You are on page 1of 371

‫العلم‬

‫ي‬ ‫العال والبحث‬


‫ي‬ ‫وزارة التعليم‬
‫جامعة باتنة ‪- 1‬الحاج لخض‪-‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫قسم العلوم السياسية‬

‫اتيج‬ ‫التنافس الجيو ر‬


‫است‬
‫ي‬
‫بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬
‫يف منطقة آسيا‪ -‬باسيفيك‬
‫‪ -‬ر‬
‫فتة ما بعد الحرب الباردة ‪-‬‬
‫أطروحة مقدمة لنيل درجــة دكتوراه العلــوم يف العلوم السياسية‬
‫تخصص‪ :‬عالق ــات دولية‬

‫األستا الدكتور‪:‬‬ ‫إشا‬ ‫إعداد الطالب الباحث‪:‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬عبد هللا راقدي‬ ‫حذفان‬
‫ي‬ ‫نجيم‬

‫لجنة المناقشة‪:‬‬
‫الصفة‬ ‫الجامعة‬ ‫الدرجة العلمية‬ ‫اإلسم واللقب‬
‫رئ ـ ــيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫جامعة باتنة ‪1‬‬ ‫أستاذ التعليم العال‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬دالل بحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري‬
‫مشفا ومقررا‬ ‫ر‬ ‫جامعة باتنة ‪1‬‬ ‫أستاذ التعليم العال‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبد هللا راقدي‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫ج ـ ـ ـامعة قالمة‬ ‫أستاذ التعليم العال‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جـمال منص ـ ـ ـ ـ ـر‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة مسيلة‬ ‫أستاذ التعليم العال‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬السـعيد م ـ ـ ـ ـالح‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة جيجل‬ ‫ر‬
‫محاض 'أ'‬ ‫أستاذ‬ ‫د‪ .‬نبيل ب ـ ـويبي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة باتنة ‪1‬‬ ‫ر‬
‫أستاذ محاض 'أ'‬ ‫د‪ .‬مس ـعود شـوي ـ ـ ـ ـ ـة‬

‫السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪2022-2021‬‬
‫إهدإء‬
‫إىل لك حر متعمل وعامل متحرر‬
‫إىل إلوإدلين وجديت 'منوبية' تقديرإ وعرفاان وإحرتإما‬
‫أمدمه هللا ابلصحة وإلعافية‬
‫إىل روح جدي 'مركيش' وأعاميم 'عيىس' و'عبد إلعايل'‬
‫رمحة هللا علهيم‬
‫إىل مجوع إلهل وإلصدقاء‬
‫أهدى إليمك مثرة هجدي إلبحيث‬
‫شكر وتقدير‬
‫خالص إلشكر وإلتقدير للس تاذ إملرشف عىل هذإ إلعمل إلس تاذ إدلكتور رإقدي عبد هللا‬

‫إذلي أوىل هذإ إلبحث رعاية خاصة واتبعه ابهامتم كبري من خالل نصاحئه وتوجهياته إلعلمية وإملهنجية‬

‫أتقدم خبالص إلشكر وإلمتنان للس تاذ إملرشف إملساعد جبامعة سااكراي يف تركيا إدلكتور مصطفى كامل شان‬

‫عىل إملساعدة وإلتسهيالت وإلتوجهيات إليت تلقيهتا من جانبه‬

‫كام أتوجه ابلعرفان وإلتقدير لاكفة أساتذة قسم إلعلوم إلس ياس ية جبامعة ابتنة ‪1‬‬

‫وللك من قدم يل يد إلعون وإملساعدة يف إجناز وإمتام هذإ إلبحث‬


‫مقـدمـة‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫تظهر التحوالت الدولية التي شهدها العالم بعد نهاية الحرب الباردة تغي ار في هيكل النظام الدولي؛ فمع‬
‫تفكك اإلتحاد السوفياتي انهار النظام ثنائي القطبية الذي تشكل في مرحلة الحرب الباردة وظهرت مالمح تشكل‬
‫نظام دولي جديد‪ ،‬من أبرز مالمحه ظهور الواليات المتحدة األمريكية كقوة مهيمنة‪ ،‬تسعى لحماية النظام السياسي‬
‫واإلقتصادي العالمي القائم وتكريس األحادية القطبية‪ ،‬وبالمقابل تم تسجيل صعود قوى دولية جديدة‪ ،‬أبرزها الصين‬
‫التي تشهد تعزي از لقوتها الشاملة‪ ،‬وتسعى إلقامة التعددية القطبية العالمية؛ وأضحى النظام العالمي الليبرالي الذي‬
‫ظهر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تحت القيادة األمريكية يمر بتحول جذري في السنوات األخيرة‪ ،‬إذ تطرح‬
‫الصين تحديات أساسية على النسيج المعياري للنظام العالمي الليبرالي؛ ويتفق المهتمون بالسياسة الدولية اآلسيوية‬
‫على التوجه اإلستراتيجي للصين سوف يكون متغي ار أساسيا يقرر اإلستقرار واألمن اإلقليمي في جنوب شرقي‬
‫آسيا*‪ 1‬في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬بل إن الوضع اإلستراتيجي للصين سوف يؤثر أيضا على السياسة العالمية‪.‬‬

‫إذا كانت العالقات الصينية‪-‬األمريكية خالل حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين شهدت‬
‫المواقف المعادية والمجابهة‪ ،‬وخالل السبعينيات والثمانينيات عرفت التنسيق والتعاون العالميين واإلستراتيجيين‪،‬‬
‫قائمة على أساس الوضع والتشكيل االستراتيجي للمجابهة بين االتحاد السوفياتي والواليات المتحدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان‬
‫األساس األهم للعالقات الصينية‪-‬األمريكية ليس المواجهة األمريكية السوفياتية والصراع للهيمنة على العالم فحسب‪،‬‬
‫بل كان األكثر أهمية أن القوة العسكرية والسياسية الخارجية لإلتحاد السوفياتي كان يشكالن التهديد الرئيسي ألمن‬
‫الواليات المتحدة األمريكية والصين؛ ترى الواليات المتحدة األمريكية والصين أن االتحاد السوفياتي يمثل التهديد‬
‫الرئيسي ألمنهما‪ ،‬واعتبرت الدولتان مجابهة ذلك التهديد األساس االستراتيجي لعالقتهما آنذاك‪ ،‬وبالمقارنة مع التهديد‬
‫السوفياتي‪ ،‬أصبحت الخالفات الناجمة آنذاك عن التناقضات في المجاالت اإليديولوجية‪ ،‬وحقوق اإلنسان‬
‫والديمقراطية‪ ،‬ومشكلة تايوان‪ ،‬والتجارة تحتل مرتبة ثانوية‪.‬‬

‫مع ذلك فإن تلك العالقات في عالم ما بعد الحرب الباردة مثلها مثل العالقات الدولية تجتاز مرحلة اإلنتقال‪،‬‬
‫إذ تتميز بالتنافس وعدم االستقرار؛ فالواليات المتحدة صاحبة التطور اإلقتصادي طويل األجل والتي تعتبر الدولة‬
‫العظمى الوحيدة في العالم لم تتراجع مكانتها كقوة مهيمنة‪ ،‬في حين أن الصين تشهد بصفتها أكبر دولة نامية‬
‫وصاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم‪ ،‬تعزي از لقوتها الشاملة‪ ،‬وتوطيدا لمكانتها الدولية بشكل أكبر‪ ،‬فنهاية الحرب‬

‫* جنوب شرقي آسيا‪ ،‬آسيا‪-‬باسيفيك‪ ،‬آسيا المحيط الهادئ‪ ،‬مترادفات في هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الباردة جعلت هدف وأساس العالقة المتبادلة بين الصين والواليات المتحدة األمريكية يتحوالن إلى الطرف اآلخر‬
‫في إطار العالقة الثنائية بدال من توجيهها نحو طرف ثالث‪ ،‬كما تحول اهتمام الدولتين من مراقبة التشكيل والوضع‬
‫اإلستراتيجيين الدوليين إلى اإلهتمام بالمسائل الثنائية‪ ،‬وتغير العالقات الصينية‪-‬األمريكية من الحرص على العالقات‬
‫الثالثية ذات الصلة بشؤون الوضع اإلستراتيجي الدولي إلى التركيز على العالقات الثنائية؛ وتحولت العالقات‬
‫الثنائية من إقامتها في ضوء أوضاع دولة ثالثة إلى تأسيسها على أساس أحوال الطرف اآلخر‪ ،‬فلم تعد الدولتان‬
‫تتخذان المواجهة المشتركة للتهديد السوفياتي للمصالح المشتركة أساسا للعالقات بينهما؛ وبذلك‪ ،‬تالشى االجماع‬
‫حول الوضع االستراتيجي الدولي ومجابهة التهديد المشترك للمصالح المشتركة‪ ،‬مما جعل الواليات المتحدة األمريكية‬
‫والصين يفقدان األساس القائم فعال لمواصلة التعاون االستراتيجي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة‪.‬‬

‫وأدت نهاية الحرب الباردة‪ ،‬وبالتالي عدم احتمال المواجهة بين الشرق والغرب‪ ،‬إلى فقدان عامل القوة‬
‫العسكرية لثقله بعدما كان المعيار الرئيسي لديناميات وتوازنات التفاعالت الدولية خالل فترة الحرب الباردة‪ ،‬وهو‬
‫ما قاد إلى ما يسمى بتدني منفعة القوة العسكرية‪ ،‬مقابل تصاعد أهمية عامل القوة اإلقتصادية مع ازدياد التنافس‬
‫السياسي واإلقتصادي من جهة‪ ،‬واتساع نطاق التعاون من جهة أخرى‪ ،‬وعلى هذا النحو‪ ،‬أصبحت إعادة ترتيب‬
‫عناصر القوة في العالقات الدولية من أهم سمات الواقع الدولي الحالي‪ ،‬إلى جانب تنامي أهمية الدبلوماسية‬
‫اإلقتصادية التي أضحت من أهم أدوات إدارة العالقات الدولية‪ ،‬وأصبح تعظيم القوة اإلقتصادية هدفا تسعى إليه‬
‫الدول‪ ،‬وأساسا تقوم عليه قوتها الراهنة والمستقبلية‪ ،‬ومعيا ار أساسيا من معايير قياس القوة‪ ،‬وفي الوقت نفسه أداة‬
‫من األدوات التي تملكها القوى الكبرى في ممارسة اللعبة الدولية‪.‬‬

‫في سياق هذه التحوالت في المشهد اإلستراتيجي الدولي وتزايد أهمية متغير القوة االقتصادية مع بداية القرن‬
‫الـ ‪ ،21‬وعلى ضوء نظرية انتقال القوة تنبأ الكثيرون بثقة بأن هذه الفترة ستصبح "القرن اآلسيوي"؛ فمن المتوقع أن‬
‫يستمر توزيع القوة اإلقتصادية العالمية هذا في ميله نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ في العقود القادمة‪ ،‬مما يحول‬
‫التكهنات بالتحول الجيواستراتيجي لمركز الثقل العالمي السياسي واإلقتصادي من المنطقة األورو‪-‬أطلسية إلى منطقة‬
‫آسيا‪-‬الباسيفيك إلى حقيقة واقعة؛ خاصة وأ ّنها تحتضن أبرز القوى الصاعدة حالياً‪ ،‬أي الصين والهند وكوريا‬
‫الجنوبية‪ ،‬اليابان؛ يضاف إلى ذلك تعدد الممرات البحرية اإلستراتيجية أمنياً وتجارياً‪ ،‬وثروات بحر الصين الجنوبي؛‬
‫كما أن سياسات الصين وردود الفعل إزائها تزيدان المعضلة األمنية في المنطقة‪ ،‬فإستثمار الصين في قدرات اظهار‬

‫‪2‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫القوة وإعادة تأكيدها على سيادتها على المياه واليابسة من جزر "ديايو" إلى جزر "سبراتلي"‪ ،‬تثير الشك والخوف‬
‫لدى اليابان وتايوان ودول رابطة شعوب جنوب شرق آسيا وفي الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فالنظر إلى توكيدية‬
‫الصين القائمة حاليا يجعل اآلخرين يتحصنون ضد إمكانية تهديد صيني مستقبلي محتمل‪.‬‬

‫لذلك تلعب الجغرافيا دو ار رئيسيا في تشكيل التنافس بين القوى العظمى في عالم ما بعد الحرب الباردة من‬
‫النواحي الجيوسياسية والجيواقتصادية واألمنية؛ بالنسبة لمنطقة آسيا‪-‬المحيط الهادئ‪ ،‬من حيث البنية‪ ،‬فإنها تتميز‬
‫بتحوالت كبيرة في توازن القوة‪ ،‬وتوزيعات منحرفة للقوة االقتصادية والسياسية والقيمية بين الدول‪ ،‬وعدم التجانس‬
‫الثقافي والسياسي‪ ،‬والمؤسسات األمنية الضعيفة‪ ،‬والنزاعات اإلقليمية المنتشرة التي تجمع بين قضايا الحدود والموارد‬
‫الطبيعية والنزاعات القومية ما بعد اإلستعمارية‪ ،‬ومن منظور "واقعي معياري"‪ ،‬فإن التغييرات غير المتوقعة في‬
‫توزيع القدرات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تزيد حالة سوء الظن وعدم اليقين؛ في هذا السياق‪ ،‬دخلت العالقات‬
‫الصينية‪-‬األمريكية التي تمتد عبر آسيا‪-‬المحيط الهادئ مفترقا جيواستراتيجيا مع بداية القون الـ ‪21‬؛ وتضمن الجغرافيا‬
‫أن تظل منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك ثنائية القطبية بين الصين والواليات المتحدة‪ ،‬ألن الصين قوة إقليمية راسخة والواليات‬
‫المتحدة قوة عظمى عالمية مهيمنة‪ ،‬لكنها مجرد قوة إقليمية في شرق آسيا‪ ،‬فالصين تهيمن على شرق آسيا القارية‬
‫والواليات المتحدة األمريكية تهيمن على شرق آسيا البحرية‪.‬‬

‫انطالقا من ذلك تعددت القراءات والتحليالت لمحتوى وطبيعة التنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات‬
‫المتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪ -‬باسيفيك لفترة ما بعد الحرب الباردة على ضوء تزايد األهمية الجيوسياسية‬
‫والجيواقتصادية واألمنية لهذه المنطقة في تشكيل بنية النظام الدولي في ظل الصعود البارز للصين وتعاظم قوتها‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬وبالتالي توسع مطامحها اإلستراتيجية‪ ،‬وإصرار الواليات المتحدة للحفاظ على مكانتها كأعظم قوة‬
‫عالمية في القرن الـ ‪ ،21‬خاصة مع وجود نموذجين رأسماليين مختلفين‪ ،‬لكل منهما قيمته وفلسفته ففي مواجهة‬
‫النموذج الرأسمالي األمريكي القائم على الفردية يقف نموذج آخر يستند إلى فكرة التوافق اإلجتماعي ومفهوم الجماعة‬
‫الذي تعتمده الصين‪ ،‬وهو نموذج اقتصاد السوق اإلشتراكي‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ -1‬أهمية الموضوع‪:‬‬

‫من خالل تقديم موضوع الدراسة يتضح أنه ينطوي على أهمية علمية وأكاديمية‪ ،‬فالتشابك في سياق التنافس‬
‫‪-‬‬ ‫إرشاديا في العالقات الدولية‪ ،‬وخاصة في منطقة آسيا‬
‫ً‬ ‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫بين الواليات المتحدة والصين جيواستراتيجيا‪ ،‬أصبح‬
‫الباسيفيك؛ إذ إنها تشكل الديناميكيات اإلستراتيجية السياسية والعسكرية واإلقتصادية؛ ويمكن ايجاز األهمية في‪:‬‬

‫‪ ‬أخذ صورة عامة من الناحيتين النظرية والعملية حول طبيعة التنافس الجيواستراتيجي ومضامينه بين الصين‬
‫والواليات المتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة ومع مطلع القرن الحادي‬
‫والعشرين‪ ،‬فلقد صار لمفردات وعناصر قوة الواليات المتحدة األمريكية والصين‪ ،‬وما ينطوي عليه سلوك األولى‬
‫من سعي للحفاظ على عصر سيادتها وهيمنتها على بنية النظام الدولي‪ ،‬والتأسيس له‪ ،‬وما انطوى عليه سلوك‬
‫األخيرة من سعي للوصول إلى مرتبة الصين الكبرى والدفع نحو التعددية القطبية انطالقا من هيمنتها اإلقليمية‪،‬‬
‫تأثير ال يمكن إنكاره في إعادة تشكيل النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب الباردة‪.‬‬
‫‪ ‬الوقوف على الرؤى المختلفة التي تهيمن على إدراك الطرفين‪ ،‬الصين والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ومن حيث‬
‫درجة التقاؤها أو ابتعادها عن مصالح كل طرف في مجاالت تفاعلها المختلفة الجيوسياسية والجيواقتصادية‬
‫واألمنية في أهم منطقة جغرافية تتسم بالديناميكية الديمغرافية واإلقتصادية والسياسية في عالم ما بعد الحرب‬
‫الباردة‪ ،‬وهي منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك‪ ،‬وكيفية انعكاسها على احتماالت الهيكل السياسي الذي قد تستقر عليه‬
‫عالقاتهم في المنطقة وعلى هيكل النظام الدولي بشكل عام‪.‬‬
‫‪ ‬معرفة السلوك الذي تنتهجه كل من الصين والواليات المتحدة األمريكية في إدارة عالقات التنافس الجيواستراتيجي‬
‫بينهما في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك‪ ،‬انطالقا من الخلفيات الجيوسياسية وانتقال محور ومركز ثقل السياسة‬
‫واإلقتصاد الدوليين‪ ،‬بحيث يتحدد لنا على ضوء ذلك نمط التفاعل اإلقليمي بين مختلف القوى والدول في‬
‫المنطقة‪ ،‬ومواقفها من التنافس بين الصين والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والذي يترجم في شكل تحالفات أمنية‬
‫وترتيبات مؤسساتية متضادة‪.‬‬
‫‪ -2‬أهداف الدراسة‪:‬‬

‫تهدف الدراسة إلى توضيح لعبة المصالح الجيواستراتيجية ذات األهداف والمضامين الجيوسياسية‬
‫والجيواقتصادية واألمنية والقيمية الواسعة بين الواليات المتحدة األمريكية والصين في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك‪ ،‬إذ‬

‫‪4‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫إن تركيز إسقاط تحول القوة والهيمنة إلى آسيا والمحيط الهادئ وكذلك على العالقات المتناقضة بين القوى الكبرى‬
‫في المنطقة؛ إضافة للصين والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬الهند واليابان وروسيا وتجمع اآلسيان وغيرها‪ ،‬وظاهرة‬
‫اإلقليمية التي تشهدها المنطقة‪ ،‬قد تحدى فكرة القطبية األحادية في العالم التي تتزعمها الواليات المتحدة‪ ،‬ويسري‬
‫في اتجاه مصلحة الصين نحو التعددية القطبية العالمية‪ .‬كما تهدف هذه الدراسة إلى محاولة اثراء تخصص‬
‫الدراسات التي تهتم بمنطقة آسيا‪-‬الباسيفيك كحقل فرعي في دراسات العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪ -3‬إشكالية الدراسة‪:‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬تطرح األهمية المتزايدة لمنطقة آسيا‪-‬الباسيفيك في ميزان القوى الدولي من النواحي‬‫ً‬
‫الجيوسياسية والجيواقتصادية واألمنية تحديا جيواستراتيجيا ألبرز قوتين عظميين منذ نهاية الحرب الباردة‪،‬‬
‫الواليات المتحدة األمريكية بوصفها قوة عظمى مهيمنة تسعى للحفاظ على هيكل النظام الدولي سياسيا‬
‫واقتصاديا‪ ،‬والصين بوصفها قوة عالمية صاعدة تسعى لإلستفادة من المزايا التي يقدمها النظام الدولي القائم‬
‫من أجل التأسيس لعالم متعدد األقطاب بما يضمن تأمين مكانتها وتعزيز مصالحها‪ ،‬ما قد يترتب عليه تحول‬
‫وانتقال القوة بينهما لصالح الصين‪ ،‬خاصة في ظل مؤشرات تراجع القوة الشاملة للواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫ولمناقشة ذلك قمنا بطرح اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫إلى أي مدى شكلت األهمية الجيوسياسية والجيو اقتصادية واألميية نميقةة سسيا‪-‬الباسيفيك محورا للتيافس‬
‫الجيواستراتيجي بين الصين كةوة صاعدة والواليات انمتحدة األمريكية كةوة مهيمية في فترة ما بعد الحرب الباردة؟‬
‫تندرج ضمن هذه اإلشكالية التساؤالت الفرعية اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬فيما تكمن األهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية واألمنية لمنطقة آسيا باسيفيك في ميزان القوى الدولي‬
‫‪ ‬ما هي خلفيات ومضامين التنافس الجيواستراتيجي الصيني األمريكي في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك في فترة ما‬
‫بعد الحرب الباردة‬
‫‪ ‬على ضوء المقاربتين الجيواستراتيجيتين لكل من الصين والواليات المتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك‬
‫كيف تؤثر المنافسة بينهما على بنية النظامين اإلقليمي والدولي‪ ،‬وعلى أهداف كل منهما‬
‫‪ ‬ماهي أهداف كل من الصين والواليات المتحدة األمريكية على ضوء مقاربتيهما في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬

‫‪5‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ -4‬فرضيات البحث‪:‬‬

‫لإلجابة على اإلشكالية المطروحة تم صياغة الفرضيات اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬تدفع األهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية واألمنية المتعاظمة لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك في ميزان القوى الدولي‬
‫(انتقال القوة) نحو المنافسة الجيواستراتيجية بين الصين والواليات المتحدة األمريكية من أجل الهيمنة اإلقليمية‬
‫في المنطقة‪ ،‬ألن مخرجات الهيمنة على المنطقة ستحدد شكل النظام الدولي وبنيته‪.‬‬
‫‪ ‬تزايد مكانة الصين في ميزان القوى الدولي كقوة صاعدة في بيئتها اإلقليمية (جنوب شرقي آسيا) تهدد مكانة‬
‫الواليات المتحدة األمريكية كقوة عظمى مهيمنة في عالم ما بعد الحرب الباردة أدى إلى زيادة التنافس‬
‫الجيواستراتيجي بينهما‪ ،‬تجسد ذلك من خالل استراتيجية اإلحتواء األمريكية‪.‬‬
‫إدراك الصين لمضامين الجيواستراتيجية إلستراتيجية الواليات المتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬ ‫‪‬‬
‫الساعية إلى احتواء الصين أسهم في بناء جيواستراتيجية صينية للتحوط ضد الهيمنة األمريكية‪ ،‬والسعي نحو‬
‫بناء عالم متعدد األقطاب سياسيا واقتصاديا‪.‬‬
‫‪ -5‬أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬

‫من الناحية الموضوعية ونظ ار لمقتضيات تخصص الدراسة وهو العالقات الدولية‪ ،‬يتميز هذا الموضوع بقيمته‬
‫المعرفية والعملية إلندراجه ضمن اإلشكاليات الفكرية واإلستراتيجية التي يشهدها النظام الدولي‪ ،‬وتزايد أهمية النظم‬
‫اإلقليمية الفرعية والعالقات بين القوى الكبرى مع مطلع القرن الواحد والعشرين‪ ،‬ففي الوقت الذي تعبر دراسة هذه‬
‫العالقات عن جانب من جوانب اإلهتمام األكاديمي بدراسة واقع العالقات الدولية والنظم اإلقليمية ومستقبلها بصورة‬
‫عامة‪ ،‬تعطى الصين والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬كدولتين فاعلتين في النظام الدولي ومتنافستين في منطقة آسيا‬
‫‪-‬‬

‫الباسيفيك‪ ،‬وزنا مضافا لهذا اإلهتمام‪.‬‬

‫أما الدوافع الذاتية‪ ،‬فيشكل اإلهتمام الشخصي للعالقات بين القوى الكبرى المرشحة للعب دور عالمي مميز‬
‫في القرن الواحد والعشرين الدافع الرئيسي إلختيار هذا الموضوع‪ ،‬فالحيوية في العالقات بين الصين والواليات‬
‫المتحدة األمريكية والغموض الذي يميز هذه العالقات‪ ،‬والديناميكية التي تميز منطقة آسي‪ -‬الباسيفيك جيوسياسيا‬
‫وجيواقتصاديا وأمنيا دفعني لمحاولة دراسة وتحليل طبيعة هذه العالقات التنافسية من أجل وضعها في إطار معين‬
‫يمكن القارئ من فهم حقيقة العالقة بين القوتين‪ ،‬وهذا ما يشكل أرضية مناسبة لتحقيق التطلعات العلمية المستقبلية‬

‫‪6‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫والمرتبطة بكشف مسارات واتجاهات تحول بنية النظام الدولي بين دولة صاعدة تسعى لتغيير الوضع اإلستراتيجي‬
‫الدولي القائم بعد الحرب الباردة‪ ،‬ودولة عظمى وحيدة ومهيمنة تعمل على تكريس الوضع القائم لضمان مصالحها‬
‫وتأمين السيطرة والتفوق‪.‬‬

‫‪ -6‬منهجية الدراسة‪:‬‬

‫إن طبيعة الموضوع والجوانب التي يشتمل عليها‪ ،‬ومشكلته البحثية التي يسعى استنادا لإلجابة على تساؤالتها‬
‫وتحقيق األهداف المتوخاة‪ ،‬فإن الموضوعية العلمية تقتضي منا األخذ بالتكامل المنهجي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المنهج التاريخي‪ :‬تحليل خلفيات التنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة ال سيما خالل فترة‬
‫الحرب الباردة تستلزم توظيف المنهج التاريخي لوضع محتوى ومضامين هذا التنافس في سياقه التاريخي‪ ،‬وتحليل‬
‫األحداث والمتغيرات الدولية التي أدت إلى إعادة تعريف العالقات بين الصين والواليات المتحدة على ضوء اف ارزات‬
‫عالم ما بعد الحرب الباردة والتحوالت التي شهدها النظام الدولي‪ ،‬واحتماالت تحول وانتقال القوة‪ .‬فعالقة التنافس‬
‫الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك يحتاج إلى ديناميكية المنهج‬
‫التاريخي في إعادة انتاج هذه العالقة بشروط جديدة وفي سياق زمني جديد بعيدا عن التحليل الستاتيكي للتاريخ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المنهج المقارن‪ :‬دراسة مضامين التنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية يتطلب‬
‫توظيف المقارنة بين السلوك الجيواستراتيجي للقوتين‪ ،‬لتحديد السياقات الجيوسياسية والجيواقتصادية واألمنية للتنافس‬
‫بينهما في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬وكذلك المقارنة بين الصين والواليات المتحدة‬
‫األمريكية في عدد من مؤشرات قياس القوة لقياس احتمالية انتقال القوة من قوة عظمى مهيمنة إلى قوة عظمى‬
‫صاعدة‪ ،‬ومن ثم بنية وشكل النظام الدولي‪ ،‬هذا القياس المقارن يعتمد أساسا على متغير مؤشرات القوة اإلقتصادية‬
‫لكل من الصين والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وعلى طبيعة التحالفات الثنائية والترتيبات المؤسساتية في النظام‬
‫اإلقليمي لجنوب شرقي آسيا التي تنتهجها الدولتين في اطار التنافس الجيواستراتيجي بينهما‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬منهج تحليل النظم‪ :‬إن استخدام منهج تحليل النظم يالئم هذا النوع من الدراسة‪ ،‬نظ ار ألن هذا المنهج يساهم‬
‫بتقديم إطار فكري مناسب؛ ناهيك عن أن هذا النوع من الدراسة يستخدم العديد من المفاهيم التي تخدم موضوع‬
‫الدراسة‪ ،‬يتم توظيف هذا المنهج في الدراسة لسببين‪ ،‬األول مرتبط بتحليل النظام الدولي الذي نجم عنه هذا التنافس‬

‫‪7‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬فإشكالية هيكل النظام الدولي‬
‫أفرزت تنافسا بين القوى الكبرى بشكل عام حول إعادة تشكيل هذا النظام وفقا لتصوراتها وبما يتماشى ومصالحها‬
‫القومية؛ والسبب الثاني‪ ،‬لتحليل ديناميات النظام اإلقليمي لمنطقة آسيا‪-‬الباسيفيك من النواحي الجغرافية‪،‬‬
‫والجيوسياسية والجيواقتصادية واألمنية‪ ،‬وكيف تسعى كل من الصين والواليات المتحدة األمريكية اإلستفادة من هذا‬
‫النظام اإلقليمي بم ا يتماشى واستراتيجيتيهما‪ ،‬بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية تحاول توظيف النظام اإلقليمي‬
‫لجنوب شرقي آسيا لتحجيم الصين واحتوائها لضمان استم اررية النظام الدولي في اتجاه األحادية القطبية؛ بالمقابل‬
‫تسعى الصين لتوظيف النظام اإلقليمي لتعظيم مكانتها كقوة عظمى وتوجيه النظام الدولي نحو التعددية القطبية‪،‬‬
‫على أساس أن مخرجات النظام اإلقليمي آلسيا‪-‬الباسيفيك وبحكم ثقله السياسي واإلقتصادي سيتحدد شكل النظام‬
‫الدولي في النصف األول من القرن الحادي والعشرين‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تحليل المضمون‪ :‬تستلزم دراسة مضامين جيواستراتيجية الصين وجيواستراتيجية الواليات المتحدة األمريكية‬
‫في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة توظيف منهج تقنية تحليل المضمون‪ ،‬لتحليل محتوى‬
‫السياسات والخطابات والبيانات المقدمة من قبل األكاديميين والسياسيين وصناع القرار في كل من الصين والواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬ليتحدد اتجاهات التفاعل الجيواستراتيجي في النظام اإلقليمي في جنوب شرقي آسيا‪ ،‬وانعكاساته‬
‫على النظام الدولي‪ ،‬والذي هو أساس التنافس بين القوى الكبرى بشكل عام‪ ،‬وبين الصين والواليات المتحدة األمريكية‬
‫بشكل خاص‪ .‬ويمكن تحديد هذه البيئة الجيوسياسية المتطورة من خالل تطبيق "نظرية انتقال القوة"‪ ،‬التي تشرح‬
‫الجانب الدوري للمنافسة في السياسة الدولية فيما يتعلق بالسلطة‪ ،‬من خالل التحليل النوعي للبحث‪.‬‬

‫‪ -7‬أدبيات الدراسة‪:‬‬
‫‪ ‬كتاب‪ " :‬الصين والواليات المتحدة‪ ...‬خصمان أم شريكان "‪ ،‬لمؤلفيه "ليوشيه تشنج" و"لي دونغ "‪ ،‬والذي قام‬
‫بترجمته إلى اللغة العربية "عبد العزيز حمدي "تحت اشراف المجلس األعلى للثقافة في مصر‪ ،‬هذا الكتاب‬
‫يعتبر مهما لكونه يتناول العالقات بين الصين والواليات المتحدة األمريكية برصد أهم المراحل التاريخية في‬
‫العالقات بين الدولتين بكثير من التحليل ووضعها في سياق تاريخي أي منذ قيام الصين في أكتوبر عام ‪1949‬‬

‫‪،‬وكيف تطورت هذه العالقات خالل فترة الحرب الباردة كنتيجة لوجود منافي استراتيجي لكل منهما هو اإلتحاد‬
‫السوفياتي‪ ،‬ثم ينتقل لتحليل العالقات بين البلدين خالل فترة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬ويرصد لنا خالل هذه‬

‫‪8‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫المرحلة تطور عالقات التنافس والتعاون‪ ،‬وفي نفس الوقت والعقبات التي تعترض هذه العالقات أبرزها الصعود‬
‫الكبير للصين وإدراك الواليات المتحدة ألثر هذا الصعود على مكانتها كقوة عظمى‪ ،‬ومن ثم التناقض‬
‫اإلستراتيجي بينهما‪.‬‬
‫‪ ‬كتاب‪" :‬النجم الصاعد‪ ،‬الصين"‪ ،‬لمؤلفه "بايتس غيل"‪ ،‬وترجمة "دالل أبو حيدر"‪ ،‬عن دار الكتاب العربي في‬
‫بيروت‪ ،‬يستعرض الكتاب تغيرت الديبلوماسية األمنية الدولية واإلقليمية للصين‪ ،‬بحيث باتت مقارباتها للشؤون‬
‫األمنية اإلقليمية والدولية تتميز بالديناميكية والعملية‪ ،‬من خالل مزيج من السياسات األمنية البراغماتية والقوة‬
‫االقتصادية المتنامية والديبلوماسية النشطة‪ .‬بشكل مكنها من إقامة عالقات متنامية وبناءة في بيئتها اإلقليمية‬
‫وحول العالم‪ ،‬ويؤكد المؤلف أن هذا التحول في الدبلوماسية الصينية حدث في فترة من االنشغال االستراتيجي‬
‫للواليات المتحدة األمريكية في منطقة الشرق األوسط وآسيا الوسطى (العراق وأفغانستان) بشكل فتح فضاءا‬
‫استراتيج يا واسعا أمام الصين لتوسيع نفوذها على الصعيدين اإلقليمي والدولي‪ ،‬من خالل مفهوم أمني جديد‬
‫يرتكز على الصعود السلمي‪ ،‬وقد أثار مصطلح "الصعود السلمي" ومدى مالءمته جدال بين الباحثين‬
‫واالستراتيجيين الصينيين‪ ،‬يرى بعضهم أن استخدام تعبير "سلمي" سيحد من الخيارات في مواجهة تايوان‪ ،‬فيما‬
‫ال تزال الصين تحتفظ بإمكانية اللجوء إلى القوة لحل مسألة مطالبتها بحق السيادة على تايوان‪ ،‬في حين يرى‬
‫أخرون أنه من غير الواضح ما إذا كانت الصين ستستمر في الصعود على المدى الطويل‪.‬‬
‫‪ ‬كتاب‪" :‬صعود الصين"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لـ "مايكل إي براون" وآخرون‪ ،‬وترجمة "مصطفى قاسم"‪ ،‬عن المركز‬
‫القومي للترجمة في القاهرة‪ ،‬جادل الباحثون في هذا الكتاب‪ ،‬بأن الجغرافيا ستلعب دو ار رئيسيا في تشكيل‬
‫التنافس بين القوى العظمى في منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادئ‪ ،‬وأن هذا التنافس سيظل سلميا‪ ،‬وأن منطقة شرق‬
‫آسيا منطقة ثنائية القطبية ألن الصين قوة إقليمية راسخة والواليات المتحدة قوى عظمى عالمية لكنها مجرد قوة‬
‫إقليمية في شرق آسيا‪ .‬كما يجادل أن المعضلة األمنية بين الواليات المتحدة األمريكية والصين يحتمل أن تظل‬
‫متوازنة وغير حادة‪ .‬فتفوق الواليات المتحدة األمريكية البحري وتفوق الصين على البر يعطي كل قوة منهما‬
‫ميزة دفاعية‪ .‬كما قدم الكتاب شقا مفاهيميا لنظرية زعزعة الهيمنة‪ ،‬ونظرية توازن القوى لتحليل وتفسير التنافس‬
‫الجيوسياسي الصيني األمريكي في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك في إطار اإلحساس المتناقض باألمن بينهما‪.‬‬
‫‪ ‬كتاب‪ ،"ASEAN: China’s Rise and Geopolitical Stability in Asia" :‬ملؤلفيه ‪Fenna Egberink with‬‬

‫‪ ،Frans-Paul van der Putten‬المصدر‪ ،Netherlands Institute of International Relations :‬الطبعة الثانية‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫يناقش الكتاب تغير الديناميكيات اإلقليمية في جنوب شرقي آسيا‪ ،‬وإعادة تفسير ميزان القوى اآلسيوي ودور‬
‫الصين (الناشئ) فيه‪ ،‬مع التركيز على العالقة الجيوسياسية األكثر جوهرية في آسيا وهي العالقة بين الواليات‬
‫المتحدة‪ ،‬أقوى العب عسكري في المنطقة‪ ،‬والصين‪ ،‬المنافس الرئيسي المحتمل لقيادة الواليات المتحدة في‬
‫محليا‬
‫المنطقة؛ إذ يعتبر المؤلفان أن التغييرات في العالقات بين الواليات المتحدة والصين ذات صلة باالستقرار ً‬
‫في أي جزء من آسيا‪ ،‬وعبر المنطقة اآلسيوية وحتى على المستوى العالمي؛ ومن بين القضايا األمنية المختلفة‬
‫بارز في العالقات الصينية األمريكية‪ ،‬وضع تايوان وبحر الصين الجنوبي‪ ،‬والوجود‬
‫دور ًا‬
‫في آسيا التي تلعب ًا‬
‫اإلقليمي للقوات العسكرية األمريكية‪ ،‬ونمو القدرات العسكرية الصينية‪ ،‬والقضية النووية لكوريا الشمالية‪ .‬كما‬
‫يناقش الكتاب العالقات الثنائية الرئيسية األخرى في آسيا وهي العالقات بين الصين واليابان‪ ،‬والصين والهند؛‬
‫وهذه العالقات وثيقة الصلة باإلستقرار في مناطق غرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي على التوالي‪.‬‬
‫‪ ‬كتاب‪،"The Changing Nature of Geostrategy 1900–2000, The Evolution of a New Paradigm" :‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬لمؤلفه ‪Tal Tovy‬؛ الصادر في الواليات المتحدة األمريكية عن‪Air University Press, Air :‬‬

‫‪ ،Force Research, Institute Maxwell Air Force Base, Alabama‬تناول فيه التغييرات في مفهوم‬
‫الجيواستراتيجية في اإلطار المنهجي الواسع الذي تستمد (الجيوسياسة)؛ حيث تدعم الجيوسياسة الكالسيكية‬
‫(التي تشمل الجيواستراتيجية) الترابط والعالقات المتبادلة بين الجغرافيا الطبيعية والنظام السياسي الدولي من‬
‫أيضا وضعهم ضمن العمليات التاريخية‪ ،‬وإظهار‬
‫خالل مناقشة المفكرين الرئيسيين في هذا المجال البحثي‪ .‬و ً‬
‫ليس فقط كيف أثر هؤالء المفكرون على الجغرافيا السياسية ولكن ً‬
‫أيضا كيف أثرت الجغرافيا السياسية على‬
‫العمليات التاريخية‪.‬‬
‫‪ ‬كتاب‪ ،" Geopolitics and Strategy" :‬لـ "‪ ،" Erhan AKDEMİR‬تم تقسيمه لعدد من الفصول املهمة ساعدتنا في اعداد الجانب‬
‫النظري واملفاهيمي في هذه الدراسة‪ ،‬نخص بالذكر الفصل األول لـ "‪ ،" Fulya Aksu‬بعنوان‪:‬‬
‫‪“Basic Concepts and Historical Development of Geopolitics: Strategy and Geostrategy, Geoeconomy and‬‬
‫‪Geoculture”.‬‬
‫والفصل الثاني لـ “‪ ،"Tarık OĞUZLU‬بعنوان‪:‬‬

‫‪"Modern Theoretical Development of Geopolitics and Strategic Studies".‬‬

‫‪ ‬فصل في كتاب‪ :‬بعنوان " ‪The Heartland Theory and the Present-Day Geopolitical Structure of Central‬‬

‫‪ ،"Eurasia‬للباحثين ‪ ،Eldar Ismailov and Vladimer Papava‬تمت فيه مناقشة الوضع الجيوسياسي في أوائل‬

‫‪10‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫القرن الحادي والعشرين الذي أعطى دفعة جديدة لدراسات مبادئ الهيكلة اإلقليمية للفضاء الجيوسياسي‬
‫والجيواقتصادي في قارة أوراسيا‪ ،‬والتركيز على المنطقة المحورية للعالم في نظريتي‪" :‬هالفورد ماكيندر"‬
‫و"نيكوالس سبيكمان"‪ ،‬ثم انتقال األهمية الجيوسياسية في أوراسيا إلى إقليم الحافة في جنوب شرقي آسيا وبالذات‬
‫إلى الصين كقوة قارية‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية كقوة بحرية إقليمية في المنطقة‪.‬‬
‫‪ ‬مقال "‪ ،"China’s New Diplomacy‬لمؤلفيه ‪ Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel‬في ‪,Foreign Affairs‬‬

‫المجلد رقم ‪ ،82‬العدد ‪ ،6‬ديسمبر ‪ ،2003‬والذي ركز على الدبلوماسية الجديدة للصين بعد الحرب الباردة‪ ،‬حيث‬
‫يقدم الباحثان عدد من الدالئل تبرز التحول في السياسة الخارجية للصين‪ ،‬من قبيل أن الصين وسعت عدد‬
‫عالقاتها الثنائية‪ ،‬وانضمت إلى مختلف االتفاقات التجارية واألمنية‪ ،‬وعمقت مشاركتها في المنظمات المتعددة‬
‫األطراف الرئيسية‪ ،‬وساعدت في معالجة قضايا األمن العالمي‪ ،‬كما أن صنع القرار في السياسة الخارجية أقل‬
‫شخصية وأكثر مؤسسية‪ ،‬وأصبح الدبلوماسيون الصينيون أكثر تطو اًر في توضيحهم ألهداف الدولة؛ وأصبحت‬
‫مؤسسة السياسة الخارجية الصينية تنظر إلى البالد على أنها قوة عظمى ناشئة ذات مصالح ومسؤوليات‬
‫متنوعة وليس كدولة نامية؛ وبالطبع يورد المقال رأي مخالفا لهذا الطرح‪ ،‬إذ يشير العديد من االستراتيجيين‬
‫سلبيا في الغالب تجاه الشؤون العالمية من خالل الحد‬ ‫الصينيين أن القادة الصينيين ال يزالون يتخذون ً‬
‫نهجا ً‬
‫األدنى من المشاركة في الخارج‪ ،‬واالستفادة المجانية من تصرفات القوى الكبرى األخرى‪.‬‬
‫‪ ‬مقال‪" :‬استراتيجية إعادة التوازن األمريكية في آسيا وأثرها على الصين"‪ ،‬لمؤلفيه "خضر إبراهيم سلمان البدراني"‬
‫و"عدنان خلف حميد البدراني"‪ :‬في المجلة السياسية والدولية‪ ،‬الصادرة عن الجامعة المستنصرية في العراق‪،‬‬
‫العدد ‪ ،2016 ،30‬في هذا المقال تم التركيز على انتقال مركز الثقل الجيوسياسي العالمي من أوروبا إلى منطقة‬
‫آسيا‪-‬الباسيفيك‪ ،‬نظ ار لطبيعة العالقات بين القوى الكبرى في المنطقة؛ كالعالقات الصينية‪-‬اليابانية‪ ،‬والصينية‬
‫األمريكية‪ ،‬واليابانية األمريكية‪ ،‬والصينية اليابانية األمريكية‪ ،‬والكوريتان الشمالية والجنوبية‪ ،‬وغيرها من العالقات‬
‫الثنائية ومتعددة األطراف بحساسياتها وتعقيدات المنطقة‪ .‬كما ناقش المقال استراتيجية إعادة التوازن األمريكية‬
‫في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك من أجل احتواء الصين في بيئتها اإلقليمية وإلى إعادة ترتيب سلم األولويات فيما‬
‫يخص األمن االقتصادي والتفوق األمريكي‪.‬‬
‫‪ ‬مقال‪ ،"The Geopolitics of Asia-Pacific Regionalism in the 21st Century" :‬لمؤلفه ‪،Dennis Rumley‬‬
‫المنشور في‪ ،The Otemon Journal of Australian Studies :‬املجلد ‪ .2005 ،31‬هذا المقال ناقش اإلقليمية في‬

‫‪11‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫منطقة آسيا والمحيط الهادئ والتغير الجيوسياسي العالمي في القرن الحادي والعشرين بعد نهاية القطبية الثنائية‬
‫وظهور العولمة‪ ،‬أكد فيه أن مصالح الدول التي تشكل جزًءا من النظم الفرعية اإلقليمية‪ ،‬في التنمية السياسية‬
‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية الديناميكية والمستدامة‪ ،‬ال يمكن أن تتحقق دون الدرجة الالزمة من اإلنفتاح‬
‫الوظيفي والمشاركة المتبادلة في العملية الجارية في المنطقة‪ .‬وفي ظل ظروف العولمة‪ ،‬ال يمكن ألي دولة أن‬
‫تحقق اإلكتفاء الذاتي‪ ،‬على األقل من وجهة نظر النفعية اإلقتصادية‪ .‬وينعكس هذا في العمليات الجارية في‬
‫كل جزء من أجزاء القارة األوراسية‪ .‬وال يمكن للتعريف "الضيق" للمناطق األوراسية أن يكشف بشكل كامل عن‬
‫الحقائق الجديدة التي أوجدها توسيع وتعميق الروابط والعالقات بين المناطق‪ .‬وهذا يعني أن تحقيق الفهم الكامل‬
‫أيضا تطبيق تعريف‬
‫اسعا واسع النطاق لهيكلة اإلمتداد األوراسي‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يجب ً‬
‫إقليميا و ً‬
‫ً‬ ‫نهجا‬
‫لها يتطلب ً‬
‫"أكبر" على أوراسيا ومكوناتها‪.‬‬
‫‪ -8‬تقسم خطة الدراسة‪:‬‬
‫تقودنا المنهجية العلمية إلختبار فرضيات الدراسة ومناقشتها من أجل اإلجابة على اإلشكالية المطروحة إلى‬
‫تقسيم واتباع خطة بحث على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬مقدمة‪ :‬تضمنت تقديم عام للمشهد اإلستراتيجي الدولي بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬الذي أفرز هيكال دوليا غير‬
‫ناضج تتنافس فيه القوى الكبرى حول النفوذ والهيمنة وتشكيل النظام الدولي وفقا لمنطق المصالح القوميةـ‪،‬‬
‫ثم تقديم خاص من أجل التعريف بموضوع الدراسة في ظل التحوالت الدولية الجديدة لعالم ما بعد الحرب‬
‫الباردة برز التنافس الجيواستراتيجي الصيني األمريكي في منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك كمركز ثقل سياسي‬
‫واقتصادي عالمي جديد‪ .‬ومحاولة ابراز األهمية والهدف من هذه الدراسة واألسباب التي دفعتنا إلختيار هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬وعرض إشكالية البحث وفرضيات الدراسة‪ ،‬وأهم األدبيات التي تناولت بعض جوانب الموضوع‪،‬‬
‫أو التي ساعدتنا على بناء إطار منهجي‪ ،‬مفاهيمي ونظري لموضوع الدراسة‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل األول‪ :‬تناول هذا الفصل عرضا وتأصيال مفاهيميا ونظريا لمفهوم التنافس الجيواستراتيجي في النظام‬
‫الدولي‪ ،‬من خالل مبحثين رئيسيين‪ ،‬المبحث األول خصص لدراسة مفهوم الجيواستراتيجية والمفاهيم ذات‬
‫صلة والعالقة الوظيفية والبنيوية مع الجيوسياسة‪ ،‬كما تناول المبحث التطور التاريخي لمفهوم الجيوسياسة‪،‬‬
‫أي البناء الفكري للجيواستراتيجية من خالل الجيوسياسية –كأساس مفاهيمي ونظري‪ ،-‬وفي المبحث الثاني‪،‬‬
‫تم التركيز على النظريات الجيوسياسية التي تهتم بتفسير التنافس الجيواستراتيجي بين القوى الكبرى المهيمنة‬

‫‪12‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫والصاعدة من وجهة نظر جيوسياسية وجيواقتصادية وأمنية‪ ،‬في اطار الصراع والتنافس بين القوى البحرية‬
‫(بريطانيا سابقا‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية حاليا)‪ ،‬والقوى القارية (ألمانيا وروسيا سابقا‪ ،‬والصين ورسيا‬
‫حاليا)‪ .‬ثم محاولة تفسير التنافس الجيواستراتيجي الصيني األمريكي في آسيا‪-‬الباسيفيك من منظور النظريات‬
‫المهيمنة في العالقات الدولية‪ ،‬ونخص بالذكر النظريتين‪ ،‬الواقعية والليبرالية‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل الثاني‪ :‬ناقش هذا الفصل في مبحثه األول البنية اإلقليمية لمنطقة جنوب شرقي آسيا (آسيا‪-‬الباسيفيك‪،‬‬
‫أو آسيا المحيط الهادئ)‪ ،‬من خالل استعراض األهمية الجيوسياسية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪ ،‬والتعريف بها‪،‬‬
‫ثم ابراز الخصائص الجيوسياسية والتي أبرزها انتقال مركز الثقل السياسي واإلقتصادي العالمي إليها‪ ،‬وتأثير‬
‫األهمية الجيوسياسية لها على العالقات بين القوى الكبرى خاصة الصين والواليات المتحدة األمريكية؛ كما تم‬
‫عرض في مبحث ٍ‬
‫ثان األهمية الجيواقتصادية لمنطقة آسيا‪-‬الباسيفيك من خالل مؤشرات قياس القوة‬
‫اإل قتصادية‪ ،‬وإبراز أهم األقطاب االقتصادية الصاعدة في المنطقة التي تأتي في مقدمتها الصين والهند‬
‫واليابان‪ ،‬كقوة دافعة لصعود آسيا‪-‬الباسيفيك كمركز ثقل عالمي جديد‪ .‬ومن ثم أثر قوتها االقتصادية الصاعدة‬
‫على النظام اإلقتصادي العالمي‪ .‬أما المبحث الثالث فقد تناول خلفيات التنافس الجيواستراتيجي بين الصين‬
‫والواليات المتحدة األمريكية في فترو ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬بحيث تم عرض محددات الشك والحذر المتبادل‪،‬‬
‫من خالل التاريخ الدبلوماسي الشائك بينهما في فترة الحرب الباردة‪ ،‬والمحددات الجديدة في عالم ما بعد‬
‫الحرب الباردة جيوسياسيا وجيواقتصاديا وأمنيا؛ أخيرا‪ ،‬سياسات اإلستقطاب والتحالفات اإلقليمية بين أهم القوى‬
‫الفاعلة والمؤثرة في السياسة اإلقليمية ال سيما الواليات المتحدة والصين‪ ،‬العند واليابان وروسيا‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل الثالث‪ :‬بعنوان جيواستراتيجية الواليات المتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد‬
‫الحرب الباردة؛ في المبحث األول‪ ،‬تم التطرق إلى الهيمنة بالقيادة في الفكر اإلستراتيجي األمريكي من حيث‬
‫المضامين‪ ،‬ثم المنظور األمريكي لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك من الناحية الجيوسياسية واإلستراتيجية‪ ،‬كما يستعرض‬
‫المبحث فكرة المجال الحيوي كآلية لبناء الهيمنة بالقيادة للواليات المتحدة األمريكية؛ أما المبحث الثاني‪ ،‬فقد‬
‫تطرق إلستراتيجية إعادة التوازن األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪ ،‬من حيث المضامين والدوافع‪ ،‬ثم أبعاد‬
‫ومظاهر التغير في اإلستراتيجية األمريكية في المنطقة‪ ،‬والعوامل المؤثرة على اإلستدارة األمريكية نحو جنوب‬
‫شرقي آسيا‪ .‬أما المبحث الثاني‪ ،‬فقد ركز على مضامين اإلستراتيجية األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪،‬‬
‫والتي تركز على الشراكة االقتصادية عبر المحيط الهادئ بقيادة الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والشراكة األمنية‬

‫‪13‬‬
‫مـ ـقـ ـدمـ ـ ـة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫وتعزيز القوة البحرية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي المتصلين جغرافيا‪ ،‬وتركيز االهتمام على قضايا‬
‫حقوق اإلنسان والديمقراطية كمدخل لتبرير سياسات التدخل في المنطقة‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل الرابع‪ :‬بعنوان جيواستراتيجية الصين في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب؛ المبحث األول‬
‫تطرق للقوة الصينية وبنية النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬حيث تم مناقشة إشكالية القطبية‬
‫وعالقات القوة في النظام الدولي في الفكر اإلستراتيجي الصيني‪ ،‬وعناصر القوة الصينية ووضع الهيمنة في‬
‫العالقات مع القوى الكبرى في آسيا‪ -‬باسيفيك‪ ،‬مع بروز الصين كقوة عظمى في فترة ما بعد الحرب الباردة‪.‬‬
‫وكذلك أثر البيئة اإلقليمية للصين في تعزيز مكانتها كقوة صاعدة؛ في حين تناول المبحث الثاني استراتيجية‬
‫الصعود السلمي للصين في بيئتها اإلقليمية‪ ،‬من حيث مضمونها الذي يقارب إلقليمية آسيوية جديدة من‬
‫منظور صيني‪ ،‬مع التركيز على دوافع الصعود السلمي للصين كإستراتيجية للتحوط من الهيمنة األمريكية‪،‬‬
‫ثم المبادئ واإلفتراضات اإلستراتيجية للصعود السلمي للصين‪ ،‬والعوامل المؤثرة على هذا الصعود‪ .‬في حين‬
‫استعرض المبحث الثالث مضامين اإلستراتيجية الصينية في آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة‪،‬‬
‫من حيث أدوات السياسة الخارجية لهذه اإلستراتيجية‪ ،‬واستراتيجية بناء وتعزيز القوة البحرية لتأمين التنمية‬
‫الوطنية وتعزيز األمن القومي الصيني‪ ،‬مضافا لذلك تعزيز سياسيات الشراكة االقتصادية واألمنية اإلقليمية‪.‬‬
‫وتحييد الخالفات السياسية في بيئتها اإلقليمية لتعزيز الثقة واألمن المستدام‪ .‬وناقش المبحث الرابع مبادرة‬
‫الحزام والطريق باعتبارها "المبدأ التنظيمي الجديد" للسياسة والسياسة الخارجية الصينية‪ .‬أما المبحث الخامس‬
‫فتطرق لألهداف الجيواستراتيجية للصين في بيئتها اإلقليمية‪ ،‬أبرزها تعزيز المكانة اإلقليمية للصين كخطوة‬
‫استراتيجية نحو الهيمنة العالمية‪ ،‬ومواجهة التحدي الياباني‪ ،‬واحتواء الهيمنة األمريكية‪.‬‬
‫‪ -9‬الصعوبات البحثية‪:‬‬
‫‪ ‬قلة الدراسات والمراجع المتخصصة حول موضع الدراسة باللغة العربية‪.‬‬
‫‪ ‬اإلعتماد على دراسات ومراجع باللغة اإلنجليزية أساسا‪ ،‬وهذا يستلزم ويستغرق منا جهدا من أجل الترجمة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫تأصيل نظري ومفاهيمي للتنافس‬
‫اجليواسرتاتيجي‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﯿتنﺎول ﻫذا اﻟﻔصﻞ ﺘﺄﺼیﻼ ﻤﻔﺎه�م�ﺎ وﻨظر�ﺎ ﻟمﻔﻬوم اﻟتنﺎﻓس اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل‬
‫ﻤ�حثین رﺌ�سیین‪ ،‬اﻷول ﺨصص ﻟدراﺴﺔ ﻤﻔﻬوم اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬واﻟمﻔﺎه�م ذات ﺼﻠﺔ‪ ،‬واﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟوظ�ف�ﺔ واﻟبنیو�ﺔ‬
‫ﻤﻊ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪� ،‬مﺎ ﺘنﺎول اﻟم�حث اﻟتطور اﻟتﺎر�خﻲ ﻟمﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬أي اﻟبنﺎء اﻟﻔكري ﻟﻠجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤن‬
‫ﺨﻼل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ –ﻛﺄﺴﺎس ﻤﻔﺎه�مﻲ وﻨظري‪.-‬‬
‫وﻓﻲ اﻟم�حث اﻟثﺎﻨﻲ‪ ،‬ﺘم اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻟنظر�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻬتم ﺒتﻔسیر اﻟتنﺎﻓس اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى اﻟمﻬ�منﺔ واﻟصﺎﻋدة ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﺠیواﻗتصﺎد�ﺔ وأﻤن�ﺔ‪ ،‬ﻓﻲ إطﺎر اﻟصراع واﻟتنﺎﻓس‬
‫ﺒین اﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ )ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ ﺴﺎ�ﻘﺎ‪ ،‬واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺤﺎﻟ�ﺎ(‪ ،‬واﻟﻘوى اﻟﻘﺎر�ﺔ )أﻟمﺎﻨ�ﺎ وروﺴ�ﺎ ﺴﺎ�ﻘﺎ‪ ،‬واﻟصین‬
‫وروﺴ�ﺎ ﺤﺎﻟ�ﺎ(؛ ﺜم ﻤحﺎوﻟﺔ ﺘﻔسیر اﻟتنﺎﻓس اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟصینﻲ اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك ﻤن ﻤنظور‬
‫اﻟنظر�ﺎت اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻨخص �ﺎﻟذ�ر اﻟنظر�تین‪ ،‬اﻟواﻗع�ﺔ واﻟﻠیبراﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟم�حث اﻷول‪ :‬وﺼﻒ ﺘحﻠیﻠﻲ ﻤﻔﺎه�مﻲ‬


‫ﺘدﻋم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟكﻼﺴ�ك�ﺔ اﻟتﻲ ﺘشمﻞ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟترا�ط واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟمت�ﺎدﻟﺔ ﺒین اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟطب�ع�ﺔ‬
‫واﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ‪ ،‬و�ﻌد ﻓحص ﻫذا اﻟﻌﻠم ﻤﻔیدا ﻓﻲ ﻤحﺎوﻟﺔ اﻟتﻌرف ﻋﻠﻰ اﻟتﻐییر ﻓﻲ دور اﻟموﻗﻊ اﻟمﺎدي ﻓﻲ ﻤﻔﻬوم‬
‫اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟحدﯿثﺔ ‪-‬ﻤن ﺨﻼل ﻤنﺎﻗشﺔ اﻟمﻔكر�ن اﻟرﺌ�سیین ﻓﻲ ﻫذا اﻟمجﺎل اﻟ�حثﻲ‪-‬؛ ووﻀﻌﻬم ﻀمن اﻟﻌمﻠ�ﺎت‬

‫اﻟتﺎر�خ�ﺔ‪ ،‬و�ظﻬﺎر ﻟ�س ﻓﻘط ��ف أﺜر ﻫؤﻻء اﻟمﻔكرون ﻋﻠﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ وﻟكن ً‬
‫أ�ضﺎ ��ف أﺜرت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟتﺎر�خ�ﺔ‪ 1.‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﺴنحﺎول ﻓﻲ ﻫذا اﻟم�حث اﻟتطرق ﻟمﻔﻬوم اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحدد اﻟس�ﺎﺴﺔ‬

‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول ﻻ ﺴ�مﺎ اﻟﻘوى اﻟكبرى ً‬


‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ اﻟمﻌط�ﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ‪ ،‬ﻤﻊ ﻀ�ط ﻋنﺎﺼر اﻟمﻔﻬوم‪ ،‬واﻟمﻔﺎه�م ذات‬
‫ﺼﻠﺔ‪ ،‬واﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟوظ�ف�ﺔ واﻟبنیو�ﺔ ﺒین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪.‬‬
‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬ﻤﻔﻬوم اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ‪ ...‬اﻹﺘجﺎﻩ اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫ﻌرف ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ "ﺤﻘﻞ ﻓرﻋﻲ ﻤن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ"‪ ،‬أو‬
‫ﻻ ﯿوﺠد إﺠمﺎع ﻋﻠﻰ ﺘﻌر�ف اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ .‬ﻤﻊ ذﻟك ﺘ ﱠ‬
‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻶﺨر�ن ﻫﻲ "اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟدوﻟﺔ ﻗﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ"‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ ﺤد ﺘﻌبیر ﺒر�جنسكﻲ "اﻹدارة‬
‫اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ"‪ .‬واﻟﻌواﻤﻞ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحدد اﻟمنطﻘﺔ‪ ".‬وﺘﺄﺘﻲ �ﻠمﺔ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤن‬
‫اﻟكﻠمﺔ اﻟیوﻨﺎﻨ�ﺔ اﻟﻘد�مﺔ ‪) Strategein‬ق�ﺎدة ﺠ�ش(‪ .‬واﻷﺴئﻠﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟكﻼﺴ�ك�ﺔ اﻟثﻼﺜﺔ ﻫﻲ‪ :‬ﻤن ﻨحن؟ ﻤﺎذا‬
‫‪2‬‬
‫ﻨر�د؟ ﻛ�ف ﻨحﻘق أﻫداﻓنﺎ؟‬
‫اﻟسؤال "ﻨحن" ﻫو‪ ،‬ﻤن �حكم اﻟدوﻟﺔ و‪/‬أو ﻤصﺎﻟﺢ ﻤن ﺘخدم اﻟدوﻟﺔ؟ ﻫﻞ ﻫﻲ ر�مﺎ ﻓﻘط ﻨخ�ﺔ أم ﺠمﺎﻋﺔ‬
‫ﻋرق�ﺔ أم ﻋشیرة؟‪ ،‬وﻋﺎدة ﻤﺎ ﺘتم اﻹﺠﺎ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺴؤال "ﻤﺎذا" ﻓﻲ ﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟموﻀوﻋﺎت ﺘسمﻰ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟكبرى‪،‬‬
‫واﻟتﻲ ﺘحدد اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟحیو�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ .‬وف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �سؤال "ﻛ�ف" ﺠﺎدل "ﻛﻼوزﻓیتز" �ﺄن اﻟحرب ﻫﻲ اﺴتمرار ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ‬
‫داﺌمﺎ‬
‫ﺒوﺴﺎﺌﻞ أﺨرى‪ .‬ﻟﻘد أﺴﻲء ﻓﻬم ﻫذا ﻋﻠﻰ أﻨﻪ دﻋوة ﻟشن اﻟحرب‪ ،‬ﻟكنﻪ �ﺎن �ﻘصد أن اﻟحرب �جب أن ﺘظﻞ ً‬
‫‪3‬‬
‫ﺠزًءا ﻻ ﯿتج أز ﻤن اﻷﻫداف اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬و�ﻻ ﻓﻘد ﺘخرج ﻋن اﻟس�طرة‪.‬‬
‫ﺘم ذ�ر ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻷول ﻤرة ﺤتﻰ ﻗبﻞ ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1846‬ﻤن ﻗبﻞ اﻹ�طﺎﻟﻲ‬
‫"ﺠ�ﺎﻛوﻤو دوراﻨدو ‪ ،"Giacomo Durando‬ﻓﻲ ﺤین ﺘم اﺴتخدام ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻷول ﻤرة ﻤن ﻗبﻞ اﻟسو�دي‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, the Changing Nature of Geostrategy 1900–2000. The Evolution of a New Paradigm (Geopolitics: Theory‬‬
‫‪and History), (USA, Alabama, Air University Press, Air Force Research, Institute Maxwell Air Force Base, Alabama,‬‬
‫‪edition 1). P 1. https://cutt.ly/uOk6kXq‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- K. Saalbach, “Modern Geostrategy: Methods and Practice”, (German: Osnabruck University, 02 Dec 2017), p 3.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid, p 3.‬‬

‫‪18‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫"رودوﻟﻒ �یﻠین ‪ Rudolf Kjellén‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1 1899.‬ﺘتمﺎﺸﻰ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻨطﺎق واﺴﻊ ﻤﻊ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘنتﺞ أﻀیق ﻤﻌنﻰ ﻟﻬﺎ‪ .‬و�ر�ط ﻫذا اﻟمﻌنﻰ اﻟضیق اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟحرب �ﺎﻟجﻐراف�ﺎ ﻤن ﺨﻼل وﻀﻊ‬
‫ﺘخط�ط و�دارة اﻟحرب ﻓﻲ اﻟخصﺎﺌص اﻟجﻐراف�ﺔ ﻟمنطﻘﺔ اﻟﻌمﻠ�ﺎت‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻫذا اﻟمﻌنﻰ اﻟضیق ﻗد ﻋﻔﺎ ﻋﻠ�ﻪ‬
‫اﻟزﻤن ﺤیث ﺘﻘضﻲ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ ﺘدر�ج�ﺎً ﻋﻠﻰ اﻟمحتوى اﻟمﺎدي ﻟﻠجﻐراف�ﺎ ﻤثﻞ اﻟموﻗﻊ واﻟﻔضﺎء �سبب‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتﻘن�ﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟجدﯿدة اﻟتﻲ ﻗوﻀت أﻫم�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺎ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﻓكرة اﻟجیو�ﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻗد اﺴتخدﻤت �ﺎﻟمصﺎدﻓﺔ ﻤن ﻗبﻞ ﻤؤﻟﻔین آﺨر�ن‪ ،‬ﻤن ﺒینﻬم اﺜنﺎن‬
‫ﻤن اﻷﯿبیر�ین* )اﻹﺴ�ﺎﻨﻲ ﻤﺎﻨو�ﻞ �ﺎﺴتﺎﻨیوس إي ﻤوﻨت�جﺎﻨو ‪ Manuel Castaños y Montijano‬واﻟبرﺘﻐﺎﻟ�ﺔ ﻤیراﻨدا‬
‫ﻛﺎﺒرال ‪ ،( Miranda Cabral‬ﻓﺈن اﻟمﻔﻬوم ﻟم �ﻔرض ﻨﻔسﻪ‪� .‬مكن اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ اﻟتﻔسیر ﻓﻲ ﺤق�ﻘﺔ أن اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟحق�ﺔ‪� ،‬ﺎﻨت أﻛثر إﺜﺎرة وأﻫم�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘبین ﻓﻲ اﻟنﻬﺎ�ﺔ أﻨﻬﺎ �ﺎﻨت ﻤﻘدﻤﺔ ﻟﻠـجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ )‪.(Geostrategy‬‬

‫ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻫﻲ اﻻﺘجﺎﻩ اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ �شكﻞ ﻋﺎم‪ .‬و�تﻌبیر أدق‪ ،‬ﺘصﻒ‬
‫اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟمكﺎن اﻟذي ﺘر�ز ف�ﻪ اﻟدوﻟﺔ ﺠﻬودﻫﺎ ﻤن ﺨﻼل إﺒراز اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ وﺘوﺠ�ﻪ اﻟنشﺎط اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ‬
‫واﻹﻗتصﺎدي واﻟق�مﻲ‪ 4 .‬ﺘتكون اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤن ﻋنﺎﺼر ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﺠﻐراف�ﺔ‪� .‬مكن ﺘﻘس�م ﻋنﺎﺼر اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫إﻟﻰ ﻓئتین �ﻌنﺎﺼر ﻤكﺎﻨ�ﺔ وظرف�ﺔ‪� .‬شمﻞ اﻟﻔضﺎء اﻷرض واﻟ�حر وﺘشمﻞ اﻟﻌنﺎﺼر اﻟظرف�ﺔ اﻟد�موﻏراف�ﺎ واﻟموارد‬
‫واﻟﻌنﺎﺼر اﻻﺠتمﺎع�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﺤین أن اﻟتر�یز ﻻ ﯿزال ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول ﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب اﻹﻗﻠ�مﻲ ‪-‬اﻷرض‬
‫واﻟ�حر‪-‬ﺘشمﻞ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟحدﯿثﺔ ﺠواﻨب ﻤثﻞ اﺤت�ﺎط�ﺎت اﻟطﺎﻗﺔ واﻷﻤن اﻟﻐذاﺌﻲ واﻟتنم�ﺔ اﻟد�موﻏراف�ﺔ ﻟجم�ﻊ‬
‫‪5‬‬
‫اﻟجﻬﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ اﻟمﻌن�ﺔ‪.‬‬
‫إن ﻤیزة "إﻋﺎدة اﺨتراع" ﻓكرة اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪� ،‬ﻌد ‪ 100‬ﻋﺎم ﺘﻘر ً��ﺎ ﻤن ذ�رﻫﺎ ﻤن ﻗبﻞ اﻹ�طﺎﻟﻲ "ﺠ�ﺎﻛوﻤو‬
‫دوراﻨدو"‪ ،‬ﻤحجوزة ﻟﻠمحﻠﻞ اﻷﻤر�كﻲ "ﺠورج ﺒﻲ �ر�سﻲ ‪ ،"George B. Cressey‬ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ "أراﻀﻲ وﺸﻌوب آﺴ�ﺎ‪:‬‬
‫اﻟتوز�ﻊ اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟثﻠث اﻷرض وﺜﻠثﻲ ﺴكﺎن اﻷرض )‪ 6 ."(1944‬واﻻﻓتراض اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻫو أن اﻟدول اﻟتﻲ ﻟدﯿﻬﺎ ﻤوارد‬

‫‪1‬‬
‫‪- Negut Silviu, "GEOSTRATEGY VS. GEOECONOMY", ("Carol I" National Defence University, N° 58, 2016), pp 7-12.‬‬
‫‪https://cutt.ly/IOlJ57T‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Fulya Aksu, "Basic Concepts and Historical Development of Geopolitics, Strategy and Geostrategy, Geoeconomy and‬‬
‫‪Geoculture", in: Erhan AKDEMİR, Geopolitics and Strategy, (Turkey, T.C. Anadolu University), p 11.‬‬
‫*‪ (two Iberians) -‬ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﺷﺒﮫ ﺟﺰﯾﺮة اﯾﺒﯿﺮﯾﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ اﺳﺒﺎﻧﯿﺎ واﻟﺒﺮﺗﻐﺎل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Negut, Silviu, Op. cit. pp 7-12.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Krishnendra Meena, “What is the difference between geo-politics and geo-strategy ?”, (India, The Manohar Parrikar‬‬
‫‪ https://cutt.ly/EOlUSDs‬ﺗم اﻟﺗﺻﻔﺢ ﺑﺗﺎرﯾﺦ ‪Institute for Defence Studies and Analyses), 2021/04/18‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit, p 11.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Negut, Silviu, Op. cit, pp 7-12.‬‬

‫‪19‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻤحدودة وﻏیر ﻗﺎدرة‪ ،‬ﺤتﻰ ﻟو �ﺎﻨت ﻋﻠﻰ اﺴتﻌداد‪ ،‬ﻻ ﺘستط�ﻊ ﺘنﻔیذ ﺴ�ﺎﺴﺔ ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ‪ .‬و�دﻻ ﻤن ذﻟك‪� ،‬جب‬
‫ﻋﻠیﻬم اﻟتر�یز ﺴ�ﺎﺴ�ﺎً وﻋسكر�ﺎً ﻋﻠﻰ ﻤنﺎطق ﻤحددة ﻤن اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﺘصﻒ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺘوﺠﻪ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‬
‫وﻻ ﺘتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟدواﻓﻊ أو ﻋمﻠ�ﺎت ﺼنﻊ اﻟﻘرار‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ﻻ ﺘحر�ﻬﺎ �ﺎﻟضرورة ﻋواﻤﻞ‬
‫ﺠﻐراف�ﺔ أو ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻗد ﺘُظﻬر اﻟدوﻟﺔ ﻗوﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ ﻤﺎ ﻷﺴ�ﺎب أﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ‪ ،‬أو ﻤجموﻋﺎت اﻟمصﺎﻟﺢ‪ ،‬أو ﺒ�سﺎطﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻨزوة زع�مﻬﺎ‪.‬‬
‫أﻤﺎ اﻟبیئﺔ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ﻓﻬﻲ اﻟبیئﺔ اﻟتﻲ ﺘﻘﻊ ﺨﺎرج ﺤدودﻫﺎ وﺨﺎرج ﻨطﺎق ﺴ�طرﺘﻬﺎ ورﻗﺎﺒتﻬﺎ‪ ،‬اﻟتﻲ‬
‫ﺘتطﻠﻊ ﻟﻠﻬ�منﺔ ﻋﻠیﻬﺎ ﺴع�ﺎ ﻟﻠتﺄﺜیر ﻓﻲ ز�ﺎدة ﻗدراﺘﻬﺎ وﺘﻌز�ز ﻤكﺎﻨتﻬﺎ وﺘتمثﻞ ﻋواﻤﻞ ﻫذﻩ اﻟبیئﺔ �ﻌواﻤﻞ اﻟبیئﺔ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجیواﻗتصﺎد�ﺔ وﻋواﻤﻞ اﻟبیئﺔ اﻹﺠتمﺎع�ﺔ واﻟثﻘﺎف�ﺔ‪ .‬وﻋواﻤﻞ اﻟبیئﺔ اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ وﻋواﻤﻞ اﻟبیئﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪.‬‬
‫ﻨظﺎﻤﺎ‬ ‫اﻹطﺎر اﻟنظري اﻵﺨر ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺴﺔ ﻫو اﻟجﻐراف�ﺎ‪ ،‬واﻟتﻲ‪ً ،‬‬
‫ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬ﺨﻠﻘت ً‬
‫ﺠدﯿدا ‪-‬ﺠیو اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ‪ .-‬ﺒینمﺎ ُﯿنظر إﻟﻰ اﻟجﻐراف�ﺎ �ﺄﺤد أﺴس اﻟﻘوة اﻟوطن�ﺔ‪ ،‬ﺘر�ز ﻫذﻩ اﻟدراﺴﺔ ﻋﻠﻰ ارﺘ�ﺎطﻬﺎ‬
‫ً‬
‫اﻟكﻼﺴ�كﻲ �ﺎﻟحرب‪� .‬سﺎﻋد ﻓﻬم ﻫذا اﻻرﺘ�ﺎط ﻋﻠﻰ وﻀﻊ اﻟنﻘﻠﺔ اﻟنوع�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻔكر اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻤنظورﻫﺎ‬
‫اﻟصح�ﺢ ﻓﻲ أواﺨر اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن وأواﺌﻞ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪ .‬ﻤنذ ﻓجر اﻟتﺎر�ﺦ اﻟﻌسكري‪� ،‬ﺎﻨت اﻟظروف‬
‫اﻟجﻐراف�ﺔ ﺤﺎﺴمﺔ ﻓﻲ اﻟتخط�ط ﻟﻠحمﻼت اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬ﻻ �ﺄﺨذ اﻟتخط�ط ﻟﻠحمﻼت اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر ﻋمﻞ اﻟﻘوات‬
‫أ�ضﺎ اﻷﻤور اﻟﻠوﺠست�ﺔ واﻻﺘصﺎﻻت‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟظروف اﻟجﻐراف�ﺔ‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ ﻤسرح ﻤﻌین ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ �شمﻞ ً‬
‫‪3‬‬
‫ﺘﻘﻊ ﻀمن ﻤسؤوﻟ�ﺔ ﻀ�ﺎط اﻷر�ﺎن واﻟق�ﺎدة اﻟﻌسكر�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓضﻼ ﻋن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤﻌط�ﺎت اﻟﻘوة اﻟمتﻐیرة ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟتﻲ �مكن ﺘﻔﻌﻠیﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمدى اﻟﻘر�ب واﻟمتوﺴط ﻫﻲ‬
‫اﻟﻌنﺎﺼر اﻟتﻲ ﺘﻌكس ﻤدى ﻗدرة دوﻟﺔ ﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﺴتخدام اﻟﻘوى اﻟكﺎﻤنﺔ ﻓیﻬﺎ‪ ،‬وﺘﻌد اﻟموارد اﻻﻗتصﺎد�ﺔ و�نیتﻬﺎ اﻟتح�ﺔ‬
‫و�نﺎء اﻟﻘﺎﻋدة اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ واﻟﻌﻠم�ﺔ واﻟتراﻛم اﻟﻌسكري ﻟدﯿﻬﺎ ﻋنﺎﺼر ﻤتﻐیرة ﻓﻲ ﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬و�ؤدي‬
‫‪4‬‬
‫اﺴتخدام ﺘﻠك اﻟﻌنﺎﺼر اﻟمتﻐیرة �شكﻞ ﻤنسق و�نﺎء ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ إﻟﻰ ز�ﺎدة ﺜﻘﻞ اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟتوازﻨﺎت‪.‬‬
‫اﻟظروف اﻟجﻐراف�ﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ إﺒراز اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬ﺨﻼل اﻟحرب اﻟ�ﺎردة أﺜرت اﻟمسﺎﻓﺔ ﺒین اﻟﻘوﺘین‬
‫اﻟﻌظمیین �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪� .‬ﺎن ﻋﻠﻰ اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ أن �جد ﻗواﻋد ﺘﻘر�ﻪ ﻤن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Krishnendra Meena, Op. cit.‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪" ،‬اﻷزﻤﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ وﻤستﻘبﻞ اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ"‪ ،‬ﻤجﻠﺔ ﻗضﺎ�ﺎ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪) ،‬اﻟﻌراق‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ اﻟنﻬر�ن‪ ،‬اﻟﻌدد‬
‫‪ ،(2016 ،44-43‬ص ‪https://cutt.ly/1ADbrUz .73‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Tal Tovy, Op. cit. pp 26-27.‬‬
‫‪ -4‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.68‬‬

‫‪20‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫�ﺎﻟمﻘﺎﺒﻞ �ﺎﻨت ﻨطﺎﻗﺎت ﻫجوم اﻟﻘوات اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻀد اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ ﻗصیرة �سبب وﺠود اﻟج�ش اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ‬
‫أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ وﺘر��ﺎ واﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬وﻫنﺎك ﺘﺄﺜیر آﺨر ﻟﻠجﻐراف�ﺎ ﻫو اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ ﻟﻠبﻠد؛ إذ ﺘتمتﻊ اﻟدوﻟﺔ‬
‫ذات اﻟحدود اﻟطب�ع�ﺔ �میزة ﻋﻠﻰ دوﻟﺔ ﻟ�س ﺒﻬﺎ ﻤثﻞ ﻫذﻩ اﻟحدود‪ .‬روﺴ�ﺎ اﻟق�صر�ﺔ‪ ،‬واﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ اﻟذي ﺤﻞ‬
‫ﻤحﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻟم �كن ﻟﻬمﺎ ﺤدود طب�ع�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻐرب واﻟجنوب‪� ،‬شكﻞ واﻀﺢ‪ ،‬وﻫﻲ أﺴﺎس اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟروﺴ�ﺔ ﻋبر‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتﺎر�ﺦ‪ .‬وﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى ﻤنﻊ اﻟحجم اﻟﻬﺎﺌﻞ ﻟروﺴ�ﺎ ﺠیوش ﻓرﻨسﺎ وأﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻤن اﺤتﻼﻟﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻟذا‪ ،‬ﺘبرز ﻤجموﻋﺔ �بیرة وﻤتنوﻋﺔ ﻤن اﻟنﻘﺎط اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟمرﺘ�طﺔ �ﺎﻟجﻐراف�ﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟمضﺎﺌق واﻟﻘنوات‬
‫اﻟ�حر�ﺔ واﻟممرات اﻟجبﻠ�ﺔ واﻟود�ﺎن واﻟﻘمم اﻟجبﻠ�ﺔ واﻟتﻼل وﻤﺎ إﻟﻰ ذﻟك‪ .‬ﺘؤﺜر ﺨصﺎﺌص اﻟتضﺎر�س ﻋﻠﻰ وﻀﻊ أﻨواع‬
‫ﺘجﻬیزا‪� ،‬مكن أن �ﻘضﻲ ﻋﻠﻰ اﻟتﻔوق اﻟتﻘنﻲ؛ ﻫذا ﻤﺎ ﺸﻌر �ﻪ‬
‫ً‬ ‫اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟتضﺎر�س‪ ،‬اﻟسﻼح اﻷﻗﻞ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻔرﻨسیون ﻓﻲ اﻟجزاﺌر‪ ،‬واﻷﻤر�كیون ﻓﻲ ﻓیتنﺎم‪ ،‬واﻟروس ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻨستﺎن‪.‬‬
‫إن اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟم ﺘﻌد ﺘﻘوم �ﺎﻷﺴﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬ﻓﻌنﺎﺼر اﻟﻘوة اﻟدوﻟ�ﺔ‬
‫اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟثﻘﺎف�ﺔ واﻟﻌﻠم�ﺔ اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ دﺨﻠت �ﻘوة إﻟﻰ ﺤسﺎ�ﺎت ﺘﻠك اﻟمواز�ن‪ 3 ،‬وﻤﻊ ذﻟك ﻓﺈن ﻫذﻩ اﻟم�ﺎدئ ﻫﻲ‬
‫ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟنموذج اﻟكﻼﺴ�كﻲ اﻟذي ﯿر�ط ﺒین ﺘخط�ط اﻟحرب واﺴتراﺘ�جیتﻬﺎ‪ ،‬ﻤمﺎ �ﻌنﻲ أن ﺘخط�ط و�دارة اﻟحرب‬
‫�ﻠ�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟجﻐراف�ﺎ‪ .‬اﻟجﺎﻨب اﻟذي ﯿؤﻤن اﻟمزا�ﺎ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻫو اﻟذي ﺴ�ﻔوز؛ ‪ 4‬وﻤﺎ ﻫو ﻤشترك ﻓﻲ ﺠم�ﻊ‬
‫�ﻌتمدان ً‬
‫اﻟتﻌر�ﻔﺎت اﻟمختﻠﻔﺔ ﻫو أن اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ ﯿر�ط اﻟجﻐراف�ﺎ �ﺎﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬وﻫو اﻟتﻘﺎطﻊ ﺒینﻬمﺎ‪ .‬و�ﻬذﻩ اﻟطر�ﻘﺔ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ ﻫو اﻟمجﺎل اﻟذي �حول اﻟرؤى اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ إﻟﻰ ﺨطط اﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪� .‬طر�ﻘﺔ أﻛثر دﻗﺔ و�سﺎطﺔ �مكن‬
‫‪5‬‬
‫ﺘﻌر�ف اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ ﺘنﻔیذ اﻟرؤى اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪.‬‬
‫ﻤن أﻫم ﻋنﺎﺼر اﻟبیئﺔ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤﺎ �ﺄﺘﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪-‬اﻟﻌنﺎﺼر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪:‬‬
‫ﻫﻲ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟتﻲ ﺘنطوي ﻋﻠیﻬﺎ اﻟتﻔﺎﻋﻼت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟنﻔوذ اﻟمرﺘكز ﻋﻠﻰ اﻟتﺄﺜیر اﻟس�ﺎﺴﻲ ﺒین اﻟﻘوى‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﻤن أﻫم ﻋنﺎﺼرﻫﺎ‪ /1 :‬ﺒنﺎء اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ واﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻟمضﺎدة واﻟمستمرة ﻀمن ﺤﺎﻟﺔ اﻟسیوﻟﺔ واﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ‬
‫اﻟتﻲ ﺘﻠجﺄ إﻟیﻬﺎ اﻟدول اﺴتجﺎ�ﺔ ﻟظروف اﻟواﻗﻊ اﻟدوﻟﻲ اﻟذي ﺘخﻠﻘﻪ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوة وﺘحوﻻﺘﻬﺎ ﻟدى اﻟﻘوى اﻟدوﻟ�ﺔ واﻟتﻲ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. Pp 27-28.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Negut, Silviu, Op. cit, pp 7-12.‬‬
‫‪ -3‬ﻗﺎﺳﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﯿﺪ وﻣﺤﻤﺪ ﻣﯿﺴﺮ ﻓﺘﺤﻲ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 29.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 11.‬‬

‫‪21‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫�ﻌتمد ﻋﻠیﻬﺎ ﺒنﺎء اﻟتوازن ﻓﻲ اﻟﻘوى‪ ،‬ﻓمؤﺸرات ﺘوازن اﻟﻘوى اﻟدوﻟﻲ ﻫﻲ اﻟتﻲ ﺘحكم ﺤر�ﺔ اﻨضمﺎم‪/‬اﻨسحﺎب‪/‬اﻨشﺎء ﺘﻠك‬
‫اﻟتحﺎﻟﻔﺎت‪ ،‬وﺘحدد اﻷﺴﻠوب اﻟتﻲ ﯿتم �ﻪ إﻋﺎدة ﺼ�ﺎﻏتﻬﺎ وﺘشكیﻠﻬﺎ ﻟجﻌﻠﻬﺎ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺘحﻘیق ﻫدف اﻟتوازن أو اﻟتﻔوق‬
‫�شكﻞ ﻓﻌﺎل‪ /2 .‬اﻟمشﺎر�ﺔ اﻟواﺴﻌﺔ ﻓﻲ اﻓتﻌﺎل أو ﺤﻞ اﻷزﻤﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘنشﺄ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟصراع واﻟتنﺎﻓس ﺤول‬
‫اﻷﻗﺎﻟ�م ذات اﻟمیزة اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘسﻌﻰ ﺘﻠك اﻟﻘوى ﻤن ﺨﻼل اﻟس�طرة ﻋﻠیﻬﺎ ﻟز�ﺎدة ﻗدراﺘﻬﺎ وﺘﻌز�ز ﻤكﺎﻨتﻬﺎ ﻀمن‬
‫ﻗوى اﻟتوازن‪ .‬ﻓتﻠجﺄ إﻟﻰ اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﺤﻞ ﺘﻠك اﻷزﻤﺎت أو إﻟﻰ اﻓتﻌﺎل أزﻤﺎت إﻀﺎف�ﺔ ﻟتﻌﻘید اﻟمواﻗﻒ أو إر�ﺎك اﻟﻘوى‬
‫اﻟمنﺎﻓسﺔ‪ /3 .‬ﻨشر اﻷﻓكﺎر واﻟق�م ﻋﺎﻟم�ﺎ‪ ،‬اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺘسﻌﻰ داﺌمﺎ إﻟﻰ اﺴتخدام آﻟ�ﺎت ﻨشر أﻓكﺎرﻫﺎ وق�مﻬﺎ ﻋﺎﻟم�ﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﻛجزء ﻤن ﻗوﺘﻬﺎ اﻟنﺎﻋمﺔ ﺒﻬدف ﺘﻌز�ز ﻤوﻗﻔﻬﺎ اﻟدوﻟﻲ و�سب ﻤز�د ﻤن اﻟحﻠﻔﺎء‪.‬‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪-‬اﻟﻌنﺎﺼر اﻟجیواﻗتصﺎد�ﺔ‪:‬‬
‫إن اﻟتﻌر�ف اﻟمحدد ﻟﻌﻠم اﻟجیواﻗتصﺎد‪ ،‬اﺴتخدام اﻷدوات اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻹﻨتﺎج ﻨتﺎﺌﺞ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻔیدة ﺘر�ط‬
‫اﻟمجﺎﻟین �شكﻞ وﺜیق‪ .‬و�ﻬذا اﻟمﻌنﻰ‪ ،‬ﯿوﻓر اﻟجیواﻗتصﺎد وﺴیﻠﺔ ﻟﻠدول ﻟمتﺎ�ﻌﺔ أﻫداﻓﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ دون اﺴتخدام‬
‫اﻟوﺴﺎﺌﻞ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬إﻨﻪ اﻻﺴتخدام اﻟجیوﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمرﺤﻠﺔ‪ ،‬ﻤن اﻟمﻬم ﺘسﻠ�ط اﻟضوء ﻋﻠﻰ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻔرق اﻟرﺌ�سﻲ ﺒین اﻟجیو ‪-‬اﻗتصﺎد واﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪� .‬كمن اﻻﺨتﻼف ﻓﻲ ﺘرﺘیب ﻤتوﺴط اﻟنﻬﺎ�ﺎت ﻟﻠتﻌر�ف‪.‬‬

‫اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻟجیواﻗتصﺎد واﻟتﻲ ﯿتم ﺘﻌر�ﻔﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﺴتخدام اﻷدوات اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟتحﻘیق‬
‫ﻨتﺎﺌﺞ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻔیدة؛ ﻤمﺎ ﻻ ﺸك ف�ﻪ أن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ )و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ( وﻋﻠم واﻟجیواﻗتصﺎد ﻤترا�طﺎن‪.‬‬
‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻻ ﯿوﺠد ﻓﻬم ﻤشترك ﻟﻬذﻩ اﻟﻌﻼﻗﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﺤین أن �ﻌض اﻷ�حﺎث ﺘﺄﺨذ ﻋﻠم اﻟجیواﻗتصﺎد �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﻓرًﻋﺎ ﻤن‬
‫ﻓروع اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﯿرى اﻟ�ﻌض ﻋﻠﻰ اﻟﻌكس ﻤن ذﻟك اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �مجﺎل ﻓرﻋﻲ ﻤن اﻟجیواﻗتصﺎد أو �ع�ﺎرة أﺨرى‬
‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻬم‪ ،‬ﻓﺈن ﻤﺎ �سمﻰ �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﯿتﻌﻠق ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ �ﺎﻟجیواﻗتصﺎد؛ ﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب اﻵﺨر‪ ،‬ﻫنﺎك �ﺎﺤثون ﯿؤ�دون‬
‫‪3‬‬
‫أن وﻗت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻗد اﻨتﻬﻰ ﻷن ﻋﻠم اﻟجیواﻗتصﺎد �حﻞ ﻤحﻠﻪ‪ ،‬و�رون أﻨﻬمﺎ ﻤجﺎﻟین ﻤنﻔصﻼن وﻤستﻘﻼن‪.‬‬

‫اﻟجیواﻗتصﺎد ﻫو اﺴتخدام اﻷدوات اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻟتحﻘیق ﻨتﺎﺌﺞ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻔیدة‪ .‬إﻨﻪ اﻹﺴتخدام اﻟجیوﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫ﻟﻠﻘوة اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬ﺒﻬذا اﻟمﻌنﻰ ﯿبدو �مﻔﻬوم ﻤتﻌﻠق �ﻔن اﻟحكم‪ .‬وﻟكن ﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب اﻵﺨر‪ ،‬ﻫنﺎك ﺠﺎﻨب ﻟﻠجیواﻗتصﺎد‪،‬‬
‫إذ �حدد اﻟمصطﻠﺢ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ آﺜﺎر اﻹﺠراءات اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠدول اﻷﺨرى ﻋﻠﻰ اﻷﻫداف اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟحﺎﻟ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.68-64‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 14.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 14.‬‬

‫‪22‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪� ،‬ﻌنﻲ اﻟجیواﻗتصﺎد ﻨﻬجﺎ ﺘحﻠیﻠ�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ ﺤین أن �ﻌض اﻷ�حﺎث ﺘﺄﺨذ ﻋﻠم اﻟجیواﻗتصﺎد �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﻓرًﻋﺎ‬
‫ﻤن ﻓروع اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﯿرى اﻟ�ﻌض ﻋﻠﻰ اﻟﻌكس ﻤن ذﻟك اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �مجﺎل ﻓرﻋﻲ ﻤن اﻟجیواﻗتصﺎد أو �ع�ﺎرة‬
‫أﺨرى �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻬم‪ ،‬ﻓﺈن ﻤﺎ �سمﻰ �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﯿتﻌﻠق ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ �ﺎﻟجیواﻗتصﺎد‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب اﻵﺨر‪ ،‬ﻫنﺎك �ﺎﺤثون‬
‫ﯿؤ�دون أن زﻤن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻗد اﻨتﻬﻰ ﻷن ﻋﻠم اﻟجیواﻗتصﺎد �حﻞ ﻤحﻠﻪ‪ ،‬و�رون أﻨﻬمﺎ ﻤجﺎﻟین ﻤنﻔصﻠین وﻤستﻘﻼن‬
‫‪1‬‬
‫ﻋن �ﻌضیﻬمﺎ‪.‬‬

‫اﻟجیواﻗتصﺎد �شمﻞ اﻵﻟ�ﺎت واﻟﻌواﻤﻞ اﻟمؤﺜرة ﻓﻲ اﻟتوازن اﻻﻗتصﺎدي اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟتﻲ ﺘمثﻞ أﻫداف ﻟﻠدول ﻤن‬
‫أﺠﻞ ﺘحﻘیق اﻟتوازن أو إداﻤﺔ اﻟتﻔوق ﻤن ﺨﻼل‪ :‬ﺘشكیﻞ ا‬
‫اﻟشرﻛﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻟتكتﻼت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬و�ﻗﺎﻤﺔ ﻤنﺎطق‬
‫اﻟتجﺎرة اﻟحرة واﻻﺘحﺎدات اﻟتجﺎر�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬وﺘوﺴ�ﻊ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟمنﺎطق اﻟحیو�ﺔ‪ ،‬واﻟتحكم �سوق اﻟطﺎﻗﺔ‬
‫واﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ ﺨطوط إﻤدادﻫﺎ‪ :‬ﺘحتﺎج اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻀمن إطﺎر اﻟتوازن إﻟﻰ اﺴتخدام اﻟطﺎﻗﺔ ﻟتنم�ﺔ ﻗوﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻗد‬
‫ﺘﻌمد إﻟﻰ اﺴتخدام اﻟﻘوة ﻟضمﺎن ﺘدﻓق اﻟطﺎﻗﺔ‪ .‬ﯿرى ﺨبراء ﻓﻲ أﻤن اﻟطﺎﻗﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ "ﺠ�مس راﺴیﻞ" و"داﻨ�ﺎل ﻤوزان"‪،‬‬
‫ﻓﻲ ﺘﻔسیرﻫم ﻟـ "ﻋسكرة ﻤوارد اﻟطﺎﻗﺔ"‪ ،‬أن أﺴواق اﻟطﺎﻗﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ داﺌمﺎ ﻤﺎ ﺘكون ﻤدﻋوﻤﺔ �شكﻞ ﻏیر ﻤ�ﺎﺸر �ﺎﻟﻘوات‬
‫‪2‬‬
‫اﻟمسﻠحﺔ ﻟﻠﻘوى اﻟكبرى‪.‬‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �مكن أن ﺘتﻌﻠق �كسب ﻤنﺎﻓﻊ اﻗتصﺎد�ﺔ ﻟبﻠد ﻤﺎ �ﺎﺴتخدام اﻟوﺴﺎﺌﻞ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن وﺴﺎﺌﻞ‬
‫اﻟجیواﻗتصﺎد ﻫﻲ اﻗتصﺎد�ﺔ وﻟكن اﻟﻐﺎ�ﺎت �مكن أن ﺘكون ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻟكن اﻟتﻌر�ف ﻻ �ﻘتصر ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺎ�ﺎت‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻘط‪� .‬مكن ﻟﻠدوﻟﺔ أن ﺘنتﻬﺞ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠیواﻗتصﺎد�ﺔ ﻟمصﺎﻟﺢ ﻤتﻌددة ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟوﻗت‪ ،‬ﺴواء �ﺎﻨت‬
‫ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ أو اﻗتصﺎد�ﺔ �حتﺔ‪ ،‬وﻟكن �جب أن ﺘكون اﻟوﺴﺎﺌﻞ اﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬ﻤن زاو�ﺔ ﻤختﻠﻔﺔ‪ ،‬وﺠدﻨﺎ أن ﺘﺄﺜیر اﻻﺴتخدام‬
‫أ�ضﺎ ﺘﺄﺜیر اﻷﻋمﺎل اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠدول اﻷﺨرى ﻋﻠﻰ اﻷﻫداف‬
‫اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ذو ﺸﻘین ﻷن ﻫنﺎك ً‬
‫‪3‬‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠدول‪.‬‬

‫ﻟذﻟك‪� ،‬ستخدم ﻋﻠم اﻟجیواﻗتصﺎد اﻷدوات اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻹﻛتسﺎب اﻟتﺄﺜیر ﻓﻲ اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ وﻟﻠﻘوى‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ ﺘشكیﻞ اﻹطﺎر اﻟمؤﺴسﻲ ﻟﻠنظﺎم اﻻﻗتصﺎدي اﻟدوﻟﻲ‪ .‬ﻫذﻩ اﻷدوات �ﻠﻬﺎ ﺘﻘن�ﺎت اﻗتصﺎد�ﺔ ﻹدارة اﻟدوﻟﺔ‪،‬‬
‫ﺘتراوح ﻤن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟتجﺎر�ﺔ إﻟﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻻﺴتثمﺎر وﻤن اﻟﻌﻘو�ﺎت إﻟﻰ اﻟمسﺎﻋدات اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﻲ ﻫذﻩ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 18.‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.75-74‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 14.‬‬

‫‪23‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟمرﺤﻠﺔ‪ ،‬ﺘظﻬر �ﻌض اﻷﺴئﻠﺔ اﻟتﻲ ﺘطمس اﻟخط اﻟﻔﺎﺼﻞ ﺒین اﻷدوات اﻟﻌسكر�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬ﻗصﻒ ﻤصنﻊ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل ﻟ�س ﺠیو‪-‬اﻗتصﺎدا ﻷن اﻟﻘنﺎﺒﻞ ﻟ�ست وﺴیﻠﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬وﻟكن ﻋندﻤﺎ ﯿتﻌﻠق اﻷﻤر‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪،‬‬
‫�ﺎﻟحصﺎر اﻻﻗتصﺎدي‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘض�ﺔ ﺘص�ﺢ ﻤر�كﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﻋمﻠ�ﺎت اﻟحصﺎر ﺠزء ﻤن اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ‪،‬‬
‫إﻻ أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘزال أدوات اﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬ﻟﻬذا اﻟسبب‪� ،‬مكن إدراج اﻟحصﺎر ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟجیو‪-‬اﻗتصﺎد �وﺴیﻠﺔ‪ .‬ﻗض�ﺔ‬
‫اﻟمسﺎﻋدات اﻹﻨسﺎﻨ�ﺔ ﻫﻲ ﻗض�ﺔ أﺨرى ﻓﻲ أﯿدي اﻟدول �ﺄداة اﻗتصﺎد�ﺔ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﻬﻲ ﺠزء ﻤن اﻟجیواﻗتصﺎد ﻤثﻞ‬
‫‪1‬‬
‫ﺠم�ﻊ أﻨواع اﻟمسﺎﻋدة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪-‬اﻟﻌنﺎﺼر اﻟجیو‪-‬ﻋسكر�ﺔ‪:‬‬
‫ﻟﻌدة آﻻف ﻤن اﻟسنین‪ ،‬ﺴﺎدت ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة وﺘﻔوق اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﺤتﻰ ﻓﻲ اﻟوﻗت‬
‫اﻟحﺎﻟﻲ‪ ،‬ﯿتم ﺘحدﯿد اﻻﺨتﻼﻓﺎت ﺒین دول اﻟﻌﺎﻟم‪� ،‬شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﻗدرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ "ﺸن اﻟحرب"‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم‬
‫ﻤن أﻨﻬﺎ ﻟ�ست �ﺎﻟمصطﻠحﺎت اﻟكﻼﺴ�ك�ﺔ )ﻋدد اﻟجنود واﻟد�ﺎ�ﺎت وﻤﺎ إﻟﻰ ذﻟك( وﻟكن اﻟحدﯿثﺔ )اﻟصوار�ﺦ ﻤتوﺴطﺔ‬
‫أو �ﻌیدة اﻟمدى‪ ،‬ﻨﻘﺎط اﻟدﻋم اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔضﺎء وﻤﺎ إﻟﻰ ذﻟك(‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﺘﻌمیق ﻋمﻠ�ﺔ اﻟﻌوﻟمﺔ‪ ،‬ﯿتم‬
‫ﻨﻘﻞ ﻋنﺎﺼر اﻟﻘوة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻤن اﻟجﺎﻨب اﻟس�ﺎﺴﻲ ‪-‬اﻟﻌسكري إﻟﻰ اﻟجﺎﻨب اﻹﻗتصﺎدي ‪-‬اﻟثﻘﺎﻓﻲ‪ .‬ﻫذا ﻫو‬
‫ﻨوﻋﺎ ﻤن "�طﺎﻗﺎت‬
‫اﻟسبب ﻓﻲ أﻨنﺎ ﻨتحدث ﻋن اﻟجیواﻗتصﺎد واﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬وأﺼ�حت اﻟكتﻞ اﻟتجﺎر�ﺔ وﻤنﺎطق اﻟحضﺎرة ً‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻬو�ﺔ" ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟحدﯿث‪.‬‬

‫ﺘشكﻞ اﻟمتﻐیرات اﻟجیو‪-‬ﻋسكر�ﺔ اﻟمرﺘكز اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟمﺎ ﺘوﻓرﻩ ﻤن ﻗدرة ﻟردع أﺤد أطراف اﻟتوازن‪ ،‬وﻤن أﻫمﻬﺎ‪:‬‬
‫اﻟدﺨول ﻓﻲ أﺤﻼف ﻋسكر�ﺔ وﺘوﻓیر اﻟدﻋم واﻟحمﺎ�ﺔ ﻟﻠحﻠﻔﺎء‪ ،‬إذ ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘكون اﻟﻘوى اﻟكبرى ﻤرﺘ�طﺔ �ﺄﺤﻼف أﻤن�ﺔ‬
‫ﻟﻠدﻓﺎع ﻋن ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن ﻨشر اﻟﻘوات ﻓﻲ أﻗﺎﻟ�م اﻟﻌﺎﻟم ذات اﻷﻫم�ﺔ اﻟحیو�ﺔ و�ﻗﺎﻤﺔ ﻤنظوﻤﺎت دﻓﺎع�ﺔ ﻤتﻘدﻤﺔ‬
‫ﻓﻲ أﻗﺎﻟ�م اﻟحﻠﻔﺎء ﺒﻬدف ﺘحﻘیق أﻫداف ﻫجوﻤ�ﺔ ودﻓﺎع�ﺔ ﻀد اﻟتﻬدﯿدات اﻟمحتمﻠﺔ‪ .‬و�ﻗﺎﻤﺔ اﻟمنﺎورات اﻟﻌسكر�ﺔ �بیئﺔ‬
‫ﻹظﻬﺎر اﻟﻘوة واﻟﻘدرات اﻟﻌسكر�ﺔ ﻹﺜ�ﺎت ﻤصداق�ﺔ اﻟردع و�ظﻬﺎر اﻟتﻬدﯿد ﻟﻠطرف اﻟمﻘﺎﺒﻞ‪� .‬مﺎ ﺘﻌد ﻋمﻠ�ﺔ اﻛتسﺎب‬
‫اﻟﻘدرات اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ ﻫدف ﻻﻛتسﺎب اﻟمﻌرﻓﺔ ووﺴیﻠﺔ ﻟرﻓﻊ ﻤستوى اﻟﻘوى اﻟشﺎﻤﻠﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬ذﻟك ﻤﺎ ﯿدﻓﻊ اﻟدول ﻟﻠدﺨول‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ﺘسﻠﺢ ﻟتحدﯿث ﻗدراﺘﻬﺎ وﺘطو�ر ﺒنیتﻬﺎ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 15.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Negut Silviu, "GEOSTRATEGY VS. GEOECONOMY", ("Carol I" National Defence University, N° 58, 2016), pp 7-12.‬‬
‫‪https://cutt.ly/IOlJ57T‬‬
‫‪ -3‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.76-75‬‬

‫‪24‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻫﻲ اﻟتﻲ ﺘحدد ��ف وأﯿن ﯿتم ﻋرض اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول‪ .‬و�تﻌین‬
‫ﻨظر ﻷن ﺠم�ﻊ اﻟدول‬‫وﺴ�ﺎﺴ�ﺎ واﻗتصﺎد�ﺎ وق�م�ﺎ ًا‬
‫ً‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟدول أن ﺘﻘرر أي ﻤنﺎطق ﻤن اﻟﻌﺎﻟم ﺴتر�ز ﻋﻠیﻬﺎ ﻋسكرً�ﺎ‬
‫ﻟدﯿﻬﺎ ﻤوارد ﻤحدودة‪ .‬ﻟذﻟك‪� ،‬جب أن �كون ﻟدى ﺠم�ﻊ اﻟدول ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺎﺘﻬﺎ اﻟخﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ‪ .‬ﻟذﻟك ﻨذ�ر اﻟجیوﺴت ارﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ أو اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟروﺴ�ﺔ أو اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین�ﺔ واﻟتﻲ �مكن ﺘطب�ﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺠم�ﻊ اﻟدول اﻷﺨرى‪.‬‬
‫ﻛمﺎ �جب أن ﺘكون ﻫذﻩ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﻟﻠدول ﻗﺎﺒﻠﺔ ﻟﻠتطبیق ﻋﻠﻰ ﻤواﻗﻌﻬﺎ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ داﺨﻞ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‬
‫ﻤ�ﺎﺸر �خصﺎﺌص اﻟﻌنﺎﺼر اﻟمكﺎﻨ�ﺔ واﻟظرف�ﺔ ﻓﻲ ﺠﻐراﻓیتﻬﺎ‪ .‬و�ﻬذا اﻟمﻌنﻰ‪ ،‬ﺘصنﻒ اﻟدول وﻓًﻘﺎ‬
‫ًا‬ ‫طﺎ‬
‫اﻟذي ﯿرﺘ�ط ارﺘ�ﺎ ً‬
‫ﻟموﻗﻌﻬﺎ اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻗوى ﻋظمﻰ‪ ،‬وﻗوى ﻤتوﺴطﺔ‪ ،‬ودول ﻀع�ﻔﺔ‪ .‬ﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ‪ ،‬ﻓﺈن ﺘصن�ﻔﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫذا‬
‫‪1‬‬
‫اﻟنحو ﯿؤدي إﻟﻰ ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﻤتواﻓﻘﺔ ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟتسم�ﺎت‪.‬‬
‫ﻟذا‪ ،‬ﺘؤدي اﻟبیئﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ وﻤتﻐیراﺘﻬﺎ دو ار ﻤﻬمﺎ وﻤؤﺜ ار ﻓﻲ ﺘشكیﻞ و�نﺎء ﺤر�ﺔ اﻟتوازﻨﺎت �سبب ﻗدراﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫إﺘﺎﺤﺔ اﻟﻔرص وﺨﻠق ﻟتﻬدﯿدات ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬و�مﺎ أن اﻟبیئﺔ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﺘنطوي ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟﻔرص‬
‫واﻟتﻬدﯿدات ﻓﺈن اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ اﺴتثمﺎرﻫﺎ واﻹﺴتﻔﺎدة ﻤنﻬﺎ �ﻔرص ﻟتوﺠﻬﻬﺎ ﻀد اﻟطرف اﻵﺨر ﻤن اﻟتوازن‬
‫‪2‬‬
‫اﻟذي ﯿتسﻠمﻬﺎ �تﻬدﯿد ﻟمصﺎﻟحﻪ وأﻫداﻓﻪ‪.‬‬
‫اﻟجیو‪-‬ﺜﻘﺎﻓﺔ‪ :‬اﻟتﻘﺎرب اﻟثﻘﺎﻓﻲ �وﺴیﻠﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫ﯿتم وﻀﻊ اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ �شكﻞ ﻋﺎم ﺘحت ﻤظﻠﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ .‬ﺘشیر اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻹطﺎر اﻟثﻘﺎﻓﻲ ﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟم‬
‫�ﻌرﻓﻬﺎ "واﻟیرﺸتﺎﯿن" ‪ Wallerstein‬ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ "ﻤصطﻠﺢ ﺼﺎﻏﻪ اﻟق�ﺎس ﻤﻊ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻟ�س ﻷﻨﻪ ﻓوق‬
‫اﻟحدﯿث‪ّ .‬‬
‫وطنﻲ وﻟكن ﻷﻨﻪ �مثﻞ اﻹطﺎر اﻟثﻘﺎﻓﻲ اﻟذي �ﻌمﻞ ﻤن ﺨﻼﻟﻪ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ"‪ .‬اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﻤﻔﻬوم واﻟرﺸتﺎﯿن ﻫﻲ‬
‫أ�ضﺎ ﻟﻺﺸﺎرة إﻟﻰ ﺠیوﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟدول �شكﻞ ﻓردي‪.‬‬
‫ظﺎﻫرة ﻨظﺎﻤ�ﺔ‪ ،‬ﻟكنﻬﺎ اﺴتخدﻤت ً‬

‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟـ “واﻟرﺸتﺎﯿن"‪ ،‬ﻓﺈن اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻫو اﻟرأﺴمﺎﻟ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﻗد ﺘشكﻠت اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‬
‫ﺒدءا ﻤن اﻟثورة اﻟﻔرﻨس�ﺔ اﻟتﻲ أﻛدت ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ �ك�ﺎن ﺴ�ﺎﺴﻲ‪ .‬اﻻﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻫو‬ ‫ﻤن ﺨﻼل اﻟﻠیبراﻟ�ﺔ ً‬
‫اﻟرأﺴمﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ ﻓﻬم واﻟرﺸتﺎﯿن واﻟﻠیبراﻟ�ﺔ �مﻘدﻤﺔ أﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ ﺸكﻠت ﺠیوﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬وﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪،‬‬
‫ﻤن اﻟشﺎﺌﻊ دراﺴﺔ اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻤنظﺎر اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول‪ .‬و�ﻬذا اﻟمﻌنﻰ‪ ،‬ﺘﻬتم اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ �ك�ف�ﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. pp 11-12.‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ اﻟسﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.74‬‬

‫‪25‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﺴتخدام اﻟدوﻟﺔ ﻟروا�طﻬﺎ اﻟثﻘﺎف�ﺔ ﻤﻊ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى ﻓﻲ اﻟسﻌﻲ ﻟتحﻘیق اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟروا�ط اﻟثﻘﺎف�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻫﻲ ﻋواﻤﻞ ﻤثﻞ اﻟروا�ط اﻟدﯿن�ﺔ أو اﻟتﺎر�خ�ﺔ أو اﻟﻠﻐو�ﺔ أو اﻟﻌرق�ﺔ‪.‬‬

‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻫذا ﻻ �ﻌنﻲ أﻨﻪ ﻻ ﺘوﺠد ﺠیوﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓرد�ﺔ ﻟكﻞ اﻟدول ﻓﻲ اﻟنظﺎم‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أﻨﻪ �مكن اﻟنظر‬
‫إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟجیو‪-‬ﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻔرد�ﺔ ﻟﻠدول ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ أﺠزاء ﻤختﻠﻔﺔ ﻤن ﻨﻔس اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬إﻻ أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘزال ﻟدﯿﻬﺎ دوراﺘﻬﺎ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟخﺎﺼﺔ اﻟتﻲ ﺘدﯿرﻫﺎ ﻫذﻩ اﻟجیو‪-‬ﺜﻘﺎﻓﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق‪ ،‬ﺘص�ﺢ اﻟجیو‪-‬ﺜﻘﺎﻓﺔ أداة‬
‫ﻟﻠس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول‪ .‬وﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻔﻬم اﻟمنﻬجﻲ ﻟﻠجیوﺜﻘﺎﻓﺔ ﻟﻪ ﻨﻔس اﻟدور ﻓﻲ ﺘحدﯿد اﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠوﺤدات اﻟمشكﻠﺔ ﻟﻠنظﺎم‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻤن اﻟشﺎﺌﻊ دراﺴﺔ اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻤنظﺎر اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول‪ .‬و�ﻬذا‬
‫اﻟمﻌنﻰ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجیوﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻬتم �ك�ف�ﺔ اﺴتخدام اﻟدوﻟﺔ ﻟروا�طﻬﺎ اﻟثﻘﺎف�ﺔ ﻤﻊ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى ﻓﻲ اﻟسﻌﻲ ﻟتحﻘیق اﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟروا�ط اﻟثﻘﺎف�ﺔ ﻫﻲ ﻋواﻤﻞ ﻤثﻞ اﻟروا�ط اﻟدﯿن�ﺔ أو اﻟتﺎر�خ�ﺔ أو اﻟﻠﻐو�ﺔ أو اﻟﻌرق�ﺔ‪ .‬ﻟﻔﻬم ��ف‬
‫‪3‬‬
‫�مكن أن �ﻌمﻞ اﻟتﻘﺎرب اﻟثﻘﺎﻓﻲ �ﺄداة ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �شكﻞ أﻓضﻞ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻟمﻔﺎه�م ذات ﺼﻠﺔ‬


‫أوﻻ‪ :‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ )اﻟجیو�وﻟیت�ك( واﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪:‬‬
‫اﻟتحﻠیﻞ اﻟمكﺎﻨﻲ ﻟﻠظواﻫر اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻫو ﻤوﻀوع اﻟدراﺴﺔ ﻟكﻞ ﻤن اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪� .‬ﺎن‬
‫اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر ﻓترة ﺘكو�ن�ﺔ ﻟﻠﻌﻠوم اﻻﺠتمﺎع�ﺔ اﻟحدﯿثﺔ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟجزء اﻷﺨیر ﻤنﻪ ظﻬرت اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ �شكﻞ‬
‫ﺘدر�جﻲ �ﻔرع ﻤن اﻟﻔروع اﻷﻛﺎد�م�ﺔ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ‪ .‬ﻨشر اﻟجﻐراﻓﻲ اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻓر�در�ك راﺘزل �تﺎ�ﻪ اﻟكﻼﺴ�كﻲ ‪Politische‬‬

‫ﻋﺎﻟم�ﺎ �ﺎﻋت�ﺎرﻩ أول ﻤﻌﺎﻟجﺔ ﻤنﻬج�ﺔ ﻟﻠموﻀوع‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ظﻠت‬


‫ً‬ ‫‪ ،(1897) Geographie‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪ ،‬ﻤﻌترف �ﻪ‬
‫‪4‬‬
‫ﺜﺎﻨو�ﺎ ﻓﻲ اﻟجﻐراف�ﺎ �كﻞ‪ ،‬وداﺨﻞ اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟ�شر�ﺔ ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟتحدﯿد‪.‬‬
‫ﻨوﻋﺎ ً‬‫اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ إﻟﻰ ﺤد ﻤﺎ ً‬

‫ﻨظر ﻷن ﺘحدﯿد اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻬمﺔ ﺼع�ﺔ‪ ،‬ﻓمن اﻟمﻘترح اﺴتخدام ﺘﻌر�ف ﻋمﻠﻲ ﺜﻼﺜﻲ اﻷ�ﻌﺎد �نﻘطﺔ‬
‫ًا‬
‫اﻨطﻼق ﻟﻠ�ﺎﺤثین ‪ ،Van der Wusten and Dijkink‬ﺤیث �مكن اﺴتخدام ﻤصطﻠﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻟـ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 18.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid, p 16.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid, p 16.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Pascal Venier, “Main Theoretical Currents in Geopolitical Thought in the Twentieth Century”, (Open Edition journal,‬‬
‫‪ https://journals.openedition.org/espacepolitique/1714‬ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﺻﻔﺢ ‪12/03/2010). 2019/06/04‬‬

‫‪26‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫)‪ (1‬ﺘحﻠیﻼت ﺘستند إﻟﻰ اﻟخصﺎﺌص اﻟجﻐراف�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ �ﺎﺴتخدام ﺒ�ﺎﻨﺎت ﺘتﻌﻠق �ﺎﻟوﻀﻊ اﻟدوﻟﻲ ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫)‪ (2‬ﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟﻘواﻋد اﻟتﻲ ﺘستند إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟتحﻠیﻼت ﻓﻲ إدارة ﺸؤون اﻟدوﻟﺔ ؛‬
‫‪1‬‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﻤثﻞ ﻫذﻩ اﻟتحﻠیﻼت وﺘطبیق ﻤثﻞ ﻫذﻩ اﻟﻘواﻋد‪.‬‬
‫)‪ (3‬وﺼﻒ وﺘق�م ﻤوﻗﻊ دوﻟﺔ ﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ً ،‬‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك‪" ،‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ ﺘحﻠیﻞ اﻟتﻔﺎﻋﻞ ﺒین اﻟبیئﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ ووﺠﻬﺎت اﻟنظر ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ واﻟﻌمﻠ�ﺎت‬
‫ً‬
‫اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ .‬وﺘشمﻞ اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻘوى اﻟتﻲ ﺘﻌمﻞ ﻋﻠﻰ اﻟصﻌید اﻟدوﻟﻲ واﻟﻘوى اﻟموﺠودة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟسﺎﺤﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ اﻟسﻠوك اﻟدوﻟﻲ‪ .‬ﻓﺎﻟبیئﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺤد ﺴواء دﯿنﺎﻤ�ﺔ‪ ،‬و�ﻞ‬
‫‪2‬‬
‫ﻤنﻬﺎ ﯿؤﺜر و�تﺄﺜر �ﺎﻵﺨر"‪.‬‬

‫�ﻐطﻲ ﻫذا اﻟتﻌر�ف �شكﻞ ﻋﺎم ﻓكرة اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻤﻊ إدراج اﻟﻌواﻤﻞ اﻟمحﻠ�ﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻤؤﺜرة ﻓﻲ‬
‫اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪� ،‬جب أن �كون ﻤﻔﻬوﻤﺎً أﻨﻪ ﻀمن اﻟنطﺎق اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟحرج‪�ُ ،‬ﻔﻬم أن `` اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫'' ﻫﻲ ﺘﻌدد�ﺔ وﻟ�ست ﻓرد�ﺔ‪ ،‬ﻤمﺎ �ﻌنﻲ أﻨﻪ �مكن أن ﺘكون ﻫنﺎك رؤى ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤتﻌددة ﻟحدث أو ظﺎﻫرة ﻤﻌینﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ذات أﻫم�ﺔ دوﻟ�ﺔ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘﻔسیرات ﻤتﻌددة‪.‬‬

‫أﺴﺎﺴﺎ إﻟﻰ اﻷﻫم�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ ﻓﻲ ﺘحﻠیﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬أي‬


‫ﻟﻬذا ﻓمصطﻠﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �شیر ً‬
‫أﻨﻪ �ﺄﺨذ اﻟتﻌبیر اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﺒنﺎء )ه�كﻞ( ﺴ�ﺎﺴﻲ‪ .‬واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ �ظﺎﻫرة ﺠدﯿدة ﻨسب�ﺎ ﺘم ﻓﻬمﻬﺎ‬
‫�شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻤن ﺨﻼل ﻋدﺴﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻟدﻻﻻت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻸﺤداث واﻟتطورات اﻟدوﻟ�ﺔ ﻟﻌﻘود‪ .‬و�ع�ﺎرة‬
‫أﺨرى‪ ،‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �ﺎﻨت �مثﺎ�ﺔ اﻷﺴﺎس اﻟذي ﺴﺎﻋد ﻋﻠمﺎء اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻬم وﺸرح اﻟجواﻨب اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﻟﻠﻌﺎﻟم �شكﻞ أﻓضﻞ ووﻀﻊ ﺘصور ﻟﻠشؤون ﺒین اﻟدول‪� .‬ﺎﻨت اﻟمراﺠﻊ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻫﻲ‬
‫اﻟﻘﺎﻋدة ﻓﻲ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟحسﺎ�ﺎت اﻟﻌﻠم�ﺔ‪ .‬واﻷﻫم ﻤن ذﻟك‪ ،‬أن اﻟمﻘدﻤﺎت اﻟنظر�ﺔ اﻟم�كرة اﻟتﻲ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﻘد�م إطﺎر‬
‫ﻗﺎﺒﻞ ﻟﻠتﻌم�م ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ اﻋتمدت �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ اﻓتراﻀﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬اﻟواﻗع�ﺔ اﻟتﻲ‬
‫اﻋتبرت ﻨظر�ﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻟﻔترة طو�ﻠﺔ‪ ،‬ﺘر�ز �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ ﻤصطﻠﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬اﻟذي وﻓًﻘﺎ ﻟﻠ�ﺎﺤثین‬
‫‪4‬‬
‫اﻟواﻗﻌیین اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺘﻔسیر اﻷﺴ�ﺎب اﻟجوﻫر�ﺔ ﻟﻠنزاﻋﺎت واﻟتنﺎﻓس ﺒین اﻟدول ﺘﻔسی ار ﻤﻼﺌمﺎ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Krishnendra Meena, “What is the difference between geo-politics and geo-strategy?” (India, The Manohar Parrikar‬‬
‫‪ . https://cutt.ly/EOlUSDs‬ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﺻﻔﺢ ‪Institute for Defence Studies and Analyses), 2021/04/18‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Krishnendra Meena, Op. cit.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 51.‬‬

‫‪27‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻟذﻟك‪�ُ ،‬ستخدم ﻤصطﻠﺢ "اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ" ﻟﻺﺸﺎرة إﻟﻰ ﻤجموﻋﺔ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻓﻲ ﺒیئﺔ اﻗﻠ�م�ﺔ ﻤﻌینﺔ‪ 1 .‬أﺼ�حت ﻤﻼءﻤﺔ وأﻫم�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ اﻟمراﺤﻞ اﻷوﻟﻰ ﻤن اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‬
‫وﻀوﺤﺎ ﻋندﻤﺎ ﯿتم اﻟتﺄﻛید �شكﻞ أﻗوى ﻋﻠﻰ ﺤق�ﻘﺔ أن اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻗد ﺘطور ﻤن‬
‫ً‬ ‫ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ �نظﺎم أﻛثر‬
‫اﻋت�ﺎرات ﻟوﻀﻊ ﺤد ﻟحﺎﻟﺔ اﻟحرب اﻟمستمرة‪� .‬ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬ظﻬرت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ �ﺈﺴتجﺎ�ﺔ ﻟﻠتحد�ﺎت اﻟتﻲ �ﻔرﻀﻬﺎ‬
‫اﻟصراع ﺒین اﻟدول ﻋﻠﻰ اﻟسﻠطﺔ واﻟتﻲ ﺘنﻌكس �شكﻞ أﻓضﻞ ﻓﻲ اﻟتدﺨﻼت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟتﻲ ﻤن اﻟواﻀﺢ أﻨﻬﺎ ذات ﺼﻠﺔ‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻘط ﻋندﻤﺎ ﺘرﺘ�ط �ﻔﻬم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪.‬‬
‫واﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ )اﻟجیو�وﻟیت�ك( ‪ ،Geopolitics‬ﻤصطﻠﺢ اﺒتكرﻩ اﻟسو�دي "رودﻟﻒ �یﻠن" ‪-1864) R. Killen‬‬

‫‪ ،(1922‬ﻋﺎم ‪ 1899‬ﺤول ﺘشكیﻞ اﻟحدود اﻟطب�ع�ﺔ ﻟﻠسو�د‪ ،‬و�ﻌنﻲ ﺒﻬﺎ "دراﺴﺔ اﻟوﺤدة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ‪-‬اﻟدوﻟﺔ‪-‬ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ‬
‫اﻟجﻐراف�ﺔ"‪ 3 .‬ﺘتكون ﻤن "ﺠیو ‪ " geo‬أي اﻷرض و‪ politics‬أي اﻟس�ﺎﺴﺔ‪) ،‬اﻷرض واﻟس�ﺎﺴﺔ( ‪4‬؛ �صﻒ "ﻛیﻠن‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �نظر�ﺔ ﺘحدد اﻟدوﻟﺔ �كﺎﺌن ﺠﻐراﻓﻲ أو �ظﺎﻫرة داﺨﻞ ﻤسﺎﺤﺔ ﻤﻌینﺔ‪ .‬و�ﻌرﻓﻬﺎ "ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر" ﻋﻠﻰ‬
‫‪5‬‬
‫أﻨﻬﺎ ﻋﻘیدة ﺘتﻌﻠق �ﺎﻟحتم�ﺔ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ ﻟﻠﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن ﻋنﺎﺼر اﻟﻌﻠوم اﻟجﻐراف�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻤن اﻟممكن رؤ�ﺔ ه�منﺔ اﻟمدرﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ﺘشمﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ وﺠﻬﺎت ﻨظر‬
‫ﻤختﻠﻔﺔ ﻟمﻔكر�ن ﺠیوﺴ�ﺎﺴیین ﻤختﻠﻔین‪ ،‬ﻟكنﻬم �شتر�ون ﻓﻲ �ﻌض اﻵراء اﻟمشتر�ﺔ ﻤثﻞ؛ اﻟوﺤدة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ‬
‫ﻫﻲ اﻟدوﻟﺔ و�تم اﻟتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟدول ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ �ﺎﺌنﺎت ﺤ�ﺔ‪ ،‬وﺘﻌتمد ﺤ�ﺎة اﻟدوﻟﺔ �كﺎﺌن ﺤﻲ ﻋﻠﻰ ﻤنطﻘتﻬﺎ اﻟجﻐراف�ﺔ‪،‬‬
‫وﺘمیﻞ اﻟدول إﻟﻰ اﻟتوﺴﻊ‪ ،‬وﺘستند اﻟتﻔﺎﻋﻼت ﺒین اﻟدول ﻋﻠﻰ اﻟتنﺎﻓس و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟحرب ﻫﻲ أﻤر طب�ﻌﻲ واﻟنت�جﺔ‬
‫‪6‬‬
‫اﻟمتوﻗﻌﺔ ﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬واﻻﻛتﻔﺎء اﻟذاﺘﻲ اﻻﻗتصﺎدي أﻤر ﺤیوي ﻟﻠدول وﻫذا اﻻﻛتﻔﺎء اﻟذاﺘﻲ ﻤرﻫون �ﺎﻟجﻐراف�ﺎ‪.‬‬

‫ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى �مكن اﻋت�ﺎر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ "طر�ﻘﺔ ﻟتحﻠیﻞ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﻓﻬم وﺸرح‬
‫واﻟتنبؤ �ﺎﻟسﻠوك اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول ﻤن ﺤیث اﻟمتﻐیرات اﻟجﻐراف�ﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ اﻟموﻗﻊ واﻟحجم واﻟمنﺎخ‬
‫واﻟتضﺎر�س واﻟد�موﻏراف�ﺎ واﻟموارد اﻟطب�ع�ﺔ واﻟتطور اﻟتكنوﻟوﺠﻲ واﻹﻤكﺎﻨﺎت‪� .‬ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﯿنظر إﻟﻰ اﻟﻬو�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fenna Egberink with Frans-Paul van der Putten, ASEAN, China’s Rise and Geopolitical Stability in Asia.‬‬
‫‪(Netherlands Institute of International Relations Clingendeal, No. 2, April 2011).p2. https://cutt.ly/ITWGaZx‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 51.‬‬
‫‪ -3‬ﻤحمد �ﺎس ﺨضیر‪" ،‬اﻟصین وﻤستﻘبﻞ اﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ"‪ ،‬اﻟمجﻠﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ‪) ،‬اﻟﻌراق‪ ،‬اﻟجﺎﻤﻌﺔ اﻟمستنصر�ﺔ‪� ،‬ﻠ�ﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬اﻟﻌدد ‪،24‬‬
‫‪ ،(2014‬ص ‪https://cutt.ly/UOvHVd5 .25‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 3.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 1.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 17.‬‬

‫‪28‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫واﻟﻌمﻞ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺘحددﻫﺎ اﻟجﻐراف�ﺎ )إﻟﻰ ﺤد ﻤﺎ( ‪ .1‬وﺤسب اﻟموﺴوﻋﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ ‪،Encyclopedia Britannica‬‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ ﺘحﻠیﻞ ﺘﺄﺜیر اﻟﻌواﻤﻞ اﻟجﻐراف�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫"رو�ر �ﺎﺒیرﺴون" ‪ R. Kaperson‬و"ﺠوﻟ�ﺎن ﻤنجﻠﻲ" ‪ ،J.Mingli‬ﻋرﻓﺎﻫﺎ �ﺄﻨﻬﺎ‪" :‬اﻟتحﻠیﻞ اﻟمسﺎﺤﻲ ﻟﻠظﺎﻫرات‬


‫اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ"‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا �ﻘول "ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر" ‪ ،Karl Hous Hofer‬إن‪" :‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ دراﺴﺔ اﻟروا�ط ﺒین اﻷرض‬
‫واﻟس�ﺎﺴﺔ وﻋﻠیﻬﺎ أن ﺘدﻟﻞ ��ف أن اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻤحدد �مﻌط�ﺎت ﺠﻐراف�ﺔ‪ 3 .‬وﻋرف اﻟ�ﺎﺤث اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫"إدﻤوﻨد واﻟش" ‪ Edmund A. Walsh‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻟتحﻘیق اﻟمشترك ﻟﻠجﻐراف�ﺎ اﻟ�شر�ﺔ واﻟﻌﻠوم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫وأﺸﺎر إﻟﻰ أن ﻫذا اﻟنﻬﺞ ﻟم �كن ﺤدﯿثًﺎ وﻟكن �مكن إرﺠﺎﻋﻪ إﻟﻰ أ�ﺎم "أرﺴطو" و"ﺴتراﺒو" و"ﻤوﻨتسكیو" و"ﻛﺎﻨط"‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ ﻋمﻠ�ﺔ رﺴم ﺼورة ﻟمﺎه�ﺔ اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ‪ ،‬وﻤن اﻟطب�ﻌﻲ ﻓﺈن ﻫنﺎك ﻋﻼﻗﺔ ﺘﻔﺎﻋﻞ ﺒین اﻟمﺎه�ﺔ‬
‫‪5‬‬
‫واﻟوﺴﺎﺌﻞ‪ ،‬أو اﻟطرق‪ ،‬أو �شكﻞ أدق اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحﻘق ﻟﻠدوﻟﺔ أﻫداﻓﻬﺎ اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ‪.‬‬
‫إ�جﺎزا‪ ،‬ﻓﺈن ﻗﺎﻤوس أﻛسﻔورد اﻟمختصر ‪� Compact Oxford English Dictionary‬ﻌرﻓﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ً‬ ‫و�شكﻞ أﻛثر‬
‫اﻟنحو اﻟتﺎﻟﻲ‪" :‬ﺴ�ﺎﺴﺎت دوﻟﺔ �مﺎ ﺘحددﻫﺎ ﺴمﺎﺘﻬﺎ اﻟجﻐراف�ﺔ"‪ .‬ﯿنظر إﻟیﻬﺎ أﺤد اﻷﻛﺎد�میین ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ‬
‫دوﻟ�ﺎ‪ ،‬وأﻨواع اﻟﻘوة اﻷر�ﻌﺔ ﻫﻲ اﻟﻌسكر�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫"أﺸﻌﺔ ﺴین�ﺔ ﻟﻠواﻗﻊ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ دراﺴﺔ ﺘوز�ﻊ اﻟسﻠطﺔ ً‬
‫واﻟثﻘﺎف�ﺔ‪/‬اﻟمﻌﻠوﻤﺎﺘ�ﺔ‪ ".‬و�ض�ف‪" :‬ﻫذا �ﻌنﻲ وﺠود اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ"‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ ﺤد ﺘﻌبیرﻩ " اﻟتدﺨﻞ اﻟس�ﺎﺴﻲ‬
‫‪6‬‬
‫ﻟتﻐییر أو ﺘﻌز�ز ﻨتﺎﺌﺞ اﻟتحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ"‪.‬‬
‫أﻤﺎ اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ‪ ،Political Geography‬ﻓﻘد ﻋرﻓت ﻤن ﻗبﻞ اﻷﺴتﺎذ "ﻫﺎرﺘس ﻫورن" ‪Harts Horn‬‬

‫�ﺄﻨﻬﺎ‪" :‬دراﺴﺔ اﻟدوﻟﺔ ﻤن ﺤیث �وﻨﻬﺎ ﻤسﺎﺤﺔ ﻤتﻐیرة �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻐیرﻫﺎ ﻤن اﻟمسﺎﺤﺎت اﻟمتﻐیرة أ�ضﺎ"‪ 7 .‬وﻋرﻓتﻬﺎ اﻷﻛﺎد�م�ﺔ‬
‫اﻟوطن�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟﻠﻌﻠوم ‪ United States National Academy of Sciences‬ﻓﻲ واﺸنطن ﻋﺎم ‪� 1965‬ﺄﻨﻬﺎ‪" :‬اﻟﻌﻠم‬
‫اﻟذي ﯿﻬتم ﺒدراﺴﺔ اﻟتﻔﺎﻋﻞ اﻟذي ﯿوﺤد ﺒین اﻟمسﺎﺤﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟﻌمیﻼت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ"‪ 8 .‬وﻤن ﻤنظور اﻟﻘﺎﻨون اﻟدوﻟﻲ‬
‫‪ International Law‬ﻓﺈن اﻟجﻐراف�ﺎ ﺒوﺼﻔﻬﺎ ه�كﻼ ﺴ�ﺎﺴ�ﺎ ذات ﺼﻠﺔ أ�ضﺎ‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻹﺘﻔﺎق�ﺔ ﻤوﻨتﻔیدﯿو ﻋﺎم ‪The 1933‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- William Mallinson and Zoran Ristic, the Threat of Geopolitics to International Relations: Obsession with the‬‬
‫‪Heartland, (Cambridge Scholars Publishing, 2016), pp 13-14. https://cutt.ly/FOlyErF‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- SEMRA RANÂ GÖKMEN, “GEOPOLITICS AND THE STUDY OF INTERNATIONAL RELATIONS”, (THESIS PhD, MIDDLE EAST‬‬
‫‪TECHNICAL UNIVERSITY, DEPARTMENT OF INTERNATIONAL RELATIONS, August 2010), p14. https://cutt.ly/JObDNt9‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪25‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 1.‬‬
‫‪ -5‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- William Mallinson and Zoran Ristic, Op. cit. p14.‬‬
‫‪ -7‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ -8‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪29‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫‪ Montevideo Convention‬اﻟتﻲ ﺘحدد ﻤﻌﺎﯿیر اﻟدوﻟﺔ ﺘحدد أر�ﻌﺔ ﺠواﻨب ﻟك�ﺎن ﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟیتم ﺘسمیتﻪ �شكﻞ ﺼح�ﺢ‬
‫'دوﻟﺔ ‪ :'State‬إﻗﻠ�م ﻤحدد‪ ،‬وﺸﻌب داﺌم‪ ،‬وﺴﻠطﺔ ﻤر�ز�ﺔ وﺴ�ﺎدة‪.‬‬
‫ﻛﻞ ﻫذﻩ اﻟجواﻨب ﻫﻲ ﻤﻌﺎﯿیر أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟتحدﯿد اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟحدﯿثﺔ وﺘمییزﻫﺎ ﻋن اﻟك�ﺎﻨﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻷﺨرى‪.‬‬
‫اﻫتمﺎﻤﺎ وﺜ�ًﻘﺎ ﻷﻨﻬﺎ ﺘحمﻞ أﻫم�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠتﻌر�ف‬
‫ً‬ ‫ﺘستحق �ﻞ ﻤن "ﻤحددة" و "إﻗﻠ�م" ﻓﻲ ﻤصطﻠﺢ اﻹﻗﻠ�م اﻟمحدد‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمنﺎﺴب‪.‬‬
‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻤن ﺤیث اﻟمكﺎن‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجﻐراﻓیون �سﺄﻟون أﻨﻔسﻬم أﺴئﻠﺔ ﺤول اﻟمنﺎطق اﻟتﻲ‬
‫ﺘوﺠد ﻓیﻬﺎ ظواﻫر ﻤختﻠﻔﺔ‪ ،‬وﻟمﺎذا ﺘوﺠد ﻫنﺎك ﻓﻘط‪ ،‬وﻤﺎذا �ﻌنﻲ ذﻟك‪� .‬مﺎ ﯿرﺼد ﻫذا اﻟمجﺎل ﺨصﺎﺌص اﻟمنﺎطق‬
‫و�ﻘﺎرﻨﻬﺎ �ﺎﻟظواﻫر ﻓﻲ ﻤنﺎطق أﺨرى ﻤﻊ ﻤراﻋﺎة اﻟظواﻫر اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �شكﻞ ﻋﺎم‪ .‬واﻟتحﻠیﻞ اﻟجﻐراﻓﻲ‪� ،‬شمﻞ اﻟجواﻨب‬
‫اﻟمﺎد�ﺔ واﻻﺠتمﺎع�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟبیئ�ﺔ واﻟ�شر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘشكﻞ اﻟﻘوى واﻟﻌواﻤﻞ اﻟتﻲ ﺘشكﻞ اﻟنشﺎط اﻟ�شري‬
‫ﻓﻲ ظﻞ اﻟظروف اﻟمحﻠ�ﺔ ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪ 2 .‬وﺘحت ﻋنوان اﻟمكﺎن ﻤجﺎﻻن ﺜﺎﻨو�ﺎن رﺌ�س�ﺎن اﻟمﺎدي واﻟ�شري‪.‬‬
‫إﻗﻠ�م�ﺎ‪ ،‬اﻟذي �شمﻞ اﻟمنﺎخ‬
‫ً‬ ‫ﻋﺎﻟم�ﺎ أو‬
‫ً‬ ‫ﺘ�حث اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟمﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟموﻗﻊ وﺘوز�ﻊ اﻟجواﻨب اﻟمختﻠﻔﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻟمﺎدي‬
‫واﻟﻐطﺎء اﻟن�ﺎﺘﻲ واﻟجیوﻤورﻓوﻟوﺠ�ﺎ* )‪ (Geomorphology‬واﻟبیئﺔ‪ .‬وﺘر�ز اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟ�شر�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟمت�ﺎدﻟﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﺒین اﻟمجتمﻌﺎت واﻟثﻘﺎﻓﺎت واﻟﻌواﻤﻞ اﻟمﺎد�ﺔ اﻟتﻲ ﺘوﺠد وﺘﻌمﻞ ﻓیﻬﺎ‪.‬‬
‫إذا �ﺎﻨت اﻟجﻐراف�ﺎ ﻫﻲ دراﺴﺔ اﻷرض واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻫﻲ دراﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ دراﺴﺔ‬
‫"ﺘحو�ﻞ اﻷرض إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم"‪ .‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﺘتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ ﻤﻔﺎه�م ﻤثﻞ اﻟسﻠطﺔ واﻟس�ﺎﺴﺔ واﻟﻔضﺎء‬
‫ﻋددا ﻻ �حصﻰ ﻤن اﻟتﻔﺎﻋﻼت داﺨﻞ ﻫذﻩ اﻟمجﺎﻻت اﻟمختﻠﻔﺔ ووﻓًﻘﺎ ﻟﻘﺎﻤوس ‪Penguin‬‬
‫واﻟمكﺎن واﻹﻗﻠ�م‪ ،‬وﺘحتضن ً‬
‫ﻟﻠجﻐراف�ﺎ اﻟ�شر�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتمییز ﺒین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻀﺢ‪ :‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﺘﻬتم �ﺎﻟمتطﻠ�ﺎت اﻟمكﺎﻨ�ﺔ‬
‫‪4‬‬
‫ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬ﺒینمﺎ ﺘﻔحص اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ظروﻓﻬﺎ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ ﻓﻘط‪.‬‬

‫دراﺴﺔ اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟطب�ع�ﺔ ﻀرور�ﺔ ﻟﻔﻬم اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟ�شر�ﺔ‪ .‬ﻤن اﻷﻤثﻠﺔ اﻟتﺎر�خ�ﺔ اﻟ�ﺎرزة اﻟموﻗﻊ اﻟمﺎدي‬
‫واﻟمنﺎﺨﻲ ﻟروﺴ�ﺎ ورﻏبتﻬﺎ ﻓﻲ اﻟوﺼول إﻟﻰ ﻤواﻨﺊ اﻟم�ﺎﻩ اﻟداﻓئﺔ أو اﻟس�طرة ﻋﻠیﻬﺎ‪ .‬وﻗد ﻤیز ﻫذا اﻟطموح اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫طﺎ( ﺴﻠسﻠﺔ ﺤروب اﻟﻘرن اﻟـ ‪19‬‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟروﺴ�ﺔ ﻤنذ ﻓترة "�طرس اﻷﻛبر" ‪ Peter the Great‬و�ﻔسر )و�ن �ﺎن ﻤ�س ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ali Onur ÖZÇELİK, "Geopolitics in a Globalized World", In: Erhan AKDEMİR, Geopolitics and Strategy, (Turkey, T.C.‬‬
‫‪Anadolu University), p 52.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tal Tovy, pp 2-3.‬‬
‫*‪ Geomorphology-‬ﻋﻠﻢ ﺷﻜﻞ اﻷرض ﯾﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ اﻟﺘﻀﺎرﯾﺲ واﻟﺒﯿﺌﺔ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 3.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- SEMRA RANÂ GÖKMEN, Op. cit. p8.‬‬

‫‪30‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺒین روﺴ�ﺎ واﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟﻌثمﺎﻨ�ﺔ ﻤﺎ ﺒین اﻟﻘرﻨین اﻟـ ‪ 16‬واﻟـ ‪ ،20‬واﻟحرب اﻟروﺴ�ﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ ﻤﺎ ﺒین ﻋﺎﻤﻲ ‪1904‬‬

‫و‪ ،1905‬واﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟسوﻓیت�ﺔ ﻗبﻞ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ وﻓﻲ وﻗت ﻻﺤق ﺨﻼل اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ 1.‬أﻤﺎ اﻟمجﺎل‬

‫اﻟثﺎﻨوي ﻓﻲ اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟ�شر�ﺔ ﻫو اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪� .‬ﻔحص ﻫذا اﻟمجﺎل اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻟس�ﺎﺴﺔ واﻟجﻐراف�ﺎ‪ً ،‬‬
‫ﺒدءا ﻤن‬
‫اﻟسﺎﺤﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ إﻟﻰ اﻟسﺎﺤﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﺘشمﻞ اﻟموﻀوﻋﺎت ذات اﻟصﻠﺔ ﻤوﻗﻊ اﻟحدود ﺒین اﻟدول؛ ﺘوز�ﻊ اﻟمنﺎطق اﻟبﻠد�ﺔ‬
‫واﻻﻨتخﺎﺒ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ؛ ﻋﻼﻗﺎت اﻟمر�ز �ﺎﻷطراف؛ اﺴتخدام اﻷرض واﻟتخط�ط اﻟﻌمراﻨﻲ؛ أﻨظمﺔ اﻟﻘﺎﻨون واﻟنظﺎم؛‬
‫‪2‬‬
‫و�دارة اﻟموارد اﻟطب�ع�ﺔ اﻟمشتر�ﺔ‪.‬‬
‫ﻨظر ﻷن اﻷرض ﻫﻲ أﺤد اﻟﻌنﺎﺼر اﻟمكوﻨﺔ‬
‫ﺘجﺎدل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �ﺄن ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟدول اﻨبثﻘت ﻤن ﺠﻐراﻓیتﻬﺎ‪ً .‬ا‬
‫ﻟﻠدول‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجﻐراف�ﺎ ﻀرور�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ ﺒین اﻟدول ‪ ،3‬رﻏم أن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ )اﻟجیو�وﻟیت�ك( ﺘﻌتمد اﻋتمﺎدا �بی ار ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ إﻻ أﻨﻬﺎ �مﻔﻬوم ﺤر�ﻲ ﺘختﻠﻒ ﻋنﻬﺎ‪ ،‬وﺘتمیز �ﺎﻫتمﺎﻤﺎﺘﻬﺎ �ﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘوة‪ ،‬اﻟتﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺘﻐیر‬
‫ﻤستمر‪ 4 .‬وﻓﻲ ﺤین أن ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟمز�د ﻤن اﻟتﻌر�ﻔﺎت‪ ،‬ﻓﺈن ﻫنﺎك ﺘواﻓﻘﺎ ﻓﻲ اﻵراء ﻋﻠﻰ أن ﻤجﺎل اﻟ�حث ﻫو‬
‫اﻟذي ﯿدرس ﻨظﺎم اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟوطن�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر ﺠﻐراف�ﺔ‪� .‬مﻌنﻰ آﺨر‪ ،‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ دراﺴﺔ ﺘﺄﺜیر‬
‫اﻟجﻐراف�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬وﺘرى وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟجﻐراف�ﺔ أن ﻤواﻗﻊ اﻟبﻠدان واﻟمسﺎﻓﺎت اﻟتﻲ ﺘﻔصﻠﻬﺎ ﻋن اﻟموارد‬
‫اﻟطب�ع�ﺔ واﻟ�شر�ﺔ ﻫﻲ أﻤور ﺤیو�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠطﺎ�ﻊ اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ وﺸكﻠﻬﺎ‪ .‬وﻟذﻟك ﻓﺈن أي ﻤنﺎﻗشﺔ ﻟﻠمﻔﻬوم‬
‫أ�ضﺎ‬
‫ﯿﻠزﻤنﺎ أن ﻨﻔحص أوﻻً وﻗبﻞ �ﻞ ﺸﻲء اﻷﺴس اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻌنصر�ﻬﺎ‪ :‬اﻟجﻐراف�ﺎ واﻟس�ﺎﺴﺔ‪ .‬وﻫذﻩ اﻟخﻠف�ﺔ ﻤﻬمﺔ ً‬
‫‪5‬‬
‫ﻟﻔﻬم ��ف أن ﺘطو�ر اﻟنﻬﺞ اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟجدﯿد ﯿز�ﻞ ﺘدر�ج�ﺎً اﻟمكون اﻟمﺎدي ﻟﻠجﻐراف�ﺎ‪.‬‬
‫"ﻓﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ ﺘحﻠیﻞ اﻟتﻔﺎﻋﻞ ﺒین اﻟبیئﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ ووﺠﻬﺎت اﻟنظر‪ ،‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ‪ ،‬واﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى‪ .‬وﺘشمﻞ اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻘوى اﻟتﻲ ﺘﻌمﻞ ﻋﻠﻰ اﻟصﻌید اﻟدوﻟﻲ واﻟﻘوى اﻟموﺠودة ﻋﻠﻰ اﻟسﺎﺤﺔ‬
‫اﻟمحﻠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ اﻟسﻠوك اﻟدوﻟﻲ‪ .‬ﻓﺎﻟبیئﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺤد ﺴواء دﯿنﺎﻤ�ﺔ‪ ،‬و�ﻞ ﻤنﻬﺎ‬
‫ﯿؤﺜر و�تﺄﺜر �ﺎﻵﺨر"‪ 6 .‬و�ﻐطﻲ ﻫذا اﻟتﻌر�ف �شكﻞ ﻋﺎم ﻓكرة اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻤﻊ إدراج اﻟﻌواﻤﻞ اﻟمحﻠ�ﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ‬
‫ﻤؤﺜرة ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪� ،‬جب أن �كون ﻤﻔﻬوﻤﺎً أﻨﻪ ﻀمن اﻟنطﺎق اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟحرج‪�ُ ،‬ﻔﻬم أن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 3.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 3.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- SEMRA RANÂ GÖKMEN, Op. cit. p13.‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 2.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Krishnendra Meena, Op. cit.‬‬

