You are on page 1of 52

‫جامعة الجياللي بونعامة خميس مليانة‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم الحقوق‬

‫موجهة لطلبة السنة األولى ماستر‬


‫تخصص إدارة وتسيير الجماعات المحلية‬

‫من إعداد الدكتور‪ :‬بودربالة إلياس‬

‫السنة الجامعية ‪2021/2020‬‬


‫محاضرات في المرفق العام‬ ‫المقدمة‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫إن املرفق العام نشاط منظم متارسه جمموعة بشرية تستعني بوسائل قانونية ومادية وفنية من أجل حتقيق هدف معني‪.‬‬

‫ويستخدم املرفق يف سبيل حتقيق أهدافه وسائل قانونية أمهها القرارات اإلدارية والعقود ووسائل مادية تتمثل يف‬

‫األدوات واألموال العقارية واملنقولة‪ ،‬ووسائل فنية ختتلف من مرفق ملرفق آخر كما أنه يهدف إىل حتقيق املنفعة‬

‫العامة‪.‬‬

‫وتتنوع احلاجات العامة اليت تنشأ الدولة املرافق العامة من أجل إشباعها‪ ،‬فقد تكون هذا احلاجات ذات طبيعة‬

‫مادية كاحلاجة إىل خدمة املياه والكهرابء والغاز وخدمة النقل‪ ،‬وقد تكون احلاجات العامة من طبيعة معنوية أو‬

‫ثقافية كالتعليم واإلعداد املهين أو احلريف واإلرشاد الديين‪ ،‬ويرتتب على تنوع احلاجات العامة اليت تسعى الدولة إىل‬

‫إشباعها عن طريق املرافق العامة تعدد يف األسباب اليت تدفع الدولة إىل إنشاء هذه املرافق‪.‬‬

‫تقوم اإلدارة يف الدولة احلديثة أبنشطة متعددة‪ ،‬وهذه األنشطة ختتلف من حيث نوعها وتتدرج من حيث مدى‬

‫تدخلها يف احلياة اإلقتصادية‪ ،‬فقد يقف تدخل اإلدارة يف نشاط األفراد عند حد تنظيم هذا النشاط‪ ،‬وأحياان‬

‫تذهب إىل حد أبعد قليال عندما توجه النشاط اإلقتصادي وجهة معينة عن طريق تشجيع من يقوم بنشاط اقتصادي‬

‫معني وتقدمي التسهيالت له‪ ،‬وأحياان تقوم اإلدارة ابلذهاب بعيدا بتنظيم هذا النشاط اإلقتصادي بنفسها‪ ،‬وتقوم‬

‫اإلدارة أيضا مبراقبة النشاط الفردي وتلزمه مبمارسته وفقا لضوابط وقيود معينة‪.‬‬

‫ولطاملا كان التسيري املباشر للمرفق العمومي او التسيري عن طريق مؤسسة عمومية من اقدم الطرق وأكثرها تداوال‬

‫يف التشريعات اليت حتكم تسيري املرافق العمومية بصفة عامة‪ ،‬لكن النتائج املرتتبة عن هذا النوع من التسيري كانت‬

‫غري مرضية خاصة أن هذه املرافق حتتاج يف إدارهتا للمرونة بسبب طبيعتها االقتصادية اليت ختضع لقواعد املنافسة‪،‬‬

‫وكذا تغري املعطيات االقتصادية وصعوبة متويل املرافق العمومية‪ ،‬كل هذه األسباب أدت ابملشرع إىل تبين أسلوب‬

‫‪1‬‬
‫محاضرات في المرفق العام‬ ‫المقدمة‬

‫التسيري غري املباشر عن طريق اللجوء إىل القطاع اخلاص إلدارة هذه املرافق‪ ،‬هبدف تطوير تسيريها واضفاء املرونة‬

‫الالزمة لتقدمي خدمات ترقى إىل املستوى املطلوب‪.‬‬

‫وتعترب تفويضات املرفق العام من أهم أساليب التسيري غري املباشرة اليت تلعب دورا فعاال ومزدوجا يف ختفيف‬

‫عبء التسيري على الدولة من جهة‪ ،‬وحتقيق وتلبية احلاجات العامة للجمهور ابجلودة والسرعة املطلوبة من جهة‬

‫أخرى‪ ،‬وأول من استحدث هذا األسلوب هو املشرع الفرنسي‪ ،‬مث تبنته جمموعة من الدول األخرى من ضمنها‬

‫اجلزائر وذلك مبوجب املرسوم الرائسي ‪ ،247-15‬وعلى ضوء هذا األخري سنحاول التطرق ابلدراسة والتحليل‬

‫لتفويضات املرفق العام كأسلوب جديد إلدارة املرفق العام يف اجلزائر‪.‬‬

‫وقد تبىن املشرع اجلزائري أسلوب التسيري غري املباشر يف العديد من النصوص القانونية من بينها قانون‬

‫البلدية ‪ 10-11‬وقانون الوالية ‪ ، 07-12‬وكذلك قانون تسيري املوارد املائية‪ ،‬وأخريا املرسوم الرائسي للصفقات‬

‫العمومية ‪ 247-15‬الذي تبىن فيه املشرع اجلزائري صراحة أسلوب التسيري غري املباشر للمرافق العامة عن طريق‬

‫تفويض املرفق العام‪ ،‬هذا املرسوم األخري الذي صدر يف ظروف اقتصادية وسياسية تسعى اجلزائر فيها لبناء دولة‬

‫القانون‪ ،‬ومكافحة الفساد وترشيد النفقات العمومية‪ ،‬والبحث عن سبل جديدة لتمويل املرافق العامة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية المرفق العمومي‬


‫إن فكرة املرفق العام هلا عالقة وثيقة ابلقانون اإلداري كفرع من فروع القانون‪ .‬حيث استندت مدرسة املرفق العام‬

‫هلذه الفكرة القانونية واعتربهتا أساسا لتحديد نطاق القانون اإلداري وتطبيق أحكامه‪.‬‬

‫كما اعتمد عليها أيضا لرسم جمال اختصاص كل من القضاء العادي والقضاء اإلداري‪ .‬واعتربت مدرسة املرفق‬

‫العام الدولة مبثابة جسم خالايه املرافق العامة‪ ،‬ويعترب املرفق العام أكثر املفاهيم القانونية غموضا وإاثرة للجدل ‪.1‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المرفق العام‬

‫إن مهام ووظائف اإلدارة عديدة ومتنوعة وختتلف حسب النظام السياسي‪ ،‬وهي حمل اهتمام كل من علماء اإلدارة‬

‫والقانون اإلداري واملهتمني ابلعلوم السياسية‪ .‬وإذا كان علم اإلدارة يهتم خاصة بوظيفة التخطيط والتنفيذ‪ ،‬فإن‬

‫فقهاء القانون اإلداري يهتمون ابإلدارة من حيث نشاطها وأمواهلا وموظفيها ومنازعاهتا ابعتبارها شخصا من‬

‫أشخاص القانون اإلداري‪.‬‬

‫واحلقيقة أاي كانت وظائف اإلدارة ومهامها فإن نشاطها يظل مرصودا خلدمة اجلمهور‪ ،‬وإال ملاذا عمدت السلطة‬

‫العامة إىل تزويد اإلدارة ابجلانب البشري واجلانب املادي وأحاطتها بنسيج من النصوص القانونية مبا يساعدها على‬

‫القيام مبهمتها‪ .‬فتوفري اخلدمة للجمهور ميكن أن يتم من خالل إنشاء مرفق عام تعود منافعه عليه‪ ،‬وميكن أن يتم‬

‫إبلزام اإلدارة لألفراد ابلقيام بعمل معني أو االمتناع عن سلوك حمدد‪.2‬‬

‫‪ 1‬محمد فؤاد العشوري‪ ،‬محاضرات في مادة المرافق العامة الكبرى‪ ،‬السنة الرابعة قانون عام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،. 2004 ،‬ص ‪14‬‬
‫‪/‬جامعة مكناس‪ ،‬السنة الجامعية‪20‬‬
‫‪ 2‬سليمان محمد الطماوي‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬نظرية المرفق العام وعمال ‪.‬اإلدارة‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬الطبعة العاشرة‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1979‬ص‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف وعناصر المرفق العمومي‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف المرفق العمومي‬

‫إذا كانت فكرة املرفق مل حتظ يف املاضي ابهتمام الباحثني‪ ،‬ومل يتناوهلا الفقهاء احملدثون بطريقة مباشرة‪ ،‬فإنه تقديرا‬

‫ألمهية هذه الفكرة‪ ،‬ودورها الذي ميكن أن تؤديه يف التنظيم اإلداري القائم لرفع املستوى االجتماعي‪ ،‬والنمو والتقدم‬

‫احلضاري‪ .‬إذ على هدي هذه الفكرة تتعود اجلماعة ممارسة الدميقراطية على الصعيد اإلداري‪ ،‬إبدارة شؤوهنم احمللية‬

‫أبنفسهم‪ ،‬وإشباع حاجاهتم من اخلدمات الضرورية واألساسية‪ ،‬األمر الذي ظلوا حمرومني منه ردحا من الزمان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عرفت العالقات اإلنسانية نظام املرفق العام‪ ،‬حيث أقرته القوانني العاملية واحمللية‪ ،‬كما أقره القانون اجلزائري‪.‬‬

‫وسأقوم بتعريف املرفق العام يف اللغة ويف اصطالح فقهاء وشراح القانون على النحو اآليت‪:‬‬

‫أوال‪ :‬لغة‬
‫تعين الشيء الذي يرتفق به أو ينتفع به‪.‬‬

‫انتفعت‪.‬‬
‫تفقت به و َ‬
‫قال يف خمتار الصحاح‪ :‬املرفق واملرفق من األَمر وهو ما ار َ‬
‫ش ْر ل ُك ْم رب ُك ْم ِم ْن ْ‬
‫رْحَ ِته‬ ‫وهم وَما يَعب ُدو َن ّإَل هللاَ فأووا إىل ال َك ْه ِ‬
‫ف يَ ْن ُ‬ ‫ُ‬ ‫لتم ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬وإذ ا ْعتَ َز ُ‬
‫‪2‬‬
‫مرفَ ًقا‪.‬‬
‫من ْأمرُك ْم ِ ْ‬
‫يئ ل ُك ْم ْ‬
‫َوي َه ْ‬
‫فاملرافق العامة كل نشاط يُدار ملصلحة اجلمهور ووفق أساليب القانون العام كمرافق النقل وبذلك فان معىن املرفق‬

‫العام لغة هو الشيء العام الذي ينتفع به‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اصطالحا‬

‫تعترب نظرية املرفق العام من النظرايت القضائية اليت ابتدعها جملس الدولة الفرنسي‪ ،‬وذلك وفقا ملا جاء يف قضية‬

‫بالنكو‪ ،‬ولقد اعتربت من أكثر النظرايت تعقيدا‪ ،‬وإاثرة للجدل‪ ،‬ما جعل منها جماال الختالف الفقهاء يف شأن‬

‫‪1‬‬
‫بعلي محمد الصغير‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬النشاط اإلداري‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة ‪ ،. 2002‬ص‪205‬‬
‫سورة الكهف اآلية ‪16‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫إجياد تعريف جامع مانع للمرفق العام‪ ،‬فمن الفقهاء من اعتمد يف ذلك على املعيار املوضوعي‪ ،‬ومنهم من اعتمد‬

‫على املعيار العضوي‪ ،‬فيما قام فريق ابملزج بني املعيارين‪.‬‬

‫‪1‬ـ المعيار العضوي‪:‬‬


‫ذهب أنصار هذا املعيار إىل تعريف املرفق العام‪ ،‬على أنه املؤسسة اليت تديرها اإلدارة هبدف حتقيق النفع العام‪.‬‬

‫ويقصد ابملرفق العام حسب املعيار العضوي اهليكل أو اهليئة أو املؤسسة أو التنظيم املتكون من جمموعة من‬

‫األشخاص واألموال واألشياء الذي ينشأ ويؤسس إلجناز مهمة عامة معينة مثل‪ :‬اجلامعة‪ ،‬املستشفى‪ ،‬وحدات‬

‫وأجهزة اإلدارة العامة‪.‬‬

‫ومبفهوم أعم فإن تعريف املرفق العام‪ ،‬وفقا هلذا املعيار يرتكز على املظهر اخلارجي‪ ،‬فإذا كان هذا األخري يدل على‬

‫وجود مؤسسة إدارية هتدف إىل حتقيق مصلحة عامة فهذا يعين وجود مرفق عام‪ ،‬ومن الفقهاء الفرنسيني الذين‬

‫عرفوا املرفق العام‪ ،‬مستندين على هذا املعيار‪ ،‬جند العميد موريس هوريو الذي عرفه على أنه‪ " :‬منظمة تقدم خدمة‬

‫عامة ابستخدام أساليب السلطة العامة "‪.1‬‬

‫يستنتج من هذا التعريف أن املرفق العام ما هو إال جهاز أو هيكل يعمل بشكل منتظم ومستمر قصد حتقيق نشاط‬

‫معني للجمهور‪.‬‬

‫يقول األستاذ لوبدار يف هذا الشأن‪ :‬يستعمل املرفق العام يف اللغة العادية ليس للداللة على نشاط معني أو مهمة‬

‫معينة و إمنا يقصد به املنظمة مبعىن اجلهاز اإلداري للمرفق‪ ،‬املنظمة اليت تتوىل إدارته‪.‬‬

‫يالحظ من خالل التعريفات السابقة الذكر للمرفق العام أنه رغم سهولة ووضوح املعيار العضوي‪ ،‬إال أنه ال‬

‫ميكن االعتماد عليه إىل حد بعيد يف تعريف املرفق العام‪ ،‬ألن هذا األخري ليس جمرد هيئة أو مؤسسة أو منظمة‬

‫تقوم الدولة إبنشائها فحسب أو جمرد بناء هيكلي خيلو من النشاط واحلركة لتقدمي خدمة عامة للجمهور‪.‬‬

‫محمد بعلي الصغير‪ ،‬المرجع السابق ص ‪206‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫أما يف الفقه اجلزائري فلم نستطع إجياد تعاريف للفقهاء اجلزائريني يعتمدون فيه املعيار العضوي‪ ،‬وهذا رمبا أن الفقه‬

‫اجلزائري مل يقتنع بفكرة أن تعريف املرفق العام يستند إىل املعيار العضوي‪.‬‬

‫‪2‬ـ المعيار الموضوعي‪:‬‬


‫يقصد ابملرفق العام تبعا هلذا املعيار‪ ،‬كل مشروع تديره الدولة بنفسها أو حتت إشرافها إلشباع احلاجات العامة‪ ،‬مبا‬

‫حيقق املصلحة العامة‪ .‬ومبفهوم املخالفة‪ ،‬إذا مل يكن هدف النشاط حتقيق املصلحة العامة أو إشباع حاجة مجاعية‬

‫للجمهور‪ ،‬فال ميكن اعتباره مرفقا عاما‪.‬‬

‫وحتدث عنه أمحد حميو بقوله‪ ":‬مفهوم املرفق العام ليس وال ميكن أن يكون مفهوما قانونيا جمردا وحياداي‪ ،‬وليس له‬

‫من معىن إال يف ضوء حمتواه والغاايت االقتصادية واالجتماعية اليت أسندت له‪ ،‬واليت جيب حتديدها مسبقا قبل‬

‫إعداد النظام القانوين للمرفق العام‪ ،‬وتعيني اجلهة املؤهلة إلحداث هذا املرفق أو ذاك "‪.1‬‬

‫‪3‬ـ المعيار المختلط‪:‬‬


‫إزاء االنتقادات املوجهة لكل معيار من املعايري السابقة‪ ،‬وعجزها يف أن تكون أساسا وحيدا للقانون اإلداري‬

‫ومعيا را لتحديد اختصاص القضاء اإلداري‪ ،‬مل يعد الفقه والقضاء يتمسكان بفكره واحدة‪ ،‬واجتها حنو اجلمع بني‬

‫فكريت السلطة العامة واملرفق العام‪.‬‬

‫ويف هذا اجملال حاول األستاذ ‪ De Laubadere‬جتديد معيار املرفق العام بعد ما أصابه من تفكك نتيجة‬

‫األزمات اليت تعرض هلا‪ ،‬وذلك عن طريق اجلمع بني فكريت املرفق العام والسلطة العامة‪ ،‬لكنه جعل األولوية للمرفق‬

‫العام‪ ،‬مث أييت استخدام أساليب القانون العام يف املرتبة الثانية لسد الفراغ يف اجملاالت اليت عجز معيار املرفق العام‬

‫عن القيام بدوره فيها‪.‬‬

‫الجزئر‪ ،1981 ،‬ص ‪.320‬‬


‫ا‬ ‫الربعة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫أحمد محيو‪ ،‬محاض ارت في المؤسسات اإلدارية‪ ،‬الطبعة ا‬ ‫‪1‬‬

‫‪6‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫بينما ذهب األستاذ شايب ‪ Chapus‬إىل تغليب فكرة السلطة العامة على فكرة املرفق العام‪ ،‬فقال‪ :‬أنه جيب أن‬

‫ال نعتقد أن معيار الشروط املخالفة " السلطة العامة " دائما معيارا مساعدا‪ ،‬فاملعيار املأخوذ من املوضوع هو دائما‬

‫معيار مبدأ‪ ،‬ففي كثري من األحيان يفضل القاضي استخدام معيار الشرط غري املألوف وهذا يكون أسهل أو مناسبا‬

‫أكثر‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن املرفق العام وأن كان عنص را مهما يف حتديد أساس القانون اإلداري‪ ،‬إال أنه ال يكفي‬

‫ألداء هذا الدور بعد أن أتضح سعة مفهومه وعدم اقتصاره على املرافق اإلدارية فظهرت فكرة املعيار املزدوج اليت‬

‫أيدها جانب كبري من الفقه وأخذ هبا القضاء اإلداري يف فرنسا يف أغلب أحكامه‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن أساس القانون اإلداري ال يرجع ملعيار واحد من املعايري السابقة‪ ،‬إمنا جيب اجلمع بني املعياريني‬

‫املهمني املرفق العام والسلطة العامة‪ ،‬ومن مث ليكون العمل إداراي وخاضعا للقانون اإلداري واختصاص القضاء‬

‫اإلداري‪ ،‬جيب أوال أن يكون عمال إداراي أو نشاطا متعلقا مبرفق عام (نظرية املرفق العام)‪ ،‬وأن تكون اإلدارة يف‬

‫هذا النشاط قد استخدمت امتيازات أو وسائل وسلطات استثنائية وغري مألوفة يف القانون اخلاص (نظرية السلطة‬

‫العامة) مع ضرورة التنبيه أن السلطة العامة ال تربز من خالل االمتيازات املمنوحة لإلدارة فحسب‪ ،‬وإمنا تشمل‬

‫القيود االستثنائية املفروضة عليها يف أحيان أخرى‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أركان وعناصر المرفق العمومي‬

‫أوال‪ :‬المرفق مشروع أو تنظيم عام‬

‫يقتضي وجود املرفق العام إقامة تنظيم أو تنسيق بني خمتلف مكوانته (البشرية واملادية) ابلشكل الذي يسمح له‬

‫أبداء دوره يف تلبية االحتياجات العامة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا‪ :‬هدف المرفق العام تحقيق الصالح العام‬

‫إن مربر وجود املرفق العام هو تلبية احلاجات العامة للجمهور‪ ،‬املادية منها كاملواصالت الكهرابء والصحة أو املعنوية‬

‫كاألمن واحلماية من املخاطر‪ .‬هذا يعين أن نشاط الدولة الذي ال يهدف إىل حتقيق املصلحة العامة‪ ،‬ال يعترب‬

‫نشاط مرفق عام‪ .‬واملثال على ذلك إستغالل الدولة ألمواهلا اخلاصة هبدف الربح عملية التنازل عن أمالكها اخلاصة‬

‫لألفراد مبقابل مال‪ ، 1‬مث إن حتقيق بعض املرافق العامة للربح كاملرافق الصناعية والتجارية من خالل حتصيلها ملقابل‬

‫مال لقاء تقدميها خدمات للمواطنني كما هو احلال ابلنسبة ملرفق املياه أو الكهرابء والغاز ال يعين حتما فقدها‬

‫لصفة املرفق العام‪ ،‬طاملا أن هدفها الرئيسي هو حتقيق املصلحة العامة واليت تظهر من خالل مراعاة املعقولية يف‬

‫حتديد األسعار ‪ 2‬كما أن بعض أشخاص القانون اخلاص(أفراد أو شركات)‪ ،‬قد ميارسون أنشطة تتصل كذلك‬

‫ابملصلحة العامة مثل الصحة والتعليم والنقل‪...‬إخل‪ ،‬ولكنها ال تشكل مرفقا عاما‪.‬‬

‫من خالل ما تقدم نستنتج ما يلي‪:‬‬

‫• كل نشاط يتعلق مبرفق عام حيقق مصلحة عامة‪ ،‬ولكن ليس كل نشاط حيقق املصلحة العامة هو نشاط‬

‫املرفق العام‪.‬‬

‫• إذا كانت املصلحة العامة متثل الغاية األوىل من النشاط الذي يقوم به الشخص القانوين وتوفرت األركان‬

‫األخرى يتكون املرفق العام‪ .‬أما إذا كانت املصلحة العامة متثل غاية اثنوية هلذا النشاط فان الوظيفة ال‬

