You are on page 1of 41

UNIVERSITYLIFESTYLE.

NET

UNIVERSITYLIFESTYLE.NET
UNIVERSITYLIFESTYLE.NET

‫ملخص القانون الجنائي العام‬

UNIVERSITYLIFESTYLE.NET
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫القانون الجنائي وعالقته بباقي القوانين‬


‫يعتبر القانون الجنائي العام من بين فروع القانون التي تكتسي أهمية كبيرة في تحقيق العدالة اإلجتماعية عن طريق تحديد‬
‫السلوكات الغير مشروعة المعاقب عليها قانونا وكذا وضع وفرض العقوبات والجزاءات المقابلة لها ‪ ،‬وذلك بغية تعزيز حماية‬
‫حريات األشخاص وحقوقهم ‪ ،‬كالحق في الحياة ‪ ،‬الحق في الملكية ‪ ،‬الحق في صيانة العرض والشرف … إلخ‬

‫يتميز القانون الجنائي العام عن القانون الجنا ئي الخاص وكذا عن قانون المسطرة الجنائية من عدة زوايا وأوجه ‪ ،‬إذ في حين‬
‫يهتم قانون المسطرة الجنائية بكل الخطوات والشكليات الواجب إتباعها في الشق الجزائي ‪ ،‬نجد أن القانون الجنائي الخاص يميل‬
‫إلى دراسة تحديد السلوكات المجرمة على حدى ‪ .‬شروطها وعقوباتها ‪ .‬بينما يقتصر جوهر القانون الجنائي العام في تحديد‬
‫المبادئ األساسية التي تبنى عليها نصوص التجريم ويبين كذلك أنواع العقوبات وتدابير األمن وشروط المسؤولية الجزائية‬
‫وأحكامها‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف القانون الجنائي‬


‫يطلق مصطلح “ القانون الجنائي للداللة على المادة القانونية التي تهتم بكل المسائل المتعلقة بالجرائم والمجرمين‪ .‬وكلمة‬
‫“جنائي” الواردة في هذه التسمية تنسب هذه المادة القانونية للجنايات التي تمثل أشد الجرائم خطورة‪ .‬فنظرا لكون الجرائم تتدرج‬
‫من حيث خطورتها من المخالفات إلى الجنايات مرورا بالجنح‪ ،‬فقد نسبت مادة القانون التي تهتم بكل أصناف الجرائم وما يترتب‬
‫عنها من آثار إلى الجنايات‪ ،‬وذلك لكون هذا الصنف من الجرائم يمثل أخطرها وأبرزها بالنسبة للكافة والخاصة على السواء‪.‬‬
‫فكما أن كلمة “الجاني” تستعمل للداللة على المجرم‬

‫مهما كانت الجريمة المنسوبة إليه‪ ،‬فإن مصطلح “القانون الج نائي يستعمل كذلك التسمية المادة القانونية المتعلقة بالجرائم عامة‬
‫سواء كانت جنايات‪ ،‬جنح أو مخالفات‪.‬‬

‫إال أن هذه التسمية لم يقع اعتمادها في كل البلدان العربية‪ ،‬إذ أن في أغلب بلدان الشرق العربي يستعمل مصطلح “قانون‬
‫العقوبات” للداللة على نفس المادة‪ .‬وهذه العبارة مأخوذة في الواقع من القانون الفرنسي الذي إستعمل مصطلح ” القانون‬
‫العقابي ”)‪ (le droit penal‬لتسمية هذا الفرع من القانون‪.‬‬

‫ولكن يمكن أن يكون للقانون الجنائي مفهوم أوسع من ذلك يجعله ال يتضمن األحكام المتعلقة بالتجريم والعقاب فحسب بل‬
‫يتضمن كذلك األحكام المتعلقة بإجراءات محاكمة المجرمين وتنفيذ األحكام الجزائية عليهم‪ .‬بذلك يكون القانون الجنائي‬
‫متضمنا لكل األحكام التي يتكون منها على السواء القانون الجنائي العام والقانون الجنائي الخاص وقانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫وبهذا المفهوم الواسع يمكن أن يشمل القانون الجنائي مجمل األحكام التي تهدف إلى التصدي للجريمة وللمجرمين‪ .‬ولكن لتحقيق‬
‫هذا الهدف ال بد من تدعيم هذه األحكام ببعض المواد األخرى الشيء الذي يجعل القانون الجنائي في عالقة متينة مع باقي‬
‫القوانين األخرى ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة القانون الجنائي بغيره من القوانين‬


‫باإلضافة لعالق ة القانون الجنائي بأغلب مواد القانون الخاص و القانون العام نظرا لما تقتضيه حماية المصالح العامة والخاصة‬
‫من تجربم لكل األفعال التي يراها المشرع مضرة بهذه المصالح‪ ،‬فإن القانون الجنائي له عالقة متينة كذلك ببعض المواد العلمية‬
‫التي تساهم بفاعلية في تطوير أحكامه ‪ .‬ومن أهم هذه العلوم هناك علم اإلجرام و علم السجون الذين لهما تأثير على السياسة‬
‫التشريعية العقابية فحسب بل كذلك على كيفية تطبيق القانون الجنائي‬

‫يتناول علم اإلجرام بالدرس أسباب الجريمة وسبل التصدي لها‪ ،‬وتعدد أسباب الجريمة وتنوعها جعل هذا العلم يتفرع إلى ثالثة‬
‫مواد‪ :‬مادة تهتم بدراسة طبائع المجرمين واألسباب العضوية التي تدفعهم إلى اإلجرام ومادة أخرى تهتم بعلم النفس الجنائي‬
‫الذي يدرس ويبحث في األسباب النفسية التي تدفع الشخص أحيانا إلى إرتكاب الجريمة‪ ،‬ومادة ثالثة تهتم بدراسة األسباب‬
‫اإلجتماعية التي دفعت المجرم إلى إرتكاب الجريمة‬

‫وإلى جانب الدور الهام الذي يقوم به علم اإلجرام في تطوير القانون الجنائي‪ ،‬يقوم على السجون أيضا بدور ال يقل أهمية في‬
‫هذا الشأن‪ ،‬إذ أنه يهتم بكل المسائل المتعلقة بتنفيذ عقوبة السجن وبالبحث عن أنجع السبل التي تساعد على إصالح السجين‬
‫وتسهيل اندماجه في المجتمع بعد خروجه من السجن‪.‬‬

‫يتضح مما تقدم أن القانون الجنائي له عالقة متينة بالعلوم التي تساعد على تطويره وكذلك بالمواد القانونية التي يساعد هو‬
‫على تدعيم أحكامها ومؤسساتها للمحافظة على النظام العام وعلى المصالح العامة والخاصة على السواء‬

‫و إذا كان الهدف األساسي للقانون الجنائي يتمثل في حماية المجتمع من كل االعتداءات التي تضر بمصالحة الحيوية فإن‬
‫طبيعته القانونية تبقى محل نظر في نطاق تحديد مفهومه‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫طبيعة القانون الجنائي‬

‫الرأي األول‬
‫الرأي السائد في ما يتعلق بتقسيم المواد القانونية هو أن القانون يتكون من جزئيين رئيسيين وهما القانون العام والقانون‬
‫الخاص ‪.‬وحسب هذا التقسيم يتضمن القانون العام كل الم واد التي تنظم أجهزة الدولة وعالقة األفراد بهذه األجهزة ومن ذلك‬
‫القانون الدستوري والقانون اإلداري؛ أما القانون الخاص فيتضمن المواد التي تنظم مصالح األفراد وعالقاتهم ببعضهم البعض‬
‫ومن أهمها القانون المدني والقانون التجاري ‪.‬‬

‫ونظرا للدور الهام الذي تقوم به الدولة في ميدان القانون الجنائي‪ ،‬يعتبر البعض أن هذا القانون يمكن أن يضم إلى القانون‬
‫العام وان يعتبر جزء منه ‪ .‬فحسب هذه النظرية‪ ،‬يعتبر القانون الجنائي من القانون العام ألنه يتطلب تدخل اإلدارة إلثبات‬
‫الجرائم والقبض على مرتكبيها وكذلك لتنفيذ األحكام الجزائية القاضية بالعقاب‪،‬‬

‫كما تعتبر هذه النظرية أن القانون الجنائي من القانون العام نظرا لكون الدعوى العمومية التي تقوم بها النيابة العمومية ضد‬
‫مرتكبي الجرائم هي مبدئيا من حق المجتمع وحده الذي تمثله الدولة‪.‬‬

‫ولكن رغم هذا التقارب الهام بين القانون العام والقانون الجنائي‪ ،‬فإن هناك من يرى أن هذا األخير هو في الحقيقة أكثر قربا‬
‫إلى القانون الخاص ‪.‬فحسب هذه النظرية يعتبر القانون الجنائي من القانون الخاص ألنه يهدف مثل كل مواد القانون الخاص إلى‬
‫حماية مصالح األفراد وتنظيم عالقاتهم ‪ ،‬وكذلك ألن الدعاوی المتعلقة به ترفع أمام المحاكم العدلية تماما مثل كل القضايا‬
‫المتعلقة بالقانون الخاص‬

‫الرأي الثاني‬
‫إال أن هناك من يرى أن هذا التقارب بين القانون الجنائي والقانون العام أو الخاص ال يكفي االعتبار القانون الجنائي مجرد‬
‫فرع من القانون العام أو الخاص‪ ،‬بل ال بد أن نعترف باستقاللية المادة الجنائية وذلك لما تتميز به من خصوصيات بالمقارنة مع‬
‫ما يميز مواد القانون العام والقانون الخاص‪.‬‬

‫وهذه االستقاللية يمكن تأسيسها أوال على خصوصية الجزاء في ميدان المسؤولية؛ إذ أن الجزاء المترتب عن المسؤولية الجنائية‬
‫يتمثل أساسا في العقاب المؤذي والمؤلم‪ ،‬بينما يتمثل الجزاء في ميدان المسؤولية المدنية أو اإلدارية أساسا في إلزام المسؤول‬
‫بالتعويض النقدي أو العيني عن الضرر الذي حصل للمتضرر ‪.‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫ومن خصائص القانون الجنائي كذلك اهتمامه بحماية مصلحة المجتمع قبل مصلحة الفرد أو اإلدارة‪ .‬وهذا ما يجعله يعاقب عن‬
‫مجرد محاولة ارتكاب الجريمة التي ال تؤدي إلى اإلضرار بالمعتدى عليه‪ ،‬بينما في القانون الخاص والقانون العام ال تقوم‬
‫المسؤولية في اغلب الحاالت إال إذا أدى الفعل المخالف للقانون إلى اإلضرار بشخص معين‪.‬‬

‫ثم أن اهتمام القانون الجنائي أساسا بالمصلحة العامة يجعل المشرع يعتمد أحيانا بالنسبة لبعض المؤسسات القانونية مفاهيم أوسع‬
‫في التشريع الجنائي من التي يعتمدها في القانون الخاص أو العام‪،‬‬

‫ويدعم فقه القضاء هذا التوجه في العديد من حاالت التجريم‪ .‬فمثال تعتمد محكمة التعقيب في المادة الجنائية مفهوما للشيك أوسع‬
‫من المفهوم المعتمد في القانون التجاري وذلك بهدف التصدي بأكثر نجاعة لجريمة الشيك بدون رصيد‪.‬‬

‫وتظهر خصوصية القانون الجنائي واستقالليته أيضا في كونه يعتمد مبادئ خاصة به وذلك مثل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‬
‫ومبدأ تفريد العقوبة ومبدأ شخصية العقوبة وغير ذلك من القواعد والمبادئ التي تميزه عن القانون الخاص والقانون‬
‫العام وتجعل منه مادة مستقلة عن هذين القسمين الرئيسيين للقانون ‪.‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫التجريم و العقاب في القانون الجنائي‬


‫يذهب الفصل ‪ 110‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي إلى أن الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب‬
‫عليه بمقتضاه‪ ,‬كما ينص الفصل األول من ذات القانون إلى أن التشريع الجنائي يحدد أفعال اإلنسان التي يعدها جرائم‪ ،‬بسبب ما‬
‫تحته من اضطراب اجتماعي‬

‫يتضح من خالل مضمون الفصلين‪ ،‬و كما سبق أن ذكرنا ذلك في التقديم‪ ،‬أن عمليتي التجريم والعقاب إنما يتوالهما المشرع‬
‫الجنائي دون غيره‪ ،‬لما في ذلك مساس بين بحقوق وحريات المواطنين التي يضمنها دستور ‪ 2011‬وبكل امتياز بل وانطالقا من‬
‫أن الفعل أو االمتناع المحظورين جنائيا ال يترتب عنهما فقط ضررا خاصا بالضحية أو ثوبه‪ ،‬بل وهذا هو المعتبر ينظر القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬إنما تلمس جسامتهما على مستوى الضرر العام االجتماعي الذي تخلفه الجريمة‪ ،‬بحيث يولد ارتكابها حقا عاما‬
‫للمجتمع‪ ،‬تصبح بمقتضاه الدولة‪ ،‬وبحكم امتالكها لحق العقاب‪ ،‬ملزمة بتجسيده‪.‬‬

‫ولعل االضطراب االجتماعي ا لمتحدث عنه‪ ،‬هو الذي يقف مبدئيا وراء علة تحريم الفعل أو االمتناع فما يمس بالمصالح‬
‫األساسية للمجتمع هو المجرم وفق ضوابط يصطلح الفقه على تسميتها بتقنيات التحريم‪ ،‬سنحاول أن نقف عليها كلما استوجب‬
‫األمر ذلك‬

‫إذن البد من نص تشريعي يقف وراء التحريم والعقاب‪ ،‬ولسنا في حاجة للتأكيد على أن خصوصية المادة الجنائية تنسجم مع هذه‬
‫المنهجية الحذرة في تبني هذا النوع الخاص من القواعد القانونية‪ ،‬ألنها تمت عموم المجتمع‪ ،‬بل ترسم له نماذج السلوك السوي‬
‫وفي مجاالت حيوية‬

‫مع ذلك‪ ،‬لم تكن لتلمس هذه الخصوصيات لوال التطور النوعي الذي عرفه كل من القانون والعدالة بل بنية الدولة نفسها‪ ،‬نظامها‬
‫وتطور أسلوبها في تدبير آليات ووسائل الحكم وحتى ال ندعي ألنفسنا معرفة خاصة يتطور القانون الجنائي‪ ،‬ألن ذلك يحتاج‬
‫لمعرفة موسوعية تتعدى و بكثير التخصص في المادة الجنائية كمادة قانونية‪ ،‬يمكن القول أن انفصال القانون الجنائي عن‬
‫القانون المدني إنما هو أمر تفرضه طبيعة كل مدة على حده‪،‬‬

‫مميزات قواعد القانون الجنائي‬


‫فإذا كان منطق و فلسفة القانون المدني يقينيان على وضع قواعد تنظم العقود وااللتزامات المالية بين األشخاص‪ ،‬وما يترتب‬
‫عن ذلك من مراعاة المصالح الخاصة المتقابلة مع فتح المجال التصحيح الوضعيات القانونية المعيبة‪ ،‬بل إقرار نظام التعويض‬
‫المالي إلصالحها‪ ،‬إلى خالف ذلك تسعى قواعد القانون الجنائي إلى ضمان األمن واالستقرار وحماية المصالح األساسية والتي‬
‫ال قيام للمجتمع بدونها‪ ،‬وهي معطيات تحتاج بالبداهة إلى تحكيم منطق زجري رادع ومقوم لكل سلوك إجرامي‪،‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫بحيث البد وأن تحظى العقوبة بمساحات معقولة في تصور القواعد حماية للمجتمع من خطر الجريمة وهو ما ال يمكن أن تحتل‬
‫فيه تقنية التعويض سوى استثناء ال يمكن القياس عليه مع األسف‪ ،‬ليست كل الجرائم ترتب الضرر االجتماعي العام‪ ،‬بحيث ليس‬
‫ه ناك ما يمنع المشرع الجنائي من تجريم أفعال أو صور امتناع يفترض فيها الضرر االجتماعي اقتراضا‪ ،‬فتبقى حكمة المشرع‬
‫و منطقه هو الكفيل بتحديد علة تجريمهما ونحن إن كنا ال نمانع مبدئيا‪ ،‬وفي حدود معينة‪ ،‬تقتضيها الوقاية أو األهمية القصوى‬
‫التي تحتلها المصلحة المحمية ‪.‬‬

‫فللجريمة ثالث أركان ركن قانوني و آخر مادي وثالث معنوي‪ ،‬ال قيام لها بدونها‪ ،‬و إن كنا قد تجد في بعض الحاالت خروجا‬
‫عن هذا التصور المنطقي للجريمة‪ ،‬إما بإدخال جهات أخرى غير المشرع‪ ،‬أو لتبرير االكتفاء بالركن المادي في بعض الجرائم‬
‫التي تقع تجاوزا بالتقنية ونحن من أشد المتمسكين بالبنيان المنطقي الذي ينبغي أن تكون عليه الجريمة وفق ما وضحنا أعاله‬

