Professional Documents
Culture Documents
محاضرات مقياس المرفق العام سنة أولى ماستر تخصص جماعات محلية الأستاذ بودربالة-1-52
محاضرات مقياس المرفق العام سنة أولى ماستر تخصص جماعات محلية الأستاذ بودربالة-1-52
المقدمة:
إن املرفق العام نشاط منظم متارسه جمموعة بشرية تستعني بوسائل قانونية ومادية وفنية من أجل حتقيق هدف معني.
ويستخدم املرفق يف سبيل حتقيق أهدافه وسائل قانونية أمهها القرارات اإلدارية والعقود ووسائل مادية تتمثل يف
األدوات واألموال العقارية واملنقولة ،ووسائل فنية ختتلف من مرفق ملرفق آخر كما أنه يهدف إىل حتقيق املنفعة
العامة.
وتتنوع احلاجات العامة اليت تنشأ الدولة املرافق العامة من أجل إشباعها ،فقد تكون هذا احلاجات ذات طبيعة
مادية كاحلاجة إىل خدمة املياه والكهرابء والغاز وخدمة النقل ،وقد تكون احلاجات العامة من طبيعة معنوية أو
ثقافية كالتعليم واإلعداد املهين أو احلريف واإلرشاد الديين ،ويرتتب على تنوع احلاجات العامة اليت تسعى الدولة إىل
إشباعها عن طريق املرافق العامة تعدد يف األسباب اليت تدفع الدولة إىل إنشاء هذه املرافق.
تقوم اإلدارة يف الدولة احلديثة أبنشطة متعددة ،وهذه األنشطة ختتلف من حيث نوعها وتتدرج من حيث مدى
تدخلها يف احلياة اإلقتصادية ،فقد يقف تدخل اإلدارة يف نشاط األفراد عند حد تنظيم هذا النشاط ،وأحياان
تذهب إىل حد أبعد قليال عندما توجه النشاط اإلقتصادي وجهة معينة عن طريق تشجيع من يقوم بنشاط اقتصادي
معني وتقدمي التسهيالت له ،وأحياان تقوم اإلدارة ابلذهاب بعيدا بتنظيم هذا النشاط اإلقتصادي بنفسها ،وتقوم
اإلدارة أيضا مبراقبة النشاط الفردي وتلزمه مبمارسته وفقا لضوابط وقيود معينة.
ولطاملا كان التسيري املباشر للمرفق العمومي او التسيري عن طريق مؤسسة عمومية من اقدم الطرق وأكثرها تداوال
يف التشريعات اليت حتكم تسيري املرافق العمومية بصفة عامة ،لكن النتائج املرتتبة عن هذا النوع من التسيري كانت
غري مرضية خاصة أن هذه املرافق حتتاج يف إدارهتا للمرونة بسبب طبيعتها االقتصادية اليت ختضع لقواعد املنافسة،
وكذا تغري املعطيات االقتصادية وصعوبة متويل املرافق العمومية ،كل هذه األسباب أدت ابملشرع إىل تبين أسلوب
1
محاضرات في المرفق العام المقدمة
التسيري غري املباشر عن طريق اللجوء إىل القطاع اخلاص إلدارة هذه املرافق ،هبدف تطوير تسيريها واضفاء املرونة
وتعترب تفويضات املرفق العام من أهم أساليب التسيري غري املباشرة اليت تلعب دورا فعاال ومزدوجا يف ختفيف
عبء التسيري على الدولة من جهة ،وحتقيق وتلبية احلاجات العامة للجمهور ابجلودة والسرعة املطلوبة من جهة
أخرى ،وأول من استحدث هذا األسلوب هو املشرع الفرنسي ،مث تبنته جمموعة من الدول األخرى من ضمنها
اجلزائر وذلك مبوجب املرسوم الرائسي ،247-15وعلى ضوء هذا األخري سنحاول التطرق ابلدراسة والتحليل
وقد تبىن املشرع اجلزائري أسلوب التسيري غري املباشر يف العديد من النصوص القانونية من بينها قانون
البلدية 10-11وقانون الوالية ، 07-12وكذلك قانون تسيري املوارد املائية ،وأخريا املرسوم الرائسي للصفقات
العمومية 247-15الذي تبىن فيه املشرع اجلزائري صراحة أسلوب التسيري غري املباشر للمرافق العامة عن طريق
تفويض املرفق العام ،هذا املرسوم األخري الذي صدر يف ظروف اقتصادية وسياسية تسعى اجلزائر فيها لبناء دولة
القانون ،ومكافحة الفساد وترشيد النفقات العمومية ،والبحث عن سبل جديدة لتمويل املرافق العامة.
2
ماهية المرفق العام الفصل األول
هلذه الفكرة القانونية واعتربهتا أساسا لتحديد نطاق القانون اإلداري وتطبيق أحكامه.
كما اعتمد عليها أيضا لرسم جمال اختصاص كل من القضاء العادي والقضاء اإلداري .واعتربت مدرسة املرفق
العام الدولة مبثابة جسم خالايه املرافق العامة ،ويعترب املرفق العام أكثر املفاهيم القانونية غموضا وإاثرة للجدل .1
إن مهام ووظائف اإلدارة عديدة ومتنوعة وختتلف حسب النظام السياسي ،وهي حمل اهتمام كل من علماء اإلدارة
والقانون اإلداري واملهتمني ابلعلوم السياسية .وإذا كان علم اإلدارة يهتم خاصة بوظيفة التخطيط والتنفيذ ،فإن
فقهاء القانون اإلداري يهتمون ابإلدارة من حيث نشاطها وأمواهلا وموظفيها ومنازعاهتا ابعتبارها شخصا من
واحلقيقة أاي كانت وظائف اإلدارة ومهامها فإن نشاطها يظل مرصودا خلدمة اجلمهور ،وإال ملاذا عمدت السلطة
العامة إىل تزويد اإلدارة ابجلانب البشري واجلانب املادي وأحاطتها بنسيج من النصوص القانونية مبا يساعدها على
القيام مبهمتها .فتوفري اخلدمة للجمهور ميكن أن يتم من خالل إنشاء مرفق عام تعود منافعه عليه ،وميكن أن يتم
1محمد فؤاد العشوري ،محاضرات في مادة المرافق العامة الكبرى ،السنة الرابعة قانون عام ،كلية الحقوق ،. 2004 ،ص 14
/جامعة مكناس ،السنة الجامعية20
2سليمان محمد الطماوي ،مبادئ القانون اإلداري ،دراسة مقارنة ،الكتاب الثاني ،نظرية المرفق العام وعمال .اإلدارة ،دار الفكر
العربي ،الطبعة العاشرة ،القاهرة ، 1979ص2
3
ماهية المرفق العام الفصل األول
إذا كانت فكرة املرفق مل حتظ يف املاضي ابهتمام الباحثني ،ومل يتناوهلا الفقهاء احملدثون بطريقة مباشرة ،فإنه تقديرا
ألمهية هذه الفكرة ،ودورها الذي ميكن أن تؤديه يف التنظيم اإلداري القائم لرفع املستوى االجتماعي ،والنمو والتقدم
احلضاري .إذ على هدي هذه الفكرة تتعود اجلماعة ممارسة الدميقراطية على الصعيد اإلداري ،إبدارة شؤوهنم احمللية
أبنفسهم ،وإشباع حاجاهتم من اخلدمات الضرورية واألساسية ،األمر الذي ظلوا حمرومني منه ردحا من الزمان.
1
عرفت العالقات اإلنسانية نظام املرفق العام ،حيث أقرته القوانني العاملية واحمللية ،كما أقره القانون اجلزائري.
وسأقوم بتعريف املرفق العام يف اللغة ويف اصطالح فقهاء وشراح القانون على النحو اآليت:
أوال :لغة
تعين الشيء الذي يرتفق به أو ينتفع به.
انتفعت.
تفقت به و َ
قال يف خمتار الصحاح :املرفق واملرفق من األَمر وهو ما ار َ
ش ْر ل ُك ْم رب ُك ْم ِم ْن ْ
رْحَ ِته وهم وَما يَعب ُدو َن ّإَل هللاَ فأووا إىل ال َك ْه ِ
ف يَ ْن ُ ُ لتم ُ ْ َ
ِ ِ ِ
قال تعاىلَ :وإذ ا ْعتَ َز ُ
2
مرفَ ًقا.
من ْأمرُك ْم ِ ْ
يئ ل ُك ْم ْ
َوي َه ْ
فاملرافق العامة كل نشاط يُدار ملصلحة اجلمهور ووفق أساليب القانون العام كمرافق النقل وبذلك فان معىن املرفق
ثانيا :اصطالحا
تعترب نظرية املرفق العام من النظرايت القضائية اليت ابتدعها جملس الدولة الفرنسي ،وذلك وفقا ملا جاء يف قضية
بالنكو ،ولقد اعتربت من أكثر النظرايت تعقيدا ،وإاثرة للجدل ،ما جعل منها جماال الختالف الفقهاء يف شأن
1
بعلي محمد الصغير ،الوجيز في القانون اإلداري ،النشاط اإلداري ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،عنابة ،. 2002ص205
سورة الكهف اآلية 16 2
4
ماهية المرفق العام الفصل األول
إجياد تعريف جامع مانع للمرفق العام ،فمن الفقهاء من اعتمد يف ذلك على املعيار املوضوعي ،ومنهم من اعتمد
ويقصد ابملرفق العام حسب املعيار العضوي اهليكل أو اهليئة أو املؤسسة أو التنظيم املتكون من جمموعة من
األشخاص واألموال واألشياء الذي ينشأ ويؤسس إلجناز مهمة عامة معينة مثل :اجلامعة ،املستشفى ،وحدات
ومبفهوم أعم فإن تعريف املرفق العام ،وفقا هلذا املعيار يرتكز على املظهر اخلارجي ،فإذا كان هذا األخري يدل على
وجود مؤسسة إدارية هتدف إىل حتقيق مصلحة عامة فهذا يعين وجود مرفق عام ،ومن الفقهاء الفرنسيني الذين
عرفوا املرفق العام ،مستندين على هذا املعيار ،جند العميد موريس هوريو الذي عرفه على أنه " :منظمة تقدم خدمة
يستنتج من هذا التعريف أن املرفق العام ما هو إال جهاز أو هيكل يعمل بشكل منتظم ومستمر قصد حتقيق نشاط
معني للجمهور.
يقول األستاذ لوبدار يف هذا الشأن :يستعمل املرفق العام يف اللغة العادية ليس للداللة على نشاط معني أو مهمة
معينة و إمنا يقصد به املنظمة مبعىن اجلهاز اإلداري للمرفق ،املنظمة اليت تتوىل إدارته.
يالحظ من خالل التعريفات السابقة الذكر للمرفق العام أنه رغم سهولة ووضوح املعيار العضوي ،إال أنه ال
ميكن االعتماد عليه إىل حد بعيد يف تعريف املرفق العام ،ألن هذا األخري ليس جمرد هيئة أو مؤسسة أو منظمة
تقوم الدولة إبنشائها فحسب أو جمرد بناء هيكلي خيلو من النشاط واحلركة لتقدمي خدمة عامة للجمهور.
5
ماهية المرفق العام الفصل األول
أما يف الفقه اجلزائري فلم نستطع إجياد تعاريف للفقهاء اجلزائريني يعتمدون فيه املعيار العضوي ،وهذا رمبا أن الفقه
اجلزائري مل يقتنع بفكرة أن تعريف املرفق العام يستند إىل املعيار العضوي.
حيقق املصلحة العامة .ومبفهوم املخالفة ،إذا مل يكن هدف النشاط حتقيق املصلحة العامة أو إشباع حاجة مجاعية
وحتدث عنه أمحد حميو بقوله ":مفهوم املرفق العام ليس وال ميكن أن يكون مفهوما قانونيا جمردا وحياداي ،وليس له
من معىن إال يف ضوء حمتواه والغاايت االقتصادية واالجتماعية اليت أسندت له ،واليت جيب حتديدها مسبقا قبل
إعداد النظام القانوين للمرفق العام ،وتعيني اجلهة املؤهلة إلحداث هذا املرفق أو ذاك ".1
ومعيا را لتحديد اختصاص القضاء اإلداري ،مل يعد الفقه والقضاء يتمسكان بفكره واحدة ،واجتها حنو اجلمع بني
ويف هذا اجملال حاول األستاذ De Laubadereجتديد معيار املرفق العام بعد ما أصابه من تفكك نتيجة
األزمات اليت تعرض هلا ،وذلك عن طريق اجلمع بني فكريت املرفق العام والسلطة العامة ،لكنه جعل األولوية للمرفق
العام ،مث أييت استخدام أساليب القانون العام يف املرتبة الثانية لسد الفراغ يف اجملاالت اليت عجز معيار املرفق العام
6
ماهية المرفق العام الفصل األول
بينما ذهب األستاذ شايب Chapusإىل تغليب فكرة السلطة العامة على فكرة املرفق العام ،فقال :أنه جيب أن
ال نعتقد أن معيار الشروط املخالفة " السلطة العامة " دائما معيارا مساعدا ،فاملعيار املأخوذ من املوضوع هو دائما
معيار مبدأ ،ففي كثري من األحيان يفضل القاضي استخدام معيار الشرط غري املألوف وهذا يكون أسهل أو مناسبا
أكثر.
وعلى هذا األساس فإن املرفق العام وأن كان عنص را مهما يف حتديد أساس القانون اإلداري ،إال أنه ال يكفي
ألداء هذا الدور بعد أن أتضح سعة مفهومه وعدم اقتصاره على املرافق اإلدارية فظهرت فكرة املعيار املزدوج اليت
أيدها جانب كبري من الفقه وأخذ هبا القضاء اإلداري يف فرنسا يف أغلب أحكامه.
وعلى ذلك فإن أساس القانون اإلداري ال يرجع ملعيار واحد من املعايري السابقة ،إمنا جيب اجلمع بني املعياريني
املهمني املرفق العام والسلطة العامة ،ومن مث ليكون العمل إداراي وخاضعا للقانون اإلداري واختصاص القضاء
اإلداري ،جيب أوال أن يكون عمال إداراي أو نشاطا متعلقا مبرفق عام (نظرية املرفق العام) ،وأن تكون اإلدارة يف
هذا النشاط قد استخدمت امتيازات أو وسائل وسلطات استثنائية وغري مألوفة يف القانون اخلاص (نظرية السلطة
العامة) مع ضرورة التنبيه أن السلطة العامة ال تربز من خالل االمتيازات املمنوحة لإلدارة فحسب ،وإمنا تشمل
يقتضي وجود املرفق العام إقامة تنظيم أو تنسيق بني خمتلف مكوانته (البشرية واملادية) ابلشكل الذي يسمح له
7
ماهية المرفق العام الفصل األول
إن مربر وجود املرفق العام هو تلبية احلاجات العامة للجمهور ،املادية منها كاملواصالت الكهرابء والصحة أو املعنوية
كاألمن واحلماية من املخاطر .هذا يعين أن نشاط الدولة الذي ال يهدف إىل حتقيق املصلحة العامة ،ال يعترب
نشاط مرفق عام .واملثال على ذلك إستغالل الدولة ألمواهلا اخلاصة هبدف الربح عملية التنازل عن أمالكها اخلاصة
لألفراد مبقابل مال ، 1مث إن حتقيق بعض املرافق العامة للربح كاملرافق الصناعية والتجارية من خالل حتصيلها ملقابل
مال لقاء تقدميها خدمات للمواطنني كما هو احلال ابلنسبة ملرفق املياه أو الكهرابء والغاز ال يعين حتما فقدها
لصفة املرفق العام ،طاملا أن هدفها الرئيسي هو حتقيق املصلحة العامة واليت تظهر من خالل مراعاة املعقولية يف
حتديد األسعار 2كما أن بعض أشخاص القانون اخلاص(أفراد أو شركات) ،قد ميارسون أنشطة تتصل كذلك
ابملصلحة العامة مثل الصحة والتعليم والنقل...إخل ،ولكنها ال تشكل مرفقا عاما.