‫ترتقي إىل منزلة املرفق العام‪.‬‬

‫‪ 1‬مروان محي الدين القطب‪ ،‬طرق خصخصة المرافق العامة (د ارسة مقارنة)‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬منشوارت الحلبي الحقوقية لبنان‬
‫‪ ،3008،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 2‬في هذا المعنى أنظر ناصر لباد‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬لباد ‪ ،3004،‬ص ‪.181‬‬

‫‪8‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫ثالثا‪ :‬خضوع المرفق لسلطة الدولة‬

‫إن الدولة هي من تنشئ املرفق‪ ،‬وهي من حتدد له نشاطه وقواعده تسيريه وعالقته جبمهور املنتفعني‪ ،‬ومن حيث‬

‫بيان سبل اإلنتفاع ورسومه (السلطة على نشاط املرفق) والدولة هي من تضع التنظيم اخلاص ابملرفق وتبني أقسامه‬

‫وفروعه وتعني موظفيه ومتارس الرقابة على النشاط واألشخاص (السلطة على املرفق كهيكل)‪ ،‬وعلى الرغم من‬

‫مسامهة األشخاص اخلاصة أحياان يف إدارة املرافق العامة‪ ،‬فإن ذلك يبقى حتت إشراف ومراقبة اإلدارة العامة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬خضوع المرفق لنظام قانوني متميز‬

‫يقصد ابلنظام القانوين املتميز "جمموعة األحكام والقواعد واملبادئ القانونية اليت ختتلف اختالفا جذراي عن قواعد‬

‫القانون اخلاص بصفة عامة وعن قواعد النظام القانوين الذي حيكم املشروعات اخلاصة بصفة خاصة‪.‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن بعض الفقهاء اعترب خضوع املرفق لنظام قانوين متميز مبثابة األثر املرتتب على كونه مرفقا‬

‫عاما‪ ،‬فهو إذن نتيجة وال ميكن اعتباره عنصرا من عناصر املرفق العام‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع المرافق العامة‬

‫ال تتخذ املرافق العامة نسقا أو شكال واحدا‪ ،‬وإمنا تتعدد أشكاهلا وتتنوع بذلك تبعا للزاوية اليت ننظر منها إىل‬

‫املرفق للتعرف عليه‪ ،‬فاملرا فق ختتلف من حيث النظر إىل موضوع نشاطها أو طبيعة النشاط‪ ،‬ومن حيث املعيار‬

‫اإلقليمي الذي ميتد إليه نشاطها‪ ،‬وكذلك من حيث أداة اإلنشاء ومن حيث الشخصية املعنوية من انحية متتعها‬

‫أو عدم متتعها هبا‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تقسيم المرافق من حيث طبيعة النشاط‬

‫من حيث هذه الزاوية ميكن تقسيم املرافق إىل مرافق إدارية وأخرى اقتصادية ومرافق إجتماعية وأخرى مهنية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫أوال‪ :‬المرافق اإلدارية‪:‬‬

‫يطلق عليها الفقه اسم "المرافق اإلدارية البحتة أو المحضة"‪ ،1‬وهي امل ارفق العامة التقليدية اليت‬

‫الزمت الدولة منذ زمن طويل‪ ،‬وعلى أرسها مرفق الدفاع واألمن والقضاء مث مرفق الصحة والتعليم‪ .‬وهذه امل ارفق‬

‫عادة ما تتسم ابرتباطها ابجلانب السيادي للدولة األمر الذي يفرض قيامها هبذه النشاطات وأن ال تعهد هبا‬

‫لألف ارد مبا يف ذلك من خطورة كبرية‪ 2‬وللمرافق العامة اإلدارية أمهية حيوية يف بناء الدولة وتقدمي خدمات‬

‫جوهرية للمواطنني وبدوهنا ال معىن لوجود الدولة ذاهتا لذلك تتوالها مجيع الدول عن طريق أجهزهتا اإلدارية سواء‬

‫كانت تعتنق املذهب الليربال أو املذهب اإلشرتاكي‪.‬‬

‫ورغم أن املرافق العامة اإلدارية هي األقدم واألكثر تنوعا‪ ،‬إال أن الفقه وجد صعوبة يف تعريفها وجلأ جانب من‬

‫الفقه إىل تعريفها عن طريق التحديد السليب‪ ،‬حبيث عرفها أبهنا" تلك المرافق التي ال تعتبر م ارفق صناعية‬

‫أو تجارية أو مهنية‪.‬‬

‫المرفق عن غيرها بأنها تخضع من حيث األصل للقانون العام في سائر نشاطاتها‬
‫وتتميز هذه ا‬

‫ألنها تستخدم وسيلة القانون العام واستثناءا لقواعد القانون الخاص‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المرافق االقتصادية‪:‬‬

‫وهي مرافق حديثة النشأة نسبيا ظهرت نتيجة تدخل الدولة يف امليدان االقتصادي‪ ،‬حبيث أصبحت الدولة تزاول‬

‫نشاطات جتارية أو صناعية مماثلة لنشاط األفراد وتعمل يف ظروف مماثلة لظروف عمل املشروعات اخلاصة‪ ،‬ومن‬

‫أمثلتها مرفق النقل‪ ،‬مرفق الربيد واملواصالت ومرفق الكهرابء‪.‬‬

‫ناصر لباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.184‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬عمار بوضياف‪ ،‬الوجيز في القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجازئر ‪ ،3012،‬ص‪.330‬‬

‫‪10‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫وبسبب طبيعة النشاط الذي تؤديه هذه املرافق دعا الفقه والقضاء إىل ضرورة حترير هذه املرافق من اخلضوع‬
‫‪1‬‬
‫لقواعد القانون العام‪.‬‬

‫ولقد أاثر ظهور املرافق االقتصادية إشكاال على املستوى القانوين‪ ،‬متثل يف إجياد معيار فاصل بني املرافق اإلدارية‬

‫واملرافق االقتصادية على النحو التال‪:‬‬

‫موقف الفقه ‪ :‬إختلف الفقه حول حتديد املعيار الذي مييز املرافق اإلقتصادية عن املرافق اإلدارية‪ ،‬فتعددت‬

‫معايري التمييز‪.2‬‬

‫‪ -1‬المعيار الشكلي‪ :‬يعتمد هذا املعيار على أساس شكل املشروع أو مظهره اخلارجي‪ ،‬فإذا اختذ املشروع‬

‫شكل املشروعات اخلاصة كما لو متت إدارته بواسطة شركة‪ ،‬فإنه مرفق اقتصادي وبعكس ذلك لو متت إدارته‬

‫بواسطة اإلدارة أو حتت رقابتها واش ارفها وابستخدام أساليب السلطة العامة‪ ،‬فهو مرفق عام إداري‪.‬‬

‫‪ -2‬معيار الهدف‪ :‬اجته هذا املعيار إىل متييز بني املرافق اإلدارية واالقتصادية على أساس الغرض الذي‬

‫يستهدفه املرفق‪ ،‬فاملرافق االقتصادية تقوم بنشاط صناعي أو جتاري يهدف إىل حتقيق الربح‪ ،‬مثلما هو احلال يف‬

‫املشروعات اخلاصة‪ .‬يف حني ال تسعى املرافق اإلدارية إىل حتقيق الربح بل حتقيق املنفعة العامة واشباع حاجات‬

‫األفراد‪.‬‬

‫‪ -3‬معيار القانون المطبق‪ :‬يعتمد هذا املعيار على النظام القانوين الذي خيضع له املشروع فإذا كان خيضع‬

‫ألحكام القانون اخلاص اعترب املرفق اقتصاداي ‪،‬وعلى العكس من ذلك إذا كان خيضع ألحكام القانون العام فهو‬

‫مرفق عام إداري‪.‬‬

‫‪ -4‬معيار طبيعة النشاط‪ :‬وهو أكثر املعايري الفقهية شيوعا ابلنظر لدقته‪ .‬ويقوم هذا املعيار على أساس‬

‫‪1‬مازن ارضي ليلو‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬منشوارت األكاديمية العربية في الدنمارك ‪ ،3009،‬ص ‪.41‬‬

‫‪ 2‬عمار بوضياف‪ ،‬مرجع سابق ص‪.333‬‬

‫‪11‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫طبيعة النشاط الذي ي ازوله املرفق‪ .‬فإذا كان هذا املرفق ميارس نشاطا يعتربه القانون جتاراي فيما لو قام به األف‬

‫ارد عد املرفق على هذا النحو جتاراي‪ ،‬ويعترب املرفق العام إداراي إذا كان النشاط الذي ميارسه إداراي ومما يدخل يف‬
‫‪1‬‬
‫نطاق القانون اإلداري‪.‬‬

‫موقف القضاء اإلداري ‪ :‬إن عملية تصنيف املرفق العام من قبل القاضي‪ ،‬جترى على مرحلتني‪ ،‬ففي املرحلة‬

‫األوىل يفرتض أن املرفق العام له الطابع اإلداري‪ ،‬إال أن هذا اإلفرتاض ميكن إثبات عكسه‪ .‬ويف املرحلة الثانية‬
‫‪2‬‬
‫يعمل القاضي على البحث عن مدى توفر معايري املرفق العام اإلقتصادي وهي ثالثة‬

‫طبيعة نشاط المرفق العام‪ :‬مبعىن أن يكون نشاط املرفق مماثال للنشاط املمارس من قبل األفراد واملنشآت‬

‫اخلاصة‪.‬‬

‫مصادر التمويل‪ :‬أي أن ميول املرفق من قبل موارد متأتية‪ ،‬من أتدية املستفيدين من خدماته بدالت ( مقابل‬

‫مال(‪ ،‬تشكل مثنا للخدمات املقدمة‪.‬‬

‫طريقة التشغيل‪ :‬وهو أن يدار املرفق العام وفقا ألساليب القانون اخلاص‪.‬‬

‫* التمييز بين المرافق العامة اإلدارية والمرافق العامة االقتصادية‪:‬‬

‫ميكن حصر أهم أوجه االختالف بني هذين النوعني من املرافق من خالل اجلدول التال‪:‬‬

‫الطهروي‪ ،‬القانون اإلداري( ماهية القانون اإلداري‪ ،‬التنظيم اإلداري‪ ،‬النشاط اإلداري ) دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع‬
‫ا‬ ‫هاني علي‬ ‫‪1‬‬

‫‪،‬األردن ‪ ،3001،‬ص ‪.313‬‬

‫درسة مقارنة)‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬منشوارت الحلبي الحقوقية لبنان ‪،3008،‬‬ ‫مروان محي الدين القطب‪ ،‬طرق خصخصة ا‬
‫المرفق العامة ( ا‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.29‬‬

‫‪12‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫من حيث الجهة‬ ‫من حيث العاملين به‬ ‫من حيث القانون‬
‫القضائية المختصة‬ ‫الواجب التطبيق‬

‫القضاء اإلداري ممثال‬ ‫موظفون‬ ‫هم‬ ‫القانون العام‬ ‫العام‬ ‫المرفق‬


‫في المحكمة اإلدارية‬ ‫عموميون يخضعون‬ ‫اإلداري‬
‫أو مجلس الدولة‬ ‫لقانون الوظيفة العامة‬

‫القضاء العادي ممثال‬ ‫هم عمال يخضعون‬ ‫مزيج مابين القانون‬


‫في المحاكم اإلبتدائية‬ ‫لتشريع العمل‬ ‫العام والخاص‬ ‫العام‬ ‫المرفق‬
‫والمجالس القضائية‬ ‫اإلقتصادي‬
‫والمحكمة العليا‬

‫ثالثا‪ :‬المرافق المهنية‪:‬‬

‫تقوم هذه املرافق بتنظيم ومرا قبة بعض األعمال ملهن خمتلفة يف الدولة‪ ،‬ويقوم هبذا التنظيم أصحاب املهن أنفسهم‬
‫أي املنخرطني فيها‪ ،‬وتتخذ شكل التنظيم النقايب يشرف على إدارته جملس منتخب عن طريق االنتخاب املباشر‬
‫من املنخرطني‪ ،1‬ومن أمثلة هذه املرافق نقابة احملامني والصيادلة واملهندسني‪.‬‬

‫إن السمة البارزة يف املرافق املهنية أن انضمام أفراد املهنة إليها‪ ،‬ليس أمرا اختياراي وامنا هو أمر إجباري مما جيعلها‬
‫نوعا من اجلماعات اجلربية‪.‬‬

‫وتتمتع النقاابت املهنية ابلشخصية املعنوية وببعض امتيازات السلطة العامة‪ ،‬وتنفرد ابختصاصات‬
‫واسعة أمهها‪:‬‬

‫‪ -‬متثيل املهنة والدفاع عنها أمام الدولة وغريها من السلطات العامة‪.‬‬

‫‪ 1‬عمار بوضياف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.322‬‬


‫‪13‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬ختتص بوضع القواعد املنظمة مل ازولة املهنة واخلاصة بواجبات املهنة وآداهبا والعقوابت اليت ميكن أن‬
‫تفرضها يف حال خمالفتها‪.‬‬
‫‪ -‬النظر يف طلبات انضمام األعضاء اجلدد‪.‬‬
‫ومن انحية أخرى خيضع املرفق املهين لقواعد مزيج من القانون العام والقانون اخلاص فيخضع لنظام قانوين‬
‫خمتلط‪ ،‬فالقرارات التنظيمية املتعلقة بسري املهنة أو توقيع اجل ازءات على األعمال‪ ،‬هي تصرفات قانونية ختضع‬
‫للقانون العام أما البعض اآلخر من األنشطة خيضع للقانون اخلاص‪ ،‬مثل العالقات اليت تربطه ابألفراد واحملاسبات‬
‫والذمة املالية‪ .‬مث إن املشرع اجلزائري قد أخضع بعض امل ارفق املهنية كاملنظمة الوطنية للمحامني‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫مبنازعاهتا جلهة القضاء اإل داري سواء فيما يتعلق ابملنازعات الناجتة عن التسجيل يف املهنة‪ ،‬أو أي منازعة أخرى‬
‫تطبيقا للمادة ‪ 30‬من قانون احملاماة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬المرافق االجتماعية‪:‬‬


‫وهي املراف ق اليت تستهدف حتقيق خدمات اجتماعية للجمهور‪ ،‬مثل امل ارفق املخصصة لتقدمي‬
‫اعاانت للجمهور ومراكز الضمان االجتماعي والتقاعد ومراكز الراحة‪.‬‬

‫حيكم هذا النوع من امل ارفق مزيج من قواعد القانون العام واخلاص‪ ،‬كما متثل منازعتها أمام القضاء اإلداري وأحياان‬
‫أخرى أمام القضاء العادي‪ .‬مثل ما جاء يف القانون رقم ‪ 11-92‬املؤرخ يف ‪ 3‬جويلية ‪ 1892‬والذي‬
‫تناول املنازعات يف جمال الضمان االجتماعي حيث وزع املشرع اجل ازئري االختصاص بني القضاء العادي‬
‫‪1‬‬
‫واإلداري‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تقسيم المرافق من حيث المعيار اإلقليمي‬


‫تقسم املرافق عامة استنادا على هذا املعيار إىل‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المرافق العامة المركزية‪:‬‬

‫لمزيد من التفصيل أنظر ‪ :‬مسعود شيهوب‪ ،‬المبادئ العامة للمنازعات اإلدارية‪ ،‬نظرية االختصاص‪ ،‬الجزء الثالث د‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬الج‬ ‫‪1‬‬

‫ازئر ‪ ،3001،‬ص ‪.332‬‬

‫‪14‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫وهي جمموع املرا فق اليت ميتد نشاطها ليشمل مجيع إقليم الدولة‪ ،‬كمرفق الدفاع ومرفق القضاء ومرفق الصحة‪ .‬ونظرا‬
‫لعمومية وأمهية النشاط الذي تقدمه هذه امل ارفق‪ ،‬فإهنا ختضع إلشراف اإلدارة املركزية يف الدولة من خالل الوازارت‬
‫أو ممثليها يف املدن‪ ،‬ضماان حلسن أداء هذه املرافق لنشاطها وحتقيقا للمساواة يف توزيع خدماهتا ‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬المرافق العامة اإلقليمية‪:‬‬

‫وهي املرا فق العامة اليت تنشئها وحدات اإلدارة احمللية البلدية والوالية‪ ،‬حيث متارس نشاطها يف احليز‬
‫اجلغرايف إلقليم الوحدة احمللية مثل‪ :‬مرفق النظافة البلدية‪ ،‬الديوان البلدي للرايضة مؤسسة النقل الوالئي‪ .‬وينتفع من‬
‫خدمات هذا املرفق سكان اإلقليم‪ .‬وتتوىل السلطات احمللية أمر تسيريه واإلشراف عليه ألهنا أقدر من الدولة‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تقسيم المرافق من حيث أداة االنشاء‬


‫تقسم املرافق من هذه الزاوية إىل مرافق تنشأ بنص تشريعي ومرافق تنشأ بنص تنظيمي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مرافق عامة تنشأ بنص تشريعي‪:‬‬

‫وهي عادة جمموع امل ارفق ذات األمهية الوطنية القصوى‪ ،‬اليت يفرض املشرع أمر إنشائها مبوجب نص‬
‫تشريعي ليمكن أعضاء السلطة التشريعية من االطالع على نشاط املرفق وضرورته وقواعده‪ .‬واحلقيقة أن أمهية‬
‫املرفق واحتالله هلذه املكانة مسألة يتحكم فيها طبيعة النظام السياسي السائد يف الدولة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مرافق تنشأ بنص تنظيمي‪:‬‬

‫عادة ما خيول التشريع األساسي يف الدولة للسلطة التنفيذية صالحية إنشاء املرافق العامة‪ ،‬سواء على املستوى‬
‫املركزي مبرسوم رائسي أو مبرسوم تنفيذي‪ ،‬كما حيق للوالية أو البلدية بقرارات إدارية‪ ،‬إنشاء مرافق عامة على املستوى‬
‫احمللي اليت من شأهنا تليب حاجات اجلمهور‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬تقسيم المرافق من حيث الشخصية المعنوية‬


‫أوال‪ :‬مرافق عامة ليست لها شخصية معنوية ‪:‬‬

‫الطهروي‪ ،‬القانون اإلداري (ماهية القانون اإلداري‪ ،‬التنظيم اإلداري‪ ،‬النشاط اإلدار) دار العلم والثقافة للنشر‬
‫ا‬ ‫هاني علي‬ ‫‪1‬‬

‫والتوزيع ‪،‬األردن ‪ ،3001،‬ص ‪.311‬‬

‫‪15‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫إن هذه امل ارفق اليت تدار بواسطة هيئة عامة ليس هلا شخصية معنوية‪ ،‬تكون ملحقة مباشرة أبحد األشخاص‬
‫املعنوية اإلقليمية " الدولة‪ ،‬الوالية‪ ،‬البلدية" ومندجمة فيها واتبعة هلا تبعية كاملة‪ ،‬وال يكون هلذه املرافق أي ذاتية‬
‫خاصة هبا وامنا تذوب يف كيان الشخص املعنوي العام سواء كان ذلك الشخص هو الدولة أم شخص إقليمي‬
‫آخر‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬مرافق ذات شخصية معنوية‪:‬‬

‫إن هذه املرا فق تدار من هيئة ذات شخصية معنوية عامة تسمى ابملؤسسات العامة مع ما يرتتب على ذلك من‬
‫نتائج قانونية كاستقالل املرفق بذمة مالية بعيدة عن مالية الدولة‪ ،‬وابلتال يتحمل نفقاته وأرابحه وخسائره‪ ،‬وترفع‬
‫عليه الدعاوى القضائية بصفة مستقلة أي له حق التقاضي‪ .‬فيكتسب املرفق يف هذه احلالة نوعا من الالمركزية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ولقد اتفق الفقه على تسميتها ابلالمركزية املرفقية أو املصلحية‪ ،‬وذلك لعدم اخللط بينها وبني الالمركزية اإلقليمية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النظام القانوني للمرافق العمومية‬


‫بداية ينبغي اإلشارة أنه من الصعب سن قانون واحد حيكم امل ارفق‪ ،‬ألن ما صلح من القواعد واآلليات ملرفق قد‬
‫ال يصلح ملرفق آخر‪ .‬فمرفق القضاء مثال خيتلف يف طبيعته عن مرفق التعليم‪ ،‬وهو ما دفع املشرع اجل ازئري إىل‬
‫ختصيص كل قطاع بقانونه األساسي‪ ،‬حىت أنه جنم عن صدور قانون الوظيفة العامة اجلديد‪ ،‬صدور أكثر من ‪90‬‬
‫مرسوما منظما لقطاعات خمتلفة‪.‬‬

‫واذا كان يتعذر سن قانون عام حيكم كل املرافق‪ ،‬فقد اتفق الفقهاء على أن هناك مبادئ أساسية مشرتكة ما بني‬
‫خمتلف املرافق العامة‪.‬‬

‫وتقتضي دارسة النظام القانوين للمرافق العامة‪ ،‬التطرق لقواعد إنشائها واملبادئ األساسية اليت حتكمها وكذا طرق‬
‫وقواعد سريها‪ .‬وذلك فيما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إنشاء وإلغاء المرافق العامة‬


‫سوف نتعرض هنا إىل املقصود إبنشاء املرافق من جهة والغائها من جهة اثنية‪.‬‬

‫هاني علي الطهراوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.311‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬سليمان محمد الطماوي‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪16‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫الفرع األول‪ :‬إنشاء المرافق العامة‪:‬‬


