You are on page 1of 1

‫مذاهب أهل السنة األربعة سار العلماء منذ القدم وحتى عصرنا الحديث على دراسة الفقه اإلسالمي

من خالل دراسة المذاهب الفقهيّة على أيدي شيوخ‬


‫متم ّك نين من الفقه‪ ،‬عالمين بأقوال العلماء‪ ،‬قادرين على الترجيح بين األقوال والموازنة بين النصوص واألدلّة‪ ،‬وهو ما أوصى به األصحاب األربعة‬
‫لمذاهب أهل الس ّنة‪ ،‬ث ّم قاموا بتعليمه لطلبة العلم ليصيروا مثلهم ويتم ّكنوا من العلم الذي أخذوه عنهم‪ ]١[.‬المذهب الحنفي‪  ‬تعود نسبة المذهب الحنفي إلى‬
‫اإلمام أبي حنيفة النعمان الكوفي ‪-‬رضيَ هللا عنه‪ ،-‬الذي وُ لد في عام ثمانين للهجرة‪ ،‬وتوفي في العام الخمسين بعد المئة في بغداد‪ ،‬ويُع ّد المذهب الحنفي‬
‫أقدم المذاهب زمناً‪ ]٢[.‬وتعتبر الكوفة المنبع الذي ُأسّس منه المذهب ث ّم انتشهر بعد ذلك في األرجاء المختلفة في العراق‪ ،‬وامت ّد حتى وصل مصر وبغداد‪،‬‬
‫وبالد الفرس والروم‪ ،‬والهند والسند وغيرها‪ ،‬وقد ُأطلق على المنتسبين له اسم أصحاب الرأي؛ ذلك ا ّنهم اعتمدوا في معظم أحكامهم على القياس؛ حيث‬
‫كان الحديث قليالً بالعراق حينها‪ ]٢[.‬المذهب المالكي ُأ ّسس المذهب المالكي على يد اإلمام مالك بن أنس بن مالك األصبحي‪ ،‬الذي عُرف بالورع‪،‬‬
‫والتقوى‪ ،‬والضبط‪ ،‬والعدالة‪ ،‬وقد وُ لد في المدينة المنورة في العام الثالث والتسعين من الهجرة‪ ،‬وكان من تالميذ ربيعة الرأي‪ ،‬والزهري‪ ،‬ونافع‪ ،‬وابن‬
‫هرمز‪ ]٣[.‬وبرز اإلمام مالك في الفقه والحديث حتى صار فيهما إماماً‪ ،‬وقام بتأليف كتابه الموطأ‪ ،‬واستند مذهبه على القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبويّة‪،‬‬
‫واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬وعمل أهل المدينة‪ ،‬وس ّد الذرائع‪ ،‬والمصالح المرسلة‪ ،‬واالستصحاب‪ ،‬والعرف‪ ]٣[.‬المذهب الشافعي تلقى اإلمام الشافعي وهو‬
‫صاحب المذهب العلم عن إمام مكة ومُفتيها المعروف بمسلم بن خالد الزنجي‪ ،‬واإلمام سفيان بن عيينة‪ ،‬وبقيَ يأخذ العلم في مكة المكرمة من علمائها حتى‬
‫تجاوز العشرين من العمر‪ ،‬ث ّم انتقل إلى المدينة المنورة والزم اإلمام مالك بن أنس حتى توفي‪ ]٤[.‬وبعد ذلك اجتمع باإلمام الشيباني الذي كان ينهل من علم‬
‫الحنفيّة‪ ،‬فأخذ عنه علما ً وفيراً‪ ،‬ثم عاد إلى مكة المكرمة معلّما يأتيه الناس ليأخذوا من علمه‪ ،‬ث ّم توجّ ه إلى بغداد ليكون معلما ً ومُفتيا ً فأقبل إليه األئمة‬
‫يتعلّمون على يديه‪ ،‬ث ّم قرر التوجّ ه إلى مصر ليطلع على مذهب اللّيث بن سعد‪ ،‬وأكمل بقية حياته في مصر إلى أن توفاه هللا فيها‪ ]٤[.‬المذهب الحنبلي تعود‬
‫نسبة المذهب الحنبلي إلى اإلمام أحمد بن حنبل الشيباني‪ ،‬الذي وُ لد في بغداد في العام الرابع والستين بعد المئة للهجرة‪ ،‬ويُع ّد مذهبه الرابع ترتيبا ً بين‬
‫المذاهب الفقهيّة المعمول بها عند أهل السنة‪ ،‬وقد كانت بغداد منشأ المذهب والمكان الذي انتشر فيه‪ ،‬ثم انتشر في البلدان لكن انتشاره كان انتشاراً محدوداً‬
‫مقارنة مع غيره من المذاهب‪ ،‬وتوفي اإلمام في العام الواحد واألربعين بعد المئتين من الهجرة‪ ]٥[.‬أهمية المذاهب الفقهية في خدمة الشريعة اإلسالمية‬ ‫ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قدمت المذاهب الفقهيّة معروفا كبيرا للشريعة اإلسالميّة‪ ،‬فقد قامت هذه المذاهب األربعة بتنظيم أمور الفقه اإلسالمي الذي كان متناثرا مشتتا لوال أنّ هذه‬