• كل نشاط يتعلق مبرفق عام حيقق مصلحة عامة ،ولكن ليس كل نشاط حيقق املصلحة العامة هو نشاط
املرفق العام.
• إذا كانت املصلحة العامة متثل الغاية األوىل من النشاط الذي يقوم به الشخص القانوين وتوفرت األركان
األخرى يتكون املرفق العام .أما إذا كانت املصلحة العامة متثل غاية اثنوية هلذا النشاط فان الوظيفة ال
1مروان محي الدين القطب ،طرق خصخصة المرافق العامة (د ارسة مقارنة) ،الطبعة األولى ،منشوارت الحلبي الحقوقية لبنان
،3008،ص .34
2في هذا المعنى أنظر ناصر لباد ،الوجيز في القانون اإلداري ،الطبعة الثانية ،لباد ،3004،ص .181
8
ماهية المرفق العام الفصل األول
إن الدولة هي من تنشئ املرفق ،وهي من حتدد له نشاطه وقواعده تسيريه وعالقته جبمهور املنتفعني ،ومن حيث
بيان سبل اإلنتفاع ورسومه (السلطة على نشاط املرفق) والدولة هي من تضع التنظيم اخلاص ابملرفق وتبني أقسامه
وفروعه وتعني موظفيه ومتارس الرقابة على النشاط واألشخاص (السلطة على املرفق كهيكل) ،وعلى الرغم من
مسامهة األشخاص اخلاصة أحياان يف إدارة املرافق العامة ،فإن ذلك يبقى حتت إشراف ومراقبة اإلدارة العامة.
يقصد ابلنظام القانوين املتميز "جمموعة األحكام والقواعد واملبادئ القانونية اليت ختتلف اختالفا جذراي عن قواعد
القانون اخلاص بصفة عامة وعن قواعد النظام القانوين الذي حيكم املشروعات اخلاصة بصفة خاصة.
وجتدر اإلشارة إىل أن بعض الفقهاء اعترب خضوع املرفق لنظام قانوين متميز مبثابة األثر املرتتب على كونه مرفقا
عاما ،فهو إذن نتيجة وال ميكن اعتباره عنصرا من عناصر املرفق العام.
ال تتخذ املرافق العامة نسقا أو شكال واحدا ،وإمنا تتعدد أشكاهلا وتتنوع بذلك تبعا للزاوية اليت ننظر منها إىل
املرفق للتعرف عليه ،فاملرا فق ختتلف من حيث النظر إىل موضوع نشاطها أو طبيعة النشاط ،ومن حيث املعيار
اإلقليمي الذي ميتد إليه نشاطها ،وكذلك من حيث أداة اإلنشاء ومن حيث الشخصية املعنوية من انحية متتعها
من حيث هذه الزاوية ميكن تقسيم املرافق إىل مرافق إدارية وأخرى اقتصادية ومرافق إجتماعية وأخرى مهنية.
9
ماهية المرفق العام الفصل األول
يطلق عليها الفقه اسم "المرافق اإلدارية البحتة أو المحضة" ،1وهي امل ارفق العامة التقليدية اليت
الزمت الدولة منذ زمن طويل ،وعلى أرسها مرفق الدفاع واألمن والقضاء مث مرفق الصحة والتعليم .وهذه امل ارفق
عادة ما تتسم ابرتباطها ابجلانب السيادي للدولة األمر الذي يفرض قيامها هبذه النشاطات وأن ال تعهد هبا
لألف ارد مبا يف ذلك من خطورة كبرية 2وللمرافق العامة اإلدارية أمهية حيوية يف بناء الدولة وتقدمي خدمات
جوهرية للمواطنني وبدوهنا ال معىن لوجود الدولة ذاهتا لذلك تتوالها مجيع الدول عن طريق أجهزهتا اإلدارية سواء
ورغم أن املرافق العامة اإلدارية هي األقدم واألكثر تنوعا ،إال أن الفقه وجد صعوبة يف تعريفها وجلأ جانب من
الفقه إىل تعريفها عن طريق التحديد السليب ،حبيث عرفها أبهنا" تلك المرافق التي ال تعتبر م ارفق صناعية
المرفق عن غيرها بأنها تخضع من حيث األصل للقانون العام في سائر نشاطاتها
وتتميز هذه ا
وهي مرافق حديثة النشأة نسبيا ظهرت نتيجة تدخل الدولة يف امليدان االقتصادي ،حبيث أصبحت الدولة تزاول
نشاطات جتارية أو صناعية مماثلة لنشاط األفراد وتعمل يف ظروف مماثلة لظروف عمل املشروعات اخلاصة ،ومن
2عمار بوضياف ،الوجيز في القانون اإلداري ،الطبعة الثالثة ،جسور للنشر والتوزيع ،الجازئر ،3012،ص.330
10
ماهية المرفق العام الفصل األول
وبسبب طبيعة النشاط الذي تؤديه هذه املرافق دعا الفقه والقضاء إىل ضرورة حترير هذه املرافق من اخلضوع
1
لقواعد القانون العام.
ولقد أاثر ظهور املرافق االقتصادية إشكاال على املستوى القانوين ،متثل يف إجياد معيار فاصل بني املرافق اإلدارية
موقف الفقه :إختلف الفقه حول حتديد املعيار الذي مييز املرافق اإلقتصادية عن املرافق اإلدارية ،فتعددت
معايري التمييز.2
-1المعيار الشكلي :يعتمد هذا املعيار على أساس شكل املشروع أو مظهره اخلارجي ،فإذا اختذ املشروع
شكل املشروعات اخلاصة كما لو متت إدارته بواسطة شركة ،فإنه مرفق اقتصادي وبعكس ذلك لو متت إدارته
بواسطة اإلدارة أو حتت رقابتها واش ارفها وابستخدام أساليب السلطة العامة ،فهو مرفق عام إداري.
-2معيار الهدف :اجته هذا املعيار إىل متييز بني املرافق اإلدارية واالقتصادية على أساس الغرض الذي
يستهدفه املرفق ،فاملرافق االقتصادية تقوم بنشاط صناعي أو جتاري يهدف إىل حتقيق الربح ،مثلما هو احلال يف
املشروعات اخلاصة .يف حني ال تسعى املرافق اإلدارية إىل حتقيق الربح بل حتقيق املنفعة العامة واشباع حاجات
األفراد.
-3معيار القانون المطبق :يعتمد هذا املعيار على النظام القانوين الذي خيضع له املشروع فإذا كان خيضع
ألحكام القانون اخلاص اعترب املرفق اقتصاداي ،وعلى العكس من ذلك إذا كان خيضع ألحكام القانون العام فهو
-4معيار طبيعة النشاط :وهو أكثر املعايري الفقهية شيوعا ابلنظر لدقته .ويقوم هذا املعيار على أساس
1مازن ارضي ليلو ،القانون اإلداري ،منشوارت األكاديمية العربية في الدنمارك ،3009،ص .41
11
ماهية المرفق العام الفصل األول
طبيعة النشاط الذي ي ازوله املرفق .فإذا كان هذا املرفق ميارس نشاطا يعتربه القانون جتاراي فيما لو قام به األف
ارد عد املرفق على هذا النحو جتاراي ،ويعترب املرفق العام إداراي إذا كان النشاط الذي ميارسه إداراي ومما يدخل يف
1
نطاق القانون اإلداري.
موقف القضاء اإلداري :إن عملية تصنيف املرفق العام من قبل القاضي ،جترى على مرحلتني ،ففي املرحلة
األوىل يفرتض أن املرفق العام له الطابع اإلداري ،إال أن هذا اإلفرتاض ميكن إثبات عكسه .ويف املرحلة الثانية
2
يعمل القاضي على البحث عن مدى توفر معايري املرفق العام اإلقتصادي وهي ثالثة
طبيعة نشاط المرفق العام :مبعىن أن يكون نشاط املرفق مماثال للنشاط املمارس من قبل األفراد واملنشآت
اخلاصة.
مصادر التمويل :أي أن ميول املرفق من قبل موارد متأتية ،من أتدية املستفيدين من خدماته بدالت ( مقابل
طريقة التشغيل :وهو أن يدار املرفق العام وفقا ألساليب القانون اخلاص.
ميكن حصر أهم أوجه االختالف بني هذين النوعني من املرافق من خالل اجلدول التال:
الطهروي ،القانون اإلداري( ماهية القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلداري ) دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع
ا هاني علي 1
درسة مقارنة) ،الطبعة األولى ،منشوارت الحلبي الحقوقية لبنان ،3008، مروان محي الدين القطب ،طرق خصخصة ا
المرفق العامة ( ا 2
ص .29
12
ماهية المرفق العام الفصل األول
من حيث الجهة من حيث العاملين به من حيث القانون
القضائية المختصة الواجب التطبيق
تقوم هذه املرافق بتنظيم ومرا قبة بعض األعمال ملهن خمتلفة يف الدولة ،ويقوم هبذا التنظيم أصحاب املهن أنفسهم
أي املنخرطني فيها ،وتتخذ شكل التنظيم النقايب يشرف على إدارته جملس منتخب عن طريق االنتخاب املباشر
من املنخرطني ،1ومن أمثلة هذه املرافق نقابة احملامني والصيادلة واملهندسني.
إن السمة البارزة يف املرافق املهنية أن انضمام أفراد املهنة إليها ،ليس أمرا اختياراي وامنا هو أمر إجباري مما جيعلها
نوعا من اجلماعات اجلربية.
وتتمتع النقاابت املهنية ابلشخصية املعنوية وببعض امتيازات السلطة العامة ،وتنفرد ابختصاصات
واسعة أمهها:
-ختتص بوضع القواعد املنظمة مل ازولة املهنة واخلاصة بواجبات املهنة وآداهبا والعقوابت اليت ميكن أن
تفرضها يف حال خمالفتها.
-النظر يف طلبات انضمام األعضاء اجلدد.
ومن انحية أخرى خيضع املرفق املهين لقواعد مزيج من القانون العام والقانون اخلاص فيخضع لنظام قانوين
خمتلط ،فالقرارات التنظيمية املتعلقة بسري املهنة أو توقيع اجل ازءات على األعمال ،هي تصرفات قانونية ختضع
للقانون العام أما البعض اآلخر من األنشطة خيضع للقانون اخلاص ،مثل العالقات اليت تربطه ابألفراد واحملاسبات
والذمة املالية .مث إن املشرع اجلزائري قد أخضع بعض امل ارفق املهنية كاملنظمة الوطنية للمحامني ،فيما يتعلق
مبنازعاهتا جلهة القضاء اإل داري سواء فيما يتعلق ابملنازعات الناجتة عن التسجيل يف املهنة ،أو أي منازعة أخرى
تطبيقا للمادة 30من قانون احملاماة.
حيكم هذا النوع من امل ارفق مزيج من قواعد القانون العام واخلاص ،كما متثل منازعتها أمام القضاء اإلداري وأحياان
أخرى أمام القضاء العادي .مثل ما جاء يف القانون رقم 11-92املؤرخ يف 3جويلية 1892والذي
تناول املنازعات يف جمال الضمان االجتماعي حيث وزع املشرع اجل ازئري االختصاص بني القضاء العادي
1
واإلداري.
لمزيد من التفصيل أنظر :مسعود شيهوب ،المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية ،نظرية االختصاص ،الجزء الثالث د.م.ج ،الج 1
14
ماهية المرفق العام الفصل األول
وهي جمموع املرا فق اليت ميتد نشاطها ليشمل مجيع إقليم الدولة ،كمرفق الدفاع ومرفق القضاء ومرفق الصحة .ونظرا
لعمومية وأمهية النشاط الذي تقدمه هذه امل ارفق ،فإهنا ختضع إلشراف اإلدارة املركزية يف الدولة من خالل الوازارت
أو ممثليها يف املدن ،ضماان حلسن أداء هذه املرافق لنشاطها وحتقيقا للمساواة يف توزيع خدماهتا .1
وهي املرا فق العامة اليت تنشئها وحدات اإلدارة احمللية البلدية والوالية ،حيث متارس نشاطها يف احليز
اجلغرايف إلقليم الوحدة احمللية مثل :مرفق النظافة البلدية ،الديوان البلدي للرايضة مؤسسة النقل الوالئي .وينتفع من
خدمات هذا املرفق سكان اإلقليم .وتتوىل السلطات احمللية أمر تسيريه واإلشراف عليه ألهنا أقدر من الدولة.
وهي عادة جمموع امل ارفق ذات األمهية الوطنية القصوى ،اليت يفرض املشرع أمر إنشائها مبوجب نص
تشريعي ليمكن أعضاء السلطة التشريعية من االطالع على نشاط املرفق وضرورته وقواعده .واحلقيقة أن أمهية
املرفق واحتالله هلذه املكانة مسألة يتحكم فيها طبيعة النظام السياسي السائد يف الدولة.
عادة ما خيول التشريع األساسي يف الدولة للسلطة التنفيذية صالحية إنشاء املرافق العامة ،سواء على املستوى
املركزي مبرسوم رائسي أو مبرسوم تنفيذي ،كما حيق للوالية أو البلدية بقرارات إدارية ،إنشاء مرافق عامة على املستوى
احمللي اليت من شأهنا تليب حاجات اجلمهور.
الطهروي ،القانون اإلداري (ماهية القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري ،النشاط اإلدار) دار العلم والثقافة للنشر
ا هاني علي 1
15
ماهية المرفق العام الفصل األول
إن هذه امل ارفق اليت تدار بواسطة هيئة عامة ليس هلا شخصية معنوية ،تكون ملحقة مباشرة أبحد األشخاص
املعنوية اإلقليمية " الدولة ،الوالية ،البلدية" ومندجمة فيها واتبعة هلا تبعية كاملة ،وال يكون هلذه املرافق أي ذاتية
خاصة هبا وامنا تذوب يف كيان الشخص املعنوي العام سواء كان ذلك الشخص هو الدولة أم شخص إقليمي
آخر.1
إن هذه املرا فق تدار من هيئة ذات شخصية معنوية عامة تسمى ابملؤسسات العامة مع ما يرتتب على ذلك من
نتائج قانونية كاستقالل املرفق بذمة مالية بعيدة عن مالية الدولة ،وابلتال يتحمل نفقاته وأرابحه وخسائره ،وترفع
عليه الدعاوى القضائية بصفة مستقلة أي له حق التقاضي .فيكتسب املرفق يف هذه احلالة نوعا من الالمركزية،
2
ولقد اتفق الفقه على تسميتها ابلالمركزية املرفقية أو املصلحية ،وذلك لعدم اخللط بينها وبني الالمركزية اإلقليمية.
واذا كان يتعذر سن قانون عام حيكم كل املرافق ،فقد اتفق الفقهاء على أن هناك مبادئ أساسية مشرتكة ما بني
خمتلف املرافق العامة.
وتقتضي دارسة النظام القانوين للمرافق العامة ،التطرق لقواعد إنشائها واملبادئ األساسية اليت حتكمها وكذا طرق
وقواعد سريها .وذلك فيما يلي:
16
ماهية المرفق العام الفصل األول
وانشاء املرافق العامة يدخل يف سلطة اإلدارة التقديرية كمبدأ عام ،وقد تلتزم اإلدارة أحياان
"وعلى سبيل االستثناء" ،إبنشاء بعض املرافق العامة وتكون سلطتها مقيدة هبذا الشأن .1كما أن إنشاء املرافق
العامة خيتلف حسبما إذا كانت هذه املرافق عامة وطنية أو املرافق عامة حملية .
مبدئيا إن حتديد السلطة املختصة إلنشاء وتنظيم امل ارفق العام ،على املستوى الوطين خيضع ملعيار توزيع السلطات
بني اهليئة التشريعية أي الربملان واهليئة التنفيذية أي احلكومة فهي مسألة ختضع معاجلتها لطبيعة النظام السياسي
السائد يف الدولة.
