Professional Documents
Culture Documents
عمارة الفقراء
-
__________________________________
لوحة الغالف
حسن فتحي
صورة البيت املنشور على الغالف من تصميم املهندس الفنان عبد الواحد
الوكيل ،وهو من تالميذ عبقري العمارة املصري املهندس حسن فتحي والدور
السكنية اليت صممها يف العجمى ( قرب اإلسكندرية ) تدل داللة واضحة على
القدرة يف استخدام العناصر التكنيكية التقل يدية و تكييفها مع الشروط العصرية
.و غالبية الدور تشابه عمارة مشال إفريقيا حيث حتتوي على شرفات مطلة
على اخلارج ،وقد شيدت حول ابحة تتوسطها انفورة مبثابة انعكاس لقبة
السماء حسب التقاليد ،ابإلضافة إىل استخدام اإليوان و املصاطب .
حممود اهلندي
عمارة الفقراء
الطبعة الرابعة
د .حسن فتحي
د .مسري سرحان
0
*حسن فتحي *
عمارة الفقراء
جتربة يف ري مصر
حسن فتحي ليس فحسب املهندس املعماري الفذ الساب لعصره ولكنه أيضاً
فنان يعش فن العمارة مبثل عشقه للموسيقى ،وكثرياً ما كان يعقد املقارانت
بني التكوين املعماري والتكوين املوسيقي مبا يبني ولعه ابلفنني .
ورغم نشأته من أسرة ثرية فإنه كرس كل عبقريته وفنه الذي يعشقه يف العمل
على أن يتمكن أفقر الفقراء يف الري من احلصول على مسكن صحي رخيص
ابستخدام أبسط املواد والتقنيات املتاحة يف البيئة ،مع احلرص على أن يكون
لكل عائلة بيتها املميز بطابعه اخلاص حسب احتياجاهتا وذوقها ،مع عدم
اللجوء إىل النموذج النمطي إال يف النواحي األساسية وليست التفصيلية .وهو
أيضاً يعمل على أن يربط ما انقطع من تواصل يف تراث املعمار الشعيب ،ليس
فقط ملا يف هذا الرتاث من قيم مجالية ،بل وألنه أيضاً حصيلة جتارب األجيال
يف حل مشاكل ها املعمارية وتطوير املعمار للوصول إىل ماهو انفع ومفيد يف
البيئة احمللية .وهكذا فإن على املهندس املعماري أن يعمل على ربط املعمار
الشعيب ابملعمار اهلندسي األكادميي ،وأن يؤكد على ماجيده فيهما من مالمح
مشرتكة فيها الفائدة واجلمال معاً .
ومل تكن هذه األفكار جمرد أحالم رومانسية نظرية بعيدة عن التطبي الواقعي ،
فقد أمكن للمهندس حسن فتحي إثبات صحة نظرايته عملياً يف عدة مناذج
أقامها وأاثرت اإلعجاب ،كما أنه حاول تطبيقها على نطاق واسع عندما عهد
إليه إبنشاء قرية أبكملها يف القرنة ابلصعيد .و مع أنه قطع شوطاً كبرياً يف
ذلك إال أنه كان يواجه دائماً بشىت العقبات واملعوقات سواء من البريوقراطيني
املتحجرين أو من املقاولني الذين رأوا أن نظرايته فيها كل اخلطر على مكاسبهم
اهلائلة من نظام البناء التقليدي السائد .ورغم كل املرارة اليت أحس هبا حسن
فتحي لعدم اكتمال جتربة القرنة ،وما القاه من عنت قبلها وبعدها ،فإنه مل
يتخل قط عن إميانه أبفكاره عن العمارة للفقراء ،وظل يعمل على نشر رسالته
مث إنه خيط جتربته مكتملة يف هذا الكتاب مع وضع خطة كاملة إلعادة بناء كل
بيوت الري يف مصر ،ويف هذه اخلطة خالصة خربته ونظرايته املعمارية
اجلمالي ة االجتماعية .وهو حيذر من خطورة أوضا اإلسكان الريفي وقتها ،
املباين اإلمسنتية وأنه مامل يتم تدارك األمر خبطة علمية متكاملة فسوف تزح
املشوهة الكئيبة من أطراف مدن مصر إىل قراها ،وهي نبوءة بدأت تتحق
بكل أس .ومن هنا كانت أمهية تقدمي هذا الكتاب مرتمجاً للعربية لعل فيه ما
يوق االنتشار العشوائي هلذا الوابء ،وابء املعمار املشوه املستورد .
علي
ويسرين هنا أن أسجل عمي شكري لألساتذة املهندسني الذين تكرموا ّ
بثمني وقتهم واهتمامهم مبا ساعدين يف ترمجة املصطلحات اهلندسية ،وهم
الدكتور أمحد علي العراين والدكتور مصطفى عبد احلميد سعد واملهندس الفنان
عصام صفي الدين .فالفضل هلم كل الفضل يف املصطلحات الصحيحة ،أما
إذا كان مثة أي خطأ فلعله بسبب من عدم استيعايب لشرحهم .
املرتجم
د .مصطفى إبراهيم فهمي
متهيد
هناك بليون فرد على األقل سوف ميوتون مبكراً ويعيشون حياة موقوفة النمو
بسبب االسكان الشائه غري الصحي وغري االقتصادي .وهذه املشكلة لة
اقتحمت ابلطرق ا لتقليدية فإهنا ستبدو بال حل ممكن ؛ وقد قدمت جلنة
بريسون دراسة للبنك الدويل متدان ببياانت تبني أنه حىت لو حدث ما هو غري
حمتمل ،فأعطى أغنياء العامل %8من دخلهم للمساعدة على النهوض بفقراء
العامل ،فسوف يظل ما يقرب من ثلث سكان العامل وهم يعيشون يف مستوايت
من الفقر الطاحن .ورمبا استمر ثلث سكان العامل حىت هناية هذا القرن حبيث ال
يكسبون يف العام إال أقل من األجر األسبوعي لعامل املصنع يف أمريكا حالياً .
ورأس املال املطلوب توظيفه لتوفري أدىن حدمن االسكان لعائلة فقرية يف
الوالايت املتحدة هو يف حدود 02.222دوالر .وبكلمات أخرى فإنه حىت
حيصل اإلنسان على مأوى يسكنه فإنه يستهلك لذلك معظم حصيلة سنوات
حياته العملية املنتجة .
وهذه األرقام على دقتها ،فإن فيها بعض ما يضلل .فتكالي اإلسكان جيب
أن ت قسم على عناصره املكونة له ،وهي فيما اقرتح ،عناصر ثالثة :اقتصادية
،واج تماعية ،ومجالية . ،وهي على عالقة وثيقة معاً ،إال أن كالً منها يستح
اهتماماً منفرداً .
وقد تعلمنا أن نؤمن أن االقتصاد العاملي ينقسم إىل جزئني ،مها الدول الغنية
والدول الفقرية .وهذا التقسيم يتم التعبري عن جزء كبري منه ابملفارقة املوجودة
بني العملة الصع بة والعملة السهلة .فالعملة الصعبة هي اليت تسيطر على
التكنولوجيا املتقدمة وبذلك فإهنا هدف مرغوب لكل الناس .أما العملة
اآلخرون جد السهلة فتنتجها الدول الفقرية ذات املنتجات اليت ال يتله
التله على طلبها .وحىت عندما يتاح ألحد البالد وفرة من العمالت السهلة
،فإنه غالباً ال يستطيع احلصول على تلك اخلدمات والسلع اليت حيتاجها
احتياجاً شديداً أو يطلبها طلباً ملحاً
على أن مثة قسماً فرعياً آخر لالقتصاد ؛ هو عن فقراء الذين يف داخل كل بلد
.فثلث سكان العامل على األقل يعيشون حتت مستوى أي اقتصاد حيسب
ابلنقود .ومن منظورهم فإنه ليس سوى فارق بسيط بني العملة الصعبة والسهلة
؛ يكاد يكون األمر أن أي شيء ال يستطيعون اكتسابه بعملهم هم أنفسهم
ومن البيئة اليت جتاورهم مباشرةً ،هلو شيء لن يستطيعون اكتسابه أبداً .
ومتوسط دخل هؤالء الناس يف أجزاء كثرية من العامل قد يتدىن ملا يصل إىل ثلث
املتوسط القومي القليل يف البالد الفقرية ،ذلك املتوسط الذي تثري قلته الراثء
من قبل .ويف قرى آسيا ،يبلغ الدخل السنوي للفرد قدراً من الصغر يكاد
يصبح احصائياً بال مغزى .فهو قريب أشد القرب من حد االبقاء على احلياة ،
بل ويهبط أحياانً ألقل من ذلك .
وبلغة اإلسكان ،فإن هذا يعين أن احلديد الصلب الالزم إلنشاء املباين – وهذا
بند مستورد عادة من مناط العملة الصعبة – ال يكون هو وحده ترفاً مستحيالً
،بل هناك أيضاً منتجات الصناعة احلضرية أو منتجات املناط األخرى يف
نفس القطر – أي اإلمسنت واخلشب والزجاج – كلها تكون بدورها غري
اقتصادية وغري عملية .وإذا دفعت الضرورة إىل استخدام هذه املواد ،فإن
غلو مثنها سيتطلب وجوابً الشح يف استخدامها ،فيكون هلذا أتثريه املعوق يف
اإلسكان .
وهكذا فإن املشاريع اليت تنشئها احلكومات كثرياً ما تكون مشاهبه لصفوف
منتظمة من عشش دجاج أمسنتية .
والقرى التقليدية رغم حالتها من عدم االنتظام والقذارة واالزدحام ،اليت جتعل
املالحظ اخلارجي ال يكاد يرى فيها سوى الفوضى ،إال أهنا غالباً تعرب تعبريات
مرهفة حساسة عن النظام االجتماعي .فروابط القرابة هي وحواجز العداوة
كثرياً ما يتم التعبري عنها جغرافياً وإنشائياً .ومهما كانت درجة سوء اإلسكان
فيزايئياً ،إال أن القروي ليستمد من منطه بعض الراحة ،بل وبعض املعىن .
وهذه القضية ليست غريبة حىت عن حضارة جعلت جد متجانسة مثل حضارتنا
.ولنأخذ كمثل حالة اجملتمع األمريكي األسود .إن خربته التارخيية الغالبة هي
خربة من اقتال للجذور .فهؤالء األفريقيون اقتلعت جذورهم من جمتمعاهتم
القبلية ،ليتم بيعهم يف معازل الرقي بغرب أفريقيا .وكثرياً ما كانوا خيلطون مع ًا
عن عمد ،وقتها أو فيما بعدها ،حبيث يتم تقويض متاسكهم القبلي ،بل إن
العبيد كانوا حىت من حيث اللغة جيدون مشقة يف االتصال أحدهم ابآلخر
بنفس مشقة اتصاهلم بسادهتم البيض اجلدد .وابلطبع فإن هذا مينع أي مكان
للتمرد .وابإلضافة إىل هذه العناصر ذات التأثري احلاسم ،كانت هناك أيضاً
معايري السوق .فكثرياً ما كان األطفال واألمهات يفصلون أحدهم عن اآلخر ،
حبيث أن أي جمتمع كان موجوداً أصالً يتم تفتيته إىل ذرات .وأايً ما كانت
ضالة ما مت الوصول إليه من االستقرار قبل احلرب األهلية ،فإن هذا قد تبدد
اثنية ابلتحرير ،حىت وإن كان ذلك تغرياً لألحسن .واقتال جذور اجملتمع
األسود األمريكي أبدى فعاليته يف مدن األكواخ ،ويف الفقر ،وانعدام املهارات
.على أن األفراد السود من البشر إمنا هم حيواانت اجتماعية مثل األفراد
البيض والسمر والصفر ،وهكذا فإهنم ظلوا ميدون أيديهم يف حماولة لتلمس
جرياهنم وإلعادة التأكيد على دافعني أساسيني عند كل اجلنس البشري ،مها
نزعة االنتماء للمكان Territorialityواجملتمع .مث ما لبث االضطراب
أن حل جمدداً ،إذ أطاح كساد السلم مبا سب أن أاتحه اقتصاد احلرب من
فرص ،فسبب ذلك هجرات مجاعية إىل املدن الكربى مشاالً .ومل تكن اهلجرة
حتدث من نقطة إىل نقطة ،ولكنها كانت ابحلري هجرة من سلسلة من نقط
مؤقتة للوصول إىل األخ رى .والكثري من األحياء الفقرية السوداء يف توق
مدن أمريكا كانت أصالً جمرد حمطات للطري ،حيث يتوق املهاجرون للراحة
وحملاولة كسب رأمسال ملواصلة املرحلة التالية ،وللوصول إىل االنتقال ذهنياً من
اجلنوب الريفي إىل الشمال احلضري .
على أنه يف كل مرحلة من هذه املراحل كان دافعي االنتماء املكاين واجملتمع
يؤكدان نفسيهما .فالعائالت ،حىت وقد اجتاحها عدم االستقرار ،وحىت وهي
بال أب ،حتاول أتكيد عالقة اجلرية .ورغم أن هذه العالقة كان اإلحساس هبا
ضعيفاً ،وكان منوها دائماً مقلقالً ،إال أن مظاهرها كانت غالباً ال حتوز قبوالً
عند أولئك الذين هم أكثر غىن ،سوداً كانوا أم بيضاً .
وقد أدى النظر إىل هذه الظروف بنظرة من خارجها إىل أن حاول أانس لرباليون
شرفاء ذوو دوافع طيبة أن ميدوا يدهم ابلعون .وكان أحد اجلوانب الرئيسية من
هذا العون هو التجديد احلضري لإلسكان ،أي إقامة إسكان أفضل مؤسس
على منط جتريدي أييت من اخلارج .وفكرة ذلك مبسطة نسبياً هي أن األحياء
الفقرية إسكان سيء ،واحلل هو هدم هذا اإلسكان السيئ وبناء إسكان
حضاري أجود .وقد يعرتض املرء على الكثري من ظواهر هذا التجديد احلضري
.فهو مبثابة منجم ذهيب للمقاولني على أنه مهمة اتفه للمعماريني .كما أن
تكلفته جد مرتفعة ملن هم جد فقراء .إال أن هذه جمرد قضااي على السطح إذا
نظران إليها ابملقارنة للثمن احلقيقي هلذا التجديد احلضري ؛ ذلك أنه مبثابة
اقتال اجلذور من جديد جملتمعات تعد جذورها من قبل معطوبة سيئة التغذية
ومهما كانت الروابط أصالً ضعيفة بني اجلريان إال أهنا هلا وجودها ،على أن
هذه العملية ستمزق هذه الروابط إرابً وجترب األفراد على أن يبدأوا كل شيء من
جديد يف بيئة هي جديدة عليهم وأجنبية ،حىت وغن كانت بيئة أفضل فيزايئياً
.
ولكن هل هذه البيئة أفضل اجتماعياً ؟ إن هذه املنشآت املرتفعة من املساكن
إمنا يطل عليها اسم األحياء الفقرية الرأسية .وأكثرها ،حىت ما يكون منها
.فالسكان إذ ينقصهم اإلحساس جديداً ،هو ابلتأكيد جدير هبذا التوصي
هبوية االنتماء للمكان ،وال حتكمهم روابط اجلرية ،يتبعون أمناطاً سلوكية لعلها
مما قد نراها عند الثدييات العليا وهي يف حالة أيس ؛ فهم يلوثون مأواهم .
وسرعان ما تفقد املباين أانقتها ،وتزيد إحصائيات اجلرائم زايدة مروعة ،
ويتجلى إحساس ابلالمباالة والغضب الكئيب هو مبثابة الطابع الدامغ ((
القصور يف النمو )) .ولعل من احلقيقي ،بل أعتقد أنه من احلقيقي ،أنه كلما
كان األفراد يف اجملتمعات أضع وأفقر ،فإهنم وال بد يزيدون التصاقاً ابلرغام
.وسواء كان هذا حقاً أم مل يكن ،فمن الواضح ومن املؤكد أن الناس ينبغي أن
يعربوا عن عالقاهتم أحدهم ابآلخر .وإذا اعرتض سبيل تعبريهم هذا بكل
الطرق ،فإهنم سيفعلون ذلك من خالل خل عصاابت الشوار .وإذا اعرتض
سبيل هذا التعبري ابلكلية ،فإهنم يستسلمون لليأس .وهذا هو اللب من احلي
الفقري ومما يثري السخرية أن أنقى شكل يظهر فيه ذلك قد ال يكون يف القرية
اآلسيوية اليت متتد عشوائياً وإمنا هو مشرو التجديد احلضري احلديث .
والعنصر الرئيسي الثالث يف مشاكل اإلسكان هو العنصر اجلمايل .والواقعيون
ذوو الرؤوس املتحجرة قد جيادلون أبن االعتبارات اجلمالية إمنا هي تزيد .
فاجلمال أو القبح كالمها ال يكاد يكون له أمهية عند النظر لألمور من منظور
الشروط الصحية ،أو التكلفة ،أو مساحة األقدام املربعة اخلالصة لكل فرد .
واألمر املهم هو توقي الربد واملطر ،وإمتام ذلك بتكلفة ميكننا أن نتحملها .
أما فلسفياً فإن للمرء أن جيادل أبن البشر حيتاجون إىل اجلمال مثلما حيتاجون
إىل احلرية ،وعلى أي حال فمن املؤكد أن اهلدف الصحيح ألفراد اجلنس
البشري ليس جمرد أن يوجدوا أو جمرد أن يذووا ,هم يسلكون طريقهم من
الرحم إىل القرب .لقد داومنا زمناً طويالً على أن نسقط من حسابنا الوجدانيات
اليت من هذا النو ،إال أن الرباهني لتتزايد على أمهيتها .فنحن نعرف أن
األطفال الذين حيرمون من البيئة الشائقة بصرايً يف سنواهتم املبكرة ال تنمو
عقوهلم وقد (( برجمت )) الربجمة الصحيحة الالزمة للتعامل مع الكثري من
مشاكل النضوج .وقد رأينا عشرات من األمثلة يف خمتل أحناء العامل حيث
يفشل توفري كل املعدات املادية للتنمية يف أن يشعل شرارة العقل ،وابلتايل فإن
هذا الفشل يكون فشالً كلياً .واحلقيقة كما تعلمناها بصورة مؤملة من خالل
إنفاق ترليون دوالر يف الفرتة منذ احلرب العاملية الثانية ،هي أن التنمية ال تتم
إال يف عقول البشر وقلوهبم وإال فإهنا ال حتدث أبداً فاإلسكان ،والطرق ،
واجلسور ،والسدود كلها شروط ضرورية للتنمية ولكنها وحدها ليست كافية
فالتنمية تكون مستحيلة دون عون من الذات .على أن الناس الذين تكون
بيئتهم شائحة قاحلة يصبحون عرضة ألن يكونوا غري منتجني وبال روح .
وليست هذه جمرد أتمالت يف كسل حملب لفعل اخلري ؛ فأي مدير ملصنع يعرف
صدقها .والعمال الذين يعملون يف بيئة جذابة وضاءة ينتجون أكثر من العمال
الذين يعملون يف بيئة قبيحة كئيبة .وروح اإلنسان هلي أنفس مواردان .وبيئة
هذه الروح هلي أكرب ٍ
حتد لنا .ومن املؤكد أن هذه مشاكل مروعة إن مل تكن
ساحقة – تلك االعتبارات االقتصادية املعقدة ،وتلك احلساسية ابلنسبة
الحتياجات اإلنسان االجتماعية والعمل على تغذية الروح البشرية .هل ميكن
حل ذلك حالً مرضياً ؟
ما من شك أنه ال يوجد حل هنائي ،ولكن الطري قد ينريه لنا بعض من يعرض
من رجال ذوي عبقرية وحساسية وهدف أخالقي عمي .والكتاب التايل هو
منار انصع قوي .
والدكتور حسن فتحي إذ خيوض الصرا مع مشاكل الفقر الطاحن – فقر
مبستوى ال يكاد يتذكره أي أمريكي على قيد احلياة – وخيوض الصرا مع
البريوقراطيني فاقدي اإلحساس ،ومع أانس مفعمني ابلشك ،ومع أانس كئيبني
بال مهارات ،فإنه هكذا قد ولد ال اإلجابة فحسب بل ولد أيضاً اإلهلام أي
إهلام .فاحلل الذي يطرحه له أمهيته على نطاق العامل كله ،وفكره وخربته
وروحه فيها ما يشكل مصدر إهلام أساسي على النطاق الدويل .
وما يقرتحه الدكتور فتحي هو شكل جديد من املشاركة .أما ما ينبغي أن يسهم
به الفقراء يف هذه املشاركة فهو ابلضرورة عملهم .كما أهنم يف كثري من أحناء
العامل لديهم إمكانية أن حيوزوا بال تكلفة جوهرية ،على مادة البناء الوحيدة
املتاحة هكذا ،وهي الرتبة اليت من حتت أقدامهم .وهبذين الشيئني ،العمل
والرتبة ،ميكنهم أن ينجزوا الكثري .على أن هناك مشاكل تقنية ومشاكل أخرى
ال يستطيعون حلها أبنفسهم ،أو هي عرضة ألن يتم حلها بطرق مكلفة أو
قبيحة أو غري سليمة .وها هنا فإن املهندس املعماري يستطيع أن يقوم إبسهام
رئيسي .
وما يبينه الدكتور فتحي لنا هو أن املهندس املعماري ميكن أن يكون هو املرشد
ملا يكون أساساً مشروعاً يعتمد على الذات أو يعتمد على العون الذايت .
واملهندس املعماري ابستخدام مهارته التقنية يستطيع أن يساعد الناس للوصول
إىل حل رخيص حلل مشكلة التسقي .وهذه هي أصعب مشكلة يف البناء
وهي عادةً ختل طلباً ملواد بناء من خارج القرية وابلتايل فهي مواد غالية .وقد
أدت حماولة حل مشكلة التسقي يف مناط كثرية إىل خل أسق ثقيلة مرهقة
إىل حد هائل ،وهي كثرياً ما تنهار من الزالزل أو بعد األمطار الغزيرة .ومثل
هذه األسق كانت عموماً مسئولة عن الوفيات املرعبة اليت حدثت يف تركيا
وإيران يف الزالزل العنيفة .وهناك حل موجود .
ويبني الدكتور فتحي يف هذا الكتاب ما هو هذا احلل وكي ميكن تعلمه سريع ًا
.وهناك قضااي أخرى تؤثر يف الصحة واالتصال واخلصوصية ،وغري ذلك من
الشئون اليت هتم األسرة .ويف كل هذه الشئون ،فإن املهندس املعماري
يستطيع مساعدة الناس للوصول إىل أهدافهم بواسطة جمهوداهتم هم أنفسهم ،
أبحسن وأرخص مما يستطيعونه دون مساعدته هلم .وحىت يف أمور بسيطة مثل
احلصول على الرتبة اليت يصنع منها الطوب الل ن ،قد ينت بشيء من
التخطيط خل مورد اقتصادي جملتمع القرية ؛ هو بركة تريب فيها األمساك .
وكل هذا يتطلب التعاون :وبدون مسامهة املهندس املعماري ،تكون املباين
قبيحة ،غري سليمة و /أو غالية .وبدون تعاون الناس فإن املشرو يصبح
عقيماً ،وغري حمبوب ،فال يرعونه .
ومما يثري السخرية أن معظم اإلسكان اجلماهريي يف العامل اآلن يتم بدون تعاون
ال من املهندس املعماري وال من الناس .فهو إسكان بقرار بريوقراطي يقوم
املقاولون ببنائه ،سواء كان اإلسكان ميتد أفقياً أو رأسياً ،فإنه غالباً يصبح يف
التو حياً من األحياء الفقرية .
ولعل منتهى السخرية يف عصران كما يذكران الدكتور فتحي ،أن إنتاج هذا
الشكل من القبح مكل أكثر التكلفة ،وأننا يف النهاية سوف ندفع إىل
اإلسكان األفضل األمجل ألننا ببساطة ال نستطيع حتمل مثن أي نو آخر من
اإلسكان .
إن الدكتور فتح ي جتسيد للمبدأ الذي يؤازره معهد أدالي ستيفنسون ؛ وهو
إاتحة الفرصة لرجل له رؤيته والتزام من أجل أن يدخل يف صرا مع مشكلة
اجتماعية هائلة .وهناك الكثري مما ميكن أن نتعلمه من ذلك حىت عند الفشل
– ومثة جوانب من هذا يف عمل الدكتور فتحي .على أن هناك أمراً واحداً
واضحاً .أنه حىت يف عامل السرعة والكتل والتجريد ،ما من بديل عن الفرد
املوهوب الذي يبذل من اهتمامه .
وليام ر .بولك
رئيس معهد أدالي ستيفنسون
للشئون الدولية
مقدمة :
.إن مستوى املعيشة جديد إلصالح الري هذا الكتاب دعوة ملوق
واحلضارةبني فالحي العامل الفقراء فقراً مدقعاً هو مما ميكن رفعه بواسطة البناء
التعاوين ،الذي يتطلب تناوالً جديداً لإلسكان اجلماهريي يف الري .وهذا
التناول فيه ماهو أكثر من خالص األمور التقنية .اليت هتم املهندس املعماري
بتعقد ورهافة ابلغني ،وهناك .فهناك مسائل اجتماعية وحضارية تتص
املسائل االقتصادية ،ومسألة عالقة املشرو ابحلكومة ،وهلم جراً .و ال ميكن
أن ترتك أي من هذه املسائل بدون اعتبار ،ألن كل واحدة منها هلا أتثريها على
األخرى ،والصورة الشاملة ستتشوه حبذف أي منها .
وهلذا فإن الكتاب يعاجل املركب الكلي هلذه املشكالت ،وكل أمر يقع يف
مكانه املنطقي يف العرض ( إال ابلنسبة لبعض املعلومات التقنية احملضة ،اليت
مت وضعها يف ملح ) حبيث يتمكن كل القراء ،مهما كانت مؤهالهتم أو أوجه
اهتماماهتم اخلاصة .من استيعاب مشولية فلسفة التخطيط املعروضة .
وملا كانت مقرتحايت تتعل أساساً ابلفالح ،فإن كتايب مهدي إليه ،وكم كنت
أود لو كان من املستطا أن يكون توجيهه مقصوراً عليه ،وأين آلمل أنه سيأيت
سريعاً ذلك الوقت الذي يستطيع فيه أن يقرأه وحيكم عليه ،على أن ينبغي
علي يف الوقت احلايل أن أوجهه إىل أولئك الذين يضعون رفاهية الفالح موضع
العناية :إىل املهندس املعماري ،وإىل املخطط ،وعامل االجتما ،وعامل
اإلنسان ،إىل كل الرمسيني احملليني والقوميني والدوليني الذين يهتمون ابإلسكان
وبرفاهية الري ،إىل السياسيني واحلكومات يف كل مكان ،وإىل كل فرد يعمل
يف املساعدة على تشكيل السياسة الرمسية املوجهة للري .
ولن يكون من اإلنصاف ختام هذه املقدمة بدون اإلقرار ابلشكر لكل أولئك
الذين ساعدوين يف إنتاج هذا الكتاب .وهم من مصر ،الدكتور ثروت عكاشة
،والدكتور :جمدي وهبة ،ومسرت كريستوفر سكوت ،واآلنسة نوال حسن ،
ومسرت سبريو دايمانتيس ،والدكتور روالند إليس ،أما يف الوالايت املتحدة
فقد نلت العون من زماليت يف معهد أدالى ستيفنسون ،كما اكتسبت
واستمتعت إىل حد هائل من رفقيت هليئة التدريس ابملعهد وألصحاب الزمالة
اآلخرين ،إن هذا املعهد هو املكان الذي فيه أفكاري وجدت سكناها وروحها
يف صورة جداً واضحة مبا أث أنه سيمكنين من أضعها موضع التطبي .
*حسن فتحي
بسم هللا الرمحن الرحيم
احللم والواقع
***
النوبة – تكنيك قدمي للتقبية مازال ابقياً
ذات صباح يف فرباير 8198غادرت القطار يف أسوان ،يف صحبة عدد من
الطلبة واملدرسني من مدرسة الفنون اجلميلة .يقومون برحلة دراسية للمواقع
األثرية ،وانتهزت الفرصة للذهاب معهم ملشاهدة ما ينبغي رؤيته يف النوبة .
إىل حد ابلغ وكان انطباعي األول هو عن معمار أسوان نفسها الذي يتص
بعدم التميز .إهنا مدينة إقليمية صغرية ،تبدو كقاهرة رثة مصغرة مزروعة يف
الري ؛ نفس واجهات املباين امل ّدعية ،نفس واجهات الدكاكني املبهرجة ،
نفس اجلو املعتذر ذو العالقات السقيمة لشيء لعله قد يصبح جو مدينة .
قرحة صغرية كئيبة للعني ،تتل املشهد الدرامي البديع للجندل الثاين .مل يكن
يف أسوان شيء مما أطلبه ؛ وابلتأكيد ما من عالمة تشري إىل تلك اإلشاعات عن
التكنيكات اليت أتيت حبثاً عنها .وكان من خيبة أملي أنين كدت أقرر أن أالزم
فندقي .
على أين قمت برحلة عرب النهر ،ذلك أن أخي كان قد أخربين أنين جيب أن
ألقي نظرة على القرى اليت يف الضواحي بدالً من أسوان نفسها .وما أن
دخلت أول قرية ،وهي (( غرب أسوان )) حىت أدركت أنين قد وجدت ما
علي ،قرية أبكملها من بيوت رحبة
جئت من أجله .كان ذلك عاملاً جديداً ّ
مجيلة ،نظيفة ،ومتجانسة
،كل بيت فيها أمجل من البيت التايل .ليس هناك يف مصر أي مما يشبه ذلك
،إهنا قرية من بلد لألحالم ،لعلها من قرى مدينة قدمية خمبوءة يف قلب
الصحراء الكربى – وقد احتفظ هبا مهندسها املعماري طيلة القرون بال تلوث
من أي أتثريات أجنبية ،أو لعلها كانت من أطلنطس * نفسها .مل يكن مثة أثر
ملا حيدث عادة يف القرية املصرية من حشد تعس للبيوت ،وإمنا كل بيت يتلو
اآلخر سامقاً ،مراتحاً مسقوفاً سقفاً نظيفاً بقبو من الطوب ،وكل منزل مزين
على حنو فريد أني حول املدخل أبشغال املخرمات الطوبية ** Claustra
،حليات ابرزة وخطية من الطني .أدركت أنين إمنا أنظر إىل األثر احلي الباقي
ملعمار الرتاث املصري ،إىل طريقة بناء
كانت مبثابة منو طبيعي من املشهد اخللوي الطبيعي ،هي جزء منه مبثل ما
تكونه خنلة الدوم يف املنطقة .وكان األمر كرؤاي معمارية من عهود ما قبل
السقوط :قبل أن تؤدي النقود ،والصناعة ،واجلشع ،والتكرب إىل فصم
املعمار عن جذوره احلقيقية يف الطبيعة .و إذا كنت قد أحسست ابلسعادة ،
فإن الرسامني الذين أتوا معي كانوا يف حال غامر من النشوة .واختذوا جمالسهم
يف كل ركن ،وفضوا لوحات رمسهم ،ونصبوا احلوامل ،وأمسكوا لوحات
األلوان والفرش وبدأوا العمل ،وأخذوا حيملقون ويصرخون ،ويشريون ؛ إهنا
هلدية اندرة نفيسة ابلنسبة ألي فنان .وحاولت أثناء ذلك أن أجد من يستطيع
أن خيربين عن املكان الذي يعيش فيه البناءون الذين خلقوا هذه القرية .ولكين
ها هاان كنت أقل حظاً ؛ ويبدوا أن كل الرجال كانوا يعيشون بعيداً عن املكان ،
ويعملون يف املدن ،فلم يكن هناك سوى النساء واألطفال ،وكانوا أشد خجالً
من أن يتحدثوا .وكانت الفتيات يكتفني ابجلري بعيداً وهن يكركرن ضاحكات
.ومل أمتكن من احلصول على أي معلومة مطلقاً ،وعدت ومل أمتكن من احلصول
على أي معلومة مطلقاً ،وعدت إىل أسوان وقد استثريت شهييت وإن كانت مل
تشبع مطلقاً ،فواصلت حبثي عن بّن اء يعرف سر بناء هذه األقبية .وتصادف
أن حتدثت مع النادل يف الفندق عن مطليب ،فأخربين أن هناك حقاً بنائني
يعيشون يف أسوان ،وأنه سيوصلين إليهم .ويبدو أنه مل يكن هناك عمل كثري
ليقوم به البّناء احملرتف لبناء منازل طوب الل ن .ذلك أن كل رجل يف القرية أ ًاي
كان عمله املعتاد يستطيع أن يقيم لنفسه منزالً مقبياً ،وهكذا فإن تلك القلة
للعمل حلساب سكان املدن اإلقليمية مثل أسوان ، من البنائني كانت توظ
ممن قد فقدوا مهارات البناء ابلطريقة الرتاثية وعلى كل ،فقد كان هناك بناءون
قليلون جداً يبنون األقبية ،وقال النادل أنه سيعرفين للمعلم بغدادي أمحد علي
،أكربهم سناً .ويف اليوم التايل ذهبت جمموعتنا لرؤية اجلبانة الفاطمية يف أسوان
وهي جمموعة من األضرحة املتقنة ترجع إىل القرن العاشر ،بنيت ابلكامل من
طوب الل ن ،حيث األقبية والقباب تستخدم أبسلوب واث فخيم .ويوجد
أيضاً على مقربة من أسوان دير رهبان القديس سيمون ،وهو مبىن قبطي من
نفس الفرتة ,هنا أيضاً قد استخدمت قباب وأقبية من طوب الل ن ،ولكن
معمار الدير تتكش فيه البساطة والتواضع مبا يكون مثاالً للدير ،وهذا يثبت
أن هلذا النو من املعمار القدرة على أن يتواف توافقاً يتساوى جودة يف
اإلهلامات املتباينة للداينة اإلسالمية واملسيحية .ومن بني أشياء أخرى الحظت
بدهشة واهتمام عظيمني أن املطعم له رواق واسع يعتمد اعتماداً كلياً على
منظومة حاذقة من أقبية رئيسية واثنوية وذلك لتجنب أي حشو ثقيل فيما بني
السطح املقوس للقبو والسطح األفقي لألرضية من فوقه .ويف هذا إثبات
للحجة أبن مباين طوب الل ن ميكن أن ترتفع إىل طابقني وتظل قوية مبا يكفي
عام .كنت هكذا أحصل على مزيد ومزيد مما يؤكد ظنوين أبن لبقائها ألل
املواد واألساليب الرتاثية للفالح املصري هي أكثر من الئقة ألن يستخدمها
املهندسون املعماريون احملدثون ،وأن حل مشكلة اإلنسان يف مصر يكمن يف
اتريخ مصر.
___________________________________
* قارة أسطورية يزعم أهنا غارقة يف احمليط األطلسي .
** أصالً خمرمات جصية ولكنها هنا من الطوب ( املرتجم )
ومع هذا فقد بقي علي أن أتعلم الطريقة احمللية لصنع األقبية .وكنت قد
وعدت بلقاء مع هذا املعلم البناء ،ولكنه مل يظهر .ومل يصل بغدادي أمحد
علي يف النهاية إال عند أخر حلظة ابلضبط لزايرتنا ،وعندما كنا ابلفعل على
يف انتظار القطار ،وعندها ،والقطار يزع بصرب انفذ ،ووسط الرصي
هسيس البخار وقعقعة العرابت ،وصيحات احلارس والركاب واملودعني ،مل
يكن لدينا من الوقت إال ما يكفي للمصافحة ابأليدي وتبادل العناوين قبل أن
حيملين القطار بعيداً إىل األقصر .
***
كانت هذه الرحلة املعمارية ابلنسبة يل رحلة قنص وراء أقبية طوب الل ن ،وبعد
أ سوان ،ذهبنا لألقصر ،حيث أهبجين بوجه خاص أن أتفحص صوامع قمح
الرامسيوم – خمازن طويلة مقبية ،بنيت من طوب الل ن منذ 1922عام ،إهنا
كما يبدو مادة تتحمل حتمالً جيداً .
ومن األقصر ذهبنا إىل تونة اجلبل ،حيث وجدت املزيد من األقبية اليت يبلغ
عمرها 0222عام ،وكان أحدها يدعم درجاً ممتازاً .
ومن عجب أنين يف جولة واحدة قصرية شاهدت الدليل القائم على انتشار
البناء ابألقبية خالل التاريخ املصري كله ،إال أنين حسب ما تعلمناه يف مدرسة
العمارة ما كنت ألظن أن أحداً قبل الرومان كان يعرف كي يبين عقداً وعلماء
اآلاثر يقصرون ا نتباههم على اآلنية املهشمة والنقوش املطموسة ،ومن آن
آلخر قد تدب احليوية يف دراساهتم الصارمة عندما يكتشفون خبيئة من الذهب
.أما ابلنسبة للعمارة فليس لديهم أي رؤية و ال أي وقت هلا .وهم يف وسعهم
أن يغفلوا عن املقوالت املعمارية اليت تقع حتت أنوفهم مباشرة – ومثة كتب
تذكر أن قدماء املصريني مل يتمكنوا من بناء القباب ،على أين قد رأيت قبة
مصرية قدمية يف مقربة سينب ،يف الوسط متاماً من جبانة اجليزة .و ال ميكن أن
يكون مثة شك يف أن تكنيك بناء األقبية والقباب – بطوب الل ن أيضاً – كان
تكنيكياً مألوفاً متاماً للمصريني يف عهد األسرة الثانية عشرة .
* البحر معمارايً هو املسافة األفقية بني عمودين أو كتفني أو جدارين وكل عقد
أو قبو أو قبة له حبره
** مقصورة : Loggiaشرفة مسقوفة ،مكشوفة من جانب أو أكثر ،أو
رواق خارجي ،أو حجرة مقعد .
( املرتجم )
مقوسي يثري الرضا ويبدو وكأنه قد أتيت عن غري عمد إذ وضعنا تصميم األقبية
،إال أنه مما ال يكاد ينت قط فيما لو استخدمت اخلطوط املستقيمة واألسق
السطحية .وهذه هي النقطة العظيمة الثانية بشأن مساكن طوب الل ن ذات
األسق املقبية .فهي إىل جانب كوهنا رخيصة ،فإهنا مجيلة .وهي ال ميكنها
إال أن تكون مجيلة ،ذلك أن
البنية اإلنشائية متلي األشكال ومادة البناء تفرض املقياس ،وكل خط حيرتم
توزيع الضغوط ،ويتخذ البناء شكالً
طبيعياً ومرضياً .ويف احلدود اليت تفرضها مقاومة مادة البناء – الطني –
وحسب قوانني االستاتيكا ،جيد املهندس املعماري نفسه فجأة حراً يف تشكيل
الفراغ مببناه ،وأن يطوق حجماً من اجلو الفوضوي ليصل به إىل أن يصبح ذا
نظام ومعىن مبعيار اإلنسان ،حبيث أنه أخرياً ال حيتاج يف بيته ألي زخرفة توضع
بعد ذلك .فالعناصر اإلنشائية نفسها متد مبا يشوق العني إىل ماال هناية .القبو
،والقبة ،واخلناصر املدالة ،واخلناصر املعقودة ،والعقود ،واجلدران ،كلها
تعطي املهندس املعماري جماالً بال حدود إلحداث تفاعل له مربره بني خطوط
مقوسة جتري يف كل اجتاه بسراين متناغم الواحد منها لآلخر .
وكان يل صدي آخر يعيش يف املرج ،خارج القاهرة مباشرة ،وهو حامد سعيد
.وكان فناانً يعيش مع زوجته يف خيمة ،وسبب ذلك يف جزء منه أن يكون
قريباً من الطبيعة اليت كان يعشقها عشقاً مجاً ،ويف جزء آخر ألنه ال يستطيع
حتمل مثن منزل .وعندما مسع عن مزرعة اجلمعية امللكية للزراعة يف هبتيم وكي
كانت تك لفة بنائها رخيصة ،فإنه اهتم ابألمر أشد االهتمام ،ذلك أنه ظل
لزمن حيتاج إىل مرسم .
وذهب ليلقي نظرة على املباين ،وعندما رأى النوعية الفريدة للنور يف مقصورة
مقىب ،قرر يف احلال أن يبين لنفسه مقصورة مماثلة .وكان لبعض ذات سق
أقاربه عزبة ،أقمنا فيها مرمساً يتكون من حجرة واحدة كبرية ذات قبة ،وخمد
مقىب مبيت يف اجلدران ،وأصونة مبيتة يف اجلدار ،ومقصورة مفتوحة عند
طرفها تطل على احلقول وعلى منظر يطرد بال انقطا لفدان أثر فدان من
أشجار النخيل .وقد صنع له الطوب يف نفس املوقع – وكانت الرتبة رملية –
فلم حيت حىت للقش – وبىن البناءون البيت مقابل 02جنيهاً فحسب .
والتقطنا بعض شبابيك خشبية قدمية مجيلة جداً لتستخدم للنوافذ ،وبعض
األبواب املهملة لتستخدم لألصونة ،وكلها كان قد أمهل شأهنا زمناً طويالً إذ
حلت مكاهنا التجهيزات الرباقة ذات األسلوب األورويب .وإمجاالً فإنه حصل
على كوخ صغري ساحر كمرسم مبا يقرب من 22جنيهاً .
***
عزبة البصري :إبليس يف كمني :
كان مثة قرية أخرى صغرية ،أو هي ابألوىل كفر ،يتكون مما يقرب من مخسة
وعشرين بيتاً ،تقع خارج املعادي على بعد يقرب من تسعة أميال من القاهرة ؛
وكانت تسمى عزبة البصري ،ويسكنها يف أغلبها اللصوص .ويف عدالة صارمة
مت اكتساح الكفر متاماً بفيضان مفاجئ مما حيدث كل عشرين عاماً أو ما يقرب ،
وتعهد اهلالل األمحر املصري إسكان العائالت اليت فقدت مسكنها .وقد
جتلت يد هللا يف هذا الفيضان أوضح التجلي ،فلم يق تصر األمر على إنزاهلا
العقاب ابآلمثني ،وإمنا أدت أيضاً إىل رد ممتلكات مسروقة لواحد على األقل
من ضحااي هؤالء .وكان هذا الرجل الضحية هو أمني رستم ،الذي سرق
إطاران من سيارته يف وقت كان من الصعب فيه احلصول على اإلطارات بوسيلة
شريفة ،وحيث كان اإلطار الواحد جيلب بوسائل غري شريفة مبا يساوي 12إىل
822جنيه .وكان رستم يعرف أن اجملرم – هو واإلطارين – موجودين يف عزبة
البصري ،على أن الشرطة مل تكن لتفعل شيئاً هبذا الشأن .وعلى أي حال
فقد فارت يوم الفيضان دوامة من املياه ،وإذا إبطاري رستم اإلثنتني ومها
يبحران يف مرح ليصال إىل قسم الشرطة ،حيث حطا الرحال برشاقة ،
ليستعيدمها هو .
للهالل األمحر جلنة للسيدات فيها املنفذ ملا لدى سيدات القاهرة من دوافع
خريية ،وقد أخذت هذه اللجنة على عاتقها مسئولية إعادة بناء عزبة البصري
.وتوصلت عن طري رئيسة اللجنة حرم سرى * ابشا إىل أن أعرض خدمايت
بشأن هذا املوضو ،وذهبت أللقي نظرة على القرية املخربة ،واليت تبني أهنا
كانت مبنية بطوب الل ن ولكن بطريقة فيها قصور ابلغ .فكان للبيوت على
مستوى الدور األرضي حائط من الطني مسكه طوبة واحدة ال غري ،ومن
الطبيعي أنه مما ال ميكن توقعه أنه سيقاوم سيالً من املياه .وهكذا فإن اجلدران
ما لبثت أن تقوضت فاهنارت البيوت .وعلى كل ،فلم يكن مثة جدل حول
استخدام طوب الل ن يف ذلك املوقع .فبيوت طوب الل ن عند استخدام
جدران مسيكة مبا يكفي وأساسات حجرية ،تستطيع أن تظل ابقية .حىت بعد
طوفان نوح .وأعددت تصميمايت وتقديرايت .وحسبت تكلفة عشرين بيتاً مبا
يصل إىل 122جنيه مصري .وقدمت ذلك إىل اللجنة وقد أفعمت محاساً .
