You are on page 1of 6

‫‪:‬خالصة البحث‬

‫يشهد العالم المعاصر تطورات اقتصادية هامة‪ ،‬وعلى أكثر من صعيد‪ ،‬فهنالك التكامل اإلنتاجي الدولي الذي انطلق على أثر‬
‫الثورة العلمية والتكنولوجية‪ ،‬وهنالك الدور المتصاعد لبعض المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد‬
‫الدولي والبنك الدولي لإلنشاء والتعمير‪ ،‬وهنالك التكتالت االقتصادية كاالتحاد األوربي واآلسيان والنافتا‪ ،....‬وتشكل هذه‬
‫التي تمثل الصورة العامة المعبرة عن االقتصاد ‪ (Globalization)،‬التطورات جميعها روافد تصب في صالح العولمة‬
‫العالمي الراهن‪ ،‬الذي تقوده االقتصادات الرأسمالية المتقدمة‪.‬وال يخفى الدور المتعاظم الذي تؤديه الشركات متعددة الجنسية‬
‫في إطار العولمة االقتصادية‪ ،‬وبشكل خاص دورها في حركة االستثمارات على الصعيد العالمي‪ ،‬وانتقال رؤوس األموال‬
‫من بلد إلى آخر‪ ،‬وبنوع من التداخل قل مثيله في الماضي‪ ،‬بحيث أصبحت بعض البلدان المتقدمة رائدة في استيراد‬
‫االستثمارات وتصديرها وفي آن معا‪ .‬وبالتأكيد ال يمكن للبلدان النامية (ومنها العربية) أن تنأى بنفسها عن هذه المتغيرات‬
‫‪.‬الدولية‪ ،‬فهي جزء من قسمة العمل الدولية ولها مكانتها في االقتصاد العالمي‪ ،‬وان كان بمواقع متباينة من بلد آلخر‬
‫‪:‬البحث‬

‫المقدمة‪:‬ــ‬
‫يشهد العالم المعاصر تطورات اقتصادية هامة‪ ،‬وعلى أكثر من صعيد‪ ،‬فهنالك التكامل اإلنتاجي الدولي الذي انطلق على أثر‬
‫الثورة العلمية والتكنولوجية‪ ،‬وهنالك الدور المتصاعد لبعض المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد‬
‫الدولي والبنك الدولي لإلنشاء والتعمير‪ ،‬وهنالك التكتالت االقتصادية كاالتحاد األوربي واآلسيان والنافتا‪ ،....‬وتشكل هذه‬
‫التي تمثل الصورة العامة المعبرة عن االقتصاد ‪ (Globalization)،‬التطورات جميعها روافد تصب في صالح العولمة‬
‫‪.‬العالمي الراهن‪ ،‬الذي تقوده االقتصادات الرأسمالية المتقدمة‬
‫وال يخفى الدور المتعاظم الذي تؤديه الشركات متعددة‪ j‬الجنسية في إطار العولمة االقتصادية‪ ،‬وبشكل خاص دورها في‬
‫حركة االستثمارات على الصعيد العالمي‪ ،‬وانتقال رؤوس األموال من بلد إلى آخر‪ ،‬وبنوع من التداخل قل مثيله في‬
‫‪.‬الماضي‪ ،‬بحيث أصبحت بعض البلدان المتقدمة رائدة في استيراد االستثمارات وتصديرها وفي آن معا‬
‫وبالتأكيد ال يمكن للبلدان النامية (ومنها العربية) أن تنأى بنفسها عن هذه المتغيرات الدولية‪ ،‬فهي جزء من قسمة العمل‬
‫‪.‬الدولية ولها مكانتها في االقتصاد العالمي‪ ،‬وان كان بمواقع متباينة من بلد آلخر‬
‫يحاول البحث الحالي التركيز على االستثمار األجنبي المباشر والسيما الوارد منه‪ ،‬بوصفه أحد المتغيرات األساسية على‬
‫‪.‬النطاق الدولي والمحلي‪ ،‬والذي يترك أثره على اقتصاد بلد ما في ضوء مدى انفتاحه وتعامله مع هذا النوع من االستثمار‬
‫واختلفت وجهات النظر بصدد الرؤية إلى هذه اآلثار‪ ،‬فهنالك من ينظر إليها من زاوية تفاؤلية ايجابية‪ ،...‬وهنالك من يملك‬
‫تجاهها نظرة سلبية تشاؤمية‪ ،...‬وبين هذه النظرة وتلك التي يعرضهما الباحث بحيادية‪ ،‬يسعى إلى طرح وجهة نظره‬
‫المتواضعة تجاه االستثمار األجنبي المباشر الوافد‪ ،‬وبخاصة إلى البلدان النامية‪ ،‬عسى أن يخدم ذلك التوجهات العراقية‬
‫‪.‬الساعية إلى االنفتاح واستقطاب االستثمارات األجنبية‬
‫تضمن البحث المنهجية اآلتية‪ :‬أوال إعطاء مفهوم لالستثمار األجنبي المباشر وتمييزه عن استثمار الحافظة المالية‪ ،‬ثم‬
‫توضيح االتجاهات المعاصرة لحركة االستثمارات العالمية وللبلدان المتقدمة والنامية باالستعانة ببعض البيانات المتاحة‪،‬‬