‫عندما تقدم السلطة العامة على إنشاء امل ارفق العامة‪ ،‬عندها تقدر أن هناك حاجة عامة للجمهور جيب إشباعها‪،‬‬
‫وال يستطيع النشاط الفردي القيام هبذه املهمة على الوجه املطلوب أو يعجز كليا عن القيام هبا ‪ ،‬وقد تقوم الدولة‬
‫على القيام إبنشاء املرافق العامة بصرف النظر عن قدرة النشاط الفردي وامكانياته‪ ،‬وذلك من خالل تدخلها يف‬
‫امليدان االقتصادي ‪.‬‬

‫وانشاء املرافق العامة يدخل يف سلطة اإلدارة التقديرية كمبدأ عام‪ ،‬وقد تلتزم اإلدارة أحياان‬

‫"وعلى سبيل االستثناء"‪ ،‬إبنشاء بعض املرافق العامة وتكون سلطتها مقيدة هبذا الشأن‪ .1‬كما أن إنشاء املرافق‬
‫العامة خيتلف حسبما إذا كانت هذه املرافق عامة وطنية أو املرافق عامة حملية ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إنشاء المرافق العامة الوطنية‬

‫مبدئيا إن حتديد السلطة املختصة إلنشاء وتنظيم امل ارفق العام‪ ،‬على املستوى الوطين خيضع ملعيار توزيع السلطات‬
‫بني اهليئة التشريعية أي الربملان واهليئة التنفيذية أي احلكومة فهي مسألة ختضع معاجلتها لطبيعة النظام السياسي‬
‫السائد يف الدولة‪.‬‬

‫فإذا كان دستور الدولة قد قطع أبن إنشاء م ارفق ما‪ ،‬ابلنظر ألمهيتها يعود للسلطة التشريعية فإن هذا النوع من‬
‫املرفق ينشأ بنص تشريعي‪ ،‬واذا كان الدستور عند استع ارضه لصالحيات السلطة التنفيذية قد حكم أبنه يعود‬
‫‪2‬‬
‫إليها إنشاء بعض امل ارفق‪ ،‬فإن قاعدة إنشاء املرفق تكون مبوجب نص تنظيمي‬

‫أما ابلنسبة للوضع يف اجلزائر ‪،‬فإن إنشاء املرافق العامة الوطنية يبقى "أصال" من اختصاص التنظيم مبوجب إصدار‬
‫مراسيم رائسية أو تنفيذية‪ ،‬ماعدا جمال فئة املؤسسات والذي يدخل ضمن جمال إختصاص السلطة التشريعية ‪.‬‬

‫واحلقيقة أن هذا املسلك إمنا يتماشى مع ما هو سائد يف القانون املقارن من حيث ترك اختصاص إصدار قرار‬
‫إنشاء املرافق العامة للسلطة اإلدارية‪ ،‬هو اجتاه سليم ألنه يعطي االختصاص للجهة األقدر على تقدير لزوم اإلنشاء‬
‫من عدمه‪ ،‬كما يضمن السرعة الكافية الختاذ ق ارر اإلنشاء م ارعاة للمصلحة العامة‪ ،‬أمام تعقيدات واجراءات‬
‫وآليات عملية إصدار القانون من طرف الب رملان‪.‬‬

‫‪ 1‬محمود محمد حافظ‪ ،‬نظرية المرفق العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1893،‬ص ‪.110‬‬

‫‪ 2‬عمار بوضياف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.324‬‬

‫‪17‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا‪ :‬إنشاء المرافق العامة المحلية‪:‬‬

‫خيول كل من قانون البلدية رقم ‪ 10/11‬وقانون الوالية رقم ‪ 04/13‬هليئيت اإلدارة احمللية إنشاء واحداث مرافق‬
‫‪1‬‬
‫عامة حملية بلدية ووالئية‪.‬‬

‫‪1‬ـــ المرافق العامة البلدية‪ :‬تنص املادة ‪ 138‬من قانون البلدية على ما يلي‪:‬‬

‫"‪ ......‬تضمن البلدية سري املصاحل العمومية البلدية اليت هتدف إىل تلبية إحتياجات مواطنيها وادارة أمالكها‪،‬‬
‫وهبذه الصفة فهي إضافة إىل مصاحل اإلدارة العامة‪ ،‬مصاحل عمومية تقنية قصد التكفل على وجه اخلصوص مبا أييت‪:‬‬

‫التزود ابملياه الصاحلة للشرب وصرف املياه املستعملة‪،‬‬

‫النفاايت املنزلية والفضالت األخرى‪،‬‬

‫صيانة الطرقات واشارات املرور‪،‬‬

‫اإلانرة العمومية‪،‬‬

‫األسواق املغطاة واألسواق واملوازين العمومية‪،‬‬

‫احلظائر ومساحات التوقف‪ ،‬احملاشر‪،‬‬

‫النقل اجلماعي‪،‬‬

‫املذابح البلدية‪،‬‬

‫اخلدمات اجلنائزية وهتئية املقابر وصيانتها مبا فيها مقابر الشهداء‪،‬‬

‫الفضاءات الثقافية التابعة ألمالكها‪،‬‬

‫فضاءات الرايضة والتسلية التابعة ألمالكها‬

‫املساحات اخلضراء‪".‬‬

‫أنظر كال القانونين‪ - :‬قانون رقم ‪ 10/11‬المتضمن قانون البلدية المؤرخ في ‪ 33‬جوان ‪ ،3011‬ج ر العدد‪ 24‬المؤرخة في‪4‬‬ ‫‪1‬‬

‫مارس ‪.3011‬‬

‫‪18‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫وجتدر اإلشارة أنه يشرتط لصحة قرار إنشاء املرافق العامة البلدية‪ ،‬إجراء مداولة من طرف اجمللس الشعيب البلدي‬
‫حسب املادة ‪ 13‬من قانون البلدية واملصادقة عليها من طرف الوال حسب املادة ‪ 11‬منه‪.‬‬

‫كما أنه جيوز للمجالس الشعبية البلدية لبلدتني أو أكثر‪ ،‬أن تقرر االشرتاك يف إطار مؤسسة عمومية مشرتكة بني‬
‫البلدايت ألجل حتقيق اخلدمات والتجهيزات أو املصاحل ذات النفع املشرتك بينها‪.‬‬

‫‪ - 2‬المرافق العامة الوالئية‪:‬‬

‫تنص املادة ‪ 131‬من قانون الوالية احلال على مايلي‪" ........ :‬ميكن للوالية أن تنشئ قصد تلبية احلاجات‬
‫اجلماعية ملواطنيها مبوجب مداولة اجمللس الشعيب الوالئي مصاحل عمومية والئية للتكفل على وجه اخلصوص مبا أييت‪:‬‬

‫الطرق والشبكات املختلفة‪،‬‬

‫مساعدة ورعاية الطفولة واألشخاص املسنني أو الذين يعانون من إعاقة وأم ارض مزمنة‪،‬‬

‫النقل العمومي‪،‬‬

‫النظافة والصحة العمومية وم ارقبة اجلودة‬

‫الصناعات التقليدية واحلرف‪.‬‬

‫يكيف عدد هذه املصاحل العمومية وحجمها حسب إمكانيات كل والية ووسائلها واحتياجاهتا"‪...‬‬

‫كما نصت املادة ‪ 131‬على أنه ميكن للمجلس الشعيب الوالئي أن ينشئ مؤسسات عمومية والئية‪ ،‬تتمتع‬
‫ابلشخصية املعنوية واإلستقالل املال قصد تسيري مصاحل عمومية‪ ،‬وحددت املادة‬

‫‪ 134‬أنواع املؤسسات العمومية الوالئية أبن تكون إما مؤسسة عمومية ذات طابع إداري أو مؤسسة عمومية ذات‬
‫طابع صناعي وجتاري حسب اهلدف املرجو منها‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إلغاء المرافق العامة‬


‫إن مسألة إلغاء املرفق العام مسألة تقديرية‪ ،‬تندرج ضمن إختصاص السلطة املختصة بال معقب عليها من القضاء‪،‬‬
‫معىن ذلك ال ميلك املنتفعني من خدمات املرفق الذي مت إلغاؤه املطالبة ببقائه ألن هذا اإللغاء يتعلق ابملصلحة‬
‫العامة‪.‬‬

‫وسنحدد أوال ما املقصود بعملية اإللغاء واآلاثر القانونية اليت ترتتب على ذلك فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المقصود بإلغاء المرفق العام‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫يقصد إبلغاء املرفق العام هو وضع حد لنشاطه‪ ،‬وذلك إلعت ارف السلطة املختصة أبنه مل تعد هناك‬
‫حاجة الستم ارر وجود املرفق العام‪ .‬وهو جمال مرتوك لتقدير اإلدارة‪ ،‬أي تقدر مدى احلاجة أم عدم احلاجة إىل‬
‫املرفق واملقارنة بني ما حيققه من فائدة وما يتخلف عنه من ضرر واختيار الوقت املناسب لإلقدام على إلغائه ووزن‬
‫مالبسات وظروف ومربرات اإللغاء‪ .‬وميكن رد أسباب إلغاء املرافق العامة إىل ما يلي‪:‬‬

‫‪1‬ـ ـ دمج مرفق عام مع مرفق عام آخر ميارس ذات النشاط أو نشاطا مماثال‪.‬‬

‫‪2‬ـ ـ إشباع حاجة مجاعية عارضة ومؤقتة ال تتسم بطابع الدميومة‪ ،‬حيث حتقق الغرض الذي انشأ من أجله املرفق‬
‫العام‪.‬‬

‫‪ -3‬ترك إشباع احلاجات العامة اليت كان يتوالها املرفق العام للنشاط اخلاص‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬الجهة المختصة بإلغاء المرفق العام‪:‬‬

‫مل حيدد املشرع اجلزائري كيفية إلغاء املرافق العامة‪ ،‬وتطبيقا للقواعد العامة فإن اإللغاء يتم بنفس األداة اليت اتبعت‬
‫يف اإلنشاء من حيث املرتبة والقوة‪ ،‬مبعىن أنه إذا مت اإلنشاء بقانون فيجب أن يكون اإللغاء بقانون كذلك‪ ،‬أو أبداة‬
‫أعلى فإذا مت اإلنشاء بقرار بلدي مثال‪ ،‬فقد يكون اإللغاء بقرار والئي مبا أن الوالية هي جهة وصاية ابلنسبة‬
‫للبلدية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬آثار إلغاء المرفق العام‪:‬‬

‫عندما يتم إلغاء املرفق العام فإن أمواله تضاف إىل اجلهة اليت نص عليها القانون الصادر إبلغائه‪ ،‬فإن مل ينص على‬
‫‪2‬‬
‫ذلك فإن أموال املرفق تضاف إىل أموال الشخص اإلداري الذي كان يتبعه هذا املرفق‪.‬‬

‫يتحقق ذلك من خالل الخوصصة والتي يمكن تصنيفها إلى فئتين‪ :‬الفئة األولى وتتمثل في إسناد مهمة تسيير المرفق العام إلى‬ ‫‪1‬‬

‫القطاع الخاص دون نقل للملكية‪ ).‬مثل عقد البوت الذي ينصب على بناء وادارة وتمويل المشاريع الهامة ثم نقل ملكية المشروع إلى‬
‫الدولة بعد مرور مدة معينة من الزمن(والفئة الثانية تشمل عمليات البيع أو نقل ملكية المشاريع أو حصص المساهمة من القطاع‬
‫العام إلى القطاع الخاص)‪.‬‬

‫‪ 2‬مازن ارضي ليلو‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬منشوارت األكاديمية العربية في الدنمارك ‪ ،3009،‬ص ‪.44‬‬

‫‪20‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫واذا كان مصدر أموال املرفق العام تربعات األفراد واهليئات اخلاصة‪ ،‬فإن األموال تؤول إىل أحد املرافق العامة اليت‬
‫هلا نفس غرض املرفق الذي مت إلغاؤه أو غرضا مقاراب له احرتاما إلرادة املتربعني‪.‬‬

‫أما مصري املوظفني فإنه يتم نقلهم إىل مرفق عام آخر‪ ،‬أو إهناء خدماهتم وتسوية حقوقهم الوظيفية وتعويضهم‬
‫بناء على مبدأ حتقيق املساواة بني املواطنني أمام التكاليف واألعباء يف هذه احلالة املسؤولية دون خطأ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المبادئ األساسية التي تحكم المرافق العمومية‬

‫ختضع املرافق العامة جملموعة من املبادئ استقر عليها القضاء والفقه‪ ،‬وأضحت اليوم من املسلمات يف نظرية‬
‫املرافق‪ .‬وتتمثل أهم هذه املبادئ يف ما يلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مبدأ المساواة أمام المرفق العام‬


‫إن مبدأ املساواة أمام امل ارفق العامة‪ ،‬هو امتداد للمبدأ العام وهو مساواة األفراد أمام القانون‪ .‬والذي ابت ميثل‬
‫اليوم حقا من حقوق اإلنسان وحقا دستوراي أعلنت عنه خمتلف الدساتري‪ .‬ولعل أهم تطبيقات مبدأ مساواة‬
‫املنتفعني أمام املرافق العامة إمنا يتمثل يف ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مساواة المنتفعين من خدمات المرفق‪:‬‬

‫يقتضي هذا املبدأ وجوب معاملة املرفق لكل املنتفعني معاملة واحدة دون تفضيل البعض على البعض اآلخر‪،‬‬
‫ألسباب تتعلق ابجلنس أو اللون أو الدين أو احلالة املالية وغريها‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن مبدأ املساواة يطبق عندما يتساوى املنتفعني يف املركز القانوين ومثال ذلك اإللتحاق ابلد‬
‫ارسة اجلامعية ليس مفتوحا جلميع املواطنني‪ ،‬وامنا يقتصر على احلاصلني منهم على البكالوراي‪ ،‬كما ال يتناىف هذا‬
‫املبدأ مع سلطة املرفق يف فرض بعض الشروط اليت تستوجبها القوانني والتنظيمات كالشروط املتعلقة بدفع الرسوم‬
‫أو إتباع بعض اإلجراءات أو تقدمي بعض الواثئق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المساواة في االلتحاق بالوظائف العامة‪:‬‬

‫ويقصد به إلزام املرافق العامة لدى جلوئها للتوظيف م ارعاة شروط عامة‪ ،‬جيب توافرها يف مجيع املرتشحني من‬
‫جهة والتقيد إبجراءات وكيفيات التوظيف اليت تقوم على أساس على نظام املسابقات املبنية على الشهادات أو‬
‫االختبارات‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫ولقد مت النص على املبدأ يف الدستور‪":‬يتساوى مجيع املواطنني يف تقلد املهام والوظائف يف الدولة دون أية‬
‫شروط أخرى غري الشروط اليت حددها القانون"‪.‬‬

‫وكذلك نصت عليه املادة ‪ 34‬من القانون األساسي العام للوظيفة العامة بقوهلا‪" :‬ال جيوز التمييز بني املوظفني‬
‫بسبب آرائهم أو أصلهم أو بسبب أي ظرف من ظروفهم الشخصية أو االجتماعية‪".‬‬
‫ثالثا‪ :‬حياد المرفق العام‪:‬‬

‫يقصد حبياد املرفق العام أن يراعى يف أداء مهامه وتسيريه مقتضيات حتقيق املصلحة العامة‪ ،‬حبيث جيب على‬
‫مسري املرفق أن ال يستعمله لدعم مصاحل أخرى‪.‬‬

‫إن هذا املبدأ قد كرسته بصفة صرحية املادة ‪ 00‬من الدستور اليت نصت على أن" عدم تحيز اإلدارة يضمنه‬
‫القانون"‪ .‬كما نصت عليه املادة ‪ 31‬من القانون األساسي للوظيفة العامة أبنه‪":‬يجب على الموظف أن‬
‫يمارس مهامه بكل أمانة وبدون تحيز"‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد ــ االستمرارية ــ‬
‫إن أساس مبدأ االستمرارية يكمن يف متكني املرفق العام من إشباع احلاجات العامة للمواطنني دون إنقطاع‪ ،‬وعلى‬
‫السلطات اإلدارية أتمني تشغيل املرافق العامة بصورة منتظمة‪.1‬‬

‫وتعد هذه القاعدة من أهم القواعد اليت حتكم سري امل ارفق العامة سواء كانت إدارية أم اقتصادية وتستند إىل أمهية‬
‫وحيوية اخل دمات اليت تؤديها امل ارفق العامة ومدى جسامة األضرار اليت تصيب الدولة واألفراد جراء توقف مرفق‬
‫ما‪ ،‬أو تعطله عن تقدميها ويكفي تصور مدى االضطراب الذي يصيب حياة األفراد إذا انقطع التيار الكهرابئي‬
‫ملدة طويلة‪ ،‬أو نشاط مرفق النقل ليوم أو يومني‪ ،‬فاملواطن خيطط لتصرفاته معتمدا على وجود م ارفق تعمل ابنتظام‪.2‬‬

‫مروان محي الدين القطب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪1‬‬

‫زكريا المصري‪ ،‬أسس اإلدارة العامة (التنظيم اإلداري‪ -‬النشاط اإلداري)‪ ،‬دار الكتب القانونية ودار الشتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬مصر‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،3004،‬ص ‪.813‬‬

‫‪22‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫على أن مضمون مبدأ االستمرارية ليس واحدا يف مجيع املرافق العامة واخلدمة اليت يقدمها فيعين لدى بعض املرافق‬
‫العمل والتشغيل الدائم‪ ،‬مثل الشرطة والدفاع واملستشفيات واحلماية املدنية ويعين لدى البعض اآلخر العمل املستمر‬
‫وفقا لدوام وتوقيت يومي حمدد‪ ،‬مثل مرفق احلالة املدنية‪ ،‬الربيد‪ ،‬املدارس واجلامعات‪.‬‬

‫ويعود للقاضي اإلداري حتديد مضمون االستمرارية بشكل يسمح للمواطنني من احلصول على اخلدمات من‬
‫املرفق‪ .‬فهو يعترب أكثر املبادئ وزان ألن القضاء اإلداري كثريا ما اعتمد عليه يف صياغة بعض النظرايت‪ ،‬منها نظرية‬
‫الظروف االستثنائية ونظرية املوظف الفعلي‪ ،‬وهو ما سنبينه الحقا‪.‬‬

‫كما أن مبدأ االستمرارية يفرتض العمل الدقيق واملنتظم للمرفق‪ ،‬حبيث جيب أن يفتح يف الساعة احملددة وال ميكن‬
‫أن يقفل بطريقة مسبقة‪ ،‬واال عد خطأ مرفقي وال ميكن أن ينقطع الرفق عن العمل إال يف احلاالت املنصوص عليها‬
‫يف القوانني واألنظمة وحاالت القوة القاهرة‪.‬‬

‫ولقد جسد الدستور هذا املبدأ يف املادة ‪ 00‬منه‪ ،‬واليت تنص على أن‪" :‬الوزير األول يسهر على حسن سري‬
‫اإلدارة العمومية"‪ .‬وبذلك أصبح للمبدأ قيمة دستورية ويقتضي مبدأ االستمرارية توافر مجلة من الضماانت‪ ،‬تعمل‬
‫مجيعها على جتسيده يف أرض الواقع‪ .‬ومن هذه الضماانت ما وضعه املشرع ومنها ما رسخه القضاء اإلداري‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الضمانات التشريعية‪ :‬تتمثل يف‪:‬‬

‫‪1‬ـــ تنظيم ممارسة حق اإلضراب‪:‬‬

‫يقصد ابإلضراب عموما توقف أو امتناع املوظفني أو العمال عن القيام بوظائفهم و أعماهلم ملدة‬
‫معينة دون تركهم لوظائفهم بصفة هنائية ‪.‬‬

‫ولكن اإلضراب ابختالف صوره و أشكاله أمر خطري يؤثر سلبا على سريورة املرفق العام كونه املتسبب‬
‫الرئيسي يف شلله و عدم حتقيقه للمنفعة العامة و كذا عدم تقدمي اخلدمات العامة لألفراد وبعد أن كان اإلضراب‬
‫جرما يعاقب عليه القانون إال أنه تطور و أصبح أكثر محاية من القانون إذ أصبح يستعمل من اجل الدفاع على‬
‫‪1‬‬
‫املصاحل املهنية كونه عنصر من عناصر احلرايت العامة األساسية و اليت توصلت إليه الكثري من دساتري العامل‪.‬‬
‫‪1‬ـــ ‪ 1‬تكريس حق اإلضراب في الدستور الجزائري‬

