ،‬علم األعراق البشرية الوصفي (‬
‫املرتجم )‬
‫** الدميوجرافيا ‪ :‬علم دراسة اإلحصائية للسكان ( املرتجم )‬
‫ال ميكن حذف السجل الدميوجرايف للمجتمع ‪.‬‬
‫والسلطات مل توفر لنا أبداً هذا النو من العون املهين ؛ وهكذا كان علينا‬
‫أن ن تصرف حسب ما لدينا من معرفة وختمني يتأسسان على الفهم املتعاط‬
‫حلياة الفالح ‪ .‬والطبيب البار كثرياً ما يصل إىل تشخيص ابملالحظة‬
‫املباشرة هو أدق مما يصل إليه طبيب غري متمرس رغم كل ما قد يتوفر‬
‫لألخري من مساعدة األدوات العلمية ؛ وقلت لنفسي ذلك و أان آمل أنه‬
‫حىت تلك املعطيات الضئيلة اليت مجعناها ‪ ،‬قد يكون فيها عندما ندعمها‬
‫خبربتنا ‪ ،‬ما يكفي لكتابة وصفة عالج انجحة حلالة القرنة ! فالنقاط املماثلة‬
‫ملا سب ذكره ‪ ،‬واليت يغفلها املسح اإلحصائي غري الكامل ‪ ،‬لو مت تفسريها‬
‫تفسرياً ذكياً فإهنا ينبغي أن متد مبفتاح للحل الصحيح للمشكلة املعمارية ‪.‬‬
‫وأول مشكلة معمارية كبرية يف القرنة اجلديدة كانت ختطيط القرية ‪ .‬مسألة‬
‫تكون العالقة بني‬ ‫ما هو الطابع الذي ينبغي أن يكون لشوارعها ‪ ،‬وكي‬
‫البيوت أحدها ابآلخر ‪ ،‬وهي مسألة على أقصى درجة من األمهية ‪.‬‬
‫***‬
‫بنية القرابة والتقاليد احمللية‬
‫هناك سبل ممكنة لكيفية تنظيم عدد من البيوت وتنويع الطريقة اليت تلتقي‬
‫‪ .‬ويف أورواب مثالً تتداخل القرية مع املشهد اخللوي‬ ‫فيها القرية هي والري‬
‫الطبيعي ‪ ،‬والبيوت ليست فحسب منفتحة على هذا املشهد الطبيعي ‪ ،‬و‬
‫إمنا هي جزء منه ‪ ،‬متاماً مثلما تكون األشجار واحلقول جزءاً من القرية ‪.‬‬
‫طبيعة الفالحة وحيث منظر األرض الزراعية أقل‬ ‫ويف مصر حيث ختتل‬
‫جاذبية ‪ ،‬فإن القرويني يفضلون أن حيشدوا بيوهتم متقاربة معاً فيما يكاد‬
‫يكون كتلة حجر واحدة ‪ .‬ويرجع هذا يف جزء منه إىل الطبيعة العدوانية‬
‫خلالء الري ‪ ،‬ويف جزء لطلب االحتماء ‪ ،‬ويف جزء آخر إىل غلو مثن‬
‫األرض الزراعية اليت ال يريدون تبديدها ‪ .‬و حاجة القرويني هذه لالحتماء‬
‫من الطبيعة ومن الناس اآلخرين ‪ ،‬حلماية أنفسهم واملاشية معاً ‪ ،‬تنعكس يف‬
‫الطريقة اليت تنفتح هبا البيوت والقرى للداخل حنو املركز مديرًة ظهرها للعامل‬
‫اخلارجي ‪.‬‬
‫ويصدق هذا ابلذات ع لى القرى اليت بنيت ابلفعل فوق أرض زراعية ‪.‬‬
‫والقرى يف مصر العليا ‪ ،‬حيث يضي وادي النهر ‪ ،‬تنحو إىل أن تبىن على‬
‫التالل اليت على اجلانبني ‪ ،‬حيث يصبح يف الوسع أن تستخدم مساحات‬
‫أكرب ‪ .‬والقرنة القدمية هي يف احلقيقة قرية منبسطة على حنو خاص يف غري‬
‫نظام وهذا يف جزء منه ألن كل بيت قد بىن ليشمل أكرب عدد ممكن من‬
‫املقابر ‪.‬‬
‫واآلن فإن معظم املهندسني املعماريني عندما يعيدون ختطيط قرية ‪ ،‬يرصون‬
‫البيوت يف شوار مستقيمة منظمة ‪ ،‬يوازي أحدها اآلخر ‪ .‬وهذا أمر سهل‬
‫‪ ،‬ولكنه كئيب ‪ .‬واحلقيقة أن هذه الشوار املتوازية عندما تتكون من بيوت‬
‫متجانسة منمطة على أدىن املستوايت ‪ ،‬وال خيف من وقعها أي أشجار أو‬
‫مالمح أخرى ‪ ،‬فإهنا تكون هكذا ذات أتثري كئيب منحط ‪ .‬على انه ما من‬
‫حاجة لرص البيوت هكذا ‪ .‬فهذه البيوت نفسها ابلضبط ميكن جتميعها‬
‫بنفس السهولة من حول ميدان صغري ‪ .‬ويكون هذا اقتصادايً متاماً مثل‬
‫صفوف البيوت املستقيمة ‪ ،‬كما أن له مزااي العديدة ‪ .‬وأول شيء ‪ ،‬فهو أن‬
‫امليدان يبقى على التوجه التقليدي لبيوت القرية بواجهتها للداخل ‪ .‬واثنياً ‪،‬‬
‫فهو جيلب للقرية بعضاً من لط وحتضر حياة اإلنسان الغين يف املدينة ‪.‬‬
‫فقصر الباشا كان يبين دائماً من حول فناء أو سلسلة من األفنية ‪ ،‬تعطي له‬
‫جواً خاصاً من اهلدوء واجلمال ‪ .‬ولسوء احلظ فقد نشأ عند املهندسني‬
‫املعماريني حتيز ضد األفنية‪ ،‬ذلك أنه عندما هجر الباشوات قصورهم وانتقل‬
‫إليها أفراد الشعب ‪ ،‬استخدمت هذه األفنية كمساحة للبناء ختتن مبساكن‬
‫صغرية غري صحية ‪ .‬وهكذا فإن ما كان ذات يوم فناء رحيباً هادائً أصبح‬
‫حشداً مكتظاً من أكواخ سيئة التهوية ‪ .‬على أننا نستطيع أن نستعيد الفناء‬
‫للناس مع االستيثاق من أنه لن ينال مصري فناء الباشا ‪ .‬وعندما جنمع بيوهتم‬
‫حول األفنية أو امليادين الصغرية ‪ ،‬فإننا نستطيع منحهم كل اجلمال الذي‬
‫كان الباشا يستمتع به ويتم يف نفس الوقت إسكاهنم إسكاانً أنيقاً نظيفاً ‪.‬‬
‫وابلطبع فإن الفناء لن يكون بعد فناء مغلقاً ‪ ،‬ولكنه سيتصل ابلشار حبيث‬
‫يصبح ملكية عامة ‪ ،‬وال ميكن أبداً أن يستخدم للبناء ‪ ،‬بينما هو يف نفس‬
‫الوقت ينتمي بوضوح إىل جمموعة واحدة من البيوت ‪.‬‬
‫و إين ألحس أن امليدان والفناء هي عناصر معمارية ذات أمهية خاصة يف‬
‫مصر ‪ .‬فاملساحات املفتوحة هكذا من خالل املباين ‪ ،‬هي جزء من طابع‬
‫املعمار يف الشرق األوسط كله – وهي موجودة حقاً ابتداء من املغرب ‪ ،‬مث‬
‫هي تتخلل األراضي الصحراوية مباشرة إىل سوراي والعراق وفارس ‪ ،‬حىت‬
‫تصل إىل ما قد يكون أره تعبرياً عنها يف بيوت املدينة ابلقاهرة القدمية ‪.‬‬
‫واألمر يستح أن نستطرد هنيهة لننظر يف معىن الفناء وامليدان ابلنسبة‬
‫ألولئك الذين يعيشون يف العامل العريب ‪.‬‬
‫يوجد يف املساحات املغلقة يف الغرفة أو يف الفناء ‪ ،‬خاصية معينة ميكن‬
‫اإلحساس هبا بوضوح ‪ ،‬وحتمل الطابع احمللي مبثلما حيمله أي قوس بعينه ‪،‬‬
‫وهذه املساحة احملسوسة هي يف احلقيقة عنصر أساسي يف املعمار ‪ ،‬و إذا مل‬
‫يتوافر اإلحساس الصادق ملساحة من املساحات ‪ ،‬فإنه ما من زينة تستطيع‬
‫بعدها أن جتعلها شيئاً طبيعياً ينتمي للداخل من الرتاث املرغوب ‪.‬‬
‫هيا ننظ ر إىل البيت العريب كتعبري عن احلضارة العربية ‪ .‬أبي الطرق أدت‬
‫القوى البيئية اليت صاغت الشخصية العربية إىل التأثري يف املعمار املنزيل ؟‬
‫كونت عاداته ووجهة نظره‬
‫إن العريب أييت من الصحراء ‪ .‬والصحراء هي اليت ّ‬
‫وشكلت حضارته ‪ .‬وهو مدين للصحراء ببساطته ‪ ،‬وكرمه ‪ ،‬وميله‬
‫للرايضيات والفلك ‪ ،‬انهيك عن بنية عائلته ‪ .‬وملا كانت خربته ابلطبية هي‬
‫خربة مريرة للغاية ‪ ،‬وملا كان سطح األرض ‪ ،‬واملنظر اخللوي الطبيعي مها‬
‫ابلنسبة للعريب عدو قاس ‪ ،‬حمرتق متوه قاحل ‪ ،‬فإنه ال جيد أي وجه‬
‫للراحة يف أن يفتح على الطبيعة يف املستوى األرضي‪ .‬فوجه الطبيعة احلاين‬
‫ابلنسبة للعريب هو السماء – النقية الطاهرة ‪ ،‬الواعدة ابلربودة وابملاء‬
‫تقزم حىت من اتسا‬
‫الواهب للحياة من سحبها البيضاء ‪ .‬السماء اليت ّ‬
‫رمال الصحراء أمام ال هنائية الكون كله املرصع ابلنجوم ‪ .‬وما من عجب أن‬
‫تصبح السماء ابلنسبة لساكن الصحراء هي بيت هللا ‪.‬‬
‫والوثنيون األوروبيون هلم ‪ --‬آهلتهم يف األهنار ويف األشجار ‪ ،‬أو آهلة مترح‬
‫على قمم اجلبال ؛ ولكن ما من إله هلم يعيش يف السماء ‪ .‬فإله السموات‬
‫آتى للعامل عن الرعاة وسائقي اجلمال يف الصحراء ‪ ،‬الذين كانوا ال‬
‫يستطيعون أن يرو أي مكان آخر يالءم اإلله ؛ فسطح األرض ابلنسبة هلم‬
‫ال نتاج له إال من اجلن والشياطني الذين يدورون فيما حوهلم يف العواص‬
‫الرملية ‪.‬‬
‫و هذه النزعة الغريزية احملتومة لرؤية السماء على أهنا الوجه احلاين من‬
‫الطبيعة قد تنامت تدرجيياً كما رأينا ‪ ،‬إىل فرض ال هويت حمدد ‪ ،‬أصبحت فيه‬
‫السماء مقام هللا ‪ ،‬واآلن وقد اختذ العريب لنفسه حياة مستقرة فإنه شر‬
‫يطب االستعارات املعمارية يف علمه الكوين ‪ ،‬حبيث تعد السماء قبة تدعمها‬
‫أعمدة أربعة ‪.‬‬
‫وسواء كان هذا الوص يؤخذ أو ال يؤخذ به حرفياً ‪ ،‬فمن املؤكد أنه يضفي‬
‫قيمة رمزية للبيت ‪ ،‬الذي يعترب منوذجاً أو مصغراً للكون ‪ .‬واحلقيقة أن‬
‫االستعارة وسعت أبكثر إىل اجلوانب الثمانية للمثمن الذي يدعم ‪ ،‬على‬
‫خناصر معقودة ‪ ،‬قبة ترمز للسماء ؛ وقد أخذت هذه اجلوانب الثمانية على‬
‫أهنا متثل املالئكة الثمانية اليت تدعم عرش هللا ‪ .‬وملا كانت السماء عند‬
‫العريب تعد يف التو املقر لوجه الطبيعة القدسي و أكثر ما فيها السكينة ‪،‬‬
‫فإنه ابلطبع يريد أن جيلبها إىل مسكنه نفسه ‪ .‬وكما أن الناس يف أورواب‬
‫حياولون أن جيعلوا من منازهلم شيئاً متوحداً مع املنظر اخللوي الطبيعي هو‬
‫ونبااتته ‪ ،‬إما من خالل احلدائ ‪ ،‬أو من خالل جدران األلواح الزجاجية ‪،‬‬
‫فإن الناس يف البالد الصحراوية حياولون أيضاً أن ينزلوا صفاء وقدسية‬
‫السماء ألسفل ابلداخل من البيت ‪ ،‬وحياولون يف نفس الوقت ‪ .‬أن ينغلقوا‬
‫عن الصحراء برماهلا املْعمية اخلانقة وشياطينها املنفرة ‪.‬‬
‫ووسيلة صنع ذلك هي الفناء ‪ .‬فالبيت يكون مربعاً أجوف ‪ ،‬وقد أدار‬
‫للخارج جدران صماء بال نوافذ ‪ ،‬بينما تطل كل غرفة للداخل على فناء ال‬
‫ميكن أن يرى منه إال السماء ‪ .‬ويصبح من هذا الفناء قطعة السماء اليت‬
‫ختص املالك ‪ .‬واملساحة احملاطة بغرف بيته تستطيع ‪ ،‬على أحسن حال ‪ ،‬أن‬
‫تولد وحدها إحساساً ابهلدوء و األمان ال تستطيع أن تولده أي قسمة‬
‫معمارية أخرى ‪ .‬حيث تكون مساء الفنان يف كل األحوال وكأهنا قد جذبت‬
‫ألسفل يف عالقة محيمة ابلبيت ‪ ،‬وهكذا فإن روحانية البيت تظل تتزود من‬
‫السماء تزوداً مطرداً ‪.‬‬
‫وصفاء الفنان املطوق ليس أبمر خيايل ‪ ،‬وال هو ابلعمل الرمزي املستبعد ‪،‬‬
‫ولكنه حقيقة ميارسها كل فرد ميشي من داخل البيت العريب أو من داخل‬
‫فناء لدير أو كلية ‪ .‬وقيمة املساحة املطوقة قد مت إدراكها ليس فحسب‬
‫بواسطة سكان الصحراء ‪ ،‬وإمنا أيضاً بطول ساحل البحر املتوسط ‪ ،‬بواسطة‬
‫قدماء اإلغري وبناة الفيلال الرومانية ‪ ،‬وبواسطة األسبان بباحتهم املرصوفة‬
‫‪ ،‬كما أدركها املعماريون العرب يف جوامع القاهرة وبيوت دمش ‪ ،‬وسامراء‬
‫‪ ،‬والفسطاط ‪.‬‬
‫على أن الفناء ابلنسبة للعريب على وجه خاص ‪ ،‬إمنا هو أكثر من جمرد‬
‫وسيلة معمارية للحصول على اخلصوصية واحلماية ‪ .‬إنه مثل القبة ‪ ،‬جزء من‬
‫مصغر يوازي ترتيب الكون نفسه ‪ .‬وعلى هذا النمط الرمزي ‪ ،‬فإن جوانب‬
‫الف ناء األربعة متثل األعمدة األربعة اليت حتمل قبة السماء ‪.‬والسماء نفسها‬
‫للفناء ‪ ،‬وهي تنعكس على النافورة التقليدية اليت يف وسطه ‪.‬‬ ‫هي السق‬
‫وهذه النافورة أو احلوض ‪ ،‬هي يف احلقيقة إسقاط دقي لقبة فوق خناصرها‬
‫املعقودة ‪ .‬وهي يف التصميم مشابه ابلضبط ‪ ،‬فهي أساساً مربع ‪ ،‬زواايه يف‬
‫املستوى األوطي ‪ ،‬قد قطعت لتشكل مثمناً ؛ ومن كل جانب من اجلوانب‬
‫دائرة ‪ ،‬حبيث أن احلوض إمنا هو‬ ‫اجلديدة اليت تشكلت هكذا تتقعر نص‬
‫منوذج مقلوب للقبة ‪ ،‬ابلضبط كما لو كانت القبة احلقيقية تبدو يف صورة‬
‫مرآة يف املاء ‪.‬‬
‫وبيت العريب الذي ينظر إىل الداخل ‪ ،‬مفتوحاً للسماء اهلادئة ‪ ،‬وقد مجّل‬
‫بعنصر املاء مؤنثاً يف شكل انفورة هذا البيت املكتفي بذاته واملفعم ابلسالم‬
‫‪ ،‬الدعوى النقيضة املتعمدة للعامل اخلشن للعمل واحلرب والتجارة ‪ ،‬هو‬
‫هكذا مملكة املرأة ‪ .‬والكلمة العربية املسكن (( املسكن )) اليت تدل على‬
‫البيت ‪ ،‬تتعل بكلمة‬
‫(( السكينة )) ‪ ،‬أي ما هو سلمى مقدس ‪ ،‬بينما كلمة (( حرمي )) اليت‬
‫تعين (( النساء )) تتعل (( ابحلرم )) أي (( املقدس )) ‪ ،‬الذي يدل على‬
‫األجزاء اخلاصة مبعيشة العائلة يف املنزل العريب ‪.‬‬
‫واآلن فإن من األمهية مبكان أن هذه املساحة املطوقة ‪ ،‬مبا حتتويه من أنوثة‬
‫دافقة راعشة ‪ ،‬ال ينبغي هلا أن تنكسر ‪ .‬و إذا كان مثة فجوة يف املبىن احمليط‬
‫‪ ،‬فإن هذا اجلو اخلاص سوف ينساب للخارج ويتدف إىل الضيا يف رمال‬
‫الصحراء ‪ .‬فهذا السالم والقدسية ‪ ،‬وهذه األنثوية املتجه للداخل ‪ ،‬وهذا‬
‫اجلو من السكن الذي ال تكفى كلمة البيت لإلبقاء به ‪ ،‬هذا كله هو إبدا‬
‫هش لدرجة أن أقل خرق صغري يف اجلدران الواهنة اليت حتميه سوف يؤدي‬
‫تدمريه ‪ .‬وهذا هو السبب يف أن الباحة املرصوفة ‪ ،‬اليت تكون مفتوحة عند‬
‫أي واحد أو اثنني من جوانبها ‪ ،‬واليت رمبا تكون هبيجة مبا يكفي يف أسبانيا‬
‫مروض نسبياً ‪ ،‬هذه الباحة ال تصلح أبداً يف الشرق‬ ‫حيث اخلالء الريفي ِّّ‬
‫األوسط ‪ ،‬حيث ستقفز الصحراء املتوحشة داخله كاجلن لتدمر البيت ‪ .‬ولو‬
‫أن جانباً واحداً حىت من الفناء هو جدار بسيط ‪ ،‬لفسد اجلو ‪ ،‬واضطربت‬
‫فيه السكينة ‪ .‬فال ميكن اإلبقاء على هذا السحر يف مكانه إال بواسطة‬
‫غرف يسكن فيها حقاً ‪ ،‬وسبب هذا ابلطبع هو أنه ليس مبادة – ولن‬
‫نستطيع احلديث هنا إال بضرب األمثال – و إمنا هو إحساس ‪ ،‬وهو يتخل‬
‫ابلضبط ابلتفات الغرف هكذا إىل الداخل و إذن ‪ ،‬فإنين هلذه األسباب‬
‫أساساً قد خططت كل منزل ليكون من حول فناء ؛ ولكن األمر مل يقتصر‬
‫على أن يتضمن كل بيت فناءه ‪ ،‬وإمنا كانت كل جمموعة من البيوت تنتظم‬
‫أيضاً لتحيط ابلفناء املشرتك األكرب شبه العمومي ‪ ،‬أو امليدان ‪ ،‬فناء ((‬
‫الباشا )) الذي تكلمت عنه فيما سب ‪ .‬وكل واحد من هذه امليادين ‪ ،‬مبا‬
‫حييط به من بيوت ‘ قد قصد به أن خيدم جمموعة عائلية واحدة ‪ ،‬أو ((‬
‫بدنة ))‪.‬‬
‫والبدنة هي جمموعة من أانس قرابتهم لصيقة ‪ ،‬وتتأل من عشر عائالت إىل‬
‫عشرين عائلة ‪ ،‬ويكون هلا رأس أبوي معرتف به كما أن هلا حساً وثيقاً‬
‫ابلوالء املشرتك ‪ .‬وتعيش هذه العائالت يف بيوت متجاورة ‪ ،‬ورغم وجود‬
‫االختالف يف الثروة والوضع االجتماعي بني العائالت املفردة ‪ ،‬تعيش هذه‬
‫العائالت يف بيوت متجاورة ‪ ،‬ورغم وجود االختالف يف الثروة والوضع‬
‫االجتماعي بني العائالت املفردة ‪ ،‬إال أهنا تتبع أسلوابً مشرتكاً للحياة ‪.‬‬
‫والبدنة األكرب يكون هلا مقهاها اخلاص ‪ ،‬وال يذهب أحد إىل املقهى آخر ؛‬
‫كما يكون هلا حالقها وبقاهلا اخلاصان ‪ ،‬وعندما ختبز إحدى العائالت خبزها‬
‫‪ ،‬فإن كل العائالت اجملاورة يف البدنة يكون هلا أن تستخدم الفرن لتسخني‬
‫خبزها القدمي ‪ ،‬وحسب دورة مرتبة للعائالت تقدم كل منها هذه اخلدمة يف‬
‫دورها ؛ أما يف األعياد واالحتفاالت عند استقبال الضيوف فإن البدنة ككل‬
‫توفر الوليمة ووسائل الرتفيه ‪ .‬والبدنة هي من وجوه هامة من الوحدة‬
‫علي أن أحسب لذلك‬
‫االقتصادية – االجتماعية الرئيسية للفالح ‪ .‬وكان ّ‬
‫حسابه ‪ ،‬وأن أأتكد من أن كل بدنة يتم إسكاهنا معاً وتوفر هلا تسهيالت‬
‫متابعة القيام بكل األنشطة االجتماعية اليت تعودت عليها ‪.‬‬
‫وكان هذا سبباً إضافياً ل تخطيط البيوت من حول ميادين ‪ ،‬حيث تستطيع‬
‫البدنة أن تستقبل الضيوف و أن تقيم االحتفاالت املرتبطة ابلزجيات‬
‫وعمليات الطهور ( وفرت مضيفة أو غرف ضيافة لالستخدام املشرتك لكل‬
‫بدنة يف ميداهنا ) ‪ ،‬وامليدان أيضاً يصلح ألغراض أخرى أكثر عملية‬
‫كالتخزين املؤقت للوقود والقش ‪ ،‬و إال فإهنما كان سيكومان بال نظام يف‬
‫الشار العام ‪ .‬على أن األهم من ذلك ‪ ،‬أن امليدان مبا يضيفه على املنازل‬
‫بوصفه بؤرة هلا حيث تلتفت كلها للداخل مطلة عليه ‘ فإنه بذلك خيل‬
‫للبدنة شيئاً من اجلو نفسه الذي خيلقه فناء املنزل اخلاص للعائلة املفردة ‪.‬‬
‫وهكذا فإنه يساعد على توثي صلة اجملموعة العائلية معاً ‪ ،‬بتأكيد لطي‬
‫متواصل على وحدهتا ‪ ،‬وكذلك أيضاً بسبل عملية عديدة ‪ ،‬مثل تسهيل‬
‫ممارسة تلك العادة الراسخة من أين يسخن املرء خبزه يف الفرن الذي‬
‫صادف أن يكون أي من جريانه خيبز فيه ‪ ،‬وبتوفري مكان لألطفال يلعبون‬
‫فيه حيث يكونون حتت أعني أمهاهتم وليس حتت أرجلهن ‪ .‬على أن ما كان‬
‫ابلنسبة يل أكثر أمهية من كل هذه االعتبارات ‪ ،‬هلو التأثري يف الشخص إذ‬
‫خيرج من غرفة بيته ‪ ،‬مث من خالل فناء البيت ‪ ،‬إىل امليدان األكثر رحابة و‬
‫إن كان مازال مطوقاً ‪ ،‬حبيث ال مير إىل الشار العام إال بعد ذلك ‪ .‬وسواء‬
‫كان ذلك يف القرية أو املدينة ‪ ،‬فإن هذا الرتخيم التدرجيي فيه سالم وسكينة‬
‫أبكثر مما يف االندفا املفاجئ للمرء من خصوصية غرفته الصغرية إىل‬
‫صخب الشار أ إىل احلجم اهلائل للحقل ‪.‬‬
‫ومن املمكن أن ترتب هذه الوحدات نفسها ابلضبط ترتيباً يتم بطرق خمتلفة‬
‫– كتخطيطها يف شبكة متعامدة أو أي شكل آخر – على أن أحسن ترتيب‬
‫هلا هو امليدان املتناسب تناسباً جيداً ‪ .‬على أنه جيب مالحظة أن من املهم‬
‫أمهية حيوية أن البيوت جيب أن يكون وجهها للداخل ‪ ،‬يف امليدان ‪ ،‬متاماً‬
‫مثلما يكون ضرورايً أن حياط فناء البيت ابلغرف ووجهها للداخل ‪.‬‬
‫حد ما أن نرى ما يزعم أهنا ميادين ‪ ،‬وهي ابلفعل‬‫ومما حيدث كثرياً إىل ٍ‬
‫ليست إال جمرد مساحات عارضة حتددها هناايت صفوف البيت ‪ ،‬أو جدار‬
‫ملدرسة ‪ ،‬أو ظهر مصنع ‪ .‬وعندما تدير كل املباين ظهرها إىل امليدان ‪ ،‬أو‬
‫تعطيه يف أحسن األحوال جانباً ابرداً منها ‪ ،‬فكي لنا بعدها أن نتوقع أن‬
‫يستخدم الناس هذه املساحة كميدان حقيقي ؟ وما حيدث عندها ال يقتصر‬
‫على أن اجلو العام يتسرب بعيداً ‪ ،‬بل إنه أصالًال يتواجد أبداً ‪ .‬واملساحات‬
‫الكئيبة من مثل ذلك سرعان ما تصبح مقالب للزابلة ومقراً الجتما‬
‫عصاابت األحداث املنحرفني ‪.‬‬
‫واستقبال الضيوف يف القرية هو جزء هام جداً من حياة القرويني ‪.‬‬
‫واحتفاالت العائلة هي واألعياد الدينية تستدعي حشداً كبرياً ‪ ،‬ويقوم كل‬
‫اجلريان ابملساعدة يف توفري الطعام ‪ .‬وجيتمع الضيوف حسب مراتبهم ‪،‬‬
‫فرئيس جمموعة العائالت – الرجل األكرب سناً واألكثر احرتاماً يف البدنة –‬
‫يتخذ مكان الشرف يف املضيفة حيث يقدم له الطعام هو والضيوف األكثر‬
‫اعتباراً ‪ .‬أما األقارب األبعد صلة فيجلسون ألبعد قليالً من حتت املقاصري‬
‫املغطاة ‪ .‬أما مجهور املعارف العارضني هم وعابرو السبيل فيجتمعون يف‬
‫اخلارج يف امليدان ‪.‬‬
‫استخدام الحتفال‬ ‫ومن املمكن رؤية امليادين اخلاصة وهي تستخدم أعن‬
‫من هذا النو وذلك عند االحتفال السنوي ؛ مبولد النيب ‪ ،‬الذي يرادف‬
‫الكريسماس يف الغرب ‪ .‬فاالحتفاالت عندها تستمر الثين عشرة ليلة ‪ ،‬ويف‬
‫كل ليلة منها تقوم ابلضيافة عائلة خمتلفة ‪ ،‬وجيتمع أفراد اجملاورة لسما‬
‫ترتيل القرآن وللمسامهة يف الذكر أو احلركات اإليقاعية مع التغين ابسم هللا‬
‫‪.‬‬
‫***‬
‫االعتبارات االجتماعية االقتصادية‬
‫كان علينا أبي حال ‪ ،‬أن نعرف عن أهل القرنة ما هو أكثر من جمرد تقاليد‬
‫وجتمعاهتم االجتماعية ‪ ،‬وأهم من ذلك أن نعرف احلقائ الصادقة عن حياة‬
‫القرويني االقتصادية ‪ ،‬اليت ميكن منها أن نقيس أتثري انتقاهلم يف قدرهتم على‬
‫كسب عيشهم ‪ .‬ورغم أن مهمتنا كانت فحسب أن نبين جمموعة جديدة من‬
‫البيوت ‪ ،‬فإنه ما كان ميكننا أن نتجاهل عامدين مسألة أسباب العيش هذه‬
‫عند أهل القرنة بعد انتقاهلم ‪ .‬فوسيلة القرويني لكسب عيشهم هي مما جيب‬
‫أن يؤثر يف تصميم بيوهتم وما يتم توفريه هلم من املباين العامة ‪.‬‬
‫وأول حقيقة أصبحت واضحة لنا هي أن أهل القرنة ال ميكن أن أيملوا يف‬
‫كسب عيشهم من األرض احمليطة ابلقرية ‪ .‬فإمجايل مساحة األرض الزراعية‬
‫املتاحة للقرنة هو فحسب ‪ 0129‬فداانً ؛ الفدان = ‪ 8.211‬من األكرات‬
‫) ‪ ،‬بينما كان عدد السكان يف إحصاء ‪ 8199‬هو ‪ . 9119‬وحيث أن‬
‫‪ 0129‬فداانً ال ميكن أن تعول إال ‪ 1222‬فرد ‪ ،‬فسيكون هناك فائض من‬
‫‪ 1222‬فرد آخرين على األقل عليهم أن يكسبوا رزقهم من مهنة أخرى ‪.‬‬
‫وقد تطور األمر ابلقرنة إىل مهن خدمة اآلاثر ‪ ،‬فاستخدم سكاهنا غالباً‬
‫كعمال يف احلفائر ‪ ،‬كما كسبوا أيضاً ماالً وفرياً من سرقة املقار وبيع األشياء‬
‫للسائحني ‪ .‬والبد أن عدد السكان عند نشوب احلرب يف ‪ 8111‬كان‬
‫حوايل ‪ ، 1222‬إال أن إيقاف كل احلفرايت وكساد أعمال السياحة قد‬
‫جعل الكثريين من أهل القرنة يرتكون القرية ‪ ،‬كما أدى وابء شديد من املال‬
‫راي اجلامبيا يف ‪ 8199‬إىل قتل ما يقرب من ثلث السكان الباقني ‪ .‬ومع‬
‫ال‬
‫ذلك فحىت هذا العدد املنخفض من السكان مل يكن ليستطيع أن جيد عم ً‬
‫كافياً لكسب العيش ‪ ،‬وذلك رغم إعادة بدء احلفائر ‪ .‬أما عملهم القدمي‬
‫يف سرقة املقابر فقد أصبح عائده يف تناقص مستمر بسبب تزايد يقظة‬
‫السلطات ‪ ،‬واستنفاذ ما يف القبور ‪ .‬وفوق ذلك ‪ ،‬فإن أهل القرنة عندما‬
‫ينتقلون ‪ ،‬سيجدون معيشتهم أصعب و أكثر تكلفة ‪ ،‬ذلك أنه عندما يقتلع‬
‫جمتمع من جذوره ويتبدد ما كان لديه من وسائل صغرية لراحة العيش ‪ ،‬فإن‬
‫من كانوا يتمكنون ابلكاد من مواصلة العيش سيصبحون جوعا ‪ ،‬وكما يبدو‬
‫ستصبح موارد مل فرد أقل ‪.‬‬
‫واآلن ؛ فقد افرتضت مصلحة اآلاثر أن السكان سيستمرون يف االنكماش‬
‫‪ ،‬وكان هذا استنتاجاً طبيعياً من املوق االقتصادي الفعلي للقرية آنذاك ‪.‬‬
‫على أنه كان يوجد – ومازال يوجد – طريقتان حمتملتان – لكسب أود‬
‫مجاعة سكان متنامية ‪ .‬واألوىل أن تستبدل بعض احلرف بشىت املهن اليت‬
‫تعتمد على اآلاثر ‪ .‬وحتول القرنة إىل مركز للصناعات الريفية ‪ .‬وهذا أمر‬
‫متاح كما يتضح من مثل نقاده ‪ ،‬وهي مدينة على مقربة يعيش سكاهنا‬
‫العشرون ألفاً على النسي ‪ .‬ولو أصبح أهل القرنة يف معظمهم من احلرفيني‬
‫‪ ،‬فإنه ميكن أن يستقر السكان بعد دهم احلايل وسوف أيخذون بعدها يف‬
‫التزايد ابملعدل الطبيعي للزايدة ‪.‬‬
‫واالحتمال اآلخر للتنمية يعتمد على قرب القرنة من األقصر ومن منطقة‬
‫اآلاثر ؛ فالقرية اجلديدة ستصبح قاعدة السياح لزايرة وداين املقابر ؛‬
‫والطرق اليت تؤدي من املعدية النيلية إىل اآلاثر واليت متر عرب القرنة كانت‬
‫ابلفعل ممهدة ‪ ،‬وهناك جسر صغري قد بىن على ترعة الفضلية ‪ .‬بل وهناك‬
‫حديث عن بناء كوبري على النيل لربط األقصر ابلضفة الغربية‪ .‬والقرنة‬
‫قريبة من معظم اآلاثر اهلامة أكثر من األقصر ‪ ،‬وإقامة فندق سياحي هناك‬
‫ستوفر فرصة كبرية للعمالة سواء بطريقة مباشرة أو غري مباشرة ‪ .‬واحلقيقة أنه‬
‫مع حتسن املواصالت فإن قيمة األرض سرتتفع وميكن حىت أن تصبح القرية‬
‫ضاحية لألقصر ‪.‬‬
‫وهكذا فإن تنمية القرنة تبدو أمراً ممكناً للغاية ‪ .‬وختطيط القرية اجلديدة يوفر‬
‫إحالالً لكل بيت يف القرية القدمية سواء كان مسكوانً أو غري مسكون ‪،‬‬
‫جبيث تستطيع القرنة اجلديدة أن أتوي ما يصل تقريباً إىل العدد األصلي‬
‫للسكان وهو ‪ . 122‬وإذا زاد عدد السكان عن ‪ ، 1222‬فإن هناك‬
‫متسعاً لالمتداد مشاالً وغرابً حىت ميتأل احلوش عن آخره ؛ أما حالياً‬
‫فيستخدم منه مخس واحد فحسب للقرنة اجلديدة ‪ .‬وأما املباين العامة‬
‫فكا نت كبرية مبا يكفي للتعامل مع زايدة عدد السكان مبا له اعتباره ‪،‬‬
‫وذلك فيما عدا املدارس االبتدائية ؛ سوف يلزم بناء مدارس جديدة مبعدل‬
‫مدرسة لكل ‪ 0222‬ساكن جديد ‪.‬‬
‫وإذن فإن أحد أجزاء املشرو احليوية هي أن توسع موارد أهب القرنة‬
‫بتزويدهم ابملهن اليت توفر كسب املال ‪ .‬واملهن اليت لديهم من قبل هي‬
‫قليلة العدد ؛ وقد ذكرت مهارهتم امللحوظة يف تزيي التماثيل واجلعارين‬
‫األثرية ‪ ،‬وإىل جانب هذا فقد اعتادوا حتويل األلبسرت إىل زهرايت ‪ ،‬ونس‬
‫بعض أنوا لطيفة جداً من املنسوجات الصوفية ‪ ،‬وأن يصنعوا الفخار ‪.‬‬
‫وهم أيضاً يقومون ببعض أعمال صياغة الفضة ‪ ،‬إال أن املشغوالت الفضية‬
‫مل تكن مما يطلب اآلن إال قليالً ‪ ،‬فكانت املهنة يف طريقها إىل الزوال ‪.‬‬
‫والعمل يف بناء القرية اجلديدة سيوفر فرصة رائعة إلدخال املهن املختلفة‬
‫املتعلقة ابلبناء ‪ .‬واحل أنه يبدو توفري املهارات احمللية ما كان ميكن بناء‬
‫القرية ‪ .‬وأردت أن أعلم أهل القرنة صنع الطوب ‪ ،‬واستخراج احلجارة ‪،‬‬
‫وحرق الطوب واجلري ‪ ،‬ورص مداميك الطوب ‪ ،‬والسباكة ؛ والتجصيص ‪.‬‬
‫مث هناك أتثيث بيوهتم اجلديدة ‪ ،‬وأردت يف ذلك أن أحافظ على‬
‫التصميمات الرتاثية لألاثث اليت تالئم البيوت ‪ ،‬ورمبا مع تعديلها ‪.‬‬
‫والقرويون ما إن يتعلموا هذه احلرف ‪ ،‬فإهنم سيستطيعون بيع مهارهتم‬
‫ومنتجاهتم للقرى األخرى من حو هلم ولكن إذا مت ذلك ابلنسبة هلذه‬
‫احلرف ‪ ،‬فلماذا ال يتم أيضاً مع غريها ؟ غن النسي الصويف احمللي ينبغي أن‬
‫جيد سوقاً له ‪ .‬وميكن تعليم القرويني صنع بساط احلصري ‪ ،‬والسالل ‪،‬‬
‫واألبسطة والسجاجيد ‪ .‬وكنت أرغب أشد الرغبة أن اكتش طريقة بسيطة‬
‫لصقل الفخار على درجة حرارة منخفضة ‪ ،‬حبيث ميكنهم صنع أواين مائدة‬
‫من نو جيد ليبيعوها ‪ ،‬واحللي أيضاً ؛ كان هناك تقليد أبن تدخر النقود يف‬
‫شكل حلي فضية من املشابيك واخلالخيل واألساور والعقود ‪ ،‬واألنوا‬
‫األخرى من احللي – ومن هنا تكون مهنة صياغة الفضة وأعتقد أنه لو‬
‫كانت مدخراتك حبيث يتسىن لك أن تراها وتعجب هبا فإن هذا أفضل من‬
‫أن حتتفظ هبا يف مصرف ‪ ،‬وهكذا وددت أن أشجع إحياء مهنة صياغة‬
‫الفضة ‪ .‬ومن املمكن أيضاً صنع التذكارات للسياح‬
‫( وهه هنا بعض جمال مل زيفي اآلاثر ) ‪ .‬بل أننا فكران يف أتسيس ورشة صغرية‬
‫لصنع النوافذ ذات الزجاج املعش امللون ‪.‬‬
‫ولو ابتدأت كل هذه األنشطة اجلديدة يف القرية ‪ ،‬فإهنا ستهب الناس يف‬
‫مقتنياهتم الشخصية وتصبح‬ ‫إرضاء ‪ .‬وسوف تتضاع‬
‫ً‬ ‫التو حياة أكثر‬
‫بيوهتم أمجل ‪ ،‬وسوف يكسبون نقوداً أكثر ويتخلصون مما ألفوه طويالً من‬
‫تعاسة ‪.‬‬
‫واملدينة إمنا تقاس حسب نوعية ما يقتنيه الناس من األشياء الثانوية للحياة‬
‫وكسب نو عاداهتم ‪ ،‬فهي ال تقاس بغلو مثن مقتنياهتم ‪ .‬وقد حيوز أحد‬
‫الرجال آلة حالقة كهرابئية ‪ ،‬ولكنه لن يكون أكثر متدانً من رجل حيوز‬
‫موسى من الطراز القدمي ؛ فاالثنان حيلقان وهذا فيه الكفاية ‪ .‬واألمري املرتف‬
‫إذ جيلس يف مكتبته اخلاصة وسط كتب من الطبعة األوىل كلها جملدة وعليها‬
‫شعاره ‪ ،‬ال يكون بسبب هذا أكثر متديناً أبي حال من عامل رث مالبس‬
‫يدرس يف مكتبة عامة كتباً قذرة بليت من كثرة التقليب ‪ .‬فمستوى املعيشة‬
‫يف القرية إمنا يرتفع ارتفاعاً عظيماً بتوفري بيوت بسيطة ولكنها وافية ‪ ،‬مؤثثة‬
‫مبا يكفي ‪ ،‬ومزودة ابلرتكيبات الصحية ومزينة ابملنتجات احمللية املمتازة ‪،‬‬
‫كما يرتفع ابلتعليم ‪ ،‬وابلنقود اليت تكتسب من احلرفة ‪ ،‬وبزايدة االتصال‬
‫ابملسافرين والسياح واملدرسني من اخلارج ‪ .‬وهكذا يصبح الناس أكثر صحة‬
‫وسعادة وراحة وأمناً وحىت جداول اإلحصائيني سيظهر فيها عدد وفيات أقل‬
‫و أطفال أكثر ‪.‬‬
‫***‬
‫واقتصاد القرنة اجلديدة عليه حبكم الظروف أن يعتمد على اإلنتاج و ((‬
‫التصدير )) ‪ .‬ولدينا الفرصة الختيار احلرف اليت يبدو أهنا اكثر إرابحاً ‪،‬‬
‫ويب قى علينا أن نستفيد بكل ما جملتمع حريف قوي من مزااي تتفوق على‬
‫جرياننا املزارعني األكثر ضعفاً ‪ ،‬ولرمبا شعر هؤالء اجلريان حقاً ابلغرية إذ‬
‫يرون أهل القرنة الذين عملوا ابلسرقة مخسني عاما ينالون جائزهتم عن ذلك‬
‫مبا قدم هلم من وسائل جتعلهم ما زالوا يزيدون غىن ‪ ،‬على حساب الفالحني‬
‫الشرفاء ‪ ،‬وال شك أنه ليس هناك مطلقاً ما يربر حماابة أهل القرنة ابلذات ‪.‬‬
‫ولو أهنم استحوذوا على كل األسواق ‪ ،‬فسيكون من الصعب بعدها أن‬
‫تنو احلرف يف القرى األخرىو يرفع من مستوى معيشتها ‪ .‬واحلقيقة أنه ما‬
‫من قرية تستطيع أن يكون هلا وجود مستقل بذاته ‪ ،‬وينبغي أال تعد القرية‬
‫كياانً منعزالً ‪ .‬وينبغي من كل الوجوه أن تتخذ القرية املكان املالئم هلا ضمن‬
‫منوذج كلي – ليس فحسب من حيث املكان ‪ ،‬و إمنا من حيث األبعاد‬
‫املختلفة للنمو االجتماعي واالقتصادي ‪ ،‬حبيث أهنا مع تطورها ومع تنامي‬
‫عملها وحرفها وأسلوب حياهت ا ‪ ،‬تساعد بذلك على االستقرار البيئي‬
‫للمنطقة بدالً من أن تفسده ‪ .‬ولعله ينبغي أن يكون لدينا خطة للمنطقة‬
‫على املدى الطويل ‪ ،‬ختصص الصناعات للقرى حبيث ال تتولد ضغوط‬
‫منافسة ال تطاق ‪ ،‬على أننا مل يكن لدينا أي من ذلك ‪ .‬وعلى كل ‪ ،‬فإن‬
‫هذا مبعثاً للقل حلظتها ‪ ،‬فبالوضع احلايل للري هناك نقص هائل يف أي‬
‫منت ‪ ،‬يف أي من أكثر الضرورات األولية للحياة املتمدينة ‪ ،‬حبيث أن هناك‬
‫جماالً فيه أكثر من متسع ألن تضاع كل قرى مصر من إنتاجها ملرات‬
‫كثرية ‪.‬‬
‫***‬

‫احلرف الريفية يف القرنة‬


‫ال بد من أن أوضح أنه فيما يتعل ابحلرف الريفية يف القرنة ‪ ،‬فإنين فيما‬
‫عدا حرف البناء ‪ ،‬مل يكن لدي أي نية لتنمية هذه احلرف بنفسي ؛ فلم‬
‫يكن هذا من مهامي ‪ .‬على أننا قد قمنا ببعض التجارب ‪ ،‬وكأهنا مبثابة أخذ‬
‫عينات من الرتبة ‪ ،‬لنرى إذا كان ميكن للحرف أن تنمو يف القرنة ‪ .‬وأهم‬
‫احلرف هي صناعة النسي ‪ ،‬فيمكن أن يكون منها ابلفعل نوعان حمليان‬
‫للنسي هلما أمهية كبرية يف القرنة (( الربدة )) و (( املنري )) ‪ ،‬وأما قرية‬
‫نقادة القريبة اليت تعرف أبهنا القرية (( املليونرية )) فكانت تنت نسيجاً ابلغاً‬
‫يف التعقد وغلو الثمن يسمى (( الفركة )) ‪ ،‬وكنت أريد إدخاله للقرنة ‪ .‬و‬
‫إىل جانب هذه ‪ ،‬وكلها أقمشة صوفية ‪ ،‬كان هناك أقمشة قطنية للكوفيات‬
‫وما شابه وهي حقاً مجيلة جداً بتقليمتها الرهيفة يف تناسقها ؛ على أهنا مل‬
‫تكن من نوعية جيدة جداً وذلك بسبب الغزل والصبغات ‪.‬‬
‫***‬
‫صناعة النسي ‪:‬‬
‫يف سياق جهودان إلنشاء صناعة نسي ‪ .‬أجرينا بعض جتارب يف الصباغة ‪،‬‬
‫مبساعدة من اسكندر نساج القرية ‪ .‬وفيما مضى كانت الصبغات النباتية‬
‫احمللية مجيلة جداً ‪ ،‬ولكنها نبذت لتستخدم بدالً منها الصبغات الكيماوية‬
‫الرخيصة ن اليت أدى استعماهلا إىل أتثري ابلغ السيوقية يف منسوجات‬
‫ا ألقمشة الرتاثية ‪ .‬ولو أمكننا إعادة إدخال الصبغات النباتية ‪ ،‬فإن أقمشة‬
‫القرنة فيما ينبغي سوف تبا جيداً ‪ .‬وقد هدفنا إىل احياء تقنيات الصبغة‬
‫النباتية ‪ ،‬ألن هذه الصبغات أكثر ثبااتً ورقة يف ألواهنا من الصبغات‬
‫الكيماوية ‪ .‬ولكن حىت حيل الوقت الذي نتمكن فيه من إنتاج الصبغات‬
‫النباتية بقدر كبري ‪ ،‬كان علينا أن نعتمد قبلها على صبغات‬
‫األنيلني*‪ ،‬وقمنا بعدد من التجارب جلعل هذه الصبغات أكثر لطفاً وجتانساً‬
‫‪ .‬وفكرت من بني أشياء أخرى ‪ ،‬يف أن أخف من التباين اجلايف للصبغات‬
‫من لوهنا املكمل ‪،‬‬ ‫األنيلية أبن أمزج كل صبغة منها يف املاء املتخل‬
‫وفكرت أيضاً يف أن يتم اختيار الصوف األصلي اختياراً حريصاً ‪ ،‬حبيث أن‬
‫الصوف الذي يكون لونه الطبيعي بنياً قامتاً يتم صبغه ابألمحر ‪ ،‬حبيث أن‬
‫الصوف الذي يكون لونه الطبيعي بنياً قامتاً يتم صبغه ابألمحر ‪ ،‬والصوف‬
‫البين الفاتح ابألصفر ‪ ،‬والصوف األسود ابألسود ‪ ،‬وهلم جرا ‪ .‬وسوف‬
‫يرق ذلك من األلوان الزاهية بينما جيعل األلوان الداكنة متوهجة ‪ .‬وقد‬
‫ساعدتنا شركة الصناعات الكيماوية اإلمرباطورية‬
‫وصنع القرميد تدخل يف احملدودة مساعدة كبرية يف هذه التجارب ‪ ،‬إذا‬
‫اهتمت هبذا العمل ومسحت يل ابحلصول على الصبغات يف كميات صغرية ‪،‬‬
‫األمر الذي خيال إجراءاهتم املعتادة ‪.‬‬
‫وكانت منسوجات القرنة احملسنة الصبغة جذابة أقصى اجلاذبية ‪ .‬وتصادف‬
‫أن رأى مسيو بودان ‪ ،‬أحد مديري جانسني يف ابريس ‪ ،‬هذه األقمشة‬
‫فراقت له كثرياً حىت أنه عرض أن يشرتي كل مرت نستطيع إنتاجه من قماش‬
‫املنري امللون ‪.‬‬
‫وزار القرية السيد حممود رايض وزير التجارة والصناعة ‪ ،‬واثر اهتمامه أيضاً‬
‫بتجارب النسي والصباغة ‪ .‬وشجعنا تشجيعاً هائالً أبن وعد أبن يرسل لنا‬
‫خبرياً يف صناعة النسي لتوطيد هذه احلرف ‪ .‬وسرعان ما وصل الرجل ‪.‬‬
‫وكان امسه حممد طلحة أفندي ‪ ،‬وهو شخص على أقصى درجة من طيبة‬
‫القلب والتفكري االجتماعي ‪ ،‬ويتحمس لعمله كل التحمس ويف ظرف ليلة‬
‫‪ ،‬كان قد مجع يف اخلان جمموعة من عشرين طفالً ليعلمهم النسي ‪ .‬وكان‬
‫أول ما فعله هو أن جعلهم مجيعاً يغتسلون جيداً ‪ ،‬مث جعلهم يشرعون يف‬
‫برم اخليوط ‪ ،‬وإعداد النول وما إىل ذلك من املذهل أن يرى املرء كي أن‬
‫فيهم من تشربوا نس السجاد وكأمنا بنفس الطريقة الطبيعية اليت ينس هبا‬
‫العنكبوت وكأن احلرفة كانت جتري يف دمائهم ‪.‬‬
‫وعندما أتى وكيل الوزارة ‪ ،‬شفي غرابل ‪ ،‬لزايرتنا أتثر أتثراً ابلغاً هبؤالء‬
‫النساجني الصغار ‪ ،‬على أنه قد‬
‫الحظ أهنم يبدون حنافاً جائعني ‪ ،‬واقرتح أن مينح هلم يف كل يوم سلطانية‬
‫من حساء العدس ‪ .‬وكان هذا‬
‫اقرتاحاً عملياً معقوالً صف له كل واحد ( وخاصة األطفال ) ‪ ،‬وما لبثت‬
‫الوزارة أن سألت عن بند امليزانية‬
‫الذي سيوضع احلساء عليه ‪ .‬واتضح أنه ال يوجد ابب مناسب ميكن صرف‬
‫حساء العدس عن طريقه ‪ ،‬اللهم‬
‫إال إذا استطعنا بدء تشغيل املدرسة االبتدائية ‪ ،‬ووضع األطفال فيها ‪،‬‬
‫فيحسب مبلغ القرش الواحد أو مايقاربه‬
‫لكل فرد على حساب وجبات املدرسة ‪ .‬وبدا أن هذه طريقة ابهظة التكلفة‬
‫للحصول على سلطانية حساء ‪،‬‬
‫هلا هيئة من املدرسني ‪ .‬على أن املشكلة حلت‬ ‫أبن تبىن مدرسة وتوظ‬
‫نفسها ‪ ،‬عندما سقطت الوزارة بعدها‬
‫مباشرةً تقريباً ومت نقل طلحة أفندي ‪ .‬وطرد األطفال ليهيموا يف منطقة اآلاثر‬
‫وهم يشحذون البقشيش من كل‬
‫السياح ‪.‬‬
‫وبعد هذه النكسة ‪ ،‬فكرت يف أنه ميكن توطيد جذور حرف النسي توطيداً‬
‫أشد لو أمكن بناء مدرسة الصنايع ليتم تشغيلها ‪ ..‬وهكذا سارعت للبدء‬
‫يف بنائها ‪ .‬وكان اهلدف منها أن تكون معاً مركزاً للتدريب وورشة مجاعية ‪،‬‬
‫هبا األنوال وجتهيزات الصباغة ‪ .‬وهكذا جهزت املدرسة بستة أحواض‬
‫للصباغة ‪ ،‬وكل حوض له غاليته اخلاصة اليت تعمل بفرن من نو قطرة –‬
‫زيت – وماء – وهو وسيلة فعالة جداً تغلي سعة برميل كامل من املياه كل‬
‫ربع ساعة ‪ .‬وكان يف املدرسة الصنايع متسع لعشرة أنوال لألنسجة احمللية‬
‫ولعدد من األنوال الرأسية لألقمشة العادية ‪.‬‬
‫ومبجرد االنتهاء من مدرسة الصنايع كتبت إىل وزارة التجارة والصناعة‬
‫عارض اً إايها عليهم ‪ .‬وكان للوزارة من قبل مركز للصناعات اليدوية يف قنا ‪،‬‬
‫ولكنه كان يتوارى بعيداً يف شقة مؤجرة ابلطاب الثاين ؛ وهكذا ظننت أهنم‬
‫سريحبون بفرصة تدريس صناعاهتم يف هذه اإلنشاءات الدائمة اليت حسن‬
‫علي‬
‫إعدادها ‪ ،‬خاصة أهنا تقدم هلم جماانً ‪ .‬ولكن املدير العام كتب لريد ّ‬
‫قائالً ‪ :‬إنين أحاول فرض أرائي على وزارة وأهنم ال يقبلون العرض ‪ ..‬وبدا‬
‫من هلجته وكأنين أحاول انتزا شيء منه بدالً من كوين أقدم شيئاً جماانً ‪.‬‬
‫وهكذا ماتت متاماً جتربة النسي ‪ ،‬وكان ذلك ابلكلية بسبب تثبيط حكومي‬
‫نشط ‪.‬‬
‫***‬
‫_________________________________________‬
‫_____________________‬

‫* مادة عضوية تستخرج من قطران الفحم وتستخدم يف الصبغات والعطور (‬


‫املرتجم ) ‪.‬‬
‫صناعة الفخار ‪:‬‬
‫إىل جانب النسي كنت أود أن أعطي القرن وسيلة عملية لصنع الفخار‬
‫املصقول ‪ ،‬لألسباب اليت شرحتها من قبل ‪.‬‬
‫وصنع القرميد تدخل فيه مشكلة أن ال يوجد ‪ ،‬أو كان ال يوجد ‪ ،‬مادة‬
‫صقل مناسبة تنصهر على درجات احلرارة اليت ميكن احلصول عليها من‬
‫أفران الفالحني العادية ‪ .‬فكان علينا إما أن نعثر على مادة صقل يف درجة‬
‫حرارة منخفضة أو على فرن رخيص عملي عايل احلرارة ‪ .‬وكان املثال الياابين‬
‫إيسامو نيجوتشي قد أخربين أن أحد األشخاص يف جامعة كاليفورنيا قد‬
‫صنع مادة للصقل تعمل عند درجة حرارة ْ‪ 922‬م ‪ ،‬ورغم أين سألت أانساً‬
‫كثريين ‪ ،‬فما من أحد آخر كان يبدو أنه قد مسع هبذا ‪ .‬على أنين قد‬
‫صممت ابلفعل فرانً ‪ ،‬يعمل بقاعدة نقطة – الزيت – واملاء إلحراق الطوب‬
‫واجلري ‪.‬‬
‫وابلنسبة ألي شخص يهتم هبذا املوضو ‪ ،‬فهناك أيضاً صناعة اخلزف‬
‫والقيشاين احمللية يف رشيد ‪ ،‬حيث كانت تصنع فيما مضى أمجل أنوا‬
‫البالط القيشاين ‪ ،‬وهو بالط ما زال ميكن رؤيته يف البيوت القدمية برشيد‬
‫ودمياط ‪.‬‬
‫وكان األب دي مونتجولفري ‪ ،‬وهو قس يدير مستوصفاً صغرياً يف جرجا عرب‬
‫النهر إىل الشمال من األقصر قد رأى أين مهتم بتحسني الفخار احمللي ‪.‬‬
‫فأرسل دعوة البن أخيه ‪ ،‬وكان خزافاً ‪ ،‬ليحضر من ابريس ‪ ،‬وبنينا له ورشة‬
‫مجيلة جداً يف جرجا ‪ .‬ولسوء احلظ فإن الفخار الذي أنتجه ابن أخيه و إن‬
‫كان لطيفاً جداً ‪ ،‬إال أنه مل يكن مطليب ‪.‬فقد كان فنياً ألكثر مما ينبغي ‪،‬‬
‫بينما كان ما حيتاجه الفالحون هو فخار أو قرميد بس‬
‫ومباشر جداً وقابل لالستخدام ‪ .‬فما حنتاجه فوق كل شيء هو تكنيك‬
‫يستطيع الفالحون تقليده بسهولة ؛ شيء يشبه يف رخصه وبساطته البناء‬
‫بطوب الل ن ‪.‬‬
‫وكم كنت أود لو أنين أتيت إبيسامو نيجوتشي ودي مونتجولفري معاً ألرى‬
‫إذا كاان سيتمكنان فيما بينهما من إنتاج شيء ما ‪.‬‬
‫وكان ينبغي أن يتم تعليم أهل القرنة كل هذه احلرف اجلديدة ‪ ،‬وإتباعاً ملبدأ‬
‫للكتاب فكرت أننا ينبغي أن نركز على أن نعد‬‫أنه بعد أن شاب ال يصلح ّ‬
‫حرفيينا اجلدد من بني أطفال القرية ‪.‬‬
‫وملا كنت أعرف أن حجرات الدراسة تكون عرضة ألن تنعزل عن الواقع مبا‬
‫تفعم به من حشو الطباشري وأوراق االمتحاانت ‪ ،‬وأنه مهما بلغ من حسن‬
‫نوااي املدرسني فإن األطفال يتململون ويتطلعون من النوافذ للخارج ‪ .‬فقد‬
‫قررت أال تدرس هذه احلرف اجلديدة يف املدرسة ‪ .‬وأفضل من ذلك كثرياً‬
‫أن تتم االستفادة بنظام صيب احلرفة ‪ .‬فيعمل الدارسون يف دكان معلم‬
‫للحرفة ‪ ،‬وسوف ينغمسون من أول يوم يعملون فيه حتت يده يف جو الصنعة‬
‫‪ .‬وسيتعلمون كل خد احلرفة وحيلها ‪ ،‬وسوف يرون فائدة معرفتهم هذه‬
‫ملموسة فيما سينالونه من نقود – ذلك أهنم سيمكنهم بيع إنتاجهم من أول‬
‫األمر ولن يكون هناك أي من تلك احلرية اليت تنتاب معظم التالميذ عندما‬
‫حياولون إدراك العالقة بني التجريدات اليت تلقن هلم يف حجرة الدراسة‬
‫وحقائ احلياة الواقعية خارجها ‪ .‬فهم سيكربون يف عملهم ‪ ،‬متفهمني لكل‬
‫ما فيه من صعوبة ‪ ،‬وإذ يتقنون العمل فإهنم يكتسبون ‪ ،‬ال املديح من‬
‫املدرس ‪ ،‬وإمنا النقود من العميل ‪ .‬وصبيان احلرفة عندي ال ميكن أبداً أن‬
‫يكونوا على مثال أولئك التالميذ الذين يرجون من املدرسة بشهادة يف‬
‫أيديهم ‪ ،‬ويتحينون يف سذاجة أي منفذ ليقفزوا عند أول فرصة إىل وظيفة ما‬
‫مكتبية ‪.‬‬
‫***‬
‫خان الصنايع ‪:‬‬
‫كان جيب أن نزيد من السرعة املعتاد تطبيقها لتعليم احلرفة للصبيان ‪ .‬فلم‬
‫يكن يف وسعنا أن نبقي الصبيان طيلة ثالث سنوات وهم ينظفون أدوات‬
‫املعلم ويلفون اخليوط يف كرات ‪ .‬وعليه كان ينبغي أن نستدعي حرفيني من‬
‫مناط أخرى ‪ ،‬وحندد هلم الفرتة الزمنية اليت حيتاجوهنا للبقاء ‪ ،‬وندفع هلو‬
‫راتباً ونوفر هلم اإلقامة أثناء وجودهم معنا ‪ .‬وقد خططت هلذا الغرض نزالً‬
‫هو واحد من أهم البناايت العامة يف القرية ‪ ،‬حيث ميكن أن يقيم كل معلم‬
‫حرفة هو وعائلته ‪ ،‬مع وجود ورش ميكنه فيها أن ميارس مهنته ويعلمها ‪،‬‬
‫ودكاكني ميكنه فيها أن يبيع سلعه ‪ .‬وهذا اخلان ‪ ،‬كما أمسيته ‪ ،‬هو املكان‬
‫الذي ستعلم فيه املهن اجلديدة اليت ستنشئ اقتصاد القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫واخلان هو األداة الرئيسية لتنظيم اإلمداد ابحلرفيني اجلدد ‪ .‬و قد بزغت‬
‫فكرة هذا البناء من حاجة القرنة حلرف جديدة ‪ ،‬ومن احلقيقة أن النظام‬
‫املدرسي لن يكون اقتصادايً ابمل رة ابلنسبة هلدفنا ‪.‬‬
‫و يف سياق احلياة الطبيعي ‪ ،‬ال يستطيع جمتمع ما أن ميتص يف أي حرفة‬
‫واحدة إال عدداً حمدوداً من احلرفيني ‪ .‬وعندما يتعلم األوالد املهنة كصبيان‬
‫هلا ‪ ،‬فإن املعلم احلريف حيرص على أال يكون يف دكانه عدد من عمال املياومة‬
‫املهرة هو أكثر مما يلزم ‪ ،‬ألنه جيب أن يدفع هلم أجراً وهكذا فإنه حيتفظ‬
‫ابلكثري من صبيانه لزمن طويل وهم يؤدون يف الدكان مهام ال ضرر منها ‪،‬‬
‫وال يتيح له أسرار احلرفة إال حبذر شديد و عندما يكون حقاً يف حاجة إليهم‬
‫‪ .‬وهبذه الطريقة فإنه يتأكد أيضاً من أن السوق ال يكتظ أبداً ابملنافسني من‬
‫معلمي احلرفة ‪ ،‬وهبذا فإنه يضمن كسب عيشه هو نفسه ‪ .‬وهكذا فإن نظام‬
‫صبيان احلرفة هو وسيلة طبيعية ممتازة لالحتفاظ بتوازن احلرف يف اجملتمع ‪.‬‬
‫على أنه نظام حمافظ ‪ .‬وعندما يظهر أن تغيري منط العمل هو أمر مرغوب‬
‫فيه ‪ ،‬وعندما تصبح هناك حاجة إىل عدد أكرب كثرياً من احلرفيني يف حرفة‬
‫معينة ‪ ،‬فإن نظام صبيان احلرفة ال ميكنه أن يتواف توافقاً طيباً ‪ .‬وحىت نعيد‬
‫توفري احلرفيني للقرنة كنا يف حاجة إىل نظام ما جيمع بني النات الكبري من‬
‫املدرسة مع مرونة واخنفاض تكلفة نظام صبيان احلرفة ‪ ،‬وقد وجدان هذا‬
‫اخلان ‪ .‬واملبىن نفسه ‪ ،‬وهو رخيص يف املقام األول سيتم فيه إيواء معلمي‬
‫احلرفة يف تتال ‪ ،‬حبيث يدعى كل منهم للحضور و مترير مهاراته أبسر ما‬
‫ميكن حىت يتم استيفاء حاجاتنا يف هذه احلرفة بعينها ‪ .‬مث يعود املعلم إىل‬
‫بلده اثنية ‪ ،‬وميكن أن يشغل حريف آخر مكانه ليعلم حرفة ضرورية أخرى ‪.‬‬
‫و لن يكون هناك فصول دراسية ‪ ،‬وسوف يقوم احلرفيون ببيع عملهم ‪،‬‬
‫وسوف يتعلم الصبيان بسرعة ( ألنه ما دام معلموهم ال ميكثون إال مؤقتاً ‪،‬‬
‫فإنه لن يكون لديهم أي سبب لتأخري تعليمهم ) ‪ ،‬ولو حدث و مت إمداد‬
‫القرية ابلكامل ابحلرف املزدهرة ‪ ،‬فإنه ميكن حتويل املبىن لغرض آخر ‪.‬‬
‫والتالميذ ‪ ،‬إذ يتعلمون حرفتهم بنجاح سيمارسوهنا يف القرية وليس يف اخلان‬
‫‪ ،‬وسيتخذون بدورهم صبياانً ألنفسهم ‪ .‬وهكذا فإن احلرفة بعد األخرى‬
‫سوف تنتشر (( بذورها )) من اخلان إىل القرية ‪ ،‬حيث ميكن بعدها أن‬
‫تستمر يف النمو بنفسها ‪ .‬واملهن اليت جيب أن تعلم حسب هذا النظام هي‬
‫تلك اليت يكون الطلب عليها حمدوداً نوعاً ؛ كصناعة احللي وخرط اخلشب‬
‫‪ ،‬والنجارة ‪ ،‬والنسي الفاخر ‪ ،‬وجنارة األاثث ‪ ،‬وتقليد اآلاثر ‪ ( ،‬الذي‬
‫يصبح اآلن مهنة حمرتمة ) ‪ ،‬وما إىل ذلك ‪.‬‬
‫أما احلرف األخرى ‪ ،‬وخاصة النسي والصباغة ‪ ،‬فإن هلا سوقاً كبرياً اثبتاً ‪.‬‬
‫وسوف يكون هناك طلب متواصل على القماش ‪ ،‬وابلتايل حاجة متواصلة‬
‫للنساجني والصباغني ‪ .‬وهؤالء سوف يتعلمون يف مدرسة الصنايع ‪ .‬وهي‬
‫اثين أكرب مبىن تعليمي يف القرية ‪ ،‬حيث يكون األمر جديراً إبقامة نظام دائم‬
‫‪ .‬واملقصود هو أن األوالد إذ يتعلمون احلرف هناك ‪ ،‬فإهنم ينبغي أن‬
‫ميارسوها يف نفس املبىن ‪ ،‬الذي سيصبح مبثابة مصنع صغري للقماش يتم فيه‬
‫تدريب ما خيصه من احلرفيني ‪.‬‬
‫وسيكون هناك أيضاً ابلطبع مدرستان ابتدائيتان حيث سيتعلم كل أطفال‬
‫القرية القراءة والكتابة ‪ ،‬وحيث هلم بشيء من احلظ واملمارسة أن يصلوا‬
‫منهما يف النهاية إىل الدراسة يف املدرسة الثانوية واجلامعة ‪.‬‬
‫***‬

‫قاعة معرض احلرف ‪:‬‬


‫املعرض الدائم للحرف فيه ما يثري االهتمام كوسيلة غري مألوفة يف القرية ‪ .‬و قد‬
‫قصدان هنا أن يستمر فيه عرض عينات من كل منتجات احلرفيني اجلدد يف‬
‫القرنة اجلديدة ‪ ،‬حىت ميكن للزوار والسياح أن يستعرضوا سلعنا على حنو مالئم‬
‫‪ .‬واملعرض يتخذ موقعه يف الطري الرئيسي الذي ميتد من متاثلي ممنون إىل‬
‫األقصر ‪ ،‬ومن األفضل حىت يتم جذب السياح ‪ ،‬أن ندفع عمولة صغرية على‬
‫املبيعات لسائقي سياراهتم وترمجاهنم ‪ .‬وقد خصص مبىن آخر من املباين العامة‬
‫ليضم املركز االجتماعي للنساء واملستوص ‪ .‬ويتاح يف املستوص عالج‬
‫اإلصاابت واألمراض البسيطة ‪ ،‬وميكن إقامة عيادة خارجية لطبيب زائر ‪ ،‬كما‬
‫توفر خدمات رعاية األمومة ‪ .‬ويلح هبذا ‪ ،‬املركز االجتماعي للنساء ‪ ،‬وهو‬
‫‪ ،‬وميكن للنساء أن يتلقني فيه التعليمات الصحية‬ ‫يتصل مباشرة ابملستوص‬
‫وتعليمات رعاية األطفال ‪ .‬ويكون يف هذا املركز مشاغل حيث ميكن هلن أن‬
‫يؤدين معاً األشغال اليدوية ‪ ،‬وفيه مطبخ حيث ميكن أن يتعلمن مبادئ الطهي‬
‫‪ .‬وسيكون هناك أيضاً محام تركي ‪،‬‬ ‫اجليد وهو فيما يعرض سيخدم املستوص‬
‫مسرح مفتوح ‪،‬بل وكنيسة صغرية ألقباط القرية الذين يقرب عددهم من املائة‬
‫‪.‬‬
‫وابختصار ‪ ،‬فقد كنت أريد أن توفر مباين القرتة العامة كل االحتياجات‬
‫االجتماعية للقرويني لعلمهم وحرفهم ‪ ،‬ولتعليمهم ‪ ،‬ولتسليتهم ‪ ،‬ولعبادهتم ‪.‬‬
‫وقد ضمنت وصفاً هلذه املباين املقرتحة يف تقرير مصلحة اآلاثر ‪ .‬وهذا التقرير ‪،‬‬
‫إىل جانب وص املباين وصفاً بسيطاً ‪ ،‬فإنه يشرح نظام العمل الذي قرران‬
‫إتباعه ‪ ،‬وكذلك مبادئ تعويض العائالت اليت كان عليها أن تنتقل ‪.‬‬
‫وملا كانت التقنيات اليت سنستخدمها غري مألوفة ‪ ،‬فإننا مل نكن نستطيع أن‬
‫نعهد ابملهمة إىل مقاول ‪ .‬فما من مقول لدية أي خربة يف التسقي بطوب‬
‫الل ن ‪ .‬وهكذا فلو دعوان إىل مناقصة فسوف تقدم لنا فيما ينبغي عروض مالية‬
‫مستحيلة ‪ .‬ولو جلأان إىل شركات جتارية لصنع قوالب الطوب لنا ‪ ،‬ونقل مواد‬
‫البناء ‪ ،‬وإقامة البناء ‪ ،‬فإن هذا ال ميكن أن يكلفنا أقل من مليون جنيه ‪ .‬وكان‬
‫ما لدينا هو ‪ 22.222‬جنيه ‪.‬‬
‫والطريقة الوحيدة إلجناز عمل كثري كهذا مببلغ زهيد هكذا هي أبن نتخذ ‪ ،‬ال‬
‫فحسب وسائل الفالح للبناء ‪ ،‬وإمنا أبن نتخذ أيضاً ًٍ وسائله يف العمل عندما‬
‫يبين حلسابه ‪ ،‬والفارق األساسي هو أننا ينبغي أن ندفع أجراً هلذا العمل الذي‬
‫يؤديه الفالحون يف العادة جماانً ‪.‬‬
‫كان يف استطاعتنا أن نبين القرية كلها أبنفس نا ‪ .‬ولن نعتمد على املصادر‬
‫التجارية للحصول على أي من موادان للبناء ؛ فسوف نقوم تواً بصنع كل أداة‬
‫مفردة يتم تصنيعها ؛ ستكون العملية كلها أبسلوب (( أد العمل بنفسك ))‬
‫( و إن كان للعمل أجره ) ‪ .‬وسوف نصنع قوالبنا اخلاصة بنا من طوب الل ن ‪،‬‬
‫ونبين األفران ‪ ،‬وحنتج ر احلجارة وحنرق اجلري ‪ ،‬وحنرق الطوب للرتكيبات‬
‫الصحية ‪ ،‬اخل ‪ .‬ولن نوظ أحداً سوى البنائني من أسوان ومن أهل القرنة‬
‫أنفسهم ‪ .‬وهبذه الطريقة فإن املشرو كله ميكن أن يصبح مدرسة تقنية هائلة‬
‫حيث يتعلم القرويون شىت حرف البناء ‪ ،‬لتلح ابحلرف األخرى اليت‬
‫سيتعلموهنا يف اخلان ومدرسة الصنايع ‪.‬‬
‫وسيتم تصميم البيوت اجلديدة تصميماً فردايً ‪ ،‬فيتاح لكل عائلة عدد الغرف‬
‫نفسها واملساحة نفسها اليت كانت تشغلها من قبل ‪ .‬وهذا أكثر واقعية من‬
‫حماولة تقدير قيمة املنازل املوجودة وتصميم منازل جديدة بنفس مثنها ‪ ،‬ذلك‬
‫أنه يف مشرو على نطاق واسع كهذا يكون أي رقم يقدر كثمن للبيت مبفرده‬
‫هو إىل حد كبري رقم بال معىن وفوق ذلك ‪ ،‬فإن أتسيس املأوى اجلديد على‬
‫أساس من القدمي جيعل من األسهل إرساء معيار احلد األدىن ‪ 2‬غرفتان‬
‫وامللحقات الصحية – حبيث أن أفقر العائالت اليت كانت تشغل حرفياً‬
‫مسور ) سوف‬
‫ممتلكات ال قيمة هلا ( ههي يف بعض األحوال ما ال يزيد عن قرب ّ‬
‫يتم إيواؤها كما ينبغي أن يكون اإليواء السليم ‪.‬‬
‫وقد شرحت هذه املبادئ لإلسكان العائلي يف تقريري ‪ .‬على أين اخرتت أن‬
‫أبدأ ابملباين العامة لسببني مهمني ‪ .‬األول إنين حسب خربيت ابملصاحل احلكومية‬
‫كنت أتوجس أنه ما إن يتم إقامة عدد معقول من بيوت اإليواء ‪ ،‬فإن احلكومة‬
‫ستقول ‪ (( :‬شكراً جزيالً ؛ هذا حقاً مجيل جداً )) وتدفع ابلفالحني إىل البيوت‬
‫‪ ،‬وتك عن دفع أي نقود أخرى ألي شيء آخر‪ ،‬وهكذا فإن املباين العامة لن‬
‫يتم بناؤها وستظل القرية اجلديدة حشداً من بيوت ليس هلا مركز ‪ .‬والسبب‬
‫الثاين ‪ ،‬أين أردت أن أتيح لنفسي زمناً أرقب فيه القرويني و أحتدث إليهم عن‬
‫بيوهتم الشخصية نفسها ‪ .‬فما كانت يل حاجة ألي نصيحة منهم بشأن تصميم‬
‫املسجد أو املدارس ‪ ،‬وإمنا كنت أريد أن أجعل كل بيت يناسب ابلضبط العائلة‬
‫اليت ستسكنه ‪.‬‬
‫ورغم أين كنت أعطيت موقعاً ‪ ،‬ومنحت يل حرية التصرف فيه ‪ ،‬إال أن‬
‫املصلحة مل تكن جد سخية مباهلا ‪ .‬وكان املبلغ املخصص يل مؤسساً على تقدير‬
‫تعسفي لقيمة البيوت يف القرنة القدمية ‪ ،‬ومل تكن له أدىن عالقة ابلتكلفة احملتملة‬
‫لبناء القرية اجلديدة ‪ .‬فالفالحون ستنز ملكيتهم وقد خصص هلم مخسون أل‬
‫إيل ألبين قرية كاملة ما يقرب من أل‬
‫جنيه كتعويض ‪ .‬وهذه النقود ستحول ّ‬
‫بيت ‪ .‬ولسوء احلظ ‪ ،‬مل خيطر للمصلحة أن القرية حتتاج ملا هو أكثر من جمرد‬
‫بيوت ‪ ،‬ورغم أن تقدير مخسني جنيهاً لكل بيت كان تقديراً معقوالً ( بشرط أن‬
‫نستخدم األسلوب الذي طورته يف املباين السابقة يف ظروف طبيعية ) فإنه لن‬
‫يتبقى أي شيء للطرق ‪ ،‬واملدارس ‪ ،‬واجلامع ‪ ،‬وغري ذلك مما هو ضروري من‬
‫املباين واخلدمات العامة ‪.‬‬
‫كان من املفروض أين سأنتهي من القرية يف ثالث سنوات ‪ ،‬وأعطى يل ألول‬
‫املوسم للعمل ‪ 82.222‬جنيه ! ويف نفس الوقت تقريباً ‪ ،‬كانت احلكومة قد‬
‫منحت مليون جنيه لذلك املشرو اآلخر يف امبابة حيث كان سيبىن أل بيت‬
‫كلها تتماثل متاماً وكل واحد منها ضي مبا يكفي ألن يكون كله داخل غرفة‬
‫الضيوف يف بيت من بيويت‬
‫وعلى كل ‪ ،‬فقد أمكنين أن أقهر نفسي إحساسي بعدم الثقة ‪ ،‬وركزت على‬
‫وضع تصميمايت ‪ .‬ومل يكن مثة فائدة من التذمر بشأن النقود ‪ .‬هيا بنا نقيم‬
‫بعض املباين ‪ ،‬ونفعل أقصى ما بوسعنا ‪ ،‬ونضع ثقتنا يف أنه ميكن فيما بعد أن‬
‫زود مبال أكثر إلهناء القرية ‪ .‬ولو سألت املزيد اآلن سيثور نقاش ‪ ،‬مث أتجيل ‪،‬‬
‫نّ‬
‫ولن نتمكن أبداً من بدء العمل‬
‫وليس هذا فحسب ‪ ،‬ولكين أيضاً أخذت على عاتقي ما يكاد يكون أقسى حتد‬
‫اجتماعي يف مصر ‪ ،‬وأحسست أنه إذا كان علي أن أثبت مبا ال يقبل اجلدل‬
‫أن املبادئ اليت اختذهتا هي على صواب ‪ ،‬فإنه ينبغي أن اثبت ذلك حتت أكثر‬
‫الظروف حتدايً ‪ ،‬وبكل أتكيد ليس هناك من يستطيع أن يقول متشكياً أنين‬
‫عندما اخرتت مشكلة إعا دة إسكان أهل القرنة فإين قد اخرتت بذلك مشكلة‬
‫هينة ‪ .‬وأهل القرنة أنفسهم كانوا يعارضون الفكرة معارضة عنيدة ‪ .‬فلم يكن‬
‫لديهم أدىن ميل لالنتقال من القرية اليت يعرفوهنا واملهنة اليت نشئوا عليها ‪ ،‬وما‬
‫كان لديهم أدىن ميل لتعمري قرية جديدة واالنشغال بعمل شاق جديد جملرد‬
‫إثبات نظرية البناء ‪ .‬بل هم ال يتخيلون أن يهجروا الدخل الوفري الذي أيتيهم‬
‫من حفرايهتم اخلاصة أو (( الكحتة )) كما يسموهنا ‪ ،‬واليت كانت جتعلهم أغىن‬
‫من سائر الفالحني بعامة ‪ ،‬من اجل أن يكسبوا عيشهم بعرق جبينهم مثل أي‬
‫فرد آخر ‪ .‬وذهب التقرير إىل مصلحة اآلاثر ‪ ،‬ومل أمسع بعدها أي شيء عنه ‪.‬‬
‫ولست أعرف إذا كان أحد قد قرأاه ‪ ،‬ولكين اعتربت أن عدم وجود تعلي فيه‬
‫يشري إىل املوافقة ومضيت قدماً يف التصميم ‪.‬‬
‫ختطيط القرنة اجلديدة ‪:‬‬
‫كان املوقع حمدداً يف جانبيني منه بسكة حديد ضيقة تدور يف منحىن عند الركن‬
‫اجلنويب الشرقي ‪ .‬وها هنا كانت حمطة صغرية ‪ ،‬من الواضح أهنا حتدد لنا موضع‬
‫السوق ‪ ،‬فالتجار والفالحون سريغبون يف جلب و إرسال سلعهم بواسطة‬
‫القطار ‪ .‬ويشغل السوق هنا مساحة مربعة كبرية ‪ ،‬وهو يوفر املدخل الرئيسي‬
‫للقرية ‪ .‬ويعرب الزوار السكة احلدية ‪ ،‬ويدخلون السوق من خالل بوابة ‪ ،‬مث‬
‫ميرون من خالل بوابة أخرى ذات عقد على اجلانب املقابل من السوق ‪،‬‬
‫ليدخلوا إىل القرية ذاهتا ‪ .‬ومن هذه البوابة يتلوى الطري الرئيسي يف وسط‬
‫القرية كالثعبان ‪ ،‬يف ثالثة منحنيات ‪ ،‬وينتهي عند الركن املقابل عند حبرية‬
‫صناعية صغريه ومنتزه ‪ .‬وعند املنتص ‪ ،‬يصبح هذا الطري أعرض كثرياً ‪،‬‬
‫وليكون هو وشار آخر عريض ‪ ،‬يؤدي إىل اجلنوب ومتعامد عليه ‪ ،‬امليدان‬
‫الرئيسي للقرنة ‪.‬‬
‫وينتظم من حول امليدان املسجد ‪ ،‬واخلان ‪ ،‬و قاعة القرية ‪ ،‬واملسرح ‪ ،‬وقاعة‬
‫املعرض الدائم ‪ .‬أما املباين العامة األخرى فكانت أكثر بعداً من املركز ؛‬
‫فمدرسة الب نني االبتدائية مثالً تقع جبوار املنتزه عند الطرف الشمايل الغريب‬
‫لتصيد النسيم الشمايل الشرقي‬
‫للطري الرئيسي ‪ ،‬حيث اجلو لطي هادئ ( ّ‬
‫السائد يف جيزة املنتزه ) ‪ .‬أما مدرسة البنات فتشغل موقعاً مماثالً ولكنه ابجتاه‬
‫أكثر نوعاً إىل الشرق ‪ .‬ووضعت مدرسة الصنايع جبوار السوق ‪ ،‬وسبب ذلك‬
‫يف جزء منه هو تشجيع مبيعاهتا ويف جزء آخر أن أد الصباغني يصرفون ماء‬
‫خملفاهتم يف مصرف جماور ‪.‬‬
‫وهناك شارعان رئيسيان آخران ينحنيان بعيداً يف هاللني ‪ ،‬واحد من كل طرف‬
‫من اجلزء األوسط من الطري الرئيسي ‪ ،‬حبيث يشكالن طري ًقا رئيسياً ملتوايً‬
‫مشاهباً يربط ركن القرية الشمايل الشرقي ابلركن الغريب ‪ .‬وعلى هذا الطري‬
‫جنوابً هناك الكنيسة القبطية الصغرية ‪ ،‬ويف الشمال احلمام الرتكي ‪ ،‬ونقطة‬
‫البوليس ‪ ،‬واملستوص‬
‫والرسم التخطيطي للشوار الرئيسية هكذا كان يفصل ما بني (( األحياء ))‬
‫األربعة للقرية ‪ .‬وكل حي من هذه األحياء يتم فيه إسكان أحدى اجملموعات‬
‫القبلية الرئيسية للقرية القدمية ‪ .‬وجيب أن أوضح هنا أنه إىل جانب جتميع‬
‫العائالت يف بدانت فإن هناك جتميعاً اكرب يف قبائل أو عشائر ؛ ويف القرية‬
‫القدمية كانت اجملموعات القبلية اخلمس اليت يتكون منها السكان تعيش يف‬
‫أربعة جنو متميزة متاماً ‪ .‬وقد خططت يف القرية اجلديدة لإلبقاء على هذا‬
‫التمايز الفيزايئي بتسكني اجملموعات القبلية يف األحياء األربعة احملددة حتدداً‬
‫واضحاً ‪ ،‬واليت خصصت كالتايل ‪:‬‬
‫احلساسنة والعطيات الذين كانوا يعيشون (( العسيلية)) (النجع الذي يقع وسط‬
‫القرنة القدمية ) يتم إسكاهنم وسط القرية اجلديدة ‪ ،‬إىل الشمال من امليدان ‪.‬‬
‫واحلساسنة عشرية قدمية جداً وامسهم مستقى من احلسني ‪ ،‬حفيد النيب ‪ ،‬الذي‬
‫احندروا منه ‪ .‬وبسبب انتمائهم هلذه الساللة ‪ ،‬فإهنم كانوا يوقرون دائماً كالناس‬
‫ورعني عارفني ‪ ,‬ويف ذاك الوقت كان من بينهم الشيخ الطيب ‪ ،‬وهو عجوز‬
‫ديّن جداً تبجله كل املنطقة ‪ .‬وهكذا فقد بدا من املناسب أن جيمع احلساسنة‬
‫من حول األبنية اليت متثل الدين واملعرفة ؛ اجلامع ‪ ،‬واملدرستان االبتدائيتان ‪،‬‬
‫واملركز االجتماعي للنساء امللح ابملستوص ‪ .‬ووضعت العطيات مع‬
‫احلساسنة يف نفس احلي ‪ .‬وهذه القبيلة كانت مرتبطة دائماً ابحلساسنة وتعيش‬
‫معهم يف نفس النجع ابلقرنة القدمية ‪ .‬وامسهم مشت من كلمة العطية ‪ .‬ويشغل‬
‫دائري إىل الشمال من امليدان ‪.‬‬ ‫احلساسنة والعطيات حياً نص‬
‫وإىل اجلنوب من الطري الرئيسي ‪ ،‬يقع حي احلروابت الكبري وهو حيتضن‬
‫نص الدائرة ه ناك ‪ .‬واسم احلروابت يعين أهنم (( حماربون)) ‪ ،‬وقد كانوا حقاً‬
‫مجاعة نشطة تضم أبرز لصوص املقابر ‪ ..‬وهكذا فإن حيهم كان يشمل ساحة‬
‫السوق ‪ ،‬واخلان ‪ ،‬قاعة القرية ‪ ،‬واملسرح ‪ ،‬ومدرسة الصنايع ‪ ،‬وقاعة املعرض ‪،‬‬
‫ونقطة البوليس‪.‬‬
‫والقبيلة الثالثة الغاابت أتخذ امسها من كلمة (( الغابة )) ‪ ،‬وهكذا فإن حيهم‬
‫كان مالصقاً للبحرية الصناعية واملنتزه ‪.‬‬
‫وكان هناك قبيلة رابعة هي البعريات ‪ ،‬وتعيش أساساً يف قرية جماورة هبذا االسم‬
‫‪ ،‬بينما كان عدد قليل من العائالت يعيش يف قرنة مورة ‪ ،‬أحد جنو القرية‬
‫القدمية ‪ ،‬وقد كانوا دائماً جيعلون أنفسهم منعزلني بعض الشيء عن أهل القرنة‬
‫‪ ،‬واحلقيقة أهنم كانوا يتبعون عمدة البعريات ‪ .‬وقد أسكن هؤالء يف أقسى‬
‫الغرب من القرنة اجلديدة ‪ ،‬مفصولني بشار عريض عن ابقي القرية ‪.‬‬
‫وقد قصد يف الشوار العريضة اليت تفصل األحياء أن تكون طرق املرور‬
‫الرئيسية اليت تصل كل املباين العامة وتلتقي يف امليدان ‪ .‬وجعلت هذه الشوار‬
‫بعرض عشرة أمتار على األقل لضمان جودة هتوية وعزل بلوكات املنازل ‪،‬‬
‫وأيضاً لتسهيل احلركة وإلبراز حدود األحياء‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك ‪ ،‬فإن الشوار املوصلة إىل امليادين شبة اخلاصة‬
‫للبدانت املختلفة ‪ ،‬جعلت ضيقة عن عمد ‪ -‬ال أكثر من ستة أمتار يف‬
‫عرضها – لتمد ابلظل واإلحساس ابأللفة ‪ ،‬وهي تتضمن الكثري من الزوااي‬
‫واملنحنيات ‪ ،‬لتصرف الغرابء عن استخدامها كطرق للمرور ؛ وهي يف رسم‬
‫املشرو تبدو متشابكة ‪ ،‬ألنه قد قصد هبا أن تسهل تبادل االتصال بني‬
‫العائالت األعضاء يف البدانت املتجاورة ‪.‬‬
‫ومل أجعل للشوار هذا التخطيط املتعرج جملرد أن تكون طريفة ‪ ،‬أو بسبب‬
‫بعض هيام ابلعصور الوسطى فلو أنين اتبعت ختطيطاً منتظماً كما يف خطوط‬
‫شبكة متعامدة ‪ ،‬ألصبحت البيوت قسراً ذات تصميم منتظم بدورها ‪ .‬والبيوت‬
‫يف الشوار الطويلة املستقيمة ‪ ،‬وحىت يف األقواس ذات السمرتية ‪ ،‬جيب أن‬
‫تكون كلها متماثلة ابلضبط إذا كنا ال نريد للمظهر العام أن يكون فوضى ؛‬
‫على أن العائالت اليت تسكن يف هذه البيوت لن تكون كلها متماثلة‬
‫وفوق ذلك و فإنه مهما كان ختطيط الشبكة املتعامدة مالئماً يف املدن الكبرية‬
‫حيث يكون الشاغل الرئيسي للمخطط هو الوصول إىل السرعة واحلجم‬
‫األمثلني حلركة مرور السيارات ‪ ،‬إال أنه يف القرية الصغرية ‪ ،‬حيث ال حيتمل أن‬
‫ميتلك فالحوها وال حىت دراجة ‪ ،‬يكون مثل هذا النمط منطاً ضاراً بكل أتكيد‬
‫‪ .‬فعندما جتعل قرية صغرية مقسومة بشوارعها يف بلوكات مستطيلة صغرية ‪،‬‬
‫أحدها يتلو اآلخر من غري أي توصيالت فيما بينها ‪ ،‬يكون هذا مبثابة جعلها‬
‫كنو من ثكنات مدنية ‪ ,‬يف حني أن مهمة املهندس املعماري هي أن جيعل‬
‫قريته فاتنة ما أمكن ‪ .‬و أذا كان للمهندس املعماري أن جيد عذراً لغطرسته‬
‫عندما يفرض على أخوانه من البشر ما ينبغي أن سكنوه ‪ ,‬فإن هذا العذر جيب‬
‫أن يكون أنه يف وسعه أن حييطهم ابجلمال ‪ .‬وكم يكون األمر فظاً للغاية لو أن‬
‫مهندساً معمارايً قد أثرى خياله وسط اجلمال يف سيينا أو فريوان ‪ ،‬أو‬
‫كاتدرائيات ويلز ‪ ،‬مث هو يؤدي عمله يف عجلة ويغش عمالءه بشيء يقل عن‬
‫أمجل ما يستطيع خلقه من معمار ‪.‬‬
‫أما املهندس املعماري املصري فعذره أقل ‪ ،‬ذلك أنه جيب أن يكون عارفاً‬
‫بشوار القاهرة القدمية اجلميلة ‪ ،‬فكي يعمل عامداً على زايدة سوء البناء ‪،‬‬
‫األمر الذي حيط اليوم بثقله على مصر ‪ .‬و إمنا ينبغي عليه أن يذهب لرؤية‬
‫شار درب اللبان ببيوته من القرن السابع عشر اليت تؤدي إىل بوابة املسجد‬
‫اليت تتخذ موقعها متاماً يف الزاوية اليت يصنع فيها الشار لفة على شكل حرف‬
‫‪ ، L‬أو ينبغي عليه أن يتمعن اثنية يف جمموعة املساجد واملباين اليت حول ميدان‬
‫صالح الدين ‪ ،‬أو يف دائرة القلعة ذاهتا ‪ .‬وينبغي أن يذهب إىل الشار‬
‫حول املعماري مشكلة صعبة إىل ميزة جديدة ؛ فعندما‬ ‫ّ‬ ‫الدرديري لريى كي‬
‫توجب عليه أن يقيم حجراته العليا املستطيلة من فوق شار مقوس ‪ ،‬فإنه أقام‬
‫كل منها منحرفة احنرافاً بسيطاً فوق طابقها السفلي ‪ ،‬حبيث يربز أحد أطرافها‬
‫أكثر من اآلخر ‪ ،‬وأقامها حممولة على كتيفات من أحجام و أعماق خمتلفة‬
‫حبيث تالءم قدر بروزها ‪ .‬وينبغي عليه أن يتذكر تلك األماكن اليت يشتاق‬
‫لزايرهتا املرة بعد األخرى – قرى ‪ ،‬ومدن أبكملها ‪ ،‬وأحياء ‪ ،‬وميادين ‪،‬‬
‫وشوار – تلك االجنازات النادرة من اجلمال ‪ ،‬والتمدين ‪ ،‬والتحضر ‪ ،‬واليت‬
‫بوجودها يف مكان ما على سطح األرض تدعم من ثقتنا يف املدينة و ترفع من‬
‫تقديران لإلنسانية ‪ ،‬وعليه أن ميضي للعمل يف مهمته اخلاصة بروح مصممي هذه‬
‫االجنازات ‪.‬‬
‫واملهندس املعماري عندما يصمم قرية حيتاج إىل بذل أعظم عناية فنية إذا كان‬
‫له أن خيل توحداً ‪ ،‬وطابعاً ‪ ،‬ومجاالً يقرتب حىت من اجلمال الطبيعي الذي‬
‫خيلقه الفالحون بال وعي يف قراهم اليت منت منواً وئيداً طبيعياً ‪ .‬وليس مما يفيد‬
‫الفالحني وجود سباكة جديدة مثنها فيه اخلسارة لكل ما يبه العني ‪ .‬ولكن ما‬
‫هي القواعد اليت ينبغي أن يطبقها املعماري ‪ ،‬وأي مبادئ يعمل هبا للوصول إىل‬
‫هدفه ؟ من املؤكد أن التأثري السحري الذي ينجم عن هذه التكوينات من‬
‫الروائع املعمارية املعدودة مل يتأت مصادفة ‪ ،‬ولكن هذه القواعد لسوء احلظ لو‬
‫حتظ ومل جتدول ‪ .‬فالتباين احملكوم يف اخلط ‪ ،‬واحلجم ‪ ،‬والشكل واللون ‪،‬‬
‫اجملسم‬
‫والسطح ‪ ،‬والنس املوجود مثالً يف بيازاديال سنيوراي هي املرادف ّ‬
‫لالنتقاالت املقامية املوجودة يف املوسيقى ‪ .‬وهناك متاثيل دقي بني املوسيقى‬
‫والعمارة ‪ ،‬وقوانني اجلمال تتماثل فيهما معاً ‪ .‬وإذا كان البيت املفرد قد يؤل‬
‫حلناً فإن مدينة أبكملها لتشبه السيمفونية ‪ ،‬كما يف ويلز حيث ميادين املدينة‬
‫تتصاعد يف حركة تلو احلركة لتصل إىل الذروة ابلكاتدرائية ‪ .‬على أن املوسيقى‬
‫األصوات والطباق املوسيقي ‪ ،‬ولتجنب األصوات‬ ‫فيها قواعد لتنظيم آتل‬
‫القبيحة وإنتاج أتلي تسر له األذن ‪ ،‬بينما العمارة ينبغي أن يكون اإلحساس‬
‫فيها مبا هو صواب إحساساً حدسياً ‪ .‬وهي يف هذا أكثر شبهاً ابلشعر منها‬
‫ابملوسيقى ‪ .‬ولو أمكن فحسب أن يكون هناك قانون للتألي املعماري لساعد‬
‫ذلك املهندس املعماري على تنظيم ضيائه وظالله ‪ ،‬والكتلة والفضاء ‪،‬‬
‫والسطح البسيط و املزخرف ‪ ،‬حبيث أن التصميم كله يقدم كما ينبغي نفس‬
‫التتايل من النغمات ‪ ،‬والتصعيدات والذروات ‪ ،‬وتبادل الفقرات اهلادئة‬
‫والعنيفة ‪ ،‬مبثل ما تتفتح سيمفونية أبسرها يف يد بتهوفن أو برامز ‪ .‬أما يف غياب‬
‫‪ ،‬فإنه جيب على املهندس املعماري أن يعتمد على‬ ‫أي قوانني راسخة للتألي‬
‫إدراكه اخلاص لينت مشاريع مدن تعطيها االنتقاالت املقامية البصرية تنوعاً‬
‫ومجاالً دائمني من داخل توحد شامل يف التصور ‪ .‬وتصميم كهذا هلو املثال‬
‫الذي خيل ‪ ،‬أو على األقل ي ثْبت ‪ ،‬القواعد اليت مل تكتب بعد للهارمونية‬
‫البصرية ‪.‬‬
‫على أن االنتقاالت املقامية والتباين ليست من عناصر التصميم اليت ميكن‬
‫لصقها مبشرو كاحل أصالً لتضفي عليه احليوية ‪ .‬فما مل يكن التنو يف الشكل‬
‫واحلجم ينبعان مباشرة من احتياجات املباين – وابلتايل من احتياجات ساكنيها‬
‫– فإهنا تصبح جمرد تزويقات زائفة وسوف تفشل حقاً يف هدفها من إمتا العني‬
‫‪.‬‬
‫وإذ ألزمت نفسي يف القرنة أبن أجعل البيوت ختتل يف حجمها حسب مساحة‬
‫البيوت األصلية اليت ستحل حملها حبيث يتم إعدادها يف رقع شىت غري منتظمة‬
‫‪ ،‬وإذ كنت مستعداً لتغيري خطة كل منها لتالءم الناس الذين سيعيشون فيها ‪،‬‬
‫فإين بذلك ضمنت أنين سأفكر مبا ينبغي من حرص بشأن تصميم كل واحد‬
‫منها ‪ ،‬وأجتنب فخ إضافة التنو بال هدف ‪ ،‬وإين سوف أنت قرية يكون‬
‫لالنتقاالت املقامية املعزوفة فيها سبب واضح ألن توجد ‪ .‬وهكذا أخذت على‬
‫عاتق ي حل مشكلة ترتيب عدد كبري من مساكن خمتلفة يف مواقع ذات أشكال‬
‫وزوااي عجيبة ‪ ،‬ومشكلة من هذا النو هلي مشكلة خالقة وتستثري حلوالً أصيلة‬
‫و أمينة ‪ ،‬أما مشكلة إضفاء بعض مجال على تصميم مسب فال ميكن أن ينت‬
‫عنها إال خطة ابهتة غري خملصة ‪ .‬وخطة غري منتظمة تؤدي إىل التباين واألصالة‬
‫يف التصميم ‪ ،‬و إىل اإلاثرة البصرية الدائمة ‪ ،‬وحتول دون بناء تلك الصفوف‬
‫اململة من املساكن املتماثلة واليت كثرياً ما يعد أهنا كل ما يستحقه الفقراء ‪.‬‬

