You are on page 1of 47

‫البيان المفيد‬

‫في علم التوحيد‬


‫ت‬
‫وهو خمتصر شرح اخلريدة لإلمام الدرديري‬
‫للصف الثالث اإلعدادي األزهري‬
‫وفق املنهج املقرر‬

‫( للسنة الثانية )‬

‫أتليف‬
‫الدكتور أمحد حجازي السقا‬

‫اجلزء الثاين‬

‫‪4141‬ه – ‪4991‬م‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫( وإهلكم إله واحد‪ .‬ال إله إال هو‪ .‬الرمحن الرحيم‪ .‬إن يف خلق السموات واألرض‪ .‬واختالف الليل والنهار‪.‬‬
‫والفلك اليت جتري يف البحر مبا ينفع الناس‪ .‬وما أنزل هللا من السماء من ماء‪ .‬فأحيا به األرض بعد موهتا‪ .‬وبث‬
‫فيها من كل دابة‪ .‬وتصريف الرايح‪ .‬والسحاب املسخر بني السماء واألرض‪ .‬آلايت لقوم يعقلون )‬

‫( البقرة ‪) 461 – 461‬‬

‫‪1994‬‬ ‫‪ 7,000‬نسخة‬ ‫الطبعة األوىل‬

‫‪1995‬‬ ‫‪ 7,000‬نسخة‬ ‫الطبعة الثانية‬

‫‪1999‬‬ ‫‪ 7,000‬نسخة‬ ‫الطبعة الثالثة‬

‫‪2006‬‬ ‫الطبعة الرابعة ‪ 7,000‬نسخة‬

‫‪2007‬‬ ‫الطبعة اخلامسة ‪ 7,000‬نسخة‬

‫دخيتق اوله‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫املنهج املقرر للصف الثالث اإلعدادي‬

‫درس واحد يف األسبوع‬

‫أوال‪ :‬اإلهليات‪:‬‬

‫صفة القدرة – اإلرادة – العلم – احلياة – السمع – البصر – الكالم – مع بيان أضداد هذه الصفات‪،‬‬
‫وإقامة الدليل النقلي والعقلي يف إثبات كل صفة‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬النبوات‪:‬‬

‫حاجة البشر إىل األنبياء والرسل – الواجب واجلائز واملستحيل يف حق األنبياء والرسل إمجاال وتفصيال –‬
‫معجزات األنبياء والرسل – مع سرد بعض املعجزات احلسية للنيب ملسو هيلع هللا ىلص – عموم رسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وبيان أنه خامت‬
‫النبيني‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬السمعيات‪:‬‬

‫سؤال القرب – نعيم القرب أو عذابه – النشر واحلشر – الصراط – امليزان – احلساب والثواب والعقاب –‬
‫اجلنة والنار – املالئكة واجلن‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫التقدمي للكتاب‬

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬


‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على خامت النبيني واملرسلني‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‪ ،‬والتابعني هلم خبري‬
‫إىل يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد نظم اإلمام الشيخ أبو الربكات أمحد الدردير‪ ،‬قصيدة خريدة يف علم التوحيد‪ ،‬وشرحها‪ .‬ومسى شرحها‬
‫كتاب ﴿ شرح اخلريدة يف علم التوحيد ﴾ واخلريدة هي اللؤلؤة الغالية الثمن‪ ،‬اليت مل تثقب‪ .‬وقد وصفها بقوله‪:‬‬
‫لكنها كبرية يف العل ـم‬ ‫لطيفة‪ .‬صغرية يف احلجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم‬
‫ألهنا بزبدة الفن تفــي‬ ‫تكفيك علما‪ .‬أن ترد أن تكتفي‬
‫وقد اختارت اإلدارة العامة للمعاهد األزهرية هذا الشرح لطالب السنة الثانية والثالثة من القسم اإلعدادي‪.‬‬
‫واملقرر على السنة الثالثة من هذا الشرح هو اإلهليات والنبوات والسمعيات‪ .‬وألن الشرح يصعب على الطالب‬
‫هذا الزمان‪ ،‬وضعنا هذا الكتاب أبسلوب سهل‪.‬‬
‫ونشكر صاحب الفضيلة األستاذ الشيخ حممود مصطفى بدوي مدير منطقة املنصورة األزهرية سابقا‪ ،‬على‬
‫تفضله ابملراجعة وحسن التوجيه‪.‬‬
‫وهللا نسأل أو يوفقنا خلدمة العلم والدين‪.‬‬
‫د‪/‬أمحد حجازي السقا‬
‫‪4911/9/11‬‬

‫‪4‬‬
‫اإلهليات‬
‫متهيد‪:‬‬

‫خالق هذا العامل احملسوس‪ ،‬هو هللا تعاىل‪ ،‬وهو موجود وقادر ومريد وعامل وحي ومتكلم‪ .‬و ﴿ليس كمثله‬
‫شيء﴾ وهو السميع البصري‪ ،‬له مقاليد السموات واألرض‪ ،‬ويتصف بكل كمال‪ ،‬ويتنزه عن كل نقص ال يليق‬
‫بذاته املقدسة‪.‬‬

‫وهل صفات هللا تعاىل زائدة على ذاته املقدسة‪ ،‬أم هي قائمة ابلذات غري زائدة؟ يقول األشاعرة‪ :‬إهنا زائدة‬
‫على الذات‪ ،‬وليست منفكة عنها‪ .‬وحجتهم العقلية‪ :‬هي أن زيدا من الناس‪ ،‬لو تعلم العلم‪ ،‬وصفه الناس ابلعلم‪،‬‬
‫وإذا مل يتعلمه‪ ،‬مل يصفه الناس به‪ .‬فإذن العلم غري زيد‪ .‬فإذن الصفة غري املوصوف‪ .‬ومع اتصافه ابلعلم‪ ،‬ال يقول‬
‫الناس‪ :‬إن زيدا وعلمه اثنان منفصالن‪ ،‬بل يقولون‪ :‬إنسان واحد متصف ابلعلم‪ .‬وحجتهم النقلية‪ :‬هي قوله‬
‫تعاىل‪ :‬أنزله بعلمه‪ ،‬ومل يقل أنزله بذاته‪ .‬فدل على أن صفة العلم شيء‪ ،‬والذات شيء آخر‪.‬‬

‫والعلم صفة معىن‪ .‬وصفة املعىن هي املعىن الوجودي القائم ابملوصوف‪ .‬وصفات املعاين سبع‪ :‬وهي القدرة‬
‫واإلرادة والعلم واحلياة والسمع والبصر والكالم‪ .‬وهي صفات قدمية قدم ذات هللا تعاىل‪ .‬واإلمام األشعري يثبت‬
‫هلل تعاىل ثالث عشرة صفة‪ ،‬يثبت‪ :‬الوجود والقدم والبقاء واملخالفة للحوادث والقيام ابلنفس والوحدانية‪ .‬ويثبت‬
‫صفات املعاين السبع‪ .‬والشيخ أمحد الدرديري يوافق اإلمام األشعري يف الصفات‪.‬‬

‫أما اإلمام فخر الدين الرازي دمحم بن عمر‪ ،‬فإنه يضيف سبع صفات على الثالث عشرة يسميها ابلصفات‬
‫املعنوية‪ ،‬وهي‪ :‬كونه قادرا وكونه مريدا وكونه عاملا وكونه حيا وكونه مسيعا وكونه بصريا وكونه متكلما‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫قال الناظم‪:‬‬

‫أي‪ :‬علم ـ ـ ـ ـ ـه احمليط ابألشياء‬ ‫مث املعاين سبعة للرائي‬

‫وكل شيء كـ ـ ـ ـ ـائن أراده‬ ‫حياته‪ ،‬وقدرة‪ ،‬إرادة‬

‫فالقصد غري األمر فطرح املمرا‬ ‫وإن يكن بضده قد أمرا‬

‫يف الكائنات‪ .‬فحفظ املقاما‬ ‫فقد علمت أربعا أقساما‬

‫فهو اإلله الفاعـل املخت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـار‬ ‫كالمه والسمع واألبصار‬

‫الشرح والبيان‪:‬‬

‫املعاين‪ :‬هي الصفات الوجودية‪ .‬أي اليت هلا وجود يف نفسها‪ ،‬قدمية كانت أو حادثة كعلمه وقدرته تعاىل‪،‬‬
‫وكعلمنا وقدرتنا‪ ،‬وكالبياض والسواد‪.‬‬

‫للرائي‪ :‬أي للناظم املتأمل‪.‬‬

‫علمه احمليط ابألشياء‪ :‬أي صفة العلم األزلية القدمية اليت تنكشف هبا املوجودات واملعدومات على ما هي‬
‫عليه‪ ،‬انكشافا اتما‪ .‬وهي حميطة ابألشياء كلها واجبها وجائزها ومستحيلها‪.‬‬

‫حياته‪ :‬أي صفة احلياة هلل تعاىل‪ .‬وهي صفة أزلية‪ ،‬توجب صحة العلم واإلرادة‪.‬‬

‫وقدرة‪ :‬وهي صفة أزلية هلل تعاىل يتأتى هبا إجياد املمكن وإعدامه‪.‬‬

‫وإرادة‪ :‬وهي صفة أزلية هلل تعاىل ختصص املمكن ببعض ما جيوز عليه من وجود أو عدم ومقدار وزمان‬
‫ومكان وجهة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وضد هذه الصفات‪ :‬اجلهل‪ .‬واملوت‪ .‬والعجز‪ .‬وعدم قصد إىل شيء‪ .‬واملتصف أبضدادها‪ ،‬وال ميكنه أن‬
‫خيلق شيئا من العامل‪ ،‬البديع اإلتقان‪.‬‬

‫وكل شيء كائن أراده‪ :‬املراد ابلكائن‪ :‬املوجود‪ .‬أى كل ما يوجد يف العامل من خري أو شر هو من هللا‬
‫تعاىل‪ .‬وإذا أمر املكلف بفعل احلالل وترك احلرام‪ ،‬وعصى املكلف األمر‪ ،‬وفعل احلرام وترك احلالل‪ .‬فإنه ما فعل‬
‫وترك إال ما قدره هللا وأراده‪ .‬إذ ال يقع يف ملك هللا إال ما يريد‪.‬‬

‫فالقصد غري األمر‪ :‬القصد هو اإلرادة‪ .‬واإلرادة غري األمر‪.‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬أن هللا أمر ‹ أاب جهل › لعنه هللا ابإلميان‪ ،‬ومع ذلك قدر عليه يف األزل أن ال يؤمن‪ .‬وهو ال‬
‫يريد الكفر منه وال من غريه‪ .‬فاألمر هنا قد اختلف عن اإلرادة‪ .‬وقد تكون اإلرادة متوافقة مع األمر‪ ،‬كاإلميان‬
‫من ‹ أيب بكر › هنع هللا يضر واملؤمنني‪ ،‬فإنه أراده وأمر به‪.‬‬

‫فاطرح املرا‪ :‬أى اترك اجلدال والنزاع الباطل‪ .‬وهو يشري بذلك إىل املعتزلة الذين يقولون‪ :‬إن اإلرادة واألمر‬
‫متحدان‪ .‬يقول املؤلف‪ ( :‬املرا‪ :‬هو اجلدال والنزاع الباطل من املعتزلة‪ ،‬الذاهبني إىل أنه تعاىل يقع يف ملكه ما ال‬
‫يريد‪ ،‬بناء على احتاد اإلرادة واألمر‪ .‬وهو تعاىل ال أيمر ابلفحشاء‪ .‬فال يريد القبائح‪ .‬كالكفر واملعاصي‪ ،‬واإللزام‬
‫أنه أيمر هبا وهو ابطل‪ .‬وحينئذ فهو تعاىل مل يرد من الفاسق إال إميانه وطاعته‪ ،‬ال كفره ومعصيته‪ .‬قالوا‪ :‬وألن‬
‫إرادة القبيح‪ ،‬قبيحة‪ ،‬كخلقه وإجياده‪ .‬فعندهم أكثر ما يقع من أفعال العباد ليس إبرادة هللا‪ .‬ال خيلقه وإجياده‪.‬‬
‫وإمنا هي مبراد العبد وإجياده )‪.‬‬

‫وقد رد عليهم املؤلف بقوله‪ ( :‬وحنن مننع احتاد اإلرادة واألمر‪ .‬بدليل‪ :‬ما شاء هللا كان وما مل يشأ مل يكن‪.‬‬
‫والقبيح إمنا هو كسب القبيح واالتصاف هبا‪ ،‬ال خلقها وإرادهتا )‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فقد علمت أربعا أقساما‪:‬‬

‫‪ 4‬ـ مأمور به ومراد‪ ،‬كإميان أيب بكر‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ غري مأمور به وغري مراد‪ ،‬كالكفر من أيب بكر‬

‫‪ 1‬ـ مأمور به وغري مراد‪ ،‬كاإلميان من أيب جهل‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ غري مأمور به وغري مراد‪ ،‬ككفر أيب جهل‪.‬‬

‫كالمه‪ :‬أي كالم هللا تعاىل‪ .‬وهو صفة نفسية‪ ،‬ليست حبرف وال صوت‪ ،‬تدل على مجيع املعلومات‪.‬‬

‫والسمع واألبصار‪ :‬السمع والبصر صفتان أزليتان‪ ،‬ينكشف هبما مجيع املوجودات انكشافا اتما‪.‬‬
‫واالنكشاف هبما يغاير االنكشاف ابلعلم‪ ،‬كما أن االنكشاف إبحدامها يغاير االنكشاف ابألخرى‪.‬‬

‫فهو اإلله الفاعل املختار‪ :‬أي الذي إن شاء ترك‪ .‬لقوله تعاىل‪ ( :‬وربك خيلق ما يشاء وخيتار )‪.‬‬

‫الكالم يف صفة اإلدراك‬

‫وقد اختلف علماء علم الكالم يف صفة اإلدراك هلل تعاىل‪ .‬هل هي زائدة على العلم والسمع والبصر‪،‬‬
‫ليدرك هبا امللموسات‪ ،‬واملشمومات واملذوقات‪ ،‬من غري اتصال مبحاهلا وال مماسة وال تكيف بكيفياهتا‪ .‬أم ليست‬
‫بزائدة‪ ،‬فال تثبت له؟ فالقاضي أبو بكر بن الباقالين وإمام احلرمني اجلويين‪ ،‬ومن وافقهما‪ :‬أثبتوها هلل تعاىل‪.‬‬
‫ومنعها آخرون من علماء علم الكالم‪ .‬وتوقف اإلمام الدردير‪ ،‬فلم يثبتها إذ مل يثبتها هللا لنفسه‪ ،‬كما أثبت القدرة‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الصفات املعنوية‬