‫‪31‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ ﺘﻌدد�ﺔ وﻟ�ست ﻓرد�ﺔ‪ ،‬ﻤمﺎ �ﻌنﻲ أﻨﻪ �مكن أن ﺘكون ﻫنﺎك رؤى ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤتﻌددة ﻟحدث أو ظﺎﻫرة‬
‫‪1‬‬
‫ﻤﻌینﺔ ذات أﻫم�ﺔ دوﻟ�ﺔ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘﻔسیرات ﻤتﻌددة‪.‬‬

‫وﻟﻠجﻐراف�ﺎ ﺘﺄﺜیر�ن ﻋﻠﻰ إدارة ﺘوازن اﻟﻘوى‪ ،‬ﻓﻬﻲ أوﻻ ﺘﺄﺜر ﻋﻠﻰ ﻤصﺎﻟﺢ اﻟﻘوى‪ ،‬وﺘؤﺜر �ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟصراع‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟحیو�ﺔ‪ ،‬وﺜﺎﻨ�ﺎ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ ﯿﻬ�من ﻋﻠیﻬﺎ اﻟﻬجوم أم اﻟدﻓﺎع‪ .‬وﺘﻘرر‬
‫�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺸدة اﻟصراع اﻟنﺎﺘﺞ ﻋن اﻟمﻌضﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ‪� ،‬مﺎ �مكن ﻟﻠحواﻓز اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟبنیو�ﺔ داﺌمﺎ أن ﺘﻌزز �ﻌضﻬﺎ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟ�ﻌض ﻟكن ﻋندﻤﺎ ﺘخﻠق اﻟجﻐراف�ﺎ واﻻﺴتﻘطﺎب ﻀﻐوطﺎ ﻤتسﺎو�ﺔ ﻓﺈن اﻟجﻐراف�ﺎ ﺘتﻔوق ﻋﻠﻰ اﻟبن�ﺔ‪.‬‬
‫ﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺘﺄﺜیر اﻟجﻐراف�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻻ �مكن دراﺴتﻬﺎ ﺘجر�ب�ﺎ ﻓﻘط‪ ،‬ﻷن رﺠﺎل اﻟدوﻟﺔ واﻷﺸخﺎص‬
‫اﻟمﻬتمین �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �میﻠون إﻟﻰ ﺘﻔسیر ﺘﺄﺜیر اﻟخصﺎﺌص اﻟمﺎد�ﺔ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻓﻬمﻬم اﻟذاﺘﻲ‪.‬‬
‫�شیر ﻫذا إﻟﻰ أﻨﻪ ﻤن اﻷﻓضﻞ ﺘحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �حﻘﻞ أﻛﺎد�مﻲ ﻤن ﺨﻼل ﺘﻘن�ﺎت ﻨظر�ﺔ اﻟمﻌرﻓﺔ اﻟنﻘد�ﺔ واﻟمنﻬج�ﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎن ﻤﻌنﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻷوﻗﺎت اﻟتﻲ �ﺎن ﻓیﻬﺎ اﻟموﻗﻊ اﻟجﻐراﻓﻲ واﻟتضﺎر�س اﻟمﺎد�ﺔ ﻤﻬمین ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ ﻓﻲ ﺴﻌﻲ‬
‫ﺘمﺎﻤﺎ ﻋن ﻤﻌنﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻷوﻗﺎت‬
‫ﻤختﻠﻔﺎ ً‬
‫ً‬ ‫اﻟدول ﻟتﻌظ�م ﻗوﺘﻬﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ إﻟﻰ أﻗصﻰ ﺤد �ﺎن‬
‫اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻓیﻬﺎ اﻟتطورات اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ ﻓﻲ ﻤجﺎﻻت اﻟصنﺎﻋﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ واﻻﺘصﺎﻻت واﻟنﻘﻞ‪ .‬وﻗد ﺠﻌﻠت اﻟمﻌﻠوﻤﺎت‬
‫ﺘدر�ج�ﺎً ﻤجرد اﻟموﻗﻊ اﻟمﺎدي ﺒﻼ ﻤﻌنﻰ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﻓمنذ اﻟنصﻒ اﻟثﺎﻨﻲ ﻤن اﻟﻘرن اﻟـ ‪ 19‬ﺤتﻰ اﻵن‪ ،‬ﺘ�ﺎﯿن‬
‫‪3‬‬
‫ﻤﻌنﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �شكﻞ �بیر‪ ،‬ﻻ ﺴ�مﺎ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق ﺒنوع اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟموﺠودة ﺒین اﻟجﻐراف�ﺎ واﻟس�ﺎﺴﺔ‪.‬‬
‫و�مكن اﻟتمییز ﺒین اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻟنﻘﺎط اﻵﺘ�ﺔ‪:‬‬
‫‪ .I‬وﻓًﻘﺎ ﻟﻘﺎﻤوس ‪ Penguin‬ﻟﻠجﻐراف�ﺎ اﻟ�شر�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتمییز ﺒین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻀﺢ‪ :‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫‪4‬‬
‫ﺘﻬتم �ﺎﻟمتطﻠ�ﺎت اﻟمكﺎﻨ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬ﺒینمﺎ ﺘﻔحص اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ظروﻓﻬﺎ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ ﻓﻘط‪.‬‬
‫‪ .II‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﺘرﺴم ﺨط ﻟمﺎ �جب أن ﺘكون ﻋﻠ�ﻪ اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬أي ﺘرﺴم ﺤﺎﻟﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ �مﻌنﻰ أﻨﻬﺎ ﺘتمیز‬
‫�ﺎﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ‪ ،‬ﺒینمﺎ اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﺘدرس ��ﺎن اﻟدوﻟﺔ �مﺎ ﻫو ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ أي رﺴم ﺼورة اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟمﺎﻀﻲ‬
‫واﻟحﺎﻀر‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺘمیﻞ إﻟﻰ أن ﺘكون ﺜﺎﺒتﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Krishnendra Meena, Op. cit.‬‬
‫‪ -2‬رو�رت روس‪" ،‬ﺠﻐراف�ﺔ اﻟسﻼم‪ :‬ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشرون"‪ .‬ﻓﻲ‪ :‬ﻤﺎ�كﻞ إي ﺒراون‪ ،‬ﺼﻌود اﻟصین‪ ،‬ﺘرﺠمﺔ‪ :‬ﻤصطﻔﻰ ﻗﺎﺴم‪) ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬اﻟمر�ز‬
‫اﻟﻘوﻤﻲ ﻟﻠترﺠمﺔ‪ ،‬ط ‪ ،(2010 .1‬ص ‪.314‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, "Modern Theoretical Development of Geopolitics and Strategic Studies", In: Erhan AKDEMİR,‬‬
‫‪Geopolitics and Strategy, (Turkey, T.C. Anadolu University), pp 25-26.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- SEMRA RANÂ GÖKMEN, Op. cit. p 14.‬‬

‫‪32‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫‪ .III‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﺘجﻌﻞ اﻟجﻐراف�ﺎ ﻓﻲ ﺨدﻤﺔ اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬ﺒینمﺎ اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻤرآة ﻟﻠدوﻟﺔ ﺘﻌكس ﺼورﺘﻬﺎ اﻟحق�ق�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﺘدرس اﻟدوﻟﺔ ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﻤوﻀوﻋﻲ أﻤﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓتدرس اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻷرض واﻟدوﻟﺔ‬
‫ﻛمﺎ ﺘدرس اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻤن وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪ 1 .‬و�مﺎ �ﻘول "ﺘﺎﯿﻠور"‪ ،‬ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻤن اﻟسﻬﻞ‬
‫‪2‬‬
‫ﺠدا ﺘحدﯿد ﺠنس�ﺔ اﻟمؤﻟﻒ ﻤن ﻤحتوى �تﺎ�ﺎﺘﻪ �سبب اﻨتمﺎﺌﻪ اﻟﻘوﻤﻲ‪.‬‬
‫‪ .IV‬اﻟجیو�وﻟیت�كﺎ ﺘﻌتنق ﻓﻠسﻔﺔ اﻟﻘوة وﺘرﺴم اﻟخطط اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحﻘق ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟس�طرة ﺒینمﺎ اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﺘدرس ﻤﻘوﻤﺎت اﻟﻘوة دراﺴﺔ ﻤجردة ﻏیر ﻤتﺄﺜرة ﺒدواﻓﻊ ﻤﻌینﺔ‪.‬‬
‫إن ﺠوﻫر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫو ﺘحﻠیﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻀوء اﻷوﻀﺎع واﻟتر�یب اﻟجﻐراﻓﻲ‪ ،‬وﻟﻬذا‬
‫ﻓﺈن اﻵراء اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �جب أن ﺘختﻠﻒ ﻤﻊ اﺨتﻼف اﻷوﻀﺎع اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟتﻲ ﺘتﻐیر ﺒتﻐیر ﺘكنوﻟوﺠ�ﺔ اﻹﻨسﺎن وﻤﺎ‬
‫ﺠیو�وﻟیت�كیتﻪ"‪4 .‬‬ ‫ﯿنطوي ﻋﻠ�ﻪ ذﻟك ﻤن ﻤﻔﺎه�م وﻗوى ﺠدﯿدة ﻟذات اﻷرض‪ ،‬وﻓﻲ ﻫذا ﻗﺎل ﻤﺎﻛیندر‪" :‬ﻟكﻞ ﻗرن‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪.‬‬


‫ﺘُﻌد دراﺴﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟجدﻟ�ﺔ ﺒین اﻟم�ﺎدئ اﻟجیو�وﻟیت�ك�ﺔ واﻹدراك اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠدول ﻤن اﻟمواﻀ�ﻊ اﻟحدﯿثﺔ‬
‫ﺠداً‪ ،‬واﻟتﻲ ﻟم ﺘتنﺎوﻟﻬﺎ اﻟكثیر ﻤن اﻟدراﺴﺎت واﻟ�حوث ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻋموﻤﺎً واﻟدراﺴﺎت اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺨصوﺼﺎً‪،‬‬
‫ﻨظ اًر ﻟحداﺜﺔ اﻟمﻔﻬوﻤین ﻤن ﺠﻬﺔ‪ ،‬وﻟكوﻨﻬﺎ ﺘتضمن ﻋمﻘﺎً ﺘحﻠیﻠ�ﺎً واﺴﻌﺎً ﻤن ﺤیث ﻫذا اﻟترا�ط ﺒین ﻫذﯿن اﻟمتﻐیر�ن‬
‫ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى‪ ،‬و�ذا �ﺎﻨت ﻫذﻩ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻏیر واﻀحﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ إﻟﻰ اﻟدول اﻟصﻐرى‪ ،‬أو اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠحدود اﻟواﻀحﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘیود ﻋﻠﻰ ﺘﻔكیرﻫﺎ اﻹﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘبدو ﻋﺎﻟ�ﺔ اﻟوﻀوح �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠدول اﻟﻌظمﻰ واﻟكبرى‪.‬‬
‫�ﻌرف‬
‫ﻨشﺄ ﻤصطﻠﺢ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤن اﻟص�ﻐﺔ اﻟیوﻨﺎﻨ�ﺔ )‪ ،(Strategus‬واﻟتﻲ ﺘُرﺠمت ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻗﺎﺌد ﺠ�ش‪ّ .‬‬
‫"أﻨطوان ﻫنري ﺠوﻤینﻲ" ‪ ،Antoine-Henri Jomini‬أﻫم ﻤن ّ‬
‫ظر �ﻌد اﻟحروب اﻟنﺎﺒﻠیوﻨ�ﺔ‪ ،‬اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ ﻓن ﺠﻠب‬
‫أ�ضﺎ �ﺎﻟجﻐراف�ﺎ‪ .‬إﻨﻪ ﯿرى أن اﻟﻐرض ﻤن اﻟﻌمﻠ�ﺎت‬
‫اﻟﻘوات اﻟﻌسكر�ﺔ إﻟﻰ ﺴﺎﺤﺔ اﻟمﻌر�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق‪ ،‬ﯿر�طﻬﺎ ً‬
‫دﻓﺎﻋﺎ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘوﻓیر ﻤزا�ﺎ ﺴتؤدي‬
‫ﻫجوﻤﺎ أو ً‬‫ً‬ ‫اﻟﻌسكر�ﺔ ﻫو اﺤتﻼل و�ﻤسﺎك ﻨﻘﺎط ﺠﻐراف�ﺔ ﺤیو�ﺔ �مكن أن ﺘدﻋم‬
‫إﻟﻰ ﻨﻬﺎ�ﺔ ﻤنتصرة ﻟﻠحرب‪� .‬ﻌد "ﺠوﻤینﻲ" اﻟمﻌﻠق اﻟرﺌ�سﻲ ﻋﻠﻰ اﻟحروب اﻟنﺎﺒﻠیوﻨ�ﺔ‪ ،‬واﻟنص اﻟ�ﺎرز ﻟﻪ �ﻌنوان "ﻓن‬
‫اﻟحرب" )‪ (Précis de l'art de la guerre‬ﻤن ﻋﺎم ‪ 1815‬ﻫو ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻤحﺎوﻟﺔ ﻟتﻔسیر ﻨجﺎﺤﺎت ﻨﺎﺒﻠیون ﻤن ﺨﻼل‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.26‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- EMRA RANÂ GÖKMEN, Op. cit. p 15.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬اﻷﺻول اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻐراﻓﯾﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﺟﯾوﺑوﻟﯾﺗﯾﻛﺎ‪) ،‬اﻟﻘﺎھرة‪ ،‬ﻣؤﺳﺳﺔ ھﻧداوي ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‪ ،(2014 ،‬ص ‪.51‬‬

‫‪33‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺨﻠق ﻤ�ﺎدئ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻟﻠحرب‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﺘﻌر�ﻔﻪ ﻟﻼﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﯿن�ﻊ ﻤن ﺘحﻠیﻞ اﻟحروب اﻟنﺎﺒﻠیوﻨ�ﺔ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل ﺘر�یزﻩ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟتشكیﻼت اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟمنتشرة ﻓﻲ ﻤختﻠﻒ أﻨحﺎء أورو�ﺎ اﺴتﻌداداً ﻟمﻌﺎرك ﺤﺎﺴمﺔ ﻤثﻞ "أوﻟم وأوﺴترﻟیتز" ‪Ulm‬‬

‫‪ (1805) and Austerlitz‬و"ﺠینﺎ وأور إﯿرﺴتﺎت" ‪. 1(1806) Jena and Au-erstädt‬‬


‫�جﺎدل "ﻛﺎرل ﻓون �ﻼوزﻓیتز" ‪ Carl Philipp Gottlieb von Clausewitz‬ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ اﻟصﺎدر ﻋﺎم ‪1832‬‬

‫‪)Vom Kriege‬ﻓﻲ اﻟحرب( �ﺄن اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ‪ Streategy‬ﻫﻲ ﻋﻘیدة اﻋت�ﺎر اﻟمﻌﺎرك أﻫداًﻓﺎ ﻟﻠحرب‪� .‬شیر ﻫذا‬
‫اﻟتﻌر�ف إﻟﻰ اﻻرﺘ�ﺎط اﻟم�ﺎﺸر ﺒین اﻟمستو�ین اﻟتكت�كﻲ واﻻﺴتراﺘ�جﻲ وﺘﺄﺜیرﻫمﺎ ﻋﻠﻰ �ﻌضﻬمﺎ اﻟ�ﻌض‪ .‬وﻤن ﺘﻌر�ف‬
‫‪2‬‬
‫أﻤﺎ "ﻟیدل ﻫﺎرت" ‪Basil‬‬ ‫ﯿبدو أن اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺘشكﻞ ﺨطﺔ اﻟحرب واﻟموارد اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟﻼزﻤﺔ ﻟتحﻘیق اﻟنجﺎح‪.‬‬
‫‪ Henry Liddell Hart‬اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪� ،‬ﺄﻨﻬﺎ‪ :‬ﻓن اﺴتخدام اﻟوﺴﺎﺌﻞ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟتحﻘیق أﻫداف ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ"‪ .‬وﻗد أﺨرﺠﻬﺎ‬
‫اﻟﻔرﻨسﻲ "أﻨدر�ﻪ ﺒوﻓور" ‪ André Beaufre‬ﻤن إطﺎرﻫﺎ اﻟﻌسكري إﻟﻰ إطﺎر أوﺴﻊ ﻤﻌتب ار اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ أﺤد أ�ﻌﺎدﻫﺎ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻋندﻤﺎ ﻋرﻓﻬﺎ �ﺄﻨﻬﺎ‪ " :‬ﺤوار اﻹرادات اﻟتﻲ ﺘستخدم اﻟﻘوة ﻟحﻞ ﺨﻼﻓﺎﺘﻬﺎ"‪.‬‬
‫و�نﺎء ﻋﻠﻰ وﺠﻬﺎت ﻨظر ﻫؤﻻء اﻟمنظر�ن‪� ،‬مكن أن ﻨجﺎدل �ﺄن اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺘختزل ﻹدارة اﻟحرب وﺤدﻫﺎ‬
‫ً‬
‫ﻤ�ﺎﺸر �ﺎﻟتكت�كﺎت‪ ،‬أو ﺴﻠسﻠﺔ اﻟمﻌﺎرك اﻟتﻲ ﺘشكﻞ اﻟحرب‪ .‬ﻫنﺎ‪� ،‬جب أن ﻨتذ�ر أن اﻟحروب ﻗد‬
‫ًا‬ ‫طﺎ‬
‫وﺘرﺘ�ط ارﺘ�ﺎ ً‬
‫ﺨﺎﻀت ﻓﻲ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟحﺎﻻت ﻓﻲ ﺘﺎر�ﺦ اﻟس�ﺎﺴﺔ ﺒین اﻟدول ﻟكسب اﻟس�طرة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﺠزاء ﻤن اﻟجﻐراف�ﺎ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟتﻲ �ﻌتبروﻨﻬﺎ ﺤیو�ﺔ ﻷﻫداﻓﻬم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬وﺨﺎﺼﺔ اﻷﻤن واﻟ�ﻘﺎء‪.‬‬
‫اﻤتدادا ﻟﻠدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ واﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫ً‬ ‫�شیر اﻟتحﻠیﻞ اﻟتﻘﻠیدي ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ إﻟﻰ أن اﻟحروب �ﺎﻨت‬
‫ﻟﻠدول اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟتﻲ ﯿتمثﻞ ﻫدﻓﻬﺎ اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺘﻌظ�م ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟوطن�ﺔ‪� .‬صﻔتﻬﺎ ��ﺎﻨﺎت ذات ﺴ�ﺎدة ﺘشكﻞ اﻟنظﺎم‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﺘم إﻨشﺎء اﻟدول ﻓﻲ اﻟبدا�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺘتمتﻊ �ﺎﻟسﻠطﺔ ﻟتحدﯿد أﻫداف ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ دون ﻗیود‬
‫ﺘﻘر ً��ﺎ؛ ﻫذا �ﻌنﻲ أﻨﻪ ﻤن اﻟممكن أن ﺘستشﻬد اﻟدوﻟﺔ �ﺄي ﺸﻲء �مبرر ﻟشن ﺤرب أو اﻟشروع ﻓﻲ ﻋمﻞ ﻤن ﺠﺎﻨب‬
‫‪5‬‬
‫واﺤد ﻤن اﻹﻛراﻩ ﻀد دوﻟﺔ أﺨرى‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟسبب اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻠحرب ﻀد دوﻟﺔ ﻤﺎ ﻫو اﻟطموﺤﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 25.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 25.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ali Onur ÖZÇELİK, Op. cit. p51.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- I bid. p 51.‬‬

‫‪34‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟﻔﻬم اﻟمﻌﺎﺼر ﻟﻺﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﺒتﻌد ﻋن ﻫذا اﻟمﻔﻬوم اﻟصﻠب واﻟضیق وأﻋطﺎﻩ ﺸموﻟ�ﺔ وﻤسﺎﺤﺔ أوﺴﻊ وﻤن‬
‫‪1‬‬
‫أ�سط ﺘﻌﺎر�ف اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟیوم أﻨﻬﺎ ﻋمﻠ�ﺔ اﺨت�ﺎر أﻓضﻞ اﻟوﺴﺎﺌﻞ ﻟتحﻘیق أﻫداف اﻟدوﻟﺔ‪.‬‬
‫ﺤﺎﻟ�ﺎ ﻀمن اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم ﻟمستو�ﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤن اﻟمستوى اﻟس�ﺎﺴﻲ إﻟﻰ اﻟمستوى‬
‫ﯿتم ﺘحدﯿد اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ً‬
‫اﻟتﻘنﻲ‪ -‬اﻟتكت�كﻲ‪ .‬ﻟﻘد ﺘوﺴﻊ اﻟتﻌر�ف وﻟم �ﻌد ﯿنطبق ﻓﻘط ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟتكت�كﻲ وﻤستوى اﻟﻌمﻠ�ﺎت ﻓﻲ اﻟحرب‪.‬‬
‫وﻤن اﻟواﻀﺢ أن اﺨتزال ﻤﻌنﻰ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓﻲ اﻷﻨشطﺔ اﻟتنﻔیذ�ﺔ وﺤدﻫﺎ ﻗد أﺼ�ﺢ ﻗد�مﺎ ﻤﻊ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟـ ‪.20‬‬
‫ﻤنظور أوﺴﻊ �شمﻞ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷﻤن�ﺔ واﻻﺴتﻌداد ﻟﻠحرب‪.‬‬
‫ًا‬ ‫�ﺄﺨذ ﺘﻌر�ﻔﻬﺎ اﻟحدﯿث‬
‫زرة اﻟدﻓﺎع اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ط�ﻌﺔ ‪ 2001‬ﻟﻠمنشور اﻟمشترك ‪(JP) 1-02 Joint Publication‬‬
‫ﻗﺎﻤوس و ا‬
‫ﻟﻠمصطﻠحﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ �میز ﺜﻼﺜﺔ أﻨواع ﻤن اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ /1 :‬اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ وﻫﻲ ﻓن وﻋﻠم ﺘطو�ر وﺘشﻐیﻞ ﺠم�ﻊ ﻗوى‬
‫اﻟﻘوة اﻟوطن�ﺔ ﻟتحﻘیق أﻫداف ﻋﻠﻰ ﻤستوى ﻤنطﻘﺔ اﻟحرب و‪/‬أو أﻫداف وطن�ﺔ و‪/‬أو ﻤتﻌددة اﻟجنس�ﺎت‪ .‬ﻤن اﻟمؤ�د‬

‫أن اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓﻲ ﺘﻌر�ﻔﻬﺎ اﻷﻤر�كﻲ ﻟ�ست ﻓﻘط اﻟجﺎﻨب اﻟﻌسكري ﻻﺴتخدام اﻟﻘوة وﻟكن ً‬
‫أ�ضﺎ ﺘشﻐیﻞ ﺠم�ﻊ وﺴﺎﺌﻞ‬
‫اﻟﻘوة ﻟﻸﻤﺔ‪ .‬وﺘشمﻞ ﻫذﻩ اﻟظروف اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟﻘوة اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟ�شر�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوطن�ﺔ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ /2 .‬اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوطن�ﺔ )وﺘسمﻰ ً‬
‫أ�ضﺎ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ( ﻫﻲ‬
‫ﻤمﺎرﺴﺔ ﻗوة اﻷﻤﺔ ﻟتحﻘیق أﻫداﻓﻬﺎ‪ .‬ﻓبینمﺎ �شیر ‪ JP 1-02‬إﻟﻰ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤن ﺤیث ﺘحﻘیق اﻷﻫداف اﻟوطن�ﺔ‪ ،‬ﺘؤ�د‬
‫اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوطن�ﺔ ﻋﻠﻰ اﺴتخدام ﻗوة اﻷﻤﺔ ﻟضمﺎن ﺘحق�ﻘﻬﺎ اﻷﻫداف اﻟوطن�ﺔ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘتﻌﻠق اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺒوﻗت‬
‫اﻟحرب ﺒینمﺎ ﯿتم ﻤمﺎرﺴﺔ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوطن�ﺔ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟسﻠم واﻻﺴتﻌداد ﻟﻠحرب‪ .‬إن ﺘﻌر�ف ‪ JP 1-02‬ﻟﻼﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ ﻗر�ب ﻤن اﻟتﻌر�ﻔﺎت اﻟجوﻫر�ﺔ ﻟﻼﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ :‬ﻓن وﻋﻠم اﺴتخدام اﻟﻘوات اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟدوﻟﺔ ﻤﺎ ﻟتحﻘیق أﻫداف‬
‫‪3‬‬
‫ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟوطن�ﺔ ﻤن ﺨﻼل اﺴتخدام اﻟﻘوة أو اﻟتﻬدﯿد �ﺎﺴتخداﻤﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺘتمیز اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ وﺤر�ﺔ اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �ﺎﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ أﻛثر ﻤمﺎ ﺘتمیز �ﺎﻟثبوت أو اﻟجمود‪،‬‬
‫وﻫﻲ ذات ﺼﻠﺔ وﺜ�ﻘﺔ ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟوﻗت �ﺄ�حﺎث اﻟس�ﺎﺴﺔ واﻟتخط�ط‪ ،‬إﻨﻬﺎ �ﺎﺨتصﺎر اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟتطب�ق�ﺔ ﻓﻲ ﻤجﺎل‬
‫اﻟﻌمﻞ ‪ ،Geography In Action Applied‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﻬﻲ اﻟتخط�ط اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻻﻗتصﺎدي واﻟﻌسكري اﻟذي ﯿﻬتم �ﺎﻟبیئﺔ‬
‫اﻟطب�ع�ﺔ ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ اﺴتخداﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺘحﻠیﻞ أو ﺘﻔﻬم اﻟمشكﻼت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ أو اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ذات اﻟصﻔﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬أي أﻨﻬﺎ‬

‫‪ -1‬ﻋﺎﺑد ﺳﻌود‪" ،‬اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ واﻟﺟﯾوﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ"‪) ،‬اﻟﺳﻌودﯾﺔ‪ ،‬ﺟرﯾدة اﻟرﯾﺎض‪ ،‬اﻟﻌدد ‪ 25 ،15249‬ﻣﺎرس ‪ ،(2010‬ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﺻﻔﺢ‪:‬‬
‫‪https://www.alriyadh.com/509799 .2018/09/13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 26.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 26.‬‬

‫‪35‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺘ�حث ﻓﻲ اﻟمر�ز اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠدوﻟﺔ أو اﻟوﺤدة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﻓتتنﺎوﻟﻪ �ﺎﻟتحﻠیﻞ إﻟﻰ ﻋنﺎﺼرﻩ أو ﻋواﻤﻠﻪ اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟـ‬
‫‪) :10‬اﻟموﻗﻊ‪ ،‬اﻟحجم‪ ،‬اﻟشكﻞ‪ ،‬اﻻﺘصﺎل �ﺎﻟ�حر‪ ،‬اﻟحدود‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺔ �ﺎﻟمح�ط‪ ،‬اﻟطبوﻏراف�ﺔ‪ ،‬اﻟمنﺎخ‪ ،‬اﻟموارد‪ ،‬اﻟسكﺎن(‪.‬‬
‫اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻫﻲ ﻓن ﺘنسیق اﺴتخدام ﻤوارد اﻟﻘوة اﻟوطن�ﺔ ﻓﻲ أ�ﻌﺎدﻫﺎ اﻟمختﻠﻔﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟق�م�ﺔ‬
‫واﻟﻌسكر�ﺔ واﻟمﻌﻠوﻤﺎﺘ�ﺔ وﻏیرﻫﺎ‪ ،‬ﻟتحﻘیق اﻷﻫداف اﻟوطن�ﺔ‪ .‬ﺒینمﺎ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓتﻌنﻰ ﺒدراﺴﺔ أﺜر اﻟموﻗﻊ‬
‫‪1‬‬
‫اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻤن ﺨﻼل ﺘﻔﻌیﻞ وﺘوظ�ف اﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﻤﻌینﺔ ﻟتحﻘیق اﻷﻫداف اﻟوطن�ﺔ أو اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪.‬‬
‫و�ذا �ﺎﻨت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ذاك اﻟمیدان ﻟﻠدراﺴﺎت اﻟخﺎﺼﺔ �س�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة ‪ Power politics‬ﻓﻘد ر�ز �ﻌض‬
‫اﻟجﻐراﻓیین ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟمیدان‪ ،‬ﺒینمﺎ ر�ز اﻟ�ﻌض اﻵﺨر ﻋﻠﻰ اﻟمﻔﻬوم اﻟواﺴﻊ ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟجﻐراف�ﺎ وﻗوة اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬ﻓظﻬر‬
‫‪2‬‬
‫ﻤﻔﻬوم )اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ( ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟﻌﺎﻟمﻲ وﻓﻲ ﺤﺎﻟتﻲ اﻟحرب واﻟسﻼم‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟوظ�ف�ﺔ واﻟبنیو�ﺔ ﺒین اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬


‫�شﻬد اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ واﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ ﻋودة ﻓﻲ أوﻗﺎت ﺘضﺎؤل اﻟموارد وﺘزاﯿد اﻨﻌدام اﻷﻤن ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ‪،‬‬
‫ﻤمﺎ ﯿثیر اﻟتسﺎؤل ﺤول ﻤﺎ �مكن ﻓﻬمﻪ ﻤن ﺨﻼل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن و��ف‬
‫‪3‬‬
‫ﯿنﻌكس ذﻟك ﻓﻲ اﻟممﺎرﺴﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟوظ�ف�ﺔ ﺘﻌنﻲ اﻟوظ�ﻔﺔ اﻟتﻲ ﺘؤدﯿﻬﺎ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟتحﻘیق اﻷﻫداف اﻟجیو�وﻟیت�ك�ﺔ‪ ،‬وﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ‬
‫اﻟبنیو�ﺔ ﺘﻌنﻲ ﺘحدﯿد اﻟمنﺎخ اﻟﻔكري اﻟمشترك ﺒینﻬمﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟبنیو�ﺔ ﺒوﺼﻔﻬﺎ ﻤنﻬجﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت وﻟ�س اﻟكینوﻨﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴبیﻞ‬
‫ﻟتﻌر�ف وﺘحدﯿد ﻓكرة إﻻ �ﻌﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻟمتﻔﺎﻋﻠﺔ‪ 4 .‬ﻓمﺎ ﻫﻲ أﺴس اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟبنیو�ﺔ ﺒین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ؟‪ ،‬و��ف‬
‫ﺘؤدي �ﻞ ﻤنﻬمﺎ وظ�ﻔﺔ ﺘخدم اﻷﺨرى؟‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن "ﻤﺎﻛیندر" ﻫو اﻟذي وﻀﻊ أﺠندة اﻟ�حث ﻋن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﺼﺎغ ﻋﺎﻟم اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟسو�دي "رودوﻟﻒ �یﻠین" �ﻠمﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .1899‬وﺼﻒ �یﻠین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �ﺄﻨﻬﺎ ﻨظر�ﺔ اﻟدوﻟﺔ �كﺎﺌن‬
‫ﺠﻐراﻓﻲ أو ظﺎﻫرة ﻤكﺎﻨ�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻟ�س ﻤن اﻟسﻬﻞ وﻀﻊ ﺘﻌر�ف ﻤحدد وﻤتﻔق ﻋﻠ�ﻪ ﻟﻠمصطﻠﺢ‪ .‬ﻓﻲ ﺤین ﺘم‬
‫ﺘﻌر�ف اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻨظر�ﺔ اﻟدوﻟﺔ واﻟحرب ﻤن ﻗبﻞ ‪� ،Kjellen‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟـ “ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر"‪ ،‬ﻤؤﺴس‬
‫كﺎﻨ�ﺎ‪� .‬كﻠمﺎت "ﻫوﺴﻬوﻓر"‪:‬‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪� ،‬ﺎﻨت اﻟﻌﻘیدة ﻫﻲ اﻟتﻲ ﺘحدد ﺠم�ﻊ اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ﻤ ً‬

‫‪ -1‬ﻋﺎﺑد ﺳﻌود‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬


‫‪ -2‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.27-26‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-K. Saalbach, Op. cit. p3.‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪36‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫"اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻫﻲ اﻟﻌﻠم اﻟوطنﻲ اﻟجدﯿد ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ... ،‬ﻋﻘیدة اﻟحتم�ﺔ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ ﻟجم�ﻊ اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫أﺴﺎس اﻷﺴس اﻟﻌر�ضﺔ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ‪ ،‬وﺨﺎﺼﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ"‪ .‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬وﻓًﻘﺎ ﻟـ "ﻨ�كوﻻس ﺴب�كمﺎن"‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫و�ظﻬر ﺘﻌر�ف ﻤشﺎ�ﻪ ﻟﻠمﻔﻬوم �ﺄﻨﻬﺎ‪" :‬طر�ﻘﺔ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻫﻲ "ﺘخط�ط اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﻟبﻠد ﻤﺎ وﻓًﻘﺎ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ"‪ُ .‬‬
‫ﻟتحﻠیﻞ اﻟﻌﺎﻟم ﻤن ﺨﻼل ﺸرح وﻓﻬم ﺘﺄﺜیر اﻟجﻐراف�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟوطن�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ" وأن ﺠوﻫر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻫو‬
‫‪1‬‬
‫اﻟكشﻒ ﻋن ﻓرص اﻟجﻐراف�ﺎ ﻟﻠمواطنین واﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬
‫ﻋند ﻫذﻩ اﻟنﻘطﺔ‪ ،‬ﻨﺄﺘﻲ ﻋبر اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟبنیو�ﺔ ﺒین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ .‬إن اﻟﻔرص اﻟمتﺎﺤﺔ اﻟتﻲ ﺘوﻓرﻫﺎ‬
‫اﻟجﻐراف�ﺎ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ و��ف �مكن ﻟﻠدول أن ﺘستخدم ﻫذﻩ اﻟﻔرص ﻟر�ط اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �ﺎﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ .‬ور�ط اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫ﻤﻊ اﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ واﻟحرب‪ .‬و�ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬ﻫو اﻻﺘجﺎﻩ اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ 2 .‬ﻓﺎﻟﻬدف اﻷول‬
‫ﻤن اﻟجیو�وﻟیت�ك ﻫو دراﺴﺔ اﻷوﻀﺎع اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻠكتﻞ اﻟﻘﺎر�ﺔ و�ﻋطﺎؤﻫﺎ أﻫمیتﻬﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟموﻀوع واﺤد وﺠوﻫري‬
‫ﻫو اﻟس�ﺎدةً اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬و�ذﻟك ﻓﺈن اﻟجیو�وﻟیت�كﺎ ﻋﻠم ﺴ�ﺎﺴﻲ أﺴﺎﺴﺎ �ستمد ﺠذورﻩ ﻤن اﻟجﻐراف�ﺎ وﺤﻘﺎﺌﻘﻬﺎ‪ ،‬و�ﻌمﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫‪3‬‬
‫اﻹﻓﺎدة ﻤنﻬﺎ ﻟخدﻤﺔ ﺨطط ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻌینﺔ‪.‬‬
‫و�ذا �ﺎﻨت اﻟمسﺎﺤﺔ ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر "ﻫوﺴﻬوﻓر" ﻫﻲ اﻟﻌﺎﻤﻞ اﻟمشترك ﺒین اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟجیو�وﻟیت�ك‪،‬‬
‫ﺤیث ﺘ�حث اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻟمسﺎﺤﺔ ﺒینمﺎ ﺘدرس اﻟثﺎﻨ�ﺔ اﻟمسﺎﺤﺔ ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻟدوﻟﺔ‪ .‬ﻓﺈن‬
‫اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﻛثر اﺘسﺎﻋﺎ ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟوظ�ف�ﺔ ﻓﻲ ﺘخط�ط ﻤﻘدار اﻟﻘوة واﻟﻘدرة �مﺎ ﻓیﻬﺎ اﻟمسﺎﺤﺔ �مواردﻫﺎ وطب�ﻌتﻬﺎ‬
‫اﻟطبوﻏراف�ﺔ وﻋﻼﻗتﻬﺎ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ ﻟخدﻤﺔ اﻷﻫداف اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ 4 .‬وﺤیث أن اﻟﻘوة ﺘتجﻠﻰ ﻓﻲ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻷﺸخﺎص‬
‫واﻷﻗﺎﻟ�م واﻟموارد واﻟمﻌﻠوﻤﺎت‪ ،‬وﺘُﻌرف اﻹﺠراءات أو اﻟتداﺒیر ذات اﻟصﻠﺔ أ�ضﺎ �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ أو اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺈن اﻟﻘوة ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﻫﻲ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﻓرض ﺸﻲء ﻤﺎ ﻀد إرادة اﻵﺨر�ن‪ .‬ﻟذﻟك ﻓﺈن ﺠوﻫر اﻟتﻌﺎر�ف ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫‪5‬‬
‫ﻫو ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة اﻟمكﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬واﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻫﻲ اﻟمﻔﻬوم اﻷﺴﺎﺴﻲ‪.‬‬
‫ﻤثیر ﻟﻼﻫتمﺎم ﺒین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫ﺘمییز ًا‬
‫ﻋﺎﻟم اﻟس�ﺎﺴﺔ "ﺒر�جنسكﻲ" ‪� Zbigniew Brzezinski‬میز ًا‬
‫�جﺎ ﻤن اﻟﻌواﻤﻞ اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحدد ﺤﺎﻟﺔ اﻟدوﻟﺔ أو اﻟمنطﻘﺔ‪،‬‬
‫واﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪" :‬ﺘﻌكس اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤز ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p3.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p3.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p3.‬‬

‫‪37‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫واﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ ﺘﺄﺜیر اﻟجﻐراف�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﺘشیر اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ إﻟﻰ اﻟتطبیق اﻟشﺎﻤﻞ واﻟمخطط ﻟﻠتداﺒیر ﻟتحﻘیق ﻫدف‬
‫‪1‬‬
‫ﻤر�زي أو اﻷﺼول اﻟحیو�ﺔ ذات اﻷﻫم�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ؛ وﺘندﻤﺞ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤﻊ اﻻﻋت�ﺎرات اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪.‬‬

‫واﻨطﻼﻗﺎ ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺘحدﯿد اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟوظ�ف�ﺔ ﻟكﻞ ﻤن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ �ستﻠزم ﺘوﻀ�ﺢ ﻋنﺎﺼر‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ أوﻻ ﺜم ﻋنﺎﺼر اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬وﻫﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻹﻛتﻔﺎء اﻟذاﺘﻲ أو اﻟمسﺎﻋدة اﻟذاﺘ�ﺔ‪ :‬ﻤن اﻟشروط اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻌﻠم اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ أن‬
‫اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻓوﻀوي ﻷﻨﻪ ﻻ ﺘوﺠد ﺴﻠطﺔ ﻤر�ز�ﺔ ﻟوﻀﻊ و�ﻨﻔﺎذ اﻟﻘواﻋد اﻟتﻲ �مكن ﺘطب�ﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘصرﻓﺎت اﻟدول‪،‬‬
‫واﻟنت�جﺔ اﻟطب�ع�ﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻔرﻀ�ﺔ ﻫﻲ أﻨﻪ ﻓﻲ ﻤثﻞ ﻫذﻩ اﻟبیئﺔ اﻟﻔوﻀو�ﺔ ﺴیتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟدول أن ﺘﻌتمد ﻋﻠﻰ ﻤواردﻫﺎ‬
‫ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻓﻲ أدﺒ�ﺎت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ �ﺎﺴم "اﻟمسﺎﻋدة اﻟذاﺘ�ﺔ"‪.‬‬
‫اﻟذاﺘ�ﺔ ﻟﻠ�ﻘﺎء‪ ،‬واﻟتﻲ �شﺎر إﻟیﻬﺎ ً‬
‫ﺠدا‪ ،‬ﻟم ﺘﻌتمد اﻟدول اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻋﻠﻰ أي ﺸﻲء ﺴوى ﻨﻔسﻬﺎ‪ً .‬ا‬
‫ﻨظر ﻷن ﻟكﻞ دوﻟﺔ دواﻓﻊ واﻋت�ﺎرات‬ ‫ﻟﻔترة طو�ﻠﺔ ً‬
‫ﻤتشﺎﺒﻬﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﺘم ﺘصو�ر ﻤجﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤكﺎن ﻟﻠحرب اﻟمستمرة أو اﻟصراع ﻋﻠﻰ اﻟﻬ�منﺔ‪ 3 .‬وﻤن‬
‫ﻤنظور واﻗﻌﻲ ﺘع�ش اﻟدول ﻓﻲ ﻋﺎﻟم �ﻘوم ﻋﻠﻰ اﻹﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ اﻟذات‪ ،‬ﻟذﻟك ﺘتصرف داﺌمﺎ وﻓﻘﺎ ﻟمصﻠحتﻬﺎ اﻟذاﺘ�ﺔ وﻻ‬
‫ﺘضﻊ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ �ﻌد ﻤصﺎﻟﺢ اﻟدول اﻷﺨرى‪ .‬إن إدراك اﻟدول ﻟطب�ﻌﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﯿدﻓﻌﻬﺎ ﻟﻠ�حث ﻋن اﻟطر�ﻘﺔ اﻟمثﻠﻰ‬
‫ﻟضمﺎن �ﻘﺎﺌﻬﺎ وﻫﻲ ﺘﻌظ�م اﻟﻘوة أﻤﺎم ﻤنﺎﻓسیﻬﺎ اﻟمحتمﻠین وﻟن ﯿتم ذﻟك إﻻ ﻤن ﺨﻼل اﺘ�ﺎع ﺴ�ﺎﺴﺎت ﺘوﺴع�ﺔ‪ 4 .‬ﻟذﻟك‬
‫ﻓﺈن اﻟكﻔﺎ�ﺔ اﻟذاﺘ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟكبرى �جب أن ﺘمتد إﻟﻰ ﻤسطحﺎت �بر�ﺔ ﻤن اﻟ�ﺎ�س اﻷرﻀﻲ ﻓﻲ ﺼورة "اﻻﻗتصﺎد‬
‫"‪5 .‬‬ ‫اﻟكبیر ﻤكﺎﻨ�ﺎ‪Wirtschaft Grossraum‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﻓكرة اﻟمجﺎل اﻟحیوي‪:‬‬


‫أﺼ�ﺢ اﻟﻔضﺎء اﻟحیوي ﺒـتﺄﺜیر "ﻓر�دﯿر�ك راﺘزل" ﻤرادﻓﺎ ﻟمﻔﻬوم ﻤنطﻘﺔ اﻟنﻔوذ أو اﻟمجﺎل اﻟمخصص‬
‫)اﻟمحجوز(‪ ،‬وﺘم ﺘﻌر�ف اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻤن ﻗبﻞ راﺘز�ﻞ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤسﺎﺤﺔ اﻟسطﺢ اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟمطﻠو�ﺔ ﻟضمﺎن �ﻘﺎﺌﻬﺎ‪،‬‬
‫وﻤﻊ ﻨمو اﻟسكﺎن‪� ،‬جب أن ﺘتوﺴﻊ‪ .‬ﻗدﻤت ﻫذﻩ اﻟنظر�ﺔ اﻷﺴﺎس ﻟﻠتوﺴﻊ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول‪ ،‬وﺨﺎﺼﺔ‬
‫اﻟدوﻟﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ 6 .‬ﻓﻔﻲ أﻋﻘﺎب ﻫز�مﺔ أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ طور �ﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر ﻓكرﺘﻪ اﻟخﺎﺼﺔ ﺤول‬
‫ﻤؤﻟمﺎ‪.‬‬
‫إﻗﻠ�م�ﺎ ً‬
‫ً‬ ‫ﺒتر‬
‫اﻟجیو�وﻟیت�ك ﺒﻬدف ﺘشو�ﻪ ﺴمﻌﺔ ﻤﻌﺎﻫدة ﻓرﺴﺎي اﻟتﻲ ﻓرﻀت �شكﻞ ﻤﻬین ﻋﻠﻰ أﻟمﺎﻨ�ﺎ ًا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ali Onur ÖZÇELİK, Op. cit. p 61‬‬
‫‪ -4‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣﺄﺳﺎة ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻘوى اﻟﻌظﻣﻰ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺻطﻔﻰ ﻣﺣﻣد ﻗﺎﺳم‪) ،‬اﻟرﯾﺎض‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻠك ﺳﻌود‪ ،(2001 ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -5‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ -6‬ﺟﯾرار دﯾﺳوا‪ ،‬دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺟﯾوﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻗﺎﺳم اﻟﻣﻘداد‪) ،‬دﻣﺷﻖ‪ ،‬دار ﻧﯾﻧوى ﻟﻠدراﺳﺎت‪ ،(2014 ،‬ص ‪.103‬‬

‫‪38‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫و�نﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺘم ﺘبنﻲ ﻤﻔﻬوم �یﻠین ﻟﻠجیو�وﻟیت�ك "وﺘكی�ﻔﻪ وﺘشو�ﻬﻪ ﻓﻲ اﻟنﻬﺎ�ﺔ ﻷﻏراض ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ"‪ .‬ظﻞ‬
‫ً‬
‫ﻏﺎﻤضﺎ �شﺄن اﻟتﻌر�ف واﻷﺴﺎس اﻟنظري ﻟﻠجیو�وﻟیت�ك‪ .‬وﻗد اﺴتُخدﻤت ﻤﻔﺎه�م اﻟﻔضﺎء ﻤثﻞ‬ ‫ً‬ ‫داﺌمﺎ‬
‫‪ً Haushofer‬‬
‫"‪"Lebensraum‬و"‪"Grossraum‬و "‪ "Mitteleuropa‬اﺴتخداﻤﺎً دون ﻨﻘد‪� ،‬مﺎ اﺴتُخدﻤت �ﺎﻻﻗتران ﻤﻊ " رﺴم اﻟخراﺌط‬
‫اﻟسحر�ﺔ " �وﺴیﻠﺔ ﻟﻠدﻋوة ﻟتﻌز�ز أﺠندة ﺘوﺴع�ﺔ‪ .‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺘم دﻤجﻬﺎ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻻﺸتراﻛ�ﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ �ﻌد‬
‫‪1‬‬
‫ﻋﺎم ‪ .1933‬وﻟكن ﻫذا ﻻ �ﻌنﻲ أن اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﺘؤﺜر �شكﻞ ﻤ�ﺎﺸر ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟذﻟك‪� ،‬ﺎﻨت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �مثﺎ�ﺔ ﻋنصر رﺌ�سﻲ ﻓﻲ ﺘﻌر�ف وﺘﻌظ�م اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوطن�ﺔ‪ .‬وﻓوق �ﻞ ﺸﻲء‪،‬‬
‫ارﺘ�طت اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوطن�ﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟحق�ﺔ ﻓﻲ �ثیر ﻤن اﻷﺤ�ﺎن �ﺎﻷﻤن اﻟذي اﺴتﻠزم إﻤﺎ اﻟدﻓﺎع أو ﺘوﺴ�ﻊ اﻷراﻀﻲ‬
‫اﻟوطن�ﺔ‪ .‬وﻓﻲ �ﻠتﺎ اﻟحﺎﻟتین‪� ،‬ﺎن ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ أﻫم�ﺔ �بیرة‪ .‬ﻓﺎﻟدول اﻟتﻲ ﺘمكنت ﻤن اﻻﺴتﻔﺎدة �شكﻞ أﻓضﻞ ﻤن‬

‫ﻤزا�ﺎﻫﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﺴتﻐﻼل اﻟمسﺎوئ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟخصوﻤﻬﺎ ﻤن اﻟمرﺠﺢ أن ﺘكون ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟمضﻲ ً‬
‫ﻗدﻤﺎ ف�مﺎ‬
‫ﯿتﻌﻠق �حمﺎ�ﺔ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوطن�ﺔ‪ .‬و�طب�ﻌﺔ اﻟحﺎل‪� ،‬ﺎﻨت ﺘﻠك اﻟدول اﻟتﻲ �ﺎن ﻟﻬﺎ ﻨﻔوذ أﻛبر ﻤن ﺤیث اﻟمخزون‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺘحدﯿد ﻫو�ﺔ ﺴ�ﺎﺴﺔ ﺨﺎرﺠ�ﺔ أﻛثر ﻋدواﻨ�ﺔ وﺘوﺴع�ﺔ‪.‬‬
‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬اﻷﻗﺎﻟ�م اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ :‬اﻟنظم اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺘخضﻊ ﻟمجموﻋﺔ ﻤن اﻟمحددات ﺘض�ط ﻤسﺎرﻫﺎ وﺘحدد‬
‫أﻨمﺎطﻬﺎ‪ ،‬و�ﻠﻌب ﻤتﻐیر ﺘوز�ﻊ اﻟﻘوة دو ار أﺴﺎﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﺘشكیﻞ ه�كﻠ�ﺔ اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ وأﻨمﺎط ﺘﻔﺎﻋﻼﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻬو اﻟذي �حدد‬
‫وﺠود أو ظﻬور ﻗوة ﻤﻬ�منﺔ ﻤن ﻋدﻤﻪ‪ ،‬و�ﻔسر أﻨمﺎط اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻟتﻲ ﺘحدث داﺨﻞ اﻟنظﺎم وﻤﻊ أطراف ﻤن ﺨﺎرج‬
‫‪3‬‬
‫اﻟنظﺎم‪� ،‬مﺎ �ﻔسر ﺤﺎﻻت اﻹﺴتﻘطﺎب ﺒین أطراف اﻟنظﺎم‪.‬‬
‫وﺘختﻠﻒ اﻟنظم اﻹﻗﻠ�م�ﺔ وﺘتمﺎﯿز ﻋن �ﻌضﻬﺎ اﻟ�ﻌض ﻓﻲ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟصﻔﺎت‪ ،‬ﻫذﻩ اﻟصﻔﺎت ﺘتﻌﻠق أﺴﺎﺴﺎ‬
‫�مسﺎﻋﻲ اﻟﻬ�منﺔ اﻟتﻲ �ﻘوم ﺒﻬﺎ اﻟمﻬ�من اﻹﻗﻠ�مﻲ وردود اﻟﻔﻌﻞ‪ ،‬وﻤدى اﻨﻐمﺎس اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ ﺘنﺎﻓس اﻟﻘوى‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻌظمﻰ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ‪.‬‬
‫‪ -1‬اﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ‪International System:‬‬

‫اﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ ﻋند "ﻤورﺘون �ﺎﺒﻼن" ‪ Morton Kaplan‬ﯿتكون ﻤن ﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟمتﻐیرات اﻟتﻲ‬
‫ﺘترا�ط ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ وﺘتداﺨﻞ‪ ،‬وﺘؤدي ﺘﻔﺎﻋﻼت ﺘﻠك اﻟمتﻐیرات إﻟﻰ اﻨتﺎج أﻨمﺎط ﺠدﯿدة ﻤتمﺎﯿزة ﻤن اﻟسﻠوك اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﻤن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-I bid, p 61.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد إدرﯾس‪ ،‬ﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧظم اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ‪ :‬دراﺳﺔ ﻓﻲ أﺻول اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ‪) ،‬اﻟﻘﺎھرة‪ ،‬ﻣرﻛز اﻟدراﺳﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪،(2001 ،‬‬
‫ص ‪.65‬‬
‫‪ -4‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ص ‪.68-67‬‬

‫‪39‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺜم ﻓﺈﻨﻪ ﺒتحﻠیﻞ ﻋﻼﻗﺎت اﻟتﺄﺜیر اﻟمت�ﺎدل اﻟتﻲ ﺘر�ط ﻫذﻩ اﻟمتﻐیرات اﻟتﻲ �ﻌتمد ﻋﻠیﻬﺎ ﺘوازن اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ واﺴتﻘ اررﻩ‪،‬‬
‫�مكن اﻟتﻌرف إﻟﻰ ﺠواﻨب اﻹﻨتظﺎم ‪ Regularities‬أو ﻋدم اﻹﻨتظﺎم ﻓﻲ اﻨشطتﻪ وﻋمﻠ�ﺎﺘﻪ‪ 1 .‬ﻓﺎﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﺒﻬذا‬
‫اﻟمﻌنﻰ ﻫو اﻟبیئﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘتﻔﺎﻋﻞ ﻓیﻬﺎ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول أﺴﺎﺴﺎ‪� 2 .‬حسب "ﻫیدﻟﻲ ﺒول" ‪Hedley bull‬‬

‫أن اﻟمﻘصود �ﺎﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ ﻤنظوﻤﺔ اﻟدول ﻓحسب‪ .‬وﺘوﺠد ﻫذﻩ اﻟمنظوﻤﺔ ﺤینمﺎ ﯿتوﻓر ﺒین دوﻟتین أو أﻛثر‬
‫ﻤﺎ �كﻔﻲ ﻤن اﻟتواﺼﻞ ﺒینﻬمﺎ‪ ،‬وﻤﺎ �كﻔﻲ ﻤن اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻷﺨرى �سبب ﻤﺎ ﺘتخذﻩ اﻟﻘوى اﻟكبرى ﻤن ﻗ اررات‬
‫‪3‬‬
‫ﻹﺠ�ﺎر اﻟدول اﻷﺨرى ﻋﻠﻰ اﻟتصرف ﺒوﺼﻔﻬﺎ أﺠزاء ﻤن اﻟكﻞ‪.‬‬
‫اﺴتند اﻹطﺎر اﻟتحﻠیﻠﻲ ﻟـ ‪ Gerard Dussouy‬إﻟﻰ ﺜﻼﺜﺔ ﻤﻔﺎه�م رﺌ�س�ﺔ‪ :‬اﻟمنﺎطق اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ ﻟﻬﺎ‬
‫اﻤتداد ﻋﺎﻟمﻲ‪ ،‬وﺘﻘس�مﺎﺘﻬﺎ اﻟﻔرع�ﺔ‪ ،‬واﻟمنﺎطق اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬اﻟمشتﻘﺔ ﻤ�ﺎﺸرة ﻤن اﻟمنﺎطق اﻟجﻐراف�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ ﻟﻬﺎ ﻨطﺎق‬
‫إﻗﻠ�مﻲ ﻓﻘط‪ ،‬واﻷﺤزﻤﺔ اﻟمتكسرة‪" ،‬ﻤنطﻘﺔ ]ﻤنﺎطق[ �بیرة ذات ﻤوﻗﻊ اﺴتراﺘ�جﻲ ]اﻟمنﺎطق[ ]…[ ﺘحتﻠﻬﺎ ﻋدد ﻤن‬
‫اﻟدول اﻟمتنﺎﻓسﺔ وﻫﻲ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﺒین اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمتضﺎر�ﺔ ﻟﻠﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ .‬ﺘم ﺘحو�ﻞ اﻟمﻔﻬوم اﻷوﻟﻲ ﻟﻠمنﺎطق‬
‫اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ إﻟﻰ ﻤﻔﻬوم اﻟمجﺎﻻت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬وﺘم ﺘطو�ر ﻤﻔﺎه�م ﺠدﯿدة‪ ،‬ﻤثﻞ ﻤنﺎطق اﻟبوا�ﺔ‪ ،‬ودول اﻟبوا�ﺔ‪،‬‬
‫دول اﻟت�ﺎدل اﻟصﻐیرة ذات اﻟس�ﺎدة اﻟمؤﻫﻠﺔ ﺴوف ﺘُﻔصﻞ ﻋن اﻟك�ﺎﻨﺎت اﻟوطن�ﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ وﺘسﺎﻋد ﻋﻠﻰ ر�ط اﻟنظﺎم‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ"‪.‬‬

‫وﻀمن اﻟتسﻠسﻞ اﻟﻬرﻤﻲ ﻟﻠنظﺎم اﻟدوﻟﻲ �ﺄﺘﻲ اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ �وﺤدة ﺘحﻠیﻞ ﻤتوﺴطﺔ ﺒین اﻟدول اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻤن‬
‫ﻨﺎﺤ�ﺔ واﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ .‬ﻓﻲ أ�سط ﻤﻌﺎﻨ�ﻪ‪ ،‬ﻫو ﻨمط ﻤن اﻟتﻔﺎﻋﻼت ﺒین وﺤدات ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤستﻘﻠﺔ‬
‫‪5‬‬
‫داﺨﻞ إﻗﻠ�م ﺠﻐراﻓﻲ ﻤﻌین‪ .‬أي أﻨﻪ إطﺎر ﺘﻔﺎﻋﻠﻲ ﻤمیز ﺒین ﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟدول‪� ،‬ﻔترض أﻨﻪ ﯿتسم ﺒنمط�ﺔ اﻟتﻔﺎﻋﻼت‪.‬‬
‫ﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟتنظ�م اﻹﻗﻠ�مﻲ �شیر إﻟﻰ وﺠود ﺘسﻠسﻞ ﺒنیوي ﯿتم ﺘحدﯿدﻩ �مﺎ ﯿﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ -2‬اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ ذو اﻹﻤتداد اﻟﻌﺎﻟمﻲ "اﻹﻗﻠ�م اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ"‪Geostrategic Region :‬‬

‫�مكن اﻟتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻤن ﻤنظور�ن‪� ،‬حكم وﺴطیتﻪ ﺒین اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ واﻟدول اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪ .‬ﻓﻬو‬
‫وﻓﻘﺎ ﻟﻠمنظور اﻷول ﻨظﺎم ﻓرﻋﻲ أو ﺘﺎ�ﻊ ‪ ،Sub-System‬أي أﻨﻪ ﯿتﻔرع ﻋن اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ و�طﻠق ﻋﻠ�ﻪ اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ‬
‫ذو اﻹﻤتداد اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬واﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ وﻓﻘﺎ ﻟﻠمنظور اﻟثﺎﻨﻲ‪ ،‬ﻨظﺎم اﻗﻠ�مﻲ‪� Regional System‬مﻌنﻰ ﺘﻔك�ك ﻟﻠنظﺎم‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد إدرﯾس‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.17‬‬


‫‪ -2‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -3‬ﺟﯾرار دﯾﺳوا‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪ -5‬ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد إدرﯾس‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪40‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟدوﻟﻲ ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ إﻟﻰ ﻋدة ﻨظم ﻓرع�ﺔ‪ ،‬وﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى ﺘجم�ﻊ ﻟﻌدد ﻤن اﻟدول اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟمتجﺎورة �جمﻊ ﺒینﻬﺎ إطﺎر‬
‫‪1‬‬
‫ﺘﻔﺎﻋﻠﻲ ﻤمیز‪.‬‬
‫اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ ذو اﻹﻤتداد اﻟﻌﺎﻟمﻲ �طﻠق ﻋﻠﻰ أﻗﺎﻟ�م �بیرة اﻟحجم �ﺎﻟضرورة ﺤتﻰ ﺘستط�ﻊ أن ﺘكسب ﻗدرة‬
‫اﻟتﺄﺜیر اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬وﻫذﻩ إﺤدى ﺨصﺎﺌص اﻟوظﺎﺌﻒ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻬذﻩ اﻷﻗﺎﻟ�م‪ ،‬ﻟذﻟك ﻓﺈن اﻷﻗﺎﻟ�م اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻫﻲ‬
‫اﻟتﻌبیر ﻋن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟمتداﺨﻠﺔ ‪ Interrelation chips‬ﺒین اﻟمسﺎﺤﺎت اﻟكبرى ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ف�مﺎ �خص اﻟموﻗﻊ ‪Location‬‬
‫‪2‬‬
‫واﻟحر�ﺔ ‪ ،Movment‬وﺘوﺠ�ﻪ اﻟتجﺎرة واﻟثﻘﺎﻓﺔ وﺤر�ﺔ اﻟت�ﺎرات اﻹﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ وﻀوا�طﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻤن ﻫنﺎ ﻓﺈن ﺘحدﯿد اﻹﻗﻠ�م اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ �ﻌتمد ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻤﻠﻲ اﻟحر�ﺔ واﻟمكﺎن‪ .‬وأداة اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ ﻀمن ﻫذﻩ‬
‫‪3‬‬
‫اﻷﻗﺎﻟ�م ﻫﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﻠ�ﺎ )اﻟشﺎﻤﻠﺔ(‪ ،‬وﻤن ﺨصﺎﺌصﻬﺎ وﺠود اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘﺎﺌدة ﻟﻺﻗﻠ�م‪.‬‬
‫وﻤثﺎل ذﻟك‪� ،‬ﻘسم اﻟكثیر ﻤن اﻟجﻐراﻓیین اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ إﻗﻠ�مین ﺠیوﺴتراﺘ�جیین ﻫمﺎ‪ :‬إﻗﻠ�م اﻟ�حر اﻟﻌﺎﻟﻲ‬
‫‪ Maritime‬وﺠوﻫرﻩ ﺘجﺎري‪-‬اﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬واﻟثﺎﻨﻲ �تﻠﺔ أوراﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ‪ ،‬و�ض�ف آﺨرون إﻗﻠ�م ﺜﺎﻟث‪ ،‬ﻫو ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬندي‪ .‬ﯿتكون اﻹﻗﻠ�م اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻷول‪ ،‬ﻤن أر�ﻌﺔ أﻗﺎﻟ�م ﺠیو�وﻟیت�ك�ﺔ‪ ،‬ﻫﻲ‪ :‬أﻤر�كﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻤنطﻘﺔ �حر‬
‫اﻟكﺎر�بﻲ‪ ،‬وأورو�ﺎ اﻟ�حر�ﺔ اﻷوق�ﺎﻨوﺴ�ﺔ وﻤجموﻋﺔ اﻟجزر اﻟمح�طﺔ �ﺂﺴ�ﺎ‪ ،‬وأﻤر�كﺎ اﻟجنو��ﺔ‪ ،‬أﻤﺎ اﻹﻗﻠ�م اﻟجیواﺴتراﺘجﻲ‬
‫اﻟثﺎﻨﻲ ﻓیتكون ﻤن إﻗﻠ�مین ﺠیو�وﻟیت�كیین‪ ،‬ﻫمﺎ‪ :‬ﻤنطﻘﺔ اﻟﻘﻠب اﻟروﺴﻲ اﻟﻘﺎر�ﺔ ﻤﻊ أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ‪ ،‬و�ﻗﻠ�م ﺸرق آﺴ�ﺎ‪-‬‬
‫‪4‬‬
‫اﻟصین‪.‬‬
‫‪-3‬اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ ذو اﻟحدود اﻹﻗﻠ�م�ﺔ )اﻹﻗﻠ�م اﻟجیو�وﻟیت�كﻲ( ‪Geoplotical Region‬‬

‫�ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻤستوى ﺘحﻠیﻠ�ﺎ ﻤتوﺴطﺎ ﺒین ﺘحﻠیﻞ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﺘحﻠیﻞ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول اﻟﻘوﻤ�ﺔ‬
‫و�ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻨظمﺎ ﻓرع�ﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﺤیث ر�ز ﻤنظروا اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ دراﺴﺔ اﻟﻘوى اﻟكبرى واﻟتﻔﺎﻋﻼت‬
‫اﻟتﻲ ﺘحدث ﻓﻲ ﻗمﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ �صﻔﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬وﺘﻌﺎﻤﻠوا ﻤﻊ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ �جزء ﻤن دراﺴﺔ اﻟمنﺎطق ‪Area Studies‬‬
‫‪5‬‬
‫دون ﻤﻘﺎرﻨﺔ �ﻌضﻬﺎ �ﺎﻟ�ﻌض اﻵﺨر‪.‬‬
‫اﻷﻗﺎﻟ�م اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻫﻲ أﺼﻐر ﻤن اﻷﻗﺎﻟ�م اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬واﻹطﺎر اﻹﻗﻠ�مﻲ اﻟمتجﺎﻨس �شكﻞ ﺨﻠف�ﺔ‬
‫‪6‬‬
‫ﻟﻼﻨسجﺎم ﻓﻲ اﻻﺘجﺎﻫﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﻤمﺎ �شجﻊ ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﺎون واﻟتكﺎﻤﻞ اﻹﻗﻠ�مﻲ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد إدرﯾس‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ -2‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.29-28‬‬
‫‪ -3‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -4‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -5‬ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد إدرﯾس‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ -6‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪41‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫واﻹﻗﻠ�م اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ‪� ،‬مﺎ ﯿرى "إدوارد ﻤیداﯿرل" ﻟﻪ دورﻩ اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻟتﻔﺎﻋﻞ اﻟمسﺎﺤﻲ ﺒین‬
‫اﻟنظم أو اﻷﻗﺎﻟ�م اﻟجﻐراف�ﺔ‪ ،‬أﻤﺎ اﻹﻗﻠ�م اﻟجیو�وﻟیت�كﻲ ﻓﻠﻪ دورة اﻟتكت�كﻲ واﻟذي �ﻘﻞ أﻫم�ﺔ ﻋن اﻟدور اﻷﻋظم اﻟذي‬
‫ﯿﻠع�ﻪ اﻹﻗﻠ�م اﻷﻋظم‪� ،‬مﺎ �صﻔﻪ اﻟ�ﻌض‪.‬‬
‫ﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻨﻬ�ﺎر اﻟﻘطب�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬و�روز اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻘوة وﺤیدة‪ ،‬ﻗد ﻏیر اﻟكثیر ﻤن اﻷﻗﺎﻟ�م‬
‫اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬واﻟجیو�وﻟیت�ك�ﺔ‪ ،‬وﺘﻌتمد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟتﻼﻋب �ﺎﻟجﻐراف�ﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺴﻌیﻬﺎ وﻤحﺎوﻟتﻬﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﻟتحو�ﻞ اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ إﻗﻠ�م ﺠیواﺴتراﺘ�جﻲ واﺤد ﺘحت ه�منتﻬﺎ‪.‬‬
‫د‪-‬اﻟصراع ﺒین اﻟﻘوى اﻟبر�ﺔ واﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ‪:‬‬
‫ﺘكشﻒ دراﺴﺎت ﺘسﻠسﻞ اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻋن ﻤسﺎر ﻤﻼزم ﻟتحول اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴیین‬
‫اﻷﻟمﺎن ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ أن ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم‪� ،‬ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻗﺎﻋدة ﻟﻠﻘوة اﻟبر�ﺔ �مكن أن ﺘكون أﻋظم اﻟﻘوى ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬اﻟدول اﻟ�حر�ﺔ‬
‫�مكن أن ﺘخضﻊ ﻟس�طرة اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ اﻟبر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘس�طر ﻋﻠﻰ ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم ﻟو اﺴتطﺎﻋت ﻫذﻩ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟنطﺎق‬
‫‪2‬‬
‫اﻟداﺌري اﻟ�حري اﻟداﺨﻠﻲ اﻟذي �متد ﻤن اﻟجزر اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ إﻟﻰ أرﺨبیﻞ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪.‬‬
‫اﻟمطﻠب اﻟرا�ﻊ‪ :‬اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ واﺸكﺎﻟ�ﺔ اﻟتوازن اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‬
‫�ﻌد ﻤوﻀوع اﻟتوازن اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى ﻤن أﻛثر اﻟموﻀوﻋﺎت اﻟتﻲ ﺘدور ﺤوﻟﻬﺎ‬
‫اﻟنﻘﺎﺸﺎت واﻟدراﺴﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪� ،‬وﻨﻬﺎ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ اﻟخصﺎﺌص اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟنظﺎم اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‬
‫وﺘﻔﺎﻋﻼﺘﻪ‪ 3 .‬و�ﻌرف اﻟتوازن اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪� ،‬ﺄﻨﻪ‪" :‬اﻟتﻌﺎدل اﻟنسبﻲ اﻟمتكﺎﻓﺊ ﻓﻲ اﻹﻤكﺎﻨ�ﺎت وﺠم�ﻊ ﻋنﺎﺼر‬
‫اﻟﻘوة اﻟبنﺎﺌ�ﺔ واﻟسﻠو��ﺔ واﻟق�م�ﺔ )اﻟمﺎد�ﺔ وﻏیر اﻟمﺎد�ﺔ( اﻟتﻲ ﺘحتوي ﻋﻠیﻬﺎ اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ واﻟﻘوى اﻟمتحﺎﻟﻔﺔ ﻤﻌﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻀمن اﻟنطﺎق اﻟجیو‪-‬ﻋﺎﻟمﻲ‪ ،‬وﻤﺎ ﺘمﺎرﺴﻪ ﻤن ﺴﻠوك ﻓﺎﻋﻞ أو أداء اﺴتراﺘ�جﻲ ﻋﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋمﺎ ﺘﻬ�من ﻋﻠ�ﻪ ﻤن‬
‫ﻤنﺎطق ﺤیو�ﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ )ﻤنﺎطق ﻨﻔوذ(‪ ،‬وﻤﺎ ﯿنتﺞ ﻋن �ﻞ ذﻟك ﻤن آﻟ�ﺎت ﻋمﻞ وﺘﺄﺜیر ﻓﺎﻋﻞ �سﻬم ﻓﻲ ﻀ�ط‬
‫ﺴﻠوك اﻟﻘوى اﻷﺨرى واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻻﺴتﻘرار اﻟدوﻟﻲ‪� ،‬ظﺎﻫرة اﻹﻋتمﺎد اﻹﻗتصﺎدي واﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ واﻟﻌوﻟمﺔ‬
‫واﻟشراﻛﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟمتﻌددة‪ ...‬ﻓﻲ ﺠم�ﻊ اﻟمجﺎﻻت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ ﻤن أﺠﻞ ﻀ�ط ﺤر�ﺔ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد ﯾﺎس ﺧﺿﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪ -2‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -3‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ص ‪.65‬‬
‫‪ -4‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ص ‪.71-70‬‬

‫‪42‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫وﻋن اﻟﻼﻋبین اﻟجیواﺴتراﺘ�جیین اﻟنشطین ﻫم اﻟدول اﻟتﻲ ﺘمﻠك اﻟﻘدرة واﻹرادة اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻟممﺎرﺴﺔ اﻟﻘوة أو‬
‫اﻟنﻔوذ‪� ،‬حیث ﺘتجﺎوز ﺤدودﻫﺎ ﻓﻲ ﺴبیﻞ إﺤداث ﺘﻐییر ﻓﻲ اﻟوﻀﻊ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟﻘﺎﺌم‪ 1 .‬ﻓﺎﻟﻼﻋبین اﻟجیواﺴتراﺘ�جیین‬
‫)اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ( ﻫﻲ اﻟدول اﻟتﻲ �مكنﻬﺎ ﻤمﺎرﺴﺔ ﻗوﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻨطﺎق ﻋﺎﻟمﻲ و�مكن أن ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‬
‫ﻟصﺎﻟﺢ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﻫﻲ ﻗوى ﻋﺎﻟم�ﺔ وﺘضﻊ ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﻋﺎﻟم�ﺔ‪ .‬ﯿتم‬
‫ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻟتحﻘیق ﻤصﺎﻟﺢ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ واﻟتﻲ ﺘتطﻠب ﻓﻲ اﻟبدا�ﺔ ﻗوة ﻋسكر�ﺔ �بیرة وﻗوة‬

‫اﻗتصﺎد�ﺔ أﻛبر ﻟتﻐط�ﺔ ﺘكﺎﻟ�ﻔﻬﺎ وﻏیرﻫﺎ ﻤن ﻗدرات اﻟﻘوة اﻷﺨرى ً‬


‫‪2‬‬
‫أ�ضﺎ‪.‬‬
‫ﺘكسب اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﺤصصﺎ ﻏیر ﻤتسﺎو�ﺔ وﻤن اﻟمكﺎﺴب �شكﻞ ﯿؤﺜر ﻓﻲ ﺤر�ﺔ وﺸكﻞ اﻟتوازﻨﺎت‪ .‬ﻓﻐﺎﻟ�ﺎ‬
‫ﻤﺎ ﺘكون اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟع�ﺔ ﺘمﺎرﺴﻬﺎ اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟمنﻊ دول أﺨرى ﻤن ﺘحﻘیق أﻫداﻓﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟتﻔﺎﻋﻼت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﺤین ﺘكون اﻟدول اﻟضع�ﻔﺔ ﻀح�ﺔ ﻻﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟﻘوى اﻟمﻬ�منﺔ‪ ،‬و�دون ﺸك‬
‫ﻓﺈن اﻟتوازﻨﺎت اﻟمختﻠﺔ ﺘكون ﻤرﻓوﻀﺔ ﻤن ﻗبﻞ اﻟﻘوى اﻟتﻲ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﻐییر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن �ﻠ�ﺎ أو ﺠزﺌ�ﺎ ﻷﺠﻞ أن‬
‫ﺘكون اﻟتوازﻨﺎت اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ودﯿنﺎﻤ�ﺔ وﺘضمن اﺴتﻘرار أوﺴﻊ وﻋﻼﻗﺎت ﻗوى ﻤشتر�ﺔ وﻤتوازﻨﺔ ﻤﻊ اﻟضﻐوط‬
‫اﻟمضﺎدة‪ .‬و�ذﻟك ﻓﺈن اﻟتوازن �ص�ﺢ ﻤحصﻠﺔ ﻓﻌﻞ إدراﻛﻲ ﻫﺎدف ﻟتوظ�ف اﻹﻤكﺎﻨﺎت واﻟﻘدرات‪� ،‬مﺎ �حﻘق ﻋنﺎﺼر‬
‫ﺤث ﻤستدع�ﺔ أو ﻗوى داﻓﻌﺔ �ﺎﺘجﺎﻩ ﺘﻘﺎﺴم اﻷدوار وﺘدع�م ﻓرص اﻟ�ﻘﺎء وﺘحﻘیق اﻷﻫداف‪ ،‬وﻫكذا ﯿبدو اﻟتوازن �ﻔﻌﻞ‬
‫و�مﻌطﻰ ﯿتمثﻞ �ﺎﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﻠ�ﺎ ﻟمجمﻞ اﻟس�ﺎﺴﺎت واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟﻬﺎدﻓﺔ اﻟتﻲ ﺘتوﺤد ﻓﻲ ﻤتﻐیر ﺤﺎﻟﺔ اﻟتوازن‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمطﻠوب ﺘحق�ﻘﻬﺎ‪.‬‬
‫إن ظﺎﻫـرة اﻟتﻐییر ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴـﺎت وﺘﻔﺎﻋﻼت اﻟنظـﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻓضﻼً ﻋن ه�كﻠیتـﻪ ﻟم ﺘنﻘطﻊ ﻤنذ ﺘشـكیﻠﻪ‪ ،‬وذﻟك‬
‫ﺘ�ﻌـﺎً ﻟﻠتﻐییر ﻓﻲ اﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟﻘـوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﻤـﺎ ﺘحتـوي ﻋﻠیـﻪ ﻤـن إﻤكﺎﻨیـﺎت وﻗـدرات ﺘدﻓـﻊ ﺒﻬـﺎ ﻟﻠق�ﺎم ﺒـﺄداء‬
‫اﺴتراﺘ�جﻲ ﻤﻐﺎﯿـر ﻟسـﺎ�ﻘﻪ‪ ،‬وأﻛرث اﻨسـجﺎﻤﺎًّ ﻤﻊ ﺘطﻠﻌﺎت وأﻫـداف ﺘﻠك اﻟﻘوى‪ ،‬و�ذﻟك ﻋد اﻟتﻐیري ﺴـمﺔ أﺴﺎﺴـ�ﺔ ﻤن‬
‫‪4‬‬
‫ﺴمﺎت اﻟنظـﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬
‫و�روز ﻗوة ﻋظمﻰ ﻓﻲ ﻗدراﺘﻬﺎ وﺴﻠو�ﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟتﻬ�من ﻋﻠﻰ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ �حﻔز إﻟﻰ‪/‬أو �ظﻬر ﺘحﺎﻟﻔﺎت‬
‫وﺸر�ﺎت ﺠدﯿدة ﻫدﻓﻬﺎ اﻟمحﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ أﻤنﻬﺎ وﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل ﻨظﺎم ﻤتوازن ﻤﻊ ﺘﻠك اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘحﺎول اﻟس�طرة‪،‬‬

‫‪ -1‬زﺑﯾﻐﻧﯾﯾف ﺑرﯾﺟﻧﺳﻛﻲ‪ ،‬رﻗﻌﺔ اﻟﺷطرﻧﺞ اﻟﻛﺑرى‪ :‬اﻟﺗﻔوق اﻷﻣرﯾﻛﻲ وﺿروراﺗﮫ اﻟﺟﯾواﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﻣﻠﺣﺔ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﺳﻠﯾم أﺑراھﺎم‪) ،‬دﻣﺷﻖ‪ ،‬دار ﻋﻼء اﻟدﯾن‬
‫ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬ط ‪ ،(2008 ،4‬ص ‪.49‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 12.‬‬
‫‪ -3‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪" ،‬اﻟﺗﻐﯾﯾر ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﻣراﻛز اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪ :‬رؤﯾﺔ ﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ"‪ ،‬ﻣﺟﻠﺔ ﺗﻛرﯾت ﻟﻠﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪) ،‬اﻟﻌراق‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻧﮭرﯾن‪ ،‬اﻟﻌدد ‪،4‬‬
‫‪ ،(2015‬ص ‪.16‬‬

‫‪43‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫وﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟنحو ﻓﺈن اﻟﻘوى اﻟكبرى واﻟﻌظمﻰ ﺘكون ﻋﻠﻰ ﻗدر ﻋﺎل ﻤن إدراك طب�ﻌﺔ اﻟتوازﻨﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ واﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤن‬
‫ﺠﻬﺔ‪ ،‬وطب�ﻌﺔ اﻟمحﺎوﻻت اﻟراﻤ�ﺔ إﻟﻰ اﻟس�طرة وﺘوﺴ�ﻊ داﺌرة اﻟنﻔوذ ﻋﻠﻰ ﺤسﺎب ﻤحﺎوﻻت اﻟتﻐییر اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻟﻠﻘوى اﻟمس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟتوازن ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟخصوص ﻤن ﺠﻬﺔ ﺜﺎﻨ�ﺔ‪.‬‬
‫وﻤن اﻟمﻔﻬوم ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ أن �كون ﻟﻠدوﻟﺔ أﻫداف إﻗﻠ�م�ﺔ ﻤﻌینﺔ �ﺎﻟنظر إﻟﻰ طب�ﻌﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ ﺒین اﻟدول‪ .‬وﻓوق‬
‫وﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ �شﺎر إﻟﻰ اﻟﻘوة واﻟﻘدرة‬
‫ً‬ ‫ﻛﻞ ﺸﻲء‪ ،‬ﺘُﻘﺎس ﻗوة اﻟدوﻟﺔ وﻨﻔوذﻫﺎ‪ ،‬ﻤن ﺒین ﻋواﻤﻞ أﺨرى‪� ،‬حجمﻬﺎ اﻹﻗﻠ�مﻲ‪.‬‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻟمؤﺸر اﻟرﺌ�سﻲ ﻟخزان اﻟﻘوة ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬ﺘﻠیﻬﺎ اﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬ﻟكن اﻟمحﻠﻠین واﻟﻌﻠمﺎء ﯿتﻔﻘون‬
‫�ﺎﻹﺠمﺎع ﺘﻘر ً��ﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﺒدون ﻤسﺎﺤﺔ �بیرة‪ ،‬ﻗد ﻻ ﺘؤﺜر اﻟدوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻤسﺎر اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﺤتﻰ ﻟو �ﺎﻨت ﺘتمتﻊ‬
‫‪2‬‬
‫�ﻘوة ﻋسكر�ﺔ واﻗتصﺎد�ﺔ ﻫﺎﺌﻠﺔ‪.‬‬
‫�شـوب اﻟنظـﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟمﻌﺎﺼر ﺤﺎﻟـﺔ ﻤن اﻟﻔوﻀﻰ واﻻﻀطراب ﻓﻲ اﻟتﻔﺎﻋﻼت اﻟدوﻟیـﺔ ﻤمﺎ ﯿؤ�ـد أن ﺤر�ﺔ‬
‫ﻗوى اﻟتﻐییر ف�ﻪ ﺘندﻓـﻊ ﻨحـو ﺼ�ﺎﻏـﺔ ﺠدﯿـدة ﻟﻬ�كﻠیـﺔ اﻟنظـﺎم اﻟدوﻟﻲ وﺸـكﻞ ﺘﻔﺎﻋﻼﺘﻪ ﻓضﻼً ﻋن ﺘﻐیر طب�ﻌـﺔ وﺤداﺘـﻪ‬
‫وﺘﻐییر أداﺌﻬـم اﻻﺴتراﺘ�جﻲ وﻤسـتوى ﺘﺄﺜر�ﻬـم‪ ،‬اﻷﻤر اﻟـذي �حتـم رﺼـد ﺤر�ـﺔ ﻗـوى اﻟتﻐییر واﺘجﺎﻫﺎﺘﻬـﺎ ﻹدراك ﺼیرورة‬
‫‪3‬‬
‫اﻟتﻐییر واﻟتنبـؤ �مستﻘبﻞ اﻟنظـﺎم اﻟدوﻟﻲ وﺘوازﻨﺎﺘﻪ وﺘراﺘب�ﺔ اﻟﻘـوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ف�ﻪ‪.‬‬
‫ﻤنحت اﻓ ارزات اﻟوﻀﻊ اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻟجدﯿد ﻟمﺎ �ﻌد ﺘﻔكك اﻹﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ وﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة اﻟﻔرﺼﺔ‬
‫ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟﻺﻋﻼن ﻋن ﻤشروﻋﻬﺎ ﻟق�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم �ﺄﺠندة ﻤن ﺜﻼث ﻨﻘﺎط‪ :‬اﻷوﻟﻰ‪ ،‬إﻋﺎدة اﻟنظر ﻓﻲ‬
‫ﺨر�طﺔ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟحیو�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻤستوى اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬اﻻﻀطﻼع �مسؤوﻟ�ﺔ اﻟق�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬واﻟثﺎﻟثﺔ‪،‬‬
‫إطﺎﻟﺔ أﻤد اﻟﻬ�منﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ أطول ﻓترة ﻤمكنﺔ‪ .‬و�دﺨﻞ ذﻟك ﻓﻲ إطﺎر ﻤمﺎرﺴﺔ ﻋمﻠ�ﺔ اﻟض�ط اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠبیئﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ 4 .‬رﻏم ﺘحﻔظ �ﺎﺤثین ﺤ�ﺎل إﻤكﺎﻨ�ﺔ �ﻘﺎء ظﺎﻫرة اﻟﻘطب�ﺔ اﻷﺤﺎد�ﺔ ود�موﻤتﻬﺎ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫و�ﻘترﺤون ﺘحﻘیق اﻟتوازن ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟخﺎرﺠﻲ وﻤنﻊ ظﻬور ﻤنﺎﻓسین ﻤحتمﻠین‪.‬‬
‫ﻤﻊ ﻤطﻠﻊ اﻟﻘرن اﻟـ ‪ ،21‬ﺸﻬدت اﻟبیئﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟكثیر ﻤن اﻟتحوﻻت واﻷﺤداث اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟمتسﺎرﻋﺔ‪ ،‬أوﻀحت‬
‫أن اﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯿرﺴﻰ ﻋﻠﻰ ﻨظﺎم واﻀﺢ اﻟمﻌﺎﻟم‪ ،‬ذﻟك أن وﺠود ﻨظﺎم دوﻟﻲ ﻤستﻘر �ﻔترض ق�ﺎم ﺘوازﻨﺎت ﻟﻠنﻔوذ واﻟﻘوة‬

‫‪ -1‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ali Onur ÖZÇELİK, Op. cit. p 51.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺎھر ﺑن إﺑراھﯾم اﻟﻘﺻﯾر‪ ،‬اﻟﻣﺷروع اﻷوروآﺳﯾوي ﻣن اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ إﻟﻰ اﻟدوﻟﯾﺔ‪ :‬اﻟﻌﺎﻟم ﺑﯾن اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻼﻗطﺑﯾﺔ واﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ﻣﺗﻌدد اﻷﻗطﺎب‪) ،‬اﻟﻘﺎھرة‪ ،‬دار‬
‫اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ط ‪ ،(2014 ،1‬ص‪.27‬‬
‫‪ -5‬ﺟراﯾﻣﻲ ھﯾرد‪ ،‬اﻟﻘوى اﻟﻌظﻣﻰ واﻹﺳﺗﻘرار اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺣﺎدي واﻟﻌﺷرﯾن‪ ،‬رؤﯾﺔ ﻣﺗﻧﺎﻓﺳﺔ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪) ،‬ﻣرﻛز اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﺑﺣوث‬
‫واﻟدراﺳﺎت اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪ ،‬ط ‪ ،(2013 ،1‬ص ‪.177‬‬

‫‪44‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺒین ﻤختﻠﻒ اﻟﻔﺎﻋﻠین اﻷﺴﺎﺴیین ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن وﺠود ﻀوا�ط دوﻟ�ﺔ ﺘستند إﻟیﻬﺎ ﺘﻔﺎﻋﻼت ﺘﻠك اﻟﻘوى‬
‫وآداﺌﻬﺎ؛ ‪ 1‬وﻤمﺎ ﻻ ﺸك ف�ﻪ‪ ،‬أن ﺜمﺔ ﺘوازﻨﺎت ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠدﯿدة ﺒدأت ﺘتبﻠور وﺘﻔرض واﻗﻌﺎ ﺠدﯿدا‪ ،‬إذ ﻋن ﻫنﺎك‬
‫ﻗوى ﺘﻌدﯿﻠ�ﺔ وﺼﺎﻋدة ﺘمكنت ﻤن اﺴتﻌﺎدة ﻤكﺎﻨتﻬﺎ اﻟدوﻟ�ﺔ واﻟتﺄﺜیر ﻓﻲ ﺤر�ﺔ اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺴع�ﺎ ﻟضمﺎن‬
‫ﻤصﺎﻟحﻬﺎ واﻟدﻓﺎع ﻋن أﻫداﻓﻬﺎ اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪.‬‬
‫ﺒﻬذا اﻟمﻌنﻰ‪� ،‬مثﺎل‪� ،‬مكن ﺘصن�ف اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻘوة ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻟدﯿﻬﺎ ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ‪ .‬و�مكن‬
‫اﻟنظر إﻟﻰ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟمﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻨﻌكﺎس ﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ "ﺒر�جنسكﻲ" اﻟتﻲ‬
‫رﺴمﻬﺎ ﻓﻲ "ﻟوﺤﺔ اﻟشطرﻨﺞ اﻟكبرى" ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1997‬واﻟتﻲ ﺘستند ﻋﻠﻰ ﻓكرة اﻷﺴ�ق�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟتﻲ‬
‫ﻋرف ﺒر�جنسكﻲ أوراﺴ�ﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ رﻗﻌﺔ اﻟشطرﻨﺞ اﻟكبرى ﺤیث ﯿتم‬
‫ﺒدورﻫﺎ �ﺎﻨت ﻤرﺘ�طﺔ �ﺎﻷوﻟو�ﺔ ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ‪ّ .‬‬
‫اﻟصراع ﻤن أﺠﻞ اﻟس�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ واﻗترح أﻨﻪ ﻤن أﺠﻞ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻤوﻗﻌﻬﺎ �ﻘوة ﻋظمﻰ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﺘحتﺎج‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ ﺘطو�ر ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺘر�ز ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ ﻷن "اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘﻬ�من ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ ﺴتس�طر ﻋﻠﻰ‬
‫‪2‬‬
‫اﺜنین ﻤن أﻛثر اﻟمنﺎطق ﺘﻘدﻤﺎً و�ﻨتﺎﺠ�ﺔ ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم "‪.‬‬
‫ﯿبدو أن ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة اﺘ�ﻌت اﻟمسﺎر اﻟذي ﺼﺎﻏﻪ "ﺒر�جنسكﻲ"‪ .‬و�مكن‬
‫ﻤﻼﺤظﺔ ذﻟك ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟمت�ﻌﺔ ﻤنذ ﺘسﻌین�ﺎت اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ وﺤتﻰ اﻟوﻗت اﻟحﺎﻀر‬
‫‪3‬‬
‫واﻟتﻲ ﯿبدو أﻨﻬﺎ ﺘدﺨﻞ ﻤرﺤﻠﺔ اﻟتﻐییر ﻤنذ اﻟر�ﻊ اﻷول ﻤن اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪.‬‬
‫*‪Brzezinki’s Chessboard.‬‬

‫*‪ -‬ا�خﺮ�ﻄﺔ ﺗﻮ�ح رﻗﻌﺔ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ ﻟ��ﻳﺠنﺴ�ﻲ ‪ Brzezinki’s Chessboard‬اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ا�جﻴﻮﺳﻴﺎﺳﻴﺔ اﳌهﻤﺔ �� اﺳ��اﺗﻴﺠﻴﺔ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة‬
‫ﻟﻠﺴﻴﻄﺮة ﻋ�� أوراﺳﻴﺎ‪ ،‬واﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟهﺎﻣﺸﻴﺔ اﻟ�ي �ﺸ�ﻞ ﻣﺪﺧﻼ ﻹﻣ�ﺎﻧﻴﺔ ﺑﺮوزﻗﻮى ﻋﻈ�ى روﺳﻴﺎ �� ﻏﺮب أوراﺳﻴﺎ واﻟﺼ�ن �� ﺷﺮق أوراﺳﻴﺎ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 12.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 12.‬‬

‫‪45‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫�مكن اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ أول ﻋﻼﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﻋمﻠ�ﺔ ﺘوﺴ�ﻊ ﺤﻠﻒ‬
‫ﺸمﺎل اﻷطﻠسﻲ "اﻟنﺎﺘو" ‪ .NATO‬ﻤ�ﺎﺸرة �ﻌد ﺘﻔكك اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ‪ ،‬أﺨذت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟدور اﻟق�ﺎدي ﻟتوﺴ�ﻊ‬
‫اﻟنﺎﺘو ﻨحو أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ واﻟوﺴطﻰ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ اﺤتواء روﺴ�ﺎ ﺒﻬدف اﺨتراق أوراﺴ�ﺎ ﻟﻠس�طرة ﻋﻠیﻬﺎ‪ .‬وﻓﻲ ﺤین ﺒدأت‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ اﻟتحول �ﻌد ‪ 11‬ﺴبتمبر ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2001‬اﺴتمرت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘم ﺘحق�ﻘﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل اﻟتدﺨﻞ ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻨستﺎن‪ ،‬وﻓﻲ وﻗت ﻻﺤق ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2003‬ﻓﻲ اﻟﻌراق‬
‫وﻤ�ﺎدرة اﻟشرق اﻷوﺴط اﻟكبیر‪.‬‬
‫وﻗد أﺒرز "ﺒر�جنسكﻲ" ﻓﻲ إﺴﻘﺎطﻪ اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ أﻫم�ﺔ ﻤنﻊ أي ﻗوة ﻋظمﻰ أﺨرى ﻤن اﻟظﻬور �منﺎﻓس‬
‫ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻤن أﺠﻞ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺘﻔوﻗﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻟم ﺘتمكن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫أن ﺘنجﺢ ﻓﻲ ﻤنﻊ روﺴ�ﺎ ﻤن اﻟمنﺎﻓسﺔ ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﻫنﺎك ﻤنﺎﻓسین آﺨر�ن ﻓﻲ ﻤنﺎطق أﺨرى‪ ،‬ﻤثﻞ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟصین ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ و�ﯿران ﻓﻲ اﻟشرق اﻷوﺴط اﻟكبیر‪.‬‬
‫اﺘسﺎﻗﺎ ﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﺠﺎءت ﺘصر�حﺎت "رو�رت ﻏﺎﯿتس" وز�ر اﻟدﻓﺎع اﻷﻤر�كﻲ أﻤﺎم اﻟكوﻨﻐرس اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ‬
‫ف�ﻔري ‪ ،2007‬ﺘؤ�د اﺴتمرار اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻋت�ﺎر اﻟصین وروﺴ�ﺎ �ﻌدو�ن ﻤحتمﻠین وﺘمثﻼن ﺘﻬدﯿدا‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺴﻌیﻬمﺎ إﻟﻰ إرﺴﺎء ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ �ﻘطﻊ ه�منﺔ اﻟﻘطب اﻟواﺤد‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن إن اﻟتﺄﺜیر اﻟدوﻟﻲ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻟم �ﻌد �شترط ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻟتكﺎﻤﻞ ﻓﻲ اﻤتﻼﻛﻬم ﻋنﺎﺼر اﻟﻘوة‬
‫ﻟتحر�ك اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �مﺎ �حﻘق أﻫداﻓﻬم وﻤصﺎﻟحﻬم‪ ،‬إﻻ أن اﻟواﻗﻊ ﯿؤﺜر �ﺄن ﻤﻌظم اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‬
‫ﺘتجﻪ ﻨحو إﺠراء ﻤوازﻨﺔ ﻤﻘبوﻟﺔ ﺒین ﻋنﺎﺼر اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘمتﻠكﻬﺎ ﻹﺨراج اﻟتﺄﺜیر اﻟمطﻠوب واﻟمتﻼﺌم ﻤﻊ أﻫداﻓﻬﺎ وطب�ﻌﺔ‬
‫اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﺴع�ﺎ ﻟتﻐییر ﺘﻠك اﻟتوازﻨﺎت أو اﻹ�ﻘﺎء ﻋﻠیﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪� ،‬شیر أﺴتﺎذ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ "ﻤﺎرﺴیﻞ ﻤیرل" ‪� Marcel Miller‬ﺎﻟﻘول‪" :‬إن ﻋدم ﺘسﺎوي أو‬
‫ﺘكﺎﻓؤ اﻟدول ﻓﻲ اﻟمﻌط�ﺎت اﻟمﺎد�ﺔ �جﻌﻞ ﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻤت�ﺎﯿنﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ وﻓﻲ ﺤر�ﺔ اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬و�ن ﻤﻌرﻓﺔ ﺘﺄﺜیر �ﻞ دوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﺘتطﻠب دراﺴﺔ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟداﺨﻠ�ﺔ واﻟخﺎرﺠ�ﺔ �ﺎﻓﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟدول"‪،‬‬
‫ﺜم ﯿنﻬب ﻟﻠﻘول‪" :‬أﻨﻪ �ﻠمﺎ ازدادت ﻗدرة اﻟدوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟتدﺨﻞ ﻓﻲ ﺘﻔﺎﻋﻼت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻋسكر�ﺎ واﻗتصﺎد�ﺎ وﺴ�ﺎﺴ�ﺎ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 12.‬‬
‫‪ -2‬ﺟراﯾﻣﻲ ھﯾرد‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.36-35‬‬

‫‪46‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻛﻠمﺎ زاد ﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺴﻠ�ﺎ أو إ�جﺎ�ﺎ‪ ،‬أو �ﻠمﺎ ﺘﻘﻠصت ﻗدرة اﻟدوﻟﺔ ﻋن اﻟتدﺨﻞ ﻀﻌﻒ ﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻓﻲ‬
‫‪1‬‬
‫ﺘﻠك اﻟتوازﻨﺎت‪.‬‬
‫ﻋندﻤﺎ ﯿتﻌﻠق اﻷﻤر �ﺎﻟدول اﻟضع�ﻔﺔ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻤن اﻟصﻌب اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ‬
‫ﺘنﻔیذ اﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �مﺎ ﻫو اﻟحﺎل �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ .‬ﻓﺎﻟدول اﻟضع�ﻔﺔ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌكس‬
‫ﺘمﺎﻤﺎً ﻤن اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﻟ�س ﻟﻬﺎ أي ﺘﺄﺜیر ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ واﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬ﺤتﻰ ﻤن أﺠﻞ �ﻘﺎﺌﻬم ﻋﻠﻰ ﻗید اﻟح�ﺎة‪،‬‬
‫ﻋموﻤﺎ إﻟﻰ اﻻﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ ﻗوى ﻋظمﻰ‪ .‬ﯿنتﺞ ﻋن ذﻟك رؤ�ﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤتواﻓﻘﺔ ﻤﻊ‬
‫ً‬ ‫ﻓﻬم �حتﺎﺠون‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘتﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟمحﺎور اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ )اﻟﻘوى اﻟمتوﺴطﺔ(‪ ،‬ﻫﻲ اﻟدول اﻟتﻲ ﺘستمد أﻫمیتﻬﺎ ﻟ�س ﻤن ﻗوﺘﻬﺎ ودواﻓﻌﻬﺎ ﺒﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷﻏﻠب ﻤن ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟحسﺎس �حیث ﺘكون ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻤحتمﻞ ﻋرﻀﺔ ﻟسﻠوك اﻟﻼﻋبین اﻟجیواﺴتراﺘ�جیین‪ .‬و�تم ﺘحدﯿد‬
‫اﻟمحﺎور اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺠﻐراف�ﺎﺘﻬﺎ‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘﻌطیﻬﺎ ﻓﻲ �ﻌض اﻟحﺎﻻت دو ار ﺨﺎﺼﺎ ﻓﻲ ﺘحدﯿد إﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻟوﺼول‬
‫ﻟﻠمنﺎطق اﻟمﻬمﺔ أو ﺤرﻤﺎن ﻻﻋب ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ �بیر ﻤن اﻟموارد‪ .‬وﻓﻲ �ﻌض اﻟحﺎﻻت‪� ،‬مكن أن ﯿﻠﻌب ﻤحور‬
‫‪3‬‬
‫ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ دور اﻟدرع اﻟواﻗﻲ ﻟدوﻟﺔ أو ﺤتﻰ ﻤنطﻘﺔ ﺤیو�ﺔ ﻤﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻘوى اﻟمتوﺴطﺔ ﻫﻲ دول �مكنﻬﺎ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬ﻟكن ﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‬
‫ﻫﺎﻤشﻲ‪ ،‬أو إذا �ﺎن ﻏیر ﻤ�ﺎﺸر ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق �ﺄﺜر ﺠﺎﻨبﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻘوى اﻟمتوﺴطﺔ ﻤصنﻔﺔ إﻟﻰ ﺤد‬
‫ﻛبیر ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻗوى إﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻟدﯿﻬﺎ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺎﺘﻬﺎ اﻟخﺎﺼﺔ‪ ،‬ﻤﻊ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ رؤاﻫﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬
‫ﺘر��ﺎ ﻫﻲ ﻤثﺎل ﺠید ﺘحت ﻫذﻩ اﻟﻔئﺔ ﻨظ ار ﻟ�س ﻓﻘط ﻟكوﻨﻬﺎ ﻗوة ﻤتوﺴطﺔ وﻟكن أ�ضﺎ اﻷﺜر اﻟﻬﺎﺌﻞ ﻟموﻗﻌﻬﺎ‬
‫اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ ﻋﻠﻰ ﺘشكیﻞ ﻗوﺘﻬﺎ‪ .‬و�ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬ﺴ�كون ﻤن اﻟصﻌب ﻋﻠﻰ ﺘر��ﺎ أن ﺘُﻌتبر ﻗوة إﻗﻠ�م�ﺔ إذا ﻟم �كن‬
‫ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ �ﺎﻟﻎ اﻷﻫم�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �مﺎ ﻫو اﻟحﺎل ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ .‬ﺘر��ﺎ ﻟدﯿﻬﺎ ﻤوﻗﻊ ﻤجﺎور‬
‫ﺜﻼث ﻤنﺎطق ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤختﻠﻔﺔ ورﺌ�س�ﺔ‪ ،‬اﻟبﻠﻘﺎن واﻟﻘوﻗﺎز واﻟشرق اﻷوﺴط‪ .‬وﻫﻲ ﺘﻘﻊ ﺒین اﻟﻐرب اﻟصنﺎﻋﻲ‬
‫وﻤصﺎدر اﻟطﺎﻗﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻓﻲ اﻟشرق اﻷوﺴط و�حر ﻗزو�ن؛ إن اﻤتﻼك اﻟمضﺎﺌق ﻫو ﺠﺎﻨب آﺨر ﻤن اﻷﻫم�ﺔ‬
‫اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟتر��ﺎ‪ ،‬ﻤمﺎ �ﻌطﻲ ﺘر��ﺎ اﻟﻔرﺼﺔ ﻟﻠتﺄﺜیر ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 12.‬‬
‫‪ -3‬زﺑﯾﻐﻧﯾﯾف ﺑرﯾﺟﻧﺳﻛﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.50‬‬

‫‪47‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻋرف ﺒر�جنسكﻲ ﺘر��ﺎ �ﺄﻨﻬﺎ ﻤحور ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ �ﻌنﻲ "دوﻟﺔ ﻻ ﺘستمد أﻫمیتﻬﺎ ﻤن‬‫و�ﻬذا اﻟمﻌنﻰ‪ّ ،‬‬
‫ﻗوﺘﻬﺎ ﺒﻞ ﻤن ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟحسﺎس وﻤن ﻋواﻗب ﺤﺎﻟتﻬﺎ اﻟتﻲ �حتمﻞ أن ﺘكون ﻋرﻀﺔ ﻟسﻠوك اﻟﻼﻋبین اﻟجیواﺴتراﺘ�جیین"‪.‬‬
‫�ﻔضﻞ ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬ﺘمتﻠك ﺘر��ﺎ ﻤجموﻋﺔ ﻤتنوﻋﺔ ﻤن اﻟخ�ﺎرات اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ .‬اﻟمنظور اﻟﻐر�ﻲ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وﻤنظور اﻟشمﺎل أو اﻟﻘوﻗﺎز وﻤنظور اﻟ�حر اﻷﺒ�ض اﻟمتوﺴط‪.‬‬
‫ﻟذﻟك‪ ،‬ﺘنطوي اﻟبیئﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻓضﻼ ﻋن اﻟبیئتین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻨﻘﺎط اﻟﻘوة واﻟضﻌﻒ ﻓضﻼ ﻋن‬
‫ﻓرص وﺘحد�ﺎت ﺘسﻌﻰ اﻟﻘوى ﻻﺴتﻐﻼﻟﻬﺎ وﺘوﺠیﻬیﻬﺎ ﻟصﺎﻟﺢ ﻀمﺎن أﻫداﻓﻬﺎ‪ .‬و�مثﻞ ذﻟك اﻟسﻠوك ﻓﻲ ﻤجمﻠﻪ اﻹطﺎر‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتﻔﺎﻋﻠﻲ اﻷﺸمﻞ واﻷوﺴﻊ ﻟحر�ﺔ اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪.‬‬
‫و�ﻘﺎﻋدة ﻋﺎﻤﺔ‪ ،‬ﻗد ﺘص�ﺢ دوﻟﺔ ذات ﻤسﺎﺤﺔ �بیرة ﻤرﺸحﺔ ﻟﻘوة ﻋظمﻰ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﺴت�ﻔﺎﺌﻬﺎ ﻟمتطﻠ�ﺎت أﺨرى‬
‫أ�ضﺎ‪� .‬ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬اﻟمسﺎﺤﺔ اﻟكبیرة ﻫﻲ ﻤن ﺴمﺎت اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ ،‬واﻟمسﺎﺤﺔ اﻟمتوﺴطﺔ ﻫﻲ ﻤن ﺴمﺎت اﻟﻘوى‬
‫ً‬
‫ﻨسب�ﺎ‪ ،‬ﻏیر ﻗﺎدرة‬
‫اﻟمتوﺴطﺔ‪ .‬وﻟﻬذا اﻟسبب‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬ﻫوﻟندا‪ ،‬وﻫﻲ دوﻟﺔ ﻤزدﻫرة وﻏن�ﺔ �مسﺎﺤﺔ ﺼﻐیرة ً‬
‫ﻋﻠﻰ اﻻﻨتﻘﺎل إﻟﻰ ﺼﻔوف اﻟﻘوى اﻟكبرى‪ .‬وﺘجدر اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن اﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟﻬوﻟند�ﺔ ﺴﺎ�ﻘﺎ‪�ُ ،‬ستشﻬد ﺒﻬﺎ �ﻘوة‬
‫رﺌ�س�ﺔ ﻓﻲ اﻟتﺎر�ﺦ �سبب ﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟتجﺎرة اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟذي أﺼ�ﺢ ﻤمكنﺎً �ﻔضﻞ ﻤسﺎﺤﺔ ﻤستﻌمراﺘﻬﺎ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻟسبب ﻓﻲ أن ﻫوﻟندا اﻟیوم ﻟ�ست واﺤدة ﻤن اﻟﻘوى اﻟكبرى ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﻫو أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘمﻠك ﺴ�طرة ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻨسب�ﺎ ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﻗوة‬
‫ﻤنﺎطق �بیرة‪ .‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﺘﻌتبر روﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻋكس ﻫوﻟندا‪ ،‬ﻏیر ﻤستﻘرة ً‬
‫ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘرﺘ�ط اﻟﻬند �ﺎﻟﻔﻘر وﻋدم‬
‫إ�ضﺎﺤﺎ‪ً .‬‬
‫ً‬ ‫ﻛبیرة �سبب ﻨﻔوذﻫﺎ اﻟﻌسكري وﺠﻐراﻓیتﻬﺎ اﻟشﺎﺴﻌﺔ‪ 3 .‬اﻟﻬند ﻫﻲ ﺤﺎﻟﺔ أﻛثر‬
‫وﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘُﻌتبر ﻗوة ﺼﺎﻋدة ﺘسﻌﻰ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻷرﺠﺢ ﻟﻬذا اﻟسبب‪ ،‬إﻟﻰ اﻟحصول ﻋﻠﻰ ﻋضو�ﺔ‬
‫ً‬ ‫اﻻﺴتﻘرار اﻻﺠتمﺎﻋﻲ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫داﺌمﺔ ﻓﻲ ﻤجﻠس اﻷﻤن اﻟتﺎ�ﻊ ﻟﻸﻤم اﻟمتحدة؛ اﻟسبب ﻓﻲ ﺘصن�ف اﻟﻬند �ﻘوة ﺼﺎﻋدة ﻫو أراﻀیﻬﺎ اﻟكبیرة وﺴكﺎﻨﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﻤجﺎﻻت ﻤوﻀوع�ﺔ ﻤحددة ﻤثﻞ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ أو‬
‫أ�ضﺎ ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺎت ً‬
‫�مكن ً‬
‫ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟطﺎﻗﺔ‪...‬إﻟﺦ‪ .‬و�مﺎ أن اﻟموﻀوﻋﺎت اﻟمذ�ورة ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠدول ﻓﻲ اﻟوﻗت‬
‫اﻟحﺎﻀر‪ ،‬أو ﻤنذ اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ‪ ،‬ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟدول ﺼ�ﺎﻏﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺎﺘﻬﺎ ﻤن أﺠﻞ ﺘﻠب�ﺔ أﻫداﻓﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻫذا اﻟصدد‪ .‬ﻋندﻤﺎ ﯿتﻌﻠق اﻷﻤر �ﺎﻟطﺎﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪� ،‬مكن اﻟﻘول إن ﻋﻠﻰ �ﻞ دوﻟﺔ‪� ،‬ﻐض اﻟنظر ﻋمﺎ إذا‬
‫ﻛﺎﻨت ﻗوة ﻋظمﻰ أم ﻻ‪ ،‬ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠطﺎﻗﺔ اﻵﻤنﺔ واﻟمستداﻤﺔ واﻟتﻲ ﺘﻌد ﺒدورﻫﺎ اﻟﻌنصر اﻟحیوي‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 13.‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ali Onur ÖZÇELİK, Op. cit. pp 51-52.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 52.‬‬

‫‪48‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻟﻼﻗتصﺎد‪� 1 .‬مﻌنﻰ ﯿرﺘ�ط اﻟ�ﻌد اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ �ﺎﻟتسو�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺔ ﻟموارد اﻟطﺎﻗﺔ و�ﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻟحصول ﻋﻠیﻬﺎ وﻨﻘﻠﻬﺎ‬
‫�ﺄﻤﺎن‪ .‬ﻤن اﻟسﺎﺌد واﻟشﺎﺌﻊ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ أن ﻨذ�ر ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟطﺎﻗﺔ ﻷورو�ﺎ أو اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬أو‬
‫‪2‬‬
‫ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟ�حر اﻟمتوﺴط أو اﻟﻘوﻗﺎز‪.‬‬
‫وﻤن ﺜم ﻓﺈن ﺘﻠك اﻟمتﻐیرات ﺘؤﺜر ﻓﻲ اﻟمحتوى اﻷﺴﺎس ﻟجم�ﻊ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ وﻓﻲ ﺠم�ﻊ ﻤستو�ﺎﺘﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻟذﻟك �جب أن ﺘرﻗﻰ اﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟﻘوى اﻟمتنﺎﻓسﺔ إﻟﻰ ﺤسﺎب ﺘﻠك اﻟمتﻐیرات‪ ،‬واﻟتﻬدﯿدات اﻟداﺨﻠ�ﺔ واﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﺴواء‬
‫ﻛﺎﻨت ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ أو اﻗتصﺎد�ﺔ أو اﺠتمﺎع�ﺔ أو ﻋسكر�ﺔ أو أﻤن�ﺔ وﻏیرﻫﺎ‪ ،‬وأﺜرﻫﺎ ﻓﻲ ﺒیئﺔ اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﻟص�ﺎﻏﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ وطن�ﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬اﻟنﻔط ﻫو اﻟﻌﺎﻤﻞ اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟرﺌ�سﻲ اﻟذي �ﺎن ﻟﻪ ﺘﺄﺜیر ﺤﺎﺴم ﻋﻠﻰ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن‪ ،‬وﻤن اﻟمحتمﻞ أن �ستمر ﻓﻲ ﻤمﺎرﺴﺔ ﺘﺄﺜیرﻩ ﻋﻠ�ﻪ‪ .‬اﻟنﻔط ﻫو ﻤورد ﻏیر ﻤنتظم وﻓیر ﻓﻲ �ﻌض‬
‫ﻤﻬمﺎ �شكﻞ‬
‫اﺘ�ج�ﺎ آﺨر ً‬‫اﻟمنﺎطق وﻟكنﻪ ﻏﺎﺌب ﻓﻲ ﻤنﺎطق أﺨرى‪ .‬و�ﺎﻟمثﻞ‪� ،‬ﻌتبر اﻟﻐﺎز اﻟطب�ﻌﻲ ﻋﺎﻤﻼً ﺠیواﺴتر ً‬
‫ﺨﺎص ﻟﻠﻐرب اﻟمتﻘدم اﻟذي �ﻌتمد ﻋﻠ�ﻪ �شكﻞ �بیر‪ .‬ﺘوﺠﻪ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﺤول اﻟنﻔط واﻟﻐﺎز اﻨت�ﺎﻫﻬﺎ إﻟﻰ اﻟجز�رة‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ –أوراﺴ�ﺎ‪-‬ﻤرة أﺨرى �ﻌد ﺘﻔكك اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ اﻟذي �ﻌد أﺤد أﻫم ﻤنﺎطق إﻨتﺎج اﻟنﻔط واﻟﻐﺎز‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻫنﺎك‬
‫اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟﻼﻋبین ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻟدﯿﻬم ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﻤمﺎﺜﻠﺔ ﻟمنﻊ اﻵﺨر�ن ﻤن اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬اﻟتﻲ ﺘﻌد‬
‫ﻤﻬمﺎ ﻤن اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻐر��ﺔ‪ ،‬وﺨﺎﺼﺔ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﻘﺎﺒﻠﻬﺎ ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ‬
‫ﺠزًءا ً‬
‫أﺨرى اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟروﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻬدف إﻟﻰ إ�ﻘﺎء اﻟنﻔوذ اﻟﻐر�ﻲ ﺨﺎرج اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬و�مكن ً‬
‫أ�ضﺎ ذ�ر اﻟصین ﺒﻬذا‬
‫‪4‬‬
‫أ�ضﺎ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬
‫اﻟمﻌنﻰ اﻟذي ﯿر�د ً‬
‫ﻋندﻤﺎ ﻨنظر ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟﻐﺎز اﻟطب�ﻌﻲ‪� ،‬مكن أن ﺘكون ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟ�حر اﻷﺒ�ض اﻟمتوﺴط‬
‫ﻤنﺎﺴ�ﺎ واﻟتﻲ ﺘﻌد أﺤد اﻷﺠزاء اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟطﺎﻗﺔ اﻷورو��ﺔ‪ .‬أدت اﻻﻛتشﺎﻓﺎت اﻟجدﯿدة ﻟﻠﻐﺎز ﻓﻲ‬
‫ً‬ ‫ﻤثﺎﻻ‬
‫ً‬
‫ﺸرق اﻟ�حر اﻷﺒ�ض اﻟمتوﺴط ﻤنذ ﻋﺎم ‪ 2015‬إﻟﻰ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠدﯿدة ﺨﺎﺼﺔ ﻟﻼﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ )‪ (EU‬اﻟذي �ﺎن‬
‫ﻤؤﺴس�ﺎ ﻋن ﻤثﻞ ﻫذا اﻟبدﯿﻞ ﻤنذ ﻋﺎم ‪ .2008‬وﻗد ﺘكثﻒ ﻫذا اﻟ�حث ﻤﻊ اﻷزﻤﺔ اﻟروﺴ�ﺔ اﻷو�راﻨ�ﺔ ﻟﻌﺎم ‪2014‬‬
‫ً‬ ‫ﯿ�حث‬
‫اﻟتﻲ اﻨتﻬت ﺒـ ﻀم ﺸ�ﻪ ﺠز�رة اﻟﻘرم ﻤن ﻗبﻞ روﺴ�ﺎ‪� .‬ﺎن اﻻﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ �ﻌتمد �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ إﻤدادات اﻟﻐﺎز‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 13.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 13.‬‬
‫‪ -3‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 14.‬‬

‫‪49‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟروﺴﻲ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﻬو ﻤنﻔتﺢ ﻋﻠﻰ اﻟنﻔوذ اﻟروﺴﻲ‪ .‬أﻤﺎ اﻵن أﺼ�حت اﻹﻤدادات اﻟبدﯿﻠﺔ ﻤن اﻟﻐﺎز اﻟطب�ﻌﻲ ﻟﻼﺘحﺎد‬

‫اﻷورو�ﻲ واﻟتﻲ ﺴتكون أﻛثر ً‬


‫‪1‬‬
‫ﺤیو�ﺎ ﻤن ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻻﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ‪.‬‬
‫أﻤﺎﻨﺎ ﻤن اﻟبدﯿﻞ اﻟروﺴﻲ ﺠزًءا ً‬
‫ﻤمﺎ ﻻ ﺸك ف�ﻪ‪ ،‬أن ﺴﻠوك وﻗوة ﺘﺄﺜیر اﻟدول اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﺤر�ﺔ اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﯿتحدد‬
‫�ﺎﻷﻫداف اﻟتﻲ ﺘنشدﻫﺎ ﺘﻠك اﻟدول‪ ،‬واﻟﻘدرات اﻟتﻲ ﺘمتﻠكﻬﺎ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن اﻟوﺴﺎﺌﻞ واﻵﻟ�ﺎت اﻟمتوﻓرة ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪،‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﺘصنﻒ ﻋﻼﻗﺔ اﻟدول ﻀمن إطﺎر اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ إﻟﻰ‪ :‬دول راغ�ﺔ ﺘسﻌﻰ ﻟﻺ�ﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟتوازن اﻟﻘﺎﺌم‬
‫ودول أﺨر ﻤﻌترﻀﺔ‪ ،‬وﺘﻔرغ ﻨحو اﻟتﻐییر‪ .‬وﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟمﻌﺎﺼر‪ ،‬ﻓﺈن اﻟصین وروﺴ�ﺎ ﻓضﻼ ﻋن اﻟﻘوى‬
‫اﻟصﺎﻋدة اﻷﺨرى ﺘدﻓﻊ ﻨحو اﻟتﻐییر ﻤن أﺠﻞ اﺴتﻌﺎدة اﻟتوازن اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟمختﻞ و�ﻨﻬﺎء اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬و�ﺠ�ﺎرﻫﺎ‬
‫‪2‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟشراﻛﺔ ﺒدﻻ ﻤن اﻟتﻔرد ﻓﻲ إدارة وﺘوﺠ�ﻪ اﻟتﻔﺎﻋﻼت اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬
‫ﻛمﺎ أن ﺸدة اﻟتﺄﺜیر اﻟذي ﺘمﺎرﺴﻪ اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ اﻟتوازﻨﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ �ختﻠﻒ ﺘ�ﻌﺎ ﻟت�ﺎﯿن اﻤتﻼﻛﻬﺎ‬
‫ﻹﻤكﺎﻨﺎت اﻟﻘوة اﻟمﻠموﺴﺔ وﻏیر اﻟمﻠموﺴﺔ وﺘوظ�ف ﻗدراﺘﻬﺎ و�ﻨتﺎج اﻟتﺄﺜیر اﻟﻼزم ﻟض�ط ﺤر�ﺔ اﻟتوازﻨﺎت ﻓﺎﻟ�ﻌض ﻤن‬
‫ﺘﻠك اﻟﻘوى ﺘمتﻠك ﻗدرات ﻋسكر�ﺔ ﻤتﻔوﻗﺔ �ﺎﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وروﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻫنﺎك ﻗوى ﺘمتﻠك ﻗدرات اﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫ﻛبیرة �ﺎﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن وأﻟمﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن اﻟﻘوى اﻷﺨرى‪ .‬اﻷﻤر اﻟذي �جﻌﻞ ﻤكﺎﻨتﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ وﻤستوى ﺘﺄﺜی ار‬
‫‪3‬‬
‫اﺴتراﺘ�ج�ﺎﺘﻬﺎ وأداؤﻫﺎ اﻟدوﻟﻲ ﻤتﻔﺎوﺘﺎ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 14.‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎﺳم ﻣﺣﻣد ﻋﺑﯾد وﻣﺣﻣد ﻣﯾﺳر ﻓﺗﺣﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.69-68‬‬
‫‪ -3‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.69‬‬

‫‪50‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟم�حث اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬اﻷطر اﻟنظر�ﺔ ﻟﻠتنﺎﻓس اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ‬


‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬اﻟتطور اﻟنظري ﻟﻠدراﺴﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ "اﻟبنﺎء اﻟﻔكري ﻟﻠجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ"‪.‬‬
‫ظﻬرت اﻟحجﺞ ﺤول اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻹﻨسﺎن واﻟجﻐراف�ﺎ أو �ع�ﺎرة أﺨرى اﻟتﺄﺜیرات اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ ﻓﻲ اﻟﻔكر‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟﻐر�ﻲ ﻤنذ اﻟﻌصر اﻟیوﻨﺎﻨﻲ اﻟﻘد�م‪ ،‬وﻟﻌﻞ أﻗدم ﻓكرة ﺼر�حﺔ وﺼﻠت إﻟینﺎ ﻫﻲ أﻓكﺎر اﻟﻔیﻠسوف اﻹﻏر�ﻘﻲ‬
‫أرﺴطو )‪ 322-384‬ﻗبﻞ اﻟمیﻼد( اﻟذي أﻛد أن ﻤوﻗﻊ اﻟیوﻨﺎن اﻟجﻐراﻓﻲ ﻓﻲ اﻹﻗﻠ�م اﻟمﻌتدل »اﻟمنﺎﺨﻲ« ﻗد أﻫﻞ اﻹﻏر�ق‬
‫َ‬
‫إﻟﻰ اﻟس�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺸﻌوب اﻟشمﺎل »اﻟ�ﺎرد« واﻟجنوب »اﻟحﺎر«‪ 1 .‬وﻻﺤًﻘﺎ "ﻤوﻨتسكیو" )‪ .(1745-1689‬ورﻏم‬
‫أن اﻟﻌﺎﻟم اﻟس�ﺎﺴﻲ "رودوﻟﻒ �یﻠین" ﻫو أول ﻤن ﺼﺎغ �ﻠمﺔ ﺠیو�وﻟیت�ك ﻓﻲ اﻷﺼﻞ �ﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟسو�د�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪1899‬‬

‫ﺘمﺎﻤﺎ ﻤن اﻟﻌﻠوم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻋن اﻟجﻐراف�ﺎ‬


‫ع�ﺎ ً‬‫ﻓﻲ ﻤﻘﺎل ﻋن ﺠﻐراف�ﺔ ﺒﻼدﻩ �وﺴیﻠﺔ ﻟتمییز ﻤﺎ اﻋتبرﻩ ﻓرًﻋﺎ ﺸر ً‬
‫ﺴ�ﺎﺴ�ﺎ �نظﺎم ﻋﻠمﻲ‪،‬‬
‫ً‬ ‫واﻷﻨثرو�وﻟوﺠ�ﺎ‪ 2 .‬ﻟكن "ﻫﺎﻟﻔورد ﻤﺎﻛیندر" ﻫو اﻟذي ﺼرح ﻷول ﻤرة أﻨﻪ �جب ﺘحﻠیﻞ اﻟجﻐراف�ﺎ‬
‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ �ﺎن ﻫو اﻟشخص اﻟذي ﻤﻬد اﻟطر�ق ﻹﻨشﺎء اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �نظﺎم ﻤتمیز‪ .‬ﺒﻬذﻩ اﻟطر�ﻘﺔ‪ ،‬ظﻬرت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫ﻛمجﺎل �حثﻲ ﻤن ورﻗﺔ ﻤﺎﻛیندر �ﻌنوان "اﻟمحور اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠتﺎر�ﺦ" واﻟتﻲ ﻗدﻤﻬﺎ إﻟﻰ اﻟجمع�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟمﻠك�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .1904‬واﻟكﻠمﺎت اﻟتﺎﻟ�ﺔ ﻤن ﺨطﺎب ﻤﺎﻛیندر ﻫﻲ اﻟنﻘطﺔ اﻟتﻲ أدت إﻟﻰ ظﻬور اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪:‬‬
‫"ﻳﺒﺪو ��‪ ،‬إذن‪ ،‬أﻧﻨﺎ �� اﻟﻌﻘﺪ ا�حﺎ�� �� وﺿﻊ �ﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﻟﻠﻤﺮة اﻷو��‪ ،‬ﺑﺪرﺟﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﻤﺎل‪ ،‬ﺑﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑ�ن اﻟﺘﻌﻤﻴﻤﺎت‬
‫ا�جﻐﺮ اﻓﻴﺔ اﻷﻛ��واﻟﺘﻌﻤﻴﻤﺎت اﻟﺘﺎر�ﺨﻴﺔ اﻷﻛ��‪ .‬ﻷول ﻣﺮة ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺪرك ً‬
‫ﺷيﺌﺎ ﻣﻦ اﻟنﺴﺒﺔ ا�حﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﺴﻤﺎت واﻷﺣﺪاث ﻋ�� ﻣﺴﺮح اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﺳﺮﻩ‪.‬‬
‫و�ﻤﻜﻦ أن ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺻﻴﻐﺔ �ﻌ�� ﻋﻦ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺒبﻴﺔ ا�جﻐﺮ اﻓﻴﺔ �� اﻟﺘﺎر�ﺦ اﻟﻌﺎﳌﻲ‪ .‬و�ذا ﻛﻨﺎ ﻣﺤﻈﻮﻇ�ن‪ ،‬ﻳنﺒ�� أن ﺗﻜﻮن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺼﻴﻐﺔ‬
‫ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ �� ﻣﻨﻈﻮر �ﻌﺾ اﻟﻘﻮى اﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ �� اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺮاهﻨﺔ"‪4 .‬‬

‫ﻤند ﺒدأ ﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﻘﺎرات ﺴ�ﺎﺴ�ﺎ‪ ،‬أﺼ�حت أوراﺴ�ﺎ ﻤر�ز اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﺤیث إن اﻟشﻌوب اﻟﻘﺎطنﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة‬
‫اﻷوراﺴ�ﺔ اﺨترﻗت ﻤنﺎطق اﻟﻌﺎﻟم اﻷﺨرى وه�منت ﻋﻠیﻬﺎ‪ .‬وﺘحتﻔظ أوراﺴ�ﺎ �ﺄﻫمیتﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬وﻻ �ﻌد ﻓﻘط طرﻓﻬﺎ‬
‫اﻟﻐر�ﻲ أورو�ﺎ ﻤر� از ﻟﻠﻘوة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻟكن اﻗﻠ�مﻬﺎ اﻟشرﻗﻲ "ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ"‪ ،‬اﻟذي أﺼ�ﺢ‬
‫‪5‬‬
‫ﻤر� از ﺤیو�ﺎ ﻟﻠنمو اﻻﻗتصﺎدي اﻟدوﻟﻲ وازد�ﺎد اﻟتﺄﺜیر اﻟس�ﺎﺴﻲ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.52-51‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p3.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪I bid. p3.‬‬
‫‪ -5‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.7‬‬

‫‪51‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫�مكن اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ اﻷﻓكﺎر اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟتﻲ �مكن ﺘصن�ﻔﻬﺎ ﺘحت ﺘسم�ﺔ اﻷﻓكﺎر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟتﻘﺎﻟید‬
‫اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻐر��ﺔ واﻟشرق�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘمتد ﻤن اﻟﻌصور اﻟﻘد�مﺔ إﻟﻰ اﻟﻌصور اﻟوﺴطﻰ ﺤتﻰ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر‪ .‬ﻫذﻩ‬
‫اﻷﻓكﺎر ﻤرﺘ�طﺔ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﺤول اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻟجﻐراف�ﺎ واﻟحضﺎرة‪ .‬وﻗد ﺤﺎول اﻟمﻔكرون اﻟس�ﺎﺴیون ﻤﻌرﻓﺔ اﻟنظﺎم‬
‫‪1‬‬
‫اﻟذي ﯿنﺎﺴب �شكﻞ ﻤثﺎﻟﻲ ﺒیئﺔ ﺠﻐراف�ﺔ ﻤحددة وﺴكﺎﻨﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻓﻲ ﻤسﺢ اﻟتطور اﻟتﺎر�خﻲ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻨواﺠﻪ ﻓترات ﻤختﻠﻔﺔ ﺘم ﻓیﻬﺎ إﻨتﺎج اﻷﻓكﺎر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻓترة ﻤﺎ‬
‫ﻗبﻞ اﻟحداﺜﺔ ﻫﻲ اﻟﻔترة اﻟتﻲ ﺴ�ﻘت ﺘﺄﺴ�س اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �مجﺎل �حث ﻋﻠمﻲ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر‪ .‬ﻟﻘد ﻤرت اﻟرﺤﻠﺔ‬
‫اﻟتﺎر�خ�ﺔ ﻟﻠﻔكر واﻟنظر�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋبر اﻟﻌصر اﻟكﻼﺴ�كﻲ‪ ،‬ﺤق�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ودﺨﻠت اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟحﺎﻟ�ﺔ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬
‫ﻛمﺎ أﻋطﻰ اﻟوﻀﻊ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ أواﺌﻞ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن دﻓﻌﺔ ﺠدﯿدة ﻟدراﺴﺎت ﻤ�ﺎدئ اﻟﻬ�كﻠﺔ‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠﻔضﺎء اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ واﻟجیواﻗتصﺎدي ﻓﻲ ﻗﺎرة أوراﺴ�ﺎ �ﺄﻛمﻠﻬﺎ واﻟتﻲ ﺘشكﻞ ﻤر�ز اﻫتمﺎم اﻟد ارﺴﺎت‪ .‬وﻗد أﻋﺎد‬
‫ﻫذا إﺤ�ﺎء اﻟمﻔﺎه�م اﻟتﻲ ﺼﺎﻏﻬﺎ "ﻫﺎﻟﻔورد ﻤﺎﻛیندر" ﻓﻲ أواﺌﻞ اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن وﺨصمﻪ‪ ،‬ﻨ�كوﻻس ﺴب�كمﺎن‪ .‬وﻫﻲ ﺘﻘدم‬
‫‪3‬‬
‫ﻤنﺎﻫﺞ ﺠدﯿدة ﻟﻠﻬ�كﻠﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠﻘﺎرة اﻷوراﺴ�ﺔ وﺘحدﯿد اﻟق�مﺔ اﻟوظ�ف�ﺔ ﻟﻘطﺎﻋﺎﺘﻬﺎ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻤﺎ ﻗبﻞ اﻟحداﺜﺔ ‪Pre-Modern Geopolitical Thinking‬‬

‫ﻓﻲ اﻟكتﺎ�ﺎت اﻟصین�ﺔ واﻟﻬند�ﺔ اﻟﻘد�مﺔ‪ ،‬ﺘم وﻀﻊ اﻷﻓكﺎر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟحرب وﻓن‬
‫اﻟحكم‪ .‬ﻓﻲ �تﺎ�ﺎت "ﻛوﻨﻔوﺸیوس" ‪ Confucius‬و"ﺴون ﺘزو" ‪ .Sun Tzu‬اﻟنﻘطﺔ اﻟمحور�ﺔ ﻫﻲ اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ‬
‫ﯿﻬدف اﻟمﻔكرون ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﺘوﺠ�ﻪ دوﻟتﻬم ﻟتحﻘیق اﻟنجﺎح اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻟﻌسكري‪� .‬ﺎﻨت اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟموارد‪،‬‬
‫وطرق اﻟتنﻘﻞ‪ ،‬و�نﺎء اﻟتحﺎﻟﻔﺎت‪ ،‬واﺴت�طﺎن اﻷراﻀﻲ �ﻌد اﻻﺤتﻼل ﻤن �ﻌض اﻟموﻀوﻋﺎت اﻟتﻲ أﺨذوﻫﺎ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر‬
‫‪4‬‬
‫ﻓﻲ ﺘحﻠیﻼﺘﻬم‪.‬‬
‫ﺘوﺠد اﻟكتﺎ�ﺎت اﻟﻔﻠسف�ﺔ واﻟﻌﻠم�ﺔ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �مجﺎل �حثﻲ ﻓﻲ اﻟﻔترة اﻻﻨتﻘﺎﻟ�ﺔ ﺒین اﻟﻘرﻨین اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر‬
‫واﻟﻌشر�ن‪ ،‬وﻟكن ﺘشكیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻨشﺄ ﻗبﻞ ذﻟك �كثیر‪� ،‬سبب اﻟرغ�ﺔ اﻟﻘد�مﺔ ﻓﻲ ﻓﻬم اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻟسمﺎت‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid, p 4.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. “The Heartland Theory and the Present-Day Geopolitical Structure of Central‬‬
‫‪), p 84. https://cutt.ly/TODbeAG‬ﺗﻢ اﻟﺘﺼﻔﺢ ﺑﺘﺎرﯾﺦ ‪Eurasia”. (2021/03/26‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 4.‬‬

‫‪52‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟﻔیز�ﺎﺌ�ﺔ اﻟداﺌمﺔ )اﻟجﻐراف�ﺎ( واﻟنشﺎط اﻟ�شري اﻟجمﺎﻋﻲ )اﻟس�ﺎﺴﺔ(‪ .‬و�جﺎدل ‪� Denis Retaillé‬ﺄن "اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻗد�مﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻗدم اﻟخطﺎب اﻟس�ﺎﺴﻲ ﺤول اﻷرض واﻟسﻠطﺔ"‪.‬‬
‫ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ اﻟتﺎر�ﺦ )‪� ،(The History or Histories‬حﻠﻞ "ﻫیرودوت" ‪ Herodotus‬اﻟمواﺠﻬﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ ﺒین‬
‫ﺒﻼد ﻓﺎرس وﺘحﺎﻟﻒ اﻟبیﻠو�وﻨ�سﻲ اﻟیوﻨﺎﻨﻲ ‪ .Peloponnesian League‬و�ﻼﺤظ أن اﻟوﻀﻊ اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻸطراف‬
‫اﻟمتحﺎر�ﺔ ﺴﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﺘحﻔیز "ﺼدام اﻟحضﺎرات" اﻟمسمﻰ اﻟحرب �نشﺎط إﻨسﺎﻨﻲ وﺴ�ﺎﺴﻲ‪ .‬وﺘنﺎول "أرﺴطو" ‪Aristotle‬‬

‫اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻷﺴئﻠﺔ ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ )اﻟس�ﺎﺴﺔ(‪ ،‬واﻟتﻲ �مكن وﺼﻔﻬﺎ �ﺄﻨﻬﺎ ﻗضﺎ�ﺎ ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ .‬وﻗد درس أرﺴطو‬
‫اﻟبیئﺔ اﻟطب�ع�ﺔ ﻤن ﻤنظور�ن‪ :‬ﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻨسﺎن وﺘﺄﺜیر اﻹﻨسﺎن ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻻﻗتصﺎد واﻟحرب‪ .‬ﻫذا‬
‫ﯿدل ﻋﻠﻰ أن اﻟمﻔكر�ن اﻟكﻼﺴ�كیین ﺸددوا ﻋﻠﻰ اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺘحﻠیﻞ �ﻞ اﻟنشﺎط اﻟ�شري ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟمكوﻨﺎت اﻟمﺎد�ﺔ‬
‫اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك ﻤن اﻟممكن ﺘﻌر�ف اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻟﻠجﻐراﻓیین اﻟﻘدﻤﺎء ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ "ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ طب�ع�ﺔ"‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘدﻋﻲ أن‬
‫دور ﻓﻲ إدارة اﻟس�ﺎﺴﺔ ﺒین اﻟدول‪. 2‬‬
‫اﻟظروف اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟطب�ع�ﺔ ﺘﻠﻌب ًا‬
‫اﻟﻔﻼﺴﻔﺔ اﻟروﻤﺎن ﻫم ﻤصدر آﺨر ﻟﻠﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﻌصور اﻟﻘد�مﺔ وأواﺌﻞ اﻟﻌصور اﻟوﺴطﻰ‪ .‬ﻟذا‪،‬‬
‫ﻟ�س ﻤن اﻟمستﻐرب اﻟنظر ﻓﻲ ﺘﺄﺜیر اﻟتوﺴﻊ اﻟواﺴﻊ ﻟﻺﻤبراطور�ﺔ اﻟروﻤﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ر�ز اﻟﻔﻼﺴﻔﺔ اﻟروﻤﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین‬
‫اﻟطب�ﻌﺔ واﻹﻨسﺎن �مﺎ ﻓﻲ اﻟیوﻨﺎن اﻟﻘد�مﺔ‪ ،‬ﻤستخدﻤین اﻟظروف اﻟجﻐراف�ﺔ ﻟصﺎﻟﺢ اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬و�مﻌنﻰ ﻤﺎ اﻻﻋت�ﺎرات‬
‫‪3‬‬
‫اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﺤتﻼل اﻷراﻀﻲ وﺤتﻰ ﺘوﺤید اﻷﻤم ﺘحت إدارة ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﺤدة‪.‬‬
‫ﺴﺎﻫمت ﻓترة اﻟﻘرون اﻟوﺴطﻰ ﻓﻲ اﻟﻔﻬم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟﻠﻌصور اﻟﻼﺤﻘﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻻﻛتشﺎﻓﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘرﻨین اﻟـ ‪ 15‬واﻟـ ‪ .16‬ﻤﻊ اﻛتشﺎف ﻤنﺎطق ﺠﻐراف�ﺔ وﻤح�طﺎت وﺸﻌوب ودول ﺠدﯿدة‪ ،‬وأﺼ�ﺢ ﻤﻔكروا أورو�ﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫درا�ﺔ �ﺄﻫم�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺎ ﻟﻠﻔواﺌد اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠدول‪ .‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪� ،‬ﺎن ظﻬور اﻟرأﺴمﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟـ‬
‫‪ 16‬ﻫو اﻟمحرك اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻸﻋمﺎل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟجدﯿدة إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﺘطور اﻻﺴتﻌمﺎر‪ .‬وﺘجدر اﻹﺸﺎرة ﻓﻲ ﻫذا اﻟخط‬
‫إﻟﻰ �تﺎ�ﺎت "ﺠﺎن ﺒودﯿن" ‪ (1596- 1530) Jean Bodin‬اﻟذي اﺘ�ﻊ اﻟﻔكرة اﻟﻘد�مﺔ اﻟتﻲ ﻤﻔﺎدﻫﺎ أن اﻟبیئﺔ اﻟطب�ع�ﺔ ﻫﻲ‬
‫ﻋﺎﻤﻞ ﻤحدد ﻟﻠشخص�ﺔ اﻟ�شر�ﺔ واﻗترح أﻨﻪ ﻤن أﺠﻞ إﻨشﺎء ه�كﻞ )ﺒن�ﺔ( وﻗواﻨین اﻟدوﻟﺔ‪� ،‬جب أن ﺘؤﺨذ اﻟظروف‬
‫‪4‬‬
‫اﻟبیئ�ﺔ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر �جد�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 5.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 5.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 4.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 5.‬‬

‫‪53‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻛﺎﻨت اﻟحتم�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺔ ﻓﻲ �تﺎ�ﺎت "ﻤوﻨتسكیو" ظﺎﻫرة داﺌمﺔ ﻓﻲ اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻤنذ "أرﺴطو"‪ .‬وﻫذﻩ‬
‫اﻟظﺎﻫرة ﻫﻲ اﻟنﻘطﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟتﻲ ﯿنﻘسم ﻓیﻬﺎ اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ إﻟﻰ ﻓئﺎت ﻤﺎ ﻗبﻞ اﻟحداﺜﺔ واﻟحداﺜﺔ‪� .‬ﻔترض‬
‫ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ �مﻌنﻰ اﻟكﻠمﺔ‪.‬‬
‫ً‬ ‫اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻤﺎ ﻗبﻞ اﻟحدﯿث أن اﻹﻨسﺎن ﺠزء ﻤن اﻟطب�ﻌﺔ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﻬو ﻟ�س‬
‫�ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬ﻤﺎ �ﻔصﻞ اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟحدﯿث ﻋن ﻓترة ﻤﺎ ﻗبﻞ اﻟحداﺜﺔ ﻫو اﻓتراض أن اﻹﻨسﺎن واﻟطب�ﻌﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻤتمیزان وأن اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ �ﻌﻠم ﯿﻬدف إﻟﻰ اﻟكشﻒ ﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒینﻬمﺎ وﺘحﻠیﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﻓكرة أن اﻟﻌﺎﻟم ﻤﻘسم �طب�ﻌتﻪ إﻟﻰ ﻤنﺎطق ﻤﻌزوﻟﺔ‬
‫ﻻﺤﻘﺎ ﻓسر "ﻤﺎﻛیندر" اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟتﺎر�خ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ً‬
‫ﻟكﻞ ﻤنﻬﺎ وظ�ﻔﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻷداﺌﻬﺎ‪ .‬وأﻛد أن اﻟحضﺎرة اﻷورو��ﺔ �ﺎﻨت ﻨتﺎج اﻟضﻐوط اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ .‬اﻵﺘ�ﺔ ﻤن آﺴ�ﺎ‪ ،‬اﻨطﻠﻘت‬
‫ﻤن ﻨﻔس اﻟﻔكرة‪ .‬وأﻋرب ﻋن اﻋتﻘﺎدﻩ �ﺄن ﺘﻘدم أورو�ﺎ وﺘوﺴﻌﻬﺎ ﺤﻔزﻫمﺎ اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ اﻻﺴتجﺎ�ﺔ ﻟﻠضﻐوط اﻟﻘﺎدﻤﺔ ﻤن‬
‫وﺴط آﺴ�ﺎ‪ .‬و�نﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك‪� ،‬ﺎﻨت ﻫﺎرﺘﻼﻨد )ﻗﻠب اﻷرض ﺤیث ﺘر�زت �تﻞ أوراﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ( �مثﺎ�ﺔ اﻟمحور ﻟجم�ﻊ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتحوﻻت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ذات اﻷ�ﻌﺎد اﻟتﺎر�خ�ﺔ داﺨﻞ ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬اﻟﻌصر اﻟكﻼﺴ�كﻲ ﻓﻲ اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ‪The Classical Era in Geopolitical Thinking‬‬

‫�مكن ﺘﻌر�ف اﻟﻔترة ﺒین ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر وﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ اﻟﻌصر اﻟذﻫبﻲ‬
‫‪-‬‬ ‫"ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟكﻼﺴ�ك�ﺔ" ﻤن ﺤیث اﻟنظر�ﺔ واﻟتطبیق‪ .‬ﻤنذ اﻟﻘرن اﻟـ ‪� 19‬ﺎن ﻟدى ﺠم�ﻊ اﻟﻘوى اﻟمتنﺎﻓسﺔ اﻟكبرى‬
‫ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ وأﻟمﺎﻨ�ﺎ وروﺴ�ﺎ واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،-‬ﻤنظر�ن ﻗﺎﻤوا ﺒبنﺎء اﻟنظر�ﺎت ﻟتﻌز�ز ﻟﻠحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻗوة ﺒﻠداﻨﻬم‪.‬‬
‫ﻤﻬمﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟﻘوى‬
‫دور ً‬
‫وﺘبنﻰ ﺼنﺎع اﻟﻘرار ﻓﻲ ﺒﻠداﻨﻬم ﻨظر�ﺎﺘﻬم إﻟﻰ ﺤد �بیر‪ .‬وﻫكذا ﻟﻌبت ﻨظر�ﺎﺘﻬم ًا‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻌظمﻰ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌصر‪.‬‬

‫وﺘشیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟكﻼﺴ�ك�ﺔ إﻟﻰ اﻟﻔترة ﻤن ﺒدا�ﺔ اﻟﻘرن اﻟـ ‪ ،20‬ﻋندﻤﺎ �ﺎن اﻻﻨتﻘﺎل ﻤن اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﻗد ﺘم ﺤتﻰ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬واﻟمﻘﺎر�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻔترة ﻫﻲ "اﻟمجﺎل اﻟحیوي" أو‬
‫"اﻟﻔضﺎء اﻟحﻲ" ﻟـﻔر�در�ك راﺘزل و "ﻨظر�ﺔ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ" ﻟـ "أﻟﻔر�د ﻤﺎﻫﺎن" و"ﻨظر�ﺔ اﻟﻘﻠب" ﻟـ "ﻫﺎﻟﻔورد ﻤﺎﻛیندر"‪،‬‬
‫و"ﻨظر�ﺔ ر�مﻼﻨد" ﻟـ "رودوﻟﻒ �یﻠین" و"ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر" و"ﻨ�كوﻻس ﺴب�كمﺎن"‪ 4 .‬و�ﻘوم اﻟتحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟحدﯿث‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p5.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. p 84.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- SEMRA RANÂ GÖKMEN, Op. cit, p8.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 5.‬‬

‫‪54‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻋﻠﻰ ﻤوﻀوﻋین أﺴﺎﺴیین‪ :‬اﻷول‪ ،‬وﺼﻒ اﻟوﻀﻊ اﻟجﻐراﻓﻲ وﺤﻘﺎﺌﻘﻪ �مﺎ ﺘبدو �ﺎﻻرﺘ�ﺎط �ﺎﻟﻘوى اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمختﻠﻔ ّﺔ‪،‬‬
‫واﻟثﺎﻨﻲ ﻫو وﻀﻊ ورﺴم إطﺎر ﻤكﺎﻨﻲ �حتوي ﻋﻠﻰ اﻟﻘوى اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمتﻔﺎﻋﻠﺔ واﻟمتنﺎﻓسﺔ‪. 1‬‬
‫وﻗد أﻛد ﻤؤﺴسوا اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟحدﯿثﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬوم اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟمرﺘ�ط �ﺎﻷﻨمﺎط اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬وأﺼ�حت ﻫذﻩ اﻷﻓكﺎر‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ أﺴس اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟحدﯿثﺔ‪ .‬ﺘﺄﺨذ اﻷﻓكﺎر اﻟحدﯿثﺔ ﻓﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﯿنتظم ﻓﻲ أﻨمﺎط ﻤن‬
‫ﺘوز�ﻌﺎت اﻟ�ﺎ�س واﻟمﺎء وﺨطوط ﺘصﻞ ﻫذﻩ اﻟتوز�ﻌﺎت ف�مﺎ ﺒینﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل ﺘرى إﺤدى اﻷﻓكﺎر اﻟجیو�وﻟیت�ك�ﺔ‬
‫أن اﻟتر�یز �جب أن �ﱡصب ﻋﻠﻰ اﻟكتﻠﺔ اﻟﻘﺎر�ﺔ اﻟمتكوﻨﺔ ﻤن أورو�ﺎً وآﺴ�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ ﻤﻌﺎ‪ ،‬ﻓﻬنﺎ ‪ ٪56‬ﻤن ﻤسﺎﺤﺔ اﻟ�ﺎ�س‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ و‪ ٪84‬ﻤن ﺴكﺎﻨﻪ‪ ،‬وﺤول ﻫذا اﻟتكتﻞ اﻷرﻀﻲ اﻟكبیر ﻤسطحﺎت ﻤﺎﺌ�ﺔ واﺴﻌﺔ ﺘبﻠﻎ ﺜﻼﺜﺔ أﻀﻌﺎف ﻤسﺎﺤﺔ‬
‫اﻟ�ﺎ�س‪ ،‬ﻫذﻩ ﻫﻲ ﻓكرة »اﻟجز�رة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ«‪ ،‬وواﻀﺢ أن ﻤر�ز ﺜﻘﻞ ﻫذﻩ اﻟﻔكرة ﯿرﺘ�ط �ﺄﻛبر ﻤسﺎﺤﺔ ﻤن اﻷرض‬
‫‪2‬‬
‫اﻟ�ﺎ�سﺔ‪.‬‬