‫بعدها عرض الباحث منافع ومساوئ االستثمار األجنبي المباشر على التوالي‪ ،‬وأخيرا تناول الباحث اآلراء التي خرج بها‬
‫‪.‬وابرز المقترحات التي يعتقد بفائدتها‬

‫المبحث األول‪ -:‬مفهوم االستثمار األجنبي المباشر‪:‬‬


‫ذلك النوع من االستثمار الذي يحدث حينما )‪ (Foreign Direct Investment) (FDI‬يقصد باالستثمار األجنبي المباشر‬
‫يقوم مستثمر مستقر في البلد األم بامتالك أصل أو موجود في البلد المستقبل‪ ،‬مع وجود النية لديه في إدارة ذلك األصل‪.‬‬
‫وهذا يعني تدفق رأس المال للتصدير‪ ،‬والذي يختلف عن تدفق رأس المال للتمويل واإلقراض‪ ،‬أو ما يسمى باالستثمار في‬
‫حيث يشير إلى قيام مستثمر مستقر ‪ (FPI) (Foreign Portfolio Investment)،‬حوافظ األوراق المالية (غير مباشر)‬
‫في البلد األم بشراء أسهم وسندات صادرة في البلد المستقبل‪ ،‬دون أن يرافق ذلك قيام المستثمر بإدارة األصول التي امتلك‬
‫‪.‬أسهما فيها ([‪)]1‬‬
‫يختلف إذا االستثمار األجنبي المباشر عن االستثمار في األوراق المالية في أن األول ينطوي على تملك المستثمر األجنبي‬
‫لجزء من االستثمارات في المشروع المعين أو كلها‪ ،‬هذا فضال عن قيامه بالمشاركة في إدارة المشروع مع المستثمر‬
‫الوطني في حالة االستثمار المشترك‪ ،‬أو انه يفرض سيطرته التامة على اإلدارة والتنظيم في حالة ملكيته المطلقة لمشروع‬
‫االستثمار‪ ،‬باإلضافة إلى قيام المستثمر األجنبي بتحويل كمية من الموارد المالية والتكنولوجية والخبرة الفنية في المجاالت‬
‫المختلفة إلى البلدان المضيفة‪ .‬في حين ينطوي النوع الثاني من االستثمار على تملك األفراد واألشخاص المعنويين بعض‬
‫األوراق المالية دون ممارسة أي نوع من الرقابة أو المشاركة في تنظيم المشروع االستثماري وإدارته‪ ،‬كما يعد االستثمار‬
‫‪.‬في األوراق المالية عموما استثمارا قصير األجل بالقياس إلى االستثمار األجنبي المباشر([‪)]2‬‬

‫المبحث الثاني‪ -:‬االتجاهات المعاصرة لتدفق االستثمار األجنبي المباشر‬


‫يالحظ المتتبع لالستثمار األجنبي المباشر الوافد إلى بلدان العالم المختلفة‪ ،‬انه شهد تسارعا كبيرا خالل السنوات األخيرة من‬
‫القرن المنصرم وأوائل القرن الحالي‪ ،‬إذ تضاعف هذا التدفق االستثماري ألكثر من أربع مرات بين عامي ‪ 1992‬و ‪،2005‬‬
‫فبعد أن كان (‪ )171.3‬مليـــــار ‪ $‬في العــــام األول‪ ،‬ارتفع في العــــام األخير إلى (‪ )876.6‬مليار ‪ .$‬على الرغم من‬
‫‪.‬التذبذب الذي شهدته بعض السنوات‪ ،‬وكما هو واضح من الجدول رقم (‪)1‬‬
‫وما زالت الدول المتقدمة تحظى بالحصة األكبر من تدفق االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬فكانت هذه الدول تستقبل حوالي‬
‫الثلثين خالل المدة ‪ 1992‬ــ ‪ ،2003‬مقابل دخول ثلث واحد إلى البلدان النامية‪ ،‬وان كان عاما ‪ 2004‬و ‪ 2005‬شهدا تحوال‬
‫في التدفق االستثماري لصالح البلدان األخيرة‪ ،‬بحيث قاربت نسبتها ‪ % 40‬من إجمالي التدفق العالمي‪ ،‬في حين تراجعت‬
‫‪.‬نسبة الدول المتقدمة إلى حوالي ‪ % 60‬خالل العامين المذكورين‬
‫وإذا كان هذا حال االستثمار األجنبي المباشر الوافد إلى دول العالم‪ ،‬فان االستثمار الراحل يحظى أيضا‪ ،‬وبصورة أشد‪،‬‬
‫‪.‬بسيطرة الدول المتقدمة‪ ،‬حيث تجاوزت نسبتها ‪ % 80‬من إجمالي المتدفق االستثماري الخارج خالل المدة ‪ 2003‬ــ ‪2005‬‬
‫يسيطر عدد قليل من الدول المتقدمة على االستثمار األجنبي المتجه نحو الخارج‪ ،‬وكما هو واضح من الجدول رقم (‪،)2‬‬
‫‪.‬حيث بلغت نسبة االستثمار الخارج في عام ‪ 2004‬للدول العشر الرئيسة حوالي ‪ % 75‬من مثيله على صعيد العالم‬