‫ويقول املؤلف‪ :‬ومل أذكر الصفات املعنوية الالزمة السبع املعاين‪ .‬وهي كونه تعاىل عاملا وكونه تعاىل قادرا‪..‬‬
‫اخل‪ :‬إلهنا ليست بزائدة على صفات املعاين‪ ،‬بل هي عبارة عن قيام املعىن ابلذات‪.4‬‬

‫قال الناظم‪:‬‬
‫حتما دواما‪ .‬ما عدا احلياة‬ ‫وواجب تعليق ذي الصفات‬
‫تعلقا بسائر األقس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام‬ ‫فالعلم ـ جزما ـ والكالم السامي‬
‫ابملمكنات كلها‪ .‬أخا التقى‬ ‫تعلقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫وقدرة‪ ،‬إرادة‪،‬‬
‫تعلقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا بكل موجود يرى‬ ‫واجزم‪ :‬أبن س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمعه والبصرا‬

‫‪1‬املتكلمون اختلفوا يف الصفات املعنوية‪ .‬هل هي صفات زائدة على صفات املعاين أو ليست بزائدة عليها ؟ فاإلمام األشعرى يرى‬
‫أهنا ليست بصفات زائدة على املعاين وأنه ال وجود هلا من خارج األعيان وال يف خارج األذهان‪ .‬بل هي أمور اعتبارية وال وجود هلا‬
‫إال يف الذهن ومعىن كون هللا قادرا‪ :‬اتصاف هللا ابلقدرة أو قيام القدرة بذاته – تعاىل – فليس هناك إال الذات والقدرة واإلرادة‬
‫وهكذا‪ .‬وهذا بناء على مذهبه من أن األمور قسمان‪ :‬موجود يف اخلارج ومعدوم وال واسطة بينهما‪ .‬فاملوجود ما له حتقق يف اخلارج‬
‫واملعدوم ما ال وجود له اال يف الذهن فقط عند إدراكه وتعلقه وعند احلكم عليه أو له‪ ،‬وعند انصراف الذهن عنه يزول وجوده‬
‫الذهىن‪ ،‬وعلى هذا فالواجب هلل تفصيال ثالث عشرة صفة وجرى على هذا انظم اخلريزة ألنه أشعرى‪.‬‬
‫وذهب آخرون منهم ( الرازى ) إىل أن الصفات املعنوية زائدة على صفات املعاىن وأهنا اثبتة يف نفسها بقطع النظر عن االعتبار‬
‫والذهن‪ ،‬وأهنا واسطة بني املوجود واملعدوم‪ ،‬وعلى مذهبهم تكون الصفات الواجبة هلل عشرون صفة‪ ،‬وهذا بناء على مذهبهم من‬
‫األمور ثالثة‪ :‬موجود ومعدوم وواسطة‪ ،‬وهو املسمى ابحلال فاملوجود من له حتقق يف اخلارج‪ ،‬واملعدوم ما ال وجود له‪ ،‬إال يف الذهن‬
‫فقظ عند إدراكه‪ .‬واحلال ما له وجود يف نفسه وليس له وجود يف اخلارج‪ .‬وعلى هذا فاملعنوية أحوال وهي صفات هلا وجود يف نفسها‬
‫وال ترى‪ .‬وصفات املعاىن موجودة ويصح أن ترى وعلى القول بثبوت املعنوية فال تتعلق بشيء ألهنا أحوال والتعلق حال فلو تعلقت‬
‫لزم قيام احلال ابحلال وهو ابطل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الشرح والبيان‪:‬‬
‫تعلق الصفة‪ :‬هو اقتضاؤه أمرا زائدا على قيامها ابلذات‪ ،‬كاقتضاء للعلم معلوما ينكشف به‪ ،‬واقتضاء‬
‫اإلرادة مرادا تتخصص هبا‪ ،‬واقتضاء القدرة مقدورا‪ .‬وهكذا‪ .‬فالقدرة – مثال – صفة قائمة بذاته تعاىل‪ .‬وتقتضي‬
‫﴿ مقدورا ﴾ أي شيئا‪ ،‬تؤثر فيه الوجود أو العدم‪ .‬فهي متعلقة بذلك املقدور وذلك املقدور هو متعلق هلا‪.‬‬
‫وتعلقها به معناه‪ :‬أهنا تقتضيه‪ ،‬لتؤثر فيه الوجود أو العدم‪ .‬والصفة اليت ال تتعلق هي اليت ال تطلب وال تقتضي‬
‫أمرا زائدا على قيامها مبوصوفها‪ ،‬كصفة احلياة هلل عز و جل‪ .‬وهي الصفة الوحيدة اليت ال تعلق هلا من صفات‬
‫املعاين السبع‪.‬‬
‫والصفات اليت هلا تعلق هي‪ :‬العلم والكالم والقدرة‪ ،‬واإلرادة والسمع والبصر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تعلق العلم‪ :‬تتعلق صفة العلم جبميع الواجبات واملستحيالت واملمكنات‪ ،‬تعلق انكشاف‪ .‬ولصفة العلم‬
‫تعلق يسمى ابلتعلق التنجيزي القدمي‪ .‬وهو تعلق العلم أزال ابلواجبات واملستحيالت واملمكنات‪ ،‬تعلق إحاطة‬
‫وانكشاف دون سبق خفاء أو جهل‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تعلق الكالم‪ :‬كالم البشر حبروف وأصوات‪ .‬أما كالم هللا تعاىل فهو كالم بال حرف وال صوت‪ .‬ويسمى‬
‫ابلكالم النفسي‪ .‬والكالم النفسي مشار إليه يف القرآن الكرمي بقوله تعاىل‪( :‬ويقولون يف أنفسهم‪ ،‬وما كانوا قد‬
‫نطقوا حبرف وال بصوت‪ .‬وصفة الكالم تتعلق جبميع الواجبات واملستحيالت واملمكنات‪ ،‬تعلق داللة وإفهام‪.‬‬
‫ولصفة الكالم تعلق واحد هو (تنجيزى قدمي) وهو تعلق الكالم يف األزل جبميع الواجبات واملستحيالت‬
‫واملمكنات‪ ،‬تعلق داللة وإفهام‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تعلق القدرة‪ :‬املوجودات‪ :‬إما واجب وإما مستحيل‪ .‬وإما أمر بني الواجب واملستحيل وهو اجلائز‪.‬‬
‫ويسمى املمكن‪ .‬فالواجب ال تتعلق به القدرة‪ .‬ألن حقيقة الواجب هي (املوجود الذى ال أول لوجوده)‪ ،‬وواجب‬
‫الوجود وهو هللا تعاىل‪ ،‬ال تتعلق القدرة إبجياده‪ ،‬ألنه موجود‪ .‬واملستحيل هو الذي ال أول لعدمه وال يقبل الوجود‬
‫‪10‬‬
‫أصال‪ .‬وال تتعلق به القدرة‪ .‬أما ملمكن أن يوجد وأن ال يوجد‪ .‬فهو الذى تتعلق به القدرة‪ ،‬لتوجده‪ ،‬أو ال‬
‫لتوجده‪.‬‬
‫ولقدرة هللا تعاىل ابملمكن‪:‬‬
‫( أ ) تعلق (صلوحى قدمي) وهو صالحية القدرة يف األزل لإلجياد ولإلعدام يف ما ال يزال‪ ،‬أي من بدء وجود‬
‫املخلوقات إىل ما ال هناية له‪.‬‬
‫( ب ) وتعلق (تنجيزي حادث) وهو إجياد القدرة للشيء املمكن أن يكون أو ال يكون‪ .‬أو إعدام القدرة هلذا‬
‫الشيء فيما ال يزال‪ ،‬وللتعبري بال يزال يفيد االستمرار‪ .‬فاهلل قادر يف كل وقت على كل شيء‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تعلق اإلرادة‪ :‬إرادة هللا تتعلق ابملمكنات‪ ،‬ألهنا صفة ترجح وجود الشيء على عدمه‪ .‬أو عدمه على‬
‫وجوده‪ .‬ومثل ذلك ـ وهلل املثل األعلى ـ مثل اهلارب من السبع إذا ظهر له طريقان‪ ،‬ال بد له من اجلري يف‬
‫أحدمها‪ ،‬فإنه إذا جرى فيه‪ ،‬جيرى فيه ألنه رجحه على غريه‪ .‬وكذلك اجلائع إذا قدم له رغيفان‪ ،‬وألزم أبحدمها‪.‬‬
‫فإنه خيتار أحدمها ملرجح ظهر له يف نفسه فاإلرادة صفة ترجيح إلجياد الشيء أو لئال يوجد‪.‬‬
‫وهي ال تتعلق ابلواجب‪ ،‬ألن ذات الواجب مقتضية للوجود ومنافية للعدم‪ .‬وال تتعلق ابملستحيل‪ ،‬ألن ذات‬
‫املستحيل مقتضية للعدم ومنافية للوجود‪.‬‬
‫ولإلرادة تعلقان‪:‬‬
‫( أ ) صلوحي قدمي‪ .‬وهو صالحية اإلرادة يف األزل‪ .‬واألزل هو ما قبل وجود املخلوقات‪ ،‬حني كان هللا تعاىل وال‬
‫شيء معه‪ .‬وينتهي األزل بوجود أول خملوق صالحيتها لتخصيص كل ممكن أبي أمر من األمور التقابلة اجلائزة‬
‫عليه‪.‬‬
‫( ب ) تنجيزي قدمي‪ .‬وهو ختصيص اإلرادة يف األزل‪ 4‬كل ممكن‪ ،‬ببعض ما جيوز عليه‪ ،‬بدل البعض اآلخر‪.‬‬

‫‪1‬ملاذ ا مل جيعل لإلرادة تنجيزاي قدميا كالقدرة ؟ ألنه ال خيالف املعتزلة يف قوهلم‪ :‬إن العبد خيلق أفعاله‪ .‬ومل تكن خملوقة ومقدرة عليه من قبل والدته‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ 5‬ـ تعلق السمع والبصر‪ :‬هللا يسمع ويرى‪ .‬ومسعه وبصره‪ ،‬متعلقان ابملوجودات وال يتعلقان ابملعدومات وال‬
‫ابملمكنات اليت قد توجد أو ال توجد‪ .‬وهلما تعلقات ثالثة‬
‫(أ) صلوحي قدمي‪ .‬وهو صالحية السمع والبصر يف األزل‪ ،‬للتعلق مبا سيوجد من املمكنات‬
‫(ب) تنجيزي قدمي‪ .‬وهو تعلقهما أزال بذات هللا وصفاته‪ ،‬تعلق انكشاف‬
‫(ج) تنجيزي حادث‪ .‬وهو تعلقهما فعال ابملمكنات بعد وجودها‪ ،‬وتعلق إحاطة وانكشاف‪.‬‬
‫وكل األشياء اليت علم هللا تعاىل يف األزل أهنا ستكون‪ ،‬قد رجحت اإلرادة يف األزل وجودها فيما ال يزال‪.‬‬
‫والناس ال ينشئون أعماهلم إبراداهتم أنفسهم‪ ،‬بل إبرادة هللا األزلية‪ ،‬ألن مجيع املمكنات اليت علم هللا تعاىل يف‬
‫األزل أهنا ستكون‪ ،‬قد رجحت يف األزل‪ ،‬صفة اإلرادة وجودها يف ما ال يزال‪ ،‬ويف الوقت الذي حدده هللا إلجياد‬
‫الفعل فيه‪ ،‬توجده القدرة‪ ،‬على وفق تعلق صفيت اإلرادة والعلم‪ .‬وعلى ذلك فجميع الكائنات تكون واقعة بقدرة‬
‫هللا وإرادته‪ ،‬سواء كانت خريا أو شرا‪ ،‬أو طاعة او معصية‪ .‬وهذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة‪ 4.‬لقوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ إن هللا يفعل ما يريد ﴾ ولقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وربك خيلق ما يشاء وخيتار﴾ ولقول النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ﴿ :‬ما شاء هللا كان‪،‬‬
‫وما مل يشأ مل يكن﴾‪.‬‬
‫اجلائز واملستحيل على هللا تعاىل‬
‫قال الناطم‪:‬‬
‫من الصفات الش ـاخمات‪ ،‬فاعلما‬ ‫ويستحيل ضد ما تقدم ـ ـ ـ ـا‬
‫لكان ابلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوى معروف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫ألنه لو مل يكن هبا موصوفا‬
‫فهو الذي يف الفقر قد تناهى‬ ‫وكل من قام به سواه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا‬
‫لغريه جل الغىن املقت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدر‬ ‫والواحد املعبود ال يفتقـر‬
‫والرتك واإلش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقاء واإلسعاد‬ ‫وجائز يف حقه اإلجيـ ـ ـ ـاد‬

‫‪ 2‬املعتزلة يقولون‪ :‬إن هللا خلق اإلنسان حرا‪ ،‬ومل يقدر عليه أي شيء يف األزل‪ .‬وسيأيت توضيح مذهبهم يف مقرر السنوات القادمة‪ .‬إيذن هللا‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫الشرح والبيان‪:‬‬
‫إن اجتماع احلركة والسكون يف حمل واحد‪ ،‬وكذلك البياض والسواد من املستحيل حدوثه يف العقل‪.‬‬
‫فاملستحيل عقال‪ :‬هو املعدوم الذي ال يقبل الثبوت أصال‪ ،‬لذاته‪ .‬وهللا تعاىل يستحيل عليه أضداد الصفات‬
‫الكرمية الالئقة بذاته املقدسة‪ .‬فيستحيل عليه العجز‪ ،‬ألنه موصوف ابلقدرة‪ .‬والعجز والقدرة ضدان ال جيتمعان‪.‬‬
‫ويستحيل عليه اجلهل‪ ،‬ألنه موصوف ابلعلم‪ .‬واجلهل والعلم ضدان ال جيتمعان‪ .‬وهكذا يف سائر الصفات‪ .‬إذ‬
‫كل صفة وجبت ملوصوف‪ ،‬يستحيل ضدها على ذلك املوصوف‪.‬‬
‫وقوله‪ ﴿ :‬ويستحيل ضدها ما تقدما من الصفات‪ ،‬معناه‪ :‬إن هللا تعاىل متصف بثالث عشرة صفة‪ :‬وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ واملخالفة للحوادث‬ ‫‪1‬ـ والبقاء‬ ‫‪1‬ـ والقدم‬ ‫‪4‬ـ الوجود‬
‫‪1‬ـ واإلرادة‬ ‫‪7‬ـ والقدرة‬ ‫‪6‬ـ والوحدانية‬ ‫‪5‬ـ والقيام ابلنفس‬
‫‪44‬ـ والسمع ‪41‬ـ والبصر‬ ‫‪..4‬ـ واحلياة‬ ‫‪9‬ـ والعلم‬
‫‪41‬ـ والكالم النفسي‬