‫هذا وإذا حاولنا أن نضع تعريفا تقريبيا للجريمة يمكن أن تنتهي إلى ما انتهى إليه أغلب الفقهاء من أن الجريمة هي كل فعل‬
‫إيجابي أو سلبي‪ -‬امتناع‪ -‬يتدخل المشرع التجريم ارتكابه بإحدى نصوص التجريم‪ ،‬مفردا له عقوبة أو تدبيرا وقائيا بحسب ما‬
‫يحدثه أو يفترض إحداثه من اضطراب اجتماعي‪ ،‬ويكون مرتكبا من طرف من اعتبره المشرع أو اقترضه أهال لتحمل‬
‫المسئولية الجنائية بشأنه‪.‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫الركن المعنوي للجريمة‬


‫ينص الفصل ‪ 133‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي على ما يلي ‪ ” :‬الجنايات والجنح ال يعاقب عليها إال إذا ارتكبت عمدا‪.‬‬
‫إال أن الجنح التي ترتكب خطأ يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحاالت الخاصة التي ينص عليها القانون‪ .‬أما المخالفات فيعاقب‬
‫عليها حتى ولو ارتكبت خطأ‪ ،‬فيما عدا الحاالت التي يستلزم فيها القانون صراحة قصد اإلضرار“‬

‫المالحظة العامة على هذا الفصل‪ ،‬أنه وباإلضافة الشتراطه الركن المعنوي في األنواع الثالثة من الجرائم جنايات ‪،‬جنح‬
‫ومخالفات ‪ ،‬فإنه وانطالقا من تراتبية هذه الجرائم ‪ ،‬حسب خطورتها بطبيعة الحال‪ ،‬حاول أن يرسم للركن المذكور مستويات‬
‫ثالثة كذلك‪ ،‬لكن وفق ترتيب نعتبره محل مناقشة‬

‫في المستوى األول‪ ،‬المشرع يتحدث عن العمد‪ ،‬ويهم الجنايات دائما‪ ،‬و الجنح كمبدأ عام‪ .‬وفي المستوى الثاني ينتقل المشرع‬
‫للحديث عن الخطأ‪ ،‬وهذا يهم الجنح بصفة استثنائية‪ ،‬ويهم كذلك المخالفات لم يأتي في المستوى الثالث ليتحدث عن قصد‬
‫اإلضرار والذي قد يهم استثناء المخالفات‬

‫الركن المعنوي يتمثل في تلك القوة المرتبطة بنفسية الجاني‪ ،‬والتي تحمله عبر اإلرادة على إتيان نشاطه إما بشكل عمدي أو‬
‫بالخطأ‪ ,‬فمرتكب الجريمة ال يكفي إلدانته إسناد الفعل ماديا إليه‪ ،‬بل البد من تحقق إمكانية ذلك معنويا بالوقوف‪ ،‬إما على توافر‬
‫قصد جنائی جعله يأتي النشاط اإلجرامي بشكل متعمد‪ ،‬أو على ارتكابه وفق إحدى صور الخطأ‪ ،‬وهي عدم التبصر أو عدم‬
‫االحتياط أو عدم االنتباه أو اإلهمال أو عدم مراعاة النظم والقوانين‪.‬‬

‫أوال – القصد الجنائي‬

‫بصفة عامة‪ ،‬يمكن القول أن القصد الجنائي يتمثل في توجيه الفاعل إلرادته من أجل تحقيق واقعة إجرامية معينة‪ ،‬مع العلم‬
‫بحقيتها سواء من الناحية القانونية أو من الناحية المادية إذن ال بد في الجرائم العملية‪ ،‬أي التي تقوم على القصد المذكور‪ ،‬من‬
‫اتجاه إرادة الجاني اآلثمة إلى تحقيق النشاط اإلجرامي مع حصول علمه بحقيقة ذلك النشاط وتجريم المشرع له‬

‫توجيه اإلرادة إلى تحقيق الواقعة اإلجرامية‬

‫ال يتحقق الركن المعنوي في الجرائم العمدية إال بتحقق هذا العنصر المتمثل في استهداف النتيجة اإلجرامية‪ ،‬عبر إرادة راغبة‬
‫في تحقيقها تعمل على تنفيذ النشاط اإلجرامي المؤدي لذلك‪ .‬ففي جريمة القتل العمد من‪ ،‬ال يمكن أن يقوم القصد الجنائي إال‬
‫باتجاه اإلرادة إلى إزهاق روح الضحية‪ ،‬أما إذا لم تتجه اإلرادة إلى تحصيل النتيجة المذكورة‪ ،‬لكنها حصلت مع ذلك‪ ،‬وكانت‬
‫وليدة إحدى صور الخطأ أعاله‪ ،‬فتكييف الفعل يدخل في خانة القتل الخطأ‪ ،‬كما هو األمر في حوادث السير هنا ال بد من التأكيد‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫على أن مسألة إثبات قيام القصد الجنائي من عدمه في حق الجاني يدخل في المسائل الواقعية التي يستقل بتقديرها قضاة‬
‫الموضوع‪ ،‬وال رقابة عليهم في ذلك من طرف محكمة النقض‬

‫مع ذلك يبقى اإلشكال مطروحا بخصوص هذا العنصر األول من عناصر القصد الجنائي‪ ،‬حيت يقع التساؤل عن الدافع‬
‫الرتكاب الجريمة إذا كان “نبيال”‪ ،‬هل يقوم به عنصر اإلرادة ؟‬

‫يجمع الفقه الجنائي مبدئيا على أن ال تأثير الواقع في هذا المضمار‪ ،‬فمن يسرق ماال مملوكا للغير يدافع توزيعه على الفقراء‬
‫وبدعوى بخل صاحبه يتساوى عند المشرع مع من يسرق من أجل االستمتاع بالمال إرضاء أنانيته‬

‫مع ذلك‪ ،‬يمكن أن يصبح لهذا الدافع هامشا من القيمة لدى القاضي في تفريد العقاب بتحديده بين الحين األدنى واألقصى‪ ،‬بحيث‬
‫قد يميل بالكم العقابي إلى الحد األول كلما استنتج نبل الدافع فيما نوقش أمامه من حجج بصفة علنية‪ ،‬حضورية وتقوية و على‬
‫أية حال إذا لم نسجل للمشرع المغربي موقفا مبدئيا بخصوص الدافع إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬فقد ينزع في بعض الوضعيات‬
‫اإلجرامية إلى االعتداد به کسبب تخفيف من العقوبة‪،‬‬

‫العلم بحقيقة ما يقدم عليه من الناحيتين الواقعية والقانون‬

‫البد لقيام القصد الجنائي يشكل تام وكامل‪ ،‬من أن يكون الفاعل على علم بحقيقة ما هو بصدد تنفيذه من نشاط أو أنشطة إجرامية‬
‫سواء من الناحية الواقعية‪ ،‬وهذه ال خالف حولها في الفقه أو من الناحية القانونية‪،‬‬

‫وينتفي العلم من الناحية الواقعية إما بالجهل أو الغلط ويمثل الفقه على الحالة األولى بالموثق الذي يتلقی معلومات غير صحيحة‬
‫من المتعاقدين فيكتبها وهو يجهل زوريتها‪ ،‬فال يؤاخذ بجريمة التزوير‪ .‬أما في الحالة الثانية حالة الغلط – فيسوق مثل المسافر‬
‫الذي يأخذ عند نهاية السفر حقيبة مسافر آخر معتقدا أنها حقيبته‪ ،‬ال يعتبر مرتكبا لجريمة السرقة‪.‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬البد من التأكيد على أن انعد ام القصد الجنائي في الحالتين رهين بأن ينصب الجهل أو الغلط على العناصر المكونة‬
‫للجريمة كما حددها القانون‪ ،‬ولعله شرط بديهی‪ ،‬فإذا اقتصر الجهل أو الغلط على عناصر ال تعتبر من مكونات الجريمة من‬
‫الناحية القانونية‪ ،‬فال أساس للقول بانعدام القصد‪،‬‬

‫يبقى الجهل أو الغلط من الناحية القانونية‪ .‬ويمثل الفقه على الحالة األولى بالجهل بأن القانون يجرم الفعل الذي هو مقدم عليه‪،‬‬
‫أما الحالة الثانية فيراها مجسدة في فهم القانون على نحو مخالف وحتى ال تتيه في تفسيرات قد يصعب معها فهم األسس التي‬
‫يقوم عليها القانون الجنائی‪ ،‬تقول مع المشرع الجنائي المغربي‪ ،‬ال يسوغ ألحد أن يعتذر بجهل‪ .‬وقد أضيف بالغلط في التشريع‬
‫الجنائي‪ ،‬ولو أنه لدينا اقتناع بإمكانية مناقشة قرينة العلم التي يفرضها المشرع من أجل حصول هذا العلم االفتراضي‪ -‬أي غير‬
‫الحقيقي–‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الخطأ الجنائي‬

‫في الخطأ الجنائي وعلى خالف القصد الجنائي‪ ،‬اتجاه إرادة الفاعل لم يتجاوز حدود الفعل الستهداف النتيجة اإلجرامية التي‬
‫حدثت مع ذلك‪ .‬والفقه يرجع العطل الذي أصاب هذه اإلرادة في كون الفاعل لم يراعي واجب التبصر في سلوكه‪ ،‬فكانت النتيجة‬
‫وليدة عدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله‪ ،‬بل يضيف المشرع لهذه الصور‪ ،‬صورة عدم مراعاة النظم‬
‫والقوانين و قبل إعطاء ولو نظرة مختصرة ومبسطة على صور الخطأ الجنائي‪ ،‬نقول أن المشرع الجنائي هنا حاول‪ ،‬خارج‬
‫الحالة العامة التي ترد فيها الجريمة بشكل عمدي‪ ،‬أن يحتوي بالتجريم والعقاب الوضعيات اإلجرامية التي يقوم فيها الركن‬
‫المعنوي ولو في حدوده الدنيا الفاصلة بين الضرر االجتماعي الداخل في اعتبار القانون الجنائي‪ ،‬و الضرر الخاص الذي يعتبر‬
‫من متعلقات القانون المدني‬

‫صور الخطأ الجنائي‬

‫أوال –عدم التبصر‪:‬‬

‫هي صو رة من صور الخط الجنائي التي يقول بها الفقه الجنائي في المجال المهني‪ ،‬حيث يظهر فيها واجب مراعاة الضوابط‬
‫والقواعد الفنية المرتبطة بكل مهنة ‪ ،‬و على الخصوص تطرح مراعاة هامش من السماحة بحكم العالقة الخاصة التي تربط‬
‫الفاعل بالضحية‪ ،‬كما هو الحال في المجال الطبي و من دون الدخول فيما تطرحه المسؤولية الجنائية من إشكاليات في هذا‬
‫المجال‪ ،‬نقول أنه باإلمكان متابعة الطبيب بالقتل أو الجرح الخطأ إذا تبين للقاضي الجنائي أنه لم يحترم في العملية الجراحية‬
‫التي أجريت على المريض قواعد الجراحة الفنية‪ .‬مثال تسريع وتيرة العملية فمراعاة هذه القواعد هي التي تحلله من تحمل‬
‫المسؤولية الجنائية وتجعله فعال متبصرا فيما أقدم عليه من عمل‬

‫ثانيا –عدم االحتياط‪:‬‬

‫هنا يالحظ على سلوك الفاعل نوعا من التهور‪ ،‬غير المقبول جنائيا فالسائق الذي يسوق بسرعة في مكان آهل بالمارة‪ .‬مصادفة‬
‫اليوم السوق أسبوعي مثال‪ .‬ال شك أن في فعله ها مش من الخطورة اإلجرامية‪ .‬فهو يعلمها ويعرف أيضا سيل تجنبها‪ .‬التي وإن‬
‫كانت ال تسمح بمتابعته بجريمة عمدية في حالة صدمه ألحد المارة الستحالة القول بذلك‪ ،‬انطالقا من أن استهداف النتيجة التي‬
‫حدثت هي خارج رغبته‪ ،‬إال أنه يساءل عن عدم احتياطه لمالئمة سلوكه للوضعية التي عليها المكان‬

‫ثالثا –عدم االنتباه‪:‬‬

‫تتميز هذه الصورة في كون الفاعل لم يركز بما فيه الكفاية فيما أقدم عليه من عمل‪ ،‬كالسائق شارد الذهن المأخوذ بسحر منظر‬
‫الطبيعة في وقت غير مناسبا‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫رابعا –اإلهمال‪:‬‬

‫الفاعل هنا يتخذ موقفا سلبيا في مواجهة و ضعية تستوجب عليه اتخاذ موقف إيجابي يعكس به يذله العناية المطلوبة في مثل‬
‫الموقف الذي وجد فيه ويمثل الفقه عليها بإعطاء الدواء بصفة غير منتظمة هنا ال بد أن تسجل احتياطنا من إعطاء مثل هذه‬
‫األمثلة الملتبسة‪ ،‬مادام باإلمكان في هذا المقال أن يتابع الفاعل بجريمة عمدية‪ ،‬إن استهدف النتيجة بطبيعة الحال‪ ،‬أو إن كان‬
‫إهماله هو بالقداحة التي يصعب معها التمسك بإحدى صور الخطأ الجنائي ومن دون الدخول في بعض التعقيدات‪ ،‬تقول أن‬
‫تمييزنا بين الجريمة العمدية والجريمة الخطية إنما هو تمييز أكاديمي‪ ،‬ال يعفي القاضي الجنائي من طرحه في كل نازلة‬

‫خامسا –عدم مراعاة النظم والقوانين‪:‬‬

‫ال بد من التأكيد أوال بأن عبارة النصوص والقوانين المقصود بها النصوص التشريعية وما دونها من قرارات ولوائح وأوامر‬
‫صادرة عن السلطة العامة‪ ،‬سواء كانت هذه القرارات أو األوامر تنظيمية أو فردية هذا وتشكل مخالفة النظم والقوانين جريمة‬
‫بمجرد أن يترتب عنها ضرر جسماني‪ ،‬حتى ولو لم تكن المخالفة في حد ذاتها معاقبة جنائيا‪ ،‬مثال ذلك مخالفة القواعد المنظمة‬
‫األحد األلعاب الرياضية يبقى‪ ،‬وبصفة عامة أخيرة‪ ،‬أن الجريمة غير العملية ال يمكن أن تتصور فيها ال المحاولة وال المشاركة‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫الركن المادي للجريمة‬


‫نعتقد أن الحديث عن الركن المادي للجريمة إنما يجرنا بداية إلعطاء ولو فكرة أولية عن المشروع اإلجرامي‪ ،‬وعن المراحل‬
‫التي يمر منها‪ ،‬نكتفي بالقول أن هذا المشروع يستلزم بالضرورة للصورة المرور‪.‬‬

‫أوال من مجرد الفكرة اإلجرامية‪ ،‬لينتقل ثانيا لمرحلة العزم‪ ،‬حيث تصبح الفكرة المذكورة متمكنة من صاحبها بعد ذلك‪ .‬ثالثا‪-‬‬
‫يتحول هذا المكنون النفسي إلى عمل تحضيري ينصب عموما على تدبير كل ما يتعلق بتنفيذ الجريمة ثم رابعا‪ -‬المحاولة التي‬
‫تقوم بالبدء في تنفيذ الجريمة من دون العدول عنها إراديا لينتهي األمر‪ .‬خامسا‪ -‬إلى تمام تنفيذ الجريمة‬

‫ولعله بقليل من التأمل في هذه المراحل الخمس‪ ،‬يمكن القول أن الجريمة تكون في بدايتها عبارة عن مكنون نفسي يحتاج إلى‬
‫هامش من اإلصرار ليتحول إلى واقع مادي ملموس في العالم الخارجي‪ .‬فقد تكتمل بتمام التنفيذ‪ ،‬وهنا يقع الحديث کامال من‬
‫الركن المادي ‪.‬‬

‫باإلضافة طبعا للركن المعنوي كما سنقف على ذلك في حينه والذي في حقيقته هو عبارة عن مجموعة عناصر‪ ،‬تختزل أو تتعدد‬
‫حسب الطبيعة القانونية للجرائم؛ وقد تكون غير تامة – ناقصة ‪ ،‬أي في صورة المحاولة‪ ،‬التي فضال عن أنها قد تتعدد من حيث‬
‫تجسدها على مستوى الواقع‪ ،‬ف هي قد تسمح بعدم إنزال العقاب في حالة العدول اإلرادي للمبتدأ في التنفيذ المادي للجريمة‬

‫يبقى أن النشاط اإلجرامي‪ ،‬يمكن أن يأتيه الفاعل منفردا دون مساعدة من أي كان‪ ،‬حينئذ نكون أمام فاعل أصلي‪ -‬يتحمل‬
‫المسؤولية الجنائية لوحده في حالة قيامها صحيحة من الناحية القان ونية‪ ،‬كما يمكن أن يعد هذا الفاعل األصلي۔ فتصبح أمام‬
‫مساهمين‪ ،‬لكل واحد منهم نصيب من التنقية المادي للجريمة‪ ،‬وقد يكون إلى جانب الفاعل األصلي أو المساهمين‪ ،‬في حالة تعدد‬
‫هذا األخير ‪ ،‬شريك أو شركاء محرضين أو مساعدين وفق صور حصرية منصوص عليها في المدونة الجنائية بناء عليه‪،‬‬
‫ستحاول أن تتناول تباعا هذه المواضيع أنفة الذكر‪.‬‬

