You are on page 1of 92

‫‪3‬‬ ‫تقدمي‬

‫‪4‬‬ ‫هرم خوفو‬


‫‪10‬‬ ‫الفريوز يف م�صر القدمية‬
‫‪14‬‬ ‫دمياط من في�ض �إىل في�ض‬
‫‪20‬‬ ‫طابع بريد‪ :‬الإمام حممد عبده‬ ‫امل�شرف العام‬
‫‪22‬‬ ‫ظرف تذكاري‪�:‬إلغاء معاهدة ‪1936‬‬ ‫إمساعِيل سِراج الدين‬
‫‪24‬‬ ‫رجال �أعمال ال�شرقية ‪� ..‬أ�سماء تركت وراءها ومي�ضً ا‬ ‫مدير مكتبة الإ�سكندرية‬

‫‪28‬‬ ‫العدد الأول‪ :‬حواء اجلديدة‬


‫رئي�س التحرير‬
‫‪31‬‬ ‫�أو�سمة ونيا�شني‪ :‬نوط االمتياز‬
‫خَالِد عَزَب‬
‫‪32‬‬ ‫م�شروع جماري القاهرة وت�صريف مياه �أمطارها ‪1906‬‬ ‫امل�شرف على م�شروع‬
‫ذاكرة م�صر املعا�صرة‬
‫‪34‬‬ ‫بروتوكوالت ومرا�سم‪ :‬امل�آدب امللكية‬
‫‪36‬‬ ‫م�صطلحات من زمن فات‬ ‫�سكرتري التحرير‬
‫‪38‬‬ ‫جملة القدمي‬
‫ُوزان عَابِد‬
‫س َ‬
‫‪42‬‬ ‫بالوثائق‪� :‬أ�سرار اخلطابات ال�سرية بني جمال عبد النا�صر وجون كينيدي‬
‫‪48‬‬ ‫ق�صر اجلزيرة‬
‫املراجعة‬
‫‪52‬‬ ‫عاداتنا من زمان‪ :‬ال�سبوع‬ ‫والت�صحيح اللغوي‬
‫أَحْمَد شَعْبان‬
‫‪54‬‬ ‫حكايات وروايات من م�صر‪ :‬معبد دابود يف مدريد‪� ..‬سفري م�صر يف اخلارج‬
‫‪60‬‬ ‫�صدق �أو ال ت�صدق‪ :‬م�صر جمهورية برملانية دميقراطية‬
‫كالكيت ثاين مرة‪ :‬مذكرة حول ح�صون الإ�سكندرية و�ضواحيها‬ ‫رانيا مُحَمَّد يونس‬
‫‪64‬‬
‫‪70‬‬ ‫عرو�ض كتب‪ :‬تاريخ يهود النيل‬
‫‪74‬‬ ‫من ذاكرة ال�سينما‪ :‬ليلى مراد‬
‫الت�صميم والإخراج الفني‬
‫‪78‬‬ ‫بعيون �أوروبية‪ :‬ال�صراع الأجنلو فرن�سي على م�صر‬
‫‪84‬‬ ‫ابحث يف ذاكرة م�صر املعا�صرة‪ :‬حكام م�صر‬ ‫ريم نعمان‬
‫‪86‬‬ ‫مواقع �إلكرتونية‪ :‬متحف �أم كلثوم‬
‫‪88‬‬ ‫لطائف وطرائف‪ :‬جمعية احلمري امل�صرية‬ ‫عناوين‬
‫مُحَمَّد جُمعَة‬

‫الإ�سكندرية‪ ،‬يوليو ‪2013‬‬


‫ذاكـرة م�صـر‬

http://modernegypt.bibalex.org
modernegypt@bibalex.org

2
‫تقديم‬
‫ت�سعى جملة ذاكرة م�رص املعا�رصة �إىل توطيد العالقة بينها وبني قرائها‪ ،‬فهي‬
‫تعتمد �صيغة جتعلها جملة ذات م�ساحة �أو�سع من م�ساحات املجالت العلمية‪،‬‬
‫لكنها حتافظ يف الوقت نف�سه على بعدها العلمي‪ ،‬فنحن كفريق عمل نحر�ص‬
‫على التدقيق يف كل موادها‪ ،‬ون�ستدعي متخ�ص�صني يف كافة املجاالت‬
‫لي�شاركونا تقدمي العديد من النوادر بها‪� .‬إن االقت�صار على تقدمي التاريخ على‬
‫بعد جتاوزناه �إىل املهتمني بالتاريخ والرتاث من املو�سيقيني والنقاد‬
‫امل�ؤرخني ٌ‬
‫والأنرثوبولوجيني والأثريني والأطباء وغريهم؛ فكل منهم له نظرته للحدث‬
‫التاريخي من واقع تخ�ص�صه‪ ،‬فتاريخ الطب يف م�رص يرتبط بتطور مهنة الطب‬
‫وتطور التقنيات امل�ستخدمة يف العالج‪ ،‬هذا ما ميكن �أن يالحظه طبيب له‬
‫هموم تاريخية عن م�ؤرخ ي�ؤرخ للطب يف م�رص‪.‬‬

‫خـالد عزب‬
‫رئي�س التحرير‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪3‬‬
‫�أمين من�صور‬

‫هرم خوفو‬ ‫الأهرامات امل�صرية تلك العمائر املذهلة التي �أخجلت عقول‬
‫من هو خوفو؟‬ ‫عظماء العامل و�أثارت اللغز واحلرية عرب التاريخ وخا�صة الهرم‬
‫الأكرب «هرم امللك خوفو»‪ ،‬فال يوجد بناء يف العامل يثري اخليال‬
‫خوفو هو ثاين ملوك الأ�سرة الرابعة من الدولة القدمية‪ ،‬وهو ابن‬ ‫مثل هذا البناء‪ .‬ولذلك ظهرت �أ�صوات عديدة حول الأهرامات‬
‫امللك «�سنفرو» م�ؤ�س�س الأ�سرة‪ ،‬وذلك من زوجته امللكة «حتب‬ ‫وطريقة بنائها و�أ�سرارها بل وتعدت بع�ض الأ�صوات ذلك مدعية‬
‫حر�س» ابنة امللك «حوين» �آخر ملوك الأ�سرة الثالثة‪ ،‬وبذلك يكون‬ ‫ف�ضل بناء هذه الأهرامات �إىل ال�صهاينة‪ ،‬و�أخرى تدعي وجود‬
‫خوفو قد ورث العر�ش عن �أبيه‪ ،‬وورث معه مملكة قوية م�ستقرة‪،‬‬ ‫�صلة بينها وبني القارة املفقودة «�أطالنت�س»‪ ،‬وثالثة تذهب �إىل‬
‫و�صل بها �أبوه �إىل قمة املجد يف ع�صور م�صر القدمية‪.‬‬ ‫ال�سماء وتقول �إن بناة الأهرامات قوم �أتوا من الف�ضاء اخلارجي‬
‫حكم خوفو‬ ‫غري �أن الك�شف عن مقابر بناة الأهرام �أ�سكت كل تلك الأ�صوات‬
‫�إن كان من امل�ؤكد �أن خوفو هو ثاين ملوك الأ�سرة الرابعة‪،‬‬ ‫و�أثبت للجميع �أن الأهرامات جزء �أ�صيل من احل�ضارة امل�صرية بناها‬
‫و�أن ع�صره ميثل القمة التي بلغتها الدولة القدمية‪ ،‬ف�إن حتديد‬ ‫امل�صريون القدماء ح ًّبا مل�صر وح ًّبا مللكهم حيث كان بناء الهرم هو‬
‫امل�شروع القومي مل�صر‪ ،‬وكان ي�شارك فيه جميع فئات ال�شعب من‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫تاريخ اعتالئه العر�ش ال يزال من امل�سائل ال�صعبة‪ ،‬والتي كرث‬


‫فيها اخلالف بني علماء الآثار وامل�ؤرخني‪ .‬ولكن ترتواح تقديرات‬ ‫عمال وفالحني وعلماء ولقد ا�ستطاع ه�ؤالء امل�صريني املخل�صون‬
‫امل�ؤرخني لبداية حكم خوفو بني عامي ‪2900‬ق‪.‬م و‪2500‬ق‪.‬م ‪.‬‬ ‫منوذجا للتفوق مبعناه ال�شامل؛ التفوق يف‬‫�أن يقدموا لنا وللعامل ً‬
‫الت�صميم والإبداع والتفوق يف البناء والت�شييد والتفوق يف الإدارة‬
‫وبالن�سبة لعدد الأعوام التي ق�ضاها خوفو معتل ًيا عر�ش البالد‪،‬‬ ‫واحلكم؛ فقد حكموا العامل كله باحلق والعدل وعن طريق احلق‬
‫فقد اختلفت �أي�ضً ا التقديرات حولها‪� ،‬إال �أن �إحدى الربديات‬ ‫والعدل‪ .‬ا�ستطاعوا حكم العامل بالفكر والفن والفلك‪ .‬تلك هي‬
‫القدمية وهي بردية تورين‪ ،‬تذكر �أن خوفو حكم فرتة حوايل‬ ‫�أ�سرار عبقرية امل�صريني القدماء‪.‬‬
‫‪ 23‬عا ًما‪ ،‬وهو تقدير ي�أخذ به معظم علماء الآثار يف الوقت احلايل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫املجموعة الهرمية للملك خوفو‬
‫اختار امللك خوفو منطقة ه�ضبة اجليزة لي�ش ِّيد فيها جمموعته‬
‫الهرمية تاركًا بذلك منطقة ده�شور‪ ،‬والتي �شيد بها والده امللك‬
‫«�سنفرو» جمموعته الهرمية‪ ،‬ومنطقة ه�ضبة اجليزة‪ ،‬تعترب موق ًعا‬
‫مثال ًّيا لبناء جمموعة هرمية وخا�صة من حيث نوع الأر�ضية‬
‫التي �سوف يتم البناء فوقها‪ ،‬وكذلك لقربها من منطقة حماجر‬
‫ي�ستطيع البناءون جلب ما يحتاجون �إليه من �أحجار منها‪ .‬وكل‬
‫ذلك ي�شري �إىل مدى متيز مهند�س املجموعة الهرمية اخلا�صة‬
‫بخوفو؛ وذلك من حيث اختيار مكان البناء �أو ًال ثم روعة البناء‬
‫نف�سه وكماله ثان ًيا‪.‬‬
‫الهرم الأكرب‬
‫ولقد �أثار الهرم الأكرب ده�شة القدماء واملحدثني على ال�سواء‪.‬‬
‫وبالرغم من التقدم الهائل الذي حققته الب�شرية ف�إننا نبدي �إزاء‬ ‫هرم اجليزة الأكرب �أعظم �آثار العامل على وجه الإطالق‪ ،‬هرم‬
‫الهرم نف�س الده�شة ال�ساذجة التي كان يبديها القدماء من �آالف‬ ‫خوفو الأكرب رمز اخللود‪ ،‬قاهر الزمن عنوان الر�سوخ وال�صالبة‪،‬‬
‫ال�سنني‪ .‬بل �إن العلم احلديث ك�شف من �أ�سرار هذا البناء ما زاد‬ ‫معجزة فن البناء والهند�سة والعمارة على مر الع�صور‪.‬‬
‫من ده�شتنا و�إعجابنا به‪ ،‬فك�أن الهرم حري�ص على �أن يبقى �أعجوبة‬ ‫قيل عنه �إنه �أحد عجائب الدنيا ال�سبع يف العامل القدمي‪ ،‬والآن‬
‫الع�صور‪ ،‬ولكل ال�شعوب‪ ،‬حتى �أنه قيل عنه «�إنه عند ما تنمحي‬ ‫قد فنيت هذه العجائب كلها �إال الهرم الأكرب ال يزال قائ ًما يتحدى‬
‫�آثار الإن�سان فوق كوكب الأر�ض �ستكون �أهرامات م�صر وعلى‬ ‫القرون‪ ،‬لي�صبح �أعجوبة الأعاجيب يف العامل القدمي واحلديث‬
‫ر�أ�سها الهرم الأكرب �آخر ما يطويه الفناء من املعامل التي �شيدتها‬ ‫�أي�ضً ا‪.‬‬
‫يد الإن�سان»‪.‬‬ ‫الهرم الأكرب ذلك الأثر املذهل ال�شامخ الذي حري العقول‬
‫و�صف الهرم‬ ‫والألباب‪ ،‬وحتدث عنه كل من ر�آه ممن زاروا م�صر من امل�ؤرخني‬
‫من ال�صعب على �أي �شخ�ص �أن يويف الهرم الأكرب حقه من‬ ‫والرحالة القدماء‪ ،‬ومنهم الرحالة ال�شهري «هريودوت» يف القرن‬
‫الو�صف‪� ،‬أو ي�ستطيع �أن ينقل �إىل القارئ فكرة عن حجمه اجلبار‪،‬‬ ‫اخلام�س قبل امليالد‪ ،‬وبعده عامل الريا�ضيات والرحالة «فيلون» يف‬
‫ولهذا فقد حاول الكثريون مقارنة حجم الهرم ب�أ�شياء �أخرى حتى‬ ‫القرن الثاين قبل امليالد‪ ،‬وهو الذي و�ضع الهرم الأكرب على ر�أ�س‬
‫يتبني حجم الهرم من مل يره‪ ،‬ومن ه�ؤالء «رولن�سون» يف م�ؤلفه‬ ‫قائمة عجائب الدنيا ال�سبع‪ ،‬وكذلك امل�ؤرخ «ديودور» ال�صقلي يف‬
‫عن «م�صر القدمية»‪ ،‬والذي كتب قائالً‪« :‬افرت�ض �أن منز ًال مبن ًّيا‬ ‫القرن الأول قبل امليالد‪ .‬ومن امل�ؤرخني العرب تقي الدين املقريزي‬
‫من احلجر الأ�صم‪ ،‬جدرانه �سمكها قدم‪ ،‬وواجهته طولها ‪ 20‬قد ًما‪،‬‬ ‫‪ 1442 /1360‬م‪ .‬وهذا امل�ؤرخ امل�صري خ�ص�ص ف�ص ًال كب ًريا يف‬
‫وعمقه من الأمام �إىل اخللف ‪ 30‬قد ًما‪ ،‬وارتفاعه ‪ 24‬قد ًما‪ ،‬و�أ�سا�سه‬ ‫خططه عن ذكر الأهرام‪ .‬ومن �أمتع ما كتبه «�أي �شيء �أعجب �أو‬
‫‪� 6‬أقدام‪ ،‬ثم افرت�ض �أن هناك مدينة ت�ضم ‪� 22‬ألف منزل من هذا‬ ‫�أغرب من القدرة على بناء ج�سم ج�سيم من �أعظم احلجارة‪ ،‬مربع‬
‫النوع ي�سكنها حوايل ‪� 120‬ألف �شخ�ص‪ ،‬والآن ح ِّول هذه املنازل‬ ‫القاعدة خمروط ال�شكل‪ … ،‬وهو من العظم مع �إحكام ال�صنعة‪،‬‬
‫جمي ًعا �إىل �أحجار واجعل منها كومة ترتفع ‪ 150‬م ًرتا‪ٍ ،‬‬
‫عندئذ‬ ‫و�إتقان الهندام‪ ،‬وح�سن التقدير؛ بحيث مل يت�أثر بع�صف الرياح‪،‬‬
‫حت�صل على فكرة تقريبية عن حجم الهرم الأكرب»‪.‬‬ ‫وهطل ال�سحاب‪ ،‬وزعزعة الزالزل»‪ .‬وي�ضيف املقريزي متعج ًبا «وما‬
‫�أح�سب على وجه الأر�ض بنا ًء �أعظم منه‪ ،‬وال �أح�سن هند�سة‪ ،‬وال‬
‫ويقدر العلماء �أن خوفو ا�ستخدم يف بنائه حوايل مليونني ون�صف‬ ‫�أطول بنا ًء منه»‪.‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫مليون كتلة حجرية‪ ،‬تزن الكتلة الواحدة منها بني ‪ 3 : 2.5‬ط ًّّنا يف‬
‫املتو�سط‪ ،‬وي�صل وزن بع�ضها �إىل ‪ 15‬ط ًّنا‪ ،‬بل �إن بع�ض كتل �سقف‬ ‫ومن امل�ؤرخني العرب كذلك امل�ؤرخ الرحالة عبد اللطيف‬
‫غرفة الدفن و�صلت �إىل ‪ 55‬ط ًّنا‪ ،‬ويبلغ احلجم الكلي للهرم حوايل‬ ‫البغدادي يف القرن الثالث امليالدي‪ .‬ومن �أقواله عن الأهرام‬
‫‪ 89‬مليون قدم مكعب‪ ،‬وي�صل وزن �أحجاره �إىل ‪ 6.840.000‬طن‪.‬‬ ‫«ف�إنك �إذا تبحرتها وجدت الأذهان ال�شريفة قد ا�ستهلكت فيها‪،‬‬
‫والعقول ال�صافية قد �أفرغت عليها جمهودها‪ ،‬والأنف�س النرية‬
‫�أما امل�ساحة التي ي�شغلها الهرم فت�صل �إىل ‪ 13‬فدانًا‪� ،‬أي ما‬ ‫قد �أفا�ضت عليها �أ�شرف ما عندها لها‪ ،‬وامللكات الهند�سية قد‬
‫ي�ساوي حوايل ‪ 52.900‬م‪.2‬‬ ‫�أخرجتها �إىل الفعل‪ ،‬مث ًال هي غاية �إمكانها‪ ،‬حتى �إنها تكاد حتدث‬
‫وي�صل االرتفاع احلايل للهرم حوايل ‪ 137‬م ًرتا‪ ،‬ولكن ارتفاعه‬ ‫عن قومها وتخرب بحالهم‪ ،‬وتنطق عن علومهم‪ ،‬و�أذهانهم‪ ،‬وترتجم‬
‫الأ�صلي كان ‪146‬م ًرتا‪ ،‬وي�صل طول كل �ضلع من �أ�ضالع قاعدته‬ ‫عن �سريهم و�أخبارهم»‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫خط�أً با�سم حجرة امللكة‪ ،‬وما هي يف احلقيقة �إال غرفة الدفن اخلا�صة‬ ‫املربعة حوايل ‪227‬م ًرتا‪ ،‬وكان �أ�ص ًال ي�صل �إىل ‪ 230‬م ًرتا‪ ،‬وزاوية‬
‫بامللك يف الت�صميم اجلديد‪.‬‬ ‫ميل الهرم ‪ .51ْ 50‬ويتجه الهرم بواجهاته الأربع جتاه اجلهات‬
‫حجرة الدفن الثانية م�شيدة كلها من احلجر اجلريي‪ ،‬ولها‬ ‫الأربع الأ�صلية متا ًما‪ ،‬وقد �أطلق امللك خوفو على هرمه ا�سم «�آخت‬
‫�سقف جمالوين‪ ،‬ومقايي�س هذه احلجرة هي ‪� 5.2‬أمتار× ‪� 5.70‬أمتار‪،‬‬ ‫خوفو» ومعناه «�أفق خوفو»‪.‬‬
‫و�أق�صى ارتفاع ل�سقفها اجلمالوين ‪15‬م ًرتا‪.‬‬ ‫لي�س من �شك يف �أن مهند�س هذا الهرم‪ ،‬قد ا�ستفاد من‬
‫ويف اجلدار ال�شرقي لهذه احلجرة‪ ،‬توجد «م�شكاة»كبرية ذات‬ ‫اخلربات واملحاوالت ال�سابقة له يف بناء الأهرامات‪� ،‬إال �أنه تفوق‬
‫�سقف متدرج‪ .‬ويف اجلدار اخللفي لهذه امل�شكاة يوجد ممر ي�ؤدي‬ ‫عليها جمي ًعا‪ ،‬بل يبدو �أنه تفوق على نف�سه يف هذا البناء‪ .‬وقد بد�أ‬
‫�إىل نفق �صاعد يو�صل �إىل ردهة �أمام حجرة الدفن الثالثة العلوية‪.‬‬ ‫هذا املهند�س وهو «حم �أيون» يف بناء الهرم فوق نواة �صخرية طبيعية‬
‫وهذا النفق يبدو �أنه لي�س من �أجزاء الهرم الأ�صلية‪ ،‬و�إمنا من عمل‬ ‫�صلبة حتى تكون كجذر للهرم يف �أر�ض اله�ضبة‪ ،‬ثم قام بت�سوية‬
‫الباحثني عن الكنوز يف الع�صور املت�أخرة‪.‬‬ ‫هذه القاعدة ال�صلبة بالأحجار‪ ،‬ثم بد�أ بت�شييد ج�سم الهرم نف�سه‬
‫فوق هذه القاعدة‪.‬‬
‫ويف عام ‪1872‬م اكت�شف ديك�سون ‪ Dixon‬فتحتني يف ٍّ‬
‫كل‬
‫من احلائطني اجلنوبي وال�شمايل لهذه احلجرة‪ .‬وال تزيد الفتحة عن‬ ‫والأحجار امل�ستخدمة يف بناء الهرم مت قطعها جمي ًعا من حمجر‬
‫ب�ضعة �سنتميرتات‪ ،‬وترتفع عن الأر�ض بحوايل مرت واحد تقري ًبا‪،‬‬ ‫ه�ضبة اجليزة‪ ،‬وذلك فيما عدا الك�ساء اخلارجي للهرم‪ ،‬فقد قطعوا‬
‫جدا كان من املفرو�ض‬ ‫وهاتان الفتحتان يو�صالن �إىل ممرين �ضيقني ًّ‬ ‫�أحجاره من حماجر طرة واملع�صرة‪ ،‬والتي تتميز ب�أحجارها اجلريية‬
‫�أن ي�صال حتى خارج الهرم‪ ،‬ولكنه للتعديل الذي طر�أ على الهرم‬ ‫نا�صعة البيا�ض‪ ،‬والتي ت�صلح لتكون ك�سا ًء لهرم عظيم‪.‬‬
‫�ألغي الهدف من و�صولها �إىل اخلارج‪ .‬ويطلق على هاتني الفتحتني‬ ‫الهرم من الداخل‬
‫خط�أً ا�سم «القنوات الهوائية» �أو «م�سلكا الهواء»‪� ،‬إال �أن �أغلب‬ ‫يقع املدخل الأ�صلي للهرم يف منت�صف واجهته ال�شمالية‪،‬‬
‫علماء الآثار ي�ؤمنون ب�أن لهاتني الفتحتني هدفًا دين ًّيا مت�ص ًال بروح‬ ‫وهذا املدخل ي�صل ارتفاعه عن الأر�ض بحوايل ‪20‬م ًرتا‪ ،‬وهذا‬
‫امللك ودخولها وخروجها لغرفة الدفن‪.‬‬ ‫املدخل غري م�ستخدم يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬ولكنه يظهر للرائي فوق‬
‫وعند نقطة تقاطع املمر اجلديد ال�صاعد باملمر الأفقي الذي‬ ‫املدخل امل�ستخدم حال ًّيا‪ ،‬ويظهر �سقفه اجلمالوين امل�شيد بكتل‬
‫يليه‪ ،‬عرث ديفي�سون ‪ Davison‬على فوهة لبئر تنزل عمودية‬ ‫كبرية من احلجر اجلريي‪.‬‬
‫ومنحدرة �أحيانًا �أخرى‪ .‬وي�صل طولها �إىل ‪ 60‬م ًرتا �إىل �أن ت�صل‬ ‫املدخل امل�ستخدم الآن هو املدخل الذي مت نقره يف عهد‬
‫�إىل اجلزء الأ�سفل من املمر الهابط‪ ،‬والتي يعتقد علماء الآثار �أنها‬ ‫اخلليفة امل�أمون يف القرن التا�سع امليالدي‪ ،‬ويقع �أ�سفل املدخل‬
‫كانت خم�ص�صة خلروج العمال بعد �إغالق املمر ال�صاعد باحلجارة‬ ‫الأ�صلي‪ ،‬وقد مت حفر ممر داخل ج�سم الهرم بعد هذا املدخل‬
‫بعد عملية دفن امللك‪.‬‬ ‫طوله حوايل ‪ 36‬م ًرتا‪ .‬وحل�سن حظ امل�أمون �أنه ورجاله قد �صادفوا‬
‫وبعد االنتهاء من بناء حجرة الدفن الثانية‪ ،‬قرر امللك ومهند�سوه‬ ‫ممر املدخل الأ�صلي داخل الهرم‪ ،‬وبذلك ا�ستطاعوا الدخول �إىل‬
‫مرة �أخرى تغيري ت�صميم الهرم‪ ،‬فزادوا من حجمه‪ ،‬وبنوا حجرة دفن‬ ‫حجرات وممرات الهرم الأ�صلية‪.‬‬
‫ثالثة �أعلى من احلجرتني ال�سابقتني‪ ،‬مما �أدى �إىل ت�شييد �أروع بنائني‬ ‫ي�صل طول املمر املنحدر الذي يلي املدخل الأ�صلي حوايل‬
‫�شيدا بيد الإن�سان يف العامل القدمي؛ وهما حجرة الدفن واملمر �أو‬ ‫‪� 103.5‬أمتار‪ ،‬وزاوية ميله ْ‪ ،28‬ويوجد يف نهاية هذا املمر املنحدر‬
‫البهو الأعظم امل�ؤدي لها‪ .‬وهذا البهو هو �أجمل و�أفخم ما ميكن �أن‬ ‫ممر �آخر �أفقي طوله ‪8.1‬م‪ ،‬وي�ؤدي املمر الأخري �إىل غرفة الدفن‬
‫يراه زائر يف داخل �أي هرم من الأهرام‪ ،‬ويعده البع�ض �أعظم بناء‬ ‫الأ�صلية‪ ،‬وهي غرفة منحوتة حتت �سطح الأر�ض‪ ،‬وقد هجرت هذه‬
‫هند�سي يف التاريخ‪.‬‬ ‫الغرفة قبل انتهاء العمل فيها‪ ،‬وذلك بعد �أن قرر امللك ومهند�سوه‬
‫وقد �شيد هذا البهو ليكون كتكملة للممر ال�صاعد‪ ،‬وي�صل‬ ‫تغيري الت�صميم الأول للهرم‪ ،‬وت�شييد حجرة الدفن يف قلب الهرم‬
‫طول هذا البهو �إىل ‪ 47‬م ًرتا‪ ،‬وارتفاعه ‪� 8.50‬أمتار وله �سقف‬ ‫نف�سه ولي�س حتت �سطح الأر�ض‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫متدرج‪ .‬ويف و�سط �أر�ضية هذا البهو جزء غائر عمقه ‪�60‬سم‪ ،‬وعلى‬ ‫نتج عن تغيري ت�صميم الهرم �أن مت عمل فتحة يف �سقف املمر‬
‫جانبيه جزءان مرتفعان بهما ‪ 28‬فجوة م�ستطيلة ال�شكل‪ ،‬يعتقد �أنها‬ ‫املنحدر ال�سابق‪ .‬وتبعد هذه الفتحة عن املدخل الأ�صلي حوايل‬
‫كانت خم�ص�صة لتثبيت العروق اخل�شبية التي ت�سند الأحجار �أو‬ ‫‪18‬م ًرتا‪ .‬وهذه الفتحة ت�ؤدي �إىل ممر جديد �صاعد‪ ،‬يرتفع تدريج ًّيا‬
‫املتاري�س احلجرية لإغالق البهو بعد الدفن‪.‬‬ ‫داخل الهرم‪ ،‬وي�صل طوله �إىل ‪ 37.7‬م ًرتا‪ ،‬وارتفاعه يزيد قلي ًال عن‬
‫ويف نهاية هذا البهو الأعظم جند درجة �سلم مرتفعة ت�ؤدي �إىل‬ ‫‪1‬مرت‪ ،‬ويو�صل هذا املمر �إىل ممر �آخر �أفقي طوله حوايل ‪ 38.1‬مرت‪،‬‬
‫ممر �ضيق مبني ب�أحجار اجلرانيت طوله ‪� 8.40‬أمتار‪ ،‬وارتفاعه ‪3.10‬‬ ‫وهذا املمر الأفقي يو�صل �إىل حجرة الدفن الثانية‪ ،‬وهي معروفة‬
‫�أمتار‪ ،‬و�أعلى هذا املمر توجد ثالث فتحات �أعدت للمتاري�س التي‬
‫‪6‬‬
‫اخلام�سة والأخرية تتميز ب�سقفها اجلمالوين‪ .‬وهذه احلجرات ُتظهِ ر‬ ‫يتم غلق املمر بها‪ ،‬ومازال جزء من واحد منها يف مكانه الأ�صلي‪.‬‬
‫بو�ضوح عبقرية املهند�س امل�صري م�شيد هذا الهرم؛ حيث ر�أى هذا‬ ‫ويوجد يف اجلدار اجلنوبي لهذا املمر عدد من الفتحات ال�صغرية‬
‫املهند�س �أن �سقف غرفة الدفن لن يتحمل �ضغط الن�صف العلوي‬ ‫يف�سرها البع�ض ب�أنها كانت م�ستخدمة يف رفع و�إنزال املتاري�س‪ .‬ويف‬
‫من الهرم كله‪ ،‬ولذلك قرر �إقامة هذه الغرف ال�صغرية حتى تكون‬ ‫نهاية هذا املمر ن�صل �إىل غرفة الدفن الثالثة والأخرية والتي يطلق‬
‫كعوازل لل�ضغط فوق غرفة الدفن لتحول دون انهيار �سقفها حتت‬ ‫عليها ا�سم «غرفة امللك»‪.‬‬
‫ثقل الأحجار‪ ،‬وال�سقف اجلمالوين يف احلجرة اخلام�سة ي�شتت‬ ‫غرفة الدفن‬
‫ال�ضغط على جانبي الهرم‪.‬‬
‫�شُ يدت هذه احلجرة بالكامل من �أحجار اجلرانيت الأحمر‪،‬‬
‫�أما احلجرات فهي مبثابة و�سائد �أو �إطارات هواء تخفف الثقل‬ ‫ومقايي�س هذه احلجرة ‪10.80× 5.20‬م‪ ،‬وارتفاعها ‪5.80‬م‪ .‬وهذه‬
‫فوق غرفة الدفن‪ُ .‬وعثرِ على جدران �إحدى هذه الغرف‪ ،‬النق�ش‬ ‫احلجرة ذات �سقف م�ست ٍو مكون من ت�سعة �ألواح �ضخمة من‬
‫الوحيد الذي يحمل ا�سم امللك خوفو داخل الهرم‪ ،‬وهو م�ؤ َّرخ‬ ‫اجلرانيت‪ ،‬تزن يف جمموعها ‪ 400‬طن‪� ،‬أي حوايل ‪ 45‬ط ًّنا للوح‬
‫بالعام ‪ 17‬من حكمه‪ ،‬وقد نق�شه �أحد بناة الهرم‪.‬‬ ‫اجلرانيتي الواحد‪.‬‬
‫وكان يحيط بالهرم الأكرب �سور مل يبق منه �إال القليل‪ ،‬وكان‬ ‫ويف الناحية الغربية من احلجرة‪ ،‬يوجد تابوت حجري من‬
‫جانباه ال�شمايل والغربي على م�سافة ‪23.60‬م من الهرم‪� ،‬أما‬ ‫اجلرانيت‪ ،‬وهو خالٍ من النقو�ش‪ ،‬وم�صقول بعناية ولي�س له غطاء‪،‬‬
‫الناحية اجلنوبية فكانت على م�سافة ‪18.50‬م من الهرم‪.‬‬ ‫ومقايي�س هذا التابوت احلجري تدل على �أنه و�ضع يف احلجرة قبل‬
‫و�إذا كان ال�شكل اخلارجي للهرم الأكرب عظي ًما بكل املقايي�س‬ ‫ت�سقيفها‪.‬‬
‫من حيث احلجم والت�صميم‪ ،‬ف�إن الهند�سة الداخلية للهرم ال تقل‬ ‫وتوجد يف اجلدارين ال�شمايل واجلنوبي‪ ،‬فتحتان ت�ؤديان �إىل‬
‫عظمة و�إعجا ًزا‪ ،‬بل لعلها تنم عن عبقرية فائقة وذكاء نادر؛ حيث‬ ‫خارج الهرم‪ .‬ويبدو �أن هاتني الفتحتني ذات �صلة بخروج ودخول‬
‫و�صلت �إىل هذه الدقة التي و�صفها البع�ض‪ ،‬ليظهر مدى هذه الدقة‬ ‫الروح‪ ،‬كما اعتقد امل�صري القدمي‪ ،‬ولي�سا للتهوية كما يقال عنهما‪.‬‬
‫قائالً‪�« :‬إن متو�سط اخلط أ� يف طول جوانب الهرم ال يعدو ‪،4000 : 1‬‬
‫و�إن اخلط�أ يف عمليات الرتبيع التي ا�ستخدمت فيه‪ ،‬ال يعدو ك�س ًرا‬ ‫مل يعرث الأثريون على �أي �شيء داخل الهرم‪ ،‬فقد متت �سرقته‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫ع�شر ًّيا ي�ساوي دقيقة واثنتي ع�شرة ثانية‪ ،‬و�إن معدل اخلط�أ يف �ضبط‬ ‫بالت�أكيد منذ �آالف ال�سنني‪ .‬وماذا نتوقع �أن يكون بداخل مثل هذا‬
‫�ضلعيه ال�شرقي والغربي ال يزيد عن ‪ ،100 : 3‬و�إن الفوا�صل بني‬ ‫البناء العظيم؟ البد �أنه كان يحتوي على �أروع كنوز م�صر القدمية‬
‫�أحجاره ال تزيد عن ن�صف ملليمرت‪.‬‬ ‫والتي مل يبق منها �شيء يذكر‪.‬‬
‫�أما عن ك�ساء الهرم اخلارجي والذي اختفى معظمه الآن‪،‬‬ ‫توجد فوق حجرة الدفن الثالثة خم�س حجرات �صغرية‬
‫فقد �أ�شار العديد من امل�ؤرخني القدماء �إىل �أنه كان منقو�شً ا‪ ،‬ومنهم‬ ‫م�شيدة فوق بع�ضها‪ .‬ون�صل �إىل هذه احلجرات عن طريق فتحة‬
‫امل�ؤرخ العربي عبد اللطيف البغدادي‪ ،‬والذي ذكر �أنه لو ا�ستطاع‬ ‫�صغرية يف نهاية اجلزء الأعلى من البهو الأعظم‪.‬‬
‫�أحد نقل الكتابات التي على الهرم مللأت ‪� 10000‬صفحة من‬ ‫وهذه احلجرات م�شيدة بكتل احلجر اجلريي وم�سقوفة‬
‫�صفحات الكتب‪ ،‬ولكن للأ�سف مل يبق منها �أي �شيء‪.‬‬ ‫كل منها �إىل مرت واحد فقط‪ .‬واحلجرة‬ ‫باجلرانيت‪ ،‬وي�صل ارتفاع ٍّ‬
‫‪7‬‬
‫امللوك احل�صول على ما يريدون من هذا ال�شعب من �أعمال عظيمة‬ ‫من الأ�سئلة املرتبطة بذكر الهرم الأكرب �س�ؤال هام‪ ،‬هل �ش َّيد‬
‫وب�إرادته واختياره �أم ًال يف �إر�ضاء ملوكه املقد�سني وامل�ؤلهني‪.‬‬ ‫امل�صريون القدماء هذا الهرم را�ضني �أم جمربين م�أجورين �أم‬
‫وبت�ضافر كل هذه الأ�سباب ال�سيا�سية واالقت�صادية والدينية‪،‬‬ ‫م�سخرين؟ ونرى �أن كث ًريا من الكتاب القدماء واملحدثني يرون‬
‫قام ال�شعب امل�صري القدمي العظيم ب�أعمال عظيمة كثرية وعلى‬ ‫�أن هذا الهرم رمز �ضخم للعبودية‪ ،‬كلف امل�صريني �أملًا وت�ضحيات‬
‫ر�أ�سها الهرم الأكرب‪ ،‬ولي�س يف بنائه �أية �شبهة �سخرة �أو عبودية �أو‬ ‫ال �سبيل �إىل ح�صرها‪ ،‬ومت حتت �أق�صى ظروف العبودية‪ ،‬و�إهدار‬
‫�إجبار‪ ،‬مثلما ردد كثري من القدماء واملحدثني‪.‬‬ ‫الإن�سانية‪ .‬و�أول من قال مبثل هذه الآراء هو «هريودوت»‪ ،‬وتبعه‬
‫يف ر�أيه ذلك الكاتب الأملاين �أوتو نوبرت‪ ،‬والذي قال‪�« :‬إنه ل�شيء‬
‫ومن الطريف يف هذا املو�ضوع �أن عامل الآثار الأمريكي‬ ‫يبعث على الرعب �أن نت�صور مئات الألوف من العبيد الذين عانوا‬
‫«ريزنر» ‪ ،Reisner‬وخالل عمله يف منطقة الأهرام الحظ �أن‬ ‫من التعذيب و�شبه املجاعة من �أجل بناء الهرم الأكرب»‪.‬‬
‫العمال امل�صرين نقلوا خالل �أ�سبوع حوايل ‪ 400‬طن من الأحجار‬
‫با�ستخدام العتالت والأ�سطوانات فح�سب‪ ،‬متا ًما كما كان يفعل‬ ‫وبالرغم من هذا الر�أي‪ ،‬ف�إن الأمر غري ذلك متا ًما‪ ،‬وهناك كذلك‬
‫�أجدادهم‪ ،‬ومل يكونوا ‪ -‬كما قال ‪ -‬يف حاجة مطلقًا لأية ق�سوة �أو‬ ‫كثري من العلماء الذين يرون خالف هذا الر�أي‪ ،‬ومنهم «هرمان‬
‫بط�ش لإرغامهم على العمل‪ ،‬بل قالوا له مداعبني‪�« :‬إذا �شئت يا‬ ‫يونكر» والذي �أكد �أن روح الر�ضا والرغبة يف الإبداع كانت غالبة‬
‫�أفندي نبني لك هر ًما جدي ًدا»‪.‬‬ ‫على من تكفلوا ببنائه‪ ،‬وذلك على �أ�سا�س �أن عوامل ال�سخرة‬
‫والإجبار ميكن �أن تبني الهرم‪ ،‬ورمبا ما هو �أعظم منه‪ ،‬ولكنها مل‬
‫ومن فرط الإعجاب بالهرم الأكرب‪ ،‬فقد دفع البع�ض قدميًا‬ ‫تكن لت�ستطيع �أن تبلغ به �إىل ما بلغه بنيانه من الإتقان بحال من‬
‫وحديثًا �إىل ال�شك يف �أنه جمرد مقربة �أقيمت لدفن �شخ�ص واحد‪.‬‬ ‫الأحوال‪.‬‬
‫ولهذا ظهرت كثري من الآراء التي ترى يف الهرم �أغرا�ضً ا �أخرى‪،‬‬
‫متوهمة �أن يكون الهرم �شيد من �أجلها‪ ،‬ومنها قول املقريزي �أن‬ ‫ومنهم كذلك «�شارف» والذي ر�أى �أن ت�أليه امل�صريني مللوكهم‬
‫الهرم الكبري خ�ص�ص للتاريخ والفلك‪ ،‬ور�أى ديدرو �أن الهرم الأكرب‬ ‫وعبادتهم بعد موتهم‪ ،‬هي التي دفعتهم �إىل التفاين يف بناء �أهرامهم‬
‫خُ �ص�ص لنقل معلومات معينة �إىل الأجيال التالية‪.‬‬ ‫ومعابدهم‪ ،‬و�أن حر�ص �أفراد ال�شعب على الدفن بالقرب من منطقة‬
‫الهرم حتى بعد وفاة خوفو ب�أربعة قرون‪ ،‬ي�ؤكد �أن ذكرى امللك خوفو‬
‫وقال الفلكي بروكتور‪�« :‬إن الهرم الأكرب قُ�صد به �أن ي�ستخدم‬ ‫عند امل�صري القدمي‪ ،‬كانت ذكرى طيبة �أراد التربك بها‪.‬‬
‫كمر�صد فلكي لر�صد حركة النجوم والأجرام ال�سماوية»‪.‬‬
‫ومن الآراء الهامة يف هذا املو�ضوع الر�أي الذي طرحه الدكتور‬
‫الهرم الأكرب هو الوحيد دون �سائر الأهرامات الذي ارتبطت‬ ‫عبد العزيز �صالح‪ ،‬والذي جمع فيه بني كل الآراء ال�سابقة‪ ،‬و�أو�ضح‬
‫به جمموعة كبرية من النظريات الباطنية‪ ،‬ونظريات الأ�سرار اخلفية‪،‬‬ ‫ر�أيه ذلك �أن م�صر القدمية‪ ،‬اعتمدت يف حياتها الزراعية على‬
‫والنظريات اخلا�صة مبعرفة الغيب‪ ،‬والتنب�ؤ مبا �سيحدث يف امل�ستقبل‬ ‫دورة �سنوية واحدة‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل تعطل املزارعني لعدة �شهور كل‬
‫�إىل درجة �أن واح ًدا ممن يطلق عليهم جمانني الهرم‪ ،‬ادعى �أن‬ ‫عام‪ .‬وخالل هذه الفرتة اعتاد امللوك �أن يعملوا على جتميع �أعداد‬
‫مقايي�س الهرم الداخلية حتوي تنب�ؤات حمددة عن م�ستقبل‬ ‫كبرية من الزراع والفالحني؛ ليقوموا بخدمة م�شروعات احلكومة‬
‫الب�شرية منذ �إن�شاء الهرم �إىل نهاية العامل الب�شري‪.‬‬ ‫وخا�صة املن�ش�آت امللكية‪ .‬وكان هذا العمل يعترب مورد رزق له�ؤالء‬
‫كل من‬ ‫و�آخر قال �أنه ا�ستطاع �أن يجد ت�سجي ًال دقيقًا ملا ورد يف ٍّ‬ ‫املزارعني العاطلني عن العمل‪ .‬وقد �أ�شار �إىل ذلك بع�ض امل�ؤرخني‬
‫العهد القدمي والعهد اجلديد‪ ،‬و�آخر ي�ؤكد �أنه تو�صل �إىل حتديد تاريخ‬ ‫الإغريق الذين زاروا م�صر‪ ،‬فذكروا �أنهم �سمعوا �أن العمل يف بناء‬
‫ميالد و�صلب امل�سيح داخل الهرم‪.‬‬ ‫الأهرام كان يتم يف فرتات التعطل عن الزراعة كل عام‪ ،‬وهي فرتة‬
‫والذي ميكن �أن يقال الآن على وجه الت�أكيد‪� ،‬أن هذه النظريات‬ ‫الفي�ضان‪ ،‬ولذلك فقد مت ت�شييد الهرم يف وقت طويل بلغ ‪ 20‬عا ًما؛‬
‫التنب�ؤية لي�ست �سوى انعكا�س لأثر هذا العمل املذهل على �أذهان‬ ‫لأن العمل فيه مل يكن متوا�ص ًال طول العام‪.‬‬
‫الب�شر‪ .‬وقد �أثبتت البحوث الأثرية العلمية احلديثة مما ال يدع جما ًال‬ ‫ومن الأمور ال�صريحة‪� ،‬أن امللوك كان لهم نظام مطلق يف احلكم‪،‬‬
‫لل�شك‪� ،‬أن الهرم الأكرب لي�س �إال مقربة‪� ،‬أقيمت ليدفن فيها امللك‬ ‫�أتاح حلكوماتهم �سلطانًا �إدار ًّيا وا�س ًعا‪ ،‬جعل لها احلق يف �أن تكلف‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫خوفو وكل ما جنده يف هذا الهرم هو جزء من العمارة امل�صرية‬ ‫من ت�شاء من ال�شعب بالعمل يف املن�ش�آت امللكية الدينية والدنيوية‬
‫القدمية يف �أزهى ع�صورها‪.‬‬ ‫حينما �أرادت‪ ،‬ولكن دون �أن ي�صل �إىل درجة الت�سخري املفرو�ض‪.‬‬
‫وبعي ًدا عن التوهمات والنظريات الغريبة حول الهرم‪ ،‬ف�إن ما‬ ‫و�إىل جانب ال�سيطرة ال�سيا�سية من حيث تكليف الأفراد‬
‫لدينا الآن من حقائق علمية ثابتة عن الهرم‪ ،‬وكما قال الدكتور‬ ‫بالعمل يف املن�ش�آت امللكية‪ ،‬وكذلك ال�سيطرة االقت�صادية من‬
‫�أحمد فخري «جتعلنا نط�أطئ الر�أ�س �إعجابًا بهذا الأثر‪ ،‬فهو �أعظم‬ ‫حيث �إعانة العاملني يف البناء عو�ضً ا عن تعطلهم ب�سبب الفي�ضان‪،‬‬
‫مقربة يف العامل �أجمع‪ ،‬بنيت لتكون ق ًربا لفرد واحد وهو خوفو‪،‬‬ ‫كان هناك �سبب ثالث‪ ،‬وهو القدا�سة الروحية وال�سيادة الدينية‬
‫للملوك امل�صريني على ال�شعب‪ ،‬والتي من خاللها ا�ستطاع ه�ؤالء‬
‫‪8‬‬
‫معبد الوادي‬ ‫الذي �سيبقى ا�سمه مذكو ًرا وخال ًدا يف �سجل الأيام‪ ،‬ما بقي هرمه‬
‫كان هذا املعبد قائ ًما عند �سفح ه�ضبة اجليزة ال�شرقي بالقرب‬ ‫خما بعظمته على حافة ال�صحراء‪.‬‬ ‫�شا ً‬
‫من النيل‪ ،‬وهو يقع على الأرجح حتت منازل بلدة نزلة ال�سمان عند‬ ‫املعبد اجلنازي‬
‫نهاية الطريق ال�صاعد‪� ،‬أو �إىل ال�شرق قلي ًال من نزلة ال�سمان‪ .‬وقد‬ ‫وهذا املعبد كان قائ ًما �أمام الواجهة ال�شرقية للهرم‪ ،‬ولكن‬
‫قام الدكتور زاهي حوا�س بالك�شف عن جزء من هذا املعبد‪ ،‬وذلك‬ ‫للأ�سف اختفى هذا املعبد‪ ،‬ومل يبق منه �إال بع�ض �أجزاء من‬
‫خالل عام ‪.1990‬‬ ‫�أر�ضيته ال تزال باقية �إىل اليوم‪ .‬وهذه الأر�ضية من البازلت الأ�سود‬
‫الطريق ال�صاعد‬ ‫فوق �أ�سا�س من احلجر اجلريي‪ ،‬وعرث على �أجزاء �صغرية من‬
‫وهو الطريق الذي ي�صل بني املعبدين ويبلغ طوله حوايل‬ ‫الأعمدة التي كانت ترفع �سقف املعبد وهي من اجلرانيت الأحمر‪.‬‬
‫‪810‬م‪ ،‬ورمبا كان هذا الطريق م�سقوفًا ومزي ًنا بالنقو�ش والكتابات‪.‬‬ ‫�أما جدران املعبد فكانت من احلجر اجلريي الأبي�ض‪ ،‬وللمرء �أن‬
‫وقد زال هذا الطريق الآن فيما عدا جزء �صغري من �أر�ضيته �أمام‬ ‫يتخيل مدى روعة هذا املكان ذي املزيج البديع من الألوان‪..‬‬
‫هذا املعبد اجلنازي بالقرب من الهرم‪ .‬ومن امل�ؤكد �أن هذا الدمار‬ ‫جدران بي�ضاء و�أر�ضية �سوداء و�أعمده حمراء‪ ،‬فمما ال �شك فيه‬
‫والتخريب الذي حلق بالطريق ال�صاعد قد حدث يف ع�صور قريبة‬ ‫�أن هذا املكان كان له ت�أثري قوي على النف�س‪.‬‬
‫جدا؛ حيث �إن العامل الأملاين لب�سيو�س عندما زار م�صر يف �أوا�سط‬ ‫ًّ‬ ‫ومن هذه البقايا القليلة‪ ،‬حاول علماء الآثار عمل ر�سم‬
‫ً‬
‫القرن املا�ضي‪ ،‬وجد الطريق ال�صاعد يكاد يكون كامال مل يفقد‬ ‫تخطيطي للجزء ال�شرقي من املعبد‪ .‬وقد تبني �أنه يختلف اختالفًا‬
‫�سوى �أحجار �أر�ضيته اجلريية‪ .‬كما ر�أى �أي�ضً ا ًّممرا �أو نفقًا حتت‬ ‫تا ًّما عن املعابد ال�سابقة واملعابد الالحقة له‪ .‬ويبدو �أنه ميثل مرحلة‬
‫الطريق ال�صاعد؛ لكي ي�ساعد النا�س على الو�صول �إىل الناحية‬ ‫و�سطى بني �سابقيه والحقيه‪ .‬ويتكون تخطيط املعبد من مدخل‬
‫املقابلة من الطريق؛ توق ًيا للدوران حول املجموعة الهرمية ب�أكملها‪.‬‬ ‫ي�ؤدي �إىل بهو كبري ذي �أعمدة وهو م�ستطيل‪ ،‬وحموره الطويل‬
‫وقد ذكر «هريودوت» �إعجابه بهذا الطريق‪ ،‬وقال عنه‪�« :‬إنه‬ ‫من ال�شرق �إىل الغرب‪ ،‬كما �أن به �سقيفة حممولة على الأعمدة‬
‫عمل ال يقل كث ًريا عن ت�شييد الأهرام نف�سها‪ ،‬وهو مبني من �أحجار‬ ‫اجلرانيتية‪.‬‬
‫م�صقولة حفرت عليها �صور‪ .‬وقد ا�ستغرق العمل يف بناء هذا‬ ‫�أما اجلزء الغربي من هذا املعبد فقد تخرب تخري ًبا تا ًّما‪،‬‬
‫الطريق ع�شر �سنوات»‪.‬‬ ‫لدرجة ال ي�ستطيع من خاللها علماء الآثار درا�سته �أو جمرد‬
‫ويف عام ‪1938‬م‪ ،‬ك�شفت حفائر الدكتور �سليم ح�سن عن‬ ‫تخمني تخطيطه‪ .‬ومن املعروف �أن كث ًريا من �أحجار معابد اجليزة‬
‫بع�ض �أحجار مزينة بالنقو�ش‪ .‬وهذه الأحجار كانت جز ًءا من �أحجار‬ ‫قد ا�ستخدم يف الدولة الو�سطى لبناء من�ش�آت جديدة مللوك ذلك‬
‫اجلزء الأعلى من الطريق ال�صاعد‪ ،‬وهو ما ما ذكره «هريودوت» عن‬ ‫الع�صر‪ ،‬والذين مل يظهروا احرتا ًما كاف ًيا مللوك الدولة القدمية وال‬
‫الطريق ال�صاعد‪ ،‬والذي كان حمل �شك حتى ت�أكد ذلك بعد‬ ‫لقدا�سة هذه املن�ش�آت‪ .‬وقد عرث بالفعل على �أجزاء من �أحجار‬
‫جمموعة هامة من االكت�شافات الأثرية احلديثة‪.‬‬ ‫معابد خوفو م�ستخدمة يف بناء املجموعة الهرمية للملك �أمنمحات‬
‫الأول؛ �أول ملوك الأ�سرة الثانية ع�شرة‪ ،‬وهي التي بناها يف منطقة‬
‫الل�شت‪.‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪9‬‬
‫�أحمد من�صور‬