‫‪ 1‬بلمهدي إبراهيم مبدأ استمرارية المرفق العمومي في النظام القانوني الجزائري‬


‫‪23‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫إن املؤسس الدستوري قد اعرتف حبق اإلضراب يف النص الدستوري اجلزائري الصادر‬
‫اإلضرب‬
‫ا‬ ‫بتاريخ ‪ 1963/09/10‬مب وجب املادة ‪ 20‬اليت نصت على مايلي‪":‬الحق النقابي و حق‬
‫ومشاركة العمال في تسيير المؤسسات معترف بها جميعا وتمارس هذه الحقوق في نطاق‬
‫القانون " يستخلص من نص املادة أن املؤسسة الدستورية قد اعرتف حبق اإلضراب دون التمييز بني القطاع العام‬
‫والقطاع اخلاص ‪،‬لكن مبا أن اجلزائر كانت وإىل وقت قريب تتخذ االشرتاكية أسلواب و منهجا وكان املوظفون و‬
‫العمال الدعامة األساسية اليت ترتكز عليها الدولة يف حتقيق املساعي و األهداف الكربى االشت اركية ‪ ،‬فعملت‬
‫على توفري كافة الوسائل واملعدات من اجل هتيئة ظروف العمل عرب مجيع القطاعات ‪،‬ومن اجل حتقيق هذه‬
‫األهداف حرص املشرع اجلزائري على حترمي اإلض ارب يف القطاع العام وهو يف األساس حتقيق ملبدأ استمرارية‬
‫املرافق العامة ابنتظام واطرا د ألن قيام املوظفني أو عمال القطاع العام هبجر عملهم قصد حتقيق مطالبهم يتناىف‬
‫ومبدأ سريورة واستمرارية املرفق العام ‪.‬‬
‫ولقد حرص الدستور اجلزائري الصادر بتاريخ ‪ 22‬نوفمرب ‪ 1976‬الذي خطى خطوة أكثر تقدما‬
‫يف جمال اإلضراب على منع اإلضراب يف القطاع العام واقتصر ممارسة حق اإلضراب فقط على القطاع اخلاص ‪،‬‬
‫حيث نصت املادة ‪ 61‬يف الفقرة الثنية منه واليت تقضي على أنه "ختضع عالقات العمل يف القطاع االشرتاكي‬
‫ألحكام القوانني والتنظيمات املتعلقة ابألساليب االشرتاكية للتسيري‪ .‬ويف القطاع اخلاص حق اإلضراب معرتف به‬
‫وينظم القانون ممارسته "يتبني من نص املادة أن اإلضراب حق غري معرتف به لعمال املرافق العامة وهذا إلشباع‬
‫احلاجات العامة للمنتفعني من امل ارفق احليوية للدولة ‪.‬‬
‫مث جاء دستور ‪ 23‬فيفري ‪ 1989‬يف ظل اإلصالحات السياسية واالقتصادية و التعددية احلزبية‬
‫وقد اعرتف صراحة حبق ممارسة اإلضراب يف املرافق العامة و لكن يف إطار قانوين ‪،‬حيث نصت املادة ‪ 54‬منه على‬
‫أن"‬
‫"وهو نفس مضمون املادة ‪ 57‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ 1996‬املؤرخ يف ‪ 28‬نوفمرب ‪1996‬‬
‫وكذلك نفس حمتوى املادة ‪ 71‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ 2016‬كما اعرتف أيضا للمتعاقد هبذا احلق ‪.‬‬
‫وفي دستور ‪ 2020‬نصت املادة ‪ 70‬على‪ :‬الحق في اإلضراب معترف به و يمارس‬
‫في إطار القانون‪.‬‬
‫يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق‪ ،‬أو يجعل حدودا لممارسته في‬
‫ميادين الدفاع الوطني واألمن‪ ،‬أو في جميع الخدمات أو األ نشطة العمومية ذات المصلحة‬
‫الحيوية للمة‪.‬‬
‫مل يضع أي من هذه الدساتري نصوصا توضيحية لكيفية ممارسة هذا احلق‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫‪1‬ـــ ‪ 2‬تكريس حق اإلضراب في القوانين‬

‫جاء أول قانون أقره اجمللس الشعيب الوطين رقم ‪ 02-90‬حيث تضمن هذا القانون كيفية ممارسة‬
‫حق اإلضراب‪ ،‬كما جاء بشروط و ضوابط هبدف محاية املصلحة اخلاصة للموظف املضرب مع ما يتماشى و‬
‫النظام اجلديد الذي تصبو إليه السياسة العامة للدولة وذلك حرصا منه على استمرارية بعض األنشطة يف املرافق‬
‫العامة ذات احلركية يف اجملتمع بتوفري حد أدىن من اخلدمة حسب طبيعة و نشاط كل مرفق من جهة و عدم حرمان‬
‫املوظف من املطالبة حبقه من جهة أخرى ‪.‬‬
‫وبعدها صدر األمر ‪ 03-06‬حيث اعرتف للموظف مبمارسة حق اإلضراب مبوجب املادة ‪36‬‬
‫اليت نصت على أنه "يمارس الموظف حق اإلضراب في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما"‬
‫وعليه فإن املشرع اجلزائري قد اعرتف صراحة للموظف و املتعاقد مبمارسة حق اإلضراب ابعتباره وسيلة ملطالبة‬
‫اهليئة املستخدمة بتحقيق مطالبه املهنية حرصا على إحاطته ابحلماية القانونية ‪،‬إذن فاإلضراب يعترب حقا دستوراي‬
‫مكفوال للموظف واملتعاقد على حد سواء و ابلتال ال ميكن املساس به لكن مع احلفاظ على دميومة املرفق العام‬
‫و استمراريته حتقيقا للمصلحة العامة ‪.1‬‬
‫‪1‬ـــ ‪ 3‬شروط ممارسة اإلضراب‪.‬‬

‫وضع املشرع اجلزائري قانون رقم ‪ 02/90‬السابق الذكر بعد أن أقر أنه حق من حقوق العمال أال‬
‫أن هذا احلق ليس مطلق بل خيضع عند ممارسته لشروط تضمن عدم التجاوز يف ممارسته محاية للمصلحة العامة‬
‫و ضماان الستمرارية املرفق العام واملتمثلة يف‪:‬‬
‫‪ -‬استنفاذ إجراءات التسوية الودية‪.‬‬
‫‪-‬موافقة مجاعة العمال على اإلضراب‪.‬‬
‫‪-‬اإلشعار املسبق ابإلضراب‪.‬‬
‫‪-‬ضمان أمن وسالمة أماكن العمل‪.‬‬
‫أ ـ ـ استنفاذ إجراءات التسوية الودية ‪:‬‬
‫يقصد هبا وجوب استنفاذ وفشل مجيع الطرق الودية املمكنة حملاولة التسوية الودية و اإلرضائية‪،‬‬
‫كإج ارءات املصاحلة و الوساطة و كافة الوسائل املنصوص عليها يف االتفاقيات اجلماعية كما جاء يف نص املادة‬
‫‪ 24‬من القانون ‪ 02-90‬ففي الوساطة اليت تعترب طريقة سلمية ملعاجلة الن ازع واليت تعترب شكال من أشكال‬
‫التوفيق حيث يقوم وسيط إبقناع اإلط ارف املتنازعة حول حل وسيط للفصل يف الن ازع بعد مساعه للطرفني‬
‫ويدعومها لقبول احلل الذي اقرتحه أو ميكن رفضه ‪.‬‬

‫اإلضرب الوظيفي ‪ ،‬دارسة مقارنة‪،‬ط‪، 1‬مكتبة زين الحقوق واألدبية ‪ ،‬لبنان ‪ ،2015 ،‬ص ‪.87‬‬
‫ا‬ ‫سعيد علي غافل‪،‬حق‬ ‫‪1‬‬

‫‪25‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن الطرق السلمية جند املفاوضات اجلماعية يف التفاوض املباشر بني ممثلي العمال وممثلي‬
‫اإلدارا ت العمومية كوهنا تقوم على أساس احلوار و ترجع أمهية التفاوض لوجود تنظيمات تعرف ابسم النقاابت‬
‫العمالية‪.‬‬
‫كما يسبق قرار اإلضراب اتفاق الطرفني على اللجوء إىل التحكيم حيث أنه يوقف قرار اإلضراب‬
‫بل و يوقف اإلضراب إذا كان قد شرع فيه‪،‬‬
‫حيث تنص املادة ‪ 25‬من القانون ‪ 02-90‬أبنه"ال ميكن اللجوء إىل ممارسة اإلضراب و يوقف‬
‫اإلضراب الذي شرع فيه مبجرد اتفاق الطرفني يف اخلالف اجلماعي يف العمل على عرض خالفهما على التحكيم"‬
‫ومعىن هذا أن اللجوء إىل التحكيم يعترب أداة من أدوات إهناء اإلضراب وليس فقط توقيفه ألن قرار‬
‫التحكيم يفرض تطبيقه وااللتزا م به من قبل الطرفني حبكم القانون وفق ما جاءت به املادة ‪ 13‬الفقرة ‪ 2‬من‬
‫القانون ‪ 02-90‬واليت تنص على أنه " يصدر قرار التحكيم النهائي خالل ‪ 30‬يوما املوالية لتعيني احلكام ‪،‬وهذا‬
‫القرار يفرض نفسه على الطرفني الذين ي لزمان تنفيذه" أي أن اللجوء إىل التحكيم أمر اختياري إال أن مبجرد‬
‫‪1‬‬
‫االتفاق على اللجوء إليه يفقد املتنازعني احلرية و يلزمهم مسبقا ابالمتثال لقرار التحكيم و االلتزام به وتنفيذه ‪.‬‬
‫ب ـ ـ موافقة جماعة العمال على اإلضراب‪:‬‬

‫يقصد هبا أن يكون قرار اللجوء إىل اإلضراب شرعيا إذا كان صادرا عن أغلبية العمال إبرادهتم احلرة دون‬
‫أي إكرا ه أو ضغط و يتم ذلك عن طريق مجعية عامة تضم كافة العمال أو نصفهم على أقل تقدير ‪ ،‬تعقد‬
‫خصيصا هلذا الغرض يعربون فيها عن رغبتهم أو عدم رغبتهم يف اإلضراب عن طريق االقرتاع السري و يشرتط أن‬
‫يكون القرار النهائي للجوء إىل اإلضرا ب صادر عن األغلبية املطلقة للعمال احلاضرين هلذه اجلمعية حسب نص‬
‫املادة ‪ 28‬من القانون ‪ 02-90‬السالف الذكر‪،‬أما أقلية العمال الرافضني فيحق هلم متابعة العمل وال جيوز للعمال‬
‫املضربني أن جيربوا العمال غري املضربني على التوقف عن العمل‪.‬‬

‫فكما حيمي القانون حق العامل عند ممارسة اإلضراب فإنه حيمي حريته يف القيام بعمله وهو ما‬
‫نصت عليه املادة ‪ 34‬من نفس القانون واليت نصت على "يعاقب القانون عرقلة حرية العمال ‪،‬ويعد عرقلة حلرية‬
‫العمل ‪،‬كل فعل من شأنه أن مينع العامل أو املستخدم أو ممثله من االلتحاق مبكان عمله املعتاد أو مينعهم من‬
‫استئناف ممارسة نشاطهم املهين أو من مواصلته ابلتهديد أو املناورة االحتيالية أو العنف أو االعتداء"‪.‬‬

‫الجزئري ‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ا‬


‫الجزئر‪،‬د‬ ‫ا‬ ‫‪ 1‬سليمان أحمية ‪ ،‬آليات تسوية منازعات العمل و الضمان االجتماعي في القانون‬
‫س ‪،‬ص‪149‬‬

‫‪26‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫ج ـــ اإلشعار المسبق باإلضراب‪:‬‬

‫نظم املشرع اجلزائري اإلشعار املسبق ابإلضراب يف املواد ‪ 29‬إىل ‪ 31‬من القانون‪ 02- 90‬املتعلق‬
‫ابلوقاية من النزاعات اجلماعية وتسويتها وممارسة حق اإلضراب‪.‬‬
‫ويقصد ابإلشعار املسبق ابإلضراب قيام ممثلي العمال املوافقني على اإلضراب إبعالم صاحب العمل‬
‫عن نية العمال يف التوقف اجلماعي عن العمل ‪ ،‬من أجل حتقيق املطالب املهنية هلم ‪،‬اليت مزال اخلالف بشأهنا‬
‫‪1‬‬
‫مستمرا‪.‬‬
‫يعترب اإلشعار املسبق ابإلضراب شرطا إلزاميا يرتتب على إمهاله أو خمالفته عدم شرعية اإلضراب‬
‫حيث جيب اإلشعار مسبقا بتاريخ ومدة اإلضراب وذلك إبعالم صاحب العمل سواء كان إدارة أو سلطة عامة‬
‫مسبقا بقرار اللجوء إىل اإلضراب مع حتديد بداية الشروع فيه ومدته إذا كان حمدد املدة أو إذا كان مفتوحا ‪،‬مما‬
‫يعين أن بداية اإلضراب ليس من اتريخ إقرا ره وإمنا يبدأ نفاذه من التاريخ الذي يلي هناية مهلة اإلخطار املسبق‬
‫‪،‬وحتسب مدة اإلشعار املسبق لإلضراب بدءا من اتريخ إيداعه لدى اهليئة املستخدمة ٕواعالم مفتشية العمل‬
‫املختصة إقليميا ‪ ،‬وحتدد املدة عن طريق التفاوض واليت جيب أال تقل عن ‪ 08‬أايم إبتداءا من اتريخ إيداعه على‬
‫أن متديد هذه الفرتة جائز قانوان سواء مبوجب االتفاق بني طريف النزاع أو إباردة ممثلي العمل فلهما احلرية التامة‬
‫يف هذا الصدد وذلك وفقا لنص املادة ‪30‬من القانون ‪.02/90‬‬
‫وابلتال فإن عدم مراعاة شرط اإلشعار املسبق ابإلضراب وعدم احرتام امليعاد يؤدي إىل إضفاء صفة‬
‫عدم مشروعية اإلضراب مما يؤثر سلبا على سريورة املرافق العامة ‪.‬‬
‫د ــ ضمان أمن وسالمة أماكن العمل ‪:‬‬

‫إضافة إىل ما سبق من شروط ممارسة حق اإلضراب هناك شرط أساسي وضعه املشرع اجلزائري ينبغي مراعاته‬
‫وهو ضمان أ من وسالمة أماكن العمل أي عدم احتالل أماكن العمل ابلقوة وذلك ابختاذ كافة االحتياطات‬
‫واإلجراءات الالزمة لضمان احملافظة على وسائل وأدوات وأماكن العمل وعدم تعريضها ألية أضرار أو ختريب أو‬
‫إتالف أو مساس ابألمالك العقارية واملنقولة واملنشآت التابعة للمستخدم ‪2‬فتعريضها للضرر يعيق سري املرفق العام‬
‫ابنتظام واطراد ‪.‬‬

‫وأن أي تصرف من هذا القبيل من طرف العمال املضربني يرتتب عليه املسؤولية املدنية أو اجلزائية حسب جسامة‬
‫الضرر وفق ما نصت عليه املادة ‪ 55‬الفقرة ‪ 02‬من القانون ‪ 02/90‬اليت تقضي برفع العقوبة إىل حدود الثالث‬
‫‪3‬‬
‫سنوات حسب حالة االعتداء على األشخاص واملمتلكات‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الرحمن خليفي‪ ،‬الوجيز في منازعات العمل و الضمان االجتماعي ‪ ،‬دار العلوم للنشر و التوزيع ‪ ،‬الجزائر‪ 2014 ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ 2‬سليمان أحمية‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪151‬‬
‫‪ 3‬نفس المرجع ص‪152‬‬
‫‪27‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫فرفض العمال لالمتثال وتعنتهم يعد عرقلة حلرية العمل وهي التصرفات اليت يعتربها القانون أخطاء جسيمة حيث‬
‫ينص القانون من خالل املادة ‪ 35‬منه على أنه*مينع العمال املضربني عن احتالل احملالت املهنية للمستخدم‪،‬‬
‫عندما يهدف هذا االحتالل إىل عرقلة حرية العمل‪.‬‬

‫‪ 1‬ــــ ‪ 4‬القيود الواردة على ممارسة حق اإلضراب‪:‬‬

‫ابلرغم من االعرتاف حبق اإلضرا ب ضمن قائمة احلقوق األساسية للمواطن ودستوريته إال أنه حق مقيد وليس‬
‫حقا مطلقا ‪ ،‬وهذه القيود مقررة دستوراي ‪ ،‬فأغلب الدساتري احلديثة تنص على هذه القيود وحتيل تنظيمها وحتديدها‬
‫للقانون وكذلك يعترب اإلضراب مقيدا بعدة اعتبارات أمنية واقتصادية وسياسية ومهنية وكذا تنظيمية هدفها‬
‫احلفاظ على دميومة املرفق العام من جهة و من جهة أخرى احلفاظ على حقوق املوظف‪.‬‬

‫أ‪ -‬القيود الكلية الواردة على ممارسة حق اإلضراب‪:‬‬


‫منع القانون اجلزائري مثله مثل ابقي القوانني األجنبية وخاصة القانون الفرنسي ممارسة حق اإلضراب يف بعض‬
‫ميادين األنشطة األساسية‪ ،‬حيث نصت املادة‪ 43‬من القانون ‪ 02/90‬على جمموعة القطاعات اليت ال ميكن‬
‫ممارسة حق اإلضراب فيها فقط حيث "‪:‬مينع اللجوء إىل اإلضراب يف ميادين األنشطة األساسية اليت قد تعرض‬
‫توقفها حياة أو أمن أو صحة املواطنني أو االقتصاد الوطين للخطر وهبذه الصفة مينع اللجوء إىل اإلضراب على‪:‬‬

‫‪-‬القضاة‪.‬‬

‫‪ -‬املوظفني املعينني مبرسوم أو املوظفني الذين يشغلون مناصب يف اخلارج‪.‬‬

‫‪-‬أعوان مصاحل األمن‪.‬‬

‫‪-‬األعوان امليدانيني العاملني يف مصاحل احلماية املدنية‪.‬‬

‫‪ -‬أعوان مصاحل استغالل شبكات اإلشارة الوطنية يف وازريت الداخلية والشؤون اخلارجية‪.‬‬

‫‪-‬األعوان امليدانيني العاملني يف اجلمارك‪.‬‬

‫‪-‬عمال املصاحل اخلارجية إلدارة السجون‪.‬‬

‫ب ــ القيود الجزائية الواردة على ممارسة حق اإلضراب‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫وردت هذه القيود يف القانون رقم ‪ 02-90‬املتعلق ابلوقاية من النزاعات اجلماعية يف العمل و تسويتها وممارسة‬
‫حق اإلضراب تعترب من أهم القيود اليت أوردها املشرع اجلزائري على ممارسة احلق يف اإلضراب يف هذا القانون وهو‬
‫إلزا م العمال املضربني بتقدمي احلد األدىن من اخلدمة الدائمة الضرورية ابلنسبة لبعض القطاعات وفقا لنص املادة‬
‫‪ 37‬من نفس القانون حيث نصت على أنه إذا كان اإلضراب ميس ابألنظمة اليت ميكن أن يضر انقطاعها التام‬
‫ابستمرار املرافق العمومية األساسي ة‪ ،‬أو ميس ابألنشطة االقتصادية احليوية‪ ،‬أو بتموين املواطنني‪،‬أو احملافظة على‬
‫املنشآت واألمالك املوجودة فيتعني تنظيم مواصلة األنشطة الضرورية فيشكل قدر أدىن من اخلدمة إجباري‪،‬أو انتج‬
‫عن مفاوضات أو اتفاقيات أو عقود ‪.‬‬

‫ولقد نص املشرع على إقامة هذا احلد األدىن من اخلدمات يف حالة ما إذا مشل اإلضراب أنشطة خيل توقفها‬
‫الكامل ابستمرارية املرافق العامة الضرورية ‪.1‬‬

‫كما جاء يف مضمون املادة ‪ 39‬من نفس القانون على أن حتدد كمية ونوعية هذا القدر األدىن من اخلدمة‬
‫مبقتضى االتفاقيات اجلماعية وإذا مل يكن ذلك فيمكن أن حتدد من طرف املستخدم أو السلطة اإلدارية املعنية‬
‫بعد استشارة ممثلي العمال‪.‬‬

‫ومل يكتف املشرع اجلزائري ابلنص على هذا املبدأ فحسب‪ ،‬بل إنه وتفاداي ألي إخالل بتفسري هذه األحكام أو‬
‫أي تقصري أو إمهال أو تفسري ضيق هلذه املادة‪،‬من جهة وضماان لتطبيق وتقدمي احلد األدىن اإلجباري يف بعض‬
‫القطاعات االقتصادية واالجتماعية واألمنية من جهة اثنية‪،‬فقد أجرب بعض مصاحل هذه القطاعات احليوية على‬
‫إلزا مية تقدمي حد أدىن إجباري من اخلدمة بغض النظر عن وجود أو عدم وجود اتفاقية أو عقد ينظم ذلك‪،‬واعترب‬
‫رفض العمال القيام هبذا الواجب‪ ،‬خطأ مهنيا جسيما وهو ما تضمنته املادة ‪40‬من القانون ‪.02-90‬‬

‫كما نصت املادة ‪ 38‬من القانون ‪ 02-90‬على أنه ينظم قدر األدىن من اخلدمة اإلجبارية يف بعض اجملاالت‬
‫كان الغرض من املشرع هنا احلفاظ على مصاحل املواطنني وذلك ملا خيلفه اإلضراب من ضرر على متوين األفراد‬
‫مبا حيتاجونه من سلع وخدمات واملساس ابألمن العام للبالد وضياع املصاحل املالية أو االقتصادية للبالد ويستوي‬
‫يف هذه القيود كل من املؤسسات واملرافق املسرية بصفة مباشرة من طرف اإلدارة أو تلك املسرية أو املدارة عن‬
‫طريق عقود االمتياز‪،‬حيث يفرض على احلائزين على عقود االمتياز التزام ضمان احلد األدىن من اخلدمة يف حالة‬
‫اإلضراب تطبيقا ملبدأ سري املرافق العامة ابنتظام واطراد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد أمين بوسماح ‪،‬المرفق العام في الج ازئر‪ ،‬ترجمة رحال بن اعمر‪-‬رحال موالي ادريس ‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ازئر‪1995،‬‬
‫‪،‬ص‪.115‬‬
‫‪29‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫إن سلطة اإلدارة املعنية واالمتيازا ت اليت منحها هلا القانون ال تتوقف عند فرض احلد األدىن من اخلدمة يف‬
‫بعض القطاعات والنشاطات احليوية‪،‬بل منها وسيلة قانونية أخرى تتمثل يف أمر التسخري كآلية استثنائية حتد من‬
‫اآلاثر املرتتبة عن اإلضراب‪.‬‬