‫عناصر الركن المادي للجريمة‬


‫البد ألي جريمة من نشاط إجرامي‪ ،‬يرتكبه الفاعل إما في شكل فعل أو امتناع يحضره المشرع الجنائي ويعاقب عليه‪ .‬العنصر‬
‫األول‪ .‬هذا النشاط تترتب عنه نتيجة إجرامية‪ ،‬غالبا ما يشترطها المشرع في جرائم النتيجة بطبيعة الحال العنصر الثانی۔ وقد‬
‫يتجاوز عن اشتراطها في الجرائم الشكلية مثال وكلما اشترط المشرع النتيجة اإلجرامية كعنصر إلزامي لقيام الركن المادي‪،‬‬
‫كلما كان لزاما توافر عالقة سببية تربط بين العنصرين المذكورين وهي العنصر الثالث‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫النشاط اإلجرامي‬

‫النشاط اإلجرامي قد يرد إما في شكل فعل إيجابي أو فعل سلبي‪ .‬فاألول يقف من ورائه سلوك الجاني المجسد بحركة فاعلة‬
‫محظورة قانونا‪ ،‬ومؤثرة بشكل واضح في العالم الخارجي؛ أما الثاني‪ ،‬وإن كان له تأثيره المعتبر في العالم الخارجي‪ ،‬فهو ال‬
‫يعدو أن يكون إمساكا عن حركة مطلوبة قانونا‪.‬‬

‫هذا العنصر األول من عناصر الركن المادي للجريمة هو الذي ينطلق به التجريم‪ ،‬بحيث ال يعاقب المشرع على مجرد التفكير‬
‫في الجريمة‪ ،‬أو حصول العزم على ارتكابها‪ ،‬بل يتجنب المشرع العقاب ولو مر الفاعل إلى مرحلة التحضير‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫هذه المر احل مبدئيا‪ ،‬وإن كانت قد تحوز اهتمام المشرع في بعض الجرائم الخاصة‪ ،‬ال تحوز خطورة مثيرة على هامش عدم‬
‫اإلقدام على ارتكاب الجريمة فيها وارد بقوة‬

‫هذا وإذا كان الفعل اإليجابي ال يطرح مشكال معقدا للقول بقيام النشاط اإلجرامي‪ ،‬كما هو الحال في جرائم اإليذاء العمدي‪ ،‬فإن‬
‫األمر على خالف ذلك مع الفعل السلبي‪،‬‬

‫لقد توزع الفقه الجنائي على ثالث اتجاهات‪ ،‬األول يقول بإمكانية التماثل عندما يكون الفاعل قادرا تماما على منع النتيجة‬
‫اإلجرامية‪ ،‬ومع ذلك يسمح بحدوثها رغبة في ذلك‪ .‬ويبقى هذا االتجاه الفقهي منطق المساءلة الجنائية المتماثلة مع تلك المترتبة‬
‫عن الفعل اإليجابي على تساوي الخطورة اإلجرامية‬

‫االتجاه الفقهي الثاني يستلزم‪ ،‬للقول بإمكانية التماثل‪ ،‬وجود التزام قانوني أو تعاقدي يمكن اعتماده كأساس إلقرار المساواة في‬
‫التجريم والعقاب بين الفعل اإليجابي والفعل السلبي‪،‬‬

‫يبقى االتجاه الثالث‪ ،‬والذي يتمسك وبكل قوة بمبدأ الشرعية‪ ،‬حيت يذهب إلى عدم إقرار التماثل أبدا‪ .‬فللمشرع الجنائي الحرية‬
‫الكاملة في إقرار هذا التماثل في إطار نصوص خاصة‪ ،‬يقدر فيها خطورة الفعل السلبي وفق الشكل الذي يراه مناسبا ال سبيل‬
‫إلقرار نص عام يعاقب على فعل اإلمتناع‪ ،‬مادام أن التشريعات تتجنب ذلك رغبة في تكريس مزيد من الدقة والوضوح في باب‬
‫التجريم ولعله موقف المشرع المغربي الذي نراه األقرب إلى الصواب في مواجهة االتجاهين السابقين‬

‫النتيجة اإلجرامية‬

‫حتى ال نطيل في النتيجة اإلجرامية‪ ،‬وإن كانت هي أيضا قد تثير بعض اإلشكاليات النظرية والعملية‪ ،‬يمكن القول عنها أنها‬
‫األثر الترتب عن النشاط اإلجرامي‪ .‬فعل إيجابي أو فعل سلبي‪ .‬والذي يمكن لمسه و بشكل واضح في العالم الخارجي‪.‬‬

‫و لعل أهم ما يميز هذا العنصر الثاني من عناصر الركن المادي للجريمة أنه يبرز وبالملموس مدى الخطورة التي ينطوي‬
‫عليها النشاط اإل جرامي‪ ،‬حتى أن هناك بعض الجرائم‪ ،‬ال يمكن تكييفها واستجابة الكم العقابي لخطورتها‪ ،‬إال من خالل ما‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫يترتب عن النشاط اإلجرامي من نتيجة ضارة وبغض الطرف عن مدى خطورة النشاط اإلجرامي في حد ذاته ولنا في جرائم‬
‫اإليذاء العمدي أمثلة دالة‪ ،‬حيت يمكن لنفس مستوى اإليذاء أن يكون وراء تكييف الجريمة ضريا وجرحا أو إيذاء مقضيا إلى‬
‫الموت‪.‬‬

‫من أجل ذلك‪ ،‬كان ال بد من التشديد في اشتراط تلزم النتيجة اإلجرامية للنشاط اإلجرامي‪ ،‬حتى ال يفتح المجال التفاوت غير‬
‫طبيعی بين عنصرين أحدهما يبرر اآلخر ولعل هذا التالزم هو الذي يبرر تمثل المشرع لتمظهرات أخرى للجريمة يفضل‬
‫التعامل معها بشكل مستقل فجريمة االعتياد منة‪ ،‬وهي الجريمة التي ال يقوم ركنها المادي إال بنوع من التكرار على مستوى‬
‫إتيان النشاط اإلجرامي ‪.‬‬

‫فالتالزم هنا يتراخي بعض الزمن‪ ،‬ألن تصور المشرع الجنائي لخطورة الفعل تستلزم الثبات على إتيانه‪ ،‬بحيث تصبح خطورة‬
‫النتيجة اإلجرامية نابعة من الفعل أكتر من تحصلها بالضرر المترتب عنه ولعله تقريبا فض المنطق الذي يعتمده المشرع النتقاء‬
‫األفعال التي يدخلها في زمرة الجرائم الشكلية وهذا ليست النتيجة اإلجرامية هي التي تغيب عن اللمس في العالم الخارجي‪ ،‬ألنها‬
‫متحصله بقوة من الناحية المادية في جريمة التسميم مثال‪،‬‬

‫بل هو االعتبار التشريعي الذي جعل من الخطورة المتميزة للفعل اإلجرامي كافية للتغاضي عن الوقوف على مدى حصول‬
‫النتيجة من عدمه‬

‫العالقة السببية‬

‫ال يمكن للركن المادي للجريمة أن يقوم کامال مستجمعا عناصره إال بحصول االرتباط السببي بين النشاط اإلجرامي والنتيجة‬
‫اإلجرامية المترتبة عنه ولعله شرط يندرج في ما يفرضه منطق المساءلة الجنائية نفه‪ ،‬فإسناد الفعل لمرتكبه إنما يتطلب حصول‬
‫عالقة وثيقة ‪ .‬عبرنا عنها بالمصطلح الجنائي” االرتباط “‪ .‬بينه وبين ما رتبه من نتيجة إجرامية للضحية بل إن علة التجريم هي‬
‫نفسها‪ ،‬وقبل المساءلة والعقاب‪ ،‬تتطلب هذا االتصال السببي‪ ،‬نفيا ألي اختالط أو لبس قد يحدث على مستوى الواقع‪ ،‬سواء في‬
‫حالة تعدد الجناة‪ ،‬كما ستعرض لذلك في حالتي المساهمة والمشاركة‪ ،‬أو في حالة تعدد الجرائم‬

‫يبقى أنه يتوجب على القاضي الجنائي‪ ،‬وفي حالة صعوبة الوقوف على توافر العالقة السببية‪ ،‬أن يعمد إلى تبرئة المتهم‪ ،‬مادام‬
‫وكما مر معنا الشك يفسر لمصلحته وأيضا حسب منطق القانون الجنائي نفسه‪ ،‬اإلدانة ال يمكن أن تبنى إال بيقين‪ ،‬وهو ما ال‬
‫يمكن توافره في حالة تعذر القول بقيام العالقة السببية ولعل أكبر المشاكل على اإلطالق يتمثل في الحاالت التي يتدخل فيها‬
‫سبب أو أسباب أخرى مؤثرة في النتيجة اإلجرامية إلى جانب نشاط الجاني هذا انقسم الفقه ثالث نظريات‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫نظرية تكافؤ األسباب‬

‫األولى تسمى بنظرية تكافؤ األسباب‪ ،‬بحسبها‪ ،‬يعترف لكل سبب متدخل في حدوت النتيجة بنفس القيمة القانونية التي تراب‬
‫المسألة الجنائية‪ ،‬مهما اختلفت هذه القيمة من الناحية الواقعية فكما يظهر‪ ،‬تحاول هذه النظرية أن تتخلص من إشكالية البحت عن‬
‫القيمة الحقيقية التي يمكن أن يحوزها كل سبب على حده‪ ،‬بحيث‪ ،‬على أية حال‪ ،‬تقوي من منطق المساءلة الجنائية وعدم‬
‫اإل فالت من العقاب‪ ،‬ولو على حساب تغليب الحسم على المستوى القانوني دون الواقعي‬

‫نظرية السببية المباشرة‬

‫النظرية الثانية وتسمى بنظرية السببية المباشرة‪ ،‬وهي كما يدل عليها اسمها تشترط للقول بقيام العالقة السببية صحيحة أن‬
‫تتصل النتيجة اإلجرامية بالنشاط اإلجرامي اتصاال مباشرا من دون أن يقطعه سبب أخر بل يفضل بعض الفقه الجنائي بنعتها‬
‫بالعالقة المبنية على السبب األقوى‪ ،‬حتى تقوم مساءلة الجاني عما رتبه نشاطه اإلجرامي مباشرة من نتائج واضحة يسهل‬
‫تكييفها وإسنادها من الناحية الجنائية ودائما‪ ،‬حسب هذه النظرية إذا تدخل سبب أجنبي مع نشاط الفاعل تنقطع العالقة السببية‬
‫ويصعب القول بقيامها صحيحة‪ ،‬مساهمة في استجماع عناصر الركن المادي للجريمة‬

‫نظرية السببية المالئمة‬

‫النظرية الثالثة يصطلح عليها أصحابها بنظرية السببية المالئمة وأغلب الظن أنها النظرية األقرب إلى الصواب فحسب هذه‬
‫النظرية‪ ،‬ال يع تبر سبيا تقوم به العالقة السببية صحيحة إال ما صح اعتباره مؤديا للنتيجة اإلجرامية حسب العادي والمألوف‪.‬‬
‫ونحن من جهتنا تؤكد على أن الحسم في مدى توافر العالقة السببية من عدمه إنما يتطلب من القاضي الجنائي االحتكام إلى‬
‫الحقيقة الواقعية للنازلة‪ ،‬وهذه تتطلب منه تف كيك الوقائع بشكل يأخذ بعين االعتبار مختلف مظاهر االرتباط الطبيعي التي تجمع‬
‫بينها‪ ،‬من دون اختزال أو مبالغة فلكل نشاط إجرامي نتيجة إجرامية تترتب عنه بشكل طبيعي ومنطقي‪ ،‬يمثله الشخص العادي‪،‬‬
‫بل هو مألوف لديه ويبني عليه منطقه التصور األشياء‪ ،‬ليل يؤسس عليه احترازه لكي ال يسقط في المحظور ‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬ال بد من تسجيل ولو هامش ليسير من التحفظ بخصوص هذه النظرية‪ ،‬فنحن وإن كنا نؤمن بأنها تساهم في إعطاء‬
‫القاضي الجنائي هامشا معقوال من السلطة التقديرية إلعمال منطق المالئمة الطبيعية لتقدير الحقيقة الواقعية للنازلة في موضوع‬
‫العال قة السببية‪ ،‬فقد يتعثر األخذ بها في حاالت يصعب على القاضي فيها إيجاد إجابات منطقية من الواقع‪ ،‬تقع بسهولة اإلهداء‬
‫إلى ما يترتب عن النشاط اإلجرامي من نتيجة حسب العادي والمألوف‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫الركن القانوني للجريمة‬


‫إن أول وأهم ما ينطلق منه الفقه الجنائي في دراسته للجريمة وما تقوم به من أركان هو مبدأ الشرعية‪ ،‬والذي يعني أن النص‬
‫التشريعي هو مطلق التحريم والعقاب وأساسه الذي بني عليه المشرع تصوره للفعل أو االمتناع المحظورة ففي غياب هذا النص‬
‫يستحيل على القاضي الجنائي أن يدين في النازلة المعروضة عليه‪ ،‬وال أن ينزل عقابا ولو ترتب عن الفعل اضطراريا اجتماعيا‬
‫واضحا ومع ذلك‪،‬‬

‫وحتى تكتمل قيام الجريمة قانونا‪ ،‬البد وباإلضافة لسبقية وجود النص التشريعي المجرم والمعاقب أن ال يكون هذا الفعل أم‬
‫االمتناع خاضعا لسبب من أسباب التبرير أو اإلباحة‪ ،‬أي أن ال يعترضه ما يرفع عنه الصفة الجرمية‪ ،‬و هي أسباب تتعلق‬
‫بوضعيات قانونية وواقعية‬

‫اشتراط خضوع الفعل أو االمتناع لنص من نصوص التجريم‬


‫ينص المشرع المغربي في الفصل ‪ 3‬من مجموعة القانون الجنائي على أنه ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة‬
‫تصريح القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون‬

‫كما ينص الفصل ‪ 23‬من دستور المملكة المغربية ل ‪ 2011‬على أنه ال يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعه‬
‫أو إدانته‪ ،‬إال في الحاالت وطبقا اإلجراءات التي ينص عليها القانون‪ .‬وأن االعتقال التعسفي أو السري واالختفاء القسري‪ ،‬من‬
‫أخطر الجرائم‪ ،‬وتعرض مقترفيها ألقسى العقوبات‬

‫إن المشرع المغربي سواء من العادي أو الدستوري‪ ،‬وعيا منه بما يحتله مبدأ الشرعية ال جريمة وال عقوبة إال بنص‪ .‬في دولة‬
‫الحق و المؤسسات من أهمية محورية‪ ،‬قد جعل من حماية الحقوق والحريات مبدأ أصيال‪ ،‬ال يمكن الحد منه إال بنصوص‬
‫صادرة عن هيئة تمثل الشعب تبين فيها ب دقة ووضوح ‪ ،‬وبشكل مسبق‪ ،‬حدود هذه حماية هذا المبدأ‪ ،‬المستقر عليه عالميا‪،‬‬

‫نتائج مبدأ الشرعية‬


‫الفقه الجنائي يتناول هذه النتائج ضمن ثالث موضوعات رئيسية‪:‬‬

‫–حصر مصدر القاعدة الجنائية في النص القانوني التشريعی‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫–خضوع القاعدة الجنائية لمبدأ عدم الرجعية‬

‫–مبدأ عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية‬

‫فبالنظر لخصوصيات المادة الجنائية كما سلف الذكر‪ ،‬و بحكم تعلقها بالهوامش المسموح بها للحد من الحقوق والحريات‪ ،‬كان‬
‫البد من تحصين وضع القاعدة القانونية بشأنها‪ ،‬بتخصيص التشريع المكتوب لوحده بهذه المهمة‪ ،‬دون العرف أو مبادئ العدالة‬
‫أو القانون الطبيعي ولعله توجه دال وبكل المقاييس‪ ،‬بأن ال مجال في دولة الحق بأن تمس الحقوق والحريات إال بواسطة أسمى‬
‫تعبير عن إرادة األمة‪ ،‬أي التشريع‪ ،‬وهو في فهم الفقهاء خطاب قانونی ملزم للجميع‪،‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬يبقى هذا التضييق لمصادر القاعدة القانونية الجنائية حصرا على عمليتي التجريم والعقاب‪ ،‬بحيث ليس هناك ما يمنع‬
‫من االنفتاح على المصادر األخرى كالعرف مثال بالنسبة ألسباب التبرير أو اإلباحة‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬وقبل المرور إلى الحديث عن المبادئ المعتمدة في تطبيق القاعدة القانونية الجنائية من حيث المكان‪ ،‬حيت يسجل لها‬
‫خصوصيات مع تبرة‪ ،‬البد من توضيح بخصوص السلطة الموكول إليها مهمة التشريع‪ .‬هنا بطبيعة الحال ال مناص من الرجوع‬
‫لمقتضيات الدستور‪ ،‬حيث ينصص الفصل ‪ 71‬في فقرته السابعة على أن تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها هي من‬
‫اختصاص القانون الذي تمارسه السلطة التشريعية ‪ ،‬كما أن الفقرة التاسعة من نفس الفصل تسند لنفس الهيئة مادة المسطرة‬
‫الجنائية ‪.‬‬

‫وبخصوص التشريع من طرف جاللة الملك‪ ،‬يرجع الفقه الجنائي المغربي لمقتضيات الفصلين ‪ 59‬و ‪ 96‬من الدستور وإن كنا‬
‫نحن نفضل أن نحيل الطالب على مؤلفات القانون الدستوري‪ ،‬يمكن أن نقول في هذا المقام أن لجاللة الملك في المغرب مكانة‬
‫سامية منفردة إنسانية ودينية وتاريخية واجتماعية قبل التكريس الدستوري والقانونی‪:‬‬