فإذا كان دستور الدولة قد قطع أبن إنشاء م ارفق ما ،ابلنظر ألمهيتها يعود للسلطة التشريعية فإن هذا النوع من
املرفق ينشأ بنص تشريعي ،واذا كان الدستور عند استع ارضه لصالحيات السلطة التنفيذية قد حكم أبنه يعود
2
إليها إنشاء بعض امل ارفق ،فإن قاعدة إنشاء املرفق تكون مبوجب نص تنظيمي
أما ابلنسبة للوضع يف اجلزائر ،فإن إنشاء املرافق العامة الوطنية يبقى "أصال" من اختصاص التنظيم مبوجب إصدار
مراسيم رائسية أو تنفيذية ،ماعدا جمال فئة املؤسسات والذي يدخل ضمن جمال إختصاص السلطة التشريعية .
واحلقيقة أن هذا املسلك إمنا يتماشى مع ما هو سائد يف القانون املقارن من حيث ترك اختصاص إصدار قرار
إنشاء املرافق العامة للسلطة اإلدارية ،هو اجتاه سليم ألنه يعطي االختصاص للجهة األقدر على تقدير لزوم اإلنشاء
من عدمه ،كما يضمن السرعة الكافية الختاذ ق ارر اإلنشاء م ارعاة للمصلحة العامة ،أمام تعقيدات واجراءات
وآليات عملية إصدار القانون من طرف الب رملان.
1محمود محمد حافظ ،نظرية المرفق العام ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1893،ص .110
17
ماهية المرفق العام الفصل األول
خيول كل من قانون البلدية رقم 10/11وقانون الوالية رقم 04/13هليئيت اإلدارة احمللية إنشاء واحداث مرافق
1
عامة حملية بلدية ووالئية.
1ـــ المرافق العامة البلدية :تنص املادة 138من قانون البلدية على ما يلي:
" ......تضمن البلدية سري املصاحل العمومية البلدية اليت هتدف إىل تلبية إحتياجات مواطنيها وادارة أمالكها،
وهبذه الصفة فهي إضافة إىل مصاحل اإلدارة العامة ،مصاحل عمومية تقنية قصد التكفل على وجه اخلصوص مبا أييت:
اإلانرة العمومية،
النقل اجلماعي،
املذابح البلدية،
املساحات اخلضراء".
أنظر كال القانونين - :قانون رقم 10/11المتضمن قانون البلدية المؤرخ في 33جوان ،3011ج ر العدد 24المؤرخة في4 1
مارس .3011
18
ماهية المرفق العام الفصل األول
وجتدر اإلشارة أنه يشرتط لصحة قرار إنشاء املرافق العامة البلدية ،إجراء مداولة من طرف اجمللس الشعيب البلدي
حسب املادة 13من قانون البلدية واملصادقة عليها من طرف الوال حسب املادة 11منه.
كما أنه جيوز للمجالس الشعبية البلدية لبلدتني أو أكثر ،أن تقرر االشرتاك يف إطار مؤسسة عمومية مشرتكة بني
البلدايت ألجل حتقيق اخلدمات والتجهيزات أو املصاحل ذات النفع املشرتك بينها.
تنص املادة 131من قانون الوالية احلال على مايلي" ........ :ميكن للوالية أن تنشئ قصد تلبية احلاجات
اجلماعية ملواطنيها مبوجب مداولة اجمللس الشعيب الوالئي مصاحل عمومية والئية للتكفل على وجه اخلصوص مبا أييت:
مساعدة ورعاية الطفولة واألشخاص املسنني أو الذين يعانون من إعاقة وأم ارض مزمنة،
النقل العمومي،
يكيف عدد هذه املصاحل العمومية وحجمها حسب إمكانيات كل والية ووسائلها واحتياجاهتا"...
كما نصت املادة 131على أنه ميكن للمجلس الشعيب الوالئي أن ينشئ مؤسسات عمومية والئية ،تتمتع
ابلشخصية املعنوية واإلستقالل املال قصد تسيري مصاحل عمومية ،وحددت املادة
134أنواع املؤسسات العمومية الوالئية أبن تكون إما مؤسسة عمومية ذات طابع إداري أو مؤسسة عمومية ذات
طابع صناعي وجتاري حسب اهلدف املرجو منها.
وسنحدد أوال ما املقصود بعملية اإللغاء واآلاثر القانونية اليت ترتتب على ذلك فيما يلي:
19
ماهية المرفق العام الفصل األول
يقصد إبلغاء املرفق العام هو وضع حد لنشاطه ،وذلك إلعت ارف السلطة املختصة أبنه مل تعد هناك
حاجة الستم ارر وجود املرفق العام .وهو جمال مرتوك لتقدير اإلدارة ،أي تقدر مدى احلاجة أم عدم احلاجة إىل
املرفق واملقارنة بني ما حيققه من فائدة وما يتخلف عنه من ضرر واختيار الوقت املناسب لإلقدام على إلغائه ووزن
مالبسات وظروف ومربرات اإللغاء .وميكن رد أسباب إلغاء املرافق العامة إىل ما يلي:
1ـ ـ دمج مرفق عام مع مرفق عام آخر ميارس ذات النشاط أو نشاطا مماثال.
2ـ ـ إشباع حاجة مجاعية عارضة ومؤقتة ال تتسم بطابع الدميومة ،حيث حتقق الغرض الذي انشأ من أجله املرفق
العام.
-3ترك إشباع احلاجات العامة اليت كان يتوالها املرفق العام للنشاط اخلاص.1
مل حيدد املشرع اجلزائري كيفية إلغاء املرافق العامة ،وتطبيقا للقواعد العامة فإن اإللغاء يتم بنفس األداة اليت اتبعت
يف اإلنشاء من حيث املرتبة والقوة ،مبعىن أنه إذا مت اإلنشاء بقانون فيجب أن يكون اإللغاء بقانون كذلك ،أو أبداة
أعلى فإذا مت اإلنشاء بقرار بلدي مثال ،فقد يكون اإللغاء بقرار والئي مبا أن الوالية هي جهة وصاية ابلنسبة
للبلدية.
عندما يتم إلغاء املرفق العام فإن أمواله تضاف إىل اجلهة اليت نص عليها القانون الصادر إبلغائه ،فإن مل ينص على
2
ذلك فإن أموال املرفق تضاف إىل أموال الشخص اإلداري الذي كان يتبعه هذا املرفق.
يتحقق ذلك من خالل الخوصصة والتي يمكن تصنيفها إلى فئتين :الفئة األولى وتتمثل في إسناد مهمة تسيير المرفق العام إلى 1
القطاع الخاص دون نقل للملكية ).مثل عقد البوت الذي ينصب على بناء وادارة وتمويل المشاريع الهامة ثم نقل ملكية المشروع إلى
الدولة بعد مرور مدة معينة من الزمن(والفئة الثانية تشمل عمليات البيع أو نقل ملكية المشاريع أو حصص المساهمة من القطاع
العام إلى القطاع الخاص).
2مازن ارضي ليلو ،القانون اإلداري ،منشوارت األكاديمية العربية في الدنمارك ،3009،ص .44
20
ماهية المرفق العام الفصل األول
واذا كان مصدر أموال املرفق العام تربعات األفراد واهليئات اخلاصة ،فإن األموال تؤول إىل أحد املرافق العامة اليت
هلا نفس غرض املرفق الذي مت إلغاؤه أو غرضا مقاراب له احرتاما إلرادة املتربعني.
أما مصري املوظفني فإنه يتم نقلهم إىل مرفق عام آخر ،أو إهناء خدماهتم وتسوية حقوقهم الوظيفية وتعويضهم
بناء على مبدأ حتقيق املساواة بني املواطنني أمام التكاليف واألعباء يف هذه احلالة املسؤولية دون خطأ.
ختضع املرافق العامة جملموعة من املبادئ استقر عليها القضاء والفقه ،وأضحت اليوم من املسلمات يف نظرية
املرافق .وتتمثل أهم هذه املبادئ يف ما يلي:
يقتضي هذا املبدأ وجوب معاملة املرفق لكل املنتفعني معاملة واحدة دون تفضيل البعض على البعض اآلخر،
ألسباب تتعلق ابجلنس أو اللون أو الدين أو احلالة املالية وغريها.
وجتدر اإلشارة إىل أن مبدأ املساواة يطبق عندما يتساوى املنتفعني يف املركز القانوين ومثال ذلك اإللتحاق ابلد
ارسة اجلامعية ليس مفتوحا جلميع املواطنني ،وامنا يقتصر على احلاصلني منهم على البكالوراي ،كما ال يتناىف هذا
املبدأ مع سلطة املرفق يف فرض بعض الشروط اليت تستوجبها القوانني والتنظيمات كالشروط املتعلقة بدفع الرسوم
أو إتباع بعض اإلجراءات أو تقدمي بعض الواثئق.
ويقصد به إلزام املرافق العامة لدى جلوئها للتوظيف م ارعاة شروط عامة ،جيب توافرها يف مجيع املرتشحني من
جهة والتقيد إبجراءات وكيفيات التوظيف اليت تقوم على أساس على نظام املسابقات املبنية على الشهادات أو
االختبارات.
21
ماهية المرفق العام الفصل األول
ولقد مت النص على املبدأ يف الدستور":يتساوى مجيع املواطنني يف تقلد املهام والوظائف يف الدولة دون أية
شروط أخرى غري الشروط اليت حددها القانون".
وكذلك نصت عليه املادة 34من القانون األساسي العام للوظيفة العامة بقوهلا" :ال جيوز التمييز بني املوظفني
بسبب آرائهم أو أصلهم أو بسبب أي ظرف من ظروفهم الشخصية أو االجتماعية".
ثالثا :حياد المرفق العام:
يقصد حبياد املرفق العام أن يراعى يف أداء مهامه وتسيريه مقتضيات حتقيق املصلحة العامة ،حبيث جيب على
مسري املرفق أن ال يستعمله لدعم مصاحل أخرى.
إن هذا املبدأ قد كرسته بصفة صرحية املادة 00من الدستور اليت نصت على أن" عدم تحيز اإلدارة يضمنه
القانون" .كما نصت عليه املادة 31من القانون األساسي للوظيفة العامة أبنه":يجب على الموظف أن
يمارس مهامه بكل أمانة وبدون تحيز".
الفرع الثاني :مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد ــ االستمرارية ــ
إن أساس مبدأ االستمرارية يكمن يف متكني املرفق العام من إشباع احلاجات العامة للمواطنني دون إنقطاع ،وعلى
السلطات اإلدارية أتمني تشغيل املرافق العامة بصورة منتظمة.1
وتعد هذه القاعدة من أهم القواعد اليت حتكم سري امل ارفق العامة سواء كانت إدارية أم اقتصادية وتستند إىل أمهية
وحيوية اخل دمات اليت تؤديها امل ارفق العامة ومدى جسامة األضرار اليت تصيب الدولة واألفراد جراء توقف مرفق
ما ،أو تعطله عن تقدميها ويكفي تصور مدى االضطراب الذي يصيب حياة األفراد إذا انقطع التيار الكهرابئي
ملدة طويلة ،أو نشاط مرفق النقل ليوم أو يومني ،فاملواطن خيطط لتصرفاته معتمدا على وجود م ارفق تعمل ابنتظام.2
زكريا المصري ،أسس اإلدارة العامة (التنظيم اإلداري -النشاط اإلداري) ،دار الكتب القانونية ودار الشتات للنشر والبرمجيات ،مصر 2
،3004،ص .813
22
ماهية المرفق العام الفصل األول
على أن مضمون مبدأ االستمرارية ليس واحدا يف مجيع املرافق العامة واخلدمة اليت يقدمها فيعين لدى بعض املرافق
العمل والتشغيل الدائم ،مثل الشرطة والدفاع واملستشفيات واحلماية املدنية ويعين لدى البعض اآلخر العمل املستمر
وفقا لدوام وتوقيت يومي حمدد ،مثل مرفق احلالة املدنية ،الربيد ،املدارس واجلامعات.
ويعود للقاضي اإلداري حتديد مضمون االستمرارية بشكل يسمح للمواطنني من احلصول على اخلدمات من
املرفق .فهو يعترب أكثر املبادئ وزان ألن القضاء اإلداري كثريا ما اعتمد عليه يف صياغة بعض النظرايت ،منها نظرية
الظروف االستثنائية ونظرية املوظف الفعلي ،وهو ما سنبينه الحقا.
كما أن مبدأ االستمرارية يفرتض العمل الدقيق واملنتظم للمرفق ،حبيث جيب أن يفتح يف الساعة احملددة وال ميكن
أن يقفل بطريقة مسبقة ،واال عد خطأ مرفقي وال ميكن أن ينقطع الرفق عن العمل إال يف احلاالت املنصوص عليها
يف القوانني واألنظمة وحاالت القوة القاهرة.
ولقد جسد الدستور هذا املبدأ يف املادة 00منه ،واليت تنص على أن" :الوزير األول يسهر على حسن سري
اإلدارة العمومية" .وبذلك أصبح للمبدأ قيمة دستورية ويقتضي مبدأ االستمرارية توافر مجلة من الضماانت ،تعمل
مجيعها على جتسيده يف أرض الواقع .ومن هذه الضماانت ما وضعه املشرع ومنها ما رسخه القضاء اإلداري.
يقصد ابإلضراب عموما توقف أو امتناع املوظفني أو العمال عن القيام بوظائفهم و أعماهلم ملدة
معينة دون تركهم لوظائفهم بصفة هنائية .
ولكن اإلضراب ابختالف صوره و أشكاله أمر خطري يؤثر سلبا على سريورة املرفق العام كونه املتسبب
الرئيسي يف شلله و عدم حتقيقه للمنفعة العامة و كذا عدم تقدمي اخلدمات العامة لألفراد وبعد أن كان اإلضراب
جرما يعاقب عليه القانون إال أنه تطور و أصبح أكثر محاية من القانون إذ أصبح يستعمل من اجل الدفاع على
1
املصاحل املهنية كونه عنصر من عناصر احلرايت العامة األساسية و اليت توصلت إليه الكثري من دساتري العامل.
1ـــ 1تكريس حق اإلضراب في الدستور الجزائري
إن املؤسس الدستوري قد اعرتف حبق اإلضراب يف النص الدستوري اجلزائري الصادر
اإلضرب
ا بتاريخ 1963/09/10مب وجب املادة 20اليت نصت على مايلي":الحق النقابي و حق
ومشاركة العمال في تسيير المؤسسات معترف بها جميعا وتمارس هذه الحقوق في نطاق
القانون " يستخلص من نص املادة أن املؤسسة الدستورية قد اعرتف حبق اإلضراب دون التمييز بني القطاع العام
والقطاع اخلاص ،لكن مبا أن اجلزائر كانت وإىل وقت قريب تتخذ االشرتاكية أسلواب و منهجا وكان املوظفون و
العمال الدعامة األساسية اليت ترتكز عليها الدولة يف حتقيق املساعي و األهداف الكربى االشت اركية ،فعملت
على توفري كافة الوسائل واملعدات من اجل هتيئة ظروف العمل عرب مجيع القطاعات ،ومن اجل حتقيق هذه
األهداف حرص املشرع اجلزائري على حترمي اإلض ارب يف القطاع العام وهو يف األساس حتقيق ملبدأ استمرارية
املرافق العامة ابنتظام واطرا د ألن قيام املوظفني أو عمال القطاع العام هبجر عملهم قصد حتقيق مطالبهم يتناىف
ومبدأ سريورة واستمرارية املرفق العام .