‫مباين اخلدمة العامة ووسائل الرتفيه‬


‫املسجد ‪:‬‬
‫املسجد هو أساساً مكان مغل حلماية املصلني أثناء صالهتم ‪ .‬ويف يوم اجلمعة‬
‫جيب أن حيضر كل فرد إىل الصالة يف املسجد ‪ ،‬حيث يستمع الكل إىل خطبة‬
‫وعظ تتناول موضوعات ذات تنو واسع ‪ ،‬أخالقية أو سياسية وجيب أن يتوجه‬
‫كل املصلني إىل مكة ‪ ،‬وهكذا فإن على املهندس املعماري أن يوفر هلم ذلك ‪،‬‬
‫وعليه فإن توجيه املبىن اندراً ما يتف مع اجتاهات الشوار يف املدينة ‪ ،‬ويف كثري‬
‫من املساجد القدمية يكون يف التحول من ابب الشار وحائطه إىل الداخل‬
‫املوجه إىل مكة ما يفرض مشكلة معمارية شاثقة ‪ ،‬حتل برتتيب مبه للمرات‬
‫واملساحات تكون له فائدة أيضاً يف أن جيعل املرء ينسى أن الشار يف اخلارج‬
‫مباشرة ‪.‬‬
‫ويتجمع املصلون يف ساحة الصالة الرئيسية وهم صفوف طويلة قبالة الشيخ‬
‫بدالً من الصفوف املتعامدة يف الكنائس املسيحية ‪ ( .‬ولتشجيع املواظبة على‬
‫الصالة ‪ ،‬فإنه يقال أن من حيتلون الص األول يستحقون ثواابً أكرب ) ‪ .‬وكل‬
‫صالة يدعى هلا بواسطة املؤذن من قمة املئذنة ؛ ويف املساجد الكبرية قد حيتاج‬
‫األمر إىل تبليغ األذان للمصلني من منصة يف وسط املبىن ‪ .‬وينبغي أن يتطهر‬
‫املصلون قبل الصالة ‪ ،‬وملا كان من يستطيعون االستحمام يف بيوهتم بسهولة هم‬
‫القلة ‪ ،‬فإن املساجد توفر مكاانً وماء لالغتسال ‪.‬‬
‫وأكرب فارق ملحوظ بني املسجد والكنيسة املسيحية هو أن املسجد ليس فيه‬
‫واسطة كاملذبح ‪ ،‬حيث يلتقي الطقس الديين واملعمار يف بؤرة مشرتكة ‪ ،‬وذلك‬
‫ابستثناء جتوي (( القبلة )) يف أحد اجلدران ليدل على اجتاه مكة ‪ ،‬ومنرب على‬
‫مقربة منه حيث ميكن للشيخ أن خيطب ‪ .‬واملسجد خيدم املصلني ‪ ،‬عازالً إايهم‬
‫عن العامل اخلارجي ‪ ،‬عاكساً أفكارهم يف ارتداد من جدرانه البسيطة لريتكز‬
‫اهتمامهم ابهلل ‪ .‬وهلذا السبب فما من صور أو متاثيل – و أقصى ما يكون هو‬
‫آايت قليلة مكتوبة – وليس من حقل قداس ‪ .‬فالرأي هو أن التقرب هلل ال‬
‫يتطلب وسيطاً وال أن يرتجم ابلرموز ‪.‬‬
‫وملا كان تصوير أشكال حية ممنوعاً على الفنانني العرب ‪ ،‬فإهنم قد حولوا كل‬
‫مهارهتم وحساسيتهم إىل جتويد فنهم يف اخلط ؛ ويف املساجد اإلسالمية العظمى‬
‫قد تكون كلمة هللا وحدها هي ما يزين اجلدران ‪ ،‬إال إن هذا اهلدف الثقايف‬
‫الصارم يصبح ميسراً تيسرياً مجيالً برشاقة احلروف ذاهتا ‪ .‬وتضغط احنناءات‬
‫الكتابة العربية وتقيد من داخل افريز حجري ضي حيث تتشابك األحرف مع‬
‫يطوق اجلدار أبمناط ال هناية لتنوعها ‪ ،‬وعندما يتتبعها‬‫نبااتت تقليدية ‪ ،‬حبيث ّ‬
‫املصلي فإنه طول الوقت يرد اثنية إىل كلمة هللا ‪.‬‬
‫وحىت أقيم بناء حبيث يكون له من هذا اجلو الوقور اهلادئ الذي يؤدي إىل‬
‫علي أن أتدبر طريقة يسقط هبا الضوء‬
‫التأمل والصالة يف هدوء ن فإنه كان ّ‬
‫على جدرانه ويتوز يف حجراته ‪ .‬وأان أعتقد أنه حينما يوجد تراث للبناء فإن‬
‫املعمار الديين احمللي سيكون قد منا من داخله حبيث ميثل فكرة أانسه عما هو‬
‫مقدس ‪ ،‬واعتقد أن من الصوب احرتام األشكال احمللية والطابع احمللي واإلبقاء‬
‫عليها – مثلما أبقيت على تراث مصر العليا من وجود سلم خارجي مستقيم‬
‫جريء للمئذنة ‪ ،‬اليت تنتصب هكذا كمنرب سام فوق املسجد ‪.‬‬
‫كان هناك الفناء املفتوح أبشجار معدودة ‪ ،‬وعلى جوانبه األربعة تنفتح إيواانت‬
‫املذاهب األ ربعة يف القرنة ‪ .‬وفيما عدا اإليوان الغريب ‪ ،‬كانت هذه اإليواانت‬
‫مساحات مغطاة ‪ ،‬وقد سقفت بسرب كامل من القباب الصغرية هتيمن عليها‬
‫قبة كبرية جداً تغطي النرب والقبلة يف اإليوان الرئيسي ‪ .‬والقباب حممولة فوق‬
‫عقود ‪ ،‬حبيث ميكن للمصلني أن ينظموا أنفسهم يف صفوف طويلة جداً عرب كل‬
‫عرض املبىن ‪.‬‬
‫أما اإليوان الرابع ‪ ،‬يف اجلانب الغريب من الفناء ‪ ،‬مقابل اجلزء الرئيسي ‪ ،‬فهو‬
‫مسقوف أبقبية متقاطعة ‪ ،‬على شكل شبه املنحرف ‪ .‬واجلدار الشمايل‬
‫للمسجد ابلغ الطول واالمتداد ‪ ،‬يف زاوية ابلنسبة للحائط اجلنويب ‪ ،‬تتجاوز مبا‬
‫له اعتباره اجلسم الرئيسي للمبىن ‪ ،‬حىت حتتوي غرف الوضوء اليت تربز يف اجتاه‬
‫الشمال الشرقي ‪ .‬ومثة إنشاءات معينة أخرى تربز للخارج من اجملمع الرئيسي ؛‬
‫املئذنة بسلمها اخلارجي الطويل املستقيم فوق املدخل األمامي ‪ ،‬وابئكة مقبية‬
‫تستخدم كمضيفة ‪ ،‬وحجرة للشيخ ‪ ،‬وحجرة صغرية للصالة والتأمل يف خلوة‬
‫وحجرة خمزن ‪.‬‬
‫واملصلي له أن خيتار بني مدخلني ‪ .‬فهو إذا كان قد تطهر يدخل من اجلانب‬
‫اجلنويب ‪ .‬مث مير عرب بوابة عالية معقودة أسفل السلم ‪ ،‬إىل فناء أمامي صغري‬
‫ممهد ‪ ،‬له حوض زهور يف منتصفه ‪ ،‬ومير منه إىل الفناء الرئيسي للجامع ‪.‬‬
‫وسوف يرى اإليوان املقيب إىل يساره ؛ و ميكنه بعدها أن يسري إىل ميينه عرب‬
‫الفناء ليدخل اإليوان الرئيسي الذي يقع أسفل القبو األسطواين الكبري ‪ ،‬حىت‬
‫يق حتت القبة الكبرية ‪ ،‬أمام القبلة مباشرة ‪ .‬وإذ ينظر حوله مييناً ويساراً ‪،‬‬
‫فإنه يرى صفوفاً من أعمدة مربعة حتمل عقود تستقر عليها قباب ضحلة ‪.‬‬
‫وتكون القبة الكبرية من فوق رأسه ( وفيما يعرض فإهنا من الطوب احملروق –‬
‫وهي القبة الوحيدة يف القرنة اليت ليست من طوب الل ن ) ‪ .‬واإليواانت كانت‬
‫تقدم منطاً مجيالً رهيفاً من الفراغ والكتلة حيث ال جيد املصلون فيه ما يشغل‬
‫انتباههم عن صالهتم ‪.‬‬
‫أما إذا كان املصلي مل يتطهر ‪ ،‬فإنه يدخل من ابب يؤدي مباشرة إىل غرف‬
‫الوضوء ‪ .‬وهنا سيجد إىل ميينه ممراً يؤدي عرب دورات املياه إىل صفني من‬
‫حجريات االدشاش ‪ ،‬حيث يستطيع االستحمام ابلكامل ‪ ،‬وسوف يرى إىل‬
‫األمام هبواً خمصصاً للوضوء البسيط – غسل الرأس واألذر واألرجل ‪ .‬ويف هذا‬
‫البهو جيري على كل جانب من جانبيه حوض عمي حيمل إىل بعيد املاء الذي‬
‫ينصب من ص من الصنابري على اجلدار بعلو يبلغ ما يقارب الصدر ‪ .‬وأمام‬
‫كل صنبور كتلة حجرية جيلس عليها من يتوضأ ‪ .‬وقد اختذ هذا النظام بعد‬
‫جتارب أجريت ‪ ،‬حيث أنه الوضع الذي يوفر أعظم راحة عندما يغسل الواحد‬
‫رأسه وقدمه ‪.‬‬
‫وبعد االغتسال ‪ ،‬مير املصلي أسفل ممر طويل ‪ ،‬عرب خلوة صغرية للصالة‬
‫والتأمل ‪ ،‬مث عرب ابب املخزن ‪ ،‬ليدور يساراً إىل الساحة الرئيسية للصالة ‪ .‬أو‬
‫هو يستطيع أن يواصل طريقه للداخل من فناء مفتوح مزرو ابلزهور ‪،‬‬
‫ويستطيع أن يدخل منه إىل الفنا ء الرئيسي أبشجار الثالث من شجر الطرفاء ‪،‬‬
‫ليسري عرب بساط كثي من أوراق إبرية إىل داخل اإليوان الرئيسي ‪.‬‬
‫ويدخل الشيخ إىل اجلامع من ابب صغري يف اجلدار الشمايل ‪ ،‬مقابل بيته‬
‫واملضيفة ‪ .‬وقد وفرت له غرفة صغرية يف الركن الشمايل الغريب من املسجد هي‬
‫مبثابة مكتب له ‪ .‬والغرفة تثري االهتمام حيث أهنا غري منتظمة ابلكلية وتتطلب‬
‫استخداماً حاذقاً لكل تنويعات القبو والعقد والقبة حىت ميكن تغطيتها ‪ ،‬وليس‬
‫هلا أي زوااي قائمة ‪ ،‬وما من بعدين متماثلني فيها ‪ ،‬بينما يبدو من ابهبا منظور‬
‫هبي خاد من خالل ص من العقود يف اإليوان يتزايد ضيقاً ابطراد جتاه طرفه‬
‫البعيد ‪.‬‬
‫ومن القسمات األخرى امللحوظة يف املسجد مضيفته ‪ .‬وملا كان معظم الناس‬
‫الذين يصلون إىل قرية غريبة يتوجهون مباشرة إىل اجلامع ‪ ،‬حيث يلتقون‬
‫مبختل القرويني ‪ ،‬ويتبادلون األخبار ‪ ،‬ويرتبون إلقامتهم ‪ ،‬فقد تصورت أن من‬
‫املرغوب فيه توفري ما خيدم هذه العادة ‪ .‬وبنيت إزاء اجلدار الغريب من اخلارج‬
‫ممراً طويالً من فوقه قبو اسطواين ‪ ،‬مفتوح من الشمال ليسمح بدخول النسيم‬
‫البارد وله ابب يؤدي إىل الفناء األمامي ‪ ،‬وهناك توجد مقاعد وجراتن للمياه ‪،‬‬
‫حىت ميكن للزوار أن جيلسوا ويثرثروا يف راحة ‪.‬‬
‫***‬
‫ساحة السوق ‪:‬‬
‫يوم السوق يف القرية هو يوم عطلة بقدر ما هو يوم عمل ‪ .‬وهو يوم النساء‬
‫خباصة ‪ ،‬اليوم الوحيد يف األسبو الذي يتمكن فيه من مغادرة أسر البيت‬
‫للتمتع حبرية السري ‪ ،‬وتضييع الوقت ‪ ،‬والقيل والقال كما يشأن ‪ .‬وأتخذ املرأة‬
‫إىل السوق ما يكون عليها أن تبيعه – رمب ا دجاجة ‪ ،‬أو سلة بيض ‪ ،‬أو زبد ‪ ،‬أو‬
‫ج ن ‪ ،‬وهناك تنسى متاماً راتبة حياهتا اليومية وقيودها ؛ وهي حتول بضاعتها إىل‬
‫نقود مث تنف ابقي يومها الطويل اللذيذ ذي الضجي والغبار ‪ ،‬وهي تتخري من‬
‫السلع املبيعة ‪ ،‬وتتحسس األقمشة وبواقي املعروضات ‪ ،‬وتقدر نوعية البهار ‪،‬‬
‫واحلبوب ‪ ،‬والبقول واخلضروات قبل أن تشرتي بقالتها لألسبو ‪ .‬وهي فوق‬
‫كل شيء حتيا يف اجملتمع وحتس أهنا جزء من العامل ‪ .‬وها هنا فإن احملبطات‬
‫القدمية جملتمعها ترتاخى حبكم التقاليد القدمية ‪ ،‬ويباح هلا أن تكون عضواً من‬
‫اجلمهور بدالً من أن تكون عضواً من األسرة ‪.‬‬
‫أما رجاهلا فلهم سلوك خمتل يوم السوق ‪ .‬فهم ال شأن هلم ابملساومات املبتذلة‬
‫البيع ابلسوق ‪ .‬وإمنا هم يتمتعون مبيزة‬ ‫على اخلضروات امللقاة حول مواق‬
‫التصرف يف بيع حيواانت كبرية مهمة كالبقر ‪ ،‬واحلمري ‪ ،‬واجلمال ‪ ،‬فيجلسون‬
‫طول النهار يف املقهى ‪ ،‬ويساومون يف جدية ‪ ،‬ويقدم العرض والعرض املضاد‬
‫ببطء متعمد كما يف حركات لعبة الشطرن ‪ ،‬بينما مير اليوم يف حديث متحضر‬
‫تقطعه فرتات من سكون له مغزاه ‪ .‬وكما أن غريزة اجلما تتهذب يف اإلنسان‬
‫لتصبح استثارة دائمة رتيبة بدالً من االنفجارات اجلنسية الدورية اليت‬ ‫وختف‬
‫حتدث للحيواانت ‪ ،‬فإنه مياثل ذلك أن االحتياجات التجارية للمدينة يتم‬
‫أداؤها يف تعامل جتاري اثبت بال لون وال إيقا ‪ ،‬بينما االجتار يف القرية له إيقا‬
‫وموسم مثل كل سائر حياة الفالح ‪ .‬وهذه التفجريات املتقطعة من التعامل‬
‫التجاري ‪ ،‬هي رغم كب متاعبها ‪ ،‬هلا عائدها اهلائل يف أهنا جتعل االجتار نشاط ًا‬
‫اجتماعياً احتفالياً ‪ ،‬يكاد يكون طقساً من الطقوس ‪ ،‬هو شخصي ومثري أبكرب‬
‫اجملهلة اهلادئة يف املدينة ‪ .‬ويف السوق يتم إجراء‬
‫مما أصبحت عليه آلية التجارة ّ‬
‫كل صفقات األسبو يف هذا اليوم الواحد ؟ أنه قلب اقتصاد القرية ‪ ،‬الذي‬
‫ينبض مرة يف األسبو ‪ ،‬وهذا النبض األسبوعي يبني بوضوح احلالة الصحية‬
‫القتصاد القروي ‪ .‬وتتوافد للسوق كل منتجات املنطقة – كل احملاصيل ‪ ،‬كل‬
‫البهائم ‪ ،‬وكل املنتجات احمللية ‪.‬وعدد العمالء يف القرية ال يكفي إلقامة متاجر‬
‫كثرية فيها ؛ و أقصى ما ميكن هو أنه قد يكون مثة متجر واحد يبيع ال ن ‪،‬‬
‫والسكر ‪ ،‬واألرز ‪ ،‬والزيت ‪ ،‬والثقاب – وكلها احتياجات عليها طلب يومي –‬
‫ولكن ما من اتجر عاقل حيتفظ بسلع أخرى ‪ ،‬ألنه لن يبيعها أبداً وسرعان ما‬
‫يصيبه اإلفالس ‪ .‬والقروي ال يستطيع احلصول على احلبوب واخلضر إال يف يوم‬
‫السوق ‪ ،‬وذلك أن كل بوصة مربعة من األرض يف الري ختصص للمحاصيل‬
‫اجملزية ‪ ،‬فال مكان حلدائ منزلية للخضر ‪ ،‬واخلضروات إمنا أتيت من بساتني‬
‫اخلضر قرب املدينة ‪ .‬ويف يوم السوق وحده يستطيع الفالح شراء حيواانت‬
‫جديدة وتستطيع الفالحة شراء مشابكها وإبرها ‪ .‬ويف السوق حيصل الفالح‬
‫وزوجته على القماش واملالبس واألحذية وأدوات التجميل ؛ واملفروشات مثل‬
‫السجاد واألبسطة والبياضات ؛ واألواين واحللل ومواقد الغاز ؛ والفئوس‬
‫واجملاري والسالل ‪ .‬وهناك يف السوق ميكنك أن ترى يف حملة – أو ما يكاد‬
‫يكون حملة ؛ ‪ -‬مدى غىن القرية ‪ ،‬ليس هذا فحسب ‪ ،‬بل وميكنك أيضاً أن‬
‫تتفحص ذوق القرويني يف األمتعة املنزلية ‪.‬‬
‫البيع يف السوق يعطي الدليل على ما أصاب الفالح‬ ‫والتجول خالل مواق‬
‫من تغري يف الذوق ‪ .‬فالسلع الرائجة مل تعد بعد أمجل السلع ‪ .‬وكم من‬
‫منسوجات حملية قد اختفت أمام املنافسة الساحقة ألقمشة املصانع املطبوعة‬
‫املبتذلة ‪ ،‬وكم من مشغوالت تراثية وقورة طردهتا من السوق البضائع‬
‫البالستيكية املبهرجة ! إن املصنوعات احمللية لترتاجع ببساطتها أمام سلع املدينة‬
‫املزخرفة املبهرجة اليت تصنع ابجلملة ؛ وكلما وجدت أداة ما مجيلة مصنوعة يف‬
‫القرية ‪ ،‬سيقال لك أن زمنها قد وىل ومل تعد بعد مما يصنع ‪ ،‬فأي قدرة دفاعية‬
‫ميكن أن تكون لثقافة الفالح اهلشة إزاء اهلجوم الصاخب للصناعة الغربية ؟‬
‫ومع كل ما جيلبه يوم السوق من إاثرة وحيوية كل أسبو يف القرية فإن ساحة‬
‫السوق نفسها يف معظم القرى هي مكان جتاري مبا هو مبتذل وساحات السوق‬
‫يف مصر حكر متتلكه شركات خاصة ‪ ،‬وال ميكن احلصول على رخصة للسوق‬
‫تسور‬
‫إال على ممتلكات هذه الشركة ‪ .‬وعاد ًة فإن قطعة أرض مربعة جرداء ّ‬
‫بسلك شائك ‪ ،‬وتزود ببوابة ‪ ،‬وجاب للضرائب ‪ ،‬وال يكاد يقام شيء لراحة‬
‫الناس الذين يدخلون السوق حمتشدين متدافعني ببضائعهم وحيواانهتم ‪ .‬واندراً‬
‫ما يظلِّّل املوقع من الشمس ‪ ،‬و ال يكون فيه الكثري من املباين الدائمة أو‬
‫مصادر املياه ‪.‬‬
‫وقد خططت لساحة سوق القرنة أهنا ينبغي أن تكون ذات خلفية توفر أكثر‬
‫الوسائل إراحة للسوق األسبوعي ‪ .‬فاحليواانت أتوي إىل مذاود دائمة ‪ ،‬يقام كل‬
‫منها ابالرتفا املناسب للجمل ‪ ،‬أو العنزة ‪ ،‬أو احلمار ‪ ،‬وكلها مظللة أبشجار‬
‫البيع ينبغي أن يوفر هلم ص‬ ‫عديدة توز يف خط منظم ‪ .‬وأصحاب مواق‬
‫من أقيبة ظليلة ينشرون سلعهم من حتتها ‪ ،‬ويكون هناك مقهى ليجلس الرجال‬
‫فيه ‪.‬‬
‫وساحة السوق كما قلت ‪ ،‬حتدد موقعها يف الركن اجلنويب الشرقي من القرية ‪،‬‬
‫مبا يناسب حمطة السكة احلديد ‪ .‬وحىت يدخل املرء إليها من جانب السكة‬
‫احلديد فإنه مير أسفل نصب من بوابة ذات عقدين ‪ ،‬حيث ميكنه أن يتطلع‬
‫مباشرة إىل الطري الواسع جداً املؤدي للبوابة األخرى اليت إىل جانب القرية ‪،‬‬
‫واليت هلا عقد واحد وعلى يسارها برج محام كبري ‪ .‬ويف يوم السوق يكون هذا‬
‫الطري حمط جتارب احلبوب ‪ ،‬الذين ي نشرون أكوام القمح الذهيب بطول الطري‬
‫أسفل مظالت خمططة ‪ .‬وإىل اليمني مباشرة سوف ترى املقهى مسقوفاً بست‬
‫قباب ‪ ،‬وهناك ص من أربعة عشر قبواً عميقاً ميتد بطول اجلدار الشمايل‬
‫الشرقي إىل البوابة األخرى ‪ ،‬حيث توجد مواق البيع فيه ‪ .‬ويف عم كل من‬
‫هذه األقبية جيلس ا لتاجر القرفصاء من فوق مصطبة منخفضة وسط بضائعه‬
‫ليساوم مع حشد النساء من أمامه ‪.‬‬
‫وسرتى إىل يسارك كتلة من األشجار ‪ .‬قد وزعت على مسافات منتظمة‬
‫كالبستان لتظل أكرب مساحة ممكنة ‪ ،‬ومن أسفلها املذاود الطولية ‪ ،‬ولكل منها‬
‫مصدر ماء عند طرفه ‪ ،‬وقد عقل يف كل منها عدد من احليواانت ‪ ،‬وميشي‬
‫الرجال مابني هذه املذاود ويتفحصون البهائم ‪ ،‬بينما ميكن استعراض أحد‬
‫احليواانت املتفوقة ‪ ،‬من مجل أو محار أو بقرة ‪ ،‬أبن ميشي به صاحبه جيئة‬
‫وذهاابً ‪ .‬وملا كانت هذه احليواانت معروضة للبيع ‪ ،‬فإن هناك رسم يدفع عنها‬
‫عند دخوهلا للسوق ؛ أما احليواانت األخرى اليت تقوم فحسب حبمل أصحاهبا‬
‫هم والبضائع إىل السوق ‪ ،‬فإهنا تظل ابخلارج ‪ .‬ووفرت موقفاً للحمري ‪ .‬زرعت‬
‫فيه ابملثل أشجاراً لتوفري الظل وبه مذاود ومصادر مياه ‪ ،‬يف اخلارج مباشرة من‬
‫ساحة السوق ‪ ،‬جبوار السكة احلديد ‪.‬‬
‫املسرح ‪:‬‬
‫اجملتمع الريفي يف مصر ما زال خيتل متاماً عن اجملتمع احلضري ‪ .‬والقرية مازال‬
‫يوجد فيها كل صنوف الفن – كما مثالً يف الفخار ‪ ،‬والنسي ‪ ،‬واألشغال‬
‫املعدنية – ونسي احلياة يف القرية يدخل فيه الكثري من أشكال الرتفيه‬
‫واالحتفاالت اليت تعد جزءاً من الفن الشعيب مثلها مثل الفنون اإلنتاجية ‪.‬‬
‫ففي حفل الزفاف مثالً ‪ ،‬توجد فرقة للموسيقى ومعها راقصة ‪ ،‬بينما أييت شبان‬
‫القرية متبخرتين ليستعرضوا براعتهم يف التحطيب وليتح ّدوا بطل البدنة ‪.‬‬
‫والتحطيب رايضة ترجع وراء زمن الفراعنة ‪ ،‬وما زالت متارس على نطاق واسع‬
‫يف كل ري مصر ‪ .‬وحيثما اجتمع معاً فالحان أو ثالثة يف احلقول ‪ ،‬رمبا حول‬
‫النار يف املساء ‪ ،‬فإن اثنني منهم سيبدآن املباراة بنبوتيهما ‪ .‬ويف املناسبات‬
‫األكثر مجاهريية ‪ ،‬كحفالت الزفاف ‪ ،‬قد يصبح النزال حاداً نوعاً ‪ ،‬وأحياانً‬
‫يصاب املتنازالن ابألذى ‪ .‬على أنه سواء كان هذا النزال خطراً أو آمناً ‪ ،‬فإنه‬
‫كنو من التسلية يكون أفضل للمشاهد والالعب من أي تسلية توفرها املدينة‬
‫‪ .‬فالسينما والراديو ال ميكن أن توفر للمتفرجني هذا اإلحساس ابملشاركة الذي‬
‫يوفره العرض احلي ‪ .‬واملتفرجون ال يستطيعون اإلحساس أبهنم روح متوحدة‬
‫تتطلع كفرد واحد إىل مصري الالعب أو املمثل إال يف املسرح أو عند مشاهدة‬
‫مباراة حقيقية ‪ .‬ونفس هؤالء املتفرجني عندما ينفصلون يف عزلة كل يف منزله ‪،‬‬
‫فإهنم ال يستطيعون مطلقاً الوعي بذاهتم كمجموعة ‪ .‬وحىت يف ظالم دور‬
‫السينما ‪ ،‬فإن القصة تتواصل على الشاشة تواصالً صارماً ‪ ،‬فال تغري أو تعدل‬
‫من سرعتها ونغمتها حسب مزاج املشاهدين أو عددهم ‪ .‬وإذن فلماذا ال يوفر‬
‫للقرنة مسرح دائم ‪ ،‬حيث ميكننا عرض الرقصات واألغاين ‪ ،‬واأللعاب الرايضية‬
‫للحياة اليومية ‪ ،‬وحيث ميكن أيضاً احلفاظ على هذه الفنون كلها مما ينتظرها‬
‫من مصري حمتوم ابالنقراض لو تركت ملواجهة منافسة األفالم والراديو دون‬
‫محاية هلا ‪ .‬فاملسرح مي ّكنها من أن حتصل على خلفية هبية ‪ ،‬وعلى نظارة‬
‫متحمسني ‪ ،‬وسيمكنها فوق كل شيء احلصول على مقر دائم جيعل يف اإلمكان‬
‫إقامة عروض أكثر مما تتيحه حفالت الزفاف العارضة يف حياة القرية‪.‬‬
‫ولست ابلذي يزعم أن املسرح ظاهرة معتادة يف القرى املصرية ‪ ،‬واحلقيقة أن‬
‫‪ .‬على أن املسرح فيما أعتقد‬ ‫مسرح القرنة هو املسرح الوحيد يف الري‬
‫ضروري للقرية مثل ضرورة قاعتها أو املدرسة ‪ ،‬وقد أثبت مسرحنا أمهيته املرة‬
‫بعد األخرى مبا أقيم فيه من عروض ال تنسى ‪ ،‬شدت اخليال ‪ ،‬ال عند القرويني‬
‫أنفسهم فحسب بل وأيضاً خيال السائحني والزوار من األقطار األخرى ‪.‬‬
‫كان املسرح من منط بني اإلغريقي واألليزابيثي ‪ .‬وهو يف شكل شبه منحرف‬
‫غري مسقوف ‪ ،‬تشغل منصة العرض اجلانب الطويل منه ‪ ،‬بينما صفوف‬
‫مدرجات املقاعد حتاذي اجلوانب الثالثة األخرى ‪ ،‬أما الساحة أو األوركسرتا‬
‫ففي وسطه ‪ .‬ومنصة العرض مصطبة حجرية بسيطة يقرب ارتفاعها من ثالثة‬
‫أقدام وعرضها من ‪ 12‬قدماً ‪ ،‬وهي مفتوحة للسماء ‪ ،‬وقد جعلت متتد أماماً‬
‫حبذاء جدار مقدمة املسرح ‪ .‬ويوجد عليها ترتيب اثبت يوفر منظرين اثنني ‪،‬‬
‫أحدمها ملنظر داخلي أو فناء ‪ ،‬واآلخر لشار ‪ ،‬واملنظر الداخلي يشغل معظم‬
‫املنصة ‪ ،‬ويتكون من مدخل يف وسط احلائط اخللفي ‪ ،‬من فوقه شرفة ‪ ،‬ميكن‬
‫الوصول إليها بسلم على يسار املشاهد أو بباب من الكواليس يؤدي إليها‬
‫مباشرة ‪ .‬وهناك أبواب أخرى جانبية ‪ ،‬أحدها إىل يسار املشاهد واألخرى من‬
‫وراء حاجز دائم متعرج إىل ميني املشاهد ‪ .‬وهذا احلاجز ‪ ،‬الذي خيرتقه ابب‬
‫وانفذاتن أقيمت إزاء خطوط املنظور ‪ ،‬يوهم بواجهة على الشار ( ملن له‬
‫خيال طيع ) ‪ .‬وكل مساحة منصة العرض فيما عدا فتحة املقدمة حييط هبا‬
‫جدار ارتفاعه حوايل ‪ 02‬قد ماً ‪.‬‬
‫وعلى كل جانب من مساحة قاعة العرض هذه يوجد دهليز مسقوف بست‬
‫قباب ‪ ،‬يعمل كمدخل ‪ .‬ومساحة الكواليس الكبرية تستخدم كمخزن وكغرفة‬
‫الرتداء مالبس املمثلني ‪.‬‬
‫وأمام منصة العرض ساحة تبلغ ما يقرب من ‪ 19‬قدماً مربعاً ‪ ،‬مفروشة ابلرمال‬
‫‪ ،‬ميكن استخدامها لتمثيليات أو لعروض من مثل مبارايت التحطيب ‪ .‬وميكن‬
‫الوصول إليها مبجموعة من الدرجات على كل جانب من منصة العرض ‪.‬‬
‫واملتفرجون قد هيأ هلم مكاهنم يف ست صفوف من املقاعد احلجرية ‪ ،‬مدرجة‬
‫كما يف املسرح اإلغريقي ‪ ،‬إال أهنا من حول اجلوانب الثالثة للساحة املربعة ‪.‬‬
‫وتسع هذه املقاعد حوايل مخسمائة متفرج ‪ ،‬بينما ميكن أن يق مائتان آخرون‬
‫يف املمر العريض الذي يدور من خل مدرجات املقاعد ‪ .‬وهذا املمر مغطى‬
‫بتعريشة ومسور جبدران حمالة ابملخرمات على كل جانب ‪ ،‬وله من اخلل‬
‫جدار بسيط فيه غرفة آلة عرض لعروض السينما ‪ .‬وعروض التمثيل مل يكن‬
‫فيها ما يشبه مسرحيات املسرح األورويب ‪ .‬فليس هناك نص مكتوب وال منت‬
‫‪ .‬وهناك مدير للمسرح يقرر ترتيب العرض ن وخيطط ألن يدخل املسرح وخيرج‬
‫منه تتال الراقصني ‪ ،‬واملقلدين ‪ ،‬والشعراء ‪ ،‬حبيث تتم رواية قصة متشابكة ‪.‬‬
‫هناك منصة املسرح تنتصب خاوية مظلمة أمام نظارة يثرثرون وقد تكدسوا فوق‬
‫املقاعد احلجرية ووقفوا يف املمرات من خلفها ‪ ،‬حتت مساء ابردة مليئة ابلنجوم ‪.‬‬
‫ويف هدوء ‪ ،‬يسمع من مكان ما خ ل املنصة صوت وحيد يغين ‪ .‬ويتخافت‬
‫احلديث لينتهي وينحين املتفرجون لألمام يف انتباه بينما يزداد الغناء اقرتاابً ‪ ،‬وال‬
‫يظهر ضوء بعد ‪ ،‬بينما يربز املغين ليعرب املنصة ‪ ،‬كشبح قامت متمهل ‪ ،‬يتخذ‬
‫مكانه ببطء وراحة يف أحد األركان ‪ .‬مث إنه حيك ثقاابً فيشعل انراً وضعت هناك‬
‫من قبل ‪ ،‬ويواصل غناءه وقد أعطى ظهره للمتفرجني ‪ ،‬وتفتح انفذة يف الشرفة‬
‫من فوقه ‪ ،‬مث أحد األبواب ‪ ،‬وخترج فتاة لتستمع ‪ .‬وتعل مصباحاً صغرياً جبوار‬
‫الباب ‪ ،‬ومتشي اهلويين وهي هتبط السلم متجه إىل املغىن ‪ ،‬الذي يواصل الغناء‬
‫‪ ،‬دون أن يلحظها ‪ ،‬وتتسلل الفتاة ع ربه ‪ ،‬لتخرج من الباب الذي على واجهة‬
‫الشار ‪ .‬وأييت صدي أو صديقان للمغين وجيلسان حول انره مستمعني ‪.‬‬
‫وأيخذ رجال القبيلة املنافسة يف الدخول ليحتشدوا متجمعني على اجلانب‬
‫اآلخر من املسرح ‪ ،‬حيث يشعلون انراً وحيضرون مغنيهم اخلاص هبم ‪ .‬وتبدأ‬
‫القبيلتان يف التنافس ع لى يد الفتاة يف تبادل تقليدي للتحدايت والسخرايت ‪.‬‬
‫ويغين كل شاعر يف دوره أبيااتً عن منافسه ليلتقطها رفاقه ويرددوهنا مجاعياً ‪ ،‬مث‬
‫جيلسون بعدها وهم يدعون الالمباالة بينما الشاعر اآلخر يؤل إجابة فيها الرد‬
‫على السخرية ‪ .‬وإذ يتبارى املغنيان يف براعة ‪ ،‬فإهنما يتبادالن الرد ابألبيات‬
‫الشعرية عرب املنصة ‪ ،‬ويرتدد الغناء اجلماعي املرة تلو األخرى ‪ ،‬بينما يهز‬
‫الشبان نبابيتهم يف انفعال وزهو ‪ ،‬متحفزين للقتال من أجل الفتاة ‪ .‬مث إهنم‬
‫ينحدرون إىل الساحة واحداً فواحد مث اثنني فاثنني ‪ ،‬وهناك تشعل انر اثلثة ‪ ،‬و‬
‫إذا ترتسم ظالهلم إزاء ضوء النار املرتعش فإهنم يبدءون الضرابت األوىل احلادة‬
‫يف نزاهلم ‪ .‬ويتحل املزيد من الرجال من حوهلم ‪ ،‬على أرجلهم وفوق جيادهم‬
‫ومحريهم ‪ ،‬وعندما ينهزم أحد املقاتلني أو اآلخر حيل رجل آخر مكانه ‪.‬‬
‫وإذ تزيد املباراة سرعة وتشتد اإلاثرة ‪،‬شعل املزيد من النريان ‪ ،‬حىت يصبح‬
‫املسرح كله متواثبا صاخبا يف هليب ستة نريان ‪،‬يكون للنزال ظالله الضخمة‬
‫على اجلدران إذ يقفز الشبان ويتواثبون ‪ .‬وتقعقع النبابيت وتصفر يف اهلواء ‪،‬‬
‫ويردد املتفرجون اثنية صدى صيحات املمثلني ‪ ،‬وكل منهم ينتصب على قدميه‬
‫ويصرخ مؤيداً أبعلى صوته ‪ ،‬واحلقيقة أن املتفرجني ينضمون عادةً إىل القتال ‪،‬‬
‫فيثب الرجال انزلني من مقاعدهم ليحلوا مكان املقاتل املهزوم ‪.‬‬
‫على أن النزال ينتهي ؛ ذلك أن أحد الرجال يش طريقه حمارابً للقمة ‪ ،‬ويهزم‬
‫كل املتحدين ‪ ،‬ويكسب الفتاة وحيمل يف انتصار إىل املنصة ‪ ،‬بينما يتفرق‬
‫اجلمهور – بعضهم إىل املنصة يف أثره ‪ ،‬والبعض يعودون إىل مقاعدهم يف‬
‫النظارة ‪ .‬ويعد حفل الزفاف ‪ ،‬حيث يوضع املنتصر على العرش يف منتص‬
‫املنصة ‪ ،‬ويتجمع املوسيقيون ‪ ،‬وتقام الرقصات وموكب للزفاف كلها يف ضوء‬
‫النريان املرح ‪ ،‬حىت ينفض احلفل يف النهاية ‪ ،‬وإذ تنطفئ النريان واحدة بعد‬
‫األخرى ‪ ،‬ينصرف الضيوف ‪ ،‬وهم يغنون ويرحلون بعيداً ‪ .‬وتظل انر واحدة‬
‫مشتعلة حيث جيل املغين األول ‪ ،‬الذي هزمت قبيلته ‪ ،‬وهو يويل ظهره‬
‫للعروسني ‪ .‬وميتلئ املسرح بنغمات مواله الرقيقة بينما نريانه تذوي لتنطفئ ‪،‬‬
‫ويكون الضوء الوحيد اآلن آتياً من املصباح الوحيد الصغري على الشرفة ‪.‬‬
‫وينهض العريس ‪ ،‬ويقود العروس لرتتقي السالمل ‪ ,‬فتدخل من خالل الباب إىل‬
‫الشرفة ‪ .‬وتنزل املصباح مث تغل الباب وينهض املغين وحيداً يف الظلمة ويهيم‬
‫مبتعداً ببطء ‪ ،‬وتظل أغنيته الشعبية مسموعة لربهة قصرية ‪ ،‬وهي تشحب ‪،‬‬
‫حىت تذوي متاماً ‪ .‬وينتهي العرض ‪.‬‬
‫***‬
‫املدارس ‪:‬‬
‫يف حوايل ذلك الوقت هيأت احلكومة املصرية لنفسها فرصة اندرة يف العمارة ‪.‬‬
‫فقد وضع برانم جديد لبناء املداس لتوفري أربعة آالف مدرسة يف مصر ‪،‬‬
‫معظمها يف القرى ‪ .‬وهكذا فإنه كان ميكن لو وجد أتييد رمسي محاسي ‪،‬املضي‬
‫‪ ،‬لصنع مباين ستصبح يف‬ ‫ابألفكار اجلديدة يف العمارة إىل أقصى أركان الري‬
‫التو جزءاً من حياة الناس اليومية ‪ ،‬فتبدأ عصر هنضة معمارية تتواءم مع عصر‬
‫النهضة الثقافية الذي ستبعثه املدارس اجلديدة ‪.‬‬
‫وإذا كانت مصر ستبدأ ذلك جد متأخرة ابملقارنة ابلبالد األخرى ‪ ،‬فإن هذا‬
‫جيعلها يف وضع يتيح هلا أن تتعلم من خربة كل بالد العامل األخرى يف بناء‬
‫املدارس ‪ .‬ولدى هذه البالد الكثري مما تعلمه ملصر ‪ ،‬ففي اجنلرتا مثالً ‪ ،‬وجد أن‬
‫كل املدارس اليت بنيت قبل ‪ 8111‬ال تفي ابملعايري اليت أرسيت للمدارس‬
‫اجلديدة ما بعد احلرب ‪ .‬ويف أمريكا استمرت الدراسات طيلة سنوات لينت‬
‫ع نها إنشاء مدارس رائعة للغاية يف رحابتها وغىن جتهيزها ‪ .‬فلم يكن لديهم‬
‫نقص يف املشورة الطيبة بشأن بناء املدارس ‪.‬على أن وزارة األشغال العمومية‬
‫أخذت تقيم منطاً موحداً من املدارس يف كل هذه القرى املختلفة ‪ .‬وعرض على‬
‫تصميم لنمط مدرسة موضعها سيكون يف األسكندرية والنوبة – واحدمها تبتعد‬
‫عن األخرى بستمائة ومخسني ميالً ‪ ،‬ولكل منهما مناخ وتلميذ من نو خمتل‬
‫متاماً ‪ .‬وقد كان هناك فيما مضى أسلوب معماري معتاد يسمى (( األمريي )) ‪،‬‬
‫أدخله اخلديو أو األمري لبناء القصور واملباين احلكومية يف البالد ‪ .‬وهذا‬
‫األسلوب الذي اختذه أولئك احلكام األجانب ليميزوا أنفسهم عن املواطنني‬
‫الذين حيتقروهنم ‪ ،‬هو أسلوب ال يزيد يف أحسن أحواله عن أن يكون حماكاة‬
‫زرية للفخامة األوروبية ‪ ،‬ويغرس هذا األسلوب يف القرى الطينية مبصر العليا ‪،‬‬
‫وقد قلّص من مقاييسه من ابب االقتصاد ‪ ،‬وأبرز من موقعه ليؤثر يف الفالحني‬
‫‪ ،‬وهكذا يصبح عامل ختريب بصري مثله كمثل صندوق قمامة يغرس فوق‬
‫حوض للزهور ‪ ،‬ويكون واجهة املدرسة ‪ ،‬وهي جتثم بنوافذها املصطنعة ‪ ،‬ما‬
‫يبشر مبا يف الداخل من حجرات دراسة مستطيلة مليئة ابلرتاب ‪ ،‬وكان يف هذا‬
‫‪ ،‬املشبع ابلروح غري املوائمة اليت أتت من املدينة ‪ ،‬ما يعلن أن املدرسة‬ ‫املوق‬
‫هي األخ التوأم لنقطة الشرطة ‪ ،‬وقبحها اخلالص فيه ما ينبغي أن يؤكد أهنا مما‬
‫ال ميكن قط أن يكون له أدىن عالقة ابلتعليم ‪ .‬وداخلها ميكن أن يكون ملكتب‬
‫للربيد مبثل ما يكون ملدرسة كهذه ‪ .‬وإين ألذكر مبىن كهذا ‪ ،‬كانت إضاءة‬
‫حجرات الدراسة فيه غاية يف السوء رغم توه مشس مصر أقصى توه ‪ ،‬حىت‬
‫مساء ‪.‬‬
‫أنه كان يلزم اإلضاءة ابلنور الكهرابئي من الثامنة صباحاً حىت السابعة ً‬
‫فاألسلوب احلكومي حيكم على قراان ابسم االقتصاد واحلداثة ‪ ،‬أبن يكون فيها‬
‫مدارس تنقصها األولوايت من أدىن وسائل الراحة املتف عليها دولياً ‪.‬‬
‫وقد سقط األسلوب األمريي مبا يستحقه من سوء السمعة ‪ ،‬إال أن الروح اليت‬
‫أهلمته ما زالت مزدهرة ‪ ،‬وها هنا اليوم أسلوب أمريي جديد – تقليد كاحل‬
‫للعمارة الفرنسية احلديثة – ينشر عرب مصر حيث يقوم جيل بعد جيل من‬
‫املهندسني املعماريني مبجاراة النمط السائد ‪ .‬على أنه إذا كان األسلوب‬
‫احلكومي ال عالقة له ابحتياجات التعليم يف البلد ‪ ،‬فإن هذه ال يعين أننا ينبغي‬
‫أن حنتضن دون متحيص أفكار ومعايري املعماريني األجانب حىت ولو كانوا على‬
‫أقصى درجة من التنور ‪ ،‬بل إن أكثر املهندسني املعماريني تنوراً يف بناء املدرسة‬
‫ينتشر بينهم انتشاراً واسعاً طريقة لتناول مشكلة بناء املدرسة هي طريقة مغلوطة‬
‫أساساً ‪ ،‬فاملهندس املعماري يضع يف اعتباره وظيفة املبىن ‪ ،‬ويرصد لتدف حركة‬
‫التالميذ ‪ ،‬ولوترية اليوم الدراسي ‪ ،‬ولعمليات نقل املعرفة يف حجرة الدراسة‬
‫وهو حيسب درجة احلرارة املثلى وشدة اإلضاءة املثلى ‪ ،‬وينظر للمدرسة من‬
‫أول األمر على أهنا مصنع يكرس هو مهارته النسياب تنظيم األطفال فيه ‪.‬‬
‫واألطفال هكذا يتم حقاً تناوهلم برقة ولكنها متاثل رقة تناول اخلنازير يف مصنع‬
‫لتعليبهم ‪ ،‬فينقلون من طور آلخر من أطوار خربهتم التعليمية بكفاءة اتمة من‬
‫اهلواء وعزل الصوت ‪ ،‬ومع هذا فإن‬ ‫حيث اجلو الصحي الناعم ‪ .‬وتك يي‬
‫املهندس املعماري مل يكد حىت يبدأ يف توجيه خطابه ملهمة تصميم املدرسة ‪.‬‬
‫واملهندس املعماري ال يستطيع البدء يف نظر املشكلة احلقيقية لتصميم بناء‬
‫املدرسة إال بعد أن يوفر تلك الشروط امليكانيكية ‪ ،‬اليت ينبغي أن تكون‬
‫مضمنة يف كل مدرسة دون أي سؤال أو نقاش واليت ينبغي أن يتقبلها املهندس‬
‫ّ‬
‫املعماري ‪ ،‬كأدىن حد للقياس عليه ‪ ،‬فوجدها يف املدرسة أمر طبيعي مثل وجود‬
‫السق أو األرضية ‪ .‬واملعماري هنا أشبه بعازف البيانو ‪ .‬الذي ال يستطيع أن‬
‫يبدأ يف تفسري املوسيقي اليت يعزفها إال بعد أن يسيطر على تقنية عزف البيانو ‪.‬‬
‫أما تصميم املدرسة فيجب أن يتناوله املهندس املعماري كما يتناول تصميم‬
‫مسجد أو كنيسة ‪ .‬ألهنا من نفس النوعية من البناء ‪ .‬فاملدرسة إمنا هي لتنمو‬
‫فيها روح األطفال ‪ ،‬جيب أن يكون البناء حبيث يدعوهم إىل التحلي‬

‫وليس إىل التقلص كما يفعل هبم حذاء صيين * ‪ .‬واملهندس املعماري خبطوط‬
‫املصريية املعدودة اليت خيطها‬
‫على لوحة رمسه ‪ ،‬يصدر قرار مبدى ما سيكون للخيال من حدود ‪ ،‬وللعقل من‬
‫سالم ‪ ،‬قرار ابلوضع اإلنساين طيلة أجيال قادمة ‪ .‬وطاملا ظلت مدرسته قائمة ‪،‬‬
‫فإن جدراهنا ونوافذها تظل تتحدث إىل األطفال الصغار يف سنوات عمرهم‬
‫املستهدفة أقصى استهداف ‪ .‬إن عليه واجباً خطرياً أبن خيل من هذا البناء‬
‫مصدراً للحب والتشجيع هلؤالء األطفال ‪ ،‬وجيب أال يد شيئاً يق يف سبيل‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وإذا سرى احلب يف عمل ‪ ،‬فإنه دائماً سوف يبدو ظاهراً ‪ .‬ولو نظر املهندس‬
‫املعماري نظرة حب لكل تفصيل رانياً لألطفال وهم يعيشون ويتعلمون داخل‬
‫جدرانه ‪ ،‬ومتابع إايهم يف عملهم ولعبهم ‪ ،‬ولو نظر إليهم كما هم حقاً وليس‬
‫ككائنات مصغرة للكبار ‪ ،‬فإنه لن ميكنه إال أن يهبهم البناء الذي حينو عليهم ‪.‬‬
‫إن الرجل البالغ العادي ‪ ،‬الذي ضل جلده يزيد مسكاً من حوله لثالثني عاماً‬
‫‪ ،‬ال يكاد يستطيع ختيل األساس اهلش الذي تستقر عليه ثقة الطفل ‪ .‬على أن‬
‫املهندس املعماري للمدرسة جيب أن يرى العامل بعني الطفل ‪ ,‬ليس جملرد أن‬
‫يفهم احتياجات الطفل من احلجم والفراغ ‪ ,‬بل وأكثر من ذلك ‪ ،‬حىت يفهم ما‬
‫يريح الطفل وما يروعه ‪.‬‬
‫إن الطفل منذ حلظة مولدة مث ما يتلوها ‪ ،‬ميارس استنزافاً يومياً لذلك اإلحساس‬
‫ابألمان املطل الذي أحسه ذات مرة – أي ذلك األمان البيولوجي يف الرحم ‪.‬‬
‫وهو تقريباً بدرجة أو أخرى ‪ ,‬يتعلم حسب رعاية والدته له ‪ ,‬كي يعتمد على‬
‫نفسه فيما جياهبه من بيئة معادية ‪ ،‬على أن هذا على أن هذا يتطلب منه وقتاً‬
‫طويالً ‪.‬‬
‫وما زال الكثريون من الرجال البالغني حيسون بقلوهبم تغوص من داخلهم عندما‬
‫يواجهون ظرفاً مناوائً يف حياهتم ‪ ,‬ويتمنون لو عادوا طائرين إىل مالذهم األمني‬
‫يف أحضان أمهاهتم ‪ .‬فكم ينبغي أن يكون أيس الطفل ساحقاً أبكثر عندما‬
‫يالقي عاملاً غري ودود‬
‫إن املهندس املعماري جيب أن يوظ كل مهارته ليجعل حجرة الدراسة حجرة‬
‫تولد الثقة واإلحساس ابألمان كما يفعل البيت الطيب ‪ .‬وهو إن مل يفعل ‪,‬‬
‫فإنه يعوق لذلك أفضل جهد للمريب منذ البداية ‪ .‬وهذا هو السبب يف أن‬
‫املدرسي واملعماريني الذين حياولون التحوط ابلنسبة لتغريات املستقبل يف‬
‫النظرايت الرتبوية فيصممون حجرات دراسية ذات جدران من فواصل متحركة‬
‫ميكن تعديل مكاهنا لتناسب املعاير اجلديدة ‪ ،‬هم بذلك إمنا يناقضون أهدافهم‬
‫ذاهتا ‪ .‬فحجرات الدراسة اليت ال شكل هلا واليت تغري دائما من مظهرها ‪ ،‬أبن‬
‫تقطع فيها احلواجز وأبن يعاد تنظيم أاثثها ‪ ،‬إمنا هي تنت أطفاالً قلقني عصبيني‬
‫‪ .‬إهنا حجرات دراسة بال قسمات ‪ ,‬صفحة بيضاء مثل انفذة عرض أو قاعة‬
‫عرض خاوية ‪ ،‬وال ميكن هلا أن تصبح مألوفة ودودة لألطفال الذين (( يعيشون‬
‫)) فيها ‪ ،‬يف حني أن الرتدد وعدم اليقني اللذين أوحيا هبذا التصني لن يكون‬
‫منهما إال أن خيراب ثقة الطفل بنفسه ‪ ،‬تلك الثقة اليت تنض نضجاً وئيداً ‪ .‬لقد‬
‫استخدمت كلمة (( يعيشون )) عن عمد كامل ‪ ،‬ذلك أن املدرسة اليت يراتدها‬
‫األطفال لساعات معدودة يف النهار ‪ ،‬لتحشي رؤوسهم ابلدروس مث يرسلون إىل‬
‫بيوهتم ‪ ،‬هلي وسيلة تربية خرقاء معوقة ‪ .‬فحجرة الدراسة ينبغي أن تكون بيتاً‬
‫لألطفال ‪ ،‬حيث ميكنهم أن تكون هلم حياهتم اخلاصة هبم ‪ ،‬وهي ليست جمرد‬
‫مكان لتجميعهم معاً حتت أعني املدرس ‪.‬ولننظر مثالً أمر املساحة اليت يوصي‬
‫هبا حلجرة الدراسة ‪ .‬لقد متت دراسة خصائص منو الطفل يف مكان ما وتبني أن‬
‫الطفل بني السادسة والث امنة من عمره حيتاج إىل ثالثة أمتار مربعة من مساحة‬
‫أرضية حجرة الدراسة ‪ .‬وابإلضافة فإن من املفروض أن املدرس الواحد يستطيع‬
‫التعامل مع ثالثني طفالً ‪ ،‬وهكذا فإن حجرة الدراسة الوافية حتتاج إىل تسعني‬
‫مرتاً مربعاً من مساحة األرضية ولكن هذا يعين أن تكون احلجرة من ‪1‬م ×‬
‫‪82‬م ‪ ،‬وهي بذلك تبدو ضخمة كحظرية للسيارات ‪ .‬ولن تبدو أبي حال‬
‫ودودة للطفل و ال جديرة بثقته ‪.‬‬
‫إذن فاحلساب البسيط ال ميد ابحللول الالزمة لتصميم حجرات دراسة مجيلة‬
‫حقاً ‪.‬‬
‫وابلنسبة ألايم دراسيت ‪ ،‬فإين ال أكاد أحتفظ أبي ذكرايت ملدرسيت االبتدائية (‬
‫مدرسة حممد ع لي ) ‪ ،‬اليت صممتها وبنتها وزارة األشغال العمومية ابخلطة‬
‫املعتادة لص حجرات الدراسة املتماثلة هلا ممر من أمامها ‪ .‬وهي هكذا إن مل‬
‫تكن قبيحة ابلفعل ‪ ،‬فإهنا ابلتأكيد بال طابع وحمايدة فنياً ‪.‬‬
‫أما مدرسيت الثانوية – املدرسة اخلديوية – فهي ختتل متاماً ‪ ،‬وإين الحتفظ هلا‬
‫بذكرايت غاية يف احليوية ‪ ،‬والبهجة ‪ ،‬عن أركان هي غري متوقعة ‪ ،‬ومساحات‬
‫مفتوحة ذات شكل عجيب ‪ ،‬وأهباء وحجرات دراسة من كل األشكال‬
‫واألحجام ‪ ،‬وحدائ رائعة ‪ .‬والبد أن وجود املفاجآت املعمارية العارضة قد‬
‫استثار خيال وإدراك الكثري من التالميذ ‪ ،‬وهم وال شك قد تشربوا أيضاً‬
‫مناهجهم التعليمية ‪ ،‬إال أن البناء مل يصمم قط كمدرسة ‪ ،‬لقد كان قصراً قدمياً‬
‫‪.‬‬
‫والقرنة القدمية مل يكن فيها مدرسة ‪ ،‬وحسب الطريقة املعتادة كان على القرية‬
‫أن تنتظر دورها يف برانم بناء املدارس ‪ ،‬لتنال يف النهاية بناء خيلو من أي‬
‫سحر ومبىن حسب الطراز احلكومي احلديث ‪ .‬وقد تصورت أن سيكون من‬
‫حسن التفكري أن أابدر ابلسب ببناء مدرسة – أو ابألحرى مدرستني ‪ ،‬إحدامها‬
‫للبنني واألخرى للبنات – وذلك حسب معايريي اخلاصة يب ‪ .‬فلعل هذا أن‬
‫حيث الوزراء على توفري بعض املدرسني يف سب للحظة ‪،‬‬
‫_________________________________________‬
‫_____________‬

‫* املقصود احلذاء الصيين الذي كانت توضع فيه قدمياً أقدام الفتيات لتظل‬
‫صغرية ‪ ( .‬املرتجم )‬
‫بل ورمبا أصبح ذلك منوذجاً لبناء املدارس ابملنطقة فيما بعد ‪ ،‬وعندما انتهى‬
‫البناءان ‪ ،‬س ّرت هبما الوزارة أميا سرور ؛ فأعجبوا ابلطراز بل وأكثر من ذلك‬
‫فقد أعجبوا ابلتكلفة ‪ .‬وكنت ابلطبع قد بنيتهما بطوب الل ن ‪ ،‬وعندما قمت‬
‫بناء على دعوة الوزارة بتشييد مدرسة أخرى يف فارس ‪ ،‬بلغت ما يقرب من‬
‫ثلث مثن التصميم املعتاد ‪.‬‬
‫وحىت تظل حجرات الدراسة هادئة وخالية من الرتاب ‘ فإهنا وزعت من حول‬
‫أفنية ممهدة ‪ ،‬مبا يشبه إيواانت املدارس التقليدية يف املساجد اليت تطوق الفناء‬
‫األوسط للمسجد ‪ .‬وختطيط التصميم يف عناية – وليس جمرد التخطيط ملساحة‬
‫مفتوحة عارضة فيها حوض زهور – هلو أمر على أقصى درجة من األمهية عند‬
‫تنظيم عدد من البلوكات املنفصلة يف تكوين متماسك ‪ .‬وكثرياً ما حيدث أن‬
‫يكون تصميم كل بلوك وحده تصميماً جيداً ‪ ،‬مع تنظيم حجراته وممراته العديدة‬
‫تنظيماً هبيجاً ‪ ،‬ولكن البلوكات نفسها تكون مبعثرة يف املوقع كيفما اتف وبال‬
‫معىن ‪ ،‬ويرتك األمر للجنايين ليحاول أن يربطها معاً ابلزهور واملمرات ‪ .‬واآلن‬
‫فلو أن املهندس املعماري عامل مساحة الفضاء اخلارجي بني مبانيه بنفس‬
‫االحرتام الذي يعامل به املساحة الداخلية اليت تضمها حجرات ‪ .‬واستخدام‬
‫بوعي البلوكات املختلفة لتضفي شكالً على فضائه ‪ ،‬فإنه لن يضيع أي جزء‬
‫من املوقع ‪ .‬وسوف يساهم كل قدم مربع ‪ ،‬مسقوف أو مفتوح ‪ ،‬يف إعطاء‬
‫املعىن للكيان الكلي ‪ .‬بل إن هذه املساحات املفتوحة ميكن أن حتول إىل‬
‫استخدامات عملية للغاية ؛ فقد يكون يف موقع معني تتجاور فيه املباين ‪ ،‬ما‬
‫يطرح موضعاً للمسرح ‪ ،‬كذلك فإن مستطيالً قد يصبح منه قاعة اجتما ‪ ،‬أو‬
‫قد يثبت أن ابحة ميكن استخدامها كفصل أو كساحة لالجتما يف اهلواء الطل‬
‫‪ .‬ومرة أخرى فإن سلسلة من املساحات املفتوحة تؤدي من حجرة الدراسة إىل‬
‫الشار ‪ ،‬حبيث مير الطفل من خالل رواق إىل ابحة ‪ ،‬فساحة مستطيلة ‪،‬‬
‫فملعب ‪ ،‬وكل منها له طابعه اخلاص ‪ ،‬كل هذا سيعطي الطفل قدراً من‬
‫األحاسيس وهو يف طريقه إىل املدرسة ‪.‬‬
‫عندما أييت األطفال إىل املدرسة ‪ ،‬فإهنم يدخلون فناء صغري تزينه بركة يف‬
‫منتصفه ‪.‬‬
‫وتصميم هذه منقول عن لوحة حائطية يف مقربة رمخري من األسرة الثامنة عشرة ‪،‬‬
‫وهي تشكل حوضاً مربعاً صغرياً حت بطرفه جمموعة من أشجار خنيل سامقة ‪،‬‬
‫غرست ابنتظام لتعطي إحياء ساحراً بشمو فوق كعكة عيد ميالد ‪ ،‬كما تظهر‬
‫ا ملياه من بني سيقاهنا ‪ .‬ويفتح على هذا الفناء قاعة االجتماعات ‪ ،‬ومكاتب‬
‫املدرسة مبا فيها حجرة الناظرة ‪ ،‬وحجرة الطبيب الزائر ‪.‬‬
‫وميشي األطفال يف هدوء من خالل هذا الفناء ‪ ،‬الذي سريحب هبم جبماله ‪ ،‬مث‬
‫ميرون أسفل بوابة بعقد إىل الفناء الرئيسي بني صفني من حجرات الدراسة‬
‫‪.‬وهذا الفناء ممهد حىت ال يكون مرتابً ‪ ،‬وقد غرست األشجار يف منتصفه ‪.‬‬
‫وهناك أربع حجرات للدراسة يف كل جانب ‪ ،‬وكل منها مسقوف بقبة كبرية‬
‫ضحلة ومساحته تقرب من ‪ 922‬قدم مربع ‪ .‬وبسب احلاجة إىل شكل مربع‬
‫جتلس عليه القبة ‪ ،‬فإن املساحة اإلضافية الالزمة تضاف يف شكل إيواانت‬
‫مقببه على جانبني من املربع ‪ .‬ويوفر هذا التنظيم حجرات دراسة واسعة مبا‬
‫يكفي ولكنها تنقسم إىل ثالث مساحات واضحة مميزة ‪ .‬ويف رأي أن هذا النو‬
‫من حجرات الدراسة هو نو عطوف جداً ‪ ،‬ذلك أن الصيب ال حيس بضياعه‬
‫يف حجرة واسعة غري ودودة ‪ ،‬وإمنا هو جيلس دائماً يف مساحة جعلت حسب‬
‫مقاسه هو ‪ .‬وهذه الغرف هي نتاج سعيد للعمل مبادة بناء ابلغة التواضع‬
‫كطوب الل ن ‪ ،‬فهي تفرض قيوداً إنشائية تقسران على أن نبين من األرض إىل‬
‫مبناان ‪ .‬فال ميكننا أن‬ ‫أعلى ‪ ،‬حنن متنبهون طول الوقت إىل مشكلة تسقي‬
‫نضع فحسب لوحاً إمسنتياً من فوق جدراننا لتسقيفها ؛ وإمنا يساهم كل قالب‬
‫ويتحمل مسئولية ما ابلنسبة للشكل النهائي‬ ‫طوب بنصيب ما يف السق‬
‫للفراغ الذي حنيط به ؛ والقيود الطبيعية لتحمل هذه املادة جتعلنا نقسم مساحة‬
‫السق إىل عدة عناصر حسب القياس البشري ‪.‬‬
‫ويف الطرف األقصى من فناء حجرات الدراسة يوجد مسجد املدرسة ‪ ،‬ويف‬
‫الداخل منه يثبت أن أكثر املالمح إاثرة لالهتمام هي اإلضاءة ‪ ،‬وتتوافر هذه‬
‫بواسطة أربع نوافذ صغرية أقيمت مرتفعة يف القبة ‪ ،‬حبيث تتخلل املساحة‬
‫الداخلية كلها إانرة تنتشر متساوية مرحية وهبيجة للغاية ‪ ،‬وإضاءة هادئة هكذا‬
‫جتعل للبناء جواً وقوراً ‪ ،‬وحتث على التأمل يف سالم ‪ .‬وليس هناك وه من نور‬
‫مبهر من نوافذ غري حمجوبة ‪ ،‬وال أي مشاهد للخارج تلهى االنتباه ‪ ،‬وإمنا كما‬
‫يف مسجد القرية الكبري ‪ ،‬فإن هذا املسجد الصغري يرتد أبفكار املصلي إليه هو‬
‫ذاته وحيثه أن يتأمل ‪ .‬ولقد خطر يل وقتها أن هذه هي أحسن طريقة إلضاءة‬
‫حجر الدراسة ‪ .‬واملرء ال يستطيع ‪ ،‬على األقل يف مصر ‪ ،‬أن يتحمل نوراً‬
‫ساطعاً كثرياً ‪ ،‬ولو وضعت نوافذ حجرات الدراسة على مستوى العني ‪ ،‬لتسمح‬
‫ابلضوء اخلارجي املباشر – كل الوه املرتعش الذي ينعكس من الشوار املرتبة‬
‫واجلدران البيضاء املبهرة – فإهنا ستخل أوجه تباين هائلة يف شدة الضوء ‪،‬‬
‫حبيث تصبح القراءة يقيناً مزعجة ‪ .‬إال أن حجرات الدراسة عندما تضاء بنوافذ‬
‫عالية فحسب فإن هذا جيعلها جد منغلقة وقامتة – وحجرة الدراسة ليست‬
‫ابملسجد ‪ .‬على أنه من األفكار الطيبة أن نوفر شيئاً من اخلصوصية يف اخلارج‬
‫يف شكل حديقة صغرية ذات أزهار وحشائش تنمو منخفضة ‪ ،‬وتسمح للتالميذ‬
‫أبن يروهنا من خالل نوافذ منخفضة تقام مبستوى األرضية على الطريقة الياابنية‬
‫‪ .‬وميكن أن جنعل من هذه احلديقة جداراً ال يعكس الضوء ‪ ،‬حبيث تصبح كل‬
‫انفذة لوحة حية من نغمات خفيضة ومرحية تنعش األطفال أثناء دروسهم ‪.‬‬
‫وه ذه النوافذ ابالشرتاك مع النوافذ العالية يف القبة ستوفر إضاءة لطيفة متساوية‬
‫‪ ،‬ورمبا لو استخدمنا زجاج نوافذ معش ملون إلمتا األطفال متع ًة أكرب ‪ ،‬فإن‬
‫هذا سينت عنه حجرة دراسة مفعمة ابحليوية والبهجة وإن كانت هادئة ‪ ،‬وهذا‬
‫علي أن أصمم مدرسة أخرى وقد زودت حجرات‬
‫بال شك ما سأفعله لو كان ّ‬
‫الدراسة بنظام بسيط جد فعال لتهوية ‪ .‬ففوق كل غرفة يوجد برج مربع يشبه‬
‫املدخنة به فتحة كبرية تواجه الشمال ‪ .‬وتدخل نسمة الشمال اللطيفة من‬
‫خالل الفتحة ‪ ،‬عالياً خالية من الرتاب ‪ ،‬وتسري ألسفل فوق صفحات من‬
‫فحم مبلل ‪ ،‬جعلت كاحلواجز من داخل املدخنة ‪ .‬وهذا التجهيز ينت عنه‬
‫اخنفاض احلرارة بعشرة درجات مئوية ‪.‬‬
‫***‬
‫احلمام ‪:‬‬
‫يف رغبة حممودة لتشجيع على النظافة بني الفالحني ‪ ،‬قامت احلكومة بتوفري‬
‫محامات عمومية ذات أدشاش يف عدد من القرى ‪ .‬ورغم جودة الفكرة ‪ ,‬إال أن‬
‫هذه األدشاش مل تستخدم عند التطبي ‪ .‬وما زالت تنتصب كنصب تذكارية‬
‫ايئسة ملن أقاموها من حميب صنع اخلري من أصحاب التفكري املدرسي األخرق ‪.‬‬
‫والفالحون مل يستخدموها ألن احلكومة يف املكان األول مل تتوسع يف اإلنفاق‬
‫عليها مبا يكفي لتزويدها ابملاء الساخن ‪ ،‬وال ميكن أ‪ ،‬نلوم أحداً عندما ال يشعر‬
‫ابلتحمس لدش ابرد ‪ .‬واثنياً ‪ ،‬فإن املشرفني كانوا موظفني حكوميني ‪ ،‬ال‬
‫يبالون حىت أبداء عملهم األصلي من احملافظة على نظافة املنشآت ‪ ،‬د عنك‬
‫أن حياولوا جعلها جذابة ‪ ،‬كما أن اإلجراءات البطيئة لروتني احلكومي كثرياً ما‬
‫كانت ترتك احلمامات بدون صابون ‪.‬‬
‫واحلمام العمومي الذي يتخذ موضعه يف بناء غري مشجع‪ ,‬أو يندس بعيداً يف‬
‫شار خلفي ‪ ،‬أو يلح ابملراحيض يف املسجد ‪ ،‬سوف تقل حرارة جاذبيته‬
‫لتصبح يف برودة مائة ‪ ،‬ومل يصبح أبداً املؤسسة االجتماعية اليت ينبغي أن‬
‫يكوهنا ‪ .‬على أن احلمام كان فيما مضى مبثابة املركز ألرقى طبقات اجملتمع يف‬
‫كل مدينة يف مصر ‪.‬‬
‫وعندما غزا انبليون مصر ‪ ،‬كان احلمام أو املغسل الرتكي مؤسسة مزدهرة ‪ .‬وقد‬
‫وصل إال أن يكون مبثابة العنصر املكمل للمسجد ‪ ،‬فهو ييسر ما اعتاده‬
‫املصلون من االغتسال (( األكرب )) صباح اجلمعة ‪ ،‬وهو يعترب من األمهية‬
‫حبيث أصبح بناء احلمام يعد عمل ب ر من أعلى املراتب ‪ .‬ويقول صفوان الثوري‬
‫أنه مهما كان ما ينفقه املؤمن من دراهم فلن يكون ذلك خرياً من (( درهم ))‬
‫ينفقه صاحب محام يف حتسني مؤسسته ‪ .‬ومزااي احلمام الصحية مشهورة مبا‬
‫تستح ‪ ،‬ويشهد عليها اليوم انتشار احلمامات الرتكية يف الكثري من مدن أورواب‬
‫وأمريك ا ‪ .‬ومن املؤكد أنه يف تلك األايم كان كل من حيس أبنة سيصاب مبرض ‪,‬‬
‫يبادر ليسبقه ‪ ،‬فيذهب مباشرًة إىل احلمام ليغتسل حبمام خبار منعش ‪ ،‬ذلك أنه‬
‫كان من املعتقد أن األمراض تنشأ عن قلة إفراز العرق ‪ .‬والعرق الغزير الذي‬
‫حيدثه البخار يفيدك فائدة جلية حىت لقد أصبح لالستحمام أمهية طقس من‬
‫طقوس احلياة ‪ ،‬ومل يكن الشفاء من املرض يعد مكتمالً إال عندما يغتسل‬
‫املريض (( بغسل الصحة )) ‪ ،‬أو محام العافية الذي يؤكد شفاءه ‪.‬‬
‫على أن احلمام فوق ذلك ‪ ،‬هو مكان لالجتما حيث يتبادل الرجال األخبار ‪،‬‬
‫والقيل والقال ‪ ,‬وجيرون الصفقات ويناقشون أمور السياسة يف جو من التنعم‬
‫‪ .‬أما ابلنسبة لنساء فهناك حىت ما هو أكثر ‪ ،‬فلحمام يوفر هلن عذراً للفرار من‬
‫قيد البيت ‪ .‬وعندما كان احلمام عرفاً سائداً ‪ .‬فإنه كان يلعب دوراً مهماً جداً‬
‫يف حياة نساء املدينة الالئى كنا يرتدين أحسن ثياهبن وأغلى حليهن للقيام‬
‫بزاي رهتن األسبوعية هلو ‪ .‬وهناك كن خيرتن العرائس ألبنائهن وأخواهتن ويرت ن‬
‫زجياهتم ‪ ،‬كما أنه يف اليوم الساب مباشرةً ليوم الزفاف نفسه تؤخذ العروس إىل‬
‫احلمام لتمشط وتطيب ‪ ,‬وينت الشعر الزائد ‪ ،‬وتعد حلفل الزفاف ‪.‬‬
‫وينبغي التأكيد على أن احلمام كان مما يستخدمه أي فرد فقرياً كان أم غنياً ‪,‬‬
‫وحىت أوالئك الذين ميتلكون محامات خاصة يف بيوهتن ذاهتا ‪ ,‬فاحلمام كان‬
‫مكاانً عاماً لالجتما ‪ ،‬ومل ينحدر حال احلمام يف املدن إال عندما انتقل‬
‫األغنياء إىل أحياء حديثة مل تزود ابحلمامات ‪ .‬وعندها ‪ ،‬حني أصبح الزابئن‬
‫الوحيدون هم الفقراء ‪ ،‬اخنفض مستوى اخلدمة والنظافة ‪ ،‬واحندر احلمام إىل‬
‫حالته الزرية احلالية – ظل قذر يف األحياء الفقرية مبدننا الكبرية ‪.‬‬
‫وفكرت أنه لو أعيد إدخال احلمام إىل القرية املصرية ‪ ،‬فسوف يثبت يف التو‬
‫أنه مقبول قبوالً أكثر من محامات الدش احلكومية ‪ .‬فاحلمام التقليدي له‬
‫جو و تراث من الرتفه ‪ ،‬وعندما يكون احلمام حتت إشراف مالك خاص‬
‫سينال مراتدوه رعاية أكثر تدقيقاً عما يف محامات الدش ‪ .‬وليس هذا‬
‫فحسب ‪ ،‬ولكنه سيكون أكثر جاذبية ألنه ساخن ‪ .‬ومحام البخار ينظ‬
‫البشرة أنظ كثرياً من الدش البارد ‪ ،‬و إذا مت أيضاً تدليك املرء فإن اجلسم‬
‫كله يسرتخي وينتعش حبيث يصبح احلمام إنعاشاً بدنياً وعقلياً معاً ‪ ،‬ويزول‬
‫التوتر العصيب والقل ‪ ،‬واالنزعاج ‪.‬‬
‫وإذا كان علينا أن نعيد إنشاء احلمام ‪ ،‬فمن الواضح أنه من املستحسن‬
‫عدم تغيري طابعه العام حبيث يظل جذاابً ملن كانوا على معرفة سابقة بقوائده‬
‫‪ .‬وعندما يرغب أحد املرشدين االجتماعيني يف توجيه الناس إىل األمناط‬
‫واألنشطة اليت حيبذها هلم ‪ ،‬فإن أقصى جناح يصل إليه يف ذلك إمنا يكون‬
‫عن طري منشآت من نوح احلمام ‪ .‬وكما أن الطبيعة تنجز مهامها الضرورية‬
‫أبن جتعل منها أمراً ممتعاً ‪ ،‬حىت ليتناقل البشر هم واحليواانت من أجل‬
‫الطع ام ‪ ،‬وتكاثر األنوا ‪ ،‬فإن االجتماعي أو السياسي احلكيم يستخدم‬
‫أيضاً نو من املغرايت اليت ال تقاوم للوصول إىل هدفه بدالً من أن يستخدم‬
‫القهر ‪ .‬واحلمام ‪ ،‬فيما آمل ‪ ،‬سيغري الناس أيضاً ابلدخول يف شبكة أخرى‬
‫من التكامل االجتماعي ويساعد على أن يوفر لكل فرد جمموعة من‬
‫االتصاالت االجتماعية الواسعة املنوعة القوية كما يوفر له يف نفس الوقت‬
‫فرصة لتطهري نفسه من احلشرات ‪.‬‬
‫وأبسط طريقة إلعداد احلمام يف إحدى القرى هي استخدام غالية يوصل‬
‫خبارها إىل حجرة للبخار ‪ ،‬ميكن أن خترج منها مواسري املاء الساخن إىل‬
‫املستحمني يف حجراهتم الفردية ‪ .‬واملغتسل يف محام القرنة يدخل ليدفع‬
‫األجر إىل (( احلماجمي )) عند طاولة على املدخل ‪ ،‬فيعطيه املناش وكيس ًا‬
‫للمالبس القذرة ‪ .‬وهو يدخل بعدها إىل (( املسلخ )) ‪ ،‬أو حجرة خلع‬
‫املالبس‪ ،‬فيخلع مالبسه يف حجرية هناك ‪ .‬مث يناول مالبسه إىل حيث‬
‫تغسل ‪ ،‬ويذهب إىل إحدى حجريات االغتسال وهو هنا ميزج املاء اساخن‬
‫والبارد من احلنفيات يف (( قرنة )) أي وعاء ملزج املاء ‪ ،‬مث جيلس على مقعد‬
‫منخفض بغري سند ليصب على نفسه املاء من‬
‫( طاسة احلمام )) – وهي وعاء صغري تقليدي ‪ ،‬وبعد أن يغتسل مير إىل‬
‫داخل حجرة البخار ‪ ،‬ويبقى هناك زمناً ‪ ،‬ورمبا يتم أيضاً تدليكه ‪ ،‬مث خيرج‬
‫إىل غرفة دافئة ‪ ،‬مث بعدها إىل الطاولة حيث يتلقى مالبسه وقد مت غسلها ‪.‬‬
‫مث هو يذهب إىل إحدى حجريات ارتداء املالبس – اليت تكون معزولة عن‬
‫حجريات خلع املالبس للتأكد من أن املالبس نظيفة حقاً – وإذ يرتدي‬
‫مالبسه فإنه مير إىل حجرة لالسرتاحة ليثرثر مع زمالئه ولعله أيضاً يدخن‬
‫النرجيلة معهم ‪ .‬وهذا املسار يضمن قدر اإلمكان ‪ ،‬أن املالبس القذرة أو‬
‫املصابة ابحلشرات لن تالمس املالبس النظيفة ‪ ،‬ونظام املاء الساخن هذا‬
‫رخيص وعملي ابلنسبة للقرية اليت ال تتحمل تكلفة أدشاش ساخنة ‪.‬‬
‫***‬

‫مضرب الطوب ‪:‬‬


‫كان من الالزم أن يتم بناء القرية بطوب الل ن ؛ وصنع هذا الطوب حرفة ‪،‬‬
‫وهي تتطلب عدة عمليات متمايزة فاملرء ال يغرتف وحسب بعض الطني‬
‫فيشكل كل قالب طوب كما حيتاجه ‪ ،‬فقالب الطوب النمطي يف القرنة له‬
‫حجم وقوام حمدد ‪ ،‬حىت يكون وحدة ميكن االعتماد عليها وميكن إدخاهلا‬
‫يف خطتنا ‪ .‬وحىت تصنع قالب الطوب فإنه يلزمك تربة عادية من املوقع ‪،‬‬
‫ورمل من الصحراء ‪ ،‬وقش وماء ‪ .‬وختلط الرتبة والرمل بنسبة ‪8/1 : 8‬‬
‫ابحلجم ‪ .‬وقد وجدان ابلتجربة أن هذا اخلليط يعطي نتائ طيبة ‪ ،‬وينت عنه‬
‫قالب طوب ال ينكمش انكماشاً ابلغاً ( تنكمش الرتبة النقية عند جفافها مبا‬
‫يصل إىل ‪ 19‬يف املائة ) وهو اقتصادي من حيث القش ‪ .‬فيضاف لكل مرت‬
‫مكعب من ذلك ‪ 92‬رطالً من القش ‪ ،‬وختلط كلها ابملاء ‪ .‬ويرتك اخلليط‬
‫بعدها ليتشرب ويتخمر ملا ال يقل عن مثاين وأربعني ساعة ؛ وينت عن‬
‫التخمر محض اللبنيك الذي جيعل القوالب أمنت وأقل امتصاصاً من القوالب‬
‫اليت تصنع أبسر من ذلك ‪ ،‬بينما خيتلط القش ابلرتبة حيث يكتسب القالب‬
‫جتانساً يف قوامه وهذا أمر جد مرغوب فيه ‪ ،‬وال يتوافر يف القوالب غري‬
‫املخمرة ‪.‬‬
‫***‬
‫وعندما يتخمر خليط الطوب ‪ ،‬حيمل يف سالل إىل مكان صبه حيث‬
‫يستخدم ضارب الطوب قالباً يدوايً صغرياً ‪ ،‬وقالب الصب هذا هو جمرد‬
‫؛ ويضعه ضارب الطوب على األرض ‪،‬‬ ‫إطار مستطيل ال قا له وال سق‬
‫القالب املصبوب ابقياً فوق األرض ‪،‬‬ ‫وميلؤه ابلطني ‪ ،‬مث يرفعه ‪ .‬فيتخل‬
‫اليت تكون منثورة ابلرمل والقش ‪ .‬وهذه الطريقة تعين أن اخلليط ال بد أن‬
‫يكون رطباً جداً ‪ ،‬حبيث ميكن للقالب أن يبعد منزلقاً دون أن حيتاج املرء‬
‫قط إىل أي ضغط ألسفل على الطني ‪ .‬واخلليط الرطب له عدة عيوب ؛‬
‫فقوالب الطوب تنكمش أكثر من الالزم ‪ ،‬حىت أهنا تتشق أحياانً أوتلتوي ‪،‬‬
‫وهي تلتقط أثناء جفافها الكثري من القذر من أسفلها ‪ ،‬حبيث يكون على‬
‫البّناء أن يضيع وقتاً يف تنظي كل قالب طوب قبل رصه ‪ .‬وقد صممت‬
‫آلة ضغط يدوية متكننا من صنع قوالب الطوب ابلضغط ابستخدام خليط‬
‫أج كثرياً ‪ ،‬وهبذا قضينا على هذه العيوب ‪ ،‬وترتك القوالب اليت صبت‬
‫حديثاً لتج يف الشمس ‪ ،‬وتقلب على جنبها بعد ثالثة أايم ‪ ،‬مث تؤخذ إىل‬
‫مكان تشوينها بعد ستة أايم ‪ .‬وهناك حيتفظ هبا ألطول ما ميكن ( كل‬
‫متاماً قبل استخدامها يف البناء ‪ .‬وبناء‬ ‫فيما هو أفضل ) لتج‬ ‫الصي‬
‫القرنة حيتاج إىل قوالب طوب ابملاليني ‪ .‬وإلنتاج القوالب هبذا القدر فإن‬
‫األمر ليتطلب استحداث الوسائل للتأكد من أن يظل اإلنتاج كبرياً وأن تظل‬
‫النوعية جيدة ‪ ،‬ويتطلب أيضاً استحداث الوسائل للتحكم يف تكلفة العمل‬
‫‪ .‬وقد صمم مضرب الطوب عندان هبذا اهلدف ‪ .‬وملا كان إنتاج القوالب‬
‫يشغل دورة ستة أايم ‪ ،‬فقد زود كل فري عمل بستة أحواض للخلط وستة‬
‫مواقع للصب ‪ .‬وكان من الالزم نقل الرتبة الناجتة من تطهريات ترعة‬
‫الفض لية ‪ ،‬ابستخدام عرابت ديكوفيل* ‪ ،‬أما الرمل فمن الصحراء‬
‫ابستخدام شاحنات اللوري ‪ .‬وجيب أن يتم ملء األحواض ابلتناوب ‪ ،‬واحد‬
‫يف كل يوم ‪ ،‬ويرتك ليومني ؛ مث تضرب القوالب ‪ .‬وكل موقع للصب يكون‬
‫كبرياً مبا يتسع لثالثة آالف قالب – النات اليومي احملسوب لفري من أربعة‬
‫رجال – وترص هذه القوالب يف صفوف كل منها من ‪ 10‬قالباً ‪ ،‬وهبذا‬
‫يسهل التأكد من عدد‬
‫_______________________________________‬
‫___________‬

‫* عرابت صغرية للشحن على قضبان حديدية ضيقة ‪ ( .‬املرتجم )‬


‫القوالب املضروبة ‪ .‬وقد مت حساب العدد ‪ 10‬مبالحظة عدد من القوالب‬
‫اليت ال يستطيع الرجل اجلالس رصها جنباً إىل جنب وهو مراتح ‪ ،‬والرجل‬
‫الواحد يستطيع رص ‪ ، 89‬والرجالن يرصان ‪ . 10‬وينتقل‬
‫الفري يف اليوم التايل إىل موقع الصب التايل ‪ ،‬أما يف اليوم التايل ذلك فإن‬
‫على واحد منهم أن يعود اثنية إىل املوقع األول ليضع القوالب على جنبها ‪،‬‬
‫ويف اليوم السادس تنقل القوالب ابلعرابت ‪.‬‬