‫وﻓﻘﺎ ﻟﻬذا اﻟطرح و�حسب ﺒر�جنسكﻲ ﺘشكﻞ أوراﺴ�ﺎ رﻗﻌﺔ اﻟشطرﻨﺞ اﻟتﻲ �ستمر ﻋﻠیﻬﺎ اﻟص ارع ﻤن أﺠﻞ‬
‫اﺤتﻼل اﻟمكﺎﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وذﻟك اﻟصراع �شمﻞ ﻋﻠم اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ*‪ .‬وﻤمﺎ �جدر ﻤﻼﺤظتﻪ أن طﺎﻤحین‬
‫ﻟﻠﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻫمﺎ "أدوﻟﻒ ﻫتﻠر" ‪ Adolf Hitler‬و"ﺠوز�ف ﺴتﺎﻟین" ‪ Joseph Staline‬اﺘﻔﻘﺎ ﻋﺎم ‪ 1940‬ﻋﻠﻰ وﺠوب‬
‫اﺴت�ﻌﺎد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن اﻟﻘﺎرة اﻷوراﺴ�ﺔ‪ .‬ﻓﻘد �ﺎن �ﻞ ﻤنﻬمﺎ ﻤتﺄﻛدا ﻤن أن إدﺨﺎل اﻟﻘوة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ‬
‫أوراﺴ�ﺎ ﺴوف �ﻔسد طموﺤﺎﺘﻬمﺎ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬و�ﻞ ﻤنﻬمﺎ ﺸﺎرك اﻵﺨر ﻓﻲ ﻓرﻀ�ﺔ أن أوراﺴ�ﺎ‬
‫ﻫﻲ ﻤر�ز اﻟﻌﺎﻟم وأﻨﻪ ﻤن �س�طر ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ �س�طر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬و�ﻌد ﻨصﻒ ﻗرن أﻋید ﺘحدﯿد اﻟمسﺄﻟﺔ �ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻫﻞ �ستمر اﻟتﻔوق اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ‪.‬‬
‫وﻓكرة أﺨرى ﺘر�ز ﻋﻠﻰ اﻟنصﻒ اﻟشمﺎﻟﻲ ﻤن اﻟكرة اﻷرﻀ�ﺔ‪ :‬أورو‪-‬آﺴ�ﺎ وﺸمﺎل أﻓر�ق�ﺎ وأﻤر�كﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‬
‫واﻟوﺴطﻰ‪ ،‬وﻫنﺎ ‪ ٪60‬ﻤن ﻤسﺎﺤﺔ اﻟ�ﺎ�س اﻷرﻀﻲ و‪ ٪40‬ﻤن اﻟسكﺎن‪ ،‬واﻟتر�یز ﻫنﺎ ﻋﻠﻰ ﻤسطحﺎت اﻟمﺎء اﻟتﻲ ﺘر�ط‬
‫أورو آﺴ�ﺎ �ﺄﻤر�كﺎ‪ ،‬وﻫنﺎك أﻓكﺎر أﺨرى ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻤثﻞ ﺘﻠك اﻟتﻲ ﺘر�ز ﻋﻠﻰ اﻷطﻠسﻲ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ را�ط ﺒین اﻷﻤر�كیتینً‬
‫وأورو�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ ﻤﻌﺎ �ﺎﻋت�ﺎر ﻫذﻩ اﻟﻘﺎرات اﻷر�ﻊ واﻟمح�ط اﻟذي ﯿر�ط ﺒینﻬﺎ ﻫﻲ اﻟتكتﻞ اﻷرﻀﻲ ذو اﻷﻫم�ﺔ واﻟمﻐزى‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.52‬‬


‫‪ -2‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫*‪-‬ﻋﻠم اﻟﺟﯾواﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ھو ﻋﻠم اﻹدارة اﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﻟﻠﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺟﯾوﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -3‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪55‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻻ ﺸك أن ﻫذﻩ اﻟﻔكرة ﺘستمد ﺠذورﻫﺎ ﻤن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟتجﺎر�ﺔ وﺨطوط اﻻﺘصﺎل اﻟ�حري واﻟجوي اﻟكث�ﻔﺔ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتﻲ ﺘتمر�ز ﻓﻲ اﻷطﻠسﻲ �ﺎﻟق�ﺎس إﻟﻰ �ق�ﺔ اﻟمح�طﺎت‪.‬‬

‫ﻤنذ اﻟنصﻒ اﻟثﺎﻨﻲ ﻤن اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر وﺤتﻰ ﺒدا�ﺔ ﺤق�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪� ،‬ﺎﻨت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻷﺴﺎس‬
‫ﻤمﺎرﺴﺔ إﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ ﻗﺎﻤت ﺒﻬﺎ اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ .‬و�ﻌتبر "ﻤﺎﻛیندر"‪ ،‬اﻟجﻐراﻓﻲ ﻓﻲ اﻟممﻠكﺔ اﻟمتحدة‪ ،‬أول ﻤﻔكر ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ‬
‫ﻤﻬم‪ .‬ﺘﻔترض ﻨظر�تﻪ ﻓﻲ ﻗﻠب اﻷرض أن اﻟﻘوة اﻟخﺎﺼﺔ اﻟتﻲ ﺘتحكم ﻓﻲ اﻟكتﻠﺔ اﻷرﻀ�ﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ ﺴتس�طر ﻓﻲ‬
‫اﻟنﻬﺎ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ وﺘتحكم ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓﻲ ﺘوﺼ�ﻔﻪ‪ ،‬ﻤن اﻟمرﺠﺢ أن ﺘطﺎﻟب اﻟﻘوى اﻟبر�ﺔ �ﺎﻟﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬
‫واﻟﻌﺎﻟم�ﺔ أﻛثر ﻤن اﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ‪ .‬وﻤن ﻫذا اﻟمنظور‪� ،‬ﺎﻨت ﺠم�ﻊ اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻓﻲ ﻤنﺎﻓسﺔ‬
‫‪2‬‬
‫ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠتﺄﻛد ﻤن أن ﻤنﺎﻓسیﻬﺎ ﻻ �متﻠكون اﻟس�طرة اﻟكﺎﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟ�ﺎ�سﺔ اﻷورو��ﺔ ‪-‬اﻵﺴیو�ﺔ‪.‬‬
‫وأﺸﺎر "ﻤﺎﻛیندر" إﻟﻰ أن )ﻫﺎرﺘﻼﻨد( �ﺎﻨت ﻓﻲ اﻟموﻗﻊ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻷﻛثر ﻓﺎﺌدة‪ .‬و�دراﻛﺎ ﻤنﻪ ﻟﻠطب�ﻌﺔ اﻟنسب�ﺔ‬
‫ﻟمﻔﻬوم "اﻟموﻗﻊ اﻟمر�زي"‪ ،‬أﺸﺎر "ﻤﺎﻛیندر" إﻟﻰ أﻨﻪ ﻓﻲ ﺴ�ﺎق اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﺘوﺠد اﻟﻘﺎرة اﻷوراﺴ�ﺔ‬
‫ﻓﻲ وﺴط اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﺤیث ﺘحتﻞ )ﻫﺎرﺘﻼﻨد( ﻤر�ز اﻟﻘﺎرة‪ .‬اﻗترح "ﻤﺎﻛیندر" أن اﻟموﻀوع اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ )اﻟﻔﺎﻋﻞ( اﻟذي‬
‫�س�طر ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠب ﺴ�كون ﻟد�ﻪ اﻹﻤكﺎﻨﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟﻼزﻤﺔ ﻟﻠس�طرة ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف ﻋﻠﻰ ﺠز�رة‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟم )أوراﺴ�ﺎ(‪ ،‬وﻤن ﺜم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﯿتم ﺘحﻠیﻞ اﻟمراﺤﻞ اﻷوﻟﻰ ﻟتطور اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻤن ﺨﻼل ﻤراﺠﻌﺔ اﻟنظر�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤن ﻨﻬﺎ�ﺔ‬
‫اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر ﺤتﻰ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪� .‬مكن ﺘﻘس�م ﻫذﻩ اﻟحق�ﺔ إﻟﻰ ﻓترﺘین ﻓرﻋیتین‪ ،‬اﻟﻔترة اﻷوﻟﻰ اﺴتمرت‬
‫ﺤتﻰ اﻨدﻻع اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وﻓیﻬﺎ طور اﻟمﻔكرون ﻨظر�ﺎﺘﻬم وﻓًﻘﺎ ﻟمتطﻠ�ﺎت دوﻟﻬم‪ .‬واﻟﻔترة اﻟثﺎﻨ�ﺔ وﻫﻲ اﻟسنوات‬
‫‪4‬‬
‫ﺒین اﻟحر�ین اﻟﻌﺎﻟمیتین ﺤیث �ﺎن اﻟتﻔكیر اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻫو اﻟمﻬ�من‪.‬‬
‫ﻨظر ﻷن اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﺘر�یز ﻤﺎﻛیندر ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟبر�ﺔ ﻟم ﯿتم اﻻﻟتزام �ﻪ ﻓﻲ وﻗت ﻤ�كر‪ً ،‬ا‬
‫ﻛﺎﻨت ﺘﻌتبر ذات أوﻟو�ﺔ أﻋﻠﻰ‪ ،‬أﺼ�حت أﻓكﺎرﻩ ﻤؤﺜرة �شكﻞ ﻤتزاﯿد‪ ،‬ﻻ ﺴ�مﺎ ﻋندﻤﺎ ﯿتحﺎﻟﻒ ﻤﻊ أوﻟئك ﻤثﻞ راﺘز�ﻞ‪.‬‬
‫ﻋﺎدت ﻓكرة ‪) Drang nach Osten‬اﻻﻨدﻓﺎع ﺸرﻗﺎ( ﻓﻔكرة اﻷﻟمﺎﻨﻲ اﻟمتﻔوق‪ ،‬ﻤﻊ ارﺘ�ﺎطﻪ اﻟطب�ﻌﻲ �ﺎﻷرض‪ ،‬ﺴوف‬
‫ﯿتجﻪ ﺸرًﻗﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین أن اﻷﻨجﻠو ﺴﺎﻛسون اﻟمتﻔوﻗین ﺴ�ﻌﻠمون اﻟﻌﺎﻟم اﻟحضﺎرة اﻟحق�ق�ﺔ ﺒ�حر�تﻬم اﻟمتﻔوﻗﺔ‪� .‬ﺎن‬
‫اﻟصدام ﺒین اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ واﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ واﻟسبب اﻟرﺌ�سﻲ ﻓﻲ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﺠزًءا ﻤن ﺨﻠﻔیتﻪ‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.59-58‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 26.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. p 85.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 1.‬‬

‫‪56‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟخوف اﻟبر�طﺎﻨﻲ ﻤن ﺘحﺎﻟﻒ أﻟمﺎﻨﻲ روﺴﻲ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ �ﻌد ﻤﻌﺎﻫدة ﺒر�ست ﻟیتوﻓسك ‪ Brest-Litovsk‬ﻓﻲ أواﺌﻞ ﻋﺎم‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،1918‬ﻋندﻤﺎ ﺘم اﻟتوﺼﻞ إﻟﻰ اﻟسﻼم ﺒین أﻟمﺎﻨ�ﺎ وروﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫إن اﻟﻬ�منﺔ اﻷورو��ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ وﺼﻠت ﻨﻬﺎﯿتﻬﺎ ﺨﻼل ﻓترة اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬و�مﺎ أن اﻟحرب‬
‫اﻨدﻟﻌت ﻋﻠﻰ ﺜﻼث ﻗﺎرات ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬و�ﺎن اﻟمح�طﺎن اﻷطﻠسﻲ واﻟﻬﺎدئ ﻤتنﺎزﻋﺎ ﻋﻠیﻬﺎ إﻟﻰ ﺤد �بیر‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫�ﻌدﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻗد اﻨكشﻒ رﻤز�ﺎ ﻋندﻤﺎ اﺼطدﻤت اﻟﻘوات اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ ﻋسكر�ﺎ ﻤﻊ اﻟﻘوات اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟحدود‬
‫اﻟبورﻤ�ﺔ‪-‬اﻟﻬند�ﺔ ﺠنوب ﺸ�ﻪ اﻟﻘﺎرة اﻟﻬند�ﺔ ﻓﻲ ﺠنوب آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺤیث ﻤثﻠت ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ ﺠز�رة أورو��ﺔ ﻏر��ﺔ �ﻌیدة وﻋﻠﻰ‬
‫‪2‬‬
‫ﻨحو ﻤشﺎ�ﻪ ﻤثﻠث اﻟ�ﺎ�ﺎن ﺠز�رة ﺸرق آﺴیو�ﺔ �ﻌیدة ﻓﺄﺼ�حت أوراﺴ�ﺎ ﻤیداﻨﺎ ﺸﺎﻤﻼ ﻟﻠحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪.‬‬
‫�ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﺘجﺎﻫﻞ اﻟﻔكر اﻟﻐر�ﻲ ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ )اﻟجیو�وﻟیت�ك( �سبب اﻟمﻌنﻰ اﻟسﻠبﻲ‬
‫اﻟمرﺘ�ط �ﺎﻟتصورات اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟتﻔكیر اﻟنﺎزي ﻋش�ﺔ اﻟحرب ‪-‬ﻤﻔﻬوم "اﻟمجﺎل اﻟحیوي"‪� .-‬ﺎﻨت ﻫذﻩ اﻟﻔكرة ﻫﻲ‬
‫اﻷﺴﺎس اﻟﻔﻠسﻔﻲ اﻟذي اﻨطﻠﻘت ﻤنﻪ أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟنﺎز�ﺔ ﻓﻲ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ﻟكن ﺨﻼل اﻟس�ﻌین�ﺎت‪ ،‬ﺘمت اﺴتﻌﺎدة‬
‫اﺴتخدام ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ )اﻟجیو�وﻟیت�ك(‪ ،‬واﻟیوم ﯿتم ﺘﻌر�ﻔﻪ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻓرع ﺜﺎﻨوي ﻓﻲ اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻫذا‬
‫‪3‬‬
‫اﻟس�ﺎق‪ ،‬ﺘتﻌﻠق اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﺒتﺄﺜیر اﻟجﻐراف�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول‪.‬‬
‫�ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ ه�من ﺴ�ﺎق ﺜنﺎﺌﻲ اﻷﻗطﺎب أﻤر�كﻲ‪-‬ﺴوف�ﺎﺘﻲ ﻤن أﺠﻞ اﻟس�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎن اﻟصراع ﺒین اﻟﻘطبین �مثﻞ ﺘحق�ﻘﺎ ﻟﻠنظر�ﺎت اﻷﻛثر ﺤمﺎﺴﺔ ﻟﻌﻠمﺎء اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ :‬ﺤث اﻟصراع اﻟﻘوة اﻟمﻼﺤ�ﺔ‬
‫اﻟﻘﺎﺌدة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟمﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمح�طین اﻷطﻠسﻲ واﻟﻬﺎدئ ﻀد اﻟﻘوة اﻟبر�ﺔ اﻟﻘﺎﺌدة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟمﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻠب‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻘﺎرة اﻷوراﺴ�ﺔ‪ ،‬وﻤﺎ �ﺎن اﻟ�ﻌد اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻟ�كون أوﻀﺢ ﻤن ذﻟك‪ :‬أﻤر�ك�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﻀد أوراﺴ�ﺎ‪.‬‬
‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ �مكن ﺘﻌر�ف اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻟجﻐراف�ﺎ وﺘشكیﻞ و�دارة اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟدوﻟﺔ‬
‫ﻤﻌﻘدا ﻤن اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫�جﺎ ً‬‫ﻤﻌینﺔ أو ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻟتﺄﺜیر اﻟجﻐراﻓﻲ ﻋﻠﻰ إدارة وﺘسییر اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ .‬وﻫو �شمﻞ ﻤز ً‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ‪ ،‬واﻟسﻠطﺔ‪ ،‬واﻟمواﺠﻬﺔ ﺒین اﻟوﺤدات اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟوطن�ﺔ‪ .‬وﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﺘﻌنﻲ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ‬
‫ﻤنطﻘﺔ ﻤﻌینﺔ إظﻬﺎ ار ﻟﻠﻘوة؛ وز�ﺎدة اﻟﻘوة ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘﻌنﻲ اﻤتدادا ﻟﻠس�طرة اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- William Mallinson and Zoran Ristic, Op. cit. p20.‬‬
‫‪ -2‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. pp 3-4.‬‬
‫‪ -4‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪57‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫وﻋﻠﻰ ﻤر اﻟتﺎر�ﺦ‪ ،‬اﻨدﻟﻌت ﺤروب ﻋدﯿدة ﻨت�جﺔ اﻟسﻌﻲ إﻟﻰ اﻟس�ﺎدة ﻋﻠﻰ ﻤنطﻘﺔ ﻤﻌینﺔ‪� .‬ﺎﻨت اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠﻌدﯿد ﻤن اﻟدول ﻤدﻋوﻤﺔ �طموح ﻟﻠس�طرة ﻋﻠﻰ ﻤنطﻘﺔ ﻟدواﻓﻊ اﻗتصﺎد�ﺔ واﺴتراﺘ�ج�ﺔ وﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬وأُﺠبرت‬
‫‪1‬‬
‫اﻟدول اﻟمﻬزوﻤﺔ ﻓﻲ اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻟتنﺎزل ﻋن اﻷراﻀﻲ ﻟصﺎﻟﺢ اﻟمنتصر�ن‪.‬‬
‫‪ /1‬اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﻋصر اﻟﻬ�منﺔ اﻹﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ‪) 1914-1890 ،‬اﻟجیﻞ اﻷول ﻤن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ(‬
‫ﻓﻲ اﻟمرﺤﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻤن اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪ُ ،‬ﻓ ِﻬ َمت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻫدف ﻋﻠمﻲ ﻤوﻀوﻋﻲ �ﺎن‬
‫ﺴببﻬﺎ اﻷﺴﺎﺴﻲ ﺘﻘد�م ﺒ�ﺎﻨﺎت ﺼﺎرﻤﺔ ﺤول ﺘﺄﺜیر اﻟموﻗﻊ اﻟجﻐراﻓﻲ واﻟتضﺎر�س اﻟمﺎد�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻗدرة اﻟدول ﻋﻠﻰ ﺘﻌظ�م‬
‫ﻗوﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬أي اﻟ�حث ﻓﻲ اﻟك�ف�ﺔ اﻟتﻲ �مكن ﺒﻬﺎ ﻟﻠبﻠدان أن ﺘص�ﺢ أﻗوى ﻤن ﻏیرﻫﺎ ﻤن ﺨﻼل‬
‫اﺴتخدام اﻟﻌواﻤﻞ اﻟجﻐراف�ﺔ وﺘحﻘیق اﻟﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬
‫ﻻ ﺸك أن ﺴﻘوط اﻟكثیر ﻤن اﻟدول ﻓﻲ اﻟمﺎﻀﻲ واﻟحﺎﻀر �ﺎن راﺠﻌﺎ إﻟﻰ أن ﻫذﻩ اﻟدول ﻗد ﺘﻌدت »ﻤكﺎﻨﻬﺎ«‬
‫اﻟجﻐراﻓﻲ‪ ،‬أو أﻨﻪ ﻋﺎﺌد إﻟﻰ ﺘصورات ﺨﺎطئﺔ ﻋن ﺘنظ�م "اﻟمكﺎن" اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟحﺎﻟتین ﺘكون اﻟنت�جﺔ ﺴﻘوط‬
‫اﻟدوﻟﺔ؛ ﻷﻨﻬﺎ ﺘص�ﺢ ﻏیر ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺘحمﻞ أع�ﺎء إﻀﺎف�ﺔ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟتوﺴﻊ اﻟمستمر‪ ،‬أو ﻷﻨﻬﺎ أﻓسدت اﻟمكﺎن‬
‫اﻟجﻐراﻓﻲ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ إﻋﺎدة اﻟتنظ�م اﻟمكﺎن ﻤمﺎ ﯿترﺘب ﻋﻠ�ﻪ ﺘخر�ب ﻓﻲ اﻹﻨتﺎج وﻤراﻛز اﻟﻘوة ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ‪. 2‬‬

‫ﺒدأ اﻟﻔكر اﻟنظري اﻟحدﯿث اﻟمتﻌﻠق �ﺎﻟم�ﺎدئ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر ‪-‬وﻫﻲ ﻓترة ﺘمیزت‬
‫�صﻌود اﻟنزﻋﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ واﻟتوﺴﻊ اﻻﺴتﻌمﺎري ﻋبر اﻟ�حﺎر‪ .-‬ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔترة‪ ،‬اﻨتﻬﻰ رﺴم ﺨراﺌط اﻟﻌﺎﻟم �ﺎﻟكﺎﻤﻞ ﺘﻘر ً��ﺎ‪،‬‬
‫ﻛمﺎ اﻨتﻬﻰ ﺘﻘس�م اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ ﻤستﻌمرات ﻤن ﻗبﻞ اﻟﻘوى اﻷورو��ﺔ‪ .‬واﻨضمت إﻟﻰ ﻫذا اﻟس�ﺎق اﻷورو�ﻲ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن‬
‫اﻟـ ‪� 19‬ﻞ ﻤن أﻟمﺎﻨ�ﺎ و��طﺎﻟ�ﺎ ودوﻟتﺎن ﻤن ﺨﺎرج أورو�ﺎ ‪-‬اﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬
‫ﻟذﻟك ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر‪ ،‬ﺒدأت اﻟمدارس اﻟﻔكر�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺘتطور ﻓﻲ ﺒﻠدان أورو��ﺔ ﻤختﻠﻔﺔ‬
‫وﻓًﻘﺎ ﻟتصور �ﻞ دوﻟﺔ وﻨظﺎم ﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻀمن ﺼراﻋﺎت اﻟﻘوى اﻷورو��ﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ .‬وﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﻤﺎ ﻫو ﻤشترك‬
‫ﺒین ﺠم�ﻊ اﻟمنظر�ن اﻟذﯿن ﺘمت ﻤنﺎﻗشتﻬم �ﻌد ذﻟك ﻫو اﻟرغ�ﺔ ﻓﻲ ﺨﻠق ﻨظر�ﺔ ﻋﺎﻤﺔ وواﺴﻌﺔ وﻤنﻬج�ﺔ ﺘؤ�د ﻋﻠﻰ‬
‫ﺘﻔوق اﻟدوﻟﺔ اﻟتﻲ �ﺎن ﻓیﻬﺎ �ﻞ ﻤن ﻫؤﻻء اﻟمﻔكر�ن ﻨشطین داﺨﻞ ﻋﺎﻟم اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟمتﻐیر واﻟنﺎﻤﻲ‪ .‬وﺘﻌكس �تﺎ�ﺎت‬
‫ﻫؤﻻء اﻟمنظر�ن اﻟحﻘﺎﺌق اﻟدوﻟ�ﺔ ﻟﻔتراﺘﻬم‪ ،‬ﻓضﻼً ﻋن ﻤ�ﺎدئ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟدوﻟﻬم‪� .‬مﺎ أﻨﻬﺎ ﺘشیر إﻟﻰ اﻟدارو�ن�ﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. pp 4-6.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.49-48‬‬

‫‪58‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻻﺠتمﺎع�ﺔ اﻟتﻲ أﻋطت اﻟدول اﻷورو��ﺔ اﻟمبرر ﻟﻠس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓﻘد وﻓرت اﻷﺴﺎس اﻟﻔﻠسﻔﻲ ﻟدوﻟﺔ أورو��ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫واﺤدة ﺘﻌتبر ﻨﻔسﻬﺎ ﻤتﻔوﻗﺔ )و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻟتبر�ر اﻟﻬ�منﺔ اﻷورو��ﺔ( ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻷورو��ﺔ اﻷﺨرى‪.‬‬
‫اﻟمنظر اﻷول اﻟذي �جب اﻟتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻌﻪ ﻓﻲ ﻓترة اﻟﻬ�منﺔ اﻹﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ ﻫو "ﻓر�در�ك راﺘزل" )‪ ،(1904-1844‬اﻟذي‬
‫رأى أن اﻟجﻐراف�ﺎ �جب أن ﺘُسخر ﻟخدﻤﺔ اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬و�ذﻟك ﺘتحول اﻟجﻐراف�ﺎ ﻓﻲ ﻤجمﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﺠیو�وﻟیت�كﺎ‪ 2 .‬ﺘﺄﺜر ﻓكر‬
‫"راﺘزل" �شدة �ﺎﻟجو اﻷﻛﺎد�مﻲ اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر ﺤیث �ﺎﻨت اﻟﻔﻠسﻔﺔ ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻤرﺘ�طﺔ‬
‫طﺎ وﺜ�ًﻘﺎ �ﺎﻟجﻐراف�ﺎ‪ ،‬و�ﺎن "راﺘزل" أول ﻤن ﻓحص اﻟمكﺎن واﻟموﻗﻊ �طر�ﻘﺔ ﻤنﻬج�ﺔ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺄﻨشطﺔ اﻟدوﻟﺔ‪.‬‬
‫ارﺘ�ﺎ ً‬

‫زود "راﺘزل" اﻟمﻔكر�ن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴیین اﻷﻟمﺎن اﻟذﯿن ﺘ�ﻌوﻩ ﺒنمﺎذج ﻋﻠم�ﺔ ﻟﻔﻬم اﻟتوﺴﻊ اﻹﻗﻠ�مﻲ وﺘﻌز�ز اﻟﻘوة‬
‫أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ اﻟطموﺤﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر‬‫اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ .‬وﻗد أﺜرت �تﺎ�ﺎﺘﻪ اﻟﻌدﯿدة ً‬
‫و�ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻔترة ﻤﺎ ﺒین اﻟحر�ین اﻟﻌﺎﻟمیتین‪ .‬و�تطﻠب ﻓﻬم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ ﻤن اﻟﻔترة اﻟﻔﺎﺼﻠﺔ ﻤﺎ ﺒین ﺘوﺤید‬
‫أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﺤتﻰ اﻨدﻻع اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ )‪ (1914-1870‬ﻤراﺠﻌﺔ ﺠﻐراف�ﺔ وﺘﺎر�خ�ﺔ ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ ﺨﻼل ﻋﻬد اﻟرا�ﺦ‬
‫اﻟثﺎﻨﻲ‪ 3 .‬وﻗد أﺜرت أﻓكﺎر راﺘزل ﻋن اﻟرا�طﺔ اﻟموﺠودة ﺒنﻲ اﻟﻘوى اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟكبرى واﻟمسﺎﻓﺎت اﻟﻘﺎر�ﺔ اﻟكبیرة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟجیو�وﻟیت�كیین اﻷﻟمﺎن ﺘﺄﺜی ار ﻤ�ﺎﺸ ار ﺘجﻠﻰ ﻓﻲ ظﻬور ﻤبدأﯿن‪ :‬أوﻟﻬمﺎ ﻓكرة أورو�ﺎ اﻟكبرى‪ ،‬وﺜﺎﻨیﻬمﺎ ﻓكرة اﻷﻗﺎﻟ�م‬
‫‪4‬‬
‫اﻟكبرى‪.‬‬

‫ﻤوﺤدا ﺤتﻰ اﻟثﻠث‬


‫ً‬ ‫وﻋرق�ﺎ‬
‫ً‬ ‫وﻗوﻤ�ﺎ‬
‫ً‬ ‫ﺴ�ﺎﺴ�ﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻋكس اﻟﻘوى اﻷﺨرى ﻓﻲ أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ‪ ،‬ﻟم ﺘكن أﻟمﺎﻨ�ﺎ ً‬
‫��ﺎﻨﺎ‬
‫اﻷﺨیر ﻤن اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر‪ .‬ﻓﻘط ﻓﻲ ﻋﻬد اﻟمستشﺎر اﻟبروﺴﻲ "�سمﺎرك" ﺒدأت ﻋمﻠ�ﺔ اﻟوﺤدة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ‬
‫اﻟتﻲ اﻛتمﻠت ﻋﺎم ‪ 5 1871.‬ﺤول اﻻﺘحﺎد أﻟمﺎﻨ�ﺎ إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻓﻲ أورو�ﺎ اﻗتصﺎد�ﺎ وﻋسكر�ﺎ وﺴ�ﺎﺴ�ﺎ‪ .‬ﻟكن‬
‫ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟجﻐراﻓﻲ ﺨﻠق اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟصﻌو�ﺎت ﻟﻠدﻓﺎع ﻋنﻬﺎ‪ .‬إذ ﺘﻔتﻘر أﻟمﺎﻨ�ﺎ إﻟﻰ اﻟحدود اﻟطب�ع�ﺔ وﺘواﺠﻪ ﺘﻘﻠیدً�ﺎ ﺠیرًاﻨﺎ‬
‫ﻤﻌﺎدﯿین ﻓﻲ �ﻞ ﻤن اﻟشرق )روﺴ�ﺎ( واﻟﻐرب )ﻓرﻨسﺎ(‪ .‬وﻟذﻟك‪ ،‬ﺸددت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟتوﺴﻊ‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ ﺒﻬدف اﻟتصدي �كﻔﺎءة ﻻﺤتمﺎل ﺸن ﻫجوم ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺘین اﻟجبﻬتین‪ .‬و�ﺎﻨت اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ وﺴط أورو�ﺎ‬
‫)‪ (Mitteleuropa‬ﻫﻲ اﻟطر�ﻘﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟمواﺠﻬﺔ اﻟتﻬدﯿدات اﻟﻌسكر�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. pp 6-7.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 7.‬‬

‫‪59‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1890‬رﻓضت أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﺘجدﯿد اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻷﻤن اﻟمت�ﺎدل اﻟتﻲ وﻗﻌتﻬﺎ ﻤﻊ روﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .1887‬و�ﺎن‬
‫ﻋدم ﺘجدﯿد ﻫذا اﻻﺘﻔﺎق �مثﺎ�ﺔ ﺒدا�ﺔ ﻟبنﺎء اﻟكتﻠتین اﻟمتنﺎﻓستین ﻓﻲ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ‪ .‬ﻟذا‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1894‬وﻗﻌت‬
‫روﺴ�ﺎ اﺘﻔﺎق�ﺔ دﻓﺎع ﻤﻊ ﻓرﻨسﺎ‪� .‬حیث اﻟتزﻤت روﺴ�ﺎ وﻓرﻨسﺎ �مسﺎﻋدة اﻟطرف اﻵﺨر ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ ﻫجوم أﻟمﺎﻨ�ﺎ أو اﻟمجر‬
‫اﻟنمسﺎو�ﺔ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺴیتﻌین ﻋﻠﻰ أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟﻘتﺎل ﻋﻠﻰ ﺠبﻬتین ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟوﻗت‪ .‬وﻟتجنب اﻟحرب ﻋﻠﻰ ﺠبﻬتین ﻓﻲ وﻗت‬
‫واﺤد‪ ،‬وﻀﻌت أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﺨطﺔ ﺤرب ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺘحرك ﻋسكري ﺴر�ﻊ ﻟﻠتﻐﻠب ﻋﻠﻰ ﻓرﻨسﺎ و�ﻌد ذﻟك ﻟتحو�ﻞ ﺠ�شﻬﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﺸرًﻗﺎ ﻟمواﺠﻬﺔ روﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫�بیر ﺨﺎرج أﻟمﺎﻨ�ﺎ �ﺎﻟوﻻ�ﺎت‬


‫اﻫتمﺎﻤﺎ ًا‬
‫ً‬ ‫ﻤﻊ ﺴ�طرة أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻋﻠﻰ أورو�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ‪ ،‬أﺜﺎرت ظﺎﻫرة اﻟجیو�وﻟیت�ك‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﺤیث اﻋتبرت اﻟجیو�وﻟیت�ك ﺴر اﻟنجﺎح اﻷﻟمﺎﻨﻲ‪ .‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬أﻋید اﻛتشﺎف اﻟمنطق‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟﻠجﻐراﻓﻲ اﻟبر�طﺎﻨﻲ "ﻫﺎﻟﻔورد ﻤﺎﻛیندر"‪� 2 .‬مﺎ ﻟوﺤظ‪ ،‬ﻨشر "رودوﻟﻒ �یﻠین" )‪ (1922-1864‬ﻤﻘﺎﻻً ذ�ر‬
‫ف�ﻪ ﻤصطﻠﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ و�صﻒ ﺤدود اﻟسو�د ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟمخﺎطر اﻟتﻲ واﺠﻬتﻬﺎ ﺒﻼدﻩ ﻤن اﻟتوﺴﻊ اﻹﻗﻠ�مﻲ‬
‫ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ وﺘحو�ﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻗوة أورو��ﺔ‪ .‬ادﻋﻲ "ﻛیﻠین" أن اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﺘصور "راﺘزل" ﻟﻠدوﻟﺔ‬
‫ﻛكﺎﺌن ﺤﻲ‪ ،‬ﻗد أﺨﻠت ﺒتوازن اﻟﻘوى اﻷورو�ﻲ وﺸكﻞ ﺘﻬدﯿدا وﺠود�ﺎ ﻫﺎﺌﻼ ﻟﻸﻤن اﻟﻘوﻤﻲ ﻟﻠدول اﻷورو��ﺔ اﻟصﻐیرة‬
‫واﻟمتوﺴطﺔ اﻟحجم ﺨﺎﺼﺔ �ﻌد اﻨتصﺎر أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻋﻠﻰ ﻓرﻨسﺎ‪ .‬اﻗترح "ﻛیﻠین" إﻨشﺎء �تﻠﺔ ﻤن اﻟدول ﻟتطو�ق أﻟمﺎﻨ�ﺎ ووﻗﻒ‬
‫‪3‬‬
‫ﺘوﺴﻌﻬﺎ‪� .‬شمﻞ اﻟدول اﻻﺴكندﻨﺎف�ﺔ ﻋبر دول اﻟبﻠطیق‪ ،‬وأورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ‪ ،‬واﻟبﻠﻘﺎن‪.‬‬

‫اﻟمﻔكر اﻟثﺎﻟث ﻓﻲ ﺒدا�ﺔ اﻟﻘرن اﻟـ ‪ 20‬ﻫو "ﻫﺎﻟﻔورد ﻤﺎﻛیندر" )‪� .(1947-1861‬ﺎﻨت �تﺎ�ﺎﺘﻪ ﺨﻼل اﻟﻌﻘدﯿن‬
‫اﻷوﻟین ﻤن اﻟﻘرن اﻟـ ‪ 20‬ﻤوﺠﻬﺔ ﻨحو إ�جﺎد طر�ﻘﺔ ﻟضمﺎن اﻟتﻔوق اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻻﻗتصﺎدي ﻟبر�طﺎﻨ�ﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ‬
‫واﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔترة ﻻ ﺘزال ﺘﻌتمد ﻋﻠﻰ ﺘﻔوﻗﻬﺎ اﻟﻌسكري ﻓﻲ اﻟ�حر‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﺒدأت ﻫذﻩ اﻟس�ﺎدة ﺘتﺂﻛﻞ‬
‫ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟـ ‪ 19‬و�دا�ﺔ اﻟﻘرن اﻟـ ‪ .20‬ﺨﻼل ﺘﻠك اﻟﻔترة‪ ،‬ﻏیرت ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �ﺈﻨشﺎء ﻨظﺎم ﻤﻌﺎﻫدات‬
‫ﻤﻊ دول ﻤختﻠﻔﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻤﻌﺎﻫدة اﻟدﻓﺎع ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن )‪ (1902‬اﻟتﻲ ﺤﺎﻓظت ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻓﻲ‬
‫‪4‬‬
‫ﻤواﺠﻬﺔ اﻟتﻬدﯿد اﻟروﺴﻲ‪.‬‬
‫ﻨظر ﻷن اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﺘر�یز ﻤﺎﻛیندر ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟبر�ﺔ ﻟم ﯿتم اﻻﻟتزام �ﻪ ﻓﻲ وﻗت ﻤ�كر‪ً ،‬ا‬
‫ﻛﺎﻨت ﺘﻌتبر ذات أوﻟو�ﺔ أﻋﻠﻰ‪ ،‬أﺼ�حت أﻓكﺎرﻩ ﻤؤﺜرة �شكﻞ ﻤتزاﯿد‪ ،‬ﻻ ﺴ�مﺎ ﻋندﻤﺎ ﯿتحﺎﻟﻒ ﻤﻊ أوﻟئك ﻤثﻞ راﺘز�ﻞ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. Pp 8-9.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. pp 9-10.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 10.‬‬

‫‪60‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻋﺎدت ﻓكرة ‪) Drang nach Osten‬اﻻﻨدﻓﺎع ﺸرﻗﺎ( ﻓﻔكرة اﻷﻟمﺎﻨﻲ اﻟمتﻔوق‪ ،‬ﻤﻊ ارﺘ�ﺎطﻪ اﻟطب�ﻌﻲ �ﺎﻟتر�ﺔ‪ ،‬ﺴوف ﯿتجﻪ‬
‫ﺸرًﻗﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین أن اﻷﻨجﻠو ﺴﺎﻛسون اﻟمتﻔوﻗین ﺴ�ﻌﻠمون اﻟﻌﺎﻟم اﻟحضﺎرة اﻟحق�ق�ﺔ ﺒ�حر�تﻬم اﻟمتﻔوﻗﺔ‪� .‬ﺎن اﻟصدام‬
‫ﺒین اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ واﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ واﻟسبب اﻟرﺌ�سﻲ ﻓﻲ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﺠزًءا ﻤن ﺨﻠﻔیتﻪ اﻟخوف‬
‫اﻟبر�طﺎﻨﻲ ﻤن ﺘحﺎﻟﻒ أﻟمﺎﻨﻲ روﺴﻲ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ �ﻌد ﻤﻌﺎﻫدة ﺒر�ست ﻟیتوﻓسك ‪ Brest-Litovsk‬ﻓﻲ أواﺌﻞ ﻋﺎم ‪،1918‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻋندﻤﺎ ﺘم اﻟتوﺼﻞ إﻟﻰ اﻟسﻼم ﺒین أﻟمﺎﻨ�ﺎ وروﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫وﻗد أﺘﺎح اﻟتﻌجیﻞ ﺒبنﺎء اﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ اﻟﻌﺎﺒرة ﻟﻠﻘﺎرات إﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻟتوﺴﻊ وﻨﻘﻞ اﻟﻘوات اﻟﻌسكر�ﺔ ﻋبر اﻟطرق‬
‫اﻟبر�ﺔ دون اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‪� .‬ﺎن ﺨط ﺒرﻟین ‪�-‬ﻐداد )‪ (1896‬واﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ اﻟﻌﺎﺒرة ﻟسیبیر�ﺎ )‪ (1905‬أﻫم‬
‫ﺌ�س�ﺎ ﻓﻲ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷورو��ﺔ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ‬
‫دور ر ً‬
‫ﺨطین ﻟﻠسكك اﻟحدﯿد�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪ ،‬ﻟﻌبت اﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ ًا‬
‫اﻟﻘرن اﻟـ ‪ .19‬إذ �مكن ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ وروﺴ�ﺎ ﺘﻬدﯿد اﻟمستﻌمرات اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﻋن طر�ق اﻟبر دون اﻻﻀطرار إﻟﻰ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟتﻔوق اﻟمطﻠق ﻟﻠ�حر�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ‪.‬‬
‫"ﻫﺎﻟﻔورد ﻤﺎﻛیندر" ‪ Mackinder. H‬ﻛﺎن ﻫو اﻟذي ر�ط ﺒین اﻟمسﺎﺤﺎت اﻟضخمﺔ واﻟموﻗﻊ اﻟمكﺎﻨﻲ ﻓﻲ ﺠزء‬
‫ﻤن ﻗﺎرة واﺤدة أﻋطﺎﻫﺎ اﻟمكﺎﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻗد ارﺘ�ط اﺴم ﻤﺎﻛیندر ﺒنظر�ﺔ "ﻗﻠب اﻟﻌﺎﻟم"‪ . Heartland‬و�ﺎن‬
‫‪3‬‬
‫ﻟﻬذﻩ اﻟنظر�ﺔ ﺘﺄﺜر�ﻬﺎ اﻟواﻀﺢ ﻋﻠﻰ اﻟجیو�وﻟیت�كﺎ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1904‬ﺼﺎغ ﻨظر�تﻪ ﺤول ﻤر�ز�ﺔ �تﻠﺔ اﻷرض ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ وأن اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﻤر�زﻫﺎ اﻷﺴﺎﺴﻲ‬
‫�مكن أن ﺘكون اﻷﺴﺎس ﻟﻠس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ‪� .‬ﺎن ﻫذا ﻷن اﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ �ﺎﻨت ﺘتمتﻊ �میزة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷورﺴ�ﺔ )أﻟمﺎﻨ�ﺔ وروﺴ�ﺎ( أن ﺘتﻔوق ﻋﻠﻰ اﻟﻘوى‬
‫ا‬ ‫اﻟنﻘﻞ اﻟ�حري ﻤن ﺤیث اﻟوﻗت و�ﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻟوﺼول‪ .‬و�مكن ﻟﻠﻘوى‬
‫‪4‬‬
‫اﻟ�حر�ﺔ إذا ﺴ�طرت ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ اﻟوﺴطﻰ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1919‬اﺴتخدم "ﻤﺎﻛیندر" ﻤصطﻠﺢ "ﻗﻠب اﻷرض" ‪ Heartland‬ﻓﻲ إﺸﺎرة إﻟﻰ اﻟتﻘدم اﻟكبیر ﻓﻲ اﻟنﻘﻞ‬
‫اﻟبري واﻟز�ﺎدة اﻟسكﺎﻨ�ﺔ اﻟسر�ﻌﺔ واﻟتصن�ﻊ اﻟمتسﺎرع ﻷورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ ﻤن �حر اﻟبﻠطیق إﻟﻰ اﻟ�حر اﻷﺴود‪ .‬ﻓﻲ أر�ﻪ‪،‬‬
‫ﺘشكﻞ أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ اﻟمﻠحق اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻷوراﺴ�ﺎ‪ .‬وﻗد ﺤذر ﻫﺎﻟﻔورد ﻤﺎﻛیندر ﻤن أن ﺤكم ﻗﻠب أﻛبر �تﻠﺔ أرﻀ�ﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم �مكن أن �ﻌطﻲ اﻷﺴس اﻟتﻲ ﺘنبنﻲ ﻋﻠیﻬﺎ اﻟس�طرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﻗد ﺸﻌر ﻤﺎﻛیندر أن ﻓﻲ إﻤكﺎن اﻟﻘوة اﻟتﻲ‬
‫ﺘحكم ﻗﻠب اﻟﻌﺎﻟم ‪-‬ﺴواء �ﺎﻨت روﺴ�ﺎ أو أﻟمﺎﻨ�ﺎٍ أو اﻟصین ‪-‬أن ﺘنﺎﻓس ﺒنجﺎح اﻟدول اﻟ�حر�ﺔ وأن ﺘتﻐﻠب ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬وﻟم‬

‫‪1‬‬
‫‪- William Mallinson and Zoran Ristic, Op. cit. p20.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. pp 10-11.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 11.‬‬

‫‪61‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺘمض إﺤدى ﻋشرة ﺴنﺔ ﻋﻠﻰ أﻗوال ﻤﺎﻛیندر اﻷوﻟﻰ ﺤتﻰ أﻛد "ﻓر�جر�ف ﺠ�مس" ‪ Fairgrieve. J‬ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ "اﻟجﻐراف�ﺎ‬
‫‪1‬‬
‫واﻟس�طرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ" )‪ (1915‬أن اﻟصین ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ ﻤمتﺎز ﻟﻠس�طرة ﻋﻠﻰ داﺨﻠ�ﺔ أورو آﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﺘصور "ﻤﺎﻛیندر" اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻤستمد ﻤن ﻓحص اﻟتﺎر�ﺦ اﻟﻐر�ﻲ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟمتﻐیرة ﻓﻲ ﺘوازن اﻟﻘوى ﺒین‬
‫ﺤیو�ﺎ ﻟﻼﻨتﻘﺎل‬
‫ً‬ ‫اﻟﻘوى اﻟبر�ﺔ واﻟ�حر�ﺔ‪ .‬وﻓﻘﺎ ﻟﻪ‪ ،‬ﺴ�طرت روﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻘد�م ﻷﻨﻬﺎ أﻨشﺄت �حكمﺔ ﻨظﺎم طرق‬
‫اﻟسر�ﻊ ﻟجیوﺸﻬﺎ إﻟﻰ أﺠزاء ﻤختﻠﻔﺔ ﻤن إﻤبراطور�تﻬﺎ‪ .‬ﻓﻲ ﺒدا�ﺔ اﻟﻌصر اﻟحدﯿث‪ ،‬ﻋندﻤﺎ ﺒدأت اﻟسﻔن ﻓﻲ اﻹ�حﺎر ﻓﻲ‬
‫اﻟمح�ط اﻷطﻠسﻲ‪ ،‬ذﻫبت اﻟمیزة ﻟﻠﻘوى اﻟ�حر�ﺔ اﻷورو��ﺔ واﺴتمرت ﻫذﻩ اﻟﻬ�منﺔ ﻟنحو أر�ﻌﺔ ﻗرون‪ .‬وﻗد أﻋﺎد اﻟبنﺎء‬
‫اﻟمتسﺎرع ﻟﻠسكك اﻟحدﯿد�ﺔ ﻓﻲ "أوراﺴ�ﺎ" اﻟس�طرة ﻟﻠﻘوى اﻟبر�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﺠﺎدل "ﻤﺎﻛیندر" ﺤول ﻀرورة اﻟتحﺎﻟﻒ ﺒین‬
‫أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ وأﻤر�كﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‪ .‬وأن ﻤثﻞ ﻫذا "اﻻﺘحﺎد اﻷطﻠسﻲ" ﺴ�ﻌید اﻟﻬ�منﺔ إﻟﻰ اﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ �ق�ﺎدة ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ‪.‬‬
‫وﻫذا ﯿدل ﻋﻠﻰ أن "ﻤﺎﻛیندر" �ﺎن أول ﻤﻔكر ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﺨﻠﻒ ﻤنظمﺔ ﺤﻠﻒ ﺸمﺎل اﻷطﻠسﻲ )‪ ،(NATO‬اﻟتﻲ ﺘﺄﺴست‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1949‬ﺒﻬدف اﻟدﻓﺎع ﻋن أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ ﻤن ﻫجمﺎت ﻗوة ﺒر�ﺔ ﺠ�ﺎرة )اﻻﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ(‪.‬‬
‫ﻛﺎن ﻟمﺎﻛیندر وﻨظر�ﺔ اﻟﻘﻠب اﻟتﻲ ﺼﺎﻏﻬﺎ ﺘﺄﺜیر ﻫﺎﺌﻞ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴیین اﻟبر�طﺎﻨیین ﺨﻼل اﻟﻔترة اﻟتﻲ �ﺎن �كتب‬
‫ﻓیﻬﺎ أﻋمﺎﻟﻪ‪� .‬مﺎ ﻻﺤظ اﻟمﻔكرون اﻷﻟمﺎن واﻷﻤر�كیون ﺘصورﻩ ﻟتوازن اﻟﻘوى اﻟمستمد ﻤن ﻓكرة اﻟﻘﻠب‪� .‬ﺎن ﺘﺄﺜیر‬
‫ﺴﺎﺌدا ﺤتﻰ اﻟیوم‪� .‬مكن اﻟﻘول إن ﻨسخﺔ ‪ 1919‬ﻤن‬
‫ﻤحسوﺴﺎ �ﺎﻟتﺄﻛید ﺨﻼل ﺤق�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة وﻤﺎ زال ً‬
‫ً‬ ‫ﻤﺎﻛیندر‬
‫ﻗﻠب اﻷرض دﻋمت ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻻﺤتواء ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺨﻼل اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﺒینمﺎ أﺜرت ﻨسخﺔ ﻋﺎم ‪ 1943‬ﻋﻠﻰ ﺴﻠوك‬
‫‪3‬‬
‫ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬
‫‪ -1‬اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﺨﻼل اﻟﻔترة ‪.1945-1914‬‬

‫أ‪ /‬ﺘطور اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬


‫ظﻬرت ﻤدرﺴﺔ أﻤر�ك�ﺔ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﺨﻼل اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬ﻗدم "ﻨ�كوﻻس‬
‫ﺘحﻠیﻼ ﻟموﻗﻒ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة "ﻤن ﺤیث اﻟجﻐراف�ﺎ وﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة"‪،‬‬
‫ً‬ ‫ﺴب�كمﺎن"‪ ،‬أﺴتﺎذ اﻟﻌﻠوم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ �جﺎﻤﻌﺔ "ﯿیﻞ"‪،‬‬
‫ﻤن أﺠﻞ اﻟسمﺎح �ص�ﺎﻏﺔ "اﺴتراﺘ�ج�ﺔ �برى ﻟكﻞ ﻤن اﻟحرب واﻟسﻼم ﺘستند إﻟﻰ ﺘداع�ﺎت ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟجﻐراﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.62‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 12.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. P 13.‬‬

‫‪62‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻤؤﺜر ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺘوﺠ�ﻪ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن اﻻﻨﻌزاﻟ�ﺔ إﻟﻰ "اﻟﻌوﻟمﺔ‬


‫دور ًا‬
‫ﻟﻌب "ﺴب�كمﺎن" ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ًا‬
‫اﻟتدﺨﻠ�ﺔ‪". 1‬‬

‫�ﺎﺴتخدام "ﻤﺎﻛیندر" �ﺄﺴﺎس ﻟتطو�ر ﻨظر�تﻪ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﺠﺎدل "ﺴب�كمﺎن" ﻓﻲ أن ﻤﺎ أﺴمﺎﻩ ﻤﺎﻛیندر "اﻟﻬﻼل‬

‫اﻟداﺨﻠﻲ أو اﻟﻬﺎﻤشﻲ '‘‪ ،‬و�ع�ﺎرة أﺨرى اﻟمح�ط وﻟ�س اﻟﻘﻠب اﻟذي �ﺎن ً‬
‫ﺤرﺠﺎ ﺤًﻘﺎ‪ ،‬واﻟذي أطﻠق ﻋﻠ�ﻪ اﺴم ‪.Rimland‬‬
‫ﺨﻼل اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﺘمت دﻋوة "ﻤﺎﻛیندر" ﻨﻔسﻪ ﻟص�ﺎﻏﺔ ﺘحدﯿث ﻟنظر�تﻪ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻓﻲ ‪The‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،Round World and the Winning of the Peace‬اﻟذي ُﻨشر ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘحدﯿدا‪� ،‬ﻌتبر واﺤدا ﻤن أﻗرب‬


‫ً‬ ‫أﻤﺎ "أﻟﻔر�د ﻤﺎﻫﺎن" )‪ ،(1914-1840‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أﻨﻪ ﻟم �ستخدم اﻟمصطﻠﺢ‬
‫ﻤمثﻠﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟحدﯿثﺔ ﻓﻲ اﻟتﻔكیر‪ .‬وﺸدد ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ أﻓضﻞ طر�ﻘﺔ ﻹﺒراز ﻗوة دوﻟﺔ ﻤﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ ﺴ�ﺎق اﻟتسﻠﺢ اﻟ�حري‪ .‬ﻻ ﺘزال طر�ﻘﺔ ﺘﻔكیرﻩ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫أ�ضﺎ أﻨﻪ ﻤن اﻟضروري ﻤﻘﺎوﻤﺔ روﺴ�ﺎ‪.‬‬
‫واﻋتبر ً‬

‫ﺤسب "ﻤﺎﻫﺎن" اﻟتحكم ﻓﻲ اﻟ�حﺎر �ﻌنﻲ ﻟد�ﻪ اﻟتحكم ﻓﻲ اﻟﻘواﻋد اﻟبر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘتمیز �ﺎﻟمواﻗﻊ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻟمتحكمﺔ ﻓﻲ اﻟنﻘﻞ اﻟ�حري واﻟﻘواﻋد اﻟ�حر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحمیﻬﺎ أﺸكﺎل اﻟسواﺤﻞ ﻤن ﺠﻬﺔ وﻋمق ﺨﻠﻔیتﻬﺎ اﻷرﻀ�ﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺔ‪� .‬مﺎ أﻨﻪ ﯿرى ﻓﻲ اﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ ﻤﻔتﺎح اﻟس�طرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﺈﻨﻪ ‪-‬ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،-‬ﯿتن�ﺄ ّ‬
‫�ﺄنٍ �ﺈﻤكﺎن �ﻞ ﻤن‬
‫ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ وأﻤر�كﺎ اﻟمتحﺎﻟﻔتین اﻟحصول ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �ﺎﺴتخداﻤﻬمﺎ ‪-‬اﺤتﻼل‪ ،-‬ﻗواﻋد ﻋسكر�ﺔ ﺘح�ط �ﺄورو آﺴ�ﺎ‬
‫‪4‬‬
‫ﻨظ ار ﻟتﻔوق اﻟحر�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟحر�ﺔ اﻷرﻀ�ﺔ‪.‬‬

‫�ﻌتﻘد "ﻤﺎﻫﺎن" أن اﻟتﻔوق اﻟ�حري ﻹﻨجﻠت ار ﻫو اﻟذي ﻤنحﻬﺎ اﻷﻤن ﻓضﻼ ﻋن اﻟمكﺎﻨﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟتﻔضیﻠ�ﺔ‬
‫واﻟثروة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬وﻫذﻩ اﻷﺨیرة ﻤنحتﻬﺎ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ دﻋم ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺤرﻤﺎن ﻓرﻨسﺎ ﻤن اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫أورو�ﺎ‪� .‬مﺎ ﺠﺎدل "ﺠون ف�شر" ﻗﺎﺌد اﻟ�حر�ﺔ اﻟمﻠك�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ )‪ (1910-1904‬أن اﻟﻬ�منﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﺘستند إﻟﻰ ﺴ�طرة ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ ﻋﻠﻰ أﻫم ﺨمسﺔ ﻤمرات �حر�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ :‬ﺴنﻐﺎﻓورة )ﻤضیق ﻤﻠﻘﺎ(‪ ،‬رأس اﻟرﺠﺎء اﻟصﺎﻟﺢ‪،‬‬
‫ﻗنﺎة اﻟسو�س‪ ،‬ﺠبﻞ طﺎرق‪ ،‬ودوﻓر )اﻟﻘنﺎة اﻹﻨجﻠیز�ﺔ(‪ .‬وﻫنﺎ ﻨجد اﻟرا�ط ﺒین اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟنﻘﺎط اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫‪5‬‬
‫اﻟرﺌ�س�ﺔ )اﻟمﺎد�ﺔ( واﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘترﺠم إﻟﻰ ﻗوة اﻗتصﺎد�ﺔ وﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- William Mallinson and Zoran Ristic, Op. cit. pp 18-19.‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.77-76‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 14.‬‬

‫‪63‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫"ﻤﺎﻫﺎن" ﻤثﻞ "ﻤﺎﻛیندر" ﯿرى أن )أوراﺴ�ﺎ( اﻟمنﺎﻓس اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟ�حري‪ ،‬ﻟكنﻪ ﻋﻠﻰ ﻋكسﻪ‪ ،‬ﯿؤ�د أن ﻋدم‬
‫ﻗدرة ﻗوى اﻟكتﻠﺔ اﻟبر�ﺔ ‪-‬روﺴ�ﺎ وأﻟمﺎﻨ�ﺎ ‪-‬ﻋﻠﻰ ﺘحو�ﻞ ﻨﻔسﻬﺎ إﻟﻰ ﻗوى �حر�ﺔ ﻟن ﺘسمﺢ ﻟﻬﺎ �ﺄن ﺘص�ﺢ ﻗوى ﻋﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬
‫و�جﺎدل "ﻤﺎﻫﺎن" أن اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم �مكن اﻟحصول ﻋﻠیﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟنﻘﺎط اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ‬
‫وﻫذا ﯿتواﻓق ﻤﻊ اﻟنموذج اﻟذي ﻗدﻤتﻪ ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ‪ .‬وﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق‪� ،‬حث "ﻤﺎﻫﺎن" ﻋﻠﻰ ﺤﻔر ﻗنﺎة ﺘر�ط اﻟمح�طین‬
‫أﻨجﻠو‪-‬‬ ‫ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ اﺘﻔﺎق�ﺔ‬
‫اﻷطﻠسﻲ واﻟﻬﺎدئ‪ .‬ووﻓًﻘﺎ ﻟﻪ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟنﻘﺎط اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺤول أوراﺴ�ﺎ ً‬
‫‪1‬‬
‫أﻤر�ك�ﺔ ﺴتؤدي إﻟﻰ ه�منﺔ اﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻨجﻠو ﺴﺎﻛسوﻨ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﻛمﺎ �ﻌتبر "ﻤﺎﻫﺎن" اﻻﻤتداد اﻟواﺴﻊ ﻟﻠمح�ط اﻟﻬﺎدئ "�حرﻨﺎ" ﺒنﻔس اﻟطر�ﻘﺔ اﻟتﻲ ﻨظر ﺒﻬﺎ اﻟروﻤﺎن إﻟﻰ اﻟ�حر‬
‫اﻷﺒ�ض اﻟمتوﺴط ‪-‬ﻛمنطﻘﺔ �جب ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟس�طرة ﻋﻠیﻬﺎ ﻷﺴ�ﺎب ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﻋسكر�ﺔ واﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‬
‫أﯿد ﻀم ﺠزر ﻫﺎواي وﻏوام واﻟﻔﻠبین‪ ،‬اﻟتﻲ أﺼ�حت اﻟﻘواﻋد اﻷﻤﺎﻤ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪� .‬مﺎ إدﻋﻰ أن اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺠزر اﻟكﺎر�بﻲ‪ .‬ﺴتؤﻤن اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟ�حر اﻟكﺎر�بﻲ اﻟمخرج اﻟشرﻗﻲ ﻟﻠﻘنﺎة اﻟتﻲ ﺴتر�ط اﻟمح�طین‪ .‬ﺴتكون‬
‫‪2‬‬
‫ﻫذﻩ اﻟﻘنﺎة ﻨﻘطﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ رﺌ�س�ﺔ ﻟﻠﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﺘﻔنیدا ﻟـ "أطروﺤﺔ ﻫﺎرﺘﻼﻨد‪-‬ر�مﻼﻨد"‪،‬‬
‫ً‬ ‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1963‬ﻗدم اﻟجﻐراﻓﻲ اﻷﻤر�كﻲ "ﺴول �وﻫین"‪Saul Cohen‬‬

‫�حجﺔ أن "اﻟﻌﺎﻟم اﻟحر أﺼ�ﺢ ﻀح�ﺔ ﻷﺴطورة ‪-‬أﺴطورة اﻟوﺤدة اﻟمتﺄﺼﻠﺔ ﻓﻲ اﻟجز�رة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ"‪� ،‬ﺎﻟنظر إﻟﻰ وﺤدة‬
‫اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد ﻓﻲ ﺘر�یبتﻪ ﻤﻊ ﺠزء ﻤن اﻟر�مﻼﻨد‪ .‬أﺤد ﻤكوﻨﺎت اﻷﺴطورة ﻫو أن اﻟﻘوى اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟ�حر ﻻ �مكنﻬﺎ‬
‫اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻤوﻗﻌﻬﺎ ﻤﺎ ﻟم ﯿتم اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟس�طرة اﻟكﺎﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺠم�ﻊ أﺠزاء اﻟسﺎﺤﻞ اﻷوراﺴﻲ‪ .‬ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻷﺴطورة‬
‫اﻟتﻲ ﺘن�ﻊ ﻤن �تﺎ�ﺎت "ﻤﺎﻛیندر" اﻟسﺎ�ﻘﺔ وردود أﻓﻌﺎل "ﺴب�كمﺎن"‪ 3 .‬ﺤیث طور "ﻛوﻫین" ًا‬
‫إطﺎر ﻟﻠتحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪،‬‬
‫ﻛﺎن اﻟﻐرض ﻤنﻪ ﻫو وﺼﻒ اﻹﻋدادات اﻟجﻐراف�ﺔ ﻤن ﺤیث ﺼﻠتﻬﺎ ﺒـ اﻟسﻠطﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ووﻀﻊ اﻷطر اﻟمكﺎﻨ�ﺔ اﻟتﻲ‬
‫ﺘحتضن وﺤدات اﻟﻘوة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمتﻔﺎﻋﻠﺔ‪ .‬ﻟﻌب �وﻫین دور اﻟر�ﺎدة ﻓﻲ ﺘجدﯿد اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟذي ﺤدث ﻤنذ اﻟس�ﻌین�ﺎت‬
‫‪4‬‬
‫ﻓصﺎﻋدا‪.‬‬
‫ً‬

‫ﺘحول ﻤﻔكر أﻤر�كﻲ آﺨر‪" ،‬أﺸع�ﺎ ﺒوﻤﺎن" )‪ ،(1950-1878‬إﻟﻰ ﻤجﺎل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ ﻤحﺎوﻟﺔ ﻟشرح اﻟنظﺎم‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟجدﯿد اﻟنﺎﺘﺞ ﻋن اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ ﻤن ﺨﻼل ﺴﻠوك "وودرو و�ﻠسون" ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ أﺜنﺎء اﻟحرب‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. pp 15-16.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 16.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid.‬‬

‫‪64‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺘمﺎﻤﺎ �مﺎ‬
‫ﺘكو�ن�ﺎ ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫)وﺜ�ﻘﺔ اﻟنﻘﺎط اﻷر�ﻊ ﻋشرة( و�ﻌد ذﻟك )ﻤؤﺘمر ﻓرﺴﺎي(‪ .‬و�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻪ‪� ،‬ﺎﻨت اﻟحرب ﺤدﺜًﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﻛﺎن ﺴﻘوط روﻤﺎ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻷورو�ﺎ ﺨﻼل اﻟﻌصور اﻟوﺴطﻰ‪.‬‬
‫ﺘﺄﺜر "ﺒوﻤﺎن" �خطﺔ اﻟنﻘﺎط اﻷر�ﻊ ﻋشرة ﻟﻠرﺌ�س "و�ﻠسون" اﻟتﻲ ﺤﺎوﻟت ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﺘشكیﻞ ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ ﺠدﯿد‬
‫ﻤن ﺨﻼل اﻟﻘضﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟتﻲ أدت إﻟﻰ اﻨدﻻع اﻟحرب‪ .‬وﻋمﻞ "ﺒوﻤﺎن" �مستشﺎر ﻟﻠوﻓد اﻷﻤر�كﻲ اﻟذي ﺤضر‬
‫ﻤحﺎدﺜﺎت اﻟسﻼم ﻓﻲ ﻓرﺴﺎي‪ .‬ﻟذﻟك ﻓﻬو ﺴﻠط اﻟضوء ﻋﻠﻰ اﻟﻌمﻠ�ﺔ اﻟتجر�ب�ﺔ اﻟتﻲ ﯿن�ﻐﻲ إﺠراؤﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺸ�كﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬وﻫو ﯿتضمن ﺘحﻠیﻞ ﺤدود اﻟدوﻟﺔ وﻤواردﻫﺎ واﻷﻗﻠ�ﺎت اﻟﻘوﻤ�ﺔ واﻟﻌرق�ﺔ و��ف ﺘؤﺜر ﻫذﻩ اﻟﻌواﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟنظﺎم‬
‫اﻟدوﻟﻲ‪ .‬و�ﺎن اﻟﻐرض ﻤن ﻫذﻩ اﻟﻌمﻠ�ﺔ ﻫو اﻟحد ﻤن ﻤخﺎطر اﻟﻔوﻀﻰ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟنﺎﺘجﺔ ﻋن ﻋدم اﻻﺴتﻘرار ﻓﻲ‬
‫اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪.‬‬
‫اﺴتمر "ﻤﺎﻫﺎن" و"ﺒوﻤﺎن" ﻓﻲ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ ﺴﻠوك اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ طوال اﻟنصﻒ اﻷول ﻤن اﻟﻘرن‬
‫اﻟﻌشر�ن‪ ،‬وﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ "ﻤﺎﻫﺎن"‪ ،‬ﺤتﻰ ﺨﻼل ﻓترة اﻟحرب اﻟ�ﺎردة وﻤﺎ �ﻌدﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪ .‬ﺘﺄﻛید "ﻤﺎﻫﺎن"‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ وأﻫم�ﺔ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟنﻘﺎط اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ �كمن وراء اﻟتﻔكیر اﻟﻌسكري واﻟس�ﺎﺴﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﻤنذ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن "ﻤﺎﻫﺎن" ﻻ ﯿزال ذا ﺼﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﺨضﻌت أﻓكﺎرﻩ ﻟﻠتك�ف ﻤﻊ‬
‫اﻟحﻘﺎﺌق اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟمﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ 2 .‬ﻓﺈﺤتواء أﻤر�كﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﻟجﻬود اﻟكتﻠﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ ﻟﻠﻔوز‬
‫�س�طرة ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ �ﻠﻬﺎ �ﻌنﻲ أن ﻨت�جﺔ اﻟصراع �ﺎﻨت ﻗد ﺤسمت ﺒوﺴﺎﺌﻞ ﻏیر ﻋسكر�ﺔ‪ .‬وأﺼ�حت اﻟحیو�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟمروﻨﺔ اﻹﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ واﻟدﯿنﺎﻤ�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟدﻋم اﻟثﻘﺎﻓﻲ اﻷ�ﻌﺎد اﻟحﺎﺴمﺔ ﻓﻲ اﻟصراع‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺘبنﻰ اﻟمﻔكرون اﻟجیوﺴ�ﺎﺴیون اﻷﻤر�كیون اﻟنظر�ﺎت اﻷورو��ﺔ ﻓﻲ أواﺨر اﻟثﻼﺜین�ﺎت واﻟنصﻒ اﻷول ﻤن‬
‫اﻷر�ﻌین�ﺎت‪ .‬وﺘم إﯿﻼء اﻟكثیر ﻤن اﻻﻫتمﺎم ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻟمزدوﺠﺔ ﺒین اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ اﻟتﻲ ﺸمﻠت أوراﺴ�ﺎ )ﻤﻊ‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟور�ث اﻟمحتمﻞ ﻟﻬذﻩ اﻟﻘوة( واﻟﻘوة اﻟبر�ﺔ اﻟسوﻓیت�ﺔ اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﺘس�طر ﻋﻠﻰ أو ارﺴ�ﺎ‬
‫‪4‬‬
‫ﻨﻔسﻬﺎ‪.‬‬
‫أﺜنﺎء اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﻨشر "ﻨ�كوﻻس ﺴب�كمﺎن" )‪ (1943-1894‬دراﺴﺔ ﺘ�حث ﻓﻲ ﻤكﺎﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫ﺴینشﺄ �ﻌد اﻟحرب‪� .‬شدد ﻋﻠﻰ أﻫم�ﺔ د ارﺴﺔ اﻟجﻐراف�ﺎ ﻓﻲ ﺴ�ﺎﻗﻬﺎ‬
‫اﻟمتحدة ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟجدﯿد اﻟذي �ﺎن ُ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 16.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. pp 16-17.‬‬
‫‪ -3‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 20.‬‬

‫‪65‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟس�ﺎﺴﻲ �ﺈﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟﻌﺎﻤﻞ اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺘسییر اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �حكم �وﻨﻬﺎ ﺜﺎﺒتﺔ‪ .‬وﺘجمﻊ أﻓكﺎرﻩ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫واﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺒین أ�ﻌﺎد "ﻤﺎﻛیندر" اﻟبر�ﺔ واﻟ�حر�ﺔ واﻷ�ﻌﺎد اﻟمتطورة ﻟﻠمجﺎل اﻟجوي‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫أ�ضﺎ‬
‫ﻷي دوﻟﺔ ﺘتﺄﺜر �ﺎﻟضرورة ﻟ�س ﻓﻘط �ﺎﻟدول اﻟمجﺎورة وﻟكن ﻤن ﻗبﻞ أوﻟئك اﻟ�ﻌیدﯿن‪ .‬وﻋكست دراﺴﺔ "ﺴب�كمﺎن" ً‬
‫آراء "ﻤﺎﻫﺎن" ﺤول ﺘﺄﺜیر اﻟتنﻘﻞ اﻟ�حري ﻓﻲ ﺘطو�ر ﺒن�ﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺠدﯿدة ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ أﺴﺎس إﻤبراطور�ﺎت ﻤﺎ وراء‬
‫‪1‬‬
‫اﻟ�حﺎر‪.‬‬
‫اﻷﺤداث ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ ﺴتؤﺜر �شكﻞ ﻤ�ﺎﺸر ﻋﻠﻰ اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬وﺠﺎدل �ﺄن ﻫذﻩ‬
‫اﻷﺨیرة )‪� (USA‬جب أن ﺘطمﺢ إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺘﺄﺴ�س أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟﻘو�ﺔ‪ .‬ﺒﻬذﻩ اﻟطر�ﻘﺔ ﻓﻘط �مكن ﻤنﻊ اﻟتوﺴﻊ اﻟشیوﻋﻲ‬
‫ﻏرً�ﺎ‪� .‬مﺎ ﺘوﻗﻊ اﻟتنﺎﻓس اﻟصینﻲ اﻟروﺴﻲ ﺤول ﻤسﺄﻟﺔ اﻟحدود ‪-‬ﻛمﺎ ﺤدث �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟستین�ﺎت ‪-‬وﺘحول اﻟصین إﻟﻰ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻘوة اﻵﺴیو�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺴیتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أن ﺘﻬتم �ﺎﻟدﻓﺎع ﻋن اﻟ�ﺎ�ﺎن‪.‬‬
‫ب‪ /‬ﺘطور اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻷﻟمﺎﻨﻲ )‪(1941-1919‬‬

‫ظﻬر اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻔترة اﻟتﻲ ﺘﻠت اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺨﻠف�ﺔ ﻫز�مﺔ أﻟمﺎﻨ�ﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻟحرب‪ ،‬و�ذﻻﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمﻌﺎﻫدة اﻟموﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﻓرﺴﺎي )ﻤﺎي ‪ .(1919‬وﻗد أُﺨذت ﺠم�ﻊ ﻤستﻌمراﺘﻬﺎ ﻓﻲ أﻓر�ق�ﺎ وﻓﻲ‬
‫اﻟجزء اﻟﻐر�ﻲ ﻤن اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وﺘجر�د ﻤنﺎطق ﻤن أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻨﻔسﻬﺎ‪ .‬أُﻋیدت أﻟزاس وﻟور�ن إﻟﻰ ﻓرﻨسﺎ‪ ،‬وأﺠر�ت‬
‫ﺘﻌدﯿﻼت �بیرة ﻋﻠﻰ اﻟحدود ﻟصﺎﻟﺢ ﺒﻠج�كﺎ واﻟدﻨمﺎرك و�وﻟندا وﻻﺘف�ﺎ وﺘش�كوﺴﻠوﻓﺎﻛ�ﺎ‪ .‬وﺘﻌرض اﻟتضﺎﻤن اﻻﺠتمﺎﻋﻲ‬
‫واﻟﻌرﻗﻲ ﻟﻠشﻌب اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻟﻠضرر ﻤن ﺨﻼل اﻨﻔصﺎل أﺠزاء ﻤن أﻟمﺎﻨ�ﺎ و�ﻨشﺎء دول ﺠدﯿدة‪ .‬وﻤنﻌت ﻤﻌﺎﻫدة ﻓرﺴﺎي‬
‫‪3‬‬
‫اﻻﺘحﺎد ﺒین أﻟمﺎﻨ�ﺎ واﻟنمسﺎ وأﻨشﺄت أﻗﻠ�ﺔ أﻟمﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ ﺘش�كوﺴﻠوﻓﺎﻛ�ﺎ و�وﻟندا‪.‬‬
‫ﺘﺄﺜر "ﻫوﺴﻬوﻓر" �ثی ار �ﺂراء �ﻞ ﻤن ﺴ�ﻘوﻩ ﻓﻲ �تﺎ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷرﻀ�ﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ وﺨﺎﺼﺔ "راﺘزل" و"ﻛیﻠین"‬
‫و"ﻤﺎﻛیندر" و"ﻤﺎﻫﺎن"‪ ،‬وأﺨطر ﻤﺎ �ﺎن ﻓﻲ ﻓﻠسﻔﺔ "ﻫوﺴﻬوﻓر" اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻟتوﺴﻊ اﻷﻟمﺎﻨﻲ واﻟصراع واﻟحرب‬
‫‪4‬‬
‫اﻟشﺎﻤﻠﺔ ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ارﺘ�طت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﻤراﺤﻠﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ارﺘ�ﺎ ً‬
‫طﺎ وﺜ�ًﻘﺎ �ممﺎرﺴﺎت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻤن‬
‫أﺠﻞ ﺒنﺎء إﻤبراطور�ﺎت اﺴتﻌمﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪" .‬ﻓر�در�ك راﺘز�ﻞ" و"ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر" ﻫمﺎ أﺒرز اﻟمﻔكر�ن‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴیین اﻷﻟمﺎن‪ ،‬وﻗد ﺸكﻠت أﻓكﺎرﻫم ﺤول اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ ﺨﻼل ﺴنوات ﻤﺎ ﺒین‬
‫ﺤﺎﺴمﺎ ﻟدرﺠﺔ أن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ً‬ ‫اﻟحر�ین اﻟﻌﺎﻟمیتین اﻷوﻟﻰ واﻟثﺎﻨ�ﺔ‪� .‬ﺎن ﺘﺄﺜیر ﺘﻔكیرﻫم ﻋﻠﻰ ﺴ�ﺎﺴﺎت أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟنﺎز�ﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. Pp 20-21.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 21.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. Pp 17-18.‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪66‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻛﺎﻨت ﻤرﺘ�طﺔ ﻟﻔترة طو�ﻠﺔ �ﺄﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ ﻋﻬد ﻫتﻠر واﻋتبرت ﻤمﺎرﺴﺔ ﻓكر�ﺔ ﺘخدم أﻫداف ﻫتﻠر ﻓﻲ ﻓرض اﻟﻬ�منﺔ‬
‫اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓبدﻻً ﻤن اﻻﻋتراف �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �مجﺎل ﻟﻠدراﺴﺔ اﻷﻛﺎد�م�ﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﺘم ﺘجنب ﺤتﻰ‬
‫‪1‬‬
‫ﻛﻠمﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟكتﺎ�ﺎت ﺤول اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻤجسمﺎ‪� ،‬مﻌنﻰ‪ .‬ﻤسﺎﺤﺔ ﻟﻠ�ﻘﺎء‬


‫ً‬ ‫�ﺎﻟنس�ﺔ إﻟﻰ ‪ Ratzel‬و‪ ،Haushofer‬ﺘش�ﻪ اﻟدول اﻟكﺎﺌنﺎت اﻟح�ﺔ اﻟتﻲ ﺘتطﻠب‬
‫أ�ضﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗید اﻟح�ﺎة ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟﻔوﻀو�ﺔ‪ .‬ﻤثﻠمﺎ �حتﺎج اﻷﻓراد إﻟﻰ ﺠسم وﺤﺎﻟﺔ ﻋﻘﻠ�ﺔ ﺴﻠ�مﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟدول ً‬
‫�حﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺘضﺎر�س ﻤﺎد�ﺔ ﺨص�ﺔ وﻗﺎﺒﻠﺔ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋنﻬﺎ ﻟﻠ�ﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﻗید اﻟح�ﺎة ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬إن �ﻘﺎء دارو�ن‬
‫ﺠیدا‪ .‬ﺤمﻞ ﻫتﻠر ﻫذﻩ اﻷﻓكﺎر‬
‫ﺘوﺼ�ﻔﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟشخص�ﺔ �مكن أن ﯿنطبق ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟدول ً‬
‫ً‬ ‫ﻟﻸﺼﻠﺢ‬
‫ﺨطوة أﺨرى إﻟﻰ اﻷﻤﺎم ﻓﻲ اﻟﻘول �ﺄن اﻟﻌرق اﻵري ﻤتﻔوق ﻋﻠﻰ ﺠم�ﻊ اﻷﺠنﺎس اﻷﺨرى‪� .‬ﺎن ﺘﻔكیر "ﻫتﻠر"‬
‫أ�ضﺎ ﻤن ﻓكرة أﻨﻪ �جب ﻋﻠﻰ ﺠم�ﻊ اﻷﻟمﺎن أن ﯿتحدوا ﻤﻌﺎ ﺘحت ﺤكم اﻟدوﻟﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ .‬دﻓﻊ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻤستوﺤﻰ ً‬
‫ﻤثﻞ ﻫذا اﻟتﻔكیر ﻤن ﺠﺎﻨب ﺤكوﻤﺔ "ﻫتﻠر" أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻟﻐزو اﻟبﻠدان اﻟمجﺎورة ﺜم ﺘنظ�م ﻫجوم ﻫﺎﺌﻞ ﻀد اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ‬
‫‪2‬‬
‫ﺨﻼل اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪.‬‬
‫وﻓًﻘﺎ ﻟﻬوﺴﻬوﻓر‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﺴتخدام اﻟمﻌرﻓﺔ اﻟجﻐراف�ﺔ ﻟتوﻓیر اﻟدﻋم واﻟتوﺠ�ﻪ ﻹدارة‬
‫اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻛﺎﻨت اﻟطب�ﻌﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﻫﻲ اﻋت�ﺎر اﻟدوﻟﺔ �كﺎﺌن ﺤﻲ ﯿنمو‬

‫و�تطور ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬ﺒذﻟك‪ ،‬أﺼ�ﺢ ﻤﻔﻬوم اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻤرﺘ� ً‬


‫طﺎ �ﻘوة �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬و�ﺎﻨت أﻫم�ﺔ‬
‫ﻤﻌﺎ ﺘكمن وراء اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫وﺘﺄﺜیرات ﻫذا اﻟتصور ﻫﻲ اﻟحرب اﻟشﺎﻤﻠﺔ‪ .‬وﻫنﺎك ﺜﻼﺜﺔ اﻓتراﻀﺎت أﺴﺎﺴ�ﺔ اﻨدﻤجت ً‬
‫اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻔترة ﻤﺎ ﺒین اﻟحر�ین اﻟﻌﺎﻟمیتین )‪ .(1939-1918‬اﻷول �ﺎن ﺘصور "راﺘزل" ﻟﻠدوﻟﺔ �كﺎﺌن ﺤﻲ‪ .‬واﻟثﺎﻨﻲ‬
‫وﺠنو��ﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻫو ﺘصور "ﻤﺎﻛیندر" ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟجز�رة‪ .‬واﻟثﺎﻟث �ﺎن اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟجرﻤﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‪� ،‬ﺎن ﺘوﺴﻊ أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻏرً�ﺎ وﺸرًﻗﺎ‬
‫‪3‬‬
‫أﻤر ﻻ ﻤﻔر ﻤنﻪ‪.‬‬
‫ًا‬
‫ﻛمﺎ أن أﻛثر اﻟمصطﻠحﺎت اﻟجدﯿدة اﻟتﻲ ﻋبرت ﻋن آراء ﻤدرﺴﺔ ﻤیوﻨﺦ ﻫﻲ ﻤصطﻠحﺎت ﺘوﺴ�ع�ﺔ أو ذات‬
‫ﺼ�ﻐﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺤر��ﺔ‪ ،‬وﻤن أﻛثر اﻟمصطﻠحﺎت ﺸیوﻋﺎ ﺘﻠك اﻟتﻲ ﺘﻌبر ﻋن ﻓكرة "اﻟمجﺎل اﻟحیوي" ‪Lebensraum‬‬

‫اﻟتﻲ ﺘدﻋو ﻷن �كون ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ ‪-‬وﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟﻘوى اﻟتﻲ أﻫﻠﻬﺎ ﻫﺎوﺴﻬوﻓر ﻟﻠنمو ‪-‬ﻤجﺎل ﺘمد ف�ﻪ ﺠذورﻫﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 27.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 27.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 18.‬‬

‫‪67‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪� ،‬ذﻟك �ﺎن ﻤصطﻠﺢ "اﻟكﻔﺎ�ﺔ اﻟذاﺘ�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ" ﻤن اﻟمصطﻠحﺎت اﻟشﺎﺌﻌﺔ ﻓﻲ �تﺎ�ﺎت ﻫذﻩ اﻟمدرﺴﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻓترة ﺒنﺎء أﻟمﺎﻨ�ﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ‪. 1‬‬

‫إن ﺘصور ‪ Haushofer‬ﻋن اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻫو أن اﻟدوﻟﺔ اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﺘتطﻠب ﻤسﺎﺤﺔ ﻟﻠتوﺴﻊ ﻟمواﺼﻠﺔ‬
‫وﺜﻘﺎف�ﺎ‪� .‬ﻌتمد اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻋﻠﻰ اﻟتوﺴﻊ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻟضمﺎن وﺼول اﻟدوﻟﺔ إﻟﻰ اﻟمواد‬
‫ً‬ ‫اﻗتصﺎد�ﺎ‬
‫ً‬ ‫ﺴ�ﺎﺴ�ﺎ و‬
‫ً‬ ‫اﻟتطور‬
‫اﻟخﺎم واﻷﺴواق‪ .‬ﻓﻲ اﻟتصورات اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪� ،‬ﺎﻨت ﺘﻌنﻲ اﻻﺴتﻌمﺎر‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟﻬذا اﻟمنطق‪� ،‬ﺎﻨت اﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ‬
‫ﻫﻲ اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻟﻠشﻌب اﻟبر�طﺎﻨﻲ‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟـ "ﻫوﺴﻬوﻓر"‪� ،‬جب ﺘوﺠ�ﻪ اﻟمجﺎل اﻟحیوي اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻨحو أورو�ﺎ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟشرق�ﺔ ﺒدﻻً ﻤن إﻨشﺎء إﻤبراطور�ﺔ ﻤﺎ وراء اﻟ�حﺎر‪� ،‬مﺎ ﺤدث ﺨﻼل ﻓترة اﻟرا�ﺦ اﻟثﺎﻨﻲ‪.‬‬
‫رأى "ﻫوﺴﻬوﻓر" ﻓﻲ ﺠز�رة "ﻤﺎﻛیندر" اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم اﻟمكﺎﻨﻲ ﻟﻠس�طرة اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ وﺘكو�ن ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ‬
‫ﺠدﯿد‪ ،‬وﻗد �ﺎن ﻟمدرﺴﺔ ﻤیوﻨﺦ ﻫدﻓﺎن ﺠوﻫر�ﺎن ﻓﻲ اﻟجز�رة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ :‬اﻟﻬدف اﻷول اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ روﺴ�ﺎ ﻟتﺄﻤنﻲ اﻟحكم‬
‫اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻋﻠﻰ �ﻞ أورو آﺴ�ﺎ‪ ،‬واﻟﻬدف اﻟثﺎﻨﻲ ﺘدﻤري اﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ وﻗوﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﻟتﺄﻤنﻲ اﻟس�طرة اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‬
‫اﻟكﺎﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ �ﻞ اﻟجز�رة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ )أورو�ﺎ – آﺴ�ﺎ – أﻓر�ق�ﺎ(‪ . 3‬وﺠﺎء ﺘشخ�ص "ﻫﺎوﺴﻬوﻓر" ﻟﻸﻤراض اﻟتﻲ ﺘشكو ﻤنﻬﺎ‬
‫ﻤبن�ٍﺎ ﻋﻠﻰ ﻤشكﻠﺔ اﻷرض اﻟتﻲ ﺘحتﻠﻬﺎ؛ وﻟﻬذا ظﻬر ﻤبدأ "اﻟمجﺎل اﻟحیوي" ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟذي ﯿدﻋوﻫﺎ إﻟﻰ اﻟتوﺴﻊ‬
‫اﻟدوﻟﺔ ّ‬
‫اﻷرﻀﻲ ﻤن أﺠﻞ إ�جﺎد ﺤﻠول ﻤشﺎﻛﻠﻬﺎ اﻟسكﺎﻨ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬و�حسن ﻤوﻗﻌﻬﺎ وﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ‬
‫‪4‬‬
‫اﻷرﻀ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺒدا�ﺔ اﻟﻌشر�ن�ﺎت ﻤن اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ‪� ،‬تب ﻫتﻠر �تﺎ�ﻪ "ﻛﻔﺎﺤﻲ"‪ ،‬اﻟذي ﺤدد ف�ﻪ ﺒوﻀوح ﻨوا�ﺎﻩ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫وﺘﻠك اﻟخﺎﺼﺔ �حز�ﻪ اﻻﺸتراﻛﻲ اﻟوطنﻲ‪ .‬ﺘم ﺘخص�ص أﺠزاء �بیرة ﻤن ﻫذا اﻟكتﺎب ﻟمﻔﻬوم اﻟمجﺎل اﻟحیوي‪ .‬ﯿرى‬
‫"ﻫتﻠر" أن ﻤسﺄﻟﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻤﻊ روﺴ�ﺎ ﻫﻲ اﻟﻘض�ﺔ اﻷﻛثر ﺤسمﺎً ﻓﻲ إدارة اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ .‬و�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻪ‪،‬‬
‫ﻓﺈن وظ�ﻔﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻫﻲ ﻀمﺎن وﺠود اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺨﻠق ﻋﻼﻗﺔ ﻤنﺎﺴ�ﺔ ﺒین ﺤجم وﻤﻌدل ﻨمو‬
‫‪5‬‬
‫اﻟسكﺎن وﻨطﺎق وﻨوع�ﺔ ﻤسﺎﺤﺔ أراﻀیﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺨدم اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻏرﻀین إﻀﺎﻓیین‪ ،‬اﻷول �ﺎن ﺘطﻠﻊ أﻟمﺎﻨ�ﺎ إﻟﻰ اﻟحصول ﻋﻠﻰ ﺤدود ﺘشمﻞ ﺠم�ﻊ‬
‫اﻟمواطنین اﻷﻟمﺎن �مﻔﻬوم "أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟكبرى" )‪ (Gross Deutschland‬واﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬إﻗﺎﻤﺔ ﺤدود دﻓﺎع�ﺔ ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺔ‬

‫‪ -1‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.68‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 18.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ -4‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 19.‬‬

‫‪68‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫واﻟﻌسكر�ﺔ واﻟتحرر ﻤن اﻟشﻌور ﺒتطو�ق اﻟشرق واﻟﻐرب‪ .‬ﺠﺎدل "ﻫتﻠر" �ﺄن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻗبﻞ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‬
‫اﻷوﻟﻰ �ﺎﻨت ﺨﺎطئﺔ ﻷﻨﻬﺎ ر�زت ﻋﻠﻰ اﻟتوﺴﻊ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻨحو أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ وأﻨﻪ إذا أرادت أﻟمﺎﻨ�ﺎ أن ﺘكون ﻗوة‬
‫ﻋﺎﻟم�ﺔ وﺘضمن رﻓﺎه�ﺔ ﻤواطنیﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻌﻠیﻬﺎ أن ﺘتجﻪ ﺸرًﻗﺎ‪� .‬ﺎﻨت ﻓكرة "اﻟدم واﻷرض" )‪ (Blut und Boden‬ﺘﻬدف إﻟﻰ‬
‫اﻟحصول ﻋﻠﻰ ﻤسﺎﺤﺔ ﻤع�ش�ﺔ ﻟﻠمستﻘبﻞ‪ ،‬وﻻ �مكن اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟمنﺎطق اﻟجدﯿدة إﻻ ﻓﻲ أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ وروﺴ�ﺎ‪.‬‬
‫اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟمنﺎطق ﺴتؤﻤن اﻟحدود اﻟشرق�ﺔ ﻷﻟمﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬ﻤمﺎ �ضمن إﻤدادات �بیرة وداﺌمﺔ ﻤن اﻟمواد اﻟﻐذاﺌ�ﺔ‬
‫واﻟمواد اﻟخﺎم �ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻤنﺎطق ﺘوطین اﻟسكﺎن اﻷﻟمﺎن‪.‬‬
‫�ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬اﺘُﻬم "ﻫوﺴﻬوﻓر" ﺒتوﻓیر اﻷﺴﺎس اﻟنظري ﻟتطﻠﻌﺎت ﻫتﻠر اﻟتوﺴع�ﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم‬
‫ﻤن ﻤﻌرﻓتﻬم �كتﺎ�ﺎت "ﻫوﺴﻬوﻓر"‪ .‬ﯿدﻋﻲ "‪ "H. A. Jacobsen‬أن ‪ Haushofer‬ﻫو اﻟذي أﻋطﻰ ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟجﺎﻨب اﻹﺠراﻤﻲ اﻟذي ﺘبنتﻪ أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ ﺠراﺌم اﻟحرب واﻟجراﺌم ﻀد اﻹﻨسﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬وﻟم �كن ﺘصور اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻨظر�ﺔ‬
‫أﻛﺎد�م�ﺔ ﺒﻞ ﺨطﺔ دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﻟﻐزو ﻗﻠب أوراﺴ�ﺎ واﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪� .‬ض�ف "ﺠﺎﻛو�سن" أﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن‬
‫‪1‬‬
‫"ﻫتﻠر" ﯿرﻤز إﻟﻰ اﻟجراﺌم اﻟنﺎز�ﺔ ﻓﻲ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬إﻻ أن "ﻫوﺴﻬوﻓر" �ﺎن اﻟﻘوة اﻟﻔكر�ﺔ وراء ﻫذﻩ اﻟجراﺌم‪.‬‬
‫و�نﺎء ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺴبق‪� ،‬مكن ﺘﻌر�ف اﻟكتﺎ�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ اﻤتد ﺘﺄﺜیرﻫﺎ إﻟﻰ اﻟ�ﺎ�ﺎن و��طﺎﻟ�ﺎ‪،‬‬
‫ً‬
‫ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ‪ .‬ﻫذا ﻷن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻗدﻤت اﻷﺴﺎس اﻟﻔﻠسﻔﻲ ﻟﻺﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ اﻟﻔﺎﺸ�ﺔ اﻟتﻲ ﺒدأت ﻓﻲ‬
‫اﻟظﻬور ﺨﻼل اﻟثﻼﺜین�ﺎت واﺴتمرت ﺤتﻰ ﻨﻬﺎ�ﺔ ﻋﺎم ‪ .1941‬اﻟتصور اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻋن اﻟمجﺎل اﻟحیوي‪ ،‬و"ﻤنطﻘﺔ اﻟموارد‬
‫اﻟجنو��ﺔ" اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬واﻟمﻔﻬوم اﻹ�طﺎﻟﻲ "�حرﻨﺎ" �ﻠﻬﺎ ﻤستمدة ﻤن اﻟﻔكر اﻹﯿدﯿوﻟوﺠﻲ ﻟـ "ﻫوﺴﻬوﻓر"‪ .‬ﺴتستمر ﻫذﻩ اﻟنظرة‬
‫ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ ﺤتﻰ ﺨﻼل اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬واﻟتﻲ ﯿن�ﻐﻲ ﺘﻌر�ﻔﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺼراع اﯿدﯿوﻟوﺠﻲ‬
‫‪2‬‬
‫ﺘنبثق ﻋنﻪ اﻟصراﻋﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ‪.‬‬
‫وﺨﻼﺼﺔ اﻟﻘول إن اﻟجیو�وﻟیت�كﺎ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ �ﺎﻨت ﻤﻠیئﺔ �ﺎﻟمتنﺎﻗضﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ؛ ﻷﻨﻬﺎً �ﺎﻨت ﻻ ﺘﻌرف ﺤدودا‬
‫ﻋﻠم�ﺔ ﺘنتﻬﻲ إﻟیﻬﺎ‪ ،‬وﻫﻲ �ﺎرﺘ�ﺎطﻬﺎ �ﺎﻟتطبیق اﻟﻌمﻠﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟتوﺴع�ﺔ اﻟجرﻤﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﻟم �ﻌد ﯿﻬمﻬﺎ أن ﺘواﺠﻪ �ﺎﻟنﻘد‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻌﻠمﻲ‪ ،‬و�ذﻟك ﻓﻘدت اﻟﻌنصر اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺘكو�نﻬﺎ �نظر�ﺔ ﻋﻠم�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. pp 19-20.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 20.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.76‬‬

‫‪69‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫‪ -2‬اﻟﻔكر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﺨﻼل ﻓترة اﻟحرب اﻟ�ﺎردة )اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ(‬


‫ظﻬر اﻟجیﻞ اﻟثﺎﻨﻲ ﻤن اﻟدراﺴﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬طوال ﺴنوات اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬
‫اﻟطو�ﻠﺔ‪� ،‬ﺎن اﻟمﻌسكر اﻟﻐر�ﻲ �ق�ﺎدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﻤنﺎﻓسﺔ أﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ ﻤﻊ اﻟمﻌسكر اﻟشرﻗﻲ �ق�ﺎدة اﻻﺘحﺎد‬
‫اﻟسوﻓیتﻲ‪ ،‬و�ﺎن اﻟخﻠﻞ اﻟرﺌ�سﻲ ﺒین �تﻠتﻲ اﻟسﻠطﺔ اﻟمتﻌﺎرﻀتین أﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺎ‪� .‬ﻼ اﻟطرﻓین ﯿتنﺎﻓس ﻋﻠﻰ اﻟنموذج‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻻﻗتصﺎدي اﻟذي ﺴینتصر ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻟذا‪� ،‬ﺎﻨت اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺎ واﻟﻬو�ﺔ اﻟدﻻﺌﻞ اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتنﺎﻓس اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﺒینﻬمﺎ‪ .‬وﺘسمﻰ ﻫذﻩ اﻟحق�ﺔ ﻓﻲ اﻟدراﺴﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ‪.‬‬
‫وﺘم ﺘجﺎﻫﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ ﻓترة اﻟحرب اﻟ�ﺎردة �ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ �مجﺎل �حثﻲ وﺘم دﻤﺞ اﻟدراﺴﺎت‬
‫اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ .‬وﻋﻠﻰ ﺤد ﺘﻌبیر "ﻛوﻫین"‪ ،‬ﺘبنﻰ‬
‫‪2‬‬
‫ﻤحﺎر�و اﻟحرب اﻟ�ﺎردة اﻷﻤر�كیون اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �ﻘﺎﻋدة ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟوطن�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻬدف إﻟﻰ ﻤواﺠﻬﺔ اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪� ،‬ﺎن اﻟصراع ﻗد اﻨدﻟﻊ إﻟﻰ ﺤد �بیر ﻋﻠﻰ أطراف أوراﺴ�ﺎ ﻨﻔسﻬﺎ‪ .‬واﻟجبﻬﺔ اﻟصین�ﺔ‪-‬اﻟسوف�ﺎﺘ�ﺔ‬
‫ﺴ�طرت ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ �مﻌظمﻬﺎ وﻟكن ﻤن دون أن ﺘتحكم �ﺄطراﻓﻬﺎ‪ .‬أﻤﺎ أﻤر�كﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﻓنجحت ﻓﻲ ﺘحصین ﻨﻔسﻬﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ �ﻼ اﻟطرﻓین ﻓﻲ أﻗصﻰ اﻟسﺎﺤﻞ اﻟﻐر�ﻲ وأﻗصﻰ اﻟسﺎﺤﻞ اﻟشرﻗﻲ ﻟﻘﺎرة أوراﺴ�ﺎ اﻟمتراﻤ�ﺔ اﻷطراف‪ .‬و�ﺎن اﻟدﻓﺎع‬
‫ﻋن ﻫذﻩ اﻟمواﻗﻊ اﻟمتﻘدﻤﺔ )ﻤمثﻼ ﻋﻠﻰ اﻟجبﻬﺔ اﻟﻐر��ﺔ �حصﺎر ﺒرﻟین وﻋﻠﻰ اﻟجبﻬﺔ اﻟشرق�ﺔ �ﺎﻟحرب اﻟكور�ﺔ( أول‬
‫‪3‬‬
‫اﺨت�ﺎر اﺴتراﺘ�جﻲ ﻟمﺎ أﺼ�ﺢ �ﻌرف �ﺎﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟطور اﻷﺨیر ﻤن اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ظﻬرت ﺠبﻬﺔ دﻓﺎع�ﺔ ﺜﺎﻟثﺔ ﻋﻠﻰ اﻟخر�طﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ ‪-‬وﻫﻲ اﻟجبﻬﺔ‬
‫اﻟجنو��ﺔ‪ ،-‬ﻓﻘد أدى اﻻﺤتﻼل اﻟسوف�ﺎﺘﻲ ﻷﻓﻐﺎﻨستﺎن إﻟﻰ اﻟرد اﻷﻤر�كﻲ اﻟثنﺎﺌﻲ اﻟتشﻌب‪ :‬اﻟمسﺎﻋدة اﻟم�ﺎﺸرة ﻟﻠمﻘﺎوﻤﺔ‬
‫اﻷﻓﻐﺎﻨ�ﺔ ﻀد اﻟسوف�ﺎت‪ ،‬وﺘﻌز�ز اﻟتواﺠد اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻟشرق اﻷوﺴط �رادع ﻷي ﺘﻘدم إﻀﺎﻓﻲ‬
‫‪4‬‬
‫ﻤحتمﻞ ﻟﻠﻘوة اﻟسوف�ﺎﺘﻲ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪-‬اﻟﻌسكر�ﺔ‪.‬‬
‫أ�ضﺎ ﺒتطور اﻟتحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟتجر�بﻲ‪ .‬ﺤﺎول "إ�ف‬
‫ﻓصﺎﻋدا‪ ،‬ﺘمیز ً‬
‫ً‬ ‫إن إﺤ�ﺎء اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ ،‬ﻤن اﻟس�ﻌین�ﺎت‬
‫ﻻﻛوﺴت" ‪ Yves Lacoste‬اﻟجمﻊ ﺒین اﻷﺴس اﻟنظر�ﺔ ﻟﻠجﻐراف�ﺎ واﻟتﺎر�ﺦ‪ ،‬و�دﻻً ﻤن ﺘطو�ر ﻨظر�ﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ر�ز‬
‫ﻋﻠﻰ ﺘطو�ر ﻤنﻬج�ﺔ ﻟﻠتحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪. 5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. pp 30-31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 8.‬‬
‫‪ -3‬زﺑﯾﻐﻧﯾﯾف ﺑرﯾﺟﻧﺳﻛﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -4‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬

‫‪70‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫وأدى ﺘﺄﺜیر اﻟنظر�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ‪-‬وﺨﺎﺼﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ ‪-‬ﻋﻠﻰ أﻟمﺎﻨ�ﺎ إﻟﻰ ﺘدﻫور اﻟمجﺎل واﻟمصطﻠﺢ‪.‬‬
‫ﻟﻬذا اﻟسبب‪ ،‬ﻓﻲ ﻓترة اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﺘم ﺘطو�ر ﻨظر�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ دون اﺴتخدام ﻫذا اﻟمصطﻠﺢ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔترة‪،‬‬
‫ه�منت اﻟنظر�ﺎت اﻟتﻲ ﻨشﺄت ﻓﻲ أﻤر�كﺎ ﻋﻠﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﺤﻘﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬إﺤدى ﻫذﻩ اﻟنظر�ﺎت �ﺎﻨت‬
‫"ﻨظر�ﺔ اﻻﺤتواء"* اﻟتﻲ طورﻫﺎ " ﺠورج ﻓورﺴت �ینﺎن" ‪ ،George Frost Kennan‬اﻟذي �صﻒ اﻻﺤتواء �ﺄﻨﻪ "ﺘطبیق‬
‫اﻟﻘوة اﻟمضﺎدة ﻓﻲ ﺴﻠسﻠﺔ ﻤن اﻟنﻘﺎط اﻟجﻐراف�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمتﻐیرة �ﺎﺴتمرار‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘتواﻓق ﻤﻊ اﻟتحوﻻت واﻟمنﺎورات‬
‫ﺘمﺎﺸ�ﺎ ﻤﻊ اﻻﺤتواء‪ ،‬ﻓﺈن ‪ Zbigniew Brzezinski‬ﻫو اﺴم آﺨر اﻗترب ﻤن اﻻﺤتواء ﻤن‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟسوﻓیت�ﺔ"‪.‬‬
‫ﺨﻼل ﻋدﺴﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟـ "ﺒر�جنسكﻲ"‪ ،‬ﻹﺤتواء اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ‪� ،‬ﺎن ﻤن اﻟضروري اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟدول‬
‫"اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ '' ‪-‬أﻟمﺎﻨ�ﺎ و�وﻟندا و�ﯿران وأﻓﻐﺎﻨستﺎن و�ﺎﻛستﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ واﻟﻔﻠبین ‪-‬واﻟتﻲ �ﺎﻨت دوًﻻ رﺌ�س�ﺔ �سبب‬
‫ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪.‬‬
‫ﻛمﺎ �ﺎﻨت ﻨظر�ﺔ اﻟدوﻤینو اﻟتﻲ اﻗترﺤﻬﺎ "و�ﻠ�ﺎم ﺒوﻟیت" ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1947‬ﻨظر�ﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ أﺨرى ﺘم ﺘطو�رﻫﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻤجﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬اﺴتندت ﻫذﻩ اﻟنظر�ﺔ إﻟﻰ ﻓكرة أﻨﻪ إذا ﺘﻌرﻀت دوﻟﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﻤﺎ ﻟتﺄﺜیر اﻟشیوع�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫‪1‬‬
‫اﻟدول اﻟمجﺎورة ﺴتت�ﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﺄﺜیر اﻟدوﻤینو‪.‬‬
‫ﻫذا ﻤﺎ ﺘم ﺘﺄﻛیدﻩ ﻓﻲ ﻤنتصﻒ اﻟﻘرن اﻟـ ‪ 20‬ﻋندﻤﺎ وﺴﻊ اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ ﻤنطﻘﺔ ﺴ�طرﺘﻪ ﻏرً�ﺎ �ﻌد اﻟحرب‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ﻓـ "اﻟكوﻤ�كون"* ‪ COMECON‬وﺤﻠﻒ "وارﺴو"*‪� Warsaw Convention‬ﻌن�ﺎن أن اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد‬
‫اﻨدﻤجت ﻤﻊ أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ واﻟتﻲ ﺘﻔككت ﺒتﻔكك اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ ﻓﻲ ﺒدا�ﺔ اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﻤمﺎ أدى إﻟﻰ ظﻬور ظروف‬
‫ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺠدﯿدة ﻓﻲ ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬و�ﺎﻨت اﻟتحوﻻت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ أواﺨر اﻟﻘرن اﻟـ ‪ 20‬ﺴب�ﺎً ﻓﻲ ﻋزل روﺴ�ﺎ‬
‫�ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻤوﻀوﻋﺎً ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ أوراﺴ�ﺎ ﻓﻲ اﻟجزء اﻟشمﺎﻟﻲ اﻟشرﻗﻲ ﻤن اﻟﻘﺎرة وﺘضییق ﻨطﺎق اﻟمحور ﻓﻲ اﻟجزء‬
‫ﻨسب�ﺎ ‪-‬أورو�ﺎ اﻟوﺴطﻰ ووﺴط اﻟﻘوﻗﺎز وآﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪ .‬وﻟنكون‬
‫اﻟمر�زي ﻤنﻪ‪ ،‬أي ﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ أﺠزاء إﻗﻠ�م�ﺔ ﻤستﻘﻠﺔ ً‬

‫ﻧظرا‬
‫*‪-‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟرﺋﯾﺳﻲ ﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﺣﺗواء ھو ﻣﻘﺎل ﻧﺷره ﻛﯾﻧﺎن ﻋﺎم ‪ ،1947‬ﻓﻲ ﻓورﯾن أﻓﯾرز ‪ ،Foreign Affairs‬وﻟﻛن ﺗﺣت اﺳم ﻣﺳﺗﻌﺎر "اﻟﺳﯾد‪ً ." X .‬‬
‫ﻋﺿوا ﻓﻲ وزارة اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﺧﻼل إدارة ﺗروﻣﺎن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ﻷن ﻛﯾﻧﺎن ﻛﺎن‬
‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 17.‬‬
‫*‪-‬ﻛﻮﻣﯿﻜﻮن ‪ COMECON‬ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻻﻗﺘﺼﺎدي ھﻲ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻓﻲ ‪ 25‬ﺟﺎﻧﻔﻲ ‪ ،1949‬وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﻢ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺘﻲ‪ ،‬أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ‪،‬‬
‫اﻟﻤﺠﺮ‪ ،‬ﺑﻠﻐﺎرﯾﺎ‪ ،‬روﻣﺎﻧﯿﺎ‪ ،‬ﺗﺸﯿﻜﻮﺳﻠﻮﻓﺎﻛﯿﺎ‪ ،‬ﻛﻮﺑﺎ‪ ،‬ﻓﯿﺘﻨﺎم‪ .‬ﺗﮭﺪف إﻟﻰ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﻤﻨﻈﻢ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺜﻨﺎﺋﻲ ﺑﯿﻦ اﻷﻋﻀﺎء وإﻧﺸﺎء ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻟﻠﺘﺒﺎدل اﻟﺤﺮ ﺑﯿﻦ‬
‫دول اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ‪.‬‬
‫*‪-‬ﺣﻠف وارﺳو ‪ Warsaw Convention‬ھو ﻣﻌﺎھﺪة أﻣﻦ ﻣﺸﺘﺮك ُوﻗﻌﺖ ﻓﻲ وارﺳﻮ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺑﻮﻟﻨﺪا ﺑﯿﻦ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﯿﺘﻲ وﺳﺒﻊ ﺟﻤﮭﻮرﯾﺎت اﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ أﺧﺮى‬
‫ﻣﻦ اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺎي ‪ 1955‬ﺧﻼل اﻟﺤﺮب اﻟﺒﺎردة‪ ،‬ﻛﺎن ﺣﻠﻒ وارﺳﻮ اﻟﺘﻜﻤﻠﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻜﻮﻣﯿﻜﻮن‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻨسب�ﺎ ﻟـ ‪ Heartland‬ﺘتر�ز ﻓﻲ اﻟمسﺎﺤﺎت اﻟنﺎﺸئﺔ ﺤدﯿثًﺎ ﻤن اﻷﺠزاء اﻟتﻲ‬


‫أﻛثر دﻗﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوظﺎﺌﻒ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟمﻌدﻟﺔ ً‬
‫‪1‬‬
‫ﺘشكﻞ ﻨظﺎﻤﻬﺎ‪ .‬وأطﻠق ذﻟك دورة أﺨرى ﻤن ﺘكﺎﻤﻠﻬﺎ و�ﺤ�ﺎﺌﻬﺎ �ك�ﺎن �ﺎﻤﻞ‪.‬‬
‫أ�ضﺎ ﺠرﻋﺎت ﻗو�ﺔ ﻤن‬
‫ﻛمﺎ أن اﻟتنﺎﻓس ﺒین اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ واﻟصین ﺨﻼل ﺤق�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ُ�ظﻬر ً‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ‪ .‬ﻟم �ستﻐرق اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓییتﻲ واﻟصین وﻗتًﺎ طو�ﻼً ﻟرؤ�ﺔ �ﻌضﻬمﺎ اﻟ�ﻌض ﻋﻠﻰ أﻨﻬمﺎ‬
‫�ﻌرﻓﺎن ﻨﻔسیﻬمﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬمﺎ ﺸیوع�ﺎن‪� .‬ﻌد اﻟدﻋم اﻟسوف�ﺎﺘﻲ اﻷوﻟﻲ‬
‫ﻤتنﺎﻓسﺎن‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﺤق�ﻘﺔ أن �ﻼ اﻟبﻠدﯿن ّ‬
‫ﻟﻠنظﺎم اﻟشیوﻋﻲ اﻟمنشﺄ ﺤدﯿثًﺎ ﻓﻲ اﻟصین ﻓﻲ أواﺨر ﻋﺎم ‪ ،1940‬ﺴرﻋﺎن ﻤﺎ وﺠد �ﻼ اﻟبﻠدﯿن ﻨﻔسیﻬمﺎ ﻓﻲ ﺨضم‬
‫‪2‬‬
‫ﻤنﺎﻓسﺔ أﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ ﺤول أي ﻤنﻬمﺎ �مثﻞ اﻟتجر�ﺔ اﻟشیوع�ﺔ اﻟمثﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺨﻠف�ﺔ ﻫذﻩ اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ ﺒین روﺴ�ﺎ واﻟصین‪ ،‬ﻗررت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘحسین ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ‬
‫ﻤﻊ اﻟصین ﻓﻲ أواﺌﻞ اﻟس�ﻌین�ﺎت ﺒﻬدف ﻤوازﻨﺔ اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ واﻟمسﺎﻋدة ﻓﻲ إﺤداث ﺘصدﻋﺎت داﺨﻞ اﻟكتﻠﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟشیوع�ﺔ �ﻌد أن ﺸﻌرت �ﺄن اﻟتنﺎﻓس اﻷﯿدﯿوﻟوﺠﻲ �ﺎن ﻋﻠﻰ وﺸك اﻟحدوث ﺒین روﺴ�ﺎ واﻟصین‪.‬‬
‫و�ﻬذﻩ اﻟطر�ﻘﺔ‪� ،‬ﺎن "ﺠورج �ینﺎن"‪ ،‬ﻫو اﻟشخص اﻟذي اﻗترح اﻻﺤتواء �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﺠوﻫر اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻀد اﻷﻨشطﺔ اﻟسوﻓیت�ﺔ �ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪� .‬ﺎﻨت اﻟﻔكرة اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻫنﺎ ﻫﻲ ﻤنﻊ اﻹﺘحﺎد‬
‫اﻟسوﻓیتﻲ ﻤن ﻓرض أﯿدﯿوﻟوﺠیتﻪ ﻋﻠﻰ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ �مكن أن �كون ﺘﻘد�م اﻟمسﺎﻋدة اﻹﻗتصﺎد�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ‬
‫ﻟﻠدول اﻟنﺎﻤ�ﺔ ﻫو اﻟجزء اﻟرﺌ�سﻲ ﻤن ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻹﺤتواء‪� .‬مﺎ اﻗترح "ﻛینﺎن" ﺒﻬذﻩ اﻟطر�ﻘﺔ أن ﺘستخدم اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫ﻗوﺘﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟمسﺎﻋدة أورو�ﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ طر�ﻘﻬمﺎ ﻟﻠوﺼول إﻟﻰ وﻀﻊ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ‪ .‬وﺘم إﻀﻔﺎء اﻟطﺎ�ﻊ اﻟرﺴمﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ رؤ�ﺔ "ﻛینﺎن" ﻓﻲ "ﻤبدأ ﺘروﻤﺎن" ‪ The Truman Doctrine‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1947‬وﺨطﺔ "ﻤﺎرﺸﺎل" ‪The Marshall‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ Plan‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪1948.‬‬

‫ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمرﺤﻠﺔ‪ ،‬ﻤن اﻟجدﯿر �ﺎﻟذ�ر أن ﻨظر�ﺔ أﺨرى وﻓرت اﻷﺴﺎس ﻟتﻔﻌیﻞ اﻻﺤتواء‪ .‬وﻫﻲ "ﻨظر�ﺔ" اﻟدوﻤینو‬
‫أﺴﺎﺴﺎ إﻟﻰ ﻓكرة أﻨﻪ إذا ﺘﻌرﻀت دوﻟﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﻤﺎ ﻟتﺄﺜیر اﻟشیوع�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟدول اﻟمجﺎورة ﺴتت�ﻌﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟتﻲ اﺴتندت ً‬
‫ﺘﺄﺜیر اﻟدوﻤینو‪ .‬ﺘم اﻗتراﺤﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1947‬ﻤن ﻗبﻞ "و�ﻠ�ﺎم ﺒوﻟیت" ‪ William Bullitt‬وﺘم ﺘكی�ﻔﻪ ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎت إدارﺘﻲ‬
‫"ﻛینیدي" و"ﻨ�كسون" ‪ .The Kennedy and Nixon administrations‬وﺤرب ﻓیتنﺎم )‪ (1973-1963‬ﻫﻲ واﺤدة ﻤن‬
‫أﻓضﻞ اﻷﻤثﻠﺔ اﻟتﻲ ﺘﻌكس ﺘطبیق ﻨظر�ﺔ اﻟدوﻤینو‪ .‬ﺘم ﺸرح ﺴبب ﺘورط اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﺤرب ﻓیتنﺎم �ﺈﺠراء‬

‫‪1‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. pp 87-88.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. Pp 31-32.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 32.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. pp 8-9.‬‬

‫‪72‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻹﻨﻘﺎذ أﺠزاء أﺨرى ﻤن ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻤن اﻨتشﺎر اﻟشیوع�ﺔ‪ ،‬أو �ع�ﺎرة أﺨرى ﻟمنﻊ ﺘﺄﺜیر اﻟدوﻤینو اﻟذي ﺴینجم‬
‫‪1‬‬
‫ﻋن اﻟحرب ﻓﻲ ﻓیتنﺎم‪.‬‬
‫وﺘمﺎﺸ�ﺎً ﻤﻊ ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻻﺤتواء‪ ،‬ﻓﺈن ‪ ،Zbigniew Brzezinski‬ﻤستشﺎر اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ اﻟسﺎﺒق ﻟـ "ﺠ�مﻲ �ﺎرﺘر"‬
‫‪ ،Jimmy Carter‬ﻫو اﺴم آﺨر اﻗترب ﻤن اﻻﺤتواء ﻤن ﺨﻼل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟبر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻹﺤتواء اﻻﺘحﺎد‬
‫اﻟسوﻓیتﻲ �ﺎن ﻤن اﻟضروري اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟدول "اﻟمحور�ﺔ"‪ ،‬اﻟتﻲ �ﺎﻨت دوﻻ رﺌ�س�ﺔ �سبب ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪.‬‬
‫ﻛﺎﻨت اﻟدول اﻟمحور�ﺔ �حسب "ﺒر�جنسكﻲ" ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻫﻲ أﻟمﺎﻨ�ﺎ و�وﻟندا و�ﯿران وأﻓﻐﺎﻨستﺎن و�ﺎﻛستﺎن و�ور�ﺎ‬
‫اﻟجنو��ﺔ واﻟﻔﻠبین‪ .‬وﻟﻬذا أﺼ�حت أطروﺤﺔ "ﺒر�جنسكﻲ" اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺸﺎﺌﻌﺔ ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ �ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬
‫‪2‬‬
‫ﻷن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻋكست رؤ�ﺔ ﺒر�جنسكﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪.‬‬
‫‪ -3‬اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة )اﻟجیﻞ اﻟثﺎﻟث ﻤن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ(‬

‫ﺨﻼل اﻟسنوات اﻟثﻼﺜین اﻟمﺎﻀ�ﺔ أو ﻨحو ذﻟك‪ ،‬ﺘﻌرض اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟﻬجوم ﻤستمر وﻤتواﺼﻞ‪ .‬ﻤن ﻗبﻞ‬
‫�ﺎﺴ�ﺎ‬
‫ﺒدﯿﻼ ﺠیوﺴ ً‬
‫�ﻌض اﻟجﻐراﻓیین اﻟراد�كﺎﻟیین )اﻟجیﻞ اﻟثﺎﻟث(‪ ،‬اﻟذﯿن رﻓضوا ﺼحﺔ اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪ ،‬وطوروا ً‬
‫ﻨﻘد�ﺎ‪ ،‬ﻤستوﺤﻰ ﻤمﺎ �ﻌد اﻟحداﺜﺔ‪. 3‬‬
‫ً‬
‫ﻛﺎن ﺴﻘوط ﺠدار ﺒرﻟین ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1989‬وﺘوﺤید أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1990‬وﺘﻔكك اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪،1991‬‬
‫ﻤﻠخصﺎ ﻟنﻬﺎ�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ‪ .‬وﻤنذ أواﺌﻞ اﻟتسﻌین�ﺎت وﺤتﻰ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻌﻘد اﻷول ﻤن اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪،‬‬
‫ً‬
‫ﻌرف ﻤن ﻗبﻞ اﻟكثیر�ن ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ ﺠدﯿد‪ .‬اﻗترﺤت‬ ‫ﻻﺤظ اﻟمحﻠﻠون ظﻬور ﻤﻔﻬوم ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﺠدﯿد ُ� ّ‬
‫ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟجدﯿد أن ﻫنﺎك ﻗوة ﻋظمﻰ واﺤدة ﻓﻘط ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻫﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وأن‬
‫‪4‬‬
‫ﺠم�ﻊ اﻟدول اﻷﺨرى ﺴتكتسب ًا‬
‫ﺘﺄﺜیر ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﺒنﺎءا ﻋﻠﻰ وﻀﻊ ﻋﻼﻗتﻬﺎ ﻤﻊ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬
‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ �ﺎن ﻻﺒد ﻤن ﻤراﺠﻌﺔ اﻟنﻬﺞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ وﺘجدﯿدﻩ‪� .‬ﺎن ﻟذﻟك ﺘﺄﺜیر ﻫﺎم ﻋﻠﻰ اﻟسمﻌﺔ اﻟسﻠب�ﺔ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫ﻤن ﺨﻼل رﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘمﺔ وﻋودﺘﻬﺎ ﻟﻠواﺠﻬﺔ �ﺄﺴوب ﻤن أﺴﺎﻟیب اﻟ�حث‪ .‬وأﺼ�حت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ طر�ﻘﺔ ﻤط�ﻘﺔ ﻓﻲ‬
‫‪5‬‬
‫ﻋدة ﻤجﺎﻻت ﺘتراوح ﻤن اﻟﻌﻠوم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ إﻟﻰ اﻻﻗتصﺎد‪ ،‬وﻤن اﻟﻘﺎﻨون اﻟدوﻟﻲ إﻟﻰ وﺴﺎﺌط اﻹﻋﻼم واﻟس�ﺎﺴﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 9.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid, p 9.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 32.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 9.‬‬

‫‪73‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟﻘض�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻟم ﺘﻌد ﻤسﺄﻟﺔ أي ﺠزء ﺠﻐراﻓﻲ ﻤن أوراﺴ�ﺎ ﻫو ﻨﻘطﺔ‬
‫اﻻﻨطﻼق ﻤن أﺠﻞ ه�منﺔ ﻗﺎر�ﺔ‪ ،‬وﻻ ﻫﻲ ﻤسﺄﻟﺔ ﻤﺎ إن �ﺎﻨت اﻟﻘوة اﻟبر�ﺔ أﻫم ﻤن اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻠم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻗد‬
‫اﻨطﻠق ﻤن اﻟ�ﻌد اﻹﻗﻠ�مﻲ إﻟﻰ اﻟ�ﻌد اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬وذﻟك ﻤﻊ اﺤراز اﻟتﻔوق ﻋﻠﻰ �ﺎﻤﻞ اﻟﻘﺎرة اﻷوراﺴ�ﺔ �ﻘﺎﻋدة ﻤر�ز�ﺔ ﻤن‬
‫أﺠﻞ اﻟتﻔوق واﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ 1 .‬ﻤﻊ ذﻟك ﻫنﺎك ﺨﻼف ﻋﺎم ﺒین اﻟ�ﺎﺤثین ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ �ﺄن ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد‬
‫اﻟحرب اﻟ�ﺎردة �ﺎﻨت ﺤق�ﺔ ﻤن اﻟتحوﻻت واﻟتﻐیرات اﻟكبیرة ور�زت اﻟمنﺎﻗشﺎت اﻟﻌﻠم�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺘﺄﺜیرات اﻟﻌوﻟمﺔ‪ ،‬ﻻ ﺴ�مﺎ‬
‫ﻓﻲ طر�ﻘﺔ ﺼنﻊ اﻟس�ﺎﺴﺎت ﺒین اﻟدول و�دارﺘﻬﺎ‪ .‬اﻟسؤال اﻟذي �جب طرﺤﻪ ﻫو ﻤﺎ إذا �ﺎن ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻗد ﺘمت‬
‫‪2‬‬
‫إﻋﺎدة ﺘﻔسیرﻩ و�ﻋﺎدة ﺘﻌر�ﻔﻪ ﻓﻲ ﻋصر اﻟﻌوﻟمﺔ وﻤﺎ إذا �ﺎﻨت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻻ ﺘزال ﺘحمﻞ أﻫم�ﺔ أم ﻻ‪.‬‬
‫ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟمﻘﺎر�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ أن ﺘتﻐیر وﺘتك�ف ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟمرﺤﻠﺔ اﻟجدﯿدة )ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة(‪.‬‬
‫و�ﻔضﻞ اﻟمروﻨﺔ اﻟكﺎﻤنﺔ واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟتك�ف‪ ،‬ﺘمكنت اﻟنظر�ﺎت واﻟنﻬﺞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤن ﺘﻘد�م ﺤﻠول وﺘﻔسیرات ﺘدﻋم‬
‫اﻷﺤكﺎم اﻟنظر�ﺔ اﻟجدﯿدة اﻟتﻲ اﻗترﺤﻬﺎ ﻤجتمﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﻓﻘد ﺘمت ﻤﻼﺤظﺔ إﺤ�ﺎء اﻟتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ‬
‫‪3‬‬
‫اﻷوﺴﺎط اﻷﻛﺎد�م�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪:‬‬
‫أﺤد اﻟمؤ�دﯿن اﻟرﺌ�سیین ﻟنظر�ﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻌﺎﺼرة ﻫو "ﻛوﻟن ﻏراي"‪ ،‬اﻟذي ﺘﺄﺜر �ﻌمﻞ �ﻞ ﻤن "ﻤﺎﻛیندر"‬
‫و"ﺴب�كمﺎن"‪ .‬وﻓﻲ ﺘﻌر�ﻔﻪ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �ﺄﻨﻬﺎ "اﻟدراﺴﺔ اﻟمكﺎﻨ�ﺔ وﻤمﺎرﺴﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ"‪ ،‬اﻟتﻲ "ﺘﻔسر اﻟ�ﻌد اﻟمكﺎﻨﻲ‬
‫اﻟدﯿنﺎﻤ�كﻲ ﻟ�ﻌض أﻨمﺎط اﻟصراع اﻟمستمرة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ"‪ ،‬ﯿرى أن " اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫﻲ ﻨوع ﻤن اﻟواﻗع�ﺔ‬
‫اﻟكﻼﺴ�ك�ﺔ"‪ .‬ﻟخص "ﻏراي" وﺠﻬﺎت ﻨظرﻩ �ﺄن "اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟجز�رة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻷوراﺴ�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ �ﻘوة واﺤدة ﺘﻌنﻲ‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟطو�ﻞ‪ ،‬اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ [...] .‬إن اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ أراﻀﻲ اﻟر�مﻼﻨد واﻟ�حﺎر اﻟﻬﺎﻤش�ﺔ ﻤن ﻗبﻞ دوﻟﺔ‬
‫ﺠزر�ﺔ ﻻ ﺘسﺎوي اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﺠزر اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻟكنﻬﺎ ﺘﻌنﻲ ﺤرﻤﺎن ﻗوة اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد ﻤن اﻟﻬ�منﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟمطﺎف )أي اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓییتﻲ(‪.‬‬

‫أ�ضﺎ إﻟﻰ أﻋمﺎل "ﻤﺎﻛیندر"‪ ،‬وﻗد أﻨتﺞ‬


‫ﻤثﺎل آﺨر ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻫو ﻋمﻞ ‪ ،Zbigniew Brezinski‬اﻟذي اﺴتند ً‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﻨظر�ﺔ اﻟﻘﻠب ﻤﻊ ﻤراﻋﺎة اﻟحﻘﺎﺌق اﻟجدﯿدة‬
‫ﺴﻠسﻠﺔ ﻤن اﻟدراﺴﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ .‬ﻗﺎم �ﺎﻨتظﺎم ﺒتحدﯿث ﺘحﻠیﻠﻪ ً‬
‫ﺴ�ﺎﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻤنذ ﺤواﻟﻲ‬
‫ً‬ ‫ﻟﻔترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪� .‬تب ﺒر�جنسكﻲ ﻋﺎم ‪" ،1997‬ﻤنذ أن ﺒدأت اﻟﻘﺎرات �ﺎﻟتﻔﺎﻋﻞ‬
‫ﺨمسمﺎﺌﺔ ﻋﺎم‪� ،‬ﺎﻨت أوراﺴ�ﺎ ﻤر�ز اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ]‪� [...‬جب أن ﺘوظﻒ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ]‪ [...‬ﻨﻔوذﻫﺎ‬

‫‪ -1‬زﺑﯾﻐﻧﯾﯾف ﺑرﯾﺟﻧﺳﻛﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Ali Onur ÖZÇELİK, Op. cit. p 55.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid, p 59.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬

‫‪74‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻤستﻘر ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �صﻔتﻬﺎ اﻟحكم اﻟس�ﺎﺴﻲ ]‪ [...‬ﻤن اﻟضروري ﻋدم‬


‫ًا‬ ‫ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ �طر�ﻘﺔ ﺘخﻠق ﺘوازًﻨﺎ ﻗﺎرً�ﺎ‬

‫ظﻬور أي ﻤنﺎﻓس أورو�ﻲ آﺴیوي ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘحدي أﻤر�كﺎ ً‬
‫أ�ضﺎ‪� .‬ﺎن ﻋمﻠﻪ اﻷﺨیر‪،‬‬
‫ﻤوﻀوﻋﺎ ﻟ�ﻌض اﻻﻨتﻘﺎدات ﻟتطو�ر ﺸكﻞ ﻤن أﺸكﺎل اﻟتحﻠیﻞ ﯿﻬدف إﻟﻰ دﻓﻊ أﺠندة ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ً‬ ‫اﻟمﻌنﻲ �س�ﺎﺴﺔ اﻟﻬ�منﺔ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻤحددة‪.‬‬

‫و�ینمﺎ اﻛتسبت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﺴمﻌتﻬﺎ اﻟسﺎ�ﻘﺔ ﻤرة أﺨرى ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬إﻻ أن اﻟﻔﻬم اﻟتﻘﻠیدي‬
‫ﺒروزا‪ .‬ﺘمت دراﺴﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ‬
‫ﻟم �كن ﻫو اﻟذي ﻋﺎد‪ .‬ﻟﻘد �ﺎﻨت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻫﻲ اﻟتﻲ أﺼ�حت أﻛثر ً‬
‫ﻤنذ أواﺨر اﻟثمﺎﻨین�ﺎت‪ ،‬وﻤﻊ ذﻟك‪� ،‬مكن اﻟﻘول إن ﻨﻘطﺔ اﻟتحول ﻓﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ �ﺎﻨت ﻋﺎم ‪ 1992‬ﻋندﻤﺎ‬
‫ُﻨشر ﻤﻘﺎل "ﺠون أﻏنیو" ‪ John Agnew‬و"ﺠیراﻟد ﺘواﺘیﻞ" ‪� Gerald Tuathail‬ﻌنوان "اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ واﻟخطﺎب"‪ 2 .‬وﻗد‬
‫ﺸﻬدت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ وﻻدة ﺠدﯿدة ﻤن ﺨﻼل اﺴتكشﺎف ﻨمﺎذج ﺸﺎﻤﻠﺔ ﺘدﻤﺞ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ و�ﺠراء‬
‫دراﺴﺎت ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻟﻠتﻔﺎﻋﻞ ف�مﺎ ﺒینﻬﺎ �طر�ﻘﺔ ﻤتكﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻤﻊ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻟدرﺠﺔ اﻟتﻲ �مكن ﻟكﻞ دوﻟﺔ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠیﻬﺎ و‪/‬أو‬
‫‪3‬‬
‫ﺘحسین ﻤوﻗﻌﻬﺎ داﺨﻞ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬
‫ﺘﻬتم اﻟدراﺴﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ �ﺎﻻﻓتراﻀﺎت اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟتﻲ ﺘكمن وراء ﺼنﻊ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﺘر�ز‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟممﺎرﺴﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟتﻌر�ف اﻹﻗﻠ�مﻲ‪4 .‬واﻻدﻋﺎء اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻬﺎ ﻫو أن ﺠم�ﻊ أﻨواع اﻟمﻌرﻓﺔ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ذاﺘ�ﺔ وﺘﻌكس ق�مﺎ ﻤﻌینﺔ وﻤصﺎﻟﺢ وطن�ﺔ ﺘم ﺘصورﻫﺎ ﻤس�ﻘﺎ‪� .‬مﺎ أﻨﻪ ﻻ ﯿوﺠد ﻓﻬم ﻋﻠمﻲ ﻤوﻀوﻋﻲ‬
‫ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �مﺎ ﯿدﻋﻰ اﻟجیﻞ اﻷول ﻤن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴیین وﺘسم�ﺔ ﻤواﻗﻊ ﻤﺎد�ﺔ ﻤﻌینﺔ �مﺎ ﻫﻲ و�ﺴنﺎد اﻟمﻌﺎﻨﻲ إﻟﻰ‬
‫‪5‬‬
‫ﻤواﻗﻊ ﺠﻐراف�ﺔ �ﻠﻬﺎ ذات ﺨﻠف�ﺔ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﺘﺎر�خ�ﺔ‪.‬‬
‫ر�زت اﻷﻋمﺎل اﻟم�كرة ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺘﻔك�ك اﻟخطﺎ�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ‪ ،‬و�مﺎ ﻗﺎل ‪،Tuathail‬‬
‫ﺤﺎوﻟت اﻟكشﻒ ﻋن ��ف�ﺔ إﻀﻔﺎء اﻟطﺎ�ﻊ اﻟمكﺎﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﻤن ﻗبﻞ اﻟﻘوى اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ واﻟدول اﻟمﻬ�منﺔ‬
‫وﺘمثیﻠﻬﺎ �ﻌﺎﻟم ﻤن أﻨواع ﻤﻌینﺔ ﻤن اﻷﻤﺎﻛن واﻟشﻌوب واﻷﺤداث‪ 6 .‬ﻓمن ﻤنظور اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمﻌﺎﻨﻲ‬
‫اﻟمنسو�ﺔ إﻟﻰ ﻤواﻗﻊ ﺠﻐراف�ﺔ ﻤﻌینﺔ ﺘﺄﺘﻲ ﻤن اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌم�ﻘﺔ واﻟﻔﻬم اﻟذاﺘﻲ ﻟﻠﻬو�ﺔ‪ ،‬وﺘحدد ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 9.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ali Onur ÖZÇELİK, Op. cit. p 59.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 9.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 36.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 9.‬‬

‫‪75‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟق�مﺔ اﻟشراﺌ�ﺔ ﻟﻠتﻔﺎﻫمﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ 1 .‬ﻟذا ﻓﺈن ﺘحدﯿد ﻤكﺎن ﻤﺎدي ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻟﻪ ﻤصﺎﻟﺢ أو ﻫو�ﺎت أو‬
‫أﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺎت أو ﺤضﺎرات وطن�ﺔ ﻤﻌینﺔ ﻫو ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻤمﺎرﺴﺔ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﻤسﺄﻟﺔ ﻤن ﺴ�سود ﺨ�ﺎﻟﻪ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتحﻠیﻞ اﻟنﻬﺎﺌﻲ ﺴتتحدد �ﻌمق ﻤن ﺨﻼل ﺘوز�ﻊ ﻗدرات اﻟﻘوة داﺨﻞ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬
‫�ﻌتمد اﻟشكﻞ اﻷول ﻤن اﻟتحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻤﻘﺎر�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وأﻓضﻞ ﺘﻔسیر ﻟﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل أﻋمﺎل ﺴول‬
‫ﻛوﻫین و"ﺠیرارد د�سوا" ‪ ،Gerard Dussouy‬إن ﺘﻔكیر �وﻫین ﻓﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻤستوﺤﻰ ﻤن ﻨظر�ﺔ اﻟنظم‬
‫اﻟﻌﺎﻤﺔ‪� ،‬ﺎن ﻫدﻓﻪ ﻫو ﺘحدﯿد طب�ﻌﺔ اﻟبن�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمﻌﻘدة ﻟﻠﻌﺎﻟم وأدوار وﻗدرات ﻤكوﻨﺎﺘﻪ اﻟمختﻠﻔﺔ ﻤن أﺠﻞ ﻓﻬم‬
‫أﻓضﻞ ﻟﻠﻘوى اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘشكﻞ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ إﻟﻰ اﺴتراﺘ�ج�ﺎت وطن�ﺔ ﻤشتر�ﺔ ﺘﻌزز اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟتوازن‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻤن ﺤیث "ﺼﻠتﻬﺎ �ﺎﻟسﻠطﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ" و"وﻀﻊ اﻷطر اﻟمكﺎﻨ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحتضن وﺤدات اﻟﻘوة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمتﻔﺎﻋﻠﺔ"‪.‬‬

‫ﻛﻞ اﻻدﻋﺎءات �ﺎﻟتحﻠیﻼت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟموﻀوع�ﺔ ﺘخﻔﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ دواﻓﻊ وﻤصﺎﻟﺢ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻌینﺔ‪ .‬ﻹﻋطﺎء‬
‫ﻤثﺎل‪ ،‬ﻟمﺎذا ﺘسمﻲ روﺴ�ﺎ اﻟمواﻗﻊ اﻟجﻐراف�ﺔ اﻟمح�طﺔ �ﺄراﻀیﻬﺎ اﻟیوم أﻨﻬﺎ ﻗر��ﺔ ﻤن اﻟخﺎرج؟ �ﺎﻟﻘرب ﻤن ﻤن؟ ﻋمن‬
‫ﻓﻲ اﻟخﺎرج ﺘتحدث؟ ﻟمﺎذا ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ ﻗر��ﺔ ﻤن روﺴ�ﺎ وﻟكنﻬﺎ ﻟ�ست دوﻟﺔ أﺨرى؟‪ ،‬ﻤثﺎل آﺨر ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟجﻬود‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟتﻌر�ف اﻟكﻔﺎح ﻀد اﻹرﻫﺎب �ﺄﻨﻪ ﺤرب ﺼﻠیب�ﺔ أو ﺤرب ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب؟ ﻤن �صوغ ﻫذﻩ اﻟشروط‬
‫وﻷي أﻏراض؟‪ ،‬وﻟمﺎذا �تب "ﺼموﺌیﻞ ﻫنتنﻐتون" ‪ Samuel P. Huntington‬ﻋن ﻓكرة ﺼراع اﻟحضﺎرات؟ ﻫﻞ �ﺎن‬
‫�حدد اﻟصورة �مﺎ ﻫﻲ أم �ﺎن ﻫدﻓﻪ اﻟمسﺎﻋدة ﻓﻲ إﺤ�ﺎء وﺘﻘو�ﺔ اﻟق�ﺎدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ظﻞ غ�ﺎب اﻟتﻬدﯿد اﻟسوﻓییتﻲ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟوﺠودي؟‬
‫�مكن اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ ﺸكﻞ ٍ‬
‫ﺜﺎن ﻤن اﻟتحﻠیﻞ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟﻘﺎﺌم ﻋﻠﻰ ﻨﻬﺞ ﺘجر�بﻲ ﻓﻲ ﻋمﻞ اﻟﻌﻠمﺎء اﻟذﯿن‬
‫ﯿ�حثون ﻓﻲ اﻟخراﺌط اﻟذﻫن�ﺔ واﻟرؤى اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬اﻗترح "آﻻن ﻫنر�كسون" ‪ (1980) Alan Henrikson‬ﻤﻼءﻤﺔ دراﺴﺔ‬
‫"اﻟخراﺌط اﻟذﻫن�ﺔ" أو "اﻟخراﺌط اﻟمﻌرف�ﺔ ﻟصﺎﻨﻌﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪". 5‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﻬو�ﺔ اﻟوطن�ﺔ واﻟرؤى اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬أظﻬر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟﻬوﻟندي ﻏیرﺘجﺎن "د�جكینك" ‪(1996) Dijkink‬‬

‫ﻛ�ف أن إﻟﻘﺎء اﻟضوء ﻋﻠﻰ اﻟتحﻠیﻞ اﻟﻘﺎﺌم ﻋﻠﻰ اﻟخطﺎب ﻟﻠرؤى اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �مكن أن ﯿؤدي إﻟﻰ ﻓﻬم اﻟتجر�ﺔ اﻟوطن�ﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 36.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 36.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 36.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬

‫‪76‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻟﻠمكﺎن‪ .‬ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﺘﻌر�ﻔﻪ ﻟﻠرؤ�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ "أي ﻓكرة ﺘتﻌﻠق �ﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒین اﻟﻔرد واﻷﻤﺎﻛن اﻷﺨرى‪� ،‬مﺎ‬
‫ﻓﻲ ذﻟك اﻟشﻌور �ﺎﻷﻤن )ﻓﻲ( أو )ﻋدم( اﻟمیزة )و‪/‬أو( اﻟتذرع �ﺄﻓكﺎر ﺤول ﻤﻬمﺔ ﺠمﺎع�ﺔ أو اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ‬
‫ﺘحﻠیﻠ�ﺎ �ﻌتمد ﻋﻠﻰ ﺨمسﺔ ﻋنﺎﺼر رﺌ�س�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك �ﺎن اﻷﻤر ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟدراﺴﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ً‬ ‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ"‪ ،‬ﺤدد ‪ً Dijkink‬ا‬
‫إطﺎر‬
‫اﻟتواﻟﻲ‪:‬‬

‫‪ /1‬ﺘبر�ر �ﻞ ﻤن "اﻟطب�ﻌﺔ" ﻟﻠحدود اﻹﻗﻠ�م�ﺔ و��ف ﺘﻌمﻞ ﻤنطﻘﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺘﻌز�ز اﻟوﺤدة اﻟوطن�ﺔ �ﺎﺴتمرار‪.‬‬

‫ﻋرﻓﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ "اﻓتراﻀﺎت ﺤول اﻟمصﺎﻟﺢ ]اﻟوطن�ﺔ[ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬واﻟتﻬدﯿدات اﻟمحتمﻠﺔ‬
‫‪ /2‬اﻟرﻤوز اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ ّ‬
‫ﻟﻬﺎ‪ ،‬واﻻﺴتجﺎ�ﺎت اﻟممكنﺔ"؛‬

‫‪ /3‬اﺨت�ﺎر اﻟدول اﻷﺨرى وﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �نموذج �حتذى �ﻪ أو ﯿرﻓضﻪ؛ ‪ /4‬ﻓكرة ﻤﻬمﺔ وطن�ﺔ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ /5‬اﻓتراﻀﺎت ﺤول اﻟﻘوى اﻟشخص�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﺘر�یز دراﺴﺔ ‪� Dijkink‬ﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻬو�ﺔ اﻟوطن�ﺔ‪.‬‬

‫ﻛﺎﻨت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟنﻘد�ﺔ اﻟم�كرة ع�ﺎرة ﻋن ﺘحﻠیﻼت ﺘﺎر�خ�ﺔ ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺘﻔك�ك ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠحرب اﻟ�ﺎردة‪،‬‬
‫وﻗد ﺘطورت �شكﻞ أﻛبر ﻟتجمﻊ ﺒین اﻟرؤ�ﺔ اﻟنﻘد�ﺔ واﻟرؤى اﻟجدﯿدة ﻟﻠمسﺎﺤﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟبدﯿﻠﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن‬
‫أﻋمﺎل اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻤتنوﻋﺔ ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ �حیث ﻻ �مكن ﺘصن�ﻔﻬﺎ ﺘحت ﺘسم�ﺔ ﺜﺎﺒتﺔ‪ ،‬إﻻ أﻨﻬﺎ ﺘشترك ﻓﻲ اﻻﻫتمﺎم‬
‫�ﺎﻟتسﺎؤل واﻟتشك�ك واﻟكشﻒ ﻋن اﻻﻓتراﻀﺎت اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻹدﻋﺎءات اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪.‬‬
‫إن ﻨتﺎﺌﺞ إﻋﺎدة ﺼ�ﺎﻏﺔ ﻤﻔﻬوم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �ممﺎرﺴﺔ �مكن ﺘﻠخ�صﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟنحو اﻟتﺎﻟﻲ؛‬
‫ﻤكﺎﻨ�ﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟم وﻫو ﻋﺎﻤﻞ ﺤﺎﺴم ﻓﻲ ﺘشكیﻞ اﻟمﻔﺎه�م اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ وﺘﺄﺴ�سﻬﺎ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ /1‬ﯿنتﺞ اﻟمنطق اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟتﻘﻠیدي ﺘمثیﻼً‬
‫ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬ﺘمثیﻞ اﻟمنﺎطق اﻟسوﻓیت�ﺔ واﻟشیوع�ﺔ ﻤحور اﻟشر ﺨﻼل اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬
‫‪ /2‬ﺘتمتﻊ اﻟدول اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ أو اﻟﻘوى اﻟمﻬ�منﺔ �ﺎﻤت�ﺎز ﺘكو�ن ﺘصورات ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟ�ق�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ /3‬اﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ اﻻﺨتﻼﻓﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �ﻌطﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ دو اًر �ﺎر اًز ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟﻬو�ﺔ‪.‬‬
‫وﻤن ﺜم ﻓﺈن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �مجﺎل ﻤن ﻤجﺎﻻت اﻟ�حث ﺘدﯿن �ﺎﻟكثیر إﻟﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻷﻨﻬﺎ ﻓتحت‬
‫طر�ﻘﺔ ﺠدﯿدة ﻓﻲ اﻟتﻔكیر و�شﻔت اﻻﻓتراﻀﺎت اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟسﺎﺌدة‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻫذا ﻻ �ﻌنﻲ أن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫اﻟسﺎﺌدة ﺘوﻗﻔت ﻋن إﻨتﺎج ﺘحﻠیﻼﺘﻬﺎ اﻟتﻘﻠید�ﺔ ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 9.‬‬

‫‪77‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫أﻤﺎ اﻟرﻤوز اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻬﻲ اﻟنتﺎﺌﺞ اﻟﻌمﻠ�ﺔ ﻟﻠتﻔكیر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪ .‬وﻤن ﺜم‪ ،‬ﻓﻬذﻩ ﻫﻲ اﻟطر�ﻘﺔ اﻟتﻲ ﯿوﺠﻪ‬
‫ﺒﻬﺎ اﻟدوﻟﺔ ﻨﻔسﻬﺎ ﻨحو اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وﻫنﺎك ﺜﻼﺜﺔ ﻨطﺎﻗﺎت ﺠﻐراف�ﺔ ﺘﻌمﻞ ﺒﻬﺎ اﻟرﻤوز اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ؛ اﻟمحﻠﻲ واﻹﻗﻠ�مﻲ‬
‫واﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬اﻟرﻤوز اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘمتﻠكﻬﺎ �ﻞ دوﻟﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﺘﻘی�مﺎت ﻟﻠدول اﻟمجﺎورة‪ .‬اﻟرﻤوز اﻟجیو�وﻟیت�ك�ﺔ‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﺘمتﻠكﻬﺎ اﻟدول اﻟتﻲ ﻟدﯿﻬﺎ ﺘوﻗﻌﺎت �ﺄن ﺘص�ﺢ ﻗوة إﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬وﻗﻠﺔ ﻤن اﻟبﻠدان ﻟدﯿﻬﺎ رﻤوز ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻷن ﻫذﻩ اﻟﻘواﻋد ﺘتطﻠب اﻟﻘوة واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺘحﻘیق اﻷﻫداف اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬
‫ر�زت اﻷﻋمﺎل اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﻋﻠﻰ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟجدﯿد وﻤكﺎﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻘوة ﻤﻬ�منﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟجدﯿد‪� .‬شیر ‪ Zbigniew Brzezinski‬أن اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟجدﯿد ﺴوف ﯿنشﺄ ﻤن ﺨﻼل اﻟصراع ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟسﻠطﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ أوراﺴ�ﺎ اﻟتﻲ أﻋید ﺘﻌر�ﻔﻬﺎ ﺤیث �ﺎﻨت أو�راﻨ�ﺎ وأذر��جﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ وﺘر��ﺎ و�ﯿران اﻟمحﺎور‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمﻬمﺔ ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ‪� .‬تب ﺒر�جنسكﻲ ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ ‪ ،The Grand Chessboard‬أن أوراﺴ�ﺎ ﻫﻲ "رﻗﻌﺔ اﻟشطرﻨﺞ‬
‫اﻟتﻲ �ستمر ﻓیﻬﺎ اﻟصراع ﻤن أﺠﻞ اﻟس�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ"‪ .‬ﺘذ�ر ﻫذﻩ اﻟص�ﻐﺔ ﺒنظر�ﺔ ﻗﻠب اﻷرض وﺘوﻀﺢ أن ﻨﻬﺞ‬
‫"ﻤﺎﻛیندر" اﺴتمر ﻓﻲ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ .‬وﻫذا اﻟنﻬﺞ اﻟتﻘﻠیدي ﻗد ﺘحﻘق ﻤنذ أن‬
‫أﺜرت ﺼ�ﺎﻏﺔ "ﺒر�جنسكﻲ" ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤیر��ﺔ ﻓﻲ إدارﺘﻲ ﺒوش و�ﻠینتون ‪The Bush and Clinton‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.administrations‬‬
‫ﻨﻬﺞ ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ آﺨر ﻫو ﺼدام اﻟحضﺎرات ﻟـ "ﺼموﺌیﻞ ﻫنتنﻐتون" ‪ .Samuel Huntington‬ﻫذا اﻟنﻬﺞ ﻻ‬
‫�ﻌتمد ﻋﻠﻰ اﻟصراع ﻤن أﺠﻞ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟمنﺎطق اﻟجﻐراف�ﺔ‪ ،‬واﻟﻌﺎﻤﻞ اﻟمحدد ﻟﻠصراع ﻓﻲ ﻨظر�ﺔ "ﻫنتنﻐتون" ﻫو‬
‫اﻗتصﺎد�ﺎ ﻓﻲ‬
‫ً‬ ‫أﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺎ أو‬
‫ً‬ ‫اﻟحضﺎرة‪ .‬وﻋﻠﻰ ﺤد ﺘﻌبیرﻩ‪" :‬ﻟن �كون اﻟمصدر اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠصراع ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟجدﯿد‬
‫اﻷﺴﺎس ]ﻟكن ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك[ ﺴتكون اﻹﻨﻘسﺎﻤﺎت اﻟكبرى ﺒین اﻟ�شر�ﺔ واﻟمصدر اﻟمﻬ�من ﻟﻠصراع ﺜﻘﺎف�ﺔ"‪.‬‬
‫ﯿرﺴم ﻫنتنﻐتون ﺨر�طﺔ ﺠدﯿدة ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺘسكنﻬﺎ ﺜمﺎﻨﻲ ﺤضﺎرات رﺌ�س�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘشمﻞ اﻟحضﺎرة اﻟﻐر��ﺔ‬
‫واﻟكوﻨﻔوﺸ�ﺔ واﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ واﻹﺴﻼﻤ�ﺔ واﻟﻬندوﺴ�ﺔ واﻟسﻼف�ﺔ اﻷرﺜوذ�س�ﺔ وأﻤر�كﺎ اﻟﻼﺘین�ﺔ ور�مﺎ اﻟحضﺎرة اﻷﻓر�ق�ﺔ‪ .‬ووﻓﻘﺎ‬
‫ﻟﻪ‪ ،‬ﻓﺈن أﻫم ﺼراﻋﺎت اﻟمستﻘبﻞ ﺴتحدث ﻋﻠﻰ طول ﺨطوط اﻟصدع اﻟثﻘﺎﻓﻲ اﻟتﻲ ﺘﻔصﻞ ﺒین ﻫذﻩ اﻟحضﺎرات‪ .‬و�ﻬذا‬
‫اﻟمﻌنﻰ‪ ،‬ﻓﺈن ﻤنﺎﻗشﺔ "ﻫنتنﻐتون" ﻤبن�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻟـ "اﻟﻐرب ﻀد اﻟ�ق�ﺔ" ﻓﻬو �جﺎدل �ﺄن اﻟﻐرب �مكن أن‬
‫�حﺎﻓظ ﻋﻠﻰ أﺴ�ﻘیتﻪ ﻤن ﺨﻼل اﻟﻠﻌب ﻋﻠﻰ اﻟحضﺎرات اﻷﺨرى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 10.‬‬

