Professional Documents
Culture Documents
يوجد يف تدوين أصول الفقه منهجان أساسيان .فأوهلما املنهج املتكلمني؛ لشموله على مواضع كالمية مع
معلومات أصولية .وثانيهما مسي باملنهج الفقهاء؛ الحتوائه على معلومات كثرية عن الفروع ،ولكثرة استعمال
الفقهاء به .بدأ ذكر املناهج مع تلك املذاهب حبسب تواتر استعمال املذاهب فضال عن هذا التسامي .حيث إن
هذا الوضع أصبح معيارا ،خاصة من قِبل ال ُكتّاب املعاصرين .فنقل أن أكثر احلنقية قد رجحوا املذهب الفقهاء،
وأن غريهم املذهب املتكلمني .فأشري اىل أن إمام الشافعي الذي صنف أوال يف األصول ،هو مؤسس املنهج
املتكلمني .وبناء على هذا مسي املنهج املتكلمون باملنهج الشافعي ،واملنهج الفقهاء باملنهج احلنفي .وهناك اعتقاد
بأن علماء املذهب الذين جائوا يف الفرتة التالية اختلفوا عن ترجيح املذهب .مع هذا التقييم سيتم ذكر ماهية
املنهجني ،والفرق بينهما،ونقصان التسمية على أساس املذهب .أخريا ،سيتم تدقيق املوضوع بأمثلة مأخوذة من
املباحث األصولية.
على الرغم من أن التمييز بني املناهج املتبعة يف األصول كفقهاء-واملتكلمني ينسب اىل ابن خلدون ،إال أنه قد
ظهر من خالل األحباث أنه يعود إىل أبعد من ذلك بكثري .وأول من ذكر بوضوح هذا التمييز املستخدم يف
األصول هو العامل الشافعي السمعاين(ت .)489:لقد ذم املتكلمني بشدة يف تفريقه املناهج األصولية
بشكل"طريقة الفقهاء-وطريقة املتكلمني" يف كتابه "قواطع األدلة" .ستظهر هنا نتيجتان مهمتان .أوهلما :هو
أن التمييز كالفقهاء-واملتكلمني املنسوب اىل ابن خلدون كان قبل ذلك بكثري .وثانيهما :املوقف األصويل
الشافعي اليوم ضد منهج املتكلمني الذي يسمى باملنهج الشافعي .ويوضح لنا أن خلفية املسألة ختتلف عما تبدو
عليه .لو استخدم املذهب الشافعي بشكل متكرر ملنهج املتكلمني كما يعتقد ،فما ذم السمعاين –وهو متابع
شديد للشافعي -هذا املنهج ،بل استخدمه .وبناء على تعليقات اإلمام الباقالين(ت )403:لوحظ أن هذا
التفريق يعود اىل أبعد من ذلك .هاك نظر خلفي لسمعاين وآخرين النتقاد منهج املتكلمني بشدة .يبدو أن
علم ِ ٍ
وجود املعتزلة الذين أسسوا الكالم بعلم مستقل كاف لتوضيح املشكلة .ومنذ البداية قد جُتُنِّب وانتُقد ُ
الكالم واملتكلمنب .على الرغم من أن علماء مثل املاتوريدي واألشعري قد جلبوا هذا العلم اىل خط أهل
السنة ،ولكن استغرق األمر وقتا حىت يتم قبوله من قِبل بعض .حيث إن املوقف السليب للشافعيني جتاه املتكلمني
مل يقتصر على املعتزلة ،بل كان هلم جتنب عن األشعريني أيضا.
ختتلف منهج الفقهاء واملتكلمني من حيث املاهية والوظيفة .بينما يتعامل املتكلمون باملوضوعات التجريدية يف
منهجهم ،فالفقهاء يتعاملون باملوضوعات‹ التجسيدية الستفادهتم من الفروع .واألصويل يقرتب من املوضوع يف
ٍ
والنتماء مذهيب يتفحص أفكاره مبا تتناسب مع املذهب وتدعمها .ويف منهج منهج الفقهاء بأحكام معينة،
املتكلمني اليوجد مثل هذا القبول املذهيب فيدافع عن مذهبه دون االنتماء .فبالنتيجة ميكن أن يقال لألحناف
إهنم استخدموا منهج الفقهاء وقاموا بدراسات بأسلوب رجعي وفق آراء املذهب .كانت خالفاهتم عن املواضع
إما يف النقاط اليت مل يكن للمذهب رأي أو يف النقاط اليت اختلفت فيها املذهب أيضا .ولكن جيب أن ينبه بأن
تأسيس األصول على الفروع ليس أمرا خاصا للحنفية بل استخدمه أيضا علماء الشافعية واملالكية واحلنبلية.