‫ملء احلوض صب القوالب تقليد القوالب نقل القوالب‬ ‫يوم العمل‬


‫(‪)9‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)8‬‬ ‫‪8‬‬
‫(‪)8‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫(‪)0‬‬ ‫‪0‬‬
)0( )2( )8( )1( 1
)1( )9( )0( )9( 9
)9( )8( )1( )2( 2
)2( )0( )9( )9( 9
)9( )1( )2( )8( 9
)8( )9( )9( )0( 1
)0( )2( )8( )1( 1
)1( )9( )0( )9( 82
)9( )8( )1( )2( 88
)2( )0( )9( )9( 80
‫واحلقيقة أنه كان لدينا مخس فرق عمل ؛ وهكذا كان إمجايل ما لدينا هو‬
‫مخسة أحواض ‪ ،‬مخسة مواقع صب‬
‫ومن الوجهة املثالية فإن مضرب الطوب هكذا ينبغي أن يكون موقعه خارج‬
‫املنطقة املخطط بناؤها ‪ ،‬حبيث ال يلزم أن ينقل عندما حيتاج إىل موقعه ‪.‬‬
‫وفوق ذلك فإنه عندما يكون خارج منطقة البناء ‪ ،‬ميكن اإلبقاء عليه دائماً‬
‫؛ وسوف يكون مفيداً للقرية اليت ستظل دائماً تبين املنازل وترممها ‪ .‬وينبغي‬
‫أيضاً أن يكون املوقع بني قناة متد ابملياه ومصرف يصرفها بعيداً ‪ ،‬وأن يكون‬
‫قريباً من مصادر الرتبة ؛ وإذا مت حفر بركة صناعية ‪ ،‬فإنه يكون قريباً من‬
‫انت تطهريها ‪ .‬أما يف القرنة فقد كنا نعمل يف موقع حمدود ‪ ،‬ومل نتمكن من‬
‫بناء مضرب طوب دائم ‪.‬‬
‫***‬
‫بيت الفالح ‪:‬‬
‫هناك فارق يف النو بني بيت الفالح وبيت ساكن املدينة ‪ .‬فحياة أسرة‬
‫الفالح كلها تعتمد على بقرة أو بقرتني وعلى فدان من األرض أو ما يقرب‬
‫‪ .‬ولو ماتت البقرة أو خاب احملصول ‪ ،‬فإن األسرة جتو حتماً ‪ ،‬ذلك أنه‬
‫أتمني ل ينقذها ‪ ،‬وما من إعاانت و المطابخ حلساء‬ ‫ليس هناك مشرو‬
‫حكومي جماين ‪.‬‬
‫والفارق بني طريقة حياة الفالح وساكن املدينة ينعكس على بيتيهما ‪.‬‬
‫فبينما يقصد ابلبيت يف املدينة أن يكون فحسب مأوى للناس الذين‬
‫يعيشون فيه ‪ ،‬فإن البيوت يف القرية جيب أن حتوي أنواعاً كثرية من املخازن‬
‫الواسعة كما حتوي أيضاً ماشية امللك ‪ .‬واملطبخ يف املدينة هو حجرة صغرية‬
‫فتنتشر منطقة اخلدمة عرب‬ ‫فيها موقد ‪ ،‬وحوض وصنبور ‪ .‬أما يف الري‬
‫البيت كله وبدالً من خزانة صغرية معلقة إىل اجلدار فيها علبتان أو ثالث من‬
‫خبز ‪ ،‬فإن بيت الفالح فيه مقتنيات وخمزوانت تتدىل من‬ ‫الصفيح ورغي‬
‫السق ‪ .‬ومالبس معلقة على قطعة من حبل مشدود عرب الزوااي ‪ ،‬وحبوب‬
‫مكدسة فوق األرضية ‪ ،‬ومقتنيات عجيبة حمشورة يف كوى صغرية تصنع يف‬
‫اجلدران الطينية أو هي توضع متزنة على أفاريز طينية تعمل كأرف ‪ .‬وبدالً‬
‫من نقطة مصدر للكهرابء أو صحيفة صغرية من الكريوسني ‪ ،‬فإن البيت‬
‫يتكدس ابلوقود ؛ حزم احلطب ‪ ،‬وأعواد الذرة ‪ ،‬وحطب القطن ‪ ،‬والروث‬
‫‪ ،‬كلها مكومة إزاء اجلدران أو مكدسة على السطح ‪.‬‬ ‫اجملف‬
‫ومثة دجاجات جتري داخله خارجة بني الرتاب واألطفال ‪ ،‬بل وحىت أبقار‬
‫من داخل البيت نفسه ‪ ،‬حبيث يبدو أشبه حبظرية أيوي إليها بعض الناس‬
‫أكثر مما يبدو كبيت حقيقي لعائلة ‪ .‬والفالح يعيش أقرب ما يكون للعوز‬
‫حىت أنه ال حيتمل أن يهمل أي وجه من وجوه التوفري مهما كان مرهقاً ‪.‬‬
‫وهو جيد يف مجع الوقود ليخبز عيشه اخلاص ألن هذا يوفر له مالليم يف‬
‫األسبو يعيش على اجل ن القريش املصنو من الل ن منزو الدسم ألنه يبيع‬
‫الزبد ليكسب نقوداً ‪ .‬وهو ال يتذوق خضراً خضراء ألن أرضه كلها تزر‬
‫ابحملاصيل اجملزية ‪ ،‬فهو على شفا جماعة حتي به ‪ .‬ورغم أن النيل ال خييب‬
‫أبداً وأن احملصول دائماً أكيد إال أنه يف مصر ‪ ،‬حيث يعيش ستة وعشرون‬
‫فر ًدا على كل ستة فدادين من األرض ‪.‬الزراعية ‪،‬وهذا ال يضمن للفالح‬
‫إال أن يظل يعيش بنفس التغذية غري الكافية مثلما كان عليه يف عامه‬
‫الساب ‪ .‬وهو ألجل أن حيتفظ حىت مبستوى معيشته احلاىل البائس جيب أن‬
‫خيزن كل آخر ورقة وحبة من أي حمصول ميكن أن بيعه و أن يعامل أبقاره يف‬
‫غرية وحنان مثلما يعامل أطفاله – بل و أكثر من ذلك يف احلقيقة ‪ ،‬ذلك‬
‫أنه يقول أنه لو مات له طفل فسيمكنه أن ينجب الكثريين غريه ‪ ،‬ولكن لو‬
‫ماتت بقرة فإنه جيب أن يدفع ليشرتي بدالً منه ‪.‬‬
‫وهكذا فإن علينا أن نوفر يف بيوت القرنة مساحة للتخزين وحظائر كبرية‬
‫للماشية ‪ .‬وقد فكران يف بدائل شىت فالوقود الذي خيتزن عاد ًة يف مصر فوق‬
‫أسطح البيوت كثرياً ما يسبب حرائ مدمرة تنتشر لتحرق قرى أبسرها ‪،‬‬
‫مبواشيها ‪ ،‬وحماصيلها ‪ ،‬وكل ما عليها ‪ .‬وإذن فإنه بدا معقوالً أن ختزن هذه‬
‫املواد سريعة االشتعال ختزيناً آمناً يف مبىن عام كبري ‪ ،‬كما بدا صحياً أبكثر‬
‫أن تكون هناك حظائر ماشية عامة بعيداً متاماً عن البيوت ‪ .‬إال أن الفالحني‬
‫يتأتى أن يظل‬ ‫ما كانوا ليفرتقوا عن حماصيلهم وال عن ماشيتهم ‪ .‬كي‬
‫النساء جيرين طول اليوم يف الشوار العامة إلحضار الوقود وحللب البقر؟‬
‫وإىل جانب ذلك ‪ ،‬فإن البقرة حتتاج إىل رعاية مستمرة ولن تكون سعيدة‬
‫وهي بعيدة عن عائلتها ‪.‬‬
‫وإذن ‪ ،‬فلماذا ال تبعثر البيوت ما بني احلقول ‪ ،‬حبيث يتوافر لكل بيت‬
‫مساحة لكل احتياجاته ؟ ولكن هذا ال يصلح ‪ ،‬ألن املنزل املنعزل الصغري‬
‫ذا احلماية الضعيفة هو مبثابة طعم جد مغز للصوص ‪ ،‬كما أن توفري‬
‫اخلدمات ملنازل مبعثرة سيكون أكثر صعوبة من توفريها لقرية صغرية‬
‫مضمومة ‪.‬‬
‫على حدائ‬ ‫وقد خططت بعدها قرية أخرى تطل فيها املنازل من اخلل‬
‫للخضر حيث يزر فيها الكرنب وأشجار الفاكهة وحيث تسري األبقار إىل‬
‫مذاودها يف البيوت على طول ممرات صغرية جبوار هذه احلدائ ‪ .‬وسوف‬
‫حيتفظ هذا ابجلو الريفي خالل القرية كلها ‪ ،‬كما جيعلها مبثابة مصغر حلديقة‬
‫املدينة – أو هي‬
‫(( حديقة خضروات للقرية )) ‪ .‬على أنه كان علينا يف القرنة أن نكدس‬
‫املباين معاً ألن املوقع كان صغرياً وكان علينا أن نوفر لكل بيت حظرية‬
‫ماشية ومكاانً ملخازنه من داخل املساحة احملدودة املخصصة له ‪ .‬وهلذا‬
‫السبب أيضاً ‪ ،‬كان البد أن تكون كل البيوت من طابقني ‪.‬‬
‫وإيواء املاشية علفها والتعامل مع السباخ وإجياد مكان للوقود ولبقااي‬
‫احملاصيل وللطعام واملتعلقات الشخصية هذه كلها مشاكل جاهبت الفالحني‬
‫لسنوات كثرية ‪ .‬وحلوهلم هلا كثرياً ما تكون حلوالً خرقاء ‪ ،‬وبدائية ‪ ،‬وغاية‬
‫يف عدم املالئمة ‪ ،‬على أننا مازلنا ميكننا التعلم منهم ‪ .‬فيمكننا أحياانً أن‬
‫أنخذ عنهم حملة إجيابية ‪ ،‬كما من أسلوهبم يف جتميع كل اخلدمات من حول‬
‫الفناء ‪ .‬وميكننا أحياانً أن نرى ما جيب أال نفعله ‪ ،‬مثل ختزين احملاصيل‬
‫سريعة االشتعال هي والعل من فوق أسطح بيوت حتتشد متقاربة ‪.‬‬
‫واخلدمات املنزلية – من طهي ‪ ،‬وغسل ‪ ،‬ومراحيض – جتمع من حول‬
‫الفناء املركزي ‪ ،‬الذي يكون له مقعد مفتوح ميكن للعائلة أن أتكل فيه ‪.‬‬
‫والدور األرضي فيه أيضاً غرفة الضيوف وحظائر املاشية ‪ .‬أما الدور العلوي‬
‫فتوجد فيه غرف النوم وخزانة خلزن الوقود ‪ .‬ويتخذ موضع هذه ليكون‬
‫مكاانً مالئماً ابلنسبة ملكان نريان الطهي والفرن ‪ ،‬وإهنا تكون حممية حبرص‬
‫من خطر احلري أبن يرفع من جوانبها ‪ .‬وأبن يكون موقعها حبيث حتتمي من‬
‫خزانة الوقود اليت يف البيت اجملاور بواسطة كتلة غرف النوم ‪.‬‬
‫واالنثروبولوجي الذي يعىن بدراسة اإلنسان ‪ ،‬ينز إىل أن حيدد مراحل تقدم‬
‫اإلنسان حسب ما يستخدمه من األدوات ‪ ،‬وهكذا فإن املدينة ظلت‬
‫ابتداء من العصر احلجري ‪ ،‬ومروراً ابلعصر الربونزي فاحلديدي ‪،‬‬
‫ً‬ ‫تتواصل‬
‫حىت عصر البخار والكهرابء ‪ .‬وميكن للمهندس املعماري أن خيط مقياسه‬
‫املوازي لذلك ‪ ،‬حيث عالمات التدرج تكون حسب وسائل اخلدمات‬
‫املنزلية اليت يستخدمها الرجل – واملرأة ‪ .‬فهو سيلحظ عصر استخدام‬
‫حوض املطبخ ‪ ،‬وعصر السباكة ‪ ،‬وعصر الثالجة ‪ ،‬وهلم جراً ؛ وسريصد‬
‫أيضاً أن معظم الفالحني هم من الوجهة املنزلية يعيشون متخلفني يف العصر‬
‫احلجري ‪.‬‬
‫الفالح أكثر مما‬ ‫وجتهيز املطبخ مبا يساير أقصى املعايري حداثة سيكل‬
‫يكسبه طول حياته كلها ‪ .‬فالثالجة أو املوقد الكهرابئي هلي أبعد من متناول‬
‫موارده بعد الطائرة ‪ .‬بل إن التجهيزات البادية التواضع مثل حوض متني‬
‫للغسيل أو حوض غسل الوجه اخلزيف ‪ ،‬هي ابلنسبة إليه غالية جداً ‪.‬‬
‫وبصرف النظر متاماً عن حقيقة أن القرية ليس فيها كهرابء وال صرف صحي‬
‫‪ ،‬فإن الفالح ال يستطيع حتمل مثن أبسط الضرورات املنزلية كما تبا يف‬
‫احملالت ‪ .‬وإذا كان لبيته أن يكون أكثر إمتاعاً يف احلياة وأكثر سهولة يف‬
‫إدارته ‪ ،‬فإنه جيب ابتكار جتهيزات بسيطة تصنع حملياً وتؤدي نفس املهمة‬
‫اليت تؤديها جتهيزات املدينة الغالية املصنوعة يف املصانع ‪.‬‬
‫والفالح يفتقر إىل أشياء معدودة ‪ ،‬من غريها ال يستطيع حتسني بيته كثرياً‬
‫وأول شيء هو املساحة ؛ والثاين هو القدرة على تنظيم الوحدات املنفصلة‬
‫يف كل ممتع له كفاءته ؛ والثالث هو بعض مواد حيتاج إليها ‪ ،‬ولو مبقادير‬
‫صغرية ‪ ،‬لينف ذ التحسينات يف البيئة احمليطة ‪ .‬فبقليل من اإلمسنت ‪ ،‬مع‬
‫مواسري معدودة ‪ ،‬وكيس جبس ‪ ،‬ميكنه أن يصنع لنفسه فرانً ال ميالء الغرفة‬
‫ماء جارايً ‪ ،‬وبقليل من التخيل ‪،‬‬
‫دخاانً ‪ ،‬ومرحاضاً صحياً ‪ ،‬ونظاماً يوفر له ً‬
‫ميكنه أن يصنع لنفسه مصطبة يرتفع هبا بنريان طهيه بعيداً عن الرتاب ‪.‬‬
‫واإلمسنت واجلبس ال يتواجدان يف القرية ‪ ،‬وإمنا يتواجد الفخار ‪ .‬والقرويون‬
‫يف مصر العليا خيزنون زيتهم ولبنهم ‪ ،‬وماءهم ‪ ،‬يف قدور فخارية غري‬
‫مصقولة يصنعوهنا أبنفسهم ‪ .‬وهي ابلنسبة للماء أداة ممتازة ‪ ،‬ألهنا تربده ‪،‬‬
‫أما ابلنسبة للزيت والل ن فهي ليست كذلك ‪ ،‬ألن هذه املواد تتسرب من‬
‫خالل الفخار وتفسد يف الوسط منه ‪ .‬ولو أمكن فحسب أن يصقل‬
‫القرويون قدورهم ‪ ،‬فإهنا ستكون أدوات معقولة للغاية ‪ .‬ولو كان هلا مادة‬
‫صقل جيدة ميكن حرقها يف درجة منخفضة ‪ ،‬فإننا سنستطيع استخدام فرن‬
‫القرية أيضاً يف صنع فخار مصقول ألغراض كثرية أخرى ‪ .‬فلو أمكن إنتاج‬
‫بالط القاشاين رخيصاً ‪ .‬فإنه سريتفع ارتفاعاً عظيماً مبستوى الرفاهة يف‬
‫البيوت ‪ ،‬وسيمكننا أن نبطن ابلقيشاين أجزاء من اجلدران حبيث يسهل‬
‫غسلها ‪ ،‬وحيثما أمكن للناس مسح القاشاين أو رشة برذاذ من املاء فإن‬
‫ذلك يسهل من العمل املنزيل وجيعل اجلدران أنصع ‪ .‬وينبغي أن نضع‬
‫بالطاتنا القاشانية الناعمة غري النفاذة على جوانب األسرة املبيتة يف احلائط‬
‫‪ ،‬وعلى ظهور املقاعد ‪ ،‬وعلى أرضية مصطبة الطبخ ‪ ،‬ولتبطني األصونة بدالً‬
‫من الطني لذي جيمع احلشرات ‪ .‬وبالط القاشاين سيدخل التباين أيضاً ‪،‬‬
‫حبيث يكون مثة تبادل يف نسي اجلدران بني األسطح امللونة الصلبة الالمعة‬
‫‪ ،‬واخللفية اللينة للطني املطلي ابلبياض ‪ ،‬بل وحىت جسد اإلنسان له سطحه‬
‫اللني – البشرة – وسطحه الصلب – األظافر ؛ وسيكون بالط القاشاين‬
‫كاألظافر لبيت طوب الل ن ‪.‬‬
‫وصناعة القاشاين املزدهرة ستشجع أيضاً من فن التجميل ‪ .‬ويف رشيد‬
‫ودمياط ‪ ،‬حيث كان يتم إنتاج القاشاين فيما مضى ‪ ،‬كان بالطه يستخدم‬
‫استخداماً رائعاً يف جتميل أسفل اجلدران يف البيوت هناك ‪ .‬ولو أصبح بالطنا‬
‫القاشاين رائجاً ‪ ،‬فإنه ميكننا أن جنعل األطفال يرمسونه ونبين مدرسة لرسامية‬
‫يف القرنة ‪.‬‬
‫وصناعة كهذه ينبغي أال يكون ابتداؤها أمراً ابلغ الصعوبة ‪ .‬وقد كان‬
‫املصريون القدماء يصنعون السرياميك إبتقان كامل ؛ ففي قرب زوسر الذي‬
‫ينتمي لألسرة الثالثة ‪ ،‬غطيت اجلدران ببالطات القاشاين الزرقاء ‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫_______________‬
‫* كتب هذا الكتاب يف الستينات ليص ري مصر يف األربعينات قبل أن‬
‫‪ ،‬وقبل موجات اهلجرة النفطية اليت أدت إىل بناء‬ ‫تصل الكهرابء للري‬
‫البيوت اإلمسنتية يف القرى حيث الكثري من األدوات املنزلية الكهرابئية‬
‫احلديثة ‪ ( .‬املرتجم‬
‫وقبور القرنة القدمية مليئة بتماثيل صغرية وجعارين مصنوعة من فخار‬
‫مص قول ‪ .‬ومازال مزيفو اآلاثر لآلن يستطيعون صناعة جعارين مقلدة مثل‬
‫تلك القدمية ‪ ،‬وإن كانوا عادةً حيصلون على مادة صقل جديدة من بنزعها‬
‫ابلصهر من أجزاء من الفخار القدمي ‪ ،‬بدالً من صنع مادة صقل جديدة من‬
‫مواد خام ‪ .‬واملصنوعات املقلدة يبلغ من إتقاهنا ومجال صياغتها ونقشها أهنا‬
‫تبا أبمثان عالية حىت عندما يعرف أهنا حديثة الصنع ‪ .‬والشيخ عمر‬
‫املطاعين واحد من أحسن احلرفيني يف هذا اجملال ‪ ،‬ويف استطاعته أن يبيع‬
‫جعارينه مقابل جنيهني للواحد ‪ .‬وقد طلبت منه أن يساعدين يف تكوين‬
‫مدرسة للفخار املصقول والسرياميك ‪ ،‬على أنه مل يكن هناك ما ميكن أن‬
‫حيثه على التفريط يف أسرار مهنته ‪ .‬ونفوره هذا ‪ ،‬وإن كان فيما حيتمل انشئاً‬
‫عن خوف مفهوم من املنافسة ‪ ،‬إال أنه كان حيبطين أميا إحباط ‪ .‬وكان ينبغي‬
‫أن نبدأ مدرسة ميكن فيها تعليم حرفة الفخارة بطريقة علمية ‪ ،‬وحيث ميكن‬
‫إجراء أحباث على مواد الصقل اليت تصلح عند درجة حرارة األفران احمللية ‪،‬‬
‫كما ينبغي أن حناول تصميم أفران بسيطة ميكن أن تصل إىل درجات حرارة‬
‫أعلى ‪ .‬ومدرسة كهذه سوف تتيح للقرية صناعة ميكن هلا ابلوقت والتجارب‬
‫أن ترسخ بصفة دائمة وتطور من طرقها وأمناطها اخلاصة هبا ‪.‬‬
‫***‬
‫غرفة النوم ‪:‬‬
‫أشكال احلجرات يف البيت تنشأ عن طبيعة مادة البناء ‪ .‬وطوب الل ن تتغري‬
‫خواصه الفيزايئية عندما يصبح جافاً صلباً أو عندما يصبح مبتالً اثنية ‪.‬‬
‫ومثة ختطيط للغرفة يبدو أنه يتالءم متاماً ومعمار طوب الل ن ‪ .‬وهو الغرفة‬
‫مقبية ‪ ،‬مبا يقلد تصميم القاعة‬
‫املربعة ذات القبة ‪ ،‬واليت خترج منها تبييتات ّ‬
‫يف املنزل العريب القدمي ببهوها الوسطى العايل ‪ ،‬وخلوها من األاثث ‪ ،‬ورمبا‬
‫يكون للقاعة انفورة صغرية يف منتصفها ‪ ،‬بينما خترج منها اإليواانت ‪ ،‬وكل‬
‫قد بنيت فيه مقاعده املبيتة ‪ ،‬وبساط القاعة ميتد فوق وسط األرضية ‪،‬‬
‫ومشاايهتا تدور ابألطراف ليسري عليها الناس ‪ .‬وميكن العثور على بيوت من‬
‫هذه يف القاهرة القدمية ‪ ،‬فيها هبوها املميز الوسطى – الدرقاعة – الذي ميتد‬
‫من فناء مفتوح ‪ ،‬والتخطيط كله فيه ما يذكر ببيت عراقي قدمي أو بيوت‬
‫الفسطاط األوىل ‪ ،‬ذات الفناء الوسطى ‪ ،‬واإليواانت على جانبيه ‪ ،‬وقد‬
‫استخدمت هذه اخلطة األساسية يف بيويت اليت بنيتها قبل القرنة ‪،‬‬
‫واستخدمته يف املدرسة ‪ ،‬حلجرات الدراسة ‪ ،‬كما أن كان أيضاً مواتياً وموااتة‬
‫طبيعية جداً للغرف اخلاصة يف القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫املقوس املصنو من طوب الل ن يستمد كل ما فيه من متانة من‬ ‫والسق‬
‫شكله اهلندسي ‪ .‬وحىت جيعل امل رء مادة متواضعة وضعيفة هكذا متتد من‬
‫فوق غرفة ‪ ،‬فإن هذا يتطلب منه عناية خارقة يف تصميم القبو وكرماً ابلغاً يف‬
‫حد األمان الذي يتخذه ‪ .‬واآلن ‪ ،‬فرغم أن القبو هو من أوجه كثرية متني‬
‫ومالئم مبا يكفي ‪ ،‬إال أنه ليس يف متانة القبة ‪ .‬وإذا كان ميكن لبحر قبو‬
‫اسطواين من طوب الل ن أن يصل امتداده للثالثة أمتار ‪ ،‬فإن حبر القبة يصل‬
‫إىل مخسة ‪ .‬فشكل القبة الكروي له كل مزااي الشكل البيضاوي أو مزااي‬
‫احملارات اإلمسنتية احلديثة بتقوسها املزدوج وهي اليت تستخدم اآلن لتغطية‬
‫قاعات املوسيقى ‪ ،‬واهلناجر ‪ ،‬واملدرجات املسقوفة يف كل أورواب وأمريكا ‪.‬‬
‫وأعظم عدو لطوب الل ن هو الرطوبة ‪ .‬وقد يبتل الطني من املطر ‪ ،‬أو‬
‫الندى أو من ظاهرة اجلاذبية الشعرية من األرض ‪ ،‬أو من جمرد الرطوبة اليت‬
‫يف اهلواء ‪ .‬وميكن استخدام أنوا عالج خمتلفة لالحتفاظ جبفاف الطني ‪ ،‬أو‬
‫مبعىن آخر لتطوي آاثر الرطوبة ‪ .‬فيجب منع تسرب املياه من أسفل ‪ ،‬وال‬
‫غىن يف السق عن مدماك مضاد لرطوبة ‪ ،‬بينما ميكن توفري احلماية لقوالب‬
‫الطوب بتلييثه مضادة للماء مصنوعة من تربة مثبتة ابلبيتومني ‪ .‬وما إن تتم‬
‫محاية قوالب الل ن من الرطوبة فإهنا تبقى دائماً أبداً ‪ .‬وهناك أبنية مقببة‬
‫ومقبية وغري حممية متاماً ‪ ،‬يف البجوات وواحة اخلارجة وقد حتملت الرايح‬
‫والعواص الرتابية يف الصحراء طيلة ‪ 8922‬سنة ‪ ،‬وذلك جملرد أهنا ال تصل‬
‫إليها الرطوبة ‪.‬‬
‫أما ابلنسبة للفالح العادي ‪ ،‬الذي يعيش يف مكان رطب ‪ ،‬فإن هذه األنوا‬
‫من احلماية تكلفتها أغلى مما يطيقه أو هي ليست مما يوجد يف متناول يده ‪.‬‬
‫ورغم أن مناخ القرنة جاف جداً ‪ ،‬فقد كنت أود أن تكون املثال احل للقرية‬
‫‪ ،‬الذي ميكن أن تقلد مبانيه أبمان بواسطة أي فالح يف أي مكان يف مصر‬
‫دون أي مساعدة تقنية ‪ .‬وهلذا السبب اخرتت أن يكون حبر القبة ثالثة‬
‫املرت ‪ ،‬مع زايدة مسك اجلدران على كل‬ ‫أمتار وحبر القبو مرتين ونص‬
‫جانب من اإليواانت خبمسة وعشرين سنتيمرتاً ‪ .‬وهذا جيعل البنية قوية جدًا‬
‫‪ ،‬حبيث أنه إذا متت محايتها فحسب مبدماك عادي مضاد للرطوبة وبتلييثة‬
‫بسيطة فإهنا ستتحمل أي جو يف أي مكان ‪.‬‬
‫حجرة كهذه ‪ ،‬بنينا أوالً القبو من فوق اإليوان ‪ .‬مث استخدمنا‬ ‫ولتسقي‬
‫هذا القبو كشدة للعقد الذي جيب أن حيمل القبة من الناحية املفتوحة ‪ .‬ومع‬
‫بناء حلقتني من القوالب من فوقه عند طرفه ‪ ،‬وكان يف هذا ما يكفي لتقويته‬
‫ليتحمل القبة ‪ .‬وعاد ًة ‪ ،‬فإنه بسبب ميل مداميك القبو جتاه اجلدار اخللفي‬
‫‪ ،‬فإن اجلدران احلاملة للقبو جيب أن تنتأ قليالً يف املربع الوسطى ؛ وهكذا‬
‫فإن قمة العقد ينبغي أن تكون حماذية متاماً للجدران لتوفر للقبة شكل مربع‬
‫متقن تستقر من فوقه ‪.‬‬
‫والغرفة تستخدم كالتايل ‪ :‬التبييتة املقبية ‪ ،‬أواإليوان حتتوي على سرير مبين‬
‫مبيت فيها ‪ ،‬مع متسع لالحتفاظ أبشياء من حتته ‪ ،‬وحوض عقرب حلجز‬
‫هذه احلشرات لو حاولت الوصول إىل السرير ‪ .‬ويف مقابل تبييته املضجع‬
‫يوجد قبو آخر صغري من فوق صوان ‪ ،‬وهذا بديل أني للحبل املعتاد الذي‬
‫يعل الفالح عليه مالبسه ومتعلقاته األخرى ‪ .‬وهكذا فإن املنطقة الوسيطة‬
‫حيتفظ هبا خالية من األاثث فتعطي إحساساً ابالتسا والكرامة للغرفة ‪ .‬ويف‬
‫هذا حتسني كبري لغرفة الفالح املعتادة ‪ .‬اليت هي مكان صغري مظلم سيء‬
‫التهوية ‪.‬‬
‫والقروي ليس لديه انفذة ‪ ،‬أو هو عندما تكون لديه واحدة فإنه يعدها‬
‫إعداداً سيئاً للغاية حبيث تكون مصدراً لتيار هوائي ‪ ،‬فيسدها متاماً وحيدث‬
‫‪ .‬أما عندما ينام يف املضجع املبيت يف‬ ‫كوة صغرية عالياً قرب السق‬
‫البيت اجلديد ‪ ،‬وقد دس بعيداً خارج اخلط املمتد من الباب للنافذة ‪ ،‬فإنه‬
‫سيكون مكنوانً متاماً بغري إزعاج من التيارات اهلوائية ‪.‬‬
‫***‬
‫اخلبيز والتدفئة ‪:‬‬
‫فرن اخلبيز موجود يف فناء ابلركن ‪ .‬وهو فرن طيين عادي مما ميكن شراؤه يف‬
‫السوق ‪ .‬ومثة تقليد أبنه عندما ختبز إحدى العائالت فإهنا جيب أن تسمح‬
‫للجريان املباشرين أبن خيبزوا عيشهم يف فرهنا ‪ ،‬وهكذا فإن العائالت ختبز كل‬
‫اثلث يوم فتقتصد يف الوقود ‪.‬‬
‫والشتاء يف مصر ميكن أن يكون ابرداً متاماً ‪ ،‬وهكذا فإن الفالحني ‪.‬‬
‫يستخدمون وسائل شىت لتدفئة بيوهتم‪ .‬وكثرياً ما يكون لديهم فرن خبيز داخل‬
‫حجرة النوم ابإلضافة إىل فرن الفناء ‪ .‬وهلذا الفرن حجم كبري ‪ ,‬يلتهم مساحة‬
‫كبرية من الغرفة ‪ .‬وملا كان بال مدخنة ‪ .‬فإن الدخان يتدف منه ‪ ,‬ويلت حول‬
‫الغرفة ليخرج من الباب ‪ .‬والغرفة من الداخل تكاد تكون من غري أي هتوية‬
‫مالئمة ‪ ،‬وهكذا فإهنا تصبح من الداخل سوداء ابلسناج مما جيعلها قامتة فاسدة‬
‫اهلواء مبا ال حيتمل ‪ .‬وملا كان فرن اخلبيز غري ك ء كأداة للتدفئة ‪ ,‬فإن العائلة‬
‫كلها يكون عليها عادةً أن تنام من فوقه ( ابلطبع بعد أن ينطفئ ) وكثرياً ما‬
‫يؤتى ابألبقار إىل الداخل لتشارك يف الدفء وتضي إليه ‪.‬‬
‫ومنقد الفحم هو إحدى الوسائل األخرى الشائعة للتدفئة ‪ ,‬واليت تستخدم‬
‫خاص ًة عندما ال يكون هناك خبيز فال تشعل نريان الفرن ‪ .‬على أنه أيضاً يعطي‬
‫دفئاً جد قليل وينفث أدخنة أول أكسيد الكربون السامة ‪ .‬ففرن اخلبيز ومنقد‬
‫الفحم كالمها ليس كفئاً ابملرة ‪ ,‬وكالمها خطر على الصحة ‪.‬‬
‫‪ -‬إلجياد وسيلة فعالة ورخيصة لتدفئة ‪ ,‬جيب أن تذهب إىل مكان حيث‬
‫املناخ ابرد حقاً والناس فقراء ‪ ,‬وقد ذهبت هلذا الغرض إىل النمسا ‪,‬‬
‫حيث اكتشفت يف قرى التريول أداة ممتازة لتدفئة والطهي ظل الفالحون‬
‫هناك يستخدموهنا عرب القرون ‪ .‬وهي ما يسمى فرن كاتشل‬
‫‪ Kachelofen‬وهو موقد له من داخله نظام معقد للغاية من‬
‫اء وأماماً لتتيح املزيد من‬
‫الفواصل اليت توجه غازات االحرتاق الساخنة ور ً‬
‫الوقت اليت تشع فيه احلرارة لداخل الغرفة قبل أن هترب الغازات ‪ .‬وبعد‬
‫أن حيرتق الوقود خملفاً قطعاً معدودة من الفحم املتوه ‪ ,‬فإنه ميكن‬
‫إمخاد املوقد إبغالق ابب النريان واملدخنة ‪ ,‬حبيث يواصل بث دفء‬
‫مريح طوال الليل مثلما تفعل قربة املاء الساخن يف السرير ‪ .‬والفرن‬
‫النمساوي مصنو من مواد بسيطة جداً ‪ :‬ففي الداخل بالط من طفل‬
‫حراري ‪ ,‬ومن اخلارج بالط قاشاين لتجميل يسما كاتشل ‪Kachel‬‬
‫هو مما قد أصبح تصميمه وتنفيذه من الفن الفولكلوري املعروف ‪.‬‬
‫وهناك نو آخر أكثر بساطة له جدران رقيقة من حصى كبري مفلطح‬
‫يؤخذ من قا أحد األهنار ويرص يف مالط جريي صاف ‪.‬‬
‫وابلنسبة ملصر فإن حتقي القاعدة اليت يف الفرن النمسوي أبرخص مادة‬
‫ممكنة يبدو كحل واعد أقصى الوعد ملشاكلنا يف التدفئة ‪ .‬وقد وجدة امرأة‬
‫عجوز كانت تصنع أفران القرية العادية للخبيز من الطني ومن فضالت‬
‫احلمري ‪ ,‬وعلمتها أن تصنع املواقد النمساوية من هذه املواد نفسها ‪ .‬وقد‬
‫تعلمتها سريعاً جداً وسرعان ما أمكنها إنتاجها ابلثمن نفسه مثل أفران‬
‫اخلبيز ‪ ,‬وهو ما يقرب من ثالثني قرشاً ‪ .‬وهي حترق أي شيء حىت كناسة‬
‫البيت وفضالت املطبخ ؛ وصممت للعائالت األغىن منطاً يعمل بنقط‬
‫الزيت واملاء ويشتعل مثلما يشتعل الفرن ‪.‬‬
‫وأقيم داخل غرفة النوم إزاء اجلدار ‪ ,‬منط موقد يشتمل على فرن خبيث‬
‫‪ ,‬وابب الفرن يف يف تح للخارج على الفناء ‪ .‬ومثة منط آخر للتدفئة فقط‬
‫ميكن وضعه يف أي مكان ‪ ,‬وصممت البيوت وهلا مداخن يف أنسب األماكن‬
‫حيث ميكن االحتياج ملواقد منساوية حىت إذا ما مت شراؤها ال يبقى إال‬
‫توصيلها هبا ‪.‬‬
‫***‬
‫الطهي ‪:‬‬
‫املرأة الفالحة تطهي عاد ًة فوق انر تقام على األرض ‪ ،‬وهي تقلب الطعام يف‬
‫حلة توضع فوق قالبني من الطوب حييطان ابلنار ‪ .‬وهي تطهي صيفاً يف‬
‫وشتاء داخل البيت ‪ .‬ويكون للنار دخاهنا ‪ ،‬كما يكون الطعام قريب ًا‬
‫ً‬ ‫الفناء ‪،‬‬
‫من األرض فيصبح مرتابً ‪ ،‬وأحياانً متسك النريان بكميات الوقود الكبرية‬
‫اليت حيتفظ هبا على مقربة فتحرق البيت بل وحترق القرية كلها واالستخدام‬
‫ويسود‬
‫الدائم للنريان املفتوحة يف داخل البيت ميلئ البيت برائحة الطبيخ ّ‬
‫منه الوقود املستخدم – أعواد‬ ‫اجلدران ابلسناج ‪ ،‬وهذا عيب يضاع‬
‫حطب القطن اجملففة وأعواد الذرة ‪ ،‬وأي نو من عيدان احلطب أو القش‬
‫ميكن مجعه من احلقول ‪ .‬وهذه املواد تعطي حرارة قليلة ‪ .‬وتشغل قدراً هائالً‬
‫من املساحة ‪ ،‬كما أهنا مادة ممتازة إلنتاج دخان بال نريان ‪.‬‬
‫وكانت مشكلتنا أساساً هي مشكلة إعادة ترتيب نظام الطهي والتخلص من‬
‫الدخان ‪ .‬وأول ما يلزم فعله هو صنع مطبخ دائم ‪ ،‬يتم فيه إعداد وطهي‬
‫وشتاء ‪ .‬واخرتت هلذا غرفة عائلية أو املقعد املفتوح اليت تفتح‬
‫ً‬ ‫الطعام صيفاً‬
‫جنوابً على الفناء واليت متتد منها غرفة النوم ‪ .‬وقد رتبت من قبل أن يتم‬
‫خزن الوقود على السق بطريقة بعيدة عن اخلطر ‪ .‬ووفرت اآلن يف املطبخ‬
‫خزانة كبرية سهلة االستعمال للوقود ‪ ،‬على ميني املوقد وميكن رص الوقود‬
‫فيها من أعالها ‪ ،‬وجيذب للخارج من فتحة يف مستوى األرضية ‪ .‬ومل يتم‬
‫تصميم املوقد نفسه إال بعد مالحظة طويلة ‪ ،‬وحتليل حريص حلركات املرأة‬
‫أثناء الطهي ‪.‬‬
‫وحيث أن القرنة حارة جداً ‪ ،‬فقد كان واضحاً أن من املهم االحتفاظ بوضع‬
‫اجللوس القرفصاء للطهي ‪ ،‬حيث تبني أن هذا الوضع أريح كثرياً من وضع‬
‫الوقوف ‪ .‬وضمنت النريان ابلداخل من موقد دائم له شبكة من طوب‬
‫حراري حتمل احللل ‪ ،‬وله كبود ومدخنة من فوق لتجميع أدخنة الطهي‬
‫وتوجيهها بعيداً واحلقيقية أن النتيجة النهائية كانت متاثل متاماً املوقد املعتاد‬
‫للمطبخ يف الكثري من البالد األوروبية ‪ ،‬وإن كان ارتفاعه قد خفض ليصبح‬
‫ما يقرب من اثنيت عشرة بوصة على أن من املهم أن نالحظ من وجهة‬
‫التصميم الوظيفي ‪ ،‬أنه مل يكن مما يصلح أن خنتصر الطري ‪ ،‬وأن نفرتض‬
‫ببساطة ‪ ،‬دون حتليل لطريقة استخدام الوحدة ‪ ،‬أنه ما دامت املرأة املصرية‬
‫جتلس للطهي ‪ ،‬فإن حل املشكلة يكون ابستخدام نسخة من الوقود‬
‫األورويب ارتفاعاً أقل ‪ .‬فقد يقع املرء يف كل أنوا األخطاء اخلطرية عندما‬
‫يتخذ موقفاً كسوالً هكذا ‪.‬‬
‫وإىل اليسار مباشرًة من املوقد يوجد حوض ‪ ،‬ميد ابملياه من خزان ابلسطح ‪،‬‬
‫من خالل ماسورة ‪ ،‬ويتم تصريفه إىل مرشح حجز للشحوم ‪ ،‬مث إىل بئر‬
‫الصرف احملفور يف الفناء ‪.‬‬
‫يكون إشعال املوقد النمسوي يف غرفة النوم للخبز عليه أمرا‬ ‫ويف الصي‬
‫فوق القدرة على االحتمال ‪ ،‬وهلذا وفرت أيضاً موقداً اثنياً صيفياً خارج‬
‫منطقة املطبخ ‪ ،‬وقد أثبتت هذه املواقد شعبيتها وبراعتها ‪ .‬وحىت عندما كان‬
‫أصحاهبا يستخدمون مواقد الربميوس* فإهنم قد وجدوا أنه من املالئم أن‬
‫يضعوها يف الفرن حتت الكبود ‪ ،‬األمر الذي أهبجين أميا إهباج ‪ ،‬فليس هناك‬
‫ما هو أقبح وأشد وساخة وقذارة من موقد الربميوس يف غرفة النوم وقد‬
‫وضعت عليه حلة ملوثة ابلشحم والسناج جتاور حلافاً ملوانً يف أشد احلاجة‬
‫ألن يغسل‬
‫والتوصل إىل‬
‫ّ‬ ‫( ويبدو بطريقة ما أن االثنني يدعم كل منهما قذارة اآلخر ) ‪،‬‬
‫إخراج احللة من غرفة النوم هلو خطوة طيبة للوصول إىل منزل منس رحيب‬
‫‪ .‬واملطبخ ميكن أن يكون منه حجرة مجيلة ‪ ،‬خاصة عندما تكون أدواته‬
‫مصنوعة حملياً ‪ ،‬أما عندما تكون هذه األدوات يف غري موضعها ‪ ،‬فإهنا‬
‫تصبح مركزاً للقبح يفسد سائر املنزل كله ‪.‬‬
‫***‬
‫اإلمداد ابملياه ‪:‬‬
‫مشكلتنا الرئيسية لتوفري محام ‪ ،‬ودش ‪ ،‬ومغسلة مالبس ‪ ،‬ومرحاض هي‬
‫اإلمداد ابملياه وتصريفها ‪ .‬ولقد مجعت هذه الوحدات متقاربة ‪ ،‬حبيث ميكن‬
‫املياه املتخلفة بسهولة ‪ ،‬ويتم اإلمداد من جرار كبرية مصقولة لتخزين‬ ‫تصري‬
‫املياه على السطح ‪ .‬وجرار التخزين هذه ‪ ،‬اليت يلزم إعادة ملئها ابليد من‬
‫مضخات عمومية قد تبدو كمطلب أدىن درجة من مطلب توفري مياه جارية‬
‫لكل بيت ‪ .‬واحلقيقة أنه مع كل مزااي املياه اجلارية ‪ ،‬فإهنا مما جيب أال يدخل إال‬
‫حبذر وبعد أن يتم النظر بعناية يف أتثريها يف اجملتمع ‪ .‬ففي اهلند ‪ ،‬حيث مت‬
‫إمداد قرى معينة مباء نقي من صنابري يف البيوت ‪ ،‬ظلت البنات يفضلن‬
‫الذهاب إىل النهر ليعدن اثني ًة وقد جل ن فوق رؤوسهن جراراً ثقيلة من املاء‬
‫القذر ‪ .‬ذلك أن جلب املاء كان عذرهن الوحيد للخروج ‪ ،‬وابلتايل فهو‬
‫فرصتهن الوحيدة ألن يراهن شباب قريتهن ‪ .‬والفتاة اليت تبقى يف املطبخ ‪،‬‬
‫لتسحب من املياه من الصنبور لن تتزوج أبداً ‪.‬‬
‫وهكذا فإننا نرى املرة بعد األخرى يف اجملتمع القروي ‪ ،‬سواء يف اهلند أو يف‬
‫أن اإلطار اجلامد للتقاليد اليت تبدو عتيقة إمنا يؤدي إىل خدمة‬ ‫مصر ‪ ،‬كي‬
‫أنوا شىت من األهداف العلمية مبا هو غري متوقع ‪ .‬وإذا أزيل عنصر واحد‬
‫مفيد من عناصر احلياة التقليدية ‪ ،‬فسيكون من واجبنا أن جنعل مكانه عنصراً‬
‫آخر يؤدي نفس الوظيفة االجتماعية ‪ .‬فلو أننا مثالً أزلنا املصدر اجلماعي‬
‫للمياه ‪ ،‬لوجب أن نوفر وسيلة أخرى إلاتحة عقد اخلطوابت – بل ولتسهيل‬
‫تبادل القيل والقال ‪ .‬وقد كان إحياء احلمام أو املغسل الرتكي هو الوسيلة‬
‫علي ‪ ،‬وهو ما انقشت أمره من قبل ‪ .‬وكلما زاد‬
‫البديلة اليت طرحت نفسها ّ‬
‫رسوخ استخدام احلمام بني األمهات يف القرية بغرض تقييم مجال وشخصية‬
‫الفتيات اجلديرات ابالنتخاب وبغرض تقييم مجال وشخصية الفتيات اجلديرات‬
‫ابالنتخاب وبغرض ترتيب الزجيات ‪ ،‬فإن ذلك سيقلل تدرجيياً من أمهية املوكب‬
‫اليومي لذهاب الفتيات إىل النبع‬
‫_________________________________________‬
‫______________‬
‫* طراز موقد شعا استخدامه للطهي يف مصر حىت اخلمسينات ويستخدم‬
‫الكريوسني كوقود ويعرف ابلعامية بوابور اجلاز ( املرتجم )‬
‫كعرض مثري جلذب األزواج وسوف يزيد النفور منه كمهمة شاقة ‪ .‬وهكذا فإنه‬
‫بعد مرور ما يقرب من جيل واحد قد تصبح نساء القرية على استعداد‬
‫الستخدام توصيالت املياه يف منازهلن ‪ .‬على أنه من الصعب ختيل قرية يف‬
‫مصر ختلو من منظر نسائها يف أرديتهن السوداء ‪ ،‬وقد انتص ن كالكلمات ‪،‬‬
‫وكل منهن حتمل جرة مياه‬
‫( البالص ) فوق رأسها بال مباالة‪ ،‬وسيكون من اخلسارة أن نفقد هذا املشهد‬
‫‪ .‬ولكن من يدري ‪ ،‬فلعل االحنناء بدلو على صنبور يف الفناء قد يؤدي أيضاً‬
‫إىل زوال هذا املوكب الفخيم الذي اشتهرت به نساؤان أما يف القرنة ‪ ،‬فقد‬
‫انتصران يف الوقت احلايل على املضخات العامة ؛ فلكل جماورة أو جماورتني‬
‫مضخة يدوية ‪ ،‬تضخ املاء من األعماق أبسفل حيث خيلو من البكترياي الضارة‬
‫‪ .‬واملضخة توجد يف الداخل من غرفة صغرية هلا قبة ‪ ،‬ومزودة مبقاعد من حول‬
‫اجلدار حيث ميكن للنسوة أن جيلسن ويثرثرن وهن ينتظرن دورهن ‪.‬‬
‫واآلابر ونقط مصادر املياه يف كل القرى ويف األحياء الفقرية ابملدن تكون حماطة‬
‫مبستنقع واسع ينجم عن فائض املياه املتدفقة ‪ .‬أما حجرات مضخايت فإن‬
‫أرضيتها ممهدة وهتبط بدرجتني حتت مستوى األرضية للتأكد من عدم تسرب‬
‫املياه لتوحل األرض يف اخلارج ‪ .‬وفائض املياه يتم تصريفه بعيداً من خالل‬
‫مصرف حتت األرض ‪ ،‬يزود بغرفة تفتيش حلفظه خالياً مما قد يؤدي لسده ‪،‬‬
‫وهو يذهب يف النهاية لتغذية أشجار الفاكهة يف امليدان اجملاور ‪ ،‬وهكذا فإن‬
‫وظيفيت نقطة مصدر املياه يتم القيام هبما جيداً ؛ فمن الوجهة العملية سيكون‬
‫هناك الكثري من املياه النقية ‪ ،‬ومن الوجهة االجتماعية ‪ ،‬سيصبح ضخها وسيلة‬
‫هبيجة مرطبة لتمضية الوقت على مهل‬
‫وما أن يؤخذ املاء اثنية إىل البيت ‪ ،‬فإن الفتاة حتمله ألعلى وتفرغه يف اخلزان‬
‫على السطح ‪ .‬وتوجد هناك جرة أو جراتن كبرياتن من جرار قصة علي اباب‬
‫مغروزاتن على السطح وتتصالن معاً مبواسري حديدية جملفنة ‪ .‬ومها توضعان يف‬
‫الظل ‪ ،‬ولكن حيث ميكن أن يلتقيا تياراً من اهلواء ليحفظ املاء ابرداً‪ ،‬ومها‬
‫مصقولتان من الداخل ملنع تسرب املاء ‪ .‬والقدرة غري املصقولة اليت تسمح‬
‫بتسرب املاء من خال ل سطحها اخلارجي ليتبخر ‪ ،‬تربد املاء أكثر ‪ ،‬إال أن املاء‬
‫املفقود أهم من ذلك ‪ ،‬كما أنه ليس من املالئم أن يرتك املاء لينزل للخارج‬
‫ابستمرار فوق السق الطيين ‪ .‬وتوضع القدراتن فوق حجرة احلمام مباشرةً‬
‫ويكون هلما خمرج إىل ماسورة من حديد جملفن خترج من قا واحدة منهما ‪.‬‬
‫وإذا كان هناك حاجة للماء يف مكان آخر فإنه ميد من هذه املاسورة خالل‬
‫مواسري مشاهبة تعل من السق عرب منتص احلجرات ‪ ،‬حبيث لو بدأت هذه‬
‫املواسري يف تسريب نقط للماء فإهنا ستسبب اإلزعاج للعائلة ‪ ،‬فتكون جمربة‬
‫على إصالحها ‪ ،‬أما ‪ ،‬أما املاسورة اليت تنقط على اجلدار فلرمبا تركوها لشهور‬
‫لتواصل ختريب اجلدار واجلص ‪.‬‬
‫ومن املمكن أن يدخل حتسني على هذا النظام أبن يوضع خزان إضايف يف‬
‫الطاب األرضي وتركب مضخة يدوية صغرية مللء قدور السطح ‪،‬وبذلك يتم‬
‫جتنب احلاجة إىل محل قدور املاء ألعلى ‪.‬‬
‫والقرويون عادةً خيزنون املاء يف الفناء يف جرار كبرية غري مصقولة تسمى (( الزير‬
‫)) ‪ ،‬وخيرجون املاء منها الستخدامه بواسطة وعاء صغري أو إانء رقي يسمى ((‬
‫الكوز )) ‪ .‬وهم ميسكون ابلكوز يف يد لصب املاء من فوق طب أو طفل‬
‫ميسكونه ابليد األخرى ‪ .‬ولو أمكن إاتحة صنبور هلم ‪ ،‬فإن كلتا اليدين‬
‫تصبحان حرتني ألداء مهمة الغسيل ‪ ،‬مما جيعل العمل املنزيل أسهل كثرياً ‪.‬‬
‫***‬
‫الغسيل ‪:‬‬
‫معظم النساء املصرايت يغسلن غسيلهن يف الرتعة ‪ ،‬أو إذا كن أغىن قليالً ‪،‬‬
‫فإهنن يغسلن يف حوض كبري هو (( الطست )) ‪ ،‬الذي جزءاً مهماً من‬
‫جهاز العروس ومل يكن يف القرنة ترعة ‪ ،‬وهكذا لزم أن يوفر للبيوت مكان‬
‫للغسيل ‪ .‬وبعد إجراء مالحظات وقياسات حريصة على األفراد الذين‬
‫يقومون فعالً ابلغسيل ‪ ،‬بل ومع حماولة اختاذ أوضا الغسيل بنفسي ‪،‬‬
‫صممت نظاماً بسيطاً من حوض ضحل جدرانه وأرضيته من الطوب املليث‬
‫ابألمسنت ‪ ،‬ومثة حامل دائري يف املركز حلمل الطست ‪ ،‬ومقعد قريب من‬
‫احلامل قرابً مالئماً ‪ ،‬ونقرة مسطحة يف أحد األركان ‪ .‬وهكذا تستطيع املرأة‬
‫أن جتلس إىل احلوض مثلما تعودت أن تفعل وترتك املالبس منقوعة يف نفس‬
‫الوقت يف النقرة ‪ .‬وتصل املياه إليها يف املواسري من قدور السق ‪ ،‬وعندما‬
‫تنهي غسيلها فإهنا ببساطة متيل الطست وتصب املياه يف أرضية احلوض ‪،‬‬
‫ومن هنا تتصرف املياه بعيداً خالل فتحة من أحد األركان إىل بئر حمفور‬
‫للصرف ‪.‬‬
‫وحوض الغسيل نفسه ميكن استخدامه الغتسال األطفال وحلجرة احلمام ‪.‬‬
‫واحلقيقة أين وضعت األحواض األوىل يف زاوية من الفناء ‪ ،‬حيث يقوم‬
‫النسوة عاد ًة ابلغسيل ‪ ،‬ولكنين يف التصميمات الالحقة نقلت أحواض‬
‫الغسيل إىل حجرة احلمام األصلية ؛ ويستطيع املستحم أن جيلس على‬
‫احلامل املركزي ‪ ،‬ويقوم يف الشتاء مبزج مائه الساخن والبارد يف النقرة ‪ ،‬أو‬
‫هو يف الصي يستخدم دشاً ابرداً مثبتاً فوق رأسه ‪ .‬وامليزة الكربى هلذه‬
‫األحواض ‪ ،‬أهنا م ثل تلك اليت حتيط ابملضخات العمومية ‪ ،‬متنع املاء الفائض‬
‫من أن يسري يف كل املكان أو أن ينساب خارجاً إىل الفناء أو الشار ‪.‬‬
‫وهي من غري أن ِّّ‬
‫ختل ابلتقاليد احمللية للغسيل ‪ ،‬جتعل العملية كلها أنظ و‬
‫‪.‬‬ ‫أنش‬
‫***‬
‫املراحيض ‪:‬‬
‫يف مصر يعاين كل فالح تقريباً من االنكلستوما وواحد أو أكثر من األمراض‬
‫املعوية ‪ ،‬اليت تتم العدوى هبا مباشرًة من فضالت املريض ‪ .‬وكنتيجة لعدم‬
‫وجود مراحيض صحية وال وسائل صحية للصرف فقد تفشت أمراض‬
‫التيفود والبلهارسيا والدسنتاراي و االنكلستوما ‪ .‬وهذه األمراض ابإلضافة‬
‫إىل أهنا تقتل وئيداً من يصاب هبا ‪ ،‬فإهنا توهن من قواه فال يستطيع أن‬
‫حيسن أداء عمله وال أن يستمتع حبياته ‪ .‬والقضاء على هذه األمراض مهمة‬
‫عاجلة ‪ ،‬ويستطيع املهندس املعماري أن يفعل الكثري هبذا الشأن ‪ .‬فلو‬
‫أمكن تزويد بيوت القرية ابملراحيض النظيفة ‪ ،‬ونظم طرد الفضالت‬
‫والصرف الصحي ‪ ،‬فإن نسبة وقو هذه املصائب ستنخفض اخنفاضاً‬
‫عظيماً ‪.‬‬
‫وقد قامت هيئات كثرية إبجراء جتارب إلجياد مراحيض رخيصة ونظيفة ‪ .‬وملا‬
‫كان إنشاء دورات مياه من الطرز األورويب أمراً مكلفاً للغاية ملا تتطلبه من‬
‫إمداد املياه بوفرة يف املواسري ‪ ،‬ومن تركيبات صرف واسعة معقدة ‪ ،‬فإن‬
‫أولئك الذين أجروا التجارب حاولوا استخدام دورات رملية أو استخدام بئر‬
‫للصرف ‪ .‬وتتكون الدورة الرملية من خندقني عميقني ‪ ،‬يستخدمان ابلتبادل‬
‫كل ستة شهور ‪ ..‬ويوجد مقعد على اخلندق اجلاري استخدامه ‪ ،‬ورمل‬
‫ليلقيه املستخدم على فضالته ‪ .‬أما اخلندق غري املستخدم فيغطى ‪ ،‬وبعد‬
‫مرور ا ألشهر الستة ‪ ،‬تزال حمتوايته وتستخدم كسماد ‪ .‬ولسوء احلظ تبني‬
‫عند التطبي أن مدة الشهور الستة مل تكن كافية جلعل السماد غري ضار ؛‬
‫فقد وجد أن دودة اإلسكارس تظل حية نشطة ؛ وهكذا فإن غري السماد‬
‫يكون ضاراً نفس الضرر وكأنه ما زال طازجاً ‪.‬‬
‫والنظام اآلخر الذي جرب هو بئر الصرف ‪ .‬وحيفر بئر الصرف عميقاً يف‬
‫فناء املنزل ‪ ،‬ويوضع مقعد من فوقه ‪ .‬ورغم أن هذا النو عملي ‪ ،‬إال أن‬
‫فيه شيئاً من عدم اإلنسانية ‪ ،‬فليس من خصوصية يف مرحاض يف اهلواء‬
‫الطل ‪ .‬وكان من املمكن أن يوضع البئر يف دورة مياه دائمة من داخل‬
‫البيت‪ ،‬إال أن هذا الب ئر ميتلئ بعد وقت معني ينبغي نقله ‪ ،‬وهكذا فإن من‬
‫املستحيل أن تصنع له دورة مياه دائمة من داخل املنزل ‪ .‬وفوق ذلك فإن‬
‫من العسري البدء يف حفر بئر داخل اجلزء املغطى من املنزل ‪ ،‬ومن غري‬
‫املالئم إجياد مكان جديد للمرحاض كل ستة شهور أو ما يقرب ‪ .‬وقد‬
‫قررت أنه ابلنسبة للقرنة من الضروري إجياد نو ما من الصرف احملمول‬
‫ابملاء ‪ .‬وكان العقيد عبد العزيز صاحل ‪ ،‬أحد مهندسي اجليش ‪ .‬وقد صمم‬
‫نظاماً حيث ميكن تنفيذ نظام طرد اقتصادي لقصرية املرحاض بينما يغتسل‬
‫مستخدمها منظفاً نفسه ‪ .‬وذلك بتوفري ما سورة ذات صنبور واحد يتحكم‬
‫للنظافة الشخصية ‪ ،‬والثاين تياره‬ ‫يف خمرجني – األول رفيع وتياره ضعي‬
‫أقوى للقصرية ذاهتا ‪ .‬وميكن أن يتم تصري هذا املاء إىل خزان حتليل يكون‬
‫مشرتكاً لص كامل من البيوت – حوايل عشر عائالت – وينبغي أن يكون‬
‫مما ميتلئ ابملاء امتالء معقوالً ‪ ،‬حيث أين قدرت أن البيت القروي الواحد‬
‫سيستخدم ما يقرب من عشر ما يستخدمه البيت الكبري املتوسط يف املدينة‬
‫‪ .‬وخطر يل بعدها أن خزان التحليل املشرتك قد يصبح مصدراً للعراك بني‬
‫اجلريان ‪ ،‬ألنه لن يكون ملكية خاصة والعامة ‪ .‬وقررت هلذا السبب أن‬
‫أوفر نظام صرف صحي خاص لكل بيت ‪ ،‬ويتكون ذلك من غرفة تفتيش‬
‫كبرية صممت لتعمل كخزان حتليل صغري ‪ ،‬يتم صرفه إىل بئر صرف يف‬
‫الفناء يعمل كبئر للرتشيح ‪ ،‬وهكذا ميكن لدورة املياه أن تظل يف مكان‬
‫واحد ‪ ،‬وأن حيتفظ هبا نظيفة ‪ ،‬وعندما ميتلئ بئر الصرف ‪ ،‬ميكن حفر بئر‬
‫جديد بسهولة يف مكان آخر يف الفناء ويوصل له خزان التحليل ‪.‬‬
‫احلظرية ‪:‬‬
‫مشكلة توفري حظائر ملاشية الفالحني ال تنشأ إال عندما يبدأ الفالحون يف‬
‫التكدس يف قرى ‪ .‬فاملزرعة املعزولة يكون فيها متسع بقدر معني إليواء البقر‬
‫وفيها الكثري من الفضاء املفتوح الذي حيل متاعب بئر لفضالت احليواانت ‪،‬‬
‫أما القرية اليت تتأل من مئات كثرية من العائالت ‪ ،‬كل منها هلا بقراتن أو‬
‫ثالث ‪ ،‬فإن البشر فيها جيربون على جرية غري صحية مع ماشيتهم ‪.‬‬
‫والبقرة أتكل علفاً وخترج رواثً ؛ وهذان النشاطان حيددان مهمة املهندس‬
‫املعماري ‪ .‬فعليه أن يوفر للحيوان مذوداً يسهل اتصاله مبخزن العل ‪ ،‬وأن‬
‫يوفر طريقة ما حلفظ الروث للتسميد دون أن يدعو كل ذابب مصر ليتخذ‬
‫مقامه يف القرية ‪.‬‬
‫والفالح يتغلب على مشكلة السماد كالتايل ؛ يف كل يوم جيرف الفالح تربة‬
‫حديثة فوق الروث على أرضية احلظرية ‪ ،‬اليت ترتفع هكذا رويداً جتاه‬
‫السق ‪ ،‬ويف كل فرتة معينة يقتطع الفالح من هذا اخلليط لتحمله العرابت‬
‫إىل احلقل ‪ .‬على أن هذه الطريقة فيها تبديد للسماد ؛ فالكثري من مكوانته‬
‫القيمة تتبخر هكذا أو تتسرب بعيداً ‪ .‬وأحسن حل هو حفرة السماد‬
‫األوروبية ‪ ،‬وهي خزان مغطى ال يسرب املاء يصرف إليه كل بول احليواانت‬
‫‪ ،‬وميكن أن يلقى فيه القش وكل األنوا األخرى من نفاايت اخلضر ليتكون‬
‫من ذلك خليط غين للتسميد ‪ .‬على أن هذا ال يصلح إال إذا كان هناك‬
‫ماشية كثرية ‪ ،‬وبقراتن أو ثالث ال تنت بوالً كافياً ليتصرف إىل احلفرة بنجاح‬
‫‪ .‬وهلذا فقد قررت استخدام توليفة من الطريقتني – االحتفاظ بنظام الفالح‬
‫يف تغطية الروث ابلرتبة ‪ ،‬ولكن سيكون عليه أن جيرفها كل يوم إىل حفرة‬
‫مغطاة ال تسرب املاء ‪ .‬ومن هنا حيمل السماد بعرابت إىل احلقل عند‬
‫احلاجة إليه ‪.‬‬
‫‪ ،‬كل منها عرضه ثالثة‬ ‫من مواق‬ ‫وهكذا فإن احلظائر تتكون من ص‬
‫أمتار وم غطى بقبو ‪ .‬وكل موق عليه هبيمتان وله مذود ميكن ملؤه من ممر‬
‫‪ .‬ومثة فناء صغري ميتد من مواق‬ ‫جيري من خل املواق إىل خم زن العل‬
‫املرت ومغطاة‬ ‫املاشية ومتتد عربه حفرة طويلة ضيقة جداً ‪ ،‬عرضها نص‬
‫أيضاً بقبو ‪ ،‬وخيزن فيها السماد ‪ .‬واألرضية تنحدر من املستوى األرضي‬
‫عند أحد طريف احلفرة مبيل يصل إىل عم يقرب من املرت ونص املرت عند‬
‫الطرف اآلخر ‪ ،‬وهي مثل اجلدران مصنوعة من قوالب طوب ومبطنة‬
‫ابإلمسنت ‪.‬‬
‫يتكون من القبو املعتاد من طوب الل ن – وهو يف هذه احلالة‬ ‫والسق‬
‫بسيط جداً يف صنعه ألنه ضي للغاية كم يغري هذا التكنيك من مظهر فناء‬
‫الفالح ! وبدالً من أن جيهد يف مجع اخلشب والقش لصنع مظالت معدودة‬
‫هزيلة غري م نسقة ‪ ،‬فإنه اآلن يستطيع أن يستغل ما يشاء من املساحة‬
‫املغطاة – ويكون له يف هذا البناء حظائر وخمازن لكل االحتياجات العجيبة‬
‫للمزرعة ‪ ،‬وهو مع رخصه مبعىن الكلمة فيه من النظافة واألانقة ما يعيد‬
‫تشكيل كل مظهر القرية ‪.‬‬
‫***‬
‫مكافحة البلهارسيا ‪:‬‬
‫البحرية الصناعية ‪:‬‬
‫البحرية الصناعية اليت خططت هلا أن تشغل أحد أركان موقع القرية هي من‬
‫أكثر املعامل أمهية يف القرنة ‪ .‬ورغم أنه يبدو من العبث استخدام جزء كبري‬
‫من األرض النافعة كبحرية ‪ ،‬وأنه من غري الالئ ملهندس معماري أن يشغل‬
‫نفسه برتبية السمك والبط ‪ ،‬إال أن عبثي هذا كان ورائه ضرورة توقي مرض‬
‫جيعل الدماء جتمد يف الشرايني ‪ .‬فالبلهارسيا اسم مرض هو كارثة ملصر ‪.‬‬
‫وكل فالح تقريباً يف هذا البلد مصاب ابلبلهارسيا‪ .‬والبلهارسيا تقتل ‪ ،‬وهي‬
‫أتكل من قوى اإلنسان ‪ ،‬وتسمم حياته وعمله ورفاهيته ‪ .‬والبلهارسيا عي‬
‫أعظم سبب واحد لتلك العيوب اليت تنحدر حبال فالحينا ؛ فتور الشعور‬
‫وقلة االحتمال مما يلحظ يف حياة الناس االجتماعية مثلما يف عملهم ‪.‬‬
‫وهي املصري احملتوم الذي ال فرار منه ألي فالح ‪ .‬فاملاء ‪ ،‬الذي مينح احلياة‬
‫لإلنسان واحملصول ‪ ،‬مينح أيضاً البلهارسيا لإلنسان ‪ ،‬وكلما دخل إنسان يف‬
‫مياه ترعة أو بركة أو حقل أرز ‪ ،‬وكلما تراش األطفال مبياه خماضات‬
‫ملصارف الري ‪ ،‬وكلما غسلت مرآة مالبسها يف النهر ‪ ،‬فإن البلهارسيا‬
‫ميكن للفالح أن يبتعد عن املاء ؟ إنه لو شفي من‬ ‫تضرب ضربتها ‪ .‬كي‬
‫البلهارسيا – وإن كان العالج طويالً وغالياً وخطراً* ‪ -‬فالبد له حتماً أن‬
‫يعود اثنية إىل الرت القاتلة ‪ .‬واملاء هو احلياة – لألرز ‪ ،‬والذرة ‪ ،‬والقطن ‪،‬‬
‫ولقصب السكر وإلنسان نفسه – واملاء هو موطن البلهارسيا ‪.‬‬
‫ما هو هذا املرض ؟ إنه طفيلي يدخل اجلسم من املاء املوبوء ‪ ،‬ويستقر‬
‫خاصة يف املثانة ‪ ،‬والكبد ‪ ،‬ويف أعضاء أخرى ‪ ،‬خمرتقاً إايها ‪ ،‬وممتصاً إايها ‪،‬‬
‫حىت تصبح كاإلسفنجة تنزف ‪ .‬وهو يتكاثر تكاثراً هائالً يف اجلسم ‪،‬‬
‫وسرعان ما ينت عنه اإلهناك ‪ ،‬وفقر الدم ‪ ،‬والنزف ؛ إهنا طفيليات خبيثة مبا‬
‫يقتلك ‪ .‬وعدواها تنتقل من خالل املاء املوبوء ؛ فيمرر أحد املصابني‬
‫ابلبلهارسيا بيض الطفيليات للخارج يف بوله ؛ وتدخل الريقات يف نو من‬
‫القواقع املائية تعيش فيه هانئة حىت تقتله فتخرج منه ساحبة يف ماء الرتعة أو‬
‫الربكة يف طور يسمى السركاراي ‪ .‬وتظل تعيش يف املاء حىت جتذهبا حرارة‬
‫طرف من أطراف اإلنسان ‪ .‬فتخرتق جلده ‪ ،‬طارحة ذيوهلا يف اخلارج ‪،‬‬
‫وحيملها تيار الدم إىل الرئتني ‪ ،‬مث تصل إىل الكبد واملثانة لتضع بيضها الذي‬
‫ميرر اثنية للخارج يف املاء ‪ .‬وكل املياه يف مصر موبوءة هبذه السركاراي ‪،‬‬
‫أوديدان البلهارسيا ‪ ،‬وكل فالح يعمل ويغتسل يف هذه املياه املوبوءة ‪.‬‬
‫والفالحون غالباً ما يستخدمون لري احلقول (( الطنبور )) ‪ ،‬أو لولب‬
‫أرمشيدي ‪ ،‬وحىت يشغلوه فإهنم جيلسون ال مفر وسيقاهنم تتدىل يف املاء ‪.‬‬
‫وحىت (( الشادوف )) األكثر بدائية – دلو وأداة رافعة – يؤدي أيضاً إىل‬
‫رشهم بقدر من املاء يكفي لتمرير السركاراي إليهم ‪.‬‬
‫ويف الدلتا ‪ ،‬حيث األرز حمصول مهم ‪ ،‬ينف الفالح معظم وقته وهو خبوض‬
‫يف املاء ‪ ،‬ومن املع روف أن البلهارسيا أكثر انتشاراً يف الدلتا عما يف مصر‬
‫العليا ‪ .‬والدلتا أيضاً يستخدم فيها نظام الري الدائم ‪ ،‬حيث تروى األراضي‬
‫طول السنة من الرت بدالً من االعتماد على الفيضان السنوي كما يف مصر‬
‫العليا ‪ .‬واملاء يف مصارف الري الدائم هذا هو املوطن الرئيسي للسركاراي ‪،‬‬
‫وهو ميكنها من البقاء حية ‪ ،‬بينما يف مصر العليا تقتلها احلقول اجلافة* ‪,‬‬
‫يقول املقاولون – فيما ينبغي أن يكون مما يعرفونه – أن العامل من الدلتا‬
‫ينجز فحسب سدس العمل الذي يستطيع إجنازه من مصر العليا ‪.‬‬
‫احلار يف الرت والربك ‪ .‬واألطفال‬ ‫مث إن كل فرد يغتسل أيضاً يف الصي‬
‫خاص ًة خيوضون املياه‬
‫_______________________________________‬
‫________________‬
‫* كان عالج البلهارسيا فيما مضى يتطلب احلقن ملدة طويلة بكيماوايت هلا‬
‫أتثرات جانبية ومضاعفات على املريض ‪ .‬أما اآلن فالعالج أبسط كثرياً ‪،‬‬
‫أقراص معدودة تكاد تكون بال أتثريات جانبية ‪ .‬ولكن العالج مل يقلل من‬
‫انتشار املرض كثرياً ‪ ،‬ألن الفالح يعدى مرة أخرى من املاء املوبوء مادام‬
‫يتبع نفس النظام من التبول يف الرت واخلوض فيها ( املرتجم ) ‪.‬‬
‫ويرتاشقون هبا عند كل بقعة ماء يستطيعون العثور عليها ؛ يف املصارف ‪،‬‬
‫واملخاضات والربك الراكدة – وملا كان من املؤكد عملياً أن أي فرد يق‬
‫لعشر دقائ يف ترعة مصرية ستصيبه البلهارسيا ‪ ،‬فإنه ليس مما يفاجئ أن‬
‫تكون نسبة وقو املرض عالية هكذا ‪ .‬وابلطبع فإن مرضاً فظيعاً هكذا قد‬
‫شد الكثري من انتباه األطباء ورجال الصحة العامة ‪ .‬وقد كرس أحدهم ‪،‬‬
‫وهو الدك تور ابرلو ‪ ،‬كل حياته ملكافحة هذا املرض ‪ .‬ودكتور ابرلو أمريكي‬
‫وفد إىل مصر بعد قضاء سنوات كثرية يف الصني ‪ .‬وقد طرح فكرة بسيطة‬
‫للقضاء على الطفيلي بتطهري هنر النيل كله ‪ ،‬ومن منبعه إىل مصبه هو وكل‬
‫‪ .‬وخطة‬ ‫روافده وحبرياته وكل التكوينات األخرى من املياه الراكدة يف الري‬
‫راديكالية هكذا ستكون مكلفة للغاية ‪ ،‬إىل جانب أن نتائجها ليست‬
‫مضمونة مطلقاً ؛ فلو أن دودتني فحسب من ديدان السركاراي ظلتا على‬
‫قيد احلياة يف تر ومصارف مصر اليت ال حتصى ‪ ،‬فإهنما ‪ ،‬مثلهما مثل‬
‫حيواانت فلك نوح ‪ ،‬سيعيدان انتشاراً نوعهما الضار انتشاره الساب ‪،‬‬
‫وتعيدان الري كله اثنية ‪ .‬على انه إذا كان من غري العملي تطهري النهر كله‬
‫‪ ،‬فلعل لنا أن نطهر جزءاً منه ليبقى هذا اجلزء دائماً آمناً ‪ .‬فالنهر جيري من‬
‫خالل كل تلك الرت الصغرية اليت تروي حقولنا ‪ ،‬والفالحون جد مستمرين‬
‫ابلتحكم يف سراين املاء ‪ .‬فكم يكون سهالً أن يوجه املاء بعيداً خالل قناة‬
‫جانبية ‪ ،‬ميكن حفرها من الرتعة الرئيسية لتغذي حبرية صناعية ونطهر املاء‬
‫ابلتايل فيهما االثنتني ؟ وملاذا ال نوسع هذه القناة اإلضافية لتصبح حبرية‬
‫صغرية ؟‬
‫هكذا ولدت فكرة البحرية الصناعية ‪ .‬وإذا أمكن للفالحني أن يكون هلم‬
‫مكان يس تحمون فيه بال سركاراي ‪ ،‬فإن املرض البد أن أيخذ يف التقهقر ‪.‬‬
‫وإذا أمكن ابإلضافة إىل ذلك محايتهم أثناء عملهم يف احلقول ‪ ،‬فإن‬
‫اختفاء كامالً ‪.‬‬
‫ً‬ ‫البلهارسيا ستختفي يف النهاية‬
‫على أن البحرية الصناعية ستحل أيضاً مشكلة أخرى ‪ .‬فبصفيت بناء حمباً‬
‫للنظام كان من الطبيعي أن اهتم ابلتفكري يف طري ما إلزالة احلفرة اليت‬
‫ختلفت بعد أن حفران األرض لصنع الطوب ‪ .‬ويف مصر كلها توجد يف كل‬
‫عن صنع الطوب ؛ بل إن هلا امسها وهو –‬ ‫قرية تلك احلفر اليت تتخل‬
‫الربكة – وهي مصدر رئيسي للمالراي ‪ ،‬ألن البعوض يتوالد يف املاء الراكد ‪.‬‬
‫والربك معروفة كأماكن لتفريخ املرض حىت أن العيد من الساسة ‪ .‬خيصصون‬
‫مكاانً ابرزاً يف براجمهم خلطط ردو الربك ‪ .‬ومع هذا ‪ ،‬تظل الربك بطريقة ما‬
‫ابقية ‪ .‬وابلطبع فإن ملء حفرة هلو مما يكاد أن يكون مشكلة مستعصية ‪،‬‬
‫وال شك أن القارئ لن يكون من اسذاجة حبيث يقرتح ردم اخلفرة ابلرتاب ‪.‬‬
‫فهو سيدرك أن هذا الرتاب ال بد أن أييت من حفرة أخرى ‪ ،‬اليت ال بد‬
‫بدورها من أن تردم – ورمبا كان هذا أحد أنوا عالج البطالة ‪ ،‬ولكنه ليس‬
‫عالجاً للمالراي ‪ .‬وقد يكون من املمكن ردم كل هذه الربك برمل جيلب من‬
‫الصحراء ‪ ،‬حيث ال أمهية لوجود احلفر هناك‪ ،‬ولكن ها هنا البد أن يدفع‬
‫أحدهم أجر نقل الرمال ‪ ،‬األمر الذي يكل الشيء الكثري ‪.‬‬
‫وقد واتتين فكرة حتويل بركتنا يف القرية إىل حبرية ‪ ،‬ألننا كان لدينا يف إحدى‬
‫عزبنا العائلية بركة تشابه كل الربك األخرى فيما عدا أن هناك قناة صغرية‬
‫جتري من خالهلا‪ .‬وهكذا فإن ماءها كان دائماً جارايً ‪ ،‬وكانت دائماً نظيفة ‪،‬‬
‫وكنا نريب عليها البط واإلوز ‪ ،‬حبيث أهنا كانت فاتنة ومفيدة معاً ‪ .‬فمن‬
‫الواضح أن حل مشكلة الربك مل يكن بردمها وإمنا هو بتوسيعها وتعميقها‬
‫وتوصيلها إىل الرت ‪ ،‬حبيث ال ميكن ملائها أن يصبح راكداً ‪ .‬وحىت الربك‬
‫البعيدة عن الرت ميكن معاجلة أمرها أيضاً ؛ وذلك برمها برتاب حمفور من‬
‫مكان مناسب مبحاذاة قناة ‪.‬‬
‫عندما عرضت خطيت على د ‪ .‬حممود مصطفى حلمي ‪ ،‬مدير قسم‬
‫الطفيليات يف وزارة الصحة العمومية ‪ ،‬واف عليها واقرتح تعديالت معينة ‪:‬‬
‫أوالً ‪ ،‬حىت ال نسمح مبوطئ قدم للقواقع اليت تؤوي السركاراي ينبغي أن‬
‫نبطن جوانب البحرية ابحلجارة ‪ ،‬حبيث ال تنمو األعشاب املائية اليت أتكلها‬
‫القواقع ؛ واثنياً ‪ ،‬للتأكد من أن املاء قد مت تطهريه تطهرياً صارماً ‪ ،‬ينبغي أن‬
‫حنفر قناة صغرية (( ما قبل الربكة )) طوهلا حوايل مائيت مرت ‪ ،‬جبوار القناة‬
‫الرئيسية أبعلى التيار يف البح رية ‪ ،‬وأن تزود ببواابت للغل عند كل طرفيها‬
‫‪ ،‬حبيث ميكن إبقاء املاء فيها وتطهريه قبل أن يسمح بدخوله للبحرية‬
‫األصلية ‪ ،‬وهكذا فإن املاء فيها وتطهريه مرتني مرة يف قناة ما قبل الربكة‬
‫ومرة يف البحرية نفسها ‪ .‬ويذاب مسحوق كربيتات النحاس يف املاء من‬
‫كيس يعل يف اجل دول عند بوابة الغل ؛ ويقوم هذا بقتل القواقع والديدان‬
‫والريقات ولكنه لسوء احلظ ال يقتل سركاراي البلهارسيا الساحبة يف املاء ‪.‬‬
‫وملعاجلة هذه من الضروري إبقاؤها لثمان وأربعني ساعة يف قناة ما قبل الربكة‬
‫اخلالية من القواقع ؛ وبعدها فإهنا متوت كلها ‪ .‬أما ابلنسبة للبعوض ‪،‬‬
‫نغري أعلى عشرة سنتيمرتات يف املاء ‪ ،‬ويتم هذا‬ ‫فسيكون علينا أن ّ‬
‫أوتوماتيكياً كلما مسحنا للماء املطهر لقناة ما قبل الربكة أبن ينساب إىل‬
‫البحرية ‪ .‬ونظام بواابت الغل جيعل من السهل جداً القيام بذلك ؛ فكمية‬
‫املاء املطلوبة يسمح خبروجها من بوابة أسفل ال تيار ‪ ،‬بينما بوابة أعلى التيار‬
‫مغلقة ؛ مث يغل بوابة أسفل التيار ‪ ،‬ويسمح بدخول ماء جديد مطهر من‬
‫خالل بوابة أعلى التيار ‪.‬‬
‫_________________________________________‬
‫__________________‬

‫* بعد إنشاء السد العايل انتشر نظام الري الدائم يف الصعيد أيضاً ‪ ،‬وابلتايل زاد‬
‫انتشار البلهارسيا هناك ‪ ( .‬املرتجم )‬
‫ومن النقاط املهمة بشأن البحرية الصناعية أهنا ينبغي أال تكون أعلى كثرياً‬
‫من مستوى قناة الصرف اليت‬
‫ختدم املنطقة ‪ ،‬ألهنا لو كانت هكذا ‪ ،‬فإن مياهها سوف تتسرب إىل األرض‬
‫الزراعية احمليطة هبا لتخرهبا ؛ ومن الناحية األخرى فعندما تكون البحرية يف‬
‫مستوى قناة الصرف ‪ ،‬فإهنا ستعمل مبثابة مصرف رهي لألرض الزراعية ‪،‬‬
‫اليت تتحسن بذلك حتسناً كبرياً ‪ .‬والصحيح أنه ينبغي أن يكون املستوى يف‬
‫البحرية أعلى بعشرة سنتيمرتات عن املستوى يف قناة الصرف ‪ ،‬حبيث ميكن‬
‫الطبقة السطحية للمياه عرب حتويله صغرية ‪ ،‬تعمل أيضاً مبثابة ممر‬ ‫تصري‬
‫دائم لفائض املاء ‪ .‬وحتمل القناة اجلانبية املاء من القناة الرئيسية ابحندار ميله‬
‫هو مرت لكل مائيت مرت ‪ ،‬مث إىل البحرية ‪.‬‬
‫وملا كانت البلهارسيا مرضاً واسع االنتشار هكذا ‪ ،‬ليس يف مصر فحسب‬
‫بل يف كل املناط احلارة ‪ ،‬فمن املرغوب فيه بوضوح أنه ينبغي تشجيع توفري‬
‫البحريات اخلالية من البلهارسيا* ‪.‬‬
‫والبحرية مثلها مثل معامل القرنة األخرى ‪ ،‬يفرتض فيها أن تكون منوذجاً‬
‫لسائر مصر ‪ .‬ولقد سب أن ع ّلقت على جهامة معظم قراان حيث يستخدم‬
‫كل مرت مربع لزراعة احملاصيل ‪ ،‬وما من مساحة أو فكر يبذل لتوفري أسباب‬
‫االستمتا ابالسرتخاء ‪ .‬وإذ كان ميكننا حقاً تربير البحرية حبج عملية‬
‫صارمة ‪ ،‬إال أين مل أقصد هلا قط أن تكون شيئاً عملياً مبثل ما يكون مكتب‬
‫الربيد عملياً ‪ .‬وإمنا وددت أن يكون لكل قرية حبريهتا الصناعية اليت تقام‬
‫وسط منتزه صغري للقرية ‪.‬‬
‫وهذا املنتزه هو والبحرية معاً ‪ ،‬سيوفر للقرية املصرية شيئاً جديداً متاماً –‬
‫مكاانً لالسرتخاء واالستجمام ‪ ،‬حيث تنتشر أشجار الصفصاف وصورهتا‬
‫تنعكس يف املاء الصايف ‪ ،‬وحيث تلت املمرات بني أشجار املاجنو واجلوافة‬
‫والطرفاء ‪ ،‬لتفتح فجأة على األشجار املزهرة للسنط والبوهينيا واجلكرندا‬
‫– مكان من أربعة أو مخسة فدادين تبقى بعيداً عن الزراعة التجارية ‪،‬‬
‫أحن مما تقدمه هلم‬
‫حبيث جيد أفراد القرية فيه مظهراً من مظاهر الطبيعة ّ‬
‫حقول القطن ‪.‬‬
‫وللوصول إىل هذا اهلدف ال بد لنا من حل توفيقي ابلنسبة للمنتزه املثايل‬
‫ذي املمرات وأحواض الزهور واألشجار – املنتزه األورويب ذو املنظر اخللوي‬
‫الطبيعي – الذي حيتاج إىل هيئة عمل كاملة من البساتني لصيانته ‪ .‬فمنتزهنا‬
‫ينبغي أن يوفر ظالً وسالماً ومجاالً دون حاجة إىل أجور لصيانته ‪ .‬وهكذا‬
‫جيب أن يكون أبعد ما ميكن من احلديقة املعتادة يف حمطة السكة احلديد أو‬
‫منتزه البلدية ذوي احلشائش اجلافة ‪ ،‬والشجريات املتقصفة الزاوية ‪،‬‬
‫واألسوار احلديدية ‪ ،‬تلك األمناط التقليدية املصغرة لفرساي واليت يقتبسها‬
‫الكثري من بلدايت احملافظات مث ال تلبث أن هتملها ‪ .‬ومنتزه القرية حيتاج إىل‬
‫األشجار ‪ .‬وجيب أال ينشأ فيه بطريقة صناعية تلك املمرات وأحواض‬
‫الزهور واألسوار ‪ .‬وإمنا جيب أن خيطط ليأوي إليه الناس فريوح عنهم ‪،‬‬
‫وجيب أن يكون فيه من قدرة التحمل حبيث يتحمل استخدامه استخداماً‬
‫وصبار ‪ .‬ومجاله‬
‫عنيفاً ‪ .‬وجيب أن يكون منتزهاً من أشجار وصخور ورمال ّ‬
‫وقدرته على الرتويح مها مما ال ينبث من أحواض الزهور النمطية وإمنا جيب‬
‫أن ينبع ذلك من جتمعات األشجار ‪ ،‬والتفاف املمرات ‪ ،‬وأوضا الصخور‬
‫‪ ،‬والتقاء اللون والنربة والكتلة والشكل يف توليفات هبيجة ‪.‬‬
‫واقرتح أن نست فيد من املنتزه يف مد القرية ابلفاكهة ‪ .‬والشجرة اليت متد‬
‫بفاكهة وفرية وابلظل أيضاً هي شجرة املاجنو العادية ‪ .‬والنو الكبري ينت ما‬
‫يصل إىل ألفي مثرة يف السنة ‪ .‬و ال حيتاج إال رعاية قليلة ‪ .‬أما األنوا‬
‫األجنبية واملهجنة األكثر هشاشة فينبغي أال تستعمل ‪ ،‬ذلك أهنا وإن كانت‬
‫تعطي مثاراً أفضل ‪ ،‬إال أهنا حتتاج رعاية ابلغة ‪ ،‬وأشجارها على أي حال‬
‫أميل إىل أن تكون صغرية غري ظليلة ‪ .‬ويكفي توفري األلوان أبشجار مزهرة‬
‫من السنط والبوهينيا واجلكرندا والبوانسياان ‪ ،‬أما أشجار الطرفاء فهي وإن‬
‫كانت خشنة إال أهنا ظليلة وتفرش األرض بساطاً من أوراق إبرية رهيفة ‪،‬‬
‫تثري راحة مجة عند السري أو اجللوس فوقها ‪ .‬والعوامل اليت حتكم حجم‬
‫البحرية هي عامالن ‪ :‬حجم الرتبة الالزمة لصناعة الطوب ‪ ،‬والقدر األدىن‬
‫من املياه اليت تبقى نسبياً نظيفة بني نوابت التغيري ‪ ،‬بعد أن يستحم فيها‬
‫أفراد الناس واملاشية ابألعداد اليت يتوقع أهنا ستستخدمها ‪ .‬والبيت الواحد‬
‫حيتاج ما بني ‪ 822 – 822‬مرتاً مكعباً من الرتبة ‪ ،‬وهو عادة يتسع خلمسة‬
‫أفراد ‪ .‬وهكذا فإن قرية من مخسة آالف فرد ‪ ،‬أو أل بيت ‪ ،‬حتتاج على‬
‫األقل إىل ‪ 82.222‬مرت مكعب من الرتبة ‪ .‬وإذا كان لبحريتنا يف املتوسط‬
‫عم مرتين ‪ ،‬فإن مساحتها تكون من ‪ 22.222‬مرت مكعب ‪ ،‬أو حوايل‬
‫اثين عشر فداانً ‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫___________________‬

‫*اإلصابة ابلبلهارسيا هلا أعراض مرضية شديدة ‪ ،‬وهلا آاثرها االجتماعية –‬


‫االقتصادية ن كما أن املرض واسع االنتشار يف أرجاء العامل ‪ ،‬وهلذا كله تعد‬
‫اإلصابة ابلبلهارسيا من أهم أمراض اإلصابة ابلدودية (( أي األمراض النامجة‬
‫عن وجود ديدان يف األوعية الدموية )) ويقدر عدد املصابني هبا يف العامل‬
‫بعدد هو ‪ 822.222.222‬فرد وتقوم بعض القواقع اليت تنقل املرض‬
‫بدور العائل الوسيط ‪ .‬وقد مت اكتشاف مبيدات جديدة للقواقع ( مشتقات‬
‫فينول حلقية ) تتحكم يف دورهتا ‪ ،‬ونتائ استخدامها يف التحكم يف عدوى‬
‫البلهارسيا تعطي أمالً يف أن يكون منها وسائل حتكم هي أرخص وأكثر‬
‫فعالية ))‬