‫ويستحيل على هللا تعاىل أضدادها هذه الصفات‪ .‬فيستحيل عليه‪:‬‬


‫‪1‬ـ املماثلة للحوادث‬ ‫‪1‬ـ الفناء‬ ‫‪1‬ـ احلدوث‬ ‫‪4‬ـ العدم‬
‫‪1‬ـ الكراهية‪.‬‬ ‫‪7‬ـ العجز‬ ‫‪5‬ـ عدم القيام ابلفس ‪6‬ـ التعدد‬
‫‪41‬ـ العمى‬ ‫‪44‬ـ الصم‬ ‫‪.4‬ـ املوت‬ ‫‪9‬ـ اجلهل‬
‫‪41‬ـ البكم‬

‫وقوله‪:‬‬
‫لكان ابلسوى معروفا‬ ‫ألنه لو مل يكن هبا موصوفا‬
‫‪13‬‬
‫ومعناه‪ :‬لو مل يتصف هللا تعاىل بكل صفة من الصفات الثالث عشرة‪ ،‬لكان ابلسوى‪ .‬أى بسواها من‬
‫اجلهل والعجز وغريها من أضداد الصفات موصوفا هبا‪ .‬واتصافه تعاىل أبضدادها ابطل‪ ،‬ملا يلزم عليه من االفتقار‬
‫واحلدوث‪ .‬إذ كل من قام به صفة عجز كاجلهل و شبهه‪ ،‬فإنه يكون مفتقرا إىل غريه واملفتقر حمتاج إىل من‬
‫يكمله‪ .‬ومن حيتاج إىل غريه‪ ،‬ال يكون إهلا خالقا للعامل‪.‬‬

‫وأشار بقوله‪:‬‬
‫والرتك واإلشقاء واإلسعاد‬ ‫وجائز يف حقه اإلجياد‬
‫إىل أن هللا تعاىل جيوز عليه أن يوجد املمكنات‪ ،‬سواء وجدت ابلفعل أو مل توجد وجيوز عليه أن يرتك أشياء‬
‫فال يوجدها‪ .‬كإاثبة املطيع وتعذيب العاصى‪ .‬فله أن يفعل‪ ،‬وأن ال يفعل‪ .‬وجيوز عليه أن يشقي ويسعد‪.‬‬
‫واإلشقاء هو خلق قدرة الكفر‪ ،‬أو خلق الكفر يف العبد ـ والعياذ ابهلل تعاىل ـ ويسمى اخلذالن واإلضالل‪ .‬وقيده‬
‫﴿األشعري﴾ حبالة املوت وأطلقه ﴿املاتريدي﴾ فالشقي من مات على الكفر‪ ،‬والسعيد من مات على اإلميان‪،‬‬
‫عند األشعري‪ .‬والشقي عند املاتريدي هو الكافر‪ ،‬والسعيد عنده هو املؤمن‪.‬‬
‫فاجلائز على هللا تعاىل‪ :‬فعل كل ممكن وتركه‪.‬‬
‫والدليل العقلي على أنه جيوز على هللا فعل كل ممكن وتركه‪ :‬هو أنه قد وجب اتصافه ابحلياة والقدرة واإلرادة‬
‫والعلم والوحدانية‪ .‬فثبت له االختيار املطلق يف مجيع شئونه‪ ،‬ومن يثبت له االختيار‪ ،‬جيوز منه الفعل لكل ممكن‪.‬‬
‫والدليل النقلي‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وربك خيلق ما يشاء وخيتار﴾ وقول النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪﴿ :‬ما شاء هللا كان‪ ،‬وما مل يشأ مل‬
‫يكن﴾‪.‬‬
‫الصالح واألصلح‬
‫قال الناظم‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫على اإلله‪ .‬فقد أساء األداب‬ ‫ومن يقل فعل الصالح وجبا‬
‫الشرح والبيان‪:‬‬
‫الصالح والفساد ضدان‪:‬‬
‫وإذا كان يف العامل أمران احدمها صالح واآلخر فساد‪ .‬يقول املعتزلة‪ 4‬جيب على هللا تعاىل فعل الصالح‬
‫وترك الفساد ألنه كمال والكمال مناسب هلل‪ .‬وأهل السنة يقولون‪ :‬ال جيب على هللا شيء‪ .‬فإنه ﴿ ال يسأل عما‬
‫يفعل ﴾‪.‬‬
‫رؤية هللا تعاىل‬
‫قال الناظم‪:‬‬
‫يف جنة اخللد بال تناهي‬ ‫وأجزم أخي برؤية اإلله‬
‫وقد أتى فيه دليل النقل‬ ‫إذ الوقوع جائز ابلعقل‬

‫الشرح والبيان‪:‬‬
‫قوله‪ :‬اجزم‪ :‬معناه‪ :‬اقطع واعتقده واملراد ابألخ‪ :‬األخ يف اإلسالم‪.‬‬
‫إذ األب الذي خرجنا بسببه من ظلمة الكفر إىل نور اإلميان واحد‪ .‬وهو النيب ملسو هيلع هللا ىلص برؤية اإلله‪ :‬سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫أى بوقوعه‪ ،‬مبعىن االنكشاف التام ابلبصر‪ .‬بال تناهي املرئي تعاىل‪ .‬أى من غري إحاطة حبدود املرئي وهناايته‪،‬‬

‫مجاعة من علماء املسلمني اعتزلوا احلرب بني على ومعاوية ـ رضى هللا عنهما ـ وعكفوا على أتليف الكتب يف تفسري القرآن ـ من‬ ‫‪1‬‬

‫جهة نظرهم ـ وبيان أحكامه‪ ،‬والرد على أعداء اإلسالم من أهل الكتاب وغريهم‪ .‬وهلم أصول مخسة‪ .‬مل يوافقهم أهل السنة على‬
‫بعضها‪.‬‬
‫هكذا قيل يف سبب تسميتهم‪ .‬وقيل أيضا‪ :‬أن سبب التسمية هو أن واضل ابن عطاء اعتزل من جملس احلسن البصرى‪ ،‬ليقرر أن‬
‫املسلم العاصى ليس مبؤمن وال كافر‪ .‬أى يف منزلة بني املنزلتني‪ .‬أى هو فاسق ( شرح اخلريدة ص ‪) 41‬‬

‫‪15‬‬
‫الستحالة احلدود والنهاايت عليه‪ ،‬فكما أهنم يعلمونه بال حد وهناية‪ ،‬وبال كيف‪ .‬يرونه‪ .‬كذلك‪ .‬فريى ال يف‬
‫مكان وال يف جهة وال ابتصال مشاع‪ ،‬وال على مسافة بينه تعاىل وبني املرائي‪.‬‬
‫والدليل العقلي على جواز وقوع الرؤية‪ :‬أن هللا موجود‪ ،‬وكل موجود جيوز أن يرى‪.‬‬
‫والدليل النقلي‪ :‬قوله تعاىل حكاية عن موسى عليه السالم ﴿ رب أرىن انظر إليك ﴾ ولو كانت الرؤية‬
‫ممتنعة‪ ،‬ما سأهلا موسى وهو نيب‪ .‬وقول هللا تعاىل‪﴿ :‬للذين أحسنوا‪ :‬احلسىن‪ ،‬وزايدة﴾ فاحلسىن هي اجلنة جزاء‬
‫‪4‬‬
‫إحساهنم‪ .‬فتكون الزايدة هي رؤية هللا تعاىل‪.‬‬
‫وبعد فرغنا من شرح أبيات الناظم عن صفات هللا تعاىل إبجياز‪ ،‬نذكر صفات املعاين على حدة ونوضحها‬
‫ونقيم األدلة على وجوهبا هلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ـ القدرة‬
‫قدرة هللا تعاىل‪ :‬صفة وجودية أزلية قائمة بذاته تعاىل‪ ،‬يتأتى هبا إجياد املمكن وإعدامه‪ ،‬على وفق علمه تعاىل‬
‫وإرادته‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجوب القدرة هلل تعاىل‪ :‬أنه هو اخلالق جلميع الكائنات‪ .‬وكل خالق قادر‪ .‬والدليل‬
‫النقلي على وجوب القدرة هلل تعاىل‪ :‬قوله تعاىل ﴿إن هللا على كل شىء قدير﴾ وقوله تعاىل‪﴿ :‬أفال ينظرون إىل‬
‫اإلبل كيف خلقت ؟ وإىل السماء كيف رفعت ؟ وإىل اجلبال كيف نصبت ؟ وإىل األرض كيف سطحت﴾ ؟‬

‫‪ 1‬ـ ـ اإلرادة‬

‫‪1‬املعتزلة منعوا الرؤية الستلزامها اجلهة واملكان هلل عز وجل‬


‫‪16‬‬
‫إرادة هللا تعاىل‪ :‬صفة وجودية أزلية‪ ،‬قائمة بذاته تعاىل‪ ،‬ختصص املمكن ببعض ما جيوز عليه من األمور‬
‫املتقابلة‪ .‬فإرادة هللا توجد العلم بدل اجلهل‪ ،‬وهكذا يف سائر املمكنات‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجود اإلرادة هلل‪ :‬أنه لو مل يكن مريدا جلميع املمكنات اليت كانت واليت ستكون‪ ،‬لكان‬
‫مكرها على إجيادها‪ .‬واملكره على إجياد الشيء‪ ،‬ال يكون متمكنا من الفعل والرتك‪ .‬فيكون عاجزا‪ .‬وحيث أن‬
‫الكائنات موجودة‪ ،‬وتدل على خالق قادر‪ ،‬أوجدها‪ .‬فإذن هللا تعاىل الذي أوجدها مريد وقادر‪.‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب اإلرادة هلل‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وربك خيلق ما يشاء وخيتار﴾‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬فعال ملا‬
‫يريد﴾‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ ـ العلم‬
‫علم هللا تعاىل صفة وجودية أزلية قائمة بذاته تعاىل‪ ،‬تتعلق ابلواجبات واملستحيالت واجلائزات‪ ،‬تعلق إحاطة‬
‫وانكشاف‪ ،‬دون سبق خفاء‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجوب العلم هلل‪ :‬هو أن العامل العجيب الصنع‪ ،‬واحملكم اإلتقان يدل على أن خالقه‬
‫عامل بكل شيء‪ .‬إذ ال يصدر الفعل احملكم املتقن من جاهل به‪.‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب العلم هلل‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬صنع هللا الذي أتقن كل شيء إنه خبري مبا تفعلون﴾‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ـ ـ احلياة‬
‫حياة هللا تعاىل صفة وجودية قائمة بذاته تعاىل تقتضي صحة اتصافه بنحو اإلرادة والعلم وسائر الصفات‪.‬‬
‫إذ اإلرادة والعلم وغريمها ال يوجدان إال من حي‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجوب صفة احلياة هلل تعاىل‪ :‬أن هللا متصف ابإلرادة والعلم وسائر الصفات‪ .‬وال‬
‫يتصف هبذه الصفات‪ ،‬إال من اتصف ابحلياة‪ .‬فإذن هللا حي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب صفة احلياة هلل‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وعنت الوجوه للحي القيوم‪ .‬وقد خاب من محل‬
‫ظلما﴾‪ .‬وقوله تعاىل ﴿ هللا ال إله إال هو‪ .‬احلي القيوم ﴾‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ـ السمع‬
‫مسع هللا صفة وجودية قدمية قائمة بذاته تعاىل‪ .‬يتأتى هبا انكشاف مجيع املوجودات انكشافا اتما‪ ،‬يغاير‬
‫االنكشاف بصفيت العلم والبصر‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجوب صفة السمع هلل تعاىل‪ :‬أنه لو مل يتصف هللا تعاىل ابلسمع ـ والسمع صفة كمال‬
‫ـ ال تصف بضده‪ .‬وهو الصمم ـ والصم صفة نقص ـ والنقص مستحيل على هللا‪ ،‬والكمال واجب له‪.‬‬
‫والدليل النقلي‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬إن هللا مسيع بصري ﴾ وقوله ملوسى وهارون‪ ﴿ :‬الختافا‪ .‬إنين معكما أمسع‬
‫وأرى ﴾‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ ـ البصر‬
‫صفة البصر صفة وجودية أزلية قائمة بذات هللا تعاىل‪ ،‬يتأتى هبا انكشاف مجيع املوجودات‪ ،‬انكشافا اتما‪،‬‬
‫يغاير االنكشاف بصفيت العلم والسمع‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجود صفة البصر هلل تعاىل‪ :‬أن العمى الذى هو ضد البصر نقص‪ ،‬ولو اتصف هللا به‪،‬‬
‫ملا صار هللا كامال ومدبرا لشئون العلم‪ .‬وألن العامل حمكم‪ ،‬فإذن خالقه بصري‪.‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب صفة البصر هلل تعاىل‪ :‬قوله‪ ﴿ :‬إن هللا مسيع بصري ﴾ وقوله‪ ﴿ :‬وكان هللا مبا‬
‫تعملون بصريا ﴾‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ـ الكالم النفسي‬