‫‪78‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻫنﺎك ﺸخص�ﺔ أﺨرى ﺼﺎﻏت ﻤﻔﻬوﻤﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻨﻬﺞ "اﻟﻐرب واﻟ�ﺎﻗﻲ"‪ ،‬وﻟكن ﻫو "ﻓراﻨس�س‬
‫ﻓو�و�ﺎﻤﺎ" ‪ .Francis Fukuyama‬ﻓﻲ ﻤﻘﺎﻟتﻪ "ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟتﺎر�ﺦ؟" ﯿؤ�د ﻓو�و�ﺎﻤﺎ أﻨﻪ ﻤﻊ ﺘﻔكك اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ وﺴﻘوط‬
‫اﻟشیوع�ﺔ‪ ،‬اﻨتصرت اﻟﻠیبراﻟ�ﺔ اﻟﻐر��ﺔ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ وﺼﻠت اﻹﻨسﺎﻨ�ﺔ إﻟﻰ ﻨﻘطﺔ ﻨﻬﺎ�ﺔ ﺘطورﻫﺎ وﺘضﺎءﻟت ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتﻘﻠید�ﺔ‪.‬‬
‫واﺠﻬت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ �ﻌد ﻫجمﺎت ‪ 2001/09/11‬ﻨﻘطﺔ ﺘحول أﺨرى‪ .‬ﺤیث ﺘم ﺘبنﻲ اﻓتراض "ﻫنتنﻐتون" ﻟصدام‬
‫اﻟحضﺎرات‪ ،‬واﺴتمرت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻘد�ﺔ ﻓﻲ ز�ﺎدة ﺘﺄﺜیرﻫﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟشیوع�ﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ "اﻵﺨر" أو ﻋدو اﻟﻐرب ﻓﻲ اﻟحرب‬
‫اﻟ�ﺎردة ﺘم اﺴتبداﻟﻬﺎ ﺒتﻬدﯿد اﻹﺴﻼم اﻟراد�كﺎﻟﻲ ﺘحت ﺘﺄﺜیر "ﺼدام اﻟحضﺎرات"‪ ،‬وﺘم ﺘﻌر�ف ﻫذا اﻟوﻀﻊ �ﺄﻨﻪ ﻋودة‬
‫ﺘمﺎﻤﺎ ﻤﻊ ﻓرﻀ�ﺔ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟتﻘﻠید�ﺔ ﻓﻲ إطﺎر "اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب" و"ﻨحن وﻫم" و"ﻤحور اﻟشر" اﻟذي ﯿتنﺎﺴب ً‬
‫‪2‬‬
‫ﺼراع اﻟحضﺎرات ﻟﻬنتنﻐتون‪.‬‬
‫وأدى اﻟتحول اﻟتدر�جﻲ ﻤن اﻟﻘطب�ﺔ اﻷﺤﺎد�ﺔ إﻟﻰ اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ إﻟﻰ ﺘمﻬید اﻟطر�ق ﻟﻠجیﻞ اﻟرا�ﻊ ﻤن‬
‫اﻟتنﺎﻓس اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﺒین اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ .‬ﻤنذ ﻋﺎم ‪� ،2008‬ﺎﻨت ﻫنﺎك ﺨﻼﻓﺎت ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم ﺤول ق�م‬
‫اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟثﻘﺎف�ﺔ واﻹﻨﻔتﺎح واﻟتسﺎﻤﺢ وﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬ﻟﻘد أﻓسحت أﺨﻼق اﻟكوزﻤو�وﻟیتﺎﻨ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟمجﺎل‬
‫ﺘدر�ج�ﺎً ﻷﺨﻼق اﻟمجتمﻊ اﻟنسبﻲ ﺤیث أن اﻟﻘوى ﻏیر اﻟﻐر��ﺔ اﻟصﺎﻋدة‪ ،‬وﻓﻲ ﻤﻘدﻤتﻬﺎ اﻟصین وروﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻗدﻤت �شكﻞ‬
‫‪3‬‬
‫ﻤتزاﯿد ﺘصورات ﻏیر ﻏر��ﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓﻲ اﻟنظر�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬


‫أوﻻ‪ :‬ﻨظر�ﺔ اﻟﻘوى اﻟﻘﺎر�ﺔ‪:‬‬
‫اﺌدا ﻓﻲ ﺘﺄﺴ�س اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �مجﺎل ﻟﻠ�حث‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺴﺎﻫم ﻓﻲ‬
‫ﻛﺎن اﻟجﻐراﻓﻲ اﻷﻟمﺎﻨﻲ "ﻓر�در�ك راﺘز�ﻞ" ر ً‬
‫ﺘكو�ن اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ .‬وأﻟﻬم أول ﻤنظر�ن ﺠیوﺴ�ﺎﺴیین‪ ،‬وﺨﺎﺼﺔ ﻫوﺴﻬوﻓر و�یﻠین ‪ Haushofer‬و‪� 4 .Kjellen‬ﻌتبر‬
‫"راﺘزل" ﻫو أول ُﻤ ِّ‬
‫نظر ﻗدم واﺴتخدم اﻟﻔضﺎء واﻟموﻗﻊ �وﺴیﻠﺔ ﻟتحﻠیﻞ اﻟدوﻟﺔ‪� .‬ﺎﻨت ﻨظر�تﻪ ﻟﻠدوﻟﺔ ﺘستند إﻟﻰ ﻓكرة‬
‫اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌضو�ﺔ اﻟتﻲ ﺘشیر وﻓًﻘﺎ ﻟذﻟك إﻟﻰ أن اﻟدول �ﺎﺌنﺎت ﺤ�ﺔ ﺘوﻟد و�جب أن ﺘنمو‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬ﻤن أﺠﻞ‬
‫ﺘنم�ﺔ ﻤسﺎﺤﺔ �ﺎف�ﺔ ﻟﻠح�ﺎة )اﻟمجﺎل اﻟحیوي ‪� ،(lebensraum‬جب ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻟتوﺴﻊ ﻤن ﺨﻼل ﺘﻐییر اﻟحدود اﻟﻘﺎﺌمﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 11.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 44.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 6.‬‬

‫‪79‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1904‬ﻨشر اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟبر�طﺎﻨﻲ "ﻫﺎﻟﻔورد ﺠﻲ ﻤﺎﻛیندر" ‪-1861) Sir Halford J. Mackinder‬‬

‫ﻋددا ﻤن اﻟﻌنﺎﺼر واﻟمﻔﺎه�م‬


‫‪ (1947‬ﻤﻘﺎﻟتﻪ ﺤول )اﻟمحور اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠتﺎر�ﺦ( واﻟتﻲ ﺘمثﻞ وﻻدة اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ .‬ﻗدم ً‬
‫اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﻨظر�تﻪ‪� .‬ﺎﻨت أﻓكﺎرﻩ "ﻤﺎﻛیندر" ﻤﻌن�ﺔ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ �ﺎﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟكبرى ﻟﻺﻤبراطور�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ وﻓﻲ‬
‫ﻫذا اﻟمنﻌطﻒ �ﺎﻨت اﻟجﻐراف�ﺎ ﻫﻲ اﻟمحور ﻟﻔﻬم واﻀﺢ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ 1 .‬وﻓﻲ أواﺌﻞ اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن‪ ،‬أدرك "ﻤﺎﻛیندر"‬
‫أﻨﻪ ﻤﻊ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن اﻟـ ‪ ،19‬وﺼﻠت اﻟنزﻋﺔ اﻟتوﺴع�ﺔ اﻹﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ أورو�ﺎ إﻟﻰ ﺤدودﻫﺎ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ �ﺎﻨت ﺘحﺎول اﻟكشﻒ‬
‫ﻋن اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ ﻟﻠﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ووﺼﻒ أوراﺴ�ﺎ‪ ،‬اﻟتﻲ ﯿتﻌذر اﻟوﺼول إﻟیﻬﺎ �ﺎﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ اﻟمحور‬
‫أ�ضﺎ �ﺎﺴم ﺸمﺎل ﻫﺎرﺘﻼﻨد( �ﺄﻨﻬﺎ‬
‫اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬ﺤدد "ﻤﺎﻛیندر" اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ )اﻟمﻌروﻓﺔ ً‬
‫اﻟمنطﻘﺔ اﻟشﺎﺴﻌﺔ اﻟواﻗﻌﺔ ﻓﻲ "أوراﺴ�ﺎ"‪ ،‬اﻟتﻲ �حدﻫﺎ ﻤن اﻟشرق "ﻨﻬر ﯿن�سﻲ"‪ ،‬وﻤن اﻟﻐرب "اﻟ�حر اﻷﺴود" و�رزخ‬
‫"�حر اﻟبﻠطیق"‪ ،‬وﻤن اﻟشمﺎل ﻏﺎ�ﺎت "ﺴیبیر�ﺎ"‪ ،‬وﻤن اﻟجنوب ﺼحﺎري آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪ .‬إﻨﻪ ﻤﻔترق طرق ﯿر�ط ﻨصﻒ‬
‫اﻟكرة اﻷرﻀ�ﺔ اﻟشمﺎﻟﻲ ﺒنصﻒ اﻟكرة اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬واﻟﻐرب �ﺎﻟشرق‪ ،‬وﻫﻲ ﻤنطﻘﺔ ﻏن�ﺔ ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ �ﺎﻟموارد‪� ،‬حتﻠﻬﺎ اﻵن‬
‫اﻻﺘحﺎد اﻟروﺴﻲ واﻟدول اﻟتﺎ�ﻌﺔ ﻟﻪ ﻤن آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ وأورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ‪ 2 .‬وﻷﺴ�ﺎب ﺘﺎر�خ�ﺔ وﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬أﺼ�ﺢ اﻟمحور‬
‫اﻟمر�ز اﻟطب�ﻌﻲ ﻟﻠﻘوة‪.‬‬
‫ﺤدد "ﻤﺎﻛیندر" أ�ضﺎ "اﻟﻬﻼل اﻟداﺨﻠﻲ" اﻟذي ﯿتواﻓق ﻤﻊ اﻟمنﺎطق اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ‪ .‬ووﺼﻔﻬﺎ �ﺄﻨﻬﺎ أﻛثر‬
‫ﻤنﺎطق اﻟتطور اﻟحضﺎري �ثﺎﻓﺔ‪ ،‬وﺸمﻠت أورو�ﺎ وﺠنوب ﻏرب وﺸرق آﺴ�ﺎ‪� .‬ﺎن ﻫنﺎك أ�ضﺎ "اﻟﻬﻼل اﻟخﺎرﺠﻲ"‬
‫وﺜﻘﺎف�ﺎ‬
‫ً‬ ‫اف�ﺎ‬
‫اﻟذي �شمﻞ ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ وأﻤر�كﺎ اﻟجنو��ﺔ واﻟشمﺎﻟ�ﺔ وﺠنوب إﻓر�ق�ﺎ وأﺴتراﻟ�ﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬وﻫﻲ ﻤنﺎطق ﻏر��ﺔ ﺠﻐر ً‬
‫‪3‬‬
‫ﻋن أوراﺴ�ﺎ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ ،‬إذ �ﻌتﻘد ﻤﺎﻛیندر أن اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟتﺎر�خ�ﺔ ﺘر�زت ﻓﻲ ﻗﻠب اﻷرض‪.‬‬
‫ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ ﺒﻬذا اﻟمﻌنﻰ ﻫﻲ اﻟمﻔتﺎح ﻟﻠس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ واﻟتﻲ �جب أن ﺘوﺠﻪ إﻟیﻬﺎ‬
‫اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟكبرى‪� .‬ﺎﻨت ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ ﺘحكمﻬﺎ اﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟروﺴ�ﺔ ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت‪ ،‬ﻟكن‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ اﻟمحتمﻠﺔ اﻷﺨرى ﻗد ﺘكون أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟمتحﺎﻟﻔﺔ ﻤﻊ روﺴ�ﺎ أو اﻟصین‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬أﺸﺎرت "ﻤﺎﻛیندر" إﻟﻰ اﻷﻫم�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠمنطﻘﺔ اﻟواﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﻘر�ﺔ ﺸدﯿدة ﻤن اﻟمنطﻘﺔ‬
‫اﻟمحور�ﺔ ﻟحمﺎﯿتﻬﺎ أو ﻋﻠﻰ اﻟﻌكس ﻤن ذﻟك ﺤجبﻬﺎ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺸكﻞ ﺤﻠﻘﺔ‪ ،‬ﺘتكون ﻤن ﺠﻠید اﻟﻘطب‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 6.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. "The Theory of the Global Domination -Russian Geo-Strategy Conceptual Framework on‬‬
‫‪the Black Sea Region". International Journal of Economics and Business Administration. (Romania. International‬‬
‫‪Journal of Economics and Business Administration, Vol 7, Issue 2, 2017), pp. 43. https://cutt.ly/ETW1r8H‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. p 85.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 6.‬‬

‫‪80‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟشمﺎﻟﻲ‪ ،‬ودول اﻟبﻠطیق‪ ،‬واﻟ�حر اﻷﺴود‪ ،‬و�حر اﻟبﻠطیق‪ ،‬واﻟجزء اﻟسﻔﻠﻲ واﻟمتوﺴط ﻤن ﻨﻬر اﻟداﻨوب‪ ،‬ودﻟتﺎ اﻟداﻨوب‪،‬‬
‫واﻟ�حر اﻷﺴود‪ ،‬وآﺴ�ﺎ اﻟصﻐرى‪ ،‬وأرﻤین�ﺎ‪ .‬و�ﯿران واﻟتبت وﻤنﻐوﻟ�ﺎ‪ .‬وﻫﻲ ﺘشكﻞ أﻫم�ﺔ ﺤیو�ﺔ ﻷﻤن اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘس�طر‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ‪ ،‬وﺘﻌرف ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺤﻠﻘﺔ أﻤﺎن اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ‪ .‬ﺜم ﺘح�ط �ﺎﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ اﻟمنطﻘﺔ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘسمﻰ اﻟﻬﻼل اﻟداﺨﻠﻲ‪ ،‬وﻫﻼل ﻤنﻌزل ﺨﺎرﺠﻲ آﺨر‪.‬‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟخصﺎﺌص ﻟﻠمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ‪ ،‬اﻓترض ﻤﺎﻛیندر أن اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘتحكم ﻓﻲ أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ‬ ‫ً‬
‫ﺘتحكم ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ‪ ،‬واﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘتحكم ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ ﺘتحكم ﻓﻲ "ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم" )اﻟكتﻠﺔ اﻟﻘﺎر�ﺔ اﻟتﻲ‬
‫ﺘصنﻌﻬﺎ أورو�ﺎ وآﺴ�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ( و�ﻞ ﻤن �س�طر ﻋﻠﻰ "ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم" �س�طر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬و�شكﻞ ﻤنﺎﺴب ﺘُﻌرف‬
‫‪2‬‬
‫أ�ضﺎ �ﺎﺴم ﻨظر�ﺔ اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﻨظر�ﺔ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ ً‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺴبق‪ ،‬أﺼر "ﻤﺎﻛیندر" ﻋﻠﻰ وﻀﻊ ﻓكرﺘﻪ ﻋن أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤﻔتﺎح )اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد(‬ ‫ً‬
‫�ﺎﻟﻘول‪" :‬ﻤن �حكم أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ ﻫو اﻟذي �حكم )اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد(‪ .‬ﻤن �حكم )اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد( �حكم ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم؛ �ﻞ ﻤن‬
‫�حكم ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم ﻫو اﻟذي �حكم اﻟﻌﺎﻟم "‪ 3 .‬وﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1919‬أﻋﺎد "ﻤﺎﻛیندر" اﺴتبدل ﻤصطﻠﺢ )اﻟمحور( �كﻠمﺔ )ﻗﻠب(‬
‫أ�ضﺎ‪ 4 .‬و�شیر ﺘﺎر�ﺦ اﻟمحور )اﻟﻘﻠب(‪ ،‬إﻟﻰ أن اﻟمﻌﺎﯿیر اﻟوظ�ف�ﺔ‬
‫ووﺴﻊ ﺤدودﻫﺎ ﻟتشمﻞ أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ واﻟوﺴطﻰ ً‬
‫اﻟمكﺎﻨ�ﺔ �ﺎﻨت ﻓﻲ ﺘﻐیر ﻤستمر‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟﻌمﻠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺠرت داﺨﻞ اﻟمنطﻘﺔ ﺘؤ�د ﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ "ﻤﺎﻛیندر" ﻋن‬
‫اﻟوﺤدة اﻟوظ�ف�ﺔ ﻷورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ وﻗﻠبﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمﻌنﻰ اﻟحق�ﻘﻲ ﻟﻸﺨیرة ﻻ ﯿن�ﻊ ﻤن اﻟطب�ﻌﺔ اﻟحتم�ﺔ ﻷورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ‬
‫ﻋندﻤﺎ ﯿتﻌﻠق اﻷﻤر �ﺎﻟس�طرة ﻋﻠﻰ "اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد"‪ ،‬ﺒﻞ ﻤن وﺤدﺘﻬم اﻟﻬ�كﻠ�ﺔ؛ و�ع�ﺎرة أﺨرى ﻻ ﺘزال أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺠم�ﻊ ﻤراﺤﻞ ﺘطور اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد ﻋنص ار ﻤكﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ ه�كﻠﻬﺎ‪ ،‬ووﺤدﺘﻬﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻫﻲ اﻟشرط اﻟذي ﻻ ﻏنﻰ ﻋنﻪ‬
‫‪5‬‬
‫ﻟصﻼﺤ�ﺔ اﻟمحور اﻟوظ�ف�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻨطﺎق أوراﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻏضون ﻓترة زﻤن�ﺔ ﻗصیرة ً‬


‫ﺠدا‪ ،‬راﺠﻊ ﻨظر�تﻪ ﻤرﺘین ﻓﻲ ﻤحﺎوﻟﺔ ﻟتكی�ﻔﻬﺎ ﻤﻊ اﻟحﻘﺎﺌق اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫اﻟمتﻐیرة؛ وأﻋﺎد ﺘﻌدﯿﻞ اﻟمحور وﻀم أﺤواض اﻟ�حر اﻷﺴود و�حر اﻟبﻠطیق )أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ( ﻓﻲ ‪ .Heartland‬وﻫذا‬
‫�ﻌنﻲ أﻨﻪ �جب إﻋﺎدة ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺼ�ﻐتﻪ اﻟشﻬیرة ﻋﻠﻰ اﻟنحو اﻟتﺎﻟﻲ‪ :‬ﻤن �حكم ﻫﺎرﺘﻼﻨد )ﻗﻠب اﻷرض( �حكم ﺠز�رة‬
‫‪6‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟم؛ وﻤن �حكم ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم �حكم اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. P 43.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. P 43.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. p 86.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 6.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. p 86.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- I bid. pp 86-87.‬‬

‫‪81‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫‪Halford Mackinder’s Pivot in 1904 and 1919 1‬‬


‫)ﺧﺮ�ﻄﺔ ﺗﻮ�ح ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﻠﺐ اﻷرض ﻋﻨﺪ "هﺎﻟﻔﻮرد ﻣﺎﻛﻴﻨﺪر" ﻟﻌﺎم ‪ ،1904‬واﻟ�ي أدﺧﻞ ﻋﻠ��ﺎ �ﻐﻴ��ات ﻋﺎم ‪� 1919‬ﻌﺪ ا�حﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻷو��(‪.‬‬

‫ﺸخص�ﺔ �ﺎرزة أﺨرى ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔترة ﻫﻲ "رودوﻟﻒ �یﻠین" اﻟذي ﺼﺎغ ﻤصطﻠﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ‪ .‬ﻛﺎﻨت ﻨ�ﺔ �یﻠین‬
‫‪2‬‬
‫ﻫﻲ "ﺒنﺎء ﻨﻬﺞ ﻤوﻀوﻋﻲ ﻟتحﻠیﻞ ﺘطور ﻗوة اﻟدول ودراﺴﺔ ��ف�ﺔ ﺘﺄﺜیر ﻫذﻩ اﻟﻌمﻠ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟدول"‪.‬‬
‫وﺤدد �یﻠین ﺠوﻫر اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﺒتﺄﻛیدﻩ ﻋﻠﻰ اﻟطﺎ�ﻊ اﻟمﺎدي واﻟحجم واﻟموﻗﻊ اﻟنسبﻲ ﻹﻗﻠ�م اﻟدوﻟﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﻤحو ار‬
‫ﻤر�ز�ﺎ ﻟسﻠطتﻬﺎ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ .‬ووﻓًﻘﺎ ﻟكیﻠین ‪ ،Kjellen‬ﺘﻌد اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ أﺤد اﻟتخصصﺎت اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻔﻬم وﺘحﻠیﻞ‬
‫ً‬
‫اﻟدوﻟﺔ‪ .‬و�ﺎﻨت اﻟتخصصﺎت اﻷﺨرى ﻫﻲ ‪ ekopolitik‬ﻟتحﻠیﻞ اﻟبن�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬و‪(etno) demopolitik‬‬

‫ﻟﻠتحﻠیﻼت اﻟسكﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬و‪ Sociopolitiks‬ﻟتحﻠیﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟدوﻟﺔ واﻟمجتمﻊ وأﺨی اًر ‪ kratopolitiks‬ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟدﺴتور�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟحكوﻤ�ﺔ‪.‬‬

‫ﺒنﻰ ‪ Kjellen‬وﺠﻬﺎت ﻨظرﻩ ﻋﻠﻰ ﻨظر�ﺔ ‪Ratzel‬؛ اﻟدوﻟﺔ �كﺎﺌن ﺤﻲ‪ .‬وﺘﺄﺜر �صﻌود أﻟمﺎﻨ�ﺎ �ﻘوة ﻋظمﻰ‪ .‬ﻟذا‬
‫و�نﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك‪� ،‬ﺎﻨت اﻨجﻠت ار واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وروﺴ�ﺎ وأﻟمﺎﻨ�ﺎ ﺘُﻌتبر ﻗوى‬
‫ً‬ ‫ﻗﺎم ﺒتصن�ف اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ إﻟﻰ ﻓئتین‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. pp 86-87.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Pascal Venier, Op. cit.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 7.‬‬

‫‪82‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻋﺎﻟم�ﺔ؛ ﻓرﻨسﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟنمسﺎ واﻟمجر و��طﺎﻟ�ﺎ �ﻘوى ﻋظمﻰ‪ .‬و�جﺎدل "ﻛیﻠین" أن اﻟحرب ﻤن أﺠﻞ ﺘطو�ر اﻟدوﻟﺔ‬
‫ﻫو ﺠزء ﻤن اﻟﻘﺎﻨون اﻟطب�ﻌﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ﺸرع اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟتوﺴع�ﺔ ﻟﻠدول و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎت أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟتوﺴع�ﺔ �ﻌد اﻟحرب‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ‪ .‬ﻟذﻟك ُﯿنظر إﻟﻰ ‪ Kjellen‬ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﺸخص�ﺔ أﻟﻬمت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﻻ ﺴ�مﺎ ﻤن ﺨﻼل ﺘﺄﺜیرﻩ‬
‫‪1‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻷﻟمﺎﻨﻲ ‪.Karl Haushofer‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب اﻵﺨر ﻤن اﻟمح�ط اﻷطﻠسﻲ‪ ،‬طور "ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر" ‪ (1946-1869)K. Haushofer‬ﻨظر�ﺔ‬
‫اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ ﻤن اﻟمنظور اﻷﻟمﺎﻨﻲ‪ ،‬وﺼﺎغ ﻤن ﺒین ﻤﻔﺎه�م أﺨرى‪ ،‬اﻟﻬ�كﻠﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ ‪incluindg global‬‬

‫‪ ،pan-regionalization‬ﻹﻀﻔﺎء اﻟطﺎ�ﻊ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم وﻓﻘﺎ اﻟﻬ�كﻠﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬ﯿتم ﺘرﺘیب اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ‬
‫أر�ﻊ ﻤنﺎطق ﻤحور�ﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ "‪ "Grosswirtschafträume‬وﻫﻲ أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ اﻟجرﻤﺎﻨ�ﺔ وروﺴ�ﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة‪ .‬ﺘمثﻞ �ﻞ واﺤدة ﻤن ﻫذﻩ اﻟمنﺎطق اﻟمحور�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤنطﻘﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ؛‪ 2‬و�ﻬذا اﻟمﻌنﻰ‪� ،‬مكن اﻟﻘول إن‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ �مجﺎل �حثﻲ �ﺎن ﻟﻬﺎ ﺘﺄﺜیر ﻤ�ﺎﺸر ﻋﻠﻰ ﺴ�ﺎﺴﺎت أﻟمﺎﻨ�ﺎ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ؛ �ﺎن‬
‫ﻋﻠم�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟتوﺴع�ﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻻﺸتراﻛﻲ اﻟﻘوﻤﻲ ﻓﻲ‬
‫‪ Haushofer‬ﻫو اﻟمﻔكر اﻟرﺌ�سﻲ ﻓﻲ إﻀﻔﺎء اﻟشرع�ﺔ ً‬
‫‪3‬‬
‫أﻟمﺎﻨ�ﺎ‪.‬‬
‫ﻛﺎن ﻋﻠﻰ روﺴ�ﺎ أن ﺘﻬ�من ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ واﻟمنﺎطق اﻟمجﺎورة ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟشرق اﻷﻗصﻰ‬
‫وآﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ واﻟشرق اﻷوﺴط وﺤوض اﻟ�حر اﻷﺴود‪ .‬وﺘﻌود أﻟمﺎﻨ�ﺎ إﻟﻰ اﻟس�طرة اﻟمطﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ "ﻋموم أورو�ﺎ"‬
‫‪4‬‬
‫وﻋموم أورو‪-‬أﻓر�ق�ﺎ اﻟتﻲ ﺘتكون ﻤن أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ و�ﻓر�ق�ﺎ واﻟشرق اﻷوﺴط وﺸ�ﻪ اﻟجز�رة اﻟﻌر��ﺔ‪.‬‬

‫أ�ضﺎ‬
‫ﺘستند اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻟدى "ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر" إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟجواﻨب اﻟمشتر�ﺔ ﻟﻠجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﻟكنﻪ ﺘﺄﺜر ً‬
‫ﺒنظر�ﺔ ﻗﻠب اﻷرض ‪ heartland‬ﻟمﺎﻛیندر‪ .‬و�ﺎﻻﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ ﻨظر�ﺔ اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻟـ "راﺘزل"‪ّ ،‬‬
‫ﻋرف ‪Haushofer‬‬

‫اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﺤق وﻤسؤوﻟ�ﺔ ﻟﻠدول ﻟتزو�د ﻨﻔسﻬﺎ �مسﺎﺤﺔ �ﺎف�ﺔ وﻤوارد �ﺎف�ﺔ ﻟشﻌبﻬﺎ‪ .‬وﻓﻘﺎ ﻟـ "ﻫوﺴﻬوﻓر"‪،‬‬
‫أ�ضﺎ ﻟﻠدول ﻓﻲ‬
‫ﺤیو�ﺎ ً‬
‫ً‬ ‫�جب ﻋﻠﻰ اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﺘوﺴ�ﻊ أراﻀیﻬﺎ ﻀد اﻟدول اﻟصﻐیرة‪� 5 .‬ﻌد اﻻﻛتﻔﺎء اﻟذاﺘﻲ ًا‬
‫أﻤر‬

‫ﻨظر�ﺔ "ﻫوﺴﻬوﻓر"‪ .‬ﻟكﻲ ﺘكون ﻤكتف�ﺔ ً‬


‫ذاﺘ�ﺎ‪� ،‬جب ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ أن ﺘنتﺞ �ﻞ ﻤﺎ ﺘحتﺎﺠﻪ ﺒنﻔسﻬﺎ‪ ،‬واﻻﻛتﻔﺎء اﻟذاﺘﻲ‪،‬‬
‫ﻤمكنﺎ ﻓﻘط إذا �ﺎﻨت اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬وﻫﻲ دوﻟﺔ أورو��ﺔ ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟتحدﯿد‪ ،‬ﺘمتﻠك اﻟﻘﻠب اﻟذي ﺤددﻩ "ﻤﺎﻛیندر"‪.‬‬
‫ً‬ ‫وﻓًﻘﺎ ﻟﻪ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. p 45.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. p 45.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. pp 7-8.‬‬

‫‪83‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫و�ینمﺎ رأى أن ﻫذا اﻻﺴتحواذ ﻏیر ﻤمكن‪ ،‬اﻗترح ﺘشكیﻞ �تﻞ إﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬واﻗترح أن ﺘشكﻞ أورو�ﺎ وروﺴ�ﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن ﺘكتﻼت‬
‫وﻨظر ﻷﻨﻪ �ﻌتﻘد أن‬
‫ًا‬ ‫أﻗﺎﻟ�م�ﺔ ﺴتكون ﺨﺎرج اﻟنﻔوذ اﻟبر�طﺎﻨﻲ واﻷﻤر�كﻲ ﻤن أﺠﻞ اﻻﺴتﻔﺎدة ﻤن ﻤوارد "ﻗﻠب اﻟمنطﻘﺔ"‪.‬‬
‫ﻤثﻞ ﻫذا اﻟتشكیﻞ ﺴوف �منﻌﻪ اﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ اﻟﻘﺎﺌم آﻨذاك‪ ،‬ﻓﻘد اﻗترح ﻋﻠﻰ أﻟمﺎﻨ�ﺎ أن ﺘتجﻪ ﻨحو وﺴط وﺸرق‬
‫‪1‬‬
‫أورو�ﺎ‪.‬‬

‫‪Haushofer’s global pan-regional dividing2‬‬


‫ﺧﺮ�ﻄﺔ ﺗﻮ�ح اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ا�جﻴﻮاﺳ��اﺗﻴﺠﻴﺔ �� اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻨﺪ "�ﺎرل هﻮﺳهﻮﻓﺮ"‪ ،‬واﻟ�ي ﺣﺪدهﺎ �� أر�ﻌﺔ أﻗﺎﻟﻴﻢ رﺋيﺴﻴﺔ‬

‫ﻋﺎﻤﺎ ﻤن ﻨظر�ﺔ "ﻤﺎﻛیندر"‪ ،‬طور اﻷﻤر�كﻲ "ﺠون ﻨ�كوﻻس ﺴب�كمﺎن" )‪ ،(1943-1893‬اﻟمﻠﻘب‬ ‫�ﻌد ﻋشر�ن ً‬
‫ﺒـ "أب ﺴ�ﺎﺴﺔ ﺒنﺎء اﻟسدود"‪ ،‬اﻻرﺘ�ﺎط اﻟ�حري ﻟنظر�ﺔ "ﻤﺎﻛیندر" اﻟتﻲ ﺘؤ�د ﻋﻠﻰ اﻷﻫم�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟسواﺤﻞ أوراﺴ�ﺎ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫واﻟمﻌروﻓﺔ �ﺎﺴم اﻟر�مﻼﻨد‪� ،‬مﺎ ﯿتواﻓق ﻤﻊ اﻟداﺌرة اﻟداﺨﻠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘح�ط �ﺎﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ‪.‬‬
‫رأى ﺴب�كمﺎن ﻓﻲ "اﻟﻬﻼل اﻟﻬﺎﻤشﻲ" اﻟذي �ح�ط اﻟﻬرﺘﻼﻨد ﻋند ﻤﺎﻛیندر ﻤﻔتﺎح اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﻟﻬذا �سمﻲ‬
‫ﻫذﻩ اﻷراﻀﻲ "اﻹطﺎر" ‪ Rimland‬أو اﻟحﺎﻓﺔ اﻟتﻲ ﺘضم أورو�ﺎ اﻟ�حر�ﺔ ‪-‬اﻟﻐر��ﺔ ‪-‬واﻟشرق اﻷوﺴط واﻟﻬند وﺠنوب‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ واﻟصین‪ ،‬ﻫذا اﻹطﺎر ﯿتمتﻊ �ﻌدد �بیر ﻤن اﻟسكﺎن وﻤصﺎدر ﺜروة ﻏن�ﺔ �ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﺴتخدام اﻟ�حر‬
‫‪4‬‬
‫ﻛخطوط ﺤر�ﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠتجﺎرة واﻟحرب‪.‬‬

‫و�ﻘسم ‪ Spykman‬اﻟﻌﺎﻟم وﻓًﻘﺎ ﻟنموذج ‪ Mackinder‬وﻟكنﻪ ﯿدﻋﻲ أن اﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ ‪-‬ﺨﺎﺼﺔ ﺘﻠك اﻟموﺠودة‬
‫ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ‪-‬ﺴتﻬزم ﻓﻲ اﻟنﻬﺎ�ﺔ ﻗﻠب اﻷرض اﻟمحﺎط �ﻌﺎﻟم اﻟ�حر )ﺤﺎﻓﺔ اﻷرض(‪ .‬وﻤن �س�طر ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟم‬
‫اﻟ�حﺎر‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ ﯿتحكم �ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﺠﻌﻞ ﻫذا اﻹﻋﻼن "ﺴب�كمﺎن" �مثﺎ�ﺔ "اﻷب‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 8.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 45.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. p 43.‬‬
‫‪ -4‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.78‬‬

‫‪84‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟروﺤﻲ" ﻟدول اﻟجدار اﻟتﻲ أﺤﺎطت �ﺎﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ واﻟتﻲ ﺸكﻠت اﻵﻟ�ﺔ اﻟتشﻐیﻠ�ﺔ اﻟحصر�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫أ�ضﺎ‪ ،‬ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﺴتوﺠد �ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﯿتن�ﺄ ﺴب�كمﺎن‬
‫ﺨﻼل ﻓترة اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ً .‬‬
‫‪1‬‬
‫�ﺎﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟتﻲ ﺤدﺜت �ﻌد ﺴنوات ﻋدﯿدة ﻤن وﻓﺎﺘﻪ‪.‬‬
‫ﺘك�ﻔﺎ ﻓﻲ ﺼ�ﺎﻏﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟوطن�ﺔ ﻷﻨﻬﺎ‬
‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟـ "ﺴب�كمﺎن"‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجﻐراف�ﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎﻤﻞ اﻷﺴﺎﺴﻲ اﻷﻛثر ً‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﻛثر د�موﻤﺔ‪ .‬ووﻓًﻘﺎ ﻟﻪ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻬدف اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ﻫو اﻛتسﺎب اﻟسﻠطﺔ واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠیﻬﺎ‪ً ،‬‬
‫ﺘمﺎﻤﺎ‬
‫ﻤثﻞ اﻟمنظر اﻟواﻗﻌﻲ‪ .‬ﻤﺎ ﯿر�طﻪ �ﺎﻟجیوﺴ�ﺎﺴﺔ ﻫو أﻨﻪ ﯿر�ز ﻋﻠﻰ اﻟجﻐراف�ﺎ �ﻌنصر ﺤیوي ﻟسﻠطﺔ اﻟدوﻟﺔ‪ .‬وﻓﻲ ﻫذا‬
‫اﻟس�ﺎق‪ ،‬طور "ﺴب�كمﺎن" ﻓكرة اﻟر�مﻼﻨد ‪ Rimland‬اﻟتﻲ ُﯿزﻋم أﻨﻬﺎ اﻟتر�ﺎق ﻟنظر�ﺔ "ﻗﻠب اﻷرض" ﻟـ "ﻤﺎﻛیندر"‪ .‬و�ﺎن‬
‫‪3‬‬
‫أﺴﺎﺴﺎ ﻫو ﺴع�ﻪ ﻹﺜﺎرة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻀد ﺨطر اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻟمﺎﻨ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫أﺴﺎس آراء "ﺴب�كمﺎن" ً‬
‫ﯿرى "ﺴب�كمﺎن" �ﺄن "ﻤﺎﻛیندر" ﻗد �ﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺘﻘدﯿر اﻷﻫم�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟـ "ﻤنطﻘﺔ اﻟﻘﻠب"‪ ،‬وﺠﺎدل �ﺄن‬
‫ﻨتﺎﺠﺎ‬
‫دﯿنﺎﻤ�ك�ﺎت اﻟتﺎر�ﺦ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟـ "اﻟﻬﻼل اﻟداﺨﻠﻲ" )اﻟر�مﻼﻨد( ‪- ،the Rimland‬اﻟمنﺎطق اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ‪� ،-‬ﺎﻨت ً‬
‫ﻤﻘتنﻌﺎ �ﺄن )اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد( ﻟ�ست‬
‫ً‬ ‫ﻟﻘوة اﻟتنم�ﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ وﻟ�س ﻨت�جﺔ اﻟضﻐط اﻟخﺎرﺠﻲ �مﺎ أﻛد "ﻤﺎﻛیندر"‪� .‬ﺎن "ﺴب�كمﺎن"‬
‫أﻛثر ﻤن اﻤتداد ﺠﻐراﻓﻲ ﻤﻔتوح أﻤﺎم اﻟن�ضﺎت اﻟثﻘﺎف�ﺔ واﻟحضﺎر�ﺔ اﻟﻘﺎدﻤﺔ ﻤن )اﻟر�مﻼﻨد(‪ .‬وذ�ر أﻨﻪ ﻓﻲ ﺤین ﻟم‬
‫�كن ﻟمحور "ﻤﺎﻛیندر" )اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد( دور ﺘﺎر�خﻲ ﻤستﻘﻞ ﯿﻠع�ﻪ‪ ،‬ﻓﺈن )اﻟر�مﻼﻨد( �ﺎﻨت ﻤﻔتﺎح اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وﻤن ﻫنﺎ �ﺎﻨت ﺼ�ﻐتﻪ‪" :‬ﻤن �حكم )ر�مﻼﻨد( �حكم )أوراﺴ�ﺎ(‪ ،‬وﻤن �حكم أوراﺴ�ﺎ �حكم اﻟﻌﺎﻟم"‪.‬‬
‫ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر "ﺴب�كمﺎن"‪ ،‬ﺘﻌتبر "اﻟر�مﻼﻨد" اﻟمنطﻘﺔ اﻟﻌﺎزﻟﺔ اﻟتﻲ ﺘﻔصﻞ اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ واﻟطر�ق اﻟ�حري‬
‫"اﻟسر�ﻊ" اﻟذي �ح�ط �ﺄوراﺴ�ﺎ‪ ،‬واﻟذي ﯿتكون ﻤن "أورو�ﺎ و�ﯿران �ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟمﻔﻬوم اﻟذي �جﺎدل أن اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟشواطﺊ ﺴتكون ﺤﺎﺴمﺔ ﻹﺤتواء اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘحكم اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ وأن اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺴتس�طر ﻋﻠﻰ ﺤﺎﻓﺔ أوراﺴ�ﺎ‬
‫أﺨیر ﻤن اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﺴتضطر اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �كﻞ اﻟوﺴﺎﺌﻞ إﻟﻰ ﻤنﻊ ﻨشوء ﻗوة ﻤﻬ�منﺔ‬
‫ﺴتتمكن ًا‬
‫أورو��ﺔ أو آﺴیو�ﺔ �مكنﻬﺎ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﺸواطﺊ أوراﺴ�ﺎ‪ 5 .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﯿتمثﻞ اﻻﺨتﻼف ﻓﻲ ﻨظر�ﺔ "ﺴب�كمﺎن" ﻋن ﻨظر�ﺔ‬
‫ﺘوﺴﻌﺎ ﻤن اﻟﻘﻠب إﻟﻰ اﻟمنطﻘﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ ،‬ادﻋﻰ "ﺴب�كمﺎن" أن اﻟتطور �جب‬
‫ً‬ ‫"ﻤﺎﻛیندر" ﻓﻲ أﻨﻪ ﺒینمﺎ اﻗترح ﻤﺎﻛیندر‬
‫‪6‬‬
‫أن �متد ﻤن اﻟمنطﻘﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ إﻟﻰ اﻟمنطﻘﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 21.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p8.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 8.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. pp 88-89.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. p 44.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 8.‬‬

‫‪85‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ �ﻼ اﻟمﻔﻬوﻤین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴیین‪ ،‬ﯿتكون اﻟﻬ�كﻞ اﻟمكﺎﻨﻲ‪-‬اﻟوظ�ﻔﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻤن ﺜﻼﺜﺔ ﻤستو�ﺎت رﺌ�س�ﺔ‪:‬‬
‫"اﻟﻬﺎرﺘﻼﻨد"‪ ،‬و"أوراﺴ�ﺎ"‪ ،‬و"اﻟﻌﺎﻟم" ﻋند "ﻤﺎﻛیندر"‪ ،‬و"اﻟر�مﻼﻨد"‪" ،‬أوراﺴ�ﺎ"‪" ،‬اﻟﻌﺎﻟم" ﻋند "ﺴب�كمﺎن"‪ .‬أﺼر اﻟنموذج‬
‫اﻟسﺎﺒق ﻋﻠﻰ اﻟدور اﻷﺴﺎﺴﻲ واﻟحﺎﺴم ﻟـ ‪ Heartland‬ﻓﻲ اﻻﻤتداد اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟجز�رة اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﺒینمﺎ ادﻋﻰ اﻷﺨیر ﻨﻔس‬
‫‪1‬‬
‫اﻟدور ﻟـ ‪.Rimland‬‬
‫ﻛﺎﻨت ﻨظر�ﺔ "ﺴب�كمﺎن" ﻤؤﺜرة ﺨﻼل اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬وﻓﻲ اﻟممﺎرﺴﺔ اﻟﻌمﻠ�ﺔ �ﺎﻨت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻺﺘحﺎد‬
‫اﻟسوﻓییتﻲ ﺘستﻬدف اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﻤنطﻘﺔ اﻟر�مﻼﻨد‪ .‬ﻗﺎم "ﺴب�كمﺎن" ﺒتﻘی�م اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻗبﻞ اﻨتﻬﺎء‬
‫اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ واﻗترح أن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �جب أن ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ ﺘحﻘیق اﻟتوازن ﺒین اﻟسوﻓییت‬
‫‪2‬‬
‫ﻓصﺎﻋدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وأﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻤن اﻵن‬

‫‪3‬‬

‫ﺘوﻀﺢ اﻟخر�طﺔ ﻤنطﻘتﻲ "ﻗﻠب اﻷرض" ‪ Heart-Land‬و“ إﻗﻠ�م اﻟحﺎﻓﺔ" أو اﻟﻬﻼل اﻟداﺨﻠﻲ" ‪Rim-Land‬‬

‫ﻛﻠتﺎ اﻟنظر�تین ﻻ ﺘشرﺤﺎن اﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟموﻀوع�ﺔ‪ .‬ﻟﻘد ﺘمت ﺼ�ﺎﻏتﻬﺎ ﻟخدﻤﺔ اﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻘوﺘین ﻏر�یتین )اﻟممﻠكﺔ اﻟمتحدة واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة(‪ .‬ﻫذا �ﻔسر اﻟحتم�ﺔ أﺤﺎد�ﺔ اﻟجﺎﻨب ﻟمﻘﺎر�ﺎﺘﻬم‬
‫ﻟﻠمسﺄﻟﺔ اﻟتﻲ ﻨوﻗشت أﻋﻼﻩ‪ :‬ﻤﺎ ﻫو اﻷﺴﺎﺴﻲ‪/‬اﻷﻛثر أﻫم�ﺔ ‪-‬ﻫﺎرﺘﻼﻨد أم ر�مﻼﻨد‪-‬؟‪ ،‬وﺘؤ�د ﺤججﻬم اﻨح�ﺎزاﻫم اﻟواﻀﺢ‪.‬‬
‫ﻟذﻟك ﻓﺈن ﻨظر�ﺎت "ﻤﺎﻛیندر" و"ﺴب�كمﺎن" ﺤول ﻤكﺎن ودور ﻫﺎرﺘﻼﻨد ‪ /‬ر�مﻼﻨد ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻷوراﺴ�ﺔ وﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﻟن ﯿتم إﻋﺎدة إﻨتﺎﺠﻬﺎ‪ .‬و�دﻻً ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﺴیتم اﺴتخدام ﻤنﺎﻫجﻬم �مرﺠﻊ ﻟمﻔﻬوم ﺠیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﺒدﯿﻞ ﺤول ﻤحور‬
‫‪4‬‬
‫)ﻤر�ز( اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن واﻟسینﺎر�وﻫﺎت اﻟمحتمﻠﺔ ﻟﻠمستﻘبﻞ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. p 89.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 8.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. p 43.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. p 89.‬‬

‫‪86‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ وﻗت ﻻﺤق‪ ،‬ﺒین ‪ ،1990-1980‬أﺸﺎر اﻟﻌﺎﻟم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻷﻤر�كﻲ "ﺸﺎول �وﻫین"‪ ،‬ﻤؤﻟﻒ ﻨظر�ﺔ‬
‫"اﻟمسﺎﺤﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ"‪ ،‬إﻟﻰ اﻟمنطﻘﺔ اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ �ﺎﺴم "ﻤنطﻘﺔ اﻟضﻐط" واﻟتﻲ وﺼﻔﻬﺎ �ﺄﻨﻬﺎ ﻤنطﻘﺔ ﻤجزأة �سبب‬
‫ﻀﻐط اﻟجوار اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻟذي ﻗد �كون ﻟﻬﺎ طﺎ�ﻊ "ﺒوا�ﺔ" وﻓًﻘﺎ ﻟمستوى اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ )ﺒوا�ﺔ ﻟﻠتدﻓﻘﺎت‬
‫اﻟتجﺎر�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ واﻟد�موﻏراف�ﺔ(‪ ،‬أو "اﻟحزام اﻟممزق" أو "ﻤنﺎطق اﻟتﻘﺎرب" )اﻟمنطﻘﺔ اﻟواﻗﻌﺔ ﺒین ﻤنﺎطق ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ وﻏیر ﻤستﻘرة‬
‫ً‬ ‫اﻟتﻲ ﻻ ﯿزال وﻀﻌﻬﺎ ﻏیر ﻤؤ�د(‪ .‬وﺼﻒ "ﻛوﻫین" ﻤن ﺨﻼل "اﻟحزام اﻟممزق" ﻤنﺎطق ﻤجزأة‬
‫ﻟكنﻬﺎ ذات أﻫم�ﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ �بیرة‪ ،‬ﺴواء ﻤن ﺤیث اﻟموارد اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ أو ﻤن ﺤیث اﻟموﻗﻊ اﻟجﻐراﻓﻲ‪ .‬إن‬
‫اﻟرﻫﺎﻨﺎت اﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟمتﺎﺨمﺔ ﻟـ "اﻷﺤزﻤﺔ اﻟممزﻗﺔ" ﺘوﻟد ﻤنﺎﻓسﺔ ﺸرﺴﺔ ﻟﻠس�طرة ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬ﺘشمﻞ اﻟمنطﻘتین‬
‫اﻟﻌﺎﻟمیتین‪ ،‬اﻟ�حر�ﺔ واﻟﻘﺎر�ﺔ‪ .‬و�مﺎ ﺤددﻫﺎ "ﻛوﻫین"‪ ،‬ﻓﺈن ﻤنﺎطق "اﻟتﻘﺎرب" ﻤﻊ ﺤﻠﻘﺔ اﻷﻤن ﻟـ "ﻤنطﻘﺔ اﻟمحور" اﻟتﻲ‬
‫وﺼﻔﻬﺎ "ﻤﺎﻛیندر" ﻓﻲ ﻤنﺎطق اﻟتﻘﺎرب‪ ،‬ﻓﺈن اﻟشرق اﻷوﺴط وأﻓر�ق�ﺎ ﺠنوب اﻟصحراء ﻫمﺎ "اﻟحزاﻤﺎن اﻟممزﻗﺎن" اﻟحﺎﻟ�ﺎن‬
‫‪1‬‬
‫وﺘؤﻫﻞ أورو�ﺎ اﻟشرق�ﺔ ﻟﻠحصول ﻋﻠﻰ وﻀﻊ "اﻟبوا�ﺔ"‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2000‬ﻗﺎم اﻟﻌﺎﻟم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ اﻷﻤر�كﻲ ‪ ،Zbigniew K. Brzezinski‬ﻤؤﻟﻒ ﻨظر�ﺔ اﻟمحور‬
‫اﻟجیوﺴتراﺘ�جﻲ*‪ ،‬ﺒتجزﺌﺔ أوراﺴ�ﺎ إﻟﻰ أر�ﻊ ﻤنﺎطق‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟبر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمنطﻘﺔ اﻟمحور�ﺔ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ واﻟشرق اﻷﻗصﻰ‬
‫ﺘشكﻞ اﻟحیز اﻷوﺴط اﻟتﻲ ﯿتم ﺘرﺘیبﻬﺎ ﺤول ﺜﻼث ﻤنﺎطق ﻤن اﻟﻬﻼل اﻟداﺨﻠﻲ‪ :‬اﻟمنطﻘﺔ اﻟشرق�ﺔ ﻤن ﺸ�ﻪ اﻟجز�رة‬
‫اﻟﻬند�ﺔ‪ ،‬واﻟمنطﻘﺔ اﻟجنو��ﺔ ﻤن اﻟشرق اﻷوﺴط واﻟشرق اﻷدﻨﻰ وﻤنطﻘﺔ أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ‪ .‬ﺘﻘﻊ ﻓﻲ اﻟجﺎﻨب اﻟﻐر�ﻲ ﻤن‬
‫اﻟ�حر اﻷﺴود و�حر اﻟبﻠطیق‪ .‬ﻟﻘد ﺼنﻒ "ﺒر�جنسكﻲ" دول أوراﺴ�ﺎ إﻟﻰ ﻻﻋبین ﺠیواﺴتراﺘ�جیین ﻓﺎﻋﻠین‪ ،‬وﻗوى ﺠﺎﻨب�ﺔ‬
‫‪2‬‬
‫وﻤحﺎور ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. pp 45-46.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 46.‬‬
‫*‪-‬ﺗوﺿﺢ اﻟﺨﺮﯾﻄﺔ اﺳﻘﺎط ﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻟﻤﺤﻮر اﻟﺠﯿﻮاﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﻲ ﻷوراﺳﯿﺎ وﻓﻘﺎ ﻟﻄﺮح "ﺑﺮﯾﺠﯿﻨﺴﻜﻲ" اﻟﺘﻲ ﻗﺴﻤﮭﺎ إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ ﻣﻨﺎطﻖ‪ :‬اﻟﺤﯿﺰ )اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﻮرﯾﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ‬
‫واﻟﺸﺮق اﻷﻗﺼﻰ(‪ ،‬وﺛﻼث ﻣﻨﺎطﻖ ﻣﻦ اﻟﮭﻼل اﻟﺪاﺧﻠﻲ‪ :‬ﺷﺮق ﺷﺒﮫ اﻟﻘﺎرة اﻟﮭﻨﺪﯾﺔ )‪ ،(East‬اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ واﻟﺸﺮق اﻷدﻧﻰ )‪ ،(South‬وﻣﻨﻄﻘﺔ‬
‫أوروﺑﺎ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ )‪.(West‬‬

‫‪87‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻲ ﻤﺎي ‪ ،2016‬أطﻠق اﻟصحﻔﻲ اﻷﻤر�كﻲ "رو�رت �ﺎﺒﻼن" ‪ Robert D. Kaplan‬ﻓﻲ ﺒوﺨﺎرﺴت )روﻤﺎﻨ�ﺎ(‬
‫ﻋدة �تب ﻤخصصﺔ ﻟﻠتحﻠیﻞ اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻷوراﺴ�ﺎ‪ .‬إﺤداﻫﺎ �ﻌنوان "اﻨتﻘﺎم اﻟجﻐراف�ﺎ"‪ .‬ﻟیبرز اﻻرﺘ�ﺎط اﻟجﻐراﻓﻲ‬
‫ﻟﻠﻌمﻠ�ﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻊ أي ﺘحﻠیﻞ ﺠیواﺴتراﺘ�جﻲ‪ .‬وﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﯿنضم ﻨﻬﺞ "ﻛﺎﺒﻼن" إﻟﻰ اﻟتحﻠیﻼت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻤﻊ ﻨﻘطﺔ اﻟبدا�ﺔ ﻓﻲ ﻨموذج اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﻨظر�ﺔ اﻟﻘوى اﻟ�حر�ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋكس "راﺘزل" و"ﻤﺎﻛیندر" وﻫوﺴﻬوﻓر" وﻤدرﺴﺔ "ﻤیوﻨﺦ" اﻟذﯿن ﺘبنوا اﻓتراض ﺴ�طرة ﻤتﻌﺎظمﺔ ﻟﻠﻘوى‬
‫اﻟﻘﺎر�ﺔ )اﻟبر�ﺔ(‪ ،‬ﻨجد ﻤجموﻋﺔ أﺨرى ﻤن اﻟجیو�وﻟیت�كیین اﻟذﯿن ﯿرون ﻟﻠﻘوى اﻟ�حر�ﺔ أﻓضﻠ�ﺔ ﺘمكنﻬم ﻤن اﻟس�طرة‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬

‫أﺜرت ﻤﻔﺎه�م "ﻤﺎﻛیندر" ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟمنظر�ن‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ‪ Spykman‬و‪� Mahan‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺼنﺎع‬
‫اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻟمدة ﻨصﻒ ﻗرن‪ .‬وﻋﻠﻰ ﻋكس "ﻤﺎﻛیندر"‪ ،‬ﺠﺎدل "أﻟﻔر�د ﻤﺎﻫﺎن" �ﺄن اﻟطر�ق إﻟﻰ اﻟس�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟدوﻟ�ﺔ ﺴوف �مر ﻤن ﺨﻼل اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟمح�طﺎت واﻟخطوط اﻟ�حر�ﺔ‪ .‬وأوﺼﻰ �ﺄن �سیر ﻗﺎدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫ﻋﻠﻰ ﺨطﻰ اﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ ﻟبنﺎء ﻗوة �حر�ﺔ ﻀخمﺔ إذا �ﺎﻨوا ﯿر�دون أن �ص�حوا أﻗوى دوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫"ﻤﺎﻫﺎن" ﯿرى أن اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﺤر�ﺔ اﻟمرور اﻟ�حر�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻗوة �حر�ﺔ ﻗو�ﺔ ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أن �ﻌﻔﻲ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﻤن اﻟس�طرة اﻟم�ﺎﺸرة ﻋﻠﻰ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى‪ .‬و�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻪ‪ ،‬اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة آﻤنﺔ �ﺎﻟﻔﻌﻞ �سبب ﻤوﻗﻌﻬﺎ‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ .‬اﻟمح�طﺎن إﻟﻰ اﻟشرق واﻟﻐرب وﺠیراﻨﻬﺎ اﻟضع�ﻔﺎن ﻓﻲ اﻟشمﺎل واﻟجنوب ﯿوﻓران ﻟﻸﻤر�كیین درﺠﺔ ﻋﺎﻟ�ﺔ ﻤن‬
‫ﻨموذﺠﺎ �حتذى �ﻪ ﻟﻶﺨر�ن واﻻﻨخراط‬
‫ً‬ ‫اﻷﻤن‪ .‬و�رى أن أﻓضﻞ ﻤﺎ �جب ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻌﻠﻪ ﻫو أن ﺘص�ﺢ‬
‫ﻓﻲ اﻟتجﺎرة اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬واﻟدﻓﻊ �ﺎﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻘو�ﺔ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟتﻬدﯿد ﻟحمﺎ�ﺔ اﻟشﻌب اﻷﻤر�كﻲ واﻟمصﺎﻟﺢ اﻟتجﺎر�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﺘمت دراﺴﺔ وﺠﻬﺎت ﻨظر "ﻤﺎﻫﺎن" ﺤول أﻫم�ﺔ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ ﻤن ﻗبﻞ اﺴتراﺘ�جیین‬
‫�حر�ین آﺨر�ن‪ .‬وﻗد أﺜر ﻋمﻞ "ﻤﺎﻫﺎن" ﻋﻠﻰ ﺼﺎﻨﻌﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻤثﻞ اﻟرﺌ�س اﻷﻤر�كﻲ "ﺜیودور روزﻓﻠت"‬
‫‪ 4 .Theodore Roosevelt‬وﻤﺎ �ﻌن�ﻪ "ﻤﺎﻫﺎن" �ﺎﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻟم �كن ﻤجرد اﻤتﻼك ﻗوة �حر�ﺔ �بیرة‪ ،‬ﺒﻞ أﻛد ﻋﻠﻰ أن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Alba Iulia Catrinel Popescu. Op. cit. pp 46-47.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﺣﻣد رﯾﺎض‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. pp 26-27.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 7.‬‬

‫‪88‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟكبرى اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻫﻲ ﺠوﻫر أن ﺘص�ﺢ ﻗوة ﻋظمﻰ‪ .‬ﺒﻬذا اﻟمﻌنﻰ‪ ،‬ﻓﺈن ﻤﻔتﺎح اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟتﻲ ﻤن ﺸﺄﻨﻬﺎ أن ﺘؤدي إﻟﻰ اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم �كمن ﻓﻲ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﻨصﻒ اﻟكرة اﻷرﻀ�ﺔ اﻟشمﺎﻟﻲ‬
‫اﻟمرﺘ�ط ﻋبر اﻟممرات اﻟتﻲ ﺘوﻓرﻫﺎ "ﺒنمﺎ" و"ﻗنﺎة اﻟسو�س" ‪ .The Panama and Suez Canals‬ﻀمن ﻫذا اﻟنصﻒ ﻤن‬
‫اﻟكرة اﻷرﻀ�ﺔ‪� ،‬ﺎﻨت أوراﺴ�ﺎ ﻫﻲ اﻟﻌنصر اﻷﻛثر أﻫم�ﺔ‪ .‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪� ،‬ﺎﻟنس�ﺔ إﻟﻰ ﻤﺎﻫﺎن‪ ،‬ﻟم ﺘكن اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‬

‫ﻤرﺘ�طﺔ ﻓﻘط �ﺎﻟنجﺎح اﻟﻌسكري وﻟكن ً‬


‫أ�ضﺎ �ﺎﻟﻔواﺌد اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟتﻲ اﻗترﺤﻬﺎ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟسبب اﻟرﺌ�سﻲ ﻟتنﺎﻓس اﻟﻘوى‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻌظمﻰ‪.‬‬
‫أﺜر "ﻤﺎﻫﺎن" ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ واﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺼﺎﺤبﻬﺎ ﺘطو�ر ﻗوة‬
‫�حر�ﺔ ﻋظمﻰ‪� .‬مﺎ ﺸدد ﻋﻠﻰ أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �جب أن ﺘطور ﻗوﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﻟتص�ﺢ ﻗوة ﻋظمﻰ‪ ،‬ﻟ�س �منﺎﻓس‬
‫ﻟﻠﻘوة اﻟ�حر�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ وﻟكن �ﺎﻟتحﺎﻟﻒ ﻤﻌﻬﺎ‪ 2 .‬و�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﺈن ﻗوﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﻟن ﺘجﺎري اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪،‬‬
‫ﻓـ "أﻟﻔر�د ﻤﺎﻫﺎن" ذﻫب إﻟﻰ أ�ﻌد ﻤن ذﻟك داﻓﻌﺎ �ﺄن‪" :‬اﻟتﺎر�ﺦ أﺜبت ﻋجز اﻟدوﻟﺔ ذات اﻟجبﻬﺔ اﻟﻘﺎر�ﺔ اﻟواﺤدة ﻋن‬
‫‪3‬‬
‫اﻟتنﺎﻓس ﻓﻲ اﻟتطور اﻟ�حري ﻤﻊ دوﻟﺔ ﺠز�ر�ﺔ‪ ،‬ﺤتﻰ و�ن �ﺎﻨت أﺼﻐر ﻓﻲ اﻟسكﺎن واﻟموارد"‪.‬‬
‫وﻓﻘﺎ ﻟـ "ﻤﺎﻫﺎن" ﻓﺈن اﻟصین ﺴوف ﺘواﺠﻪ ﻨﻔس اﻟﻌق�ﺎت اﻟتﻲ واﺠﻬتﻬﺎ روﺴ�ﺎ واﻻﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ وأﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘرﻨین اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر واﻟﻌشر�ن �سبب ﺘﻔوق اﻟس�ﺎدة اﻟ�حر�ﺔ اﻟبر�طﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬أي اﻟﻌق�ﺎت أﻤﺎم ﺘطو�ر ﻗد ارت �حر�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻤﻘﺎﺒﻞ ﻗوة �حر�ﺔ ﻤثﻞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ .‬ووﻓﻘﺎ ﻟﻬذا اﻟطرح‪ ،‬وﻓﻲ ظﻞ غ�ﺎب ﻤصﺎﻟﺢ �حر�ﺔ ﻤﻬمﺔ ﻓﺈن ﻤصﺎﻟﺢ اﻟصین‬
‫اﻟﻘﺎر�ﺔ واﻟﻘدرات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ ﺴوف ﺘردع اﻟصین ﻋن ﺠﻌﻞ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ أوﻟو�ﺔ ﻟﻬﺎ‪ .‬وﺤتﻰ اﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي‬
‫اﻟمستمر واﻟحﺎﺠﺔ اﻷﻛبر ﻟﻠطﺎﻗﺔ ﻟن ﺘجﻌﻠﻬﺎ ﺘطور ﻗدرات �حر�ﺔ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋن ﻤصﺎﻟحﻬﺎ وطرق اﻟمﻼﺤﺔ اﻟ�حر�ﺔ ف�مﺎ‬
‫وراء اﻟ�حر ﻷن اﻟتﻌز�ز اﻟ�حري اﻟصینﻲ ﻗد ﯿؤدي إﻟﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ أﻤر�ك�ﺔ ﻤمﺎﺜﻠﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﺈن واردات اﻟصین ﻤن‬
‫‪4‬‬
‫اﻟطﺎﻗﺔ ﺴتظﻞ ﻋرﻀﺔ ﻟﻠمنﻊ اﻷﻤر�كﻲ‪.‬‬

‫ﺜمﺔ ﺘشﺎﺒﻬﺎت �بیرة ﺒین ﺘوظ�ف اﻟدوﻟﺔ ﻟﻘواﺘﻬﺎ اﻟجو�ﺔ وﻗواﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬ﻓكمﺎ ﯿتحتم ﻋﻠﻰ اﻟﻘوات اﻟ�حر�ﺔ أن‬
‫ﺘس�طر ﻋﻠﻰ اﻟ�حﺎر ﻗبﻞ أن ﺘتمكن ﻤن إظﻬﺎر اﻟﻘوة ﻀد اﻟدول اﻟمﻌﺎد�ﺔ ﯿتحتم ﻋﻠﻰ اﻟﻘوات اﻟجو�ﺔ أ�ضﺎ أن ﺘس�طر‬
‫‪5‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟجو وﺘحﻘیق ﻤﺎ �سمﻰ "اﻟتﻔوق اﻟجوي"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya Aksu, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 7.‬‬
‫‪ -3‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.343‬‬
‫‪ -5‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣﺄﺳﺎة ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻘوى اﻟﻌظﻣﻰ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺻطﻔﻰ ﻣﺣﻣد ﻗﺎﺳم‪) ،‬اﻟرﯾﺎض‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻠك ﺳﻌود‪ ،(2001 ،‬ص ‪.122‬‬

‫‪89‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬ﻨظر�ﺔ اﻟﻘـوى اﻟجو�ﺔ )‪(The Development of Air power‬‬

‫ﺘم اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ ﺒدا�ﺔ ﻫذا اﻟتحول اﻟنموذﺠﻲ ﻓﻲ اﻟنظر�ﺎت اﻟتﻲ �تبت �ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ ﺤول‬
‫اﺴتخدام اﻟﻘوة اﻟجو�ﺔ‪ .‬وﻻ ﺴ�مﺎ ﻨظر�ﺔ "دوﻫیت" ‪) Douhet‬ق�ﺎدة اﻟجو( ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .1921‬ﻫذﻩ اﻟنظر�ﺔ ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ‬
‫ﺘمﺎﻤﺎ ﻟﻠحرب ﺘكون ف�ﻪ اﻟﻘوة اﻟجو�ﺔ ﻤستﻘﻠﺔ ﻋن‬
‫ﺠدﯿدا ً‬
‫ً‬ ‫ﻤﻔﻬوﻤﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻓرﻀیتین‪ .‬اﻷوﻟﻰ ﻫﻲ أن اﻟﻘوة اﻟجو�ﺔ ﺘخﻠق‬
‫اﻟجﻐراف�ﺎ‪ 1 .‬وﻓرﻀیتﻪ اﻟثﺎﻨ�ﺔ ﻫﻲ أن اﻟمراﻛز اﻟصنﺎع�ﺔ واﻟمدﻨ�ﺔ ﻟﻠﻌدو ‪-‬وﻟ�س ﻗواﺘﻪ اﻟﻌسكر�ﺔ‪� ،-‬جب ﻗصﻔﻬﺎ ﻤن‬
‫اﻟجو‪ .‬و�حسب "دوﻫیت"‪� ،‬جب أن ﺘُﻌطﻰ اﻟﻘوة اﻟجو�ﺔ ﻤﻬﺎم ﻗصﻒ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻗرر أن اﻟﻘوات‬
‫اﻟجو�ﺔ ﻫﻲ اﻟتﻲ ﺘﻘرر اﻟمﻌر�ﺔ وأن اﻟج�ش واﻟﻘوات اﻟ�حر�ﺔ �جب أن ﺘشن ﻤﻌر�ﺔ دﻓﺎع�ﺔ ﻓﻘط طﺎﻟمﺎ �ﺎن ذﻟك‬
‫‪2‬‬
‫ﻀرورً�ﺎ ﻟﻠﻘوات اﻟجو�ﺔ‪.‬‬
‫ﻗبﻞ اﻟﻬبوط ﻓﻲ ﻨورﻤﺎﻨدي )ﻋمﻠ�ﺔ أوﻓرﻟورد( ﻓﻲ ﯿوﻨیو ‪� ،1944‬ﺎﻨت اﻟﻘوة اﻟجو�ﺔ ﻫﻲ اﻟوﺴیﻠﺔ اﻟوﺤیدة اﻟتﻲ‬
‫ﺘمتﻠكﻬﺎ اﻟممﻠكﺔ اﻟمتحدة واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ اﻟحرب اﻟم�ﺎﺸرة ﻀد أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻓﻲ أورو�ﺎ‪ .‬ر�زت ﻗصﻒ اﻟحﻠﻔﺎء ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟمراﻛز اﻟمدﻨ�ﺔ واﻟمنﺎطق اﻟصنﺎع�ﺔ ﻓﻲ أﻟمﺎﻨ�ﺎ‪ .‬وﺤﺎوﻟت اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟدراﺴﺎت ﺘحدﯿد ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت ﺤمﻠﺔ اﻟﻘصﻒ‬
‫اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻀد أﻟمﺎﻨ�ﺎ ﻗد ﺘسببت ﻓﻲ ﻫز�متﻬﺎ‪ .‬ﯿزﻋم اﻟ�ﻌض أﻨﻬﺎ أﺨضﻌت أﻟمﺎﻨ�ﺎ و�ﻘول آﺨرون إن اﻟﻘصﻒ ﻟم‬
‫�ثیرا‪ ،‬و�ذا ﺘﺄﺜرت ﻓﻘد ﻋﺎدت اﻟمراﻛز اﻟصنﺎع�ﺔ‬ ‫ِ‬
‫ُ�خضﻊ ﺴكﺎن اﻟبﻼد‪ ،‬وأن ﻤستو�ﺎت اﻹﻨتﺎج اﻟصنﺎﻋﻲ ﻟج�شﻬﺎ ﻟم ﺘتﺄﺜر ً‬
‫�سرﻋﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬ﻓﺈن اﻟحجﺔ ﻟ�ست ﻗو�ﺔ‪ .‬ﺒین د�سمبر ‪ 1944‬وﺠو�ﻠ�ﺔ ‪ ،1945‬دﻤر اﻟﻘصﻒ اﻷﻤر�كﻲ ﻤﻌظم‬
‫ﻤدن اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟرﺌ�س�ﺔ‪ .‬ﺘم ﺘدﻤیر ﻤﺎ �ﻘرب ﻤن ‪ %40‬ﻤن اﻟمسﺎﺤﺔ اﻟمبن�ﺔ‪ ،‬واﻨخﻔض إﻨتﺎج اﻟصﻠب وﺘكر�ر اﻟنﻔط إﻟﻰ‬
‫‪ .%15‬وﻓﻲ ﺼﻠب اﻟمنﺎﻗشﺔ اﻟتﺎر�خ�ﺔ ﻫنﺎك ﻤسﺄﻟﺔ ﻤﺎ إذا �ﺎن ﻫنﺎك ﻤبرر ﻋسكري ﻹﺴﻘﺎط ﻗنبﻠتین ذر�تین ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ .‬اﻟحجﺔ ﻫﻲ أن اﻷﺴﻠحﺔ اﻟذر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘم ﺘطو�رﻫﺎ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ �مكن اﻋت�ﺎرﻫﺎ أﺴﻠحﺔ‬
‫ﺘﻘﻠید�ﺔ ﻷﻨﻪ �ﻌد اﻟحرب ﻓﻘط ظﻬرت اﻟنظر�ﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟتﻲ اﻋتبرت اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ أﺴﻠحﺔ ﻏیر ﺘﻘﻠید�ﺔ‪ .‬و�ﻘودﻨﺎ‬
‫ﻏزوا‬
‫ﻫذا اﻟرأي إﻟﻰ اﺴتنتﺎج أن اﻟتدﻤیر ﺸ�ﻪ اﻟكﺎﻤﻞ ﻟﻠمدن اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ ﻤن اﻟجو أدى إﻟﻰ اﺴتسﻼم اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬ﻤمﺎ ﺠﻌﻞ ً‬
‫‪3‬‬
‫�ك�ﺎ ﻏیر ﻀروري‪.‬‬
‫أﻤر ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. p 32.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. pp 32-33.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. Pp 33-34.‬‬

‫‪90‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﻔﻲ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟحروب اﻟتﻲ ﺘﻠت ﻋﺎم ‪� ،1945‬ﺎن ﻟﻠﻘوة اﻟجو�ﺔ أﻫم�ﺔ ﺤﺎﺴمﺔ‪� .‬ﻘول ﻤؤ�دوﻫﺎ إن أﻨشطﺔ‬
‫اﻟﻘوات اﻟجو�ﺔ �ﺎﻨت ﻋدة ﻤرات ﺤﺎﺴمﺔ ﻟدرﺠﺔ أن ﺤمﻠﺔ اﻟج�ش �ﺎﻨت ﺜﺎﻨو�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ آراﺌﻬم‪ ،‬ﺜبت أن ﻓرﻀ�ﺔ "دوﻫیت"‬
‫ﺼح�حﺔ وذات ﺼﻠﺔ ﺤتﻰ ﻓﻲ أواﺨر اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن وأواﺌﻞ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪ .‬وﻟ�س ﻫنﺎك ﺸك ﻓﻲ أن اﻟﻘوات‬
‫دور ﻤحورً�ﺎ ﻓﻲ اﻟحمﻼت اﻟجو�ﺔ ﻤثﻞ ﻋمﻠ�ﺔ ﻋﺎﺼﻔﺔ اﻟصحراء )‪ ،(1991‬وﻋمﻠ�ﺔ اﻟﻘوة اﻟمتحﺎﻟﻔﺔ‬
‫اﻟجو�ﺔ ﻟﻌبت ًا‬
‫‪1‬‬
‫)ﯿوﻏوﺴﻼف�ﺎ‪ ،(1999 ،‬وﻋمﻠ�ﺔ اﻟحر�ﺔ اﻟداﺌمﺔ )أﻓﻐﺎﻨستﺎن‪.(2001 ،‬‬
‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﻟتنﺎﻓس اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ اﻟصینﻲ اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻨظر�ﺎت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ "اﻨتﻘﺎل اﻟﻘوة"‬
‫اﻟواﻗع�ﺔ واﻟﻠیبراﻟ�ﺔ ﻫمﺎ اﻟنموذﺠﺎن اﻟنظر�ﺎن اﻷوﺴﻊ اﻨتشﺎ ار ﺒین ﻨظر�ﺎت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬وﺘحدث ﻤﻌظم‬
‫‪2‬‬
‫اﻟمﻌﺎرك اﻟﻔكر�ﺔ ﺒین دارﺴﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ إﻤﺎ ﻋبر ﺨط اﻟتﻘس�م ﺒین اﻟواﻗع�ﺔ واﻟﻠیبراﻟ�ﺔ أو داﺨﻞ ﻫذﯿن اﻟنموذﺠین‪.‬‬

‫ﺘحدد ﻨظر�ﺔ اﻨتﻘﺎل اﻟﻘوة اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻟضمﺎن إ�طﺎل ﻤﻌظم اﻻﻓتراﻀﺎت اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟوﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟﻌﻘﻼﻨ�ﺔ‪.‬‬
‫ﻫرﻤ�ﺎ‪ ،‬وﻫذا �ﻌنﻲ اﻟتسﻠسﻞ اﻟﻬرﻤﻲ ﻟﻠﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ )اﻟراﻀ�ﺔ(‪ ،‬واﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ‬
‫اﺴتبداد�ﺎ ﺒﻞ ً‬
‫ً‬ ‫أوﻻً‪ ،‬اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻟ�س‬
‫)راﻀ�ﺔ وﻏیر راﻀ�ﺔ(‪ ،‬واﻟﻘوى اﻟوﺴطﻰ )راﻀ�ﺔ وﻏیر راﻀ�ﺔ(‪ ،‬واﻟﻘوى اﻟصﻐیرة )راﻀ�ﺔ وﻏیر راﻀ�ﺔ(‪ .‬ﺜﺎ ًﻨ�ﺎ‪،‬‬
‫اﻟﻘواﻨین اﻟتﻲ ﺘنظم اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻤتطﺎ�ﻘﺔ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻤﻊ ﺘﻠك اﻟتﻲ ﺘنظم اﻟتشر�ﻊ اﻟوطنﻲ‪ ،‬ﺤیث ﺘكون اﻟدول ﻤثﻞ‬
‫اﻷﺤزاب اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﺼراع ﻤت�ﺎدل ﻤستمر ﻤن أﺠﻞ اﻷﺼول اﻟضئیﻠﺔ‪ .‬ﺜﺎﻟثًﺎ‪ ،‬ﺘدﻓﻊ اﻟمكﺎﺴب اﻟصﺎف�ﺔ اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ‬
‫ﻤن اﻟنزاﻋﺎت واﻟتﻌﺎون اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻏیر راﻀین ﻋن ه�كﻞ اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﻗوﺘﺎن ﺘﻘدﻤیتﺎن‪ ،‬روﺴ�ﺎ‬
‫واﻟصین‪ ،‬ﺘر�د ﺘﻐییر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟمﻌﺎﺼرة‪ .‬ﻋند ﺘطب�ﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﺘوﻀﺢ ﻨظر�ﺔ اﻨتﻘﺎل اﻟﻘوة أﻤثﻠﺔ ﻤتنﺎﻗضﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمستو�ین اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬روﺴ�ﺎ واﻟصین ﻗوﺘﺎن ﻏیر‬
‫راﻀیتین ﻋﻠﻰ اﻟمسرح اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﺒینمﺎ أﻤر�كﺎ ﻗوة راﻀ�ﺔ‪ ،‬ﻟكن ﯿبدو أن اﻟصین وروﺴ�ﺎ راﻀیتﺎن �شكﻞ ﻤتزاﯿد ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟمستوى اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین أن أﻤر�كﺎ ﻻ ﺘزال ﻏیر راﻀ�ﺔ ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ‪ .‬ﯿوﻓر ﻫذا اﻟنموذج اﻟمﻔﺎه�مﻲ أداة إﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫ﻟﻠتﻐییر اﻟمستمر ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ واﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟنمو ﻓﻲ اﻻﻗتصﺎد اﻟصینﻲ واﻟدور اﻟراﻛد ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمتحدة وﺘﺄﺜیرﻩ ﻋﻠﻰ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ وﺨﺎرج اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬

‫ُﯿنظر إﻟﻰ ﻋودة اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟمدرﺴﺔ اﻟواﻗع�ﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ أﺤد اﻟمسﺎرات‬
‫اﻟبدﯿﻠﺔ اﻟتﻲ ﺘ�ﻌد اﻟﻌﺎﻟم ﻋن اﻟنظﺎم اﻟحﺎﻟﻲ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺘجﺎﻩ ﻤن اﻟتﻔكیر‪ُ ،‬ﯿنظر إﻟﻰ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟجﻐراف�ﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴ�مﺎ‬

‫‪1‬‬
‫‪-Tal Tovy. Op. cit. P 34.‬‬
‫‪ -2‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, “TRANSFORMATION OF POWER IN THE ASIA-PACIFIC REGION”, (Pakistan,‬‬
‫‪HamdardIslamicus, Vol. 43 No. 1, 2020), p 266. https://cutt.ly/pAcPuJ1‬‬

‫‪91‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﻤنﺎطق وطرق وﻤوارد ﻤﻌینﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤصدر ﻗﻠق داﺌم اﻷﻫم�ﺔ ﻟﻠدول‪ .‬ﺒینمﺎ ﺘسﻌﻰ اﻟدول إﻟﻰ ﺘﻌظ�م‬
‫ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتنﺎﻓس ف�مﺎ ﺒینﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻤجﺎﻻت اﻟنﻔوذ أﻤر ﻻ ﻤﻔر ﻤنﻪ‪ ،‬وﻤن اﻟصﻌب‬
‫‪1‬‬
‫ﺘجنب اﻟنزاﻋﺎت ﻋﻠﻰ ﻤنﺎطق اﻟنﻔوذ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻤن اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن )ﻓترة اﻟتسﻌین�ﺎت ﻤن اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ(‪ ،‬ه�منت ﻋﻠﻰ‬
‫أ�ضﺎ �ﺎﺴم "اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟنﻘﺎش اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻨظر�ﺎت اﻟواﻗع�ﺔ واﻟواﻗع�ﺔ اﻟجدﯿدة‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟذﻟك‪� ،‬ﺎن �شﺎر إﻟﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة ً‬
‫اﻟواﻗع�ﺔ"‪ 2 .‬وﺘر�ز اﻟواﻗع�ﺔ اﻟتﻘﻠید�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟصراع ﻋﻠﻰ اﻟسﻠطﺔ واﻟمجﺎل اﻟضئیﻞ ﻟﻠتﻌﺎون اﻟدوﻟﻲ ﺨﺎرج اﻟتحﺎﻟﻔﺎت‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬و�نظر إﻟﻰ اﻟدول ﻨظرً�ﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ �تﻞ ﻤتجﺎﻨسﺔ ﻓﻲ ﺼراع داﺌم ﻤن أﺠﻞ اﻟ�ﻘﺎء‪� .‬ﺎن اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ �میﻞ‬
‫ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺒنﺎء ه�ﺎﻛﻞ ﻗوة داﺌمﺔ ﻋﺎﻟ�ﺔ‬
‫ﻓوﻀو�ﺎ‪ ،‬ﻷﻨﻪ ﻻ �مكنك اﻻﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ أي ﺸﻲء‪ ،‬وﻟم �كن ًا‬ ‫ً‬ ‫إﻟﻰ أن �كون‬
‫اﻟمستوى‪ ،‬واﻟﻘوة ﻫنﺎ ﻟع�ﺔ ﻤحصﻠتﻬﺎ ﺼﻔر‪ 3 .‬ﻟدى اﻟواﻗﻌیین اﻟدوﻟﺔ ﻫﻲ اﻟنت�جﺔ اﻟﻌن�ﻔﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحدﯿث اﻟذي‬
‫ﺘم إﻨشﺎؤﻩ �ﻌد "وﺴتﻔﺎﻟ�ﺎ" )‪� .(1648‬ﻘوم ﻫذا اﻟنظﺎم ﻋﻠﻰ أﺴﺎس دول ﻤستﻘﻠﺔ وذات ﺴ�ﺎدة ﻻ ﺘخضﻊ ﻷ�ﺔ ﺴﻠطﺔ ﻋﻠ�ﺎ‪،‬‬
‫و�ﻌتبر ﻤبدأ اﻟس�ﺎدة ‪-‬اﻻﺴتﻘﻼل اﻟمطﻠق وﻏیر اﻟمﻘید ﻟﻠدوﻟﺔ ﻓﻲ إدارة ﺸؤوﻨﻬﺎ اﻟداﺨﻠ�ﺔ دون ﺘدﺨﻞ ﺨﺎرﺠﻲ‪ ،-‬أﺤد‬
‫‪4‬‬
‫اﻷﺴس اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻬذا اﻟنظﺎم‪.‬‬
‫ﺘرى اﻟمدرﺴﺔ اﻟواﻗع�ﺔ أن اﻟﻌداء واﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟصﻔر�ﺔ ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى ﻫﻲ ﺨصﺎﺌص ﻤتﺄﺼﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﻋندﻤﺎ ﺘجد اﻟﻘوى اﻟكبرى ﺘوازًﻨﺎ أو ﺘوازًﻨﺎ ﻟﻠﻘوى‪ ،‬و�توﻗﻒ اﻟتنﺎﻓس ﺤتﻰ ﺘظﻬر ﻗوة ﺘﻌدﯿﻠ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟسﺎﺤﺔ‬
‫وﺘﻌطﻞ اﻟتوازن ﻤرة أﺨرى‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟوﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟواﻗع�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﻫﻲ اﻟجﻬﺎت اﻟتﻲ ﺘحدد طب�ﻌﺔ اﻟنظﺎم‬
‫اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین أن دور اﻟدول اﻷﺼﻐر ﻫو ﻓﻲ اﻷﺴﺎس اﻟتواﻓق ﻤﻊ ﺠﻬﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ أﻗوى‪ .‬أﻤﺎ دور اﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‬
‫ف�مكن ﻟﻠدول أن ﺘستخدﻤﻬﺎ �ﺄدوات ﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة‪.‬‬

‫واﻨطﻼﻗﺎ ﻤن ذﻟك ﺘسﻌﻰ �ﻞ دوﻟﺔ إﻟﻰ ز�ﺎدة ﻗوﺘﻬﺎ اﻟنسب�ﺔ ﻟكﻲ ﺘتمكن ﻤن ﻓرض إراداﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ‬
‫‪-‬‬ ‫اﻷﺨرى‪ .‬وﻫكذا ﺘرى �ﻞ دوﻟﺔ ﻓﻲ ﺴﻌﻲ ﻏیرﻫﺎ إﻟﻰ ز�ﺎدة ﻗواﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺘﻬدﯿدا ﻷﻤنﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ‪ ،‬ﻓتسﻌﻰ ﺒدورﻫﺎ –�صورة آﻟ�ﺔ‬
‫إﻟﻰ اﻟتصدي ﻟتﻠك اﻟﻘوى ﻤن ﺨﻼل اﻟﻌمﻞ ﻋﻠﻰ ﺘدع�م ﻗوﺘﻬﺎ اﻟذاﺘ�ﺔ أو ز�ﺎدة ارﺘ�ﺎطﺎﺘﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �ﺎﻟتحﺎﻟﻒ و�ﻗﺎﻤﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Kristi Raik, Mika Aaltola and others, "THE SECURITY STRATEGIES OF THE US, CHINA, RUSSIA AND THE EU", (Finland,‬‬
‫‪Finnish institute of international affairs, N 56, JUNE 2018), p 9. https://cutt.ly/eASLPvv‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p3.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p4.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tal Tovy, Op. cit. P 4.‬‬

‫‪92‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟشر�ﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤﻊ اﻟﻘوى اﻟدوﻟ�ﺔ اﻷﺨرى ﻟمﻌﺎدﻟﺔ ﻗوة اﻟدول اﻟتﻲ ﺘﻌدﻫﺎ ﻤصدر ﺘﻬدﯿد ﻤحتمﻞ‪ 1 .‬وﺘ�ﻌﺎ ﻟذﻟك‪،‬‬
‫ﺘﻌد اﻟتوازﻨﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺼورة ﻟوﻗﻒ اﻟﻘوة �ﺎﻟﻘوة‪.‬‬
‫ﺘﻔترض اﻟواﻗع�ﺔ اﻟجدﯿدة‪� ،‬ﺄﻛثر اﻟمنﺎﻫﺞ اﻟنظر�ﺔ ﺘﺄﺜی ار ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬أن اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ �ﻌمﻞ ﻓﻲ‬
‫ظﻞ اﻟﻔوﻀﻰ‪ .‬و�ﻘبول ﻓرﻀ�ﺔ اﻟﻔوﻀﻰ ﺘتحدد أﻛثر اﻟداﺌرة اﻟتﻲ ﻨنظر ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟجدﯿد اﻟنﺎﺸﺊ‬
‫ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪� ،‬حیث ﻨنشﻐﻞ ﻓﻘط �متﺎ�ﻌﺔ ﺘوز�ﻊ ﻤوارد اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﺒین‬
‫اﻟﻘوى؛ وﻤﺎ ﯿثﺎر ﺤول ذﻟك ﻤن ﻨﻘﺎش ﻤتﻌﻠق �مﺎ إذا �ﺎن اﻟنظﺎم اﻟجدﯿد أﺤﺎدي اﻟﻘطب�ﺔ ﺘﻬ�من ﻋﻠ�ﻪ ﻗوة ﻋظمﻰ‬
‫‪2‬‬
‫واﺤدة‪ ،‬واﻟظروف اﻟتﻲ �مكن أن ﺘتحول ﻓﻲ ظﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ أو اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ‪.‬‬

‫ﺸیوﻋﺎ وﺼﻌو�ﺔ ﻓﻲ اﻟمجﺎل اﻷﻛﺎد�مﻲ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ‬


‫ً‬ ‫�ﻌد ﻤﻔﻬوم اﻟﻘوة أﺤد أﻛثر اﻟمﻔﺎه�م‬
‫ﻟﻠكثیر�ن‪ ،‬اﻟﻘوة ﻫﻲ ﻗدرة أﺤد اﻟﻔﺎﻋﻠین ﻋﻠﻰ اﻟتﺄﺜیر ﻓﻲ ﺴﻠوك وﻤصﺎﻟﺢ وﻫو�ﺔ اﻟجﻬﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ اﻷﺨرى ﻓﻲ ﺼورة‬
‫أوﻟو�ﺎﺘﻪ وﺘﻔضیﻼﺘﻪ وق�مﻪ‪� .‬ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬اﻟﻘوة ﻫﻲ ﻗدرة ﻓﺎﻋﻞ واﺤد ﻋﻠﻰ اﻟحصول ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﯿر�دﻩ ﻤن اﻵﺨر�ن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫واﻟسؤال اﻟرﺌ�سﻲ ﻫنﺎ ﻫو ﺘحدﯿد ﻤن أﯿن ﺘﺄﺘﻲ ﻫذﻩ اﻟﻘدرة وﻤﺎ إذا �ﺎن �مكن ق�ﺎﺴﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻗد أﺜﺎر ﻤﻌنﻰ اﻟتنﺎﻓس اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ ﺠدﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ واﻟدراﺴﺎت اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬وﺘم ر�طﻪ �مﺎ‬
‫ﺘمتﻠكﻪ اﻟدول ﻤن ﻤﻘوﻤﺎت اﻟﻘوة‪ .‬ﯿدل اﺴتخدام ﻤﻔﻬوم اﻟتنﺎﻓس اﻟجیواﺴتراﺘجﻲ ﻋﻠﻰ ﺘوز�ﻊ اﻟﻘوة واﻟﻘدرات وﻤستوى‬
‫اﻟتﺄﺜیر واﻟنﻔوذ ﺒین اﻟدول �شكﻞ ﻤتسﺎو أو ﻏیر ﻤتسﺎو‪� ،‬مﺎ أﻨﻪ ﯿدل ﻋﻠﻰ ﺤﺎﻟﺔ ﺘتﻔوق أو ﻻ ﺘتﻔوق ﻓیﻬﺎ دوﻟﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫أﺨرى ﻤن ﺠﻬﺔ‪ ،‬وﻫو ﯿر�ط ﻤﺎ ﺒین اﻟتوظ�ف واﻵداء اﻻﺴتراﺘ�جﻲ واﻟمصﺎﻟﺢ واﻷﻫداف ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى‪ .‬ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ‬
‫اﺨتﻼل اﻟتوازن ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻟمتضررة ﻤن ﻤیزان اﻟﻘوى أن ﺘتخذ ﺘداﺒیر واﻟدﺨول ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺸراﻛﺔ أو ﺘحﺎﻟﻒ‬
‫ﻟتﻌز�ز ﻗدرﺘﻬﺎ ﻀد اﻟدوﻟﺔ اﻟمﻬ�منﺔ‪ .‬و�مكن ﻷي دوﻟﺔ أن ﺘختﺎر دورﻫﺎ اﻟتوازﻨﻲ ﻓتﻐیر اﻨح�ﺎزﻫﺎ ﻤن طرف ﻤﺎ ﻟمصﻠحﺔ‬
‫آﺨر ﻋند اﻟضرورة ﻤن أﺠﻞ اﻟمحﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟتوازن‪ 4 .‬أو ﺘوظ�ﻔﻪ ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ﻤﺎ �ﻌرف �ﺈﻨتﻘﺎل اﻟﻘوة ﺒین اﻟﻘوى‪.‬‬
‫ﻋندﻤﺎ طرح "أورﻏﺎﻨسكﻲ" ‪" Organski‬ﻨظر�ﺔ اﻨتﻘﺎل اﻟﻘوة" ‪� Power Transition Theory‬ﺎن �حﺎول ﺘحﻠیﻞ‬
‫اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺘﻘد�م ﻨظﺎم ﻫرﻤﻲ ﻟﻠﻘوى أو اﻟدول ﻋﻠﻰ ﻀوء ﻨسب ﻤوارد اﻟﻘوة و�ﻤكﺎﻨ�ﺔ ﻨشوب اﻟحرب‪.‬‬
‫وﻋﻠ�ﻪ‪ ،‬ﻓﻬو ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ �صﻒ ﻨظﺎﻤﺎ ﻫرﻤ�ﺎ ﺘراﺘب�ﺎ‪� ،‬حیث ﺘﻌرف ﺠم�ﻊ اﻟدول وﻓﻘﺎ ﻟتراﺘب�ﺔ اﻟنظﺎم ﻫذﻩ و�ذا ﺘوز�ﻊ‬

‫‪ -1‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪ -2‬ﺗوﻣﺎس ﻓوﻟﺟﻲ وآﺧرون‪ ،‬ﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟﺟدﯾد‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻋﺎطف ﻣﻌﺗﻣد وﻋزت زﯾﺎن‪) ،‬اﻟﻘﺎھرة‪ ،‬اﻟﻣرﻛز اﻟﻘوﻣﻲ ﻟﻠﺗرﺟﻣﺔ‪ ،‬ع ‪ ،1724‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،(2011‬ص ‪.30‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. pp 39-40.‬‬
‫‪ -4‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.70-69‬‬

‫‪93‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟﻘوة اﻟنسبﻲ ﻀمنﻪ‪ .‬و�تﻔﺎوت ﺘوز�ﻊ اﻟﻘوة ﺒین اﻟوﺤدات‪ ،‬ﻓـ" اﻷﻤﺔ اﻟمس�طرة" ‪ Dominant Nation‬ﻫﻲ ﺘﻠك اﻟتﻲ ﺘتر�ﻊ‬
‫أﻋﻠﻰ ﻫرم اﻟنظﺎم‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻬﻲ اﻟتﻲ ﺘتحكم ﻓﻲ اﻟنس�ﺔ اﻷﻋظم ﻤن اﻟمصﺎدر ف�ﻪ‪ .‬ﻏیر أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘمثﻞ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ‬
‫‪ ،Hegemon‬ﻋﻠﻰ اﻋت�ﺎر أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘستط�ﻊ �مﻔردﻫﺎ أن ﺘتحكم ﻓﻲ ﺴﻠو��ﺎت اﻟﻔواﻋﻞ اﻟﻘو�ﺔ اﻷﺨرى‪ .‬وﻓﻲ ذات اﻟس�ﺎق‪،‬‬
‫ﻓﻬﻲ ﺘحﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻤكﺎﻨتﻬﺎ �ﻘوة ﻤس�طرة ﻋبر ﻀمﺎن رﺠحﺎن اﻟﻘوة ﻟصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟمنﺎﻓسین اﻟمحتمﻠین و�دارة‬
‫‪1‬‬
‫اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫ﻤن ﻫنﺎ ﻨرى أن ﻋﻼﻗﺔ واﻀحﺔ ﺒین اﻟﻘوة واﻟتوازن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘوة ﻤحور اﻹرﺘكﺎز ﻓﻲ ﺤر�ﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻷن‬
‫اﻟدول اﻟمتنﺎﻓسﺔ ﺘتصرف ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺘمﻠكﻪ ﻤن إﻤكﺎﻨ�ﺎت اﻟﻘوة أﻛثر ﻤنﻪ ﻤن ﻤنطﻠﻘﺎت ﻗﺎﻨوﻨ�ﺔ وأﺨﻼق�ﺔ؛ ‪ 2‬و�خﻼف‬
‫ذﻟك ﺘﺄﺨذ اﻟواﻗع�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻓﻲ اﻹﻋت�ﺎر إﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻟتﻌﺎون اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ اﻟترﺘی�ﺎت‪ ،‬وﻟكن ﻋﺎدة ﻓﻘط ﻓﻲ ظﻞ اﻟتسﻠسﻞ‬
‫اﻟﻬرﻤﻲ‪ .‬وﻫنﺎ ﺘﺄﺘﻲ )اﻟﻬ�منﺔ(‪ ،‬اﻷﻤر اﻟذي �ضمن ﺘنﻔیذ اﻻﺘﻔﺎق�ﺎت‪ .‬ﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟمنظمﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻤشتﻘﺔ‪ ،‬أي ﻓﻘط‬
‫أدوات ﻟﻠدول اﻟﻘوﻤ�ﺔ و�ﺎﻟذات اﻟﻘوة اﻟكبرى‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬وﻓًﻘﺎ ﻟﻠواﻗﻌیین اﻟجدد‪� ،‬مكن أن ﺘنﻬﺎر اﻟحو�مﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ أي‬
‫وﻗت ﻋندﻤﺎ ﻻ ﺘرﻏب اﻟدول اﻟﻘو�ﺔ ﻓﻲ دﻋمﻬﺎ‪.‬‬

‫ﯿراﻓق اﻟصﻌود اﻹﻗتصﺎدي ﻟﻠصین‪ ،‬ﻋﺎﻟم�ﺎ‪ ،‬ﺴﻌﻲ اﻟصین ﻟمراﻛمﺔ اﻟﻘوة ﻓﻲ ﻓضﺎءﯿن أﺴﺎﺴیین ﻟﻠﻘوة اﻟدوﻟ�ﺔ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻫمﺎ اﻟﻔضﺎء اﻟﻌسكري‪ ،‬واﻟﻔضﺎء اﻟمﻌرﻓﻲ‪ ،‬ﻤستﻐﻠﺔ ﺒذﻟك ﻤﺎ ﺘت�حﻪ ﻟﻬﺎ ﻗدراﺘﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻟمتﻌﺎظمﺔ؛‬
‫و�شكﻞ ﻋﺎم‪ ،‬ﺘﻘدم اﻟواﻗع�ﺔ ﺘنبؤاً أﻛثر ﺘشﺎؤﻤﺎ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �صﻌود اﻟصین وطموﺤﺎﺘﻬﺎ اﻟتوﺴع�ﺔ؛ اﻟﻌﻠمﺎء اﻟذﯿن ﯿدﻋمون‬
‫اﻟواﻗع�ﺔ اﻟﻬجوﻤ�ﺔ أو ﻨظر�ﺔ اﻨتﻘﺎل اﻟسﻠطﺔ‪ ،‬ﻓﻬم �ﺄﺨذون ﺘﻬدﯿد اﻟصین ﻋﻠﻰ ﻤحمﻞ اﻟجد و�توﻗﻌون أن �كون ﺴب�ﺎً‬
‫ﻟﻠصراع ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓوﻓﻘﺎً ﻟنظر�ﺔ اﻟواﻗع�ﺔ اﻟﻬجوﻤ�ﺔ‪ ،‬ﻤن اﻟمحتمﻞ أن �حدث ﺼراع ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‬
‫ﻋندﻤﺎ ﺘرى اﻟدول اﻟﻌﻘﻼﻨ�ﺔ اﻟﻘوة �مصدر ﻨﻬﺎﺌﻲ ﻟﻸﻤن وﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﻌظ�م آﻓﺎﻗﻬﺎ ﻟﻠ�ﻘﺎء ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻓوﻀوي ﻤن ﺨﻼل‬
‫اﻟتوﺴﻊ‪ ،‬ﺤیث ﺘزداد ﻗوﺘﻬﺎ �ﺎزد�ﺎد ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻗوﺘﻬﺎ �ﻘوة ﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟﻘوى اﻟكبرى؛ ﻤن ﻫذا اﻟمنطﻠق‪ ،‬ﻟن �كون ﻨﻬوض‬
‫‪4‬‬
‫اﻟصین ﺴﻠم�ﺎً‪ ،‬ﺨﺎﺼ ًﺔ أﻨﻪ ﯿتحدى ﻤصﺎﻟﺢ اﻟﻬ�منﺔ اﻟحﺎﻟ�ﺔ واﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ اﻷﺨرى‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﻋكس اﻟواﻗع�ﺔ اﻟﻬجوﻤ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟواﻗع�ﺔ اﻟدﻓﺎع�ﺔ ﻻ ﺘنظر إﻟﻰ اﻟدول ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ اﻟﻌدواﻨ�ﺔ‪.‬‬
‫ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك‪� ،‬ﻌد ﻤنطق اﻟمﻌضﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﺠﺎﻨ�ﺎً ﻤﻬمﺎً ﻟﻠواﻗع�ﺔ اﻟدﻓﺎع�ﺔ؛ وﻓﻘﺎً ﻟﻬذا اﻟرأي‪ ،‬ﻗد ﻻ �كون ﻟدى اﻟصین‬

‫‪ -1‬ﺳﻠﯾم ﻗﺳوم‪ " ،‬ﻧظرﯾﺎت اﻧﺗﻘﺎل اﻟﻘوة واﻟﺗﻐﯾر اﻟﺳﻠﻣﻲ‪ :‬ھل ﺳﯾﻛون ﺻﻌود اﻟﺻﯾن ﺳﻠﻣﯾﺎ؟"‪ ،‬اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟﻸﻣن واﻟﺗﻧﻣﯾﺔ‪) ،‬اﻟﻌدد ‪ ،(2018 ،13‬ص ‪.147‬‬
‫‪ -2‬ﻗﺎﺴم ﻤحمد ﻋبید �ﻤحمد ﻤ�سر ﻓتحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ -3‬ھدﯾل ﺣرﺑﻲ‪" ،‬ﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﺻﻌود اﻟﻛوﻧﻲ ﻟﻠﺻﯾن وﻗﯾﺎدة اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟﻘرن ‪ ،"21‬ﻣﺟﻠﺔ ﻗﺿﺎﯾﺎ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪) ،‬اﻟﻌراق‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻧﮭرﯾن‪ ،‬ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬ع ‪،51‬‬
‫‪ ،(2018‬ص ‪https://www.iasj.net/iasj/article/139535 .257‬‬
‫‪ -4‬ﻏزﻻن ﻣﺣﻣود ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز‪ " ،‬اﻟﺻﻌود اﻟﺻﯾﻧﻲ واﻷﺛﺎر اﻟﻣﺗرﺗﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻧزاﻋﺎت ﺑﺣر اﻟﺻﯾن اﻟﺟﻧوﺑﻲ"‪ ،‬ﻣﺟﻠﺔ ﻛﻠﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎد واﻟﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪) ،‬ﻣﺻر‪،‬‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ‪ 6‬أﻛﺗوﺑر‪ ،‬اﻟﻣﺟﻠد ‪ ،21‬اﻟﻌدد ‪ ،4‬أﻛﺗوﺑر ‪) ،(2020‬د‪ .‬ص(‪https://jpsa.journals.ekb.eg/article_131198.html .‬‬

‫‪94‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻫدف دﻓﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻘوة ﻤﻬ�منﺔ إﻟﻰ ﺨﺎرج آﺴ�ﺎ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻻ ﺘزال اﻟواﻗع�ﺔ اﻟدﻓﺎع�ﺔ ﺘُظﻬر ﻨظرة ﻤتشﺎﺌمﺔ‬
‫إﻟﻰ ﺤد ﻤﺎ �شﺄن ﻤستﻘبﻞ ﻨزاﻋﺎت �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬وﻤن ﺜم اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ �سبب آﻟ�ﺔ اﻟمﻌضﻠﺔ‬
‫اﻷﻤن�ﺔ‪ .‬وﻋﻠ�ﻪ‪ ،‬ﻗد ﺘكون ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟصین ﺘجﺎﻩ ﻫذﻩ اﻟنزاﻋﺎت ﻫﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎت دﻓﺎع�ﺔ �حتﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘكون ﺴ�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ‬
‫ﺘجﺎﻩ ﺘحﺎﻟﻔﺎت دول اﻹﻗﻠ�م اﻟصﻐرى ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻫﻲ أ�ضﺎً ﺴ�ﺎﺴﺎت دﻓﺎع�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتداﺒیر اﻟدﻓﺎع�ﺔ‬
‫اﻟتﻲ ﺘتخذﻫﺎ �ﻼ ﻤن اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻻ ﺘزال ﺘثیر اﻟﻘﻠق وﺘشجﻊ اﻟجﺎﻨب اﻵﺨر ﻋﻠﻰ اﻟنظر ﻓﻲ اﺘخﺎذ‬
‫ﺘداﺒیر ﻤضﺎدة ﻟتخف�ف اﻟشﻌور �ﺎﻟضﻌﻒ‪. 1‬‬

‫ﻓﺎﻟنزﻋﺔ اﻟتﻌدﯿﻠ�ﺔ ‪ Revisionism‬واﻟتﻲ ﻫﻲ ﻨزوع ﻟدى اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ ،‬واﻟدول ﻋموﻤﺎ‪ ،‬ﻨحو ﺘﻐییر أو ﺘﻌدﯿﻞ‬
‫ﺘوازن اﻟﻘوة ﻟصﺎﻟحﻬﺎ ﺴﻠمﺎ او ﺤر�ﺎ‪ ،‬ﻷن اﻟﻘوة اﻟنسب�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ﻓﻲ ﻤﻘﺎﺒﻞ اﻟدول اﻷﺨرى اﻟضمﺎﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟ�ﻘﺎء اﻟدول‪.‬‬
‫وﻟذﻟك ﺘﻘﻒ اﻟﻘوى اﻟتﻌدﯿﻠ�ﺔ ﻋﻠﻰ طرف اﻟنق�ض ﻤن ﻗوى اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن اﻟتﻲ ﺘسﻌﻰ ﻟﻠحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺘوازن اﻟﻘوة اﻟحﺎﻟﻲ‪،‬‬
‫�ﺎﻟط�ﻊ ﻷﻨﻪ ﻓﻲ ﺼﺎﻟحﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﻌﻘود اﻷﺨیرة‪ ،‬ﺘم ﺘطو�ر ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺎت واﺴﻌﺔ اﻟنطﺎق‪ ،‬وﻻ ﺴ�مﺎ ﻟوﺤﺔ اﻟشطرﻨﺞ اﻟكبرى ﻟـ "ز��ﻐنیو‬
‫ﺒر�جنسكﻲ" ﻋﺎم ‪ ،1997‬واﻟتﻲ ﻗدم ﻓیﻬﺎ ﺘوﺼ�ﺎت ﺤول ��ف�ﺔ ق�ﺎم اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺒتكی�ف ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟق�ﺎدي ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟمستوى اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﻘد اﻨطﻠق ﻤؤ�دو وﻤﻌﺎرﻀو ﻫذﻩ اﻟمﻔﺎه�م ﻤن ﺤق�ﻘﺔ ﻤﻔﺎدﻫﺎ أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫�ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻗوة اﻗتصﺎد�ﺔ وﻋسكر�ﺔ راﺌدة‪ ،‬ﺴوف ﺘكون ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺘشكیﻞ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ �شكﻞ �بیر‪.‬‬
‫ﺘحدﯿدا ﻤﻌﻬد اﻟدراﺴﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ)‪ (SSI‬اﻟتﺎ�ﻊ ﻟكﻠ�ﺔ‬
‫ً‬ ‫ﻟكن ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2017‬ﻨشر اﻟبنتﺎﻏون‪ ،‬و�شكﻞ أﻛثر‬
‫اﻟحرب �ﺎﻟج�ش اﻷﻤر�كﻲ‪ ،‬دراﺴﺔ ﺘستند إﻟﻰ ﻤﺎ �سمﻰ ﺴینﺎر�و ﻤﺎ �ﻌد اﻷوﻟو�ﺔ‪ ،‬ﺤیث ﻻ ﺘزال اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أﻛبر‬
‫ﻗوة اﻗتصﺎد�ﺔ وﻋسكر�ﺔ‪ ،‬وﻟكن ﻟم ﺘﻌد ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺘشكیﻞ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ �سبب ارﺘﻔﺎع اﻟمنﺎﻓسین ﻤثﻞ اﻟصین‪.‬‬
‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪� ،‬جب اﻵن إﻋﺎدة اﻟتﻔكیر ﻓﻲ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻌﺎﻟم ﻏیر ﻤستﻘر ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب ﻟم ﺘﻌد �ﺎﻟضرورة ﺘﻬ�من‬
‫‪3‬‬
‫ﻋﻠ�ﻪ اﻟق�م اﻟﻐر��ﺔ‪.‬‬
‫و�شكﻞ ﻋﺎﻤﻞ اﻟرﻀﻰ ﻤتﻐی ار ﻫﺎﻤﺎ ﻓﻲ اﻨتﻘﺎﻻت اﻟﻘوة ﻓﻲ ﺒن�ﺔ اﻟنظﺎم‪ ،‬ﻓﺈدراك اﻟمتحدي اﻟصﺎﻋد ﻓﻲ أن ﺒنﻰ‬
‫اﻟنظﺎم اﻟﻘﺎﺌم ﻻ �منحﻬﺎ اﻟمنﺎﻓﻊ اﻟمتكﺎﻓئﺔ وﺘوﻗﻌﺎﺘﻬﺎ‪ ،‬و�ذا ﻤصﺎﻟحﻬﺎ طو�ﻠﺔ اﻷﻤد‪� ،‬ﻘودﻫﺎ إﻟﻰ اﻋت�ﺎرﻩ ﻨظﺎﻤﺎ ﻏیر‬
‫ﻤتوازن وﻏیر ﻤنصﻒ وﻤس�ط ار ﻋﻠ�ﻪ ﻤن ﻗوى ﻤنﺎﻓسﺔ‪ .‬و�ﺎﻟنت�جﺔ‪ ،‬ﻓﻬذا اﻟنوع ﻤن اﻟﻘوى ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﻐییر اﻟنظﺎم‬

‫‪ -1‬ﻏزﻻن ﻣﺣﻣود ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪) ،‬د‪ .‬ص(‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p 4.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. Pp. 4-5.‬‬

‫‪95‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟﻘﺎﺌم‪ 1 .‬وﻤن اﻟنﻘﺎط اﻟﻬﺎﻤﺔ ﻟﻠمنﺎﻗشﺔ ﻤسﺄﻟﺔ ﻤﺎ إذا �ﺎن ﻫنﺎك ﻤنطق ﻤوﻀوﻋﻲ ﻟﻠﻘوة‪ .‬ﻓمن وﺠﻬﺔ ﻨظر‬
‫ﻤنطق�ﺔ �حتﺔ‪� ،‬مكن أن �كون ﺘحﺎﻟﻒ اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻌﺎﻻً ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ‪ ،‬ﻷن ﻫذا اﻟمز�ﺞ ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أن �مثﻞ إﻟﻰ ﺤد �بیر‬
‫أﻛبر ﻗوة اﻗتصﺎد�ﺔ وﻗوة ﻨوو�ﺔ ﻗو�ﺔ ﻤﻊ ﺠ�ش و�حر�ﺔ ﻀخمﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺴ�كون ﻗﺎد اًر ﻋﻠﻰ اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ آﺴ�ﺎ‪ ،‬ور�مﺎ‬
‫‪2‬‬
‫أورو�ﺎ أ�ضﺎً ﻓﻲ ﺨطوة ﺜﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ﺒید أن ﻤثﻞ ﻫذا اﻟتحﺎﻟﻒ ﻏیر ﻤحتمﻞ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟراﻫن‪.‬‬

‫ﺘﻌكس "اﻟمﻌضﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ" اﻟتﻲ ﺘﻌد أﺤد أﻫم اﻟمﻔﺎه�م ﻓﻲ أدﺒ�ﺎت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟمنطق اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠواﻗع�ﺔ‬
‫اﻟﻬجوﻤ�ﺔ‪ .‬ﻤؤدى ﺘﻠك اﻟمﻌضﻠﺔ أن اﻹﺠراءات اﻟتﻲ ﺘتخذﻫﺎ اﻟدوﻟﺔ ﻟز�ﺎدة أﻤنﻬﺎ ﺘنﻘص ﻋﺎدة ﻤن أﻤن اﻟدول اﻷﺨرى‪.‬‬
‫وﻟذﻟك ﻓمن اﻟصﻌب أن ﺘز�د اﻟدوﻟﺔ ﻓرص �ﻘﺎﺌﻬﺎ ﺒدون أن ﺘﻬدد �ﻘﺎء اﻟدول اﻷﺨرى‪ .‬ﻤن ﻫنﺎ ﺘبدأ اﻟحﻠﻘﺔ اﻟمﻔرﻏﺔ ﻤن‬
‫ﻤراﻛمﺔ اﻷﻤن واﻟﻘوة‪ .‬و�نتﺞ اﻟتنﺎﻓس ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة ﻋن أﻨﻪ ﻻ �مكن ﻷ�ﺔ دوﻟﺔ أن ﺘحﻘق اﻷﻤن اﻟكﺎﻤﻞ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم‬
‫اﻟمؤﻟﻒ ﻤن وﺤدات ﻤتنﺎﻓسﺔ‪ 3 .‬و�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟمﻌظم اﻟواﻗﻌیین‪ ،‬ﻓﺈن ﻨﻬوض اﻟصین �ﻌتبر ‪-‬أﻤ اًر ﻀﺎ اًر‪� ،-‬ﺎﻟنظر إﻟﻰ ﻤیﻞ‬
‫اﻟﻘوى اﻟصﺎﻋدة إﻟﻰ أن ﺘكون ﻤصد ار ﻟتﻐییر اﻟوﻀﻊ اﻟﻘﺎﺌم واﺴتﻌﺎدة ﻤكﺎﻨﺎﺘﻬم؛ وﻤن ﻫذا اﻟمنطﻠق‪ ،‬ﺴتنمو طموﺤﺎت‬
‫اﻟصین ﻤﻊ ز�ﺎدة ﻗدراﺘﻬﺎ وﺤیث أن ﻗوﺘﻬﺎ اﻟجدﯿدة ﺘت�ﺢ ﻟﻬﺎ اﻟتمتﻊ �مز�د ﻤن ﻓرص اﻟتﺄﺜیر‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺴتكون أﻫداف‬
‫اﻟصین أﻛثر ﺘوﺴع�ﺔ؛ ﻀمن ﻫذا اﻟس�ﺎق‪ ،‬ﯿؤ�د أﻨصﺎر اﻨتﻘﺎل اﻟﻘوة ﻋﻠﻰ أن ﻋﺎﻟمنﺎ اﻟمﻌﺎﺼر �مثﻞ ﻨظﺎﻤﺎ ﻫرﻤ�ﺎ‬
‫ﺒوﺠود اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻗمتﻪ‪ ،‬ﻤس�طرة ﺒذﻟك ﻋﻠﻰ أﻛبر ﻗدر ﻤن ﻤوارد اﻟﻘوة ﻀمنﻪ‪ ،‬ﻤﻊ وﺠود اﺤتمﺎل‬
‫‪4‬‬
‫ﻛبیر ﻓﻲ أن ﯿتم ﺘجﺎوزﻫﺎ ﻤن ﻗبﻞ اﻟصین �منﺎﻓس ﻤحتمﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻘود اﻟمﻘبﻠﺔ‪ ،‬أﻗﻠﻪ ﻤجﺎل اﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟ�ست �ﻞ اﻟدول ﻋﻠﻰ اﺴتﻌداد ﻟﻠتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ ﺨ�ﺎرات اﻵﺨر�ن‪ .‬ﯿتم ﺘﻌر�ف �ﻌض اﻟدول ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻗوى ﻤوﺠﻬﺔ‬
‫ﻟﻠوﻀﻊ اﻟراﻫن ﻓﻲ ﺤین ُﯿنظر إﻟﻰ ﺒﻠدان أﺨرى ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ دول ﺘﻐیر أو ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﻐییر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن‪ .‬اﻟﻘوى‬
‫اﻟموﺠﻬﺔ ﻟﻠوﻀﻊ اﻟراﻫن ﻫﻲ ﺘﻠك اﻟتﻲ ﺘكون راﻀ�ﺔ ﺒتوز�ﻊ اﻟﻘوة اﻟحﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﻻ ﺘرﻏب ﻓﻲ ﺘﻐییرﻩ‪ ،‬إﻨﻬﺎ‬
‫ﺘﻬتم ﻓﻘط ﺒوﻀﻌﻬﺎ اﻟحﺎﻟﻲ داﺨﻞ اﻟنظﺎم وﺘر�د اﻟتﺄﻛد ﻤن اﺴتم اررﻩ‪ .‬ﺘبدأ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻘوى ﻓﻲ ﻤﻌظم‬
‫اﻷﺤ�ﺎن وﺘنتﻬﻲ ﻋند ﺤدودﻫﺎ اﻟوطن�ﺔ‪ .‬ﻓﻬﻲ ﺘتﻔﺎﻋﻞ ﻤﻊ اﻟتطورات اﻟخﺎرﺠ�ﺔ وﻻ ﺘﻬتم �ك�ف�ﺔ ﺤكم اﻟدول اﻷﺨرى‬
‫ﺨﺎرﺠ�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ اﻋتﻘﺎدﻫم ﻓﺈن اﻟمصﻠحﺔ‪/‬اﻷوﻟو�ﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻫﻲ اﻟتﺄﻛد ﻤن أن‬
‫ً‬ ‫داﺨﻠ�ﺎ وﺘصرﻓﻬﺎ‬
‫ً‬
‫اﻟتطورات اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻻ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ ﻨظﺎﻤﻬم اﻟداﺨﻠﻲ واﻟموﻗﻊ اﻟحﺎﻟﻲ داﺨﻞ اﻟنظﺎم �شكﻞ ﺴﻠبﻲ‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن‬
‫اﻟﻌدﯿد ﻤن ﻫذﻩ اﻟدول ﺘﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻤش اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬إﻻ أﻨﻪ ﻤن اﻟصﻌب ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ وﻀﻊ دوﻟﺔ ﻤﻌینﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔئﺔ‬

‫‪ -1‬ﺳﻠﯾم ﻗﺳوم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.148‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p 5.‬‬
‫‪ -3‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣﺄﺳﺎة ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻘوى اﻟﻌظﻣﻰ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺻطﻔﻰ ﻣﺣﻣد ﻗﺎﺳم‪) ،‬اﻟرﯾﺎض‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻠك ﺳﻌود‪ ،(2001 ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ -4‬ﺳﻠﯾم ﻗﺳوم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.149‬‬

‫‪96‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻷﻨﻪ ﺤتﻰ اﻟدول اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن �جب أن ﺘﻠﻌب وﻓًﻘﺎ ﻟﻘواﻋد ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة و�ﺸراك اﻵﺨر�ن �شكﻞ ﻓﻌﺎل‬
‫‪1‬‬
‫ﻟحمﺎ�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪� ،‬ﻌض اﻟدول ﻟدﯿﻬﺎ ﺘﻌر�ف أوﺴﻊ �كثیر ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻟوطن�ﺔ‪ .‬ﺘمیﻞ ﻤثﻞ ﻫذﻩ اﻟدول إﻟﻰ أن‬
‫�كون ﻟدﯿﻬﺎ ﺘطﻠﻌﺎت ﺘتجﺎوز ﻨظمﻬﺎ اﻟوطن�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك ﻫﻲ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ اﻟمسﺎﻋدة ﻓﻲ ﺘشكیﻞ ه�كﻞ ﺠدﯿد ﻟﻠﻘوة داﺨﻞ‬
‫اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ ﻟﻠ�حث ﻋن وﻀﻊ أﻓضﻞ‪ .‬وﻓﻲ ﺤین أن �ﻌض اﻟدول اﻟتﻲ ﺘﻐیر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن ﺘﻬتم ﻓﻘط‬
‫�ﺎﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ ﺴﻠو��ﺎت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠدول اﻷﺨرى‪ ،‬ﺘﻬتم دول أﺨرى اﻫتمﺎﻤﺎ �بی ار ﺒنﻘﻞ ق�مﻬﺎ وﻤﻌﺎﯿیرﻫﺎ وﻨشرﻫﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻟدول اﻷﺨرى‪ .‬إن اﻟدول اﻟتﻲ ﺘﻐیر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن ﺘر�ز ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول ﻋﻠﻰ ز�ﺎدة ﻗدرات ﻗوﺘﻬﺎ اﻟمﺎد�ﺔ ﻤﻘﺎﺒﻞ‬
‫اﻵﺨر�ن‪ .‬ﻤﻌنﻰ أن ﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟمحك �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻬم ﻫو اﻟتوز�ﻊ اﻟمﺎدي ﻟﻘدرات اﻟﻘوة داﺨﻞ اﻟنظﺎم ﻓﻲ وﻗت ﻤﻌین‪ .‬ﻤن‬
‫ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﻓﺈن اﻟدول اﻟتﻲ ﺘﻐیر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن ﺴتكون ﻤﻬتمﺔ �ﻌمق �ﺎﻷﺴس اﻟمع�ﺎر�ﺔ ﻟﻠنظﺎم‪ .‬وﻫﻲ ﺘﻌتﻘد ﺒذﻟك‬
‫أن ﺴﻠطتﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺨر�ن ﺴتتﻌزز �شكﻞ إ�جﺎﺒﻲ ﻤﻊ ﻗدرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟمسﺎﻋدة ﻓﻲ ﺘﻐییر ق�مﻬم وﻤﻌﺎﯿیرﻫم‪ .‬و�ﻬذا‬
‫اﻟمﻌنﻰ‪ ،‬إن اﻟدول اﻟتﻲ ﺘﻐیر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن ﻫﻲ ﻗوى ﻤع�ﺎر�ﺔ ﻷﻨﻬﺎ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘحﻘیق أﻫداﻓﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل إﺴﻘﺎط‬
‫وﺘوﺴ�ﻊ ﻤﻌﺎﯿیرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺨر�ن‪ .‬ﺠم�ﻊ اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ ،‬ﻤثﻞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟصین وروﺴ�ﺎ واﻻﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ﻫﻲ ﻗوى ﻤع�ﺎر�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق‪� ،‬جﺎدل رو�رت ﺠیﻠبن" ‪ Robert gilpin‬أن "ﺤرب اﻟﻬ�منﺔ" ﻟطﺎﻟمﺎ �ﺎﻨت ﻫﻲ اﻟوﺴیﻠﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ‬
‫ﻟحﻞ ﻤشكﻠﺔ اﻨﻌدام اﻟتوازن ﺒین ﺒن�ﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ و�ﻋﺎدة ﺘوز�ﻊ اﻟﻘوى ف�ﻪ‪ .‬ﻓﺈﻨﻪ ﻋندﻤﺎ ﺘزداد اﻟﻘوة اﻟنسب�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‬
‫اﻟصﺎﻋدة‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘحﺎول ﺘﻐییر ﻗواﻋد ﺤكم اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﺘﻘس�م دواﺌر اﻟنﻔوذ‪ .‬وردا ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺘواﺠﻪ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ‬
‫ﻫذا اﻟتحدي �ﺈﺠراء ﺘﻐییرات ﻋﻠﻰ ﺴ�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ اﻟتﻲ ﺘحﺎول إﻋﺎدة اﻟتوازن إﻟﻰ اﻟنظﺎم؛ ‪ 3‬وﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪� ،‬ﻌد ﺼﻌودﻫﺎ‬
‫إﻟﻰ اﻟمر�ز اﻷول ﻓﻲ اﻟتسﻠسﻞ اﻟﻬرﻤﻲ ﻟﻠﻘوى اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻀﻌت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘحول اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ �مﺎ ﯿتمﺎﺸﻰ‬
‫ﻤﻊ اﻟق�م واﻟمﻌﺎﯿیر اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻗﻠب ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ؛ و�ﺎﻟمثﻞ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمنﺎﻗشﺎت اﻟجﺎر�ﺔ ﺤول اﻟﻘوى اﻟصﺎﻋدة‬
‫ﻗو�ﺎ ﻟﻠموﻗﻒ اﻟمتمیز ﻟﻠجﻬﺎت اﻟﻐر��ﺔ‬
‫ﺘحد�ﺎ ً‬
‫ﺘوﻀﺢ ﺒوﻀوح أن ﺘﻠك اﻟدول ﻫﻲ دول ﻤﻐیرة ﻟﻠوﻀﻊ اﻟراﻫن ﻷﻨﻬﺎ ﺘضﻊ ً‬
‫‪4‬‬
‫ﻤﺎد�ﺎ وﻤع�ﺎرً�ﺎ‪.‬‬
‫داﺨﻞ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟحﺎﻟﻲ‪ً ،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 40.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 40.‬‬
‫‪ -3‬ﺳﻠﯾم ﻗﺳوم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. pp 40-41.‬‬

‫‪97‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى ﺘطرح واﻗع�ﺔ "ﺠون ﻤیرﺸﺎ�مر" ‪ John J. Mearsheimer‬اﻟﻬجوﻤ�ﺔ ادﻋﺎءات �خصوص ��ف‬
‫ﻤن اﻟمرﺠﺢ أن ﺘتصرف اﻟﻘوى اﻟصﺎﻋدة ﻤﻊ ��ف�ﺔ اﺴتجﺎ�ﺔ اﻟدول اﻷﺨرى ﻟﻬﺎ؛ ﻓحس�ﻪ‪ ،‬ﻻ ﺘسﻌﻰ اﻟدول ﻷن ﺘكون‬
‫اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ اﻷﻗوى ﻀمن اﻟنظﺎم ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ ﯿتمثﻞ اﻟﻬدف اﻟنﻬﺎﺌﻲ ﻟكﻞ ﻤنﻬﺎ ﻓﻲ أن ﺘص�ﺢ اﻟدوﻟﺔ اﻟمﻬ�منﺔ‪ ،‬أي‬
‫اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ اﻟوﺤیدة ﻓﻲ اﻟنظﺎم‪ 1 .‬ووﻓﻘﺎ ﻟﻬذا اﻟطرح ﻓﺈن ﻨظر�ﺔ "اﻟتﻬدﯿد اﻟصینﻲ" ﻤﺎ ﻫو إﻻ رد ﻓﻌﻞ طب�ﻌﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻋﺎ‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة و�ین ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ‪ .‬إﻨﻪ �ﻘﻠﻞ ﻤن ﺤق�ﻘﺔ أن اﻨتﻘﺎل اﻟسﻠطﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟصین ﻟ�س ﺼر ً‬
‫ﺘﻘﻠید�ﺎ إﻟﻰ ﺘﻐییر اﻟق�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ اﻟمجﺎﻻت‬
‫ً‬ ‫ﻋﺎد�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ‪ ،‬وﻟكنﻪ ﺘحول ﻋمﻼق ﻟﻠﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ أدى‬
‫ً‬
‫‪2‬‬
‫اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ واﻟثﻘﺎف�ﺔ وﻏیرﻫﺎ ﻤن ﺠواﻨب اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫إﺤدى اﻟحجﺞ اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻠواﻗﻌیین اﻟﻐر�یین ﻫﻲ أن اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي اﻟدوﻟﻲ �ﻌتمد �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ وﺠود‬
‫ﺌ�س�ﺎ ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ‬
‫دور ر ً‬
‫وﺠﻬود زع�م ﻤﻬ�من‪ .‬ﻤن ﺒین أﻤور أﺨرى‪ُ ،‬ﯿنظر إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺘﻠﻌب ًا‬
‫اﻻﻨﻔتﺎح اﻟتجﺎري واﻟمﺎﻟﻲ‪� .‬ﺎﺘ�ﺎع ﻫذا اﻟخط ﻤن اﻟجدل‪� ،‬جب أن ﻨﻼﺤظ أن اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﺘتطور �شكﻞ �ﺎﻤﻞ ﺤیث ﺘكون‬
‫أ�ضﺎ أن ﺘتﻘدم اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬
‫اﻟﻬ�منﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻨشﺎء واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟمؤﺴسﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ؛ وﻨتوﻗﻊ ً‬
‫وﻀوﺤﺎ؛ ﻓﻲ ﺤین أن ﺤﺎﻟﺔ اﻷﻤر�كیتین‬
‫ً‬ ‫�شكﻞ أ�طﺄ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟمنﺎطق اﻟتﻲ ﺘكون ﻓیﻬﺎ اﻟق�ﺎدة اﻟمحﻠ�ﺔ اﻟمﻬ�منﺔ أﻗﻞ‬
‫)اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة داﺨﻞ ﻨﺎﻓتﺎ واﻟب ارز�ﻞ داﺨﻞ ﻤیر�وﺴور( ﻗد ﺘﻘدم �ﻌض اﻟدﻋم ﻟﻔرﻀ�ﺔ اﻟق�ﺎدة اﻟمﻬ�منﺔ ﻫذﻩ‪ ،‬ﺘتﻌﺎرض‬
‫ﺤﺎﻻت أﻟمﺎﻨ�ﺎ داﺨﻞ اﻻﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ )ه�منﺔ ﻏیر ﻋﺎﻟ�ﺔ ﻤﻊ ﻤؤﺴسﺎﺘ�ﺔ ﻋﺎﻟ�ﺔ( واﻟ�ﺎ�ﺎن داﺨﻞ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ )ﻤستوى ﻋﺎل ﻤن اﻟﻬ�منﺔ ﻤﻊ ﻤستوى ﻤنخﻔض ﻤن اﻟمؤﺴسﺎت( ﻤﻊ ﻫذا اﻟرأي؛ �ﺎﺨتصﺎر‪ ،‬ﺨﺎرج اﻟس�ﺎق‬
‫�ﺎف�ﺎ ﻟظﻬور اﻗتصﺎد إﻗﻠ�مﻲ ﻨﺎﺠﺢ أو‬
‫طﺎ ً‬ ‫طﺎ ﻀرورً�ﺎ وﻻ ﺸر ً‬
‫اﻷﻤر�كﻲ‪ ،‬ﯿبدو أن وﺠود ﻗوة ﻤﻬ�منﺔ إﻗﻠ�م�ﺔ ﻟ�س ﺸر ً‬
‫‪3‬‬
‫ر�مﺎ ﻷي ﻨوع آﺨر ﻤن اﻟمؤﺴسﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬
‫وﻋﻠ�ﻪ‪ ،‬ﻓمن أﺠﻞ اﻟنﻬوض �ﺎﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوطن�ﺔ واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟنظﺎم اﻟحﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﺴﻌﻲ اﻟصین ﻨحو اﻟواﻗع�ﺔ‬
‫اﻟﻌمﻠ�ﺔ ﻗد ﺴمﺢ ﻟﻬﺎ �ﺎﻟﻌمﻞ ﻤﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ واﻟﻘوى اﻟكبرى داﺨﻞ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ ﻤﻊ ﺘﻘیید ﻨﻔسﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﻋن‬
‫اﻟتﻌبیر ﻋن طموﺤﺎﺘﻬﺎ اﻟتوﺴع�ﺔ‪ ،‬أو ﻤحﺎوﻟﺔ ﺘﻐییر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن‪ ،‬أو ﺘحدي ﺘﺄﺜیر اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ .‬ﺤتﻰ‬
‫ﻟو ﻟم ﺘكن اﻟصین راﻀ�ﺔ ﺘمﺎﻤﺎً ﻋن اﻟتسو�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟمﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﻓﺈن ﺘﻌﻘید ﺤﻘﺎﺌق اﻟﻘوة اﻟحدﯿثﺔ‬
‫ﺠﻌﻠﻬﺎ ﻤترددة ﻓﻲ أن ﺘكون ﻗوة ﻤراﺠﻌﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬وذﻟك ﻷن اﻨﻬ�ﺎر اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟذي ﺘﻘودﻩ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �مكن‬

‫‪ -1‬ﺳﻠﯾم ﻗﺳوم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.149‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, ASIA-PACIFIC: A STRATEGIC ASSESSMENT, (Strategic Studies Institute and U.S. Army War College Press,‬‬
‫‪May 2013). P6. https://www.files.ethz.ch/isn/165066/pub1155.pdf‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Tarık OĞUZLU, Op. cit. p9.‬‬

‫‪98‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫أن �ﻘوض اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوطن�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬اﻟتﻲ �سﻬﻠﻬﺎ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ‪ ،‬اﻟذي ﺘتمتﻊ ف�ﻪ اﻟبﻼد �ﺈﻤت�ﺎزات ﺨﺎﺼﺔ‬
‫ﻤثﻞ ﺤق اﻟنﻘض ﻓﻲ ﻤجﻠس اﻷﻤن‪ ،‬ﻤﻊ ﺴﻬوﻟﺔ اﻟوﺼول إﻟﻰ اﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎر واﻟتﮑنوﻟوﺠ�ﺎ اﻟمتواﻓرة ﻓﻲ اﻟمجتمﻌﺎت‬
‫‪1‬‬
‫اﻷﺨرى‪.‬‬
‫أﻤﺎ اﻟﻠیبراﻟیون ﻓﻬم ﻻ ﯿرون ﻋﺎدة ﺼﻌود اﻟصین ﺘﻬدﯿداً ﻟمنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ أو ﻟﻠنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‬
‫ﻟمصﺎﻟﺢ أﻤر�كﺎ وﻟﻠنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟدوﻟﻲ‪ .‬و�دﻻً ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﻟدﯿﻬم ﻨظرة ﻤتﻔﺎﺌﻠﺔ ﻨسب�ﺎً �شﺄن ﻨﻬوض اﻟصین و�توﻗﻌون‬
‫ﻤستﻘبﻼً ﻤستﻘ ار ﻵﺴ�ﺎ �شکﻞ ﻋﺎم واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ �شکﻞ ﺨﺎص‪ ،‬ﻤدﻋمین وﺠﻬﺔ ﻨظرﻫم �ﺎﻟتحر�ر‬
‫اﻹﻗتصﺎدي اﻟصینﻲ وﻋضو�تﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬و�ﻤکﺎﻨﺎﺘﻬﺎ اﻟمتزاﯿدة ﻟﻺﺼﻼح اﻟس�ﺎﺴﻲ و�رﺴﺎء اﻟد�مﻘراط�ﺔ؛‬
‫ﺤیث ﯿؤ�د اﻟمتﻔﺎﺌﻠون اﻟﻠیبراﻟیون أن اﻟت�ﺎدل اﻻﻗتصﺎدي �ﻌزز اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟجیدة ﺒین اﻟدول ﻤن ﺨﻼل ﺘوﺴ�ﻊ ﻨطﺎق‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمشتر�ﺔ‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬وﻤن اﻟمﻼﺤظ أن اﻟصین ‪-‬ﺤتﻰ اﻵن‪ ،-‬ﻗد اﺴتﻔﺎدت �شکﻞ ﻫﺎﺌﻞ ﻤن اﻟتﻌﺎﻤﻞ واﻟتﻌﺎون ﻓﻲ إطﺎر‬
‫اﻟنظﺎم اﻻﻗتصﺎدي اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﺒدﻻً ﻤن ﺘحدي اﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ؛ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟنحو‪� ،‬سﻠط اﻟﻠیبراﻟیون اﻟضوء‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟتكﺎﻟ�ف اﻟ�ﺎﻫظﺔ اﻟتﻲ ﺴیتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟصین ﺘحمﻠﻬﺎ إذا ﻤﺎ اﻀطرت إﻟﻰ ﺘحمﻞ ﺴ�ﺎﺴﺎت ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﻤﻌﺎد�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ أو ﺘجﺎﻩ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬
‫�ﻌض اﻟﻠیبراﻟیین اﻷﻗﻞ ﺘﻔﺎؤﻻً �شﺄن اﻵﺜﺎر اﻟﻬﺎدﺌﺔ ﻟتحر�ر اﻟصین اﻻﻗتصﺎدي وأﻛثر ﺘشككﺎً ﻓﻲ ﺘداع�ﺎت اﻟﻘوة‬
‫اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ ﻟﻠبﻼد ﻋﻠﻰ اﻟمسﺎﺌﻞ اﻟمﻬمﺔ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟﮏ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟتوﺘرات اﻟجﺎر�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین‬
‫اﻟجنو�ﻲ‪ .‬ف�شیر ﻫؤﻻء ‪-‬اﻟمتشﺎﺌمون اﻟﻠیبراﻟیون‪-‬إﻟﻰ اﻻﺨتﻼﻓﺎت ﺒین اﻟﻬ�ﺎﻛﻞ اﻟداﺨﻠ�ﺔ واﻟدﯿنﺎﻤ�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‬
‫ﻟﻠصین ودول اﻟجوار اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﺠن�ﺎً إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬و�توﻗﻌون ﺤدوث‬
‫‪2‬‬
‫ﺘوﺘرات أﻛبر‪.‬‬
‫وﻋﻠ�ﻪ‪� ،‬مكن اﻟﻘول �ﺄن ﻫذﻩ اﻟدراﺴﺔ ﺘتبنﻰ وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟتﻲ ﺘدﻋم ﺘمیز اﻟسﻠوك اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻟﻠصین ﺒبراﺠمﺎﺘیتﻪ‬
‫اﻟمطﻠﻘﺔ أو ﻤﺎ �مكن أن �طﻠق ﻋﻠ�ﻪ "اﻷﺨﻼق اﻟظرف�ﺔ" اﻟتﻲ ﯿتم ﺒﻬﺎ ﻤوازﻨﺔ اﻟدواﻓﻊ واﺤت�ﺎﺠﺎت اﻟصین اﻟوطن�ﺔ‬
‫وطموﺤﺎﺘﻬﺎ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤﻊ ﺘنوع اﻟوﺴﺎﺌﻞ وآﻟ�ﺎت ﺘحﻘیق ﻫذﻩ اﻟدواﻓﻊ ط�ﻘﺎً ﻟﻠظروف اﻟوﻗت�ﺔ ﻻ وﻓﻘﺎً ﻟق�م ﻤحددة‬
‫أو ﻤ�ﺎدئ ﺜﺎﺒتﺔ‪� .‬مﻌنﻰ أن‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻋتﻘﺎد اﻟصینیون �ﺄن اﺴتخدام اﻟﻘوة أو اﻟتﻬدﯿد ﺒﻬﺎ ﻫو أﻛثر اﻟوﺴﺎﺌﻞ‬

‫‪ -1‬ﻏزﻻن ﻣﺣﻣود ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪) ،‬د‪ .‬ص(‪.‬‬


‫‪ -2‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪) ،‬د‪ .‬ص(‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫اﺗ��‬ ‫ت‬
‫وﻣﻔﺎﻫ�� ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺠﻴﻮاﺳ� � ي‬
‫ي‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺗﺄﺻ�ﻞ ﻧﻈﺮي‬

‫ﻓﺎﻋﻠ�ﺔ ﻟممﺎرﺴﺔ اﻟﻘوة وﻟمﻌﺎﻟجﺔ ﻤخﺎوﻓﻬم اﻷﻤن�ﺔ اﻟﻌم�ﻘﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻋتراﻓﻬم �ﺄﻨﻪ �مكن اﺴتخدام وﺴﺎﺌﻞ أﺨرى‬
‫أ�ضﺎً‪ ،‬ﻓﻘد ﺘبنﻰ اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون ﺴ�ﺎﺴﺔ أﻛثر ﺒراﺠمﺎﺘ�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘُﻌرف �ﺄﻨﻬﺎ ﺴﻠو��ﺎت ﻤنض�طﺔ ﻻ وﻓﻘﺎً ﻟﻠق�م اﻟمحددة‬
‫أو اﻟم�ﺎدئ اﻟثﺎﺒتﺔ‪ ،‬ﺒﻞ ﺘكون ﻤدﻓوﻋﺔ وﻤشروطﺔ �شکﻞ �بیر �ﺈﺤت�ﺎﺠﺎت اﻟصین اﻟوطن�ﺔ‪.‬‬
‫�مكن ﻤﻼﺤظﺔ ﻤیﻞ اﻟﻠیبراﻟیون إﻟﻰ ﺘبنﻲ ﻨظرة أﻛثر ﺘﻔﺎؤﻟ�ﺔ‪ ،‬و�ﻟﻰ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻹﻨﻔتﺎح اﻹﻗتصﺎدي ﻟﻠصین‬
‫وﺘﻔﺎﻋﻠﻬﺎ �ﺈ�جﺎﺒ�ﺔ ﻤﻊ اﻟدول اﻷﺨرى‪ ،‬واﻟتﻲ ﺴتؤدي آﺜﺎرﻫﺎ اﻟﻬﺎدﺌﺔ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف إﻟﻰ اﻟتحر�ر اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻟﻠصین‬
‫وﺘشج�ﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘبنﻲ ﻗواﻋد اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ‪ .‬ﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ‪ ،‬ﯿؤ�د اﻟواﻗﻌیون ﻋﻠﻰ دﯿنﺎﻤ�ﺎت اﻟﻘوة اﻟمتﻐیرة و�جﺎدﻟون‬
‫�ﺄن اﻟصین ﺴوف ﺘص�ﺢ أﻛثر ﺤزﻤﺎً ﻤﻊ ز�ﺎدة ﻗوﺘﻬﺎ وﺘﺄﺜیرﻫﺎ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪� ،‬جب أن ﺘكون اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة )إﻟﻰ ﺠﺎﻨب‬
‫ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ وأﺼدﻗﺎﺌﻬﺎ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ( ﻋﻠﻰ اﺴتﻌداد ﻟمواﺠﻬﺔ ﺘحد�ﺎت اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟتﻲ �طرﺤﻬﺎ ﻫذا اﻟﻌمﻼق‬
‫‪1‬‬
‫اﻵﺴیوي اﻟصﺎﻋد‪.‬‬

‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أﻫم�ﺔ أطروﺤﺎت �ﻞ ﻨظر�ﺔ ﺤول ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟصین ﻓﻲ ﻨزاﻋﺎت �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬إﻻ‬
‫أن �ﻼً ﻤن اﻟنظر�تین ﺘواﺠﻪ ﻋدد ﻤن ﻨﻘﺎط اﻟضﻌﻒ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘرﺠﻊ إﻟﻰ ﺘوﻗﻌﺎﺘﻬمﺎ اﻟخط�ﺔ ﻟمستﻘبﻞ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟصین�ﺔ‬
‫ﺘجﺎﻩ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ‪-‬ﺴواء �ﺎﻨت اﻟمراﺠﻌﺔ اﻟمتﻌﺎرﻀﺔ اﻟمتوﻗﻌﺔ ﻤن ﻗبﻞ ﻤنظري اﻟﻘوة أو اﻟتكﺎﻤﻞ اﻟمتنﺎﻏم اﻟذي ﺘن�ﺄ‬
‫�ﻪ دﻋﺎة اﻹﻋتمﺎد اﻟمت�ﺎدل‪.‬‬

‫‪ -1‬ھدﯾر أﺑو زﯾد‪" ،‬ﺧﯾﺎرات ﺣرﺟﺔ‪ :‬ﻣﺳﺗﻘﺑل "اﻟﻘرن اﻵﺳﯾوي" ﻓﻲ ظل اﻟﺗﻧﺎﻓس اﻷﻣرﯾﻛﻲ– اﻟﺻﯾﻧﻲ"‪) ،‬ﻣرﻛز اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟﻠدراﺳﺎت واﻷﺑﺣﺎث اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪24 ،‬‬
‫ﯾوﻧﯾو‪https://cutt.ly/7A3wx87 ،(2020 ،‬‬

‫‪100‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫البنية اإلقليمية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬


‫وخلفيات التنافس اجليواسرتاتيجي‬

‫بني الصني والواليات املتحدة األمريكية‬


‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫يستعرض هذا الفصل البنية اإلقليمية لمنطقة جنوب شرقي آسيا (آسيا‪-‬الباسيفيك‪ ،‬أو آسيا المحيط الهادئ)‬
‫من خالل مبحثين؛ األول‪ ،‬يتطرق لألهمية الجيوسياسية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪ ،‬والتعريف بها‪ ،‬ثم ابراز الخصائص‬
‫الجيوسياسية والتي أبرزها انتقال مركز الثقل السياسي واإلقتصادي العالمي إليها‪ ،‬وتأثير األهمية الجيوسياسية لها‬
‫على العالقات بين القوى الكبرى خاصة الصين والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫كما تم عرض في مبحث ٍ‬


‫ثان األهمية الجيواقتصادية لمنطقة آسيا‪-‬الباسيفيك من خالل مؤشرات قياس‬
‫القوة االقتصادية‪ ،‬وإبراز أهم األقطاب االقتصادية الصاعدة في المنطقة التي تأتي في مقدمتها الصين والهند‬
‫واليابان‪ ،‬كقوة دافعة لصعود آسيا‪-‬الباسيفيك كمركز ثقل عالمي جديد‪ .‬ومن ثم أثر قوتها االقتصادية الصاعدة على‬
‫النظام اإلقتصادي العالمي‪.‬‬

‫أما المبحث الثالث فقد تناول خلفيات التنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية في‬
‫فترو ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬بحيث تم عرض محددات الشك والحذر المتبادل‪ ،‬من خالل التاريخ الدبلوماسي الشائك‬
‫بينهما في فترة الحرب الباردة‪ ،‬والمحددات الجديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة جيوسياسيا وجيواقتصاديا وأمنيا؛‬
‫أخيرا‪ ،‬سياسات اإلستقطاب والتحالفات اإلقليمية بين أهم القوى الفاعلة والمؤثرة في السياسة اإلقليمية ال سيما‬
‫الواليات المتحدة والصين‪ ،‬العند واليابان وروسيا‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫المبحث األول‪ :‬األهمية الجيوسياسية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬


‫تشكل منطقة آسيا‪-‬باسفيك مركز ثقل سياسي واقتصادي عالمي متزايد منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬بحيث‬
‫أصبحت مسرحا لديناميات التفاعل اإلقليمي بين القوى اإلقليمية والكبرى ال سيما الصين والواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫مما يترتب عليه انعكاسات أمنية وجيوسياسية وجيواقتصادية تمس بالبنية اإلقليمية آلسيا‪-‬باسيفيك‪ ،‬نحاول في هذا‬
‫المبحث معرفة األهمية الجيوسياسية المتزايدة لهذه المنطقة الحيوية في الربع األول من القرن الحادي والعشرين‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالبنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫على الرغم من استخدام عبارة "آسيا والمحيط الهادئ" على نطاق واسع في وسائل اإلعالم واألوساط‬
‫غالبا ما يكون غير دقيق‪ ،‬وقد تميل إلى التغيير على مر‬
‫األكاديمية لوصف منطقة ناشئة‪ ،‬إال أن هذا االستخدام ً‬
‫مقصور‬
‫ًا‬ ‫السنين بما يتماشى مع التغيرات في االقتصاد السياسي العالمي‪ .‬في المؤلفات األكاديمية كان االهتمام‬
‫بدءا من اليابان والصين‪ ،‬تليها كوريا‬ ‫ن‬
‫بشكل عام على األماكن التي تورط فيها األمريكيو وحلفاؤهم في الحروب‪ً ،‬‬
‫وفيتنام‪ 1.‬خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬لم يكن هناك معنى لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك مترابطة سياسيا واقتصاديا‪ ،‬بل‬
‫كانت عبارة عن منطقة جغرافية حصلت من خاللها الدول األوروبية والواليات المتحدة األمريكية على مناطق‬
‫‪2‬‬
‫سيادية‪ ،‬كما انه لم تكن هناك بنية جيوسياسية موحدة وشاملة لهذه المنطقة‪.‬‬

‫ومن الواضح أن اثنان من خيارات الدولة التي تقدمها العولمة االقتصادية في عالم ما بعد الحرب الباردة‬
‫تشمل إما رفض القومية أو رفض المنافسة العالمية؛ تسبب هذا في اعتقاد بعض الباحثين بأن اإلقليمية مناقضة‬
‫أيضا أنه بدالً من كونهما متناقضين‪ ،‬فإن العولمة واإلقليمية هما في الواقع عمليتان‬
‫للعولمة‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬قيل ً‬
‫متكاملتان وأنهما تحدثان في وقت واحد وتتفاعالن؛‪ 3‬ويمكن أن تكون اإلقليمية جذابة للدول لمجموعة من األسباب‬
‫والوظائف االجتماعية والجيوسياسية واالقتصادية؛ ومما قيل للتو‪ ،‬يمكن اعتبار اإلقليمية شكالً من أشكال مقاومة‬
‫صحيحا‪ ،‬خاصة إذا كان الهدف المركزي‬
‫ً‬ ‫العولمة وآلية لتعزيز سلطة الدولة‪ ،‬أو يمكن أن يكون العكس ً‬
‫أيضا‬