وكم أنفقنا من ساعات العصر وحنن نشرب الشاي وندخن السجائر يف حديث
متقطع عن القرية ،ومر اجتما أثر اجتما ،وقرار أثر قرار ،واعرتاضات ،
واقرتاحات ،ومراوغات ،وأفكار براقة ،وشكوك خطرية حىت لقد كان يف
استطاعتنا أن نبين عشر قرى أبيدينا نفسها يف ذلك الوقت الذي أضعناه هكذا
.
وكان البناءون لدي مستعدين ،والسكان مازالوا يقيمون يف اخليام ،وليس ما
يبدو أنه يوضع موضع التنفيذ ! وأخرياً وسط أحد االجتماعات ،وأان أتوسل
أن يسمح يل على األقل ببناء منزل واحد ألوضح – ال غري – أنه مما ميكن
تنفيذه ،إذ حبرم عبود * ابشا فجأة تقول (( :يبدو أنك رجل من النو العملي
.هاك ،خذ دفرت شيكايت .اكتب املبلغ الذي تشاء ،وخذ النقود وانطل
لتبين لنا بيتك )) ووافقت على هذا العرض ؛ كنت أعرف من قبل أين استطيع
بناء بيت ب 822جنيهاً مصرايً ،وهكذا أخربت اللجن بذلك .ولكن
مهندساً معمارايً آخر كان يف هذه اللحظة جيلس يف اللجنة ممثالً لوزارة الشئون
االجتماعية ،مهس يل ،ال تكن مغفالً ،اكتب مبلغاً أكرب .إنك لن تستطيع
تنفيذه هبذا املبلغ )) وقلت له (( :أان أعرف متاماً ما أفعله .لقد بنيت من قبل
مبثل هذا املبلغ ،وأان أعرف أنه ميكنين تنفيذه )) .
وهبذه النقود اليت توافرت يل من مصدر خاص ،كان ميكنين أن انطل للعمل ،
فما عاد يف وسع اللجنة بعد أن متاطل ألكثر من ذلك .ويف خالل أربعني يوماً
كان البيت قد اكتمل .كان مبىن أنيقاً للغاية ،ذا غرفتني واسعتني ومضاجع
مبنية يف اجلدران كما سب ،وأصونة مبنية يف اجلدران ،ومساحة رحبة للتخزين
ابلضبط 899جنيهاً ،ومقصورة كبرية وفناء مسور وإمجاالً فقد تكل
مصرايً .
إيل مبهمة إكمال البيوت التسعة عشر
وإذ جنحت هكذا توقعت أن سيعهد ّ
األخرى املطلوبة ،ولكن سرعان ما أتت حرم سري ابشا بعد ذلك وبينت يل
أنه ملا كان للجنة مهندسها املعماري اخلاص هبا ،والذي عليه أن يصمم البيوت
إيل .وداريت من خيبة أملي ،وتقبلت
هلم ،فإهنا ال تستطيع أن تعهد ابملهمة ّ
متلطفاً اعتذارها .على أن البيت ظل هناك ،وأصبح له استخدام مفيد غاية
الفائدة ؛ بل إننا أقمنا فيه حفالً أو حفلني ،وأتى أانس كثريون لرؤيته
واإلعجاب به .وقد تعودت أن أحس أان نفسي إبعجايب به كلما مررت به كل
يوم ابلقطار ما بني القاهرة واملعادي ،وكان يف استطاعيت أن أراه على مبعدة من
النافذة ،وكنت أحرص دائماً على التطلع إليه يف كل مرة أمر فيها به .وذات
يوم تطلعت من النافذة ،فإذا ابلبيت ليس هناك ،ونظرت اثنية وتساءلت عما
إذا كنت قد أخطأت النظر ،أو أن هذا مل يكن هو املوقع ،أو أنين ركبت
القطار خطأ ،ولكين كنت مصيباً متاماً .لقد اختفى البيت ليس إال .وذهبت
إىل املوقع ألرى ما حدث .وهناك وجدت بييت اجلميل وقد تبدد لقطع تنتشر
على األرض .وحىت يف تلك اللحظة ،كان لدي الوقت الكايف ألن احلظ كي
كان البيت قوايً ،وكي أن القبو مل يتهاو
_________________________________________
_____
إال يف قطع كبرية ،كقطاعات من شكل بيضاوي ،أجزاء متينة متجانسة كقطع
من جلد مدبوغ ،ذلك أن اللبنات الطينية متاسكت يف حمارة واحدة مرتاصة .
و أخربوين مع تقدمي االعتذارات ،أنه كان من الضروري لسوء احلظ أن يهدم
البيت ألنه مل يكن يتجانس مع
البيوت اليت صممها املهندس املعماري اخلاص هبم ،ولكنهم واثقون أين أتفهم
األمر .وكان ذلك املهندس املعماري اخلاص هبم قد أوفد أحد مساعديه ،وهو
شاب كان وقتها مشهوراً أساساً ببنائه لنسخة أمينة لكوخ سويسري بني أشجار
النخيل واإلبل اليت يف طري األهرام ،وهو هنا قد أنت نسخته من األكواخ
املالئمة ألن يعيش الفالحون فيها .وقد رأيت رسوماته فيما بعد ،وكانت تبني
صفاً من عشرين بيتاً أمسنتياً ،يتكون كل منها من حجرتني مربعتني وممر عرضه
تسعني سنتيمرتاً يف هنايته دورة مياه .ومل يكن هناك حىت أي مطبخ ،د عنك
االحتياجات من مثل املضاجع املبنية واألصونة ،ومل يكن يف هذه املباين أي
إهلام معماري أكثر مما يلهم به ص من خمابئ الغارات اجلوية .وأدركت متاماً
أن بييت مل يكن ليتجانس مع هذه البيوت .
ويف وقت الح اكتشفت سبباً آخر جعل املهندس املعماري اخلاص ابللجنة
عازفاً عن استدعاء أي مقارانت ،فقد تكلفت إقامة بيوته العشرين 00.222
جنيه مصري ابإلمجال .
على أنه رغم قصر حياة هذا البيت الصغري ،ورغم أنه فشل يف حتقي هدفه
الرئيسي من التأثري يف اهلالل األمحر ،إال أنه قد جنح يف التأثري يف أانس آخرين
.فقد أدى إىل أن كلفتين شركة نرتات شيلي مبهمة لبناء بعض االسرتاحات يف
سفاجة على البحر األمحر .وقد أعطاين هذا الفرصة لتوسيع فريقي من البنائني
وألن ازداد إدراكاً لقدراهتم .وقد أحسنا القيام بعملنا هناك ،حىت أنه أمكن
لرئيس البنائني بغدادي أمحد على أن يدخر ما يكفي للقيام برحلة إىل احلجاز
ليصبح حاجاً .ووصلنا إىل أن أصبح أحدان يعرف اآلخر معرفة أفراد العائلة
الواحدة ،ووجدت أن احرتامي هلؤالء الرجال يتزايد كل يوم كلما عملت معهم
.
***
سرقة أحدى املقابر تنسب يف مشرو إسكان رائد :
أثناء حياة بيت عزبة البصري القصرية حدث أن رآه أيضاً أانس معينون يعملون
يف مصلحة اآلاثر ،ومل يكن ذلك حقاً من ابب االهتمام األثري ،وإمنا هو من
ابب استيفاء مطلب جد عملي وشائ .ففي مصر ،كما قد يتبادر إىل للذهن
بسهولة ،تعد مصلحة اآلاثر من بني أهم املصاحل احلكومية ،وكانت املصلحة
قد انل منها مؤخراً فضيحة كربى .
فمن بني اآلاثر القدمية اليت كانت مسئولة عنها كانت هناك جبانة طيبة القدمية
اليت تقع يف مكان يسمى القرنة ،عرب النهر عند األقصر اليت بنيت هي نفسها
هذه اجلبانة من ثالثة أجزاء رئيسية : فوق موقع مدينة طيبة القدمية .وتتأل
وادي امللوك إىل الشمال ،ووادي امللكات إىل اجلنوب ،ومقابر النبالء يف
الوسط على سفح التل املواجهة لألراضي الزراعية .وقرية القرنة قد بنيت على
موقع مقابر النبالء هذه .وتوجد ها هنا قبور كثرية جداً بعضها معروف قد مت
إخالؤه وتنظيفه ،وبعضها مازال غري معروف للمصلحة وابلتايل فهو مازال
مليئاً أبشياء ذات أمهية أثرية عظيمة .
***
ومثة سبعة آالف فالح يعيشون يف القرنة وقد احتشدوا يف مخس جمموعات من
البيوت ،قد بنيت من فوق ومن حول هذه القبور .سبعة آالف فرد يعيشون
من فوق املاضي ابملعىن احلريف متاماً للكلمة .وهم – أو أابئهم – قد اجتذهبم
إىل القرنة منذ ما يقرب من مخسني عاماً مقابر أجدادهم الغنية ،ومن وقتها
وهذا اجملتمع كله يعيش على نقب هذه القبور .وكان اقتصادهم يعتمد تقريباً
اعتماداً كلياً على سرقة الق بور ؛ فاألرض الزراعية من حوهلم ما كان يف اإلمكان
أن تقيم ْأود عدد يبلغ سبعة آالف من األفراد .وعلى أي حال فقد كانت
األرض يف معظمها ملكاً لعدد قليل من أثرايء املالك الزراعيني .
ورغم أن أهل القرنة قد أصبحوا خرباء ال يبارون يف حتديد موقع املقابر املختفية
،وك انوا من أبر اللصوص ،إال أهنم مل يقوموا مبهنتهم على حنو حكيم .فقد
نقبوا القبور بطيش ،مستنفذين أنفس الكنوز وذلك يف زمن سب كثرياً الزمن
الذي أصبحت اآلاثر فيه مما جيلب مثناً عالياً حقاً .وقد أخربين حكيم أبو سي
أحد مفتشي اآلاثر ،أنه يف عام 8181قدم له أحد الفالحني سلة كاملة من
اجلعارين مقابل عشرين قرشاً ،وأنه رفضها ! واليوم فإن اجلعارين يبلغ مثنها
مخسة جنيهات على األقل لكل جعران واحد .
ومل تكن الغنيمة تقتصر على اجلعارين ،كما أن الفالحني مل يكونوا كلهم هبذه
السذاجة .ففي وقت اكتشاف مقربة أمنحتب الثاين – وهي مقربة سليمة من
األسرة الثامنة عشرة – سرق قارب مقدس بواسطة أحد احلراس .وقد اختذ
لنفسه عائد العملية أربعني فداانً .
على أن عمليات لصوص املقابر هذه ينبغي أال ينظر إليها نظرة جد مستخفة .
فرغم كل براعتهم ،ورغم خفة ظلهم ،ومع كل ما هم فيه من فقر ال
يستحقونه ،إال أن الضرر الذي حيدثونه هو مما ال يقاس .إهنم حيفرون ويبيعون
،وما من أحد يعرف مصدر ما يعثرون عليه ،مما يعين خسارة كبرية لعلم
املصرايت .وهم أحياانً يفعلون ما هو أسوأ ؛ فلو وجد أحد هؤالء اللصوص
صدفة كنزاً من الذهب ،فإنه يصهره .وهكذا فإن هناك جواهر وصحافاً ،
ومتاثيل صغرية – روائع من مشغوالت اإلنسان ،ال تقدر بثمن يف أي سوق –
تذهب مباشرةً إىل البوتقة لتتحول إىل قوالب خسيسة ،تبا ابلسعر اجلاري
للذهب .وميكننا مما تبقى من األعمال الفنية – ككنوز مقربة توت عنخ أمون ،
والطب ذي الرسومات اجلميلة الذي عثر عليه حديثاً يف اتنيس – أن حنصل
على بعض فكرة عن التخريب اخلبيث الذي ظل متصالً .وقد رأيت مسز
برويري ،وهي زوجة أحد علماء اآلاثر ،يف بيت أحد الفالحني قضبان خام من
الذهب ال بد أهنا كانت من قبل كنوزاً ميكن أن تتخذ موضعها املشرف يف أي
متح يف العامل .
***
وابلطبع فإن الفالحني كانوا يقعون كفريسة طبيعية لتجار املدينة ،فالتجار
وحدهم هم القادرون على االتصال ابملشرتين من األجانب فاقدي الضمري ،
بشراء منتجهم سكان القرنة الضعي وبذا فإهنم استطاعوا استغالل موق
النفيس مبا يقل كثرياً عن قيمته احلقيقية .وهكذا كان الفالحون يتحملون كل
املخاطر ،وينمون مهاراهتم ليقوموا ابجلانب الشاق من العمل ؛ بينما التجار
جيلسون يف آمان اتم ،يشجعون ختريب املمتلكات العامة ،ويزيدون ثراء على
حساب ما يغنمه أهل القرية مبجهودهم الشاق .
***
ويف النهاية ،فإن العائد املتناقض من سرقة املقابر أرغم السكان على الدخول
يف مغامرات أكثر خطورة وعلى القيام بعمليات تزيي أكثر هتوراً ( ذلك أن
تزيي اآلاثر كان مهارة عارضة مناها فيهم موقفهم احملرج ) حىت حدثت يف هناية
األمر فضيحة ال مثيل هلا .فقد مت انتزا وسرقة نقش صخري ابلكامل من أحد
.كان األمر وكأن أحداً قد سرق انفذة من القبور – أثر قدمي مشهور ومصن
كاتدرائية شارتز أو عموداً أو عمودين من البارثينون.
وقد أحدثت هذه السرقة رجة حبيث كان على مصلحة اآلاثر أن تتخذ إجراء ما
إجيابياً بشأن مشكلة القرنة .وكان هناك من قبل مرسوم ملكي بنز ملكية
األرض اليت بنيت عليها بيوت القرنة و أن تلح ملكية كل منطقة مدينة املوتى
ابحلكومة كأرض للمنفعة العامة .وقد أعطى هذا املرسوم ألهل القرنة احل يف
االستمرار يف استخدام البيوت املوجودة ،ولكنه منع أي إضافات أو توسعات
جديدة .واآلن فقد كان يتوجب إصدار مرسوم آخر وزراي لنز ملكية البيوت
أيضاً ،هبدف إخالء املنطقة األثرية كلها من مغتصبيها غري املرغوب فيهم .
على أن إصدار املرسوم شيء ،وتنفيذه شيء آخر متاماً ،إىل أين سينقل سبعة
آالف فرد ؟ إن بيوت أهل القرنة لو مت شراؤها ابلثمن اجلاري ‘ فإن أصحاهبا
لن ينالوا من املال ما يكفي لشراء أرض جديدة وبناء بيوت جديدة .وحىت لو
مت تعويضهم بسخاء ،فإهنم وحسب سينفقون النقود يف اختاذ مزيد من
الزوجات وهبذا فإهنم يصبحون مشردين بال أرض وال مال .وكان احلل الوحيد
هو إعادة تسكينهم ،على أن هذا االقرتاح كان حىت ذلك الوقت اقرتاحاً
مكلفاً للغاية .فقد قدر مبلغ مليون جنيه لقرية مشاهبة متاماً كان جيري بناؤها
للعمال يف امبابة خارج القاهرة مباشرًة .وكان هذا هو الوقت الذي تنبهت فيه
مصلحة اآلاثر إىل املباين .
وقد تصادف أن خطرت نفس الفكرة على حنو مستقل لكل من عثمان رستم
مدير اهلندسة واحلفائر ،و م .ستوبلري مدير قسم الرتميمات يف مصلحة اآلاثر
،حبيث اقرتح كل منهما على األب درايتون املدير العام للمصلحة ،االتصال
يب بشأن قرية القرنة اجلديدة .
منوذجي من بناايت طوب الل ن ،بيوت اجلمعية امللكية الزراعية
ّ وكاان قد شاهدا
،وبيت اهلالل األمحر ،وقد أتثرا أتثراً متماثالً إبمكاانت مادة البناء ،ورخص
تكلفة استخدامها .وابلتايل فقد ذهب درايتون لرؤية هذه املباين وواف على
االقرتاح ،وكانت النتيجة أنه صرح يل إبجازة أتغيب فيها عن مدرسة الفنون
اجلميلة ملدة ثالث سنوات حىت أبين القرية .وهكذا كنت يف سبيلي لتحقي
أمنية طفوليت – وأ ان آمل أن يكون ذلك بتكلفة أرخص بعض الشيء من
املليون جنيه .
***
الطابع املعماري
كل شعب ممن أنت معماراً يطور أشكاله احملببة له هو نفسه ،
واليت ختص هذا الشعب مثلما
ختصه لغته ،أو ملبسه ،أو فنونه الشعبية .وقبل اهنيار
جبهات احلضارة يف القرن املاضي ،
كان هناك يف العامل كله أشكال وتفاصيل حملية متميزة للمعمار
‘ وكانت بناايت كل موقع حملي مبثابة أطفال مجيلة لزواج سعيد قد عقد بني
خيال أفراد الشعب واحتياجات ريفهم .ولست ابلذي يطلب التأمل يف املنابع
احلقيقية للخصوصية القومية ،كما أين لست مؤهالً لذلك أبي حال .ولكين
أود أن أطرح ببساطة أن أشكاالً بعينها تفنت أفراد أحد الشعوب ،
فيستخدموهنا يف جماالت جد متنوعة ،انبذين فيما حيتمل أي تطبيقات غري
مالئمة ،وإمنا هم يقومون بتطوير لغة بصرية رائعة مفعمة ابللون هي لغة خاصة
هبم وتالءم متاماً شخصيتهم ووطنهم .وما من أحد ميكن أن خيطئ طريقة احنناء
القبة الفارسية وقوس احنناء القبة السورية ،أو املغربية ،أو املصرية .وما من
أحد ميكن أن خيطئ تبني وجود نفس االحنناء ونفس البصمة يف القبة واجلرة
والعمامة اليت تنتمي ملنطقة واحدة .ويتبع ذلك أيضاً أن أحداً ال يستطيع أن
ينظر بعني الرضا إىل املباين اليت تزر يف بيئة أجنبية عنها .
***
على أن مصر احلديثة ليس فيها أسلوب حملي ،فالبصمة مفتقدة ؛ وبيوت
األغنياء والفقراء هي على السواء بال طابع ،بال هلجة مصرية ،لقد ضا
الرتاث ،وانفصمنا عن ماضينا منذ قطع حممد علي رأس آخر مملوك .وهذه
الثغرة يف تواصل الرتاث املصري قد أحس هبا أانس كثريون ،فطرحت هلا كل
صنوف العالج .واحلقيقة أن هناك نوعاً من الغرية بني أولئك الذين يعدون
القبط الساللة احلقيقية املنحدرة من قدماء املصريني ،وأولئك الذين يؤمنون
أبن األسلوب العريب هو ما ينبغي أن ميد بنموذج للمعمار املصري احلديث .
واحل أنه كانت هناك حماولة شبه رمسية للتوفي بني هذين الفريقني ،وذلك
عندما اقرتح عثمان حمرم ابشا وزير األشغال العمومية أن تقسم مصر إىل شطرين
،مبا يشبه اقرتاح سليمان بشطر الطفل ،وأن تسلم مصر العليا إىل األقباط ،
حيث ميكن أن ينمى أسلوب من تراث فرعوين ،بينما ينبغي أن تعطى مصر
السفلى للمسلمني ليجعلوا من عمارهتا عمارة عربية حب !
وتؤدي هذه احلكاية إىل إيضاح شيئني .األول هو احلقيقة املشجعة من أن
الناس يدركون ابلفعل البلبلة احلضارية اليت يف معماران ،ويرغبون يف عالجها ،
واآلخر – وهو أمر ليس جبد مشجع – وهو أن هذه البلبلة ينظر إليها
كإشكالية يف األسلوب ،وأن األسلوب ينظر إليه كنو من التشطيبات
السطحية اليت ميكن تطبيقها على أي بناء بل و ميكن إزالتها وتغيريها عند
الضرورة .واملهندس املعماري املصري احلديث يعتقد أن العمارة املصرية القدمية
ربع الدائرية ،وأن تتمثل يف املعبد ببوااب ته الضخمة وإفريزة املزين ابلتجاوي
العمارة العربية تتمثل يف سدائل املقرنصات اجملمعة ،وذلك يف حني أن العمارة
متتماً عن عمارة املعبد ،والعمارة العربية املصرية القدمية للبيوت كانت ختتل
للبيوت ختتل متاماً عن عمارة املسجد .فاملباين املصرية القدمية غري الدينية ،
مثل البيوت ،كانت تكوينات سخيفة بسيطة ،هلا خطوط واضحة مثلما
ألفضل البيوت احلديثة .ولكن مدارس العمارة ليس فيها أي دراسة لتاريخ
تدرس العصور املعمارية عن طري ما هو أسلوب عارض
البناايت املنزلية وهي ّ
ليس إال ،كاملعامل الظاهرة من مثل بواابت املعبد الضخمة وسدائل املقرنصات
.وهكذا فإن املهندس املعماري يتخرج وهو يعتقد أن هذا هو كل ما يعنيه ((
األسلوب )) ،ويتخيل أن البّن اء ميكن أن يغري أسلوبه مبثل ما يغري اإلنسان
مالبسه .والتفكري من هذا النو هو الذي أدى أبحد املهندسني املعماريني إىل
أن خيرب املدخل املؤدي إىل حجرات الفصول الدراسية يف مدرسة القرنة أبن
حول املدخل األصلي املعقود إىل بوابة معبد على الطرز املصري القدمي قد
اكتملت إبفريزها املزين بتجاوي من أراب دوائر .ومما ال يفهم حىت اآلن أن
املعمار احلقيقي ال ميكن أن يكون موجوداً إال يف تراث حي ،وأن الرتاث
املعماري يف مصر هو اآلن تقريباً ميت .
وكنتيجة مباشرة لضيا الرتاث هذا فإن مدننا وقراان أصبحت تزيد وتزيد قبحاً .
ال وكل بناء مبفرده يؤدي إىل زايدة هذا القبح ،وكل حماولة لعالج املوق
تؤدي إال لتأكيد هذا القبح أتكيداً أثقل .
ويف ضواحي املدن اإلقليمية ابلذات حيث جتري أحدث عمليات البناء ،يتأكد
التصميم القبيح للبيوت ابلتنفيذ السيئ للعمل ،فتربز صنادي مربعة مضغوطة
يف أحجام متباينة ،أبسلوب مث نقله عن أفقر أحياء املرتوبوليس ،ورغم أهنا
نص مكتملة إال أن التل ينال منها ابلفعل ،وقد انتصبت إزاء بعضها بكل
الزوااي ،وقد انبثت فوق خالء رث بطرق غري ممهدة ،وأسالك وصفوف غسيل
تتدىل مرتبة من فوق حظائر الدجاج .
ويف أجواء من هذه اجملاورات الكابوسية تؤدي الشهوة إىل االستعراض واحلداثة
إىل أن يقوم مالك البيت بتبديد نقوده على جتهيزات وتزاوي مبهرجة مما يكون
للبيوت احلضرية ،بينما هو يضن مبساحة للمعيشة وحيرم نفسه متاماً من فوائد
الصنعة احلقيقية ،وجتعل املنازل بسبب هذا املوق متضاغطة ومتجهة مما
يكون للبيوت احلضرية على األسرة أن تقوم بتهوية بياضاهتا على الشار
العمومي ،وهتوية نفسها وهي مكشوفة للجريان يف شرفاهت ا القاحلة ؛ بينما لو
كان هؤالء املالك أقل ابتذاالً يف تفكريهم ألمكنهم االستفادة بنمط البيت ذو
الفناء ،فيستمتعون ابملساحة واخلصوصية معاً .ولسوء احلظ فإن هذا النو من
معمار الضواحي هو ما يتخذه الفالحون كنموذج للحداثة ،حبيث أنه أخذ
يكتسب موقعاً يف قراان ؛ وميكننا أن نطلع يف ضواحي القاهرة أو بنها على ما
سيكون قريباً املصري لقرية غرب أسوان .
***
وبّناء القرية إذ يتمل عمالءه ليقنعهم أبهنم أصحاب دراية وحتضر ،أيخذ يف
جتربة أساليب بناء مل يراها إال عند تداوهلا للمرة الثانية أو الثالثة ،ومبواد بناء
اليستطيع هو يف احلقيقية أن يتناوهلا يف فهم .وهكذا فإنه يهجر ما لديه يف
الرتاث من مرشد آمن ،وحياول وهو الميلك علم وخربة املهندس املعماري أن
ينت (( معمار املهندسني املعماريني )) .وتكون النتيجة هي بناء فيه كل أوجه
القصور لعمل املهندس املعماري وليس فيه أايً من مزاايه .
وهكذا فإن املهندس املعماري إذ يصمم مثالً شقة يف منزل يف أحياء القاهرة
الفقرية ألحد املضاربني البخالء ،ويضمن فيها مالمح خمتلفة من تصميم
حديث منقول عن عمل أورويب رائ ،فإن عمله هذا يتسرب عرب فرتة من
السنني لينحدر من خالل الضواحي الرخيصة إىل القرية ،حيث يعدل رويداً
على تسميم الرتاث األصيل .
وقد بلغ من خطورة هذا املوق أن أصبح القيام بعمل حبث علمي حمكم عنه ،
هو مطلب ملح إذا كنا حقاً نريد أن نعكس هذا االجتاه لإلسكان السيئ القبيح
املبتذل وغري الك ء يف قراان .
وقد انتباين اليأس يف وقت ما لضخامة املشكلة .فسلمت أبهنا مما ال يقبل حالً
.فهي عملية مميتة من صنع القدر ال تقبل العكس و أدعنت إلحساسي
علي أن
ابلعجز واألسى واألمل ملا حيل بناسي وبلدي .ولكين عندما وجدت أنه ّ
أتعامل بنفسي مع احلالة الواقعية للقرنة متالكت نفسي وبدأت أفكر يف املشكلة
بصورة عملية أبكثر .
عملية اختاذ القرار
احلضارة تنطل من اجلذور
وتتسرب لتنفذ إىل كل طلع
إىل الورقة والزهرة والربعم
ومن خلية لألخرى .وكأهنا دم أخضر
ويطلقها رذاذ املطر
كعطر من زهور منداة
يفعم اهلواء
ولكن احلضارة اليت تنصب على البشر
من فوقهم من عل .ال تلبث أن تنعقد
كما ي نعقد السكر الرطيب .وهكذا يصبحون
مثل عرائس السكر .وعندما
يبللهم بعض رذاذ من املطر الواهب للحياة
فإهنم يتالشون .يذوبون
يف خليط لزج
كان يبدو يل أننا مل نتمكن من عالج أزمة املعمار املصري العامة مبجرد أن نبين
مثاالً من منوذج جيد للبيت أو منوذجني .و ال حىت قرية كاملة .واألوىل هو
أننا ينبغي أن حناول تشخيص الداء .أن نفهم األسباب اجلذرية لألزمة ،
وهنامجها من جذورها هذه .إن الفساد احلضاري يبدأ ابلفرد نفسه ،الذي
يواجه خبيارات مل يهيأ للقيام هبا .وينبغي أن نعاجله عند هذه املرحلة .والبناء
إمنا هو نشاط خالق حيث اللحظة احلامسة هي حلظة التصور .تلك اللحظة
اليت تتخذ الروح عندها شكالً .وتتحدد ابلفعل كل مالمح املخلوق اجلديد .
وإذا كانت خصائص الكائن احلي تتقرر بال رجعة يف حلظة اإلخصاب ،فإن
خصائص املبين تتحدد بكل مركب القرارات اليت يعطيها كل من له يد يف األمر
.ع ند كل مرحلة يف بنائه .وهكذا فإن حلظة التصور اليت يعتمد عليها الشكل
النهائي للكائن احلي تصبح ابلنسبة للمبىن تعدداً من تلك اللحظات ،كل منها
تقوم بدور حاسم يف العملية اخلالقة مبجملها .
ولو أمكننا حتديد هذه اللحظات واإلمساك هبا ،فإننا سنستطيع عندها التحكم
يف كل عملية اخلل .
وممارسة االختيار ممارسة مرتوية – أي اختاذ القرارات – هلي النشاط الرئيسي
للحياة ،وكلما زادت املناسبات اليت ميارس فيها الكائن احلي االختيار ،زاد
علو املرتبة اليت يوضع عليها مبقياس احلياة .وابتداء من أبسط الكائنات
املعروفة ،وهي دوارايت املاء اليت يتأل وجودها كله من متييزها بني ما ميكنها
وال ميكنها أكله ،وانتهاء إىل أكثر الكائنات تعقداً وهو اإلنسان ،الذي تفعم
كل ساعة من حياته ابختاذ القرارات أو ابحلاجة إىل اختاذ القرارات ،فإنه ما من
كائن حي ال ينف وقته كله يف االختيار .فأن تكون حياً هو أن تتخذ قراراً .
والقرارات اليت جيب على اإلنسان أن يتخذها هلي أكثر رهافة إىل حد بعيد ،
ويتطلب تقييمها وعياً بعوامل أكثر إىل حد بعيد ،مما يف تلك القرارات اليت
تتخذها احليواانت األبسط .
وفوق ذلك ،فإن قرارات اإلنسان ختتل كيفاً عن قرارات احليواانت األخرى ،
ذلك أن اإلنسان لديه القدرة على التأثري بقراراته يف العامل من حوله وأن يغري
من مظهره ومن طبيعته تغيرياً جذرايً ابلغاً .وملا كان لقرارات اإلنسان هذه
اإلمكاانت اهلائلة مبا هو خري وشر معاً ،فإن مسئوليته هلي حقاً مسئولية خطرية
.وهذا يف احلقيقة هو واحد من أهم أوجه مأزق اإلنسان ،وهو أن كل قرارات
اإلنسان تغري من العامل ،وأنه ال مفر له من أن يصدر القرارات ،وأنه على وعي
مبا يفعله من خري أو شر ،ومبا خيلقه من مجال أو قبح .
ويقال أن هللا استدعى املالئكة ذات يوم وعرض عليها مسئولية اختاذ القرار ؛
ولكن املالئكة بكل حكمة تفادت ذلك ،مفضلة أن تبقى يف كماهلا غري املتغري
يف انسجام مع الكون .مث طلب هللا من اجلبال أن تقبل املسئولية ،فرفضت
هي أيضاً ،قانعة أبن ختضع يف سلبية لقوى الطبيعة .على أنه عندما عرض هللا
على اإلنسان هبة املسئولية ،فإن ذلك املخلوق اجلاهل تقبلها ألنه مل يتبني ما
يستتبعه ذلك .وهكذا فإن اإلنسان اآلن ،أحب أو كره ذلك ،هو ملجم
ابملسئولية اليت أرعبت املالئكة واجلبال معاً ،وأصبح لديه فرصة إلثبات أنه
أعظم من أيهما .وعلى أي ،دعنا ال ننسى أنه بذلك يتقبل أيضاً خماطر اهلزمية
،وأنه لو هزم سينظر إليه على أنه من دون اخلليقة هلو أكثر احليواانت ادعاء
واستحقاقاً للزراية .إن العامل يف أي حلظة إمنا هو صفحة بيضاء يف انتظار قلمنا
؛ والفراغ الشاغر قد يتم شغله بكاتدرائية أو هو يشغل بكوم من خبث .
وحيث أهنما من رجلني يصدران يف الظروف املتماثلة القرارات ذاهتا ،فإننا
نقول أن شخصيات البشر ختتل .واختاذ القرار ،أو االختيار ،هو كلمة
أخرى تعين التعبري عن الذات – أو لعل األفضل أنه التمهيد الالزم لكل
التعبريات عن الذات .
والقرار الواعي لعله مما يتم الوصول إليه إما ابالسرتشاد ابلرتاث أو ابلتفكري
املنطقي والتحليل العلمي .وكلتا العمليتني ينبغي أن تؤداي إىل نفس النتيجة ،
ذلك أن الرتاث جيسد استنتاجات التجربة العملية ألجيال عديدة على املشكلة
نفسها ،بينما التحليل العلمي هو ببساطة املالحظة املنظمة لظواهر املشكلة .
وأره القرارات إمنا تستدعي عندما يقوم اإلنسان بصنع شيء ما .والكثري من
القرارات الواعية ظاهرايً يف حياة املرء اليومية هي ببساطة مما يتم حبكم العادة ،
ولكن عندما يقدم املرء على صنع شيء فإن جمال اختاذ القرار يصبح أوسع مما
الثانوية للعيش .ومن املؤكد أن املرء قد يقوم بصنع شيء عند أداء الوظائ
حبكم العادة – ولكنه وقتها لن يكون حياً ومجيالً إال بسبب ما يتبقى من فضل
للق رارات اليت اختذها املرء عندما حاول ألول مرة القيام بصنع هذا الشيء ،
وأيضاً بفضل القرارات الثانوية اليت يتخذها أثناء أداء احلركات املعتادة إلنتاج
هذا الشيء .على أن أفضل وسيلة خلل اجلمال ليست ابلضرورة أبن تصنع
تصميماً غريباً أو أصيالً .وكم يصدق ذلك حىت على صنع هللا ،حيث ال
يتوجب أن يغري يف تصوير التصميم من أجل أن ينت التفرد فيما بني البشر ،
وإمنا هو ميكنه أن يبسط كل درجات مقياس اجلمال من كليوابترا حىت كالبيان
مبجرد تعديل وضع أو حجم ما يف الوجوه من عناصر .
ومن الشائ أن نالحظ أن العادة قد حترر اإلنسان يف احلقيقة من احلاجة ألن
يتخذ قرارات كثرية قليلة األمهية ،حبيث ميكنه أن يركز على القرارات املهمة
حقاً لفنه .واملخ الواحد ال يستطيع أن يتخذ أكثر من عدد حمدود من
القرارات يف وقت بعينه ؛ ولذا فإن من اإلنصاف أيضاً أن حيال بعضها إىل
الالوعي .وانسجة السجاد تتعلم أن تعمل بيدها بسرعة وثقة ابلعني حبيث ال
تعود تفكر يف كل حركة منفصلة ولكنها تستطيع أن تركزعلى التصميم وهو
ينمو حتت يديها .فهي كاملوسيقى الذي يبذل كل انتباهه لعزفه للمقطوعة
ويكاد ال يتتبع كل أصبع وهو يصدر إحدى النغمات .
***
دور الرتاث
لعل ما نطل عليه أنه حديث هو فحسب ماالً
يستح أن يبقى حىت يصبح قدمياً
دانيت البجيريي
الرتاث للمجتمع هو املماثل للعادة عند الفرد ،وهو يف الفن له نفس التأثري
أبن حيرر الفنان من القرارات غري الضرورية اليت تصرف االنتباه حبيث يستطيع
أن يعطي كل انتباهه إىل القرارات احليوية .وما إن يتم اختاذ قرار فين ،بصرف
النظر عن وقت اختاذه ومن الذي اختذه ،فإنه ال ميكن أن يتخذ مرة أخرى
على حنو مفيد ؛ واألفضل أنه ينبغي أن ميرر إىل خمزن العادة العام ،فال يشغلنا
ألكثر من ذلك .
والرتاث ليس ابلضرورة طرز قدمي وهو ال يرادف الركود .وفوق ذلك ،فإن
الرتاث مما ال يلزم أن يرجع إىل ما سب بزمن طويل و إمنا قد يكون مما بدأ من
وقت جد قصري .فبمجرد أن جيابه أحد العاملني مبشكلة جديدة ويتخذ قراراً
بكيفية التغلب عليها ،يكون قد مت اختاذ اخلطوة األوىل يف إرساء تراث .
وعندما يقرر عامل آخر اختاذ نفس احلل ،فإن الرتاث يكون يف حركة ،وحني
يتبع رجل اثلث الرجلني األولني ويضي إسهامه ،يصبح الرتاث وقد مت إرساؤه
حد كبري .وبعض مشاكل يسهل حلها ؛ وقد يقرر رجل يف دقائ معدودة إىل ٍ
ماذا يفعل .وهناك مشاكل أخرى حتتاج وقتاً ،رمبا يوماً ،ورمبا عاماً ،ورمبا
حياة أبسرها ؛ ويف كل حالة قد يكون احلل من صنع رجل واحد .
على أن هناك حلوالً أخرى قد ال ميكن التوصل إليها كاملة قبل مرور أجيال
كثرية ،وها هنا يكون للرتاث دور خالق يقوم به ،ذلك أنه ابلرتاث وحده ،
وابحرتام عمل األجيا ل األقدم والبناء عليه ،ميكن لكل جيل جديد أن يصنع
بعض تقدم إجيايب حنو حل املشكلة .وعندما حيل الرتاث مشكلته ويتوق عن
النمو ،ميكننا أن نقول أن الدورة قد اكتملت .إال أنه يف العمارة ،كما يف
النشاطات البشرية األخرى وكما يف العمليات الطبيعية ،يكون هناك من
الدورات ما هي يف بدايتها فحسب ،وأخرى قد اكتملت ،وأخرى عند كل
أطوار النمو فيما بني الطرفني وكلها توجد معاً يف نفس الوقت ويف نفس
اجملتمع .وهناك أيضاً أوجه من الرتاث تعود إىل بداية اجملتمع البشري ،إال أهنا
مازالت حية ولعلها ستظل موجودة ما وجد اجملتمع البشري ؛ كما يف صنع اخلبز
مثالً ،وضرب الطوب .ومن الناحية األخرى ،مثة أوجه للرتاث ،رغم أهنا مل
تظهر إال حديثاً وكان ينبغي أن تكون يف الطور األول من دورهتا ،إال أهنا يف
احلقيقة قد ولدت ميتة .فاحلداثة ال تعين ابلضرورة احليوية ،والتغري ال يكون
تستدعي التجديد .ووجهة دائماً لألفض ل .ومن جهة أخرى هناك مواق
نظري هي أن التجديد جيب أن يكون مما قد مت التبصر فيه كامالً كاستجابة
لتغري يف الظروف .وليس كأمر يطلب يف حد ذاته .وال أحد يطلب أن يكون
برج املراقبة يف املطار مبنياً أبسلوب ما ريفي ،واإلنشاء الصناعي من مثل حمطة
للقوى الذرية قد يفرض على املصمم تقليداً جديداً .
وما أن يتم إرساء وقبول تقليد بعينه ،حىت يكون من واجب الفنان أن يبقى
على تواصل هذا الرتاث .على أن يعطيه من ابتكاره الذايت وبصريته العزم
،وذلك حىت يصل إىل اإلضايف الذي ينقذه من أن ينتهي األمر به إىل التوق
هناية دورته ويستكمل منوه ابلكامل .والفنان سيتحرر ابلرتاث من قرارات كثرية
،ولكنه سيكون مضطراً الختاذ قرارات أخرى بنفس القدر من اإلحلاح ليمنع
موت الرتاث بني يديه .واحلقيقية أنه كلما زاد منو تراث ما ،زاد اجلهد الذي
جيب أن ينفقه الفنان جلعل كل خطوة فيه لألمام .
والرتاث للفالحني هو الضمان الوحيد حلضارهتم ،فهم ال يستطيعون التمييز
بني األساليب غري املألوفة هلم ،وإذا خرجوا عن قضبان الرتاث فسوف يلقون
اهلالك حتماً .إن اخلروج عن الرتاث عمداً يف جمتمع هو أساساً جمتمع تقليدي
كما يف جمتمع الفالحني ،هلو نو من اجلرمية احلضارية ،وجيب على املهندس
املعماري أن حيرتم الرتاث الذي يقتحمه .أما ما يفعله يف املدينة فهو أمر آخر ،
فاجلمهور والبيئة احمليطة هناك يستطيعان العناية أبنفسهما .
***
* ذات مرة كان على كبري املهندسني املعماريني يف وزارة األشغال ،وهو
املسئول عن بناء املساجد وصيانتها أن يعد بعض رسومات مشرو تتضمن اتج
عمود له سدائل مقرنصات من النمط العريب املعتاد .وثبت أنه من الصعوبة
مبكان رسم التاج منتصباً بتلك السدائل احلجرية املعقدة .وظل املهندس
املعماري يناطح هذه املشكلة عدة أايم ،وهويف أسوأ مزاج ،مث أتى أحد
اجلصاصني إىل املكتب وتطلع إىل الرسم .وسأل املهندس املعماري عما يفعله ،
وإذ أخربه ابألمر فإنه قال (( :ولكن هذا أمر بسيط جداً .سأصنع لك أحد
هذه التيجان ابجلص وأحضره لك صباح غد )) وقد فعل ،وكان النموذج غاية
يف اإلتقان حبيث متكن املهندس املعماري من رسم مساقطه من النموذج مث
أعادها بكل وقار إىل نفس اجلصاص ليصنع منها التيجان .واحلقيقية أن مالمح
كثرية من اجلمال املعماري العظيم ال ميكن متثيلها مبساقط هندسية على رسم
املشرو مثلما ال ميكن ذلك مع قطعة حنت عظيمة .
و إذا كان التقدم احلديث يف التكنولوجيا قد منحنا مواد ومناه جديدة للبناء
فإنه قد استوجب أيضاً إقحام املهندس املعماري احملرتف ،وهو متخصص يتم
تلقينه علم العمل هبذه املواد .وهذا املهندس املعماري خبربته هذه يضيع كل
هبجة بناء البيت على عميله ،الذي ال يستطيع أن يالح تلك التكنيكات
اليت تتقدم سريعاً .واآلن فبدالً من املناقشات املتأنية العارفة مع احلرفيني أثناء
بناء البيت ،مل يعد للمالك فرصة ممارسة اختياره إال بعالمات على رسم
للمشرو يف مكتب املهندس املعماري .وهو ال يفهم لغة الرسم املعماري و ال
رطانة املهندس املعماري ،وهكذا فإن املهندس املعماري يزدريه متكرباً عليه (
، ) 0أو هو ميكر به ليتقبل ما يريده املهندس املعماري و ذلك أبن يضي
أشجاراً وسيارات خداعة .
واملهندس املعماري حيس أن ماله من معرفة تقنية – قدرته على احلديث عن
االجهادات وعزم االحنناء – يصنعه يف مرتبة أعلى من عميله ،والعميل وقد
ه ّول عليه األمر يذعن مستسلماً .و من السخرية مبكان ،أنه مع كل هذا فإن
القليلني من املهندسني املعماريني هم الذين يستطيعون تناول األشكال اجلديدة
تناوالً فنياً ،وهكذا حتل اهلندسة املبسطة مكان املعمار ،ليتزايد تشويه املدينة
. و الري
هكذا إذن ،فإن الرجل الغين الذي يطي حتمل أتعاب املهندس املعماري
يصبح حمروماً من الكثري من سلطته السابقة الختاذ القرار لنفسه .أما الرجل
الفقري ،فلعلك تفرتض أنه أكثر حظاً ولعله أحياانً يكون هكذا ،وذلك لو ترك
لشأنه ،أما عندما تقرر احلكومة أن تبين له ،فإن حاله يصبح أسوأ كثرياً من
حال أي رجل غين يستبد به املهندس املعماري .ذلك أن مهندسي احلكومة
املعماريني ،حىت عندما ال يصرفون الفقراء بعيداً على أهنم أجهل من أن
يستشاروا ،فإهنم سيقولون أهنم ال وقت لديهم للتعامل مع كل عائلة على حدة
(( لدينا مليون بيت نبنيها ،ولدينا مال قليل ووقت قليل .كن واقعياً من
فضلك .كي نستطيع أبي حال أن نرسل مهندسينا املعماريني ليناقشوا مليون
عائلة ؟ هذه مثالية مبالغ فيها ،إن اإلسكان سياسة حمكمة – وقد أحسنا
عملنا متاماً – لقد بوبنا عائالتنا حسب احلجم ،والرتكيب ،والدخل ،والتغري
املتوقع .
و اكتشفنا من التحليل اإلحصائي أن هناك أنواعاً مخسة من العائالت ،وقد
صممنا املنزل املثايل لكل منها .وسوف نبين اآلن 022.222بيت من كل
نو .ماذا ميكن أن نفعل أكثر من ذلك ؟ )) هكذا يقدم معماريو احلكومة
حججهم اليت ال تقبل اجلدل ويبنون منازهلم املليون املتماثلة ،والنتيجة هي
شيء شنيع ال إنساين ،مليون عائلة تكدس يف تلك الزانزين ذات التجهيز
السيئ من غري أن يتمكن أفرادها من أن ينطقوا و ال بكلمة عن التصميم ،
ومهما كان قدر ما يطب من علم لتصني العائالت وجعل املساكن مالئمة هلا.
فمن احملتم أن الغالبية ستكون ساخطة .