‫قرار التسخری‪:‬‬
‫لقد نصت املادة ‪ 41‬من القانون ‪ 02-90‬السالف الذكر على أنه "‪:‬عمال ابلتشريع الساري املفعول ميكن أن‬
‫يؤمر بتسخري العمال املضربني الذين يشتغلون يف اهليئات أو اإلدارات العمومية أو املؤسسات لضمان استمرار‬
‫املصاحل العمومية األساسية بتوفري احلاجيات احليوية للبالد أو الذين ميارسون أنشطة الزمة لتمويل السكان"‪.‬‬

‫ونصت كذلك املادة ‪ 42‬من نفس القانون على انه ‪" :‬يعد عدم االمتثال ألمر التسخري خطأ جسيم دون املساس‬
‫ابلعقوابت املنصوص عليها يف القانون اجلزائي‪.‬‬

‫‪ 2‬ـــــــ تنظيم االستقالة ‪:‬‬


‫االس ـ ـ ــتقالة هي رغبة املوظف يف ترك الوظيفة إبرادته و بص ـ ـ ــفة هنائية ألس ـ ـ ــباب ش ـ ـ ــخص ـ ـ ــية و ال ميكن إجبار أي‬
‫شــخص يعمل ما دون رغبته و هلذا فهي من احلقوق املشــروعة للموظف العام‪ ،‬و إذا كانت االســتقالة أمرا مباحا‬
‫إال أنــه ال جيوز يف الظروف العــاديــة على األقــل إرغــام فرد على القيــام بعمــل ال يريــده ‪ ،‬فــإن هــذا احلق أن يقيــد‬
‫رعاية املصاحل العامة ‪ ،‬حيث كان من حق املوظف أن يستقيل من عمله ابملرفق العام ‪،‬و ليس من حقه أن يرتك‬
‫و يتخلى عن أداء مهامه فجأة أو كما يشاء و بدون إجراءات‪.‬‬

‫وسعيا منه لضمان استمرارية املرفق العام ابنتظام واطراد نصت خمتلف التشريعات الوظيفية الوطنية واملقارنة‬
‫املتعلقة ابلوظيفة العامة على حق االسـ ـ ـ ــتقالة فقد اعرتف املشـ ـ ـ ــرع اجلزائري للموظف حبقه يف االسـ ـ ـ ــتقالة ومغادره‬
‫املرفق العام بناءا على رغبته‪ ،‬ونظم شروط ممارستها وقيدها وذلك يف كل التشريعات الوظيفية اليت عرفتها الوظيفة‬
‫العامة يف اجلزائر منذ االستقالل إىل يومنا هذا‪.‬‬

‫لقـد اعرتف املشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع اجلزائري للموظف حبقـه يف ترك الوظيفـة العـامـة يف الوقـت الـذي يقـدر فيـه أن مصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلحتـه‬
‫تقتضـي ذلك ‪ ،‬وهذا إبقراره لالسـتقالة كحق اثبت و كسـب مشـروع من أسـباب انتهاء اخلدمة الوظيفية ‪ ،‬لذلك‬
‫نص عليه يف خمتلف التش ـريعات املتعلقة ابلوظيفة العمومية اليت عرفتها اجلزائر منذ االســتقالل إىل يومنا هذا ‪ ،‬و‬
‫عليه عرف تنظيم حق االس ـ ـ ــتقالة تطوار ملحوظا بداية من األمر رقم ‪ 133/66‬الس ـ ـ ــالف الذكر ‪ ،‬املتض ـ ـ ــمن‬
‫القانون األس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــي العام للوظيفة العمومية إىل غاية األمر رقم ‪ 03/06‬القانون احلال للوظيفة العامة ‪ ،‬حيث‬
‫نص األمر رقم ‪ 133/66‬على االس ـ ـ ـ ــتقالة كحالة إهناء خدمة املوظف ‪ ،‬حيث نظم اس ـ ـ ـ ــتقالة املوظف العمومي‬
‫من املواد ‪ 62‬إىل غاية ‪ ،66‬فنصت املادة ‪ 62‬منه‬
‫‪30‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫على مايلي "إن انتهاء املهام الذي يرتتب عليه فقدان صفة املوظف ينتج عن ‪ - :‬االستقالة ‪. ".....‬‬

‫ليصـدر األمر رقم ‪1 12/78‬املتضـمن القانون األسـاسـي للعامل ‪ ،‬حيث نص هذا القانون على االسـتقالة كحالة‬
‫من حاالت إهناء عالقة العمل احملددة ابملادة ‪ ، 92‬مث تطرق لالسـ ـ ــتقالة لوحدها يف املادة ‪ 93‬اليت نصـ ـ ــت على‬
‫مايلي" االستقالة حق معرتف به للعامل و‬

‫يتعني على العامل الذي يرغب يف إهناء عالقات العمل مع املؤسسة املستخدمة أن يقدم استقالته ‪"......‬‬

‫كما نص القانون ‪ ، 06/82‬على االسـتقالة يف الفصـل الثالث املتعلق ابألحكام املشـرتكة املتعلقة ابنتهاء عالقة‬
‫العمـل‪ ،‬حيـث اعتربهـا حـالـة من حـاالت انتهـاء عالقـة العمـل و تتم بنـاءا على طلـب مكتوب طبقـا ملـادتني ‪68‬و‬
‫‪ 69‬منه ‪.‬‬

‫كما نظم أيضـ ــا املرسـ ــوم ‪ ، 59/85‬املتضـ ــمن القانون األسـ ــاسـ ــي لعمال و اإلدارات العمومية حق االسـ ــتقالة يف‬
‫الباب الثامن املتعلق ابنتهاء عالقة العمل يف املواد ‪ 135،134 ،133‬منه و مل أييت هذا املرس ـ ـ ــوم جبديد مقارنة‬
‫مبا ورد يف األمر ‪ 133/66‬إال يف بعض النقاط منها أنه نص ص ارحة على أن االسـ ـ ـ ـ ـ ــتقالة هي حق معرتف به‬
‫لكل موظف يرغب يف إهناء عالقة العمل طبقا للمادة ‪.33‬‬

‫كما أشــار القانون ‪ 11/90‬إىل االســتقالة يف مادتني ذكرت أوهلا االســتقالة ضــمن حاالت إهناء عالقة العمل و‬
‫هي املادة ‪ ، 66‬مث املادة ‪ 68‬اليت اعرتفت ابالس ـ ـ ــتقالة كحق إذ نص ـ ـ ــت على أن " االس ـ ـ ــتقالة حق معرتف به‬
‫للعامل ‪.".....‬‬

‫كرسـها أيضـا املشـرع يف ظل األمر رقم ‪ 03/06‬املتعلق ابلقانون األسـاسـي العام للوظيفة العمومية احلال ‪ ،‬حيث‬
‫أن املوظف يعترب مسـتقيل عندما يعلن إرادته الصـرحية يف قطع العالقة اليت تربطه ابإلدارة بصـفة هنائية و هي عقد‬
‫معرتف بــه و خص هــذا احلق أبربعــة مواد كــاملــة من املــادة ‪ 217‬إىل املــادة ‪ 220‬يف الوقــت الــذي اكتفي فيــه‬
‫املشـ ـ ــرع ابإلشـ ـ ــارة إىل حاالت االنتهاء التام خلدمة املوظف دون التفصـ ـ ــيل فيها و ذلك يف املادة ‪ ، 216‬و هذا‬
‫دليل على خطورة اإلجراءات على املوظف و اإلدارة‪.‬‬

‫‪2‬ـــــ ‪ 1‬شروط ممارسة حق االستقالة‬

‫ميارس املوظف حقه يف االستقالة عن طريق تقدمي طلب يعلن فيه عن رغبته يف إهناء العالقة الوظيفية حيث تنص‬
‫املادة ‪ 218‬من األمر ‪03/06‬‬

‫‪ 1‬انون ‪ 12/78‬المؤرخ في ‪ 05‬أوت ‪ ، 1978‬المتضمن القانون األساسي للعامل ‪ ،‬الجريدة الرسمية للجمهورية الجازئرية الديمقراطية الشعبية‪،‬‬
‫العدد ‪ ، 32‬الصادرة بتاريخ ‪ 05‬أوت ‪ ، 1978‬ص‪. 724‬‬
‫‪31‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫س ـ ـ ـ ــالف الذكر " ال ميكن أن تتم االس ـ ـ ـ ــتقالة إال بطلب كتايب من املوظف يعلن فيه عن إرادته الص ـ ـ ـ ــرحية يف قطع‬
‫العالقة اليت تربطه ابإلدارة بص ــفة هنائية "كما نص ــت املادة ‪ 1/63‬من األمر ‪ 133/66‬س ــالف الذكر "ال ميكن‬
‫أن يكون لالسـ ـ ـ ـ ــتقالة مفعول إال بطلب خطي يقدمه املعين و يعرب فيه عن إاردته بدون غموض يف قطع الصـ ـ ـ ـ ــلة‬
‫اليت تربطه ابإلدارة إال فيما‬

‫يتعلق ابإلحالة على التقاعد" و نصت أيضا املادة ‪ 2/133‬من املرسوم ‪ 59/85‬سالف‬

‫الذكر " يرس ـ ـ ـ ــل املوظف طلبه عرب الطريق الس ـ ـ ـ ــلمي إىل الس ـ ـ ـ ــلطة اليت هلا ص ـ ـ ـ ــالحية التعيني و يبقى ملزما بتأدية‬
‫الواجبات املرتبطة مبهامه حىت صدور قارر السلطة املذكورة " ‪ ،‬و‬

‫بذلك يكون املشـرع قد أخذ ابالسـتقالة الصـرحية أو املكتوبة دون األخذ ابالسـتقالة الضـمنية ‪ ،‬و قد أحسـن فعال‬
‫يف عدم أخذه ابالســتقالة الضــمنية أو احلكمية ألهنا ال تعرب عن املعىن الصــحيح لالســتقالة اليت تقوم على ضــرورة‬
‫إبداء املوظف لرغبته الواضـ ـ ـ ـ ــحة و الصـ ـ ـ ـ ــرحية يف ترك الوظيفة كما أبداها حينما ترشـ ـ ـ ـ ــح لاللتحاق هبا ‪ ،‬و ابلتال‬
‫انقطاعه عن العمل ال يعترب يف كل األحوال قرينة مؤكدة على انص ـ ــراف نيته لالس ـ ــتقالة من جهة ‪ ،‬و من انحية‬
‫أخرى يعد االنقطاع عن العمل مبثابة خطأ مهين نظرا إلخالله مببدأ ســري املرفق العام ابنتظام و اطراد ‪ ،‬و هذا ما‬
‫ذهب إليه املش ـ ـ ـ ـ ـ ــرع اجلزا ئري حينما اعترب غياب املوظف بدون مربر مبثابة خطأ مهين يعاقب عليه ابخلص ـ ـ ـ ـ ـ ــم من‬
‫الراتب ‪.‬‬

‫و ابلتال ال ميكن االعتداد بطلب االستقالة إال بتوافر جمموعة من الشروط واملتمثلة يف ‪:‬‬

‫أ‪-‬أن يكون الطلب كتابي ‪:‬‬

‫أكد املشـ ـ ـ ــرع اجلزائري أنه ال ميكن أن تتم االسـ ـ ـ ــتقالة إال بطلب كتايب من املوظف امللزم ابلتصـ ـ ـ ـريح فيه و بدون‬
‫غموض يف اجتاه إرا دته الصــرحية إىل قطع عالقة اليت تربطه ابإلدارة بصــفة هنائية ‪ ،‬و قد ذهبت النصــوص الســابق‬
‫املنظمة للوظيفة العمومية ابجلزائر ال س ـ ـ ـ ـ ــيما األمر ‪ 133/66‬س ـ ـ ـ ـ ــالف الذكر إىل حد اش ـ ـ ـ ـ ــرتاط أن يكون طلب‬
‫االس ـ ــتقالة خطيا ‪ ،‬إدراكا من املش ـ ــرع أن املوظف املقبل على االس ـ ــتقالة ال يكون يف وض ـ ــعية نفس ـ ــية الئقة ‪ ،‬أي‬
‫حتت أتثري عوامل خارجية كاإلكراه أو التوتر و مبا يلزم حترير طلب اس ــتقالته یط يده الذي قد مينحه الفرص ــة يف‬
‫الرتيـث و التفكري مليـا يف هـذا اإلجراء اخلطري الـذي يكون لـه انعكـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلبيـة على حيـاة املوظف‪ 1‬أو يف‬
‫استمرارية املرفق العام ابنتظام ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫رشيد حباني ‪ ،‬دليل الموظف و الوظيفة العمومية ‪ ،‬دار النجاح للكتاب ‪ ،‬الج ازئر ‪ ، 2012 ،‬ص ‪. 78‬‬

‫‪32‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫و قد تقرر اشـ ـ ــرتط الكتابة يف االسـ ـ ــتقالة ملصـ ـ ــلحة املوظف ابعتبارها دليل على رغبته األكيدة يف ترك الوظيفة‬
‫وأنه أقدم عليها بعد تفكري و إمعان للنظر‪ ،‬كما أن االسـ ـ ــتقالة املكتوبة من جهة أخرى متكن اإلدارة من التأكد‬
‫من رغبة املوظف يف االستغناء عن الوظيفة‪.‬‬

‫كما جتدر اإلشـ ـ ــارة أن املشـ ـ ــرع اجلزائري مل حيدد شـ ـ ــكال معينا لطلب االسـ ـ ــتقالة مكتفيا بشـ ـ ــرط اإلعالن عن‬
‫اإلرا دة الصـ ــرحية يف إهناء اخلدمة ‪ ،‬و ابلتال يكون الطلب صـ ــحيحا مبجرد إرسـ ــاله إىل السـ ــلطة املختصـ ــة ابلتعيني‬
‫عن طريق السـ ــلم اإلداري و تضـ ــمينه ألفاظ و عبارات واضـ ــحة و دالة على انصـ ـراف إرادة املوظف الصـ ــرحية إىل‬
‫إهناء العالقة الوظيفية بصفة هنائية ‪.‬‬

‫ب ‪-‬عدم تعليق االستقالة على شرط ‪:‬‬

‫يش ــرتط الفقه لص ــحة طلب االس ــتقالة املقدم من املوظف العام أن خيلو من أية ش ــروط يعلق عليها ص ــدور القرار‬
‫اإلداري بقبول االســتقالة ‪ ،‬و ذلك ألن الشــروط قد تثري الشــك يف رغبة املوظف العام يف االســتقالة ‪ ،‬فقد يكون‬
‫هـدفـه من تقـدمي االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقـالـة ليس إهنـاء خـدمتـه و إمنـا حـث اإلدارة على حتقيق مطـالبـه ‪،‬و ابلرجوع إىل املشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع‬
‫اجلزائري جنــد أن املواد األربعــة اليت نظمــت االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقــالــة من املــادة ‪ 217‬إىل املـادة ‪ 220‬من األمر ‪ 03/06‬مل‬
‫تتضمن مسألة االستقالة املشروطة ‪ ،‬و عليه يتوجب على اإلدارة التأكد و فحص بدقة طلب االستقالة و مراعاة‬
‫األلفاظ و العبارا ت اليت يتضمنها هذا الطلب للتأكد من الرغبة احلقيقة للموظف يف ترك اخلدمة ‪.‬‬

‫ج‪-‬أن تكون استقالة الموظف صادرة عن إرادة حرة ‪:‬‬

‫جيب أن تكون اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالة املوظف ص ـ ـ ـ ـ ـ ــادرة عن إ اردة حرة أي مبحض إ اردته و اختياره ‪ ،‬و ابلتال إذا ثبت أن‬
‫االس ـ ــتقالة حتت ض ـ ــغط أو إك اره كانت االس ـ ــتقالة ابطلة ‪ ،‬و كذلك لو ص ـ ــدر طلب االس ـ ــتقالة عن إ اردة غري‬
‫واعية أو غري مدركة لنتائج أفعاهلا ‪ ،‬كما لو صـ ـ ــدرت حتت أتثري املرض الشـ ـ ــديد الذي مينع التعبري الصـ ـ ــحيح عن‬
‫اإلرادة كإصابة املوظف مبرض ‪ ،‬أو أن االستقالة متت إبرادة غري مدرك للنتائج املرتتبة عنها ‪.‬‬

‫و لذلك و نظرا ألن االسـ ـ ـ ــتقالة تصـ ـ ـ ــرف قانوين مبين أسـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ــا على إرادة املوظف العام و رغبته يف إهناء العالقة‬
‫الوظيفية ‪ ،‬كان ال بد أن ختلو هذه اإلرادة من كل العيوب ال سـ ـ ـ ــيما عيب اإلكراه س ـ ـ ـ ـواء املادي أو املعنوي ‪ ،‬و‬
‫ابلتال جيب أن يكون طلب االس ـ ـ ــتقالة ص ـ ـ ــادر عن إرادة املوظف الص ـ ـ ــحيحة حبيث أن ال يكون قد ش ـ ـ ــاهبا أي‬
‫عيب من عيوب اإلرادة ‪ ،‬فغالبا ما يقوم القاضــي اإلداري إبلغاء القرارات الصــادرة بقبول اســتقاالت املوظفني إذا‬
‫ثبت عدم إعالم املوظف بنتائج تص ــرفه أو أنه قد تعرض لض ــغوطات ‪ ،‬و ذلك راجع لآلاثر اهلامة عن االس ــتقالة‬
‫و أتثريها عن احلياة املهنية للموظف‪ ،1‬و يرتتب على إلغاء قبول االس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالة اعتباره كأن مل يكن‪ ،‬و ابلتال يزول‬

‫‪ 1‬أنور أحمد رسالن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪442‬‬


‫‪33‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫القرار و كـافـة اآلاثر القـانونيـة املرتتبـة عنـه ‪ ،‬ممـا يلزم اإلدارة بتمكني املوظف من كـل احلقوق و االمتيـازات اليت كـان‬
‫يتمتع هبا قبل قبول االستقالة‪ ،‬فضال عن حقه يف املطالبة ابلتعويض عما حلقه من ضرر‪.‬‬

‫د‪ -‬أ ن يكون طلب االس ـ ـ ـ ـ ــتقالة فردي ‪:‬تعترب االس ـ ـ ـ ـ ــتقالة حق اثبت للموظف جيب أن ميارس يف إطار القانون ‪،‬‬
‫حيث يلتزم بتقدمي طلب فردي و ليس مجاعي يعلن فيه أن إ اردته الصـرحية يف قطع عالقته ابلوظيفة بصـفة هنائية‬
‫‪ ،‬كما جيب أن ميارس هذا احلق بص ـ ـ ـ ــفة فردية يف الوقت الذي يقدر فيه أن مص ـ ـ ـ ــلحته تكمن يف مغادرة الوظيفة‬
‫العامة ‪ ،‬ألن ممارسة هذا احلق بشكل مجاعي يعد خروجا عن املنطق القانوين الذي شرعت من أجله االستقالة ‪،‬‬
‫كما يعد تعس ــفا يف اس ــتعمال هذا احلق و يتعارض بش ــكل ص ــارخ مع مبدأ اثبت و هو مبدأ اس ــتم اررية امل ارفق‬
‫العامة و س ــريو رهتا ابنتظام و اطرا د ‪ ،‬لذلك فقد جرمت االس ــتقالة اجلماعية يف أغلب التش ـريعات املقارنة ‪ ،‬كما‬
‫جرمها املشرع اجل ازئري يف قانون العقوابت املادة ‪ 115‬منه ‪.‬‬

‫ه‪-‬استمرار الموظف في أداء عمله إلى حين صدور ق ارر الجهة المختصة‪:‬‬
‫حيث أمجعت خمتلف قوانني الوظيفة العامة السـابقة ‪ ،‬على وجوب اسـتمرار املوظف املسـتقيل يف أداء مهامه إىل‬
‫حني صـدور قرار اجلهة املختصـة ابلتعيني ‪ ،‬و ذلك من أجل احلفاظ على اسـتمرارية املرفق العام ‪ ،‬و هذا ما أقرته‬
‫املادة ‪ 219‬من األمر ‪ ، 03/06‬و قد حدد املشـ ــرع مدة شـ ــهرين للسـ ــلطة املختصـ ــة الختاذ قرارها بشـ ــأن طلب‬
‫االس ـ ـ ـ ــتقالة ابتداء من اتريخ إيداع الطلب حس ـ ـ ـ ــب املادة ‪ ، 1/220‬املالحظ من هذه املادة أن املش ـ ـ ـ ــرع عندما‬
‫أعطى اإلدارة مدة شــهرين الختاذ قرار االســتقالة هو احلفاظ على مبدأ اســتمرارية املرفق العام ابنتظام و اطراد أوال‬
‫‪ ،‬الن مبجرد قبوهلا الطلب يؤدي إىل توقف املصـ ـ ـ ــاحل العمومية و ابلتال خيتل التوازن املرفقي ‪ ،‬كما أضـ ـ ـ ــاف مدة‬
‫ش ـ ــهرين آخرين إذا اس ـ ــتدعت الض ـ ــرورة القص ـ ــوى يف حالة عدم متكن اإلدارة من البديل‪ ،‬و أن املعين ابالس ـ ــتقالة‬
‫جيب أن ينهي معامالته الواجبة علية و متريرها إىل غريه حســب ما تقتضــيه اإلجراءات القانونية ‪ ،‬و ابلتال أربعة‬
‫أشهر كافية للحفاظ على سري املرفق العام ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الضمانات القضائية‪:‬‬