‫‪18‬‬
‫كالم هللا صفة وجودية أزلية‪ ،‬قائمة بذاته تعاىل‪ ،‬ليست حبرف وال صوت‪ .‬منزهة عن التقدمي والتأخري‬
‫والرتتيب‪ .‬تدل على مجيع الواجبات واملستحيالت واجلائزات‪ .‬ومعىن أهنا ليست حبرف وال صوت‪ :‬أن هللا ال‬
‫ينطق بفمه‪ ،‬ألن هللا ليس جسما لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ليس كمثله شيء ﴾ وقوله‪ ﴿ :‬هل تعلم له مسيا ﴾ أي مثال‪.‬‬
‫ولقوله‪ ﴿ :‬ومل يكن له كفوا أحد ﴾ أى مثال وشيبها‪ .‬وكذلك مسع هللا وبصره ال يسمع أبذن وال يبصر بعني‬
‫كآذان الناس وأعينهم‪ .‬ألنه منزه عن اجلسمية‪ .‬وقوله تعاىل عن سفينة نوح عليه السالم‪ ﴿ :‬جتري أبعيننا ﴾‬
‫معناه‪ :‬جرت بعنايتنا ورعايتنا‪ .‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬يد هللا فوق أيديهم ﴾ ال يدل على يد حقيقية‪ .‬بل اليد كناية عن‬
‫القدرة‪ .‬أي قدرة هللا فوق قدرة الناس‪.‬‬

‫والكالم النفسى يدل على أن هللا واحد وموصوف بكل كماله ومنزه عن كل نقص‪ ،‬ويدل على األمر‬
‫ابلشرائع‪ ،‬واإلخبار مبا كان ومبا سيكون‪.‬‬

‫والدليل العقلي على وجوب صفة الكالم النفسي هلل تعاىل‪ :‬أنه لو مل يتصف هبا‪ ،‬التصف ابلبكم‪ .‬وهو‬
‫نقص‪ .‬يتنزه عنه اإلله هلالج لج‪.‬‬

‫والدليل النقلي على وجوب صفة الكالم النفسي هلل تعاىل‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وكلم هللا موسى تكليما ﴾‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أسئلة‬
‫‪ 4‬ـ ما معىن الذات ؟ وما معىن الصفة ؟ وهل الصفات زائدة على الذات ؟‬
‫‪ 1‬ـ ما املراد بصفات املعاين ؟ وكم عددها ؟‬
‫‪ 1‬ـ اذكر خالف العلماء يف صفة اإلدراك هلل تعاىل‪.‬‬
‫‪1‬ـ ما هي الصفات املعنوية ؟ وكم عددها ؟‬
‫‪ 5‬ـ ما معىن تعلق الصفة ؟ وكم عدد الصفات اليت هلا تعلق ؟‬
‫‪ 6‬ـ مب تتعلق الصفات اآلتية‪:‬‬
‫العلم ‪ -‬الكالم ‪ -‬القدرة ‪ -‬اإلرادة ‪ -‬السمع ‪ -‬البصر ؟‬
‫‪ 7‬ـ هل لصفة احلياة تعلق ؟‬
‫‪ 1‬ـ ملاذا ال يكون لإلرادة تنجيز حادث ؟‬
‫‪ 9‬ـ اذكر أضداد الصفات اآلتية‪:‬‬
‫الوجود ‪ -‬والقدم ‪ -‬والبقاء ‪ -‬واملخالفة للحوادث ‪ -‬القيام ابلنفس ‪ -‬والوحدانية‬
‫والقدرة ‪ -‬واإلرادة ‪ -‬والعلم ‪ -‬واحلياة ‪ -‬والسمع ‪ -‬والبصر ‪ -‬والكالم النفسي‬
‫‪.4‬ـ بني اجلائز يف حق هللا تعاىل‪ ،‬وأقم الدليل عليه‪.‬‬
‫‪44‬ـ ما معىن الصالح ؟ وما رأى أهل السنة فيه ؟ وما دليلهم عليه ؟‬
‫‪41‬ـ هل املسلمون سريون هللا تعاىل يف الدار االخرة ؟ وما هو الدليل ؟‬
‫‪41‬ـ ما سبب تسمية املعتزلة ابملعتزلة ؟‬
‫‪41‬ـ عرف صفة القدرة‪ .‬وأقم الدليل العقلي والدليل النقلي على وجوهبا هلل تعاىل‪.‬‬
‫‪45‬ـ عرف الصفات اآلتية وأقم الدليل على وجوهبا هلل تعاىل‪:‬‬
‫اإلرادة ‪ -‬العلم ‪ -‬احلياة ‪ -‬السمع ‪ -‬البصر ‪ -‬الكالم النفسي‬

‫‪20‬‬
‫‪46‬ـ ما معىن قوله تعاىل‪ ﴿ :‬هل تعلم له مسيا ؟ ﴾‬
‫‪47‬ـ ما الفرق بني الكالم النفسي والكالم حبروف وأصوات ؟‬

‫النبوات‬
‫قال الناظم‪:‬‬
‫والصدق والتيليغ والفطانة‬ ‫وصف مجيع الرسول ابألمانة‬
‫وجائز كاألكل يف حق ـ ـ ـ ـهم‬ ‫ويس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتحيل ضدها عليهم‬
‫للعاملني‪ .‬جل موىل النعمة‬ ‫أرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهلم تفضل ورمحة‬

‫الشرح والبيان‪:‬‬
‫ال يقدر إنسان على عمل كل شيء ينفعه مبفرده‪ .‬فهو ال يقدر مبفرده على أن يزرع وحيصد ويطحن وخيبز‬
‫ويبين ويصنع وخيتلف إىل املشايخ لتلقي العلم‪ .‬ومن أجل ذلك حيتاج إىل غريه‪ ،‬وغريه حيتاج إليه‪ ،‬وقد نظم هللا‬
‫حياة الناس على التعارف والتعاون‪ ،‬وذلك ليعمروا األرض‪ ،‬ويسبحوا حبمد هللا عز وجل‪.‬‬
‫وخلق هللا الناس ذوي ميول وغرائز شىت‪ ،‬فإنسان مييل إىل العلم‪ ،‬وأنسان مييل إىل السعي يف األرض لطلب‬
‫الربح‪ ،‬وإنسان مييل إىل الزراعة واحلصاد‪ ،‬وكلهم مشرتكون يف غريزة اجلوع والشبع‪ .‬وغرائز أخرى‪ .‬ذكرها هللا تعاىل‬
‫يف قوله‪ ﴿ :‬زين للناس حب الشهوات من النساء والبنني‪ ،‬والقناطري املقنطرة من الذهب والفضة‪ ،‬واخليل املسومة‬
‫واألنعام واحلرث ﴾‪.‬‬
‫وبني هللا تعاىل يف القرآن الكرمي أنه ملا خلق آدم عليه السالم‪ ،‬أمر مالئكته ابلسجود له‪ ،‬سجود تكرمي ال‬
‫سجود عبادة‪ .‬وقد امتثل املالئكة لألمر‪ ،‬إال الشيطان فإنه ﴿ أىب واستكرب ﴾ وقال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬أان خري منه‪.‬‬
‫خلقتين من انر وخلقته من طني ﴾‪ ،‬وإلابئه واستكباره‪ ،‬طرده هللا من رمحته‪ .‬وأخرجه من جنته‪ .‬وأسكن آدم اجلنة‬
‫هو وزوجه‪ .‬وهنامها عن األكل من شجرة اخللد‪ ،‬وحذرمها من الشيطان الرجيم ولكن آدم ﴿ نسي ﴾ وخالف‬
‫‪21‬‬
‫األمر‪ .‬وأكل من الشجرة اليت هناه هللا أن أيكل منها‪ .‬ولكنه ندم يف احلال‪ ،‬وقال هو وزوجه‪ ﴿ :‬ربنا ظلمنا‬
‫أنفسنا وإن مل تغفر لنا وترمحنا‪ ،‬لنكونن من اخلاسرين ﴾ وقد قبل هللا توبتهما وقال هلما وللشيطان‪ ﴿ :‬اهبطوا‬
‫بعضكم لبعض عدو‪ .‬ولكم يف األرض مستقر ومتاع إىل حني ﴾‪.‬‬
‫وألن هللا قد خلق اإلنسان ذوي ميول وغرائز‪ ،‬وقد ينسى هللا ويتبع الشيطان ويعبده‪ ،‬وقد يسفك الدماء يف‬
‫األرض بسبب احلسد والغضب‪ ،‬اقتضت حكمته تعاىل رمحة ابألنسان ورأفة به‪ ،‬أن يرسل إليه األنبياء من جنسه‪،‬‬
‫لريفوه احلق‪ ،‬ولينظموا له حياته‪ ،‬وليبعدوه عن وساوس الشيطان وبنيه‪ .‬وقد أشار هللا إىل هذا بقوله‪ ﴿ :‬فإما‬
‫أيتينكم مين هدى‪ ،‬فمن تبع هداي‪ .‬فال خوف عليهم وال هم حيزنون‪ .‬والذين كفروا وكذبوا آبايتنا‪ ،‬أولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾‪.‬‬
‫وقد وىف هللا مبا وعد به ﴿ فبعث هللا النبيني مبشرين ومنذرين‪ ،‬وأنزل معهم الكتاب ابحلق‪ ،‬ليحكم بني الناس‬
‫يف ما اختلفوا فيه ﴾‪.‬‬
‫وقد ذكر هللا يف القرآن أمساء مخسة وعشرين من األنبياء والرسل‪ .‬وهم‪:‬‬
‫‪7‬ـ لوط‬ ‫‪6‬ـ إبراهيم‬ ‫‪5‬ـ صاحل‬ ‫‪1‬ـ هود‬ ‫‪1‬ـ نوح‬ ‫‪1‬ـ إدريس‬ ‫‪4‬ـ آدم‬
‫‪41‬ـ أيوب ‪45‬ـ‬ ‫‪41‬ـ موسى‬ ‫‪41‬ـ هارون‬ ‫‪44‬ـ يوسف‬ ‫‪.4‬ـ يعقوب‬ ‫‪9‬ـ إسحاق‬ ‫‪1‬ـ إمساعيل‬
‫‪14‬ـ ذو الكفل‬ ‫‪.1‬ـ يونس‬ ‫‪49‬ـ اليسع‬ ‫‪41‬ـ إلياس‬ ‫‪47‬ـ سليمان‬ ‫شعيب ‪46‬ـ داود‬
‫‪15‬ـ دمحم ـ عليهم السالم‪.‬‬ ‫‪11‬ـ عيسى بن مرمي‬ ‫‪11‬ـ حيىي‬ ‫‪11‬ـ زكراي‬

‫وقد خاطب هللا نبيه دمحما ملسو هيلع هللا ىلص بقوله ﴿ فاصرب كما صرب أولو العزم من الرسل ﴾ وأولو العزم هم‪4 :‬ـ نوح‬
‫‪1‬ـ إبراهيم ‪1‬ـ موسى ‪1‬ـ عيسى ‪5‬ـ دمحم عليهم الصالة والسالم ـ‬
‫وهؤالء اخلمسة مسوا أبويل العزم ألهنم صربوا على أذى قومهم‪ ،‬وحتملوا املشاق أكثر من غريهم‪.‬‬
‫وقد أنزل هللا على بعضهم كتب شرائع وهم نوح وموسى ودمحم ـ عليهم السالم ـ وأنزل الزبور على داود عليه‬
‫السالم فيه تسابيح وأدعية هلل وتنبؤات تدل على جمئ دمحم رمحة للعاملني‪ ،‬وعلى أنه سينسخ شريعة موسى‪ ،‬وعلى‬
‫‪22‬‬
‫أن شريعته ستبقى إىل يوم الدين‪ ،‬وأنزل اإلجنيل على عيسى عليه السالم‪ .‬واإلجنيل هو البشرى املفرحة خبرب سار‪.‬‬
‫واخلرب هو جميءدمحم من بعده‪.4‬‬
‫والفرق بني النيب والرسول‪ :‬هو أن النيب حر من بين آدم‪ ،‬أوحى هللا إليه‪ .‬سواء أمر ابلتبليغ أو مل يؤمر به‪ .‬وأن‬
‫الرسول‪ :‬إنسان حر من بين آدم‪ ،‬أوحى هللا إليه بشرع وأمر بتبليغه‪ .‬وهذا التعريف حبسب مسمى الشرع‪ .‬ألن‬
‫الرسول يف اللغة هو املرسل من قبل غريه فامللك إذا أرسل وزيرا برسالة إىل ملك غريه‪ ،‬يسمى الوزير رسوال يف‬
‫اللغة‪ ،‬وال يسمى رسوال شرعا‪ .‬وكلمة النيب يف اللغة معناها املنبئ عن هللا‪ .‬واملنبئ عن هللا‪ ،‬ال يكون إال نبيا‬
‫صادقا‪ .‬وال أتيت كلمة النيب على اجملاز كما أتت كلمة الرسول‪ .‬ومن أجل ذلك قال هللا عن دمحم ملسو هيلع هللا ىلص أنه ﴿ خامت‬
‫النبيني ﴾ ومل يقل خامت املرسلني‪ ،‬ألن الرسول يف غري مسمى الشرع قد يطلق على من يبلغ رسالة من ملك أو‬
‫غريه إىل شخص آخر‪ .‬فقد وصف النيب معاذ بن جبل ملا بعثه إىل اليمن أبنه رسول رسول هللا‪ .‬وكل عامل من‬
‫علماء املسلمني يبلغ رسالة هللا‪ ،‬فهو رسول إليهم على املعىن اجملاز كمعاذ بن جبل هنع هللا يضر‪.‬‬
‫ومن الواجب على املسلم أن يؤمن أبنبياء هللا ورسله‪ .‬فقد قال تعاىل‪ ﴿ :‬آمن الرسول مبا أنزل إليه من ربه‬
‫واملؤمنون‪ .‬كل آمن ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله‪ .‬ال نفرق بني أحد من رسله‪ .‬وقالوا‪ :‬مسعنا وأطعنا‪ .‬غفرانك ربنا‬
‫وإليك املصري ﴾‪.‬‬

‫معجزات األنبياء‬
‫واملعجزة وهي األمر اخلارق للعادة‪ ،‬الذي يظهره هللا على يد مدعي النبوة تصديقا يف دعواه‪ .‬هي اليت متيز‬
‫بني النيب الصادق والنيب الكاذب‪ ،‬وهي اليت تعرف الناس أنه آت من قبل هللا‪ .‬فلو قال قائل للناس‪ :‬إنين نيب‪.‬‬
‫وسألوه‪ :‬ما الذي يعرفنا أنك نيب ؟ فقال‪ :‬هو أن تقرتحوا علي أمرا غري مألوف يف العادات وأان أظهره لكم‪ .‬فإذا‬