‫على �أربع �أ�ساور ذهبية مطعمة ب�أربع خرزات من حجر الفريوز‪،‬‬ ‫يعترب الفريوز من �أهم الأحجار �شبه الكرمية التي ا�س ُتخدمت‬
‫وذللك يف مقربة امللك دن من ع�صر الأ�سرة الأوىل‪ ،‬وهو ما‬ ‫بكرثة يف م�صر القدمية ولفرتات طويلة‪ .‬وبالتوازي مع الالزورد‬
‫يو�ضح اهتمام امل�صريني القدماء يف فرتة مبكرة من التاريخ‬ ‫كان الفريوز من �أهم القرابني التي تقدم �إىل املعبودات امل�صرية‬
‫امل�صري بتعدين الفريوز‪ .‬كذلك ا�ستخدم الفريوز يف تطعيم‬ ‫القدمية‪ ،‬وهو ما يت�ضح من خالل الن�صو�ص التي وردت على‬
‫الأ�ساور الذهبية للمكلة حتب ‪ -‬حر�س زوجة امللك �سنفرو‬ ‫جدران معابد الكرنك‪ ،‬والأق�صر‪ ،‬ودندرة‪ ،‬وفيلة‪ ،‬و�إدفو‪ ،‬ومعبد‬
‫و�أم امللك خوفو من الأ�سرة الرابعة‪ .‬كذلك ا�ستخدم الفريوز‬ ‫حتحور يف �سرابيط اخلادم‪.‬‬
‫يف �صناعة التمائم ال�صغرية والتي كانت تل�ضم مع بع�ضها وتزين‬ ‫يطلق على الفريوز يف م�صر القدمية «مفكات»‪ ،‬ولقد �أثار هذا‬
‫ال�صدريات �أو العقد بالن�سبة للن�ساء‪ .‬كذلك ا�ستخدم الفريوز‬ ‫امل�صطلح لغ ًطا بني علماء اللغة؛ حيث انق�سموا �إىل فريقني؛‬
‫يف �صناعة �أقراط الأذن‪ .‬وتذكر امل�صادر الأدبية �أن امللك �سنفرو‬ ‫الأول يرى �أن كلمة ‪ MfkAt‬ت�شري �إىل حجر املالكيت‪ ،‬والثاين‬
‫�أراد التنزه يف يوم من الأيام‪ ،‬ف�أ�شار عليه كبري الكهنة ب�إر�سال‬ ‫ي�شري �إىل �أن كلمة ‪ MfkAt‬تعني حجر الفريوز‪ .‬وقد انتهى هذا‬
‫جمموعة من ع�شرين فتاة يجدفون به يف بحرية الق�صر‪ .‬ويف �أثناء‬ ‫اخلالف بني علماء اللغة باال�ستقرار على ترجمة ‪ MfkAt‬بحجر‬
‫الإبحار فقدت �إحداهن قرط �أذنها امل�صنوع من الفريوز العايل‬ ‫الفريوز‪.‬‬
‫اجلودة‪ ،‬وحزنت حزنًا �شدي ًدا‪ ،‬و�أ�صرت على العثور على هذا‬
‫القرط‪ ،‬و�إال لن جتدف هي وزميالتها‪ ،‬وبالفعل �أمر امللك �سنفرو‬ ‫الفريوز هو معدن يتكون من فو�سفات الألومنيوم والنحا�س‪،‬‬
‫بالبحث عن هذا القرط حتى مت العثور عليه‪ .‬وال�شاهد من هذه‬ ‫فهو معدن يف الرتكيب الكيميائي‪ ،‬لكنه حجر يف ال�شكل‪ .‬وهو‬
‫الق�صة هو �أن الفريوز عايل اجلودة كان من املعادن النفي�سة يف‬ ‫جدا تتخلله م�سام‬‫حجر �سهل اخلد�ش وخفيف الوزن �ضعيف ًّ‬
‫م�صر القدمية‪.‬‬ ‫كثرية‪ ،‬لذلك فهو عر�ضة للك�سر والته�شيم �سري ًعا‪ ،‬خا�صة و�أن‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫الفريوز ال�سيناوي وهو املوجود يف م�صر يتميز كذلك بكرثة‬


‫‪�-2‬أما ال�سبب الثاين لأهمية الفريوز يف م�صر القدمية فهو‬ ‫العروق البنية اللون فيه‪ .‬وميكن املحافظة على �شكل احلجر عرب‬
‫اال�ستخدام الديني للفريوز؛ حيث �إن الفريوز يدخل يف كثري‬ ‫طبعه على مادة الراتينج ال�صمغية �أو على ال�شمع‪.‬‬
‫من الطقو�س الدينية؛ مثل طق�سة ت�أ�سي�س املعبد‪ ،‬دور الفريوز‬
‫يف بيت الوالدة (املاميزي) وعالقته ب�إعادة الوالدة اجلديدة‬ ‫ا�شتهر الفريوز يف م�صر القدمية ل�سببني رئي�سني‪:‬‬
‫وحمايته للأم من خماطر الو�ضع‪ ،‬ودور الفريوز باالحتفال بال�سنة‬ ‫‪-1‬ا�ستخدام الفريوز يف احلياة اليومية وخا�صة يف �صناعة‬
‫اجلديدة‪ ،‬كذلك ارتباط الفريوز بفي�ضان النيل‪ .‬من ناحية يتالزم‬ ‫املجوهرات؛ حيث عرث عامل الآثار فلندرز بيرتي يف عام ‪1902‬‬

‫‪10‬‬
‫كلٌّ من الفريوز والالزورد يف كثري من الن�صو�ص امل�صرية القدمية؛‬
‫حيث �شبه الأخري بال�شم�س والأول بالقمر‪ .‬من ناحية �أخرى يرتبط‬
‫الفريوز يف م�صر القدمية ببع�ض املظاهر الكونية؛ مثل ارتباط الفريوز‬
‫بالأفق من خالل خا�صية اللون الأزرق الفاحت التي يتمتع بها الفريوز‪.‬‬
‫وعلى اجلانب الآخر ورد ذكر الفريوز يف الن�صو�ص الدينية يف م�صر‬
‫القدمية‪ :‬ن�صو�ص الأهرامات‪ ،‬ن�صو�ص التوابيت‪ ،‬كتاب املوتى؛ حيث‬
‫ورد يف ن�صو�ص مرتبطة بتعاويذ حتمي امللك املتوفى �أو ال�شخ�ص‬
‫املتوفى من اجلوع‪ ،‬والعط�ش‪ ،‬وتعاويذ �أخرى مرتبطة بال�صعود �إىل‬
‫ال�سماء (خروج الروح)‪.‬‬
‫�إىل ‪ ‬مر�سى جوا�سي�س على البحر الأحمر‪ ،‬ثم الإبحار �شما ًال‬ ‫وحقيقة الأمر �أن ملوك م�صر القدمية مل يدخروا جه ًدا يف �إر�سال‬
‫حتى الو�صول �إما �إىل العني ال�سخنة �أو �إىل جنوب �سيناء‪ ،‬ومن‬ ‫البعثات التعدينية ملناطق تعدين الفريوز؛ فيكفي القول ب�أن امللك‬
‫ثم التحرك ًّبرا �إىل مناجم الفريوز‪� .‬أما �إذا كانت نقطة االنطالق‬ ‫�أمنمحات الثالث من الأ�سرة الثانية ع�شر �أر�سل ‪ 20-18‬بعثة‬
‫هي منف ف�إن الطريق يتجه �شما ًال خمرتقًا ال�صحراء ال�شرقية‬ ‫تعدينية �إىل منطقة �سرابيط اخلادم فقط لتعدين الفريوز‪ .‬وقد �سلفه‬
‫حتى الو�صول �إىل العني ال�سخنة؛ ومن ثم يتم الإبحار �إىل‬ ‫امللك �أمنمحات الرابع ب�إر�سال ‪ 4‬بعثات �سرابيط اخلادم كذلك‪.‬‬
‫اجلهة ال�شرقية من خليج ال�سوي�س والنزول ب�سهل املرخا‪� ،‬أو‬ ‫هذا ب�إال�ضافة �إىل البعثات التعدينية يف ع�صر الدولة احلديثة يف زمن‬
‫يتم االلتفاف حول خليج ال�سوي�س ب ًّرا ومن ثم يتم التوجه �إىل‬ ‫كل من‪� :‬أحم�س‪� ،‬أمنتحب الأول‪ ،‬حتتم�س الأول‪ ،‬حتمت�س الثالث‪،‬‬ ‫ٍّ‬
‫مناجم الفريوز‪� .‬أخ ًريا‪ ،‬كانت بع�ض البعثات التعدينية يف الدولة‬ ‫حتتم�س الرابع‪� ،‬سيتي الأول‪ ،‬رم�سي�س الأول‪ ،‬رم�سي�سي الثاين‪.‬‬
‫احلديثة وع�صر االنتقال الثالث تنطلق من �شمال غرب الدلتا؛‬ ‫ويعترب امللك رم�سي�س ال�ساد�س هو �آخر َمن عرث على ا�سمه يف منطقة‬
‫حيث توجد العا�صمة بر رم�سي�س‪ ،‬ومتر بوادي طميالت و�صو ًال‬ ‫�سرابيط اخلادم‪ .‬وهذا ي�شري �إىل نقطتني؛ الأوىل‪ :‬من املحتمل �أن‬
‫�إىل �سهل املرخا ومن ثم التحرك غربًا �إىل مناطق �سرابيط اخلادم‪.‬‬ ‫تكون �أعمال تعدين الفريوز قد توقفت‪ .‬والثانية‪ :‬من املحتمل �أن‬
‫كان ف�صل ال�صيف هو الف�صل املف�ضل النطالق البعثات يف‬ ‫تكون �أعمال التعدين قد ا�ستمرت بعد هذا التاريخ لكن مل يعرث‬
‫غالب الأمر؛ حيث عرث على ع�شرة تواريخ حتدد مواعيد انطالق‬ ‫حتى الآن على �شواهد �أثرية ت�ؤكد هذا الزعم‪ ،‬وهو االحتمال الأرجح‬
‫البعثات‪ .‬جاء �ستة منها يف ف�صل ال�صيف �سواء يف ال�شهر الأول‪،‬‬ ‫خا�صة و�أن الفريوز ا�ستخدم يف ع�صر البطاملة بكثافة �شديدة يف‬
‫�أو الثاين‪� ،‬أو الثالث‪� ،‬أو الرابع‪ .‬لكن البد �أن نو�ضح �أن حرارة‬ ‫الطقو�س الدينية‪� ،‬إال �أن البطاملة قد ح�صلوا على هذا الفريوز من بالد‬
‫ال�شم�س والرطوبة العالية هما من �أكرث عوامل �إتالف الفريوز‬ ‫فار�س؛ حيث تعترب �أكرب م�ستودع حلجر الفريوز على م�ستوى العامل‪.‬‬
‫وحتول لونه �إىل الأزرق الباهت �أو الأخ�ضر الباهت‪ ،‬لذلك كان‬ ‫وهذا ما يقودنا للحديث ب�شكل خمت�صر عن البعثات التعدينية‬
‫رئي�س البعثة وهو من موظفي الإدارة املالية عادة ما يكون حذ ًرا‬ ‫للفريوز‪ ،‬والتي تبد�أ بالبعد اجلغرايف لتعدين الفريوز يف �سيناء‪ ،‬ومن‬
‫يف جتميع الفريوز امل�ستخرج من اجلبل �أو ًال ب�أول وحفظه يف‬ ‫ثم حتديد تلك الأماكن املختلفة‪ ،‬وهي �سرابيط اخلادم‪ ،‬مغارة‪ ،‬وادي‬
‫اخلزانة اخلا�صة مبقتنيات البعثة‪ .‬وعلى الناحية الأخرى انطلقت‬ ‫خريج‪ ،‬وادي �أم ثمائم‪ ،‬وادي �أبو غادة‪ .‬ومن املهم �أن نتطرق‬
‫بع�ض البعثات يف ف�صل ال�شتاء‪ ،‬ومن املحتمل �أنها اتخذت‬ ‫�إىل الطرق التي �سلكها امل�صريون القدماء لتعدين الفريوز‪.‬‬
‫الطريق الربي؛ جتن ًبا للعوا�صف البحرية عند الإبحار يف البحر‬ ‫ولقد اعتمد الطريق الذي �سلكه امل�صريون القدماء على‬
‫الأحمر‪.‬‬ ‫نقطة االنطالق‪ ،‬ف�إذا كانت نقطة االنطالق م�صر العليا ف�إن‬
‫وعند احلديث عن تنظيم عمليات تعدين‬ ‫الطريق ي�سلك ال�صحراء ال�شرقية حتى الو�صول‬
‫الفريوز جند �أن العمل ينق�سم �إىل �أربع‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫مراحل هي‪ :‬البناء الوظيفي للبعثات‪،‬‬


‫والرقابة على �أداء العمل‪ ،‬وتقدمي‬
‫التقارير اخلا�صة مبدى تقدم العمل‪،‬‬
‫واملكاف�آت والأجور‪.‬‬
‫ميثل البناء الوظيفي للبعثات‬
‫التق�سيم الوظيفي �أو توزيع املهام على‬
‫�أع�ضاء البعثة؛ مثل‪ :‬املهام القيادية‪ ،‬ومهام‬
‫الإ�شراف على كافة امل�ستويات العليا والدنيا؛‬
‫‪11‬‬
‫وقد كتبت هذه النقو�ش بنظام �أبجدي ِ�صرف ولي�س ت�صوير ًّيا‬
‫�صوت ًّيا كما هو احلال يف الن�صو�ص امل�صرية الهريوغليفية‪ .‬لكنها‪،‬‬
‫رغم ذلك قد ا�ستعارت �أ�شكال عالماتها من الكتابة امل�صرية‬
‫الهريوغليفية؛ حيث ا�س ُتخدم مبد�أ الأكروفونية ‪،Acrophone‬‬
‫وهو املبد�أ املطبق الختيار عالمات هذه الكتابات امل�ستخدمة‬
‫كحروف �أبجدية‪ .‬كذلك اللغة التي ا�ستخدمت يف هذه‬
‫الكتابات هي لغة �سامية ولي�ست م�صرية‪.‬‬
‫وهنا للمرء �أن يت�ساءل عن ظهور مفاجئ لنظام �أبجدي‬
‫يف �شبه جزيرة �سيناء يف وقت الدولة الو�سطى ما دامت اللغة‬
‫امل�صرية القدمية هي امل�صدر ملثل هذا النظام‪ ،‬كما �أنها قد و�صلت‬
‫يف الدولة الو�سطى �إىل مرحلة من االكتمال والن�ضج مبا ي�سمح‬ ‫مثل‪ :‬جمموعات العمل ال�صغرية امل�ؤلفة من ع�شرة �أفراد‪ ،‬واملهام‬
‫باال�ستعارة واالنتقاء منها‪� .‬إال �أنّ للمرء �أن يالحظ ظهور مثل‬ ‫امل�ساعدة؛ مثل‪ :‬فئة الأطباء‪ ،‬النحا�سيني؛ امل�سئولني عن �إ�صالح‬
‫هذا النظام الأبجدي يف �شبه جزيرة �سيناء كما �أنه ُي�ستخدم للغة‬ ‫�أدوات التعدين‪ ،‬اخلبازين‪� ،‬إلخ‪ .‬وكذلك فئة الكهنة امل�صاحبني‬
‫لي�ست بامل�صرية‪ .‬وال�شائع �أن جمموعات من العمال الآ�سيويني‬ ‫للبعثة �سواء لرتتيل ال�صلوات اليومية لبدء عمليات التعدين‪� ،‬أو‬
‫الذين كانوا يعملون يف بعثات التعدين امل�صرية يف تلك املنطقة‬ ‫اخلا�صة بتقدمي الفريوز �إىل حتحور ربة الفريوز‪.‬‬
‫�أو بع�ض املوهوبني منهم بعد تعرفهم على اللغة امل�صرية القدمية‬
‫وعدم ا�ستطاعتهم ا�ستيعابها ب�شكل كامل �أوجدوا لأنف�سهم‬ ‫�أما املكاف�آت والأجور يف عمليات تعدين الفريوز فكانت‬
‫طريقة �سهلة للكتابة �أو للتعبري عن بع�ض �أفكارهم الب�سيطة والتي‬ ‫تتم مقابل اخلبز والبرية‪ ،‬ويف بع�ض الأحيان قطعة من اللحم‬
‫يحتاجون فيها �إىل تدوين كثري من الأمور املت�شابكة �أو عميقة‬ ‫كمكاف�أة �إ�ضافية للإجادة‪ .‬عل ًما ب�أن كميات اخلبز والبرية كانت‬
‫الفكرة؛ �إذ حتتوي معظم هذه الكتابات والنقو�ش على ن�صو�ص‬ ‫توزع على جميع العاملني‪ ،‬لكن هناك كميات �إ�ضافية ت�صرف‬
‫ق�صرية �أو �أدعية دينية ب�سيطة‪ .‬ومل يدركوا ٍ‬
‫حينئذ �أنهم ي�ضعون‬ ‫للعمال الذين يقومون بتعدين كميات �أكرث من الفريوز‪.‬‬
‫بذلك اللبنة الأوىل يف النظم الأبجدية العاملية التي انت�شرت‬ ‫ويجب �أال نغفل البعد االجتماعي لتعدين الفريوز واملتمثل‬
‫فيما بعد �شما ًال وجنوبًا‪� ،‬إال �أنه من املجحف اعتبار �أنّ ه�ؤالء‬ ‫يف تالقي امل�صريني القدماء مع ال�شعوب الآ�سيوية وخا�صة �سكان‬
‫املوهوبني مل ي�ستطيعوا ا�ستيعاب اللغة امل�صرية ب�شكل كامل؛‬ ‫�سوريا وفل�سطني‪ ،‬وكيف جاء هذا االحتكاك مقدمة لن�ش�أة �أول‬
‫جدا يف اللغة امل�صرية‬
‫حيث قد ا�ستخدموا بع�ض املبادئ اخلا�صة ًّ‬ ‫�أبجدية عرفتها الب�شرية وهي الأبجدية ال�سينائية املبكرة‪ ،‬والتي‬
‫كالطريقة الأبجدية ومبد�أ الأكروفونية كما عرفوا ا�ستخدام‬ ‫ا�شتقت منها كل الأبجديات الأوروبية احلديثة‪.‬‬
‫جدا فيما‬ ‫الطريقة اخلطية‪ ،‬مبا يجعلهم من ذوي املعرفة اخلا�صة ًّ‬ ‫اكت�سبت جمموعة النقو�ش والكتابات التي عرث عليها ب�شكل‬
‫يخ�ص اللغة‪.‬‬ ‫رئي�سي يف �شبه جزيرة �سيناء ُوعرفت بالتايل با�سم الكتابات‬
‫ولقد ارتبط بالفريوز كثري من املعبودات هي �سوبودو‪،‬‬ ‫ال�سينائية �أهمي ًة كربى؛ نظ ًرا للدور الذي ر�أى الباحثون �أنه ميكن‬
‫حور�س‪ ،‬جحوتي‪ ،‬بتاح‪ ،‬بتاح ‪� -‬سكر‪ ،‬بتاح – �سكر ‪� -‬أوزيري�س‪،‬‬ ‫�أن تلعبه يف ر�سم العالقة بني الأبجديات القدمية وحماولة حتديد‬
‫لكل من هذه املعبودات ارتباط ديني‬ ‫�أتوم‪ ،‬جب؛ حيث كان ٍّ‬ ‫�أ�صل الأبجديات الأحدث‪ ،‬بل وبالأحرى �أ�صل �أبجديات‬
‫بينها وبني تعدين الفريوز‪.‬‬ ‫العامل �أجمع قدميها وحديثها‪ ،‬وذلك باعتبارها واحد ًة من �أقدم‬
‫�أما املعبودة الأهم املرتبطة بالفريوز فهي حتحور التي ترعى‬ ‫�أبجديات العامل �إن مل تكن بالفعل �أقدمها على الإطالق‪.‬‬
‫هذا احلجر‪ .‬وغال ًبا ترتبط حتحور بالبعثات التعدينية التي‬ ‫وقد بد�أ التعرف على هذه النقو�ش اعتبا ًرا من الن�صف‬
‫يتم �إر�سالها �إىل ال�صحاري امل�صرية؛ حيث �إنها ربة لل�صحاري‬ ‫الثاين من القرن التا�سع ع�شر كما مت التعرف على �أنها ن�صو�ص‬
‫والأماكن النائية‪ ،‬ومن ثم ن�ش�أت العالقة بني حتحور ورعايتها‬ ‫ذات طبيعة خمتلفة عن الن�صو�ص امل�صرية القدمية اعتبا ًرا‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫لعمليات تعدين الفريوز يف �سيناء‪ .‬وهو ما ي�ستوجب وجود‬ ‫من الربع الأول من القرن الع�شرين‪ .‬وقد كان الباحث ‪E.H.‬‬
‫تقدي�س حلتحور يف �سيناء؛ حيث قام امل�صريون القدماء ببناء‬ ‫‪ Palmer‬هو �أول من عرث على نقو�ش من هذه النوعية يف منطقة‬
‫معبد خا�ص لتقدي�سها وتقدمي القرابني لها‪ .‬كان هذا املعبد كهفًا‬ ‫�سيناء عام‪ 1869/1868‬ثم تبعه يف ذلك ‪ W.F. Petrie‬عام‬
‫�صغ ًريا ثم تطور الأمر حتى �صار معب ًدا كب ًريا‪.‬‬ ‫‪ .1905‬وقد عرث على معظم هذه النقو�ش يف منطقة �سرابيط‬
‫ومن اجلدير بالذكر �أن حتحور حملت العديد من الألقاب‬ ‫اخلادم‪� ،‬إال �أن هناك نق�شني يف منطقة وادي ن�صب ونق�شً ا واح ًدا‬
‫املرتبطة بالفريوز‪ .‬ومن �أ�شهرها‪�« :‬سيدة الفريوز»‪�« ،‬سيدة الفريوز‬ ‫يف منطقة وادي مغارة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫من خالل �إن�شاء ما ي�سمى «املحمية الأثرية»‪ ،‬والتي تهدف‬ ‫والالزورد»‪�« ،‬سيدة اللون اجلميل»‪�« ،‬سيدة �أر�ض الفريوز»‪،‬‬
‫�إىل �إن�شاء منظومة �سياحية ‪� -‬أثرية متكاملة يتوفر فيها املقومات‬ ‫«�سيدة مدينة الفريوز»‪ .‬واللقب الأخري قد �أثار ت�سا�ؤالت كثرية‬
‫ال�سياحية املعروفة من و�سائل موا�صالت‪� ،‬أماكن �إقامة‪ ،‬و�سائل‬ ‫حول موقع وت�سمية «مدينة الفريوز»‪ ،‬وهي مدينة كوم �أبو بيلو‬
‫ترفيه‪ ،‬ويف ذات الوقت �ضرورة احلفاظ على الأثر من خالل‬ ‫(حمافظة الغربية)‪ .‬وهنا يثار ت�سا�ؤل �آخر‪ :‬كيف يطلق على‬
‫ا�ستغالل عائدات الن�شاط ال�سياحي يف تلك املناطق‪ .‬كذلك‬ ‫مدينة يف غرب الدلتا ا�سم «مقر حتحور‪� ...‬سيدة الفريوز» ؟ وهنا‬
‫ميكن الرتويج لل�سياحة العلمية وبالأخ�ص علوم اجليولوجيا‪،‬‬ ‫ي�شري الربوفي�سور يويوت �إىل �أنه رمبا بعد توقف عمليات التنقيب‬
‫والآثار‪ ،‬واجلغرافيا ال�سياحية‪ ،‬مع �ضرورة �إ�شراك املجتمع املحلي‬ ‫وا�ستخراج الفريوز من �سيناء توجه بع�ض من عمال املناجم �إىل‬
‫يف هذه التنمية وهو ما فعله امل�صريون القدماء‪.‬‬ ‫ال�سكن يف غرب الدلتا‪ ،‬ومن َّثم َّمت �إطالق ا�سم حتحور �سيدة‬
‫الفريوز على هذه املدينة؛ تخلي ًدا لذكراها‪.‬‬
‫وبعد هذا العر�ض ال�سريع عن تاريخ الفريوز و�أماكن‬
‫تعدينه يف م�صر‪ ،‬هل ميكن ا�ستغاللها‪ ،‬ولو على الأقل‬
‫�سياح ًّيا‪ ،‬عل ًما ب�أنه ميكن ا�ستغاللها تعدين ًّيا‪ .‬ويقرتح تطويرها‬
‫من فيض إىل فيض‬
‫الدكتور عبد احلميد حامد �سليمان‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪14‬‬
‫وعلى العدوة الأخرى من النهر ميتد ذلك الظهري من اجلنوب‬ ‫دمياط �أو تامياتي (تاحميت) �أو (ثاميات�س) �أو (مت �آتي) تعني‬
‫�إىل ال�شمال يف م�ساحة ترتاوح عر�ضً ا بني ال�ضيق واالت�ساع حتى‬ ‫بالقبطية (مدينة جمرى املياه)‪� .‬أما ا�سمها العربي (دمياط) الذي‬
‫ينتهي �إىل ال�سنانية وهي القرية التي بناها معمار �سنان با�شا يف‬ ‫ا�شُ تهرت به فقد التحم بها بعد الفتح الإ�سالمي مل�صر‪ ،‬وبقي كما‬
‫الع�صر العثماين قبالة مدينة دمياط و�صارت حديثًا جز ًءا منها‪ ،‬دون‬ ‫كان على عهده‪ .‬لقد بقيت على مكانها رغم ما قيل عن موقعها‬
‫�أن يبتعد يف احلالتني عن املجرى املائي‪ ،‬ثم ميتد �إىل ال�شمال قلي ًال‬ ‫املندر�س على �شاطئ املتو�سط‪ ،‬و�آية ذلك هي امل�ساجد الأوىل‬
‫�إىل ر�أ�س الرب التي كانت قلعة �أُن�شئت �إىل اجلنوب قلي ًال من امل�صب‬ ‫التي مل تربح مكانها ويف �صدارتها م�سجد عمرو بن العا�ص �أو‬
‫على ال�ضفة الغربية وذلك �سنة ‪1609‬م‪ .‬واكت�سبت ت�سميتها من‬ ‫م�سجد �أبي املعاطي الذي �شيد على نف�س الأمناط املعمارية التي‬
‫�أول قادتها وهو عبد ال�صمد بن رزيق لت�صبح (قلعة عبد ال�صمد) �إىل‬ ‫�أن�شئ عليها تو�أمه على ال�ساحل ال�شرقي مل�صر القدمي عام ‪21‬هـ‬
‫�أن غاب ذلك اال�سم‪ .‬ون�سبت �إىل ال�شيخ يو�سف ال�صويف املجاهد‬ ‫�إىل اجلنوب من القاهرة احلالية‪ ،‬ح�سبما ذكر املقريزي يف خططه‪.‬‬
‫وقد �شرع املجل�س امل�صري الأعلى للآثار يف ترميمه‪ ،‬وم�سجد‬
‫الذي كان مراب ًطا بها؛ لذود الطامعني �إىل اال�ستيالء على م�صر �إىل‬
‫املعيني عام ‪2004‬م �إىل �أن افتتحا يف يوم اجلمعة ‪ 8‬مايو ‪2009‬م‪.‬‬
‫�أن وافته املنية ودفن �إىل جوارها‪ ،‬و�أ�صبحت تعرف يف بدايات القرن‬
‫التا�سع ع�شر امليالدي با�سم قلعة ال�شيخ يو�سف‪.‬‬ ‫وعلى العدوة ال�شرقية؛ تتو�سد دمياط منحنى ن�صف دائري لنهر‬
‫النيل‪ ،‬عند ملتقى خطي عر�ض ‪� 31-25‬شما ًال‪ ،‬وطول ‪49- 31‬‬
‫وتتبدل الأوقات والأزمنة والأحداث على دمياط عرب تاريخها‬ ‫�شرقًا‪ .‬غري بعيد من البحر املتو�سط‪ ،‬وميتد ظهريها الريفي �إىل اجلنوب‬
‫الطويل فما تزيدها �إال ر�سوخً ا وهدو ًءا ودع ًة و�سالم ًة و�أم ًنا وازدها ًرا‪،‬‬ ‫منها‪ ،‬ثم يحوطها �شرقاً‪ ،‬وي�ستمر �إىل ال�شمال منها مع تراجع تدريجي‬
‫بروعة موقعها وكونها مينا ًء ومدخ ًال رئي�س ًّيا مل�صر وجلت منه جتارة‬ ‫يف م�ساحته وعر�ضه حتى يتال�شى قرب امل�صب‪ ،‬وعلى مدى تلك‬
‫م�صر مع البلدان املت�شاطئة معها على البحر املتو�سط‪ .‬كما وجلت‬ ‫امل�سافة تتناثر قرى عزبة اللحم واخلياطة وال�شيخ �ضرغام‪ .‬وحني‬
‫منه حمالت الطامعني يف �إخ�ضاع م�صر عرب تاريخها الطويل‪ .‬وهي‬ ‫فر�ضت الظروف ال�سيا�سية والتهديدات الع�سكرية الدائمة التي‬
‫على ذلك حالة خا�صة على اعتبار مكانتها التي كانت ت�أتي يف‬ ‫تعر�ضت لها دمياط نف�سها يف الع�صر الإ�سالمى؛ حيث هوجمت‬
‫املرتبة الثانية بعد القاهرة؛ من حيث حجمها و�سكانها و�أهميتها‬ ‫واحتلت وجنت مرات عديدة ال يت�سع مقالنا هذا ل�شرحها جل�سامة‬
‫كميناء ميثل املنفذ الهام والرئي�س مل�صر‪ .‬ومثلما كلأها النيل بف�ضله‬ ‫�أحداثها وعظيم نتائجها وتداعياتها؛ ا�ستدعى ذلك �إجرا ًء‬
‫وفي�ضه؛ ربطها مبختلف مراكز ال�سكان واحل�ضارة يف م�صر من �شمالها‬ ‫ا�ستثنائ ًّيا قام به الظاهر بيرب�س يف م�ستهل حكم املماليك البحرية‬
‫�إىل جنوبها‪ .‬لقد تركت روعة موقع دمياط �أث ًرا كب ًريا على توجيه‬ ‫�سنة ‪1261‬م؛ حيث �ألقيت �إثره �أحجار �ضخمة (قرابي�ص) جيء‬
‫وت�شكيل م�سارها الأخالقي واالجتماعي والثقايف واالقت�صادي‪،‬‬ ‫بها من جنوب م�صر �إىل قاع النهر عند م�صبه (البوغاز) لتوعريه‬
‫على اعتبار �أنها ثغر تعتاده عنا�صر ب�شرية خمتلفة الغاية وامل�شرب‬ ‫للحيلولة دون عبور �سفن العدو من �صليبيني �أو غريهم لذلك‬
‫واملن�ش�أ والغر�ض من نواحي م�صر املختلفة ومن خارجها من ال�شام‬ ‫البوغاز والتقدم �إىل اجلنوب وتكرار ما فعلوه من قبل‪ .‬ثم �أن�شئت‬
‫والأنا�ضول وجزر املتو�سط وجنوب �أوروبا‪ ،‬فمنهم م�صريون من‬ ‫بعد ذلك ملقت�ضيات التطورات ال�سيا�سية والع�سكرية يف الع�صر‬
‫البحاروة وال�صعايدة على ات�ساعهم وتعددهم وتنوعهم‪ ،‬ومنهم مغاربة‬ ‫املماليكى قلعة حربية قبالة البوغاز على العدوة اليمنى من النهر‬
‫عند نقطة التقائه مع البحر الأبي�ض املتو�سط‪ ،‬حظيت باهتمام‬
‫و�شوام وفل�سطينيون وروم و�أتراك وفرن�سيون وقبار�صة وبنادقة ورواد�سة‬
‫ال�سالطني برقوق وجقمق وقايتباي والغوري‪ ،‬فعمدوا دائ ًما �إىل‬
‫و�إجنليز وكريتلية �أي من كريت ومن راجوزة والبندقية ونابويل ومالطة‬
‫ترميمها وتقوية �أبراجها و�إمدادها باملقاتلة ملواجهة �أخطار القبار�صة‬
‫ونواحي اليونان والبلقان والأنا�ضول و�سواحل البحر الأ�سود‪ ،‬على‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫وفر�سان الإ�سبتارية يف رود�س وغري ذلك‪ .‬وت�سجل الوثائق املبكرة‬


‫اعتبار وظيفتها التجارية وكونها مينا ًء ها ًّما ومرك ًزا من مراكز التجارة‬ ‫ت�سميات عدة �أطلقت على تلك القلعة‪ ،‬وهناك من ربطها ب�آخر‬
‫الداخلية واخلارجية واملتو�سطية وال�صناعية الهامة عرب‬ ‫من �أعاد بناءها وترميمها ف�سميت با�سمه (برج الظاهر جقمق)‪،‬‬
‫تاريخها الطويل‪ .‬وتبوح �أ�سماء العائالت‬ ‫ويرتادف املعنى يف وثائق �أخرى ت�سميها (القلعة امل�ستجدة بفوهة‬
‫الدمياطية ب�آيات ذلك‬ ‫الثغر) �أو (القلعة ال�سلطانية ال�شريفة الكائنة بالرب ال�شرقي عند‬
‫التنوع‬ ‫فوهة الثغر) �إىل �أن ي�ستقر عنوانها مع زوال االهتمام بها واندثار‬
‫معظمها حتت ا�سم (طابية �أحمد عرابي)‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫و�إىل ال�شرق من �صفحة النيل؛ حيث الكتلة ال�سكنية الأ�سا�س‬ ‫العرقي الفريد ومنها‪( :‬الغزاوي ‪ -‬القا�ضي ‪ -‬الأطرو�ش ‪ -‬ال�شامي‪- ‬‬
‫ملدينة دمياط تتفرع �أخطاط وحارات كحارة احل�صريني التي تقع �إىل‬ ‫عبدالكايف ‪ -‬الالوندي ‪ -‬كيوان ‪ -‬العيدرو�س‪ -‬اجلمال ‪ -‬ال�شيال‪- ‬‬
‫جوار جامع عثمان ال�شربا�صي وحارة الن�صارى وذلك �إىل اجلنوب‬ ‫�أبو�سمرة ‪ -‬احللواين ‪ -‬الق�شاوي ‪ -‬جوهر‪ -‬البدري ‪� ..‬إلخ)‪ .‬وال‬
‫وتتجه �شما ًال �إىل القي�سارية الكربى التي كانت ت�ضم ثمانية وثالثني‬ ‫ي�ستغرب مثل ذلك التنوع يف مدينة �ساحلية وظيفية ذات �أهمية‬
‫حانو ًتا بخالف املخازن والفنادق التي تقع يف طابقها الثاين‪ ،‬وكذلك‬ ‫ا�سرتاتيجية اعتادها جنود‪ ،‬وجتار‪ ،‬وفالحون‪ ،‬وعربان‪ ،‬ورحالة‪،‬‬
‫القي�سارية ال�صغرى التي عرفت با�سم قي�سارية القما�ش بجوار جامع‬ ‫ومت�سببون‪ ،‬وبحارة‪ ،‬ونوتية‪ ،‬وحرفيون‪ ،‬و�ساعون �إىل الرزق حيث‬
‫البدري‪� .‬إ�ضافة �إىل العديد من الوكائل ال�صغرية؛ مثل وكالة الوزير‬ ‫كان؛ اختلفت م�شاربهم و�أ�صولهم‪ ،‬ولكن كثريهم مل يطق مفارقة‬
‫الأعظم علي با�شا‪ ،‬ووكالة الزيت‪ ،‬ووكالة الأرز وغريها‪ .‬ثم احلارة‬ ‫تلك املدينة ال�ساحرة ف�آثر الزواج من دراتها امل�صونات‪ ،‬واالندماج مع‬
‫الكربى التي متثل قلب املدينة‪ ،‬والكتلة الرئي�سة بها التي تنتهي‬ ‫�أهلها واالنت�ساب �إليها‪ ،‬وباتت وطنه الأثري اجلديد‪ .‬ومن ذلك كثريون‬
‫عجت بوقائع زواجهم وبيان �أحوالهم وتر�سخ بقائهم وامتدادهم من‬
‫�إىل ال�شمال بخط �سوق احل�سبة الذي ميثل مع حارة املن�شية الكتلة‬
‫البنني واحلفدة وثائق حمكمة دمياط ال�شرعية على اختالف موادها‬
‫الأقدم يف املدينة التي �أُن�شئت بعد هدمها زمن املماليك‪ .‬وهي‬
‫�أزمنة و�أحوا ًال‪.‬‬
‫التي �أ�شار �إليها امل�ؤرخون كنواة لعودة مدينة دمياط �إىل الوجود‬
‫بعد �إزالتها‪ .‬وهي بخالف حارة املن�شية التي عزيت �إليها البداية‬ ‫ومع مرور ال�سنني توا�صل االت�ساع العمراين للكتلة ال�سكنية‬
‫اجلديدة لدمياط بعد الهدم‪ .‬ثم ت�صل كتلة املدينة ال�سكنية القدمية‬ ‫القدمية من ناحيتها ال�شمالية �إىل الناحية ال�شرقية وا�ستمر ذلك‬
‫تلك �إىل منتهاها الذي يعرف با�سم (�سوق قنطرة اخلوا�صني) الذي‬ ‫تدريج ًّيا لتتعدد به احلارات والدروب يف �أحيائها وت�شي �أ�سما�ؤها‬
‫بطبيعة احلرف التي يعمل بها �أهلها‪ ،‬ومن ذلك حارة ال�شهابية وهم‬
‫اخت�صرته �أل�سن الدمايطة بعد ذلك و�إىل الآن با�سم �سوق القنطرة‪.‬‬
‫احلمالون وناقلو الب�ضائع الذين غ�صت بهم املدينة �أيام ازدهار ن�شاطها‬
‫و�إىل ال�شمال ال�شرقي من الكتلة ال�سكنية الرئي�سة ملدينة دمياط تقع‬
‫والتبادل التجاري عربها وتكاثفه يف امليناء ويف �أ�سواقها ووكائلها‬
‫القرافتان الكربى وال�صغرى �إىل جوار بقايا م�سجد الفاحت بن الأ�سمر‬ ‫وحوا�صلها‪ .‬ومنها حارة ال�سمنوية ال�صيادين‪ ،‬وحارة احلدادين‪،‬‬
‫�أبي ‪ ‬العطاء اجلاري على �أل�سنة النا�س با�سم جامع �أبي املعاطي‪،‬‬ ‫وحارة ال�سيالة‪ ،‬وحارة الب�سايطة؛ �صناع الأب�سطة والأكياب من‬
‫والذي ميثل بداية احلد ال�شمايل للمدينة من جهة ال�شرق املمتد �إىل‬ ‫نبات الربدي‪ ،‬وحارة اجلالفطة العاملني يف �صناعة املراكب التي‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫�أق�صاه غربًا عند املدر�سة املتبولية التي ن�سبت �إىل العارف باهلل ال�شيخ‬ ‫كانت ن�شا ًطا بالغ احليوية ي�ستوعب اخل�شابني والنجارين والن�شارين‬
‫�إبراهيم املتبويل‪ ،‬ثم جددت عام ‪1815‬م يف �إطار الإ�صالحات‬ ‫واملراكبية واجلرومية والنوتية واحلدادين‪ .‬وتن�ش�أ يف تلك احلارات‬
‫وامل�شروعات التطويرية التعليمية التي عني بها حممد علي‪ .‬ويف‬ ‫وال�ساحات والدروب �أ�سواق عديدة ك�سوق املن�ش�أة و�ساحة العيد‬
‫عام ‪1895‬م يف زمن اخلديوي عبا�س حلمي الثاين‪� ،‬إىل �أن غريت‬ ‫وحارة اللوق؛ حيث كانت بع�ض املالهي و�أن�شطة الرتفية �إىل �أن‬
‫و�ضمت �إليها مدر�سة ومكتبة جامع البحر حتت ا�سم جديد هو معهد‬ ‫ت�صبح تلك الأماكن مبا فيها من حارات و�أ�سواق ودروب جز ًءا ال‬
‫دمياط الديني ذو ال�شهرة العلمية الوا�سعة‪ .‬وتاريخ ًّيا كانت تلك‬ ‫ينف�صل عن املدينة القدمية‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫و�أهمها جتار ًة و�أكرثها عد ًدا‪ ،‬رغم ما �أحاط بها من كوارث وم�صائب‬ ‫املدر�سة كائنة على �ضفاف النيل على �أطراف املدينة ال�شمالية‪،‬‬
‫ومغبات ذلك املوقع املدخلي الهام �إىل �شتى �أنحاء م�صر على ذلك‬ ‫وكانت امتدا ًدا طبيع ًّيا فري ًدا للأزهر ال�شريف بنظمه وعلمائه ومكتباته‬
‫تداخلت عالقة الت�أثري والت�أثر بني مدينة دمياط بحكم كونها نطاقًا‬ ‫وو�سائله ودوره‪ ،‬وزارها كثري من العلماء ومنهم حممد مرت�ضى‬
‫ح�ضر ًّيا وكونها منف ًذا للتجارتني الداخلية واخلارجية مل�صر‪ .‬وتنوعت‬ ‫الزبيدي �صاحب القامو�س الأو�سع والأهم يف �سل�سلة قوامي�س اللغة‬
‫فيها احلرف وال�صنائع وتكر�س بع�ضها وبات عالمة دمياطية �شهرية‪،‬‬ ‫والرتاث العربي (تاج العرو�س من جواهر القامو�س)‪ ،‬ومن الرحالة‬
‫وانزوى واختفى بع�ضها بفعل الأيام وحتولها وتبدلها‪ .‬ومن احلرف‬ ‫الأدباء والفقهاء وال�شعراء والعلماء الذين زاروا دمياط ونهلوا من‬
‫القدمية املندر�سة يف دمياط ال�شعراء والأدباء واحلكويون يف املقاهي‬ ‫في�ض علوم �أهلها وحاوروهم و�أجازهم علما�ؤها‪� ،‬أمري الرحالة حممد‬
‫واملحدثون الذين كانوا يرون ال�سرية النبوية وال�سري ال�شعبية لأبي‬ ‫بن عبد اهلل بن حممد الطنجي املعروف بابن بطوطة‪� ،‬صاحب‬
‫زيد الهاليل‪ ،‬ودياب بن غامن‪ ،‬والزناتي خليفة‪ ،‬وال�سلطان ح�سن بن‬ ‫الرحلة ال�شهرية التي ت�ضمن تفا�صيلها كتاب (حتفة النظار يف غرائب‬
‫�سرحان‪ ،‬واجلازية‪ ،‬وناع�سة الأجفان‪ ،‬والقا�ضي بدير بن فايد‪ ،‬وذات‬ ‫الأم�صار)‪ ،‬ومنهم عبد اهلل بن حممد بن �أبي بكر العيا�شي املغربي‬
‫الهمة وولدها الأمري عبد الوهاب‪ ،‬و�أبو حممد البطال‪ ،‬و�سرية عنرتة‬ ‫الفا�سي �صاحب (الرحلة العيا�شية �إىل الديار النورانية امل�شهورة با�سم‬
‫ابن �شداد‪ ،‬والزير �سامل و�سيف بن ذي يزن‪ ،‬وحكايات و�أالعيب‬ ‫ماء املوائد)‪ .‬ومنهم �أي�ضً ا ال�شاعر والفقيه عبد الغني بن �إ�سماعيل بن‬
‫علي الزيبق‪ ،‬وعثمان بن احلبلة وغريها‪ .‬وتلك الفنون هي التي‬ ‫عبد الغني النابل�سي الدم�شقي �صاحب الرحلة النابل�سية ال�شهرية‬
‫انحدر من مدر�ستها بعد ذلك فنانو دمياط و�صوادحها ريا�ض‬ ‫(احلقيقة واملجاز يف رحلة بالد ال�شام وم�صر واحلجاز)‪ .‬ومن االمتداد‬
‫ال�سنباطي وجناة علي‪ ،‬وعبا�س البليدي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫العلمي والأدبي والإبداعي للمدر�سة املتبولية و�أهلها �أينعت ثمرات‬
‫�أما حرف امل�شعبذين واملحبظني �أي املمثلني والفنانني فهم‬ ‫دمياط الطيبة الفواحة املعا�صرة من ال�شعراء املوهوبني كطاهر �أبي‬
‫�أجداد �سعد �أرد�ش‪ ،‬وي�سري اجلندي‪ ،‬وحممد �أبو العال ال�سالموين‪،‬‬ ‫فا�شا‪ ،‬وحممد الأ�سمر‪ ،‬وحممد �أبي طالب ال�شربيني‪ ،‬وفاروق‬
‫وب�شري الديك‪ ،‬وكمال �أبو رية‪ ،‬ور�أفت �سرحان‪ ،‬وغريهم‪ .‬وممن طاف‬ ‫�شو�شة‪ ،‬وال�سيد النما�س‪ ،‬وعيد �صالح‪ ،‬وم�صطفى العايدي‪ ،‬وال�سيد‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫بدمياط ونهلوا من عطاء �أهلها الربامكة الغجر الذين كانوا يحرتفون‬ ‫الغواب‪ ،‬وغريهم‪ .‬ومن العلماء الفاعلني املجددين عائ�شة عبد الرحمن‬
‫حرفًا �شتى ك�صناعة املفاتيح و�صيانتها �إىل قراءة الكف وك�شف‬ ‫ال�شهرية ببنت ال�شاطئ‪ ،‬و�إبراهيم �سيوين‪ ،‬و�شوقي �ضيف‪،‬‬
‫القادم املجهول وو�شم الأ�سماء والإ�شارات والعالمات على الأذرع‬ ‫وعبد الرحمن بدوي‪ ،‬وحلمي احلديدي‪ ،‬وعلي م�صطفى م�شرفة‪،‬‬
‫والوجوه‪ .‬ووجد فيها طالعو النخل الذين كان ي�شغلهم االهتمام‬ ‫وال�سيد احل�سيني‪ ،‬وح�سب اهلل الكفراوي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫ب�آالف النخالت املن�سدحة على �شاطئ النيل بدمياط ميدانًا ثر ًّيا‬ ‫وجمتمع متعدد الوظائف يع�شق العمل والك�سب واالجتهاد‬
‫وعم ًال دءوبًا متوا�ص ًال‪� .‬أما الإخفافية البلدي ودباغو اجللود من‬ ‫كاملجتمع الدمياطي؛ تنوعت حرف �أهله قبل �أن تتمرت�س وراء‬
‫�صناع اجللود والأحذية فهم �أ�سا�س ورواد �صناعة الأحذية الدمياطية‬ ‫�صناعة الأخ�شاب والأثاث واحللوى‪ ،‬وال تبقى بعد ذلك �إال بع�ض‬
‫ال�شهرية‪ .‬ناهيك عن �صناع الن�سيج يف قرية منية طيب املجاورة‬ ‫احلرف اخلدمية الب�سيطة‪ .‬وكانت دمياط �أعظم الثغور امل�صرية مكان ًة‬
‫‪17‬‬
‫ويف نف�س امل�سار كانت �صناعة احللوى الدمياطية ال�شهرية‬
‫التي متثل ال�صناعة الثانية يف دمياط بعد �صناعة الأثاث؛‬
‫مدينة لطوائف احللوانية والزلبانية وال�شرباتلية والكنفانية‬
‫التي �أ�س�ست جذور و�أ�سرار تلك ال�صناعة التي متيزت بها‬
‫بدمياط واملعروفة الآن باملنية التي تعددت فيها املعامل �أي‬
‫دمياط وغدت م�شهورة بها يف كل مكان‪ .‬وقد اعتمدت‬
‫امل�صانع ال�صغرية‪ .‬و�أ�شار الرحالة الفرن�سي ال�شهري �سافاري ‪ -‬زار‬
‫جذور ال�صناعات اخل�شبية التي و�صلت بالأثاث الدمياطي �إىل‬
‫دمياط يف الن�صف الثاين من القرن الثامن ع�شر امليالدي ف�أولع‬
‫الذروة على امل�ستوى العاملي واملحلي الذي انتقل نقلته الكربى‬
‫بجمالها ون�شاطها وروعتها ‪� -‬إىل منتجاتهم من الأقم�شة احلريرية‪،‬‬
‫يف �أربعينيات القرن املن�صرم على ما يزخر به ظهري دمياط‬
‫وقدر عدد الأنوال القائمة على تلك ال�صناعة مبنية طيب من‬
‫الريفي من �أ�شجار اجلميز والزنزحلت وغريها التي كانت توفر‬
‫خم�سني �إىل �ستني نو ًال‪ ،‬وذكر �أن املناديل والفوط وال�شرا�شف‬
‫�أخ�شابًا جيدة ل�صناعة ال�سواقي والأبواب وال�شبابيك‪ .‬والأهم‬
‫رواجا طي ًبا‪ .‬ويدل على ات�ساع ن�شاط ال�صناعة‬ ‫امل�صنوعة بها تلقى ً‬
‫من ذلك كانت �صناعة املراكب املاحلية والنيلية من قيا�سات‬
‫يف منية طيب وجود طائفة م�ستقلة لها �شيخ بها ُيلقب ب�شيخ طائفة‬
‫و�أغربة وفاليك و�سنابك وزهريات بدمياط وعزبة الربج والقرى‬
‫اخلياطني والفتالني يف احلرير‪ .‬ورادف تلك ال�صناعة وتالحم معها‬
‫املن�سدحة على �ضفتي النهر؛ حيث اقت�ضتها احلاجات امللحة‬
‫ال�صباغون واخلياطون واحلباكون والعقادون والقزازون احلرايرية من‬
‫على اعتبار موقع دمياط على النيل والبحر املتو�سط‪ .‬وكانت‬
‫باعة الأقم�شة واحلرير وال�سما�سرة والداللون وغريهم من احلرفيني‬
‫حرف النجارين والن�شارين و�صناع ال�سواقي واجلالفطة والنوتية‬
‫بدمياط‪ .‬وقد �أ�شار �إىل ذلك م�صطفى علي الرحالة الرتكي‬
‫واجلرومية واحلدادين والدقاقني والبك�سماطية؛حرفًا الزمة لتلك‬
‫ال�شهري‪ .‬و�أولئك الفتالون يف املغازل واحلرير و�أ�صحاب الأنوال يف‬
‫ال�صناعة وملقت�ضيات العمل عرب املتو�سط والنيل وبحرية املنزلة‪.‬‬
‫دمياط وفار�سكور‪ ،‬كانوا �صنا ًعا لذلك الن�سيج الدمياطي ال�شهري‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫ولكون دمياط قاعدة لتجارة الأرز الذي كان ي�أتيها ال�شطر الأكرب‬ ‫الذي كان لبا�س ال�سالطني وامللوك والأمراء والوجهاء �إىل �أن �أن�ش�أ‬
‫منه من ظهريها الريفي ومن الدقهلية والغربية واملنوفية والبحرية‬ ‫حممد علي م�صنع الغزل والن�سيج بدمياط‪ ،‬ثم �أن�شئ �أول م�صنع‬
‫والقليوبية؛ قامت �صناعة تبي�ض الأرز وانت�شرت م�ضاربه و�ساحاته‬ ‫كبري للحرير يف �سنة ‪1920‬م ليمثل انتقا ًال كب ًريا وحا�س ًما وحتديثًا‬
‫باملدينة وقد �أح�صتها �إحدى الوثائق �سنة ‪1629‬م فكان عديدها‬ ‫�أودى بالنظم واحلرف ومناهج ال�صناعة والإدارة والت�سويق القدمية‬
‫ت�سعة و�أربعني م�ضربًا كب ًريا بخالف امل�ضارب الأهلية ال�صغرية‪ .‬وقد‬ ‫لتلك ال�صناعة‪.‬‬
‫�سجلت الوثائق الكميات التي �شحنت عرب جمرك ميناء دمياط‬
‫‪18‬‬
‫الت�آكل امل�ستمر عا ًما بعد عام؛ لي�ضيف ذلك لها �ألقًا �إىل �ألق وروعة‬ ‫يف �سنة‪1717‬م �إىل نواحي الدولة العثمانية �أنها بلغت حوايل‬
‫�إىل روعة‪ ،‬فيتواتر عليها امل�صطافون من كل �صوب وحدب‪ .‬ويدور‬ ‫‪� 13.704‬أردب من الأرز الدمياطي ال�شهري‪ .‬كما بلغت الكميات‬
‫عديدهم يف اخلم�سني �ألف زائر يف الأربعينيات من القرن املن�صرم‪،‬‬ ‫التي خرجت من ميناء دمياط يف الفرتة من ‪ 20‬ذي القعدة �سنة‬
‫وترتى قوافل مبدعي م�صر وفنانيها ومفكريها و�سا�ستها فتذهلهم روعة‬ ‫‪1148‬هـ‪1735/‬م �إىل ال�سابع من حمرم يف العام التايل �أي فيما‬
‫املكان وتعتاده نفو�سهم وتهد�أ به قلوبهم‪ .‬و�ألف امل�صطافون بر�أ�س الرب‬ ‫يقارب اخلم�سني يو ًما ‪� 1961‬أردبًا من الأرز‪ .‬وقد �شهد الن�صف‬
‫ر�ؤية امللكة نازيل وكبار �سا�سة م�صر ك�إ�سماعيل �صدقي و�أحمد ماهر‬ ‫الثاين من القرن الثامن ع�شر امليالدي �أوج ازدهار تلك التجارة‬
‫وحممود فهمي النقرا�شي ومكرم عبيد وم�صطفى النحا�س وجنيب‬ ‫دول ًّيا؛ حيث �سد الأرز القادم من دمياط حاجات فرن�سا و�إجنلرتا‬
‫الهاليل‪ .‬كما �ألفت م�سارح ر�أ�س الرب �أم كلثوم وعبد ‪ ‬الوهاب‬ ‫وغريهما التي كانت ملحة وحا�سمة �آنذاك‪.‬‬
‫والريحاين وبديع خريي و�سليمان جنيب‪ ،‬و�سيد مكاوي وليلى مراد‬ ‫وبد ًءا من عام ‪1823‬م اعتاد بع�ض �أعيان دمياط ق�ضاء �صيفهم‬
‫وجناة ال�صغرية و�صباح وفايزة �أحمد وحممد ر�شدي‪ .‬وي�أن�س �إىل ليل‬ ‫بر�أ�س الرب‪ ،‬و�شيدوا لذلك �أكواخً ا من الأكياب وح�صر الربدي‪،‬‬
‫ر�أ�س الرب ورابعة نهارها ورقيق �أن�سامها توفيق احلكيم ونازك املالئكة‬ ‫فتبعهم غريهم ليتدرج املكان من ع�ش�ش قليلة متفرقة �إىل �صفوف‬
‫وبنت ال�شاطئ و�أحمد رامي و�أحمد ال�صاوي حممد وحممد التابعي‬ ‫منتظمة بني �شاطئ النيل والبحر‪ ،‬ثم �إىل ع�ش�ش تقام على قواعد‬
‫وغريهم من مبدعي م�صر ومفكريها في�شعل ذلك املكان �ألقهم‬ ‫من اخل�شب‪ .‬ويف عام ‪1883‬م بد�أت طالئع املنتبهني �إىل روعة‬
‫و�أفكارهم وي�ؤ�س�س لذكريات عمرهم التي ال ُتن�سى‪.‬‬ ‫املكان‪ ،‬وقا�صدوه من الأجانب ترد على ا�ستحياء �إىل ر�أ�س الرب �إىل‬
‫ثم تقبل دمياط يف نهايات القرن املن�صرم و�إىل الآن على عهد‬ ‫�أن �أن�ش�أ فرن�سيان يدعيان م�سيو بكالن وم�سز كورتيل عام ‪1891‬م‬
‫جديد‪ ،‬وا�ستعادة لدور و�آماد كربى وتغيريات حا�سمة مف�صلية يف‬ ‫مطع ًما وبا ًرا قرب قلعة ال�شيخ يو�سف �أو طابيته‪ ،‬كما اعتادتها �أل�سنة‬
‫تاريخها احلديث مع �إن�شاء ميناء دمياط اجلديد وا�ستعادته لدوره‬ ‫الأهايل لتتواىل عمليات الإعمار و�إن�شاء الفنادق واملقاهي‪ .‬ويف‬
‫املُغيب لتخفيف العبء على املوانئ امل�صرية ومواكبة التطورات‬ ‫عام ‪1902‬م ُو ِ�ضعت للم�صيف �أول خريطة هند�سية ب�سيطة ُم َو َّ�ض ًحا‬
‫الكربى حلجم التجارة الدولية عرب املتو�سط‪ .‬وبعد كد وجهد �أ�ضحى‬ ‫بها مواقع الع�ش�ش و�أرقامها والأ�سواق وغريها‪ ،‬و�أُ�ضيئت طرقه‬
‫حقيقة واقعة تزدهي بها القلوب وت�ستنري العقول‪ .‬وافتتح �أمام حركة‬ ‫بالفواني�س و�سريت مراكب نيلية لنقل امل�صطافني والربيد بني دمياط‬
‫املالحة الدولية عام ‪1986‬م بطاقة ا�ستيعابية قدرها ‪ 5.6‬مليون طن‬ ‫ور�أ�س الرب‪ .‬وقلي ًال ما ت�أتي احلروب بنتائج طيبة على غري �إرادتها‪،‬‬
‫و�صلت �إىل ‪ 13.2‬مليون طن خالل عام ‪ 1997‬مبا يعادل زيادة قدرها‬ ‫وجاء ذلك حني الذ �أر�ستقراطيو م�صر �إبان احلرب العاملية الأوىل‬
‫‪ 236‬يف املائة كمرحلة �أوىل من ثالث مراحل‪ .‬وقد �أ�صبح ميناء‬ ‫بعد �أن �أُو�صدت عليهم �أبواب م�صر �إىل ر�أ�س الرب‪ ،‬ف�ألفوها و�ألفتهم‬
‫دمياط على ذلك واحلمد هلل �أهم موانئ �شرق البحر املتو�سط‪ .‬وتردفه‬ ‫و�أحبوها ف�أحبتهم‪ ،‬واطم�أنوا لها واطم�أنت لهم فر�أوا من �أ�سرارها‬
‫غري بعيدة عنه مدينة دمياط اجلديدة تو�أم دمياط التاريخية وعرو�س‬ ‫ومفاتنها وبديع ليلها وفريد نهارها ما مل ينتبه له غريهم‪ ،‬و�سرعان‬
‫املدن امل�صرية اجلديدة الذي ينتقل بها ومعها وبدمياط و�أهلها‬ ‫ما ا�ستدرك عامة النا�س ما �شغلتهم عنه �آالمهم‪ ،‬فاندفعوا �إليها ال‬
‫وال�سالكني طريقها �إىل م�ستقبل رحيب و�آمال و�آماد ال‪ ‬تعد‪.‬‬ ‫يلوون على �شيء‪ .‬وتفاع ًال مع ذلك �أن�شئ الطريق الوا�صل بني‬
‫ال�سنانية ور�أ�س الرب يف الفرتة بني ‪� 1919‬إىل ‪1929‬م‪ .‬ومت �إن�شاء‬
‫كوبري دمياط عام ‪ 1930‬غاية ذلك الطريق‬
‫ونفعه‪ ،‬لريدف ذلك بالطريق النيلي الرائع‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫املعتاد ب�سابحاته وفلكه و�أ�شرعته وطيوره ودالفينه‬