واختالف األساليب ليس فقط من حيث ماهيتها بل من حيث وظائفها أيضا .ومن املتوقع أن يوجه األصول
للفروع يف منهج املتكلمني ،وأن تكون الفروع أساسا لألصول يف منهج الفقهاء .والباقالين من املدافعني ملنهج
املتكلمني انتقد منهج الفقهاء بأنه"ينبغي بناء اآلراء على األدلة ،وال بناء األدلة على اآلراء.
سيكون من املفيد ،النظر اىل كِال املنهجني من وجهة نظر أخرىُ .سلِّم منهج الفقهاء بأنه إجراء رجعي .ألن
الفروع حيدد األصول وحيدُّه ويوجهه .ولكن إذا نُظر اىل تاريخ تدوين األصول والفروع ،فيبدو استخدام هلذا
املنهج له طرف منطقي .يف الواقع ،حدد احلنفية وآخرون منهجية آرائهم يف طريقة كتابة أصول الفقه .فمنهج
املتكلمني ولو كان أنه تتبع الفروعُ لألصول بعكس تطبيق األصول للفروع ،لكنه مل يظهر عمليا .مصنفات
الذين كتبوا مبنهج املتكلمني يف الفروع ال تتوافق ألصوهلم .أهم فائدة ملنهج املتكلمني هو أنه يربط العالقة بني
الفقه والكالم.
مع التقييم ،مت الكشف عن بعض اآلراء اخلاطئة و ُد ِّعم بتحديدات أكثر صوابا ودقة .وقد لوحظ أن تفريق
ض
التعر ُ
الفقهاء واملتكلمني أقدم من ابن خلدون ،وأن التسمية على أئمة املذاهب هلا نتائج ناقصة .ومن املفيد ُّ
وإحضار األمثلة على األصوليني الذين نُسب للمذاهب املختلفة أو لنفس املذهب مع إختيارهم مناهجا خمتلفة.
سيقتصر هنا على مثالني فقط .فأوهلما مسألة"نسخ الكتاب بالسنة املتواترة" .فدافع إمام الشافعي يف كتابه
الرسالة بأن الكتاب ال يُنسخ بالسنة املتواترة .واتفق معه أكثر الشافعية وكان املختلف فيه هل منع الشافعي
شرعا أم عقال .وادعى الزركشي عليه إمجاع .لو كان الزركشي ِحم ّقا ،إذاً يبدأ اخلالف باألشعري وابن فورك
والباقالين .ودافع األصوليون املتكلمون واحلنفية واملالكية إلمكانية نسخ الكتاب بالسنة املتواترة من حيث
الداللة والثبوت .والغزايل واجلويين والرازي واآلمدي من الشافعية ذهبوا أيضا اىل هذا القول.
واملثال الثاين هي مسألة قبول حجية املفهوم املخالفة وعدمه .وهناك رأي بأن هذه املسألة وقعت بني احلنفية
واجلمهور .وذكر أن اإلمام الشافعي واإلمام أمحد بن حنبل واإلمام مالك قبِلوه به .ومن األصوليني الشافعية:
الباقالين ،والغزايل ،والرازي،واآلمدي ذهبوا خمتلفا عن مذهبهم اىل أنه ليس حجة .واجلويين دافع اإلمام
الشافعي .عند التدقيق والتحقيق :فإن احلنفية ليسوا اجلانب الوحيد يف مسألة احلُ ِّجية .ويتفق معهم كثري من
املتكلمني األشعرية واملعنزلة .سيتم ذكر األشخاص الذين ينتمون اىل نفس املذهب ولكن ختتلف مناهجهم عن
بعضهم البعض:
اجلويين(ت )478‹:والشريازي( )476املتفقان يف املذهب واملختلفان فب املنهج .ومها تأثرا من
علماء خمتلفة .فالعلماء الذين تأثر منهم اجلويين :الباقالين ،أبو إسحاق اإلسفراييين وابن فوركظ فهم
هنجوا منهج املتكلمني .والعلماء الذين تأثر منهم الشريازي :القاضي أبو الطيب وأبو حامد
اإلسفراييين .وهم هنجوا منهج الفقهاء.
وذهب ابن القصار من املالكية اىل منهج الفقهاء ،والباقالين اىل منهج املتكلمني .وذهب السمعاين
والشريازي من الشافعية اىل منهج الفقهاء ،واجلويين والغزايل اىل منهج املتكلمني.
مروان اكيا