‫فجاللة الملك أمير المؤمنين وحامي الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية وهو أيضا رئيس الدولة وممثلها‬
‫األسمى و رمز وحدة األمة وضامن دوام ال دولة واستمرارها والحكم األسمى بين مؤسساتها وضامن استقالل البالد وحوزة‬
‫المملكة في دائرة حدودها الحقة ‪ ،‬بحيث باعتقادنا المتواضع لسنا في حاجة إلى كثير من التنظير لننتهي إلى ما يمكن أن يضطلع‬
‫به جاللة الملك في المجال التشريعي من ضمان وحماية متميزين للحقوق والحريات‬

‫تطبيق القاعدة القانونية الجنائية من حيث المكان‬


‫هناك أربعة مبادئ يعتمدها الفقه الجنائي من أجل حل اإلشكاليات التي يطرحها التطبيق المذكور‪:‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫أوال – مبدأ إقليمية القاعدة القانونية الجنائية‬

‫ينص الفصل ‪ 10‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أنه يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم‬
‫المملكة من وطنيين وأجانب و عديمي الجنسية‪ ،‬مع مراعاة االستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي و القانون الدولي‪.‬‬

‫و عمال بمبدأ القانون الجنائي الدولي العام في تحديد مفهوم إقليم الدولة يكون إقليم المملكة شامال لكل األراضي التي تخضع‬
‫للسيادة المغربية كما يشمل المياه اإلقليمية واألنهار التي تقطع أراضيه وكذا البحيرات الداخلية باإلضافة إلى المجال الجوي‬
‫الذي يرتفع فوق األراضي اليابسة أو المياه اإلقليمية التي تدخل تحت سيادته‬

‫و يضيف الفصل ‪ 11‬من المجموعة المذكورة ليدخل ضمن إقليم المملكة السفن والطائرات المغربية أينما وجدت‪ ،‬فيما عدا‬
‫الحاالت التي تكون فيها خاضعة لتشريع أجنبي بمقتضى القانون الدولي‬

‫إستثناءات مبدأ إقليمية القاعدة القانونية الجنائية‬

‫بخصوص االستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي‪ ،‬ومن دون أن نكلف أنفسنا عناء التنويه بما قرره دستور ‪ 2011‬من‬
‫التخلي نهائيا عن حصانة الفعل بالنسبة للبرلماني‪ ،‬حيث أصبح في حالة ارتكابه لجريمة يحاكم كبقية المواطنين‪ ،‬مع االحتفاظ له‬
‫بحصانة الرأي داخل قبة البرلمان نود أن نقف وبكل تجرد وموضوعية على الحصانة الجنائية لجاللة الملك‪ ،‬الذي من الخطأ أن‬
‫يتصرف الذهن إلى فصل مسؤوليته الدينية عن اعتباره رئيس الدولة‪ ،‬بل حتى بالنسبة لهذا االعتبار األخير‪ ،‬خصوصية النظام‪،‬‬
‫قانونيا‪ ،‬تتطلب مقاربة مغايرة لتلك التي يقع تخصيصها لرئيس الدولة في النظام الجمهوري وحتى ال تأخذنا المقاربة السياسية‬
‫لهذا الموضوع‪،‬‬

‫والدستور ي كرس هذا وبكل وضوح‪ ،‬أن عدم مسؤولية جاللة الملك جنائيا يقنعنا بها منطوق وروح الفصل ‪ 46‬من دستور‬
‫المملكة‪ ،‬فحسب هذا الفصل شخص الملك ال تنتهك حرمته‪ ،‬وأن للملك واجب التوقير واالحترام ‪ ،‬بل عندما نضيف لهذا‪ ،‬ما‬
‫نص عليه المشرع الدستوري في الفصلين ‪ 41‬و ‪42‬‬

‫‪ ،‬أي ما اعتب رناه المكانة السامية المتفردة لجاللة الملك تصبح حصانة جاللة الملك اإلنسانية والدينية واالجتماعية والتاريخية‬
‫ذات مغزى أعمق من مجرد افتراضها قانونا ولعل التخلي عن اصطالح مقدس في التعبير الدستوري للعهد الجديد‪ ،‬وتعويضه‬
‫في الخطاب الملكي بعبارات دالة و غير مسبوق ة كالملكية المواطنة والملك المواطن ليدخلنا في مفهوم جديد للحصانة الملكية‬
‫التي تجعل منها تجسيدا صادقا للمكانة السامية الطبيعية والمتفردة لجاللة الملك‪،‬‬

‫وفيما يرجع لالستثناءات المقررة على مستوى القانون العام الدولي‪ ،‬فمنطق المعاملة بالمثل واألعراف الدولية تقضی أن يستفيد‬
‫من الحصانة الجنائية رؤساء الدول األجنبية وأفراد عائالتهم وحاشيتهم أثناء وجودهم بالمغرب شريطة أن تخطر الحكومة‬
‫المغربية بوجودهم وكذالك يستفيد المعتمدون الدبلوماسيين‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫ثانيا – مبدأ عينية القاعدة القانونية الجنائية‬

‫يقضي هذا المبدأ بتطبيق النص الوطني على جرائم بعينها‪ ،‬بغض النظر عن جنسية مرتكبها‪ ،‬أو مكان ارتكابها‬

‫وعليه يذهب الفصل ‪ 711‬من قانون المسطرة الجنائية المغربي على أنه يحاكم حسب مقتضيات القانون المغربي كل أجنبي‬
‫ارتكب خارج أراضي المملكة بصفته فاعال أصليا أو مساهما أو مشاركا‪ ،‬جناية أو جنحة ضد أمن الدولة أو تزييفا أو تزويرا‬
‫للنقود أو األوراق بنكية وطنية متداولة بالمغرب بصفة قانونية‪ ،‬أو جناية ضد أعوان أو مقار البعثات الدبلوماسية أو القنصلية أو‬
‫المكاتب العمومية المغربية‬

‫ثالثا – مبدأ شخصية القاعدة القانونية الجنائية‬

‫يعني هذا المبدأ تطبيق النص الجنائي الوط ني خارج المملكة‪ ،‬إما على المواطن المغربي‪ ،‬وهذا ما يسمى بمبدأ الشخصية‬
‫اإليجابية‪ ،‬أو على األجنبي الذي ارتكب الجريمة ضد المواطن المغربي خارج المملكة‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بمبدأ الشخصية‬
‫السلبية‪ ،‬ولعل الفائدة من وراء إعمال هذا المبدأ‪ ،‬ضمان امتداد تطبيق النص الجنائي على شخص مرتكب الجريمة وعدم إفالته‬
‫من العقاب سواء كان مواطنا أو أجنبيا ولعله نفس منطق مبدأ اإلقليمية‬

‫عدم رجعية النص الجنائي الجديد‬


‫ال يخرج التشريع الجنائي عما هو مقرر في المواد القانونية األخرى‪ ،‬من أنه ال يجوز أن يسري النص الجنائي الجديد على‬
‫الماضي‪ ،‬وإنما على المستقبل فقط ‪ .‬وعليه‪ ،‬إذا كان الفعل المرتكب ال يشكل جريمة وقت ارتكابه‪ ،‬فإنه يبقى في حكم المباح ولو‬
‫تدخل المشرع لتجريمه‪ .‬كما أن إقدام المشرع على رفع الكم العقابي لفعل سبق ارتكابه في ظل عقوبة أخف‪ ،‬إنما يترك اإلبقاء‬
‫على تطبيق هذه األخيرة‬

‫هذه القواعد إنما تجد أساسها القانوني في الفصل ‪ 4‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬حيت ينص المشرع على أنه ال‬
‫يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه بل نجد الفصل السادس من دستور المملكة‬
‫يقر صراحة على أن ليس للقانون أثر رجعي‬

‫ومع ذلك‪ ،‬يعرف تطبيق هذا المبدأ بعض الخصوصيات في المادة الجنائية‪ .‬فحسب الفقه الجنائي‪ ،‬مبدأ عدم الرجعية إنما يطلق‬
‫على التشريع الجنائي الموضوعي – المتعلق بالتجريم والعقاب۔ دون نصوص قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬حيت و على خالف‬
‫المبدأ المذكور‪ ،‬تطبق هذه النصوص األخيرة بأثر فوري‪ ،‬أي بمجرد صدورها‪ ،‬تطبق على جميع األشخاص بغض النظر عن‬
‫تاريخ ارتكاب الجريمة‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫االستثناءات على تطبيق مبدأ عدم الرجعية‬

‫حتى على مستوى التجريم والعقاب‪ ،‬قد تدخل بعض االستثناءات على تطبيق مبدأ عدم الرجعية‪ .‬بناء عليه‪ ،‬ففي حالة النص‬
‫الجنائي المفسر‪ ،‬أي الذي ال يشكل نصا جد يدا في مضمونه ومقتضياته‪ ،‬بل يأتي فقط ليفسر المضمون أو المقتضيات القائمة‬
‫سلفا‪ ،‬ال يمكن أن يشكل مع النص المفسر سوى قاعدة واحدة فالمشرع هنا لم يعمد إلى سن قاعدة قانونية جديدة‪ ،‬وإنما تدخل‬
‫ليوضح ما بدا غامضا وإن كنا هنا نحذر من اللجوء لهذه التقنية اليوم‪ ،‬حيث أصبح الفقه الجنائي يشترط في النص المجرم‬
‫والمعاقب الدقة والوضوح والتماسك أيضا‬

‫يستثني من تطبيق مبدأ عدم الرجعية النصوص المتضمنة للتدابير الوقائية فهذه ليست عقوبات بالمعنى الدقيق للكلمة بحيث ال‬
‫يقصد منها الردع‪ ،‬ولكنها تستهدف تمكين المجتمع من آليات دفع خطورة الج اني في حاالت ووضعيات تستدعى الوقاية ‪ ،‬لذلك‬
‫فهي تطيق بشكل فوري ولو ارتكبت الجريمة قبل التنصيص عليها‪.‬‬

‫حالة النص الجنائي األصلح للمتهم‬

‫تبقى حالة النص الجنائي األصلح للمتهم‪ ،‬وبهذا الصدد يمكن الرجوع للفصل ‪ 6‬من مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬حيت وفي حالة‬
‫وجود عدة قواني ن سارية المفعول‪ ،‬بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها‪ ،‬يتعين تطبيق القانون األصلح للمتهم‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬إذا أصدر المشرع الجنائي نصا جديدا أصلح للمتهم توجب تطبيقه ولو أن الجريمة ارتكبت في ظل قانون أقسى‬
‫ويبرر الفقه الجنائي هذا المنحى بأنه من تطبيقات مبدأ الشرعية الذي وجد من أجل حماية الحقوق والحريات الفردية‪ ،‬والتطبيق‬
‫المذكور يندرج في نفس الفلسفة‪،‬‬

‫وقد تزيد على ذلك أن يكون حق التجريم والعقاب ليس عملية ثابتة‪ ،‬بل هي تخضع لحركية‪ ،‬تتطور بتطور المجتمع‪ ،‬بحيث قد‬
‫تنحو نحو التشديد أو التلطيف أو حتى اإلعفاء لكن م قاربة الوضعية االتهامية للشخص قضاء ال يمكن أن تفاجأ بتشديد أو تحرم‬
‫من تلطيف‪ ،‬بحيث يستلزم منطق تغيير المقتضی التشريعي للجريمة أن ال يعرف تغييرا مناقضا لما يمكن أن يرجوه المتهم من‬
‫العدالة أي تسخير آليات الصفح كلما أمكن ذلك‪ ،‬بل إن القاضي وكما الحظنا بمقتضى النص الصريح إنما هو ملزم بذالك‬

‫لكن الشرط األساس هو أن نحسم فيما يمكن اعتباره النص األصلح للمتهم‪ .‬وهنا ال بد من التمييز بين حاالت متعددة ‪ :‬فإذا لجأ‬
‫النص الجديد إلى رفع الصفة الجرمية عن الفعل‪ ،‬أو لطف من العقاب‪ ،‬أو سمح باالستفادة من إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة‬
‫للحرية‪ ،‬أو أنشأ عذرا من األعذار المخففة ‪ ،‬أوجب تطبيقه في هذه الحاالت كلها‪ ،‬ولسنا في حاجة إلى بذل كثير من الجهد لتلمس‬
‫أنها األصلح للمتهم‪ .‬وعلى نقيض ذلك إذا عمد المشرع في النص الجديد إلى تجريم فعل‪ ،‬أو إحالل جناية محل جنحة‪ ،‬أو إلى‬
‫تشديد العقاب ولو من دون خلق ظرف من ظروف التشديد‪ ،‬أو إلى التخلي عن إعمال القاضي إليقاف التنفيذ‬

‫عدم التوسع في تفسير القاعدة القانونية الجنائية‬


‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫درج الفقه الجنائي على اعتبار عمليتي التجريم والعقاب من العمليات التشريعية التي تستدعي مراعاة مجموعة من الضوابط‬
‫تفرز للقواعد الناتجة عنها بعض ال خصوصيات‪ .‬وقد مر معنا بأن المعمول به اليوم‪ ،‬وتجنبا ألي انزالق قد تعرفه تلك القواعد‪،‬‬
‫نظرا لمساسها الواضح بالحقوق والحريات‪ ،‬هو مراعاة الدقة والوضوح في النص‪،‬‬

‫ففي مادة التجريم والعقاب۔ دون قواعد المسطرة الجنائية – يستلزم التقيد بالنص في حدود ما توخاه المشرع من دون توسع‪ .‬فهل‬
‫معنى ذلك أن النص المجرم والمعاقب ينبغي تفسيره لقسيرا حرفيا‪ ،‬أم يلزم ولو بذل حد أدنى من االجتهاد‪ ،‬وضمن أي حدود؟‬

‫المهم عند فقهاء القانون الجنائي أن ال يقع االنحراف بالنص‪ ،‬وأقصى ما يرمزون إليه استحداث جرائم أو عقوبات جديدة لم‬
‫يضعها المشرع‪ ،‬ومنها أتت القاعدة التي تحضر على القاضي الجنائي استعمال القياس بناء عليه‪ ،‬إذا عرضت نازلة على‬
‫القاضي المذكور تتضمن فعال أو امتناع ال يشملهما المشرع بالتجريم‪ ،‬ال يمكن له أن يستعمل القياس بشأنهما على وقائع مشابهة‬
‫مجرمة‪ ،‬مهما كانت خطورتها اإلجرامية الملموسة‬

‫وتسوق عل ى سبيل المثال ال يمكن تجريم إخفاء األشياء المتحصلة من مخالفة قياسا على تجريمها في الجنحة أو الجناية –‬
‫الفصل ‪571‬‬

‫يبقى أن عدم استعمال القاضي الجنائي للقياس في مادة التجريم والعقاب‪ ،‬ال يعني منع القاضي من تطبيق النص الغامض‬
‫لمصلحة المتهم‪ .‬وهنا ال بد من التأكيد على أن المشرع مهما يبذل من الجهد والحرص على التدقيق والتوضيح في نصوص‬
‫التجريم والعقاب‪ ،‬فإنه لن يستطيع أن يحيط بكل ما يحتاجه القاضي في التطبيق‪ ،‬أوال ألن النص يتضمن حقيقة قانونية قد تعرف‬
‫مع مرور الزمن نوعا من التفاوت مع الحقيقة الواقعية محور التقنين ‪ .‬ثم إن القاضي الجنائي يواجه حقيقة إنسانية قد تنقلت‬
‫بطبيعتها عن بعض تصورات المشرع‪ ،‬ما يستدعي األمر تلمس إرادة المشرع للخروج من اإلبهام الذي يعتري النص‪.‬‬

‫و فوق هذا وذاك‪ ،‬يتمتع المتهم بأصل البراءة‪ ،‬وحتى يمكن إدانته‪ ،‬ال بد للقاضي من أن يحصل له االقتناع بذلك‪ ،‬لتطبيق النص‬
‫المالئم للنازلة والخالي من أي إبهام‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫المحاولة أو الجريمة غير التامة‬


‫قد يبدو وعلى غير العادة االنطالق من عنوان إشكالي يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت المحاولة جريمة غير تامة‪ ،‬بل يمكن أن‬
‫يثور االستغراب لدى الشخص العادي حول مدى استحقاقها العقاب‪ ،‬إذا ما وقع التسليم بكونها جريمة ناقصة؟‬

‫إن المحاولة كجريمة ولو بدون نعت‪ ،‬كانت وال تزال تطرح إشكاليات دقيقة‪ ،‬سواء على مستوى فرزها عن األعمال التحضيرية‬
‫التي غالبا ما تختلط معها في الواقع‪ .‬أو عن الجريمة التامة نفسها‪ ،‬أو على مستوى من استحقاقها لنقص عقوبة الجريمة التامة‬

‫بخصوص موقف المشرع الجنائي المغربي‪ ،‬ال بد من االنطالق من الفصول التالية الفصل ‪ ” 114‬كل محاولة ارتكاب جناية‬
‫بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال ال لبس فيها‪ ،‬تهدف مباشرة إلى ارتكابها‪ ،‬إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل األثر المتوخی‬
‫منها إال لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة‪.‬‬