إن هؤالء املهندسني املعماريني إذ يطبقون املتوسطات اإلحصائية على اإلسكان
يتجاهلون حتذيراً أولياً يوجه لكل هواة استخدام اإلحصاءات .فعلماء اإلحصاء
أنفسهم خيربوننا أنه رغم أن خواص السكان ككل اثبتة ،إال أن أفراد هؤالء
السكان يتباينون مبا ال ميكن التنبؤ به .
فاملتوسطات اإلحصائية قد تكون هلا قيمة عظيمة عند شركة للتأمني على احلياة
وهي تقدر متوسط األعمار بني املؤمنني لديها ،ولكن حىت شركة التأمني ،ود
عنك عامل اإلحصاء ،ال تستطيع أن ختربان مىت سيموت فرد بعينه .وابلنسبة
ملصلحة حكومية ينقصها املهندسون املعماريون ،فإن إنتاج التصميمات
ابجلملة لعائالت خمتلفة على أساس املتوسطات اإلحصائية ،مثله مثل شركة
مؤمن لديها قدر ما خصص له منأتمني ينقصها احملاسبون ،وهي تقرر لكل ّ
عمر مث ترسل له وكيلها ومعه مسدسه لتدبري أمر العميل حىت تظل دفاترها
منتظمة .
واملهندس املعماري الذي أيخذ على عاتقه هذه املذحبة ابجلملة للفردية سوف
حيس ابلنقمة لو طلب منه تصميم مائة بيت خمتل ملائة عميل خاص يف شهر
واحد .ليس ابلنقمة فحسب بل واملرض ،فهو سينهار بعد عشرين تصميماً .
أما عندما يصمم مليون بيت للفقراء فأنه أببعد من أن ينهار سيكون على
استعداد لتصميم مليون بيت آخر يف الشهر التايل .فهو يصمم بيتاً واحداً
ويضي إليه ستة أصفار .وهو إذ يفعل هذا إمنا يضاع بعملية ضرب ما ال
ميكن أن يتم تضاعفه هكذا على النحو صحيح .وعندما يبين أحد البيوت ،
فإن صنوفاً شىت من العمل تسهم يف البناء ..وميكن تصني عمليات الشغل
كالتايل - 8 :عمل خالق ( التصميم ) - 0عمل تقين
( احلساابت اهلندسية ) - 1 ،عمل إداري وتنظيمي ( حساابت مالية وجتنيد
العمال ،اخل ) - 9 ،عمل ماهر
_________________________________________
_________________________
مصر ابلفعل قدرة كامنة خلل التصميمات اجلميلة .ومنذ بضع سنوات قام
السيد حبيب جورجي والسيد رمسيس ويصا واص بتعليم جمموعة من أطفال
القرية طريقة نس السجاد* ،وتركهم ليضعوا تصميماهتم اخلاصة هبم فأنتجوا
أعماالً بلغ من مجاهلا أهنا مما ميكن مقارنته أبمجل السجاد القبطي .وعندما
عرضت يف أورواب شدت إعجاب كل فنان وانقد رآها .
***
إحياء حرف الرتاث يف القرية
كان من املعتاد أن يوجد يف األقصر والقرى اليت من حوهلا نو جد شائ من
النجارة .وذلك أنه ملا كان اخلشب اندراً ومن النو السيئ ،فإن النجار حىت
يصنع ابابً فإنه يشكله من ألواح صغرية كثرية تسمر معاً يف منط أصيل هبي .
وم ازال عدد قليل من هذه األبواب موجوداً ،خاصة يف قرية نقادة ،ولكن
أصحاهبا مشغولون هبدم ليضعوا مكاهنا أبواابً من النو األورويب املعتاد ذي
األلواح األربعة ،الذي يسمى على حنو يثري العجب ملكاين ( أمريكاين )
وعندما وصلنا إىل إقامة األبواب لبيوتنا يف القرنة ،رفض جناري إبراهيم
عجالن يف ازدراء أن يصنع أبواب (( الصربات )) الرتاثية ،وعندما ضغطت
عليه قال أنه جنار مبثل ما ينبغي للنجار ،وقد تدرب يف املدينة ،وال يعرف
األساليب اخلرقاء للنجارة يف القرية .وتصادف أن كان عندان جنار قروي قد
آتى لصنع ذرا طاحون ،فسألت هذا الرجل – الذي كان يعمل بقدوم ال غري
– إن كان يستطيع صنع أبواب الصربات و أجاب (( ابلطبع )) وعندها
احتضنته أمام إبراهيم عجالن ،ودعوته أبنه فنان حقيقي ،إنسان استطيع أن
أفهمه ،مصري حقاً ،وابتسمت له وربت على ظهره .ويف نفس الوقت
جتهمت عابساً لعجالن ودعوته أبنه إنسان بال إحساس ،وبال فن ،فهو مقلد
،و مزي ،وليس مصرايً ،وإمنا هو ملكاين ،وليس صنايعياً ،وإمنا هو جمرد
قاطع أخشاب أخرق ال يستح ما عنده من عدد ،حىت وصلت به إىل أن
من املهانة والغضب .فقلت له (( حسن جداً ،إذا يصبح يف حال مره
كنت تريد أن تثبت أنك حقاً أفضل من جنار القرية هذا فلديك تسعة أبواب
هناك جيب صنعها للدكاكني اذهب واصنعها ،واجعل كل واحداً منها خمتلفاً .
هيا بعيداً ،وال تعد اثنية إال إذا أثبت يل أنك ميكنك صنع أبواب الصربات
أبفضل من هذا الرجل )) .وقد فعل .فما إن أجرب على العودة إىل الرتاث
الوطين حىت أصبح هو أيضاً متحمساً له ،وقبل أن ميضي زمن طويل أصبح
ينت أكثر األمناط مجاالً و إبداعاً ،و كان أفضلها ابب املسجد الضخم .
و عاجلت البنائني أيضاً بنفس الطريقة ،طالباً منهم أن ميلؤا نوافذ بناء السوق
بشىت أنوا حليات املخرمات ،و كانت النتيجة هي احلصول على مسطح جداً
شائ إىل حد أكرب كثرياً مما كان ميكن احلصول عليه من األمناط املتماثلة .
وهكذا نرى أن حرف الرتاث ميكن إعادة إحيائها سريعاً – واألمر حيتاج إىل
إعادة رد اعتبارها أكثر ما حيتاج إلعادة تعليمها .وجيب على الفنان – وهو يف
حالتنا املهندس املعماري – أن يستخدم سلطته ليقاوم فتنة امللكاين وجيب
عليه أن يعثر على احلرف املخبوءة اليت متوت وأييت هبا للنور ،وحيييها ،ويعيد
للحريف مرة اثنية ثقته اليت فقدها ،ويشجع على نشر احلرفة بزايدة ما يعهد به
من مهام جديدة منها .
ومن بؤس احلال ،أنه ما من شيء يكاد ينجز يف هذا االجتاه .ومعظم
املهندسني املعماريني ،مبا فيهم من يتشدقون ال غري ابلكالم عن سحر الرتاث ،
يقولون أن الصنعة اليت من هذا النو قد راح زماهنا وال تستطيع بقاء يف
الظروف احلديثة – حىت وهم يروهنا حية ابقية حتت أعينهم – ومن النغمات
السائدة أن يدور احلديث عن احلرف و كأن األمر بديهي فيقال (( آه – نعم ،
ولكننا ابلطبع ال ميكننا االرتداد إىل ذلك )) ،أو أن يدور احلديث عن أن
أساليب اإلنتاج هذه ال ميكن إحياؤها يف اقتصاد متشابك متاماً هكذا ،اخل .
هراء ال غري ،التقاء األسئلة احملرجة وإلخفاء حقيقة إن معظم املهندسني
املعماريني ليس لديهم معرفة إال مبواد البناء الصناعية ،وال يستطيعون أن يتقنوا
العمل كما يتقنه احلرفيون احملليون فيما لو أعطيت هلم نفس موادهم .
ويبدو أيضاً هذا املوق املتعايل يف الطريقة اليت يؤكد لك هبا الرمسيون واخلرباء
أن الفالحني ال حيبون احلرف الفالحية ،و أهنم مجيعاً يريدون املباين اإلمسنتية
اخلراسانية .وهذا يف املكان األول هو هترب من املسؤولية ،ألن الفالحني يف
مصر لو كانوا يريدون اخلراسانة ،فسيكون عليهم أبي حال أن ينتظروا
خلمسمائة عام ،مث يقوم اخلرباء بطرح بدائل يعلمون أهنا ال وجود هلا .وقد
رأيت يف نيجرياي عرضاً لعمل من أعمال العالقات العامة – لوحتني ،إحدامها
تعرض أسوأ األكواخ اإلفريقية وقد التقطت صورهتا من زوااي تسيء ملظهرها ،
واألخرى تعرض مباين نظيفة من النو األورويب من اخلراسانة واألملنيوم ،
والسؤال هو (( هذا أم ذاك ؟ )) .واعرتف يل الرمسيون أن هذه ليست مطلق اً
بدائل حقيقية ،فالبلد ال يطي إال تكلفة الطني والقش .
على أنه بصرف النظر عن عدم األمانة عند اإلمياء إىل أن احللول الغالية التكلفة
هي احللول العملية ،فإنه أيضاً
_________________________________________
__________
أن تفرض ذوقك اخلاص املنحرف على الفالحني . ملما يعد من التجدي
والفالحون مثل كل الناس يرهبون السلطة والنفوذ ،وعندما ميلي عليهم ما
ينبغي أن يريدوه ،فإهنم يفعلون كل ما يف وسعهم لإلذعان .وحىت لو كان
الفالحون يريدون حقاً مباين قبيحة ،فإن من واجبنا كمهندسني معماريني أن
نرشدهم إىل تقدير اجلمال ،ومن املؤكد أن هذا ال يكون إبفساد ذوقهم لفرض
سلطتنا واإلذعان هلا .
على أن احلقيقة هي أن الفالحني حيبون ابلفعل العمارة اجليدة عندما يروهنا ،
وأهنم بقليل من التشجيع يستطيعون نقد العمارة السيئة نقداً غاية يف اإلدراك .
وعندما بدأان بناء املدرسة يف فارس ،عارض الفالحون استخدام طوب الل ن
وقالوا أهنم يريدون مدرسة من اخلرسانة اإلمسنتية – هذا رغم أنه ال يوجد و ال
بيت واحد من بيوت القرية فيه أي إمسنت والكثريون منهم رمبا مل يروا قط
اإلمسنت ،على أنه عند االنتهاء من املدرسة ،آتى العمدة ذات يوم لرؤييت ،
وهو حيتدم زهواً وقال إن احلجاج الذين أيتون كل عام لالحتفال مبولد أحد
األولياء هناك وليزوروا قربه ،قد ذهبوا هذا العام لرؤية املدرسة بدالً منه ،وأن
القرية كلها فخورة بذلك .
ومرة أخرى ،كنت قد أخذت اثنني من بنائي ( بغداد أمحد علي و عرايب ) إىل
الغداء يف القاهرة ،وملا كنت أريد أن أجد مكاانً حيسون فيه أهنم على سجيتهم
فقد أخذهتم إىل مطعم حايت ،قد زين زينة سقيمة نوعاً ابملرااي املذهبة والثرايت
وحنو ذلك ،ويف أول األمر راعهما املكان رغم سوقيته فحاوال الفرار منه ،
ولكنين جذبتهما ليعودوا و طلبت منهما أال يكوان كاألطفال ،وإهنما ليسا أقل
شأانً من أي شخص آخر هناك .فقاال أن هذا مكان ابلغ الفخامة ابلنسبة هلما
،فانفجرت فيهما (( :فخامة ! أجترؤان على تسمية هذه احملاكاة املبتذلة أبهنا
فخامة ،أنتما اي من تستطيعان إقامة بناء أفضل من هذا و أعينكما مغمضة !
)) واستجمعا شجاعتهما .فدخال و أخذا يناقشان أمر املكان ،و مها ينتقدانه
نقداً سليماً حصيفاً مبا قد ال يستطيعه حىت الكثريون من املهندسني املعماريني .
***
استخدام طوب الل ن ضرورة اقتصادية :
من حسن احلظ أننا جمربون على استخدام طوب الل ن لإلسكان الريفي على
النطاق الواسع ؛ فالفقر يرغمنا على استخدام طوب الل ن وعلى اختاذ القبو
والقبة للتسقي ،على أن ما للطني من ضع ابلطبيعة حيدد من حجم القبو
والقبة .وكل م بانينا جيب أن تتكون من نفس العناصر ،وقد تباينت تبايناً
بسيطا يف الشكل واحلجم ،وانتظمت يف توليفات خمتلفة ،ولكنها كلها حسب
املعيار اإلنساين ،وكلها هلا نوعيتها اليت يسهل إدراكها وهلا تناغمها أحدها مع
يفرض حله الذايت ،وهو حل مجيل – رمبا حلسن احلظ ، اآلخر .إن املوق
ورمبا بصورة حتمية .
ومهما كان ما يريد الفالح أن يصنعه ،ومهما كان ما يتمىن حماكاته من فيالت
األغنياء ،فإنه لن يستطيع الفرار من القيود الصارمة اليت تفرضها عليه مادة
بنائه .والتساؤل عما لو كان سيظل يتوق إىل احلداثة املستوردة عندما يتم له
العيش يف قرية هي حقاً ذات مجال و كرامة هلو تساؤل علينا أن ننتظر لنرى
إجابته .و لعله حينما ال توجد لديه على اإلطالق أسباب حيسد الرجل الغين
من أجلها – ثروته ،وحتضره ،ومكانته االجتماعية – فإنه سيتوق أيضاً عن
أن حيسده بسبب منزله .و للفالح يف األحوال الطبيعية فرصة كبرية واحدة يف
كل حياته خيتار فيها لنفسه نو البيت و األاثث الذي يريده .فهو ال يستطيع
إال عند زواجه فقط أن يصنع أي تغيري أساسي يف بيئته احمليطة ،فهذه هي
املناسبة الوحيدة اليت جيمع هلا من النقود ما يكفي الختاذ قرار أساسي هكذا ،
والتقليد هو أن يعطي الع ريس لعروسه قدراً من املال ،هو املهر ،وهو مبثابة
نو من الدوطة ،بينما يتوقع منها هي أن جتهز األاثث ،و أدوات املطبخ ،
والبياضات ،وجيمع كل هذا املتا يف منزل والدي العروس مث حيمل يف موكب
ابحتفال كبري إىل بيت الزوجني اجلديد .ويدور املوكب من حول القرية كلها ،
عارضاً املتا ،حىت يرى كل واحد ان الزوجني اجلديدين قد جهز جتهيزاً جيداً
و أن استطاعتهما أن يتخذا مكاهنما بني جرياهنما كعائلة مستقلة .وينبغي أن
يكون متا البيت حبيث يبقى طيلة حياهتما ،ومشرتوات الزوجني هذه تقرر
مدى اجلمال أو القبح الذي سيحيط هبما مه ا و أطفاهلما لسنني قادمة .
ويتم اختاذ خطوة حامسة أخرى عندما تبين األسرة بيتاً لنفسها .وهذا حقاً قد
حيدد البيئة احمليطة ليس فحسب طيلة حياة الفرد بل و ألجيال قادمة .
و إذا كان املرء ال أتتيه فرصة أحداث تغيري كبري يف بيئته احمليطة به إال مرة
واحدة يف حياته أو مرة واحدة كل عدة أجيال ،فما هو عدد املرات اليت يتاح
فيها لقرية أبكملها فرصة كهذه ؟ ها هنا ،مع الفارق اهلائل يف القياس ،توجد
ابلضبط نفس الفرصة .ابلضبط نفس احلرية لالختيار بني اجلمال و القبح ،
وما إن يتم اختاذ القرار فإنه سوف حيدد البيئة البصرية آلآلف األفراد ملدة قرن
آت أو يزيد .وأمهية القرارات اليت تتخذ يف هذا الوقت واضحة أكمل الوضوح
.وعند حلظة كهذه فإن أي عناية تبذل ،و أي مهارة ،و أي ممارسة للرتوي ال
ميكن أبداً أن تعد تزيداً .
لقد كانت اآلف العائالت يف القرية على أهبة اختاذ هذه اخلطوة ال متالك بيت
جديد .و كل عائلة منها تستح أن تكون هلا فرصة أن تصنع بيتها حبيث
يكون مجيالً و صاحلاً بقدر اإلمكان ،وكل عائلة تستح أن يكون هلا رأيها يف
عن األخرى ،فسيكون من تصميم البيت .و حيث أن كل عائلة ختتل
الضروري أن يتم تصميم كل بيت تصميماً متفرداً .و إذا كان لكل عائلة أن
حتصل على بيتها املنفرد و قد هىيء حبرص حلاجاهتا وألسلوب املعيشة يف القرية
،فإن تصميم البيوت كلها سيستغرق زمناً طويالً .ويف اعتقادي أن يف هذا ما
يرضي كل الرضى .فلم أكن ألحفل مطلقاً بذلك املنه الذي تصمم فيه
القرية ككل تصميماً تعسفياً منذ أول بداية املشرو ،مث أظل أان طيلة األعوام
الثالثة احملددة إلهنائها ال أقوم إال مبجرد اإلشراف على البناء .فباإلضافة إىل
مايتص به هذا املنه من ابلغ اجلمود والالإنسانية ،فإنه أيضاً يف غاية
اإلمالل .كان على القرنة أن تسكن تسعمائة عائلة ،مما يعين أن يتم البناء
مبعدل ثالثني بيتاً يف كل شهر .وثالثون بيتاً هي على األكثر ثالث جماورات
عائلية .ومن املؤكد أن تصميم ثالثة بلوكات كهذه هو مما ميكن إهناؤه بسهولة
يف شهر واحد .على أننا عندما وصلنا للبناء ابلفعل ،تبني يل أنه حىت
الرسومات التنفيذية كانت تفقد الكثري مما يكون هلا عادة من أمهية .فالبناءون
كانوا معلمني يف حرفتهم حبيث أن كل تفصيل يف العمل قد أصبح مألوفاً لديهم
عرب السنني الكثرية ،فقد كان هذا هو فنهم التقين اخلاص هبم .وكانوا يعرفون
عن ظهر قلب نسب الغرف املختلفة ،وعندما يذكر هلم ارتفا القبة أو القبو ،
فإهنم يستطيعون للتو أن يذكروا أين يبدأ اإلنشاء .واحلقيقة أهنم كانوا يرقبونين
و أان أرسم ،ويطلبون مين أال أشغل ابيل هبذه املقاييس ..وهكذا كنا فيما
بيننا ،البناءون و إايي ،قد أحببنا العالقة اخلاصة بني املصمم واحلريف وضممنا
معاً عضوين من األعضاء الثالوث املشتت ؛ و إذا كان العضو الثالث ،وهو
أعميل ،مل يلعب دوراً كامالً يف القرية فإن هذا مل يكن خطأان ،و إين لواث أنه
يف أي مشرو يف املستقبل سوف يتعاون األعضاء الثالثة تعاوانً منسجماً كما
تعودوا فيما مضى .
***
إعادة إرساء (( الثالوث )) ؛ املالك ،وامل هندس املعماري ،واحلريف .
يف مشاريع البناء الرمسية ،تقوم إدارة التصميم إبعداد كل الرسومات التفصيلية
وتسلمها إىل أحد املقاولني ،الذي يكون عليه أن يتبعها ابحلرف ،حتت إشراف
املهندسني املعماريني يف املوقع .أما يف القرنة فقد كنا نقوم ألنفسنا بدور
املصممني ،واملشرفني ،واملقاولني .وكان البناءون ملمون بكل عمليات
علي أن
اإلنشاء مثلهم مثل املهندس املعماري نفسه .وهكذا فإن كل ما كان ّ
ارمسه هو املساقط األرضية للبيوت املنفردة ،و أن أعطيهم االرتفاعات ،
والرسومات املظللة لبلوكات اجملاورة العائلية .
و أحد أعظم مزااي استخدام طرق البناء الرتاثية و العودة ابحلرفيني إىل عمل
الفري هي أن املهندس املعماري عندما يفعل ذلك يتحرر من أعمال كان قد
أخذها من احلرفيني ليضعها على عاتقه بال ضرورة .ويف طريقة اإلنشاء هذه
تكون الغرفة هي وحدة التصميم ،وميكن للمرء أن يث يف أن البنائني
سينفذوهنا ابلكيفية النمطية وبكل األحجام كما لو كانت قد أتت من مصنع
مواد سابقة التجهيز .وال ميكن أبداً أن يتم لنا احلصول على االقتصاد هكذا
لو أننا استخدمنا اخلرسانة اإلمسنتية أو غريها من املواد أو التقنيات األجنبية .
***
و من الوجهة املثالية ،إذا كان ب ناء القرية سيستغرق ثالث سنوات ،فإن
التصميم ينبغي أن يستمر لعامني و أحد عشر شهراً ،فينبغي أن أظل آلخر
حلظة وأان أتعلم ن و أع ّدل ،و أحسن تصميمايت ألجعلها تتالئم تالؤماً أكمل
مع العائالت اليت ستعيش فيها .و لكن رغم هذه النوااي الطيبة ،إال أين قد
وجدت يف القرنة أنه من الصعب جداً أن يثري املرء اهتمام الفالحني ببيوهتم
اجلديدة .وكانت ال مباالهتم ترجع حقاً إىل حد كبري إىل نفورهم من فعل أي
يؤول فيما بعد على أنه موافقة منهم على خطة نقلهم ،على أهنا أيضاً
شيء قد ّ
كانت تنبع من عجزهم عن التعبري ابلكلمات عن حاجاهتم و ميوهلم .وقد قال
يل أحد الشيوخ أنه طاملا سيتم إيواء ما شيته كما ينبغي فإنه ال يطلب شيئاً آخر
.و كان هذا إىل ٍ
حد ٍٍ ما رأايً عاماً .ومل أستطع تغيري رأيهم هذا إال بعد أن
بينت هلم أهنم إذا كرسوا كل انتباههم للماشية وحدها و اعتربوا بيوهتم و كأهنا
جمرد ملح ل لحظرية ،فإن أبناءهم الذين يدرسون يف املدينة سيخجلون ابلغ
اخلجل من زايرهتم .وهكذا وافقوا على أهنم جيدر هبم أن مينحوا البيت بعضاً
من عنايتهم ،على أهنم قالوا أهنم سيرتكون األمر يل ألصمم أايً مما أحب ،و
يل أبي حال أن هذا التفويض على البياض جعل املشكلة أكثر إرابكاً .كي
أعرف كل تفاصيل احلياة املنزلية لفالح من القرنة و أن أفهم ماذا يريده يف بيته
؟
ولعل ال مباالة الرجال هذه ابلنسبة لبيوهتم قد نشأت عن حقيقة أن البيت هو
مملكة املرأة ال الرجل .ولو كان يف استطاعيت أن استشري النساء لكان يف ذلك
أعظم العون .على أن هذا كان لسوء احلظ أمراً مستحيالً ألهنن كن حيج ن
بعيداً يف غرية .وفيما بعد ،عندما آتى إىل القرية بعض السيدات من معاريف ،
أمكننا ابلفعل أن حنصل على آراء بعض نساء القرية .
عندما أدركت صعوبة أن أجعل أهل القرنة يسامهون بدور بناء يف ختطيط
مدينتهم ،قمت يف وقت مبكر جداً ببناء حوايل عشرين بيتاً ألبني هلم هكذا
نو من املعمار الذي نطرحه عليهم ،حيث أهنم ال يستطيعون فهم رسومات
املشرو .وكنت آمل أيضاً أن أرقب العائالت إذ تعيش ابلفعل يف هذه البيوت
،وهبذا يكون األمر و كأين (( أستشريهم )) عندما أرى حاجاهتم ابلتطبي .
وقد يبدو يف هذا حتمل ملشقة ابلغة ،ولعل القارئ أن يتساءل عما إذا كان أهل
القرنة قد سامهوا ابلفعل بدورهم كعمالء .على أين أعتقد أن اإلسهام الذي
يقوم به العميل فيما يتعل ابلتصميم ،مهما كان من جهله أو حىت من ارتيابه ،
هلو أمر ال نستطيع االستغناء عنه .فنحن لسنا فحسب مطالبني بواجب نؤديه
هلؤالء الفالحني الفقراء هو أن نعيد هلم وضعهم كأصحاب حرفة – سواء كانوا
هم أنفسهم أو مل يكونوا قد أضاعوا هذا احل ،وسواء كانوا أو مل يكونوا
مستاءين من فكرة املشرو – وإمنا حنن مطالبون أيضاً أمام أنفسنا كمهندسني
معماريني أبال حناول عمل أي تصميم بدون عون العميل الذي ال غىن لنا عنه .
ومن املؤكد أن موق أهل القرنة هكذا موقفاً غري ودي نوعاً جتاهنا ،مل ينشأ
إال ألهنم كانوا ينظرون إلينا كعمالء للحكومة يتدخلون يف حياهتم دون أي دعوة
منهم .ولو كان أحد أهل القرنة يبين لنفسه بيتاً بنقوده اخلاصة لكان له موق
متاماً ،وللعب دوراً يف البناء هو أكثر إجيابية إىل حد بعيد مهما أراده خمتل
معنا .وإمنا كنت أود أن أشجع يف عمالئنا من أهل القرنة موقفاً من االنشغال
النشط الذي يتدخل يف كل طور من عملية البناء .
إن اإلسهام الذكي للعميل هو ضرورة مطلقة لتنفيذ عملية البناء تنفيذاً متناغماً
.فالعميل ،واملهندس املعماري ،واحلريف ،كل يف جماله ،جيب أن يتخذ
القرارات ،وإذا تنازل أي واحد منهم عن مسؤوليته فسوف يعاين التصميم من
ذلك وسيتقلص من ذلك وسيتقلص الدور الذي يقوم به املهندس املعماري يف
النمو واالزدهار احلضاري للشعب كله .
و أهل القرنة كانوا ال يكادون يستطيعون مناقشة أمر املباين معنا .فهم ال
يستطيعون التعبري ابلكلمات حىت عن احتياجاهتم املادية يف اإلسكان ؛ وهكذا
كانوا عاجزين متاماً عن احلديث عن أسلوب البيت أو عن مجاله .فالفالح ال
يتحدث عن الفن ،و إمنا هو يصنعه .
والفن القروي يف القرنة مل يكن مما يبهر على وجه اخلصوص .وهو حيتل مرتبة
لعلها مما يتوقعه املرء عند درجة تقع بني األسلوب الراقي للبناء عند الفالح
النويب و احنطاطه ابلكامل يف الدلتا .ولو سافرت ابلقطار إىل أسوان حىت البحر
فسوف تالحظ أن مستوى الفن الشعيب ينحدر يف اطراد ،ولو رمست لذلك
رمساً بيانياً ،فسينت منحىن يتبع تقريباً بروفيل النهر .والقرنة تقع تقريباً فيما
يقرب من املنتص على النهر بني النوبة ومصر السفلى .
املعمار الدارج يف القرنة القدمية
وهكذا فرغم أن القرنة مل يكن فيها ما تقدمه مما مياثل معمار النوبة ذا األلوان
والتأثري ،ولعلها أيضاً مل يكن فيها نفس الفخر مبا هو حقاً حرفية مجيلة ،إال
أنه كان هناك بعض مباين عارضة تظهر نوعاً من النقاء يف الشكل ،فهي على
األقل خالصة من الفساد الفين الذي يزداد غلظة يف كل احلياة القروية كلما
اجتهنا مشاالً .
وما من شعب يف أي مكان يكون حمروماً كل احلرمان من القدرة على اإلبدا
الفين .ومهما كانت الظروف قامعة ،فإن هذه القدرة اإلبداعية سوف جتد
دائماً طريقها للظهور من خالل ٍ
شيء ٍٍ ما .ويف القرنة مل يكن ذلك يظهر كثرياً
يف بيوهتم ،حيث كانوا يتعرضون لتأثريات سيئة .و إمنا كان ظهور ذلك فيما
ألهل القرية من إنشاءات منزلية صغرية ،يتيح فيها أهل القرية ألنفسهم صياغة
أمجل التكوينات التشكيلية و أكثرها ذاتية .فكان يف القرية القدمية أسرة تشبه
نبات عش غراب كبري حيث ميكن لألطفال أن يناموا آمنني من العقارب (
وهكذا تستقى األسرة امسها منها وهو بيت العقرب ) ؛ وكان هناك أبراج محام
ترتفع كنصب جليل له نوعه اخلاص جداً من املهابة ؛ وهناك سرير بسيط فخيم
مجيل ينشئه الفالح يف بيته مياثل يف أمهيته و مركزيته سرير أو ديسيوس بل إن
هناك بيتاً أو بيتني ابلكامل يظهر فيهما نفس التشكيل و انسياب اخلطوط كما
يف بيت العقرب .ويتصادف أن هذين البيتني كاان من بني أفقر بيوت القرية .
وقد اضطر صاحبامها إىل اللجوء إىل هذا التصميم األصيل بسبب فقرمها .
فلما كاان ال يطيقان أن يتكلفا يف بيتيهما ما تكلفه تلك التعقيدات من الذوق
السقيم اليت ينحو إليها جرياهنما األغىن ،و ال يطيقان تكلفة بناء أبجر ،فقد
كان عليهما أن يبتكرا كل جزء من مسكنيهما بنفسيهما .وهكذا فإن ختطيط
إحدى الغرف أو وضع خط ألحد اجلدران مل يكن يتم يف أبسلوب ما يقاس
قياساً متوازانً بليداً ،وإمنا يصاغ شكلها حبساسية كما يصاغ إانء الفخار .ويف
كثري من هذه البيوت ابلغة الفقر لو أمكن للمرء أن ينظر فيها متجاوزاً عن
القذر و الفوضى العارضني ،فإنه سوف يرى أن خطوط البناء إمنا تطرح درساً
تعليمياً يف املعمار .أنظر إىل الصورة الضوئية للمنزل الصغري يف قرنة مرعى؛ ما
من أثر هنا ألي حذلقة معمارية ،ليس من تشن حملاولة التسل إىل مرتبة
اجتماعية (( أعلى )) ،وإمنا استخدام مباشر ملواد البناء يف أغراض حياة
الفالح ؛ و أي تفصيل يتم بناؤه ألن الفالح حيتاج إليه و يتم حيث حيتاجه ،
ويف أكثر األشكال و األحجام مالئمة ،من غري أي تفكري يف حماولة التأثري يف
أانس آخرين .والنتيجة يف احلقيقة يكون هلا أتثريها البالغ ،فالبيت فيه اكتفاء
ذايت كما يف أي صنيع ابر ينتجه مهين متمكن .
وهذا النو اخلاص من التشكل الطيع والالتقليدي هو مما ال ميكن إعادة نسخه
عن لوحة رسم هندسية .فهو مما يتم تصوره أثناء بنائه ،مثله كمثل قطعة
صلصال يتم تشكيلها ،ف الرسم املسطح ال دور له يف عملية كهذه .وبيت من
هذا النو ال بد أن يبنيه صاحبه ،ذلك أن كل خط غري منتظم وكل منحىن
هو انعكاس لشخصيته .على أنه بسبب هذا الطابع الشخصي الذي حيمله
البيت ،فإنه ال ميكن أن يوجد إال يف إحدى القرى حيث تكون عملية البناء
جتري على ال راحة وبدون حذلقة ،و ما إن يبدأ إنشاء مشرو كمشروعنا ،
حىت تقفز عملية البناء إىل مستوى خمتل متاماً ،فتصبح عملية منظمة ،فيها
إحساس ابلوقت ،وبصورة عامة فهي أكثر التصاقاً
(( ابملهنية )) .وهذه القفزة من بيت (( يتشكل )) إىل بيت (( يتهندس )) هلي
مرحلة طبيع ية يف تطور البناء ،تتبع زايدة ثروة أهل القرية .ولو حدث التغري
بصورة طبيعية ،فإن املعمار اجلديد سوف ينمو ليصبح ترااثً .واحلقيقة أن
مهميت يف القرنة مل تكن أن أخل ترااثً ينبغي أن يتخذه أهل القرنة ألنفسهم ،
فحىت لو كان من املمكن أن يصنع ألحد الرجال ما ينبغي أن يصنعه هو لنفسه
،و أن تدخل يف إهابة ،وتكون ابلنسبة له مبثابة ضمريه الفين ،فإن ادعاء
كهذا سيدمر ما يكون لديه من حافز وتكامل فين ،ويكون فيه القضاء على
الغاية ذاهتا .
على أنه ما كان ميكنين أن أجتاهل متاماً كل ما كان أهل القرنة قد صنعوه ،و
أحمو كل أث ر إلبداعيتهم اخلاصة هبم ،فأغرس تصميمايت هكذا يف املوقع
علي أن استخدم املنشآت الرتاثية ابلقدر
متخلصاً من أي إرابكات .و إمنا كان ّ
الذي ميكن تضمينه ،و أن أظهر يف التصميمات اجلديدة قدر ما ميكن إظهاره
من روح أهل القرنة
وكان من السهل تضمني منشآت بعينها ،وهي بذلك قد ساعدتنا مساعدة
عظيمة منذ البداية أبن وفرت يف التصميم نغمة رئيسية له .فمثالً كانت أبراج
احلمام يف القرية القدمية ،هي أشكال فالحية أصيلة وتلقائية ابلكامل ،مل تطرح
من مكان آخر و إمنا أمالها ابلكلية ذوق أهل القرية ،فهي ردهم اإلبداعي
اخلاص هبم على مشكلة حفظ محامهم .وبنيان كهذا دخل إنشاء القرية
اجلديدة دومنا أي إحساس جبهد .وقامت بصنعه نفس األيدي ،فأقام البّناء
القروي برج احلمام القدمي للقرية اجلديدة ،وكان الربج اليوم مالئماً مثلما كان
ابألمس .
ومرة أخرى وجدان (( مزيرة )) جداً شائقة يف القرية القدمية ،واملزيرة مكان
توضع فيه جرة املياه املسماه
(( الزير )) ،وهي يف هذه احلالة تتخذ شكل قبو يظلل جرة املاء من الشمس ،
وهذا الرتتيب بدائي بعض الشيء ولكنه مجيل نوعاً .ويف القرية اجلديدة و فر
لنا القبو الذي يدعم السلم موقفاً مناسباً و ظالً قامتاً حقاً ،بينما أمكننا
استكمال هذا التنظيم إبضافة حلية خمرمات – نو من (( مشربيه منطوب
الل ن )) – لتعمل مبثابة مرشح هواء طبيعي للهواء .
و أمكننا يف اجلامع أيضاً أن حنتفظ جبزء مهم من تراث القرنة .فقد كان أحد
املساجد القدمية ابلقرنة يستخدم سلماً خارجياً مستقيماً يطلع مائالً إىل املئذنة ،
وهو شكل يرجع إىل أول أايم اإلسالم ومازال يوجد يف النوبة ومصر العليا .
ورغم أن اجلامع يف القرية اجلديدة كان جيب أن يكون أكرب كثرياً ،ألنه سيخدم
السكان كلهم الذين يرتكزون اآلن يف قرية واحدة ،إال أن األمر كان يستح
التصميم القدمي ،مبا فيه السلم اخلارجي ،حسب متاماً بذل اجلهد ل تكيي
املقياس اجلديد .
ومن املهم أن يفهم أن هذا البحث عن األشكال احمللية لتضمينها يف القرية
اجلديدة مل يكن مبعثه رغبة عاطفية لالحتفاظ ببعض تذكار من القرية القدمية .
فقد كان هديف دائماً أن استعيد ألهل القرنة إرث هم من تراث البناء املستلهم
حملياً استلهاماً قوايً ،مما يتطلب تعاوانً نشطاً بني العمالء ذوي املعرفة واحلرفيني
ذوي املهارة .
***
التغيري مع التواصل
كنت أريد أبي مثن أن أجتنب موقفاً كثرياً ما كان يتخذه املهنيون من املعماريني
أبن اجملتمع القروي واملخططني عندما جياهبون مبج تمع قروي ،وهو موق
ليس فيه ما يستح نظرة اعتبار من املهنيني ،و أن كل مشاكله ميكن حلها
ابسترياد تناول حضري متحذل لعملية البناء .وكنت أود ،لو يف اإلمكان ،
أن أمد جسراً على الفجوة اليت تفصل املعمار الشعيب عن معمار املهندس
املعماري .وكنت أود أن أوفر صلة متينة مرئية بني هذين املعماريني يف شكل
مالمح مشرتكة بينهما معاً ،حيث يستطيع القرويون أن جيدوا فيها نقطة ارتكاز
كمرجع مألوف هلم يبدؤون منها توسيع فهمهم للجديد ،كما يستطيع املهندس
املعماري أن يستخدمها ليخترب هبا صدق عمله هو نفسه ابلنسبة للناس
وللمكان .واملهندس املعماري له وضعه الفريد إلحياء إميان الفالح حبضارته هو
نفسه .وإذا قام املهندس املعماري .بصفته انقداً يوث به .إبظهار ما هو
جدير ابإلعجاب يف األشكال احمللية .بل و إذا ذهب ألبعد من ذلك
فاستخدمها هو نفسه ،فإن الفالحني سيأخذون يف احلال يف النظر إىل منتجاهتم
يف تيه .وما كان فيما مضى يتم جتاهله أو حىت الزراية به ،سيصبح فجأة شيئاً
يفخر به .ويصبح فوق ذلك شيئاً يستطيع القروي أن يفخر به عن معرفة .
وهكذا فإن احلريف يف القرية سيحفز إىل استخدام وتنمية األشكال الرتاثية احمللية
،وذلك ب بساطة ألنه يرى أهنا قد انلت احرتام مهندس معماري حقيقي ؛ أما
القروي العادي ،أي العميل ،فإنه يعود مرة أخرى إىل وضع يفهم فيه عمل
احلريف ويقدره .
على أنه كان من الضروري للوصول إىل قرار موضوعي بشأن نو معمار القرية
اجلديدة ،أن يتم املزيد من االستقصاء .
فباإلضافة إىل البيئة املصنوعة يف القرنة بواسطة اإلنسان ،واليت ينبغي أن
تتجانس معها القرية اجلديدة ،كانت هناك أيضاً البيئة الطبيعية من املشهد
اخللوي الطبيعي ،والنبات واحليوان .واملعمار الرتاثي يكي نفسه عرب القرون
الكثرية مع بيئة الطبيعية هذه ،من الوجهة البصرية والعملية معاً .وينبغي على
القرية اجلديدة أن تتناغم مع هذه البيئة منذ البداية األوىل ،وجيب أن تبدو
علي أن أحاول أن أضفي
مبانيها كما لو كانت نتاج قرون من الرتاث .فكان ّ
على تصميمايت اجلديدة مظهراً و كأهنا قد نشأت من املشهد اخللوي ألشجار
املنطقة وينبغي أن تبدو يف مستقرها يف احلقول مثلما يبدو خنيل البلح والدوم .
وينبغي أن يعيش فيها قاطنوها مبا يكون طبيعياً مبثل ارتدائهم ملالبسهم .على
أن هذه مهمة هي جد شاقة ابلنسبة لرجل واحد ،أيكون يف استطاعيت أن
أتصور نفسي من خالل خربة أجيال من بنائي القرية أو أن أتصور يف ذهين كل
التعديالت البطيئة اليت جنمت عن املناخ والبيئة ؟
على أننا نستطيع طلب العون من أجدادان لنحصل على معرفة كهذه لقد نفذ
قدماء املصريون إىل روح هذه األرض ومثلوا طابعها أبمانة وصلت إلينا عرب
آالف السنني اليت تفصلنا .فهم يف رسوماهتم – تلك اخلطوط البسيطة اليت
رمست على جدران القبور – ينقلون جوهر طابع الطبيعة أبكثر مما تنقله أرو
أتثريات اللون والضوء والظل يف أعمال أشهر العارضني للوحات اليت من
األسلوب األورويب احلديث .
وملا كانت مشروعات املهندس املعماري هي كلها رسومات من خطوط فقد
فكرت يف أنه ميكنين أن أضع فوق تصميمايت رسوم نبااتت و حيواانت املنطقة
،وأن يصنع ذلك يف بساطة كما يف الرسومات املصرية القدمية ،و كنت على
ثقة من أن هذه الصورة ألشجار النخيل أو األبقار كما ترى يف مقابر النبالء
ستبدي مدى الصدق أو تكش مدى الزي الذي يف املباين .ونفذت كل
أدائي يف ال تصميمات التجريبية هكذا ؛ وجتنبت يف حرص احلذلقة املهنية اليت
تكون يف رسوم مشروعات الكثري من املهندسني املعماريني و اليت كثرياً ما تشوه
األشكال الطبيعية لتجعل اخللفية موافقة للمباين ،وهكذا فإنين مل أحاول
إحداث أتثريات ابلعم ،أو أن أجلب ما ال يتناسب من أشجار البلوط حىت
أوزان هبا الكتل ،و إمنا نفذت رسومي يف خطوط بسيطة و جعلت من حوهلا
اسكتشات للحيواانت و األشجار و املالمح الطبيعية يف القرنة .و كانت تلك
هي ؛ التل املطل على على القرنة و الذي يبدو دائماً كصخرة مقدسة مباله عند
قمته من هرم طبيعي ،و البقرة ،ذلك أن اآلهلة – البقرة حتحور كانت حامية
جبانة القرنة ،كما كانت القرية يف منطقة يكثر فيها البقر و ال يرى فيها
جاموس مصر صاحب اهليمنة ؛ مث شجرات النخيل ،خنيل البلح وخنيل الدوم ،
ذلك أهنما مها أشجار مصر العليا ؛ و طابع معني كان يظهر يف تكتل لبعض
بيوت القرنة القدمية مبقصوراهتا اليت يف قمتها .
و قد وضعت كل هذه األشكال على رسومي التجريبية األوىل املؤقتة ،لتعمل
كمعيار للمقارنة .فقد أحسست أن من واجبنا يف القرنة أن نبين قرية ينبغي أال
تكون مزيفة على مصر .فيجب إعادة اكتشاف أسلوب الشعب ؛ أو ابألوىل ،
إعادة اإلحساس به من خالل الدالئل املتناثرة يف احلرف احمللية و املزاج احمللي
.وقد كان لدينا تكنيك من النوبة ؛ إال أننا ما كنا نستطيع بناء بيوت نوبية هنا .
فاإلخالص لألسلوب ،حسب ما أفهمه ،ال يعين أن نعيد بوقار نسخ إبدا
ينتمي ألانس آخرين .ولن يكون مما يرضي أن ننسخ حىت أفضل املباين اليت
تنتمي إىل جيل آخر أو ملنطقة أخرى .رمبا يكون من اجلائز استخدام منه
البناء ،ولكن عليك أ ن تنز عنه كل ما فيه من طابع وتفصيل خاصني ،وأن
تطرد من ذهنك صورة تلك البيوت اليت سب أن أوفت برغباتك أمجل إيفاء .
وجيب عليك أن تبدأ من البداية األوىل ،اتركاً مبانيك اجلديدة لتنشأ عن احلياة
اليومية للناس الذين سيعيشون فيها ،ومشكالً البيوت مبقياس ما يتغىن به
الناس ،وانسجاً منط القرية كمل لو كان ذلك أبنواهلا هي ،وقد أفعمت بكل
اليقظة لألشجار و احملاصيل اليت تنمو هناك ،و أفعمت تبجيالً خلط األف ،
أو حداثة وتواضعاً أمام تغريات الفصول .وجيب أال يكون هناك تراث زائ
زائفة ،و إمنا هم معمار يكون منه التعبري املرئي الدائم لطابع اجملتمع .على أن
هذا يعين ال اقل من معمار جديد ابلكامل إن التغيري آت حتماً إىل القرنة أبي
حال .فالتغيري هو شرط احلياة و الفالحون أنفسهم يريدون التغيري ،ولكنهم
يكون ذلك .وملا كان احلال هو أهنم مستهدفون لتأثريات ال يعرفون كي
املباين املبهرجة يف املدن اإلقليمية اليت من حوهلم ،فإهنم فيما حيتمل سيتبعون
هذه األمثلة السيئة .و إذا مل نتمكن من إنقاذهم ،و إذا مل نتمكن من حثهم
على أن يتغريوا معمارايً إىل األفضل فإهنم سيتغريون إىل األسوأ .