‫وتأتي الواليات المتحدة األمريكية في مقدمة الدول المصدرة لالستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬وحصلت إلى جانب المملكة‬
‫المتحدة على نسبة تقارب ‪ % 40‬من االستثمار المذكور‪ .‬في حين يأتي بعض دول االتحاد األوربي وكندا واليابان بمواقع‬
‫‪.‬الحقة‬
‫ويمكن النظر إلى هيمنة بعض الدول المتقدمة على االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬وبخاصة المص ّدر منه ([‪ ،)]3‬من زاوية‬
‫الشركات متعددة‪ j‬الجنسية‪ ،‬فاستنادا إلى تقرير االستثمار العالمي يالحظ إن اكبر عشر شركات عالميا في عام ‪( 2004‬وفق‬
‫ما تمتلكه من أصول أجنبية)‪ ،‬هي تابعة إلى أربع دول رئيسة فقط‪ ،‬وبواقع (‪ )4‬شركات تملكها الواليات المتحدة االمريكيه و‬
‫‪ )3(.‬شركات عائده للمملكة المتحدة (إحداها باالشتراك مع هولندا) وشركتين فرنسيتين وأخرى يابانيه ([‪)]4‬‬
‫أما على صعيد البلدان النامية ‪ ,‬فعلى الرغم من تزايد نسبتها في استقبال االستثمار المباشر خالل عامي ‪, 2005 , 2004‬‬
‫كما تم ذكره ‪ ,‬إال أن عددا محدودا من تلك البلدان ما زال مسيطرا على حوالي الثلثين من إجمالي االستثمارات األجنبية‬
‫المستوردة ‪ ,‬وان خفت حدة هذه السيطرة بين عامي ‪ 1993‬و ‪ , 2005‬كما يظهر من الجدول رقم (‪ , )3‬ففي عام ‪ 1993‬كان‬
‫نصيب العشرة بلدان األكبر في تدفق االستثمار ‪ ,‬حوالي ‪ % 80‬بالقياس إلى مجموع البلدان النامية ‪ ,‬بينما وصلت هذه‬
‫‪.‬النسبة إلى ما يقارب ‪ % 65‬في عام ‪2005‬‬
‫تأتي الصين في مقدمة البلدان النامية المستقبلة لالستثمار األجنبي المباشر ‪ ,‬حيث بلغ إجمالي هذا االستثمار (‪ )27.5‬مليار ‪$‬‬
‫في عام ‪ , 1993‬أي ما يعادل ‪ % 38‬من إجمالي االستثمار المباشر المستورد من قبل البلدان النامية بعامة ‪ ,‬وعلى الرغم‬
‫من تضاعف هذا المبلغ ألكثر من مرة ونصف في عام ‪ , 2005‬إال أن نسبته إلى إجمالي البلدان المذكورة ‪ ,‬انخفضت إلى‬
‫‪21.7 %.‬‬
‫شهد بعض البلدان النامية خالل المدة ‪ 2005 -1993‬تدفق االستثمار األجنبي بنسب عالية وبوتيرة مستمرة ومثالها المكسيك‬
‫‪.‬وسنغافورة والبرازيل ‪ ,‬حيث كانت هذه البلدان الثالثة ضمن اكبر خمسة بلدان نامية مستقبلة‬
‫أما بالنسبة للبلدان العربية ‪ ,‬فتعد دولة اإلمارات من البلدان التي تحتل موقعا متقدما ليس على الصعيد العربي فحسب ‪ ,‬بل‬
‫حتى على مستوى العالم النامي ‪ ,‬والسيما خالل عام ‪ , 2005‬إذ بلغ التدفق االستثماري األجنبي المباشر إليها (‪ )12‬مليار‬
‫‪ , $‬األمر الذي وضعها في المرتبة السابعة بين البلدان النامية من جهة ‪ ,‬وجعلها تستحوذ على قرابة الثلث من إجمالي‬
‫‪.‬االستثمار األجنبي المباشر المستورد عربيا من جهة أخرى‬
‫يبدو واضحا من الجدول رقم (‪ , )4‬أن عام ‪ 2005‬شهد ارتفاعا عاما في دخول االستثمارات إلى العالم العربي ‪ ,‬بحيث بلغت‬
‫مرة ونصف تقريبا مقارنة بعام ‪ , 2003‬ويظهر هذا الجدول كذلك إن حوالي نصف البلدان العربية يهيمن على أكثر من ‪92‬‬
‫‪ %‬من تدفق االستثمار ولعامي ‪ , 2005 , 2003‬وال يقتصر هذا على البلدان النفطية فقط ‪ ,‬بل شمل بلدانا أخرى وبشكل‬
‫‪.‬الفت مثل مصر والمغرب ولبنان والسودان‬

‫المبحث الثالث‪ -:‬منافع االستثمار األجنبي المباشر‪:‬‬


‫يمثل االستثمار األجنبي المباشر إحدى الصور األساسية للعولمة‪ ،‬وللشركات متعددة‪ j‬الجنسية الدور الرئيس في تدفقاته‪،‬‬
‫وعليه يجد مناصرو العولمة واالنفتاح االقتصادي العالمي أن لالستثمار األجنبي المباشر منافع عديدة‪ j‬تنعكس على‬
‫اقتصادات الدول التي تشهد مثل هذا التدفق االستثماري ويمكن إبراز هذه المنافع‪ ،‬كما يراها مؤيدو االستثمار األجنبي‬
‫‪:-‬المباشر على النحو اآلتي‬