ولقد حرص الدستور اجلزائري الصادر بتاريخ 22نوفمرب 1976الذي خطى خطوة أكثر تقدما
يف جمال اإلضراب على منع اإلضراب يف القطاع العام واقتصر ممارسة حق اإلضراب فقط على القطاع اخلاص ،
حيث نصت املادة 61يف الفقرة الثنية منه واليت تقضي على أنه "ختضع عالقات العمل يف القطاع االشرتاكي
ألحكام القوانني والتنظيمات املتعلقة ابألساليب االشرتاكية للتسيري .ويف القطاع اخلاص حق اإلضراب معرتف به
وينظم القانون ممارسته "يتبني من نص املادة أن اإلضراب حق غري معرتف به لعمال املرافق العامة وهذا إلشباع
احلاجات العامة للمنتفعني من امل ارفق احليوية للدولة .
مث جاء دستور 23فيفري 1989يف ظل اإلصالحات السياسية واالقتصادية و التعددية احلزبية
وقد اعرتف صراحة حبق ممارسة اإلضراب يف املرافق العامة و لكن يف إطار قانوين ،حيث نصت املادة 54منه على
أن"
"وهو نفس مضمون املادة 57من التعديل الدستوري لسنة 1996املؤرخ يف 28نوفمرب 1996
وكذلك نفس حمتوى املادة 71من التعديل الدستوري لسنة 2016كما اعرتف أيضا للمتعاقد هبذا احلق .
وفي دستور 2020نصت املادة 70على :الحق في اإلضراب معترف به و يمارس
في إطار القانون.
يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق ،أو يجعل حدودا لممارسته في
ميادين الدفاع الوطني واألمن ،أو في جميع الخدمات أو األ نشطة العمومية ذات المصلحة
الحيوية للمة.
مل يضع أي من هذه الدساتري نصوصا توضيحية لكيفية ممارسة هذا احلق.
24
ماهية المرفق العام الفصل األول
جاء أول قانون أقره اجمللس الشعيب الوطين رقم 02-90حيث تضمن هذا القانون كيفية ممارسة
حق اإلضراب ،كما جاء بشروط و ضوابط هبدف محاية املصلحة اخلاصة للموظف املضرب مع ما يتماشى و
النظام اجلديد الذي تصبو إليه السياسة العامة للدولة وذلك حرصا منه على استمرارية بعض األنشطة يف املرافق
العامة ذات احلركية يف اجملتمع بتوفري حد أدىن من اخلدمة حسب طبيعة و نشاط كل مرفق من جهة و عدم حرمان
املوظف من املطالبة حبقه من جهة أخرى .
وبعدها صدر األمر 03-06حيث اعرتف للموظف مبمارسة حق اإلضراب مبوجب املادة 36
اليت نصت على أنه "يمارس الموظف حق اإلضراب في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما"
وعليه فإن املشرع اجلزائري قد اعرتف صراحة للموظف و املتعاقد مبمارسة حق اإلضراب ابعتباره وسيلة ملطالبة
اهليئة املستخدمة بتحقيق مطالبه املهنية حرصا على إحاطته ابحلماية القانونية ،إذن فاإلضراب يعترب حقا دستوراي
مكفوال للموظف واملتعاقد على حد سواء و ابلتال ال ميكن املساس به لكن مع احلفاظ على دميومة املرفق العام
و استمراريته حتقيقا للمصلحة العامة .1
1ـــ 3شروط ممارسة اإلضراب.
وضع املشرع اجلزائري قانون رقم 02/90السابق الذكر بعد أن أقر أنه حق من حقوق العمال أال
أن هذا احلق ليس مطلق بل خيضع عند ممارسته لشروط تضمن عدم التجاوز يف ممارسته محاية للمصلحة العامة
و ضماان الستمرارية املرفق العام واملتمثلة يف:
-استنفاذ إجراءات التسوية الودية.
-موافقة مجاعة العمال على اإلضراب.
-اإلشعار املسبق ابإلضراب.
-ضمان أمن وسالمة أماكن العمل.
أ ـ ـ استنفاذ إجراءات التسوية الودية :
يقصد هبا وجوب استنفاذ وفشل مجيع الطرق الودية املمكنة حملاولة التسوية الودية و اإلرضائية،
كإج ارءات املصاحلة و الوساطة و كافة الوسائل املنصوص عليها يف االتفاقيات اجلماعية كما جاء يف نص املادة
24من القانون 02-90ففي الوساطة اليت تعترب طريقة سلمية ملعاجلة الن ازع واليت تعترب شكال من أشكال
التوفيق حيث يقوم وسيط إبقناع اإلط ارف املتنازعة حول حل وسيط للفصل يف الن ازع بعد مساعه للطرفني
ويدعومها لقبول احلل الذي اقرتحه أو ميكن رفضه .
اإلضرب الوظيفي ،دارسة مقارنة،ط، 1مكتبة زين الحقوق واألدبية ،لبنان ،2015 ،ص .87
ا سعيد علي غافل،حق 1
25
ماهية المرفق العام الفصل األول
ومن الطرق السلمية جند املفاوضات اجلماعية يف التفاوض املباشر بني ممثلي العمال وممثلي
اإلدارا ت العمومية كوهنا تقوم على أساس احلوار و ترجع أمهية التفاوض لوجود تنظيمات تعرف ابسم النقاابت
العمالية.
كما يسبق قرار اإلضراب اتفاق الطرفني على اللجوء إىل التحكيم حيث أنه يوقف قرار اإلضراب
بل و يوقف اإلضراب إذا كان قد شرع فيه،
حيث تنص املادة 25من القانون 02-90أبنه"ال ميكن اللجوء إىل ممارسة اإلضراب و يوقف
اإلضراب الذي شرع فيه مبجرد اتفاق الطرفني يف اخلالف اجلماعي يف العمل على عرض خالفهما على التحكيم"
ومعىن هذا أن اللجوء إىل التحكيم يعترب أداة من أدوات إهناء اإلضراب وليس فقط توقيفه ألن قرار
التحكيم يفرض تطبيقه وااللتزا م به من قبل الطرفني حبكم القانون وفق ما جاءت به املادة 13الفقرة 2من
القانون 02-90واليت تنص على أنه " يصدر قرار التحكيم النهائي خالل 30يوما املوالية لتعيني احلكام ،وهذا
القرار يفرض نفسه على الطرفني الذين ي لزمان تنفيذه" أي أن اللجوء إىل التحكيم أمر اختياري إال أن مبجرد
1
االتفاق على اللجوء إليه يفقد املتنازعني احلرية و يلزمهم مسبقا ابالمتثال لقرار التحكيم و االلتزام به وتنفيذه .
ب ـ ـ موافقة جماعة العمال على اإلضراب:
يقصد هبا أن يكون قرار اللجوء إىل اإلضراب شرعيا إذا كان صادرا عن أغلبية العمال إبرادهتم احلرة دون
أي إكرا ه أو ضغط و يتم ذلك عن طريق مجعية عامة تضم كافة العمال أو نصفهم على أقل تقدير ،تعقد
خصيصا هلذا الغرض يعربون فيها عن رغبتهم أو عدم رغبتهم يف اإلضراب عن طريق االقرتاع السري و يشرتط أن
يكون القرار النهائي للجوء إىل اإلضرا ب صادر عن األغلبية املطلقة للعمال احلاضرين هلذه اجلمعية حسب نص
املادة 28من القانون 02-90السالف الذكر،أما أقلية العمال الرافضني فيحق هلم متابعة العمل وال جيوز للعمال
املضربني أن جيربوا العمال غري املضربني على التوقف عن العمل.
فكما حيمي القانون حق العامل عند ممارسة اإلضراب فإنه حيمي حريته يف القيام بعمله وهو ما
نصت عليه املادة 34من نفس القانون واليت نصت على "يعاقب القانون عرقلة حرية العمال ،ويعد عرقلة حلرية
العمل ،كل فعل من شأنه أن مينع العامل أو املستخدم أو ممثله من االلتحاق مبكان عمله املعتاد أو مينعهم من
استئناف ممارسة نشاطهم املهين أو من مواصلته ابلتهديد أو املناورة االحتيالية أو العنف أو االعتداء".
26
ماهية المرفق العام الفصل األول
نظم املشرع اجلزائري اإلشعار املسبق ابإلضراب يف املواد 29إىل 31من القانون 02- 90املتعلق
ابلوقاية من النزاعات اجلماعية وتسويتها وممارسة حق اإلضراب.
ويقصد ابإلشعار املسبق ابإلضراب قيام ممثلي العمال املوافقني على اإلضراب إبعالم صاحب العمل
عن نية العمال يف التوقف اجلماعي عن العمل ،من أجل حتقيق املطالب املهنية هلم ،اليت مزال اخلالف بشأهنا
1
مستمرا.
يعترب اإلشعار املسبق ابإلضراب شرطا إلزاميا يرتتب على إمهاله أو خمالفته عدم شرعية اإلضراب
حيث جيب اإلشعار مسبقا بتاريخ ومدة اإلضراب وذلك إبعالم صاحب العمل سواء كان إدارة أو سلطة عامة
مسبقا بقرار اللجوء إىل اإلضراب مع حتديد بداية الشروع فيه ومدته إذا كان حمدد املدة أو إذا كان مفتوحا ،مما
يعين أن بداية اإلضراب ليس من اتريخ إقرا ره وإمنا يبدأ نفاذه من التاريخ الذي يلي هناية مهلة اإلخطار املسبق
،وحتسب مدة اإلشعار املسبق لإلضراب بدءا من اتريخ إيداعه لدى اهليئة املستخدمة ٕواعالم مفتشية العمل
املختصة إقليميا ،وحتدد املدة عن طريق التفاوض واليت جيب أال تقل عن 08أايم إبتداءا من اتريخ إيداعه على
أن متديد هذه الفرتة جائز قانوان سواء مبوجب االتفاق بني طريف النزاع أو إباردة ممثلي العمل فلهما احلرية التامة
يف هذا الصدد وذلك وفقا لنص املادة 30من القانون .02/90
وابلتال فإن عدم مراعاة شرط اإلشعار املسبق ابإلضراب وعدم احرتام امليعاد يؤدي إىل إضفاء صفة
عدم مشروعية اإلضراب مما يؤثر سلبا على سريورة املرافق العامة .
د ــ ضمان أمن وسالمة أماكن العمل :
إضافة إىل ما سبق من شروط ممارسة حق اإلضراب هناك شرط أساسي وضعه املشرع اجلزائري ينبغي مراعاته
وهو ضمان أ من وسالمة أماكن العمل أي عدم احتالل أماكن العمل ابلقوة وذلك ابختاذ كافة االحتياطات
واإلجراءات الالزمة لضمان احملافظة على وسائل وأدوات وأماكن العمل وعدم تعريضها ألية أضرار أو ختريب أو
إتالف أو مساس ابألمالك العقارية واملنقولة واملنشآت التابعة للمستخدم 2فتعريضها للضرر يعيق سري املرفق العام
ابنتظام واطراد .
وأن أي تصرف من هذا القبيل من طرف العمال املضربني يرتتب عليه املسؤولية املدنية أو اجلزائية حسب جسامة
الضرر وفق ما نصت عليه املادة 55الفقرة 02من القانون 02/90اليت تقضي برفع العقوبة إىل حدود الثالث
3
سنوات حسب حالة االعتداء على األشخاص واملمتلكات.
1عبد الرحمن خليفي ،الوجيز في منازعات العمل و الضمان االجتماعي ،دار العلوم للنشر و التوزيع ،الجزائر 2014 ،ص.71
2سليمان أحمية ،مرجع سابق ،ص151
3نفس المرجع ص152
27
ماهية المرفق العام الفصل األول
فرفض العمال لالمتثال وتعنتهم يعد عرقلة حلرية العمل وهي التصرفات اليت يعتربها القانون أخطاء جسيمة حيث
ينص القانون من خالل املادة 35منه على أنه*مينع العمال املضربني عن احتالل احملالت املهنية للمستخدم،
عندما يهدف هذا االحتالل إىل عرقلة حرية العمل.
ابلرغم من االعرتاف حبق اإلضرا ب ضمن قائمة احلقوق األساسية للمواطن ودستوريته إال أنه حق مقيد وليس
حقا مطلقا ،وهذه القيود مقررة دستوراي ،فأغلب الدساتري احلديثة تنص على هذه القيود وحتيل تنظيمها وحتديدها
للقانون وكذلك يعترب اإلضراب مقيدا بعدة اعتبارات أمنية واقتصادية وسياسية ومهنية وكذا تنظيمية هدفها
احلفاظ على دميومة املرفق العام من جهة و من جهة أخرى احلفاظ على حقوق املوظف.
-القضاة.
-أعوان مصاحل استغالل شبكات اإلشارة الوطنية يف وازريت الداخلية والشؤون اخلارجية.
28
ماهية المرفق العام الفصل األول
وردت هذه القيود يف القانون رقم 02-90املتعلق ابلوقاية من النزاعات اجلماعية يف العمل و تسويتها وممارسة
حق اإلضراب تعترب من أهم القيود اليت أوردها املشرع اجلزائري على ممارسة احلق يف اإلضراب يف هذا القانون وهو
إلزا م العمال املضربني بتقدمي احلد األدىن من اخلدمة الدائمة الضرورية ابلنسبة لبعض القطاعات وفقا لنص املادة
37من نفس القانون حيث نصت على أنه إذا كان اإلضراب ميس ابألنظمة اليت ميكن أن يضر انقطاعها التام
ابستمرار املرافق العمومية األساسي ة ،أو ميس ابألنشطة االقتصادية احليوية ،أو بتموين املواطنني،أو احملافظة على
املنشآت واألمالك املوجودة فيتعني تنظيم مواصلة األنشطة الضرورية فيشكل قدر أدىن من اخلدمة إجباري،أو انتج
عن مفاوضات أو اتفاقيات أو عقود .
ولقد نص املشرع على إقامة هذا احلد األدىن من اخلدمات يف حالة ما إذا مشل اإلضراب أنشطة خيل توقفها
الكامل ابستمرارية املرافق العامة الضرورية .1
كما جاء يف مضمون املادة 39من نفس القانون على أن حتدد كمية ونوعية هذا القدر األدىن من اخلدمة
مبقتضى االتفاقيات اجلماعية وإذا مل يكن ذلك فيمكن أن حتدد من طرف املستخدم أو السلطة اإلدارية املعنية
بعد استشارة ممثلي العمال.
ومل يكتف املشرع اجلزائري ابلنص على هذا املبدأ فحسب ،بل إنه وتفاداي ألي إخالل بتفسري هذه األحكام أو
أي تقصري أو إمهال أو تفسري ضيق هلذه املادة،من جهة وضماان لتطبيق وتقدمي احلد األدىن اإلجباري يف بعض
القطاعات االقتصادية واالجتماعية واألمنية من جهة اثنية،فقد أجرب بعض مصاحل هذه القطاعات احليوية على
إلزا مية تقدمي حد أدىن إجباري من اخلدمة بغض النظر عن وجود أو عدم وجود اتفاقية أو عقد ينظم ذلك،واعترب
رفض العمال القيام هبذا الواجب ،خطأ مهنيا جسيما وهو ما تضمنته املادة 40من القانون .02-90
كما نصت املادة 38من القانون 02-90على أنه ينظم قدر األدىن من اخلدمة اإلجبارية يف بعض اجملاالت
كان الغرض من املشرع هنا احلفاظ على مصاحل املواطنني وذلك ملا خيلفه اإلضراب من ضرر على متوين األفراد
مبا حيتاجونه من سلع وخدمات واملساس ابألمن العام للبالد وضياع املصاحل املالية أو االقتصادية للبالد ويستوي
يف هذه القيود كل من املؤسسات واملرافق املسرية بصفة مباشرة من طرف اإلدارة أو تلك املسرية أو املدارة عن
طريق عقود االمتياز،حيث يفرض على احلائزين على عقود االمتياز التزام ضمان احلد األدىن من اخلدمة يف حالة
اإلضراب تطبيقا ملبدأ سري املرافق العامة ابنتظام واطراد.