‫موزعة بين أيدي التالميذ في بدايات عصر التدوين‪ ،‬وقد ظهرت المزايا التي قدّمتها هذه المذاهب من‬ ‫ً‬ ‫المذاهب قامت بتنظيم المسائل والتفريعات التي كانت‬
‫خالل ما يأتي‪ ]٦[:‬جمع المذاهب غير المنتشرة لقد كانت المذاهب على وشك الضياع فتم جمعها في مص ّنفات‪ ،‬ممّا يُعين الباحث على الرجوع إليها من‬
‫خالل المص ّنفات التي رتبوها بها‪ .‬تدوين المسائل الفقهيّة لتكون ميسرة لطلبة العلم‪ ،‬من خالل ما قام به أصحاب المذاهب من وضع األبواب‪ ،‬والفهارس‪،‬‬
‫وشرح المفاهيم والمصطلحات‪ .‬وضع قواعد االستنباط واالجتهاد وهي القواعد التي ا ّتبعها كل مذهب من المذاهب‪ ،‬من خالل تدوين علم أصول الفقه‪ .‬إتمام‬
‫العلم بالفقه وذلك من خالل االجتهاد التخريجي واالجتهاد المقيّد‪ .‬تيسير عملية االجتهاد واستنباط األحكام الشرعيّة وذلك من خالل القواعد واألدلّة التي‬
‫تساعد على البحث واالستنباط‪ .‬حكم تقليد أحد المذاهب األربعة أوصى أصحاب المذاهب األربعة أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد االبتعاد عن تقليدهم‬
‫واالعتماد على األدلّة لمن أراد حكما ً شرعيا ً وتم ّكن من الوصول إليه اعتماداً على الدليل‪ ،‬وذلك عمالً بوصاياهم‪ ،‬وقد قال الشافعي‪" :‬أجمع ال ّناس على أنّ‬
‫من استبانت له س ّنة رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬لم يكن له أن يدعها لقول أحد"‪ ]٧[.‬وذكر ابن تيمية عدم قول أحد من أهل الس ّنة بأن إجماع األمة‬
‫معصوم من الغلط‪ ،‬ث ّم إنّ الناس كانوا قبل مذهب أبي حنيفة وهو أول المذاهب الفقهيّة معتمدين على األدلّة‪ ،‬وهو ما ينبغي عن الناس أن يستمروا عليه من‬
‫بعد ظهور المذاهب‪ ]٧[.‬وهذا فيما يتعلّق بمن يمكنه معرفة الحكم من الدليل‪ ،‬أمّا عوام الناس ومَن لم يتم ّكن من استخراج الحكم من دليله فإنّ التقليد في‬
‫حكمه جائ ٌز‪ ،‬لقول هللا ‪-‬تعالى‪َ ( :-‬فا َّتقُوا اللَّـ َه مَا اسْ َت َطعْ ُت ْم)‪ ]٨[،‬فيكون التقليد جائ ٌز حال الضرورة بشرط أن يكون مأخوذاً عمّن عرف العلم والتقوى‪ ،‬وصحة‬
‫نتيجة لتغيّر الفهم اللّغوي‬ ‫ً‬ ‫العقيدة‪ ]٩[.‬االختالف بين المذاهب األربعة كان تعدد اآلراء في عهد رسول هللا معدوماً‪ ،‬ففي حال تعددت آراء الصّحابة فيما بينهم‬
‫ب وعوامل نتج عنها تعد ٌد بين‬ ‫ً‬
‫نتيجة ألسبا ٍ‬ ‫للنصوص فإنّ التعدد يُر ّد إلى رسول هللا ليقول لهم فصل الخطاب في األمر‪ ،‬ث ّم بدأ تعدد الرأي بعد وفاته‬
‫المذاهب‪ ،‬ومن هذه األسباب ما يأتي‪ ]١٠[:‬تعرّ ض األمصار اإلسالميّة لمجموعة من االعتداءات التي زعزعت األمن الداخلي مما أدّى إلى انطواء كل‬
‫مجموعة من الناس على نفسها م ّتخذين ما يملكون من سنة رسول هللا معهم‪ .‬ظهور مدرستا البصرة والكوفة التي كانت منبعا ً لتفاعل األفكار السياسيّة‪،‬‬
‫والنقاشات الدائرة بين الفرق المختلفة‪ ،‬مثل الخوارج‪ ،‬والشيعة‪ ،‬والمرجئة‪ .‬تعدّد المناهج العقليّة والفكريّة وذلك أدّى إلى تعدد الطرق الم ّتبعة في فهم‬
‫ّ‬
‫النصوص واستنباط األحكام منها‪ ،‬فبدأت الحاجة تكون من الضرورة لوضع ضوابط وقواعد تحدّد منهجية االستنباط من النصّ الشرعي‪ .‬استعمال اللفظ‬
‫الواحد في اللّغة ألكثر من معنى وأدى ذلك إلى تعدد آراء الفقهاء في فهم هذه المعاني‪.‬‬

You might also like