‫‪1‬‬
‫‪- J.S. Eades and Malcolm J.M. Cooper, “The Asia Pacific World: A Summary and an Agenda”, (Ritsumeikan Asia Pacific‬‬
‫‪University, spring 2010). P 1. https://cutt.ly/1AjwsyP‬‬
‫‪ -2‬فالح أمينة‪" ،‬اإلستراتيجية األمنية األمريكية الجديدة في منطقة جنوب شرق آسيا منذ ‪ ،"2001‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية‪،‬‬
‫(جامعة باتنة ‪ ،1‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،)2020/2019 ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Dennis Rumley, “The Geopolitics of Asia-Pacific Regionalism in the 21st Century”, (University of Western Australia,‬‬
‫‪The Otemon Journal of Australian Studies, vol. 31. 2005); p8 . https://cutt.ly/JPRPRx7‬‬

‫‪103‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫لإلقليمية هو تحرير االقتصاد؛ بهذا المعنى تكون اإلقليمية تعمل من أجل تسهيل العولمة‪ 1.‬وفي هذا السياق ال‬
‫تشكل دول منطقة آسيا‪-‬باسيفيك استثناء في ظل جدلية القومية واإلقليمية والعالمية‪.‬‬

‫تحيز تجاه الفئات‬


‫في العقود الماضية‪ ،‬التي تميزت بالعولمة المتسارعة‪ ،‬أظهرت األدبيات الجيوسياسية ًا‬
‫مستخدما بشكل متكرر أكثر من ذي قبل‪ :‬أوروبا الكبرى‪ ،‬والشرق األوسط‬
‫ً‬ ‫الكلية‪ .‬أصبح مصطلح "أكبر (أعظم)"‬
‫الكبير‪ ،‬وآسيا الوسطى الكبرى‪ ،‬والصين الكبرى‪ ،‬وغيرها‪ .‬ويعكس هذا النهج الخصائص الموضوعية لتطور النظم‬
‫‪2‬‬
‫السياسية اإلقليمية وتفاعلها في أوراسيا في ظل ظروف العولمة‪.‬‬
‫في القرن الـحادي والعشرين‪ ،‬من الواضح أن العديد من المشاكل المتعلقة بالتنمية الوطنية تتطلب تعاون‬
‫الدولة على المستوى اإلقليمي‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن النزعة اإلقليمية تعمل كوحدة تنظيمية مناسبة للتعاون الدولي على نطاق‬
‫النهج الوطنية غير المرضية‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يمكن أن ُينظر إلى‬
‫بين المخططات العالمية غير القابلة للتطبيق و ُ‬
‫طا بين القومية المحددة بدقة والعولمة المفرطة في اإلتساع‪ .‬ويشير بعض‬
‫دور وسي ً‬
‫اإلقليمية على أنها تمتلك ًا‬
‫الباحثين إلى محاوالت استخدام اإلقليمية كآلية لبناء مؤسسات جديدة تتجاوز الدولة القومية في السياقات االقتصادية‬
‫‪3‬‬
‫باعتبارها "استراتيجية حجم" مبنية على مفاهيم القوة االقتصادية واقتصاديات الحجم‪.‬‬
‫غالبا ما ُينظر إلى اإلقليمية على أنها مرادفة لإلقليمية االقتصادية‪ .‬يبدو أن الكثير من الجدل المبكر حول‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ ،‬تم اعتبار‬
‫اإلقليمية‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬قد استند إلى االعتقاد بأن البعد االقتصادي لإلقليمية هو السائد‪ً .‬‬
‫طا بوجهة نظر مفادها أن النزعة اإلقليمية أحادية البعد‪.‬‬
‫هذا االمتياز االقتصادي غير مثير للجدل وكان بدوره مرتب ً‬
‫ومع ذلك‪ ،‬من الواضح أن هناك مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول اإلقليمية وأنه ال يمكن تصور المفهوم‬
‫‪4‬‬
‫ببساطة من الناحية االقتصادية‪.‬‬
‫مصالح الدول التي تشكل جزًءا من النظم الفرعية اإلقليمية‪ ،‬في التنمية السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية الديناميكية والمستدامة‪ ،‬ال يمكن أن تتحقق دون الدرجة الالزمة من االنفتاح الوظيفي والمشاركة المتبادلة‬
‫في العملية الجارية في المنطقة‪ .‬وفي ظل ظروف العولمة‪ ،‬ال يمكن ألي دولة أن تحقق اإلكتفاء الذاتي‪ ،‬على األقل‬
‫من وجهة نظر النفعية االقتصادية‪ .‬وينعكس هذا في العمليات الجارية في كل جزء من أجزاء القارة األوراسية‪ .‬وال‬

‫‪1‬‬
‫‪- Dennis Rumley, Op cit. p 8.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op cit. p 100.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Dennis Rumley. Op cit. p 8.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. P 6.‬‬

‫‪104‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫يمكن للتعريف "الضيق" للمناطق األوراسية أن يكشف بشكل كامل عن الحقائق الجديدة التي أوجدها توسيع وتعميق‬
‫اسعا واسع النطاق‬
‫إقليميا و ً‬
‫ً‬ ‫نهجا‬
‫الروابط والعالقات بين المناطق‪ .‬وهذا يعني أن تحقيق الفهم الكامل لها يتطلب ً‬
‫‪1‬‬
‫أيضا تطبيق تعريف "أكبر" على أوراسيا ومكوناتها‪.‬‬
‫لهيكلة االمتداد األوراسي‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يجب ً‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ففي حين يمكن أن تؤدي اإلقليمية مجموعة من الوظائف على مستويات مختلفة‪ .‬هناك ستة‬
‫مصادر على األقل للخالف‪ .‬األول‪ ،‬هو القضية األساسية المتعلقة بما إذا كانت اإلقليمية تعتبر ضرورية أم مهمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬من المرجح أن ينشأ الخالف حول نوع اإلقليمية التي تعتبر األنسب‪ .‬ثالثًا‪ ،‬الهيكل الجغرافي لإلقليمية محل‬
‫ً‬
‫ابعا‪ ،‬من المرجح أن تكون أهداف التجمع‬ ‫دائما حول من يجب أن يكون عضوا؟ ومن ال ينبغي أن يكون ؟‪ ،‬ر ً‬ ‫نزاع ً‬
‫خامسا‪ ،‬قد تضع الدول ذات العضوية اإلقليمية المتداخلة نفسها في مواقف تتعرض‬
‫ً‬ ‫داخليا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اإلقليمي موضع خالف‬
‫سلبا على التماسك الداخلي للمجموعات اإلقليمية بسبب تباين المصالح واألهداف‪.‬‬
‫لضغوط متقاطعة يمكن أن تؤثر ً‬
‫أخير‪ ،‬أحد مصادر القلق المستمر داخل التجمعات اإلقليمية هو مدى المساواة بين األعضاء‪.‬‬
‫ًا‬
‫سلبيا لبعض الدول‬
‫اعتبار ً‬
‫ًا‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬يمكن أن تكون هيمنة دولة معينة على صنع القرار اإلقليمي‬
‫األعضاء‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن دمج قوة اقتصادية وسياسية مهيمنة داخل تجمع إقليمي يمكن أن يسهل الوصول‬

‫إلى السوق وبالتالي يكون ً‬


‫مفيدا للدول األصغر‪ .‬مثل هذا النمو في التفاعالت االقتصادية اإلقليمية قد يؤدي بدوره‬
‫‪2‬‬
‫إلى إضفاء طابع مؤسسي إقليمي أكبر‪.‬‬
‫يمكن النظر إلى ظهور اإلقليمية على أنه استجابة للعمليات الديناميكية للعولمة؛ كانت أدبيات العلوم‬
‫االجتماعية مليئة بالخرائط أو النماذج الجيوسياسية العالمية التي ُيزعم أنها تعرض الهياكل التي تمثل حقائق‬
‫جيوسياسية إقليمية جديدة أو التي تمثل اتجاه التغيير الجيوسياسي العالمي‪ .‬إنها أيضا متحالفة بشكل وثيق بشكل‬
‫عام مع احتياجات أو رغبات أو نوايا السياسة العالمية الحالية والمستقبلية من جانب أفراد أو مجموعات أو دول‬
‫معينة‪ .‬فمع زوال االتحاد السوفياتي وانتهاء فترة الحرب الباردة‪ ،‬كان األساس األهم للتمايز في الفضاء العالمي يتم‬
‫‪3‬‬
‫على أسس اقتصادية‪.‬‬
‫ويجادل بعض الباحثين أن انتشار القوة اإلقتصادية والسياسية العالمية إلى أكثر من مركزين يوفر بطبيعته‬
‫وينظر إلى النموذج العالمي ثالثي األقطاب‪ ،‬الذي أساسه جيوسياسي‪ ،‬على أنه جذاب‬
‫عالميا أكبر‪ُ .‬‬
‫ً‬ ‫ار‬
‫استقرًا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. cit. P 101.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. P 9.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 10.‬‬

‫‪105‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫‪1‬‬
‫اضيا لبعض أعضاء هذه المجموعة األخيرة من العلماء (‪.)1. Americas 2. Euro-Africa 3. Asia-Pacific‬‬
‫افتر ً‬
‫بشكل عام‪ ،‬من الواضح أنه مع "انهيار" ثنائية القطبية في الحرب الباردة‪ ،‬أصبحت اإلقليمية في سياق العولمة‬
‫االقتصادية ذات أهمية متزايدة في السياسة العالمية‪ 2.‬وأدى االنتشار الناتج في عدد التجمعات اإلقليمية إلى نقاش‬
‫نظر ألن اإلقليمية "مبنية"‬
‫واسع النطاق حول أسباب وآثار اإلقليمية والوظائف الخاصة التي قد تؤديها اإلقليمية‪ً .‬ا‬
‫وليست "طبيعية"‪.‬‬
‫من الضروري تحديد استخدام مصطلح "آسيا والمحيط الهادئ"؛ تعزز الدول بشكل عام تعاريف المناطق‬
‫لتناسب أهدافها الخاصة‪ .‬ويعود مفهوم آسيا والمحيط الهادئ إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ وقد‬
‫روجت له دول مثل الواليات المتحدة واليابان وأستراليا كوسيلة لربط شرق آسيا بمنطقة المحيط الهادئ األوسع‪.‬‬
‫تسلط "آسيا والمحيط الهادئ" الضوء على البعد اآلسيوي بطريقة ال تفعلها "منطقة المحيط الهادئ"؛ من الواضح أن‬
‫‪3‬‬
‫"شرق آسيا" محدودة من الناحية الجغرافية وتستبعد قوى مثل الواليات المتحدة وأستراليا‪.‬‬
‫منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي منطقة ضخمة تغطي ما يقرب من اثنين وعشرين في المائة من إجمالي‬
‫عادة ما يتم تصنيف "منطقة آسيا والمحيط الهادئ" إلى أربع مناطق فرعية‪ :‬جنوب آسيا وجنوب‬
‫ً‬ ‫مساحة العالم‪.‬‬
‫دائما شمال‬ ‫‪4‬‬
‫ق‬ ‫ق‬
‫شر آسيا وشمال شر آسيا وأوقيانوسيا‪ .‬في مجال التركيز المكاني استمر في التغيير؛ كانت النواة ً‬
‫شرق وجنوب شرق آسيا (الصين وكوريا واليابان وعشر دول في اآلسيان‪ ،‬ورابطة أمم جنوب شرق آسيا)‪ ،‬لكن‬
‫األطراف تغيرت بسهولة أكبر‪.‬‬
‫يشمل التعريف المعتاد لـ "آسيا والمحيط الهادئ"‪ ،‬شرق آسيا والقوى الغربية في المحيط الهادئ (الواليات‬
‫المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا)‪ .‬يمكن تقسيم شرق آسيا إلى شمال شرق آسيا وجنوب شرق آسيا‪ .‬يغطي األول‪:‬‬
‫الصين (بما في ذلك هونغ كونغ) وتايوان (تطالب بها الصين) واليابان وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وروسيا‬
‫(على وجه التحديد الشرق األقصى الروسي أو روسيا المحيط الهادئ)‪ ،‬ومنغوليا‪ .‬يضم الثاني‪ :‬بروناي وبورما‬
‫وكمبوديا وتيمور الشرقية وإندونيسيا والوس وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايالند وفيتنام؛ باستثناء تيمور الشرقية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Eldar Ismailov and Vladimer Papava. Op. Cit. p 11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Dennis Rumley. Op. Cit. p 5.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Derek McDougall. “Asia Pacific in World Politics”. University of Melbourne, (USA, the Lynne Rienner Publishers,‬‬
‫‪2007(, p 6. https://cutt.ly/HPRK0H5‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, “TRANSFORMATION OF POWER IN THE ASIA-PACIFIC REGION”, (Pakistan,‬‬
‫‪HamdardIslamicus, Vol. 43 No. 1, 2020), p 264. https://cutt.ly/pAcPuJ1‬‬

‫‪106‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫فإن جميع دول جنوب شرق آسيا أعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)؛ في حين أن أستراليا ونيوزيلندا‬
‫هما القوتان الرئيسيتان في جنوب المحيط الهادئ‪ ،‬لذلك فإن منطقة جزر المحيط الهادئ بأكملها تدخل ضمن‬
‫تعريف آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬جنبا إلى جنب مع أستراليا ونيوزيلندا‪ ،‬تشكل الدول الجزرية المستقلة وذات الحكم‬
‫‪1‬‬
‫الذاتي منتدى جزر المحيط الهادئ‪ .‬أهم الدول الجزرية هي "بابوا غينيا الجديدة" و"فيجي"‪.‬‬
‫ما يقارب نصف مساحة آسيا‪-‬باسيفيك عبارة عن مياه‪ ،‬فهي تتألف من مجموعة من الجزر والبحار‬
‫األرخبيلية ومضائق إندونيسيا‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬سنغافورة‪ ،‬الفلبين‪ ،‬وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي‪ .‬تشكل هذه‬
‫المياه هي الروابط البحرية واإلقتصادية والعسكرية بين شمال شرقي آسيا وجنوب آسيا‪ ،‬الشرق األوسط وأوروبا‬
‫واألمريكيتين عبر المحيط الهادئ‪ ،‬هذه األهمية الجيواستراتيجية هي من بين أهم العوامل التي تجعل من المنطقة‬
‫مجاال لتنافس القوى الكبرى‪ 2.‬لذلك فقد جعل الثقل السياسي واالستراتيجي واالقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ‬
‫‪3‬‬
‫جديدا للقوة في الجغرافيا السياسية العالمية‪.‬‬
‫مركز ً‬
‫منها ًا‬

‫تم تنظيم آسيا والمحيط الهادئ المعاصرة كنظام من الدول على أساس نموذج "ويستفاليا" الذي تم تطويره‬
‫في أوروبا عام ‪ .1648‬نتج التحول إلى هذا النموذج عن تأثير األوروبيين في المنطقة‪ ،‬لكن نظام ويستفاليا لم يكن‬
‫يخيا‪ .‬كانت الصين القوة المهيمنة في شرق آسيا‪ ،‬لكنها عملت كـ "حضارة" وليس كـ "دولة" أو‬‫النموذج السائد تار ً‬
‫‪4‬‬
‫"قوة سيادية" بالمعنى الغربي الحديث‪.‬‬

‫من منظور سياسي فإن مفهوم "آسيا والمحيط الهادئ" يضفي الشرعية على تدخل الواليات المتحدة في‬
‫شؤون شرق آسيا‪ .‬ال يمكن للواليات المتحدة أن تصف نفسها بأنها قوة آسيوية‪ ،‬لكن مشاركتها الواسعة في المحيط‬
‫الهادئ تبرر وصفها بأنها جزء من منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬على الرغم من أنها ال تحمل ثقل الواليات المتحدة‪،‬‬
‫إال أن الدول الغربية ذات التوجه الهادئ مثل أستراليا وكندا‪ ،‬ونيوزيلندا لديها أسباب مماثلة لدعم هذا البناء‪ .‬في‬
‫مبرر إلستمرار التدخل‬
‫حالة اليابان‪ ،‬كان أحد العوامل المهمة وراء دعمها للمفهوم هو أنه في حين أن المفهوم قدم ًا‬

‫األمريكي في شؤون شرق آسيا‪ ،‬فقد أدى ً‬


‫أيضا إلى جعل هذه المشاركة متعددة األطراف‪ .‬من منظور اليابان‪ ،‬كان‬

‫‪1‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪ -2‬فالح أمينة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, “From the Asia-Pacific to the Indo-Pacific: Expanding Sino-U.S. Strategic Competition”, (China‬‬
‫‪Quarterly of International Strategic Studies Vol. 3, No. 4), p 508. https://cutt.ly/wAgtZLt‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Derek McDougall, Op. Cit. p 8.‬‬

‫‪107‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫هذا يعني أنه إذا نشأت التوترات في العالقات األمريكية اليابانية‪ ،‬فقد تكون هناك احتماالت لنزع فتيل هذه التوترات‬
‫‪1‬‬
‫في إعدادات إقليمية أوسع‪.‬‬
‫بعض تعريفات منطقة آسيا والمحيط الهادئ ال تشمل الواليات المتحدة وكندا فحسب‪ ،‬بل تشمل بلدان‬
‫ساحل المحيط الهادئ في أمريكا الالتينية‪ .‬المكسيك وبيرو وشيلي األعضاء في منظمة التعاون االقتصادي آلسيا‬
‫والمحيط الهادئ‪ .‬وتشكل الدول الجزرية المستقلة وذات الحكم الذاتي منتدى جزر المحيط الهادئ‪ .‬أهم الدول‬
‫‪2‬‬
‫الجزرية هي "بابوا غينيا الجديدة" و"فيجي"‪.‬‬

‫فاإلقليمية ليست أحادية الحجم‪-‬أي يمكن أن تحدث أو يتم تصويرها أو يتم إنشاؤها على مستويات مختلفة‪-‬‬
‫‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن المفهوم اإلقليمي المتنازع عليه‪" ،‬آسيا والمحيط الهادئ"‪ ،‬قد تم تمثيله في عدد من النطاقات المختلفة‬
‫‪-‬على سبيل المثال‪ ،‬مقياس شامل لحافة المحيط الهادئ أو مفهوم حوض المحيط الهادئ وهو مفهوم آسيا والمحيط‬
‫الهادئ؛ ثانياً‪ ،‬مقياس أقل شموالً لمنظمة التعاون االقتصادي آلسيا والمحيط الهادئ (‪)APEC‬؛ ثالثًا‪ ،‬مقياس دول‬
‫ابعا‪ ،‬مفهوم إقليمي يقتصر على آسيا‪ .‬كما هو الحال مع جميع المناطق اإلقليمية‪ ،‬توجد‬ ‫غرب المحيط الهادئ‪ ،‬ور ً‬
‫(غالبا ما تكون متنافسة) لبناء وتصوير منطقة آسيا والمحيط‬
‫ً‬ ‫مجموعة متنوعة من الدوافع االقتصادية والجيوسياسية‬
‫‪3‬‬
‫الهادئ بطرق مختلفة أو إلنشاء مناطق آسيا والمحيط الهادئ المختلفة على مستويات مختلفة‪.‬‬
‫هذا يمس أحد األبعاد األكثر أهمية لإلقليمية المتنازع عليها وهو الشمولية أو الحصرية‪ ،‬باإلضافة إلى ما‬
‫تماما مع أو يتعارض بطريقة ما مع أهداف الدولة‪ .‬يمكن رؤية هذا البعد من اإلقليمية‬
‫إذا كان نوع اإلقليمية متوافًقا ً‬
‫المتنازع عليها على أنه يعمل عمليا من منظورين‪ ،‬أي من وجهة نظر الدولة الراغبة في االندماج ومن وجهة نظر‬
‫الدولة أو الدول الراغبة في تطبيق اإلقصاء؛ في كلتا الحالتين‪ ،‬يمكن استخدام عضوية المنظمات اإلقليمية كآلية‬
‫‪4‬‬
‫إلنشاء أو إعادة تشكيل شكل من أشكال الهوية اإلقليمية‪.‬‬
‫وبخصوص البيئة األمنية في آسيا‪-‬المحيط الهادي بعد نهاية الحرب الباردة تتميز بوجود ثالث دول قارية‬
‫كبرى هي الصين والنهد وروسيا‪ ،‬وهناك قوس من الدول البحري إما صديقة أو حليفة للواليات المتحدة؛ وتعد الصين‬
‫واليابان قوى عسكرية كبرى في منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادئ وبدرجة أقل الهند وروسيا‪ 5.‬بناء على ذلك‪ ،‬فإن منطقة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Derek McDougall, Op. Cit. p 6.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. P 7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Dennis Rumley. Op. cit. p 7.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. Pp 7-8.‬‬
‫‪ -5‬هدى ميتكيس وصدقي عابدين‪ ،‬قضايا األمن في آسيا‪( ،‬مصر‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز الدراسات اآلسيوية‪ ،)2004 ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪108‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫آسيا والمحيط الهادئ ثنائي القطبية‪ ،‬ليس ألن الصين قوة صاعدة وإنما ألنها قوة إقليمية راسخة‪ ،‬فالواليات المتحدة‬
‫األمريكية ليست قوة مهيمنة إقليمية‪ ،‬وإنما تتقاسم مع الصين مكانة القوة العظمى في توازن القوة؛‪ 1‬لذلك تتميز البنية‬
‫اإلقليمية ثنائية القطبية فيما بعد الحرب الباردة بالهيمنة الصينية على شرق آسيا القارية والهيمنة األمريكية على‬
‫جنوب شرقي آسيا البحرية؛ من هنا‪ ،‬فالعالقة الجيوسياسية األكثر جوهرية في آسيا‪-‬باسيفيك هي العالقة بين‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬أقوى العب عسكري في المنطقة والصين المنافس الرئيسي المحتمل لقيادة الواليات المتحدة في‬
‫المنطقة‪ .‬لذا‪ ،‬تعتبر التغييرات في العالقات بين الواليات المتحدة والصين ذات صلة باالستقرار محليا في أي جزء‬
‫من آسيا‪ ،‬وعبر المنطقة اآلسيوية وحتى على المستوى العالمي وتتشكل من خاللها األحداث اآلسيوية والعالمية؛‬
‫بارز في العالقات الصينية األمريكية‪ ،‬وضع "تايوان"‬
‫دور ًا‬
‫ومن بين القضايا األمنية المختلفة في آسيا التي تلعب ًا‬
‫وبحر الصين الجنوبي‪ ،‬والوجود اإلقليمي للقوات العسكرية األمريكية‪ ،‬ونمو القدرات العسكرية الصينية‪ ،‬والقضية‬
‫‪2‬‬
‫النووية لكوريا الشمالية‪.‬‬

‫‪ -1‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.316‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Fenna Egberink with Frans-Paul van der Putten, Op. cit .p 2.‬‬

‫‪109‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫باسيفيك وخلفيات التنافس‬-‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‬

1‫خريطة توضح منطقة آسيا باسيفيك والدول التي تنتمي لها من الناحية الجغر افية‬

1
- Ralph A. Cossa and others, The United States and the Asia-Pacific Region: Security Strategy for the Obama
Administration.) Pacific Forum CSIS, Institute for Defense Analyses (IDA), Center for a New American Security (CNAS),
February 2009), p 11. https://cutt.ly/vPTt9dW

110
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الخصائص الجيوسياسية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪.‬‬


‫يمر إقليم آسيا والمحيط الهادي بتغيرات هائلة‪ ،‬نتيجة لتسارع مستويات النمو اإلقتصادي والمنافسة‪ ،‬جنباً‬
‫إلى جنب مع مستويات عميقة من التكامل اإلقليمي والدولي‪ ،‬باإلضافة إلى التغيرات الديموغرافية في بعض دول‬
‫‪1‬‬
‫اإلقليم‪ ،‬وتصاعد القومية ونمو الوعي العام تجاه األحداث الشائكة التي تقع على حدود هذه الدول‪.‬‬

‫رغم أن منطقة آسيا والمحيط الهادي تتمتع باإلستقرار مقارنة بالمناطق األخرى‪ ،2‬فإن األهمية االقتصادية‬
‫واالستراتيجية يضمن انشغال القوى العظمى بتوازن القوى في منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادي‪ 3.‬غير أن عوامل عدم‬
‫االستقرار مازالت قائمة‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العالقات بين القوى الكبرى تجتاز التغيير والتجديد وإعادة التشكيل من جديد‪ ،‬والتكتالت العسكرية والتحالفات‬
‫األمنية‪ ،‬مازالت قائمة في فترة ما بعد الحرب الباردة‪" ،4‬روبرت روس" في مقاله "جغرافية السالم‪ :‬شرق آسيا في‬
‫القرن الحادي والعشرين"‪ ،‬جادل بأن الجغرافيا ستلعب دو ار رئيسيا في تشكيل التنافس بين القوى العظمى في منطقة‬
‫آسيا‪-‬المحيط الهادئ‪ ،‬وأن هذا التنافس سيظل سلميا‪ ،‬ويذهب "روس" إلى أن الجغرافيا تضمن أن تظل منطقة آسيا‪-‬‬
‫‪5‬‬
‫المحيط الهادي ثنائية القطبية بين الصين والواليات المتحدة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن منطقة جنوبي شرقي آسيا تتعايش مع أوضاع التحوالت التي تشهدها الدول‪ ،‬ولم يتم إزالة األوضاع‬
‫المتوترة في شبه الجزيرة الكورية وحول التايوان؛ ومنذ نهاية حرب فيتنام‪ ،‬استفادت آسيا من توازن قوة فريد‪ ،‬حيث‬
‫القوى القارية اآلسيوية ‪-‬اإلتحاد السوفياتي أوال‪ ،‬ثم الصين‪-‬كانت "متوازنة " من قبل الواليات المتحدة بقيادة تحالف‬
‫‪6‬‬
‫القوى الساحلية اآلسيوية‪ ،‬بما في ذلك أصدقاء وحلفاء الواليات المتحدة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عودة النزاعات التاريخية حول الحدود اإلقليمية والمياه اإلقليمية والثروات الطبيعية بين دول منطقة جنوب‬
‫وجنوب شرق آسيا‪ 7.‬ومن منظور واقعي معياري فإن التغييرات غير المتوقعة في توزيع القدرات في منطقة آسيا‬

‫‪ -1‬باسم راشد‪ " ،‬الصراع والتعاون في إقليم آسيا والمحيط الهادي"‪( ،‬مؤسسة كارينغي للسالم الدولي‪ ،)2015/07/16 ،‬تاريخ التصفح‪،)2000/05/14 :‬‬
‫‪https://cutt.ly/gAjxtvo‬‬
‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬الصين والواليات المتحدة األمريكية خصمان أم شريكان ‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد العزيز حمدي عبد العزيز‪( ،‬القاهرة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪،‬‬
‫ط‪ ،)2003 ،1‬ص ‪.124‬‬
‫‪ -3‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪ -4‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫‪ -5‬سين لين جونز‪" ،‬مقدمة" في‪ :‬مايكل إي براون وآخرون‪ ،‬صعود الصين‪ ،‬تر‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط ‪ ،)2010 .1‬ص‪.40‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 19.‬‬
‫‪ -7‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬

‫‪111‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫والمحيط الهادئ تزيد من حالة سوء الظن وعدم اليقين‪ ،‬كما يمكن ألهمية الممرات البحرية وموارد الطاقة لكل‬
‫‪1‬‬
‫الفاعلين اإلقليميين أن تسهم في منافسة مزعزعة لإلستقرار‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن اليابان في ظل حماية "الدليل الجديد للتعاون الدفاعي األمريكي‪-‬الياباني" سوف تعزز قوتها العسكرية‪،‬‬
‫ينجم عنه سباق تسلح في المنطقة‪ .‬فبالنسبة لقوة بحرية من خارج المنطقة مثل الواليات المتحدة األمريكية يعد من‬
‫المالئم أن تجد تعاونا مع قوة بحرية بعيدة عن الشاطئ من الصف الثاني‪ ،‬بحيث يمكن للحليف اإلقليمي أن يوفر‬
‫للقوة البعيدة (الواليات المتحدة االمريكية كمثال) تسهيالت بحرية متقدمة في المنطقة بما يسهم في بناء توازن أمني‬
‫‪2‬‬
‫استراتيجي مشترك أمام الصين‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ لم تشكل آلية معقولة ومنظمة للتعاون األمني متعدد األطراف؛‪ 3‬وإذا كانت‬
‫‪4‬‬
‫المعضلة األمنية تنطبق على منطقة آسيا‪-‬الباسفيك فإن فرص تصاعد التوتر في المنطقة تبدو كبيرة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أن األزمات المالية واالقتصادية الناجمة عن مشكالت هياكل التنمية االقتصادية في منطقة شرق آسيا قد‬
‫‪5‬‬
‫تؤدي إلى إحداث تغييرات في التكوين األمني اإلقليمي‪.‬‬
‫إضافة لعوامل عدم االستقرار في منطقة آسيا الباسيفيك فإنها تشهد أربعة تغييرات وتطورات أساسية؛ األول‬
‫هو الوزن االقتصادي والسياسي المتزايد للمنطقة‪ ،‬تنتج المنطقة ‪%30‬من الصادرات العالمية وتتجاوز تجارتها الثنائية‬
‫سنويا‪ ،‬وتمتلك ثلثي احتياطيات النقد األجنبي العالمية‪ 6.‬العامل الثاني هو‬
‫ً‬ ‫مع الواليات المتحدة ‪ 1‬تريليون دوالر‬
‫صعود الصين‪ ،‬وهو المسار الذي أدخل جهة فاعلة تتمتع بثقة أكبر وثراء وقوة في المزيج االستراتيجي‪ُ .‬يحسب‬
‫للصين أنها تدرك أنها بحاجة إلى بيئة أمنية سلمية من أجل تحقيق تحولها؛ مع ذلك فإن هذا الصعود يخلق‬

‫معضالت‪ :‬فالقوة المتزايدة للجيش الصيني أزعجت جيرانها‪ ،‬الذين يعتمدون ً‬


‫أيضا على الصين في نموهم االقتصادي؛‬
‫تثير اإلستراتيجية العسكرية للصين قلق الدول التي ترى أن سعي الصين لألمن يخلق حالة من انعدام األمن بالنسبة‬
‫لها‪ 7.‬والعامل الثالث هو ظهور عدد متزايد من الدول الحائزة لألسلحة النووية وما يصاحب ذلك من تهديد باالنتشار‪.‬‬
‫أجرت الهند وباكستان تجارب نووية‪ ،‬وكذلك كوريا الشمالية‪ .‬تواصل الصين تحديث قدراتها النووية والصاروخية‬

‫‪ -1‬توماس جي كريستنسن‪" ،‬الصين والتحالف األمريكي‪-‬الياباني والمعضلة األمنية في شرق آسيا"‪ .‬في‪ :‬مايكل إي براون‪ ،‬صعود الصين‪ ،‬تر‪ :‬مصطفى قاسم‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط ‪ ،)2010 .1‬ص ‪.262‬‬
‫‪ -2‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.335‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ -4‬توماس جي كريستنسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫‪ -5‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.125-124‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 3.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- I bid. p 3.‬‬

‫‪112‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫الباليستية‪ .‬تشرع روسيا في برنامج تحديث استراتيجي خاص بها‪ .‬انسحبت الواليات المتحدة من معاهدة الصواريخ‬
‫‪1‬‬
‫المضادة للصواريخ الباليستية (‪ )ABM‬وتنشر أنظمة دفاع صاروخي في المنطقة‪.‬‬

‫تتميز بنية النظام الدولي فيما بعد الحرب الباردة باألحادية القطبية لصالح الواليات المتحدة‪ ،‬لكن السيادة‬
‫العالمية ال تعني أن للواليات المتحدة األمريكية هيمنة على السيادة اإلقليمية‪ .‬فاألبنية اإلقليمية يمكن أن تفترق عن‬
‫نمط البنية العالمية‪ .‬ويمكن للتمييز التحليلي بين القوة اإلقليمية أن يوضح ذلك‪ 2.‬كما الحظ "وليام فوكس"‪ ،‬فإن‬
‫القوة العظمى هي القوة العظمى التقليدية في المناطق البعيدة عن إقليمها‪ ،‬في حين أن القوى اإلقليمية تتمتع بـ‬
‫"مكانة القوة العظمى" لكن "مصالحها وتأثيرها يكونان كبيرين في مسرح وحيد فقط لصراع القوة"؛ ويشرح "كينيث‬
‫بولدينغ " ‪ K. Boulding‬ذلك‪ ،‬بأن "فقدان القوة" يضعف القدرات في المناطق البعيدة‪ ،‬كما يسهم في تعادل القوى‬
‫‪3‬‬
‫العظمى‪.‬‬
‫أصبحت آسيا‪-‬باسيفيك مدفوعة في جزء كبير منها باإلنتعاش اإلقتصادي للصين واإلستفادة من نظام‬
‫محركا للنمو االقتصادي العالمي؛‪ 4‬مع ذلك‪ ،‬فمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك تتميز بتحوالت كبيرة في‬
‫ً‬ ‫تجاري دولي مفتوح‪،‬‬
‫توازن القوة‪ ،‬وتوزيعات منحرفة للقوة اإلقتصادية والسياسية بين الدول‪ ،‬وعدم تجانس ثقافي وسياسي‪ ،‬والمؤسسات‬
‫األمنية الضعيفة‪ ،‬والنزاعات اإلقليمية المنتشرة التي تجمع بين قضايا الموارد الطبيعية والنزعة القومية ما بعد‬
‫اإلستعمارية‪ 5.‬وتسيطر الواليات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على أجزاء كبيرة من منطقة المحيط الهادئ ألن الواليات‬
‫المتحدة لديها العديد من الجزر الصغيرة في المحيط الهادئ‪ ،‬ولديها تحالفات مع العديد من دول المحيط الهادئ‬
‫الصغيرة‪ .‬وتواجه الصين جدا ار من حلفاء الواليات المتحدة‪ ،‬وهي اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين؛ وينبغي‬
‫‪6‬‬
‫أال ننسى أن الواليات المتحدة ال تزال موجودة عسكريا في أفغانستان بين روسيا والصين‪.‬‬

‫ونظ ار لألهمية الجيوسياسية المتزايدة لمنطقة آسيا باسيفيك‪ ،‬يشكل اإلستقطاب أحد المحددات القوية‬
‫لديناميات القوى الكبر في المنطقة‪ ،‬لكنه ليس المحدد الوحيد‪ ،‬وليس بالضرورة المحدد الرئيسي‪ ،‬فثمة متغيرات‬
‫واقعية أخرى تكمل أو حتى تبطل تأثير اإلستقطاب الثنائي؛ فمصالح القوى العظمى المشروطة جغرافيا وأنماط‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. pp 3-4.‬‬
‫‪ -2‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P1.‬‬
‫‪ -5‬توماس جي كريستنسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p7.‬‬

‫‪113‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫امتالك األسلحة يمكن أن تكون متغيرات قوية بنفس القدر تؤثر على عالقات القوى العظمى في كل من الثنائية‬
‫والتعددية القطبية‪ .‬والعالقات األمريكية‪-‬الصينية تمثل استقطابا بين قوة برية وقوة بحرية لكل منهما أولوياته‬
‫السياسية‪-‬الطبيعية المتميزة‪ .‬وبقدر ابتعاد مصالحهما اإلقليمية وقدراتهما العسكرية عن التنفس بقدر ما يخف‬
‫الصراع‪ 1.‬وبالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬فإن حقيقة التعددية القطبية على الصعيدين السياسي واإلقتصادي‬
‫‪2‬‬
‫قد بدأت بعد انتهاء الحرب الباردة‪ ،‬حيث شهدت تغييرات عميقة في تكوين قوتها االقتصادية وبناء األمن القومي‪.‬‬
‫يصف المؤرخ "آرني ويستاد" ‪ Arne Westad‬جنوب شرق آسيا بأنه "المنطقة الحاسمة‪ ،‬التي ُيعلق مستقبلها‬
‫ن تيجة التنافس الكبير على النفوذ في آسيا‪ .‬في اعتقاده‪ ،‬يمتد التنافس إلى ما هو أبعد من القضايا البحرية‪ ،‬وقد‬
‫انجذبت دول جنوب شرق آسيا إلى هذه المنافسة‪ ،‬سواء كانت لديها نزاعات مع الصين في بحر الصين الجنوبي‬
‫أم ال‪ .‬واألسباب التي أدت إلى هذا التحول اإلستراتيجي‪ ،‬والطريقة التي يمكن أن تتطور بها المنازعات البحرية‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫والوسائل الدبلوماسية الالزمة للتفاوض بشأن التوترات وتقرير مستقبل المؤسسات اإلقليمية‪ ،‬كلها مسائل معقدة‪.‬‬

‫أصبحت البيئة األمنية داخل إقليم آسيا والمحيط الهادي أكثر تعقيداً؛ إذ تتسم هذه البيئة األمنية بظهور‬
‫العديد من مراكز القوى الصاعدة‪ ،‬والتي يأتي في مقدمتها الصين‪ ،‬تليها الهند واليابان‪ ،‬وكوريا الجنوبية وإندونيسيا‪.‬‬
‫كما تتميز أيضاً بتزايد كثافة العالقات التعاونية والتنافسية بين تلك الدول في العديد من القضايا الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫وتُؤشر تلك التطورات في مجملها‪ ،‬إلى تزايد كثافة أنماط التفاعالت بين الدول حول موضوعات كالسيادة اإلقليمية‪،‬‬
‫والمنافسة على الموارد‪ ،‬وأمن الطاقة‪ ،‬وأوضاع السوق االقتصادية‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬تخلق حوافز للتعاون لمواجهة‬
‫التهديدات األمنية المشتركة بداي ًة من التغير المناخي‪ ،‬مرو اًر باإلرهاب‪ ،‬وانتهاءاً بعدم اإلستقرار اإلقتصادي العالمي؛‬
‫كما ُتلقي تلك البيئة المعقدة عبئاً جديداً وتحدياً كبي اًر أمام صانع القرار األمريكي‪ ،‬نظ اًر للحضور األمريكي في تلك‬
‫‪4‬‬
‫المنطقة من العالم وعالقاتها اإلستراتيجية مع العديد من دوله‪.‬‬

‫إن التحوالت المستمرة في القوة الجيوسياسية من الغرب إلى الشرق تجعل منطقة آسيا والمحيط الهادئ‬
‫محركا لالقتصاد العالمي‪ ،‬وأصبحت‬
‫ً‬ ‫أكثر أهمية للواليات المتحدة اليوم من أي وقت مضى‪ .‬تعد المنطقة بالفعل‬
‫الدول اآلسيوية الرئيسية جهات فاعلة اقتصادية وسياسية عالمية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مع تنامي أهمية آسيا على مدى العقد‬

‫‪ -1‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.335-334‬‬


‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Munir Majid, “Southeast Asia Between China and the United States”,( London School of Economics and‬‬
‫‪Political Science, London, UK. November 2012), p 21. https://cutt.ly/iPUhpXS‬‬
‫‪ -4‬باسم راشد‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫طا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يدرك الحقائق‬


‫الماضي‪ ،‬تحتاج الواليات المتحدة األمريكية إلى نهج أكثر نشا ً‬
‫‪1‬‬
‫الجيوسياسية الجديدة ويضع الواليات المتحدة في وضع يمكنها من التعامل بفعالية مع التحديات الناشئة‪.‬‬

‫القوى الكبرى في آسيا في فترة ما بعد الحرب الباردة في مرحلة إعادة تحديد مواقفها اإلستراتيجية تجاه‬
‫بعضها البعض‪ .‬وأهم عامل تقوم عليه عملية التعديل هو الصعود السريع للصين؛ حيث تتجاوز الصين مركز القوة‬
‫اإلقليمية وتتجه نحو كونها قوة عالمية‪ .‬إن القوى الثالث الرئيسية األخرى في آسيا‪ ،‬الواليات المتحدة واليابان والهند‬
‫ـ تبحث عن السبل الكفيلة باإلستجابة لهذا التحول‪ ،‬شأنها في ذلك شأن البلدان الصغيرة المجاورة للصين‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من عدم وجود مؤسسة متعددة األطراف تتعامل مباشرة مع القضايا األمنية في آسيا‪ ،‬إال أن رابطة دول جنوب‬
‫شرق آسيا غالبا ما ُينسب لها أثر المساهمة في استقرار المنطقة بسبب مبادراتها الرامية إلى زيادة التعاون اإلقليمي‬
‫من خالل بناء المؤسسات اإلقليمية‪ .‬إذ ُيعتقد أن المبادرتين المتعددتي األطراف بقيادة اآلسيان واللذين كانا أكثر‬
‫صلة باألمن خارج جنوب شرق آسيا نفسها ‪-‬المنتدى اإلقليمي لآلسيان ‪)ARF( ASEAN Regional Forum‬‬
‫‪2‬‬
‫واآلسيان زائد ثالثة ‪ ،- )APT( ASEAN Plus Three‬سهلت ووسعت التفاعل الدبلوماسي بين أعضائها المعنيين‪.‬‬
‫بالنسبة لليابان كا نت قوة أحادية البعد في التسعينيات‪ ،‬مستعدة للعمل كنموذج اقتصادي لكنها مترددة في‬
‫المغامرة كشريك في الشؤون المتعلقة باألمن؛ وبالمثل‪ ،‬فإن الهند‪ ،‬التي طالما لعبت دو ار محوريا في جنوب آسيا‪،‬‬
‫قد تحول انتباهها إلى الشرق‪ ،‬مع مزيد من المشاركة اإلقتصادية والسياسية مع جيرانها في شرق آسيا‪ 3 .‬ويمثل‬
‫عامل الصين في البيئة األمنية اآلسيوية المتطورة معضلة استراتيجية لمعظم جيران الصين؛ العالقة اإلقتصادية‬
‫بين كل دولة والصين أساسية للرفاهية االقتصادية لجميع األطراف‪ ،‬وتعزز العالقات الثنائية القوية مع الصين‬

‫التبعية االقتصادية المتبادلة‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬يمثل التحديث العسكري للصين ً‬
‫‪4‬‬
‫أمنيا‪.‬‬
‫تحديا ً‬
‫وكمنطقة محورية‪ ،‬أصبحت منطقة المحيط الهادئ مركز القوة في الجيوسياسة العالمية؛ تعمل الصين‬
‫بنشاط على تعزيز التعاون المربح والترابط داخل المنطقة‪ .‬لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬أطلقت "مبادرة الحزام والطريق"‬
‫وغيرها من المبادرات لتعزيز التكامل اإلقليمي التي يمكن لجميع دول المنطقة االستفادة منها؛ مع ذلك‪ ،‬فمن‬
‫ايدا من الصين وهي مصممة على الحفاظ على تفوقها‬
‫تحديا متز ً‬
‫المنظور الجيوسياسي‪ ،‬الحظت الواليات المتحدة ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 3.‬‬
‫‪- Fenna Egberink with Frans-Paul van der Putten, Op. cit. pp 1-2.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 19.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 23.‬‬

‫‪115‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫العالمي من خالل اإلستمرار في زيادة وجودها العسكري في الهند والمحيط الهادئ وتعزيز تعاونها اإلستراتيجي‬
‫‪1‬‬
‫الرباعي مع اليابان وأستراليا والهند‪.‬‬

‫ويهيمن التنافس اإلقليمي الناشئ بين الصين والواليات المتحدة على الجيوسياسة الجديدة لجنوب شرق‬
‫آسيا‪ .‬تم تسليط الضوء على المسابقة من خالل األحداث التي وقعت في بحر الصين الجنوبي حيث أوضحت‬
‫الواليات المتحدة اهتمامها بضمان حرية المالحة والتسوية السلمية لنزاعات الصين مع الدول اإلقليمية‪ .‬البعض في‬
‫البنتاغون يخططون لـ "معركة جوية بحرية" ‪ Air Sea Battle‬في المنطقة مشابهة لـ "معركة الجوية البرية" ‪Air‬‬

‫‪ Land Battle‬المخطط لها خالل الحرب الباردة – من خالل "إعادة التوازن" للقوات البحرية في المحيط الهادئ من‬
‫حاسما بشكل متزايد في األجواء‬
‫ً‬ ‫دور‬
‫نظر ألن آسيا تلعب ًا‬‫نسبة ‪ %50‬الحالية إلى ‪ %60‬بحلول عام ‪ 2.2020‬و ًا‬
‫الجيوسياسية والجيواقتصادية العالمية‪ ،‬فقد أصبح المحيطين الهندي والهادئ العمود الفقري للتجارة التي تدفع اقتصاد‬
‫‪3‬‬
‫آسيا‪ .‬وتربط شبكة التجارة داخل هذين المحيطين آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأفريقيا وأوروبا والشرق األوسط‪.‬‬

‫تصف الجيوسياسة األهمية اإلستراتيجية الهائلة للمناطق الساحلية التي أشار إليها "نيكوالس سبيكمان" باسم‬
‫مناطق "ريمالند" في العالم‪ .‬مع التحوالت في نمط التجارة العالمية‪ ،‬تزداد أهمية المناطق البحرية‪ .‬يتم نقل تسعين‬
‫في المائة من التجارة العالمية عن طريق السفن في أنماط التجارة المعاصرة‪ ،‬وينتهي حوالي نصف هذه التجارة‬
‫على حافة "بحر الصين الجنوبي" أو تعبر من خالله‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن "بحر الصين الجنوبي" هو محور التجارة‬
‫‪4‬‬
‫الدولية ومصدر التوتر لرؤيته على أنه جوهر التنافس البحري اإلستراتيجي بين الواليات المتحدة والصين‪.‬‬

‫منذ أوائل السبعينيات من القرن الـ ‪ ،20‬وحتى نهاية الحرب الباردة كانت هناك عناصر "لمثلث استراتيجي"‬
‫في آسيا‪-‬الباسفيك مكون من الواليات المتحدة االمريكية وروسيا والصين؛ وقد جاء تملك القوة السوفياتية ليفسح‬
‫المجال لثنائية قطبية في المنطقة‪ :‬الصين والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وقد كانت الصين المستفيد اإلستراتيجي‬
‫الرئيسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعد تفكك اإلتحاد السوفياتي‪ .‬فقد مألت الصين الفراغ الناجم عن تراجع‬
‫النفوذ السوف ياتي في دول كثيرة‪ ،‬كما هو الحال على شبه الجزيرة الكورية‪ ،‬حيث أن المنافسة الصينية‪-‬السوفياتية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. pp 499-500.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 21.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 504.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 269.‬‬

‫‪116‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫في كوريا الشمالية خلفتها الهيمنة الصينية‪ ،‬كما جاء اإلنسحاب السوفياتي من فيتنام ليحول الهند الصينية إلى دائرة‬
‫‪1‬‬
‫نفوذ صينية‪.‬‬
‫مع حلول عام ‪ 1991‬كانت الصين أنجزت الهيمنة على شرق آسيا القارية‪ ،‬واإلستثناء الوحيد لذلك هو‬
‫تحالف كوريا الجنوبية مع الواليات المتحدة األمريكية؛ لكن في منتصف التسعينيات طورت الصين وكوريا الجنوبية‬
‫روابط استراتيجية قوية‪ ،‬فالدولتان تشتركان في القلق من اإلمكانيات العسكرية اليابانية؛ إذ تتبع كوريا الجنوبية‬
‫التجسير اإلستراتيجي ‪ Strategic Hedging‬من خالل تطوير روابط استراتيجية مع الصين استعدادا ألية إعادة نظر‬
‫أمريكية ممكنة حول التزاماتها تجاه كوريا الجنوبية‪ .‬خاصة وأن الصين أصبحت بحلول عام ‪ 1997‬ثالث أكبر سوق‬
‫‪2‬‬
‫تصدير لكوريا الجنوبية وأكبر مقصد لإلستثمار األجنبي المباشر لكوريا الجنوبية‪.‬‬
‫في المقابل‪ ،‬تهيمن الواليات المتحدة على شرق وجنوب آسيا البحرية‪ ،‬رغم أن الواليات المتحدة األمريكية‬
‫فقدت قواعدها في "تايلنر" عام ‪ ،1975‬وانسحبت من قواعدها في الفلبين عام ‪ ،1991‬لم يضعف ذلك من القوة‬
‫البحرية األمريكية في المنطقة‪ ،‬فالبحرية األمريكية تهتم "باألماكن وليس القواعد"؛ كما كان لدى الواليات المتحدة‬
‫األمريكية اتفاقيات وصول إلى التسهيالت البحرية في سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا وبروناي‪3.‬حيث أن القوى األخرى‬
‫ال تتمتع بحرية الوصول إلى التسهيالت في أي من هذه الدول وليس لديها حامالت طائرات يمكنها أن تظهر القوة‬
‫في المنطقة‪ ،‬فإن البحرية االمريكية تهيمن على جنوب شرق آسيا البحرية بما في ذلك طرق المالحة البحرية المهمة‬
‫‪4‬‬
‫التي تربط شرق آسيا بالشرق األوسط‪.‬‬
‫يؤكد "روس"‪ ،‬أن منطقة جنوب شرقي آسيا منطقة ثنائية القطبية ألن الصين قوة إقليمية راسخة والواليات‬
‫المتحدة قوى عظمى عالمية‪ ،‬لكنها مجرد قوة إقليمية في شرق آسيا؛ فالصين تهيمن على شرق آسيا القارية والواليات‬
‫المتحدة تهيمن على شرق آسيا البحرية‪5.‬وفقا لـ "روس"‪ ،‬فإن الصين والواليات المتحدة األمريكية سوف تتنافسان في‬
‫شرق آسيا ثنائية القطبية خالل فترة القرن الحادي والعشرين‪ .‬ويؤكد أنه من المظلل أن نطلق على الصين "قوة‬
‫صاعدة" ألن الصين قوى عظمى بالفعل في منطقة شرق آسيا‪ .‬فالصين يمكنها أن تزعزع استقرار المنطقة عن‬

‫‪ -1‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.316‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.317‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص ص ‪.318-317‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.318‬‬
‫‪ -5‬سين لين جونز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪117‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫طريق تحدي التفوق البحري األمريكي‪ ،‬خاصة وأن المحيط الهادي يفصل الواليات المتحدة األمريكية عن شرق‬
‫‪1‬‬
‫آسيا‪.‬‬
‫تتمتع الواليات المتحدة‪ ،‬وهي قوة غير أوراسية‪ ،‬بتفوق دولي‪ ،‬مع نشر قوتها مباشرة على أطراف القارة‬
‫األوراسية الثالثة‪ ،‬التي منها تمارس نفوذا قويا على الدول التي تشغل المنطقة الخلفية من أوراسيا‪ ،‬لكن من أهم‬
‫ملعب في العالم –أوراسيا‪-‬يمكن أن ينهض منافس أو عدة منافسين أقوياء للواليات المتحدة األمريكية؛‪ 2‬وأدى الصعود‬
‫السريع للصين إلى تحوالت في عالقاتها الثنائية مع الجهات األمنية الرئيسية األخرى في آسيا‪ ،‬ويؤدي إلى إعادة‬
‫تفسير ميزان القوى اآلسيوي ودور الصين (الناشئ) فيه؛ وسيكون التحدي الذي يواجه الواليات المتحدة هو محاولة‬
‫الحفاظ على بعض الشعور بالتوازن مع صعود الصين واليابان والهند وروسيا‪ ،‬والحفاظ على نوع من التوازن أو ال‬
‫‪3‬‬
‫تقوض بشكل خطير االستقرار اإلقليمي وتحقيق األهداف األمنية للواليات المتحدة في المنطقة‪.‬‬

‫في حقبة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬أجرت دول جنوب شرق آسيا تغييرات ملحوظة نحو السوق الحرة‬
‫والديمقراطية‪ .‬للواليات المتحدة مصلحة قوية في تشجيع هذه التغييرات وزيادة دمج هذه المنطقة الشاسعة والمتنوعة‬
‫في النظام الدولي الذي تقوده الواليات المتحدة؛ يتناسب الحفاظ على عالقة قوية مع دول جنوب شرق آسيا مع‬
‫استراتيجية الواليات المتحدة الكبرى وبالذات استراتيجيتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ يمكن لهذه العالقة أن‬
‫تساعد الواليات المتحدة في التعامل مع ظهور قوة عظمى تتحدى التفوق األمريكي والسيطرة على نقاط االختناق‬
‫االستراتيجية والموارد واألسواق؛ وتطوير نظام إقليمي في جنوب شرق آسيا بقيادة الواليات المتحدة‪ .‬على الجانب‬
‫تماما‪ .‬تريد جنوب شرق آسيا أن تكون منطقة صديقة للصين‪ ،‬وسوًقا‬
‫اآلخر‪ ،‬لدى الصين حسابات سياسية مختلفة ً‬
‫‪4‬‬
‫مستقر ألمن الصين‪.‬‬
‫ًا‬ ‫ومكانا‬
‫ً‬ ‫كبيرة للتنمية االقتصادية للصين‪،‬‬

‫باختصار‪ ،‬السياق الجيوسياسي في آسيا آخذ في التغير؛ وتعد كل من الواليات المتحدة والصين شريكين‬
‫مهمين لدول منطقة آسيا والمحيط الهادئ (جنوب شرقي وشرق آسيا)‪ ،‬وقد يؤدي التنافس المتزايد بينهما إلى وضع‬
‫مؤخر في نزاع بحر الصين الجنوبي‪ ،‬والذي‬
‫ًا‬ ‫هذه الدول في وضع حرج بين االثنين‪ .‬إن التدخل األمريكي المتزايد‬
‫تشارك فيه العديد من دول جنوب شرق آسيا والصين‪ ،‬هو توضيح لذلك‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬مع تحول العالقات‬

‫‪ -1‬سين لين جونز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.41-40‬‬


‫‪ -2‬زبيغنييف بريجنسكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 34.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- David Lai, ASIA-PACIFIC: A STRATEGIC ASSESSMENT, (Strategic Studies Institute and U.S. Army War College Press,‬‬
‫‪May 2013). P 53. https://www.files.ethz.ch/isn/165066/pub1155.pdf‬‬

‫‪118‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫الصينية األمريكية إلى "عالمية"‪ ،‬يعني أن تأثير دول جنوب شرق آسيا على القضايا ذات الصلة بهذه العالقة بين‬
‫‪1‬‬
‫الصين والواليات المتحدة األمريكية محدود بالضرورة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬انتقال مركز الثقل السياسي واإلقتصادي العالمي من األطلسي إلى آسيا‪-‬باسيفيك‪.‬‬
‫إن النظام الدولي وإن كان برأي البعض من سماته االستم اررية إال أنها استم اررية نسبية تتأثر بطبيعة‬
‫االحداث واألفعال لتؤدي بالتدريج إلى نمط جديد في ظاهرة العالقات الدولية ضمن إطار دولي جديد له صفاته‬
‫الخاصة به‪ ،‬األمر الذي يثير بحد ذاته عنص ار جديدا في تعقيد مفهوم النظام الدولي‪ 2.‬فخالل القرن العشرين كان‬
‫مركز الثقل االستراتيجي العالمي في أوروبا ثم الحقا في أوروبا وأمريكا‪ ،‬وقد كانت البنية العالمية التي تشكلت بعد‬
‫الحربين العالميتين األولى والثانية تتقرر وفقا للبنية االستراتيجية التي تحددها الدول الكبرى في أوروبا‪ ،‬وبعد نهاية‬
‫‪3‬‬
‫الحرب الباردة انتقال مركز الثقل الجيواستراتيجي إلى منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادئ‪.‬‬
‫تحتل منطقة آسيا والمحيط الهادئ اليوم ما يقرب من ربع الناتج المحلي اإلجمالي السنوي للعالم؛ من خالل‬
‫العديد من المقاييس‪ ،‬من المتوقع أن يستمر توزيع القوة االقتصادية العالمية هذا في ميله نحو منطقة آسيا والمحيط‬
‫الهادئ في العقود القادمة‪ ،‬مما يحول التكهنات بالتحول الجيوستراتيجي لمركز الطاقة من المحيط األطلسي إلى‬
‫المحيط الهادئ إلى حقيقة واقعة‪ .‬في الواقع‪ ،‬مع البنى التحتية‪ ،‬بما في ذلك سياسات التنمية االقتصادية الوطنية‬
‫النشطة‪ ،‬وتيسير مراكز اإلنتاج الصناعي‪ ،‬الالمركزية في وسائل النقل‪ ،‬وتوفير العمالة الكافية‪ ،‬واستراتيجيات‬
‫جيدا‪ ،‬كانت منطقة آسيا والمحيط الهادئ‬
‫التشغيل‪ ،‬واألهم من ذلك‪ ،‬االستراتيجيات الفكرية والهندسية الموضوعة ً‬
‫واحدة من أكثر الوجهات جاذبية لالستثمار األجنبي المباشر والتجارة والتصنيع والعديد من العمليات التجارية‬
‫الرئيسية األخرى‪ .‬ببساطة‪ ،‬فإن منطقة آسيا والمحيط الهادئ على وشك أن تصبح قوة اقتصادية في المحيط الهادئ‬
‫‪4‬‬
‫في القرن المقبل‪.‬‬

‫على مدى السنوات العشرين الماضية‪ ،‬حافظت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على معدالت نمو اقتصادي‬
‫عالية أعلى من تلك الموجودة في البلدان األخرى‪ ،‬وبالتالي أصبحت تُعرف باسم "محور النمو" لالقتصادات العالمية‪.‬‬

‫‪- Fenna Egberink with Frans-Paul van der Putten, Op. cit. p 2.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬صراع اإلرادات في آسيا‪ :‬دراسة في مستقبل التعاون اإلقليمي في آسيا وأثره على الشرق األوسط‪( ،‬دمشق‪ ،‬مركز الشرق‬
‫للدراسات‪ ،‬ط ‪ .)2007 ،1‬ص ‪.35‬‬
‫‪ -3‬خضر إبراهيم سلمان البدراني وعدنان خلف حميد البدراني‪" :‬استراتيجية إعادة التوازن األمريكية في آسيا وأثرها على الصين"‪ .‬المجلة السياسية والدولية‪،‬‬
‫(العراق‪ ،‬الجامعة المستنصرية‪ ،‬المجلد ‪ ،2016‬العدد ‪ ،)2016 ،30‬ص ‪.171‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. p2.‬‬

‫‪119‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫ومن المتوقع أن تظل تشهد أعلى معدالت النمو في العالم وأن تكون بمثابة محرك لإلقتصاد العالمي في السنوات‬
‫القادمة؛ وبالمثل‪ ،‬فإن الموجة الحالية من التنمية االقتصادية التي تركز على المجال االقتصادي‪ ،‬وزيادة التجارة‬
‫اإلقليمية وزيادة االعتماد المتبادل داخل اإلقليم قد انضمت إلى هذه الخصائص باعتبارها خصائص مهمة‪ .‬مع‬
‫مطلع القرن الحادي والعشرين‪ ،‬أصبح من الحقائق الثابتة أن مركز ثقل "ميزان القوى الدولي" قد انتقل من أوروبا‬
‫إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬بسبب ظهور الصين في المقام األول‪ .‬مع هذا التغيير المنهجي الكبير في النظام‬
‫العالمي‪ ،‬واجهت هيمنة الواليات المتحدة المهيمنة في "آسيا والمحيط الهادئ" مشكلة خطيرة‪ .‬حلت الصين محل‬
‫‪1‬‬
‫اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم وتبعتها لتصبح ثاني أكبر إنفاق عسكري في العالم‪.‬‬

‫وقد شكل تفكك اإل تحاد السوفياتي وانتهاء فترة الحرب الباردة بين المعسكرين التقليديين الشرقي والغربي‬
‫ألزمة العالقات الدولية والنظام الدولي بسبب حالة الفوضى الدولية التي نتجت عن انهيار شبكة العالقات والتوازنات‬
‫الدولية لصالح هيمنة قطب واحد وإلى حين بروز قوى دولية أخرى تنزع نحو لعب دور فاعل جديد‪ ،‬وظهور مدرسة‬
‫‪2‬‬
‫"ازدواجية المعايير" في إدارة العالقات الدولية وفي هرم اتخاذ الق اررات في المنظمات الدولية‪.‬‬
‫في حين أن هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كان القرن الحادي والعشرين سيكون ما يسمى بـ "القرن‬
‫اآلسيوي"‪ ،‬إال أنه ال يوجد شك في أن اهتمام صانعي السياسات على مدى العقد الماضي قد تحرك نحو منطقة‬
‫آسيا والمحيط الهادئ؛ وقد كان الدافع وراء ذلك مجموعة من العوامل التي تم الخالف في طبيعتها وآثارها‪ 3.‬لقد‬
‫كانت المعضلة النووية في شبه الجزيرة الكورية‪ ،‬والصراع بين الصين وتايوان‪ ،‬والمطالبات البحرية المتنافسة‬
‫واإلشتباكات العسكرية في بحر الصين الجنوبي‪ ،‬والتصورات المشتركة للواليات المتحدة كمزود األمن الرئيسي في‬
‫منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬من العوامل التي تميل إلى تعزيز الصلة بين المجمعات األمنية في شمال شرق آسيا‬
‫وجنوب شرق آسيا في فترة ما بعد الحرب الباردة‪ .‬أدى البعد األمني مع تطور األنظمة اإلقتصادية عبر الوطنية‬
‫كمنتدى التعاون االقتصادي آلسيا والمحيط الهادئ ‪ ،)APEC( Asia-Pacific Economic Cooperation‬إلى تعزيز‬
‫‪4‬‬
‫الهوية اإلقليمية "آلسيا والمحيط الهادئ"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p264.‬‬
‫‪ -2‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ص ‪.35-34‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, “The Asia-Pacific Power Balance beyond the US–China Narrative”, (U.S.A. The Royal‬‬
‫‪Institute of International Affairs), p 6. https://cutt.ly/5ATSke5‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Hari Singh, “Asia-Pacific in (America’s) New World Order”, (Buenos Aires, Latin American Council for Social Sciences,‬‬
‫‪2005), p 63. https://cutt.ly/KAYiJn3‬‬

‫‪120‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫توقع مفكرون أوروبيون آخرون ينتمون إلى الصنف األول من هذا القرن تحوال في مركز الثقل الجيوسياسي‬
‫نحو الشرق‪ ،‬مع تحول في منطقة المحيط الهادي –وبشكل خاص الواليات المتحدة واليابان‪-‬الوريثتين المحتملتين‬
‫لهيمنة أوروبا‪ 1 .‬إن التفوق األمريكي كقوة أحادية مهيمنة على عالم ما بعد الحرب الباردة تمارس السيطرة والتفوق‬
‫هو أمر واقع‪ ،‬بيد أن التجمعات والقوى اإلقليمية تسير باتجاه تطوير برامجها االقتصادية فضال عن العسكرية‬
‫والسياسية واالجتماعية‪ ،‬بما يشير إلى إمكانية بروز نظام متعدد األقطاب؛‪ 2‬ولهذا تتطلب التغييرات في المشهد‬
‫الجيوسياسي نظرة جديدة إلستراتيجية األمن األمريكية إذا كانت الواليات المتحدة ترغب في الحفاظ على مصالحها‬
‫وتأثيرها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وحمايتها‪ .‬هذا ال يعني أن الواليات المتحدة لم تكن تتفاعل مع البيئة‬
‫األمنية المتغيرة لديها‪ .‬لكن التغييرات تفوق قدرة الواليات المتحدة األمريكية على االستجابة في كثير من الحاالت‪،‬‬
‫وهناك حاجة إلى استراتيجية أكثر استباقية في مقابل رد الفعل‪.‬‬
‫في بداية القرن الحادي والعشرين‪ ،‬تنبأ الكثيرون بثقة بأن هذه الفترة ستصبح "القرن اآلسيوي" أو "قرن آسيا‬
‫والمحيط الهادئ"‪ .‬اآلن بعد أن دخلنا العقد الثالث ال يزال هذا التوقع يبدو في مساره؛‪ 3‬تبرز منطقة جنوب شرقي‬
‫آسيا أو آسيا المحيط الهادئ من جديد في فترة ما بعد الحرب الباردة كالعب سياسي واقتصادي مركزي ومحرك‬
‫لإلقتصاد العالمي؛ تضم بلدان شرق وجنوب شرق آسيا ما يقرب من ثلث سكان العالم‪ ،‬وتنتج حوالي ربع اإلنتاج‬
‫العالمي‪ ،‬وتنتج حوالي ربع الصادرات العالمية‪ .‬استحوذ المصنعون اآلسيويون على حصة كبيرة من سالسل اإلنتاج‬
‫العالمية‪ .‬تمتلك الحكومات اآلسيوية والمؤسسات التي تسيطر عليها الحكومة حوالي ثلثي احتياطيات العالم من‬
‫‪4‬‬
‫النقد األجنبي التي تزيد عن ‪ 6‬تريليون دوالر‪.‬‬

‫إن تراجع المكانة األمريكية بسبب األزمة اإلقتصادية العالمية (‪ )2012-2008‬بشكل خاص وعدم قدرة‬
‫اإلتحاد األوروبي على بلورة سياسة خارجية مشتركة‪ ،‬وتوالي األزمات اإلقتصادية الحادة كما دلت على ذلك أزمة‬
‫اليورو وانتعاش السياسات الوطنية‪ ،‬فنسبة النمو في الناتج المحلي واإلجمالي وحجم التجارة الخارجية إلى جانب‬

‫‪ -1‬زبيغنييف بريجنسكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫‪ -2‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.51‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- J.S. Eades and Malcolm J.M. Cooper, Op. cit. P1.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 20.‬‬

‫‪121‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫نمو اإلستثمار الخارجي المباشر كلها مؤشرات تدل على تحرك الثقل اإلقتصادي باتجاه اقتصاديات جنوب شرقي‬
‫‪1‬‬
‫آسيا أساسا‪.‬‬

‫يحدث هذا التحول في سياق تعميق العالقات اإلقليمية الصينية؛ نهوض الصين اإلقتصادي ونجاحها‬
‫ساعدها على إقامة عالقات تجارية ومالية قوية في منطقة جنوب شرقي آسيا؛ تعد الصين اآلن ثاني أكبر اقتصاد‬
‫سنويا منذ أواخر السبعينيات‪ ،‬ومع انخفاض الحصة األمريكية‬
‫في العالم‪ ،‬مع نمو اقتصادي يبلغ حوالي ‪ً %10-9‬‬
‫من الناتج اإلجمالي العالمي منذ عام ‪ .1999‬من المتوقع أن يتجاوز حجم االقتصاد الصيني مثيله في الواليات‬
‫المتحدة بحلول عام ‪ .2030‬كما تعد الصين أكبر مصدر في العالم وأكبر دولة تمتلك احتياطيات النقد األجنبي في‬
‫العالم‪ .‬كما أصبحت الصين أكبر دائن في العالم‪ ،‬بحيث تقرض الصين العالم النامي أكثر مما يقرضه البنك‬
‫‪2‬‬
‫الدولي‪.‬‬
‫إن الجدل حول "الصين الصاعدة"‪ ،‬ال يحجب حقيقة أن الصين قوة عظمى بالفعل في بنية ثنائية القطبية‪،‬‬
‫وإنما يحجب أيضا فهم أن الصين يمكن أن تزعزع االستقرار فقط عن طريق تحدي السيادة البحرية األمريكية‪،‬‬
‫وبالمثل فإن القلق األمريكي من صعود الصين يحجب حقيقة أن الواليات المتحدة تستطيع أن تحقق الهيمنة اإلقليمية‬
‫من خالل اضعاف التأثير الصيني‪ .‬واستمرار استقرار منطقة آسيا‪-‬باسيفيك من عدمه سوف يعتمد على القدرات‬
‫‪3‬‬
‫اإلستراتيجية وطموحات كل واحدة من هاتين القوتين إلى أن تخترق دائرة نفوذ األخرى‪.‬‬
‫إن صعود الصين كمنافس محتمل للهيمنة الغربية بقيادة الواليات المتحدة قد أشار إلى عودة المنافسة بين‬

‫القوى العظمى في النظام الدولي‪ .‬الصين‪ ،‬ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم ً‬
‫حاليا‪ ،‬في طريقها لتجاوز الواليات‬
‫أيضا أكبر مستهلك للطاقة في العالم وثاني أكبر‬
‫المتحدة بحلول عام ‪ 2030‬لتصبح أكبر اقتصاد في العالم‪ .‬وهي ً‬
‫‪4‬‬
‫منفق على الدفاع‪.‬‬

‫كانت الواليات المتحدة القوة العظمى العالمية الوحيدة منذ نهاية الحرب الباردة؛ ومع ذلك‪ ،‬مع دخول القرن‬
‫الحادي والعشرين‪ ،‬تتضاءل هيمنتها ويتجه العالم نحو تعددية قطبية أكبر‪ ،‬تطالب القوى الناشئة التي تمثلها مجموعة‬
‫البريكس (الب ارزيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) بصوت أكبر في السياسة العالمية؛ والعديد من مؤسسات‬

‫‪ -1‬ليلى عاشور حاجم وسالي موفق عبد الحميد‪" ،‬تكتل القوى االقتصادية الصاعدة‪ :‬مجموعة البريكس أنموذجا"‪ ،‬مجلة قضايا سياسية‪( ،‬العراق‪ ،‬جامعة‬
‫النهرين‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪https://cutt.ly/dAjtjju )2016 ،56-45‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 22.‬‬
‫‪ -3‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.326‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬

‫‪122‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫التعاون شبه اإلقليمية أو عبر اإلقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون ‪The Shanghai Cooperation Organisation‬‬

‫(‪ )SCO‬ورابطة دول جنوب شرق آسيا ‪ )ASEAN( the Association of Southeast Asian Nations‬أصبحت ال‬
‫غنى عنها في الحفاظ على السالم واإلستقرار والنمو اإلقتصادي في مناطقها؛ صعود روسيا في عهد بوتين وثقة‬
‫متزايدة بالصين‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬يمثل تحوال كبي ار في ميزان القوى العالمي‪ ،‬في محاولة لدفع اإلصالحات‬
‫‪1‬‬
‫الجوهرية في النظام العالمي على التحول نحو مزيد من التوازن‪.‬‬

‫كما هو الحال مع اقتصادها‪ ،‬لم تعد الواليات المتحدة كقوة سياسية عالمية تمارس الهيمنة الوحيدة في‬
‫جنوب شرق آسيا؛ لقد غير الثقل اإلقتصادي الصيني الموازين (أنظرامللحق رقم ‪ .)1‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الواليات المتحدة ال‬
‫تنتظر أن يتم اختزالها إلى مرتبة األسبقية في المنطقة نتيجة لما أطلق عليه البعض "الهيمنة الصينية بالتخفي"‪.‬‬
‫في حين أن األحداث الفريدة ولكن المهمة للغاية مثل نهج الصين الحازم المتزايد في نزاعات بحر الصين الجنوبي‬
‫قد يبدو أنها أعادت إشعال تدخل الواليات المتحدة في المنطقة‪ ،‬إال أن هناك استراتيجية أوسع إلعادة التوازن‬
‫‪2‬‬
‫لتسجيل القوة والنفوذ األمريكيين‪ ،‬وإحباط الصين‪.‬‬

‫في منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادئ‪ ،‬جعلت العالقات الصينية‪-‬اليابانية‪ ،‬والصينية األمريكية‪ ،‬واليابانية‬
‫األمريكية‪ ،‬والصينية اليابانية األمريكية‪ ،‬والكوريتان الشمالية والجنوبية‪ ،‬وغيرها من العالقات الثنائية ومتعددة‬
‫األطراف بحساسياتها وتعقيدات المنطقة مركز الثقل الجيوسياسي العالمي مع مطلع القرن الحادي والعشرين‪ 3.‬ومع‬
‫اإلنفتاح التدريجي الشامل لبنية آسيا‪-‬المحيط الهادئ‪ ،‬فإن الثقل الجيوسياسي شهد تحوال واضحا من منطقة األطلسي‬
‫‪4‬‬
‫(أوروبا وأمريكا) إلى آسيا‪-‬المحيط الهادئ‪.‬‬
‫أدت مشاركة الهند المتزايدة في شؤون آسيا والمحيط الهادئ إلى صياغة مصطلح آخر‪" ،‬المحيطين الهندي‬
‫أيضا قوى أخرى مثل أستراليا في مناسبات؛ وبشكل عام‪،‬‬‫والهادئ"‪ ،‬الذي تفضله الهند بوضوح‪ ،‬ولكنه استخدمته ً‬
‫‪5‬‬
‫شيوعا من "المحيطين الهندي والهادئ"‪.‬‬
‫ً‬ ‫تظل "آسيا والمحيط الهادئ" أكثر‬

‫من حيث كل من التجربة الجغرافية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ وتوجهها اإلستراتيجي والسمات‬
‫مشتركا‪ :‬المحيطان كمنطقة واحدة متجاورة‪ .‬ويستند هذا الفهم إلى حقيقة أن الغالبية العظمى‬
‫ً‬ ‫قاسما‬
‫األساسية‪ ،‬هناك ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 500.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 27.‬‬
‫‪ -3‬خضر إبراهيم سلمان البدراني وعدنان خلف حميد البدراني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Derek McDougall, Op. cit. p 7.‬‬

‫‪123‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫من تدفقات السلع في العالم‪ ،‬وكذلك إمدادات الطاقة‪ ،‬يتم نقلها عبر الطرق البحرية التي تعبر هذين المحيطين؛‬
‫حاليا الساحة التي تدور فيها المنافسة المتزايدة بين الواليات‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬تعد منطقة المحيطين الهندي والهادئ ً‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬فقد اكتسبت أهمية جيوسياسية‬
‫ً‬ ‫المتحدة والصين وحتى الهند في جنوب وجنوب شرقي آسيا‪.‬‬

‫وجغرافية اقتصادية منذ نهاية الحرب الباردة‪ .‬ويرى البعض أنه ليس فقط بناء جغرافي "خالص" ولكن ً‬
‫أيضا كبديل‬
‫لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية ‪ .)BRI( The Belt and Road Initiative‬وبالتالي‪ ،‬فإن الجوانب الجيوسياسية‬
‫والجيواقتصادية متشابكة بشكل وثيق في منطقة المحيطين الهندي والهادئ‪( 1.‬أنظرامللحقين رقم ‪2‬و‪)3‬‬

‫حدث هذا التشابك في سياق التنافس بين الواليات المتحدة والصين‪ ،‬والذي أصبح في العامين الماضيين‬
‫إرشاديا في العالقات الدولية‪ ،‬وخاصة في آسيا؛ إنها تشكل المناقشات االستراتيجية وكذلك الديناميكيات‬
‫ً‬ ‫نموذجا‬
‫ً‬
‫السياسية والعسكرية واالقتصادية‪ .‬المنافسة الصينية األمريكية على الهيمنة والمكانة تشمل عدة أبعاد‪ .‬ومن أهم هذه‬
‫المفاهيم تصورات التهديد العسكري‪ ،‬والتنافس في السياسة التجارية‪ ،‬والجوانب السياسية األيديولوجية واألفكار‬
‫المتنافسة حول النظام اإلقليمي؛ نتيجة لذلك‪ ،‬فإن تطوير التكنولوجيا واستخدامها‪ ،‬فضال عن الهياكل األساسية‪،‬‬
‫ينظر إليها على نحو متزايد باعتبارها عناصر المنافسة بين القوتين؛ ولذلك‪ ،‬فإن كال المحيطين الهندي والهادئ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫في نواح كثيرة‪ ،‬ترتبط ارتباطا وثيقا بجميع جوانب المنافسة بين الصين والواليات المتحدة‪.‬‬

‫وعلى هذه الخلفية‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن المفاهيم (المختلفة) لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ كمساحة‬
‫اتيجيا تستند إلى نوايا ومصالح سياسية محددة‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن مصطلح "المحيطين الهندي‬
‫افيا واستر ً‬
‫مفهومة جغر ً‬
‫والهادئ" نفسه‪ ،‬باإلضافة إلى استخدامه‪ ،‬ليس مجرد وصف أو قيمة محايدة‪ .‬بدالً من ذلك‪ ،‬فإن الحدود المرسومة‬
‫‪3‬‬
‫دائما ذات طبيعة سياسية‪.‬‬
‫فعليا المرتبطة بها‪ ،‬وآليات اإلدماج واالستبعاد‪ ،‬وإسناد خصائص معينة هي ً‬
‫ضمنيا أو ً‬
‫ً‬
‫مما سبق‪ ،‬يتوقع العديد من المحللين الجيوسياسيين مثل "روبرت كابالن" أن الواليات المتحدة ستعطي‬
‫األولوية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندي كمنطقتين مترابطتين مهمتين في أواخر عام ‪ 2010‬وما‬
‫بعده‪ .‬وعلى الرغم من أن البحر األبيض المتوسط والشرق األوسط يعتبران مركزين لسياسات القوة العالمية في القرن‬
‫العشرين‪ ،‬فإن دور المحيطين الهندي والهادئ أصبح أكثر برو از في القرن الحادي والعشرين‪ .‬ويعتقد كثير من‬
‫ديدا للمنافسة‬ ‫المراقبين أن المحيطين كانا محور صراع القوى الجيواقتصادية منذ السبعينات؛ واآلن‪ ،‬أصبحا ًا‬
‫مركز ج ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Felix Heiduk and Gudrun Wacker, From Asia-Pacific to Indo-Pacific: Significance, Implementation and Challenges,‬‬
‫‪(Berlin, German Institute for International and Security Affairs, July 2020), p 7. https://cutt.ly/BAkyLKu‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-I bid. p 8.‬‬

‫‪124‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫الجيواستراتيجية والجيوسياسية بين القوى العالمية‪ .‬في حين شهدت الميزانية العسكرية للصين زيادة سنوية مضاعفة‬

‫تقر ًيبا على مدى العقدين الماضيين‪ ،‬تحاول قوى إقليمية أخرى مثل الهند واليابان ً‬
‫أيضا زيادة قوتها العسكرية‪ ،‬ومن‬
‫‪1‬‬
‫المتوقع أن تنمو البحرية الهندية لتصبح ثالث أو رابع أكبر قوة بحرية في العالم‪.‬‬

‫جديدا في الجيوسياسة "الجديدة" لجنوب شرق آسيا‪ .‬الجديد في الجيوسياسة‬ ‫ً‬ ‫مما سبق‪ ،‬ليس كل شيء‬
‫"الجديدة" لجنوب شرق آسيا هو األولوية التي أعلنت الواليات المتحدة أنها تعطيها اآلن للمنطقة‪ .‬يأتي هذا بعد فترة‬
‫من اإلهمال النسبي منذ نهاية حرب فيتنام‪ ،‬والتركيز األمريكي األحدث على أفغانستان والعراق‪ ،‬حتى لو كان هناك‬
‫ارتباط مع جنوب شرق آسيا في أعقاب ‪ 11‬سبتمبر؛ منذ خروج الواليات المتحدة من الهند الصينية‪ ،‬وخاصة في‬
‫العقدين الماضيين‪ ،‬شهد نهوض الصين االقتصادي عمق واتساع نفوذها في جنوب شرق آسيا‪ ،‬وفي العالم بالفعل‪.‬‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬أدت االنشغاالت األمنية والعسكرية األمريكية في الشرق األوسط وآسيا الوسطى‪ ،‬فضالً عن األزمة‬
‫المالية واالقتصادية منذ عام ‪ ،2008‬إلى تضاؤل دورها اإلقليمي‪ .‬ولذلك فقد بدأ واقع استراتيجي جديد في التطور‬
‫‪2‬‬
‫في جنوب شرق آسيا‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تأثير األهمية الجيوسياسية آلسيا‪-‬الباسيفيك على العالقات بين القوى الكبرى‪.‬‬
‫أكثر المسائل ذات الصلة بالقوى الكبرى هي توازن القوى العالمية والقطبية الدولية‪ ،‬وتشير هذه األخيرة إلى‬
‫المضمون الذي قد يستقر عليه شكل النظام الدولي والعالقات بين وحداته بموجب توزيع مكونات القوة؛‪ 3‬وتناضل‬
‫القوى الكبرى من أجل تعظيم قوتها على منافسيها في سعيها لتحقيق الهيمنة‪ ،‬والدولة المهيمنة تكون فعليا القوة‬
‫العظمى الوحيدة في النظام‪ .‬والدولة األقوى بين القوى العظمى األخرى في النظام ال تكون مهيمنة‪ ،‬ألنها تواجه‬
‫قوى عظمى أخرى‪ ،‬إذ تشير الهيمنة إلى السيطرة على العالم بأسره‪ .‬لكن يمكن أن نطبق المفهوم أيضا على نظم‬
‫أصغر ونستخدمه لوصف مناطق محددة‪ .‬وبذلك يمكن أن نميز بين الدولة المهيمنة العالمية ‪Global Hegemon‬‬
‫‪4‬‬
‫التي تسيطر على العالم‪ ،‬والدولة المهيمنة اإلقليمية ‪ Regional Hegemon‬التي تسيطر على مناطق جغرافية مميزة‪.‬‬

‫من المعروف أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الزعامة األمريكية للعالم‪ ،‬والواليـات المتحـدة األمريكيـة‬
‫حققـت هيمنـة شـبه مطلقـة علـى القـرار السياسـي واإلقتصـادي والعسـكري في العـالم في حـين بــرزت دولــة الصــين‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 502.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 21.‬‬
‫‪ -3‬خضر عطوان‪ ،‬القوى العالمية والتوازنات اإلقليمية‪( ،‬األردن‪ ،‬عمان‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،)2010 ،1‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -4‬جون ميرشايمر‪ ،‬مأساة سياسة القوى العظمى‪ ،‬ترجمة مصطفى محمد قاسم‪( ،‬الرياض‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،)2001 ،‬ص ص ‪.51-50‬‬

‫‪125‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫كقــوة اقتصــادية‪-‬ماليــة منافســة للواليــات المتحــدة االمريكيــة‪ 1.‬وقد شكل تفكك اإلتحاد السوفياتي وانتهاء فترة الحرب‬
‫الباردة بين المعسكرين التقليديين الشرقي والغربي أزمة في العالقات الدولية والنظام الدولي بسبب حالة الفوضى‬
‫الدولية التي نتجت عن انهيار شبكة العالقات والتوازنات الدولية لصالح هيمنة قطب واحد وإلى حين‪ .‬وبروز قوى‬
‫دولية أخرى تنزع نحو لعب دور فاعل جديد‪ ،‬وظهور مدرسة "ازدواجية المعايير" في إدارة العالقات الدولية وفي‬
‫‪2‬‬
‫هرم اتخاذ الق اررات في المنظمات الدولية‪.‬‬

‫وتعمل القوى العظمى في آسيا في فترة ما بعد الحرب الباردة على إعادة تحديد مواقفها اإلستراتيجية تجاه‬
‫بعضها البعض؛ العامل األكثر أهمية في عملية التعديل هذه هو الصعود السريع للصين كالعب دولي رئيسي‪.‬‬
‫تتجاوز الصين مكانة القوة اإلقليمية وتتجه نحو كونها قوة عالمية‪ 3.‬وتبحث القوى الرئيسية الثالث األخرى في‬
‫عن طرق لالستجابة لهذا التطور‪ ،‬وكذلك الحال‬ ‫‪،-‬‬ ‫جنوب وجنوب شرقي آسيا ‪-‬الواليات المتحدة واليابان والهند‬
‫بالنسبة للدول المجاورة األصغر للصين‪ .‬على الرغم من عدم وجود مؤسسة متعددة األطراف تتعامل بشكل مباشر‬
‫مع القضايا األمنية في آسيا‪.4‬‬
‫ومع استعادة الصين لهونغ كونغ عام ‪ ،1997‬واحتمال ضم تايوان للوطن األم فإن الصين تصبح مؤهلة‬
‫للقيام بدور قوى عظمى األمر الذي يعطى لحركتها إزاء آسيا والسيما تطبيع وتطوير العالقات مع اليابان فضال‬
‫عن روسيا وكذلك الهند‪ ،‬إلى جانب مساعيها لتطوير العالقات مع دول آسيا األخرى وخاصة باكستان ودول آسيا‬
‫‪5‬‬
‫الوسطى أهمية خاصة في رسم معالم النظام الدولي متعدد األقطاب في مرحلة الحقة من القرن الحادي والعشرين‪.‬‬
‫وقد أدى نمو الصين كقوة عالمية من الناحية االقتصادية والتكنولوجية والعسكرية إلى زعزعة هيمنة الواليات المتحدة‬
‫وبعض حلفائها‪ .‬يشير موقفها الحازم في بحر الصين الجنوبي والشرقي‪ ،‬واستراتيجية مبادرة الحزام والطريق (‪)BRI‬‬

‫التي تسعى إلى دمج جزء كبير من أوراسيا مع اقتصادها‪ ،‬إلى تنافس قوي بين القوى العظمى يتميز بالتنافس بين‬
‫‪6‬‬
‫الواليات المتحدة والصين‪.‬‬

‫‪ -1‬صباح نعاس شنافة‪" ،‬القوة الصينية‪ :‬تحدي الصيرورة التاريخية والموقع في مدار القوى العالمية"‪ ،‬مجلة العلوم السياسية‪( ،‬جامعة بغداد‪ ،‬كلية العلوم‬
‫السياسية‪ ،‬عدد ‪ ،)2013 ،46‬د‪.‬ص‪https://cutt.ly/gPId8p1 .‬‬
‫‪ -2‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.35‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Fenna Egberink with Frans-Paul van der Putten, Op. cit. p 1.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 1.‬‬
‫‪ -5‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ص ‪.53-52‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, Op. cit.‬‬

‫‪126‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫غالبا ما يستعين المنظرون للتهديد الصيني بنظرية "انتقال القوة" ألورغنسكي‪ ،‬الذي يرى أن القوة تهدد دور‬
‫ومكانة الدولة في المجتمع الدولي‪ ،‬وأنه كلما تقلصت الفجوة بين القوة المهيمنة والقوة الصاعدة في عناصر القوة‬
‫الشاملة كلما زادت احتماالت الحرب بينهما‪ .‬وبالتالي تعاظم قوة الصين في ظل التراجع النسبي للقوة األمريكية وفقا‬
‫لمؤشرات قياس القوة سيؤدي إلى عدم اإلستقرار وغياب عامل الثقة اإلستراتيجي حول هيكل النظام الدولي بين‬
‫القوتين؛‪ 1‬ويرى بريجنسكي أن الصين وهي قلب العالم "‪ "Heartland‬الجديد‪ ،‬ستكون األصعب في عملية اإلعاقة‪،‬‬
‫بسبب كتلتها وإرادتها وخصوصيتها‪ ،‬ومن هنا أصبح االهتمام بمواجهة الصين أولوية أميركية طاغية‪ ،‬وهي تعمل‬
‫اآلن من أجل التواجد القوي في المحيط الهادئ وفي بحر الصين‪ .‬وهذا ما يعدل في الجيوبوليتيك األميركي القائم‬
‫على نظريات قلب العالم أو إقليم الحافة لقلب العالم "‪ "Rimland‬لتشمل الصين التي هي من إقليم الحافة المالصقة‬
‫‪2‬‬
‫للقلب‪ ،‬ما يدفع إلى الجمع بين النظريتين‪ ،‬كي يستمر حصار روسيا ويضاف إليه حصار الصين‪.‬‬

‫يستبعد كل من يتناول "بونيي جالسر ‪"Bonnie Glaser‬و"ماثيو فونايولي‪ ،" Matthew Funaiole‬قدرة الصين‬
‫على إزاحة الواليات المتحدة لتصبح القائد اإلقليمي في منطقة آسيا والمحيط الهادي‪ ،‬وذلك في ظل استمرار التراجع‬
‫في معدالت النمو‪ ،‬وضعف سوق األسهم الصينية‪ ،‬باإلضافة إلى التحدي الديموغرافي المتمثل في شيخوخة القوى‬
‫العاملة الصينية؛‪ 3‬لذلك‪ ،‬فإن أي تغيير يجري في قمة النظام الدولي البد أن يترك تأثيره على مجمل العالقات‬
‫الدولية ويشمل ذلك التوازنات اإلقليمية‪ ،‬لذلك فإن المتغيرات التي يشهدها النظام الدولي الحالي البد أن تترك‬
‫تأثيراتها على العالقات اإلقليمية فضال عن األدوار اإلقليمية التي تلعبها القوى اإلقليمية‪ ،4‬أو األدوار العالمية التي‬
‫تلعبها البيئات اإلقليمية في النظام الدولي وفي العالقات بين القوى العظمى المؤثرة فيه‪.‬‬

‫يجادل "روس" بأن التنافس األمريكي‪-‬الصيني في شرق آسيا يشبه التنافس األمريكي‪-‬السوفياتي في فترة‬
‫الحرب الباردة‪ ،‬ففي كلتا الحالتين كانت قوة أرضية تتنافس مع قوة بحرية للتأثير على منطقة إقليمية معينة ألسباب‬
‫سياسية‪-‬طبيعية عالمية‪ .‬وفي كلتا الحالتين كانت كل دولة تمتلك القدرات لتحدي مصالح الدولة األخرى؛‪ 5‬ويرى‬
‫"روس" أن التنافس األمريكي‪-‬الصيني يحتمل أن يظل تنافس ثنائي القطبية مستق ار؛ فالصين تأهبت للواليات المتحدة‬

‫‪ -1‬هديل حربي‪" ،‬مستقبل الصعود الكوني للصين وقيادة العالم في القرن ‪ ،"21‬مجلة قضايا سياسية‪( ،‬العراق‪ ،‬جامعة النهرين‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪ ،‬ع ‪،51‬‬
‫‪ ،)2018‬ص ‪https://www.iasj.net/iasj/article/139535 .257‬‬
‫‪ -2‬محمد طي‪" ،‬الجيوبوليتيك من منتصف القرن التاسع عشر حتى اآلن"‪( ،‬لبنان‪ ،‬المركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق‪ ،‬ط ‪ ،1‬العدد ‪ ،19‬ديسمبر ‪،)2019‬‬
‫ص ‪.22‬‬
‫‪ -3‬إسراء إسماعيل وعزة هاشم‪" ،‬القوى العالمية ‪ : 2016‬تحديات القيادة األمريكية وصعود النفوذ الروسي"‪( ،‬مركز الدراسات اإلستراتيجية والدولية‪،‬‬
‫‪https://cutt.ly/VAjb4SD .)2016/01/12‬‬
‫‪ -4‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -5‬سين لين جونز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪127‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫األمريكية بالتخلي عن ايديولوجيتها الماركسية لتتبنى سياسات اقتصادية براغماتية‪ ،‬ومن جانبها مازالت الواليات‬
‫المتحدة األمريكية تحتفظ بقوات كبيرة في شرق آسيا وما يزال اإلنفاق العسكري األمريكي عند مستويات عالية على‬
‫‪1‬‬
‫الرغم من انتهاء الحرب الباردة‪.‬‬
‫لقد ركزت النقاشات حول منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادي فيما بعد الحرب الباردة على فرص واحتماالت التوتر‬
‫اإلقليمي‪ ،‬وأكدت على صراعات القوى العظمى‪ .‬يرى بعض الباحثين أن التوتر سيزداد نتيجة للغياب النسبي‬
‫لمصادر السالم الليبرالي‪/‬الكانطي الثالثة‪ :‬الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬اإلعتماد اإلقتصادي المتبادل‪ ،‬والمؤسسات متعددة‬
‫األطراف؛‪ 2‬في حين يجادل الواقعيون بأن صعود الصين وما ينتج عنه من انتقال للقوة سوف يخلق صراع قوى‬
‫عظمى حول إعادة هيكلة النظام اإلقليمي‪ ،‬فيما يسير الواقعيون الجدد ‪ Neo-realists‬إلى ظهور التعددية القطبية‬
‫والتحديات الناتجة على اإلدارة السلمية لتوازن القوى؛‪ 3‬لذا يرى ميرشايمر أن بنية النظام الدولي توفر "حوافز قوية‬
‫للدول للبحث عن فرص لكسب القوة على حساب المنافسين"‪ ،‬وأن "هدف الدولة النهائي هو أن تكون مهيمنة ضمن‬
‫‪4‬‬
‫النظام"‪.‬‬
‫يرى "جون ميرشايمر" أن‪ " :‬التسليم بعدم القدرة على اإلطالع على النوايا والسيطرة على مخاوف الدول‬
‫إقليميا للسيطرة عليها يدفعنا إلى فهم المكونات الدنيا للبيئة الدولية التي‬
‫ً‬ ‫اإلقليمية من محاوالت القوى المهيمنة‬
‫يشوبها االضطراب وعدم التيقن؛ وعن صعود الصين وتأثيراته على الحالة األمريكية وعلى النظام الدولي في‬
‫‪5‬‬ ‫ٍ‬
‫متعاف وعلى مسار النمو‪.‬‬ ‫المحصلة النهائية‪ ،‬يرى أن صعود الصين كقوة عظمى أمر حتمي ما دام اقتصادها‬

‫ونظ ار ألن دوائر النفوذ األمريكية والصينية متمايزة ومنفصلة جغرافيا بالمياه يمكن لكل منهما أن تتدخل‬
‫في دائرتها الخاصة دون أن يمثل ذلك تهديدا لألخرى‪ .‬بينما أثناء الحرب الباردة في أوروبا كانت التدخالت‬
‫السوفياتي في أوروبا الشرقية‪ ،‬على خالف ذلك‪ ،‬تهدد أوروبا الغربية وتزيد التوترات‪ 6.‬لذلك فإن استقرار المنافسة‬
‫بين الواليات المتحدة األمريكية والصين تعززه أكثر حقيقة أن الدولتين بفضل الجغرافيا لهما مصالح متكاملة في‬

‫‪ -1‬سين لين جونز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ -2‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪ -4‬جوانيتا إلياس وبيتر ستش‪ ،‬أساسيات العالقات الدولية‪ ،‬تر‪ :‬محيي الدين حميدي‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،)2016 ،1‬ص‪.77‬‬
‫‪ -5‬أنس القصاص‪" ،‬اإلستراتيجية البحرية الصينية وتشكيل النظام العالمي الجديد"‪( ،‬القاهرة)‪ ،‬تاريخ النشر‪ ،2015/10/22 :‬تاريخ التصفح‪:‬‬
‫‪https://cutt.ly/OAjSalL.2019/08/15‬‬
‫‪ -6‬سين لين جونز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪128‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫شرق آسيا‪ ،‬الواليات المتحدة تسعى إلى السيطرة على طرق الممرات البحرية بالمنطقة‪ .‬بما يمكنها من الوصول إلى‬
‫األسواق والموارد اإلقليمية‪ ،‬وبإمكان الواليات المتحدة األمريكية أن تحقق ذلك دون تهديد الصين ألن شرق آسيا‬
‫بها دول جزيرية كثير توفر للواليات المتحدة حلفاء وقواعد عسكرية‪ .‬فضال عن أن هامش التفوق البحري األمريكي‬
‫‪1‬‬
‫على الصين كبير‪ .‬لكنه ال يسعى إلى إمكانية أو الرغبة في حروب برية كبرى في آسيا القارية‪.‬‬
‫كما يسهم االستقطاب الثنائي لشرق آسيا أيضا في النظام اإلقليمي‪ ،‬فمقارنة بالقوى العظمى في ظل‬
‫التعددية القطبية يكون للقوى العظمى في األبنية ثنائية القطبية نصيب أكبر في الحفاظ على النظام الدولي‪ ،‬بل‬
‫واألكثر من ذلك فإن حصتها الكبيرة من اإلمكانيات العالمية تعطيها القدرة على قبول الركوب المجاني للدول‬
‫األصغر وتولي عبء النظام في دوائر نفوذها حتى ال تتحدى الدول الصغيرة مصالح القوى العظمى‪ .‬وذلك يكون‬
‫أسهل عندما يكون إسهام الحلفاء في األمن وقدرتهم على المقاومة ضئيلة‪ 2.‬وتتوافر ديناميات االستقطاب من هذا‬
‫النوع في منطقة آسيا والمحيط الهادي‪ .‬فالصين تتوفق على جيرانها األصغر منها‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية‬
‫تتوفق على شركائها األمنيين‪ ،‬مع استثناء جزئي لليابان‪ .‬والجيوسياسة ‪ Geopolitics‬تعزز هذه الديناميات‪ ،‬وألن‬
‫دوائر النفوذ الصينية واألمريكية متمايزة ومنفصلة جغرافيا بالمياه فإن تدخل إحدى القوتين في مجال نفوذها الخاص‬
‫‪3‬‬
‫لن يطهر وكأنه تهديد لمصالح القوة األخرى في مجالها الخاص‪.‬‬
‫باعتبار أن الصين آخذة في الصعود‪ ،‬ومشاركة اليابان في المنطقة وفي أماكن أخرى أصبحت أكثر تنوعا‪،‬‬
‫أيضا تنهض وتتطلع إلى الشرق‪ ،‬بينما تسعى روسيا إلى إعادة تأكيد نفسها واستعادة المكانة المفقودة مع‬
‫والهند ً‬
‫تفكك االتحاد السوفيتي؛ في غضون ذلك‪ ،‬ليس من مصلحة الواليات المتحدة أن ُينظر إليك على أنها تحاول‬
‫تعطيل أو تأخير أي من هذه االتجاهات وقد تكون قدرتنا على القيام بذلك محدودة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يمكن للواليات‬
‫المتحدة ويجب عليها تطوير استراتيجية تساعد على إدارة هذه االتجاهات بطريقة تحافظ على التوازن االستراتيجي‬
‫الحالي وال تهدد المصالح الحيوية للواليات المتحدة‪ .‬التحدي األكبر هو صعود الصين‪ .‬أكبر فرصة لليابان هي أن‬
‫‪4‬‬
‫دور أكثر إيجابية يتناسب مع تأثيرها المتزايد‪.‬‬
‫تلعب ًا‬

‫‪ -1‬سين لين جونز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫‪ -2‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.333‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.333‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 33.‬‬

‫‪129‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫العالقات الثنائية الرئيسية في آسيا هما العالقات بين الصين واليابان‪ ،‬والصين والهند؛ وهذه العالقات وثيقة‬
‫الصلة في المقام األول باالستقرار في مناطق غرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي على التوالي‪ .‬وتشمل القضايا‬
‫األمنية الرئيسية في عالقة الصين مع اليابان‪ .‬الخالف اإلقليمي على بحر الصين الشرقي ونمو القدرات العسكرية‬
‫لدى الجانبين؛ أما في حالة العالقات الصينية الهندية‪ ،‬فتشمل القضايا األمنية بالمثل النزاعات اإلقليمية (أروناتشال‬
‫براديش ‪ Arunachal Pradesh‬وأكساي تشين ‪ Aksai Chin‬على وجه الخصوص) والتوسع المتبادل للقدرات العسكرية‬
‫غالبا ما تُستبعد من‬
‫‪-‬ال سيما تلك المتعلقة بالمواقع االستراتيجية في المحيط الهندي‪-‬؛ على الرغم من أن الهند ً‬
‫عادة على شرق آسيا‪ ،‬وهو ما‬ ‫النقاش األكاديمي حول دور رابطة دول جنوب شرق آسيا‪ً ،‬ا‬
‫نظر ألن التركيز ينصب ً‬
‫كان تركيز اآلسيان عليه حتى وقت قريب‪ ،‬إال أنه أصبح من الصعب بشكل متزايد فصل جنوب آسيا وشرق آسيا‬
‫من حيث العالقات األمنية‪ .‬يلعب المحيط الهندي ‪-‬حيث الهند العباً رئيسياً‪-‬دو اًر في التنافس الجيواست ارتيجي بين‬
‫وغالبا ما ُينظر إلى الهند على أنها قوة عالمية ناشئة في‬
‫ً‬ ‫الصين واليابان‪ ،‬وكذلك بين الصين والواليات المتحدة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫حد ذاتها وكشريك استراتيجي محتمل لليابان والواليات المتحدة ومنافس للصين‪.‬‬

‫‪- Fenna Egberink with Frans-Paul van der Putten, Op. cit. p 3.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪130‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األهمية الجيواقتصادية لمنطقة آسيا الباسيفيك‪.‬‬


‫بناء على األهمية الجيوسياسية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪ ،‬ونظ ار إلرتباطها الوظيفي مع القوة االقتصادية‪ ،‬فإنه‬
‫ً‬
‫من األهمية التطرق لألهمية الجيواقتصادية لهذه المنطقة في ضوء بروزها كمركز ثقل اقتصادي عالمي وتزايد‬
‫التنافس اإلقتصادي بين القوى الكبرى المشكلة لها من خالل التطرق لعدد من المتغيرات في شكل مطالب‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مؤشرات القوة االقتصادية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪.‬‬
‫دائما ما تكون القوة في النظام الدولي نسبية ومتغيرة؛ ترتفع الدول وتنخفض في المقام األول بسبب معدالت‬
‫ً‬
‫نموها اإلقتصادي غير المتكافئة؛ تنمو بعض الدول بسرعة أكبر من غيرها‪ ،‬وذلك بفضل السياسات والمؤسسات‬
‫المحلية‪ ،‬والتطورات التكنولوجية‪ ،‬وقدرة القيادة السياسية على تعبئة الموارد الوطنية التي تجعلها في وضع أفضل‬
‫من غيرها‪ .‬على مدى العقود الثالثة الماضية‪ ،‬أظهرت الصين قدرة هائلة على تخطيط وتعبئة الموارد الوطنية لتنفيذ‬
‫استراتيجيات عمل موجهة نحو الهدف وفي الوقت المناسب في المجاالت االقتصادية والدبلوماسية والعسكرية‪.‬‬
‫صاحب أكثر من ربع قرن من النمو االقتصادي المتسارع في الصين يرافقه نمو في اإلنفاق العسكري على مدى‬
‫‪1‬‬
‫السنوات الـ ‪ 20‬الماضية‪ ،‬والذي بدوره أعطى زخماً لتحالفات سياسية جديدة‪.‬‬

‫يركز النقاش العام حول منطقة آسيا والمحيط الهادئ في الغالب على الصين؛ هناك أسباب وجيهة لهذا‬
‫التركيز؛ الصين قوة عالمية ذات طموحات دولية متنامية وهي المحرك الرئيسي للنمو العالمي؛ حجم السوق الصينية‬
‫يساوي تقر ًيبا حجم بقية دول آسيا والمحيط الهادئ مجتمعة‪ 2.‬وقد كان ُينظر إلى التنمية االقتصادية في آسيا على‬
‫شيئا غير عادي كان يحدث‪ ،‬وهو ما‬ ‫أنها أكثر إشكالية‪ ،‬على الرغم من أنه بحلول الستينيات كان من الواضح أن ً‬
‫يشير إلى فترة النمو السريع الجارية في اليابان‪ .‬في وقت الحق فقط بدأ اإلدراك أن اليابان ليست وحدها‪ ،‬وأن‬

‫عمليات مماثلة كانت تجري ً‬


‫أيضا في اقتصادات "النمور" األربعة في هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان‪.‬‬
‫بحلول أواخر الثمانينيات من القرن الماضي‪ ،‬بدأت ماليزيا وتايالند والمناطق االقتصادية الخاصة في الصين بعد‬
‫‪3‬‬
‫مؤخر‪.‬‬
‫ًا‬ ‫اإلصالح في اإلنضمام إلى المسيرة المتزايدة لـ "األوز الطائر"*‪ ،‬مع انضمام الهند‬

‫‪1‬‬
‫‪- Mohan Malik, Op. cit. p 163‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- "EU Economic Cooperation with Asia-Pacific", (Asia-Pacific Committee of German Business, May 2021). P 4‬‬
‫‪https://cutt.ly/EATYKzG‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- J.S. Eades and Malcolm J.M. Cooper, Op. cit. p 1.‬‬
‫*‪-‬نظرية األوز الطائر (‪ : )Flying Geese Theory‬هي نظرية اقتصادية لتحليل تجارب الدول في جنوب شرق آسيا حول التنمية الصناعية‪ ،‬حيث تعمل‬
‫بطريقة تشبه طريقة طيران سرب األوز‪ .‬يطير األوز أثناء هجرته على شكل سرب ويكون القائد في مقدمة السرب ويليه السرب األول ومن ثم الثاني والثالث‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫في فترة ما بعد الحرب الباردة أصبحت آسيا شديدة العولمة؛ تعني الثروة المتزايدة والتطور التكنولوجي أن‬
‫الحكومات اآلسيوية والجهات الفاعلة الخاصة لديها قدرة أكبر من أي وقت مضى للمساعدة في استقرار االقتصاد‬
‫العالمي والمساهمة في حل المشاكل العالمية‪1‬؛ وعلى الرغم من األزمة المالية ‪ ،2009-2008‬ال تزال منطقة جنوب‬
‫شرقي آسيا اليوم موطن اإلقتصادات األكثر ديناميكية في العالم‪ .‬في عام ‪ ،1990‬بلغت حصة المنطقة من الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي العالمي ‪ .٪26.5‬وفي عام ‪ ،2006‬بلغ هذا الرقم ‪ .٪37.5‬في عام ‪ ،2006‬بلغ معدل نمو الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي إلقتصادات آسيا ‪ ،٪5.1‬مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ ‪.2٪3.9‬‬

‫تنمو منطقة آسيا والمحيط الهادئ كمنطقة ذات إيقاع جيوسياسي ديناميكي‪ .‬تصبح هذه المنطقة في الوقت‬
‫نفسه ساحة استعراض لـ "التنافس الناضج" بين الواليات المتحدة كدولة مهيمنة والصين باعتبارها القوة الصاعدة‪.‬‬
‫يتأرجح التنافس اإلستراتيجي بين الواليات المتحدة والصين مع تنافس قوتهما الدبلوماسية اإلقتصادية على دول‬
‫أخرى في المنطقة من خالل إظهار أن لديهما تأثير قوة أفضل ضد بعضهما البعض‪ 3 .‬ومع زيادة قوتها االقتصادية‬
‫حازما بشكل متزايد لإلصالحات في المؤسسات المتعددة األطراف لزيادة تمثيل‬
‫ً‬ ‫موقفا‬
‫والعسكرية‪ ،‬اتخذت الصين ً‬
‫ائدا في إنشاء مؤسسات تمويل التنمية البديلة مثل ‪The Asian‬‬
‫دور ر ً‬
‫وجهات نظر البلدان النامية‪ .‬كما لعب ًا‬
‫‪ )AIIB( Infrastructure Investment Bank‬وبنك التنمية الجديد ‪ )NDB( New Development Bank‬في مجموعة‬
‫بريكس؛ وينظر إلى هذه على أنها جهود للحد من تأثير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين تهيمن عليهما‬
‫أيضا أن النظام العالمي متعدد األقطاب هو ضرورة مطلقة ويركز على الحد من‬
‫الواليات المتحدة‪ .‬تؤكد الصين ً‬
‫القوة والتأثير األمريكي في الحوكمة العالمية‪ .‬أعلن "شي جين بينغ" أن الصين بحاجة إلى قيادة "إصالح نظام‬
‫‪4‬‬
‫الحوكمة العالمي بنزاهة وعدالة"‪.‬‬

‫ومنذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬تسارعت الجهود المبذولة لتشكيل هياكل متعددة األطراف للتعاون والتنسيق‬
‫اإلقتصادي والسياسي‪ :‬رابطة أمم جنوب شرق آسيا ‪ ،ASEAN‬والمنتدى اإلقليمي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا ‪the‬‬

‫‪ ،ASEAN Regional Forum‬ورابطة أمم جنوب شرق آسيا ‪ ،ASEAN Plus three 3 +‬ورابطة التعاون االقتصادي‬
‫آلسيا والمحيط الهادئ ‪ ،APEC‬التجمع االقتصادي لشرق آسيا ‪،(EAEC) the East Asia Economic Caucus‬‬
‫ومنظمة شنغهاي للتعاون ‪ ،the Shanghai Cooperation Organization‬وقمة شرق آسيا ‪.the East Asia Summit‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 20.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p 1.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Theosa Dinar Swastiningtyas, The Sino-American Strategic Rivalry in the Asia-Pacific, Thesis Presented to the‬‬
‫‪Higher Degree Committee Of Ritsumeikan Asia Pacific University, (Japan, September 2017), p 2.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬

‫‪132‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫البعض‪ ،‬مثل ‪ EAEC‬وقمة شرق آسيا في البداية‪ ،‬تهدف إلى استبعاد الواليات المتحدة؛ واستندت معارضة الواليات‬
‫المتحدة لمثل هذه الجهود إلى اهتمامها التاريخي باالنضمام إلى المنطقة؛ من الناحية المفاهيمية ومن حيث السياسة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فضلت الواليات المتحدة المنتديات عبر المحيط الهادئ‪ ،‬مثل ‪ ،APEC‬على عكس المنتديات اآلسيوية (‪.)EAEC‬‬

‫شمال شرق آسيا هو مكان تلتقي فيه خمس من أقوى دول العالم‪ :‬الصين واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا‬
‫والواليات المتحدة (الغريب الوحيد هو كوريا الشمالية)؛ ثالثة منها هي أكبر اقتصادات العالم (الواليات المتحدة‬
‫والصين واليابان) وأكبر جيوش (الصين والواليات المتحدة وروسيا)‪ 2.‬تشكل منطقة آسيا والمحيط الهادئ مستقبل‬
‫قواعد التجارة العالمية بشكل كبير باعتبارها أهم منطقة نمو يبلغ عدد سكانها ‪ 2.3‬مليار نسمة ويمثلون ‪ %30‬من‬
‫‪3‬‬
‫الناتج اإلقتصادي العالمي‪.‬‬

‫وبدعم من مجموعة اتفاقيات تجارية متداخلة وعدد من المبادرات من أجل التكامل اإلقليمي على غرار‬
‫الجماعة اإلقتصادية (‪ )AEC‬التابعة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا (‪ ،)ASEAN‬شهدت التجارة البينية واإلستثمارات‬
‫األجنبية المباشرة داخل إقليم آسيا والمحيط الهادئ ارتفاعا في العقود الثالثة الماضية‪ ،‬بلغت الصادرات البينية‬
‫‪ %54‬من صادرات اإلقليم اإلجمالية‪ ،‬كما ارتفعت نسبة اإلستثمارات األجنبية المباشرة البينية إلى مجموع تلك‬
‫‪4‬‬
‫اإلستثمارات األجنبية المباشرة في آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬حيث وصلت إلى حوالي ‪ %52‬في عام ‪.2014‬‬

‫لقد تحول الناتج المحلي اإلجمالي العالمي نحو محاور جديدة للنمو‪ ،‬وخاصة آسيا‪ ،‬حيث حققت الصين‬

‫واليابان والهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) قفزة هائلة ‪ً .‬‬
‫استنادا إلى تعادل القوة الشرائية‪" ،‬أنتج اقتصاد‬
‫الصين ‪ 25.3‬تريليون دوالر في عام ‪ ،2018‬مما يجعلها أكبر اقتصاد في العالم‪ ،‬واإلتحاد األوروبي بـ ‪ 19.9‬تريليون‬
‫دوالر في المرتبة الثانية‪ ،‬بينما تراجعت الواليات المتحدة إلى المركز الثالث‪ ،‬بإنتاج ‪ 19.4‬تريليون دوالر"‪ .5‬ففي عام‬
‫‪ ،2014‬الناتج المحلي اإلجمالي للصين تفوق على الواليات المتحدة في حين أن بعض اإلقتصادات الناشئة األخرى‬
‫‪6‬‬
‫في آسيا نموا مطردا نسبيا‪ ،‬أصبحت آسيا قوة اقتصادية عالمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P5.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P 30.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- "EU Economic Cooperation with Asia-Pacific", Op. cit. P6‬‬
‫‪" -4‬التجارة والتكامل اإلقليمي في آسيا والمحيط الهادئ"‪( ،‬بانكوك‪ ،‬مكتب منظمة العمل الدولية اإلقليمي آلسيا والمحيط الهادئ‪ ،)2016 ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪https://cutt.ly/IAcfRyL‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 267.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, “The Asia-Pacific Power Balance beyond the US–China Narrative”, (U.S.A. The Royal‬‬
‫‪Institute of International Affairs), p 6. https://cutt.ly/5ATSke5‬‬

‫‪133‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫ز في تعزيز التجارة واستقطاب اإلستثمارات‪ ،‬هناك أكثر من ‪155‬‬


‫لعبت اتفاقيات التجارة الحرة دو ار بار ا‬
‫اتفاقية تجارية تفاضلية يشارك فيها بلد واحد على األقل من إقليم آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬وبدعم من الجماعة‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬تتفاوض الدول األعضاء في رابطة آسيان حاليا على شراكة اقتصادية شاملة تضم ‪ 10‬من بلدان آسيان‬
‫و‪ 6‬من شركائها في الحوار (أستراليا‪ ،‬الصين‪ ،‬الهند‪ ،‬اليابان‪ ،‬كوريا الجنوبية‪ ،‬نيوزيالندا)‪( 1.‬أنظرامللحق رقم ‪)4‬‬

‫وقد وقعت ‪ 15‬دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ عام ‪ ،2020‬بينها الصين واليابان وكوريا الجنوبية‬
‫ونيوزيلندا وأستراليا‪ ،‬األحد اتفاق "الشراكة االقتصادية اإلقليمية الشاملة"‪ ،‬وهو أكبر اتفاق للتجارة الحرة على مستوى‬
‫العالم‪ .‬ويجادل خبير في التجارة بجامعة سنغافورة إن االتفاق "يرسخ طموحات الصين الجيوسياسية اإلقليمية األوسع"‬
‫إذ أنه يعد بديال تقوده الصين لمبادرة الواليات المتحدة التجارية التي لم تعد مطبقة حاليا‪ .‬وهو أكبر اتفاق للتجارة‬
‫الحرة على مستوى العالم‪ ،‬يعزز نفوذ الصين عالميا‪ .‬ويضم االتفاق عشر دول في جنوب شرق آسيا إلى جانب‬
‫الصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا (أي ‪ 2,1‬مليار نسمة)‪ ،‬وتساهم الدول المنضوية فيه لنحو ‪%30‬‬

‫من إجمالي الناتج الداخلي العالمي‪.‬‬

‫إن السمة األكثر لفتا للنظر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي على وجه التحديد سعي الدول األعضاء‬
‫فيها الدؤوب للثروة والنضال من أجل تنميتها االقتصادية‪ .‬أدت جهودهم على مدى عقود إلى تحول تدريجي في‬
‫أيضا‪ .2‬على مدى العقدين الماضيين (وخاصة خالل‬ ‫القوة الجيواستراتيجية في العالم وزيادة تأثير هذه المنطقة ً‬
‫السنوات العشر الماضية)‪ ،‬ازدهر االهتمام بالتعاون متعدد األطراف واألمن التعاوني في منطقة آسيا والمحيط‬
‫الهادئ؛ وقد قاد هذا االتجاه الدول العشر في جنوب شرق آسيا التي تشكل اآلسيان‪ .‬على الرغم من أن الواليات‬
‫ائدا في إنشاء اجتماع قادة منظمة التعاون االقتصادي آلسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬إال أن المبادرات‬
‫دور ر ً‬
‫المتحدة لعبت ًا‬
‫المؤسسية األخرى ‪-‬المنتدى اإلقليمي آلسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬وآسيان زائد ثالثة‪ ،‬ومؤخ اًر قمة شرق آسيا‪-‬كانت‬
‫جميعها مبادرات تابعة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا‪.3‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األقطاب االقتصادية كقوة دافعة للصعود الجيوسياسي لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪.‬‬
‫تشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ حالة عدم يقين هائلة؛ أصبحت األنماط السابقة والمعايير طويلة األمد‬
‫تحديدا‬
‫ً‬ ‫افتراضات ضعيفة للتفاعالت اإلقليمية الحالية‪ .‬يتناقض عدم اليقين اليوم مع فترتين إقليميتين سابقتين؛ وأكثر‬

‫‪" -1‬التجارة والتكامل اإلقليمي في آسيا والمحيط الهادئ"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P2.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 26.‬‬

‫‪134‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫نظمت العالقات األمنية واالقتصادية الجامدة في الحرب الباردة العالقات األمنية واالقتصادية في السنوات األولى‬
‫التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حتى انهارت ببطء بعد سلسلة من األحداث‪ :‬هزيمة الواليات المتحدة في حرب‬
‫‪1‬‬
‫فيتنام‪ ،‬واحتضان الصين المحدود لألسواق‪ ،‬وتفكك االتحاد السوفيتي‪.‬‬

‫وعلى الرغم من األزمة المالية ‪ ،2009-2008‬ال تزال شرق آسيا اليوم موطن االقتصادات األكثر ديناميكية‬
‫في العالم‪ .‬في عام ‪ 1990‬بلغت حصة المنطقة من الناتج المحلي اإلجمالي العالمي ‪%26.5‬؛ في عام ‪ 2006‬بلغ‬
‫هذا الرقم ‪ .%37.5‬مدفوعة في جزء كبير منها باالنتعاش االقتصادي للصين واالستفادة من نظام تجاري دولي‬
‫‪2‬‬
‫مفتوح‪.‬‬
‫وبما أن النظام الدولي ال يشهد حالة ثبات دائم ذلك أن دينامية النظام الدولي ال تؤدي إلى استقرار دائم‬
‫وال إلى اتخاذ ق اررات عقالنية في كل وقت‪ ،‬فهو عرضة لتغير قواه األساسية التي تشرك تأثيراتها سلبا على نظام‬
‫توازن القوى حيث تسعى القوى العظمى باستمرار إلى تحقيق الهيمنة‪ 3.‬وإذا كان االمن والقوة من وجهة نظر المنهج‬
‫الواقعي تشكل األهداف الرئيسية للدول في ظل نظام ثنائي القطبية فإن السعي وراء المصالح االقتصادية أصبح‬
‫يتقدم أوليات أهداف السياسة الخارجية للقوى الجديدة بعد نهاية الحرب الباردة دون أن يؤثر ذلك على مستوى‬
‫‪4‬‬
‫االهتمام باألمن‪.‬‬
‫وكمكون مهم للسياسة العالمية‪ ،‬تواجه منطقة آسيا والمحيط الهادئ العديد من القضايا الرئيسية‪ .‬هذه منطقة‬
‫ترتبط فيها الواليات المتحدة والصين واليابان مباشرة ببعضها البعض‪ .‬كانت الواليات المتحدة القوة المهيمنة في‬
‫المنطقة في الحرب الباردة (حوالي ‪ ،)1989-1945‬لكن هذا الوضع تعرض لتحديات في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫حيث نمت الصين بشكل مطرد‪ .‬كقوة اقتصادية رئيسية أخرى‪ ،‬حافظت اليابان على تحالفها مع الواليات المتحدة‪،‬‬
‫اتجاها أكثر استقاللية؛ ال ترغب في رؤية المنطقة تحت سيطرة الصين‪ .‬استمرت التوترات طوال‬
‫ً‬ ‫أيضا‬
‫بينما طورت ً‬
‫أوائل القرن الحادي والعشرين فيما يتعلق بكوريا‪ ،‬كما ظلت قضية تايوان دون حل‪ .‬وفي جنوب شرق آسيا‪ ،‬واجهت‬
‫‪5‬‬
‫وغالبا ما تمتد هذه التوترات إلى الساحة الدولية‪.‬‬
‫ً‬ ‫الدول المختلفة العديد من تحديات "بناء األمة"‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- T.J. Pempel, “Geoeconomic Order in the Asia-Pacific”, (National Bureau of Asian Research, Vol15, N 4, October‬‬
‫‪2020), https://muse.jhu.edu/article/772676‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- James J. Przystup, “The United States and the Asia-Pacific Region: National Interests and Strategic Imperatives”,‬‬
‫‪Strategic Forum,( Institute for National Strategic Studies National Defense University, N. 239? April 2009). P 1.‬‬
‫‪https://cutt.ly/VPRLgoK‬‬
‫‪ -3‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع ص ‪.61‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Derek McDougall, Op. cit. p 1.‬‬

‫‪135‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫وغير مفهوم الترابط االقتصادي والتكامل الدولي‪ ،‬الذي ترعاه المؤسسات المتعددة األطراف‪ ،‬لغة ومسار‬
‫ّ‬
‫العالقات بين الدول من التنافس إلى التعاون‪ ،‬من لعبة محصلتها صفر إلى لعبة غير صفرية [رابح ‪-‬رابح]‪ .‬في‬
‫منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬تعتمد المنافسة االقتصادية واألمنية بين القوى التي تحافظ على السالم واالستقرار‬
‫على العالقات بين الصين والواليات المتحدة واليابان والهند وروسيا‪ ،‬ألن العالقات االقتصادية واالتفاقيات األمنية‬
‫‪1‬‬
‫توفر األساس لعالقة ثابتة تقلل من االحتكاكات السياسية إلى أدنى حد‪.‬‬

‫تعتبر الصين والهند أكبر قوتين اقتصاديتين صاعدتين في فترة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬ليس فقط في البيئة‬
‫اإلقليمية لهما‪ ،‬ولكن على المستوى العالمي مضافا لذلك ثقلهما السكاني‪ ،‬إذ تضم الهند والصين معا حوالي ثلث‬
‫سكان العالم‪ ،‬ويبدو أن كالهما على وشك أن يصبحا قوى اقتصادية عظمى؛ العالقات الثنائية بينهما إشكالية من‬
‫‪2‬‬
‫الناحية التاريخية‪ ،‬بالنظر إلى الخالفات الحدودية في جبال الهيمااليا وعالقات الصين الوثيقة مع باكستان؛‬
‫وتنتشــر حول الصين كقوة عظمى صاعدة في جنوب شرقي آسيا مجموعــة مــن الــدول القويــة اقتصــادياً وسياســياً‬
‫وعســكرياً‪ ،‬بعضها قــد تتقــارب مــن القــوة الصــينية احيان ـاً فروســيا وكوريــا الجنوبيــة واليابــان في الج ـوار الشــمالي‬
‫والشـرقي لدولـة الصـين والهنـد تحيطهـا مـن الغـرب والجنـوب ولهـذه الـدول اسـتثمار عـالمي وادوار سياسـية عالمية‬
‫‪3‬‬
‫مؤثرة في النظام السياسي الدولي‪.‬‬

‫بالتوازي مع التعزيز اإلقتصادي آلسيا‪ ،‬تتزايد األهمية السياسية ألكبر منطقة في العالم من حيث عدد‬
‫دور متزايد األهمية في تشكيل النظام الدولي‪ .‬سواء‬
‫السكان‪ .‬تلعب الدول اآلسيوية‪ ،‬والصين على وجه الخصوص‪ً ،‬ا‬
‫كان األمر يتعلق بمواصلة تطوير قواعد التجارة العالمية‪ ،‬أو تنظيم االتصال الرقمي العالمي أو مكافحة تغير المناخ‬
‫ومكافحة األوبئة‪ ،‬ال يمكن تطوير الحلول الفعالة للتحديات العالمية وتنفيذها عمليا إال من خالل الحوار مع الدول‬
‫‪4‬‬
‫اآلسيوية‪.‬‬

‫مدفوعا بشكل أساسي بصعود الصين أعاد تعريف‬


‫ً‬ ‫إن عودة ظهور آسيا في السيناريو السياسي العالمي‪،‬‬
‫ديناميكية القوة في المسرح اآلسيوي؛ وتفقد الواليات المتحدة تدريجياً قبضتها على آسيا‪ ،‬ولكن األهم من ذلك‪ ،‬أن‬
‫التدفق اإلقليمي هو الذي تنظمه الصين واليابان كقطبين اقتصاديين‪ ،‬وهما الالعبان الرئيسيان والقويان في المنطقة؛‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 268.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- J.S. Eades and Malcolm J.M. Cooper, Op. cit. Pp 3-4.‬‬
‫‪ -3‬صباح نعاس شنافة‪" ،‬القوة الصينية‪ :‬تحدي الصيرورة التاريخية والموقع في مدار القوى العالمية"‪ ،‬مجلة العلوم السياسية‪( ،‬جامعة بغداد‪ ،‬كلية العلوم‬
‫السياسية‪ ،‬عدد ‪( ،)2013 ،46‬د‪ .‬ص)‪https://cutt.ly/gPId8p1 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- "EU Economic Cooperation with Asia-Pacific", Op. cit. P 3.‬‬

‫‪136‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫لقد أدى الطموح والسعي وراء القيادة اإلقليمية من قبل الصين واليابان إلى تحويل المنطقة اآلسيوية إلى مسرح‬
‫‪1‬‬
‫متقلب لسياسات القوة‪.‬‬

‫نظر للتوتر والعداء في العالقات الثنائية‪ ،‬فإن العالقة االقتصادية بين الصين والواليات المتحدة ال غنى‬
‫و ًا‬
‫عنها كمصدر لإلستثمار واإلبتكار وكأكبر سوق تصدير لها مما يسهل صعودها كقوة دولية؛ عالوة على ذلك‪،‬‬
‫تتمتع كل من الواليات المتحدة والصين بمصالح اقتصادية أعلى بكثير من الدول األخرى‪ ،‬لكن كلتا القوتين تميالن‬
‫إلى مواجهة صعوبات في المخاوف االقتصادية واألمنية الدولية مثل اإلرهاب واالنتشار النووي وتغير المناخ‪ ،‬بما‬
‫‪2‬‬
‫في ذلك في المنظمات متعددة األطراف مثل األمم المتحدة‪ .‬مجلس األمن وصندوق النقد الدولي‪.‬‬

‫على الرغم من التوترات في العالقات الثنائية‪ ،‬فإن العالقة االقتصادية بين الصين والواليات المتحدة مهمة‬
‫للغاية كمصدر لالستثمار والتكنولوجيا وكأكبر سوق تصدير لها يسهل صعودها كقوة عالمية‪ .‬وبالمثل‪ ،‬الواليات‬
‫المتحدة من المؤكد أن المخاطر االقتصادية مع الصين أعلى بكثير من تلك التي تمتلكها القوى األخرى‪ .‬في معظم‬
‫القضايا االقتصادية واألمنية العالمية‪ ،‬بما في ذلك اإلرهاب واالنتشار النووي وتغير المناخ‪ ،‬وفي معظم المنظمات‬
‫متعددة األطراف مثل مجلس األمن التابع لألمم المتحدة وصندوق النقد الدولي‪ ،‬تعمل الصين في كثير من األحيان‬
‫‪3‬‬
‫مع الواليات المتحدة وليس ضدها‪.‬‬

‫وبصرف النظر عن الصين‪ ،‬فإن الواليات المتحدة وروسيا والهند واليابان توصف بأنها قوى عظمى‪ .‬ومن‬
‫أيضا الترتيب الذي تتم فيه مناقشة العالقات‪ ،‬ومن الواضح أن الواليات المتحدة في المقدمة‪ ،‬تليها‬
‫المثير لالهتمام ً‬
‫أيضا إلى فكرة الصين عن التعددية القطبية‪ .‬في التسعينيات‪ ،‬عندما كانت التعددية‬
‫روسيا والهند واليابان‪ .‬يشير هذا ً‬
‫القطبية تكتسب الصدارة في السياسة الخارجية الصينية‪ ،‬كان ُينظر إلى االتحاد األوروبي على أنه قطب‪ ،‬ولكن‬
‫ليس الهند‪ .‬في العصر الحالي‪ ،‬تحتل الهند المرتبة الثالثة‪ ،‬مما يشير إلى األهمية المتزايدة للعالقات الهندية‬
‫‪4‬‬
‫الصينية‪ .‬وربما تكون هذه الوثيقة األولى من نوعها التي تحظى باهتمام واضح للهند‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, " China’s Japan Challenge: Regional Ambitions and Geopolitics of East Asia", In M.S. Prathibha: EAST‬‬
‫‪ASIA STRATEGIC REVIEW: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (NEW DELHI, INSTITUTE FOR DEFENCE STUDIES,‬‬
‫‪First Published, 2018), P 22.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, “Op. cit. p 268.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Mohan Malik, “China in the Asia-Pacific in 2040: Alternative Futures”, p 168 https://cutt.ly/kSRlDXp‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, “Emerging Foreign Policy Trends under Xi Jinping", In M.S. Prathibha: EAST ASIA STRATEGIC‬‬
‫‪REVIEW: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (NEW DELHI, INSTITUTE FOR DEFENCE STUDIES, First Published,‬‬
‫‪2018), P 7.‬‬

‫‪137‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫لذلك‪ ،‬فإن الصين والهند واليابان متنافسان على المستوى اإلقليمي‪ ،‬ولكن يبدو أن توقعاتهما يمكن التحكم‬
‫فيها حتى لو بدأت تلك الدول ذات الثقل اإلقليمي في االعتراف بمصالحها بشكل أكثر فاعلية‪ ،‬وليس هناك ما‬
‫يشير إلى أنها سوف تعتمد سياسات غير مسؤولة‪ .‬مثلما لم تخوض الواليات المتحدة واالتحاد السوفيتي الحرب‬
‫لمحاربة قوة أو مناطق نفوذ بعضهما البعض‪ .‬ال يحتاج قادة آسيا إلى استخدام القوة لتحييد الطموحات والتوقعات‬
‫الم شتركة‪ ،‬ولكن التركيز على الثبات االقتصادي والسياسي والنمو االقتصادي السليم للتركيز على معرفة قدراتهم‬
‫‪1‬‬
‫والحفاظ على مسافة استراتيجية من المخاطر الراكدة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أثر األهمية الجيواقتصادية لمنطقة آسيا الباسيفيك على النظام اإلقتصادي العالمي‪.‬‬
‫تعتبر منطقة جنوب شرق آسيا منطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة خاصة من الناحية الجيواقتصادية؛ وهي‬
‫تقع على مفترق طرق المحيط الهادئ والمحيط الهندي حيث توجد بعض أهم ممرات النقل البحرية في العالم؛ ويعد‬
‫مضيق ملقا شريان الحياة لليابان وكوريا الجنوبية والصين ودول آسيوية أخرى‪ .‬تستخدم الواليات المتحدة كقوة‬
‫أيضا الممرات البحرية على نطاق واسع‪ .‬هناك ‪ 10‬دول وما يقرب من ‪ 600‬مليون شخص‪ ،‬ومجموع من‬ ‫عظمى ً‬
‫الناتج المحلي اإلجمالي يبلغ ‪ 5,1‬تريليون دوالر‪ ،‬ومساحة تزيد عن ‪ 6,4‬مليون كيلومتر مربع‪ ،‬وامتداد محيطي‬
‫شاسع يزيد عن ‪ 5,7‬مليون كيلومتر مربع‪ ،‬هذه المنطقة هي ما يقول نيكوالس سبيكمان منطقة نزاع أساسية للقوى‬
‫‪2‬‬
‫العظمى‪.‬‬

‫وعلى الرغم من شدة األزمة المالية اآلسيوية ‪ ،98-1997‬تعافت آسيا بسرعة نسبية واستمرت في النمو بوتيرة‬
‫ثابتة؛ ويرتبط ارتباطا وثيقا بهذا النمو صعود الصين كمركز إنتاج إقليمي‪ ،‬تعمل زيادة التكامل االقتصادي اإلقليمي‬
‫على تعزيز التجارة البينية واالعتماد االقتصادي المتبادل‪ .‬يتزامن هذا الترابط االقتصادي المتزايد مع االهتمام‬
‫المتزايد بالتجارة اإلقليمية الحرة‪ 3.‬وقد أدت الروابط التقليدية بين المسائل الجيوسياسية واألمنية غير التقليدية أو‬
‫العابرة للحدود الوطنية (مثل تغير المناخ‪ ،‬والنمو االقتصادي‪ ،‬وندرة الموارد‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬وانتشار األسلحة النووية‪،‬‬
‫والتطرف الديني) إلى قيام تعاون بين الدول الكبرى‪ ،‬على الرغم من المصالح والمزايا النسبية التي يتمتع بها أحد‬
‫‪4‬‬
‫الطرفين في مجال المنافسة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 268.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P 52.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 20.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Mohan Malik, Op. cit. p 167‬‬

‫‪138‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫ومن حيث كل من التجربة الجغرافية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ وتوجهها االستراتيجي والسمات‬
‫مشتركا‪ :‬المحيطان‪ ،‬المحيط الهندي والمحيط الهادئ‪ ،‬كمنطقة واحدة متجاورة‪ .‬ويستند هذا‬
‫ً‬ ‫قاسما‬
‫األساسية‪ ،‬هناك ً‬
‫الفهم إلى حقيقة أن الغالبية العظمى من تدفقات السلع في العالم‪ ،‬وكذلك إمدادات الطاقة‪ ،‬يتم نقلها عبر الطرق‬
‫حاليا الساحة التي‬
‫البحرية التي تعبر هذين المحيطين‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬تعد منطقة المحيطين الهندي والهادئ ً‬
‫وبناء على‬
‫ً‬ ‫تدور فيها المنافسة المتزايدة بين الواليات المتحدة والصين وحتى الهند في جنوب وجنوب شرقي آسيا‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬فقد اكتسبت أهمية جيوسياسية وجغرافية اقتصادية منذ نهاية الحرب الباردة‪ .‬ويرى البعض أنه ليس فقط بناء‬
‫أيضا كبديل لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية (‪ .)BRI‬وبالتالي‪ ،‬فإن الجوانب الجيوسياسية‬
‫جغرافي "خالص" ولكن ً‬
‫‪1‬‬
‫والجيواقتصادية متشابكة بشكل وثيق في منطقة المحيطين الهندي والهادئ‪.‬‬

‫جهودا متواصلة لتأمين طرق‬


‫ً‬ ‫ونظر لألهمية االستراتيجية لمنطقة آسيا المحيط الهادئ‪ ،‬فقد بذلت الصين‬
‫ًا‬
‫التجارة الخاصة بها وتعزيز نفوذها اإلقليمي‪ .‬اقترحت الصين مبادرة الحزام والطريق في عام ‪ 2013‬التي تتضمن‬
‫"الحزام االقتصادي لطريق الحرير" و "طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" من أجل إعادة إنشاء طريق‬
‫الحرير القديم من خالل ربط جنوب شرق آسيا بإفريقيا وأوروبا من خالل تطوير البنية التحتية ‪ /‬الموانئ في البلدان‬
‫الواقعة على طول السواحل بهدف زيادة االستثمار والتعاون على طول الحزام والطريق‪ .‬وإذا تم تفعيله‪ ،‬فإنه سيربط‬
‫الصين بالدائرة اإلقتصادية آلسيا والمحيط الهادئ في الشرق والدائرة اإلقتصادية األوروبية بغربها‪ .‬في عام ‪،2014‬‬
‫أعلنت الصين عن إنشاء ‪ 40‬مليار دوالر من صندوق طريق الحرير‪ ،‬وبنك اإلستثمار في البنية التحتية في آسيا‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫مع رأس المال األولي من ‪ 100‬مليار دوالر لتمويل البنية التحتية في جميع أنحاء القارة‪.‬‬

‫لقد كان عام ‪ 2020‬عالمة فارقة تاريخية في التحول طويل األجل لعالقات القوة اإلقتصادية العالمية‪ .‬ألول‬
‫قاسا‬ ‫ن‬
‫(م ً‬‫مرة منذ أوائل القر التاسع عشر‪ ،‬كانت اإلقتصادات اآلسيوية مجتمعة أكبر من بقية اإلقتصاد العالمي ُ‬
‫بإجمالي الناتج المحلي بتعادل القوة الشرائية)‪ ،‬وتعتبر دول آسيا والمحيط الهادئ هي المحرك الرئيسي لهذا التطور؛‬
‫‪3‬‬
‫كانت مسؤولة عن حوالي ‪ %70‬من النمو اإلقتصادي العالمي في عام ‪.2019‬‬

‫تسهم الصين بصورة رئيسية في زيادة تأثير منطقة آسيا الباسيفيك على النظام االقتصادي العالمي وانتقال‬
‫مركزه من الغرب نحو الشرق‪ ،‬يمكن اإلستدالل في هذا السياق بحجم اإلقتصاد الصيني قياسا باإلقتصاد األمريكي‪،‬‬
‫فمن حيث القيمة االسمية‪ ،‬الناتج المحلي اإلجمالي للصين في عام ‪ 2020‬بلغ ‪ 8,14‬تريليون دوالر‪ ،‬لتصبح ثاني‬

‫‪1‬‬
‫‪- Felix Heiduk and Gudrun Wacker, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 505.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- "EU Economic Cooperation with Asia-Pacific", Op. cit. P 3‬‬

‫‪139‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫أكبر اقتصاد بعد الواليات المتحدة التي بلغ ناتجها المحلي اإلجمالي ‪ 9,20‬تريليون دوالر‪ 1.‬ومن حيث تعادل القوة‬
‫الشرائية (تعادل القوة الشرائية)‪ ،‬تعد الصين بالفعل أكبر اقتصاد في العالم بإجمالي ناتج محلي يبلغ ‪ 7,26‬تريليون‬
‫دوالر‪ .‬من المرجح أن يتجاوز الناتج المحلي اإلجمالي االسمي للواليات المتحدة بحلول عام ‪ 2.2028‬وكقوة رئيسية‬
‫فرصا وتحديات جديدة لسياستها الخارجية‪ ،‬ال سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬على‬ ‫صاعدة‪ ،‬تواجه الصين ً‬
‫الرغم من انشغال قادة الصين بالقضايا االقتصادية والسياسية الداخلية‪ ،‬إال أنهم يدركون أن برنامج التحديث الناجح‬
‫يعتمد على بيئة خارجية سلمية‪ .‬منذ انهيار االتحاد السوفيتي‪ ،‬لم تواجه الصين أي تهديدات خارجية صريحة‪ .‬ومع‬
‫غامضا‪ ،‬ال سيما فيما يتعلق بالواليات المتحدة واليابان‬
‫ً‬ ‫ذلك فهي‪ ،‬مثل دول أخرى في المنطقة‪ ،‬تواجه مستقبالً‬
‫‪3‬‬
‫وروسيا وكوريا الشمالية والجنوبية والعالقات فيما بينها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, Op. cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Susan L. Shirk, “CHINESE VIEWS ON ASIA-PACIFIC REGIONAL SECURITY COOPERATION”, (United States of America,‬‬
‫‪The National Bureau of Asian Research, Vol 5, No. 5, 1994), p 4. https://cutt.ly/aAS1YKw‬‬

‫‪140‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫المبحث الثالث‪ :‬محددات الشك والحذر المتبادل في العالقات بين الصين والواليات المتحدة األمريكية‬
‫لمعرفة خلفيات التنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪،‬‬
‫يتوجب الرجوع إلى السياق التاريخي لهذا التنافس وبالذات خالل فترة الحرب الباردة التي شكلت أساس التنافس‬
‫الدولي منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬إضافة‪ ،‬مع توضيح المحددات السياسية واإلقتصادية واألمنية للتنافس بين القوتين‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التاريخ الدبلوماسي الشائك خالل فترة الحرب الباردة‪.‬‬
‫خالل حقبة الحرب الباردة‪ ،‬أقامت الواليات المتحدة تحالفات أمنية مع العديد من البلدان لمواصلة المنافسة‬
‫االستراتيجية مع االتحاد السوفيتي واحتواء الدول الشيوعية‪ .‬مع نهاية الحرب الباردة‪ ،‬وسعت الواليات المتحدة‬
‫األمريكية حلف الناتو في أوروبا وأعادت تأكيد تحالفها األمني مع اليابان وحلفاء آخرين في منطقة آسيا والمحيط‬
‫الهادئ‪ .‬يجادل صانعو السياسة األمريكية باستمرار بأن التحالفات األمنية تظل األساس الستراتيجية األمن األمريكية‬
‫في منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬من منظور صيني‪ ،‬مع نهاية الحرب الباردة‪ ،‬ال ينبغي أن يكون هناك سبب‬
‫للحفاظ على التكتالت العسكرية‪ ،‬وبالتأكيد ليس توسيعها وتقويتها‪ .‬بينما تعزز أمن بعض الدول‪ ،‬تقوض أمن الدول‬
‫‪1‬‬
‫األخرى‪ ،‬وتسبب الشكوك واالنقسام‪ ،‬بل وتزيد من حدة المواجهة‪.‬‬

‫تكشف أنماط التحالفات التي تشكلت في فترة الحرب الباردة أدلة على أن القوة البرية هي المكون الرئيسي‬
‫للقوة العسكرية‪ .‬فرغم ان الواليات المتحدة األمريكية تفوقت على اإلتحاد السوفياتي بميزة كبيرة في القوات البحرية‬
‫واألسلحة اإلستراتيجية والنووية‪ ،‬ومع ذلك نظرت فرنسا وألمانيا والغربية وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة وحتى‬
‫‪2‬‬
‫الصين إلى اإلتحاد السوفياتي بوصفه الدولة األقوى في النظام وليس الواليات المتحدة االمريكية‪.‬‬

‫اجتازت العالقات الصينية األمريكية من عام ‪ 1949‬إلى عام ‪ 1989‬مرحلتين مختلفتين تماما؛ المرحلة‬
‫األولى هي مرحلة المواجهة الشاملة بين الصين والواليات المتحدة (‪ ،)1978-1943‬أما المرحلة الثانية تمتد من عام‬
‫(‪ ،)1991-1979‬التي شهدت فيها العالقات الصينية‪-‬األمريكية تحسنا وتطورا‪ 3.‬ففي المرحلة األولى‪ ،‬وبعد قيام‬
‫جمهورية الصين في أكتوبر عام ‪ 1949‬والحرب الكورية (‪ ،)1953-1950‬اعتبرت الواليات المتحدة األمريكية أن‬
‫الصين تمثل تهديدا رئيسيا لها في منطقة آسيا والمحيط الهادي‪ ،‬خاصة بعد حدوث حروب جانبية بينهما في شبه‬

‫‪1‬‬
‫‪- Wu Xinbo, “U.S. Security Policy in Asia: Implications for China-U.S. Relations”, (September 1, 2000).‬‬
‫‪https://cutt.ly/xA3fhGE‬‬
‫‪ -2‬جون ميرشايمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.136‬‬

‫‪141‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫الجزيرة الكورية‪ ،‬وفي منطقة الهند الصينية خالل فترة الستينيات والتدخل العسكري المباشر في مشكلة تايوان‬
‫‪1‬‬
‫ومحاولة تشكيلها طوق حصار يستهدف الصين‪.‬‬

‫الواليات المتحدة حاولت في فترة الحرب الباردة أن تؤكد صورتها للنظام اإلقليمي في جنوب شرق آسيا بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ .‬مع األخذ في االعتبار أن جنوب شرق آسيا كان على "هامش" منافسة القوى العظمى‪،‬‬
‫فصاعدا‪ ،‬كان االتحاد السوفيتي أكثر قوة في إحباط‬
‫ً‬ ‫وبالنظر إلى اشتداد الصراع الصيني السوفياتي من الستينيات‬
‫التصميم األمريكي الكبير من الصين‪ ،‬التي كان لها مصالح حيوية في جنوب شرق آسيا‪ .‬ظهرت هذه االعتبارات‬
‫في أزمات "الوس" في الخمسينيات و "فيتنام "في الستينيات‪ .‬بالنسبة للجزء األكبر من الحرب الباردة‪ ،‬خالل معظم‬
‫الحرب الباردة‪ ،‬واالستقرار اإلقليمي يقتصر على منطقة رابطة أمم جنوب شرق آسيا‪ ،‬بينما استمرت الحرب في‬
‫تدمير شبه جزيرة الهند الصينية‪ .‬يمكن تفسير هذه المجموعة المتناقضة من الديناميكيات اإلقليمية من خالل حقيقة‬
‫ضمنيا بين القوى العظمى ‪-‬والتي كانت تعمل في إدارة األمن العالمي المشترك‪ ،-‬لرابطة أمم جنوب‬
‫ً‬ ‫فهما‬
‫أن هناك ً‬
‫شرق آس يا باعتبارها محمية أمريكية‪ ،‬في حين تمت مقاومة التأثير السوفيتي في الهند الصينية بنشاط امن قبل‬
‫‪2‬‬
‫لصين‪ .‬كانت المنطقتان الفرعيتان لجنوب شرق آسيا محفوفتين بالنزاعات التاريخية واأليديولوجية واإلقليمية‪.‬‬

‫كان التقارب بين الواليات المتحدة والصين مخالفاً للمنطق‪ ،‬كما أنه جاء بعد فترة طويلة‪ .‬لقد كانت الصين‬
‫في نظر الواليات المتحدة األمريكية هي الدولة المارقة في العالم في خمسينات وستينات القرن الماضي‪3‬؛ مع ذلك‪،‬‬
‫في المرحلة الثانية أصبح التصدي للتهديد السوفياتي المصلحة األمنية الكبرى المشتركة بين الصين والواليات‬
‫المتحدة األمريكية؛ وتأسست عالقات دبلوماسية رسمية بينهما عام ‪ .1979‬وتطور التعاون األمني على أساس‬
‫المجابهة المشتركة للتهديد السوفياتي‪ ،‬أي بمثابة عالقة "دولة حليفة غير متحالفة"؛‪ 4‬مع ذلك‪ ،‬كانت هناك خصائص‬
‫أكثر عمقا سادت العالقات الصينية‪-‬األمريكية في هاتين المرحلتين خالل فترة الحرب الباردة‪ .‬بسبب الخالفات‬
‫والتناقضات المتعددة‪ ،‬بعض تلك الخصائص ال تعرف تغييرات حتى مع نهاية الحرب الباردة‪.‬‬

‫وعكس اإل نقسام الصيني السوفياتي الذي ظهر منذ أواخر الخمسينيات التعقيد المتزايد للعالقات الدولية‬
‫حيث تنافست الصين وروسيا على الصدارة بوصفهما حاملي معايير الشيوعية الدولية‪ ،‬كانت مثل هذه التوترات‬

‫‪ -1‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.137‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Hari Singh, Op. cit. p 63.‬‬
‫‪ -3‬هال براندز‪" ،‬رحلة كيسنجر السرية إلى الصين ومسار الحرب الباردة"‪ ،‬صحيفة الشرق األوسط‪( ،‬العدد ‪ ،15576‬تاريخ النشر‪ ،)2021/07/21 :‬تاريخ‬
‫التصفح‪https://cutt.ly/PAzhkoR .2021/08/18 :‬‬
‫‪ -4‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.138-137‬‬