‫إضافة إىل الضماانت التشريعية اليت وضعها املشرع الستمرار املرفق العام وحتقيق املنفعة العامة اليت أوجد من أجلها‪،‬‬
‫توجد ضماانت قضائية أوردها القضاء اإلداري من أجل محاية دميومة املرفق العام و سريه ابنتظام واطراد يف حالة‬
‫الظروف االستثنائية والعادية‪ ،‬وهذا هبدف تفادي حدوث أي انقطاع أو تعطيل يف سري املرفق العام ألنه سيؤدي‬
‫حتما إىل نشوب أضرار ابملصلحة العامة من جهة و حبقوق األفراد من جهة أخرى ‪.‬‬

‫هلذا أوجد القضاء اإلداري نظريتني كضماانت قضائية للحفاظ على سري املرفق العام ابنتظام واطراد ومها‬
‫نظرية الظروف الطارئة اليت أقرها القضاء الفرنسي لضمان استمرار نشاط املرفق العام يف احلاالت املفاجئة مع‬

‫‪34‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫احلفاظ على التوازن املال بني اإلدارة وصاحب االلتزام و نظرية املوظف الفعلي اهلادفة إىل تفادي توقف سري املرفق‬
‫العام يف احلاالت االستثنائية والعادية كحالة وجود عيب يف تعيني املوظف أو يف تفويضه لتسيري املرفق العام‪.‬‬

‫‪ 1‬ــ نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬

‫إن من بني الضماانت القضائية اليت تضمن دوام سري املرافق العامة ابنتظام واطراد جند نظرية الظروف الطارئة‬
‫واليت يقصد هبا ظهور حوادث مفاجئة أثناء تنفيذ العقد أو ظروف خارجة عن إرادة املتعاقد مع اإلدارة ومل تكن‬
‫متوقعة عند التعاقد فيرتتب عليها إرهاق للمتعاقد مع اإلدارة خيشى معه ابستم ارر هذه الظروف أن يعجز امللتزم‬
‫عن االستم ارر يف إدارة املشروع و استغالله مما يؤدي إىل تعطيل سري املرفق العام فالعقود اإلدارية هي من أهم‬
‫الوسائل اليت تلجأ إليها اإلدارة من اجل حتقيق املصلحة العامة عن طريق تنفيذها على أحسن وجه من أجل ضمان‬
‫‪1‬‬
‫سري املرفق العام ابنتظام واطراد‪.‬‬

‫لقد عرفت نظرية الظروف الطارئة تطوار ملحوظا بدءا من العصور القدمية إىل العصور الوسطى فالعصور احلديثة‬
‫‪،‬ولقد كانت نشأهتا يف ابدئ األمر يف ظل القانون العام‪ ،‬إذ مل يكن القضاء املدين ليوافق على تطبيقها على عالقات‬
‫القانون اخلاص ‪،‬وقد بذلت حماوالت لتطبيقها يف احملاكم الفرنسية و املصرية فباءت ابلفشل‪،‬أما ابلنسبة للقانون‬
‫العام فقد طبقها جملس الدولة الفرنسي منذ أوائل القرن ‪ 19‬وكانت أول قضية طبقت فيها هذه النظرية هي قضية‬
‫غاز مدينة بوردو ‪ ،‬الصادر فيها حكم جملس الدولة الفرنسي يف ‪.1916/07/30‬‬

‫فقد أخذ القضاء اإلداري الفرنسي هبذه النظرية وطبقها خالل احلربني العامليتني بسبب تبدل الظروف االقتصادية‬
‫وتغريها وأتثريها يف تنفيذ عقود الت ازم امل ارفق العامة‪ .‬كما اضطر املشرع الفرنسي إىل إصدار قوانني اوجد فيها‬
‫ص ارحة حلوال تقوم على مبدأ نظرية الظروف الطارئة تنص على فسخ العقد أو تعديله بسبب الظروف االقتصادية‬
‫منها ‪ :‬قانون فايو بتاريخ ‪ ، 1918/01/21‬قوانني متعلقة ابإلجيار سنة ‪ 1925‬و سنة ‪ 1927‬و قانون شبيه‬
‫بقانون فايو‪ 2‬سنة ‪.1949‬‬

‫وابلتال فهناك عالقة وطيدة بني نظرية الظروف الطارئة وسري املرفق العام وهذا من أجل حتقيق املصلحة العامة و‬
‫تقدمي اخلدمات للمنتفعني ‪.‬‬

‫‪ 1‬مبدأ استم اررية المرفق العام في القانون الجزائري دراسة مقارنة مذكرة لنيل شهادة الماستر قانون إداري للطالبتين لوط عائشة و بن زعباط حورية‬
‫‪2‬‬
‫عبد السالم الترمانيني‪ ،‬نظرية الظروف الطارئة‪،‬د ارسة تاريخية ومقارنة للنظرية في الشريعة والش ارئع األوروبية وتطبيقات النظرية في تقنيات‬
‫البالد العربية‪،‬دار الفكر ‪،‬بيروت‪،‬سنة ‪ ، 1971‬ص ‪ ، 29-26‬نقال عن أحمد يوسف عبد الرحمان بحر‪ ،‬نظرية الظروف الطارئة و أثرها على العقد‬
‫اإلداري –د ارسة مقارنة‪ ، -‬رسالة ماجستير ‪ ،‬كلية الشريعة و القانون في الجامعة اإلسالمية غزة ‪ ، 2017 ،‬ص ‪. 63‬‬

‫‪35‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫نظرية الظروف الطارئة أصال هي من القضاء اإلداري وابلتحديد جملس الدولة الفرنسي الذي اقرها بتاريخ‬
‫‪ 1916/05/30‬بشأن إانرة مدينة بوردو‪.‬‬

‫وتتلخص وقائع هذه القضية كون الشركة امللتزمة بتوريد الغاز ملدينة بوردو وأثناء تنفيذها للعقد وجدت األسعار‬
‫اليت تتقاضاها ابعد بكثري من أن تغطي النفقات بعد ارتفاع أسعار الفحم املستخرج منه الغاز ارتفاعا كبی ار عقب‬
‫نشوب احلرب العاملية األوىل حبيث ارتفع سعر الفحم إىل أكثر من ثالث أمثاله حيث كان مبلغ طن الفحم عند‬
‫إب ارم العقد سنة ‪1904‬م ‪ 23‬فرنك فرنسي ‪ ...‬ويف عام ‪ 1916‬كان ‪ 73‬فرنك فرنسي مما استحال معه تنفيذ‬
‫الشركة اللت ازماهتا التعاقدية فطلبت الشركة من بلدية بوردو املتعاملة معها رفع األسعار من املنتفعني فرفضت هذه‬
‫األخرية ذلك (البلدية) ومتسكت بشروط العقد استنادا إىل مبدأ العقد شريعة املتعاقدين فعرض هذا الن ازع على‬
‫جملس الدولة الذي أقر فيه نظرية الظروف الطارئة كسبب إلعادة التوازن املال للعقد ‪.‬‬

‫ومن هنا يتضح أن نظرية الظروف الطارئة ال جتعل تنفيذ العقد مستحيال مثل ماهو عليه يف حالة القوة القاهرة‬
‫‪،‬فالتنفيذ يف نظرية الظروف الطارئة يبقى ممكنا ولكنه مرهق وعلى ذلك ال يعفى املتعاقد من تنفيذ العقد وله احلق‬
‫يف الطلب من اإلدارة أن تساهم يف حتمل بعض اخلسائر اليت تلحق به ضماان حلماية املرفق العام واستم ارره يف أداء‬
‫اخلدمة دون انقطاع تطبيقا ملبدأ السري احلسن للمرفق العام ابنتظام واطراد‪.‬‬

‫ونصت املادة ‪ 107‬من القانون املدين اليت تقضي " جيب أن ينفذ العقد طبقا ملا اشتمل عليه وحبسن نية وال‬
‫يقتصر العقد على التزام املتعاقد مبا ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون و العرف و‬
‫العدالة حبسب طبيعة االلت ازم ‪ ،‬غري انه إذا ط أرت حوادث استثنائية عامة مل يكن يف الوسع توقعها وترتب على‬
‫حدوثها تنفيذ االلت ازم التعاقدي ٕوان مل يصبح مستحيال صار مرهقا للمدين حبيث يهدد یسارة فادحة جاز‬
‫للقاضي تبعا للظروف وبعد م ارعاة مصلحة الطرفني أن يرد االلت ازم املرهق إىل احلد املعقول ويقع ابطال كل‬
‫اتفاق على خالف ذلك ‪.‬‬

‫فمن خالل هذه املادة يف فقرهتا الثانية فإن القضاء اإلداري اجلزائري أخذ دائما بنص هذه املادة يف أحكامه‬
‫اخلاصة هبذا املوضوع وأعطى يف نفس الوقت السلطة التقديرية الجتهاد القاضي يف تقييم الظرف الطارئ ورد التوازن‬
‫املال للعقد اإلداري حفاظا منه على رفع الضرر الذي يلحق أطراف العقد من جهة وتطبيقا ملبدأ سري حسن املرفق‬
‫العام ابنتظام واطراد من جهة أخرى ‪.‬‬

‫شروط تطبيق النظرية‪.‬‬


‫ومن خالل ما سبق فی ما تقدم والسيما نص املادة ‪ 107‬من القانون املدين اجلزائري فإنه يشرتط لتحقيق‬
‫هذه النظرية توافر شروط منها‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫وقوع حوادث استثنائية عامة غري متوقعة بعد إبرا م العقد وأثناء تنفيذه وال ميكن دفعها أو تداركها مثل ‪ :‬الظروف‬
‫االقتصادية‪ ،‬ارتفاع األسعار ارتفاعا فاحشا‪،‬أو الظروف السياسية كاإلعالن عن احلرب وما إىل ذلك أو الظروف‬
‫الطبيعية كحدوث الزالزل أو الفيضاانت فهذه الظروف غري متوقعة ال ميكن دفعها وهي من ابب املفاجأة‪.‬‬

‫أن يكون احلادث الطارئ خارج عن إرادة املتعاقد ومستقال عن إرادته فال يستطيع أن يستفيد من هذه النظرية إذا‬
‫كان متسببا يف إحداث هذا الظرف الذي جعل تنفيذ التزامه مرهقا و كذلك يلزم أن ال تكون اإلدارة هي املتسببة‬
‫يف إحداثه یطئها أو فعلها فإذا كان هذا القبيل فنكون أمام مسؤولية تقصريية تستوجب التعويض وليس ظرفا‬
‫طارائ‪.‬‬

‫أن يؤدي الظرف الطارئ إىل خسائر غري مألوفة من شأهنا أن تؤدي اضطراب يف التوازن املال للعقد و إرهاق‬
‫املتعاقد وعلى ذلك فإن حدوث اخلسائر البسيطة للمتعاقد ال تسمح االستفادة من هذه النظرية اليت تستلزم أن‬
‫تكون اخلسارة انشئة عن الظرف الطارئ جسيمة جتاوز اخلسارة العادية املألوفة أي تؤدي إىل إرهاق امللتزم ولكي‬
‫يتم تقييم هذه اخلسارة يستلزم على القاضي أن يرى هذه اخلسارة على جممل العقد‪.‬‬

‫أن يستمر املتعاقد يف تنفيذ العقد مادمنا أمام متثيل عقد خاص ابملرفق العام فيجب أن يكون امللتزم قائما ومل يتم‬
‫تنفيذه نتيجة هذا اإلرهاق مبعىن أن ت كون املدة الزمنية للعقد مستمرة وإن تنفيذ العقد يف هذه املدة يؤدي إىل حتقيق‬
‫الظروف الطارئة وهذا ما حيصل غالبا يف عقود االمتياز وعقود التوريد واألشغال العامة ‪ ،‬ألن االستم ارر يف تنفيذ‬
‫العقد رغم اإلرهاق الذي حصل للملتزم يعطي األحقية للملتزم يف طلب تدخل القضاء وختفيف حدة اإلرهاق فإذا‬
‫توقف حيق له االستفادة من نظرية الظروف الطارئة بفسخ العقد وال حيق له املطالبة ابلتعويض ألن اهلدف الرئيسي‬
‫يف هذه النظرية هو مساعدة املتعاقد على تنفيذ الت ازمه التعاقدي وحتقيق املصلحة العامة حفاظا على استم اررية‬
‫املرفق العام ابنتظام واط ارد وهلذا يكون التعويض هنا يف هذه احلالة تعويضا جزئيا عن اخلسارة احملققة وبقيمة‬
‫اإلرهاق وال ميكن له أن يطالب ابلتعويض بدعوى أن أرابحه قد نقصت‪.‬‬

‫اآلثار المترتبة على تطبيق نظرية الظروف الطارئة ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ التزام املتعاقد مع اإلدارة ابالستمرار يف تنفيذ العقد‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ حق املتعاقد يف احلصول على معاونة اإلدارة ‪.‬‬

‫‪ 2‬ــــــ نظرية الموظف الفعلي‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫إضافة إىل نظرية الظروف الطارئة جند من بني الضماانت القضائية اليت تضمن دوام سري املرافق العامة‬
‫ابنتظام واطراد نظرية املوظف الفعلي وهي من أهم الوسائل اليت تلجأ إليها اإلدارة من أجل حتقيق املصلحة العامة‬
‫عن طريق تنفيذها على أحسن وجه من أجل ضمان سري املرفق العام ابنتظام واطراد‪.‬‬

‫والموظف الفعلي هو الشخص الذي يقوم أبعمال الوظيفة العامة سواء صدر بتعيينه قرار خاطئ أو معيب أو‬
‫‪1‬‬
‫مل يصدر بتعيينه قرار إطالقا‪.‬‬

‫و عرفه البعض أبنه شخص مل يصدر قرار تعيينه يف الوظيفة العامة أو صدر قرار لكنه صدر معيبا‪ ،‬وقام مبمارسة‬
‫بعض التصرفات أو االختصاصات املعهودة ملوظف عام‪.‬‬

‫و أضاف البعض أبنه " الذي يقوم ببعض األعمال دون أن يصدر ق ارر بتعيينه أو صدر القرار و لكن كان معيبا‪.‬‬

‫األساس القانوني لنظرية الموظف الفعلي‪.‬‬

‫نظرية املوظف الفعلي هي نظرية خلقها و طبق أحكامها جملس الدولة الفرنسي حفاظا على مبدأ استمرارية املرفق‬
‫العام ابنتظام و اطرا د‪ ،‬و ذلك يف الظرف االستثنائية و العادية على حد سواء‪ ،‬فمن خالل هذا الفرع سوف نتطرق‬
‫إىل تطبيقات هذه النظرية‪.‬‬

‫أوال‪ -‬في الظروف العادية ‪ :‬إن األساس القانوين لنظرية املوظف الفعلي يف الظروف العادية هو فكرة الظاهر‬
‫‪ ،‬فأساس االعرتا ف بشرعية األعمال و التصرفات الصادرة عن املوظف الفعلي و ترتيبها ملختلف اآلاثر القانونية‬
‫يعود إىل ما يتمتع به ذلك املوظف يف الظروف العادية من مظاهر خارجية تؤدي إليهام املتعاملني معه و تدفعهم‬
‫هذه املظاهر إىل االعتقاد بصحة شغل املوظف للوظيفة ‪ ،‬إذ ال يعقل أن نطلب من كل شخص يتعامل مع موظف‬
‫عام أن يتأكد من صحة شغله للوظيفة العامة ‪ ،‬فاالعتداد ابلظاهر يستهدف توفري األمن و االستقرار يف اجملتمع‬
‫‪ ،‬و ضمان سري املرافق العامة ابنتظام و اطراد ‪ ،‬ألن توفري األمن يتعلق ابلثقة يف التعامل مع اإلدارة ‪ ،‬و هذه الثقة‬
‫قد ختتل إذ مل ترتب تصرفات اإلدارة مع األف ارد خمتلف آاثرها يف األحوال اليت توحي بصحة تلك التصرفات ‪،‬‬
‫األمر الذي قد يدفع األف ارد إىل العدول عن التعامل مع اإلدارة ‪ ،‬و هذا بال شك سيؤثر على امل ارفق العامة ‪،‬‬
‫و يفقد الثقة هبا من جانب األفراد‪.‬‬

‫ثانيا‪-‬في الظروف االستثنائية ‪ :‬إن األساس القانوين لنظرية املوظف الفعلي يف الظروف االستثنائية تتمثل‬
‫يف الظرف االستثنائي ذاته ‪ ،‬و يف ضرورة سري املرفق العام ابنتظام و اطراد ‪ ،‬ففي حالة قيام الثوارت و احلروب و‬
‫الكوارث الكربى ختتل األمور ‪ ،‬و قد يتوىل الوظيفة العامة أشخاص عاديون و يتعامل معهم اجلميع و هم يعلمون‬

‫‪ 1‬أنور أحمد رسالن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 215‬‬


‫‪38‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫أهنم ليسو موظفني عموميني ‪،‬و ليس هلم أي مظهر من مظاهر الوظيفة العامة ‪ ،‬و مع ذلك يعرتف أبعمال و‬
‫تصرفات هؤالء املواطنني ضماان لسري املرفق العام ابنتظام و اطراد يف هذا الظرف االستثنائي‪.‬‬

‫و ابلتال يف هذا التطبيق جند مبدأ دوام سري املرفق العام ابنتظام و اط ارد هو األساس الوحيد لشرعية أعمال‬
‫املوظف الفعلي ‪ ،‬و يقصد ابلظرف االستثنائي هذا معناه الدقيق كحالة احلرب أو الفتنة املسلحة أو الثوارت ‪ ،‬ففي‬
‫هذه احلالة كما أشران سابقا خيتل نظام الدولة العام و حيدث أن يهجر بعض املوظفني وظائفهم يف املدينة أو بعض‬
‫املناطق ‪ ،‬فيقوم بعض املواطنني العاديني بتسيري املرافق العامة يف املدينة أو املنطقة تطوعا منهم خلدمة اآلخرين‪.‬‬

‫فالقضاء اإلداري أقر بشرعية أعماهلم و قراراهتم رغم عدم تنصيبهم الرمسي ‪ ،‬و كان األساس الذي‬
‫استند إليه القضاء هو مبدأ ضرورة سري املرفق العامة بدوام و انتظام حىت ال تتعطل مصاحل الناس ‪ ،‬و ال شك أن‬
‫هذا الدور التطوعي للموظف الفعلي يف هذه الظروف االستثنائية ينتهي مبجرد عودة املوظفني الرمسني أو تعيني‬
‫غريهم ‪.‬‬

‫و لكي يتم إضفاء صفة املشروعية على أعمال األفراد العاديني يف الظروف االستثنائية ال بد من توفر عدة شروط‪:‬‬
‫*أن ختتفي السلطات الشرعية كليا‪.‬‬
‫*أن يكون تصدي األفراد العاديني ملزاولة مهمات الوظيفة العامة ضروراي لسري املرفق العامة األساسية‪.‬‬
‫*أن تنطوي الظروف االستثنائية على درجة عالية من اخلطورة و اجلسامة‪.‬‬
‫*جيب أن تقتصر مباشرة هؤالء األفراد على إصدار القرارات اليت تندرج ضمن اختصاص املوظف القانوين فقط‪.‬‬
‫و من هنا يتعني على القضاء قبل احلكم مبشروعية القرارات اإلدارية الصادرة يف الظروف االستثنائية‬
‫التحقق و التثبت من طبيعة القرارا ت اإلدارية الصادرة و الظروف و املالبسات الواقعية اليت صدرت يف ظلها هذه‬
‫الق ارارت اإلدارية و هكذا يكون مبدأ دوام سري امل ارفق العامة ابنتظام و اط ارد هو األساس القانوين إلضفاء‬
‫املشروعية على القرارات الصادرة على املوظفني الفعليني يف الظروف االستثنائية ‪.‬‬

‫و قد طبق جملس الدولة الفرنسي هذه النظرية يف الظروف االستثنائية يف عدة مناسبات منها حكمه‬
‫الصادر يف ‪ 05‬مارس سنة ‪ 1948‬يف قضية ماريون (‪ )MARION‬و اليت تتلخص وقائعها يف أن جمموعة‬
‫من األشخاص قام وا بتكوين جلنة لرعاية مصاحل ألحد األقاليم ‪ ،‬على إثر تعرض هذا اإلقليم للغزو من قبل اجليش‬
‫األملاين ‪ ،‬و الذي أدى إىل ف ارر أعضاء اجمللس البلدي خوفا من الوقوع يف أيدي سلطات االحتالل ‪ ،‬و قامت‬
‫هذه اللجنة املشكلة ابالستيالء على البضائ ع و األغذية لضمان توفريها للمواطنني ‪ ،‬و على أثر ذلك قام املذكور‬
‫أعاله و آخرون ابلطعن هبذه الق ارارت الصادرة عن اللجنة ‪ ،‬مستندين على أن تصرفاهتا ال تستند إىل أي أساس‬
‫قانوين ‪ ،‬و كان رد جملس الدولة الفرنسي على هذه الدعوى برفض هذا الطعن املقدم إليه رغم تسليمه أبن هذه‬
‫اللجنة تشكل سلطة فعلية ليس هلا أي صفة إدارية ‪ ،‬و ذلك استنادا إىل أن الظروف االستثنائية اليت جنمت عن‬
‫‪39‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫هذا الغزو هلذا اإلقليم من شاهنا إضفاء طابع الضرورة و االستعجال على التصرفات اليت قامت هبا هذه اللجنة ‪،‬‬
‫مما يستتبع اعتبار هذه الق ارارت صحيحة و سليمة و قانونية و كأهنا صادرةعن سلطة إدارية ‪.‬‬