‫الفصل ‪ ″115‬ال يعاقب على محاولة الجنحة إال بمقتضى نص خاص في القانون‬

‫الفصل ‪ ” 116‬محاولة المخافة ال يعاقب عليها مطلقا”‬

‫الفصل ‪ ” 117‬يعاقب على المحاولة حتى في األحوال التي يكون الغرض فيها من الجريمة غير ممكن يسبب ظروف واقعية‬
‫يجهلها الفاعل”‬

‫اإلختالف بين المحاولة و األعمال التحضيرية للجريمة‪:‬‬

‫لن نرجع لما سبق بيانه بخصوص المراحل التي تمر منها الجريمة ‪.‬وإن كنا تفضل الحديث عن المشروع اإلجرامي‪ -‬وهي على‬
‫خمس مراحل‪ ،‬بخالف ما يذهب إليه أغلبية الفقه المغربي‪ ،‬يكفينا هذا‪ ،‬ونحن بصدد مقاربة التنظيم التشريعي للمحاولة‪ ،‬أن نقف‬
‫وبكل دقة على تمييزها عن األعمال التحضيرية‪.‬‬

‫قد يعتقد البعض‪ ،‬ولعله موقف بعض الفقه‪ ،‬أن مرحلة التحضير للجريمة تختلف عن مرحلة الشروع في تنفيذها‪ ،‬يكون المرحلة‬
‫األولى مادية غير ذهنية‪ ،‬على خالف الثانية التي تصبح فيها النية اإلجرامية مجسدة على مستوى الواقع‪.‬‬

‫ونح ن من جهتنا نحاول أن نحذر من هذا التبسيط الذي ال يمكن بأية حال أن يخدم مبدأ الشرعية‪ ،‬الذي كما يجب التمسك به بقوة‬
‫اتجاه الجريمة التامة‪ ،‬ينبغي الحفاظ على ذلك أيضا وبشكل سليم بخصوص المحاولة فالحسم في اتخاذ قرار ارتكاب الجريمة‪،‬‬
‫ووضع خطة لتنفيذ الجريمة في بعض الجرائم‪ .‬وتهيئ الوسائل لذلك‪ ،‬ليست فقط عملية مادية غير ذهنية‪ ،‬بل هي أيضا محملة‬
‫بعزم وإصرار على المرور الرتكاب الفعل‪ ،‬وإال كيف يمكن أن تفسر ظرف سبق اإلصرار كظرف مشدد في القتل العمد‪ .‬ينقل‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫العقوبة من السجن المحدد إلى اإلعدام‪ .‬والذي يضفي على فعل إزهاق الروح‪ ،‬في حالة ارتكابه عمدا خطورة إجرامية أكبر‪،‬‬
‫بالنظر للحالة اإلجرامية النفسية والذهنية التي كان عليها الجاني قبل‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬المشرع نفسه قد يرتقي بهذه المرحلة‪ ,‬أي مرحلة التحضير – ويجعلها وبنصوص خاصة‪ ،‬محور التجريم وقد تمثل على‬
‫هذه الحاالت الخاصة‪ ،‬بما ورد في الفصل ‪ 293‬من مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬حيث يذهب المشرع إلى أن ” كل عصابة أو‬
‫اتفاق‪ ،‬مهما تكن مدته أو عدد المساهمين فيه‪ ،‬أنشئ أو أوجد للقيام بإعداد أو ارتکاب جنايات ضد األشخاص أو األموال‪ ،‬يكون‬
‫جناية العصابة اإلجرامية بمجرد ثبوت التصميم على العنوان باتفاق مشترك‪” .‬‬

‫فالواض ح أن المشرع الجنائي‪ ،‬وعيا منه بالخطورة الملموسة التي قد تشكلها األعمال التحضيرية في بعض الجرائم‪ ،‬خاصة منها‬
‫الخطيرة‪ ،‬وحثي يضطلع بدوره الوقائي والستباقي المطلوب منه في بعض األحيان‪ ،‬وحتى ال يفرغ التجريم من محتواه في‬
‫بعض الحاالت‪ ،‬يفزع إلى احتواء هذه المرحلة‪ ،‬غ ير المعاقبة مبدئيا ليشملها بالتجريم‪ .‬ولربما‪ ،‬بقراءة بسيطة للفصل المجرم‬
‫التكوين العصابة اإلجرامية أعاله‪ ،‬يتضح مدى ارتباط هذه المرحلة الفارقة بالجانب النفسي أكتر‪.‬‬

‫صحيح‪ ،‬أن مرحلة الشروع في ارتكاب الجريمة يمكن اعتبارها‪ ،‬ويشكل موضوعي‪ ،‬مرحلة متطورة‪ ،‬بدأ يأخذ فيها المشروع‬
‫اإلجرامي تشكله المادي الملموس على مستوى العالم الخارجي‪ ،‬بحيث تصبح النية اإلجرامية كقوة نفسية تدفع وتمضي بالجاني‬
‫إلى استنفاذ نشاطه اإلجرامي إال أن عملية الفصل بين هذه المرحلة المتطورة‪ ،‬سواء على المستوى المادي أو على المستوى‬
‫النفسي‪ ،‬والمرحلة التي ت سبقها ليست متيسرة في كل النوازل وفي كل الحاالت‪ .‬ولعل هذه الصعوبة هي التي جعلت الفقه يتصدى‬
‫لها منقسما من أجل ذلك‪ ،‬إلى اتجاهين‪:‬‬

‫اتجاه موضوعي‪ ،‬يركز على الركن المادي للمحاولة‪ ،‬بحيث يخرج من هذه األخيرة‪ ،‬كل عمل ال يدخل في التعريف القانوني‬
‫للجريمة المراد ارتكابها ‪ ،‬وال يعتبر من ظروف التشديد فيها‪ ،‬ويدخله بالتالي في العمل التحضيري‪.‬‬

‫و اتجاه شخصي‪ ،‬يعتمد على القصد الجنائي لدى الفاعل‪ ،‬بحسبه ‪ ،‬ينبغي التمييز بين حالة مجرد التفكير في الجريمة‪ ،‬وحالة‬
‫حصول العزم على ارتكابها بحيث يذهب في الحالة األولى‪ ،‬إلى اعتبارها من متعلقات العمل التحضيري‪ ،‬بينما يدخل الحالة‬
‫الثانية في زمرة المحاولة‪.‬‬

‫عناصر المحاولة‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫أوال – البدء في التنفيذ‪:‬‬

‫ال يمكن للمحاولة أن تقوم من دون بدء الجاني في تنفيذ نشاطه اإلجرامي‪ .‬هذا وإذا كان هذا العنصر ال يطرح مشکال سوى في‬
‫إطار التمييز بين المحاولة واألعمال التح ضيرية كما مر معنا‪ ،‬فأهميته‪ ،‬تكمن في أنه يمكن القاضي الجنائي من تأسيس حكمه‬
‫وتحصينه بمبدأ الشرعية‪ ،‬بحيث ليس هناك ما يلزمه على اتخاذ منحى أي من النظريتين أعاله‪.‬‬

‫ولعل موقف المشرع المغربي‪ ،‬بخصوص هذه النقطة هو بالوضوح الكافی‪ ،‬فعبارتي ” بدت بالشروع في تنفيذها” “أو أعمال ال‬
‫لبس فيها “ ‪ ،‬إنما تعمل على تقييد القاضي الجنائي بخصوصية كل نازلة على حده‪ ،‬ومن دون أن ترسم له مسبقا ما ينبغي اتخاذه‬
‫من قرار‪ ،‬بالقول بقيام المحاولة من عدمه‪ ،‬خصوصا وأنه اختار‪ ،‬كبقية التشريعات‪ ،‬قيام المحاولة في كل الجنايات‪ ،‬على خالف‬
‫الجنح التي رهنها بالنص الخاص واستبعد مطلقا العقاب على محاولة المخالفة‪ .‬بل إن مساواة عقاب المحاولة مع عقاب الجريمة‬
‫التامة‪ .‬الذي ال نتفق معه مطلقا‪ .‬لتدفعنا في باب المحاولة‪ ،‬إلى إعمال هذه المؤسسة الزجرية ذات البعد الوقائي‪ ،‬لتفعل فعلها إلى‬
‫جانب بقية المؤسسات التي توصف كذلك‬

‫ثانيا‪ -‬انعدام العدول اإلرادي‪:‬‬

‫ال بد بداية من وضع هذا الشرط في سياقه‪ ،‬بحيث وإلى جانب الدور الزجري الوقائي الذي تلعبه هذه المؤسسة المهمة في‬
‫القانون الجنائي‪ ،‬فهي تجسد أيضا مدى سماحة المشرع الجنائي‪ ،‬ومدى إيمانه المبدئي بالبعد التخليقي المكرس للقيم المجتمعية‪.‬‬

‫فإ ذا كان المشرع ال يعاقب ال على التفكير وال على العزم وال حتى على التحضير الرتكاب الجريمة‪ ،‬فمن باب أولى‪ ،‬أن يفعل‬
‫هذا المنطق في مرحلة الشروع في التنفيذ أن يفرز الالعقاب في الحالة التي‪ ،‬وبالرغم من إقدام الجاني على الحسم في قراره‬
‫بالمضي فيه ماديا‪ ،‬يعدل فيها عن ذلك بمحض إرادته هنا يضمن المشرع والقاضي معه‪ ،‬ولو نسبيا مدى استجابة الفاعل للتمثل‬
‫السليم لمنظومة القيم المجتمعية واختياره السير وفقها‬

‫مع ذلك‪ ،‬قد يطرح الواقع حاالت‪ ،‬هي ليست بالوضوح الكافي‪ ،‬بحيث يصعب تكييف العدول فيها سواء باإلرادي وتنتفي معه‬
‫المحاولة‪ ،‬أو باال ضطراري و تقوم به‪ ،‬وهو ما يطرحه الفقه في صورة إشكال ما يسمى بالعقول المختلط‪.‬‬

‫قد يبدو بنظرنا المتواضع أنه من المنطقي تبني بعض الحلول‪ ،‬التي إما أنها تحيل على القضاء يمنحه سلطة تقديرية لتحري‬
‫العامل الرئيسي الذي كان وراء العدول‪ ،‬هل هي إرادة الجاني أم العامل األجنبي بتغليب مصلحة المتهم بطبيعة الحال‪ ،‬أو‬
‫تتساهل بالقول بعدم قيام المحاولة كلما كان اإلرادة دور في العدول۔‬

‫ونحن من جهتنا‪ ،‬تعيد فتكرر بأن المحاولة جريمة تستحق العقاب‪ ،‬حتما أقل من عقاب الجريمة التامة‪ ،‬ولكن هذا ال يدفع إلى‬
‫تلقي مواقف مرنة بخصوص تصور قيامها قانونا فالمسألة تتعلق بالتجريم وليس فقط بالعقاب‪ ،‬وباحترام مبدأ الشرعية‬
‫والمحاولة المجرمة ‪ ،‬حتى تميزها عن المحاولة غير المجرمة بنظرنا المتواضع‪ .‬تجريم من نوع خاص‪ ،‬والمشرع عند حديثه‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫عن الظروف الخارجة عن إرادة مرتكبها‪ ،‬التي تقف‪ ،‬إما حائال دون االستمرار في تنفيذ الجناية أو دون حصول األثر المتوخی‬
‫منها‪ ،‬إنما يبحث‪ ،‬وفي إطار المبررات التي أتينا بها أعاله‪ ،‬في نفسية الجاني وفي الوضعية المادية التي يوجد فيها‪ ،‬عن تعطيل‬
‫إرادي يحول دون استحقاق الفعل كمال التجريم‪ ،‬أو حتى افتراض وضعية المحاولة‪ ،‬بحيث يصبح من المتعذر قانونا تصور‬
‫تجريم و عقاب المحاولة أساسا‪.‬‬

‫صور المحاولة‬
‫بالرجوع إلى الفصول المتعلقة بتجريم المحاولة‪ ،‬المشار إليها أعاله‪ ،‬يمكن القول أن هذه األخيرة على ثالثة صور‪ :‬المحاولة في‬
‫صورة الجريمة الموقوفة ۔ المحاولة في صورة الجريمة الخائية – المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة – وقبل التعرض لهذه‬
‫الصور الثالث‪ ،‬يجدر بنا مالحظة أن خصوصية تجريم المحاولة‪ ،‬وليس عقابها يكمن في احتواء المشرع الحاالت بعينها‪،‬‬
‫خطورتها اإلجرامية تؤهلها لتلتحق بدائرة التجريم‪ ،‬بالرغم من عدم اكتمال ركنها المادي بمفهومه المعتاد‪ ،‬أي المرتب النتيجة‬
‫اإلجرامية وإ ن كنا ال نريد الدخول في التعقيدات التي يمكن أن تطرحها علينا بعض الجرائم ذات الطبيعة الخاصة‪ ،‬ونقصد بها‬
‫حصرا الجرائم الشكلية‬

‫المحاولة في صورة الجريمة الموقوفة‬

‫لعلها الصورة اإلشكال التي يدق فيها التمييز بين المحاولة المجرمة والمحاولة غير المجرمة‪ ،‬ولنا في هذا المقام أن نحسم في‬
‫هذه التسمية األخيرة‪ ،‬التي تعتبر مغامرة مطلوبة لتجديد فهم األسس التي يقوم عليها القانون الجنائي‬

‫ولعل وضوح الفهم ينطلق من كون الفقه‪ ،‬في حديثه عن صور المحاولة‪ ،‬يتحدث عن جرائم‪ ،‬وهذا بنظرنا ألكبر دليل على أن‬
‫المحاولة هي استعمال لتقنية خاصة من تقنيات التجريم‪ ،‬ال تقل شأنا عن تقنية الجريمة التامة وباستحضارنا لما سبق الحديث‬
‫عنه‪ ،‬نقول عن الجريمة الموقوفة هي الجريمة التي تدخل فيها سبب أجنبي عن إرادة الفاعل ليوقفه عن إتمام األعمال التي‬
‫ستوصله إلى النتيجة المتوخاة من ارتكاب الفعل ‪ ،‬كتدخل ضابط الشرطة أو أحدا من الغير‪ ،‬بل وانتباه الضحية نفسها إذا كان‬
‫هذا االنتباه مقرون بمقاومة من طرفها تكللت بالنجاح إن األهم في الجريمة الموقوفة هو إيقاف الفاعل رغما عنه‪ ،‬مع صالحية‬
‫فعله وكفايته اإلحداث النتيجة واستمرار رغبته في ذلك‪ ،‬وإال كنا أمام محاولة غبر مجرمة‪ ،‬وتتحقق هذه األخيرة بإيقاف الفاعل‬
‫لنشاطه بإرادته‪ ،‬مع صالحية فعله وكفايته إلحداث النتيجة مع غياب السبب األجنبي عن اإلرادة أو تفاهته‬

‫المحاولة في صورة الجريمة الخائبة‬

‫في هذه الصورة‪ ،‬وعلى خالف األولى‪ ،‬يستنفذ الفاعل كل نشاطه اإلجرامي ماديا معتقدا أنه سيوصله إلى تحقيق النتيجة‬
‫اإلجرامية المرجوة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬تتخلف هذه األخيرة عن التحقق لظروف تخرج عن إرادته فالنتيجة في هذه الصورة ممكنة‪،‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫والنشاط اإلجرامي مكتمل على مستوى اإلنجاز‪ ،‬ولم يوقف ال اختيارا من طرف الفاعل وال اضطراريا لتدخل السبب األجنبي‪،‬‬
‫ومع ذلك تخيب الجريمة في الجزء المت علق بتحقق النتيجة اإلجرامية لخلل تسبب فيه الفاعل نفسه ومن دون أن يرغب في ذلك‪.‬‬

‫المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة‬

‫الجريمة المستحيلة هي الجريمة التي اختل موضوعها ألسباب واقعية يجهلها الفاعل تقابلها الجريمة الوهمية أو التصورية‪،‬‬
‫وهي الجريمة التي ليست كذلك إال في نظر مرتكبها‪ ،‬من دون أن تدخل في دائرة التجريم التشريعي ولعله بالرجوع لمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 117‬سالفة الذكر‪ ،‬نجد المشرع المغربي يتحدث عن األحوال التي يكون الغرض فيها من الجريمة غير ممكن يسبب‬
‫ظروف واقعية يجهلها الفاعل ” ومن دون التيه في بعض التفصيالت التي اعتمدها بعض الفقه في غير محلها‪،‬‬

‫األولى أن نقله إلى المنطق الذي اعتمده الفقه لتجريم هذا النوع الملتبس من الجرائم‪ ،‬فخطورتها اإلجرامية ليست مثار جدل ألن‬
‫الفاعل استنفذ كل نشاطه اإلجرامي وتعذر حصول النتيجة اإلجرامية هو خارج عن إرادته تماما‪ ،‬و الستحالة ذلك أيضا ومدام‬
‫ك ون هذه األخيرة‪ .‬أي االستحالة ال يرجع للقانون‪ ،‬فال مناص من التجريم والعقاب‪ ،‬ألن االستحالة الواقعية هنا‪ ،‬وبحكم جهلها‪ ،‬لم‬
‫تكن لتغير‪ ،‬ال من اقتناع المشرع باحتواء هذه الوضعية اإلجرامية الخطيرة‪ ،‬استجابة لمنطق التجريم نفسه‪ ،‬وال من استكمال‬
‫الصور األحق بتجريم المحا ولة‪ ،‬بحيث خارج الصور الثالث‪ ،‬وهي هندسة تشريعية متكاملة‪ ،‬ال يمكن أن تكون إال أمام‬
‫وضعيات إجرامية هشة القيمة‪ ،‬ال ترقى حسب المشرع الجنائي لمستوى التجريم‪ ،‬الشيء الذي يزکی تجرئنا على نعت المحاولة‬
‫ب “الجريمة الناقصة “‪ ،‬كتقنية االمتداد التحريم لوضعيات ال يمكن الت غاضي عنها‪ ،‬والتي ترى لها تكامال منطقيا مع مفهوم‬
‫الجريمة التامة‪ ،‬بل ويدعم موقفنا المميز بين المحاولة المجرمة والمحاولة غير المجرمة‪.‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫المساهمة والمشاركة في الجريمة‬