‫‪142‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫بين أكبر قوتين شيوعيتين في العالم جزءا من خلفية االنفتاح الدبلوماسي إلدارة نيكسون على الصين في عام ‪1971‬‬
‫ً‬
‫والذي كان بدوره جزًءا من استراتيجية التثليث إلخراج الواليات المتحدة من الحرب في فيتنام ووضع االتحاد‬
‫‪1‬‬
‫السوفيتي‪ .‬على الصعيد السياسي واالستراتيجي الدفاعي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العالقات األمنية الصينية‪-‬األمريكية أثناء الحرب الباردة من حيث المبدأ متبادلة ووثيقة لمواجهة التهديد العسكري‬
‫السوفياتي المتزايد‪ ،‬لكن خالل المرحلة األولى (‪ )1978-1949‬حيث المواجهة الشاملة بين الصين والواليات المتحدة‬
‫سياسيا واقتصاديا وعسكريا‪ 2.‬ويظل هيكل التحالف الثنائي للواليات المتحدة أساس االستقرار اإلقليمي ونقطة البداية‬
‫للمشاركة األمنية األمريكية مع المنطقة؛ تسمح التحالفات للواليات المتحدة من الحفاظ على تواجدها في طليعة‬
‫عمليات االنتشار الهامة‪ ،‬كما أن الهيكل األساسي في اليابان وكوريا الجنوبية يجعل االلتزام األمني للواليات المتحدة‬
‫‪3‬‬
‫أمر ذا مصداقية‪.‬‬
‫تجاه المنطقة ًا‬

‫ثانيا‪ :‬الطرفين الصيني‪ -‬األمريكي لم يقوما بمعالجة عالقاتهما األمنية انطالقا من االحتياجات الثنائية‪ ،‬بل انطالقا‬
‫من معيار رؤية أكثر اتساعا وأمدا لمنطقة آسيا والمحيط الهادي؛‪ 4‬خالل الحرب الباردة‪ ،‬وقف هيكل التحالف كحلقة‬
‫حدا للتوترات‬
‫وصل حيوية في استراتيجية االحتواء العالمية للواليات المتحدة؛ والنجاح في الحرب الباردة لم يضع ً‬
‫والتنافسات بين الصين والواليات المتحدة في شرق آسيا‪ .‬في العقد الذي أعقب انهيار االتحاد السوفيتي‪ ،‬شهدت‬
‫المنطقة سلسلة من التحديات لالستقرار واألمن اإلقليميين (األزمة النووية ‪ 1994‬في شبه الجزيرة الكورية‪ ،‬وأزمة‬
‫صواريخ مضيق تايوان عام ‪ ،1996‬وإطالق كوريا الشمالية للصواريخ فوق اليابان في عام ‪ )1998‬أثرت على‬
‫‪5‬‬
‫المصالح األمنية المشتركة في المنطقة‪.‬‬

‫كان األمر بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية يتمثل في احتواء نزعة التوسع السوفياتية‪ ،‬وإحداث تغيير في‬
‫أوضاع قيام االتحاد السوفياتي بالهجوم والواليات المتحدة بالدفاع‪ ،‬ويعد ذلك محور استراتيجية األمن األمريكية‪.‬‬
‫أما بالنسبة للصين‪ ،‬فقد كان التصدي للتهديد العسكري السوفياتي المباشر‪ ،‬وكسر الحصار اإلستراتيجي الذي‬
‫‪6‬‬
‫فرضه االتحاد السوفياتي على الصين بمثابة المتطلبات اإلستراتيجية األمنية الرئيسية للصين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, Op. cit. p 12.‬‬
‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬ص ص ‪.139-138‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. Pp 2-3.‬‬
‫‪ -4‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit.P3.‬‬
‫‪ -6‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.140-139‬‬

‫‪143‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫ئيسيا في حرکة السياسة الخارجية الصينية‪ ،‬حيث اتضحت‬‫ويعد مبدأ "نسق دولي متعدد القطبية" مبدأ ر ً‬
‫معالمه عالميا بعد انهيار االتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي‪ ،‬ودعمت‬
‫الصين مبدأ "عالم متعدد األقطاب" يقوم على عدد من القوى الدولية التي باستطاعتها أن تحقق التوازن مع التأثير‬
‫العالمي للقوة األمريكية‪ ،‬رفضت الصين الهيمنة األمريكية على الشئون العالمية ودعت لنسق دولي متعدد األقطاب‬
‫يحقق مصالح جميع ا ألطراف وهو ما دفع الصين لسعيها نحو تأسيس "نسق دولي متعدد األقطاب"‪ ،‬لذا‪ ،‬تركزت‬
‫‪1‬‬
‫الرؤية الصينية على ضرورة تعزيز القوة الصينية الشاملة للوصول إلى نسق دولي تعددي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المحددات الجيوسياسية للتنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫ضا نتيجتان‬
‫إن المنظور الثنائي القطب بين الواليات المتحدة والصين ليس مجرد تبسيط مفرط‪ ،‬ولكن له أي ً‬
‫محتملتان؛ أوالً‪ ،‬وصف الديناميات األمنية الرئيسية في المنطقة مثل المواجهة بين القطبين يمكن أن يشجع الساسة‬
‫في الواليات المتحدة والصين يعتقدون أنهم في لعبة محصلتها صفر؛ ثانيا‪ ،‬منطق اللعبة الصفرية يؤدي إلى نهج‬
‫"اإلحتواء" من جانب الواليات المتحدة وحلفائها الذي يذكرنا بالديناميكية العدائية للحرب الباردة‪ .‬ومن المرجح بعد‬
‫ذلك أن تجد الدول األخرى نفسها عالقة بين قوتين مهيمنتين ومتنافسين‪ ،‬وبذلك يعرضون مصالحهم للخطر ويعززون‬
‫‪2‬‬
‫رواية "الحرب الباردة" في القرن الحادي والعشرين‪.‬‬

‫الظهور كقوة عالمية‪ ،‬والنزعة القومية المتزايدة (وتصميم على استعادة مكانة الصين الوطنية)‪ ،‬والمطالبات‬
‫المتنافسة في بحر الصين الجنوبي‪ ،‬وأهمية النفوذ االقتصادي المتنامي في المنطقة‪ ،‬كلها تعتبر قضايا ستدفع‬
‫الصين إلى التنافس على الهيمنة األمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬من المتوقع‬
‫أن تشتد المنافسة االستراتيجية بين الواليات المتحدة والصين مع تقلص الفجوة النسبية في القوة الوطنية بين البلدين‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫مما يزيد من احتمال أن تسعى الصين إلى منافسة القيادة األمريكية في المنطقة‪.‬‬

‫وإذا أخذنا بعين اإلعتبار أنه توجد عالقة وثيقة أخرى بين الجيوسياسية والجيواقتصاد؛ فإن التفريق بين‬
‫استخدام الجغرافيا لألهداف السياسية واألهداف اإلقتصادية ليس ممارسة سهلة ألن الدوافع السياسية واإلقتصادية‬
‫للدول متداخلة إلى حد كبير مع بعضها البعض؛ وأفضل مثال يمكن تقديمه في هذا الصدد هو مبادرة الصين ذات‬

‫‪ -1‬صفاء صابر خليفة محمدين‪" ،‬الصين نحو تنافسية قطبية متعددة في القرن الـ ‪ :21‬مبادرة الحزام والطريق أنموذ ًجا"‪ ،‬مجلة السياسة واإلقتصاد‪( ،‬جامعة‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬کلية الدراسات االقتصادية والعلوم السياسية‪ ،‬المجلد ‪ ،14‬العدد ‪ ،13‬يناير ‪ ،)2022‬ص ‪https://cutt.ly/AAkgzgX .158‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, Op. cit. p 8.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Chris Mills, “The United States’ Asia-Pacific Policy and the Rise of the Dragon”, INDO-PACIFIC STRATEGIC PAPERS,‬‬
‫‪(Australian Defence College. The Centre for Defence and Strategic Studies, August 2015), p 4. https://cutt.ly/sASaM16‬‬

‫‪144‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫طا وثيًقا ببعضها البعض‪ ،‬وفي معظم‬


‫الطريق الواحد والحزام الواحد؛ ترتبط أهداف تعظيم القوة والثروة معا ارتبا ً‬
‫‪1‬‬
‫األحيان تؤدي مبادرة الطريق إلى مزيد من القوة السياسية من خالل القوة االقتصادية‪.‬‬

‫وفي محاولة التنظير للهيمنة العالمية على حساب التعددية القطبية يرى الباحث "تشارلز كراوتامر"‪" :‬أن‬
‫العالم الذي يأتي بعد الحرب الباردة مباشرة ليس عالما متعدد األقطاب بل هو عالم أحادي القطبية ومركز القوة‬
‫العالمية هو القوة العظمى التي ات يمكن تحديها والمتمثلة بالواليات المتحدة األمريكية"‪ 2.‬يتعين إدراك أن نهاية‬
‫الحرب الباردة من غير المرجح أن تؤدي إلى تغيرات جوهرية في العالقات الصينية‪-‬األمريكية‪ ،‬ألن أهم عامل‬
‫أساسي يقرر تلك العالقات يكم في الحقيقة الرئيسية للدولتين الكبيرتين ومفادها الخالفات والتناقضات المتعددة‬
‫المتواجدة بينهما والتي لم تتغير مع نهاية هذه الحرب؛‪ 3‬وكمثال‪ ،‬ال تـزال الصـين تتنـازع فكـرة إعـادة إقلـيم تـايوان مـن‬
‫النفـوذ االمريكـي وتعتمـد في عـودة هـذه االجزاء ذات اإلقتصاد الرأسمالي على مفهوم (دولة واحدة بنظامين)‪ ،‬حيث‬
‫تتوافق الرؤية الصينية مع المتغـيرات العالميـة في ظـل نهج العولمـة الـذي يـدفعها لالنفتـاح علـى العـالم الخـارجي‬
‫‪4‬‬
‫الرأسمـالي عـبر بـوابتي "هونغ كونغ" و"تايوان" باقتصادهما الرأسمالي‪.‬‬

‫إن البيئة الجيوبوليتيكية الداخلية للقوى العالمية لها دور واسع في أدائها في حركة التوازنات الجيواستراتيجية‬
‫العالمية‪ ،‬وبذلك فإن عملية تحليل البيئة الداخلية لها أهمية خاصة نظ ار لما تحققه من تحديد اإلمكانيات المتوفرة‬
‫لدى الدول سواء كانت مادية أو معنوية‪ ،‬وهي تحدد مناطق القوة ومناطق الضعف في الدولة‪ ،‬ما يساعدها في‬
‫معرفة مكانتها العالمية‪ ،‬فضال عن معرفة كيفية استغالل نقاط القوة المتوفرة في البيئة الجيوبوليتيكية‪ ،‬كما يساعدها‬
‫‪5‬‬
‫في تجنبها للمخاطر والتهديدات المتوقعة (المحتملة)‪.‬‬

‫بالنسبة للصين فهي بحاجة إلى بيئة خالية من الحرب لتتطور؛ فقلق الصين هو أن المواجهة المبكرة قد‬
‫تعطل مهمتها وتعرقلها‪ .‬وهناك سبب غير معلن ولكنه ال يمكن إنكاره وهو أن الصين ستصبح أكثر قوة بعد مرور‬
‫نحو ثالثة عقود‪ ،‬وبالتالي في وضع أقوى لتسوية النزاعات لصالحها‪ 6.‬وتتبوأ العوامل السياسية غير اإلقتصادية‬
‫المكانة األبرز دائما في سياسة الواليات المتحدة األمريكية تجاه الصين‪ ،‬وبعض الخالفات يكون من الصعب دائما‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fulya AKSU. Op cit. p 25.‬‬
‫‪ -2‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪ -4‬صباح نعاس شنافة‪" ،‬القوة الصينية‪ :‬تحدي الصيرورة التاريخية والموقع في مدار القوى العالمية"‪ ،‬مجلة العلوم السياسية‪( ،‬جامعة بغداد‪ ،‬كلية العلوم‬
‫السياسية‪ ،‬عدد ‪ ،)2013 ،46‬د‪.‬ص‪https://cutt.ly/gPId8p1 .‬‬
‫‪ -5‬قاسم محمد عبيد ومحمد ميسر فتحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- David Lai, Op cit. p 17.‬‬

‫‪145‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫إيجاد حلول لها بسبب تأثير العوامل غير االقتصادية التي يكون لها تأثير على العالقات اإلقتصادية الدولية الثنائية‬
‫أو المتعددة األطراف‪ 1.‬لهذه األسباب‪ ،‬مازالت الواليات المتحدة تضع األهداف الجيواستراتيجية العالمية في المرتبة‬
‫‪2‬‬
‫األولى داخل إطار العالقات الثنائية بين الدولتين‪.‬‬

‫بناء على األصول الجغرافية والديموغرافية والثقافية الصين قوة عظمى؛ بمجرد أن تتطور الصين‪ ،‬يتمثل‬
‫ً‬
‫التأثير الخارجي األكثر أهمية لصعود الصين في الضغط التبعي الذي تفرضه على بداية انتقال القوة بين الصين‬
‫والواليات المتحدة‪ ،‬والذي يتعلق جوهره بكل من النظام الدولي الحالي ومستقبل العالقات الدولية؛ الواليات المتحدة‬
‫هي المنشئ والمسؤول الرئيسي عن النظام الدولي القائم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم تشارك الصين أي دور في صنعها بعد‬
‫نهاية الحرب العالمية الثانية‪ .‬واألسوأ من ذلك‪ ،‬أن الواليات المتحدة لم تعترف حتى بتأسيس الصين الجديدة خالل‬
‫السنوات الثالثين األولى من عمرها (من عام ‪ 1949‬إلى عام ‪ ،)1979‬مما جعل الصين دولة خارجية ناقمة تسعى‬
‫‪3‬‬
‫إلى تغيير النظام الدولي الذي تقوده الواليات المتحدة‪.‬‬

‫يمكن قياس الوضع الحالي للعالقات الدولية بين الواليات المتحدة والصين في عنق الزجاجة "الحرب الباردة‬
‫الجديدة" في "آسيا والمحيط الهادئ" لكن االعتراف بإحساس "الحرب الباردة الجديدة" وتداعياتها على السياسة الدولية‬
‫أمر غامض بسبب غياب العناصر األيديولوجية‪ ،‬حيث كان ذلك بمثابة مواجهة بين الشيوعية الشمولية والليبرالية‬
‫‪4‬‬
‫الديمقراطية في الحرب الباردة الكالسيكي‪.‬‬

‫جيوسياسيا شديد الوضوح في سياستها الخارجية؛ وفي حين أن اإلستثمار في‬


‫ً‬ ‫نهجا‬
‫أيضا ً‬
‫تتبنى الصين ً‬
‫القدرات العسكرية يهدف إلى الحد من وصول الواليات المتحدة إلى بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي من‬
‫ناحية‪ ،‬فإن إنشاء مشاريع بنية تحتية ضخمة في منطقة أوراسيا األكبر وفي جميع أنحاء العالم سيربط العديد من‬
‫دول العالم بالصين؛ وباستخدام الموقع الجغرافي للصين وقوتها اإلقتصادية الهائلة‪ ،‬تحاول القيادة الصينية زيادة‬
‫قدرة الصين على القوة في منافسة القوى العظمى الناشئة في جميع أنحاء العالم‪ .‬وتميل القيادة الصينية‪ ،‬التي تحيط‬
‫بها أكثر من اثنتي عشرة دولة إلى اإلعتقاد بأنه من األفضل ضمان أمن أراضي الصين إذا كانت جميع هذه الدول‬

‫‪ -1‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.189‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- David Lai, Op cit. P5.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op cit, p 270.‬‬

‫‪146‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫مرتبطة بالصين من خالل عالقات اقتصادية متنوعة ومشاريع بنية تحتية متعددة‪ .‬لذلك فإن فكرة أن الصين هي‬
‫تماما‪1 .‬‬ ‫القوة الوسطى وتقع في قلب السياسة اإلقليمية في آسيا هي فكرة جيوسياسية‬
‫ً‬

‫وثمة ثالث مجموعات من القيود تمنع القادة الصينيين من اإلتكاء أكثر من الالزم على أي من النزعة‬
‫القومية أو األداء اإلقتصادي‪:‬‬

‫القيد األول (واألقوى) هو وضع القوة الدولية للصين الذي يقيد قدرتها على انجاز أهدافها القومية‪ .‬فالنزعة‬
‫القومية المفرطة يمكن أن تطرح مطالب بسياسات دولية حازمة ال يستطيع القادة الصينيون الوفاء بها‪ ،‬وفي المقابل‬
‫فإن تعظيم النمو االقتصادي يتطلب من الصين تقديم تنازالت اقتصادية وتقبل درجة غير مربحة سياسيا من التبعية‬
‫االقتصادية‪ .‬أما القيد الثاني‪ ،‬فهو ردود الفعل الدولية على السلوك والخطابات الصينية‪ ،‬فالنزعة القومية المفطرة قد‬
‫تؤثر على استعداد الدول األخرى للتجارة مع الصين واإلستثمار فيها‪ ،‬أو حتى قد تثير ردود فعل عسكرية‪ ،‬وفي‬
‫المقابل فإن الجهود الصينية لتعظيم التعاون اإلقتصادي الدولي قد يتطلب قبول المطالب األجنبية بكبح التعزيز‬
‫العسكري‪ ،‬ويتمثل القيد الثالث في ردود الفعل الداخلية‪ ،‬فإذا دفع القادة الصينيون النزعة القومية إلى مداها بحيث‬
‫تتداخل في النمو اإلقتصادي فإنهم بذلك يزيدون من البطالة والسخط الشعبي‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬فإن أية صدمة خارجية حادة تؤثر على اقتصاد الصيني يمكن أن تضر بشرعية الحكومة‪ .‬وفي‬
‫المقابل فإذا تابع القادة الصينيون النمو اإلقتصادي على حساب النزعة القومية فإن الحكومة ستكون عرضة للنقد‬
‫من القوميين االقتصاديين على أساس أنها تبيع مصالح الصين لألجانب‪ ،‬خاصة إذا رأى المواطنون أن الفساد بين‬
‫‪2‬‬
‫قادة الحزب الشيوعي الصيني يؤثر على صنع القرار االقتصادي‪.‬‬

‫أما الواليات المتحدة فهي قلقة من تهديد صعود الصين منذ أن أظهرت هذه األخيرة عالمات تقدم مدفوعة‬
‫باالقتصاد؛ وتخشى الصين بدورها أن ينحرف صعودها عن مسارها إذا وصلت إلى مواجهة مبكرة مع الواليات‬
‫تأكيدا على تطورها السلمي في عام ‪.2003‬‬ ‫ً‬ ‫المتحدة‪ .‬وهكذا‪ ،‬في محاولة لمواجهة هذا الوضع‪ ،‬قدمت الصين‬
‫والمكونات الرئيسية لهذا التأكيد هي‪ :‬أوال‪ ،‬وعود الصين بعدم تحدي تفوق الواليات المتحدة األمريكية على األقل‬
‫في الوقت الحالي ومن المفترض في المستقبل المنظور بشرط أال تتدخل الواليات المتحدة في المصالح الجوهرية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op cit. p 28.‬‬
‫‪ -2‬إريكاستريكر داونز وفيليب سي‪-‬ساوندرز‪" ،‬الشرعية وحدود النزعة القومية‪ :‬الصين ودزر ديايو"‪ ،‬في‪ :‬مايكل إي براون وآخرون‪ ،‬صعود الصين‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط ‪ ،)2010 .1‬ص ‪.122‬‬

‫‪147‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫مستحيال)؛ ثانيا‪ ،‬يشير القادة الصينيون‬


‫ً‬ ‫للصين (أي السيادة الوطنية وسالمة األراضي‪ ،‬ولكن هذا الشرط يكاد يكون‬
‫إلى أن الصين لم تعد تسعى إلى تغيير النظام الدولي الحالي‪ ،‬ولكنها بدال من ذلك تبذل جهودا لدمج نفسها في‬
‫هذا النظام؛ وثالثًا‪ ،‬تتعهد الصين بتجنب األخطاء التي ارتكبتها القوى العظمى السابقة في عمليات انتقال السلطة‬
‫‪1‬‬
‫المماثلة‪ .‬وبهذه الوعود‪ ،‬طلبت الصين من الواليات المتحدة منح صعودها السلمي فرصة للنجاح‪.‬‬

‫كانت الواليات المتحدة األمريكية مرتبطة باستمرار بالترتيبات اإلقليمية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك؛ تكمن‬
‫هذه االستم اررية من خالل تعزيز وتحديث تحالفاتها وشراكاتها‪ ،‬والحفاظ على قدرتها على الردع‪ .‬لكن الواليات‬
‫ميال إلى األمام لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ ودورها فيها يستخدم جميع األدوات‬
‫المتحدة بحاجة إلى رؤية أكثر ً‬
‫‪2‬‬
‫في ترسانتها‪ :‬الدبلوماسية والسياسية والعسكرية‪ ،‬اإلقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى روابطها التجارية الطويلة مع المنطقة‪ ،‬تحافظ الواليات المتحدة على عالقات تحالف معاهدة‬
‫مع اليابان وجمهورية كوريا وأستراليا والفلبين وتايالند‪ .‬ألكثر من نصف قرن‪ّ ،‬‬
‫شكل هيكل التحالف الثنائي هذا‬
‫الهيكل األمني غير الرسمي للمنطقة‪ .‬تظل التحالفات ذات أهمية حاسمة في معالجة التحديات األمنية الصعبة في‬
‫‪3‬‬
‫أساسا ثابتًا للجهود المتعددة األطراف لمعالجة القضايا األمنية غير التقليدية هناك‪.‬‬ ‫ق‬
‫منطقة شر آسيا وتوفر ً‬
‫ولحماية وتعزيز مصالح األمن القومي األمريكي بشكل فعال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مواجهة‬
‫التغيرات واالتجاهات الجيوسياسية الرئيسية‪ ،‬ينبغي إعادة تأكيد الوجود االستراتيجي للواليات المتحدة وأن توجه‬
‫األولويات االستراتيجية التالية سياسة الواليات المتحدة ‪ /1:‬توضيح أهداف ورؤى دور الواليات المتحدة في المنطقة‪،‬‬
‫وإعادة تأكيد التزام الواليات المتحدة بالقيادة واستعادة سلطتها األخالقية؛ ‪ /2‬إعادة تأكيد وتنشيط شبكة التحالفات‬
‫األمريكية التي تستمر في العمل كأساس يجب أن تُبنى عليه استراتيجية أوسع ؛‪ /3‬الحفاظ على توازن استراتيجي‬
‫أيضا ‪ -‬بطرق تتوافق مع المصالح‬‫مع دمج القوى الصاعدة ‪ -‬ليس فقط الصين ‪ ،‬ولكن اليابان والهند وروسيا ً‬
‫األمريكية؛‪ /4‬وقف انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ ‪ /5‬المشاركة بنشاط في الهياكل اإلقتصادية والسياسية واألمنية‬
‫‪4‬‬
‫المتعددة األطراف في المنطقة لمواجهة التحديات األمنية التقليدية وغير التقليدية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- David Lai, Op cit. Pp 7-8.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 4.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p 1.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 4.‬‬

‫‪148‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫يعكس مجمل هذه الروابط التجارية والثقافية واألمنية الطبيعة الدائمة للمصالح األمريكية في منطقة آسيا‬
‫والمحيط الهادئ ويدافع عن دور أمريكي نشط في تشكيل مستقبل هذه المنطقة‪ .‬مفتاح هذه المشاركة هو الفهم‬
‫‪1‬‬
‫الواضح لمصالح الواليات المتحدة في آسيا والضرورات االستراتيجية التي ستواجه صانعي السياسة األمريكيين‪.‬‬

‫تحاول الواليات المتحدة الرد على قضية الصين الصاعدة منذ إدارة "جورج بوش" في أوائل التسعينيات‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن "القضايا الملتهبة" في أماكن أخرى أبقت الواليات المتحدة مشغولة في أجزاء أخرى من العالم (العراق‬
‫وأفغانستان) وغير قادرة على تطوير رد متماسك على التحدي الهائل الذي تشكله الصين حتى تولى إدارة أوباما‬
‫السلطة في عام ‪ .22009‬وقد شهدت الواليات المتحدة األمريكية ظهور تيار مناوئ للصين مرة أخرى منذ تسعينيات‬
‫القرن الـ ‪ .20‬بعد ذلك من مظاهر تطور الوضع السياسي الداخلي في الواليات المتحدة‪ ،‬كان له تأثير على العالقات‬
‫الصينية‪-‬األمريكية والسياسية األمريكية تجاه الصين‪ ،‬وبالتالي كان له أيضا تأثير مهم على السياسة األمريكية تجاه‬
‫المشكلة التايوانية‪ 3.‬لذلك‪ ،‬توجد قوة مناهضة للصين ومؤيدة لتايوان في الواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬وقد انبثقت هذه‬
‫القوة من الصالت المشتركة التي ترتبط بين اإليديولوجيا عميقة الجذور المناوئة للصين والمعارضة للحزب الشيوعي‬
‫‪4‬‬
‫الصيني‪ ،‬وقوة انفصال تايوان عن الوطن األم‪.‬‬

‫تماما اآلن في الجهود المتزايدة للواليات المتحدة للمساعدة في احتواء صعود‬


‫وبالمنطق نفسه‪ ،‬واضح ً‬
‫عقودا من اإلدارات السابقة‪ ،‬حدد الرئيس‬
‫ً‬ ‫الصين في جنوب شرق آسيا‪ً ،‬‬
‫تاركا وراء سياسة اإلنخراط التي دامت‬
‫"دونالد ترامب" صعود الصين باعتباره التحدي الجيوسياسي األول الذي يواجه التفوق األمريكي في السياسة العالمية؛‬
‫للتأكد من أن الواليات المتحدة تحافظ على دورها المهيمن في السياسة العالمية وأن الصين ال تصعد إلى مركز‬
‫الهيمنة اإلقليمية في آسيا‪ ،‬انتهجت إدارة "ترامب" سياسة االحتواء؛ لم يتسع نطاق االنتشار العسكري األمريكي في‬
‫المنطقة فحسب‪ ،‬بل إن الواليات المتحدة تبذل جهدها اآلن لضمان ظهور كتلة مناهضة للصين‪ .‬تهدف المبادرة‬
‫الرباعية (الواليات المتحدة‪ ،‬الهند‪ ،‬اليابان وأستراليا) في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى خلق كتلة قوة معادية‬

‫‪1‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit.P1.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p12.‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.247-246‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.247‬‬

‫‪149‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫للصين من خالل دفع الحلفاء األمريكيين التقليديين في المنطقة إلى زيادة نفقاتهم العسكرية وتحسين التعاون األمني‬
‫‪1‬‬
‫فيما بينهم‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المحددات الجيواقتصادية للتنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة‪.‬‬

‫هناك تصور مشترك بين الجهات الفاعلة داخل وخارج منطقة آسيا‪-‬باسيفيك بأن توزيع القوة في المنطقة‬
‫قد هيمنت عليه العالقة بين الواليات المتحدة والصين‪ ،‬بطريقة تذكرنا إلى حد ما بالثنائية القطبية في القرن العشرين‬
‫بين الواليات المتحدة واالتحاد السوفيتي‪ 2.‬و ًا‬
‫نظر لوجود مجموعة واسعة من األدوات الجيواقتصادية‪ ،‬فإن الطريقة‬
‫التي تستخدم بها الدول هذه األدوات متنوعة؛ يمكن أن تكون هناك استخدامات قسرية أو إيجابية أو تستخدم ألهداف‬
‫قصيرة و‪/‬أو طويلة األجل‪ .‬ما هو أكثر أهمية هو أنه على الرغم من أن األدوات االقتصادية مثل فن الحكم في‬
‫النظام الدولي الحالي هي ظاهرة حتمية‪ ،‬إال أنه ليست كل الدول لديها نفس القدرة على إظهارها من أجل تلبية‬
‫مصالحها‪ .‬وهذا يتطلب قدرة معينة‪ ،‬وبعض السمات الهيكلية للدولة لتكون فعالة في استخدامها للجيواقتصاد‪ ،‬مثل‬
‫‪3‬‬
‫القوة العسكرية في الجيوسياسة‪.‬‬

‫تدفقات التجارة هي انعكاس جيد للعالقات الدولية‪ .‬إنها اتفاقية كلما زادت تجارة األمة مع اآلخرين‪ ،‬كلما‬
‫أيضا إلى تغيير تفضيالت سياستها وحساباتها‬
‫أصبحت عالقاتها مع اآلخرين أوثق‪ .‬تميل هذه العالقات التبادلية ً‬
‫تجاه بعضها البعض‪ .‬وفًقا لذلك‪ ،‬يتزايد تأثير الصين على دول آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن هذه‬
‫أيضا على أقوى حليفين للواليات المتحدة‪ ،‬اليابان وكوريا‪ ،‬التي لم تعد الواليات المتحدة أكبر شريك‬
‫التغييرات تؤثر ً‬
‫تجاري لها‪ ،‬بل الصين‪ .4‬فهذه األخيرة في قلب النظام اإلقليمي آسيا‪-‬باسيفيك والعالم متعدد األقطاب‪ .‬على مدى‬
‫جنبا إلى‬
‫العقود الثالثة السابقة‪ ،‬جعل التطور االقتصادي الصيني أكبر شريك اقتصادي في كل دولة آسيوية تقر ًيبا ً‬
‫‪5‬‬
‫جنب مع التباين االستراتيجي للصين وجيرانها في آسيا والمحيط الهادئ‪.‬‬

‫الحقــائق الرقميــة تشــير الى تصــاعد وفــورة في النــاتج القــومي االجمــالي للصــين وكــبر حجــم االحتياط‬
‫النقدي من العمالت االجنبية واإلعتماد عليه في رفع مكانة وقوة الصين اقليمياً وعالميـاً غـير ان الصين الزالت‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op cit. p 30.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, Op. cit. pp 6-7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Fulya AKSU, Op. cit p 15.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P14.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 272.‬‬

‫‪150‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫تتبع االسلوب السـلمي والتهدئـة في القضـايا العالميـة وتلجـأ الى التهديـد بـالقوة العسـكرية فقط عند دفاعها عن اقليمها‬
‫‪1‬‬
‫وتوابعه خصوصا تايوان وبعض الجزر في بحر الصين الجنوبي أو بحر الصين الشرقي‪.‬‬

‫أدى النفوذ المتزايد للصين‪ ،‬الذي يظهر في "البنك اآلسيوي لتطوير البنية التحتية" (‪ )AIIB‬و "حزام واحد‪،‬‬
‫طريق واحد" ‪ ،)OBOR( One Belt One Road‬الذي يهدد تفوق الواليات المتحدة الطويل األمد‪ ،‬إلى نوع جديد من‬
‫"توازن القوى"‪ .‬فيما يتعلق بارتفاع مشاركتها االقتصادية في المنطقة‪ ،‬فإن اإلصرار العسكري للصين على بحر‬
‫أيضا إلى تغيير جذري في الهيكل‬
‫الصين الجنوبي والنزاعات اإلقليمية والبحرية في بحر الصين الشرقي قد أدى ً‬
‫األمني للمنطقة‪ .‬لذلك‪ ،‬تحول صعود الصين من النمو االقتصادي إلى زيادة اإلنفاق الدفاعي‪ ،‬وعلى األخص‬
‫‪2‬‬
‫التحديث العسكري‪.‬‬

‫ورغم أنه منذ انفتاحها على االقتصاد العالمي في أواخر السبعينيات‪ ،‬كانت القوى الغربية تأمل في أن‬
‫تتحول الصين تدريجياً إلى أحد القوى المسؤولة ذات المصلحة في النظام الدولي الليبرالي وأن تتبنى قيمه األساسية‪،‬‬
‫مثل ترسيخ وتعزيز مبادئ تنظيم المشاريع الفردية والديمقراطية كطريقة للحكم‪ ،‬والحد األدنى من مشاركة الدولة في‬
‫‪3‬‬
‫االقتصاد‪ ،‬وسيادة القانون‪ ،‬والتجارة الحرة‪ ،‬وعلمنة العالقات المجتمعية واحترام التعددية الثقافية‪.‬‬

‫كان السبب الرئيسي لمثل هذا التفاؤل هو أن الصين قد استفادت من كونها جزًءا من االقتصاد العالمي‬
‫ممكنا منذ فترة طويلة من خالل تفاعلها االقتصادي مع الواليات‬
‫ً‬ ‫الرأسمالي وأن تنميتها وتطورها االقتصادي أصبح‬
‫المتحدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فالحالة اآلن هي أن تبني الصين للممارسات الرأسمالية لم يمهد الطريق لتحولها الديمقراطي‬
‫الليبرالي‪ ،‬وبدأت الواليات المتحدة‪ ،‬في ظل إدارتي "أوباما" و"ترامب"‪ ،‬في تعريف الصين كمنافس استراتيجي يجب‬
‫‪4‬‬
‫احتواؤه‪ .‬وبالنظر من المنظور األمريكي‪ ،‬فإن "استراتيجية المشاركة" قد أفسحت المجال اآلن لـ "استراتيجية االحتواء‪.‬‬

‫بحلول أوائل التسعينيات‪ ،‬استعادت الصين العالقات الطبيعية مع جميع دول جنوب شرق آسيا‪ .‬وفي العقود‬
‫الثالثة الماضية‪ ،‬وسعت الصين بشكل كبير عالقاتها االقتصادية في هذه المنطقة خاصة بعد األزمة المالية‬
‫اآلسيوية عام ‪ ،1997‬حيث وقفت الصين بحزم لمنع األزمة من التصعيد‪ ،‬ومن ثم رسخت نفسها كالعب رئيسي‬
‫في اقتصاد المنطقة‪ ،‬وخاصة اقتصاد جنوب شرق آسيا‪ .‬في عام ‪ ،2002‬تمكنت الصين من اتخاذ تؤدي إلى إنشاء‬

‫‪ -1‬صباح نعاس شنافة‪ ،‬مرجع سابق‪( ،‬د‪.‬ص)‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 265.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 37.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 37.‬‬

‫‪151‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫منطقة تجارة حرة بين اآلسيان والصين (‪ .)ACFTA‬عندما دخلت منطقة التجارة الحرة القارية للتجارة الحرة حيز‬
‫التنفيذ في يناير ‪ ،2010‬كانت أكبر منطقة تجارة حرة من حيث عدد السكان وثالث أكبر منطقة من حيث مساهمة‬
‫الناتج المحلي اإلجمالي في العالم؛‪ 1‬كما يعتبر تطور العالقات التجارية بين الصين والواليات المتحدة منذ نهاية‬
‫الحرب الباردة جزءا مهما من العولمة اإلقتصادية؛‪ 2‬مع ذلك‪ ،‬تدل العولمة االقتصادية واتجاه تطور التكامل‬
‫اإلقتصادي العالمي والتعاون االقتصادي الدولي على أن مكاسب الدول متكافئة ومتوازنة‪ .‬فالعالقات اإلقتصادية‬
‫ذات االعتماد المتبادل ليست متكافئة اطالقا‪ ،‬وتشعر الواليات المتحدة األمريكية أن مكاسبها ليست كبيرة من‬
‫‪3‬‬
‫العالقات التجارية الثنائية‪.‬‬

‫الصين أكثر قوة نتيجة لتطورها اإلقتصادي الداخلي ستستمر في الضغط على تغيير النظام الدولي الذي‬
‫تقوده الواليات المتحدة والشروع في مواجهة مع الواليات المتحدة وحلفائها‪ .‬هناك عدة أسباب رئيسية لهذا التوقع‪.‬‬
‫أوالً‪ ،‬حاولت القوى العظمى الصاعدة السابقة تغيير النظام الدولي الذي اعتقدت أنه يعمل ضد مصالحها‪ .‬لماذا‬
‫ثانيا‪ ،‬تخضع الصين لسيطرة حكومة ال تشترك في القيم األساسية مع الواليات‬ ‫يجب أن تكون الصين استثناء؟ ً‬
‫المتحدة وحلفائها؛ قد يكون الصدام بين الصين والغرب الذي تقوده الواليات المتحدة حول المبادئ األساسية للنظام‬
‫مسار للعمل ال مفر منه‪ .‬السؤال هو ما إذا كانت جهود الصين لتشجيع التغيير حضارية أم عنيفة‪،‬‬
‫ًا‬ ‫الدولي القائم‬
‫أخيرا‪ ،‬تتمتع الصين بالقدرة واإلمكانات لتصبح قوة عظمى‪ ،‬وربما‬
‫هذا األخير الذي يعتبر تقليديا وصفة للحرب‪ً .‬‬
‫‪4‬‬
‫تتفوق على الواليات المتحدة في المستقبل؛ ويمكن القول أن الصين لديها الطموح لبناء عالم جديد على صورتها‪.‬‬

‫يتنوع تحدي الصين للنظام العالمي الليبرالي بشكل كبير مع هوية الدولة الحضارية والقيم األساسية للمجتمع‬
‫الصيني‪ ،‬مثل وضع الدولة الشبيه باألب لدى أفراد المجتمع‪ ،‬وهوية الدولة الموحدة‪ ،‬وسالمة األراضي‪ ،‬وثقافة األمن‬
‫السياسي الواقعي‪ ،‬والتماسك اإلجتماعي‪ ،‬وأسبقية الروابط األسرية على الفردية‪ ،‬وأسبقية سيادة الدولة على السيادة‬
‫الشعبية‪ ،‬ومشاركة الدولة التي ال جدال فيها في االقتصاد والحياة االجتماعية‪ ،‬وأولوية حنكة الدولة المسؤولة على‬
‫الشرعية االنتخابية‪ ،‬وحل النزاعات من خالل اآلليات المجتمعية وعالقات الثقة بدالً من األدوات القانونية‪ ،‬واألولوية‬
‫‪5‬‬
‫العالقات الهرمية داخل المجتمع على المساواة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. pp 54-55.‬‬
‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص ص ‪.188-186‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. pp 5-6.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 38.‬‬

‫‪152‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫وفي ظل حالة من عدم اليقين الرئيسية في أعقاب األزمة المالية العالمية في عام ‪ .2008‬فإنه بحلول نهاية‬
‫عام ‪ ،2012‬كان اإلستثمار الضخم في التحفيز اإلقتصادي الذي قامت به الصين قد أدى إلى نمو الحجم اإلجمالي‬
‫لإلقتصاد الصيني ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الواليات المتحدة األمريكية؛ أدي هذا التغيير‪ ،‬إلى‬
‫دعوات للصين لبذل المزيد من الجهد في تنشيط النمو العالمي‪ ،‬وجهود الحماية من انتشار النفوذ الصيني في‬
‫‪1‬‬
‫سياقات أخرى؛ بالمعنى الجيواستراتيجي‪ ،‬سيستمر صعود الصين في إنتاج ردود فعل متباينة من قبل القوى الدولية‪.‬‬

‫تركيز على القضايا السياسية واألمنية والعسكرية‪ ،‬ولم تقدم أي‬


‫ًا‬ ‫بخصوص الواليات المتحدة فقد كانت أكثر‬
‫إرشادات للمنطقة حول كيفية معالجة المشكالت اإلقتصادية العالمية‪ .‬ربما كان النص الفرعي لـ ‪ Wen Jiabao‬هو‪:‬‬
‫الواليات المتحدة هي الشرير األساسي للمشاكل المالية واإلقتصادية في العالم‪ .‬بالطبع‪ ،‬هذا يعيد فتح الجدل بأكمله‬
‫حول المسؤول عن األزمة المالية واإلقتصادية العالمية‪ ،‬وهو نقاش تتحدث فيه الصين والمنطقة بصوت واحد‪ ،‬مما‬
‫يؤكد سوء إدارة الواليات المتحدة للنظام المالي واالختالالت غير المستدامة لإلقتصادات الغربية‪ .‬جنوب شرق آسيا‬
‫تعتقد اعتقادا راسخا بأن الغرب يحتاج إلى استعادة اإلنضباط اإلقتصادي‪ ،‬وال سيما ديون الواليات المتحدة تحت‬
‫السيطرة‪ ،‬مما يؤكد الترابط بين القضايا اإلقتصادية والسياسية واألمنية‪ ،‬وهي سمة من سمات المنافسة اإلستراتيجية‬
‫‪2‬‬
‫اإلقليمية التي ال تستطيع الواليات المتحدة تجنبها‪.‬‬

‫قامت الواليات المتحدة األمريكية في أوائل أكتوبر ‪ ،2015‬وإحدى عشرة دولة مطلة على المحيط الهادئ‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أستراليا‪ ،‬بروناي‪ ،‬كندا‪ ،‬شيلي‪ ،‬اليابان‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬المكسيك‪ ،‬نيوزيلندا‪ ،‬بيرو‪ ،‬سنغافورة‪ ،‬فيتنام‪ ،‬بتوقيع اتفاقية‬
‫الشراكة االقتصادية اإلستراتيجية عبر المحيط الهادي‪ ،‬وهي اتفاقية تجارة حرة متعدد األطراف تهدف إلى زيادة‬
‫تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬مما أخذ بالرئيس األمريكي "باراك أوباما" بالقول أن الواليات المتحدة‬
‫لن تسمح لبلدان مثل الصين أو غيرها بكتابة قواعد اإلقتصاد العالمي‪ ،‬كما صرح "أوباما"‪" :‬عندما يعيش ما يزيد‬
‫على ‪ %95‬من مستهلكينا المحتملين خارج حدودنا‪ ،‬فال يمكن أن نجعل دوال كالصين تكتب قواعد االقتصاد العالمي‪،‬‬
‫ويضيف أوباما‪“ :‬ينبغي لنا أن نكتب هذه القواعد‪ ،‬وأن نفتح أسواقا جديدة للمنتجات األمريكية في الوقت الذي نرسي‬
‫‪3‬‬
‫فيه معايير عالية لحماية عمالنا إلى جانب الحفاظ على بيئتنا"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Zha Daojiong، “China’s Economic Diplomacy Focusing on the Asia-Pacific Region”، China Quarterly of International‬‬
‫‪Strategic Studies, (Peking University, Vol. 1, No. 1). P 85. https://cutt.ly/CTW5JpX‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 28.‬‬
‫‪ -3‬شريف شعبان مبروك‪" ،‬االحتواء والمشاركة‪ :‬اإلستراتيجية األمريكية في آسيا"‪( ،‬المركز العربي للبحوث والدراسات‪ ،)2016/03/13 ،‬تاريخ التصفح‬
‫‪https://cutt.ly/CAjQGS6 .)2019/03/02‬‬

‫‪153‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫وبذلك‪ ،‬أصبحت اتفاقية الشراكة اإلقتصادية اإلستراتيجية عبر المحيط الهادئ‪ ،‬تطرح العديد من التساؤالت‬
‫حول تأثير الشراكة المزمعة على النظام االقتصادي العالمي‪ ،‬والسيما على اتجاهات التجارة الدولية‪ ،‬ويذهب كثير‬
‫من المراقبين إلى أن سعي الواليات المتحدة إلى إب ارم هذه الشراكة‪ ،‬ال يقف ورائه فقط بعض المكاسب اإلقتصادية‪،‬‬
‫وإنما بواعث سياسية أكبر تتمثل في تعزيز ارتباطها واتصالها بالقارة اآلسيوية ومن ثم تطويق اإلستراتيجية الصينية‬
‫أخير تؤيد العديد من الدالئل النظرية والتجريبية بأن الصين ستتعرض لخسائر في الدخل القومي‬
‫التوسعية هناك‪ ،‬و ًا‬
‫‪1‬‬
‫والصادرات حال إتمام هذه الشراكة بشكل نهائي‪.‬‬

‫ومن المشكالت التي تشهدها في الوقت الحاضر العالقات التجارية بين الصين والواليات المتحدة األمريكية‬
‫زيادة الفائض في الميزان التجاري لصالح الصين؛ ومن منظور السياسة الداخلية تعتبر السلطات الرسمية هذه‬
‫المشكلة بمثابة نتيجة للممارسات التجارية الصينية غير العادلة تجاه الواليات المتحدة األمريكية‪ 2.‬وأدى اإلصرار‬
‫األمريكي على التكامل اإلقتصادي القائم على القواعد أو المشاركة إلى إبطاء التقدم في صياغة اتفاقيات التجارة‬
‫الحرة ‪ ،)FTAs( free trade agreements‬على الرغم من أن إدارة "أوباما" تبدو وكأنها تريد التركيز على اتفاقية‬
‫الشراكة عبر المحيط الهادئ بدالً من اتفاقيات التجارة الحرة الفردية‪ ،‬إال أن اقتران القضايا السياسية وقضايا حقوق‬
‫اإلنسان بالتجارة واالستثمار األمريكي يسبب االستياء وعدم اليقين بين العديد من دول المنطقة‪ 3 ،‬كل هذا يتناقض‬
‫‪4‬‬
‫بشكل حاد مع الطريقة التي تعاملت الصين مع المنطقة دون شروط مسبقة‪.‬‬

‫التنافس بين الواليات المتحدة والصين حول المنطقة اإلقتصادية الخالصة هي مواجهة مباشرة أخرى بين‬
‫الصين والواليات المتحدة؛ إنه يركز على األنشطة العسكرية األمريكية في المنطقة اإلقتصادية الخالصة التي تطالب‬
‫بها الصين‪ ،‬وتنبع هذه القضية من وجهات النظر المتناقضة للجانبين بشأن الطبيعة القانونية والعملية لألنشطة‬
‫العسكرية األمريكية في هذا المجال؛ وأدى عامل انتقال القوة بين الواليات المتحدة والصين إلى جعل هذه القضية‬
‫أكثر تعقيدا؛ وتشكل دعوة الواليات المتحدة لحرية المالحة‪ ،‬ورفضها الستراتيجية الصين في بحر الصين الجنوبي‪،‬‬
‫وتطوير خطة المعركة الجوية والبحرية‪ ،‬هي جزء من استجابة الواليات المتحدة من اإلجراءات المضادة ضد التوسع‬
‫الصيني في غرب المحيط الهادئ؛‪ 5‬ومع أدوارها التنافسية األضعف تدريجياً‪ ،‬تواصل أمريكا تدمير "الهيكل‬

‫‪ -1‬شريف شعبان مبروك‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit.p 26.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 26.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. pp 25-26.‬‬

‫‪154‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫اإلقتصادي الليبرالي" الذي أسسته في "بريتون وودز" ‪ Bretton Woods‬؛ بتزايد موجات الحمائية األمريكية بسرعة‬
‫‪1‬‬
‫ديدا‪.‬‬
‫معيار ج ً‬
‫ًا‬ ‫في المقام األول وتسييس العالقات اإلقتصادية العالمية أو حتى عسكرتها‪ ،‬وأصبحت العقوبات‬
‫إذن‪ ،‬عند الفحص الدقيق‪ ،‬يبدو أن الحفاظ على اإلستقرار اإلقليمي والعالمي ال يزال في مصلحة الصين‪.‬‬
‫بالنظر إلى الحرب التجارية الحمائية التي قام بها الرئيس ترامب على الصين والتحديات الداخلية المتصاعدة‪ ،‬فإن‬
‫بكين ليست في وضع يمكنها من المخاطرة بمكاسب عملية التنمية المستمرة من خالل تبني نهج متشدد تجاه‬
‫الواليات المتحدة وجيرانها؛ تمتلك الصين أكبر احتياطيات بالدوالر األمريكي‪ ،‬وال يزال وصولها إلى السوق األمريكية‬
‫‪2‬‬
‫مهما لتحديث اقتصادها‪.‬‬
‫والتكنولوجيا واإلستثمار األجنبي المباشر ً‬

‫المطلب الرابع‪ :‬المحددات األمنية للتنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫"اإلحساس المتناقض باألمن"‬

‫التحوالت الهائلة في العالقات األمنية بين الصين والواليات المتحدة والناجمة عن نهاية الحرب الباردة كانت‬
‫بصورة أساسية نتيجة التغييرات الكبيرة في األوضاع األمنية العالمية؛ كما إن مكانة الصين والواليات المتحدة في‬
‫خضم تلك التغيرات فرضا عليهما إعادة معرفة مصالحهما األمنية الخاصة‪ ،‬ورسم االستراتيجية والسياسية األمنية‬
‫الخاصة بهما من جديد‪ ،‬وأدى ذلك إلى إحداث تغيرات مهمة في العالقات األمنية بين الدولتين‪ 3.‬فالوجود الطويل‬
‫األمد للقوات العسكرية األمريكية حول محيط الصين ينشط مخاوف الصين من أن الواليات المتحدة تحاول احتواء‬
‫النمو الصيني‪" .‬وحذرت الصين من أن دول آسيا والمحيط الهادئ التي تقف إلى جانب الواليات المتحدة ستعاقب‬
‫اقتصاديا"‪ 4.‬كذلك‪ ،‬قامت الصين بتسريع برنامجها التحديثي لقوتها العسكرية والحصول على أسلحة متطورة‪ .‬يبدو‬
‫ً‬
‫أن الكثير من هذه الترسانة تركز على ردع التدخل األمريكي المحتمل في حالة طوارئ لتايوان‪ ،‬ولكن يبدو ً‬
‫أيضا‬
‫أن العناصر تعزز قدرات الجيش الصيني لتتخطى تايوان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ األوسع‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن‬
‫‪5‬‬
‫التحدي الذي تمثله الصين متعدد األوجه‪.‬‬

‫تشير العينات إلى وجود تناقض عميق في مدركات الجيش الصيني للعالم؛ فعلى المستوى الموضوعي مع‬
‫بداية القرن الـ ‪ 21‬ال تواجه الصين على ما يبدو أي تهديد عسكري خارجي فوري ألمنها القومي؛ فحدودها آمنة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. pp 267-268.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op cit. p 37.‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 271.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit p 33.‬‬

‫‪155‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫واختفى التهديد السوفياتي‪ ،‬وصاغت الصين عالقات دبلوماسية طبيعية مع كل جيرانها‪ ،‬وكان من المفروض أن‬
‫يسهم النمو االقتصادي الهائل والتحديث العسكري الثابت في الصين في تعزيز اإلحساس بالطمأنينة واألمن‪ 1.‬مع‬
‫ذلك فإن أبرز ثالث نزعات في شرق آسيا تهدد األمن اإلقليمي هي الصراع اإلقليمي على "جزر سبراتلي" و"جزر‬
‫‪2‬‬
‫ديايو" واحتمال نشوب صراع قوى عظمى على شبه الجزيرة الكورية‪ ،‬والصراع األمريكي‪-‬الصيني على تايوان‪.‬‬

‫تدنت أهمية العالقات األمنية العسكرية في إطار العالقات األمنية الصينية‪-‬األمريكية الناتجة عن نهاية‬
‫الحرب الباردة‪ ،‬ويعد ذلك تغيي ار هائال في تقييم الطرفين الصيني واألمريكي للتهديد العسكري الذي يواجه كل منهما‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وقيامهما بإجراء تعديالت سياسية هامة‪:‬‬

‫أوال‪ /‬جزر سبراتلي ‪:Spratly Islands‬‬

‫تشكل جزر "سبراتلي" أحد القضايا األمنية الخالفية بين الصين والواليات المتحدة‪ ،‬نظ ار ألهمية الجزر في‬
‫مجال الصيد البحري وموقعها االستراتيجي تتنازع السيادة عليها ست دول‪ ،‬البعض يطالب بالسيادة الكاملة عليها‬
‫وهي‪ :‬الصين وفيتنام وتايوان‪ ،‬في حين تطالب األخرى بالسيادة على أجزاء منها قريبة في حدودها‪ ،‬وهي‪ :‬ماليزيا‪،‬‬
‫الفلبين‪ ،‬بروناي‪ 4.‬وقد أصدر البرلمان الصيني في ‪ 1992/02/25‬قانونا يقصي بملكية الصين وسيادتها على جزر‬
‫‪5‬‬
‫سبراتلي ومياهها اإلقليمية‪ ،‬ومحالها الجوي‪ ،‬ويخول لصلين حق استخدام القوة لمواجهة أي تعدي في منطقة الجزر‪.‬‬
‫مع ذلك يعد التنازع حول "جزر سبراتلي" األقل أهمية‪ ،‬ألن الجزر المتنازع عليها تقع في بحر الصين الجنوبي‬
‫الواقع تحت الهيمنة األمريكية‪ ،‬وألنها أصغر من أن تكون ذات قيمة استراتيجية إلظهار القوة‪ ،‬وألنها تفتقر إلى‬
‫‪6‬‬
‫موارد طاقة كبيرة‪ ،‬فليس لدى الصين ال القدرة وال المصلحة االستراتيجية لتحدي الوضع الراهن‪.‬‬

‫‪ -1‬ديفيد شامبو‪" ،‬رؤى العالم لدى الجيش الصيني‪ :‬األمن المتناقض"‪ .‬في‪ :‬مايكل إي براون‪ ،‬صعود الصين‪ ،‬ترجمة‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬المركز القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬ط ‪ ،)2010 .1‬ص ‪.218‬‬
‫‪ -2‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.347‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ -4‬هدى ميتكيس وصدقي عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ -5‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ -6‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.347‬‬

‫‪156‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫ثانيا‪ :‬جزر دياويو(سينكاكيو) ‪: Diaoyu Islands/Senkaku‬‬

‫النزاع الصيني‪-‬الياباني هو النزاع اإلقليمي األكثر تفج اًر في شرق آسيا؛ لقد كانت قضية خالفية بين الصين‬
‫واليابان منذ أوائل السبعينيات‪ ،‬وألن الواليات المتحدة كانت متورطة في صنع النزاع الصيني الياباني على جزر‬
‫‪1‬‬
‫سينكاكيو‪ /‬دياويو ولديها التزام بالدفاع عن اليابان‪ ،‬فإن هذا النزاع له نتائج أوسع بكثير‪.‬‬

‫تتكون من خمس جزر غير مأهولة‪ ،‬تطالب بها الصين وتايوان واليابان‪ ،‬تقع في بحر الصين الشرقي على‬
‫بعد حوالي ‪ 125‬ميال شمال شرق تايوان‪ ،‬و‪ 185‬كجنوب شرق "أوكيناوا" اليابانية بجوار جرف قاري ‪Continental‬‬

‫‪ Shelf‬يعتقد أنه يحتوي على ‪ 100-10‬مليار برميل من النفط‪ 2.‬ولم تحظى الجزر باهتمام يذكر إال في أعقاب‬
‫إعالن للجنة االقتصادية آلسيا والشرق األقصى التابعة لألم المتحدة ‪ ECAFE‬في عام ‪ 1969‬عن احتمال وجود‬
‫نفط بالمناطق المحيط بهذه الجزر‪ ،‬وهو ما دفع اليابان في عام ‪ 1970‬إلى توقيع اتفاقية مع الواليات المتحدة‬
‫األمريكية تم بمقتضاها ضم جزر "ديايو" إلى جزر "أوكيناوا" اليابانية؛‪ 3‬فلكل من الصين واليابان وتايوان ادعاءات‬
‫متعارضة في أجزاء كبيرة من منطقة الجرف القاري حيث جزر ديايو‪ ،‬فملكية هذه الجزر سينقل السيادة على حوالي‬
‫‪4‬‬
‫‪ 11700‬ميل مربع من الرف الصخري القاري يعتقد أنها تحتوي على مخزون نفطي‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬هناك نزاعان وثيقان الصلة بين الصين واليابان في بحر الصين الشرقي‪ .‬األول يتعلق بترسيم‬
‫الحدود البحرية للبلدين؛ والثاني‪ ،‬هو تداخل المطالبات السيادة البحرية بين البلدين على جزر سينكاكيو‪ /‬جزر دياويو‬
‫‪5‬‬
‫في المنطقة المتنازع عليها‪.‬‬

‫في عام ‪ 1992‬أصدرت الصين قانون اإلقليم البحري الذي اعتبر جزر "ديايو" جزءا من اإلقليم الصيني‪.‬‬
‫وتستند الصين في دعواها إلى أن الجزر كانت تاريخيا تتبع الصين‪ 6.‬تعود إلى أسرة مينغ ‪،)1644-1368( Ming‬‬

‫وتؤكد اليابان أن الجزر آلت إليها سيطرتها عام ‪ ،1879‬مع أنها لم تضم رسميا إال في عام ‪ .1895‬فبعد هزيمة‬

‫‪1‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. Pp 36-37.‬‬
‫‪ -2‬إريكاستريكر داونز وفيليب سي‪-‬ساوندرز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ -3‬هدى ميتكيس وصدقي عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫‪ -4‬إريكاستريكر داونز وفيليب سي‪-‬ساوندرز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P37.‬‬
‫‪ -6‬هدى ميتكيس وصدقي عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.205‬‬

‫‪157‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫الصين في الحرب الصينية‪-‬اليابانية عام ‪ ،1895‬تخلت أسرة مينغ (‪ )1911-1644‬رسميا لليابان عن تايوان و"جزرها‬
‫‪1‬‬
‫المحيطة" وفقا لـ "معاهدة شيمونوسكي ‪."Shimonoseki‬‬

‫سيطرت الواليات المتحدة األمريكية على جزر دياويو بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وفي‬
‫عام ‪ 1972‬أعادت الواليات المتحدة األمريكية "الحقوق اإلدارية" على الجزر إلى اليابان مع "أوكيناوا"‪ ،‬لكنها رفضت‬
‫أن تأخذ موقفا من نزاع السيادة؛‪ 2‬تدفع الصين بأن إعادة "جزر دياويو" إلى الحكم الياباني خرق إلعالن القاهرة عام‬
‫‪ ،1943‬وإعالن بوتسدام ‪ ،1945‬فقد اشترط إعالن القاهرة أن تعيد اليابان كل األراضي الصينية التي ضمنتها‪ ،‬بينما‬
‫‪3‬‬
‫طالب إعالن "بوتسدام" عند استسالم اليابان عام ‪ 1945‬بتنفيذ إعالن القاهرة‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬شبه الجزيرة الكورية‪:‬‬

‫من النقاط الساخنة التي صنفت من حيث تأثيرها على أمن الصين ومن حيث بعدها عن الصين‪ ،‬فإن‬
‫إلحاحا بالنسبة للصين‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن الحرب الكورية في‬
‫ً‬ ‫القضية النووية الكورية الشمالية هي األكثر‬
‫‪ 1953-1950‬هي التي أعادت الواليات المتحدة األمريكية إلى مسرح شرق آسيا‪ ،‬مما أدى إلى تعميق انقسامات‬
‫‪4‬‬
‫الحرب الباردة‪.‬‬

‫منذ ذلك الحين تسببت كوريا الشمالية في درجة عالية من التوتر وتفاقم التهديد األمني‪ ،‬خاصة وأن كوريا‬
‫الشمالية لديها امتداد عرقي واعتماد اقتصادي وثيق على الصين‪ .‬القضية الثانية الساخنة تتعلق بالصواريخ المضادة‬
‫للصواريخ الباليستية‪ .‬القضية الثانية هي قرار الواليات المتحدة في مارس ‪ 2017‬بنشر (نظام دفاع الدرع الصاروخي‬
‫األمريكي) في كوريا الجنوبية‪ .‬تعتقد الصين أن مثل هذا االنتشار سوف يفسد التوازن األمني اإلقليمي‪ .‬إن الصراع‬
‫حول كوريا كقضية أمنية يشكل مصدر توتر؛ وهو اإلستثناء األول مع قضية تايوان الذي يثبت قاعدة أن الجغرافيا‬
‫تؤثر على فرص الصراع في شرق آسيا‪ .‬فالنزاع في كوريا مصدر تهديد لألمن في جنوب شرقي آسيا ألنه المكان‬
‫الوحيد في شرق آسيا الذي احتفظت فيه الواليات المتحدة األمريكية بتواجد عسكري قاري في المنطقة‪ ،‬والواليات‬

‫‪ -1‬إريكاستريكر داونز وفيليب سي‪-‬ساوندرز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ص ‪.126-125‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, “Emerging Foreign Policy Trends under Xi Jinping” in M.S. Prathibha: EAST ASIA STRATEGIC‬‬
‫‪REVIEW: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (NEW DELHI, INSTITUTE FOR DEFENCE STUDIES, First‬‬
‫‪Published, 2018), p 7.‬‬

‫‪158‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫المتحدة األمريكية كقوة بحرية لها قوات بحرية في كوريا الجنوبية‪ ،‬وتلك القوات عرضة لهجوم مفاجئ‪ ،‬ولذلك‬
‫اعتمدت الواليات المتحدة على األسلحة النووية لردع أي هجوم‪ ،‬وهو ما أدى على دفع كوريا الجنوبية على امتالك‬
‫‪2‬‬
‫أسلحة نووية‪ 1،‬أما كوريا الشمالية غير المستقرة والتي ترتبط بشكل مباشر باألمن الصيني‪.‬‬

‫شبه الجزيرة الكورية ليست عامال رئيسيا في توازن القوى العظمى أو في الحماية األمريكية لطرق المالحة‬
‫البحرية‪ ،‬وفي اثناء الحرب الباردة حرم الوجود األمريكي في شبه الجزيرة الكورية اإلتحاد السوفياتي من "خنجر‬
‫موجه إلى لب اليابان"‪ .‬لكن ذلك عكس االفتقار السوفياتي إلى الوصول اآلمن من الشرق األقصى إلى بحر اليابان؛‬
‫وألن الصين لها حل طويل على بحر الصين الشرقي يصبح التهديد المتنامي لليابان من اإلنسحاب األمريكي من‬
‫شبه الجزيرة الكورية والتعاون األكبر بين الصين وكوريا الجنوبية هامشيا؛‪ 3‬وعمل الردع النووي المتبادل بأقل درجة‬
‫من توتر القوى العظمى ألن الصين تتخذ من كوريا الشمالية دولة حاجز ‪ ،Buffer state‬وبالتالي لم يكن لها مصلحة‬
‫‪4‬‬
‫استراتيجية في دفع كوريا الشمالية على تحدي الوضع الراهن‪.‬‬

‫رابعا‪ /‬قضية تايوان‪:‬‬

‫تتدهور العالقات الثنائية بين الواليات المتحدة والصين بسبب قضية "تايوان" و"التبت" إلى جانب التجارة‬
‫‪5‬‬
‫والعملة وتزايد الحمائية التجارية وقضايا البيئة‪ ،‬كما أدى الحشد العسكري إلى مزيد من التدهور في العالقات‪.‬‬
‫نظر لتسريع الصين في تعزيز القدرات العسكرية عبر مضيق تايوان‪ ،‬من األهمية بمكان أن تظل الواليات المتحدة‬
‫و ًا‬
‫‪6‬‬
‫ثابتة في التزامها بتزويد تايوان باألسلحة الدفاعية الالزمة لضمان قدرتها على مقاومة اإلكراه أو الهجوم‪.‬‬

‫تتصدر قضية تايوان األجندة االستراتيجية للصين ألسباب تاريخية وسياسية وقومية واستراتيجية‪ .‬منذ عام‬
‫‪ ،1979‬تسعى بكين إلى إيجاد حل سلمي للقضية‪ ،‬وتعتبر تدخل الواليات المتحدة في هذه القضية عقبة رئيسية في‬
‫تحقيق هذا الهدف‪ .‬بشكل عام‪ ،‬تتبنى الصين ثالثة افتراضات حول سياسة الواليات المتحدة تجاه تايوان‪ .‬من‬
‫الناحية االستراتيجية‪ ،‬ال تزال الواليات المتحدة تنظر إلى تايوان على أنها جزء من "مجال نفوذها" في غرب المحيط‬
‫الهادئ‪ ،‬وهي حليف شبه حليف في المنطقة‪ .‬من الناحية السياسية‪ ،‬تفضل الواليات المتحدة استقالل تايوان‪ .‬فقط‬

‫‪ -1‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.348‬‬


‫‪ -2‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -3‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.348‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.348‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 270.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P4.‬‬

‫‪159‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫الخوف من الحرب عبر مضيق تايوان يقيد الواليات المتحدة لدعم الوضع الراهن‪ .‬عسكريا‪ ،‬ستواصل الواليات‬
‫المتحدة تزويد تايوان بجميع أنواع المساعدة‪ ،‬بما في ذلك نقل األسلحة المتقدمة والتكنولوجيا العسكرية‪ ،‬واالستخبارات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫والتدريب‪ .‬إذا لجأت جمهورية الصين الشعبية إلى استخدام القوة لتوحيد تايوان‪،‬‬

‫تعكس قضية تايوان استثناء مماثال للصراع بين القوة البحرية األمريكية والقوة البرية الصينية فتايوان تقع‬
‫في كال المسرحين‪ .‬فألن تايوان جزيرة يمكن للواليات المتحدة األمريكية أن تستخدم قدراتها البحرية أكثر تفوقا للدفاع‬
‫‪2‬‬
‫عنها ضد قوات الصين البرية؛ لكن قرب "تايوان" من جزيرة الصين يعطي لهذه األخيرة تفوقا عسكريا لردع تايوان‪.‬‬
‫وتعد مشكلة تايوان مشكلة رئيسية وحساسة للغاية في العالقات الصينية‪-‬األمريكية‪ .‬مشكلة تايوان بطبيعتها من‬
‫الشؤون الداخلية للصين‪ ،‬لذلك ترفض الصين القبول إطالقا بتدخل الواليات المتحدة األمريكية في مشكلة تايوان‬
‫تحت ذريعة الحيلولة دون حدوث اصطدام عسكري وإعاقة قيام الصين بتحقيق توحيد البالد‪ 3.‬من منظور الصين‪،‬‬
‫فإن معالجة وضع تايوان وعالقاتها مع الصين هما الشرط األساسي لقيام عالقات صحية وبناءة بين الواليات‬
‫المتحدة والصين؛‪ 4‬هذه األخيرة لديها مهمة معلنة إلعادة التوحيد مع تايوان وتعهدت باستخدام القوة لتحقيق هذا‬
‫الهدف إذا فشلت الوسائل السلمية‪ ،‬لدى الواليات المتحدة قانون عالقات مع تايوان لضمان عدم السماح باستخدام‬
‫‪5‬‬
‫القوة لتغيير وضع الدولة الجزيرة‪.‬‬

‫من منتصف التسعينيات إلى أوائل عام ‪ ،2001‬كانت سياسات الصين بشأن العالقات عبر المضيق‬
‫(مضيق تايوان) غير آمنة وتفاعلية‪ .‬كانت الصين متوترة للغاية بشأن امكانية استقالل تايوان لدرجة أنها نظرت‬
‫إلى العديد من القضايا الدبلوماسية غير ذات الصلة من خالل هذا المنظور الفردي‪ .‬وفيما يتعلق بتايوان نفسها‪،‬‬
‫ركزت الصين على اإلكراه لمنع االستقالل أكثر مما ركزت على تشجيع إعادة التوحيد أو الحد من التوتر؛ واعترض‬
‫المسؤولون الصينيون على أي تحسن في العالقات العسكرية بين الواليات المتحدة وتايوان‪ ،‬وكانت الجزيرة نقطة‬
‫‪6‬‬
‫رئيسية في العالقات األمريكية الصينية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Wu Xinbo, Op. cit.‬‬
‫‪ -2‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.349‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪ -4‬ريتشارد هاس وميجان أودوليفان‪ :‬العسل والخل‪ :‬الحوافز والعقوبات والسياسة الخارجية‪ ،‬ترجمة إسماعيل عبد الحكيم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مركز األهرام للترجمة‬
‫والنشر‪ ،‬ط ‪ .)2002 ،1‬ص ‪.23‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. p 20.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, “China’s New Diplomacy”, Foreign Affairs, Vol 82, N 6, Nov / Dec 2oo3), p 28.‬‬
‫‪https://cutt.ly/zAxiFIU‬‬

‫‪160‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫ومع أن تايوان تشكل مصلحة حيوية للصين بطريقة تكرر دور كوبا في االستراتيجية األمريكية‪ 1،‬فقد أثبت‬
‫هذا النهج نتائج عكسية؛ كمثال‪ ،‬عندما أجرت الصين تجارب صاروخية عدوانية في عامي ‪ 1995‬و‪ 1996‬لردع‬
‫القادة التايوانيين واألمريكيين‪ ،‬أرسلت الواليات المتحدة حاملتي طائرات إلى مضيق تايوان كما أضرت التدريبات‬
‫العسكرية الصينية والدبلوماسية العدائية بصورتها في المنطقة‪ ،‬ال سيما بين دول جنوب شرق آسيا‪ 2.‬وفي عام‬
‫‪ ،2000‬إلى أن التأخير غير المحدود للجزيرة في استئناف المفاوضات عبر المضيق قد يؤدي إلى استخدام الصين‬
‫"لتدابير جذرية"‪ ،‬بما في ذلك القوة‪ .‬كان أحد أهداف الصين‪ ،‬على األرجح‪ ،‬هو تحديد إطار زمني (وإن لم يكن‬
‫محددا) إلعادة التوحيد‪ .‬لكن النتيجة كانت أنه بعد بضعة أشهر انتخبت تايوان أول رئيس لها من حزب معارض‬
‫ً‬
‫‪3‬‬
‫مؤيد لالستقالل‪.‬‬

‫تخلت الصين عن محاولتها وضع جدول زمني تقريبي إلعادة التوحيد وخففت من حدة تهديداتها باستخدام‬
‫اما باحتواء تايوان بالفرص االقتصادية (مع االستمرار في شحذ‬
‫القوة العسكرية؛ بدالً من ذلك‪ ،‬يبدو اآلن أكثر اهتم ً‬
‫أدواتها القسرية)؛ عالوة على ذلك‪ ،‬لم يعد القادة الصينيون يحتجون على كل تصعيد في العالقات العسكرية بين‬
‫الواليات المتحدة وتايوان‪ 4.‬هذا ال يعني أن الصين تخلت عن نيتها النهائية إلعادة التوحيد مع الجزيرة‪ .‬إن نهج‬
‫الصين القاسي تجاه أزمة السارس في تايوان‪ ،‬وكذلك جهودها الحثيثة لرفض عضوية تايوان في منظمة الصحة‬
‫مؤخر التساؤل عن عمق التحول؛ لكن في أغلب األحيان‪ ،‬فإن تكتيكات الصين قد تغيرت على األقل‬
‫ًا‬ ‫العالمية‪ ،‬أثار‬
‫في الوقت الراهن‪ ،‬ومع االنفجار الذي حدث في العالقات االقتصادية عبر المضيق والمشاكل المالية التي تواجهها‬
‫‪5‬‬
‫تايوان‪ ،‬أصبح قادة الصين واثقين من أن الوقت في صالحهم وأن نفوذهم على تايوان آخذ في االزدياد‪.‬‬

‫يصف "لي كينجونغ" ‪ ،Li Qinggong‬مدير قسم البحوث األمنية الشاملة باإلدارة الثانية باألركان العامة‬
‫للجيش الصيني (االستخبارات)‪" :‬الهيمنة وسياسة القوة األمريكية بأنها المشكلة األساسية في آسيا والعالم‪ ،‬وبأن‬
‫التعددية القطبية سوف تكبح الهيمنة األمريكية‪ 6.‬ويجادل "دينغ شيشوان" ‪ ،Ding Shichuan‬من معهد العالقات‬

‫‪ -1‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.350‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros -M. Taylor Fravel, Op. cit. p 28.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 28.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-I bid. pp 28-29.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- I bid. p 29.‬‬
‫‪ -6‬مايكل إي براون وآخرون‪ ،‬صعود الصين‪ ،‬ترجمة‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط ‪ ،)2010 .1‬ص ‪.226‬‬

‫‪161‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫الدولية للجيش الصيني بأن‪" :‬التناقضات" غير المحددة بين الواليات المتحدة األمريكية والقوى األخرى تتسارع‬
‫‪1‬‬
‫وتيرتها‪ ،‬وأن شكال جديدا من "عالقات القوى الكبرى" سيظهر‪ ،‬وفيه سوف تضعف القوة األمريكية‪.‬‬

‫أيضا إجراءات لتعزيز النظام األمني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬هذه‬ ‫اتخذت الواليات المتحدة ً‬
‫اإلجراءات واضحة للغاية‪ .‬تقوم الواليات المتحدة أوال بتقوية العالقات مع حلفائها الحاليين ثم تحاول تجنيد شركاء‬
‫جدد‪ .‬ففي مواجهة التوسع االقتصادي الصيني السريع في آسيا والمحيط الهادئ والنفوذ الصيني المتزايد في العديد‬
‫من جوانب العالقات في المنطقة‪ ،‬ترغب العديد من دول آسيا والمحيط الهادئ في تطوير العالقات مع الواليات‬
‫المتحدة والحفاظ على الواليات المتحدة كمزود لألمن في المنطقة‪ .‬لطالما كان هذا عمالً متوازًنا لدول آسيا والمحيط‬

‫الهادئ‪ ،‬على الرغم من أن العديد منهم يحاولون عدم السماح للشراكة مع الواليات المتحدة بأن تصبح نفوًذا أمر ً‬
‫يكيا‬
‫‪2‬‬
‫ضد الصين‪.‬‬

‫خامسا‪ /‬بحر الصين الجنوبي‪:‬‬

‫يشمل بحر الصين الجنوبي جزًءا من جنوب المحيط الهادئ يمتد من الطرف الجنوبي لتايوان إلى مضيق‬
‫ملقا‪ .‬تضم المنطقة العديد من الجزر الصغيرة والشعاب المرجانية المنتشرة تقر ًيبا حول مجموعات الجزر األربع‬
‫المعروفة باسم "براتاس" ‪ Pratas Island‬في الشمال الشرقي‪ ،‬و"ماكليسفيلد" ‪ Maclesfield Islands‬في الوسط‪ ،‬وجزر‬
‫‪3‬‬
‫"باراسيل" ‪ Paracel Islands‬في الغرب‪ ،‬وجزر "سبراتلي" ‪ Spratly Islands‬في الجنوب‪.‬‬

‫خالل العقدين األولين من التنافس بين الواليات المتحدة والصين في القرن الحادي والعشرين في عشرة من‬
‫غرب المحيط الهادئ‪ ،‬ظهر بحر الصين الجنوبي كنقطة رئيسية‪ .‬يمكن للصين فقط تغيير "الهيكل الثنائي القطب"‬
‫‪4‬‬
‫من خالل تحدي التفوق البحري للواليات المتحدة والتشكيك فيه‪.‬‬

‫حتى مع عدم حل النزاعات في بحر الصين الجنوبي وقعت دول اآلسيان والصين على إعالن سلوك‬
‫تحديدا لتنظيم‬
‫ً‬ ‫األطراف في بحر الصين الجنوبي في عام ‪ ،2002‬وتعمل المنظمة اإلقليمية على مدونة سلوك أكثر‬
‫النشاط البحري في المياه المتنازع عليها‪ .‬وقد أدى هذا النهج الذي تتبعه رابطة أمم جنوب شرق آسيا ‪-‬وهو األثر‬
‫البطيء للتكامل الوظيفي‪-‬دو ار في تعزيز التعاون االقتصادي‪ 5.‬تقول الصين إن مطالبتها بالسيادة والمنطقة‬

‫‪ -1‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P15.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. Pp 57-58.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 270.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 30.‬‬

‫‪162‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫االقتصادية الخالصة ‪ )EEZ( exclusive economic zone‬وحقوق الجرف القاري ‪ continental shelf rights‬في‬
‫‪1‬‬
‫معظم بحر الصين الجنوبي يمكن إرجاعها إلى ‪ 2000‬عام‪.‬‬

‫يشمل بحر الصين الجنوبي جزًءا من جنوب المحيط الهادئ يمتد من الطرف الجنوبي لتايوان إلى مضيق‬
‫ملقا‪ .‬تضم المنطقة العديد من الجزر الصغيرة والشعاب المرجانية المنتشرة تقر ًيبا حول مجموعات الجزر األربع‬
‫المعروفة باسم "براتاس" في الشمال الشرقي‪ ،‬و"ماكليسفيلد" في الوسط‪ ،‬وجزر "باراسيل" في الغرب‪ ،‬وجزر "سبراتلي"‬
‫‪2‬‬
‫في الجنوب‪.‬‬

‫بحر الصين الجنوبي منطقة بحرية في المحيط الهادئ تبلغ مساحتها ‪ 3500000‬كيلومتر مربع‪ .‬تضم منطقة‬
‫بحر الصين الجنوبي ‪ 250‬جزيرة صغيرة‪ ،‬يقع معظمها في أرخبيل سبراتلي وباراسل وتتنازع عليها ست دول مجاورة‪،‬‬
‫وهي الصين‪ ،‬تايوان بروناي وماليزيا وفيتنام والفلبين‪ .‬إنها منطقة جزر صغيرة وشعاب مرجانية وجزر صغيرة غنية‬
‫بالموارد‪ .‬وهو أحد الطرق التجارية الرئيسية في العالم‪ ،‬ويعمل كجسر بين المحيطين الرئيسيين في العالم‪ ،‬المحيط‬
‫‪3‬‬
‫الهادئ والمحيط الهندي (أنظرامللحق رقم ‪.)5‬‬

‫في السياسة البحرية للقرن الحادي والعشرين‪ ،‬أعطى الموقع الجيوستراتيجي "لبحر الصين الجنوبي" أهمية‬
‫للقوى الكبرى مثل الواليات المتحدة والصين‪ ،‬وقد غير السياسة المتعلقة بمصالحها الجوهرية‪ .‬الصين قوة قارية في‬
‫المقام األول والواليات المتحدة هي أيضا قوة بحرية بشكل أساسي‪ .‬تسيطر الصين على جنوب شرق آسيا في البر‬
‫الرئيسي بينما تسيطر الواليات المتحدة‪ .‬البحرية تحتل جنوب شرق آسيا عن طريق البحر‪.4‬‬

‫يميل المحللون الصينيون المدنيون والعسكريون إلى تبني رؤية صفرية ‪ Sub-Zero‬للتحالفات؛ بمعنى أنه‬
‫البد من وجود عدو واضح ألي ميثاق أمني متبادل من هذا النوع وإال فال مبرر لوجوده‪ .‬ففكرة المجموع اإليجابي‬
‫‪ Sum-positive‬التي يمكن أن تمثلها تلك التحالفات بحفاظها على االستقرار وردعها للعدوان دون تعيين أعداء‬
‫محددين‪ ،‬غير مستساغة في التفكير األمني الواقعي الصيني‪5.‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن المحللين الصينيين يرتابون‬
‫بشدة في أن هذه التحالفات على األقل تلك التي في منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادي موجهة نحو الصين‪ .‬فتوسيع‬
‫منظمة حلف شمال األطلسي ‪( North Atlantic Treaty Organization‬الناتو) إلى أوروبا الوسطى‪ ،‬وسابقة "التدخل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. Pp 57-58.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 269.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 269.‬‬
‫‪ -5‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬

‫‪163‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫اإلنساني" من جانب الحلف في أزمة يوغسالفيا عام ‪ ،1999‬واستخدام الحلف في "التعامل مع األزمات" خارج‬
‫المنطقة تنذر جميعا بتصعيد خطير في التحالفات العسكرية والمحاوالت األمريكية للهيمنة على العالم‪ .‬كما أن‬
‫"دبلوماسية السفن الحربية" التي تتبناها الواليات المتحدة األمريكية تزيد من التوترات الدولية وتؤدي إلى سباق تسلح‬
‫‪1‬‬
‫عالمي‪.‬‬

‫‪ -1‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.230-229‬‬

‫‪164‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫المبحث الرابع‪ :‬سياسات اإلستقطاب والتحالفات اإلقليمية بين الصين والواليات المتحدة في آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫توزيع القوة المتغير في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يتميز بالتعقيد الجيوسياسي واالقتصادي المتزايد‪ .‬تمر‬
‫البيئة اإلقليمية بتغيرات هائلة‪ ،‬وما يشكل النظام واالستقرار داخل شرق آسيا (وربما على نطاق أوسع) هو موضع‬
‫نزاع متزايد؛ يعكس جزء من هذا النقاش التغيرات في الديناميكيات الداخلية والتطلعات الخارجية للدول الفردية؛ جزء‬
‫منه هو وظيفة من الطابع المتطور للمؤسسات اإلقليمية‪ ،‬وجزء آخر يعكس تأثير الجهات الفاعلة غير الحكومية‬
‫والقوى خارج المنطقة مثل العولمة؛ في حين أن الواليات المتحدة والصين هما في حالة تغير مستمر‪ ،‬كذلك هناك‬
‫عدد من القوى الناشئة أو الناشئة مثل الهند‪ ،‬اندونيسيا واليابان‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن النفوذ واألدوار الدولية للدول‬
‫أيضا بمرحلة انتقالية‪ 1.‬وفي هذا السياق تشير‬
‫األخرى‪ ،‬بما في ذلك روسيا وأستراليا وكوريا الجنوبية وفيتنام‪ ،‬تمر ً‬
‫الصين بإصرار متزايد‪ ،‬إلى أن المنطقة يجب أن تبتعد عن الهيكل األمني الثنائي القائم على التحالف المتمركز‬
‫‪2‬‬
‫حول الواليات المتحدة‪.‬‬

‫ترتبط الواليات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية من خالل القيم الديمقراطية والتحالفات العسكرية‪ .‬الصين‬
‫أعداء لبعضها البعض في الماضي‪.‬‬
‫ً‬ ‫وروسيا شريكان استراتيجيان مالئمان‪ .‬كانت القوى العظمى الخمس جميعها‬
‫على الرغم من أن المصلحة المشتركة تتطلب التعاون‪ ،‬إال أن القوى الخمس تتبع مصالحها الوطنية الخاصة لتحقيق‬
‫‪3‬‬
‫أهدافها‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬العالقات بين األطراف الثالث الصين والواليات المتحدة األمريكية والهند‬
‫يقول الرئيس الصيني "دينغ شياو بنج" ‪ Deng Xiaoping‬أن‪" :‬القرن الحادي والعشرين لن يكون آسيويا إال‬
‫إذا تطورت ونهضت كل من الصين والهند"‪ 4.‬ويؤكد محللون صينيون‪ ،‬عقب التجارب النووية الهندية في شهر‬
‫ماي عام ‪ ،1998‬عن محاولة الهند تحقيق الهيمنة اإلقليمية في جنوب آسيا وأن تحتوي الصين وأن تسيطر على‬
‫‪5‬‬
‫المحيط الهندي وأن تصبح كقوة مهيمنة في المنطقة‪.‬‬

‫تعتبر الصين والهند الالعبان الرئيسيان الجديدان اللذان يمكن أن يغير ظهورهما من المشهد السياسي‬
‫الجغرافي العالمي في القرن الحادي والعشرين‪ .‬وقد كان هذا هو تقدير مجلس المخابرات القومي في الواليات المتحدة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Mohan Malik, Op. cit. p 164‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P30.‬‬
‫‪ -4‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ -5‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬

‫‪165‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫األمريكية أواخر عام ‪ 1.2004‬وتتأثر العالقات الصينية الهندية بشدة بحقيقة أن الصين‪ ،‬التي يبلغ حجم اقتصادها‬
‫ثالثة أضعاف اقتصاد الهند‪ ،‬بحلول عام ‪ ،2025‬ستنفق الصين أربعة إلى سبعة أضعاف ما تنفقه الهند في المجال‬
‫العسكري‪ ،‬لذلك فإن القوة المتنامية للصين‪ ،‬إذا اقترنت بإصرارها المستمر بشأن القضايا ذات األهمية الجوهرية‬
‫‪2‬‬
‫للهند‪ ،‬يمكن أن تدفع الهند إلى عالقة إستراتيجية أوثق عندما تقترن بـ "ميلها" إلى الواليات المتحدة‪.‬‬

‫نظر لتاريخهما الطويل من انعدام الثقة اإلستراتيجي‪ ،‬ركزت الهند والصين بشكل أساسي منذ تطبيع العالقات‬
‫ًا‬
‫في عام ‪ 1988‬على إدارة العالقة؛ تمت إدارة العالقات الثنائية من خالل ضمان أال يؤثر انعدام الثقة اإلستراتيجي‬
‫والثنائي على العالقات التجارية واإقتصادية والثقافية الثنائية العادية‪ .‬أيد رئيسا الوزراء "أتال بيهاري فاجبايي" ‪Atal‬‬

‫‪ )2004-1998( Bihari Vajpayee‬و"مانموهان سينغ" ‪ ،)2014-2004( Manmohan Singh‬اللذان تزامنت فترتهما‬


‫مع فترة الرئيسين "جيانغ زيمين" ‪ )2003-1993( Jiang Zemin‬و"هو جينتاو" ‪ )2013-2003( Hu Jintao‬في الصين‬
‫هذا الفهم واعتمدتها كإستراتيجية‪ .‬بين عامي ‪ 2003‬و‪ ،2014‬أنشأ الجانبان ما يقرب من ثالثين آلية للحوار ووقعا‬
‫عدة مذكرات تفاهم؛ يمكن وصف الهدف اإلستراتيجي لهذا النهج بتفضيل اإلستقرار في العالقات العامة بشكل عام‬
‫‪3‬‬
‫و"الهدوء" على الحدود بشكل خاص‪.‬‬

‫كان االفتراض المشترك هو أن التعاون يمكن أن يسود على االحتكاك‪ .‬خالل زيارة "فاجبايي" للصين في‬
‫عام ‪" ،2003‬تم تصورها كطريقة لتعزيز العالقات االقتصادية بين الهند والصين من خالل التأكيد على أوجه التكامل‬
‫بدالً من القدرة التنافسية بين البلدين"؛ ظهر طرح مماثل قبل زيارة "فاجبايي" عندما وقع البلدان اتفاقية الحفاظ على‬
‫السالم والهدوء على طول خط المراقبة الفعلية في المناطق الحدودية بين الهند والصين (‪ ،)1993‬واتفاقية بشأن‬
‫تدابير بناء الثقة في المجال العسكري على طول خط المراقبة الفعلية في المناطق الحدودية بين الهند والصين‬
‫(‪ .)1996‬ومع ذلك‪ ،‬بعد عام ‪ ،2000‬وسط تزايد سريع في العالقات الثنائية واإلقتصادية والتفاعالت األخرى‪ ،‬قام‬
‫كال البلدين بترجمة التعاون إلى استراتيجية مناسبة‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أكدت آليات الحوار وتدابير بناء الثقة بين عامي‬

‫‪ -1‬سورجيت مانسينج‪ ،‬الهند والصين‪ :‬تنافس وتعاون‪ ،)2016( ،‬تاريخ التصفح‪www.greatdecisions.org .2021/02/13 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Sandy Gordon, “India’s rise as an Asia–Pacific power Rhetoric and reality”, (Australian Strategic Policy Institute, May‬‬
‫‪2012), p 2. https://www.files.ethz.ch/isn/161724/SI58_India.pdf‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh, “Resurfacing of Divergence in India-China Relations", In M.S. Prathibha: EAST ASIA‬‬
‫‪STRATEGIC REVIEW: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (NEW DELHI, INSTITUTE FOR DEFENCE‬‬
‫‪STUDIES, First Published, 2018). pp 35-36.‬‬

‫‪166‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫مؤشر على البراغماتية‬


‫ًا‬ ‫‪ 2003‬و‪ 2014‬على خلق ترابط بين الهند والصين للحد من انعدام الثقة المتبادل‪ .‬كان ذلك‬
‫‪1‬‬
‫نسبيا في السيطرة على انعدام الثقة‪ ،‬لمدة عقد تقر ًيبا‪.‬‬
‫لكال الجانبين‪ .‬وسمح ً‬

‫علنا بسبب استراتيجيته "إعادة التوازن إلى آسيا" وعلى الشراكة عبر‬
‫انتقد "دونالد ترامب" الرئيس أوباما ً‬
‫المحيط الهادئ على وجه الخصوص؛ وبعد فترة وجيزة من توليه منصبه وقع على أمر تنفيذي لإلعالن عن انسحاب‬
‫أخير أول‬
‫الواليات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ‪ .‬وبعد عام تقر ًيبا من تنصيبه‪ ،‬أصدر البيت األبيض ًا‬
‫تقرير عن استراتيجية األمن القومي‪ ،‬والذي أعلن فيه "أننا نرحب بظهور الهند كقوة عالمية رائدة وشريك استراتيجي‬
‫ودفاعي أقوى‪ .‬سنسعى إلى زيادة التعاون الرباعي مع اليابان وأستراليا والهند "‪ 2.‬فمن المنظور الصيني‪ ،‬تعتزم‬
‫الواليات المتحدة العمل بشكل أوثق مع الحلفاء اإلقليميين والشركاء األمنيين مثل الهند لتعزيز تفوقها االستراتيجي‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وكخيار محتمل‪ ،‬إلغالق نقاط االختناق الرئيسية على طول خطوط االتصال البحرية اإلقليمية لتخويف الصين‪.‬‬

‫يمكن أن ُيعزى المسار غير المرغوب فيه للعالقات الثنائية إلى األسباب التالية‪ :‬أوالً‪ ،‬تتصاعد القوة‬
‫السياسية للقوتين المتجاورين بشكل متزامن تقر ًيبا‪ .‬لقد نمت الصين وكذلك الهند‪ ،‬وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ؛ وبينما‬
‫ُينظر إلى مصالحهم على أنها تتقارب بشأن قضايا التنمية العالمية‪ ،‬فإن المصالح تتباعد بشأن القضايا االستراتيجية‬
‫األساسية يؤدي االفتقار إلى التوافق إلى حدوث انحرافات مثل الخالفات حول الممر االقتصادي الصيني الباكستاني‬
‫وحق النقض الصيني ضد الق اررات الهندية في لجنة عقوبات األمم المتحدة أو طلب الهند لعضوية مجموعة موردي‬
‫دور في‬
‫ثانيا‪ ،‬يبدو أن الميول اإليديولوجية وعوامل الشخصية في أنماط القيادة في البلدين تلعب ًا‬
‫المواد النووية‪ً .‬‬
‫‪4‬‬
‫مواقفهما الدبلوماسية العدوانية‪.‬‬

‫في الواقع‪ ،‬بعد الخالف الدبلوماسي بين الهند والصين في أعقاب التجارب النووية الهندية في عام ‪،1998‬‬
‫لم يحدث خالف مزعزع لالستقرار‪ ،‬حتى المواجهة بين الجيش الهندي وجيش التحرير الشعبي في "ديبسانغ‪ ،‬الداخ"‬
‫فصاعدا‪ ،‬بدأت العالقة تتحرك في اتجاه غير مؤكد‪ ،‬مما‬
‫ً‬ ‫‪ Ladakh-Depsang‬في أفريل ‪ .2013‬ومنذ هذا التاريخ‬
‫أدى إلى عودة بروز االختالف االستراتيجي بين االثنين‪ 5.‬ففي عملية توجه العالم نحو التعددية القطبية تعتبر الهند‬
‫مركز قوة جديد في جنوب آسيا تسعى نحو تحقيق مصالحها بتنفيذ استراتيجية محورها تعزيز قوة البالد الشاملة من‬

‫‪1‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh. Op. cit. p 36.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 509.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 501.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh, Op. cit. p 45.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- I bid. p 36.‬‬

‫‪167‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫أجل تعزيز مكانتها كقوة مساعدة في عالم يتجه نحو تعدد األقطاب‪ ،‬وذلك لن يتم إال من خالل تطوير مركز‬
‫‪1‬‬
‫سيطرتها في جنوب آسيا والمحيط الهادي‪.‬‬

‫شهد مؤتمر الحزب الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر ‪ 2012‬صعود "شي جين بينغ" لقيادة‬
‫شؤون الحزب والحكومة‪ .‬منذ ذلك الحين‪ ،‬شهدت الصين تغيرات أيديولوجية وسياسية ذات أهمية بعيدة المدى تحت‬
‫قيادته‪ .‬خالصة ذلك أن الصين شهدت ظهور قيادة قوية سياسياً دون مثيل في فترة ما بعد "ماو"‪ .‬تمتلك قيادة‬
‫تحويليا‪ .‬لديه فهمه الخاص لمكانة الصين الالئقة في المجتمع الدولي‪ُ .‬يعزى سعي "شي" إلى ما‬
‫ً‬ ‫حماسا‬
‫ً‬ ‫"شي"‬
‫يعتبره المصير الشرعي للصين إلى زيادة تأكيداتها في المناطق المجاورة‪ ،‬ال سيما في بحر الصين الجنوبي وبحر‬
‫أيضا على العالقات الثنائية مع الهند‪ُ .‬ينظر إلى سياسة الصين تجاه الهند في‬
‫الصين الشرقي‪ .‬وكان لهذا تأثير ً‬
‫‪2‬‬
‫عهد "شي" على أنها سياسة غير مالئمة‪.‬‬

‫تحاول الواليات المتحدة اشراك الهند في احتواء الصين‪ ،‬ألن الهند موجودة في صميم استراتيجية "توازن‬
‫القوى"‪ ،‬التي تعتبر الهند أهم قوة إقليمية موازنة للصين‪ 3.‬ولمنع تطويقها من قبل الصين‪ ،‬تعمل الهند على تعزيز‬
‫عالقاتها مع فيتنام‪ ،‬والتي سمحت للهند باستخدام ميناء كام رانه في أعماق البحار‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أقامت‬
‫‪4‬‬
‫الهند محطة مراقبة في مدغشقر‪ .‬وبالتالي تحاول الهند مواجهة الضغط الصيني والتأثير على المحيط الهندي‪.‬‬
‫وتنظر الواليات المتحدة إلى الهند كقوة مهمة للتوازن في منطقة جنوب وجنوبي شرقي آسيا‪ ،‬إلى جانب أنها كقوة‬
‫لتحجيم الصين‪ 5.‬كما أدت مشاركة الهند المتزايدة في شؤون آسيا والمحيط الهادئ إلى صياغة مصطلح آخر‪،‬‬
‫أيضا قوى أخرى مثل أستراليا في‬ ‫"المحيطين الهندي والهادئ"‪ ،‬الذي تفضله الهند بوضوح‪ ،‬ولكنه استخدمته ً‬
‫‪6‬‬
‫شيوعا من "المحيطين الهندي والهادئ"‪.‬‬
‫ً‬ ‫مناسبات‪ .‬بشكل عام‪ ،‬تظل "آسيا والمحيط الهادئ" أكثر‬

‫الممر االقتصادي الصيني الباكستاني يشكل قضية شائكة بين الهند والصين‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن‬
‫أيضا باسم الدبلوماسية المحيطية) يروج آلسيا وإقليمية‬
‫تفسير الجزرة والعصا لدبلوماسية الجوار لـ "شي" (المعروفة ً‬

‫‪ -1‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh, Op. cit. pp 45-46.‬‬
‫‪ -3‬عمر تاشبينار‪" ،‬اإلستدارة األمريكية من الشرق األوسط نحو منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك"‪ ،‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪( ،‬لبنان‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬ع‬
‫‪ .)2015 ،103‬ص ‪https://academia-arabia.com/ar/reader/2/77390 .95‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. Cit. p10.‬‬
‫‪ -5‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.121-119‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Derek McDougall, Op. Cit. p 7.‬‬

‫‪168‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫آسيوية تتمحور حول الصين‪ .‬باكستان‪ ،‬والتي تصنف على أنها قوة عظمى ثانوية شبه إقليمية ‪Sub-Regional‬‬

‫)‪ Secondary Great Power (SSGP‬أمر محوري لمبادرة الحزام والطريق‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬يعد التعاون مع الهند‪،‬‬
‫مهما‪ ،‬ويجب الحفاظ على توازن قوى‬
‫المصنفة كقوة عظمى شبه إقليمية )‪ً Sub-Regional Great Power (SGP‬‬
‫مالئم معها‪ ،‬ألنه ُينظر إليها (الهند) على أنها أحد البلدان الرئيسية‪ ،‬التي لديها موقف متناقض تجاه صعود الصين‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬كانت هناك اقتراحات بأن الهند ليس لها سوى مكان عرضي في استراتيجية الصين الكبرى‪ .‬إلى جانب‬
‫ذلك‪ ،‬فضالً عن ذلك فإن هناك شكوكاً حول ما إذا كانت الهند تتمتع بنفس األهمية الجغرافية الحاسمة التي تتمتع‬
‫بها باكستان‪ ،‬وذلك بالنسبة لنجاح مشاريع الربط بمبادرة الحزام والطريق‪ ،‬على الرغم من أن ممر بنغالديش والصين‬
‫‪1‬‬
‫والهند وميانمار القائم من قبل يشكل رسمياً جزءاً من هذا الممر‪.‬‬

‫أيضا إلى السيادة اإلقليمية من خالل االدعاء بأن المحيط الهندي هو "محيط الهند"‪ ،‬وهي‬
‫كما تسعى الهند ً‬
‫تعمل على إشراك دول المحيط الهادئ المختلفة من خالل تحويل سياسة "النظر شرقاً" إلى "التصرف شرقاً"‪.‬‬
‫وبالمثل‪ ،‬تؤكد اليابان على إستراتيجية "حرة ومنفتحة" آلسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬خاصة مع تقارب الهند واليابان في‬
‫السنوات األخيرة في إطار فكرة "ثقة البحرين"‪ .‬وإندونيسيا مستعدة للمشاركة بنشاط في الجيوسياسة اإلقليمية من‬

‫خالل سياستها المتمثلة في "المحور البحري العالمي" ً‬


‫‪2‬‬
‫أيضا‪.‬‬

‫إن نظرة فاحصة على التفاعالت بين الهند والصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ‪-‬وهي بيئة إقليمية‬
‫بعيدا عن السياق الثنائي‪ .‬هذا االنحراف والتباعد المتزايد في‬
‫جيوسياسية رئيسية للبلدين‪-‬تكشف كيف انحرفتا ً‬
‫اعتبار من ‪ ،2014‬فإن تحول الهند في "سياسة التطلع إلى الشرق" إلى‬
‫ًا‬ ‫العالقات الثنائية يعزز كل منهما اآلخر‪.‬‬
‫"سياسة التصرف شرقا‪ ،" Act East Policy' into the ''Look East Policy ً،‬يجسد هذا االنحراف بإيجاز‪.‬‬

‫وتماشياً مع هذا التحول‪ ،‬تقوم الهند بتعزيز مشاركتها االستراتيجية في المنطقة وترسيخ نفسها كجهة إقليمية‬
‫فاعلة‪ .‬وينظر إلى تحول الهند إلى قوة موازية للصين في المنطقة وتعويض نفوذها في جنوب آسيا على أنه أحد‬
‫الدوافع وراء هذه النية‪ .‬إن دفاع الهند عن سيادة القانون والنظام البحري القائم على اتفاقية األمم المتحدة لقانون‬
‫البحار‪ ،‬إلى جانب موقعها السياسي في السياسة الدولية‪ ،‬يوضح أين تكمن اهتماماتها وانتماءاتها في هذه المنطقة‬
‫البحرية‪ ،‬ويفسر تقارب فهمها االستراتيجي ومصالحها مع فيتنام‪ ،‬الفلبين واليابان والواليات المتحدة‪ ،‬وهي الضامن‬

‫‪- Prashant Kumar Singh, Op. Cit. p 48.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. Cit. p 504.‬‬

‫‪169‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫األمني خارج المنطقة لدول مثل اليابان والفلبين‪ ،‬في النزاعات البحرية اإلقليمية‪ .‬وقد أعطت "سياسة التصرف شرقا"‬
‫‪1‬‬
‫قوة دفع جديدة لهذا التقارب‪.‬‬

‫إن قوة الهند المتنامية في المحيط الهندي‪ ،‬إلى جانب ضعفها االستراتيجي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪،‬‬
‫عضوا في تحالف‬
‫ً‬ ‫لها تداعيات أوسع على أمن آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬ينظر بعض المحللين إلى الهند باعتبارها‬
‫قوى محتمل يركز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬والذي ُينظر إليه على أنه أفضل طريقة لضمان بنية أمنية‬
‫نسبيا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ قادرة على استيعاب صعود الصين واالنحدار النسبي الواضح للواليات‬
‫حميدة ً‬
‫‪2‬‬
‫المتحدة‪.‬‬

‫أعربت الهند والواليات المتحدة‪ ،‬ألول مرة‪ ،‬عن مخاوفهما بشأن السالم في بحر الصين الجنوبي ‪SCS‬‬

‫في بيانهما المشترك خالل زيارة "مودي ‪" Modi‬للواليات المتحدة في أكتوبر ‪ .2014‬وقد تم النظر إلى توقيع مذكرة‬
‫اتفاق التبادل اللوجيستي )‪ Logistics Exchange Memorandum of Agreement (LEMOA‬من قبل الهند والواليات‬
‫المتحدة بدرجة من القلق من جانب الصين‪ ،‬وأفسحت المجال للمخاوف بشأن "التحالف الهندي األمريكي"‪ .‬كما‬
‫ُفسرت إدانة "مودي" للنزعات التوسعية خالل زيارته لليابان على أنها إشارة غير مباشرة إلى مطالب الصين البحرية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فاليابان لديها نزاعها البحري الخاص مع الصين في بحر الصين الشرقي‪. ECS‬‬

‫أخيرا‪ ،‬جاء استخدام الرئيس "ترامب" ‪ TRAMP‬لمصطلح المحيطين الهندي والهادئ‪ ،‬خالل زيارته األولى‬ ‫ً‬
‫آلسيا في نوفمبر ‪ ،2017‬كتأييد لمفهوم المحيطين الهندي والهادئ‪ ،‬الذي كانت الهند تدفع من أجله‪ ،‬بهدف التكامل‬
‫االستراتيجي بين الهند والمحيط الهادئ‪ .‬هذا إلى جانب التعاون االستراتيجي (التعاون االستراتيجي بين الواليات‬
‫المتحدة والهند واليابان وأستراليا) الذي ظهر في شكل اجتماعات عمل على المستوى الرسمي لهذه البلدان األربعة‬
‫قبل الدورة الحادية والثالثين لقمة اآلسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا)‪ ،‬والقمة الثانية عشرة لرابطة دول شرق‬
‫آسيا في نوفمبر ‪ .2017‬بمعنى‪ ،‬بينما تدفع الصين بأولويتها في المنطقة بقوة من خالل تحدي تفوق الواليات‬
‫المتحدة‪ ،‬فإن الهند تقف مع القوى الموازية ضد الصين‪ .‬لذلك تبقى الهند ّ‬
‫‪4‬‬
‫تشكل مشكلة ألجندة الصين االستراتيجية‬
‫أي جهود أمريكية الحتواء الصين‪ .‬وتخشى بكين خصوصاً قطع طرقها التجارية في حال‬
‫إذا ما تعاونت الهند مع ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh, Op. Cit. p 53.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Sandy Gordon, Op. Cit. p 2.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. pp 53-54.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh, Op. Cit. p 54.‬‬

‫‪170‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫نشوب صراع مع واشنطن‪ ،‬إذ قد تضطلع الهند بدور محوري في ذلك نظ اًر إلى موقعها االستراتيجي في المحيط‬
‫‪1‬‬
‫الهندي بين الصين ومصادر الطاقة في الشرق األوسط واحتياطيات الموارد األفريقية واألسواق األوروبية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العالقات بين األطراف الثالث الصين‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬اليابان‬

‫بسبب انتهاء الحرب الباردة‪ ،‬تضاءلت مكانة روسيا وأهميتها االستراتيجية نسبيا‪ ،‬وأصبحت العالقة بين‬
‫األطراف الثالثة الصين والواليات المتحدة واليابان أكثر بروزا‪ ،‬كما أصبحت أساس الوضع السياسي واالقتصادي‬
‫‪2‬‬
‫واألمني لمنطقة آسيا والمحيط الهادي‪ ،‬والمحور الرئيسي لهيكل العالقات الدولية لهذه المنطقة‪.‬‬

‫يوجد بين اليابان والواليات المتحدة عالقة تحالف عسكري بينهما‪ ،‬وهو بمثابة حجر الزاوي لتطوير العالقات‬
‫مع الصين‪ ،‬وعلى الصعيد األمني‪ ،‬موقف الواليات المتحدة األمريكية واليابان متطابق تجاه الصين‪ 3.‬لذلك ينظر‬
‫المحللون إلى هذه المبادرات على أنها جزء ال يتج أز من تبني اليابان لدور الشريك األصغر في محاولة الواليات‬
‫المتحدة األمريكية إلحتواء الصين‪ 4.‬لكن إذا خفضت الواليات المتحدة دورها كقوة عظمى في شرق آسيا لها‬
‫مسؤوليات عن توازن القوة‪ .‬تتوقع المدرسة الواقعية المحدثة أن قوة عظمى أخرى ستظهر لتوازن القوة الصينية‪ ،‬وقد‬
‫رفعت اليابان رهاناتها بالفعل‪ .‬باإلضافة لتحالفها مع الواليات المتحدة األمريكية طورت اليابان قدرات دفاع متطورة‬
‫‪5‬‬
‫تكنولوجيا‪ ،‬بما في ذلك قوات جوية وبرية كأساس لقدرات إظهار قوة مستقلة‪.‬‬

‫وفي مقال للباحث الياباني "تشون غشي" بجامعة "جنيغ وانغ شين" في اليابان‪ ،‬نشره في المجلة الشهرية‬
‫"الصوت" عام ‪ 1993‬بعنوان‪" :‬تعديل عالقة األطراف الثالثة‪ :‬اليابان والواليات المتحدة األمريكية والصين هو‬
‫الموضوع الرئيسي للدبلوماسية اليابانية" جاء فيه‪" :‬أن العامل الذي يحدد مصير اليابان ليس التهديد الروسي‪ ،‬بل‬
‫‪6‬‬
‫يكمن في عالقة األطراف الثالثة الواليات المتحدة والصين واليابان"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Kadira Pethiyagoda, "China-India relations: Millennia of peaceful coexistence meet modern day geopolitical‬‬
‫‪interests", (the Brookings Doha Center, October 13, 2017), https://cutt.ly/HAnhlzN‬‬
‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ -3‬نفس المرحع‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫‪ -4‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ -5‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪ -6‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬

‫‪171‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫في سياق ذلك‪ ،‬فإن قوة الدفع الجيواستراتيجية لليابان تتحول من الشمال (روسيا وكوريا) إلى الغرب‬
‫(الصين) والجنوب (رابطة دول جنوب شرق آسيا)‪ ،‬فمعاهدة األمن المتبادل األمريكية‪-‬اليابانية المعدلة ‪U.S-Japan‬‬

‫‪ )1996( Mutual Security Treaty‬وسياسات الدفاع (‪ ،)1997‬وبرنامج تعزيز الدفاع الوطني (‪ ،)1995‬هي تجليات‬
‫واضحة على توكيدية اليابان الجديدة وطموحاتها اإلستراتيجية في منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادئ في فترة ما بعد‬
‫الحرب الباردة‪ 1.‬لكن‪ ،‬ليس من الواضح ما إذا كانت اليابان يمكن أن توازن الصين أم ال‪ .‬فعلى مدى تاريخها كلها‬
‫تقريبا كانت اليابان تستوعب القوة الصينية‪ .‬وإذا نجح التحديث الصيني في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬ستكون اليابان‪،‬‬
‫بسبب سكانها وقاعدتها الصناعية األصغر‪ ،‬أكثر اعتمادا من الصين بكثير على الموارد المستوردة واألسواق‬
‫‪2‬‬
‫الخارجية‪ ،‬وجزء من التبعية اليابانية ربما تكون على االقتصاد والموارد الصينية‪.‬‬

‫ذكر وزير الخارجية األمريكي األسبق هنري كيسنجر‪" :‬أن العالقات الطيبة بين الواليات المتحدة والصين‬
‫تعد شرطا مسبق إلقامة عالقات طيبة وطويلة األمد بين الواليات المتحدة واليابان‪ ،‬كما تعد أيضا شرطا إلقامة‬
‫عالقات طيبة بين الصين واليابان"‪ 3.‬لكن‪ ،‬األطراف الثالثة‪ :‬الصين والواليات المتحدة واليابان ال تمثل نظاما "يتسم‬
‫بتوازن القوى" ففي مجال القوة‪ ،‬تعد الواليات المتحدة األمريكية دولة كبرى وعظمى‪ ،‬واليابان قوة اقتصادية في العالم‪.‬‬
‫أما الصين فهي أكبر دولة نامية في العالم‪ .‬وهناك فروق محددة في القوة الشاملة لألطراف الثالثة‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫فالتأثيرات المتبادلة بين تلك األطراف ليست متكافئة‪.‬‬

‫في أفريل ‪ ،1996‬وقعت اليابان والواليات المتحدة األمريكية على "البيان المشترك للضمان األمني بين‬
‫الواليات المتحدة األمريكية واليابان"‪ ،‬بهدف تعزيز التحالف العسكري والدور الذي تضطلع به اليابان في منطقة‬
‫آسيا والمحيط الهادي‪ ،‬وقد أشار "جوزيف ناي" المسؤول عن الشؤون األمنية في إدارة كلينتون والمساعد السابق‬
‫لوزير الدفاع األمريكي في إحدى مقاالته‪" :‬أن تجديد التصديق على "المعاهدة األمريكية‪-‬اليابانية لحماية األمن"‬
‫تهدف إلى عدم تمكين الصين من االعتماد على المساعدة اليابانية لمواجهة الواليات المتحدة األمريكية أو محاولة‬

‫‪ -1‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.232‬‬


‫‪ -2‬روبرت روس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪ -3‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.104‬‬

‫‪172‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫إنهاء نفوذها من تلك المنطقة"‪ 1 .‬وأضاف‪" :‬تستطيع الواليات المتحدة األمريكية واليابان اإلستفادة من تلك المعاهدة‬
‫إلقامة تعاون بينها‪ ،‬والمواجهة المشتركة للصين التي تزداد قوة أكثر فأكثر"‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬فإن اتفاقية الضمان األمني الجديدة بين الواليات المتحدة واليابان شكلت عقبة أمام تطوير‬
‫العالقات الصينية‪-‬األمريكية‪ ،‬والعالقات الصينية اليابانية‪ ،‬وحسب الرؤى بعيدة النظر‪ ،‬فإن تعزيز التحالف العسكري‬
‫الياباني‪-‬األمريكي سوف يؤثر على الوضع األمني في منطقة آسيا‪-‬المحيط الهادي‪ ،‬بسبب تزايد احتماالت اخالل‬
‫التوازن في الوضع األمني‪.‬‬

‫وبسبب تعدد العوامل التي تؤثر في عالقات الدول المتعددة وتعقدها‪ ،‬فقد ذكر الرئيس األمريكي في مرحلة‬
‫تاريخية من الحرب الباردة بأن‪" :‬في قارة آسيا تعد اليابان أفضل صديق محتمل للواليات المتحدة‪ ،‬كما أنها أكبر‬
‫‪2‬‬
‫خصم محتمل لها أيضا"‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬الواليات المتحدة ال تشعر بالثقة الكاملة إزاء اليابان‪ .‬وبعد ذلك من األهداف الكامنة وراء قيام‬
‫الواليات المتحدة األمريكية بتقوية التحالف العسكري مع اليابان بعد الحرب الباردة‪ .‬وفي هذا السياق أوضح نيكسون‬
‫أنه‪" :‬إذا قامت الواليات المتحدة األمريكية بسحب قواتها من القواعد الممتدة على طول ساحل المحيط الهادي‪ ،‬فإن‬
‫اليابان سوف تواجه خيارين‪ ،‬أولهما‪ ،‬أن تقوم بتسليح نفسها باألسلحة النووية‪ ،‬وسوف يحدث ذلك اضطرابات عنيفة‬
‫في المحيط الهادي‪ .‬أما الخيار الثاني‪ ،‬قيام تحالف بين اليابان وروسيا أو الصين وسينجم عن ذلك إخالال خطي ار‬
‫‪3‬‬
‫في توازن القوى في القارة اآلسيوية"‪.‬‬

‫كما نوه "هنري كيسنجر" أن اليابان سوف تسعى وراء أن تصبح دولة عسكرية كبرى من أجل تعزيز قوتها‬
‫الشاملة مدعما توقعه هذا بأن الزجاجة تحتاج إلى غطاء‪ 4.‬وفي كتابه "الدبلوماسية الكبرى" األمريكية واليابانية‬
‫متماثلة تماما‪ .‬وقد أشار إلى أنه‪" :‬يمكن تأكيد أن القوة العسكرية اليابانية تشهد تعزي از مطردا"‪.‬‬

‫‪ -1‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬ص ص ‪.105-104‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ -3‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ -4‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.109‬‬

‫‪173‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫منذ اضطالع الصين بسياسة اإلصالح واالنفتاح‪ ،‬والعالقات التجارية بين الصين واليابان تشهد ترابطا وثيقا‬
‫‪1‬‬
‫متزايدا‪...‬يقودنا ذلك‪ ،‬إلى القول بأن اليابان لها مصالح اقتصادية كبرى مع الصين‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬العالقات بين األطراف الثالث الصين‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬روسيا‬

‫منذ نهاية الحرب الباردة تشكل مثلث عالقة جديدة بين الصين والواليات المتحدة األمريكية وروسيا بسبب‬
‫تطور التعددية القطبية وتبلورها بشكل أكبر‪ .‬لكن العالقة داخل تلك المثلث الجديد تختلف اختالفا كبي ار عن عالقة‬
‫المثلث القديم (خالل فترة الحرب الباردة)‪ ،‬ففي عالقة المثلث القديم شكلت الواليات المتحدة األمريكية والصين‬
‫تحالفا استراتيجيا لمواجهة االتحاد السوفياتي بصورة مشتركة كتهديد مشترك لهما‪.‬‬

‫لكن بعد نهاية الحرب الباردة ومع مطلع القرن الـ ‪ ،21‬ظهرت العالقات الصينية الروسية في وضع‬
‫‪2‬‬
‫جنبا إلى‬
‫أفضل من العالقات الروسية األمريكية‪ ،‬والعالقات الصينية األمريكية؛ حيث تواجه الصين وروسيا‪ً ،‬‬
‫جنب مع حلفائهما‪ ،‬التحدي المتمثل في أن تصبح المزود الرئيسي لألمن العالمي في هذه المنطقة‪ .‬ينمو اتجاه‬
‫"آسيا مقابل آسيا" بسرعة ليحل محل "آسيا مقابل العالم"‪ 3.‬فالقوة االقتصادية والعسكرية للصين وروسيا‪ ،‬وإلى حد‬
‫‪4‬‬
‫ما الهند‪ ،‬تقيد بشكل متزايد خيارات السياسة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪.‬‬

‫شهدت حسابات الصين األمنية مع روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى إلى الشمال تحوال أساسيا‪ ،‬فتحولت‬
‫روسيا والصين من حافة الحرب النووية إلى "شراكة استراتيجية"‪ ،‬فقد حسنت هذه الشراكة االستراتيجية الجديدة من‬
‫أمنها المتبادل واألمن القومي وأعطتها سببا مشتركا لمعارضة "الهيمنة وسياسية القوة"‪ 5.‬في أفريل عام ‪ 1996‬وقع‬
‫الرئيس الصيني جيانغ زيمين ونظيره الروسي بوريس يلتسين على البيان الصيني‪-‬الروسي المشترك‪ ،‬من أجل "تنمية‬
‫الثقة المتبادلة‪ ،‬وعالقة الشراكة والتعاون‪ ،‬واالستراتيجية الموجهة نحو القرن الحادي والعشرين"‪ ،‬ولم ينتج عن ذلك‬
‫تأثير كبير على العالقات المتبادلة بين الصين والواليات المتحدة األمريكية وروسيا فحسب‪ ،‬بل كان له تأثير إيجابي‬
‫‪6‬‬
‫على السالم واالستقرار في منطقتي آسيا والمحيط الهادي‪.‬‬

‫‪ -1‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 268.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Mohan Malik, Op. cit. p 166‬‬
‫‪ -5‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.235‬‬
‫‪ -6‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪174‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫اتخذ التحالف بين الصين وروسيا اتجها جديدا بتشكيل منظمة شنغهاي للتعاون منذ عام ‪ .1996‬مشكال‬
‫تحالفا مضادا لحلف الناتو للتصدي الختراق الحلف للمجال الحيوي الروسي وتمدده نحو شرق أوروبا‪ .‬واستهدفت‬
‫المنظمة منذ انشائها تشكيل تكتل إقليمي من أجل التعاون االقتصادي لشعوب آسيا الشمالية والوسطى‪ ،‬إال أن‬
‫األهداف الرئيسية للمنظمة كانت ذات طبيعة أمنية وعسكرية‪ ،‬إذ بدأت الدول األعضاء بتخفيض عدد قواتها‬
‫العسكرية على حدودها المشتركة والقيام بمناورات عسكرية دورية مشتركة‪ ،‬وصياغة وثيقة للتعاون العسكري‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ومكافحة اإلرهاب الدولي‪ ،‬والحركات االنفصالية‪.‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬تعمل الواليات المتحدة األمريكية من أجل تقليص وإضعاف نفوذ روسيا ومجالها الحيوي‪ ،‬خاصة‬
‫عندم اتخذت ق ار ار عام ‪ 1995‬بتوسيع حلف الناتو شرقا‪ ،‬مما شكل تهديدا مباش ار للمصالح الرئيسية الستراتيجية‬
‫روسيا وأمنها القومي‪ .‬في ظل هذه األوضاع‪ ،‬بدأت روسيا إجراء تعديالت على سياستها الخارجية‪ ،‬بتغيير سياستها‬
‫الموالية للغرب إلى سياسة خارجية شاملة أطلق عليها‪" :‬الصقر ذو الرأسين"‪ ،‬بمعنى تطوير عالقاتها مع الغرب‬
‫والشرق أيضا‪ .‬واعتبرت روسيا أن استعادة مكانة الدولة العظمى بمثابة سياسة استراتيجية في سياستها الخارجية‪،‬‬
‫وقامت بإعداد استراتيجية آسيوية جديدة للبحث عن الدور الذي يجب عليها أن تلعبه في شؤون آسيا والمحيط‬
‫‪2‬‬
‫الهادي‪.‬‬

‫ساعدت أزمة كوسوفو وحرب يوغسالفيا عام ‪ 1999‬في تدعيم التضامن االستراتيجي الصيني‪-‬الروسي‪ .‬في‬
‫تقرير الدفاع الصيني للعام ‪ 1998‬أوضح‪" :‬تظل الهيمنة وسياسة القوة المصدر األساسي للتهديدات للسالم واالستقرار‬
‫العالميين‪ ،‬فعقلية الحرب الباردة‪ ،‬وتأثيراتها ال تزال نافذة‪ ،‬وتوسيع الجبهات العسكرية وتقوية التحالفات العسكرية‬
‫أضاف عوامل لزعزعة استقرار األمن الدولي‪ ،‬فبعض الدول اعتماد على مزاياها العسكرية تفرض تهديدات عسكرية‬
‫على الدول األخرى‪ ،‬حتى اللجوء إلى التدخل العسكري"‪ 3.‬لذلك وضعت روسيا تحسين عالقاتها مع الصين في‬
‫‪4‬‬
‫منارة سياستها الخارجية في منطقة آسيا والمحيط الهادي‪.‬‬

‫‪ -1‬خضر إبراهيم سلمان البدراني وعدنان خلف حميد البدراني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.180-179‬‬
‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬الصين مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -3‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.236-235‬‬
‫‪ -4‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪175‬‬
‫ر‬
‫الجيواستاتيج بي الصي والواليات المتحدة األمريكية‬ ‫الفصل الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ البنية اإلقليمية لمنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس‬

‫تحسن العالقات الصينية‪-‬الروسية ال ينعكس بالضرورة على مستوى المدركات‪ ،‬إذ يبدي بعض المحللين‬
‫تحفظات حول طموحات روسيا االستراتيجية طويلة األمد وسياساتها الدفاعية الحالية يجادل هؤالء بأن روسيا تسعى‬
‫إلى إعادة بناء وإعادة تأكيد نقصها كقوى عظمى‪ ،‬خاصة عبر منطقة أوراسيا وشرق آسيا‪ 1.‬ففي بداية عام ‪،1996‬‬
‫أعلنت روسيا أنها‪" :‬قطب مستقل في عالم يتسم باألقطاب المتعددة" وتؤيد تطوير التعددية القطبية في العالم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وتعارض إقامة أحادي القطب‪.‬‬

‫في كل الحاالت‪ ،‬ينظر إلى روسيا على أنها تحاول أن تستخدم آليات االمن الجماعي كتكأة إلعادة تأكيد‬
‫حضورها االستراتيجي كبديل عن حضورها العسكري السابق في المنطقة‪ 3.‬إذ تعتقد الواليات األمريكية أن جوهر‬
‫إقامة عالقة شراكة استراتيجية بين الصين وروسيا هو إقامة تحالف روسي‪-‬صيني لمواجهة الواليات المتحدة‬
‫‪4‬‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫‪ -1‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.238‬‬


‫‪ -2‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -3‬ديفيد شامبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪ -4‬ليوشيه تشنج ولي دونغ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪176‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫جيواسرتاتيجية الواليات املتحدة األمريكية‬


‫يف منطقة آسيا‪-‬باسيفيك يف فرتة ما بعد‬
‫احلرب الباردة‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫دراﺴﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘﻘتضﻲ أوﻻ‪ ،‬اﻟتطرق إﻟﻰ ﻤضﺎﻤین اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة ﻓﻲ‬
‫اﻟﻔكر اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻷﻤر�كﻲ‪ ،‬وﺘطور اﻟمنظور اﻷﻤر�كﻲ ﻟمنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك �منطﻘﺔ ﺜﻘﻞ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﺠدﯿدة ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ‬
‫اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬وﻤن ﺜم ﻓكرة اﻟمجﺎل اﻟحیوي �ﺂﻟ�ﺔ ﻟبنﺎء اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ؛‬
‫وﺜﺎﻨ�ﺎ؛ اﻟتطرق ﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ إﻋﺎدة اﻟتوازن اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬ﻤن ﺤیث ﻤضموﻨﻬﺎ ودواﻓﻌﻬﺎ‪ ،‬وأ�ﻌﺎد‬
‫وﻤظﺎﻫر اﻟتﻐیر ﻓﻲ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬واﻟﻌواﻤﻞ اﻟمؤﺜرة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻹﺴتدارة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻨحو ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ ﺨﻼل ﻫذﻩ اﻟﻔترة‪.‬‬

‫ﻛذﻟك‪ ،‬اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ ﻤضﺎﻤین اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘر�ز ﻋﻠﻰ اﻟشراﻛﺔ‬
‫اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �ق�ﺎدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬واﻟشراﻛﺔ اﻷﻤن�ﺔ وﺘﻌز�ز اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬
‫اﻟمح�طین اﻟﻬﺎدئ واﻟﻬندي اﻟمتصﻠین ﺠﻐراف�ﺎ‪ ،‬وﺘجدﯿد اﻹﻫتمﺎم �ﻘضﺎ�ﺎ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن واﻟد�مﻘراط�ﺔ �مدﺨﻞ ﻟتبر�ر‬
‫ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟتدﺨﻞ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟم�حث اﻷول‪ :‬اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة ﻓﻲ اﻟﻔكر اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻷﻤر�كﻲ‪.‬‬

‫ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة و�روز اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﻘوة وﺤیدة ﻤﻬ�منﺔ‪ ،‬ﺴﻌت إﻟﻰ اﻟحﻔﺎظ وﺘكر�س‬
‫ﻫذا اﻟوﻀﻊ �مﺎ �ﻌزز ﻤكﺎﻨتﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق �ﺎﻨت ﻫنﺎك اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟطروﺤﺎت واﻷﻓكﺎر اﻟتنظیر�ﺔ اﻟتﻲ‬
‫ﺘحﺎول أن ﺘوﻓر اطﺎ ار �مكن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن ﺘكري وﻀﻊ اﻟق�ﺎدة �ﺎﻟﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬ﻤضﺎﻤین ﻓكرة اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة ﻓﻲ اﻟﻔكر اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻷﻤر�كﻲ‬

‫ﻫنﺎك ﻨظر�ﺔ ﺒنیو�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﻫﻲ اﻟواﻗع�ﺔ اﻟﻬجوﻤ�ﺔ " ‪ "offensive realism‬ﻟتﻔسیر ﺴﻠوك اﻟﻘوى‬
‫اﻟﻌظمﻰ ﻟﻠمﻔكر�ن اﻟواﻗﻌیین ﻤن أﻤثﺎل "إدوارد �ﺎر" ‪ E.H. Carr‬و"ﻫﺎﻨس ﻤورﻏﺎﻨثو" ‪ Hans Morgenthau‬و"ﻛینیث‬
‫وﻟتز" ‪Kenneth Waltz‬؛ ﺘرى اﻟنظر�ﺔ أن اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﺘﻬتم �ﺎﻟدرﺠﺔ اﻷوﻟﻰ �ﺎﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ �ﻘﺎﺌﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻻ ﺘوﺠد‬
‫ف�ﻪ ﻫیئﺔ أﻋﻠﻰ ﻤن اﻟدول ﻟحمﺎ�ﺔ إﺤداﻫﺎ ﻤن اﻷﺨرى‪ ،‬وﻟذﻟك ﺘدرك أن اﻟﻘوة ﻫﻲ اﻷﺴﺎس ﻟ�ﻘﺎﺌﻬﺎ‪ .‬ﻟذﻟك ﺘكون ز�ﺎدة‬
‫اﻟﻘوة ﻫﻲ اﻟﻬدف اﻟداﺌم ﻟﻠﻘوى اﻟﻌظمﻰ �شكﻞ ﺨﺎص‪ .‬وﺘكون اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻌﻠ�ﺎ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟوﻀﻊ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟراﻫن ﻟمصﻠحتﻬﺎ‪.‬‬

‫إن اﻟدور اﻟر�ﺎدي ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﯿنطﻠق ﻤن اﻟرؤ�ﺔ اﻟواﻗع�ﺔ ﻟمﺎ اﻨتﻬﻰ إﻟ�ﻪ‬
‫اﻟحﺎل إﺜر اﻨﻬ�ﺎر اﻻﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ واﻨتﻬﺎء اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬وﺴ�طرة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ ﻤنﺎطق وﻤوارد اﻟطﺎﻗﺔ‬
‫اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓضﻼ ﻋن ﺘﺄﻛیدﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟتﻔوق اﻟﻌسكري اﻟحﺎﺴم ﻋﻠﻰ اﻟصﻌید اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟحﻠﻔﺎء‬
‫واﻟمنﺎﻓسین اﻟمحتمﻠین ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟجدﯿد‪ 2 .‬وﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﺘرو�جﻬﺎ ﻟﻔكرة اﻟنظﺎم اﻟجدﯿد ظﻠت‬
‫ﺘؤ�د أن اﻟتﻔوق اﻻﻗتصﺎدي ﻟوﺤدﻩ رﻏم أﻫمیتﻪ ﻻ �كﻔﻲ ﻟشﻐﻞ دور اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟجدﯿد وأن ﻤراﻛز اﻟﻘوة‬
‫اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم �حتﺎﺠون إﻟﻰ ﻗوة ﻋسكر�ﺔ ﻤتﻔوﻗﺔ ﻟتﺄﻤین ﻤصﺎدر اﻟطﺎﻗﺔ واﻟتدﺨﻞ اﻟﻌسكري ﻓﻲ أي ﻤنطﻘﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﻤن اﻟﻌﺎﻟم ﺘتﻬدد ﻓیﻬﺎ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻬﺎ‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ ﺤﺎوﻟت ﺘﺄﻛیدﻩ ﻓﻲ ﺤرب أﻓﻐﺎﻨستﺎن وﺤرب اﻟﻌراق‪.‬‬

‫ﺸﻬدت اﻟسنوات اﻟﻌشر اﻷﺨیرة ﻤن اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن وﻤطﻠﻊ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن ﺘحوﻻ ﺠذر�ﺎ ﻓﻲ ﺸؤون‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻓﺈﻨبثﻘت وﻷول ﻤرة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻗوة ﻏیر أوراﺴ�ﺔ ﻟ�س �حكم رﺌ�سﻲ ﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘوى اﻷوراﺴ�ﺔ وﺤسب‪ ،‬ﺒﻞ أ�ضﺎ‬

‫‪ -1‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.6‬‬


‫‪ -2‬ﻫﺎﻨﻲ اﻟ�ﺎس ﺨضر اﻟحدﯿثﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.54‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ .‬ص ‪.54‬‬

‫‪179‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻛﺄﻋظم ﻗوة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻫﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ 1 .‬و�بدو أن اﻟتﻔكیر اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻷﻤر�كﻲ �ﻌد إدراﻛﻪ أن ﻫنﺎﻟك‬
‫ﺘحد�ﺎت �بیرة ﺒین اﻟﻘوة واﻟﻘدرة واﻵداء ﻤﻊ ﺒدا�ﺔ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ وأن ﻫنﺎك ﻗوى اﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﺨرى‬
‫ﺒدأت ﺘنﺎﻓس اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ �ﻌض ﻤﻔﺎﺼﻞ اﻟﻘوة اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟصﻌید اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻤجﺎل اﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أدر�ت أن ﻫنﺎك ﺤﺎﺠﺔ ﻟبنﺎء ﻤسﻠك اﺴتراﺘ�جﻲ ﻗﺎﺌم ﻋﻠﻰ‬
‫‪2‬‬
‫ﺨ�ﺎر اﻟموازﻨﺔ ﺒین اﻟﻬ�منﺔ واﻟق�ﺎدة ﻤن أﺠﻞ اﻟتك�ف ﻤﻊ اﻟتحوﻻت اﻟجدﯿدة‪ ،‬وﻤن ﻫنﺎ ﺠﺎءت ﻓكرة اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة‪.‬‬

‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻻ ﺘسمﺢ ﻟﻠﻘوى اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟكبرى أن ﺘشﻬد ﺘطو ار ﺴﻠم�ﺎ ﻓﻲ ﻤنﺎطﻘﻬﺎ أو ﺘمثﻞ ﺘحد�ﺎ ﻟﻠﻘوة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪� ،‬مﺎ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ اﺴتﻐﻼل ﺘﻠك اﻟدول اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ وﺠﻌﻠﻬﺎ ﺘنظم إﻟﻰ اﻵﻟ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمتﻌددة اﻷطراف‬
‫ﺘحت ق�ﺎدﺘﻬﺎ ﻤن أﺠﻞ ﺨدﻤﺔ اﺴتراﺘ�جیتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ وﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬وﻤن ﻫنﺎ ﺘبدو أﻫم�ﺔ ﻤﻌﺎﻫدة ﺤﻠﻒ ﺸمﺎل‬
‫‪3‬‬
‫اﻷطﻠسﻲ‪ ،‬واﻟمﻌﺎﻫدة اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ‪-‬اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟضمﺎن اﻷﻤن وﻓﻘﺎ ﻟﻠرؤ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫�ختﻠﻒ اﻟ�ﺎﺤثون ﻓﻲ ﺘحدﯿد ﻤﻔﻬوم اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة‪ ،‬ﻓـ"رو�رت ﺠبﻠین" ﯿرى أن اﻟﻬ�منﺔ ﻤرادﻓﺔ ﻟﻠﻘوة اﻻﺴتﻌمﺎر�ﺔ‬
‫وﺘدور ﻓﻲ ظﻞ ﻤنظوﻤﺔ اﻟﻬ�منﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﻘوم ﺒﻬﺎ دول ﻗوﻤ�ﺔ ﻤنﻔردة �ﺎﻟق�ﺎدة واﻟحكم اﻟمطﻠق ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻷﻗﻞ ﻗوة ﻓﻲ‬
‫اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ 4 .‬أﻤﺎ "ﺒول �ینیدي" ف�ﻌتبر اﻟمﻬ�منین �مثﺎ�ﺔ اﻟﻘﺎﺌد اﻟمتﻔوق ﻋﻠﻰ اﻵﺨر�ن ﻓﻲ ﻤﻘوﻤﺎت اﻟﻘوة و�ﺎﻟتحدﯿد‬
‫اﻟمصﺎدر اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤنﻬﺎ‪ ،‬و�ﻌطﻲ ﺠثو ﺠوﻟد ﺸتﺎﯿن ﻤﻌنﻰ أﺸمﻞ ﻟﻠﻬ�منﺔ‪ ،‬ﺤیث �ﻌرف اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ �ﺄﻨﻬﺎ اﻟﻘوة‬
‫اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻓرض أﺤكﺎم اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﺘتسم اﻟﻬ�منﺔ ﻓﻲ رأ�ﻪ �ظﺎﻫرﺘین ﻫمﺎ‪ :‬اﻟﻬ�منﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ �مﻌنﻰ اﻟﻘدرة‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟس�طرة وذﻟك ﻤن ﺨﻼل اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ واﻟﻬ�منﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ وﺘﻌنﻲ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻷﺨرى �ﺎﺴتخدام‬
‫‪5‬‬
‫اﻟوﺴﺎﺌﻞ واﻟمصﺎدر اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻬ�منﺔ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻌمق اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﻋزﻟتﻬﺎ إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻗوﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﺘسمﺢ ﻟﻬﺎ �ﺎﻟس�طرة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟم�ﺎﻩ اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ واﺨتراق اﻟمجﺎل اﻟجوي ﻷي دوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪� .‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟصین‪ ،‬ﻤﻘﺎﺒﻞ ﺨطر أﻗﻞ ﻋﻠﻰ ﻗواﺘﻬﺎ اﻟج�ﺔ‬

‫‪ -1‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.7‬‬


‫‪ -2‬ﺤسین ﻋﻼوي ﺨﻠ�ﻔﺔ‪" ،‬ﻓكرة اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ :‬ﻤدﺨﻞ ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن"‪ ،‬ﻤجﻠﺔ ﻗضﺎ�ﺎ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪) ،‬اﻟﻌراق‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ اﻟنﻬر�ن‪ ،‬اﻟﻌدد ‪،33-32‬‬
‫‪ ،(2013‬ص ‪.309‬‬
‫‪ -3‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -4‬ﺤسین ﻋﻼوي ﺨﻠ�ﻔﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪ -5‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫‪180‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫واﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬ﺘﻠك اﻟﻘدرات ﺘمكن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤن ﺘحیید اﻟﻘدرات اﻟ�حر�ﺔ ﻷ�ﺔ ﻗوة ﻋظمﻰ ﻤنﺎﻓسﺔ وﻋزﻟﻬﺎ ﻋن اﻟحﻠﻔﺎء‬
‫‪1‬‬
‫واﻟموارد اﻟ�ﻌدﯿین ﻋن اﻟشﺎطﺊ‪ .‬ﺒینمﺎ ﺘضمن وﺼوﻟﻬﺎ ﻫﻲ إﻟﻰ اﻟموارد اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻛﺎﻨت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻗد ﺸﻬدت ﻓﻲ اﻟﻔترة ﻤن ﺨر�ف ‪ 1995‬إﻟﻰ ر��ﻊ ﻋﺎم ‪ 1996‬ﻤنﺎظرة �برى‬
‫ﺤول اﻟس�ﺎﺴﺔ ﺘجﺎﻩ اﻟصین‪ ،‬ﺸﺎرك ﻓیﻬﺎ اﻟمثﻘﻔون ﻤن اﻟدواﺌر اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻷﻛﺎد�م�ﺔ واﻟتجﺎر�ﺔ أﻋر�وا ﻋن اﻨتﻘﺎدﻫم‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟتﻲ ﯿنتﻬجﻬﺎ اﻟكوﻨﻐرس اﻷﻤر�كﻲ و�دارة اﻟرﺌ�س �ﻠینتون ﺘجﺎﻩ اﻟصین‪.‬‬

‫ﻓﻘد ﺴﻌﻰ ﻤنظروا اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ أو ﻋوﻟمﺔ اﻟﻌﺎﻟم وﻓق اﻟمنﻬﺞ اﻟﻠیبراﻟﻲ ﻟتسو�ق وﺠﻬﺎت اﻟنظر اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟتوظ�ف‬
‫ﻫذﻩ اﻟمسﺄﻟﺔ �ﺎﺘجﺎﻩ اﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ اﻟتحوﻻت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �ص�ﻐﺔ اﻹﻗرار ﺒﻬ�منﺔ ﻗوة واﺤدة ﻋﻠﻰ )اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ(‪ 3 .‬ﺘرﻓض‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻗﺎﻤﺔ ﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب ﻋﻠﻰ �ﺎﻓﺔ اﻷﺼﻌدة اﻟنظر�ﺔ واﻟمﻔﺎه�م اﻹﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻫذا‬
‫اﻟس�ﺎق ﻗدم "ﻓراﻨس�س ﻓو�و�ﺎﻤﺎ" ‪ Francis Fukuyama‬اﻟ�ﺎﺤث اﻷﻤر�كﻲ �ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻨظر�ﺔ "ﻨﻬﺎ�ﺔ‬
‫اﻟتﺎر�ﺦ"‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﻌنﻲ ﻓﻲ ﻤضموﻨﻬﺎ أن "اﻟد�مﻘراط�ﺔ اﻟﻠیبراﻟ�ﺔ ﺘﻌتبر اﻟشكﻞ اﻟنﻬﺎﺌﻲ ﻟﻠحكم اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻟكﺎﻓﺔ اﻟمجتمﻌﺎت‬
‫واﻟذي ﯿنتشر ﻋﻠﻰ ﻨطﺎق واﺴﻊ ﻋبر اﻟﻌﺎﻟم"‪ .‬وأﻋﻠن اﻟرﺌ�س "ﺒوش اﻷب" اﻋتزاﻤﻪ‪" :‬إﻗﺎﻤﺔ ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ ﺠدﯿد ﺒزﻋﺎﻤﺔ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺤسب وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ اﻟق�م"‪ ،‬وﻗﺎم �ﺎﻟدﻋﺎ�ﺔ ﻟـ "اﻟسﻼم ﻓﻲ ظﻞ اﻟس�طرة اﻷﻤر�ك�ﺔ"‪.‬‬

‫أﻤﺎ ﻤستشﺎر اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ اﻷﻤر�كﻲ اﻟسﺎﺒق ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ذ�ر ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ )رﻗﻌﺔ اﻟشطرﻨﺞ اﻟكبرى( أن‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟكﻲ "ﺘحﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻤكﺎﻨتﻬﺎ اﻟق�ﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن" ﯿتﻌین ﻋﻠیﻬﺎ إﻋداد ﻨﻔسﻬﺎ‬
‫ﻟﻺﻀطﻼع ﺒﻠع�ﺔ ﺸطرﻨﺞ أورو��ﺔ‪-‬آﺴیو�ﺔ ﺘمتد ﻋﻠﻰ رﻗﻌﺔ واﻗﻌﺔ ﺘحت ﺴ�طرﺘﻬﺎ ﻤن "ﻟشبوﻨﺔ" إﻟﻰ "ﻓﻼد�ﻔوﺴك" )ﻓﻲ‬
‫‪5‬‬
‫اﻹﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ ﺴﺎ�ﻘﺎ( وطو�یو )اﻟ�ﺎ�ﺎن(‪.‬‬

‫إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪-‬اﻟطب�ع�ﺔ ﺘوﺠد ﻤسﺎﺤﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﺘوز�ﻌﻬﺎ ﻟﻠموارد اﻟذاﺘ�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓمثﻞ اﻟصین‪� ،‬مكن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أن ﺘستﻐﻞ اﻟموارد وﺘطور اﻟصنﺎﻋﺎت ﻓﻲ داﺨﻠﻬﺎ ﺨﺎرج ﻤدى أي‬

‫‪ -1‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.330‬‬


‫‪ -2‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -3‬ﻫﺎﻨﻲ اﻟ�ﺎس ﺨضر اﻟحدﯿثﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.35‬‬
‫‪ -4‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ -5‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪181‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫أﺴطول ﻤﻌﺎدي ﺤتﻰ ﻟو وﺼﻞ إﻟﻰ اﻟسواﺤﻞ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬وﻫﻲ ﺒذﻟك‪" :‬ﻗوة ﺠز�ر�ﺔ �مسﺎﺤﺔ ﻗﺎر�ﺔ"؛ ‪ 1‬ﻋﻠﻰ أن اﻷﺼول‬
‫اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻻ ﺘمكن اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻓحسب‪ ،‬و�ﻨمﺎ أ�ضﺎ إظﻬﺎر اﻟﻘوة ﻀد اﻟخصوم اﻟﻘﺎر�ین‪ .‬واﻟنجﺎح‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ �ﺎن �ﻌكس اﺴتخدام اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻤن أﺠﻞ اﻟﻘوات اﻟبر�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟﻔترة طو�ﻠﺔ‪ ،‬ﻟم ﺘﻘم اﻟمنظمﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻘودﻫﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺒتمكین اﻟﻼﻋبین اﻟﻐر�یین ﻤن ﺘجسید‬
‫أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ ﺘرﺴ�ﺦ اﻻﻓتراض اﻟﻠیبراﻟﻲ اﻷﺴﺎﺴﻲ �ﺄن ﻫنﺎك‬
‫ﻤصﺎﻟحﻬم ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ ﻋمﻠت ً‬
‫اﺤدا ﻓﻘط ﻟﻠحداﺜﺔ واﻟتنم�ﺔ‪ ،‬أي اﻟطر�ﻘﺔ اﻟﻐر��ﺔ ‪.‬وﻟطﺎﻟمﺎ ﻟﻌبت ﻫذﻩ اﻟمنظمﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ دور ﺤراس اﻟمجتمﻊ‬
‫طر�ًﻘﺎ و ً‬
‫ﺌ�س�ﺎ ﻓﻲ اﻟتنشئﺔ اﻻﺠتمﺎع�ﺔ ﻟﻠدول ﻏیر اﻟﻐر��ﺔ اﻟسﺎ�ﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻘواﻋد اﻟتﺄﺴ�س�ﺔ‬
‫دور ر ً‬
‫اﻟدوﻟﻲ اﻟﻐر�ﻲ‪ ،‬وﻫﻲ ﺘﻠﻌب ًا‬
‫‪3‬‬
‫واﻟﻘواﻋد واﻟق�م ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟﻐر�ﻲ‪.‬‬

‫ﺒرﻏم أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻻ ﺘﻌترف �ﺎﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻟكنﻬﺎ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﺘدرك ﺒنﻔسﻬﺎ‬
‫‪4‬‬
‫أن ﻫنﺎك ﻗوى ﻤتﻌددة ف�ﻪ ﺘشﻬد ﺘطو ار وﺘﻌﺎظمﺎ ﻓﻲ ﻗوﺘﻬﺎ اﻟشﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬وﺘستخدم أﺤ�ﺎﻨﺎ "اﻟتﻌدد�ﺔ" ﻟوﺼﻒ ذﻟك اﻟوﻀﻊ‪.‬‬
‫ﻟﻘد اﻋترف ﺒر�جنسكﻲ ﻓﻲ �تﺎ�ﺔ "رﻗﻌﺔ اﻟشطرﻨﺞ اﻟكبرى" أن ﻤكﺎﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �صﻔتﻬﺎ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌظمﻰ‬
‫اﻟوﺤیدة ﻻ �مكن أن ﺘدوم إﻟﻰ اﻷﺒد‪ ،‬وﺸ�ﻪ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺎ ﺒﻠع�ﺔ اﻟشطرﻨﺞ‪� ،‬مﺎ ﺸ�ﻪ أورو�ﺎ وآﺴ�ﺎ ﺒـ "رﻗﻌﺔ‬
‫ﺸطرﻨﺞ ﺘبدو ﺒ�ضﺎو�ﺔ ﻗﻠیﻼ" ﻗﺎﺌﻼ‪� ،‬ﺄن "اﻟمتنﺎﻓسین ﻓوق ﺘﻠك اﻟرﻗﻌﺔ ﻤن اﻟشطرﻨﺞ ﻟ�سﺎ اﺜنین‪ ،‬ﺒﻞ ﻫنﺎك ﻋدد ﻤن‬
‫ﻻﻋبﻲ اﻟشطرﻨﺞ ﻤن ذوي اﻟمﻬﺎرات ﻏیر اﻟمتكﺎﻓئﺔ‪ ،‬و�وﺠد ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺨمسﺔ ﻤن ﻻﻋبﻲ اﻟشطرﻨﺞ ﯿتمتﻌون‬
‫‪5‬‬
‫�ﺎﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟجﻐراف�ﺔ‪ ،‬وﺨمس ول ﻤحور�ﺔ ﺘتمتﻊ �ﺎﻟجیو�وﻟیت�ك�ﺔ‪ ،‬ﻫﻲ‪ :‬ﻓرﻨسﺎ‪ ،‬وأﻟمﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬وروﺴ�ﺎ‪ ،‬واﻟصین‪ ،‬واﻟﻬند"‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪� ،‬ﻌد ﺘحﻠیﻞ ﺒر�جنسكﻲ وﺼﻔﺎ ﻟخر�طﺔ ﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب‪ ،‬ﺒرﻏم ﻤن أﻨﻪ ﻟم �ستخدم ﻓﻲ �تﺎ�ﻪ ﻤﻘوﻟﺔ‬
‫‪6‬‬
‫"ﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب" أو "اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ"‪.‬‬

‫‪ -1‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.328‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.329‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 37.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -4‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.101‬‬

‫‪ -5‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.101‬‬


‫‪ -6‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.101‬‬

‫‪182‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺼنﺎع اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺄﺨذ ﺜﻼﺜﺔ ﻋواﻤﻞ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر‬


‫ﯿنصﺢ اﻟ�ﺎﺤث "ﻛﺎﺜﻠین ه�كس" ُ‬
‫ﻋند وﻀﻊ ﻫذﻩ اﻟرؤ�ﺔ ﻤستﻘبﻼً‪ ،‬وﻫﻲ‪:‬‬

‫أ ـ وﺠود ﻤﻔﺎرﻗﺔ ﺘتﻌﻠق �ﺎﺴتمرار وﻀﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �دوﻟﺔ ﻋظمﻰ ﻤﻊ ﺘراﺠﻊ ﺘﺄﺜیرﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﻓمن اﻟمرﺠﺢ أن‬
‫ﺘظﻞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺨﻼل اﻟسنوات اﻟـ ‪ 15‬اﻟمﻘبﻠﺔ اﻋتمﺎداً ﻋﻠﻰ وﻀﻌﻬﺎ‬
‫اﻹﻗتصﺎدي واﻟثﻘﺎﻓﻲ واﻟﻌﻠمﻲ‪ ،‬ووﻓرة اﻟموارد اﻟطب�ع�ﺔ ﻟدﯿﻬﺎ‪ ،‬وﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬وﻟكن ﻗدرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘشكیﻞ ﺴﻠوك اﻟﻘوى‬
‫اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ اﻷﺨرى ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺒدأ ﻓﻲ اﻟتراﺠﻊ‪ ،‬وﻟذﻟك ﺴوف ﺘختﻠﻒ ﻤمﺎرﺴﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟسﻠطﺎﺘﻬﺎ وﻗوﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﺤسب �ﻞ ﻤنطﻘﺔ وﻗض�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺤدة‪.‬‬