‫ــ حينما ينفتح بلد معين على االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬ويسمح لهذا التدفق االستثماري من خالل فتح األبواب للشركات ‪1‬‬
‫متعددة الجنسية‪ ،‬فانه سوف يحصل على احدث المنجزات التكنولوجية وأكثرها تطورا‪ ،‬بالنظر إلى ما تمتلكه هذه الشركات‬
‫العمالقة من إمكانيات وقدرات هائلة على صعيد البحث العلمي والتكنولوجي‪ .‬وبالطبع فان هذا النقل التكنولوجي سيكون‬
‫‪.‬مصحوبا بأفضل المهارات التنظيمية واإلدارية والفنية‬
‫وعلى الرغم من وجود طرق أو قنوات أخرى غير االستثمار المباشر يمكن للبلدان المضيفة جذب التقنيات التكنولوجية‬
‫الحديثة بوساطتها‪ ،‬مثل العقود اإلدارية‪ ،‬والتراخيص وكذلك البحوث المنشورة والشراء المباشر‪ ،‬إال أن االستثمار المباشر‬
‫يعد أكثر الطرق جدوى في جذب التكنولوجيا وبشكل خاص بالنسبة لبعض أنواع الصناعات مثل الصناعة االستخراجية‪،‬‬
‫‪.‬هذا باإلضافة إلى تمكين البلد المضيف‪ ،‬بمساعدة الشركات متعددة‪ j‬الجنسية‪ ،‬من االستغالل األمثل للتكنولوجيا‬
‫ــ تعاني البلدان النامية‪ ،‬عموما‪ ،‬من مشكلة المديونية الخارجية‪ ،‬حيث تفاقمت أزمتها خالل العقود األخيرة‪ ،‬ووصل الحال ‪2‬‬
‫ببعضها‪ ،‬إنها أصبحت غير قادرة على تسديد‪ j‬فوائد الديون‪ ،‬فضال‪ ،‬بالطبع‪ ،‬على أصل الديون ([‪ .)]5‬وبدال من استمرار هذه‬
‫وبما يفاقم من أزمتها‪ ،‬فان الخيار اآلخر المجدي لها ‪ (FPI)،‬البلدان في الحصول على رأس المال التمويلي أو االقراضي‬
‫هو االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬إذ أن هذا االستثمار يعني وجود شركات فرعية في البلدان المذكورة تابعة للشركات األم‪،‬‬
‫وبما يؤدي إلى إنتاج مشترك بين البلد النامي والشركة األجنبية يتميز بمواصفات الجودة العالية ووفورات الحجم الكبير‪،‬‬
‫األمر الذي يفتح أمام البلدان النامية آفاق الوصول إلى األسواق العالمية لتصريف منتجاتها‪ ،‬بما في ذلك أسواق البلدان‬
‫المتقدمة‪ ،‬وهذا ما يعد مصدرا للعمالت األجنبية الصعبة التي تكون البلدان النامية بأمس الحاجة إليها في تطبيق برامجها‬
‫‪.‬التنموية‪j‬‬
‫ــ يشكل الحصول على أقصى األرباح‪ ،‬الهدف الرئيس الذي تسعى إلى تحقيقه الشركات متعددة‪ j‬الجنسية من خالل ‪3‬‬
‫االستثمار األجنبي المباشر الذي تقوم به الشركات الفرعية التابعة لها‪ .‬وعليه فإنها تنشط في هذا المجال من اجل تعظيم‬
‫التكاليف‪ ،‬لبلوغ هذا الهدف‪ .‬إن ذلك ينعكس على البلدان المضيفة )‪ (Minimization‬العوائد وتدنية‪(Maximization) j‬‬
‫بالمنفعة‪ ،‬وذلك عن طريق إعادة استثمار أو توظيف قسم من هذه األرباح داخل هذه البلدان‪ ،‬وبما يؤدي إلى تطوير المشاريع‬
‫التي تقوم بها تلك الشركات األجنبية‪ ،‬إضافة إلى إسهام ذلك في زيادة تكوين رأس المال على الصعيد المحلي‪ ،‬األمر الذي‬
‫يعزز من المقدرة التنافسية لالقتصادات المضيفة وشركاتها الوطنية‪ .‬وال يقف األمر عند االستثمار المباشر في القطاعات‬
‫إذ تساعد ‪ (Infrastructure)،‬اإلنتاجية‪ ،‬إنما يتعداه إلى بناء رأس المال االجتماعي أو ما يعرف بالبنى االرتكازية‬
‫االستثمارات األجنبية في تحديث وتطوير مشروعات البنية األساسية مثل الطرق ووسائل االتصال السلكي والالسلكي‪،‬‬
‫فضال عن مشروعات الخدمات كالمساكن والمدارس والمستشفيات‪ ،‬وهذا ما يمكن أن يسهم في ارتفاع معدالت نمو الناتج‬
‫‪.‬القومي‬
‫وإذا كان متاحا أمام البلدان المتقدمة انتهاج بعض ‪ (Unemployment)،‬ــ تعاني الكثير من البلدان من مشكلة البطالة ‪4‬‬
‫السياسات االقتصادية لمعالجة هذه المشكلة أو الحد منها‪ ،‬فان المعضلة أعمق وأكثر تعقيدا في البلدان النامية‪ ،‬وبخاصة منها‬