‫سنعرض أوال للمساهمة‪ ،‬لنتناول‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬المشاركة بشيء من التفصيل لكن قبل ذلك ينبغي إدارة االنتباه بداية إلى أن‬
‫دراسة الجريمة ‪ ،‬عموما‪ ،‬وبغض النظر عن أركانها الثالث ‪ ،‬هي ليست فقط فعل أو امتناع بتدخل المشرع الجنائي لتجريمه‬
‫وتحديد عقوبة خاصة به‪ ،‬بل هي أيضا فعل فاعل‪ ،‬قد ينعت في قاموس القانون الجنائي إما بالفاعل األصلي أو بالمساهم أو‬
‫بالمشارك‬

‫و لعل بداية اإلشكال‪ ،‬في نظرنا‪ ،‬تنطل ق من عدم اعتماد المشرع الجنائي المغربي التعريف خاص بالفاعل األصلي‪ ،‬يميزه عن‬
‫التعريف الذي أضفاه على المساهم والمشارك‪ .‬ولعل هذا الموقف‪ ،‬الذي نجد له تماثال مع تشريعات أخرى‪ ،‬هو الذي جعل الفقه‬
‫يعتبر المساهمة تتحقق في حالة تعدد الفاعل األصلي‪.‬‬

‫ونحن من جهتنا تفضل‪ ،‬اإلبقاء على هذه المؤسسات الثالث ‪ ،‬وفق مقاربة جديدة تنسجم مع التصور السليم لدراسة تجليات‬
‫التورط في ارتكاب الجريمة“ ‪ ،‬وهذه عبارة‪ ،‬ينظرنا المتواضع ‪ ،‬تفي بالغرض أكثر من مفهوم “التنقية المادي للجريمة “‪ ،‬الذي‬
‫يشمل” الفاعل األصلي” والمساهم دون المشار‬

‫إشكالية الفاعل األصلي للجريمة‬


‫من دون االدعاء بأننا سنأتي بتنظير جديد في القانون الجنائي بهم مؤسسة الفاعل األصلي‪ ،‬نقول بكل بساطة أن أي جريمة في‬
‫الصور المشرع الجنائي‪ ،‬على مستوى ارتكابها‪ ،‬ال تخرج عن احتمالين‪:‬‬

‫إما أن تنجز في إطار مشروع فردي‪ ،‬ينقذ من بدايته إلى نهايته من طرف شخص واحد‪ ،‬أو تنجز في إطار مشروع جماعي‪،‬‬
‫يتوزع فيه التنفيذ‪ .‬من دون وصف حتى ال يقع الخلط مع االصطالح التشريعي بين شخصين أو أكثر في االحتمال األول‪ ،‬تكون‬
‫ال محالة أمام فاعل وحيد للجريمة‪ ،‬ال حاجة لنا لمعرفة الدور أو األدوار التي اضطلع بها في تنفيذه لها‪ ،‬بحيث يكفي إنبات إسناد‬
‫الفعل إليه ليكتمل البنيان المادي للجريمة‬

‫أما في االحتمال الثاني‪ ،‬وبحكم تدخل أكثر من شخص في إنجاز المشروع اإلجرامي‪ ،‬يصبح من الالزم معرفة دور كل واحد‬
‫من المتدخلين‪ ،‬باعتبار هذه المعطاة تشكل الشرط الضروري األولى للمرور لعملية إثبات إسناد الفعل‪.‬‬

‫ولعل الصعوبة ينظرنا المتواضع تطرح بداية مع عبارة “الفاعل األصلي” في حد ذاتها‪ ،‬والتي اعتاد الفقه أن ينكرها إلى جانب‬
‫عبارة “المشارك”‪ .‬وهذا يوحي منذ البداية عن خطأ‪ .‬بأن المشاركة ما هي إال تصور ملطف للتورط في ارتكاب الجريمة‪،‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫الشيء الذي يمكن أن تنتظر منه عقابا ملطفا بالمقارن ة مع العقاب الذي ينبغي أن يطال الفاعل األصلي‪ ،‬الذي ترجع له التسمية‪،‬‬
‫أصالة انتساب الجريمة أفعله‪ ،‬وقد يطال المساهمين‪ ،‬عقد تعدد الفاعل األصلي ‪.‬‬

‫ولربما منطق الفصالن ‪ – 128‬الخاص بالمساهمة و ‪ – 129‬الخاص بالمشاركة من مجموعة القانون الجنائي المغربي يساعد‬
‫على طرح ه ذا اإلشكال من زوايا أخرى۔ فالفصل األول‪ ،‬يعتبر مساهما كل من ارتكب شخصيا عمال من أعمال التنفيذ المادي‬
‫للجريمة‪ .‬بينما الفصل الثاني‪ ،‬يعمد إلى تصنيف بعض األفعال حصريا بالمشاركة في الجناية أو الجنحة ممن يأتيها ولم يساهم‬
‫مباشرة في تنفيذها وهي أفعال تتعلق إلى التوالي ب‪:‬‬

‫أوال – باألمر بارتكاب الفعل أو التحريض على ارتكابه‪ ،‬وذلك بهية أو وعد أو تهديد أو إساءة استغالل سلطة أو والية أو تحايل‬
‫أو تدليس إجرامی‬

‫ثانيا ۔ بتقديم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل‪ ،‬مع العلم بأنها ستستعمل لذلك‬

‫ثالثا –بمساعدة أو إعانة الفاعل أو الفاعلين الجريمة في األعمال التحضيرية أو األعمال المسهلة الرتكابها‪ ،‬مع العلم بذلك‪.‬‬

‫رابعا – التعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان لالجتماع ‪ ،‬لواحد أو أكثر من األسرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف‬
‫ضد أمن الدولة أو األمن العام أو ضد األشخاص أو األموال مع العلم بسلوكهم اإلجرامي‬

‫ولعل حسم المشرع الجنائي المغربي في عقاب المشاركة في الجناية أو الجنحة بنفس العقوبة المقررة لهما‪ ،‬و الخطورة‬
‫المتميزة التي تتسم بها كل صور المشاركة المذكورة أعاله ‪ ،‬ليحررنا من أي عناء قد تبذله في الدفع بالتخلي عن عبارة “الفاعل‬
‫األصلي للجريمة المحلية‪ ،‬بعبارة بسيطة ودالة “الفاعل مرتكب الجريمة “بل نؤكد‪ ،‬حتى للقائلين بانسجام العبارة األولى مع‬
‫مفهوم المشاركة‪ ،‬ولو بشكل أولي‪ ،‬في انتظار تحليلنا لهذه المؤسسة المهمة في القانون الجنائي‪ ،‬أن إشكالية التسمية تلزمنا‬
‫بالخوض في تقدير نسبة الخطورة لكل متدخل في تنفيذ المشروع اإلجرامي‪،‬‬

‫وهذا أمر ال يستلزمه المشرع ال صراحة وال ضمنيا‪ ،‬في بعض الجرائم‪ ،‬قد تتسم المشاركة بخطورة أكبر‪ ،‬إن كانت ال تلزم‬
‫القاضي بانتقال الكم العقابي في جانب مرتكبها‪ ،‬فينبغي أن يحترم نفس المنطق اتجاه الفاعل مرتكب الجريمة‪ ،‬ولعله نفس منطق‬
‫المشرع الذي ساوي العقوبة‪.‬‬

‫المساهمة في ارتكاب الجريمة‬


‫بعد التعريف التشريعي المشار إليه أعاله‪ ،‬يمكن القول أن الفقه‪ ،‬محاولة منه في احتواء كل المتورطين في ارتكاب الجريمة‪،‬‬
‫يحاول‪ ،‬وانسجاما مع منطق المشرع نفسه‪ ،‬أن يتوسع في مفهوم المساهمة‪ ،‬بإدخال الحاالت المبدئية‪ ،‬إن صحت هذه العبارة‪،‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫والمتعلقة بمساهمة الفاعل في العم ل التنفيذي‪ ،‬ال فرق بين أن يربط بين المساهمين اتفاق جنائي أم ال‪ ،‬وسواء أكان العمل رئيسيا‬
‫أو ثانويا ونحن هنا نسجل تحفظنا ولو نسبيا على هذا التوسع‪ ،‬فاألمر يتعلق بتحديد صفة المساهم من الناحية الجنائية‪ ،‬وفيها ال بد‬
‫من االحتكام لمبدأ الشرعية فالمشرع نفسه يتحدث عن ” االرتكاب الشخصي لعمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة “‪،‬‬

‫ونحن من جهتنا وخارج الحا الت االستثنائية التي يخرج فيها المشرع عن هذا التقييد‪ ،‬تنصح بتمسك الفضاء الجنائي بإضفاء‬
‫صفة المساهم‪ ،‬فقط على من يمكن أن ينسب له دور في التنفيذ المادي المباشر الرتكاب الجريمة‪ ،‬وإال ما الهدف من خلق‬
‫مؤسسة مجاورة للمساهمة‪ ،‬أي المشاركة‪ ،‬تكمل األولى يشكل منطقي ومعقول‪ ،‬ينسجم مع مفهوم التورط في ارتكاب الجريمة‬
‫الذي تدافع عنه‬

‫صحيح‪ ،‬أن المشرع والعتبارات يراها‪ ،‬قد يذهب إلى اعتبار بعض األعمال‪ ،‬مساهمة‪ ،‬ولو أنها ال تدخل في الركن المادي‬
‫للجريمة‪ ،‬حيت مثال‪ ،‬في الفصل ‪ 304‬من مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬يعتبر مرتكبا للعصيان من حرض عليه سواء بخطب ألقيت‬
‫في أمكنة أو اجتماعات عامة أو بواسطة ملصقات أو إعالنات أو منشورات أو كتابات بل قد يفرضها افتراضا‪.‬‬

‫أي المساهمة وهي حالة الرؤساء والمنظمون والمديرون والمحرضون على المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري‪ ،‬حيت‬
‫يقرر المشرع معاقبتهم كما لو كانوا هم الذين ارتكبوا أفعال العنف المشار إليها‪ .‬ولسنا هنا في حاجة إلى قبول مثل هذا التوظيف‬
‫الخاص‪ ،‬الذي تري له انسجاما مع تميز الخطورة اإلجرامية التي عليها األفعال المذكورة‬

‫يبقى أن الفقه يذكر أيضا‪ ،‬إلى جانب الحاالت أعاله‪ ،‬حالة ثبوت وجود اتفاق مسبق بين الفاعلين‪ ،‬على تنفيذ الجريمة‪ .‬فمن باب‬
‫أولى هنا أن ال ننتبه لما إذا كان الفعل يدخل ضمن األعمال التنفيذية للجريمة‪ ،‬ألن حصول االتفاق الجنائي يغني عن ذلك هنا ال‬
‫بد أن نسجل تحفظنا مما ذهب إليه الفقه من كون المساهمة الجنائية تقوم ولو لم يعرف من قام بالفعل المادي‪ ،‬بحكم أن التطور‬
‫العلمي الذي بدأ يميز اإلثبات الجنائي يمكن أن يقدم المعطاة المساعدة على التعرف على ذلك‪.‬‬

‫المشاركة في الجريمة‬
‫ربما أكثر المشاكل على اإلطالق التي تثيرها المشاركة‪ ،‬كتقنية جنائية‪ ،‬يهدف من خاللها المشرع احتواء كل المتورطين في‬
‫ارتكاب الجريمة ولو بشكل غي ر مباشر ‪ ،‬خروج صورها عن مفهوم القيام بعمل من أعمال التنفيذ المادي الجريمة‪ ،‬بحيث يطرح‬
‫التساؤل المشروع‪ ،‬احتراما دائما لمبدأ الشرعية الجنائية‪ ،‬عما هي الحدود المعقولة التي يمكن من خاللها تحديد دائرة المتورطين‬
‫في الجريمة؟‬

‫لقد مر معنا في الفصل ‪ 129‬أعاله حصر المش رع الجنائي المغربي‪ ،‬شأنه شأن أغلب التشريعات الجنائية‪ ،‬لصور المشاركة‬
‫ويشكل ال يسمح للقاضي الجنائي بتمديدها على حاالت خارجها‪ .‬ولعل هذا الموقف‪ ،‬بنظرنا المتواضع‪ ،‬يحيل على مسألتين‬
‫أساسيتين‪،‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫األولى‪ ،‬أنه خارج حالة المساهمة الجنائية‪ ،‬والتي يمكن إثباتها ماديا بيسر‪ ،‬بحكم التصاقها بالتنفيذ المادي للجريمة‪ ،‬ال بد من‬
‫تدقيق وصف الحاالت األخرى‪ ،‬لكي ال يمتد التجريم بشكل يخالف منطق المساءلة نفسه إلى أشخاص ال عالقة لهم به والثانية‪،‬‬
‫تتمثل في مراعاة الوضعيات التي تصيح فيها المساعدة على ارتكاب الجريمة أي خارج حلقة المتورطين في التنفيذ‪ .‬تكتسي من‬
‫الخطورة ما يكفي لتصبح‪ ،‬إلى جانب حالة المساهمة شاملة لكل الوضعيات اإلجرامية التي يحتملها منطق تعدد الجناة في‬
‫الجريمة الواحدة‬

‫قبل الرجوع الصور المشاركة‪ ،‬ال بد من تأصيل األساس القانوني لعقابها‪ .‬وفي هذا الباب يمكن الحديث عن نظريتين‪:‬‬

‫األولی تسمى نظرية استعارة اإلجرام من الفاعل األصلي‪ ،‬الذي حاولنا أن نعطيه تسمية الفاعل مرتكب الجريمة و الثانية‬
‫تعرف بنظرية استقالل جريمة المشاركة بالنسبة للنظرية األولى‪ ،‬تجريم المشاركة مرتبط بعالقة سببية مع النشاط اإلجرامي‬
‫للفاعل مرتكب الجريمة‪ ،‬فال عقاب عليها إذا لم تقع فعال الجريمة التي ساعد عليها‪ ،‬إما امتناعا أصال أو عدوال عنها اختيارا أو‬
‫حتى أن سقطت الجريمة بالتقادم أو شملها عفو شامل فهذه حاالت حسب النظرية أعاله‪ ،‬تمنع من تحقق استعارة التجريم‪،‬‬

‫بحيث أفرغت الفعل من إمكانية ذلك بل إن الظروف العينية المتعلقة بماديات الجريمة سواء منها المشددة للعقوبة كظرف الليل‬
‫في السرقة أو التي تخففها۔ سرقة زهيدة ‪ ،.‬تسري على المشارك ولو كان غير عالم بها‪ ،‬فمهما كانت فيه وقصده‪ ،‬فهو يتحمل‬
‫استعارة الفعل اإلجرامي بكل أوصافة سواء منها التي تأخذه نحو التشديد أو تلك التي تشمله بالتخفيف‪.‬‬

‫أما بالنسبة للنظرية الثانية‪ ،‬فهي تعقد با لخطورة اإلجرامية التي يتسم بها فعل المشارك‪ ،‬بحيث بنظرها‪ ،‬ليس هناك ما يمنع من‬
‫القول باستقالل نشاطه عن نشاط الفاعل مرتكب الجريمة‪ ،‬ومن ثم فمسؤوليته الجنائية مستقلة كذلك بناء عليه‪ ،‬ستكون النتائج‬
‫مختلفة تماما عما مر معنا بخصوص النظرية األولى فالمسؤولية الجنائية للمشارك تقوم ولو تراجع الفاعل عن مشروعه‬
‫اإلجرامي أصال‪ ،‬أو سقطت الجريمة بالتقادم أو شملها عفو عام بل إن الظروف العينية المرافقة الجريمة التي يرتكبها الفاعل‪ ،‬ال‬
‫يسأل عنها المشارك إال إذا كان عالما بها عند قيامه بنشاطه‪.‬‬

‫بالنسبة للمشرع المغربي‪ ،‬فأغلب الظن أنه ينحو نحو نظرية االستعارة‪ ،‬حيت يستشف ذلك‪ ،‬حسب الفقه‪ ،‬من ذات النص المقرر‬
‫للمسؤولية الجنائية على الجرائم الفصل ‪ . 132‬حيت وبعد أن يؤكد المشرع مسؤولية الشخص عن الجرائم التي يرتكبها‪ ،‬يتحدث‬
‫عن الجنايات أو الجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها فهذه العبارة األخيرة تحمل من الداللة ما يكفي لقي استقالل تجريم‬
‫المشاركة‪،‬‬