1
محمد أمين بوسماح ،المرفق العام في الج ازئر ،ترجمة رحال بن اعمر-رحال موالي ادريس ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الج ازئر1995،
،ص.115
29
ماهية المرفق العام الفصل األول
إن سلطة اإلدارة املعنية واالمتيازا ت اليت منحها هلا القانون ال تتوقف عند فرض احلد األدىن من اخلدمة يف
بعض القطاعات والنشاطات احليوية،بل منها وسيلة قانونية أخرى تتمثل يف أمر التسخري كآلية استثنائية حتد من
اآلاثر املرتتبة عن اإلضراب.
قرار التسخری:
لقد نصت املادة 41من القانون 02-90السالف الذكر على أنه ":عمال ابلتشريع الساري املفعول ميكن أن
يؤمر بتسخري العمال املضربني الذين يشتغلون يف اهليئات أو اإلدارات العمومية أو املؤسسات لضمان استمرار
املصاحل العمومية األساسية بتوفري احلاجيات احليوية للبالد أو الذين ميارسون أنشطة الزمة لتمويل السكان".
ونصت كذلك املادة 42من نفس القانون على انه " :يعد عدم االمتثال ألمر التسخري خطأ جسيم دون املساس
ابلعقوابت املنصوص عليها يف القانون اجلزائي.
وسعيا منه لضمان استمرارية املرفق العام ابنتظام واطراد نصت خمتلف التشريعات الوظيفية الوطنية واملقارنة
املتعلقة ابلوظيفة العامة على حق االسـ ـ ـ ــتقالة فقد اعرتف املشـ ـ ـ ــرع اجلزائري للموظف حبقه يف االسـ ـ ـ ــتقالة ومغادره
املرفق العام بناءا على رغبته ،ونظم شروط ممارستها وقيدها وذلك يف كل التشريعات الوظيفية اليت عرفتها الوظيفة
العامة يف اجلزائر منذ االستقالل إىل يومنا هذا.
لقـد اعرتف املشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع اجلزائري للموظف حبقـه يف ترك الوظيفـة العـامـة يف الوقـت الـذي يقـدر فيـه أن مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلحتـه
تقتضـي ذلك ،وهذا إبقراره لالسـتقالة كحق اثبت و كسـب مشـروع من أسـباب انتهاء اخلدمة الوظيفية ،لذلك
نص عليه يف خمتلف التش ـريعات املتعلقة ابلوظيفة العمومية اليت عرفتها اجلزائر منذ االســتقالل إىل يومنا هذا ،و
عليه عرف تنظيم حق االس ـ ـ ــتقالة تطوار ملحوظا بداية من األمر رقم 133/66الس ـ ـ ــالف الذكر ،املتض ـ ـ ــمن
القانون األس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــي العام للوظيفة العمومية إىل غاية األمر رقم 03/06القانون احلال للوظيفة العامة ،حيث
نص األمر رقم 133/66على االس ـ ـ ـ ــتقالة كحالة إهناء خدمة املوظف ،حيث نظم اس ـ ـ ـ ــتقالة املوظف العمومي
من املواد 62إىل غاية ،66فنصت املادة 62منه
30
ماهية المرفق العام الفصل األول
على مايلي "إن انتهاء املهام الذي يرتتب عليه فقدان صفة املوظف ينتج عن - :االستقالة . ".....
ليصـدر األمر رقم 1 12/78املتضـمن القانون األسـاسـي للعامل ،حيث نص هذا القانون على االسـتقالة كحالة
من حاالت إهناء عالقة العمل احملددة ابملادة ، 92مث تطرق لالسـ ـ ــتقالة لوحدها يف املادة 93اليت نصـ ـ ــت على
مايلي" االستقالة حق معرتف به للعامل و
يتعني على العامل الذي يرغب يف إهناء عالقات العمل مع املؤسسة املستخدمة أن يقدم استقالته "......
كما نص القانون ، 06/82على االسـتقالة يف الفصـل الثالث املتعلق ابألحكام املشـرتكة املتعلقة ابنتهاء عالقة
العمـل ،حيـث اعتربهـا حـالـة من حـاالت انتهـاء عالقـة العمـل و تتم بنـاءا على طلـب مكتوب طبقـا ملـادتني 68و
69منه .
كما نظم أيضـ ــا املرسـ ــوم ، 59/85املتضـ ــمن القانون األسـ ــاسـ ــي لعمال و اإلدارات العمومية حق االسـ ــتقالة يف
الباب الثامن املتعلق ابنتهاء عالقة العمل يف املواد 135،134 ،133منه و مل أييت هذا املرس ـ ـ ــوم جبديد مقارنة
مبا ورد يف األمر 133/66إال يف بعض النقاط منها أنه نص ص ارحة على أن االسـ ـ ـ ـ ـ ــتقالة هي حق معرتف به
لكل موظف يرغب يف إهناء عالقة العمل طبقا للمادة .33
كما أشــار القانون 11/90إىل االســتقالة يف مادتني ذكرت أوهلا االســتقالة ضــمن حاالت إهناء عالقة العمل و
هي املادة ، 66مث املادة 68اليت اعرتفت ابالس ـ ـ ــتقالة كحق إذ نص ـ ـ ــت على أن " االس ـ ـ ــتقالة حق معرتف به
للعامل .".....
كرسـها أيضـا املشـرع يف ظل األمر رقم 03/06املتعلق ابلقانون األسـاسـي العام للوظيفة العمومية احلال ،حيث
أن املوظف يعترب مسـتقيل عندما يعلن إرادته الصـرحية يف قطع العالقة اليت تربطه ابإلدارة بصـفة هنائية و هي عقد
معرتف بــه و خص هــذا احلق أبربعــة مواد كــاملــة من املــادة 217إىل املــادة 220يف الوقــت الــذي اكتفي فيــه
املشـ ـ ــرع ابإلشـ ـ ــارة إىل حاالت االنتهاء التام خلدمة املوظف دون التفصـ ـ ــيل فيها و ذلك يف املادة ، 216و هذا
دليل على خطورة اإلجراءات على املوظف و اإلدارة.
ميارس املوظف حقه يف االستقالة عن طريق تقدمي طلب يعلن فيه عن رغبته يف إهناء العالقة الوظيفية حيث تنص
املادة 218من األمر 03/06
1انون 12/78المؤرخ في 05أوت ، 1978المتضمن القانون األساسي للعامل ،الجريدة الرسمية للجمهورية الجازئرية الديمقراطية الشعبية،
العدد ، 32الصادرة بتاريخ 05أوت ، 1978ص. 724
31
ماهية المرفق العام الفصل األول
س ـ ـ ـ ــالف الذكر " ال ميكن أن تتم االس ـ ـ ـ ــتقالة إال بطلب كتايب من املوظف يعلن فيه عن إرادته الص ـ ـ ـ ــرحية يف قطع
العالقة اليت تربطه ابإلدارة بص ــفة هنائية "كما نص ــت املادة 1/63من األمر 133/66س ــالف الذكر "ال ميكن
أن يكون لالسـ ـ ـ ـ ــتقالة مفعول إال بطلب خطي يقدمه املعين و يعرب فيه عن إاردته بدون غموض يف قطع الصـ ـ ـ ـ ــلة
اليت تربطه ابإلدارة إال فيما
يتعلق ابإلحالة على التقاعد" و نصت أيضا املادة 2/133من املرسوم 59/85سالف
الذكر " يرس ـ ـ ـ ــل املوظف طلبه عرب الطريق الس ـ ـ ـ ــلمي إىل الس ـ ـ ـ ــلطة اليت هلا ص ـ ـ ـ ــالحية التعيني و يبقى ملزما بتأدية
الواجبات املرتبطة مبهامه حىت صدور قارر السلطة املذكورة " ،و
بذلك يكون املشـرع قد أخذ ابالسـتقالة الصـرحية أو املكتوبة دون األخذ ابالسـتقالة الضـمنية ،و قد أحسـن فعال
يف عدم أخذه ابالســتقالة الضــمنية أو احلكمية ألهنا ال تعرب عن املعىن الصــحيح لالســتقالة اليت تقوم على ضــرورة
إبداء املوظف لرغبته الواضـ ـ ـ ـ ــحة و الصـ ـ ـ ـ ــرحية يف ترك الوظيفة كما أبداها حينما ترشـ ـ ـ ـ ــح لاللتحاق هبا ،و ابلتال
انقطاعه عن العمل ال يعترب يف كل األحوال قرينة مؤكدة على انص ـ ــراف نيته لالس ـ ــتقالة من جهة ،و من انحية
أخرى يعد االنقطاع عن العمل مبثابة خطأ مهين نظرا إلخالله مببدأ ســري املرفق العام ابنتظام و اطراد ،و هذا ما
ذهب إليه املش ـ ـ ـ ـ ـ ــرع اجلزا ئري حينما اعترب غياب املوظف بدون مربر مبثابة خطأ مهين يعاقب عليه ابخلص ـ ـ ـ ـ ـ ــم من
الراتب .
و ابلتال ال ميكن االعتداد بطلب االستقالة إال بتوافر جمموعة من الشروط واملتمثلة يف :
أكد املشـ ـ ـ ــرع اجلزائري أنه ال ميكن أن تتم االسـ ـ ـ ــتقالة إال بطلب كتايب من املوظف امللزم ابلتصـ ـ ـ ـريح فيه و بدون
غموض يف اجتاه إرا دته الصــرحية إىل قطع عالقة اليت تربطه ابإلدارة بصــفة هنائية ،و قد ذهبت النصــوص الســابق
املنظمة للوظيفة العمومية ابجلزائر ال س ـ ـ ـ ـ ــيما األمر 133/66س ـ ـ ـ ـ ــالف الذكر إىل حد اش ـ ـ ـ ـ ــرتاط أن يكون طلب
االس ـ ــتقالة خطيا ،إدراكا من املش ـ ــرع أن املوظف املقبل على االس ـ ــتقالة ال يكون يف وض ـ ــعية نفس ـ ــية الئقة ،أي
حتت أتثري عوامل خارجية كاإلكراه أو التوتر و مبا يلزم حترير طلب اس ــتقالته یط يده الذي قد مينحه الفرص ــة يف
الرتيـث و التفكري مليـا يف هـذا اإلجراء اخلطري الـذي يكون لـه انعكـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلبيـة على حيـاة املوظف 1أو يف
استمرارية املرفق العام ابنتظام .
1
رشيد حباني ،دليل الموظف و الوظيفة العمومية ،دار النجاح للكتاب ،الج ازئر ، 2012 ،ص . 78
32
ماهية المرفق العام الفصل األول
و قد تقرر اشـ ـ ــرتط الكتابة يف االسـ ـ ــتقالة ملصـ ـ ــلحة املوظف ابعتبارها دليل على رغبته األكيدة يف ترك الوظيفة
وأنه أقدم عليها بعد تفكري و إمعان للنظر ،كما أن االسـ ـ ــتقالة املكتوبة من جهة أخرى متكن اإلدارة من التأكد
من رغبة املوظف يف االستغناء عن الوظيفة.
كما جتدر اإلشـ ـ ــارة أن املشـ ـ ــرع اجلزائري مل حيدد شـ ـ ــكال معينا لطلب االسـ ـ ــتقالة مكتفيا بشـ ـ ــرط اإلعالن عن
اإلرا دة الصـ ــرحية يف إهناء اخلدمة ،و ابلتال يكون الطلب صـ ــحيحا مبجرد إرسـ ــاله إىل السـ ــلطة املختصـ ــة ابلتعيني
عن طريق السـ ــلم اإلداري و تضـ ــمينه ألفاظ و عبارات واضـ ــحة و دالة على انصـ ـراف إرادة املوظف الصـ ــرحية إىل
إهناء العالقة الوظيفية بصفة هنائية .
يش ــرتط الفقه لص ــحة طلب االس ــتقالة املقدم من املوظف العام أن خيلو من أية ش ــروط يعلق عليها ص ــدور القرار
اإلداري بقبول االســتقالة ،و ذلك ألن الشــروط قد تثري الشــك يف رغبة املوظف العام يف االســتقالة ،فقد يكون
هـدفـه من تقـدمي االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقـالـة ليس إهنـاء خـدمتـه و إمنـا حـث اإلدارة على حتقيق مطـالبـه ،و ابلرجوع إىل املشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع
اجلزائري جنــد أن املواد األربعــة اليت نظمــت االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقــالــة من املــادة 217إىل املـادة 220من األمر 03/06مل
تتضمن مسألة االستقالة املشروطة ،و عليه يتوجب على اإلدارة التأكد و فحص بدقة طلب االستقالة و مراعاة
األلفاظ و العبارا ت اليت يتضمنها هذا الطلب للتأكد من الرغبة احلقيقة للموظف يف ترك اخلدمة .
جيب أن تكون اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالة املوظف ص ـ ـ ـ ـ ـ ــادرة عن إ اردة حرة أي مبحض إ اردته و اختياره ،و ابلتال إذا ثبت أن
االس ـ ــتقالة حتت ض ـ ــغط أو إك اره كانت االس ـ ــتقالة ابطلة ،و كذلك لو ص ـ ــدر طلب االس ـ ــتقالة عن إ اردة غري
واعية أو غري مدركة لنتائج أفعاهلا ،كما لو صـ ـ ــدرت حتت أتثري املرض الشـ ـ ــديد الذي مينع التعبري الصـ ـ ــحيح عن
اإلرادة كإصابة املوظف مبرض ،أو أن االستقالة متت إبرادة غري مدرك للنتائج املرتتبة عنها .
و لذلك و نظرا ألن االسـ ـ ـ ــتقالة تصـ ـ ـ ــرف قانوين مبين أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــا على إرادة املوظف العام و رغبته يف إهناء العالقة
الوظيفية ،كان ال بد أن ختلو هذه اإلرادة من كل العيوب ال سـ ـ ـ ــيما عيب اإلكراه س ـ ـ ـ ـواء املادي أو املعنوي ،و
ابلتال جيب أن يكون طلب االس ـ ـ ــتقالة ص ـ ـ ــادر عن إرادة املوظف الص ـ ـ ــحيحة حبيث أن ال يكون قد ش ـ ـ ــاهبا أي
عيب من عيوب اإلرادة ،فغالبا ما يقوم القاضــي اإلداري إبلغاء القرارات الصــادرة بقبول اســتقاالت املوظفني إذا
ثبت عدم إعالم املوظف بنتائج تص ــرفه أو أنه قد تعرض لض ــغوطات ،و ذلك راجع لآلاثر اهلامة عن االس ــتقالة
و أتثريها عن احلياة املهنية للموظف ،1و يرتتب على إلغاء قبول االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالة اعتباره كأن مل يكن ،و ابلتال يزول
القرار و كـافـة اآلاثر القـانونيـة املرتتبـة عنـه ،ممـا يلزم اإلدارة بتمكني املوظف من كـل احلقوق و االمتيـازات اليت كـان
يتمتع هبا قبل قبول االستقالة ،فضال عن حقه يف املطالبة ابلتعويض عما حلقه من ضرر.
د -أ ن يكون طلب االس ـ ـ ـ ـ ــتقالة فردي :تعترب االس ـ ـ ـ ـ ــتقالة حق اثبت للموظف جيب أن ميارس يف إطار القانون ،
حيث يلتزم بتقدمي طلب فردي و ليس مجاعي يعلن فيه أن إ اردته الصـرحية يف قطع عالقته ابلوظيفة بصـفة هنائية
،كما جيب أن ميارس هذا احلق بص ـ ـ ـ ــفة فردية يف الوقت الذي يقدر فيه أن مص ـ ـ ـ ــلحته تكمن يف مغادرة الوظيفة
العامة ،ألن ممارسة هذا احلق بشكل مجاعي يعد خروجا عن املنطق القانوين الذي شرعت من أجله االستقالة ،
كما يعد تعس ــفا يف اس ــتعمال هذا احلق و يتعارض بش ــكل ص ــارخ مع مبدأ اثبت و هو مبدأ اس ــتم اررية امل ارفق
العامة و س ــريو رهتا ابنتظام و اطرا د ،لذلك فقد جرمت االس ــتقالة اجلماعية يف أغلب التش ـريعات املقارنة ،كما
جرمها املشرع اجل ازئري يف قانون العقوابت املادة 115منه .