‫البلدان التي تعاني من ندرة في رؤوس األموال الوطنية الالزمة لالستثمار‪ .‬وعليه يصبح خيار االستثمار األجنبي المباشر‬
‫ضروريا بما يكفل توفير فرص العمل الواسعة‪ ،‬عالوة على اإلسهام في تحسين مستوى األجور‪ .‬وال يتوقف األمر عند هذا‬
‫الحد فهذا االستثمار يساعد كثيرا في تنمية وتدريب واستغالل الموارد البشرية في البلدان النامية هذا‪ ،‬طبعا‪ ،‬مع األخذ بنظر‬
‫‪.‬االعتبار إن مدى المساهمة يتوقف على ما تضعه الدول المضيفة من ضوابط وإجراءات تساعدها في تحقيق تلك المنافع‬

‫المبحث الرابع‪ -:‬مساوئ االستثمار األجنبي المباشر‪:‬‬


‫على النقيض من مؤيدي االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬فان هنالك قسما آخر من المنتقدين‪ j‬الذين يملكون نظرة تشاؤمية تجاهه‬
‫فهؤالء يرون إن االستثمارات األجنبية عبارة عن مباراة من طرف واحد الفائز بنتيجتها الشركات متعددة الجنسية في اغلب‬
‫إن لم يكن في الحاالت جميعها‪ ،‬أو بعبارة أخرى فإن المستثمر األجنبي‪ ،‬من وجهة نظرهم‪ ،‬ممثال بهذه الشركات يأخذ أكثر‬
‫مما يعطي‪ .‬وتأتي في مقدمة تبريراتهم مسألة السيادة والسلطة في اتخاذ القرار الوطني‪ .‬فالشركات متعددة الجنسية‬
‫وفروعها‪ ،‬هي القائدة لتدفق رأس المال‪ ،‬ومن ثم فان صنع القرار ال يكون وطنيا‪ ،‬بل يصبح بيد‪ j‬سلطة المستثمر األجنبي‬
‫‪.‬ونفوذ حكومته التي تقوم بدعمه‪j‬‬
‫تميل الشركات واردة الذكر إلى فرض سيطرتها على االقتصاد الوطني‪ ،‬وال يقف األمر عند حد دعم حكوماتها لها‪ ،‬بل إن‬
‫لهذه الشركات وسائل وأساليب تستطيع بوساطتها أن تلعب على أكثر من حبل‪ ،‬فيمكن لها أن تغلق فروعها في احد البلدان‬
‫لتنتقل إلى بلد آخر‪ ،‬أو تخلق قدرات موازية في البلدان المجاورة للبلد المعني‪ ،‬أو تبطئ توسع اإلنتاج في بلد ما لصالح‬
‫توسيعه في بلد آخر‪ .‬كذلك يمكن للشركات المذكورة أن تناور وتتفادى الضوابط التي تفرضها الحكومة على وحدة إنتاجية‬
‫‪.‬معينة‪ ،‬طالما أن نشاطها يغطي وحدات عديدة من االقتصاد القومي ([‪)]6‬‬
‫تتمتع‪ j‬إذا الشركات متعددة‪ j‬الجنسية وفروعها ببدائل كثيرة غير متاحة للشركات المحلية‪ ،‬وهي قادرة على الهروب من‬
‫اإلذعان للسياسات العامة للبلد المضيف‪ ،‬فيما لو قابلتها تشريعات قانونية جديدة على الصعيد السياسي أو االجتماعي أو‬
‫البيئي والتي تعارض أهدافها‪ ،‬وبخاصة تلك التي ترفع من تكاليف إنتاجها ([‪ .)]7‬وإذا تم التركيز على الجانب االقتصادي‪،‬‬
‫‪:-‬فان المعارضين يطرحون جملة من االنتقادات والمساوئ التي تصاحب االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬لعل أبرزها ما يأتي‬
‫ــ يتمثل االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬والسيما المتدفق إلى البلدان النامية‪ ،‬بالمشاريع المنشأة من قبل الشركات متعددة‪1 j‬‬
‫الجنسية (ومعظمها صناعية) والتي ال تحتاج إال إلى قوة عمل قليلة العدد‪ j،‬وان تتكون من عمال متخصصين فضال عن‬
‫عمال شبه ماهرين غير مؤهلين وال يمتلكون سوى تجربة مقتصرة على العمليات التكنيكية البسيطة‪ ،‬ومن ثم فان حاجتها‬
‫نادرة جدا إن لم تكن معدومة إلى كوادر متحركة تمتلك مهارات متنوعة ومعرفة مهنية واسعة ومعقدة‪ .‬وبالمقابل لما كانت‬
‫اغلب هذه المشاريع الصناعية مجرد مالحق أو شركات فرعية ترتبط بمراكز واقعة ما وراء البحار‪ ،‬حيث يجري اتخاذ‬
‫القرارات التكنولوجية‪ ،‬وبما إنها تدار بوساطة كادر إداري وتكنيكي أجنبي ينفذ تكنولوجيا جاهزة‪ ،‬فان إمكانيات إجراء‬
‫تجارب وبحوث وتجديدات تكنولوجية يصبح أمرا نادرا للغاية ([‪ .)]8‬بعبارة أخرى هنالك اعتمادا تاما على الخارج‬