‫‪ 1‬اقراء الكتب اآلتية‪ :‬نقد التورات أسفار موسى اخلمسة ـ البشارة بنيب اإلسالم يف التوراة واإلجنيل ـ املسيح املنتظر ـ أقانيم النصارى ـ يوحنا‬
‫املعمدان بني اإلسالم والنصرانية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫اقرتحوا وقالوا‪ :‬نريد أن يتمخض هذا اجلبل عن انقة‪ .‬وأيده هللا تعاىل أبن أخرج هلم من اجلبل انقة‪ .‬ففى هذه‬
‫احلالة يعرف الناس أنه نيب‪ .‬ألن اجلبل ال يلد الناقة‪ .‬ولقد كانت الناقة معجزة لصاحل عليه السالم‪ .‬وكان موسى‬
‫عليه السالم يلقي عصاه على األرض فتصري ثعباان‪ ،‬أو حية‪ .‬ويدخل يده يف عبه وخيرجها فإذا هي بيضاء من‬
‫غري سوء‪ ،‬أي برص‪ .‬وكان عيسى عليه السالم بربئ األكمه ـ وهو املولود أعمى ـ واألبرص‪ ،‬وحييي املوتى إبذن‬
‫هللا‪ .‬ومعجزات آخر كانت له منحة من هللا‪.‬‬
‫وتسمى هذه املعجزات ابملعجزات احلسية‪ ،‬أى املرئية رأى العني‪.‬‬
‫وحملمد ملسو هيلع هللا ىلص مثلها‪ .‬فقد رد عني قتادة بن النعمان‪ ،‬وحن اجلذع إليه واشتكت إليه الغزالة وكلمه الضب‬
‫وأسري به ليال من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى‪ .‬وله القرآن الكرمي معجزة ابقية إىل يوم القيامة‪ .‬ووجه‬
‫داللة القرآن على صدق النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص كان أميا‪ ،‬ال يقرأ وال يكتب‪ ،‬وال خيتلف أىل معلم أو مؤدب‪،‬‬
‫ونشأ كغريه من األميني‪ ،‬يرعى الغمم يف شعاب (مكة)‪ .‬وىف سن األربعني ينطق ابلقرآن الكرمي البالغ الروعة يف‬
‫الفصاحة والبالغة‪ ،‬واحلاوي على املعاين اليت ال علم له هبا‪ ،‬وال علم لقومه هبا كحديثه عن بعض األولني‪،‬‬
‫واألنبياء واملرسلني وحديثه عن نظرايت علمية يف الكون وعجائب املخلوقات‪ .‬مع أنه ما كان من الدارسني‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن هللا تعاىل هو الذي أوحي إليه هذا القرآن‪ .‬وجعله نبيا‪ .‬وجعله خامت النبيني‪.‬‬

‫عموم رسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬


‫وقد أخرب القرآن عن أنبياء أرسلوا إىل أقوامهم خاصة‪ ،‬كشعيب عليه السالم إىل أهل مدين‪ .‬وعن أنبياء‬
‫أرسلوا إىل اإلنس واجلن‪ .‬كنوح وكموسى‪ 4‬ودمحم عليهم السالم فقد قال تعاىل‪ ﴿ :‬وإذا صرفنا إليك نفرا من‬
‫اجلن‪ ،‬يستمعون القرآن‪ .‬فلما حضروه قالوا‪ :‬أنصتوا‪ .‬فلما قضى‪ ،‬ولوا إىل قومهم منذرين‪ .‬قالوا‪ :‬اي قومنا إان مسعنا‬

‫‪ 1‬يف كتب التفاسري‪ :‬عن عطاء رضى هللا عنه أهنم كانوا على اليهودية‪ .‬وعن ابن عباس رضى هللا عنهما أن اجلن مل تكن مسعت أبمر عيسى عليه‬
‫السالم فلذلك قالت من بعد موسى‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫كتااب أنزل من بعد موسى‪ ،‬مصدقا ملا بني يديه يهدي إىل احلق وإىل طريق مستقيم‪ .‬اي قومنا أجيبوا داعي هللا‬
‫وآمنوا به‪ .‬يغفر لكم ذنوبكم وجيركم من عذاب أليم ﴾‬
‫وأخرب هللا تعاىل أن عيسى عليه السالم هو آخر أنبياء بين إسرائيل‪ ،‬وأنه كان مصدقا ملا بني يديه من التوراة‬
‫ومبشرا برسول أييت من بعده‪ ،‬امسه أمحد‪ .‬وأن دمحما خامت النبيني واملرسلني‪ ،‬وال نيب بعده‪ ،‬وأن رسالته لإلنس واجلن‬
‫وللعرب ولسائر األمم‪ ،‬وأهنا نسخت ما قبلها وستظل ابقية إىل يوم الدين‪.‬‬
‫والدليل العقلي على رسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬أنه أدعى الرسالة‪ ،‬وأيده هللا ابملعجزات تصديقا له يف دعواه‪ .‬وكل من‬
‫أيده ابملعجزات‪ ،‬يكون رسوال صادقا‪ .‬والدليل النقلي على أن القرآن معجزته‪ ،‬وأنه حتدى به اإلنس واجلن‪ :‬قوله‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدان‪ ،‬فأتوا بسورة من مثله‪ ،‬وادعوا شهداءكم من دون هللا إن كنتم‬
‫صادقني ﴾‪.‬‬
‫والدليل النقلي على رسالته‪ ﴿ :‬وما دمحم إال رسول قد خلت من قبله الرسل ﴾ أي كان قبله من املرسلني‬
‫الصادقني كثري‪.‬‬
‫والدليل على عموم رسالته لإلنس واجلن وللعرب ولألمم‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وما أرسلناك إال كافة للناس بشريا‬
‫ونذيرا )‪.‬‬
‫والدليل على أنه خامت النبيني واملرسلني الصادقني‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ما كان دمحم أاب أحد من رجالكم‪ ،‬ولكن‬
‫رسول هللا وخامت النبيني ﴾‪.‬‬

‫الواجب للرسل إمجاال وتفصيال‬


‫أن يتصف كل رسول بصفات أربعة‪ .‬هي‪4 :‬ـ الصدق ‪1‬ـ األمانة ‪1‬ـ والتبليغ ‪1‬ـ والفطانة‪.‬‬
‫وهذا على سبيل التفصيل والبيان‪ .‬وأما على سبيل اإلمجال‪ ،‬فإنه جيب هلم‪ :‬كل كمال بشري كالوفاء واإلخالص‬
‫واملروءة والشجاعة وسالمة أجسادهم من العاهات‪ ،‬وخلو أفعاهلم عما ينفر الناس عنهم‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ 4‬ـ الصدق‬
‫فالصدق‪ :‬هو مطابقة اخلرب للواقع‪ ،‬أي إذا قال النيب قوال‪ ،‬يكون صادقا فيه‪ ،‬وال يقدر أحد أن يكذبه فيه‪،‬‬
‫ألن ما قاله هو حقيقة مؤكدة‪.‬‬
‫ويستحيل على النيب الكذب‪ ،‬ألنه لو اشتهر ابلكذب‪ ،‬ما صدقه أحد يف ما حيكيه‪ ،‬سواء حكى عن نفسه‪،‬‬
‫أو عن هللا‪.‬‬

‫والدليل العقلي على وجوب الصدق للرسل‬


‫إن هللا صدقهم ابملعجزات‪ ،‬أي أجرى املعجزات على أيديهم ملا طلبوها‪ ،‬ولو جاز عليهم الكذب‪ ،‬ما‬
‫صدقهم هللا‪ ،‬وذلك ألن تصديق الكاذب كذب‪ .‬والكذب على هللا تعاىل حمال‪.‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب الصدق للرسل‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وصدق هللا ورسوله ﴾‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ األمانة‬
‫األمانة‪ :‬هي حفظ هللا تعاىل ظواهر الرسل وبواطنهم من فعل‪ ،‬قد هنى عنه‪ .‬فال يفعلون حمرما‪ ،‬وال يرتكون‬
‫مأمورا به من جهة الشرع‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجوب األمانة للرسل أن هللا تعاىل كلفنا ابتباعهم‪ .‬وجعلهم لنا قدوة‪ ،‬لقوله‪ ﴿ :‬أولئك‬
‫الذين هدى هللا فبهداهم اقتده ﴾ ولو جاز عليهم اخليانة بفعل فعلوه وقد هني عنه‪ ،‬أو بفعل تركوه وقد أمر به‪،‬‬
‫ملا أمران ابتباعهم‪ .‬وحيث قد أمران ابتباعهم‪ ،‬فإهنم يكونون أمناء‪.‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب األمانة للرسل‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬إىن لكم رسول أمني ﴾‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ 1‬ـ التبليغ‬
‫التبليغ‪ :‬هو إيصال الرسل كل الذي أمرهم هللا بتبليغه للناس إليهم بغري لبس يف املعاين وال غموض‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجوب التبليغ‪ :‬أن كتمان أي شيء قد أمروا إبذاعته‪ ،‬يعد خيانة وتضييعا لألمانة‪ .‬ولو‬
‫كانوا كذلك‪ ،‬لضاعت الفائدة من إرساهلم‪.‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب التبليغ‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‪ ،‬وإن مل تفعل‬
‫فما بلغت رسالته ﴾‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ الفطانة‬
‫الفطانة‪ :‬هي سرعة الفهم وقوة احلجة‪.‬‬
‫والدليل العقلي على وجوب الفطانة للرسل‪ :‬أن هللا اصطفاهم للتوجيه واإلصالح‪ .‬وألن للمعارضني‬
‫جمادالت‪ ،‬لشبه قد تعرض هلم من قبل الشيطان‪ ،‬أيدهم هللا ابإلدلة إلثبات ما أرسلوا به‪ ،‬وإلبطال الشبه‪ .‬وهذا ال‬
‫يتأتى إال ابلفطانة والذكاء‪ .‬ولو كانوا عاجزين من اجلدال احلسن‪ ،‬لكان إرساهلم عبثا‪ .‬وهللا منزه عنه‪.‬‬
‫والدليل النقلي على وجوب الفطانة للرسل‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وجادهلم ابليت هي أحسن ﴾‪.‬‬

‫املستحيل على رسل هللا‬


‫ويستحيل على الرسل تفصيال أضداد تلك الصفات‪ .‬فيستحيل عليهم تفصيال‪:‬‬
‫‪4‬ـ الكذب ‪1‬ـ واخليانة ‪1‬ـ والكتمان ‪1‬ـ والبالدة‪.‬‬
‫ويستحيل عليهم إمجاال‪ :‬كل نقص بشري خيل برساالهتم‪ ،‬أو يؤدي إىل نفرة الناس عنهم‪ .‬كالظلم ونقض‬
‫العهد والقدر واجلنب‪ ،‬والعيوب اجلسدية املنفرة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫والدليل العقلي على استحالة كل تلك الصفات‪ :‬هو أن هذه الصفات نقائص وعيوب‪ ،‬والرسل قدوة‬
‫للناس‪ ،‬فيجب أن يكونوا بعيدين عنها‪ ،‬لئال تضيع رسالتهم بسبب ما حيدث منهم‪ ،‬مما خيالف أقواهلم‪.‬‬
‫والدليل النقلي على استحالة كل تلك الصفات‪ :‬هو أن هللا جعلهم قدوة وجعلهم أئمة‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿أولئك الذين هدى هللا‪ .‬فبهداهم اقتده﴾‪ ،‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إن إبراهيم كان أمة قانتا هلل حنيفا ﴾‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫﴿اي أيها الذين آمنوا مل تقولون ما ال تفعلون؟ كرب مقتا عند هللا أن تقولوا ما ال تفعلون ﴾‪.‬‬

‫اجلائز على رسل هللا‬


‫اقتضت حكمة هللا تعاىل أن يرسل األنبياء من البشر‪ ،‬ال من املالئكة‪ ،‬ألن اجلنس إىل اجلنس أميل‪ .‬وألهنم‬
‫يكونون من البشر‪ ،‬والبشر أيكلون ويشربون وميشون يف األسواق ويزرعون وحيصدون‪ ،‬جيوز على األنبياء والرسل‪،‬‬
‫كل ما جيوز على سائر البشر من احلرف العالية والصناعات الشريفة‪ ،‬واملرض الذي ال يعدي‪ .‬فقد قال هللا تعاىل‬
‫عن دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ﴿ :‬قل‪ :‬إمنا بشر مثلكم ﴾ وأكد على بشرية نوح بقوله‪ :‬وال أقول عندي خزائن هللا وال أعلم‬
‫الغيب وال أقول‪ :‬إين ملك‪ ،‬وال أقول للذين تزدري أعينكم‪ :‬لن يؤتيهم هللا خريا‪ .‬هللا أعلم مبا يف أنفسهم‪ .‬إين إذن‬
‫ملن الظاملني‪.‬‬

‫والدليل العقلي على جواز ظهور أعراض البشر على األنبياء‪ :‬أهنم لو كانوا من غري جنس البشر‪ ،‬خلاف‬
‫الناس منهم ومل أينسوا هبم‪ .‬وهذا يعوق تبليغ رساالت هللا‪ .‬وقد دلت املشاهدة أيضا على أن أفعاهلم كأفعال‬
‫البشر‪ ،‬غري أهنم قد حتلوا ابلفضائل‪ ،‬وختلصوا من الرذائل‪ ،‬وأن بعضهم قتل يف سبيل هللا‪ .‬فقد قال تعاىل عن بين‬
‫إسرائيل ﴿ ويقتلون النبيني بغري حق ﴾‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫والدليل النقلي على جواز ظهور أعراض البشر على األنبياء‪ :‬أن هللا تعاىل حكى شبهة الكفار على دمحم‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ومل ينفها عنه‪ .‬وهي‪ ﴿ :‬وقالوا‪ :‬مال هذا الرسول أيكل الطعام وميشي يف األسواق ؟ لو ال أنزل إليه ملك‬
‫فيكون معه نذيرا‪ ،‬أو يلقى إليه كنز‪ ،‬أو تكون له جنة أيكل منها ﴾‪.‬‬

‫حكم إرسال الرسل‬


‫ومذهب أهل السنة واجلماعة‪ :‬أن إرسال هللا للرسل هو تفضل منه وليس بواجب عليه‪ ،‬ألن هللا تعاىل فاعل‬
‫خمتار لذاته‪ ،‬واملختار لذاته ليس عليه شيء‪.‬‬
‫ومذهب املعتزلة‪ :‬أن إرسال هللا للرسل هو واجب على هللا‪ ،‬ألن هللا هو الذي أوجبه على نفسه يف قوله‪:‬‬
‫﴿اي أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبني لكم على فرتة من الرسل‪ .‬أن تقولوا‪ :‬ما جاءان من بشري ونذير‪ .‬وهللا‬
‫‪4‬‬
‫على كل شىء قدير ﴾‬
‫والصحيح‪ :‬أن املختار لذاته وهو هللا تعاىل‪ ﴿ :‬ال يسأل عما يفعل‪ .‬وهم يسألون ﴾‪.‬‬