ه-استمرار الموظف في أداء عمله إلى حين صدور ق ارر الجهة المختصة:
حيث أمجعت خمتلف قوانني الوظيفة العامة السـابقة ،على وجوب اسـتمرار املوظف املسـتقيل يف أداء مهامه إىل
حني صـدور قرار اجلهة املختصـة ابلتعيني ،و ذلك من أجل احلفاظ على اسـتمرارية املرفق العام ،و هذا ما أقرته
املادة 219من األمر ، 03/06و قد حدد املشـ ــرع مدة شـ ــهرين للسـ ــلطة املختصـ ــة الختاذ قرارها بشـ ــأن طلب
االس ـ ـ ـ ــتقالة ابتداء من اتريخ إيداع الطلب حس ـ ـ ـ ــب املادة ، 1/220املالحظ من هذه املادة أن املش ـ ـ ـ ــرع عندما
أعطى اإلدارة مدة شــهرين الختاذ قرار االســتقالة هو احلفاظ على مبدأ اســتمرارية املرفق العام ابنتظام و اطراد أوال
،الن مبجرد قبوهلا الطلب يؤدي إىل توقف املصـ ـ ـ ــاحل العمومية و ابلتال خيتل التوازن املرفقي ،كما أضـ ـ ـ ــاف مدة
ش ـ ــهرين آخرين إذا اس ـ ــتدعت الض ـ ــرورة القص ـ ــوى يف حالة عدم متكن اإلدارة من البديل ،و أن املعين ابالس ـ ــتقالة
جيب أن ينهي معامالته الواجبة علية و متريرها إىل غريه حســب ما تقتضــيه اإلجراءات القانونية ،و ابلتال أربعة
أشهر كافية للحفاظ على سري املرفق العام .
إضافة إىل الضماانت التشريعية اليت وضعها املشرع الستمرار املرفق العام وحتقيق املنفعة العامة اليت أوجد من أجلها،
توجد ضماانت قضائية أوردها القضاء اإلداري من أجل محاية دميومة املرفق العام و سريه ابنتظام واطراد يف حالة
الظروف االستثنائية والعادية ،وهذا هبدف تفادي حدوث أي انقطاع أو تعطيل يف سري املرفق العام ألنه سيؤدي
حتما إىل نشوب أضرار ابملصلحة العامة من جهة و حبقوق األفراد من جهة أخرى .
هلذا أوجد القضاء اإلداري نظريتني كضماانت قضائية للحفاظ على سري املرفق العام ابنتظام واطراد ومها
نظرية الظروف الطارئة اليت أقرها القضاء الفرنسي لضمان استمرار نشاط املرفق العام يف احلاالت املفاجئة مع
34
ماهية المرفق العام الفصل األول
احلفاظ على التوازن املال بني اإلدارة وصاحب االلتزام و نظرية املوظف الفعلي اهلادفة إىل تفادي توقف سري املرفق
العام يف احلاالت االستثنائية والعادية كحالة وجود عيب يف تعيني املوظف أو يف تفويضه لتسيري املرفق العام.
إن من بني الضماانت القضائية اليت تضمن دوام سري املرافق العامة ابنتظام واطراد جند نظرية الظروف الطارئة
واليت يقصد هبا ظهور حوادث مفاجئة أثناء تنفيذ العقد أو ظروف خارجة عن إرادة املتعاقد مع اإلدارة ومل تكن
متوقعة عند التعاقد فيرتتب عليها إرهاق للمتعاقد مع اإلدارة خيشى معه ابستم ارر هذه الظروف أن يعجز امللتزم
عن االستم ارر يف إدارة املشروع و استغالله مما يؤدي إىل تعطيل سري املرفق العام فالعقود اإلدارية هي من أهم
الوسائل اليت تلجأ إليها اإلدارة من اجل حتقيق املصلحة العامة عن طريق تنفيذها على أحسن وجه من أجل ضمان
1
سري املرفق العام ابنتظام واطراد.
لقد عرفت نظرية الظروف الطارئة تطوار ملحوظا بدءا من العصور القدمية إىل العصور الوسطى فالعصور احلديثة
،ولقد كانت نشأهتا يف ابدئ األمر يف ظل القانون العام ،إذ مل يكن القضاء املدين ليوافق على تطبيقها على عالقات
القانون اخلاص ،وقد بذلت حماوالت لتطبيقها يف احملاكم الفرنسية و املصرية فباءت ابلفشل،أما ابلنسبة للقانون
العام فقد طبقها جملس الدولة الفرنسي منذ أوائل القرن 19وكانت أول قضية طبقت فيها هذه النظرية هي قضية
غاز مدينة بوردو ،الصادر فيها حكم جملس الدولة الفرنسي يف .1916/07/30
فقد أخذ القضاء اإلداري الفرنسي هبذه النظرية وطبقها خالل احلربني العامليتني بسبب تبدل الظروف االقتصادية
وتغريها وأتثريها يف تنفيذ عقود الت ازم امل ارفق العامة .كما اضطر املشرع الفرنسي إىل إصدار قوانني اوجد فيها
ص ارحة حلوال تقوم على مبدأ نظرية الظروف الطارئة تنص على فسخ العقد أو تعديله بسبب الظروف االقتصادية
منها :قانون فايو بتاريخ ، 1918/01/21قوانني متعلقة ابإلجيار سنة 1925و سنة 1927و قانون شبيه
بقانون فايو 2سنة .1949
وابلتال فهناك عالقة وطيدة بني نظرية الظروف الطارئة وسري املرفق العام وهذا من أجل حتقيق املصلحة العامة و
تقدمي اخلدمات للمنتفعني .
1مبدأ استم اررية المرفق العام في القانون الجزائري دراسة مقارنة مذكرة لنيل شهادة الماستر قانون إداري للطالبتين لوط عائشة و بن زعباط حورية
2
عبد السالم الترمانيني ،نظرية الظروف الطارئة،د ارسة تاريخية ومقارنة للنظرية في الشريعة والش ارئع األوروبية وتطبيقات النظرية في تقنيات
البالد العربية،دار الفكر ،بيروت،سنة ، 1971ص ، 29-26نقال عن أحمد يوسف عبد الرحمان بحر ،نظرية الظروف الطارئة و أثرها على العقد
اإلداري –د ارسة مقارنة ، -رسالة ماجستير ،كلية الشريعة و القانون في الجامعة اإلسالمية غزة ، 2017 ،ص . 63
35
ماهية المرفق العام الفصل األول
نظرية الظروف الطارئة أصال هي من القضاء اإلداري وابلتحديد جملس الدولة الفرنسي الذي اقرها بتاريخ
1916/05/30بشأن إانرة مدينة بوردو.
وتتلخص وقائع هذه القضية كون الشركة امللتزمة بتوريد الغاز ملدينة بوردو وأثناء تنفيذها للعقد وجدت األسعار
اليت تتقاضاها ابعد بكثري من أن تغطي النفقات بعد ارتفاع أسعار الفحم املستخرج منه الغاز ارتفاعا كبی ار عقب
نشوب احلرب العاملية األوىل حبيث ارتفع سعر الفحم إىل أكثر من ثالث أمثاله حيث كان مبلغ طن الفحم عند
إب ارم العقد سنة 1904م 23فرنك فرنسي ...ويف عام 1916كان 73فرنك فرنسي مما استحال معه تنفيذ
الشركة اللت ازماهتا التعاقدية فطلبت الشركة من بلدية بوردو املتعاملة معها رفع األسعار من املنتفعني فرفضت هذه
األخرية ذلك (البلدية) ومتسكت بشروط العقد استنادا إىل مبدأ العقد شريعة املتعاقدين فعرض هذا الن ازع على
جملس الدولة الذي أقر فيه نظرية الظروف الطارئة كسبب إلعادة التوازن املال للعقد .
ومن هنا يتضح أن نظرية الظروف الطارئة ال جتعل تنفيذ العقد مستحيال مثل ماهو عليه يف حالة القوة القاهرة
،فالتنفيذ يف نظرية الظروف الطارئة يبقى ممكنا ولكنه مرهق وعلى ذلك ال يعفى املتعاقد من تنفيذ العقد وله احلق
يف الطلب من اإلدارة أن تساهم يف حتمل بعض اخلسائر اليت تلحق به ضماان حلماية املرفق العام واستم ارره يف أداء
اخلدمة دون انقطاع تطبيقا ملبدأ السري احلسن للمرفق العام ابنتظام واطراد.
ونصت املادة 107من القانون املدين اليت تقضي " جيب أن ينفذ العقد طبقا ملا اشتمل عليه وحبسن نية وال
يقتصر العقد على التزام املتعاقد مبا ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون و العرف و
العدالة حبسب طبيعة االلت ازم ،غري انه إذا ط أرت حوادث استثنائية عامة مل يكن يف الوسع توقعها وترتب على
حدوثها تنفيذ االلت ازم التعاقدي ٕوان مل يصبح مستحيال صار مرهقا للمدين حبيث يهدد یسارة فادحة جاز
للقاضي تبعا للظروف وبعد م ارعاة مصلحة الطرفني أن يرد االلت ازم املرهق إىل احلد املعقول ويقع ابطال كل
اتفاق على خالف ذلك .
فمن خالل هذه املادة يف فقرهتا الثانية فإن القضاء اإلداري اجلزائري أخذ دائما بنص هذه املادة يف أحكامه
اخلاصة هبذا املوضوع وأعطى يف نفس الوقت السلطة التقديرية الجتهاد القاضي يف تقييم الظرف الطارئ ورد التوازن
املال للعقد اإلداري حفاظا منه على رفع الضرر الذي يلحق أطراف العقد من جهة وتطبيقا ملبدأ سري حسن املرفق
العام ابنتظام واطراد من جهة أخرى .
36
ماهية المرفق العام الفصل األول
وقوع حوادث استثنائية عامة غري متوقعة بعد إبرا م العقد وأثناء تنفيذه وال ميكن دفعها أو تداركها مثل :الظروف
االقتصادية ،ارتفاع األسعار ارتفاعا فاحشا،أو الظروف السياسية كاإلعالن عن احلرب وما إىل ذلك أو الظروف
الطبيعية كحدوث الزالزل أو الفيضاانت فهذه الظروف غري متوقعة ال ميكن دفعها وهي من ابب املفاجأة.
أن يكون احلادث الطارئ خارج عن إرادة املتعاقد ومستقال عن إرادته فال يستطيع أن يستفيد من هذه النظرية إذا
كان متسببا يف إحداث هذا الظرف الذي جعل تنفيذ التزامه مرهقا و كذلك يلزم أن ال تكون اإلدارة هي املتسببة
يف إحداثه یطئها أو فعلها فإذا كان هذا القبيل فنكون أمام مسؤولية تقصريية تستوجب التعويض وليس ظرفا
طارائ.
أن يؤدي الظرف الطارئ إىل خسائر غري مألوفة من شأهنا أن تؤدي اضطراب يف التوازن املال للعقد و إرهاق
املتعاقد وعلى ذلك فإن حدوث اخلسائر البسيطة للمتعاقد ال تسمح االستفادة من هذه النظرية اليت تستلزم أن
تكون اخلسارة انشئة عن الظرف الطارئ جسيمة جتاوز اخلسارة العادية املألوفة أي تؤدي إىل إرهاق امللتزم ولكي
يتم تقييم هذه اخلسارة يستلزم على القاضي أن يرى هذه اخلسارة على جممل العقد.
أن يستمر املتعاقد يف تنفيذ العقد مادمنا أمام متثيل عقد خاص ابملرفق العام فيجب أن يكون امللتزم قائما ومل يتم
تنفيذه نتيجة هذا اإلرهاق مبعىن أن ت كون املدة الزمنية للعقد مستمرة وإن تنفيذ العقد يف هذه املدة يؤدي إىل حتقيق
الظروف الطارئة وهذا ما حيصل غالبا يف عقود االمتياز وعقود التوريد واألشغال العامة ،ألن االستم ارر يف تنفيذ
العقد رغم اإلرهاق الذي حصل للملتزم يعطي األحقية للملتزم يف طلب تدخل القضاء وختفيف حدة اإلرهاق فإذا
توقف حيق له االستفادة من نظرية الظروف الطارئة بفسخ العقد وال حيق له املطالبة ابلتعويض ألن اهلدف الرئيسي
يف هذه النظرية هو مساعدة املتعاقد على تنفيذ الت ازمه التعاقدي وحتقيق املصلحة العامة حفاظا على استم اررية
املرفق العام ابنتظام واط ارد وهلذا يكون التعويض هنا يف هذه احلالة تعويضا جزئيا عن اخلسارة احملققة وبقيمة
اإلرهاق وال ميكن له أن يطالب ابلتعويض بدعوى أن أرابحه قد نقصت.
37
ماهية المرفق العام الفصل األول
إضافة إىل نظرية الظروف الطارئة جند من بني الضماانت القضائية اليت تضمن دوام سري املرافق العامة
ابنتظام واطراد نظرية املوظف الفعلي وهي من أهم الوسائل اليت تلجأ إليها اإلدارة من أجل حتقيق املصلحة العامة
عن طريق تنفيذها على أحسن وجه من أجل ضمان سري املرفق العام ابنتظام واطراد.
والموظف الفعلي هو الشخص الذي يقوم أبعمال الوظيفة العامة سواء صدر بتعيينه قرار خاطئ أو معيب أو
1
مل يصدر بتعيينه قرار إطالقا.
و عرفه البعض أبنه شخص مل يصدر قرار تعيينه يف الوظيفة العامة أو صدر قرار لكنه صدر معيبا ،وقام مبمارسة
بعض التصرفات أو االختصاصات املعهودة ملوظف عام.
و أضاف البعض أبنه " الذي يقوم ببعض األعمال دون أن يصدر ق ارر بتعيينه أو صدر القرار و لكن كان معيبا.
نظرية املوظف الفعلي هي نظرية خلقها و طبق أحكامها جملس الدولة الفرنسي حفاظا على مبدأ استمرارية املرفق
العام ابنتظام و اطرا د ،و ذلك يف الظرف االستثنائية و العادية على حد سواء ،فمن خالل هذا الفرع سوف نتطرق
إىل تطبيقات هذه النظرية.
أوال -في الظروف العادية :إن األساس القانوين لنظرية املوظف الفعلي يف الظروف العادية هو فكرة الظاهر
،فأساس االعرتا ف بشرعية األعمال و التصرفات الصادرة عن املوظف الفعلي و ترتيبها ملختلف اآلاثر القانونية
يعود إىل ما يتمتع به ذلك املوظف يف الظروف العادية من مظاهر خارجية تؤدي إليهام املتعاملني معه و تدفعهم
هذه املظاهر إىل االعتقاد بصحة شغل املوظف للوظيفة ،إذ ال يعقل أن نطلب من كل شخص يتعامل مع موظف
عام أن يتأكد من صحة شغله للوظيفة العامة ،فاالعتداد ابلظاهر يستهدف توفري األمن و االستقرار يف اجملتمع
،و ضمان سري املرافق العامة ابنتظام و اطراد ،ألن توفري األمن يتعلق ابلثقة يف التعامل مع اإلدارة ،و هذه الثقة
قد ختتل إذ مل ترتب تصرفات اإلدارة مع األف ارد خمتلف آاثرها يف األحوال اليت توحي بصحة تلك التصرفات ،
األمر الذي قد يدفع األف ارد إىل العدول عن التعامل مع اإلدارة ،و هذا بال شك سيؤثر على امل ارفق العامة ،
و يفقد الثقة هبا من جانب األفراد.