‫ون�سيمه العليل و�أ�شجاره التي �ألقت م�ست�شزرات‬
‫غدائرها على �صفحته‪ .‬وتنربي م�صلحة املوانئ‬
‫واملنائر عام ‪1832‬م‪� ،‬إىل �إن�شاء ل�سان ر�أ�س الرب‬
‫وهو ر�صيف من الأ�سمنت امل�سلح طوله ‪350‬‬
‫م ًرتا ممت ًدا يف مياه البحر ‪ 75‬م ًرتا فوق الرمال‬
‫على الياب�سة وذلك لوقاية �شاطئ ر�أ�س الرب من‬

‫‪19‬‬
‫قام حممد عبده ‪ -‬من خالل هدفه يف الدعوة للإ�صالح‬ ‫ولد حممد عبده بن ح�سن خري اهلل عام ‪ 1850‬لأب‬
‫ون�شر التنوير والعلم ‪ -‬بالتدري�س يف العديد من الأماكن؛ منها‬ ‫تركماين الأ�صل‪ ،‬و�أم م�صرية تنتمي �إىل قبيلة «بني عدي»‬
‫الأزهر ال�شريف؛ حيث قام بتدري�س املنطق والفل�سفة والتوحيد‬ ‫العربية‪ ،‬ون�ش�أ يف قرية «حملة ن�صر» مبركز �شرباخيت يف حمافظة‬
‫فيه‪ .‬ود َّر�س يف دار العلوم ‪ 1879‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬كما قام‬ ‫البحرية‪ .‬وتعلم القراءة والكتابة يف منزل �أبيه‪ ،‬وبعد �أن جاوز‬
‫بالتدري�س يف مدر�سة الأل�سن‪.‬‬ ‫العا�شرة من عمره قام والده ب�إر�ساله �إىل ُك َّتاب القرية؛ حيث‬
‫�أ َّلف كتاب يف علم االجتماع والعمران‪ ،‬كما قام بكتابة عدد‬ ‫تلقى درو�سه الأوىل‪ .‬ويف �سن اخلام�سة ع�شرة تقري ًبا‪ ،‬التحق‬
‫من املقاالت يف عدد من اجلرائد؛ منها جريدة الأهرام‪ .‬وقام‬ ‫«باجلامع الأحمدي»‪ -‬جامع ال�سيد البدوي بطنطا‪ -‬حيث تلقى‬
‫ريا�ض با�شا ‪ -‬رئي�س النظار يف عهد اخلديوي توفيق ‪ -‬بتعيني‬ ‫علوم الفقه واللغة العربية‪ ،‬كما حفظ القر�آن وج َّوده‪.‬‬
‫الإمام حممد عبده يف جريدة الوقائع امل�صرية؛ وهي اجلريدة‬ ‫انتقل بعد ذلك ال�شيخ حممد عبده �إىل الدرا�سة يف الأزهر‬
‫و�ض َّم بها‬
‫التي قام ريا�ض با�شا ب�إجراء بع�ض الإ�صالحات عليها‪َ ،‬‬ ‫ال�شريف‪ ،‬وذلك يف عام ‪ .1865‬وتلقى يف هذه اجلامعة العلمية‬
‫عد ًدا من ال�شخ�صيات البارزة للعمل فيها؛ مثل �سعد زغلول‪،‬‬ ‫والدينية القيمة علومه املختلفة؛ فدر�س الفقه واحلديث والتف�سري‬
‫وحممد خليل‪ ،‬وال�شيخ حممد عبده؛ حيث قام حممد عبده‬ ‫واللغة والنحو والبالغة‪ ،‬وغري ذلك من العلوم ال�شرعية واللغوية‪.‬‬
‫مبهمة التحرير والكتابة يف الق�سم اخلا�ص باملقاالت الإ�صالحية‬ ‫ا�ستمر يف الدرا�سة يف الأزهر حتى ح�صل على ال�شهادة‬
‫الأدبية واالجتماعية‪ُ .‬لقِّب حممد عبده بـ «زعيم الإ�صالح‬ ‫عام ‪.1877‬‬
‫الفكري والديني»‪.‬‬ ‫حاول حممد عبده االنفتاح على العلوم الأخرى والتي مل‬
‫كان الإمام حممد عبده ينتمي يف تيار حركة الإ�صالح‬ ‫يكن الأزهر يهتم بتدري�سها يف هذا الوقت‪ ،‬ووجد �ضالته يف‬
‫�إىل املحافظني الذين يرون �أن الإ�صالح يكون من خالل ن�شر‬ ‫بع�ض ال�شخ�صيات التي �أثرت يف حياته ب�شكل فعلي؛ منهم‬
‫التعليم بني �أفراد ال�شعب والتدرج يف احلكم النيابي‪ .‬وكان‬ ‫ال�شيخ دروي�ش خ�ضر الذي كان يقدم له الن�صح دائ ًما‪ ،‬ويوجهه‬
‫�سعد زغلول �أي�ضً ا من م�ؤيدي هذا التيار‪ ،‬وهو عك�س التيار الذي‬ ‫للطريق ال�سليم‪ ،‬ويحثه على �ضرورة التعرف على خمتلف‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫يدعو للحرية ال�شخ�صية وال�سيا�سية؛ مثل املنهج الذي تتبعه‬ ‫العلوم الأخرى بجانب العلوم ال�شرعية والفقهية‪ .‬وبعد ذلك‬
‫الدول الأوروبية‪ .‬وكان من م�ؤيدي هذا التيار «�أديب �إ�سحاق»‬ ‫تعرف حممد عبده على ال�شيخ ح�سن الطويل الذي كان على‬
‫وجمموعة من املثقفني الذين تلقوا علومهم يف الدول الأوروبية‪.‬‬ ‫دراية بعدد من العلوم؛ مثل الريا�ضيات والفل�سفة‪ ،‬وتلقى على‬
‫يف عام ‪ 1881‬انهمك الإمام حممد عبده مع ثورة عرابي‬ ‫يديه عد ًدا من الدرو�س‪ ،‬ثم ي�أتي دور جمال الدين الأفغاين يف‬
‫وتوالت انت�صاراتها؛ فهو الذي و�ضع ميني الق�سم الذي �أق�سمه‬ ‫حياة حممد عبده؛ حيث ن�ش�أت بني االثنني �صداقة قوية مبعثها‬
‫�ضباط وزعماء الثورة عن البالد‪ .‬وبعد انهزام الثورة ا�شرتك يف‬ ‫الدعوة للإ�صالح‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪� 159‬صفحة من �صفحات املجلد الثالث‪ .‬ظل ال�شيخ حممد‬ ‫ثورة �أحمد عرابي �ضد الإجنليز ‪ .1882‬وبعد ف�شل الثورة حكم‬
‫عبده مفت ًيا للديار امل�صرية �ست �سنوات كاملة حتى وفاته عام‬ ‫عليه بال�سجن ثم بالنفي �إىل بريوت ملدة ثالث �سنوات‪ ،‬و�سافر‬
‫‪1905‬م‪.‬‬ ‫بدعوة من �أ�ستاذه جمال الدين الأفغاين �إىل باري�س عام ‪،1884‬‬
‫كانت له مواقف وفتاوى متثل فك ًرا �إ�سالم ًّيا مالئ ًما لروح‬ ‫و�أ�س�س �صحيفة العروة الوثقى‪.‬‬
‫الوطن‪ ،‬وكان يحذر من الغلو والتطرف يف الدين‪ ،‬و�آمن ب�أن‬ ‫انتقل حممد عبده �إىل بريوت؛ حيث مكث بها قرابة العام‪،‬‬
‫الإ�صالح الأخالقي يجب �أن ي�سبق الإ�صالح ال�سيا�سي‪ ،‬وقد‬ ‫ثم انتقل بعدها �إىل باري�س ليكون بالقرب من �أ�ستاذه و�صديقه‬
‫فتح باب االجتهاد ملعاجلة العديد من الق�ضايا املعا�صرة‪.‬‬ ‫جمال الدين الأفغاين؛ حيث قاما م ًعا بت�أ�سي�س جريدة «العروة‬
‫يف ‪ 25‬يونية ‪ُ ،1899‬عينِّ ع�ض ًوا مبجل�س �شورى القوانني‪،‬‬ ‫الوثقى» ولكن للأ�سف هذه اجلريدة مل ت�ستمر كث ًريا؛ حيث‬
‫حري�صا على ق�صر االهتمام على الأمور الوطنية الكربى‪.‬‬ ‫وكان ً‬ ‫�أثارت املقاالت التي كانت ُتكتب بها حفيظة الإجنليز والفرن�سيني‬
‫ويف عام ‪� 1900‬أ�س�س جمعية �إحياء العلوم العربية لن�شر‬ ‫خا�صة و�أنها كانت تت�ضمن مقاالت تندد باال�ستعمار‪ ،‬وتدعو‬
‫رئي�سا لها‪ ،‬كما �أن له دو ًرا يف �إن�شاء اجلامعة‬ ‫للتحرر من االحتالل الأجنبي بجميع �أ�شكاله‪ ،‬فتم �إيقاف‬
‫املخطوطات‪ ،‬وان ُتخب ً‬
‫امل�صرية‪.‬‬ ‫�إ�صدارها‪ .‬وعاد حممد عبده مرة �أخرى؛ لبريوت حيث قام‬
‫بت�أليف عدد من الكتب‪ ،‬والتدري�س يف بع�ض م�ساجدها‪ ،‬ثم‬
‫كان مذهبه يف الإ�صالح يقوم على ثالثة حماور هي‪:‬‬ ‫انتقل للتدري�س يف«املدر�سة ال�سلطانية» يف بريوت؛ حيث عمل‬
‫الإ�صالح الديني‪ ،‬و�إ�صالح اللغة العربية‪ ،‬والإ�صالح ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫على االرتقاء بها وتطويرها‪ .‬كما �شارك بكتابة بع�ض املقاالت يف‬
‫فقد كان حممد عبده �إما ًما واع ًيا مطل ًعا حر الفكر‪ ،‬وا�سع الأفق‪،‬‬ ‫جريدة «ثمرات الفنون»‪ ،‬وقام ب�شرح «نهج البالغة»‪ ،‬ومقامات‬
‫وكان له �أ�صدقاء عديدون‪� ،‬شرقيون وغربيون‪ ،‬وكان بينه وبني‬ ‫«بديع الزمان الهمذاين»‪ .‬ويف بريوت تزوج من زوجته الثانية‬
‫بع�ضهم مرا�سالت؛ مثل‪ :‬جو�ستاف لوبون‪ ،‬هربرت �سبن�سر‪،‬‬ ‫بعد وفاة زوجته الأوىل‪.‬‬
‫تول�ستوي‪ ،‬هانوتو‪ ،‬بلنت وغريهم‪.‬‬
‫�صدر العفو عن حممد عبده بعد �ست �سنوات ق�ضاها يف‬
‫قام حممد عبده بكتابة وت�أليف و�شرح عدد من الكتب؛‬ ‫املنفى‪ ،‬فعاد �إىل م�صر ‪ ،1899‬وكان يراوده دائ ًما حلم مبحاولة‬
‫منها‪:‬‬ ‫الإ�صالح يف امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪ ،‬وحماولة النه�ضة بالتعليم‬
‫ •ر�سالة التوحيد‪.‬‬ ‫وتطويره‪ُ .‬عينِّ حممد عبده قا�ض ًيا �أهل ًّيا يف حمكمة بنها‪ ،‬ثم يف‬
‫ •حتقيق و�شرح «الب�صائر الق�صريية للطو�سي»‪.‬‬ ‫حمكمة الزقازيق‪ ،‬وعابدين‪ ،‬ثم م�ست�شا ًرا يف حمكمة اال�ستئناف‪.‬‬
‫ •حتقيق و�شرح «دالئل الإعجاز» و«�أ�سرار البالغة»‬
‫للجرجاين‪.‬‬ ‫تعلم حممد عبده اللغة الفرن�سية و�أتقنها واطلع على العديد‬
‫ •الرد على هانوتو الفرن�سي‪.‬‬ ‫من الكتب والقوانني الفرن�سية‪ ،‬كما قام برتجمة كتاب يف الرتبية‬
‫ •الإ�سالم والن�صرانية بني العلم واملدنية‪ .‬رد به على‬ ‫من اللغة الفرن�سية �إىل اللغة العربية‪ُ .‬وعينِّ قا�ض ًيا مبحكمة بنها‬
‫�أرن�ست رينان ‪1902‬م‪ ،‬وقام الإمام حممد عبده ب�إجراء‬ ‫‪ ،1889‬ثم انتقل �إىل حمكمة الزقازيق‪ ،‬ثم حمكمة عابدين‪ ،‬ثم‬
‫مقابلة بني الدينني الإ�سالمي وامل�سيحي و�أثرهما يف‬ ‫ارتقى �إىل من�صب م�ست�شار يف حمكمة اال�ستئناف عام ‪.1891‬‬
‫العلم واملدنية‪.‬‬ ‫كما ُعينّ ع�ض ًوا يف جمل�س �شورى القوانني يف ‪ 25‬يونية عام ‪.1890‬‬
‫ •تقرير �إ�صالح املحاكم ال�شرعية �سنة ‪.1899‬‬ ‫ويف ‪ 3‬يونية ‪� 1899‬صدر مر�سوم خديوي وقَّعه اخلديوي عبا�س‬
‫حلمي بتعيني ال�شيخ حممد عبده مفت ًيا للديار امل�صرية‪ .‬ومن‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫قام العديد من الكتاب وال�صحفيني بتناول �شخ�صية حممد‬ ‫اجلدير بالذكر �أن من�صب الإفتاء كان ي�ضاف ملن ي�شغل وظيفة‬
‫عبده و�آرائه الإ�صالحية من خالل كتبهم ومقاالتهم املختلفة؛‬ ‫م�شيخة اجلامع الأزهر يف ال�سابق‪ .‬وبهذا املر�سوم ا�ستقل من�صب‬
‫مثل‪ :‬كتاب «حممد عبده» ت�أليف حممود عبا�س العقاد‪،‬‬ ‫الإفتاء عن من�صب م�شيخة اجلامع الأزهر‪ ،‬و�صار ال�شيخ حممد‬
‫وكتاب«رائد الفكر امل�صري‪ ..‬الإمام حممد عبده» من ت�أليف‬ ‫مفت م�ستقل مل�صر ُم َعينَّ من ِق َبل اخلديوي عبا�س‬ ‫عبده �أول ٍ‬
‫عثمان �أمني‪ ،‬وكتاب «الإمام حممد عبده يف �أخباره و�آثاره» من‬ ‫حلمي‪ .‬وتب ًعا لذلك �أ�صبح ع�ض ًوا يف جمل�س الأوقاف الأعلى‪.‬‬
‫ت�أليف رحاب عكاوي‪ ،‬وغريها من الكتب‪.‬‬ ‫بلغ عدد فتاواه ‪ 944‬فتوى ا�ستغرقت املجلد الثاين من �سجالت‬
‫تويف ال�شيخ بالإ�سكندرية عن �سبع وخم�سني �سنة‪ ،‬يف‬ ‫م�ضبطة دار الإفتاء ب�أكمله و�صفحاته ‪ ،198‬كما ا�ستغرقت‬
‫‪ 11‬يوليو ‪ 1905‬ودفن بالقاهرة‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪22‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬
‫‪23‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬
‫الدكتور عمرو عبد العزيز منري‬

‫عبد العزيز با�شا ر�ضوان‬

‫من ثروته العقارية يف الكرم و�أعمال اخلري والتما�س اجلاه فرتك‬ ‫يذكر التاريخ �أنه قد منا مل�سامع حممد علي يف (�شهر ربيع‬
‫لولديه ال�سيد با�شا �أباظة و�سليمان با�شا �أباظة �أقل من ن�صف‬ ‫الأول ‪1252‬هـ ‪1836 /‬م) �أن (مدير ن�صف ال�شرقية) اعتدى‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫ما كان ميلك‪ .‬وجاء يف اخلطط التوفيقية ما ن�صه‪« :‬ومن �أ�شهر‬ ‫على �أوالد ح�سن �أباظة بي�شة بال�شرقية من دون �أن يعملوا ما‬
‫عائالت العائذ و�أعظمها رتبة و�أرفعها مكانة �أوالد �أباظة‪ ،‬تقلبت‬ ‫ي�ستوجب «الأذية»‪ ،‬فكتب �إليه ي�أمر ب�أال يتعر�ض لهم حلني‬
‫يف الرتب ال�سنية واملنا�صب الديوانية‪ ،‬جملة منهم‪ ،‬و�سبقهم يف‬ ‫ح�ضوره و�أن يعاملهم باحل�سنى ‪.‬‬
‫ذلك الأمري اجلليل‪ ،‬ذو املجد الأثيل املرحوم ح�سن �أباظة‪� ..‬إلخ»‪.‬‬
‫�أول با�شا م�صري من ال�شرقية‬
‫تويف �سنة ‪1265‬هـ‪ .‬وورد يف اجلزء الرابع ع�شر من اخلطط‬
‫التوفيقية‪�« :‬أن �أهل العايد (�أو العائد �أو العايذ) يف �أول �أمرهم‬ ‫وكان ال�شيخ ح�سن �أباظة رجلاً مقدا ًما ثر ًّيا وكان ميلك‬
‫نزلوا ببالد قدمية مثل الق�صور والق�سورية فا�ستولوا على �أر�ضها‬ ‫�أربعني �ألف فدان‪ ،‬وذلك يف زمن حممد علي‪ ،‬وقد ذهب الكثري‬
‫‪24‬‬
‫ومزارعها وا�ستخدموا من بقي من �أهلها مبالهم من الب�أ�س والقوة‬
‫مقربة عبد العزيز با�شا ر�ضوان‬
‫وا�ستمروا كذلك زم ًنا مدي ًدا‪ ،‬وكان كبريهم �شيخ العرب �إبراهيم‬
‫العايدي متكل ًما عن قبيلة العايد يف زمن الفرن�سيني‪ ،‬وجاء‬
‫م�شايخهم يف وظائف حكومية لأول مرة فحتى عام ‪1833‬م‬ ‫حممد علي وهم يف خ�شونة العرب ولهم مناو�شات كبرية ولي�س‬
‫كانت جميع الوظائف الأعلى من عمدة القرية يتقلدها غري‬ ‫عليهم �شيء مما على الفالحني‪ ،‬وكانوا قد خولهم اهلل عقا ًرا‬
‫امل�صريني ومنذ تلك ال�سنة كان الأهايل من امل�صريني ي�شاركهم‬ ‫و�أموا ًال ونخي ًال فخريهم حممد علي بني معافاتهم يف �أن يعاملوا‬
‫يف ذلك م�شايخ العربان يعينون يف وظائف «ناظر ق�سم»‪� ‬أو‬ ‫معاملة العرب ب�شرط �أن ينزع ما حتت �أيديهم من �أر�ض ونخيل‬
‫«م�أمور»‪.‬‬ ‫وبني �أن يعاملوا معاملة الفالحني ويبقى لهم ما حتت �أيديهم‪،‬‬
‫ومن �أبرز ه�ؤالء امل�شايخ احلائزين للأرا�ضي جند م�شايخ الأباظية‬ ‫فاختاروا الفالحة»‪� .‬أما االبن الأكرب حل�سن �أباظة (ال�سيد �أباظة‬
‫من �أهل العائذ‪ ،‬ومن �أكرثهم �أهمية «ح�سن �أغا» الذي ُعي يف عام‬ ‫مثال للكرم والنجدة واحلزم‬ ‫با�شا) فكان كما يذكر التاريخ اً‬
‫�شيخا مل�شايخ ن�صف ال�شرقية من ِق َبل �إبراهيم با�شا جنل‬
‫‪1812‬م ً‬ ‫و�سماحة الأخالق‪ .‬وقد عني وكيلاً للداخلية ثم مفت�شً ا لعموم‬
‫حممد علي با�شا وعند وفاته يف عام ‪1265‬هـ ‪1848/‬م ‪1849 -‬م‪.‬‬ ‫الأقاليم وكان هو �أول من �أحرز لقب با�شا بني امل�صريني ثم من‬
‫كانت ممتلكاته من الأرا�ضي قد و�صلت �إىل حوايل �أربعة �آالف‬ ‫بعده �سلطان با�شا يف عهد الوايل �سعيد با�شا‪ .‬وقد تويف ال�سيد‬
‫فدان‪ .‬وقام حفيده علي �أغا ببناء م�سجد كبري بالزقازيق (مبنطقة‬ ‫�أباظة با�شا عام ‪ 1292‬هـ‪.‬‬
‫املنتزه) يف عهد عبا�س حلمي الثاين و�سمي با�سمه �إىل الآن‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫وتزعم الأ�سرة بعده املغفور له �سليمان �أباظة با�شا ‪ -‬وهو من‬
‫لعدد كبري من امل�شروعات التجارية املختلفة‪.‬‬ ‫�أبناء ال�شيخ ح�سن �أباظة ‪ -‬وقد �شارك يف �أحداث الثورة العرابية‪،‬‬
‫كما توىل مهنة رئي�س اخليالة ال�شتهار ال�شرقية برتبية اخليول‪.‬‬ ‫ُوعينِّ مدي ًرا لل�شرقية‪ ،‬وظل يف من�صبه �ست �سنوات وغ�ضب‬
‫ويف نف�س الوقت مت توجيه وظيفة نظارة العربان يف الأقاليم‬ ‫عليه اخلديوي �إ�سماعيل با�شا عندما غ�ضب على �إ�سماعيل‬
‫الو�سطى لعهدته‪ .‬ويرجع الف�ضل �إىل العائلة الأباظية يف ت�أ�سي�س‬ ‫با�شا املفت�ش؛ لأنهما كانا �صديقني‪ .‬وحني عقد جمل�س لنواب‬
‫و�إن�شاء كفر �أباظة‪ ،‬ومن�ش�أة �أباظة بالزقازيق والعديد من الأحياء‬ ‫الأمة يف عهد اخلديوي توفيق انتخب �سليمان با�شا �أباظة ع�ض ًوا‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫والقرى التي �سكنوها‪ .‬كما تن�سب قرية �شرويدة بناحية الزنكلون‬ ‫نائ ًبا عن ال�شرقية‪ .‬وتويف يف ‪ 9‬مايو ‪1897‬م بعد �أن خ َّلف وراءه‬
‫�إىل عرب العائد‪.‬‬ ‫مكتبة فيها قرابة الألف وخم�سمائة جملد ت�ضمنت قرابة الألف‬
‫ومنذ ذلك احلني وخالل القرن التا�سع ع�شر جند �أن كثريين‬ ‫الن�ساخ كابن مقلة وابن هالل‪ ،‬ومنها‬ ‫خمطوطة‪ ،‬ج ُّلها بخط �أكابر َّ‬
‫من كبار م�شايخ عائلة العائد قد �شيدوا قرى جديدة وا�ستقروا‬ ‫مائة خمطوطة بخط م�ؤلفيها‪ ،‬كما �أخرب بذلك حممد ر�شيد ر�ضا‬
‫بها مع �أ�سرهم وتوابعهم‪ .‬فال�شيخ �إبراهيم العائدي (تويف يف عام‬ ‫مادحا البا�شا بحر�صه على جمع الكتب والإنفاق‬ ‫يف جملة املنار ً‬
‫‪ )1836‬قد �شيد كفر �إبراهيم‪ .‬كما �أن اثنني من الأباظية هما‬ ‫يف �سبيل ذلك بعد �أن تربع ورثته بها كلها للجامع الأزهر‪.‬‬
‫بغدادي (تويف يف ‪1858‬م) وح�سني بك عبد الرحمن (تويف يف‬ ‫وقد �شغلت هذه الأ�سرة مع العديد من الأ�سر العربية بع�ض‬
‫‪1865‬م) قد �ساهما يف �إن�شاء القرى اجلديدة‪.‬‬ ‫وظائف الإدارة‪ ،‬فقد قام حممد علي بتدعيم �أهدافه الرامية‬
‫�إىل �إدماج القبائل مع املجتمع وك�سر ترابطهم‪ ،‬وذلك بتعيني‬
‫‪25‬‬
‫ا�ستمر عطاء عبد العزيز با�شا ر�ضوان ح ًّبا للزقازيق واحلارة‬ ‫وكان بغدادي �أباظة �شقيق ح�سن وح�سني عبد الرحمن‬
‫التي عا�ش فيها فبنى مدر�سة وملج�أً و�شارك يف بناء م�ست�شفى‬ ‫�أباظة من كبار حائزي الأرا�ضي باملنطقة‪ .‬وعندما �ألف حممد‬
‫ال�صدر بالزقازيق‪ ،‬وامل�ست�شفى الأمريي بالزقازيق‪ .‬وارتقى‬ ‫علي املجل�س العايل اختار ح�سن �أباظة وبغدادي �أباظة ع�ضوين‬
‫ب�صناعة القطن بال�شرقية‪ ،‬ومل يحتكرها لنف�سه رغم �أن الفر�صة‬ ‫فيه‪ .‬وقد ا�ستمر هذا املجل�س ثالث ع�شرة �سنة من ‪1824‬م �إىل‬
‫قد �سنحت له �أكرث من مرة‪.‬‬ ‫‪1837‬م‪.‬‬
‫ويف �سبيل �ضمان حياة كرمية لأ�سرته الفقرية �أن�ش�أ ‪ 26‬بي ًتا‬ ‫وقد �أ�صبح ال�سيد �أباظة بن ح�سن �أباظة رجلاً عظيم ال�ش�أن‬
‫لهم جمانًا يف �شارع يحمل ا�سمه �إىل الآن‪ .‬وت�شري اللوحات‬ ‫تقلد بع�ض املنا�صب الكربى‪ ،‬وتعهد بنحو ع�شرين قرية من قرى‬
‫الرخامية على مدر�سته �أنه ولد �سنه ‪1879‬م يف الزقازيق بكفر‬ ‫ال�شرقية يف عهد حممد علي وابنه �إبراهيم‪ .‬وكان يف حيازته نحو‬
‫النحال‪.‬‬ ‫‪ 6050‬فدانًا يف نحو خم�س ع�شرة قرية‪ .‬وقد تراوحت حيازة‬
‫بقية عائلة �أباظة ما بني خم�سمائة و�ألفي فدان‪ .‬وقد عني «ال�سيد‬
‫ع�صامي �شرقاوي عبد العزيز با�شا‬
‫�أباظة» ناظ ًرا لق�سم العائد بال�شرقية‪ ،‬و�شغل «ال�سيد �أباظة» فيما‬
‫تربى تربية دينية على حب اهلل ور�سوله و�آل البيت‪ ،‬ومات‬ ‫بعد من�صب مدير مديرية البحرية يف عهد �سعيد‪ .‬وكان يف‬
‫�أبوه و�أمه يف حادث وعمره ‪� 8‬سنوات‪ ،‬وتربى يف بيت جدته لأمه‬ ‫حيازته وقت وفاته يف عام ‪ 1292‬هـ ‪1875 /‬م ‪1876‬م �ستة‬
‫يتي ًما‪ ،‬ودخل املدر�سة االبتدائية وتعليم بها جمانًا بالزقازيق‪،‬‬ ‫�آالف فدان‪ .‬كما �أن�ش�أ مدر�سة لتعليم �أوالده ب�شرويدة فكانت‬
‫وانتقل ليتعلم بالأزهر ال�شريف على يد الإمام حممد عبده‪،‬‬ ‫النواة الأوىل للمعرفة يف القرية يف ذلك احلني كما �أن�ش�أ م�سج ًدا‬
‫وتعلم منه كيف يكون حب الأوطان‪.‬‬ ‫بنف�س القرية‪.‬‬
‫وفج�أة ماتت جدته وعمره ‪� 16‬سنة‪ ،‬فلم يجد من ينفق عليه‬ ‫�أما االبن الثاين حل�سن �أباظة ويدعى �سليمان �أباظة فكان‬
‫فا�شتغل بائ ًعا عند املرحوم (علي مكاوي) وهو تاجر �أقم�شة بحي‬ ‫يف حيازته حوايل �ألفي فدان يف مديرية ال�شرقية؛ حيث �شيد‬
‫املنتزه بالزقازيق �أمام حمكمة الزقازيق اجلديدة حال ًّيا بعمارة‬ ‫م�ضخات للري وحمالج للقطن‪ .‬و�ساهم مباله يف بناء املحكمة‬
‫مكاوي‪ .‬وكان راتبه ‪ 80‬قر�شً ا‪ .‬ويف �سنة ‪1895‬م ترك العمل‬ ‫اجلزئية يف ناحية منيا القمح‬
‫ونزل حلقة القطن‪ ،‬وكان يتاجر يف احلبوب يف غري مو�سم القطن‪،‬‬
‫ومن الأباظية الذين �ساهموا يف �إن�شاء املدار�س حممد بك‬
‫وكان ي�شرتي القطن بكميات ب�سيطة ويحلجه وي�شحنه �إىل ميناء‬
‫عثمان �أباظة فقد �أن�ش�أ مدر�سة يف بلده بالربعماية وهو جد �أمري‬
‫ربحا وا�ستطاع �أن ي�شرتي منز ًال‬
‫الب�صل بالإ�سكندرية‪ .‬وحقق ً‬ ‫امل�سرح ال�شعري عزيز �أباظة و�أنفق يف �سبيل ت�أ�سي�سها مبالغ‬
‫ب�سي ًطا ومتوا�ض ًعا بالزقازيق‪.‬‬
‫طائلة‪ ،‬وافتتحها باحتفال �ضخم ح�ضره جمع غفري من رجال‬
‫خ�سر �أمواله فباع املنزل الذي ا�شرتاه لي�سدد ديونه وكان‬ ‫العلم والأدب‪.‬‬
‫ال�ضامن له �أمني با�شا ال�شم�سي؛ رئي�س جتار الزقازيق‪ .‬وبد�أ رحلة‬
‫البناء من جديد دون ي�أ�س ولكن رف�ض مدير البنك الأهلي لوت�ستا‬ ‫ع�شاق م�صر مل يحتكروا ال�صناعة‬
‫با�شا منحه �أي قرو�ض‪ ،‬واقرت�ض ‪ 400‬جنيه من اخلواجة اليوناين‬ ‫وكانت الأ�سرة الأباظية قد �شاركت يف النهو�ض بالعمران‬
‫�أربيب‪ .‬وا�شتغل يف جتارة القطن املنخف�ض الدرجة وقام بحلجه‬ ‫وحتديث مدينة الزقازيق مع العديد من كبار الأثرياء والأعيان‬
‫فتح�سنت درجته‪ ،‬وحقق ربح ‪ 5000‬جنيه‪ .‬و�سافر لل�سودان عام‬ ‫منهم؛ عبد اللطيف بك ح�سانني الذي �أن�ش�أ مدر�سة عام ‪1927‬م‬
‫‪1907‬م‪ .‬وركب اجلمل ‪� 16‬ساعة �إىل ميناء طوكر بال�سودان‪ .‬كان‬ ‫وملج�أ للأيتام بالزقازيق‪ ،‬و�ساهم يف العديد من امل�شروعات‬
‫ي�شرتي القطن ويحلجه وي�صدره لإجنلرتا من ال�سودان مبا�شرة‪.‬‬ ‫اخلريية‪ ،‬و�أطلق عليه النا�س يف ال�شرقية لقب (حم�سن ال�شرقية‬
‫وكان ي�صدر بذرة القطن ملدينة (هل) ب�إجنلرتا ل�صناعة الزيوت‪.‬‬ ‫عبد اللطيف ح�سانني)‪ .‬و�ساهم يف عدد كبري من امل�شروعات‬
‫عاوده احلنني مل�صر ول�شارع فاروق وكفر النحال والزقازيق‪ ،‬فعاد‬ ‫الزراعية وال�صناعية باملدينة‪ ،‬وتكفل بعدد كبري من الأ�سر‬
‫يبحث عن جذوره‪ .‬ويف عام ‪1909‬م طلب منه ابن �أخيه علي‬ ‫الفقرية‪ ،‬بل �أقام مائدة خريية طوال العام تقدم الطعام اجلاهز‬
‫�إبراهيم ر�ضوان �أن يتزوج ابنته فتزوجها‪ .‬وحني خ�سر زوج ابنته‬ ‫(املطبوخ) للفقراء يوم ًّيا؛ وكذلك (عبد العزيز با�شا ر�ضوان)‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫كل ما ميلك يف م�سابقات اخليول قام عبد العزيز با�شا باقت�سام‬ ‫�صاحب �أ�شهر م�سجد عرف حلقات علم وذكر بالزقازيق‪.‬‬
‫�أمواله وعقاراته وكل ما ميلك منا�صفة مع ابن �أخيه عن طيب‬ ‫وا�ستمر ي�ؤدي ر�سالته الروحية والتعليمية حتى وقت قريب‬
‫خاطر‪ ،‬وا�ست�أجر عبد العزيز با�شا ر�ضوان حملج قطن اخلواجة‬ ‫�إىل �أن طالته يد التجاهل والإهمال حتى �سرق الل�صو�ص كل‬
‫�أربيب ب�شارع فاروق بالزقازيق حل�سابه �سنتي ‪1913‬م ‪1914 -‬م‪،‬‬ ‫مقتنياته الأثرية خالل فرتة االنفالت الأمني ال�سابقة مما ا�ضطر‬
‫ِ�ض املحلج للبيع يف مزاد علني �سنه ‪1915‬م‬ ‫وملا �أفل�س اخلواجة ُعر َ‬ ‫�أحفاده �إىل اال�ستجداء لإعادة ترميمه و�صيانته‪.‬‬
‫فا�شرتاه عبد العزيز بزيادة ‪ %50‬عن ثمنه الأ�صلي كرد للجميل‬
‫للخواجة �أربيب‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫كان عبد العزيز با�شا ر�ضوان يعمل يف جتارة القطن التي‬
‫عادت عليه بالأرباح التي �أنفقها يف �سبيل �أعمال اخلري وحتديث‬
‫عمران مدينة الزقازيق التي ا�ستمر فيها فيما بعد حركة مد �شبكة‬
‫ال�سكك احلديدية يف الوجه البحري‪ .‬وكرث متلك التجار الأجانب‬
‫يف الزقازيق لوابورات حلج القطن وقد وجد باملدينة وابورات‬
‫مملوكة للخواجات؛ مثل وابور (اخلواجة روجيه كناكي)؛ حيث‬
‫كان يقع مكانه قرب عزبة ال�صعايدة بالزقازيق حال ًّيا‪ ،‬وقد اندثر‪،‬‬
‫وهو وابور كبري‪ ،‬ومنازل ل�سكنه و�سكن مل�ستخدميه يف حلج‬
‫القطن وبه طاحونة بخارية‪ ،‬ومكب�س قطن وحديقة‪ .‬و�أ�ضحت‬
‫مقربة اخلواجة اليوناين �أدبيب بالزقازيق‬ ‫الزقازيق مرك ًزا ها ًّما من مراكز جتارة القطن يف م�صر ‪ .‬و�أهم املهن‬
‫عملوا يف الزراعة و�إ�صالح الأرا�ضي‪ .‬وكانت للأ�سرة عالقات‬ ‫التي كان ي�شتغلها �أهل الزقازيق هو ع�صر الزيت وحلج القطن‬
‫حميمة مع تالحمها للدرجة التي قاموا فيها جمي ًعا بتوديع‬ ‫و�صناعة احل�صر‪ ،‬وقد كان بها كثري من املحالج‪ .‬وهذا جدول‬
‫الأ�سرة حتى م�شارف بور�سعيد بعد �أن �صادر الإ�صالح الزراعي‬ ‫مل�صانع املدينة بني عامي ‪1939‬م و‪1949‬م‪.‬‬
‫�أرا�ضى الأ�سرة‪ .‬ومنذ ذلك الوقت البعيد وللآن حتاول هذه‬
‫العائلة ال�شريفة احل�صول على م�ستحقاتها‪ .‬ومات ب�سالتي الأب‪،‬‬ ‫ما ميتلكه الأجانب‬ ‫حلج قطن زيوت طحني‬ ‫العام‬
‫و�أو�صى ابنه مبتابعة اجلهود ال�سرتداد حقوقهم ال�شرعية يف تعب‬ ‫‪10 9‬قطن‪ 1،‬للحلج‪ 7 ،‬للطحن‬ ‫‪2‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1939‬م‬
‫الأجيال‪ .‬وكان ب�سالتي االبن قبل حلظات من وفاته يحدث‬ ‫‪ 2‬للقطن‪ 1 ،‬للحلج‪7 ،‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1949‬م‬
‫ابنته يا�سمني عن �آماله عندما ي�أتيهم التعوي�ض‪.‬‬ ‫للقطن‬
‫فقد بد�أ ب�سالتي حياته من جديد يف �أحد بنوك �أ�سرتاليا؛‬
‫حيث كان يقدم اخلدمات للمهاجرين امل�صريني يف ملبورن‬ ‫وحدثت عدة تطورات كبرية يف جمال حت�سني وزيادة‬
‫ل�شراء منازلهم وبدء حياتهم يف وطنهم اجلديد‪ .‬وعندما ت�س�أله‬ ‫اخت�صا�صات مدينة الزقازيق وغريها من املدن الأخرى‪ .‬ويف‬
‫عن م�شاعره نحو م�صر وال�شرقية وامل�صريني تنده�ش وهو يقول‬ ‫�أعقاب �سنة ‪1890‬م �أي عقب �إن�شاء جمل�س بلدية الإ�سكندرية‬
‫لك «�إنني ال �أحمل �سوى م�شاعر احلب والعرفان لهذا ال�شعب‬ ‫مت �إن�شاء جمل�س بالزقازيق عام ‪1893‬م‪ ،‬وكان ي�ضم �أع�ضا ًء من‬
‫العظيم‪ ،‬و�إن ما جرى لنا لي�س لأننا يونانيون‪ ،‬فقد جرى مثله‬ ‫الأجانب والوطنيني فيما عرف بالنظام املختلط‪.‬‬
‫جلرياننا امل�صريني»‪ .‬وتت�ساءل يا�سمني �ألك�ساندر ب�سالتي هل‬ ‫و�ساهم الأجانب الذين ا�ستقروا بالزقازيق وال�شرقية‬
‫�سي�صل التعوي�ض يف حياتها �أم حياة �أحفادها؟‬ ‫على النهو�ض بالعديد من اخلدمات وخا�صة اجلالية اليونانية‬
‫ويف الواقع كان بال�شرقية العديد من الأمثلة التي تعك�س‬ ‫بال�شرقية؛ حيث عملوا يف �أعمال وحرف و�أن�شطة كثرية؛ منها‬
‫الدور االجتماعي االقت�صادي لأ�صحاب رءو�س الأموال من‬ ‫املفيد ومنها ال�ضار‪ ،‬وجعلت لهم طاب ًعا ممي ًزا عن بقية الأجانب يف‬
‫امل�صريني �أو الأجانب اختاروا �أن يكونوا رجال �أعمال حقيقيني‬ ‫م�صر‪ .‬وقد كان لهم دور كبري يف ت�أ�سي�س وتكوين بع�ض �شركات‬
‫يف جبهة الفعل التنموي مب�صر‪ ،‬وهو دور ال يقل �أهمية عن جبهة‬ ‫الأقطان وال�صناعات املتعلقة بها ؛ ومنهم عائلة ب�سالتي؛ وهي‬
‫الن�ضال وال�صمود‪.‬‬ ‫من العائالت اليونانية العريقة التي عملت �أجيا ًال وراء �أجيال يف‬
‫الزراعة و�إ�صالح الأرا�ضي يف العبا�سة بال�شرقية‪ .‬ومل يكن لهم‬
‫لوحة �إن�شاء م�سجد علي �أغا‬
‫حمل لبيع امل�شروبات الكحولية �أو بيع اجلنب الرومي والزيتون بل‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪27‬‬
‫االحتاد اال�شرتاكي)‪ .‬كما ن�ص د�ستور ‪ 1956‬على منح املر�أة‬ ‫يف عام ‪ 1892‬دخلت �أول امر�أة ميدان ال�صحافة عندما‬
‫حقوقها ال�سيا�سية كاملةً‪ .‬وجاء يوم ‪� 29‬سبتمرب ‪ 1962‬ليعلن‬ ‫�أ�صدرت عميدة ال�صحفيات «هند نوفل» �أول دورية ن�سائية‬
‫عن اختيار حكمت �أبو زيد ك�أول وزيرة م�صرية‪.‬‬ ‫و�أطلقت عليها «الفتاة»‪ .‬وكان ظهور جملة الفتاة دلي ًال على تقدم‬
‫كل ما �سبق كان له الأثر الكبري يف ازدهار و�ضع املر�أة امل�صرية‪،‬‬ ‫احلركة الن�سائية يف املجتمع امل�صري كما َمثَّل حاف ًزا كب ًريا للمر�أة‬
‫وبالتوازي ظهرت �ضرورة وجود �صحافة ن�سائية قوية تعرب عن املر�أة‬ ‫امل�صرية لأن ت�أخذ ن�صيبها يف بالط �صاحبة اجلاللة‪.‬‬
‫وم�شكالتها وق�ضايا الأ�سرة امل�صرية‪ .‬فقدمت لنا دار الهالل جملة‬ ‫ولقد ظهرت بعد جملة الفتاة دوريات ن�سائية �أخرى بلغ‬
‫«حواء اجلديدة»؛ يف ‪ 14‬يناير ‪ 1955‬لتكون �أهم املجالت الن�سائية‬ ‫جمموعها حوايل ‪ 30‬دورية‪ .‬وقد �ساعدت ثورة ‪ 1919‬وما تبعها‬
‫ال�شهرية التي �صدرت بعد ثورة ‪ 23‬يوليو ‪ ،1952‬وعرفت املجلة يف‬ ‫من �أحداث �سيا�سية ووطنية يف تثبيت �أقدام ال�صحافة الن�سائية‬
‫تروي�ستها‪« :‬حواء اجلديدة جملة �شهرية ت�صدر عن دار الهالل»‪.‬‬ ‫يف م�صر �إىل قيام ثورة ‪ 23‬يوليو ‪1952‬؛ حيث �أ�صبحت املر�أة من‬
‫وقد وقع اختيار الهالل على ال�سيدة �أمينة ال�سعيد لتتوىل‬ ‫عنا�صر التطور وبناء املجتمع اجلديد الرئي�سية‪.‬‬
‫قيادة «حواء اجلديدة»؛ نظ ًرا خلربة �أمينة ال�سعيد ومكانتها‬ ‫البداية «حواء اجلديدة»‬
‫االجتماعية و�شهرتها ال�صحفية؛ حيث ظلت �أمينة ال�سعيد‬ ‫كانت ثورة ‪ 23‬يوليو ‪ 1952‬مبثابة نقطة حتول يف تاريخ م�صر‬
‫رئي�سة حترير «حواء اجلديدة» حوايل ‪ 25‬عا ًما‪ ،‬وجعلت منها جملة‬ ‫احلديث بل ويف تاريخ الوطن العربي ب�أكمله‪ .‬كما كانت الثورة‬
‫رائدة موجهة‪ ،‬لي�س فقط حلواء بل ولآدم �أي�ضً ا‪.‬‬ ‫بداية لعهد التحوالت اجلذرية يف جميع املجاالت ال�سيا�سية‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫وقد حددت دار الهالل الهدف من �إ�صدار املجلة وال�سيا�سة‬ ‫والثقافية والأدبية واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬ومع ما �شهدته‬
‫التحريرية لها يف ال�صفحة الأوىل بقولها‪:‬‬ ‫البالد من حتوالت يف جميع املجاالت‪ ،‬بد�أ دور املر�أة امل�صرية‬
‫«هذه جملة جديدة نتقدم بها �إىل حواء اجلديدة يف العامل‬ ‫يف التعاظم وامل�ساهمة الفعالة يف احلياة الثقافية وال�سيا�سية‬
‫العربي‪ .‬و�أملنا �أن يقر�أها �آدم ب�شغف واهتمام‪ .‬فقد توخينا فيها‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬فنجد �أن املر�أة امل�صرية حملت‬
‫�أن تكون مالئمة ملزاج اجلن�سني على ال�سواء‪ ،‬وراعينا يف اختيار‬ ‫ال�سالح �إىل جانب الرجل يف الدفاع عن البالد وقت حدوث‬
‫موادها تنو ًعا ير�ضي الن�ساء والرجال‪ .‬ور�سالتها ن�صرة احلق‬ ‫العدوان الثالثي على م�صر عام ‪ ،1956‬و�شاركت يف التنظيمات‬
‫ال�سيا�سية التي ولدت مع الثورة (هيئة التحرير‪ -‬االحتاد القومي‪-‬‬
‫‪28‬‬
‫وجاء باب «م�شكلتك» للرد على م�شكالت القارئات‪ ،‬وباب‬ ‫وح�سن التوجيه‪ .‬وغاية هدفنا �أن جنعلها من ًربا لل�صحافة الر�شيدة‬
‫«املطبخ» �إعداد زينات اجلداوي‪ ،‬وباب «ن�شاط حواء يف �شهر»‬ ‫العامرة بالقوة واجلر�أة»‪.‬‬
‫وهو مبثابة �أجندة �أحداث و�أخبار و�أن�شطة املر�أة خالل ال�شهر‪.‬‬ ‫«�إننا ن�ؤمن بدور املر�أة يف حياة ال�شعوب‪ ،‬ويقي ًنا �أن العروبة‬
‫وجاء باب «حتقيق العدد» عن بيوت الطالبات املغرتبات‪،‬‬ ‫نف�سا‬‫حمتاجة �إىل معونة ن�سائها‪ ،‬ولكننا نعرف �أن اهلل ال يكلف ً‬
‫وامل�شكالت التي تواجههن واحلياة اليومية لهن ببيت املغرتبات‪،‬‬ ‫�إال و�سعها‪ ،‬ولي�س يف مقدور العربية �أن حت�سن �أداء ر�سالتها‬
‫وجاء هذا التحقيق حتت عنوان «بيت ال�سعادة»‪.‬‬ ‫ب�أو�ضاعها احلائرة‪ ،‬فهدفنا �أن تكون هذه املجلة �صو ًتا ن�سائ ًّيا مدو ًّيا‬
‫واحتلت الإعالنات ‪� 16‬صفحة من �صفحات العدد الأول‪.‬‬ ‫ينادي بالإ�صالح ويخ�ص يف �إبداء الر�أي وال ي�سكت عن بلوغ‬
‫وكان ثمن هذا العدد وقتذاك خم�سة قرو�ش‪.‬‬ ‫الغاية و�إن كرثت العقبات»‪.‬‬
‫من حواء اجلديدة �إىل حواء‬ ‫«ودار الهالل التي �أخل�صت يف خدمة ال�صحافة �أرب ًعا و�ستني‬
‫�سنة لأمينة على حتقيق هذا الغر�ض النبيل‪ ،‬ولها من بنات حواء‬
‫ا�ستمرت جملة حواء يف ال�صدور كمجلة �شهرية حتى‬ ‫يف �أر�ض العروبة خري �سند ومعني»‪.‬‬
‫عدد �إبريل عام ‪1957‬؛ حيث �أعلنت املجلة �أنها �سوف ت�صدر‬
‫�أ�سبوع ًّيا با�سم «حواء»‪ .‬وبالفعل �صدر العدد الأ�سبوعي الأول يف‬ ‫وكانت جملة «حواء اجلديدة» ت�ؤمن منذ العدد الأول ب�أن‬
‫‪� 13‬إبريل عام ‪ ،1957‬وهي ال تزال جملة �أ�سبوعية حتى الآن‪.‬‬ ‫احلياة �شركة بني الرجل واملر�أة؛ ولذلك خ�ص�صت �صفحة‬
‫للزوجة بعنوان «من نافذة حواء» موقعة بكلمة «يا ظاملني» يقابلها‬
‫�صفحة خم�ص�صة للرجل بعنوان «من نافذة �آدم» وحتمل �إم�ضاء‬
‫«الوح�ش اجلميل»‪ ،‬وقد متيزت ال�صفحتان بال�سال�سة ال�شديدة‪.‬‬
‫واتخذ هذا كنموذج مت تقليده يف العديد من ال�صحف واملجالت‬
‫الن�سائية التي ظهرت فيما بعد ولكن مب�سميات خمتلفة‪.‬‬
‫عن العدد الأول‬
‫جاء العدد الأول من «حواء اجلديدة» بر�سومات الكاريكاتري‬
‫للفنانني حاكم وم�صطفى ح�سني والر�سامة �سميحة ح�سني‪.‬‬
‫�أما بالن�سبة لل�صور فاعتمدت حواء على املمثالت النا�شئات‬
‫يف ذلك التوقيت لت�صوير امل�شاهد اخلا�صة بالق�صة الواقعية‪،‬‬
‫واملو�ضوعات االجتماعية والنف�سية والعاطفية‪ .‬وكان الكاريكاتري‬
‫ي�أتي حتت عنوان «ا�ضحك مع املر�أة»‪ .‬وقد جاء الكاريكاتري يف‬
‫�صورة لوحات �ضاحكة حتري�ضية‪ ،‬الهدف منها حث املر�أة على‬
‫التقدم والرقي والنهو�ض‪.‬‬
‫وجاء العدد الأول وا�ض ًعا يف ح�سبانه حر�ص املر�أة امل�صرية‬
‫على تقليد امل�شاهري و�سيدات املجتمع واال�ستفادة من جتارب‬
‫الآخرين‪ .‬فت�ضمن العدد جتارب ال�سيدة «�إقبال ن�صار» زوجة‬
‫املو�سيقار حممد عبد الوهاب حني حتدثت عن بيتها وكيف‬
‫�أعدت ال�صالون‪ ،‬وكيف تقوم ب�أعمال املنزل و�أ�شغاله مزودة‬
‫بال�صور امللونة اجلذابة‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪30‬‬
‫�أن�شئ بنا ًء على موافقة رئي�س اجلمهورية عام ‪ ،1966‬و�أدرج‬
‫�ضمن الأنواط املدنية بالقانون رقم ‪ 12‬ل�سنة ‪.1972‬‬
‫يعرب ت�صميم النوط عن انطالق اخلربة واالمتياز بني اجلماهري‪،‬‬
‫حتى �إذا ما تطورت اخلربة وازدهرت؛ عادت وانعك�ست بخريها‬
‫على ال�شعب‪.‬‬
‫يجوز منح نوط االمتياز ملن ي�ؤدون خدمات ممتازة للوطن‪،‬‬
‫وللمربزين الذين يتفوقون تفوقًا ملحو ًظا يف �أوجه الن�شاط‬
‫املختلفة يف العلوم‪� ،‬أو الفنون‪� ،‬أو الآداب‪� ،‬أو الزراعة‪� ،‬أو ال�صناعة‪،‬‬
‫�أو التجارة‪� ،‬أو الريا�ضة‪� ،‬أو �شئون ال�شباب‪� ،‬أو اخلدمات العامة‪� ،‬أو‬
‫الأمن‪� ،‬أو النظام العام‪.‬‬
‫ي�شتمل نوط االمتياز على ثالث طبقات (الأوىل والثانية‬
‫واالثالثة)‪ .‬ويعلق النوط على ال�صدر من اجلهة الي�سرى‬
‫ب�شريط عر�ضه ‪� 3,7‬سم من احلرير الأبي�ض بحا�شيتني من اللون‬
‫الأخ�ضر‪.‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪31‬‬
‫مشروع جماري القاهرة‬
‫حممود عزت‬
‫وت�صريف مياه �أمطارها عام ‪1906‬‬