‫تقرير منظمة الصحة العاملية‬


‫وهذا يزيد كثرياً عما يكفي للوفاء ابلشرط الثاين ؛ إن حبرية من أربعة فدادين‬
‫فحسب تتسع لكل املستحمني – من بشر وحيوان – ممن سيستخدموهنا‬
‫كل يوم ‪ ،‬وإذا مت تغيري مائها ابلكامل كل مخسة عشر يوماً فإهنا ستظل‬
‫خالية من البكترياي خلو اً أبكثر من محام السباحة املتوسط يف املدينة ‪ .‬وملا‬
‫كان لألرض قيمتها ‪ ،‬كما هو احلال يف القرية‪ ،‬فقد يكون من املستحيل‬
‫حفر حبرية أكثر من أربعة فدادين ‪ ،‬وهلذا فإنه مما يريح البال أن نتذكر أن‬
‫الطني البناء ال يلزم ابلضرورة أن أييت من البحرية ‪ ،‬بل وال أن أييت من أي‬
‫مصدر آخر بعيد سوى البيوت القدمية ذاهتا ‪.‬‬
‫ورغم أن مصر يف حاجة لعملية إعادة بناء ‪ ،‬إال أن املواد الالزمة لذلك‬
‫موجودة ابلفعل هناك يف املوقع ‪ ،‬وكل قرية حتوي يف بيوهتا القائمة الكثري من‬
‫الرتبة الالزمة لبناء البيوت اجلديدة اليت ينبغي علينا بناؤها – والقرية‬
‫املتوسطة ال حتتاج لرتبة إضافية أكثر مما ميكن حفره من حبرية من مخسة‬
‫فدادين ‪.‬‬
‫وقد يبدو ألانس كثريين أن حبرية من مخسة فدادين هلما حقاً تبذير ال مربر له‬
‫‪ .‬وحنن يف بلد حيث معظم مالك األراضي أكثر جشعاً من أن يغرسوا‬
‫شجرية تظلل منازهلم ألهنا قد حترمهم جزءاً من أردب من القمح يف كل عام‬
‫‪ ،‬وكم يكون فزعهم لو مت حتت بصرهم التضحية ابستهتار بعشرة فدادين من‬
‫األرض املنتجة ‪ .‬على أن بعض املالك كانوا أقل حرصاً على فدادينهم ؛‬
‫فإمساعيل ابشا كان لديه يف حدائ قصره ابجليزة حبرية للزينة تغطي على‬
‫األقل عشرة فدادين ‪ ،‬كلها ملتعته اخلاصة ‪ .‬ومن املؤكد أنه ليس من التزيد‬
‫أن نطلب خلمسة آالف فرد نص ما كان الباشا يستمتع به وحده ؟‬
‫ولست أطلب ذلك من أجل متعتهم ‪ ،‬وإمنا من أجل حياهتم ذاهتا ‪ .‬وإجيار‬
‫عشرة فدادين هو ‪ 022‬جنيه مصري يف السنة ‪ .‬أيكون هذا أكثر مما جيب‬
‫إنفاقه على قرية من مخسة آالف فرد عندم ا تكون حياهتم تعتمد عليه ؟‬
‫والنيب حيدثنا أبن ننشئ أبناءان على تعلم الركوب والسباحة ‪ .‬وحنن ال‬
‫نستطيع أن هنب جياداً لكل قرى مصر ولكننا نستطيع أن هنبها البحريات ‪،‬‬
‫وجيب أن نفعل ذلك ‪ ،‬حىت نطيع على األقل نص النصيحة ‪ .‬وقد رأيت‬
‫تتحسن حالة األطفال الصحية ‪ ،‬وكي‬ ‫يف اندي املعادي الرايضي كي‬
‫أيتون ضعافاً ‪ ،‬انحلني ‪ ،‬واهنني ‪ ،‬فيتحولون ابلسباحة إىل رايضيني أقوايء‬
‫ذوي رشاقة ‪ .‬وهذا التحول يتاح ألفقر أطفال الفالحني يف األرض إذا‬
‫وهبناهم البحريات ‪ .‬وهم حالياً يسبحون حقاً ولكنهم يدفعون ضريبة رهيبة‬
‫لدودة البلهارسيا ‪.‬‬
‫ينبغي أن تقوم‬ ‫وكل البال د اليت تواجه مشاكل كبرية إلعادة بناء الري‬
‫السلطات فيها مبهامجة املشكلة – بل وجيب أال نكون مبهمني يف ذلك‬
‫الشأن ‪ ،‬فرئيس الوزراء نفسه هو الذي ينبغي أن يقوم – مبهامجة املشكلة‬
‫كالتايل ‪ :‬أنه يف كل قرية من تلك القرى اليت ينعطن أانسها يف بيوهتم السيئة‬
‫وتتخرمهم البلهارسيا ‪ ،‬ينبغي أن يتم اختيار موقع للبحرية ‪ .‬وجيب أن يقوم‬
‫مهندسون ابرعون يف علم ميكانيكا الرتبة اجلديد بفحص األرض ‪ .‬وبعد أن‬
‫يتم اختيار أفضل مكان من حيث نوعية األرض وقرهبا من إحدى الرت ‪،‬‬
‫فإنه ينبغي أن يتم حفر البحرية يف التو ‪ .‬وينبغي أن توفر احلكومة اآلالت‬
‫حلفر الرتبة أبسر ما ميكن ‪ ،‬وتكوميها لتكون جاهزة لضاريب الطوب ‪.‬‬
‫وهناك على األقل بلد واحد مل ينبذ فكرة البحرية الصناعية ‪ ،‬فعندما قامت‬
‫شركة دوكسيادس بوضع خمطط حلكومة العراق ‪ ،‬فإن تلك احلكومة تبنت‬
‫الفكرة وأصدرت مرسوماً أبنه ينبغي أن يكون لكل قرية يف البالد حبرية‬
‫صناعية ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن احلكومة ينبغي أن توفر أيضاً ‪ .‬كعنصر ضروري مكمل للبحرية ‪،‬‬
‫مضرب طوب دائماً جمهزاً جتهيزاً مالئماً ‪ ،‬ابملكابس والقوالب وأحواض‬
‫اخللط ‪ ،‬وذلك خارج منطقة البناء األصلية ‪ ،‬وحيث يضمن البناءون إنتاجاً‬
‫ال ينقطع من قوالب الطني ‪ ،‬ويكتسب القرويون وسيلة خدمة دائمة ‪.‬‬
‫ومادامت أن الرتبة موجودة فسوف يبين الناس ‪ ،‬على أن املبادرة لتوفري‬
‫الرتبة هي مما جيب أن تبدأه احلكومة ‪ ،‬واحلكومة أيضاً يف وضع مي ّكنها من‬
‫توفري اآلالت الثقيلة ‪ ،‬ومي ّكنها من الوفاء بدور القوات اهلجومية رمبا أبفضل‬
‫من املهندسني املعماريني والبنائني ‪.‬‬
‫وابإلضافة إىل ذلك ‪ ،‬فإنه لو تبني من حتليل األرض أن الرتبة حتتاج إلضافة‬
‫املزيد من الرمال لتصبح صاحلة لصنع الطوب ‪ ،‬فإنه جيب على احلكومة أن‬
‫تنقل هذه الرمال ‪ ،‬وهااتن العمليتان – حفر الرتبة وإضافة الرمال للوصول‬
‫إىل القوام املناسب – مها ما يهزم الفالح عادةً قبل أن يبدأ البناء ‪ .‬ولو مت‬
‫حلهما له سيشجعه ذلك تشجيعاً هائالً ‪ .‬وهكذا فلو أن احلكومة‬
‫استخدمت مصادرها حلفر البحرية ‪ ،‬فإهنا ستسهم إسهاماً رئيسياً يف‬
‫اإلسكان اجلديد ويف القضاء على البلهارسيا ‪.‬‬
‫***‬
‫املالبس الواقية ‪:‬‬
‫البحرية – كمكان لالستحمام خال من البلهارسيا – لن تؤدي بذاهتا إىل‬
‫توق الطفيلي عن دخول أجسام الناس ألنه كما سب لنا القول ‪ ،‬فإن كل‬
‫عمليات الري تتطلب الوقوف يف القنوات املوبوءة هي واملصارف ‪،‬‬
‫والفالحون كلهم جيب أن يرووا أرضهم ‪ .‬وهكذا فإن السالح الثاين ضد‬
‫البلهارسيا جيب أن يكون يف نو ما من املالبس الواقية ‪.‬‬
‫وقد جنح الياابنيون يف اإلقالل من البلهارسيا إقالالً عظيماً أبن وفروا لعمال‬
‫مزارعهم أحذية مطاطية طويلة واملطاط يعد غالياً أشد الغلو ابلنسبة ملصر ‪،‬‬
‫على أنه ميكن بدالً من ذلك أن يصلح شيء آخر ملصر ‪ .‬وبعد شيء من‬
‫التفكري ‪ ،‬خطر يل أننا لو أطلنا سراويل الفالح العادية لتحوي القدمني‬
‫شبعنا هذه السراويل حىت ارتفا الفخذ بزيت الكتان ‪ ،‬فإهنا‬
‫ابلكامل ‪ ،‬ولو ّ‬
‫قد تكون مانعة للماء وللسركاراي ‪ .‬وجعلت ترزايً حملياً يصنع يل عينة من‬
‫سراويل هكذا ‪ ،‬من نفس قماش القطن الذي تصنع منه سراويل العمال‬
‫‪ .‬وقد انتويت أن يتم‬ ‫القصرية نقعتها يف زيت كتان مغلي وعلقتها لتج‬
‫ارتداؤها ومعها نعل من املطاط ( يصنع رخيصاً من إطارات السيارات‬
‫القدمية ) يثبت من أسفلها ‪ ،‬ووجدهتا مانعة للماء متاماً ‪ .‬وأرسلتها إىل‬
‫القاهرة إىل د ‪ .‬حممود مصطفى حلمي بوزارة الصحة العمومية ‪ .‬فقال أهنا‬
‫تعطي مناعة مائة يف املائة ضد السركاراي ‪ ،‬وأنه لو ارتداها سيكون مستعداً‬
‫أمت االستعداد ألن خيوض هبا الربكة اليت يربون فيها السركاراي يف معمله ‪ .‬بل‬
‫إنه قال أن القماش الذي يتم نسجه نسجاً حمكماً يعطي دون أي معاجلة له‬
‫وقاية من ستني يف املائة ‪.‬‬
‫***‬
‫محلة تعليمية ‪:‬‬
‫هكذا كان سالحنا الثاين الضروري ‪ ،‬أو الشعبة الثانية هلجومنا على البلهارسيا ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهي شعبة فعالة متاماً ورخيصة حىت ليتحمل تكلفتها أي فرد يف الري‬
‫واملشكلة التالية هي كيفية شن اهلجوم ‪ ،‬كي أتيت أسلحتنا إىل جمال الفعل ‪.‬‬
‫فالناس جيب أن حيثوا على ارتداء السراويل ‪ ،‬وعلى استخدام البحريات املطهرة‬
‫‪ .‬وللوصول إىل ذلك جيب أن جنعلهم يرون السركاراي يف املاء ‪ ،‬وجنعلهم يرون‬
‫تقدمها من خالل اجلسد ‪ .‬وجيب إنشاء محلة دعاية عامة تستخدم كل حيلة‬
‫ووسيلة لالتصال اجلماهريي لتجعل الفالحني ينقذون أنفسهم ‪ .‬واألمر ليس‬
‫جمرد م لصقات معدودة ممزقة تتدىل يف حمطة السكة اجلديد ‪ ،‬مرسومة بال دقة‬
‫ومبا يستحيل فهمه ‪ .‬وإمنا علينا أن نعرض للناس دودة البلهارسيا وهي حية‬
‫تتلوى ‪ .‬هيا أعرض عليهم عروضاً سينمائية ‪ ،‬أحضر هلم ميكروسكوابت تعرض‬
‫الشرحية مكربة على احلائط ‪ .‬دعهم خيرجون دلو مياه من النهر ‪ ،‬واجعلهم‬
‫يع ّدون الشرائح أبنفسهم ‪ ،‬واجعل القرية كلها ترى دودة هائلة ‪ ،‬طوهلا ثالثة‬
‫أقدام ‪ ،‬تسبح بطول جدار قاعة القرية ‪ .‬هاجم األطفال أيضاً ‪ .‬وإذا كانوا ال‬
‫بسط األمر يف حكاية من حكاايت اجلن ‪.‬‬
‫يستطيعون تتبع الفيلم السينمائي ‪ّ ،‬‬
‫وقد كتبت هلم متثيلية ‪ ،‬حتكي حك اية مرعبة عن العفريت بيل بن هارسيا ‪،‬‬
‫وتن ّكرت يف هيئة عفريت مرو ( إىل ٍ‬
‫حد ما ) فارتديت قنا غازات بعويناته‬
‫الزجاجية ‪ ،‬ومالءة بيضاء ‪ ،‬تنتفخ كلها هبواء من أنبوبة داخلية من حول كتفي ‪.‬‬
‫وتبدأ التمثيلية ابب جيلس على عتبة اببه وهو يف حال من القل ‪ ،‬إذ ينتظر أن‬
‫تلد زوجته طفالً ‪ .‬وخترج ممرضة لتهنئه مبيالد ابن له ‪ ،‬ويتسلل كل أطفال القرية‬
‫واحداً وراء اآلخر إىل ابب يسألون عن املولود اجلديد ‪ .‬ويقام احتفال هبي ‪،‬‬
‫(( السبو )) ‪ ،‬يف اليوم السابع بعد امليالد ‪ ،‬ويرقص فيه كل األفراد ‪ ،‬وتوز‬
‫احللوى ‪ ،‬وبينما احلفل يف ذروته يظهر فجأة عند طرف املهد – بيل بن هارسيا‬
‫‪ ،‬العفريت ‪ .‬وهو مما ال ميكن رؤيته إال لطفل واحد ‪ ،‬وهذا الطفل أيخذ ابلطبع‬
‫يف البكاء ‪ ،‬وبعد أن يومئ بيل هارسيا إمياءات مهددة فإنه ينسحب ‪.‬‬
‫واآلن ‪ ،‬فقد أصبح الطفل حمجوب يف العاشرة من عمره وها هو األب مريض ؛‬
‫وقد أصبح ضعيفاً ‪ ،‬مصاابً بفقر الدم ‪ ،‬مث هو يف النهاية حيتضر ‪ .‬وأثناء‬
‫احتضاره – من البلهارسيا – جيعل زوجته تعده أبهنا لن تسمح البنهما أبن‬
‫ميكن أن يتجين الصيب املياه ؟ إنه بغياب أبيه قد‬ ‫خيوض املياه ‪ .‬ولكن كي‬
‫أصبحت العائلة أكثر فقراً ‪ .‬وجيب على حمجوب أن جيد عمالً ‪ .‬أين ؟ إن أمه‬
‫تطلب منه أال خيوض يف املياه ‪ ،‬ولكن العمل الوحيد املتاح هو ابلطنبور أو‬
‫الشادوف ‪ .‬وهو يذهب من مزار إىل آخر متوسالً أن مينح عمالً بعيداً عن‬
‫الرت ‪ ،‬ولكن ليس من عمل كهذا ‪ .‬وأينما يسري حمجوب يتبعه دائماً العفريت ‪،‬‬
‫زاحفاً من خل األشجار وهو يرتصد متأهباً للوثوب عليه مبجرد أن يلمس‬
‫املاء ‪ .‬ويف النهاية عندما جيو جوعاً شديداً هو وأمه أيضاً يقرر وهو ايئس أن‬
‫حينث بوعده ألمه ‪ ،‬فيعمل يف املاء دون أن يذكر هلا شيئاً ‪ .‬وهكذا فإنه يذهب‬
‫إلدارة الطنبور ‪ .‬وما إن يدخل قدميه يف املاء حىت يثب بيل هارسيا وثبة عفريتيه‬
‫إىل جانب الرتعة ‪ ،‬وحيضر برطماانً كبرياً وأيخذ يف رش السركاراي على الصيب‬
‫كله ‪.‬‬
‫ويتغري حال الصيب تدرجيياً ‪ .‬ويتحول وجهه إىل لون أصفر فاقع ‪ .‬ويصبح‬
‫الطفل ضعيفاً ‪ .‬وحياول أن يلعب مع زمالئه ‪ ،‬ولكن قواه ختور ‪ ،‬ويؤخذ لداخل‬
‫البيت لريقد ‪ .‬ومرة أخرى يتسلل األطفال إىل الباب ‪ ،‬ووجوههم قلقة ‪،‬‬
‫ليسألوا عن حاله ‪ .‬ويصبح حاله أسوأ فأسوأ ‪ ،‬وتكون أمه قد أدركت اآلن أنه‬
‫وال بد قد خاض املياه ‪ ،‬وترقبه وهو ميوت من البلهارسيا مثل والده ‪.‬‬
‫وعند هذه املرحلة احلامسة احلزينة ‪ ،‬يدخل إىل القرية غريبان ‪ .‬إهنما يف احلقيقة‬
‫الطبيبان ابرلو وعبد العظيم ‪ ،‬ويسهل التعرف عليهما من معطفيهما األبيضني‬
‫ونظاراهتما الكبريتني ‪ .‬ويبدآن يف سؤال القرويني وقد أمسكا حبقيبتيهما ‪ .‬هل‬
‫هناك أي واحد مريض يف القرية ؟ بل نعم ‪ ،‬إن حمجوب مريض ‪ .‬كي يبدو ؟‬
‫جداً ‪ .‬ويهرعان‬ ‫إنه كله أصفر ‪ .‬وماذا أيضاً ‪ ،‬هل ينزف ؟ نعم ‪ ،‬وهو ضعي‬
‫إىل املنزل ‪ ،‬وخيرجان السماعات وامليكروسكوابت من حقيبتيهما ‪ ،‬ويفحصان‬
‫حمجوب ‪ .‬أي نعم ! هذا ما فكران فيه ‪ .‬هذا من عمل بيل بن هرسيا ‪ .‬إنه‬
‫عفريت ‪ .‬والدكتور ابرلو حياول اصطياده بطول طريقه من الصني ‪.‬و اآلن‬
‫استمعوا ! سوف نشفي حمجوب‬
‫( خيرجان حقنة هائلة ‪ ،‬وحيقنان بضع جالوانت من الدواء يف حمجوب ) ‪ ،‬ولكن‬
‫ما نريده هو العفريت ‪ .‬جيب أن منسك به ونقتله ‪ .‬وجيمع الطبيبان كل األطفال‬
‫ويعقدان جملساً للحرب ‪ ،‬ليناقشا طرق ووسائل قتل بيل هارسيا ‪ ,‬يثب صيب‬
‫صغري شجا – هو صدي مميز حملجوب – ويعرض أن يكون هو الطعم ‪ .‬وهو‬
‫سيذهب إىل املياه ل يصاب ابملرض ‪ ،‬وليغري العفريت حلتفه ‪ .‬ويضحك الطبيب‬
‫ابرلو ويقول أنه ليس هناك حاجة ألن يصاب ابملرض ‪ .‬أنظر ! وينقب يف‬
‫حقيبته ‪ ،‬وخيرج ‪ ،‬وسط شهقات اإلعجاب ‪ ،‬سرواالً كبرياً ‪ .‬ويقول مفسراً ‪ ،‬أن‬
‫هذا السروال من نو خاص جداً ‪ .‬فهو قد نقع يف زيت الكتان ‪ ،‬وإذا ارتداه‬
‫الصيب فإنه يستطيع أن خيوض املياه آمناً ولن ميلك العفريت أن يفعل شيئاً ‪.‬‬
‫ويرتدي الصيب السروال وخيطو يف املاء ‪ .‬ويظهر بيل بن هرسيا ولكنه يرتد على‬
‫ظهره مرتبكاً يف غضب ملرأى السروال ‪ ،‬ويتمكن الطبيبان الشجاعان من‬
‫إطالق النار عليه ‪ ،‬فيلفظ أنفاسه وقد عال فحيحه مطلقاً اهلواء من أنبوبته‬
‫الداخلية ‪.‬‬
‫وميوت بيل هارسيا ‪ ،‬ولكن أذاه لن ينته متاماً ‪ .‬ومرة أخرى جيمع الطبيبان‬
‫األطفال وحيذراهنم حتذيراً جدايً للغاية من خوض املياه إال إذا كانوا يرتدون‬
‫السراويل الزيتية ‪ ،‬وحيذراهنم ابلذات من السباحة ‪ .‬فهذا العفريت لسوء احلظ‬
‫قد مسم املياه كلها ‪ ،‬حبيث أهنا ستظل تصيبهم ابملرض لو سبحوا فيها ‪ .‬والبد‬
‫من أن ينتظروا حىت يتم حفر حبرية جديدة مجيلة ‪ ،‬واسعة ونظيفة ‪ ،‬هلا أشجار‬
‫من حوهلا وجزيرة من داخلها – حبرية الباشا يف القاهرة وليس فيها أي خطر ‪،‬‬
‫وميكن لكل واحد أن يسبح فيها كل يوم ‪.‬‬
‫***‬
‫القرنة ‪ ،‬مشرو رائد ‪:‬‬
‫القرنة ابلنسبة يل هي جتربة ومثال معاً ‪ .‬وكنت آمل أن يكون من القرية عرضاً‬
‫للطريقة اليت يعاد هبا بناء كل ري مصر ‪ .‬وكنت آمل أنه ما إن يرى الناس‬
‫ميكن أن يكون اإلسكان اجليد رخيصاً ‪ ،‬فإنه ستوجد بني فالحينا حركة‬ ‫كي‬
‫هائلة للبناء بطريقة (( أد العمل بنفسك )) ‪ .‬وحىت نعطي أكمل املعلومات‬
‫لبنّائي املستقبل الذين سيؤدون العمل أبنفسهم كان مطلبنا أن أنخذ يف إنشاء‬
‫هذه القرية ابتداء من تراب األرض ‪ ،‬و أن نصنع كل أصغر التفاصيل أبنفسنا ‪،‬‬
‫ونكتش كيفية القيام هبا ‪ ،‬وقدر تكلفتها ‪ ،‬وكان علينا أن نصنع طوبنا بنفسنا‬
‫‪ ،‬هو ومالطنا ‪ ،‬وأن حنفر طيننا ‪ ،‬ونستخرج جريان وحنرقه ‪ ،‬وحنتجر احلجارة‬
‫ألنفسنا ‪ ،‬ونصنع سباكتنا ‪ ،‬ونقوم بكل شئون نقلنا واحلقيقة أننا كنا نقوم بكل‬
‫املهام اليت يعهد هبا عاد ًة يف معظم املشاريع املماثلة من األعمال العامة إىل‬
‫سيمنح لنا به إال من‬
‫مقاولني خاصني – وفيما يعرض فإن حرية كهذه مل تكن مما ْ‬
‫مصلحة اآلاثر ‪ ،‬ذلك أن هذه املصلحة بسبب تعاملها مع اآلاثر الرهيفة ‪ ،‬كان‬
‫يسمح هلا هي وحدها من بني سائر املصاحل احلكومية أبن تش ّغِّل عماهلا اخلاصني‬
‫هبا وأن تشرف على العمل مباشرةً من خالل خربائها ومالحظيها ‪.‬‬
‫وكنت آمل أين ابهتمامي اهتماماً وثيقاً بكل تفصيل يف العمالة ومشرتايت املواد‬
‫‪ ،‬فإن هذا ينبغي أن ميكنين من عمل حتليل مفصل لتكالي القرية عند اكتماهلا‬
‫مت إنفاق كل قرش ‪ ،‬وأن أمتكن من أن أقول واثقاً أن‬ ‫‪ .‬وينبغي أن أعرف كي‬
‫قرية مثل كذا وكذا ‪ ،‬فيها العدد من أن أمتكن من أقول واثقاً أن قرية مثل كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬فيها العدد كذا من وأن أمتكن من أن أقول واثقاً أن قرية مثل كذا وكذا‬
‫‪ ،‬فيها العدد كذا وكذا من البيوت ‪ ،‬والعدد كذا من املباين العامة ‪ ،‬ستكل‬
‫ابلضبط قدر كذا من النقود وتتطلب قدر كذا من العمالة ‪ .‬وهبذا ميكن أتطب‬
‫نتائجي على أي مشرو يف املستقبل ‪ ،‬وميكننا أخرياً أن نضع جسراً فوق تلك‬
‫اهلوة الغامضة – اليت تبتلع ماليني كثرية من اجلنيهات – تلك اهلوة ما بني‬
‫اخلطط اليت تضعها هيئات التخطيط القومية ‪ ،‬واملباين اليت خترج للعيان كنتيجة‬
‫هلذه اخلطط ‪.‬‬
‫ورغم أننا يف القرنة كان علينا أن ندفع أجراً لعمالنا ‪ ،‬إال أننا مازلنا نستطيع كما‬
‫ينبغي أن نطب نظامنا من التخطيط والتحكم على أي قرية يترب سكاهنا ابلعمل‬
‫جماانً ‪ ،‬وال زلنا نستطيع كما ينبغي أن نضع ميزانية أي قرية يبينها املقاولون ‪،‬‬
‫ذلك أننا ميكننا تقدير نسبة مئوية من الربح تضاف إىل التكلفة اجملردة للمواد‬
‫والعمالة ‪ ،‬وندفع ذلك للمقاول ‪ .‬وكنت آمل أن تعطى نتائجي بياانت حمددة‬
‫ومفيدة ألولئك الناس الذين يقومون إبدارة خطط من نو (( اجلهد الذايت‬
‫املدعوم )) ابجملتمعات القروية ‪.‬‬
‫وكنت آمل أيضاً أننا قد نستطيع يف جلد إعادة غرس تلك التقنيات اليت‬
‫ازدهرت ذات يوم يف املنطقة ول كنها اآلن حمرومة منها ‪ :‬تقنيات بناء السق‬
‫املقيب اليت تقهقرت إىل اجلنوب يف اجتاه السودان وبقيت حية لآلن حياة‬
‫مزعزعة يف النوبة حتت هتديد دائم ابلزوال ‪ .‬ولو أهنا راحت ‪ ،‬فلو أهنا راحت ‪،‬‬
‫ستختفي لألبد ‪ ،‬مبا ال ميكن اسرتجاعه ‪.‬‬ ‫فإن معرفة طريقة بناء هذه األسق‬
‫فما إن تنقطع السلسلة املتعاقبة حيث األب يعلم االبن واملعلم يعلم الصيب ‪،‬‬
‫فإنه ما من حبث أثري يف املعامل مهما كان قدره ‪ ،‬سوف ميكنه استعادة هذه‬
‫املعرفة ‪ .‬ولعله ميكننا أن نسرتجع رويداً هذه املهارات إىل األرض اليت سب أن‬
‫احتضنتها ‪ ،‬لو جنحت جتربتنا يف القرنة فاجتذبت انتباه املهندسني املعماريني‬
‫وعموم اجلمهور يف مصر ‪ .‬ولعل القرنة أن تبني الطري إىل سياسة قومية واقعية‬
‫إلعادة اإلسكان ‪ ،‬خطة للبناء توفر ماليني البيوت اليت حتتاجها مصر بثمن‬
‫ميكن هلا حتمله ‪ .‬وقد حدث من آن آلخر أن نوقشت خطط من هذا النو‬
‫تتأسس على مواد وأساليب ونظم البناء التقليدية مما يستخدم يف املمارسة‬
‫املعتادة ‪ ،‬على أنه ما من خطة من هذا النو قد وصلت قط ألبعد من‬
‫املناقشات األوىل يف إحدى اللجان ‪ .‬ويرجع ذلك دائماً إىل نفس السبب ‪:‬‬
‫وهو قلة النقود قلة ابلغة ‪ .‬ويبدو وكأنه حمتوم ‪ ،‬أنه يف مكان ما بني طوري‬
‫التخطيط والبناء ‪ ،‬تتضخم التكلفة وتنفخ نفسها للحجم الذي خيي احملاسبني‬
‫فيتم التخلي عن اخلطة ‪ .‬ويف دأب يضع املخططون خطة أخرى ؛ وتكون‬
‫النتيجة هي نفسها ‪ :‬إهنا دائماً تكل أكثر مما تستطيع أي حكومة أن تتحمله‬
‫‪ .‬ملاذا ينبغي أن يكون األمر هكذا ؟ هناك سبب أساسي واحد ‪ :‬فما من‬
‫مهندس معماري يقوم يف املعتاد بعمل تصميمات للفالحني يف القرى ‪ .‬وما من‬
‫فالح حيلم أبن يستخدم مهندساً معمارايً ‪ ،‬وما من مهندس معماري حيلم أبن‬
‫يعمل مبوارد الفالح البائسة ‪ .‬فاملهندس املعماري يضع التصميمات للرجل‬
‫الغين ‪ ،‬ويفكر يف حدود ما ميكن للرجل الغين أن ينفقه ‪ .‬ومعظم عمل املهندس‬
‫املعماري يكون يف املدينة ‪ ،‬وهكذا فإنه يضع يف احلسبان موارد املدينة ؛ فهو‬
‫يفرتض وجود مقاويل البناء املتمرسني ووجود املواد املعقدة اليت تستخدم دائماً‬
‫يف بناء املدن ‪ ،‬ويفرتض ابلطبع أن عميله يستطيع أن يدفع مثنها ‪ .‬فاملهندس‬
‫املعماري يفكر تلقائياً يف اإلمسنت واملقاولني ‪ ،‬كلما طلب منه أن يبين ‪ ،‬وهو ال‬
‫يتصور أبداً أي بديل لنظام بناء القطا اخلاص احلضري ‪.‬‬
‫وكل هيئات التخطيط تعتمد ابلطبع اعتماداً كامالً على مهندسيها املعماريني‬
‫ابلنسبة للمشورة التقنية بشأن البناء ‪ .‬وهكذا فإن كل هيئات التخطيط ‪ ،‬ورمبا‬
‫دون أن تدرك ‪ ،‬تتخذ األفكار املسبقة للمعماريني عن اإلسكان القروي ‪،‬‬
‫ويصبح يف عقول أفرادها تصورهم ملا ينبغي أن تكون البيوت على منواله ‪ .‬فهم‬
‫يروهنا مبنية من اإلمسنت ‪ ،‬وقد بنتها شركات البناء التجارية العادية ‪.‬‬
‫وارتفا تكلفة خطط اإلسكان الريفي ليس انمجاً فحسب عن غلو مثن املواد‬
‫املستخدمة ‪ ،‬وإمنا ينجم أيضاً عن ذلك النظام الذي يضع تنفيذ العمل يف أيدي‬
‫بنائي القطا اخلاص ‪ .‬وينبغي أن يكون واضحاً ابلفعل أنه توجد مادة بناء‬
‫رخيصة جداً ووافية اب الغرض الكامل وهي طوب الل ن ؛ وإين آمل أن أبني أنه‬
‫يوجد أيضاً أسلوب لتنظيم العمل – على أي نطاق ويف أي مكان – يستطيع‬
‫أن يوفر علينا كل النفقات الباهظة اليت تصاحب استخدام مقاويل البناء ‪ .‬وكما‬
‫أن مادة بناء الفالحني – طوب الل ن – ال تتاح لنا إال إذا اختذان تكنيك‬
‫بناء رخيصاً‬
‫الفالحني للبناء ‪ ،‬فإننا مبا مياثل ذلك أيضاً ال نستطيع أن نبين ً‬
‫رخص ما يبنيه الفالح إال لو أسسنا تنظيماً للعمل يكون على أساس ممارسات‬
‫الفالحني ‪.‬‬
‫واحلكومات مل هتتم إال حديثاً ابلظروف البائسة اليت يعيش فيها معظم الفالحني‬
‫واليت تتزايد سوءاً زايدة سريعة ‪ .‬وعلى نفس املنوال ‪ ،‬فرغم أن الناس ظلوا‬
‫يبنون بيوهتم ألنفسهم طيلة ألوف السنني ‪ ،‬فإهنم مل يبداؤا إال حديثاً جداً يف‬
‫استشارة املهندسني املعماريني بشأن تصميم بيوهتم ‪ .‬أما قبل ذلك فكان البيت‬
‫)‪.‬‬ ‫من اخرتا الباين وحده ( عندما يكون فالحاً يف الري‬
‫؛ وهكذا فإنه ال يوجد إال حيثما توجد‬ ‫واملهندس املعماري هو ترف مكل‬
‫النقود ‪ .‬وملا كان املهندس املعماري يعمل يف خدمة عمالء موسرين نوعاً ‪ ،‬فإنه‬
‫ال يهتم اهتماماً دائماً بتخفيض تكلفة مبانيه ‪ .‬وتتحدد هذه التكلفة – بواسطة‬
‫مقاول البناء الذي ينفذ العمل ‪ .‬واملقاول احملرتف ‪ ،‬مثله مثل املهندس املعماري‬
‫‪ ،‬ينز ألن يكون مكلفاً؛ وهكذا فإنه أيضاً ال يوجد إال حيثما توجد النقود ‪.‬‬
‫واآلن ‪ ،‬فإن أصحاب النقود يف مصر حيبون العيش يف املدن ‪ ،‬وفوق ذلك ؛‬
‫فإن املدينة ذات احلجم املعقول هي وحدها اليت تستطيع أن توفر تدف قدر‬
‫كاف من العمل مبا يكفي لتشغيل املهندس املعماري واملقاول ابستمرار ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬فإن األفراد املختصني مهنياً ابلبناء – األفراد الوحيدون الذين لديهم‬
‫يف احلقيقة أي خربة ابلبناء يف الظروف اخلاصة السائدة يف املدن ‪ .‬فاملهندس‬
‫املعماري يضع تصميمه دائماً بتوقع أن تصميمه هذا سيتم تنفيذه بواسطة‬
‫مقاول بناء ‪ ،‬ومقاول البناء يفرتض دائماً وجود شركات أصغر يستطيع أن‬
‫يعطيها امل همة مبقاولة من الباطن ‪ ،‬كما يفرتض وجود إمداد كاف من مواد البناء‬
‫والعمالة ‪.‬‬
‫وعندما ترغب احلكومة أو أي هيئة أخرى أن تبين ‪ ،‬فإهنا حتصل على املشورة‬
‫التقنية من املهندسني املعماريني واملهندسون املعماريون يضعون التصميم‬
‫ويعدون التقديرات بفكرة أن العمل سيتم تنفيذه أبن يوكل به كاملعتاد إىل مقاول‬
‫البناء التجاري ‪ .‬وابلنسبة ملشرو يف املدينة – مستشفى أو رمبا بلوك من‬
‫املكاتب – تكون تكلفة البناء الذي يتم هبذا األسلوب تكلفة مقبولة للسلطات‬
‫‪ .‬ولكن عندما تصل السلطة إىل النظر يف أمر البناء على نطاق واسع يف الري‬
‫‪ ،‬وخاصة إلعاد ة إسكان أعداد كبرية من العائالت القروية ‪ ،‬فإن التكلفة اهلائلة‬
‫للمشرو حتكم عليه يف التو أبنه غري عملي ‪ .‬وهكذا فرغم أنه قد متت مناقشة‬
‫؛ إال أنه ما من خطة منها عاشت‬ ‫خطط طموحة كثرية إلعادة تنمية الري‬
‫ألكثر من أول اجتما للجنة يتكش فيه تكلفتها احملتملة ‪ .‬ونظام املقاوالت‬
‫هو الذي جيب أن يالم على هذه التكلفة العالية ‪ .‬فاملقاول الرئيس يعهد‬
‫ابلعمل إىل مقاويل الباطن ‪ ،‬الذين تتعدد مسئولياهتم عن بنود من مثل عملية‬
‫البناء ‪ ،‬والنجارة والرتكيبات الصحية ‪ ،‬والطالء ابجلص ‪ ،‬وما إىل ذلك ‪.‬‬
‫ومقاول الباطن بدوره يضع العمل بني يدي مقاول أنفار البناء الذي يش ّغل‬
‫العمال ابلفعل ويشرف على قيامهم ابملهمة ‪ .‬وهكذا فإن هناك وسطاء عديدين‬
‫‪ ،‬ينال كل منهم رحبه ‪ .‬ويساعد على رفع تكلفة املهمة ‪ .‬ومواد البناء أيضاً ‪،‬‬
‫عندما يتم شراؤها جاهزة من املمولني التجاريني ‪ ،‬فإهنا تنز إىل أن تكون غالية‬
‫الثمن ‪ .‬وهناك ضرران آخران عند تنفيذ مشاريع إعادة اإلسكان الكبرية‬
‫بواسطة مقاول خاص ‪ .‬فأوهلما ‪ ،‬أن املقاول الرئيسي يكاد يكون بعيداً عن‬
‫العمل بعداً مياثل بعد اهليئة املخططة عنه ‪ ،‬حبيث أنه ال يستطيع أن ميارس أي‬
‫حتكم يف تفاصيل البناء وتسلسل املسئولية من مقاول األنفار ‪ ،‬إىل مقاول‬
‫الباطن ‪ ،‬إىل املقاول الرئيسي ‪ ،‬حىت اهليئة املخططة جيعل تداوهلا يتم حبيث ال‬
‫يكون من املمكن السيطرة إبحكام على تكلفة البنود املفردة ‪ .‬كما أن املقاول‬
‫العمل أو أن‬ ‫ليس على صلة وثيقة بسوق العمالة ‪ ،‬حىت أنه ميكن أن يتوق‬
‫يصبح مكلفاً تكلفة غري معقولة ألنه ليس هناك عمال للقيام به ‪.‬‬
‫والضرر الثاين ‪ :‬أنه عندما يكون أحد املشاريع كبرياً مبا يكفي ‪ ،‬فإنه ميكن أن‬
‫يثري يف أسواق املواد والعمالة اضطراابً ابلغاً حىت ليدفع أبسعار هذه السلع إىل‬
‫االرتفا ألعلى كثرياً من مستواها العادي ‪ .‬وهكذا فإن خطط البناء الكبرية‬
‫جداً ال تضمن أي توفري ‪ ،‬وبدالً من أن تبين البيوت رخيصة فإهنا تصبح فعالً‬
‫أغلى بعشرات املرات ‪ .‬وسبب ذلك أنه ما من مهندس معماري يعرف‬
‫التكالي احلقيقية للبناء ؛ إنه يعرف فقط تلك األسعار اليت يعرضها عادةً‬
‫املقاولون ‪ .‬بل إن املقاولني ال يعرفون التكلفة ؛ فهم كلهم حتت رمحة‬
‫اقتصادايت احلرفة ‪ ،‬وال يستطيعون أن يتقدموا أبي ثقة بعروض ملشروعات‬
‫تكون كبرية مبا هو أكثر من املعتاد ‪ .‬وإذن ‪ ،‬فلماذا تتمسك اهليئات املخطّطة‬
‫بنظام املقاوالت ؟ السبب ببساطة أهنا تعتمد على مهندسيها املعماريني‬
‫للحصول على املشورة التقنية ‪ ،‬واملهندسون املعماريون ليس لديهم أي خربة‬
‫بطريقة أخرى لتنفيذ العمل ‪ .‬ومن النادر جداً عند مناقشة خطط اإلسكان‬
‫الريفي أن يتم النظر فيما يكون بديالً للمقاول اخلاص ‪.‬‬
‫على أن مثة بديالً قد اكتسب حديثاً بعض حتبيذ ‪ .‬وهو النظام املعروف ((‬
‫ابلعون الذايت املدعوم )) ‪ ،‬وخطط إعادة اإلسكان املؤسسة عل هذا األسلوب‬
‫للحصول على العمالة تتبناها حبماس وكاالت األمم املتحدة هي وهيئات أخرى‬
‫‪ .‬واملبدأ ابختصار هو كما يلي ‪ :‬احلكومة ‪ ،‬أو األمم املتحدة ‪ ،‬أو أي هيئة‬
‫مشرفة أخرى ‪ ،‬متد الفالحني ‪ ،‬يف منطقة ريفية ما فيها كساد ‪ ،‬ابملعدات واملواد‬
‫لبناء بيوهتم اخلاصة ‪ .‬ويتطو الفالحون بعملهم جماانً ‪ ،‬ومبساعدة اآلالت‬
‫حيسنون حالتهم هم أنفسهم ‪.‬‬
‫واملواد اليت أعطيت هلم ّ‬
‫ومشكلة هذا النظام أن (( العون الذايت )) ال يستمر إال طاملا يستمر الدعم ))‬
‫‪ .‬ويتعلم الفالحون طريقة تشغيل خالط اإلمسنت أو طريقة تثبيت سق مسب‬
‫التصنيع ‪ ،‬ولكن مبجرد أن يتوق وصول املواد اجملانية ‪ ،‬يصبح الفالحون يف‬
‫أسوأ حال كما هم دائماً – وذلك ابلطبع فيما عدا املباين اليت حازوها ابلفعل ‪.‬‬
‫والنقطة هي أهنم ال يستطيعون استخدام املهارات اليت تعلموها ألهنم ال‬
‫يستطيعون حتمل شراء هذه املواد ‪ .‬ومثة خطر آخر ‪ ،‬وهو أهنم قد يفقدون‬
‫حىت احلرف اليت كانت لديهم قبل ذلك ‪ ،‬واليت كانت متكنهم من استخدام‬
‫موادهم احمللية اخلاصة هبم ‪ .‬وقد حيدث هذا إما أبن ينبذ احلريف التقليدي‬
‫عامداً أساليبه القدمية ‪ ،‬نتيجة إلعجاب خاطئ بتفوق متخيل يف األساليب‬
‫األجنبية ‪ ،‬أو قد يكون السبب مما يبعث على السخرية أبكثر ‪ ،‬وهو أن‬
‫األسلوب األجنيب يطرد احلريف التقليدي بعيداً عن عمله ‪ ،‬منتزعاً منه هذا‬
‫العمل ‪ ،‬ومطارداً إايه إىل عمل من نو آخر ‪ .‬وعندما تنتهي فرتة اإلنشاء‬
‫املصطنع الوجيزة وتتخرب ا آلالت الغالية ‪ ،‬ويتوق اإلمداد ابملواد األجنبية ‪،‬‬
‫ال يبقى هناك من يبين ابألسلوب القدمي ‪ .‬واحلقيقة أن (( العون الذايت املدعوم‬
‫)) ال ينجح إال يف أن يضفي على احلرفيني احملليني إحساساً موهوماً ابلتقدم‬
‫والتفوق بينما هو يغويهم خنو مسار مسدود حمبط أميا إحباط ‪ ،‬حنو حرف معقدة‬
‫من احملتم أهنا بعد وقت قصري سوف تغل أبواهبا يف وجوههم ‪ .‬وإما أن يصبحوا‬
‫أتباعاً متحمسني لألساليب اجلديدة هم أكثر ملكية من امللك ‪ ،‬وحيتقرون‬
‫مهارهتم القدمية ‪ ،‬أو أهنم يطردون بعيداً ليصبحوا عماالً زراعيني ‪ .‬ويف كلتا‬
‫احلالتني تتخرب حرفتهم ‪.‬‬
‫وأحياانً يبدو األمر وكأن الناس يف املكاتب الكبرية النظيفة ‪ ،‬أو يف اجلامعات‬
‫الكبرية النظيفة ‪ ،‬يف البالد اجلميلة املتقدمة يسوؤهم انتشار الفقر والقذارة بني‬
‫ماليني األفراد يف البالد التعسة ‪ .‬وهم ال يستطيعون حتمل وجود هذا القذى يف‬
‫العني – أو يف العقل ‪ .‬إنه يشبه وجود شحاذ منفر أمام ابهبم ‪ ،‬وهم يريدون‬
‫التخلص منه أبسر ما ميكن كي يتخلص الرجل الغين من الشحاذ ؟ إنه‬
‫يرسل إليه عشرة قروش وبذا يشرتي لنفسه طمأنينة فكره – أو هو مبا يكون‬
‫ويشر لوضع الشحاذ فيه ‪ .‬وحل امللجأ رمبا حيدث‬ ‫أكثر فعالية ‪ ،‬يبين ملجأ ّ‬
‫استنكاره على نطاق األبرشية ‪ ،‬أما على نطاق املسائل الدولية فإنه مازال ِّّ‬
‫يصور‬
‫– فيما أعتقد – يف شكل (( العون الذايت املدعوم )) (( هيا أرسل مليون بيت‬
‫مسبقة التصنيع )) ‪ (( ،‬أمنح هلم محولة عشرين سفينة من اإلمسنت )) ‪.‬‬
‫(( أعطه مخسة قروش ليذهب بعيداً )) (( ايللرائحة الكريهة – امنحهم بعض‬
‫وسائل الصرف الصحي ))‬
‫(( حسن ‪ ،‬على األقل فإن حاهلم وهم يف هذه الثكنات سيكون أحسن مما‬
‫لديهم اآلن من تلك األكواخ الرهيبة ))‬
‫على أن حاهلم لن يكون أحسن ‪ .‬إن العشش اليت أقامها الالجئون حول غزة‬
‫فيها مجال ‪ ،‬واحرتام لذات أكثر مما يف أي مكان من مناذج املستعمرات الكئيبة‬
‫اليت أقامتها اهليئات اخلريية األجنبية ‪ ،‬كما يعيش كل فالح يف النوبة يف قصره‬
‫اخلاص البهي كاألمري ‪ .‬آه لو كان (( العون الذايت املدعوم )) هو حقاً كامسه !‬
‫آه لو أن ماحني الدعم أمكنهم رؤية ما يستطيع الفالح أن يفعله وهو يف أفضل‬
‫أحواله ‪ ،‬فوجهوا دعمهم ملساعدته على حتقي قدراته اخلالقة اخلاصة به ‪،‬‬
‫وعندها فإن فالح مصر سيتأتى له ال فحسب أن يعاجل مأزقه ‪ ،‬وإمنا ستتاح‬
‫الفرصة أيضاً هلذا املعماري ألن أييت مبا جيعله يفوز إبعجاب العامل ‪.‬‬
‫إن النظاميني اللذين يطرحان أغلب الوقت لتنفيذ خطط على النطاق الكبري –‬
‫نظام املقاولة ونظام (( العون الذايت املدعوم )) – ال ميكنها أن يكوان صاحلني‬
‫ملشكلة يف حجم مشكلة مصر ‪ .‬وبنفس الطريقة فإن هناك حلوالً هي غري‬
‫صاحلة – مثل استخدام اجليش أو مجاعات الطالب املتطوعني ‪ ،‬أو حىت العمل‬
‫اإلجباري ‪ .‬وعندما تبىن للفالح قريته كنوعمن عمل خريي ‪ ،‬فإنه لن يكتسب‬
‫املهارة واخلربة اللتني يكتسبهما لو بناها بنفسه ‪ ،‬وعندما يعود اجليش ‪ ،‬أو أاي ما‬
‫مبرور الوقت ‪ ،‬لن يتمكن القروي‬ ‫يكون ‪ ،‬إىل مقره ‪ ،‬وأتخذ املباين يف التل‬
‫من ترميمها ‪ .‬واألمر ابلضبط كحال رجل يريد حديقة فيذهب إىل دكان وحيصل‬
‫على عشرة من خرباء البساتني أيتون ليصنعوا له حديقة يف عطلة هناية األسبو‬
‫‪ .‬وستظل احلديقة مجيلة جداً ملدة أسبو ‪ ،‬ولكن الرجل تنقصه اخلربة ‪ ،‬ورمبا‬
‫حىت الدافع ‪ ،‬ألن حيافظ على حسن نظامها – ولعلها أبي حال هي ابلنسبة له‬
‫أكرب أو أغرب مما يستطيع تناوله – وهكذا فقبل أن ينقضي زمن طويل فإن‬
‫حديقته تصبح جرداء ؛ ومن الناحية األخرى ‪ ،‬فلو أنه صنعها بيديه ذاهتما ويف‬
‫وقتهاخلاص به ‪ ،‬فإهنم سيفهم كل أنمة فيها ‪ ،‬ويستطيع أن حيافظ على‬
‫جاذبيتها ‪.‬‬
‫وحىت ميكن أن يكون (( نظام العون الذايت املدعوم )) انجحاً جيب الوفاء‬
‫ابلشروط التالية ‪:‬‬
‫جيب أن تكون املواد اليت تعطى للفالح رخيصة ؛ رخيصة مبا ميكن‬ ‫‪-8‬‬
‫للفالح أن يشرتيه أو مبا ميكن للحكومة أن هتبه جماانً ‪.‬‬
‫جيب أن تكون املواد املمنوحة حبيث يستطيع الفالحون احلصول‬ ‫‪-0‬‬
‫عليها أبنفسهم دونعون حكومي ‪ ،‬عندما تصل اخلطة إىل هنايتها ‪ .‬ويعين‬
‫هذا يف التطبي ‪ ،‬أهنا جيب أن تكون مواد حملية شائعة ‪.‬‬
‫جيب أن تكون املواد حبيث ال حتتاج إىل عمل ماهر عند تناوهلا ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫يتجاوز ما يستطيع الفالحون أنفسهم حتمل تكلفة تشغيلية ‪ :‬مبا ال يزيد‬
‫مثالً عن بّناء القرية أو جنارها ‪ .‬وجيب أن تكون املواد حبيث ميكن تنفيذ‬
‫معظم العمل بعمالة من غري إشراف ‪.‬‬
‫وابختصار ‪ ،‬فإن (( العون الذايت املدعوم )) جيب أن يساعد الفالحني على‬
‫البناء مبواد حملية تكاد تكون بال تكلفة ‪ ،‬مستخدمني مهارات تتوافر لديهم‬
‫هم أنفسهم من قبل أو يستطيعون اكتساهبا بسهولة ‪ .‬وفوق كل شيء فإن‬
‫مواد من مثل احلديد الصلب أو اإلمسنت – أو حىت اخلشب ‪ ،‬حيث أنه يف‬
‫الغالب مما جيب دائماً أن يتم استرياده – هي مما ينبغي أن ينظر إليها بكل‬
‫االرتياب عندما يقرتح تقدميها ملساعدة الفالحني على بناء بيوهتم ‪ .‬فهذه‬
‫املواد جيب أال يسمح هبا يف اخلطط القومية إلعادة اإلسكان إال إذا كانت‬
‫البلد نفسها تنت هذه املواد رخيصة الرخص الكايف ‪ ،‬وإال إذا كان السكان‬
‫يكسبون املال الكايف لشرائها ‪.‬‬
‫وهناك نظام آخر استخدم يف بعض األماكن ‪ ،‬وإن مل يكن واسع االنتشار‬
‫يف مصر ‪ .‬وهو نظام (( النواة )) ‪ ،‬وفيه تقوم هيئة التخطيط بتصميم بيت‬
‫أو بيتني قياسيني وتبىن (( جزءاً صغرياً ًٍ )) من كل بيت ‪ ،‬وترتك شاغله‬
‫ليبين الباقي نفسه ‪ .‬واجلزء الذي تبينه احلكومة هو النواة ‪ ،‬وإسهام الساكن‬
‫يشكل بقية ا لتكوين ‪ ،‬وحيث أن النواة يتم بناؤها ‪ ،‬لسوء احلظ ‪ ،‬من‬
‫اإلمسنت أو الطوب احملروق ‪ ،‬فإن الفالح ال يستطيع حتمل تكلفة االستمرار‬
‫بنفس املواد ‪ ،‬ويتمسك أبن تكون اإلضافات بطوب الل ن ‪ .‬وهكذا ال‬
‫يكون مثة تواصل أو انسجام بني جزئي البناء ‪ ،‬وال يكاد إسهام احلكومة أن‬
‫يستح اسم (( النواة )) ‪ .‬ونظام النواة ‪ ،‬مثله مثل األنوا األخرى من ((‬
‫املعونة الفوقية )) ال حيفز احلرف احمللية واليعد الفالحني ألن يبنوا ألنفسهم‬
‫‪.‬‬
‫ولن يكون ألي خطة قومية لإلسكان يف بلد غري انم أي فرصة للنجاح إال‬
‫عندما يقر التقنيون – املعماريون املهندسون – الذين يعهد إليهم مبسئولية‬
‫إعادة إسكان مجهور من الفالحني أبنه ال ميكن أن تنشأ تقاليد للبناء هلا‬
‫قوهتا واستمراريتها الذاتية إال من محاس الفالحني انفسهم ‪ ،‬وأن هذا‬
‫احلماس ال ميكن أن ينبعث إال إذا رأى الفالحون أهنم يستطيعون حقاً بناء‬
‫شيئاً ‪ .‬وأنت عندما تريد زهرة ‪،‬‬ ‫بيوت جيدة ألنفسهم مبا اليكاد يكل‬
‫الحتاول أن تصنعها أبجزاء من الور والصمغ ‪ ،‬وبدالً من ذلك فإنك تكرس‬
‫عملك وذكائك لتهيئة األرض ‪ ،‬مث تضع فيها بذرة ترتكها لتنمو ‪ .‬وبنفس‬
‫الطريقة ‪ ،‬فإننا حىت نستفيد من رغبة القروي الطبيعية يف البناء ‪ ،‬جيب أن‬
‫نكرس أنفسنا إلعداد األرض أبن خنل جواً أو مناخاً اجتماعياً يزدهر فيه‬
‫البناء ‪ ،‬وجيب أال نبدد جهودان يف إنشاء مبان هي مهما يكون حذقها أو‬
‫روعتها ‪ ،‬إال أهنا ستكون عميقة ال تتكاثر ‪ ،‬مثلها مثل الزهور الصناعية ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن البذور موجودة ابلفعل يف األرض ‪ ،‬وقد أنبتت واستعدت لن‬
‫نفسه مع األرض عرب القرون‬ ‫تش طريقها للسطح ‪ ،‬والنبات قد كي‬
‫الطويلة ‪ ،‬وسيكون أزهاره إزهاراً وفرياً ‪ .‬وكل ما حنتاجه هو أن مننحه القليل‬
‫من التشجيع ‪ ،‬والقليل من التطهري من العشب ‪ ،‬والقليل من العزق ‪ ،‬ورمبا‬
‫بعض رذاذ من رشاشة للميا ه بطريقة ذكية ‪ ،‬سيكون فيهما الكفاية ألن يؤداي‬
‫إىل إعادة ميالد مبادرة الفالح للبناء ‪ ،‬اليت ستكون هكذا أقوى مبا ال هناية‬
‫له من أي مما ميكن أن يكونه برانم حكومي جاهز الصنع ‪.‬‬
‫***‬
‫النظام التعاوين ‪:‬‬
‫حنن نعرف ابلفعل أن املواد موجودة وأهنا رخيصة ؛ وحنن نعرف ابلفعل‬
‫تكنيك استخدامها ؛ ما الذي ميكن أن يعلمه لنا الفالحون أنفسهم بشأن‬
‫تنظيم العمل ؟ كي تقوم القرى بتنظيم نشاطها للبناء يف تلك األماكن اليت‬
‫مل ميسها بعد مقاول البناء التجاري ؟‬
‫إهنا تتعاون ‪ .‬وعندما يكون هناك منزل جديد ينبغي بناؤه يف قرية ‪ ،‬فإنه‬
‫يتوقع من كل فرد أن ميد يداً ‪ .‬ويساعد أفراد كثريون يف العمل ‪ ،‬وسرعان ما‬
‫ينتهي البيت ‪ .‬وال يدفع أجر ألي من هؤالء اجلريان املتعاونني ‪ .‬والعائد‬
‫الوحيد الذي يتوقعه الرجل الذي يساهم بيوم بناء يف بيت زميله القروي هو‬
‫أن هذا الزميل القروي سيفعل له نفس الشيء ذات يوم ‪ .‬وهكذا يصبح‬
‫البناء نشاطاً مجوعياً ‪ ،‬مثل احلصاد ‪ ،‬أو مثل إطفاء احلرائ ‪ ،‬أو مثل الزفاف‬
‫أو اجلنازة ‪ .‬ويف النوبة يبدو أن القرويني يعملون معاً ليساعد أحدهم اآلخر‬
‫مساعدة تتم طبيعياً وأبقل توجيه أو إشراف مثلهم مثل النمل أو النحل ‪.‬‬
‫على أن النظام التعاوين ال ميكن أن يصلح هبذه الطريقة التقليدية إال عندما‬
‫يتناول مشاكل تقليدية ‪ ،‬وإال عندما يكون اجملتمع نفسه تقليدايً حب ‪.‬‬
‫وعشرة بيوت جديدة يف كل سنة ال تشكل عبئاً كبرياً على موارد العمالة يف‬
‫القرية ‪ .‬وسيبقى هناك وقت للقيام برعاية احلقول وكل شئون احلياة األخرى‬
‫‪ .‬وابملثل ‪ ،‬فإنه عندما يعيش رجل على ما يزرعه ‪ ،‬وتكون النقود سلعة اندرة‬
‫‪ ،‬وعندما ال يكون قد مت إغواؤه مبعرفة ما ميكن للنقود أن تشرتيه ‪ ،‬فإنه‬
‫يكون على استعداد متاماً ملنح وقته لبناء منزل أو اثنني ‪ .‬فهو مل خيربه أحد‬
‫قط أبن (( الوقت هو النقود )) ‪ .‬أما عندما ينبغي بناء قرية جديدة أبسرها‬
‫‪ ،‬فإن البناء يتطلب قدراً كبرياً من وقت اجملتمع؛ واإلنسان إذا عمل مقابل‬
‫أجر ‪ ،‬فإنه لن يرغب بعدها يف العمل مقابل ال شيء ‪.‬‬
‫ورغم هذا ‪ ،‬فإنه لو أمكن أن جيعل النظام التعاوين نظاماً صاحلاً لذلك ‪،‬‬
‫فسيكون له ميزات هائلة تفوق أي نظام يستخدم البنائني احملرتفني ‪ ،‬فأوالً‬
‫وقبل كل شيء ‪ ،‬فإن القرية اليت يبنيها سكاهنا أنفسهم ستكون كائناً حياً ‪،‬‬
‫قادراً على النمو ومواصلة احلياة ‪ ،‬بينما القرية اليت يبنيها حمرتفون‬
‫مستأجرون ستكون شيئاً ميتاً يبدأ يف التهاوي يف اليوم التايل لرحيل البنائني ‪.‬‬
‫واثنياً ‪ ،‬فإن القرية املبنية تعاونياً ستكون أرخص كثرياً من القرية املبنية‬
‫ابلعمل املأجور – واحلقيقة أهنا النو الوحيد من القرية اليت تكون رخيصة مبا‬
‫يكفي ألن يتحمل بلد مثل مصر تكلفة بنائها أبعداد كبرية ‪.‬‬
‫ولو أمكن جعل النظام التعاوين التقليدي صاحلاً للعمل يف ظروف غري‬
‫تقليدية ‪ ،‬فمن الواضح أنه سيكون يف اإلمكان توسيعه وتطبيقه على برانم‬
‫لإلسكان اجلماهريي ‪.‬‬
‫والدافع األساسي للتطو اجملاين ابلوقت والعمل يف النظام التعاوين هو‬
‫الرغبة يف أن يلتقي الفرد نفسه عوانً مماثالً ‪ .‬واحلقيقة أنه مبدأ (( عامل‬
‫الناس مبثل ما حتب أن تعامل )) ‪ .‬فكل جار ‪ ،‬عندما يساعد يف بناء منزل ‪،‬‬
‫يرسى حقه يف أن يتلقى العون نفسه ‪ ،‬ويفتح حساابً يف نو من بنوك العمل‬
‫‪ .‬ولو مت اإلعرتاف هبذا املبدأ وأمكن حساب وتسجيل القدر املضبوط من‬
‫العمل الذي يوضع حلساب أحد األفراد ‪ ،‬فإن النظام التعاوين سيأخذ يف‬
‫جذب الفالحني حىت من يكون منهم جتارايً يف تفكريه ألقصى درجة ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن أي فرد حيب أن يكون له بيت جديد ‪ ،‬إذا كان أكرب‬
‫وأمجل من بيته احلايل ‪ .‬وأي فرد سيكون على استعداد لبناء منزل‬ ‫وأنظ‬
‫كهذا لنفسه إذا بينت له طريقة البناء ‪ .‬والعقبة هي أن البيت أساساً نتاج‬
‫مجوعي ؛ فال يستطيع فرد واحد أن يبين منزالً واحداً ‪ ،‬ولكن مائة رجل‬
‫يستطيعون بسهولة بناء مائة بيت ‪ .‬سيقول الفالح ‪ (( ،‬على رسلك ‪ ،‬إنين‬
‫أريد بيتاً ‪ ،‬فهيا نبنيه – ولكن ملاذا يبغي أن أبين بيتاً ألمحد ؟‬
‫(( والميكن حث هذا الفالح املتشكك على االنضمام خلطة البناء التعاوين‬
‫اجلموعي إال إذا كان إسهامه اخلاص يف البيت هو مما ميكن قياس قدره قياساً‬
‫مضبوطاً غري متحيز وتسجيله كقرض للمجتمع ‪ ،‬يقوم اجملتمع برده له يف‬
‫شكل بيت ‪.‬‬
‫وحىت ميكن قياس قدر العمل الذي يقرضه أي فرد قروي للمجتمع ‪،‬‬
‫وإلقرار هذا القرض بلغة من البناء الذي يدين به اجملتمع له ‪ ،‬فإن من‬
‫الضروري أن يعرف شيئان أبدق التفاصيل فيهما ‪ :‬األول ‪ ،‬قدر عدد‬
‫ساعات العمل املفيد اليت قام هبا أي عامل بعينه ‪ ،‬والثاين ‪ ،‬قدر العمل‬
‫ابلساعة – الرجل الذي يتم استهالكه يف أي عنصر يف البيت ‪ .‬وأول هاتني‬
‫املعلومتني ميكن احلصول عليه عن طري نظام حريص لتنظيم العمل وحتديد‬
‫مدى تقدمه ‪ .‬أما املعلومة الثانية فقد أوجدانها يف سياق العمل يف القرنة ‪،‬‬
‫فقد حللنا تكلفة كل مقطوعية من العمل وأرسينا له مقطوعيات قياسية‬
‫ميكن إقرارها بلغة النقود أو الساعات ‪ /‬الرجل – لكل طور من العمل يف‬
‫كل نو من البناء ‪.‬‬
‫التدريب أبداء العمل ‪:‬‬
‫إذا كان لقرية أن تبين بواسطة من سيسكوهنا مستقبالً ‪ ،‬فإنه جيب أن يوفر‬
‫فيهم املهارات الالزمة لذلك ‪ .‬ومهما كان ما يولده النظام التعاوين من‬
‫محاس ‪ ،‬فإنه محاس اليفيد إال قليالً إذا كان الناس اليعرفون كي يرصون‬
‫الطوب ‪ .‬إن العدد الالزم من العمال املهرة مهارة معقولة لبناء قرية هلوعدد‬
‫أكرب من أن يسمح ابستئجار أانس من خارجها ‪ ،‬فهذا سريفع التكلفة‬
‫ألعلى كثرياً مما ينبغي ‪.‬‬
‫والناس عندما يتحدثون عن التدريب فإهنم عادةً يفكرون يف املدارس ‪،‬‬
‫وهكذا يبدو وكأن من الطبيعي إنشاء مدارس فنية لتدريب الفالحني على‬
‫حرف البناء الضرورية ‪ .‬وينبغي أن أؤكد بقوة على أن املدارس الفنية ليست‬
‫هي ما يليب حاجتنا من العمال املهرة ‪ .‬فمن احملتم أهنا ستقوم بتدريس منه‬
‫أكثر تعقيداً عما ينبغي ‪ ،‬بينما حنن حنتاج إىل رجال هلم القدرة على أن يؤدوا‬
‫عدة عمليات من البناء لعلها تبلغ ست عمليات ‪ ،‬أما هذه املدارس فتنز‬
‫إىل أن تكون أكادميية وإىل أن حتدث يف عقول طلبتها حتيزاً ضد أي من‬
‫املمارسات اليت ال توجد يف املراجع ؛ وهي تعطي للخري شهادة دبلوم ‪،‬‬
‫جتعله حيس أبنه بلغ درجة من العظمة واألمهية حىت ليحتقر العمل اليدوي‬
‫ويفضل أن يصبح كاتباً يف مكتب حكومي ؛ وهذه املدارس جداً مكلفة‬
‫وتضي إضافة هلا قدرها إىل تكلفة برانم البناء ؛ وأخرياً فإهنا ستنت عدداً‬
‫كبرياً من احلرفيني الذين تدربوا تدريباً حاذقاً ‪ ،‬ولكنهم عند اكتمال قريتهم‬
‫لن جيدوا عمالً يؤدونه وبذا يضيعون ابلنسبة للحرفة وللزراعة ‪.‬‬
‫ال ‪ ،‬إن ما حنتاجه هو طريقة لتعليم الفالح عناصر البناء العملي حبيث‬
‫يستطيع اإلسهام إسهاماً مفيداً يف بن اء قريته ‪ ،‬ولكننا ال نريد أن حنوله من‬
‫مزار منت إىل بنّاء هو وإن كان ذا مهارة عالية إال أنه عاطل ‪ .‬فالبد‬
‫للفالح من أن يكتسب قدرة مناسبة على إقامة اجلدران واملخازن على‬
‫أرضه هو ؛ وأن يكون يف وضع ميكنه من مساعدة جاره بقدر من البناء ‪،‬‬
‫وأن حيتفظ ببيته اخلاص سل يماً ومرتباً ؛ ولكنه يعد نفسه دائماً عامل زراعة ‪،‬‬
‫وليس بّناء ‪ .‬والشك أن هناك جماالً للمقرر الدراسي للمدرسة الفنية ‪ ،‬فنحن‬
‫حنتاج إىل حرفيني حمرتفني ذوي مهارة عالية يكون منهم مكسب دائم للبلد ‪،‬‬
‫وميكن تدريبهم تدريباً مناسباً يف املدرسة الفنية ‪ ،‬على أن اجلمهرة من العمال‬
‫أنصاف املهرة حيتاجون إىل طريقة تدريب خمتلفة ‪.‬‬
‫وإين ألقرتح أن يتدرب هؤالء العمال ابلعمل يف املهمة ‪ .‬وسيكون من‬
‫الصعب تدريب عدد كبري من الصبيان ابلعمل يف مهام صغرية مثل البيوت‬
‫اخلاصة ‪ .‬وهذا هو السبب يف أنه من الضروري ‪ ،‬إذا كان للقرية ان يتم‬
‫بناؤها ابلنظام التعاوين ‪ ،‬أن نبدأ ابملباين العامة ‪ ،‬اليت توفر الكثري من الفرص‬
‫لتدريب القرويني على حرف البناء اليت ميكنهم تطبيقها فيما بعد على‬
‫مساكنهم اخلاصة هبم ‪.‬‬
‫وفوق ذلك فإنه غذا مت بناء املباين العامة بنفس أسلوب بناء املساكن‬
‫اخلاصة وبنفس وسائل إنشائها ‪ ،‬فإن القرية سيتأكد هلا االنسجام ملعماري‬
‫وسوف تتجنب مشهد جمموعة من املباين تعلن عن صفتها لرمسية وعما‬
‫تزعمه لنفسها من تفوق مبعمارها األجنيب – وهو انفصام كثرياً جداً ما يكون‬
‫لناس من رجال‬ ‫أكثر من جمرد مظهر سطحي فهو يربزأيضاً يف موق‬
‫احلكومة ‪.‬‬
‫وبتدريب القرويني على املباين العامة ‪ ،‬اليت ستقام أوالً كالقلب من القرية ‪،‬‬
‫فإنه سيمكننا االستفادة من املهندسني املعماريني واملعلمني احلرفيني الذين‬
‫يعملون حلساب اهليئة القائمة ابلبناء ‪ ،‬حبيث ميكنهم مترير مهارهتم للناس ‪.‬‬
‫وبعدها ‪ ،‬وحىت لو كانت اهليئة ال تستطيع حتمل تكلفة بناء بيوت خاصة‬
‫كثرية ‪ ،‬فإن املهارات املطلوبة يكون قد مت غرسها ‪ ،‬وسيكون مركز القرية‬
‫موجوداً ‪ ،‬وسيتمكن السكان من مواصلة العمل حلساهبم هم أنفسهم ‪.‬‬
‫وبعض عمليات البناء هي مما يسهل جداً تعلمه ‪ :‬كما مثالً يف بناء أضال‬
‫غرفة ‪ .‬وبعض العمليات األخرى أكثر صعوبة ‪ .‬فبناء قبو هو مهمة غاية يف‬
‫املهارة‪ ،‬ومن املعروف يف النوبة أن الصيب حيتاج إىل ثالث سنوات ليتعلم‬
‫كيفية رسم القوس الصحيح يدوايً ‪ .‬وميكن ابلطبع أن يعطي للبّناء غري‬
‫املتمرس قالب للقوس الصحيح ‪ ،‬حبيث تصبح مهمته أمراً يتطلب احلرص‬
‫بدالً من املعرفة ‪ .‬وقد فعلنا ذلك يف القرنة لزايدة س رعة تدريب الصبيان ‪،‬‬
‫وجنح ذلك جناحاً جداً طيب ‪ ،‬إال أن عبد العزيز ‪ ،‬معلمنا البّناء ‪ ،‬غضب‬
‫مين لذلك ‪ .‬وقال أنه كان يضرب ضرابً عنيفاً على أصابعه كلما ارتكب‬
‫خطأ ‪ ،‬وها حنن اآلن نبوح بسر الصنعة هلؤالء الصبيان من غري أن يك ّدوا يف‬
‫سبيل ذلك ‪ .‬وقد وصلت إىل االقتنا أبن عبد العزيز على ح ؛ وموقفه‬
‫هذا هو موق بنائي العصور الوسطى ‪ (( ،‬زمالء )) نقاابت احلرفة الفرنسية‬
‫‪ ،‬الذين كانوا يرعون يف غرية األسرار اليت مكنتهم من بناء العقود املعقدة‬
‫للكاتدرائيات القوطية حيث كل أنمة حركة حمسوبة بدقة ‪ .‬وكان البناءون‬
‫يتناولون من معلم البنائني رمساً لكل عقد ‪ ،‬ال ميكن هلم االحنراف عنه ‪.‬‬
‫وسواء يف أورواب العصور الوسطى ‪ ،‬أو يف القرنة ‪ ،‬أو النوبة البد للبّناء من‬
‫أن يتم نضجه يف مهنته على مدى زمن معني قبل أن يصبح مهيأ لتلقي‬
‫أسرارها العليا ‪ .‬وليس من طري خمتصر حقاً للوصول إىل املهارة احلرفية ‪،‬‬
‫ومثلها يف ذلك مثل أي شكل آخر من أشكال املعرفة ‪ .‬ومن السهل مثالً‬
‫تطبي معادلة ما يف اهلندسة ‪ ،‬ولكن مامل تكن تفهم طريقة استنباطها فإنك‬
‫قد تتورط يف املشاكل ‪ .‬ونض املهارة هلو خربة هلا قدرها من حيث أمهيتها‬
‫معنوايً ابلنسبة للحريف ‪ ،‬والرجل الذي يكتسب السيطرة القوية على أي‬
‫مهارة ‪ ،‬يصبح أيضاً أكثر احرتاماً لذاته ورفعة يف معنوايته ‪ .‬واحلقيقة أن‬
‫مايطرأ من حتول على شخصيات الفالحني عندما يبنون قريتهم هم أبنفسهم‬
‫هلو أكرب قيمة من التحول الذي يطرأ على حالتهم املادية ‪ .‬فكل رجل حرفة‬
‫يزيد ما يكتسبه ذاتياً من الفهم والكرامة ‪ ،‬بينما تكتسب القرية ككل حساً‬
‫من الروح االجتماعية ‪ ،‬ومن التكافل ‪ ،‬والتآخي ‪ ،‬ما ال ميكن الوصول إليه‬
‫إال مبثل هذا اإلجناز التعاوين ‪ .‬وبسبب هذه القيمة املعنوية للمهارات‬
‫اإلنشائية ‪ ،‬فإنه كثرياً ما كنت أفضل ما قد يبدو وكأنه الطريقة الصعبة للبناء‬
‫‪ .‬فمثالً ‪ ،‬يبدو أن الستخدام الرتبة املدكوكة مزااي كثرية تفوق استخدام‬
‫طوب الل ن – وأمهها أن عمليات صنع الطوب يتم اختصارها ‪ .‬و ال حيتاج‬
‫صنع اجلدران إىل أي مهارة سوى القوة الغشوم ‪ .‬على أين أعترب دائماً أن‬
‫رص الطوب نشاط فيه من النبل ما هو أكثر من املداومة على دك كتلة من‬
‫الرتبة طيلة ساعات يف إطار خشيب ‪ .‬وحىت من الوجهة العملية فإن تنمية‬
‫املهارات فيها مزااي ؛ والبّناء الذي يعتمد على القوالب للحصول على‬
‫األقواس الصحيحة ال ميكن له أن يقيم آمناً قبواً من فوق جدران تكون غري‬
‫متوازية ‪.‬‬
‫وقد شرحت من قبل أن نظام البناء التعاوين ال ميكن أن يصلح إال إذا أمكن‬
‫تسجيل عمل فرد كقرض للمجتمع لريد له يف شكل بناء ‪ .‬ومن الواضح‬
‫اآلن أن عمل البّناء املاهر ينبغي تقديره تقديراً أعلى كثرياً مما للعامل غري‬
‫املدرب ‪ .‬مرة أخرى ‪ ،‬فإنه إذا مسح اجملتمع لبنائيه أبن ينفقوا وقتهم الثمني‬
‫يف تعليم املتدربني ‪ ،‬فإن هذا الوقت ينبغي أن يدفع مثنه شخص ما ‪ ،‬وابلتايل‬
‫فإن خطة التدريب أبداء العمل جيب أن تتيح للمتدربني دفع مثن تدريبهم‬
‫أبن يهبوا إىل اجملتمع مهارهتم املكتسبة حديثاً أبجر أقل من الطبيعي ‪ .‬وقد‬
‫وضعت اخلطة التالية للتدريب أبداء العمل ‪ ،‬واليت طبقتها يف القرنة ‪:‬‬
‫يطلب من املساعدين – الشبان والصبيان الذين يقومون ابلعمل غري املاهر‬
‫– أن يراقبوا البنائني وهم يعملون حبيث ميكنهم أخذ فكرة عن نو العمل‬
‫الذي يتم أداؤه ‪ .‬ويتم اإلعالن عن مقرر التدريب شفوايً وابلكتابة معاً ‪ ،‬مع‬
‫شرح تفصيلي ملراحل التدريب ‪ ،‬واملهارات اليت ستعلم ‪ ،‬ومعدل األجور‬
‫املناسب لكل مرحلة ‪ .‬وعندما يظهر على أفراد من بني املساعدين أهنم‬
‫حريصون على التعلم أو يظهر فيهم أي استعداد ‪ ،‬فإهنم يوضعون على أول‬
‫درجة من السلم الذي يؤدي إىل أتهليهم النهائي كبنائني ‪.‬‬
‫وهناك مخس مراحل تدريب ‪:‬‬
‫( أ ) متدرب ‪ :‬أجر يومي ‪ 1 ،‬قروش ( نفس األجر للفاعل الصيب غري‬
‫املاهر ) ‪.‬‬
‫( ب ) صيب ‪ :‬أجر يومي ‪ 80 ،‬قرشاً ‪.‬‬
‫( ج ) مساعد بناء ‪ :‬أجر يومي ‪ 81 ،‬قرشاً ‪.‬‬
‫( د ) بناء أجر يومي ‪ 02 ،‬قرشاً ‪.‬‬
‫( ه ) معلم بناء ‪ :‬أجر يومي ‪ 92 – 12 ،‬قرشاً ‪.‬‬
‫ويتعلم من يتم قبوهلم يف الفصل أ – متدرب – كيفية إقامة األضال من‬
‫رسم خت طيطي لوحدة مربعة ‪ ،‬ورص الطوب للحوائط بسمك طوبة ‪ ،‬وطوبة‬
‫الطوبة ‪ ،‬وطوبتني ‪ ،‬ورص الطوب للجدران املتقاطعة ‪ ،‬ورص‬ ‫ونص‬
‫الطوب لألركان والعضادة ‪ .‬وكل هذه اجلدران تبىن ايبسة ‪ ،‬دون استخدام‬
‫ملالط ‪.‬‬
‫وبعد أسبوعني من التدريب خيترب املتعلم ملعرفة قدرته على رص ‪ 022‬طوبة‬
‫يف الساعة رصاً صحيحاً ‪ .‬وإذا اجتاز االختبار ‪ ،‬فإنه يعمل بعدها فيما‬
‫جرى بناؤه ابلفعل من املباين ‪ ،‬فيساعد معلمي بناء أبن يناوهلما املواد اليت‬
‫حيتاجاهنا ‪ .‬وسوف يراقب أيضاً عملهما بفهم أكثر ‪ ،‬حيث أنه قد مت تدريبه‬
‫‪ ،‬وسوف يتعلم من مراقبته هلما ‪ .‬والبد من أن يستمر ألسبوعني يف هذا‬
‫العمل ‪ ،‬بنفس األجر كفاعل ( ‪ 1‬قروش ) ‪ .‬مث يتقدم املتدرب إىل املرحلة‬
‫ب ويعود اثنية إىل الفصل ليتعلم املزيد بشأن حرفته ‪ .‬فريص الطوب لنفس‬
‫اجلدران ‪ ،‬كما من قبل ‪ ،‬ولكنه هذه املرة سيستخدم املالط ‪ .‬وسوف يبين‬
‫طوبة من الطوب األمحر مبالط طيين ‪ .‬كما يتعلم بناء‬ ‫حواجز من نص‬
‫الطوبة ‪ ،‬وطوبتني ‪ ،‬وكت‬ ‫أعمدة مربعة من مسك طوبة ‪ ،‬وطوبة ونص‬
‫‪ .‬وإذا استطا أن يكون‬ ‫جدارية بعرض طوبة على جدران من مسك خمتل‬
‫متمكناً من هذه العمليات خالل أسبوعي الدرس فإنه يعود اثنية إىل املهمة‬
‫الرئيسية األسبوعني ‪ ،‬حيث يساعد معلمي بناء أبن ميأل قلب اجلدران اليت‬
‫يبنياهنا ‪ .‬وهذا عمل مفيد ‪ ،‬ولكنه ال يتطلب مهارة بّناء مؤهل ‪ ،‬ألن‬
‫املساعد ليس مسئوالً عن استقامة اجلدران واستوائها ‪ .‬واملتدرب يدفع له‬
‫أثناء قيامه هبذا العمل ‪ 80‬قرشاً – أي أكثر من الفاعل املتواضع ‪ ،‬ألنه‬
‫اآلن قد خترج إىل مرتبة الصيب ‪ .‬وميكن القول أبن قيمة عمله هي على وجه‬
‫التقريب ربع قيمة معلمي البناء ‪ ،‬أو هي ‪ 02‬قرشاً يف اليوم ‪ .‬وفارق‬
‫القروش الثمانية بني أجره وقيمة عمله ميكن أن يعد مبثابة وفاء لدينه‬
‫للمجتمع عن تدريبه ‪.‬‬
‫وبعد أن يقوم هبذا العمل على وجه مرض ملدة أسبوعني ‪ ،‬يعود إىل فصل‬
‫املرحلة ج ‪ .‬وهو هنا يتعلم بناء العقود املفصصة بعم طوبة ونص الطوبة‬
‫على جدران مسيكة طوبتني ‪ ،‬ويكون حبر العقد من ‪ 2.1‬مرت و ‪ 8.0‬مرت (‬
‫للنوافذ واألبواب ) ويتعلم بناء العقود املدببة ذات البحر من مرتين ‪0 8/0‬‬
‫مرت ‪ .‬وإذا اجتاز اختباره ‪ ،‬ويكون يف هذه املرة بعد أسبو واحد فقط ‪،‬‬
‫فإنه يصبح مساعد بّناء ويذهب إىل العمل يف املهمة ملدة أسبو أبجر من‬
‫‪ 81‬قرشاً ‪ .‬وميكن اآلن أن نعد عمله مساوايً لعمل معلم بناء ( ‪ 92‬قرشاً‬
‫يومياً ) ‪ ،‬وهكذا فإننا نكسب منه ‪ 00‬قرشاً يومياً ‪.‬‬
‫واملقرر التايل من دروسه يستمر ألسبوعني ‪ ،‬حيث بناء األقبية دون شدة‬
‫ولبحر من ‪ ، 8 8/0‬و ‪ 1 ، 0 8/0‬أمتار ‪ ،‬وأن يبين قبة بيزنطية ( من‬
‫فوق خناصر متدلية ) هلا حبر من ثالثة أمتار ‪ .‬وحىت يتم خترجيه من هذه‬
‫املرحلة ‪ ،‬البد أن يكون قادراً على بناء قبو حبره مرت ونص املرت مبعدل مرت‬
‫طويل يف الساعة‬
‫( ‪ 820‬طوبة للمرت الطويل ) ‪ ،‬وقبو من مرتين مبعدل ‪ 92‬سنتيمرتاً للساعة‬
‫املرت مبعدل ‪12‬‬ ‫( ‪ 029‬طوبة للمرت الطويل ) ‪ ،‬وقبو من مرتين ونص‬
‫سنتيمرتاً للساعة ( ‪ 192‬طوبة للمرت الطويل ) ‪ .‬أما القبة اليت تتكون من‬
‫‪ 8922‬طوبة ‪ ،‬فينبغي أن يتم بناؤها يف يومني بواسطة اثنني من املتدربني ‪.‬‬
‫وملا كان البن اءون يعملون يف أزواج ‪ ،‬فإن هذه املعدالت تضاع ابلنسبة‬
‫لكل زوج من املتدربني وابلتخرج من هذه املرحلة ينال املتدرب لقب بّناء ؛‬
‫وإذا مل جيتز اختبار التأهيل ‪ ،‬فإنه يعاد إىل املهمة كمساعد بناء ملدة شهر‬
‫على األقل ‪ ،‬ميكن بعده أن يسمح له إبعادة املقرر ‪ ،‬إذا اجتاز أن يعود ‪،‬‬
‫وذلك بشرط أن يفهم أنه لن ينال أجراً ‪.‬‬
‫والبّناء املتخرج ‪ ،‬الذي ميكنه اآلن أن ينال ‪ 02‬قرشاً يف اليوم ‪ ،‬يكون حراً‬
‫يف أن أييت للعمل يف املهمة كلما وحيثما أحب ‪ .‬وبعد هذه املرحلة من‬
‫التدريب ‪ ،‬سواء اجتاز املتدرب اختباره أم مل جيتزه ‪ ،‬فإن مستقبل عمله‬
‫العمل الذي سيقوم به ‪ ،‬أو التدريب اإلضايف الذي يدخله ‪ ،‬هو أمر يرتك له‬
‫شأنه ابلكلية ‪ .‬وهبذه الطريقة فإنه لن يرغب يف دخول املرحلة التالية من‬
‫التدريب إال من يكون حريصاً أبلغ احلرص على ذلك ‪.‬‬
‫***‬
‫وفيما يلي ما يلزم إلعطاء املتدرب مؤهله النهائي كمعلم بناء ‪ .‬فالبد من أن‬
‫ي ن قباابً على اخلناصر املعقودة ويكون قطرها من ‪ 1‬أمتار وأربعة أمتار ‪،‬‬
‫وأن يبين قبواً على جدران تكون غري متوازية ‪ ،‬حبيث يكون حبر طرفه الكبري‬
‫‪ 1‬أمتار ‪ ،‬وأن تظل القمة أفقية طول املسافة ‪ .‬وهذه مهمة خداعة جداً ‪،‬‬
‫ألن الطلو جيب أن يعلو تدرجيياً يف سياق عمل البّناء ‪ .‬مث ال بد من أن‬
‫يبين سلماً حمموالً على أقبية ‪ .‬ويستمر هذا املقرر ألسبوعني ‪ ،‬وبعد اجتيازه‬
‫جيب أن يعمل املتدرب ملدة أسبو يف املهمة مع بنائي احلجر ‪ ،‬ليتعلم كيفية‬
‫معاجلة احلجارة ‪ ،‬وأخرياً فإنه يعطي شهادة تبني ما ميكنه القيام به ‪ ،‬وتشهد‬
‫له أبنه معلم بناء كامل التأهيل وكل فرتة التدريب ملعلم البناء تستغرق سبعة‬
‫عشر أسبوعاً وتكل ما يقرب من ‪ 122‬قرش ‪ ،‬أو مثانية جنيهات ‪ .‬ومثة‬
‫وفرة يف الوقت ‪ ،‬فاملتدرب الذي يلتقط العمل سريعاً يتعلم أسر ‪،‬‬
‫واستثمار اجلنيهات الثمانية يتم تعويضه ابلكامل حىت قبل أن يتم خترج‬
‫املت درب يف النهاية ‪ ،‬بينما لو نظران إىل أنه يف أول شهر له كمعلم بناء‬
‫سيمنح أجراً يقل عشرة قروش عن املعدل املعتاد أو يقل ‪ 82‬قرشاً يومياً لو‬
‫ظل يف درجة بناء فسوف جند أننا حنصل على ربح إمجايل ابلنسبة لكل‬
‫متدرب انجح ‪ .‬وحيث أن املتخرج املتوسط سيعمل لبضعة شهور قبل أن‬
‫يكون صاحلاً مبا يكفي لدفع أجر كامل له ‪ ،‬فإنه سريد مبلغاً كافياً لتغطية‬
‫مرتب املدرب ‪.‬‬
‫ونظام التدريب هكذا هو وسيلة عملية ميسرة إلنتاج العمال املهرة الذين‬
‫حنتاجهم ‪ .‬وهو مما يوصى به للمقاولني ‪ ،‬فيما لو أرادت احلكومة‬
‫استخدامهم ‪ ،‬ذلك أن الشاغل األكرب للمقاول هو أن جيد العمالة اليت‬
‫حيتاجها يف األماكن القصية ‪ .‬وقد اتصلت ابلعديد من كبار املقاولني ألعرف‬
‫ما إذا كانوا يرغبون يف استخدام بنائني مت تدريبهم هكذا ‪ ،‬ورحبوا مجيعاً‬
‫ابلفكرة يف محاس ‪ .‬فهي بال شك ستوفر هلم نقودهم ‪ ،‬ذلك أن حث بناء‬
‫يقيم يف املدينة على الرحيل إىل القرية بعيدة يستلزم أن يدفع له املقاول‬
‫ضع معدل األجر املعتاد ‪ .‬ومع كل ‪ ،‬فإن أي مشرو سيظل هو األرخص‬
‫لو أن احلكومة أقرضت املعدات للبنائني الصغار احملليني بدالً من تشغيل‬
‫كبار املقاولني ‪ ،‬ذلك أن البنائني الصغار هم الذين يقومون ابلعمل الفعلي‬
‫يف كل حال ‪ ،‬وهكذا فلو أهنم أعطوا الفرصة الستخدام املعدات اليت ال‬
‫يستطيعون يف األحوال الطبيعية حتمل تكلفتها ‪ ،‬فسيمكن إلغاء ربح املقاول‬
‫الكبري من قائمة احلساب ‪ ،‬وسيتم تشجيع االستثمار احمللي واالزدهار احمللي‬
‫‪ ،‬وسيسهل أبكثر تدريب احلرفيني احملليني ‪ .‬وقد ظهر الربهان الساطع على‬
‫أن هذا التطبي يتص أبنه عملي ‪ ،‬عند بناء مدرسة فارس ‪ ،‬حيث مل يتقدم‬
‫أي مقاول بعطاء هلا ‪ ،‬ورغم أن املقاولة ظلت معروضة لثالث سنوات متتالية‬
‫‪.‬‬
‫واشرتينا هناك معدات مبا قيمته ‪ 022‬جنيه وأقرضناها للبنائني الصغار‬
‫احملليني ‪ ،‬وكانت النتيجة أن املدرسة كلفت فحسب ثلث ما تكلفه املدارس‬
‫عاد ًة يف أماكن أكثر قرابً ‪ .‬ومدرسة فارس هبا عشر حجرات دراسية ‪،‬‬
‫ومكتبة واسعة صممت خصيصاً كمكتبة ‪ ،‬وغرفة واسعة متعددة األغراض‬
‫من خل مسرح مفتوح لعرض التمثيليات ‪ ،‬وقد تكلفت ‪ 92‬جنيه مصري‬
‫‪ ،‬يف حني أن مدرسة أخرى من نفس النو يف مدينة أسوان عاصمة احملافظة‬
‫‪ ،‬هبا فقط تسع حجرات دراسية وحجرة عادية تستخدم كمكتبة ‪ ،‬تكلفت‬
‫‪ 89.222‬جنيه مصري ‪.‬‬
‫ومعلم البناء بعد خترجه ‪ ،‬يعمل على األقل ملدة شهر أبجر من ‪ 12‬قرشاً ‪.‬‬
‫واملتخرج الذي يصل إىل مرتبة بناء ويعمل يف املهمة دون أن يواصل التمرين‬
‫ملعلم بناء سريد نقوداً مبعدل ‪ 192‬قرشاً بدالً من ‪ 092‬قرشا ومعلم البناء‬
‫الذي يظهر مهارة عالية يف البناء خالل الشهر األول بعد التخرج أثناء‬
‫عمله يف املهمة ‪ ،‬سيزيد أجره اليومي إىل ‪ 12‬قرشاً ‪ .‬وإذا استمر يف إظهار‬
‫التقدم يف فنه خالل الشهر التايل لرفع أجره هذا ‪ ،‬فإنه سيعطي يف النهاية‬
‫أجراً كامالً من ‪ 92‬قرشاً ( أنظر امللح ‪. ) 0‬‬
‫***‬

‫القرنة ليست هدفاً يف ذاهتا ‪:‬‬


‫مل تكن القرنة ابلنسبة يل هدفاً يف ذاهتا وإمنا هي أول خطوة جتريبية على الطري‬
‫املصري جتديداً كامالً من خالل إعادة بناء قراه ‪ .‬وقد مت يف‬ ‫إىل جتديد الري‬
‫القرنة جتربة مفهوم جديد متاماً لإلسكان الريفي وثبت أنه عملي ‪ .‬واجلزء األول‬
‫من هذا الكتاب يطرح برانجماً لتطبي هذا املفهوم يف محلة بطول البالد كلها‬
‫إلعادة بناء القرية ‪.‬‬
‫وقد يعرتض أبن اإلسكان الريفي ليس هو أكثر املشاكل إحلاحاً فيما يواجه‬
‫مصر ؛ وأن من األفضل لو أن املرء كرس انتباهه لتوفري العمل أو الطعام أو أي‬
‫مطلب آخر أكثر ضرورة ‪ .‬وال ميكن أن ينكر أحد أن املهمة األوىل العاجلة‬
‫ابلنسبة ملصر هي حتسني حياة شعبها ‪ .‬وإىل حد بعيد ‪ ،‬فإن اجلزء األكرب من‬
‫سكان مصر موجود يف القرى ؛ أو بكلمات أخرى ‪ ،‬فإن معظم املصريني‬
‫قرويون ‪ ،‬يعيشون عيشة ايئسة أبلغ البؤس ‪ .‬وهكذا فإن احلكم على أي‬
‫حكومة أو أي مذهب سياسي يف مصر يكون حسب جناحه يف رفع مستوى‬
‫معيشة هؤالء الفالحني ‪.‬‬
‫وإذن هل البيوت األفضل هي الضرورة األوىل لرفع مستوى املعيشة هذا ؟ ورمبا‬
‫ال ‪ ،‬ولكن هل هي الطعام ؟ إن مستوى املعيشة ال يتحدد فحسب بقدر‬
‫الطعام الذي أيكله الناس وال بقدر العمر الذي يقضون بعده ‪ .‬وقد اقرتح‬
‫اجمللس االقتصادي واالجتماعي لألمم املتحدة عدداً من (( العوامل واملؤشرات‬
‫لقياس مستوايت املعيشة )) يظهر من بينها بنود من نو (( االستجمام )) ‪ ،‬و‬
‫(( احلرية اإلنسانية )) ‪ ،‬و (( ظروف العمل )) ‪ .‬وال شك أن الصحة واستهالك‬
‫الطعام هي مما يؤخذ يف احلسبان ‪ ،‬وكذلك أيضاً اإلسكان ‪ .‬فمستوى املعيشة‬
‫يتحدد بعوامل كثرية ‪ ،‬واإلسكان ليس مطلقاً عامالً اتفهاً ‪ .‬وهو أيضاً العامل‬
‫الذي أستطيع ‪ ،‬بصفيت مهندساً معمارايً ‪ ،‬أن أعطي املشورة بشأنه ‪.‬‬
‫وحىت عندما يعرتف أبن ظروف اإلسكان هي أحد عناصر (( مستوى املعيشة‬
‫)) فإنه كثرياً جداً ما تقدر نوعية اإلسكان حسب توفريه جملرد غرفة ومنافع‬
‫صحية ‪ .‬على أنه قد ظهر املرة بعد األخرى أن غرفة أو غرفتني ‪ ،‬ودورة مياه ال‬
‫ترفع ابلضرورة من مستوى املعيشة ‪ .‬فالغرف املكدسة ‪ ،‬الغرف اليت حتتشد‬
‫ابلدواجن واحليواانت األخرى ‪ ،‬ال تساهم يف منح اإلحساس ابلرضا واألمان ‪.‬‬
‫وإذا كان لإلسكان أن يكون عامالً من عوامل مستوى املعيشة ‪ ،‬فإنه جيب أن‬
‫يكون إسكاانً يوفر سعة ومجاالً مثلما يوفر املراحيض ‪ .‬ولسوء احلظ ‪ ،‬حيث أنه‬
‫يبدو اإلسكان أييت يف مرتبة اتلية للتغذية كأحد العوامل يف اإلبقاء على حياة‬
‫الناس ‪ ،‬فإنه كثرياً ما يبدو أن املخططني يظنون أن جمرد احلد األدىن منه هو كل‬
‫ما ميكن حتمل تكلفته ‪ ،‬ويشبه ذلك ما يظنه بعض الناس من أن مسئوليتهم‬
‫تنتهي مبجرد أن يوفروا للعاطلني مطبخ حساء –لتغذيتهم ‪.‬‬
‫ومطبخ احلساء ليس كافياً ‪ ،‬وكذلك البيت الذي من احلد األدىن ‪ .‬وأي عائلة‬
‫إمنا حتتاج إىل بيت فيه ما يكفي من حيث السعة ‪ ،‬واخلصوصية ‪ ،‬والسالم ‪،‬‬
‫وفيه متسع للحيواانت وغري ذلك من األغراض اإلضافية اليت ال غىن عنها حلياة‬
‫األسرة ‪ .‬ويقول البعض من ذوي السلطان أن من املستحيل إعطاء ذلك‬
‫للفالح ‪ .‬وهم يشريون إىل صعوبة متويل البيوت اجليدة ‪ .‬فدخل الفالح املصري‬
‫هو يف املتوسط ‪ 9‬جنيهات يف السنة ‪ .‬كي ميكن للفالحني أن يدفعوا مثناً‬
‫ألي نو من البيوت ‪ ،‬د عنك بيتاً كبرياً ؟ وحىت مع القروض احلكومية ‪ ،‬فإن‬
‫معظمهم لن يستطيعوا دفع تكلفة أرخص التصميمات العملية اليت تعرض‬
‫عليهم ‪ .‬ويقول هؤالء الناس أن النقود ال وجود هلا يف الري – وهم حمقون يف‬
‫ذلك ‪.‬والبيوت تكل نقوداً ‪ ،‬وكلما كانت أكرب كلفت أكثر ‪ .‬ولن نستطيع‬
‫أبي حال حتمل تكلفة إعطاء بيوت لكل الفالحني ‪ ،‬وهكذا فحىت نستطيع‬
‫إسكان أكرب عدد ممكن ‪ ،‬جيب أن تكون البيوت اليت نعطيها هلم فعالً من أقل‬
‫نوعية مقبولة ‪.‬وهذا هو موق مطبخ احلساء يف أسوأ أحواله ‪.‬‬
‫لقد أصيب هؤالء الناس ابلفز بسبب أحد األرقام – وهو أربعة جنيهات‬
‫مصرية يف السنة ‪ .‬وهم بسبب تصورهم للبيوت على أهنا أشياء أتيت من املصانع‬
‫‪ ،‬أشياء هي نتاج مباشر أو غري مباشر للصناعة الكبرية ولألعمال املالية الكبرية‬
‫‪ ،‬فإهنم ال يستطيعون تصور أي طريقة ميكن هبا شراء بيت مقابل ‪ 9‬جنيهات يف‬
‫السنة ‪ .‬واحلقيقة أنه طاملا ظل تفكريهم حمصوراً ابلنظام النقدي ‪ ،‬وسجينا يف‬
‫صرح املقاوالت ‪ ،‬و مقاوالت الباطن ‪ ،‬والعطاءات وختصيص احلصص ‪ ،‬فإهنم‬
‫لن يروا أبداً أي طريقة لتوفري بيوت للناس تصلح ألن يعيشوا فيها ‪ .‬وحىت اآلن‬
‫فإن أي حل يطرح ملشكلة اإلنسان الريفي يف مصر يبدأ ابفرتاض أن بيت‬
‫اإلمسنت أفضل من بيت الل ن – وأن أول خطوة لتحسني بيوت الفالحني هي‬
‫(( حتسني )) مواد البناء ‪ ،‬وليس التصميم ‪ .‬وهذه املواد (( احملسنة )) هي على‬
‫حنو اثبت مواد مصنعة بواسطة الصناعة الكبرية ‪ :‬احلديد الصلب ‪ ،‬واإلمسنت ‪،‬‬
‫اخل ‪ .‬وابلطبع فإن هذه املواد تكلفت نقوداً – وكلما زدت منها يف البيت –‬
‫أي كلما كان البيت أكرب حقاً – كان عليم أن تنف أكثر ‪ .‬ويصل خمطوطاً إىل‬
‫استنتاج هم حمقون فيه متاماً ‪ ،‬وهو أننا ال نستطيع حتمل تكلفة إعطاء الفالحني‬
‫منازل أمسنتية واسعة ‪ .‬وليس فقط املنازل الواسعة ؛ بل إننا ال نستطيع حىت‬
‫حتمل تكلفة أصغر املنازل اإلمسنتية لكل الفالحني‬
‫حيرف تفسريها ‪.‬‬
‫الذين حيتاجون إليها – وهي حقيقية كثرياً ما ّ‬
‫ال ‪ ،‬عن أي حل يتطلب دفع مثن مواد بناء منتجة صناعياً ودفع أجور ملقاويل‬
‫البناء التجاريني هلو حل حمكوم عليه ابلفشل األكيد ‪ .‬فليس لدينا نقود كافية ‪.‬‬
‫وإن كان للبيوت أن يتم بناؤها مطلقاً ‪ ،‬وبكميات كافية ‪ ،‬فإهنا ال بد وأن تبىن‬
‫مبا ال يكل نقوداً ‪ .‬فالبد أن خنرج مباشرًة عن إطار النظام النقدي ‪ ،‬وأن‬
‫نتجاوز املصانع ‪ ،‬وأن نتجاهل املقاولني ‪.‬‬
‫كي ميكن القيام بذلك ؟ كي ميكن لنا أن نعيد بناء أربعة آالف قرية دون أن‬
‫نستخدم نقوداً ؟‬
‫إن اإلجابة موجودة يف هذه الصورة الفوتوغرافية ‪ .‬وهي تبني حجرة يف منزل‬
‫فالح يف النوبة ‪ .‬وهذا البيت ‪ ،‬مثله مثل مئات أخرى غريه يف القرى احمليطة‬
‫أبسوان ‪ ،‬قد مت بناؤه دون إنفاق قرش واحد ‪ .‬ومل يصل أي مقاول للبناء ملسافة‬
‫عشرة أميال منه ‪ .‬وهو ال حيوي أمسنتاً وال صلباً ‪ ،‬وال مواد بناء مطلقاً سوى ما‬
‫يتم إنتاجه يف املوقع ‪ .‬وبناء احلجرة يستغرق أسبوعاً واحداً ‪ .‬والبيت كله اليت‬
‫هي جزء منه يتم بناؤه يف ثالثة أسابيع ‪ .‬وهذه هي املزااي العملية ‪ .‬أما من‬
‫حيث الصفات اجلمالية فإن الصورة تتحدث بوضوح كاف ‪ .‬ويكفي أن نسأل‬
‫أين حيدث يف أي مشرو إسكان مجاهريي يف العامل حتت إشراف أي هيئة قومية‬
‫أو دولية ‪ ،‬أن جند مثل هذا التمكن من املساحة ‪ ،‬وهذا التناول الواث للنسب‬
‫‪ ،‬وهذا التناس ‪ ،‬والنبل والسالم ‪ .‬إن كل من له أعني ترى ‪ ،‬سوف يدرك أن‬
‫هذه الغرفة هي احلل (( ملشكلة )) اإلسكان يف مصر ‪ .‬أي جوانب يف املشكلة‬
‫حتلها هذه الغرفة ؟ األول جانب املال ‪ .‬إهنا تبىن ابلكلية من الل ن وال تكل‬
‫شيئاً ‪ .‬والثاين ‪ ,‬جانب املساحة ‪ .‬فنحل مشكلة املال ‪ ,‬ال يكون هناك قيد‬
‫على حجم البيت ‪ ,‬وعشر حجرات تكون يف رخص حجرة واحدة ‪ .‬و اجلانب‬
‫الثالث هو اجلانب الصحي ‪ .‬فاالتسا يعي الصحة ‪ ,‬بدنياً وعقلياً ‪ ,‬بينما مادة‬
‫البناء ‪ ,‬وهي الل ن ‪ ,‬ال أتوي احلشرات كما يفعل اخلشب والقش ‪ .‬ورابعاً‬
‫جانب اجلمال ‪ .‬إن متطلبات اإلنشاء وحدها فيها الكفاية تقريباً لضمان وجود‬
‫خطوط لطيفة سائغة ‪ ,‬كما أن حقيقة أهنا طريقه بال تكلفة تعطي للمصمم حرية‬
‫كاملة ألن ينت مجاالً فراغياً دون إحساس بقيد من ميزانية شحيحة ‪.‬‬
‫ميكن هلذه الغرفة أن حتل مشكلة حريت كل املعماريني واملخططني يف‬ ‫كي‬
‫مصر ؟ ما الذي يوجد عند الفالحني النوبيني وال يوجد عند مهندسينا املعماريني‬
‫؟ األمر األول ‪ ,‬أن لديهم التكنيك – تكنيك بناء األقبية بطوب الل ن ‪ .‬وهذا‬
‫حيررهم من التكلفة ‪ ,‬وميكنهم من بناء منزل كامل بسقفه وبكل شيء دون‬
‫إنفاق نقود ‪ .‬والثاين ‪ ,‬أن لديهم تقليد التعاون يف حياهتم اليومية ‪ ,‬حبيث أنه‬
‫عندما ينبغي بناء بيت ‪ ,‬فإن كل اجلريان أيتون للمساعدة ‪ ,‬وال توجد مشكلة‬
‫استخدام عمال ودفع أجر هلم ‪ .‬واملغزى الذي نستقيه من هذه الصورة ذو‬
‫شقني ‪ :‬أن تبين البيوت من طوب الل ن ‪ ,‬وأن تستخدم يف بنائها اخلدمات‬
‫اجملانية اليت يهبها من سيسكنوهنا مستقبالً ‪ .‬ومن املمكن عند هذه املرحلة‬
‫توجيه سؤال معقول ‪ ,‬هو ما الذي لدى جتربة القرنة لتضيفه ‪ ,‬إذا كان هذه‬
‫الصورة توضح كل هذه األمور ؟ حسناً ‪ ,‬لقد داوم النوبيون على البناء هكذا‬
‫طيلة ستة آالف سنة ‪ ,‬ومل يتنبه أحد ألمهية ذلك نقطة واملهندسون املعماريون‬
‫الذين تقتصر خربهتم على الب ناء يف املدينة حيتاجون لشيء من اإلقنا عندما‬
‫يطلب منهم وضع تصميمات للبناء ابل ن ‪ .‬وعندما يستدعي األمر على نطاق‬
‫واسع – كبناء قرى أبكملها ‪ ,‬ابملئات – فإنه سيودون معرفة ما إذا كانت‬
‫األساليب النوبية هي مما ميكن اختاذه ملثل هذه اخلطط دون أن تفقد مزاايها من‬
‫عدم التكلفة ومن اجلمال ‪ .‬ولعلهم يودون أيضاً معرفة ما إذا كان بيت طوب‬
‫الل ن ميكن أن يتضمن الرتكيبات الصحية وغريها من وسائل الراحة اليت تتطلبها‬
‫املدنية احلديثة ‪ ,‬وما إذا كان هذا البيت سيثبت يف النهاية أنه متني مثل البيت‬
‫املصنو من مواد البناء األكثر احرتاماً ‪.‬‬
‫ولست أزعم أن القرنة جتيب إجابة حامسه عن كل سؤال من هذه األسئلة ‪.‬‬
‫على أن األسئلة الرئيسية ‪ ,‬فيما يتعل بوسائل الراحة احلديثة والتحمل ‪ ,‬قد‬
‫متت اإلجابة عنها حقاً إجابة جد مرضية ‪ ,‬وقد بينا أن تقنيات الفالح ومواده‬
‫ميكن استخدامها يف خطط البناء املصممة معمارايً على نطاق واسع ‪ ,‬وابلنسبة‬
‫ملسألة التكلفة اخلطرية ‪ ,‬فإن القرنة فيها اقرتاح إجابة ال غري ‪ .‬ذلك أن القرنة‬
‫كانت حالة خاصة جداً ‪ .‬فنحن مل نكن نعيد بناء قرية موجودة ‪ ,‬يف تعاون‬
‫سعيد مع القرويني ‪ ,‬وإن ما كنا نبين على موقع جديد مركز استقبال لسكان‬
‫عليهم أن ينقلوا ضد رغبتهم ليغادروا مسكنهم املعتاد ‪ .‬وحىت يكون البناء‬
‫الريفي رخيصاً حقا ‪ ,‬فإنه البد أن يتم بواسطة الفالحني يف تعاون ابلتطو ‪,‬‬
‫وليس بواسطة الفعلة املأجورين ‪ .‬وقد ابتكرت طريقه ألدخل تقاليد القرويني‬
‫املتوارثة للبناء تعاونياً يف مشرو على نطاق كبري من مثل بناء قرية كاملة ‪,‬‬
‫ولكن معارضة أهل القرنة ألن ينقلوا كانت سبباً يف عجزي عن استخدام هذه‬
‫علي أن أستخدم فعله وأدفع هلم أجرا ومع كل ‪ ,‬فقد كانت من‬
‫الطريقة ‪ .‬وكان ّ‬
‫السهل متاماً أن نطرح تكلفة العمالة من التكلفة الكلية حىت نصل إىل تقدير‬
‫التكلفة يف خطة مماثلة تستخدم عمالة تعاونية جمانية ‪ .‬وبعد القرنة ‪ ,‬وددت‬
‫كثرياً لو واتتين الفرصة لتجربة نظام التعاون التطوعي يف أحد مشروعات البناء‬
‫الكبرية ‪.‬‬
‫***‬
‫جتربة ولدت ميتة ‪ ،‬ميت النصارى ‪ :‬إبليس يف مطاردة ال تلني‬
‫واتتين الفرصة يف عام ‪ ، 8129‬عندما اهنار جزء كبري من قرية مميت النصارى‬
‫حم رتقا‪ ..‬وأصبحت مائتا أسرة بال مسكن ‪ ،‬وتعيش يف اخليام يف كرب عظيم‪،‬‬
‫وأرادت احلكومة إعادة إسكاهنم أبسر ما ميكن ‪.‬‬
‫وكان سيمنح لكل أسرة ‪ 022‬جنيه مصري ‪ ،‬منها مائة جنيه هبه ابلكامل من‬
‫وزارة األشغال ومائة جنيه كقرض من وزارة الشئون البلدية والقروية‪ .‬وسرعان ما‬
‫أصبح واضحاً أن هذا املبلغ لن يكفي ألن تبين العائلة لنفسها بيتاً جديداً من‬
‫خالل الوسيط املعتاد من املقاولني اخلاصني ‪ ،‬وهكذا دعاين وزير الشئون‬
‫االجتماعية ألعمل كمستشار للجنة اليت كان عليها توفري هذه البيوت اجلديدة‬
‫‪.‬‬
‫ووجدت أن األسر اليت فقدت مأواها تتوقع من احلكومة أن توفر هلم البيوت‬
‫اجلديدة وكأهنا مالك يرعاهم ‪ .‬وبدا أن املوق السائد هو كالتايل ‪ (( :‬حسناً )‬
‫إذا كان يف إمكاهنم إعطاؤان ‪ 022‬جنيه مصري ‪ ،‬فلم ال يعطوان ‪ 922‬جنيه أو‬
‫‪ 8222‬جنيه ؟ وفكرت أن ‪ 022‬جنيه قد تكون حقاً كافية لتغطية تكلفة‬
‫املواد من مثل اخلشب واملواسري اليت ال ميكن صناعتها حملياً ‪ ،‬كما تكفي أيض ًا‬
‫لتكلفة العمالة املاهرة واملساعدة الفنية ‪ ،‬بشرط أن يساهم القرويون أنفسهم‬
‫ابلعمالة غري املاهرة وأن يقرضوا حيواانهتم للمساعدة يف نقل املواد ‪.‬‬
‫وسرعان ما أدركنا أننا لن نستطيع فيما حيتمل تسجيل حساابت اإلسهام‬
‫ابلعم الة لكل عائلة من املائيت عائلة وماهلا من دين يف البناء وأننا أذا حاولنا‬
‫التعامل مع كل عائلة على حده ‪ ،‬فإننا لن نتمكن من ضمان انسياب العمال‬
‫انسياابً منتظماً ؛ فالناس سينطلقون دائماً إىل السوق أو إىل احلقول وسيكون‬
‫علينا إنفاق الوقت يف التنظيم أكثر مما يف الب ناء ‪ .‬كما وسيكون من املستحيل‬
‫أيضاً مجع األفراد دون متييز أو أبي مما يكون من جداول العمل وذلك أن‬
‫األفراد لن يدفع هلم أي أجر ‪ ،‬ومثل هذا األسلوب سيكون نوعاً من العمل‬
‫اإلجباري ‪ .‬وهلذه األسباب ‪ ،‬قرران أن نقسم السكان إىل حوايل عشرين جمموعة‬
‫من العائالت ‪ ،‬وطلبنا من كل جمموعة اختيار ممثل هلا – رجل مسن ميكننا‬
‫التفاوض معه ‪ .‬وكل جمموعة من العائالت تكون مسئولة عن إجياد حصتها من‬
‫العمالة يف الوقت املناسب ؛ وسوف يعهد ابلبيوت إىل جمموعة العائالت ؛ ويتم‬
‫توقيع العقد مع جمموعة العائالت اليت ميثلها الرجل املسن ‪ .‬وكل جمموعة من‬
‫هذه اجملموعات تضم ما يقرب من عشرين عائلة ميكنها أن تقدم على األقل‬
‫ثالثني عامالً ‪ ،‬وميكنها تنظيم األمور حبيث يؤخذ من العائلة الفقرية أقل من‬
‫غريها فتستطيع احملافظة على اإلمداد ابلعمال بينما يسمح للعائالت الفردية‬
‫ببعض احلرية يف التزاماهتا ‪.‬‬
‫***‬
‫تنمية اجملتمع على املستوى اجلذري ‪:‬‬
‫ما إن قرران ذلك ‪ ،‬حىت أصبح من الضروري شرح اقرتاحاتنا للقرويني ‪ .‬ويف‬
‫أول األمر أبدوا عداء لفكرة طوب الل ن ‪ ،‬ولكن عندما شرح هلم أنه ما من‬
‫وسيلة أخرى للحصول على بيت مقابل تلك النقود ‪ ،‬وأنه حسب هذا‬
‫النظام سيكون يف إمكاهنم احلصول على بيت مقابل تلك النقود ‪ ،‬وأنه‬
‫حسب هذا النظام سيكون يف إمكاهنم احلصول على بيت واسع مجيل ‪،‬‬
‫فإهنم وافقوا ‪ .‬وكنا وقتها قد وضعنا تقديراتنا على أساس املعلومات اليت‬
‫حصلنا عليها من القرنة ‪ ،‬وحسبنا أنه ميكن إعادة إسكان القرية بتكلفة ‪19‬‬
‫جنيهاً للمنزل ‪ ،‬وبذا نضع يف جيوب القرويني ‪ 89‬جنيهاً ومنكنهم من‬
‫االستغناء عن قرض اجلنيهات املائة ‪.‬‬
‫واختذت هذه التقديرات شكل برانم كامل للعمل ‪ .‬ووضح على خريطة‬
‫للقرية أين ستكون بيوت كل جمموعة من العائالت ‪ ،‬وبني جدول العمل أي‬
‫جزء من العمل ينبغي توفريه بواسطة العمالة غري املاهرة من الفالحني ‪ ،‬وأي‬
‫جزء ابلعمالة املاهرة اليت تستأجرها احلكومة ‪ ،‬وأي جزء من العمالة ينف يف‬
‫التدريب ‪ .‬وتعاقد كل طرف على توفري قدر معني من العمالة ‪ ،‬وأي جمموعة‬
‫عائالت تتخل عن هذا االلتزام تفقد كل حقها من املعونة احلكومية ‪.‬‬
‫وما إن مت شرح اقرتاحاتنا وواف القرويون على فكرة إنفاق نقودهم على‬
‫املهندسني املعماريني واحلرفيني بدالً من إنفاقها على اإلمسنت املسلح ‪ ،‬حىت‬
‫أصبح علينا أن نريهم نو البيوت اليت ستكون هلم ‪ .‬ورتبنا خلمسة من ((‬
‫املسنني )) ومعهم مخسة من بنائي القرية ‪ ،‬أن يسافروا إىل القرنة ‪ ،‬حيث‬
‫يرحب هبم أهل القرنة وتعرض عل يهم املباين هناك ‪ .‬وأعددان يف نفس‬
‫الوقت خططاً لعدد من عينات للبيوت ‪ ،‬وابستخدام هذه اخلطط ‪ ،‬قمنا‬
‫بتقديرات تفصيلية لكمية ونو العمالة ( احملرتفة أو التعاونية ) املطلوبة لكل‬
‫‪ .‬واخرتان موقعاً للقطا اجلديد ‪ ،‬ولكننا تريثنا قبل وضع الرسم التخطيطي‬
‫حىت يكون لدينا الوقت الكايف الستقصاء الرتكيب االجتماعي للعائالت ‪،‬‬
‫ولتحديد حجم اجملموعات ‪ .‬وتعيني املندوبني املسنني ‪ ،‬ولنناقش توزيع‬
‫العائالت على وحدات اجملاورة ‪ .‬وكان ينبغي القيام هبذا كله قبل إمكان‬
‫تصميم البيوت املنفردة ‪.‬‬
‫وكنا على استعداد العتبار حجم كل عائلة ورغباهتا املعقولة وحنن نصمم‬
‫بيتها – ومل يكن لدينا اعرتاض ألن تدفع العائلة مبلغاً إضافياً يكون مثالً‬
‫لزايدة اتسا املبىن ‪ ،‬أو لبعض جتهيزات مرتفة – ولكن كان علينا أن جنعل‬
‫واضحاً أن شاغلنا الرئيسي هو إسكان املنكوبني وليس إرضاء نزوات أولئك‬
‫الذين ميكنهم الدفع ملهندس معماري خاص ‪.‬‬
‫وكل قرية يوجد لديها ميل تقليدي ومنطقي جداً للنظر إىل (( احلكومة ))‬
‫كنو من وثن معبود ‪ ،‬جيب خشيته واسرتضاؤه ‪ ،‬والتوسل إليه ‪ ،‬ولرمبا‬
‫أمكن استنزال بعض بركات منه غري متوقعة ‪ ،‬إال أنه من النادر أن خيطر‬
‫للقروي أن احلكومة هي شيء ميكنك أن تتعاون معه ‪ ،‬شيء ميكنك حىت أن‬
‫تربم معه اتفاقاً معقوالً لتتناول إحدى املشكالت ‪ .‬وكان علينا أن نقنع‬
‫فالحي ميت النصاري أن سلطان احلكومة ليس إهلياً وبال حدود ‪ ،‬وإمنا هو‬
‫على العكس من ذلك سلطان ميثله متثيالً دقيقاً جداً مبلغ املائيت جنيه اليت‬
‫سب تقدميها ‪ ،‬وأن كل ما ستقدمه احلكومة اآلن هو فحسب النصيحة‬
‫الطيبة بشأن طريقة إنفاق النقود على أحسن ما يفيد ‪ .‬وتكلفة كل شيء –‬
‫من معماريني ‪ ،‬ومهندسني ‪ ،‬وآالت ‪ ،‬وبنائني ‪ ،‬وكتبة – كلها جيب أن أتيت‬
‫من تلك النقود ولو أاتح القرويون ألنفسهم فرصة اإلفادة خبربتنا ‪ ،‬فإهنم‬
‫سوف يتمكنون من احلصول على بيوت جيدة بثمن رخيص جداً ‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك لن يكون إال إذا أسهموا هم أنفسهم بال مقابل ابلعمالة غري املاهرة‬
‫وابلكثري من عمليات النقل ‪.‬‬
‫ويف النهاية ‪ ،‬تفهم القرويون مقرتحاتنا تفهماً وحتمسوا هلا ‪ .‬فقد كانوا جداً‬
‫بؤساء يف خيامهم ‪ ،‬وعلى عكس أهل القرنة ‪ ،‬مل يكن لديهم ما يفقدونه حينما‬
‫يوافقون على خطتنا ‪ .‬ولسوء احلظ ‪ ،‬وكما حدث يف القرنة ابلضبط ‪ ،‬سلكت‬
‫احلكومة مسلكاً يتف وشهرهتا كوثن معبود أبن نقلت فجأة مسئولية كل مبىن‬
‫يف البالد من الوزارات املختلفة إىل وزارة الشئون القروية والبلدية وهي وزارة مل‬
‫تكن تتعاط وما طورته من أساليب ‪ ،‬فعهدت ابملهمة يف التو إىل مهندسيها‬
‫هي املعماريني لينقذوها أبسلوب اإلمسنت التقليدي الغايل ‪ .‬وهكذا مل يكتمل‬
‫قط مشرو ميت النصارى ابلطريقة اليت تصورهتا ‪ .‬ومع هذا فإن استجابة‬
‫القرويني املشجعة ملشروعنا جتعلين أعتقد أننا ميكننا أن نصل إل استنتاج متفا ئل‬
‫معقول أبن البناء تعاونياً هو مما يصلح يف معظم حاالت إعادة إقامة القرى يف‬
‫مصر ‪.‬‬
‫وقد شجعين ابلذات ما رأيته من أن القرويني مبجرد معرفتهم أبنه ستكون هناك‬
‫حاجة للرمل من قا النهر لصناعة الطوب ‪ ،‬وأن هذا الرمل جيب استخراجه‬
‫خالل أسابيع قليلة قبل أن يفيض النهر ‪ ،‬فإهنم أخذوا كل محريهم ومجاهلم‬
‫ليحفروا وينقلوا أبنفسهم كل ما حنتاجه من رمال ‪ ،‬دون انتظار لعقود أو‬
‫اتفاقات او للمسنني أو ألي من ترتيباتنا الورقية لتقدير حساب عملهم ‪.‬‬
‫وهناك اكتشاف تقين هام انبث من مشرو ميت النصارى ‪ ،‬وهو طريقة سريعة‬
‫لصنع الطوب ‪ .‬فقد كان علي نا بسبب نكبة القرويني احلادة أن نبين القرية‬
‫أبسر ما ميكن ‪ ،‬وهكذا كنت على استعداد ال ستخدام أي وسيلة لتوفري‬
‫الوقت ‪ .‬وهر إىل مساعدتنا الدكتور يتزار ‪ ،‬وهو مستشار ميكانيكا الرتبة‬
‫لشركة بوم ‪ .‬ماربن ‪ ،‬واقرتح أن تزداد سرعة إنتاج الطوب خبلط مكوانته اجلافة‬
‫– الرتبة والرمل – يف خالط أمسنت ميكانيكي مع استخدام البخار بكمية يتم‬
‫التحكم فيها حبرص ‪ .‬ويتخلل البخار كتل الرتبة ختلالً أفضل كثرياً مما يستطيعه‬
‫املاء ‪ ،‬فيغل كل جزئ بغشاء مائي ‪ ،‬وهبذا نصل إىل مزج الرتبة واملاء يف التو‬
‫مزجاً كامالً وابلنسبة الصحيحة ابلضبط دون حاجة إىل صنع طني رطب رطوبة‬
‫‪.‬‬ ‫ابلغة مث تركه طيلة أايم حىت جي‬
‫ووجدان هذا اخلليط املرطب ابلبخار ‪ ،‬عندما يصنع منه الطوب بواسطة مكبس‬
‫ميكانيكي نفس الضغط الذي ينت عن ماكينة وجنت – مثانية ضغوط جوية –‬
‫فإنه ميكن استخدامه مباشرًة يف البناء ‪ .‬وأرسلنا عينات من الرتبة احمللية يف‬
‫معامل القسم اهلندسي جبامعة القاهرة ‪ ،‬حيث وجد أنه جيب إضافة قدر من‬
‫الرمل لتحسني درجة التحبب ‪ ،‬وعندما مت ذلك أصبحت قوالب الطوب‬
‫تتحمل ضغطاً من أربعني كيلوجراماً لكل سنتيمرت مربع ‪ .‬ومت صنع عينات‬
‫الطوب هذه مبعدات مطورة يف ورش شركة بوم – ماربن ‪ ،‬اليت أظهرت اهتماماً‬
‫أبحباثنا ‪ ،‬وكانت على استعداد ألن تقدم لنا عوانً مهماً يف إنتاج الطوب للقرية ‪،‬‬
‫وعلى أنه ينبغي التأكيد هنا ‪ ،‬على أن هذا االستخدام للماكينات مل يطرح إال‬
‫بسبب حاجة القرويني للبيوت ‪ .‬أما يف القرية العادية ‪ ،‬حيث يكون للناس من‬
‫قبل بيوت من نو ما حبيث ميكنهم أن يبنوا بيوهتم اجلديدة على مهل ‪ ،‬فإنه‬
‫ليس من حاجة قط ‪ ،‬ألي سبب كان ‪ .‬لطوب مصنو ابملاكينة ‪ .‬وقوة التحمل‬
‫اليت يصل قدرها إىل أربعني كيلوجراماً لكل سنتيمرت مربع هلي متاماً من ابب‬
‫التزيد ‪ ،‬وملا كانت هذه القوالب أشد كثافة وأكثرتوصيالً للحرارة من القوالب‬
‫اجملففة يف الشمس ‪ ،‬فقد يثبت يف النهاية أهنا حىت ذات ضرر أكيد ‪ .‬وهي‬
‫ابلتأكيد أكثر تكلفة ‪.‬‬
‫ومثة اجتاه تعس عند الكثريين من املعماريني واملهندسني ‪ ،‬حينما يتناولون مسألة‬
‫اإلسكان منخفض التكلفة ‪ ،‬أبن يدخلوا تعقيدات مكلفة هي يف احلقيقة من‬
‫غري املطلوب ابملرة ‪ .‬وإنه ليبدو يل أن الكثري من جتارب يثبت الطني ابإلمسنت‬
‫والبيتومني الستخدامه يف البناء هلي مما قد أسئ توجيهه ‪ .‬فقالب طوب الل ن‬
‫العادي اجملف يف الشمس ‪ ،‬فيه الكفاية متاماً لبناء بيت عادي ‪ ،‬وميكن يف‬
‫مصر أن يتم صنعه مبا اليكاد يساوي شيئاً ‪ .‬وهوال حيتاج لوقاية أبكثر من أن‬
‫يغطي بطبقة من جص ال ينفذ فيه املاء ‪ ،‬وإذا كان هناك حاجة إىل مواد مثبيتة ‪،‬‬
‫فإن استخدامها يف طبقة اجلص الواقية هذه يكون اقتصادايً أبكثر من‬
‫استخدامها يف كل مسك اجلدار ‪.‬‬
‫القروي ؛ فهو يظن أنه كلما كان أحد‬ ‫واملهندس له وجهة نظره اليت ختال‬
‫العناصر أقوى ‪ ،‬فالبد أنه األفضل ‪ .‬وهو حياول أن يصل بقالب طوب الل ن‬
‫إىل مستوى اإلمسنت ‪ ،‬ولكنه إذ يفعل ذلك حيوله إىل منت صناعي بدالً من‬
‫املنت الفالحي ‪ .‬وهو يصنع قالب طوب قوي مبا ال ضرورة له ومبا يتجاوز‬
‫موارد غري موجودة ‪ ،‬وبيوت طوب الل ن تتم اآلن إقامتها يف كل مصر دون‬
‫عودة من ماكينات أو مهندسني ‪ ،‬والبد لنا أن نقاوم إغراء إجراء حماولة‬
‫لتحسني شيء هو ابلفعل شيء مرضي ‪.‬‬
‫***‬
‫‪:‬‬ ‫برانم قومي إلعادة بناء الري‬
‫مشرو القرنة مت إنشاؤه ملواجهة موق فريد ومل يكن أساساً جزء من أي خطة‬
‫‪ ،‬على أن أي مشروعات يف املستقبل إلعادة اإلسكان يف القرى‬ ‫لتنمية الري‬
‫– فيما عدا املشروعات العاجلة املعزولة اليت تتسبب عن فيضان أو حري –‬
‫ستكون مما يقام من أجل حتسني ظروف املعيشة الريفية ‪.‬‬
‫ولعل من احل القول أبن كل قرية يف مصر حتتاج إىل إعادة بناء ‪ ،‬على األقل‬
‫لضمان أن يكون لسكاهنا بيوت تفي أبدىن مستوى للبيوت القابلة لإلسكان ‪.‬‬
‫وعلى كل ‪ ،‬فإن هذه األمور من شئون السياسة القومية اليت هي مبا يالئم من‬
‫مشاغل األمة وحكامها – وأان فحسب إمنا أود أن أسجل الرأي أبن أي خطة‬
‫إلعادة اإلسكان ال ميكن أن تصلح إال إذا كانت جزءاً من خطة قومية أوسع‬
‫إلعادة التنمية ‪.‬‬
‫ولو حدث أن مت الشرو يف برانم إعادة بناء هائل هكذا ‪ ،‬فإنه ال ميكن أن‬
‫يكون جمرد عملية معمارية ‪ .‬وإذا كان ينبغي إعادة بناء كل قرية يف الري ‪ ،‬فإنه‬
‫‪ .‬وبرانم كهذا يتطلب‬ ‫جيب إنشاء برانم عام للتنمية الشاملة لكل ري‬
‫إعادة النظر يف كل مسألة توازن السكان واألرض ‪ ،‬ولتحديد التوزيع األمثل‬
‫‪.‬‬ ‫للسكان بني الري واملدينة والتوزيع األمثل للسكان القرويني على الري‬
‫‪،‬‬ ‫وينبغي أن يكون اهلدف هو التوصل إىل االستغالل الكامل لكل موارد الري‬
‫وتوزيعها توزيعاً عادالً على كل السكان ‪ ،‬ذلك أن مصر ال تستطيع حتمل تكلفة‬
‫أن يرتك أي مصدر للثروة ممكن مهمالً دون استخدام ‪ ،‬أو أن يرتك أي قطا‬
‫من شعبها معدها ‪ .‬وبرانم كهذا ينبغي أن يطرد يف مراحل ختطيطها حبرص ‪،‬‬
‫وإال فسيكون مثة خماطر كثرية ‪ .‬فيجب أن يسب الرتيب البناء ‪ ،‬وأن حيسب‬
‫حساب أتثريات أي تغري قد حيدث ‪ .‬وكما أنه جيب يف خطة الري أن تعد‬
‫نظامك للصرف قبل جلب املياه ‪ ،‬فإنه جيب ابملثل عند التخطيط االجتماعي‬
‫– االقتصادي أن تكون مستعداً للتعامل مع الزايدات املفاجئة يف السكان‬
‫والعمالة ‪ .‬وكمثل فإن ميكنة الزراعة ختل البطالة إال إذا كان هناك أعمال‬
‫مرتقبة المتصاص فائض العمال الزراعيني ‪.‬‬
‫وبنفس الطريقة فإن تصنيع احلرف ميكن أن ينت عنه قدر كبري من البطالة‬
‫حبيث أن أي زايدة يف اإلنتاج تكون مما ال أمهية له مطلقاً إزاء ما سينجم من‬
‫بؤس اجتماعي ‪ .‬وجيب عند التخطيط لتحديث إحدى البالد ‪ ،‬أن حيسب كل‬
‫أتثري ألي من اإلجراءات املقرتحة حساابً رايضياً دقيقاً ‪ :‬أما تفاؤل السياسيني‬
‫تفاؤهلم املبهم فإنه مل يعد فيه بعد املرشد الكايف للمخطط اجلاد ‪.‬‬
‫وسكان مصر قد وصل تعدادهم إىل ثالثني مليوانً بينما ال يوجد إال ستة ماليني‬
‫حتديداً أوضح لو ختيلنا‬ ‫فدان من األرض القابلة للزراعة ‪ .‬وميكن حتديد املوق‬
‫عائلة من مخسة وعشرين فرداً حتاول أن تعيش على ستة فدادين من األرض‬
‫الزراعية – ومن الواضح أن هذه املهمة ميئوسة إذا كان ينبغي أن يتم بصورة‬
‫وافية إطعام العائلة كلها ‪ ،‬وإلباسها وإسكاهنا ‪ ،‬وتعليم أطفاهلا ‪.‬‬
‫والعالقة بني كثرة األفواه كثرة ابلغة واخنفاض مستوى املعيشة هلي مما ميكن‬
‫رؤويته مباشرة يف عائلة واحدة ‪ ،‬أما يف األمة فإن سلسلة العلة ‪ ،‬واملعلول ال‬
‫تكون واضحة مباشرةً ؛ فالزايدة املفرطة للسكان تعلن عن نفسها يف صورة‬
‫املرض ‪ ،‬والبطالة ‪ ،‬واجلرمية ‪ ،‬على أن مثة إغراء أبن تفسر هذه الظواهر أبن هلا‬
‫علالً أخرى ‪ .‬وكل ختطيط لنا ال ميكن له أن يستفيد فحسب قدر اإلمكان من‬
‫اليطاق ‪ .‬وهذه حقاً مهمة نبيلة ‪ ،‬على أن السبب‬ ‫هو أساساً موق‬ ‫موق‬
‫اجلذري لفقر مصر هو الزايدة املفرطة للسكان ‪ .‬وزايدة السكان املفرطة هلا‬
‫عالجان أساسيان ‪ :‬ختفيض السكان وزايدة اإلنتاج ‪ ،‬والسكان ميكن أن يتم‬
‫ختفيضها إما إبجراءات لتحديد النسل وإما ابهلجرة ‪ ،‬وهبذا خي الضغط على‬
‫املوارد ‪.‬‬
‫واملوارد الزراعية يف مصر تكاد تكون مستغلة استغالل كامالً ابلفعل ‪ ،‬وأكثر‬
‫التقديرات تفاؤالً تتنبأ بزايدة يف األراضي القابلة للزراعة ‪ ،‬كنتيجة للسد العايل‬
‫ومشرو الوادي اجلديد ‪ ،‬وقدرها مليوانً فدان ‪ .‬وهكذا فحىت لو ظل السكان‬
‫على مستواهم احلايل سيكون لدينا مخسة وعشرون فرداً يعيشون على مثانية‬
‫فدادين ‪ ..‬وهذا عدد مازال أكثر مما ينبغي ‪.‬‬
‫وعلى كل ‪ ،‬فإنه ميكن استخدام املوارد استخداماً أكثر فعالية ‪ .‬فهناك مثالً‬
‫جمال الستغالل املوارد التعدينية استغالالً أعظم مباله اعتباره ‪ ،‬وهذا يعين‬
‫التصنيع ‪ .‬وميكن رفع مستوى فنون اإلنتاج إىل السلع القابلة للتصدير ‪ ،‬اليت‬
‫جتلب عائداً لشراء االحتياجات األساسية ‪ ،‬كالطعام ‪ .‬وهو عائد أعظم مما جيلبه‬
‫إنتاج الطعام نفسه مباشرًة ‪.‬‬
‫والدولة من سلطاهنا تشجيع حتديد النسل وزايدة اإلنتاجية ‪ .‬أما اهلجرة بل‬
‫والتصدير ‪ ،‬فيعتمدان على البالد األخ رى وما إذا كانت ترغب يف السكان‬
‫والبضائع املصرية ‪ ،‬وهكذا فإهنما ليسا متاحني للتخطيط بصورة كلية ‪ ،‬وإمنا مها‬
‫يقعان بدالً من ذلك يف جمال السياسة الدولية ‪ .‬والتنبؤ ابلسلسلة املعقدة من‬
‫العلة واملعلول املرتبطة أبي تصرف اقتصادي أساسي أمر جيعلنا يف حاجة لكل‬
‫الكلية تنبؤاً شامالً طويل املدى هو‬ ‫مهارة رجل اإلحصاء ‪ .‬فالتنبؤ ابلواق‬
‫ابلضبط ما ميكن لإلحصائيات أن تكون ذات فائدة فيه ‪ ،‬وليس يف تصميم‬
‫البيوت املفردة ‪ .‬ورفع مستوى املعيشة يضع موارد البالد حتت الضغط نفسه‬
‫الذي يقع عليها بزايدة عدد السكان ‪ .‬ومصر تعاين ابلفعل من فرط زايدة‬
‫السكان ‪ ،‬والسكان يزيدون بسرعة ‪ ،‬وموارد مصر الطبيعية اثبتة كماً ‪ ،‬وهكذا‬
‫فإنه يبدو والبد أن أي حماولة لرفع مستوى املعيشة يف جمال اإلسكان ينبغي أن‬
‫أو أن يكون هلا أتثريها عكسي على االحتياجات‬ ‫إىل خطورة املوق‬ ‫تضي‬
‫احليوية األخرى أو على االستثمار يف الصناعة ‪.‬‬
‫وكثرياً ما يعد البناء استثماراً استهالكياً غري إنتاجي ‪ ،‬إال أن هذه نظرة يشك‬
‫فيها كثرياً ‪ .‬وبصرف النظر عن مسألة الغاية لإلنتاج ‪ ،‬واليت قد يقول البعض‬
‫أهنا زايدة رفاهية الناس ‪ ،‬فثمة حقيقة هي أن االستثمار يف البناء جيعل للبلد‬
‫صناعة بناء – مبصانع ‪ ،‬وعمال مه رة ‪ ،‬وخربة ‪ .‬وفوق ذلك فإن حتسني صحة‬
‫الناس وسعادهتم ينعكس ابلتأكيد يف شكل حتسني اإلنتاج عامة ‪ ،‬وهكذا فإن‬
‫االستثمار يف اإلسكان فيه على األقل ما يقارن ابالستثمار يف أدوات من‬
‫املاكينات اجلديدة ‪ ،‬وغريها من السلع الرأمسالية ‪.‬‬
‫واملوارد الوحيدة اليت ميكن استغالهلا سريعاً دون استثمار كبري هي املوارد‬
‫البشرية ‪ .‬ففي صناعة سلع الرفاهة املنزلية – مبا يف ذلك البيوت نفسها –‬
‫يكون اإلنتاج احلريف التعاوين فعاالً ‪ ،‬على األقل مبثل فعالية اإلنتاج الصناعي ‪،‬‬
‫وال حيتاج إىل إنفاق نقد أجنيب ‪ .‬وإطالق طاقة اإلنتاج الكامنة يف الشعب‬
‫امل صري سيكون فيه من التقدم االقتصادي ما يقارن ابلعثور على حقل برتول‬
‫كبري ‪ ،‬كما أن الفائدة االجتماعية ستكون أعظم مبا اليقاس ؛ وهذا هو ماتعنيه‬
‫الكفاءة (( ابلتكامل )) ‪.‬‬
‫وهكذا فإن الربانم كله سيتحرك بسرعة تتحدد حسب أبطأ العناصر منواً فيه ‪.‬‬
‫وهده العناصر هي ‪:‬‬
‫نو وكمية املوارد (( الطبيعية )) أي املعدنية واملائية ‪ ،‬اخل ‪.‬‬ ‫(أ)‬
‫( ب ) املوارد البشرية ‪ ،‬أي عد العمال ودرجة مهارهتم يف املهن املختلفة مثل‬
‫الزراعة ‪ ،‬وصيد السمك ‪ ،‬والتعدين ‪ ،‬والصناعة ‪ ،‬واحلرف ‪.‬‬
‫( ج ) مستوى معيشة الناس ‪ ،‬الذي يعتمد على الدخل وطريقة إنفاقه ‪.‬‬
‫وإذا كان بعض األفراد يفضلون إنفاق املال على أمور من املتعة كاختاذ مزيد من‬
‫الزوجات أو أجهزة التليفزيون بدالً من إنفاقه على ضرورايت كالطعام الصحي‬
‫واإلسكان اجليد ‪ ،‬فإن هذا ينبغي أال يصرف املخطط عن أن يقدم هلم ما يعتقد‬
‫أنه األفضل هلم ‪ .‬ومن الوجهة املثالية فإن الناس ينبغي أن خيتاروا حبكمة ‪ ،‬على‬
‫انه ينبغي على السلطات أن تسهل هلم هذا االختيار ‪ ،‬بل وأن تضي الفرص‬
‫على االختيار غري احلكيم ‪.‬‬
‫وهكذا فإن الربانم سيتحرك يف سلسلة من املراحل ‪ ،‬أوهلا هو تنمية املوارد‬
‫البشرية ‪ ،‬مبعىن التدريب املنس للسكان على املهارات املطلوبة حقاً ‪ .‬ويتم‬
‫توقيت دورات هذه املرحلة حبيث تكون الكمية املناسبة من املهارة املناسبة‬
‫متاحة يف الوقت املناسب ‪ .‬ومن املهم أنه ينبغي التأكيد يف مرحلة التدريب هذه‬
‫على املهارات املفيدة يف التو ‪ ،‬حبيث يكون العمال املدربون مستعدون لتنفيذ‬
‫املرحلة التالية ‪ .‬ورغم أنه ألغىن عن كل أنوا التدريب التجريدي ‪ ،‬والدراسة‬
‫األكادميية ‪ ،‬والعلم البحت ‪ ،‬إال أهنا كلها جيب أال ينظر إليها على أهنا نو من‬
‫املعرفة الوحيد املطلوب للتعليم الذي يتم ختطيطه كجزء من برانم كهذا ‪.‬‬
‫فاملدارس واجلامعات املوجودة يف مصر بل ويف العامل كله ‪ ،‬توفر بعناية‬
‫الدراسات األكادميية من كل نو ‪ .‬أما الثغرة اليت ينبغي أن يسدها برانم‬
‫التدريب يف املرحلة األوىل خلطة التنمية العامة فهي التعليم جلمهرة العظمى من‬
‫األول من جبهة إعادة البناء ‪ .‬فمستوى جملس‬ ‫الشعب اليت هي يف الص‬
‫املدينة والقرية ومستوى العائلة نفسها ‪ ،‬هي املستوايت اليت تكون عندها‬
‫احلاجة للمبادرة واجلهد يف تناول مشكلة رفع مستوى معيشتنا ‪ .‬وكثرياً جداً ما‬
‫حيدث أن اخلطط والسياسات العامة ال ميكنها أن تتخلل ألسفل لتصل إىل هذه‬
‫املستوايت ‪ ،‬وإمنا هي تظل أبعلى يف منطقة السياسات العليا ‪ ،‬واملاليات العليا‬
‫‪ ،‬حيث الوحدات ابملاليني ‪ ،‬مبا يرتفع متاماً عن رؤوس الناس الذين يتداولون‬
‫املالليم ‪.‬‬
‫وكما أن التخطيط الفيزايئي ينبغي أن ينحدر ليصل إىل مستوى الطوب والقش‬
‫‪ ،‬فإن التخطيط االجتماعي – االقتصادي ينبغي مبثل ذلك أن ينظر بعني‬
‫االعتبار إىل العائلة والفرد بني أفقر الناس الذين ن رغب يف أن تصل خدماتنا‬
‫إليهم ‪ .‬ولسوء احلظ ‪ ،‬فإنه مهما كانت شدة فقر الفرد يف بلد غري انم ‪ ،‬فإن‬
‫حكومته عاد ًة ال يكون لديها إال ماليني معدودة من اجلنيهات اليت متنحها‬
‫خلطط ومشاريع التنمية الريفية ‪ ،‬وهذه املاليني – ولعلها من مساعدة أجنبية ‪،‬‬
‫أو من دخل داخلي – جتتذب أسراابً من اخلرباء والتنظيمات ال هدف هلا إال‬
‫ربح النقود ‪ .‬وإنفاق نقود الناس اآلخرين له سحره ‪ ،‬ذلك أن الكثري من هذه‬
‫النقود يظل ملتصقاً مبن ينفقها ‪ ،‬وسنوات ما بعد احلرب ملطخة خبرائب‬
‫املشروعات اليت قام بتنفيذها ‪ ،‬دون أي إحساس ابملسئولية هيئات ختطيط‬
‫ومنظمات أعمال ال تفضل كثرياً أي انتهازي يف السوق ‪ .‬وماعليك إال أن تضع‬
‫خططاً فخيمة ‪ ،‬وأن تبيعها إىل حكومة ما ساذجة ( حكومة تنال الثقة هكذا‬
‫أبهنا حكومة تقدمية ديناميكية ) ‪ ،‬وتتقدم منظمتك بسعر له أتثريه مبا يناسب ‪،‬‬
‫وحىت حيني الوقت الذي تعي فيه احلكومة فجأة حقيقة أن املشرو ال يسري متاماً‬
‫حسب ما وعدت به ‪ ،‬تكون أنت قد كسبت لنفسك ماالً ‪ ،‬وليس هناك‬
‫مايشغل ابلك ‪ .‬أما طوب الل ن أو أي مادة حملية أخرى للبناء ‪ .‬فليس فيه ربح‬
‫كثري ‪ ،‬وليس من إعالن كثري عند القيام ابستقصاء حملي مفصل عن األسلوب‬
‫الذي يعيش به (( املنبوذون )) ‪ .‬وهكذا فإننا ال ميكن أن تنوقع من رجال‬
‫األعمال أن يهتموا كثرياً ابلبناء تعاونياً ‪ .‬ولكن حيث أن برانم إعادة بناء من‬
‫هذا النو سوف يستغرق سنوات كثرية جداً ‪ ،‬حيدث أثناءها تغري له اعتباره يف‬
‫الصورة الدميوجرافية واالقتصادية ‪ ،‬فإن أي مقرتحات لتشجيع تغيري أوضا‬
‫السكان ينبغي أال تطرح إال بعد أن يتم استقصاء كامل لكل جوانب من‬
‫جوانب املستوطنات البشرية يف مصر ‪ ،‬وإال بعد أن يتم عمل تنبؤ حريص‬
‫الجتاهات املستقبل ‪ .‬واستقصاء كهذا ينبغي أن يضع يف احلسبان حاجات‬
‫الناس من خدمات ‪ ،‬وحاجاهتم احملتملة يف املستقبل إذ تتنامى البالد ‪ .‬وسيكون‬
‫من هذا دراسة مسح تتطلب علماء اجتما ‪ ،‬واثنوجرافيني اجتماعيني ‪،‬‬
‫واقتصاديني ‪ ،‬مثلما تتطلب الدميوجرافيني ‪ ،‬وهي بذلك يتطلب االعتماد على‬
‫علوم وصفية من أنوا كثرية ‪ ،‬هي إنسانية وأيضاً ميكانيكية ‪ .‬وابختصار ‪،‬‬
‫فسوف يكون هذا مسحاً متكامالً ‪.‬‬
‫ومن غري دراسة مسح كهذه ‪ ،‬ال ميكن وضع أي خطط حقيقية بعيدة املدى ‪.‬‬
‫والتخطيط دون معرفة ابحلقائ ‪ ،‬ودون تشخيص لنمط املستقبل ‪ ،‬هلو دعوة‬
‫خلراب أكيد ‪ .‬وكل األموال اليت تنف على املسح املتكامل ال تضيع أبداً ‪.‬‬
‫ورغم أننا حىت بعد معرفتنا للحقائ ‪ ،‬قد جند أننا ال نستطيع حتمل تكلفة صنع‬
‫الشيء الكثري للفالحني ‪ ،‬إال أننا سيكون قد أصبح لدينا األساس الذي ال غىن‬
‫عنه وألي مما سنقرر فعله ابلفعل ‪ .‬ذلك أن أي خطوة تتخذ – خاصة ما‬
‫تتخذه السلطة الرمسية – وأي بناء يقام ‪ ،‬بل وأي طوبة ترص هلي قرار يتم‬
‫اختاذه بشأن حالة مصر يف املستقبل ‪ .‬والقرار الذي من هذا النو هو وال بد‬
‫إما قرار صائب وإما خطأ ‪ ،‬وهو إذا كان ال يساعد البالد على حل مشاكلها‬
‫حالً جيداً وصاحلاً ‪ ،‬فإنه وال بد سيدفعها إىل مزيد من اخللط واإلسراف مما‬
‫يدخل ضمن احللول السيئة غري الصاحلة ‪ .‬وال ميكننا أن نكون واثقني من أن‬
‫أهدافنا يف برانم إعادة البناء هي األهداف الصحيحة إال عن طري املعلومات‬
‫اليت يوفرها مسح علمي شامل للري يف كل البالد ‪ ،‬وهبذا وحده ميكننا أيضاً‬
‫أن نكون واثقني من أي قرار يتخذ سوف يساعدان على الوصول إىل إجناز هذه‬
‫األهداف ‪.‬‬
‫وكمثل فإن من الضروري يف التخطيط ملنطقة ما أن يتقرر أي املستوطنات‬
‫ست كون مدن سوق ‪ ،‬وأيها ستكون قرى كبرية ‪ ،‬وأيها قرى صغرية ‪ ،‬وأن توز‬
‫هذه األنوا من املستوطنات على املنطقة بتسا ٍو بنسبها الصحيحة ‪ .‬ومعىن‬
‫ذلك أنه جيب علينا أان نصنع خريطة للتوزيع األمثل للمستوطنات على املنطقة‬
‫‪ ،‬وأن تطبقها على خريطة املستوطنات املوجودة ‪ ،‬ونرى أي تغريات تكون‬
‫مطلوبة ‪ .‬وإذا تبني يف أي حالة بعينها أن ليس هناك حاجة لتغيري جذري ‪.‬‬
‫فلعله يكون من األفضل أال نغري موقع القرية إطالقاً ‪ ..‬ومثة موقفان عند‬
‫املهندسني املعماريني املصريني إزاء هذه الناحية من التخطيط الريفي ‪ :‬فأحدمها‬
‫يقطع كل صلة ابلقرية القدمية ‪ ،‬ويبين يف كل حالة قرية جديدة بعيدة متاماً عن‬
‫القدمية ‪ ،‬بينما اآلخر يعيد بناء القرية األصلية يف (( نفس املوقع )) جزءاً فجزء‬
‫األخري ‪ ،‬بشرط أن تنشأ اخلدمات واملنافع العامة منذ‬ ‫‪ .‬وأان أحبذ املوق‬
‫البداية ‪ .‬وهلذا السبب ‪ :‬فإنه عند إعادة بناء مستوطنة‪ ،‬يكون من اخلريأن يتم‬
‫ذلك أبقصى قدر من التوفري وبدون ش للقرية ‪ ،‬حىت ولو مؤقتاً ‪ ،‬إىل جزئني‬
‫يتباعدان تباعداً واسعاً ‪ ،‬جزء جديد وآخر قدمي ‪ .‬ولو بنيت القرية اجلديدة‬
‫بعيدة نوعاً عن القدمية ‪ ،‬على موقع جديد متاماً ‪ ،‬فسيظل هناك لزمن ما جنع يتم‬
‫بناؤه يف صخب وفوضى ‪ ،‬وجنع آخر تتم اهلجرة منه على حنو مطرد حىت يبلى‬
‫ابلزمن ‪ .‬ومن الناحية األخرى ‪ ،‬فعندما يبدأ انشاء القرية اجلديدة على مقربة‬
‫من القدمية ‪ ،‬وإىل الشرق منها فيما يفضل حىت تتم االستفادة من االجتاه‬
‫الطبيعي النتشار اإلسكان غرابً * ‪ ،‬فإن املباين اجلديدة ستحل تدرجيياً مكان‬
‫القدمية يف نفس املوقع ‪ ،‬حسب اخلريطة اليت أعيد صياغتها‪ ،‬حبيث تكون كل‬
‫عملية التجديد جزءاً من حياة القرويني اليومية ‪ ،‬على أوث صلة هبا ‪ ،‬و‬
‫التشطر القرية إىل نصفني ‪.‬‬
‫من الفالحني فقط ال تكفي لتكوين جمتمع عضوي ‪.‬‬ ‫واملستوطنة اليت تتأل‬
‫فالوصول إىل مستوى معقول من املعيشة يتطلب وجود جمموعات مهنية ممزوجة‬
‫مزجاً جيداً حبيث ميكنها توفري اخلدمات املالئمة للمحافظة على مستوى‬
‫املعيشة ‪.‬‬
‫والتوزيع املخطط للسكان يتطلب التوصية بتوازن معني بني املهن يف كل‬
‫مستوطنة ‪ .‬ومن الضروري إذن عند بناء قرية جديدة او إعادة ختطيط قرية‬
‫قدمية ‪ ،‬أن يتقرر عدد ما حتتاجه القرية من كل نو من العمالة – عدد النجارين‬
‫‪ ،‬وعدد النساجني واحلالقني واملدرسني ‪ ،‬على أن حساابً من هذا النو ال ميكن‬
‫القيام به إال على أساس املنطقة ‪ ،‬ألن مهناً كثرية ستكون نسبياً اندرة ‪:‬‬
‫فالطبيب مثالً قد خيدم عشر قرى أو أكثر ‪ .‬وحسب تعداد ‪ 8118‬يف اجنلرتا‬
‫فإن قراها الزراعية هبا يف املتوسط ‪ 98‬يف املائة فقط من السكان العاملني الذين‬
‫يشتغلون فعالً ابلزراعة ‪ ،‬ونسبة ال ‪ 12‬يف املائة الباقية تتوز بني شىت احلرف ‪.‬‬
‫واملهن ‪ ،‬واخلدمات ‪ .‬ومن الناحية األخرى فإنه يوجد يف العراق نسبة تزيد عن‬
‫التسعني يف املائة من السكان العاملني يف القرى الزراعية يشتغلون يف األرض ‪.‬‬
‫ومن املؤكد أن مستوى املعيشة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتنو الوظائ قي القرية ‪،‬‬
‫وعدد املدرسني واألطباء وأصحاب املتاجر يف اجملتمع لعله من أفضل الدالئل‬
‫ال‬
‫على حقيقة ازدهار هذا اجملتمع واستقراره ‪ ،‬متاماً مثلما يدل عدد السباكني مث ً‬
‫على حالة الرتكيبات الصحية ‪ .‬ولسوء احلظ فإن من خيطط ال جيد الكثري من‬
‫املعلومات ملساعدته على استنتاج النسب املرغوبة للمهن يف املستوطنة القروية‬
‫‪ .‬وتقوم األمم املتحدة من آن آلخر هي وهيئات أخرى مثل منظمة العمل‬
‫الدولية ‪ ،‬ببحوث مسح على املستوطنات املوجودة ‪ ،‬وميكن للمرء حتليل‬
‫االحصاءات الدميوجرافية القومية من بالد كثرية ‪ ،‬ولكن الظروف اليت يف أحد‬
‫البالد ال تدل على الظروف اليت يف بلد آخر ‪ ،‬كما أن هذه الدراسات ال‬
‫الالزم ملستوى املعيشة املقبول‬ ‫تساعد على حتديد احلد األدىن لتنويع الوظائ‬
‫‪.‬ومع كل ؛ فإن هذا النقص يف احلقائ ليس سبباً أل ال نبدأ اآلن يف استقصاء‬
‫موضو جداً حيوي هكذا ابلنسبة للمخطط ‪ .‬وحالياً ‪ ،‬فإن احلاجة امللحة أشد‬
‫اإلحلاح هي أن نبدأ البحث على ما هو احلد األدىن من االحتياجات األساسية‬
‫لوحدة السكان األساسية ( حسب ما تشرطه قائمة األمم املتحدة (( كعناصر‬
‫)) لذلك ) ‪.‬‬
‫يف وقت معقول ‪،‬‬ ‫وإذا كان ينبغي أن يتم إجناز الربانم القومي لبناء الري‬
‫فسيكون من الواجب أن يشتغل فيه عدد كاف من املعماريني ‪ ،‬واملهندسني‬
‫واإلداريني ‪ ،‬والعمالة غري املاهرة ‪ ،‬أايً ما سيكون نظام العمل وتنسيقه والنظام‬
‫التعاوين الذي اقرتحن اه ‪ ،‬يتم فيه تدريب العمالة املاهرة تدرجيياً أثناء قيامنا ببناء‬
‫مباين اخلدمة العامة ‪ ،‬كما شرحنا فيما سب ‪.‬‬
‫وحيتاج مهندسو ميكانيكا الرتبة إىل جتهيزهم وإعدادهم حىت يقوموا أبحباث‬
‫مالئمة الرتبة لشىت األغراض ‪ :‬كصنع قوالب الطوب الطينية ‪ ،‬وقوالب طوب‬
‫الطني املثبت ‪ ،‬والقوالب احملروقة ‪ ،‬وأنوا اجلص الطاردة للماء‬
‫_________________________________________‬
‫__________________‬
‫* لوحظ أن املستوطنات البشرية تنتشر جتاه الغرب والشمال ‪ ،‬يف حالة عدم‬
‫وجود عقبات طبيع ية حتد من منوها يف هذين االجتاهني ‪.‬‬