ثانيا-في الظروف االستثنائية :إن األساس القانوين لنظرية املوظف الفعلي يف الظروف االستثنائية تتمثل
يف الظرف االستثنائي ذاته ،و يف ضرورة سري املرفق العام ابنتظام و اطراد ،ففي حالة قيام الثوارت و احلروب و
الكوارث الكربى ختتل األمور ،و قد يتوىل الوظيفة العامة أشخاص عاديون و يتعامل معهم اجلميع و هم يعلمون
أهنم ليسو موظفني عموميني ،و ليس هلم أي مظهر من مظاهر الوظيفة العامة ،و مع ذلك يعرتف أبعمال و
تصرفات هؤالء املواطنني ضماان لسري املرفق العام ابنتظام و اطراد يف هذا الظرف االستثنائي.
و ابلتال يف هذا التطبيق جند مبدأ دوام سري املرفق العام ابنتظام و اط ارد هو األساس الوحيد لشرعية أعمال
املوظف الفعلي ،و يقصد ابلظرف االستثنائي هذا معناه الدقيق كحالة احلرب أو الفتنة املسلحة أو الثوارت ،ففي
هذه احلالة كما أشران سابقا خيتل نظام الدولة العام و حيدث أن يهجر بعض املوظفني وظائفهم يف املدينة أو بعض
املناطق ،فيقوم بعض املواطنني العاديني بتسيري املرافق العامة يف املدينة أو املنطقة تطوعا منهم خلدمة اآلخرين.
فالقضاء اإلداري أقر بشرعية أعماهلم و قراراهتم رغم عدم تنصيبهم الرمسي ،و كان األساس الذي
استند إليه القضاء هو مبدأ ضرورة سري املرفق العامة بدوام و انتظام حىت ال تتعطل مصاحل الناس ،و ال شك أن
هذا الدور التطوعي للموظف الفعلي يف هذه الظروف االستثنائية ينتهي مبجرد عودة املوظفني الرمسني أو تعيني
غريهم .
و لكي يتم إضفاء صفة املشروعية على أعمال األفراد العاديني يف الظروف االستثنائية ال بد من توفر عدة شروط:
*أن ختتفي السلطات الشرعية كليا.
*أن يكون تصدي األفراد العاديني ملزاولة مهمات الوظيفة العامة ضروراي لسري املرفق العامة األساسية.
*أن تنطوي الظروف االستثنائية على درجة عالية من اخلطورة و اجلسامة.
*جيب أن تقتصر مباشرة هؤالء األفراد على إصدار القرارات اليت تندرج ضمن اختصاص املوظف القانوين فقط.
و من هنا يتعني على القضاء قبل احلكم مبشروعية القرارات اإلدارية الصادرة يف الظروف االستثنائية
التحقق و التثبت من طبيعة القرارا ت اإلدارية الصادرة و الظروف و املالبسات الواقعية اليت صدرت يف ظلها هذه
الق ارارت اإلدارية و هكذا يكون مبدأ دوام سري امل ارفق العامة ابنتظام و اط ارد هو األساس القانوين إلضفاء
املشروعية على القرارات الصادرة على املوظفني الفعليني يف الظروف االستثنائية .
و قد طبق جملس الدولة الفرنسي هذه النظرية يف الظروف االستثنائية يف عدة مناسبات منها حكمه
الصادر يف 05مارس سنة 1948يف قضية ماريون ( )MARIONو اليت تتلخص وقائعها يف أن جمموعة
من األشخاص قام وا بتكوين جلنة لرعاية مصاحل ألحد األقاليم ،على إثر تعرض هذا اإلقليم للغزو من قبل اجليش
األملاين ،و الذي أدى إىل ف ارر أعضاء اجمللس البلدي خوفا من الوقوع يف أيدي سلطات االحتالل ،و قامت
هذه اللجنة املشكلة ابالستيالء على البضائ ع و األغذية لضمان توفريها للمواطنني ،و على أثر ذلك قام املذكور
أعاله و آخرون ابلطعن هبذه الق ارارت الصادرة عن اللجنة ،مستندين على أن تصرفاهتا ال تستند إىل أي أساس
قانوين ،و كان رد جملس الدولة الفرنسي على هذه الدعوى برفض هذا الطعن املقدم إليه رغم تسليمه أبن هذه
اللجنة تشكل سلطة فعلية ليس هلا أي صفة إدارية ،و ذلك استنادا إىل أن الظروف االستثنائية اليت جنمت عن
39
ماهية المرفق العام الفصل األول
هذا الغزو هلذا اإلقليم من شاهنا إضفاء طابع الضرورة و االستعجال على التصرفات اليت قامت هبا هذه اللجنة ،
مما يستتبع اعتبار هذه الق ارارت صحيحة و سليمة و قانونية و كأهنا صادرةعن سلطة إدارية .
و حيدث ذلك عندما يتوىل املوظف مهام الوظيفة ،مث يتبني عدم توافر الشروط الالزمة لشغل الوظيفة أو بطالن
ق ارر التعيني ألي سبب من األسباب ،و هو ما بنجم عنه إلغاء ق ارر التعيني ،حيث إن املركز القانوين للموظف
الذي فوض تفويضا غري مشروع ،ال خيتلف كثريا عن املركز القانوين للموظف الذي عني تعيينا غري مشروع ،لذلك
جيب إعمال نظرية املوظفني الفعليني يف جمال التفويض غري املشروع ،بغية إسباغ الشرعية على األعمال اليت قام
إبجنازها املوظف الذي فوض تفويضا خمالفا للقانون ،حرصا على مصلحة الغري حسين النية الذين أكد هلم املوظف
الظاهر أنه املوظف املختص ،و يؤدي من حيث النتيجة إىل إعادة احلال إىل ما كان عليه قبل التعيني ،إال أن
القضاء العريب و الفرنسي أضفى الشرعية على التصرفات الصادرة على املوظف الذي تقرر إلغاء قرار تعيينه تطبيقا
لفكرة الظاهر و تفادي اإلض ارر ابلغري حسن النية و امل ارفق العامة ،و بذلك فإن القضاء قد فضل فكرة استقرار
املراكز القانونية و حسن سري امل ارفق العامة ،على فكرة احلجية املطلقة للحكم ابإللغاء .
-2آثار تصرفات الموظف الفعلي في حالة االستمرار غير المشروع في الوظيفة :
تتحقق يف هذه احلالة عندما يكون قرار تعيني املوظف صحيحا ،مث ينتهي ألي سبب من األسباب إال أنه يستمر
يف القيام مبهام الوظيفة ،على الرغم من انفصام ال اربطة الوظيفية بينه و بني اإلدارة ،فما اآلاثر املرتتبة على ذلك
،جيمع الفقه على االعت ارف بصحة التصرفات الصادرة عن املوظف يف هذه احلالة ،و ذلك ال يقتصر على
األعمال اليت يقوم هبا مثل هذا املوظف يف املدة من صدور ق ارر إهناء خدمته ،ذلك أن ترتيب تلك التصرفات
ملختلف آاثرها ال يرجع إىل حسن نية املوظف أو عدم عمله بق ارر إهناء اخلدمة ،و لكنه يقوم على اعتبارات
محاية الغري حسن النية و ضرورة حسن سري املرافق العامة،و قد استقر اجتهاد جملس الدولة الفرنسي على إمكانية
أن يبقى املوظف شاغال لوظيفته بعد انتهاء قرار تعيينه ،حىت يتم تعيني خلفه ،و ذلك إذا كان هذا البقاء ضروراي
مل ارعاة ظروف خاصة مرتبطة مبسؤوليات الوظيفة اليت يشغلها هذا املوظف ،و استنادا إىل متطلبات سري املرافق
العامة ابنتظام و اطراد .
40
ماهية المرفق العام الفصل األول
يف هذه احلالة يشغل أحد األشخاص الوظيفة دون صدور ق ارر بتعيينه فيها و لو كان ابطال ،و من املفرتض أن
تكون التصرفات اليت تصدر عن هذا املوظف معدومة لكوهنا تشكل عيب عدم اختصاص جسيما ،و تعد
صحيحة ،محاية للغري حسن النية ،و مراعاة حلسن سري املرافق العامة ابنتظام و اطراد ،و تتحقق هذه احلالة
أكثر ما تتحقق عندما يباشر املوظف أبعمال وظيفته قبل صدور قرار تعيينه.
كما سبق و اشران أن املوظف الفعلي يف الظروف االستثنائية هو الشخص الذي يباشرالوظيفة العامة حتت ضغط
ظروف استثنائية أو دوافع سياسية أو اجتماعية أو بدافع املصلحة الوطنية و هبدف عدم توقف امل ارفق العامة
خاصة يف أوقات احلروب و غياب السلطات العامة أو احنسارها ،و استنادا إىل القاعدة العامة ،فإن ق ارارت
املوظف الفعلي اليت يتخذها تعد منع دمة و ابطلة قانوان ألهنا صادرة من غري خمتص لكن الفقه و القضاء بوصفها
صحيحة العتبا ارت تتعلق ابستق ارر امل اركز القانونية و ضرورة سري امل ارفق العامة بصفة منتظمة و دائمة و بذلك
فإن الق ارارت تعد صحيحة وفقا لشروط معينة و هي أن تكون عملية تقلد هذا الشخص للوظيفة متسمة مبظهر
املعقولية ،مبعىن أن من يتوىل وظيفة معينة على أساس من عمل منعدم و هو الق ارر املتسم ابملخالفة اجلسيمة و
الواضحة كل الوضوح ال ميكن أن يكون موظفا فعليا و من مث تكون ق ارارته منعدمة .
ففضال على توفر مبدأ ضرورة سري املرافق العامة ابنتظام و اطراد يسوغ االستثناء من هذه القاعدة و إجازة األعمال
الصادرة عن الشخص الذي ميارس وظيفة عامة دون سند قانوين صحيح استنادا لفكرة الظاهر و حلماية حقوق
األفراد الذين يتعاملون مع الشخص حبسن نية ،معىن ذلك أن هذا الشخص يعد موظفا فعليا برغم أنه ليس موظفا
من الناحية القانونية.
الفرع الثالث :مبدأ عدم جواز الحجز على أموال المرفق العام:
أمجع قانوان و فقها و قضاء على عدم احلجز على املال العام و تعترب هاته القاعدة من النظام العام ،ذلك أن
احلجز ينتهي ببيع املال العام بيعا قضائيا و احلال أن البيع االختياري ممنوع فيه ،لذلك تعترب هاته القاعدة من
النظام العام ،مبعىن أخر فامل ارفق العمومية حتتاج يف أدائها للخدمة املنوط هبا حتقيقا للنفع العام ،كل أموال اليت
تعترب الوسائل املادية اليت تستعني هبا على ممارسة نشاطها سواء العامة أو اخلاصة فقد كان من املتفق عليها أن
املرفق العام جيب أن حيال بكل الضماانت اليت متكنه من أداء وظيفته بصورة مضطرة و منتظمة جلمهور املنتفعني
یدماته حتقيقا للمصلحة العامة اليت تذوب فيها كل مصلحة شخصية و تطبيقا ملبدأ عدم تعطيل املرفق العام ال
جيوز التنفيذ على األموال الالزمة لسريه عن طريق احلجز .
41
ماهية المرفق العام الفصل األول
إذا فاألموال العامة للدولة واألشخاص االعتبارية العامة ال جيوز احلجز عليها حتفظيا كان أو تنفيذاي على اعتبار أن
هذا اإلجراء يتعارض مع مبدأ ختصيص تلك األموال للمصلحة العامة و أن احلجز هبذا الشكل يعطل سري املرفق
العام و حيول دون تنفيذه لوظيفته املتمثلة يف النفع العام.
وابلتال فال جيوز احلجز على املال للوفاء مبا قد يكون مستحقا على املرفق العام من ديون و ذلك حىت ال
يعيب املرفق العام فال من الناحية املالية يف مواصلة نشاطه دون انقطاع و تسري هذه القاعدة أي كانت الطريقة
اليت يديرها املرفق العام سواء عن طريق االستغالل املباشر أو عن طريق االمتياز ،رغم أن يف احلالة األخرية بعض
األمور املستغلة يف إدارة املرفق العام تكون أصال مملوكة للملتزم ألن قيام امللتزم هنا على تسيري النشاط اخلاص ابملرفق
العام يضفي على أمواله املخصصة لتسيري املرفق العام بصبغة العمومية هذا حىت ال يتعطل النشاط اخلاص ابملرفق
العام ابعتبار هذه األموال و ان كانت خاصة و لكنها تشغل املرفق العام و هذا ما كرسه القضاء و العديد من
النصوص القانونية منها على سبيل املثال املادة 689من القانون املدين اجلزائري ،و كذا املادة 04من القانون
90/30املؤ رخ يف 01ديسمرب 1990املت علق ابألمالك الوطنية اليت تنص على أن األمالك الوطنية العمومية
غري قابلة للتصرف و ال للتقادم و ال للحجز .
42
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
كما ظهرت نقائص عديدة أثقلت كاهل الدولة وأثرت سلبا على اخلدمة العمومية .لذلك حاولت أغلب الدول
ومنها اجل ازئر اللجوء إىل طريقة أكثر مرونة يف تسيري امل ارفق العمومية ذلك یلق مؤسسات مستقلة عن الدولة
واجلماعات احمللية متخصصة يف جماالت معينة ،وبذلك م ارعاة خصوصية كل قطاع وإعطائه جماالت متخصصة،
وتنوعت األنظمة القانونية هلذه املؤسسات العمومية حسب طبيعة كل نشاط ،ورغم النجاح الذي حققته هذه
املؤسسات خاصة يف بعض اجملاالت إال أن ارتباطها ابلقطاع العام ولد عدة نقائص شابت هذا النوع من تسيري
املرفق العام وأثرت سلبا على فعاليته وعلى نوعية اخلدمة اليت يقدمها.
إذ يعترب كل من أسلوب االستغالل املباشر أ و أسلوب املؤسسة العمومية من أقدم أساليب تسيري املرفق العام ،وهي
من األساليب الكالسيكية اليت مل ولن تتخلى الدولة عن تسيريها ،فهناك بعض اجملاالت جيب أن تبقى مسرية من
طرف أشخاص عمومية نظ ار خلصوصيتها وطبيعتها اليت تفرض بقاءها يف يد الدولة.
43
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
إن أسلوب اإلدارة املباشرة ،يتبع عادة يف إدارة امل ارفق العمومية التقليدية أي اإلدارية يف الوقت احلاضر ،وذلك
ألهنا غري مرحبة من جهة ،ومن جهة أخرى ترى الدولة أنه من اخلطورة التنازل عنها سواء إبخضاعها للتخصص أو
بتوكيلها لألفراد ففي السابق كانت الدولة حتتكر كل نشاطات املنفعة العامة سواء اإلدارية أو التجارية والصناعية.
إال أن هذا ال مينع من استخدام أسلوب اإلدارة املباشر يف عدد من امل ارفق العامة التجارية والصناعية سواء كانت
اتبعة للدولة أو اجلماعات احمللية ،إذا أرت هذه األخرية مصلحة يف ذلك3.
وجتدر اإلشارة أن امليزة األساسية يف أسلوب التسيري املباشر يف خمتلف أشكاله أن املرفق العام ضمن هذا األسلوب
ال يتمتع ابلشخصية املعنوية ،حبيث تتوىل اإلدارة سواء كانت إدارة مركزية كالوازارت أو إدارة ال مركزية إقليمية
كالبلدايت ،القيام ابلنشاط )املرفق العام( بنفسها وحلساهبا ،فتتوىل تنظيم املرفق وتشغيل وتعيني موظفيه ومتويله
وتتحمل خماطر التشغيل واملسؤولية عن األض ارر اليت يسببها املرفق للغري وتدخل يف عالقة مباشرة ابملنتفعني
یدمات املرفق العام الذي تسريه تسيريا مباشرا.