‫‪ 1‬وهذا هو دليلهم على وجوب الصالح واألصلح‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫أسئلة‬
‫‪4‬ـ من هو العدو اللدود لبين آدم ؟ وما سبب العداوة ؟‬
‫‪1‬ـ ملاذا يرسل هللا النبيني مبشرين ومنذرين ؟‬
‫‪1‬ـ ما عدد األنبياء والرسل الذين ورد ذكرهم يف القرآن الكرمي ؟‬
‫‪1‬ـ هل الزبور كتاب أحكام تشريعية ؟ وما معىن كلمة اإلجنيل ؟‬
‫‪5‬ـ اذكر اسم آخر نيب من أنبياء بين إسرائيل واذكر اسم كتابه‪ ،‬وبعض معجزاته‪ ،‬وهدفه من رسالته‪.‬‬
‫‪6‬ـ بني الفرق بني النيب والرسول‪.‬‬
‫‪7‬ـ عرف املعجزة‪ .‬واشرح طبيعة معجزات األنبياء السابقني على دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫‪1‬ـ ما هي معجزة دمحم الكربى ؟ وهل له معجزات حسية ؟‬
‫‪9‬ـ اشرح معىن عموم رسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ؟‬
‫‪.4‬ـ اذكر الدليل العقلي والنقلي على نبوة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ؟‬
‫‪44‬ـ ما هو الدليل على أن دمحما خامت النبيني ؟‬
‫‪41‬ـ ما الواجب للرسل إمجاال وتفصيال ؟‬
‫‪41‬ـ ما كون النيب صادقا ؟ وما الدليل العقلي والنقلي على وجوب الصدق لألنبياء والرسل ؟‬
‫‪41‬ـ ما هي األمانة الواجبة للرسل ؟ وما الدليل النقلي والعقلي على وجوهبا ؟‬
‫‪45‬ـ ما هو التبليغ الواجب على الرسل ؟ وما دليله ؟‬
‫‪46‬ـ ما معىن الفطانة الواجبة للرسل ؟ وما الدليل على حتليهم هبا ؟‬
‫‪47‬ـ ما هو املستحيل على رسل هللا ؟ وما الدليل عليه ؟‬
‫‪41‬ـ ما هو اجلائز يف حق الرسل ؟ وما الدليل عليه ؟‬
‫‪49‬ـ ما حكم إرسال الرسل ؟‬

‫‪30‬‬
‫السمعيات‬
‫قال الناظم‪:‬‬
‫واحلشر والعقاب والثواب‬ ‫ويلزم اإلميان ابحلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاب‬
‫واحلوض والنريان واجلنان‬ ‫والنش ـ ـ ـر والصراط وامليزان‬
‫واحلور والولدان مث األوليا‬ ‫واجلن واألمالك مث األنبيا‬

‫الشرح والبيان‪:‬‬
‫مل يتعرض املؤلف للسؤال يف القرب وال للعذاب وال للنعيم فيه‪ .‬واكتفى أبنه جيب على املسلم أن يؤمن أبن هللا‬
‫سيحييه من بعد موته‪ ،‬وسيحاسبه على ما قدمت يداه من خري‪ ،‬أو من شر‪ .‬ورمبا يكون اكتفاؤه لعدم اخلالف‬
‫فيه بني املسلمني‪ ،‬وألن سؤال القرب‪ ،‬ونعيمه أو عذابه‪ ،‬يذكره بعض املسلمني من أهل االعتزال‪ ،‬لثبوته‬
‫ابألحاديث النبوية‪ ،‬وآبايت من القرآن الكرمي‪ ،‬جيعلونه من املتشاهبات‪.‬‬

‫ومذهب أهل السنة واجلماعة‪ :‬أن املرء سوف يسأل يف القرب‪ ،‬وإن مل يقرب حقيقة كاحلريق يف النار‪ ،‬وقد أذرته‬
‫الرايح‪ ،‬أو كالذي أكله السبع‪ ،‬ومل يعد جلسده وجود على األرض‪ .‬وأنه بعد موته مباشرة أيتيه ملكان فظان‬
‫غليظان على من عصى هللا ورسوله‪ ،‬وشفوقان رحيمان على من عصى هللا ورسوله‪ .‬فيسأالنه عن ربه ودينه وعن‬
‫الرجل املبعوث فيهم‪ .‬فإذا قال ريب هللا وديين اإلسالم والرجل املبعوث فينا هو دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ .‬يقوالن له‪ :‬انظر إىل‬
‫مقعدك من النار‪ ،‬قد أبدلك هللا به مقعدا يف اجلنة‪ .‬فـريامها مجيعا‪ .‬وإذا قال‪ :‬ال أدري‪ .‬يستهزآن به ويقوالن له‪:‬‬
‫ال دريت وال تليت‪ .‬مث يضرابنه مبقامع من حديد‪.‬‬
‫ويستدل أهل السنة واجلماعة على إثبات عذاب القرب بقوله تعاىل يف حق آل فرعون‪﴿ :‬النار يعرضون‬
‫عليها غدوا وعشيا‪ .‬ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾ ووجه االستشهاد‪ :‬هو أن أشد العذاب‬

‫‪31‬‬
‫واقع هلم يف يوم القيامة‪ ،‬فإذن ما دونه واقع هلم قبل يوم القيامة‪ .‬وليس قبل يوم القيامة إال حياة الدنيا أو حياة‬
‫القرب‪ ،‬وإذا ثبت أهنم مل يعذبوا يف الدنيا‪ ،‬يثبت أهنم يعذبون يف القرب‪ .‬مث غريهم تبع هلم ىف العذاب‪ ،‬لعلة الكفر‬
‫املوصولة إىل النار‪.‬‬

‫وقد روى البخاري من حديث شعبة عن مسروق عن عائشة اهنع هللا يضر أن يهودية دخلت عليها‪ .‬فقالت‪ :‬نعوذ‬
‫ابهلل من عذاب القرب‪ .‬فسألت عائشة اهنع هللا يضر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص عن عذاب القرب‪ ،‬فقال ملسو هيلع هللا ىلص‪ ﴿:‬نعم‪ .‬عذاب القرب‬
‫‪4‬‬
‫حق﴾‪.‬‬
‫ويستدل اهل السنة على سؤال القرب بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬يثبت هللا الذين آمنوا ابلقول الثابت ىف احلياة الدنيا وىف‬
‫اآلخرة‪ ،‬ويضل هللا الظاملني ويفعل هللا ما يشاء ﴾ على ما قاله بعض املفسرين يف تفسريها‪ .‬وهو أن هللا يثبت‬
‫املؤمن حال السؤال يف القرب‪.‬‬
‫وال ينكر عذاب القرب من املعتزلة‪ ،‬إال واحد‪ ،‬ذكر امسه مؤلف « شرح األصول اخلمسة » وقال‪ :‬أن كالمه‬
‫ليس ابلقوي‪ .‬وشبهة منكرية‪ :‬هي أن السؤال واجلواب واللذة واألمل‪ ،‬كل ذلك ال يتصور بدون حياة‪ .‬وال حياة‬
‫مع فساد اجلسد‪ .‬وحنن نرى امليت يبقى مدة من غري حترك وال نرى عليه أثر لذة أو أمل‪ ،‬ورمبا دفن يف حلد ضيق‬
‫ال يتصور فيه أن جيلس ليسأل‪ ،‬واحملروق ابلنار وقد صار ترااب تذروه الرايح كيف حياسب؟ هذه شبهتهم العقلية‪.‬‬
‫وأما شبهتهم من القرآن فقوله تعاىل‪ ﴿ :‬كل نفس ذائقة املوت‪ ،‬وإمنا توفون أجوركم يوم القيامة﴾ فقد أثبت‬
‫التوفية يف غري القرب‪.‬‬
‫والرد عليهم‪ :‬أن هللا قادر على كل شىء‪ .‬هذا من جهة العقل‪ .‬ومن جهة النقل‪ :‬فإن التوفية الكاملة هي‬
‫اليت تكون يف يوم القيامة‪.‬‬

‫توجد رواية لالمام أمحد عن هاشم عن إسحاق عن عائشة ىف هذا املوضوع أيضا‪ .‬ذكرها اإلمام ابن كثري ىف سورة غافر – آية آل‬ ‫‪1‬‬

‫فرعون‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وكل ما يف القرب هو من السمعيات‪ ،‬أي األمور اليت نعتقدها عن طريق السماع من األنبياء الصادقني‪ ،‬وال‬
‫نراها ابملشاهدة‪ ،‬وال يستقل العقل وحده إبدراكها‪ .‬ألن العقول تتفاوت ىف اإلدراك‪ .‬وهي ال تثبت إال ابلكتاب‬
‫والسنة الصحيحة املفسرة‪.‬‬

‫البعث والنشر‬
‫قيل‪ :‬إن البعث هو إحياء هللا املوتى‪ .‬والنشر هو إخراجهم من القبور من بعد بعثهم‪ .‬فالنشر هو اإلحياء‬
‫واإلخراج‪ .‬وقيل‪ :‬إن النشر والبعث مبعىن واحد‪ .‬وهو‪ :‬إحياء هللا املوتى وإخراجهم من قبورهم بعد مجع أجزائهم‬
‫األصلية‪ .‬وحكم منكرمها‪ :‬كافر‪ ،‬خيلد يف انر جهنم‪.‬‬
‫والدليل العقلي على إمكان البعث هو‪ :‬أن القادر على اخللق أوال قادر على اخللق اثنيا‪ .‬والقادر على خلق‬
‫السموات واألرض ومها أكرب من خلق الناس‪ ،‬هو قادر على خلق الناس‪ ،‬وأجزاء امليت قابلة لإلعادة والتأليف‬
‫وهللا عامل هبا وقادر على إعادهتا‪ .‬وإذا ثبت ذلك‪ ،‬يثبت‪ :‬أن البعث ممكن عقال‪.‬‬
‫والدليل النقلي على إمكان البعث هو قوله تعاىل‪﴿ :‬منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها خنرجكم اترة‬
‫أخرى﴾‪.‬‬
‫ويف األحاديث النبوية‪ :‬أن العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففته بيده‪ .‬مث قال لرسول هللا ‪ .‬أحييي‬
‫‪4‬‬
‫هللا هذا بعد ما أرى ؟ فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬نعم ومييتك هللا‪ ،‬مث حيييك‪ ،‬مث يدخلك اجلنة‪.‬‬

‫‪ 1‬يف رواية‪ :‬أن للسائل هو « أيب بن خلف» ويف رواية اخرى‪ :‬أن السائل هو «عبد هللا بن ايب بن سلول»‪.‬‬
‫( تفسري ابن كثري ‪ ،‬يف سورة يس )‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫احلشر‬
‫احلشر‪ :‬هو سوق العباد بعد بعثهم إىل موقف احلساب للقضاء بينهم‪.‬‬
‫ومنكر احلشر‪ :‬كافر‪ .‬ألن احلشر قد نص هللا عليه بقوله‪﴿ :‬يوم تشقق األرض عنهم سراعا‪ .‬ذلك حشر علينا‬
‫يسري﴾‪ ،‬وأحوال الناس يف احلشر خمتلفة تبعا ألعماهلم‪ .‬فمنهم الراكبون وهم كثريو العمل‪ ،‬ومنهم املاشون على‬
‫أرجلهم وهم قليلو العمل‪ .‬ومنهم املاشون على وجوههم وهم الكفار‪ .‬وأول من تنشق عنه األرض ويرد احملشر‬
‫ويدخل اجلنة هو دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬

‫الصراط‬
‫الصراط‪ :‬هو جسر ممدود على ظهر جهنم‪ ،‬يرده مجيع اخلالئق املؤمنني والكافرين وغريهم‪ .‬وقد جاء ذكره‬
‫يف القرآن الكرمي يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فاستبقوا الصراط ﴾ ويف السنة يف قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ‹ :‬يضرب الصراط على ظهور‬
‫جهنم‪ .‬فأكون أان وأميت أول من جيوزه ›‪.‬‬
‫وقال مجاعة من أهل السنة‪ :‬إن الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف‪ .‬وال مانع من مرور الناس‬
‫عليه‪ ،‬وهو على هذه احلالة‪ ،‬ألن قدرة هللا صاحلة ألن متكنهم من املرور عليه‪ .‬وقال آخرون من أهل السنة‪ :‬إن‬
‫الصراط ليس أدق من الشعر وال أحد من السيف‪ ،‬بل هو كناية عن شدة املشقة اليت تلحق غري املؤمنني املارين‬
‫عليه‪ .‬وجاء يف األحاديث النبوية‪ :‬أن جرببل على أوله وميكائيل يف وسطه‪ ،‬يسأالن الناس عن عمرهم فيما أفنوه‪،‬‬
‫وعن شباهبم فما أبلوه‪ ،‬وعن عملهم ماذا عملوا به‪ ،‬وعن ماهلم من أين اكتسبوه وأين أنفقوه‪.‬‬
‫ومن الناس من جيوز على الصراط كلمح البصر وهم املؤمنون السابقون ابخلريات‪ ،‬ومنهم من جيوزه كالربق‬
‫اخلاطف‪ ،‬ومنهم من جيوزه كالريح العاصف ومنهم من ال جيوزه ويسقط يف جهنم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫البقاء يف جهنم‬

‫يبقى يف جهنم على التأبيد والدوام‪ :‬الكفار واملنافقون‪ .‬لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬إن املنافقني يف الدرك األسفل من‬
‫النار‪ ،‬ولن جتد هلم نصريا ﴾‪ ،‬ولقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ال يقضى عليهم فيموتوا‪ ،‬وال خيفف عنهم من عذاهبا‪ .‬كذلك‬
‫جنزي كل كفور ﴾‪ ،‬وأما العصاة من املسلمني‪ ،‬فيقول أهل السنة‪ :‬إن املسلم العاصي إذا دخل النار يعذب على‬
‫مقدار ذنبه‪ ،‬مث خيرج منها إىل اجلنة‪ ،‬إما بشفاعة وإما بغري شفاعة‪.‬‬