كان أملي أنه قد يكون من القرنة إشارة فحسب للطري إىل بدء إحياء الرتاث
يف البناء ،حبيث يواصل التجربة آخرون ،ويوسعون من نطاقها ،حبيث يرسون
يف هناية األمر مرتاساً حضارايً يوق االنزالق إىل املعمار الزائ اخلايل من املعىن
و الذي يتزايد بناؤه بسرعة يف مصر .فالقرية اجلديدة ميكن أن تبني كي أن
معماراً يندم يف واحد مع الناس هلو أمر ممكن يف مصر .
***
املناخ و العمارة
يتميز مناخ مصر العليا أبنه مناخ منطقة حارة جافة ،مع اختالف واسع جداً يف
درجات احلرارة هناراً وليالً .وملا كان وجود ظل من السحاب هو أمر يكاد
يكون معدوماً ابلكامل ،فإن األرض تتلقى يف النهار قدراً هائالً من إشعا
الشمس ،بينما هي تشع ليالً قدراً هائالً من احلرارة يتجه اثنية للسماء .
وهكذا فإن أي مسطح معرض لضوء الشمس املباشر ،كأرضية أحد املباين أو
جدرانه أو سقفه ،ستزيد حرارته زايدة مهولة أثناء النهار ،ويفقد من حرارته
أثناء الليل .
وابلتايل فإن توفري راحة الناس يف الداخل من مباين هذه املنطقة يعتمد إىل حد
.وأفضل مواد البناء هي تلك كبري على اخلواص احلرارية للجدران والسق
توصل احلرارة .
اليت ال ّ
يف الشمس هو من أسوأ موصالت وحلسن احلظ فإن طوب من الرتبة اجملف
احلرارة .ويرجع هذا اجلزء منه إىل االخنفاض البالغ يف قدرته على التوصيل
طبيعياً ( 2.00كالوري /دقيقة /سم املربع /لوحدة مسك الطوب املصنو
بعشرين يف املائة من الرمل الناعم ،و 2.10كالوري /دقيقة /سم املربع /
لوحدة مسك الطوب املصنو بثمانني يف املائة من الرمل اخلشن ،وهذا مقابل
2.91للطوب احملروق ،و 2.1لبلوكات األمسنت اجملوفة ) ،كما يرجع يف
جزء آخر إىل ضع الطني مما يستلزم أن تكون جدرانه مسيكة ،وبيوت طوب
الل ن يف مصر العليا تبقى فعالً مربد ة إىل حد ملحوظ ملعظم اليوم ،وقد ثبت يف
كوم امبو أن املنازل اإلمسنتية اليت بنتها شركة السكر ملوظفيها هي أسخن من
شتاء ،وهكذا فضل املوظفون أن
أن يعيش املرء فيها صيفاً وهي ابلغة الربودة ً
يعيشوا يف بيوت الفالحني الطينية .
على أن جدران الطني السميكة ليست ابلوسيلة املثلى لالحتفاظ ابلبيت مربداً
ال
،ذلك أن الطني و إن كان موصالً رديئاً للحرارة ،إال أنه حيتفظ هبا زمناً طوي ً
.و هكذا فإن اجلدار الذي جيعلك حتس ابلربودة طول الصباح يواصل يف
الواقع اكتساب و اختزان كل احلرارة اليت تقع عليه ،وسوف يشع طول الليل
كله هذه احلرارة اثنية خلارجه ،و يكون هذا يف جزء منه لداخل احلجرة .وهلذا
فإن احلرارة من داخل بيت طوب الل ن تكون يف الليل أعلى كثرياً مما يف خارجه
.
واحلل الواضح هو أن يعيش املرء يف الطاب السفلي أثناء النهار ،حيث حتميه
بنية حوائط البيت السميكة هي و السق ،و أن ينتقل ليالً ألعلى إىل
السطح لينام يف هواء الليل املربد .واحلقيقة أن األمر سيحتاج إىل إنشاء خفي
جداً من فوق ومن حول مساحة السطح العلوي ليبقى الطاب السفلي ما
أمكن من الشمس ،وحىت يقي النائم أيضاً من البعوض .والقاعدة هي أن
احلائط الطيين السميك جداً ،و أن ينام ليالً على حيتمي املرء هناراً خل
السطح حتت خيمة أو ما يساوي ذلك يف رقته ،ويف القرنة فإن احلجرات
مساء ،
ً السفلية للبيت قد تصل إىل أقصى ارتفا يف احلرارة حوايل السابعة
وذلك بعد مرور حوايل مخس ساعات على وصول احلرارة ألقصاها يف العراء ،
أما يف الثامنة صباحاً ،عندما يكون السطح العلوي قد أصبح ابلفعل ساخناً مبا
يثري الضي ،فإن الغرف السفلية تكون أبرد مبا ينعش .
وهذا النظام احلراري ميكن تعديله إذا مت بناء البيت من حول فناء .فالفناء
يعمل مبثابة بئر يرسب فيه اهلواء األبرد اآليت من السطح ،وهكذا فإن الغرف
ال سفلية تربد أثناء الليل بسرعة اكرب .والعامل الثاين الذي يتحكم يف راحة
الناس داخل البيت يف مصر العليا هو حركة اهلواء .وحيث أن اهلواء جاف
للغاية ،فإن أي قدر من النسيم يساعد على تبخري العرق ،وبذا فإنه يربد
اجلسم .وهكذا فإن من املهم جداً أن نراعي هتوية الب يت هنا أوث مراعاة
.والريح السائدة هي مشالية – مشالية غربية وهي ابردة نسبياً .وحىت ميكن هلذه
الريح أن هتوي بيتاً ،فإنه جيب أن يتاح هلا الدخول من خالل فتحات البيت .
والسؤال هو ،أين ينبغي أن تكون هذه الفتحات ؟ عندما ذهبت إىل القرنة
،زرت مسرت ستوبلري ،الذي كان يقيم يف الصي ألول مرة ،يف منتص
اسرتاحة هوارد كارتر * ،وكانت حارة مبا ال حيتمل .وكان ذلك ابعثاً على
الضي حىت أين فضلت اخلروج إىل الشمس ،واقرتحت على صديقي أن خنرج
لنلقي نظرة على بعض املقابر .وأخذين إىل مقربة تفر – رنبت يف خوخة ،
وعندما وصلنا إليها وجدانها مغلقة .وأثناء انتظاران إلحضار املفاتيح ،جلأان إىل
الظل يف مضيفة قريبة ،على أنه يف الداخل من مقصورة هذه املضيفة كان هناك
تيار ابرد منعش إىل حد جعلنا نتطلع يف التو لنرى سبب ذلك كانت املقصورة
قد بنيت و ظهرها إىل الريح السائدة ،وقد فتحت حتت الريح ،فكان اجلدار
اخللفي يف أعاله من فوق مشقوقاً بصفني من فتحات صغرية تواجه الريح .و
الشائع يف التطبي املعماري أن جيعل املرء دائماً الفتحة األكرب يف مواجهة الريح
،إذا كان الغرض هو اصطياد أكرب قدر ممكن من النسيم .على أن املضيفة
كانت يف احلقيقة جمهزة ع لى حنو ابر حسب أحسن مفاهيم الديناميات اهلوائية
.وكما شرح يل أخي فيما بعد ‘ فإن املقصورة املفتوحة يف اجتاه مهب الريح ،
سينساب من خالهلا تيار هوائي اثبت ألن انسياب اهلواء من
(( فوقها )) ومن (( حوهلا )) خيل ضغطاً منخفضاً من داخلها ،حبيث يشد
اهلواء يف تي ار اثبت من خالل الفتحات الصغرية ،ومن الناحية األخرى فإن
املقصورة ذات الفتحات الكبرية يف اجتاه مهب الريح ،واليت ليس فيها فتحات
أو فيها فتحات صغرية فحسب يف االجتاه مع الريح ،فإهنا سرعان ما متتلئ
ابهلواء ،حبيث أن اهلواء الطازج يستمر من فوق املقصورة بدالً من أن مير من
خالهلا ،اتركاً بذلك اهلواء القدمي من داخلها .
وهذه الظاهرة ،اليت ميكن فهمها بسهولة جداً هكذا عامة ،قد عرب عنها
حديثها تعبرياً أكثر دقة ابملعادلة التالية :
معدل انسياب اهلواء من خالل املبىن ،ابلقدم املكعب /ساعة = ( 1.822
مساحة املداخل ابلقدم املربع ) ( سرعة الريح ابمليل /ساعة)
و تصح هذه املعادلة إذا كانت الريح اليت يف اجلرية املباشرة لفتحة املدخل
عمودية على مستوى اجلدار .أما إذا مل تكن كذلك ،فإن املعدل املفروض
النسياب اهلواء جيب أن يقلل حسب الزاوية ؛ فعندما يكون اجتاه الريح هو
خبمس و أربعني درجة على أحد املساقط الرئسية للبناء ،فإن انسياب اهلواء
ينبغي أن يقلل خيمسني يف املائة .
وفوق ذلك ،فإنه إذا كان هناك فارق ملحوظ بني مساحات فتحات املخارج و
املداخل ،فإن املعادلة جيب أن تعدل مبا يناسب هذا الفارق .و يتأل التعديل
أبن تستبدل قيمة أخرى برقم ، 1.822وذلك حسب اجلدول التايل ،حيث
القيم اليت يف العمود األول هي نسبة املساحة الكلية لفتحات املخرج إىل
املساحة الكلية لفتحات املدخل :
القيمة
1.822 = 8 مساحة فتحات املخرج
مساحة فتحات املدخل
توجيه املنازل يتحدد يف جزء منه ابلشمس ،ويف جزء ابلريح :
حتديد موقع الغرف حبيث تصبح لطيفة اجلو هلو أمر يتطلب تفكرياً حريصاً .
واملساحة الظليلة اليت يتخللها تيار هواء هي اليت تظل دائماً ابردة نسبياً .
والنقطة هي ،من أي شيء ينبغي أن تظلل الغرفة ؟ أتظلل من ضوء الشمس
املباشر ،هذا أمر أكيد ،ولكنها جيب أن تظلل أيضاً من اإلشعا املنعكس ،
الذي ميكنه أن جيعل الغرفة أحياانً أسخن حىت من مما ميكن للشمس .ذلك أن
كل جدار مواجه للجنوب يعكس أشعة الشمس عن سطحه األبيض الناصع
لتذهب مباشرة إىل احلجرات اليت تكون عرب الطري .بل وحىت قطع احلجارة و
األسطح غري املن تظمة يف األرض كلها تعكس أشعة الشمس من أسطحها
اجلنوبية ،حبيث تعمل كاملشعا يف نظام التدفئة املركزية .
على أن احلجرات اليت ستتلقى كل هذا اإلشعا املنعكس مصطدماً بواجهتها
هي احلجرات اليت تواجه الشمال .وهكذا فإن من الضروري فحص كل ما
حييط مباشرًة ابلبيت قبل أن تطب دون حميص القاعدة املعتادة من أن
(( حجرات املعيشة ينبغي أن تواجه الشمال )) .و ما من شك أن احلجرات
اليت تواجه الشمال ستفيد من النسيم البحري البارد ،فالشمال هو أحسن
واجهة للحجرة بشرط أن يكون يف استطاعتنا التأكد من أنه ليس مثة إشعا
منعكس هناك .أما إذا كان هناك منازل أخرى على مقربة ،فلعله مما حيتمل أن
تكون غرفة املعيشة أبرد عندما تواجه اجلنوب ،رغماً عن التطبي املعتاد هبذا
الشأن .ذلك أنه لن يكون هناك وقتها إشعا منعكس ،أما ابلنسبة لإلشعا
املباشر من الشمس اليت ستكون عالية جداً يف السماء عند سقوطها على هذا
.بل إن من املمكن أن جيعل النسيم اجلدار ،فإنه ميكن إيقافه مبظلة للسق
البحري حبيث ينساب من خالل غرفات املعيشة عن طري ختطيط هذه الغرف
.وفالحو العراق يبنون غرف معيشتهم إىل اجلنوب ،وجيعلون من خلفها
مقصورة تواجه الشمال .وتسق غرفة املعيشة بقبة هلا ثقب يف قمتها ،حبيث
أن اهلواء الذي سيسخن يف القبة اليت تشبه الفرن سيهرب ابستمرار ،بينما
ينجذب اهلواء البارد ابستمرار للداخل من املقصورة الظليلة .والعيب الوحيد
يف هذا التصميم العراقي أنه ليس فيه مظلة تظلل اجلدار اجلنويب من الشمس ،
ذلك أن العراقيني ينقصهم اخلشب .و كل بيت يف قريتنا قد وفرت له غرفة
للضيوف ،ابإلضافة إىل مضيفة اجملاورة للعائلية ،اليت هيأت أيضاً ألن
تستخدم كغرفة معيشة للعائلة ،وليس ألن تظل مستبقاة (( كأفضل )) الغرف
بغرض استقبال الغرابء .وتصميم الغرفة يتبع قاعدة (( القاعة )) .فهناك ((
الدرقاعة )) املركزية املربعة ،اليت تسق بقبة ،ويكون هلا أيواانت خترج منها
وجيلس فيها الناس .وهذه الغرفة عالية جداً – فهي ترتفع لعلو طاب ونص
الطاب من الطواب العادية ابإلضافة إىل ارتفا القبة – حىت يسمح ذلك
بفتحات عالية فوق خط السطح للدور األرضي .وهكذا فإن اهلواء الساخن
يرتفع و يهرب من خالل هذه الفتحات العالية ،مما ينت عنه دخول تيار من
اهلواء ألسفل ليربد الغرفة .
وهكذا فإن توجيه املباين يتحدد يف جزء منه ابلشمس و يف جزء ابلريح ،
وأحسن توجيه للشمس هو أن يقع احملور الطويل للمبىن يف اجتاه الشرق –
الغرب ،و هذه قاعدة معمارية شائعة .
ولكننا نود أن جنعل الريح هتب على أكرب مساحة ممكنة من اجلدران ،لتسري
من خالل البيت وتربده .والريح السائدة أتيت من الشمال الغريب ،و هكذا
فاألمثل أنه ينبغي أن يكون اجتاه البيت من الشمال الشرقي إىل اجلنوب الغريب
،متعامداً ع لى هذه الرايح .أفينبغي استخدام حل وسط ،فننص الزواية بني
االجتاهني املشار إليهما ،فنجعل البيت يف اجتاه من شرق – مشال شرق إىل
غرب – جنوب غرب ،كما هو يف التطبي املعماري
املعتاد ؟ ال ذلك املعضلة هي معضلة حمض زائفة ،خلقها موقفنا من النافذة
موقفاً غري حصي .
***
امللق أو مصيدة الريح
يف أورواب حيث ال يكون للتحكم يف احلرارة أمهية رئيسية ،تقوم النافذة
خبدمة ثالثة أهداف ؛ أن تدخل اهلواء ،و أن تدخل الضوء و أن جتعلك
الثالث ليست مما ال يقبل أن ترى ما يف اخلارج .على أن هذه الوظائ
ينفصل ،واحلقيقة أن البنائني يف الشرق األوسط قد اعتادوا أن يفصلوا فيما
بينها .ففي بيوت القاهرة القدمية تؤدي وظيفة التهوية يف األهباء الرئيسية (
)) يصطاد الريح يف أعلى ، القاعات ) بواسطة جتهيز يدعى (( امللق
حيث تكون قوية نقية ،وذلك عن طري تصميم الغرفة تصميماً خاصاً
حيث يكون اجلزء املركزي ( الدرقاعة ) عالية جداً ،مبا جيعل اهلواء الساخن
يهرب عند القمة .وميكن أن تقام مصيدة الريح هذه ابلزاوية املناسبة
ابلضبط الصطياد الريح ،بصرف النظر عن توجيه البيت .
وقد استخدمنا يف املدارس اليت بنيناها يف القرنة مصيدة ريح تتكون من
جمرى للهواء يشبه املدخنة له فتحة كبرية يف أعلى تواجه الريح السائدة .
وقد وضع من داخلها صفحة معدنية مائلة ممتلئة بفحم ميكن أن يتم بله
بصنبور ؛ وينساب اهلواء من على هذا احلاجز فيتم بذلك تربيده قبل أن
يدخل احلجرة .ويف هذه األداة ما ي ّذكر ابلسلسبيل الذي كان يوجد
منتصباً يف قاعات و إيواانت البيوت العربية القدمية – و كان من لوح من
الرخام املقوس يف منط مموج ،بينما ينساب من فوقه ماء انفورة .ومن
املربد
املمكن يف التطبيقات املستقبلة لقاعدة مصيدة الريح أن جيعل احلاجز ّ
مرئياً ويصنع من مادة ماصة مثل احلرير الصخري ويكون عليه منط هبي
مثلما يف السلسبيل .وقد نت عن مصيدة الريح يف القرنة اخنفاض احلرارة
داخل احلجرات الدراسية بقدر ْ82م .
أما وظيفة توفري رؤية املشهد فتقوم هبا املشربية – وهي نو من انفذة
خارجة تبىن من خارج اجلدار ويثبت فيها ساتر من خشب خمروط متشابك
ي ِّّ
روض و يرف الضوء املصري اجلايف مبا يناسب قبا أن يدخله إىل الغرفة .
وميكن لسيدات البيت أن جيلسن من خل هذه املشربية ويرق ن الشار يف
راحة وهن معزوالت عنه متاماً – وفيما يعرض فإن هذا يكون من غري حاجة
إىل اختالس النظر من وراء الستائر ،أو إىل املرور عرب احلجرة لرؤية ما يف
اخلارج ؛ واحلقيقة أن املشربية تقوم بكل ما يقوم به اجلدار الزجاجي و أكثر
.
وهكذا فإننا نستطيع استخدام مصيدة الريح لتحرران من احلاجة إىل توجيه
البيت للريح ،وهبذا نضع يف االعتبار فحسب التوجه الشمسي .واحلقيقة
انه حىت هذا سيكون إىل ٍ
حد ما أمراً اثنوايً ابلنسبة ملتطلبات املشرو ،ذلك
أنه لو انتظم كل بناء يف نفس االجتاه سيصبح املشرو رتيباً .وفوق ذلك ،
فإن كل احنراف عن الفكر العام إمنا يعين نظرة اعتبار فردية لكل بيت وحالً
فردايً ملشاكله اخلاصة ،وهذا أمر مرغوب من الوجهة الفنية .
***
اجملتمع والعمارة
رغم إمياين أبن مظهر البناء له أعم التأثري يف سكانه ،إال أن املرء ال
يستطيع أن يسكن الناس يف البارثينون .وجيب أن تكون التصميمات
اجلميلة عند الواحد منا حبيث تفي حباجات الناس اليومية املتواضعة ؛
واحلقيقة أنه عندما تكون هذه التصميمات صادقة ابلنسبة ملوادها وبيئتها
ومهمتها اليومية ،فإهنا ستكون وجوابً مجيلة ابلضرورة .
على أن القرية اجلديدة ال ميكن ان تكون صادقة ابلنسبة لوظيفتها إال إذا
كنا نعرف ابلضبط ما ستكونه هذه الوظيفة .وسيكون علينا أن نزيل الغطاء
عن احلياة اليومية ألهل القرنة ونكشفها ،ولعل ذلك سيكون حىت أبدق مما
يعرفونه هم أنفسهم عنها .
وكل إنسان يكون له جمموعة من العادات يف أفعاله ،وأفكاره ،وردود فعله
،وحنن عندما نرغب يف متييزه عن غريه نستدعي ماله من فردية .وعندما
ننظر يف أمر جمتمع ،سوف نرى أنه منط من هذه الفردايت ،وأهم من ذلك
أن كل فردية منها هي من خل كل اآلخرين .فكل خصوصية يف الفعل ،
أو الفكر أو رد الفعل إمنا قد نشأت حتت ضغط من تلك اخلصوصيات
األخرى الكثرية اليت جتاورها و حتت أتثري مطالب املناخ ،والعمل ،واملهنة ،
فالفردية ليست (( صفة )) جمردة غامضة و لكنها حمصلة تفاصيل كثرية
ملموسة ؛ مىت ينهض اإلنسان من نومه ،و ما إذا كان حيل ذقنه ،
واملالبس اليت يفضلها ،وعاداته يف احلديث ،والناس الذين خيضع هلم
وأولئك الذين يتحكم فيهم .وفوق كل شيء آخر فإهنا بيته .
فالبيت ،وهو مكرب اإلنسان نفسه ونصبه التذكاري األبقى ،وينف يف
احلجم واملظهر والرفاهية مع التفاصيل األخرى لفردية اإلنسان .وهو
ابلطبع يتكي حسب حاجاته االقتصادية ،على أنه أيضاً فيه كل
اخلصائص العارضة ملزاجه .وقاعة قصر كتخداً يف القاهرة بسموقها ،
وبرودها يف بساطة ،وجبالهلا إمنا تعكس مهابة اإلمارة عند األمري الذي
بن يت له ،أما هبو بيت مجال الدين الذهيب الذي يعد ابملقارنة خمسوفاً
ومسرفاً يف زينته فهو بالئم ما لشيخ التجار هذا من روح جتارية متحذلقة .
والوادعون من الناس يعيشون يف بيوت هادئة ،والشحاذون تنحىن اجلدران
يف قريتهم مبذلة وأنني ،واملتعالون من الناس حتمل بيوهتم يف برود فوق
رأسك .فالبيت أيضاً يعي متاماً مكانته االجتماعية ؛ وكما يعرف اإلنسان
من الذين يفوقونه مكانة ومن الذين ينظر هو إليهم من عل ،فإن البيت
كذلك يتخذ موقعاً يتف ومرتبته ،وهو حسب ما لتجهيزاته من حجم
وترف أو فقر يظهر مالئمة هي أره ما تكون ابلنسبة للتقسيم الطبقي
للمجتمع .ويف مصر يعترب القروي أن إحدى عالمات التميز ألعلى هي أن
ميتلك بيتاً له أرضيات خشبية تسمى (( املصرية )) أي القاهرية ،وهو
يتباهى ابمتالكها على زمالئه من أهل القرية الذين ليس لديهم إال أسق
من القش والبوص .
وهكذا فإن القرية بعد أن تعيش فيها أجيال كثرية ،ال تقتصر على أن
تصبح متوائمة مع روتني سكاهنا يف العمل والرتويح ،وإمنا هي أيضاً تنمو
كل حي واحد لتعكس أوجه الغرابة يف جمتمعها ن وينمو الطوب واملالط يف ِّّ
مع احلصاد والزر ،وحفالت الزفاف واجلنازات ،والبيع والشراء ،واحلرفة
واملهنة ،وإحساس العائلة العائلي ،وإحساس الطبقة الطبقي .،وتتخذ
املباين شكل اجملتمع مبا له من أبعاد كثرية ،مثلما يتخذ احلذاء القدمي
الشكل اخلاص لقدم أحد الرجال أو ابألحرى مثلما يواصل نبات متنام
تكيي نفسه مع بيئته .
وصانع احلذاء قد يبذل اجلهد حىت يالئم احلذاء عميله ،وذلك أبن يقيس
قدمه ،ويشكل احلذاء حبرص
حبيث يكون مناسباً للعميل وحده – أو هو قد يكون مثل صانع أحذية
اجلنود ،فينت حجماً منطياً من األحذية ويرتك قدم العميل لتكي نفسها
لدي جمتمع بكل
أبحسن ما ميكنها .والشيء نفسه ابلنسبة للقرنة ؛ كان ّ
تركبه وكان يف وسعي إما أن أدفع به يف مساكن ذات أحجام منطية معدودة
،اتركاً إايه ليمارس من التقلصات والبثرات كل ما ميارسه العسكر ايجملند
عندما أيخذ يف التعود على حذائه ،وأما أن أقيسه وأنت قرية تتواءم معه
بكل ما فيه من أوجه عدم االنتظام والتواء ،األمر الذي يشبه نوعاً نز
قوقع من حمارته و إدخاله يف حمارة أخرى .
وجمتمع القرية يستغرق قياسه زمناً طويالً وحيتاج ألدوات قياس أكثر دقة من
شريط القياس .على أن هناك أمراً واحداً كان واضحاً منذ البداية ؛ وهو أنه
جيب أن يتم التصميم لكل عائلة على حدة .وهكذا ينبغي على األقل أن
تتم استش ارة كل عائلة يف القرنة ،وينبغي أن نكش عن أشياء كثرية كان
من الصعب نوعاً استجالؤها من أهل القرنة املتشككني املتحفظني .
وكان لدينا نو من دليل من مسح مبكر للقرية القدمية يضع قائمة للبيوت
؛ على أن هذا املسح مناطقها ،وعدد احلجرات ومواد التسقي ويص
قد مت م نذ عشرة إىل مخسة عشر عاماً ،و حىت إذا كان مل يع زمنه ،فإنه
مل يكن ابلذي يعطي نو من املعلومات الذي أطلبه .كان مثة حاجة ملحة
لبعض املسح االجتماعي ،إال أنه مل يكن من السهل أن يصل إىل هناك
حباثون اجتماعيون ،وحىت لو أمكن احلصول عليهم ،فإين كنت أعرف
ابخلربة أن ما سيسألونه من أسئلة فجة إجابتها (( بنعم أو ال )) ،مما يتم
تصميمه ليس للكش عن جمتمع و إمنا إلنتاج اإلحصائيات .وإحصائيات
كهذه ليس هلا سوى أقل قيمة للمعماري ،إهنا مما ميكن أن ينبؤان وحسب
بعدد أطفال زيد أو إذا كان عبيد عنده محار ،و ال تستطيع الكش عما
إذا كان زيد وعبيد على عالقة طيبة معاً .واالستبيان املعتاد ال يستطيع أبدًا
أن جيلب إىل انتباهي حقيقة اجتماعية مهمة كما مثالً عندما يفعل املهندس
املعماري شيئاً فيؤدي إىل حتطيم عائلة .ولو استطا أحد الصبية أن يش
طريقه من كوخ فالح إىل املدرسة فاجلامعة حىت يصبح حمامياً أو طبيباً أو
مدرساً أو ضابطاً ،األمر الذي ال بد أنه سيحدث للمزيد واملزيد من الصبية
الفالحني ،فإنه سيحس ابخلجل من بيته القدمي ولن يعود إىل القذارة والقبح
الذي يعيش فيه والده .ومن بني سبعة آالف من أهل القرنة مل يكن قد
خترج من اجلامعة سوى فرد واحد ،هو اآلن حمام ميارس مهنته يف القاهرة ومل
يضع قدمه قط اثنية يف قرية موطنه .ومع انتشار التعليم يف ظل القانون
اجلديد ،سيتعلم جيل جديد أبسره من األطفال ليزدروا – وهم على ح
متاماً – قذارة بيوهتم ؛ ولكنهم سوف ينظرون – وهم على خطأ متاماً -إىل
احلد اثة الرباقة للمساكن احلضرية على أهنا العالمة احلقيقية للتقدم والتمدن
.ونو األسئلة اليت تسأل يف أحباث املسح املعتادة ال يستطيع أن يكش
عن مدى سرعة التغري يف حياة الري .وقد اليستطيع الواحد أبداً أن يدرك
أن النمط التقليدي القدمي من العزلة واجلهل ابلعامل اخلارجي هلو منط كي
والسيارة األجرة ؛ وفيما يتحطم بدداً عن طري حافلة ( أتوبيس ) الري
مضى لرمبا عاش الرجل ليموت يف قريته وهو مل يذهب قط حىت ألقرب
مدينة ،أما اآلن فإن وجه مصر تشقه آالف من طرق احلافالت ،وتكدس
كل أنوا الناس وطبقاهتم يف سيارات مرتحنة ،ال شيء إال جملرد الركوب فيها
.
واحلكومة الربملانية أيضاً ،بدعايتها ،وخطب انتخاهبا ،أتيت ابملدينة مباشرة
إىل القرية .ومذاي املقهى قد حل منذ زمن طويل مكان احلكاايت الشعبية
واألساطري .والتعليم العام ينت اآلن آفاقاً جديدة ألطفالنا .وقد فعلت
وسائل االتصال الغربية ابلقرية ما فعله كوبر نيوكس ابألرض – فالقرية اآلن
أصبح ينظر إليها كجزء صغري من الكون ،وليس على أهنا مركزة ،بينما
العامل الغريب ،وهو مصانع تشيكوسلوفاكيا وإيطاليا بسلعها اليت تصمم
خصيصاً أبلوان فجة سقيمة لرتضى الذوق الفاسد عند الفالح ،هو الذي
أصبح يبدو على حنو متزايد وكأنه الشمس أو املصدر الوحيد للحياة .
والفالح املغلوب على أمره ،وهو يبحث عن التقدم ،يهجر الرتاث
احلضاري الذي حيمي ذوقه ،وذلك قبل أن يتم له اكتساب ما يلزم من
قدرة على التمييز ،حتل مكان تراثه .
وهكذا فإن منتجات أورواب و أمريكا بلمعتها اليت تزداد دائماً ،تلك
األقداح املعدنية الناصعة ،واألكواب املوشاة ابلذهب ،واحللي الزجاجية
ذات األلوان الباهرة ،واألاثث املذهب ،كل هذا يقهر أسواق القرى
احملرومة من أي دفا ،وجيرب األعمال اليدوية اجلميلة اجلليلة اليت ينتجها
احلرفيون احملليون على ان ختتفي يف هوان .والفالح ،وقد تفتحت عيناه
احلضري و ضابط على ثراء حياة املدينة ،يتخذ لنفسه مثاالً من املوظ
الشرطة ،وهذان ،يكون أي شيء أورويب هو ابلنسبة هلما الشيء اجليد .
إنه ال إله إال هللا ؛ و ال مدينة إال مدينة الغرب .ويصبح الذوق الوضيع
الشره لسكان املدينة من الطبقة الوسطى هو ما ميلي الطرز الرائ عند
ماليني الفالحني .وكما أن سائر اتريخ مصر احلي على النيل قد أصبح يف
حالة تقهقر كامل ،فإن حرفيتها قد أخذت ختتفي أمام هجوم الصفيح
الرباق واألقمشة املبهرجة .والطابع املرئي
للقرية ،مثله مثل عادات سكاهنا ،يتغري ألبعد مما ميكن إدراكه ،بينما يظل
يف عني رجل اإلحصاء اليت ال متيز وكأنه هو نفسه ابلضبط .فاإلحصائيات
تغفل متاماً عن املعلومات احليوية من مثل طريقة احتفال الناس أبعيادهم
الشخصية والدينية .وهناك مثالً التقليد السائد يف بعض قرى مصر العليا ،
حيث أي فرد يعود من القاهرة ال يقيم أول ليلة يف بيته اخلاص و إمنا يف
مضيفة العمدة ،وذلك ليديل مبا لديه من أخبار جديدة ،و إذ جيهل
املهندس املماري هذا التقليد فإنه يفشل يف توفري ما يناسبه .وحىت نكتش
التقاليد والطقوس
السائدة ،ونرسم خريطة طبقات اجملتمع ،ينبغي أن تتحدث إىل املسنني
ابلقرية ،وأن نرقب حياة القرية لشهور كثرية .وحىت نكتش كي يقوم
الناس بعملهم وكي يستخدمون بيوهتم ،ينبغي أن نرصد اآلراء ونستدعيها
.واحلقيقة أنه كان ينبغي أن خنضع القرنة حقاً لبحث شامل اجتماعي –
اثنوجرايف *
واقتصادي ،ينفذ على حنو صارم أبقصى درجة ،ذلك أننا كنا نريد
معلومات يعتمد عليها حىت نؤسس عليها ختطيط مشروعنا .والناس بصفة
عامة ال يدركون أن االثنوجرايف االجتماعي له إسهامه الضروري يف ختطيط
املدن واملناط ؛ على أين أرى أنه له نفس أمهية الدميوجرايف ** .
واملخططون كلهم تقريباً يتعاملون اآلن مع جمتمعات هي يف عملية تغيري ،و
ما من خمطط يستطيع الزعم أبنه خبربته اخلاصة احملدودة و مالحظته غري
املتمرسة سيفهم التغريات احلضارية اليت حتدث حىت يف جمتمعه هو .وأقل
من ذلك ما يستطيع أن يزعمه من فهم للمجتمع األجنيب ،حيث حيدث
كثرياً أن يكون عليه فهمه .واالثنوجرايف االجتماعي هو وحده الذي
يستطيع أن يوفر هذا الفهم ،وهو فهم قد يثبت يف النهاية أنه أمر حيوي
لنجاح املشرو .وينبغي أن يعد املسح االثنوجرايف االجتماعي معاً مما ال
ميكن حذفه عند ختطيط املدينة مثلما
_______________________________________
_______
* االثنوجرافيا :االثنروبولوجيا الوصفية ،علم األعراق البشرية الوصفي (
املرتجم )
** الدميوجرافيا :علم دراسة اإلحصائية للسكان ( املرتجم )
ال ميكن حذف السجل الدميوجرايف للمجتمع .
والسلطات مل توفر لنا أبداً هذا النو من العون املهين ؛ وهكذا كان علينا
أن ن تصرف حسب ما لدينا من معرفة وختمني يتأسسان على الفهم املتعاط
حلياة الفالح .والطبيب البار كثرياً ما يصل إىل تشخيص ابملالحظة
املباشرة هو أدق مما يصل إليه طبيب غري متمرس رغم كل ما قد يتوفر
لألخري من مساعدة األدوات العلمية ؛ وقلت لنفسي ذلك و أان آمل أنه
حىت تلك املعطيات الضئيلة اليت مجعناها ،قد يكون فيها عندما ندعمها
خبربتنا ،ما يكفي لكتابة وصفة عالج انجحة حلالة القرنة ! فالنقاط املماثلة
ملا سب ذكره ،واليت يغفلها املسح اإلحصائي غري الكامل ،لو مت تفسريها
تفسرياً ذكياً فإهنا ينبغي أن متد مبفتاح للحل الصحيح للمشكلة املعمارية .
وأول مشكلة معمارية كبرية يف القرنة اجلديدة كانت ختطيط القرية .مسألة
تكون العالقة بني ما هو الطابع الذي ينبغي أن يكون لشوارعها ،وكي
البيوت أحدها ابآلخر ،وهي مسألة على أقصى درجة من األمهية .
***
بنية القرابة والتقاليد احمللية
هناك سبل ممكنة لكيفية تنظيم عدد من البيوت وتنويع الطريقة اليت تلتقي
.ويف أورواب مثالً تتداخل القرية مع املشهد اخللوي فيها القرية هي والري
الطبيعي ،والبيوت ليست فحسب منفتحة على هذا املشهد الطبيعي ،و
إمنا هي جزء منه ،متاماً مثلما تكون األشجار واحلقول جزءاً من القرية .
طبيعة الفالحة وحيث منظر األرض الزراعية أقل ويف مصر حيث ختتل
جاذبية ،فإن القرويني يفضلون أن حيشدوا بيوهتم متقاربة معاً فيما يكاد
يكون كتلة حجر واحدة .ويرجع هذا يف جزء منه إىل الطبيعة العدوانية
خلالء الري ،ويف جزء لطلب االحتماء ،ويف جزء آخر إىل غلو مثن
األرض الزراعية اليت ال يريدون تبديدها .و حاجة القرويني هذه لالحتماء
من الطبيعة ومن الناس اآلخرين ،حلماية أنفسهم واملاشية معاً ،تنعكس يف
الطريقة اليت تنفتح هبا البيوت والقرى للداخل حنو املركز مديرًة ظهرها للعامل
اخلارجي .
ويصدق هذا ابلذات ع لى القرى اليت بنيت ابلفعل فوق أرض زراعية .
والقرى يف مصر العليا ،حيث يضي وادي النهر ،تنحو إىل أن تبىن على
التالل اليت على اجلانبني ،حيث يصبح يف الوسع أن تستخدم مساحات
أكرب .والقرنة القدمية هي يف احلقيقة قرية منبسطة على حنو خاص يف غري
نظام وهذا يف جزء منه ألن كل بيت قد بىن ليشمل أكرب عدد ممكن من
املقابر .
واآلن فإن معظم املهندسني املعماريني عندما يعيدون ختطيط قرية ،يرصون
البيوت يف شوار مستقيمة منظمة ،يوازي أحدها اآلخر .وهذا أمر سهل
،ولكنه كئيب .واحلقيقة أن هذه الشوار املتوازية عندما تتكون من بيوت
متجانسة منمطة على أدىن املستوايت ،وال خيف من وقعها أي أشجار أو
مالمح أخرى ،فإهنا تكون هكذا ذات أتثري كئيب منحط .على انه ما من
حاجة لرص البيوت هكذا .فهذه البيوت نفسها ابلضبط ميكن جتميعها
بنفس السهولة من حول ميدان صغري .ويكون هذا اقتصادايً متاماً مثل
صفوف البيوت املستقيمة ،كما أن له مزااي العديدة .وأول شيء ،فهو أن
امليدان يبقى على التوجه التقليدي لبيوت القرية بواجهتها للداخل .واثنياً ،
فهو جيلب للقرية بعضاً من لط وحتضر حياة اإلنسان الغين يف املدينة .
فقصر الباشا كان يبين دائماً من حول فناء أو سلسلة من األفنية ،تعطي له
جواً خاصاً من اهلدوء واجلمال .ولسوء احلظ فقد نشأ عند املهندسني
املعماريني حتيز ضد األفنية ،ذلك أنه عندما هجر الباشوات قصورهم وانتقل
إليها أفراد الشعب ،استخدمت هذه األفنية كمساحة للبناء ختتن مبساكن
صغرية غري صحية .وهكذا فإن ما كان ذات يوم فناء رحيباً هادائً أصبح
حشداً مكتظاً من أكواخ سيئة التهوية .على أننا نستطيع أن نستعيد الفناء
للناس مع االستيثاق من أنه لن ينال مصري فناء الباشا .وعندما جنمع بيوهتم
حول األفنية أو امليادين الصغرية ،فإننا نستطيع منحهم كل اجلمال الذي
كان الباشا يستمتع به ويتم يف نفس الوقت إسكاهنم إسكاانً أنيقاً نظيفاً .
وابلطبع فإن الفناء لن يكون بعد فناء مغلقاً ،ولكنه سيتصل ابلشار حبيث
يصبح ملكية عامة ،وال ميكن أبداً أن يستخدم للبناء ،بينما هو يف نفس
الوقت ينتمي بوضوح إىل جمموعة واحدة من البيوت .
و إين ألحس أن امليدان والفناء هي عناصر معمارية ذات أمهية خاصة يف
مصر .فاملساحات املفتوحة هكذا من خالل املباين ،هي جزء من طابع
املعمار يف الشرق األوسط كله – وهي موجودة حقاً ابتداء من املغرب ،مث
هي تتخلل األراضي الصحراوية مباشرة إىل سوراي والعراق وفارس ،حىت
تصل إىل ما قد يكون أره تعبرياً عنها يف بيوت املدينة ابلقاهرة القدمية .
واألمر يستح أن نستطرد هنيهة لننظر يف معىن الفناء وامليدان ابلنسبة
ألولئك الذين يعيشون يف العامل العريب .
يوجد يف املساحات املغلقة يف الغرفة أو يف الفناء ،خاصية معينة ميكن
اإلحساس هبا بوضوح ،وحتمل الطابع احمللي مبثلما حيمله أي قوس بعينه ،
وهذه املساحة احملسوسة هي يف احلقيقة عنصر أساسي يف املعمار ،و إذا مل
يتوافر اإلحساس الصادق ملساحة من املساحات ،فإنه ما من زينة تستطيع
بعدها أن جتعلها شيئاً طبيعياً ينتمي للداخل من الرتاث املرغوب .
هيا ننظ ر إىل البيت العريب كتعبري عن احلضارة العربية .أبي الطرق أدت
القوى البيئية اليت صاغت الشخصية العربية إىل التأثري يف املعمار املنزيل ؟
كونت عاداته ووجهة نظره
إن العريب أييت من الصحراء .والصحراء هي اليت ّ
وشكلت حضارته .وهو مدين للصحراء ببساطته ،وكرمه ،وميله
للرايضيات والفلك ،انهيك عن بنية عائلته .وملا كانت خربته ابلطبية هي
خربة مريرة للغاية ،وملا كان سطح األرض ،واملنظر اخللوي الطبيعي مها
ابلنسبة للعريب عدو قاس ،حمرتق متوه قاحل ،فإنه ال جيد أي وجه
للراحة يف أن يفتح على الطبيعة يف املستوى األرضي .فوجه الطبيعة احلاين
ابلنسبة للعريب هو السماء – النقية الطاهرة ،الواعدة ابلربودة وابملاء
تقزم حىت من اتسا
الواهب للحياة من سحبها البيضاء .السماء اليت ّ
رمال الصحراء أمام ال هنائية الكون كله املرصع ابلنجوم .وما من عجب أن
تصبح السماء ابلنسبة لساكن الصحراء هي بيت هللا .
والوثنيون األوروبيون هلم --آهلتهم يف األهنار ويف األشجار ،أو آهلة مترح
على قمم اجلبال ؛ ولكن ما من إله هلم يعيش يف السماء .فإله السموات
آتى للعامل عن الرعاة وسائقي اجلمال يف الصحراء ،الذين كانوا ال
يستطيعون أن يرو أي مكان آخر يالءم اإلله ؛ فسطح األرض ابلنسبة هلم
ال نتاج له إال من اجلن والشياطني الذين يدورون فيما حوهلم يف العواص
الرملية .
و هذه النزعة الغريزية احملتومة لرؤية السماء على أهنا الوجه احلاين من
الطبيعة قد تنامت تدرجيياً كما رأينا ،إىل فرض ال هويت حمدد ،أصبحت فيه
السماء مقام هللا ،واآلن وقد اختذ العريب لنفسه حياة مستقرة فإنه شر
يطب االستعارات املعمارية يف علمه الكوين ،حبيث تعد السماء قبة تدعمها
أعمدة أربعة .
وسواء كان هذا الوص يؤخذ أو ال يؤخذ به حرفياً ،فمن املؤكد أنه يضفي
قيمة رمزية للبيت ،الذي يعترب منوذجاً أو مصغراً للكون .واحلقيقة أن
االستعارة وسعت أبكثر إىل اجلوانب الثمانية للمثمن الذي يدعم ،على
خناصر معقودة ،قبة ترمز للسماء ؛ وقد أخذت هذه اجلوانب الثمانية على
أهنا متثل املالئكة الثمانية اليت تدعم عرش هللا .وملا كانت السماء عند
العريب تعد يف التو املقر لوجه الطبيعة القدسي و أكثر ما فيها السكينة ،
فإنه ابلطبع يريد أن جيلبها إىل مسكنه نفسه .وكما أن الناس يف أورواب
حياولون أن جيعلوا من منازهلم شيئاً متوحداً مع املنظر اخللوي الطبيعي هو
ونبااتته ،إما من خالل احلدائ ،أو من خالل جدران األلواح الزجاجية ،
فإن الناس يف البالد الصحراوية حياولون أيضاً أن ينزلوا صفاء وقدسية
السماء ألسفل ابلداخل من البيت ،وحياولون يف نفس الوقت .أن ينغلقوا
عن الصحراء برماهلا املْعمية اخلانقة وشياطينها املنفرة .
ووسيلة صنع ذلك هي الفناء .فالبيت يكون مربعاً أجوف ،وقد أدار
للخارج جدران صماء بال نوافذ ،بينما تطل كل غرفة للداخل على فناء ال
ميكن أن يرى منه إال السماء .ويصبح من هذا الفناء قطعة السماء اليت
ختص املالك .واملساحة احملاطة بغرف بيته تستطيع ،على أحسن حال ،أن
تولد وحدها إحساساً ابهلدوء و األمان ال تستطيع أن تولده أي قسمة
معمارية أخرى .حيث تكون مساء الفنان يف كل األحوال وكأهنا قد جذبت
ألسفل يف عالقة محيمة ابلبيت ،وهكذا فإن روحانية البيت تظل تتزود من
السماء تزوداً مطرداً .
وصفاء الفنان املطوق ليس أبمر خيايل ،وال هو ابلعمل الرمزي املستبعد ،
ولكنه حقيقة ميارسها كل فرد ميشي من داخل البيت العريب أو من داخل
فناء لدير أو كلية .وقيمة املساحة املطوقة قد مت إدراكها ليس فحسب
بواسطة سكان الصحراء ،وإمنا أيضاً بطول ساحل البحر املتوسط ،بواسطة
قدماء اإلغري وبناة الفيلال الرومانية ،وبواسطة األسبان بباحتهم املرصوفة
،كما أدركها املعماريون العرب يف جوامع القاهرة وبيوت دمش ،وسامراء
،والفسطاط .