‫(المركز) في مجال التكنولوجيا‪ .‬فالشركات األم مالكة التكنولوجيا هي التي تفرض نوع التكنولوجيا المستخدمة من قبل‬
‫المشاريع القائمة أو الشركات الفرعية‪ ،‬وفقا إلستراتيجيتها ومصلحتها‪ .‬ومنطقيا فان اختيارها سيتركز على تكنولوجيا ذات‬
‫كثافة رأسمالية عالية يتطلب تطبيقها متابعة التطورات والمنجزات التكنولوجية أوال بأول‪ ،‬األمر الذي يعني اعتمادا مستمرا‬
‫ومتزايدا على استيراد التكنولوجيا‪ ،‬ومن ثم غلق الباب أمام تنمية قاعدة تكنولوجية محلية وشل حركة اإلبداع واالبتكار في‬
‫‪.‬البلد المضيف ([‪)]9‬‬
‫استنادا إلى ما تقدم يرى منتقدو االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬إن مساهمته محدودة جدا في بناء رأس المال البشري‪ ،‬الذي يعد‪j‬‬
‫من أفضل أنواع االستثمار‪ ،‬كما دلّت على ذلك بعض التجارب الدولية (مثل كوريا الجنوبية) ([‪ ،)]10‬فعلى الرغم من أن‬
‫التعليم هو الركن األساس في االستثمار البشري‪ ،‬إال أن تدريب الكوادر في االختصاصات المختلفة في ميدان العمل هو‬
‫الركن اآلخر الهام في هذا النوع من االستثمار‪ ،‬وإذا كان االستثمار األجنبي المباشر غير معني بالركن األول‪ ،‬فان دوره‬
‫يكاد ال يذكر في تدريب الكوادر المحلية في البلد المضيف نتيجة إلستراتيجية التكنولوجيا الجاهزة المستوردة التي تنتهجها‬
‫‪.‬الشركات متعددة‪ j‬الجنسية كما مر ذكره‬
‫إن تدفق االستثمار المباشر إلى الدول النامية بوساطة الشركات واردة الذكر‪ ،‬والذي يقوم على النقل الجاهز للصفقات‬
‫التكنولوجية‪ ،‬أو ما يسمى بطريقة (تسليم المفتاح)‪ ،‬ال يقتصر على تعطيل نمو الخبرات والمهارات في هذه الدول‪ ،‬بل يتعداه‬
‫إلى مفاصل أخرى‪ .‬فهذا النقل الجاهز ال يراعي قدرة البلد النامي على االستيعاب‪ ،‬إضافة إلى تجاهل ما يتوافر من‬
‫تكنولوجيا محلية‪ ،‬وهو أمر يوضح مدى القصور في عمليات توطين التكنولوجيا وتطويرها‪ ،‬مما جعل عملية النقل هذه‬
‫مقتصرة على شراء اآلالت والمكائن والمعدات واستعمال القدرات اإلنتاجية بالشكل الذي يعمل على زيادة االعتماد على‬
‫دول متقدمة صناعيا بعينها وتعميق التبعية التكنولوجية لها‪ .‬إذا فطريقة المشاريع الجاهزة قد ال تتطلب الجهد الكبير من‬
‫الدول المضيفة لالستثمار المباشر ولكنها في الوقت نفسه ذات تكاليف عالية على حساب بناء تكنولوجيا محلية‪ ،‬فضال عن‬
‫‪.‬عوائدها االقتصادية المتدنية‪ j‬وارتفاع كلفة الصيانة فيها ([‪)]11‬‬
‫ــ نادرا ما يؤدي نموذج االستثمار األجنبي المباشر إلى تقليص خروج عوائد االستثمار أو تدعيم نشوء رأس المال في ‪2‬‬
‫البلد المضيف‪ .‬فعلى الرغم من الكفاءة العالية للشركات متعددة‪ j‬الجنسية وفروعها في توليد الفائض المالي‪ ،‬وبما يبدو للوهلة‬
‫األولى على انه قاعدة لتوسيع إعادة االستثمار في القطاعات المختلفة‪ ،‬وزيادة اإليرادات الحكومية (عبر الضرائب‬
‫والمشاركة في األرباح‪ ،)...‬إال أن هذه الشركات تحظى (حتى في ظل سيطرة الدولة ومشاركتها في المشاريع المختلطة)‬
‫بفرص متنوعة وبدائل‪ ،‬اغلبها مقنع وغير مباشر‪ ،‬لتسريب العوائد االستثمارية وترحيلها خارج البلد النامي‪ .‬فهنالك العديد‪j‬‬
‫لكنها تتضمن أرباحا فعلية‪ ،‬مثل نفقات اإلدارة والمهارة )‪ " (Costs‬من الفقرات التي تنطوي تحت مظهر " تكاليف‬
‫‪.‬التكنيكية‪ j،‬وتكاليف الرخص والماركات التجارية وبراءات االختراع ([‪)]12‬‬
‫وخير دليل على خروج تلك األرباح من عوائد االستثمار األجنبي المباشر وانعكاساتها على االقتصاد النامي‪ ،‬هو ما حصل‬
‫في دول النمور األسيوية‪ .‬إذ أعطت األرباح الهائلة التي تحققت خالل مدة قصيرة في أواخر القرن العشرين جراء هذا‬