‫وأما املعتزلة فيقولون‪ :‬إن هللا سيضع امليزان للعبد الذي مات على غري توبة‪ .‬وحبسب أعماله يدخل اجلنة‬
‫أو يدخل النار‪ ،‬وإذا دخل املسلم العاصي النار‪ ،‬خيلد فيها‪ .‬ولكن يف دركة أخف من دركة الكفار‪ .‬ومينعون‬
‫الشفاعة‪ ،‬إال يف فصل القضاء‪ ،‬وزايدة الدرجات‪ :‬ومعىن زايدة الدرجات‪ :‬أن األب وابنه – مثال – اذا دخال‬
‫اجلنة أبعماهلما ورضي هللا عنهما‪ .‬ولكن األب استحق الدرجة األوىل بعمله‪ ،‬واالبن استحق الدرجة الثانية‬
‫بعمله‪ ،‬فإن هللا يقبل فيهما شفاعة الشافعني‪ ،‬وذلك أبن ينقل االبن مع أبيه يف درجته‪ .‬ودليلهم‪ :‬قول هللا تعاىل‪:‬‬
‫﴿ وال يشفعون إال ملن ارتضى ﴾ أي رضي عنهم أبعماهلم‪.‬‬

‫شبهة املعتزلة يف الصراط احلسي‬


‫يقول املعتزلة‪ :‬إن الصراط ليس أدق من الشعرة وليس أحد من السيف بل هو كناية عن طريق اجلنة‪ ،‬أو‬
‫طريق النار‪ .‬لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬اهدان الصراط املستقيم ﴾‪ ،‬واملراد به‪ :‬وفقنا إىل اإلميان‪ .‬وقالوا‪ :‬إن قلنا أبن الصراط‬
‫أدق وأحد‪ ،‬فال ميكن العبور عليه‪.‬‬
‫وجيب على املسلم أن يؤمن ابلصراط‪ .‬على أي كيفية كان‪ .‬ومنكره على أية كيفية كان فهو كافر‪ ،‬إلنكاره‬
‫أمرا معلوما من الدين ابلضرورة‪ .‬واملؤمن ‪ -‬على مذهب أهل السنة ‪ -‬هو الذي يعتقد أبن يف اآلخرة صراطا‪ ،‬هو‬
‫جسر ممدود على ظهراين جهنم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫امليزان‬
‫امليزان‪ :‬هو آلة حسية‪ ،‬هلا لسان وكفتان‪ .‬وهو ميزان واحد لكل املسلمني ولكل األمم‪ .‬والدليل على وجود‬
‫امليزان‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ونضع املوازين القسط ليوم القيامة‪ ،‬ويف احلديث‪ :‬أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪ :‬إن هللا يستخلص‬
‫رجال من أميت على رؤوس األشهاد يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعون سجال‪ ،‬كل سجل مد البصر‪ .‬مث يقول‪:‬‬
‫أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبيت احلافظون ؟ فيقول‪ :‬ال‪ ،‬اي رب‪ .‬فيقول‪ :‬ألك عذر ؟ فيقول‪ :‬ال‪ ،‬اي رب‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬بلى‪ .‬إن لك عندان حسنة‪ ،‬وإنه ال ظامل عليك‪ .‬فتخرج له بطاقة فيها‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن دمحما‬
‫عبده ورسوله‪ .‬فيقول‪ :‬أحضر وزنك‪ .‬فيقول‪ :‬اي رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت ؟ قال‪ :‬فإنك ال تظلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتوضع السجالت يف كفة‪ ،‬والبطاقة يف كفة‪ ..‬اخل‪ .‬احلديث‪.4‬‬
‫ومجهور أهل السنة على أنه ميزان واحد لكل األعمال وجلميع األمم‪ .‬وقيل لكل شخص موازين كثرية‪،‬‬
‫يوزن بكل واحد منها صنف من أصناف أعماله‪ .‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬فمن ثقلت موازينه‪ .‬فأولئك هم املفلحون﴾‪.‬‬
‫وهل الذي يوزن صحف األعمال أم نفس األعمال‪ ،‬أي تصور احلسنات بصورة حسية نورانية وتوضع‬
‫يف الكفة اليمىن‪ .‬وتصور السيئات بصورة ظلمانية وتوضع يف الكفة اليسرى ؟ فجمهور أهل السنة يرون أن املوزون‬
‫هو صحف األعمال‪ .‬والقليل يرى أن املوزون نفس األعمال‪.‬‬
‫ووزن األعمال يكون للمؤمنني وللكافرين‪ .‬وقوله تعاىل عن الكافرين‪ ﴿ :‬فال نقيم هلم يوم القيامة وزان ﴾‬
‫معناه‪ :‬وزان انفعا‪ .‬وال يكون الوزن لألنبياء وللذين يدخلون اجلنة بغري حساب وهم الصابرون‪.‬‬

‫‪ 1‬املعتزلة يقولون‪ :‬إن أاب بكر هنع هللا يضر مل يقبل إسالم ما نعي الزكاة‪.‬وقال إن شهادة أن الإله إال هللا ال تكفي‪ ،‬لقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ﴿ :‬إال حبقها ﴾ فدخول‬
‫اجلنة عندهم ابإلميان والعمل معا‪ .‬واإلميان يف مسمى الشرع ـ أي املرادف لكلمة اإلسالم ـ عندهم مكون من جزءين مها اإلميان والعمل أي عقائد‬
‫وشرائع وأعمال‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫شبهة املعتزلة يف امليزان‬
‫ينكر مجهور املعتزلة امليزان والوزن ابملعىن احلسي‪ .‬أي ال ميزان له كفتان ولسان‪ ،‬وال وزن للصحف‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن امليزان هو كناية عن أن هللا يعدل بني الناس‪ .‬وشبهتهم‪ :‬إن األعمال أعراض‪ .‬وقد انقضت‪ .‬فال‬
‫ميكن أعادهتا‪ .‬واذا أعيدت – فرضا – فال ميكن وزهنا‪ .‬وأيضا‪ :‬فالوزن احلسي يكون من الذي ال يعلم مقدار‬
‫األشياء‪ .‬وهللا عامل ابالشياء ومبقاديرها‪ ،‬فوزهنا مع علمه هبا يكون عبثا‪ .‬وهللا ميزه عن العبث‪.‬‬
‫والرد عليهم‪ :‬هو أن هللا يضع امليزان‪ ،‬ليظهر للعباد‪ ،‬أعماهلم‪ ،‬ال ليعلمها هو نفسه‪ .‬واملوزون هو كتب‬
‫األعمال‪ ،‬لقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ﴿ :‬أن كتب األعمال هي اليت توزن﴾‪.‬‬
‫وجيب على املسلم‪ :‬يعتقد أن يف الدار اآلخرة وزان وميزاان‪ ،‬سواء كان كناية عن متام احلق والعدل‪ ،‬أو كان‬
‫حسيا‪ .‬وإن كان احلق ـ على املذهب السين ـ هو أن امليزان حسي‪ ،‬وأن املوزون هو صحف األعمال‪.‬‬

‫احلساب‬
‫احلساب‪ :‬هو توقيف هللا العباد على أعماهلم‪ ،‬قبل انصرافهم يف املوقف وسؤاهلم عنها بكيفية يعلمها هللا‬
‫تعاىل‪ .‬ومنكره‪ :‬كافر‪ .‬لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فوربك لنسألنهم أمجعني‪ ،‬عما كانوا يعملون ﴾‪ ،‬واحلساب يكون بعد تطاير‬
‫الصحف‪ .‬وهو خمتلف‪ .‬فمنه العسري على الكفار ومنه اليسري على املؤمنني‪.‬‬

‫الثواب والعقاب‬
‫وقد كلف هللا الناس بشرائعه‪ .‬ووعدهم ابجلنة إذا أطاعوا‪ ،‬وأوعدهم ابلنار إذا عصوا‪ .‬ومنكر ذلك كافر‪ ،‬لقوله‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬فمن يعمل مثقال ذرة خريا يره‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾‪.‬‬
‫وقال أهل السنة‪ :‬إن الثواب ليس بواجب على هللا‪ ،‬وإمنا هو تفضل وكرم‪ ،‬وأن العقاب قد يكون للعاصي‬
‫وقد ال يكون‪ ،‬ألن هللا فاعل خمتار‪ .‬واملختار ال جيب عليه شيء‪ .‬وقال املعتزلة‪ :‬جيب على هللا إاثبة املطيع وعقاب‬

‫‪37‬‬
‫العاصي‪ .‬ألنه عادل‪ .‬وترك الثواب والعقاب ضد العدل‪ .‬وألنه هو الذي أوجبهما على نفسه يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿كل امرىء مبا كسب رهني﴾‪.‬‬
‫ومذهب أهل السنة‪ :‬هو أن هللا ال جيب عليه شيء أصال‪ ،‬ألن الطاعات مهما كثرت ال تفي بشكر نعمة‬
‫من نعم هللا على عباده‪.‬‬
‫خلود اجلنة والنار‬
‫هل اجلنة خملوقة اآلن‪ ،‬أم سيخلقها هللا يف يوم القيامة ؟ وهل النار خملوقة اآلن أم سيخلقها هللا يف يوم‬
‫القيامة؟ يقول أهل السنة‪ :‬مها خملوقتان اآلن‪ .‬ومنكر وجودمها يف اآلخرة‪ :‬كافر‪ .‬وأنكر بعض املعتزلة وجودمها‬
‫اآلن‪ ،‬حبجة أن اجملازاة على األعمال لن تكون إال يف الدار اآلخرة وفسروا﴿ أعدت للمتقني ﴾‪ ،‬بقوهلم‪ :‬ستعد يف‬
‫اآلخرة‪ .‬وعرب أبعدت لتحقق اإلعداد واإلجياد‪.‬‬
‫وقال أهل السنة‪ :‬أن اجلنة لن تفىن‪ ،‬وأن النار لن تفىن‪ .‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ال يقضى عليهم فيموتوا‪ ،‬وال‬
‫خيفف عنهم من عذاهبا﴾ ولقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ‹ :‬اي أهل اجلنة خلود بال موت‪ .‬واي أهل النار خلود بال موت ›‬

‫وذهبت اجلهمية‪ 4‬إىل فنائهما‪ ،‬وفناء أهلهما يف اآلخرة بعد مدة من الثواب أو العقاب‪ .‬وحجتهم‪ :‬أن هللا‬
‫عرب عن بقائهما ابملشيئة يف قوله‪ ﴿ :‬خالدين فيها ما دامت السموات واألرض‪ ،‬إال ما شاء ربك‪ .‬إن ربك فعال‬
‫ملا يريد﴾ ورد عليهم أهل السنة أبن االستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد‪ ،‬ممن خيرجهم هللا من النار‬
‫بشفاعة الشافعني من املالئكة والنبيني واملؤمنني‪ ،‬حىت يشفعون يف أصحاب الكبائر‪ ،‬مث أتيت رمحة أرحم الرامحني‪،‬‬

‫‪ 1‬هم أتباع جهم بن صفوان‪ ،‬ومن مذهبه أن هللا ال يعلم األشياء قبل وقوعها لقوله (فليعلمن) ومذهبه ابطل‪ .‬ألن هللا يعرب عن ذاته بكالم البشر‪،‬‬
‫ليقدروا على تصور ذاته‪ ،‬على طريق مشاكلة فكرة لفكرهم‪ .‬ألن عقول البشر‪ ،‬ال تقدر على تصور هللا وصفاته إال هبذه التعابري‪ .‬فاملكر هلل ليس‬
‫كمكر البشر‪ ،‬ومع ذلك نسب إىل نفسه املكر‪ .‬وليس هو مباكر‪ .‬ليخاطبهم على قدر عقوهلم‪ .‬وهكذا يف سائر صفات األفعال كالغضب‬
‫واالستحياء والنسيان‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫فتخرج من مل يعمل خريا قط‪ ،‬وقال يوما من الدهر‪ :‬ال إله إال هللا‪ .‬ورد عليهم مجهور املعتزلة أبن االستثناء معناه‬
‫إثبات كامل القدرة هلل وحده‪ ،‬ونفي الظن بوجود آهلة أخرى‪ ،‬وقد تعنيهما‪ ،‬ال أهنما من أجل شفاعة الشافعني‪.‬‬
‫وال يلزم من خلودمها مشاركتهما هلل يف البقاء‪ ،‬ألهنما من خلقه‪.‬‬

‫املالئكة‬
‫املالئكة أجسام لطيفة نورانية‪ ،‬قادرة على التشكل ابألشكال احلسنة‪ .‬وهم يف العامل‪ ،‬وهللا أعلم مبساكنهم‪.‬‬
‫وهم يسبحون الليل والنهار ال يفرتون‪ ،‬كما جاء يف القرآن الكرمي‪ .‬وال يعصون هللا ما أمرهم‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون‪،‬‬
‫و ال يوصفون بذكورة و ال أبنوثة وهم ال أيكلون وال يشربون ومن وصفهم ابألنوثة كفر‪ :‬ملعارضة قول هللا تعاىل‬
‫حكاية عن الكافرين‪﴿ :‬وجعلوا املالئكة الذين هم عباد الرمحن إاناث‪ ،‬أشهدوا خلقهم؟ ستكتب شهادهتم‬
‫ويسألون﴾‪.‬‬
‫ومنكر املالئكة كافر لقوله تعاىل‪﴿ :‬آمن الرسول مبا أنزل إليه من ربه واملؤمنون‪ .‬كل آمن ابهلل ومالئكته‬
‫وكتبه ورسله﴾‪ ،‬ولقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪﴿ :‬اإلميان أن تؤمن ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله ﴾‬
‫وجيب اإلميان هبم إمجاال‪ .‬وجيب اإلميان تفصيال مبن ثبت تعيينه منهم‪ .‬وهم‪:‬‬
‫‪ -4‬جرييل ‪ -1‬وميكائيل ‪ -1‬وأسرافيل ‪ -1‬وعزرائيل ‪ -5‬ورضوان ‪ -6‬ومالك ‪ -7‬ومنكر ‪ -1‬ونكري‪.‬‬
‫ومنهم مثانية حيملون عرش هللا‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية﴾‪ ،‬وهذا تصوير‬
‫لعظمة هللا تعاىل‪ .‬فاهلل ليس حمتاجا إىل العرش وليس حمتاجا إىل الثمانية‪ ،‬ألن اخلالق ال حيتاج إىل خملوق‪ .‬ومن‬
‫العلماء من مير على آايت االستواء وال يفسرها‪ .‬ويف ذلك يقول صاحب جوهرة التوحيد‪:‬‬
‫أوله‪ ،‬أو فوض‪ .‬ورم تنزيها‬ ‫وكل نص أوهم التشبيها‬