على أن الفناء ابلنسبة للعريب على وجه خاص ،إمنا هو أكثر من جمرد
وسيلة معمارية للحصول على اخلصوصية واحلماية .إنه مثل القبة ،جزء من
مصغر يوازي ترتيب الكون نفسه .وعلى هذا النمط الرمزي ،فإن جوانب
الف ناء األربعة متثل األعمدة األربعة اليت حتمل قبة السماء .والسماء نفسها
للفناء ،وهي تنعكس على النافورة التقليدية اليت يف وسطه . هي السق
وهذه النافورة أو احلوض ،هي يف احلقيقة إسقاط دقي لقبة فوق خناصرها
املعقودة .وهي يف التصميم مشابه ابلضبط ،فهي أساساً مربع ،زواايه يف
املستوى األوطي ،قد قطعت لتشكل مثمناً ؛ ومن كل جانب من اجلوانب
دائرة ،حبيث أن احلوض إمنا هو اجلديدة اليت تشكلت هكذا تتقعر نص
منوذج مقلوب للقبة ،ابلضبط كما لو كانت القبة احلقيقية تبدو يف صورة
مرآة يف املاء .
وبيت العريب الذي ينظر إىل الداخل ،مفتوحاً للسماء اهلادئة ،وقد مجّل
بعنصر املاء مؤنثاً يف شكل انفورة هذا البيت املكتفي بذاته واملفعم ابلسالم
،الدعوى النقيضة املتعمدة للعامل اخلشن للعمل واحلرب والتجارة ،هو
هكذا مملكة املرأة .والكلمة العربية املسكن (( املسكن )) اليت تدل على
البيت ،تتعل بكلمة
(( السكينة )) ،أي ما هو سلمى مقدس ،بينما كلمة (( حرمي )) اليت
تعين (( النساء )) تتعل (( ابحلرم )) أي (( املقدس )) ،الذي يدل على
األجزاء اخلاصة مبعيشة العائلة يف املنزل العريب .
واآلن فإن من األمهية مبكان أن هذه املساحة املطوقة ،مبا حتتويه من أنوثة
دافقة راعشة ،ال ينبغي هلا أن تنكسر .و إذا كان مثة فجوة يف املبىن احمليط
،فإن هذا اجلو اخلاص سوف ينساب للخارج ويتدف إىل الضيا يف رمال
الصحراء .فهذا السالم والقدسية ،وهذه األنثوية املتجه للداخل ،وهذا
اجلو من السكن الذي ال تكفى كلمة البيت لإلبقاء به ،هذا كله هو إبدا
هش لدرجة أن أقل خرق صغري يف اجلدران الواهنة اليت حتميه سوف يؤدي
تدمريه .وهذا هو السبب يف أن الباحة املرصوفة ،اليت تكون مفتوحة عند
أي واحد أو اثنني من جوانبها ،واليت رمبا تكون هبيجة مبا يكفي يف أسبانيا
مروض نسبياً ،هذه الباحة ال تصلح أبداً يف الشرق حيث اخلالء الريفي ِّّ
األوسط ،حيث ستقفز الصحراء املتوحشة داخله كاجلن لتدمر البيت .ولو
أن جانباً واحداً حىت من الفناء هو جدار بسيط ،لفسد اجلو ،واضطربت
فيه السكينة .فال ميكن اإلبقاء على هذا السحر يف مكانه إال بواسطة
غرف يسكن فيها حقاً ،وسبب هذا ابلطبع هو أنه ليس مبادة – ولن
نستطيع احلديث هنا إال بضرب األمثال – و إمنا هو إحساس ،وهو يتخل
ابلضبط ابلتفات الغرف هكذا إىل الداخل و إذن ،فإنين هلذه األسباب
أساساً قد خططت كل منزل ليكون من حول فناء ؛ ولكن األمر مل يقتصر
على أن يتضمن كل بيت فناءه ،وإمنا كانت كل جمموعة من البيوت تنتظم
أيضاً لتحيط ابلفناء املشرتك األكرب شبه العمومي ،أو امليدان ،فناء ((
الباشا )) الذي تكلمت عنه فيما سب .وكل واحد من هذه امليادين ،مبا
حييط به من بيوت ‘ قد قصد به أن خيدم جمموعة عائلية واحدة ،أو ((
بدنة )).
والبدنة هي جمموعة من أانس قرابتهم لصيقة ،وتتأل من عشر عائالت إىل
عشرين عائلة ،ويكون هلا رأس أبوي معرتف به كما أن هلا حساً وثيقاً
ابلوالء املشرتك .وتعيش هذه العائالت يف بيوت متجاورة ،ورغم وجود
االختالف يف الثروة والوضع االجتماعي بني العائالت املفردة ،تعيش هذه
العائالت يف بيوت متجاورة ،ورغم وجود االختالف يف الثروة والوضع
االجتماعي بني العائالت املفردة ،إال أهنا تتبع أسلوابً مشرتكاً للحياة .
والبدنة األكرب يكون هلا مقهاها اخلاص ،وال يذهب أحد إىل املقهى آخر ؛
كما يكون هلا حالقها وبقاهلا اخلاصان ،وعندما ختبز إحدى العائالت خبزها
،فإن كل العائالت اجملاورة يف البدنة يكون هلا أن تستخدم الفرن لتسخني
خبزها القدمي ،وحسب دورة مرتبة للعائالت تقدم كل منها هذه اخلدمة يف
دورها ؛ أما يف األعياد واالحتفاالت عند استقبال الضيوف فإن البدنة ككل
توفر الوليمة ووسائل الرتفيه .والبدنة هي من وجوه هامة من الوحدة
علي أن أحسب لذلك
االقتصادية – االجتماعية الرئيسية للفالح .وكان ّ
حسابه ،وأن أأتكد من أن كل بدنة يتم إسكاهنا معاً وتوفر هلا تسهيالت
متابعة القيام بكل األنشطة االجتماعية اليت تعودت عليها .
وكان هذا سبباً إضافياً ل تخطيط البيوت من حول ميادين ،حيث تستطيع
البدنة أن تستقبل الضيوف و أن تقيم االحتفاالت املرتبطة ابلزجيات
وعمليات الطهور ( وفرت مضيفة أو غرف ضيافة لالستخدام املشرتك لكل
بدنة يف ميداهنا ) ،وامليدان أيضاً يصلح ألغراض أخرى أكثر عملية
كالتخزين املؤقت للوقود والقش ،و إال فإهنما كان سيكومان بال نظام يف
الشار العام .على أن األهم من ذلك ،أن امليدان مبا يضيفه على املنازل
بوصفه بؤرة هلا حيث تلتفت كلها للداخل مطلة عليه ‘ فإنه بذلك خيل
للبدنة شيئاً من اجلو نفسه الذي خيلقه فناء املنزل اخلاص للعائلة املفردة .
وهكذا فإنه يساعد على توثي صلة اجملموعة العائلية معاً ،بتأكيد لطي
متواصل على وحدهتا ،وكذلك أيضاً بسبل عملية عديدة ،مثل تسهيل
ممارسة تلك العادة الراسخة من أين يسخن املرء خبزه يف الفرن الذي
صادف أن يكون أي من جريانه خيبز فيه ،وبتوفري مكان لألطفال يلعبون
فيه حيث يكونون حتت أعني أمهاهتم وليس حتت أرجلهن .على أن ما كان
ابلنسبة يل أكثر أمهية من كل هذه االعتبارات ،هلو التأثري يف الشخص إذ
خيرج من غرفة بيته ،مث من خالل فناء البيت ،إىل امليدان األكثر رحابة و
إن كان مازال مطوقاً ،حبيث ال مير إىل الشار العام إال بعد ذلك .وسواء
كان ذلك يف القرية أو املدينة ،فإن هذا الرتخيم التدرجيي فيه سالم وسكينة
أبكثر مما يف االندفا املفاجئ للمرء من خصوصية غرفته الصغرية إىل
صخب الشار أ إىل احلجم اهلائل للحقل .
ومن املمكن أن ترتب هذه الوحدات نفسها ابلضبط ترتيباً يتم بطرق خمتلفة
– كتخطيطها يف شبكة متعامدة أو أي شكل آخر – على أن أحسن ترتيب
هلا هو امليدان املتناسب تناسباً جيداً .على أنه جيب مالحظة أن من املهم
أمهية حيوية أن البيوت جيب أن يكون وجهها للداخل ،يف امليدان ،متاماً
مثلما يكون ضرورايً أن حياط فناء البيت ابلغرف ووجهها للداخل .
حد ما أن نرى ما يزعم أهنا ميادين ،وهي ابلفعلومما حيدث كثرياً إىل ٍ
ليست إال جمرد مساحات عارضة حتددها هناايت صفوف البيت ،أو جدار
ملدرسة ،أو ظهر مصنع .وعندما تدير كل املباين ظهرها إىل امليدان ،أو
تعطيه يف أحسن األحوال جانباً ابرداً منها ،فكي لنا بعدها أن نتوقع أن
يستخدم الناس هذه املساحة كميدان حقيقي ؟ وما حيدث عندها ال يقتصر
على أن اجلو العام يتسرب بعيداً ،بل إنه أصالًال يتواجد أبداً .واملساحات
الكئيبة من مثل ذلك سرعان ما تصبح مقالب للزابلة ومقراً الجتما
عصاابت األحداث املنحرفني .
واستقبال الضيوف يف القرية هو جزء هام جداً من حياة القرويني .
واحتفاالت العائلة هي واألعياد الدينية تستدعي حشداً كبرياً ،ويقوم كل
اجلريان ابملساعدة يف توفري الطعام .وجيتمع الضيوف حسب مراتبهم ،
فرئيس جمموعة العائالت – الرجل األكرب سناً واألكثر احرتاماً يف البدنة –
يتخذ مكان الشرف يف املضيفة حيث يقدم له الطعام هو والضيوف األكثر
اعتباراً .أما األقارب األبعد صلة فيجلسون ألبعد قليالً من حتت املقاصري
املغطاة .أما مجهور املعارف العارضني هم وعابرو السبيل فيجتمعون يف
اخلارج يف امليدان .
استخدام الحتفال ومن املمكن رؤية امليادين اخلاصة وهي تستخدم أعن
من هذا النو وذلك عند االحتفال السنوي ؛ مبولد النيب ،الذي يرادف
الكريسماس يف الغرب .فاالحتفاالت عندها تستمر الثين عشرة ليلة ،ويف
كل ليلة منها تقوم ابلضيافة عائلة خمتلفة ،وجيتمع أفراد اجملاورة لسما
ترتيل القرآن وللمسامهة يف الذكر أو احلركات اإليقاعية مع التغين ابسم هللا
.
***
االعتبارات االجتماعية االقتصادية
كان علينا أبي حال ،أن نعرف عن أهل القرنة ما هو أكثر من جمرد تقاليد
وجتمعاهتم االجتماعية ،وأهم من ذلك أن نعرف احلقائ الصادقة عن حياة
القرويني االقتصادية ،اليت ميكن منها أن نقيس أتثري انتقاهلم يف قدرهتم على
كسب عيشهم .ورغم أن مهمتنا كانت فحسب أن نبين جمموعة جديدة من
البيوت ،فإنه ما كان ميكننا أن نتجاهل عامدين مسألة أسباب العيش هذه
عند أهل القرنة بعد انتقاهلم .فوسيلة القرويني لكسب عيشهم هي مما جيب
أن يؤثر يف تصميم بيوهتم وما يتم توفريه هلم من املباين العامة .
وأول حقيقة أصبحت واضحة لنا هي أن أهل القرنة ال ميكن أن أيملوا يف
كسب عيشهم من األرض احمليطة ابلقرية .فإمجايل مساحة األرض الزراعية
املتاحة للقرنة هو فحسب 0129فداانً ؛ الفدان = 8.211من األكرات
) ،بينما كان عدد السكان يف إحصاء 8199هو . 9119وحيث أن
0129فداانً ال ميكن أن تعول إال 1222فرد ،فسيكون هناك فائض من
1222فرد آخرين على األقل عليهم أن يكسبوا رزقهم من مهنة أخرى .
وقد تطور األمر ابلقرنة إىل مهن خدمة اآلاثر ،فاستخدم سكاهنا غالباً
كعمال يف احلفائر ،كما كسبوا أيضاً ماالً وفرياً من سرقة املقار وبيع األشياء
للسائحني .والبد أن عدد السكان عند نشوب احلرب يف 8111كان
حوايل ، 1222إال أن إيقاف كل احلفرايت وكساد أعمال السياحة قد
جعل الكثريين من أهل القرنة يرتكون القرية ،كما أدى وابء شديد من املال
راي اجلامبيا يف 8199إىل قتل ما يقرب من ثلث السكان الباقني .ومع
ال
ذلك فحىت هذا العدد املنخفض من السكان مل يكن ليستطيع أن جيد عم ً
كافياً لكسب العيش ،وذلك رغم إعادة بدء احلفائر .أما عملهم القدمي
يف سرقة املقابر فقد أصبح عائده يف تناقص مستمر بسبب تزايد يقظة
السلطات ،واستنفاذ ما يف القبور .وفوق ذلك ،فإن أهل القرنة عندما
ينتقلون ،سيجدون معيشتهم أصعب و أكثر تكلفة ،ذلك أنه عندما يقتلع
جمتمع من جذوره ويتبدد ما كان لديه من وسائل صغرية لراحة العيش ،فإن
من كانوا يتمكنون ابلكاد من مواصلة العيش سيصبحون جوعا ،وكما يبدو
ستصبح موارد مل فرد أقل .
واآلن ؛ فقد افرتضت مصلحة اآلاثر أن السكان سيستمرون يف االنكماش
،وكان هذا استنتاجاً طبيعياً من املوق االقتصادي الفعلي للقرية آنذاك .
على أنه كان يوجد – ومازال يوجد – طريقتان حمتملتان – لكسب أود
مجاعة سكان متنامية .واألوىل أن تستبدل بعض احلرف بشىت املهن اليت
تعتمد على اآلاثر .وحتول القرنة إىل مركز للصناعات الريفية .وهذا أمر
متاح كما يتضح من مثل نقاده ،وهي مدينة على مقربة يعيش سكاهنا
العشرون ألفاً على النسي .ولو أصبح أهل القرنة يف معظمهم من احلرفيني
،فإنه ميكن أن يستقر السكان بعد دهم احلايل وسوف أيخذون بعدها يف
التزايد ابملعدل الطبيعي للزايدة .
واالحتمال اآلخر للتنمية يعتمد على قرب القرنة من األقصر ومن منطقة
اآلاثر ؛ فالقرية اجلديدة ستصبح قاعدة السياح لزايرة وداين املقابر ؛
والطرق اليت تؤدي من املعدية النيلية إىل اآلاثر واليت متر عرب القرنة كانت
ابلفعل ممهدة ،وهناك جسر صغري قد بىن على ترعة الفضلية .بل وهناك
حديث عن بناء كوبري على النيل لربط األقصر ابلضفة الغربية .والقرنة
قريبة من معظم اآلاثر اهلامة أكثر من األقصر ،وإقامة فندق سياحي هناك
ستوفر فرصة كبرية للعمالة سواء بطريقة مباشرة أو غري مباشرة .واحلقيقة أنه
مع حتسن املواصالت فإن قيمة األرض سرتتفع وميكن حىت أن تصبح القرية
ضاحية لألقصر .
وهكذا فإن تنمية القرنة تبدو أمراً ممكناً للغاية .وختطيط القرية اجلديدة يوفر
إحالالً لكل بيت يف القرية القدمية سواء كان مسكوانً أو غري مسكون ،
جبيث تستطيع القرنة اجلديدة أن أتوي ما يصل تقريباً إىل العدد األصلي
للسكان وهو . 122وإذا زاد عدد السكان عن ، 1222فإن هناك
متسعاً لالمتداد مشاالً وغرابً حىت ميتأل احلوش عن آخره ؛ أما حالياً
فيستخدم منه مخس واحد فحسب للقرنة اجلديدة .وأما املباين العامة
فكا نت كبرية مبا يكفي للتعامل مع زايدة عدد السكان مبا له اعتباره ،
وذلك فيما عدا املدارس االبتدائية ؛ سوف يلزم بناء مدارس جديدة مبعدل
مدرسة لكل 0222ساكن جديد .
وإذن فإن أحد أجزاء املشرو احليوية هي أن توسع موارد أهب القرنة
بتزويدهم ابملهن اليت توفر كسب املال .واملهن اليت لديهم من قبل هي
قليلة العدد ؛ وقد ذكرت مهارهتم امللحوظة يف تزيي التماثيل واجلعارين
األثرية ،وإىل جانب هذا فقد اعتادوا حتويل األلبسرت إىل زهرايت ،ونس
بعض أنوا لطيفة جداً من املنسوجات الصوفية ،وأن يصنعوا الفخار .
وهم أيضاً يقومون ببعض أعمال صياغة الفضة ،إال أن املشغوالت الفضية
مل تكن مما يطلب اآلن إال قليالً ،فكانت املهنة يف طريقها إىل الزوال .
والعمل يف بناء القرية اجلديدة سيوفر فرصة رائعة إلدخال املهن املختلفة
املتعلقة ابلبناء .واحل أنه يبدو توفري املهارات احمللية ما كان ميكن بناء
القرية .وأردت أن أعلم أهل القرنة صنع الطوب ،واستخراج احلجارة ،
وحرق الطوب واجلري ،ورص مداميك الطوب ،والسباكة ؛ والتجصيص .
مث هناك أتثيث بيوهتم اجلديدة ،وأردت يف ذلك أن أحافظ على
التصميمات الرتاثية لألاثث اليت تالئم البيوت ،ورمبا مع تعديلها .
والقرويون ما إن يتعلموا هذه احلرف ،فإهنم سيستطيعون بيع مهارهتم
ومنتجاهتم للقرى األخرى من حو هلم ولكن إذا مت ذلك ابلنسبة هلذه
احلرف ،فلماذا ال يتم أيضاً مع غريها ؟ غن النسي الصويف احمللي ينبغي أن
جيد سوقاً له .وميكن تعليم القرويني صنع بساط احلصري ،والسالل ،
واألبسطة والسجاجيد .وكنت أرغب أشد الرغبة أن اكتش طريقة بسيطة
لصقل الفخار على درجة حرارة منخفضة ،حبيث ميكنهم صنع أواين مائدة
من نو جيد ليبيعوها ،واحللي أيضاً ؛ كان هناك تقليد أبن تدخر النقود يف
شكل حلي فضية من املشابيك واخلالخيل واألساور والعقود ،واألنوا
األخرى من احللي – ومن هنا تكون مهنة صياغة الفضة وأعتقد أنه لو
كانت مدخراتك حبيث يتسىن لك أن تراها وتعجب هبا فإن هذا أفضل من
أن حتتفظ هبا يف مصرف ،وهكذا وددت أن أشجع إحياء مهنة صياغة
الفضة .ومن املمكن أيضاً صنع التذكارات للسياح
( وهه هنا بعض جمال مل زيفي اآلاثر ) .بل أننا فكران يف أتسيس ورشة صغرية
لصنع النوافذ ذات الزجاج املعش امللون .
ولو ابتدأت كل هذه األنشطة اجلديدة يف القرية ،فإهنا ستهب الناس يف
مقتنياهتم الشخصية وتصبح إرضاء .وسوف تتضاع
ً التو حياة أكثر
بيوهتم أمجل ،وسوف يكسبون نقوداً أكثر ويتخلصون مما ألفوه طويالً من
تعاسة .
واملدينة إمنا تقاس حسب نوعية ما يقتنيه الناس من األشياء الثانوية للحياة
وكسب نو عاداهتم ،فهي ال تقاس بغلو مثن مقتنياهتم .وقد حيوز أحد
الرجال آلة حالقة كهرابئية ،ولكنه لن يكون أكثر متدانً من رجل حيوز
موسى من الطراز القدمي ؛ فاالثنان حيلقان وهذا فيه الكفاية .واألمري املرتف
إذ جيلس يف مكتبته اخلاصة وسط كتب من الطبعة األوىل كلها جملدة وعليها
شعاره ،ال يكون بسبب هذا أكثر متديناً أبي حال من عامل رث مالبس
يدرس يف مكتبة عامة كتباً قذرة بليت من كثرة التقليب .فمستوى املعيشة
يف القرية إمنا يرتفع ارتفاعاً عظيماً بتوفري بيوت بسيطة ولكنها وافية ،مؤثثة
مبا يكفي ،ومزودة ابلرتكيبات الصحية ومزينة ابملنتجات احمللية املمتازة ،
كما يرتفع ابلتعليم ،وابلنقود اليت تكتسب من احلرفة ،وبزايدة االتصال
ابملسافرين والسياح واملدرسني من اخلارج .وهكذا يصبح الناس أكثر صحة
وسعادة وراحة وأمناً وحىت جداول اإلحصائيني سيظهر فيها عدد وفيات أقل
و أطفال أكثر .
***
واقتصاد القرنة اجلديدة عليه حبكم الظروف أن يعتمد على اإلنتاج و ((
التصدير )) .ولدينا الفرصة الختيار احلرف اليت يبدو أهنا اكثر إرابحاً ،
ويب قى علينا أن نستفيد بكل ما جملتمع حريف قوي من مزااي تتفوق على
جرياننا املزارعني األكثر ضعفاً ،ولرمبا شعر هؤالء اجلريان حقاً ابلغرية إذ
يرون أهل القرنة الذين عملوا ابلسرقة مخسني عاما ينالون جائزهتم عن ذلك
مبا قدم هلم من وسائل جتعلهم ما زالوا يزيدون غىن ،على حساب الفالحني
الشرفاء ،وال شك أنه ليس هناك مطلقاً ما يربر حماابة أهل القرنة ابلذات .
ولو أهنم استحوذوا على كل األسواق ،فسيكون من الصعب بعدها أن
تنو احلرف يف القرى األخرىو يرفع من مستوى معيشتها .واحلقيقة أنه ما
من قرية تستطيع أن يكون هلا وجود مستقل بذاته ،وينبغي أال تعد القرية
كياانً منعزالً .وينبغي من كل الوجوه أن تتخذ القرية املكان املالئم هلا ضمن
منوذج كلي – ليس فحسب من حيث املكان ،و إمنا من حيث األبعاد
املختلفة للنمو االجتماعي واالقتصادي ،حبيث أهنا مع تطورها ومع تنامي
عملها وحرفها وأسلوب حياهت ا ،تساعد بذلك على االستقرار البيئي
للمنطقة بدالً من أن تفسده .ولعله ينبغي أن يكون لدينا خطة للمنطقة
على املدى الطويل ،ختصص الصناعات للقرى حبيث ال تتولد ضغوط
منافسة ال تطاق ،على أننا مل يكن لدينا أي من ذلك .وعلى كل ،فإن
هذا مبعثاً للقل حلظتها ،فبالوضع احلايل للري هناك نقص هائل يف أي
منت ،يف أي من أكثر الضرورات األولية للحياة املتمدينة ،حبيث أن هناك
جماالً فيه أكثر من متسع ألن تضاع كل قرى مصر من إنتاجها ملرات
كثرية .
***
وليس إىل التقلص كما يفعل هبم حذاء صيين * .واملهندس املعماري خبطوط
املصريية املعدودة اليت خيطها
على لوحة رمسه ،يصدر قرار مبدى ما سيكون للخيال من حدود ،وللعقل من
سالم ،قرار ابلوضع اإلنساين طيلة أجيال قادمة .وطاملا ظلت مدرسته قائمة ،
فإن جدراهنا ونوافذها تظل تتحدث إىل األطفال الصغار يف سنوات عمرهم
املستهدفة أقصى استهداف .إن عليه واجباً خطرياً أبن خيل من هذا البناء
مصدراً للحب والتشجيع هلؤالء األطفال ،وجيب أال يد شيئاً يق يف سبيل
ذلك .
وإذا سرى احلب يف عمل ،فإنه دائماً سوف يبدو ظاهراً .ولو نظر املهندس
املعماري نظرة حب لكل تفصيل رانياً لألطفال وهم يعيشون ويتعلمون داخل
جدرانه ،ومتابع إايهم يف عملهم ولعبهم ،ولو نظر إليهم كما هم حقاً وليس
ككائنات مصغرة للكبار ،فإنه لن ميكنه إال أن يهبهم البناء الذي حينو عليهم .
إن الرجل البالغ العادي ،الذي ضل جلده يزيد مسكاً من حوله لثالثني عاماً
،ال يكاد يستطيع ختيل األساس اهلش الذي تستقر عليه ثقة الطفل .على أن
املهندس املعماري للمدرسة جيب أن يرى العامل بعني الطفل ,ليس جملرد أن
يفهم احتياجات الطفل من احلجم والفراغ ,بل وأكثر من ذلك ،حىت يفهم ما
يريح الطفل وما يروعه .
إن الطفل منذ حلظة مولدة مث ما يتلوها ،ميارس استنزافاً يومياً لذلك اإلحساس
ابألمان املطل الذي أحسه ذات مرة – أي ذلك األمان البيولوجي يف الرحم .
وهو تقريباً بدرجة أو أخرى ,يتعلم حسب رعاية والدته له ,كي يعتمد على
نفسه فيما جياهبه من بيئة معادية ،على أن هذا على أن هذا يتطلب منه وقتاً
طويالً .
وما زال الكثريون من الرجال البالغني حيسون بقلوهبم تغوص من داخلهم عندما
يواجهون ظرفاً مناوائً يف حياهتم ,ويتمنون لو عادوا طائرين إىل مالذهم األمني
يف أحضان أمهاهتم .فكم ينبغي أن يكون أيس الطفل ساحقاً أبكثر عندما
يالقي عاملاً غري ودود
إن املهندس املعماري جيب أن يوظ كل مهارته ليجعل حجرة الدراسة حجرة
تولد الثقة واإلحساس ابألمان كما يفعل البيت الطيب .وهو إن مل يفعل ,
فإنه يعوق لذلك أفضل جهد للمريب منذ البداية .وهذا هو السبب يف أن
املدرسي واملعماريني الذين حياولون التحوط ابلنسبة لتغريات املستقبل يف
النظرايت الرتبوية فيصممون حجرات دراسية ذات جدران من فواصل متحركة
ميكن تعديل مكاهنا لتناسب املعاير اجلديدة ،هم بذلك إمنا يناقضون أهدافهم
ذاهتا .فحجرات الدراسة اليت ال شكل هلا واليت تغري دائما من مظهرها ،أبن
تقطع فيها احلواجز وأبن يعاد تنظيم أاثثها ،إمنا هي تنت أطفاالً قلقني عصبيني
.إهنا حجرات دراسة بال قسمات ,صفحة بيضاء مثل انفذة عرض أو قاعة
عرض خاوية ،وال ميكن هلا أن تصبح مألوفة ودودة لألطفال الذين (( يعيشون
)) فيها ،يف حني أن الرتدد وعدم اليقني اللذين أوحيا هبذا التصني لن يكون
منهما إال أن خيراب ثقة الطفل بنفسه ،تلك الثقة اليت تنض نضجاً وئيداً .لقد
استخدمت كلمة (( يعيشون )) عن عمد كامل ،ذلك أن املدرسة اليت يراتدها
األطفال لساعات معدودة يف النهار ،لتحشي رؤوسهم ابلدروس مث يرسلون إىل
بيوهتم ،هلي وسيلة تربية خرقاء معوقة .فحجرة الدراسة ينبغي أن تكون بيتاً
لألطفال ،حيث ميكنهم أن تكون هلم حياهتم اخلاصة هبم ،وهي ليست جمرد
مكان لتجميعهم معاً حتت أعني املدرس .ولننظر مثالً أمر املساحة اليت يوصي
هبا حلجرة الدراسة .لقد متت دراسة خصائص منو الطفل يف مكان ما وتبني أن
الطفل بني السادسة والث امنة من عمره حيتاج إىل ثالثة أمتار مربعة من مساحة
أرضية حجرة الدراسة .وابإلضافة فإن من املفروض أن املدرس الواحد يستطيع
التعامل مع ثالثني طفالً ،وهكذا فإن حجرة الدراسة الوافية حتتاج إىل تسعني
مرتاً مربعاً من مساحة األرضية ولكن هذا يعين أن تكون احلجرة من 1م ×
82م ،وهي بذلك تبدو ضخمة كحظرية للسيارات .ولن تبدو أبي حال
ودودة للطفل و ال جديرة بثقته .
إذن فاحلساب البسيط ال ميد ابحللول الالزمة لتصميم حجرات دراسة مجيلة
حقاً .
وابلنسبة ألايم دراسيت ،فإين ال أكاد أحتفظ أبي ذكرايت ملدرسيت االبتدائية (
مدرسة حممد ع لي ) ،اليت صممتها وبنتها وزارة األشغال العمومية ابخلطة
املعتادة لص حجرات الدراسة املتماثلة هلا ممر من أمامها .وهي هكذا إن مل
تكن قبيحة ابلفعل ،فإهنا ابلتأكيد بال طابع وحمايدة فنياً .
أما مدرسيت الثانوية – املدرسة اخلديوية – فهي ختتل متاماً ،وإين الحتفظ هلا
بذكرايت غاية يف احليوية ،والبهجة ،عن أركان هي غري متوقعة ،ومساحات
مفتوحة ذات شكل عجيب ،وأهباء وحجرات دراسة من كل األشكال
واألحجام ،وحدائ رائعة .والبد أن وجود املفاجآت املعمارية العارضة قد
استثار خيال وإدراك الكثري من التالميذ ،وهم وال شك قد تشربوا أيضاً
مناهجهم التعليمية ،إال أن البناء مل يصمم قط كمدرسة ،لقد كان قصراً قدمياً
.
والقرنة القدمية مل يكن فيها مدرسة ،وحسب الطريقة املعتادة كان على القرية
أن تنتظر دورها يف برانم بناء املدارس ،لتنال يف النهاية بناء خيلو من أي
سحر ومبىن حسب الطراز احلكومي احلديث .وقد تصورت أن سيكون من
حسن التفكري أن أابدر ابلسب ببناء مدرسة – أو ابألحرى مدرستني ،إحدامها
للبنني واألخرى للبنات – وذلك حسب معايريي اخلاصة يب .فلعل هذا أن
حيث الوزراء على توفري بعض املدرسني يف سب للحظة ،
_________________________________________
_____________
* املقصود احلذاء الصيين الذي كانت توضع فيه قدمياً أقدام الفتيات لتظل
صغرية ( .املرتجم )
بل ورمبا أصبح ذلك منوذجاً لبناء املدارس ابملنطقة فيما بعد ،وعندما انتهى
البناءان ،س ّرت هبما الوزارة أميا سرور ؛ فأعجبوا ابلطراز بل وأكثر من ذلك
فقد أعجبوا ابلتكلفة .وكنت ابلطبع قد بنيتهما بطوب الل ن ،وعندما قمت
بناء على دعوة الوزارة بتشييد مدرسة أخرى يف فارس ،بلغت ما يقرب من
ثلث مثن التصميم املعتاد .
وحىت تظل حجرات الدراسة هادئة وخالية من الرتاب ‘ فإهنا وزعت من حول
أفنية ممهدة ،مبا يشبه إيواانت املدارس التقليدية يف املساجد اليت تطوق الفناء
األوسط للمسجد .وختطيط التصميم يف عناية – وليس جمرد التخطيط ملساحة
مفتوحة عارضة فيها حوض زهور – هلو أمر على أقصى درجة من األمهية عند
تنظيم عدد من البلوكات املنفصلة يف تكوين متماسك .وكثرياً ما حيدث أن
يكون تصميم كل بلوك وحده تصميماً جيداً ،مع تنظيم حجراته وممراته العديدة
تنظيماً هبيجاً ،ولكن البلوكات نفسها تكون مبعثرة يف املوقع كيفما اتف وبال
معىن ،ويرتك األمر للجنايين ليحاول أن يربطها معاً ابلزهور واملمرات .واآلن
فلو أن املهندس املعماري عامل مساحة الفضاء اخلارجي بني مبانيه بنفس
االحرتام الذي يعامل به املساحة الداخلية اليت تضمها حجرات .واستخدام
بوعي البلوكات املختلفة لتضفي شكالً على فضائه ،فإنه لن يضيع أي جزء
من املوقع .وسوف يساهم كل قدم مربع ،مسقوف أو مفتوح ،يف إعطاء
املعىن للكيان الكلي .بل إن هذه املساحات املفتوحة ميكن أن حتول إىل
استخدامات عملية للغاية ؛ فقد يكون يف موقع معني تتجاور فيه املباين ،ما
يطرح موضعاً للمسرح ،كذلك فإن مستطيالً قد يصبح منه قاعة اجتما ،أو
قد يثبت أن ابحة ميكن استخدامها كفصل أو كساحة لالجتما يف اهلواء الطل
.ومرة أخرى فإن سلسلة من املساحات املفتوحة تؤدي من حجرة الدراسة إىل
الشار ،حبيث مير الطفل من خالل رواق إىل ابحة ،فساحة مستطيلة ،
فملعب ،وكل منها له طابعه اخلاص ،كل هذا سيعطي الطفل قدراً من
األحاسيس وهو يف طريقه إىل املدرسة .
عندما أييت األطفال إىل املدرسة ،فإهنم يدخلون فناء صغري تزينه بركة يف
منتصفه .
وتصميم هذه منقول عن لوحة حائطية يف مقربة رمخري من األسرة الثامنة عشرة ،
وهي تشكل حوضاً مربعاً صغرياً حت بطرفه جمموعة من أشجار خنيل سامقة ،
غرست ابنتظام لتعطي إحياء ساحراً بشمو فوق كعكة عيد ميالد ،كما تظهر
ا ملياه من بني سيقاهنا .ويفتح على هذا الفناء قاعة االجتماعات ،ومكاتب
املدرسة مبا فيها حجرة الناظرة ،وحجرة الطبيب الزائر .
وميشي األطفال يف هدوء من خالل هذا الفناء ،الذي سريحب هبم جبماله ،مث
ميرون أسفل بوابة بعقد إىل الفناء الرئيسي بني صفني من حجرات الدراسة
.وهذا الفناء ممهد حىت ال يكون مرتابً ،وقد غرست األشجار يف منتصفه .
وهناك أربع حجرات للدراسة يف كل جانب ،وكل منها مسقوف بقبة كبرية
ضحلة ومساحته تقرب من 922قدم مربع .وبسب احلاجة إىل شكل مربع
جتلس عليه القبة ،فإن املساحة اإلضافية الالزمة تضاف يف شكل إيواانت
مقببه على جانبني من املربع .ويوفر هذا التنظيم حجرات دراسة واسعة مبا
يكفي ولكنها تنقسم إىل ثالث مساحات واضحة مميزة .ويف رأي أن هذا النو
من حجرات الدراسة هو نو عطوف جداً ،ذلك أن الصيب ال حيس بضياعه
يف حجرة واسعة غري ودودة ،وإمنا هو جيلس دائماً يف مساحة جعلت حسب
مقاسه هو .وهذه الغرف هي نتاج سعيد للعمل مبادة بناء ابلغة التواضع
كطوب الل ن ،فهي تفرض قيوداً إنشائية تقسران على أن نبين من األرض إىل
مبناان .فال ميكننا أن أعلى ،حنن متنبهون طول الوقت إىل مشكلة تسقي
نضع فحسب لوحاً إمسنتياً من فوق جدراننا لتسقيفها ؛ وإمنا يساهم كل قالب
ويتحمل مسئولية ما ابلنسبة للشكل النهائي طوب بنصيب ما يف السق
للفراغ الذي حنيط به ؛ والقيود الطبيعية لتحمل هذه املادة جتعلنا نقسم مساحة
السق إىل عدة عناصر حسب القياس البشري .
ويف الطرف األقصى من فناء حجرات الدراسة يوجد مسجد املدرسة ،ويف
الداخل منه يثبت أن أكثر املالمح إاثرة لالهتمام هي اإلضاءة ،وتتوافر هذه
بواسطة أربع نوافذ صغرية أقيمت مرتفعة يف القبة ،حبيث تتخلل املساحة
الداخلية كلها إانرة تنتشر متساوية مرحية وهبيجة للغاية ،وإضاءة هادئة هكذا
جتعل للبناء جواً وقوراً ،وحتث على التأمل يف سالم .وليس هناك وه من نور
مبهر من نوافذ غري حمجوبة ،وال أي مشاهد للخارج تلهى االنتباه ،وإمنا كما
يف مسجد القرية الكبري ،فإن هذا املسجد الصغري يرتد أبفكار املصلي إليه هو
ذاته وحيثه أن يتأمل .ولقد خطر يل وقتها أن هذه هي أحسن طريقة إلضاءة
حجر الدراسة .واملرء ال يستطيع ،على األقل يف مصر ،أن يتحمل نوراً
ساطعاً كثرياً ،ولو وضعت نوافذ حجرات الدراسة على مستوى العني ،لتسمح
ابلضوء اخلارجي املباشر – كل الوه املرتعش الذي ينعكس من الشوار املرتبة
واجلدران البيضاء املبهرة – فإهنا ستخل أوجه تباين هائلة يف شدة الضوء ،
حبيث تصبح القراءة يقيناً مزعجة .إال أن حجرات الدراسة عندما تضاء بنوافذ
عالية فحسب فإن هذا جيعلها جد منغلقة وقامتة – وحجرة الدراسة ليست
ابملسجد .على أنه من األفكار الطيبة أن نوفر شيئاً من اخلصوصية يف اخلارج
يف شكل حديقة صغرية ذات أزهار وحشائش تنمو منخفضة ،وتسمح للتالميذ
أبن يروهنا من خالل نوافذ منخفضة تقام مبستوى األرضية على الطريقة الياابنية
.وميكن أن جنعل من هذه احلديقة جداراً ال يعكس الضوء ،حبيث تصبح كل
انفذة لوحة حية من نغمات خفيضة ومرحية تنعش األطفال أثناء دروسهم .
وه ذه النوافذ ابالشرتاك مع النوافذ العالية يف القبة ستوفر إضاءة لطيفة متساوية
،ورمبا لو استخدمنا زجاج نوافذ معش ملون إلمتا األطفال متع ًة أكرب ،فإن
هذا سينت عنه حجرة دراسة مفعمة ابحليوية والبهجة وإن كانت هادئة ،وهذا
علي أن أصمم مدرسة أخرى وقد زودت حجرات
بال شك ما سأفعله لو كان ّ
الدراسة بنظام بسيط جد فعال لتهوية .ففوق كل غرفة يوجد برج مربع يشبه
املدخنة به فتحة كبرية تواجه الشمال .وتدخل نسمة الشمال اللطيفة من
خالل الفتحة ،عالياً خالية من الرتاب ،وتسري ألسفل فوق صفحات من
فحم مبلل ،جعلت كاحلواجز من داخل املدخنة .وهذا التجهيز ينت عنه
اخنفاض احلرارة بعشرة درجات مئوية .
***
احلمام :
يف رغبة حممودة لتشجيع على النظافة بني الفالحني ،قامت احلكومة بتوفري
محامات عمومية ذات أدشاش يف عدد من القرى .ورغم جودة الفكرة ,إال أن
هذه األدشاش مل تستخدم عند التطبي .وما زالت تنتصب كنصب تذكارية
ايئسة ملن أقاموها من حميب صنع اخلري من أصحاب التفكري املدرسي األخرق .
والفالحون مل يستخدموها ألن احلكومة يف املكان األول مل تتوسع يف اإلنفاق
عليها مبا يكفي لتزويدها ابملاء الساخن ،وال ميكن أ ،نلوم أحداً عندما ال يشعر
ابلتحمس لدش ابرد .واثنياً ،فإن املشرفني كانوا موظفني حكوميني ،ال
يبالون حىت أبداء عملهم األصلي من احملافظة على نظافة املنشآت ،د عنك
أن حياولوا جعلها جذابة ،كما أن اإلجراءات البطيئة لروتني احلكومي كثرياً ما
كانت ترتك احلمامات بدون صابون .
واحلمام العمومي الذي يتخذ موضعه يف بناء غري مشجع ,أو يندس بعيداً يف
شار خلفي ،أو يلح ابملراحيض يف املسجد ،سوف تقل حرارة جاذبيته
لتصبح يف برودة مائة ،ومل يصبح أبداً املؤسسة االجتماعية اليت ينبغي أن
يكوهنا .على أن احلمام كان فيما مضى مبثابة املركز ألرقى طبقات اجملتمع يف
كل مدينة يف مصر .
وعندما غزا انبليون مصر ،كان احلمام أو املغسل الرتكي مؤسسة مزدهرة .وقد
وصل إال أن يكون مبثابة العنصر املكمل للمسجد ،فهو ييسر ما اعتاده
املصلون من االغتسال (( األكرب )) صباح اجلمعة ،وهو يعترب من األمهية
حبيث أصبح بناء احلمام يعد عمل ب ر من أعلى املراتب .ويقول صفوان الثوري
أنه مهما كان ما ينفقه املؤمن من دراهم فلن يكون ذلك خرياً من (( درهم ))
ينفقه صاحب محام يف حتسني مؤسسته .ومزااي احلمام الصحية مشهورة مبا
تستح ،ويشهد عليها اليوم انتشار احلمامات الرتكية يف الكثري من مدن أورواب
وأمريك ا .ومن املؤكد أنه يف تلك األايم كان كل من حيس أبنة سيصاب مبرض ,
يبادر ليسبقه ،فيذهب مباشرًة إىل احلمام ليغتسل حبمام خبار منعش ،ذلك أنه
كان من املعتقد أن األمراض تنشأ عن قلة إفراز العرق .والعرق الغزير الذي
حيدثه البخار يفيدك فائدة جلية حىت لقد أصبح لالستحمام أمهية طقس من
طقوس احلياة ،ومل يكن الشفاء من املرض يعد مكتمالً إال عندما يغتسل
املريض (( بغسل الصحة )) ،أو محام العافية الذي يؤكد شفاءه .
على أن احلمام فوق ذلك ،هو مكان لالجتما حيث يتبادل الرجال األخبار ،
والقيل والقال ,وجيرون الصفقات ويناقشون أمور السياسة يف جو من التنعم
.أما ابلنسبة لنساء فهناك حىت ما هو أكثر ،فلحمام يوفر هلن عذراً للفرار من
قيد البيت .وعندما كان احلمام عرفاً سائداً .فإنه كان يلعب دوراً مهماً جداً
يف حياة نساء املدينة الالئى كنا يرتدين أحسن ثياهبن وأغلى حليهن للقيام
بزاي رهتن األسبوعية هلو .وهناك كن خيرتن العرائس ألبنائهن وأخواهتن ويرت ن
زجياهتم ،كما أنه يف اليوم الساب مباشرةً ليوم الزفاف نفسه تؤخذ العروس إىل
احلمام لتمشط وتطيب ,وينت الشعر الزائد ،وتعد حلفل الزفاف .
وينبغي التأكيد على أن احلمام كان مما يستخدمه أي فرد فقرياً كان أم غنياً ,
وحىت أوالئك الذين ميتلكون محامات خاصة يف بيوهتن ذاهتا ,فاحلمام كان
مكاانً عاماً لالجتما ،ومل ينحدر حال احلمام يف املدن إال عندما انتقل
األغنياء إىل أحياء حديثة مل تزود ابحلمامات .وعندها ،حني أصبح الزابئن
الوحيدون هم الفقراء ،اخنفض مستوى اخلدمة والنظافة ،واحندر احلمام إىل
حالته الزرية احلالية – ظل قذر يف األحياء الفقرية مبدننا الكبرية .
وفكرت أنه لو أعيد إدخال احلمام إىل القرية املصرية ،فسوف يثبت يف التو
أنه مقبول قبوالً أكثر من محامات الدش احلكومية .فاحلمام التقليدي له
جو و تراث من الرتفه ،وعندما يكون احلمام حتت إشراف مالك خاص
سينال مراتدوه رعاية أكثر تدقيقاً عما يف محامات الدش .وليس هذا
فحسب ،ولكنه سيكون أكثر جاذبية ألنه ساخن .ومحام البخار ينظ
البشرة أنظ كثرياً من الدش البارد ،و إذا مت أيضاً تدليك املرء فإن اجلسم
كله يسرتخي وينتعش حبيث يصبح احلمام إنعاشاً بدنياً وعقلياً معاً ،ويزول
التوتر العصيب والقل ،واالنزعاج .