‫م�صمتة تفي�ض منها مياه املجاري �إىل املجرور وهو �سرداب الت�سرب‬ ‫من �ضمن الوثائق التي مت �ضمها مل�شروع ذاكرة م�صر املعا�صرة‬
‫امل�سمى بالرتان�ش‪ ،‬ويف املباين الكبرية تغو�ص �آبار لت�صريف‬ ‫حديثًا جمموعة من املحا�ضرات التي �ألقيت بجمعية املهند�سني‬
‫الفائ�ض املائي �إىل باطن الأر�ض‪ .‬و�سرعان ما يتوقف هذا اجلاهز عن‬ ‫امللكية امل�صرية والتي تعك�س جمموعة كبرية من املو�ضوعات‬
‫�أداء وظيفته ب�سبب ان�سداد م�سام الرتبة باملواد الدهنية واملخاطية‬ ‫احليوية والتي �أثارت العديد من الق�ضايا حتى الآن‪ .‬ومن �ضمن‬
‫املوجودة يف الرتبة الطينية والتي بها مياه الر�شح مرتفعة‪ ،‬فت�ستهلك‬ ‫تلك املحا�ضرات �أو املو�ضوعات حما�ضرة �ألقيت بجمعية املهند�سني‬
‫هذه التكاليف جز ًءا كب ًريا من �أ�سا�س املبنى‪ ،‬ف�ض ًال عن الإ�ضرار‬ ‫امللكية امل�صرية بتاريخ ‪ 9‬فرباير ‪ 1939‬عن م�شروع جماري القاهرة‬
‫ب�صحة ال�سكان وتلف جدران املباين‪ .‬ومل يكن بالقاهرة يف ذلك‬ ‫وت�صريف مياه الأمطار املرتاكمة يف �شوارع املدينة يف ف�صل ال�شتاء‪،‬‬
‫الوقت �سوى ‪ 7700‬مرت طويل من جماري مياه الأمطار لها ثالثة‬ ‫والذي بد�أ يف عام ‪1906‬؛ وهو من املو�ضوعات احليوية التي‬
‫م�صبات يف النيل و�أ�ضيف عليها ‪ 800‬مرت تقري ًبا �أن�ش�أتها م�صلحة‬ ‫نوق�شت يف العديد من املحافل ومازالت ُتناق�ش حتى وقتنا هذا‪،‬‬
‫التنظيم يف عام ‪� .1902‬أما باقي القاهرة فكانت ترتك ب�شوارعها‬ ‫فكان من الأهمية لنا �أن نعر�ض لكم قراءة تاريخية لذلك امل�شروع‪.‬‬
‫مياه الأمطار حتى تت�سرب �إىل باطن الأر�ض �أو تك�سحها عربات‬ ‫فم�شروع املجاري له �أهمية خا�صة ملدينة كربى؛ مثل مدينة‬
‫التنظيم‪.‬‬ ‫القاهرة من الوجهتني ال�صحية والعمرانية‪ .‬ومن واجبات ال�سلطة‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫كل هذا كان داع ًيا قو ًّيا لتفكري احلكومة يف �إن�شاء م�شروع‬ ‫املخت�صة عن تنفيذ م�شروع املياه للمدينة �أن تفكر يف نف�س الوقت‬
‫جما ٍر ملدينة القاهرة ف�شُ ِّكلت لهذا الغر�ض عدة جلان‪ ،‬ثم قامت‬ ‫يف كيفية ت�صريف هذه املياه بعد اال�ستعمال ملنع تخزينها وتعفنها‬
‫احلكومة بت�شكيل جلنة من ثالثة مهند�سني عامليني �أحدهم امل�سرت‬ ‫حتت جدران املباين �أو �إعاقتها لكرة املرور ب�شوارع املدينة‪.‬‬
‫هرني لو الإجنليزي اجلن�سية‪ ،‬والثاين م�سيو جريار فرن�سي‪ ،‬والثالث‬ ‫ويتجلى يف بداية قراءة املحا�ضرة ا�ستعرا�ض حال القاهرة‬
‫الهر هرب�شت الأملاين؛ لفح�ص ‪ 30‬م�شرو ًعا ملجاري القاهرة‪ ،‬ومل‬ ‫قبل �إن�شاء م�شروع املجاري والو�سائل املتبعة �آنذاك‪ ،‬ففي اجلهات‬
‫تو�ص اللجنة على م�شروع واحد من الثالثني؛ وذلك الفتقادها‬ ‫ِ‬ ‫املحرومة من املجاري يلج�أ �أ�صحاب املباين �إىل ا�ستعمال خزانات‬
‫‪32‬‬
‫بالقرب من تقابله مع �شارع عماد الدين؛ لرفع مياه الأمطار؛ لت�صب‬ ‫لعدة �أمور‪ .‬غري �أن اللجنة �أو�صت ب�أن نظام املجاري املنا�سب ملدينة‬
‫يف ترعة الإ�سماعيلية فرع غمره‪.‬‬ ‫القاهرة يجب �أن يكون نظام جما ٍر م�شرتك �أي �أن مياه املجاري‬
‫ومن الق�ضايا التي �أثريت �آنذاك‪� ،‬أنه عندما و�ضع م�شروع‬ ‫والأمطار يجب �أن ت�صب يف ما�سورة انحدار واحدة‪ ،‬و�أن تنحدر‬
‫جماري القاهرة مل ت�صرح ال�سلطات ال�صحية لو�ضع حمطة‬ ‫جميع املياه يف جماري انحدار رئي�سة �إىل حمطة طلمبات واحدة‬
‫الطلمبات الرئي�سية قريبة من املباين؛ خوفًا من غازات املجاري‬ ‫لرفع مياه املجاري جميعها يف ما�سورة من الظهر �إىل �أر�ض �صحراوية‬
‫حد‪ ،‬وو�ضعها‬ ‫ورائحتها مب�صايف املحطة‪ ،‬فتقرر �إبعادها �إىل �أق�صى ٍّ‬ ‫يف ال�شمال ال�شرقي بالقرب من كفر فاروق‪ .‬و ُتروى الرتبة الرملية‬
‫يف كفر فاروق �أي حوايل ‪ 13‬كيلوم ًرتا بعي ًدا عن و�سط املدينة؛‬ ‫مبياه املجاري دون حاجة �إىل تنقيتها‪.‬‬
‫فنتج عن ذلك �إن�شاء جممع طويل يبد�أ يف نقطة متطرفة عند غمره‬ ‫ويف �سنة ‪ ،1899‬قدم ال�سري وليام ولكوك�س ثالثة م�شروعات‬
‫وتخلفت بالقاهرة م�ساحات وا�سعة ال ميكن �صرفها باالنحدار‬ ‫جمارٍ؛ �أهمها ي�شري ب�إن�شاء جممعني رئي�سني؛ الأول‪ :‬مير ب�شارع‬
‫الطبيعي �إىل هذا املجمع‪ .‬وق�سمت هذه امل�ساحات �إىل ‪ 63‬منطقة‬ ‫اخلليج امل�صري خمرتقًا املدينة بطولها حتى كوبري غمرة‪ .‬والثاين‪:‬‬
‫تبد�أ من م�صر القدمية جنوبًا �إىل �شربا �شما ًال ومن القلعة وجنوبي‬ ‫مير مبحاذاة الرتعة الإ�سماعيلية حتى يقابل جممع اخلليج امل�صري‬
‫العبا�سية �شرقًا �إىل النيل غربًا‪ .‬وفيما بعد �أ�ضيفت ثالث روافع‬ ‫ويجتمعا يف جممع رئي�سي واحد ميتد �إىل حمطة طلمبات املجاري‬
‫�أخرى؛ اثنتان بالزمالك والثالثة ب�أبي ال�سعود‪ ،‬فبلغ عدد املناطق‬ ‫الرئي�سية لرفع الإيراد جميعه �إىل مزرعة املجاري‪ .‬واعتمد هذا‬
‫‪ 66‬منطقة خالف طلمبة م�ست�شفى امللك ف�ؤاد بالرو�ضة والطلمبتني‬ ‫امل�شروع ثم �أهمل تنفيذه فيما بعد‪.‬‬
‫امل�ساعدتني بجزيرة بدران ب�شربا وزين العابدين بال�سيدة زينب‬ ‫ويف عام ‪ 1906‬كلفت احلكومة امل�سرت كاركيت جيم�س‬
‫املن�ش�أة حديثًا‪.‬‬ ‫بتح�ضري م�شروع جماري القاهرة‪ ،‬وكان عدد ال�سكان ‪644000‬‬
‫والرافع عبارة عن طلمبة �أوتوماتيكية حتتوي على علبتني يف‬ ‫ي�ستهلكون حوايل ‪ 26000‬مرت مكعب يوم ًّيا من املياه �أي حوايل‬
‫الغالب وتعمالن بالتناوب وتدخل مياه املجاري‪ ،‬وعندما متتلئ‬ ‫‪ 40‬ل ًرتا لل�شخ�ص الواحد‪ .‬وح�ضر امل�شروع ليكفي املدينة مدة ‪25‬‬
‫تتحرك لعوامة العليا داخل العلبة من تلقاء نف�سها‪ ،‬فيفتح �صمام‬ ‫�سنة �أي حتى عام ‪ ،1932‬على �أ�سا�س �أن عدد ال�سكان يف تلك‬
‫يدخل منه الهواء امل�ضغوط الذي مبجرد دخوله ي�سد �صمام دخول‬ ‫ال�سنة �سيبلغ ‪ 960000‬ن�سمة‪ ،‬و�أن اال�ستهالك �سيبلغ ‪48000‬‬
‫املياه‪ ،‬ويفتح �صمام �آخر‪ ،‬ويدفع املياه �إىل ما�سورة الطرد حتى تفرغ‬ ‫مرت مكعب يوم ًّيا �أي ‪ 50‬ل ًرتا لل�شخ�ص الواحد يف اليوم‪ ،‬و�أن‬
‫العلبة‪ ،‬وعند ذلك ت�سقط العوامة ال�سفلى‪ ،‬وب�سقوطها ميتنع دخول‬ ‫جملة امل�ساحة التي ي�شملها امل�شروع هي ‪ 7267‬فدانًا‪ ،‬ت�صرف‬
‫الهواء امل�ضغوط‪ ،‬ويقفل �صمام ما�سورة الطرد‪ ،‬ويفتح �صمام دخول‬ ‫منها باالنحدار الطبيعي ‪ 3168‬فدانًا وبالرفع الآيل ‪ 4099‬فدانًا‪.‬‬
‫املياه‪ .‬وتتكرر هذه العملية بالتناوب بني العلبتني؛ بحيث عندما‬ ‫وقُ�سمت هذه امل�ساحة الأخرية �إىل ‪ 63‬حمطة رفع بطريقة الهواء‬
‫متتلئ �إحداهما تفرغ الأخرى من املياه ب�ضغط الهواء وهكذا‪.‬‬ ‫امل�ضغوط الذي يوزع عليها يف �شبكة من موا�سري الزهر‪ .‬وتقوم تلك‬
‫الروافع يف فرتة الفي�ضان‬ ‫الروافع برفع مياه املجاري بهذه املحطات �إىل ثالثة فروع رئي�سية من‬
‫موا�سري الزهر الأول ب�شارع اخلليج امل�صري‪ ،‬والثاين ب�شارع امللكة‬
‫ونظ ًرا لأن امل�شروع الأ�صلي ملجاري القاهرة ُو�ضع على‬ ‫نازيل‪ ،‬والثالث فرع �شربا‪ .‬وجتتمع هذه الفروع الثالثة يف غمره؛‬
‫�أ�سا�س ا�ستهالك ‪ 50‬ل ًرتا لل�شخ�ص الواحد يف متو�سط ال�سكان‬ ‫حيث يبد�أ املجمع الرئي�سي الأول ما ًّرا ب�شارع امللكة نازيل ف�شارع‬
‫املقدر عددهم بـ ‪ 960000‬ن�سمة عام ‪ 1932‬مبا يف ذلك‬ ‫امللك ثم بالقبة والزيتون واملطرية حتى عني �شم�س ثم يتجه �شرقًا‬
‫‪ 10‬لرتات لل�شخ�ص من الطبقات الفقرية و‪ 150‬ل ًرتا لل�شخ�ص يف‬ ‫حتت قاع ترعة اجلبل حتى حمطة طلمبات كفر فاروق‪ .‬وبهذه‬
‫الطبقات الراقية والأجانب‪ ،‬وحيث �إن تقدم القاهرة ال�سريع دل‬ ‫املحطة �أربع جمموعات بخارية لرفع مياه املجاري بالطلبمات ذات‬
‫على �أن عدد ال�سلكان زاد كث ًريا عن املقدر يف امل�شروع الأ�صلي‪،‬‬ ‫املكب�س يف ما�سورة طرد ت�سمى املا�سورة ال�صاعدة؛ لتو�صيل مياه‬
‫كما �أن متو�سط اال�ستهالك اليومي لل�شخ�ص الواحد بلغ ‪ 90‬ل ًرتا‬ ‫املجاري �إىل �أحوا�ض التنقية مبزرعة املجاري باجلبل الأ�صفر‪ .‬وهناك‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫ف�إن الروافع و�شبكة موا�سري الطرد كباقي امل�شروع �أ�صبحت ال‬ ‫تر�سب املياه ب�أحوا�ض تر�سيب تكفي ‪� 48‬ألف مرت مكعب يوم ًّيا‪.‬‬
‫تكفي للت�صرفات احلالية‪ .‬ولذا ا�ضطرت امل�صلحة لإن�شاء حمطة‬
‫طلبمات الأمريية‪ ،‬واملجمع الثاين وفروعه مع اال�ستعانة منذ‬ ‫وو�ضع امل�شروع الأ�صلي على �أ�سا�س �صرف مياه الأمطار يف‬
‫عام ‪ 1934‬بو�ضع طلمبات نقايل م�ساعدة للروافع غري القادرة‬ ‫النيل بوا�سطة ثالثة م�صبات �إال �أنه يف عام ‪ 1910‬بعد �أن نفذ‬
‫على رفع الت�صرف مدة الفي�ضان؛ مثل ورافع الداخلية ومريت‬ ‫ن�صف امل�شروع تقري ًبا قررت احلكمة �أن تقوم �شركة مياه القاهرة‬
‫با�شا و�شارع حكيم واخلازنداره ورو�ض الفرج واملطبعة الأهلية‪.‬‬ ‫ب�سحب مياه ال�شرب من النيل مع عدم �صرف مياه الأمطار من‬
‫وهذه الطلمبات ميكن اال�ستغناء عنها عند ا�ستكمال فروع املجمع‬ ‫امل�صبات الثالثة املذكورة‪ .‬فوزعت مياه الأمطار على الروافع بقدر‬
‫الرئي�سي اجلديد والذي بد�أ ت�شغيله فيما بعد يف �إبريل عام ‪.1939‬‬ ‫الإمكان و�أن�شئت حمطة طلمبات مياه ال�سطوح ب�شارع امللكة نازيل‬

‫‪33‬‬
‫بروتوكوالت‬
‫ومراسم‬

‫ترتيب اجللو�س حول املائدة‬ ‫تنوعت امل�آدب امللكية بني م�آدب غداء‪� ،‬أو ع�شاء‪ ،‬وم�آدب‬
‫لرتتيب املائدة ينبغى �إعداد القوائم الآتية بح�سب الأحوال‪:‬‬ ‫�إفطار �شهر رم�ضان‪ ،‬وحفالت ال�شاي‪ .‬كان يتم توجيه بوا�سطة‬
‫ •قائمة باملدعوين من �أ�صحاب املقامات من امل�صريني‪� .‬أي‬ ‫كبري الأمناء‪ ،‬وتذكر املنا�سبة يف بطاقات الدعوة �إذا كانت امل�أدبة‬
‫حاملي الرتب (بك ‪ -‬با�شا)‪.‬‬ ‫مقامة ملنا�سبة ر�سمية �أم ال‪ .‬ويراعى �إر�سال البطاقات قبل موعد‬
‫ •قائمة باملدعوين من رجال ال�سلك ال�سيا�سي الأجنبي‬ ‫امل�أدبة ب�أ�سبوع على الأقل‪.‬‬
‫واجلاليات الأجنبية‪.‬‬ ‫�أما عن املالب�س اخلا�صة باملدعوين ففي م�آدب الغداء يكون‬
‫ •قائمة باملدعوات من �سيدات ال�سلك ال�سيا�سي‬ ‫احل�ضور بالردجنوت ال�سوداء �شتا ًء والرمادية �صيفًا‪ .‬ويف م�آدب‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫الأجنبي و�سيدات اجلاليات الأجنبية‪.‬‬ ‫الع�شاء يكون احل�ضور ببدلة الت�شريفة والنيا�شني �إذا كانت‬
‫ويراعى يف ترتيب هذه القوائم الأ�سبقية‪ ،‬وبالن�سبة لكبار‬ ‫امل�أدبة لتكرمي ملك �أو رئي�س دولة �أجنبية يف زيارة ر�سمية‪� ،‬أو يف‬
‫الأجانب الذين لهم يف بالدهم مكانة �أو مركز ر�سمي‪ ،‬فيطلب من‬ ‫املنا�سبات الر�سمية التي ي�أمر امللك بارتدائها فيها‪ .‬وتكون ببدلة‬
‫ممثلهم ال�سيا�سي ترتيب �أ�سبقيتهم فيما بينهم‪ ،‬وترتيبهم بالن�سبة‬ ‫ال�سهرة والنيا�شني يف احلاالت الأخرى‪� .‬أما يف م�آدب الإفطار‬
‫لأع�ضاء بعثتهم ال�سيا�سية يف م�صر‪.‬‬ ‫فيكون احل�ضور بالردجنوت ال�سوداء‪ .‬وكذلك حفالت ال�شاي‬
‫يكون احل�ضور �أي�ضً ا بالردجنوت‪� ،‬إال �إذا ن�ص على غري ذلك‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫ترتيب املائدة الكربى عند دعوة ملك �أجنبي‬ ‫�أما ترتيب املدعوات فيما بينهن‪ ،‬فالقاعدة املتبعة �أن ت�أخذ‬
‫�إذا كان امللك الأجنبي يف زيارة ر�سمية فيكون ترتيب اجللو�س‬ ‫ال�سيدة ب�صفة عامة مرتبة زوجها‪ ،‬و�أن الآن�سات ي�أتني يف الرتتيب‬
‫بالتف�صيل الآتي‪:‬‬ ‫بعد �آخر �سيدة متزوجة وذلك ما مل تكن ال�سيدة �أو الآن�سة �أمرية‬
‫ •�إذا كان مع امللك ال�ضيف زوجته؛ يحتل امللك ال�ضيف‬ ‫من بيت مالك؛ �إذ �إن الأمرية ‪ -‬بغ�ض النظر عن مرتبة زوجها ‪- ‬‬
‫مركز املائدة‪ ،‬الأول وجتل�س زوجته عن ميينه‪ ،‬ويجل�س‬ ‫تتقدم على من عداها من ال�سيدات والآن�سات‪ ،‬وال ي�ستفيد‬
‫امللك عن ي�سار ال�ضيف‪ .‬وعندئذ يجوز �إلغاء املركز‬ ‫زوجها من تقدمها‪ ،‬بل يلزم مرتبته اخلا�صة به‪.‬‬
‫الثاين للمائدة‪ ،‬ويعترب اليمني �أو الي�سار بالن�سبة خلارج‬ ‫ترتيب املائدة الكربى‬
‫املائدة وداخلها هو ميني �أو ي�سار امللك ال�ضيف‪.‬‬
‫ •�إذا مل يكن مع ال�ضيف زوجته؛ يجوز �أن يجل�س‬ ‫تراعى يف ترتيب اجللو�س باملائدة الكربى الإر�شادات العامة‬
‫ال�ضيف وامللك متجاورين باعتبارهما �شخ�صية واحدة‪،‬‬ ‫الآتية‪:‬‬
‫ويوزع املدعوون عن ميينهما م ًعا وي�سارهما م ًعا‪.‬‬ ‫مكان امللك هو ال�صدارة يف الو�سط متا ًما‪ ،‬وهذا املكان هو‬
‫�أما �إذا مل تكن الزيارة ر�سمية‪ ،‬فيجوز �أن يجل�س امللك‬ ‫مركز املائدة الرئي�س الأول‪ ،‬وترتب املوا�ضع عن ميينه وعن ي�ساره‪.‬‬
‫ال�ضيف عن ميني امللك‪ .‬و�إذا كانت مع ال�ضيف زوجته فيجوز �أن‬ ‫ويف مواجهة امللك مكان �أكرب �شخ�صية حا�ضرة من بيت امللك‪،‬‬
‫جتل�س عن ميني امللك‪ ،‬ويجوز �أن يجل�س زوجها عن ي�ساره‪ ،‬وذلك‬ ‫وهذا املكان هو مركز املائدة الثاين‪ ،‬وترتب املوا�ضع عن ميينه وعن‬
‫ما مل يتف�ضل امللك مبو�ضعه لل�ضيف‪.‬‬ ‫ي�ساره كذلك‪ .‬ويحتل هذا املركز عادة �أحد �أع�ضاء الأ�سرة املالكة‬
‫ترتيب املائدة ال�صغرية‬ ‫�أو رئي�س ديوان امللك �أو كبري الأمناء �أو رئي�س جمل�س الوزراء‬
‫يراعى يف ترتيب اجللو�س باملائدة ال�صغرية الإر�شادات العامة‬ ‫بح�سب الأمر ال�سامي‪.‬‬
‫الآتية‪:‬‬ ‫ويرتب املدعوون بح�سب الأ�سبقية ب�إحدى طريقتني‪:‬‬
‫ مكان امللك هو الو�سط متا ًما من �أحد �ضلعي املائدة‬
‫الطريقة الأوىل‪ :‬وهي املتبعة يف الق�صر امللكي‪ ،‬وفيها‬
‫الكبريين‪ ،‬وهذا املكان هو مركز املائدة الرئي�سي الأول‪،‬‬
‫يرتب واحد عن ميني مركز املائدة الأول وواحد عن ي�ساره‪ ،‬ثم‬
‫ويف مواجهته من ال�ضلع املقابل مركز املائدة الثاين‬
‫واحد عن ميني مركز املائدة الثاين وواحد عن ي�ساره‪ .‬وبعدئذ يوزع‬
‫الذي حتتله �أكرب �شخ�صية حا�ضرة من بيت امللك‪.‬‬
‫باقي املدعوين حول املائدة واحد عن اليمني وواحد عن الي�سار‬
‫ويرتب املدعوون بح�سب الأ�سبقية واحد عن ميني مركز‬
‫من اخلارج‪ ،‬ثم واحد عن اليمني وواحد عن الي�سار من الداخل‬
‫املائدة الأول وواحد عن ي�ساره‪ ،‬ثم واحد عن ميني مركز‬
‫على التعاقب �إىل �آخرهم‪.‬‬
‫املائدة الثاين وواحد عن ي�ساره‪ ،‬وهكذا على التعاقب‬
‫�إىل �آخر املدعوين‪ ،‬على �أن يجل�س عند نهايتي املائدة‬ ‫والطريقة الثانية‪ :‬يرتب فيها املدعوون �أولهم عن ميني‬
‫�شخ�صيات من الق�صر‪ - .‬و�إذا �شملت الدعوة �سيدات‬ ‫مركز املائدة الأوىل‪ ،‬وثانيهم عن ميني مركز املائدة الثاين‪ ،‬وثالثهم‬
‫فتجل�س �أوالهن يف الأ�سبقية اخلا�صة بهن عن ميني امللك‬ ‫عن ي�سار املركز الأول‪ ،‬ورابعهم عن ي�سار املركز الثاين‪ ،‬وهكذا‬
‫والثانية عن ي�ساره‪ ،‬والثالثة عن ميني مركز املائدة الثاين‬ ‫على التبادل بني مركزي املائدة‪.‬‬
‫والرابعة عن ي�ساره‪ ،‬ثم يجل�س رجل و�سيدة عن اليمني‬ ‫�إذا �شملت الدعوة �سيدات فتجل�س �أوالهن يف الأ�سبقية‬
‫ورجل و�سيدة عن الي�سار على التعاقب بالكيفية التي‬ ‫اخلا�صة بهن عن ميني امللك‪ ،‬والثانية عن ي�ساره‪ ،‬والثالثة عن ميني‬
‫�سبق ذكرها‪.‬‬ ‫مركز املائدة الثاين والرابعة عن ي�ساره‪ ،‬ثم يجل�س رجل و�سيدة‬
‫ ويف حالة وجود ملك �أجنبي يف زيارة ر�سمية يجوز‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫عن اليمني ورجل و�سيدة عن الي�سار على التعاقب بالكيفية التي‬


‫�أن يجل�س ال�ضيف عن ميني امللك‪ ،‬ويجوز �أن يجل�س‬ ‫�سبق ذكرها‪ .‬ويراعى بقدر الإمكان �أن يكون �إىل جوار كل �سيدة‬
‫�شخ�صا واح ًدا وذلك ما‬‫امللكان متجاورين باعتبارهما ً‬ ‫رجل و�أن يجاور كل �شخ�صية �أجنبية �شخ�صية م�صرية‪ ،‬ويراعى‬
‫مل يتف�ضل امللك مبو�ضعه لل�ضيف‪ .‬ويراعى فيما يتعلق‬ ‫هذا التبادل �أو التداخل من باب املجاملة فيما بني الوزراء‬
‫بكبار املوافقني لرئي�س الدولة الأجنبية الذي يزور م�صر‬ ‫املفو�ضني الأجانب وبني وزراء الوزارة امل�صرية وذوي املقامات‬
‫زيارة ر�سمية �سوا ًء كانوا من كبار الرجال �أو من كبار‬ ‫من امل�صريني‪ .‬ويجل�س عند نهايتي املائدة �شخ�صيات من الق�صر‬
‫رجال حكومته �أن يو�ضعوا يف امل�آدب الر�سمية امل�صرية‬ ‫جماملة لل�ضيوف‪.‬‬
‫بح�سب الأحوال بني ال�سفراء والوزراء املفو�ضني‬
‫املعتمدين يف م�صر‪ ،‬وذلك مراعاة ملقت�ضيات ال�ضيافة‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫أمري اخلليفة‬
‫لقب موظف يرجع �إىل الع�صر الأيوبي‪ ،‬وا�ستخدم‬
‫�أي�ضً ا يف الع�صراململوكي‪ .‬مهمته مرافقة اخلليفة يف حله‬
‫وترحاله‪ ،‬يراقبه بعني احلر�ص‪ ،‬وال ينفرد عنه‪ ،‬وال ِّميكن‬
‫�أح ًدا من االجتماع به‪.‬‬

‫أمري جاندار‬
‫اجلاندار لفظ مركب من جان‪ ،‬وهي كلمة تركية مبعنى‬
‫روح‪ ،‬ودار الفار�سية مبعنى مالك �أو �صاحب‪ .‬و�أمري جاندار‬
‫لقب موظف منذ الع�صر الأيوبي‪ ،‬وا�ستخدم �أي�ضً ا يف‬
‫الع�صر اململوكي‪ .‬و�أمري اجلاندار من مرتبة �أمراء الطبلخاناه‪،‬‬
‫ومهمته تنظيم دخول الأمراء على ال�سلطان‪ ،‬وتقدمي الربيد‬
‫له مع الدودار‪ .‬يعمل ب�إمرته �صنف من الع�سكر يعرفون‬
‫با�سم بردادارية‪� ،‬أو جاندارية‪ ،‬وقد انح�صر عملهم عند‬
‫مبا�شري الديوان‪ .‬وقد انحطت هذه الوظيفة يف �آخر الع�صر‬
‫اململوكي حتى �صارت من اخت�صا�ص �أمراء الع�شرات‪.‬‬

‫السيد‬
‫ال�سيد يف اللغة املالك والزعيم‪ ،‬و�أطلق كلقب عام‬
‫على الأجالء من الرجال‪ .‬وكان لقب ال�سيد يحرف عند‬
‫العامة �إىل �سيدي‪ ،‬وو�صل �إلينا امتدا ًدا ال�ستخدامه يف‬
‫الع�صور ال�سابقة‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪36‬‬
‫جنتمكان ‪ -‬ساكن اجلنان‬
‫جنتمكان لفظة تركية حمرفة عن العربية «�ساكن‬
‫اجلنان»‪ ،‬وكانت اللفظة الرتكية ت�ستخدم كلقب ر�سمي‬
‫معرتف به‪ ،‬ومل ي�ستخدم اللفظ العربي منه‪ .‬وقد كان هذا‬
‫اللقب يطلق على �سالطني �آل عثمان‪.‬‬
‫وقد ورد هذا اللقب للعديد من والة م�صر يف القرن‬
‫التا�سع ‪ ‬ع�شر امليالدي‪ ،‬وورد مرادفه العربي �ساكن اجلنان‬
‫لق ًبا ملحمد علي با�شا‪ .‬واملراد من هذا اللقب التمني‬
‫والدعاء بدخول اجلنة‪ ،‬و�أن يكون من �ساكنيها؛ �إذ �إن‬
‫جميع الأمثلة وردت لأ�صحابها بعد وفاتهم‪.‬‬

‫احلضرة‬
‫احل�ضرة يف اللغة هي الفناء‪ ،‬وح�ضرة الرجل قربه‬
‫وفنا�ؤه‪ ،‬وتقال بفتح احلاء وك�سرها و�ضمها‪ .‬كان هذا‬
‫اللقب م�ستعم ًال يف القرن الرابع الهجري‪ ،‬وا�ستخدم‬
‫يف الع�صر العثماين لق ًبا لل�سالطني والوزراء وكبار‬
‫رجال الدولة والأولياء وال�صاحلني وغريهم‪.‬‬

‫سعادة‬
‫ال�سعادة كلمة عربية معناها الهناء وح�سن اجلد‪،‬‬
‫والأ�صل �سعد‪ ،‬واملعنى العام للكلمة هو اليمن وهو‬
‫�ضد النح�س‪ ،‬وقد ورد هذا اللقب «�سعادة» للعديد من‬
‫البا�شاوات‪ .‬كما عرف �أي�ضً ا ب�صيغة مركبة‪ ،‬فقد ورد‬
‫هذا اللقب مرك ًبا يف بداية ع�صر حممد علي ب�صيغة‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫«�سعادة �أفندينا»‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫جملة القديم‬
‫�أحمد عبد الفتاح‬

‫وهو تاريخ عجيب يف مراحل الك�شف عن مقربة توت عنخ �آمون‪،‬‬ ‫عدد نادر بل بالغ الندرة من جملة فريدة متخ�ص�صة يف الآثار‬
‫ونقل �آثاره من الرب الغربي ملتحف القاهرة كما �أنه تاريخ هام يف‬ ‫امل�صرية والكال�سيكيات؛ وهي جملة القدمي التي كانت ت�صدر‬
‫تقومي زمن الك�شف عن الآثار امل�صرية يف م�صر؛ حيث كانت‬ ‫بالقاهرة يف ع�شرينيات القرن املا�ضي‪ .‬وقد ذيل �صاحبها ح�سن‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫اجلماعات من جبابرة علم الآثار تعمل كخاليا النحل يف طول‬ ‫�صبحي الغالف الأخري من الداخل بعبارة «القدمي �صحيفة‬
‫الوادي وعر�ضه؛ بحثًا عن تاريخ م�صر الغام�ض امل�شوق بال كلل‪.‬‬ ‫�أثرية»‪ .‬ويحمل العنوان يف ثناياه كافة عنا�صر ال�شغف مبا�ضي‬
‫وعلى �صفحتي املجلة رقمي ‪ 115‬و‪ 116‬عر�ض حلفل �أعده‬ ‫م�صر القدمي‪ ،‬وجمدها التليد‪ .‬وقد زين الغالف الأزرق اللون‬
‫كارتر لفتح تابوت توت عنخ �آمون ر�سم ًّيا يوم ‪ 12‬نوفمرب ‪.1925‬‬ ‫ب�صورة التابوت الثالث الداخلي لتوت عنخ �آمون امل�صنوع من‬
‫حوايل ‪ 110‬كيلو جرام من الذهب امل�صهور بيد املفنن امل�صري‬
‫اخلالد على �أر�ضية بي�ضاء اللون‪ .‬وي�ؤرخ العدد بعدد الربيع ‪،1926‬‬
‫‪38‬‬
‫– مت اكت�شاف املقربة يف ‪ 4‬نوفمرب ‪ -1922‬يف احتفال ر�سمي‬
‫ح�ضره رجال م�سئولون يف جماالت الإدارة والطب والكيمياء‬
‫واملتاحف وهم ‪ -‬ت�أمل الأ�سماء والألقاب الوظيفية والعلمية‬
‫العبقري �أحد �أعالم عام ‪ 1926‬الدكتور جورجي بك �صبحي‪.‬‬ ‫وترتيب �سردها‪� :‬سعادة �صالح عنان با�شا وكيل وزارة الأ�شغال‪،‬‬
‫كما �أن باملجلة مو�ضو ًعا عن الزراعة امل�صرية منقو ًال من‬ ‫و�صاحب العزة �سيد ف�ؤاد اخلويل بك مدير قنا‪ ،‬وامل�سيو الكو مدير‬
‫مقاالت فرن�سية و�أملانية‪ .‬وهذان املو�ضوعان من كتاب الأ�ستاذ‬ ‫عام م�صلحة الآثار‪ ،‬والدكتور �صالح حمدي بك مدير �صحة‬
‫هارمتان‪:‬‬ ‫قوم�سيون بلدي الإ�سكندرية‪ ،‬والدكتور دوجال�س دري �أ�ستاذ‬
‫‪L’agriculture dans l’ ancienne egypte‬‬
‫الت�شريح بكلية الطب امل�صرية‪ ،‬وامل�سرت لوكا�س كيميائي م�صلحة‬
‫الآثار‪ ،‬وم�سرت برتن من متحف نيويورك‪ ،‬وتوفيق بك بول�س كبري‬
‫والكاتب الأملاين �شنيل يف كتابه‪:‬‬ ‫مفت�شي �آثار الوجه القبلي‪ ،‬وحامد فندي �سليمان �سكرتري �سعادة‬
‫‪Die landuirtrchaht im hellenislischen aegypten‬‬
‫الوكيل‪ ،‬وحممد بك �شعبان الأمني امل�ساعد باملتحف امل�صري‪ .‬ثم‬
‫�إن قوة م�صر ‪ -‬حتى قوتها ال�سيا�سية ‪ -‬م�ستمدة من زراعتها‪.‬‬ ‫ي�ستطرد املقال يف و�صف فح�ص املومياء ولفاتها وكنوزها امل�ضمرة‪.‬‬
‫وقدميًا كانت بع�ض بلدان البحر الأبي�ض املتو�سط؛ مثل رودو�س‬ ‫ويذكرين هذا احل�شد وهذا العمل ومقام فرعون م�صر الرفيع بقول‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫تعتمد على واردات احلبوب من م�صر �أي كانت تتوقف يف حياتها‬ ‫ال�شاعر العربي‪:‬‬
‫االقت�صادية على م�صر‪ ،‬بل كانت روما كربى حوا�ضر العامل‬
‫عل ّو يف احلياة وعل ّو يف املمات‬
‫حينذاك حتتاج �إىل قول بلني الأ�صغر يف متوينها على حبوب م�صر‪.‬‬
‫وفراعنة م�صر الذين تركوا لنا هذا املجد �أوىل بالعلو يف الدنيا‬
‫ثم ورد مو�ضوع ذو طبيعة اجتماعية �سيا�سية حتت عنوان‬
‫واملمات من �سائر ملوك الأر�ض‪.‬‬
‫«الفالح والعامل‪ ..‬ق�صة م�صرية م�ستخرجة من �أوراق الربدي»‪.‬‬
‫وهي ق�صة م�صرية قدمية تعر�ض مو�ضو ًعا ناد ًرا؛ وهو العالقة بني‬ ‫وباملجلة مو�ضوع �آخر �شيق عن الثوم يف الرتاث القدمي و�أثره‬
‫الفالح والعامل وطبيعة املجتمع امل�صري يف زمن الأ�سرة العا�شرة‬ ‫يف الطب ووثائق م�صر القدمية الطبية احلافلة بذكره‪ ،‬وهو للعالمة‬

‫‪39‬‬
‫تقري ًبا وموقف الدوالب احلكومي‬
‫عندما يعر�ض عليه �شكاية‬
‫مواطن م�سكني وق�ضايا النفوذ‬
‫اخلالدة يف املجتمع امل�صري‪،‬‬
‫وقوانني املوافق العامة وحماكم‬
‫القوى ثم غلبة قيم العدالة �أخ ًريا‬
‫باعتبار �أن ذلك من �سمات الروح‬
‫امل�صرية التي تقد�س املاعت‪ .‬وتثري‬
‫عبارة ق�صة م�صرية م�ستخرجة من �أوراق‬

‫و يف‬
‫نهاية املجلة‬
‫عر�ض حلفة �شاي بعنوان «�شاي‬
‫اجلمعية الأثرية‪ ،‬للأ�ستاذ زير�سنت‬
‫يف فندق الكونتنينتال» مزين‬
‫ب�صورة تذكارية لأع�ضاء اجلمعية‬
‫الأثرية من بينهم �أ�سماء م�صرية‬
‫قامت على �أكتافها م�صلحة‬
‫الآثار؛ ومن بينهم الأثريون رزق‬
‫اهلل �أفندي مكرم اهلل‪ ،‬وراغب‬
‫�أفندي �إبراهيم‪ ،‬عبد الباري‬
‫�أفندي حمادة‪ ،‬وجنيب افندي‬
‫فرج‪ ،‬و�إدوارد �أفندي غزويل‪ ،‬و�أحمد فخري‪ ،‬ولبيب �أفندي‬ ‫الربدي ف�ضول القارئ النهم لتناول ما لذ وطاب من تراث م�صر‬
‫حب�شي‪.‬‬ ‫القدمية الأخالقي‪.‬‬
‫وقد زين �صاحب املجلة العدد مبقال بعنوان «علماء القدمي»؛‬ ‫كذلك يوجد مقال �آخر بعنوان «ع�شرة �أيام يف ال�صعيد»‬
‫وهم جهابذة الكال�سيكيات والآثار امل�صرية‪ .‬وقد نبذة ذات‬ ‫يعر�ض لتقاليد ال�سفر بال�سكة احلديد يف ذلك الزمن من القاهرة‬
‫كل منهم‪ ،‬وهي �أ�سماء ذهبية لدينا ‪ -‬نحن دار�سو‬ ‫فائدة عن ٍّ‬ ‫لل�صعيد‪ ،‬والقطار ونوافذه املطلة على معامل الوادي اخل�صيب التي‬
‫الآثار واملتخ�ص�صني بها‪ -‬وهم على النحو التايل‪ :‬دكتور هرني‬ ‫ترثي �سرا ًعا فتثري ال�شغف واملتعة وتك�شف مواطن االنتماء يف‬
‫جريجوار‪ ،‬والعالمة جولن�شيف‪ ،‬ودكتور جورجي �صبحي‪ ،‬ودكتور‬ ‫�أعماقنا‪.‬‬
‫بول جراندور‪ ،‬ودكتور طه ح�سني‪ ،‬والأ�ستاذ دامتو‪ ،‬والأ�ستاذ �شارل‬ ‫وللكال�سيكيات يف جملة القدمي ن�صيب؛ حيث تعر�ض مقا ًال‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫كوينز‪.‬‬ ‫بعنوان «امل�سرح الإغريقي» للأ�ستاذ هرني جريجوار عميد كلية‬


‫ومما تقدم من عر�ض خمت�صر غاية االخت�صار عن هذه‬ ‫الآداب باجلامعة امل�صرية؛ وهو يعد من �أعمدة الكال�سيكيات يف‬
‫التحفة ال�صحفية املتخ�ص�صة باللغة العربية يف هذا الزمن البعيد‬ ‫م�صر يف زمن اجلامعة امل�صرية الوليدة العمالقة‪.‬‬
‫(القريب) نقف على م�ستوى ال�شعور بامل�سئولية نحو تثقيف‬ ‫وقد ورد مقال �آخر يف جمال الكال�سيكيات بعنوان «مظاهر‬
‫كل الفئات امل�صرية برتاث املا�ضي اجلليل ورواد ذلك املا�ضي‬ ‫احلياة اليومية عند الرومان كما ت�صورها الن�صو�ص القدمية»‪،‬‬
‫املجهولني بالن�سبة جليلنا‪.‬‬ ‫للأ�ستاذ ج‪ .‬وامنو باجلامعة امل�صرية‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪41‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬
‫�شريين جابر‬