‫‪39‬‬
‫ومن املالئكة مالئكة موكلون حبفظ العباد‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬له معقبات من بني يديه ومن خلفه‪ ،‬حيفظونه من أمر هللا﴾‬
‫وال يفارقون العباد‪ ،‬ألهنم يكتبون أعماهلم يف الصحف‪ .‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد﴾‪.‬‬

‫اجلن والشياطني‬
‫إبليس الذي هو الشيطان ﴿ كان من اجلن﴾ ففسق عن أمر ربه‪ .‬واجلن هم أجسام لطيفة انرية قادرة‬
‫على التشكل أبشكال حسنة أو قبيحة‪ .‬وهلم قدرة على األفعال العجيبة واألعمال الشاقة‪ .‬وقد أمرهم هللا تعاىل‬
‫ابلسجود آلدم فامتثلوا لألمر‪ ،‬إال إبليس‪ .‬وإبليس كانت له زوجة من جنسه وتكاثر أبناؤه وبناته‪ .‬وهم ما يزالون‬
‫يتناسلون‪ .‬ومن ميت منهم مصريه إىل النار‪ .‬وال يطيعون هللا أبدا‪ ،‬ولن يطيعوه‪ .‬ومنهم من يصرع أجساد الناس‪،‬‬
‫ومنهم من يلبس على الناس دينهم‪ .‬وقد حذران هللا منهم يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬أمل أعهد إليكم اي بين آدم أن ال تعبدوا‬
‫الشيطان‪ .‬إنه لكم عدو مبني‪ .‬وأن اعبدوين هذا صراط مستقيم‪ .‬ولقد أضل منكم جبال كثريا‪ .‬أفلم تكونوا‬
‫تعقلون؟ ﴾ وقال تعاىل‪﴿ :‬اي بين آدم ال يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من اجلنة‪ .‬ينزع عنهما لباسهما‪،‬‬
‫لرييهما سوءهتما‪ .‬إنه يراكم هو وقبيله من حيث ال تروهنم‪ .‬إان جعلنا الشياطني أولياء للذين ال يؤمنون﴾‪ ،‬وقال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم‪ .‬فسجدوا إال إبليس كان من اجلن ففسق عن أمر ربه‪ .‬أفتتخذونه وذريته‬
‫أولياء من دوين‪ .‬وهم لكم عدو ؟ بئس للظاملني بدال﴾‪ ،‬وقد سخر هللا الشياطني لسليمان عليه السالم‪ .‬فإنه ملا قال‬
‫هللا تعاىل‪﴿ :‬رب اغفر يل وهب يل ملكا‪ .‬ال ينبغي ألحد من بعدي إنك أنت الوهاب﴾‪.‬‬

‫قال هللا تعاىل‪﴿ :‬فسخران له الريح جتري أبمره‪ ،‬رخاء حيث أصاب‪ ،‬والشياطني كل بناء وغواص‪ ،‬وآخرين‬
‫مقرنني يف األصفاد﴾‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ومن اجلن﴾ أي الشياطني ﴿ من يعمل بني يديه إبذن ربه‪ .‬ومن يزغ منهم عن‬
‫أمران‪ ،‬نذقه من عذاب السعري﴾‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫وأما ذرية اجلن الذين سجدوا آلدم عليه السالم‪ .‬فمنهم املؤمن ومنهم الكافر وهم مكلفون ابلقرآن الكرمي‪،‬‬
‫ومتعبدون بتالوته‪ .‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬قل ‪ :‬أوحي أيل‪ :‬أنه استمع نفر من اجلن‪ .‬فقالوا‪ :‬إان مسعنا قرآان عجيا‪ .‬يهدي‬
‫إىل الرشد‪ ،‬فآمنا به‪ .‬ولن نشرك بربنا أحدا﴾‪ ،‬وحكى هللا تربأهم من سفيههم الذي هو الشيطان‪ .‬وقوهلم‪ ﴿ :‬وأنه‬
‫كان يقول سفيهنا على هللا شططا ﴾ وحكى هللا اعرتافهم أبن منهم من يؤمن ومنهم من يكفر‪ .‬فقال‪ ﴿ :‬وأان منا‬
‫املسلمون ومنا القاسطون‪ .‬فمن أسلم فأولئك حتروا رشدا‪ .‬وأما القاسطون فكانوا جلهنم حطبا﴾‪.‬‬

‫بعث الروح واجلسد‬


‫وأشار الناظم بقوله‪ :‬واحلور والولدان‪ .‬إىل أن املؤمنني يف اجلنة سيتنعمون مبا ألفوه يف الدنيا من النعيم‪ .‬ذلك‬
‫ألهنم سيكونون يف اجلنة أبجسادهم وأرواحهم‪ .‬خالفا للكفار واملنافقني الذين سيعذبون يف النار أبجسادهم‬
‫وأرواحهم‪ .‬وقد رد ابحلور والولدان على الفالسفة الذين قالوا‪ :‬إن هللا ال يبعث األجساد‪ ،‬وإمنا حياة الناس يف اآلخرة‬
‫ستكون ابألرواح فقط‪ ،‬كمن يرى يف احللم أنه يف مكان ما‪ ،‬او قابل من الناس فالان وفالن‪ ،‬أو ضحك من شيء‬
‫سره‪ ،‬أو أتمل من ضرب وقع عليه‪ .‬وهؤالء الفالسفة خمطئون‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا‬
‫غريها‪ ،‬ليذوقوا العذاب ﴾‪ ،‬فتبدل اجللود يدل على أن اجلسد يبعث مع الروح‪.‬‬
‫واحلور‪ :‬مجع حوراء‪ .‬واحلور‪ :‬شدة بياض العني مع شدة سوادها‪ .‬وهن نساء اجلنة‪ ،‬ووصفهن ابلعني التساع‬
‫أعينهن‪ .‬والولدان‪ :‬هم غلمان الدنيا وهم خدمة أهل اجلنة‪ ،‬وقيل‪ :‬إهنم أوالد الكفار الذين ميوتون قبل البلوغ فإنه ورد‪:‬‬
‫أهنم خدمة أهل اجلنة‪.‬‬
‫والدليل على أن املؤمنني سيتنعمون يف اجلنة مبا ألفوه يف الدنيا من النعيم هو قوله تعاىل‪﴿ :‬كلما رزقوا منها‬
‫من مثرة رزقا‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا الذي رزقنا به من قبل وأتوا به متشاهبا ﴾ فقوله ﴿وأتوا به متشاهبا ﴾ يدل على أن ﴿الرمان﴾‬
‫يف اجلنة ‪ -‬مثال‪ -‬كرمان الدنيا‪ ،‬وهكذا سائر النعيم واخلريات‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫أولياء هللا‬
‫أمر هللا تعاىل عباده أبوامر وهناهم عن نواه‪ .‬وحذرهم من أوامر الشيطان ونواهيه‪ .‬فمن يطع هللا فهو من‬
‫أوليائه‪ ،‬ومن يطع الشيطان فهو من أوليائه وهلم اخلوف واخلزي‪ .‬وأولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون‪ .‬وهللا‬
‫تعاىل يكرم أولياءه بكرامات‪ ،‬تظهرهم أمام الناس أبهنم كرام بررة‪ .‬فمن يقع يف شدة‪ ،‬خيلصه‪ .‬ومن حيتاج إليه‬
‫يعينه‪ ،‬ومن يفرتي األشرار عليه‪ ،‬يظهر صدقه‪ ،‬ويكبت أعداءه‪ .‬كما افرتت امرأة العزيز على يوسف عليه السالم‬
‫وأظهر هللا صدقه‪ .‬وكما احتاجت مرمي اهنع هللا يضر إىل الغذاء‪ ،‬فأعطاها رطبا جنيا‪.‬‬
‫وحكى اإلمام الدردير يف شرح اخلريدة‪ :‬أنه دخل يف أهل هللا من ليس منهم وأومهوا الناس أبهنم « أرابب‬
‫أحوال » وهم ليسوا من أرابب األحوال‪.‬‬
‫كما قال السيد البكري عنهم‪:‬‬
‫حىت مسا يف الناس‪ ،‬جدا‪ ،‬ضرهم‬ ‫وقد منا يف ذا الزمان شرهم‬
‫مث نصح املريد بقوله‪ :‬وقل احلمد هلل الذي هداان هلذا‪ .‬وما كنا لنهتدي لوال أن هداان هللا‪ .‬مث خذ يف اجلد‬
‫واالبتهال‪ ،‬وجد بنفسك ال ابملال كما قال‪:‬‬
‫فإذا قبلتها منك‪ .‬اي حبذا البذل‬ ‫فنافس يبذل النفس فيها أخا اهلوى‬
‫ولو جاد ابلدنيا‪ .‬إليه انتهى البخل‬ ‫ومن مل جيد يف حب « نعمى » بنفسه‬

‫(مت الكتاب بعون امللك الوهاب)‬

‫صححه وراجعه‬
‫دمحم حجازي أمحد السقا‬

‫‪42‬‬
‫أسئلة‬

‫‪ -4‬اذكر دليال ألهل السنة على إثبات السؤال يف القرب من القرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ -1‬اذكر شبهة املعتزلة يف نفي السؤال والعذاب أو النعيم يف القرب‪ .‬وبني دليلهم العقلي‬
‫والنقلي‪ .‬مث رد عليهم‪.‬‬
‫‪ -1‬ما هو البعث ؟ وما هو النشر؟ وما الدليل العقلي والنقلي على إمكان البعث من األموات؟‬
‫‪ -1‬ما هو احلشر ؟ وما حكم منكره ؟ وما الدليل عليه؟‬
‫‪ -5‬ما هو الصراط ؟ وما الدليل عليه ؟ وما مراتب الناس يف املرور عليه؟‬
‫‪ -6‬بني رأي أهل السنة يف بقاء اجلنة والنار‪ .‬واذكر دليلهم‪ ،‬ورد على خمالفيهم يف الرأي‪.‬‬
‫‪ -7‬ما معىن امليزان ؟ وما الدليل عليه ؟ وهل املوزون صحف األعمال أم نفس األعمال؟‬
‫‪ -1‬اذكر رأي املعتزلة يف الصراط ويف امليزان‪.‬‬
‫‪ -9‬ما هو احلساب ؟ وما هو الدليل عليه ؟‬
‫‪ -.4‬اذكر الفرق بني (ا) الوعد (ب) والوعيد‪.‬‬
‫‪ -44‬من هم املالئكة ؟ وما الدليل على وجودهم ؟ وما هي وظائفهم ؟‬
‫وما حكم من ينكر املالئكة ؟‬
‫‪ -41‬اشرح معىن قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية ﴾‪.‬‬
‫‪ -41‬ما الفرق بني اجلن والشياطني ؟ وما هو الدليل على وجودهم؟‬
‫‪ -41‬ما معىن احلور والولدان ؟‬
‫‪ -45‬من هم أولياء هللا ؟ ومن هم أولياء الشيطان ؟‬

‫‪43‬‬
‫فهرس كتاب‬
‫( البيان املفيد ىف علم التوحيد )‬
‫للسنة الثالثة اإلعدادية‬
‫ابملعاهد الدينية األزهرية‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪1‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫املنهج املقرر‬

‫‪1‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫التقدمي للكتاب‬

‫‪5‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫اإلهليات‬

‫‪5‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫عدد صفات املعاين‬

‫‪5‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫عدد الصفات املعنوية‬

‫‪1‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة اإلدراك‬

‫‪9‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫بيان تعلق الصفات املعنوية‬

‫‪41‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫اجلائز واملستحيل على هللا تعاىل‬

‫‪41‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫الصالح واإلصالح‬

‫‪45‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫رؤية هللا تعاىل‬

‫‪46‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة القدرة والدليل عليها‬

‫‪46‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة اإلرادة والدليل عليها‬

‫‪44‬‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪47‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة العلم والدليل عليها‬

‫‪47‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة احلياة والدليل عليها‬

‫‪41‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة السمع والدليل عليها‬

‫‪41‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة البصر والدليل عليها‬

‫‪41‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫صفة الكالم النفسي والدليل عليها‬

‫‪12‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫أسئلة‬

‫‪14‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫النبوات‬

‫‪11‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫حاجة الناس إىل الدين‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫عدد األنبياء‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫أولو العزم‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الفرق بني النيب والرسول‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫معجزات األنبياء‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫عموم رسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‬

‫‪15‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الدليل على رسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‬

‫‪15‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الواجب للرسل إمجاال وتفصيال‬

‫‪16‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الصدق ودليل وجوبه للرسل‬

‫‪45‬‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪17‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫األمانة ودليل وجوهبا للرسل‬

‫‪17‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫التبليغ ودليل وجوبه للرسل‬

‫‪17‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الفطانة ودليل وجوهبا للرسل‬

‫‪17‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫املستحيل على رسل هللا‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫اجلائز على رسل هللا‬

‫‪19‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫حكم إرسال الرسل‬

‫‪12‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫أسئلة‬

‫‪14‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫السمعيات‬

‫‪14‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫أدلة أهل السنة على السؤال ىف القرب‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫البعث والنشر‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫احلشر‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الصراط‬

‫‪15‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫البقاء يف جهنم‬

‫‪15‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫شبهة املعتزلة يف الصراط احلسي‬

‫‪16‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫امليزان‬

‫‪17‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫شبهة املعتزلة ىف امليزان‬

‫‪46‬‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪17‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫احلساب‬

‫‪17‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫الثواب والعقاب‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫خلود اجلنة والنار‬

‫‪19‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫املالئكة‬

‫‪12‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫اجلن والشياطني‬

‫‪14‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫بعث الروح واجلسد‬

‫‪11‬‬ ‫‪.............................‬‬ ‫أولياء هللا‬

‫‪11‬‬ ‫‪..............................‬‬ ‫أسئلة‬

‫رقم اإليداع ‪4911 / 1171‬‬

‫‪47‬‬

You might also like