‫اآلثار المترتبة على نظرية الموظف الفعلي‪.‬‬

‫في الظروف العادية‪:‬‬

‫قرر التعيين ‪:‬‬


‫‪ 1‬ــ آثار تصرفات الموظف الفعلي في حالة بطالن ا‬

‫و حيدث ذلك عندما يتوىل املوظف مهام الوظيفة ‪ ،‬مث يتبني عدم توافر الشروط الالزمة لشغل الوظيفة أو بطالن‬
‫ق ارر التعيني ألي سبب من األسباب ‪ ،‬و هو ما بنجم عنه إلغاء ق ارر التعيني ‪ ،‬حيث إن املركز القانوين للموظف‬
‫الذي فوض تفويضا غري مشروع ‪ ،‬ال خيتلف كثريا عن املركز القانوين للموظف الذي عني تعيينا غري مشروع ‪ ،‬لذلك‬
‫جيب إعمال نظرية املوظفني الفعليني يف جمال التفويض غري املشروع ‪ ،‬بغية إسباغ الشرعية على األعمال اليت قام‬
‫إبجنازها املوظف الذي فوض تفويضا خمالفا للقانون ‪ ،‬حرصا على مصلحة الغري حسين النية الذين أكد هلم املوظف‬
‫الظاهر أنه املوظف املختص ‪ ،‬و يؤدي من حيث النتيجة إىل إعادة احلال إىل ما كان عليه قبل التعيني ‪ ،‬إال أن‬
‫القضاء العريب و الفرنسي أضفى الشرعية على التصرفات الصادرة على املوظف الذي تقرر إلغاء قرار تعيينه تطبيقا‬
‫لفكرة الظاهر و تفادي اإلض ارر ابلغري حسن النية و امل ارفق العامة‪ ،‬و بذلك فإن القضاء قد فضل فكرة استقرار‬
‫املراكز القانونية و حسن سري امل ارفق العامة ‪ ،‬على فكرة احلجية املطلقة للحكم ابإللغاء ‪.‬‬

‫‪ -2‬آثار تصرفات الموظف الفعلي في حالة االستمرار غير المشروع في الوظيفة ‪:‬‬
‫تتحقق يف هذه احلالة عندما يكون قرار تعيني املوظف صحيحا ‪ ،‬مث ينتهي ألي سبب من األسباب إال أنه يستمر‬
‫يف القيام مبهام الوظيفة ‪ ،‬على الرغم من انفصام ال اربطة الوظيفية بينه و بني اإلدارة ‪ ،‬فما اآلاثر املرتتبة على ذلك‬
‫‪ ،‬جيمع الفقه على االعت ارف بصحة التصرفات الصادرة عن املوظف يف هذه احلالة ‪ ،‬و ذلك ال يقتصر على‬
‫األعمال اليت يقوم هبا مثل هذا املوظف يف املدة من صدور ق ارر إهناء خدمته ‪ ،‬ذلك أن ترتيب تلك التصرفات‬
‫ملختلف آاثرها ال يرجع إىل حسن نية املوظف أو عدم عمله بق ارر إهناء اخلدمة‪ ،‬و لكنه يقوم على اعتبارات‬
‫محاية الغري حسن النية و ضرورة حسن سري املرافق العامة‪،‬و قد استقر اجتهاد جملس الدولة الفرنسي على إمكانية‬
‫أن يبقى املوظف شاغال لوظيفته بعد انتهاء قرار تعيينه ‪ ،‬حىت يتم تعيني خلفه ‪ ،‬و ذلك إذا كان هذا البقاء ضروراي‬
‫مل ارعاة ظروف خاصة مرتبطة مبسؤوليات الوظيفة اليت يشغلها هذا املوظف ‪ ،‬و استنادا إىل متطلبات سري املرافق‬
‫العامة ابنتظام و اطراد ‪.‬‬

‫آثار تصرفات الموظف الفعلي في حالة انعدام سند الوظيفة ‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫يف هذه احلالة يشغل أحد األشخاص الوظيفة دون صدور ق ارر بتعيينه فيها و لو كان ابطال ‪ ،‬و من املفرتض أن‬
‫تكون التصرفات اليت تصدر عن هذا املوظف معدومة لكوهنا تشكل عيب عدم اختصاص جسيما ‪ ،‬و تعد‬
‫صحيحة ‪ ،‬محاية للغري حسن النية ‪ ،‬و مراعاة حلسن سري املرافق العامة ابنتظام و اطراد ‪ ،‬و تتحقق هذه احلالة‬
‫أكثر ما تتحقق عندما يباشر املوظف أبعمال وظيفته قبل صدور قرار تعيينه‪.‬‬

‫في الظروف االستثنائية ‪.‬‬

‫كما سبق و اشران أن املوظف الفعلي يف الظروف االستثنائية هو الشخص الذي يباشرالوظيفة العامة حتت ضغط‬
‫ظروف استثنائية أو دوافع سياسية أو اجتماعية أو بدافع املصلحة الوطنية و هبدف عدم توقف امل ارفق العامة‬
‫خاصة يف أوقات احلروب و غياب السلطات العامة أو احنسارها ‪ ،‬و استنادا إىل القاعدة العامة ‪ ،‬فإن ق ارارت‬
‫املوظف الفعلي اليت يتخذها تعد منع دمة و ابطلة قانوان ألهنا صادرة من غري خمتص لكن الفقه و القضاء بوصفها‬
‫صحيحة العتبا ارت تتعلق ابستق ارر امل اركز القانونية و ضرورة سري امل ارفق العامة بصفة منتظمة و دائمة و بذلك‬
‫فإن الق ارارت تعد صحيحة وفقا لشروط معينة و هي أن تكون عملية تقلد هذا الشخص للوظيفة متسمة مبظهر‬
‫املعقولية ‪ ،‬مبعىن أن من يتوىل وظيفة معينة على أساس من عمل منعدم و هو الق ارر املتسم ابملخالفة اجلسيمة و‬
‫الواضحة كل الوضوح ال ميكن أن يكون موظفا فعليا و من مث تكون ق ارارته منعدمة ‪.‬‬

‫ففضال على توفر مبدأ ضرورة سري املرافق العامة ابنتظام و اطراد يسوغ االستثناء من هذه القاعدة و إجازة األعمال‬
‫الصادرة عن الشخص الذي ميارس وظيفة عامة دون سند قانوين صحيح استنادا لفكرة الظاهر و حلماية حقوق‬
‫األفراد الذين يتعاملون مع الشخص حبسن نية‪ ،‬معىن ذلك أن هذا الشخص يعد موظفا فعليا برغم أنه ليس موظفا‬
‫من الناحية القانونية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مبدأ عدم جواز الحجز على أموال المرفق العام‪:‬‬
‫أمجع قانوان و فقها و قضاء على عدم احلجز على املال العام و تعترب هاته القاعدة من النظام العام ‪ ،‬ذلك أن‬
‫احلجز ينتهي ببيع املال العام بيعا قضائيا و احلال أن البيع االختياري ممنوع فيه ‪ ،‬لذلك تعترب هاته القاعدة من‬
‫النظام العام ‪ ،‬مبعىن أخر فامل ارفق العمومية حتتاج يف أدائها للخدمة املنوط هبا حتقيقا للنفع العام ‪ ،‬كل أموال اليت‬
‫تعترب الوسائل املادية اليت تستعني هبا على ممارسة نشاطها سواء العامة أو اخلاصة فقد كان من املتفق عليها أن‬
‫املرفق العام جيب أن حيال بكل الضماانت اليت متكنه من أداء وظيفته بصورة مضطرة و منتظمة جلمهور املنتفعني‬
‫یدماته حتقيقا للمصلحة العامة اليت تذوب فيها كل مصلحة شخصية و تطبيقا ملبدأ عدم تعطيل املرفق العام ال‬
‫جيوز التنفيذ على األموال الالزمة لسريه عن طريق احلجز ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ماهية المرفق العام‬ ‫الفصل األول‬

‫إذا فاألموال العامة للدولة واألشخاص االعتبارية العامة ال جيوز احلجز عليها حتفظيا كان أو تنفيذاي على اعتبار أن‬
‫هذا اإلجراء يتعارض مع مبدأ ختصيص تلك األموال للمصلحة العامة و أن احلجز هبذا الشكل يعطل سري املرفق‬
‫العام و حيول دون تنفيذه لوظيفته املتمثلة يف النفع العام‪.‬‬

‫وابلتال فال جيوز احلجز على املال للوفاء مبا قد يكون مستحقا على املرفق العام من ديون و ذلك حىت ال‬
‫يعيب املرفق العام فال من الناحية املالية يف مواصلة نشاطه دون انقطاع و تسري هذه القاعدة أي كانت الطريقة‬
‫اليت يديرها املرفق العام سواء عن طريق االستغالل املباشر أو عن طريق االمتياز ‪ ،‬رغم أن يف احلالة األخرية بعض‬
‫األمور املستغلة يف إدارة املرفق العام تكون أصال مملوكة للملتزم ألن قيام امللتزم هنا على تسيري النشاط اخلاص ابملرفق‬
‫العام يضفي على أمواله املخصصة لتسيري املرفق العام بصبغة العمومية هذا حىت ال يتعطل النشاط اخلاص ابملرفق‬
‫العام ابعتبار هذه األموال و ان كانت خاصة و لكنها تشغل املرفق العام و هذا ما كرسه القضاء و العديد من‬
‫النصوص القانونية منها على سبيل املثال املادة ‪ 689‬من القانون املدين اجلزائري ‪ ،‬و كذا املادة ‪ 04‬من القانون‬
‫‪ 90/30‬املؤ رخ يف ‪ 01‬ديسمرب ‪ 1990‬املت علق ابألمالك الوطنية اليت تنص على أن األمالك الوطنية العمومية‬
‫غري قابلة للتصرف و ال للتقادم و ال للحجز ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الفصل الثاني‪ :‬طرق تسيير المرفق العام‬


‫رأينا فيما سبق أن املرا فق العامة أنواع خمتلفة‪ ،‬لذا كان من الطبيعي أن تتابني أساليب تسيريها‪ ،‬يف اختيار طريقة من‬
‫الطرق تراعي اإلدارة اعتبارات متعددة ‪ :‬سياسية واجتماعية واقتصادية‪ ،‬ففي الدولة الليربالية الكالسيكية كانت‬
‫األساليب تنحصر يف اإلستغالل املباشر‪ ،‬ويف استلزام بعض املرا فق اإلقتصادية مث تنوعت طرق إدارة املرفق العامة‪،‬‬
‫حتت أتثري األفكار اإلشرتاكية وتدخل الدولة املكثف يف اجملال اإلقتصادي واإلجتماعي‪ ،‬فظهرت أساليب جديدة‬
‫يف التسيري‪ ،‬تعتمد التأميم واملؤسسات واملنشآت العمومية واإلقتصاد املختلط‪ ،‬ومع تراجع األفكار اإلشرتاكية إثر‬
‫اهنيار املعسكر الشيوعي وتفوق األفكار الليربالية اليت تنادي یوصصة طرق تسيري املرافق العامة واخضاعها لقواعد‬
‫املنافسة‪ ،‬قامت الدولة إبفساح اجملال للقطاع اخلاص ابملشاركة يف تسيري املرافق العامة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األساليب الكالسيكية و التقليدية إلدارة المرافق العامة‬


‫يرتبط املرفق العام ابلدولة من حيث إنشائه وتسيريه‪ ،‬حيث أن أول ما ظهرت من امل ارفق العمومية كانت مقتصرة‬
‫على جماالت حمددة استطاعت الدولة السيطرة عليها من خالل االستغالل املباشر من طرف الدولة واجلماعات‬
‫احمللية وذلك یلق م ارفق عامة اتبعة مباشرة هلا وال متلك هذه امل ارفق شخصية معنوية‪ ،‬لكن بتعدد جماالت تدخل‬
‫الدولة وت ازيد امل ارفق العمومية مل تعد الدولة واجلماعات احمللية قادرة على مواكبة هذا التحول سواءا من حيث‬
‫الكم أو النوع مما ولد اختالالت كبرية ‪.‬‬

‫كما ظهرت نقائص عديدة أثقلت كاهل الدولة وأثرت سلبا على اخلدمة العمومية‪ .‬لذلك حاولت أغلب الدول‬
‫ومنها اجل ازئر اللجوء إىل طريقة أكثر مرونة يف تسيري امل ارفق العمومية ذلك یلق مؤسسات مستقلة عن الدولة‬
‫واجلماعات احمللية متخصصة يف جماالت معينة ‪،‬وبذلك م ارعاة خصوصية كل قطاع وإعطائه جماالت متخصصة‪،‬‬
‫وتنوعت األنظمة القانونية هلذه املؤسسات العمومية حسب طبيعة كل نشاط‪ ،‬ورغم النجاح الذي حققته هذه‬
‫املؤسسات خاصة يف بعض اجملاالت إال أن ارتباطها ابلقطاع العام ولد عدة نقائص شابت هذا النوع من تسيري‬
‫املرفق العام وأثرت سلبا على فعاليته وعلى نوعية اخلدمة اليت يقدمها‪.‬‬

‫إذ يعترب كل من أسلوب االستغالل املباشر أ و أسلوب املؤسسة العمومية من أقدم أساليب تسيري املرفق العام ‪،‬وهي‬
‫من األساليب الكالسيكية اليت مل ولن تتخلى الدولة عن تسيريها‪ ،‬فهناك بعض اجملاالت جيب أن تبقى مسرية من‬
‫طرف أشخاص عمومية نظ ار خلصوصيتها وطبيعتها اليت تفرض بقاءها يف يد الدولة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطلب األول‪ :‬االستغالل المباشر‬


‫الفرع األول‪ :‬تعريفه‬
‫وهو الشكل العادي لتسيري املرفق العمومي‪ ،‬ويقصد به أن تقوم الدولة أو اجلماعة احمللية إبدارة املرفق مستعينة‬
‫أبمواهلا وموظفيها ومستعملة يف ذلك وسائل القانون العام‪.‬‬

‫إن أسلوب اإلدارة املباشرة ‪ ،‬يتبع عادة يف إدارة امل ارفق العمومية التقليدية أي اإلدارية يف الوقت احلاضر‪ ،‬وذلك‬
‫ألهنا غري مرحبة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ترى الدولة أنه من اخلطورة التنازل عنها سواء إبخضاعها للتخصص أو‬
‫بتوكيلها لألفراد ففي السابق كانت الدولة حتتكر كل نشاطات املنفعة العامة سواء اإلدارية أو التجارية والصناعية‪.‬‬

‫إال أن هذا ال مينع من استخدام أسلوب اإلدارة املباشر يف عدد من امل ارفق العامة التجارية والصناعية سواء كانت‬
‫اتبعة للدولة أو اجلماعات احمللية‪ ،‬إذا أرت هذه األخرية مصلحة يف ذلك‪3.‬‬

‫وجتدر اإلشارة أن امليزة األساسية يف أسلوب التسيري املباشر يف خمتلف أشكاله أن املرفق العام ضمن هذا األسلوب‬
‫ال يتمتع ابلشخصية املعنوية‪ ،‬حبيث تتوىل اإلدارة سواء كانت إدارة مركزية كالوازارت أو إدارة ال مركزية إقليمية‬
‫كالبلدايت‪ ،‬القيام ابلنشاط )املرفق العام( بنفسها وحلساهبا‪ ،‬فتتوىل تنظيم املرفق وتشغيل وتعيني موظفيه ومتويله‬
‫وتتحمل خماطر التشغيل واملسؤولية عن األض ارر اليت يسببها املرفق للغري وتدخل يف عالقة مباشرة ابملنتفعني‬
‫یدمات املرفق العام الذي تسريه تسيريا مباشرا‪.‬‬

‫الفرع الثاني خصائص أسلوب االستغالل المباشر‬


‫يتمتع أسلوب االستغالل املباشر جبملة من اخلصائص متيزه عن ابقي األساليب األخر ى اليت تتمثل يف جمانية املرافق‬
‫العامة وحتقيق املنفعة العامة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مجانية المرافق العامة‬

‫ليس هدف امل ارفق العامة الربح الذي يبحث عنه األف ارد‪ ،‬وإال فما هو هدف إنشائها‪ ،‬وعندما وجدت امل‬
‫ارفق العامة وجدت اخلدمة العامة وجمانتيها وميكن أن حيصل عليها اجلميع دون مقابل‪ ،‬فاجملانية هي القاعدة وهي‬
‫األصل‪ ،‬خاصة تلك امل ارفق اإلدارية اليت تسريها الدولة مباشرة‪.‬‬

‫كما أن العبء الكبري للمرفق العمومي املسري من قبل الدولة واجلماعات احمللية وعجز املالية العمومية يف تغطية‬
‫احلاجات املت ازيدة يوجب إخضاع امل ارفق ملبادئ النجاعة والفعالية‪ ،‬رغم كل هذا فالطبيعة اخلاصة هلذه امل ارفق‬

‫‪44‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وضرورهتا ابلنسبة لألف ارد جعلها تدخل يف النظام العام الذي جيب أن تتحمله الدولة‪ ،‬لذلك جيب إبعادها عن‬
‫قواعد الربح‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تحقيق المنفعة العامة‬

‫ال ميكن اعتبار أي مشروع مرفقا عاما إال إذا كان يستهدف حتقيق النفع العام‪ ،‬ويقصد ابلنفع العام يف صورته‬
‫العامة إشباع حاجات عامة أو تقدمي خدمات عامة للجمهور وهذه اخلدمات قد تكون مادية كإيصال املياه‬
‫والكهرابء أو توفري وسائل املواصالت‪ ،‬وقد تكون حاجات معنوية كالتنظيم اإلداري‪ ،‬غري أن غالبية فقهاء القانون‬
‫يرون أن ش روط النفع العام الذي يرتتب عليه اعت ابر املشروع مرفقا عاما ال يتحقق إال إذا كان نوع النفع العام‬
‫من النوع الذي يعجز األف ارد واهليئات اخلاصة عن حتقيقه أوال يرغبون يف حتقيقه أو ال يستعطون حتقيقه على‬
‫الوجه األكمل‪ ،‬وهلذا فإن املشروع ات الصناعية والتجارية اليت تنشئها الدولة ال تعترب م ارفق عامة إذا كانت‬
‫تستهدف حتقيق الربح عن طريق منافسة املشروعات اخلاصة‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬نتائج االستغالل المباشر‬


‫يرتتب على طريقة االستغالل املباشر النتائج األساسية واليت تتمثل من حيث املوظفني ومن حيث األموال ومن‬
‫حيث األعمال ومن حيث املنازعات‬

‫أوال‪ :‬من حيث الموظفين‬

‫يعترب موظف و املرافق العامة اليت تدار هبذا األسلوب موظفني عموميني‪ ،‬خيضعون لألمر رقم‪ 03 -06‬املتضمن‬
‫القانون األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬وكل النصوص التنظيمية املطبقة له‪ ،‬حيث تبقى عالقة العمل بني املوظف‬
‫واجلهة اإلدارية املنشئة للمرفق قائمة إال يف حالة إلغاء املرفق العام‬

‫ثانيا‪ :‬من حيث األموال‬

‫القاعدة العامة أن األموال املخ ص صة إلدارة املرفق العام املسرية يف شكل استغالل مباشر هي ملك لإلدارة‬
‫اليت أنشأت املرفق‪ ،‬إذ أنه ال يتمتع بذمة مالية مستقلة‪ ،‬كما ت ؤكده قوانني اإلدارة احمللية مثال حيث تنص املادة‬
‫‪ 151‬من قانون البلد ية لسنة ‪ 2011‬على ما يلي‪" :‬يمكن للبلدية أن تستغل مصالحها العمومية عن‬
‫طريق االستغالل المباشر‪ .‬تقيد إي اردات ونفقات االستغالل المباشر في مي ازنية البلدية‪.‬‬
‫ويتولى تنفيذها أمين خزينة البلدية طبقا لقواعد المحاسبة العمومية‪".‬‬

‫‪45‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كما تنص املادة ‪ 144‬من قانون الوالية لسنة ‪ " :2012‬تسجل إياردات ونفقات االستغالل‬
‫المباشر في ميازنية الوالية حسب قواعد المحاسبة العمومية‪".‬‬

‫ومع ذلك فإن مقتضيات التسيري وفعاليته قد تقتضي منح املرفق العام "مي ازنية مستقلة "" ‪Budget‬‬
‫‪ ،"autonome‬إذ تنص املادة ‪ 152‬من قانون البلدية على ما يلي‪" :‬يمكن للبلدية أن تقرر منح‬
‫ميزنية مستقلة لبعض المصالح العمومية المستغلة مباشرة‪".‬‬
‫ا‬