وإذا كان علينا أن نعيد إنشاء احلمام ،فمن الواضح أنه من املستحسن
عدم تغيري طابعه العام حبيث يظل جذاابً ملن كانوا على معرفة سابقة بقوائده
.وعندما يرغب أحد املرشدين االجتماعيني يف توجيه الناس إىل األمناط
واألنشطة اليت حيبذها هلم ،فإن أقصى جناح يصل إليه يف ذلك إمنا يكون
عن طري منشآت من نوح احلمام .وكما أن الطبيعة تنجز مهامها الضرورية
أبن جتعل منها أمراً ممتعاً ،حىت ليتناقل البشر هم واحليواانت من أجل
الطع ام ،وتكاثر األنوا ،فإن االجتماعي أو السياسي احلكيم يستخدم
أيضاً نو من املغرايت اليت ال تقاوم للوصول إىل هدفه بدالً من أن يستخدم
القهر .واحلمام ،فيما آمل ،سيغري الناس أيضاً ابلدخول يف شبكة أخرى
من التكامل االجتماعي ويساعد على أن يوفر لكل فرد جمموعة من
االتصاالت االجتماعية الواسعة املنوعة القوية كما يوفر له يف نفس الوقت
فرصة لتطهري نفسه من احلشرات .
وأبسط طريقة إلعداد احلمام يف إحدى القرى هي استخدام غالية يوصل
خبارها إىل حجرة للبخار ،ميكن أن خترج منها مواسري املاء الساخن إىل
املستحمني يف حجراهتم الفردية .واملغتسل يف محام القرنة يدخل ليدفع
األجر إىل (( احلماجمي )) عند طاولة على املدخل ،فيعطيه املناش وكيس ًا
للمالبس القذرة .وهو يدخل بعدها إىل (( املسلخ )) ،أو حجرة خلع
املالبس ،فيخلع مالبسه يف حجرية هناك .مث يناول مالبسه إىل حيث
تغسل ،ويذهب إىل إحدى حجريات االغتسال وهو هنا ميزج املاء اساخن
والبارد من احلنفيات يف (( قرنة )) أي وعاء ملزج املاء ،مث جيلس على مقعد
منخفض بغري سند ليصب على نفسه املاء من
( طاسة احلمام )) – وهي وعاء صغري تقليدي ،وبعد أن يغتسل مير إىل
داخل حجرة البخار ،ويبقى هناك زمناً ،ورمبا يتم أيضاً تدليكه ،مث خيرج
إىل غرفة دافئة ،مث بعدها إىل الطاولة حيث يتلقى مالبسه وقد مت غسلها .
مث هو يذهب إىل إحدى حجريات ارتداء املالبس – اليت تكون معزولة عن
حجريات خلع املالبس للتأكد من أن املالبس نظيفة حقاً – وإذ يرتدي
مالبسه فإنه مير إىل حجرة لالسرتاحة ليثرثر مع زمالئه ولعله أيضاً يدخن
النرجيلة معهم .وهذا املسار يضمن قدر اإلمكان ،أن املالبس القذرة أو
املصابة ابحلشرات لن تالمس املالبس النظيفة ،ونظام املاء الساخن هذا
رخيص وعملي ابلنسبة للقرية اليت ال تتحمل تكلفة أدشاش ساخنة .
***
* بعد إنشاء السد العايل انتشر نظام الري الدائم يف الصعيد أيضاً ،وابلتايل زاد
انتشار البلهارسيا هناك ( .املرتجم )
ومن النقاط املهمة بشأن البحرية الصناعية أهنا ينبغي أال تكون أعلى كثرياً
من مستوى قناة الصرف اليت
ختدم املنطقة ،ألهنا لو كانت هكذا ،فإن مياهها سوف تتسرب إىل األرض
الزراعية احمليطة هبا لتخرهبا ؛ ومن الناحية األخرى فعندما تكون البحرية يف
مستوى قناة الصرف ،فإهنا ستعمل مبثابة مصرف رهي لألرض الزراعية ،
اليت تتحسن بذلك حتسناً كبرياً .والصحيح أنه ينبغي أن يكون املستوى يف
البحرية أعلى بعشرة سنتيمرتات عن املستوى يف قناة الصرف ،حبيث ميكن
الطبقة السطحية للمياه عرب حتويله صغرية ،تعمل أيضاً مبثابة ممر تصري
دائم لفائض املاء .وحتمل القناة اجلانبية املاء من القناة الرئيسية ابحندار ميله
هو مرت لكل مائيت مرت ،مث إىل البحرية .
وملا كانت البلهارسيا مرضاً واسع االنتشار هكذا ،ليس يف مصر فحسب
بل يف كل املناط احلارة ،فمن املرغوب فيه بوضوح أنه ينبغي تشجيع توفري
البحريات اخلالية من البلهارسيا* .
والبحرية مثلها مثل معامل القرنة األخرى ،يفرتض فيها أن تكون منوذجاً
لسائر مصر .ولقد سب أن ع ّلقت على جهامة معظم قراان حيث يستخدم
كل مرت مربع لزراعة احملاصيل ،وما من مساحة أو فكر يبذل لتوفري أسباب
االستمتا ابالسرتخاء .وإذ كان ميكننا حقاً تربير البحرية حبج عملية
صارمة ،إال أين مل أقصد هلا قط أن تكون شيئاً عملياً مبثل ما يكون مكتب
الربيد عملياً .وإمنا وددت أن يكون لكل قرية حبريهتا الصناعية اليت تقام
وسط منتزه صغري للقرية .
وهذا املنتزه هو والبحرية معاً ،سيوفر للقرية املصرية شيئاً جديداً متاماً –
مكاانً لالسرتخاء واالستجمام ،حيث تنتشر أشجار الصفصاف وصورهتا
تنعكس يف املاء الصايف ،وحيث تلت املمرات بني أشجار املاجنو واجلوافة
والطرفاء ،لتفتح فجأة على األشجار املزهرة للسنط والبوهينيا واجلكرندا
– مكان من أربعة أو مخسة فدادين تبقى بعيداً عن الزراعة التجارية ،
أحن مما تقدمه هلم
حبيث جيد أفراد القرية فيه مظهراً من مظاهر الطبيعة ّ
حقول القطن .
وللوصول إىل هذا اهلدف ال بد لنا من حل توفيقي ابلنسبة للمنتزه املثايل
ذي املمرات وأحواض الزهور واألشجار – املنتزه األورويب ذو املنظر اخللوي
الطبيعي – الذي حيتاج إىل هيئة عمل كاملة من البساتني لصيانته .فمنتزهنا
ينبغي أن يوفر ظالً وسالماً ومجاالً دون حاجة إىل أجور لصيانته .وهكذا
جيب أن يكون أبعد ما ميكن من احلديقة املعتادة يف حمطة السكة احلديد أو
منتزه البلدية ذوي احلشائش اجلافة ،والشجريات املتقصفة الزاوية ،
واألسوار احلديدية ،تلك األمناط التقليدية املصغرة لفرساي واليت يقتبسها
الكثري من بلدايت احملافظات مث ال تلبث أن هتملها .ومنتزه القرية حيتاج إىل
األشجار .وجيب أال ينشأ فيه بطريقة صناعية تلك املمرات وأحواض
الزهور واألسوار .وإمنا جيب أن خيطط ليأوي إليه الناس فريوح عنهم ،
وجيب أن يكون فيه من قدرة التحمل حبيث يتحمل استخدامه استخداماً
وصبار .ومجاله
عنيفاً .وجيب أن يكون منتزهاً من أشجار وصخور ورمال ّ
وقدرته على الرتويح مها مما ال ينبث من أحواض الزهور النمطية وإمنا جيب
أن ينبع ذلك من جتمعات األشجار ،والتفاف املمرات ،وأوضا الصخور
،والتقاء اللون والنربة والكتلة والشكل يف توليفات هبيجة .
واقرتح أن نست فيد من املنتزه يف مد القرية ابلفاكهة .والشجرة اليت متد
بفاكهة وفرية وابلظل أيضاً هي شجرة املاجنو العادية .والنو الكبري ينت ما
يصل إىل ألفي مثرة يف السنة .و ال حيتاج إال رعاية قليلة .أما األنوا
األجنبية واملهجنة األكثر هشاشة فينبغي أال تستعمل ،ذلك أهنا وإن كانت
تعطي مثاراً أفضل ،إال أهنا حتتاج رعاية ابلغة ،وأشجارها على أي حال
أميل إىل أن تكون صغرية غري ظليلة .ويكفي توفري األلوان أبشجار مزهرة
من السنط والبوهينيا واجلكرندا والبوانسياان ،أما أشجار الطرفاء فهي وإن
كانت خشنة إال أهنا ظليلة وتفرش األرض بساطاً من أوراق إبرية رهيفة ،
تثري راحة مجة عند السري أو اجللوس فوقها .والعوامل اليت حتكم حجم
البحرية هي عامالن :حجم الرتبة الالزمة لصناعة الطوب ،والقدر األدىن
من املياه اليت تبقى نسبياً نظيفة بني نوابت التغيري ،بعد أن يستحم فيها
أفراد الناس واملاشية ابألعداد اليت يتوقع أهنا ستستخدمها .والبيت الواحد
حيتاج ما بني 822 – 822مرتاً مكعباً من الرتبة ،وهو عادة يتسع خلمسة
أفراد .وهكذا فإن قرية من مخسة آالف فرد ،أو أل بيت ،حتتاج على
األقل إىل 82.222مرت مكعب من الرتبة .وإذا كان لبحريتنا يف املتوسط
عم مرتين ،فإن مساحتها تكون من 22.222مرت مكعب ،أو حوايل
اثين عشر فداانً .
_______________________________________
___________________
واخلرسانة الطينية ،وذلك إىل جانب اختبار قدرة حتمل الرتبة لألساسات وما
يتعل بذلك من مشاكل املاء اجلويف ،اخل .وسوف يدعمهم معمل أحباث
مركزي للقيام ببحث عام خلواص الطني كمادة بناء .
وبسبب من الزايدة الوشيكة الستخدام الرتبة للبناء فإن لنا أن نركز على ذلك
موجهني له املزيد من موارد حبوثنا اليت ما زالت لآلن مكرسة يف أغلبها لإلمسنت
واخلرسانة .
وابإلضافة للمعمل املركزي ،يوجد عدد من املعامل املتنقلة احملمولة على
اللواري ،لعمل البحث مباشرًة يف املوقع .ويكون على كل من هذه اللواري
أن خيدم منطقة كبرية نوعاً ،وإمجاالً فإنه ينبغي أن يكفي لذلك عدد يقرب من
عشرة لواري ،كل منها يف عهدة مهندس ميكانيكياً تربة واحدة .
وهناك حاجة إىل عدد معني من الكتبة واحملاسبني .وحيث أننا نتحول من نظام
العمل ابملقاولة إىل النظام التعاوين اجلديد متاماً ،فسيكون هناك حاجة إىل نظام
جديد للمحاسبة .وجيب أن يكون هذا النظام صاحلاً معاً النشاءات مباين
اخلدمة العامة اليت تنفذها احلكومة بعمالة مدفوعة األجر ،وللمنازل اخلاصة
اليت سيتم بناؤها ابلعمالة التعاونية .وقد مت ابلفعل ابتكار نظام حماسيب من هذا
النو ( أنظر ملح : ) 1وهكذا فإنه لن يطلب من احملاسبني إبتكار أي نظام
أبنف سهم وإمنا سيطبقون فحسب هذا النظام املوجود من قبل .وفيما يعرض
فإهنم سيكونون أقل عدداً مما يف نظام املقاولة ،ذلك أن نظام التضبيط لن
يكون كما هو يف املعتاد مزدوجاً بني احلكومة واملقاول .
وطبيعي أن احملاسبة تكون ضرورية فحسب ابلنسبة لبناء البيوت اخلاصة يف تلك
القرى اليت مل يعد فيها وجود لتقليد العمالة التعاونية .أما يف اجملتمعات
التقليدية مثل واحة اخلارجة ،فال حاجة على اإلطالق للمحاسبة ،ذلك أن
الناس يسامهون طبيعياً يف البناء ،دون عمل موازنة بني مايسامهون به إزاء ما
سيحصلون عليه .واحلقيقة أن مغامرة البناء اجلموعي لقرية ابلعمالة التعاونية ملا
ينبغي أن يرتفع ابلروح املعنوية للمجتمع ،وابحرتامه لذاته ،ويعطيه إحساساً
هبدف مشرتك مما يفيد أعضاء فائدة معنوية هائلة .
واملهندسون املعماريون كل منهم مسؤول عن سلسلة من مشاريع القرية ،
وهكذا جيب أن يتم تدريبهم من قبل تدريباً خاصاً .ولسوء احلظ ،فإن
التدريب املتوافر يف مدارسنا املعمارية اليوم ليس فيه أدىن مساعدة للمهندس
املعماري الذي يتناول مشاكل ريفية .فهذا التدريب يتأسس على تدريب وضع
يف املدارس األوروبية وموجه إىل احتياجات املدينة ،وبناء بلوكات املكاتب ،
والشق ،وا لبنوك ،واجلاراجات ،ودور السينما ،وغري ذلك من الصروح
.وهذه النظرة األحادية قد الضخمة ،ولكنه يتجاهل متاماً احتياجات الري
يكون هلا مايربرها يف مدرسة معمارية أوروبية ،ففي بالد مثل بريطانيا يعيش 12
يف املائة من السكان يف املدن ،ويعمل مخسة يف املائة فقط على األرض ،
واجلزء األكرب من صروة األمة أييت يف غالبه من الصناعة والتجارة احلضريتني .
أما يف مصر ،حيث يعيش تسعون يف املائة من السكان على األرض وأتيت
تسعون يف املائة من الثروة من األرض فإن عدم بذل أي قدر من االهتمام إىل
هلو ابلتأكيد نو من عدم املسئولية من املدرسة املعمارية . احتياجات الري
ابلغ على أن هذه الالمباالة األكادميية هي ابلضبط السبب يف وجود موق
االستخفاف متاماً ابلعملية ابلغة اخلطورة إلعادة صياغة القرى .
وأن تعاجل هذه العيوب بتعديل كل مناه الدراسة يف جامعاتنا هلو أمر مستحيل
متاماً ،على األقل يف املدى الزمين القريب .وأحد أسباب ذلك ،هو سيكون
من الضروري وجود هيئة تدريس جديدة متاماً .وهكذا فإنه حىت ميكن إنتاج
عدد كاف من املهندسني املعماريني على وعي هبذه املشاكل الريفية ،ينبغي
علينا أن ننشأ هلم مقرراً دراسياً للتدريب ما بعد التخرج .ومقرر كهذا ينبغي أن
تكون مدته لعامني ،وينبغي أن يتضمن ابإلضافة إىل دراسة احلالة العامة لري
مصر – أي احلقائ الدميوجرافية ،واالجتماعية واالقتصادية – دراسة طرق
الفالحني يف االنشاء ومواد البناء ،ومبادئ ختطيط املدينة والقرية .وعندما
يستوعب أيضاً كل مامت إجنازه يف املعمار املصري ،وكل اتريخ األسلوب احمللي
يف مصر .
وكما أن بناء كاتدرائية العصور الوسطى يف فرنسا مل يكن يسمح له أبن يضع
حجراً فوق آخر إال إذا أكمل احل إىل كل املباين األكلريكية العظيمة يف فرنسا
،فإن مهندسينا املعماريني الريفيني ينبغي أن حيجوا إىل األماكن اليت يتمثل فيها
أحسن وجه الرتاث العظيم للبناء املصري – إىل اجليزة ،وبيت خالف ،وطيبة
،وهرموبوليس ،واخلارجة – وينبغي أن يزوروا ويتفحصوا األماكن اليت ما زال
الرتاث يعيش فيها مثل أسوان و أضرحة األولياء الكثرية املبعثرة أعلى وأسفل
البالد ،حيث رؤية البناء مبواد الفالحني بناء جاداً جليالً بال فخامة ،وحيث
يوجد احلس االحتفايل يف املعمار بدرجة أكثر نوعاً عما يف البناء الفالحي
العادي ،على أن ذلك مل يفسد بعد بفن ومواد أجنبية .
ومتح احلضارة املصرية هذا ذو الثراء اهلائل هلو مما ينبغي دراسته دراسة جدية
.وجيب أال ي زور الطالب هذه املواقع زايرة روتينية كزايرة السائح املستعجل ،
وإمنا جيب أن يفحص كل مثال فحصاً ذكياً ،ويرسم منه رسوماًابملقاس ،ويطب
كل قدراته النقدية على العمل .ودراسة كهذه لألعمال املعمارية البارزة ،
عندما تربط بفهم عمي لكل جوانب البناء عند الفالحني ،فيما يتعل مبواد
البناء ،وطريقة اإلنشاء ،ومبادئ التصميم ،هلي دراسة ستؤدي فيما ينبغي إىل
تثوير موق الطالب من املعمار .فهو أوالً سوف يستفيد ،مبا ال ميكن قياسه
من دراسته هذه ،اليت تتم ابألبعاد الثالثة ،وابحلجم الكامل والبنية الكاملة ،
يف أمناط املباين اليت سيصممها .والكثري جداً مما يتم تنفيذه اآلن من األعمال
يف املدارس املعمارية املختلفة هي أعمال جتريدية ابلكلية – جمرد لعب ابخلطط
على الورق – حىت أصبح الكثريون من املهندسون املعماريني املؤهلني يصممون
املباين أبسلوب يصدق على الورق أكثر مما يصدق على احلياة الواقعية .
وأصبح املقرر الدراسي منفصماً عن املباين احلقيقية انفصاماً كامالً حىت ليكاد
املهندس املعماري أن يتوق عن التفكري بلغة املوادالصلبة – فهو يرسم خطط ًا
يف مكتبه ،ويناوهلا للمقاول ،وال يرى املبىن عند انتهائه .وخطة املقرر
الدراسي ذاهتا ختصص دروساً منفصلة للجانبني اجلمايل واهلندسي من املعمار ،
وال تلقي أبداً اهتماماً لعالقة املبىن ببيئته ،حبيث أصبح من املمارسات املعتادة
بني املعماريني ما جنده من تشويههم حلقائ الطبيعة – أشكال التالل ،
واألشجار ،والكائنات البشرية ،بل وحىت األشياء امليكانيكية مثل السيارات
– وهو تشويه يتم بغرض أن جتعل ظروف أدائهم متالئمة مع أسلوب مبانيهم
بينما التصميم هم ما ينبغي أن يتالئم مع البيئة .أما مقرران الدراسي عن املعمار
الريفي الذي يستمر لسنتني فإنه عندما يبدأ من املباين احلقيقية ،ويعود منها
وراء إىل خطط املهندسني املعماريني ،ويبقى طول الوقت أمام أعني الطلبة
شكل املباين ،وحجمها ،ولوهنا ،وبنيتها ،واإلحساس هبا ،تلك املباين اليت
يتأل منها تراثنا العظيم ،فإن من املؤكد أن بعضاً من هذا الرتاث سوف ينبث
يف تصميمات هؤالء الطلبة .
وجيب أن يكون لكل قرية مهندس معماري يشرف ع لى بنائها ،على األقل
حىت يصل عدد كاف من البنائني إىل املستوى الذي يضمن سالمة توقيع اخلطة
بعامة ،وحىت يعتاد بناءوا القرية على إقامة مناذج البيوت املختلفة .وحىت بعد
أن ينتقل املهندس املعماري إىل قرية أخرى ،فإنه جيب أن يبقي عيناً على القرية
األوىل من خالل زايرات دورية حىت يكتمل إعادة بنائها .
وسوف نفرتض أن يف مصر 9222قرية جيب إعادة بنائها خالل أربعني عاماً .
وهكذا فإنه جيب أن تتم إعادة البناء مبعدل 822قرية سنوايً .وعدد ما جيب
استخدامه من املهندسني املعماريني سيعتمد هكذا على املدة اليت سيبقاها كل
واحد منهم يف كل قرية .
وقريتنا اليت يسكنها يف املتوسط 2222نسمة ،ينبغي أن تكون قادرة على
توفري مخسني بناء على األقل .وإذا كان بناءالبيت يستغرق من ثالثة بنائني
شهراً واحداً ،فإن مخسني بّناء يستطيعون بناء حوايل 8222بيت يف ست
سنوات .على أنه ينبغي أن يتمكن امله ندس املعماري من مغادرة القرية بعد
ثالث سنوات ،وال يعود بعدها إال من حني آلخر إلعطاء النصح للقرويني .
وهكذا فإنه بعد السنة الثانية من الربانم ،عندما يكون هناك من 122إىل
922قرية حتت االنشاء يف نفس الوقت ،سيكون من الضروري وجود 122
مهندس معماري يعملون يف الربانم .
وحىت يكون هؤالء املهندسون املعماريون الثالمثائة قادرين على العمل بثقة ،
البد من أن ينالوا تدريباً خاصاً يف (( دراسات التكامل )) على أهنم جيب ان
يكونوا قادرين أيضاً على بذل كل انتباههم ومحاسهم لعملهم ،وهلذا فإنه ال بد
من أن يدفع هلم أجر طيب ،والعمل نفسه جدير بذلك متاماً ،فهو ال أقل من
أن يعد خلقاً للبيئة القومية ،رمبا ىتية ؛ على أنه مهما كانت جدارة العمل ،
فإنه ما من مهندس معماري يستطيع أن يبقي تفكريه مشغوالً بعمله بينما هو
يناضل لالحتفاظ مبستوى معقول من املعيشة .وأقرتح هنا إنشاء سلم أجور
م تدرجة ،حتسب مبثل ما حتسب به معظم أجور املعماريني ،اي كنسبة مئوية
من تكلفة البناء .ويف ظل النظام التعاوين تكون التكلفة الفعلية لكل بيت شيئاً
اليذكر ،أما لو قام مقاولوالبناء ببناء القرية ،فسيكون من املستحيل أن تقل
تكلفة أي بيت عن 222جنيه مصري ..فلنسمح إذن للمهندس املعماري
بتقاضي 8يف املائة من تكلفة البيت .وهذا يبلغ مخسة جنيهات .ولو أنه
عمل يف قرية لثالث سنوات وبىن 8222بيت ،فإنه سيكسب 2222جنيه
يف ثالث سنوات ،أو 8222جنيهاً يف السنة الواحدة .على أن هذا كثري
كأجر يدفع ملهندس معماري شاب .وفوق ذلك ،فإن من املطلوب أن يكون
سلم الرواتب حبيث يسمح بتمييز األقدمية إبظهار زايدات دورية حادة ،حىت
يتم االحتفاظ خبدمات أولئك اخلرباء من أصحاب التخصصات العالية ،الذين
ال يوجد مثلهم يف أي مكان آخر فوق األرض ،وهكذا يكون لسلم الرواتب
أن يبدأ عند 122جنيه للسنة لريتفع مبعدل 22جنيهاً يف السنة حىت يصل إىل
0922جنيه .وهذه املهمة جديرة بذلك .كما أن هذا ليس مبرتب مبالغ فيه
،ذلك أن قائمة احلساب السنوية للخدمات املعمارية حوايل 222.222جنيه
.
ومبلغ 222.222جنيه ينبغي أال يعد مبلغاً كبرياً .ولنتذكر أنه نسبة مئوية من
اإلنفاق الكلي على البناء ،وأنه يكاد يكون أقل نسبة مئوية يتقاضاها
املهندسون املعماريون يف أي مكان يف العامل .فنسبة 8يف املائة من تكلفة البناء
هي مبلغ قلة مضحكة كأجر يدفع ملنزل قد صممه مهندس معماري .ويف
سويسرا البد لك ،حبكم القانون ،من أن تدفع 0يف املائة من التكلفة جمرد
الزخرفة الفنية للبيت ،بينما من املعتاد ابلنسبة للمهندس املعماري أن حيصل
عند ممارسة أعماله اخلاصة على أجر بنسبة 82يف املائة من تكلفة أي مبىن
تكون قيمته أقل من 8222جنيه .
املليون من وينبغي أن نضع نصب أعيننا أن هذا الواحد يف املائة أو نص
اجلنيهات ،سيوفر عنصر العمل اخلالق ،وهو عنصر ضروري إذا أريد لربانم
اإلسكان الرخيص التكلفة هذا أن يكون انجحاً حقاً .وفوق ذلك فإن املرتب
اجملزي حيرر املهندس املعماري من القل مالياً ،ومي ّكنه من الرتكيز على عمله
احلقيقي .وكثرياً ما حيدث أن يبدأ املهندس املعماري احلكومي يف اإلحساس
ابلقرف من مستخدميه ألن املهندسني املعماريني اآلخرين ينالون من ممارسة
العمل اخلاص ماالً أكثر كثرياً مما يناله .وعندما ينظر املهندس املعماري
احلكومي إىل احلكومة على أهنا خبيلة ،فإنه يتخذ موقفاً (( :وملاذا أهتم ؟
نعطيهم على قد ر أجرهم )) .وهذا املوق كله مبا فيه من ضيعة أحالم وفتور
ميكن حتويله أبسره لو كان صاحب العمل كرمياً .فالكرم يولّد الكرم ؛ واملهندس
املعماري الذي ينال أجراً جمزايً حيسن أن من واجبه أن يبذل كل جهده لعمله ؛
وبدالً من أن يكون ساخراً مريراً من عمله احلكومي ،فإنه يصبح ممتناً ألنه قد
ختلص من مهومه املادية ،و ألن الطري قد أخلى له ليعمل كما يعمل الفنان
احلقيقي وألنه قد أعطيت له الفرصة لتنمية مهاراته ومداركه أقصى تنمية .
وهناك فائدة أخرى تنجم عن هذا اإلنفاق املتواضع نسبياً .فينبغي أن يكون
لدينا فري من مهندسني معماريني يعملون أبرفع مستوى لفنهم ،ويعملون
كفري ،دائماً ينصحون وينقدون ويعيد كل منهم احليوية لعمل اآلخر ،كيان
من فنانني متحررين من الضغوط التجارية ،ومي ّكنون من تكريس كل حياهتم
إلرهاف أدائهم .وثالمثائة مهندس معماري من هذا النو هلم حقاً كنز قومي .
وذا ت يوم ،كان هناك يف دير املدينة جمموعة من هذا النو ابلضبط من
املهندسني املعماريني ،والرسامني ،والنحاتني ،يعملون معاً ويعيشون معاً يف ((
قرية للفنانني )) جيالً بعد جيل أثناء كل عصر اململكة الوسطى ،وكانوا هم
املسئولني عن أعمال الفن العظمى يف مصر القدمية – فن حاذق ومتنو ،إال
أنه تقليدي ؛ فن مجوعي حب يف أرقى أنواعه .
أال ميكن ألولئك املهندسني املعماريني الثالمثائة الذين حنتاج إليهم أن يعيشوا
معاً حىت ولو لفرتة ،يف قرية مثل دير املدينة ؟ مناملؤكد أن خطتنا إلعادة بناء
ستحتاج إىل مركز لتنسي العمل ،ومركز لألحباث وللتدريب أيضاً . الري
جنمع معاً مركز األحباث والتنسي ومدرسة التدريب على املعمار فلماذا ال ّ
الري ،أو مبعىن أوسع جنمع الدراسات (( الريفية )) يف قرية واحدة (( للفنون
الريفية )) ؟ إن لدينا ابلفعل مشروعاً (( ملدينة للفنون اجلميلة )) ،سينف عليه
مليون جنيه .وإين أقرتح غذن أن تبىن قرية – أول قرية تبىن يف برانم إعادة
بناء الري – لتكون هي ابلضبط هذا املركز للدراسات الريفية .وينبغي أن
تكون على صلة وثيقة ابلوزارات واهليئات األخرى العلمية والفنية ،على أهنا
ينبغي أن تكون قرية حقيقية ،واألفضل أن تكون قريبة من قرية موجودة تكون
من ضمن اخلطة .وينبغي أن يتم تصور هذه القرية وبناؤها حسب املبادئ اليت
سب وضعها ،وينبغي أن يتم بناؤها بواسطة املهندسني املعمارين أنفسهم
كتطبي عملي ملقررهم الدراسي عن املعمار الريفي وينبغي أخرياً أن حتتوي
على مكتبات ،وحجرات دراسية – ومعامل ،وقاعات للمحاضرات
واالجتما ،بل وأن حتتوي أيضاً على ورش عملية حيث ينمي الفالحون
حرفهم من الفخارة ،والنسي ،والنجارة ،والبناء ،والتجصيص ،اخل .
وسيكون مثة بناؤون من أسوان يعيشون هناك ،وصنا نوافذ الزجاج امللون من
القاهرة ،وصانعو احلصري والسالل من الشرقية ،كلهم مع املهندسني املعماريني
.ويكون لكل منهم بيته حيث يعيش مع عائلته ويعلم حرفته للصبيان ،
ويكون الكل أعضاء يف اجملتمع .وسيكون هناك أيضاً متسع للزوار ،من
احلرفيني وغريهم ،وللمهندسني املعماريني والفنانني األجانب ممن يهتمون
بنشاطاتنا .
وكما أن األمة – حىت ولو كانت جداً فقرية – قد تستثمر من ماهلا يف أوركسرتا
قومي ،يكون رصيداً دائماً لألمة فإهنا مبثل ذلك أيضاً قد تستثمر من ماهلا يف
فري قومي من املهندسني املعماريني .ولو كانت البلد حتوي حىت ثالثة آالف
عازف على الكمان يعزفون يف أركان الشوار ،فإهنم من الوجهة الفنية
اليساوون شيئاً ابملقارنة أبوركسرتا واحد دائم فيه مائة عازف ،يستطيع خل
ثراث ،ويكرس كل وقته لتحسني مستوى أدائه .وعلى نفس املنوال فإن ثالثة
آالف مهندس معماري يعمل كل واحد منهم لعمالئه اخلاصني ،ومن خالل
مقاولني خاصني ،الميكن مقارنتهم بثالمثائة مهندس معماري يعملون معاً وهم
واعني خلل تراث قومي يف البناء .
وبرانم بناء الري يتطلب أول كل شيء مسح قومي للموارد واالحتياجات ،
وخطة شاملة ،يصنع من داخلها خطط تفصيلية لكل منطقة حملية .وهكذا
يعمل املخططون على مستوين ،مستوى (( الق يادة العليا )) – هيئة صنع
السياسة املركزية – واملستوى امليداين الذي ينفذ القرارات .وال جاجة للقول
أبنه لن يكون هناك فصل جامد بني املستويني ،وال إحساس أبن أحدمها يفوق
اآلخر ؛ وعلى العكس فإنه سيتم تبادل أفراد اهليئة العاملة من املهنيني تبادالً
حراً ما بني القيادة العليا وامليدان ،وسيكون على اجلميع مسئولية املشاركة يف
قرارات التخطيط .
وهناك حاجة منذ البداية إىل وجود تقدير ما لنسب املهن املختلفة املطلوبة
لكل هيئة التخطيط .وحىت اآلن ،فإنه ال ميكننا إال أن نوضح نقطتني :أن
وطأة العمل سيتحملها املهندسون املعماريون ،وهكذا فإن كفتهم ترح ،كما
أهنم سيدعمون دعماً كافياً ابملتخصصني اآلخرين .وبصورة مبدئية ،ميكن أن
تقرتح أن يتكون فريقنا ابلكامل كالتايل :
122 - 8املهندسون املعماريون ،املخططون
82 - 0مهندسو ميكانيكا الرتبة
2 - 1املهندسون االنشائيون
82 - 9اقتصاديون
82 - 2اثنوجرافيون اجتماعيون
9 - 9جغراف يون
82 - 9إداريون
ويف حني سيعمل املهندسون املعماريون يف املهمة ابستمرار طيلة فرتة إعادة
االنشاء كلها – ألربعني سنة حبيث يظل هناك دائماً 122مهندس معماري يف
الفري – فإن بعض العاملني اآلخرين ،مثل اجلغرافيني واالقتصاديني سيكون
تناوهلم للعمل من نو العمل ملرة واحدة ن وأخرياً ،حبيث ميكن تقليل عدد
هؤالء اخلرباء مبرور الوقت على أننا ينبغي أن خنطط منذ البداية لفري متكامل ،
حبيث يتم على األقل متثيل هذه العلوم ويكون ذلك هبذه النسب تقريباً .
وعندما يستكمل املسح والتخطيط على النطاق القومي أو نطاق املنطقة ،
يكون قد حان الوقت بذلك لبداية برانم البناء الفعلي .فيتم اختيار إحدى
القرى ليزورها فري البحث .
واخلطوات األوىل يف الربانم تكون دائماً تنظيم اإلمداد ابلعمالة وجتهيز مواد
البناء .ويف ظل نظام التطو التعاوين ال ميكن اإلمداد ابلعمالة إال بعد أن يتم
حتليل السكان وتقسيمهم إىل مجاعات عائلية أو إىل بدانت .وتقسيم السكان
هذا يرتك كلية للقرويني أنفسهم .وعلى أي حال فإن العائالت جتمع أنفسها
طبيعياً ،وجيب أال يكون هناك ضغط على أي عائلة لتخل جمموعة بعينها
ألسباب من مثل حسن التنسي اإلداري أو تسهيل التصميم فلن يكون هناك
أدىن ما يشغل البال لو أن بعض البدانت تتأل من عشرين عائلة بينما تتأل
بدانت أخرى من مخس أو ست عائالت فقط .كما أنه ليس من سبب ألن
تكون أي جمموعة واحدة مقصورة على عائالت على صلة قرابة ؛ وإمنا يكون
العمل دائماً على االستفادة من النزعة الطبيعية جملموعات العائالت ألن تعيش
يف نفس اجملاورة ،على أنه قد حيدث أن عائالت ليس بينها أدىن قرابة ختتار
حقاً أن تعيش معاً .واملثل العريب يقول
(( اخرت اجلار قبل الدار )) وكما شرحنا من قبل يتم متثيل كل جمموعة عائالت
مبن يتحدث عنها – مسن أو شيخ – وهو الذي يربم كل االتفاقات مع اهليئة
املخططة ابسم أعضاء جمموعته ،ويكون هو الوسيط الدائم بني هيئة التخطيط
والناس يف جمموعته ،وسيطلب من العائالت األعضاء أن توقع إقرار تواف فيه
على إدراجها ضمن البدنة .
ويلي ذلك أن يطلب من كل عائلة أن تقرر مطالبها من احلجرات ،واحلظائر ،
واملساحة .وعندما نعرف عدد املباين اليت حتتاجها كل بدنة ،سيمكننا حساب
قدر العمالة – كذا لكل يوم – املطلوب اإلمداد به ،مع حساب فرتة السماح
املناس بة ألوقات مثل احلصاد حيث ال توجد عمالة ميكن االستغناء عنها من
احلقول .وعندما تتضح للبدنة متتماً ماهية مسئولياهتا ،تقوم اهليئة واملندوب
بتوقيع عقد ،يتف فيه على قدر معني من العمالة إلقامة عدد وحجم معني من
البيوت .
وبعد جتميع هذه البياانت ،جتهز خطة للقرية ،تبني وضعها احلايل ،وكيفية
تنميتها يف املستقبل ويبني على هذه اخلطة موضع وحدود كل جماورة عائلية ؛
ومساحة القطعة اليت ختصص للبدنة هي حاصل مجع مساحة البيوت الفردية مع
إضافة نسبة مئوية معينة من هذه املساحة مليدان اجملاورة والشوار الداخلية .
ويوقع كل مندوب مبوافقته على حتديد موضع جماور عائالته وذلك حسب
توكيل رمسي مينحه له أعضاء اجملموعة .
ويتم حتديد حدود كل جماورة عائلية على هذه اخلطة االتدائية ،أما التنظيم
الداخلي ،وحتديد موقع البيوت الفردية وشكل امليدان ،اخل .فكلها سوف
ينتظر التصميم التفصيلي هلذه البدنة عندما أييت الدور يف سياق البناء (( ذلك
أن العمل يف التصميم يستمر خطوة فخطوة مع االنشاء الفعلي حىت يتم إهناء
القرية )) .وهكذا فرغم أن مسار الطرق الرئيسية يتحدد منذ البداية هو
ومواقع املباين العامة واملساحات األساسية املفتوحة ،على األقل يف داخل
اجملاورة العائلية ،إال أننا لن نعرف ابلضبط .إال بعد ذلك بكثري ،أي أرض
تكون خاصة ( مواقع البيوت ) وأي أرض تنتمي للجمهور ( ميدان اجملاورة ) .
وعدم حتديد هكذا هلو أمر ضروري إذا كنا نريد أن نبسط مزااي التصميم
الفردي املتعمد على كل منزل يف القرية .واملهندس حىت يقوم بذلك ،حيتاج
وقتاً ؛ ولو توجب عليه أن يوقع الرسم التخطيطي لكل بيت على اخلطة قبل أن
يبدأ أي إنشاء يف أي مكان ابلقرية ،فسوف يكون املهندس املعماري جمرباً
على اللجوء إىل التصميم اجلموعي ،أي أن يضاع من تصميم مفرد عدة
مرات ،وهبذا فإن وجوده كفنان خالق يصبح أمراً غري ضروري مبجرد أن ينتهي
من رسم خطته األوىل هذه .ومادة البناء الرئيسية هي الرتبة ،اليت ستجلب من
حفر البحرية الصناعية .وهكذا فبينما يقسم القرويون إىل جمموعات من
العائالت ،ويتعرفون على مقرتحات البناء وتنظيم العمل ،تكون هذه البحرية و
البد قد مت حف رها ،ويف نفس الوقت يكون قد مت ختطيط احلديقة احمليطة هبا
وزرعها .
وموقع البحرية يتحدد حسب عوامل عديدة .فأوالً ،جيب أن تكون الرتبة
مناسبة لصنع الطوب .وهكذا تثقب حفر اختبارية يف املوضع املرغوب فيه
أبكثر ،وحتلل الرتبة بواسطة مهندس ميكانيكا الرتبة الذي سيقول إذا ما كانت
مالئمة لصنع الطوب أو هي مما ينبغي أن خيلط معه أي قدر من الرمل .وإذا
ثبت أن الرتبة عند أحسن موقع للبحرية غري مالئمة لصنع الطوب ،فإنه جيب
استخدام مكان آخر كمحجر للرتبة ،ويظل موقع البحرية يف املكان األحسن
الستجمام القرية ،بينما ميكن استخدام الرتبة احملفورة منها مللء موضع حمجر
الرتبة .واثنياً ،
ينبغي اختاذ موقع البحرية حبيث ميكن االستفادة من عادات القرويني .فإذا كان
لديهم موضع معني يذهبون إليه ابنتظام لالستحمام ( موردة ) ،فإنه ينبغي أن
يصبح جزءاً من البحرية حبيث يسلكون نفس املسارات كما من قبل والعوامل
األخرى اليت حتدد اختاذ موقع البحرية هي كالتايل :موضع الرت اليت ستغذيها ،
واجتاه الرايح السائدة ( الرايح الشمالية الغربية الباردة ) واجتاه الرايح العارضة
الساخنة احململة ابلرتاب ( من اجلنوب الشرقي ) ،وموضع مضرب الطوب .
وحيث أن البحرية ستكون يف املنتص من مساحة لشبه منتزه ،ستربد أشجار
من الريح وتنقيها ،فإن من األفضل اختاذ موقعها إىل اجلنوب الشرقي من
البيوت ،حبيث تعرتض الرايح اجلنوبية الشرقية احلارة .ومضرب الطوب الذي
جيب أن توضع الرتبة احملفورة ابلقرب منه ،ينبغي أن يكون قريباً نوعاً من
البحرية ،لإلقالل من صعوابت النقل ،ولكنه يف الوقت نفسه بعيداً عن
البيوت وأسفل اجتاه الريح ابلنسبة هلا بسبب الرائحة الكريهة لألفران ( أفران
حرق اجلري واطوب يتخذ موقعها يف مضرب الطوب ) وهكذا فإن املوقع األمثل
ملضرب الطوب هو إىل اجلنوب حىت اجلنوب الشرقي من البحرية واملنتزه ،
حبيث حتجبه أشجار املنتزه عن املقربة .
ومن الواضح أن حفر البحرية وتفريغ الرتبة ابلقرب من مضرب الطوب إمنا هو
من مهام وزارة األشغال العمومية .وميكن إهناء هذه املهمة يف أسابيع معدودة
ابستخدام ماكينات معدودة وسكة حديد ديكوفيل ،فذلك أسر كثرياً مما
يستطيعه الفالحون أبدواهتم اليدوية البسيطة .ومن املهم جداً أن يتم حفر
البحرية سريعاً ،لتوفري وقت مهندسي مصلحة األشغال العمومية الذين جيب أن
يقوموا ابإلشراف على ما هو يف احلقيقة عملية هندسية جداً معقدة ،ولتوفري
وقت أخصائي تربية األمساك وأخصائي البساتني من وزارةالزراعة ،الذين
سيشرفون على إنشاء مزرعة األمساك ورسم منظر اخللوي الطبيعي للمنتزه وزرعه
.ولو حفر البحرية كان يتم يدوايً خالل زمن طويل ،لتسرب املاء إليها قبل
إكماهلا ،وهي لو أثقلت ابملاء قبل أن يتم جتهيز نظام القنوات املغذية وأبواب
الغل ،فإن هذا املاء سريكد فيتوالد فيه البعوض .وفوق ذلك ،فإننا ينبغي أن
نستوث أننا قد حصلنا على كل الرتبة اليت سنحتاجها للقرية كلها قبل أن نبدأ
البناء ،حبيث ال حيدث توق بسبب نقص يف مواد البناء .
***
حلن الرتديد ( فوجه )
والطوب كما ميكن تذكره ،يصنع من تربة تطهريالرت حىت يتم لنا حفر البحرية
الصناعية ،ومن الرمل من
الصحراء ،و من القش الذي كنت أحاول شراءه .ولتوفري املياه خللط الطني
كنت قد اشرتيت أربع مضخات يدوية من القاهرة ؛ وكنا حنتاج سباكاً لرتكيب
املضخات وص يانتها ،وأحضر عبد الرسول يل ابن عمه الشيخ إبراهيم حسن ،
،وسرعان ما قام بتشغيل رجل ضخم خارق القوى ومزاجه جداً لطي
املضخات .وقررت تشغيل مخسة وعشرين فريقاً كل من أربعة رجال لضرب
الطوب ،وجهزهم يل عبد الرسول مبنتهى النشاط ،بل
وعرض أن يوفر يل مخسني أو مائة فري لو احتجت لذلك .وهذه الفرق
اخلمسة والعشرون تنت ما يقرب من 92222قالب طوب يف اليوم ،وبذا
سنتمكن من مجع رصيد طيب من الطوب قبل الوقت الذي يتهيأ فيه بناءوان
للبدء يف البناء .وضاربوالطوب هؤالء مل أيتوا يف احلقيقة من القرنة وإمنا من
قرى جماورة ،ذلك أنه يبدو عموماً أن احلرف تتجمع يف أماكن معينة ،حبيث
ميكنك مثالً أن جتد مائة ضارب طوب يف قرية واحدة و الجتد واحداً يف القرية
التالية .وكان هذا مما يؤس له نوعاً ما ،ذلك أن سياستنا كانت أن نشغل
كل العمالة يف القرنة إال العمالة املاهرة ابلذات .ولسوء احلظ مل جند يف القرنة
إال القليل جداً ! فقط أربعة حجارين واثنان من البنائني بني سبعة آالف ساكن
.
وكان ينبغي حتجري ما يلزم من حجر ألساسات القرية من أحد احملاجر ،إال أنه
مل يكن متاحاً غري مكانني قريبني وكان أحدمها مشال وادي امللوك ،فيما يلي
احملاجر القدمية للم لكة حتشبسوت ،و اآلخر على مبعدة يف االجتاه املضاد ،
إىل اجلنوب من وادي امللكات .واحملجر األول فيه حجر جريي صلب ،مالئم
لألساسات ،بينما الثاين فيه حجر جريي هش ال يصلح إال لصنع اجلري .ومل
يكن من السهل جداً حتجري احلجارة من أي منهما ،ذلك أن طبقات احلجر
اجل ريي كانت تتبادل مع طبقات مسيكة من كتل متجمعة تشبه اخلراسانة
اإلمسنتية وتستغرق إزالتها زمناً طويالً .وكان مما زاد مصاعبنا أسلوب العمل
السيئ للحجارين السابقني من القرنة ،الذين نسفوا كل احلجارة املتاحة
بسهولة أسفل سفح التل ،اتركني اجلزء العلوي معلقاً على حنو خطر للغاية .
واحلجار اجليد يقطع يف التل سلسلة من الدرجات .