‫االستثمار‪ ،‬انطباعا بازدهار اقتصادي واسع‪ ،‬ولكن ما حصل فعال كان بخالف ذلك‪ ،‬حيث جرى انسحاب سريع لرؤوس‬
‫األموال ولتلك األرباح إلى خارج البالد‪ ،‬فتمخض عن ذلك هزة اقتصادية عنيفة وأزمة مروعة في اقتصاديات النمور‬
‫الواحدة تلو األخرى‪ ،‬ومنها تايالند‪ ،‬التي انهارت عملتها الوطنية واهتزت أركان البورصة فيها‪ ،‬وانسحب اليابانيون‬
‫والمستثمرون اآلخرون برؤوس أموالهم ليتركوا هذه البلدان فريسة أزمة مالية كبيرة وقاسية جدا‪ .‬وبالطبع فان الفائز األكبر‬
‫من كل ذلك هي الشركات المستثمرة أما الخاسر األساس فهو االقتصاد الوطني التايلندي والدول األخرى المماثلة‬
‫‪.‬ومجتمعاتها وشعوبها ([‪)]13‬‬
‫للبلد )‪ (Balance of Payments‬ــ هنالك أثرا ايجابيا مباشرا يتركه االستثمار األجنبي المباشر على ميزان المدفوعات ‪3‬‬
‫المضيف‪ ،‬ناجم عن تدفق رأس المال‪ ،‬والذي يعكسه ميزان العمليات الرأسمالية‪ ،‬كما قد يظهر هذا األثر االيجابي من خالل‬
‫المشاريع االستثمارية الموجهة نحو التصدير‪ ...‬لكن هذا األثر غالبا ما يكون محدودا‪ ،‬وبخاصة في البلدان النامية‪ ،‬مقارنة‬
‫باألثر السلبي الذي يتركه االستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬حينما ترفع الشركات متعددة الجنسية االستيراد من السلع الوسيطة‬
‫والخدمات المختلفة‪ ،‬وتقوم بإعادة األرباح إلى البلد األم‪ ،‬بكل ما يتركه هذا التحويل العكسي للموارد من عجز مستديم في‬
‫‪.‬ميزان مدفوعات البلد المضيف‬
‫وتعد ماليزيا مثاال حيا يوضح أثر االستثمار المباشر السلبي على ميزان المدفوعات‪ ،‬فاالقتصاد الماليزي شهد نموا عاليا‬
‫وصل إلى حوالي ‪ %8.3‬خالل عام ‪ ،)]14[( 1995‬وماليزيا من البلدان الصناعية الحديثة التي تنتهج أسلوب اإلنتاج‬
‫لغرض التصدير‪ ،‬وان للشركات متعددة الجنسية الدور الرئيس في صادرات صناعاتها التحويلية‪ ،‬إذ ساهمت بنسبة ‪%80‬‬
‫من صادرات ماليزيا اإلجمالية في العام نفسه‪ .‬ويعد هذا البلد مستقبال كبيرا لالستثمار األجنبي المباشر‪ ،‬حيث امتلك معدل‬
‫‪.‬ادخار عالي ومعدل استثمار أعلى خالل عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين‬
‫ومع كل ذلك وصل العجز في ميزان المدفوعات الماليزي (الحساب الجاري) إلى حوالي (‪ )4147‬مليون ‪ $‬في عام ‪1995‬‬
‫([‪ .)]15‬والسبب في ذلك يعود لتخصص هذا البلد في إنتاج سلعتين أساسيتين (االلكترونيات والكهربائيات) وسرعة تأثره‬
‫بالطلب العالمي عليهما‪ .‬فضال عن اعتماده الكبير على استيراد المدخالت ذات المقاييس النوعية الدقيقة لهاتين الصناعتين‬
‫وبنسبة ‪ %78‬من الخارج‪ ،‬مع انخفاض القيمة المضافة بين عامي ‪ 1993 ،1981‬من نسبة ‪ %28‬ــ ‪ .%22‬وتزامن ذلك مع‬
‫تسرب آخر لألموال خارج ماليزيا تمثل بتحويالت أرباح وعوائد االستثمار المباشر والتي وصلت إلى حوالي (‪ )208‬مليون‬
‫‪ $.‬سنويا خالل المدة ‪ 1990‬ــ ‪)]16[(1994‬‬
‫ــ تمارس الشركات متعددة الجنسية من خالل االستثمار األجنبي المباشر تأثيرا قويا على توطين قوى اإلنتاج في العالم ‪4 ,‬‬
‫نتيجة لما تمتلكه من قدرة فائقة في اختيار المكان المناسب لنشاطها وتوطين مشاريعها استنادا إلى ما يسمى بـ" االمثلية‬
‫العالمية " ‪ ,‬أي مع إغفال مصالح البلدان ذاتها‪ .‬وهذا ما يؤدي في الواقع إلى بروز تناقضات حادة بين سياسة التوطين التي‬
‫‪.‬تنتهجها تلك الشركات وبين برامج البلدان المضيفة وبخاصة النامية منها ([‪)]17‬‬
‫إن نموذج االستثمار األجنبي المباشر السائد حاليا ال يؤدي إلى تحقيق التكامل داخل االقتصادات المضيفة ‪ ,‬بل يعمل بدال‬
‫عن ذلك إلى تعميق االزدواجية ‪ ,‬وتحقيق نوع من التكامل (الصوري) ‪ ,‬بين فروع معينة من تلك االقتصادات مع االقتصاد‬