‫واخلرسانة الطينية ‪ ،‬وذلك إىل جانب اختبار قدرة حتمل الرتبة لألساسات وما‬
‫يتعل بذلك من مشاكل املاء اجلويف ‪ ،‬اخل ‪ .‬وسوف يدعمهم معمل أحباث‬
‫مركزي للقيام ببحث عام خلواص الطني كمادة بناء ‪.‬‬
‫وبسبب من الزايدة الوشيكة الستخدام الرتبة للبناء فإن لنا أن نركز على ذلك‬
‫موجهني له املزيد من موارد حبوثنا اليت ما زالت لآلن مكرسة يف أغلبها لإلمسنت‬
‫واخلرسانة ‪.‬‬
‫وابإلضافة للمعمل املركزي ‪ ،‬يوجد عدد من املعامل املتنقلة احملمولة على‬
‫اللواري ‪ ،‬لعمل البحث مباشرًة يف املوقع ‪ .‬ويكون على كل من هذه اللواري‬
‫أن خيدم منطقة كبرية نوعاً‪ ،‬وإمجاالً فإنه ينبغي أن يكفي لذلك عدد يقرب من‬
‫عشرة لواري ‪ ،‬كل منها يف عهدة مهندس ميكانيكياً تربة واحدة ‪.‬‬
‫وهناك حاجة إىل عدد معني من الكتبة واحملاسبني ‪ .‬وحيث أننا نتحول من نظام‬
‫العمل ابملقاولة إىل النظام التعاوين اجلديد متاماً ‪ ،‬فسيكون هناك حاجة إىل نظام‬
‫جديد للمحاسبة ‪ .‬وجيب أن يكون هذا النظام صاحلاً معاً النشاءات مباين‬
‫اخلدمة العامة اليت تنفذها احلكومة بعمالة مدفوعة األجر ‪ ،‬وللمنازل اخلاصة‬
‫اليت سيتم بناؤها ابلعمالة التعاونية ‪ .‬وقد مت ابلفعل ابتكار نظام حماسيب من هذا‬
‫النو ( أنظر ملح ‪ : ) 1‬وهكذا فإنه لن يطلب من احملاسبني إبتكار أي نظام‬
‫أبنف سهم وإمنا سيطبقون فحسب هذا النظام املوجود من قبل ‪ .‬وفيما يعرض‬
‫فإهنم سيكونون أقل عدداً مما يف نظام املقاولة ‪ ،‬ذلك أن نظام التضبيط لن‬
‫يكون كما هو يف املعتاد مزدوجاً بني احلكومة واملقاول ‪.‬‬
‫وطبيعي أن احملاسبة تكون ضرورية فحسب ابلنسبة لبناء البيوت اخلاصة يف تلك‬
‫القرى اليت مل يعد فيها وجود لتقليد العمالة التعاونية ‪ .‬أما يف اجملتمعات‬
‫التقليدية مثل واحة اخلارجة ‪ ،‬فال حاجة على اإلطالق للمحاسبة ‪ ،‬ذلك أن‬
‫الناس يسامهون طبيعياً يف البناء ‪ ،‬دون عمل موازنة بني مايسامهون به إزاء ما‬
‫سيحصلون عليه ‪ .‬واحلقيقة أن مغامرة البناء اجلموعي لقرية ابلعمالة التعاونية ملا‬
‫ينبغي أن يرتفع ابلروح املعنوية للمجتمع ‪ ،‬وابحرتامه لذاته ‪ ،‬ويعطيه إحساساً‬
‫هبدف مشرتك مما يفيد أعضاء فائدة معنوية هائلة ‪.‬‬
‫واملهندسون املعماريون كل منهم مسؤول عن سلسلة من مشاريع القرية ‪،‬‬
‫وهكذا جيب أن يتم تدريبهم من قبل تدريباً خاصاً ‪ .‬ولسوء احلظ ‪ ،‬فإن‬
‫التدريب املتوافر يف مدارسنا املعمارية اليوم ليس فيه أدىن مساعدة للمهندس‬
‫املعماري الذي يتناول مشاكل ريفية ‪ .‬فهذا التدريب يتأسس على تدريب وضع‬
‫يف املدارس األوروبية وموجه إىل احتياجات املدينة ‪ ،‬وبناء بلوكات املكاتب ‪،‬‬
‫والشق ‪ ،‬وا لبنوك ‪ ،‬واجلاراجات ‪ ،‬ودور السينما ‪ ،‬وغري ذلك من الصروح‬
‫‪ .‬وهذه النظرة األحادية قد‬ ‫الضخمة ‪ ،‬ولكنه يتجاهل متاماً احتياجات الري‬
‫يكون هلا مايربرها يف مدرسة معمارية أوروبية ‪ ،‬ففي بالد مثل بريطانيا يعيش ‪12‬‬
‫يف املائة من السكان يف املدن ‪ ،‬ويعمل مخسة يف املائة فقط على األرض ‪،‬‬
‫واجلزء األكرب من صروة األمة أييت يف غالبه من الصناعة والتجارة احلضريتني ‪.‬‬
‫أما يف مصر ‪ ،‬حيث يعيش تسعون يف املائة من السكان على األرض وأتيت‬
‫تسعون يف املائة من الثروة من األرض فإن عدم بذل أي قدر من االهتمام إىل‬
‫هلو ابلتأكيد نو من عدم املسئولية من املدرسة املعمارية ‪.‬‬ ‫احتياجات الري‬
‫ابلغ‬ ‫على أن هذه الالمباالة األكادميية هي ابلضبط السبب يف وجود موق‬
‫االستخفاف متاماً ابلعملية ابلغة اخلطورة إلعادة صياغة القرى ‪.‬‬
‫وأن تعاجل هذه العيوب بتعديل كل مناه الدراسة يف جامعاتنا هلو أمر مستحيل‬
‫متاماً ‪ ،‬على األقل يف املدى الزمين القريب ‪ .‬وأحد أسباب ذلك ‪ ،‬هو سيكون‬
‫من الضروري وجود هيئة تدريس جديدة متاماً ‪ .‬وهكذا فإنه حىت ميكن إنتاج‬
‫عدد كاف من املهندسني املعماريني على وعي هبذه املشاكل الريفية ‪ ،‬ينبغي‬
‫علينا أن ننشأ هلم مقرراً دراسياً للتدريب ما بعد التخرج ‪ .‬ومقرر كهذا ينبغي أن‬
‫تكون مدته لعامني ‪ ،‬وينبغي أن يتضمن ابإلضافة إىل دراسة احلالة العامة لري‬
‫مصر – أي احلقائ الدميوجرافية ‪ ،‬واالجتماعية واالقتصادية – دراسة طرق‬
‫الفالحني يف االنشاء ومواد البناء ‪ ،‬ومبادئ ختطيط املدينة والقرية ‪ .‬وعندما‬
‫يستوعب أيضاً كل مامت إجنازه يف املعمار املصري ‪ ،‬وكل اتريخ األسلوب احمللي‬
‫يف مصر ‪.‬‬
‫وكما أن بناء كاتدرائية العصور الوسطى يف فرنسا مل يكن يسمح له أبن يضع‬
‫حجراً فوق آخر إال إذا أكمل احل إىل كل املباين األكلريكية العظيمة يف فرنسا‬
‫‪ ،‬فإن مهندسينا املعماريني الريفيني ينبغي أن حيجوا إىل األماكن اليت يتمثل فيها‬
‫أحسن وجه الرتاث العظيم للبناء املصري – إىل اجليزة ‪ ،‬وبيت خالف ‪ ،‬وطيبة‬
‫‪ ،‬وهرموبوليس ‪ ،‬واخلارجة – وينبغي أن يزوروا ويتفحصوا األماكن اليت ما زال‬
‫الرتاث يعيش فيها مثل أسوان و أضرحة األولياء الكثرية املبعثرة أعلى وأسفل‬
‫البالد ‪ ،‬حيث رؤية البناء مبواد الفالحني بناء جاداً جليالً بال فخامة ‪ ،‬وحيث‬
‫يوجد احلس االحتفايل يف املعمار بدرجة أكثر نوعاً عما يف البناء الفالحي‬
‫العادي ‪ ،‬على أن ذلك مل يفسد بعد بفن ومواد أجنبية ‪.‬‬
‫ومتح احلضارة املصرية هذا ذو الثراء اهلائل هلو مما ينبغي دراسته دراسة جدية‬
‫‪ .‬وجيب أال ي زور الطالب هذه املواقع زايرة روتينية كزايرة السائح املستعجل ‪،‬‬
‫وإمنا جيب أن يفحص كل مثال فحصاً ذكياً ‪ ،‬ويرسم منه رسوماًابملقاس ‪ ،‬ويطب‬
‫كل قدراته النقدية على العمل ‪ .‬ودراسة كهذه لألعمال املعمارية البارزة ‪،‬‬
‫عندما تربط بفهم عمي لكل جوانب البناء عند الفالحني ‪ ،‬فيما يتعل مبواد‬
‫البناء ‪ ،‬وطريقة اإلنشاء ‪ ،‬ومبادئ التصميم ‪ ،‬هلي دراسة ستؤدي فيما ينبغي إىل‬
‫تثوير موق الطالب من املعمار ‪ .‬فهو أوالً سوف يستفيد ‪ ،‬مبا ال ميكن قياسه‬
‫من دراسته هذه ‪ ،‬اليت تتم ابألبعاد الثالثة ‪ ،‬وابحلجم الكامل والبنية الكاملة ‪،‬‬
‫يف أمناط املباين اليت سيصممها ‪ .‬والكثري جداً مما يتم تنفيذه اآلن من األعمال‬
‫يف املدارس املعمارية املختلفة هي أعمال جتريدية ابلكلية – جمرد لعب ابخلطط‬
‫على الورق – حىت أصبح الكثريون من املهندسون املعماريني املؤهلني يصممون‬
‫املباين أبسلوب يصدق على الورق أكثر مما يصدق على احلياة الواقعية ‪.‬‬
‫وأصبح املقرر الدراسي منفصماً عن املباين احلقيقية انفصاماً كامالً حىت ليكاد‬
‫املهندس املعماري أن يتوق عن التفكري بلغة املوادالصلبة – فهو يرسم خطط ًا‬
‫يف مكتبه ‪ ،‬ويناوهلا للمقاول ‪ ،‬وال يرى املبىن عند انتهائه ‪ .‬وخطة املقرر‬
‫الدراسي ذاهتا ختصص دروساً منفصلة للجانبني اجلمايل واهلندسي من املعمار ‪،‬‬
‫وال تلقي أبداً اهتماماً لعالقة املبىن ببيئته‪ ،‬حبيث أصبح من املمارسات املعتادة‬
‫بني املعماريني ما جنده من تشويههم حلقائ الطبيعة – أشكال التالل ‪،‬‬
‫واألشجار ‪ ،‬والكائنات البشرية ‪ ،‬بل وحىت األشياء امليكانيكية مثل السيارات‬
‫– وهو تشويه يتم بغرض أن جتعل ظروف أدائهم متالئمة مع أسلوب مبانيهم‬
‫بينما التصميم هم ما ينبغي أن يتالئم مع البيئة ‪ .‬أما مقرران الدراسي عن املعمار‬
‫الريفي الذي يستمر لسنتني فإنه عندما يبدأ من املباين احلقيقية ‪ ،‬ويعود منها‬
‫وراء إىل خطط املهندسني املعماريني ‪ ،‬ويبقى طول الوقت أمام أعني الطلبة‬
‫شكل املباين ‪ ،‬وحجمها ‪ ،‬ولوهنا ‪ ،‬وبنيتها ‪ ،‬واإلحساس هبا ‪ ،‬تلك املباين اليت‬
‫يتأل منها تراثنا العظيم ‪ ،‬فإن من املؤكد أن بعضاً من هذا الرتاث سوف ينبث‬
‫يف تصميمات هؤالء الطلبة ‪.‬‬
‫وجيب أن يكون لكل قرية مهندس معماري يشرف ع لى بنائها ‪ ،‬على األقل‬
‫حىت يصل عدد كاف من البنائني إىل املستوى الذي يضمن سالمة توقيع اخلطة‬
‫بعامة ‪ ،‬وحىت يعتاد بناءوا القرية على إقامة مناذج البيوت املختلفة ‪ .‬وحىت بعد‬
‫أن ينتقل املهندس املعماري إىل قرية أخرى ‪ ،‬فإنه جيب أن يبقي عيناً على القرية‬
‫األوىل من خالل زايرات دورية حىت يكتمل إعادة بنائها ‪.‬‬
‫وسوف نفرتض أن يف مصر ‪ 9222‬قرية جيب إعادة بنائها خالل أربعني عاماً ‪.‬‬
‫وهكذا فإنه جيب أن تتم إعادة البناء مبعدل ‪ 822‬قرية سنوايً ‪ .‬وعدد ما جيب‬
‫استخدامه من املهندسني املعماريني سيعتمد هكذا على املدة اليت سيبقاها كل‬
‫واحد منهم يف كل قرية ‪.‬‬
‫وقريتنا اليت يسكنها يف املتوسط ‪ 2222‬نسمة ‪ ،‬ينبغي أن تكون قادرة على‬
‫توفري مخسني بناء على األقل ‪ .‬وإذا كان بناءالبيت يستغرق من ثالثة بنائني‬
‫شهراً واحداً ‪ ،‬فإن مخسني بّناء يستطيعون بناء حوايل ‪ 8222‬بيت يف ست‬
‫سنوات ‪ .‬على أنه ينبغي أن يتمكن امله ندس املعماري من مغادرة القرية بعد‬
‫ثالث سنوات ‪ ،‬وال يعود بعدها إال من حني آلخر إلعطاء النصح للقرويني ‪.‬‬
‫وهكذا فإنه بعد السنة الثانية من الربانم ‪ ،‬عندما يكون هناك من ‪ 122‬إىل‬
‫‪ 922‬قرية حتت االنشاء يف نفس الوقت ‪ ،‬سيكون من الضروري وجود ‪122‬‬
‫مهندس معماري يعملون يف الربانم ‪.‬‬
‫وحىت يكون هؤالء املهندسون املعماريون الثالمثائة قادرين على العمل بثقة ‪،‬‬
‫البد من أن ينالوا تدريباً خاصاً يف (( دراسات التكامل )) على أهنم جيب ان‬
‫يكونوا قادرين أيضاً على بذل كل انتباههم ومحاسهم لعملهم ‪ ،‬وهلذا فإنه ال بد‬
‫من أن يدفع هلم أجر طيب ‪ ،‬والعمل نفسه جدير بذلك متاماً ‪ ،‬فهو ال أقل من‬
‫أن يعد خلقاً للبيئة القومية ‪ ،‬رمبا ىتية ؛ على أنه مهما كانت جدارة العمل ‪،‬‬
‫فإنه ما من مهندس معماري يستطيع أن يبقي تفكريه مشغوالً بعمله بينما هو‬
‫يناضل لالحتفاظ مبستوى معقول من املعيشة ‪ .‬وأقرتح هنا إنشاء سلم أجور‬
‫م تدرجة ‪ ،‬حتسب مبثل ما حتسب به معظم أجور املعماريني ‪ ،‬اي كنسبة مئوية‬
‫من تكلفة البناء ‪ .‬ويف ظل النظام التعاوين تكون التكلفة الفعلية لكل بيت شيئاً‬
‫اليذكر ‪ ،‬أما لو قام مقاولوالبناء ببناء القرية ‪ ،‬فسيكون من املستحيل أن تقل‬
‫تكلفة أي بيت عن ‪ 222‬جنيه مصري ‪ ..‬فلنسمح إذن للمهندس املعماري‬
‫بتقاضي ‪ 8‬يف املائة من تكلفة البيت ‪ .‬وهذا يبلغ مخسة جنيهات ‪ .‬ولو أنه‬
‫عمل يف قرية لثالث سنوات وبىن ‪ 8222‬بيت ‪ ،‬فإنه سيكسب ‪ 2222‬جنيه‬
‫يف ثالث سنوات ‪ ،‬أو ‪ 8222‬جنيهاً يف السنة الواحدة ‪ .‬على أن هذا كثري‬
‫كأجر يدفع ملهندس معماري شاب ‪ .‬وفوق ذلك ‪ ،‬فإن من املطلوب أن يكون‬
‫سلم الرواتب حبيث يسمح بتمييز األقدمية إبظهار زايدات دورية حادة ‪ ،‬حىت‬
‫يتم االحتفاظ خبدمات أولئك اخلرباء من أصحاب التخصصات العالية ‪ ،‬الذين‬
‫ال يوجد مثلهم يف أي مكان آخر فوق األرض ‪ ،‬وهكذا يكون لسلم الرواتب‬
‫أن يبدأ عند ‪ 122‬جنيه للسنة لريتفع مبعدل ‪ 22‬جنيهاً يف السنة حىت يصل إىل‬
‫‪ 0922‬جنيه ‪ .‬وهذه املهمة جديرة بذلك ‪ .‬كما أن هذا ليس مبرتب مبالغ فيه‬
‫‪ ،‬ذلك أن قائمة احلساب السنوية للخدمات املعمارية حوايل ‪ 222.222‬جنيه‬
‫‪.‬‬
‫ومبلغ ‪ 222.222‬جنيه ينبغي أال يعد مبلغاً كبرياً ‪ .‬ولنتذكر أنه نسبة مئوية من‬
‫اإلنفاق الكلي على البناء ‪ ،‬وأنه يكاد يكون أقل نسبة مئوية يتقاضاها‬
‫املهندسون املعماريون يف أي مكان يف العامل ‪ .‬فنسبة ‪ 8‬يف املائة من تكلفة البناء‬
‫هي مبلغ قلة مضحكة كأجر يدفع ملنزل قد صممه مهندس معماري ‪ .‬ويف‬
‫سويسرا البد لك ‪ ،‬حبكم القانون ‪ ،‬من أن تدفع ‪ 0‬يف املائة من التكلفة جمرد‬
‫الزخرفة الفنية للبيت ‪ ،‬بينما من املعتاد ابلنسبة للمهندس املعماري أن حيصل‬
‫عند ممارسة أعماله اخلاصة على أجر بنسبة ‪ 82‬يف املائة من تكلفة أي مبىن‬
‫تكون قيمته أقل من ‪ 8222‬جنيه ‪.‬‬
‫املليون من‬ ‫وينبغي أن نضع نصب أعيننا أن هذا الواحد يف املائة أو نص‬
‫اجلنيهات ‪ ،‬سيوفر عنصر العمل اخلالق ‪ ،‬وهو عنصر ضروري إذا أريد لربانم‬
‫اإلسكان الرخيص التكلفة هذا أن يكون انجحاً حقاً ‪ .‬وفوق ذلك فإن املرتب‬
‫اجملزي حيرر املهندس املعماري من القل مالياً ‪ ،‬ومي ّكنه من الرتكيز على عمله‬
‫احلقيقي ‪ .‬وكثرياً ما حيدث أن يبدأ املهندس املعماري احلكومي يف اإلحساس‬
‫ابلقرف من مستخدميه ألن املهندسني املعماريني اآلخرين ينالون من ممارسة‬
‫العمل اخلاص ماالً أكثر كثرياً مما يناله ‪ .‬وعندما ينظر املهندس املعماري‬
‫احلكومي إىل احلكومة على أهنا خبيلة ‪ ،‬فإنه يتخذ موقفاً ‪ (( :‬وملاذا أهتم ؟‬
‫نعطيهم على قد ر أجرهم ‪ )) .‬وهذا املوق كله مبا فيه من ضيعة أحالم وفتور‬
‫ميكن حتويله أبسره لو كان صاحب العمل كرمياً ‪ .‬فالكرم يولّد الكرم ؛ واملهندس‬
‫املعماري الذي ينال أجراً جمزايً حيسن أن من واجبه أن يبذل كل جهده لعمله ؛‬
‫وبدالً من أن يكون ساخراً مريراً من عمله احلكومي ‪ ،‬فإنه يصبح ممتناً ألنه قد‬
‫ختلص من مهومه املادية ‪ ،‬و ألن الطري قد أخلى له ليعمل كما يعمل الفنان‬
‫احلقيقي وألنه قد أعطيت له الفرصة لتنمية مهاراته ومداركه أقصى تنمية ‪.‬‬
‫وهناك فائدة أخرى تنجم عن هذا اإلنفاق املتواضع نسبياً ‪ .‬فينبغي أن يكون‬
‫لدينا فري من مهندسني معماريني يعملون أبرفع مستوى لفنهم ‪ ،‬ويعملون‬
‫كفري ‪ ،‬دائماً ينصحون وينقدون ويعيد كل منهم احليوية لعمل اآلخر ‪ ،‬كيان‬
‫من فنانني متحررين من الضغوط التجارية ‪ ،‬ومي ّكنون من تكريس كل حياهتم‬
‫إلرهاف أدائهم ‪ .‬وثالمثائة مهندس معماري من هذا النو هلم حقاً كنز قومي ‪.‬‬
‫وذا ت يوم ‪ ،‬كان هناك يف دير املدينة جمموعة من هذا النو ابلضبط من‬
‫املهندسني املعماريني ‪ ،‬والرسامني ‪ ،‬والنحاتني ‪ ،‬يعملون معاً ويعيشون معاً يف ((‬
‫قرية للفنانني )) جيالً بعد جيل أثناء كل عصر اململكة الوسطى ‪ ،‬وكانوا هم‬
‫املسئولني عن أعمال الفن العظمى يف مصر القدمية – فن حاذق ومتنو ‪ ،‬إال‬
‫أنه تقليدي ؛ فن مجوعي حب يف أرقى أنواعه ‪.‬‬
‫أال ميكن ألولئك املهندسني املعماريني الثالمثائة الذين حنتاج إليهم أن يعيشوا‬
‫معاً حىت ولو لفرتة ‪ ،‬يف قرية مثل دير املدينة ؟ مناملؤكد أن خطتنا إلعادة بناء‬
‫ستحتاج إىل مركز لتنسي العمل ‪ ،‬ومركز لألحباث وللتدريب أيضاً ‪.‬‬ ‫الري‬
‫جنمع معاً مركز األحباث والتنسي ومدرسة التدريب على املعمار‬ ‫فلماذا ال ّ‬
‫الري ‪ ،‬أو مبعىن أوسع جنمع الدراسات (( الريفية )) يف قرية واحدة (( للفنون‬
‫الريفية )) ؟ إن لدينا ابلفعل مشروعاً (( ملدينة للفنون اجلميلة )) ‪ ،‬سينف عليه‬
‫مليون جنيه ‪ .‬وإين أقرتح غذن أن تبىن قرية – أول قرية تبىن يف برانم إعادة‬
‫بناء الري – لتكون هي ابلضبط هذا املركز للدراسات الريفية ‪ .‬وينبغي أن‬
‫تكون على صلة وثيقة ابلوزارات واهليئات األخرى العلمية والفنية ‪ ،‬على أهنا‬
‫ينبغي أن تكون قرية حقيقية ‪ ،‬واألفضل أن تكون قريبة من قرية موجودة تكون‬
‫من ضمن اخلطة ‪ .‬وينبغي أن يتم تصور هذه القرية وبناؤها حسب املبادئ اليت‬
‫سب وضعها ‪ ،‬وينبغي أن يتم بناؤها بواسطة املهندسني املعمارين أنفسهم‬
‫كتطبي عملي ملقررهم الدراسي عن املعمار الريفي وينبغي أخرياً أن حتتوي‬
‫على مكتبات ‪ ،‬وحجرات دراسية – ومعامل ‪ ،‬وقاعات للمحاضرات‬
‫واالجتما ‪ ،‬بل وأن حتتوي أيضاً على ورش عملية حيث ينمي الفالحون‬
‫حرفهم من الفخارة ‪ ،‬والنسي ‪ ،‬والنجارة ‪ ،‬والبناء ‪ ،‬والتجصيص ‪ ،‬اخل ‪.‬‬
‫وسيكون مثة بناؤون من أسوان يعيشون هناك ‪ ،‬وصنا نوافذ الزجاج امللون من‬
‫القاهرة ‪ ،‬وصانعو احلصري والسالل من الشرقية ‪ ،‬كلهم مع املهندسني املعماريني‬
‫‪ .‬ويكون لكل منهم بيته حيث يعيش مع عائلته ويعلم حرفته للصبيان ‪،‬‬
‫ويكون الكل أعضاء يف اجملتمع ‪ .‬وسيكون هناك أيضاً متسع للزوار ‪ ،‬من‬
‫احلرفيني وغريهم ‪ ،‬وللمهندسني املعماريني والفنانني األجانب ممن يهتمون‬
‫بنشاطاتنا ‪.‬‬
‫وكما أن األمة – حىت ولو كانت جداً فقرية – قد تستثمر من ماهلا يف أوركسرتا‬
‫قومي ‪ ،‬يكون رصيداً دائماً لألمة فإهنا مبثل ذلك أيضاً قد تستثمر من ماهلا يف‬
‫فري قومي من املهندسني املعماريني ‪ .‬ولو كانت البلد حتوي حىت ثالثة آالف‬
‫عازف على الكمان يعزفون يف أركان الشوار ‪ ،‬فإهنم من الوجهة الفنية‬
‫اليساوون شيئاً ابملقارنة أبوركسرتا واحد دائم فيه مائة عازف ‪ ،‬يستطيع خل‬
‫ثراث ‪ ،‬ويكرس كل وقته لتحسني مستوى أدائه ‪ .‬وعلى نفس املنوال فإن ثالثة‬
‫آالف مهندس معماري يعمل كل واحد منهم لعمالئه اخلاصني ‪ ،‬ومن خالل‬
‫مقاولني خاصني ‪ ،‬الميكن مقارنتهم بثالمثائة مهندس معماري يعملون معاً وهم‬
‫واعني خلل تراث قومي يف البناء ‪.‬‬
‫وبرانم بناء الري يتطلب أول كل شيء مسح قومي للموارد واالحتياجات ‪،‬‬
‫وخطة شاملة ‪ ،‬يصنع من داخلها خطط تفصيلية لكل منطقة حملية ‪ .‬وهكذا‬
‫يعمل املخططون على مستوين ‪ ،‬مستوى (( الق يادة العليا )) – هيئة صنع‬
‫السياسة املركزية – واملستوى امليداين الذي ينفذ القرارات ‪ .‬وال جاجة للقول‬
‫أبنه لن يكون هناك فصل جامد بني املستويني ‪ ،‬وال إحساس أبن أحدمها يفوق‬
‫اآلخر ؛ وعلى العكس فإنه سيتم تبادل أفراد اهليئة العاملة من املهنيني تبادالً‬
‫حراً ما بني القيادة العليا وامليدان ‪ ،‬وسيكون على اجلميع مسئولية املشاركة يف‬
‫قرارات التخطيط ‪.‬‬
‫وهناك حاجة منذ البداية إىل وجود تقدير ما لنسب املهن املختلفة املطلوبة‬
‫لكل هيئة التخطيط ‪ .‬وحىت اآلن ‪ ،‬فإنه ال ميكننا إال أن نوضح نقطتني ‪ :‬أن‬
‫وطأة العمل سيتحملها املهندسون املعماريون ‪ ،‬وهكذا فإن كفتهم ترح ‪ ،‬كما‬
‫أهنم سيدعمون دعماً كافياً ابملتخصصني اآلخرين ‪ .‬وبصورة مبدئية ‪ ،‬ميكن أن‬
‫تقرتح أن يتكون فريقنا ابلكامل كالتايل ‪:‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪ - 8‬املهندسون املعماريون ‪ ،‬املخططون‬
‫‪82‬‬ ‫‪ - 0‬مهندسو ميكانيكا الرتبة‬
‫‪2‬‬ ‫‪ - 1‬املهندسون االنشائيون‬
‫‪82‬‬ ‫‪ - 9‬اقتصاديون‬
‫‪82‬‬ ‫‪ - 2‬اثنوجرافيون اجتماعيون‬
‫‪9‬‬ ‫‪ - 9‬جغراف يون‬
‫‪82‬‬ ‫‪ - 9‬إداريون‬
‫ويف حني سيعمل املهندسون املعماريون يف املهمة ابستمرار طيلة فرتة إعادة‬
‫االنشاء كلها – ألربعني سنة حبيث يظل هناك دائماً ‪ 122‬مهندس معماري يف‬
‫الفري – فإن بعض العاملني اآلخرين ‪ ،‬مثل اجلغرافيني واالقتصاديني سيكون‬
‫تناوهلم للعمل من نو العمل ملرة واحدة ن وأخرياً ‪ ،‬حبيث ميكن تقليل عدد‬
‫هؤالء اخلرباء مبرور الوقت على أننا ينبغي أن خنطط منذ البداية لفري متكامل ‪،‬‬
‫حبيث يتم على األقل متثيل هذه العلوم ويكون ذلك هبذه النسب تقريباً ‪.‬‬
‫وعندما يستكمل املسح والتخطيط على النطاق القومي أو نطاق املنطقة ‪،‬‬
‫يكون قد حان الوقت بذلك لبداية برانم البناء الفعلي ‪ .‬فيتم اختيار إحدى‬
‫القرى ليزورها فري البحث ‪.‬‬
‫واخلطوات األوىل يف الربانم تكون دائماً تنظيم اإلمداد ابلعمالة وجتهيز مواد‬
‫البناء ‪ .‬ويف ظل نظام التطو التعاوين ال ميكن اإلمداد ابلعمالة إال بعد أن يتم‬
‫حتليل السكان وتقسيمهم إىل مجاعات عائلية أو إىل بدانت ‪ .‬وتقسيم السكان‬
‫هذا يرتك كلية للقرويني أنفسهم ‪ .‬وعلى أي حال فإن العائالت جتمع أنفسها‬
‫طبيعياً ‪ ،‬وجيب أال يكون هناك ضغط على أي عائلة لتخل جمموعة بعينها‬
‫ألسباب من مثل حسن التنسي اإلداري أو تسهيل التصميم فلن يكون هناك‬
‫أدىن ما يشغل البال لو أن بعض البدانت تتأل من عشرين عائلة بينما تتأل‬
‫بدانت أخرى من مخس أو ست عائالت فقط ‪ .‬كما أنه ليس من سبب ألن‬
‫تكون أي جمموعة واحدة مقصورة على عائالت على صلة قرابة ؛ وإمنا يكون‬
‫العمل دائماً على االستفادة من النزعة الطبيعية جملموعات العائالت ألن تعيش‬
‫يف نفس اجملاورة ‪ ،‬على أنه قد حيدث أن عائالت ليس بينها أدىن قرابة ختتار‬
‫حقاً أن تعيش معاً ‪ .‬واملثل العريب يقول‬
‫(( اخرت اجلار قبل الدار )) وكما شرحنا من قبل يتم متثيل كل جمموعة عائالت‬
‫مبن يتحدث عنها – مسن أو شيخ – وهو الذي يربم كل االتفاقات مع اهليئة‬
‫املخططة ابسم أعضاء جمموعته ‪ ،‬ويكون هو الوسيط الدائم بني هيئة التخطيط‬
‫والناس يف جمموعته ‪ ،‬وسيطلب من العائالت األعضاء أن توقع إقرار تواف فيه‬
‫على إدراجها ضمن البدنة ‪.‬‬
‫ويلي ذلك أن يطلب من كل عائلة أن تقرر مطالبها من احلجرات ‪ ،‬واحلظائر ‪،‬‬
‫واملساحة ‪ .‬وعندما نعرف عدد املباين اليت حتتاجها كل بدنة ‪ ،‬سيمكننا حساب‬
‫قدر العمالة – كذا لكل يوم – املطلوب اإلمداد به ‪ ،‬مع حساب فرتة السماح‬
‫املناس بة ألوقات مثل احلصاد حيث ال توجد عمالة ميكن االستغناء عنها من‬
‫احلقول ‪ .‬وعندما تتضح للبدنة متتماً ماهية مسئولياهتا ‪ ،‬تقوم اهليئة واملندوب‬
‫بتوقيع عقد ‪ ،‬يتف فيه على قدر معني من العمالة إلقامة عدد وحجم معني من‬
‫البيوت ‪.‬‬
‫وبعد جتميع هذه البياانت ‪ ،‬جتهز خطة للقرية ‪ ،‬تبني وضعها احلايل ‪ ،‬وكيفية‬
‫تنميتها يف املستقبل ويبني على هذه اخلطة موضع وحدود كل جماورة عائلية ؛‬
‫ومساحة القطعة اليت ختصص للبدنة هي حاصل مجع مساحة البيوت الفردية مع‬
‫إضافة نسبة مئوية معينة من هذه املساحة مليدان اجملاورة والشوار الداخلية ‪.‬‬
‫ويوقع كل مندوب مبوافقته على حتديد موضع جماور عائالته وذلك حسب‬
‫توكيل رمسي مينحه له أعضاء اجملموعة ‪.‬‬
‫ويتم حتديد حدود كل جماورة عائلية على هذه اخلطة االتدائية ‪ ،‬أما التنظيم‬
‫الداخلي ‪ ،‬وحتديد موقع البيوت الفردية وشكل امليدان ‪ ،‬اخل ‪ .‬فكلها سوف‬
‫ينتظر التصميم التفصيلي هلذه البدنة عندما أييت الدور يف سياق البناء (( ذلك‬
‫أن العمل يف التصميم يستمر خطوة فخطوة مع االنشاء الفعلي حىت يتم إهناء‬
‫القرية )) ‪ .‬وهكذا فرغم أن مسار الطرق الرئيسية يتحدد منذ البداية هو‬
‫ومواقع املباين العامة واملساحات األساسية املفتوحة ‪ ،‬على األقل يف داخل‬
‫اجملاورة العائلية ‪ ،‬إال أننا لن نعرف ابلضبط ‪ .‬إال بعد ذلك بكثري ‪ ،‬أي أرض‬
‫تكون خاصة ( مواقع البيوت ) وأي أرض تنتمي للجمهور ( ميدان اجملاورة ) ‪.‬‬
‫وعدم حتديد هكذا هلو أمر ضروري إذا كنا نريد أن نبسط مزااي التصميم‬
‫الفردي املتعمد على كل منزل يف القرية ‪ .‬واملهندس حىت يقوم بذلك ‪ ،‬حيتاج‬
‫وقتاً ؛ ولو توجب عليه أن يوقع الرسم التخطيطي لكل بيت على اخلطة قبل أن‬
‫يبدأ أي إنشاء يف أي مكان ابلقرية ‪ ،‬فسوف يكون املهندس املعماري جمرباً‬
‫على اللجوء إىل التصميم اجلموعي ‪ ،‬أي أن يضاع من تصميم مفرد عدة‬
‫مرات ‪ ،‬وهبذا فإن وجوده كفنان خالق يصبح أمراً غري ضروري مبجرد أن ينتهي‬
‫من رسم خطته األوىل هذه ‪ .‬ومادة البناء الرئيسية هي الرتبة ‪ ،‬اليت ستجلب من‬
‫حفر البحرية الصناعية ‪ .‬وهكذا فبينما يقسم القرويون إىل جمموعات من‬
‫العائالت ‪ ،‬ويتعرفون على مقرتحات البناء وتنظيم العمل ‪ ،‬تكون هذه البحرية و‬
‫البد قد مت حف رها ‪ ،‬ويف نفس الوقت يكون قد مت ختطيط احلديقة احمليطة هبا‬
‫وزرعها ‪.‬‬
‫وموقع البحرية يتحدد حسب عوامل عديدة ‪ .‬فأوالً ‪ ،‬جيب أن تكون الرتبة‬
‫مناسبة لصنع الطوب ‪ .‬وهكذا تثقب حفر اختبارية يف املوضع املرغوب فيه‬
‫أبكثر ‪ ،‬وحتلل الرتبة بواسطة مهندس ميكانيكا الرتبة الذي سيقول إذا ما كانت‬
‫مالئمة لصنع الطوب أو هي مما ينبغي أن خيلط معه أي قدر من الرمل ‪ .‬وإذا‬
‫ثبت أن الرتبة عند أحسن موقع للبحرية غري مالئمة لصنع الطوب ‪ ،‬فإنه جيب‬
‫استخدام مكان آخر كمحجر للرتبة ‪ ،‬ويظل موقع البحرية يف املكان األحسن‬
‫الستجمام القرية ‪ ،‬بينما ميكن استخدام الرتبة احملفورة منها مللء موضع حمجر‬
‫الرتبة ‪ .‬واثنياً ‪،‬‬
‫ينبغي اختاذ موقع البحرية حبيث ميكن االستفادة من عادات القرويني ‪ .‬فإذا كان‬
‫لديهم موضع معني يذهبون إليه ابنتظام لالستحمام ( موردة ) ‪ ،‬فإنه ينبغي أن‬
‫يصبح جزءاً من البحرية حبيث يسلكون نفس املسارات كما من قبل والعوامل‬
‫األخرى اليت حتدد اختاذ موقع البحرية هي كالتايل ‪ :‬موضع الرت اليت ستغذيها ‪،‬‬
‫واجتاه الرايح السائدة ( الرايح الشمالية الغربية الباردة ) واجتاه الرايح العارضة‬
‫الساخنة احململة ابلرتاب ( من اجلنوب الشرقي ) ‪ ،‬وموضع مضرب الطوب ‪.‬‬
‫وحيث أن البحرية ستكون يف املنتص من مساحة لشبه منتزه ‪ ،‬ستربد أشجار‬
‫من الريح وتنقيها ‪ ،‬فإن من األفضل اختاذ موقعها إىل اجلنوب الشرقي من‬
‫البيوت ‪ ،‬حبيث تعرتض الرايح اجلنوبية الشرقية احلارة ‪ .‬ومضرب الطوب الذي‬
‫جيب أن توضع الرتبة احملفورة ابلقرب منه ‪ ،‬ينبغي أن يكون قريباً نوعاً من‬
‫البحرية ‪ ،‬لإلقالل من صعوابت النقل ‪ ،‬ولكنه يف الوقت نفسه بعيداً عن‬
‫البيوت وأسفل اجتاه الريح ابلنسبة هلا بسبب الرائحة الكريهة لألفران ( أفران‬
‫حرق اجلري واطوب يتخذ موقعها يف مضرب الطوب ) وهكذا فإن املوقع األمثل‬
‫ملضرب الطوب هو إىل اجلنوب حىت اجلنوب الشرقي من البحرية واملنتزه ‪،‬‬
‫حبيث حتجبه أشجار املنتزه عن املقربة ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن حفر البحرية وتفريغ الرتبة ابلقرب من مضرب الطوب إمنا هو‬
‫من مهام وزارة األشغال العمومية ‪ .‬وميكن إهناء هذه املهمة يف أسابيع معدودة‬
‫ابستخدام ماكينات معدودة وسكة حديد ديكوفيل ‪ ،‬فذلك أسر كثرياً مما‬
‫يستطيعه الفالحون أبدواهتم اليدوية البسيطة ‪ .‬ومن املهم جداً أن يتم حفر‬
‫البحرية سريعاً ‪ ،‬لتوفري وقت مهندسي مصلحة األشغال العمومية الذين جيب أن‬
‫يقوموا ابإلشراف على ما هو يف احلقيقة عملية هندسية جداً معقدة ‪ ،‬ولتوفري‬
‫وقت أخصائي تربية األمساك وأخصائي البساتني من وزارةالزراعة ‪ ،‬الذين‬
‫سيشرفون على إنشاء مزرعة األمساك ورسم منظر اخللوي الطبيعي للمنتزه وزرعه‬
‫‪ .‬ولو حفر البحرية كان يتم يدوايً خالل زمن طويل ‪ ،‬لتسرب املاء إليها قبل‬
‫إكماهلا ‪ ،‬وهي لو أثقلت ابملاء قبل أن يتم جتهيز نظام القنوات املغذية وأبواب‬
‫الغل ‪ ،‬فإن هذا املاء سريكد فيتوالد فيه البعوض ‪ .‬وفوق ذلك ‪ ،‬فإننا ينبغي أن‬
‫نستوث أننا قد حصلنا على كل الرتبة اليت سنحتاجها للقرية كلها قبل أن نبدأ‬
‫البناء ‪ ،‬حبيث ال حيدث توق بسبب نقص يف مواد البناء ‪.‬‬
‫***‬
‫حلن الرتديد ( فوجه )‬

‫ملهندس املعماري ‪ ،‬والفالح ‪ ،‬والبريوقراطي‬

‫كنت أود أن أهني هنا‬


‫مبا يف القسم األخري من نصيحة علمية‬
‫وأال أضمن فيه إال ما‬
‫يف جزئه األول هذا من مادة بّناءة مفعمة‬
‫ابألمل ‪ .‬وأكون بذلك‬
‫علي أن أقوله للمهندسني‬
‫قد قلت ما كان ّ‬
‫املعماريني اآلخرين‬
‫وللجمهور عامة ‪.‬‬
‫إال أن جتربة القرنة أصاهبا الفشل ‪ ،‬ومل تكتمل القرية قط ‪ ،‬وهي حىت يومناهذا‬
‫مل تصبح بعد جمتمع قروي مزدهر ‪ .‬ولن يكون من اإلنصاف للقارئ أن جنعله‬
‫يفرتض أن املبادئ اليت سب شرحها هي مما ينجح أوتوماتيكياً عند التطبي ‪.‬‬
‫ويف نفس الوقت فإين لن أكون منصفاً لنفسي وال لبلدي لو تركت هذه املبادئ‬
‫ت ظل مدانة بسبب فشل هذه احملاولة الوحيدة لتطبيقها ‪ .‬فليست القرنة وحدها‬
‫اليت توقفت ‪ ،‬بل توق كل أمل حقيقي للوصول ابلفالح املصري إىل املستوى‬
‫الالئ من املعيشة ‪.‬‬
‫وكنتيجة ألن القرنة مل تكتمل قط ‪ ،‬متت إدانة كل نظرية البناء بطوب الل ن هي‬
‫والرأي أبن اإلسكان الريفي يقتضي استخدام املهارات الرتاثية ‪ ،‬وأدين كل هذا‬
‫على أنه نزوات غري عملية ‪ .‬ومل يقتصر األمر على عدم بذل أي حماولة‬
‫الستكمال القرنة بل ومل تبذل أي حماولة إلجياد وسائل أخرى عملية للوصول‬
‫إىل بناء بيوت ريفية ‪ .‬وكان املهندسون املعماريون احلكوميون أثناء بناء القرنة‬
‫وبعد توق العمل فيها ‪ ،‬يصوروهنا على أهنا أبكثر التعبريات أتدابً ‪ ،‬فشل مثري‬
‫لالهتمام ‪ ،‬رحلة عاطفية على درب منحرف ال ميكن أن يؤدي إىل النجاح ‪.‬‬
‫وكان يتم اهلمس هبذه اإلفرتاءات يف دهاليز الوزارات بل إهنا ظهرت يف صحيفة‬
‫أجنبية * يف وقت متأخر حىت عام ‪ . 8198‬وابلتايل فال بد من أن أرد على‬
‫هذه التهم قبل املضي ملا هو بعد ذلك ‪.‬‬
‫وليس أسهل من أن أقول يف إهبام أن ما منعين من إكمال القرنة هو ما عند‬
‫الفالحني من غموض وما عند البريوقراطيني من عداء ‪ ،‬إال أنين سأكون أكثر‬
‫إقناعاً لو تركت لتاريخ املشرو أن يتحدث عن نفسه ‪ .‬وما سيأيت بعد ليس‬
‫أبي معىن مفكرة تسجل تقدم العمل يف القرنة ‪ .‬إنه حماولة ألن يفهم القارئ‬
‫سبب توق العمل ‪ ،‬وهكذا فقد اخرتت كأمثلة بعضاً من أبرز ما لقيت من‬
‫إيل أين كنت خائر العزم‬
‫عقبات ومكائد ‪ .‬ومرة أخرى فلست أود أن يعزي ّ‬
‫مستسلماً هلذه احملن ‪ ،‬وإين الؤكد أن هذه األمثلة ليست إال األشجار الكبرية‬
‫اليت يف الغابة ‪ ،‬واليت تطل ابرزة من بني احلشائش شائكة متشابكة من املعوقات‬
‫الدنيئة ‪ ،‬واملؤمرات ‪ ،‬والعجز ‪ ،‬والتعطيل ‪ ،‬مما أسهم يف احلط من معنواييت يف‬
‫النهاية أبكثر مما أسهمت به العقبات الكبرية ‪ .‬واحلقيقة أن هذه الوخزات‬
‫الصغرية الي ومية بلغ من كثرهتا واستفزازيتها أين وددت لو عرضتها على أنظار‬
‫رؤسائي ‪ ،‬على أنه كان من الواضح أنه ليس يف استطاعيت أن أرسل تقريراً رمسياً‬
‫كلما حدث مثالً أن أتخر وصول أجور العمال يف الوقت احملدد ‪ ،‬كما كان‬
‫حيدث دائماً ‪ ،‬حىت أهنم أضربوا عن العمل ‪ ،‬أو عندما حدث أن أرسلت يل‬
‫أوص رؤوساً يف‬
‫خمازن عشرين كيلو جراماً من مسامري ال رؤوس هلا ‪ ،‬ألنين مل ّ‬
‫طلبييت ‪ .‬على أنين اقرتحت ابلفعل على شفي غرابل وكيل الوزارة ‪ ،‬أن أمجع‬
‫ملفاً عم االستفزازات الصغرية وأرسل له عنها دورايً لقراءهتا ؛ ومل يرحب هو‬
‫ابإلقرتاح ‪.‬‬
‫وكنتيجة هلذه املعوقات جرى العمل يف القرنة يف تقطع شديد ‪ .‬وكلما تلقينا ما الً‬
‫ومواد للبناء‪ ،‬أخذان نبين يف هياج لتطلع البيوت كزهور الصحراء بعد املطر ‪.‬‬
‫وكلكا شوهدان وحنن نبين أو بدا األمر وكأننا نبين ‪ ،‬ال تلبث اإلمدادات أن‬
‫تنضب ليتبطأ العمل حىت يتوق ‪ .‬وهكذا عملنا يف أول ثالثة مواسم مدة أحد‬
‫عشر شهراً ونص الشهر من بني ثالثني شهراً ‪ .‬وبعد املوسم الرابع توق‬
‫تقريباً أي إنشاء ‪ ،‬وكان العمل الوحيد الذي مت إجنازه هو جرد املخازن ‪ ،‬ولكن‬
‫هيا نبدأ البداية ‪.‬‬
‫***‬
‫املوسم األول ‪8199 : 8192 :‬‬
‫بدأ العمل يف التصميمات يف أغسطس ‪ 8192‬عندما استلمنا األرض من كامل‬
‫بولس حنا بك ‪ .‬وكتبت يف نفس الوقت خطاابً لصديقي القدمي احلاج بغدادي‬
‫أمحد علي ‪ ،‬أطلب منه أن جيمع فريقنا من البنائني ‪ .‬وهم أولئك الرجال الذين‬
‫كنت أذهب معهم من قرية إىل أخرى ‪ ،‬كفرقة من منشدى الرتوابدور*‬
‫املتجولني ‪ ،‬لنبين العزب‬
‫_________________________________________‬
‫_________________________‬

‫* صحيفة الداير تلجراف ‪ 02 ،‬أكتوبر ‪8199‬‬


‫* نو من الشعراء املتجولني يف القرنني ‪ 81 ، 80‬ميالدي ينظمون شعراً غنائي اً‬
‫بلغة جنوب فرنسا ‪ ،‬معظمة يف الغزل وهناك ما يدل على أهنم امتداد لشعراء‬
‫األندلس العرب املتجولني ‪ ( .‬املرتجم )‬

‫واالسرتاحات لكبار املالك الزراعيني ‪ .‬وطلبت من بغدادي أن جيمع أيضاً أكرب‬


‫عدد يستطيع من البنائني اجلدد ‪ .‬لقد انتهى العهد حيياتنا حياة مثل الغجر ‪،‬‬
‫ولن يكون علينا بعد أن نفك حزم أدواتنا يف إحدى العزب القصية أو القرى‬
‫املريبة ‪ ،‬بينما البناءون احملليون يرمقوننا يف عداء ‪ .‬إن علينا أن نبين قرية كاملة ‪،‬‬
‫وعميلنا هو احلكومة ؛ وهكذا أمكنين أن أعد الرجال بعمل وافر وأجر مضمون‬
‫‪ ،‬وقد أصبح لدي أخرياً الفرصة لتعليم أسرار املهنة‬
‫لصبيان جدد ‪ ،‬وهو أمر مل أمتكن منه فيما سب ألن البنائني احملليني يف القرى‬
‫اليت كنا نبين فيها كانو دائماً حيسون ‪ ،‬وهم على ح ‪ ،‬ابلغرية من تطفلنا الذي‬
‫يسلبهم رزقهم ‪ ،‬وكانوا ابلتايل يرفضون أن يتعلموا ‪ ،‬واحلقيقة أن البنائني‬
‫األسوانيني كانوا هم أيضاً كتومني وال يريدون إشراك الغري يف مهراهتم ‪.‬‬
‫وحبلول أكتوبر من نفس السنة ‪ ،‬عندما بدأ العمل يف املوقع ‪ ،‬كنت قد أكملت‬
‫خطة القرية ‪ ،‬وتصميمات معظم املباين العامة ‪ ،‬وتصميمات ص واحد جترييب‬
‫من البيوت امللحقة ابخلان ‪ .‬وقد تضمن هذا الص بيواتً من خمتل األشكال‬
‫واألحجام حبيث ميكن ألهل القرنة أن أيخذوا منها فكرة عن إمكاانت املساكن‬
‫اجلديدة اليت ستقدم هلم وهبذا ميكنهم التشاور معي بتعاون أكثر عندما أصل إىل‬
‫تصميم البيوت من أجل عائالت بعينها ‪ .‬وقد قصدت هبذه البيوت التجريبية‬
‫أن تلح ابخلان لتكون مساكن للموظفني الذين قد ترسلهم وزارة الصناعة‬
‫إلدارته ‪.‬‬
‫ويف الفرتة ما بني حصولنا على املوقع وبدايتنا لبناء كنت أعمل معظم الوقت يف‬
‫القاهرة ‪ .‬وذات يوم أثناء وجودي يف مكاتب مصلحة اآلاثر ‪ ،‬ذكر أحدهم أن‬
‫املساعدين الذين عينوا ملعاونيت موجودين هنا يف املبىن ‪ .‬فهل أحب أن أقابلهم‬
‫؟ وسررت لسما ذلك وطلبت أن أق ّدم هلم يف احلال ‪ .‬وانطلقنا إىل حجرة كان‬
‫‪ .‬وحيا أحدان اآلخر ‪ ،‬وأخذت يف التعارف على‬ ‫فيها ستة شبان يقفون يف ص‬
‫كل واحد منهم شخصياً ‪ .‬واقرتبت من أوهلم ‪:‬‬
‫(( ماامسك ؟ )) (( مشيل )) ‪ (( .‬سعيد بلقائك ‪ .‬أأنت مهندس معماري ؟ ))‬
‫(( ال ‪ ،‬عندي دبلوم يف النجارة )) ‪.‬‬
‫(( آه ‪ ،‬وأنت ؟ )) (( أمني عيسى ‪ ،‬متخصص يف الديكور )) ‪ (( .‬آه ‪ ،‬وماذا‬
‫عنك ؟ )) (( أمحد عبد هللا )) ‪.‬‬
‫(( واآلن ‪ ،‬ال بد أنك مهندس معماري )) ‪ (( .‬ال ‪ ،‬أان متخصص يف طالء‬
‫اجلدران )) ‪ (( .‬حقاً ‪ ،‬وأنت ؟ ))‬
‫(( حممد أبو النصر )) ‪ (( .‬سعيد جداً بلقائك ‪ .‬أزعم أنك مثّال أو شيء كهذا‬
‫؟ )) (( ال ‪ ،‬أان متخصص يف‬
‫النسي )) ‪ (( .‬شكراً ‪ .‬وأنت ؟ )) (( عاذر )) ‪ (( .‬أنساج أيضاً ؟ )) (( ال ‪،‬‬
‫مل أختصص يف شيء )) ‪.‬‬
‫(( وإذن ‪ ،‬فما هي مؤهالتك ؟ )) (( حسن ‪ ،‬لدي شهادة ابتدائية ‪ ،‬وأستطيع‬
‫الفراءة والكتابة )) ‪.‬‬
‫وبعد أن متالكت جأشي ‪ ،‬فكرت أنه ليس من املهم حقاً أال يكون لدي‬
‫مشرفون ملساعديت ‪ .‬فاألمر املهم هو البنا ء وهذا سيقوم به البناءون األسوانيون‬
‫‪ .‬وهم يعملون دومنا إشراف ويستطيعون حقاً أن يع ّلموا شيئاً أو أكثر‬
‫للمهندسني املعماريني املؤهلني ‪.‬‬
‫وعينت املصلحة بعد ذلك مدير أعمال ليعاونين ‪ .‬وكان مهندساً معمارايً‬
‫متخرجاً يف مدرسة الفنون اجلميلة يف ‪ . 8111‬وأسعدين جداً أن يكون معي‬
‫مهندس معماري آخر يعينين ؛ إن يداً واحدة ال تصف بنفسها كما يقول املثل‬
‫‪ ،‬وسأنطل يف العمل بثقة أكرب كثرياً عندما يتوافر يل شيء من عون مهين ‪.‬‬
‫على أين عندما التقيت مبساعدي ‪ ،‬فوجئت بعض الشيء عندما طمأنين يف التو‬
‫‪ ،‬أبشد النربات ثقة ‪ ،‬عن شئون راحتنا الشخصية يف القرنة ‪ .‬فهو كما يقول‬
‫طاه ممتاز ‪ ،‬وميكنين الوثوق يف قدراته على احلصول على كل التموين الذي قد‬
‫حنتاجه يف الصعيد ‪ .‬وواصل احلديث تفصيلياً عن كميات األرز والسمن اليت‬
‫يتوقع أننا سنستهلكها وطرق احلصول على البيض ‪ ،‬وكيفية ضمان صالحية‬
‫الدجاج ألن يؤكل ‪ .‬وينبغي القول أبن مسألة ما سآكله مل ختطر اي ببال من‬
‫قبل ‪ ،‬ونظراً ألننا كنا فحسب عرب النهر من األقصر ‪ ،‬يف متناول أفضل حمال‬
‫البقالة فإن هواجسه هذه بدت بعض الشيء مما ال داعي له ‪.‬‬
‫على أننا كنا مازلنا يف القاهرة ‪ ،‬وكنت أحترق لبدء البناء يف املوقع ‪ .‬وكان‬
‫محاسي للمشرو وضي اجلدول الزمين يدفعاين لإلحساس أبن كل دقيقة كانت‬
‫مثينة ‪ ،‬وأن كل اثنية أفقدها تعين أن هناك طوبة مل يتم رصها ‪ ،‬وهكذا أجلست‬
‫ذلك املهندس املعماري الشاب التعس ‪ ،‬وأغرقته تواً يف غابة من األرقام‬
‫واجلداول ‪ ،‬وتعجلته يف أن يساعدين على جتميع بيان بكل املعدات واملواد اليت‬
‫سنحتاجها ‪.‬‬
‫وكانت اإلدارة قد أعطتين دفرتاً جديداً من استمارات السكك احلديدية ؛‬
‫وهكذا وأان يف تعجلي لبدء البناء ‪ ،‬أرسلت مساعدي بتعليمات أبن يذهب أوالً‬
‫إىل الفيزايئية بوزارة األشغال العمومية للحصول على أدوات املزواة‬
‫( ثيودوليت) ‪ ، :‬ومسواة كوك وأش رطة للقياس ‪ ،‬اخل ‪ ،‬مث يذهب بعدها إىل‬
‫املوقع ليعد أساسات املسجد وكان يف اعتقادي أن من األصلح أن أبدأ هبذا‬
‫البناء بصفته املركز الروحي للقرية ‪ ،‬وهكذا فهو األلي الحتفال إرساء حجر‬
‫األساس ‪ ،‬وأيضاً ألن توجيه املسجد هو أمر حمدد مسبقاً – وحرصت يف هذه‬
‫احلالة على التأكد من أنه ‪ 808ْ 82‬من الشمال ‪ .‬وكان مساعدي قد ذهب‬
‫معي من قبل لرؤية املوقع وكان عرفاً متاماً خبططي ؛ وهكذا انطل مملوءاً ابلثقة‬
‫‪.‬‬
‫أما أان فكنت أنوي يف نفس الوقت أن أمكث يف القاهرة ألرتب تسلم أول‬
‫الضرورايت من املواد واملعدات ‪ .‬وملا كانت كل مبانينا سيكون هلا أساسات‬
‫حجرية ‪ ،‬فقد كنا يف حاجة لشاحنات حلمل احلجارة ؛ كما أننا ‪ ،‬مثلنا مثل‬
‫موسى ‪ ،‬كنا يف حاجة إىل القش لصنع الطوب ‪.‬‬
‫وجهزت نفسي ابستمارة السكة احلديدية وأخذت القطار لألقصر ‪ .‬ووصل‬
‫القطار يف السابعة صباحاً من اليوم التايل ‪ ،‬ونزلت بكل حقائيب ‪ ،‬وصناديقي ‪،‬‬
‫ول فائ من املشروعات ‪ ،‬ومعدات ‪ ،‬وجهاز حاكي ‪ ،‬واسطواانته ‪ ،‬وأشياء‬
‫وحوائ – ومتناثرات شىت – ذلك أين سأقيم يف القرنة زمناً طويالً – ووجدت‬
‫مجهوراً كبرياً قد جتمع للقائي ‪ .‬ويتكون هذا اجلمهور – الذي أصبح ملمحاً‬
‫لكل مرات وصويل ورحيلي من حمطة األقصر – من كل أنوا الناس الذين هلم‬
‫عالقة ما ابلعمل ‪ ،‬أو ممن أيملون تشغيلهم فيه ‪ ،‬وكما السلطان انطلقت‬
‫جبمهوري هذا إىل القرنة ‪ .‬وهناك يف القرية القدمية كنا قد منحنا اسرتاحة ‪،‬‬
‫أحببت أن اسرتيح فيها ‪ .‬وتبني أهنا بناء تيوتوين* مربع جيثم على األنفاس ‪ ،‬ومن‬
‫الواضح أنه منقول عن شار التوفيقية ابلقاهرة ‪ ،‬وأنه كان ينتمي ذات يوم إىل‬
‫املدرسة األثرية األملانية ‪ .‬ومل أحبه قط ‪ ،‬وذلك بسبب عتبات نوافذة اليت تصل‬
‫علي أن أقيم فيه فقد‬
‫إىل مستوى الذقن وبالط أرضيته املبهرج على أنه ملا كان ّ‬
‫اخرتت غرفة هي نسبياً غري منفرة وكانت على السطح وتطل على مشهد جيد‬
‫‪.‬‬
‫ما إن ارحتت حىت اعتليت محاراً وركبته إىل املوقع ‪ .‬وأثناء اقرتايب منه ‪ ،‬أمكنين‬
‫أن أرى ما يثري أقصى احلماس من عالمات للعمل النشط حيث سيكون‬
‫املسجد‪ .‬ووصلت إىل مكان وقوف مساعدي ‪ ،‬ورأيت أن األساسات قد‬
‫خططت حقاً كلها ختطيطاً مجيالً ابجلري ‪ .‬وسررت بوجه خاص ألن مساعدي‬
‫هذا كان طالباً يف درسي على املساحة بكلية الفنون اجلميلة ‪ ،‬وهكذا ربت على‬
‫ظهره وسألته يف زهو تربوي ‪ (( ،‬كي أرسيته ابرعاً هكذا ؟ )) (( آه )) ‪ ،‬هو ‪،‬‬
‫(( إنين فحسب وقعت اخلطة على األرض )) ‪ (( .‬نعم ‪ ،‬ولكن كي صنعت‬
‫يف توجيهه ؟ )) (( التوجيه ؟ حسن لقد رأيت أن من األفضل أن يكون موازايً‬
‫للطري )) ‪ (( .‬ولكن التوجيه – الزاوية – مكة – أمل تستخدم مزواتك ؟ )) ((‬
‫املزواة ؟ )) (( األدوات اليت من وزارة األشغال العمومية ! ))‬
‫(( آه ‪ ،‬نعم ‪ ،‬تلك حسن ‪ ،‬إنك قلت أنه جيب صنع شيء يف التو ‪ .‬أنت تفهم‬
‫‪ ،‬إحداث انطبا يف اإلدارة ‪ ،‬عمل استعراض ‪ .‬ال تشغل ابلك ‪ ،‬إنه يبدو مجيالً‬
‫)) ‪.‬‬
‫وظل يتحدث ويتحدث ‪ ،‬بصوته الزاع للمنفر ‪ ،‬وهو يتدف بسيل من‬
‫االقرتاحات ترتاوح بني غري املعقول وغري األخالقي ‪ ،‬حىت وجدتين أفكر ألول‬
‫مرة يف حيايت يف أن األذن ليست متاماً ابلعضو الكامل ‪ .‬فأنت التستطيع‬
‫إغالقه ا مثلما تغل عينك ‪ .‬وعاهدت نفسي أنين ينبغي أن اختلص من هذا‬
‫املساعد يف أول فرصة ‪ ،‬مث التفت إىل العمل احلقيقية الذي ينتظرين ‪.‬‬
‫علي عند كل‬
‫واملزية األساسية يف مشرو القرنة هي اخنفاض تكلفته ‪ .‬وكان ّ‬
‫مرحلة أن أضغط النفقات األخرى لتنخفض إىل مستوى يقارن مبستوى طوب‬
‫الل ن ‪ .‬وكان هذا يعين توقيتاً حريصاً للعمليات حبيث ال يظل أي عمال أو‬
‫بنائني بال عمل يف املوقع يف انتظار ملواد البناء ؛ فالقش ال بد من أن يكون‬
‫جاهزاً لضاريب الطوب ‪ ،‬والطوب واحلجارة جاهزة للبنائني ‪ ،‬ابلكميات الكافية‬
‫يف الوقت املناسب ؛ وإال فسوف ندفع أكثر مما ينبغي يف أجور غري منتجة ‪.‬‬
‫وكان علينا أن نبين ما يقرب من تسعمائة منزل – خبالف املباين العامة – خالل‬
‫ثالثة أعوام ‪ .‬وال ميكن العمل يف صعيد إال لعشرة شهور ‪ ،‬ألن احلرارة أثناء‬
‫يوليو وأغسطس ترتفع إىل ْ‪92‬م يف الظل و ْ‪12‬م يف الشمس‬
‫( ْ‪ 881‬فو ْ‪ 892‬ف ) ‪ .‬إذن فينبغي أن نبين يف شهور العمل الثالثني ‪،‬‬
‫تسعمائة منزل ‪ ،‬أو ثالثني منزالً يف الشهر‪ ،‬أو منزالً يف كل يوم ‪.‬‬
‫وحسبت تقديرايت للمواد والعمالة الالزمة إلنشاء منزل صغري ‪ ،‬ومنزل كبري‬
‫ابلتتايل ‪ .‬مث حسبت متوسط التقديرين ‪ ،‬وهكذا أمكنين التنبؤ بكمية املواد اليت‬
‫سنحتاجها كل يوم ‪ ،‬والرجال واملعدات الالزمة ال ستمرار هذا اإلمداد ‪.‬‬
‫وطلبنا شاحنتني ‪ ،‬وحنن أنمل أن حنصل على أربع شاحنات أخرى يف ميزانية‬
‫العام القادم ؛ وهبذه الطريقة ميكننا توزيع نفقات املعدات الثقيلة على أكثر من‬
‫موسم واحد ‪.‬‬
‫كنت مصمماً على إجناز أكرب قدر ممكن من العمل يف إنتاج مواد البناء ‪ .‬وكنت‬
‫أعرف أن البنائني األسوانيني ما إن شرعوا يف العمل حىت جيعلوا البيوت تطلع‬
‫كعش الغراب ‪ ،‬مادام لديهم الطوب ‪.‬‬
‫وملا كانت مواد البناء األساسية – الطوب واحلجر – سيتم صنعها وحتجريها‬
‫أبنفسنا ‪ ،‬فإن شاغلي األول كان تشغيل العمالة الكافية جلعل اإلنتاج يتحرك ‪.‬‬
‫وكان ينبغي أن يكون هناك صنفان رئيسيان من العمال ‪ :‬عمال مهرة وغري مهرة‬
‫علي مبسئولية العمال املهرة وهم يف أغلبهم‬
‫‪ .‬وعهدت إىل احلاج بغدادي ّ‬
‫بناءون وحجارون من أسوان ‪ .‬وبغدادي كما شرح يل ‪ ،‬قد آتى إىل القرنة‬
‫ليساعدين فحسب ؛ فقد قال إنه قد كرب سناً على العمل ‪ ،‬ولكنه يود أن يفعل‬
‫ما يستطيعه ملساعديت على مواصلة املشرو اجلديد ‪ ،‬من أجل العشرة القدمية ‪.‬‬
‫وهو فوق ذلك ‪ ،‬قد أحضر ابنه ‪ ،‬وهو أيضاً بنّاء ‪ ،‬قد درس يف مدرسة‬
‫الصنائع حيث حصل على دبلوم يف النجارة ‪.‬‬
‫ووضعت أمحد عبد الرسول على رأس العمال غري املهرة الذين مجعوا كلهم حملياً‬
‫‪ .‬وكان قد قدم يل على أنه من أعيان القرنة ‪ ،‬رجل من أسرة ذات نفوذ ( ابن‬
‫حممد عبد الرسول الشيخ املربز ) وكان معتاداً على تشغيل العمال حلساب‬
‫مصلحة اآلاثر ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫* نسبة للتيوتون ‪ ،‬جنس جرماين قدمي ‪ ( .‬املرتجم ) ‪.‬‬

‫والطوب كما ميكن تذكره ‪ ،‬يصنع من تربة تطهريالرت حىت يتم لنا حفر البحرية‬
‫الصناعية ‪ ،‬ومن الرمل من‬
‫الصحراء ‪ ،‬و من القش الذي كنت أحاول شراءه ‪ .‬ولتوفري املياه خللط الطني‬
‫كنت قد اشرتيت أربع مضخات يدوية من القاهرة ؛ وكنا حنتاج سباكاً لرتكيب‬
‫املضخات وص يانتها ‪ ،‬وأحضر عبد الرسول يل ابن عمه الشيخ إبراهيم حسن ‪،‬‬
‫‪ ،‬وسرعان ما قام بتشغيل‬ ‫رجل ضخم خارق القوى ومزاجه جداً لطي‬
‫املضخات ‪ .‬وقررت تشغيل مخسة وعشرين فريقاً كل من أربعة رجال لضرب‬
‫الطوب ‪ ،‬وجهزهم يل عبد الرسول مبنتهى النشاط ‪ ،‬بل‬
‫وعرض أن يوفر يل مخسني أو مائة فري لو احتجت لذلك ‪ .‬وهذه الفرق‬
‫اخلمسة والعشرون تنت ما يقرب من ‪ 92222‬قالب طوب يف اليوم ‪ ،‬وبذا‬
‫سنتمكن من مجع رصيد طيب من الطوب قبل الوقت الذي يتهيأ فيه بناءوان‬
‫للبدء يف البناء ‪ .‬وضاربوالطوب هؤالء مل أيتوا يف احلقيقة من القرنة وإمنا من‬
‫قرى جماورة ‪ ،‬ذلك أنه يبدو عموماً أن احلرف تتجمع يف أماكن معينة ‪ ،‬حبيث‬
‫ميكنك مثالً أن جتد مائة ضارب طوب يف قرية واحدة و الجتد واحداً يف القرية‬
‫التالية ‪ .‬وكان هذا مما يؤس له نوعاً ما ‪ ،‬ذلك أن سياستنا كانت أن نشغل‬
‫كل العمالة يف القرنة إال العمالة املاهرة ابلذات ‪ .‬ولسوء احلظ مل جند يف القرنة‬
‫إال القليل جداً ! فقط أربعة حجارين واثنان من البنائني بني سبعة آالف ساكن‬
‫‪.‬‬
‫وكان ينبغي حتجري ما يلزم من حجر ألساسات القرية من أحد احملاجر ‪ ،‬إال أنه‬
‫مل يكن متاحاً غري مكانني قريبني وكان أحدمها مشال وادي امللوك ‪ ،‬فيما يلي‬
‫احملاجر القدمية للم لكة حتشبسوت ‪ ،‬و اآلخر على مبعدة يف االجتاه املضاد ‪،‬‬
‫إىل اجلنوب من وادي امللكات ‪ .‬واحملجر األول فيه حجر جريي صلب ‪ ،‬مالئم‬
‫لألساسات ‪ ،‬بينما الثاين فيه حجر جريي هش ال يصلح إال لصنع اجلري ‪ .‬ومل‬
‫يكن من السهل جداً حتجري احلجارة من أي منهما ‪ ،‬ذلك أن طبقات احلجر‬
‫اجل ريي كانت تتبادل مع طبقات مسيكة من كتل متجمعة تشبه اخلراسانة‬
‫اإلمسنتية وتستغرق إزالتها زمناً طويالً ‪ .‬وكان مما زاد مصاعبنا أسلوب العمل‬
‫السيئ للحجارين السابقني من القرنة ‪ ،‬الذين نسفوا كل احلجارة املتاحة‬
‫بسهولة أسفل سفح التل ‪ ،‬اتركني اجلزء العلوي معلقاً على حنو خطر للغاية ‪.‬‬
‫واحلجار اجليد يقطع يف التل سلسلة من الدرجات ‪.‬‬
‫وابلطبع مل تكن املصلحة لتطل لنا العنان يف منطقة آاثر هامة هكذا حىت‬
‫وننقل احلجارة حيثما نشاء ؛ وهكذا تكونت جلنة ‪ ،‬أتلفت من كبري‬ ‫ننس‬
‫مفتشي اآلاثر يف األقصر ‪ ،‬وأمني جبانة طيبة ‪ ،‬ورئيس حراس اجلبانة ‪،‬‬
‫ومساعدي ‪ ،‬وإايي ‪ .‬وحددان املنطقة املخصصة لنا ( ووضعت فيما بعد لوحة‬
‫صغرية على حمجران ‪ ،‬كما كان يفعل القدماء ‪ ،‬حتمل اتريخ اجملر والغرض منه ‪،‬‬
‫ولكن هذا ساء كبري املفتشني ‪ ،‬إذ رأى أنه تصرف ال يلي وأزال اللوحة رغم‬
‫أهنا كانت يف نطاق سلطة عملي ) ‪.‬‬
‫ولتشغيل هذا احملجر انتويت إحضار حجارين من أسوان ‪ ،‬حيث مثة تراث مل‬
‫ينقطع من التحجري يرجع وراء إىل األسرة الثامنة عشرة ‪ ،‬عندما كانت املسالت‬
‫اجلرانيتية تش من احلجارة ‪ .‬على أنه مل يكن مثة دا إلحضار األسوانيني قبل‬
‫أن حنصل على املفرقعات ‪ ،‬اليت ثبت أن من الضروري هلا أن حنصل على‬
‫تصريح من وزارة احلربية ‪.‬‬
‫كنت اآلن قد ضمنت احلصول على موادي اخلام ( فيما عدا القش ) هي‬
‫والعمالة ؛ وهكذا مل يب إال أن أمجع االثنني معاً ‪ .‬وملا مل يبد حىت اآلن أي أثر‬
‫للشاحنات ‪ ،‬فقد بدأت أستعرض وسائل النقل احمللية ‪ .‬وكانت من نوعني –‬
‫وغري ك ء ‪ ،‬على أن األمر سيكون أكثر‬ ‫اجلمال واحلمري – وكالمها مكل‬
‫تكلفة وأقل كفاءة لو أننا تركنا احلجارة تتكوم يف احملاجر والبناءون ينتظروهنا يف‬
‫املوقع ؛ ومل يكن يف استطاعتنا حتمل تكلفة التعطيالت ‪ ،‬وهكذا طلبت من عبد‬
‫الرسول أن ينظر يف اكرتاء بعض احليواانت ‪.‬‬
‫وأول بناء لنا كان جيب أن يكون مكتباً للرسم ‪ .‬وحىت ذلك الوقت كان ما لدينا‬
‫هو خيمة املوقع ‪ ،‬الذي كان فيما عدا ذلك عارايً متاماً ‪ ،‬وكنا يف اخليمة ال‬
‫نستطيع أن نبسط قامتنا وحنن نعمل وال أن نغل على معداتنا أثناء الليل‬
‫ورأيت أنه ميكننا بناء البيت الذي يف الركن من الص التجرييب جبوار اخلان ‪.‬‬
‫بناء مؤقتاً ‪ ،‬أقيم‬
‫ورغم أنه مل يكن لدينا حجارة لألساس ‪ ،‬فإنه أمكننا أن نقيم ً‬
‫على طوب حمروق ‪ ،‬مما يعطينا بعض مكان نرسي فيه أنفسنا من فوق املوقع ‪.‬‬
‫وميكن حىت فيما بعد أن هندمه ونعيد بناءه أمنت ‪.‬‬
‫وحىت يتم بناء ذلك طلبت من بغدادي أن يرسل إلحضار أربعة بنائني فوراً وأن‬
‫يطلب من اثين عشر بناء آخرين االستعداد للحضور ‪ .‬وطلبت منه أيضاً ستة‬
‫عشر حجاراً ‪ ،‬مث حولت انتباهي إىل األجزاء األخرى من جهاز العمل اليت هي‬
‫أكثر خلالً ‪ .‬كان بناءو الطوب قد أغاروا غارات كبرية على القش الذي اشرتيته‬
‫‪ ،‬أما القش الذي يفرتض أن تطلبه اإلدارة يل فلم يكن من املتوقع بعد وصوله ‪،‬‬
‫على أنه مل يكن هناك أي أثر الحتياجايت األخرى الشاحنات والسكك‬
‫احلديدية ‪ ،‬كما مل يصلين أي رد على خطاابيت لإلدارة اليت استفسر فيها عن‬
‫سري األمور ومل يكن يف هذا الصمت ما يريح ‪ ،‬وهكذا انتظرت حىت حضر‬
‫البناءون األ ربعة وبدأوا ببناء أول بيت ‪ ،‬مث أخذت القطار إىل القاهرة ألرى ماذا‬
‫حيدث ‪ .‬كما كان يف وسعي أيضاً أن أنتهز الفرصة لتقدمي شكوى بشأن‬
‫مساعدي الذي مل يكن ميكنين االعتماد عليه ‪.‬‬
‫وذهبت إىل عثمان رستم ‪ ،‬واكتشفت أنه يتأهب ملغادرة القاهرة ‪ .‬فقد عني‬
‫مديراً ملدينة ايفا ؛ وكان هو الشخص الوحيد يف اإلدارة الذي يفهم خططي‬
‫ويشجعها ‪ ،‬وها هو يتم إرساله بعيداً ‪ .‬وعلى أي حال ‪ ،‬فقد أخربته كي أن‬
‫مساعدي قد خطط املسجد موجهاً إايه بعناية إىل فندق ونرتابالس يف األقصر‬
‫علي أن أعيد فحص كل شيء أعهد له‬
‫بدالً من أن يوجهه إىل مكة ‪ ،‬وكي أن ّ‬
‫ابلقيام به ‪ ،‬وكي أنه مشغول أبن حيدث انطباعاً يف رؤسائنا أكثر من أن يقوم‬
‫بعمله جيداً ؛ وطلبت بديالً له ‪ .‬مث استفسرت عن قشي ‪ ،‬ألجد أنه مل حيدث‬
‫إطالقاً أي إعالن بطلبه ‪ ،‬وأنه ليس من أمل يف احلصول عليه ملدة أربعني يوماً‬
‫آخر على األقل ‪.‬‬
‫أما بشأن مساعدي فقد قال عثمان رستم أنه سيفعل كل ما بوسعه ملساعديت ‪،‬‬
‫وأخذين إىل مدير عام اآلاثر ‪ ،‬األب درايتون ‪ ،‬الذي واف على أن أحصل على‬
‫مساعد أفضل ‪ .‬ولكن من ؟ ما من مهندس معماري يف املصلحة يف القاهرة‬
‫يريد أن يغادرها ؛ ومعظمهم يف احلقيقة يعتربون بصراحة أن األقصر مبثابة املنفى‬
‫ومل أكن أريد مساعداً يعترب نفسه سجيناً لدي ‪ .‬وتذكرت أخرياً واحداً من‬
‫طلبيت ‪ ،‬صالح سعيد الذي كان يبدو مهتماً بنو املباين اليت أبنيها ‪ .‬واتصلت‬
‫به وسألته إن كان حيب أن أييت إىل القرنة ‪ .‬وقال أنه سيفعل ذلك ‪ ،‬وإن كان‬
‫والداه قد عارضا معارضة شديدة جداً ‪ ،‬وهكذا تك إعفاء مساعدي من مركزه‬
‫وحل صالح سعيد مكانه ‪.‬‬
‫وال حاجة للقول أبن مساعدي الساب بدأ يف التو شن محلة ضدي ‪ ،‬ووجه‬
‫محلته هذه أول األمر إىل مساعدي اجلديد ؛ وأخذ خمتل الناس يهمسون له‬
‫حمذرين إايه من املكائد امليكيافيلية اليت تقلب حياة املوظ يف مصلحة اآلاثر‬
‫ومن امل كر الشيطاين ألهل القرنة أنفسهم ‪ .‬وابلطبع فقد اثر قلقه ‪ ،‬ولكنه مل‬
‫يذكر شيئاً ‪.‬‬
‫حصلت من قسم‬
‫وبعد أن فعلت ما استطيع لتعجيل استالم شاحنايت وقشي ‪ّ ،‬‬
‫الفيزايء األدوات اليت نسيها مساعدي وعدت إىل القرنة مع صالح سعيد ‪.‬‬
‫ووجدان أن العمل قد تقدم تقدماً كبرياً يف أول بيت وأن هناك كميات جيدة من‬
‫الطوب واحلجر يف انتظاران ؛ وهكذا أرسلت يف طلب البنائني أالثين عشر‬
‫اآلخرين الذين كانوا متأهبني يف أسوان وذلك حىت أدفع ابلعمل يف ابقي ص‬
‫البيوت ‪ .‬وحضر البناءون وسرعان ما استهلكنا كل قشنا ‪ .‬وملا كنت ال أستطيع‬
‫إبقاء ضاريب الطوب والبنائني وهم يف انتظار ما سيفعله املوظفون ‪ ،‬فقد قررت‬
‫أن أشرتي القش من حساب يشرف عليه تفتيش األقصر لشراء البنود الصغرية‬
‫‪ .‬وكان من غري املسموح أن نسحب من هذا احلساب أي بند تزيد قيمته عن‬
‫مخسة جنيهات ‪ ،‬وهكذا اضطررت لشراء قشي يف حفنات أو ما يقرب ؛ أي‬
‫مبا يساوي مخسة جنيهات كل يومني أو ثالثة ‪.‬‬
‫أما مهمة تعيني العمال – اليت قام هبا عبد الرسول مبا يثري اإلعجاب حىت ذلك‬
‫الوقت – فكانت مهمة أاثرت حسد الكثريين ‪ ،‬ووصلين ذات يوم خطاب من‬
‫أمني اجلبانة ‪ ،‬خيربين أن بعض العمال عندي معروف عنهم أهنم لصوص مقابر ‪،‬‬
‫وهكذا فإنه ينبغي فصلهم ‪ .‬واستمر اخلطاب ليذكر أن األمني له ح اإلشراف‬
‫على شئون املصلحة يف هذه املنطقة ‪ ،‬ولذا فإنه صاحب احل يف تعيني العمال‬
‫بناء على حتريض‬
‫‪ ،‬وهو ح يطلب مباشرته فوراً ‪ .‬وفهمت أن زعمه هذا كان ً‬
‫من خفرائه ‪ ،‬الذين أرادوا أن يكون هلم يد يف تشغيل العمال ‪ ،‬وأنه هو نفسه مل‬
‫يكن حقاً ينبغي هذا ‪ ،‬وهكذا فقد رددت عليه ‪ ،‬مبيناً أن إحدى الفوائد‬
‫املتوقعة من مشروعنا هي أنه سيبعد الناس عن سرقة املقابر ‪ ،‬حبيث أننا ينبغي‬
‫أن نرحب أبكرب عدد ممكن من لصوص املقابر ‪ .‬وعرضت عليه أيضاً أن أجعله‬
‫املسئول األول عن جلب العمال لو أنه وعدين كتابة أن يوفر يل العمالة اليت‬
‫أحتاجها ابلقدر الكايف يف الوقت املناسب ‪ ،‬حبيث ال يتعطل البناءون ‪ .‬ويف‬
‫احلال ختلى عن مطلبه ‪.‬‬
‫وكان مثة املزيد من املتاعب بشأن استخراج الرمل – وهو ليس ابلذات من‬
‫املعادن النادرة يف مصر ‪ ،‬ولكن عندما ذهب عمايل حلفر بعض الرمال ‪ ،‬خرج‬
‫إليهم س كان أقرب جنع وأوقفوهم قائلني أن العمال أغراب وليس هلم احل يف‬
‫حفر الرمال هناك ‪ .‬وكان ذلك اثنية بسبب اعتقاد القرويني أنه كان جيب أن‬
‫يعطى العمل هلم أنفسهم ‪.‬‬
‫***‬