‫وهو ما ذهبت إليه املادة ‪ 145‬من قانون الوالية لسنة ‪ ،2012‬حينما نصت على ما يلي‪:‬‬

‫ميزنية مستقلة لصالح بعض المصالح العمومية‬


‫"يمكن المجلس الشعبي الوالئي أن يقرر ا‬
‫الوالئية المستغلة عن طريق االستغالل المباشر ويجب عليه ضمان توازنها المالي"‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬من حيث األعمال‬

‫كقاعدة عامة مجيع التصرفات اليت تتعلق ابملرفق العام (قرارت‪ ،‬عقود)‪ ،‬وسواء كانت‬
‫قرارت إدارية (تنظيمية أو فردية) ‪ ،‬تصدر أو تربم من الناحية القانونية من طرف السلطة املختصة ابجلهة اإلدارية‬
‫املنشئة للمرفق العام (رئيس اجمللس الشعيب البلدي ‪،‬الوال)‪ ،‬وابلتال فإن‪:‬‬

‫‪ −‬القرارت اليت تصدرها قرارت إدارية سواء كانت تنظيمية أو فردية‪.‬‬

‫‪ −‬العقود اليت تربمها هي عقود إدارية‪.‬‬

‫‪ −‬كما تسري على مجيع أعماهلا وتصرفاهتا املسؤولية اإلدارية‪.‬‬

‫اربعا‪ :‬من حيث المنازعات‬

‫نظرا لعدم اكتساب املرفق العام املدار املسري بطريقة االستغالل املباشر للشخصية املعنوية‪ ،‬فإنه ال يتمتع‬
‫أبهلية التقاضي‪ ،‬حيث ميثل أمام القضاء اإلدار ي لدى الطعن يف أعماله وتصرفاته أمام اجلهة القضائية املختصة‬
‫– بواسطة املمثل القانوين للجهة اإلدارية املنشئة‪)-‬الوال‪ ،‬رئيس البلدية‪.‬‬

‫هي‪:‬‬ ‫املباشر‬ ‫التسيري‬ ‫على‬ ‫املرتتبة‬ ‫النتائج‬ ‫فإن‬ ‫ذكره‬ ‫سبق‬ ‫ما‬ ‫إىل‬ ‫واستنادا‬
‫_ موظفو املرافق العمومية املسرية تسيريا مباشرا هم موظفون عموميون خيضعون لقانون الوظيفة العامة بكل ما‬
‫حيمله من حقوق والت ازمات‪.‬‬

‫_ تعترب كل أمالك املرفق العام أمالكا عمومية ختضع ألحكام الدومني العام‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫_ القرارات اليت تصدرها قرارات إدارية‪.‬‬

‫_ العقود اليت تربمها عقود إدارية‪.‬‬

‫_ القضاء اإلداري هو املختص ابملنازعات املتعلقة هبا‪.‬‬

‫‪ -‬تعتمد يف متويلها على املي ازنية العامة للدولة أو على ميزانية اجلماعة احمللية‪ ،‬ومن مث ختضع لقواعد‬
‫احملاسبة العمومية وللرقابة على املالية العمومية‪.‬‬

‫ويقوم ابإلستغالل املباشر كل من الدولة‪ ،‬وذلك عن طريق الوازارت أو مصاحلها اخلارجية‪ ،‬وتدعى كذلك‬
‫امل ارفق الوطنية اليت ينص على إنشائها القانون العدالة‪ ،‬األمن‪ ...‬واليت تستهدف قضاء حجات مشرتكة جلميع‬
‫سكان الدولة‪ .‬أو اجلماعات احمللية(البلدية والوالية) لسد حاجات مشرتكة ومنافع معينة لسكان إقليم معني‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة ذلك مرا فق النقل احمللية والنظافة‪ ،....‬وهو ما أجازه املشرع للوالية مبوجب املادة ‪ 133‬من قانون الوالية‬
‫استغالل مصاحل عمومية بصفة مباشرة‪ ،‬كما نصت املادة ‪ 111‬من قانون البلدية على أنه ميكن للبلدية أن تستغل‬
‫مصاحلها العمومية عن طريق االستغالل املباشر ‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬تقييم أسلوب االستغالل المباشر‬

‫يتميز أسلوب االستغالل املباشر جبملة من املزااي والعيوب‪.‬‬

‫مزيا أسلوب االستغالل المباشر‬


‫أوال‪ :‬ا‬

‫‪ -1‬إن أسلوب االستغالل املباشر وجد له مكانة طبيعية يف ظل ما يسمى ابلدولة احلارسة‪ ،‬أين كانت املرافق‬
‫العمومية تقتصر على ما يسمى مبرا فق السيادة‪ ،‬ولكن يعد تطور وظائف الدولة وانتقاهلا من مرحلة الدولة‬
‫احلارسة إىل دولة اخلدمات‪ ،‬أصبحت هذه األخرية حك ار على األشخاص العاديني‪.‬‬

‫‪ -2‬ارتباط املرافق املسرية أبسلوب االستغالل بكيان الدولة وعدم تركها للخواص ألن نشاطها ال حيقق أرابحا‬
‫أو مكاسب مادية هلم‪.‬‬
‫‪ -3‬املرافق العامة املسرية هلذا األسلوب‪ ،‬حيسن تدبريها بوسائل القانون العام وأساليب الضبط اإلداري‪ ،‬وبذلك‬
‫ترتك للتدبري املباشر من قبل اإلدارة‪.‬‬
‫‪ -4‬ازدايد تدخل الدولة يف الكثري من اجملاالت على حساب األفراد‪ ،‬فإنه ومن الناحية النظرية سيعرف هذا‬
‫األسلوب ازدهارا وتطوار كبريا على اعتبار أنه األسلوب اخلصب لسيطرة واستغالل الدولة ملرافقها استغالال‬
‫مباشرا لتدخل األفراد فيه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -5‬عجز اخلواص عن تدبري بعض املرافق العامة اإلدارية ألهنا حتتاج إىل أجهزة إدارية ضخمة ووسائل مالية‬
‫كبرية‪.‬‬
‫‪ -6‬يستدعي أسلوب االستغالل املباشر يف إدارة املرافق العامة موارد ضخمة مستمدة من ميزانية الدولة‪.‬‬
‫‪ -7‬يتطلب هذا األسلوب أن تكون لإلدارة حق التصرف املطلق يف إدارة نشاطها فهي اليت تنفرد ابختاذ‬
‫القرارات التنظيمية‪.‬‬
‫‪ -8‬تقتضي طريقة االستغالل املباشر أن يكون لإلدارة املشرفة على النشاطات يف تدبري شؤون موظفيه تدبريا‬
‫يتفق مع القانون‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عيوب أسلوب االستغالل المباشر‬

‫مما ال شك فيه أن االستغالل املباشر له أمه ية كبرية ال ميكن االستغناء عنها يف تسيري بعض القطاعات اليت‬
‫تعترب من الوظائف الكربى كقطاع الدفاع الوطين‪ ،‬العدالة واألمن‪ ،‬غري أنه تعرتيه بعض النقائص خاصة يف‬
‫اجملاالت األخرى انعكست سلبا على إدارة املارفق العامة‪ ،‬أمهها‪:‬‬

‫‪-1‬الثقل المالي لالستغالل المباشر للمرافق العامة وعدم السيطرة على توسع هذه المرافق‪:‬‬

‫يعرتي أسلوب االستغالل املباشر للم ارفق العامة مشاكل عديدة‪ ،‬إذ هلذه هذه األخرية ضغط من الناحية‬
‫املالية وزايدة النفقات املوجهة للم ارفق العامة يف ظل ندرة املوارد‪ ،‬فخلق هذه امل ارفق من جهة هو يف ح د‬
‫ذاته عبء مال ضخم ألهنا يف الغالب مكلفة جدا وحتتاج هياكل قاعدية ضخمة كما حيتاج تسيريها كذلك‬
‫إىل أموال كبرية مما ولد ضغطا كيب ار على مي ازنية الدولة واجلماعات احمللية خصوصا أن اجل ازئر كانت يف‬
‫نظام اشت اركي يعتمد على الدولة يف تسيري كل امل ارفق العمومية بكل ما حتمله من أعباء مالية‪ ،‬والسبب‬
‫هو عدم وجود قطاع خاص وبرجوازية تستطيع حتمل عبء تسيري املرفق العام‪ .‬كما أن خضوع هذه امل ارفق‬
‫لإلجراءات املالية احلكومية يف االتفاق تتسم عادة ابلتعقيد وشدة الرقابة وكثرة م ارحلها مما حيول بني هذه امل‬
‫ارفق وبني التطور والتقدم‪ .‬والدولة من خالل التسيري املباشر مقيدة بقوانني ولوائح حتد كثي ار من نشاطها‪،‬‬
‫وهذا ما جيعل املوظفني خيشون االبتكار والتجديد‪ ،‬ومييلون ارتباع الدورتني احلكومي جتنبا للمسؤولية ألن‬
‫ترقيتهم يف النهاية ختضع لألقدمية أكثر مما ختضع لالبتكار والتجديد‪.‬‬

‫‪-2‬االختالالت ذات الطابع التنظيمي‪:‬‬

‫‪ −‬المركزية الشديدة‪ :‬حاولت اجل ازئر اجلمع بني نظام املركزية والالمركزية‪ ،‬لكن الواقع أظهر سيطرة املركزية‬
‫يف مجيع امل ارفق‪ ،‬خاصة يف اجلانب اإلداري‪ ،‬فنجد أن السلطة املركزية حتتكر عملية صنع القرارت منها‬
‫واالسرتاتيجية وهذا أدى إىل هتميش املرافق احمللية‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ −‬تضخم الجهاز اإلداري‪ :‬يتجسد يف وجود توسع أفقي على مستو ى التنظيم من خالل الت ازيد‬
‫املستمر لعدد الوزارت والذي يرتتب عنه‪:‬‬

‫‪ −‬صعوبة إحكام عملية اإلش ارف والتوجيه‪ ،‬وما ينجر عنه من صعوبة يف توصيل البياانت واملعلومات‪ ،‬وكذا‬
‫بطء وصول األوامر والق ار ارت من قمة التنظيم إىل قاعدته‪ ،‬وما حتدثه هذه العملية من بطء يف عملية صنع‬
‫الق ارر وتنفيذ الب ارمج واخلطط‪.‬‬
‫‪ −‬كثرة أجهزة الرقابة وما يرتتب عنها من تضارب بشأن مسائل حمتوى التقارير التقييمية‪.‬‬
‫‪ −‬كثرة األجهزة واللجان الفرعية اليت تزيد من حجم نفقات الدولة املرتبطة خاصة ابألجور‪.‬‬
‫‪ −‬تضخم عند املوظفني على مستوى امل ارفق املسرية من قبل الدولة واجلماعات احمللية‪ ،‬وتتجسد أهم املظاهر‬
‫السلبية يف العدد اهلائل للموظفني الذين يفتقدون إىل مهام واضحة ودقيقة إىل جانب غياب كفاءة املوظفني‪.‬‬
‫‪ −‬التقليد يف إنشاء بعض امل ارفق العامة من القانون املقارن كاهليئات الوطنية والدواوين العامة‪...‬‬
‫غري أن عدم ضبطها لنظام قانوين أدى لوجود ص ارع بني هذه امل ارفق العامة وتسابقها دون حدود قانونية‬
‫للخدمة العمومية‪.‬‬
‫‪-3‬االختالالت المتعلقة بالجانب التسييري‪:‬‬
‫وتتمثل أساسا يف‪:‬‬
‫‪ -‬مشكل التشريع‬
‫ترتبط جناعة القانون مبدى ارتباطه ابلواقع أو انفصاله عنه‪ ،‬حيث يزداد احرتامه كلما كان أكثر تعبريا والتحاما‬
‫ابلواقع‪ ،‬واجلزا ئر كغريها من الدول النامية تعاين من اختالالت مرتبطة ابلتشريع تظهر يف عملية وضعه مث كيفية‬
‫تطبيقه وممارسته‪.‬‬

‫‪ -‬غياب أساليب حديثة للتسيير‪:‬‬


‫يعتمد تسيري املرافق العمومية من طرف الدولة وبصفة عامة اإلدارة على املناهج التقليدية مما انعكس سلبا على‬
‫أدائها ومرد وديتها‪ ،‬وشكل عائقا حقيقيا أمام التحوالت اجلديدة للمرافق العمومية‪ ،‬إضافة إىل افتقار هذه‬
‫األخرية إىل األدوات احلديثة لسري عملها وضمان هلا فعالية أكرب‪.‬‬
‫‪-‬عدم التحكم في النفقات وارتفاع التكلفة االقتصادية للخدمة‬
‫يعترب اإلسراف من أهم مظاهر التخلف اإلداري سواء كان مستوى القطاع العام أو على مستوى امل ارفق العامة‬
‫خاصة منها احمللية‪ ،‬فما يالحظ هو االرتفاع النسيب يف تكلفة اخلدمة مما يرتتب عليه رفع أسعارها مقارنة مبنفعتها‬
‫للمستهلك‪.‬‬
‫‪-4‬االختالالت المتعلقة بالموارد البشرية‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عدم الفعالية اليت تشهدها املرافق العمومية املسرية من قبل الدولة واجلماعات احمللية يف الوقت الراهن ال تقتصر‬
‫على أسباهبا التنظيمية والتسيريية فقط بل تتعداها إىل املوظف الذي يساهم يف اخللل من خالل سوء أدائه‬
‫الوظيفي‪ ،‬وهذا ارجع إىل‪:‬‬
‫‪ -‬غياب الكفاءة‪ :‬رغم توفر املوظفني على شهادات عليا إال أهنم يفتقرون إىل الدراية الكافية ابملهام والوظائف‬
‫املسندة إليهم مع استبعاد إملامهم بكيفية التصرف يف حال وقوع إشكال يتعلق مبجرايت أداء مهامهم‪.‬‬
‫‪ −‬غياب التحفيز‪ :‬وهذا راجع إىل غياب سياسات تكوين واضحة وعدم متاشيه مع التطور‪.‬‬
‫‪ −‬حصر املعلومات على فئة معينة ال تتجاوز املسؤولني وانسداد القنوات االتصالية‪.‬‬
‫‪ −‬أجور حمددة مسبقا‪.‬‬
‫‪ −‬الرتقية اليت تعتمد فيها املرافق العمومية على معيار األقدمية مما يؤدي إىل تسرب الكفاءات إىل قطاعات‬
‫أخرى‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسلوب المؤسسة العامة‬
‫أوال‪ :‬مفهوم المؤسسة العامة‪:‬‬
‫املؤسسة العامة هي شخص معنوي عام‪ ،‬اهلدف من إنشائها هو التسيري املستقل واملتخصص للمرفق العام‪ ،‬إىل‬
‫جانب الدولة واجملموعات احمللية وعليه فإن تسيري املرافق العامة قد يعهد إىل أشخاص عمومية أخرى‪ ،‬واليت‬
‫أطلق عليها اسم املؤسسة العامة‪.‬‬
‫وتعرف املؤسسة العامة على أهنا‪ " :‬شخص معنوي خاضع للقانون العام وهي مكلفة بتسيري مرفق عام"‪.‬‬
‫ويعرفها سليمان الطماوي أبهنا‪ " :‬مرفق عام يدار عن طريق مؤسسة عامة‪ ،‬يتمتع ابلشخصية املعنوية"‬
‫ولقد أطلق عليها الفقه ابلالمركزية املرفقية التقنية كمقابل لالمركزية اإلقليمية‪ ،‬حيث تفوض الدولة لشخص‬
‫معنوي عام تسيري مرفق عام‪ ،‬وذلك مبنحها استقاللية مالية وادارية ويف إطار التخصص هبدف حتسني اخلدمة‬
‫العمومية‪ .‬وهي بذلك ختتلف عن التسيري املباشر‪ ،‬كوهنا تتمتع ابلشخصية املعنوية‪.‬‬
‫و تتمتع املؤسسة العامة بذمة مالية مستقلة عن الدولة أو اجلماعة اإلقليمية املنشئة هلا‪ ،‬فهي مستقلة يف حتصيل‬
‫إراداهتا ويف اإلنفاق ‪.‬‬
‫و حىت تعمل بصورة منتظمة ومستمرة‪ ،‬تقوم املؤسسة العامة على أجهزة إدارية خاصة هبا وتتكون هذه األجهزة‬
‫بصفة عامة‪ ،‬من جهاز تداول يتمثل يف جملس اإلدارة مكون من ممثلي الوازارت املعنية ابجملال‪ ،‬معينة من قبل‬
‫الوصاية وهو املسؤول عن اختيار اإلسرتاجتيات وحتديد برانمج النشاط وكذا اختاذ كافة القرارات‪ ،‬وجهاز تنفيذي‬
‫يتمثل يف املدير وقد يساعدوه معاونون وهو املسؤول عن تنفيذ قرارات جملس اإلدارة وميارس السلطة السلمية‬
‫على املوظفني وهو كذلك اآلمر ابلصرف فيما خيص ميزانية املؤسسة العامة‪.‬‬
‫أن يكون هلا حق قبول اهلبات والوصااي‪.‬‬
‫أن يكون هلا حق التعاقد دون احلصول على رخصة‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫طرق تسيير المرفق العام‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن يكون هلا حق التقاضي‪.‬‬


‫أن تتحمل نتائج أعماهلا وتسأل عن األفعال الضارة اليت تلحق ابلغري‪.‬‬
‫ولقد نصت املادة ‪ 131‬من قانون الوالية أبنه ميكن للمجلس الـشـعيب الـوالئي أن يـنشئ مـؤسسـات عـمـوميـة‬
‫تتـمـتع بـالشـخـصـية املـعـنـوية واالستقالل املال‪ ،‬قصد تسيري املصاحل العمومية‪ .‬كما نصت املادة ‪ 112‬من قانون‬
‫البلدية أبنه ميكن البلدية أن تنشئ مؤسسات عمومية بلدية تتمتع ابلشخصية املعنوية والذمة املالية املستقلة من‬
‫أجل تسيري مصاحلها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قيود نظام المؤسسة العامة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـــ قيد التخصص‪:‬‬
‫تنشأ املؤسسة العامة مهما كان جمال تدخلها حملي أو وطين‪ ،‬من أجل القيام أبعمال حمددة يف نص إنشائها‪،‬‬
‫فهي ملزمة أبن ال تتجاوز جمال نشاطها أو استعمال ذمتها ملهام أخرى فاجلامعة مثال مهمتها التكوين يف جمال‬
‫التعليم العال‪ ،‬فليس هلا أن خترج عن هذا اإلطار‪ ،‬فهي بذلك ال ميكنها أن تقبل اهلبات أو اهلدااي املخصصة‬
‫لتحقيق نشاط خارج عن إطار تدخلها‪ ،‬فالقانون أو التنظيم حيدد بدقة جماالت التدخل وقد تكون هناك‬
‫جماالت أساسية وجماالت اثنوية مكملة للنشاط الرئيسي ومساعدة له‪ ،‬وال جيوز أن تكون منفصلة عنه متاما ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـــــ نظام الوصاية‬
‫إذا كانت املؤسسة العامة تتمتع ابالستقاللية مبا أهنا متثل الالمركزية يف جانبها املرفقي فإن ذلك ال يعين قطع كل‬
‫عالقة بينها وبني سلطة الوصاية‪ ،‬بل تبقى املؤسسة خاضعة لنظام الوصاية كفكرة مقابلة لالستقاللية املطلقة‪،2‬‬
‫فمن حق اإلدارة العامة املركزية أن ت ارقب نشاطها هبدف التأكد من عدم خروجها عن اجملال احملدد هلا‪3.‬‬
‫وضماان لسالمة ومشروعية أعمال املؤسسات العمومية‪ ،‬وحفاظا على متطلبات وحدة نظام الدولة اإلدارية‪4‬‬
‫ولكن جيب أن متارس اإلدارة العامة املركزية الوصاية‪ ،‬يف حدود القانون تطبيقا لقاعدة" ال وصاية بدون قانون"‪.‬‬
‫وقد تكون هذه الوصاية على األشخاص أو األعمال (املصادقة على املداوالت ذات األمهية)‪ ،‬فهي وصاية مالية‬
‫وتقنية أي حسب طبيعة نشاط املؤسسة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النظام القانوني للمؤسسة العامة‪:‬‬
‫إن تطور دور الدولة وتعدد املرا فق العمومية وتنوعها حسب اجملال‪ ،‬فرضت ابلضرورة تنوع طبيعة النظام الذي‬
‫ختضع له‪ ،‬سواء من حيث اإلنشاء أو النظام القانوين الذي خيضع له كل نوع من أنواع املؤسسات حسب نوعية‬
‫اخلدمات العمومية واملرفق الذي تسريه‪ ،‬فلكل خصوصيته املميزة‪ ،‬سنحاول معاجلة النظام القانوين للمؤسسة‬
‫العمومية من خالل التعرض لطريقة إنشائها والغائها وأصنافها‪.‬‬
‫ف يقصد إبنشاء املؤسسة العمومية تدخل السلطة املختصة قانوان إلنشاء مرفق عام جديد‪ ،‬واختيار أسلوب‬
‫املؤسسة العامة أسلواب إلدارته‪ ،‬ويتغري إنشاء املؤسسات العمومية حسب امتدادها‪.‬‬

‫‪51‬‬

You might also like