Professional Documents
Culture Documents
المذهب المالكي بالمغرب
المذهب المالكي بالمغرب
اختار المغاربة منذ ما يزيد على اثني عشر قرنا المذهب المالكي مذهبا رسميا للدولة المغربية ،إضافة إلى
اختيارات األمة المتمثلة في العقيدة األشعرية والتصوف الجنيدي .لذا ظل المذهب المالكي ،إلى يومنا هذا ،شعا ار
من شعارات الدولة المغربية ،يعبر عن الوحدة المذهبية الدينية واألصالة الحضارية .بل إن المذهب تحول إلى
مدرسة تربوية إصالحية ساهمت في بناء الشخصية المغربية بكل مميزاتها وخصائصها.
تميز هذا المذهب بخصائص موضوعية هامة تجلت بالخصوص في سعة أصوله وشمولية قواعده ،مما منح هذا
المذهب قدرة على استيعاب المتغيرات وضبط المستجدات ..وكان لدخول موطأ مالك بن أنس إلى المغرب على
يد عامر بن محمد بن سعيد القيسي على عهد المولى إدريس الثاني األثر البارز في نشر المذهب ،واتخاذه
مذهبا رسميا للدولة .كما كان لتأسيس جامع القرويين سنة (245هـ) كمركز إشعاع علمي وثقافي الفضل في
تطوير وترسيخ دعائم وأركان المذهب ،واعداد نخبة من العلماء خدموا المذهب تأصيال وتفريعا وتنظي ار..
ومن ثم أضحى هذا المذهب أساس البناء الحضاري والثقافي ألهل المغرب ،إضافة إلى عقيدته األشعرية وتصوفه
السني ،فكان المنهج التربوي والتعليمي يستوعب هذه الركائز والدعائم ،سواء كان ذلك على مستوى التلقين
األصولي. والتأليف الفقهي التصنيف مستوى على أو التعليمي
وطبيعي أن يطرح هذا االهتمام غير العادي واإلقبال الواسع على هذا المذهب من األندلسيين والمغاربة على حد
سواء ،أكثر من سؤال ،ويضع أكثر من عالمة استفهام عن سبب هذا التمسك الكبير بهذا المذهب ،ومكامن قوة
وسعته.. مرونته مدى و المذهب هذا
ألجل ذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بهذا الموضوع ،وحاول كل منهم رصد أهم تلك األسباب .ومهما تشعبت تلك
اآلراء واختلفت مناحيها ،فإن للباحث أن يصنفها بحسب الرؤية التي انبنت عليها واألساس الذي قامت عليه
إلى:
ثانيا :مالءمة المذهب لطبيعة أهل المغرب ،ومساندة السلطة للفقهاء المالكية
ثالثا :األسباب التي ترجع إلى خصائص موضوعية ومنهجية تميز بها المذهب المالكي
رابعا :األسباب التي ترجع إلى النقل في انتشار المذهب المالكي ورسوخه في ربوع المغرب
بعض المصنفات التي تحدثت عن أسباب دخول المذهب المالكي إلى المغرب اإلسالمي
ثانيا :مالءمة المذهب لطبيعة أهل المغرب ،ومساندة السلطة للفقهاء المالكية
إن لتشابه البيئة المغربية بالبيئة الحجازية ،واشتراكهما في كثير من األمور والخصائص والعادات ،كاعتمادهم
الفقه العملي (= األعراف والعادات) أصال من األصول التشريعية ،األثر القوي في ترسيخ أركان هذا المذهب
المغرب. بالد في دعائمه وتثبيت
كما ظل أهل المغرب ملتزمين بهذا المذهب على مستوى الحكم ،فأضحى مذهبهم الرسمي منذ عهد األدارسة إلى
يومنا هذا ،يلزم به األمراء والسالطين الخاصة والعامة ،مما يدل على أصالة هذا المذهب ،وقدرته على التكيف
واالستمرارية.
ثم إن قوة فقهاء المذهب ورجاالته ،وأقدامهم الراسخة في العلم وتتابعهم في خدمته فقها وتصنيفا وتأصيال
واستدالال ،وهو إن أغفله الناس -كما يقول عمر الجيدي -جدير بأن يعد من أهم تلك األسباب ،في نشر أي
مذهب كان.
ثالثا :األسباب التي ترجع إلى خصائص موضوعية ومنهجية يمتاز بها المذهب المالكي
إن تشبث المغاربة بالمذهب المالكي أكثر من اثني عشر قرنا راجع إلى تميز هذا المذهب من حيث
محتواه العلمي ،ومضمونه الفقهي ،ومنظومته التربوية ،بصفات جعلته أهال ألن يتبع .ومن تلك المميزات:
سعة أصوله وكثرة قواعده :فهو قائم على أصول نقلية وعقلية ،وأخرى ترجع إلى األعراف والعادات،
أصول وقواعد تتصف –في نسقها العام -بالسعة والمرونة ،مما جعلها تضمن لهذا المذهب صالحية
دائمة على استيعاب التطورات واحتواء المستجدات .فقيام المذهب المالكي على إجماع أهل المدينة
وفقههم ،وامتزاج ذلك بأصول عقلية في غاية من الدقة والمرونة كاعتماد المصالح المرسلة واالستحسان
في االجتهاد الفقهي ،كل ذلك أضفى على المذهب صفة االعتدال والتوسط ،ما بين العقل والنقل ،بين
الشرع والواقع .لذلك كثي ار ما تجده يتوسط في المسألة بين مذهبين متقابلين.
ثم إن كثرة أتباع المذهب المالكي ،وكثرة التصنيف فيه تأصيال وتفريعا ،وبلوغ هؤالء مرتبة متقدمة في
االجتهاد واالستنباط والتخريج دليل واضح على جدارة هذا المذهب واستحقاقه بأن يكون محال لالتباع
والتقليد.
ثم إن هذه الخصائص الموضوعية التي تميز بها المذهب المالكي سمحت لهذا األخير أن تكون له
تطبيقات واسعة على أرضية الواقع لبث الحلول للنوازل واألقضية ،فكثرت التطبيقات الواقعية للمذهب
المالكي إن على مستوى اإلفتاء والقضاء ،أو على مستوى التأصيل والتقعيد ،فمنحت المذهب قيمة
عملية وعلمية في غاية من األهمية ،وأثبت جدارته وقدرته على استيعاب القضايا والمستجدات ..فكانت
هذه التطبيقات العملية محكا حقيقيا الختبار إمكانية المذهب في مالحقة المستجدات والتكيف معها.
رابعا :األسباب التي ترجع إلى النقل في انتشار المذهب المالكي ورسوخه في ربوع المغرب()1
فإضافة إلى أسباب انتشار المذهب المالكي في المغرب ،سواء منها ما يرجع إلى اإلمام مالك وشخصيته ،أو ما
يرجع إلى خصائص مذهبه وأصوله؛ وغير ذلك من األسباب التي ترجع إلى العقل والتجربة ،ترد أسباب أخرى
انفرد بها المذهب المالكي دون سائر المذاهب األخرى ،ويتجلى ذلك اعتقاد المغاربة بورود آثار تنبئ بصاحب
هذا المذهب ومكانته ..وهذا السبب شجع المغاربة على التشبث بهذا المذهب وتفضيله على ما سواه من
المذاهب(2).