‫هذه املقالة خطوة لتو�ضيح احلقائق من خالل خطابني موجهني‬ ‫لقد �أثبتت التجارب التاريخية وال�سيا�سية �أن عالقة الدول‬
‫من الرئي�س الراحل جمال عبد النا�صر �إىل الرئي�س الأمريكي‬ ‫والر�ؤ�ساء ال ت�سري على وترية واحدة‪ ،‬خا�صة �إذا كانت هذه الدول‬
‫جون كينيدي‪ ،‬يو�ضحان مدى عمق عالقة عبد النا�صر بجون‬ ‫التي نتعامل معها دوال ذات مكانة ودور �إقليمي بارز‪ ،‬فقد يحدث‬
‫كينيدي من خالل مناق�شة عدد من املو�ضوعات الهامة املو�ضحة يف‬ ‫تباعد �أو تعاون والعك�س �صحيح‪ .‬وقد �أثبتت التجارب �أن التجارب‬
‫اخلطابني؛ منها‪ :‬املوقف من امل�أ�ساة امل�ؤملة التي وقعت فى الكوجنو‪،‬‬ ‫الفريدة بالدول هي التي متلي على القوى الكربى احرتامها وحماولة‬
‫ودور الأمم املتحدة يف حل م�شكلة الكوجنو‪ ،‬واجلهود الأمريكية‬ ‫ا�ستمالتها‪ ،‬وهو ما ي�ؤدي �إىل اتباع نوع من ال�سيا�سات التي قد ال‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫لإيجاد حل للم�شاكل التي �أعقبت ثورة اليمن‪ ،‬واملوقف من‬ ‫تتفق مع ال�سيا�سات املعلنة؛ وذلك بهدف حتقيق امل�صالح التي حتكم‬
‫الطيارين ال�سعوديني الذين كلفوا ب�أعمال عدوانية �ضد ثورة اليمن‪،‬‬ ‫العالقة بني البالد‪.‬‬
‫وموقف اجلمهورية العربية املتحدة من ال�سعودية‪ ،‬وبع�ض احلقائق‬ ‫لقد ذاع وانت�شر مدى كراهية الرئي�س الراحل جمال‬
‫املتعلقة باجلمهورية العربية املتحدة وغريها من املو�ضوعات‪ .‬و�إليكم‬ ‫عبد ‪ ‬النا�صر للواليات املتحدة‪ ،‬ولكن الوثائق التي نحن ب�صددها‬
‫الآن الن�ص الأ�صلي للخطابني‪.‬‬ ‫الآن تثبت عك�س ذلك‪ .‬وحقًّا ال يوجد �أَ َج ُّل من الوثائق التاريخية‬
‫لتكون الباعث لإعادة قراءة التاريخ قراءة مو�ضوعية‪ .‬و�آمل �أن تكون‬
‫‪42‬‬
‫اخلطاب الأول‬
‫عزيزى الرئي�س كنيدي‬
‫علي �أن �أكتب �إليكم يف هذه الظروف الدقيقة مدفو ًعا بثالثة عوامل ت�شغل بايل وتثري قلقي‪.‬‬ ‫لقد وجدت لزا ًما َّ‬
‫�أولها‪ :‬امل�أ�ساة امل�ؤملة التي وقعت يف الكوجنو حتى و�صل بعد اجلرمية الوح�شية التي وقعت فيه باغتيال باتري�س لومومبا‬
‫�إىل حافة احلرب الأهلية‪ .‬وهو الأمر الذي يجب جتنبه مهما كانت الظروف باعتبار ما ميكن �أن ين�ش�أ عن ذلك من �أخطار على‬
‫�سالمة ال�شعب الكوجنويل وعلى �سالمة �شعوب �إفريقيا عمو ًما وت�أثري ذلك على ال�سالم العاملي‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬املوقف الع�صيب الذي �صارت �إليه �أعمال الأمم املتحدة يف الكوجنو‪ ،‬و�ضياع الآمال الكربى التي كنا نعلقها على‬
‫هذه التجربة‪ ،‬والتي كانت تبدو لنا يف بدايتها �سابقة م�شجعة تر�سم طريقًا جدي ًدا يف تطوير الدول التي مل حت�صل على فر�صتها‬
‫يف النمو‪ ،‬وتعطيها عونًا ر�شي ًدا متجر ًدا عن املطامع اال�ستعمارية يقودها �إىل غدٍ �أف�ضل‪.‬‬
‫و�إنه ملن املهم يف هذه اللحظة �أن نفرق جمي ًعا بني الأخطاء التي ارتكبت با�سم الأمم املتحدة وحتت علمها‪ ،‬وبني ما متثله‬
‫هذه املنظمة بالن�سبة لل�شعوب جمي ًعا يف �سالم قائم على العدل‪.‬‬
‫وذلك �أمر يتحتم معه �أن نتوجه جمي ًعا يف هذه اللحظات �إىل حماولة جادة وخمل�صة لإعادة الهيبة واالحرتام لهذه املنطقة‬
‫التي متثل ‪ -‬يف ر�أينا ‪ -‬احتمال ال�سالم الوحيد يف جيلنا الذي نعي�ش فيه‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬ف�إن ال�صدمة التي تلقتها �شعوب �إفريقيا املتطلعة �إىل �أملها بعد ليل ا�ستعماري طويل‪ ،‬البد لها على الفور من‬
‫ت�صحيح �صادق و�أمني‪ ،‬ف�إن املرارة التي ت�شعر بها هذه ال�شعوب‪ ،‬التي تابعت مبزيج من احلزن والغ�ضب‪ ،‬ما حدث ال�ستقالل‬
‫الكوجنو املهدد بال�ضياع‪ ،‬وما حدث حلكومته ال�شرعية‪ ،‬ممثلة بربملانه‪ ،‬وهي نف�س احلكومة التي �أخذت على عاتقها م�سئولية‬
‫دعوة الأمم املتحدة مل�ساعدتها‪ ،‬هذه املرارة ال ينبغي �أن ترتك �آثارها تدفع �شعوب �إفريقيا ‪ -‬التي كانت تظن منذ �أقل من عام‬
‫�أنها ر�أت النور ‪� -‬إىل ظالم يائ�س ميكن �أن تكون له �أوخم العواقب‪.‬‬
‫من هذه االعتبارات الثالثة‪ ،‬وما تثريه يف نف�سي مقوماتها ونتائجها‪ ،‬وجدت من امل�ستح�سن يف هذه الأوقات �أن �أ�ضع‬
‫�أمامكم �صورة من فكري‪.‬‬
‫�أو ًال‪:‬‬
‫وفيما يتعلق مب�أ�ساة الكوجنو ذاتها‪ ،‬ف�إن اخلطوات التالية تبدو يف ر�أيي حيوية‪ ،‬و�أكاد �أقول حمتمة‪:‬‬
‫‪� -1‬ضرورة امل�سارعة ب�إجراء حتقيق �شامل لكل ما حدث منذ يوم اال�ستقالل‪� ،‬إىل �أن وقعت احلوادث امل�ؤملة الأخرية‪،‬‬
‫وذلك �أمر هام لكي ت�ستقيم الأو�ضاع‪ .‬ويف �سبيل ذلك ال ميكن التعلل ب�أن ذلك �أمر داخلي يف نظر �سلطات‬
‫اخت�صا�صا‬
‫ً‬ ‫ليوبولدفيل واليزابيث فيل‪ .‬ف�إن امل�سئولية يف كل ما حدث يف الكوجنو‪� ،‬إمنا هي م�سئولية عاملية‪ ،‬ولي�ست‬
‫حمل ًّيا‪ .‬و�إن مهمة الأمم املتحدة يف الكوجنو حتمل يف ذاتها دليل هذه امل�سئولية العاملية‪ ،‬و�إن كان الأمر يف اعتقادي‬
‫ال يحتاج �إىل دليل‪.‬‬
‫وي�ستتبع هذا التحقيق بالطبع �أن ُتتخذ الإجراءات الكفيلة بنزاهة �إجرائه‪ ،‬و�أن ترتتب عليه الآثار املالئمة لنتائجه‪،‬‬
‫مبقت�ضى عاملية امل�سئولية‪.‬‬
‫‪ -2‬ويف ر�أيي �أن هذا التحقيق املقرتح يجب �أن تتواله هيئة حمايدة يقوم جمل�س الأمن‪� ،‬أو اجلمعية العامة للأمم املتحدة‪،‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫خ�صو�صا دولها غري املنحازة ‪ -‬يف هذه اللجنة‪ ،‬بطريقة وا�ضحة‪،‬‬


‫ً‬ ‫بتعيينها‪ .‬وما من جدال �أن متثيل دول �إفريقيا و�آ�سيا ‪-‬‬
‫يعترب تدعي ًما لهذه اللجنة وملهمتها‪ ،‬ولقيمة ما تتو�صل �إليه بتحكيم الوقائع وحدها يف ا�ستخال�ص النتائج‪.‬‬
‫‪� -3‬إذا مل يتمكن جمل�س الأمن خالل مداوالته احلالية للو�صول �إىل قرارات �ضامنة ال�ستقالل الكوجنو ووحدة‬
‫�أرا�ضيه‪ ،‬و�إىل قرارات كفيلة ب�إخراج القوات البلجيكية منه‪ ،‬وجتريد العنا�صر امل�سلحة من �أ�سلحتها‪ ،‬و�إنهاء حلكم‬
‫الع�صابات يف الكوجنو‪ ،‬ثم �إعادة تنظيم اجلي�ش الوطني على �أ�سا�س �سليم‪ ،‬ففي ر�أينا دعوة اجلمعية العامة �إىل دورة‬
‫خا�صة عاجلة لبحث هذا املو�ضوع‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ثان ًيا‪:‬‬
‫وفيما يتعلق ب�أزمة الأمم املتحدة‪ ،‬ف�إين �أ�سمح لنف�سي‪� ،‬أن �أعيد عليكم ما �سبق يل �أن حتدثت به �إىل �سلفكم‬
‫الرئي�س ال�سابق اجلرنال داويت �أيزنهاور‪ ،‬حينما كانت يل فر�صة االجتماع به يف �شهر �سبتمرب من العام املا�ضي ‪ 1960‬يف‬
‫نيويورك خالل ا�شرتاكي يف �أعمال الدورة اخلام�سة ع�شرة للجمعية العامة للأمم املتحدة‪.‬‬
‫ذلك �أنني �أرى – ولقد �شرحت ذلك ل�سلفكم املحرتم – �أن الواليات املتحدة الأمريكية تتحمل م�سئولية خا�صة‬
‫يف �أعمال الأمم املتحدة بحكم عديد من الظروف التي ال �أرى حاجة لإعادة تكرارها‪.‬‬
‫�إن ت�أييد الواليات املتحدة الأمريكية لأعمال الأمم املتحدة‪ ،‬يكون يف كثري من الظروف هو احلد الفا�صل بني النجاح‬
‫والف�شل‪.‬‬
‫ولقد �ضربت لذلك مث ًال بالف�شل الذريع الذي القته املنظمة �سنة ‪ 1948‬يف م�أ�ساة �شعب فل�سطني‪ ،‬ويف قيام دولة‬
‫�إ�سرائيل على �أنقا�ض هذه امل�أ�ساة‪.‬‬
‫ولقد �ضاع عمل الأمم املتحدة يف ذلك الوقت‪ ،‬ومت َّرغ ميثاقها يف الهوان؛ لأن الواليات املتحدة مل تقدم لها ما كان‬
‫الز ًما ‪ -‬بحكم م�سئولياتها ‪� -‬أن تقدمه‪.‬‬
‫وعلى العك�س من ذلك كان جناح الأمم يف جتربة ال�سوي�س بار ًزا؛ لأن الواليات املتحدة‪ ،‬حتملت م�سئولياتها الكبرية‬
‫داخل املنظمة‪ ،‬ب�صرف النظر ملا كان بني حكومة الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬وبني احلكومة امل�صرية ‪ -‬يف ذلك الوقت ‪- ‬‬
‫من �أ�سباب اخلالف وال�صدام‪.‬‬
‫ومن �سوء احلظ‪ ،‬فيما حدث يف الكوجنو �أننا ال ن�ستطيع �أن ن�صف دور الواليات املتحدة يف هذه الأزمة التي نعي�شها‪،‬‬
‫مبثل ما و�صف به موقفها يف الأمم املتحدة �إبان �أزمة ال�سوي�س‪ ،‬من �أنها وقفت بجانب املبادئ ب�صرف النظر عن ال�صداقات‪.‬‬
‫وفيما يتعلق باملنظمة ذاتها ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬ف�إنه �إذا ما متت الإجراءات التي اقرتحتها يف – �أو ًال – ف�إن ذلك كله �سوف‬
‫خ�صو�صا �إذا ما مت يف نف�س الوقت �إجراء تغيريات‬
‫ً‬ ‫ي�ؤدي �إىل خلق جو �أكرث مالءمة لإنقاذ جتربة الأمم املتحدة يف الكوجنو‪،‬‬
‫�أ�سا�سية يف �أجهزة الأمم املتحدة التي ا�شرتكت يف م�أ�ساة الكوجنو تغي ًريا �أ�سا�س ًّيا يجعلها �أكرث متثي ًال لهذه املنظمة ولأع�ضائها‬
‫متثي ًال حقيق ًّيا‪ .‬و�إن هذا التغيري يف ر�أيي �أ�صبح �ضرورة حتتمها الظروف �إذا ما �شئنا �أن نخرج من الطريق امل�سدود الذي‬
‫و�صلت �إليه الأمور يف الكوجنو‪.‬‬
‫و�إين لأ�ؤكد لك يف هذا ال�صدد �أنه �إذا ما مت ذلك‪ ،‬ف�إن احلكومة اجلمهورية العربية املتحدة �سوف جتد نف�سها يف موقف‬
‫ي�سمح لها بتقدمي كل عون للمحاولة الدولية اجلديدة يف الكوجنو حتى �إذا اقت�ضى الأمر �أن تعود قوات منها �إىل العمل‬
‫حتت قيادة الأمم املتحدة هناك‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬‬
‫وفيما يتعلق �أخ ًريا ب�صدمة ال�شعوب الإفريقية فيما حدث يف الكوجنو‪ ،‬ف�إين �أظنكم تقفون معي يف الر�أي‬
‫على �أن الأمور لو قدر لها �أن ت�سري يف هذا الطريق‪ ،‬ف�إن تطورات احلوادث بعد ذلك كفيلة ب�أن تعيد �إىل �شعوب �إفريقيا‬
‫من جديد ذلك ال�ضوء الذي حرمت منه خالل التطورات الأخرية؛ بحيث ت�شعر تلك ال�شعوب �أنها ع�ضو يف املجتمع‬
‫الدويل تلقى منه االهتمام املجرد‪ ،‬كما يلقى منها الثقة‪ .‬وذلك هو اجلو الذي نن�شده؛ لكي يتم التطور الكبري املنتظر يف‬
‫�إفريقيا يف �إطار �سلمي‪ ،‬وهو �إطار �أ�شعر – ب�إخال�ص – ب�شدة حاجة �إفريقيا �إليه‪ ،‬و�إال كان معنى ذلك �أن العذاب الذي‬
‫تتعر�ض له �شعوبها لن تكون له حدود ولن تكون له خامتة‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫و�أخ ًريا ف�إين �أرجو ‪ -‬عزيزي الرئي�س ‪� -‬أن تتقبلوا خال�ص التحية والتقدير‪ ،‬و�إين لأرجو اهلل �أن يقود خطواتنا جمي ًعا‬
‫�إىل �آمال ال�سالم والعدل التي تتطلع �إليها �شعوبنا‪.‬‬
‫القاهرة يف ‪ 20‬فرباير ‪1961‬‬

‫‪44‬‬
‫اخلطاب الثاين‬
‫�صاحب الفخامة الرئي�س جون‪ .‬ف‪ .‬كينيدي‬
‫رئي�س الواليات املتحدة الأمريكية‬
‫عزيزي الرئي�س‬
‫�شك ًرا لكم على ر�سالتكم الأخرية بتاريخ ‪ 19‬يناير ‪ ،1963‬والتي حوت �إي�ضاحات قيمة‪ ،‬تتعلق باجلهود التي تبذلونها‬
‫لإيجاد حل للم�شاكل التي �أعقبت ثورة اليمن‪.‬‬
‫واحلقيقة �أنني اعتربت هذه الر�سالة جه ًدا‪� ،‬صادف توقيته ال�صحيح‪ ،‬ولقد �أح�س�ست �أن هذه الر�سالة يف حد ذاتها دليل‬
‫على متابعة �سليمة للموقف يف ال�شرق العربي وم�ضاعفاته ال�سيا�سية‪ ،‬بل وحتى عقده النف�سية‪.‬‬
‫والواقع كما الحظتم يف ر�سالتكم‪� ،‬أنه كانت هناك �شكوك حول م�سعى الواليات املتحدة يف م�شكلة اليمن‪ .‬وكانت‬
‫هذه ال�شكوك ت�شغل بال عنا�صر وطنية عربية عديدة يف املنطقة‪ .‬وكانت حجة هذه العنا�صر يف �شكوكها‪� ،‬أن الواليات‬
‫املتحدة لها ارتباطات مع قوى معادية للقومية العربية وللثورة العربية ت�ؤثر يف �سيا�ستها ت�أث ًريا ال �سبيل �إىل جتاهله‪.‬‬
‫ومع �أين �شخ�ص ًّيا �أتفق مع هذه العنا�صر الوطنية العربية يف بع�ض ما تذهب �إليه؛ نتيجة لتجارب طويلة �سبقت‪ ،‬ف�إين‬
‫�أريد �أن �أقول لكم �إنني بالن�سبة مل�سعاكم يف م�شكلة اليمن‪ ،‬كنت مطمئ ًنا �إىل �سالمة مقا�صدكم‪ .‬وكان منطقي يف ذلك ‪-‬‬
‫ولقد �شرحته لكثريين من رفاقي ‪ -‬ي�ستند على �إح�سا�سي ب�أن �صدور امل�سعى الأمريكي عنكم �شخ�ص ًّيا‪ ،‬ي�ستبعد متا ًما من‬
‫فكرنا كل �شك يف �أن تكون املحاولة كلها جمرد مناورة �سيا�سية‪ .‬وكان ر�أيي ‪ -‬وما يزال ‪� -‬أن الواليات املتحدة‪ ،‬حتى و�إن‬
‫�أرادت املناورة ال�سيا�سية لي�ست يف حاجة �إىل الزج برئي�س الواليات املتحدة نف�سه يف مثل هذه املحاولة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ومع اطمئناين ال�شخ�صي الكامل‪ ،‬ف�إنني �أرحب بت�أكيدكم اجلديد الذي حملته �إ َّيل ر�سالتكم الأخرية‪.‬‬
‫و�أنتقل الآن بعد هذه املقدمة �إىل احلديث يف ظروف امل�شكلة اليمنية ذاتها وم�ضاعفاتها‪.‬‬
‫على �أين يف امل�شاكل التي طر�أت بعد الثورة اليمنية وما نتج عنها من �آثار على احلدود بني اجلمهورية العربية اليمنية‪،‬‬
‫واململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وجدت �أنه البد يل من اال�ستجابة الهتمامكم الكبري؛ نظ ًرا ملا �أعرفه‪ ،‬وما �أكده يل ال�سفري‬
‫الأمريكي يف القاهرة الدكتور جون بادو‪ ،‬من ارتباطاتكم الوثيقة باململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫و�أحب �أن �أوكد لكم ‪ -‬على الفور ‪� -‬أنني قبلت من غري تردد اقرتاحكم الب ّناء بتفادي اال�صطدامات على حدود‬
‫أ�سا�سا هو الهدف الذي من �أجله ذهبت قوات من اجلمهورية العربية �إىل اليمن‪.‬‬ ‫اليمن‪ ،‬ولقد كان ذلك �أ�ص ًال و� ً‬
‫ولقد حاولنا ذلك �سل ًما مبختلف البيانات التي �صدرت عن اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬وعربت عن �سيا�ستها جتاه الثورة‬
‫الوطنية يف اليمن‪ ،‬و�أبرزها البيان الذي �أُذيع من القاهرة يف ال�ساعات الأوىل من يوم ‪� 27‬سبتمرب‪ ،‬ب�ضرورة عدم التدخل‬
‫اخلارجي يف �شئون اليمن‪ ،‬وترك ال�شعب اليمني ح ًّرا يف �إعمال �إرادته‪ ،‬و�صياغتها نهائ ًّيا على النحو الذي يريده‪.‬‬
‫ومن �سوء احلظ‪� ،‬أن �صاحب اجلاللة امللك �سعود ‪ -‬والأمري في�صل من بعده ‪� -‬أخذ الأمر على غري وجهته ال�صحيحة‪،‬‬
‫فلقد ت�صور الثورة يف اليمن‪ ،‬معركة بني النظامني امللكي واجلمهوري‪ ،‬ومن ثم ف�إنه ‪ -‬بهذا الت�صور غري ال�صحيح ‪ -‬اندفع‬
‫بكل �إمكانياته يف حماولة لغزو اليمن من اخلارج‪ .‬ولعلكم علمتم �أن عد ًدا من الطيارين ال�سعوديني الأحرار الذين كلفوا‬

‫‪45‬‬
‫ب�أعمال عدوانية �ضد ثورة اليمن‪ ،‬قد قادوا طائراتهم �إىل القاهرة‪ ،‬بدافع من �ضمريهم القومي‪ .‬وكانت هذه الطائرات‬
‫�أمريكية ال�صنع‪ ،‬كما �أن حمولتها من الأ�سلحة كانت ومازالت يف �صناديق املعونة الأمريكية‪.‬‬
‫ولقد كان ذلك بالن�سبة �إلينا ‪ -‬ف�ض ًال عما ينطوي عليه من نوايا عدوانية ‪ -‬دلي ًال على �أن نداءنا �إىل اجلميع باالبتعاد عن‬
‫حدود اليمن‪ ،‬وعدم التدخل يف �شئونه الداخلية‪ ،‬وجتنب فر�ض احلرب عليه من وراء احلدود لتعويق �إرادته و�ضربها ‪ - ‬مل‬
‫يجد �آذانًا �صاغية يف الريا�ض‪ .‬ومن ثم كانت اال�ستجابة ال�ضرورية لطلب حكومة اجلمهورية العربية اليمينة‪ ،‬بو�ضع بع�ض‬
‫قواتنا حتت ت�صرفها؛ لت�شرتك معها يف الدفاع �ضد الهجمات العنيفة التي تتعر�ض لها حدودها ال�شمالية يف منطقة �صعدة‬
‫يف ذلك الوقت‪ ،‬والتي اتخذت من منطقة جنران قاعدة لها‪.‬‬
‫و�أ�ؤكد لك �أن اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬متلك الوثائق التي تثبت �أن بع�ض الطيارين الأمريكيني ا�شرتكوا يف‬
‫عمليات نقل العتاد واجلنود ما بني الأردن وال�سعودية �إىل حدود اليمن‪ .‬على �أننا نعرف �أن ه�ؤالء الطيارين ‪ -‬وقد كانوا‬
‫يف خدمة اخلطوط اجلوية ال�سعودية ‪ -‬كانوا يعملون حتت عقود ملزمة‪ ،‬ويف �إطار ظروف فر�ضت عليهم ما قاموا به‪ ،‬ورمبا مل‬
‫تكن �أبعاد امل�سئولية فيه وا�ضحة �أمامهم‪.‬‬
‫ومرة �أخرى‪ ،‬فلقد كان نف�س الهدف �أمام اجلمهورية العربية‪ ،‬لقد حاولت بالو�سائل الدبلوما�سية حتقيق ابتعاد خارجي‬
‫عن حدود اليمن‪ .‬وملا ف�شلت الو�سائل الدبلوما�سية‪ ،‬وت�صور الذين اجتهوا �إىل العدوان‪� ،‬أن �أهدافهم قريبة املنال كان تدخل‬
‫اجلمهورية العربية املتحدة ‪ -‬بنا ًء على طلب حكومة اليمن‪ -‬ببع�ض القوات الع�سكرية ي�ستهدف نف�س الغاية‪.‬‬
‫�إن اجلمهورية العربية‪ ،‬ال تريد بالت�أكيد حربًا مع ال�سعودية على حدود اليمن‪ ،‬ف�إن اخلالف التاريخي بني حكومة‬
‫اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وبني اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬لي�س خالفًا من نوع يح�سمه ال�صدام امل�سلح‪ ،‬و�إمنا اخلالف‬
‫�أعمق من ذلك‪ ،‬ف�إن جذوره �ضاربة يف �أعماق الأو�ضاع االجتماعية ال�سائدة يف العامل العربي‪ ،‬وحماولة �آمال امل�ستقبل‬
‫�أن تنزع نف�سها من بقايا املا�ضي وروا�سبه‪ ،‬لت�صنع م�ستقب ًال كرميًا‪ ،‬للإن�سان العربي‪� ،‬صاحب �أر�ضه و�سيدها‪.‬‬
‫ولقد كنا يف ا�ستجابتنا ملقرتحاتكم ‪ -‬كذلك يف ا�ستجابة احلكومة اليمنية ‪ -‬ن�شعر بواجب ال�شكر �أن متكنتم من �إقناع‬
‫حكومة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬واململكة الها�شمية الأردنية‪ ،‬مبا حاولنا مبختلف الأ�ساليب‪� ،‬أن ن�ضعه �أمامهم‪ ،‬وهو عدم‬
‫التدخل يف اليمن‪ ،‬وترك �شعبه ح ًّرا‪ ،‬ين�سج بيده �آمال غده‪.‬‬
‫لقد حاولنا ذلك بالنداءات الدبلوما�سية‪ ،‬لكنها مل ت�صل �إىل هدفها‪.‬‬
‫وحاولنا بعد ذلك تدعيم هذه النداءات بالقوة‪ ،‬وكنا ‪ -‬يعلم اهلل ‪ -‬حري�صني على كل نقطة دم عربية‪ .‬على �أننا وجدنا‬
‫من ال�ضروري �أن يكون موقفنا كامل الو�ضوح على �أ�سا�س �أن الذين يفكرون يف العدوان �سوف يرتددون‪ ،‬ويح�سبون‬
‫مقد ًما ح�ساب ما يقدمون عليه‪� ،‬إذا ما عرفوا �أن عدوانهم ال ميكن �أن مي�ضي بغري عقاب‪ .‬لكن العدوان على حدود اليمن‪،‬‬
‫ظل يندفع‪ ،‬موجة بعد موجة‪ ،‬من املت�سللني ي�سبقهم ويلحقهم �سيل من الإمداد ال يتوقف‪� ،‬شغل جميع مطارات اململكة‬
‫العربية ال�سعودية على حدودها مع اليمن‪.‬‬
‫ومن ناحية �أخرى‪ ،‬فنحن نعتقد �أن القوات امل�سلحة يف ال�سعودية والأردن بذلت من جانبها‪ ،‬وحتت الإميان بوحدة‬
‫الن�ضال العربي وامل�صري العربي‪ ،‬جهدها لتحذير الذين يدبرون للعدوان‪ .‬وجتلى ذلك يف جميء طالئع من الطيارين‬
‫الأردنيني �إىل القاهرة؛ حيث حلقوا بزمالئهم ال�سعوديني‪ ،‬وكان يتقدمهم القائد العام ل�سالح الطريان امللكي الأردين‪.‬‬
‫ومن �سوء احلظ �أن ذلك التحذير اخلطري‪ ،‬مل ينتج �أثره‪ ،‬ومل يعقبه �إال مزيد من �إجراءات الكبت والقهر‪� ،‬أدى �إىل‬
‫تخلخل اجلبهات الداخلية لدى �أ�صحاب العدوان �أنف�سهم‪.‬‬
‫�سيادة الرئي�س‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫�إنى �أحب �أن �أ�ؤكد لكم عدة حقائق خا�صة ب�سيا�سة اجلمهورية العربية املتحدة‪:‬‬
‫�أو ًال‪� :‬إن اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬يف �إميانها بالثورة طريقًا �إىل حتقيق �أهداف �شعبها‪ ،‬و�أمتها العربية‪ ،‬ال تعترب �أن‬
‫ر�سالتها هي توزيع الثورة كيفما اتفق على بقية �شعوب الأمة العربية‪.‬‬
‫�إنه ميكن �أن نفر�ض على �شعب �آخر انقالبًا من اخلارج‪ ،‬لكننا من اخلارج ال ن�ستطيع �أن نفر�ض عليه الثورة‪ .‬ف�إن الثورة‬
‫طاقة داخلية تفجرها ال�شعوب من �أعماقها؛ لت�صحح بها خلل التوازن بني الآمال التي تريدها وبني العقبات التي حتول‬
‫بينها وبني �آمالها‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫منوذجا‬
‫ويف ر�أينا �أن خري ما ت�ستطيعه اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬حتى لر�سالتها الثورية جتاه الأمة العربية‪ ،‬هو �أن تكون ً‬
‫عمل ًّيا لقدرة الإن�سان العربي على تطوير حياته �إىل امل�ستقبل الأف�ضل‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬إن اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬ت�ؤمن �أن ال�صدام الدموي لي�س مظه ًرا مالز ًما للثورة باعتبارها تغي ًريا �أ�سا�س ًّيا يف ظروف‬
‫احلياة‪ .‬بل �إن ال�صدام الدموي يف ظروف احلرب الباردة‪ ،‬قد يعر�ض ال�شعوب الثائرة من �أجل �أهدافها‪� ،‬إىل مناورات ال‬
‫حدود لها تبعد عن �أهدافها‪ .‬ومن هنا ف�إن اجلمهورية العربية املتحدة حر�صت دائ ًما على فتح الطريق �أمام التطور الطبيعي‬
‫حر�صا على �سالمة الن�ضال العربي‪ .‬بل لقد و�صلت يف ذلك �إىل قبولها يف بع�ض الأحيان بهدنة‬ ‫من غري عوائق �أو عقبات‪ً ،‬‬
‫مع عنا�صر تعتربهم يف �أي مقيا�س عنا�صر معادية للتقدم بحكم م�صاحلها‪.‬‬
‫ثالثًا‪� :‬إن اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬يف جهودها لإعادة بناء نف�سها اقت�صاد ًّيا واجتماع ًّيا‪ ،‬من �أجل القوة الذاتية ل�شعبها‪،‬‬
‫ومن �أجل النموذج ال�صالح �أمام �أمتها‪ ،‬ال متلك الوقت �أو اجلهد الذي ت�ضيعه يف مغامرات عقيمة �أو يف خالفات ال جدوى‬
‫منها‪ .‬ولو تف�ضلتم مبراجعة تعاقب التطورات‪ ،‬لتبني لكم �أن اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬كانت دائ ًما يف جانب الدفاع �ضد‬
‫هجمات �ضاربة عليها من جانب الذين ال ي�ؤمنون بحتمية �شروق ال�شم�س بعد ظالم الليل الطويل‪.‬‬
‫ثم ال يبقى يل بعد ذلك �إال حتديد بع�ض النقاط العملية لتكون �أمامكم‪ ،‬وحتت نظركم‪:‬‬
‫�أو ًال‪� :‬إن اجلمهورية العربية املتحدة‪ ،‬مازالت مفتوحة الفكر لكل م�سعى يعزز ال�سالم القائم على العدل‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬إن اجلمهورية العربية املتحدة ال تريد �أن تتدخل يف الطريقة التي قد حتاولون بها �إقناع �أ�صدقائكم مبا ترونه منا�س ًبا‬
‫حتى مل�صلحتهم �أنف�سهم‪ .‬وال متلك اجلمهورية العربية املتحدة �أن تفر�ض ‪ -‬وال حتى �أن ت�شري‪ -‬ب�شيء يف هذا ال�صدد‪ ،‬بغية‬
‫�إقناع الأ�سرة املالكة ال�سعودية مث ًال بعدم جدوى العدوان �أو ب�إقناع اململكة املتحدة بعدم جدوى جتاهل احلقائق‪ .‬ونحن‬
‫ن�ؤمن �أن حركة التاريخ �سوف تتوىل‪ ،‬نيابة عنكم وعنا‪� ،‬إقناعهم بحتمية التطور‪.‬‬
‫ثالثًا‪� :‬إن اجلمهورية العربية املتحدة يف �إميانها بحتمية التطور ال جتد نف�سها بحكم م�سئوليتها العربية‪ ،‬قادرة على الوقوف‬
‫مكتوفة اليدين �أمام حماوالت متعمدة وعدوانية للت�صدي حلق �شعوب الأمة العربية يف �صنع م�ستقبلها بالكرامة واحلرية‪.‬‬
‫ويف اخلتام ‪ -‬عزيزي الرئي�س‪ -‬ف�إننا ن�سجل لكم بال�شكر والتقدير العميق كل م�شاعركم احلميدة‪ ،‬ونتمنى من قلوبنا �أن‬
‫يكتب لها النجاح الذي ت�ستحقه باعتبارها جه ًدا بنا ًء و�صادقًا من �أجل ال�سالم القائم على العدل‪.‬‬
‫جمال عبد النا�صر‬
‫القاهرة يف ‪ 3‬مار�س ‪1963‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪47‬‬
‫الدكتور خالد عزب‬

‫وبالإيوانني الكبري وال�صغري �شباكان يطالن على النيل‪� ،‬أي �أن‬ ‫كان ق�صر اجلزيرة �أحد الق�صور التي �أعاد بناءها اخلديوي‬
‫القاعة موازية للنيل‪ ،‬وبالدورقاعة ف�سقية من الرخام امللون‪ ،‬ويتو�صل‬ ‫�إ�سماعيل‪ ،‬وهو يف الأ�صل كان يعرف بالق�صر الكبري‪� ،‬شيده‬
‫من باب بالقاعة �إىل م�ساكن علوية‪ .‬وبالق�صر قاعة �أخرى مطلة على‬ ‫عبد ‪ ‬الرحمن كتخدا قبل �سنة ‪1173‬هـ‪1759 /‬م‪ .‬وذلك لإقامة‬
‫النيل تتكون من �إيوان واحد و�سدلة‪ ،‬وبها �شبابيك تفتح على النيل‪،‬‬ ‫البا�شاوات املعينني حلكم م�صر عند قدومهم �إليها قبل انتقالهم‬
‫وتطل على النيل �أي�ضً ا غرف لإقامة املماليك‪ .‬وبالق�صر قاعة علوية‬ ‫�إىل القلعة املقر الر�سمي للحكم‪ ،‬و�أي�ضً ا لإقامة كبار رجال الدولة‬
‫كربى ب�إيوان واحد ودورقاعة و�سدلتان �إحداهما مطلة على النيل‬ ‫العثمانية عند زيارتهم مل�صر‪.‬‬
‫والأخرى مطلة على املقعد‪ .‬واملقعد يتكون من �ستة عقود ترتكز‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫كان هذا الق�صر يتكون من عدد كبري من الوحدات املعمارية‪،‬‬


‫على خم�سة �أعمدة من الرخام الأبي�ض وهو مطل على النيل‪ ،‬يوجد‬ ‫ت�صطف على طول �شاطئ النيل‪ ،‬وهذه الوحدات هي باب ي�ؤدي �إىل‬
‫�أ�سفله ديوان مطل على النيل ب�ستة عقود ترتكز على خم�سة �أعمدة‪.‬‬ ‫جماز ودركاة مب�سطبة يتو�صل منها �إىل �صحن كبري على ميينه �إ�سطبل‬
‫وباملقعد باب ي�ؤدي �إىل م�ساكن احلرمي‪ ،‬وغرف ومطبخ وحمام‪ .‬كما‬ ‫بجواره طاحونة وفرن‪ .‬ويوجد بهذا ال�صحن باب احلرمي وخم�س‬
‫خ�ص�صت غرفة بالق�صر لتناول القهوة‪ .‬كما �أحلق بالق�صر حديقة‬ ‫حوا�صل و�سلم ي�صعد منه �إىل �أماكن علوية‪ .‬وباب �آخر يدخل منه‬
‫و�صهريج وم�صلى وبلغت م�ساحة هذا الق�صر فدانني ون�صف‪.‬‬ ‫�إىل قاعة �سفلية ت�شتمل على �إيوانني ودورقاعة وثالث �سدالت‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ق�صر اجلزيرة‬
‫الإ�سالمية عليه‪� .‬أما الت�صميم الداخلي فهو يجمع بني طراز الروملي‬ ‫قام �إبراهيم بن حممد علي بهدم هذا الق�صر و�إعادة بنائه مرة‬
‫والطرز الأوروبية للق�صور يف ذلك الع�صر‪ .‬وقد تبقى من ذلك الق�صر؛‬ ‫�أخرى‪ ،‬ويبدو �أنه كان م�ستغ ًّال �أي�ضً ا ال�ستقبال �ضيوف الدولة؛‬
‫ال�سالملك الكبري‪ .‬وقام بت�صميم هذا الق�صر املهند�س النم�ساوي‬ ‫حيث �شيد �إبراهيم ق�ص ًرا لإقامته يف منطقة جاردن �سيتي عرف‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫يوليو�س فران�س با�شا‪ .‬كما قام املعماري الأملاين كارل فون ديبيت�ش‬ ‫بالق�صر العايل‪.‬‬
‫بتنفيذ البوائك احلديد و�أعمال التذهيب والزخارف الداخلية التي‬ ‫�آل هذا الق�صر �إىل اخلديوي �إ�سماعيل عن �أبيه‪ ،‬وهدمه يف عهد‬
‫بلغت تكلفتها ‪ 1100‬جنيه �إ�سرتليني‪ .‬كما قام ٌّ‬
‫كل من الإيطاليني‬ ‫�سعيد با�شا‪ ،‬و�أعاد بناءه‪ ،‬ثم تغريت خططه بالن�سبة لهذا الق�صر بتوليه‬
‫�آرن�ستوفريوت�شيو�أجنلو�أركوالينببع�ض�أعمالالزخارفوالديكورات‬ ‫حكم م�صر‪ ،‬فقد ر�أى ا�ستغالله لإقامة �ضيوف م�صر الأجانب �أثناء‬
‫للق�صر‪ ،‬و�أ�شرف على البناء ح�سن بك نور الدين‪ .‬وي�صف ديل�شيفالري‬ ‫حفل افتتاح قناة ال�سوي�س‪ .‬و�أعيد بناء الق�صر من ثالثة �أق�سام رئي�سية‪،‬‬
‫ال�سالملك الكبري بقوله‪�« :‬إن طوله يبلغ �أكرث من مائة مرت حتمله عدة‬ ‫وهياحلرملكوال�سالملكال�صغري‪،‬وال�سالملكالكبريو�شبهاحلمراء‬
‫�أعمدة منقو�شة ب�أجمل النقو�ش العربية‪ .‬وو�سط هذا الق�صر عبارة‬ ‫بغرناطة‪ ،‬غري �أنه يف الواقع يجمع يف ال�شكل اخلارجي بني طراز الروملي‬
‫الذي بد�أ ي�شيع يف م�صر منذ عهد حممد علي‪ ،‬وغلبة الزخارف‬
‫‪49‬‬
‫ق�صور احلمراء يف غرناطة ‪� -‬إ�سبانيا‬

‫الأعياد ب�ساط �سند�س‬ ‫عن ردهة ف�سيحة الأرجاء ال‬


‫تزينه �أجمل �أنواع الأزهار‬ ‫يحجبها �شيء عن ال�سماء‪،‬‬
‫و�أينعها طوال ال�شتاء‪ ،‬ويف‬ ‫�أر�ضها من املرمر قائمة على‬
‫و�سطه نافورة بديعة من‬ ‫عمد بينها نافورة �أثرية‪ .‬ويف‬
‫املرمر النا�صع املنقو�ش‪،‬‬ ‫�أحد جناحي الق�صر حجرات‬
‫ن�صب بها متثال �أوزوري�س‬ ‫مفرو�شة ب�أجمل الأثاث روعة‬
‫يف و�سط حو�ض م�ستدير‬ ‫وزخرفًا‪ ،‬ومنها غرفة فاخرة‬
‫ال�شكل منحوت من قطعة‬ ‫ق�صر اجلزيرة يف م�صر‬ ‫�أومل فيها اخلديوي �إ�سماعيل‬
‫واحدة من املرمر الأبي�ض‬ ‫وليمة لويل عهد �إجنلرتا وقرينته‬
‫حميطها اثنا ع�شر م ًرتا‪ .‬ويرى تيموثي ميت�شيل �أن ت�صميم بع�ض‬ ‫وحا�شية بالطه يف عام ‪1869‬م‪ .‬يف اجلناح الآخر لهذا الق�صر �أبهاء‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫غرف هذا الق�صر متاثل ت�صميم ق�صر التويلري بفرن�سا‪ .‬وك�أن‬ ‫اال�ستقبال واملخادع وحجرات الزينة واحلمامات‪ ،‬وكلها فاخرة‬
‫اخلديوي �إ�سماعيل �أراد بت�صميم هذا الق�صر �أن يجمع بني قاهرة‬ ‫الأثاث م�صنوعة على �أجمل الطرز ال�شرقية»‪.‬‬
‫�ألف ليلة وليلة التي ولع بها الأوروبيون يف القرن التا�سع ع�شر يف‬ ‫�شيد ال�سالملك ال�صغري (ق�صر الأعياد) على �ضفاف النيل‪،‬‬
‫ت�صميم واجهاته على النمط الإ�سالمي وبني رغبته يف ك�سب ود‬ ‫�أمام مر�سى بوالق‪ ،‬وكان �أحب م�ساكن �إ�سماعيل �إليه‪ ،‬وكانت‬
‫الأوروبيني يف ت�شييده عمائر تظهر مدى والئه للح�ضارة الأوروبية‬ ‫تقام به �أعياد اجللو�س يف ‪ 8‬يناير من كل عام‪ .‬وهو من املنا�سبات‬
‫يف اتباعه الت�صميم الأوروبي لداخل الق�صر‪ .‬وكلف �إ�سماعيل‬ ‫التي اقتب�سها �إ�سماعيل من الغرب‪ .‬و�أمام املدخل البحري لق�صر‬

‫‪50‬‬
‫ق�صر اجلزيرة‬
‫ال�صخرة‪ :‬وهي عبارة عن تبة من كتلة واحدة وتقع بالقرب من ق�صر‬ ‫املهند�س الفرن�سي باربل بتحويل الأر�ض الزراعية املحيطة‬
‫الأعياد‪ ،‬قام ببنائها املهند�س العثماين م‪� .‬سيبوز‪ ،‬وحتت هذه ال�صخرة‬ ‫بال�سراي �إىل حديقة‪ ،‬فقام بردم �أر�ضها بارتفاع مرتين وق�سمت‬
‫�أنفاق و�سراديب تف�ضي �إىل جو�سق مركزي و�ضعت يف �أركانه مقاعد‬ ‫احلديقة �إىل عدة حدائق؛ هي‪:‬‬
‫من خ�شب متحجر جيء به من ال�صحراء‪ ،‬و�شد بع�ضه �إىل بع�ض‬ ‫احلديقة اخلديوية‪ :‬لفالحة الب�ساتني و�أقلمة النباتات‪ ،‬وكانت‬
‫بالأ�سمنت‪ .‬ومن هذه ال�صخرة تنفجر عيون فيا�ضة تتدفق يف جدول‬ ‫ت�ستخدم يف التجارب وكان بها يف عام ‪1876‬م ما يربو على مليون‬
‫ين�ساب يف �أرجاء احلديقة وال�سالملك‪ .‬و�إىل اجلنوب توجد بحرية يف‬ ‫من النباتات الأجنبية بع�ضها للزينة وبع�ضها للإثمار‪.‬‬
‫و�سطها جزيرة �صغرية وكهوف للطيور املائية النادرة‪.‬‬ ‫احلديقة اخلديوية لق�صور اجلزيرة‪ :‬وهي التي بها الق�صر‪،‬‬
‫و�أحلق بهذه احلدائق �صوب لنباتات �أوراقها زخرفية جميلة‬ ‫ويقع �شمالها طريق اجلزيرة‪ ،‬وهو يبد�أ من �ضفاف النيل‪ ،‬ثم ي�ؤدي‬
‫ادخرت لتزين احلفالت والأعياد التي كانت تقام يف الق�صور‬ ‫�إىل طريق املو�صل �إىل اجليزة ومنه �إىل طريق الهرم‪.‬‬
‫اخلديوية‪ .‬ومنها رو�ضة الزهور التي تقع قبالة ج�سر كوبري ق�صر‬ ‫حديقة الأ�سماك‪ :‬وهي عبارة عن �أكمة (جبالية) ذات كهوف‬
‫النيل‪ ،‬وبها �أنواع عديدة من الزهور امل�ستوردة‪.‬‬ ‫كلف اخلديوي �إ�سماعيل كومباز ودومبليو اخلبريين املتخ�ص�صني يف‬
‫مثل هذه الأعمال بتنفيذها‪ ،‬وغر�ست فوق �سقفها �أ�شجار جبلية‬
‫با�سقة م�ستوردة‪ ،‬تقع غرب حديقة الق�صر‪ .‬ومازالت هذه احلديقة‬
‫باقية �إىل اليوم‪.‬‬
‫حي اجلزيرة عام ‪1896‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪51‬‬
‫لكل �أمة عاداتها وتقاليدها التي توارثها اخللف عن ال�سلف فر�سخت يف �أذهانهم وانطبعت يف �أفكارهم دون �أن‬
‫يفطنوا �إىل �أن جذورها عريقة يف القدم و�أن �أ�صولها متتد �إىل املا�ضي البعيد وتداولتها الأيام حتى وقتنا هذا‪.‬‬
‫�إميان اخلطيب‬

‫«حلقاتك برجاالتك‪..‬حلقة دهب يف وداناتك‪ ..‬يارب يا ربنا تكرب وتبقى زينا»‬


‫مرا�سم االحتفال بال�سبوع‬ ‫كلمات �أ�صبحت من �صميم الفولكلور ال�شعبي يرددها امل�صريون‬
‫عند والدة الطفل ومن �أول يوم ُيو�ضع بجواره �صينية ف�ضية �أو‬ ‫يف االحتفال بـ«�سبوع املولود»‪ ،‬الذي يعترب من �أبرز العادات والتقاليد‬
‫طبق به ما ي�سمى بـ«البياتة»؛ وهي عبارة عن «�إبريق» للمولود �إذا كان‬ ‫امل�صرية القدمية التي عمرها �آالف ال�سنوات‪ ،‬وال زالت تقام يف كل‬
‫ول ًدا‪ ،‬و« ُقلة» مزينة بالزهور �إذا كان املولود «بن ًتا»‪ ،‬و�أي�ضً ا ُيو�ضع يف هذه‬ ‫بيت م�صري ولكن طر�أ عليها بع�ض التغريات نظ ًرا ملرور الزمن‪.‬‬
‫ال�صينية �سبعة �أنواع من احلبوب اجلافة (الفول‪ -‬الأرز‪ -‬العد�س‪-‬‬ ‫�أطلق على هذا االحتفال ا�سم «يوم ال�سبوع»؛ لأنه عادة ما يقام‬
‫الذرة‪ -‬احللبة‪ -‬احلم�ص‪ -‬القمح)‪ ،‬وخ�ضروات (جرجري ‪ -‬بقدون�س‬ ‫يف اليوم ال�سابع من والدة الطفل‪ .‬وال تزال الأ�سر امل�صرية حتر�ص‬
‫�أو �أي نوع من اخل�ضرة)‪ ،‬وقطعة خبز بالإ�ضافة �إىل عملة معدنية‬ ‫على االحتفال بهذا اليوم باعتباره احتفا ًال ال تكتمل من دونه‬
‫ف�ضية؛ وذلك تيم ًنا له بحياة رغدة و�سعيدة‪ .‬وكذلك يعد ال�شمع‬ ‫طقو�س الفرح باملولود‪� .‬أما عن الأ�صل التاريخي لالحتفال ب�سبوع‬
‫جز ًءا �أ�سا�س ًّيا يف (البياتة)؛ �إذ يو�ضع يف الإبريق �أو القلة حتى ال�صباح‬ ‫املولود فيعود �إىل عهد الفراعنة؛ فقد وجدت بع�ض الر�سومات‬
‫وتظل هذه الأ�شياء م�صاحبة للمولود حتى يوم �سبوعه‪.‬‬ ‫اجلدارية من ع�صر الدولة الفرعونية احلديثة تت�شابه مع احتفالية‬
‫ويف يوم االحتفال يتوافد الأهل والأ�صدقاء �إىل بيت الأم‬ ‫ال�سبوع‪ ،‬فكان هذا االحتفال يقام ب�سبب اعتقاد امل�صريني القدماء‬
‫التي و�ضعت مولودها لزيارتها وتهنئتها‪ ،‬ثم تقوم �إحدى ال�سيدات‬ ‫ب�أن حا�سة ال�سمع عند الطفل تبد�أ بالعمل يف اليوم ال�سابع‬
‫الكبريات يف العائلة (�أو الداية قدميًا) �أو ًال ب�إ�شعال البخور‪ ،‬ثم بحمل‬ ‫مليالده‪ ،‬فيقومون با�صطناع ال�صخب بجوار �أذنيه؛ حتى تعمل‬
‫الطفل ملفوفًا ب�شال �أنيق‪ .‬وتقوم جدة الطفل بـ«دق الهون» بجوار‬ ‫هذه احلا�سة جي ًدا كما كانوا يقومون بتعليق «حلقة ذهب» يف‬
‫�أذن املولود‪ ،‬وتطلب منه �أن يطيعها ويطيع �أمه (بدي ًال عن طاعة‬ ‫�أذنه؛ وهي حلقة الإلهة «�إيزي�س» �أم الإله «حور�س»‪ ،‬ويطلبون‬
‫�أوزوري�س �أم الإله يف العادات الفرعونية القدمية)‪ ،‬ثم تقوم ب�إلبا�س‬ ‫منه طاعة الإله؛ ليكون ذلك �أول ما ت�سمعه �أذناه‪ ،‬ثم يدعون‬
‫املولود ‪ -‬لو كانت �أنثى ‪ -‬قر ًطا من الذهب‪ .‬ثم يو�ضع الطفل يف‬ ‫للإله ب�أن يحفظ املولود ومينحه العمر املديد‪ .‬ومع دخول الإ�سالم يف‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫منخل (الغُربال) و ُيهز �سبع مرات؛ حيث يعتقد �أن يف تلك العملية‬ ‫م�صر تغريت العادة قلي ًال فبد ًال من ذكر �آلهة الفراعنة‪ ،‬ي�ؤذن يف �أذن‬
‫منفعة ملعدته‪ ،‬ثم يو�ضع على الأر�ض وتعرب �أمه فوقه �سبع مرات؛‬ ‫الطفل اليمنى‪ ،‬وتردد �شعائر �إقامة ال�صالة يف �أُذنه الي�سرى‪ ،‬و�أي�ضً ا‬
‫حلمايته من احل�سد؛ حيث ُيرقى الطفل با�سم‬ ‫ُيرقى الطفل با�سم اهلل وال�صالة على ر�سوله‬
‫اهلل وال�صالة على ر�سوله‪ .‬وتقول ال�سيدة‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم‪.‬‬
‫التي تقوم بهذه العملية‪( :‬الأولة ب�سم‬
‫اهلل‪ ..‬والثانية ب�سم اهلل‪ ..‬والثالثة ب�سم اهلل‬