‫صور المشاركة‬
‫إن المتأمل بعمق في صور المشاركة التي مرت معنا في معرض حديثنا عن مقتضيات الفصل ‪ ،129‬ليالحظ جيدا مدى تمس‬
‫أن المشرع بالحاالت الواقعية التي يمكن أن تصبح معها المساعدة على ارتكاب الجريمة‪ ،‬وليس المساهمة فيها‪ ،‬تحمل نفس‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫خطورة ارتكاب الفعل‪ ،‬ولو بالتقييد الذي حاولنا أن نقف على بعض جوانبه فاألمر والتحريض‪ .‬الصورة األولى‪ ،‬وتقديم وسيلة‬
‫ارتكاب الجريمة الصورة الثانية‪،‬‬

‫والمساعدة أو اإلعانة على األعمال التحضيرية أو المسهلة الرتكاب الجريمة الصورة الثالثة ‪ ،‬والتعود على تقديم مسكن أو‬
‫ملجأ‪ .‬الصورة الرابعة ‪،‬كلها بنظرنا أفعال‪ ،‬فضل المشارك أن ال يقوم فيها بأي دور مباشر في التنفيذ المادي للجريمة‪ ،‬بحيث‪،‬‬
‫وبالرغم من رغبته في أن يرتكب مبني للمجهول الفعل المؤدي إلى حصول النتيجة اإلجرامية المرجوة‪ ،‬اختار لنفسه دورا‬
‫مساعدا ال يمكن‪ ،‬بنظرنا المتواضع‪ ،‬أن يخرج عمليا عن الصور المذكورة‬

‫حتى ال نتيه في الجزئيات ال بد من تقديم الخالصات التالية‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬أن الصورتان األولى والثانية تتحققان بأعمال سابقة على ارتكاب الفعل‪ ،‬بينما الصورة الثالثة قد تتحقق بأعمال‬
‫معاصرة لتنفيذ الجريمة‪ ،‬أما الصورة الرابعة فقد تتحقق بأعمال الحقة على ارتكاب الفاعل للجريمة‬

‫الثانية ‪ :‬صورة األمر والتحريض على ارتكاب الجريمة‪ ،‬والتي تسجل على أن المشرع استوجب أن تتم بهية أو وعد أو تهديد‬
‫أو إساءة استغالل سلطة أو والية أو تحايل أو تدليس إجرامي‪ ،‬الظاهر على أنها الصورة األمل التي توضح مدى استحقاق‬
‫المشارك لنفس عقوبة الفاعل مرتكب الجريمة‪ ،‬كان ال بد على المشرع أن ينطلق منها الحتواء الصور األخرى ولسنا بحاجة‬
‫الشتراط جدية التحريض ومدى تشجيعه للفاعل لإلقدام على ارتكاب جريمته‪.‬‬

‫الثالثة ‪:‬اشتراط المشرع‪ ،‬في الصور الثانية الثالثة والرابعة‪ ،‬علم المشارك بما يعتزم الفاعل مرتكب الجريمة فعله هذا يشترط‬
‫الفقه أن يكون هذا العلم حقيقي ‪ ،‬من دون أن يمتد‪ ،‬كما سبق بيان ذلك‪ ،‬للظروف العينية الرتكاب الجريمة‪ ،‬حيت ينبغي تطبيقها‬
‫عليه بالرغم من جهله لها‪.‬‬

‫رابعا ‪:‬بخصوص الصورة المتعلقة بالمساعدة على األعمال الم سهلة الرتكاب الجريمة‪ ،‬ويضرب لها الفقه مثل الشخص الذي‬
‫يقوم بتجريد الضحية من سالحه ليسهل على الجاني قتله أو االعتداء عليه‪ ،‬ومن دون الدخول في اآلراء المختلفة‪ ،‬التي إما‬
‫تدخلها في المساهمة أو تحافظ لها على الوصف التشريعي لها كمشاركة‪ ،‬وحتى ال ندخل في متاهة تحكيم واحد من المعيارين‬
‫الموضوعي أو الشخصي‪،‬‬

‫نقول أنه كان على المشرع المغربي أن ال يحشر القاضي في هذا اإلشكال‪ ،‬باعتبار هذه الصورة من صور التنفيذ المادي‬
‫للجريمة فينظرنا المتواضع‪ ،‬كلما تطورت المساعدة لتعمل وبشكل مباشر على إنجاح التنفيذ المادي المذكور‪ ،‬كلما أصبحت‬
‫ت حمل وصف مساهمة فسهولة إثبات فعل المساعدة من الناحية المادية من جهة‪ ،‬وصعوبة فرزها عن أعمال التنفيذ األخرى‪ ،‬من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬يجعل هذه الصورة تبتعد وبشكل واضح عن مفهوم المشاركة‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫خامسا ‪:‬الصورة الرابعة واألخيرة‪ ،‬اقترض فيها المشرع المشاركة‪ ،‬مع اشتراط االعتياد على تقديم المسكن أو الملجأ إلى‬
‫األشرار‪ .‬ومن دون أن تدخل في أي تعقيد لهذه الصورة التي تستحق احتواءها بالتجريم والعقاب‪ ،‬يكفي أن نقول أن هناك من‬
‫الفقه من يطرح إمكانية احتوائها بالجريمة المستقلة‪ ،‬ونحن نفضل وصفها بالمشاركة افتراضا ألنه ال تنطبق عليها االعتبارات‬
‫الكافية لتصنيفها ضمن التجريم الوقائي‪.‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫أسباب التبرير واإلباحة‬


‫ينص الفصل ‪ 124‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي على ما يلي ‪“ :‬ال جناية وال جنحة وال مخالفة في األحوال اآلتية‪:‬‬

‫– ‪1‬إذا كان الفعل قد أوجيه القانون وأمرت به السلطة الشرعية‬

‫– ‪2‬إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬أو كان في حالة استحال عليه معها استحالة مادية‪ ،‬اجتنابها‪ ،‬وذلك لسبب‬
‫خارجي لم يستطع مقاومته‪،‬‬

‫– ‪3‬إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره‪ ،‬بشرط أن‬
‫يكون الدفاع مناسبا مع خطورة االعتداء“‬

‫ال يكفي العتبار الفعل أو االمتناع جريمة وجود نص تشريعی يجرم‪ ،‬بل ال بد أن يخلوا من أي سبب للتبرير واإلباحة ‪ ،‬وهي‬
‫كما يتضح من الفصل أعاله‪ ،‬أمر القانون والسلطة الشرعية‪ ،‬حالة الضرورة – المعبر عنها بعبارة إذا اضطر الفاعل ماديا إلى‬
‫ارتكاب الجريمة‪ ،.‬تم حالة الدفاع الشرعي الواردة في الرقم ‪ 3‬من الفصل المذكور‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬حسب الفقه الجنائي‪ ،‬ال يقوم الركن القانوني للجريمة إال بانتفائها‪ ،‬بل يمكن أن نستنتج ذلك من خالل ما ركزنا عليه‬
‫ونحن بصدد تأصيل مبدأ الشرعية فالتجريم حاجة ضرورية لحماية المجتمع في أمنه واستقراره ومصالحه األساسية‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن رصد ألهم االعتداءات الماسة يتلف المصالح‪ ،‬حماية لها‪ ،‬إال أنه ‪ ،‬عندما تغيب عن الفعل أو االمتناع‪ ،‬هذه العلة‬
‫المبررة للتجريم‪ ،‬ال يرى المشرع‪ ،‬والمجتمع من ورائه‪ ،‬االستمرار في اعتبار الفعل أو االمتناع جريمة فأمر القانون والسلطة‬
‫الشرعية وحالتي الضرورة والدفاع الشرعي‪ ،‬وكما ستفصل بعده‪ ،‬إنما هي أسباب تحوز نفس االعتبار والمنطق القانونيين‪،‬‬

‫وإن أخذوا التجريم في االتجاه ا لمعاكس‪ ،‬أي رفع الصفة الجرمية عن الفعل أو االمتناع وربما إذا كان الفقه الجنائي يفضل‬
‫اعتبار هذه األسباب رخص قانونية تبيح‪ ،‬في ظل شروط معينة‪ ،‬ارتكاب الفعل أو االمتناع المجرم لمن توافرت لديه إال أننا‬
‫نراها أسباب تستثني من التجريم‪ ،‬ارتكاب الفعل أو االمتناع في وض عيات معينة‪ ،‬ولعلها قراءة البعدية‪ ،‬يستنتجها القاضي من‬
‫وقائع‪ ،‬إن تحقق فيها التجريم‪ ،‬لم تتجسد فيها علته ولذلك كانت لهذه األسباب مقومات موضوعية‪ ،‬بحيث ال تنصرف الفاعل‪ ،‬بل‬
‫تصب على الجريمة رأسا وترفع عنها الصفة الجرمية‪ ،‬بحيث يصبح لها أثرا مزدوج يترتب من جهة عدم مسؤولية الفاعل‬
‫جنائيا‪ ،‬ومن جهة أخرى تقتفي مساءلته مدنيا النتقاء الخطأ من جانبه‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫– ‪1‬أمر القانون والسلطة الشرعية‬

‫ال بد من اإلشارة بداية إلى أن هذا السبب من أسباب التبرير إنما يطرح إشكاليات دقيقة ال بد من وضع تساؤالت أولية بشأنها‪:‬‬
‫أال يقف وراء التجريم أمر القانون والسلطة الشرعية ؟ كيف يمكن أن نقيل في دولة الحق والحريات تبرير المساس بها من‬
‫طرف من هو مؤتمن على حمايتها ؟ هل يستقيم هذا التبرير بذكر أمر القانون إلى جانب أمر السلطة الشرعية‪ ،‬وما هي الحكمة‬
‫القانونية من وراء ذلك ؟‬

‫حتى يمكن التغلب على اإلشكال وحصول التهم برفع اللبس أو اإلبهام‪ ،‬ال بد من االنطالق من أمثلة توضيحية‪:‬‬

‫ففي دولة الحق والحريات يسمح لضابط الشرطة القضائية‪ ،‬عندما ترتكب جريمة‪ ،‬وفي ظل احترام شروط قانونية محددة‪،‬‬
‫الدخول إلى المنزل من أجل جمع األدلة ووضع المشتبه به رهن الحراسة النظرية مساس بالحرية كما يسمح لرجل القوة‬
‫العمومية بتفريق تظاهر عمومی غير قانوني‪ .‬أي غير مرخص به ‪ .‬؛ بل يسمح قانون المسطرة الجنائية للشخص العادي من‬
‫إلقاء القبض على مرتكب الجريمة عندما يضبطه في حالة تلبس۔‬

‫مع ذلك‪ ،‬ونحن بصدد مقاربة أسباب التبرير‪ ،‬نالحظ وعلى خالف مبدأ الشرعية هناك نوع من المرونة فالقانون ليس دائما يأمر‬
‫بل قد يجيز‪ ،‬والفقه قد يعتبر اإلجازة في حكم األمر كما هو الحال في منال الشخص العادي في حالة التلبس‪ :‬ففي هذه الحالة التي‬
‫تتطلب االستعجال يسمح للمواطن العادي بإجراء إلقاء القبض۔ اختيارا۔ بدل ضابط الشرطة القضائية وال يمكن متابعته بهذا‬
‫الفعل الماس بالحرية‪ ،‬ألن القانون يجيز له ذلك‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬اصطالح “قانون”‪ .‬ينبغي‪ ،‬وعلى خلق مبدأ الشرعية‪ ،‬أن يؤخذ بشكل موسع‪ ،‬بحيث وإلى جانب التشريع العادي الصادر‬
‫عن البرلمان‪ ،‬يمكن أن يشمل القرارات الصادرة عن السلطات العمومية ‪ .‬فاألمر ال يتعلق بالتجريم‪ ،‬حيت ال يمكن مؤاخذة‬
‫الشخص إال على ما صنفه ممثلو األمة جرائم‪ ،‬بل بما اقتضى نظر المشرع‪ ،‬وألسباب موضوعية‪ ،‬التجاوز عنه‪ .‬فالتبليغ عن‬
‫مرض معد‪ ،‬إن كان باإلمكان مساءلة الطبيب عنه جنائيا باعتباره مرتكبا لجنحة المساس بالسر المهني‪ ،‬فهذه المساءلة تصبح‬
‫بغير ذي معنى عندم ا توجد أمام قرار صادر عن سلطة عمومية‪ .‬قرار وزاري‪ .‬يلزم الطبيب‪ ،‬وبهدف المحافظة على الصحة‬
‫العامة للمواطنين‪ ،‬بالتبليغ يبقى أنه‪ ،‬ومن أجل االستفادة من هذا السبب لتبرير الفعل أو االمتناع ورفع الصفة الجرمية عنه‪ ،‬ال بد‬
‫من تحقق بعض الشروط‪:‬‬

‫إذا أمر القانون وحده القي ام ليفعل مخالف للقانون الجنائي‪ ،‬وجب التمييز بين ما إذا كان هذا األمر موجه إلى الرئيس وحده دون‬
‫المرؤوسين‪ ،‬أو هو موجه فقط لهؤالء فإذا كنا أمام الحالة األولى‪ ،‬فإن أمر القانون ال يكفي بل ال بد من أمر صادر عن السلطة‬
‫الشرعية ويمثل الفقه على هذه الحالة بإجراء تمديد مدة الحراسة النظرية منها األصلية ‪ 48‬ساعة في الجرائم العادية وتمدد ب‬
‫‪ 24‬ساعة ‪ .‬فهنا ال يكفي أمر القانون الذي يسمح بالتمديد بل ال بد من الحصول على إذن النيابة العامة‪ ،‬والتي تنهض هنا كسلطة‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫شرعية تملك قانونا صالحية التمديد‪ .‬أما في الحالة الثانية‪ ،‬حيث يوجه األمر للمرؤوسين احترام المدة األصلية للحراسة النظرية‬
‫من طرف ضباط الشرطة القضائية‪ ،‬فأمر القانون كاف لوحده‬

‫بخصوص أمر السلطة الشرعية‪ ،‬وحول إشكالية مدى اعتباره كافيا للقول بقيام سبب التبرير‪ ،‬فقد اختلف الفقه بشأنه ‪ ،‬وللتوضيح‬
‫فالمسألة تدخل في إطار توجيه الرئيس لل مرؤوس تنفيذ أمر يتضمن ارتكاب فعل أو امتناع يعتبره المشرع الجنائي جريمة‬

‫– النظرية األولى وتسمى بنظرية الطاعة العمياء‪ ،‬ويحسبها ال يسمح للمرؤوس مناقشة أمر رئيسه‪ ،‬حيث يتوجب عليه تنفيذ‬
‫األمر‪ ،‬من دون أن يترتب عن ذلك أية مساءلة في جانبه‪ ،‬بل إن الرئيس هو الذي يعتبر مرتكبا لما وقع تنفيذه‬

‫– النظرية الثانية وتسمى بنظرية الحراب الذكية‪ ،‬وهنا على المرؤوس‪ ،‬وبخالف النظرية األولى‪ ،‬أن يعمل على تقدير أمر‬
‫الرئيس‪ ،‬بحيث يستلزم عليه أن ال ينفذ من األوامر إال ما رآه موافقا للقانون‪ ،‬بحيث إذا عمد إلى تنفيذ أمر يتضمن القيام بفعل أو‬
‫امتناع يجرمه النص الجنائي يساءل عنه شخصيا‬

‫وقد حاولت نظرية ثالثة وسطى التوفيق بين النظريتين‪ ،‬حيث قررت إلزام المرؤوس بعدم االمتثال ألوامر الرئيس إذا كانت‬
‫مخالفتها للنص الجنائي واضحة وجلية‪ ،‬بحيث إتيان هذه األخيرة إنما يحمله المسؤولية الجنائية أما دون ذلك‪ ،‬فالمسؤولية‬
‫المذكورة إنما تقع على الرئيس دون المرؤوس بالنسبة للمشرع المغربي‪،‬‬

‫– ‪2‬حالة الضرورة‬

‫حالة الضرورة هي الوضعية التي يقوم فيها الشخص بنشاط يجرمه النص الجنائي ويلحق ضررا بنفس الغير أو بماله‪ ،‬إال أن‬
‫هذا النشاط كان الفاعل مضطرا إلتيانه حفاظا على حياته أو مال ه‪ .‬ويمثل الفقه عليها بأمثلة بسيطة‪ ،‬كمن يشتد به الجوع ويلجأ‬
‫إلى سرقة ما يسد به رمقه‪ ،‬أو كذلك من ينتهك حرمة منزل فرارا من حيوان خطير يطارده ومن دون التيه في بعض التفسيرات‬
‫الفقهية التي ال تقنعنا باألساس الذي تعتمده بالنسبة العتبار حالة الضرورة من أسباب التبرير خاصة تلك التي تبني ذلك على‬
‫اإلكراه المعنوي‪ -‬حيث يمكن أن ينزلق بنا للخلط بين أسباب التبرير وموانع المسؤولية الجنائية نفضل التمسك بمبررات منطقية‬
‫واجتماعية‪ ،‬بل وترتبط بأسباب موضوعية وعقالنية للسياسة الجنائية‬