‫ب ـ اﻟﻌﺎﻤﻞ اﻟثﺎﻨﻲ اﻟذي ﯿتﻌین أن ﺘﺄﺨذﻩ اﻹدارة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر ﻋند ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﺨﻼل اﻟﻔترة‬
‫اﻟﻘﺎدﻤﺔ‪ ،‬ﯿتﻌﻠق ﺒث�ﺎت اﻟدﻋم اﻟشﻌبﻲ اﻷﻤر�كﻲ ﻟدور واﺸنطن اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬وﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر‪ ،‬ﺘجدر اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ اﺴتمرار‬
‫اﻟدﻋم اﻟشﻌبﻲ ﻟﻼﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟتﻲ اﺴتمرت ﻋﻠﻰ ﻤدار اﻟـ ‪ 70‬ﻋﺎﻤﺎً اﻟمﺎﻀ�ﺔ‪ ،‬ﻟكﻲ ﺘﺄﺨذ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫دو اًر ق�ﺎد�ﺎً ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم �خدم ﻤصﺎﻟحﻬﺎ‪ .‬وﺸمﻠت ﻫذﻩ اﻟمصﺎﻟﺢ ﻀمﺎن أﻤن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ‪ ،‬واﺘ�ﺎع ﻨظﺎم‬
‫اﻗتصﺎدي ﻟیبراﻟﻲ‪ ،‬ودﻋم ﺴ�ﺎدة اﻟﻘﺎﻨون ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﺤترام ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪.‬‬

‫ج ـ اﺘ�ﺎع ﻨﻬﺞ اﻟتﻌﺎﻤﻞ اﻻﻨتﻘﺎﺌﻲ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻹﺠمﺎع اﻷﻤر�كﻲ اﻟداﺌم ﻟﻼﻨخراط‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻟكن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟم ﺘكن ﺘمتﻠك اﻟموارد اﻟكﺎف�ﺔ أو ﺤتﻰ اﻟرغ�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌمﻞ ﻓﻲ �ﻞ ﻤكﺎن‬
‫�ﺎﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻓﻲ �ﻞ وﻗت أو �ﺎﺴتخدام ﻨﻔس أدوات اﻟﻘوة‪ ،‬ﻓكﺎن ﻻﺒد داﺌمﺎً ﻤن ق�ﺎس ﺘكﺎﻟ�ف اﻟمخﺎطر واﻟﻔرص وﺘرﺘیب‬
‫‪1‬‬
‫اﻷوﻟو�ﺎت‪.‬‬

‫ﺘستند ﻤضﺎﻤین اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن أﺠﻞ اﻟﻬ�منﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟر�ﺎﺌز اﻷر�ﻊ اﻟتﺎﻟ�ﺔ‪:‬‬

‫‪ .1‬ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻻﻫتمﺎم اﻷﻤر�كﻲ ﻤتر�ز ﻋﻠﻰ ﻤنﻊ ظﻬور أﻗطﺎب أو ﺘحﺎﻟﻔﺎت ﻟﻘوى ﺘكون‬
‫ﻤنﺎﻓسﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﯿبدو اﻟتﻔكیر اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻷﻤر�كﻲ أﻨﻪ �ﻌید اﻨتﺎج أﺠواء‬
‫اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻹﺤتواء اﻟﻘوى اﻟمنﺎﻓسﺔ‪ ،‬أو إﻋﺎدة �ﻌث ﻟنظر�ﺔ اﻹﺤتواء اﻟشﺎﻤﻞ ﻟﻠﻘوى اﻟصﺎﻋدة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫‪ .2‬ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﻗﺎرة آﺴ�ﺎ �حكم دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻟتطور اﻟسر�ﻊ واﻟثﻘﻞ اﻻﻗتصﺎدي واﻟسكﺎﻨﻲ واﻟﻌسكري‬
‫اﻟذي ﺘتبوأﻩ ﻋﻠﻰ اﻟسﺎﺤﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن اﺸتمﺎﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗوى إﻗﻠ�م�ﺔ ﻤتحﻔزة اﺴتراﺘ�ج�ﺎ واﺤتواﺌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻤجﺎور‬
‫ﺠیو�وﻟیت�ك�ﺔ ﻤﻬمﺔ‪ ،‬ﺴتشكﻞ ﻗیدا ﻋﻠﻰ اﻟتحرك اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وﻋﻠ�ﻪ ﻓﺈن ﻫذﻩ اﻷﺨیرة‪،‬‬

‫‪ -1‬إﺳراء إﺳﻣﺎﻋﯾل وﻋزة ھﺎﺷم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺴتسﻌﻰ إﻟﻰ ﺒنﺎء ﺘرﺘی�ﺎت اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠدﯿدة ﺘحد ﻤن دﯿنﺎﻤ�ﺎت اﻟتﻔﺎﻋﻞ اﻟداﺨﻠﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ وﺘمنﻌﻬﺎ ﻤن ﺘﻬدﯿد‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺼور ﺘحﺎﻟﻔﺎت أوراﺴ�ﺔ ﺘﻔضﻲ إﻟﻰ ﺘﻌدد�ﺔ ﻗطب�ﺔ ﻏیر ﻤتوازﻨﺔ‪.‬‬
‫‪ .3‬ﻤن زاو�ﺔ إﻋﺎدة ﺘﻌر�ف اﻟمصﻠحﺔ اﻟوطن�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﻌم�م "ﻤبدأ ﻤوﻨرو" اﻟذي‬
‫�موﺠ�ﻪ ﺘﺄﺨذ ﺨر�طﺔ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ وﻀﻌﺎ ﺸ�ك�ﺎ ذا اﻤتدادات ﻋﺎﻟم�ﺔ �شﺎر ﻟﻬﺎ �ﺎﻟمنﺎطق اﻟحیو�ﺔ ﻟﻠمصﺎﻟﺢ‬
‫اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫‪ .4‬ﻤن زاو�ﺔ اﻟتﻔﺎﻋﻞ اﻹرﺘ�ﺎط ﺒین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ واﻟجیواﻗتصﺎدي‪ ،‬ﺘسﻌﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ اﺴتكمﺎل‬
‫أدوات اﻟس�طرة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻤنﺎطق اﻨتﺎج اﻟطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم واﻟتحكم ﻓﻲ اﻟمﻔﺎﺼﻞ اﻟجﻐراف�ﺔ ﻟنﻘﻞ اﻟطﺎﻗﺔ‪ ،‬و�ﻬذا‬
‫‪1‬‬
‫ﺘستط�ﻊ اﻟتحكم ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻋبر اﻟﻬ�منﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪.‬‬
‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬ﺘطور اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك �ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬

‫ﯿرى "ﺠ�مس ﻟو�س" ‪ James A. Lewis‬أﻨﻪ ﺨﻼﻓﺎً ﻟﻠحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻻ ﺘﻌتبر ﻤنخرطﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺼراع ﻋﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﺒﻞ ﻓﻲ ﺴﻠسﻠﺔ ﻤن اﻟصراﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬ﻤؤ�داً أﻨﻬﺎ ﺘﻔتﻘد ﻟوﺠود اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠﻌمﻞ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟبیئﺔ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجدﯿدة‪.‬‬

‫ﺘتداﺨﻞ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟس�ﺎﺴﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك إﻟﻰ ﺤد �بیر‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ أﺸﺎرت‬
‫إﻟ�ﻪ "ﻤﺎدﻟین أوﻟبراﯿت" وز�رة ﺨﺎرﺠ�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ﺤین ذ�رت أن اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤن�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫واﻟس�ﺎﺴﺔ ﻻ �مكن ﻓصﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﺤزم ﻤنﻔصﻠﺔ‪ ،‬ﺤیث أﻨﻬﺎ ﺘﻌزز �ﻌضﻬﺎ اﻟ�ﻌض‪ .‬ﻟن ﺤیو�ﺔ اﻟنظﺎم اﻻﻗتصﺎدي ﺘستند‬
‫إﻟﻰ اﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬واﻟنظﺎم اﻟس�ﺎﺴﻲ �ﻌتمد إﻟﻰ ﺤد �ﻌید ﻋﻠﻰ اﻟنظﺎم اﻷﻤنﻲ اﻟﻌسكري‪ ،‬واﻻﺴتﻘرار‬
‫اﻻﻗتصﺎدي �ﻘﻠﻞ ﻤن اﺤتمﺎل اﻟصراع اﻟخطیر‪ ،‬وﻋندﻤﺎ ﺘكون �ﻞ ر�یزة ﻋن ﻫذﻩ اﻟر�ﺎﺌز ﻗو�ﺔ ﻓﺈن اﻟتﻘدم ﻋﻠﻰ �ﻞ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟجبﻬﺎت �ص�ﺢ أﻤ ار ﻤحتمﻼ‪.‬‬

‫ﻤنذ اﻟخمسین�ﺎت ﻤن اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ‪� ،‬ﺎﻨت اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﺘدور ﻓﻲ‬
‫اﻟﻐﺎﻟب ﺤول اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن�ﺔ‪ .‬اﺤتﻠت اﻟمنطﻘﺔ دون اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ًا‬
‫دور ﻤر�زً�ﺎ ﻓﻲ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪� ،‬ممراﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ‬
‫اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ )ﻤضیق ﻤﻠﻘﺎ و�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟخصوص( و�ذﻟك �ﺎﻟﻘرب ﻤن اﻟصین؛ ﻨت�جﺔ ﻟذﻟك‪،‬‬
‫ﻋمﻠت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻔترة طو�ﻠﺔ �ضﺎﻤن )ﻏیر ﺸیوﻋﻲ( ﻷﻤن ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ .‬وأدت ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬

‫‪ -1‬ﻣﺎھر ﺑن إﺑراھﯾم اﻟﻘﺻﯾر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.28-27‬‬


‫‪ -2‬إﺳراء إﺳﻣﺎﻋﯾل وﻋزة ھﺎﺷم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬
‫‪ -3‬ﻫدى ﻤیتك�س وﺼدﻗﻲ ﻋﺎﺒدﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪184‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫إﻟﻰ ﺘﻐییر ﻓﻲ اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ أواﺌﻞ اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﻟم �ﻌد اﻟتﻬدﯿد اﻟشیوﻋﻲ ذا أﻫم�ﺔ و�ﺎﻨت اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﺘﻌید اﻟنظر ﻓﻲ اﻨتشﺎرﻫﺎ اﻟﻌسكري ﻓﻲ اﻟخﺎرج‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪� ،‬مﺎ اﺘضﺢ‪ ،‬ازدادت اﻷﻫم�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟجنوب‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬و�رﺠﻊ ذﻟك أﺴﺎﺴﺎ إﻟﻰ ﺼﻌود اﻟصین‪ ،‬وﻤن ﻋﺎم ‪2001‬‬
‫ً‬
‫‪1‬‬
‫ﻓصﺎﻋدا‪" ،‬اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب"‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺘﻘر�ر ﻤﻘدم ﻤن ﻤراﻛز �حث�ﺔ ﻟﻠكوﻨﻐرس اﻷﻤر�كﻲ ﻋﺎم ‪ 1992‬واﻟمﻌنون ﺒـ "اﻹطﺎر اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻟمنطﻘﺔ‬
‫آﺴ�ﺎ وﺸمﺎل ﺸرﻗﻬﺎ"‪ ،‬أﻛد ﻋﻠﻰ ﻀرورة اﺴتمرار اﻟتواﺠد اﻷﻤنﻲ اﻷﻤر�كﻲ وﻟمدة طو�ﻠﺔ ﻤن أﺠﻞ ﺒنﺎء ﻨظﺎم دوﻟﻲ ﻟمﺎ‬
‫‪2‬‬
‫�ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻟمواﻛ�ﺔ اﻟتﻐیرات اﻟحﺎدﺜﺔ ﻓﻲ اﻟبیئتین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟتحد�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬
‫ﯿتطرق "ﻛﺎﺜﻠین ه�كس" ‪ Kathleen H. Hicks‬إﻟﻰ وﺠود اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟتحد�ﺎت اﻟتﻲ ﺘواﺠﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﻋﺎم‬
‫‪2016‬؛ ﻓﻔﻲ أورو�ﺎ ﻫنﺎك ﺨﻼﻓﺎت ﺤﺎدة ﻤﻊ روﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻓﻲ آﺴ�ﺎ اﻟمحﺎوﻻت اﻟصین�ﺔ ﻟﻠس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟمجﺎل اﻟجوي‬
‫‪3‬‬
‫واﻟ�حري ﻷﻤﺎﻛن �ﻌیدة ﻋن ﺸواطئﻬﺎ‪ ،‬وﺘواﺼﻞ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﺒرﺌﺎﺴﺔ "ﻛ�م ﺠوﻨﻎ أون" ﺘجﺎر�ﻬﺎ اﻟنوو�ﺔ‪.‬‬

‫�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪� ،‬ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﺘﻌد ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﺴﺎﺤﺔ اﻟحرب اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻌول‬
‫ﻋﻠیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟضﻐط وﻤن ﺜم اﺤتواء اﻟصین؛ و�ﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﺘﻌز�ز ﺘحﺎﻟﻔﺎﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟﻘد�مﺔ‪،‬‬
‫أظﻬرت اﻟجﻬود اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺨصﺎﺌص ﺠدﯿدة ﻟﻠﻌمﻞ ﻋﻠﻰ ﺘكو�ن ﺠبﻬﺔ ﻤوﺤدة ﻀد اﻟصین‪ .‬و�تجسد ذﻟك ﻤن ﺨﻼل‬
‫ﺘﻌز�ز ﺠم�ﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻻﺴ�مﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻤنﻬﺎ ﻤﻊ اﻟﻔیتنﺎم‪ ،‬وﻤ�ﺎﻨمﺎر واﻟﻼوس‪ ،‬وﺘكو�ن ﺒن�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫‪4‬‬
‫ﺸكﻞ ﺸ�كﺔ ﻋﻼﻗﺎت ﻟتدع�م ﻋمﻘﻬﺎ اﻻﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬وﺘﻌز�ز ﻗواﻋدﻫﺎ ﻓﻲ �ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ واﻟ�ﺎ�ﺎن‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﻤدى اﻟﻌﻘود اﻟثﻼﺜﺔ اﻟمﺎﻀ�ﺔ‪ ،‬ﻤنذ أن ﺒدأ "دﻨﻎ ﺸ�ﺎو ﺒینﻎ" إﺼﻼﺤﺎت ﻓتﺢ اﻟسوق ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬اﺘ�ﻌت‬
‫اﻹدارات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمتﻌﺎق�ﺔ‪ ،‬اﻟد�مﻘراط�ﺔ واﻟجمﻬور�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺤد ﺴواء‪ ،‬اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤشﺎر�ﺔ واﺴﻌﺔ وﻋم�ﻘﺔ ﺘﻬدف إﻟﻰ‬
‫دﻤﺞ اﻟصین اﻟصﺎﻋدة ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ‪ .‬ﻋمﻞ اﻟرﺌ�س "ﺒیﻞ �ﻠینتون"‪ ،‬ﺒدﻋم ﻤن اﻟكوﻨﻐرس اﻟجمﻬوري‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫دﻓﻊ اﻨضمﺎم اﻟصین إﻟﻰ ﻤنظمﺔ اﻟتجﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﻋمﻠت إدارة اﻟرﺌ�س ﺠورج دﺒﻠیو ﺒوش ﻋﻠﻰ ﺘﻌز�ز ﺘكﺎﻤﻞ اﻟصین‬
‫‪5‬‬
‫وﺠﻌﻞ اﻟصین ﺘﻌمﻞ �ـ "ﺼﺎﺤب ﻤصﻠحﺔ ﻤسؤول" ﻓﻲ دﻋم اﻟنظﺎم اﻹﻗتصﺎدي اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Fenna Egberink with Frans-Paul van der Putten, Op. cit. p 29.‬‬
‫‪ -2‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ :‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.178-177‬‬
‫‪ -3‬إﺳراء إﺳﻣﺎﻋﯾل وﻋزة ھﺎﺷم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‬
‫‪ -4‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P4.‬‬

‫‪185‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﺈن اﻟحﺎﻟﺔ اﻟراﻫنﺔ ﻫﻲ ﻤسﺄﻟﺔ ﺘحﻘیق اﻟتوازن ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ اﻟصین؛‪ 1‬ﻟذﻟك ﺒدأت‬
‫إدارة "أو�ﺎﻤﺎ" ﻓﻲ ﺒنﺎء ﺸراﻛﺎت أﻗوى ﻤﻊ دول آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻤﻊ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ ز�ﺎدة ﻨﻘﺎط اﻟﻘوة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟﻘوة اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻟمشﺎر�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ؛ ‪ 2‬وﻗد ﺤددت اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟمنطﻘﺔ ﺤسب اﻟتﻘر�ر �مﺎ �ﺄﺘﻲ‪ /1 :‬ﺤمﺎ�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ ﻤن أي اﻋتداء ﺨﺎرﺠﻲ‪ /2 .‬اﻹ�ﻘﺎء‬
‫ﻋﻠﻰ اﻻﺴتﻘرار واﻟسﻼم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ /3 .‬اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻻﺴتﻘرار اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻻﻗتصﺎدي ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪/4 .‬‬

‫اﻟمسﺎﻫمﺔ ﻓﻲ اﻟردع اﻟنووي‪ /5 .‬وﻗﻒ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟك�م�ﺎﺌ�ﺔ واﻟبیوﻟوﺠ�ﺔ‪ /6 .‬ﺘﺄﻤین ﺤر�ﺔ اﻟمﻼﺤﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬
‫اﻟمضﺎﺌق واﻟجزر اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ؛ ‪ 3‬وﻗﺎﻤت أﻤر�كﺎ ﺒتكث�ف ﺘدﺨﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟنزاع اﻟحدودي ﻋﻠﻰ �حر ﺠنوب اﻟصین ﺒین‬
‫‪4‬‬
‫اﻟصین وﻋدد ﻤن ﺒﻠدان ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ �حجﺔ ﺤمﺎ�ﺔ ﺤر�ﺔ اﻟمﻼﺤﺔ‪.‬‬

‫وﻗد أدت اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب إﻟﻰ ﺘسر�ﻊ ﻋمﻠ�ﺔ ﺘحول اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻵﺴیو�ﺔ‪� .‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟتزاﻤﺎت اﻟحﻠﻒ‬
‫اﻟحﺎﻟ�ﺔ �ﺎﻟدﻓﺎع ﻋن اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن اﻻﻟتزاﻤﺎت ﻏیر اﻟتﻌﺎﻫد�ﺔ �شﺄن أﻤن ﺘﺎﯿوان‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﺘتخذ إﺠراءات �شﺄن "اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب"؛ وﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪ ،‬وﺴﻌت اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب ﻨطﺎق ﺘﻌﺎون‬
‫‪5‬‬
‫اﻟحﻠﻔﺎء إﻟﻰ ﻤﺎ وراء ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫ورﻏم أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻻ ﺘواﺠﻪ ﺘﻬدﯿدا ﻓور�ﺎ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻟكنﻬﺎ �ﻘوة �حر�ﺔ ﻻﺒد أن ﺘنظر‬
‫�ﻌین اﻟشك إﻟﻰ أ�ﺔ ﻗوة ﻗﺎر�ﺔ ﺘحﻘق اﻟتﻔوق ﻋﻠﻰ اﻟبر‪ ،‬وﺠزﺌ�ﺎ ﻤن �ﺎب اﻻﺴتﻌداد ﻟتوﺴﻊ ﺼینﻲ ﻤحتمﻞ ﺘحﺎﻓظ‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻤستوى ﻋﺎل ﻤن اﻻﻨتشﺎر اﻟﻌسكري وﺘطو�ر اﻟتحﺎﻟﻔﺎت‪ 6 .‬ﻓﻲ اﻟمرﺤﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟنﻬﺎ�ﺔ‬
‫اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﺒرز ﺘ�ﺎر )اﺘجﺎﻩ( ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﻘﻠﻞ ﻤن أﻫم�ﺔ اﻟصین �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وذﻟك اﻨطﻼﻗﺎ ﻤن اﻻﻋتﻘﺎد �ﺄن اﻟمجﺎﺒﻬﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻻﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ‪ ،‬و�ین اﻟشرق‬
‫واﻟﻐرب ﻟن ﺘتواﺠد ﻤرة أﺨرى‪ ،‬وأن اﻟصین دوﻟﺔ ﻨﺎﻤ�ﺔ‪ ،‬وﻟم ﺘﻌد ﺘتمتﻊ �ﺄﻫم�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪7‬‬
‫ﻟتحﻘیق اﻷﻫداف اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻬذﻩ اﻷﺨیرة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. p 19.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 508.‬‬
‫‪ -3‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ -4‬زھﻲ ﻟﯾﻧﻔﺎي ورون وي‪" ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺻﯾﻧﯾﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ واﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ واﺷﻧطن اﻟﺗﻲ ﺗزﻋزع اﺳﺗﻘرار ﻛﺎﻣل ﻣﻧطﻘﺔ آﺳﯾﺎ اﻟﺑﺎﺳﯾﻔﯾك"‪ ،‬ﺗر‪ :‬ﻋﺎﺻم ﻣظﻠوم‪،‬‬
‫)ﻣرﻛز اﻟﻧﺎطور ﻟﻠدراﺳﺎت واﻷﺑﺣﺎث‪ 2 ،‬ﻣﺎرس ‪ ،(2012‬ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﺻﻔﺢ ‪https://cutt.ly/mPIz6Hu .2018/10/23‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P3.‬‬
‫‪ -6‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.333-332‬‬
‫‪ -7‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.55‬‬

‫‪186‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻟكن ﺴﻌﻲ اﻟصین اﻟحثیث وراء ﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ وﻤضیق ﺘﺎﯿوان واﺼرارﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻤواﺼﻠﺔ‬
‫اﺨت�ﺎر أﺴﻠحتﻬﺎ اﻟنوو�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1996‬أدى إﻟﻰ ﺘزاوج اﻟمخﺎوف ﻤن اﻟﻘدرات اﻟصین�ﺔ اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ واﻟسﻠوك اﻟذي ﯿثیر‬
‫اﻟشكوك ﺤول ﻨوا�ﺎﻫﺎ‪ 1 .‬ﻋرض ﻫذا اﻟت�ﺎر ﻟﻼﻨتﻘﺎد وﺘراﺠﻊ �ﻔضﻞ اﻟحﻘﺎﺌق وﺘطور اﻷوﻀﺎع ﻻﺤﻘﺎ ﻓﻲ اﻟمشﻬد‬
‫اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟدوﻟﻲ ﻟﻔترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة؛ ﻓرﻏم ﺘمسك اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺄن اﻟصین ﻤن دول آﺴ�ﺎ‪-‬‬
‫اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي وﻟ�ست ﻗوة ﻋظمﻰ‪ ،‬وﺴﻌیﻬﺎ إﻟﻰ ﺘحﻘیق ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬﺎ ﻻ ﺘستط�ﻊ‬
‫اﻟمسﺎس �مكﺎﻨﺔ اﻟصین ودورﻫﺎ وﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪ ،‬وﻟ�س ﻤن اﻟصﻌب أن ﻨتصور أﻨﻪ إذا ﻟم‬
‫ﺘشﺎرك اﻟصین ﻓﺈن ق�ﺎم ﺘﻌﺎون اﻗتصﺎدي أو أﻤنﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ﺴ�كون ﻤستحیﻼ وﻨﺎﻗصﺎ أ�ضﺎ‪.‬‬
‫وﻤن ﺜم ﻤن اﻟمستحیﻞ ﺘﺄﺴ�س وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟﻘﺎﺌﻠﺔ �ﺄن اﻟصین ﻻ ﺘتمتﻊ ﺒثﻘﻞ وﻨﻔوذ ﻗو�ین ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻓﻲ‬
‫‪2‬‬
‫ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪.‬‬

‫وﻟﻬذا‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻟﻼﻋبین اﻟرﺌ�سیین واﻟتﻘی�م اﻟدﻗیق ﻟﻸرض �جب أن �كون ﻨﻘطﺔ اﻻﻨطﻼق ﻤن‬
‫أﺠﻞ ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺠیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﻤر�ك�ﺔ ﻹدارة طو�ﻠﺔ اﻷﻤد ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻷوراﺴ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫وﻫنﺎك ﺨطوﺘﺎن أﺴﺎﺴیتﺎن ﻟذﻟك‪:‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﺘحدﯿد اﻟدول اﻷوراﺴ�ﺔ اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺎ اﻟتﻲ ﺘمتﻠك اﻟﻘوة ﻹﺤداث ﺘحول ﻤﻬم ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻓﻌﺎل ﻓﻲ‬
‫اﻟتوز�ﻊ اﻟدوﻟﻲ ﻟﻠﻘوة وﻟﻔك رﻤوز اﻷﻫداف اﻟمر�ز�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟنخبﻬم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ؛ و�ذﻟك اﻟتﻌیین اﻟدﻗیق ﻟﻠدول اﻷوراﺴ�ﺔ‬
‫اﻟﻬﺎﻤﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ اﻟتﻲ �مﻠك ﻤوﻗﻌﻬﺎ أو وﺠودﻫﺎ أﺜﺎ ار ﻤحﻔزة إﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻼﻋبین اﻟجیواﺴتراﺘ�جیین اﻷﻛثر ﻨشﺎطﺎ أو‬
‫‪3‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟظروف اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﺼ�ﺎﻏﺔ ﺴ�ﺎﺴﺎت ﻤﻌینﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤن أﺠﻞ ﻤوازﻨﺔ اﻟدول اﻵﻨﻒ ذ�رﻫم أو اﺨ�ﺎر اﻟحﻠﻔﺎء ﻤنﻬم أو‬
‫اﻟس�طرة ﻋﻠیﻬم‪ ،‬وذﻟك ﻤن أﺠﻞ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻤصﺎﻟﺢ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟحیو�ﺔ وﺘﻌز�زﻫﺎ‪ ،‬وﻤن أﺠﻞ وﻀﻊ ﻤﻔﺎه�م‬
‫‪4‬‬
‫ﻟجیوﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﻛثر ﺸموﻟ�ﺔ ﺘؤﺴس ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﺘرا�طﺎ ﺒین ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬أﻓیري ﺠوﻟد ﺸتﺎﯿن‪" ،‬ﻤستﻘبﻞ �ﺎﻫر ﺘﻔسیر وﺼول اﻟصین"‪ ،‬ﻓﻲ‪ :‬ﻤﺎ�كﻞ إي ﺒراون وآﺨرون‪ ،‬ﺼﻌود اﻟصین‪ ،‬ﺘرﺠمﺔ‪ :‬ﻤصطﻔﻰ ﻗﺎﺴم‪) ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬اﻟمر�ز اﻟﻘوﻤﻲ‬
‫ﻟﻠترﺠمﺔ‪ ،‬ط ‪ ،(2010 .1‬ص ‪.78‬‬
‫‪ -2‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ -3‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.49‬‬

‫‪187‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻓﻲ إطﺎر اﺴتراﺘ�ج�ﺔ "إﻋﺎدة اﻟتوازن إﻟﻰ آﺴ�ﺎ"‪ ،‬ﺒذﻟت إدارة أو�ﺎﻤﺎ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟجﻬود ﻟتﻌز�ز اﻟوﺠود اﻻﻗتصﺎدي‬
‫ﻋددا ﻤن اﻟتدر��ﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ‬
‫واﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬أﺠرت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ً‬
‫اﻟمشتر�ﺔ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ وأﺴتراﻟ�ﺎ و�ﻌض دول اﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬وﻗدﻤت اﻟدﻋم اﻟﻘﺎﻨوﻨﻲ واﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ ﻟﻠمنﺎﻓسین‬
‫اﻹﻗﻠ�میین ﻓﻲ اﻟصین وﻤنﺎﻓسیﻬﺎ ﻓﻲ ﻨزاﻋﺎت �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ و�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ .‬أﺸﺎرت وﺜ�ﻘﺔ أﺼدرﺘﻬﺎ‬
‫أ�ضﺎ إﻟﻰ ﺠﺎذﺒ�ﺔ اﻟصین ﻟدول ﺠنوب وﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ آﺨذة ﻓﻲ‬‫و ازرة اﻟدﻓﺎع اﻷﻤر�ك�ﺔ )‪ (DOD‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ً 2015‬‬
‫‪1‬‬
‫اﻻرﺘﻔﺎع �سرﻋﺔ ﻤﻘﺎرﻨﺔ �ﺎﻟمشﺎر�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟراﻛدة ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪-‬اﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟرؤ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﺘنظر إﻟﻰ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻤنطﻘﺔ‬
‫ﺘواﺠﻪ ﻓیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟتحد�ﺎت اﻟمتزاﯿدة‪ ،‬وﻫذا ﻤﺎ ﯿبرر اﻻﻋتﻘﺎد اﻷﻤر�كﻲ �ﺄﻫم�ﺔ وﻀرورة‬
‫اﻹ�ﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻘوات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمنتشرة ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻫﻲ ﻤجر اﻟزاو�ﺔ ﻟﻼﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻻﻤر�ك�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ‪،‬‬
‫وﻟﻬﺎ ق�مﺔ ﺤق�ق�ﺔ ورﻤز�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟحﻠﻔﺎﺌﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺘمثﻞ اﻻﻟتزام اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ إزاء اﻟمنطﻘﺔ‬
‫‪2‬‬
‫ﻟحمﺎ�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ وﻤصﺎﻟﺢ ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ‪.‬‬

‫�جﺎدل "روس" �ﺄن اﻟمﻌضﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین �حتمﻞ أن ﺘظﻞ ﻤتوازﻨﺔ وﻏیر‬
‫ﺤﺎدة‪ .‬ﻓتﻔوق اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟ�حري وﺘﻔوق اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟبر �ﻌطﻲ �ﻞ ﻗوة ﻤنﻬمﺎ ﻤیزة دﻓﺎع�ﺔ و�صﻌب‬
‫اﻟق�ﺎم �ﺄي ﻋمﻞ ﻫجوﻤﻲ ﻓﻲ ﻤسرح اﻟﻘوة اﻷﺨرى‪ 3 .‬و�ﺎﺨتصﺎر �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﺘشمﻞ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻷوراﺴ�ﺔ اﻹدارة اﻟﻬﺎدﻓﺔ ﻟﻠدول اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺎ‪ ،‬واﻟمﻌﺎﻟجﺔ اﻟدق�ﻘﺔ ﻟﻠدول اﻟمحﻔزة ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻤﻊ اﻻﺴتمرار‬
‫�ﺎﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمزدوﺠﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺎﻟحﻔﺎظ اﻟﻘصیر اﻷﻤد ﻋﻠﻰ ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ وﺤیدة‪ ،‬و�تحو�ﻠﻬﺎ اﻟطو�ﻞ‬
‫‪4‬‬
‫اﻷﻤد إﻟﻰ ﺘﻌﺎون ﻋﺎﻟمﻲ ﯿتم وﻀﻌﻪ أﻛثر ﻓﺄﻛثر ﻀمن ﻤؤﺴسﺎت‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺼ�ف ﻋﺎم ‪ ،1989‬اﺘخذت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن اﻨدﻻع اﻻﻀطرا�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین‬
‫ﺴب�ﺎ ﻟﻠتدﺨﻞ ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬وطﺎﻟبت �ﻔرض ﻋﻘو�ﺎت �ﺎﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟصین‪ ،‬وﻫﻲ‪ :‬اﻟتجمید اﻟمؤت ﻟكﺎﻓﺔ‬
‫اﻟمب�ﻌﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ وﺘجﺎرة ﺘصدﯿر اﻷﺴﻠحﺔ إﻟﻰ اﻟصین‪ ،‬واﻟتوﻗﻒ اﻟمﻘت ﻟﻠز�ﺎرات اﻟمت�ﺎدﻟﺔ ﻟك�ﺎر اﻟمسؤوﻟین‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 510.‬‬
‫‪ -2‬ﻫدى ﻤیتك�س وﺼدﻗﻲ ﻋﺎﺒدﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ -3‬ﺴین ﻟین ﺠوﻨز‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -4‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.49‬‬

‫‪188‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻷﻤر�كیین إﻟﻰ اﻟصین‪ ،‬وﻤنﻊ اﻟمؤﺴسﺎت اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﻤن ﺘﻘد�م ﻗروض ﺠدﯿدة ﻟﻠصین‪� 1 .‬مﺎ ﺸمﻠت اﻟﻌﻘو�ﺎت‪،‬‬
‫ﺘﻌﻠیق ﺘنﻔیذ ﺨطﺔ ﺘﻌز�ز اﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎرات اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬وﺤظر ﺒ�ﻊ اﻟمﻌدات اﻟنوو�ﺔ‪ ،‬واﻟوﻗود اﻟنووي‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠصین و�ذﻟك اﻟمب�ﻌﺎت اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ‪.‬‬

‫واﺴتشراﻓﺎ ﻟﻠﻌﻘود اﻟﻘﺎدﻤﺔ‪ ،‬ﺴتﻌتمد ﻗدرة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ ﺤمﺎ�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ وﺘﻌز�زﻫﺎ �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ‬
‫إﻋﺎدة ﺘﺄﻛید اﻟق�ﺎدة اﻟنشطﺔ واﻟمشﺎر�ﺔ ﻤن اﻹدارة اﻟجدﯿدة ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ .‬وﺘﻌتبر ز�ﺎرة وز�رة اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻫیﻼري‬
‫ﻛﻠینتون ﻓﻲ ﻓبراﯿر ‪ 2009‬ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن و�ﻨدوﻨ�س�ﺎ وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ واﻟصین‪ ،‬ﺘﻠیﻬﺎ ز�ﺎرة رﺌ�س اﻟوزراء اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ "ﺘﺎرو آﺴو"‬
‫ﻤ�كر ﻋﻠﻰ ﻨ�ﺔ اﻹدارة اﻷﻤر�ك�ﺔ آﻨذاك )أو�ﺎﻤﺎ( ﺘﺄﻛید اﻟق�ﺎدة اﻟنشطﺔ‬
‫ﻤؤﺸر ًا‬
‫ًا‬ ‫‪ Taro Aso‬إﻟﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫واﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫و�جب اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن اﻷﺴ�ﺎب اﻟم�ﺎﺸرة واﻟظﺎﻫر�ﺔ ﻟﻔرض اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أﺸكﺎل ﻤختﻠﻔﺔ ﻤن‬
‫اﻟﻌﻘو�ﺎت ﻋﻠﻰ اﻟصین‪ ،‬وﺘﻌﻠیق أو إﻟﻐﺎء اﻟت�ﺎدﻻت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟﻌﻠم�ﺔ واﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ ﻤﻌﻬﺎ‪ ،‬ﺘمكن ﻓﻲ‬
‫اﻨدﻻع اﻻﻀطرا�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین ﻋﺎم ‪ .1998‬ﻟكن اﻷﺴ�ﺎب اﻟحق�ق�ﺔ واﻟواﻗع�ﺔ ﻫﻲ أن اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﺘشﻬد‬
‫ﻨﻬﺎﯿتﻬﺎ آﻨذاك‪ ،‬وﻟم ﺘكن ﺘﻠك اﻻﻀطرا�ﺎت ﻓﻲ اﻟصین إﻻ ﻤجرد ذر�ﻌﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟتﻐییر اﺴتراﺘ�جیتﻬﺎ‬
‫‪4‬‬
‫ﻨحو اﻟصین‪.‬‬

‫�ﻌد ﻋشر ﺴنوات ﻤن اﻨﻬ�ﺎر ﺤﻠﻒ وارﺴو )ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟتسﻌین�ﺎت( �ﺎن اﻻﻨﻔﺎق اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ أﻛبر ﻤن‬
‫اﻻﻨﻔﺎق اﻟمجمﻊ ﻷﻛبر ﺴت ﻤیزاﻨ�ﺎت دﻓﺎع ﺘﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟترﺘیب ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ .‬وأوﻟو�ﺎت اﻟدﻓﺎع اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘﻌكس‬
‫اﻟﻘﻠق ﻤن اﻟصین واﻟحﺎﺠﺔ اﻟنﺎﺠمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‪ .‬ﻓضﻼ ﻋن ﺘخف�ضﺎت اﻟمیزاﻨ�ﺔ ﻟم ﺘﻘﻠﻞ اﻨتشﺎر اﻟﻘوات اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ 5 .‬ﺘ�ﻌﺎ ﻟذﻟك أﻋﻠن اﻟرﺌ�س اﻷﻤر�كﻲ ﺠورج ﺒوش اﻻﺒن أن اﻟصین ﻤنﺎﻓس ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬وﻟ�ست‬
‫‪6‬‬
‫ﺸر�كﺎ اﺴتراﺘ�ج�ﺎ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.59‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P2.‬‬
‫‪ -4‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.63-62‬‬
‫‪ -5‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.333‬‬
‫‪ -6‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪189‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺘوز�ﻊ اﻟﻘوة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك ﻫو ﺘوز�ﻊ ﻏیر ﻤتوازن‪ .‬ﻓﺎﻟصین‪� ،‬مخزوﻨﻬﺎ اﻟنووي وﻗواﺘﻬﺎ اﻟمسﻠحﺔ‬
‫واﻨﻔﺎﻗﻬﺎ اﻟﻌسكري‪ ،‬ﺘﻌد �شكﻞ ﺠﻠﻲ ﻗوة ﻋسكر�ﺔ ﻤﻬ�منﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﺘبنت اﻟصین اﻵن ﻤبدأ اﺴتراﺘ�ج�ﺎ ﯿنص ﻋﻠﻰ "اﻟدﻓﺎع‬
‫اﻟﻔﻌﺎل �ﻌیدا ﻋن اﻟشﺎطﺊ" ﻤن ﺨﻼل اﻟسﻌﻲ ﻹﻛتسﺎب ﻗدرة �حر�ﺔ ﻤن أﺠﻞ "اﻟس�طرة اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟ�حﺎر ﻀمن‬
‫ﺴﻠسﻠﺔ اﻟجزر اﻷوﻟﻰ"‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﻌنﻲ ﻤضیق ﺘﺎﯿوان و�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ 1 .‬وﻗدأدت ﺜﻼﺜﺔ ﻋواﻤﻞ رﺌ�س�ﺔ �ﺎﺴتمرار‬
‫إﻟﻰ اﻀطراب اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ :‬ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪ ،‬واﻟتجﺎرة‪ ،‬واﻷﻤن‪ .‬ﻤﻊ‬
‫ﻓصﻞ ﺴجﻞ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﻓﻲ اﻟصین ﻋن ﻤﻌﺎﻤﻠﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻷوﻟﻰ �ﺎﻟرﻋﺎ�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1994‬واﺨتتﺎم ﻤﻔﺎوﻀﺎت اﻟصین‬
‫واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �شﺄن ﻋضو�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ ﻤنظمﺔ اﻟتجﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1999‬ﻗد ﺘﻬدأ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‬
‫واﻟتجﺎرة �مصﺎدر رﺌ�س�ﺔ ﻟﻠتوﺘر ﻋﻠﻰ ﺠدول اﻷﻋمﺎل اﻟثنﺎﺌﻲ‪ .‬ﺘبدو اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ ظﻬرت ﻓﻲ ﻤنتصﻒ‬
‫اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬أﻫم ﻋﺎﻤﻞ ﯿؤﺜر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪. 2‬‬

‫ﺘؤ�د اﻟرؤ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻓﻲ ﺤین أن اﻟ�ﻌد اﻟﻌسكري وﺤدﻩ ﻻ �مكنﻪ أن �حﻞ ﺠم�ﻊ اﻟﻘضﺎ�ﺎ ﺒین‬
‫اﻟحكوﻤﺎت إﻻ أﻨﻪ �مكن أن �سﺎﻋد ﻋﻠﻰ إرﺴﺎء اﻷوﻀﺎع و�ﺘﺎﺤﺔ اﻟوﻗت واﻟمجﺎل ﻟﻠﻌنﺎﺼر اﻷﺨرى �ﺎﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ �ﻲ‬
‫‪3‬‬
‫ﺘﻌمﻞ‪ .‬ﻓﺎﻷﻤن أﻤر ﻫﺎم ﻤن أﺠﻞ ﻋمﻞ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻹرﺴﺎء أوﻀﺎع إﻗﻠ�م�ﺔ ودوﻟ�ﺔ ﻤستﻘرة‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟمشكﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر "ﺠوز�ف ﻨﺎي" ﻟ�ست ﻫﻲ "ﺘﻌظ�م اﻟﻘوة أو اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻬ�منﺔ ﺒﻞ إ�جﺎد ﺴبﻞ ﻟتوﻟ�ف اﻟموارد ﻟبنﺎء اﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﻨﺎﺠحﺔ ﻓﻲ ﺴ�ﺎق اﻨتشﺎر اﻟﻘوة وﺘنﺎﻤﻲ اﻟ�ق�ﺔ ﻤن اﻟدول" أي‬
‫دﻤﺞ اﻟﻘوة اﻟخشنﺔ واﻟﻘوة اﻟنﺎﻋمﺔ‪ ،‬و�رى أن ﺘحﻘیق ذﻟك �ستوﺠب‪ :‬و�نتﻬﻲ "ﻨﺎي" إﻟﻰ أن ﻤﺎ ﯿدﻋو ﻟﻪ ﻻ �مثﻞ ﻨظرة‬
‫‪4‬‬
‫واﻗع�ﺔ أو ﻟیبراﻟ�ﺔ ﺒﻞ ﻫﻲ ﻤز�ﺞ ﻤنﻬمﺎ ﺴمﺎﻩ اﻟواﻗع�ﺔ اﻟﻠیبراﻟ�ﺔ )‪.(Liberalrealism‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﻟمجﺎل اﻟحیوي �ﺂﻟ�ﺔ ﻟبنﺎء اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻬ�منﺔ �ﺎﻟق�ﺎدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﺘﻌتبر ﻓكرة اﻟتحكم ظﺎﻫرة ذاﺘ�ﺔ ﺘتحرك وﺘتحول �ﺎﺴتمرار‪� .‬ﻌتمد ﺼﻌود اﻟدول وﺴﻘوطﻬﺎ‬
‫�شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻟتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟحروب واﻟمستوى ﻏیر اﻟمستﻘر ﻟﻺﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ �ﻌض اﻟدول‪ ،‬ﺘنمو‬
‫اﻟس�ﺎﺴﺎت واﻟﻬ�ﺎﻛﻞ واﻟمؤﺴسﺎت اﻟمحﻠ�ﺔ �سرﻋﺔ أﻛبر ﻤن اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟبﻠدان اﻷﺨرى‪ .‬ﺴیتم ﺘطبیق اﻷﺴﺎس اﻟمﻔﺎه�مﻲ‬

‫‪ -1‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.176-175‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Wu Xinbo, “U.S. Security Policy in Asia: Implications for China-U.S. Relations”, (September 1, 2000).‬‬
‫‪https://cutt.ly/xA3fhGE‬‬
‫‪ -3‬ﻫدى ﻤیتك�س وﺼدﻗﻲ ﻋﺎﺒدﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ -4‬وﻟید ﻋبد اﻟحﻲ‪ ،‬ﻤراﺠﻌﺔ ﻟكتﺎب "ﻤستﻘبﻞ اﻟﻘوة " ﺠوز�ف ﻨﺎي‪) ،‬ﻤر�ز اﻟجز�رة ﻟﻠدراﺴﺎت‪ ،‬ت‪.‬ن‪ ،(11/12/2013 :‬ﺘﺎر�ﺦ اﻟتصﻔﺢ‪.2018/07/04 :‬‬
‫‪https://cutt.ly/WAFjnWv‬‬

‫‪190‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻟﻬذا اﻟتحﻠیﻞ‪" ،‬ﻨظر�ﺔ اﻨتﻘﺎل اﻟﻘوة" ﻟتحﻠیﻞ اﻷ�ﻌﺎد اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمتﻐیرة‪ .‬واﻵن ﺘﻌترف ﺤتﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫وﺘحد�ﺎ ﻤمﺎ �ﺎﻨت ﻋﻠ�ﻪ ﻓﻲ ﻨصﻒ‬
‫ً‬ ‫�مصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ اﻟنصﻒ اﻟشرﻗﻲ ﻤن اﻟكرة اﻷرﻀ�ﺔ وﺘمیزﻫﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ أﻛثر أﻫم�ﺔ‬
‫اﻟكرة اﻟﻐر�ﻲ‪ ،‬ﻷن اﻻﻋت�ﺎرات واﻟتطﻠﻌﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻗد ﺘحوﻟت �شكﻞ ﻤتزاﯿد ﻤن "اﻟمنطﻘﺔ اﻷورو��ﺔ‬
‫اﻷطﻠس�ﺔ" إﻟﻰ "ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ "‪ ،‬اﻟضﻐط ﻋﻠﻰ اﻟﻬند وﻏیرﻫﺎ ﻤن دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ وﺸرق آﺴ�ﺎ‬
‫ﻹﻋﺎدة اﻟتوازن إﻟﻰ ﻨﻔوذ اﻟصین اﻟمتزاﯿد ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ .‬ﻨت�جﺔ ﻟذﻟك‪ ،‬ﺘن�ض اﻟﻠع�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ �ﺎﻟحیو�ﺔ ﻤﻊ ﻨمو اﻟشحن‬
‫ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ �مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺒؤر اﻟتوﺘر ﻓﻲ ﺘﺎﯿوان و�ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻤمﺎ ﯿدﻓﻊ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‬
‫‪1‬‬
‫ﻨحو اﻟمواﺠﻬﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ واﻟصراع اﻟمسﻠﺢ‪.‬‬

‫ﻟبنﺎء اﻟمجﺎل اﻟحیوي ﺘﻌیر اﻟدول اﻫتمﺎﻤﺎ �بی ار ﻟتوز�ﻊ اﻟﻘوة ف�مﺎ ﺒینﻬﺎ وﺘسﻌﻰ ﻗدر اﺴتطﺎﻋتﻬﺎ ﻟتﻌظ�م ﻨصیبﻬﺎ‬
‫ﻤن اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﺘحدﯿدا ﺘ�حث اﻟدول ﻋن ﻓرص ﻟتﻌدﯿﻞ ﺘوازن اﻟﻘوة ﺒز�ﺎدة ﻗوﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺤسﺎب اﻟمنﺎﻓسین اﻟمحتمﻠین؛‬
‫وﺘستخدم ﻟذﻟك وﺴﺎﺌﻞ ﻤتنوﻋﺔ–اﻗتصﺎد�ﺔ ودﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ وﻋسكر�ﺔ‪-‬ﻟتحو�ﻞ ﺘوازن اﻟﻘوة ﻟصﺎﻟحﻬﺎ‪ ،‬ﺤتﻰ و�ن ﺘسبب ذﻟك‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻲ ﺸكوك اﻟدول اﻷﺨرى أو ﺤتﻰ ﻋداﺌﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ذﻟك‪ ،‬طور �ﻌض ﻋﻠمﺎء اﻟجﻐراف�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻷﻟمﺎن ﻋﻠم اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻟتبر�ر ﺸﻌﺎر ﺒﻠدﻫم ‪Drang‬‬

‫‪� mach osten‬مﻌنﻰ‪" :‬اﺘجﻬوا ﻨحو اﻟشرق"‪ ،‬و�دأ ذﻟك ﻤﻊّ "ﻛﺎرل ﻫوﺴﻬوﻓر" اﻟذي ��ف ﻤﻔﻬوم "ﻤﺎﻛیندر" ﻤﻊ ﺤﺎﺠﺎت‬
‫أﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬ﺤیث �ﺎن "أدوﻟﻒ ﻫتﻠر" ﯿؤ�د ﻋﻠﻰ ﺤﺎﺠﺔ اﻟشﻌب اﻷﻟمﺎﻨﻲ ﻟـ ‪" Lebensraum‬اﻟمح�ط أو اﻟمجﺎل‬
‫اﻟحیوي"‪ 3 .‬وﻗد �ﺎﻨت اﻟحرب اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬اﻻﺴ�ﺎﻨ�ﺔ ﻋﺎم ‪ 1898‬أول ﺤرب دوﻟ�ﺔ ﺘنتصر ﻓیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪،‬‬
‫ﻤن ﺤیث أﻨﻬﺎ دﻓﻌت �ﺎﻟﻘوة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ﻤﺎ وراء ﺠزر "ﻫﺎواي" ﺤتﻰ اﻟﻔﻠبین؛ ‪ 4‬ﻋﻠﻰ اﻋت�ﺎر أن‬
‫اﻟنت�جﺔ اﻟمثﻠﻰ ﻷ�ﺔ ﻗوة ﻋظمﻰ ﻓﻲ أن ﺘص�ﺢ دوﻟﺔ ﻤﻬ�منﺔ إﻗﻠ�م�ﺔ وﺘس�طر ﻋﻠﻰ ﻤنﺎطق أﺨرى ﻗر��ﺔ ﻤنﻬﺎ �مكن‬
‫اﻟوﺼول إﻟیﻬﺎ ﺒر�ﺎ‪ ،‬وﺘسﻌﻰ اﻟدول اﻟتﻲ ﺘبﻠﻎ اﻟﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ إﻟﻰ ﻤنﻊ اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﻓﻲ اﻟمنﺎطق اﻷﺨرى ﻤن ﺘكرار‬
‫اﻷﺨرى‪5 .‬‬ ‫ﺘجر�تﻬﺎ؛ �مﻌنﻰ أن اﻟدول اﻟمﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻻ ﺘﻘبﻞ ﺒوﺠود ﻤنﺎﻓسین ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمنﺎطق‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, “TRANSFORMATION OF POWER IN THE ASIA-PACIFIC REGION”, (Pakistan,‬‬
‫‪HamdardIslamicus, Vol. 43 No. 1, 2020), p 264. https://cutt.ly/pAcPuJ1‬‬
‫‪ -2‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪ -3‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ -5‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.53-52‬‬

‫‪191‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻓﻲ ﺒدا�ﺔ اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن‪� ،‬ﺎن اﻻﺴتراﺘ�جیون اﻷﻤر�كیون ﻤشﻐوﻟین ﺒتطو�ر ﻤ�ﺎدئ اﻟس�ﺎدة اﻟمﻼﺤ�ﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟمح�طین‪ ،‬وﻗد أﺴﻬم ﺸق ﻗنﺎة ﺒنمﺎ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن ﺘﻌز�ز اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ �ﻼ اﻟمح�طین اﻷطﻠسﻲ‬
‫واﻟﻬﺎدئ‪ 1 .‬وﻗبﻞ ﻋشر ﺴنوات‪� ،‬ﺎﻨت آﺴ�ﺎ ﻤنطﻘﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﻫﺎﻤﺔ‪ .‬وﻫذا أﻤر ﺤیوي ﻤن أﺠﻞ ازدﻫﺎر أﻤر�كﺎ‪ .‬ﺘبﻠﻎ‬

‫ﺘجﺎرة اﻟ�ضﺎﺌﻊ ﺜنﺎﺌ�ﺔ اﻻﺘجﺎﻩ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وآﺴ�ﺎ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤﺎ �ﻘرب ﻤن ‪ 1‬ﺘر�ﻠیون دوﻻر ً‬
‫ﺴنو�ﺎ‪ ،‬أي‬
‫‪2‬‬
‫ﻤﺎ �ﻌﺎدل ‪ % 27‬ﻤن إﺠمﺎﻟﻲ اﻟتجﺎرة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ اﻟﻌﺎﻟم ﻤﻘﺎﺒﻞ ‪ %19‬ﻤﻊ اﻻﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ‪.‬‬

‫ﻋﺎﻤﺎ ﻤن ﺘﺎر�ﺦ اﻨخراط اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤﻊ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪� ،‬مكن ﺘﻌر�ف‬


‫ﻤﻊ اﻷﺨذ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر ﻤﺎ �ﻘرب ﻤن ‪ً 225‬‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟتﻲ ﺘسﻬم ﻓﻲ ﺘشكیﻞ ﺘصور اﻟمجﺎل اﻟحیوي اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻋﻠﻰ اﻟنحو‬
‫اﻟتﺎﻟﻲ‪:‬‬

‫اﻟدﻓﺎع ﻋن اﻟوطن واﻷراﻀﻲ اﻷﻤر�ك�ﺔ وﺤمﺎ�ﺔ اﻟمواطنین اﻷﻤر�كیین‪ .‬واﻟیوم‪ ،‬ﺘشﺎرك اﻟﻘوات اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋبر‬ ‫‪-‬‬
‫ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻓﻲ اﻟتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟتﻬدﯿدات اﻹرﻫﺎﺒ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﻤواطنیﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟوﺼول إﻟﻰ اﻷﺴواق اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬دﻋمت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟجﻬود اﻟمبذوﻟﺔ ﻓﻲ ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي‬ ‫‪-‬‬
‫ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪ (APEC‬ﻟﻔتﺢ وﺘﺄﻤین اﻟوﺼول إﻟﻰ اﻷﺴواق وﻋززت اﻟجﻬود اﻟمبذوﻟﺔ ﻟتوﺴ�ﻊ اﻟتجﺎرة‬
‫ﻤن ﺨﻼل إﻨشﺎء ﻤنطﻘﺔ ﺘجﺎرة ﺤرة ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ وﺘوق�ﻊ اﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻤﻊ أﺴتراﻟ�ﺎ‬
‫‪3‬‬
‫وﺴنﻐﺎﻓورة‪ ،‬و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‪.‬‬
‫ﺤر�ﺔ اﻟ�حﺎر ﻟضمﺎن اﻟوﺼول‪ .‬اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘﻌمﻞ ﻤن اﻟسﺎﺤﻞ اﻟﻐر�ﻲ‪ ،‬وﻫﺎواي‪ ،‬واﻟﻘواﻋد ﻓﻲ‬ ‫‪-‬‬
‫اﻟ�ﺎ�ﺎن وﻤن ﺨﻼل اﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟوﺼول ﻤﻊ ﺴنﻐﺎﻓورة ودول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻷﺨرى‪ ،‬ﻓﻲ وﻀﻊ �مكنﻬﺎ ﻤن‬
‫‪4‬‬
‫ﻀمﺎن ﺤر�ﺔ اﻟ�حﺎر‪.‬‬
‫اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺘوازن اﻟﻘوى ﻟمنﻊ ﺼﻌود أي ﻗوة ﻤﻬ�منﺔ أو ﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟﻘوى ﻤن ﺸﺄﻨﻬﺎ أن ﺘﻌرﻗﻞ اﻟوﺼول‬ ‫‪-‬‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻻﻗتصﺎدي ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬و�حﺎﻓظ ﻨظﺎم اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن‬
‫وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ وأﺴتراﻟ�ﺎ واﻟﻔﻠبین وﺘﺎﯿﻼﻨد ﻋﻠﻰ ﺘوازن ﺜﺎﺒت ﻟﻠﻘوى ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬
‫ﻤنﻊ اﻨتشﺎر أﺴﻠحﺔ اﻟدﻤﺎر اﻟشﺎﻤﻞ وأﻨظمﺔ إطﻼق اﻟصوار�ﺦ اﻟ�ﺎﻟ�ست�ﺔ‪ .‬ﺘشﺎرك اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬إﻟﻰ ﺠﺎﻨب‬ ‫‪-‬‬
‫اﻟصین وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن وروﺴ�ﺎ و�ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟمحﺎدﺜﺎت اﻟسداﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻬدف إﻟﻰ إﺨﻼء‬

‫‪ -1‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 20.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit.P1.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-I bid. p 2.‬‬

‫‪192‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻛور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﻤن اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﺘتمتﻊ ﻤ�ﺎدرة أﻤن اﻻﻨتشﺎر )‪ (PSI‬ﺒدﻋم واﺴﻊ ﻓﻲ‬
‫ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬
‫ﻋنصر ﺜﺎﺒتًﺎ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ‪،‬‬
‫ًا‬ ‫ﺘﻌز�ز اﻟد�مﻘراط�ﺔ وﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻺدارات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمتﻌﺎق�ﺔ‪� ،‬ﺎن ﻫذا‬ ‫‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻤﻊ ﻨجﺎﺤﺎت ﻤﻠحوظﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻠبین‪ ،‬وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ‪ ،‬وﺘﺎﯿوان‪.‬‬
‫واﻨطﻼﻗﺎ ﻤن اﻟمنظور اﻟجیو�وﻟیت�كﻲ اﻷﻤر�كﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻻ ﺘرﻏب ﻓﻲ رؤ�ﺔ ﺘﻌﺎظم ﻗوة وﺴرﻋﺔ‬
‫اﻻﻗتصﺎد اﻟصینﻲ؛ ‪ 2‬ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘظﻞ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ذات أﻫم�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ �بیرة‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �مﺎ ﯿذ�ر ذﻟك اﻟتﻘر�ر اﻟمﻘدم ﻟﻠكوﻨﻐرس ﻋﺎم ‪ 1992‬واﻟمﻌنون ﺒـ "اﻹطﺎر اﻻﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫ﻟمنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك"‪" .‬ﻓﺈن اﻻﺴتﻘرار واﺴتمرار اﻟمدﺨﻞ اﻷﻤر�كﻲ إﻟﻰ أﺴرع اﻟمنﺎطق اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻨموا ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻫو ﻤسﺄﻟﺔ ﻤصﻠحﺔ ﻗوﻤ�ﺔ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ رﻓﺎه�ﺔ �ﻞ اﻷﻤر�كیین‪ ،‬إن آﻓﺎﻗنﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ودﻋم اﻟق�م اﻟد�مﻘراط�ﺔ وﺤﻘوق‬
‫اﻹﻨسﺎن وﻤصﺎﻟحنﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟتﻘﻠید�ﺔ ﺠم�ﻌﻬﺎ ﺘدﻋم اﻟحﺎﺠﺔ ﻹﺴتمرار اﻹﻨخراط اﻷﻤنﻲ ذو اﻟمصداق�ﺔ ﻟﻔترة طو�ﻠﺔ �ﻌد‬
‫ﻋنص ار ﻫﺎﻤﺎ ﻓﻲ ﺴﻌینﺎ ﻟبنﺎء اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻟمﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ .‬وﻤن اﻟطب�ﻌﻲ أن اﻨخراطنﺎ اﻷﻤنﻲ ﯿن�ﻐﻲ أن‬
‫�ﺄﺨذ ﻓﻲ ﺤس�ﺎﻨﻪ اﻟتﻐییرات اﻟجدﯿدة ﻓﻲ اﻟبیئتین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻤوﻗﻔنﺎ اﻻﻗتصﺎدي واﻟس�ﺎﺴﻲ وﻗدرة ﺤﻠﻔﺎﺌنﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﻤسؤوﻟ�ﺔ ﺘشكیﻞ ﻨظﺎم ﺠدﯿد"‪.‬‬

‫ﻛمﺎ أن اﻨﻔصﺎل أﻤر�كﺎ ﻋن ﺸرق آﺴ�ﺎ �ﺎﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ وﺤدودﻫﺎ اﻵﻤنﺔ ﻤﻊ ﻗوى ﻤجﺎورة أﻀﺎف ﺨﺎﺼیتین‬
‫ﺘمكننﺎن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن أن ﺘطور ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ ﻋزﻟﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬وأن ﺘر�ز ﻤواردﻫﺎ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻤن أﺠﻞ إظﻬﺎر اﻟﻘوة ﻓﻲ ﻤنﺎطق �ﻌیدة‪ .‬وﻻ ﺘتواﻓر أي ﻤن ﻫﺎﺘین اﻟخﺎﺼیتین ﻷي ﻗوة أﺨرى ﻓﻲ‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ 4 .‬ﻓﺄﻛثر ﻤن ﻨصﻒ اﻟتجﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ ﺘمر ﻋبر اﻟمضﺎﯿق اﻟحرﺠﺔ واﻟم�ﺎﻩ اﻷرﺨبیﻠ�ﺔ �جنوب ﺸرﻗﻲ‬
‫آﺴ�ﺎ و�حر ﺠنوب اﻟصین؛ وﺘﻌد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘﻘﻠید�ﺎ ﻗوة �حر�ﺔ ﻤس�طرة ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ ﻨظر ﻷﻫمیتﻬﺎ‬
‫وﺤیو�تﻬﺎ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ ﻻ ﺴ�مﺎ اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟتﻲ ﺘمر ﺘﻘر��ﺎ �ﻞ وارداﺘﻬﺎ ﻤن اﻟطﺎﻗﺔ ﻋبر‬
‫‪5‬‬
‫ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ‪� ،‬ذﻟك اﻷﻤر �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین اﻟتﻲ ﺘﻌتمد ﻋﻠﻰ اﻟخطوط اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ ﺘجﺎرﺘﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ؛‬

‫‪1‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p 2.‬‬
‫‪ -2‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻪ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪ -3‬ﻫدى ﻤیتك�س وﺼدﻗﻲ ﻋﺎﺒدﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.74-73‬‬
‫‪ -4‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.328‬‬
‫‪ -5‬ﻫدى ﻤیتك�س وﺼدﻗﻲ ﻋﺎﺒدﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪193‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻟذﻟك ﻓﺈن ﻫذا اﻟتحول ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ �ﻌكس "اﻋتراﻓﺎ" ﺒتصﺎﻋد أﻫم�ﺔ ﺘﻠك اﻟمنطﻘﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻷﻤن وﺜروة أﻤر�كﺎ ﻓﻲ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمستﻘبﻞ �ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻨﻔوذﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬

‫ووﻓر اﻟتحول اﻟصنﺎﻋﻲ اﻟسر�ﻊ ﻹﻗتصﺎد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﺴﺎس ﻟتوﺴ�ﻊ ﻤطﺎﻤﺢ أﻤر�كﺎ اﻟجیو�وﻟیت�ك�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓخﻼل ﻓترة اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻗدرت اﻟطﺎﻗﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �حواﻟﻲ ‪ %33‬ﻤن إﺠمﺎﻟﻲ‬
‫اﻟنﺎﺘﺞ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﻓﺄزاﺤت ﺒذﻟك ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ ﻋن ﻤكﺎﻨتﻬﺎ �ﻘﺎﺌدة ﻟﻠﻘوة اﻟصنﺎع�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪� 2 .‬ذﻟك وﻓرت اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‬
‫اﻷوﻟﻰ أول ﻓرﺼﺔ ﻤن أﺠﻞ إدﺨﺎل �بیر ﻟﻠﻘوات اﻟﻌسكر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ داﺨﻞ أورو�ﺎ‪ ،‬اﻷﻤر اﻟذي ﺸكﻞ ظﻬور ﻻﻋب‬
‫رﺌ�سﻲ ﺠدﯿد ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﻓﺎﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻷوﻟﻰ و�سبب طب�ﻌتﻬﺎ اﻟتدﻤیر�ﺔ اﻟذاﺘ�ﺔ ﻷورو�ﺎ وﺴمت ﺒدا�ﺔ‬
‫ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟتﻔوق اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻻﻗتصﺎدي واﻟثﻘﺎﻓﻲ ﻷورو�ﺎ‪ ،‬ﻓخﻼل ﻓترة اﻟحرب‪ ،‬ﻟم ﺘكن أ�ﺔ ﻗوة أورو��ﺔ وﺤدﯿدة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ‬
‫‪3‬‬
‫أن ﺘسود �شكﻞ ﺤﺎﺴم‪.‬‬

‫دار اﻟجدل ﺒین ﻤحﻠﻠﻲ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺤول ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت اﻟﻘوة اﻟبر�ﺔ أﻫم ﻤن اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬وأي ﻤنطﻘﺔ ﻤن‬
‫أوراﺴ�ﺎ ﻫﻲ اﻟمنطﻘﺔ اﻟحیو�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن أﺠﻞ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ �ﺎﻤﻞ اﻟﻘﺎرة؛ وﻗد وﻓر ﻫذا‬
‫اطﺎ ار ﻨظر�ﺎ ﻟﻔكرة اﻟمجﺎل اﻟحیوي واﻟﻬ�منﺔ‪ ،‬وﻗد �ﺎن أﺤد أﺒرز ﻫؤﻻء اﻟمحﻠﻠین راﺌد ﻫذا اﻟنﻘﺎش "ﻫﺎﻟﻔروﻟد ﻤﺎﻛیندر"‪،‬‬
‫�مﻔﺎه�مﻪ اﻟمتواﻟ�ﺔ ﻋن "ﻤنطﻘﺔ اﻟمحور" اﻷوراﺴ�ﺔ )اﻟتﻲ �ﺎن �ﻘﺎل إﻨﻬﺎ ﺘشمﻞ ﺴیبیر�ﺎ �ﻠﻬﺎ وﺠزءا �بی ار ﻤن آﺴ�ﺎ‬
‫اﻟوﺴطﻰ(‪ ،‬وﻋن "ﻗﻠب اﻷرض" )اﻷورو�ﻲ اﻟشرﻗﻲ‪-‬ﻤر�زي( �نﻘﺎط اﻨطﻼق ﻤن أﺠﻞ ه�منﺔ ﻗﺎر�ﺔ‪ ،‬وﻗد �ﺎﻨت ﻟﻪ‬
‫ﻤﻘوﻟتﻪ اﻟشﻬیرة‪" :‬ﻤن �حكم ﺸرق أورو�ﺎ ﯿنﺎل ﻗﻠب اﻷرض‪ ،‬وﻤن �حكم ﻗﻠب اﻷرض ﯿنﺎل ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻤن �حكم‬
‫ﺠز�رة اﻟﻌﺎﻟم ﯿﻬ�من ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم"‪ 4 .‬ﯿتمﺎﺸﻰ ﻫذا اﻟطرح ﻤﻊ اﻟمﻔﻬوم اﻟرﺌ�س ﻟنظر�ﺔ اﻟواﻗع�ﺔ اﻟﻬجوﻤ�ﺔ وﻫو اﻟﻘوة‪،‬‬
‫ﻓحسﺎ�ﺎت اﻟﻘوة ﺘﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﻘﻠب ﻤن اﻟطر�ﻘﺔ اﻟتﻲ ﺘﻔكر ﺒﻬﺎ اﻟدول ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟمح�ط ﺒﻬﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟﻘوة ُﻋمﻠﺔ ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوى‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﻌظمﻰ‪ ،‬وﺘتنﺎﻓس اﻟدول ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬إذ ﺘمثﻞ اﻟﻘوة ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻤﺎ ﺘمثﻠﻪ اﻟنﻘود ﻟﻺﻗتصﺎد‪.‬‬

‫إن اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �مكنﻬمﺎ ﻤن ﻀمﺎن ﻤصﺎﻟﺢ ﺘوازن‬
‫اﻟﻘوة وﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ طرق اﻟمﻼﺤﺔ اﻟ�حر�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤن ﺨﻼل اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻻﺤتواء اﻟ�حري‪ .‬ﻟكن‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن‬

‫‪ -1‬زھﻲ ﻟﯾﻧﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬


‫‪ -2‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق ص ‪.10‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -4‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ -5‬ﺟون ﻣﯾرﺷﺎﯾﻣر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪194‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻫذا اﻟتﻔوق اﻷﻤر�كﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟنزﻋﺔ اﻟتوﺴ�ع�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ ﺘواﺠﻪ ﺘحد�ﺎت وﻋق�ﺎت وﻫو ﻤﺎ طرح‬
‫إﺸكﺎﻟ�ﺔ ﻤدى ﺴﻬوﻟﺔ اﺴتخدام اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻟتطو�ر ﻗوة ﺒر�ﺔ‪ 1 .‬ﻓخﻼل اﻟحرب اﻟ�ﺎردة وﻤن –ﻤنظور اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟطب�ع�ﺔ‪-‬‬
‫‪" :‬ﻛﺎن �مكن ﻟﻠس�طرة اﻟسوف�ﺎﺘ�ﺔ ﻋﻠﻰ أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ أن ﺘﻔتﺢ اﻟمح�طﺎت أﻤﺎم اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ اﻟسوف�ﺎﺘ�ﺔ‪� ...‬مﺎ �سﻬﻞ‬
‫اﻟﻬ�منﺔ اﻟسوف�ﺎﺘ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟ�حر اﻷﺒ�ض اﻟمتوﺴط وﺴواﺤﻠﻪ واﻟشرق اﻷوﺴط"؛ وﻟذﻟك ﯿتحتم ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ أن ﺘر�ز ﻋﻠﻰ اﻟصین �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟمتحدي اﻟمحتمﻞ ﻟﻼﺴتﻘرار ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟصین ﻫﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻟوﺤیدة‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتﻲ �مكن أن ﺘتحدى اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ و�ن�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ اﻟطب�ﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﻋند ﻤخﺎطبتﻪ اﻟبرﻟمﺎن اﻷﺴتراﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2011‬ﻗﺎل اﻟرﺌ�س أو�ﺎﻤﺎ إن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤصممﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﻌب‬
‫دور أﻛبر وطو�ﻞ اﻷﻤد ﻹﻋﺎدة ﺘشكیﻞ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �ﺄﻛمﻠﻬﺎ ﻤن أﺠﻞ ﻤستﻘبﻠﻬﺎ اﻟمشرق؛ وأن ﺘﻘوم‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺎﻟتنسیق وﻤسﺎﻋدة اﻟدول اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺼ�ﺎﻏﺔ اﻟﻘواﻋد واﻟمﻌﺎﯿیر ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‬
‫واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ . 3‬ﻓﺎﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘحتﺎج إﻟﻰ وﺠود �حري �ﺎف ﻓﻲ ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ ﻤن أﺠﻞ اﻹﺤتواء‬
‫اﻟ�حري ﻷ�ﺔ ﻗوة ﻗﺎر�ﺔ‪ ،‬واﻋتمﺎدا ﻋﻠﻰ ﺘﺄﺜیرﻫﺎ اﻻﻗتصﺎدي وﻗوﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ اﻟمتﻔوﻗﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ ﺤصﻠت اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺘحﺎﻟﻔﺎت اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤﻊ �ﻞ اﻟدول اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ ﺘﻘر��ﺎ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﺘرﺘی�ﺎت ﻟﻠوﺼول اﻟ�حري ﻓﻲ‬
‫إﻨدوﻨ�س�ﺎ وﺴنﻐﺎﻓورة وﻤﺎﻟیز�ﺎ و�روﻨﺎي‪ .‬و�ذﻟك ﺘنﻔذ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘطو�ﻘﺎ �حر�ﺎ ﻟﻠصین؛ و�مكنﻬﺎ أن‬
‫‪4‬‬
‫ﺘمﺎرس ﻀﻐطﺎ ﺠو�ﺎ و�حر�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟوﺼول اﻟصینﻲ إﻟﻰ اﻟمح�ط ﻋﻠﻰ طول ﺤﺎﻓﺔ ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ‪.‬‬

‫ﻗیودا ﺠدﯿدة‪ .‬ﺼورة أﻤر�كﺎ ﻗد ﺘدﻫورت‪ ،‬واﺘﻬم اﻟرﺌ�سﺎن "ﺠورج ﺒوش اﻷب"‬ ‫وﺘواﺠﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ً‬
‫و"ﻛﻠینتون" �ﻼﻫمﺎ �ﺎﻟنزﻋﺔ اﻷﺤﺎد�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﺘﻌﺎﻤﻠﻬمﺎ ﻤﻊ اﻟخﻼﻓﺎت اﻟتجﺎر�ﺔ‪ .‬اﺘُﻬم اﻟرﺌ�س �ﻠینتون‬
‫‪5‬‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ‬
‫ً‬ ‫�ﺎﻟتخﻠﻲ ﻋن ﻤخﺎوف �ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ ﻓﻲ أزﻤﺔ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﻋﺎم ‪ 1994‬وﺘجﺎﻫﻞ أزﻤﺔ ‪ 1997‬اﻵﺴیو�ﺔ‪.‬‬
‫ﻤﺎ ﺴبق‪ ،‬إذا رﻏبت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺘﺄﻤین ﻤوﻗﻌﻬﺎ ﻓﻲ "ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ" ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ﺒنﺎء‪/‬‬
‫ﻤحﺎﻓظﺔ‪ /‬ﺘﻌز�ز‪ ،‬ﻤجﺎﻟﻬﺎ اﻟحیوي ﻓﻠدﯿﻬﺎ ﺜﻼﺜﺔ ﺨ�ﺎرات ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ رﺌ�س�ﺔ؛ اﻟوﻗﺎ�ﺔ‪ ،‬اﻟردع‪ ،‬اﻟممﺎرﺴﺔ‪:‬‬

‫اﻟوﻗﺎ�ﺔ ﻫﻲ ﺤمﺎ�ﺔ "ﺤر�ﺔ اﻟمﻼﺤﺔ" ﻟﻠمصﻠحﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ؛ ﺘستخدم اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟوﻗﺎﺌ�ﺔ ﻀد‬
‫اﻹﺠراءات اﻟصین�ﺔ اﻟمتزاﯿدة ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ وﺤتﻰ ﻀد اﻟحمﻼت اﻟمﻌﺎد�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ دول آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫‪ -1‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.338-337‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.328‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 508.‬‬
‫‪ -4‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.336-335‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 15.‬‬

‫‪195‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫�ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺘﻌمﻞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ ﺘحسین اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻤﻊ دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‬
‫ﻓﻲ ظﻞ اﻟنظﺎم اﻟنﺎﺸﺊ اﻟجدﯿد ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬أﻤﺎ اﻟردع‪ ،‬ﻫو اﻟخ�ﺎر اﻟثﺎﻨﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ ﻟﻠحد ﻤن اﻟتﻬدﯿد اﻟمحتمﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟحدود اﻟوطن�ﺔ‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟمسﺎﻋد وز�ر دﻓﺎع اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟسﺎﺒق "ﺠوز�ف ﻨﺎي"‪" ،‬ﺴیتم إﺠراء ﻋمﻞ ﻋسكري ﻓﻲ‬
‫�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ .‬ﺴ�كوﻨون ﻗﺎدر�ن ﻋﻠﻰ ﺤمﺎ�ﺔ وﻀمﺎن اﺴتمرار ﺤر�ﺔ اﻟمرور‪ ".‬أﻨشﺄت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻗواﻋد‬
‫ﻋسكر�ﺔ ﻓﻲ اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ ﻟتطو�ق اﻟصین وز�ﺎدة ﻨﻔوذﻫﺎ اﻻﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬ﻤن أﺠﻞ ﺘسی�ﺞ اﻟصین؛ �مﺎ أﺒرﻤت‬
‫أ�ضﺎ‪ .‬و�نتشر ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ أﻛثر ﻤن ﻋشرة آﻻف ﺠندي‬ ‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﺘﻔﺎق�ﺎت ﻤﻊ إﻨدوﻨ�س�ﺎ وﻤﺎﻟیز�ﺎ وﺴنﻐﺎﻓورة ً‬
‫أﻤر�كﻲ‪ .‬إن اﻟوﺠود اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻫو رﻤز ﻟتصو�ر ه�منتﻬﺎ اﻟمطﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم واﻟتنب�ﻪ ﻟمحﺎوﻟﺔ‬
‫ﺨﺎﺼﺎ ﻓﻲ ﺘطو�ر اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ ﻤﻊ‬ ‫اﻫتمﺎﻤﺎ ً‬
‫ً‬ ‫اﻟﻘوة اﻟمحتمﻠﺔ ﻟتﻬدﯿد ﻤوﻗﻌﻬﺎ وﻤكﺎﻨتﻬﺎ‪ .‬ﺘوﻟﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫أﺨیرا‪ ،‬اﻟممﺎرﺴﺔ ﻫﻲ اﻟتﻘن�ﺔ اﻟثﺎﻟثﺔ اﻟممكنﺔ‪ .‬ﻫذا �ﻌنﻲ‬
‫اﻟﻔﻠبین ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻟخﻠق ﺤمﺎ�ﺔ �ﺎﻤﻠﺔ ﻀد اﻟتﻬدﯿد اﻟمحتمﻞ‪ً .‬‬
‫اﻟمﻼذ اﻷﺨیر‪ ،‬اﺴتخدام اﻟﻘوة‪ .‬إذا ﻓشﻞ اﻟمنﻊ واﻟردع‪ ،‬ﻓس�كون اﻟخ�ﺎر اﻷﺨیر ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻠحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﻛمﺎ ﻫو اﻟﻘﺎﻋدة‪.‬‬

‫ﻨظر ﻟﻼﺨتﻼﻓﺎت ﻓﻲ وﺠﻬﺎت ﻨظرﻫم اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ وﺘجﺎر�ﻬم وﻗدراﺘﻬم اﻟتﺎر�خ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﻟدى اﻟصین‬
‫ﻤمﺎ ﺴبق‪ ،‬و ًا‬
‫واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤﻔﺎه�م ﻤت�ﺎﯿنﺔ ﻟﻸﻤن‪ ،‬ﻤمﺎ أدى ﺒدورﻩ إﻟﻰ ﻤمﺎرﺴﺎت أﻤن�ﺔ ﻤختﻠﻔﺔ‪ .‬ﺘتﻘﺎرب اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤن�ﺔ‬
‫�ﺎﻤنﺎ‪،‬‬
‫ﺨصمﺎ ً‬
‫ً‬ ‫اﻟصین�ﺔ واﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ وﺘت�ﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﺤد ﺴواء‪ ،‬وﻤﻊ ﺒدء اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ اﻋت�ﺎر اﻟصین‬
‫وﻀوﺤﺎ‪ .‬ﺒینمﺎ ﺴ�ستمر �ﻼ اﻟجﺎﻨبین ﻓﻲ اﻟسﻌﻲ ﻟتحﻘیق ﻤصﺎﻟحﻬمﺎ اﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ﺴ�ص�ﺢ ﻫذا اﻻﺨتﻼف أﻛثر‬
‫أ�ضﺎ أن ﺘك�ف ﻨﻔسﻬﺎ ﻤﻊ اﻟمشﻬد اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻹﻗتصﺎدي واﻷﻤنﻲ اﻟمتﻐیر ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬ ‫ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ �ﻞ دوﻟﺔ ً‬
‫‪2‬‬
‫ﻟتمكین اﻟتﻌﺎ�ش اﻟسﻠمﻲ اﻟداﺌم‪ ،‬ﺴیتﻌین ﻋﻠﻰ �ﻼ اﻟجﺎﻨبین إﺠراء �ﻌض اﻟتحوﻻت ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎﺘﻬمﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟحﺎﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. pp 266-267.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Wu Xinbo, “U.S. Security Policy in Asia: Implications for China-U.S. Relations”, (September 1, 2000).‬‬
‫‪https://cutt.ly/xA3fhGE‬‬

‫‪196‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟم�حث اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬اﺴتراﺘ�ج�ﺔ "إﻋﺎدة اﻟتوازن" اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬

‫ﺘنﻘسم اﻷدﺒ�ﺎت اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ داﺨﻞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺤول ﺘﺄﺜیرات "اﻟنمو اﻟصینﻲ" وﺘداع�ﺎﺘﻪ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺨصوﺼﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻤﺎ ﺨﻠﻒ غ�ﺎب ﺘوﺠﻪ واﻀﺢ ﻟدى اﻹدارات‬
‫‪1‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ اﺘجﺎﻩ اﻟصین‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬دواﻓﻊ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ إﻋﺎدة اﻟتوازن اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫ﺒروز ﻓﻲ أدﺒ�ﺎت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺨﻼل اﻟﻌﻘود اﻟثﻼﺜﺔ اﻟمﺎﻀ�ﺔ )ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب‬
‫اﻟسمﺔ اﻷﻛثر ًا‬
‫اﻟ�ﺎردة( ﺘتجﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﻠق ﻋﻠﻰ ﻤستﻘبﻞ اﻟمكﺎﻨﺔ اﻷﻤیر��ﺔ ﻓﻲ ﺒن�ﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬و�مﻘدار ﻤﺎ ﻋزز ﺴﻘوط اﻹﺘحﺎد‬
‫�ﺎﻤنﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟسوﻓیتﻲ ﻤن ﻨزﻋﺔ اﻟزﻫو اﻷﻤیر�ﻲ �مﺎ ﺘبدت ﻓﻲ "ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟتﺎر�ﺦ" ﻟﻔراﻨس�س ﻓو�و�ﺎﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ أ�ﻘظ ﻗﻠﻘﺎ ً‬
‫ﻤستﻘبﻞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﻓﻘﺎ ﻟطرح "ﺒول �ینیدي" ﻓﻲ اﻟثمﺎﻨین�ﺎت ﻤن اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ ﻗبﻞ اﻹﻋﻼن اﻟرﺴمﻲ ﻋن‬
‫ﺘﻔكك اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ‪. 2‬‬

‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘشﻌر �ﻘﻠق ﻋمیق إزاء ﻀﻌﻒ ﻗوﺘﻬﺎ وﻨﻔوذﻫﺎ‪� ،‬مﺎ ﯿتضﺢ ﻤن ﻤشروع اﻟﻘﺎﻨون اﻟذي ﺼدر‬
‫ﻤؤﺨرا‪ ،‬ﻗﺎﻨون اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻌﺎم ‪ ،2021‬اﻟتﻲ ﺘرى ﺒوﻀوح ﺠمﻬور�ﺔ اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ ﺘﻬدﯿدا‪ .‬اﻟﻘﺎﻨون ﯿؤ�د‬
‫ﻤن ﺠدﯿد رأي اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أن اﻟصین ﺘشكﻞ ﺘﻬدﯿدا ﺨطی ار ﻟﻠنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟحر واﻟمﻔتوح‪ ،‬وأن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪3‬‬
‫ﯿن�ﻐﻲ أن ﺘشﺎرك ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪.‬‬

‫و�ذا �ﺎﻨت ﻗﺎرة أوراﺴ�ﺎ )أورو�ﺎ وآﺴ�ﺎ( ﻫﻲ أﻛبر ﻗﺎرات اﻟﻌﺎﻟم وﻫﻲ ﻤحور�ﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ �مختﻠﻒ أﻗﺎﻟ�مﻬﺎ ﻻ‬
‫ﺴ�مﺎ ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻋت�ﺎر أن اﻟﻘوة اﻟتﻲ ﺘﻬ�من ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ ﺴتس�طر ﻋﻠﻰ اﺜنین ﻤن أﻫم ﺜﻼﺜﺔ ﻤنﺎطق‬
‫ﻤتﻘدﻤﺔ وﻤنتجﺔ اﻗتصﺎد�ﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم؛ واﻟس�طرة ﻋﻠﻰ أوراﺴ�ﺎ ﺴیترﺘب ﻋﻠیﻬﺎ ﺘﻠﻘﺎﺌ�ﺎ‪ ،‬ﺘ�ع�ﺔ أﻓر�ق�ﺎ‪ ،‬ﻤﻌیدة ﻨصﻒ اﻟكرة‬
‫اﻷرﻀ�ﺔ اﻟﻐر�ﻲ واﻟمح�ط اﻟخﺎرﺠﻲ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺎرة اﻟمر�ز�ﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم؛ ﻓحﺎوﻟﻲ ‪ %75‬ﻤن ﺴكﺎن اﻟﻌﺎﻟم �ع�شون‬
‫ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ‪� ،‬مﺎ ﯿبﻠﻎ اﻟنﺎﺘﺞ اﻹﺠمﺎﻟﻲ ﻷوراﺴ�ﺎ ﺤواﻟﻲ ‪ %60‬ﻤن إﺠمﺎل اﻟنﺎﺘﺞ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬وﺤوال ﺜﻼﺜﺔ أر�ﺎع ﻤوارد‬
‫‪4‬‬
‫اﻟطﺎﻗﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﺑﺗﺳﺎم رﻣﺿﺎﻧﻲ وﻋﺑد اﻟﻠطﯾف ﺑوروﺑﻲ‪" ،‬اﻟﺗﻧﺎﻓس اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ اﻟﺻﯾﻧﻲ – اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﺟﻧوب ﺷرق آﺳﯾﺎ"‪ ،‬اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟﻸﻣن واﻟﺗﻧﻣﯾﺔ‪،‬‬
‫)اﻟﺟزاﺋر‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺗﻧﺔ ‪ ،1‬اﻟﻌدد ‪ ،(2018 ،13‬ص ‪https://cutt.ly/bSntjVJ .107‬‬
‫‪ -2‬وﻟید ﻋبد اﻟحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬
‫‪ -4‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.40‬‬

‫‪197‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫�شدد �ﻞ ﻤن "إرﻨست �ﺎور" ‪ Ernest Bowe‬و"ﻤﺎﺜیو ﺠودﻤﺎن" ‪ Matthew Goodman‬و"ﺴكوت ﻤیﻠﻠر" ‪Scott‬‬

‫‪ Miller‬ﻋﻠﻰ أﻫم�ﺔ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘود اﻟﻘﺎدﻤﺔ‪ ،‬ﻤطﺎﻟبین اﻹدارة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫�ص�ﺎﻏﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ ﻤوﺠﻬﺔ ﻨحو ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ أواﺨر ﻋﺎم ‪ 2011‬و�دا�ﺔ ‪ 2012‬أﻋﻠنت إدارة اﻟرﺌ�س اﻷﻤر�كﻲ "�ﺎراك أو�ﺎﻤﺎ" ﺘﻌز�ز دور اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وأﻨﻬﺎ ﺘمنﺢ اﻷوﻟو�ﺔ ﻟﻠتخط�ط اﻟﻌسكري وﻟس�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ واﻹﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫ﻹﻋﺎدة اﻟتوازن ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ �ﺎﻟتخط�ط ﻟمواﺠﻬﺔ اﻟتحد�ﺎت‪ 2 .‬وﻓﻲ أﻛتو�ر ‪ 2011‬أﻋﻠن اﻟرﺌ�س اﻷﻤر�كﻲ "أو�ﺎﻤﺎ" أﻤﺎم‬
‫اﻟبرﻟمﺎن اﻷﺴتراﻟﻲ‪ ،‬أن ﻫدﻓﻪ ﻀمﺎن أن ﺘؤدي اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ دو ار أﻛبر وطو�ﻞ اﻷﻤد ﻓﻲ ﺘشكیﻞ ﻫذﻩ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمنطﻘﺔ وﻤستﻘبﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫وﻓﻲ ﻤؤﺘمر ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻹﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻗﺎم اﻟرﺌ�س اﻷﻤر�كﻲ "أو�ﺎﻤﺎ" �ﺎﻟترو�ﺞ ﻟﻠشراﻛﺔ‬
‫ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وﻫﻲ اﺘﻔﺎق�ﺔ ﺘجﺎرة ﺤرة ﺘدﻋمﻬﺎ أﻤر�كﺎ وﻗد ﺘكون ﻤﻘدﻤﺔ ﻹﺘﻔﺎق�ﺔ أﻤن�ﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ؛‬
‫اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﺘست�ﻌد اﻟصین ﻋمدا‪ ،‬وﺘﻌتبر ردا ﻋﻠﻰ ﻤنظوﻤﺎت اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟتﻲ ﺘضم اﻟصین و�ﻠداﻨﺎ آﺴیو�ﺔ أﺨرى‪.‬‬

‫ﻓمنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ ﺘكتسـﻲ ﻤكﺎﻨﺔ ﻫﺎﻤﺔ ﻓﻲ اﻟم�ﺎدﻻت اﻷﻤر�ك�ﺔ إذ ﺘحتوي ﻋﻠﻰ ﺨمسﺔ ﻤن ﺒـین‬
‫ﻋشـرة ﻤـن ﺸـر�ﺎﺌﻬﺎ اﻟتجـﺎر�ین اﻷواﺌـﻞ واﻟمتمثﻠـین ﻓﻲ‪ :‬اﻟصین‪ ،‬اﻟ�ﺎ�ﺎن‪� ،‬ور�ﺎ اﻟجنو�یـﺔ‪ ،‬ﺘـﺎﯿوان وﻤﺎﻟیز�ـﺎ؛ إن أﻫمیـﺔ‬
‫ﻫـذﻩ اﻟمنطﻘـﺔ �ﺎﻟنسـ�ﺔ ﻟﻠوﻻﯿـﺎت اﻟمتحـدة ﺘرﺠـﻊ ﻓﻲ ﺠـزء ﻤنﻬـﺎ إﻟﻰ اﻟنمــو اﻻﻗتصــﺎدي ﻟﻠصــین واﻨــدﻤﺎﺠﻬﺎ اﻟمت ازﯿــد ﻓﻲ‬
‫اﻻﻗتصــﺎد اﻹﻗﻠ�مــﻲ واﻟﻌــﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﻨﻔــس اﻟوﻗــت اﻟــذي أﺼــ�حت ﻓیــﻪ اﻷﺴواق اﻟﻐر��ﺔ وﺨﺎﺼﺔ اﻟسوق اﻷﻤر�كﻲ ﻤنﻔذا‬
‫ﺘجﺎر�ﺎ ﻤﻬمﺎ ﻟﻠصین وﻵﺴ�ﺎ اﻟشرق�ﺔ‪. 5‬‬

‫إن اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻤزدوﺠﺔ؛ أوﻻ‪ ،‬ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤصﻠحﺔ ﻓﻲ ﻀمﺎن وﺠود اﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫ﻛﺎف ﻓﻲ اﻟشؤون اﻹﻗﻠ�م�ﺔ �حیث �مكنﻬﺎ أن ﺘﻘﺎوم ﻋسكر�ﺎ ﻤحﺎوﻟﺔ أ�ﺔ ﻗوة ﻟﻠﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬وﻤن أﺠﻞ اﻨجﺎز‬
‫ﻫذا اﻟﻬدف ﺘحتﺎج اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ ﺘﻌﺎون اﻟدول اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟمؤﺜرة اﻟتﻲ ﺴتوﻓر ﻟﻠﻘوات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟتسﻬیﻼت‬

‫‪ -1‬إﺳراء إﺳﻣﺎﻋﯾل وﻋزة ھﺎﺷم‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬


‫‪ -2‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫‪ -3‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫‪ -4‬زھﻲ ﻟﯾﻧﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‬
‫‪ -5‬طیب ﺠمیﻠﺔ وﻏیدة ﻓﻠﺔ‪" ،‬ﺤق�ﻘﺔ اﻟتكﺎﻤﻞ اﻻﻗتصﺎدي اﻹﻗﻠ�مﻲ ﺒین اﻟصین و�ق�ﺔ دول ﺸرق آﺴ�ﺎ "‪ ،‬ﻤجﻠﺔ اﻹﻗتصﺎد اﻟجدﯿد‪) ،‬اﻟجزاﺌر‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺨم�س ﻤﻠ�ﺎﻨﺔ‪،‬‬
‫اﻟﻌدد ‪ – 12‬اﻟمجﻠد ‪ .(2015-01‬ص ‪.96‬‬

‫‪198‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟضرور�ﺔ ﻟﻠحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ وﺠود ﻤتﻘدم ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ 1 .‬ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬اﻟوﺼول ﻵﻤن ﻤن ﺠﺎﻨبﻬﺎ وﻤن ﺠﺎﻨب ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﺴواق‬
‫‪2‬‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ و�ﻟﻰ اﻟموارد اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ �مﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟنﻔط ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ واﻟشرق اﻷوﺴط ﻓﻲ وﻗت اﻟحرب‪.‬‬

‫إن ﻨجﺎح اﻟصین ﻤن ﺤیث ﻨموﻫﺎ اﻟمذﻫﻞ �ﻘوة اﻗتصﺎد�ﺔ وﺘكنوﻟوﺠ�ﺔ وﻋسكر�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ ظﻞ ﺤكم اﻟحزب‬
‫اﻟواﺤد ﻤﻊ اﻟتﻌﺎ�ش اﻟمتنﺎﻗض ﺒین اﻟرأﺴمﺎﻟ�ﺔ واﻻﺸتراﻛ�ﺔ ﻫو ﺒدﯿﻞ ﯿتحدى اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟﻠیبراﻟﻲ اﻟﻐر�ﻲ اﻟذي ﺘﻘودﻩ‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤنذ ﻋﺎم ‪ .1945‬ﺘن�ﺄ اﻟﻌﺎﻟم اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻟواﻗﻌﻲ "اﻟﻬجوﻤﻲ" ﺠون ﻤیرﺸﺎ�مر �صﻌود اﻟصین وﺘﻬدﯿدﻫﺎ‬
‫‪3‬‬
‫ﻟﻠﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2001‬ﺤیث �جﺎدل �ﺄن اﻟﻌﺎﻟم اﻟحق�ﻘﻲ �ظﻞ ﻋﺎﻟمﺎً واﻗع�ﺎ‪.‬‬

‫ﻟذﻟك‪ ،‬ﯿرى اﻟ�ﺎﺤثون ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ أن أﺴ�ﺎب ودواﻓﻊ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ �ﻌود إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺘرﺘیب ﺴﻠم اﻷوﻟو�ﺎت ف�مﺎ �خص اﻷﻤن اﻹﻗتصﺎدي واﻟتﻔوق اﻷﻤر�كﻲ أﻛثر ﻤنﻪ إﻟﻰ ﺘﻐییرات‬
‫ﺠذر�ﺔ؛ ‪ 4‬ﻓﻔﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟتﻐیر اﻟتﺎر�خﻲ ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمصﻠحﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‬
‫ﻤن اﻟمنظور اﻷﻤر�كﻲ ﺘتمثﻞ ﻓﻲ‪ :‬ﺤمﺎ�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ ﻤن اﻟﻬجوم‪ ،‬واﻹ�ﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟسﻼم واﻻﺴتﻘرار‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ ،‬واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻻﺴتﻘرار اﻻﻗتصﺎدي واﻟس�ﺎﺴﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬اﻟمسﺎﻫمﺔ ﻓﻲ اﻟردع اﻟنووي‪ ،‬وﺘﻌز�ز ﻨمو‬
‫اﻟد�مﻘراط�ﺔ وﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪ ،‬ووﻗﻒ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟك�م�ﺎﺌ�ﺔ واﻟبیوﻟوﺠ�ﺔ‪ ،‬وﻨظم اﻟصوار�ﺦ اﻟ�ﺎﻟ�ست�ﺔ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ﺘﺄﻤین ﺤر�ﺔ اﻟمﻼﺤﺔ‪ ،‬واﻟﻌمﻞ ﻋﻠﻰ اﻟحد ﻤن ﺘجﺎرة اﻟمخدرات‪.‬‬

‫وﺘﺄﺘﻲ اﻹﺨتﻼﻓﺎت ﻓﻲ اﻟمﻔﺎه�م اﻷﻤن�ﺔ ﺒین اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤن ﻤجموﻋﺔ واﺴﻌﺔ ﻤن اﻟﻌواﻤﻞ‪.‬‬
‫اﻷول ﻫو اﻻﺨتﻼف ﻓﻲ وﺠﻬﺎت ﻨظرﻫم ﻟﻠﻌﺎﻟم‪ .‬ﺘتمتﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﻌﺎﻟم أﺤﺎدي اﻟﻘطب ﺘتصدرﻩ ﻤﺎ‬
‫ﯿوﻓر ﻟﻬﺎ اﻹﺴتﻘرار اﻟمﻬ�من اﻟذي ﻫو ﻟ�س ﺴوى ﻨت�جﺔ طب�ع�ﺔ ﻟﻬذا اﻟمنطق‪ .‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﺘصر اﻟصین ﻋﻠﻰ‬
‫اﺘجﺎﻩ اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ وﺘرﻓض ﻓكرة اﻷﻤن ﺘحت ق�ﺎدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬اﻟﻌﺎﻤﻞ اﻟثﺎﻨﻲ ﻫو اﻹﺨتﻼف ﻓﻲ‬
‫اﻟموارد اﻟمتﺎﺤﺔ‪ .‬ﺘشﻌر اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪� ،‬ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ اﻟوﺤیدة ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪� ،‬ﺄﻨﻬﺎ أﻗﻞ‬
‫ﻋرﻀﺔ ﻟﻠﻘیود اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﺴتخداﻤﻬﺎ ﻟﻠﻘوة‪ .‬ﻤﻊ ﻤوارد أﻛثر ﻤن أي دوﻟﺔ أﺨرى ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬

‫‪ -1‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.335‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.337‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, Op. cit.‬‬
‫‪ -4‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪ -5‬ﻫدى ﻤیتك�س وﺼدﻗﻲ ﻋﺎﺒدﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.74‬‬

‫‪199‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻟدﯿﻬﺎ اﻷﺴﺎس اﻟمﺎدي ﻟﻠسﻌﻲ وراء اﻟتﻔوق اﻟﻌسكري واﻷﻤن اﻟمطﻠق‪ .‬إن اﻟصین‪� ،‬دوﻟﺔ ﻨﺎﻤ�ﺔ‪ ،‬ﺘكر�س ﻤواردﻫﺎ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمحدودة ﻟتنمیتﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟذﻟك‪ ،‬اﻟمﻌضﻼت اﻟتﻲ ﺘواﺠﻪ ه�منﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻵن ﻫﻲ اﻟتﻐیرات اﻟتﻲ ﺘط أر ﻋﻠﻰ طب�ﻌﺔ اﻟوﻀﻊ‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻹﺴتخدام اﻟم�ﺎﺸر ﻟﻠﻘوة اﻵن ﯿنزع ﻷن �كون أﻛثر ��حﺎ ﻤن ذي ﻗبﻞ‪ .‬واﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ ﻗﻠﻠت‬
‫ﺼﻼﺤ�ﺔ اﻟحرب �ﺄداة ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ أو اﻟتﻬدﯿد‪ ،‬وأن ﺘنﺎﻤﻲ اﻹﺸكﺎﻟ�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ ﺒین اﻷﻤم �جﻌﻞ اﻻﺴتﻐﻼل‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻟﻺﺒتزاز اﻹﻗتصﺎدي أﻗﻞ إﺜﺎرة ﻟﻺﻫتمﺎم‪ 2 .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﯿرى "ﺠوز�ف ﻨﺎي" اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﻤكﺎن‬
‫اﻟصدارة ﻤستﻘبﻼً‪ ،‬ﻟكن دون ه�منﺔ‪ ،‬و�ن�ﻪ إﻟﻰ أن ﻤشكﻠﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟ�ست ﻓﻲ ﻨظر�ﺔ اﻟتمدد اﻟزاﺌد‪ ،‬ﻓﺎﻟنﻔﻘﺎت‬
‫اﻟدﻓﺎع�ﺔ اﻷﻤیر��ﺔ رﻏم ﺘزاﯿدﻫﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ﻨسبتﻬﺎ ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ ﺘتراﺠﻊ‪ ،‬ﻟكن ﻤﻌضﻠﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻫﻲ ﻓﻲ‬
‫‪3‬‬
‫ﻤشكﻼﺘﻬﺎ "اﻟداﺨﻠ�ﺔ" اﻟثﻘﺎف�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟمؤﺴس�ﺔ‪.‬‬

‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتحدي اﻟذي ﺘمثﻠﻪ اﻟصین ﻤتﻌدد اﻷوﺠﻪ‪ .‬ﺼرح ﻨﺎﺌب وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ "رو�رت زوﻟ�ك" ‪Robert‬‬

‫‪ ،Zoellick‬ﻓﻲ ﺨطﺎ�ﻪ "أﺼحﺎب اﻟمصﻠحﺔ اﻟمسؤول ‪ ،"Responsible Stakeholder‬أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة "ﺘحترم‬
‫ﻀمن�ﺎ �حق�ﻘﺔ ﺘنﺎﻤﻲ ﻨﻔوذ اﻟصین و�حذر ﻤن اﻟجﻬود اﻟمبذوﻟﺔ‬
‫ً‬ ‫ﻤصﺎﻟﺢ اﻟصین ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ"‪ ،‬ﺒینمﺎ �ﺎن �ﻌترف‬
‫‪4‬‬
‫"ﻟﻠمضﻲ ﻨحو وﻀﻊ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ"‪.‬‬

‫وﻋﻠﻰ رﻏم اﻷﻫم�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﻟم ﺘحصﻞ دﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة إﻻ ﻤتﺄﺨرة ﻋﻠﻰ اﻻﻫتمﺎم‬
‫اﻟشدﯿد ﻤن ﺠﺎﻨب اﻻﺴتراﺘ�جیین وﺼنﺎع اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬ﻟكن ﻫذا اﻻﻫتمﺎم �ﺎﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ‬
‫اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین‪ ،‬ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ �كون �ﺎﻟمﻌنﻰ اﻟسﻠبﻲ �حیث ﯿتم اﻟحدﯿث ﺒ�سﺎطﺔ ﻤﻔرطﺔ ﻋن اﻟتﻬدﯿد اﻟذي �مثﻠﻪ اﻟصین‬
‫ﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﺘمثﻞ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین ﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟتحد�ﺎت اﻟتﻲ‬
‫�مكن أن ﺘكون ﺼع�ﺔ وﻤﻌﻘدة‪ .‬ﻓﻘدرة اﻟصین ﻋﻠﻰ ﺘحدي اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻻ ﺘتﻌﻠق ﻓﻘط �ﺎﻟﻘضﺎ�ﺎ ذات ﺼﻠﺔ‬
‫ﺒتﺎﯿوان‪ ،‬إذ أن اﻟبﻠدﯿن ﯿواﺠﻬﺎن ﻋددا ﻤن اﻟخﻼﻓﺎت اﻟﻌﺎﻟﻘﺔ اﻟمتصﻠﺔ �ﺎﻷﻤن‪� ،‬مﺎ ﻓیﻬﺎ اﻟخﻼﻓﺎت ﻋﻠﻰ ﻤنظوﻤﺎت‬

‫‪1‬‬
‫‪- Wu Xinbo, Op. cit.‬‬
‫‪ -2‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ -3‬وﻟید ﻋبد اﻟحﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P4.‬‬

‫‪200‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟدﻓﺎع اﻟصﺎروﺨﻲ‪ ،‬وﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟتدﺨﻞ اﻹﻨسﺎﻨﻲ‪ ،‬ودور اﻷﺤﻼف‪ ،‬واﻟسﻌﻲ وراء ﻤصﺎدر اﻟطﺎﻗﺔ‪،‬‬
‫وﻗضﺎ�ﺎ اﻟتجﺎرة واﻟوﺠود اﻟس�ﺎﺴﻲ –اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ ﻤنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرﻗﻲ أﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﻟذﻟك ﻗد ﺘحد اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین اﻟتﻲ ﺴتؤدي إﻟﻰ وﺠود أﻗوى وأﻛثر ﻨﻔوذا ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬
‫آﺴ�ﺎ – اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي واﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻤن ﻗدرة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ إدارة وﺘحدﯿد اﻟنتﺎﺌﺞ ﻓﻲ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟتﻲ ﻻ‬
‫ﺘزال ﻋﻠﻰ ﺨﻼف �شﺄﻨﻬﺎ ﻤﻊ اﻟصین‪ 1 .‬إن اﻟتحول ﻓﻲ ﺘر�یز اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺘحوﻟﻬﺎ ﻨحو ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‬
‫اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك �ﻌد ﺘصرﻓﺎت "�ﺎراك أو�ﺎﻤﺎ" �ﻌتبر ﺨطوة ﻟﻠمواﺠﻬﺔ ﻤﻊ اﻟصین �محﺎوﻟﺔ ﻟتﻌز�ز ه�منﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟرﻏم ﻤن اﻟنﻔﻲ اﻟرﺴمﻲ اﻟﻌﻠنﻲ اﻷﻤر�كﻲ ﻟمحﺎوﻟﺔ اﺤتواء اﻟصین‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺨطﺎب ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻤر�ز اﻟدراﺴﺎت اﻟشرق�ﺔ‪-‬اﻟﻐر��ﺔ ﻓﻲ ﻫﺎواي‪ ،‬أﻋﻠنت وز�رة اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻫیﻼري �ﻠینتون أن‬
‫"اﻟﻘرن اﻟـ ‪ 21‬ﺴ�كون ﻗرن ﺴ�طرة أﻤر�كﺎ ﻋﻠﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ" ﻤتﻌﻬدة ﺒ�ﻘﺎء اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‬
‫ﻛﻘوة دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ واﻗتصﺎد�ﺔ وﻋسكر�ﺔ �شكﻞ داﺌم‪ 3 .‬ﻓحسب ادﻋﺎءات اﻟﻠیبراﻟ�ﺔ ﺤول ﺘﺄﺜیر اﻹﻋتمﺎد اﻟمت�ﺎدل‪ ،‬وﻓواﺌد‬
‫اﻟتجﺎرة اﻟحرة‪ ،‬واﻷﻤن اﻟجمﺎﻋﻲ ووﺠود اﻨسجﺎم ﻓﻲ اﻟمصﺎﻟﺢ‪ 4 .‬ﺘشكﻞ ﻤبرر اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬‬
‫�ﺎﺴ�ف�ك ﻟﻔترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬

‫ﺘثیر ﻫذﻩ اﻟمؤﺸرات ﺘسﺎؤﻻت ﺤول ﻤسب�ﺎت اﻟتﻐیر ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘجﺎﻩ اﻟمنطﻘﺔ واﻟمﻼﻤﺢ اﻟﻌﺎﻤﺔ‬
‫ﻟﻠمﻘﺎر�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟجدﯿدة‪ ،‬واﻟتحد�ﺎت اﻟتﻲ ﺘواﺠﻪ ﺘطبیق ﺘﻠك اﻟتحوﻻت ﺘكشﻒ ﻤراﺠﻌﺔ اﻟتﻐیر ﻓﻲ ﺘوﺠیﻬﻬﺎ‬
‫اﻻﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬ﻋن را�طﺔ ﻗو�ﺔ ﺒین اﻟسﻌﻲ ﻟتوﺜیق اﻟتحﺎﻟﻔﺎت ﻤﻊ ﺸر�ﺎء اﻵﺴیو�ین‪ ،‬ﻻﺴ�مﺎ اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‬
‫واﻟﻬند‪ .‬وظﻬور اﻟصین �ﻘوة إﻗﻠ�م�ﺔ ﻤؤﺜرة ﻓﻲ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬واﻓتﻘﺎد‬
‫اﻟوﻀوح ﻓﻲ ﻨ�ﺎت اﻟدوﻟﺔ اﻟصﺎﻋدة ﺤ�ﺎل ﻤنظوﻤﺔ اﻷﻤن اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ 5 .‬وﺘن�ﻊ اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫واﻟصین ﻤن اﻟحق�ﻘﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ اﻟمتمثﻠﺔ ﻓﻲ ﺘﻬدﯿد اﻟصین �ﺈزاﺤﺔ ﻤكﺎﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟ�ﺎرزة �ﻘﺎﺌدة ﺘﻘن�ﺔ‪ .‬وﻫذا‬
‫ﺒدورﻩ ﯿؤﺜر ﻋﻠﻰ ﻗواﻋد اﻟحو�مﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ واﻟمؤﺴسﺎت اﻟمﺎﻟ�ﺔ واﻟنظﺎم اﻟنﻘدي واﻟمؤﺴسﺎت اﻟمتﻌددة اﻷطراف‪ .‬ﯿﻬدد‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.33-32‬‬


‫‪ -2‬زﻫﻲ ﻟینﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.3‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ .‬ص ‪.3‬‬
‫‪ -4‬ﺟواﻧﯾﺗﺎ إﻟﯾﺎس وﺑﯾﺗر ﺳﺗش‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ -5‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.178‬‬

‫‪201‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺼﻌود اﻟصین �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﺘوازن اﻟﻘوى اﻟحﺎﻟﻲ ﻤن ﺤیث اﻟق�ﺎدة اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ واﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪� .‬متص اﻟنظﺎم‬
‫‪1‬‬
‫اﻻﻗتصﺎدي اﻟصینﻲ اﻗتصﺎدات ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ووﺴط وﺠنوب آﺴ�ﺎ �سبب ﺴوﻗﻬﺎ اﻟواﺴﻊ وﻗوﺘﻬﺎ اﻟشراﺌ�ﺔ‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬اﻟوﻀﻊ ﻏیر ﻤﺄﻟوف �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬

‫أﺤد اﻟمﻔﺎه�م اﻟشﺎﺌﻌﺔ ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺤول أﻫداف ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟصین طو�ﻠﺔ اﻟمدى ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﻫو أن �كین‬
‫‪2‬‬
‫ﺘطمﺢ إﻟﻰ أن ﺘكون اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ وﺘرﻏب ﻓﻲ اﺴتﻌﺎدة ﻨظﺎم ﻤحورﻩ اﻟصین ﻓﻲ ﻫذا اﻟجزء ﻤن اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﻟذﻟك‪� ،‬مثﻞ ﺼﻌود اﻟصین ودﯿبﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻷﻛثر دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ وﻀﻌﺎ ﻏیر ﻤﺄﻟوف ﻟصنﺎع اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة‪ ،‬إذ ﺘمثﻞ اﻟصین ﻤجموﻋﺔ ﻤختﻠﻔﺔ وﻏیر ﻤﺄﻟوﻓﺔ ﻤن اﻟتحد�ﺎت‪ ،‬ﻻ �مكن ﺘصن�ف اﻟصین �شكﻞ واﻀﺢ‬
‫ﻛصدﯿق أو ﻋدو؛ ‪ 3‬وﻗد أدر�ت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أن ﻨظر�ﺔ أن اﻟصین "ﻻ ﺘتمتﻊ ﺒثﻘﻞ" اﻟذي روﺠوا ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟسنوات‬
‫اﻷوﻟﻰ ﻟنﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻟم ﺘكن ﺼح�حﺔ‪ 4 .‬و�رزت ﻨظر�ﺔ "اﻟتﻬدﯿد اﻟصینﻲ"‪ ،‬ﻨظ ار ﺘﻌﺎظم ﻗوة اﻟصین اﻟشﺎﻤﻠﺔ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وﺘشكیﻠﻬﺎ ﺘﻬدﯿدا ﻤحتمﻼ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋندﻤﺎ ﺘص�ﺢ دوﻟﺔ ﻋظمﻰ ﻤﻬ�منﺔ‪.‬‬

‫ﻤوﻗﻒ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘجﺎﻩ اﻟصین ﯿبدأ ﻤﻊ اﻟجﻬود اﻟداﺨﻠ�ﺔ اﻟراﻤ�ﺔ إﻟﻰ ﺘحدﯿد وﺘوﻀ�ﺢ ﻤﺎ ﺘﻌتبرﻩ اﻟصین‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمشروﻋﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬وﻤﺎ إذا �ﺎﻨت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �مكن أن ﺘﻘبﻞ أن اﻟصین ﺴوف‬
‫ﺘص�ﺢ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺸر�طﺔ أن ﺘحترم اﻟصین اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟتﺎر�خ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ أﺴﺎس‬
‫ﻓرص اﻟوﺼول إﻟﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬وﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪ ،‬ﻓﺈن اﻟجﻬود اﻟتﻲ ﺘبذﻟﻬﺎ اﻟصین ﻟتطو�ر اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﻤنﻊ اﻟوﺼول‬
‫ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟطوارئ ﻓﻲ ﺘﺎﯿوان وﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻷوﺴﻊ ﻨطﺎﻗﺎ ﺴوف ﺘشكﻞ ﺘحد�ﺎ اﺴتراﺘ�ج�ﺎ ﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫‪6‬‬
‫اﻟمتحدة ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ضمﺎن اﻟوﺼول‪.‬‬

‫�ﻌتﻘد ﺨبراء أﻤر�كیون أن ﺘحول اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺎﺘجﺎﻩ آﺴ�ﺎ ﻟ�س ﻤبنﻲ ﻓﻘط ﻋﻠﻰ ﺤﺎﺠﺔ "أو�ﺎﻤﺎ"‬
‫ﻟﻠﻔوز ﻓﻲ ﺤمﻠﺔ إﻋﺎدة اﻨتخﺎ�ﻪ ﻋﺎم ‪ ،2012‬ﺒﻞ أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﻋتﻘﺎد اﻟمتنﺎﻤﻲ �ﺄﻓول ﻨجم أﻤر�كﺎ ﻨت�جﺔ اﻟتصﺎﻋد اﻟسر�ﻊ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Wu Xinbo, “U.S. Security Policy in Asia: Implications for China-U.S. Relations”, (September 1, 2000).‬‬
‫‪https://cutt.ly/xA3fhGE‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.36-35‬‬
‫‪ -4‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -5‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p4.‬‬

‫‪202‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻟﻠصین‪ 1 .‬ﻫذا اﻟتحول ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ �ﻌكس "اﻋتراﻓﺎ" ﺒتصﺎﻋد أﻫم�ﺔ ﺘﻠك اﻟمنطﻘﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻷﻤن واﻗتصﺎد اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ وﻟنﻔوذﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ 2 .‬وﺘتمثﻞ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻹﺤ�ﺎء ه�منتﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ‬
‫ﺘحو�ﻞ أوﻟو�ﺔ اﺴتراﺘ�جیتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ إﻟﻰ ﺸرق آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪ ،‬ﻟك�ﺢ ﺼﻌود اﻟصین �مﺎ أﻛدت ﺒذﻟك وز�رة‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ "ﻫیﻼري �ﻠینتون" "إن ﺒﻼدﻫﺎ ﻗد اﻨشﻐﻠت ﻓﻲ ﻤحﺎر�ﺔ اﻹرﻫﺎب‪ ،‬وﻏﻔﻠت ﻋن‬
‫‪3‬‬
‫اﻟنمو اﻟصینﻲ اﻟذي أﺼ�ﺢ ﯿﻬدد ﻤكﺎﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻻﻤر�ك�ﺔ"‪.‬‬

‫�ﻌد ﺠﻬود إدارة أو�ﺎﻤﺎ "ﻹﻋﺎدة اﻟتوازن" ﻟﻠحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟق�ﺎدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤن‬
‫�ثیر ﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب‬
‫ﺨﻼل ﺘﻌز�ز اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤﻊ دول اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ر�زت إدارة ﺘراﻤب ًا‬
‫‪4‬‬
‫اﻷﻤنﻲ ﻻﺴتراﺘ�جیتﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �موﺠب وﺜ�ﻘﺔ "أﻤر�كﺎ أوﻻً"‪.‬‬

‫وﺼﻔت اﻟوز�رة "ﻫیﻼري �ﻠینتون" ﺠﻬود اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺄﻨﻬﺎ ﻋمﻞ ﯿتحرك وﻓق ﺴتﺔ ﺨطوط رﺌ�س�ﺔ‪ :‬ﺘﻌز�ز‬
‫ﺘحﺎﻟﻔﺎﺘنﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ؛ ﺘﻌمیق ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻌمﻞ ﻤﻊ اﻟﻘوى اﻟنﺎﺸئﺔ؛ اﻟتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟمؤﺴسﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤتﻌددة اﻷطراف؛‬
‫‪5‬‬
‫ﺘوﺴ�ﻊ اﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎر‪ .‬ﺘشكیﻞ وﺠود ﻋسكري داﺌم؛ واﻟنﻬوض �ﺎﻟد�مﻘراط�ﺔ وﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪.‬‬

‫ﻋمﻠ�ﺎ‪ ،‬ﻤن ﻏیر اﻟمرﺠﺢ أن ﺘسﻌﻰ اﻟصین إﻟﻰ اﻟس�طرة �ﺎﻟﻘوة ﻋﻠﻰ ﻤنﺎطق ذات ﻤصﻠحﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬أو أن ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘوﺴ�ﻊ اﻟس�طرة اﻹﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ ﻋبر ﻤنﺎطق واﺴﻌﺔ ﻤن آﺴ�ﺎ –اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪� .‬مﺎ‬
‫ﻻ ﺘسﻌﻰ اﻟصین إﻟﻰ ﻨشر اﻟمثﻞ اﻟشیوع�ﺔ‪ ،‬أو إﻗﺎﻤﺔ ﺸ�كﺎت دوﻟ�ﺔ ﻤن دول إﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ ﺘﺎ�ﻌﺔ‪� .‬ﺎﻷﺤرى‪ ،‬ﺘبدو‬
‫اﻟمﻘﺎر�ﺔ اﻟصین�ﺔ أﻛثر ﻤروﻨﺔ‪ ،‬و�ﻌیدة اﻷﻤد‪ ،‬وﺴﺎع�ﺔ إﻟﻰ ﺘﻔﺎدي أي ﻤواﺠﻬﺔ ﻋﻠن�ﺔ‪ ،‬ﻤﻊ اﻟﻌمﻞ ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟوﻗت‬
‫و�ﻬدوء ﻋﻠﻰ ﺘحﻘیق ﻤصﺎﻟحﻬﺎ وﺘطﻠﻌﺎﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﺤتﻼل ﻤنزﻟﺔ ﻗوة ﻋظمﻰ‪ .‬واﻨطﻼﻗﺎ ﻤن ﻫنﺎ‪� ،‬جب أن �ﻌﺎﻟﺞ اﻟرد‬
‫اﻷﻤر�كﻲ و�ﺎﻟمروﻨﺔ ﻨﻔسﻬﺎ‪ ،‬اﻟتﻌﻘیدات اﻟمتزاﯿدة ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻻﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ ﻋنﺎﺼر اﻟتﻌﺎون واﻟمنﺎﻓسﺔ‬
‫‪6‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺤد ﺴواء‪.‬‬

‫‪ -1‬زﻫﻲ ﻟینﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.4‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ .‬ص ‪.4‬‬
‫‪ -3‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 500.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P12.‬‬
‫‪� -6‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬اﻟنجم اﻟصﺎﻋد‪ ،‬اﻟصین‪ :‬دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ أﻤن�ﺔ ﺠدﯿدة‪ ،‬ﺘرﺠمﺔ‪ :‬دﻻل أﺒو ﺤیدر‪) ،‬دار اﻟكتﺎب اﻟﻌر�ﻲ‪ ،‬ﺒیروت‪ ،‬ﻟبنﺎن‪ ،(2009 ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪203‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬أوﻟ�ﺎت ﻤﺎ �ﻌد ‪ 11‬ﺴبتمبر ‪:2001‬‬

‫ﺘك�ﺢ اﻷوﻟو�ﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﻌد ‪ 11‬ﺴبتمبر ‪ 2001‬ردا أﻛثر ﻓﻌﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘجﺎﻩ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین‪.‬‬

‫إن اﻟتحد�ﺎت اﻟم�ﺎﺸرة اﻟتﻲ ﺘواﺠﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤثﻞ‪-‬اﻟﻌراق وأﻓﻐﺎﻨستﺎن واﻻﺴتﻘرار ﻓﻲ اﻟشرق‬
‫اﻷوﺴط ‪�-‬جب أﻻ ﺘصرف اﻻﻨت�ﺎﻩ ﻋن اﻟضرورات اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘشكﻞ ﻤﻼﻤﺢ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‬
‫ﻓﻲ اﻟر�ﻊ اﻷول ﻤن اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪ .‬ﻓﺎﻟسﻌﻲ وراء اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟتﺎر�خ�ﺔ �جب أن ﯿؤدي إﻟﻰ ﺘﻌز�ز اﻟق�ﺎدة‬
‫‪1‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﺘمكن دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻤن ﺘﻔك�ك ﺒن�ﺔ ﻋدد �بیر ﻤن اﻟجمﺎﻋﺎت اﻟمتشددة ﺒدﻋم ﻤن‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتﻬدﯿدات اﻹرﻫﺎﺒ�ﺔ ﻻ ﺘزال ﺨطیرة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻟدرﺠﺔ ﺘصن�ﻔﻬﺎ‬
‫ﻤن ﺠﺎﻨب اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺠبﻬﺔ رﺌ�س�ﺔ ﻓﻲ اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب‪ 2 .‬ﻟكن أﺤد اﻟﻌواﻤﻞ ﯿرﺘ�ط ﻓﻲ واﻗﻊ أن‬
‫اﻟتر�یز اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻷﻤر�كﻲ ﯿنصب �شكﻞ ﻏﺎﻟب ﻋﻠﻰ ﺠنوب ﻏرب آﺴ�ﺎ واﻟشرق اﻷوﺴط‪ :‬اﻟنزاﻋﺎت ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻨستﺎن‬
‫واﻟﻌراق‪ ،‬اﻟصراع اﻟﻔﻠسطینﻲ اﻹﺴراﺌیﻠﻲ‪ ،‬اﻟتوﺘرات اﻟجدﯿدة ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ �ﻌد‬
‫‪ 11‬ﺴبتمبر ‪� ،2001‬مﺎ ﻫﻲ اﻟحﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻋبر اﻷطﻠسﻲ‪ ،‬ﻟذﻟك و�ﺎﻟمﻘﺎﺒﻞ‪ ،‬ﻟم ﺘحظ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‬
‫ﻟﻠصین وﺼﻌودﻫﺎ اﻟﻬﺎدئ )اﻟسﻠمﻲ( –ﺨصوﺼﺎ ﻤﻊ ﺘﻔتحﻬﺎ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ‪�-‬ﺎﻻﻫتمﺎم اﻟكﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪3‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬اﻹﻨﻘسﺎم اﻟداﺨﻠﻲ‪:‬‬

‫ﺘﻌیق اﻟطب�ﻌﺔ اﻟخﻼف�ﺔ ﻟﻶراء اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘجﺎﻩ اﻟصین‪ ،‬ق�ﺎم رد أﻤر�كﻲ ﻓﻌﺎل ﻋﻠﻰ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‬
‫ﻟﻠصین‪ ،‬وﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘكون اﻟردود اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ اﻟصین�ﺔ اﻟتﻲ ﺘزداد دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ –‬

‫‪1‬‬
‫‪- James J. Przystup, “The United States and the Asia-Pacific Region: National Interests and Strategic Imperatives”,‬‬
‫‪Strategic forum,( USA, Institute for National Strategic Studies and National Defense University, No. 239, April 2009). P5.‬‬
‫‪https://www.files.ethz.ch/isn/98860/SF239.pdf‬‬
‫‪ -2‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪204‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺘجر�ب�ﺔ وﻤترددة وﺘﻌكس ﺘوﺘ ار ﻤتواﺼﻼ ﺒین اﺘجﺎﻫین ﻤتنﺎﻗضین ﺒین اﻟنخب وﺼنﺎع اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫إذ ﯿنظر "ﻤؤ�دو اﻻﻨﻔتﺎح واﻟوﻗﺎ�ﺔ ‪�" Engager-hedgers‬ﺄﻤﻞ �بیر إﻟﻰ ﻤستﻘبﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬اﻟصین�ﺔ‪،‬‬
‫ﻤشددﯿن ﻋﻠﻰ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمشتر�ﺔ‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ ﻓﻲ ﻤ�ﺎدﯿن اﻻﻗتصﺎد واﻟتجﺎرة‪ .‬ﻤﻊ اﻋتراﻓﻬم ﺒوﺠود �ﻌض اﻟﻘضﺎ�ﺎ‬
‫اﻟصع�ﺔ‪ .‬و�درك ﻫذا اﻻﺘجﺎﻩ ﺤدود اﻟﻘوة اﻟصین�ﺔ وأﻨﻪ ﻤن ﺨﻼل اﻻﻟتزام اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻻﻗتصﺎدي‪ ،‬وذﻟك اﻟمرﺘ�ط �ﺎﻷﻤن‬
‫ﻤﻊ اﻟصین‪ ،‬ﻤن اﻟممكن ر�ط اﻟصین �شكﻞ أﻛثر رﺴوﺨﺎ �ﺎﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﻤﻊ ﺘحﻘیق اﻨﻔتﺎح اﺠتمﺎﻋﻲ‪ ،‬واﻗتصﺎدي‪،‬‬
‫وﺴ�ﺎﺴﻲ أﻤﺎم اﻟمشﻬد اﻟداﺨﻠﻲ اﻟصینﻲ ‪� .1‬ﺎﻟمﻘﺎﺒﻞ ﻤن اﻟمحتمﻞ أن ﺘؤﺜر ﺨصﺎﺌصﻬﺎ اﻟتﺎر�خ�ﺔ واﻟحضﺎر�ﺔ واﻟثﻘﺎف�ﺔ‬
‫ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ واﻟﻔﻠسﻔﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟتنمو�ﺔ ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ اﻟمﻌﺎﺼرة ﻟﻠصین �طر�ﻘﺔ‬
‫أﻛثر ﻤصﺎﻟحﺔ وﺤمیدة وﺘﻌﺎوﻨ�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻫذا ﻻ �شیر �ﺄي ﺤﺎل ﻤن اﻷﺤوال إﻟﻰ أن ﻋمﻠ�ﺔ ﺼﻌودﻫﺎ ﻟن‬
‫‪2‬‬
‫أﺒدا ﺘنﺎﻓسﺎت وﺼراﻋﺎت ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟسنوات اﻟمﻘبﻠﺔ‪.‬‬
‫ﺘسبب ً‬

‫ﻛمﺎ ﯿبین "ﻤؤ�د اﻻﻨﻔتﺎح واﻟوﻗﺎ�ﺔ" أن اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤن�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین�ﺔ ﻋموﻤﺎ ﺴجﻠت ﺘﻘﺎر�ﺎ ﻤدة اﻟﻌﻘدﯿن‬
‫اﻟمﺎﻀیین‪ ،‬وأن أﻤﺎم اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أو اﻟصین ﻓرﺼﺔ ﻹﻋﺎدة ﺒنﺎء ﻋﻼﻗﺎت ﺠدﯿدة ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ ﻤصﻠحﺔ‬
‫ﻤشتر�ﺔ �ﻌترﻓﺎن ﺒﻬﺎ ﻤﻌﺎ ﻓﻲ ﻀرورة ﻤحﺎر�ﺔ اﻹرﻫﺎب‪ ،‬وﻏیرﻩ ﻤن اﻟتﻬدﯿدات اﻟﻌﺎﺒرة ﻟﻠحدود اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘواﺠﻪ‬
‫اﻷﻤن اﻟدوﻟﻲ واﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟداﺨﻠﻲ‪� .‬مﺎ ﺘتوﻗﻊ ﻫذﻩ اﻟمﻘﺎر�ﺔ أن ﺘنظر اﻟدوﻟتﺎن إﻟﻰ اﻟبیئﺔ اﻟجدﯿدة ﻤن اﻟتﻬدﯿدات اﻟدوﻟ�ﺔ‬
‫�ﺎﻟطر�ﻘﺔ ﻨﻔسﻬﺎ اﻟتﻲ ﻨظ ار ﻓیﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻋداء ﻤشتر�ین آﺨر�ن ﻓﻲ اﻟمﺎﻀﻲ )اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ اﻷر�ﻌین�ﺎت‪ ،‬اﻻﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ‬
‫ﻓﻲ اﻟس�ﻌین�ﺎت( ‪ .3‬ﻟذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أن ﺘستمر ﻓﻲ "اﻻﻨﻔتﺎح واﻟوﻗﺎ�ﺔ"‪� ،‬حیث ﺘﻌتمد اﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻟسﻌﻲ إﻟﻰ اﻷﻓضﻞ ﻤﻊ اﻻﺴتﻌداد ﻟﻸﺴوأ‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ‪� ،‬صر "ﺼﻘور اﻟصین"‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻨظرة ﺴوداو�ﺔ‪ ،‬ﻤتوﻗﻌین ﺼراﻋﺎ ﻤحتوﻤﺎ ﺒین اﻟبﻠدﯿن‪ .‬اﻨطﻼﻗﺎ ﻤن‬
‫اﻟتﺎر�ﺦ وﻓﻬم ﻗضﺎ�ﺎ اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟواﻗع�ﺔ‪ .‬إذ ﯿرى اﻟ�ﻌض أن اﻟصین �ﻘوة ﺼﺎﻋدة وﺘﻌدﯿﻠ�ﺔ ﺘتوق إﻟﻰ‬
‫ﻤوﻗﻊ أﻛثر أﻫم�ﺔ ﻓﻲ اﻟشؤون اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �شكﻞ ﯿؤدي إﻟﻰ اﻟتصﺎدم ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ و�رى‬
‫اﻟ�ﻌض اﻵﺨر أن اﻟصین �دوﻟﺔ ﺴﻠطو�ﺔ ﺴتكون أﻗﻞ ﻋرﻀﺔ ﻟﻠمسﺎءﻟﺔ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �س�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻬذا اﻟسبب‬

‫‪ -1‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 39.‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.38‬‬

‫‪205‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺴتسﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﻌظ�م ﻗوﺘﻬﺎ وﻨﻔوذﻫﺎ ﻓﻲ ﺴبیﻞ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟشرع�ﺔ اﻟمتﻬﺎو�ﺔ ﻟﻠحزب اﻟشیوﻋﻲ ﻓﻲ اﻟداﺨﻞ‪ .‬أﻤﺎ اﻟصراع‬
‫ﻋﻠﻰ ﺘﺎﯿوان ﻓﻐﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ �شﺎر إﻟ�ﻪ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﺴ�كون ﻨﻘطﺔ اﻟمواﺠﻬﺔ �شكﻞ ﻤ�ﺎﺸر ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ اﻟﻘر�ب‪� ،‬جزء ﻤن‬
‫اﻟمواﺠﻬﺔ اﻷﻛبر واﻷ�ﻌد ﺒین ﻫﺎﺘین اﻟﻘوﺘین‪.‬‬

‫ﯿؤ�د ﻫذا اﻟرأي ﻟـ "ﺼﻘور اﻟصین" ﺘﻘﻠ�صﺎ ﻓﻲ اﻟتﻔﺎﻋﻞ ﻤﻊ اﻟصین‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟروا�ط اﻟتﻲ �مكن‬
‫أن ﺘز�د ﻗوة اﻟصین وﺘجﻌﻞ ﻤنﻬﺎ ﺨصمﺎ ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ‪ .‬ﺨﺎﺼﺔ وأن اﻟمشكﻼت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟتجﺎر�ﺔ واﻟمﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟسنوات اﻷﺨیرة �ﺎﺘت أﻛثر ﺒرو از ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟكﻞ ﻤن اﻟمﻘﺎر�تین "ﻤؤ�دو اﻻﻨﻔتﺎح واﻟوﻗﺎ�ﺔ" و"ﺼﻘور اﻟصین" أﻫداف وﻤخﺎوف ﻤشروﻋﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟمؤ�دون ﯿنزﻋون‬
‫إﻟﻰ اﻟتﻘﻠیﻞ ﻤن أﻫم�ﺔ �ﻌض اﻟخﻼﻓﺎت اﻟمﻬمﺔ واﻟمستمرة ذات اﻟﻌﻼﻗﺔ �ﺎﻷﻤن ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین‪.‬‬
‫ﻤن ﺠﻬتﻬم‪� ،‬صر ﺼﻘور اﻟصین �شدة ﻋكس ﺤتم�ﺔ اﻟصراع‪ ،‬و�ست�ﻌدون اﻟتﻘﺎرب اﻹ�جﺎﺒﻲ واﻟحق�ﻘﻲ ﻓﻲ اﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻋدد ﻤن اﻟنواﺤﻲ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟمحﺎر�ﺔ اﻹرﻫﺎب واﻟمﻠﻒ اﻟنووي ﻟكور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺎت‬
‫‪2‬‬
‫أﻤر�ك�ﺔ –ﺼین�ﺔ ﺜنﺎﺌ�ﺔ ﻤستﻘرة‪ ،‬واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻻﺴتﻘرار واﻟتوازن ﻋبر أوراﺴ�ﺎ و�ﺎﻟذات ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫اﻷﻛثر أﻫم�ﺔ أن أ�ﺎ ﻤن اﻟمﻘﺎر�تین ﻻ ﺘق�م وزﻨﺎ واﻫتمﺎﻤﺎ �بی ار ﻟﻠدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ‪ ،‬واﻟبنﺎءة‪،‬‬
‫واﻟبراﻏمﺎﺘ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻘدﻤﻬﺎ اﻟصین‪ ،‬إذ ﯿنزع ﺼﻘور اﻟصین إﻟﻰ اﻟتﻐﺎﻀﻲ ﻋن اﻟﻔرص اﻟمتﺎﺤﺔ أﻤﺎم اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪،‬‬
‫ﺨصوﺼﺎ ﻋﻠﻰ ﺼﻌید اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟدوﻟ�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ وﻓﻲ ﻤﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟتطورات اﻟصین�ﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ ،‬ﻓﻬم ﻻ ﯿرون إﻻ‬
‫اﻟتﻬدﯿدات ﻓﻲ ﺼﻌود اﻟصین‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین ﯿنزع ﻤؤ�دو اﻻﻨﻔتﺎح واﻟوﻗﺎ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟتﻐﺎﻀﻲ ﻋن اﻟتحد�ﺎت اﻟتﻲ ﺘﻔرﻀﻬﺎ‬
‫اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین ﻋﻠﻰ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ �ﺎﻟنس�ﺔ إﻟﻰ اﻟنﻔوذ اﻟمتنﺎﻤﻲ ﻟﻠصین ﻓﻲ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟشؤون اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬وﻟدى ﺤﻠﻔﺎء اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ص ‪.40-39‬‬


‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.40‬‬

‫‪206‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫را�ﻌﺎ‪ :‬ﻋﻼﻗﺎت ﺴﺎ�ﻘﺔ ﻤتﻘﻠ�ﺔ‪:‬‬

‫اﻨتﻬجت اﻟحكوﻤﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺴ�ﺎﺴﺔ ﻋزل واﺤتواء اﻟصین اﻟجدﯿدة‪ .‬وﺘدﺨﻠت �ﺎﻟﻘوة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین ﻀﻔتﻲ‬
‫ﻤضیق ﺘﺎﯿوان وﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1957‬اﻗتحم اﻷﺴطول اﻟسﺎ�ﻊ اﻷﻤر�كﻲ ﻤضیق ﺘﺎﯿوان ووﻗﻌت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤﻊ ﺴﻠطﺎت‬
‫‪1‬‬
‫ﺘﺎﯿوان ﻤﻌﺎﻫدة اﻟدﻓﺎع اﻟمشترك‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻋﻬد ﺠورج ﺒوش اﻷب‪ ،‬أﺼ�حت أﺤداث ﻤیدان "ﺘ�ﺎﻨﺎﻨمن" ﻨﻘطﺔ ﺨﻼف أﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ اﻟصین‪ .‬ﻤﺎ أﺤدث‬
‫اﻟﻔﺎرق �ﺎن اﻟداﻓﻊ ﻻﻏتنﺎم اﻟﻠحظﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ 2 .‬وﻤنذ أواﺴط اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﺘﺄرﺠحت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬اﻟصین�ﺔ‬
‫ﺒین اﻟسیئﺔ واﻟجیدة ﺘتدﻫور �شكﻞ ﺠدي ﻋﻘب ز�ﺎرة رﺌ�س ﺘﺎﯿوان ﻟﻲ ﺘﺎﻨﻎ ﻫوي ‪ Lee Teng-hui‬ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وﻋرض اﻟﻘوة اﻟﻼﺤق ﺸﻬري ﺠوان وﺠو�ﻠ�ﺔ ‪ 1995‬إﻟﻰ ﻏﺎ�ﺔ ﻤﺎرس ‪ ،1996‬ﻋندﻤﺎ أﺠرت اﻟصین ﻤنﺎورات‬
‫وﺘدر��ﺎت ﻋسكر�ﺔ ق�ﺎﻟﺔ ﺴواﺤﻞ ﺘﺎﯿوان‪ ،‬أﻋﻘبﻬﺎ إرﺴﺎل اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺤﺎﻤﻠتﻲ طﺎﺌرات أﻤر�كیتین ﻨحو‬
‫‪3‬‬
‫ﻤنطﻘﺔ ﺘﺎﯿوان‪.‬‬

‫رﻏم أن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻋرﻓت ﻤرﺤﻠﺔ وﺠیزة ﻤن اﻟتحسن ﺒدا�ﺔ ﻤن أواﺨر ‪ 1996‬إﻟﻰ ﻏﺎ�ﺔ‬
‫‪ ،1998‬ﻋﻘدت ﺨﻼﻟﻬﺎ ﻗمتﺎن ﻤﻬمتﺎن ﺒین اﻟرﺌ�سین ﺒیﻞ �ﻠینتون وﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین‪ ،‬ﻟكن اﻨحدار �بی ار ﺴرﻋﺎن ﻤﺎ أﻋﻘب‬
‫ﻫذﻩ اﻟمرﺤﻠﺔ ﻤﻊ ﺒروز ادﻋﺎءات ﻋن ﻋمﻠ�ﺎت ﺘجسس ﺼین�ﺔ ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺎ‪ ،‬وﻤحﺎوﻻت ﻟﻠتﺄﺜیر ﻓﻲ اﻻﻨتخﺎ�ﺎت‬
‫اﻟرﺌﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘدﻫور اﻟﻌﻼﻗﺎت �شكﻞ ﺤﺎد إ�ﺎن "ﻋمﻠ�ﺔ اﻟﻘوة اﻟحﻠ�ﻔﺔ ‪" Operation Allied Force‬ﻋﻠﻰ ﯿوﻏسﻼف�ﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم‬
‫‪ ،1999‬ﺤیث ﺘم ﻗصﻒ اﻟﻘوات اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤبنﻰ اﻟسﻔﺎرة اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﺒﻠﻐراد‪� ،‬حیث ﺨرﺠت ﻤظﺎﻫرات ﻓﻲ اﻟصین ﻀد‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أو ﺤصﺎر ﻤبنﻰ اﻟسﻔﺎرة اﻷﻤر�ك�ﺔ ووﺼﻔت "ﺼح�ﻔﺔ اﻟشﻌب ‪ " People’s daily‬اﻟنﺎطﻘﺔ‬
‫�ﺎﺴم اﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺎﻟﻘوة اﻟمس�طرة‪ ،‬ﻤشبﻬﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺄﻟمﺎﻨ�ﺎ اﻟنﺎز�ﺔ‪،‬‬

‫‪ -1‬ا�ﺎد ﺠﺎﺴم ﻤحمد‪" ،‬ﻤحددات اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟر�ﻊ اﻷﺨیر ﻤن اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن"‪ ،‬ﻤجﻠﺔ اﻟجﺎﻤﻌﺔ اﻟﻌراق�ﺔ‪) ،‬اﻟجﺎﻤﻌﺔ اﻟﻌراق�ﺔ‪� ،‬ﻠ�ﺔ اﻹﻋﻼم‪ ،‬اﻟﻌدد‬
‫‪ ،(2/36‬ص ‪.428‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 28.‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪207‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫وﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2000‬أﺜنﺎء اﻻﻨتخﺎ�ﺎت اﻟرﺌﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ أطﻠق اﻟمرﺸﺢ اﻟجمﻬوري ﺠورج دﺒﻠﻲ و�وش ﻋﻠﻰ اﻟصین وﺼﻒ‬
‫‪1‬‬
‫"اﻟمنﺎﻓس اﻻﺴتراﺘ�جﻲ"‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪� ،2000‬ﻌد اﻟﻬجمﺎت اﻹرﻫﺎﺒ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬اﺘخذت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬‬
‫اﻟصین�ﺔ ﻤنحﻰ إ�جﺎﺒ�ﺎ‪ ،‬دراﻤﺎﺘ�ك�ﺎ‪� ،‬ﻌد اﻟز�ﺎرات ﻟﻠصین اﻟتﻲ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ ﻤدﯿر داﺌرة اﻟتخط�ط اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ و ازرة اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ر�تشﺎرد ﻫﺎس‪ :‬ﺜم وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �وﻟن �ﺎول أواﺴط ﻋﺎم ‪ ،2000‬ﺜم ﻋﻠﻰ ﻤدى اﻟﻌﺎم اﻟممتد ﻤن أﻛتو�ر‬
‫‪ 2001‬وأﻛتو�ر ‪ ،2002‬ﻋﻘد اﻟرﺌ�سﺎن ﺒوش وﺠ�ﺎﻨﻎ ﺜﻼث ﻗمم‪ ،‬اﺜنتین ﻓﻲ اﻟصین )أﻛتو�ر ‪ ،2001‬ف�ﻔري ‪(2002‬‬
‫وأﺨرى ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ )أﻛتو�ر ‪.(2002‬‬

‫ﺘحدث اﻟجﺎﻨ�ﺎن ﻋن "روا�ط ﺒنﺎءة ﻗﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﺎون"‪ ،‬وﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2003‬أﻋﻠن وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�كﻲ‬
‫"ﻛوﻟن �ﺄول" أن "ﻋﻼﻗﺎت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ اﻟصین ﻫﻲ اﻷﻓضﻞ ﻤنذ اﻟز�ﺎرة اﻷوﻟﻰ ﻟﻠرﺌ�س "ر�تشﺎرد‬
‫ﻨ�كسون" ﻤستشﻬدا �مﺎ ورد ﻓﻲ "اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ"‪ ،‬ﻟ�ﻌﻠن أ�ضﺎ أن اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘرﺤب ﺒـ "ﺼین ﻗو�ﺔ ﻤسﺎﻟمﺔ‪ ،‬وﻤزدﻫرة‪ ،‬وﻨحن ﻨسﻌﻰ إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺎت ﺒنﺎءة ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟصین"‪ .‬وﻓﻲ‬
‫ﺴبتمبر ‪ 2005‬أﺸﺎر ﻨﺎﺌب وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ رو�رت زوﻟ�ك إﻟﻰ "أﻨنﺎ ﻨشجﻊ اﻟصین ﻟتﻐدو ﻻع�ﺎ ﻤسؤوﻻ ﻓﻲ اﻟنظﺎم‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬ﻓكﻼﻋب ﻤسؤول‪ ،‬ﺘﻐدو اﻟصین أﻛثر ﻤن ﻤجرد ﻋضو‪-‬إذ أﻨﻬﺎ ﺴتﻌمﻞ ﻤﻌنﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﻌز�ز اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟذي وﻓر ﻟﻬﺎ اﻟنجﺎح"‪.‬‬

‫ﻓﻲ إطﺎر اﺴتراﺘ�ج�ﺔ إﻋﺎدة اﻟتوازن اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬اﻨضمت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻗر ً��ﺎ إﻟﻰ‬
‫ﻤﻌﺎﻫدة اﻟصداﻗﺔ واﻟتﻌﺎون ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺘ�ﻌﻪ ﻤشﺎر�ﺔ اﻟوز�رة �ﻠینتون واﻟرﺌ�س أو�ﺎﻤﺎ ﻓﻲ ﻗمتﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻋﺎﻤﻲ ‪ 2010‬و‪ .2011‬ﺜم اﻨضمت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪ .(TPP‬ﻫذا اﻟتحرك‬
‫أﻤر�كﻲ ﻫدف ﻹﺴتخدام اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �وﺴیﻠﺔ ﻟتﻌز�ز ﻤنطﻘﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة �ق�ﺎدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫وﺘدرك اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف ﻫﻲ ﻤن ﯿتحمﻞ ﺘكﻠﻔﺔ ﺘوﻓیر اﻟصﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم ﻟﻸﻤن اﻟمشترك‬
‫ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬ﯿتحمﻞ اﻟج�ش اﻷﻤر�كﻲ ﻤسؤوﻟ�ﺔ ﻻ ﻏنﻰ ﻋنﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪ .‬وﻫكذا‪ ،‬ﻓﻲ ﺸﻬر‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.42-41‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ص ‪.43-42‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P13.‬‬

‫‪208‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺠﺎﻨﻔﻲ ‪ ،2012‬ﻋندﻤﺎ طرح اﻟرﺌ�س أو�ﺎﻤﺎ ﺨﺎرطﺔ طر�ق ﻹﻋﺎدة اﻟتوازن إﻟﻰ اﻟج�ش اﻷﻤر�كﻲ وأوﻟو�ﺎﺘﻪ ﻓﻲ اﻟسنوات‬
‫اﻟمﻘبﻠﺔ‪ ،‬ﺘنص ﺘوﺠیﻬﺎﺘﻪ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﺒینمﺎ ﺴ�ستمر اﻟج�ش اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟتزاﻤﺎﺘﻪ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺈﻨﻪ ﺴ�ﻘدم اﻟتحول اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟتحدﯿد‪ ،‬ﺴتحتﻔظ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫ﺒنحو ‪ %60‬ﻤن ﻗواﺘﻬﺎ اﻟمسﻠحﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪� .‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺴیت�ﻊ اﻟج�ش اﻷﻤر�كﻲ ﻤﻔﻬوم‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمﻌر�ﺔ اﻟجو�ﺔ‪-‬اﻟ�حر�ﺔ ﻟتطو�ر اﻟﻘدرات ﻟﻠتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟتحد�ﺎت اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬أ�ﻌﺎد وﻤظﺎﻫر اﻟتﻐیر ﻓﻲ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫ﻤثﻠت ﻤنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ ﺘﺎر�خ�ﺎ ﻤنطﻘﺔ ﻟتﻘﺎطﻊ اﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ ﻓﻲ ﻤجﺎل‬
‫اﻟتﻔﺎﻋﻞ ﺒین اﻟﻘوى اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬ﻏیر أن ﻓترة اﻟتسﻌین�ﺎت ﺸﻬدت ﺘراﺠﻌﺎ ﻓﻲ اﻻﻫتمﺎم‬
‫اﻷﻤر�كﻲ �ﺎﻟمنطﻘﺔ؛ وﻟﻘد ﺸكﻠت ﺴنﺔ ‪ 2001‬ﺘﺎر�خﺎ ﻟﻌودة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻺﻫتمﺎم اﻹﺴتراﺘ�جﻲ �ﺎﻟمنطﻘﺔ؛ ﺤیث‬
‫ر�طت ذﻟك �حر�ﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب‪ ،‬و�ﺎﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟنشطﺔ اﻟتﻲ ﺘشﻬدﻫﺎ اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ ظﻞ ﺘنﺎﻤﻲ اﻟﻘوة‬
‫‪2‬‬
‫اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻟتﻐییرات اﻟتﻲ ﺤدﺜت ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﻓﺈن ﻨﻬﺞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫ﻤتداﺨﻼ �ﻘوة ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟكﻞ ﻤن اﻹدارات اﻟد�مﻘراط�ﺔ واﻟجمﻬور�ﺔ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ﺘجﺎﻩ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻻ ﯿزال‬
‫ﺤتﻰ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﺘشن ف�ﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟحروب ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻨستﺎن واﻟﻌراق‪ ،‬طمﺄن ﻤسؤوﻟو إدارة ﺒوش اﻟدول‬
‫ار �ﺄن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟم ﺘنس ﻤصﺎﻟحﻬﺎ وﻤسؤوﻟ�ﺎﺘﻬﺎ اﻟدﻓﺎع�ﺔ‪ .‬إن اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟتصر�حﺎت‬
‫ار وﺘكرًا‬
‫اﻵﺴیو�ﺔ ﻤرًا‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘوﻀﺢ ﻨ�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻠ�ﻘﺎء ﻤنخرطﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻷن اﻟق�ﺎم ﺒذﻟك ﻤن ﻤصﻠحﺔ أﻤر�كﺎ‪ .‬ﻟذا ﻓﺈن‬
‫‪3‬‬
‫اﺴتم ارر�ﺔ اﻟﻬدف واﻻﻟتزام ﺘﻘﻊ ﻓﻲ ﺼم�م ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫�نﺎء ﻋﻠﻰ ﻓﻬم اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻌﺎﻟجﺔ ﻋدد ﻤن‬
‫و ً‬
‫اﻟضرورات اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﯿن�ﻐﻲ أن ﺘوﺠﻪ ﺘطور اﻟس�ﺎﺴﺔ‪ .‬وﺘشمﻞ ﻫذﻩ اﻟضرورات ﺘطو�ر ﺒ�ﺎن ﻟﻠﻬدف واﻟرؤ�ﺔ‬
‫ﻟﻠمنطﻘﺔ �ﻌید ﺘﺄﻛید اﻟتزام اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وق�ﺎدﺘﻬﺎ؛ ﺘﻌز�ز اﻟتحﺎﻟﻔﺎت‪ .‬دﻋم اﻟحﻞ اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠنزاﻋﺎت‪ .‬دﻤﺞ اﻟﻘوى‬