‫‪ -‬املسجد يف ‪8191‬‬
‫القرىن املاكر‪:‬‬
‫ذات يوم أتى واحد من أهل القريه كان رجال ضخما يداه يف ضخامة مضرب‬
‫عند الباب وهو يثنيهما معا يف اضطراب انظراً إىل األرض‬ ‫التنس ‪ ,‬ووق‬
‫مغمغماً وهو يق ّدم نفسه يف خجل ‪ .‬إنه الشيخ حممود ‪ ،‬وقد أتى ليخربين مبدى‬
‫إعزازه يل ‪ .‬وهو يعتقد منذ زمن طويل أين رجل طيب جداً ؛ ومهندس معماري‬
‫دستة من أي من املوظفني‬ ‫معروف ‪ ،‬وإداري أمني نشط ‪ ،‬وأين أساوي نص‬
‫اآلخرين يف املصلحة ‪ .‬وتضرج وجهي تواضعاً ‪ ،‬وانتظرت ألرى ماذا يرد ‪.‬‬
‫وواصل حديثه حمذراً إايي من املؤامرات األفعوانية اليت حتدق يب ‪ ،‬وأدىل يل جماانً‬
‫مبعلومات وافرة عن النوااي الشريرة لكل من قابلته يف القرنة ‪ ،‬وتوسع يف ذكر‬
‫مصري العديدين من املوظفني سيئي الطالع ممن اختذوا مكاانً هلم يف الفولكلور‬
‫املصري عندما وقعوا ضحية للمكائد املصلحية ‪ .‬وأهنى حديثه وسط شالل‬
‫آخر من اجملامالت ‪ ،‬أبن قال أنه سيعد تنازيل بشرب القهوة معه يف اليوم التايل‬
‫أكرب شرف يناله يف منزله ‪ .‬ووافقت وقد ضعفت نوعاً أمام فصاحته ‪ ،‬ولرغبيت‬
‫أيضاً يف معرفة أهل القرنة معرفة أوث ‪.‬‬
‫ويف اليوم التايل ‪ ،‬يف الساعة العاشرة ‪ ،‬ذهبت إىل بيته حيث استقبلين ابملزيد من‬
‫التحيات السلطانية ‪ ،‬اليت كنت سأرحب هبا أكثر لو أتتين مثالً من املدير‬
‫اجلديد الذي حل مكان رستم ‪ ،‬وهو مثال للموظ احلكومي املهم مل أشعر‬
‫ابي ارتياح له ‪ .‬ودعاين حممود للداخل ‪ .‬ودخلت وذهين مملوء ابحلكاايت اليت‬
‫تروى عن كرم الضيافة اهلائل البدائي عند الفالح ‪ ،‬وأان أدرك متاماً حسن حظي‬
‫يف أين قد دعيت هكذا ألشارك هذا الرجل قهوته ‪ ،‬بينما أحس أيضاً بشيء من‬
‫العصبية خشية أن أفعل ما يسئ بطريقة ما للقانون السلوكي الصارم الذي‬
‫يسود بني هؤالء القوم الذين وإن كانوا فقراء إال أهنم ذوو نبل ‪ .‬وقدم الرجل يل‬
‫زوجته – وهذا يعد تبسطاً مذهالً بني أفراد عشريته – وأمسكت هي بيدي‬
‫وقبلتهما بقوة وأان حمرج أميا حرج ‪ .‬مث جعلين أجلس ‪ ،‬وبينما كان يقدم قسط ًا‬
‫آخر من حتياته وحكاايته احملذرة ‪ ،‬أتت زوجته ومعها علبة سجائر قدمية من‬
‫الصفيح متتلئ ابجلعارين وأبحجار شبه نفيسة – عقي وما أشبه – ودفعت‬
‫بذلك بني يدي ‪ ،‬بينما أمرين هو أن اختار أايً مما أشاء ‪ .‬وقلت له (( إنه أان‬
‫الذي ينبغي أن أحضر لك اهلدااي )) (( إن هذا ال يلي مطلقاً )) ورفضت ‪،‬‬
‫بينما هو يلح ‪ ،‬ولكين مل آخذ شيئاً ؛ وهكذا وضع الصندوق بعيداً ‪ ،‬وذكرين يف‬
‫شيء من االحتداد أنه حىت النيب قد قبل اهلدية ‪ .‬مث عاد ابحلديث إىل املوظفني‬
‫املهمني الذين عرفهم – الربوفسري فالن والدكتور عالن – وشرح يل أهنم مجيعاً‬
‫عرفوه ووثقوا به ‪ ،‬وأنه يف احلقيقة الرجل الوحيد الذي وثقوا به ‪ .‬وأخرياً طلع هبا‬
‫‪ .‬هل ميكنه أن يعمل كمالحظ ؟ إنه حيرتم أقصى االحرتام يف القرية ويستطيع‬
‫أن يضمن يل أال يشغل أحداً إال من كان رجالً أميناً جاداً يف عمله ‪ .‬ومركزة‬
‫أخرى ابرق طريقه ممكنة ‪ ،‬على ذكر ما هو معروف عين من فطنة وعدالة ‪،‬‬
‫وهز رأسه يف أسى وهو يذكر قصة موظ كبري آخر ‪ ،‬أصم أذنيه عن كل‬
‫نصيحة خملصة ‪ ،‬فدبرت له املؤامرات وفصل من اخلدمة على حنو شائن وما‬
‫إيل يف جد ‪ ،‬وأقسم بكل‬
‫‪ ،‬وأمسك بيدي وأنزل عينه حمملقاً ّ‬ ‫لبث أن وق‬
‫وأعظم األميان املقدسة يف ديننا أنين ال بد أن أشرب فنجان القهوة ‪ .‬واحلقيقة‬
‫أين شعرت أنه ال بد يل من ذلك ‪ ،‬فقد بقيت اآلن هناك طيلة ساعة ونص‬
‫الساعة ‪ .‬مث مر الوقت ‪ ،‬وحممود ما زال يثرثر ثرثرة متصلة ‪ ،‬وهو من آن ألخر‬
‫النهار‬ ‫يلمح بشدة إىل العمل الذي يطلبه ‪ ،‬حىت أتت زوجته حوايل منتص‬
‫ومعها صينية كبرية ‪ .‬وانتعشت معنواييت ‪ ،‬وكدت أحس بطعم القهوة وهي‬
‫تنبهين وتنعشين ‪ ،‬مث وضعت الصينية حبيث أمكنين رؤيتها ‪ .‬وكان يقبع عليها‬
‫منط من الطهي الفالحي هو أكثر ما رأيت تنفرياً وقذارة وصفاراً وامتالء‬
‫ابلشحم ‪.‬‬
‫كانت تلك الفطرية ‪ ،‬فطرية ضخمة لزجة ‪ ،‬أصابين جمرد النظر هلا بتسم غذائي‬
‫‪ .‬ومر بذهين كل احلكاايت اليت مسعتها عن الكربايء القروي ‪ ،‬وكي أهنم‬
‫حساسون ‪ ،‬يسار إليهم الشعور ابملهانة عند أدىن ابدرة ‪ .‬وفكرت ابلبدوي‬
‫الذي ينحر آخر مجل لديه إلقامة وليمة لعابر سبيل عارض ‪ .‬مث فكرت يف‬
‫موقفي بني أهل القرنة ؛ واختذت قراري ‪ .‬وهنضت واقفاً وأقسمت أبعظم‬
‫األميان املقدسة يف ديننا أنين إان أتيت لشرب القهوة وليس ألتسمم ‪ ،‬وأنين لن‬
‫أملس لقمة من فطريته املقززة ‪ ،‬وأين إن مل أصب شيئاً من القهوة فسوف أرحل ‪.‬‬
‫ومل يبد عليه أنه قد أحس ابإلساءة كثرياً ؛ وهكذا جلسنا وانتظران برهة أخرى ‪.‬‬
‫وبعد ربع ساعة أو ما يقرب ‪ ،‬وصلت القهوة ‪ .‬وتناولت الفنجان ممتناً وكنت‬
‫على وشك أن أشرب منه عندما رأيت أنه مسود ابلقذارة ‪ ،‬وأن من الواضح أن‬
‫حرفة املشطوف امللوث مل ير قط أي ماء وال منشفة ‪ ،‬ومل أستطع أبداً أن أضعه‬
‫على شفيت ‪ .‬وعندها كانت مشاعري متاماً فيما يتعل إبيذاء املشاعر القروية ‪،‬‬
‫وال بد أن الشيخ كان قد أخذ يتعود على وقاحة أهل املدينة ؛ ووضعت القهوة‬
‫ألسفل وشكرت مضيفي أبدب ‪ ،‬ورحلت ‪ ،‬وأان أدير يف رأسي املشاريع إلقامة‬
‫مركز صحي ميكن لنساء القرنة أن حيضرن فيه دروسا عن الطهي ‪ .‬وحىت أوز‬
‫العمل أبكثر ما ميكن عدالة ‪ ،‬رأيت أن أسأل شيخ كل جنع أن يعطيين قائمة‬
‫بكل األفراد الالئقني يف النجع كعمال ‪ ،‬حبيث ميكنين تعيني عدد معني من‬
‫العمال من كل جنع ‪ ،‬يتناسب وعدد سكانه ‪ .‬وكتبت للمشايخ أشرح فكريت ‪،‬‬
‫علي ‪ ( .‬واكتشفت فيما بعد أهنم يرفضون اإلقرار على‬ ‫ولكن أحداً مل يرد ّ‬
‫الورق أبي شيء قد يفسر فيما بعد على أنه يدل على املوافقة على نقل القرنة‬
‫إىل املوقع اجلديد ) ‪ .‬وأخرياً أحضرهتم مجيعاً يف بيت الشيخ حممود ‪ ،‬الذي كان‬
‫ابناً للشيخ الطيب ‪ ،‬ذلك الرجل املبجل ‪ .‬وأخربين املشايخ يف اجتماعنا أهنم‬
‫قد فوضوا من قبل عبد الرسول والشيخ حممود – صديقي صاحب الفطرية –‬
‫تفويضاً كامالً جلمع العمال نيابة عنهم ‪ .‬وهكذا وصل املر يب يف النهاية إىل‬
‫حممود ؛ و الشك يف أ نه قد مارس دبلوماسيته على إخوانه املشايخ مبا فيها من‬
‫أفضل أتثري ‪.‬‬
‫ورأيت أن األفضل أن أفصل فصالً حازماً وحمدداً بني دائريت نفوذ عبد الرسول‬
‫وحممود ‪ .‬وقد اثبت عبد الرسول نفسه ابلفعل كمالحظ عمال جيد جدير‬
‫ابلثقة ‪ ،‬وكان عارفاً ابلعمل يف املوقع ‪ ،‬وهكذا تركته مسئوالً عن كل العمالة غري‬
‫املاهرة هناك – ضاريب الطوب ‪ ،‬ومحايل املواد ‪ .‬أما الشيخ حممود فقد أرسلته‬
‫بعيداً إىل احملاجر ليجمع العمالة غري املاهرة ويشرف عليها هناك عيب واحد يف‬
‫جعل عبد ال رسول مالحظ عمال ؛ فمن املؤكد أنه كان أييت ابلعمالة ‪ ،‬ولكنه‬
‫كان يتحمس لذلك أبكثر مما ينبغي ‪ .‬ولو كان األمر بيده جلعل القرية كلها ‪،‬‬
‫ونساء وأطفاالً يف قوائم عمالنا ‪ .‬وقد أحضران ذات مرة سباكاً لتغيري‬
‫ً‬ ‫رجاالً‬
‫الفلكة ( الوردة ) إلحدى املضخات ‪ ،‬واكتشفت يف هناية الشهر أنه مازال‬
‫يعمل عندان ‪ .‬وأصبح من املستحيل عملياً متابعة كل العمال الذين أخذوا‬
‫والتثبت من إجناز العمل ‪ ،‬ومل يكن صالح سعيد التعس يفعل شيئاً طول يومه‬
‫إال أن جياهد مع قوائم األجور واإليصاالت ‪ .‬ويف النهاية جلست هلذه املشكلة‬
‫‪ ،‬وبعد أربعة عشر يوماً من اجلهد املركز خرجت بنظام حماسيب حمكم ميكننا من‬
‫أن نعرف ابلضبط من الذي يدفع له األجر ‪ ،‬وعن أي عمل ‪ ،‬وما إذا كان قد‬
‫أجنز هذا العمل ‪ .‬وحسب هذا النظام الذي شرحته شرحاً اتماً يف امللح ( ‪) 8‬‬
‫‪ ،‬ال ميكن لعامل أن ينال أجراً لعامل أن ينال أجراً إال إذا كان هذا مسموحاً به‬
‫حسب تقدير قد مت صنعه قبل أن يتم أي جزء بعينه من العمل ‪ .‬وهذه‬
‫التقديرات تقدر حسب قواعد معينة قد وضعناها ألنوا العمل املختلفة ‪ .‬وقد‬
‫مكننا هذا النظام أيضاً من ان ندرك يف حملة حالة موادان للبناء ومواردان املالية‬
‫وأن نستخرج من حساابتنا الضخمة ‪ ،‬التكلفة املعينة ألي بناء مبفرده ‪ .‬بل إنين‬
‫أستطيع اآلن أن أحدد لك ألقرب قرش سعر كل عنصر منفصل يف احد‬
‫البيوت ‪ ،‬وكأنين أبيع يف دكان أشياء مسبقة الصنع من قباب ‪ ،‬وجدران ‪ ،‬وأقبية‬
‫؛ وميكنين مجع األسعار ألخربك كم سيكلفك منزلك املكتمل ‪.‬‬
‫وعندما مت تنظيم العمالة والتحكم فيها هكذا ‪ ،‬أخذت يف تشغيل املزيد من‬
‫البنائني يف مهمة البناء احلقيقية ‪ .‬وأحضرت اثين عشر بّناء آخر من أسوان‬
‫ووجدت البعض يف األقصر ‪ ،‬حبيث مل ميض وقت طويل إال وكان عندان أربعون‬
‫بنّاء كلهم يبنون البيوت أبسر ما ميكنهم ‪ .‬وركزان على جماورة اخلان ‪ .‬وبدأ أول‬
‫شار ينمو لتتضح معامله سريعاً جداً ‪ .‬وكنت جداً منفعل إذ أرى قرييت وهي‬
‫تتخذ شكلها حتت عيين ‪ ،‬وكان صربي جد انفذ حيال كل ما خنربه من‬
‫تعطيالت ‪ .‬وحفران أساسات املسجد ( وقد وجه التوجيه الصحيح هذه املرة )‬
‫وكنت سأبدأ العمل فيه أيضاً ‪ ،‬ولكننا كنا مازلنا نعتمد على اجلمال يف احلصول‬
‫على حجارتنا ‪ ،‬وكان وضع أساسات املسجد يتطلب حجراً أكثر مما ميكنه‬
‫توفريه هكذا ‪ ،‬حىت ولو أوقفنا كل عمل آخر ‪ ،‬ذلك أنه كان مبىن كبري جداً ‪.‬‬
‫وكنت أنتظر الشاحنتني اللتني طلبتهما مبجرد أن عرفنا أبننا حصلنا على املوقع‬
‫يف أغسطس ‪ . 8192‬وأخرياً يف ‪ 82‬ديسمرب ‪ 8192‬وصلت شاحنة واحدة ‪،‬‬
‫وكانت األخرى قد وصلت حليازة املصلحة ولكنها خصصت ألحد األثريني ممن‬
‫هلم أصدقاء أكثر مين ‪ .‬وبعملية حسابية بسيطة تبني أننا هبذه الشاحنة الواحدة‬
‫سنستغرق ثالث عشرة سنة لننقل إىل موقع احلجارة املطلوبة لألساسات وحدها‬
‫‪ .‬وبينت ذلك للمصلحة يف خطاب ‪ ،‬وذكرهتم أيضاً أنين مل أتسلم معدات‬
‫التحجري اليت طلبتها ‪.‬‬
‫وال حاجة للقول أبنه مل يكن هناك بعد أي أثر للقش ‪ ،‬وسرعان ما تنامت هذه‬
‫املشكلة لتصبح أكرب مشاكلي ‪ .‬واضطرت الختصار عدد فرق ضاريب الطوب‬
‫من مخسة وعشرين فريقاً إىل مثانية ‪ ،‬وابلتايل حذفت عدداً من البنائني ‪،‬‬
‫وا حتفظت فقط ابألسوانيني ‪ ،‬الذين مل أكن استطيع إعادهتم اثنية لبلدهم البعيد‬
‫‪ .‬وكان هؤالء الرجال قد عانوا من قبل مبا يكفي بسبب ما حيدث من أتخري‬
‫طويل قبل أن تصلهم أجورهم ؛ وكان على الكثريين منهم أن ينتظروا ‪ ،‬وأن‬
‫يظلوا يعملون لشهور ثالثة قبل أن يروا أي أجر على اإلطالق ‪ .‬وكان أهل‬
‫القرنة يتمكنون يف سعادة من هؤالء الرجال التعساء ويقرضوهنم الطعام والنقود‬
‫بفائدة ابهظة ‪ ،‬حبيث مل ينل األسوانيني شيئاً قط من عملهم يف القرنة ‪ ،‬وذلك‬
‫فيما عدا قلة منهم ‪.‬‬
‫***‬
‫القشة اليت قصمت ظهر البعري ‪:‬‬
‫حىت أجعل حركة العمل مستمرة ‪ ،‬واصلت شراء القش بكميات كبرية ضئيلة‬
‫من حساب احتياجاتنا البسيطة احملتفظ به يف األقصر ‪ .‬وهذا احلساب ال يزيد‬
‫رصيده على عشرين جنيهاً ‪ ،‬وهكذا فإن تكرار شرائنا للقش خبمسة جنيهات‬
‫كل يومني أو ثالثة ‪ ،‬كان يستنفذ هذا احلساب ابستمرار ‪ ،‬واحلقيقة أنه ما كان‬
‫ينبغي أن استخدم هذا احلساب هبذه الطريقة ‪ ،‬ولكن البديل الوحيد لذلك كان‬
‫أن أتوق عن العمل متاماً ‪ ،‬األمر الذي سيكون أكثر تكلفة إىل حد بعيد ‪.‬‬
‫وتصادف حوايل ذلك الوقت أن مسعت من أحد األصدقاء عبارة مفيدة جداً ‪:‬‬
‫(( إنين أعدك مسئوالً عن إهدار األموال احلكومية )) ‪ .‬وكتبت إىل اإلدارة‬
‫أل خربها مبا أصاب عملنا من بطء واهتمتهم إبهدار األموال احلكومية إذ مياطلون‬
‫بشأن القش ‪ .‬ومن الواضح أن ذلك أصاب منهم موضعاً حساساً ‪ ،‬ذلك أهنم‬
‫ابتكروا خطة ابرعة للتخلص هنائياً من كل مشرو القرنة ‪.‬‬
‫واحلقيقة أهنم قاموا فعالً ابستعجال مسألة احلصول على عطاءات لإلمداد‬
‫ابلقش ويف البت يف هذه العطاءات ‪ ،‬ولكنهم يف دهاء ابلغ كلفوا املوظ الذي‬
‫أرسلوه لتسيري إجراءات البت مبهمة إضافية هي أن يوجد أي عذر إليقاف‬
‫املشرو كله ‪.‬‬
‫وبعد بضعة أايم من استطال مثابر ‪ ،‬كتب هذا الشخص تقريراً ألسياده بوجود‬
‫خمالفتني خطريتني يف عملياتنا ‪ .‬فقد حولنا حساب املصروفات الصغرية احمللي‬
‫ألغراض خبيثة إبنفاقه كله على القش ‪ ،‬كما أن معظم هيئة العاملني عندان غري‬
‫مؤهلني لوظائفهم ‪ .‬وهذا االهتام الثاين وإن كان ما يربره ‪ ،‬إال أن من الغريب أنه‬
‫علي ‪.‬‬
‫أييت من نفس املوظفني الذين فرضوا هؤالء املساعدين غري املؤهلني ّ‬
‫وعلى كل ‪ ،‬فقد جنحت خطتهم ‪ ،‬ومت أبسر وقت اختاذ قرار بوق العمل يف‬
‫القرنة فوراً ونقل كل املسئولية أبسر ما ميكن إىل وزارة ما أخرى ‪ .‬وجتسد هذا‬
‫القرار يف تقرير كبري دار على كل املصلحة لتجمع عليه التوقيعات واألختام ‪.‬‬
‫ووصل أخرياً إىل مكتب وكيل الوزارة شفي غرابل ‪ ،‬إال أنه بكل ما هو أهل له‬
‫من ثقة عظيمة ‪ ،‬مل ترهبه التوقيعات املكدسة ألفراد مصلحته ورفض أن يوقع‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وكان من هذا الرفض غري املتوقع أن أسقط يف يد املتآمرين متاماً ‪ ،‬ووجدوا‬
‫أنفسهم يف التو وقد وقعوا يف شباكهم هم أنفسهم ‪ .‬ومت صرف املوظفني غري‬
‫املؤهلني وسرعان ما عرفوا أن اإلدارة هي اليت صرفتهم ‪ .‬وأحسوا أبشد النقمة‬
‫على رعاهتم السابقني وأخذوا يف نشر الشيء الكثري من الشائعات اخلبيثة ‪ ،‬اليت‬
‫مل أل مسعاً إليها ؛ وكنت جداً سعيد ابلتخلص منهم ‪ ،‬ومل اهتم أدىن اهتمام‬
‫بتربير شأهنم األمر الذي رمبا يؤدي إىل إعادهتم ‪.‬‬
‫كان املتآمرون جداً واثقني من النجاح حىت أهنم توقفوا عن شراء املزيد من مواد‬
‫البناء ‪ ،‬وهكذا فعندما عاد نظام الشراء إىل فعاليته اثنية كانت السنة املالية قد‬
‫انتهت ‪ .‬وحىت استفيد مبا تبقى من ميزانيتنا اشرتيت مواسري للمياه للمشرو‬
‫كله – ‪ 82.222‬مرت ؛ ورغم هذا فقد أعدان للمالية ‪ 9222‬جنيه مما كان‬
‫الشهر من بني عشرة ‪،‬‬ ‫خمصصاً لنا ‪ .‬وقد عملنا إمجاالً ثالثة شهور ونص‬
‫وبنينا شارعاً واحداً صغرياً ‪.‬‬
‫خطة لكسر اجلسر ‪:‬‬
‫‪ ، 8199‬مسعت إشاعة‬ ‫يف الوقت الساب مباشرًة لرحيلي لإلجازة يف صي‬
‫مزعجة للغاية ‪ .‬فقد قيل أن بعض أهل القرنة خيططون هلدم القرية النامية أبن‬
‫يكسروا اجلسور اليت حتجز مياه النهر بعيداً أثناء الفيضان السنوي ‪ .‬وكما سب‬
‫أن شرحت ‪ ،‬فإن الكثريين من أهل القرنة مل يكونوا سعداء على اإلطالق ملا‬
‫يرتقب من أهنم سيغادرون أكواخهم اليت جتلب هلم الربح مبوقعها بني املقابر ‪،‬‬
‫وأهنم سيكون عل يهم أن يعملوا ليكسبوا عيشهم ‪ .‬وسيكون من السهل عليهم‬
‫جداً والنهر يف قمة فيضانه أن يتسللوا زاحفني يف ليلة ظلماء وينقبوا اجلسور‬
‫اليت حتمي احلوش ‪ .‬وعلى الفور اختذت احتياطايت ؛ واشرتيت الكثري من حزم‬
‫البوص لتساعد يف سد أي ثغرات قد يتم إحداثها ؛ ونظمت حراسة دائمة من‬
‫اثين عشر خفرياً حلراسة اجلسر الغريب ( وكان هذا جسراً خاصاً ميتلكه كامل‬
‫بولس ؛ أما اجلسور الثالثة األخرى فتمتلكها احلكومة وكانت خمفورة جيداً ) ؛‬
‫وجعلت عمدة القرنة يوقع إقراراً أبنه هو نفسه املسئول عن سالمة القرية‬
‫اجلديدة ؛ وبلغت اإلدارة هي والرئيس احمللي للشرطة ابلتهديد وما اختذته من‬
‫إجراءات ضده ‪ .‬وكان فيضان النيل يف ذلك العام عالياً علواً غري معتاد ‪،‬‬
‫ولكن أحداً مل حياول إدخاله إىل القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫***‬
‫املوسم الثاين ‪8199 - 8199 :‬‬
‫القش اثنية ‪:‬‬
‫رغم أننا اآلن قد حصلنا من حيث املبدأ على إذن بشراء املواد واملعدات ‪ ،‬إال‬
‫أنه كان علينا أن نبدأ اثنية منذ البداية أبن ندعو لعطاءات توريد القش ‪.‬‬
‫وهكذا مل حنصل على القش يف املوقع إال يف ‪ 82‬أكتوبر ‪ ، 8199‬واستطعنا أن‬
‫نبدأ العمل ‪ .‬وكان لدينا أيضاً إذن بشراء ثالث شاحنات أخرى ‪ ،‬ولكنها مل‬
‫تظهر إال يف وقت متأخر جداً عن ذلك ؛ كما مل يظهر مساعدوان اجلدد‬
‫املؤهلني مبا يناسب ‪ ،‬والذين عينوا من منطقة قنا ‪ .‬وطوال ذلك الوقت كان‬
‫املدير اجلديد للقسم اهلندسي الذي حل مكان رستم معوقاً للغاية ‪ .‬وكتبت له‬
‫مراراً وتكراراً عن الشئون العاجلة املتعلقة ابلقرنة – وذلك غالباً بشأن عدم‬
‫ظهور الشاحنات واملساعدين – ومل يرد على أي من خطاابيت ‪.‬‬
‫ورغم هذه املزعجات فإن العمل بدأ بداية جيدة جداً ‪ ،‬وبنينا معظم ساحة‬
‫السوق ‪ ،‬وأمتمنا اخلان ‪ ،‬وأعدان حفر أساسات املسجد ‪ .‬ويف نوفمرب ‪8199‬‬
‫أنبئت أبن مبلغ ال ‪ 82.222‬جنيه املسموح به يل يف هذا املوسم مل يب يل منه‬
‫إال ‪ 9118‬جنيهاً ‪ .‬وكنا قد اشرتينا ابلفعل معظم موادان ‪ ،‬وملا كانت قائمة‬
‫أجوران الشهرية تبلغ حوايل ‪ 8222‬جنيه ‪ ،‬فقد حسبت أننا نستطيع العمل‬
‫لسبعة شهور أخرى ‪ ،‬حىت هناية يونيو ‪ . 8199‬مث وصلين يف ‪ 01‬ديسمرب‬
‫‪ 8199‬خطاابً من إدارة احلساابت يقول أنه مل يتب لنا إال ‪ 8921‬جنيهات (‬
‫رغم أنين مل اشرت شيئاً منذ نوفمرب ومل أدفع أكثر من أجور شهر واحد )‬
‫وحذرتين إدارة احلساابت من أنين لو تعاملت ابلدين ألجور أبكثر من هذا‬
‫املبلغ فإن اإلدارة لن تسد هذا الدين ‪ .‬وكما اتف ‪ ،‬كنت قد أنفقت ابلفعل‬
‫إيل ‪ ،‬وعلى أي حال فما كنت‬ ‫أكثر من هذا املبلغ عند وصول اخلطاب ّ‬
‫أستطيع أن اخرج للمأل وأخرب كل واحد أن يرمي معداته ويعود لبلده ‪ .‬وكتبت‬
‫رداً غاضباً ألقول أننا ال نلعب يف روضة أطفال ‪ ،‬حىت نبدأ العمل مث نوقفه‬
‫املكتملة ال ميكن تركها‬ ‫كل بضعة أسابيع ‪ ،‬وأن لدينا عدداً من املباين نص‬
‫على هذا احلال ‪ .‬وعلى أي حال فما كان ميكننا أن نواصل العمل دون نقود؛‬
‫اثنية يف يناير ‪ ، 8199‬ليستأن يف سبتمرب ‪.‬‬ ‫وهكذا انتهى العمل ابلتوق‬
‫***‬
‫املضخة ‪:‬‬
‫أثناء املوسم الثاين القيت املثل السيئ ابلذات للموظ الذي يستخدم مركزه‬
‫البتزاز فالح ال حول له‪ .‬فقد وجدان أن املضخات اليدوية اليت كنا نستخدمها‬
‫إلمداد املوقع ابملياه ال تستطيع إمداد مبا يكفي ‪ :‬وابلتايل فقد طلبت من‬
‫علي ليخربوين أن احملرك واملضخة‬
‫اإلدارة وحدة مضخة مبحرك‪ .‬وردوا ّ‬
‫سيتكلفان ‪ 892‬جنيها واملواسري ‪ 992‬جنيها إبمجايل ‪ 922‬جنيه‪ .‬وملا كان‬
‫هذا أكثر مما نستطيع حتمل تكلفته حقاً ‪ ،‬فقد أخذت أحبث عن طريقة ما‬
‫للتوفري ‪ .‬وعندما أصبح معروف أىن أطلب مواسري ‪ ،‬ذكر يل إبراهيم حسن أن‬
‫لديه ما يقرب من ‪ 02‬مرت من املواسري فوق أرضه مل يعد حمتاج إليها وعرض أن‬
‫يبيعها كلها يل وأن يركبها يف املوقع مقابل ‪ 92‬جنيها‪ .‬وأوصلت هذا العرض يف‬
‫علي ‪ .‬وكتبت مرة اثنية‪ ،‬ووصلين خطاب‬ ‫التو إىل اإلدارة ‪ ،‬وكالعادة مل يردوا ّ‬
‫ابلرد من اهلندسة امليكانيكية يقول أن الثمن منخفض ج ًدا ج ًدا ج ًدا _ مبا‬
‫يشري إىل أن هذه املواسري ال ميكن أن تكون جداً صاحلة‪ .‬ومر شهران ‪،‬‬
‫وأخربتين اإلدارة أثناءمها عندما حدث وردت على خطاابيت ‪ ،‬أن هذا الطلب‬
‫جيب أن يتم عرضه على وزير املالية ليواف عليه ؛ على أهنم مل يرسلوه عليه ‪،‬‬
‫وبقيت دون مضخيت ‪ ،‬وإن كانت قد حسب حساهبا ابلفعل ضمن املشرتوات‬
‫اليت التهمت ميزانية هذا العام ‪ ،‬وسوف توضع يف ميزانية العام القادم إن مل يتم‬
‫شراؤها وتركيبها أثناء موسم العمل اجلاري ‪ .‬وكنت من قبل منزعجاً للطريقة‬
‫اليت يبدد هبا البريوقراطيون النقود ‪ -‬فمثال يف حالة الشاحنات الثالث اليت‬
‫طلبنا شراءها أخربان أننا جيب أن أنخذ معها هياكلها املصنعة تصنيعاً خاص هلا‬
‫بسعر ‪ 022‬جنيه للهيكل الواحد ‪ ،‬بينما توجد هياكل من خملفات اجليش تبا‬
‫بسعر ‪ 82‬جنيها للواحد ‪ -‬وهكذا كتبت خطاابً أبني فيه أين أحاول أن أوفر‬
‫‪ 982‬جنيها من ميزانيتنا ‪ ،‬وكررت هتديدي أبين سأعد اإلدارة مسئولة عن‬
‫إهدار األموال احلكومية ‪ .‬وجعلهم هذا التهديد ميرون الطلب إىل وزارة املالية؛‬
‫وبعد ذلك مباشرة كنت يف مكاتب املصلحة عندما مهس يل أحد املوظفني هناك‬
‫أبن من احلكمة أن أحصل على املواسري مقابل ‪ 92‬جنيها؛ وملا كنت أان الذي‬
‫قلت مببلغ اخلمسة واألربعني جنيها‪ ،‬فإنين مل أفهمه وقتها ‪ ،‬وظننت أنه حياول‬
‫يتواقح ‪ .‬وعدت إىل القرنة والحظت أن إبراهيم حسن الذي كان عاد ًة حيرص‬
‫على احلضور للقائي يف احملطة ‪ ،‬كان غائباً مما ينذر ابلسوء ‪ .‬وعندما مل يظهر‬
‫طول اليوم ‪ ،‬أرسلت أحدهم يف طلبه وقال الرسول أنه يف األقصر ؛ وهكذا‬
‫أرسلت مرة اثنية يف اليوم التايل ‪ ،‬ونبهت على الرسول أال يعود بدونه ‪ .‬وحني‬
‫متك إحضار إبراهيم يف النهاية لرياين ‪ ،‬أخربين أنه قد سحب عرضه ‪ ،‬الذي كان‬
‫منخفضاً جداً جداً جداً ‪ ،‬وأن عملية دق املواسري تكل وحدها أكثر من ‪92‬‬
‫جنيهاً ‪ ،‬وأن مثن املواسري نفسها سيكون ‪ 922‬جنيه ‪ .‬وغضبت منه أشد‬
‫الغضب ‪ ،‬ومل يفلح توبيخي له يف زحزحته وقررت يف النهاية أن أجعله يفسر‬
‫مسلكه هذا على املأل ‪ .‬وطلبت من عديد من أقاربه أن ينضموا إىل مساعديت‬
‫وإىل الناس الذين مسعوه ابلفعل وهو يقدم عرضه حبيث ميكننا أن نشكل نوعاً‬
‫من (( حممكة قبلية )) يستطيع إبراهيم أن يفسر فعلته أمامها ‪ .‬ورفض إبراهيم‬
‫أن يذكر شيئاً من أنه ال يستطيع تنفيذ عرضه ‪ ،‬ومل يزد على أن ظل واقفاً هناك‬
‫يف عناد وقل ‪ .‬ويف النهاية علقت مبرارة بقويل أن الواحد يستطيع أن حيدد مثن ًا‬
‫ملعظم األشياء‪ ،‬على أن اإلنسان هلو فوق أي مثن إال لو وضع لنفسه مثناً أبن‬
‫يسحب كلمة الشرف منه ‪ .‬واآلن ‪ ،‬فإين أعرف مثن إبراهيم ‪ .‬إنه ‪ 922‬جنيه ‪.‬‬
‫إيل أحد أصدقائي‬
‫وميكنين أن أكتبه على بطاقة ألصقهاعلى ظهره ‪ .‬مث التفت ّ‬
‫ممن كانوا يرقبون هذ ه اإلجراءات ‪ ،‬وهو املصور دميرتي اباب دميو وقلت له‬
‫ابإلجنليزية ‪ (( ،‬كم كنت أود لو أين تعاملت مع جاري ( الشيخ علي ) ‪ .‬فأان‬
‫أعرف أهنم مجيعاً ميكنهم فهم اإلجنليزية ‪ ،‬وأن تعليقي سيكون له أتثريه أعظم‬
‫ألنه يف الظاهر غري موجه هلم ‪ .‬وعندها قفز الشيخ على قدميه وصرخ يف‬
‫إبراهيم ‪ (( :‬ال ميكن أن يكون بيننا يف العائلة رجل خيل بكلمته ‪ .‬وأقسم لك‬
‫اآلن أننا سوف نرميك ابلرصاص )) ‪ .‬وعندها اهنار إبراهيم التعس وأخذ يبكي‬
‫‪ .‬وأخرياً قال أنه سيذكر لنا احلقيقة كلها ‪ .‬فقد جاء من القاهرة املهندس‬
‫امليكانيكي للمصلحة ومعه رئيس قسم املخازن ‪ ،‬وأحضر إبراهيم إىل مكتب‬
‫األمني ليلقاهم ‪ .‬وهناك يف حضور أحد كتبة التفتيش ‪ ،‬سألوه عن عدد ما حيوزه‬
‫من فدادين األرض ‪ .‬وأجاهبم إبراهيم أهنا مخسة ‪ (( .‬إذن فسوف تفقد‬
‫الفدادين اخلمسة كلها لو قمت بتلك العملية مقابل ‪ 92‬جنيهاً ‪ .‬إن الثمن‬
‫املالئم للمواسريهو ‪ 922‬جنيه ‪ .‬لقد غشك فتحي ‪ ،‬وعلى أي حال فإنه ليس‬
‫لديه سلطة التوقيع على هذه العملية ؛ وأان من له هذه السلطة ‪ .‬وإذا مل‬
‫تعدلتخربه أبن الثمن هو ‪ 922‬جنيه ‪ ،‬سنخرب بيتك أنت وعائلتك‬
‫كلها )) ‪.‬‬
‫وقلت إلبراهيم بعد اعرتافه هذا أنه كان ينبغي أن حيضر يل يف التو ‪ .‬وشرحت‬
‫له أن سعره األصلي كان سعراً عادالً ‪ ،‬ألن الثمن اجلاري للمواسري هو ‪12‬‬
‫قرشاً للمرت ‪ ،‬مما جيعل كل إمجايل مثنها حوايل ‪ 81‬جنيهاً ويبقى ‪ 09‬جنيهاً لدق‬
‫املواسري ‪.‬‬
‫وإذ هدأت من روعه هكذا ‪ ،‬واف على سعره األصلي ووقع أمام كل الشهود‬
‫اتفاقاً هبذا املعىن ‪ ،‬وهو مازال يبكي ‪ .‬وعل دميرتي أبنه يبكي إبحدى عينيه‬
‫خجالً وابلعني األخرى حسرًة على اجلنيهات السبعمائة ‪ .‬وبعد هذا الدليل‬
‫املذهل على سوء النية املتعمد عند أفراد بعينهم يف املصلحة ‪ ،‬مسحت لنفسي‬
‫بتصرف واحد من املكر الدنئ حىت أكشفهم ‪ .‬وأرسلت خطاابً للمدير العام ‪،‬‬
‫ولكين مل أذك ر فيه شيئاً عن االتفاق النهائي مع إبراهيم ‪ ،‬حبيث ال يدري أحد‬
‫أن العملية سوف تتم رغم كل شيء مقابل ‪ 92‬جنيهاً ‪ .‬وسألت فحسب كي‬
‫جيرؤ هؤالء الناس على االتصال أبحد املوردين يف حماولة ألن جيعلوه خيل ابتفاقه‬
‫‪ .‬وجاءين رد غريب جداً ‪ ،‬يذكر أن املهندس امليكانيكي قد اتصل إببراهيم قبل‬
‫أن تصل لإلدارة موافقة وزير املالية على طليب ‪ ،‬فليس هناك أي خمالفة ‪.‬‬
‫واستطرد اخلطاب ليقول أنين اآلن ملزم إبهناء العملية مبا ال يزيد على ‪92‬‬
‫جنيهاً ‪ .‬وكان هذا اخلطاب شاذاً يف أنه قد مت توقيعه من املدير العام نفسه دون‬
‫أي توقيع آخر ‪ .‬ومل يكن عليه حىت وال احلروف األوىل السم الطابع ‪ .‬إال أنه‬
‫كان ابللغة العربية ‪ ،‬واملدير العام – مسيو درايتون – ال يستطيع القراءة العربية‬
‫( فهو وإن كان يوقع امسه ابلعربية ‪ ،‬إال أنه كان يرسم هذا التوقيع )‬
‫ورغم هذا فقد رددت خبطاب أطلب فيه حتقيقاً رمسياً يف تصرف املهندس‬
‫امل يكانيكي ‪ ،‬ورئيس قسم املخازن ‪ ،‬وكاتب التفتيش ‪ .‬وذكرت أيضاً أن العملية‬
‫املذكورة قد مت إجنازها مقابل اجلنيهات اخلمسة واألربعني املتعاقد عليهاً أصالً ‪،‬‬
‫مبيناً بذلك فشل املؤامرة ‪ .‬ومل يصلين رد على هذا اخلطاب ‪.‬‬
‫ويف وقت الح ‪ ،‬حينما أظهر القصر اهتماماً ابلقرنة ‪ ،‬أرسلت تقريراً هبذه‬
‫املكيدة ابلذات ‪ ،‬ووصلين يف التو برقية من وكيل الوزارة تقول أن اهتامايت‬
‫خطرية للغاية وأنه سيأيت شخصياً لتقصي األمر ‪.‬‬
‫وأتى الوكيل مث أرسله حمامياً من املصلحة ‪ .‬وفيما كنت أروي القصة هلذا احملامي‬
‫‪ ،‬ظل يتواثب مراتعاً وهو ال يكاد يصدق أذنيه ‪ .‬مث قال (( ولكن هل لديك‬
‫دليل كتايب ؟ )) وكنتيجة لتحقيقاته تبني لنا أن املهندس امليكانيكي طاف على‬
‫كل موردي مواد البناء يف األقصر ‪ ،‬حمذراً إايهم من أن أحصل حىت على بوصة‬
‫من املواسري ‪ .‬ومن الواضح أن الرجل كان مصمماً على استخدام هذه العملية‬
‫لتخريب املشرو كله ‪ .‬ومسعت أيضاً أن هذا املهندس قد خصم منه مثانية أايم‬
‫من مرتبه ‪.‬‬
‫الكولريا ‪:‬‬
‫اندفع وابء الكولريا يف قرية القرين ‪ 8199‬وانتشر سريعاً جداً يف كل دلتا مصر‬
‫‪ ،‬ألن احلكومة وقد أخذت على غرة ‪ ،‬مل تكن لديها الوسيلة ملكافحته ‪.‬‬
‫ورغم أن القرنة يف صعيد مصر ‪ ،‬فقد رأيت أن من احلكمة اختاذ إجراءات من‬
‫احليطة ضد إمكانية الندال الوابء هناك ‪ .‬والقرنة القدميةفيها ماليني من‬
‫حشرات الذابب ترعى يف نفس اآلابر النفتوحة اليت حيصل القرويون منها على‬
‫ماء شرهبم ‪ ،‬وملا مل يكن هناك مراحيض ‪ ،‬فإن حالة واحدة من الكولريا ستجلب‬
‫كارثة أكرب من وابء مالراي اجلامبيا الذي قضى على ثلث السكان يف ‪8191‬‬
‫– ‪. 99‬‬
‫وأول ما كان ينبغي فعله هو حتليل مياه البئر ‪ ،‬ومل نكن هدف هندف إىل معرفة‬
‫ما يف املياه بقدر ما كان هدفنا هو ان جنري السلطات على أن نفعل شيئاً هبذا‬
‫الشأن ‪ .‬وكانت نتيجة التحليل – أن عدد البكرتاي ‪ :‬ال حيصى ؛ والتخمر اللبين‬
‫‪ 12 :‬يف املائة ( بينما أقصى حد مسموح به هو ‪ 02‬يف املائة ) ‪ .‬وهكذا فإن‬
‫احلل الوحيد كان أن تدق عدة مواسري جللب املياه من عم بعيد جداً وأن مينع‬
‫الناس من استخدام اآلابر املكشوفة ‪ .‬ومل يكن هناك مضخات يف السوق ألن‬
‫احلكومة اشرتهتا كلها ملناط الوابء ‪ .‬ففكرت فياستخدام املضخات اليت كانت‬
‫جتلب املاء لضرب الطوب ‪ ،‬ولكن هذا يتطلب انتزاعها من املوقع لرتسل اثنية‬
‫علي أن أحصل على تصريح من مصلحة اآلاثر‬
‫إىل القرية القدمية ‪ ،‬وهكذا كان ّ‬
‫‪ ،‬وذهبت يف التو إىل القاهرة وقابلت املدير العام ‪ ،‬مسيو داريتون ‪ ،‬وأقنعته أبن‬
‫املاء النظي سيستفيد به األثريون وموظفو مصلحته ‪ ،‬الذين كانت اسرتاحاهتم‬
‫حلسن احلظ مبعثرة على كل القرنة القدمية ‪ ،‬ومل اذكر له أن مضخاتنا ستمد‬
‫القرويني أيضاً ابملياه ‪ .‬وواف من حيث املبدأ ‪ ،‬ولكنهأحالين غلى مدير التفتيش‬
‫‪ ،‬الذي كان جيب أن يواف على النقل ‪.‬‬
‫ومب قابلة هذا الرجل النبيل أملين ما لقيته من رفض ابت للنظر يف طليب ‪ .‬فهذا‬
‫األمر ‪ ،‬على حد قوله هم من شأن وزارة الصحة العمومية ‪ ،‬و الشأن له به ‪.‬‬
‫وبينت له أن وزارة الصحة العمومية لديها ‪ 02‬مليون فرد ترعاهم وأانملصلحة‬
‫مسئولة عن صحة موظفيها الذين يعملون يف القرى البعيدة ويتعرضون للعدوى‬
‫‪ .‬وكان كل ما قاله ‪ (( :‬يروحون يف داهية )) ‪.‬‬
‫وأجبته ‪ (( :‬لوال قدر هللا ومات رجل واحد بينما أان عندي وسيلة إلنقاذه‬
‫وأرفض ذلك ‪ ،‬فإين إذن أعد نفسي‬
‫قاتالً )) وتركته وقد صممت على أن أمضي قدماً دون موافقته ‪ ،‬ووصلت إىل‬
‫املنزل وقراري مل يتزعز ‪ .‬سوف أخذ أول قطار يعود لألقصر ‪ ،‬وأذهب مباشرةً‬
‫إىل املوقع ‪ ،‬واقتلع املضخات ‪ ،‬وأدقها متحدايً يف القرنة القدمية ‪ .‬إن اإلنسانية‬
‫لتتطلب مين أن انفذ القانون بيدي ‪ .‬وفنحت الصحيفة ألجد أن احلكومة قد‬
‫قررت عزل صعيد مصر وأغلقت كل الطرق والسكة احلديد ‪.‬‬
‫علي هكذا أن أبقى يف القاهرة حىت تسرب الوابء إىل الصعيد ‪ ،‬وعندها‬
‫كان ّ‬
‫مسح يل بعد تروان أتبعه ‪ .‬وأخذت أول قطار خرج من القاهرة وأان يف قل‬
‫شديد ‪ ،‬ذلك أن أول حالة ظهرت يف الصعيد كانت يف بالص ‪ ،‬اليت ال تبعد‬
‫عن القرنة إال بعشرين ميالً ‪ .‬وبالص هي مصنع فخار مصر – واحلقيقة أن‬
‫كلمة (( بالص )) تعين قدر املاء الفخاري الكبري الذي حتمله نساء مصر على‬
‫رؤوسهن – وقد وصل املرض إىل هناك بواسطة املراكبية الذين ينقلون قدور‬
‫الفخار أعلى وأسفل مصر ‪.‬‬
‫وما إن غادرت القطار يف األقصر ‪ ،‬حىت عربت النهر إىل الضفة اليسرى ‪،‬‬
‫حيث ينتظرين عادةً سائقي‬
‫(( األسطى )) حممود رمضان ‪ ،‬على أنه مل يكن هناك ‪ ،‬وأخربوين أنه حيس‬
‫بوعكة ‪ .‬وقيل يل أنه حىت اآلن مل تظهر أي حالة كولريا يف القرنة ‪ ،‬وكان يف هذا‬
‫ما هدأ من روعي هدوءاً عظيماً ‪ ،‬وهكذا انطلقت لرؤية األسطى حممود ‪.‬‬
‫ووجدته يف الفراش وقد أفاق توهاً بعد ان ظل فاقد الوعي لثالثة أايم ‪.‬‬
‫ولذهويل وجدت أنه لديه كل اعراض الكولريا – القيء واإلسهال واحلمى –‬
‫ومع ذلك مل خيطر قط ألي فرد أن يستدعي طبيباً حىت مسع مسرت ستوبلري‬
‫مبرضه ‪ ،‬وشك يف األسوأ ‪ ،‬فأحضر طبيباً للتو ‪ .‬وعندما تساءلت ملاذا مل يقم‬
‫سكرتريي السيد ‪ /‬جاد أبي إجراء ملساعدة حممود ‪ ،‬شرح يل أنه يقدم طلباً‬
‫كتابياً حسب اللوائح ‪ .‬وتذكرت شعار املصلحة ‪:‬‬
‫(( يرحون يف داهية )) ‪ .‬شفى حممود فعاد إىل شاحنته ‪ ،‬ولكن كان من الظاهر‬
‫أنه يعتقد أن يب ضعفاً جتاهه ألين غضبت جداً من السكرتري ‪ .‬وكنت دائماً أميل‬
‫إىل حممود ألنه كان السائ الوحيد الذي يستطيع صيانة شاحنته كما ينبغي ‪،‬‬
‫وهكذا فإنه أراد أن يستغل هذا ألقصى ما يستطيع ‪ ،‬فأاتين يف اليوم التايل طالباً‬
‫مين أن أعطي ابنه عمالً كعامل ‪ ..‬وملا كان ابنه ال يتجاوز التاسعة ‪ ،‬فقد‬
‫شرحت له أن عليه أن ينتظر خىت يصبح أكرب سناً بعض الشيء ‪ ،‬األمر الذي‬
‫جعل حممود ينصرف ساخطاً ‪ .‬وبعد نص الساعة عاد اثنية وأبلغ أبن ماسورة‬
‫الفرامل يف شاحنته قد انكسرت ‪ .‬وقلت (( حسناً ‪ ،‬اذهب وأصلحها )) ‪.‬‬
‫وذلك كما كان يفعل عادةً ‪ ،‬ولكنه شد من نفسه واقفاً وقال ‪:‬‬
‫حكومي ؛‬ ‫(( أان لست ميكانيكياً ايسيدي )) ‪ .‬حىت أنت ايبروتس ‪ .‬إنه موظ‬
‫فلماذا يكون خمتلفاً عن الباقني ؟ وحركتين الواقعة ألقول شعراً* ‪:‬‬
‫كل واحد ليس إال خرزة زجاجية ملونة رخيصة اتفه ‪.‬‬
‫والكل مربوط معاً يف خيط واحد من الشجع ‪.‬‬
‫ويف اليوم األول من عوديت مت يل انتزا املضخات وإحضارها للقرنة القدمية ‪،‬‬
‫حيث ركبناها عند نقطة اسرتتيجية قرب الق رنة ‪ .‬وإذ توافرت وسيلة للحصول‬
‫على ماء نقي ‪ ،‬كانت املهمة التالية هي حث القرويني على االستفادة هبا ‪،‬‬
‫أوابألحرى صرفهم عن استخدام اآلابر املفتوحة ‪.‬‬
‫وعلمت يف ذلك الوقت أن املستشفى قد وفر له طبيب يف التو ‪ .‬وكان يف‬
‫القرنة مستشفى صغري ‪ ،‬ال يوجد فيه طبيب إال إذا كان مثة رمسيون مهمون على‬
‫وشك زايرة اآلاثر ‪ .‬وعندها يرسل طبيب من األقصر ويؤجربعض القرويني‬
‫ليمثلوا دور املرضى ‪.‬‬
‫وكانت احلكومة قد عبأت كل األطباء بسبب الكولريا ‪ ،‬فأرسلت واحداً منهم‬
‫للقرنة ‪ .‬وكان امسه حسني أبو سنة ؛ وكان قد خترج لتوه ‪ ،‬وهو شاب لطي‬
‫جداً وعلى خل ‪ .‬وذهبت إليه ألضع نفسي وكل رجايل حتت تصرفه ملكافحة‬
‫الوابء ‪ .‬ونظران معاً يف التعليمات اليت صدرت لالطباء اثناء وابء ‪ ، 8121‬فلم‬
‫يكن حتت أيدينا اي شيء غري ذلك ‪ .‬ومل يكن لدينا مصل ‪ ،‬وكان هناك القليل‬
‫من املطهرات ‪ ،‬وكان أن نعتمد على مواردان اخلاصة بنا ‪ .‬وكانت التعليمات‬
‫توصي ابستخدام اجلري احلي ‪ ،‬وهو مما نستطيع إنتاجه يف قمائننا ‪.‬‬
‫والكولريا تنتقل عن طرق الفم ‪ .‬ومادامت مل تبتلع اجلراثيم ‪ ،‬فإنك ال تصاب‬
‫ابملرض ‪ .‬وهكذا اجتهت كل احتياطاتنا إىل التأكد من عدم وجود أي احتمال‬
‫ألن تدخل اجلراثيم إىل فم أي فرد ‪ .‬وكان علينا أوالً أن جنعل كل فرد يفهم‬
‫أمهية مراعاة كل االحتياطات مراعة صارمة ‪ .‬فينبغي أال تكون هناك أي ثغرة ‪،‬‬
‫وال أي إمهال على اإلطالق ‪ ،‬يف إجراءاتنا الوقائية ! وعلينا أن نتشدد تشدد‬
‫اجلراح يف غرفة العمليات ‪ .‬فيجب أن تغلي املياه كلها ‪ ،‬سواء للشرب أو‬
‫الغسيل ‪ .‬وال يؤكل أي مما ميكن أن تكون فيه جراثيم ‪ .‬وكمثل ‪ ،‬فإن الروتني‬
‫عند العودة من السوق إىل البيت يكون كالتايل ‪ :‬الدخول إىل البيت ‪ ،‬وضع‬
‫كيس اخلضروات مباشرةً يف ماء يغلي ‪ ،‬مع احلرص على عدم وضعها قبل ذلك‬
‫فوق أي شيء ‪ ،‬غسيل األيدي ابلليزول ‪ ،‬مسح أكرة الباب ابلليزول مثلما‬
‫يزيل بصماته ؛ وبعدها تصبح جاهزاً ‪.‬‬
‫وكان علينا أن جنعل القرويني يدركون أن أي غريب قد جيلب املرض إىل القرنة‬
‫‪ ،‬وابلتايل جيب عدم تشجيع وجود زوار ‪ .‬وحىت قوانني الضيافة التقليدية جيب‬
‫أن تتوق ‪ ،‬وجيب اإلبالغ عن أي زائر السلطات‪ .‬وكان هذا أمراً شاقاً ابلنسبة‬
‫ألانس جيعلون دائماً من مفاخرهم إخفاء ((املطاريد)) بعيداً عن احلكومة ‪ ،‬بل‬
‫وأن يواروا‬
‫املرضى بعيداً عن أي فرد ينقلهم بعيداً إىل املستشفى‪.‬‬
‫ورأيت والطبيب أن احملكمة أن نطلب مساعدة الشيخ حممود الطبيب‪ ،‬وهو ابن‬
‫الشيخ الطبيب الرجل الصاحل البالغ الكرب والذي يبجله كل القرويني أبلغ‬
‫تبجيل ‪ .‬والشيخ حممود كان سيخل والده ‪ ،‬وكان له أيضاً هو نفسه نفوذ‬
‫كبرية جدا‪ .‬فهو إمام مسجد القربة ويستطيع أن يشرح إجراءاتنا للفالحني يف‬
‫خطبة يوم اجلمعة وابلتايل فقد دعوانه إىل(( جلنتنا)) ملكافحة الكولريا‪ .‬وأثبت‬
‫واستيعاب التفاصيل الطبية‬ ‫أنه جداً مفيد لنا‪ ،.‬فهو سريع يف فهم املوق‬
‫املطلوبة‪.‬وملا كان هناك ما يقرب من ثالمثائة من القرويني يعملوان معنا ‪ ،‬فقد‬
‫قرران تعميم محلتنا الصحية عليهم ‪ .‬ومجعناهم معاص وتكلمنا إليهم‪ ،‬حماولني أن‬
‫جنعلهم يفهمون السبب يف احتياطاتنا ‪ .‬وحىت نساعدهم على إدراك ما يكونه‬
‫املي كروب ‪ ((،‬كربان )) هلم اجلراثيم ووصفناهم هلم وكأهنا منا يطل على كل‬
‫األدوات امللوثة ‪ ،‬وميكن أن يتخل على أي شيء تلمسه أداة ملوثة ‪ .‬وهذا‬
‫النمل يعيش فوق أيدينا ‪ ،‬ويف املاء ‪ ،‬وعلى‬
‫_________________________________________‬
‫_____________‬

‫* األبيات أصالً ابإلجن ليزية ‪ ( .‬املرتجم ) ‪.‬‬


‫اخلضراوات ‪ ،‬وهو مثابر مثل النمل احلقيقي بل وأكثر مراوغة منه ويقتل قتال‬
‫أكيداً‪ .‬وكان هلذه الصورة أتثريها‬
‫املميز ‪ ،‬فقد جعلت النظرية اجملردة غري املفهومة تتخذ مستاً واقعياً خميفاً ‪ .‬ومما ال‬
‫ختطئه العني رؤية سكرتريي جاد أفندي ‪ ،‬وقد امتقع متصوراً آالف النمل القاتل‬
‫غري املرئي وهي تزح فوق جلده ‪ ،‬وإذ تذكرت معاملته (( لألسطى )) حممود‬
‫فقد سررت جداً عندما رأيت أنه أخذ يدرك اآلن أن مثة أشياء قد تكون أهم‬
‫من تقدمي طلب كتايب ‪.‬‬
‫كانت الكولريا قد تفجرت اآلن يف األقصر ويف اجلمولة الغربية ‪ .‬وهي قرية‬
‫ت بتعد عن القرنة بسبعة أميال على نفس الضفة ‪ .‬وكان جاد أفندي هو الذي‬
‫جاء يل ابألنباء ‪ .‬وهو موهن خوفاً ‪ .‬لقد أصبح املوق اآلن جداً خطري ‪،‬‬
‫وعقدان جملساً من العمدة ومشايخ النجو اخلمسة وضممناهم إىل جلنتنا ‪ .‬وكنا‬
‫جنتمع يومياً ‪ ،‬وحنث املشايخ على نشر احلملة يف بيوت الناس مباشرًة ‪ ،‬وأن‬
‫يراقبوا كل مكان خشية ظهور ثغرات يف دفاعاتنا ‪ ،‬وأن يكونوا أكثر حزماً بشأن‬
‫حاالت اإلمهال ‪ .‬وكنا مجيعاً وقتها مرعوبني أقصى الرعب ‪ ،‬وعندما ال حظت‬
‫جاد أفندي يعل أصابعه ليقلب قوائم األجور اليت جيمعها من العمال كل صباح‬
‫‪ ،‬ذكرته ابلنمل الذي ميكن وال شك فوق الورق ‪ ،‬ومل أشعر مطلقاً أبي سعادة‬
‫من ارتعابه ‪ .‬وأخرياً بدأت إمدادات املصل تصل ‪ ،‬وقد أرسلت من اهلند ومن‬
‫بالد أخرى ‪ ،‬وعندما أخذان يف تطعيم القرويني ‪ ،‬اختفى الذعر ‪.‬‬
‫يكون من‬ ‫لقد مت إنقاذ القرنة ؛ إال أن التجربة قد بينت يل مرة أخرى كي‬
‫السهل تربير الالمباالة ‪ ،‬والبالدة ‪ ،‬واإلمهال على أن ذلك إذعان للقدر ‪ .‬ومثة‬
‫صورة أخرياً عن الوابء ؛ كنت انتظر حتت مظلة اخليزران ‪ ،‬ألعرب ابملعدية إىل‬
‫األقصر ‪ .‬وملا كان مثة مجهور كبري ينتظر أيضاً هناك ‪ ،‬فقد قررت أن أستغل‬
‫الظروف أبن أبدأ نقاشاً عن الصحة وامليكروابت ‪ .‬ومرة أخرى قدمت منلي‬
‫مزهواً ‪ .‬واعرتض شيخ عجوز وقور أبيض اللحية أبن مصري املرء حمتوم ((‬
‫مكتوب )) ‪ ،‬ولن تغري منه أي حماولة من البشر الفانني ‪.‬‬
‫(( اي موالان ‪ ،‬املكتوب يكون واضحاً أكمل الوضوح يف حالة رجل يلقي بنفسه‬
‫من فوق سطح منزل أو من على شفا جرف ؛ إال أن هللا نفسه يقول (( وال‬
‫تلقوا أبيديكم إىل التهلكة )) ‪ ،‬وابتال اجلراثيم هو ابلضبط مثل الوثوب من‬
‫على شفا جرف )) ‪.‬‬
‫وأجاب الشيخ ‪ (( :‬يستطيع الواحد منا أن يرى اجلبل أو البيت ألهنما قائمان‬
‫هناك ‪ ،‬أما هذه امليكروابت فال أحد يراها )) ‪.‬‬
‫(( إن امليكروب وإن كان ال يرى ابلعني اجملردة ‪ ،‬غال انه ميكن رؤيته وهو‬
‫يتحرك حتت اجملهر )) ‪.‬‬
‫(( على أي ‪ ،‬أان ال أومن إال مبا أراه بعيين )) ‪.‬‬
‫(( ولكن اي موالان إن معظم شيوخنا ضعيفو اإلبصار وال يستطيعون قراءة‬
‫القرآن دون ارتداء نظارات ‪ ،‬وهكذا فحسب ما تقوه ‪ ،‬فإهنم ينبغي أال يؤمنوا‬
‫مبا هو مكتوب يف القرآن وهم يرتدون النظارات )) ( هتليل من اجلمهور حيث‬
‫كانت هذه ضربة ابرعة – (( آه ! آه ! آه ! ) ‪ .‬ولكن الشيخ يقول أنه إذا‬
‫كان شخص ضعي البصر ال يستطيع رؤية كتابة القرآن ‪ ،‬فإن جاره يستطيع‬
‫ذلك ‪ ،‬وكل واحد يعرف بذلك ‪ ،‬بينما امليكروب مل يره احد ‪.‬‬
‫وأجبت على ذلك ‪ (( :‬إن الطبيب يراه ابجملهر ‪ ،‬وهو ليس إال نظارة قوية قوة‬
‫خارقة وهلا عدسات قوية ‪ ،‬وأن الطبيب هو رجل متعلم حمرتم نصدقه ونتناول ما‬
‫يصفه لنا من عالج ‪ ،‬فلماذا ينبغي أال نصدق ما يقوله عما رآه ابلفعل حتت‬
‫هذه العدسات يف معمله )) ‪.‬‬
‫ورد الشيخ اثنية بشعر مجيل ‪ ،‬معنا ه هو عكس ما قلته وقوبل ذلك بتهليل من‬
‫اجلمهور (( آه ! آه ! آه )) ‪.‬‬
‫فقلت أن القصيدة ال تطاب احلالة اليت نناقشها وإمنا هو بسبب ماهلا من رنني‬
‫يف آذاهنم ‪ (( .‬إنه نفس السحر الشعر الذي جعل النيب يكره الشعر والشعراء‬
‫)) ‪ .‬ومرة أخرى يهلل اجلمهور (( آه ! آه ! آه ))‬
‫علي أن أجعل الكلمة‬
‫وأخرياً رأيت أن االحرتام الالئ ابلرجل العجوز ميلي ّ‬
‫األخرية له ‪ ،‬خاصة أنه أتكد يل أين قد أجنزت غرضي ببذر بعض معلومات‬
‫صحية قد تؤتى أكلها بني املستمعني ‪ ،‬فقلت أننا حقاً مهما كان ما نعتقده من‬
‫اكتمال ما نتخذه من االحتياطيات ‪ ،‬فإننا لن نصل أبداً إىل الكمال وسيكون‬
‫هناك دائماً ثغرة ما قد ينفذ منها القدر ‪ .‬على أن هذه احلقيقة ينبغي أال متنعنا‬
‫عن فعل كل ما يف وسعنا حىت ال نرتك ثغرة للقدر ‪ ،‬وأي إمهال يكون معناه‬
‫إهالك متعمد للذات وليس إذعاانً للقدر ‪ .‬وعندها وصلت املعدية وانتهى‬
‫النقاش ‪.‬‬
‫***‬
‫املوسم الثالث ‪8191 – 8199‬‬
‫إبليس العنيد‬
‫حوايل هناية شهر أغسطس من كل سنة ‪ ,‬تغذي أمطار احلبشة البعيدة النيل يف‬
‫الصعيد ‪ ,‬فيمتلئ ابلطمي الغين اخلصب ‪ ,‬ويرتفع ألعلى مناسيبه وينساب عالي اً‬
‫فوق مستوى احلقول ‪ .‬ويكون حمصول الذرة الصيفية على وشك النض يف‬
‫احلقول ‪ ,‬والفالحون يرتقبون مجعه قبل أن يسمح بدخول مياه النهر لتغطي‬
‫أرضهم ‪ .‬ويف بداية سبتمرب ‪ ,‬بعد بضعة أايم من العمل العني ‪ ,‬تصبح احلقول‬
‫جاهزة ؛ وتفتح البواابت ويسمح للمياه أبن تفيض على احلقول ‪ .‬وتظل املياه‬
‫حمجوزة ابجلسور طيلة شهرين ‪ ,‬بينما النهر ينخفض ‪ ,‬ويف بداية نوفمرب تصرف‬
‫املياه اثني ًة إىل النيل ‪ .‬اترك وراءها طبقة خصبة طازجة من الطمي يزر فيها‬
‫حمصول الشتاء من احلبوب أو البقول ‪( .‬يسمى نظام الري هذا (( احلياض )) ‪,‬‬
‫وهو ال ستخدم يف الدلتا ‪ ,‬حيث ينفذ نظام الري الدائم ابستخدام القنوات )‬
‫وهذه احملاصيل – القمح ‪ ,‬والشعري ‪ ,‬والعدس ‪ ,‬طعام مصر منذ أقدم العصور‬
‫‪ ,‬ظلت تبذر وحتصد طيلة ستة آالف سنة يف نفس ذلك الطني األسود الذي‬
‫يتجدد دائماً ؛ وهي تنبت ‪ ,‬وتنمو ‪ ,‬وتنض يف اتساق سلس مع مواسم النهر‬
‫‪ ,‬بينما احملاصيل األخرى كقصب السكر والقطن اليت وفدت حديثاً للصعيد ‪,‬‬
‫ال تتناسب مع هذا النمط العتي ‪ ,‬جيب محايتها من الفيضان ‪ .‬وتبقى حقوهلا‬
‫حماطة دائماً ابجلسور ويتم ريها ابآلابر االرتوازية أو بقنوات تغذى ابلقنوات ‪.‬‬
‫وهذا احلقل املسور يسمى احلوش ‪ ,‬وكان موقع القرنة اجلديدة يف أحد هذه‬
‫األحواش ‪.‬‬
‫وأثناء موسم ‪ , 8199‬كان مثة شائعات أبن بعض الفالحني يتآمرون لنقب يف‬
‫اجلسر الغريب ليتم إغراق القرية وإيقاف املشرو ‪ ,‬الذي كان يهدد ابلقضاء‬
‫على هوايتهم املرحبة بسرقة املقابر ‪ .‬وقد أبلغت البوليس وقتها ‪ ,‬وقويت من‬
‫اجلسر ‪ ,‬وعينت حراسة من اثين عشر رجالً خلفره وكان الفيضان تلك السنة‬
‫عالياً على وجه اخلصوص ‪ ,‬فكان أعلى ما عرف عن الفيضاانت ‪ ,‬وهتدمت‬
‫فيه قرى كثرية ‪ .‬ومن الواضح أن احتياطاتنا أرعبت املتآمرين إن كان هلم وجود‬
‫‪ ,‬فلم حيدث شيء مطلقاً ‪ .‬وقد يظن أن من غري احلكمة أن جيعل موقع القرية‬
‫اجلديدة منخفضاً عن مستوى الفيضان ‪ ,‬ولكن احلوش كان حمميا محاية جيدة‬
‫جداً يف ثالثة جوانب جبسور تتم صيانتها حبرص ومتتلكها احلكومة ‪ :‬فاجلانب‬
‫اجلنويب هو ضفة لرتعة الفرحانة وكان على اجلانب الشرقي والشمايل جسر‬
‫للسكة احلديد ‪ .‬واجلسر الذي على اجلانب الغريب كان وحده اجلسر الذي تتم‬
‫صيانته ابمللكية اخلاصة لكامل بولس بك ‪ ،‬املالك احلايل للحوش ‪ ،‬وبواسطة‬
‫شركة كوم امبو للسكر اليت تستأجر األرض منه ‪ .‬وصلت يوم ‪ 1‬سبتمرب‬
‫‪ 8199‬ألبدأ العمل يف املوسم الثالث ‪ .‬وعندما وصلت القرية ألبدا عمل هذا‬
‫املوسم اجلديد وجدت أنه مل يتم تنفيذ أي مت تعليمايت اليت أعطيتها قبل‬
‫رحيلي ‪ .‬وابلذات ‪ ،‬فإن كل الطوب الذي مت إنتاجه يف املوسم الساب ‪ ،‬والذي‬
‫كان قابعاً يف مكان ضربه غرب القرية ‪ ،‬مل يتم نقله لريص يف الشرق ابلقرب من‬
‫املباين إيل سيستخدم فيها ‪ .‬و كان هناك ما يقرب من نص مليون طوبة ‪ .‬ومل‬
‫أيت رسالن أفندي ‪ ،‬مساعدي اجلديد ‪ ،‬إىل العمل ‪ ،‬وكان قبل ذلك ببضعة‬
‫أسابيع قد آتى ملنزيل يف القاهرة مهدداً ابإلضراب إن مل أرشحه للرتقية إىل‬
‫الدرجة السادسة ‪.‬‬
‫ويف ‪ 1‬سبتمرب تلقيت برقية من وكيل الوزارة تستدعيين إىل القاهرة ملقابلته يف‬
‫العاشر من سبتمرب الساعة العاشرة يف مكتبه ‪ .‬ومل أستطع ختمني السبب‬
‫وانزعجت بعض الشيء ‪ ،‬فالربقيات أتيت دائماً أبن باء سيئة ‪ .‬وكان قد بدأ يف‬
‫هذا الوقت إطالق املياه يف األحواض احمليطة حبوش القرنة ‪ .‬وملا كانت مهمة‬
‫احملافظة على سالمة اجلسر هي حقاً من شأن شركة السكر ‪ ،‬وملا كان املاء مل‬
‫يرتفع إال حلوايل أربعني سنتيمرتاً ‪ ،‬فإنين مل أزد على أن طلبت من خفري الشركة‬
‫أن يكون متيقظاً يف احلراسة كما طلبت من رئيس عمايل أن يضع خفريين على‬
‫اجلسر ‪.‬‬
‫وملا كان رئيس العمال ‪ ،‬أمحد عبد الرسول ‪ ،‬يريد دائماً تعيني أكرب عدد ممكن‬
‫من الرجال يف أي مهمة – فإنه قال يف احلال أننا جيب أن نعني اثين عشر رجالً‬
‫كما فعلنا يف العام املاضي ‪ .‬وشرحت له أننا يف العام املاضي كان لدينا فيضان‬
‫عال ‪ ،‬أما هذه السنة فإن املاء ما زال منخفضاً نوعاً ‪ ،‬وفوق ذلك فإنه يف العام‬
‫املاضي كان مثة هتديد بعمل خترييب ‪ .‬وابإلضافة فإين سأعود سريعاً من القاهرة‬
‫وميكننا بعدها أن ننظر يف أمر تعيني عدد اخلفر الذي يريده ‪.‬‬
‫وبينما كنت أق فوق سطح منزيل يف ذلك املساء مع عبد الرسول قبل سفري‬
‫‪ ،‬حدقت يف القرية و الحظت أن احلوش كله خال ‪ .‬وبدالً من البحر األخضر‬
‫املعتاد من قصب السكر ‪ ،‬مل يكن هناك إال سهل أسود عار ‪ ،‬دون أثر لزراعة ‪.‬‬
‫وابلطبع فإن األمر كان وحسب هو ما حيدث من تغيري معتاد للمحصول كل‬
‫علي إحساساً ابالكتئاب بل والرهبة ‪ .‬وعندما‬
‫اثلث سنة ‪ ،‬ولكن املشهد أضفى ّ‬
‫سألت عبد الرسول عن السبب يف خلو احلوش هكذا ‪ ،‬قال أن الشركة قد‬
‫قررت أال تزر قصب السكر ألنه يوفر خمبأ للصوص ‪ .‬وكانت هذه إجابة فيها‬
‫شيء من القحة ‪ ،‬ذلك أن هذه النظرية ابلضبط قد استخدمت كمربر ضد نق ل‬
‫القرية يف عريضة قدمها بعض املشايخ ‪ .‬وعندما آتى عبد الرسول جبمهور‬
‫املستخدمني املعتاد لتوديعي يف احملطة كررت له تعليمايت بتعيني حراسة من‬
‫رجلني على اجلسور ‪ .‬وصلت القاهرة يف السابعة من صباح اليوم التايل واختذت‬
‫طريقي إىل منزيل هناك ‪ .‬وساءين جداً أن أجد خادميت فاطمة مل تكن هناك ‪،‬‬
‫وأن كل قططي قد تركت جوعى ‪ .‬وزاد كدري هذا من ذلك اإلحساس اخلاص‬
‫ابالكتئاب الذي كان يتنامى من داخلي منذ جاءتين الربقية ‪ .‬وأطعمت القطط‬
‫وأخذت يف إفراغ حقيبيت ‪ .‬وبينما كنت أعل مالبسي يف الصوان ‪ ،‬إذ ابلقط‬
‫أوان كان عاد ًة قط شبه منعزل وشديد التحفظ ‪ ،‬إذ به أييت ليجلس إىل جواري‬
‫وقد أبقى ابب الصوان مفتوحاً مبخالبه األمامية – وكان يف ذلك عرض لتعاطفه‬
‫تعاطفاً غري معتاد للغاية ‪ .‬وكان هناك من أحضر رسالة ‪ ،‬قبل أن أرحل مباشرة ‪،‬‬
‫وهي من صديقي رستم رئيس قسم اهلندسة واحلفائر ‪ ،‬والذي كان قد عاد من‬
‫ايفا لفرتة قصرية ‪ .‬وقد اقرتح أن أمر عليه لنذهب معاً إىل وكيل الوزارة ‪ .‬ومل‬
‫يكن يف ذلك ما يهدئ من روعي ‪ ،‬ذلك أن رستم ابلتأكيد إمنا يعرض أن‬
‫يساندين فيما يبدو نزاعاً وشيكاً ‪ .‬وأخذت أتذكر كل ما ارتكبته مؤخراً من‬
‫خطااي وشعرت بقل ابلغ عندما تذكرت مقاالً قد نشرته يف التو يف إحدى‬
‫اجملالت وصفت فيه بشقاوة بناء برملان خيايل متاماً من األسرة الثامنة عشرة‬
‫بين لتخليص البالد من الفساد الذي ورد ذكره يف بداية ليدن ‪،‬‬
‫يفرتض أنه قد ّ‬
‫اليت تتأل من نصائح احلكيم املصري إييور ؛ وكان املوق يف عصره حيمل‬
‫عدداً من أوجه الشبه الغربية ابملوق يف مصر ‪ . 8199‬ومل أجد وقتاً‬
‫الصطحاب عثمان ‪ ،‬واحلقيقة أين كنت يف أقصى عجلة ملعرفة ما أان بصدده‬
‫حىت أين ذهبت إىل ذهبت إىل الوزارة مباشرة ‪ ،‬ويف نييت أن أتلقن له من هناك ‪.‬‬
‫ودخلت الوزارة ‪ ،‬وأان أحس بقل ابلغ ‪ ،‬وارتقيت السلم وأان عازف متاماً عن‬
‫ذلك ‪ ،‬ودخلت الغرفة األمامية ملكتب وكيل الوزارة ‪ .‬وقال كاتب من خل‬
‫أحد املكاتب ‪ 2( :‬صباح اخلري اي سيد فتحي ! )) وانضم كل املوظفني إليه‬
‫قائلني (( مربوك ‪ ،‬مربوك ! )) كان من الواضح أن األمر ال عالقة له مبقايل ؛‬
‫ولعلي سأانل نوطاً‬
‫واألمر يف الظاهر ‪ ،‬أن مشروعي يف القرنة قد جذب انتباه امللك نفسه ‪،‬‬
‫فاستدعيت للقاهرة لتقدمي تقرير كامل عن تقدمنا ليقرأه امللك ‪ .‬وهناين وكيل‬
‫الوزارة أيضاً عندما دخلت وكيل الوزارة أيضاً عندما دخلت لرؤيته وطلب مين‬
‫أن اكتب التقرير ذاكراً كل املعوقات والعقبات اليت القيناها ‪ .‬وأن أرسله إىل‬
‫رئيس الديوان امللكي يف اليوم التايل ‪.‬‬
‫ومن أغرب ما يكون ‪ ،‬أين رغم ارتياحي الشديد لعدم وقوعي يف مشكلة ‪ ،‬إال‬
‫أنين أحسست بشيء من الضي من هذا العون غري املرتقب ؛ فقد كنت‬
‫استمتع بكفاحي بنفسي ‪ ،‬ومل أكن أميل لفكرة أن يتم متهيد الطري أمامي‬
‫متهيداً سحرايً ‪ .‬كان األمر وكأين ولد صغري يعارك ولداً آخر ‪ ،‬وفجأة أييت أحد‬
‫الراشدين ليساعدين ‪ .‬وهذا ال عدل فيه ‪ ،‬وهو يلغي سبب نضايل ؛ بل إن يف‬
‫ذلك ما يشبه اإلحساس ابلغش يف أحد االمتحاانت ‪.‬‬
‫وكتبت التقرير مبساعدة رستم ‪ ،‬وذكرت فيه القليل من أوجه الشكوى وعرضته‬
‫على وكيل الوزارة الذي أعجب به ‪ ،‬مث ذهبت للمنزل ‪.‬‬
‫***‬
‫فأل سيئ ‪:‬‬
‫حلمت تلك الليلة حلماً فظيعاً ‪ .‬كان بعض الصبيان – أوالد قريب يل –‬
‫أيخذون دشاً ‪ ،‬ولكنهم بكامل مالبسهم وعلى ظهورهم جربندية ‪ ،‬وانساب‬
‫املاء من فوقهم كلهم ‪ ،‬ولكنه مل يبلل إال سرابيلهم اليت التصقت بسيقاهنم ‪ .‬مث‬
‫أتى حصان ‪ ،‬بدا كالفرس اليت ميتلكها الشيخ أمحد عبد الرسول ‪ ،‬ووثب إىل‬
‫ظهره رجل شرير – مل استطع رؤية وجهه –وانطل به احلصان ‪ .‬وقذف به على‬
‫األرض ن مث عدا احلصان بعيداً ‪ ،‬وجاء يف أثره جياد سود يعدون من ورائه ‪ ،‬يف‬
‫هياج وخوف ‪ ،‬وأتت اخليل الراكضة ابلناس إىل اخلارج ‪ ،‬وكان مثة ثورة يف اجلو‬
‫‪ ،‬وجرى الناس مث أخذوا يتساقطون أموااتً ‪ ،‬على أنه ما من أحد كان يقتلهم ‪،‬‬
‫وتساقطوا مبالبسهم ‪ ،‬وتكومت أجسادهم الواحد منهم فوق اآلخر ‪ ،‬وهكذا‬
‫اجلسر رجل يرتدي زي القرفة‬ ‫حولت رأسي بعيداً ألرى ‪ .‬وأتى من خل‬
‫األجنبية ‪ ،‬وكان معه سي ‪ ،‬ضرب به فش صديقي رستم هاوايً لألرض ‪ ،‬مث‬
‫وجه ضربة إىل فش السي كتفي وتساءلت يف عجب (( هل قتلت ؟ ))‬
‫ذلك أين مل أحس أملاً – واستيقظت ‪ ،‬وأان يف غاية االنزعاج ‪،‬ومل أمن بعدها يف‬
‫تلك الليلة ‪.‬‬
‫أخذت تقريري إىل حسن بك يوس رئيس الديوان امللكي ‪ .‬وكان قد سب له‬
‫أن زار القرنة ‪ ،‬وعرف شيئاً من متاعيب ؛ وعندما رآين أكد يل أن اهتمام امللك‬
‫يعين أين سأجد األمور يف املستقبل أسهل كثرياً ‪ .‬ومرة أخرى واتتين اآلمال‬
‫منتعشة ؛ ورأيت أشجار الفاكهة وقد مت غرسها ‪ ،‬ومدرسة الصنائع تعمل ‪،‬‬
‫والقرية كلها تصخب حبياة سعيدة هادفة جمدة ‪ .‬ورأيت فوق ذلك أن القرية‬
‫وقد اكتملت أصبحت تقوم كمثال لإلسكان الرخيص واجليد لكل مصر ‪.‬‬
‫وتناولت غذائي يومها يف جرويب حيث كانت فاطمة ما زالت متغيبة ‪ ،‬وأثناء‬
‫الغداء رويت حلمي لرمسيس واص والدكتور شارل ابشاتلي ‪ .‬وفسران احللم‬
‫هو و إحساسي ابحملظور على أهنما رمبا ينذران برد فعل مزع يف مصر بسبب‬
‫قطع احمل اداثت ( اليت كان النقراشي ابشا جيريها )) يف األمم املتحدة* ‪ .‬فلعله‬
‫سيحدث نو من القالقل أو حىت ثورة ‪ ،‬فيما لو قام أي شخص غري مسئول‬
‫بتصرف أمح يشعلها كما فعل احلصان الراكض يف حلمي إذ جعل كل اآلخرين‬
‫يركضون ‪.‬‬
‫***‬
‫_________________________________________‬
‫___________‬

‫* إشارة إىل الشكوى اليت تقدمت هبا احلكومة النقراشي لألمم املتحدة لطلب‬
‫جالء جنود اجنلرتا عن مصر ( املرتجم)‪.‬‬

‫املستنقع العظيم ‪:‬‬


‫يف طريقي إىل الب يت الحظت يف ميدان اإلمساعيلية * ملصقاً هائالً يعلن عن‬
‫أحد األفالم وهو (( املستنقع العظيم )) ‪ .‬وأصابين ذلك إبحساس سيئ ‪ .‬فقد‬
‫بدا ذلك كفال رديء ‪ ،‬وحولت وجهي بعيداً عن اإلعالن وأان أمر به ‪ .‬عندما‬
‫وصلت إىل منزيل وجدت رسالة من رستم ‪ ،‬يطلب فيها أن أمر عليه حيث انه‬
‫قد وصلته رسالة تليفونية من كبري مفتشي األقصر تقول أن القرية كلها قد‬
‫فاضت عليها املياه وأغرقتها ‪ .‬وأحسست بدوار ‪ ،‬ومتايل رأسي ‪ ،‬واندفعت إىل‬
‫رستم ألمسع املزيد ‪ .‬ومل يستطع أن يضي ملا يف رسالته إال القليل ؛ وهكذا‬
‫تلّفنا للمفتش يف األقصر ‪ .‬ولست أحب ألي واحد ‪ ،‬وال حىت ألد أعدائي ‪،‬‬
‫أن حيس عذاب تلك الساعة اليت انتظرت فيها وصول املكاملة التليفونية ‪.‬‬
‫وأخرياً مسعنا صوته وعرفنا أن القرية يف احلقيقة قد أٌغرقت ‪ ،‬وأن اجلسر قد‬
‫كسر ‪ ،‬وأن املوقع كله مغمور ابملياه ‪ .‬وسألته (( ما عم املياه ؟ )) (( مل أقسه‬
‫)) (( ولكن ما هو العم ابلتقريب ؟ )) هل تصل املياه للنوافذ ؟ لدعامة‬
‫الباب ؟ فوق األسطح ؟ أريد أن أعرف )) على أنه فيما يبدو مل يكن يعرف ؛‬
‫وهكذا قلت له أننا سوف نصل بقطار الليل ووضعت مساعة التليفون ‪.‬‬
‫وسافران يف تلك الليلة ‪ ،‬ومرة أخرى رويت احللم يف القطار لرستم ‪ .‬وفسره‬
‫يقوله أن الصبيان هي بيويت ‪ ،‬وقد بللتها املياه يف أسفلها ‪ ،‬والرجل ذو السي‬
‫هو الرجل الذي كسر اجلسر ‪ ،‬وأن اجليا د السود متثل مياه الفيضان املتدفقة ‪.‬‬
‫وابلوصول إىل القرية يف الصباح التايل ‪ ،‬وجدت أن املياه ترتفع فحسب حلوايل‬
‫نص املرت وأن اجلانب الشرقي مل تصل إليه مياه الفيضان قط ‪ .‬إال أن قوالب‬
‫الطوب أعددانها يف املوسم املاضي قد ذابت كلها ؛ ولو كان مساعدي قد‬
‫نقلها كما ط لبت منه لكانت اآلن سليمة ‪ .‬على أن رسالن يف حالة الطوارئ‬
‫هذه مل يستطع أن ينسى أمر ترقيته ‪ ،‬ومل أيت مطلقاً لتقدمي العون ‪.‬‬
‫وهرعت إىل املكان الذي نقب فيه اجلسر ‪ ،‬غرب القرية مبا يقرب من ميل وربع‬
‫امليل ‪ ،‬ووجدت ثغرة عميقة واسعة حمفورة يف اجلسر عرب ما يقرب من مثانية‬
‫أمتار ‪ .‬وكان هناك حوايل مائة عامل ‪ ،‬يشرف عليهم مهندسو الري وضابطان‬
‫من الشرطة ‪ ،‬ولكين لألس مل أجد أي واحد من أهل القرنة بني هؤالء العمال‬
‫الذين مجعوا ابلقوة من القرى اجملاورة ملعاجلة األزمة ‪ .‬وقد رفض كل أهل القرنة‬
‫أن يعملوا يف اجلسر ‪ ،‬وحىت أولئك الذين مت مجعهم منهم يف الليلة السابقة‬
‫وأجربوا على العمل يف اجلسر ‪ ،‬تسللوا من خالل املياه حتت ستار الظالم ‪،‬‬
‫بدالً من أن يساعدوا يف إنقاذ قريتهم اجلديدة ‪ .‬وقد احتالوا أثناء عملهم حىت‬
‫يوسعوا الثغرة أبقدامهم بينما هم يتظاهرون بسدها أبيديهم ‪.‬‬
‫على أهنم بذلك كانوا يلحقون أبنفسهم ضرراً مباشراً ‪ ،‬فقد كانوا مجيعاً يكسبون‬
‫ماالً وفرياً كعمال يف القرية ‪ ،‬كما أن البيوت اجلديدة كانت أفضل ‪ ،‬حىت من‬
‫الوجهة املالية ‪ ،‬من البيوت القدمية ‪ ،‬اليت كانت يف أغلبها مبنية على أرض‬
‫حكومية ‪ ،‬و بذا فإهنا يف الواقع ال تساوي شيئاً ‪ .‬ومثة مثل يقول ‪ (( :‬لو عرف‬
‫السبب بطل العجب )) ‪ ،‬وهنا كان مثة أكثر من سبب واحد ‪ .‬فأوالً ‪ ،‬فإن‬
‫النظام األبوي نظام قوي جداً ‪ .‬وكل فرد فيه يطيع رؤوس العائالت ‪ ،‬وهؤالء‬
‫يف القرنة هم لصوص املقابر ‪ .‬والناس يهابوهنم وحيرتموهنم معاً ‪ .‬وهم يستغلون‬
‫سلطاهنم يف احملافظة على مهنتهم ز ومل يكن لديهم أي نية للتخلي عن بيوهتم‬
‫املزرية ألهنا عندهم لطيفة مبا جتلبه هلم من ربح وفري مبوقعها يف اجلبانة والكنز‬
‫حتت أرضياهتا ينتظر من ينقب عنه ‪ ،‬وهم لن يتخلوا عن هذا ليتنقلوا إىل قرية‬
‫جديدة صحية مجيلة ولكنها بعيدة عن املقابر ‪ .‬واثنياً فإن أهل القرنة كلهم‬
‫بينهم صالت قرابة وثيقة ‪ ،‬ولن يتخلى أي واحد منهم عن أتييد أي من رؤوس‬
‫العائالت يف أي مغامرة ‪ .‬واثلثاً ‪ ،‬فقد كانوا مدفوعني بنو من اإلحساس ابلعار‬
‫‪ ،‬العار من أن يعدوا من اجلبناء إذا مل يشاركوا يف عملية التخريب ‪.‬‬
‫وقد اختاروا توقيتهم مبنتهى اخلبث ‪ :‬فأوالً ‪ ،‬قصب السكر وقتها قد مت‬
‫اقتالعه ‪ ،‬وهذا ال حيدث إال مرة كل ثالث سنوات ؛ واثنياً كنت وقتها غائباً‬
‫عن القرية ؛ واثلثاً ‪ ،‬كان املاء وقتها منخفضاً جداً ‪ ،‬حبيث ال خيشى أحد أو‬
‫يشك أن هناك أي خطر على اإلطالق ‪.‬‬
‫كان العمل كله ما زال مركزاً على ثغرة اجلسر ‪ ،‬ولكين وجدت أن الفارق بني‬
‫مستوى املياه داخل وخارج احلوش هو فحسب حوايل عشرة سنتيمرتات ‪ .‬ولن‬
‫يرتفع املاء ألكثر من ذلك ‪ ،‬ألن املستوى يف اخلارج ميكن أن تتحكم فيه‬
‫سلطات الري ؛ وهكذا حولت انتباهي إىل إنقاذ املباين يف القرية ‪ .‬وملا كنا قد‬
‫فقدان كل القوالب طوبنا ابلفعل ( تلك القوالب اليت كان ينبغي أن يتم نقلها )‬
‫واملاء يرتطم من حول البيوت ‪ ،‬فقد أمرت ببناء جسر صغري قريب من حول‬
‫املباين ال يرتفع إال خلمسة عشر سنتيمرتاً ‪ ،‬وبدأت أضخ املياه من هذه املنطقة‬
‫لتج ‪.‬‬
‫وفحصت الثغرة اثنية ‪ ،‬ووجدت قطعتني كبريتني ‪ ،‬بينهما ما يقرب من املرتين ‪،‬‬
‫ومها على اجلانب (( اجلاف )) من اجلسر ‪ .‬ومن الواضح أن هناك صفاً من‬
‫قطو مماثلة يف كل عرض الثغرة ‪ .‬وإذا كان من احلقيقي أن خبري الري عندما‬
‫سألته الشرطة قال يف أول األمر أن النقب رمبا حدث طبيعياً ‪ .‬إال أن هذا كان‬
‫ين على املنظر املرعب لألمواج يف تلك الليلة األوىل ‪ ،‬ومل‬
‫استنتاجاً متعجالً ‪ ،‬ب ّ‬
‫ي ن مطلقاً على أي حقائ علمية ‪.‬‬
‫_________________________________________‬
‫___________‬

‫*ميدان التحرير حالياً ( املرتجم ) ‪.‬‬


‫و كانت الرايح اآلتية من فوق اجلبل قد أاثرت أمواجاً جداً قوية بدت يف الليل‬
‫سوداء منذرة وبللت سراويل‬
‫امل هندسني ‪ ،‬الذي نسوا يف التو كل ما يعرفونه من اهليدروليكا ‪ ،‬ونسوا أن‬
‫اجلسر مسكه يف القا ستة أمتار أبكملها ‪ ،‬وأن املاء مل يكن يرتفع إال خلمسني‬
‫سنتيمرتاً ‪ ،‬وأن معدل الرشح سيصل متاماً إىل ما حتت مستوى األرض ‪.‬‬
‫وابختصار فقد نسوا أن من املستحيل متاماً فيزايئياً أن ينكسر اجلسر نفسه –‬
‫ومل يروا إال حبراً من األمواج السوداء بد وكأهنا ميكن أن هتدم أي جسر ‪.‬‬
‫ما إن مت بناء جسران األول ن حىت ركبنا مضختنا اجلديدة لضخ املاء من داخل‬
‫هذا احلاجز إىل اخلارج ‪ ،‬مث بدأان جسران اثنياً حييط مبنطقة أكرب جاعلني فيها‬
‫املنطقة املبنية يف ثالثة أايم ‪ .‬مث‬ ‫أماكن هامة مثل قم ائن الطوب ‪ .‬ومت جتفي‬
‫حولنا املضخة لتصري املياه من املنطقة الثانية ‪ ،‬وافرتضنا أيضاً مضخة اثنية‬
‫من تفتيش الري ‪ .‬وقد أبدى (( األسطى )) حممود يف هذا العمل نشاطاً وعزماً‬
‫هائلني ‪ .‬فقد جعل املضخة اجلديدة من مسئوليته اخلاصة وأخذ يعمل عليها بال‬
‫كلل ليل هنار لثالثة أايم ‪ ،‬حيثما يتم تركيبها ‪ ،‬وهو واق يف املاء ‪ ،‬لينظفها إذا‬
‫انسدت ‪ ،‬وساهم بذلك إسهاماً كبرياً جداً يف جناح جمهوداتنا ‪ .‬وكان هناك معني‬
‫آخر ساعدان مبا ال ميكن تقديره ‪ ،‬وهو إبراهيم حسن ‪ .‬وهو قوي مبا ال يصدق‬
‫ذراعيه حول اسطوانة زيت تسع مثانني جالوانً ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فكان يف استطاعته أن يل‬
‫هي مما ال يكاد ثالثة رجال أن يتمكنوا من حتريكها ‪ ،‬ويلتقطها هو لريفعها‬
‫وكأهنا جوال من الريش ‪ .‬وبدا وكأن له قوة وقدرة حتمل حمرك املضخة نفسه ‪.‬‬
‫وكان يظل موجوداً هناك طيلة النهار والليل ‪ ،‬وهو متأهب ألن يرفعها ويسري هبا‬
‫إىل حيثما أردان ‪ .‬ولوال هذان الرجالن ‪ ،‬إبراهيم حسن و (( األسطى )) حممود‬
‫‪ ،‬ملا أمكننا تطهري املوقع و ال يف ضع هذا الزمن ‪.‬‬
‫ويف خالل عشرة أايم أمكن لشاحناتنا أن تساق فوق األرض من حول املباين‬
‫اليت قامت عليها واستطعنا أن نبدأ يف إحضار املواد اثنية لنواصل عملياتنا يف‬
‫البناء ‪.‬‬
‫وأثناء القيام هبذا كله ‪ ،‬حط علينا وكيل النيابة لعمل حتقي بشأن الفيضان ‪.‬‬
‫وأخذ هو ومساعده يلفون ليسألوا كل قروي بدوره ‪ (( :‬هل نقبت اجلسر ؟ ))‬
‫وجييب كل قروي ابلدور (( ال )) ‪ ،‬وبعد أن مأل وكيل النيابة ثالثة أفراخ من‬
‫أفرخ الورق ذات احلجم القانوين ‪ ،‬هبذه اإلجاابت ‪ ،‬عاد إىل بيته وهو راض‬
‫أبن القضية قد مت حتقيقها ‪.‬‬
‫وكما يتف ‪ ،‬فقد استطعت أان بنفسي أن أحصل من أسئلته على أكثر مما‬
‫حصل عليه هو ‪ ،‬ذلك أن أمحد عبد الرسول أدىل أبمساء خمتلفة متاماً عن‬
‫األمساء اليت كان قد أعطاها يل على أهنا أمس اء اخلفر الني عينهم ‪ ،‬وبذا فقد بني‬
‫يل أنه مل يعني أحداً مطلقاً ‪ .‬وعلى كل ‪ ،‬فقد فضلت عدم اإلبالغ عنه ‪ .‬وأن‬
‫أتعامل معه بنفسي ‪.‬‬
‫وإذن ‪ ،‬فقد كان تقريري األول إىل القصر يتص على األقل أبنه مثري لالهتمام‬
‫ون عنه استدعائي يف التو للقاهرة ألروي احلكاية شخصياً ‪ .‬واستاء رئيس‬
‫استياء شديداً من اجملرمني وقال أنه ستوضع الرتيبات إلرسال‬
‫ً‬ ‫الديوان امللكي‬
‫فصيلة من حرس احلدود السودانيني – وهي قوات قاسية جداً ترهب كثرياً‬
‫أبسواطها الكبرية ؛ وجزعت متاماً هلذا االقرتاح ‪ ،‬وتوسلت إليه أال يفعل شيئاً‬
‫من هذا القبيل ‪ ،‬ألنه لن حيل اللغز بذلك ‪ ،‬ومن املؤكد أن سيثري الكثري من‬
‫الكراهية حبيث لن ميكن بعدها أبداً استمالة الفالحني للقرية اجلديدة ‪ .‬فقال‬
‫(( دعين على األقل أرسل لك بعض اجلنود حلماية املشرو ‪ .‬دعين أعطيك‬
‫سالحاً حلمايتك )) (( السالح جيذب فحسب مزيداً من السالح ‪ ،‬وإذا أراد‬
‫علي ‪ ،‬فما عليه إال أن خيتبئ خل أحد األبواب‬
‫أي واحد أن يطل النار ّ‬
‫ويرتقب وقتاً ال أراه فيه ‪ .‬وما من قدر من البنادق تكون فيه أي فائدة يل ‪)) .‬‬
‫وأخرياً أمكنين إقناعه أبال يزعجين بفرقة من العساكر جتري يف أرجاء قرييت كلها‬
‫‪ ،‬وتركين ألرحل ‪ ،‬وإن كان واضحاً أنه يوجس خوفاً بشأن مصريي ‪ .‬وعلى‬
‫األقل فقد أعاد فتح التحقي الرمسي ‪ ،‬وسرعان ما عاود وكيل النيابة الظهور‬
‫بعدها ومعه هذه املرة املدير* والعديد من علية القوم ‪ .‬وطافوا ابلقرنة وهم‬
‫يسألون (( هل نقبت اجلسر ؟ )) ومرة أخرى جييب القرويني مبا هو منطقي متاماً‬
‫(( ال )) وبعد أن مأل احملققون عشرة أفرخ من الورق انصرفوا ‪ ،‬وكان هذا آخر‬
‫ما مسعناه عنهم ‪.‬‬
‫اآلهلة تتقبل القرابن ‪:‬‬
‫عندما رأى صديقي شوالردي لوبكز** مدى ما أصابين من اكتئاب بعد هذه‬
‫القضية ‪ ،‬أخربين هذا هو قرابين لآلهلة من أجل القرية ‪ .‬وأحسست أن اآلهلة قد‬
‫تقبلت القرابن ووافقت على القرية ألهنا كشفت يل من خالل الفيضان عن‬
‫حقيقة هامة كان ميكن أن تفوتين لوال ما حدث ‪ .‬فاحلوش احملاط ابجلسور‬
‫والذي كانت القرنة تبين عليه قد ظل جافاً لثالثني عاماً ‪ ،‬فكانت أرضه جامدة‬
‫مدموجة ‪ ،‬حبيث أهنا مل تكن متاماً على النمط الذي تكون عليه القرى واألرض‬
‫الزراعية يف الصعيد ‪ ،‬ففي هذا اجلزء عموماً حيث يستخدم نظام ري احلياض ‪،‬‬
‫يتم وقت الفيضان السماح بدخول مياه النهر لتغمر احلقول ‪ .‬وإذ تبتل األرض‬
‫هكذا سنوايً فإن هذا جيعلها تتمدد ‪ ،‬وهكذا‬
‫_________________________________________‬
‫______________________‬