‫إن السلوك اإلجرامي بصفة عامة أو الماس منه بنفس ال غير أو بماله إنما يعتبر كذلك لما يخلفه في الشعور العام للمجتمع من‬
‫استياء تجاه من يعبث بتصرفاته األنانية لإلضرار باآلخرين‪ ،‬ويشذ عما ارتضوه كسلوك سوي اختاروا االنتظام وفقه‪ ،‬بل إن‬
‫ربط الجزاء فيه بعقوبات ذات وقع أشد لتعتبر بنظرنا ردة فعل مجتمعية واضحة عن استخفاف الفاعل بمنظومة القيم التي يتدخل‬
‫القانون الجنائي لحمايتها هذا األساس الذي يبنى عليه المشرع التجريم والعقاب ال نجده في وضعية الواقع في حالة الضرورة ‪،‬‬
‫حيث يرى الفقه‪ ،‬استحضارا لما ذكرنا‪ ،‬أن ال فائدة من عقاب ما ارتكبه بل يمكن‪ ،‬في هذه الوضعية‪ ،‬إعمال قاعدة دفع الضرر‬
‫األقوى بالضرر األخف‪ ،‬لما لها من انسجام منطقی مع حالة الضرورة‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫أما عن شروط حالة الضرورة‪ ،‬فيمكن إجمالها في التالي‪:‬‬

‫ال بد أن يوجد الفاعل في مواجهة خطر جسيم حال‪ ،‬أي قائم‪ ،‬يهدد النفس أو المال وقد يطرح مشكل تكييف وصف الجسامة في‬
‫الخطر‪ ،‬بحيث پرجح الفقه أن ذلك من متعلقات السلطة التقديرية للقاضي‪ ،‬وان كنا هنا نسجل احتياطنا في هذا التقدير ببنائه على‬
‫معايير موضوعية تكسب تقدير الخطورة المصداقية الالزمة لإلقناع بتبرير الفعل ‪ .‬فالخطر الذي يهدد الحياة أو السالمة‬
‫الجسدية بشكل بليغ ال يمكن أن ننفي عنه الجسامة واقعا أو قانونا‪ ،‬وقد تخرج من اعتبارنا ما دون ذلك من األفعال التي ال ترقى‬
‫لذلك‪ ،‬أو تدخل في زمرة ما يمكن تفاديه بطرق أخرى كما سيتضح بعده‬

‫باإلضافة إلى الجسامة‪ ،‬البد للخطر أن يكون حاال‪ ،‬أي قائما ال محتمال بل يجيز الفقه أن يكون وشيك الوقوع حتى يقع استبعاد‬
‫الحاالت التي تشكك في وقوعه‪ ،‬بحيث إذا كان كذلك لم يعد يخشى منه‪ ،‬بالتالي لم يعد يصلح العتباره من أسباب التبرير أيضا‪،‬‬
‫يحدد المشرع نطاق تطبيق حالة الضرورة فيما يهدد النفس أو المال سواء تعلق ذلك بالفاعل أم بالغير‬

‫الشرط الثاني يستلزم أن ال يكون الخطر مشروعا‪ .‬ولعله شرط بديهي‪ ،‬فال يمكن القبول ال منطقا وال قانونا من رجل المطافئ‬
‫التراجع عن محاولة إخماد حريق بدعوى التهامها للجزء األكبر من المصنع‪ ،‬وأن شدة لهيبها قد يشكل خطرا عليه فالخطر الذي‬
‫يواجهه رجل المطافئ إنما يدخل في صميم عمله والتزامه السلبية الكاملة بدعوى أن ال طائل من تدخله إنما يعرضه للمسؤوليين‬
‫التأديبية والجنائية‬

‫الشرط الثالث يقضى أن ال يكون الخطر قد تسبب فيه الفاعل عمدا‪ ،‬أي أن يوجد فيه من دون قصد كأن تشتعل النار في المطبخ‪،‬‬
‫ولتفادي مزيد من الخسائر يقع إتالف بعض منقوالت الجار إلخماد الحريق‬

‫الشرط الرابع يتطلب أن تكون الجريم ة هي الوسيلة الوحيدة لتجنب الضرر المترتب عن الخطر في المثال السابق‪ ،‬إذا كان‬
‫للفاعل ما يخمد به القار دون اللجوء المنقوالت الجار‪ ،‬اعتبر مرتكبا لجريمة غير مبررة‪.‬‬

‫الشرط الخامس واألخير يستدعي أن يكون ما وقع التضحية به أقل مما استهدف المحافظة عليه أو مساويا له ولعل المثال‬
‫البديهي الذي يعتمده الفقه الجنائي هو أسبقية حماية الحق في الحياة عن حماية حق الملكية هذا ويمكن أن نستخلص كآثار لحالة‬
‫الضرورة‪ ،‬وفي حالة توافر كل الشروط المذكورة أنها ترفع الصفة الجرمية عن النشاط المرتكب‪ ،‬بحيث ال تقوم بنظرنا ال‬
‫المسؤولية الجنائية وال المدنية النتفاء الركن القانوني للجريمة‬

‫مع ذلك‪ ،‬يبقى عبء إثبات حالة الضرورة‪ ،‬لال ستفادة من تبرير الفعل والحصول على البراءة‪ ،‬على عاتق من يدعي ذلك‪ ،‬بحيث‬
‫ال يمكن إعفاء الفاعل هنا من اإلثبات بدعوى أن مشرع المسطرة الجنائية يمتعه بقرينة البراءة‪ ،‬ألن النيابة العامة كطرف مدع‬
‫إنما ستعتمد في متابعتها على ما ضمن في المحضر من أفعال يجرمها القانون الجنائی‪،‬ليل غالبا ما تكون هذه األفعال معترفا بها‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫– ‪3‬الدفاع الشرعي‬

‫يعتبر الدفاع الشرعي من أسباب التبرير واإلباحة‪ ،‬بل من أهمها وأبرزها وضوحا‪ ،‬بحيث وكما مر معنا في الفصل ‪ 124‬من‬
‫مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬لجوء الفاعل إلى ارتكاب الفعل المجرم إنما هو عبارة عن ردة فعل شرعية لحماية نفسه أو‬
‫ماله أو لحماية نفس أو مال الغير ولعل خصوصية هذا السبب‪ ،‬مقارنة باألسباب األخرى التي مرت معنا‪ ،‬تتجلى في أنه يلتصق‬
‫وبشكل طبيعي بغريزة اإلنسان‪ .‬ولذلك سمي بالدفاع الشرعي‬

‫كما سبق التذكير به مع حالة الضرورة‪ ،‬اعتبارا لما هي عليه اإل رادة غير الحرة في إتيان الفعل‪ ،‬ولعله الصراع الفقهي الدائر‬
‫بين النظرية الشخصية والنظرية الموضوعية والذي يطرح مع كل اإلشكاليات التي يديرها إعمال قواعد ومؤسسات القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬فإننا هنا نفضل‪ ،‬السير وفق منطق المشرع نفسه الذي اعتبر الجريمة وكأن لم تكن‪ ،‬وليس فقط امتناع قيام المسؤولية‬
‫الجنائية ولعل األمر سيصبح متضحا مع تبيان الشروط التي يلزم توافرها سواء في فعل االعتداء أو في فعل الدفاع‪،‬‬

‫الشروط المتعلقة بفعل االعتداء‬

‫‪1-‬ال بد وأن يهدد االعتداء النفس أو المال‬

‫والمالحظ أن فعل االعتداء ال يمكن أن يصل لمستوى التهدي د إال إذا طال النفس أو المال‪ ،‬وهي أمور بنظرنا تثير ردة الفعل‬
‫بشكل طبيعي‪ ،‬حيت ال بد وأن يستهدف لدى المعتدى عليه ما يستشعره من ضروريات الوجود والعيش ولعله نفس منطق‬
‫المشرع بالنسبة لحالة الضرورة مع بعض االختالف‪ ،‬حيت يختص الدفاع الشرعي بوجود اعتداء لذلك كان ال بد أن يقارب الفقه‬
‫مفهوم النفس والمال بشكل موسع فاالعتداء الذي يهدد النفس يمكن أن يشمل االعتداء على الحياة كما يمكن أن يقتصر على‬
‫السالمة الجسدية أيضا‪ ،‬ليس هناك ما يمنع من أن يصبح االعتداء المهدد للعرض مما يبرر الفعل إلى جانب المال‬

‫‪2-‬تم البد وأن يكون خطر االعتداء حاال‬

‫هنا‪ ،‬وكما هو الحال في حالة الضرورة‪ ،‬كان البد من المشرع أن يسجل احتياطه ‪،‬وإن كنا هنا نقصد الفقه بالخصوص ‪،‬حتى ال‬
‫يستغل أي شعور بالخطر لشرعنة كثير من التجاوزات أثبت الواقع أنها استغلت أسوء استغالل‪ ،‬وهو ما ال يمكن القبول به في‬
‫مادة اإلباحة التشريعية المكملة لمنطق التجريم التشريعي ال بأس أن نذكر بأن حلول خطر االعتداء نفهمه بأن ليس هناك حائل‬
‫يحول دون وقوعه‪ ،‬وإن كان في حقيقته الواقعية يعود لتقدير قاضي الموضوع‪ ،‬خصوصا واألمر قد يصبح ملتبسا شيئا ما مادام‬
‫الحديث عن خطر االعتداء وليس االعتداء في حد ذاتها‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫مع ذلك نقول بأن حلول خطر االعتداء يوازي كونه وشيك الوقوع‪ ،‬أي تواجد المعتدي في وضعية تؤشر وبشكل قوي على‬
‫الرغبة المحسومة في االعتداء كذلك يذهب الفقه إلى اعتبار وقوع االعتداء فعال مبررا للدفاع الشرعي شريطة عدم انتهائه‪ .‬أما‬
‫إذا بدأ فعال وانتهى‪ ،‬سواء حصلت النتيجة المتوخاة أم ال‪ ،‬فال يعود ما يبرر فعل الدفاع‪ ،‬إذ سيصبح هذا الفعل األخير اعتداء‬
‫جديدا يجرمه المشرع لكن قد تكون أمام وضعية يكون خطر االعتداء فيها مستقبال‪ .‬هنا‪ ،‬احتمال وقوع االعتداء من عدمه يعطى‬
‫للمهدد كل الحظوظ لتفاديه‪ ،‬بحيث والحالة هذه‪ ،‬يسقط مفعول األساس الذي يلقي عليه المشرع الجنائی تبرير مؤسسة الدفاع‬
‫الشرعي‬

‫أما إذا كان الخطر وهميا‪ ،‬أي ال عالقة له بالواقع‪ ،‬فمن حيث المبدأ الجريمة قائمة ما لم يثبت الفاعل أن توهمه للخطر كان نتيجة‬
‫غلط في حقيقة الواقعة‪ ،‬ويبين األسباب الجدية التي كانت وراء ذلك ففي هذه الحال ال مناص من امتناع مساءلته النتفاء الركن‬
‫المعنوي للجريمة إذا لم يستطع أن يقدم دليل كافي‪ ،‬فيمكن للمحكمة أن تدينه بجريمة غير عمدية إن أمكن ذلك من حيث صور‬
‫التكييف الممكنة‬

‫‪ 3-‬أخيرا‪ ،‬ال بد أن يكون االعتداء غير مشروع‬

‫ال تحتاج هذا العناء من أجل توضيح أهمية هذا الشرط فاستلزامه يدخل في صميم تصور شرعية فعل الدفاع لكن الواقع يجعلنا‬
‫نواجه حاالت قد تشكلت في إعمال هذا الشرط بشكل متيسر وهكذا عندما يكون ضابط الشرطة القضائية في مطاردة المشتبه به‪،‬‬
‫خصوصا في جناية أو جنحة متلبس بها‪ ،‬ال يستطيع هذا األخير أن يواجه هذه المطاردة كخطر – مشروع – يفعل الدفاع‬

‫في نفس السياق‪ ،‬هناك من يطرح في هذه الحالة إشكالية تورط الضابط بالشطط في استعمال سلطته ‪ .‬بنظرنا المتواضع‪،‬‬
‫يصعب من الناحية المنطقية والعملية كذلك أن نفتح الباب أمام مقاومة ممثلي السلطة العامة‪ ،‬فمهمتهم قد تستدعي في بعض‬
‫األحيان التدخل بالجدية المطلوبة لحفظ النظام العام تم هنالك آليات قانونية وقضائية تحصن المواطن ضد بعض تعسفات‬
‫مؤتمنى السلطة العامة ومع ذلك‪ ،‬هناك من يسمح بالمقاومة في حدود ضيقة جدا‪ ،‬أي عندما يكون اعتداء المؤتمن ظاهر وجلي‪،‬‬
‫وفي حدود االحتماء األتي مع مراجعة اآلليات المذكورة‬

‫يبقى أنه‪ ،‬وحسب الفقه الجنائي‪ ،‬يمكن رد االعتداء الصادر من مجنون وكذلك مواجهة من يتمتع بعذر ‪ ،‬كحالة رد عدوان الزوج‬
‫أو الزوجة في حالة ضبطهما الخيانة بل يذهب الفقه إلى القول إلى شرعنة الدفاع ضد من يشتط في دفاع شرعی صحيح ونحن‬
‫في هذه الحاالت األخيرة تفضل عمليات القضاء السلطة التقديرية بشأنها ألنها ملتبسة وحمالة لكثير من التأويل من حيث الواقع‪.‬‬

‫الشروط المتعلقة بفعل الدفاع‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫كان ال بد من مقاربة هذه الشروط بصفة مختلفة‪ ،‬قد نقول عنها متقابلة مع الشروط السالف ذكرها مع فعل االعتداء وعليه فإن‬
‫فعل الدفاع‪ ،‬كردة فعل‪ ،‬ال يمكن أن يكتسب الشرعية المطلوبة إلباحته‪ ،‬سوى من منطلق يحفظ للمنطق التشريعي نفس المقومات‬
‫التي وقفنا عليها في باب التجريم‪ ،‬وإن كان موقفه هنا من أجل رفع الصفة الجرمية عن الفعل ليسترجع صفته األصلية – أي‬
‫اإلباحة‪ ..‬فعلة التجريم إنما تدور حول مقومين أساسيين‪:‬‬

‫الفعل في حد ذاته‪ ،‬أي ما يشكله من مساس بمصلحة اجتماعية تستوجب تدخل القانون الجنائي‪ ،‬وما يحدثه من اضطراب‬
‫اجتماعی فعلی أو مفترض‪ .‬لذلك كان من الالزم‪،‬وإلعمال هذا السبب من أسباب التبرير‪ ،‬وفي باب شروط فعل الدفاع‪ ،‬أن يكون‬
‫فعل الدفاع الزما وضروريا لرد االعتداء الشرط األول‪ -‬وكأننا أمام أحقية المهدد باالعتداء بحماية نفسه‪ ،‬وأن يكون متناسيا مع‬
‫خطورة االعتداء الشرط الثاني‪ ،‬أي بدون تجاوز يسقط مفعول شرعية فعل الدفاع‬

‫– بخصوص الشرط األول‪ ،‬ال بد للقاضي الجنائي ولكي يقف على ما يجسد اللزوم والضرورة لرد االعتداء من عدم توافر‬
‫إمكانية مراجعة المهدد باالعتداء للسلطة العامة فالدفاع الشرعي‪ ،‬وكما يسميه بعض الفقه المقارن بالوجبة التي تؤكل ساخنة‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يقوم منطقا أو قانونا من أجل تكريس فكرة االنتقام في المجتمع فطالما أمكن مراجعة الشرطة القضائية أو النيابة العامة‬
‫من أجل تقديم شكاية للحيلولة دون وقوع األعداء‪ ،‬لم يعد لفعل الدفاع ما يبرره‪ ،‬بحيث ال مناص من إرجاع حق التدخل للجهة‬
‫الرسمية المكلفة به قانونا‬

‫يبقى اإلشكال مطروحا بمدى إمكانية تحقق هذا الشرط في حالة ما إذا كان بإمكان المهدد باالعتداء أن يلوذ بالفرار‪ .‬هنا‪ ,‬ال بأس‬
‫من التأكيد‪ ،‬ولعلها أطروحة ندافع عنها بكل موضوعية‪ ،‬على أن لكل بلد خصوصياته التي يستمدها من تاريخه وثقافته‪ ،‬بل ومن‬
‫عراقة نظامه السياسي وحضارته فنخوة المغربي وكل المغاربة تجعلنا وبكل منطق نقول بقيام الدفاع الشرعي صحيحا ولو‬
‫توافر المهدد باالعتداء إمكانية الهرب‪. .‬‬

‫أما فيما يرجع للشرط الثاني المتعلق بالتناسب‪ ،‬وفي إطار البحت عن تكريس القيم المجتمعية‪ ،‬ال يمكن ممارسة حق الدفاع‬
‫الشرعي على فرض اعتباره كذلك باإلفراط والتجاوز ‪ ،‬بحيث ال بد للقضاء‪ ،‬وفي إطار السلطة التقديرية التي يتمتعون بها في‬
‫هذا الباب‪ ،‬من إقصاء أي تعسف يمكن استغالل مؤسسة الدفاع الشرعي لتمريره‪ .‬لكن تخوفنا من إضفاء الشرعية على التعسف‬
‫في استعمال حق الدف اع الشرعي‪ ،‬ال يعني تقييد القضاء بتحقق التناسب الفعلي بين فعل الدفاع واالعتداء‪ ،‬بل يكفي أن يتحقق‬
‫التناسب التقديري الذي يساءل كل قضية على حده‬

‫في األخير البد وأن نذكر بمقتضيات الفصل ‪ 125‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي حيث يعتبر المشرع الجريمة نتيجة‬
‫الضرورة الحالة للدفاع الشرعي‪ ،‬وذلك في حالتين‪:‬‬

‫القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليال لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما‪.‬‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬
‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

‫الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة‬

‫‪UNIVERSITYLIFESTYLE.NET‬‬

You might also like