‫‪52‬‬
‫من املاء الذي يحمم فيه الطفل بل كان يحتفظ به يف‬ ‫�إىل �أن ت�صل �إىل ال�سابعة ب�سم اهلل رقيتك برقوة حممد‬
‫�إناء ي�سمى «امل�أجور الأخ�ضر»‪ ،‬وعلى حافة امل�أجور تو�ضع‬ ‫بن عبد اهلل)‪ .‬وبعد االنتهاء يف�سح املجال �أمام من كانت‬
‫ثالث �شمعات يطلق ا�سم للمولود على كل �شمعة‪ ،‬وا�سم‬ ‫ترقي الأم ومولودها‪ ،‬وتقوم بدحرجة الغُربال يف املكان �إىل‬
‫ال�شمعة التي تظل م�شتعلة فرتة �أطول من غريها هو الذي ُيختار ا�س ًما‬ ‫�أن يقف مبفرده؛ تيم ًنا ب�أن ي�سري املولود مبك ًرا و�سري ًعا‪ .‬ثم يتم «زف‬
‫للطفل‪ .‬وهناك جانب كبري من العائالت القبطية ي�سمي املولود على‬ ‫املولود»؛ حيث حتمله �أمه ب�صحبة لفيف من الفتيات �أو الن�ساء‪،‬‬
‫ا�سم القدي�س �أو الكاهن الذي يقوم مبرا�سم االحتفال به‪ .‬ثم بعدها‬ ‫حتمل الواحدة منهن عد ًدا من ال�شموع امل�ضاءة‪ ،‬وينتقلن بها بني‬
‫تتم باقي مرا�سم االحتفال التي اعتاد عليها امل�صريون من دق الهون‬ ‫خمتلف احلجرات‪ ،‬وتر�ش الداية �أو غريها يف ذلك الوقت امللح فوق‬
‫وغربال املولود وتوزيع احلم�ص على احلا�ضرين‪.‬‬ ‫�أر�ض كل حجرة مرددة «امللح يف عني الذي ال ي�صلي على النبي‬
‫من اجلدير بالذكر �أن هناك بع�ض املوروثات القدمية املثرية للده�شة‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم»؛ حيث يعتقد �أن عملية ر�ش امللح عملية‬
‫الزالت متار�س وخا�صة يف املجتمعات الريفية؛ فمث ًال يتم ثقب �أذن‬ ‫وقائية حافظة للأم وطفلها من العني احلا�سدة‪ ،‬والبد �أن يذكر كل‬
‫املولودة باحللق الذهبي اجلديد �أو ب�إبرة ت�سخن على‬ ‫احلا�ضرين الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم‬
‫النار وتطهر وبها فتلة لكي تعقد يف الأذن؛‬ ‫فيقولون‪« :‬اللهم بارك على �سيدنا‬
‫حتى ال يلتئم الثقب ثانية‪.‬‬ ‫حممد»‪ .‬ويلقي املعازمي يف ال�صينية‬
‫و�أي�ضً ا من الطريف يف‬ ‫بع�ض العمالت املعدنية؛ اعتقا ًدا‬
‫هذه العادات القدمية �أنه‬ ‫�أنها تو�سع رزق املولود‪ ،‬ثم ُيوزع‬
‫يف حالة كون املولود ذك ًرا‬ ‫على احلا�ضرين احلم�ص وال�شيكوالتة‬
‫يقوم الأب باللف على �سبعة �أ�شخا�ص‬ ‫واملك�سرات وال�سوداين وبالأخ�ص الأطفال؛‬
‫ا�سمهم حممد ي�ستجدي منهم ما ًال (يقوم بال�شحاتة)‪ ،‬وت�سمى هذه‬ ‫لن�شر البهجة على اجلميع‪.‬‬
‫العادة «ال�شحاتة من ال�سبع حممدات»؛ وذلك لكي يحفظ اهلل‬ ‫ومن �ضمن مظاهر االحتفال �أي�ضً ا تقدمي «املغات»؛ وهذا‬
‫الطفل من ال�سوء ويعي�ش عم ًرا مدي ًدا‪ .‬وهناك عادة طريفة �أخرى يف‬ ‫م�شروب عبارة عن �أعواد ُت�شبه اخل�شب تطحن‪ ،‬وتخلط بخلطة‬
‫حالة وجود طفل كبري ا�سمه مث ًال (حممد) يف العائلة ثم ُولِد طفل‬ ‫معينة عند العطار‪ ،‬وحتمر بال�سمن وال�سم�سم واملك�سرات‪ ،‬و ُت�شرب‬
‫حديث و�سمي بنف�س اال�سم‪ ،‬يطلب �أهل الطفل الكبري فطرية من‬ ‫�ساخنة‪ ،‬كما يقدم «الك�سك�سي» بال�سكر واملك�سرات وهي عادات‬
‫�أ�سرة الطفل حديث الوالدة؛ وذلك لت�سميتهم نف�س ا�سم ابنهم‪.‬‬ ‫حر�صت عليها الأ�سرة امل�صرية على اختالف طبقاتها االجتماعية‬
‫وهناك �أي�ضً ا معتقد غريب يثري الده�شة �أن الداية �أو �إحدى ال�سيدات‬ ‫واالقت�صادية‪.‬‬
‫الكبريات بالأ�سرة حت�ضر ثالث يوم والدة الطفل �سوا ًء كان ذك ًرا �أو‬ ‫وهناك بع�ض الأ�سر �أ�صبحت تكتفي حال ًّيا باالحتفال بقدوم‬
‫�أنثى‪ ،‬وتقوم بع�صر ثدي الطفل؛ وذلك لكي ي�صري �شعره ناع ًما‪ .‬ومن‬ ‫املولود وفقًا للطقو�س الإ�سالمية وعمل ما ي�سمى بـ «العقيقة»‪ .‬وكلمة‬
‫�ضمن املعتقدات الفرعونية التي تمُ ار�س حتى الآن يف بالد النوبة �أن‬ ‫عقيقة م�أخوذة يف �أ�صلها من العق وهو ال�شق (وهي كلمة �سميت بها‬
‫جدة الطفل حتمله يوم ال�سبوع‪ ،‬وت�صحبه �إىل النيل‪ ،‬ومت�سح ر�أ�سه مباء‬ ‫الذبيحة)‪ ،‬وتعترب العقيقة ُ�سنة م�ؤكدة فعلها الر�سول �صلى اهلل عليه‬
‫ال�سري يف النيل؛ وذلك ملا‬ ‫النيل‪ ،‬كما تقوم برمي ما تبقى من حبله ُ‬ ‫و�سلم‪ ،‬وحث �صحابته الكرام على فعلها‪ .‬ومن الأف�ضل �أن ُيذبح‬
‫ميثله النيل من خري ورخاء‪.‬‬ ‫عن الولد �شاتان متقاربتان �شب ًها و�س ًّنا‪ ،‬وعن البنت �شاة واحدة‪.‬‬
‫ومن خالل عر�ضنا لأهم العادات والتقاليد املتبعة يف االحتفال‬ ‫ويتم عمل فتة وحلمة وي�أكل احل�ضور منها‪ ،‬كما يوزع جزء منها على‬
‫ب�سبوع املولود جند �أن بع�ض تلك العادات تعر�ضت �إىل الزوال‬ ‫الفقراء‪ ،‬ولذلك يف�ضل البع�ض هذه الطريقة الإ�سالمية يف االحتفال‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫واالندثار‪ ،‬وبع�ضها �أ�صابها التطور مع مرور الزمن وتغري حالها مع‬ ‫التي متتد فيها الفرحة �إىل املحتاجني‪.‬‬
‫بقاء جوهرها كما كان‪ .‬وهناك بع�ض العادات الأخرى التي بقيت‬ ‫�أما عن العادات القبطية لالحتفال بقدوم مولود جديد‪ ،‬فتكون‬
‫كما هي دون تغري �إال �أننا يف النهاية جند �أن هناك قا�س ًما‬ ‫مبباركة الكاهن للطفل يف اليوم ال�سابع بعد والدته‪ ،‬في�أتي الكاهن‬
‫م�شرت ًكا ظل مييز االحتفال ب�سبوع املولود بغ�ض النظر عن‬ ‫�إىل منزل الوليد لإقامة �صالة يطلق عليها ا�سم «�صالة‬
‫اختالف الأديان �أو احلالة االقت�صادية �أو االجتماعية؛‬ ‫الط�شت»؛ حيث ي�سكب املاء يف ط�شت‬
‫وهو ال�شعور بالبهجة وال�سرور الذي يعم على جميع‬ ‫(وعاء) وي�ضاف �إليه امللح والزيت‪،‬‬
‫الأهل والأ�صدقاء احتفا ًال بتلك املنا�سبة وبقدوم‬ ‫ويغمر الكاهن املولود اجلديد يف املاء‪،‬‬
‫مولود جديد‪.‬‬ ‫وهو يتلو ال�صلوات‪ .‬وكانوا ال يتخل�صون‬
‫‪53‬‬
‫حكايات وروايات من م�صر هي مواقف و�أحداث حدثت على �أر�ض الواقع‪ ،‬ولي�ست‬
‫من ن�سج اخليال‪ ،‬نبحر فيها كل مرة داخل حكاية حدثت على �أر�ض م�صر املحرو�سة‪ ،‬قد‬
‫تكون من مئات ال�سنني‪ ،‬وقد تكون من يوم م�ضى‪.‬‬

‫�سوزان عابد‬

‫�إ�سبانيا مدينة اجلمال والفن والريا�ضة‪ ،‬يعرفها اجلميع ب�أ�شكال خمتلفة فالبع�ض متثل �إ�سبانيا له الليجا ‪-‬الدوري‬
‫الإ�سباين ‪ -‬وفريقي بر�شلونة وريال مدريد واملناف�سة بني ع�شاق ليونيل مي�سي وكري�ستيانو رونالدو‪ .‬والبع�ض الآخر‬
‫يعرفها باملو�سيقى والرق�ص الإ�سباين بالتنورة ذات الكراني�ش متعددة الأدوار ال�شهرية‪ .‬والبع�ض عندما ي�سمع ا�سم‬
‫�سارحا بني �شواهده احلية التي مازالت تزين‬ ‫«�إ�سبانيا» يرتجمها يف ذهنه �إىل الأندل�س جمد امل�سلمني القدمي هناك‪ً ،‬‬
‫�شوارع �إ�سبانيا ودروبها و�أربا�ضها ما بني ق�صور احلمراء بغرناطة وم�سجد قرطبة وجامع �أ�شبيلية وغريها كثري‪ .‬والبع�ض‬
‫يعرف �إ�سبانيا مب�صارعة الثريان‪ ،‬وغريها من الأمور التي ت�شتهر بها املدن الإ�سبانية‪ .‬ولكن دعني �أوجه �إليك دعوة خا�صة‬
‫تن�س �أن تتجول بالقرب من الق�صر امللكي‬ ‫�إذا كنت تخطط لزيارة مدينة اجلمال �إ�سبانيا وجتولت يف عا�صمتها فرجا ًء ال َ‬
‫بالعا�صمة الإ�سبانية مدريد‪ ،‬وبالتحديد يف حديقة باركي دل �أوي�ستي وتلقي ال�سالم والتحية على املعبد امل�صري القائم‬
‫هناك؛ �إنه معبد دابود‪ .‬جاء من �أعايل م�صر من �أر�ض النوبة احلبيبة لي�ستقر مبدريد وي�صبح ال�سفري الدائم مل�صر هناك‪،‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫يجذب الزوار ب�شكله الفريد والغريب على العمارة الإ�سبانية مبختلف ع�صورها‪ .‬يقف �شاخمًا يف مناخ مل ي�ألفه ومل‬
‫يع َتد عليه يف موطنه الأ�صلي‪ .‬فهو مل ير الثلج ومل ي�شعر بالربودة ال�شديدة �إال يف مدريد‪ .‬فذكرياته عن م�صر ما بني‬
‫�شم�س م�شرقة �صيفًا و�شتا ًء‪ ،‬وحرارة مرتفعة ت�شعره بالدفء الدائم؛ تختلف كث ًريا عما يعي�شه الآن‪ .‬ف�إذا �أتتك الفر�صة‬
‫لزيارة مدريد فال تبخل ب�إلقاء التحية وال�سالم على هذا املعبد؛ لت�شعره بحب �أهل م�صر له رغم ما بيننا من م�سافات‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫معبد دابود يف م�صر‬

‫معبد دابود �أثناء تفكيكه وحت�ضريه لنقله �إىل �إ�سبانيا‬


‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪55‬‬
‫متمثلة يف كنور م�صر الأثرية التي غمرتها املياه �أكرث من مرة وكادت‬ ‫ترجع ق�صة معبد دابود �إىل �أوائل الع�صر البطلمي عندما قرر‬
‫�أن تتعر�ض للغرق مرة �أخرى �أثناء بناء ال�سد‪ .‬ومن هنا وجهت‬ ‫امللك �إجغر �آمون �أن يبني معب ًدا لعبادة الإله �أمون‪ ،‬ووقع اختياره‬
‫م�صر دعوة لكافة املنظمات الدولية املهتمة بالرتاث للم�ساهمة يف‬ ‫على منطقة «دابود» الواقعة جنوب �أ�سوان بحوايل ‪20 -15‬كم‪،‬‬
‫�إنقاذ �آثار م�صر من الغرق‪ .‬وبالفعل ل ّبت منظمة اليون�سكو النداء‪،‬‬ ‫وبالتحديد على ال�ضفة الغربية من نهر النيل وبالقرب من ال�شالل‬
‫وكذلك العديد من الدول املعنية بالرتاث واحل�ضارة الإن�سانية ب�صفة‬ ‫الأول‪ .‬ويف الع�صور التالية متت �إ�ضافة بعد الأجزاء للمعبد والتعديل‬
‫عامة والعا�شقة للح�ضارة امل�صرية ب�صفة خا�صة‪ .‬ويف مار�س ‪1960‬‬ ‫يف �شكله الأ�سا�سي‪.‬‬
‫د�شنت منظمة اليون�سكو يف احتفال كبري؛ حملة �إنقاذ �آثار م�صر‪،‬‬ ‫ي�سجل لنا معبد دابود ق�صة ت�ضحية قدمها �أهايل النوبة من �أجل‬
‫وبالفعل بد أ� العمل وبد أ� اخلرباء والفنيون يف التوافد على م�صر‪،‬‬ ‫م�صر؛ ففي عام ‪ 1960‬و�أثناء البدء يف بناء ال�سد العايل كانت منطقة‬
‫وكذلك امل�ساهمات املادية والعلمية والأجهزة احلديثة املتطورة لنقل‬ ‫كبرية من �أ�سوان والنوبة قد تعر�ضت للغرق نتيجة لفي�ضان النيل‬
‫�آثار م�صر الواقعة بالقرب من ال�سد العايل لأماكن �أخرى �أكرث �أم ًنا‪.‬‬ ‫املتكرر مما ا�ستوجب معه بناء �سد يحمي م�صر من خطر‬
‫الفي�ضان‪ ،‬ومن هنا كانت فكرة بناء ال�سد العايل‪ .‬كما �أن‬
‫بحرية نا�صر الواقعة خلف ال�سد �أدت �إىل غمر جنوب‬
‫ال�سد ‪ -‬منطقة النوبة ‪ -‬باملياه والطمي مما ا�ستلزم نقل‬
‫وتهجري القرى النوبية و�أهايل النوبة �إىل منطقة �أخرى ‪-‬‬
‫النوبة اجلديدة ‪ -‬ولكن كانت العقبة �أمام الإدارة امل�صرية‬

‫�آثار م�صر تغمرها مياه النيل �أثناء الفي�ضان‬

‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪56‬‬
‫معبد �أبي‪� ‬سمبل �أثناء فكه ونقله‬

‫و�ساهم الإعالم امل�صري والدويل يف هذه احلملة بدور فعال فانت�شرت‬


‫�صور �آثار م�صر يف ال�صحف واملجالت والن�شرات ال�صحفية‪ ،‬و�أ�صبح‬
‫معبدا �أبي �سمبل وفيلة يت�صدران ال�صحف العاملية‪ .‬ومن هنا بد�أت‬
‫الأفراد هي الأخرى يف التربع لإنقاذ �آثار م�صر‪ ،‬وكانت هذه احلملة‬
‫من �أكرب حمالت الدعاية لل�سياحة يف م�صر والتمتع بزيارتها؛ نتيجة‬
‫للمحا�ضرات العديدة التي �أعدتها املنظمات املعنية بالأمر للتعريف‬
‫مب�صر و�آثارها‪ .‬وقد ا�ستمرت احلملة �أكرث من ع�شرين عا ًما مت خاللها‬
‫نقل العديد من املواقع الأثرية �إىل مواقعها اجلديدة‪.‬‬

‫عمليات نقل معبد �أبي‪� ‬سمبل‬


‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪57‬‬
‫من عام ‪� 1972‬أمام الزائرين‪ .‬ف�أتاح الفر�صة �أمام الإ�سبان الذين مل‬ ‫ونتيجة للجهود امل�ضنية التي بذلتها احلكومة الإ�سبانية يف حملة‬
‫ي�سعدهم احلظ بزيارة م�صر؛ �أن ي�شاهدوا جز ًءا منها على �أر�ضهم‪.‬‬ ‫�إنقاذ �آثار النوبة‪ ،‬قامت م�صر يف عهد الرئي�س الراحل جمال عبد‬
‫و�إن كان بذلك قد ا�ستئ�صل جزء مهم من �أر�ض م�صر ونفي �إىل‬ ‫النا�صر ب�إهدائها معبد دابود تكرميًا لأياديها البي�ضاء يف احلفاظ على‬
‫خارج البالد بني غربة الزمان واملكان‪.‬‬ ‫�آثار م�صر وعرفانًا لها باجلميل‪ .‬وبالفعل بد�أت احلكومة الإ�سبانية يف‬
‫ومل يكن معبد دابود هو املعبد الوحيد الذي �أهدته م�صر للدول‬ ‫�إجراءات نقل املعبد‪ ،‬والتي متثلت يف تفكيك �أحجاره وو�ضعها يف‬
‫امل�شاركة يف حملة اليون�سكو‪ ،‬فقد �أهدت م�صر ما يقرب من ‪ 5‬معابد‬ ‫�صناديق وترقيمها ونقلها باملراكب النيلية �إىل �أن و�صلت الإ�سكندرية‬
‫�أخرى؛ هي‪ :‬معبد طافا القائم يف ليدن يف هولندا‪ ،‬ومعبد دندور يف‬ ‫ومنها نقلت بالبواخر �إىل ميناء فالن�سيا ومنه �إىل مدريد‪ .‬ومت �إعادة بناء‬
‫متحف املرتوبوليتان بالواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬ومعبد اللي�سية يف‬ ‫املعبد يف موقعه احلايل بالقرب من الق�صر امللكي ولكن حدث خط�أ‬
‫تورينو ب�إيطاليا‪ ،‬والبوابة البطلمية من معبد كالب�شة يف اجلزء امل�صري‬ ‫يف ترتيب بواباته‪ ،‬فجاءت البوابة التي حتمل نق�ش الثعبان املجنح‬
‫يف متحف برلني ب�أملانيا‪.‬‬ ‫بد ًال من البوابة الأخرى يف الرتتيب‪ .‬ومت افتتاح املعبد يف �أغ�سط�س‬

‫معبد دابود �أثناء تركيبه يف موقعه اجلديد يف مدريد‬

‫معبد دابود يف مدريد و�سط الثلوج‬


‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪58‬‬
‫‪59‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬
‫مصر مجهورية برملانية دميقراطية‬
‫قراءة يف مشروع دستور ‪1954‬‬
‫الدكتورة �صفاء خليفة‬

‫يف ‪ 13‬يناير �سنة ‪ 1953‬مع �سقوط د�ستور ‪� ،1923‬صدر مر�سوم‬ ‫تبنت بع�ض القوى ال�سيا�سية بعد ثورة اخلام�س والع�شرين‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫بت�أليف جلنة من خم�سني ع�ض ًوا من �أبرز ال�شخ�صيات ال�سيا�سية‬ ‫من يناير ‪ 2011‬الرتويج ملزايا م�شروع د�ستور ‪ ،1954‬لكي يكون‬
‫والثقافية والق�ضائية والع�سكرية ميثلون التيارات ال�سيا�سية املوجودة‬ ‫أ�سا�سا للإ�صالح ال�سيا�سي والد�ستوري‪ ،‬ور�أت فيه وثيقة دميقراطية‬
‫� ً‬
‫كافة يف م�صر �آنذاك؛ لو�ضع د�ستور جديد للبالد بعد �إ�صدار د�ستور‬ ‫تت�ضمن احلد الأدنى لر�ؤية �شاملة لق�ضية الإ�صالح‪ ،‬وطرحته للر�أي‬
‫‪ .1923‬ثم �أ�صدرت القيادة يف فرباير ‪ 1953‬د�ستو ًرا م�ؤق ًتا؛ ليجري‬ ‫أ�سا�سا حلوار يقود �إىل �إ�صالحات د�ستورية‬
‫العام للمناق�شة ليكون � ً‬
‫العمل به ثالث �سنوات‪ ،‬هي فرتة االنتقال التي حددتها الثورة‪،‬‬ ‫جذرية للنظام ال�سيا�سي امل�صري‪.‬‬
‫رئي�سا لها‪ .‬ا�ستمرت اللجنة تبا�شر عملها‬
‫وانتخبت اللجنة علي ماهر ً‬
‫‪60‬‬
‫كان م�شروع د�ستور عام ‪ 1954‬مبثابة دعوة قوية �إىل �إقامة نظام‬ ‫على مدى عام وثمانية �أ�شهر‪ ،‬انق�سمت اللجنة خاللها �إىل جمموعة‬
‫جمهوري برملاين على �أ�سا�س الف�صل بني ال�سلطات‪ ،‬والتعددية‬ ‫من اللجان الفرعية التي ظلت جتتمع �أ�سبوع ًّيا‪� ،‬إىل �أن انتهت يف ‪15‬‬
‫احلزبية ي�ضمن حقوق وحريات الأفراد‪ .‬ورمبا كان الباب الأول‬ ‫�أغ�سط�س ‪ 1954‬من عملها وقدمت م�شروعها ملجل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫من هذا الد�ستور‪ ،‬والذي يتكون من مادة واحدة �أهم ما ميز هذا‬ ‫وهي نف�س الفرتة التي ح�سم فيها ال�صراع ال�سيا�سي ل�صالح قيادة‬
‫الد�ستور بني د�ساتري م�صر‪ .‬ورمبا كان �أي�ضً ا �سب ًبا رئي�س ًّيا لرف�ض جمل�س‬ ‫الثورة �ضد احلركة احلزبية عامة؛ حيث احتفظ امليثاق الد�ستوري‬
‫قيادة الثورة لإقراره‪� ،‬أنه د�ستور متكامل املالمح‪ ،‬يحول دون االنفراد‬ ‫لعام ‪ 1953‬بالنظام امللكي يف �شكل جمل�س الو�صاية على العر�ش‬
‫بال�سلطة؛ فقد ن�صت املادة الأوىل من الد�ستور على �أن «م�صر دولة‬ ‫رغم �أنه �ألغي يف نهاية الأمر يف يونية ‪ ،1953‬وكان هذا امليثاق �أداة‬
‫موحدة ذات �سيادة‪ ،‬وهي حرة م�ستقلة‪ ،‬وحكومتها جمهورية نيابية‬ ‫�شرعية م�ؤقتة حتى يتم تقدمي م�سودة د�ستور جديد‪ .‬وحتددت فرتة‬
‫برملانية»‪.‬‬ ‫انتقالية لذلك مدتها ثالث �سنوات يعقبها ت�أ�سي�س نظام دميقراطي‪.‬‬
‫انحازت جلنة د�ستور ‪ 54‬للنظام اجلمهوري الربملاين‪ ،‬مبا يعنيه‬ ‫ويف نف�س الوقت حظر هذا امليثاق ن�شاط الأحزاب ال�سيا�سية‪،‬‬
‫ذلك من حتديد �سلطات رئي�س اجلمهورية والتو�سع يف �سلطات‬ ‫وا�ستبدلها ب�إن�شاء تنظيم �سيا�سي جديد هو «هيئة التحرير»‪.‬‬
‫احلكومة التي ي�شكلها رئي�س اجلمهورية بعد ا�ست�شارة ممثلي اجلماعات‬
‫ال�سيا�سية‪ ،‬كما ن�صت مواد الباب الثالث‪ :‬باب ال�سلطات‪.‬‬

‫الرئي�س حممد جنيب و�أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة‬


‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪61‬‬
‫التنفيذية فيه دور مهيمن على‬ ‫�أما الباب العا�شر والأخري فت�ضمن الأحكام العامة ومن‬
‫الدولة واملجتمع؛ وذلك لكي‬ ‫بينها «الإ�سالم دين الدولة واللغة العربية لغتها الر�سمية»‪ ،‬وحتديد‬
‫حت�شد ال�شعب لإجناز خطط تنموية‬ ‫العا�صمة‪ ،‬وتقييد �سلطات رئي�س اجلمهورية يف �إعالن حالة الطوارئ‪.‬‬
‫تبني اقت�صا ًدا وطن ًّيا ي�ساهم يف �صيانة‬ ‫كان م�شروع هذا الد�ستور الأف�ضل على الإطالق يف �إحداث‬
‫اال�ستقالل ورفع م�ستوى معي�شة‬ ‫التوازن بني ال�سلطات الت�شريعية والتنفيذية والق�ضائية‪ .‬كما �أجده‬
‫اجلماهري‪.‬‬ ‫�ضام ًنا �أكي ًدا للحقوق واحلريات الأ�سا�سية للمواطن امل�صري‪ ،‬وكفي ًال‬
‫ونظ ًرا لأن امل�شروع مل يحقق الأهداف‬ ‫بتوفري مناخ احلرية وتكاف�ؤ الفر�ص للجميع‪ .‬فجاء الباب الثاين‬
‫التي قامت من �أجلها ثورة يوليو ‪،1952‬‬ ‫منه مت�ضم ًنا احلقوق واحلريات العامة‪ ،‬وبه ‪ 49‬مادة؛ لي�ؤكد على‬
‫لذلك مل يعمل به‪ ،‬ومت العدول عنه �إىل‬ ‫مكت�سبات د�ستور ‪ 23‬يف جمال احلقوق واحلريات‪ ،‬وي�ضيف �إليها‪،‬‬
‫�أحكام جديدة تتفق ومبادئ ثورة يوليو ‪،1952‬‬ ‫فقد ن�ص على عدم جواز �إ�سقاط اجلن�سية‪ ،‬وحظر النفي على �إطالقه‪،‬‬
‫فعهد رئي�س اجلمهورية �إىل مكتبه الفني ب�إعداد‬ ‫كما مت حتديد الإقامة لأ�سباب �سيا�سية‪ ،‬و�أكد على امل�ساواة يف احلقوق‬
‫م�شروع د�ستوري يحقق �أهداف الثورة ويالئم‬ ‫والواجبات العامة دون متييز «ب�سبب الأ�صل �أو اللغة �أو الدين �أو‬
‫ظروف املجتمع امل�صري‪ .‬وبالفعل قام املكتب الفني‬ ‫الطوائف الدينية �أو الآراء ال�سيا�سية �أو االجتماعية»‪ .‬ون�ص على �أن‬
‫لرئي�س اجلمهورية ب�إعداد م�شروع د�ستور جديد مت‬ ‫«حرية االعتقاد مطلقة‪ ،‬وحتمي الدولة حرية القيام ب�شعائر الأديان‬
‫عر�ضه على جمل�س قيادة الثورة ثم على جمل�س الوزراء‬ ‫والعقائد طبقًا للعادات املرعية يف الديار امل�صرية‪ ،‬على �أال يخل ذلك‬
‫لنظره و�إبداء الر�أي فيه‪ .‬ولقد حدد الد�ستور يوم ال�سبت‬ ‫بالنظام العام �أو ينايف الآداب»‪ .‬ون�صت املادة ‪ 20‬على �أنه «ال يحاكم‬
‫‪ 23‬يونية ‪ 1956‬موع ًدا ال�ستفتاء ال�شعب على الد�ستور‬ ‫�أحد �إال �أمام الق�ضاء العادي‪ ،‬وحتظر املحاكمة �أمام حماكم خا�صة �أو‬
‫ينظم �سلطة الدولة على نحو م�ستقر‪ ،‬وعلى رئا�سة اجلمهورية‪.‬‬ ‫ا�ستثنائية وال يحاكم مدين �أمام املحاكم الع�سكرية»‪ .‬كذلك ن�ص‬
‫وب�إ�صدار الد�ستور وانتخاب الرئي�س انتهت فرتة االنتقال ومت‬ ‫م�شروع الد�ستور على حق امل�صريني يف ت�أليف اجلمعيات والأحزاب‬
‫حل جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬مع العلم �أنه مل ي�ستمر العمل بهذا‬ ‫دون �سابق �إخطار �أو ا�ستئذان‪.‬‬
‫الد�ستور طوي ًال؛ �إذ مل يزد عمره على �سنة وثمانية �أ�شهر؛ ب�سبب‬ ‫ن�ص م�شروع الد�ستور �أي�ضً ا على ا�ستقالل الق�ضاء وجمل�س‬
‫الوحدة التي متت بني م�صر و�سوريا يف ‪ 21‬فرباير ‪1958‬؛ حيث‬ ‫الدولة‪ ،‬وخ�صهما بف�صل م�ستقل يف باب ال�سلطات‪ ،‬وجعل‬
‫انتهي العمل به منذ ذلك التاريخ‪ .‬ولكنه ظل الأ�سا�س الذي قام‬ ‫للمحكمة العليا الد�ستورية بابًا م�ستق ًّال‪ ،‬وجعل من اخت�صا�صها‬
‫عليه بعد ذلك د�ستور ‪ ،1971‬وهي د�ساتري ت�أخذ بالنظام الرئا�سي؛‬ ‫حماكمة رئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫حيث ِّمتكن ال�سلطة التنفيذية من الهيمنة على كل ال�سلطات‪.‬‬
‫كان ميكن �أي�ضً ا من خالل د�ستور ‪� 1954‬ضخ دماء ت�ؤدي �إىل‬
‫حراك د�ستوري قوي يف احلياة ال�سيا�سية‬
‫امل�صرية من خالل حتويل مركزيتها‬
‫البريوقراطية �إىل نوع من الإدارة احلية املرهونة‬
‫مب�صالح ال�شعب‪ ،‬وذلك عرب انتخاب الأجهزة‬
‫واملجال�س املحلية للمحافظات واملدن والقرى‬
‫باالقرتاع احلر املبا�شر‪ ،‬على �أن تنتخب هذه‬
‫املجال�س نف�سها املحافظني بعد ذلك‪ ،‬و�أن‬
‫حتا�سبهم على �أعمالهم‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫خال�صة القول‪� ،‬أن جمل�س قيادة الثورة‬


‫وجد هذا الد�ستور �أكرث دميقراطية وليربالية‪،‬‬
‫ومت الرتويج �إىل �أن الدميقراطية الليربالية‬
‫ال ت�صلح ل�شعوب العامل الثالث النت�شار‬
‫الفقر واجلهل بني �أفرادها وافتقادهم للوعي‬
‫ال�سيا�سي‪ ،‬و�أن هذه ال�شعوب يف حاجة‬
‫لنظام حكم مركزي قوي تكون لل�سلطة‬
‫‪62‬‬
‫‪63‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬
‫مذكرة حول ح�صون الإ�سكندرية‬
‫و�ضواحيها‬
‫الأمري عمر طو�سون‬
‫ترجمة‪ :‬نورة يو�سف‬
‫(مقال من�شور يف جملة اجلمعية الآثرية بالإ�سكندرية عام ‪ 1941‬م)‬

‫جدا من�شورة يف املجلد العا�شر �صفحة ‪ 311‬من جملة اجلمعية امللكية للآثار بالإ�سكندرية كتبها ال�سيد‬ ‫هناك مذكرة مهمة ًّ‬
‫دي كو�سون ‪ De Cosson‬بعنوان مالحظات حول ح�صون الإ�سكندرية و�ضواحيها‪ .‬وقد �أوحت يل بن�شر هذا املقال بنف�س‬
‫العنوان وحول نف�س املو�ضوع عن قائمة احل�صون التي كانت موجودة باملدينة �سنة ‪1848‬م؛ وهي ملخ�ص لكتاب املرحوم‬
‫�إ�سماعيل �سرهنك با�شا؛ وكيل وزارة احلربية والبحرية‪ ،‬وهو الكتاب امل�سمى حقائق الأخبار يف دول البحار‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫هذه القائمة نف�سها نُقلت مرة �أخرى و ُوجدت يف �أوراق املرحوم ح�سن با�شا الإ�سكندراين؛ لواء البحر يف الأ�سطول امل�صري‬
‫يف عهد الوايل حممد علي با�شا‪ .‬وكان ح�سن با�شا يقود الأ�سطول امل�صري‪ ،‬و�أر�سل يف نهاية الأمر م�ساعدة لرتكيا يف حرب القرم‬
‫من عام ‪� 1853‬إىل عام ‪1855‬م‪ ،‬فانتهز فر�صة هبوب عا�صفة يف البحر الأ�سود فعاد �إىل �إ�سطنبول‪ ،‬لكن يف �أثناء عودته غرق‬
‫ب�سفينته يف ‪� 30‬أكتوبر ‪1854‬م‪.‬‬
‫�إنه على الرغم من �أن ن�شر هذه املذكرة يف دورية ع�سكرية �أكرث منا�سبة ومالءمة من اعتبارها مقالة تن�شر يف جملة تتعامل مع‬
‫ال�ش�أن الأثري‪ ،‬ف�إن ذلك كان بهدف معرفة ال�صورة التي كانت عليها بع�ض املواقع التاريخية القدمية لبلدنا‪ ،‬والتي من املمكن �أن‬
‫تكون مفيدة للأبحاث الأثرية يف امل�ستقبل‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫وكانت مواقع و�أماكن تلك احل�صون كالتايل‪:‬‬ ‫القائمة املذكورة كانت كالآتي‪:‬‬
‫طابية الفنار‬ ‫ح�صون الإ�سكندرية‬
‫ومن املمكن �أن تنطق ‪ ،Phare‬وهي احل�صن املوجود‬ ‫عدد قذائف املورتر‬ ‫عدد املدافع‬ ‫ا�سم احل�صن‬
‫�أ�سفل املنارة على ل�سان �شبه جزيرة ر�أ�س التني‪ ،‬وي�سمى‬
‫ح�صن املنارة‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪57‬‬ ‫طابية الفنار‬
‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫طابية الفنار ال�صغري‬
‫طابية الفنار القدمي‬
‫‪12‬‬ ‫‪61‬‬ ‫طابية الرتبة‬
‫وتوجد بجوار احل�صن ال�سابق وت�شكل الآن هيك ًال‬ ‫‪10‬‬ ‫‪13‬‬ ‫طابية الإ�سبتالية‬
‫م�شرت ًكا معها‪.‬‬ ‫اجلديدة‬
‫طابية الرتبة �أو الرتب‬ ‫‪-‬‬ ‫‪25‬‬ ‫طابية الإ�سبتالية‬
‫ومن املمكن �أن نطلق عليها (طابية الأر�ض) ‪.La Terre‬‬ ‫القدمية‬
‫‪7‬‬ ‫‪57‬‬ ‫طابية الآطة‬
‫هذا احل�صن كان مقا ًما �شمال ق�صر ر�أ�س التني‪ ،‬بني الق�صر‬
‫والبحر‪ ،‬و�سمي فيما بعد ح�صن ر�أ�س التني‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪110‬‬ ‫قلعة برج الظفر‬
‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫طابية ظهر منزل‬
‫طابية الإ�سبتالية اجلديدة‬ ‫الفرن�سي�س‬
‫ومن املمكن �أن نطلق عليها طابية امل�ست�شفى اجلديدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬ ‫طابية املفحمة‬
‫وهذا احل�صن كان مقا ًما غرب احل�صن ال�سابق‪ ،‬ومكانه حال ًّيا‬ ‫‪-‬‬ ‫‪9‬‬ ‫طابية م�سلة فرعون‬
‫منزل رئي�س احلر�س امللكي‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫طابية مقابر اليهود‬
‫طابية الإ�سبتالية القدمية‬ ‫القدمية‬
‫‪-‬‬ ‫‪20‬‬ ‫طابية مقابر اليهود‬
‫كانت �شرق احل�صن ال�سابق �أمام احلديقة املقامة بالقرب‬ ‫اجلديدة‬
‫من ثكنة احلر�س امللكي‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪18‬‬ ‫طابية برج ال�سل�سلة‬
‫طابية الأطة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬ ‫طابية باب �شرقي‬
‫هذا احل�صن موجود حال ًّيا با�سم قلعة الأطة‪ ،‬والتي ا�ستولت‬ ‫‪1‬‬ ‫‪10‬‬ ‫طابية كوم النا�ضورة‬
‫عليها �إدارة قوات حر�س ال�سواحل‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫طابية الدخيلة‬
‫قلعة برج الظفر‬ ‫‪2‬‬ ‫‪20‬‬ ‫طابية ال�سلمية‬
‫وهذا احل�صن يعرف با�سم برج وقلعة الظفر �أي الن�صر‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪40‬‬ ‫طابية املك�س‬
‫وهذه القلعة هي قلعة قايتباي يف ر�أيي للأ�سباب الآتية‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪9‬‬ ‫طابية القمرية‬
‫ •مبا �أن �أ�سماء القالع املنقولة من هذه القائمة مرتبة من‬ ‫‪4‬‬ ‫‪56‬‬ ‫طابية �أم قبيبة‬
‫الغرب �إىل ال�شرق‪ ،‬وهذا احل�صن «قلعة برج الظفر»‬ ‫‪1‬‬ ‫‪14‬‬ ‫طابية املالحة‬
‫يوجد بجوار احل�صن ال�سابق (طابية الأطة) وي�أتي‬ ‫القدمية‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫بعده‪� ،‬إ ًذا فهذا اال�سم ال ميكن �أن ينطبق �إال على قلعة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪34‬‬ ‫طابية املالحة‬
‫اجلديدة‬
‫قايتباي‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪13‬‬ ‫طابية �صالح �أغا‬
‫ •�إن قلعة قايتباي هي �أهم قالع الإ�سكندرية‪ ،‬و�أي�ضً ا‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬ ‫طابية باب �سدرة‬
‫هذه القلعة كانت م�سلحة ب�شكل يفوق القالع‬ ‫‪2‬‬ ‫‪9‬‬ ‫طابية كوم الدميا�س‬
‫الأخرى‪ .‬فمن امل�ؤكد �أنها قلعة قايتباي؛ لأنني مل‬
‫‪69‬‬ ‫‪617‬‬ ‫املجموع‬
‫�أ َر قط قلعة �أخرى ميكن �أن متتلك كل ذلك الت�سليح‬
‫(‪ 116‬قاذفة ومدف ًعا)‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ ،Dufalga‬ذا ال�ساق اخل�شبية؛ حيث كان النا�س يلقبونه ب�أبي خ�شبة‬ ‫ •كان يوجد يف املا�ضي بالقرب من قلعة قايتباي بني م�سجد‬
‫الذي ُقتِل يف ح�صار عكا يف ريف �سوريا يف ‪� 25‬إبريل ‪1799‬م(‪.)3‬‬ ‫البو�صريي ومبنى املحافظة القدمية التي هدمت على �شاطئ‬
‫البحر برج ي�سمى برج الظفر‪ ،‬والذي هدم عند ت�شييد‬
‫طابية الدخيلة‬
‫ر�صيف امليناء ال�شرقي (طريق امللكة نازيل)‪ .‬ومن املمكن‬
‫ح�صن �صغري يوجد �أمام قرية الدخيلة‪ ،‬وي�سمى �أي�ضً ا مر�سى‬ ‫�أن تكون القلعة قد �سميت بقلعة برج الظفر لهذا ال�سبب(‪.)1‬‬
‫القنايات‪.‬‬
‫طابية ظهر منزل الفرن�سي�س‬
‫طابية ال�سلمية‬
‫ا�سم هذا احل�صن يو�ضح �أنه كان يوجد خلف القن�صلية الفرن�سية‬
‫م�ؤكد �أن هذا احل�صن هو احل�صن املوجود بالقرب من باب‬ ‫القدمية‪،‬والتي كانت مقامة يف ميدان �إ�سماعيل الذي احرتق‬
‫العرب‪ .‬ويف خندق هذا احل�صن جتري املياه لت�صريف مياه م�ضخات‬ ‫�سنة ‪1882‬م‪ .‬ومن ثم ف�إن هذا احل�صن كان يوجد يف مكان متثال‬
‫املك�س‪.‬‬ ‫اخلديوي �إ�سماعيل (قرب اجلندي املجهول حال ًّيا)‪.‬‬
‫طابية املك�س‬ ‫طابية املفحمة‬
‫هذا احل�صن هو ح�صن املك�س املوجود داخل باب العرب‪.‬‬ ‫كانت �شرق احل�صن ال�سابق على �شاطئ البحر بالقرب من �شارع‬
‫طابية القمرية‬ ‫البور�صة القدمية‪.‬‬
‫هذا احل�صن هو نف�سه احل�صن الذي �أقيم على املرتفع املوجود‬ ‫طابية م�سلة فرعون‬
‫عليه عالمات على �شكل كرات �سوداء تو�ضح مدخل وخمرج‬ ‫طابية امل�سلة بالإيحاء مل�سلة كليوباترا التي كانت موجودة من‬
‫ال�سفن والقنوات املالحية‪.‬‬ ‫قبل‪ ،‬وكان هذا احل�صن يوجد بجوارها‪.‬‬
‫طابية �أم قبيبة‬ ‫طابية مقابر اليهود القدمية‬
‫هذا احل�صن اليوجد حال ًّيا‪ ،‬وموقعه كان �شرق احل�صن ال�سابق‪،‬‬ ‫كان هذا احل�صن مقا ًما يف مكان امل�ست�شفى احلكومي احلايل‬
‫يف مكان م�ستودعات اخل�شب احلالية‪ .‬وكان يوجد على نف�س م�ستوى‬ ‫(املريي)‪.‬‬
‫احل�صن ال�سابق‪ ،‬ولكن التل الذي كان مقا ًما عليه احل�صن كان يرتفع‬
‫على الردم الذي ا�ستخدم يف �أعمال ميناء الإ�سكندرية‪.‬‬ ‫طابية مقابر اليهود اجلديدة‬
‫طابية املالحة القدمية‬ ‫كان هذا احل�صن مقا ًما بني نهاية �شارع يو�سف عز الدين ور�أ�س‬
‫ال�سل�سلة‪.‬‬
‫هذ احل�صن �أ�صغر احل�صنني املوجودين بني طريق املك�س وبحرية‬
‫مريوط خلف حمطة �سكة حديد مريوط القدمية اخلا�صة باخلديوي‬ ‫طابية برج ال�سل�سلة‬
‫عبا�س حلمي‪ ،‬والتي حتولت �إىل مدر�سة املعلمات يف الورديان‪ .‬وقد‬ ‫كان هذا احل�صن هو ح�صن برج ر�أ�س ال�سل�سلة والذي ُهدِ َم‬
‫�أُقيم هذا احل�صن �شرق طابية املالحة اجلديدة‪ .‬و�سمي هذا احل�صن‬ ‫حديثًا‪.‬‬
‫على خريطة وزارة احلربية با�سم قلعة الي�سرى ال�صغرى‪ ،‬وعلى خرائط‬ ‫طابية باب �شرقي‬
‫م�صلحة امل�ساحة ح�صن املالحة‪.‬‬
‫واملمكن ت�سميتها طابية الباب ال�شرقي �أو طابية باب ر�شيد‪.‬‬
‫طابية املالحة اجلديدة‬ ‫وقد هدم هذا الباب الواقع على م�سافة ق�صرية �شرق تقاطع �شارع‬
‫هذا احل�صن موجود غرب طابية املالحة القدمية‪ ،‬وعلى خريطة‬ ‫ف�ؤاد الأول و�شارع ال�سلطان ح�سني و�شارع بلجيكا (باتري�س‬
‫وزارة احلربية يحمل ا�سم قلعة الي�سرى الكربى‪ ،‬وعلى خرائط‬ ‫لومومبا حال ًّيا)‪ ،‬وكان هذا احل�صن بجوار ذلك التقاطع(‪( .)2‬حدائق‬
‫م�صلحة امل�ساحة عرف با�سم ح�صن الي�سرى‪.‬‬ ‫ال�شالالت القبلية حال ًّيا)‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫طابية �صالح �أغا‬ ‫طابية كوم النا�ضورة‬


‫هذا احل�صن هو ح�صن �صالح احلايل‪ ،‬والذي من خالله كان يتم‬ ‫يوجد هذا احل�صن على التل القريب من امليناء الغربي؛ حيث‬
‫�إطالق املدافع لتحية ال�سفن الأجنبية عندما ت�صل للميناء وكذا يف‬ ‫ن�صب عليه برج للإ�شارة تابع لإدارة املوانئ واملنائر‪ .‬كنا ن�سميه �أي�ضً ا‬
‫االحتفاالت واملنا�سبات‪.‬‬ ‫ح�صن نابليون ‪� Napoléon Bonaparte‬أو ح�صن كفاريللي ‪Caffarelli‬‬

‫‪66‬‬
‫قلعة قايتباي‬

‫طابية الفنار‬

‫ح�صن كافاريللي‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫طابية امل�سلة‬

‫‪67‬‬ ‫الربج ال�شرقي‬


‫�إن الأربعة ح�صون ال�سابقة موجودة على �سد �أبي قري بني قرية‬ ‫طابية باب �سدرة‬
‫�أبي قري ور�شيد ويوجد و�سط هذه احل�صون برج‪ .‬وقد ُهدِ م احل�صن‬
‫هذا احل�صن كان مقا ًما بالقرب من باب �سدرة �أحد �أبواب‬
‫الأول منها منذ عدة �سنوات‪.‬‬
‫احل�صون القدمية للإ�سكندرية‪ .‬وهذا الباب كان يوجد عند طرف‬
‫ح�صون ر�شيد‬ ‫تقاطع �شارع اخلديوي الأول (�شارع �شريف حال ًّيا)‪ ،‬مع �شارع راغب‬
‫عدد املدافع‬ ‫عدد القاذفات‬ ‫ا�سم احل�صن‬ ‫با�شا (منطقة باب عمر با�شا حال ًّيا)‪ .‬وكانت هذه الطابية توجد بالقرب‬
‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬ ‫طابية النيني‬ ‫منه‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬ ‫طابية العبا�سي‬ ‫طابية كوم الدميا�س‬
‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫طابية الطواجنية‬ ‫هذا احل�صن هو نف�سه ح�صن كوم الدكة حال ًّيا‪ .‬وكان هذا احل�صن‬
‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬ ‫طابية املنزالوي‬ ‫يحمل ا�سم ح�صن كريتيان ‪� Crétin‬أيام االحتالل الفرن�سي‪ ،‬وهو‬
‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫طابية حمل ال�شركة‬ ‫نف�سه الكولونيل الذي ُقتِل يف معركة �أبي قري الربية‪ .‬وكانت هذه‬
‫‪-‬‬ ‫‪14‬‬ ‫برج ر�شيد‬ ‫املعركة مع الأتراك يف ‪ 25‬يوليو ‪1799‬م‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪18‬‬ ‫قلعة البوغاز‬ ‫و�سوف ن�سجل قائمة هذه احل�صون ماعدا ما حذف منها؛ حيث‬
‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الطابية ال�شرقية‬ ‫ا�ستوجب حذف قائمة ح�صون العجمي‪ ،‬والتي كانت موجودة‬
‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الطابية الغربية‬ ‫ب�شكل �أكيد يف ذلك الوقت‪� ،‬أما عن قائمة احل�صون يف �ضواحي‬
‫‪-‬‬ ‫‪73‬‬ ‫املجموع‬ ‫الإ�سكندرية من اجلهة ال�شرقية فهي كالتايل‪:‬‬
‫طابية النيني‬ ‫ح�صون �أبي قري‬
‫ا�سم هذا احل�صن م�شتق من ا�سم �شيخ توجد مقربته يف غرب‬ ‫عدد املدافع‬ ‫عدد القاذفات‬ ‫ا�سم احل�صن‬
‫املدينة ناحية اجلنوب‪ ،‬وكان ا�سمه ال�شيخ النيني‪ .‬مل يعد هذا احل�صن‬ ‫‪3‬‬ ‫‪48‬‬ ‫قلعة �أبي قري‬
‫موجو ًدا يف الوقت الراهن‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪47‬‬ ‫طابية كوم ال�شو�شة‬
‫طابية العبا�سي‬ ‫‪2‬‬ ‫‪24‬‬ ‫طابية كوم العجوز‬
‫�أطالل هذا احل�صن موجودة على تل الرمل املوجود يف جنوب‬ ‫‪8‬‬ ‫‪119‬‬ ‫املجموع‬
‫املدينة‪ ،‬ومدافع هذا احل�صن مدفونة حتت الرمال ولكن بع�ض �أجزائها‬ ‫قلعة �أبي قري‬
‫ميكن ر�ؤيتها حال ًّيا‪ ،‬وا�سمه م�شتق من ا�سم مقربة ل�شيخ موجود‬ ‫وت�سمى �أي�ضً ا قلعة الربج‪ ،‬والتي كانت توجد على ل�سان �أبي قري‪،‬‬
‫بالقرب منه‪.‬‬ ‫وهي �أقدم قلعة مت بنا�ؤها يف ع�صر املماليك‪.‬‬
‫طابية الطواجنية‬ ‫طابية كوم ال�شو�شة‬
‫هذا اال�سم م�شتق من �صانع الطواجن �أي �أوانٍ م�صنوعة من‬ ‫هذا احل�صن هو املوجود يف �شمال �شرق قرية �أبي قري وغرب‬
‫الطني ثم حترق‪ ،‬وكانت ت�ستخدم يف طهي الطعام‪ .‬ظهر يف فرتة ما‬ ‫القلعة ال�سابقة رقم (‪ ،)1‬وي�سمى الآن طابية كو�سة با�شا �أو ال�سبع‪.‬‬
‫م�صانع لهذه الأواين يف غرب املدينة من ناحية ال�شمال‪ ،‬وهو الذي‬
‫�أعطى هذا اال�سم لذلك احل�صن‪ ،‬والذي مل يعد موجو ًدا اليوم‪.‬‬ ‫طابية كوم العجوز‬
‫طابية املنزالوي‬ ‫هذا احل�صن هو املوجود على التل الرملي الكبري املوجود يف‬
‫جنوب قرية �أبي قري وي�سمى حال ًّيا ح�صن الرمل‪.‬‬
‫كان يوجد م�سجد �شمال غرب املدينة يحمل ا�سم املنزالوي‪،‬‬
‫ومنه �سمي احل�صن املوجود بالقرب منه‪ ،‬والذي مل يعد له وجود‬ ‫ح�صون �سد �أبي قري‬
‫الآن‪.‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫عدد املدافع‬ ‫عدد القاذفات‬ ‫ا�سم احل�صن‬


‫طابية حمل ال�شركة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫طابية ال�سد رقم ‪1‬‬
‫ومن املمكن ت�سميتها طابية موقع ال�شركة‪ ،‬لكن ال �أحد من‬ ‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫طابية ال�سد رقم ‪2‬‬
‫ال�سكان القدامى باملدينة يتذكر وجود �شركة �أو موقع هذا احل�صن‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫طابية ال�سد رقم ‪3‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫طابية ال�سد رقم ‪4‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪40‬‬ ‫املجموع‬

‫‪68‬‬
‫برج ر�شيد‬
‫هذا احل�صن امل�سمى حال ًّيا قايتباي؛ حيث اكت�شف الكابنت‬
‫بو�شارد ‪ Bouchard‬قائد جي�ش اجلرنال بونابرت عام ‪1799‬م حجر‬
‫ر�شيد امل�شهور عند ذلك احل�صن‪.‬‬
‫قلعة البوغاز‬
‫كانت هذه القلعة توجد يف �شمال قرية برج مغيزل على ال�شاطئ‬
‫املواجه لر�شيد �أمام م�ؤ�س�سة البلدية واملحجر البحري‪ ،‬واليوجد بها‬
‫�أي مدافع‪.‬‬
‫الطابية ال�شرقية‬
‫يف احلقيقة هو �أحد احل�صنني املوجودين عند م�صب النيل‬
‫بالقرب من املنارة‪.‬‬
‫الطابية الغربية‬
‫هو احل�صن الغربي من م�صب نهر النيل بالقرب من املنارة‪،‬‬
‫والذي ا�ستولت عليه �إدارة م�صلحة خفر ال�سواحل يف ر�شيد‪.‬‬

‫(‪ )1‬عرف هذا الربج با�سم ح�صار جقمق؛ ن�سبة للملك الظاهر جقمق ح�سب رواية �أوليا جلبي‬
‫عند زيارته للمدينة ‪1672‬م‪ .‬وكان ي�ستخدم حلماية امليناء ال�شرقي ومر�سى الب�ضائع‪ .‬وكان‬
‫ي�ستخدم �أي�ضً ا كمخزن للبارود الذي يتم جلبه من القاهرة‪.‬‬
‫‪Michael Meinecke; Zur Topographie von Alexandria nach Ewliyâ Celebi,‬‬
‫‪Wiesbaden, 1977, pp.523-537, Jean Louis bacqué Grammont et Robert‬‬
‫‪Dankoff; D´Alexandrie À Rosette D´Après la relation de voyage d´Evliyã‬‬
‫‪Çelebi, Astanbol, 2001, p.16, Jean-Louis Bacqué-Grammont et Michel Tuch-‬‬
‫‪scherer; Duex regards Ottomans sur Alexandrie: Piri Re´is (1521-1526), Evliya‬‬
‫‪çelebi (1672), Le Caire, 2013, 116.‬‬
‫(‪ )2‬بد�أت �أبراج الباب ال�شرقي يف الت�صدع بداية من �سنة ‪1882‬م‪ .‬وهدِ م هذا الباب ب�صورة‬
‫تامة �سنة ‪1885‬م‪.‬‬
‫‪Etienne Combe; Notes de topographie et d'histoire Alexandrine, bulletin de la‬‬
‫‪Société Archéologique d´Alexandrie, no.36, 1943, pp.120-145.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪Etienne Combe; Notes sur les forts d'Alexandria et des environs, bulletin de‬‬
‫‪.la Société Archéologique d´Alexandrie, No, 34, 1941, pp.96-103‬‬

‫ح�صن �أبي قري‬


‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪69‬‬
‫امل�ؤلف‪ :‬جاك حا�سون‬
‫تقدمي‪ :‬يو�سف دروي�ش‬
‫النا�شر‪ :‬دار ال�شروق‬
‫تاريخ الن�شر‪2008 :‬‬

‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪70‬‬
‫مطابقًا لباقي امل�صريني‪ .‬واقت�صر ا�ستخدامهم للغة العربية على‬ ‫�صدر يف عام ‪ 2008‬كتاب «تاريخ يهود النيل» مل�ؤلفه جاك‬
‫الطقو�س الدينية بينما كانت مدار�سهم ت�ستخدم اللغة العربية كلغة‬ ‫حا�سون وترجمة يو�سف دروي�ش‪ .‬وجاك حا�سون هو طبيب نف�سي‬
‫تعليم �أ�سا�سية‪ .‬ومن امللفت للنظر �أن جاك حا�سون يقول �أن انغالق‬ ‫م�صري يهودي‪ ،‬هاجر �إىل فرن�سا مع �أهله يف �سن مبكرة ولكنه كان‬
‫القرائيني يف جتمعاتهم الرئي�سية (حارة اليهود وم�صر القدمية حول‬ ‫يح�ضر �إىل م�صر بانتظام و�أ�س�س يف باري�س جمعية احلفاظ على تراث‬
‫معبد بني عزرا) مل يحدث ب�سبب �أي تهديد من الطوائف املحلية‬ ‫يهود النيل‪ .‬واملرتجم يو�سف دروي�ش ولد عام ‪ 1910‬بالقاهرة يف‬
‫الأخرى‪ ،‬ولكن ب�سبب هجرة اليهود ال�سفاردمي املتزايدة و�أغلبهم من‬ ‫�أ�سرة يهودية قرائية‪ ،‬فدر�س القانون واهتم بالدفاع عن حقوق‬
‫الربانيني‪ ،‬والذين ق�صروا ات�صالهم مع العامل اخلارجي على العالقات‬ ‫وحريات ال�شعب وخا�صة العمال‪ .‬وقد قام برتجمة كتاب «�أو�ضاع‬
‫«الطقو�سية والتجارية التي ا�ستطاعوا احلفاظ عليها مع زمالئهم يف‬ ‫عمال ال�صناعة الكبرية يف القاهرة و�ضواحيها»‪ ،‬وكتاب «وثائق من‬
‫جزيرة القرم و�إ�سطنبول»‪ .‬ومع �أن هذا التربير الذي يقدمه حا�سون‬ ‫واقع الي�سار املارك�سي الفرن�سي»‪ .‬كما ترجم العديد من الأبحاث‬
‫جدا‪،‬‬
‫يرجع العداء �أو �ضعف التعاون بني الطائفتني �إىل وقت مبكر ًّ‬ ‫واملقاالت املطولة من اللغة الفرن�سية‪ .‬وقد �أ�سلم يف عام ‪ 1947‬وتويف‬
‫ف�إن هناك حقيقة تاريخية هامة يف هذا ال�صدد وهي �أن النازيني مل‬ ‫يف عام ‪ 2006‬بالقاهرة‪ .‬ولأن الكتاب �صادر عن املنا�ضل الي�ساري‬
‫يعتربوا قرائي �أوروبا يهو ًدا؛ «لأنهم ال ميتلكون ال�صفات ال�سيكولوجية‬ ‫يو�سف دروي�ش فتم ا�ستقباله برتقب �إيجابي ب�سبب ن�سبته �إليه‪ ،‬ولي�س‬
‫كل من‬‫لليهود» مما �أعفاهم من املحرقة‪ .‬وهي معلومة كافية لإثارة عداء ٍّ‬ ‫ملحرره جاك حا�سون �أو الكتاب وامل�ؤرخني امل�شاركني فيه‪ .‬لقد احتفى‬
‫ال�سفاردمي والأ�شكنازمي �أي يهود �أوروبا ال�شرقية‪ .‬على اجلانب الآخر‬ ‫الي�سار امل�صري بكتاب ي�صدر عليه ا�سم يو�سف دروي�ش‪ ،‬هذا الرمز‬
‫ف�إن االمتيازات التي ح�صل عليها املهاجرون اجلدد ك�أجانب يف بلد‬ ‫ال�شيوعي الكبري غا�ضني الب�صر عن �أنه �شخ�ص ًّيا قد ذكر يف املقدمة‬
‫ت�سيطر عليه القوى اال�ستعمارية دفع بع�ض القرائيني للتقرب من‬ ‫التي �أعدها للكتاب �أنه مل يلق اهتما ًما كب ًريا للكتاب حني و�صله �أول‬
‫الربانيني على الأقل على م�ستوى العمل لال�ستفادة من االمتيازات‬ ‫مرة‪ ،‬كما �أنه لن يحلل م�ضمون الكتاب وال�شهادات الواردة فيه �أو‬
‫املالية والقانونية املمنوحة للأجانب‪.‬‬ ‫ي�ستخل�ص �أية نتائج من ذلك‪� .‬إن احلالة امل�صاحبة ال�ستقبال الكتابني‬
‫ال�سفاردمي والأ�شكنازمي هي تق�سيمة �أخرى مهمة لت�صنيف يهود‬ ‫حد كبري النظرة العامة امللتب�سة جتاه �أية حماولة لفح�ص‬ ‫تعك�س �إىل ٍّ‬
‫م�صر‪ .‬ال�سفاردمي هم اليهود الذين تعود �أ�صولهم �إىل �إ�سبانيا وتركوها‬ ‫تاريخ يهود م�صر‪.‬‬
‫�إىل �أرجاء العامل �أثناء وبعد حماكم التفتي�ش‪� .‬أما الأ�شكنازمي فتعود‬ ‫اليهود امل�صريون‬
‫�أ�صولهم �إىل �شرق �أوروبا وهم العمود الفقري لل�صهاينة الأوائل‬ ‫ينق�سم اجليل الأخري من اليهود امل�صريني‪� ،‬أي اجليل الذي عا�صر‬
‫امل�ؤ�س�سني لدولة �إ�سرائيل‪ .‬واملفارقة �أن �أغلب امل�ؤرخني يرجعون‬ ‫موجة الهجرة اليهودية من م�صر يف اخلم�سينيات من القرن املا�ضي‬
‫�أ�صول الأ�شكنازمي �إىل قبائل وثنية من �شرق �أوروبا حتولت لليهودية‬ ‫�إىل فئات عديدة‪ .‬وال ميكن حتديد دوافع وميول اليهود املقيمني يف‬
‫يف وفرتة الحقة على فرتة الهيكل والتي تعترب املرجعية التاريخية‬ ‫م�صر عند منت�صف القرن الع�شرين دون فهم االختالفات بني تلك‬
‫التي تتبناها ال�صهيونية لتربر بها �أطماعها يف فل�سطني حتدي ًدا‪ .‬ومل‬ ‫الفئات و�أ�صولها‪ .‬على �صعيد املذهب انق�سم يهود م�صر ب�شكل‬
‫تعن تق�سيمة ال�سفاردمي والإ�شكينازمي الكثري للقرائني امل�صريني الذين‬
‫َ‬ ‫�أ�سا�سي �إىل طائفتني؛ هما‪ :‬الربانيون وهم من يتبعون تعاليم التلمود‬
‫تو�ضح جميع امل�صادرة املتاحة �أن هويتهم حتى بداية القرن الع�شرين‬ ‫ويولونها �أهمية كبرية بالإ�ضافة �إىل التوراة‪ .‬والقرائيون هم الذين ال‬
‫كانت بالن�سبة لهم كونهم يهو ًدا قرائيني م�صريني فقط‪ .‬وي�ؤكد جاك‬ ‫ي�ؤمنون بتعاليم التلمود‪ .‬وب�شكل عام ينظر �إىل القرائيني على �أنهم‬
‫حا�سون �أنهم �شعروا �أن �صفة �سفاردمي قد فر�ضت عليهم من ِق َبل‬ ‫�أقرب اليهود �إىل �صورة «ابن البلد» ثقاف ًّيا ويف الزي واللغة والأمناط‬
‫حد كبري‪.‬‬
‫مهاجري �إ�سبانيا الذين عا�شوا ب�شكل منف�صل عنهم �إىل ٍّ‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫االجتماعية‪.‬‬
‫اليهود امل�صريون وال�صهيونية‬ ‫تاريخ ًّيا توجد روايتان لأ�صل وجود الطائفة القرائية يف م�صر وردتا‬
‫�إن هذا ال�شرح للأ�صول العرقية لليهود يف م�صر �أ�سا�سي لفهم‬ ‫يف كتاب بنني نق ًال عن �صحيفة الكليم؛ وهي جريدة الطائفة يف م�صر‪.‬‬
‫موقفهم من ال�صهيونية وحتوالت هذا املوقف‪ .‬ولكن يجب االنتباه‬ ‫تقول �إحدى الروايتني �أن الطائفة و�صلت م�صر مع الفتح الإ�سالمي‬
‫�إىل �أن ذلك التنوع مل يعن �أن كل طائفة يهودية يف م�صر حافظت‬ ‫و�أن عمرو بن العا�ص هو من منحهم الأر�ض املقامة عليها مقابرهم‬
‫على خ�صو�صيتها دون ت�أثر بالطوائف الأخرى‪ .‬فحتى �أ�شد اليهود‬ ‫مبنطقة الب�ساتني‪ .‬وتقول الرواية الثانية �أنهم �أتوا يف ع�صر �آنان بن‬
‫ارتبا ًطا بالهوية امل�صرية كان يتحدث �أكرث من لغة‪ .‬ويقول �أحمد‬ ‫ديفيد يف القرن الثامن امليالدي‪ .‬و�أ ًّيا كانت الرواية الأ�صح ف�إن تلك‬
‫�صادق �سعد وهو يف الأ�صل ابن لعائلة من ال�سفاردمي حتمل اجلن�سية‬ ‫الطائفة بال �شك مت�أ�صلة ب�شكل جعل تطورها التاريخي واالجتماعي‬
‫‪71‬‬
‫لهويتهم اليهودية على �أي انتماء �آخر حلمايتهم من م�صري حتمي‪.‬‬ ‫الإيطالية و�أتت �إىل م�صر من تركيا‪ ،‬يف حوار له مع جول بنني‪« :‬كنا‬
‫وللأ�سف ف�إن و�صول القوى الأملانية بعد �سنوات قليلة �إىل الأرا�ضي‬ ‫نتحدث الفرن�سية والإجنليزية يف املدر�سة والإيطالية يف البيت والعربية‬
‫امل�صرية قبل هزميتهم يف معركة العلمني كان عامل �صدفة �ساعد رمبا‬ ‫يف ال�شارع ون�سب ونلعن بالرتكية» والتحدث بالعربية يف ال�شارع‬
‫يف تر�سيخ هذه الفكرة‪.‬‬ ‫هنا ملحوظة يجب التوقف عندها؛ �إذ �إنها تدعم فكرة �أن اليهود‬
‫�إن ربط ال�صهيونية مبقاومة الفا�شية يف عقل ال�شباب اليهودي‬ ‫امل�صريني كانوا مندجمني بدرجة ما يف املجتمع امل�صري يف مقابل‬
‫امل�صري اجتذب العديدين من ذوي امليول الي�سارية العامة‪ ،‬وهو‬ ‫الفكرة ال�صهيونية التي مت الرتويج لها عن حياتهم املنعزلة يف جمتمع‬
‫ما ا�ستغله حزب املابام عرب حركة الرواد املتحدون التي عرفت‬ ‫ي�ضطهدهم ويعتربهم �أغرابًا كل ًّيا‪.‬‬
‫يف م�صر بحركة العربي ال�صغري قبل عام ‪ ،1948‬والتي تبنت ما‬ ‫الوقائع تعك�س �صورة مغايرة متا ًما لهذا الت�صور العن�صري‪.‬‬
‫�سمي «ال�صهيونية اال�شرتاكية» ونظرت �إىل الكيبوتز (امل�ستوطنات)‬ ‫فاالنحيازات االقت�صادية واالجتماعية ل�شخ�صيات مثل يو�سف‬
‫باعتباره مع�سكر عمل ا�شرتاك ًّيا‪ ،‬يف جتاهل مرعب حلقيقة �أن �أرا�ضي‬ ‫�سيكوريل ويو�سف قطاوي‪ ،‬وهما من ال�صفوة االجتماعية‬
‫الكيبوتزات‪ ،‬هي �أرا�ضي �صادرتها �سلطات االحتالل الربيطاين‬ ‫واالقت�صادية يف املجتمع امل�صري دفعتهم لالنتماء حلزب الوفد �أي‬
‫من فالحني فل�سطينيني كانوا يزرعون تلك الأرا�ضي بامل�شاع‪ ،‬وهي‬ ‫�أنهم ت�صرفوا وفقًا ملعتقد �سيا�سي ولي�س دين ًّيا‪� .‬أما ليون كا�سرتو الذي‬
‫الفكرة الأكرث مالءمة مع اال�شرتاكية‪ .‬ومل ينخدع جميع اليهود‬ ‫�أدار حملة دعائية حلزب الوفد يف �أوروبا فهو يف نف�س الوقت رئي�س‬
‫اال�شرتاكيني بالدعاية التي ت�صور الفكر ال�صهيوين اال�ستيطاين‬ ‫املنظمة ال�صهيونية بالقاهرة‪.‬‬
‫على �أنه نوع من �أنواع اال�شرتاكية‪ ،‬فقام هرني كورييل وبرنارد‬ ‫�إن تلك ال�صورة تعني الكثري بالن�سبة لفكرة الهوية ويف نف�س‬
‫لوي�س لوران�س مبناظرة مع �أع�ضاء احلركة حول الفرق بني ال�شيوعية‬ ‫الوقت تناق�ض ال�صورة التي كان من م�صلحة احلركة ال�صهيونية‬
‫واال�شرتاكية ال�صهيونية‪ .‬ويبدو �أن ذلك كان له �أثر م�ؤقت وقليل‬ ‫تكري�سها بعد �إن�شاء دولة �إ�سرائيل‪ .‬تلك الر�ؤية التي عرفت با�سم‬
‫الإيجابية؛ حيث متيزت احلركة بتبنيها ملفهوم الدولة ثنائية القومية‬ ‫«املفهوم البكائي اجلديد للتاريخ اليهودي» �أي ت�صوير حياة اليهود يف‬
‫لفرتة ق�صرية قبل �أن تن�ضم ب�شكل كامل حلزب املابام‪.‬‬ ‫املناطق الإ�سالمية على �أنها حالة مت�صلة من اال�ضطهاد واالغرتاب‬
‫�إن زيف وازدواجية هذه الفكرة هي ك�أو�ضح ما يكون يف مقطع‬ ‫يف جمتمعات ال ي�شعرون باالنتماء لها ب�أي �شكل من الأ�شكال‪.‬‬
‫ذكره بنني كان قد ورد يف �إحدى ن�شرات احلركة بالإ�سكندرية والتي‬ ‫دخلت ال�صهيونية �إىل املجتمع اليهودي امل�صري حتت ادعاء‬
‫كتب فيها التايل‪« :‬هل معنى ذلك �أنه ميكننا القول ب�أن ا�ستعمارنا‬ ‫توحيد جميع اليهود ومنا�صرتهم ولكن هل فعلت ذلك حقًّا؟ عندما‬
‫لفل�سطني قد �أ�ضر العرب ومل يكن يف م�صلحتهم؟ كال‪ ،‬قطع ًّيا ال‪� .‬إن‬ ‫ظهرت احلركة ال�صهيونية يف م�صر يف �أواخر القرن التا�سع ع�شر كانت‬
‫ا�ستعمارنا كان مبثابة البل�سم للعيون املتخلفة لأبناء عمومتنا العرب‪،‬‬ ‫ن�شطة ب�شكل �أ�سا�سي و�شبه كامل كحركة خريية متول الأن�شطة‬
‫كما ميكن للمرء القول ب�أنهم قد ا�ستفادوا ب�شكل هائل منه وعن طريق‬ ‫الثقافية واالجتماعية املختلفة‪ ،‬وظلت كذلك حتى الأربعينيات‪ .‬ويف‬
‫ا�ستعمارنا هذا قمنا مبد �أيدينا مل�ساعدة �أبناء عمومتنا‪.‬‬ ‫تلك احلدود مل يكن الكثريون من اليهود وغريهم ينظرون لها على‬
‫و�ضوحا‬
‫�إن الفكر ال�صهيوين مل ي�ستطع ب�سهولة ب�شكله الأكرث ً‬ ‫�أ�سا�س �أنها تتعار�ض مع احل�س الوطني امل�صري‪ .‬بل �إن طه ح�سني‬
‫ومبا�شرة �أن يجتذب اليهود امل�صريني يف تلك املرحلة‪ .‬فحتى الرواد‬ ‫ا�شرتك يف افتتاح اجلامعة العربية يف القد�س والتي كانت املنظمات‬
‫املتحدون مل ينجحوا يف �إر�سال �أكرث من دفعة واحدة من ال�شباب‬ ‫ال�صهيونية امل�صرية متول �إن�شاءها‪.‬‬
‫امل�صري اليهودي �إىل الكيبوتزات‪ .‬وكان جممل اليهود الذين‬ ‫لكن امل�س�ألة مل يكن بها �أي نوع من ح�سن النية‪ .‬فالعمل اخلريي‬
‫�شخ�صا‬
‫هاجروا �إىل �إ�سرائيل بني �أعوام ‪ 1947-1917‬هو ‪ً 4020‬‬ ‫وخا�صة التعليمي‪ ،‬و�سيلة ناجحة للدخول �إىل حياة النا�س اليومية‬
‫كان �أغلبهم يهو ًدا من اليمن �أو املغرب �أو يهود �إ�شكينازمي �أقاموا يف‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫والت�أثري على �أفكارهم‪ .‬ويف عام ‪ 1943‬و�صلت �إىل عدة دول عربية‬
‫م�صر لفرتات ب�سيطة‪� .‬أما حركة الرواد املتحدين نف�سها فلم تر�سل من‬ ‫جمموعة من مبعوثي القوة ال�صهيونية املختلفة لنقل الن�شاط والدعاية‬
‫م�صر �إىل �أي كيبوتز �سوى جمموعة �صغرية يف عام ‪ 1937‬فقط حتى‬ ‫ال�سيا�سية ال�صهيونية �إىل يهود هذه املناطق‪ ،‬بعد �أن �أ�صبح مثل هذا‬
‫عودة العمل ال�سري بعد عام ‪ .1947‬وبد�أ تنظيم جمموعات هجرة‬ ‫الن�شاط غري ممكن يف �أوروبا مع احلرب العاملية الثانية وانت�صارات‬
‫�شخ�صا يف كل جمموعة‪.‬‬ ‫لإ�سرائيل تكونت من حوايل خم�سني ً‬ ‫النازية‪ .‬وحر�ص ه�ؤالء املبعوثون على الإيحاء لليهود امل�صريني ب�أن‬
‫جدا يف وقت كان يقدر فيه تعداد اليهود‬ ‫وكانت تلك الأرقام هزيلة ًّ‬ ‫م�صري اليهود يف �أي مكان مت�شابه‪ ،‬مما يوحي لهم ب�أهمية �إعطاء �أولوية‬
‫يف م�صر بحوايل ‪� 90‬ألف ن�سمة ح�سب �إحدى الإح�صائيات غري‬
‫‪72‬‬
‫�إقناعهم بحث احلكومة الأمريكية على التدخل �ضد قانون مت�صري‬ ‫الر�سمية الواردة يف مقال جوردون كرامر و�ألفرد مورابيا �ضمن كتاب‬
‫ال�شركات ال�صادر م�صادفة عام ‪.1957‬‬ ‫تاريخ يهود النيل‪.‬‬
‫وكما بد�أت هجرة يهود العراق بتفجريات دبرها عمالء �إ�سرائيل‬ ‫ف�ضيحة الفون والهجرة اجلماعية‬
‫يف بغداد لإرهاب اليهود العراقيني‪ ،‬كان لتفجريات جمموعة مو�سى‬ ‫كان البد من حدث على م�ستوى ما عرف بف�ضيحة الفون كي‬
‫مرزوق الدور الأكرب يف �إثارة الت�سا�ؤالت حول �إمكانية حمل‬ ‫يبد�أ ب�شكل جماعي كبري وملحوظ �إح�سا�س اليهود امل�صريني باخلطر‬
‫الهويتني اليهودية وامل�صرية‪ .‬لقد بد�أت الهجرة اجلماعية اليهودية من‬ ‫واحتياجهم �إىل الهجرة اجلماعية‪ ،‬عندما حوكم جمموعة من اليهود‬
‫م�صر يف حلظة ت�شو�ش فيها وعي اليهود امل�صريني بهويتهم وت�ضاعف‬ ‫ال�شبان بتهمة التج�س�س حل�ساب �إ�سرائيل‪ ،‬وكانوا قد قاموا ب�إن�شاء‬
‫�شك باقي �شعب م�صر يف انتماء تلك الفئة له‪ .‬يف مقال ن�شر م�ؤخ ًرا‬ ‫خلية قامت بالعديد من �أعمال التفجري ملكاتب بريد ودور �سينما‪.‬‬
‫يف جملة النيويوركر عن كاتبة كتب الطهي ال�شهرية كلوديا رودين‬ ‫ومن �ضمن املن�ضمني �إىل تلك اخللية كان الطبيب اليهودي القرائي‬
‫�أقحم الكاتب هوية كلوديا يف املو�ضوع‪ .‬فهذه ال�سيدة اليهودية التي‬ ‫الدكتور مو�سى مرزوق الذي �أُدين و�أُعدم عام ‪ 1955‬برغم تو�سطات‬
‫�أ�صبحت �أ�شهر من قدم الأكل ال�شرقي للمجتمعات الغربية يهودية‬ ‫العديد من ال�شخ�صيات القرائية‪� .‬إن �إدانة يهودي قرائي بتهمة التعاون‬
‫م�صرية من �أ�صل �سوري‪ ،‬وهي يف مقابالتها وكتبها تعلن �أو ًال �أنها‬ ‫مع �إ�سرائيل‪ ،‬ثم ن�شوب �أول حرب مبا�شرة بني �إ�سرائيل وم�صر يف‬
‫م�صرية وثان ًيا �أنها حتن �إىل حياة �سعيدة عا�شتها يف م�صر‪ .‬لقد قرر‬ ‫العام التايل‪ ،‬د�شنت ملرحلة فا�صلة‪ ،‬يف حياة اليهود امل�صريني‪ .‬فقد‬
‫كاتب املقال �أن كلوديا رودين حتن �إىل عامل من �صنع خيالها و�أن‬ ‫�أ�صبحوا �أكرث ت�أث ًرا بالدعاية ال�صهيونية والتي كانت ت�صدر عن الوكالة‬
‫اليهود يف الدول العربية‪ ،‬مل يحظوا ب�أية حياة �آمنة �أو �سعيدة‪ .‬هل‬ ‫اليهودية يف نيويورك حتدي ًدا‪ ،‬حول �أن و�ضع اليهود امل�صريني يقارب‬
‫هو ت�صميم من الكاتب على تبني ر�ؤية �صهيونية �أم �أنه ينظر ب�شكل‬ ‫و�ضع اليهود يف �أوروبا النازية‪ .‬وكان �سلفاتور �شيكوريل زعيم اليهود‬
‫�أ�سا�سي لنهايات �أيام اليهود يف م�صر بعد ظهور �إ�سرائيل كدولة‬ ‫ال�سفاردمي يف م�صر قد التقى مب�سئويل الوكالة اليهودية يف الواليات‬
‫حر�ضت العامل على كراهية اليهود‪.‬‬ ‫املتحدة‪ ،‬و�أرجع هجمات الإخوان امل�سلمني وحزب م�صر الفتاة على‬
‫بع�ض املمتلكات العائدة لليهود �إىل �إن�شاء دولة �إ�سرائيل‪ ،‬وحاول‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪73‬‬
‫ظهرت ليلى مراد يف فيلم من �أوائل �أفالم ال�سينما الناطقة يف‬ ‫مطربة وممثلة م�صرية‪ ،‬ولدت يف ‪ 17‬فرباير ‪ 1918‬يف حي حمرم‬
‫م�صر عام ‪ ،1935‬وهو فيلم «ال�ضحايا»‪ ،‬ولكنها ظهرت ب�صوتها فقط‪،‬‬ ‫بك مبدينة الإ�سكندرية‪ .‬ن�ش�أت يف �أ�سرة تعمل بالغناء‪ ،‬فهي ابنة‬
‫فقد طلبت منها الفنانة بهيجة حافظ بطلة ومنتجة الفيلم �أن تغني‬ ‫امللحن زكي مراد‪ .‬وقد �سافر والدها الفنان زكي مراد ‪� 1927‬إىل‬
‫�أغنية الفيلم «يوم ال�سفر» التي كانت من �أحلان حممد الق�صبجي‪،‬‬ ‫رحلة غنائية �إىل �أمريكا باحثًا عن املال واملجد وال�شهرة التي حظي بها‬
‫وقد دفعت لها �أكرب �أجر تقا�ضته يف ذلك الوقت وهو خم�سون جني ًها‪.‬‬ ‫الراق�ص «جون كيلي»‪ ،‬وظل يف هذه الرحلة ملدة عام‪ .‬ثم بد�أ والدها‬
‫قامت ب�أول دور متثيلي لها عام ‪ 1938‬يف �أول فيلم �سينمائي لها‬ ‫رحلته معها �إىل �صعيد م�صر والتي بد�أت من حمافظة بني �سويف‪،‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫«يحيا احلب» �أمام حممد عبدالوهاب‪ ،‬وذلك على الرغم من تردد‬ ‫وانتهت يف �أ�سوان بعد عام كامل تنقل �صوتها بني �أنحاء ال�صعيد‪.‬‬
‫املخرج حممد كرمي يف تقبلها كممثلة؛ وذلك لأن �أداءها التمثيلي‬ ‫كان �أول حفل غنائي لها �أمام جمهور عام ‪ 1930‬على م�سرح‬
‫كان ال يزال �ضعيفًا‪.‬‬ ‫رم�سي�س‪ ،‬وكان عمرها ال يتجاوز الثانية ع�شرة عا ًما‪ .‬وبد�أت ليلى مراد‬
‫اك ُت�شفت موهبة ليلى مراد ب�شكل جديد على يد املخرج توجو‬ ‫يف الو�صول �إىل الإذاعة امل�صرية عام ‪ 1934‬بعد �أن تعاقد معها مدير‬
‫مزراحي الذي �صنع معها خم�سة �أفالم يف �سنوات متتالية �أك�سبتها‬ ‫الإذاعة يف ذلك الوقت مدحت عا�صم على الغناء مرة كل �أ�سبوع‬
‫�شهرة وخربة‪ .‬وقد �أعطاها الفر�صة يف ثاين �أفالمها «ليلة ممطرة»‪،‬‬ ‫وحتدي ًدا يوم الثالثاء‪ ،‬مع ال�شيخ رفعت الذي كان ي�سجل تالوة‬
‫وتقا�سمت البطولة مع الفنان الكبري يو�سف وهبي‪.‬‬ ‫القر�آن يف نف�س اليوم‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪75‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬
‫يف عام ‪ 1950‬قامت ليلى مراد ببطولة فيلم «�شاطئ الغرام»‬ ‫كان �أول تعارف بني ليلى مراد و�أنور وجدي يف فيلم «ليلي بنت‬
‫جناحا كب ًريا ب�أغانيه‬
‫الذي �شاركها بطولته ح�سني �صدقي وحقق ً‬ ‫الريف» عام ‪ 1941‬مع املخرج توجو مزراحي والفنان يو�سف وهبي‪.‬‬
‫�أ�شهرها «بحب اثنني �سوا»‪ ،‬كما �سميت ال�صخرة التي غنت عليها‬ ‫ويف عام ‪ 1942‬قدمت مع املخرج توجو مزراحي فيلم «ليلى» الذي‬
‫هذه الأغنية با�سم ليلى مراد والتي تظهر على خريطة مر�سى مطروح‪.‬‬ ‫كان م�أخو ًذا عن ق�صة غادة الكاميليا‪ ،‬وقد عر�ض الفيلم على مدى‬
‫مت عر�ض �آخر �أفالم ليلى مراد و�أنور وجدي «بنت الأكابر»‬ ‫جناحا كب ًريا‪ .‬كما اختريت �أغنية حممد‬‫‪� 16‬أ�سبو ًعا متوا�ص ًال وجنح ً‬
‫عام ‪ ،1953‬والذي كتب �أنور يف الدعاية عنه «�آخر �أفالم ليلى و�أنور‬ ‫الق�صبجي التي غنتها ليلي مراد يف الفيلم ك�أجمل حلن ظهر يف هذا‬
‫م ًعا»‪.‬‬ ‫العام نتيجة ا�ستفتاء قامت به بع�ض املجالت والذي �أعلنت عن‬
‫نتيجته الإذاعة امل�صرية‪.‬‬
‫تزوجت ليلى مراد من املخرج فطني عبد الوهاب عام ‪1954‬؛‬
‫حيث �أجنبت منه ولديها زكي و�أ�شرف‪ .‬ويف عام ‪ 1954‬قدمت �أول‬ ‫كان �آخر تعاون بني ليلى مراد واملخرج توجو مزراحي يف فيلم‬
‫و�آخر حماولة �إنتاجية لها وهو فيلم «احلياة احلب» الذي �شاركها بطولته‬ ‫«ليلى بنت الظالم» ‪ 1944‬الذي ا�ستطاع من خالله �أن يجعل منها‬
‫يحيى �شاهني‪.‬‬ ‫جنمة �سينمائية غنائية‪.‬‬
‫غنت ليلى مراد �أول و�آخر �أغنية وطنية لها «على الإله القوي‬ ‫تزوجت ليلى مراد من الفنان �أنور وجدي عام ‪ 1945‬الذي ملع‬
‫االعتماد» ‪ 1955‬التي كتبها وحلنها الفنان مدحت عا�صم‪ .‬كما كان‬ ‫جنمه بدخوله عامل الإخراج والبطولة �أمام ليلى مراد يف فيلم «ليلى‬
‫�آخر ظهور لها يف ال�سينما عام ‪ 1955‬يف فيلم «احلبيب املجهول» مع‬ ‫بنت الفقراء»‪ .‬وا�ستمر هذا الزواج ملدة �سبع �سنوات؛ حيث مت‬
‫كمال ال�شناوي وق�صة �أنور وجدي و�إخراج ح�سن ال�صيفي‪.‬‬ ‫الطالق عام ‪1952‬م‪.‬‬
‫بعد وفاة �أنور وجدي يف ‪ 14‬مايو ‪ 1955‬اختفت ليلى مراد‬ ‫يف عام ‪ 1946‬غنت ليلى مراد يف فيلم «املا�ضي املجهول» �أغنية‬
‫متا ًما عن ال�ساحة الفنية ورف�ضت الظهور يف �أي لقاءات تليفزيونية �أو‬ ‫«الدنيا ليل» التي غناها قبلها ملحنها حممد عبد الوهاب‪ ،‬وتعترب هذه‬
‫حتى �إجراء حوارات �صحفية‪ .‬ويف عام ‪ 1977‬قررت جمعية كتاب‬ ‫هي املرة الأوىل التي تغني فيها مطربة حل ًنا مت غنا�ؤه من قبل‪ .‬ويف‬
‫ونقاد ال�سينما تكرمي الفنانة ليلى مراد‪ ،‬وقدمت لها �شهادة تقدير على‬ ‫عام ‪� 1947‬أعلنت ليلى مراد اعتناقها للديانة الإ�سالمية‪.‬‬
‫م�شوارها الفني فكان �أول ظهور لها بعد اختفاء دام ‪ 22‬عا ًما‪.‬‬ ‫تقابل جنيب الريحاين مع ليلى مراد عام ‪ 1949‬وطلب منها �أن‬
‫رحل �أخوها الفنان منري مراد يف ‪� 17‬أكتوبر ‪ 1981‬مما زاد من‬ ‫يقدما فيل ًما م ًعا‪ .‬وبالفعل ظهرا يف نف�س ال�سنة يف فيلم «غزل البنات»‬
‫وحدة ليلى مراد واكتئابها‪� ،‬إىل �أن توفيت يف ‪ 21‬نوفمرب ‪.1995‬‬ ‫الذي �أ�صبح عالمة مميزة بديالوجاته ال�شهرية «�أبجد هوز»‪ ،‬و«عيني‬
‫برتف»‪ ،‬وبالنجوم العمالقة الذين ظهروا فيه؛ مثل يو�سف بك وهبي‪،‬‬
‫وحممد عبد الوهاب‪ ،‬وجنيب الريحاين‪ ،‬وليلي مراد‪ ،‬و�أنور وجدي‪.‬‬

‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪76‬‬
‫‪77‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬
‫علي عفيفي علي غازي‬

‫وما خب�أ جنم الربتغاليني بعد ا�ستيالء �إ�سبانيا على الربتغال عام‬ ‫�شهد حو�ض البحر املتو�سط يف �أواخر القرن اخلام�س ع�شر‪،‬‬
‫‪� ،1547‬إال وظهر جنم الأ�سبان‪ ،‬وا�ستطاعوا بف�ضل �أ�سطولهم الأرمادا‬ ‫و�أوائل القرن ال�ساد�س ع�شر انقالبًا جذر ًّيا يف التجارة الدولية‪ ،‬وتغ ًريا‬
‫العظيم �أن ي�سيطروا على جتارة ال�شرق‪ ،‬وعلى طريق ر�أ�س الرجاء‬ ‫يف طرق التجارة العاملية‪ ،‬كما �شهد انقالبًا �سيا�س ًّيا يف توازن القوى‬
‫ال�صالح‪ .‬ولكن جنمهم مل ي�سطع كث ًريا؛ ا�ستطاعت بريطانيا حتطيم‬ ‫الدولية الرئي�سية‪ .‬كان لهذين االنقالبني التجاري وال�سيا�سي �أثرهما‬
‫الأرمادا الإ�سبانية يف عام ‪ ،1588‬وبعدها �سطع جنم الإجنليز يف البحار‬ ‫ال�سيئ على م�صر‪ ،‬فقد �أثر حتول التجارة العاملية �إىل ر�أ�س الرجاء‬
‫ال�شرقية‪ ،‬و�سيطروا على جتارة ال�شرق ور�أ�س الرجاء ال�صالح‪.‬‬ ‫ال�صالح ‪ Cape of good hope‬على الدولة اململوكية (‪-1250‬‬
‫�أما عن دور الفرن�سيني فلم يظهر �إال يف عام ‪1535‬؛ بتوقيع‬ ‫‪ )1517‬يف م�صر وال�شام‪ ،‬وعجل ب�سقوطها حينما هزم ال�سلطان‬
‫احلكومة الفرن�سية يف عهد فران�سوا الأول معاهدة االمتيازا ت �‪Ca‬‬
‫اململوكي طومان ‪ ‬باي (‪ )1517-1516‬يف معركة الريدانية يف ‪23‬‬
‫‪ pitulation treaty‬مع ال�سلطان �سليمان القانوين (‪.)1566-1520‬‬ ‫يناير ‪ ،1517‬ودخل ال�سلطان العثماين �سليم الأول (‪-1512‬‬
‫ومبقت�ضى هذه املعاهدة ن�شطت جتارة الفرن�سيني يف البحار ال�شرقية‬ ‫‪ )1520‬القاهرة يوم الأحد ‪ 15‬فرباير ‪ ،1517‬و�أ�صبحت م�صر‬
‫وال�شرق الأو�سط ‪ .The Middle East‬ويف خالل الأعوام التالية‬ ‫والية عثمانية‪ .‬وهكذا كانت بداية التاريخ احلديث يف م�صر واملنطقة‬
‫حذت الدول الأوروبية حذو فرن�سا فوقعت معاهدات مماثلة مع الباب‬ ‫العربية بحادثتني ق�ضيتا على اال�ستقالل االقت�صادي وال�سيا�سي؛‬
‫العايل فح�صلت بريطانيا على معاهدة امتيازاتها عام ‪.1580‬‬ ‫وهما اكت�شاف طريق �إفريقيا �إىل الهند‪ ،‬والفتح العثماين‪.‬‬
‫امل�صالح الأجنلو فرن�سية يف م�صر العثمانية (‪)1798-1517‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫وكان ان�شغال بريطانيا بحرب ال�سنوات ال�سبع (‪)1763-1756‬‬


‫�سب ًبا من �أ�سباب ا�ضمحالل الن�شاط الربيطاين يف م�صر‪ ،‬وترتب‬ ‫بف�ضل توطيد جمهورية البندقية عالقتها مع �سالطني املماليك‬
‫على ذلك بع�ض النجاح الفرن�سي يف �إعادة الطريق الربي القدمي‬ ‫فقد احتكرت معظم الب�ضائع ال�شرقية الواردة �إىل م�صر عن طريق‬
‫عرب م�صر‪ .‬وا�ستمر �سيل املذكرات عن امل�س�ألة ال�شرقي ة �‪the East‬‬ ‫البحر الأحمر‪ ،‬حتى ا�ضمحل دور جمهورية البندقية بعد ك�شف‬
‫‪ ern Question‬يغمر وزارة اخلارجية الفرن�سية طوال الع�شرين عا ًما‬ ‫طريق ر�أ�س الرجاء ال�صالح ‪ ،1498‬وحتول التجارة ال�شرقية �إىل �أيدي‬
‫التالية‪ ،‬وكلها ت�ؤيد اال�ستيالء على م�صر؛ لأن اال�ستيالء عليها �سوف‬ ‫الربتغاليني‪ ،‬ومتكنهم من حتطيم الأ�سطول امل�صري يف معركة ديو‬
‫‪� DIU‬سنة ‪.1509‬‬
‫‪78‬‬
‫القوات الربيطانية يف م�صر (‪)1804-1801‬‬ ‫ي�ضرب ع�صفورين بحجر واحد‪� :‬ضرب بريطانيا يف م�ستعمراتها يف‬
‫كان االنهيار ال�سريع يف قوة املماليك يف م�صر من �أهم النتائج‬ ‫الهند‪ ،‬واحل�صول على م�ستعمرة فرن�سية يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬
‫ال�سيا�سية للحملة الفرن�سية‪ ،‬ومل يحدث هذا االنهيار ب�سبب الهزائم‬ ‫احلملة الفرن�سية على م�صر (‪)1801-1798‬‬
‫املتوالية التي �أحلقها الفرن�سيون باملماليك فح�سب بل ب�سبب الظروف‬ ‫كان موقع م�صر اجلغرايف يف قلب العامل القدمي‪ ،‬ويف ملتقى‬
‫التي انتهى فيها احلكم الفرن�سي �أي�ضً ا‪ .‬فبعد جالء الفرن�سيني نهائ ًّيا‬ ‫قارات العامل الثالث؛ �أن جعلها حمطة رئي�سية على طريق‬
‫عن م�صر ا�ستمر التناف�س القدمي بني املماليك والعثمانيني بالإ�ضافة‬ ‫التجارة العاملية بني ال�شرق والغرب‪ .‬وقد تنبه الفرن�سيون �إىل هذا‬
‫�إىل القوات الربيطانية التي ع�سكرت يف م�صر خ�شية عودة الفرن�سيني‬ ‫املوقع عندما جاءوا بحملتهم على م�صر؛ تلك احلملة التي وجهت‬
‫مرة �أخرى‪.‬‬ ‫�أنظار الدول اال�ستعمارية الغربية �إىل �أهمية موقع م�صر على طريق‬
‫وبعد ان�سحاب الإجنليز مبقت�ضى �صلح �أميان ‪1802‬؛ لبث‬ ‫التجارة العاملي رغم مناف�سة طريق ر�أ�س الرجاء ال�صالح لها يف‬
‫املماليك والعثمانيون يتناف�سون على ال�سلطة‪ .‬وكلما جاءوا �إىل‬ ‫ذلك الوقت‪.‬‬
‫ال�سلطان العثماين اجلديد �سعى املماليك �إىل عزله و�إثارة الفنت‬ ‫وكان االحتالل الفرن�سي مل�صر �سابقة ا�ستعمارية خطرية يف‬
‫والثورات يف وجهه‪ .‬ويف و�سط هذا ال�صراع ظهرت قوة جديدة �أ�صبح‬ ‫قلب العامل الإ�سالمي وحتد ًيا خط ًريا هدد كيان الدولة العثمانية‬
‫لها �صوت م�سموع هي قوة العلماء الذين ُق ِّدر لهم �أن يلعبوا دو ًرا‬ ‫يف ذلك الوقت املبكر من تاريخها‪ ،‬و�أوجد ما عرف يف التاريخ‬
‫بار ًزا وحا�س ًما خالل �أحداث تلك الفرتة‪.‬‬ ‫وا�ضحا �أنه �إذا ما انهارت الدولة‬
‫با�سم امل�س�ألة ال�شرقية‪ ،‬و�أ�صبح ً‬
‫وكان تويل حممد علي قيادة احلامية الألبانية يف مايو ‪ ،1803‬هو‬ ‫العثمانية ف�إن ممتلكاتها �سوف تتقا�سمها الدول الأوروبية الكربى‪.‬‬
‫اخلطوة الأوىل نحو احل�صول على ال�سيادة املطلقة يف م�صر‪ .‬وقد كانت‬ ‫ويف احلقيقة مل تكن هذه احلملة �سوى مرحلة من مراحل‬
‫�أحداث الفرتة من (‪ )1805-1803‬من العوامل التي عملت على‬ ‫ال�صراع الدويل الكبري يف �سبيل بناء الإمرباطوريات‪ ،‬واال�ستحواذ‬
‫ارتفاع �ش�أن حممد علي‪ ،‬فقد كان املماليك منق�سمني على �أنف�سهم‬ ‫على ال�سلطة‪ ،‬وال�سيطرة اال�ستعمارية‪ .‬وبذلك ال تخرج الأ�سباب‬
‫�إىل فرقتني متنافرتني؛ �إحداهما بقيادة عثمان بك الربدي�سي‪ ،‬وثانيهما‬ ‫احلقيقية للحملة عن حدود ال�صراع الأجنلو‪ -‬فرن�سي على م�صر‪،‬‬
‫بقيادة حممد بك الألفي‪ .‬وكذلك كان املع�سكر العثماين منق�س ًما‬ ‫وتوهم فرن�سا ب�أن �إجنلرتا تعمل على تثبيت �أقدامها يف م�صر حتى‬
‫بني الوايل خ�سرو با�شا (‪ )1803-1801‬وقائد اجلند الألبانية طاهر‬ ‫تنفرد وحدها بال�سيطرة والنفوذ يف م�صر‪.‬‬
‫با�شا‪ ،‬الذي ما لبث �أن توىل بعد فرار خ�سرو با�شا �إىل دمياط على‬
‫ولكن احلملة الفرن�سية �أخفقت يف حتقيق �أهدافها وا�ضطرت‬
‫�إثر ثورة اجلند الألبانيني عليه‪ ،‬ف�أر�سل الباب العايل وال ًيا جدي ًدا هو‬
‫�إىل اجلالء نهائ ًّيا عن م�صر يف ‪� 18‬أكتوبر ‪ .1801‬وكان موقف‬
‫خور�شيد با�شا (‪ )1805-1804‬الذي �ساءت الأمور يف عهده كث ًريا‪،‬‬
‫بريطانيا واجلهود التي بذلتها يف �أوروبا وال�شرق الأو�سط لإخراج‬
‫ب�سبب التناف�س بينه وبني حممد علي على ال�سلطة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬
‫احلملة من �أ�سباب ف�شل حملة نابليون على م�صر (‪-1798‬‬
‫ا�شتداد وط�أته وجتاهله لرغبات امل�صريني‪ .‬الأمر الذي �أدى �إىل ثورتهم‬
‫‪ .)1801‬ولكن بالرغم من �أن االحتالل الفرن�سي مل�صر كان‬
‫عليه‪ ،‬وقرروا عزله‪ ،‬واتفقت كلمتهم على اختيار حممد علي وال ًيا‬
‫ق�ص ًريا وغري ناجح؛ ف�إنه قد ترتب عليه نتائج بالغة الأهمية بالن�سبة‬
‫على م�صر يف ‪ 13‬مايو عام ‪ ،1805‬بنا ًء على رغبة ال�شعب امل�صري‬
‫مل�صر‪ ،‬فقد �أنهت احلملة الفرن�سية هذه العزلة التي عا�شتها م�صر‬
‫وب�شروط العلماء التي و�ضعوها‪.‬‬
‫وامل�شرق العربي كله منذ ال�سيطرة العثمانية‪ ،‬و�أ�صبحت م�صر‬
‫وبد�أ حممد علي بعد ذلك يفكر يف ت�أ�سي�س جي�ش م�صري قوي‬ ‫جما ًال للتناف�س بني الدول الكربى‪ ،‬فقد �أظهرت هذه احلملة‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫على النظم الأوروبية‪ ،‬فكان ذلك بداية للع�سكرية امل�صرية يف الع�صر‬ ‫�أهمية موقع م�صر اال�سرتاتيجي‪ ،‬و�أثبتت للحكومات الربيطانية‬
‫احلديث‪ .‬ومما �ساعده على تكوين هذا اجلي�ش ا�ستقدامه للخرباء‬ ‫املتعاقبة �أنه من ال�ضروري لها ال�سيطرة على م�صر‪ ،‬وربطها بالتاج‬
‫الفرن�سيني‪ ،‬الذين تولوا الإ�شراف عليه‪ .‬ولعل �أ�شهرهم �سليمان با�شا‬ ‫الربيطاين ب�أي ثمن؛ حتى ال تعطي الفر�صة لفرن�سا مبعاودة‬
‫الفرن�ساوي الذي توىل تدريب الفرقة الأوىل من اجلي�ش امل�صري يف‬ ‫املحاولة والنزول �إىل �أر�ض م�صر‪ .‬وبذلك ميكن �أن نرى �أن احلملة‬
‫�أ�سوان‪ .‬وقد التحق ه�ؤالء الفرن�سيون بخدمة حممد علي يف �أعقاب‬ ‫الفرن�سية قد افتتحت مرحلة طويلة من ال�صراع الأجنلو ‪ -‬فرن�سي‬
‫ما حل باجلي�ش الفرن�سي من هزمية يف معركة واترلو ال�شهرية التي‬ ‫على م�صر اختتمته بريطانيا باحتالل م�صر‪ ،1882‬و�إعالن احلماية‬
‫ق�ضت على نابليون الأ�سطورة‪ ،‬وحددت الدول الأوروبية �إقامته يف‬ ‫عليها يف ‪ 14‬دي�سمرب ‪.1914‬‬
‫جزيرة �ألبا‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫وكان من الطبيعي يف ظل نظام يعمل على مبادئ توازن القوة‬ ‫حملة فريزر الربيطانية على م�صر (‪)1807‬‬
‫�أن تن�ضم الدولة العثمانية مرة �أخرى �إىل التحالف مع بريطانيا �ضد‬ ‫مل ت�سر الأمور يف م�صر بعد خروج الفرن�سيني وفق ما تهوى‬
‫فرن�سا‪ .‬ومل يكن �أمام بريطانيا �إال قبول احلليف العثماين اجلديد‬ ‫ال�سيا�سة الربيطانية فلم ت�ستطع �إجنلرتا البقاء يف م�صر‪� ،‬أو على الأقل‬
‫لدعم جهودها الع�سكرية يف مواجهة املع�سكر اجلديد املتمثل يف فرن�سا‬ ‫ت�أجيل خروجها من م�صر‪ ،‬كما �أنها مل تتمكن من م�ساعدة حلفائها‬
‫ورو�سيا‪ ،‬وهو ما �أ�سفر عن توقيع اتفاقية «الدردنيل» عام ‪ ،1809‬وهي‬ ‫املماليك على العودة �إىل احلكم‪ ،‬وا�ضطرت �إىل اجلالء عن م�صر‬
‫اتفاقية دفاع م�شرتك ُتط َّبق يف حالة تعر�ض الدولة العثمانية لأي اعتداء‬ ‫تنفي ًذا التفاقية �أميان ‪ Amien‬يف ‪ 25‬مار�س ‪ 1802‬مع فرن�سا‪ .‬وعندما‬
‫من ِق َبل فرن�سا‪ .‬وانعك�ست هذه التطورات داخل النظام الأوروبي على‬ ‫نف�ضت بريطانيا يدها عن م�صر �سارت الأمور يف غري �صاحلها؛ فعداء‬
‫ال�سيا�سة امل�صرية‪ ،‬فعادت بريطانيا �إىل �سيا�ستها القدمية الداعية للحفاظ‬
‫ال�سلطان العثماين لفرن�سا مل يدم طوي ًال؛ حيث كان نابليون ً‬
‫حري�صا‬
‫على وحدة الدولة العثمانية‪ ،‬وهي ال�سيا�سة التي كفلت ان�سحابها‬ ‫على ك�سب ود العثمانيني لإف�ساد عالقتهم بالإجنليز‪ ،‬وقد جنح يف ذلك‬
‫من جميع �أرا�ضي الدولة العثمانية مبا يف ذلك م�صر‪ .‬وهكذا خدمت‬ ‫حد بعيد‪ ،‬ولهذا وجدت �إجنلرتا نف�سها م�ضطرة للقيام مبظاهرة حربية‬ ‫�إىل ٍّ‬
‫التطورات داخل النظام الأوروبي م�صر مرة �أخرى‪ ،‬وذلك ب�إخراج‬ ‫لإرهاب الباب العايل‪ ،‬و�إرغامه على االبتعاد عن م�صادقة فرن�سا‪،‬‬
‫الإجنليز من م�صر‪ ،‬وهو ما فتح املجال �أمام حممد علي لتثبيت و�ضعه‬ ‫واعتمد الإجنليز عند جميئهم �إىل م�صر على اتفاقهم مع حممد بك‬
‫يف م�صر‪ ،‬و�إدارة �شئون البالد بال �أية تدخالت عثمانية �أو �أوروبية‬ ‫الألفي‪ ،‬ولكن ت�شاء الظروف �أن ميوت قبل جميئهم‪.‬‬
‫تذكر‪.‬‬
‫وقد اعتقد الإجنليز �أن �إر�سال �أية حملة مل�صر‪ ،‬من ال�سهل لها‬
‫كان التقارب الفرن�سي الرو�سي بعقد �صلح تل�ست �إذن عام ًال يف‬ ‫ال�سيطرة على م�صر كما فعل نابليون من قبل‪ ،‬وهم ال يدرون �أن‬
‫ابتعاد الدولة العثمانية عن فرن�سا‪ ،‬وهذا ما كانت ت�صبو �إليه ال�سيا�سة‬ ‫الظروف قد تغريت منذ �أن توىل حممد علي حكم م�صر‪ ،‬ولهذا مل‬
‫الإجنليزية‪ .‬كل هذه الظروف جعلت بريطانيا تعجل ب�سحب قواتها‬ ‫ت�سر الأمور يف م�صر كما كان يرجو الإجنليز؛ فقد كانت هزمية اجلرنال‬
‫من م�صر‪ ،‬ولذلك دخل اجلرنال فريزر قائد احلملة يف مفاو�ضات مع‬ ‫ويكوب ‪ Wacop‬يف معركة ر�شيد يف ‪ 31‬مار�س ‪� 1807‬سب ًبا جعل‬
‫حممد علي با�شا وايل م�صر للجالء عن �أرا�ضيها‪ ،‬ورحب حممد علي‬ ‫الإجنليز يعتقدون �أن االنت�صار �أ�صبح بعيد االحتمال‪.‬‬
‫بذلك للتخل�ص من خطر يهدد �سلطانه تهدي ًدا خط ًريا‪ .‬ويف‪� 14‬سبتمرب‬
‫‪ 1807‬وقع الطرفان معاهدة اجلالء‪ ،‬وخرج يوم ‪� 16‬سبتمرب �آخر جندي‬ ‫ويف الوقت الذي كان امل�صريون يركزون جهودهم نحو طرد الإجنليز‬
‫�إجنليزي من م�صر‪ ،‬وبذلك ف�شلت املحاولة الثانية للإجنليز الحتالل‬ ‫من الإ�سكندرية‪ ،‬وتخلي�ص البالد نهائ ًّيا من خطرهم‪ ،‬كانت الأحوال‬
‫م�صر‪ .‬وا�ستتب الأمر ملحمد علي با�شا بعد االنت�صار على حملة فريزر‬ ‫ت�سري يف �أوروبا يف ذلك الوقت يف غري �صالح بريطانيا‪ ،‬فانت�صارات‬
‫‪ ،1807‬التي كان من �أبرز نتائجها �ضم الإ�سكندرية ملحمد علي‪،‬‬ ‫نابليون على احللفاء كانت تدعو �إجنلرتا لإعادة النظر يف موقفها من م�صر‬
‫وثبت حممد علي �أقدامه يف م�صر‪ ،‬و�أخذ يعمل يف الق�ضاء على قوة‬ ‫ال�سيما �أنها �أ�صبحت يف حاجة لتجميع قواها ملواجهة اخلطر الذي بات‬
‫العلماء التي �ألب�سته الوالية يف م�صر‪ ،‬وبد�أ يويل وجهه �شطر بالد احلجاز‬ ‫يهددها يف �أوروبا‪.‬‬
‫وال�سودان وال�شام‪.‬‬ ‫انعك�ست التطورات داخل النظام الأوروبي على �سيا�سة بريطانيا‬
‫حممد علي وتفوق النفوذ الفرن�سي (‪)1848-1805‬‬ ‫جتاه الدولة العثمانية‪ ،‬فبالرغم من تخليها لفرتة م�ؤقتة عن �سيا�ستها‬
‫التقليدية الداعية للحفاظ على وحدة الدولة العثمانية والتي برزت يف‬
‫بعد هزمية نابليون يف معركة وترلو‪ ،‬مت ت�سريح عدد كبري من �ضباط‬ ‫�صورة عملية يف حملة فريزر على م�صر‪ ،‬ف�إن انت�صار فرن�سا على رو�سيا‬
‫اجلي�ش الفرن�سي طبقًا التفاقية فينا املوقعة يف ‪ 9‬يونية ‪ .1815‬وعندما‬ ‫يف معركة «فريدالند» يف مطلع عام ‪ ،1807‬قد �أدى �إىل بدء املفاو�ضات‬
‫فكر حممد علي يف ت�أ�سي�س اجلي�ش الذي لواله ما تكونت الدولة‬ ‫املبا�شرةبنيالقي�صرالرو�سيونابليون‪.‬تلكاملفاو�ضاتالتي�أ�سفرتعن‬
‫امل�صرية‪ ،‬وال حتقق ا�ستقاللها‪ ،‬اعتمد على ه�ؤالء ال�ضباط الفرن�سيني‪.‬‬ ‫توقيع معاهدة تل�ست ‪ Tilsit‬يف العام ذاته‪ ،‬التي ق�ضت ب�أن تطلق فرن�سا‬
‫ومن هنا بد�أ النفوذ الفرن�سي يقوى يف م�صر؛ لأن حممد علي با�شا‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫يد رو�سيا يف �آ�سيا‪ ،‬وهو ما يعني تخلي نابليون عن حليفتيه ال�شرقيتني‬