‫*منصب املدير وقتها يرادف احملافظ حالياً ‪ ( .‬املرتجم )‬


‫** مؤسس إحدى مدارس علم اآلاثر املصرية ‪ ،‬وقد أمكنه من خالل تفسري‬
‫الرموز أن ينفذ إىل طريقة تفكري قدماء املصريني ‪ .‬وأعماله اليت متثلت يف‬
‫دراسات من مثل (( معبد اإلنسان )) و (( املعجزة املصرية )) ال تقل أمهية‬
‫عما قام به مشبليون من فك شفرة حجر رشيد ‪.‬‬
‫اثنية يف شهر أغسطس أو ما حول ذلك ‪ ،‬تظهر فيها كلها‬ ‫فإهنا عندما جت‬
‫‪.‬‬ ‫شقوق هائلة كما يف الطني إذ جي‬
‫وتسمى األرض يف هذا الوقت الشراقى ‪ ،‬وهي كلمة تعين (( العطش )) ‪.‬‬
‫والبناء على تربة كهذه يعرض الفالح ملشاكل إنشائية كبرية ‪ ،‬وهلذا السبب فإن‬
‫القرى يف صعيد مصر تبىن عادةً فوق أكوام ترتفع ألعلى من مستوى الفيضان‬
‫‪ .‬على أن هذه األكوام هلا مشاكلها اخلاصة هبا ‪ .‬وإحداها هي أنه عندما يرتفع‬
‫املاء ‪ ،‬فإن كل هوام احلقول – اجلرذان ‪ ،‬والفئران ‪ ،‬والثعابني ‪ ،‬واحلشرات –‬
‫تلجأ للقرية ‪ ،‬جالبة معها شىت األمراض ‪ .‬ويف هذا الوقت من السنة أتيت أعداد‬
‫هائلة من الطيور – اللقل والبجع والصقور – مندفعة يف أسراب إىل القرى‬
‫لتومل هبده احليواانت ‪ .‬وهذه األكوام كلها تغص ابلناس ‪ ،‬وأحد األسباب يف أن‬
‫هذه القرى ال تستطيع أن تتوسع هو هذا الفيضان ذاته هو والطبيعة غري‬
‫املستقرة للرتبة يف احلقول املنخفضة ‪ .‬ومثة مشروعات تقرتح اآلن لتحويل‬
‫األرض إىل نظام الري الدائم ابلقنوات ولبناء توسعات القرى على أرض منبسطة‬
‫‪ ،‬على أن كل هذه التوسعات ستجد نفسها يف مواجهة مشكلة التشققات ‪.‬‬
‫وهكذا فإنه عندما غمر الفيضان القرنة ‪ ،‬ارتدت أرضها إىل حالة الشراقي ‪،‬‬
‫مثلها مثل سائر صعيد مصر ‪ ،‬وما إن جفت حىت بدأت شقوق هائلة تظهر يف‬
‫كل مكان منها ‪ .‬وكانت هذه الشقوق تنذر حقاً ابخلطر ‪ ،‬فهي تغور ألسفل إىل‬
‫عم ثالثة أمتار و يصل اتساعها إىل مخسني سنتيمرتاً عند السطح ‪ ،‬وكأمنا‬
‫تقريباً قد وقع زلزال صغري ‪ ،‬وملا كانت امليا ه اجلوفية ترتفع كل سنة يف حدود‬
‫املرتين من سطح األرض ‪ ،‬وملا كانت أساسات البيوت يف القرنة من النو‬
‫املعتاد الشريطي الذي يصنع من حجارة الدبش ومالط من الرتبة ‪ ،‬ترص يف‬
‫املرت ‪ ،‬فإن كل بيت سيكون هكذا جالساً على‬ ‫خنادق عمقها مرت ونص‬
‫قشرة رفيعة من الرتبة تعوم على طني سائل ‪ .‬وستسمح الشقوق للرتبة أبن تنزل‬
‫جانباً ‪ ،‬وال شك أن البيوت نفسها سوف تتشق ‪.‬‬
‫علي أن أجد وسيلة ألن أجعل لبيويت أساسات ال تتأثر هبذه‬ ‫وهكذا كان ّ‬
‫الشقوق ؛ وفوق ذلك فحىت أكون خملصاً لتصوري للقرية األمنوذج ‪ ،‬فإن احلل‬
‫ينبغي أن يكون عملياً مبا يستطيع أي فالح يف أي قرية أن يقلده ‪ .‬وهكذا فإن‬
‫املشكلة ليست مشكلة هندسية فحسب ‪ ،‬ذلك أنه توجد حلول هندسية شىت‬
‫مقبولة ‪ ،‬مثل اخلازوق اخلرساين أو أساسات الشدة ‪ ،‬ولكنها ابهظة الثمن مبا‬
‫جيعلها ممتنعة على الفالح ‪ .‬ولقد منعت نفسي من أن استخدم حىت كمرة‬
‫رابطة من اخلرسانة املسلحة ‪ ،‬وذلك ألستوث من أن حلي ميكن تقليده بسهولة‬
‫‪.‬‬
‫واستشرت األستاذ خليفة أستاذ قسم ميكانيكا الرتبة يف كلية اهلندسة جبامعة‬
‫القاهرة ‪ ،‬وكان من الشائ يل أن أراه يقرتح نفس احلل الذي استخدمه الفراعنة‬
‫‪ .‬كان قدماء املصريون عندما يبنون معبداً ‪ ،‬يع ّلمون زوااي الفناء أبواتد مث‬
‫حيفرون عند نقط خمتارة من داخل ذلك حىت يصلوا إىل (( املاء السري )) ‪،‬‬
‫يكون املياه اجلوفية ‪ ،‬ولعلهم كانوا خيتارون لذلك وقت االنقالب‬ ‫وهو ما ّ‬
‫الشتوي عندما يكون املاء يف أدىن مستوايته ‪ .‬مث أهنم يضعون طبقة من الرمال‬
‫يف هذه احلفرة ‪ ،‬حيث أن الرمل غري القابل لالنضغاط و ال يتمدد عندما يبتل ‪.‬‬
‫مث يقيمون على هذا عموداً يف شكل نبات الربدي أو اللوتس ‪ ،‬كما لو كان‬
‫سينمو ‪ ( .‬مثة عجيبة أثرية شائقة فيما يتعل هبذا االحتفال ‪ .‬فقد كان مسيو‬
‫روبيكون يقوم حبفرايته يف معبد مونتو ابلكرنك ‪ ،‬عندما عثر يف األساسات على‬
‫طبقة رمال ومن حتتها كان مطبوعاً على الوحل طابع أرداف مهيبة من الواضح‬
‫عن املهندس املعماري أو رمبا فرعون نفسه وقد انزل فجلس أثناء‬ ‫أنه ختل‬
‫عالمات تنورته املطوية ليعجبوا هبا ؛ وقد صنع‬ ‫أداء االحتفال ‪ ،‬اتركاً للخل‬
‫مسيو روبيكون قالباً لذلك ميكن رؤيته يف متح الكرنك ) ‪.‬‬
‫ومشكلة األساسات يف أرض الشراقي واحللول اليت طبقت يف القرنة هي وبعض‬
‫احللول األخرى املطروح جتربتها واختبارها قد نوقشت نقاشاً وافياً يف ملح ‪. 9‬‬
‫***‬
‫الديكوفيل ‪:‬‬
‫كانت شاحنايت تتخرب يف أطراد من نقل الرتبة ‪ ،‬فهذه يف احلقيقة مهمة عرابت‬
‫السكة احلديد من نو ديكوفيل ‪ .‬وكان لدى مصلحة اآلاثر الكثري من معدات‬
‫الديكوفيل ‪ ،‬على أنه يكاد يكون من املستحيل إخراجها من قبضة شىت‬
‫األثريني الذين خصصت هلم ‪ ،‬ذلك أن األثريني كانوا غيورين على معداهتم مثل‬
‫غريهتم على القبور اليت حيفروهنا ‪ ،‬وال يتخلون عنها حىت ولو كانت تقبع بال‬
‫حراك يف املخازن ‪ ،‬كما كان هو احلال ملعظم هذه املعدات وعندما قدمت‬
‫طلباً ألمحد يف أبيدوس ‪ ،‬حولين إىل علي يف أسوان ‪ ،‬وعندما ذهبت إىل علي‬
‫قال يل انه قد أرسل املعدات إىل أبيدوس ‪.‬‬
‫واتف إن كان يوجد ابلقرب من القرنة كم كبري من املواد – آالف األمتار من‬
‫القضبان وعشرات العرابت الصغرية – اليت ختلفت من حفرايت متخ‬
‫ملرتوبوليتان عند الدير لبحري ‪ ،‬وهي حفرايت توقفت منذ زمن طويل ‪ .‬وكنت‬
‫متحرقاً لالستيالء عليها ‪ ،‬ولكين مل استطع أن أجد أحداً على صلة ابملتح‬
‫ألطلبها منه ‪ .‬وذهبت إىل أانس يف األقصر يعملون ابملعهد الشرقي جبامعة‬
‫شيكاغو ‪ ،‬فقالوا أهنم ال شأن هلم حبفرايت متح املرتبوليتان ولكنهم نصحوين‬
‫مبحاولة االتصال مبدير البنك األهلي يف األقصر ‪ ،‬الذي كان يعمل ممثالً‬
‫عند دفع أجر اخلفر الذين‬ ‫وقال يل املدير أن مسئوليته تتوق‬ ‫للمتح‬
‫‪،‬‬ ‫حيرسون املعدات ‪ .‬على أنه أعطاين اسم رئيس القسم املصري ابملتح‬
‫الدكتور النسن ‪ ،‬وكنت قد كتبت له من قبل ومل أتل رداً ‪ ،‬ذلك أن الرجل‬
‫التعس كان مريضاً مرضاً خطرياً ‪ .‬وعندما أبدى امللك اهتماماً ابملشرو ‪ ،‬كتبت‬
‫إىل القصر عن املشكلة اليت أعانيها للحصول على ديكوفيل ‪ .‬ويف حال عينت‬
‫جلنة برائسة وزير املعارف ‪ .‬وكان من بني أعضاء اللجنة مسيو شفرييه ‪ ،‬مدير‬
‫حفرايت الكرنك ‪ ،‬ووعدين ب ‪ 122‬مرت من القضبان واثنيت عشرة عربة‬
‫صغرية ‪ ،‬األمر الذي جعلين أشكره بكل االمتنان ‪ .‬ومت التوقيع مبا ينبغي على‬
‫وختم خبتم (( مت االستيفاء )) مث وضع يف‬ ‫تفصيالت االجتما ‪ ،‬وأغل املل‬
‫أحد اجلحور ‪ .‬وعندما عدت إىل القرنة طلبت املعدات من مسيو شفرييه ‪،‬‬
‫ولكنه لذهويل رفض إعطاءها يل ‪ ،‬قائالً أنه قد توسع للتو يف عمله بشأن هتدم‬
‫البوابة الثالثة ملعبد الكرنك ‪.‬‬
‫خاب أملي خيبة شديدة ‪ .‬وكانت شاحنايت تتحول من سيء إىل أسوأ ‪ ،‬ومل يكن‬
‫يبدو أي أمل يف إراحتها ‪ .‬وفكرت فيما بيين وبني نفسي أن قد سألت كل فرد‬
‫‪ ،‬حىت امللك ‪ ،‬فلمن أحتول اآلن ؟ ليس فوق امللك إال هللا ؛ وهكذا صليت هلل‬
‫وسألته أن يعطيين ديكوفيال ‪.‬‬
‫ويف خالل أسبو زارين مسيو بروبري ‪ ،‬مدير حفرايت املعهد الفرنسي يف دير‬
‫املدينة ‪ ،‬وقال أنه قد مسع حباجيت على ديكوفيل ‪ .‬وكان هو قد استنفذ كل‬
‫احلفرايت قبل هناية املوسم ! وكان على‬ ‫موارده املالية ‪ ،‬فكان عليه أن يوق‬
‫استعداد ألن يعطيين كل ما عنده من معدات الديكوفيل شريطة أن استخدام‬
‫رجاله ‪ ،‬حبيث ال يضيع عليهم أجرهم عن بقية املوسم ‪ .‬وكنت مستعداً متاماً‬
‫ألخذ رجاله هؤالء ‪ ،‬بل لعلي كنت سأقرتح ذلك أان نفسي ‪ ،‬ألن معداته‬
‫ستكون آمنة أبكثر وهي يف أيدي الرجال الذين تعودوا عليها ‪.‬‬
‫كنت يف غاية احلماس حلصويل أخرياً على ديكوفيل ‪ ،‬بل وأكثر من ذلك ‪،‬‬
‫متلكين إحساس ابلتقوى ألن دعوايت قد استجيبت هبذه السرعة والوضوح ‪.‬‬
‫ويف احلال أخذت أصلي يف ور هلل تعاىل ‪ ،‬شاكراً إايه على منته ‪ ،‬اليت اعتربهتا‬
‫عالمة رضا عن عملي ‪.‬‬
‫وقد قيل يف القرآن (( لئن شكرمت ألزيدكم )) ‪ .‬ويف بداية املوسم التايل زارين‬
‫املرتوبوليتان ‪ .‬وكاان‬ ‫مسرت هوسر ومسرت ولكنسون وكالمها يعمالن يف متح‬
‫قد وصال من إيران لتصفية كل ممتلكات متحفهم اليت يف القرنة وملا كاان قد‬
‫إيل – ‪1222‬‬
‫علما ابحتياجايت للديكوفيل ‪ ،‬فقد رغبا يف بيع ما عندهم منه ّ‬
‫مرت من القضبان ‪ ،‬وثالثون عربة صغرية ‪ ،‬وإحدى عشرة عربة مسطحة – بثمن‬
‫امسي هو مائة جنيه ‪ .‬وكان لديهما عرض أعلى لشرائه قدمته شركة جتارية يف‬
‫املدينة ولكنهما يفضالن إعطاءه ملنظمة ع لمية مثلنا ‪ ،‬واشرتطا فحسب أن يتم‬
‫دفع النقود هلما خالل شهر واحد ؛ فقد كاان متعودين متاماً على التعطيالت‬
‫اإلدارية ‪ .‬ووعدهتم بذلك بسهولة ‪ ،‬وقد قررت سراً أن ادفع هلم من جييب‬
‫اخلاص ‪ ،‬وإذا مل تدفع اإلدارة ‪ ،‬فسوف أقيم حفلة عند انتهاء عملي أدعو هلا‬
‫كل املعنيني من رؤساء األقسام ‪ ،‬وأغرق فيها القضبان والعرابت يف النهر ‪.‬‬
‫وحلسن احلظ دفعت اإلدارة ابلفعل ؛ وهكذا مل ينته األمر ابملعدات يف النهر ‪.‬‬
‫***‬
‫حلن اخلتام‬
‫القرنة يف سبات‬
‫معماري يبحث عن نصري‬
‫بعد ثالثة مواسم من العمل‬
‫يف القرنة ‪ ،‬وجدت أنه من الصعوبة‬
‫البالغة أن أجنز أي عمل‬
‫بينما تواجهين معوقات مصلحة اآلاثر‬
‫اليت تزداد تصلباً ‪ .‬وودت‬
‫أن أنقل كل املشرو إىل مصلحة أخرى‬
‫أكثر مالءمة وهكذا حاولت‬
‫أن يتم االستيالء عليه من مصلحة الفالح‬
‫ولكنهم مل يكونوا ليلمسوه‬
‫؛ فحاولت مصلحة اإلسكان ‪ ،‬اليت تنازلت‬
‫أيضاً عن هذا الشرف ‪ .‬وهنا ‪ ،‬عندما أوضحت أن الفالحني ال ميكنهم حتمل‬
‫تكلفة اإلمسنت ‪ ،‬قيل يل (( سوف نبين حنن ابإلمسنت )) وكان هذا أمر غري‬
‫عملي مبا ال يطاق ‪ ،‬إنه مبثابة حتديث لقول ماري أنطوانيت (( فيأكلوا كعكاً‬
‫))‪.‬‬
‫ووصل التعوي إىل ذروته عندما حدثت بعض التغيريات يف العاملني ابملصلحة‬
‫فاتت مبوظفني كاان على عداء للمشرو وأصبحا يف مركزين قياديني ‪ ،‬كما نقل‬
‫نصريي األخري ؛ شفي غرابل وكيل وزارة إىل وزارة الشئون االجتماعية ‪.‬‬
‫وتصورت أنه مع وجود شفي غرابل يف وزارة الشئون االجتماعية ‪ ،‬فإن‬
‫املشرو قد يكون حاله أفضل حتت رعايته هناك وهكذا قدمت طلباً ملصلحة‬
‫الفالح يف تلك الوزارة ‪ .‬وقبل مرور زمن طويل أصبح من الواضح أن مصلحة‬
‫الفالح ليست كثرية االهتمام ابلفالح – أو على األقل إبسكانه – وهكذا‬
‫أخربت مرة أخرى أبن أقدم طلباً إىل مصلحة اإلسكان ‪ .‬وهنا وصل مشروعنا‬
‫ابلكامل ‪.‬‬ ‫اإلسكاين إىل التوق‬
‫وكان كل حترك من تلك التحركات جيعل املوق أسوأ ‪ ،‬بصرف النظر متاماً عن‬
‫أن ذلك كان سيورطنا أيضاً يف أعمال كتابية ال هناية هلا عند القيام ابجلرد‬
‫وتسليم املخازن ‪ .‬ويف كل مصلحة من املصاحل الثالث ‪ ،‬كانت تعقد اللجان‬
‫اليت كان من الواضح أهنا تعقد فحسب هبدف إجياد أعذار لوقت العمل‬
‫ولتمكني املصلحة املعنية من غسل يديها من القرنة ابلكلية ‪.‬‬
‫كان من الواضح استحالة االستمرار يف العمل مع أانس هكذا ‪ ،‬وهلذا فعندما‬
‫أنبئت يف النهاية أنع إما أن أعود إىل مدرسة الفنون اجلميلة أو أختلى عن كرسي‬
‫هناك ألصبح موظفاً مستدمياً يف مصلحة اإلسكان ‪ ،‬قررت أن أعود للتدريس‬
‫وقد ارحتت ابالً ‪ .‬على أنه حىت التدريس مل يكن فيه إال القليل ‪ .‬وأحسست أين‬
‫أحاول تدريس شيء قد فشلت أان نفسي يف إجنازه ‪ ،‬وتزايد شعوري ابلقل‬
‫ونفاذ الصرب ‪ .‬إن ظهور النتائ يستغرق زمناً أطول مما ينبغي ؛ فاألمر يشبه‬
‫تنمية شجرة خنل من بذرة – فال أقل من عشر سنوات قبل أن تستطيع مجع‬
‫بلحة واحدة ‪.‬‬
‫مث محلتين سلسلة من حمن جديدة على اختاذ قراري ‪ .‬كانت هناك مسابقة‬
‫لتصميم أرخص منزل قروي واف ‪ .‬وكان املطلوب تصميمني ‪ ،‬وفازت‬
‫التصميمات اليت قدمتها من كال النوعني ‪ .‬وأعطى وزير الشئون االجتماعية‬
‫منحة ‪ 022‬جنيهاً إلقامة أحد هذين التصميمني كتجربة ‪ .‬ومت اختيار موقع‬
‫على أرض ما ميتلكها املركز االجتماعي يف املرج ‪ ،‬قريباً من القاهرة ‪ .‬وعملت‬
‫عمالً شاقاً يف الرسومات التفصيلية والتقديرات املالية حىت تكون جاهزة قبل أن‬
‫يغري أي واحد من رأيه ‪ ،‬وأهن يت كل ذلك خالل أسبو ‪ .‬ورغم هذا إال أن‬
‫مصلحة اإلسكان مل ت ن قط هذا البيت ‪ ،‬مع أهنم كان عندهم كل شيء –‬
‫التصميمات ‪ ،‬واملوقع ‪ ،‬والنقود – والسبب كما قالوا ‪ ،‬أهنم مل يستطيعوا أن‬
‫يقرروا حتت أي بند من بنود ميزانيتهم سيتم إدخال ذلك ‪.‬‬
‫وافتتحت احلكومة يف ذلك الوقت مركز أحباث البناء ‪ ،‬فاقرتحت نقل مبلغ‬
‫‪022‬جنيهاً إىل مركز األحباث هذا وأن أبين البيت حتت رعايتهم ‪ .‬وكنت آمل‬
‫هبذه الطريقة أن يتم تعرض بناء من طوب الل ن الختبار رمسي معتمد ‪ ،‬وبذا يثبت‬
‫أن طوب الل ن رخيص حقاً ‪ .‬وواف مركز األحباث ‪ ،‬ولكنه قال أنه سيكون من‬
‫الضروري بناء بيت آخر ابملواد التقليدية ( كمرات خرسانية سابقة اإلجهاد ) ‪،‬‬
‫ملقارنته ببييت ‪ .‬ويف النهاية بنوا هذا البيت الثاين ( الذي كلفهم ‪ 8222‬جنيه ) ‪،‬‬
‫ومل يبنوا بييت وكنت قد علقت آماالً عظيمة علة هذه التجربة إلثبات أرائي فيما‬
‫يتعل بتكلفة طوب الل ن وألضع حداً للحكاايت اليت كانت تروي عن ارتفا‬
‫تكلفة القرنة ‪ ،‬ولكين مل أخرج بشيء من هذه التجربة‪ ،‬ومازالت ال‪ 022‬جنيهاً‬
‫مع مركز األحباث ‪.‬‬
‫وبعد ذلك ‪ ،‬وبينما كنت آمل أن جناح مدرسيت يف فارس سيربئ يف النهاية‬
‫طريقة طوب الل ن ‪ ،‬إال أحد كبار موظفي مصلحة املباين املدرسية روى مباشرة‬
‫كذبة متعمدة للوزير ‪ ،‬قائالً أن املدرسة قد تكلفت ‪ 81.222‬جنيه بينما هي‬
‫يف احلقيقة قد تكلفت ‪ 9222‬جنيه ‪ .‬وعندما ‪ ،‬علمت بذلك ‪ ،‬أدركت أن‬
‫الماكن يل يف مصر ؛ كان من الواضح أن البناء بطوب الل ن يثري عداء فعاالً‬
‫لصني اقتحما منزيل‬
‫عند أولئك املهمني ‪ .‬واتف أن وقعت يف مؤخراً مغامرة مع ّ‬
‫وطعناين ‪ ،‬على أنه ليس من املبالغة أن أقول أين أحسست مع هذين اللصني‬
‫أين آمن أكثر مما أكونه مع أولئك الرمسيني الذين يستطيعون الكذب ملنع‬
‫وصول ما فيه فائدة للفالحني ‪.‬‬
‫ويقول القرآن للمؤمن الذي جيد من املستحيل عليه أن ينفذ رسالته بني قومه‬
‫أن عليه إذن أن يشد الرحال مهاجراً إىل مكان آخر ‪ .‬ويف ذلك الوقت سألين‬
‫الدكتور دوكسياديس أن أنضم إىل مؤسسته يف أثينا ‪ .‬ال عمل عنده على‬
‫التخطيط للري يف العراق ‪ .‬وأحسست أن العمل األهم هو البناء ال التدريس‬
‫؛ وأن املباين أايً كان موقعها يف العامل ‪ .‬ستتحدث بصوت أعلى من احملاضرات ؛‬
‫وأنه إذا جذب مشرو ما مكتمل انتباها دولياً ‪ ،‬فإنه يف النهاية سيكون له أتثريه‬
‫يف مصر ‪.‬‬
‫اخرتت إذن أن أبين بدالً من ادرس ‪ ،‬وقد أحسست أين استطيع إيدا النظرية‬
‫اليت طورهتا ابلقرنة يف هذا الكتاب الذي هو إسهام يف نظرية التكامل ‪.‬‬
‫والتناول املتكامل ‪ ،‬وإن كان ينبغي أن يكون عملياً بقدر اإلمكان ‪ ،‬إال أنه‬
‫يتطلب اإلشارة إىل بعض العثرات والعقبات يف طري التطبي العملي للنظرية ‪،‬‬
‫ومن هنا كان هذا اجلزء الثاين‬
‫واملهندسون املعماريون الشبان الذين يقرؤون هذا الكتاب جيب أال يفرتضوا أهنم‬
‫ما إن يعرفوا كل شيء عن املواد واإلنشاءات ‪ ،‬وما إن يلهبهم حب املباين‬
‫اجلميلة والعزم على جلب اجلمال إىل حيوات رفاقهم يف البشرية ‪ ،‬فإهنم إذن قد‬
‫جتهزوا لالنطالق للبناء ‪ .‬إن املهندس املعماري حني يشعر حبس ابلرسالة ‪،‬‬
‫سوف جيد حتماً قدراً كبرياً من املقاومة هلدفه ‪ .‬وهو إذا كان يريد أن يبين‬
‫للشعب ‪ ،‬فإنه جيب أن يفهم منذ البداية أنه ستكون أمامه مقاومة عنيدة ‪ .‬وإذا‬
‫كان سوف يقابل مشاكل تقنية وفنية تستدعي استخدام كل تدريبه ومهاراته ‪،‬‬
‫إال أن التغلب على هذه املشاكل فيه ما يثري احلماس ويرفع املعنوايت ‪ ،‬مثل‬
‫تسل اجلبال ‪ ،‬ومن املفروض أنه مل يصبح قط مهندساً معمارايً إال بسبب حبه‬
‫لتناول صعوابت كهذه ‪.‬‬
‫على أنه ستكون هناك عقبات أخرى يف طريقة ابإلضافة إىل العقبات املباشرة‬
‫التقنية والفنية ‪ ،‬عقبات ستجعله يشك حىت يف أكثر معتقداته صالبة ‪ .‬وكلما‬
‫دفعه حسه املعماري من خالل املنط الواضح إىل املزيد ‪ .‬واملزيد من احللول‬
‫اجلذرية ‪ ،‬فإنه سيجد من داخل نفسه مشاعر غدارة تغويه ابلتخلي عن رسالته‬
‫ليتواءم مع أسلوب املمارسة السائد يف املعمار ‪ .‬وعندما وجدت أنه حىت‬
‫الفالحني يعادون مشرو القرنة ‪ ،‬بدأت أشك يف مبدأ قبو طوب الل ن كله ‪.‬‬
‫وفكرت أنه وإن كان املبدأ سليماً اقتصادايً ومجالياً ‪ ،‬ومن الوجهة اهلندسية ‪ ،‬إال‬
‫أنه رمبا حيمل بعض إحياء ابلقبور ‪ ،‬أو أي من تداعيات حمبطة أخرى ‪ ،‬تنفر‬
‫الفالح ‪.‬وقد هدأ شوالردي لوبكز من روعي هبذا الشأن ‪ ،‬فأكد يل أنه وإن‬
‫كان القبو نص الدائري مرتبطاً أبوزيريس واملوت قد جيعله من غري املناسب ‪،‬‬
‫إال أن أي عقد مدبب من قطع مكافئ او مقطع دائري لن يكون فيه ما حيمل‬
‫أي رمز منفر ‪ .‬وقد زارين هو نفسه يف القرية اجلديدة ووجد أن املضيفة ذات‬
‫القبة حتدث انطباعاً هبيجاً جداً ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن بعضاً من املعارضة رمبا يكون قد طرح نتيجة ذكرايت لبعض‬
‫مساكن معينة مزرية أقامها مالك زراعيون من البخالء ( لفالحيهم ) يف البحرية‬
‫‪ ،‬يف مشال الدلتا ‪ ،‬وهي مساكن سقفت بقباب واطية جتثم على الصدور مبا‬
‫يذكرك حقاً ابملقربة ‪ .‬ومن الناحية األخرى ‪ ،‬فإن األقبية والقباب من نو آخر‬
‫تستخدم مبا يثري البهجة يف مساكن النوبة ‪ ،‬وسوراي ‪ ،‬وجزر حبر آجيه ‪ ،‬وصقلية‬
‫‪ ،‬وإيطال يا ‪ ،‬دون أن يفكر أحد يف أي مدفن ‪ .‬على أنه ابلنسبة للمعماري‬
‫الشاب الذي ظل يطرح مثل هذه املناه غري التقليدية ‪ ،‬فإن الشك يف الذات‬
‫كان يثري فيه أبلغ القل ‪ .‬وبصرف النظر عن هذا التشكك اجلوهري ‪ ،‬فإن‬
‫من الروح ‪.‬‬ ‫املعماري ليضي صدره بكل أحداث احلياة اليومية اليت تضع‬
‫ذلك القصور الذايت ‪ ،‬والرغبة يف حياة هادئة ن واعتبارات الراحة املادية ‪،‬‬
‫والنفور من اإلساءة لألخريني ‪ ،‬بل واخلوف اجملرد ‪ ،‬كل هذه تنصح املعماري‬
‫اخلالق أبن خيون رؤيته ليصبح حمرتماً مثله مثل أي واحد آخر ‪.‬‬
‫إن هذا الصرا الداخلي البد أن ميارسه كل الفنانني اخلالقني ‪ ,‬على أن‬
‫املعماري سيجد أن الصرا يف حالته حيدث أيضاً خارجياً ‪ ,‬وذلك عندما حياول‬
‫أن حيق رؤيته يف مبان جمسمة ‪ .‬وعندها فإنه سوف يدرك أن نفس األعداء ‪،‬‬
‫القصور الذايت والرغبة يف حياة هادئة ‪ ،‬اخل ‪ ،‬اليت سب له أن تغلب عليها من‬
‫داخل ذاته ‪ ،‬فقد ختندقت يف اهل يئات الرمسية اليت جيب أن يتعاون معها لينجح‬
‫يف مهمته ‪ .‬وهكذا فإن آخر إغواء له هو أن يثور غضباً وازدراء من تعقيدات‬
‫ومقاومة الرمسيني الذين جيب أن يتعامل معهم ‪ ،‬وأن يتخلى عن كل حماولة‬
‫للعمل من خالل هيئات رمسية ‪ .‬وحىت يساعد نفسه على جتاهل هذا اإلغواء ‪،‬‬
‫ينبغي ع لى املعماري أن يتذكر مدى ما توفر له من حسن احلظ مبا وراءه من‬
‫تعليم تقين طويل ‪ .‬وينبغي عليه أن يتذكر أنه ابلنسبة له فإن ذات محاسة حلل‬
‫املشكل املعمارية ولرؤية مبانيه وهي ترتفع ليمده ابإلحساس ابلرضا واملكافأة‬
‫عما قام به من فعل خالق ‪ ،‬على أن هذا لسوء يكون ابلنسبة للرمسيني تعقيد‬
‫آخر يف روتينهم اليومي ‪ ،‬وصدا آخر للموظ احلكومي الذي يعاين من زمحة‬
‫العمل وسوء األجر ‪ ،‬ذلك املوظ الذي كثرياً ما يكون دافعه الوحيد للتصرف‬
‫هو خوفه من مساءلة ديوان احملاسبات ‪ .‬كي ميكن أن نتوقع من موظ كبري‬
‫أن يكون له أي اهتمام ابقرتاحات ثورية تكون مما يلزم مصلحته خبطط كربى‬
‫تتطلب تكنيكات مل يسب جتربتها وإجراءات مالية تبدو وكأهنا غري سليمة ؟ إنه‬
‫قد وصل إىل مركزه بعد أن قضى حياته بطوهلا يف تقدم حذر على درجات‬
‫السلم الوظيفي ‪ ،‬وهو اآلن جيلس متثاقالً إىل مكتبه ‪ ،‬ال يشغله إال كيفية جتنب‬
‫ارتكاب األخطاء ورمبا هو يضع هيناً مرتددة على املركز األعلى التايل ‪.‬‬
‫واملعماري ذو اإلهلام ال بد لسوء احلظ من أن ينمي الصرب والتكنيك الالزمني‬
‫للعمل يف تناس مع ملكوت الرمسيني ‪ .‬ورغم ذلك ‪ ،‬فإنه إذا كان حل املشاكل‬
‫املعمارية يعطي إحساساً ابلرضا مثلما يعطيه تسل اجلبل ‪ ،‬إال أن التعاون مع‬
‫البريوقراطيني يشبه اخلوض يف مستنقع – فيه ختريب للروح ليس إال ‪.‬‬
‫على أن هؤالء الرمسيني هم ومن يرأسون مكاتبهم ليسوا إال أانساً عاديني ‪ ،‬جزء‬
‫من الشعب ‪ ،‬مثلنا كلنا ‪ .‬وهم كأفراد ‪ ،‬طيبون ‪ ،‬حساسون ‪ ،‬و أذكياء ‪،‬‬
‫وحريصون فيما أيمل املرء على إعادة ب ناء بلدهم ‪ .‬أفال ميكنهم أن يرو أن‬
‫الطموحات الثورية حتتاج إىل إجراءات رمسية يكرهه كل واحد ‪ ،‬ويدرك اجلميع‬
‫أنه منو ألعشاب ضارة خانقة ‪ ،‬ال يوجد من هو على استعداد القتالعها ؟ بل‬
‫أن الفالح أيضاً يتباطأ يف االهتمام ابالقرتاحات اليت تطرح لتحسني حاله ‪ .‬فهو‬
‫أبكم فات ر الشعور ‪ ،‬بال تعليم ‪ ،‬وبال إدراك للقضااي القومية ‪ ،‬وبال وضع‬
‫اجتماعي ‪ .‬وهو ال يؤمن أبنه يستطيع أن يساعد نفسه أو أبنه يستطيع أن جيعل‬
‫صوته مسموعاً ‪.‬‬
‫***‬
‫االفرتاء يستمر ‪:‬‬
‫استخدم شتامو القرنة أنواعاً شىت من الكذب ‪ :‬فقالوا أن أهل القرنة مل يعيشوا‬
‫يف القرية أل هنم مل حيبوا البيوت املسقوفة ابلل ن يف أقبية وقباب ‪ ،،‬وقالوا أن‬
‫استخدام طوب الل ن ليس أمراً تقدمياً وأنه ليس ابملادة السليمة هندسياً على‬
‫أهنم ركزوا هجومهم بطريقة الدكتور جوبلز ‪ ،‬على أقوى حجة تؤدي لالعرتاف‬
‫بتلك التقنيات املستخدمة ‪ :‬وهي أهنا رخيصة الثمن ‪ .‬فقالوا أن طريقة البناء‬
‫هذه غالية جداً ‪ ،‬وهكذا فالبد من أن أحاول هنا بعض التفسري ‪.‬‬
‫فأوالً ‪ :‬فيما يتعل أبن أهل القرنة مل يرغبوا العيش يف القرية ‪ .‬ولكن ملاذا مل‬
‫يرغبوا ذلك ؟ ال شك أنه ينبغي أن يكون لدينا من الفضول ما جيعلنا نسأل عن‬
‫السبب ‪ .‬وحنن نعرف من قبل سبب جاذبية القرية القدمية ‪ .‬فاألفراد الذين‬
‫يرحبون أوفر الربح من القبور – وهم ابلطبع القرويون األغىن ‪ -‬هم الذين‬
‫يشكلون (( جلنة املشايخ )) اليت تقاوم النقل ‪ .‬وقد تعاقدوا مع حمام وابتكروا‬
‫أكثر األعذار مجوحاً حىت ال يتنقلوا – بل وقالوا أهنم سيكونون يف القرنة‬
‫اجل ديدة يف خطر من الذائب ‪ .‬وهذه اللجنة كانت كلها تتأل من جتار‬
‫العادايت ‪ .‬والرتامجة ‪ ،‬واخلفر السابقني لآلاثر ‪ ،‬وما إىل ذلك – ومن الواضح‬
‫أهنم أانس هلم أعظم مصلحة يف البقاء كم هم – إال أن أصواهتم كانت هي‬
‫املسموعة ‪ ،‬بينما ظل معظم القرويني ‪ ،‬الذين وافقوا على االنتقال ‪ ،‬صامتني يف‬
‫سلبية ‪ .‬وال يفرتض يف املهندس املعماري أن يكون رجل شرطة يدفع الناس‬
‫داخل وخارج بيوهتم ‪ .‬هل كان من مهميت أن أعمل على نقل أهل القرنة ؟ إن‬
‫احلكومة قد أصدرت قانوانً ابنتزا ملكية أهل القرنة ‪ .‬فهل نفذ هذا القانون ؟‬
‫وكثرياً ما مسعت موظفني مسئولني يتحدثون عن الفالحني كأوالد كالب ويقولون‬
‫عنهم أن الطريقة الوحيدة للتعامل معهم هي أن تبىن هلم بيوت من أي نو‬
‫وتدك القدمية ابلبولدوزر ‪ .‬ومل تقم مصلحة اآلاثر أبي حماولة الكتساب تعاون‬
‫الفالحني ‪ ،‬بل وبدا أحياانً أهنا تتخذ جانبهم يف معارضة اخلطة ‪ .‬وكان موق‬
‫موظفي املصلحة ابلنسبة للفالحني يف أحاديثهم اخلاصة بني أنفسهم ‪ ،‬وهو‬
‫القسوة الوحشية واملماطلة الرعديدة عند التطبي ‪ .‬وكنت يف وضع تعس بني‬
‫بني ‪ ،‬فال أان من احلكومة وال أان من القرية مبا ينبغي ألي منهما ؛ وهكذا‬
‫عانيت من كال الطرفني ‪.‬‬
‫ونعود إىل ما إذا كان أهل القرنة قد أحبوا البيوت أو مل حيبوها ‪ :‬ذات مرة‬
‫أمكنين احلصول على عون من أخصائي اجتماعي شاي ‪ ،‬هو حسني سري ‪،‬‬
‫إلجراء مقابالت مع عائالت الفالحني واحلصول على تفاصيل البيوت اليت‬
‫يريدوهنا ‪ .‬وقد أجرى حسني خالل عشرين يوماً مقابالت مع مائيت عائلة‬
‫وحصل على موافقتهم مكتوبة وموقعة بشأن خطوط املواصفات العريضة لبيوت‬
‫كل عائلة منهم ‪ .‬ومازالت هذه املوافقات عندي ‪ .‬وينبغي أال يفرتض أهنم‬
‫دفعوا أو دوهنوا ليوافقوا على خطط ال يستطيعون حكماً عليها ؛ فقد كانت‬
‫لديهم الفرص ملعاينة مبان قائمة ‪ .‬واحلقيقة أنه عندما أحضر علي أبو بكر‬
‫عائلته لرتى أحد البيوت ‪ ،‬سعد النساء ابلبيت ؛ ولكنه عندما عاد إىل القرية‬
‫هوجم هجوماً مريراً خليانته لقضية القرويني ‪.‬‬
‫ولو كانت احلكومة قد تركت حسن سري لشهر آخر واحد فقط ‪ ،‬فإين على‬
‫ثقة من أنه كان سيجعل كل عائلة يف القرنة تواف على االنتقال إىل منزهلا‬
‫اجلديد اخلاص هبا ( رمبا فيما عدا املشايخ اإلثين عشر! ) واحلقيقة أنين كدت‬
‫أكون سعيداً حينما تركتين احلكومة ألتعامل بطريقيت اخلاصة مع القرويني ‪ ،‬ألين‬
‫ابلطبع مل أكن قط ألشارك يف تكنيكات اهلدم (( ابلبلدوزر )) اليت حيبذها‬
‫أولئك الرمسيون ‪ .‬فكان ما يتف ومبادئ هو أن يسمح يل أبن أجعل كل أسرة‬
‫مبثابة عميل خاص يل وأن يتم ما أبنيه مبعونة األسرة ورضاها ‪ .‬ويف احلقيقة أنين‬
‫كلما زادت السلطات ابتعاداً ‪ ،‬أصبحت أحس بسعادة أكثر ‪ .‬وكثرياً ما‬
‫حاولت أن أشرح للقرويني أننا لدينا اآلن فرصة ألن نبين معاً يف هدوء ما نشاؤه‬
‫من عوننا ألنفسنا ‪.‬‬ ‫ابلضبط ‪ ،‬وذلك قبل أن تدخل عل ينا احلكومة فتوق‬
‫وقلت هلم أنه قد شا عين يف دوائر معينة أين أدلل الفالحني ‪ ،‬وأن مصلحة‬
‫اآلاثر ال هتتم إال أبن جتليهم عن التل وتدفع هبم إىل بيوت من أي نو ‪ ،‬وأهنم‬
‫ال ميكنهم أن يتوقعوا أي اعتبار ألشخاصهم من مصلحة حكومية ‪ ..‬وتوسلت‬
‫إليهم أال يستخدموا احلكومة كسالح ضدي ‪ ،‬أان الذي ال أريد إال خدمتهم ‪.‬‬
‫ومازلت أذكر ذات يوم مجعة ‪ ،‬وأان‬
‫_________________________________________‬
‫______________________‬

‫* وزير دعاية هتلر دكتاتور أملانيا ‪ ،‬وكان مشهوراً ابملبالغات والكذب يف دعايته‬
‫للحزب النازي ويف احلرب العاملية الثانية ( املرتجم ) ‪.‬‬

‫أجلس مع املشايخ بعد الصالة ألقنعهم هبذه احلج ‪ ،‬و إذا برجل جداً صاحل‬
‫وعجوز ومبجل تبجيالًٍ عميقاً يف املنطقة كلها ‪ ،‬وهو الشيخ الطيب ‪ ،‬إذا به‬
‫يقول إلخوانه املشايخ يف غضب عظيم أنه إلمث يرتكب أن تركل يد رجل قدمها‬
‫لك يف صداقة ‪.‬‬
‫واثنياً ‪ ،‬فقد قرروا أن طوب الل ن ليس مبادة بناء هندسية ‪ ،‬وهكذا فإنه ينبغي‬
‫أال يكون ألي هيئة حكومية أي تعامل يف طوب الل ن ؛ وأن طوب الل ن حيتاج‬
‫إىل صيانة وإصالحات متكررة ؛ وابختصار فإنه ينبغي أن يرتك للفالحني أن‬
‫يبنوا به على مسئوليتهم اخلاصة ‪.‬‬
‫والرد على ذ لك هو أن هؤالء املهندسني املعماريني الذين يلغون ابستخفاف‬
‫ابلغ الطوب الل ن هم يف احلقيقة عاجزون عن احلكم على صالحيته أو عدم‬
‫صالحيته كمادة بناء هندسية ‪ .‬إن العلم الوحيد الذي ميكنه إعطاءان حكماً‬
‫وافياً عن مدى قوة الطني وإمكانية االعتماد عليه هو علم ميكانيكا الرتبة ‪.‬‬
‫وقد أجريت جتارب يف أحناء كثرية من العامل على الطني كمادة بناء – وخاصة يف‬
‫جامعة كاليفورنيا ويف تكساس – ويف مصر فإن الدكتور حممد سعيد يوس‬
‫أستاذ ميكانيكا الرتبة يف جامعة القاهرة ‪ ،‬والدكتور مصطفى حيىي أستاذ املواد ‪،‬‬
‫والعقيد دعبس كلهم أجرو أحبااثً على خواص طوب الرتبة ‪.‬‬
‫وقد وجد من األحباث اليت أجراها العقيد دعبس على عينات من طوب ل ن‬
‫عادي يف معامل كلية هندسة جامعة القاهرة أن محل التفتيت يصل يف املتوسط‬
‫إىل حوايل ثالثني كيلوجراماً للسنتمرت املربع ‪ .‬وكدليل قاطع على مالئمة طوب‬
‫الل ن لألغراض اهلندسية ‪ ،‬فإين أرجع القراء إىل نتائ اختبارات العقيد دعبس‬
‫الرائدة ‪ ،‬ونتائ اختبارات تبليل وجتفي طوب الل ن اليت أجراها د ‪ .‬مصطفى‬
‫حيىي ‪ .‬وهي مبنية يف ملح ( ‪ ) 2‬ويتبني بوضوح اتم من هذه اجلداول أنه ميكن‬
‫الوثوق من أن كل أنوا طوب الل ن تتحمل أي قدر معقول من األمحال حتت‬
‫ظروف من املطر هي أسوأ مما ميكن توقعه قط يف مصر ‪.‬‬
‫الكيلوجرام‬ ‫ويف القرنة ال يتعرض الطوب حلمل أكثر من كيلوجرامني ونص‬
‫لكل سنتيمرت مربع ‪ ،‬مما يعطي معامل أمان يقرب من ‪ . 82‬ولعل أحد األسباب‬
‫يف أن املهندسني املعماريني يستحون هكذا من استخدام طوب الل ن هو أنه‬
‫مادة أكثر حيوية من اخلرسانة ‪ .‬فاخلرسانة ما أن تصب حىت تظل نفس الشيء‬
‫؛ أما الطني فليس كذلك ‪ ،‬إنه يظل ينكمش حىت يصبح جافاً ‪ .‬ورمبا استغرق‬
‫ذلك عاماً أو أكثر ‪ ،‬حسب درجة نفاذية الرتبة هي والظروف املناخية ‪ .‬وعلى‬
‫كل فما من دا لإلحساس ابخلطر من هذا املسلك ‪ .‬إنه ال يقل ابل الفالح‬
‫الذي يبين بطوب الل ن ؛ وهو يعرف خبربة األجيال ‪ ،‬كي يتحسب لذلك ‪،‬‬
‫كما مثالً عندما يبين جداراً أبن يرص مداميك معدودة يف كل مرة ‪ ،‬ليرتك للبناء‬
‫فرصة أن جي بعض الوقت قبل أن يواصل اإلنشاء ‪.‬‬
‫واألمر أيضاً ال يزع ابل مهندس ميكانيكا الرتبة ‪ ،‬ألنه يستطيع أن يتحسب‬
‫له يف حساابته ومعاجلاته ‪ .‬أما املهندس املعماري الذي ليس لديه تراث الفالح‬
‫و ال معرفة العامل ‪ ،‬فهو وحده الذي يرفض املغامرة بعيداً عن اخلرسانة اليت يظن‬
‫أنه يعرفها مبا فيه الكفاية وحيس أبنه جداً آمن عند استخدامها ‪ .‬وقد توصلت‬
‫إىل ذلك حديثاً جدا ًٍ ‪.‬‬
‫وال بد من أن أفسر ذلك ‪ ،‬فبعد أن رأى وزير املعارف مدرسيت يف القرنة‬
‫واملدرسة األخرى اليت بنيتها يف فارس ‪ ،‬فإنه قرر أن يبين مدرستني جتريبيتني‬
‫أخريني من طوب الل ن ‪ ،‬إحدامها يف الرادسية واألخرى يف البيارات ‪ .‬ومت‬
‫اإلبالغ مؤخراً عن أن هاتني املدرستني األخريتني على وشك االهنيار ؛ فتم‬
‫إخالؤها ‪،‬بل وكان هناك اقرتاح أبنه ينبغي نقل أعمال النجارة منها إلنقاذها من‬
‫اخلراب ‪ .‬وحلسن احلظ تصادف أن كنت يف القاهرة يف نفس الوقت ابلضبط‬
‫الذي عينت فيه جلنة االستقصاء هذا األمر ‪.‬‬
‫وبينت للوزير خطورة هذه املزاعم وتوسلت إليه أن يعني يف اللجنة أحد العلماء‬
‫والدكتور‬ ‫املسئولني ‪ .‬وهكذا انتهى األمر بدعوة الدكتور حممد سعيد يوس‬
‫أستاذي ميكانيكا الرتبة واإلنشاءات جبامعة القاهرة ‪ ،‬لفحص‬
‫ّ‬ ‫مشيل ابخوم ‪،‬‬
‫املدرستني املشتبه يف أمرمها ‪ .‬ووجدوا أن املدرستني املبلغ أهنما تنهاران سليمتان‬
‫متاماً ؛ وكان ما حدث هو أن االنكماش الطبيعي يف اجلدران قد أدى إىل تشق‬
‫اجلص ‪ ،‬وسبب ذلك وحده هو أن املهندسني املعماريني قد وضعوا جصاً صلباً‬
‫من رمل وجري فوق طوب الل ن ‪ ،‬بينما القاعدة اهلندسية هي أن يكون األساس‬
‫أقوى مما تضعه فوقه ؛ وأي فالح كان سيخربهم مبا عليهم توقعه ‪ .‬أما مدرستا‬
‫القرنة وفارس حيث استخدم جص من الرتبة ‪ .‬فلم تتأثرا ابلكلية ويتف أننا قد‬
‫وجدان أن إحدى املدرستني ‪ ،‬اليت يف الرادسية ‪ ،‬قد بنيت يف املنتص من أحد‬
‫الوداين ‪ .‬وأنه كنتيجة لألمطار الغزيرة فإهنا غمرت ابملياه الرتفا مرت و‪02‬‬
‫سنتيمرتاً طيلة شهر أبكمله إال أن البنية مل تتأثر بشيء ‪.‬‬
‫وبعد كل احملاوالت اليت رأينها لتسوئ مسعة طريقة طوب الل ن ‪ ،‬خطر ببايل أن‬
‫هذه املدرسة رمبا حدد هلا عن عمد موقعها يف ذلك الوادي – الذي كان‬
‫معروفاً أنه يغرق يف املياه من آن آلخر – حبيث أهنا حني تنهار يستطيع أحدهم‬
‫أن يقول‪ (( :‬هاكم ما قلت لكم )) ولكن لعل هذا مين جمرد حنون ابالضطهاد‬
‫‪.‬‬
‫واالهتام الثالث هو ‪ ،‬كما قلت ‪ ،‬أكثرها أمهية ‪ :‬وهو أن القرنة قد ثبت يف‬
‫النهاية أهنا ابهظة التكلفة ‪ .‬واآلن فلو أهنا كانت كذلك ‪ ،‬لكانت هذه حقيقة‬
‫جداً فريد وشائقة ‪ .‬ولو كان من احلقيقي حقاً أن الطني والقش مها على حنو ما‬
‫يكلفان أكثر من اإلمسنت واحلديد والصلب ‪ ،‬لكان هذا بال شك أمراً خارقاً‬
‫ويستدعي التحقي ‪ .‬ولكن حتقيقاً كهذا مل يتم أجراؤه ‪ ،‬ألنه سيكش يف التو‬
‫أن املباين قد كلفت يف احلقيقة أقل من أي مبان ميكن أن تقارن هبا مما أقامته‬
‫أي مصلحة حكومية يف أي مكان آخر يف مصر ‪ ،‬وأن ثالثة أراب تكلفة‬
‫العمالة املاهرة الدائمة كانت تضيع يف دفع أجور هيئة عاملني قد توقفت عن‬
‫العمل بسبب التعطيالت اإلرادية ‪.‬‬
‫وأكثر تفنيد مقنع بشان هذا الزعم هو حتليل كيفية اإلنفاق الفعلي لنقود القرنة‬
‫‪ .‬وقد عاجلت هذا يف امللح رقم‬
‫( ‪ . ) 9‬وأرجو أن يكون نصب األعني أن النفقات الكلية عندما سلم املشرو‬
‫لوزارة الشئون االجتماعية كانت ‪ 19.802‬جنيهاً ‪ 19 ،‬قرشا ‪ ،‬منها على‬
‫األقل ‪ 02.222‬جنيه ينبغي أن تطرح كثمن ملعدات مل تستخدم ‪ ،‬وشاحنات ‪،‬‬
‫ومواد قابعة يف املخازن ‪ .‬وهكذا فإن إمجايل النفقات هو ‪ 99.802‬جنيهاً ‪،‬‬
‫بينما إمجايل املباين اليت متت هو ‪ 81.128 1/82‬مرتاً مربعاً ‪ ،‬وابلتايل فإن‬
‫املباين مبا فيها املسجد ‪ ،‬والسوق ‪ ،‬واخلان ‪ ،‬واملسرح ‪ ،‬وقاعة البلدة ‪،‬‬
‫ومدرستان ‪ ،‬قد تكلفت ‪ 9‬جنيهات للمرت املربع ‪ .‬ترى ‪ ،‬يف أي مكان آخر‬
‫حدث أن أقيمت مبان عامة مبثل هذا الرخص ؟‬
‫والواقع أن وزير الشئون ا الجتماعية اهتم أبن يقارن تكلفة البناء ابلنسبة لبناء‬
‫ال ‪ 912‬بيتاً الباقية و قتذاك ‪ ،‬وذلك حسب النظامني اللذين ميثلهما ابلرتتيب‬
‫البناء ابملقاولة ‪ ،‬والبناء ابلطريقة اليت استخدمت يف املشرو ‪ ،‬فعني جلنة‬
‫استقصاء األمر ‪ .‬ووجدت اللجنة أنه بنظام املقاولة تكون التكلفة ‪998.199‬‬
‫جنيهاً بينما ابلنظام الذي بنيت به القرنة تكون التكلفة فحسب ‪019.020‬‬
‫جنيهاً ( أنظر امللح ( ‪ ) 8‬لتحليل التكالي ) ‪.‬‬
‫وقد قال بعض الناس أن القرنة ال تزيد عن أن تكون استعراض مواهب تتوافر‬
‫لفرد واحد ‪ .‬وكان مما طرح أن التصميم لطوب الل ن فيه ابلذات صعوبة‬
‫ويتطلب مهارة خاصة ‪ ،‬وأن الطريقة غري مالئمة ألن يتخذها املهندسون‬
‫املعماريون اآلخرون ‪ .‬وابلطبع فإن هذا جمرد هراء ‪ .‬فإذا كان ميكن لصيب قروي‬
‫أن يتعلم بناء قبو يف ثالثة شهور ‪ ،‬فإن املهندس املعماري املؤهل يستطيع فيما‬
‫يفرتض أن يتعلم رسم القبو ‪ .‬وقد سب أن قدمت اقرتاحاً‬
‫( أنظر امللح ‪ ) 0‬للتدريب املتأين جملموعة من املهندسني املعماريني املؤهلني ‪،‬‬
‫إلعدادهم للعمل يف القرى املصرية ‪ .‬وكل آمايل يف مستقبل الري املصري‬
‫لتستقر بني يدي هؤالء املعماريني الشبان من بلدي ‪ .‬إن هؤالء املهندسني‬
‫املعماريني الذين ينبغي أن يقوموا بدراسة البناء الريفي اآلن هم الذين سيكون‬
‫املصري‬ ‫عليهم تطبي املبادئ اليت نشأت يف القرنة ‪ .‬فإعادة بناء الري‬
‫ستستغرق أربعني عاماً من عمل شاق ومتواصل ‪ ،‬وهؤالء الشبان هم الذين‬
‫سيكون عليهم العمل على تنفيذه ‪ .‬وإين ملتأكد أين استطيع أن أث يف أهنم‬
‫سيكرسون أنفسهم إبخالص لبناء القرى ‪ ،‬ذلك أين كنت دائماً ألقي أكثر‬
‫االستجاابت محاساً وتعاطفاً من شباب املهندسني املعماريني ‪ .‬على أنه ينبغي أن‬
‫مصر ابلطريقة اليت‬ ‫تدرك احلكومة حجم ومتطلبات مهمة إعادة بناء ري‬
‫طرحتها ‪ .‬وجيب أن تتقبل احلكومة مسئولياهتا ابلنسبة للمهندسني املعماريني‬
‫الذين سينفذون الربانم والذين سيتخلون عن أي فرصة ملمارسة املهنة ممارسة‬
‫حرة جمزية ‪ .‬فالبد من أن تضمن هلؤالء الرجال راتباً جمزايً‬
‫( على أن يوضع نصب األعني أن اهلدف هو اجتذاب أفضل ما يف األرض من‬
‫املهندسني املعماريني الشبان ‪ ،‬وليس فحسب أولئك الذين ال يستطيعون كسب‬
‫عيشهم ابملمارسة احلرة ) وعلى احلكومة أن تراعيهم يف كل شئوهنم اخلاصة ‪.‬‬
‫ويساوي ذلك أمهية ‪ ،‬أن احلكومة جيب أن ترتك هلؤالء املعماريني حرية أتدية‬
‫مهمتهم ‪ ،‬وأن تستوث من أن املوظفني اإلداريني ال يعوقون العمل يف البناء ‪.‬‬
‫وما مل يتم حتديث اجلهاز اإلداري حبيث تزال‬
‫(( كل )) التعطيالت النامجة عن اإلجراءات اإلدارية واحلسابية ‪ ،‬وما مل يتم‬
‫دعم اهليئة الفنية مبا يكفي من املوظفني الذين ختول هلم السلطات ويكونون من‬
‫الراغبني يف حتمل املسئولية ‪ ،‬وما مل حتل االتصاالت التليفونية مكان الطلبات‬
‫املقدمة من ثالث صور مع توقيعات ابملوافقة ال تقل عن مخسة عشر توقيعاً ‪،‬‬
‫ما مل يتم هذا كله فإن برانجمنا إلعادة بناء الري سيكرر ببساطة فشل مشرو‬
‫القرنة على نطاق يشمل ماليني اجلنيهات ‪ ،‬بينما يصل ثالمثائة مهندس‬
‫معماري إىل حال من املرارة والسخرية ‪ ،‬ويضع إىل األبد أي أمل ممكن يف‬
‫مستقبل الئ ابلنسبة لعشرين مليون فالح ‪ .‬عن خطر وقو ذلك هلو أمر جداً‬
‫حقيقي حىت لقد شعرت أن من واجيب أن أذكر بعض األساليب اليت استطا‬
‫‪ ،‬وبذا فلعل حكومات‬ ‫اجلهاز اإلداري هبا أن جيعل العمل يف القرنة يتوق‬
‫املستقبل أن تتنبه لألمر ولعلها أن تتخذ إجراءاً مبا يؤدي إىل جتنب وقو مثل‬
‫هذه األحداث ‪.‬‬
‫أما املهندسون املعماريون الشبان الذين سوف يشكلون جمموعة إعادة البناء‬
‫املتفانية ‪ ،‬فإهنم ال بد أن يفهموا أيضاً أن طري الرواد هلو طري مليء ابلصخور‬
‫ومفروش ابألشواك ‪.‬‬
‫وقد كنت فيما مضى أحجم عن تشجيع املهندسني املعماريني الشبان على إتبا‬
‫خطوايت ‪ ،‬ألين شعرت إبحساس من املسئولية ابلنسبة لرفاهيتهم املادية ‪ .‬وكما‬
‫أن الواحد منا ال يشجع ابنه على أن يصبح شاعراً ‪ ،‬نتيجة حتسبه ملا سيحدث‬
‫ألحفاده ‪ ،‬فإنين أيضاً ما كنت الستطيع التفكري يف أتسيس مدرسة من‬
‫املهندسني املعماريني لطوب الل ن ‪ .‬فقد خربت كل الصعوابت واملعوقات اليت‬
‫يل أن أرى أي معماري شاب وهو‬ ‫ترتتب على هذا التناول املعماري ؛ فكي‬
‫يلزم نفسه وعائلته ‪ ،‬يف أول ابتداء حياته العملية ‪ ،‬ابلفقر األكيد الذي جيلبه له‬
‫تفانيه ملصلحة القرويني ؟ وعلى األقل فليمنع القديس فرنسيس أتباعه عن‬
‫التنسك ‪.‬‬
‫***‬

‫إعادة زايرة القرنة ‪:‬‬


‫يف يناير ‪ 8198‬زرت القرنة اثنية ‪ .‬كانت القرية كما تركتها ابلضبط ؛ فلم يتم‬
‫إقامة بناء واحد جديد فيها ‪ .‬وكانت إحدى الشكاوي ضد املشرو هي أنه قد‬
‫استغرق زمناً أطول مما ينبغي ‪ ،‬على أننا رغم كل العقبات أمكننا ابلفعل أن نبين‬
‫الشيء الكثري ؛ أما يف السنوات العشر اليت ظل املشرو فيها يف أيدي الوزارة‬
‫‪ ،‬فما من قالب طوب واحد رص فوق اآلخر ‪ ،‬بينما استمر أهل القرنة يعيشون‬
‫فوق التل بني املقابر ‪.‬‬
‫آخر يف النشاط احلريف ‪ .‬لقد شب اآلن‬ ‫يف البناء يواكبه توق‬ ‫وهذا التوق‬
‫أولئك الصبية الصغار الذين عملوا كان جداً مبشر حتت إشراف طلعت أفندي‬
‫‪ .‬وأصبحوا شباانً يف العشرين أو ما يقرب ‪ .‬ومجيعهم عاطلون ‪ .‬ومات اسكندر‬
‫املعلم العجوز للنساجني من الربدة واملنري أخذ يف االحتضار ‪.‬‬
‫ومل يزدهر سوى شيئني ‪ .‬أحدمها هو األشجار اليت زرعتها ‪ ،‬واليت منت لتصبح‬
‫اآلن قوية غليظة ‪ ،‬ولعل ذلك ألهنا مل تكن خاضعة لإلدارة ‪ ،‬والشيء اآلخر هو‬
‫الستة واألربعون بناء الذين دربناهم ‪ .‬فكل واحد منهم أصبح يعمل يف املنطقة‬
‫‪ ،‬مستخدماً املهارات اليت نعلمها يف القرنة – مما يثبت قيمة تدريب احلرفيني‬
‫احملليني ‪.‬‬
‫وألقيت نظرة على القرية مبسرحها املهجور ‪ ،‬وخاهنا ومدرسة صنائعها اخلاويني ‪،‬‬
‫والبيوت القليلة اليت سكنها واضعو اليد ‪ ،‬ومل يكن يستخدم من القرية غري‬
‫مدرستها االبتدائية للبنني ‪ ،‬وإذ ألقيت هذه النظرة تصورت ما كان ميكن أن‬
‫تكون القرنة – وهو ما جيب لآلن أن تكونه ‪ ،‬ذلك أن مشكلة أهل القرنة‬
‫مازالت متأزمة نفس أتزمها يف ‪ ، 8192‬وحىت اآلن فما من حل آخر قد طرح‬
‫‪.‬‬
‫ومن املؤكد أين قد تعلمت من كفاحي أكثر مما كنت سأتعلمه لو كان طريقي‬
‫ممهداً متاماً ‪ .‬ويقول القرآن‬
‫(( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خري لكم )) وال شك أن إحدى النتائ املباشرة‬
‫خليبة أملي يف القرنة هي زايدة تعمقي يف فهم مشاكل اإلسكان الريفي تعمقاً‬
‫هائالً ‪ .‬واملشكلة أكرب من أن تكون جمرد مشكلة تقنية أو اقتصادية ؛ إهنا‬
‫أساساً إنسانية ‪ ،‬تضم أنظمة وأانساً و مهنيني ‪ ،‬هم والفالحني ‪ .‬إهنا أعظم كثرياً‬
‫من القرنة ومن مصلحة اآلاثر وينبغي القيام أبكثر من حبث واحد يف أكثر من‬
‫جمال واحد ‪ ،‬وينبغي القيام أبك ثر من مشرو اسرتشادي ينفذ يف أكثر من مكان‬
‫‪ .‬وينبغي تقييم املشرو وتقدير نتائ البحث قبل أن نستطيع‬ ‫واحد يف الري‬
‫إصدار حكمنا يف األمر وطرح السياسات لتطب على حنو شامل ‪ .‬ويبدو أن‬
‫جتاه مشكلة اإلسكان الريفي ‪ .‬ويف‬ ‫الوقت مل حين بعد ملثل هذا املوق‬
‫السنوات الالحقة اليت تلت توق العمل يف القرنة ‪ ،‬أثناء عملي يف اخلارج‬
‫وبعد عوديت للوطن فإين – على العكس من االبن الضال وقد أنكره أبوه –‬
‫ظللت أحاول بال فائدة أن أتصيد نصرياً من أي من السلطات املعينة ابإلسكان‬
‫والبحث العلمي لرتعى مشروعات من هذا النو ‪ .‬وهناك جتارب عديدة بدأ ت‬
‫يف مصر أو غريها ‪ ،‬ولكنها ما إن تصل إىل املرحلة اليت ستثمر فيها أي نتائ‬
‫وكأن ذلك يتم بيد خفية قوية أو بقوة القدر ذاته ‪ ،‬ومثل‬ ‫قوية حىت تتوق‬
‫أصبح على أن أمحل الصخرة لقمة اجلبل ‪ ،‬مث انزل ألسفله ‪ ،‬وأمحلها‬ ‫سيزب‬
‫ألعلى الكرة بعد األخرى ‪.‬‬
‫إن هذا ال يعين أن السلطات ال هتتم برفاهية الناس ‪ ،‬وإمنا يعين أن مثة وجوداً‬
‫لتضارب داخلي بني مبادئ وأهداف وإجراءات نظام البناء التعاوين ومثيالهتا يف‬
‫نظام املقاوالت الذي رسخت قواعده متاماً يف االقتصاد واإلدارة الرمسيني ‪.‬‬
‫وسوف يزيد ما نفهمه عن معارضة تعاونية البناء عندما نعلم أن اإلسكان يف كل‬
‫الدول النامية ميتص من ثلث إىل نص الدخل القومي املخصص للتنمية ‪ ،‬مبا‬
‫يعين إنفاق عدة باليني من اجلنيهات يف كل عام ‪ .‬وأدركت يف النهاية أنين جيب‬
‫أن أكون النصري لنفسي لو كنت أريد مواصلة النضال ‪.‬‬
‫***‬
‫القرنة يف نربوه ‪:‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬فإين آمل أن يكون عملي أان يف املستقبل هو أن أطب مبادئ البناء‬
‫التعاوين وأوضح كل األفكار ‪ ،‬اليت أوجزهتا هبذا الكتاب ‪ ،‬يف مشرو متواضع‬
‫‪،‬‬ ‫يف مدينة نربوه اإلقليمية الصغرية ‪ ،‬اليت منحت أمي كل ذكرايهتا عن الري‬
‫واليت كانت أمي دائماً هتفو للعودة إليها ‪ .‬ولو حدث ومضت هذه التجربة‬
‫قدماً ‪ ،‬فسيكون من املهم أهنا ينبغي أال تصبح جمرد قطعة من البناء النموذجي‬
‫املعزول غري املثمر مما يكثر مؤخراً إقامته يف مصر ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬فإن من الواضح أن التجربة حتتاج ألن يرعاها أحد أقسام اجلامعة ‪ ،‬أو‬
‫احلكومة ‪ ،‬أو أي هيئة دولية ‪ .‬ومن الواضح ابلفعل أن إضافة جمتمع كامل‬
‫جديد إىل مدينة إقليمية ال ميكن أن يكون مسئولية فردية ؛ وإمنا يتطلب األمر‬
‫تعاوانً وثيقاً مع السلطات احمللية كما مع احلكومة املركزية ‪.‬‬
‫وإذا كان ينبغي حقاً أن تكون هيئة املشرو مستقلة بقدر اإلمكان ن لتجنب‬
‫إحباطات العمل من خالل وزارات مل هتيأ ملعاجلة قض ااي كهذه ‪ ،‬إال انه بدون‬
‫رعاية رمسية ال ميكن أن ختطى نربوه ابألمهية الدولية اليت تستحقها ‪ .‬لقد وفرت‬
‫جتربة القرنة كل ما ميكنها توفريه من املعلومات ‪ .‬ورغم أنه كان جيب حقاً‬
‫استكماهلا ‪ ،‬إال أن التخطيط قدمت إجنازه ‪ ،‬والظروف فيها على أي حال كانت‬
‫ظروفها خاصة جداً حبيث أن اإلجناز الفعلي للعمل مل يكن له عالقة ابلذات‬
‫مبشاكل البناء التعاوين ‪ .‬لقد أدت القرنة مهمتها ‪ ،‬ونربوه هي اليت آمل أن أرى‬
‫فيها االزدهار الكامل لألفكار اليت بدأت تنبت هناك ‪ .‬ولسوف يتم حتق القرنة‬
‫حتققاً كامالً يف نربوه ‪ .‬مث من نربوه دعنا أنكل أن ثورة إسكانية سوف تنتشر عرب‬
‫مصر كلها‪.‬‬
‫املالح‬

‫ليس املقصود هبذه املالح أن تكون معاجلة شاملة‬


‫لتشييد املباين أو تنظيم األشغال ‪ .‬وأان هنا أانقش‬
‫حسب مشاكل خاصة القيتها ابلفعل يف القرنة ‪.‬هي‬
‫واملشاكل أو احللول أو االقرتاحات الناشئة عنها ‪،‬‬
‫وأيضاً مشاكل البناء التعاوين يف مصر والبالد اليت‬
‫متاثلها يف ظروف العمالة واالقتصاد ‪ .‬وطرق البناء‬
‫التعاوين ‪ ،‬كما نتذكر ‪ ،‬مل تتم حماولتها يف القرنة ‪،‬‬
‫وإمنا هي يف حاجة ملحة للبحث والتجريب بشأهنا ‪.‬‬
‫امللح ‪8‬‬
‫حتليل تكالي العمالة ومعدالت تنفيذ األشغال‬
‫التحليل التايل هو حتليل‬
‫كامل لألشغال املتضمنة كما مت اجنازها‬
‫يف القرنة ‪ .‬وملا كان‬
‫مشرو القرنة مشروعاً مموالً من احلكومة‬
‫ال يستخدم إال العمالة‬
‫املأجورة ‪ ،‬فإن الرقم النهائي لكل بند هو‬
‫ابلنقد املصري وهو ميثل‬
‫التكلفة الفعلية للبند ابألسعار ومعدالت‬
‫األجور السائدة يف القرية‬
‫بني ‪ 8199‬و ‪. 8122‬‬
‫على أنه مما ميكن إدراكه‪ ،‬أن هذا التحليل يصلح ألي مشرو يستخدم نوعاً‬
‫من اإلنشاءات كاليت يف القرنة‪،‬ذلك أنه إىل جانب التكلفة فإن التحليل يبني‬
‫أيضاً ((كمية)) و((نو )) العمالة ابلساعات ‪ /‬الرجل ‪ ،‬ابلنسبة لكل بند تشيد‬
‫ابلنسبة لتدبري وإعداد كل مواد البناء‪ ..‬والعمالة اليت تذكر يف أحد البنود اثبتة‬
‫‪ ،‬على األقل ابلنسبة ملصر‪ ،‬حيثما تواجدت املهارات وحيثما ال يكون املناخ‬
‫أبي حال أقل مالئمة عما يف القرنة‪ ،‬وهكذا فإنه ميكنه تطبي هذا التحليل‬
‫بثقة على أي مشرو بناء يستخدم نفس التقنيات ‪ ،‬أاي ما كان نظام العمالة‬
‫املستخدم _ تعاونياً أو غري تعاوين _ وأاي ما كانت ظروف األسعار السائدة (‬
‫مبعىن سواء حدث أن كانت العمالة أو املواد أو املعدات أغلى وأرخص‪ ،‬أو‬
‫بنفس أسعار القرنة)‬
‫وإذن فإنه يف املشرو الذي يصمم على أساس تعاوين ‪ ،‬وكما بنبعي أن يكون‬
‫األمر يف أي خطة كربى ‪ ،‬سيكون من السهل أن حندد من هذا التحليل نسبة‬
‫املشرو اليت تقوم هبا احلكومة والنسبة اليت يقوم هبا السكان احملليون‪.‬‬
‫ويبني التحليل يف وضوح أنه ميكن بناء البيت بتكلفة رخيصة جداً‪ .‬ويف قرية‬
‫ميت النصارى ‪،‬حيث كان النظام التعاوين هو هذا الذي سيستخدم فإن البيت‬
‫‪ 19‬جنيهاً‪ .‬ويف أي مشرو فإن هذا املبلغ (الذي كان سيدفع‬ ‫كان سيتكل‬
‫للعمالة املاهرة املتخصصة ‪ ،‬والنجارة ‪ ،‬والرتكيبات الصحية ‪ ،‬واملواسري اليت ال‬
‫ميكن عملها حملياً) هلو مبلغ ميكن توفريه كإعانة ابلكامل أو كقرض طويل املدى‬
‫‪ ،‬ومما جيدر مالحظته ‪ ،‬أنه بينما يعد مبلغ ‪ 922‬جنيه مبثابة قرض مستحيل‬
‫ابلنسبة العائالت _وهذا رقم منخفض جداً لبناء بيت ابملقولة ومن مواد البناء‬
‫الصناعية_ فإن هناك الكثريين جداً ممن ميكنهم حتمل دفع ‪ 19‬جنيهاً على‬
‫عشر سنوات أو عشرين سنة‪.‬‬
‫حتليل تكلفة مواد البناء والعمالة املستخدمة يف قرية القرنة‪.‬‬
‫ضرب الطوب‪:‬‬
‫مل تتم إال اختبارات ميدانية تقريبية لتحديد تركيب الرتبة ومقاومة‬ ‫‪-8‬‬
‫قوالب الطوب املضروبة ‪.‬‬
‫مت حفر الرتبة من األكوام املتخلفة بطول ضفة ترعة الفضيلة بعد‬ ‫‪-0‬‬
‫تطهريها ‪ ،‬والرتعة حتاذي موقع املشرو وكانت الرتبة مكونة من رواسب‬
‫من طمي النيل ‪ ،‬وتكاد تتأل ابلكلية من الطمي والطفل مثل معظم‬
‫األرض املروية بنظام ري احلياض يف صعيد مصر‪.‬‬
‫كانت نسبة االنكماش يف قوالب الطوب املضروبة من الطفل‬ ‫‪-1‬‬
‫النقي بدون قش‪ ،‬واليت صبت وهي مبللة جداً ابلطريقة التقليدية ‪،‬هي‬
‫نسبة ‪ 19‬يف املائة بعد اجلفاف ‪ ،‬مع تشققات رديئة حت ْدث بعد زمن‬
‫قصري جداً من الصب‪.‬‬
‫ضرب الطوب يف خلطات من نسب خمتلفة من الرتبة والرمل‬ ‫‪-9‬‬
‫والقش ووجد أن الرتتيب التايل يعطي أفضل النتائ ‪:‬‬
‫‪8‬م من الرتبة ‪8/1،‬م مربع من الرمل ‪ 92 ،‬رطالً من القش ‪ .‬وتنت هذه‬
‫الكمية ‪ 992‬قالباً أبعادها ‪ .9 ×88×01‬وقالب الصب املستخدم أبعاده‬
‫‪ 1 ×80 ×09‬سم‪.‬‬
‫مت االحتفاظ بعينات من قوالب الطوب املضروبة هبذا الرتكيب‬ ‫‪-2‬‬
‫كمعيار للمقارنة‪.‬‬
‫حتليل تكلفة ضرب ‪ 8222‬قالب طوب‬
‫( أ ) (( الرتبة )) كان املقصود أن نستخرج الرتبة املطلوبة لصنع الطوب‬
‫من موقع البحرية الصناعية اليت صممت أصالً هلذا الغرض كما لألغراض‬
‫األخرى اليت سب شرحها يف الفصل الذي تناول هذا املوضو ولكن لسوء‬
‫احلظ فإن الرتعة اليت كانت تروي حوش كامل بولس بك واليت كان يفرتض‬
‫أهنا ستغذي هذه البحرية كانت ترعة مهجورة قد حل حملها بئر ارتوازي ‪.‬‬
‫وهكذا لزم جلب الرتبة من بقااي تطهري ترعة الفضيلة كما سب ذكره‪.‬‬
‫وكانت الرتبة تنقل عرب سكة حديد خفيفة يف عرابت تقلب ابليد سعتها‬
‫‪ 2.2‬م مكعب ‪.‬‬
‫ويعمل على كل عربة فاعالن ‪ .‬ومها ينقالن أمحال من الرتبة من ضفة الرتعة‬
‫ومحلني من الرمل من مقالب يف املوقع ‪ .‬وهذا هو القدر الكايف لضرب‬
‫‪ 1222‬طوبة يف اليوم ‪.‬‬
‫وأجر كل فاعل هو ‪ 82 :‬قروش‬
‫تكلفة نقل الرتبة لكل ‪ 8222‬طوبة = ‪ 9 = 02‬قروش ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫( ب ) (( القش )) ‪ .‬يرتاوح سعر القش بني ‪ 92‬قرشاً ‪ 802 ،‬قرشاً للحمل (‬
‫احلمل وحدة وزن تبلغ ‪ 222‬رطالً ) وذلك أثناء فرتة العمل كلها من ‪8199‬‬
‫– ‪ 8192‬حىت ‪ 8121 – 8120‬وذلك فيما عدا ‪ 8121 – 8120‬حيث‬
‫ارتفع السعر إىل ‪ 082‬قروش ‪.‬‬
‫وهكذا حيسب السعر عند ‪ 802‬قرشاً‬
‫تكلفة القش لكل ‪ 8222‬طوبة = ‪ 82 = 8222 × 92 ×802‬قرشاً ‪.‬‬
‫( ج ) (( الرمل )) مت نقل الرمل ابلشاحنات من احملاجر اليت تبعد تقريباًٍ‬
‫بثالثة أميال إىل مشال القرنة ‪.‬‬
‫تكلفة ‪8‬م مكعب من الرمل مبا فيه النقل = ‪ 00‬قرشاً ‪.‬‬
‫* تكلفة الرمل لكل ‪ 8222‬طوبة = ‪ 88 = 822 = 00 ×8222‬قرشاً‬
‫‪1‬‬ ‫‪1 ×992‬‬
‫( د ) (( املياه )) وفرت املياه للمشرو ابستخدام مضخة تعمل مبحرك برتول ‪.‬‬
‫وتستخدم املياه يف ضرب الطوب ‪ ،‬وخلط املون ‪ ،‬وري األشجار ‪ .‬ويف أول‬
‫األمر كانت املضخة تشغل بواسطة امليكانيكي إبراهيم حسن وكان مسئوالً‬
‫أيضاً عن حفر اآلابر االرتوازية لينابيع القرية ‪ .‬وأجرهو ‪ 22‬قرشاً يف اليوم ‪( .‬‬
‫ليس من املنطقي استخدام ميكانيكي خاص لتشغيل هذا احملرك الصغري وحده )‬
‫‪.‬‬
‫املياه‬ ‫وفيما بعد ‪ ،‬خصص هلذا امليكانيكي مهمة حفر آابر صرف لتصري‬
‫واملراحيض ‪ ،‬وعهد مبهمة تشغيل مضخة املياه إىل ميكانيكي السيارات ( أنور )‬
‫‪ ،‬أبجر ‪ 12‬قرشاً يف اليوم ‪ ،‬وذلك ابإلضافة إىل واجباته األخرى يف اإلشراف‬
‫على السيارات ‪ .‬وكان يساعده فاعل بسيط يرعى احملرك أبجر ‪ 82‬قروش ‪.‬‬
‫وحيث أنه هناك أربع شاحنات ابإلضافة إىل املضخة ‪ ،‬فيمكننا أن نعد أنه كان‬
‫عندان مخس وحدات ميكانيكا يشرف عليها هذا امليكانيكي ‪.‬‬
‫النفقات اليومية لتشغيل املضخة ‪.‬‬
‫برتول ‪ 92‬قرشاً‬
‫زيت ‪ 2‬قروش‬
‫فاعل ‪ 82‬قروش‬
‫ماخيتص من أجر امليكانيكي لتشغيل املضخة ‪ 9 = 2 ÷ 12‬قروش أعطال‬
‫وإصالحات ‪ 2‬قروش‬
‫اإلمجايل ‪ 19‬قرشاً‬
‫وحبساب أن ثلثي هذه النفقات هي للمياه املستخدمة يف ضرب الطوب وثلثها‬
‫للمياه املستخدمة للمؤن واألشجار فإن تكلفة مياه‬
‫‪ 99.1 = 0 ×19‬قرشاً‬ ‫ضرب الطوب يومياً =‬
‫‪1‬‬
‫وكان يوجد وقتها أربعة فرق من ضاريب الطوب تنت ‪ 80222‬قالب طوب يف‬
‫اليوم‬
‫* تكلفة املياه لألل طوبة = ‪ 2.2 = 99.1‬قرشاً‬
‫‪80‬‬
‫أجر العمالة لضاريب الطوب هو بسعر شامل يبلغ ‪ 02‬قرشاً لكل ‪ 8222‬قالب‬
‫(( الفري )) يتأل عاد ًة من اثنني من ضاريب الطوب لصبه ومن اثنني من‬
‫الفعلة العاديني ‪ ،‬أحدمها للخلط والثاين لنقل املونة ‪ .‬وميكن للفري أن ينت‬
‫عادة ‪ 1222‬قالب يف اليوم ‪ .‬وأجر ضارب الطوب هو ‪ 02‬قرشاً والفاعل ‪82‬‬
‫قروش ‪.‬‬
‫تقليب الطوب على حرفه مث تشوينه ‪.‬‬
‫لتجفي قوالب الطوب توضع على حرفها يف اليوم الثالث بعد صبها ‪ ،‬مث حتمل‬
‫من مكان ضرب الطوب يف اليوم السادس ليتم تشوينها ‪ .‬وخيصص لذلك ثالثة‬
‫فعلة لكل فريقني لضرب الطوب ‪ ،‬وذلك أبجر هو وخيصص لذلك ثالثة فعلة‬
‫لكل الفريقني لضرب الطوب ‪ ،‬وذلك أبجر هو ‪ 82‬قروش يف اليوم لكل منهم‬
‫‪ .‬وميكن هلؤالء الفعلة الثالثة ‪ ،‬أن يتعاملوا يف ‪ 9222‬قالب يومياً ‪.‬‬
‫* تكلفة تقليب الطوب على حرفه مث تشوينه ‪ ،‬لكل ‪ 8222‬طوبة ‪12/9‬‬
‫= قروش‬
‫نقل القش‬
‫كان القش يشون يف خمازن كبرية بعد أن يتم وزنه عند استقباله ‪ .‬كما كان يتم‬
‫أيضاً وزن الكميات اليت تسحب منه لالستخدام اليومي يف ضرب الطوب ‪.‬‬
‫واجلمل الواحد يكرتي بعشرين قرشاً لنقل القش من املخازن إىل فناء ضرب‬
‫الطوب ‪ ،‬ليخدم بذلك فرق ضاريب الطوب األربعة اليت تنت يومياً ‪80222‬‬
‫طوبة ‪.‬‬
‫* تكلفة نقل القش لكل ‪ 8222‬طوبة = ‪ 8.1 = 02‬قرشاً‬
‫‪80‬‬
‫مصاري اإلشراف‬
‫يوظ مشرف واحد لإلشراف على الفرق األربعة أبجر من ‪ 82‬قرشاً ‪.‬‬
‫ووظيفته هي ضبط قياس املكوانت واإلشراف على عمليات اخللط والصب ‪( .‬‬
‫ترتك اخللطة لتتخمر ملدة ‪ 91‬ساعة على األقل قبل الصب )‬

‫= ‪ 8.0‬قرشاً‬ ‫* مصاري اإلشراف لكل ‪ 8222‬طوبة = ‪82‬‬


‫‪80222‬طوبة‬
‫املصاري العامة لتشغيل السكة احلديد اخلفيفة‬
‫تركيب القضبان ‪ ،‬والصيانة ‪ ،‬واإلشراف ‪ ،‬اخل ‪ ،‬تتطلب ‪:‬‬
‫مشرفاً أبجر ‪ 12‬قرشاً‬
‫فاعل واحد أبجر ‪ 82‬قروش‬
‫‪ 92‬قرشاً يومياً‬ ‫اإلمجايل‬
‫وملا كانت السكة احلديد هذه تستخدم لنقل الطوب اجلاهزمثلما تستخدم لنقل‬
‫العامة على حساب عملية ضرب‬ ‫املصاري‬ ‫الرتبة ‪ ،‬فإننا إذن حنسب نص‬
‫الطوب‬
‫التكلفة لكل ‪ 8222‬طوبة = ‪ = 02 = 92‬قرشان تقريباً‬
‫‪80 × 0‬‬
‫التكلفة اإلمجالية لكل ‪ 8222‬طوبة‬
‫قش‬
‫‪ 82.2‬قرشاً‬
‫رمل‬
‫‪88.2‬‬
‫تربة‬
‫‪9.2‬‬
‫صب‬
‫‪02.2‬‬
‫احلرف‬ ‫على‬ ‫تقليب‬
‫‪9.2‬‬
‫القش‬ ‫نقل‬
‫‪0.2‬‬
‫إشراف‬
‫‪8.0‬‬
‫اخلفيفة‬ ‫احلديد‬ ‫للسكة‬ ‫عامة‬ ‫تكلفة‬
‫‪0.2‬‬
‫مياه‬
‫‪2.2‬‬
‫‪90.9‬‬ ‫اإلمجايل‬
‫قرشا‬

‫***‬

‫تكلفة احلجارة ‪:‬‬


‫كانت معظم التالل القريبة من القرنة غري صاحلة عملياً للتحجري إال يف مكانني‬
‫كاان صاحلني بدرجة أو أخرى ؛ أحدمها يف موقع احملاجر القدمية للملكة‬
‫حتشبسوت ‪ ،‬للشمال من وادي امللوك ‪ ،‬واآلخر للجنوب من وادي امللكات‬
‫‪ ،‬وكالمها على مسافة تقرب من ثالثة أميال ونص امليل من القرنة ‪.‬‬
‫واجملر األول كانت تستخدمه مصلحة اآلاثر الستخراج احلجارة الالزمة ألعمال‬
‫الرتميم ‪ ،‬وقد مت احلصول على تصريح ابلتحجري للمشرو من هذا املوقع ‪ ،‬ما‬
‫دمنا سنحرتم احملاجر القدمية ونرتكها سليمة ‪ .‬وكان السطح مغطى بطبقات من‬
‫احلصى والرمال تتكتل يف صالبة بعم ‪ 2‬إىل ‪ 1‬أمتار ‪ .‬وينبغي إزالتها قبل‬
‫الوصول إىل احلجارة اجليدة ‪ .‬وكنا أيضاً نلقي طبقات هشة يف تكوين اجلبل ‪،‬‬
‫تعطي حجارة جداً مدهشة ومملحة ‪.‬‬
‫وهذه الطبقات ينبغي حتجريها بعيداً ‪ ،‬مثلما حتجر الطبقات اجليدة ‪ ،‬ولكنها ال‬
‫تعطي أي حجارة ‪.‬‬
‫وملا كان أجر احلجارين حيسب على أساس إنتاجهم بسعر لوحدة اإلنتاج هو‬
‫مبلغ ‪ 82‬قرشاً لكل مرت مكعب من احلجر اجليد يسلم يف موقع العمل ‪ ،‬فإنه‬
‫كان يكفل هلم معاونة جمانية من عشرة فعلة لكل فري لفرتة من‬
‫‪ 82 – 82‬يوماً حسب الزمن الذي يقدر أنه ضروري إلزالة الطبقات غري‬
‫املرغوب فيها ‪.‬‬
‫وأجر هؤالء الفعلة حيسب كنفقات عامة ‪ ،‬على أنه مل يكن يدفع أي أجر‬
‫للحجارين عن عملهم يف إزالة الطبقات غري املستخدمة ؛ فاألجر املدفو هو‬
‫عن احلجارة اجليدة اليت يتم تسليمها وقد حسب حبيث يغطي أيضاً أعمال‬
‫اإلزالة ‪.‬‬
‫وكان هناك أربعة حماجر يعمل يف كل منها فري من ‪ 1 - 9‬حجارين يساعدهم‬
‫مثانية فعلة ‪ .‬وهناك أربع من هؤالء الفعلة على نفقة املشرو وأربعة على‬
‫حساب احلجارين ‪.‬‬
‫وحلساب أجور احلجارين ‪ ،‬كان إنتاجهم يقاس كل كل مخسة عشر يوماً وحتسب‬
‫األجور مبعدل ‪ 82‬قرشاً لكل مرت مكعب ‪ ،‬ويطرح أجر الفعلة األربعة الذين‬
‫على حساب احلجارين ‪ ،‬مث يقسم الباقي على احلجارين ‪ .‬وملا كان نظام العمل‬
‫مؤسس على أجور يومية ‪ ،‬فإن املبلغ املستح حيول إىل أجر يوم وكسوره ‪:‬‬
‫أي ¾ و ½ و ¼ أجر يوم ‪.‬‬

‫املفرقعات والفتائل ‪:‬‬


‫حيفر احلجارون ‪ 9‬حفر تفجري يف اليوم ‪ ،‬كل حفرة بعم ‪ 8.2‬مرت ‪ .‬وكل تفجري‬
‫ينت عنه ما يقرب من ‪ 1‬م مكعب من احلجارة املناسبة ‪ .‬ويستخدم يف احملاجر‬
‫‪ 822‬قرش وكمية احلجارة‬ ‫األربعة ‪ 2‬كجم من املفرقعات يف كل يوم تتكل‬
‫اليت تنتجها احملاجر األربعة = ‪ 92‬م مكعب ‪.‬‬
‫* تكلفة املفرقعات لكل م مكعب = ‪ 0.2 = 822‬قرش ‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫= ‪ 2.2‬قرش‬ ‫* تكلفة الفتائل‬

‫املفرقعات والفتائل ‪ ،‬إمجايل التكلفة ‪ 1.2‬قروش‬

‫تكلفة النقل‬
‫تنقل احلجارة ابلشاحنات ‪ ،‬وسعتها ½ ‪ 0‬م مكعب ‪ .‬وميكن لكل شاحنة أن‬
‫= ‪ 02‬م مكعب يومياً ‪.‬‬ ‫تقوم بثماين رحالت يف كل يوم‬
‫( أ ) البنزين ‪ 9 .‬جالون لكل ‪ 1‬رحالت = ‪ 820.2‬قرش‬
‫* تكلفة البنزين لكل ‪ 8‬م مكعب من احلجر = ‪ 2.8 = 820.2‬قرش‬
‫‪02‬‬
‫( ب ) الزيت ‪ .‬نص كجم زيت تشحيم لكل عربة يومياً = ‪ 2‬قروش‬
‫* تكلفة الزيت لكل ‪ 8‬م مكعب = ‪ 2.02 = 2/02‬قرشاً‬
‫( ج ) أجر السائقني ‪ .‬األجر اليومي للسائ = ‪ 91‬قرشاً شاملة عالوة غالء‬
‫املعيشة ‪.‬‬
‫* تكلفة قيادة الشاحنة لكل ‪ 8‬م مكعب = ‪ 1.82 = 91‬قرش‬
‫‪02‬‬

‫( د ) التحميل والتفريغ ‪ .‬خصص مخسة محالني لكل شاحنة أبجر يومي لكل‬
‫منهم هو ‪ 82‬قرشاً‬
‫* تكلفة التحميل لكل ‪ 8‬م مكعب = ‪ 0.82 = 82 × 2‬قرش‬
‫‪02‬‬
‫( ه ) استهالك العرابت واالصالحات ‪ .‬حسب أن عمر العرابت هو عشر‬
‫سنوات ‪ .‬وكل عربة تكل ‪ 8222‬جنيه ‪ .‬التنزيل السنوي من الثمن = ‪822‬‬
‫جنيه ‪.‬‬
‫* تنزيل الثمن لكل يوم = ‪ 12 = 82.222‬قرشاً‬
‫‪122‬‬

‫* تنزيل الثمن لكل ‪ 8‬م مكعب = ‪ 8.2 = 12‬قرش‬


‫‪02‬‬
‫احلدادة ‪:‬‬
‫استخدام حداد ومساعدوه لشحذ األدوات ‪.‬‬
‫‪ 12‬قرشاًيومياً تشمل أجر‬ ‫( أ ) احلداد‬
‫الفرن‬
‫‪ 82‬قرشاً‬ ‫( ب ) مساعد احلداد‬
‫‪ 1‬قروش‬ ‫( ج ) صيب حداد‬
‫( د ) فحم ‪ 2 :‬كجم × ‪ 82‬قروش = ‪ 22‬قرشاً‬
‫‪ 821‬قرش‬ ‫إمجايل‬

‫نفقات احلدادة لكل ‪ 8‬م مربع = ‪ 0.9 = 821‬قرش‬


‫‪92‬‬

‫***‬

‫نفقات عامة ‪:‬‬


‫‪ 92‬قرشاً‬ ‫( ‪) 82×9‬‬ ‫( أ ) أربعة فعلة على نفقة املشرو‬
‫‪ 92‬قرشاً‬ ‫( ب ) مقدمو عمال‬
‫‪ 82‬قرشاً‬ ‫(ج ) ريس عمال‬
‫‪ 19‬قرشاً‬ ‫( د ) مراقبون ( ‪) 81 ×0‬‬
‫( ه ) نصيب احملجر يف نفقات امليكانيكى واملساعد ‪:‬‬
‫ميكانيكي ‪ 12‬قرشاً‬
‫مساعد ‪ 82‬قرشاً‬
‫‪ 22‬قرشاً‬

‫نصيب التحجري يف النقل هو ¾ اإلمجايل‬


‫* التكلفة اليومية = ‪ 19.2 = 1 ×22‬قرش‬
‫‪9‬‬
‫من بني احملاجر األربعة ميكن احتساب ثالثة فقط على أهنا تعمل ابنتظام ‪،‬‬
‫وتنت ‪ 12‬م مكعب يومياً ‪.‬‬
‫* النفقات العامة لكل ‪ 8‬م مكعب تكون ‪.‬‬
‫‪ 2.1 = 891.2 = 19.2 + 19 + 82 + 92 + 92‬قرش أو ‪9‬‬
‫قروش ابلتقريب‬
‫‪12‬‬

‫تكلفة إزالة التكتالت ‪:‬‬


‫خصص عشرة رجال لكل فري لفرتة من ‪ 82 – 82‬يوماً يف اول األمر ‪،‬‬
‫وأيضاً كلما مت الوصول إىل الطبقات اهلشة ‪ .‬وتكلفة هذه العملية ال ميكن‬
‫حساهبا إال من العمل الفعلي ‪.‬‬
‫وملا كان العمل ال يتم ابنتظام طول الوقت ‪ ،‬فقد مت اختيار فرتة من ثالثة‬
‫شهور استمر فيها التحجري دون انقطا ليحسب منها التكالي النامجة عن‬
‫إزالة التكتالت والطبقات اهلشة ‪.‬‬
‫اإلنتاج الكلي خالل الشهور الثالثة هو ‪:‬‬
‫‪ 992‬م مربع‬ ‫أبريل‬
‫‪ 101‬م مكعب‬ ‫مايو‬
‫‪ 291‬م مكعب‬ ‫يونيو‬
‫‪ 0091‬م مكعب‬

‫األجور املدفوعة للعمال على حساب املشرو إلزالة التكتالت = ‪11.1‬‬


‫جنيه‬
‫نصيب املرت املكعب يف هذه التكلفة = ‪ 9.80 = 1.112‬قرش‬
‫‪0.091‬‬
‫تكلفة املفرقعات املستخدمة يف إزالة التكتالت ‪.‬‬
‫اجلدول التايل يبني عدد أايم حتجري احلجارة املالئمة وعدد أايم إزالة‬
‫التكتالت‬
‫احملجر رقم ‪1‬‬ ‫احملجر رقم ‪ 8‬احملجر رقم ‪ 0‬اجملر رقم ‪1‬‬
‫كتل‬ ‫كتل‬ ‫كتل‬ ‫كتل‬ ‫الشهر‬
‫حجارة‬ ‫حجارة‬ ‫حجارة‬ ‫حجارة‬
‫‪89‬‬ ‫‪81‬‬ ‫صفر‬ ‫‪82‬‬ ‫إبريل‬
‫‪88‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪02‬‬ ‫‪82‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪9‬‬ ‫مايو‬
‫‪89‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪89‬‬
‫صفر‬ ‫صفر‬ ‫صفر‬ ‫صفر‬ ‫يونيو‬
‫‪82‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪82‬‬
‫‪01‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪00‬‬ ‫اإلمجايل‬
‫‪90‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪98‬‬

‫= ‪99‬‬ ‫* عدد أايم إزالة التكتالت‬


‫عدد أايم حتجري احلجارة اجليدة = ‪021‬‬
‫نسبة عدد أايم إزالة التكتالت إىل أايم حتجري احلجارة اجليدة هي ما يقرب من‬
‫‪ 1 : 8‬حيث أن كمية املفرقعات املستخدمة إلزالة التكتالت أكرب مما يستخدم‬
‫لتحجري احلجارة نظراً للتخلخل يف كيان األوىل ‪.‬وإذن فإنه ميكننا حساب‬
‫النسبة على أهنا ‪ ، 1 : 8‬وهذا يعين أن كمية املفرقعات املستخدمة إلزالة‬
‫التكتالت هي ‪ 8/1‬الكمية املستخدمة إلزالة األحجار اجليدة ‪.‬‬
‫* تكلفة املفرقعات اليت تضاف إىل تكلفة ‪ 8‬م مكعب من احلجر = قرشان‬
‫‪.‬‬
‫التشوين ‪:‬‬
‫تشون احلجارة يف أكوام منتظمة الشكل وذلك عند وصوهلا مباشرة إىل موقع‬
‫العمل ‪ .‬وتكلفة هذه العملية هي قرش واحد لكل ‪ 8‬م مكعب ‪.‬‬
‫* التكلفة الكلية للحجارة ‪:‬‬
‫‪ - 8‬تكلفة احلجارةعند تلقيها يف موقع العمل ‪ 82.22 .........‬قرشاً‬
‫‪ - 0‬املفرقعات والفتائل ‪1.22 ...................................‬‬
‫‪ - 1‬برتول ‪2.82 ..................................................‬‬
‫‪ - 9‬زيت ‪2.02 ................................ ....................‬‬
‫‪ - 2‬سائ ‪1.82 ...................................................‬‬
‫‪ - 9‬حتميل ‪0.82 ..................................................‬‬
‫‪ - 9‬استهالكات‪8.22 .............................................‬‬
‫‪ - 1‬حدادة ‪0.9 .................................. ................‬‬
‫‪ - 1‬نفقات عامة ‪9.22 ...........................................‬‬
‫‪ – 82‬تكلفة العمالة إلزال التكتالت ‪ ( 9.80 ..................‬أجور )‬
‫‪ - 88‬تكلفة املفرقعات والقنابل إلزالة التكتالت‪0.22 .....‬‬
‫‪ - 80‬التشوين ‪8.22 .......................... ...................‬‬
‫‪ 92.92‬قرشاً‬
‫أو ‪22‬‬
‫قرشاً‬
‫ابلتقريب‬

‫***‬
‫الرمل ‪:‬‬
‫العربة الواحدة تقوم بسبع رحالت يومياً إىل حماجر الرمل ‪.‬‬
‫اجلمل = ‪ 0.2‬م مكعب ‪.‬‬
‫* كمية الرمل اليت تنقلها شاحنة واحدة = ‪ 89.2 = 0.2 × 9‬م مكعب‬

‫النفقات ‪:‬‬
‫بنزين ( ‪ 9‬جالون ) ‪........................................‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪ 880.2‬قرشاً‬
‫سائ‬ ‫‪-0‬‬
‫‪91.22 ........................................................‬‬
‫زيت (½ كجم ) ‪..........................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪2.22‬‬
‫محالون ( للتحميل ) ‪ 2‬رجال ‪ 82 ،‬قرشاً لكل ‪........‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪92.22‬‬
‫خفري ‪........................................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪81.22‬‬
‫استهالكات العرابت ‪......................................‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪12.22‬‬
‫‪121.2‬‬
‫قرش‬

‫تكلفة املرت املكعب = ‪ 89.22 = 121.2‬قرشاً‬


‫‪89.22‬‬
‫النفقات العامة ‪:‬‬
‫‪ 0.22‬قرشاً لكل ‪ 8‬م‬ ‫‪ - 8‬إزالة احلصى السطحي‬
‫مربع‬
‫‪ 8.22‬قرشاً لكل ‪ 8‬م‬ ‫‪ - 0‬املسامهة يف أجر امليكانيكي ومساعده‬
‫مكعب‬
‫إمجايل النفقات لكل ‪ 8‬م مكعب ‪ 02.22‬قرشاً‬

‫التشييد ‪:‬‬
‫بناية الدبش حتت املدماك العازل للرطوبة بعرض أكثر من ‪ 2.92‬م مبونة من‬
‫طني مثبت ‪.‬‬

‫إنتاج ونفقات عمالة الفري الواحد من البنائني‬

‫مالحظات‬ ‫عدد أتعاب اإلمجايل اإلنتاج‬ ‫عمالة‬ ‫بند‬


‫الكلي‬
‫‪12‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫بناء‬ ‫‪8‬‬
‫مناولة طوب‬ ‫‪ 1‬م مربع‬ ‫‪02‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪0‬‬ ‫فاعل‬ ‫‪0‬‬
‫مجل املونة‬ ‫لكل يوم‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مساعد مونة ( ‪9‬‬ ‫‪1‬‬
‫صيب )‬
‫مجل لفريقني احلجارة‬ ‫‪2‬‬ ‫½ ‪82‬‬ ‫فاعل للحجارة‬ ‫‪9‬‬
‫‪82‬‬ ‫‪82‬‬ ‫فاعل خللط املونة ‪8‬‬ ‫‪2‬‬
‫متدرب‬ ‫‪82‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪8‬‬ ‫صيب بناء‬ ‫‪9‬‬
‫يساعد يف‬
‫قلب‬ ‫مأل‬
‫اجلدران‬
‫‪ 1‬م مربع‬ ‫‪829‬‬
‫النفقات العامة ‪:‬‬

‫‪ 82.22‬قروش‬ ‫( أ ) مالحظ عمال خيدم على عشرة فرق‬


‫* نصيب الفري الواحد = ‪ 8 = 82‬قرش‬
‫‪82‬‬
‫( ب ) مياه خللط املونة = ‪ 8‬النفقات الكلية لتشغيل املضخة ( أنظر بند‬
‫املياه يف نفقات ضرب الطوب ) =‬
‫‪1‬‬
‫‪10 8 = 19‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫متوسط عدد الفرق العاملة ‪82 :‬‬


‫* تكلفة املضخة لكل فري = ‪ = 10.2‬قرشان‬
‫‪82‬‬

‫وأقصى عدد للفرق العاملة يف املشرو هو ‪ 12‬وأدىن عدد هو ‪ 82‬؛ وقد‬


‫حسب املتوسط على أنه ‪ 82‬بدالً من ‪ 02‬ألن الفرتات اليت كان العمل جيري‬
‫فيها بطيئاً كانت أطول كثرياً من الفرتات اليت جيري فيها العمل سريعاً ‪.‬‬
‫واالقتصاد ميلي علينا أنه ينبغي أال يقل املعدل عن قدرمعني حتدده العوامل‬
‫التالية ‪:‬‬
‫املبلغ املخصص يف امليزانية للمشرو حالل السنة املالية وتوزيعه‬ ‫‪-8‬‬
‫متوازايً على شهور العمل ‪.‬‬
‫( املفروض أن شهور العمل هي عشرة شهور ‪ ،‬حيث أن احلرارة يف يوليو‬
‫وأغسطس ال حتتمل = ‪ْ 12‬م يف الشمس ‪ .‬واحلقيقة أن فرتة العمل مل تكن‬
‫تتجاوز أربعة شهور بسبب تعطيالت الروتني وتراخي املوظفني يف القطا‬
‫اإلداري )‬
‫أقصى قدرة ممكنة إلنتاج مواد البناء ‪ ،‬وخاصة الطوب واحلجارة‬ ‫‪-0‬‬
‫ومدى ما هو متاح من األدوات واملعدات ‪.‬‬
‫معدل نقل مواد البناء ابلوسائل املوجودة ‪ :‬الشاحنات ‪ ،‬تروللي ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫السكة احلديد ‪ ،‬اجلمال ‪ ،‬احلمري ‪ ،‬اخل ‪.‬‬
‫وكمثل كان ابملشرو أربع ش احنات ‪ :‬اثنتان تستخدمان يف نقل احلجارة ‪،‬‬
‫واألخراين لنقل الرمل والطني ‪.‬‬
‫وكل شاحنة تنقل ‪ 02‬م مكعب يومياً‬
‫والشاحنتان العاملتان فينقل احلجارة ميكنها أن متد أبربعني مرتاً مكعباً‪.‬‬
‫* احلد األقصى لبناية األساسات سيكون ‪ 92‬م مكعب يومياً إال إذا مت‬
‫ختزين بعض احلجارة مقدماً ‪ .‬فقدرة النقل هنا هي عامل حمدد ‪.‬‬
‫املالط ‪:‬‬
‫املونة لبناية األساسات ابلدبش تتكون من تربة ورمل بنسبة ‪ 8 : 0‬واملرت‬
‫الواحد املكعب من بناية الدبش يتطلب ‪ 0 ،‬و‪ 2‬م مكعب من املونة ‪.‬‬
‫تكلفة املونة = تكلفة الرمل واملياه فقط ألن الرتبة كانت تؤخذ من انت‬
‫حفراألساسات ‪.‬‬
‫‪ 8‬م مكعب رمل ‪ 0 +‬م مكعب تربة تعطي ‪ 0.2‬م مكعب مونة ‪.‬‬
‫تكلفة الرمل = ‪ 02‬قرشاً ‪.‬‬
‫* تكلفة املونة لكل مرت واحد‬

‫= ‪ 8.9 = 02‬قرش ‪.‬‬ ‫من البناية ابلدبش‬


‫‪2 × 0.2‬‬
‫وتصبح التكلفة الكلية لبناية األساسات ابلدبش هكذا ‪.‬‬
‫‪ 829.22‬قرشاً‬ ‫العمالة والتشغيل‬
‫‪1.22‬‬ ‫نفقات عامة‬

‫‪ 892.22‬قرشاً‬ ‫اإلمجايل ل ‪ 1‬م مكعب‬

‫* تكلفة العمالة ‪ +‬النفقات العامة لكل‬


‫= ‪ 02.2‬قرشاً‬ ‫مرت مكعب واحد = ‪892‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1.2‬‬ ‫تكلفة املونة لكل مرت مكعب واحد‬
‫‪22.2‬‬ ‫تكلفة احلجارة لكل مرت مكعب واحد‬
‫‪ 91.2‬قرشاً‬ ‫التكلفة الكلية للبناية ابلدبش‬
‫ألساسات أكثر من ‪2.9‬‬

‫***‬
‫تكلفة البناية ابلدبش بعرض أقل من ‪9‬و‪ 2‬م‬

‫مالحظات‬ ‫التكلفة‬ ‫األجر اإلمجايل النات‬ ‫عدد‬ ‫بند عمالة‬


‫ابلقرش ابلقرش اليومي للمرت‬ ‫ومواد‬
‫الواحد‬
‫املكعب‬
‫م ‪02.22‬‬ ‫‪9 12.2‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫بّناء‬ ‫‪8‬‬
‫مكعب‬
‫‪2.22‬‬ ‫‪02.2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪ 0‬فاعل‬
‫لنقل املونة‬ ‫‪9.22‬‬ ‫‪89.2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مساعد ( ‪0‬‬ ‫‪1‬‬
‫صيب )‬
‫واحد لكل‬ ‫‪0.22‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫½‬ ‫‪ 9‬فاعل‬
‫فريقني‬ ‫خللط املونة‬
‫‪0.2‬‬ ‫‪82.2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫متدرب ( ‪8‬‬ ‫‪2‬‬
‫شاب )‬
‫لعشرة‬ ‫‪.02‬‬ ‫‪8.2‬‬ ‫‪82 8/82‬‬ ‫مالحظ‬ ‫‪9‬‬
‫فرق‬
‫‪0.22‬‬ ‫مياه‬ ‫‪9‬‬
‫‪22.22‬‬ ‫حجارة‬ ‫‪1‬‬
‫‪1.2‬‬ ‫مونة‬ ‫‪1‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪ 11.02‬قرشاً‬
‫‪ 12‬قرشاً‬
‫ابلتقريب‬
‫تكلفة البناية بطوب مثبت جمف يف الشمس فوق املدماك العازل للرطوبة حىت‬
‫مستوى عتبة النوافذ ( ‪ 8.0‬فوق املستوى األرضي للدور )‬

‫مالحظات‬ ‫التكلفة‬ ‫األجر اإلمجايل النات‬ ‫عدد‬ ‫بند عمالة‬


‫اليومي للمرت‬ ‫ابلقرش ابلقرش‬
‫الواحد‬
‫املكعب‬
‫‪12‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫بّناء‬ ‫‪8‬‬
‫ملناولة‬ ‫‪02‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪0‬‬ ‫فاعل‬ ‫‪0‬‬
‫الطوب‬
‫‪89‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫مساعد‬ ‫‪1‬‬
‫(شباب )‬
‫‪82‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪8‬‬ ‫متدرب‬ ‫‪9‬‬
‫فاعل‬ ‫‪= 02‬‬ ‫‪02 8/82‬‬ ‫السكة‬ ‫‪2‬‬
‫لوضع‬ ‫‪8.1‬‬ ‫احلديدية‬
‫القضبان‬ ‫‪82‬‬ ‫اخلفيفة‬
‫مالحظ‬
‫وفاعل‬
‫‪02‬‬ ‫‪82‬‬ ‫فعلة لنقل ‪0‬‬ ‫‪9‬‬
‫الطوب‬
‫سيارة‬ ‫‪9‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫فعلة خللط ½‬ ‫‪1‬‬
‫املونة‬
‫‪ 9 829.1‬م ‪ 09‬قرشاً‬
‫مكعب‬

‫=‬ ‫تكلفة الطوب = ‪2.292 × 922‬‬


‫‪ 12‬قرشاً‬
‫= ‪ 1‬قروش‬ ‫تكلفة املونة = ‪8 ×1‬‬

‫‪1‬‬
‫= ‪09‬‬ ‫تكلفة العمالة والشغل‬
‫قرشاً‬
‫‪21‬‬ ‫اإلمجايل‬
‫قرشاً ‪ 92 ،‬قرشاً ابلتقريب‬
‫تكلفة البناية ابلطوب من مستوى ‪ 8.0 +‬م حىت قمة قمة الدور األرضي ‪:‬‬
‫العمالة والشغل ‪:‬‬

‫التكلفة مالحظات‬ ‫األجر اإلمجايل النات‬ ‫عدد‬ ‫عمل‬ ‫بند‬


‫ابلقرش ابلقرش اليومي للمرت‬
‫الواحد‬
‫املكعب‬
‫مناولة‬ ‫‪ 2 12.2‬م‬ ‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫بّناء‬ ‫‪8‬‬
‫الطوب‬ ‫مكعب‬
‫مناولة‬ ‫‪02.2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪0‬‬ ‫فاعل‬ ‫‪0‬‬
‫املونة‬
‫‪89.2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مساعد ‪0‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪82.2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫متدرب ‪8‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪8.1‬‬ ‫السكة ‪02/82‬‬ ‫‪2‬‬
‫احلديد‬
‫اخلفيفة‬
‫مالحظ‬
‫وفاعل‬
‫نقل‬ ‫‪02.22‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪0‬‬ ‫فعلة‬ ‫‪9‬‬
‫الطوب‬
‫من‬
‫الشون‬
‫خلط مونة‬ ‫‪2.22‬‬ ‫‪82‬‬ ‫فاعل ( ½‬ ‫‪9‬‬
‫مونة )‬
‫‪0.22‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مياه‬ ‫‪1‬‬
‫انصب‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪22‬‬ ‫انصب ‪-‬‬ ‫‪1‬‬
‫واحد ‪+‬‬ ‫‪82‬‬ ‫سقاالت‬
‫‪ 1‬فعلة‬ ‫‪1+‬‬
‫خيدمون‬ ‫فعلة‬
‫‪ 82‬فريقاً‬
‫‪ 2 829.9‬م ‪10.22‬‬ ‫اإلمجايل‬
‫مكعب قرشاً‬

‫تكلفة ‪ 922‬قالب طوب = ‪ 922 ( 12.22‬قالب للمرت املكعب )‬


‫‪1.22‬‬ ‫مونة‬
‫‪10.22‬‬ ‫عمالة وشغل‬
‫‪92.22‬‬ ‫اإلمجايل‬

‫تكلفة البناية ابلطوب للدور األول ‪:‬‬


‫( أ ) عمالة وشغل ( مثل البند الساب ) ‪ 829.9‬قرشاً‬
‫‪82.2‬‬ ‫( ب ) فاعل زايدة لنقل الطوب‬
‫‪1.2‬‬ ‫( ج ) شاب حلمل املونة‬
‫‪ 892.9‬قرشاً‬

‫هو ‪ 9‬م مكعب‬ ‫النات‬


‫* تكلفة املرت املكعب الواحد = ‪ 99.2 = 892.9‬قرشاً‬
‫‪9‬‬
‫‪12.2‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪ 922‬طوبة )‬
‫‪1.2‬‬ ‫تكلفة املونة‬
‫اإلمجايل ‪ 99.2‬قرشاً ‪ 12 ،‬قرشاً‬
‫ابلتقريب ‪.‬‬

‫عدد الطوب املطلوب يف األشغال املختلفة ‪:‬‬


‫اجلدران ‪:‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪ 8‬م مربع من البناية بطو من ‪ 9 × 88 × 01‬سم يتطلب ‪922‬‬
‫طوبة ‪.‬‬
‫‪ - 0‬األقبية ‪ :‬طوب من ‪ 2 × 82 × 02‬سم‬
‫( أ ) املرت الطويل الواحد لقبو حبره ‪ 1‬م ( ‪ 89‬حلقة × ‪ 02‬طوبة ) =‬
‫‪. 192‬‬
‫( ب ) املار الطويل الواحد لقبو حبره ‪ 0.92‬م ( ‪ 89‬حلقة × ‪ 81‬طوبة‬
‫) = ‪. 129‬‬
‫( ج ) املرت الطويل الواحد لقبو حبره ‪ 0.2‬م ( ‪ 89‬حلقة × ‪ 89‬طوبة )‬
‫= ‪. 090‬‬
‫( د ) املرت الطويل الواحد لقبو حبره ‪ 0.2‬م ( ‪ 89‬حلقة × ‪ 80‬طوبة )‬
‫= ‪. 029‬‬
‫( ه ) املرت الطويل الواحد لقبو حبره ‪ 8.2‬م ( ‪ 89‬حلقة × ‪ 1‬طوبة ) =‬
‫‪. 821‬‬

‫‪ - 1‬القباب البيزنطية ‪:‬‬


‫( أ ) قبة بيزنطية حبرها ‪ 1‬م حتناج ‪ 8922‬طوبة مبا فيها اخلناصر املدالة ‪.‬‬
‫( ب ) قبة بيزنطية حبرها ‪ 9‬م حتتاج ‪ 0222‬طوبة مبا فيها اخلناصر املدالة ‪.‬‬
‫القباب على خناصر معقودة ‪:‬‬ ‫‪-9‬‬