ليس هدف امل ارفق العامة الربح الذي يبحث عنه األف ارد ،وإال فما هو هدف إنشائها ،وعندما وجدت امل
ارفق العامة وجدت اخلدمة العامة وجمانتيها وميكن أن حيصل عليها اجلميع دون مقابل ،فاجملانية هي القاعدة وهي
األصل ،خاصة تلك امل ارفق اإلدارية اليت تسريها الدولة مباشرة.
كما أن العبء الكبري للمرفق العمومي املسري من قبل الدولة واجلماعات احمللية وعجز املالية العمومية يف تغطية
احلاجات املت ازيدة يوجب إخضاع امل ارفق ملبادئ النجاعة والفعالية ،رغم كل هذا فالطبيعة اخلاصة هلذه امل ارفق
44
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
وضرورهتا ابلنسبة لألف ارد جعلها تدخل يف النظام العام الذي جيب أن تتحمله الدولة ،لذلك جيب إبعادها عن
قواعد الربح.
ال ميكن اعتبار أي مشروع مرفقا عاما إال إذا كان يستهدف حتقيق النفع العام ،ويقصد ابلنفع العام يف صورته
العامة إشباع حاجات عامة أو تقدمي خدمات عامة للجمهور وهذه اخلدمات قد تكون مادية كإيصال املياه
والكهرابء أو توفري وسائل املواصالت ،وقد تكون حاجات معنوية كالتنظيم اإلداري ،غري أن غالبية فقهاء القانون
يرون أن ش روط النفع العام الذي يرتتب عليه اعت ابر املشروع مرفقا عاما ال يتحقق إال إذا كان نوع النفع العام
من النوع الذي يعجز األف ارد واهليئات اخلاصة عن حتقيقه أوال يرغبون يف حتقيقه أو ال يستعطون حتقيقه على
الوجه األكمل ،وهلذا فإن املشروع ات الصناعية والتجارية اليت تنشئها الدولة ال تعترب م ارفق عامة إذا كانت
تستهدف حتقيق الربح عن طريق منافسة املشروعات اخلاصة.
يعترب موظف و املرافق العامة اليت تدار هبذا األسلوب موظفني عموميني ،خيضعون لألمر رقم 03 -06املتضمن
القانون األساسي العام للوظيفة العمومية ،وكل النصوص التنظيمية املطبقة له ،حيث تبقى عالقة العمل بني املوظف
واجلهة اإلدارية املنشئة للمرفق قائمة إال يف حالة إلغاء املرفق العام
القاعدة العامة أن األموال املخ ص صة إلدارة املرفق العام املسرية يف شكل استغالل مباشر هي ملك لإلدارة
اليت أنشأت املرفق ،إذ أنه ال يتمتع بذمة مالية مستقلة ،كما ت ؤكده قوانني اإلدارة احمللية مثال حيث تنص املادة
151من قانون البلد ية لسنة 2011على ما يلي" :يمكن للبلدية أن تستغل مصالحها العمومية عن
طريق االستغالل المباشر .تقيد إي اردات ونفقات االستغالل المباشر في مي ازنية البلدية.
ويتولى تنفيذها أمين خزينة البلدية طبقا لقواعد المحاسبة العمومية".
45
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
كما تنص املادة 144من قانون الوالية لسنة " :2012تسجل إياردات ونفقات االستغالل
المباشر في ميازنية الوالية حسب قواعد المحاسبة العمومية".
ومع ذلك فإن مقتضيات التسيري وفعاليته قد تقتضي منح املرفق العام "مي ازنية مستقلة "" Budget
،"autonomeإذ تنص املادة 152من قانون البلدية على ما يلي" :يمكن للبلدية أن تقرر منح
ميزنية مستقلة لبعض المصالح العمومية المستغلة مباشرة".
ا
وهو ما ذهبت إليه املادة 145من قانون الوالية لسنة ،2012حينما نصت على ما يلي:
كقاعدة عامة مجيع التصرفات اليت تتعلق ابملرفق العام (قرارت ،عقود) ،وسواء كانت
قرارت إدارية (تنظيمية أو فردية) ،تصدر أو تربم من الناحية القانونية من طرف السلطة املختصة ابجلهة اإلدارية
املنشئة للمرفق العام (رئيس اجمللس الشعيب البلدي ،الوال) ،وابلتال فإن:
نظرا لعدم اكتساب املرفق العام املدار املسري بطريقة االستغالل املباشر للشخصية املعنوية ،فإنه ال يتمتع
أبهلية التقاضي ،حيث ميثل أمام القضاء اإلدار ي لدى الطعن يف أعماله وتصرفاته أمام اجلهة القضائية املختصة
– بواسطة املمثل القانوين للجهة اإلدارية املنشئة)-الوال ،رئيس البلدية.
هي: املباشر التسيري على املرتتبة النتائج فإن ذكره سبق ما إىل واستنادا
_ موظفو املرافق العمومية املسرية تسيريا مباشرا هم موظفون عموميون خيضعون لقانون الوظيفة العامة بكل ما
حيمله من حقوق والت ازمات.
_ تعترب كل أمالك املرفق العام أمالكا عمومية ختضع ألحكام الدومني العام.
46
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
-تعتمد يف متويلها على املي ازنية العامة للدولة أو على ميزانية اجلماعة احمللية ،ومن مث ختضع لقواعد
احملاسبة العمومية وللرقابة على املالية العمومية.
ويقوم ابإلستغالل املباشر كل من الدولة ،وذلك عن طريق الوازارت أو مصاحلها اخلارجية ،وتدعى كذلك
امل ارفق الوطنية اليت ينص على إنشائها القانون العدالة ،األمن ...واليت تستهدف قضاء حجات مشرتكة جلميع
سكان الدولة .أو اجلماعات احمللية(البلدية والوالية) لسد حاجات مشرتكة ومنافع معينة لسكان إقليم معني ،ومن
أمثلة ذلك مرا فق النقل احمللية والنظافة ،....وهو ما أجازه املشرع للوالية مبوجب املادة 133من قانون الوالية
استغالل مصاحل عمومية بصفة مباشرة ،كما نصت املادة 111من قانون البلدية على أنه ميكن للبلدية أن تستغل
مصاحلها العمومية عن طريق االستغالل املباشر .
-1إن أسلوب االستغالل املباشر وجد له مكانة طبيعية يف ظل ما يسمى ابلدولة احلارسة ،أين كانت املرافق
العمومية تقتصر على ما يسمى مبرا فق السيادة ،ولكن يعد تطور وظائف الدولة وانتقاهلا من مرحلة الدولة
احلارسة إىل دولة اخلدمات ،أصبحت هذه األخرية حك ار على األشخاص العاديني.
-2ارتباط املرافق املسرية أبسلوب االستغالل بكيان الدولة وعدم تركها للخواص ألن نشاطها ال حيقق أرابحا
أو مكاسب مادية هلم.
-3املرافق العامة املسرية هلذا األسلوب ،حيسن تدبريها بوسائل القانون العام وأساليب الضبط اإلداري ،وبذلك
ترتك للتدبري املباشر من قبل اإلدارة.
-4ازدايد تدخل الدولة يف الكثري من اجملاالت على حساب األفراد ،فإنه ومن الناحية النظرية سيعرف هذا
األسلوب ازدهارا وتطوار كبريا على اعتبار أنه األسلوب اخلصب لسيطرة واستغالل الدولة ملرافقها استغالال
مباشرا لتدخل األفراد فيه.
47
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
-5عجز اخلواص عن تدبري بعض املرافق العامة اإلدارية ألهنا حتتاج إىل أجهزة إدارية ضخمة ووسائل مالية
كبرية.
-6يستدعي أسلوب االستغالل املباشر يف إدارة املرافق العامة موارد ضخمة مستمدة من ميزانية الدولة.
-7يتطلب هذا األسلوب أن تكون لإلدارة حق التصرف املطلق يف إدارة نشاطها فهي اليت تنفرد ابختاذ
القرارات التنظيمية.
-8تقتضي طريقة االستغالل املباشر أن يكون لإلدارة املشرفة على النشاطات يف تدبري شؤون موظفيه تدبريا
يتفق مع القانون.
مما ال شك فيه أن االستغالل املباشر له أمه ية كبرية ال ميكن االستغناء عنها يف تسيري بعض القطاعات اليت
تعترب من الوظائف الكربى كقطاع الدفاع الوطين ،العدالة واألمن ،غري أنه تعرتيه بعض النقائص خاصة يف
اجملاالت األخرى انعكست سلبا على إدارة املارفق العامة ،أمهها:
-1الثقل المالي لالستغالل المباشر للمرافق العامة وعدم السيطرة على توسع هذه المرافق:
يعرتي أسلوب االستغالل املباشر للم ارفق العامة مشاكل عديدة ،إذ هلذه هذه األخرية ضغط من الناحية
املالية وزايدة النفقات املوجهة للم ارفق العامة يف ظل ندرة املوارد ،فخلق هذه امل ارفق من جهة هو يف ح د
ذاته عبء مال ضخم ألهنا يف الغالب مكلفة جدا وحتتاج هياكل قاعدية ضخمة كما حيتاج تسيريها كذلك
إىل أموال كبرية مما ولد ضغطا كيب ار على مي ازنية الدولة واجلماعات احمللية خصوصا أن اجل ازئر كانت يف
نظام اشت اركي يعتمد على الدولة يف تسيري كل امل ارفق العمومية بكل ما حتمله من أعباء مالية ،والسبب
هو عدم وجود قطاع خاص وبرجوازية تستطيع حتمل عبء تسيري املرفق العام .كما أن خضوع هذه امل ارفق
لإلجراءات املالية احلكومية يف االتفاق تتسم عادة ابلتعقيد وشدة الرقابة وكثرة م ارحلها مما حيول بني هذه امل
ارفق وبني التطور والتقدم .والدولة من خالل التسيري املباشر مقيدة بقوانني ولوائح حتد كثي ار من نشاطها،
وهذا ما جيعل املوظفني خيشون االبتكار والتجديد ،ومييلون ارتباع الدورتني احلكومي جتنبا للمسؤولية ألن
ترقيتهم يف النهاية ختضع لألقدمية أكثر مما ختضع لالبتكار والتجديد.
−المركزية الشديدة :حاولت اجل ازئر اجلمع بني نظام املركزية والالمركزية ،لكن الواقع أظهر سيطرة املركزية
يف مجيع امل ارفق ،خاصة يف اجلانب اإلداري ،فنجد أن السلطة املركزية حتتكر عملية صنع القرارت منها
واالسرتاتيجية وهذا أدى إىل هتميش املرافق احمللية.
48
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
−تضخم الجهاز اإلداري :يتجسد يف وجود توسع أفقي على مستو ى التنظيم من خالل الت ازيد
املستمر لعدد الوزارت والذي يرتتب عنه:
−صعوبة إحكام عملية اإلش ارف والتوجيه ،وما ينجر عنه من صعوبة يف توصيل البياانت واملعلومات ،وكذا
بطء وصول األوامر والق ار ارت من قمة التنظيم إىل قاعدته ،وما حتدثه هذه العملية من بطء يف عملية صنع
الق ارر وتنفيذ الب ارمج واخلطط.
−كثرة أجهزة الرقابة وما يرتتب عنها من تضارب بشأن مسائل حمتوى التقارير التقييمية.
−كثرة األجهزة واللجان الفرعية اليت تزيد من حجم نفقات الدولة املرتبطة خاصة ابألجور.
−تضخم عند املوظفني على مستوى امل ارفق املسرية من قبل الدولة واجلماعات احمللية ،وتتجسد أهم املظاهر
السلبية يف العدد اهلائل للموظفني الذين يفتقدون إىل مهام واضحة ودقيقة إىل جانب غياب كفاءة املوظفني.
−التقليد يف إنشاء بعض امل ارفق العامة من القانون املقارن كاهليئات الوطنية والدواوين العامة...
غري أن عدم ضبطها لنظام قانوين أدى لوجود ص ارع بني هذه امل ارفق العامة وتسابقها دون حدود قانونية
للخدمة العمومية.
-3االختالالت المتعلقة بالجانب التسييري:
وتتمثل أساسا يف:
-مشكل التشريع
ترتبط جناعة القانون مبدى ارتباطه ابلواقع أو انفصاله عنه ،حيث يزداد احرتامه كلما كان أكثر تعبريا والتحاما
ابلواقع ،واجلزا ئر كغريها من الدول النامية تعاين من اختالالت مرتبطة ابلتشريع تظهر يف عملية وضعه مث كيفية
تطبيقه وممارسته.
49
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
عدم الفعالية اليت تشهدها املرافق العمومية املسرية من قبل الدولة واجلماعات احمللية يف الوقت الراهن ال تقتصر
على أسباهبا التنظيمية والتسيريية فقط بل تتعداها إىل املوظف الذي يساهم يف اخللل من خالل سوء أدائه
الوظيفي ،وهذا ارجع إىل:
-غياب الكفاءة :رغم توفر املوظفني على شهادات عليا إال أهنم يفتقرون إىل الدراية الكافية ابملهام والوظائف
املسندة إليهم مع استبعاد إملامهم بكيفية التصرف يف حال وقوع إشكال يتعلق مبجرايت أداء مهامهم.
−غياب التحفيز :وهذا راجع إىل غياب سياسات تكوين واضحة وعدم متاشيه مع التطور.
−حصر املعلومات على فئة معينة ال تتجاوز املسؤولني وانسداد القنوات االتصالية.
−أجور حمددة مسبقا.
−الرتقية اليت تعتمد فيها املرافق العمومية على معيار األقدمية مما يؤدي إىل تسرب الكفاءات إىل قطاعات
أخرى.
المطلب الثاني :أسلوب المؤسسة العامة
أوال :مفهوم المؤسسة العامة:
املؤسسة العامة هي شخص معنوي عام ،اهلدف من إنشائها هو التسيري املستقل واملتخصص للمرفق العام ،إىل
جانب الدولة واجملموعات احمللية وعليه فإن تسيري املرافق العامة قد يعهد إىل أشخاص عمومية أخرى ،واليت
أطلق عليها اسم املؤسسة العامة.
وتعرف املؤسسة العامة على أهنا " :شخص معنوي خاضع للقانون العام وهي مكلفة بتسيري مرفق عام".
ويعرفها سليمان الطماوي أبهنا " :مرفق عام يدار عن طريق مؤسسة عامة ،يتمتع ابلشخصية املعنوية"
ولقد أطلق عليها الفقه ابلالمركزية املرفقية التقنية كمقابل لالمركزية اإلقليمية ،حيث تفوض الدولة لشخص
معنوي عام تسيري مرفق عام ،وذلك مبنحها استقاللية مالية وادارية ويف إطار التخصص هبدف حتسني اخلدمة
العمومية .وهي بذلك ختتلف عن التسيري املباشر ،كوهنا تتمتع ابلشخصية املعنوية.
و تتمتع املؤسسة العامة بذمة مالية مستقلة عن الدولة أو اجلماعة اإلقليمية املنشئة هلا ،فهي مستقلة يف حتصيل
إراداهتا ويف اإلنفاق .
و حىت تعمل بصورة منتظمة ومستمرة ،تقوم املؤسسة العامة على أجهزة إدارية خاصة هبا وتتكون هذه األجهزة
بصفة عامة ،من جهاز تداول يتمثل يف جملس اإلدارة مكون من ممثلي الوازارت املعنية ابجملال ،معينة من قبل
الوصاية وهو املسؤول عن اختيار اإلسرتاجتيات وحتديد برانمج النشاط وكذا اختاذ كافة القرارات ،وجهاز تنفيذي
يتمثل يف املدير وقد يساعدوه معاونون وهو املسؤول عن تنفيذ قرارات جملس اإلدارة وميارس السلطة السلمية
على املوظفني وهو كذلك اآلمر ابلصرف فيما خيص ميزانية املؤسسة العامة.
أن يكون هلا حق قبول اهلبات والوصااي.
أن يكون هلا حق التعاقد دون احلصول على رخصة.
50
طرق تسيير المرفق العام الفصل الثاني
51