وابلطبع مل تكن املصلحة لتطل لنا العنان يف منطقة آاثر هامة هكذا حىت
وننقل احلجارة حيثما نشاء ؛ وهكذا تكونت جلنة ،أتلفت من كبري ننس
مفتشي اآلاثر يف األقصر ،وأمني جبانة طيبة ،ورئيس حراس اجلبانة ،
ومساعدي ،وإايي .وحددان املنطقة املخصصة لنا ( ووضعت فيما بعد لوحة
صغرية على حمجران ،كما كان يفعل القدماء ،حتمل اتريخ اجملر والغرض منه ،
ولكن هذا ساء كبري املفتشني ،إذ رأى أنه تصرف ال يلي وأزال اللوحة رغم
أهنا كانت يف نطاق سلطة عملي ) .
ولتشغيل هذا احملجر انتويت إحضار حجارين من أسوان ،حيث مثة تراث مل
ينقطع من التحجري يرجع وراء إىل األسرة الثامنة عشرة ،عندما كانت املسالت
اجلرانيتية تش من احلجارة .على أنه مل يكن مثة دا إلحضار األسوانيني قبل
أن حنصل على املفرقعات ،اليت ثبت أن من الضروري هلا أن حنصل على
تصريح من وزارة احلربية .
كنت اآلن قد ضمنت احلصول على موادي اخلام ( فيما عدا القش ) هي
والعمالة ؛ وهكذا مل يب إال أن أمجع االثنني معاً .وملا مل يبد حىت اآلن أي أثر
للشاحنات ،فقد بدأت أستعرض وسائل النقل احمللية .وكانت من نوعني –
وغري ك ء ،على أن األمر سيكون أكثر اجلمال واحلمري – وكالمها مكل
تكلفة وأقل كفاءة لو أننا تركنا احلجارة تتكوم يف احملاجر والبناءون ينتظروهنا يف
املوقع ؛ ومل يكن يف استطاعتنا حتمل تكلفة التعطيالت ،وهكذا طلبت من عبد
الرسول أن ينظر يف اكرتاء بعض احليواانت .
وأول بناء لنا كان جيب أن يكون مكتباً للرسم .وحىت ذلك الوقت كان ما لدينا
هو خيمة املوقع ،الذي كان فيما عدا ذلك عارايً متاماً ،وكنا يف اخليمة ال
نستطيع أن نبسط قامتنا وحنن نعمل وال أن نغل على معداتنا أثناء الليل
ورأيت أنه ميكننا بناء البيت الذي يف الركن من الص التجرييب جبوار اخلان .
بناء مؤقتاً ،أقيم
ورغم أنه مل يكن لدينا حجارة لألساس ،فإنه أمكننا أن نقيم ً
على طوب حمروق ،مما يعطينا بعض مكان نرسي فيه أنفسنا من فوق املوقع .
وميكن حىت فيما بعد أن هندمه ونعيد بناءه أمنت .
وحىت يتم بناء ذلك طلبت من بغدادي أن يرسل إلحضار أربعة بنائني فوراً وأن
يطلب من اثين عشر بناء آخرين االستعداد للحضور .وطلبت منه أيضاً ستة
عشر حجاراً ،مث حولت انتباهي إىل األجزاء األخرى من جهاز العمل اليت هي
أكثر خلالً .كان بناءو الطوب قد أغاروا غارات كبرية على القش الذي اشرتيته
،أما القش الذي يفرتض أن تطلبه اإلدارة يل فلم يكن من املتوقع بعد وصوله ،
على أنه مل يكن هناك أي أثر الحتياجايت األخرى الشاحنات والسكك
احلديدية ،كما مل يصلين أي رد على خطاابيت لإلدارة اليت استفسر فيها عن
سري األمور ومل يكن يف هذا الصمت ما يريح ،وهكذا انتظرت حىت حضر
البناءون األ ربعة وبدأوا ببناء أول بيت ،مث أخذت القطار إىل القاهرة ألرى ماذا
حيدث .كما كان يف وسعي أيضاً أن أنتهز الفرصة لتقدمي شكوى بشأن
مساعدي الذي مل يكن ميكنين االعتماد عليه .
وذهبت إىل عثمان رستم ،واكتشفت أنه يتأهب ملغادرة القاهرة .فقد عني
مديراً ملدينة ايفا ؛ وكان هو الشخص الوحيد يف اإلدارة الذي يفهم خططي
ويشجعها ،وها هو يتم إرساله بعيداً .وعلى أي حال ،فقد أخربته كي أن
مساعدي قد خطط املسجد موجهاً إايه بعناية إىل فندق ونرتابالس يف األقصر
علي أن أعيد فحص كل شيء أعهد له
بدالً من أن يوجهه إىل مكة ،وكي أن ّ
ابلقيام به ،وكي أنه مشغول أبن حيدث انطباعاً يف رؤسائنا أكثر من أن يقوم
بعمله جيداً ؛ وطلبت بديالً له .مث استفسرت عن قشي ،ألجد أنه مل حيدث
إطالقاً أي إعالن بطلبه ،وأنه ليس من أمل يف احلصول عليه ملدة أربعني يوماً
آخر على األقل .
أما بشأن مساعدي فقد قال عثمان رستم أنه سيفعل كل ما بوسعه ملساعديت ،
وأخذين إىل مدير عام اآلاثر ،األب درايتون ،الذي واف على أن أحصل على
مساعد أفضل .ولكن من ؟ ما من مهندس معماري يف املصلحة يف القاهرة
يريد أن يغادرها ؛ ومعظمهم يف احلقيقة يعتربون بصراحة أن األقصر مبثابة املنفى
ومل أكن أريد مساعداً يعترب نفسه سجيناً لدي .وتذكرت أخرياً واحداً من
طلبيت ،صالح سعيد الذي كان يبدو مهتماً بنو املباين اليت أبنيها .واتصلت
به وسألته إن كان حيب أن أييت إىل القرنة .وقال أنه سيفعل ذلك ،وإن كان
والداه قد عارضا معارضة شديدة جداً ،وهكذا تك إعفاء مساعدي من مركزه
وحل صالح سعيد مكانه .
وال حاجة للقول أبن مساعدي الساب بدأ يف التو شن محلة ضدي ،ووجه
محلته هذه أول األمر إىل مساعدي اجلديد ؛ وأخذ خمتل الناس يهمسون له
حمذرين إايه من املكائد امليكيافيلية اليت تقلب حياة املوظ يف مصلحة اآلاثر
ومن امل كر الشيطاين ألهل القرنة أنفسهم .وابلطبع فقد اثر قلقه ،ولكنه مل
يذكر شيئاً .
حصلت من قسم
وبعد أن فعلت ما استطيع لتعجيل استالم شاحنايت وقشي ّ ،
الفيزايء األدوات اليت نسيها مساعدي وعدت إىل القرنة مع صالح سعيد .
ووجدان أن العمل قد تقدم تقدماً كبرياً يف أول بيت وأن هناك كميات جيدة من
الطوب واحلجر يف انتظاران ؛ وهكذا أرسلت يف طلب البنائني أالثين عشر
اآلخرين الذين كانوا متأهبني يف أسوان وذلك حىت أدفع ابلعمل يف ابقي ص
البيوت .وحضر البناءون وسرعان ما استهلكنا كل قشنا .وملا كنت ال أستطيع
إبقاء ضاريب الطوب والبنائني وهم يف انتظار ما سيفعله املوظفون ،فقد قررت
أن أشرتي القش من حساب يشرف عليه تفتيش األقصر لشراء البنود الصغرية
.وكان من غري املسموح أن نسحب من هذا احلساب أي بند تزيد قيمته عن
مخسة جنيهات ،وهكذا اضطررت لشراء قشي يف حفنات أو ما يقرب ؛ أي
مبا يساوي مخسة جنيهات كل يومني أو ثالثة .
أما مهمة تعيني العمال – اليت قام هبا عبد الرسول مبا يثري اإلعجاب حىت ذلك
الوقت – فكانت مهمة أاثرت حسد الكثريين ،ووصلين ذات يوم خطاب من
أمني اجلبانة ،خيربين أن بعض العمال عندي معروف عنهم أهنم لصوص مقابر ،
وهكذا فإنه ينبغي فصلهم .واستمر اخلطاب ليذكر أن األمني له ح اإلشراف
على شئون املصلحة يف هذه املنطقة ،ولذا فإنه صاحب احل يف تعيني العمال
بناء على حتريض
،وهو ح يطلب مباشرته فوراً .وفهمت أن زعمه هذا كان ً
من خفرائه ،الذين أرادوا أن يكون هلم يد يف تشغيل العمال ،وأنه هو نفسه مل
يكن حقاً ينبغي هذا ،وهكذا فقد رددت عليه ،مبيناً أن إحدى الفوائد
املتوقعة من مشروعنا هي أنه سيبعد الناس عن سرقة املقابر ،حبيث أننا ينبغي
أن نرحب أبكرب عدد ممكن من لصوص املقابر .وعرضت عليه أيضاً أن أجعله
املسئول األول عن جلب العمال لو أنه وعدين كتابة أن يوفر يل العمالة اليت
أحتاجها ابلقدر الكايف يف الوقت املناسب ،حبيث ال يتعطل البناءون .ويف
احلال ختلى عن مطلبه .
وكان مثة املزيد من املتاعب بشأن استخراج الرمل – وهو ليس ابلذات من
املعادن النادرة يف مصر ،ولكن عندما ذهب عمايل حلفر بعض الرمال ،خرج
إليهم س كان أقرب جنع وأوقفوهم قائلني أن العمال أغراب وليس هلم احل يف
حفر الرمال هناك .وكان ذلك اثنية بسبب اعتقاد القرويني أنه كان جيب أن
يعطى العمل هلم أنفسهم .
***
-املسجد يف 8191
القرىن املاكر:
ذات يوم أتى واحد من أهل القريه كان رجال ضخما يداه يف ضخامة مضرب
عند الباب وهو يثنيهما معا يف اضطراب انظراً إىل األرض التنس ,ووق
مغمغماً وهو يق ّدم نفسه يف خجل .إنه الشيخ حممود ،وقد أتى ليخربين مبدى
إعزازه يل .وهو يعتقد منذ زمن طويل أين رجل طيب جداً ؛ ومهندس معماري
دستة من أي من املوظفني معروف ،وإداري أمني نشط ،وأين أساوي نص
اآلخرين يف املصلحة .وتضرج وجهي تواضعاً ،وانتظرت ألرى ماذا يرد .
وواصل حديثه حمذراً إايي من املؤامرات األفعوانية اليت حتدق يب ،وأدىل يل جماانً
مبعلومات وافرة عن النوااي الشريرة لكل من قابلته يف القرنة ،وتوسع يف ذكر
مصري العديدين من املوظفني سيئي الطالع ممن اختذوا مكاانً هلم يف الفولكلور
املصري عندما وقعوا ضحية للمكائد املصلحية .وأهنى حديثه وسط شالل
آخر من اجملامالت ،أبن قال أنه سيعد تنازيل بشرب القهوة معه يف اليوم التايل
أكرب شرف يناله يف منزله .ووافقت وقد ضعفت نوعاً أمام فصاحته ،ولرغبيت
أيضاً يف معرفة أهل القرنة معرفة أوث .
ويف اليوم التايل ،يف الساعة العاشرة ،ذهبت إىل بيته حيث استقبلين ابملزيد من
التحيات السلطانية ،اليت كنت سأرحب هبا أكثر لو أتتين مثالً من املدير
اجلديد الذي حل مكان رستم ،وهو مثال للموظ احلكومي املهم مل أشعر
ابي ارتياح له .ودعاين حممود للداخل .ودخلت وذهين مملوء ابحلكاايت اليت
تروى عن كرم الضيافة اهلائل البدائي عند الفالح ،وأان أدرك متاماً حسن حظي
يف أين قد دعيت هكذا ألشارك هذا الرجل قهوته ،بينما أحس أيضاً بشيء من
العصبية خشية أن أفعل ما يسئ بطريقة ما للقانون السلوكي الصارم الذي
يسود بني هؤالء القوم الذين وإن كانوا فقراء إال أهنم ذوو نبل .وقدم الرجل يل
زوجته – وهذا يعد تبسطاً مذهالً بني أفراد عشريته – وأمسكت هي بيدي
وقبلتهما بقوة وأان حمرج أميا حرج .مث جعلين أجلس ،وبينما كان يقدم قسط ًا
آخر من حتياته وحكاايته احملذرة ،أتت زوجته ومعها علبة سجائر قدمية من
الصفيح متتلئ ابجلعارين وأبحجار شبه نفيسة – عقي وما أشبه – ودفعت
بذلك بني يدي ،بينما أمرين هو أن اختار أايً مما أشاء .وقلت له (( إنه أان
الذي ينبغي أن أحضر لك اهلدااي )) (( إن هذا ال يلي مطلقاً )) ورفضت ،
بينما هو يلح ،ولكين مل آخذ شيئاً ؛ وهكذا وضع الصندوق بعيداً ،وذكرين يف
شيء من االحتداد أنه حىت النيب قد قبل اهلدية .مث عاد ابحلديث إىل املوظفني
املهمني الذين عرفهم – الربوفسري فالن والدكتور عالن – وشرح يل أهنم مجيعاً
عرفوه ووثقوا به ،وأنه يف احلقيقة الرجل الوحيد الذي وثقوا به .وأخرياً طلع هبا
.هل ميكنه أن يعمل كمالحظ ؟ إنه حيرتم أقصى االحرتام يف القرية ويستطيع
أن يضمن يل أال يشغل أحداً إال من كان رجالً أميناً جاداً يف عمله .ومركزة
أخرى ابرق طريقه ممكنة ،على ذكر ما هو معروف عين من فطنة وعدالة ،
وهز رأسه يف أسى وهو يذكر قصة موظ كبري آخر ،أصم أذنيه عن كل
نصيحة خملصة ،فدبرت له املؤامرات وفصل من اخلدمة على حنو شائن وما
إيل يف جد ،وأقسم بكل
،وأمسك بيدي وأنزل عينه حمملقاً ّ لبث أن وق
وأعظم األميان املقدسة يف ديننا أنين ال بد أن أشرب فنجان القهوة .واحلقيقة
أين شعرت أنه ال بد يل من ذلك ،فقد بقيت اآلن هناك طيلة ساعة ونص
الساعة .مث مر الوقت ،وحممود ما زال يثرثر ثرثرة متصلة ،وهو من آن ألخر
النهار يلمح بشدة إىل العمل الذي يطلبه ،حىت أتت زوجته حوايل منتص
ومعها صينية كبرية .وانتعشت معنواييت ،وكدت أحس بطعم القهوة وهي
تنبهين وتنعشين ،مث وضعت الصينية حبيث أمكنين رؤيتها .وكان يقبع عليها
منط من الطهي الفالحي هو أكثر ما رأيت تنفرياً وقذارة وصفاراً وامتالء
ابلشحم .
كانت تلك الفطرية ،فطرية ضخمة لزجة ،أصابين جمرد النظر هلا بتسم غذائي
.ومر بذهين كل احلكاايت اليت مسعتها عن الكربايء القروي ،وكي أهنم
حساسون ،يسار إليهم الشعور ابملهانة عند أدىن ابدرة .وفكرت ابلبدوي
الذي ينحر آخر مجل لديه إلقامة وليمة لعابر سبيل عارض .مث فكرت يف
موقفي بني أهل القرنة ؛ واختذت قراري .وهنضت واقفاً وأقسمت أبعظم
األميان املقدسة يف ديننا أنين إان أتيت لشرب القهوة وليس ألتسمم ،وأنين لن
أملس لقمة من فطريته املقززة ،وأين إن مل أصب شيئاً من القهوة فسوف أرحل .
ومل يبد عليه أنه قد أحس ابإلساءة كثرياً ؛ وهكذا جلسنا وانتظران برهة أخرى .
وبعد ربع ساعة أو ما يقرب ،وصلت القهوة .وتناولت الفنجان ممتناً وكنت
على وشك أن أشرب منه عندما رأيت أنه مسود ابلقذارة ،وأن من الواضح أن
حرفة املشطوف امللوث مل ير قط أي ماء وال منشفة ،ومل أستطع أبداً أن أضعه
على شفيت .وعندها كانت مشاعري متاماً فيما يتعل إبيذاء املشاعر القروية ،
وال بد أن الشيخ كان قد أخذ يتعود على وقاحة أهل املدينة ؛ ووضعت القهوة
ألسفل وشكرت مضيفي أبدب ،ورحلت ،وأان أدير يف رأسي املشاريع إلقامة
مركز صحي ميكن لنساء القرنة أن حيضرن فيه دروسا عن الطهي .وحىت أوز
العمل أبكثر ما ميكن عدالة ،رأيت أن أسأل شيخ كل جنع أن يعطيين قائمة
بكل األفراد الالئقني يف النجع كعمال ،حبيث ميكنين تعيني عدد معني من
العمال من كل جنع ،يتناسب وعدد سكانه .وكتبت للمشايخ أشرح فكريت ،
علي ( .واكتشفت فيما بعد أهنم يرفضون اإلقرار على ولكن أحداً مل يرد ّ
الورق أبي شيء قد يفسر فيما بعد على أنه يدل على املوافقة على نقل القرنة
إىل املوقع اجلديد ) .وأخرياً أحضرهتم مجيعاً يف بيت الشيخ حممود ،الذي كان
ابناً للشيخ الطيب ،ذلك الرجل املبجل .وأخربين املشايخ يف اجتماعنا أهنم
قد فوضوا من قبل عبد الرسول والشيخ حممود – صديقي صاحب الفطرية –
تفويضاً كامالً جلمع العمال نيابة عنهم .وهكذا وصل املر يب يف النهاية إىل
حممود ؛ و الشك يف أ نه قد مارس دبلوماسيته على إخوانه املشايخ مبا فيها من
أفضل أتثري .
ورأيت أن األفضل أن أفصل فصالً حازماً وحمدداً بني دائريت نفوذ عبد الرسول
وحممود .وقد اثبت عبد الرسول نفسه ابلفعل كمالحظ عمال جيد جدير
ابلثقة ،وكان عارفاً ابلعمل يف املوقع ،وهكذا تركته مسئوالً عن كل العمالة غري
املاهرة هناك – ضاريب الطوب ،ومحايل املواد .أما الشيخ حممود فقد أرسلته
بعيداً إىل احملاجر ليجمع العمالة غري املاهرة ويشرف عليها هناك عيب واحد يف
جعل عبد ال رسول مالحظ عمال ؛ فمن املؤكد أنه كان أييت ابلعمالة ،ولكنه
كان يتحمس لذلك أبكثر مما ينبغي .ولو كان األمر بيده جلعل القرية كلها ،
ونساء وأطفاالً يف قوائم عمالنا .وقد أحضران ذات مرة سباكاً لتغيري
ً رجاالً
الفلكة ( الوردة ) إلحدى املضخات ،واكتشفت يف هناية الشهر أنه مازال
يعمل عندان .وأصبح من املستحيل عملياً متابعة كل العمال الذين أخذوا
والتثبت من إجناز العمل ،ومل يكن صالح سعيد التعس يفعل شيئاً طول يومه
إال أن جياهد مع قوائم األجور واإليصاالت .ويف النهاية جلست هلذه املشكلة
،وبعد أربعة عشر يوماً من اجلهد املركز خرجت بنظام حماسيب حمكم ميكننا من
أن نعرف ابلضبط من الذي يدفع له األجر ،وعن أي عمل ،وما إذا كان قد
أجنز هذا العمل .وحسب هذا النظام الذي شرحته شرحاً اتماً يف امللح ( ) 8
،ال ميكن لعامل أن ينال أجراً لعامل أن ينال أجراً إال إذا كان هذا مسموحاً به
حسب تقدير قد مت صنعه قبل أن يتم أي جزء بعينه من العمل .وهذه
التقديرات تقدر حسب قواعد معينة قد وضعناها ألنوا العمل املختلفة .وقد
مكننا هذا النظام أيضاً من ان ندرك يف حملة حالة موادان للبناء ومواردان املالية
وأن نستخرج من حساابتنا الضخمة ،التكلفة املعينة ألي بناء مبفرده .بل إنين
أستطيع اآلن أن أحدد لك ألقرب قرش سعر كل عنصر منفصل يف احد
البيوت ،وكأنين أبيع يف دكان أشياء مسبقة الصنع من قباب ،وجدران ،وأقبية
؛ وميكنين مجع األسعار ألخربك كم سيكلفك منزلك املكتمل .
وعندما مت تنظيم العمالة والتحكم فيها هكذا ،أخذت يف تشغيل املزيد من
البنائني يف مهمة البناء احلقيقية .وأحضرت اثين عشر بّناء آخر من أسوان
ووجدت البعض يف األقصر ،حبيث مل ميض وقت طويل إال وكان عندان أربعون
بنّاء كلهم يبنون البيوت أبسر ما ميكنهم .وركزان على جماورة اخلان .وبدأ أول
شار ينمو لتتضح معامله سريعاً جداً .وكنت جداً منفعل إذ أرى قرييت وهي
تتخذ شكلها حتت عيين ،وكان صربي جد انفذ حيال كل ما خنربه من
تعطيالت .وحفران أساسات املسجد ( وقد وجه التوجيه الصحيح هذه املرة )
وكنت سأبدأ العمل فيه أيضاً ،ولكننا كنا مازلنا نعتمد على اجلمال يف احلصول
على حجارتنا ،وكان وضع أساسات املسجد يتطلب حجراً أكثر مما ميكنه
توفريه هكذا ،حىت ولو أوقفنا كل عمل آخر ،ذلك أنه كان مبىن كبري جداً .
وكنت أنتظر الشاحنتني اللتني طلبتهما مبجرد أن عرفنا أبننا حصلنا على املوقع
يف أغسطس . 8192وأخرياً يف 82ديسمرب 8192وصلت شاحنة واحدة ،
وكانت األخرى قد وصلت حليازة املصلحة ولكنها خصصت ألحد األثريني ممن
هلم أصدقاء أكثر مين .وبعملية حسابية بسيطة تبني أننا هبذه الشاحنة الواحدة
سنستغرق ثالث عشرة سنة لننقل إىل موقع احلجارة املطلوبة لألساسات وحدها
.وبينت ذلك للمصلحة يف خطاب ،وذكرهتم أيضاً أنين مل أتسلم معدات
التحجري اليت طلبتها .
وال حاجة للقول أبنه مل يكن هناك بعد أي أثر للقش ،وسرعان ما تنامت هذه
املشكلة لتصبح أكرب مشاكلي .واضطرت الختصار عدد فرق ضاريب الطوب
من مخسة وعشرين فريقاً إىل مثانية ،وابلتايل حذفت عدداً من البنائني ،
وا حتفظت فقط ابألسوانيني ،الذين مل أكن استطيع إعادهتم اثنية لبلدهم البعيد
.وكان هؤالء الرجال قد عانوا من قبل مبا يكفي بسبب ما حيدث من أتخري
طويل قبل أن تصلهم أجورهم ؛ وكان على الكثريين منهم أن ينتظروا ،وأن
يظلوا يعملون لشهور ثالثة قبل أن يروا أي أجر على اإلطالق .وكان أهل
القرنة يتمكنون يف سعادة من هؤالء الرجال التعساء ويقرضوهنم الطعام والنقود
بفائدة ابهظة ،حبيث مل ينل األسوانيني شيئاً قط من عملهم يف القرنة ،وذلك
فيما عدا قلة منهم .
***
القشة اليت قصمت ظهر البعري :
حىت أجعل حركة العمل مستمرة ،واصلت شراء القش بكميات كبرية ضئيلة
من حساب احتياجاتنا البسيطة احملتفظ به يف األقصر .وهذا احلساب ال يزيد
رصيده على عشرين جنيهاً ،وهكذا فإن تكرار شرائنا للقش خبمسة جنيهات
كل يومني أو ثالثة ،كان يستنفذ هذا احلساب ابستمرار ،واحلقيقة أنه ما كان
ينبغي أن استخدم هذا احلساب هبذه الطريقة ،ولكن البديل الوحيد لذلك كان
أن أتوق عن العمل متاماً ،األمر الذي سيكون أكثر تكلفة إىل حد بعيد .
وتصادف حوايل ذلك الوقت أن مسعت من أحد األصدقاء عبارة مفيدة جداً :
(( إنين أعدك مسئوالً عن إهدار األموال احلكومية )) .وكتبت إىل اإلدارة
أل خربها مبا أصاب عملنا من بطء واهتمتهم إبهدار األموال احلكومية إذ مياطلون
بشأن القش .ومن الواضح أن ذلك أصاب منهم موضعاً حساساً ،ذلك أهنم
ابتكروا خطة ابرعة للتخلص هنائياً من كل مشرو القرنة .
واحلقيقة أهنم قاموا فعالً ابستعجال مسألة احلصول على عطاءات لإلمداد
ابلقش ويف البت يف هذه العطاءات ،ولكنهم يف دهاء ابلغ كلفوا املوظ الذي
أرسلوه لتسيري إجراءات البت مبهمة إضافية هي أن يوجد أي عذر إليقاف
املشرو كله .
وبعد بضعة أايم من استطال مثابر ،كتب هذا الشخص تقريراً ألسياده بوجود
خمالفتني خطريتني يف عملياتنا .فقد حولنا حساب املصروفات الصغرية احمللي
ألغراض خبيثة إبنفاقه كله على القش ،كما أن معظم هيئة العاملني عندان غري
مؤهلني لوظائفهم .وهذا االهتام الثاين وإن كان ما يربره ،إال أن من الغريب أنه
علي .
أييت من نفس املوظفني الذين فرضوا هؤالء املساعدين غري املؤهلني ّ
وعلى كل ،فقد جنحت خطتهم ،ومت أبسر وقت اختاذ قرار بوق العمل يف
القرنة فوراً ونقل كل املسئولية أبسر ما ميكن إىل وزارة ما أخرى .وجتسد هذا
القرار يف تقرير كبري دار على كل املصلحة لتجمع عليه التوقيعات واألختام .
ووصل أخرياً إىل مكتب وكيل الوزارة شفي غرابل ،إال أنه بكل ما هو أهل له
من ثقة عظيمة ،مل ترهبه التوقيعات املكدسة ألفراد مصلحته ورفض أن يوقع
عليه .
وكان من هذا الرفض غري املتوقع أن أسقط يف يد املتآمرين متاماً ،ووجدوا
أنفسهم يف التو وقد وقعوا يف شباكهم هم أنفسهم .ومت صرف املوظفني غري
املؤهلني وسرعان ما عرفوا أن اإلدارة هي اليت صرفتهم .وأحسوا أبشد النقمة
على رعاهتم السابقني وأخذوا يف نشر الشيء الكثري من الشائعات اخلبيثة ،اليت
مل أل مسعاً إليها ؛ وكنت جداً سعيد ابلتخلص منهم ،ومل اهتم أدىن اهتمام
بتربير شأهنم األمر الذي رمبا يؤدي إىل إعادهتم .
كان املتآمرون جداً واثقني من النجاح حىت أهنم توقفوا عن شراء املزيد من مواد
البناء ،وهكذا فعندما عاد نظام الشراء إىل فعاليته اثنية كانت السنة املالية قد
انتهت .وحىت استفيد مبا تبقى من ميزانيتنا اشرتيت مواسري للمياه للمشرو
كله – 82.222مرت ؛ ورغم هذا فقد أعدان للمالية 9222جنيه مما كان
الشهر من بني عشرة ، خمصصاً لنا .وقد عملنا إمجاالً ثالثة شهور ونص
وبنينا شارعاً واحداً صغرياً .
خطة لكسر اجلسر :
، 8199مسعت إشاعة يف الوقت الساب مباشرًة لرحيلي لإلجازة يف صي
مزعجة للغاية .فقد قيل أن بعض أهل القرنة خيططون هلدم القرية النامية أبن
يكسروا اجلسور اليت حتجز مياه النهر بعيداً أثناء الفيضان السنوي .وكما سب
أن شرحت ،فإن الكثريين من أهل القرنة مل يكونوا سعداء على اإلطالق ملا
يرتقب من أهنم سيغادرون أكواخهم اليت جتلب هلم الربح مبوقعها بني املقابر ،
وأهنم سيكون عل يهم أن يعملوا ليكسبوا عيشهم .وسيكون من السهل عليهم
جداً والنهر يف قمة فيضانه أن يتسللوا زاحفني يف ليلة ظلماء وينقبوا اجلسور
اليت حتمي احلوش .وعلى الفور اختذت احتياطايت ؛ واشرتيت الكثري من حزم
البوص لتساعد يف سد أي ثغرات قد يتم إحداثها ؛ ونظمت حراسة دائمة من
اثين عشر خفرياً حلراسة اجلسر الغريب ( وكان هذا جسراً خاصاً ميتلكه كامل
بولس ؛ أما اجلسور الثالثة األخرى فتمتلكها احلكومة وكانت خمفورة جيداً ) ؛
وجعلت عمدة القرنة يوقع إقراراً أبنه هو نفسه املسئول عن سالمة القرية
اجلديدة ؛ وبلغت اإلدارة هي والرئيس احمللي للشرطة ابلتهديد وما اختذته من
إجراءات ضده .وكان فيضان النيل يف ذلك العام عالياً علواً غري معتاد ،
ولكن أحداً مل حياول إدخاله إىل القرنة اجلديدة .
***
املوسم الثاين 8199 - 8199 :
القش اثنية :
رغم أننا اآلن قد حصلنا من حيث املبدأ على إذن بشراء املواد واملعدات ،إال
أنه كان علينا أن نبدأ اثنية منذ البداية أبن ندعو لعطاءات توريد القش .
وهكذا مل حنصل على القش يف املوقع إال يف 82أكتوبر ، 8199واستطعنا أن
نبدأ العمل .وكان لدينا أيضاً إذن بشراء ثالث شاحنات أخرى ،ولكنها مل
تظهر إال يف وقت متأخر جداً عن ذلك ؛ كما مل يظهر مساعدوان اجلدد
املؤهلني مبا يناسب ،والذين عينوا من منطقة قنا .وطوال ذلك الوقت كان
املدير اجلديد للقسم اهلندسي الذي حل مكان رستم معوقاً للغاية .وكتبت له
مراراً وتكراراً عن الشئون العاجلة املتعلقة ابلقرنة – وذلك غالباً بشأن عدم
ظهور الشاحنات واملساعدين – ومل يرد على أي من خطاابيت .
ورغم هذه املزعجات فإن العمل بدأ بداية جيدة جداً ،وبنينا معظم ساحة
السوق ،وأمتمنا اخلان ،وأعدان حفر أساسات املسجد .ويف نوفمرب 8199
أنبئت أبن مبلغ ال 82.222جنيه املسموح به يل يف هذا املوسم مل يب يل منه
إال 9118جنيهاً .وكنا قد اشرتينا ابلفعل معظم موادان ،وملا كانت قائمة
أجوران الشهرية تبلغ حوايل 8222جنيه ،فقد حسبت أننا نستطيع العمل
لسبعة شهور أخرى ،حىت هناية يونيو . 8199مث وصلين يف 01ديسمرب
8199خطاابً من إدارة احلساابت يقول أنه مل يتب لنا إال 8921جنيهات (
رغم أنين مل اشرت شيئاً منذ نوفمرب ومل أدفع أكثر من أجور شهر واحد )
وحذرتين إدارة احلساابت من أنين لو تعاملت ابلدين ألجور أبكثر من هذا
املبلغ فإن اإلدارة لن تسد هذا الدين .وكما اتف ،كنت قد أنفقت ابلفعل
إيل ،وعلى أي حال فما كنت أكثر من هذا املبلغ عند وصول اخلطاب ّ
أستطيع أن اخرج للمأل وأخرب كل واحد أن يرمي معداته ويعود لبلده .وكتبت
رداً غاضباً ألقول أننا ال نلعب يف روضة أطفال ،حىت نبدأ العمل مث نوقفه
املكتملة ال ميكن تركها كل بضعة أسابيع ،وأن لدينا عدداً من املباين نص
على هذا احلال .وعلى أي حال فما كان ميكننا أن نواصل العمل دون نقود؛
اثنية يف يناير ، 8199ليستأن يف سبتمرب . وهكذا انتهى العمل ابلتوق
***
املضخة :
أثناء املوسم الثاين القيت املثل السيئ ابلذات للموظ الذي يستخدم مركزه
البتزاز فالح ال حول له .فقد وجدان أن املضخات اليدوية اليت كنا نستخدمها
إلمداد املوقع ابملياه ال تستطيع إمداد مبا يكفي :وابلتايل فقد طلبت من
علي ليخربوين أن احملرك واملضخة
اإلدارة وحدة مضخة مبحرك .وردوا ّ
سيتكلفان 892جنيها واملواسري 992جنيها إبمجايل 922جنيه .وملا كان
هذا أكثر مما نستطيع حتمل تكلفته حقاً ،فقد أخذت أحبث عن طريقة ما
للتوفري .وعندما أصبح معروف أىن أطلب مواسري ،ذكر يل إبراهيم حسن أن
لديه ما يقرب من 02مرت من املواسري فوق أرضه مل يعد حمتاج إليها وعرض أن
يبيعها كلها يل وأن يركبها يف املوقع مقابل 92جنيها .وأوصلت هذا العرض يف
علي .وكتبت مرة اثنية ،ووصلين خطاب التو إىل اإلدارة ،وكالعادة مل يردوا ّ
ابلرد من اهلندسة امليكانيكية يقول أن الثمن منخفض ج ًدا ج ًدا ج ًدا _ مبا
يشري إىل أن هذه املواسري ال ميكن أن تكون جداً صاحلة .ومر شهران ،
وأخربتين اإلدارة أثناءمها عندما حدث وردت على خطاابيت ،أن هذا الطلب
جيب أن يتم عرضه على وزير املالية ليواف عليه ؛ على أهنم مل يرسلوه عليه ،
وبقيت دون مضخيت ،وإن كانت قد حسب حساهبا ابلفعل ضمن املشرتوات
اليت التهمت ميزانية هذا العام ،وسوف توضع يف ميزانية العام القادم إن مل يتم
شراؤها وتركيبها أثناء موسم العمل اجلاري .وكنت من قبل منزعجاً للطريقة
اليت يبدد هبا البريوقراطيون النقود -فمثال يف حالة الشاحنات الثالث اليت
طلبنا شراءها أخربان أننا جيب أن أنخذ معها هياكلها املصنعة تصنيعاً خاص هلا
بسعر 022جنيه للهيكل الواحد ،بينما توجد هياكل من خملفات اجليش تبا
بسعر 82جنيها للواحد -وهكذا كتبت خطاابً أبني فيه أين أحاول أن أوفر
982جنيها من ميزانيتنا ،وكررت هتديدي أبين سأعد اإلدارة مسئولة عن
إهدار األموال احلكومية .وجعلهم هذا التهديد ميرون الطلب إىل وزارة املالية؛
وبعد ذلك مباشرة كنت يف مكاتب املصلحة عندما مهس يل أحد املوظفني هناك
أبن من احلكمة أن أحصل على املواسري مقابل 92جنيها؛ وملا كنت أان الذي
قلت مببلغ اخلمسة واألربعني جنيها ،فإنين مل أفهمه وقتها ،وظننت أنه حياول
يتواقح .وعدت إىل القرنة والحظت أن إبراهيم حسن الذي كان عاد ًة حيرص
على احلضور للقائي يف احملطة ،كان غائباً مما ينذر ابلسوء .وعندما مل يظهر
طول اليوم ،أرسلت أحدهم يف طلبه وقال الرسول أنه يف األقصر ؛ وهكذا
أرسلت مرة اثنية يف اليوم التايل ،ونبهت على الرسول أال يعود بدونه .وحني
متك إحضار إبراهيم يف النهاية لرياين ،أخربين أنه قد سحب عرضه ،الذي كان
منخفضاً جداً جداً جداً ،وأن عملية دق املواسري تكل وحدها أكثر من 92
جنيهاً ،وأن مثن املواسري نفسها سيكون 922جنيه .وغضبت منه أشد
الغضب ،ومل يفلح توبيخي له يف زحزحته وقررت يف النهاية أن أجعله يفسر
مسلكه هذا على املأل .وطلبت من عديد من أقاربه أن ينضموا إىل مساعديت
وإىل الناس الذين مسعوه ابلفعل وهو يقدم عرضه حبيث ميكننا أن نشكل نوعاً
من (( حممكة قبلية )) يستطيع إبراهيم أن يفسر فعلته أمامها .ورفض إبراهيم
أن يذكر شيئاً من أنه ال يستطيع تنفيذ عرضه ،ومل يزد على أن ظل واقفاً هناك
يف عناد وقل .ويف النهاية علقت مبرارة بقويل أن الواحد يستطيع أن حيدد مثن ًا
ملعظم األشياء ،على أن اإلنسان هلو فوق أي مثن إال لو وضع لنفسه مثناً أبن
يسحب كلمة الشرف منه .واآلن ،فإين أعرف مثن إبراهيم .إنه 922جنيه .
إيل أحد أصدقائي
وميكنين أن أكتبه على بطاقة ألصقهاعلى ظهره .مث التفت ّ
ممن كانوا يرقبون هذ ه اإلجراءات ،وهو املصور دميرتي اباب دميو وقلت له
ابإلجنليزية (( ،كم كنت أود لو أين تعاملت مع جاري ( الشيخ علي ) .فأان
أعرف أهنم مجيعاً ميكنهم فهم اإلجنليزية ،وأن تعليقي سيكون له أتثريه أعظم
ألنه يف الظاهر غري موجه هلم .وعندها قفز الشيخ على قدميه وصرخ يف
إبراهيم (( :ال ميكن أن يكون بيننا يف العائلة رجل خيل بكلمته .وأقسم لك
اآلن أننا سوف نرميك ابلرصاص )) .وعندها اهنار إبراهيم التعس وأخذ يبكي
.وأخرياً قال أنه سيذكر لنا احلقيقة كلها .فقد جاء من القاهرة املهندس
امليكانيكي للمصلحة ومعه رئيس قسم املخازن ،وأحضر إبراهيم إىل مكتب
األمني ليلقاهم .وهناك يف حضور أحد كتبة التفتيش ،سألوه عن عدد ما حيوزه
من فدادين األرض .وأجاهبم إبراهيم أهنا مخسة (( .إذن فسوف تفقد
الفدادين اخلمسة كلها لو قمت بتلك العملية مقابل 92جنيهاً .إن الثمن
املالئم للمواسريهو 922جنيه .لقد غشك فتحي ،وعلى أي حال فإنه ليس
لديه سلطة التوقيع على هذه العملية ؛ وأان من له هذه السلطة .وإذا مل
تعدلتخربه أبن الثمن هو 922جنيه ،سنخرب بيتك أنت وعائلتك
كلها )) .
وقلت إلبراهيم بعد اعرتافه هذا أنه كان ينبغي أن حيضر يل يف التو .وشرحت
له أن سعره األصلي كان سعراً عادالً ،ألن الثمن اجلاري للمواسري هو 12
قرشاً للمرت ،مما جيعل كل إمجايل مثنها حوايل 81جنيهاً ويبقى 09جنيهاً لدق
املواسري .
وإذ هدأت من روعه هكذا ،واف على سعره األصلي ووقع أمام كل الشهود
اتفاقاً هبذا املعىن ،وهو مازال يبكي .وعل دميرتي أبنه يبكي إبحدى عينيه
خجالً وابلعني األخرى حسرًة على اجلنيهات السبعمائة .وبعد هذا الدليل
املذهل على سوء النية املتعمد عند أفراد بعينهم يف املصلحة ،مسحت لنفسي
بتصرف واحد من املكر الدنئ حىت أكشفهم .وأرسلت خطاابً للمدير العام ،
ولكين مل أذك ر فيه شيئاً عن االتفاق النهائي مع إبراهيم ،حبيث ال يدري أحد
أن العملية سوف تتم رغم كل شيء مقابل 92جنيهاً .وسألت فحسب كي
جيرؤ هؤالء الناس على االتصال أبحد املوردين يف حماولة ألن جيعلوه خيل ابتفاقه
.وجاءين رد غريب جداً ،يذكر أن املهندس امليكانيكي قد اتصل إببراهيم قبل
أن تصل لإلدارة موافقة وزير املالية على طليب ،فليس هناك أي خمالفة .
واستطرد اخلطاب ليقول أنين اآلن ملزم إبهناء العملية مبا ال يزيد على 92
جنيهاً .وكان هذا اخلطاب شاذاً يف أنه قد مت توقيعه من املدير العام نفسه دون
أي توقيع آخر .ومل يكن عليه حىت وال احلروف األوىل السم الطابع .إال أنه
كان ابللغة العربية ،واملدير العام – مسيو درايتون – ال يستطيع القراءة العربية
( فهو وإن كان يوقع امسه ابلعربية ،إال أنه كان يرسم هذا التوقيع )
ورغم هذا فقد رددت خبطاب أطلب فيه حتقيقاً رمسياً يف تصرف املهندس
امل يكانيكي ،ورئيس قسم املخازن ،وكاتب التفتيش .وذكرت أيضاً أن العملية
املذكورة قد مت إجنازها مقابل اجلنيهات اخلمسة واألربعني املتعاقد عليهاً أصالً ،
مبيناً بذلك فشل املؤامرة .ومل يصلين رد على هذا اخلطاب .
ويف وقت الح ،حينما أظهر القصر اهتماماً ابلقرنة ،أرسلت تقريراً هبذه
املكيدة ابلذات ،ووصلين يف التو برقية من وكيل الوزارة تقول أن اهتامايت
خطرية للغاية وأنه سيأيت شخصياً لتقصي األمر .
وأتى الوكيل مث أرسله حمامياً من املصلحة .وفيما كنت أروي القصة هلذا احملامي
،ظل يتواثب مراتعاً وهو ال يكاد يصدق أذنيه .مث قال (( ولكن هل لديك
دليل كتايب ؟ )) وكنتيجة لتحقيقاته تبني لنا أن املهندس امليكانيكي طاف على
كل موردي مواد البناء يف األقصر ،حمذراً إايهم من أن أحصل حىت على بوصة
من املواسري .ومن الواضح أن الرجل كان مصمماً على استخدام هذه العملية
لتخريب املشرو كله .ومسعت أيضاً أن هذا املهندس قد خصم منه مثانية أايم
من مرتبه .
الكولريا :
اندفع وابء الكولريا يف قرية القرين 8199وانتشر سريعاً جداً يف كل دلتا مصر
،ألن احلكومة وقد أخذت على غرة ،مل تكن لديها الوسيلة ملكافحته .
ورغم أن القرنة يف صعيد مصر ،فقد رأيت أن من احلكمة اختاذ إجراءات من
احليطة ضد إمكانية الندال الوابء هناك .والقرنة القدميةفيها ماليني من
حشرات الذابب ترعى يف نفس اآلابر النفتوحة اليت حيصل القرويون منها على
ماء شرهبم ،وملا مل يكن هناك مراحيض ،فإن حالة واحدة من الكولريا ستجلب
كارثة أكرب من وابء مالراي اجلامبيا الذي قضى على ثلث السكان يف 8191
– . 99
وأول ما كان ينبغي فعله هو حتليل مياه البئر ،ومل نكن هدف هندف إىل معرفة
ما يف املياه بقدر ما كان هدفنا هو ان جنري السلطات على أن نفعل شيئاً هبذا
الشأن .وكانت نتيجة التحليل – أن عدد البكرتاي :ال حيصى ؛ والتخمر اللبين
12 :يف املائة ( بينما أقصى حد مسموح به هو 02يف املائة ) .وهكذا فإن
احلل الوحيد كان أن تدق عدة مواسري جللب املياه من عم بعيد جداً وأن مينع
الناس من استخدام اآلابر املكشوفة .ومل يكن هناك مضخات يف السوق ألن
احلكومة اشرتهتا كلها ملناط الوابء .ففكرت فياستخدام املضخات اليت كانت
جتلب املاء لضرب الطوب ،ولكن هذا يتطلب انتزاعها من املوقع لرتسل اثنية
علي أن أحصل على تصريح من مصلحة اآلاثر
إىل القرية القدمية ،وهكذا كان ّ
،وذهبت يف التو إىل القاهرة وقابلت املدير العام ،مسيو داريتون ،وأقنعته أبن
املاء النظي سيستفيد به األثريون وموظفو مصلحته ،الذين كانت اسرتاحاهتم
حلسن احلظ مبعثرة على كل القرنة القدمية ،ومل اذكر له أن مضخاتنا ستمد
القرويني أيضاً ابملياه .وواف من حيث املبدأ ،ولكنهأحالين غلى مدير التفتيش
،الذي كان جيب أن يواف على النقل .
ومب قابلة هذا الرجل النبيل أملين ما لقيته من رفض ابت للنظر يف طليب .فهذا
األمر ،على حد قوله هم من شأن وزارة الصحة العمومية ،و الشأن له به .