‫‪.‬الرأسمالي العالمي ‪ ,‬يتجسد بواسطة االعتماد الكبير على المدخالت المستوردة‬
‫لذلك فأن االستثمار األجنبي المباشر ونشاط الشركات العمالقة القائدة له ‪ ,‬سيسهم بتشديد‪ j‬التفكك االجتماعي في البلدان‬
‫المضيفة ‪ ,‬ويحدث العديد من االختالالت الهيكلية في اقتصاداتها على صعيد قطاعي وإقليمي ‪ ,‬وبما يضعف كثيرا من‬
‫الروابط األمامية والخلفية فيها‪ .‬فضال عن ضعف تلك الروابط بين االستثمار األجنبي المباشر واالقتصاد الوطني ‪ ,‬مما‬
‫‪.‬يخلق التعارض بين أهداف هذه الشركات وبين مستلزمات التنمية‬
‫إن هذا األمر ال يقتصر على ما تقدم ‪ ,‬فنتيجة لضخامة أصول الشركات متعددة‪ j‬الجنسية وقدرتها االحتكارية ‪ ,‬فأنها تعمل‬
‫على فرض ممارسات تمنع من خاللها المنافسة من قبل الشركات المحلية ‪ ,‬األمر الذي يؤدي إلى القضاء على الكثير من‬
‫الصناعات الوطنية طالما إنها ال تمتلك كفاءة الشركات األجنبية ‪ ,‬وغير قادرة على التكامل معها ‪ ,‬فضال عن اضمحالل‬
‫‪.‬الحرف المنتشرة في البالد النامية بسبب سيادة اإلنتاج الواسع متدني التكاليف الذي تعتمده هذه الشركات‬

‫المبحث الخامس‪ :‬آراء ومقترحات‬


‫يبدو واضحا أن لالستثمار األجنبي المباشر منافع معينة ‪ ,‬لكن بالمقابل هو يحمل معه العديد‪ j‬من المساوئ والتي تصل حد‬
‫األخطار على البلدان المستقبلة له ‪,‬والسيما النامية منها‪ .‬والسؤال الذي يطرح هنا‪ :‬كيف يكون موقف هذه البلدان من‬
‫االستثمار األجنبي المباشر ؟ وهل من مصلحتها أن تفتح الباب على مصراعيه تجاه هذا االستثمار‪ ,‬ومن ثم االندماج في‬
‫االقتصاد الرأسمالي العالمي بصورة كاملة ‪ ,‬من خالل التعامل مع الشركات متعددة الجنسية بانفتاح تام وبال قيود ؟ أم‬
‫‪.‬األفضل هو إتباع سياسة االنعزال أو ما يطلق عليها االعتماد على الذات ‪ ,‬وغلق األبواب تجاه االستثمار األجنبي المباشر ؟‬
‫يرى الباحث إن خير جواب هو أن االستثمار األجنبي المباشر للبلدان النامية بعامة هو " شر البد منه "‪ .‬فهذه البلدان ال‬
‫يمكنها االحتفاظ باقتصاديات مغلقة في ظل تطورات اقتصادية عالمية معاصرة تتحرك نحو مزيد من االندماج في االقتصاد‬
‫‪.‬العالمي ‪ ,‬هذا من ناحية‬
‫ومن ناحية أخرى فان االستثمار األجنبي المباشر والشركات متعددة‪ j‬الجنسية هي إحدى أشكال العولمة التي يقودها المركز‬
‫الرأسمالي ‪ ,‬وصحيح أن الهيمنة الرأسمالية على الصعيد‪ j‬العالمي ‪ ,‬جلبت وما تزال المصائب والويالت واالستغالل الكبير‬
‫للبلدان النامية ‪ ,‬إال أن الحقيقة التي ال يمكن إنكارها إن الرأسمالية في وقتنا الراهن وفي واقع التخلف الذي تعاني منه هذه‬
‫البلدان في مستوى تطور القوى المنتجة بجوانبها المختلفة تشكل الطريق الموضوعي الذي ال خيار غيره وال مفر منه‪ .‬وفي‬
‫هذا يصح المثل القائل (أخوك مجبر غير مخير)‪ .‬حيث أن السير على هذا الدرب يمكن أن يساعد على التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية وذلك من خالل تطوير القوى المنتجة وبناء الهياكل االرتكازية ‪ ,‬فضال عن المساهمة بصورة أو بأخرى في‬
‫‪.‬التطوير البشري ([‪)]18‬‬
‫ولكن يجب التركيز على مسألة تتعلق بخصوصية كل بلد نامي وظروفه ومستوى تطوره فابتداء ً ليس هنالك وصفة جاهزة‬
‫يمكن استخدامها من قبل البلدان النامية لتحقيق تنميتها ‪ ,‬ومن األخطاء الفادحة تقليد تجربة ألحد البلدان المتقدمة بعينها‪.‬‬
‫فأوضاع هذه البلدان تتطلب تشخيص مهمات التنمية ومستلزماتها ‪ ,‬مع األخذ بعين االعتبار إن هذه البلدان جميعا ‪,‬‬
‫‪ : -‬وبمستويات متباينة وضعت أقدامها في طريق التطور الرأسمالي ‪ ,‬وان االختالف فيما بينها يتضح أساسا في ([‪)]19‬‬

You might also like