‫اعتمد على كثري من ال�ضباط الفرن�سيني يف اجلي�ش واملدار�س احلربية‪،‬‬ ‫الدولةالعثمانيةوالدولةالفار�سيةمن �أجل�سيا�ستهالأوروبية‪ ،‬و�ضحت‬
‫والعمال الفرن�سيني يف امل�صانع واملدار�س احلربية التي �أ�س�سها‪ .‬وبذلك‬ ‫فرن�سا بالدولة العثمانية يف �سبيل التو�صل التفاق مع رو�سيا‪ .‬و�شعرت‬
‫كانت فرتة حكم حممد علي با�شا (‪ )1848-1805‬فرتة تفوق فيها‬ ‫الدولة العثمانية �إثر التوقيع على تلك املعاهدة بال�صفعة الفرن�سية ‪-‬‬
‫النفوذ الفرن�سي يف م�صر‪.‬‬ ‫الرو�سية لكيانها‪ ،‬وباخليانة الفرن�سية لق�ضيتها‪ ،‬والت�ضحية مب�صاحلها‬
‫وقد حاول حممد علي تنفيذ فكرة اجلي�ش اجلديد �سنة ‪1815‬‬ ‫ل�صالح عدوها الدب الرو�سي العنيد‪ .‬وبات عليها العمل على مواجهة‬
‫بعد عودته من احلروب الوهابية‪ ،‬ولكن هذه املحاولة �أخفقت‪ ،‬وكادت‬ ‫املخاطر التي متثلها هذه االتفاقية على بقائها ككيان �سيا�سي‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫واحلجاز وال�سودان وجزيرة كريت مقابل �أن يجلو اجلي�ش امل�صري عن‬ ‫تودي مبركزه لوال �أنه عدل عنها‪ ،‬و�أرج�أها �إىل وقت �آخر‪ ،‬وعاد �إىل حتقيق‬
‫بالد الأنا�ضول‪ .‬وهكذا توج �صلح الكوتاهية انت�صارات �إبراهيم با�شا‬ ‫م�شروعه مرة �أخرى عام ‪ ،1820‬فاعتزم فتح مدر�سة حربية يف �أ�سوان‬
‫يف حروب ال�شام الأوىل (‪1831‬ـ‪ ،)1833‬و�أر�سى دعائم الإمرباطورية‬ ‫لتخريج ال�ضباط للجي�ش اجلديد‪ .‬وكان من ال�ضروري لإدخال النظام‬
‫امل�صرية يف ال�شام‪.‬‬ ‫اجلديد�أنيختار�ضبا ًطاومعلمنيعلىب�صريةب�أ�ساليبذلكالنظام‪،‬وال‬
‫بد�أ حممد علي يفكر يف �إعالن اال�ستقالل مب�صر عن الدولة‬ ‫مانع لديه من �أن يكونوا من الأوروبيني‪ .‬وقد وجد حممد علي ع�ض ًدا‬
‫العثمانية عندما �صرح لوكالء الدول الأوروبية ‪ 1834‬مبا عزم عليه‪،‬‬ ‫كب ًريا من �ضابط فرن�سي عظيم من �ضباط الإمرباطورية النابليونية وهب‬
‫ولكن ردودهم جاءت غري مطمئنة‪ ،‬ووقفت �ضد رغباته وحذرته من‬ ‫نف�سه خلدمة م�صر وتقدمها هو الكولونيل �سيف ‪ Seves‬الذي ُعرِف‬
‫العاقبة‪ ،‬ثم جتدد عزمه اال�ستقالل مب�صر مرة �أخرى ‪ 1838‬يف الوقت‬ ‫فيما بعد با�سم �سليمان با�شا الفرن�ساوي‪ ،‬و�إليه يرجع الف�ضل الأكرب‬
‫الذي ت�أزمت العالقات بينه وبني �إ�ستانبول على �إثر ف�شل املفاو�ضات‬ ‫يف معاونة حممد علي وم�ؤازرته يف ت�أ�سي�س اجلي�ش امل�صري على النظام‬
‫التي توالها �صارم �أفندي مبعوث ال�سلطان للتفاو�ض مع حممد علي‪.‬‬ ‫اجلديد؛ بحيث �صار ي�ضارع �أرقى اجليو�ش الأوروبية‪ ،‬وبرهن يف ميادين‬
‫وغدت احلرب بينهما موكولة لل�سيف‪ ،‬وت�شجع ال�سلطان ب�إعالن‬ ‫القتال على �أنه ال يقل عنها دراية وكفاية‪ .‬واعتمد حممد علي على‬
‫احلرب على واليه املتمرد‪ ،‬فيما عرف بحرب ال�شام الثانية (‪-1838‬‬ ‫�سليمان با�شا؛ ملا �آن�س فيه من الكفاءة لتحقيق م�شروعه‪ ،‬ف�أنفذه عام‬
‫‪ )1841‬التي انتهت مبعركة ن�صيبني (نزيب) يف ‪ 24‬يونية ‪ .1839‬وهنا‬ ‫‪� 1820‬إىل �أ�سوان لتكوين النواة الأوىل للجي�ش‪ ،‬فا�ستقدم الفرن�ساوي‬
‫تدخلت الدول الأوروبية العظمى‪ ،‬وفر�ضت على حممد علي معاهدة‬ ‫كث ًريا من ال�ضباط الفرن�سيني‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل تفوق النفوذ‬
‫لندن ‪ 1840‬التي و�ضعت النهاية لإمرباطورية حممد علي الكربى‪،‬‬ ‫الفرن�سي يفم�صر‪.‬‬
‫وو�ضعت نهاية حللمه الذي طاملا راوده كث ًريا‪ ،‬وهو اال�ستقالل مب�صر‪.‬‬ ‫املوقف الدويل من ال�صراع امل�صري العثماين‬
‫فرن�سا ت�ؤيد حممد علي (‪)1841-1840‬‬ ‫(‪)1841-1831‬‬
‫�أثارت انت�صارات حممد علي يف الأنا�ضول الدول الأوروبية‬ ‫ثبتت حملة فريزر ‪� 1807‬أقدام حممد علي يف م�صر‪ ،‬و�شجعته‬
‫الكربى‪ ،‬وعلى ر�أ�سها �إجنلرتا التي وقفت جتاهر بعدائها له؛ لأنها ر�أت‬ ‫على الق�ضاء على الزعامة ال�شعبية‪ ،‬ف�أقدم على نفي ال�سيد عمر مكرم‬
‫�أنه يقف يف طريق مطامعها اال�ستعمارية على �ضفاف النيل‪ ،‬وين�شئ‬ ‫‪� 1809‬إىل دمياط‪ ،‬ثم كانت احلرب الوهابية (‪ )1818-1811‬و�سيلة‬
‫دولة قوية ميد نفوذها �إىل ال�شام و�شبه اجلزيرة العربية وال�سودان واليمن‪،‬‬ ‫من و�سائل توطيد مركز حممد علي يف م�صر بالق�ضاء على املماليك يف‬
‫ومن ثم �صار يتحكم يف طريقي موا�صالتها �إىل الهند‪ .‬ولكن ظلت‬ ‫مذبحة القلعة ‪ ،1811‬والتخل�ص من اجلند الألبانيني الذين ما فتئوا‬
‫فرن�سا متيل �إىل جانب حممد علي‪ ،‬ومتيل �إىل �إقراره فيما �أخ�ضع له‬ ‫يقيمون �ضده الفنت والثورات‪.‬‬
‫طبقًا ل�صلح الكوتاهية ‪ ،1833‬وظلت على مت�سكها مبطالبها تلك حتى‬ ‫وكان جناح �إبراهيم با�شا بن حممد علي يف تدمري الدرعية ‪1818‬‬
‫توىل امل�سيو تري�س ‪ Thiers‬رئا�سة الوزارة الفرن�سية ووزارة خارجيتها يف‬ ‫عا�صمة الدولة ال�سعودية الأوىل‪ ،‬ومن ثم الق�ضاء على الدعوة الوهابية‪،‬‬
‫مار�س ‪ ،1840‬فتم�سك بوجهة نظر فرن�سا يف امل�س�ألة امل�صرية باالتفاق‬ ‫ثم جناحه يف �ضم ال�سودان (‪ )1822-1820‬من العوامل التي‬
‫بني الباب العايل وحممد علي مبا�شرة‪ ،‬ولكن اللورد بام�ستو ن �‪Palm‬‬
‫�ساعدت على ت�أ�سي�س الإمرباطورية امل�صرية‪ ،‬وعملت على تفاقم نفوذ‬
‫‪ erston‬وزير خارجية بريطانيا علم مب�ساعي فرن�سا هذه‪ ،‬وعمل على‬ ‫حممد علي �ضد الدولة العثمانية‪ ،‬وتفكريه يف ت�أ�سي�س �إمرباطورية‬
‫�إحباطها باملفاو�ضة مع الدول الأخرى (رو�سيا والنم�سا وبرو�سيا والدولة‬ ‫عربية م�صرية يف �شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬وال�سودان و�أخ ًريا ال�شام‪ ،‬فال غرو‬
‫العثمانية) لو�ضع احلل النهائي مبعاهدة ت�ضع فرن�سا وم�صر �أمام الأمر‬ ‫�أن حممد علي طمح �إىل �ضم ال�شام �إىل م�صر‪ ،‬ومل يكتم نيته عن الباب‬
‫الواقع‪.‬‬ ‫العايل وحكومته‪ ،‬فقد طالب الباب العايل بتعوي�ض عما تكبده اجلي�ش‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫وكان من نتيجة هذه املفاو�ضات �إبرام معاهدة لندن يف ‪ 15‬يوليو‬ ‫امل�صري من خ�سائر يف حرب املورة (‪ ،)1828-1822‬ولكن ال�سلطان‬
‫‪ 1840‬بغري علم فرن�سا وم�صر‪ ،‬وفوجئت احلكومة الفرن�سية بخربها‪،‬‬ ‫العثماين وبابه العايل مل يجبه �إىل طلبه‪ ،‬واكتفى مبنحه جزيرة كريت‬
‫و�أدرك امل�سيو تري�س ما يف هذا العمل من التحدي لفرن�سا‪ ،‬ومن هنا‬ ‫التي تكلف حاكمها �أكرث مما تفيده‪ ،‬فاعتزم �أن ينالها بحد ال�سيف‪.‬‬
‫هاجت اخلواطر الفرن�سية‪ ،‬وتوترت العالقات الفرن�سية ‪ -‬الإجنليزية‪،‬‬ ‫وجنح حممد علي يف �ضم ال�شام والأنا�ضول يف حرب �سريعة‬
‫وكادت تقع احلرب بينهما‪ ،‬و�أخذت فرن�سا ت�ستعد‪ ،‬وحتر�ض حممد‬ ‫نتيجة لتفوق القوى الع�سكرية‪ .‬وهنا تدخلت الدول الكربى وفر�ضت‬
‫علي با�شا على نبذ قرارات الدول الكربى‪ .‬ولكنها �أدركت يف نهاية‬ ‫عليه �صلح الكوتاهية يف ‪� 8‬إبريل ‪ ،1833‬والذي يق�ضي ب�أن يتخلى‬
‫الأمر �أن ا�ستعداداتها ال تغري من موقف الدول امل�ؤمترة‪ ،‬و�أنها ال ِق َبل‬ ‫ال�سلطان ملحمد علي عن �سورية و�إقليم �أدنه مع تثبيته يف حكم م�صر‬
‫لها بخو�ض غمار حرب �أوروبية‪ ،‬فرتاجعت‪ ،‬وتركت حممد يف امليدان‬
‫‪81‬‬
‫�إبراهيم با�شا �شكاوى �ضده �إىل �إ�ستانبول؛ لأنهم يريدون �أحمد بك بن‬ ‫وحده �أمام الدول الكربى‪ ،‬و�أر�سلت له ت�شري عليه بفتح باب املفاو�ضة‬
‫�إبراهيم با�شا بد ًال منه‪ .‬ومما زاد من تعقيد الأمور قيام عبا�س حلمي الأول‬ ‫وامل�ساومة مع الباب العايل يف مطالبه‪.‬‬
‫بنفي�أحد�أقرباءال�صدرالأعظمم�صطفىر�شيدبا�شا(‪،)1858-1800‬‬ ‫وهكذا كان تخبط ال�سيا�سة الفرن�سية وترددها من عوامل ف�شل‬
‫فدعا هذا احلكومة العثمانية �إىل التفكري يف عزله يف �أقرب فر�صة مواتية‪.‬‬ ‫حممد علي يف النهاية‪ ،‬فان�ضمت فرن�سا �إىل معاهدة لندن التي ق�ضت‬
‫ولكي يحمي عبا�س حلمي نف�سه وعر�شه؛ فقد بد�أ يبحث عن حليف؛‬ ‫على �إمرباطورية حممد علي نهائ ًّيا‪ ،‬وعا�ش حممد علي بعدها ت�سع‬
‫فقرر دعم عالقته مع بريطانيا‪ .‬ويف ‪� 18‬سبتمرب ‪ 1850‬ا�ستدعى �ألفريد‬ ‫�سنوات �أخرى �إال �أنه �أ�صبح غري قادر على حتمل �أعباء احلكم يف‬
‫ويلن ‪« Alfred walen‬نائب القن�صل الربيطاين يف م�صر»‪ ،‬وفاحته يف‬ ‫�أخريات �أيامه؛ لإ�صابته ب�ضعف يف قواه العقلية‪ .‬وظل كذلك �إىل �أن‬
‫مو�ضوع اخلط احلديدي‪ ،‬الذي كان ال يزال من الأمور ال�شائكة منذ‬ ‫تويف يف �أغ�سط�س‪ 1849‬بالإ�سكندرية‪ ،‬ونقل جثمانه �إىل القاهرة‪ ،‬ودفن‬
‫عهد حممد علي با�شا‪ ،‬وفو�ضه لالت�صال بلورد بام�ستون و�إعالمه برغبة‬ ‫مب�سجده يف القلعة‪ .‬وميكننا القول‪�« :‬إن حياة حممد علي ال�سيا�سية قد‬
‫عبا�س با�شا يف �إن�شاء اخلط احلديدي بني الإ�سكندرية والقاهرة حتقيقًا‬ ‫انتهت بت�سوية لندن ‪ 1841 /1840‬التي وقفت فيها الدول الأوروبية‬
‫لرغبة بريطانيا‪.‬‬ ‫الكربى �ضد حممد علي»‪.‬‬
‫لكن ال�صدر الأعظم ر�شيد با�شا كتب �إىل �سفري بريطانيا يف الآ�ستانة‬ ‫�إبراهيم با�شا وايل م�صر (�إبريل ‪ -‬نوفمرب ‪)1848‬‬
‫كاننج ‪ Stratford Canning‬يخربه بـ�أن عبا�س حلمي ال ي�ستطيع‬
‫تنفيذم�شروع ال�سكك احلديدية امل�صرية �إالمبوافقة ال�سلطان العثماين‪،‬‬ ‫توىل �إبراهيم با�شا احلكم يف حياة �أبيه لإ�صابته يف �أخريات‬
‫و�أ�صر على �أن يتقدم عبا�س بطلب للح�صول على �إذن من ال�سلطان‪،‬‬ ‫�أيامه ب�ضعف يف قواه العقلية مل يجعله قاد ًرا على اال�ضطالع‬
‫وذلك طبقًا لنظام الإتيكيت ‪ Etiquette‬املتبع يف الدولة العثمانية ‪The‬‬
‫خا�صا برئا�سته‪ ،‬وا�ستقر‬ ‫جمل�سا ًّ‬
‫ب�أعباء احلكم‪ ،‬فعقد �إبراهيم با�شا ً‬
‫‪ ،Ottoman empire‬ووعده باملوافقة على امل�شروع‪.‬‬ ‫ر�أي املجل�س على �أن يتوىل �إبراهيم با�شا حكم م�صر بدل �أبيه‪.‬‬
‫و�أبلغ الأمر للباب العايل الذي �أر�سل له فرمان التقليد‪ ،‬وعني‬
‫ويف القاهرة ر�أى مريي ‪« Murray‬قن�صل بريطانيا يف م�صر»‬ ‫�إبراهيم با�شا خالل فرتة حكمه الق�صرية بتقوية ثغور البالد‬
‫�أن الأف�ضل لعبا�س با�شا ‪� Abbas pasha‬أن يوقع العقد مع نائب‬ ‫وح�صونها وجتديد قوتها احلربية‪.‬‬
‫�ستيفن�سون ‪ Stephenson‬مهند�س ال�سكك احلديدية امل�شهورـ امل�سرت‬
‫بور�ش ويك ‪ ،Borth wick‬وي�ضع اجلميع �أمام الأمر الواقع‪ .‬ور�أى‬ ‫عبا�س حلمي الأول وتفوق النفوذ الإجنليزي‬
‫عبا�س �أي�ضً ا �أنه بعد ذلك ميكنه �أن يكتب لل�سلطان؛ ليخربه ببدء‬ ‫(‪)1854-1848‬‬
‫العمل يف امل�شروع‪ ،‬ويطلب حمايته وت�أييده‪ .‬وفع ًال وقع العقد يف ‪12‬‬ ‫و�ضعت ت�سوية لندن ‪ 1841 /1840‬م�صر حتت �إ�شراف دويل‪،‬‬
‫يوليو‪ ،1851‬وكتب عبا�س با�شا لل�سلطان يخربه بتوقيع العقد مما كان‬ ‫وبذلك فتحت الباب على م�صراعيه للتدخل الأجنبي‪ ،‬وحت�سنت‬
‫�سب ًبا يف قيام �ضجة كربى يف الآ�ستانة؛ ب�سبب توقيع عقد �إن�شاء اخلط‬ ‫العالقات امل�صرية ‪ -‬العثمانية بعد انتهاء الأزمة امل�صرية‪ ،‬وقام حممد‬
‫احلديديامل�صري‪.‬‬ ‫علي بزيارة �إ�ستانبول يف �صيف ‪ .1846‬وعندما �أ�صيب حممد علي‬
‫ووقعت �أزمة بني ال�سلطان العثماين وعبا�س با�شا‪ ،‬و�أ�صر ال�صدر‬ ‫باال�ضطراب العقلي يف �أخريات �أيامه‪ ،‬و�أ�صبح غري قادر على حتمل‬
‫الأعظم م�صطفى ر�شيد با�شا على ف�سخ العقد باللجوء �إىل الدول‬ ‫�أعباء احلكم‪� ،‬أ�سند الباب العايل ال�سلطة يف م�صر �إىل ابنه �إبراهيم با�شا‬
‫اخلم�س العظمى املوقعة على معاهدة لندن ‪ .1840‬ولكن كاننج‬ ‫يف �سبتمرب ‪ .1848‬وما �إن مر�ض �إبراهيم با�شا‪� ،‬إال وبد�أت الأحوال يف‬
‫ا�ستطاع تخفيف حدة التوتر بني ال�سلطان وعبا�س با�شا‪ ،‬و�أر�سل‬ ‫م�صر ت�ضطرب‪ ،‬فقد كان عبا�س حلمي الأول هو الوريث ال�شرعي‪،‬‬
‫ال�سلطان �إىل عبا�س با�شا يطلب منه ت�أجيل امل�شروع حتى يتم احل�صول‬ ‫ولكن �أفراد الأ�سرة العلوية كانوا على خالف بينهم‪ ،‬لكن مب�ساندة‬
‫على الإذن‪ ،‬و�أو�ضح �أنه لن يوافق على هذا امل�شروع �إال �إذا تبني من‬ ‫بام�ستون ‪ Palmerston‬وزير خارجية بريطانيا لعبا�س حلمي الأول‬
‫عبا�س �أنه �سيفي بالتزاماته املالية جتاه ال�سلطان‪ ،‬وجتاه نفقات الإدارة‬ ‫بو�صفه الوريث ال�شرعي اعرتف به ال�سلطان‪ ،‬ويف ‪ 5‬دي�سمرب ‪1848‬‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫امل�صرية‪ ،‬و�أنه لن يوافق ما مل يتعهد عبا�س با�شا ب�أن امل�شروع لن ينفذ‬ ‫�أ�سند �إليه حكم م�صر‪.‬‬
‫بطريق ال�سخرة ‪ ،corvee‬و�أنه لن يح�صل على قرو�ض �أجنبية لتنفيذ‬ ‫وعلى الرغم من �أن ال�سلطان قد غمره بالنيا�شني والأو�سمة؛ ف�إنه‬
‫امل�شروع‪ ،‬و�أنه لن يعهد ل�شركة �أجنبية بتنفيذه‪ .‬وكتب بام�ستون �إىل‬ ‫حاول �أن ينتق�ص من االمتيازات التي تتمتع بها م�صر يف الوقت الذي‬
‫مري يخربه �أنه من الأف�ضل لعبا�س با�شا �أن يخ�ضع لرغبة ال�سلطان‪ ،‬و�أن‬ ‫كان عبا�س حلمي الأول على ا�ستعداد ب�أن يعرتف ب�أن م�صر لي�ست‬
‫يتقدم بطلب الإذن للح�صول على موافقة ال�سلطان‪.‬‬ ‫�سوى والية عثمانية‪ ،‬ولكن عالقة عبا�س بالباب العايل ‪the sublime‬‬
‫‪ Porte‬بد�أت ت�ضطرب نتيجة �سيا�سته الداخلية؛ فقد �أر�سل �أن�صار �أ�سرة‬
‫‪82‬‬
‫�إ�سماعيل ميثل التفوق الفرن�سي �أو ًال‪ ،‬ثم الإجنليزي ثان ًيا؛ �إذ �إن طموحاته‬ ‫و�أخ ًريا كتب عبا�س با�شا �إىل ال�سلطان‪ ،‬وعلى ذلك وافق ال�سلطان‬
‫واجتاهاته اخلا�صة كانت �سب ًبا يف اال�ستدانة‪ ،‬وتغلغل النفوذ الأجنبي‬ ‫العثماين‪ .‬ويف �أكتوبر ‪1851‬م‪ /‬ذي احلجة ‪1267‬هـ �أ�صدر ال�سلطان‬
‫ال�سيا�سي واملايل يف م�صر‪ ،‬حتى انتهى الأمر با�شرتاك وزراء �أجانب‬ ‫العثماين الفرمان ‪ firman‬الذي �سمح لعبا�س با�شا ب�إن�شاء اخلط‬
‫يف احلكومة امل�صرية‪ .‬وعندما حاول �إ�سماعيل �إيقاف النفوذ الأجنبي‪،‬‬ ‫احلديدي امل�صري بال�شروط ال�سابقة‪ .‬وت�سلم عبا�س الفرمان يف‪ 4‬نوفمرب‬
‫وحتريك عوامل الثورة الوطنية امل�صرية �ضغطت �إجنلرتا وفرن�سا على‬ ‫‪ ،1851‬و�أ�صدر �أوامره بالبدء يف امل�شروع‪ .‬وهكذا قدر مل�شروع ال�سكك‬
‫الباب العايل حتى عزله عام ‪.1879‬‬ ‫احلديدية امل�صري �أن ينفذ يف عهد عبا�س با�شا نتيجة للظروف الدولية‪،‬‬
‫االحتالل الربيطاين مل�صر(‪)1882‬‬ ‫وامل�سائل ال�سيا�سية التي واجهت م�صر‪ ،‬وبذلك كانت فرتة حكم‬
‫عبا�س حلمي الأول فرتة تفوق فيها النفوذ الربيطاين يف م�صر‪.‬‬
‫بلغ النفوذ الأجنبي يف م�صر غايته باحتالل بريطانيا م�صر ‪،1882‬‬
‫وبذلك خرجت م�صر من الناحية الفعلية عن ال�سلطنة العثمانية‪.‬‬ ‫حممد �سعيد واملعركة الدبلوما�سية الأجنلو‪ -‬فرن�سية‬
‫وا�ستقر االحتالل نهائ ًّيا باالتفاق الودي ‪ entente cornice‬عام‪1904‬‬ ‫(‪)1863-1854‬‬
‫بني �إجنلرتا وفرن�سا‪ ،‬و�إن ظلت م�صر من الناحية النظرية والية عثمانية‬ ‫توىل حممد �سعيد يف‪ 24‬يوليو‪ ،1854‬ومل تقم الدولة العثمانية يف‬
‫حتى �إعالن احلماية الربيطانية على م�صر يف دي�سمرب ‪ ،1914‬وظلت‬ ‫عهده ب�أية حماولة لالنتقا�ص من �سيادة م�صر على الرغم من �أن م�شروع‬
‫تركيا ترف�ض االعرتاف باحلماية الربيطانية حتى معاهدة لوزان ‪1923‬‬ ‫قناة ال�سوي�س �أدى �إىل قيام م�شكلة مماثلة للم�شكلة التي ظهرت يف ع�صر‬
‫التي تنازلت مبقت�ضاها عن كافة حقوقها و�سيادتها يف �أقطار امل�شرق‬ ‫عبا�س حلمي الأول ب�ش�أن م�شروع ال�سكك احلديدية امل�صرية‪ .‬ولكن‬
‫العربي‪ ،‬ومن بينها م�صر‪.‬‬ ‫أ�سا�سا يف املعركة الدبلوما�سية‬
‫الأزمات التي ثارت حول القناة تركزت � ً‬
‫وباحتالل �إجنلرتا م�صر عام ‪ 1882‬تدعمت امل�صالح الأوروبية يف‬ ‫العنيفة بني بريطانيا وفرن�سا �أكرث مما تركزت بني الوايل وال�سلطان‪.‬‬
‫م�صر‪ ،‬و�أخذت بريطانيا تتبع �سيا�سة وا�ضحة �إزاء م�صر ترمي �إىل جعلها‬ ‫ورغم ا�ستنارة هذا احلاكم ف�إنه كان �ضعيف الإرادة م�سلوب‬
‫وحدة زراعية متخ�ص�صة يف زراعة القطن الالزم ل�صناعاتها‪ ،‬و�أن ترتبط‬ ‫الر�أي �أمام كل ما هو �أجنبي‪ .‬فبالرغم من عدم اكرتاثه بن�شر التعليم‬
‫تلكالوحدةبالنظامالر�أ�سمايلالعامليال�سيا�سيواالقت�صادي‪.‬‬ ‫بني امل�صريني‪ ،‬ف�إنه كان مينح �إعانات كبرية للمدار�س الأجنبية التي‬
‫وقد ت�صدى ال�شعب امل�صري لالحتالل الربيطاين متمث ًال يف‬ ‫انت�شرت يف القاهرة والإ�سكندرية يف عهده‪ ،‬ولذلك جنى على م�صر‬
‫ثورة عرابي ‪� ،1882‬إال �أن الأحداث تطورت �سري ًعا‪ ،‬وقام الأ�سطول‬ ‫جنايته الكربى التي مهدت للتدخل الأجنبي‪ .‬وكانت �أول و�أخطر‬
‫الربيطاين ب�ضرب الإ�سكندرية يف ‪ 11‬يوليو‪ ،‬وتلي ذلك ن�شوب معركة‬ ‫كارثة حلت مب�صر على يديه هي �ضعفه املهني �أمام �صديقه فردناند‬
‫الق�صا�صني والتل الكبري‪ ،‬وهزمية اجلي�ش امل�صري‪ ،‬واحتالل القاهرة‪،‬‬ ‫دي ‪ ‬لي�سب�س الذي منحه امتياز حفر قناة ال�سوي�س ب�شروط ظاملة‬
‫وت�صفية احلركة الوطنية امل�صرية‪ .‬و�أ�صبحت الثورة العرابية م�صدر �إلهام‬ ‫وجمحفة بحقوق م�صر‪ .‬ثم كانت الكارثة الثانية التي جلبها على‬
‫ملن جاءوا من بعدها من الثوار رغم ما بذله �أعدا�ؤها من جهود لت�شويه‬ ‫البالد‪ ،‬وهي فتح باب اال�ستدانة من امل�صارف الأجنبية‪ ،‬فقد بد�أ �سعيد‬
‫احلقائقوالأو�ضاع‪.‬‬ ‫بعقد �أول قر�ض ثابت �سنة ‪1860‬؛ مببلغ يقرب من ثالثة ماليني جنيه‬
‫�إ�سرتليني بفوائد ت�صل باملبلغ �إىل �أ�ضعاف �أ�ضعافه‪ ،‬وبذلك فتح باب‬
‫ومرت عالقة �إجنلرتا مب�صر منذ االحتالل الربيطاين لها ‪1882‬‬ ‫اال�ستدانة للخديوي �إ�سماعيل‪ ،‬وانفتح بذلك باب التدخل الأوروبي‬
‫بخم�سة �أدوار؛ الدور الأول يبد أ� ب�سيطرة الإجنليز على �أجهزة الإدارة‬ ‫حتى �أ�صبحت م�صر يف عهده حمط �أنظار املغامرين من طالب املنفعة‬
‫واحلكم‪ ،‬و�إخ�ضاع البالد للحكم الع�سكري الغا�شم‪ ،‬وينتهي ب�إعالن‬ ‫والأفاقني و�أ�صحاب ال�شركات الوهمية والباحثني عن الرثوة‪.‬‬
‫احلماية الربيطانية على م�صر يف بداية احلرب العاملية الأوىل يف ‪ 2‬نوفمرب‬
‫وبذلك يكون �سعيد با�شا �أول من و�ضع حجر الأ�سا�س يف بناء‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪ ،1914‬و�أحداث ثورة ‪ ،1919‬التي متثل الدور الثاين يف عالقة الإجنليز‬


‫مب�صر‪ .‬والدور الثالث يبد�أ بت�صريح ‪ 28‬فرباير ‪ ،1922‬ثم اعرتاف‬ ‫الدين امل�صري؛ ب�سبب قناة ال�سوي�س‪ ،‬وكان ذلك �سنة ‪ .1862‬ويف‬ ‫َّ‬
‫بريطانيا با�ستقالل م�صر مبقت�ضى معاهدة ‪ .1936‬ثم ي�أتي الدور الأخري‬ ‫نف�س العام داهمه املر�ض‪ ،‬وفا�ضت روحه يف يناير‪ ،1863‬وانتقل احلكم‬
‫وفيه تتغري �أو�ضاع م�صر بقيام الثورة يف ‪ 23‬يوليو ‪ ،1952‬وعقد معاهدة‬ ‫�إىل ابن �أخيه �إ�سماعيل با�شا‪.‬‬
‫اجلالء يف ‪.1954‬‬ ‫اخلديوي �إ�سماعيل بني الدولة العثمانية والتدخل‬
‫الأوروبي (‪)1879-1863‬‬
‫�إذا كان ع�صر حممد �سعيد ميثل فرتة تفوق النفوذ الفرن�سي‬
‫مبنح فرديناند دي لي�سب�س امتياز قناة ال�سوي�س؛ ف�إن ع�صر اخلديوي‬
‫‪83‬‬
‫‪http://modernegypt.bibalex.org‬‬

‫يوثق موقع ذاكرة م�صر املعا�صرة حلكام م�صر يف الفرتة من عام ‪� 1805‬إىل ‪� ،1981‬أي منذ تويل حممد علي با�شا‬
‫احلكم وحتى اغتيال الرئي�س حممد �أنور ال�سادات‪ ،‬وقد �أثار املوقع فور تد�شينه �ضجة �إعالمية ب�سبب �إدراج �صورة الأمري‬
‫�أحمد ف�ؤاد الثاين �ضمن قائمة حكام م�صر‪ ،‬واعتربه البع�ض خط�أً تاريخ ًّيا ً‬
‫فادحا وقع فيه املوثقون لتاريخ م�صر‪ .‬ولكن‬
‫فريق العمل �أ�صدر بيانًا تو�ضيح ًّيا �آنذاك �أكد فيه �أن الأمري �أحمد ف�ؤاد الثاين تقلد حكم م�صر فور تنازل امللك فاروق‬
‫عن العر�ش له يف ‪ 26‬يوليو ‪ ،1952‬ومت تكوين جمل�س و�صايا لإدارة �شئون البالد‪ .‬وبالتايل فهو احلاكم ال�شرعي مل�صر‬
‫ملدة تقرب من العام �إىل �أن مت �إلغاء امللكية و�إعالن اجلمهورية يف م�صر يف ‪ 18‬يونية ‪1953‬م‪.‬‬
‫يتناول املوقع حكام م�صر (حممد علي با�شا ‪� -‬إبراهيم بن حممد علي ‪ -‬عبا�س الأول ‪ -‬حممد �سعيد با�شا ‪ -‬اخلديوي‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫�إ�سماعيل ‪ -‬اخلديوي عبا�س حلمي الثاين ‪ -‬ال�سلطان ح�سني كامل ‪ -‬امللك �أحمد ف�ؤاد الثاين ‪ -‬امللك فاروق ‪ - ‬الأمري‬
‫�أحمد ف�ؤاد الثاين ‪ -‬الرئي�س حممد جنيب ‪ -‬الرئي�س جمال عبد النا�صر ‪ -‬الرئي�س حممد �أنور ال�سادات)‪.‬‬
‫من خالل ذاكرة م�صر املعا�صرة ت�ستطيع �أن تتعرف على احلاكم امل�صري من خالل ال�سرية الذاتية اخلا�صة به‪،‬‬
‫بالإ�ضافة �إىل �أهم الأحداث التي �شهدها ع�صره من خالل املداخل الفرعية املختلفة (�صور ‪ -‬وثائق ‪ -‬ق�صا�صات‬
‫�صحفية ‪ -‬كتب نادرة ‪� -‬أحداث هامة ‪� -‬شخ�صيات معا�صرة ‪� ...‬إلخ)‪ .‬فعلى �سبيل املثال ب�إمكانك اختيار حممد علي‬
‫من قائمة احلكام فتظهر لك كافة املواد التوثيقية املتاحة من خالل املوقع وعددها‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪85‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬
‫عرفانًا بالدور اخلالد الذي لعبته �سيدة الغناء العربي �أم كلثوم يف �إثراء الوجدان امل�صري والعربي‪ ،‬وتقدي ًرا لفنها‬
‫وحر�صا على تراثها القيم؛ ال�شخ�صي والعام‪ ،‬ورغبة يف �أن يتوا�صل هذا‬
‫الأ�صيل‪ ،‬و�سلوكها القومي والإن�ساين النبيل‪ً ،‬‬
‫الرتاث ف ًّنا و�سرية مع الأجيال الالحقة؛ ر�أت وزارة الثقافة �أن تقيم متحفًا يليق بعطائها يحمل ا�سمها اخلالد لي�صبح‬
‫منارة �إ�شعاع فنية وثقافية تفي�ض بعطائها الإبداعي اخلالق‪.‬‬
‫خا�صة)‪ .‬وقاعة �أخرى هي قاعة ال�سينما وفيها يتم عر�ض فيلم‬ ‫وقع االختيار على منطقة الرو�ضة على النيل لإقامة املتحف‬
‫ت�سجيلي لأم كلثوم من �إنتاج �صندوق التنمية الثقافية يت�ضمن‬ ‫حيث تقرر �أن ي�شغل �أحد املباين امللحقة بق�صر املان�سرتيل على‬
‫مقتطفات من ق�صة حياتها بالإ�ضافة �إىل �أجزاء من �أفالمها ال�ستة‬ ‫م�ساحة ‪ 250‬م ًرتا‪ .‬هذه املنطقة تقع يف نهاية جزيرة الرو�ضة‪ ،‬الركن‬
‫وحفالتها يف م�صر والوطن العربي ويختتم بجنازة �أم كلثوم‪ .‬كما‬ ‫اجلنوبي الغربي منها‪ ،‬وهي معروفة با�سم منطقة املقيا�س لوجود‬
‫ي�ضم املتحف �أي�ضً ا جمموعة من ال�صور النادرة لكوكب ال�شرق‬ ‫مقيا�س النيل ال�شهري بها؛ حيث يجتذب ال�سياح والأجانب‬
‫يف مراحل عمرية متنوعة يتم عر�ضها يف قاعة البانوراما‪.‬‬ ‫والرواد امل�صريني‪� .‬أما ق�صر املان�سرتيل واملتحف ملحق ب�أحد‬
‫�أما املوقع الإلكرتوين ملتحف �أم كلثوم فلم يقت�صر على‬ ‫مبانيه‪ ،‬فهو �أثر تاريخي هام وحتفة معمارية �أ�صيلة تبلغ م�ساحته‬
‫جمموعات املتحف فقط بل يحتوي على ال�سرية الذاتية لكوكب‬ ‫‪1000‬م‪ 2‬بناه �صاحبه ح�سن ف�ؤاد با�شا املان�سرتيل عام ‪1851‬‬
‫ال�شرق بال�سنوات‪ ،‬مما ي�ساعد الباحث من تتبع م�سرية �أم كلثوم‬ ‫وقد كان «كتخدا» م�صر يف عهد عبا�س حلمي الأول (الفرتة من‬
‫�سنة ب�سنة من خالل هذا اجلزء‪ .‬كما ي�ضم املوقع �أي�ضً ا جمموعة‬ ‫‪1854 – 1850‬م) وكان حماف ًظا للقاهرة عام ‪ ،1854‬ووزي ًرا‬
‫من ال�صور مق�سمة على النحو التايل‪�( :‬صور من حياتها ‪� -‬صور‬ ‫للداخلية عام ‪ 1857‬وتويف و ُدفن بالقاهرة عام ‪1859‬م‪.‬‬
‫مع �شخ�صيات عامة‪� -‬صور من مقتنيات املتحف ‪� -‬صور من‬ ‫يف ‪ 8‬مايو ‪ 1998‬ت�شكلت �أول جلنة للبحث وا�ستالم‬
‫انفعاالت اجلمهور ‪� -‬صور من �أعمالها)‪ .‬وي�ضم املوقع ق�س ًما‬ ‫مقتنيات ال�سيدة �أم كلثوم وبد�أ العمل على قدم و�ساق جلمع‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫خا�صا ب�أغاين �أم كلثوم مق�سمة من خالل ا�سم الأغنية وم�ؤلفها‬ ‫ًّ‬ ‫مقتنيات �أم كلثوم العامة واخلا�صة‪.‬‬
‫وملحنها وتاريخها‪ .‬بالإ�ضافة �إىل �أق�سام �أخرى منها الق�سم اخلا�ص‬ ‫�أما املتحف فيتكون من قاعة رئي�سية ت�ضم ‪ 8‬فاترينات خا�صة‬
‫بالفيديوهات واجلوالت و�أجندة املتحف‪.‬‬ ‫بـ (املقتنيات ال�شخ�صية ‪ -‬الأو�سمة والنيا�شني ‪ 5 -‬جداريات‬
‫‪www.umkalthoum.gov.eg‬‬ ‫رابط املوقع‪:‬‬ ‫لل�صور النادرة اخلا�صة بكوكب ال�شرق بطريقة الكوالج ‪ -‬نوت‬
‫مو�سيقية و�أ�شعار مكتوبة بخط عدد من ال�شعراء لأهم �أغنيات‬
‫ال�سيدة �أم كلثوم ‪ -‬خطابات متبادلة بني �أم كلثوم وكبار رجال‬
‫ع�صرها من �سيا�سيني وقادة و�شخ�صيات عامة ‪� -‬أوراق ومذكرات‬

‫‪87‬‬
‫�أع�ضاء جمعية احلمري امل�رصية فقدوا �صف َتي ال�صرب وطول البال‬

‫التي خا�ضها‪ .‬كما كان �أهل املغرب يلقبون بطل املغرب بـ (حمار‬ ‫احلمار من احليوانات ال�شائعة يف املجتمعات العربية وهو‬
‫برقة)‪ .‬وظاهر من هذا �أن العرب فطنوا �إىل ما يف ذلك احليوان‬ ‫�صديق للفالح يف حله وترحاله‪ ،‬وقد ُعرث يف مقابر متفرقة‬
‫من قوة ال�صرب على االحتمال‪ .‬و�أ�سطورة مر�سيا�س اليونانية جت�سد‬ ‫للهك�سو�س يف عني �شم�س و�أبو �صري ومنف على مدافن للحمري‪.‬‬
‫عبادة احلمار ك�إله‪.‬‬ ‫ووجدت املقابر على م�ستوى �أعلى من م�ستوى مقابر الآدميني‪،‬‬
‫وهو ما ي�شري �إىل تقدي�س الهك�سو�س للحمار‪ ،‬فهم الذين قدروه‬
‫وروح املرح والدعابة التي ُعرف بها امل�صريون القدماء جعلتهم‬ ‫وعبدوا ربهم (�ست) �أو (�ست بعل) يف �صورة احلمار‪ ،‬وي�ؤيد ذلك‬
‫ي�سجلون منظ ًرا طريفًا على �أحد جدران معبد حت�شب�سوت يف‬
‫ذاكـرة م�صـر‬

‫�أن �أحد ملوكهم كان ُيدعى رعاقني‪� ،‬أي (احلمار القوي)‪ .‬وكلمة‬
‫الدير البحري يف الأق�صر‪ ،‬وهو حمفوظ حال ًّيا يف املتحف امل�صري‬ ‫وح ِّرفت حال ًّيا يف العامية �إىل‬
‫حمار بامل�صرية القدمية هي (عا) ُ‬
‫بالقاهرة‪ ،‬فقد مثلوا ملكة بونت‪ ،‬وكانت مفرطة يف البدانة ويتبعها‬ ‫(حا) وت�ستخدم لدفع احلمار �إىل امل�شي‪.‬‬
‫عبيد يحملون الهدايا‪ ،‬وهي قادمة لتقدمي فرو�ض الطاعة والوالء‬
‫مللكة م�صر‪ ،‬وقد ركبت حما ًرا‪ُ ،‬وكتب فوق النق�ش (احلمار الذي‬ ‫ويف تاريخ العرب ما ي�شري �إىل تقديرهم للحمار فمروان بن‬
‫يحمل زوجته)‪.‬‬ ‫حممد ‪� -‬آخر حكام بني �أمية ‪ -‬كان يلقَّب باحلمار لكرثة املعارك‬

‫‪88‬‬
‫فكرة الت�أ�سي�س‬ ‫احلمار يف الكتب‬
‫وهداه تفكريه �إىل ت�أ�سي�س (جمعية للحمري) ملا يتميز به احلمار‬ ‫وذكر احلمار يف الكتب املقد�سة مو�صوفًا ب�أنه مطية الأنبياء‬
‫من �صرب وطول بال وقوة على التحمل‪ ،‬وكان الغر�ض �إعادة فتح‬ ‫وال�صاحلني‪ ،‬ومقرونًا بالأعمال الرائعة فقد ذكر احلمار يف القر�آن‬
‫املعهد وان�ضم معه لت�أ�سي�س اجلمعية �شكري راغب مدير دار‬ ‫الكرمي على �أنه زينة الإن�سان‪ ،‬قال تعاىل ﭽﭡ ﭢ ﭣ‬
‫الأوبرا امل�صرية �آنذاك‪ ،‬وبف�ضل جهود �أع�ضاء اجلمعية �أعيد فتح‬ ‫ﭤ ﭥﭼ‪ .‬وذكر �أي�ضً ا يف مكان الت�شبيه والتعري�ض على‬
‫املعهد‪.‬‬ ‫�أنه يحمل الأثقال وال يفقه ما ال يحمل‪ ،‬وذلك يف الآية الكرمية‬
‫وان�ضم للجمعية عدد من �أبرز املفكرين والأدباء والفنانني‬ ‫ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﭼ‪.‬‬
‫امل�صريني؛ من �أبرزهم طه ح�سني وعبا�س العقاد ونادية لطفي‪،‬‬ ‫وجعل توفيق احلكيم يف ع�صرنا احلديث احلمار يكتب‬
‫و�أحمد رجب‪ .‬وعند وفاة ال�سيد بدير �آخر الأع�ضاء امل�ؤ�س�سني‬ ‫م�سرحية يف ق�صته الرائعة (احلمار ي�ؤلف)‪� .‬أما زكي طليمات‬
‫للجمعية عام ‪ ،1986‬كادت اجلمعية �أن تغلق‪ ،‬لوال �أن �أحياها‬ ‫الأديب وامل�سرحي امل�شهور فكون (جمعية احلمري) حتوي اجلمعية‬
‫الدكتور حممود حمفوظ وزير ال�صحة امل�صري الأ�سبق ورئي�سها‬ ‫‪� 30‬ألف ع�ضو من امل�صريني يحملون �ألقابًا عدة‪ ،‬فعند ان�ضمام‬
‫احلايل املر�سي خفاجي‪.‬‬ ‫الع�ضو للجمعية يلقب باحلرحور �أي اجلح�ش ال�صغري‪ ،‬ثم يح�صل‬
‫واجهت اجلمعية منذ ت�أ�سي�سها م�شكلة رئي�سية و�أ�سا�سية‪ ،‬وهي‬ ‫على رتبة �أعلى ح�سب جمهوده‪ .‬وقد يظل الع�ضو ‪ 20‬عا ًما دون �أن‬
‫عدم اعرتاف احلكومة امل�صرية بها ب�سبب ا�سمها‪ ،‬الذي اعتربته‬ ‫يح�صل على اللقب وهو (حامل الربدعة) �أي (حمار كبري)‪ .‬ومل‬
‫(غري الئق) وال يوافق التقاليد‪ .‬و�أ�صاب الإحباط �أع�ضاء اجلمعية‬ ‫يح�صل على هذا اللقب �سوى ثالثة �أع�ضاء من اجلمعية هم زكي‬
‫ب�سبب هذا املوقف‪ ،‬وفقدوا �أهم �صفات احلمري وهي ال�صرب‬ ‫طليمات و�شكري راغب واملر�سي خفاجي رئي�س اجلمعية احلايل‪.‬‬
‫والتحمل‪ ،‬وقرروا تغيري ا�سم اجلمعية ليت�سنى �إ�شهارها‪ ،‬ولكن‬ ‫ترجع بداية تكوين هذه اجلمعية �إىل �إن�شاء معهد الفنون‬
‫وزارة ال�شئون االجتماعية متاطل وت�س ِّوف يف �إ�شهار اجلمعية‪.‬‬ ‫امل�سرحية العام ‪ 1930‬على يد زكي طليمات‪ ،‬وقد �أن�ش�أه‬
‫وتقدم اجلمعية خدمات خمتلفة للمجتمع منها حمو الأمية‪،‬‬ ‫طليمات بهدف مت�صري امل�سرح‪ ،‬واخلروج به بعي ًدا عن االرجتال‬
‫وت�شجري الأحياء‪ ،‬و�إن�شاء احلدائق‪ ،‬وا�ست�صالح الأرا�ضي‬ ‫�إىل الدرا�سات العلمية‪ ،‬وبعد مرور عامني �أوعز الإجنليز �إىل امللك‬
‫لتمليكها لل�شباب‪ ،‬وتنظيم الرحالت الداخلية واخلارجية‪ ،‬ورعاية‬ ‫ف�ؤاد �أن املعهد ميثل خط ًرا على حكمه‪ ،‬لأنه عندما يتعلم امل�صريون‬
‫املر�ضى من خالل عيادات الأطباء الذين ان�ضموا للجمعية‪،‬‬ ‫كتابة امل�سرح �سيخرجون �إىل النا�س مب�سرحيات ت�شري �إىل الف�ساد‪،‬‬
‫وتقدم الأجهزة الطبية احلديثة كهدايا للم�ست�شفيات احلكومية‪.‬‬ ‫واقتنع امللك ف�أ�صدر قرا ًرا ب�إغالق املعهد‪.‬‬
‫ورغم املحاوالت امل�ضنية من جانب زكي طليمات لإعادة فتح‬
‫املعهد‪� ،‬إال �أنه ف�شل وبعد زواجه من روزاليو�سف قاد عرب جملتها‬
‫حملة لإعادة فتح املعهد‪.‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪89‬‬
‫مضبطة اجللسة االفتتاحية جمللس شورى النواب‪ ،‬وهي أقدم مضبطة يف تاريخ‬
‫احلياة الربملانية املصرية‬

‫ذاكـرة م�صـر‬

‫‪90‬‬
‫حصر ألختام املواطنني يف مصر عام ‪1910‬‬
‫العدد الرابع ع�رش ‪ -‬يوليو ‪2013‬‬

‫‪91‬‬

You might also like