‫( أ ) حبر ‪ 1‬م ‪ 0222‬طوبة ‪.‬‬


‫( ب ) حبر ‪ 1‬م ‪ 1222‬طوبة ‪.‬‬

‫العقود ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫مدببة ‪ :‬عقد ‪ 2 : 8‬حبره ‪ 1‬م ‪ ،‬ثالث حلقات ‪ ،‬مسك ‪ 2.92‬للعقد حيتاج‬
‫‪ 292‬طوبة ‪.‬‬
‫مدببة ‪ :‬عقد ‪ 2 : 8‬حبره ‪ 1‬م ‪ ،‬ثالث حلقات ‪ ،‬مسك ‪ 2.92‬للعقد حيتاج‬
‫‪ 192‬طوبة ‪.‬‬
‫عقد قطاعي حبره ‪ 8‬م ‪ ،‬ثالث حلقات ‪ ،‬مسك ‪ 2.92‬للعقد حيتاج ‪822‬‬
‫طوبة ‪.‬‬
‫عقد دائري حبره ‪ 8‬م ‪ ،‬ثالث حلقات ‪ ،‬مسك ‪ 2.92‬للعقد حيتاج ‪810‬‬
‫طوبة ‪.‬‬
‫عقد دائري حبره ‪ 2.9‬م ‪ ،‬ثالث حلقات ‪ ،‬مسك ‪ 2.92‬للعقد حيتاج ‪12‬‬
‫طوبة ‪.‬‬
‫خرسانة لألساسات واألرضيات ‪ ،‬تتكون من حجر كسر ‪ ،‬ورمل ‪ ،‬وجري ‪،‬‬
‫ومونة من طوب مسحوق‬
‫( أ ) عمالة ( سعر شامل مبا فيه اخللط ‪ ،‬والنقل ‪ ،‬والصب‪ ،‬والدك ‪ ،‬اخل )‬

‫‪ 89‬قرشاً‬
‫( ب ) تكلفة احلجر الكسر ( نفس تكلفة الرمل )‬

‫‪ 02‬قرشاً‬
‫( ج ) املونة ‪:‬‬
‫‪ 820‬قرشاً‬ ‫‪ 8‬م مكعب جري‬
‫‪92‬‬ ‫‪ 0‬م مكعب رمل‬
‫‪92‬‬ ‫‪ 8‬م مكعب طوب مسحوق‬
‫‪ 010‬قرشاً تعطي‬
‫‪ 1‬م مكعب من اخللطة‬

‫‪ 8‬م مكعب مونة = ‪ 12 = 010‬قرشاً‬


‫‪1‬‬
‫تكلفة املونة لكل ‪ 8‬م مكعب خرسانة = ‪ 92 = 12‬قرشاً ‪.‬‬
‫‪0‬‬
‫تكلفة نقل احلجارة من املقالب إىل موقع العمل داخل املشرو = ‪1.2‬‬
‫قرشاً ‪.‬‬
‫تكلفة ‪ 8‬م مكعب خرسانة = ‪ 91.2 = 1.2 + 92 + 02+ 89‬قرشاً ‪.‬‬

‫***‬
‫تكلفة حرق اجلري‬

‫التكلفة‬ ‫اإلمجايل النات‬ ‫عدد األجر أايم‬ ‫بند عمالة ومواد‬


‫للمرت‬ ‫ابلقرش العمل ابلقرش‬
‫الواحد‬
‫املكعب‬

‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪8‬‬ ‫تشوين‬ ‫‪8‬‬


‫‪02‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪8‬‬ ‫فاعل تشوين‬ ‫‪0‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫شبان للتشوين‬ ‫‪1‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫شبان ( لكسر ‪0‬‬ ‫‪9‬‬
‫احلجر)‬
‫‪82‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪82‬‬ ‫إلشعال ‪8‬‬ ‫فاعل‬ ‫‪2‬‬
‫النار‬
‫‪82‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪82‬‬ ‫مالحظ إلشعال ‪8‬‬ ‫‪9‬‬
‫النار‬
‫‪92‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪9‬‬ ‫فعلة للتفريغ‬ ‫‪9‬‬
‫‪282‬‬ ‫وقود زيت سوالر ‪0‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ،‬ابلربميل‬
‫م ‪802.2‬‬ ‫‪9 981‬‬ ‫إمجايل‬
‫قرشاً‬ ‫مربع‬
‫‪12.2‬‬ ‫تكلفة احلجارة‬
‫قرشاً‬
‫‪822.2‬‬ ‫إمجايل تكلفة ‪8‬‬
‫قرشاً‬ ‫م مكعب جريي‬
‫تكلفة صنع طوب حمروق‬

‫تكلفة‬ ‫اإلمجا النات‬ ‫الع األجر أايم‬ ‫املهمة‬ ‫بن عمالة‬


‫‪822‬‬ ‫العمل يل‬ ‫دد ابلقر‬ ‫د ومواد‬
‫‪2‬‬ ‫ابلقر‬ ‫ش‬
‫طوبة‬ ‫ش‬
‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪12 8‬‬ ‫رص‬ ‫‪ 8‬بّناء‬
‫طوب يف‬
‫القمينة‬
‫‪19‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪89 8‬‬ ‫رص‬ ‫‪ 0‬مساعد‬
‫الطوب‬ ‫بناء‬
‫يف القمينة‬
‫‪12‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪82 9‬‬ ‫تشوين‬ ‫‪ 1‬فاعل‬
‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪82 0‬‬ ‫نقل‬ ‫‪ 9‬فاعل‬
‫الطوب‬
‫من الشون‬
‫‪82‬‬ ‫ليلة‬ ‫‪ 2‬فاعل نريان عمل ليلي ‪82 8‬‬
‫واحدة‬
‫‪02‬‬ ‫ليلة‬ ‫عمل ليلي ‪82 0‬‬ ‫‪ 9‬فاعل‬
‫واحدة‬ ‫عادي‬
‫‪92‬‬ ‫يوم‬ ‫‪82 9‬‬ ‫للتفريغ‬ ‫‪ 9‬فاعل‬
‫واحد‬
‫‪820‬‬ ‫‪ 1‬وقود زيت‬
‫‪2‬‬ ‫سوالر ‪9 ،‬‬
‫برميل ×‬
‫‪ 8.2‬كجم‬
‫لكل‬
‫‪810. 82.2 810‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪22.2‬‬ ‫‪ +‬تكلفة‬
‫الطوب‬
‫الين‬
‫‪810.‬‬ ‫إمجايل‬
‫‪1‬‬ ‫تكلفة‬
‫قرشاً‬ ‫‪8222‬‬
‫طوبة‬
‫حمروقة‬
‫تشييد العقود‬
‫حبر ‪ 0.2‬إىل ‪ 1‬م ‪ 1 ،‬حلقات ‪ ،‬عرض ‪2.8‬‬

‫تكلفة‬ ‫النات‬ ‫اإلمجايل‬ ‫العدد األجر‬ ‫بند عمال ومواد‬


‫الوحدة‬ ‫اليومي‬ ‫ابلقرش‬ ‫اليومي‬
‫‪12.2‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪ 8‬بّناء‬
‫‪82.2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ 0‬فاعل‬
‫‪89.2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪ 1‬شاب للخلطة‬
‫عقد‬ ‫½‪8‬‬ ‫‪8.2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ 9‬سكة حديد خفيفة‬
‫‪9.2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ 2‬نقل الطوب‬
‫‪0.2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ 9‬مياه‬
‫‪2.2‬‬ ‫‪82‬‬ ‫½‬ ‫‪ 9‬فاعل خللط املونة‬
‫‪10 = ×800 800.0‬‬
‫قرشاً‬ ‫‪0‬‬ ‫قرشاً‬
‫‪1‬‬
‫=‬ ‫‪ +‬تكلفة الطوب‬
‫‪91.0‬‬ ‫‪2.21 ×292‬‬
‫= ‪0.2‬‬ ‫تكلفة املونة ‪2.02‬‬
‫×‪1‬‬
‫اإلمجايل ‪809.0‬‬
‫‪812‬‬
‫قرشاً‬
‫ابلتقريب‬

‫تشييد العقود ‪ ،‬ببحر من ‪ 2.1‬إىل ‪ 8.0‬م‬


‫نفس الفري كما سب يبين ‪ 1‬عقود يومياً‬
‫= ‪ 98‬قرشاً‬ ‫( أ ) عمالة ‪800‬‬
‫‪1‬‬
‫= ‪89‬‬ ‫( ب ) تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 022‬‬
‫=‪8‬‬ ‫( ج ) تكلفة املونة ‪ 1 × 1 × 8‬قروش‬
‫‪1‬‬
‫=‪0‬‬ ‫( د ) شدات‬
‫اإلمجايل ‪ 92.2‬قرشاً‬

‫تشييد العقود ببحر من ‪ 0 – 8.2‬م‬


‫نفس الفري كما سب يبين عقدين‬
‫= ‪ 98‬قرشاً‬ ‫( أ ) عمالة ‪800‬‬
‫‪1‬‬
‫= ‪09‬‬ ‫( ب ) تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 192‬‬
‫=‪8‬‬ ‫( ج ) تكلفة املونة‬
‫= ‪9‬‬ ‫( د ) تكلفة الشدات‬
‫اإلمجايل = ‪ 12‬قرشاً للقطعة‬

‫القباب ‪:‬‬
‫( أ ) قبة بيزنطية – قطر ‪ 1‬م‬
‫الفري يبين قبة واحدة يف يومني‬
‫= ‪ 099‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪0 × 800‬‬
‫= ‪800‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 8922‬‬
‫=‪1‬‬ ‫تكلفة املونة‬
‫= ‪82‬‬ ‫تكلفة القش ‪ 29‬رطالً × ‪802‬‬
‫‪222‬‬
‫اإلمجايل ‪ 199‬قرشاً للقطعة‬

‫( ب ) قبة بيزنطية – قطر ‪ 9‬م‬


‫نفس الفري يبين مبا فيها اخلناصر املعقودة يف ‪ 1‬أايم‬
‫= ‪ 199‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪1 × 800‬‬
‫= ‪892‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 0222‬‬
‫= ‪80‬‬ ‫تكلفة املونة ( ‪ 8.2‬م مكعب × ‪) 1‬‬
‫= ‪82‬‬ ‫‪ 92‬رطالً × ‪802‬‬ ‫تكلفة القش‬
‫‪222‬‬
‫اإلمجايل = ‪ 281‬قرشاً للقطعة‬

‫( ج ) قبة على خناصر معقودة – قطر ‪ 1‬م‬


‫نفس الفري يبين القبة مبا فيها اخلناصر املعقودة يف ‪ 1‬أايم‬
‫= ‪ 199‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪1 × 800‬‬
‫= ‪892‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21. × 0222‬‬
‫= ‪80‬‬ ‫تكلفة املونة ( ‪) 1 × 8.2‬‬
‫= ‪82‬‬ ‫‪ 92‬رطالً × ‪802‬‬ ‫تكلفة القش‬
‫‪222‬‬
‫اإلمجايل = ‪ 221‬قرشاً للقطعة‬
‫( د ) قبة على خناصر معقودة – قطر ‪ 9‬م‬
‫نفس الفري يبين القبة يف ‪ 9‬أايم‬
‫= ‪ 911‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪9 × 800‬‬
‫= ‪092‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 1222‬‬
‫= ‪89‬‬ ‫تكلفة املونة ( ‪ 0‬م مكعب × ‪) 1‬‬
‫= ‪00‬‬ ‫‪ 822‬رطل × ‪802‬‬ ‫تكلفة القش‬
‫‪222‬‬
‫اإلمجايل = ‪ 999‬قرشاً للقطعة‬

‫األقبية ‪:‬‬
‫( أ ) حبر ‪ 2.21‬م‬
‫نفس الفري يبين ‪ 1‬مرت طويل يومياً‬
‫= ‪ 82‬قرشاً‬ ‫‪800‬‬ ‫تكلفة العمالة لكل مرت طويل =‬
‫‪1‬‬
‫=‪1‬‬ ‫تكلفة الطوب ‪2.21 ×822‬‬
‫=‪2‬‬ ‫تكلفة املونة ‪1 × 8‬‬
‫‪89‬‬
‫=‪8‬‬ ‫تكلفة القش‬
‫اإلمجايل = ‪ 01‬قرشاً لكل م ‪ .‬ط‬

‫( ب ) قبو ببحر ‪ 8.2‬م‬


‫نفس الفري يبين ‪ 9‬م ‪ .‬ط يومياً‬
‫= ‪ 02.2‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪8 × 800‬‬
‫‪9‬‬
‫= ‪80.2‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 822‬‬
‫= ‪0.2‬‬ ‫تكلفة القش‬
‫اإلمجايل = ‪ 19.2‬قرشاً ‪ 12 ،‬قرشاً‬
‫ابلتقريب لكل م ‪ .‬ط‬

‫( ج ) قبو ببحر ‪ 0.2‬م‬


‫نفس الفري يبين ‪ 2‬م ط يومياً‬
‫= ‪ 09.2‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪800‬‬
‫‪2‬‬
‫= ‪89.2‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 022‬‬
‫= ‪1.2‬‬ ‫تكلفة املونة والقش‬
‫= ‪ 92.2‬قرش ‪ ،‬لكل م ‪ .‬ط‬ ‫اإلمجايل‬

‫( د ) قبو ببحر ‪ 0.2‬م‬


‫نفس الفري يشيد ‪ 1‬م ‪ .‬ط يومياً‬
‫= ‪ 98.2‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪8 × 800‬‬
‫‪1‬‬
‫= ‪81.2‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 ×012‬‬
‫= ‪9.2‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 012‬‬
‫= ‪8.2‬‬ ‫تكلفة املونة والقش‬
‫اإلمجايل = ‪ 91.2‬قرشاً ‪ 92 ،‬قرشاً ابلتقريب‬
‫لكل م ‪ .‬ط‬

‫( ه ) قبو ببحر ‪ 1‬م‬


‫نفس الفري يشيد ‪ 0.2‬يومياً‬
‫= ‪ 91‬قرشاً‬ ‫تكلفة العمالة ‪800‬‬
‫‪0.2‬‬
‫= ‪01‬‬ ‫تكلفة الطوب ( ‪) 2.21 × 122‬‬
‫=‪9‬‬ ‫تكلفة املونة والقش‬
‫= ‪ 11‬قرشاً ‪ 12 ،‬قرشاً ابلتقريب لكل م‬ ‫اإلمجايل‬
‫‪.‬ط‬
‫ملح ‪: 0‬‬
‫التدريب أبداء العمل‬
‫تكلفة الدرجة‬
‫املسرتد من املدفو‬
‫عدد اإلمجا‬ ‫الدر األج عد اإلمجا فرق‬ ‫النشاط‬ ‫املرح األ‬
‫األاي يل‬ ‫أجر‬ ‫د يل‬ ‫ر‬ ‫جة‬ ‫سبو‬ ‫لة‬
‫م‬ ‫ابلقر األ‬
‫ايم‬ ‫ش‬
‫بناء‬ ‫يتعلم‬ ‫(أ) ‪8‬‬
‫األضال‬
‫من‬ ‫األربعة‬
‫الرسم‬
‫التخطيطي ‪،‬‬
‫جدران من‬
‫طوب جاف‬
‫‪8،‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪19 8‬‬ ‫مسا ‪1‬‬
‫‪0‬‬ ‫عد‬

‫و½‪،8‬و‬
‫‪0‬‬
‫يف‬ ‫يعمل‬ ‫( ب ‪1‬‬
‫‪،‬‬ ‫املهمة‬ ‫)‬
‫يناول املواد‬
‫صفر ‪ 80‬صفر‬ ‫‪- 8‬‬ ‫مسا ‪1‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪0‬‬ ‫عد‬ ‫ويراقب‬
‫أداء‬ ‫يتعلم‬ ‫( ج ‪2‬‬
‫العمل‬ ‫)‬
‫الساب ولكن‬
‫ابستخدام‬
‫املونة و أيضاً‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪19 8‬‬ ‫مسا ‪1‬‬ ‫‪9‬‬


‫‪0‬‬ ‫عد‬
‫الفواصل‬
‫يف‬ ‫يعمل‬ ‫(د) ‪9‬‬
‫‪،‬‬ ‫املهمة‬
‫ويساعد عدد‬
‫‪ 0‬بناء أبن‬
‫قلب‬ ‫ميأل‬
‫اجلدران‬

‫‪19 80‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪- 8 80‬‬ ‫ص‬ ‫‪1‬‬


‫‪0‬‬ ‫بربع يب‬ ‫يقوم‬
‫عمل عدد ‪0‬‬
‫بناء‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪90 9 80‬‬ ‫بناء ص‬ ‫يتعلم‬ ‫(ه ) ‪1‬‬
‫عقود قطاعية يب‬
‫يف‬ ‫( و ) ‪ 82‬يعمل‬
‫املهمة‬
‫مسا‬ ‫كمساعد‬
‫‪810‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪- 9 81‬‬ ‫بّناء مع معلم عد‬
‫بّناء‬ ‫بّناءواحد‬
‫( ‪– 92‬‬
‫‪00 = 81‬‬
‫)‬
‫بناء مسا‬ ‫( ز ) ‪ 88‬يتعلم‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪- 089 8 81‬‬ ‫عد‬ ‫األقبية‬
‫‪0‬‬ ‫بناء‬ ‫والقبة‬
‫البيزنطية‬
‫( ح ‪80‬‬
‫‪- 81‬‬ ‫‪80‬‬ ‫يف بناء ‪- 8 02‬‬ ‫‪ 89‬يعمل‬ ‫)‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫املهمة كبناء‬
‫بناء‬ ‫( ط ‪ 82‬يتعلم‬
‫على‬ ‫‪ 89‬القبة‬ ‫)‬
‫خناصر‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ ،‬بناء ‪- 122 8 02‬‬ ‫معقودة‬
‫‪0‬‬ ‫وأقبية على‬
‫جدران غري‬
‫متوازية‬
‫( ر ) ‪ 89‬ميارسالبناء‬
‫يف بناء‬ ‫ابحلجر‬
‫‪12‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪- 9 02‬‬ ‫املهمة‬
‫معلم‬
‫‪092 09‬‬ ‫‪82‬‬ ‫بناء ‪- 0 12‬‬
‫‪9‬‬
‫‪911‬‬ ‫‪912‬‬

‫ملح ‪1‬‬

‫تنظيم العمل ‪:‬‬


‫جيب عمل حساب تقديري لتكلفة املواد‬
‫والعمالة بني حتليل تكلفة كل جزء من العمل ‪.‬‬
‫قبل بدء أي عمل ‪ ،‬يكون على املهندس‬
‫فيه‬ ‫حيدد‬ ‫مهام‬ ‫ختصيص‬ ‫إصدار‬ ‫املعماري‬
‫العمل الذي جيب أداؤه ‪ ،‬والوقت الالزم لتنفيذه ‪ ،‬والعمالة اليت ستش ّغل فيه ‪،‬‬
‫واملواد املطلوبة لتنفيذ هذا العمل ‪ .‬ومن هذا (( التخصص للمهام )) يقوم‬
‫السكرتري أو املشرف على األشغال مبلء استمارتني ميكننا تسميتهما‬
‫(( أمر الشغل )) ( استمارة أ فيما يلي ) و (( أمر املواد )) ( استمارة ب فيما‬
‫يلي ) ‪ .‬وكلتا االستمارتني حيتفظ هبما يف دفاتر صغرية وتكوانن من نسختني ‪.‬‬
‫واألصل ميكن فصله أما الصورة فمثبتة يف الدفرت ‪.‬‬
‫ويذهب أمر الشغل إىل املشرف على األشغال ‪ ،‬وهو بدوره يعطي األوامر إىل‬
‫مقدم العمال ليوفر العمالة املطلوبة ‪ .‬وبعد عمل اخلطط الالزمة ‪ ،‬يناول‬
‫املشرف على األشغال هذا األمر إىل السكرتري ‪ ،‬أو ألي ممن يكون مسئوالً عن‬
‫ملء صحائ الشغل املعتاد اليت تذهب إىل الوكالة ‪.‬‬
‫وأمر املواد يذهب على أمني املخزن ‪ ،‬وهو إزاء ذلك ميأل أذون الصرف املعتادة‬
‫‪ ،‬حسب النظام العام لإلدارة املستخدم يف الوكالة ‪ .‬وهدف هذا النظام هو‬
‫التأكد من أن العمالة اليت تش ّغل هي واملواد املصروفة قد مت تقدير لزومها‬
‫للعمل بواسطة املهندس املعماري املسئول يف املوقع ‪ ،‬كما أنه سيؤدي إىل وجود‬
‫تضبيط يف هناية كل فرتة ابلنسبة لصحة أذون الصرف وقوائم العمالة ‪ ،‬اليت لن‬
‫تعتمد إال إزاء تقدمي هذه االستمارة ‪ .‬وهبذا نكون قد خلقنا ارتباطاً بني العمل‬
‫الفين واإلداري بطريقة بسيطة ال تعوق الرجال الفنيني أبن يتطلب األمر دخوهلم‬
‫يف عمل إداري روتيين أثناء قيامهم مبهامهم الفنية ‪.‬‬
‫وينبغي أن يتم يومياً ملء ثالث استمارات حىت يظل هناك تعرف مستمر على‬
‫املايل وكمية املخزون ابملخازن ‪ ،‬وكذلك معدل‬ ‫مدى تقدم العمل ‪ ،‬واملوق‬
‫صرف املواد بصفة عامة ‪ ،‬وحىت هناك رؤية واضحة للموق كله بطريقة سهلة‬
‫‪ ،‬حبيث ال حيدث نقص يف املواد أو جتاوز للمدى الزمين احملدد للعمل ‪.‬‬

‫االستمارة رقم ‪ 8‬ضبط يف مدى تقدم األشغال‬


‫كما ميكن رؤيته من العينة املرفقة ‪ ،‬فإن كل أنوا العمل والشغل املختلفة‬
‫مضمنة يف شكل قائمة فحص ‪ .‬واملدخالت املطلوبة ختتزل إىل عالمات أو‬
‫بسهولة أي أوجه‬ ‫أرقام ‪ .‬وميكن للمرء بواسطة هذه االستمارة أن يكتش‬
‫نقص يف م دى تقدم العمل ‪ ،‬ذلك أنه يتم حتقيقها فيما يكاد يشبه الرسوم‬
‫البيانية ‪ .‬وإذا كان هناك أي أتخري فسوف يتم بسهولة الكش عما إذا كان‬
‫هذا التأخري يرجع إىل قلة عدد العمال ‪ ،‬فيجب عندها أن يزاد ‪ ،‬أو إذا كان‬
‫يرجع إىل إمهال العمال ‪ ،‬وذلك عندما يكون عدد العمال مما يقدر أبنه عدد‬
‫كاف حسب القواعد املقبولة اليت مت حتديدها مسبقاً واالتفاق عليها بواسطة‬
‫كال الطرفني ‪ ،‬والوكالة والعمال ‪.‬‬

‫استمارة رقم ‪ 0‬صحيفة املخزون اليومية ‪:‬‬


‫يتم ملء هذه الصحيفة يومياً أو على األقل بعد كل صرفية من املخازن ‪.‬‬
‫واهلدف هو احلصول على صورة واضحة ابلنسبة لكل املواد وذلك عن ‪:‬‬
‫( أ ) كمية املخزون يف املخزن و ( ب ) معدل الصرف اليومي و ( ج )‬
‫املخزون املتاح ‪ .‬وهبذه الطريقة ميكننا تقدير املدة الزمنية اليت ستبقى فيها املواد‬
‫املختلفة ‪ ،‬وميكن إصدار أوامر جديدة يف الوقت املناسب لتفادي توق العمل‬
‫بسبب نقص املواد ‪.‬‬

‫استمارة رقم ‪ 1‬صحيفة موازنة األجور ‪:‬‬


‫يتم يف هذه الصحيفة إدخال كل أجور العمالة اليت تشغل لكل يوم وطول الفرتة‬
‫كلها حىت آخر يوم ‪ ،‬حبيث ميكن احلصول على موازنة كل املصروفات واملوق‬
‫الفعلي مقارانً ابمليزانية املخصصة ‪.‬‬
‫وأمني املخزن هو املسئول عن ملء هذه االستمارة ‪ .‬وجيب مالحظة أن هذه‬
‫عن (( صحيفة األجور )) اليت تستخدمها الوكالة ‪ .‬وهي ال‬ ‫االستمارة ختتل‬
‫ختص احلساابت العامة للوكالة إال كوسيلة مراجعة ‪ ،‬واهلدف منها حمدود لكل‬
‫موقع من حيث أهنا تدل بدقة على املوق املايل ‪.‬‬
‫***‬

‫استمارة أ ‪:‬‬

‫أمر شغل‬

‫املنطقة ‪......................................... ..... :‬‬

‫املوقع ‪............................................... :‬‬

‫مالحظات‬ ‫التاريخ‬ ‫التاريخ‬ ‫املدة‬ ‫األجر‬ ‫العدد‬ ‫العمالة‬


‫الفعلي‬ ‫احملدد‬
‫للبدء‬ ‫للبدء‬
‫‪..............................‬‬ ‫‪:‬‬ ‫األعمال‬ ‫مدير‬
‫املشرف ‪.................................... :‬‬

‫كاتب األعمال ‪............................. :‬‬


‫استمارة ب ‪:‬‬

‫أمر مواد‬
‫التاريخ ‪..................................... :‬‬

‫املوقع ‪..................................... :‬‬


‫التاريخ ‪81.................................. :‬‬

‫مالحظات‬ ‫مقدم‬ ‫الغرض‬ ‫الوحدة‬ ‫املواصفات الكمية‬


‫الطلب‬
‫ابلرسم‬

‫‪..............................‬‬ ‫‪:‬‬ ‫الطلب‬ ‫مقدم‬


‫مدير األعمال ‪............................. :‬‬
‫‪...............‬‬ ‫‪:‬‬ ‫األعمال‬ ‫على‬ ‫املشرف‬
‫أمني املخزن ‪............................. :‬‬
‫استمارة رقم ( ‪) 8‬‬

‫ضبط يف تقدم العمل‬

‫املبىن‬ ‫رقم‬
‫‪81‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫التاريخ‬

‫مالحظات‬ ‫طبيعة وعدد املباين‬ ‫توصي العمل‬


‫حفر‬
‫خراسانة لألساس‬
‫بناية األساس‬
‫بناية ابلدبش‬
‫بناية بطوب الل ن‬
‫{قباب‬ ‫سق‬
‫{ أقبية‬
‫تركيب روافد‬
‫ألواح أرضية‬
‫قاشاين‬
‫بوص وطني‬
‫جص خارجي‬
‫جص داخلي‬
‫جنارة أبواب ونوافذ‬
‫تركيبات صحية‬
‫أرضيات‬
‫العمالة املشغلة‬
‫بناءون درجة أوىل‬
‫بناءون درجة اثنية‬
‫مساعد بناء‬
‫فاعل رجل‬
‫فاعل صيب‬
‫جنار‬
‫مساعد جنار‬
‫جصاصني‬
‫فعلة‬
‫سباكني‬
‫مساعد سباك‬
‫فعلة‬
‫استمارة ( ‪) 0‬‬

‫صحيفة املخزون اليومية‬

‫املنطقة ‪............................ :‬‬

‫‪........ .....................‬‬ ‫‪:‬‬ ‫املوقع‬


‫التاريخ ‪81 .............................‬‬

‫املخزون‬ ‫الكمية الكمية إمجايل‬ ‫الكمية إمجايل‬ ‫املادة الكمية‬


‫املنصر املنصر املنصرف املتاح‬ ‫ما‬ ‫اليت‬ ‫اليت‬
‫فة اليوم فة قبل حىت‬ ‫وصلت وصل‬ ‫وصلت‬
‫اليوم‬ ‫اليوم‬ ‫حىت‬ ‫قبل‬ ‫اليوم‬
‫اليوم‬ ‫اليوم‬
‫‪..............................‬‬ ‫‪:‬‬ ‫املخزن‬ ‫أمني‬
‫املهندس املعماري ‪...................... :‬‬
‫استمارة رقم ( ‪) 1‬‬

‫صحيفة موازنة األجور‬

‫املنطقة ‪............................... :‬‬


‫‪...............................‬‬ ‫‪:‬‬ ‫املوقع‬
‫التاريخ ‪81 ..............................‬‬

‫حاصل اجلمع مالحظات‬ ‫اإلمجايل‬ ‫األجر‬ ‫العدد‬ ‫توصي‬


‫الكلي‬ ‫مليم‬ ‫اليومي‬ ‫العمل‬
‫مليم‬ ‫جنيه‬ ‫مليم‬
‫جنيه‬ ‫جنيه‬

‫حاصل اجلمع الكلي لليوم ‪........................................... :‬‬

‫إمجايل األايم السابقة يف فرتة دفع األجور ( أسبو أو أسبوعني )‬


‫‪...........................................‬‬

‫‪:‬‬ ‫العمل‬ ‫بداية‬ ‫منذ‬ ‫األجور‬ ‫مجع‬ ‫حاصل‬ ‫إمجايل‬


‫‪......................................................................‬‬

‫‪:‬‬ ‫اليوم‬ ‫حىت‬ ‫األجور‬ ‫مجع‬ ‫حاصل‬ ‫إمجايل‬


‫‪..........................................................................‬‬
‫‪..‬‬
‫ملح ‪: 9‬‬

‫األساسات ‪:‬‬

‫األساسات والتسقي مها أكرب املشاكل الفنية واالقتصادية‬


‫لإلسكان الريفي الرخيص ‪.‬‬
‫وهناك حلول فنية عديدة ملشكلة األساسات‬
‫‪ -‬أساسات اخلازوق ‪ ،‬وأساسات الشدة اخلرسانية ‪ ،‬اخل ‪ .‬على أن‬
‫مشكلتنا ليست جمرد‬
‫فنية ‪ ،‬فنحن حنتاج أساساً مالئماً (( ميكن حتمل تكلفته )) ‪.‬‬
‫والكفاءة ابلتكامل ( ‪ ) 8‬تتطلب أساساً يكون يف نطاق الوسائل واملهارات‬
‫املتاحة للبنائني الفالحني ‪.‬‬
‫ويبدو أن مثة ثالثة حلول ممكنة ملشكلة بناء أساسات متينة على أرض متشققة‬
‫‪.‬‬
‫فيمكن استخدام نو من أساس اخلازوق ‪ ،‬حيث يتم ثقب حفر عند زوااي كل‬
‫حجرة إىل ما هو أسفل عم الشقوق ( ‪ 1‬م تقريباً ) ‪ .‬ومتأل هذه احلفر خبرسانة‬
‫طينية تتكون من حصى ‪ ،‬وكسر احلجارة ‪ ،‬وكسر فخار ‪ ،‬وكسر طوب حمروق ‪،‬‬
‫أو خليط مشابه ‪ ،‬يتم حلمه مبونة طينية مثبتة ابلرمل ‪ .‬ويف املمارسة التقليدية ‪،‬‬
‫يتم ربط اخلوازي معاً بكمرات خرسانية أفقية ‪ .‬وهذا أمر ابهظ التكلفة ؛‬
‫وهكذا يستبدل ابلكمرات الرابطة عقد لتوزيع احلمل ‪ .‬وهبذا حيمل الثقل‬
‫الرئيسي للجدار والسق إىل اخلازوق بواسطة هذا العقد الذي يبين يف اجلدار‬
‫من األطراف إىل ما يصل ابلضبط إىل مستوى أسفل عتبات النوافذ ‪ .‬وميكن‬
‫بناء عقد من هذا النو بسهولة ‪ ،‬ابستخدام املداميك السفلى للجدار نفسه‬
‫كشدة ‪ ،‬وابالشرتاك مع اخلوازي فإنه سينقل ابلفعل ثقل البناء إىل األرض‬
‫املتماسكة يف أسفل الشقوق ‪.‬‬
‫وهناك حل آخر ‪ ،‬يتطلب أيضاً الوصول إىل ما حتت الشقوق ‪ ،‬وهو حفر‬
‫خنادق األساسات حىت تصل إىل عم كاف ‪ ،‬وحىت يتم التوفري يف بناية املأل‬
‫يتم ملؤها ابلرمل أو بطني مثبت ابلرمل ‪ ،‬يدك يف طبقات كل منها ‪ 02‬سم‬
‫حىت يتم الوصول إىل العم املعتاد لألساسات وهو ‪ 8.0‬م ‪ .‬وهذه الطريقة‬
‫تتطلب العمل مبا له اعتباره يف مزيد من احلفر ‪ ،‬وشغل الدك ‪ ،‬ونقل الرمل ‪،‬‬
‫حبيث قد يثبت يف النهاية عند التطبي أهنا من الناحية التكاملية ستكون أكثر‬
‫تكلفة يف بعض املناط اليت ال يكون فيها حماجر رمل قريبة ‪.‬‬
‫وجيب أن يكون املعيار دائماً هو ‪ ،‬ما هي الطريقة اليت تتطلب أقل قدر من‬
‫استرياد املواد والتجهيزات من خارج املنطقة ؟‬
‫والطريقة الثالثة هي أن جتعل األرض مدموجة صناعية ‪ .‬وقد الحظنا يف القرنة‬
‫أن املباين ا ليت أقيمت قبل غمرها ابلفيضان مل تتأثر ابلشقوق عندما ظهرت بعد‬
‫ذلك ‪ .‬وحىت أول بيوتنا الذي قصد به أن يكون مؤقتاً وبىن على أساسات‬
‫خملخلة من طوب حمروق ‪ ،‬فإنه مل يصبه أي تل بعد غمره ابلفيضان ‪ .‬وتفسري‬
‫ذلك هو أن ثقل البناء جعل األرض مدموجة ‪ ،‬وأن هذا التأثري قد توز على‬
‫مساحة أكرب من مساحة األساسات ‪ ،‬حسب خطوط الضغط املتساوي ‪.‬‬
‫وهكذا فإن الضغط يف نطاق املنطقة منع حدوث التشققات فيها ‪ .‬أما املبىن‬
‫الذي يقام على أرض مشققة من قبل ‪ ،‬فإنه ال ميكنه جعل األرض مدموجة‬
‫بنفس الطريقة ‪ ،‬ألن الشقوق ستمنع نشوء خطوط الضغط املتساوي نشأة‬
‫طبيعية ‪ ،‬وسيقع كل ثقل املبىن على مساحة من الرتبة هي اصغر كثرياً ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬فإنه إذا أمكن جعل األرض مدموجة قبل البناء ابستخدام اسطوانة‬
‫متهيد ‪ Roller‬ثقيلة ‪ ،‬فإنه ينبغي أن يصبح ‪ ،‬من املمكن إقامة البناء يف‬
‫أمان ابألسلوب األصلي للقرنة ‪ .‬وميكن تنفيذ هذه العملية ابلفعل يف خنادق‬
‫األساس لكل بناء ‪ ،‬ابستخدام اسطوانة متهيد يدوية ‪ ،‬أو ميكن تنفيذها على‬
‫نطاق واسع يف املوقع كله ابستخدام اسطوانة متهيد ميكانيكية ‪ ،‬ومرة أخرى ‪،‬‬
‫جيب أن تقارن هذه الطريقة ابلطرق األخرى من حيث الكفاءة املتكاملة وأخريًا‬
‫فهناك دائماً ذلك البديل ‪ ،‬وهو أن نتقبل وجود جدران مشققة ونقوم إصالحها‬
‫‪ .‬وطوب الل ن مما يسهل جداً إصالحه ‪ ،‬وحىت لو ظهرت الشقوق املرة تلو‬
‫األخرى ‪،‬فإنه ميكن ملؤها ‪ .‬فمادة البناء موجودة دائماً هناك والعمالة متاحة‬
‫وميكن ألي واحد أن يقوم ابملهمة ‪ .‬ومن الوجهة التكاملية ‪ ،‬فإن من املمكن أن‬
‫تكون أكثر الطرق‬
‫كفاءة للبناء هي أن يتم التصميم مع توقع الشقوق ومع السماح إبصالحها‬
‫ابستمرار ‪ .‬ويف خالل عام أو عاميني لن تظهر شقوق أخرى يف البيت ‪ ،‬ألنه‬
‫سيكون قد جعل األرض من حتته مدموجة فتتوق احلركة اجلانبية للرتبة ‪.‬‬
‫ومن بني هذه البدائل ‪ ،‬فإن البديل األخري هو الذي يستخدمه الفالحون ‪،‬‬
‫والثاين – اخلنادق العميقة مع ارتكاز البناء على الرمل – هو ما جربته يف القرنة‬
‫‪ .‬وكل هذه الطرق حتتاج إىل تقييم حريص جداً ‪ ،‬لتقرير أيها أسلم‬
‫_________________________________________‬
‫________________‬

‫( ‪ ) 8‬إذا كانت تكلفة العمل احمللي يوفرها الفالح كما تقدر ابلرجل ‪/‬‬
‫الساعات وحتول إىل مبلغ نقدي ‪ ،‬يضاف إليه تكلفة املواد اليت مت احلصول‬
‫‪ ،‬وإذا كان مثن العمل املأجور واملواد املستوردة = م فإن‬ ‫عليها جماانً =‬
‫× ‪822‬‬ ‫الكفاءة ابلتكامل ك ابلنسبة للبناء مثنها املعادلة ك =‬
‫‪+‬م‬
‫تكاملياً ألي منطقة بعينها ‪ .‬فنحن حنتاج إىل العثور على العم األدىن الفعال‬
‫لألساسات واخلوازي ‪ ،‬وحنتاج إىل‬
‫اختبار فعالية جعل األرض مدموجة مسبقاً ‪ ،‬وحنتاج إىل الوصول إىل التأثري‬
‫االقتصادي واالجتماعي للتصميم الذي ستلزم معه االصالحات ‪ .‬وهذه‬
‫البدائل هي جمرد مقرتحات ابلفعل بواسطة األحباث ‪.‬‬
‫وما إن توفر لنا التجارب اليت جيري تنفيذها تنفيذاً مالئماً ‪ ،‬عدداً من الطرق‬
‫األكيدة لبناء األساسات ‪ ،‬فإن ذلك سيمكننا من تقرير أيها هي اليت تالئم‬
‫أفضل مالءمة أي منطقة بعينها ‪ .‬ولعل هذه التجارب قدتؤدي إىل تطوير بعض‬
‫بديل جديد متاماً ‪ .‬والنقطة اهلامة هي أن نعرف مسبقاً كي يكون حل املشكلة‬
‫اهلندسية ‪ ،‬وجيب توجيه كل حبثنا إىل حل املشكلة االقتصادية ألساسات ميكن‬
‫أن يبينها الفالحون ابستخدام مواردهم هم انفسهم مع أدىن حد من املعونة‬
‫اخلارجية ‪.‬‬
‫والرتبة يف دلتا مصر أصبحت مدموجة بسبب استخدام نظام الري الدائم ‪،‬‬
‫وعدم وجود غمر دوري ‪ .‬وهكذا فإن الشقوق السطحية ال تظهر ‪ .‬وتفلبات‬
‫املياه اجلوفية ليست بنفس كرب تقلبات صعيد مصر ‪ .‬وهكذا فإن حالة الرتبة‬
‫فيزايئياً أكثر استقراراً عما يف صعيد مصر ‪.‬‬
‫والتكتالت الصلبة ليست مما هو متاح يف الدلتا ‪ ،‬واحلجر واحلصي املوجودة يف‬
‫الصحراء هي على مسافة أبعد كثرياً من أن ميكن للفالح أن ينقلها ‪ .‬وهكذا‬
‫فإن بيوت الفالحني يف دلتا مصر تبين عاد ًة دون أساس ابملعىن املعتاد ‪.‬‬
‫فاجلدران تبىن يف خندق ضحل عمقه يقرب من عشرين إىل مخسة وعشرين‬
‫سنتيمرتاً ‪ ،‬ويرص الطوب مباشرًة على الرتبة قريباً من السطح – وهي طريقة‬
‫إنشاء يعيدة عن السالمة أقصى البعد ‪ .‬وتتمدد أرض ‪ ،‬مث تنكمش حىت تستقر‬
‫‪ ،‬وسرعان ما تتشق كل هذه اجلدران ‪ .‬وعلى كل فإهنا مصنوعة من طوب‬
‫الل ن ‪ ،‬فيمكن إصالحها بسهولة ‪ .‬وبعد إصالح الش مرتني أو ثالث مرات‬
‫متعاقبة فإنه خيتفي لألبد إذ تصبح األرض مدموجة متاماً حتت ثقل اجلدران ‪.‬‬
‫وحلسن احلظ فإن احلركة اجلانبية الواسعة للرتبة اليت تشيع يف صعيد مصر ‪،‬‬
‫واليت تنت عن ظهور شقوق ابلغة العم ‪ ،‬هي غري شائعة يف دلتا مصر ‪ ،‬وإن‬
‫كان هناك بعض حركة رأسية انمجة عن متدد الرتبة عندما ترتفع املياه ‪.‬‬
‫واملشكلة الرئيسية هنا هي اجلاذبية الشعرية للمياه اجلوفية إىل داخل اجلدران‬
‫وما يرتتب على ذلك من تل األجزاء السفلى من اجلدران بسبب تكرار‬
‫التبليل واجلفاف ‪ .‬واإلجراء املتعارف عليه يف االنشاءات املهنية ابخلرسانة ‪،‬‬
‫واحلجارة ‪ ،‬والطو ‪ ،‬اخل هي أن يوضع مدماك مضاد للرطوبة يف اجلدار على‬
‫ارتفا يقرب من مخسة عشر سنتيمرتاً فوق مستوى االتصال أبي تربة رطبة ‪.‬‬
‫***‬
‫ملح ‪: 2‬‬

‫ضرب الطوب ‪:‬‬

‫تركيب وخصائص الرتبة خيتلفان اختالفاً واسعاً‬


‫من مكان آلخر ‪ .‬ومن احملتمل أن‬
‫ينعكس هذا التباين على نوعية طوب الل ن‬
‫اجملف يف الشمس املصنو من الرتبة ‪،‬‬
‫وهي حقيقة جعلت املعماريني واملهندسني ينفرون‬
‫من استخدام هذا الطوب ‪.‬‬
‫وبسبب تباين أنوا الرتبة ‪ ،‬فإن من الضروري يف‬
‫أي موقع يعينه أن يتم حبرص حتليل الرتبة اليت ستستخدم لصنع الطوب حتليالً‬
‫كيماوايً وفيزايئياً ‪.‬‬
‫وجيب إجراء جتارب وفحوص معملية على عينات من الطوب وعينة للجدار (‬
‫ابحلجم الكامل يف احلالة ) لتحديد قدر االنكماش ‪ ،‬وقوة التحميل ‪ ،‬واملسار‬
‫‪ ،‬وغري ذلك من اخلصائص الفيزايئية ‪.‬‬ ‫يف ظروف التبليل والتجفي‬
‫أما يف املشروعات اليت تكون على نطاق كبري فينبغي إجراء الفحوص على‬
‫وحدات معمارية كاملة ‪ ،‬مثل التبييتة اليت يف اجلدار ‪ ،‬والقبة ‪ ،‬والقبو ‪ ،‬والسلم‬
‫‪ ،‬اخل ‪ ،‬فتجري عليها الفحوص كل على حدة ‪ ،‬كما يف حجرة واحدة كاملة ‪.‬‬
‫وأهم االختبارات يف هذه احلالة األخرية هي ما يكون على التحميل وعلى‬
‫‪.‬‬ ‫التبليل والتجفي‬
‫وينبغي كنتيجة هلذه الفحوص أن يتم حتديد املواصفات ابلنسبة لرتكيب الرتبة (‬
‫نسب الرمل ‪ ،‬والطفل ‪ ،‬والطمي اخل ) ‪ .‬ومن املهم أن يكون مفهوماً أنه ال‬
‫ميكن وضع مواصفات عامة هبذا الشأن ‪ ،‬مبثل ما ميكننا يف حالة احلديد الصلب‬
‫عن اآلخر ‪ ،‬وجيب حتديد‬ ‫أو اخلرسانة ‪ ،‬فكل حالة ‪ ،‬وكل موقع خيتل‬
‫املواصفات حبيث تالئم الرتبة هناك ‪.‬‬
‫ومثة حتذير هنا ‪ .‬ذلك أن استخدام طرق التثبيت الباهظة أمر غري ضروري ‪.‬‬
‫فما إن يتم صنع طوبة قوية مبا يكفي ‪ ،‬حىت يكون يف ذلك وحده ما يفي ‪.‬‬
‫ومن الالزم إجراء البحوث على أتثري القش يف الطوب واجلص اخلارجي ‪ .‬وقد‬
‫لوحظ أنه يبدو أن الطوب واجلص اليت يتم صنعهما حسب األسلوب الفالحي‬
‫يف مصر والسودان ‪ ،‬حيث يضاف القش وروث البقر إىل الطني ويرتك ليتخمر‬
‫زمناً طويالً ‪ .‬هذا الطوب واجلص يقاومان املاء جيداً ‪.‬‬
‫ومن املعروف أن طوب الطفل حيتاج إىل القش كعامل مل أو أن يثبت الطوب‬
‫ابلرمل – على األقل بنسبة ‪ 12‬يف املائة ؛ وبدون هذا فإنه يتشق ‪.‬‬
‫ويبدو أن ألياف القش جتعل الطوب يتماسك معاً أثناء انكماشه خالل عملية‬
‫اجلفاف ‪ .‬ويف حالة اجلص الطيين املصنو ابلقش ‪ ،‬يكون مما يثري االهتمام‬
‫معرفة ما إذا كانت خصائصه امللحوظة الطاردة للماء ترجع إىل جمرد أتثريه‬
‫كعامل حلم ‪ ،‬أو هي ترجع إىل بعض تغري كيماوي من مثل تكوين محض‬
‫اللبنيك أثناء التخمر ‪ ،‬أو هي ترجع إىل خاصية لطرد املاء يف القش هو نفسه ‪،‬‬
‫عندما يتعرض بعضه مكشوفاً على سطح اجلص ‪ .‬وقد لوحظ أن السطح‬
‫الطفلي هلذا اجلص تغسله املياه مزيلة إايه بعد املطر ويبقى القش مكشوفاً على‬
‫جزء كبري من السطح ‪.‬‬
‫***‬

‫مقتطفات من جتارب العقيد دعبس ‪:‬‬


‫مل يستخدم أي ضغط ميكانكي يف ضرب الطوب ‪ ،‬وقد صب يف قوالب من‬
‫حديد ابستخدام الطرق البسيط مللء القالب كما يفعل يف املمارسة الشائعة ‪.‬‬
‫يف غرفة العمل لسبعة أايم ‪ ،‬مث أخرج‬ ‫وقد تركت قوالب الطوب – لتج‬
‫ليجف يف اهلواء الطل ‪.‬‬
‫وقد اختريت هنا ثالثة أنوا من الطوب الذي اخترب ‪:‬‬
‫اجملموعة أ ‪ .‬تتكون من تربة طفل غريين ورمل بدرجات خمتلفة ‪.‬‬
‫اجملموع ة ب ‪ .‬تتكون من تربة طفل غريين ‪ ،‬ورمل بدرجات خمتلفة ‪ ،‬وقش ‪.‬‬
‫اجملموعة ج ‪ .‬تتكون مثل أ ‪ .‬مع بيتومني ‪.‬‬
‫طوب النو أ‬

‫درجات اإلجهاد كجم ‪ /‬سم‬


‫مربع‬
‫‪ 812‬يوماً‬ ‫‪ 12‬يوماً‬ ‫‪ 12‬يوماً‬ ‫‪ 9‬أايم‬ ‫‪ %‬رمل‬
‫‪20.22‬‬ ‫‪22.92‬‬ ‫‪29.12‬‬ ‫‪99.2‬‬ ‫‪02‬‬ ‫رمل انعم‬
‫‪19.02‬‬ ‫‪11.22‬‬ ‫‪99.22‬‬ ‫‪11.1‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪09.22‬‬ ‫‪02.02‬‬ ‫‪01.1‬‬ ‫‪00.1‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪9.92‬‬ ‫‪9.92‬‬ ‫‪9.80‬‬ ‫‪9.80‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪99.22‬‬ ‫‪22.19‬‬ ‫‪98.1‬‬ ‫‪90.81‬‬ ‫رمل صغري ‪02‬‬
‫‪01.22‬‬ ‫‪19.12‬‬ ‫‪90.9‬‬ ‫‪11.9‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪08.22‬‬ ‫‪00.99‬‬ ‫‪01.92‬‬ ‫‪02.1‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪81.22‬‬ ‫‪81.81‬‬ ‫‪88.92‬‬ ‫‪88.09‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪98.12‬‬ ‫‪98.12‬‬ ‫‪91.91‬‬ ‫‪19.99‬‬ ‫‪02‬‬ ‫رمل‬
‫‪09.02‬‬ ‫‪01.12‬‬ ‫‪12.92‬‬ ‫‪09.91‬‬ ‫‪92‬‬ ‫متوسط‬
‫‪89.22‬‬ ‫‪02.82‬‬ ‫‪02.92‬‬ ‫‪81.21‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪80.22‬‬ ‫‪88.91‬‬ ‫‪88.29‬‬ ‫‪80.11‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪10.02‬‬ ‫‪09.19‬‬ ‫‪19.19‬‬ ‫‪10.19‬‬ ‫‪02‬‬ ‫رمل كبري‬
‫‪89.22‬‬ ‫‪08.19‬‬ ‫‪81.21‬‬ ‫‪89.21‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪9.12‬‬ ‫‪88.11‬‬ ‫‪81.29‬‬ ‫‪1.99‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪9.92‬‬ ‫‪9.92‬‬ ‫‪1.20‬‬ ‫‪9.12‬‬ ‫‪12‬‬

‫طوب النو ب‬

‫درجات اإلجهاد كجم ‪ /‬سم‬


‫مربع‬
‫‪ 812‬يوماً‬ ‫‪ 12‬يوماً‬ ‫‪ 12‬يوماً‬ ‫‪ 9‬أايم‬ ‫‪ %‬قش‬ ‫‪ %‬رمل‬
‫‪99.12‬‬ ‫‪91.2‬‬ ‫‪21.9‬‬ ‫‪19.0‬‬ ‫‪8.22‬‬
‫‪92.12‬‬ ‫‪91.1‬‬ ‫‪91.22‬‬ ‫‪11.2‬‬ ‫‪8.92‬‬
‫‪90.02‬‬ ‫‪92.2‬‬ ‫‪92.22‬‬ ‫‪12.2‬‬ ‫‪0.22‬‬
‫‪12.22‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪92.22‬‬ ‫‪01.2‬‬ ‫‪2.22‬‬
‫‪92.2‬‬ ‫‪92.1‬‬ ‫‪99.8‬‬ ‫‪10.9‬‬ ‫‪8.22‬‬ ‫‪02‬‬
‫‪99.2‬‬ ‫‪99.2‬‬ ‫‪91.9‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪8.92‬‬
‫‪11.22‬‬ ‫‪19.9‬‬ ‫‪99.9‬‬ ‫‪10.2‬‬ ‫‪0.22‬‬
‫‪19.0‬‬ ‫‪12.2‬‬ ‫‪09.22‬‬ ‫‪02.2‬‬ ‫‪2.22‬‬
‫‪12.92‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪19.9‬‬ ‫‪12.9‬‬ ‫‪8.22‬‬ ‫‪92‬‬
‫‪12.12‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪10.2‬‬ ‫‪8.92‬‬
‫‪19.22‬‬ ‫‪11.0‬‬ ‫‪11.12‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪0.22‬‬
‫‪01.82‬‬ ‫‪12.2‬‬ ‫‪10.22‬‬ ‫‪00.2‬‬ ‫‪2.22‬‬

‫مقتطفات من جتارب د ‪ .‬مصطفى حيىي ‪:‬‬


‫حىت ميكن استخدام مادة اقتصادية كالطني يف البناء ‪ ،‬مت إجراء اختبارات على‬
‫جدران صغرية بنيت من طوب الل ن – الذي عومل بعضه مبواد مثبتة – وهي‬
‫مغطاة أبنوا خمتلفة من اجلص مع استخدام أنوا شىت من املداميك املضادة‬
‫للرطوبة ‪ .‬وقد بنيت أساسات هذه اجلدران من طوب أمحر حمروق حيث أن‬
‫هذا اجلزء أكثر تعرضاً للتبليل والتجفي ولعوامل أخرى ميكانيكية وكيمائية ‪.‬‬
‫‪ .‬واستخدمت نفس خلطة‬ ‫وقد بنيت اجلدران ‪ ،‬وغطيت ابجلص وتركت لتج‬
‫الطني كمونة يف كل احلاالت ‪ ،‬وبعدها عرضت اجلدران لدورات منتظمة من‬
‫لستة أسابيع ‪ .‬ومت التبليل بواسطة رذاذ يشابه املطر ملدة‬ ‫التبلل والتجفي‬
‫نص الساعة مرتني يومياً ‪ ،‬مرة يف الصباح والثانية بعد ست ساعات ‪.‬‬
‫ورصدت املالحظات على اجلدران أثناء هذه الفرتة ‪ ،‬مث جرى حتميلها حىت‬
‫‪ 882‬كجم ‪ /‬م ‪ .‬ط ‪ .‬واستمرا دورات التبليل حىت اهنارت اجلدران ‪.‬‬

‫‪ ‬املالحظات ‪:‬‬
‫أجريت االختبارات على جمموعتني من اجلدران ‪ .‬اجملموعة األوىل تتكون‬
‫من أربعة جدران مبنية من طوب ل ن مص نو ابلقش ‪ ،‬بسمك طوبة‬
‫واحدة ( ‪ 02‬سم ) ‪ ،‬وبطول مرت واحد وارتفا مرت واحد كالتايل ‪:‬‬
‫جدار جبص معامل ابلدايتول ومبدماك واحد إسفليت‬ ‫‪-8‬‬
‫مضاد للرطوبة ‪.‬‬
‫جدار جبص طيين غري معامل ‪ ،‬ومبدماك واحد‬ ‫‪-0‬‬
‫إسفليت مضاد للرطوبة ‪.‬‬
‫جدار جبص طيين غري معامل وغطاء من خلطة‬ ‫‪-1‬‬
‫دايتول كمدماك مضاد للرطوبة ‪.‬‬
‫جدار جبص طيين غري معامل وبغري مدماك مضاد‬ ‫‪-9‬‬
‫للرطوبة ‪.‬‬
‫واجملموعة الثانية ‪ ،‬تتكون من ثالثة جدران من نفس املقاسات كاألخرية ‪،‬‬
‫ومبنية من طوب ل ن مصنو ابلقش والدايتول كتايل ‪:‬‬
‫جدارمدماك مضاد للرطوبة من خلة دايتول ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫جدار مدماك مضاد للرطوبة من اإلسفلت ‪.‬‬ ‫‪-0‬‬
‫جدار جبص دايتول ومدماك مضاد للرطوبة من خلطة‬ ‫‪-1‬‬
‫دايتول ‪.‬‬
‫وعرضت هذه اجلدران لنفس دورات التبليل والتجفي كما سب ‪ ،‬واليت‬
‫استمرا حىت اهنارت اجلدران‪.‬‬
‫وأول جدار اهنار هو اجلدار الرابع من اجملموعة األوىل ‪.‬‬
‫وقد بدأت االختبارات يف ‪ 88‬ديسمرب ‪ ، 8122‬واهنار اجلدار ذو‬
‫اجلص غري املعامل والذي بدون مدماك مضاد للرطوبة يف ‪ 89‬فرباير‬
‫‪. 8129‬‬
‫واهنارت ابقي اجلدران ابلتتايل ابتداءص من ‪ 81‬فرباير ‪. 8129‬‬
‫واهنيار اجلدران كان يف معظم احلاالت بسب ال مركزية التحميل وابلتايل‬
‫بسبب اتقوس ‪.‬‬
‫***‬
‫سجل التجربة‬
‫اتريخ ‪ - 8‬جدار ‪ - 0‬جدار جبص ‪ - 1‬جص غري ‪ - 9‬جص غري‬
‫وبدون‬ ‫ومدماك معامل‬ ‫معامل معامل‬ ‫معامل غري‬ ‫جبص‬
‫مضاد‬ ‫دايتول مدماك‬ ‫ابلدايتول ومدماك ومدماك إسفلت خلطة‬
‫للرطوبة ‪.‬‬ ‫مضاد لرطوبة ‪ .‬مضاد للرطوبة ‪ .‬مضاد للرطوبة‬

‫ال تغري ملحوظ‬ ‫‪ 88‬ديسمرب ‪ .‬ال ال تغري ملحوظ ال تغري ملحوظ‬


‫تغري ملحوظ بعد بعد رذاذ ملدة‬
‫رذاذ ملدة ½ ½ ساعة ‪.‬‬
‫ساعة‬
‫اجلدار – ال بدأ القش يظهر ظهر القش أكثر‬ ‫‪ 80‬ديسمرب ‪ .‬ج‬
‫ج اجلدار متاماً آتكل – اجلجص على السطح بدأ من اليوم الساب‬
‫بتآكل – آتكل اجلص‬ ‫‪ .‬ال آتكل ‪ ،‬متماسك جيداً – اجلص‬
‫واستمر الرذاذ استمرار الرذاذ ولكنه كان جافاً ‪ .‬آتكالً حمسوساً ‪.‬‬
‫ظل اجلدار مبلالً‬ ‫لنص ساعة ‪ .‬ملدة ½ ساعة ‪.‬‬
‫كاليوم الساب ‪ .‬ظل مبلالً خبالف‬ ‫‪ 81‬ديسمرب ‪ .‬كاليوم الساب ‪.‬‬
‫سائر اجلدران ‪.‬‬ ‫كاليوم الساب‬
‫آتكل تقوض اجلص كله‬ ‫‪ 82‬ديسمرب ‪ .‬ال آتكل اجلص يقدر استمر‬
‫ولكن تقريباً وظل اجلدار‬ ‫اجلص‬ ‫صغري جداً ‪.‬‬ ‫تتغري ‪.‬‬
‫مبلالً ‪ .‬بينما سائر‬ ‫اجلدار جاف ‪.‬‬
‫اجلدران جافة ‪.‬‬
‫اجلص‬ ‫اجلدار و ج اجلدار ولكن اهنار‬ ‫‪ 89‬ديسمرب ‪ .‬ال ج‬
‫وبدأ‬ ‫ملحوظ آتكل اجلص تزايد ابلكامل‬ ‫التغيري‬ ‫تغيري ‪.‬‬
‫الطوب نفسه يف‬ ‫على اليوم الساب ‪.‬‬
‫التآكل ‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ 81‬ديسمرب ‪ .‬ج اجلدار ولكن بدأ الطوب يظهر اجلدار مبلل مع‬
‫ظاهر‬ ‫اجلدار الطوب بدأ يتعرى بتآكل اجلص ‪ .‬آتكل‬ ‫ج‬
‫الطوب ‪.‬‬ ‫يف أجزاء كنتيجة‬ ‫واجلص سليم ‪.‬‬
‫لتآكل اجلص ‪.‬‬
‫آتكل‬ ‫ذاب كل اجلص استمرار‬ ‫‪ 02‬ديسمرب ‪ .‬كاليوم الساب ‪.‬‬
‫تقريباً وتعرى كل الطوب واجلدار‬ ‫كاليوم الساب ‪.‬‬
‫ظل مبلوالً ‪.‬‬ ‫الطوب ‪.‬‬
‫مبلل‬ ‫اجلدار‬ ‫ال تغيري ‪.‬‬ ‫‪ 00‬ديسمرب ‪ .‬ال ال تغيري ‪.‬‬
‫الطوب‬ ‫وآتكل‬ ‫تغيري ‪.‬‬
‫مستمر ‪.‬‬
‫مبلل‬ ‫بدأ الطوب يتآكل اجلدار‬ ‫‪ 01‬ديسمرب ‪ .‬ال ال تغيري ‪.‬‬
‫الطوب‬ ‫شيئاً بسيطاً عند وآتكل‬ ‫تغيري ‪.‬‬
‫خدشه ابألصبع ‪ .‬مستمر ‪.‬‬
‫الطوب اجلدار مبلل ‪،‬‬ ‫آتكل آتكل‬ ‫‪ 09‬ديسمرب ‪ .‬ال توق‬
‫وج بدرجة ملحوظة والطوب يتآكل‬ ‫تغيري وثبت أنه اجلص‬
‫أحسن اجلدران ‪ .‬اجلدار ‪ .‬األجزاء أبكثر ‪ .‬احلك بسهولة أكثر عند‬
‫سقوط خدشه ابألصبع ‪.‬‬ ‫الباقية من اجلص يسبب‬
‫أجزاء ‪.‬‬ ‫تقاوم اخلدش ‪.‬‬
‫آتكل بدأ اجلدار بشيء اجلدار مبلل ‪،‬‬ ‫‪ 09‬ديسمرب‪ .‬ال توق‬
‫والطوب يتآكل‬ ‫من الرطوبة ‪.‬‬ ‫وج‬ ‫تغيري وثبت أنه اجلص‬
‫بسهولة أكثر عند‬ ‫أحسن اجلدران ‪ .‬اجلدار ‪ .‬اجلزاء‬
‫خدشه ابألصبع ‪.‬‬ ‫الباقية من اجلص‬
‫تقاوم اخلدش ‪.‬‬
‫آتكل األجزاء السفلى اجلدار مبلل ‪،‬‬ ‫‪ 01‬ديسمرب ‪ .‬ال توق‬
‫وج من اجلدار بقيت والطوب يتآكل‬ ‫تغيري ‪ .‬أحسن اجلص‬
‫بسهولة أكثر عند‬ ‫اجلدار ‪ .‬األجزاء مبللة ‪.‬‬ ‫اجلدران ‪.‬‬
‫خدشه ابألصبع ‪.‬‬ ‫الباقية من اجلص‬
‫تقاوم اخلدش ‪.‬‬
‫آتكل األجزاء السفلى اجلدار مبلل ‪،‬‬ ‫‪ 18‬ديسمرب ‪ .‬ال توق‬
‫وج من اجلدار بقيت والطوب يتآكل‬ ‫تغيري ‪ .‬أحسن اجلص‬
‫بسهولة أكثر عند‬ ‫اجلدار ‪ .‬األجزاء مبللة ‪.‬‬ ‫اجلدران ‪.‬‬
‫خدشه ابألصبع ‪.‬‬ ‫الباقية من اجلص‬
‫تقاوم اخلدش ‪.‬‬
‫اجلدار مبلل ‪،‬‬ ‫آتكل ج اجلدار ‪.‬‬ ‫‪ 0‬يناير ‪ .‬ال تغيري توق‬
‫يتآكل‬ ‫والطوب‬ ‫وج‬ ‫‪ .‬أحسن اجلدران اجلص‬
‫بسهولة أكثر عند‬ ‫اجلدار ‪ .‬األجزاء‬ ‫‪.‬‬
‫خدشه ابألصبع‬ ‫الباقية من اجلص‬
‫تقاوم اخلدش ‪.‬‬
‫اجلدار مبلل ‪،‬‬ ‫آتكل ج اجلدار ‪.‬‬ ‫‪ 1‬يناير‪ .‬ال تغيري توق‬
‫يتآكل‬ ‫والطوب‬ ‫وج‬ ‫‪ .‬أحسن اجلدران اجلص‬
‫بسهولة أكثر عند‬ ‫اجلدار ‪ .‬األجزاء‬ ‫‪.‬‬
‫خدشه ابألصبع‬ ‫الباقية من اجلص‬
‫تقاوم اخلدش ‪.‬‬
‫‪ 2‬يناير ‪ ،‬محل كل‬
‫جدار هنا حبمل‬
‫توزيعاً‬ ‫موز‬
‫يبلغ‬ ‫متساوايً‬
‫‪822‬كجم ‪ /‬م‬
‫إشغال‬
‫بدأ اجلدار مييل‬ ‫‪ 9‬يناير ‪ .‬بدات بدأ اجلص يتآكل ال تغيري ‪.‬‬
‫شيئاً بسيطاً‬ ‫شقوق ابخلدش ‪.‬‬ ‫تظهر‬
‫صغرية جداً يف‬
‫اجلص ولكنه ظل‬
‫متماسك وجافاً‬
‫ً‬
‫متاماً‬
‫جاف اجلدار مييل شيئاً زاد امليل واجلدار‬ ‫‪ 1‬يناير ‪ .‬بدأت اجلدار‬
‫ولكنه مبلل ‪.‬‬ ‫بسيطاً‬ ‫شقوق واألجزاء‬ ‫تظهر‬
‫من جاف ‪.‬‬ ‫صغرية جداً يف املكشوفة‬
‫اجلص ولكنه ظل الطوب صلبة‬
‫متماسكاً وجافاً‬
‫متاماً ‪.‬‬
‫يزيد‬ ‫جاف امليل‬ ‫جاف اجلدار‬ ‫‪ 82‬يناير ‪ .‬بدأت اجلدار‬
‫الطوب ابستمرار واجلدار‬ ‫ولكن‬ ‫شقوق واألجزاء‬ ‫تظهر‬
‫ابخلدش مبلل ‪.‬‬ ‫من يتآكل‬ ‫صغرية جداً يف املكشوفة‬
‫البسيط ‪.‬‬ ‫اجلص ولكنه ظل الطوب صلبة‬
‫متماسكاً وجافاً‬
‫متاماً ‪.‬‬
‫يزيد‬ ‫جاف امليل‬ ‫جاف اجلدار‬ ‫‪ 80‬يناير ‪ .‬بدأت اجلدار‬
‫الطوب ابستمرار واجلدار‬ ‫ولكن‬ ‫شقوق واألجزاء‬ ‫تظهر‬
‫ابخلدش مبلل‬ ‫من يتآكل‬ ‫صغرية جداً يف املكشوفة‬
‫البسيط‬ ‫اجلص ولكنه ظل الطوب صلبة‬
‫متماسكاً وجافاً‬
‫متاماً ‪.‬‬
‫يزيد‬ ‫جاف امليل‬ ‫جاف اجلدار‬ ‫‪ 81‬يناير ‪ .‬بدأت اجلدار‬
‫الطوب ابستمرار واجلدار‬ ‫ولكن‬ ‫شقوق واألجزاء‬ ‫تظهر‬
‫ابخلدش مبلل‬ ‫من يتآكل‬ ‫صغرية جداً يف املكشوفة‬
‫البسيط‬ ‫اجلص ولكنه ظل الطوب صلبة‬
‫متماسكاً وجافاً‬
‫متاماً ‪.‬‬
‫يزيد‬ ‫جاف امليل‬ ‫جاف اجلدار‬ ‫‪ 89‬يناير ‪ .‬بدأت اجلدار‬
‫الطوب ابستمرار واجلدار‬ ‫ولكن‬ ‫شقوق واألجزاء‬ ‫تظهر‬
‫ابخلدش مبلل‬ ‫من يتآكل‬ ‫صغرية جداً يف املكشوفة‬
‫البسيط‬ ‫اجلص ولكنه ظل الطوب صلبة‬
‫متماسكاً وجافاً‬
‫متاماً ‪.‬‬
‫‪ 89‬يناير ‪ .‬تزايد آتكل اجلص زاد ابتالل اجلدار اجلدار دائماً مبلل‬
‫والتآكل ابخلدش والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫توقفت الشقوق ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫أفضل‬ ‫ومازال‬
‫الكل ‪.‬‬
‫اجلدار دائما مبلل‬ ‫اختفاء كاليوم الساب ‪.‬‬ ‫‪ .‬تزايد‬ ‫يناير‬ ‫‪81‬‬
‫والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫توقفت الشقوق و اجلص ‪.‬‬
‫مازال أفضل الكل‬
‫‪.‬‬
‫آتكل اجلدار دائماً مبلل‬ ‫اجلص تزايد‬ ‫‪ .‬اختفى‬ ‫يناير‬ ‫‪02‬‬
‫وظلت والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫الطوب‬ ‫توقفت الشقوق و تقريباً ‪.‬‬
‫األجزاء‬ ‫نفس‬ ‫مازال أفضل الكل‬
‫مبللة ‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ .‬اجلدار جاف – زاد آتكل الطوب اجلدار دائماً مبلل‬ ‫يناير‬ ‫‪01‬‬
‫األجزاء والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫توقفت الشقوق و اجلص اختفى كله وظلت‬
‫ولكن مبللة ‪.‬‬ ‫مازال أفضل الكل تقريباً‬
‫الطوب ظل سليماً‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫جاف زاد ميل اجلدار اجلدار دائماً مبلل‬ ‫‪ .‬اجلدار‬ ‫يناير‬ ‫‪09‬‬
‫مبلل والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫توقفت الشقوق و والطوب سليم ‪ .‬واجلدار‬
‫جزئياً ‪.‬‬ ‫مازال أفضل الكل‬
‫‪.‬‬
‫األجزاء اجلدار دائماً مبلل‬ ‫‪ 09‬يناير ‪ ،‬ال كاليوم الساي ‪ .‬زادت‬
‫املبللة من آتكل والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫تغيري‬
‫الطوب ‪.‬‬
‫اجلدار اجلدار دائماً مبلل‬ ‫‪ 09‬يناير ‪ ،‬ال الطوب مل يتأثر ثلث‬
‫مبلل والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫رغم فقد اجلص ‪ .‬تقريباً‬ ‫تغيري‬
‫ابلكامل ‪ ،‬أما‬
‫الباقي ففيه بقع‬
‫مبللة ‪.‬‬
‫‪ 12‬يناير ‪ ،‬ال بدأ الطوب يتآكل زاد ميل اجلدار اجلدار دائماً مبلل‬
‫واجلزاء املبللة مل والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫شيئاً بسيطاً‬ ‫تغيري‬
‫جت ‪.‬‬
‫جاف التآكل مستمر ‪ .‬اجلدار مبلل دائماً‬ ‫‪ 18‬يناير ‪ ،‬ال اجلدار‬
‫والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫والتآكل بسيط ‪.‬‬ ‫تغيري ‪.‬‬
‫جاف التآكل وصل إىل اجلدار مبلل دائماً‬ ‫‪ 8‬فرباير ‪ .‬ال اجلدار‬
‫والتآكل بسيط ‪ .‬مرحلة اجلدار رقم والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫تغيري ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫اجلدار مبلل دائماً‬ ‫‪ 9‬فرباير‪ .‬استمر اجلدار مييل ولكنه اجلدار مل جي‬
‫والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫والطوب والتآكل يزيد‬ ‫هو األفضل – مل جاف‬
‫تزد الشقوق يف سليم تقريباً ‪.‬‬
‫اجلص واجلص‬
‫متماسك‬
‫اجلدار مبلل دائماً‬ ‫‪ 1‬فرباير‪ .‬استمر اجلدار جاف و اجلدار مل جي‬
‫والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫والتآكل يزيد‬ ‫هو األفضل – مل التغيري ‪.‬‬
‫تزد الشقوق يف‬
‫اجلص واجلص‬
‫متماسك‬
‫اجلدار مبلل دائماً‬ ‫فرباير‪ .‬اجلدار جاف و اجلدار مل جي‬ ‫‪82‬‬
‫والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫والتآكل يزيد‬ ‫هو التغيري ‪.‬‬ ‫استمر‬
‫األفضل – مل تزد‬
‫الشقوق يف اجلص‬
‫واجلص متماسك‬
‫اجلدار مبلل دائماً‬ ‫فرباير‪ .‬اجلدار جاف و اجلدار مل جي‬ ‫‪88‬‬
‫والطوب يتآكل ‪.‬‬ ‫والتآكل يزيد‬ ‫هو التغيري ‪.‬‬ ‫استمر‬
‫األفضل – مل تزد‬
‫الشقوق يف اجلص‬
‫واجلص متماسك‬
‫اهنار اجلدار ‪.‬‬ ‫‪ .‬اجلدار جاف و ال اجلدار مل جي‬ ‫‪ 89‬فرباير‬
‫والتآكل يزيد‬ ‫هو تغيري ‪.‬‬ ‫استمر‬
‫األفضل – مل تزد‬
‫الشقوق يف اجلص‬
‫واجلص‬ ‫–‬
‫متماسك ‪.‬‬
‫اهنار اجلدار ‪.‬‬ ‫‪ .‬اجلدار جاف وال اجلدار مل جي‬ ‫‪ 81‬فرباير‬
‫والتآكل يزيد ‪.‬‬ ‫هو تغيري ‪.‬‬ ‫استمر‬
‫األفضل – مل تزد‬
‫الشقوق يف اجلص‬
‫واجلص متماسك‬

‫حاشية ‪ .‬ظلت اجلدران الثالثة األوىل على احلالة اليت وصفت هبا يف اتريخ ‪88‬‬
‫فرباير ‪ 8122‬دون تغيري ملحوظ حىت اهنارت يف ‪ 2‬مارس ‪ 8129‬كنتيجة‬
‫التحميل غري املركزي والرايح القوية اليت هبت يف ذلك اليوم ‪.‬‬
‫امللح ‪: 9‬‬

‫حتليل التكالي حلظة تسليم ‪:‬‬

‫املشرو إىل وزارة الشئون االجتماعية ‪.‬‬

‫‪ 1911.92‬م مربع‬ ‫مساحة البيوت اليت بنيت‬


‫‪ 1120.02‬م مربع‬ ‫مساحة البيوت العامة‬
‫‪ 81128.12‬م‬ ‫اإلمجايل‬
‫مربع‬

‫املباين العامة تشمل ‪:‬‬


‫( أ ) املسجد ‪.‬‬
‫( ب ) املدرسة االبتدائية للبنني ‪.‬‬
‫( ج ) مدرسة الصنائع ‪.‬‬
‫( د ) اخلان ‪.‬‬
‫( ه ) ساحة السوق ‪.‬‬
‫( و ) قاعة القرية ‪.‬‬
‫( ز ) املسرح ‪.‬‬

‫املستوص واملركز االجتماعي ‪ ،‬واحلمام ‪ ،‬والكنيسة الصغرية ‪ ،‬واملعرض الدائم‬


‫لصناعات القرية مل يكن قد مت بناؤها وقت عمل هذا التقرير ‪.‬‬

‫قائمة املصروفات من البداية ‪:‬‬


‫‪.‬‬ ‫املهمة‬ ‫يف‬ ‫مستدمية‬ ‫عمالة‬ ‫)‬ ‫أ‬ ‫(‬
‫‪2821.991‬‬
‫‪.‬‬ ‫عارضة‬ ‫عمالة‬ ‫)‬ ‫ب‬ ‫(‬
‫‪20982.921‬‬
‫‪.‬‬ ‫ومعدات‬ ‫مواد‬ ‫مشرتي‬ ‫)‬ ‫ج‬ ‫(‬
‫‪01228.219‬‬
‫‪.‬‬ ‫ووقود‬ ‫شاحنات‬ ‫مشرتي‬ ‫)‬ ‫د‬ ‫(‬
‫‪82920.229‬‬
‫( ه ) سفرايت ‪.‬‬
‫‪189.112‬‬
‫‪220.922‬‬ ‫( و ) إجيار االسرتاحة واملعدية ‪.‬‬
‫( ز ) عالوات مهام خاصة‬
‫‪299.122‬‬ ‫للمهندسني املعماريني املشرفني ‪.‬‬

‫‪19802.190‬‬

‫وإذا حسبنا قيمة املعدات ‪ ،‬والشاحنات ‪ ،‬واملواد غري املستخدمة القابعة يف‬
‫املخازن مببلغ ‪ 02.222‬جم فإن املصروفات الفعلية تكون ‪:‬‬
‫= ‪ 99802.190‬جم ‪.‬‬ ‫‪ 19802.190‬جم – ‪02222‬‬
‫وإذن تكون تكلفة البناء لكل مرت مربع من املباين والبيوت ‪:‬‬

‫= ‪ 99802.190‬جم = ‪ ، 1.1‬أو ‪ 9‬جنيهات ابلتقريب ‪.‬‬


‫‪81128.12‬‬

‫***‬

‫معجم ‪:‬‬
‫قدوم ‪Adze :‬‬
‫أداة للقطع هلا نصل رفيع مقوس مشحوذ يف جانبه املقعر ‪ ،‬ويوضع يف زاوية‬
‫قائمة مع املقبض ‪.‬‬

‫أمريي ‪Amiri :‬‬


‫طراز يف املعمارأدخله اخلديو أو األمري ملباين القصر واحلكومة ‪.‬‬

‫بدنة ‪Badana :‬‬


‫جمموعة عائالت على صلة قرابة وثيقة ‪ ،‬تبلغ من ‪ 02 – 82‬عائلة وتعيش يف‬
‫بيوت متجاورة وهلا رأس أبوي معرتف به ‪.‬‬

‫بالص ‪Ballas :‬‬


‫جرة تستخدم جللب املياه من الينبو ‪.‬‬

‫بركة ‪Birka :‬‬


‫حفرة تتخل بعد حفر الرتبة لضرب الطوب ‪ ،‬وحتوي غالباً ماء راكد ‪.‬‬

‫كاسرات الشمس ‪Brise - Soleil :‬‬


‫ساتر حيجب ضوء الشمس غري املرغوب فيه ‪.‬‬

‫‪Cavetto:‬‬
‫حلية يف البناء من تشكيل مقعر يقرتب قوسه من ربع الدائرة ‪.‬‬

‫شدة ‪Centering :‬‬


‫خشب أو مادة أخرى تستخدم لدعم أجزاء عقد بنائي أثناء التشييد ‪.‬‬

‫خمرمات ‪Claustra ( Work ) :‬‬


‫حليات خطية وابرزة يف الطني تستخدم يف تزيني األبواب والنوافذ ‪.‬‬

‫درقاعة ‪Dorkaa :‬‬


‫املربع األوسط للمنزل ‪ ،‬ويسق بقبة ‪.‬‬

‫درهم ‪Dirham :‬‬


‫عملة قدمية تساوي قرشاً واحداً ‪.‬‬
‫ظاهر‬
‫العقد او القبو ‪Extrados :‬‬
‫القوس اخلارجي للعقد أو السطح اخلارجي للقبو ‪.‬‬

‫محام ‪Hammam :‬‬


‫مكان عمومي لالستحمام ‪.‬‬

‫محاجمي ‪Hammamgi :‬‬


‫املشرف على احلمام ‪.‬‬

‫حوش ‪Hosha :‬‬


‫مساحة من أرض زراعية حماطة ابجلسور ‪ ،‬وتروى بنظام ري احلياض ‪.‬‬

‫إيوان ‪Iwan :‬‬


‫مساحة مرتدة من احلجرة ‪.‬‬
‫قاعة ‪Kaa :‬‬
‫البهو الرئيسي يف البيت ‪.‬‬

‫خان ‪Khan :‬‬


‫نزل للتجار واألغراب الذين يصلون إىل البلدة ‪.‬‬

‫مضيفة ‪Madyafa :‬‬


‫دار الضيوف أو حجرة الضيوف ‪.‬‬

‫مكتوب ‪Maktoub:‬‬
‫(( مكتوب )) أو (( مقدر ))‬

‫أمريكاين ‪Malakan :‬‬

‫ملق ‪Malkaf :‬‬


‫أداة الصطياد الريح عند أعلى نقطة يف املنزل ‪.‬‬
‫مزيرة ‪Maziara :‬‬
‫تبييتة جلرة املاء ‪.‬‬

‫معلم ‪Moallem :‬‬


‫معلم بناء ‪.‬‬

‫موردة ‪Morda :‬‬


‫مكان لالستحمام ‪.‬‬

‫مشربية ‪Mushrabiya :‬‬


‫انفذة ابرزة حاجزها مشغول شغالً شبكياً ‪.‬‬

‫أسطى ‪Osta :‬‬


‫معلم حريف ‪.‬‬
‫خنصر‬
‫متديل ‪Pendantive :‬‬
‫قطا دائري مثلث للتقبية يعمل لدعم القبة ‪.‬‬

‫صربات ‪Sabras :‬‬


‫ابب مشيد أبن تسمر معاً قطع خشب صغرية كثرية يف طراز أصالة ‪.‬‬

‫سلسبيل ‪Salsabil :‬‬


‫نو من انفورة رخامية يف فناء منزل ‪.‬‬

‫شادوف ‪Shaduf :‬‬


‫دلو وآلة رافعة يستخدمها الفالحون للري ‪.‬‬

‫شراقي ‪Sharaki :‬‬


‫أرض ( جافة ) ‪ ،‬فيها شقوق كبرية ‪.‬‬
‫خنصر معقود ‪Squinch :‬‬
‫دعامة ( عقد ‪ ،‬أو سكة ‪ ،‬أو غريها ) حممولة عرب زاوية الغرفة من حتت كتلة‬
‫موضوعة من فوقها ‪.‬‬

‫طنبور ‪Tambour :‬‬


‫(( لولب أرمشيدس )) ‪ ،‬آلة يستخدمها الفالحون يف الري ‪.‬‬

‫طست ‪Tesht :‬‬


‫وعاء كبري للغسيل ‪.‬‬

‫حجر اإلسفني ‪Voussoir :‬‬


‫واحد من عديد من قطع يف شكل وتدي أو مستدق عقداً أو قبواً ‪.‬‬
‫زير ‪Zeer :‬‬
‫جرة كبرية غري مصقولة خلزان املاء ‪.‬‬

‫***‬
‫ابب فيه حلية خمرومات يف دمهيت‬ ‫‪-8‬‬
‫جبانة فاطمية يف أسوان ‪.‬‬ ‫‪-0‬‬
‫‪ – 9- 1‬صوامع الرامسيوم يف القرنة القدمية ‪ ،‬األسرة التاسعة عشرة ‪.‬‬
‫‪ – 2‬البناءون خيطون قطعاً ابجلص الطيين على احلائط األخري‬

‫‪ - 2‬تشذيب اجلص ابلقدوم ‪.‬‬


‫‪ - 9‬الطوبة األوىل توضح على احلائط األخري ‪.‬‬

‫املدماك الثاين يبدأ بنص طوبة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫طوبة اثلثة تكمل املدماك الثاين ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫املدماك الثالث مييل عن اخلط العمودي ميالً حاداً أبكثر ‪.‬‬ ‫‪-82‬‬
‫مزيد من الطني على املدماك الثالث ‪.‬‬ ‫‪-88‬‬

‫املدماك الرابع ‪.‬‬ ‫‪-80‬‬


‫‪ – 81‬املدماك اخلامس ‪.‬‬

‫‪ – 89‬أول حلقة مائلة وقد اكتملت ‪.‬‬


‫‪ – 82‬البناءون يدخلون حشوات جافة يف الفراغات ‪.‬‬
‫‪ – 89‬الوجه املائل للحلقات يعطي دعماً للمداميك التالية ‪.‬‬
‫‪ - 89‬بيت حامد سعيد يف املرج ‪.‬‬
‫‪ – 81‬تصميمات منزل منوذجي من طوب الل ن يف عزبة البصري ‪.‬‬
‫املفتاح ‪ ) 8 ( :‬مدخل ‪ ) 0 ( .‬فناء ‪ ) 1 ( .‬حجر النوم ‪:‬‬
‫( أ ) درقاعة ‪ ( .‬ب ) تبييته املضجع ( إيوان ‪ ) 9 ( .‬خمزن ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬مقعد الطهي واملعيشة ‪ ) 9 ( .‬محام ‪ ) 9 ( .‬مزيرة ‪.‬‬
‫‪ – 81‬بيت أمنوذج من طوب الل ن يف عزبة البصري ‪.‬‬
‫‪ – 02‬ابب صربات داخلي يف مدرسة الصنائع ‪.‬‬
‫‪ – 08‬املدرسة يف فارس ‪.‬‬
‫بيت يف قرنة مرعي ‪.‬‬ ‫‪-00‬‬
‫‪ – 01‬برج محام يف القرنة القدمية ‪.‬‬
‫‪ – 09‬برج محام يف القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫‪ – 02‬مسجد يف القرنة القدمية ‪.‬‬
‫‪ – 09‬مسجد يف القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫‪ – 09‬تصميم جترييب فيه نبات وحيوان ‪.‬‬
‫( مصيدة الريح ) يف كتخدا ‪ ،‬القرن الرابع عشر ‪.‬‬ ‫‪ – 01‬ختطيط امللق‬
‫‪ – 01‬ملق قطا ‪.‬‬
‫‪ 12‬جماورة عائلة أمحد عبد الرسول ‪ ،‬منظر املضيفة ‪.‬‬
‫‪ – 18‬جماورة عائلة ‪ ،‬مساقط األرضية املفتاح ‪:‬‬
‫( ‪ ) 8‬ميدان خاص ‪ ) 0 ( .‬املضيفة ) ‪ ) 1 ( .‬بيوت ‪ ) 9 ( .‬طاحون ‪.‬‬
‫‪ – 10‬ختطيط اخلان ‪.‬‬
‫الواجهة الشرقية للخان ‪.‬‬
‫‪ - 11‬الواجهة الشمالية للخان ‪.‬‬
‫‪ – 19‬ختطيط القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫‪ – 12‬شار يف القرنة اجلديدة‪.‬‬
‫‪ – 19‬ختطيط املسجد ‪.‬‬
‫املفتاح ‪ ) 8 ( :‬مدخل ( ‪ ) 0‬فناء أمامي ‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬خمزن ‪ ) 9 ( .‬رواق مقيب لعابري السبيل ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬فناء ‪ ) 9 ( .‬إيواانت الصالة ‪ ) 9 ( .‬غرفة الشيخ ‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬خمزن ‪ ) 1 ( .‬خلوة صغرية ‪ ) 82 ( .‬امليضة ‪.‬‬
‫( ‪ ) 88‬مدخل امليضة ‪.‬‬

‫‪ – 19‬املسجد يف ‪. 8191‬‬
‫‪ – 11‬ختطيط ساحة السوق ‪ .‬املفتاح ‪ ) 8 ( :‬مدخل عمومي ‪ ) 0 ( .‬املشرف‬
‫‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬مطعم يف اهلواء الطل ‪ ) 9 ( .‬مقهى ‪ ) 2 ( .‬مقصورات عرض‬
‫السلع ‪.‬‬
‫( ‪ ) 9‬منطقة احلبوب ‪ ) 9 ( .‬معرض املواشي ‪ ) 1 ( ،‬مدخل إىل القرية‬
‫‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬برج احلمام ‪.‬‬
‫‪ – 11‬املدخل لساحة السوق ‪.‬‬
‫‪ – 92‬األقبية يف ساحة سوق القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫‪ - 98‬بواكي يف ساحة السوق ‪.‬‬
‫‪ - 90‬منطقة ظليلة للحيواانت يف ساحة سوق القرنة اجلديدة ‪.‬‬
‫‪ – 91‬ختطيط ‪ .‬املفتاح ‪ ( :‬أ ) املسرح ‪ ) 8 ( :‬منصة عالية للجلوس لعروض‬
‫اهلواء الطل يف ميدان القرية ؛‬
‫( ‪ ) 0‬مدخل ؛ ( ‪ ) 1‬حمجز التذاكر ؛ ( ‪ ) 9‬ممشى ؛ ( ‪ ) 2‬مقاعد‬
‫؛ ( ‪ ) 9‬اجلوقة ( الكورس ) ؛‬
‫(‪ ) 9‬منصة العرض ؛ ( ‪ ) 1‬الكواليس ؛ ( ‪ ) 1‬غرفة آلة عرض‬
‫السينما ؛ ( ‪ ) 82‬هبو مكشوف ؛‬
‫( ب ) مجنازيوم ؛ ( ‪ ) 8‬مدخل ؛ ( ‪ ) 0‬مقاعد ؛ ( ‪ ) 1‬مقصورة ‪( .‬‬
‫ج ) قاعة القرية ‪ ( .‬د ) قاعة‬
‫معرض احلرف ‪ ( .‬ه ) جماورة عائلة عبد الرسول ‪.‬‬
‫‪ – 99‬واجهة املسرح ‪.‬‬
‫‪ – 92‬العرض على املسرح ‪.‬‬
‫‪ – 99‬ختطيط املدرسة االبتدائية للبنني املفتاح ‪ ) 8 ( :‬مدخل ‪ ) 0 ( .‬فناء‬
‫املدخل ‪ ) 1 ( .‬مكاتب الناظر واإلدارة‬
‫( ‪ ) 9‬حجرة املعلمني ‪ ) 2 ( .‬حجرة املشرف ‪ ) 9 ( .‬حجرة دراسية‬
‫‪ ) 9 ( .‬مسجد وميضة ‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬خمزن ‪ ) 1 ( .‬مطبخ ‪ ) 82 ( .‬قاعة طعام ‪ ) 88 ( .‬الفناء‬
‫الرئيسي ‪ ) 80 ( .‬مظلة ‪.‬‬
‫( ‪ ) 81‬ورشة األشغال اليدوية ‪ ) 89 ( .‬قاعة االجتماعات ‪.‬‬
‫واحملاضرات ‪.‬‬
‫‪ – 99‬املدرسة االبتدائية للبنني ‪.‬‬
‫‪ – 91‬ختطيط املدرسة االبتدائية للبنات ‪ .‬املفتاح ‪ ) 8 ( :‬مدخل ‪) 0 ( .‬‬
‫البواب ‪ ) 1 ( .‬املشرف‬
‫( ‪ ) 9‬خمزن الكتب ‪ ) 2 ( .‬توزيع الكتب ‪ ) 9 ( .‬حجرة الدراسية ‪( .‬‬
‫‪ ) 9‬حجرة الرسم ‪.‬‬
‫( ‪ ) 9‬حجرة الرسم ‪ ) 1 ( .‬قاعة الطعام واملعرض ‪ ) 1 ( .‬مظلة ‪( .‬‬
‫‪ ) 82‬مطبخ ‪.‬‬
‫( ‪ ) 88‬خمزن ‪ ) 80 ( .‬خدمة ‪ ) 81 ( .‬حجرة املدرسات ‪) 89 ( .‬‬
‫حجرة نوم امل ّدرسة‬
‫يف الدور العلوي ‪ ) 82 ( .‬محام ‪.‬‬
‫‪ – 91‬نظام التهوية يف املدرسة االبتدائية للبنات‪.‬‬

‫‪ – 22‬فناء املدرسة االبتدائية للبنات ‪.‬‬


‫‪ – 28‬ختطيط مضرب الطوب ‪ .‬املفتاح ‪ ( :‬أ ) فناء ضرب الطوب ‪ ( .‬ب )‬
‫أحواض اخللط ‪ ( .‬ج ) قنوات‬
‫( د ) سكة حديد ديكونيل ‪ ( .‬ه ) منطقة التشوين ‪.‬‬
‫‪ – 20‬ختطيط منزل فالح ‪.‬‬
‫‪ – 21‬ختطيط منزلني فالحني ‪.‬‬
‫‪ 22 – 29‬بيوت من طوب الل ن ‪.‬‬
‫‪ - 29‬ختطيط حجرة نوم ‪.‬‬
‫‪ – 29‬الفرن النمسوي – قطاعات‬

‫‪ – 21‬فرن منسوي من طوب الل ن مصنو من القرنة ‪ ،‬قطاعات ‪.‬‬


‫‪ – 21‬مدفئة يف تبييتة ابجلدار ‪.‬‬
‫‪ – 92‬مقصورة الطهي ‪ ،‬مقاطع أفقية وختطيط ‪ .‬املفتاح ‪ ) 8 ( :‬خمزن الوقود ‪.‬‬
‫(‪ ) 0‬موقد ‪ ) 1 ( .‬حوض ‪.‬‬
‫( ‪ ) 9‬خزان حجز حجز شحومات ‪ ) 2 ( .‬حفرة صرف ‪ ) 9 ( .‬فرن‬
‫صيفي ‪ ) 9 ( .‬مقعد ‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬فرن خبيز منسوي ‪ ) 1 ( .‬سرير‬

‫‪ – 98‬قطا ف مصدر املياه ‪.‬‬


‫‪ 99 – 91 – 90‬منطقة الغسيل املفتاح ‪ ( :‬أ ) مقعد ( ب ) قرص يوضع‬
‫عليه إانء الغسيل ‪ ( .‬ج ) نقرة لنقع الغسيل ‪( .‬د ) الصرف ( ه ) مصطبة‬
‫للغسيل املشطوف ( و ) بئر الصرف ‪.‬‬
‫‪ - 92‬ختطيط البحرية الصناعية‬
‫‪ – 99‬غرفة مقبية يف غرب أسوان ‪ ،‬النوبة ‪.‬‬
‫الفهرس‬

‫املرتجم‬ ‫مقدمة‬
‫‪........................................... ...............................‬‬
‫‪..‬‬
‫بولك‬ ‫‪.‬‬ ‫ر‬ ‫لوليام‬ ‫متهيد‬
‫‪....................................................................‬‬
‫مقدمة‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.............‬‬
‫االستهالل‬ ‫حلن‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪..‬‬
‫‪ - 8‬حلن االستهالل ‪ :‬احللم والواقع ‪:‬‬
‫الري‬ ‫‪:‬‬ ‫املفقودة‬ ‫اجلنة‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪..‬‬
‫الري‬ ‫بناء‬ ‫إلعادة‬ ‫الوحيد‬ ‫األمل‬ ‫‪:‬‬ ‫الل ن‬ ‫طوب‬
‫‪........................................‬‬
‫واخلطأ‬ ‫التجربة‬ ‫‪:‬‬ ‫هبتيم‬ ‫للتسقي‬ ‫الطني‬
‫‪................................................‬‬
‫ابقياً‬ ‫زال‬ ‫ما‬ ‫للتقبية‬ ‫قدمي‬ ‫تكنيك‬ ‫‪:‬‬ ‫النوبة‬
‫‪.................................................‬‬
‫األوىل‬ ‫النجاحات‬ ‫‪:‬‬ ‫يعملون‬ ‫النوبيون‬ ‫البناءون‬
‫‪................................... .....‬‬
‫كمني‬ ‫يف‬ ‫إبليس‬ ‫‪:‬‬ ‫البصري‬ ‫عزبة‬
‫‪......................................................‬‬
‫رائد‬ ‫إسكان‬ ‫مشرو‬ ‫يف‬ ‫تتسبب‬ ‫املقابر‬ ‫إحدى‬ ‫سرقة‬
‫‪................................‬‬
‫املوقع‬ ‫‪:‬‬ ‫اجلديدة‬ ‫القرنة‬ ‫مولد‬
‫‪............................................................‬‬
‫‪ - 0‬حلن الرتنيمة ( كورال ) ‪ :‬اإلنسان واجملتمع والتكنولوجيا‬
‫املعماري‬ ‫الطابع‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫القرار‬ ‫اختاذ‬ ‫عملية‬
‫‪........................................................................‬‬
‫الرتاث‬ ‫دور‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪......‬‬
‫القرية‬ ‫يف‬ ‫الفردية‬ ‫الشخصية‬ ‫إنقاذ‬
‫‪......................................................‬‬
‫القرية‬ ‫يف‬ ‫الرتاث‬ ‫حرف‬ ‫إحياء‬
‫‪..........................................................‬‬
‫اقتصادية‬ ‫ضرورة‬ ‫الل ن‬ ‫طوب‬ ‫استخدام‬
‫‪...............................................‬‬
‫إعادة إرساء (( الثالوث )) ‪ :‬املالك ‪ ،‬واملهندس املعماري ‪ ،‬احلريف ‪...........‬‬
‫القدمية‬ ‫القرنة‬ ‫يف‬ ‫الدارج‬ ‫املعمار‬
‫‪......................................................‬‬
‫التواصل‬ ‫مع‬ ‫التغيري‬
‫‪......................................................................‬‬
‫والعمارة‬ ‫املناخ‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.‬‬
‫توجيه املنازل يتحدد يف جزء منه ابلشمس ويف جزء ابلريح‬
‫‪....................‬‬
‫الريح‬ ‫مصيدة‬ ‫أو‬ ‫امللق‬
‫‪.................................................................‬‬
‫احمللية‬ ‫والتقاليد‬ ‫القرابة‬ ‫بنية‬
‫‪.............................................................‬‬
‫اقتصادية‬ ‫–‬ ‫اجتماعية‬ ‫اعتبارات‬
‫‪........................................................‬‬
‫القرنة‬ ‫يف‬ ‫الريفية‬ ‫احلرف‬
‫‪................................................................‬‬
‫النسي‬ ‫صناعة‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪...‬‬
‫الفخار‬ ‫صناعة‬
‫‪.................................... ......................................‬‬
‫‪...‬‬
‫الصنايع‬ ‫خان‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.....‬‬
‫احلرف‬ ‫معرض‬ ‫قاعة‬
‫‪.....................................................................‬‬
‫اجلديدة‬ ‫القرنة‬ ‫ختطيط‬
‫‪.................................................... .................‬‬
‫العامة‬ ‫الرتفيه‬ ‫ووسائل‬ ‫العامة‬ ‫اخلدمة‬ ‫مباين‬
‫‪............................................‬‬
‫الفالح‬ ‫منزل‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.......‬‬
‫البلهارسيا‬ ‫مكافحة‬
‫‪...................................................................... ....‬‬
‫‪.‬‬
‫رائد‬ ‫مشرو‬ ‫‪،‬‬ ‫القرنة‬
‫‪......................................................................‬‬
‫التعاوين‬ ‫النظام‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪....‬‬
‫العمل‬ ‫أبداء‬ ‫التدريب‬
‫‪........................................................................‬‬
‫ذاهتا‬ ‫يف‬ ‫هدفاً‬ ‫ليست‬ ‫القرنة‬
‫‪................................................................‬‬
‫النصارى‬ ‫ميت‬ ‫–‬ ‫ميتة‬ ‫ولدت‬ ‫جتربة‬
‫‪....................................................‬‬
‫الري‬ ‫بناء‬ ‫إلعادة‬ ‫قومي‬ ‫برانم‬
‫‪.........................................................‬‬
‫‪ - 1‬حلن الرتديد ( فوجة ) ‪ :‬املهندس املعماري ‪ ،‬والفالح ‪ ،‬والبريوقراطي‬
‫‪99‬‬ ‫‪- 8192‬‬ ‫األول‬ ‫املوسم‬
‫‪..............................................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫‪- 8199‬‬ ‫الثاين‬ ‫املوسم‬
‫‪..............................................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫–‬ ‫‪8199‬‬ ‫الثالث‬ ‫املوسم‬
‫‪...........................................................‬‬
‫‪ - 9‬حلن اخلتام ‪ :‬القرنة يف سبات ‪:‬‬
‫نصري‬ ‫عن‬ ‫يبحث‬ ‫معماري‬
‫‪..............................................................‬‬
‫يستمر‬ ‫اإلفرتاء‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.‬‬
‫للقرنة‬ ‫اثنية‬ ‫زايرة‬
‫‪.......................................................................‬‬
‫نربوه‬ ‫يف‬ ‫القرنة‬
‫‪.............................................. ...........................‬‬
‫ملح ‪ : 8‬حتليل تكالي العمل ومعدالت تنفيذ‬
‫‪:‬‬ ‫األشغال‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪......‬‬
‫القرنة‬ ‫قرية‬ ‫يف‬ ‫املستخدمة‬ ‫والعمالة‬ ‫املواد‬ ‫تكالي‬ ‫حتليل‬
‫‪........................‬‬
‫الطوب‬ ‫ضرب‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.‬‬
‫احلجارة‬ ‫تكالي‬
‫‪.........................................................................‬‬
‫والفتائل‬ ‫املفرقعات‬
‫‪.....................................................................‬‬
‫الرمل‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪...........‬‬
‫التشييد‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪..........‬‬
‫‪:‬‬ ‫العمل‬ ‫أبداء‬ ‫التدريب‬ ‫‪:‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ملح‬
‫‪.....................................................‬‬
‫‪:‬‬ ‫العمل‬ ‫تنظيم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ملح‬
‫‪...............................................................‬‬
‫‪:‬‬ ‫األساسات‬ ‫‪:‬‬ ‫‪9‬‬ ‫ملح‬
‫‪..................................................................‬‬
‫الطوب‬ ‫ضرب‬ ‫‪:‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ملح‬
‫‪..............................................................‬‬
‫دعبس‬ ‫العقيد‬ ‫جتارب‬ ‫من‬ ‫مقتطفات‬
‫‪...................................................‬‬
‫حيىي‬ ‫مصطفى‬ ‫د‬ ‫‪.‬‬ ‫جتارب‬ ‫من‬ ‫مقتطفات‬
‫‪...........................................‬‬
‫لوزارة الشئون‬ ‫ملح ‪ : 9‬حتليل التكالي عند تسليم الشرو‬
‫‪..................‬‬
‫االجتماعية‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪...‬‬
‫املعجم‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.........‬‬
‫الصور‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫‪.........‬‬
‫بني احللم والواقع كانت مسافة زمنية رمبا بدلت يل طويلة أو خمتلفة ولكن‬
‫األهم أن احللم أصبح واقعاً ملموساً حياً يتأثر ويؤثر ‪ ،‬وهكذا كانت مكتبة‬
‫األسرة جتربة مصرية صميمة ابجلهد واملتابعة والتطوير ‪ ،‬خرجت عن حدود‬
‫احمللية وأصبحت ابعرتاف منظمة اليونسكو جتربة مصرية متفردة تستح أن‬
‫تنتشر يف كل دول العامل النامي واسعدين انتشار التجربة وحماولة تعميمها يف‬
‫دول أخرى ‪ .‬كما أسعدين كل السعادة احتضان األسرة املصرية واحتفائها‬
‫وانتظارها وتلهفها على إصدارات مكتبة األسرة طوال األعوام السابقة ولقد‬
‫اصبح هذا املشرو كياانً ثقافياً له مضمونه وشكله وهدفه النبيل ‪ .‬ورغم‬
‫اهتمامايت الوطنية املتنوعة يف جماالت كثرية أخرى إال أنين أعترب مهرجان‬
‫القراءة للجميع ومكتبة األسرة هي االبن البكر ‪ ،‬وجناح هذا املشرو كان‬
‫سبباً قوايً ملزيد من املشروعات األخرى ‪.‬‬
‫وما زالت قافلة التنوير تواصل إشعاعها ابملعرفة اإلنسانية تعيد الروح‬
‫للكتاب مصدراً أساسياً وخالداً للثقافة وتوايل (( مكتبة األسرة )) إصداراهتا‬
‫للعام الثامن على التوايل ‪ ،‬تضي دائماً من جواهر اإلبدا الفكري والعلمي‬
‫واألديب وترتسخ على مدى األايم والسنوات زاداً ثقافياً ألهلي وعشرييت‬
‫ومواطين أهل مصر احملروسة مصر احلضارة والثقافة والتاريخ ‪.‬‬
‫سوزان مبارك‬

You might also like