وبينت له أن وزارة الصحة العمومية لديها 02مليون فرد ترعاهم وأانملصلحة
مسئولة عن صحة موظفيها الذين يعملون يف القرى البعيدة ويتعرضون للعدوى
.وكان كل ما قاله (( :يروحون يف داهية )) .
وأجبته (( :لوال قدر هللا ومات رجل واحد بينما أان عندي وسيلة إلنقاذه
وأرفض ذلك ،فإين إذن أعد نفسي
قاتالً )) وتركته وقد صممت على أن أمضي قدماً دون موافقته ،ووصلت إىل
املنزل وقراري مل يتزعز .سوف أخذ أول قطار يعود لألقصر ،وأذهب مباشرةً
إىل املوقع ،واقتلع املضخات ،وأدقها متحدايً يف القرنة القدمية .إن اإلنسانية
لتتطلب مين أن انفذ القانون بيدي .وفنحت الصحيفة ألجد أن احلكومة قد
قررت عزل صعيد مصر وأغلقت كل الطرق والسكة احلديد .
علي هكذا أن أبقى يف القاهرة حىت تسرب الوابء إىل الصعيد ،وعندها
كان ّ
مسح يل بعد تروان أتبعه .وأخذت أول قطار خرج من القاهرة وأان يف قل
شديد ،ذلك أن أول حالة ظهرت يف الصعيد كانت يف بالص ،اليت ال تبعد
عن القرنة إال بعشرين ميالً .وبالص هي مصنع فخار مصر – واحلقيقة أن
كلمة (( بالص )) تعين قدر املاء الفخاري الكبري الذي حتمله نساء مصر على
رؤوسهن – وقد وصل املرض إىل هناك بواسطة املراكبية الذين ينقلون قدور
الفخار أعلى وأسفل مصر .
وما إن غادرت القطار يف األقصر ،حىت عربت النهر إىل الضفة اليسرى ،
حيث ينتظرين عادةً سائقي
(( األسطى )) حممود رمضان ،على أنه مل يكن هناك ،وأخربوين أنه حيس
بوعكة .وقيل يل أنه حىت اآلن مل تظهر أي حالة كولريا يف القرنة ،وكان يف هذا
ما هدأ من روعي هدوءاً عظيماً ،وهكذا انطلقت لرؤية األسطى حممود .
ووجدته يف الفراش وقد أفاق توهاً بعد ان ظل فاقد الوعي لثالثة أايم .
ولذهويل وجدت أنه لديه كل اعراض الكولريا – القيء واإلسهال واحلمى –
ومع ذلك مل خيطر قط ألي فرد أن يستدعي طبيباً حىت مسع مسرت ستوبلري
مبرضه ،وشك يف األسوأ ،فأحضر طبيباً للتو .وعندما تساءلت ملاذا مل يقم
سكرتريي السيد /جاد أبي إجراء ملساعدة حممود ،شرح يل أنه يقدم طلباً
كتابياً حسب اللوائح .وتذكرت شعار املصلحة :
(( يرحون يف داهية )) .شفى حممود فعاد إىل شاحنته ،ولكن كان من الظاهر
أنه يعتقد أن يب ضعفاً جتاهه ألين غضبت جداً من السكرتري .وكنت دائماً أميل
إىل حممود ألنه كان السائ الوحيد الذي يستطيع صيانة شاحنته كما ينبغي ،
وهكذا فإنه أراد أن يستغل هذا ألقصى ما يستطيع ،فأاتين يف اليوم التايل طالباً
مين أن أعطي ابنه عمالً كعامل ..وملا كان ابنه ال يتجاوز التاسعة ،فقد
شرحت له أن عليه أن ينتظر خىت يصبح أكرب سناً بعض الشيء ،األمر الذي
جعل حممود ينصرف ساخطاً .وبعد نص الساعة عاد اثنية وأبلغ أبن ماسورة
الفرامل يف شاحنته قد انكسرت .وقلت (( حسناً ،اذهب وأصلحها )) .
وذلك كما كان يفعل عادةً ،ولكنه شد من نفسه واقفاً وقال :
حكومي ؛ (( أان لست ميكانيكياً ايسيدي )) .حىت أنت ايبروتس .إنه موظ
فلماذا يكون خمتلفاً عن الباقني ؟ وحركتين الواقعة ألقول شعراً* :
كل واحد ليس إال خرزة زجاجية ملونة رخيصة اتفه .
والكل مربوط معاً يف خيط واحد من الشجع .
ويف اليوم األول من عوديت مت يل انتزا املضخات وإحضارها للقرنة القدمية ،
حيث ركبناها عند نقطة اسرتتيجية قرب الق رنة .وإذ توافرت وسيلة للحصول
على ماء نقي ،كانت املهمة التالية هي حث القرويني على االستفادة هبا ،
أوابألحرى صرفهم عن استخدام اآلابر املفتوحة .
وعلمت يف ذلك الوقت أن املستشفى قد وفر له طبيب يف التو .وكان يف
القرنة مستشفى صغري ،ال يوجد فيه طبيب إال إذا كان مثة رمسيون مهمون على
وشك زايرة اآلاثر .وعندها يرسل طبيب من األقصر ويؤجربعض القرويني
ليمثلوا دور املرضى .
وكانت احلكومة قد عبأت كل األطباء بسبب الكولريا ،فأرسلت واحداً منهم
للقرنة .وكان امسه حسني أبو سنة ؛ وكان قد خترج لتوه ،وهو شاب لطي
جداً وعلى خل .وذهبت إليه ألضع نفسي وكل رجايل حتت تصرفه ملكافحة
الوابء .ونظران معاً يف التعليمات اليت صدرت لالطباء اثناء وابء ، 8121فلم
يكن حتت أيدينا اي شيء غري ذلك .ومل يكن لدينا مصل ،وكان هناك القليل
من املطهرات ،وكان أن نعتمد على مواردان اخلاصة بنا .وكانت التعليمات
توصي ابستخدام اجلري احلي ،وهو مما نستطيع إنتاجه يف قمائننا .
والكولريا تنتقل عن طرق الفم .ومادامت مل تبتلع اجلراثيم ،فإنك ال تصاب
ابملرض .وهكذا اجتهت كل احتياطاتنا إىل التأكد من عدم وجود أي احتمال
ألن تدخل اجلراثيم إىل فم أي فرد .وكان علينا أوالً أن جنعل كل فرد يفهم
أمهية مراعاة كل االحتياطات مراعة صارمة .فينبغي أال تكون هناك أي ثغرة ،
وال أي إمهال على اإلطالق ،يف إجراءاتنا الوقائية ! وعلينا أن نتشدد تشدد
اجلراح يف غرفة العمليات .فيجب أن تغلي املياه كلها ،سواء للشرب أو
الغسيل .وال يؤكل أي مما ميكن أن تكون فيه جراثيم .وكمثل ،فإن الروتني
عند العودة من السوق إىل البيت يكون كالتايل :الدخول إىل البيت ،وضع
كيس اخلضروات مباشرةً يف ماء يغلي ،مع احلرص على عدم وضعها قبل ذلك
فوق أي شيء ،غسيل األيدي ابلليزول ،مسح أكرة الباب ابلليزول مثلما
يزيل بصماته ؛ وبعدها تصبح جاهزاً .
وكان علينا أن جنعل القرويني يدركون أن أي غريب قد جيلب املرض إىل القرنة
،وابلتايل جيب عدم تشجيع وجود زوار .وحىت قوانني الضيافة التقليدية جيب
أن تتوق ،وجيب اإلبالغ عن أي زائر السلطات .وكان هذا أمراً شاقاً ابلنسبة
ألانس جيعلون دائماً من مفاخرهم إخفاء ((املطاريد)) بعيداً عن احلكومة ،بل
وأن يواروا
املرضى بعيداً عن أي فرد ينقلهم بعيداً إىل املستشفى.
ورأيت والطبيب أن احملكمة أن نطلب مساعدة الشيخ حممود الطبيب ،وهو ابن
الشيخ الطبيب الرجل الصاحل البالغ الكرب والذي يبجله كل القرويني أبلغ
تبجيل .والشيخ حممود كان سيخل والده ،وكان له أيضاً هو نفسه نفوذ
كبرية جدا .فهو إمام مسجد القربة ويستطيع أن يشرح إجراءاتنا للفالحني يف
خطبة يوم اجلمعة وابلتايل فقد دعوانه إىل(( جلنتنا)) ملكافحة الكولريا .وأثبت
واستيعاب التفاصيل الطبية أنه جداً مفيد لنا ،.فهو سريع يف فهم املوق
املطلوبة.وملا كان هناك ما يقرب من ثالمثائة من القرويني يعملوان معنا ،فقد
قرران تعميم محلتنا الصحية عليهم .ومجعناهم معاص وتكلمنا إليهم ،حماولني أن
جنعلهم يفهمون السبب يف احتياطاتنا .وحىت نساعدهم على إدراك ما يكونه
املي كروب ((،كربان )) هلم اجلراثيم ووصفناهم هلم وكأهنا منا يطل على كل
األدوات امللوثة ،وميكن أن يتخل على أي شيء تلمسه أداة ملوثة .وهذا
النمل يعيش فوق أيدينا ،ويف املاء ،وعلى
_________________________________________
_____________
* إشارة إىل الشكوى اليت تقدمت هبا احلكومة النقراشي لألمم املتحدة لطلب
جالء جنود اجنلرتا عن مصر ( املرتجم).
* وزير دعاية هتلر دكتاتور أملانيا ،وكان مشهوراً ابملبالغات والكذب يف دعايته
للحزب النازي ويف احلرب العاملية الثانية ( املرتجم ) .
أجلس مع املشايخ بعد الصالة ألقنعهم هبذه احلج ،و إذا برجل جداً صاحل
وعجوز ومبجل تبجيالًٍ عميقاً يف املنطقة كلها ،وهو الشيخ الطيب ،إذا به
يقول إلخوانه املشايخ يف غضب عظيم أنه إلمث يرتكب أن تركل يد رجل قدمها
لك يف صداقة .
واثنياً ،فقد قرروا أن طوب الل ن ليس مبادة بناء هندسية ،وهكذا فإنه ينبغي
أال يكون ألي هيئة حكومية أي تعامل يف طوب الل ن ؛ وأن طوب الل ن حيتاج
إىل صيانة وإصالحات متكررة ؛ وابختصار فإنه ينبغي أن يرتك للفالحني أن
يبنوا به على مسئوليتهم اخلاصة .
والرد على ذ لك هو أن هؤالء املهندسني املعماريني الذين يلغون ابستخفاف
ابلغ الطوب الل ن هم يف احلقيقة عاجزون عن احلكم على صالحيته أو عدم
صالحيته كمادة بناء هندسية .إن العلم الوحيد الذي ميكنه إعطاءان حكماً
وافياً عن مدى قوة الطني وإمكانية االعتماد عليه هو علم ميكانيكا الرتبة .
وقد أجريت جتارب يف أحناء كثرية من العامل على الطني كمادة بناء – وخاصة يف
جامعة كاليفورنيا ويف تكساس – ويف مصر فإن الدكتور حممد سعيد يوس
أستاذ ميكانيكا الرتبة يف جامعة القاهرة ،والدكتور مصطفى حيىي أستاذ املواد ،
والعقيد دعبس كلهم أجرو أحبااثً على خواص طوب الرتبة .
وقد وجد من األحباث اليت أجراها العقيد دعبس على عينات من طوب ل ن
عادي يف معامل كلية هندسة جامعة القاهرة أن محل التفتيت يصل يف املتوسط
إىل حوايل ثالثني كيلوجراماً للسنتمرت املربع .وكدليل قاطع على مالئمة طوب
الل ن لألغراض اهلندسية ،فإين أرجع القراء إىل نتائ اختبارات العقيد دعبس
الرائدة ،ونتائ اختبارات تبليل وجتفي طوب الل ن اليت أجراها د .مصطفى
حيىي .وهي مبنية يف ملح ( ) 2ويتبني بوضوح اتم من هذه اجلداول أنه ميكن
الوثوق من أن كل أنوا طوب الل ن تتحمل أي قدر معقول من األمحال حتت
ظروف من املطر هي أسوأ مما ميكن توقعه قط يف مصر .
الكيلوجرام ويف القرنة ال يتعرض الطوب حلمل أكثر من كيلوجرامني ونص
لكل سنتيمرت مربع ،مما يعطي معامل أمان يقرب من . 82ولعل أحد األسباب
يف أن املهندسني املعماريني يستحون هكذا من استخدام طوب الل ن هو أنه
مادة أكثر حيوية من اخلرسانة .فاخلرسانة ما أن تصب حىت تظل نفس الشيء
؛ أما الطني فليس كذلك ،إنه يظل ينكمش حىت يصبح جافاً .ورمبا استغرق
ذلك عاماً أو أكثر ،حسب درجة نفاذية الرتبة هي والظروف املناخية .وعلى
كل فما من دا لإلحساس ابخلطر من هذا املسلك .إنه ال يقل ابل الفالح
الذي يبين بطوب الل ن ؛ وهو يعرف خبربة األجيال ،كي يتحسب لذلك ،
كما مثالً عندما يبين جداراً أبن يرص مداميك معدودة يف كل مرة ،ليرتك للبناء
فرصة أن جي بعض الوقت قبل أن يواصل اإلنشاء .
واألمر أيضاً ال يزع ابل مهندس ميكانيكا الرتبة ،ألنه يستطيع أن يتحسب
له يف حساابته ومعاجلاته .أما املهندس املعماري الذي ليس لديه تراث الفالح
و ال معرفة العامل ،فهو وحده الذي يرفض املغامرة بعيداً عن اخلرسانة اليت يظن
أنه يعرفها مبا فيه الكفاية وحيس أبنه جداً آمن عند استخدامها .وقد توصلت
إىل ذلك حديثاً جدا ًٍ .
وال بد من أن أفسر ذلك ،فبعد أن رأى وزير املعارف مدرسيت يف القرنة
واملدرسة األخرى اليت بنيتها يف فارس ،فإنه قرر أن يبين مدرستني جتريبيتني
أخريني من طوب الل ن ،إحدامها يف الرادسية واألخرى يف البيارات .ومت
اإلبالغ مؤخراً عن أن هاتني املدرستني األخريتني على وشك االهنيار ؛ فتم
إخالؤها ،بل وكان هناك اقرتاح أبنه ينبغي نقل أعمال النجارة منها إلنقاذها من
اخلراب .وحلسن احلظ تصادف أن كنت يف القاهرة يف نفس الوقت ابلضبط
الذي عينت فيه جلنة االستقصاء هذا األمر .
وبينت للوزير خطورة هذه املزاعم وتوسلت إليه أن يعني يف اللجنة أحد العلماء
والدكتور املسئولني .وهكذا انتهى األمر بدعوة الدكتور حممد سعيد يوس
أستاذي ميكانيكا الرتبة واإلنشاءات جبامعة القاهرة ،لفحص
ّ مشيل ابخوم ،
املدرستني املشتبه يف أمرمها .ووجدوا أن املدرستني املبلغ أهنما تنهاران سليمتان
متاماً ؛ وكان ما حدث هو أن االنكماش الطبيعي يف اجلدران قد أدى إىل تشق
اجلص ،وسبب ذلك وحده هو أن املهندسني املعماريني قد وضعوا جصاً صلباً
من رمل وجري فوق طوب الل ن ،بينما القاعدة اهلندسية هي أن يكون األساس
أقوى مما تضعه فوقه ؛ وأي فالح كان سيخربهم مبا عليهم توقعه .أما مدرستا
القرنة وفارس حيث استخدم جص من الرتبة .فلم تتأثرا ابلكلية ويتف أننا قد
وجدان أن إحدى املدرستني ،اليت يف الرادسية ،قد بنيت يف املنتص من أحد
الوداين .وأنه كنتيجة لألمطار الغزيرة فإهنا غمرت ابملياه الرتفا مرت و02
سنتيمرتاً طيلة شهر أبكمله إال أن البنية مل تتأثر بشيء .
وبعد كل احملاوالت اليت رأينها لتسوئ مسعة طريقة طوب الل ن ،خطر ببايل أن
هذه املدرسة رمبا حدد هلا عن عمد موقعها يف ذلك الوادي – الذي كان
معروفاً أنه يغرق يف املياه من آن آلخر – حبيث أهنا حني تنهار يستطيع أحدهم
أن يقول (( :هاكم ما قلت لكم )) ولكن لعل هذا مين جمرد حنون ابالضطهاد
.
واالهتام الثالث هو ،كما قلت ،أكثرها أمهية :وهو أن القرنة قد ثبت يف
النهاية أهنا ابهظة التكلفة .واآلن فلو أهنا كانت كذلك ،لكانت هذه حقيقة
جداً فريد وشائقة .ولو كان من احلقيقي حقاً أن الطني والقش مها على حنو ما
يكلفان أكثر من اإلمسنت واحلديد والصلب ،لكان هذا بال شك أمراً خارقاً
ويستدعي التحقي .ولكن حتقيقاً كهذا مل يتم أجراؤه ،ألنه سيكش يف التو
أن املباين قد كلفت يف احلقيقة أقل من أي مبان ميكن أن تقارن هبا مما أقامته
أي مصلحة حكومية يف أي مكان آخر يف مصر ،وأن ثالثة أراب تكلفة
العمالة املاهرة الدائمة كانت تضيع يف دفع أجور هيئة عاملني قد توقفت عن
العمل بسبب التعطيالت اإلرادية .
وأكثر تفنيد مقنع بشان هذا الزعم هو حتليل كيفية اإلنفاق الفعلي لنقود القرنة
.وقد عاجلت هذا يف امللح رقم
( . ) 9وأرجو أن يكون نصب األعني أن النفقات الكلية عندما سلم املشرو
لوزارة الشئون االجتماعية كانت 19.802جنيهاً 19 ،قرشا ،منها على
األقل 02.222جنيه ينبغي أن تطرح كثمن ملعدات مل تستخدم ،وشاحنات ،
ومواد قابعة يف املخازن .وهكذا فإن إمجايل النفقات هو 99.802جنيهاً ،
بينما إمجايل املباين اليت متت هو 81.128 1/82مرتاً مربعاً ،وابلتايل فإن
املباين مبا فيها املسجد ،والسوق ،واخلان ،واملسرح ،وقاعة البلدة ،
ومدرستان ،قد تكلفت 9جنيهات للمرت املربع .ترى ،يف أي مكان آخر
حدث أن أقيمت مبان عامة مبثل هذا الرخص ؟
والواقع أن وزير الشئون ا الجتماعية اهتم أبن يقارن تكلفة البناء ابلنسبة لبناء
ال 912بيتاً الباقية و قتذاك ،وذلك حسب النظامني اللذين ميثلهما ابلرتتيب
البناء ابملقاولة ،والبناء ابلطريقة اليت استخدمت يف املشرو ،فعني جلنة
استقصاء األمر .ووجدت اللجنة أنه بنظام املقاولة تكون التكلفة 998.199
جنيهاً بينما ابلنظام الذي بنيت به القرنة تكون التكلفة فحسب 019.020
جنيهاً ( أنظر امللح ( ) 8لتحليل التكالي ) .
وقد قال بعض الناس أن القرنة ال تزيد عن أن تكون استعراض مواهب تتوافر
لفرد واحد .وكان مما طرح أن التصميم لطوب الل ن فيه ابلذات صعوبة
ويتطلب مهارة خاصة ،وأن الطريقة غري مالئمة ألن يتخذها املهندسون
املعماريون اآلخرون .وابلطبع فإن هذا جمرد هراء .فإذا كان ميكن لصيب قروي
أن يتعلم بناء قبو يف ثالثة شهور ،فإن املهندس املعماري املؤهل يستطيع فيما
يفرتض أن يتعلم رسم القبو .وقد سب أن قدمت اقرتاحاً
( أنظر امللح ) 0للتدريب املتأين جملموعة من املهندسني املعماريني املؤهلني ،
إلعدادهم للعمل يف القرى املصرية .وكل آمايل يف مستقبل الري املصري
لتستقر بني يدي هؤالء املعماريني الشبان من بلدي .إن هؤالء املهندسني
املعماريني الذين ينبغي أن يقوموا بدراسة البناء الريفي اآلن هم الذين سيكون
املصري عليهم تطبي املبادئ اليت نشأت يف القرنة .فإعادة بناء الري
ستستغرق أربعني عاماً من عمل شاق ومتواصل ،وهؤالء الشبان هم الذين
سيكون عليهم العمل على تنفيذه .وإين ملتأكد أين استطيع أن أث يف أهنم
سيكرسون أنفسهم إبخالص لبناء القرى ،ذلك أين كنت دائماً ألقي أكثر
االستجاابت محاساً وتعاطفاً من شباب املهندسني املعماريني .على أنه ينبغي أن
مصر ابلطريقة اليت تدرك احلكومة حجم ومتطلبات مهمة إعادة بناء ري
طرحتها .وجيب أن تتقبل احلكومة مسئولياهتا ابلنسبة للمهندسني املعماريني
الذين سينفذون الربانم والذين سيتخلون عن أي فرصة ملمارسة املهنة ممارسة
حرة جمزية .فالبد من أن تضمن هلؤالء الرجال راتباً جمزايً
( على أن يوضع نصب األعني أن اهلدف هو اجتذاب أفضل ما يف األرض من
املهندسني املعماريني الشبان ،وليس فحسب أولئك الذين ال يستطيعون كسب
عيشهم ابملمارسة احلرة ) وعلى احلكومة أن تراعيهم يف كل شئوهنم اخلاصة .
ويساوي ذلك أمهية ،أن احلكومة جيب أن ترتك هلؤالء املعماريني حرية أتدية
مهمتهم ،وأن تستوث من أن املوظفني اإلداريني ال يعوقون العمل يف البناء .
وما مل يتم حتديث اجلهاز اإلداري حبيث تزال
(( كل )) التعطيالت النامجة عن اإلجراءات اإلدارية واحلسابية ،وما مل يتم
دعم اهليئة الفنية مبا يكفي من املوظفني الذين ختول هلم السلطات ويكونون من
الراغبني يف حتمل املسئولية ،وما مل حتل االتصاالت التليفونية مكان الطلبات
املقدمة من ثالث صور مع توقيعات ابملوافقة ال تقل عن مخسة عشر توقيعاً ،
ما مل يتم هذا كله فإن برانجمنا إلعادة بناء الري سيكرر ببساطة فشل مشرو
القرنة على نطاق يشمل ماليني اجلنيهات ،بينما يصل ثالمثائة مهندس
معماري إىل حال من املرارة والسخرية ،ويضع إىل األبد أي أمل ممكن يف
مستقبل الئ ابلنسبة لعشرين مليون فالح .عن خطر وقو ذلك هلو أمر جداً
حقيقي حىت لقد شعرت أن من واجيب أن أذكر بعض األساليب اليت استطا
،وبذا فلعل حكومات اجلهاز اإلداري هبا أن جيعل العمل يف القرنة يتوق
املستقبل أن تتنبه لألمر ولعلها أن تتخذ إجراءاً مبا يؤدي إىل جتنب وقو مثل
هذه األحداث .
أما املهندسون املعماريون الشبان الذين سوف يشكلون جمموعة إعادة البناء
املتفانية ،فإهنم ال بد أن يفهموا أيضاً أن طري الرواد هلو طري مليء ابلصخور
ومفروش ابألشواك .
وقد كنت فيما مضى أحجم عن تشجيع املهندسني املعماريني الشبان على إتبا
خطوايت ،ألين شعرت إبحساس من املسئولية ابلنسبة لرفاهيتهم املادية .وكما
أن الواحد منا ال يشجع ابنه على أن يصبح شاعراً ،نتيجة حتسبه ملا سيحدث
ألحفاده ،فإنين أيضاً ما كنت الستطيع التفكري يف أتسيس مدرسة من
املهندسني املعماريني لطوب الل ن .فقد خربت كل الصعوابت واملعوقات اليت
يل أن أرى أي معماري شاب وهو ترتتب على هذا التناول املعماري ؛ فكي
يلزم نفسه وعائلته ،يف أول ابتداء حياته العملية ،ابلفقر األكيد الذي جيلبه له
تفانيه ملصلحة القرويني ؟ وعلى األقل فليمنع القديس فرنسيس أتباعه عن
التنسك .
***
***
تكلفة النقل
تنقل احلجارة ابلشاحنات ،وسعتها ½ 0م مكعب .وميكن لكل شاحنة أن
= 02م مكعب يومياً . تقوم بثماين رحالت يف كل يوم
( أ ) البنزين 9 .جالون لكل 1رحالت = 820.2قرش
* تكلفة البنزين لكل 8م مكعب من احلجر = 2.8 = 820.2قرش
02
( ب ) الزيت .نص كجم زيت تشحيم لكل عربة يومياً = 2قروش
* تكلفة الزيت لكل 8م مكعب = 2.02 = 2/02قرشاً
( ج ) أجر السائقني .األجر اليومي للسائ = 91قرشاً شاملة عالوة غالء
املعيشة .
* تكلفة قيادة الشاحنة لكل 8م مكعب = 1.82 = 91قرش
02
( د ) التحميل والتفريغ .خصص مخسة محالني لكل شاحنة أبجر يومي لكل
منهم هو 82قرشاً
* تكلفة التحميل لكل 8م مكعب = 0.82 = 82 × 2قرش
02
( ه ) استهالك العرابت واالصالحات .حسب أن عمر العرابت هو عشر
سنوات .وكل عربة تكل 8222جنيه .التنزيل السنوي من الثمن = 822
جنيه .
* تنزيل الثمن لكل يوم = 12 = 82.222قرشاً
122
***
***
الرمل :
العربة الواحدة تقوم بسبع رحالت يومياً إىل حماجر الرمل .
اجلمل = 0.2م مكعب .
* كمية الرمل اليت تنقلها شاحنة واحدة = 89.2 = 0.2 × 9م مكعب
النفقات :
بنزين ( 9جالون ) ........................................ -8
880.2قرشاً
سائ -0
91.22 ........................................................
زيت (½ كجم ) .......................................... -1
2.22
محالون ( للتحميل ) 2رجال 82 ،قرشاً لكل ........ -9
92.22
خفري ........................................................ -2
81.22
استهالكات العرابت ...................................... -9
12.22
121.2
قرش
التشييد :
بناية الدبش حتت املدماك العازل للرطوبة بعرض أكثر من 2.92م مبونة من
طني مثبت .
***
تكلفة البناية ابلدبش بعرض أقل من 9و 2م
1
= 09 تكلفة العمالة والشغل
قرشاً
21 اإلمجايل
قرشاً 92 ،قرشاً ابلتقريب
تكلفة البناية ابلطوب من مستوى 8.0 +م حىت قمة قمة الدور األرضي :
العمالة والشغل :
89قرشاً
( ب ) تكلفة احلجر الكسر ( نفس تكلفة الرمل )
02قرشاً
( ج ) املونة :
820قرشاً 8م مكعب جري
92 0م مكعب رمل
92 8م مكعب طوب مسحوق
010قرشاً تعطي
1م مكعب من اخللطة
***
تكلفة حرق اجلري
القباب :
( أ ) قبة بيزنطية – قطر 1م
الفري يبين قبة واحدة يف يومني
= 099قرشاً تكلفة العمالة 0 × 800
= 800 تكلفة الطوب ( ) 2.21 × 8922
=1 تكلفة املونة
= 82 تكلفة القش 29رطالً × 802
222
اإلمجايل 199قرشاً للقطعة
األقبية :
( أ ) حبر 2.21م
نفس الفري يبين 1مرت طويل يومياً
= 82قرشاً 800 تكلفة العمالة لكل مرت طويل =
1
=1 تكلفة الطوب 2.21 ×822
=2 تكلفة املونة 1 × 8
89
=8 تكلفة القش
اإلمجايل = 01قرشاً لكل م .ط
و½،8و
0
يف يعمل ( ب 1
، املهمة )
يناول املواد
صفر 80صفر - 8 مسا 1 9
0 عد ويراقب
أداء يتعلم ( ج 2
العمل )
الساب ولكن
ابستخدام
املونة و أيضاً
ملح 1
استمارة أ :
أمر شغل
أمر مواد
التاريخ ..................................... :
املبىن رقم
81 / / التاريخ
األساسات :
( ) 8إذا كانت تكلفة العمل احمللي يوفرها الفالح كما تقدر ابلرجل /
الساعات وحتول إىل مبلغ نقدي ،يضاف إليه تكلفة املواد اليت مت احلصول
،وإذا كان مثن العمل املأجور واملواد املستوردة = م فإن عليها جماانً =
× 822 الكفاءة ابلتكامل ك ابلنسبة للبناء مثنها املعادلة ك =
+م
تكاملياً ألي منطقة بعينها .فنحن حنتاج إىل العثور على العم األدىن الفعال
لألساسات واخلوازي ،وحنتاج إىل
اختبار فعالية جعل األرض مدموجة مسبقاً ،وحنتاج إىل الوصول إىل التأثري
االقتصادي واالجتماعي للتصميم الذي ستلزم معه االصالحات .وهذه
البدائل هي جمرد مقرتحات ابلفعل بواسطة األحباث .
وما إن توفر لنا التجارب اليت جيري تنفيذها تنفيذاً مالئماً ،عدداً من الطرق
األكيدة لبناء األساسات ،فإن ذلك سيمكننا من تقرير أيها هي اليت تالئم
أفضل مالءمة أي منطقة بعينها .ولعل هذه التجارب قدتؤدي إىل تطوير بعض
بديل جديد متاماً .والنقطة اهلامة هي أن نعرف مسبقاً كي يكون حل املشكلة
اهلندسية ،وجيب توجيه كل حبثنا إىل حل املشكلة االقتصادية ألساسات ميكن
أن يبينها الفالحون ابستخدام مواردهم هم انفسهم مع أدىن حد من املعونة
اخلارجية .
والرتبة يف دلتا مصر أصبحت مدموجة بسبب استخدام نظام الري الدائم ،
وعدم وجود غمر دوري .وهكذا فإن الشقوق السطحية ال تظهر .وتفلبات
املياه اجلوفية ليست بنفس كرب تقلبات صعيد مصر .وهكذا فإن حالة الرتبة
فيزايئياً أكثر استقراراً عما يف صعيد مصر .
والتكتالت الصلبة ليست مما هو متاح يف الدلتا ،واحلجر واحلصي املوجودة يف
الصحراء هي على مسافة أبعد كثرياً من أن ميكن للفالح أن ينقلها .وهكذا
فإن بيوت الفالحني يف دلتا مصر تبين عاد ًة دون أساس ابملعىن املعتاد .
فاجلدران تبىن يف خندق ضحل عمقه يقرب من عشرين إىل مخسة وعشرين
سنتيمرتاً ،ويرص الطوب مباشرًة على الرتبة قريباً من السطح – وهي طريقة
إنشاء يعيدة عن السالمة أقصى البعد .وتتمدد أرض ،مث تنكمش حىت تستقر
،وسرعان ما تتشق كل هذه اجلدران .وعلى كل فإهنا مصنوعة من طوب
الل ن ،فيمكن إصالحها بسهولة .وبعد إصالح الش مرتني أو ثالث مرات
متعاقبة فإنه خيتفي لألبد إذ تصبح األرض مدموجة متاماً حتت ثقل اجلدران .
وحلسن احلظ فإن احلركة اجلانبية الواسعة للرتبة اليت تشيع يف صعيد مصر ،
واليت تنت عن ظهور شقوق ابلغة العم ،هي غري شائعة يف دلتا مصر ،وإن
كان هناك بعض حركة رأسية انمجة عن متدد الرتبة عندما ترتفع املياه .
واملشكلة الرئيسية هنا هي اجلاذبية الشعرية للمياه اجلوفية إىل داخل اجلدران
وما يرتتب على ذلك من تل األجزاء السفلى من اجلدران بسبب تكرار
التبليل واجلفاف .واإلجراء املتعارف عليه يف االنشاءات املهنية ابخلرسانة ،
واحلجارة ،والطو ،اخل هي أن يوضع مدماك مضاد للرطوبة يف اجلدار على
ارتفا يقرب من مخسة عشر سنتيمرتاً فوق مستوى االتصال أبي تربة رطبة .
***
ملح : 2
طوب النو ب
املالحظات :
أجريت االختبارات على جمموعتني من اجلدران .اجملموعة األوىل تتكون
من أربعة جدران مبنية من طوب ل ن مص نو ابلقش ،بسمك طوبة
واحدة ( 02سم ) ،وبطول مرت واحد وارتفا مرت واحد كالتايل :
جدار جبص معامل ابلدايتول ومبدماك واحد إسفليت -8
مضاد للرطوبة .
جدار جبص طيين غري معامل ،ومبدماك واحد -0
إسفليت مضاد للرطوبة .
جدار جبص طيين غري معامل وغطاء من خلطة -1
دايتول كمدماك مضاد للرطوبة .
جدار جبص طيين غري معامل وبغري مدماك مضاد -9
للرطوبة .
واجملموعة الثانية ،تتكون من ثالثة جدران من نفس املقاسات كاألخرية ،
ومبنية من طوب ل ن مصنو ابلقش والدايتول كتايل :
جدارمدماك مضاد للرطوبة من خلة دايتول . -8
جدار مدماك مضاد للرطوبة من اإلسفلت . -0
جدار جبص دايتول ومدماك مضاد للرطوبة من خلطة -1
دايتول .
وعرضت هذه اجلدران لنفس دورات التبليل والتجفي كما سب ،واليت
استمرا حىت اهنارت اجلدران.
وأول جدار اهنار هو اجلدار الرابع من اجملموعة األوىل .
وقد بدأت االختبارات يف 88ديسمرب ، 8122واهنار اجلدار ذو
اجلص غري املعامل والذي بدون مدماك مضاد للرطوبة يف 89فرباير
. 8129
واهنارت ابقي اجلدران ابلتتايل ابتداءص من 81فرباير . 8129
واهنيار اجلدران كان يف معظم احلاالت بسب ال مركزية التحميل وابلتايل
بسبب اتقوس .
***
سجل التجربة
اتريخ - 8جدار - 0جدار جبص - 1جص غري - 9جص غري
وبدون ومدماك معامل معامل معامل معامل غري جبص
مضاد دايتول مدماك ابلدايتول ومدماك ومدماك إسفلت خلطة
للرطوبة . مضاد لرطوبة .مضاد للرطوبة .مضاد للرطوبة
حاشية .ظلت اجلدران الثالثة األوىل على احلالة اليت وصفت هبا يف اتريخ 88
فرباير 8122دون تغيري ملحوظ حىت اهنارت يف 2مارس 8129كنتيجة
التحميل غري املركزي والرايح القوية اليت هبت يف ذلك اليوم .
امللح : 9
19802.190
وإذا حسبنا قيمة املعدات ،والشاحنات ،واملواد غري املستخدمة القابعة يف
املخازن مببلغ 02.222جم فإن املصروفات الفعلية تكون :
= 99802.190جم . 19802.190جم – 02222
وإذن تكون تكلفة البناء لكل مرت مربع من املباين والبيوت :
***
معجم :
قدوم Adze :
أداة للقطع هلا نصل رفيع مقوس مشحوذ يف جانبه املقعر ،ويوضع يف زاوية
قائمة مع املقبض .
Cavetto:
حلية يف البناء من تشكيل مقعر يقرتب قوسه من ربع الدائرة .
مكتوب Maktoub:
(( مكتوب )) أو (( مقدر ))
***
ابب فيه حلية خمرومات يف دمهيت -8
جبانة فاطمية يف أسوان . -0
– 9- 1صوامع الرامسيوم يف القرنة القدمية ،األسرة التاسعة عشرة .
– 2البناءون خيطون قطعاً ابجلص الطيين على احلائط األخري
املدماك الثالث مييل عن اخلط العمودي ميالً حاداً أبكثر . -82
مزيد من الطني على املدماك الثالث . -88
– 19املسجد يف . 8191
– 11ختطيط ساحة السوق .املفتاح ) 8 ( :مدخل عمومي ) 0 ( .املشرف
.
( ) 1مطعم يف اهلواء الطل ) 9 ( .مقهى ) 2 ( .مقصورات عرض
السلع .
( ) 9منطقة احلبوب ) 9 ( .معرض املواشي ) 1 ( ،مدخل إىل القرية
.
( ) 1برج احلمام .
– 11املدخل لساحة السوق .
– 92األقبية يف ساحة سوق القرنة اجلديدة .
- 98بواكي يف ساحة السوق .
- 90منطقة ظليلة للحيواانت يف ساحة سوق القرنة اجلديدة .
– 91ختطيط .املفتاح ( :أ ) املسرح ) 8 ( :منصة عالية للجلوس لعروض
اهلواء الطل يف ميدان القرية ؛
( ) 0مدخل ؛ ( ) 1حمجز التذاكر ؛ ( ) 9ممشى ؛ ( ) 2مقاعد
؛ ( ) 9اجلوقة ( الكورس ) ؛
( ) 9منصة العرض ؛ ( ) 1الكواليس ؛ ( ) 1غرفة آلة عرض
السينما ؛ ( ) 82هبو مكشوف ؛
( ب ) مجنازيوم ؛ ( ) 8مدخل ؛ ( ) 0مقاعد ؛ ( ) 1مقصورة ( .
ج ) قاعة القرية ( .د ) قاعة
معرض احلرف ( .ه ) جماورة عائلة عبد الرسول .
– 99واجهة املسرح .
– 92العرض على املسرح .
– 99ختطيط املدرسة االبتدائية للبنني املفتاح ) 8 ( :مدخل ) 0 ( .فناء
املدخل ) 1 ( .مكاتب الناظر واإلدارة
( ) 9حجرة املعلمني ) 2 ( .حجرة املشرف ) 9 ( .حجرة دراسية
) 9 ( .مسجد وميضة .
( ) 1خمزن ) 1 ( .مطبخ ) 82 ( .قاعة طعام ) 88 ( .الفناء
الرئيسي ) 80 ( .مظلة .
( ) 81ورشة األشغال اليدوية ) 89 ( .قاعة االجتماعات .
واحملاضرات .
– 99املدرسة االبتدائية للبنني .
– 91ختطيط املدرسة االبتدائية للبنات .املفتاح ) 8 ( :مدخل ) 0 ( .
البواب ) 1 ( .املشرف
( ) 9خمزن الكتب ) 2 ( .توزيع الكتب ) 9 ( .حجرة الدراسية ( .
) 9حجرة الرسم .
( ) 9حجرة الرسم ) 1 ( .قاعة الطعام واملعرض ) 1 ( .مظلة ( .
) 82مطبخ .
( ) 88خمزن ) 80 ( .خدمة ) 81 ( .حجرة املدرسات ) 89 ( .
حجرة نوم امل ّدرسة
يف الدور العلوي ) 82 ( .محام .
– 91نظام التهوية يف املدرسة االبتدائية للبنات.
املرتجم مقدمة
........................................... ...............................
..
بولك . ر لوليام متهيد
....................................................................
مقدمة
..........................................................................
.............
االستهالل حلن
..........................................................................
..
- 8حلن االستهالل :احللم والواقع :
الري : املفقودة اجلنة
..........................................................................
..
الري بناء إلعادة الوحيد األمل : الل ن طوب
........................................
واخلطأ التجربة : هبتيم للتسقي الطني
................................................
ابقياً زال ما للتقبية قدمي تكنيك : النوبة
.................................................
األوىل النجاحات : يعملون النوبيون البناءون
................................... .....
كمني يف إبليس : البصري عزبة
......................................................
رائد إسكان مشرو يف تتسبب املقابر إحدى سرقة
................................
املوقع : اجلديدة القرنة مولد
............................................................
- 0حلن الرتنيمة ( كورال ) :اإلنسان واجملتمع والتكنولوجيا
املعماري الطابع
..........................................................................
القرار اختاذ عملية
........................................................................
الرتاث دور
..........................................................................
......
القرية يف الفردية الشخصية إنقاذ
......................................................
القرية يف الرتاث حرف إحياء
..........................................................
اقتصادية ضرورة الل ن طوب استخدام
...............................................
إعادة إرساء (( الثالوث )) :املالك ،واملهندس املعماري ،احلريف ...........
القدمية القرنة يف الدارج املعمار
......................................................
التواصل مع التغيري
......................................................................
والعمارة املناخ
..........................................................................
.
توجيه املنازل يتحدد يف جزء منه ابلشمس ويف جزء ابلريح
....................
الريح مصيدة أو امللق
.................................................................
احمللية والتقاليد القرابة بنية
.............................................................
اقتصادية – اجتماعية اعتبارات
........................................................
القرنة يف الريفية احلرف
................................................................
النسي صناعة
..........................................................................
...
الفخار صناعة
.................................... ......................................
...
الصنايع خان
..........................................................................
.....
احلرف معرض قاعة
.....................................................................
اجلديدة القرنة ختطيط
.................................................... .................
العامة الرتفيه ووسائل العامة اخلدمة مباين
............................................
الفالح منزل
..........................................................................
.......
البلهارسيا مكافحة
...................................................................... ....
.
رائد مشرو ، القرنة
......................................................................
التعاوين النظام
..........................................................................
....
العمل أبداء التدريب
........................................................................
ذاهتا يف هدفاً ليست القرنة
................................................................
النصارى ميت – ميتة ولدت جتربة
....................................................
الري بناء إلعادة قومي برانم
.........................................................
- 1حلن الرتديد ( فوجة ) :املهندس املعماري ،والفالح ،والبريوقراطي
99 - 8192 األول املوسم
..............................................................
99 - 8199 الثاين املوسم
..............................................................
91 – 8199 الثالث املوسم
...........................................................
- 9حلن اخلتام :القرنة يف سبات :
نصري عن يبحث معماري
..............................................................
يستمر اإلفرتاء
..........................................................................
.
للقرنة اثنية زايرة
.......................................................................
نربوه يف القرنة
.............................................. ...........................
ملح : 8حتليل تكالي العمل ومعدالت تنفيذ
: األشغال
..........................................................................
......
القرنة قرية يف املستخدمة والعمالة املواد تكالي حتليل
........................
الطوب ضرب
..........................................................................
.
احلجارة تكالي
.........................................................................
والفتائل املفرقعات
.....................................................................
الرمل
..........................................................................
...........
التشييد
..........................................................................
..........
: العمل أبداء التدريب : 0 ملح
.....................................................
: العمل تنظيم : 1 ملح
...............................................................
: األساسات : 9 ملح
..................................................................
الطوب ضرب : 2 ملح
..............................................................
دعبس العقيد جتارب من مقتطفات
...................................................
حيىي مصطفى د . جتارب من مقتطفات
...........................................
لوزارة الشئون ملح : 9حتليل التكالي عند تسليم الشرو
..................
االجتماعية
..........................................................................
...
املعجم
..........................................................................
.........
الصور
..........................................................................
.........
بني احللم والواقع كانت مسافة زمنية رمبا بدلت يل طويلة أو خمتلفة ولكن
األهم أن احللم أصبح واقعاً ملموساً حياً يتأثر ويؤثر ،وهكذا كانت مكتبة
األسرة جتربة مصرية صميمة ابجلهد واملتابعة والتطوير ،خرجت عن حدود
احمللية وأصبحت ابعرتاف منظمة اليونسكو جتربة مصرية متفردة تستح أن
تنتشر يف كل دول العامل النامي واسعدين انتشار التجربة وحماولة تعميمها يف
دول أخرى .كما أسعدين كل السعادة احتضان األسرة املصرية واحتفائها
وانتظارها وتلهفها على إصدارات مكتبة األسرة طوال األعوام السابقة ولقد
اصبح هذا املشرو كياانً ثقافياً له مضمونه وشكله وهدفه النبيل .ورغم
اهتمامايت الوطنية املتنوعة يف جماالت كثرية أخرى إال أنين أعترب مهرجان
القراءة للجميع ومكتبة األسرة هي االبن البكر ،وجناح هذا املشرو كان
سبباً قوايً ملزيد من املشروعات األخرى .
وما زالت قافلة التنوير تواصل إشعاعها ابملعرفة اإلنسانية تعيد الروح
للكتاب مصدراً أساسياً وخالداً للثقافة وتوايل (( مكتبة األسرة )) إصداراهتا
للعام الثامن على التوايل ،تضي دائماً من جواهر اإلبدا الفكري والعلمي
واألديب وترتسخ على مدى األايم والسنوات زاداً ثقافياً ألهلي وعشرييت
ومواطين أهل مصر احملروسة مصر احلضارة والثقافة والتاريخ .
سوزان مبارك