‫‪1‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. p 15.‬‬
‫‪ -2‬اﺑﺗﺳﺎم رﻣﺿﺎﻧﻲ وﻋﺑد اﻟﻠطﯾف ﺑوروﺑﻲ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 28.‬‬

‫‪209‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟصﺎﻋدة �طرق ﺘتواﻓق ﻤﻊ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ؛ ﻤنﻊ اﻨتشﺎر أﺴﻠحﺔ اﻟدﻤﺎر اﻟشﺎﻤﻞ؛ واﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻬ�ﺎﻛﻞ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ اﻟمتﻌددة اﻷطراف ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ واﻟتصدي ﻟﻠتﻬدﯿدات اﻷﻤن�ﺔ ﻏیر اﻟتﻘﻠید�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘُﻌرف ﺨطوة إدارة أو�ﺎﻤﺎ اﻵن �ﺎﺴم اﻟتحول اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘجﺎﻩ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬
‫اﻟﻌنﺎﺼر اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻫﻲ �مﺎ ﯿﻠﻲ‪ :‬اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺴتﻌید ﺘﺄﻛید ق�ﺎدﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬واﺴتﻌﺎدة‬
‫ﺘﻔوﻗﻬﺎ اﻻﻗتصﺎدي‪ ،‬وﻤواﺼﻠﺔ ﺘﻌز�ز اﻟد�مﻘراط�ﺔ‪ ،‬وﺘﻌز�ز اﻟنظﺎم اﻷﻤنﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪� 2 .‬ﺎن أﺤد أﻫداف "إﻋﺎدة‬
‫‪3‬‬
‫اﻟتوازن" اﻷﻤر�ك�ﺔ طمﺄﻨﺔ ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ اﻹﻗﻠ�میین وﺸر�ﺎﺌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟتزام أﻤر�كﺎ �ﺎﻟمنطﻘﺔ وق�ﺎدﺘﻬﺎ اﻟمستمرة‪.‬‬

‫أوﻻ‪-‬ﺘﻌز�ز اﻟوﺠود اﻟﻌسكري واﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪:‬‬

‫اﺘجﻬت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ ﺘﻌز�ز اﻻﺤﻼف اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ أورو�ﺎ وآﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﺴﻌﻲ ﻤنﻬﺎ ﻟﻠحﻔﺎظ‬
‫ﻋﻠﻰ وﻀﻊ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ‪ ،‬ﻟذﻟك ﻗدﻤت ﺨطﺔ ﻤن أﺠﻞ ﺘوﺴ�ﻊ ﺤﻠﻒ اﻟنﺎﺘو ﺸرﻗﺎ ﻓﻲ ﻤتمر اﻟﻘمﺔ اﻟتﺎﺴﻌﺔ ﻟﻠحﻠﻒ ﻓﻲ‬
‫ﺠﺎﻨﻔﻲ ‪ ،1994‬وواﻓق اﻟمجﻠس ﻓﻲ ‪ 1995/09/20‬ﻋﻠﻰ "ﺒ�ﺎن إﻤكﺎﻨ�ﺔ ﺘنﻔیذ ﺘوﺴﻊ ﺤﻠﻒ اﻟنﺎﺘو ﺸرﻗﺎ" أﻤﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬
‫آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬أﺼدر اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟ�ﺎ�ﺎن "اﻟب�ﺎن اﻟمشترك ﺤول اﻟضمﺎن اﻷﻤنﻲ اﻷﻤر�كﻲ‪-‬‬
‫اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ" ﻓﻲ أﻓر�ﻞ ‪ ،1996‬ﻤن أﺠﻞ ﺘوﺴ�ﻊ اﻟتﻌﺎون اﻟﻌسكري اﻟمشترك‪ 4 .‬وﺘﻌﺎرض اﻟصین اﻟمشروع اﻷﻤر�كﻲ ﻨشر‬
‫ﻤنظوﻤﺎت اﻟدﻓﺎع اﻟصﺎروﺨﻲ اﻟمضﺎدة ﻟﻠصوار�ﺦ اﻟ�ﺎﻟ�ست�ﺔ‪ ،‬إذ ﺘرى ﻤن أن ﻫدف اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن‬
‫ﻨشر ﻫذا اﻟنظﺎم ﻫو ﺘحیید ﻗواﺘﻬﺎ وردﻋﻬﺎ؛ ‪ 5‬ﻟﻘد ر�زت ﻋمﻠ�ﺔ اﻟتحول ﻓﻲ اﻟتحﺎﻟﻒ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟذي �ﻌد أﺤد ه�ﺎﻛﻞ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻋﻠﻰ اﻟبﻠدﯿن اﻟرﺌ�سیین ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪� ،‬ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‬
‫‪6‬‬
‫واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬ﺤیث ﯿتر�ز اﻟوﺠود اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ‪.‬‬

‫ﻤستشﺎر اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ اﻷﻤر�كﻲ "أﻨتوﻨﻲ ﻟ�ك" أﻤﺎم ﻤؤﺘمر ﻓﻲ ﺠﺎﻤﻌﺔ "ﺠوﻨز ﻫو�كنز" ﻓﻲ ‪1994/09/21‬‬

‫أوﻀﺢ أن ﻤیزات ﻫذﻩ اﻟحق�ﺔ ﻤن ﺘﺎر�ﺦ اﻟﻌﺎﻟم أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘﻠﻌب دور اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻋﺎﻟم�ﺎ �ﻔﻌﻞ‬
‫إﻤكﺎﻨ�ﺎﺘﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬ﺒید أﻨﻪ اﻋترف أن اﺴتمرار ذﻟك ﯿتوﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻤدى ﻗدرة ﺒﻼدﻩ ﻋﻠﻰ ﻤواﺠﻬﺔ ﻤخﺎطر‬

‫‪1‬‬
‫‪- James J. Przystup, “Op. cit. p 2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. p 12.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Chris Mills, Op. cit. p 2.‬‬
‫‪ -4‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ -5‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit .P3.‬‬

‫‪210‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي اﻟمت�ﺎطﺊ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن اﺴتمرار اﻟوﻀﻊ ﻓﻲ روﺴ�ﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻫو ﻋﻠ�ﻪ دون ﺘﻐییر‪ 1 .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﺘتخوف‬
‫اﻟصین ﻤن ﺴﻌﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ ﺘﻌز�ز وﺠودﻫﺎ اﻟﻌسكري وﺘﻘو�ﺔ ﺘحﺎﻟﻔﻬﺎ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن �شكﻞ ﯿؤدي‬
‫إﻟﻰ ﺘحج�م ﺼﻌود اﻟصین وأﻤنﻬﺎ‪ ،‬وﺘﻘو�ﺔ وﺼنﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ﻤن‬
‫‪2‬‬
‫ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪.‬‬

‫أ�ضﺎ إﻋﺎدة ﺘﺄﻛید اﻟتزاﻤﻬﺎ وﺼ�ﺎﻏﺔ رؤ�ﺔ واﻀحﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ‬


‫ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ً‬
‫�ﺎﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﻤن ﺨﻼل اﺴت�ﻌﺎب اﻟرؤ�ﺔ اﻟتﻲ ﺤددﻫﺎ وز�ر اﻟدﻓﺎع "رو�رت ﻏیتس" ‪ Robert Gates‬ﻓﻲ ﺨطﺎ�ﻪ أﻤﺎم‬

‫ﻤؤﺘمر "ﺸﺎﻨﻐر�ﻼ" ﻟﻠحوار ﻓﻲ ﺴنﻐﺎﻓورة ﻓﻲ ‪ 31‬أ�ﺎر ‪ /‬ﻤﺎﯿو ‪ .(the Shangri-La Dialogue) 2008‬وﻗد ّ‬
‫ﻋرف اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة �ﺄﻨﻬﺎ "دوﻟﺔ ﻤن دول اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ذات دور داﺌم ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ"‪ ،‬ﻤكﺎﻨﺔ واﺤدة "ﻟﻼﻨﻔتﺎح وﻀد اﻟتﻔرد"‪،‬‬
‫وﻤﻠتزﻤﺔ ﺒـ "اﻟرﺨﺎء اﻟمت�ﺎدل"‪ .‬ﻓﻲ إﺸﺎرة إﻟﻰ أن اﻷراﻀﻲ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﺘمتد ﻤن ﺠزر "أﻟوﺸ�ﺎن" إﻟﻰ‬
‫"ﻏوام" ‪ ،the Aleutian Islands to Guam‬وﺼﻒ اﻟوز�ر "رو�رت ﺠیتس" اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ "ﻗوة داﺌمﺔ"‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫ﺜم‬
‫ﻤتنﺎﻤ�ﺎ"‪ ،‬وﻤن ّ‬
‫ً‬ ‫"ﺘﻬدﯿدا‬
‫ً‬ ‫�حسب وز�ر اﻟدﻓﺎع اﻷﻤیر�ﻲ‪" ،‬ﻟو�د أوﺴتن" ‪ ،Lloyd Austin‬ﻓﺈن اﻟصین ﺘمثﻞ‬
‫ﻓﺈن ﻫدف اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﯿتمثﻞ ﻓﻲ "ﻀمﺎن أن ﻟدﯿنﺎ اﻟﻘدرات واﻟخطط واﻟمﻔﺎه�م اﻟﻌمﻠ�ﺎﺘ�ﺔ ﻟنكون ﻗﺎدر�ن ﻋﻠﻰ‬
‫ﺘﻘد�م ردع ﻤوﺜوق ﻟﻠصین أو أي طرف آﺨر �ﻔكر ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة"‪ .‬وﻓﻲ ﺤین ر�زت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟشرق اﻷوﺴط ﺨﻼل اﻟﻌﻘدﯿن اﻟمﺎﻀیین‪" ،‬ﻋمﻠت اﻟصین ﻋﻠﻰ ﺒنﺎء ﻗدرة ﻋسكر�ﺔ ﺤدﯿثﺔ"؛ وﻫو ﻤﺎ أدى إﻟﻰ‬
‫ﺘﺄﻛﻞ ﻤیزة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟتنﺎﻓس�ﺔ ﻋسكرً�ﺎ‪ ،‬و�ن �ﺎﻨت "ﻤﺎ زاﻟت ﻤتﻔوﻗﺔ )ﻋﻠﻰ اﻟصین( وﺴنضﺎﻋﻒ ﻫذا اﻟتوﻓق‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫ﻓصﺎﻋدا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ﻤن اﻵن‬

‫�ﻌد اﻟتحﺎﻟﻒ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟ�ﺎ�ﺎن أﺴﺎس اﻟمشﺎر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬
‫�جب ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘنش�ط ﻫذﻩ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟحیو�ﺔ و�ﻋﺎدة ﺘﺄﻛید دورﻫﺎ �ضﺎﻤن ﻟﻸﻤن؛ ‪ 5‬وﻋمﻠت إدارة ﺒوش‬
‫اﻹﺒن ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ ﻤن أﺠﻞ "ﺘﻐییر" اﻟموﻗﻒ اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟبﻠدان �حیث �كون اﻟج�ش‬

‫‪ -1‬ﻫﺎﻨﻲ اﻟ�ﺎس ﺨضر اﻟحدﯿثﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.53‬‬


‫‪ -2‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p2.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Jim Garamone, “Austin, Blinken Trip All about Partnerships with Asian Allies,” U.S. Department of Defense,‬‬
‫‪13/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3dCgwSv‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 5.‬‬

‫‪211‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ وﻀﻊ أﻓضﻞ ﻟمواﺠﻬﺔ ﺘحد�ﺎت اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪ 1 .‬ﻓﻔﻲ أﻓر�ﻞ ﻋﺎم ‪ ،2014‬ﺘم اﻟتوق�ﻊ ﻋﻠﻰ‬
‫"اﺘﻔﺎق" ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟﻔﻠبین ﯿنص ﻋﻠﻰ ﺘنﺎوب ﻋدد ﻏیر ﻤحدد ﻤن اﻟﻘوات اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻗواﻋد‬
‫�حر�ﺔ ﺴﺎ�ﻘﺔ اﻨسحبت ﻤنﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﺎم ‪ ،1992‬و�ﺎن ﻫذا اﻻﺘﻔﺎق ﻗد ﺠﺎء ﻋﻘب ﺘجدد اﻟخﻼﻓﺎت‬
‫‪2‬‬
‫ﺒین اﻟﻔﻠبین واﻟصین ﺤول ﺠز�رة ﺴكﺎر�ور‪.‬‬

‫وﻤﻊ ذﻟك‪� ،‬ﺄدوات ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟوطن�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتحﺎﻟﻔﺎت ﻫﻲ ﻋنﺎﺼر دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻋمﻠ�ﺔ ﺘطور ﻤستمرة‪ ،‬وﺘﻌدﯿﻞ‬
‫اﻷدوار واﻟمﻬﺎم واﻟﻘدرات ﻟﻠتك�ف ﻤﻊ ﺒیئﺔ دوﻟ�ﺔ ﻤتﻘﻠ�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ �ﻌض اﻷﺤ�ﺎن‪ ،‬ﺘﻐیر اﻟبیئﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ اﻟﻬجمﺎت‬
‫‪3‬‬
‫اﻹرﻫﺎﺒ�ﺔ ﻓﻲ ‪ 11‬ﺴبتمبر ‪ ،2001‬ﻤمﺎ ﯿتطﻠب إﻋﺎدة ﺘشكیﻞ وه�كﻠﺔ اﻟتحﺎﻟﻔﺎت‪.‬‬

‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﺎزﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟمزا�ﺎ اﻟتﻲ ﺘسمﺢ ﻟﻬﺎ ﺒتشكیﻞ اﻟخ�ﺎرات اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین‬
‫وردع أي ﻋدوان ﻤحتمﻞ‪� .‬مﺎ أﺸﺎر "ﺘوﻤﺎس ﺠ�ﻪ �ر�ستنسن"‪ ،‬ﻨﺎﺌب ﻤسﺎﻋد وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟسﺎﺒق ﻟشؤون ﺸرق‬
‫آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمسؤوﻟین اﻷﻤر�كیین �ﻌتﻘدون أن "اﻟوﺠود اﻷﻤر�كﻲ اﻟﻘوي ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ ،‬اﻟمدﻋوم �ﺎﻟتحﺎﻟﻔﺎت‬
‫ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ ﺴ�ﺎﺴﺔ ﻗو�ﺔ ﻟﻠمشﺎر�ﺔ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﺴ�سﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﺘحﻘیق أﻗصﻰ‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟشراﻛﺎت اﻷﻤن�ﺔ‪ً ،‬‬
‫ﻗدﻤﺎ "‪� .‬جب أن ﯿتم ﻫذا "اﻟتشكیﻞ" �شﻔﺎف�ﺔ وﻓﻲ ﺴ�ﺎق‬
‫ﻗدر ﻤن ﻓرﺼﺔ أن ﺘتخذ اﻟصین اﻟخ�ﺎرات اﻟصح�حﺔ ﻟﻠمضﻲ ً‬
‫‪4‬‬
‫اﺴتراﺘ�ج�ﺔ أوﺴﻊ ﻟمنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﺘطمئن اﻟحﻠﻔﺎء واﻷﺼدﻗﺎء �ﺎﻟتزام واﺸنطن اﻟمستمر ﺘجﺎﻩ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫‪-2‬اﻟشراﻛﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي‪:‬‬

‫ﺘطور ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬إﻨﻬﺎ ﺴوق �بیرة‬


‫ﻻ ﯿزال اﻗتصﺎد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ ﺤد �ﻌید أﻛبر اﻗتصﺎد ﻤنﻔرد وأﻛثرﻫﺎ ًا‬
‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟمنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻻ ﯿزال اﻻﺴتثمﺎر اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ أﻛبر �كثیر ﻤن اﻻﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟصین‪.‬‬
‫أ�ضﺎ ﺒتﻔوق ﺘكنوﻟوﺠﻲ �بیر‪ ،‬ﻓضﻼً ﻋن ﻤزا�ﺎ ه�كﻠ�ﺔ �مﺎ ﻓﻲ ذﻟك دور اﻟﻌمﻠﺔ اﻻﺤت�ﺎط�ﺔ‬
‫ﺘحتﻔظ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ً‬
‫ﻟﻠدوﻻر اﻷﻤر�كﻲ‪ ،‬ﻫذا �ﻌنﻲ أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟدﯿﻬﺎ ﻗدرة أﻛبر ﻋﻠﻰ اﻨتزاع ﻨﻔسﻬﺎ ﻤن ﻤشﺎﻛﻠﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ أﻛثر‬
‫ﻤن أي دوﻟﺔ أﺨرى ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺤ�ﺎزة اﻟصین اﻟﻬﺎﺌﻠﺔ ﻤن اﻷﺼول اﻟمﻘوﻤﺔ �ﺎﻟدوﻻر ﻫﻲ ﺴ�ف‬
‫"اﻟمتمﺎﺜﻞ"‪5 .‬‬ ‫ذو ﺤدﯿن‪� ،‬صﻔﻪ اﻟ�ﻌض �ﺎﻻﻋتمﺎد اﻟمت�ﺎدل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 28.‬‬
‫‪ -2‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p 3.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 29.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 26.‬‬

‫‪212‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻓﻲ ﻤؤﺘمر "ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ" ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪ ،2011‬ﻗﺎم اﻟرﺌ�س اﻷﻤر�كﻲ‬
‫�ﺎراك أو�ﺎﻤﺎ �ﺎﻟترو�ﺞ ﻟﻠشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وﻫﻲ اﺘﻔﺎق�ﺔ ﺘجﺎر�ﺔ ﺤرة ﺘدﻋمﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﻗد‬
‫ﺘكون ﻤﻘدﻤﺔ ﻻﺘﻔﺎق�ﺔ أﻤن�ﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ 1 .‬اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ اﻟتﻲ �ﺎدرت إﻟیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫‪2‬‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﺴت�ﻌدت اﻟصین ﻋمدا‪ ،‬وﺘﻌتبر ردا ﻋﻠﻰ ﻤنظوﻤﺎت اﻟتجﺎر�ﺔ اﻟحرة اﻟتﻲ ﺘضم اﻟصین‪.‬‬

‫وﺨﻼل اﺠتمﺎع اﻟﻘﺎدة اﻻﻗتصﺎدﯿین اﻟـ ‪ 22‬ﻟمنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك )اﻵﺒ�ك( ﻓﻲ ‪12‬‬

‫ﻨوﻓمبر ‪ ،2014‬أﻋﻠنت اﻟدول اﻟكبرى ﻋن ﺘخوﻓﻬﺎ ﻤن ﺘراﺠﻊ ﻤؤﺸرات اﻻﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻋﻠﻰ ﺨﻠف�ﺔ ﺘ�ﺎطؤ اﻻﻗتصﺎد‬
‫اﻟصینﻲ‪ 3 .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﺼرح اﻟرﺌ�س اﻷﻤر�كﻲ آﻨذاك "�ﺎراك أو�ﺎﻤﺎ" ﻋﻘب ﺘوﺼﻞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫و‪ 11‬دوﻟﺔ ﻤطﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤن ﺒینﻬﺎ اﻟ�ﺎ�ﺎن إﻟﻰ اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟشراﻛﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋبر اﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وﻫو اﺘﻔﺎق ﺘجﺎرة ﺤرة ﻤتﻌدد اﻷطراف‪� ،‬ﺎﻟﻘول‪" :‬ﻋندﻤﺎ �ع�ش ﻤﺎ ﯿز�د ﻋﻠﻰ ‪ %95‬ﻤن ﻤستﻬﻠكیﻬﺎ اﻟمحتمﻠین‬
‫ﺨﺎرج ﺤدودﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻼ �مكن أن ﻨجﻌﻞ دوﻻ ﻤثﻞ اﻟصین ﺘكتب ﻗواﻋد اﻻﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ"‪"...‬ﯿن�ﻐﻲ أن ﻨكتب ﻫذﻩ اﻟﻘواﻋد‪،‬‬
‫وأن ﻨﻔتﺢ أﺴواﻗﺎ ﺠدﯿدة ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﻨرﺴﻲ ف�ﻪ ﻤﻌﺎﯿیر ﻋﺎﻟ�ﺔ ﻟحمﺎ�ﺔ اﻷﻤن إﻟﻰ ﺠﺎﻨب‬
‫‪4‬‬
‫اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺒیئتنﺎ"‪.‬‬

‫ﻟﻘد ﻨمت اﻟتجﺎرة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻤن ‪ 300‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1991‬إﻟﻰ ‪ 900‬ﻤﻠ�ﺎر‬
‫دوﻻر ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2006‬ﻤﻌظمﻬﺎ ﻓﻲ ﺴﻠﻊ وﺨدﻤﺎت ُﻤصﱠنﻌﺔ ذات ق�مﺔ ﻤضﺎﻓﺔ أﻋﻠﻰ‪ .‬ق�ﺎدة اﻟﻌﺎﻟم ﻟﻠخروج ﻤن اﻟر�ود‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟحﺎﻟﻲ‪ 5 .‬ورﻏم أﻫم�ﺔ اﻟتكﺎﻤﻞ اﻻﻗتصﺎدي اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻀوء ﻤ�ﺎدرات اﻟتﻌﺎون واﻹﻋتمﺎد‬
‫اﻟمت�ﺎدل ﻟم ﺘصﺎدق اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻟكﺎﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق �سبب طر�ق اﻟحر�ر اﻟ�حري ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي‬
‫واﻟﻌشر�ن اﻟذي ﯿرﺴم ﺨراﺌط ﻟمنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪� .‬مكن اﻋت�ﺎر اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬندي ﻤﻊ اﻟتوﻗﻌﺎت �ﺄن اﻟﻬند ﺴتشﺎرك ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟتكون اﻟمزود اﻷﻤنﻲ ﻟﻠمنطﻘﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫‪6‬‬
‫اﻟمتحدة ﻟ�ست ﻋﻠﻰ اﺴتﻌداد ﻟمنﺢ اﻟصین ﻤیزة ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬زﻫﻲ ﻟینﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.3‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ .‬ص ‪.3‬‬
‫‪ -3‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P1.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, “The One Belt One Road as a Chinese Vision of Regional Economic Order", In M.S. Prathibha: EAST‬‬
‫‪ASIA STRATEGIC REVIEW: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (NEW DELHI, INSTITUTE FOR DEFENCE‬‬
‫‪STUDIES, First Published, 2018). P 81.‬‬

‫‪213‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟصین ﻤﻬمﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻷن اﻟصین ﻫﻲ أﻛبر ﺤﺎﺌز أﺠنبﻲ ﻟﻠسندات اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬ﻤﻘرﻫﺎ ﻓﻲ ﺴندات‬
‫اﻟخزاﻨﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤﺎﯿو ‪ ،2013‬ﺘمتﻠك اﻟصین ‪ ٪23‬ﻤن ﺠم�ﻊ اﻟح�ﺎزات اﻷﺠنب�ﺔ ﻓﻲ اﻟخزاﻨﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ و‪ ٪7,9‬ﻤن‬
‫ﻤﻬمﺎ ﻟﻠصین‪.‬‬
‫�كﺎ ﺘجﺎرً�ﺎ ً‬ ‫إﺠمﺎﻟﻲ اﻟدﯿون اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمستحﻘﺔ‪ .‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬أﺼ�حت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ً‬
‫أ�ضﺎ ﺸر ً‬
‫أﺼ�حت أﻤر�كﺎ وﺠﻬﺔ ﺘصدﯿر ﺤیو�ﺔ ﻟﻠصین ﺤیث ﺘضﺎﻋﻒ ﻋدد ﺼﺎدرات اﻟصین إﻟﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺨمس‬
‫‪1‬‬
‫��ﺎ ﻤن ‪ 100‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر إﻟﻰ ‪ 467‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻤن ﻋﺎم ‪ 2000‬ﺤتﻰ ﻋﺎم ‪2014.‬‬
‫ﻤرات ﺘﻘر ً‬
‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻫنﺎك أوﺠﻪ ﻗصور ف�مﺎ ﺘﻘدﻤﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ .‬و�ﻐض اﻟنظر ﻋن اﻟصﻌو�ﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟترﺘی�ﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمﻘترﺤﺔ ﻓﻲ ﺸرق وﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﺘتمیز �ﻌدم اﻟشموﻟ�ﺔ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻤﻊ‬
‫اﻟصین‪ .‬و�ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﺴت�ﻌﺎد اﻟصین‪ ،‬ﻓﺈن ﻤ�ﺎدرة اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ‪The Trans-Pacific Partnership‬‬

‫)‪ (TPP‬ﺘست�ﻌد �مبود�ﺎ وﻻوس وﻤ�ﺎﻨمﺎر‪ ،‬وﻓیتنﺎم‪ ،‬وﺘرﺤب �جم�ﻊ ﺒﻠدان ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻷﺨرى‪ .‬وﻤﻬمﺎ �ﺎﻨت‬
‫ﻤﻌﺎﯿیر اﻟﻌضو�ﺔ اﻟﻐر��ﺔ اﻟتﻲ ﺘطبق ﻫنﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺴتشجﻊ اﻻﻨﻘسﺎﻤﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ . 2‬و�مكن ﺘﻠخ�ص اﻟنﻬﺞ اﻷﻤر�كﻲ‬
‫ﺘجﺎﻩ اﻟصین ﻓﻲ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻹﺤتواء واﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ آن ﻤﻌﺎ‪ :‬ﻓبینمﺎ ﺘدﻋم اﻟدﯿنﺎﻤ�ﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻤنطق‬
‫اﻟمشﺎر�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟدﯿنﺎﻤ�ﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ ﺘحﻘق ﻤنطق اﻹﺤتواء‪ ،‬ﻓوﻓﻘﺎ ﻟﻬذا اﻟمنﻬﺞ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي اﻟمذﻫﻞ ﻟﻠصین‬
‫‪3‬‬
‫ﺴ�ﻔضﻲ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف إﻟﻰ ﺘحول د�مﻘراطﻲ ﻓﻲ اﻟصین‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﻟﻌواﻤﻞ اﻟمؤﺜرة ﻋﻠﻰ اﻹﺴتدارة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻨحو ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك "إﻋﺎدة اﻟتوازن‪".‬‬

‫إن ��ف�ﺔ ﺘﻐﻠب أﻤر�كﺎ اﻟمنشﻐﻠﺔ �ﺎﻟشﺄن اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻋﻠﻰ ﺘﻌﻘید ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوى اﻷوراﺴ�ﺔ‪ ،‬و�ﺎﻷﺨص ﻤﺎ إذا‬
‫ﻛﺎﻨت ﺘنوي ﻤنﻊ اﻨبثﺎق ﻗوة أوراﺴ�ﺔ ﻋداﺌ�ﺔ وﻤﻬ�منﺔ ﺘ�ﻘﻰ ﻤسﺄﻟﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻘدرة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻷن ﺘمﺎرس‬
‫ﺘﻔوﻗﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟمﻲ؛ ‪ 4‬ﻓﻲ ﺨطﺎب ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻤر�ز اﻟدراﺴﺎت اﻟشرق�ﺔ‪-‬اﻟﻐر��ﺔ ﻓﻲ ﻫﺎواي ﻗبﻞ ﺒدء اﻟمؤﺘمر‪ ،‬أﻋﻠنت وز�رة‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻫیﻼري ﻛﻠینتون أن "اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟشر�ن ﺴ�كون ﻗرن ﺴ�طرة أﻤر�كﺎ ﻋﻠﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ"‪ ،‬ﻤتﻌﻬدة ﺒ�ﻘﺎء‬
‫‪5‬‬
‫ﺒﻠدﻫﺎ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ �ﻘوة دﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ وﻋسكر�ﺔ واﻗتصﺎد�ﺔ �شكﻞ داﺌم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Theosa Dinar Swastiningtyas, The Sino-American Strategic Rivalry in the Asia-Pacific, Thesis Presented to the‬‬
‫‪Higher Degree Committee Of Ritsumeikan Asia Pacific University, (Japan, September 2017), p 2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 26.‬‬
‫‪ -3‬ﻋﻣر ﺗﺎﺷﺑﯾﻧﺎر‪" ،‬اﻹﺳﺗدارة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻣن اﻟﺷرق اﻷوﺳط ﻧﺣو ﻣﻧطﻘﺔ آﺳﯾﺎ‪-‬اﻟﺑﺎﺳﯾﻔﯾك"‪ ،‬ﻣﺟﻠﺔ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ‪) ،‬ﻟﺑﻧﺎن‪ ،‬ﻣؤﺳﺳﺔ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬ع‬
‫‪ .(2015 ،103‬ص ‪https://academia-arabia.com/ar/reader/2/77390 .96‬‬
‫‪ -4‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ -5‬زھﻲ ﻟﯾﻧﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻤن اﻟﻼﻓت ﻟﻠنظر‪ ،‬أن ﻫنﺎك دﻻﺌﻞ ﻋﻠﻰ أن اﻟمشﺎر�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﻗد ﻻ ﺘكون ذات‬
‫أوﻟو�ﺔ ﻗصوى‪ .‬وﻻ ﺘزال ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وﻻ ﺴ�مﺎ ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺘتوﻗﻊ ﻤن اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة أن ﺘواﺼﻞ ﺘر�یز ﻤواردﻫﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻷﻤن واﻻﻗتصﺎد‪،‬‬
‫ﻫنﺎك اﺘجﺎﻩ ﻤتزاﯿد ﻨحو اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻷن ﺒﻠدان ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ‪-‬ﻓرادى أو داﺨﻞ را�طﺔ أﻤم ﺠنوب ﺸرق‬
‫آﺴ�ﺎ ‪-‬ﺘرﻏب ﻓﻲ ﺒنﺎء ﻤوﻗﻒ إﻗﻠ�مﻲ أﻗوى ﻷﻨﻔسﻬم وﺘحﻘیق اﻟتوازن ﻤﻊ اﻟصین اﻷﻛثر ﻗوة‪� .‬جب أن ﺘستﻔید إﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫اﻟمشﺎر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟمستداﻤﺔ واﻟمتمﺎﺴكﺔ واﻟمصممﺔ �ﻌنﺎ�ﺔ ﻤن ﻫذا اﻟشﻌور اﻹ�جﺎﺒﻲ اﻟمتزاﯿد‬
‫‪1‬‬
‫وﺘؤ�د أن اﻟوﺠود اﻷﻤر�كﻲ �مكن أن �ستمر ﻓﻲ اﻟمسﺎﻫمﺔ ﻓﻲ اﻻزدﻫﺎر‪.‬‬

‫ﺘوﺠب ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻹﺴتمرار ﻓﻲ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻟ�ﻌد اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ وﺘوظ�ف ﺘﺄﺜیرﻫﺎ‬
‫ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ �ﺄﺴﻠوب �خﻠق ﺤﺎﻟﺔ ﺘوازن ﻗﺎر�ﺔ ﻤستﻘرة‪ ،‬ﻋﻠﻰ أن ﺘ�ﻘﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ واﻟحكم‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ؛ ‪ 2‬ﻓتحﻘیق ﻤكﺎﺴب ﻋﻠﻰ اﻟصﻌیدﯿن اﻷﻤنﻲ واﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ ﻋبر ﻤمﺎرﺴﺔ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین‪،‬‬
‫وﻤﻊ اﺤتمﺎل ﺘحﻘیق اﻟمز�د ﻤن اﻟمكﺎﺴب ﻤستﻘبﻼ ﻋﻠﻰ اﻟمدﯿین اﻟمتوﺴط واﻟطو�ﻞ – ﺴتجد اﻟصین ﻨﻔسﻬﺎ ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ‬
‫أﻓضﻞ �ﺈطراء ﻟتحﻘیق أﻫداﻓﻬﺎ اﻟخﺎﺼﺔ وﻓق ﺸروطﻬﺎ وف�مﺎ �خدم ﻤصﻠحتﻬﺎ‪ ،‬ﻤمﺎ ﯿبرز ﺘحد�ﺎت ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪،‬‬
‫وﻫذﻩ اﻷﻫداف ﻗد ﺘشمﻞ ﺤﻞ ﻨزاﻋﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ ﺘﺎﯿوان وﻓق ﺸروطﻬﺎ )اﻟصین(‪ ،‬واﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﻨتﺎﺌﺞ اﻟمواﺠﻬﺔ اﻟنوو�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺸ�ﻪ اﻟجز�رة اﻟكور�ﺔ وﺘحدي اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻋﻠﻰ اﻟزﻋﺎﻤﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬و�سط ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ 3 .‬و�ﺎﻟنظر إﻟﻰ‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ –اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ﺘبدو ﻫذﻩ اﻟتحد�ﺎت اﻟمحتمﻠﺔ ﻤثیرة‬
‫ﻟﻠﻘﻠق ﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ ﻨواح ﻋﺎﻤﺔ‪ ،‬وﺘشكﻞ ﻋواﻤﻞ أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻺﺴتدارة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻨحو ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬اﻟمﻘﺎر�ﺔ اﻟنﺎﺸئﺔ ﻟﻠصین إزاء اﻟتحﺎﻟﻔﺎت واﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬

‫ﻓﻲ ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬دﻋت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ ه�كﻞ أﻤنﻲ ﻟمنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤﻌﻬﺎ‬
‫�ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟزع�م اﻟوﺤید‪ ،‬واﻟتحﺎﻟﻒ اﻟثنﺎﺌﻲ �ق�ﺎدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟدﻋﺎﻤﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻫذا ﻫو أﺴﺎﺴﺎ‬
‫اﺴتﻘرار اﻟﻬ�منﺔ؛ وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﺘﻌتﻘد اﻟصین أن اﻷﻤن اﻹﻗﻠ�مﻲ �ﻌتمد ﻋﻠﻰ ﺘﻌﺎون اﻷﻋضﺎء اﻹﻗﻠ�میین وﻤز�ﺞ ﻤن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Bates Gill, Evelyn Goh , Chin-Hao Huang, THE DYNAMICS OF US–CHINA–SOUTHEAST ASIA RELATIONS,(University of‬‬
‫‪sdney, The united states studies centre, June 2016), p 3. https://cutt.ly/ZA9G3oC‬‬
‫‪ -2‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪215‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻤختﻠﻒ اﻟمنﺎﻫﺞ اﻟمﻔیدة )أﺤﺎد�ﺔ وﺜنﺎﺌ�ﺔ وﻤتﻌددة اﻷطراف وﻤؤﺴس�ﺔ وﻏیر ﻤؤﺴس�ﺔ واﻟمسﺎر اﻷول واﻟمسﺎر اﻟثﺎﻨﻲ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وﻤﺎ إﻟﻰ ذﻟك(‪ ،‬وﻟ�س ﻓﻘط ﻋﻠﻰ ﻨﻬﺞ واﺤد‪ .‬دوﻟﺔ وﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻤمﺎ ﻻ ﺸك ف�ﻪ أن اﻟصین ﻫﻲ أﻫم أوﻟو�ﺎت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﺴتدارﺘﻬﺎ ﻨحو ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬‬
‫اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‪ .‬ور�مﺎ ﺘكون أﻓضﻞ طر�ﻘﺔ ﻟتحﻠیﻞ أﻫم�ﺔ اﻟصین ﻫﻲ أن ﻨنظر إﻟﻰ اﻟك�ف�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحﺎول اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫ﺒﻬﺎ اﺤتواء ﻫذﻩ اﻟﻘوة اﻟصﺎﻋدة؛ ‪ 2‬ﺤیث ﺘسﻌﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟتطو�ق اﻟصین‪ ،‬ﺴواء ﻤن ﺨﻼل اﻟدﺨول ﻓﻲ ﺘحﺎﻟﻔﺎت‬
‫ﻤﻊ اﻟدول اﻟمنﺎوﺌﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬أو إﺜﺎرة اﻻﻀطرا�ﺎت ﻓﻲ اﻟدول اﻟتﻲ ﺘمثﻞ أﻫم�ﺔ إﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین‬
‫‪3‬‬
‫ﻤثﻞ "ﻤ�ﺎﻨمﺎر"‪ ،‬أو ﺤتﻰ اﻟتورط ﻓﻲ إﺜﺎرة اﻻﻀطرا�ﺎت داﺨﻞ اﻟصین ﻨﻔسﻬمﺎ‪.‬‬

‫�حسب واﻨﻎ ﺠ�سﻲ ‪ Wang Jisi‬أﺒرز اﻟمحﻠﻠین ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪" :‬ﻋﻠﻰ اﻟصین أن ﺘﻌﻠب دو ار‬
‫دﻓﺎع�ﺎ‪ ،‬وﻫﻲ ﻓﻲ ﻏنﻰ ﻋن أن ﺘنظر إﻟیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﻌدو"‪ 4 .‬وﺘدرك اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫أﻨﻪ ﯿتوﺠب ﻋﻠیﻬﺎ أن ﺘ�ﻘﻲ ﺘر�یزﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟصین وﺘﺎﯿوان‪ ،‬واﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬واﻟمواﺠﻬﺔ‬
‫اﻟنوو�ﺔ ﻤﻊ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ؛ واﻟنظم اﻟبدﯿﻠﺔ ﻟنظﺎم اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي؛ وﺸراﻛﺎت‬
‫اﻟصین ﻤﻊ أﺼدﻗﺎء اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ‪ 5 .‬إن ﻤتطﻠ�ﺎت اﻟتوازن اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻟ�حري ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬
‫آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك ﺘسمﺢ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ طرق اﻟمﻼﺤﺔ اﻟ�حر�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ و�ظﻬﺎر اﻟﻘوة ﻓﻲ اﻷﻤﺎﻛن‬
‫‪6‬‬
‫اﻟضرور�ﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟ�حر�ﺔ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘحﻘیق ﻤصﻠحتﻬﺎ اﻟحیو�ﺔ‪.‬‬

‫ﻛجزء ﻤن دﯿبﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‪ ،‬ﻗﺎﻤت اﻟصین �ﺎﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﻋدد ﻤن اﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟطﺎ�ﻊ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻟشراﻛﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ و�ﺠراءات ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ‪ ،‬وﻤنظمﺔ ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون )‪ (SCO‬وﻤنظمﺔ اﻟمنتدى اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻟدول ﺠنوب‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ)‪ ، (ARF‬وﻤﻘﺎر�ﺎت ﻤنوﻋﺔ ﻤتﻌددة اﻷطراف‪ .‬ﻏیر أن اﻟكثیر ﻤن اﻻﺴتراﺘ�جیین اﻟصینیین ﯿؤ�دون ﻋﻠﻰ‬
‫ﻀرورة اﻟ�ﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺤذر اﺘجﺎﻩ اﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ واﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻟتﻲ ﺘﻘودﻫﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻋت�ﺎر أﻨﻬﺎ‬
‫�مكن أن ﺘﻘوي ﻤﺎ ﺘﻌتبرﻩ اﻟصین اﻷﺤﺎد�ﺔ واﻟس�طرة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪� ،‬مكن أن ﺘوﻟد ﺘوﺘرات إﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬و�مكن أن ﺘوﺠﻪ ﻀد‬

‫‪1‬‬
‫‪- Wu Xinbo, “U.S. Security Policy in Asia: Implications for China-U.S. Relations”, (September 1, 2000).‬‬
‫‪https://cutt.ly/xA3fhGE‬‬
‫‪ -2‬ﻋﻣر ﺗﺎﺷﺑﯾﻧﺎر‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ .‬ص ‪.94‬‬
‫‪ -3‬ﺷرﯾف ﺷﻌﺑﺎن ﻣﺑروك‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‬
‫‪� -4‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -5‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ -6‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.337‬‬

‫‪216‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟصین �جزء ﻤن اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﺤتواﺌ�ﺔ ﻋﺎﻤﺔ‪ 1 .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتحول ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺎن وراءﻩ أ�ضﺎ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪2 .‬‬ ‫اﻟمخﺎوف اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن ﺘحدي اﻟصین ﻟمكﺎﻨﺔ أﻤر�كﺎ �ﻘوة ﻤﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب اﻟس�ﺎﺴﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین أن اﻟتحول دﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ �طب�ﻌتﻪ‪ ،‬ﻻ �مكن أن �ﻘتصر ﺘنﻔیذﻩ ﻋﻠﻰ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ‬
‫أ�ضﺎ ﻤن اﻹﺠراءات‬
‫اﻟ�حتﺔ‪� .‬ﺎن اﻟحﺎﻓز ﻟﻠتحول ﻫو اﻟموﻗﻒ ﻟ�س ﻓﻘط ﻤن اﻟنﻔوذ اﻹﻗﻠ�مﻲ اﻷﻤر�كﻲ اﻟمنخﻔض وﻟكن ً‬
‫اﻟصین�ﺔ اﻷﻛثر ﺤزﻤﺎً‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ .‬ﻋندﻤﺎ أﻋﻠنت "ﻫیﻼري �ﻠینتون" ﻓﻲ ﻤنتدى اﻵﺴ�ﺎن‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ )‪ (ARF‬ﻓﻲ "ﻫﺎﻨوي" ﻓﻲ ﺠو�ﻠ�ﺔ ‪ 2010‬أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟدﯿﻬﺎ ﻤصﻠحﺔ ﻓﻲ ﺤر�ﺔ اﻟمﻼﺤﺔ واﻟتسو�ﺔ‬
‫ﻏﺎﻟ�ﺎ‬
‫اﻟسﻠم�ﺔ ﻟﻠنزاﻋﺎت ﻓﻲ �حر اﻟصین‪ ،‬ﻓﻌﻠت ذﻟك ﺒتشج�ﻊ ﻤن دول اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ اﻻﺠتمﺎع‪ ،‬وﻟ�س ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ﺤمید‪ً .‬‬
‫ﻤﺎ ُ�شﺎر إﻟﻰ ﻫذا �ﺎﻋت�ﺎرﻩ أول ﻤثﺎل ﺤق�ﻘﻲ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة اﻻﻨخراط اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫�حﻠول ﻤوﻋد اﺠتمﺎع ﻗمﺔ ﺸرق آﺴ�ﺎ )‪ (EAS‬ﻓﻲ "�ﺎﻟﻲ" �ﺈﻨدوﻨ�س�ﺎ ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪ ،2011‬ﺤیث أﺼ�حت اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة )وروﺴ�ﺎ( ﻋضو�ن‪ ،‬اﺴتمر اﻟضﻐط ﻋﻠﻰ اﻟصین �شﺄن أﻓﻌﺎﻟﻬﺎ وﻨوا�ﺎﻫﺎ ﻓﻲ �حر ﺠنوب اﻟصین‪ .‬وردت‬
‫اﻟصین �ﺄﻨﻪ ﻤن اﻷﻓضﻞ ﺤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟثنﺎﺌﻲ ﺤتﻰ ﻟو �ﺎن ﻫنﺎك ﻗﻠق إﻗﻠ�مﻲ‪ ،‬وﺸددت ﻋﻠﻰ أن اﻟمنطﻘﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﯿن�ﻐﻲ أن ﺘنظر ﻓﻲ ��ف�ﺔ ﺤﻞ اﻟمشﺎﻛﻞ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟتﻲ ﺘواﺠﻬﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺘرى اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أن اﻟصین أﻛثر ﺤزﻤﺎً وﺘﻬدف إﻟﻰ اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤن ﺨﻼل‬
‫اﻟتﻌز�زات اﻟ�حر�ﺔ اﻟمستمرة واﻟم�ﺎدرات اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤثﻞ "ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق )‪ "(BRI‬ﻟق�ﺎدة اﻟتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟترا�ط‪ ،‬واﻟتﻲ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف اﺴت�ﻌﺎد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤن اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬وﻫكذا‪ ،‬ﺘم ﺘبنﻲ إﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﻛثر‬
‫ﺘصﺎدﻤ�ﺔ أوﻻً ﻋﻠﻰ ﻓكرة "إﻋﺎدة اﻟتوازن إﻟﻰ آﺴ�ﺎ" ﻓﻲ ﻋﻬد اﻟرﺌ�س أو�ﺎﻤﺎ‪ ،‬ﺜم ﻋﻠﻰ "ﺘﻌز�ز اﻟتﻌﺎون اﻟر�ﺎﻋﻲ )"أﺴتراﻟ�ﺎ‬
‫‪4‬‬
‫واﻟﻬند واﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة"( ﻤن ﻗبﻞ إدارة ﺘراﻤب‪ ،‬ﻟموازﻨﺔ اﻟصﻌود اﻟسر�ﻊ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫وﺘمثﻞ اﻟجﻬود اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟنﺎزﻋﺔ إﻟﻰ اﻟس�طرة اﻟتﻲ ﺘنﺎﻗض اﻹﺘجﺎﻩ اﻟﻌﺎم ﻟﻌﺎﻟم ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻨحو‬
‫أﻤن ﻗﺎﺌم ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﺎون وﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب‪ ،‬ﺤتﻰ أن �ﻌض اﻟمﻔكر�ن اﻻﺴتراﺘ�جیین ﻓﻲ اﻟصین‪� ،‬ﻌتبرون اﻟبیئﺔ‬
‫اﻟتﻲ ﺘﻠت أﺤداث ‪ 11‬ﺴبتمبر ‪ 2001‬ﻤثیرة ﻟﻠﻘﻠق ف�مﺎ ﯿتصﻞ �ﺎﻷﻤن اﻟصینﻲ ﻷﻨﻬﺎ‪ ،‬ﺘحدﯿدا‪ ،‬ﺴﺎﻫمت ﻓﻲ إﻨﻌﺎش‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.223‬‬


‫‪ -2‬زھﻲ ﻟﯾﻧﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. pp 27-28.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 502.‬‬

‫‪217‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وأوﺠدت ﻓرﺼﺎ وﺘبر�رات ﺠدﯿدة ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻠدﻓﻊ �ﻌﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻤﻊ دول ﺠدﯿدة �ﻘﻊ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟكثیر ﻤنﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺒواب اﻟصین‪� ،‬ﺄﻓﻐﺎﻨستﺎن و�ﺎﻛستﺎن‪ ،‬واﻟﻬند‪ ،‬و�ﺎزاﺨستﺎن‪ ،‬وﻗیرﻏیزﺴتﺎن‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ )ﻤكﺎﻤن اﻟﻘﻠق ﺒین اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ(‬

‫�ﻌد ﺘجنب اﻨتشﺎر أﺴﻠحﺔ اﻟدﻤﺎر اﻟشﺎﻤﻞ ﻀرورة إﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬وﻫﻲ ﺘر�ز‬
‫ﻋﻠﻰ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ؛ اﻟتحدي اﻟذي ﺘمثﻠﻪ ﺒراﻤﺞ اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟصﺎروﺨ�ﺔ ﻟكور�ﺎ‬
‫اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ذو ﺸﻘین‪ :‬اﻷول ﻫو اﻟتﻬدﯿد �شن ﻫجوم ﻨووي ﻋﻠﻰ اﻷراﻀﻲ اﻷﻤر�ك�ﺔ أو ﻋﻠﻰ أراﻀﻲ ﺤﻠﻔﺎء اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﻓﻲ ﺸمﺎل ﺸرق آﺴ�ﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ‪ .‬واﻟثﺎﻨﻲ ﻫو ﺨطر اﻨتشﺎر أﺴﻠحﺔ اﻟدﻤﺎر اﻟشﺎﻤﻞ ﻓﻲ ﺸ�ﻪ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجز�رة اﻟكور�ﺔ‪.‬‬

‫اﻟخﻼﻓﺎت اﻟمرﺘ�طﺔ �منﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ ﻤن أﻛثر اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟمثیرة ﻟﻠنزاﻋﺎت ﻓﻲ‬
‫اﻷﺠندة اﻟثنﺎﺌ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬اﻟصین�ﺔ ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة؛ وﻨظ ار إﻟﻰ اﻟطب�ﻌﺔ اﻟمتﻌﺎرﻀﺔ ﻟﻘضﺎ�ﺎ ﻤنﻊ اﻨتشﺎر‬
‫اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ ﻻ �مكن ﻋزﻟﻬﺎ ﻋن اﻟنواﺤﻲ اﻟخﻼف�ﺔ اﻷﺨرى ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟصین‬
‫واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ ﺒ�ﻊ اﻷﺴﻠحﺔ إﻟﻰ ﺘﺎﯿوان؛ وﺘنصیب اﻟصین ﻟﻠصوار�ﺦ ق�ﺎﻟﺔ ﺘﺎﯿوان؛ وﻨشر اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻷﻨظمﺔ دﻓﺎع�ﺔ ﻤن اﻟصوار�ﺦ اﻟ�ﺎﻟ�ست�ﺔ؛ ودﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪3‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین؛ واﻨتشﺎر أﺴﻠحﺔ اﻟدﻤﺎر اﻟشﺎﻤﻞ ﻓﻲ ﺸ�ﻪ اﻟجز�رة اﻟكور�ﺔ‪.‬‬

‫ﺒذﻟك‪ ،‬ﻻ ﺘزال ﺘر�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ 'اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟصین وﺘﺎﯿوان وﺘﻘس�م ﺸ�ﻪ اﻟجز�رة اﻟكور�ﺔ‪،‬‬
‫ﻓضﻼ ﻋن اﻟﻘدرات اﻟنوو�ﺔ اﻟتﻲ أظﻬرﺘﻬﺎ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ' ﺘشكﻞ ﺘحد�ﺎ ﻟﻠمصﺎﻟﺢ واﻹﻟتزاﻤﺎت اﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫وﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟتحد�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟتﻲ ﺘواﺠﻪ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﻻ �مكن اﻹﺴتﻐنﺎء ﻋن ه�ﺎﻛﻞ اﻟتحﺎﻟﻒ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﻤﻊ ﺘراﺠﻊ اﺤتمﺎﻟ�ﺔ ﻨشوب ﺤرب ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى وظﻬور ﺘحد�ﺎت أﻤن�ﺔ‬
‫ﻏیر ﺘﻘﻠید�ﺔ‪ ،‬أﺼ�حت اﻟوﺴﺎﺌﻞ اﻟﻌسكر�ﺔ أﻗﻞ أﻫم�ﺔ ﻓﻲ ﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻻ ﺘزال اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫ﺘﻌتمد �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ اﻟمنﺎﻫﺞ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬وﺘحﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟمتﻔوﻗﺔ‪ ،‬وﺘﻌزز ﺘحﺎﻟﻔﺎﺘﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ وﺘحﺎﻓظ‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.224-223‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. pp 4-5.‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.250-249‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p3.‬‬

‫‪218‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻋﻠﻰ اﻨتشﺎرﻫﺎ اﻷﻤﺎﻤﻲ‪ .‬ﻛمﺎ ان اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘستخدم اﻟﻘوة �شكﻞ ﻤتكرر أﻛثر ﻤمﺎ ﻓﻌﻠت ﻓﻲ ﺤق�ﺔ اﻟحرب‬
‫‪1‬‬
‫اﻟ�ﺎردة‪.‬‬

‫ﻟذﻟك‪ ،‬ﻻ ﯿزال اﻹﺴتراﺘ�جیون اﻟصینیون ﻋﻠﻰ ﻋداﺌﻬم ﻟخطط اﻟدﻓﺎﻋﺎت اﻟصﺎروﺨ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ف�مﺎ ﺘنﻬمك اﻟدوﻟﺔ )اﻟصین( ﻓﻲ ﺘﻌز�ز ﻗدراﺘﻬﺎ اﻟنوو�ﺔ واﻟصﺎروﺨ�ﺔ‪ ،‬ﻤضﺎﻓﺎ ﻟذﻟك اﺨتﻼف اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟرﺴم�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻘوة ﻋﻠﻰ اﻟطر�ق اﻟذي �جب أن ﺘسﻠكﻪ وﺘنتﻬجﻪ اﻷﺠندة اﻟدوﻟ�ﺔ ﻟﻠحد ﻤن‬
‫اﻟتسﻠﺢ‪ 2 .‬وﻨت�جﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟخﻼﻓﺎت‪ ،‬ﺴت�ﻘﻰ ﻗضﺎ�ﺎ ﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ ﻤن اﻟتحد�ﺎت اﻟثﺎﺒتﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻻﺠندة اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین �مكن ﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟصین أن ﺘﻌﻘد اﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمرﺘ�طﺔ ﺒﻬذﻩ اﻟﻘضﺎ�ﺎ وﺘع�ﻘﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟنق�ض ﻤن ﻨﻬﺞ اﻷﻤن اﻟﻌسكري ﻟﻠﻘوة ﻤن ﺠﺎﻨب اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬اﻟصین ﺘداﻓﻊ ﻋن ﻤﻔﻬوم اﻷﻤن‬
‫اﻟشﺎﻤﻞ ﻤنذ اﻨتﻬﺎء اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ .‬ﻓﻲ رأي اﻟصین‪ ،‬ﻤن اﻷﻓضﻞ ﺘﻌز�ز اﻷﻤن ﻤن ﺨﻼل ﺘحسین اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫وﺘوﺴ�ﻊ اﻟتﻔﺎﻋﻼت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ وﻤتﺎ�ﻌﺔ اﻟتﻌﺎون اﻷﻤنﻲ ‪ ،‬ﻤثﻞ اﻟشﻔﺎف�ﺔ وﺘداﺒیر ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬ﺘﻌتﻘد‬
‫أ�ضﺎ ﻤﻊ‬
‫اﻟصین أن اﻟم�ﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ اﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ اﻷﺴﺎﻟیب اﻟﻌسكر�ﺔ ﻻ ﺘسﺎﻋد ﻓﻲ ﺤﻞ اﻟنزاﻋﺎت ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ ﺘتﻌﺎرض ً‬
‫‪3‬‬
‫اﻻﺘجﺎﻩ اﻟسﺎﺌد ﻟﻠسﻼم واﻟتنم�ﺔ ﻓﻲ ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬

‫وﻤﻊ اﺴتمرار اﻟصین ﻓﻲ �سب اﻟمز�د ﻤن اﻟنﻔوذ واﻟسﻠطﺔ ﻋبر دﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‪� ،‬مكن ﻟﻠنواﺤﻲ‬
‫اﻟخﻼف�ﺔ أن ﺘﻔرض ﻤز�دا ﻤن اﻟتحد�ﺎت أﻤﺎم اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وذﻟك رﻏم اﻻﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﺒین اﻟﻘوﺘین إزاء اﻟحد‬
‫ﻤن اﻟتسﻠﺢ وﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ‪ ،‬ﻓمﻊ ﺴﻌﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ ﺘﻌز�ز ﻫذﻩ اﻻﺘﻔﺎق�ﺎت‪ ،‬ﺘﻔرض‬
‫‪4‬‬
‫ﺘسﺎؤﻻت ﻓﻲ ﺸﺄن ﻤدى إﻟتزام اﻟصین ﻨﻔسﻬﺎ ﻓﻲ ﺨمس ﻨواح رﺌ�س�ﺔ ﻫﻲ‪:‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﺤسب وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻟصین‪ ،‬ﺘتجﺎوز �ﻌض اﻻﻟتزاﻤﺎت اﻟمرﺘ�طﺔ �ﺎﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ وﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ‬
‫اﻟتﻲ ﺘسﻌﻰ إﻟیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟممﺎرﺴﺔ اﻟمﻌتﺎدة ﻓﻲ اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ ﻋﺎﻤﺔ‪ .‬ﻓمثﻼ ﺘمتنﻊ اﻟصین ﻋن‬
‫دﻋم اﻻﻗتراﺤﺎت �ﺎﻟﻠجوء إﻟﻰ اﻟﻘوة ﺨﺎرج إطﺎر اﻷﻤم اﻟمتحدة ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟمخﺎوف اﻟتﻲ ﺘثیرﻫﺎ أﺴﻠحﺔ اﻟدﻤﺎر اﻟشﺎﻤﻞ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Wu Xinbo, Op, cit.‬‬
‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.250‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Wu Xinbo, Op, cit.‬‬
‫‪� -4‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.251‬‬

‫‪219‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫وﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﺘجد اﻟصین �ﻌض اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻨﻔﺎق�ﺔ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ﻏضﻬﺎ اﻟطرف ﻋن اﻤتﻼك‬
‫إﺴراﺌیﻞ أﺴﻠحﺔ دﻤﺎر ﺸﺎﻤﻞ‪ ،‬وﺼﻔﻘﺎت اﻟتﻌﺎون اﻟنووي ﻤﻊ اﻟﻬند‪ .‬وذﻟك �ﻌد اﻨتﻬﺎﻛﻬﺎ ﻟﻼﻟتزاﻤﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ "ﻤﻌﺎﻫدة‬
‫اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ"؛ ﻟذﻟك ﺘﻘﻒ اﻟمخﺎوف اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ وﺠﻪ اﻟس�ﺎﺴﺎت واﻷوﻟو�ﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟمجﺎل‬
‫�شكﻞ ﻤتزاﯿد‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﯿرى ﻋدد ﻤن اﻻﺴتراﺘ�جیین اﻟصینیین أن اﻟمكﺎﺴب اﻟم�ﺎﺸرة ﻟمثﻞ ﻫذﻩ اﻻﻟتزاﻤﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﺘدﻋم اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻻ اﻟصین�ﺔ‪� .‬حﺎول اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴیون اﻷﻤر�كیون ﺨﻼل ﻋمﻠ�ﺔ اﻟتﻔﺎوض ﻤﻊ اﻟصین‪،‬‬
‫إﺜ�ﺎت أن ﻫذﻩ اﻟخطوات ﺘحﻘق اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟصین�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻀمﺎن اﻻﺴتﻘرار ﻤن ﺨﻼل وﻀﻊ ﺤد ﻻﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ‬
‫اﻟنوو�ﺔ واﻟصوار�ﺦ اﻟ�ﺎﻟ�ست�ﺔ ﻓﻲ إﯿران و�ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ و�ﺎﻛستﺎن‪ .‬وﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ‪ ،‬ﻻ ﯿرى اﻻﺴتراﺘ�جیون اﻟصینیون‬
‫ﺘﻬدﯿدا ﻋسكر�ﺎ ﻤ�ﺎﺸ ار ﻤن ﻫذﻩ اﻟدول‪ ،‬ﺒﻞ إن ﺘور�د اﻷﺴﻠحﺔ واﻟمسﺎﻋدة اﻟتﻘن�ﺔ إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟدول �مكن أن �ﻌزز‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬واﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬ﺘﺄﺨذ اﻟصین ﺠﺎﻨب اﻟحذر ﻓﻲ اﺠندﺘﻬﺎ اﻟمرﺘ�طﺔ �منﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫وﻤﺎ ﯿثیر اﻟﻘﻠق اﻟصین ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟخصوص ﻫو ﺘﻠك اﻟتكت�ك�ﺎت اﻹﻛراه�ﺔ ‪�-‬حسب وﺠﻬﺔ ﻨظرﻫم‪-‬اﻟتﻲ ﺘت�ﻌﻬﺎ‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ اﻟتﻬدﯿد �ﻔرض ﻋﻘو�ﺎت �وﺴیﻠﺔ ﻟكسب اﻟدﻋم اﻟصینﻲ ف�مﺎ ﯿتمثﻞ ﺒ�ﻌض اﻟمخﺎوف‬
‫اﻟمرﺘ�طﺔ �ﺎﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ وﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ‪.‬‬

‫وﺜمﺔ ﻨﻘطﺔ أﺨرى ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘثیرﻫﺎ اﻟصین وﻫﻲ اﺤتﻼل اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمرﺘ�ﺔ اﻷوﻟﻰ �ﺄﻛبر‬
‫ﻤصدر ﻟﻠسﻼح ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪� ،‬حیث أن ﻤب�ﻌﺎﺘﻬﺎ ﻤن اﻷﺴﻠحﺔ ﺘشكﻞ ﻨصﻒ ﻤجمﻞ اﻟمب�ﻌﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻤن اﻟسﻼح ﺴنو�ﺎ‬
‫‪2‬‬
‫رﻏم اﻟخﻔض اﻟحﺎد ﻓﻲ ﺼﺎدرات اﻟصین ﻤن اﻷﺴﻠحﺔ وﻓﻲ ﻨشﺎطﻬﺎ اﻟمرﺘ�ط ﺒنشر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ‪.‬‬

‫را�ﻌﺎ‪ :‬ﻛنت�جﺔ ﻟﻠﻌواﻤﻞ اﻟثﻼﺜﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘﻘراب اﻟصین اﻟتﻌﻬدات اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ أﺴﺎس‬
‫"ﺘ�ﺎدل اﻟخدﻤﺎت"‪ ،‬ف�مﺎ أن اﻟصین ﺘشكك ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻓﻲ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟطب�ع�ﺔ‪ ،‬واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬واﻟﻌمﻠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘوﻓرﻫﺎ ﻫذﻩ‬
‫اﻟمﻌﺎﻫدات‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ اﻟحصول ﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻫو ﺜمین ﻤن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �جزء ﻤن‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.252‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.253‬‬

‫‪220‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟصﻔﻘﺔ �وﺴیﻠﺔ ﻻﻨتزاع اﻟتنﺎزﻻت ﻤن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ 1 .‬و�مثﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬إذا واﻓﻘت اﻟصین ﻋﻠﻰ ﺘﻘﻠ�ص ﺼﺎدراﺘﻬﺎ‬
‫ﻤن اﻷﺴﻠحﺔ إﻟﻰ ﻤنﺎطق ذات أﻫم�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻷﺨیرة ﺒدورﻫﺎ �ﺎﻟحد ﻤن‬
‫ﺼﺎدراﺘﻬﺎ ﻤن اﻷﺴﻠحﺔ إﻟﻰ ﻤنﺎطق ذات أﻫم�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﻤثﻞ ﺘﺎﯿوان‪.‬‬

‫وﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ �ﻌطﻲ �ﻞ ﻤن اﻟطرﻓین ﻫذﻩ اﻹﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﺘﻔسی ار رﺴم�ﺎ ﻤختﻠﻔﺎ ﻟمﺎ ﻗد ﺘم اﻟتوﺼﻞ إﻟ�ﻪ‪ ،‬ﯿتشبث‬
‫اﻟمﻔﺎوﻀون اﻷﻤر�كیون �صراﻤﺔ �ﺎﻻﻟتزام اﻟجدﯿد ﻤن اﻟصین‪ ،‬ﻤن دون ﻤنﺎﻗشﺔ اﻟمﻘﺎ�ضﺎت اﻟتﻲ دﺨﻠت ﻓﻲ اﻻﺘﻔﺎق�ﺔ‪.‬‬
‫ﻤن ﺠﻬتﻬم‪� ،‬شدد اﻟمسؤوﻟون اﻟصینیون ﻋﻠﻰ اﻟطب�ﻌﺔ اﻟشرط�ﺔ ﻟﻺﺘﻔﺎق�ﺎت‪ ،‬و�ضرورة اﻻﻟتزام اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمستمر‬
‫�ﺎﻟترﺘی�ﺎت اﻟمتﻔق ﻋﻠیﻬﺎ‪ .‬ﻟذﻟك ﻓﺈن أﻫم ﻤﺎ ﯿتﻌﻠق �مﻘﺎر�ﺔ اﻟصین إزاء ﻤثﻞ ﻫذﻩ اﻻﻟتزاﻤﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪� ،‬مكن ﻓﻲ أن‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتزاﻤﻬﺎ ﺒﻬذﻩ اﻻﺘﻔﺎق�ﺎت �كون ﻫشﺎ وﺸرط�ﺎ وﻤتوﻗﻔﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدرﺠﺔ اﻟتﻲ ﺘ�ﻘﻰ ﻓیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤﻠتزﻤﺔ ﺒتﻌﻬداﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺨﺎﻤسﺎ‪ :‬ﺜمﺔ ﺘسﺎؤﻻت ﻋمﺎ إذا �ﺎﻨت اﻟصین ﺘمﻠك اﻹرادة اﻟضرور�ﺔ واﻟمﻬﺎرات اﻟﻌمﻠ�ﺔ ﻟض�ط ﺼﺎدراﺘﻬﺎ‪ ،‬إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬
‫اﻟﻘدرات ﻟوﻀﻊ ﻤ�ﺎدﺌﻬﺎ وأﻨظمتﻬﺎ ﻤوﻀﻊ اﻟتطبیق وﻻﺴ�مﺎ أن "ﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ" ﻻ ﺘزال ﻓﻲ ﻤراﺤﻠﻬﺎ‬
‫اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺼﻔوف اﻟبیروﻗراط�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫�ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻌواﻤﻞ ﻓﻲ اﻻﺠندة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬اﻟصین�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ ﻤجﺎل ﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ‪،‬‬
‫�مكن ﻟصین أﻗوى وأﻛثر ﻨﻔوذا أن ﺘكسب ﺘحد�ﺎت ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺼﻌید اﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ دوﻟ�ﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟجﺎﻨ�ﺎن ﻋﻠﻰ طرﻓﻲ اﻟنق�ض ﻓﻲ اﻟجمود اﻟذي �س�طر ﻋﻠﻰ "ﻤؤﺘمر اﻷﻤم اﻟمتحدة ﻟنزع اﻷﺴﻠحﺔ ‪"U N Conference‬‬

‫" ‪ ،on disarmament‬وﻫو ﻤﺎ �ﻌﻘد و�حول دون إﺤراز ﺘﻘدم ﻓﻲ اﻟمنﺎﻗشﺎت اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟحد ﻤن اﻷﺴﻠحﺔ اﻟبیوﻟوﺠ�ﺔ أو‬
‫‪3‬‬
‫ﺤظرﻫﺎ‪ ،‬ووﻗﻒ اﻨتﺎج اﻟمواد اﻟﻘﺎﺒﻠﺔ ﻟﻺﻨشطﺎر‪.‬‬

‫ﯿتمحور اﻟخﻼف اﻷﻛبر ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أو اﻟصین إزاء ﻨزع اﻟسﻼح ﻋﻠﻰ اﻟمخﺎوف اﻟمتﻌﻠﻘﺔ‬
‫ﺒتسﻠ�ﺢ اﻟﻔضﺎء اﻟخﺎرﺠﻲ‪ .‬إذ ﺘدﻋم اﻟصین اﻟبدء �مﻔﺎوﻀﺎت ﻓﻲ ﺸﺄن ﻤنﻊ ﺴ�ﺎق اﻟتسﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻔضﺎء اﻟخﺎرﺠﻲ‪� ،‬ﻌد‬
‫ﺘﺄﻛید اﻟصین ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2000‬أن ﺜمﺔ ﻤحﺎوﻻت‪ ،‬و�راﻤﺞ وﺨطوات أﺤﺎد�ﺔ اﻟجﺎﻨب ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ اﻟتﻔوق اﻟﻌسكري‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.254‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ص ‪.256-255‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ص ‪.257-256‬‬

‫‪221‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫واﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻲ اﻟﻔضﺎء اﻟخﺎرﺠﻲ أو اﻟس�طرة ﻋﻠ�ﻪ‪ ،‬وأن ﻤثﻞ ﻫذﻩ اﻟخطوات �مكن أن ﺘؤدي إﻟﻰ ﺘسﻠ�ﺢ اﻟﻔضﺎء‬
‫ﻤن ﺨﻼل ﺴ�ﺎق ﻤتﻌدد اﻷطراف‪.‬‬

‫ﻛمﺎ ﺘنظر اﻟصین �ﻘﻠق ﺸدﯿد ﻟمشﺎر�ﻊ اﻟدﻓﺎﻋﺎت اﻟصﺎروﺨ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وذﻟك ﻤن ﻨﺎﺤیتین رﺌ�سیتین‪:‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﻟن ﺘدﻋم اﻟصین وﺴتحﺎول ﻋرﻗﻠﺔ ﻨشر اﻟدﻓﺎﻋﺎت اﻟصﺎروﺨ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﺘكﺎﻤﻠﻬﺎ ﻤﻊ ﻗدرات ﺤﻠﻔﺎء اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین‪� ،‬ﺎﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ وﺘﺎﯿوان‪ .‬إذ ﻤن ﺸﺄن ﻫذﻩ اﻟخطوات أﻻ ﺘﻘتصر ﻓﻘط‬
‫ﻋﻠﻰ اﺴتﻬداف اﻟصین‪ ،‬ﺒﻞ أ�ضﺎ –ور�مﺎ اﻷﻫم‪ ،-‬ﺘﻌز�ز اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟموﺠودة أﺼﻼ‪ ،‬ﻻﺴ�مﺎ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟ�ﺎ�ﺎن وﺘﺎﯿوان‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﻤﻊ ﺘخﻠیﻬﺎ ﻋن "ﻤﻌﺎﻫدة ﺤظر اﻟصوار�ﺦ اﻟ�ﺎﻟ�ست�ﺔ)‪ ،" (ABM‬وﺘحﻘیق ﺠﻬودﻫﺎ ﻟحظر اﻷﺴﻠحﺔ ﻓﻲ اﻟﻔضﺎء‬
‫ﺘﻘدﻤﺎ ﻀئیﻼ‪ ،‬ﻟم ﯿت�ﻘﻰ أﻤﺎم اﻟصین اﻟكثیر ﻤن اﻟخ�ﺎرات ﻓﻲ اﻟرد ﻋﻠﻰ أﻨظمﺔ اﻟدﻓﺎع اﻟصﺎروﺨ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمنتشرة ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬و�ﺎﻟﻔﻌﻞ وﺴﻌت اﻟصین �ثی ار ﻤن اﻨتﺎﺠﻬﺎ وﻨشرﻫﺎ ﻟﻠصوار�ﺦ ‪-‬ﻻﺴ�مﺎ ق�ﺎل‬
‫ﺘﺎﯿوان‪-‬ﻤن أﺠﻞ ﺒنﺎء ﻗوة ﺼﺎروﺨ�ﺔ رادﻋﺔ‪.‬‬

‫ﻫذﻩ اﻟخطوات ﻤن ﺠﺎﻨب اﻟصین ﻟن ﺘخدم اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﺒﻞ إﻨﻬﺎ ﺴتﻌﻘد ﻤﻘﺎر�ﺔ واﺸنطن ﻟﻠحد ﻤن‬
‫اﻟتسﻠﺢ واﻟمسﺎﺌﻞ اﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬

‫ﻛذﻟك‪ ،‬ﻗد ﺘتﻌرﻗﻞ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟحﺎﻻت اﻟتﻲ ﺘﻠتزم ﻓیﻬﺎ اﻟصین �ﻘوة �ﺎﻻﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟخﺎﺼﺔ‬
‫�منﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ‪ .‬إذ �مكن ﻟﻠصین أن ﺘحﺎول ��ﺢ اﻟنﻔوذ اﻷﻤر�كﻲ ﺒﻬدوء وﺘﻌز�ز‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟصین�ﺔ �شكﻞ أﻛثر ﻓﻌﺎﻟ�ﺔ ﻋبر اﻻﻨضمﺎم إﻟﻰ آﻟ�ﺎت ﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ وﻟﻌب‬
‫دور ﻓﻲ ﺼ�ﺎﻏﺔ ﻗواﻨینﻬﺎ وﻨتﺎﺌجﻬﺎ وﻻﺴ�مﺎ ﻓﻲ اﻟمراﺤﻞ اﻟتﺄﺴ�س�ﺔ ﻟنظﺎم ﺠدﯿد أو اﺘﻔﺎق�ﺔ ﺠدﯿدة‪� .‬مﺎ �مكن إﻀﻌﺎف‬
‫‪1‬‬
‫ﻨﻔوذ اﻟﻘوى اﻟكبرى اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻷﺨرى –ﻛﺎﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪� ،-‬ﺎﻟمﻘﺎرﻨﺔ ﻤﻊ ﻨﻔوذ اﻟصین‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬ﻤﻊ إطﻼع اﻟصین أﻛثر ﻋﻠﻰ ﻤﻌﺎﯿیر و�ﺠراءات اﻟجﻬود اﻟدوﻟ�ﺔ ﻟمنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ‬
‫اﻟنوو�ﺔ‪ ،‬واﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ‪ ،‬أدر�ت �شكﻞ أﻛثر وﻀوﺤﺎ أﻫم�ﺔ ﻫذﻩ اﻟمﻌﺎﻟجﺎت ﻓﻲ اﻟﻘضﺎ�ﺎ ذات اﻟﻔﺎﺌدة ﻟﻠصین‪،‬‬
‫ﺨصوﺼﺎ أن ﻫذﻩ اﻻﺘﻔﺎق�ﺎت ﺘحد ﻤن ﻗدرات اﻵﺨر�ن ﻤن دون أن �كون ﻟﻬﺎ أﺜر �بیر ﻋﻠﻰ اﻟصین‪ .‬ف�ﺎﻻﻨضمﺎم إﻟﻰ‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.259-257‬‬

‫‪222‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫"ﻤﻌﺎﻫدة ﻤنﻊ اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ" �ﻘوة ﻨوو�ﺔ ﻤﻌترف ﺒﻬﺎ ﻟم ﺘكن اﻟصین ﻟتخسر أي ﺸﻲء ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﻘدراﺘﻬﺎ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬ﺒﻞ أﻤكنﻬﺎ أن ﺘترﻗب ﻨجﺎح ﻫذا اﻟنظﺎم ﻓﻲ إﻋﺎﻗﺔ ﺒروز ﻗوى ﻨوو�ﺔ ﺠدﯿدة‪.‬‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬ﻗضﺎ�ﺎ اﻟس�ﺎدة واﻟتدﺨﻞ‬

‫ﺘشﻬد اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟوطن�ﺔ اﻟصین�ﺔ واﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ رغ�ﺔ ﻗو�ﺔ ﻓﻲ ﺘسو�ﺔ ﺴﻠم�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ‪.‬‬
‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﺘكمن ﻨﻘطﺔ اﻻﺨتﻼف اﻟرﺌ�س�ﺔ ﺒین اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻐرض ﻤن اﻟتواﻓق‪ .‬ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ �ﻌتمد ﻋﻠﻰ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟق�ﺎدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وﺘﺄﻤین اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬واﻟنﻬوض �ﺎﻟق�م‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﻤن ﻤنظور ﺼینﻲ‪ ،‬ﯿتﻌﻠق اﻷﻤر �حمﺎ�ﺔ اﻟوﺤدة اﻟوطن�ﺔ ﻟﻠصین وﺴﻼﻤﺔ أراﻀیﻬﺎ وﻤصﺎﻟحﻬﺎ‬
‫و�ینمﺎ ﺘصر اﻟصین �ﻘوة ﻋﺎﻟم�ﺔ ﺠدﯿدة ﻋﻠﻰ أن اﻟﻘوى ﺨﺎرج اﻟمنطﻘﺔ ‪-‬أي اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪� ،-‬جب‬ ‫‪2‬‬
‫اﻟتنمو�ﺔ‪.‬‬
‫أن ﺘ�ﻘﻰ �ﻌیدة ﻋن ﻨزاﻋﺎت داﺨﻞ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﺘؤ�د اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟحیو�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻤن ﺨﻼل‬
‫ﻤوﻗﻔﻬﺎ "اﻟمحوري ﻨحو آﺴ�ﺎ"‪ .‬ﺘﻌتمد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �شكﻞ ﻤتزاﯿد ﻋﻠﻰ ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ وﺸر�ﺎﺌﻬﺎ اﻹﻗﻠ�میین ﻟتحمﻞ اﻟمز�د‬
‫‪3‬‬
‫ﻤن اﻟﻌبء اﻷﻤنﻲ ﻟمنﻊ اﻟصین ﻤن اﻟﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمشﻬد اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻹﻗﻠ�مﻲ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟنق�ض ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﺘﻌتمد اﻟصین ﺘحدﯿدا أﻀیق ﻨس�ﺎ ﻟﻠس�ﺎدة‪ ،‬وﺘبدي رﻓضﺎ ﻋﺎﻤﺎ ﻤن‬
‫اﻟتدﺨﻞ ﺨﺎرج ﻤنطﻘﺔ ﺠﻐراف�ﺔ ﻤحدودة ﻤتﺎﺨمﺔ أو ﻗر��ﺔ ﻤن اﻟمح�ط اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠصین‪� ،‬مﺎ ﺘرﻓض أي ﺘﻌد ﻋﻠﻰ‬
‫وﺤد اﻷراﻀﻲ واﻟوﺤدة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠس�ﺎدة اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘكمن ﺠذور اﻟخﻼﻓﺎت ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟصین ﻓﻲ اﻟتﺎر�ﺦ واﻟتجر�ﺔ اﻟوطن�ﺔ اﻟمتنﺎﻗضین ﻟﻬمﺎ‪ ،‬وﻓﻲ‬
‫ﻤواطن اﻟﻘوة وﻤصﺎﻟﺢ �ﻞ ﻤنﻬمﺎ‪ .‬إذ ﺘبدي اﻟصین‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻨموذﺠﻲ‪ ،‬ﺘمسكﺎ ودﻋمﺎ ﻗو�ﺎ ﻟﻠمﻌﺎﻨﻲ اﻟتﻘﻠید�ﺔ ﻟس�ﺎدة‬
‫اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬وﻻ ﺘﻘبﻞ إﻻ �حذر �ﻌض أﺸكﺎل اﻟتدﺨﻞ ﺒوﺠود دﻋم دوﻟﻲ ﻗوي‬
‫و�تﻔو�ض ﻤن اﻷﻤم اﻟمتحدة‪ .‬ﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ ﯿرى اﻟس�ﺎﺴیون واﻻﺴتراﺘ�جیون ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌوﻟمﺔ‬
‫واﻟتحد�ﺎت اﻟجدﯿدة اﻟﻌﺎﺒرة ﻟﻠحدود اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻨﻬﺎ�ﺔ ﻟحدود اﻟدول �حسب اﻟتﻌر�ف اﻟتﻘﻠیدي‪ ،‬واﻨبثﺎﻗﺎ ﻟتﻬدﯿدات ﺒدﯿﻠﺔ‬
‫‪4‬‬
‫ﻟﻘد اﻨتﻘدت اﻟوﻻ�ﺎت‬ ‫ﻛﺎﻹرﻫﺎب‪ ،‬وﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ ردود ﻗو�ﺔ ﻤبتكرة ‪�-‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﻤختﻠﻒ أﺸكﺎل اﻟتدﺨﻞ اﻟﻌسكري‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.259‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Chris Mills, Op. cit., pp 4-5.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Mohan Malik, Op. cit. p 172‬‬

‫‪� -4‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.260‬‬

‫‪223‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺨﻼل ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ" ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪ 2011‬اﻟصین ﻟﻌدم اﻟتزاﻤﻬﺎ‬
‫�ﻘواﻋد اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟمﺎﻟ�ﺔ واﻟتجﺎر�ﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﺘﻠك اﻷﺜنﺎء ﻗﺎﻤت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺒتكث�ف ﺘدﺨﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟنزاع‬
‫‪1‬‬
‫اﻟحدودي ﻋﻠﻰ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﺒین اﻟصین وﻋدد ﻤن ﺒﻠدان ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ ﻟحجﺔ ﺤمﺎ�ﺔ ﺤر�ﺔ اﻟمﻼﺤﺔ‪.‬‬

‫و�سبب ﻫذﻩ اﻟرؤى اﻟمتنﺎﻗضﺔ ﻫنﺎك ﻋدم اﺘﻔﺎق ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟصین ﻋﻠﻰ ﻗضﺎ�ﺎ اﻟس�ﺎدة‬
‫واﻟتدﺨﻞ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ﻤﻊ ﺴﻌﻲ اﻟصین إﻟﻰ اﻛسﺎب دﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻤز�دا ﻤن اﻟزﺨم واﻟﻔﻌﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟسنوات‬
‫اﻟمﻘبﻠﺔ‪ ،‬وﺘشكیﻠﻬﺎ ﻤصدر ﺘحد ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪� 2 .‬مﺎ ﻋمدت اﻟصین ﻋﻠﻰ دوام إﻟﻰ اﻟتشدﯿد ﻋﻠﻰ ﻤنﺢ اﻷﻤم‬
‫اﻟمتحدة دو ار ق�ﺎد�ﺎ ﻓﻲ اﻟجﻬود اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟمحﺎر�ﺔ اﻹرﻫﺎب‪ ،‬وذﻟك ﺒﻬدف ��ﺢ اﻟتحر�ﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ ﺤد ﻤﺎ‪ ،‬ف�ﻌد‬
‫ﻫجمﺎت ‪ 11‬ﺴبتمبر ‪ ،2001‬أﻛد اﻟمندوب اﻟداﺌم ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻷﻤم اﻟمتحدة إﻟﻰ اﻟتﺄﻛید أن‪" :‬اﻷﻤم اﻟمتحدة‪ ،‬اﻟمنتدى‬
‫اﻟمﻬم ﻟﻠدول ﻟتتﻌﺎون ﻤﻊ �ﻌضﻬﺎ �ﻌضﺎ ﻓﻲ ﻤحﺎر�ﺔ اﻹرﻫﺎب‪� ،‬جب أن ﺘﻠﻌب دو ار ق�ﺎد�ﺎ ﻓﻲ اﻟجﻬود اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟمبذوﻟﺔ‬
‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟمجﺎل"‪.‬‬

‫اﺴتخدﻤت اﻟصین "ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻓﻲ آﺴ�ﺎ – اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي )‪" (APEC‬ﻟتﺄﻛید ﻨظرﺘﻬﺎ �ضرورة‬
‫أن ﺘﻠﻌب اﻷﻤم اﻟمتحدة دو ار ﻤحور�ﺎ ﻓﻲ اﻟجﻬود اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟمحﺎر�ﺔ اﻹرﻫﺎب‪ .‬ﻓﻔﻲ ﻗمﺔ ‪ APEC‬اﻟتﻲ ﻋﻘدت ﻓﻲ اﻟشیﻠﻲ‬
‫ﻋﺎم ‪ ،2004‬ﻗﺎل اﻟرﺌ�س اﻟصینﻲ ﻫوﺠینتﺎو "�ﺎت اﻟﻘضﺎء ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب ﻗض�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﺘمتحن ﺤكمتنﺎ‪ ،‬وﺸجﺎﻋتنﺎ‬
‫وﺘصم�منﺎ‪ .‬إن ﻤواﺠﻬﺔ دول �ﻌینﻬﺎ ﻟﻠتﻬدﯿدات واﻷﻋمﺎل اﻟتﻲ ﺘخﻠﻘﻬﺎ وﺘﻘوم ﺒﻬﺎ اﻟمجموﻋﺎت اﻹرﻫﺎﺒ�ﺔ اﻟﻌﺎﺒرة ﻟﻠحدود‬
‫اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪ ،‬ﯿبدو ﻏیر ﻓﻌﺎل‪ .‬وﺤدﻩ اﻟتﻌﺎون اﻟدوﻟﻲ ﻫو اﻟوﺴیﻠﺔ اﻷﻨجﻊ‪ .‬ﺘدﻋم اﻟصین اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ أي ﻋمﻞ‬
‫ﺠمﺎﻋﻲ ﻀد اﻹرﻫﺎب �كﻞ أﺸكﺎﻟﻪ وﻤظﺎﻫرﻩ‪ ،‬وذﻟك ﻓﻲ إطﺎر ه�كﻠ�ﺔ اﻷﻤم اﻟمتحدة وﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﻤیثﺎق اﻷﻤم اﻟمتحدة‬
‫وﻤﻌﺎﯿیر اﻟﻘﺎﻨون اﻟدوﻟﻲ ذات ﺼﻠﺔ"‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻤن اﻟواﻀﺢ أن اﻟصین ﺴتﻘﺎوم اﻟمﻘﺎر�ﺎت اﻷﺤﺎد�ﺔ اﻟجﺎﻨب ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمتحدة إزاء ﻤحﺎر�ﺔ اﻹرﻫﺎب‪ ،‬ﻤﺎ �مثﻞ ﺘحد�ﺎ آﺨر ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫رﻏم ذﻟك‪ ،‬ﺘؤﺜر اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �شكﻞ ﻤ�ﺎﺸر ﻋﻠﻰ اﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫إ�جﺎ�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟنحو اﻵﺘﻲ‪:‬‬
‫ً‬ ‫اﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠصین‬

‫‪ -1‬زﻫﻲ ﻟینﻔﺎي ورون وي‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ص ‪.268-262‬‬

‫‪224‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺌ�س�ﺎ ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺒیئﺔ أﻤن�ﺔ ﻤستﻘرة �شكﻞ ﻋﺎم ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ ﺤرب‬
‫دور ر ً‬
‫‪ /1‬ﻟﻌبت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ًا‬
‫ﺌ�س�ﺎ ﻤن اﻟسﻼم واﻻﺴتﻘرار ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬
‫وﻤستﻔیدا ر ً‬
‫ً‬ ‫ﻫﺎﻤﺎ‬
‫ﻓیتنﺎم‪ ،‬و�ﺎﻨت اﻟصین ﻤسﺎﻫمﺎً ً‬
‫‪ /2‬ﺴﺎﻋدت ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘجﺎﻩ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أوﺠﻪ اﻟﻘصور ﻓیﻬﺎ‪ ،‬ﺤتﻰ اﻵن ﻋﻠﻰ ﻀمﺎن �ﻘﺎء‬
‫اﻟ�ﺎ�ﺎن دوﻟﺔ ﻤسﺎﻟمﺔ ﺘخدم ﻤصﺎﻟﺢ �ﻞ ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟمنطﻘﺔ �ﺄﺴرﻫﺎ‪.‬‬

‫‪ /3‬ﻓﻲ ﺸ�ﻪ اﻟجز�رة اﻟكور�ﺔ‪ ،‬ﺘشترك اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ أﻫداف ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ :‬ﻻ ﺤرب ﺒین اﻟشمﺎل‬
‫واﻟجنوب‪ .‬ﻻ أﺴﻠحﺔ ﻨوو�ﺔ وﻻ اﻨﻬ�ﺎر ﻟكور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ )ﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ اﻟد�مﻘراط�ﺔ اﻟشﻌب�ﺔ(‪ .‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬اﻟصین‬
‫واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻫمﺎ اﻟموردان اﻟرﺌ�س�ﺎن ﻟﻠمسﺎﻋدات اﻟﻐذاﺌ�ﺔ ﻟكور�ﺎ اﻟد�مﻘراط�ﺔ‪� .‬ﺎﻟنظر إﻟﻰ اﻟمستﻘبﻞ‪ ،‬ﺘرﺤب �ﻞ‬
‫ﻤن �كین وواﺸنطن �ﺎﻟمصﺎﻟحﺔ واﻟتكﺎﻤﻞ اﻟسﻠمﻲ اﻟمت�ﺎدل ﺒین اﻟكور�تین‪.‬‬

‫‪ /4‬ﻓﻲ ﺠنوب آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺘود �ﻞ ﻤن اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة رؤ�ﺔ ﺘسو�ﺔ ﺴﻠم�ﺔ ﻟﻠنزاع اﻟﻬندي اﻟ�ﺎﻛستﺎﻨﻲ ﺤول �شمیر‪،‬‬
‫ووﻗﻒ ﺴ�ﺎق اﻟتسﻠﺢ اﻟنووي اﻟنﺎﺸﺊ ﺒین ﻨیودﻟﻬﻲ و�ﺴﻼم أ�ﺎد‪.‬‬

‫‪ /5‬ﺤتﻰ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﻘض�ﺔ ﺘﺎﯿوان‪ ،‬وﻫﻲ ﻗض�ﺔ ﻤثیرة ﻟﻠجدل ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ ﺒین اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻓﺈن ﺴ�ﺎﺴﺔ "اﻟصین‬
‫اﻟواﺤدة" اﻟتﻲ ﺘنتﻬجﻬﺎ واﺸنطن ﻤنذ أواﺨر اﻟس�ﻌین�ﺎت ﺴﺎﻫمت ﻓﻲ اﻻﺴتﻘرار ﻓﻲ ﻤضیق ﺘﺎﯿوان‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أ�ضﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺈن ﻤﻌﺎرﻀﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟتطو�ر ﺘﺎﯿوان أو ﺸراء أﺴﻠحﺔ ﻨوو�ﺔ �خدم ﻤصﺎﻟﺢ اﻟصین ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Wu Xinbo, Op, cit.‬‬

‫‪225‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟم�حث اﻟثﺎﻟث‪ :‬ﻤضﺎﻤین اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك ف�مﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬

‫ﯿرى "ﻟﻲ ﻫسین ﻟوﻨﺞ" أن اﺴتراﺘ�ج�ﺔ "اﻟسﻼم اﻷﻤر�كﻲ" اﻟتﻲ اﺘّ�ﻌتﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ‬
‫اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ ﻤرت �مرﺤﻠتین؛ اﻷوﻟﻰ ﻤن ﻋﺎم ‪ 1945‬إﻟﻰ ﻋﺎم ‪ ،1970‬وﻫﻲ اﻟﻔترة اﻟتﻲ ﺘنﺎﻓست ﺨﻼﻟﻬﺎ‬
‫واﺸنطن ﻤﻊ اﻟكتﻠﺔ اﻟسوﻓیت�ﺔ ﺤول اﻟنﻔوذ واﻟزﻋﺎﻤﺔ‪ ،‬ﺒینمﺎ اﻨشﻐﻠت اﻟصین ﺒبنﺎء اﻗتصﺎدﻫﺎ ﻤﻊ اﻻﺤتﻔﺎظ ﺒ�ﻌض‬
‫اﻟروا�ط اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤﻊ اﻟدول اﻵﺴیو�ﺔ اﻷﺨرى‪. 1‬‬

‫ﺴرﻋﺎن ﻤﺎ دﺨﻞ اﻟسﻼم اﻷﻤر�كﻲ إﻟﻰ ﻤرﺤﻠتﻪ اﻟثﺎﻨ�ﺔ �حﻠول ﻋﺎم ‪ ،1971‬ﻨت�جﺔ ﻟﻠز�ﺎرات اﻟسر�ﺔ اﻟتﻲ أﺠراﻫﺎ‬
‫"ﻫنري �سنجر" �مستشﺎر ﻟﻸﻤن اﻟﻘوﻤﻲ اﻷﻤر�كﻲ إﻟﻰ اﻟصین‪ ،‬واﻟتﻲ أرﺴت أﺴس اﻟتﻘﺎرب اﻟصینﻲ‪-‬اﻷﻤر�كﻲ �ﻌد‬
‫ﻓضﻼ ﻋن اﻨطﻼق ﺒرﻨﺎﻤﺞ "دﻨﻎ" ﻟﻺﺼﻼح واﻻﻨﻔتﺎح ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1978‬وﻨجﺎﺤﻪ ﻓﻲ ﺠﻌﻞ �كین أﻛبر‬
‫ﻋﻘود ﻤن اﻟﻌداء‪ً .‬‬
‫ﺸر�ك اﻗتصﺎدي ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﺨﺎﺼ ًﺔ وأﻨﻬﺎ أﻋطت اﻷوﻟو�ﺔ ﻟتحدﯿث ﻗطﺎﻋﺎﺘﻬﺎ اﻟزراع�ﺔ‪ ،‬واﻟصنﺎع�ﺔ‪ ،‬واﻟﻌﻠم�ﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﻤكنﻬﺎ ﻤن إطﻼق ﻤ�ﺎدراﺘﻬﺎ اﻟحﺎﻟ�ﺔ �م�ﺎدرة "اﻟحزام واﻟطر�ق"‪ ،‬واﻟبنك اﻵﺴیوي‬
‫ﺤسﺎب ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ﺜم ﺘوطدت ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ �جیراﻨﻬﺎ وازداد ﻨﻔوذﻫﺎ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻼﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ وﻏیرﻫم‪ .‬وﻤن ّ‬
‫ﻋﻘب ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة و�شكﻞ أﻋم ﺘتكون ﻤضﺎﻤین ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك ﻤن‬
‫ﺴتﺔ ﻤحﺎور‪ :‬ﺘﻌز�ز اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻷﻤن�ﺔ؛ ﺘﻌمیق اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻤﻊ اﻟﻘوى اﻟنﺎﺸئﺔ؛ إﺸراك اﻟمؤﺴسﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟمتﻌددة‬
‫‪3‬‬
‫اﻷطراف؛ ﺘوﺴ�ﻊ اﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎر‪ .‬ﺘوﺴ�ﻊ اﻟوﺠود اﻟﻌسكري‪ .‬وﺘﻌز�ز اﻟد�مﻘراط�ﺔ وﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬اﻟشراﻛﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �ق�ﺎدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬

‫ﺘﻌد ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ أﻛثر ﻤنﺎطق اﻟﻌﺎﻟم دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬وﻫﻲ ﻤوطن‬
‫ﺘﻌﻘیدا �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﺠﻬﺎت ﻓﺎﻋﻠﺔ إﻗﻠ�م�ﺔ ﻤتﺎ�ﻌﺔ ﻤصﺎﻟحﻬم‬
‫ً‬ ‫ﻷﻛثر ﻤن ﻨصﻒ ﺴكﺎن اﻟﻌﺎﻟم واﻟنﺎﺘﺞ اﻻﻗتصﺎدي‪ ،‬وﺘتزاﯿد‬
‫اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ ﻤشﻬد ﯿتحول ف�ﻪ اﻟسﻠطﺔ واﻟنﻔوذ‪ 4 .‬و�ﻘﻊ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﻗﻠب ﻫذﻩ اﻟصورة اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫ﻤر�ز ﻟﻠمنﺎﻓسﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟصین؛ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟنحو‪ ،‬ﺘتطﻠب ﻤنطﻘﺔ‬
‫و�ص�ﺢ ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻤتزاﯿد ًا‬

‫‪ -1‬ھدﯾر أﺑو زﯾد‪" ،‬ﺧﯾﺎرات ﺣرﺟﺔ‪ :‬ﻣﺳﺗﻘﺑل "اﻟﻘرن اﻵﺳﯾوي" ﻓﻲ ظل اﻟﺗﻧﺎﻓس اﻷﻣرﯾﻛﻲ– اﻟﺻﯾﻧﻲ"‪) ،‬ﻣرﻛز اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟﻠدراﺳﺎت واﻷﺑﺣﺎث اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪24 ،‬‬
‫ﯾوﻧﯾو‪https://cutt.ly/7A3wx87 ،(2020 ،‬‬
‫‪ -2‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‬
‫‪3‬‬
‫‪- Chris Mills, Op. cit. p 1.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Bates Gill, Evelyn Goh , Chin-Hao Huang, THE DYNAMICS OF US–CHINA–SOUTHEAST ASIA RELATIONS,(University of‬‬
‫‪sdney, The united states studies centre, June 2016), p 3. https://cutt.ly/ZA9G3oC‬‬

‫‪226‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻓرﺼﺎ وﺘحد�ﺎت ﻫﺎﺌﻠﺔ ﻟتﻌز�ز اﻟمشﺎر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬


‫�ك�ﺎ أﻛبر �كثیر وﺘوﻓر ً‬
‫اﻫتمﺎﻤﺎ أﻤر ً‬
‫ً‬ ‫ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‬
‫‪1‬‬
‫وﺴ�ﺎﺴ�ﺎ وﻤن ﺨﻼل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤن�ﺔ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ودﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺎ‬
‫ً‬ ‫اﻗتصﺎد�ﺎ‬
‫ً‬ ‫اﻟمح�طین اﻷوﺴﻊ ‪-‬‬

‫ﻛﺎﻨت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أﻛبر ﺸر�ك ﺘجﺎري ﻟجم�ﻊ اﻟدول اﻵﺴیو�ﺔ ﺤتﻰ أواﺌﻞ اﻟﻌﻘد اﻷول ﻤن اﻟﻘرن اﻟحﺎدي‬
‫واﻟﻌشر�ن‪ ،‬ﻋندﻤﺎ ﺘوﻟت اﻟصین اﻟتﺎج؛ زادت ﺘجﺎرة اﻟصین ﻤﻊ دول آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �شكﻞ ﻤطرد ﻋﻠﻰ ﻤر‬
‫اﻟسنین‪ ،‬و�حﻠول ﻋﺎم ‪� ،2010‬ﺎن ﺤجم ﺘجﺎرة اﻟصین ﻤﻊ دول آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �ﻘﺎرب ﻀﻌﻒ ﺤجم ﺘجﺎرة‬
‫ﺘطور ﻓﻲ‬
‫ًا‬ ‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ 2 .‬ﻤﻊ ذﻟك ﻻ ﯿزال اﻗتصﺎد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ ﺤد �ﻌید أﻛبر اﻗتصﺎد ﻤنﻔرد وأﻛثرﻫﺎ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬إﻨﻬﺎ ﺴوق �بیرة �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟمنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻻ ﯿزال اﻻﺴتثمﺎر اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ أﻛبر �كثیر ﻤن‬
‫أ�ضﺎ ﺒتﻔوق ﺘكنوﻟوﺠﻲ �بیر‪ ،‬ﻓضﻼً ﻋن ﻤزا�ﺎ ه�كﻠ�ﺔ �مﺎ ﻓﻲ ذﻟك‬
‫اﻻﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟصین‪ .‬ﺘحتﻔظ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ً‬
‫دور اﻟﻌمﻠﺔ اﻻﺤت�ﺎط�ﺔ ﻟﻠدوﻻر اﻷﻤر�كﻲ‪ ،‬ﻫذا �ﻌنﻲ أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟدﯿﻬﺎ ﻗدرة أﻛبر ﻋﻠﻰ اﻨتزاع ﻨﻔسﻬﺎ ﻤن‬
‫ﻤشﺎﻛﻠﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ أﻛثر ﻤن أي دوﻟﺔ أﺨرى ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺤ�ﺎزة اﻟصین اﻟﻬﺎﺌﻠﺔ ﻤن اﻷﺼول‬
‫"اﻟمتمﺎﺜﻞ"‪3 .‬‬ ‫اﻟمﻘوﻤﺔ �ﺎﻟدوﻻر ﻫﻲ ﺴ�ف ذو ﺤدﯿن‪� ،‬صﻔﻪ اﻟ�ﻌض �ﺎﻻﻋتمﺎد اﻟمت�ﺎدل‬

‫ﺤتﻰ ﻋﺎم ‪� ،2006‬ﺎﻨت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟشر�ك اﻟتجﺎري اﻷﻛبر ﻟـ ‪ 127‬دوﻟﺔ‪ ،‬ﻤﻘﺎﺒﻞ ‪ 70‬ﻓﻘط ﻟﻠصین‪.‬‬
‫�حﻠول ﻋﺎم ‪� 2011‬ﺎن اﻻﺜنﺎن ﯿت�ﺎدﻻن اﻷﻤﺎﻛن �شكﻞ واﻀﺢ‪ 124 :‬دوﻟﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬و‪ 76‬ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬
‫ﺘظﻬر اﻟنتﺎﺌﺞ ﻤدى اﻟسرﻋﺔ اﻟتﻲ ﺼﻌدت ﺒﻬﺎ اﻟصین ﻟتحدي ﻤكﺎﻨﺔ أﻤر�كﺎ ﻤنذ ﻗرن ﻤن اﻟزﻤﺎن �صﻔتﻬﺎ اﻟمتداول‬
‫�ج�ﺎ إﻟﻰ اﻟنﻔوذ اﻟس�ﺎﺴﻲ‪ .‬إﻨﻬم �سﻠطون اﻟضوء ﻋﻠﻰ ﻤدى اﻨتشﺎر‬ ‫اﻟمﻬ�من ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻫو اﻟتﻐییر اﻟذي ﯿترﺠم ﺘدر ً‬
‫ﺘﺄﺜیر اﻟصین‪ ،‬ﺤیث اﻨتشر ﻤن آﺴ�ﺎ اﻟمجﺎورة إﻟﻰ إﻓر�ق�ﺎ و�ظﻬر اﻵن ﻓﻲ أﻤر�كﺎ اﻟﻼﺘین�ﺔ‪ ،‬اﻟﻔنﺎء اﻟخﻠﻔﻲ اﻟتﻘﻠیدي‬
‫ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة؛ ‪ 4‬وﻟذﻟك ﻗررت إدارة أو�ﺎﻤﺎ ﻤحﺎوﻟﺔ وﻗﻒ ﻫذا اﻻﻨجراف اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻤن ﺨﻼل "اﻟتحول"‬
‫داﺌمﺎ ﻗوة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻨحو ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬ﺘحتﺞ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ �ﺎﻨت ً‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫�ﺎﻋت�ﺎرﻩ أﻛبر ﻤشروع ﺒن�ﺔ ﺘحت�ﺔ ﻓﻲ اﻟتﺎر�ﺦ‪ ،‬ﻓﺈن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺘشكﻞ أﻛبر ﺘحد ﺠیو‪-‬اﻗتصﺎدي‬
‫وﺠیو‪-‬إﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ .‬ﻤﻊ ‪ 139‬دوﻟﺔ أﻋضﺎء ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق و‪ 100‬دوﻟﺔ ﻤن أوراﺴ�ﺎ واﻟشرق‬
‫اﻷوﺴط و�ﻓر�ق�ﺎ ﻤنخرطﺔ �شكﻞ �ﺎﻤﻞ ﻓﻲ ﺸراﻛﺎت اﻗتصﺎد�ﺔ‪-‬ﺼنﺎع�ﺔ وﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﺘحﻞ اﻟصین ﻤحﻞ اﻟوﻻ�ﺎت‬

‫‪1‬‬
‫‪- Bates Gill, Evelyn Goh, Chin-Hao Huang, Op. cit, p 3.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op, cit. P13.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Munir Majid, Op, cit. p 26.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- David Lai, Op, cit. P14.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Munir Majid, Op, cit. p 22.‬‬

‫‪227‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟمتحدة �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟﻼﻋب اﻟتجﺎري اﻟمس�طر واﻟمؤﺜر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪� ،‬ﺎﺴتثمﺎرات ‪ 1.3‬ﺘر�ﻠیون‬
‫دوﻻر �ق�ﺎدة اﻟصین‪ ،‬ﻫﻲ ﺒرﻨﺎﻤﺞ ﻤتﻌدد اﻟﻌﻘود ﯿتضمن ﺸ�كﺔ ﻤن اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪� .‬شتمﻞ اﻟبرﻨﺎﻤﺞ ﻋﻠﻰ اﻟطرق واﻟسكك‬
‫اﻟحدﯿد�ﺔ واﻻﺘصﺎﻻت وﺨطوط أﻨﺎﺒیب اﻟطﺎﻗﺔ وﻤشﺎر�ﻊ اﻟطﺎﻗﺔ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك طﺎﻗﺔ اﻟر�ﺎح واﻟطﺎﻗﺔ اﻟشمس�ﺔ واﻟمواﻨﺊ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وﺘﻌز�ز اﻟترا�ط اﻻﻗتصﺎدي وﺘسﻬیﻞ اﻟتنم�ﺔ ﻋبر أوراﺴ�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ‪.‬‬

‫ﻤن اﻟصﻌب ﻓصﻞ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻋن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘوﻓر ﻤجتمﻌﺔ رؤ�ﺔ أﻛثر‬
‫ﺸموﻟ�ﺔ ﻟﻸﺴس اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟجدﯿد‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﯿنضﺢ ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي‬
‫ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﺒﻬو�ﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ اﻟتﻲ ﺘﻌتبر �ﺎﻟﻐﺔ اﻷﻫم�ﺔ ﻟمشروع ﺒنﺎء اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ﺘوازن‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻘوى اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪.‬‬

‫ﻫنﺎك ﺘﻔسیرات ﻋدﯿدة ﻟتوز�ﻊ اﻟﻘوة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وﻟكن �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠكثیر�ن ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫ﺤﺎﻟ�ﺎ ﺤول اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻫذا اﻟمنظور‬ ‫اﻟمتحدة وﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﺘدور اﻟروا�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ ً‬
‫اﻟت�س�طﻲ ﻻ �ﺄﺨذ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر �شكﻞ �ﺎف اﻟجﻬﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻷﺨرى ﻤثﻞ اﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟﻬند‪ ،‬أو اﻷدوات اﻟجدﯿدة‬
‫‪3‬‬
‫ﻟﻠضﻐط ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬أو ﻤدى اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟمتﻐیرة وﺘﻌﻘیدﻫﺎ‪.‬‬

‫اﻟدول اﻟتﻲ ﺘع�ش ﺤﺎﻟﺔ ﻤن اﻟتدﻫور اﻟنسبﻲ ﺘﻘﺎوم اﻟتنﺎزل ﻋن وﻀﻌﻬﺎ ﻟمنﺎﻓسین ﺼﺎﻋدﯿن‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق‪،‬‬
‫ﺘكتسب اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن وأﺴتراﻟ�ﺎ وﻓیتنﺎم واﻟﻬند أﻫم�ﺔ أﻛبر‪ .‬ﺨﺎﺼﻪ‪ ،‬اﺘخذت اﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟﻬند ﺨطوات‬
‫ﻟتوﺴ�ﻊ روا�طﻬمﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟتجﺎر�ﺔ ﻤﻊ ﻤختﻠﻒ دول ﺠنوب ﺸرق وﺸرق آﺴ�ﺎ ﻤن أﺠﻞ اﻟتﻌز�ز اﻟتدر�جﻲ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت‬
‫اﻷﻤن�ﺔ‪ .‬اﻨزﻻق اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ دور "اﻟموازن اﻟخﺎرﺠﻲ" ﺴ�ﻌنﻲ أن اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟصین‬
‫‪4‬‬
‫ﺴوف ﺘتمیز "�ﺎﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟتﻌﺎوﻨ�ﺔ" ﻓﻲ أﻓضﻞ اﻷوﻗﺎت و"اﻟسﻼم اﻟ�ﺎرد" ﻓﻲ أﺴوأ اﻷوﻗﺎت‪.‬‬

‫�ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ روا�طﻬﺎ اﻟتجﺎر�ﺔ اﻟطو�ﻠﺔ ﻤﻊ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﺘحتﻔظ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﻌﻼﻗﺎت ﺘحﺎﻟﻒ ﻤﻌﺎﻫدة ﻤﻊ‬
‫اﻟ�ﺎ�ﺎن وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ وأﺴتراﻟ�ﺎ واﻟﻔﻠبین وﺘﺎﯿﻼﻨد ﻷﻛثر ﻤن ﻨصﻒ ﻗرن‪ ،‬ﺸكﻞ ه�كﻞ اﻟتحﺎﻟﻒ اﻟثنﺎﺌﻲ ﻫذا اﻟﻬ�كﻞ‬
‫اﻷﻤنﻲ ﻏیر اﻟرﺴمﻲ ﻟﻠمنطﻘﺔ؛ ﻟذا ﺘظﻞ اﻟتحﺎﻟﻔﺎت ذات أﻫم�ﺔ ﺤﺎﺴمﺔ ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻟجﺔ اﻟتحد�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟصع�ﺔ ﻓﻲ‬
‫‪5‬‬
‫أﺴﺎﺴﺎ ﺜﺎﺒتًﺎ ﻟﻠجﻬود اﻟمتﻌددة اﻷطراف ﻟمﻌﺎﻟجﺔ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن�ﺔ ﻏیر اﻟتﻘﻠید�ﺔ ﻫنﺎك‪.‬‬ ‫ق‬
‫ﻤنطﻘﺔ ﺸر آﺴ�ﺎ وﺘوﻓر ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Marshal M. Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Hari Singh, Op. cit. p 67.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, Op. cit, p 2.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Mohan Malik, Op. cit, p 172‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p 1.‬‬

‫‪228‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺘحﺎرب اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین ﺘجﺎر�ﺎ‪ ،‬وﻤمﺎرﺴﺔ اﻟضﻐط ﻋﻠیﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل ﺴ�طرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟمؤﺴسﺎت اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ وﺘﻌﺎرض ﺤصول اﻟصین ﻋﻠﻰ ﺤصتﻬﺎ ﻤن اﻟنﻔوذ واﻟﻘرار داﺨﻞ اﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪� .‬مﺎ‬
‫�ﻌكس ﺤجم اﻻﻗتصﺎد اﻟصینﻲ‪ ،‬ووزﻨﻪ ﻀمن اﻻﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ 1 .‬و�رى اﻟ�ﻌض ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺘسﻌﻰ ‪-‬ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول‪-‬إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺒنﺎء اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ ﺒوﻀﻊ اﻟصین‬
‫ﮐزع�م ﻟنظﺎم آﺴیوي ﻤر�زي ‪ ،Sinocentric Asian Order‬و�ﻌدﻩ ﺒنﺎء ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ ﺠدﯿد ﺘﻘودﻩ اﻟصین‪ ،‬وﺘجمﻊ‬
‫اﻟم�ﺎدرة ﺒین اﻷﻓﮑﺎر اﻟجدﯿدة‪ ،‬ﻤثﻞ "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" و"ﺤﻠم آﺴ�ﺎ" واﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟجدﯿدة ﻤثﻞ "اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ واﻷﻤن''‬
‫‪2‬‬
‫ﻟبنﺎء ﻤﺎ �سم�ﻪ "ﺸﻲ" "ﻤجتمﻊ اﻟمصیر اﻟمشترك''‪.‬‬

‫ﺒنﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة طرح �ﻌض اﻟ�ﺎﺤثین وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻨطﻼﻗﺎ ﻤن اﻋتﻘﺎدﻫم �ﺄﻨﻪ ﻤن اﻵن ﻓصﺎﻋدا ﺴیزداد‬
‫اﻟتﻔكیر ﻓﻲ اﻟﻌواﻤﻞ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟمصﺎﻟﺢ اﻟحق�ق�ﺔ ﻓﻲ ﻨطﺎق اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ وﺴوف ﯿتدﻨﻰ اﻟتﺄﺜیر اﻷﯿدﯿوﻟوﺠﻲ‪،‬‬
‫ﻟكن إذا ﺘﺄﻤﻠنﺎ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟتﻲ ﺘنتﻬجﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﻘوة ﻋظمﻰ ﻤﻬ�منﺔ ﺘجﺎﻩ اﻟصین �ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب‬
‫‪3‬‬
‫اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﻓسنجد أن وﺠﻬﺔ اﻟنظر ﻫذﻩ ﺘستحق اﻟتﺄﻤﻞ واﻟتﻔكیر ﻤن ﺠدﯿد‪.‬‬

‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻻ ﺘزال اﻟﻘوة اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬إﻻ أﻨﻬﺎ‬
‫�حﺎﺠﺔ إﻟﻰ إﯿﻼء اﻫتمﺎم ﻤستمر ﻹدارة اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻤﻊ اﻷﺼدﻗﺎء واﻟحﻠﻔﺎء اﻹﻗﻠ�میین إذا �ﺎﻨت ﺘﺄﻤﻞ ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺠﺎذﺒیتﻬﺎ‪ .‬وﺘتمثﻞ اﻟمﻬمﺔ طو�ﻠﺔ اﻟمدى ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ �ﺄﺴرﻩ ﻓﻲ ﻀمﺎن ﺘواﻓق اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ‬
‫اﻟصین�ﺔ اﻟجدﯿدة ووﺠﻬﺎت اﻟنظر اﻟنﺎﺸئﺔ ﺤول اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻤﻊ اﻻﺴتﻘرار واﻷﻤن‪ .‬ﻓﺎﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟم�ﺎﺸرة ﻤﻊ اﻟصین‬
‫‪4‬‬
‫ﺴتنﻔق ﺒﻼ داع ﻤوارد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺘح�ط ظﻬور ﺘوازن ﻗوى ﻤستدام ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2005‬وﻗﻌت ﺴنﻐﺎﻓورة ﻤﻊ ﺒروﻨﺎي وﺘشیﻠﻲ وﻨیوز�ﻠندا ﻋﻠﻰ ﺸراﻛﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻋبر‬
‫ﻨموذﺠﺎ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻠضﻐط ﻤن أﺠﻞ ﻨسختﻬﺎ ﻤن اﺘﻔﺎق�ﺔ ﺸراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط‬
‫ً‬ ‫اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ‪.‬اﻟتﻲ أﺼ�حت‬
‫اﻟﻬﺎدئ )‪ 5 .(TPP‬ﺴتسمﺢ اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﺨتراق أﺴواق آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‬

‫وﺘوﺴ�ﻊ اﻟصﺎدرات اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬وﺴتكون ً‬


‫أ�ضﺎ وﺴیﻠﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻠترو�ﺞ ﻟمﻌﺎﯿیر ﺠدﯿدة‬

‫‪ -1‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫‪ -2‬ﺻﻔﺎء ﺻﺎﺑر ﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣﺣﻣدﯾن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫‪ -3‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.14-13‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros -M. Taylor Fravel, Op. cit. p 34.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op. cit. P 96.‬‬

‫‪229‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻻﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪ .‬إﻨﻪ ﺠﻬد أﻤر�كﻲ ﻹطﻼق اﻟﻌمﻠ�ﺔ اﻟمتوﻗﻔﺔ ﻤنذ ﻓترة طو�ﻠﺔ ﻟتحر�ر‬
‫اﻟتجﺎرة ﻀمن إطﺎر ﻋمﻞ ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪ .(APEC‬ﻓﻲ ﺤین أن اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟشراﻛﺔ‬
‫ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﺴتجﻠب اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻬدف اﻟحق�ﻘﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻫو‬
‫‪1‬‬
‫ﻤوازﻨﺔ اﻟصین‪ ،‬وﺘﻘﻠیﻞ ﻨﻔوذ اﻟصین ﻓﻲ را�طﺔ دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ )آﺴ�ﺎن(‪.‬‬
‫ﺘﻌد اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪ (TPP‬ﻫﻲ اﻷﻛثر ﺘمثیﻼ ﻟﻠطب�ﻌﺔ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺒین ﻤختﻠﻒ ﻤخططﺎت‬
‫وﻀوﺤﺎ‪� ،‬ﻌد ﻋﺎم ‪،2008‬‬
‫ً‬ ‫اﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟتجﺎرة اﻟحرة اﻟمتﻌددة اﻷطراف ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬و�شكﻞ أﻛثر‬
‫أﻋر�ت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋن اﻫتمﺎﻤﻬﺎ �ﺎﻻﻨضمﺎم إﻟﻰ ‪،( Singapore، New Zealand، Chile،Brunei)P4‬‬
‫أ�ضﺎ‪.‬‬
‫واﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻤﻔتوﺤﺔ ﻟﻠمشﺎر�ین اﻟجدد‪ .‬وﺸﻬد اﻟﻌﺎم ﻨﻔسﻪ اﻨضمﺎم أﺴتراﻟ�ﺎ وﻓیتنﺎم و�یرو إﻟﻰ ﻤﻔﺎوﻀﺎت ‪ً P4‬‬
‫�حﻠول ﺸﻬر ﻤﺎرس‪ ،2013‬وﻤﻊ ﺘحول اﻟ�ﺎ�ﺎن إﻟﻰ اﻟطرف اﻟثﺎﻨﻲ ﻋشر اﻟمتﻔﺎوض‪ ،‬أﺼ�حت اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ �سرﻋﺔ أﻗوى �تﻠﺔ ﺘجﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �ﺄﻛمﻠﻬﺎ‪ .‬و�شیر اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟمراﻗبین إﻟﻰ ﻋضو�ﺔ‬
‫اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤنﺎورة ﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟكبرى ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ .‬واﻟصین ﻫﻲ أﺒرز اﺴت�ﻌﺎد ﻤن ﻋمﻠ�ﺔ اﻟتﻔﺎوض‪.‬‬

‫ﺤدث ﺘﻐییر ﻓﻲ اﻟجو اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﻤﺎي ‪ .2013‬أﺸﺎر اﻟمتحدث �ﺎﺴم و ازرة اﻟتجﺎرة اﻟصین�ﺔ إﻟﻰ أن اﻟصین‬
‫"ﺴتحﻠﻞ اﻟمزا�ﺎ واﻟمسﺎوئ واﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻻﻨضمﺎم إﻟﻰ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻋﻠﻰ أﺴﺎس �حث دﻗیق وﻤ�ﺎدئ‬
‫ردا ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﻠ�ﻘﺎت اﻟسﺎ�ﻘﺔ ﻟﻠمﻔﺎوﻀین اﻟتجﺎر�ین‬ ‫اﻟمسﺎواة واﻟمنﻔﻌﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ "‪ .‬ﻗد �كون ﻫذا اﻟتﻐییر ﻓﻲ اﻟموﻗﻒ ً‬
‫أ�ضﺎ ً‬
‫اﻷﻤر�كیین أﻨﻪ طﺎﻟمﺎ أن اﻟصین "ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺘﻠب�ﺔ اﻟمﻌﺎﯿیر اﻟﻌﺎﻟ�ﺔ اﻟتﻲ ﻨتﻔﺎوض �شﺄﻨﻬﺎ"‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘترك‬
‫ﺨ�ﺎراﺘﻬﺎ �شﺄن ﻋضو�ﺔ )‪ (TPP‬اﻟنﻬﺎﺌ�ﺔ ﻤﻔتوﺤﺔ‪. 3‬‬

‫وﻋﻠﻰ ﻤدى اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻟم ﯿتحﻘق ﺴوى اﻟﻘﻠیﻞ ﺒین اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬
‫ﻟكن اﻟطرﻓین ﻟ�سﺎ ﻤت�ﺎﻋدﯿن إﻟﻰ ﻫذا اﻟحد ﻤن ﺤیث ﻨصوص اﻟمﻌﺎﻫدات ﻗید اﻟتﻔﺎوض‪ .‬ﻤن اﻟمتصور أن ﺘشمﻞ‬
‫ﻤﻌﺎﻫدة اﻻﺴتثمﺎر اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﺒین اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺠم�ﻊ ﻤراﺤﻞ اﻻﺴتثمﺎر وﺠم�ﻊ اﻟﻘطﺎﻋﺎت‪ .‬ﻤحتو�ﺎت )‪(BIT‬‬

‫)ﻤﻌﺎﻫدة اﻻﺴتثمﺎر اﻟثنﺎﺌ�ﺔ( ﻫﻲ ﻨﻔسﻬﺎ اﻟموﺠودة ﻓﻲ ﻓصﻞ اﻻﺴتثمﺎر ﻤن )‪ .(TPP‬إذن‪ ،‬ﻤﺎ اﻟذي �جﻌﻞ اﻟصین‬

‫‪1‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. Pp 14-15.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op. cit. p 98.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. pp 98-99.‬‬

‫‪230‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤنﻔصﻠین ﻓﻲ ﻋمﻠ�ﺔ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ؟ اﻹﺠﺎ�ﺔ اﻟمختصرة ﻫﻲ أﻨﻪ ﻟم ﺘكن اﻟصین وﻻ‬
‫أﺒدا ﺘشﺎرك ﻏرﻓﺔ اﻟمﻔﺎوﻀﺎت ﻤﻊ �ق�ﺔ ﻤﻔﺎوﻀﻲ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬وﻤن اﻟمؤ�د أن‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ً‬
‫اﻻﻋت�ﺎرات اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺘﻠﻌب دو اًر ﻓﻲ ﻫذا اﻷﻤر‪ .‬و�مﺎ ﯿزﻋم اﻟمحﻠﻠون اﻷﻤیر�یون‪ ،‬ﻓﺈن اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻬﺎدئ ﺘتﻌﻠق �ﺎﻟق�ﺎدة �ﻘدر ﻤﺎ ﺘتﻌﻠق �ﺎﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎر‪.‬‬

‫إن إدراج اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �ﻌزز اﻟشكوك ﻓﻲ اﻟصین �شﺄن ﻋودة اﻻﺤتواء‬
‫اﻟذي ﺘﻘودﻩ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أو ﺘراﺠﻊ ﺼﻌود اﻟصین‪ .‬ﻓﻘد ﺸﻬدت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن دواﻤﺔ‬
‫ﻫبوط ﺤﺎدة‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻷﺨص �ﻌد ﻋﺎم ‪ ،2012‬ﻋندﻤﺎ ﺘحر�ت طو�یو ﻟـ "ﺘﺄﻤ�م" ﺠزر د�ﺎو�و ‪ /‬ﺴینكﺎﻛو اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ‬

‫ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ‪ .‬ﺠﺎدل اﻟمﻌﻠﻘون ﻓﻲ اﻟصین ً‬


‫أ�ضﺎ �ﺄن اﻟ�ﺎ�ﺎن ﺘ�ﺎطﺄت ﻓﻲ ﻤﻔﺎوﻀﺎت اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة‬
‫ﺒین اﻟصین و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟتﻘﻠ�ص اﻟدور اﻻﻗتصﺎدي اﻟمتزاﯿد ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ُ .‬ﯿنظر إﻟﻰ اﻟ�ﺎ�ﺎن‬
‫ﺨیر وﻟ�س‬
‫واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ أﻨﻬمﺎ داﻋمتﺎن "ﻟﻠوﻀﻊ اﻟراﻫن" ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ وﻋرﻗﻠﺔ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠصین‪ .‬أ ًا‬
‫آﺨرا‪ ،‬ﻤنذ ﺘوﻟ�ﻪ ﻤنصب رﺌ�س اﻟوزراء اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ ﻟﻠمرة اﻟثﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2012‬ﺤرص "ﺸینزو آﺒﻲ"‪ Shinzo Abe‬ﻋﻠﻰ‬
‫ً‬
‫ﺘﻌز�ز اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻤﻊ دول اﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬ﻓﻲ ﻤحﺎوﻟﺔ ﻟتﻌز�ز اﻹﻏراء اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻟﻠتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ ﺘﻬدﯿد‬
‫‪2‬‬
‫اﻟصین‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬اﻟشراﻛﺔ اﻷﻤن�ﺔ وﺘﻌز�ز اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟ�ﺎﺴ�ف�كﻲ‬

‫�ﻞ ﻤن اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟحیو�ﺔ ﻓﻲ ﻤنﺎطق آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬ف�ﺎﻟنس�ﺔ‬
‫ﺘحتﻔظ ﱞ‬
‫ﻨظر‬
‫�ﻞ ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‪ ،‬واﻟﻬند‪ ،‬وﻏیرﻫم ﺤﻠﻔﺎء ﻟواﺸنطن‪ً ،‬ا‬ ‫ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻤن اﻟمنطﻘﻲ أن ﺘص�ﺢ ﱞ‬
‫ﻤرور �ﺄﺴواﻗﻬﺎ وﺸر�ﺎﺘﻬﺎ‬
‫ﻟﻠوﺠود اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟمنﺎطق واﻟذي �ﻠﻔﻬﺎ اﻟكثیر ﺒدا� ًﺔ ﻤن ﺤرو�ﻬﺎ ﻓﻲ �ور�ﺎ وﻓیتنﺎم‪ً ،‬ا‬
‫واﺴتثمﺎراﺘﻬﺎ اﻟضخمﺔ ﻫنﺎك؛ ‪ 3‬وﻋﻠﻰ اﻟجﺎﻨب اﻵﺨر‪ ،‬ﻨجد اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟحیو�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﺴواء ﻓﻲ ﺸمﺎل ﺸرق آﺴ�ﺎ‪،‬‬
‫ﺤیث اﻟحروب اﻟصین�ﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ واﻟحرب اﻟكور�ﺔ‪ ،‬أو ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻨت�جﺔ ﻟرغ�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op. cit. p 99.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. P 99.‬‬
‫‪ -3‬ھدﯾر أﺑو زﯾد‪" ،‬ﺧﯾﺎرات ﺣرﺟﺔ‪ :‬ﻣﺳﺗﻘﺑل "اﻟﻘرن اﻵﺳﯾوي" ﻓﻲ ظل اﻟﺗﻧﺎﻓس اﻷﻣرﯾﻛﻲ– اﻟﺻﯾﻧﻲ"‪) ،‬ﻣرﻛز اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟﻠدراﺳﺎت واﻷﺑﺣﺎث اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪24 ،‬‬
‫ﯾوﻧﯾو‪https://cutt.ly/7A3wx87 ،(2020 ،‬‬

‫‪231‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻤصﺎدر اﻟطﺎﻗﺔ واﻟممرات اﻟ�حر�ﺔ اﻟﻬﺎﻤﺔ ﻫنﺎك‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ �جﻌﻠﻬﺎ إﺤدى أﺸﻬر ﻤنﺎطق اﻟتنﺎﻓس ﺒینﻬﺎ و�ین اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمتحدة‪.‬‬

‫وﻟدى اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻗوة ﻋسكر�ﺔ ﻻ ﻤثیﻞ ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻤمﺎ �ضمن اﻟق�ﺎدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ؛ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪،2011‬‬
‫أﻨﻔﻘت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ اﻟدﻓﺎع ﺜمﺎﻨ�ﺔ أﻀﻌﺎف ﻤﺎ أﻨﻔﻘتﻪ اﻟصین‪ ،‬أﻗرب ﻤنﺎﻓس ﻟﻬﺎ‪ .‬ﺘجﺎوزت ﻤیزاﻨ�ﺔ اﻟدﻓﺎع‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟ�ﺎﻟﻐﺔ ‪ 739.3‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر �شكﻞ ﻤر�ﺢ ‪ 486.4‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻤن اﻟﻘوى اﻟتسﻊ اﻟتﺎﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻤن ﺒینﻬﺎ اﺜنتﺎن ﻓﻘط‬
‫‪2‬‬
‫�مكن اﻋت�ﺎرﻫمﺎ ﻋن �ﻌد "ﻤﻌﺎدﯿین" اﻟصین وروﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﺘر�د اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘنش�ط ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ وﺸر�ﺎﺌﻬﺎ اﻹﻗﻠ�میین ﻟترك اﻟصین وﺤدﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟجبﻬﺔ‬
‫اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ وﺘﻌتمد ﻋﻠﻰ ﺸر�ﺎﺌﻬﺎ ﻟتحمﻞ اﻟكثیر ﻤن اﻟﻌبء اﻷﻤنﻲ ﻟمنﻊ اﻟصین ﻤن اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟمشﻬد اﻻﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ . 3‬ﻻ ﯿن�ﻐﻲ اﻟنظر إﻟﻰ اﻟطب�ﻌﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﻟﻠتحﺎﻟﻔﺎت ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻗید ﻋﻠﻰ ﻤشﺎر�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻟمتﻌددة اﻷطراف ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‪� ،‬جب أن ﯿبدأ ذﻟك �ﺎﻟحوارات اﻷﻤن�ﺔ اﻟثﻼﺜ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘتجذر اﻵن ﺒین‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟ�ﺎ�ﺎن وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وأﺴتراﻟ�ﺎ واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘر�ز ﻋﻠﻰ ﺘوﺴ�ﻊ ﻤجﺎﻻت‬
‫اﻟتﻌﺎون اﻟﻘﺎﺌم ﻋﻠﻰ اﻟتحﺎﻟﻒ‪� .‬مﺎ أن اﻟحوار اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟر�ﺎﻋﻲ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟ�ﺎ�ﺎن وأﺴتراﻟ�ﺎ واﻟﻬند ﻗید‬
‫اﻟدراﺴﺔ‪� .‬مﺎ ﯿن�ﻐﻲ اﻟنظر إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟتحﺎﻟﻔﺎت ﺒوﺼﻔﻬﺎ ﺤجر اﻟزاو�ﺔ ﻟﻠتنسیق اﻟمتﻌدد اﻷطراف ﻤﻊ اﻟدول ﻏیر اﻟحﻠﻔﺎء‬
‫‪4‬‬
‫ﻤن أﺠﻞ اﻟتصدي ﻟﻠﻌدﯿد ﻤن اﻟمشﺎﻛﻞ اﻷﻤن�ﺔ ﻏیر اﻟتﻘﻠید�ﺔ اﻟتﻲ ﺘواﺠﻪ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫ﯿتم ﺘﻘد�م ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ ﻓﻲ اﻟوﺜﺎﺌق اﻟرﺴم�ﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻤسﺎﺤﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﺠیو‪-‬‬
‫اﻗتصﺎد�ﺔ ﻤر�ز�ﺔ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋن اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ 5 .‬اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟصین�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻬ�منﺔ واﻟمكﺎﻨﺔ‬
‫ﺘشمﻞ ﻋدة أ�ﻌﺎد؛ وﻤن أﻫم ﻫذﻩ اﻟمﻔﺎه�م ﺘصورات اﻟتﻬدﯿد اﻟﻌسكري‪ ،‬واﻟتنﺎﻓس ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟتجﺎر�ﺔ‪ ،‬واﻟجواﻨب‬
‫اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ واﻷﻓكﺎر اﻟمتنﺎﻓسﺔ ﺤول اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ .‬وﻨت�جﺔ ﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺘطو�ر اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺎ واﺴتخداﻤﻬﺎ‪،‬‬
‫ﻓضﻼ ﻋن اﻟﻬ�ﺎﻛﻞ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﯿنظر إﻟیﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻤتزاﯿد �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻋنﺎﺼر اﻟمنﺎﻓسﺔ ﺒین اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟصین‪.‬‬
‫وﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمح�ط اﻟﻬندي واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻓﻲ ﻨواح �ثیرة‪ ،‬ﺘرﺘ�ط ارﺘ�ﺎطﺎ وﺜ�ﻘﺎ �جم�ﻊ ﺠواﻨب اﻟمنﺎﻓسﺔ ﺒین اﻟصین‬
‫‪6‬‬
‫واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫‪ -1‬ھدﯾر أﺑو زﯾد‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op. cit. p 26.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 271.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. p5.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Felix Heiduk and Gudrun Wacker, Op. cit. p 13.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-I bid.. p 7.‬‬

‫‪232‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫داﺌمﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟدوﻟﺔ ذات‬


‫اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻫﻲ ﻋنصر ﺤﺎﺴم ﻟﻠﻬ�منﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟحﺎﻟﺔ ﻟ�ست �ذﻟك ً‬
‫ﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘتوﻟﻰ زﻤﺎم اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻲ ﻨظﺎم إﻗﻠ�مﻲ أو دوﻟﻲ‪ .‬ﺒدأت اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫اﻟﻘدرات اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟمتﻔوﻗﺔ ً‬
‫ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬ﻤن اﻟمﻬم أن ﻨﻼﺤظ أﻨﻪ �حﻠول ﻋﺎم ‪� 1945‬ﺎﻨت اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻋﻠﻰ وﺸك اﻟﻬز�مﺔ‪ .‬وﻤﻊ‬
‫ذﻟك‪ ،‬اﺨتﺎرت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻘﺎء ﻗنبﻠتین ذر�تین ﻋﻠﻰ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬ﻤدع�ﺔ أن ﻤثﻞ ﻫذا اﻹﺠراء ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أن ﯿنﻘذ‬
‫�ب�ﺎ‪،‬‬
‫ﺘﺄﺜیر ﺘجر ً‬
‫اﻟمز�د ﻤن اﻷرواح ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟطو�ﻞ‪ .‬ﻟكن �ﺎن ﻤن اﻟواﻀﺢ أن ﻗصﻒ "ﻫیروﺸ�مﺎ" و"ﻨﺎﻏﺎزاﻛﻲ" �ﺎن ًا‬

‫و�ﺎن اﻟمﻘصود ﻤنﻪ أن �كون إﺸﺎرة إﻟﻰ �ق�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم �ﺄن ﻨظﺎم ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺴ�كون ً‬
‫ﻗﺎﺌمﺎ ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة‪ .‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﺸﻬد ﻫذا اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻷﻤر�كﻲ اﻟتوﺠﻪ إﻨشﺎء ﻤؤﺴسﺎت ﺒرﻋﺎ�ﺔ أﻤر�ك�ﺔ ﻤثﻞ اﻷﻤم اﻟمتحدة‬
‫‪1‬‬
‫واﻟمنظمﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤثﻞ اﻟجﺎت وﺼندوق اﻟنﻘد اﻟدوﻟﻲ واﻟبنك اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫ﻛﺎن ﺼﻌود اﻟصین اﻟمصدر اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻠتﻐییر ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ؛ أدت اﻟروا�ﺔ ﺜنﺎﺌ�ﺔ اﻟﻘطب‬
‫إﻟﻰ ﺘﻌطیﻞ اﻟنظﺎم اﻟموﺠود ﻤس�ًﻘﺎ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ )اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن( وز�ﺎدة ﻤخﺎطر اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ داﺨﻞ اﻟمنطﻘﺔ ﺒین‬
‫اﻟصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �شكﻞ �بیر‪ .‬ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ �ﻌنﻲ ﻀمنﺎً ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺘﻘﻠ�ص اﻟنﻔوذ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﻟصﺎﻟﺢ اﻟصین‪ 2 .‬و�ﺎن اﻟمﻔﻬوم اﻷﻤر�كﻲ ﻟﻸﻤن ﻤبن�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟنزﻋﺔ اﻹﻨﻌزاﻟ�ﺔ واﻟمثﺎﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ أﺴﺎس وﺠﻬﺔ‬
‫اﻟنظر اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ ﺠز�رة ﻗﺎر�ﺔ‪ ،‬إذ ر�زت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺤمﺎ�ﺔ ﺴواﺤﻠﻬﺎ ﻤﻊ اﻫتمﺎم ﻀئیﻞ أﻋطﻲ‬
‫ﻟﻼﻋت�ﺎرات اﻟدوﻟ�ﺔ أو اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪3 .‬و�سبب اﻟز�ﺎدة اﻟﻬﺎﺌﻠﺔ ﻓﻲ اﻹﻨﻔﺎق اﻟﻌسكري‪ ،‬ﺘﻬ�من اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ اﻟنﺎﺘو وﻻ‬
‫‪4‬‬
‫أﺴﺎﺴ�ﺎ ﻤن اﻟﻬ�كﻞ اﻷﻤنﻲ اﻷورو�ﻲ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ﺘزال ﺠزًءا‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2010‬أﺼ�حت اﻟصین اﻟمستﻬﻠك اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻠطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟخصوص‪ ،‬اﺴتمرت‬
‫وارداﺘﻬﺎ ﻤن اﻟنﻔط ﻓﻲ اﻟز�ﺎدة �مﻌدل ﻤثیر ﻟﻺﻋجﺎب‪� .‬ﺎﻟنظر إﻟﻰ أن ﻤﺎ �ﻘرب ﻤن ‪ %50‬ﻤن اﻟنﻔط اﻟذي ﺘستوردﻩ‬
‫اﻟصین �ﺄﺘﻲ ﻤن ﻤنطﻘﺔ اﻟخﻠ�ﺞ اﻟﻔﺎرﺴﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﻟدى اﻟجمﻬور�ﺔ اﻟشﻌب�ﺔ ﻤصﻠحﺔ واﻀحﺔ ﻓﻲ ﺘﺄﻤین اﻟنﻘﻞ اﻟ�حري ﻋبر‬
‫اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ .‬ز�ﺎدة اﻟواردات ﻤن اﻟمواد اﻟخﺎم ﻤن أﻓر�ق�ﺎ )ﻻ ﺴ�مﺎ اﻟﻔحم واﻟمﻌﺎدن واﻟنﻔط( �ﻌزز ﻫذا اﻻﻫتمﺎم‪.‬‬
‫ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟصین أن ﺘرد ﻋﻠﻰ ﺘﻬدﯿدات ﻤثﻞ اﻟﻘرﺼنﺔ ق�ﺎﻟﺔ اﻟﻘرن اﻷﻓر�ﻘﻲ‪� .‬مكن اﻟﻘول إن اﻟحشد اﻟ�حري اﻟﻬندي‬

‫‪1‬‬
‫‪- Hari Singh, Op. cit. p 60.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Xenia Wickett, John Nilsson, Op. cit. p 14.‬‬
‫‪ -3‬ز��ﻐنی�ف ﺒر�جنسكﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p12.‬‬

‫‪233‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ووﺠود اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻨﻘﺎط اﻻﺨتنﺎق ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺤیث �مكن ﻋزل اﻟصین ﻋن اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أ�ضﺎ رد ﻓﻌﻞ ﻤن اﻟصینیین‪.‬‬
‫ﯿتطﻠب ً‬

‫ﯿتر�ز ﻨﻬﺞ اﻟصین ﻓﻲ أﻤنﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﺴتخدام اﻟمتكﺎﻤﻞ ﻟﻠﻘوى اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ ﻟتحﻘیق‬
‫أﻫداﻓﻬﺎ‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﺘستﻔید اﻟصین ﻤن اﻟتحدﯿث اﻟﻌسكري وﻋمﻠ�ﺎت اﻟتﺄﺜیر واﻻﻗتصﺎد اﻟجﺎﺌر ﻟتﺄﺴ�س‬
‫ه�منﺔ إﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ . 2‬و�مﺎ ﻫو ﻤبین ﻓﻲ اﻟشكﻞ أدﻨﺎﻩ‪� ،‬مر أﻛثر ﻤن ‪ %90‬ﻤن اﺤت�ﺎﺠﺎت‬
‫اﻟصین ﻤن اﻟطﺎﻗﺔ ﻋبر ﻨﻘﺎط اﻻﺨتنﺎق اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﻋبر ﺨﻠ�ﺞ ﻋدن وﻤضیق‬
‫ﻫرﻤز وﻤﻠﻘﺎ وﺴوﻨدا و�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ .‬ﻤن ﻤنظور ﺼینﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ز�ﺎدة اﻟﻘوات اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪،‬‬
‫ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ اﻟمﻌﺎﻫدات اﻟدﻓﺎع�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ وأﺴتراﻟ�ﺎ واﻟﻔﻠبین وﺘﺎﯿﻼﻨد‪� ،‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ‬
‫ً‬
‫إﻟﻰ اﻟتﻌﺎون اﻟدﻓﺎﻋﻲ ﻤﻊ ﺘﺎﯿوان وﺴنﻐﺎﻓورة و�ﻨدوﻨ�س�ﺎ واﻟﻬند‪ ،‬ﺘضﻊ طﺎﻗتﻬﺎ واﻷﻤن اﻟتجﺎري ﻤﻌرض ﻟخطر اﻟتدﺨﻞ‬
‫اﻷﻤر�كﻲ اﻟمحتمﻞ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻗد �جﺎدل اﻟ�ﻌض �ﺄن اﻟصین ﻟم ُﯿترك ﻟﻬﺎ ﺴوى اﻟﻘﻠیﻞ ﻤن اﻟخ�ﺎرات ﺴوى اﻟ�حث ﻋن‬
‫‪3‬‬
‫طرق ﻟتحﻘیق اﻟتوازن ﻓﻲ إطﺎر ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻟذي ﻗد �ﻘید ﻨموﻫﺎ اﻟمستﻘبﻠﻲ وﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Sören Scholvin, “GEOPOLITICS AN OVERVIEW OF CONCEPTS AND EMPIRICAL EXAMPLES FROM INTERNATIONAL‬‬
‫‪RELATION”, (German Institute of Global and Area Studies, April 2016), p 10. https://cutt.ly/bAYtPph‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, Op. cit.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Chris Mills, Op. cit. p 3.‬‬

‫‪234‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺗﻮ�ح ا�خﺮ�ﻄﺔ ﻧﻘﺎط اﻻﺧﺘﻨﺎق اﻟﺒﺤﺮ�ﺔ �� ا�حﻴﻄ�ن اﻟهﻨﺪي واﻟهﺎدئ اﻟ�ي �ﺴﻴﻄﺮﻋﻠ��ﺎ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮ�ﻜﻴﺔ‬

‫ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟخﻠف�ﺔ‪ ،‬ﺘجدر اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن اﻟمﻔﺎه�م )اﻟمختﻠﻔﺔ( ﻟمنطﻘﺔ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ �مسﺎﺤﺔ‬
‫اﺘ�ج�ﺎ ﺘستند إﻟﻰ ﻨوا�ﺎ وﻤصﺎﻟﺢ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤحددة‪ .‬وﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤصطﻠﺢ "اﻟمح�طین اﻟﻬندي‬
‫اف�ﺎ واﺴتر ً‬
‫ﻤﻔﻬوﻤﺔ ﺠﻐر ً‬
‫واﻟﻬﺎدئ" ﻨﻔسﻪ‪� ،‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﺴتخداﻤﻪ‪ ،‬ﻟ�س ﻤجرد وﺼﻒ أو ق�مﺔ ﻤحﺎﯿدة‪ .‬ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟحدود اﻟمرﺴوﻤﺔ‬
‫‪1‬‬
‫داﺌمﺎ ذات طب�ﻌﺔ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠ�ﺎ اﻟمرﺘ�طﺔ ﺒﻬﺎ‪ ،‬وآﻟ�ﺎت اﻹدﻤﺎج واﻻﺴت�ﻌﺎد‪ ،‬و�ﺴنﺎد ﺨصﺎﺌص ﻤﻌینﺔ ﻫﻲ ً‬
‫ﻀمن�ﺎ أو ً‬
‫ً‬
‫ﻗدم اﻟرﺌ�س "دوﻨﺎﻟد ﺘراﻤب" "رؤ�تﻪ" ﻟحر�ﺔ وﻤنﻔتحﺔ ﺒین ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ)‪ (FOID‬ﻓﻲ ﻨوﻓمبر‬
‫‪ 2017‬ﻓﻲ ﻗمﺔ اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪ (APEC‬ﻓﻲ "ﻫﺎﻨوي"‪� .‬ﺎن اﻟرﺌ�س �ﺎراك أو�ﺎﻤﺎ ﻗد ر�ط‬

‫‪1‬‬
‫‪- Felix Heiduk and Gudrun Wacker, Op. cit. p 8.‬‬

‫‪235‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫�ﺎﻟﻔﻌﻞ �شكﻞ اﺴتراﺘ�جﻲ ﺒین اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ ﻟتشكیﻞ ﻤنطﻘﺔ "اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ" ووﻀﻊ اﻟخطوط‬
‫اﻟﻌر�ضﺔ ﻟخطط اﻟممر اﻻﻗتصﺎدي ﺒین اﻟمح�ط اﻟﻬندي واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪� (IPEC‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ "ﻤحور آﺴ�ﺎ"‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ واﻟﻌسكري‪ .‬ﻋﻠﻰ ﻋكس إدارة أو�ﺎﻤﺎ‪ ،‬ﺘرى إدارة ﺘراﻤب أن "ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ" ﺴﺎﺤﺔ ﻤر�ز�ﺔ‬
‫ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ اﻟصین‪ . 1‬ﻓﺎﻟمح�ط اﻟﻬندي �ثﺎﻟث أﻛبر ﺤوض ﻤﺎﺌﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪� ،‬متﻠك‬
‫ﻤﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ ﺘجﺎرة اﻟنﻔط ﺒین اﻟﻘوى اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ اﻟكبرى‪� .‬ﻐطﻲ ﺨط اﻹﻨتﺎج اﻟ�حري ﻓﻲ‬
‫أﻫم ﻤنطﻘﺔ �حر�ﺔ ّ‬
‫ﻋددا ﻗﻠیﻼً ﻤن ﻨﻘﺎط اﻻﺨتنﺎق‪ ،‬ﺤیث ﯿتم ﻨﻘﻞ ‪ %40‬ﻤن اﻟنﻔط اﻟمتداول ً‬
‫دوﻟ�ﺎ ﻋبر ﻤضیق ﻫرﻤز‪،‬‬ ‫اﻟمح�ط اﻟﻬندي ً‬
‫‪2‬‬
‫و�تم ﺸحن ‪ %35‬ﻋبر ﻤضیق ﻤﻠﻘﺎ و‪ %8‬ﻋبر ﻤضیق �ﺎب اﻟمندب‪.‬‬

‫ﻟﻘد �شﻔت اﻟخبرات اﻟﻌسكر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻓیتنﺎم و�ور�ﺎ ﻤدى ﺼﻌو�ﺔ اﺴتخدام اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ واﻟجو�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ‪ ،‬وﺼﻌو�ﺔ إظﻬﺎر اﻟﻘوة ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ �ﻌد رادﻋﺎ ﻷ�ﺔ ﻤصﻠحﺔ أﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺘحدي اﻟوﻀﻊ‬
‫اﻟﻘﺎﺌم‪� 3 .‬حﻠول ﻤنتصﻒ ﻋﺎم ‪ ،2012‬ﺘم اﺴتبدال اﻟطب�ﻌﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ ﻟس�ﺎﺴﺔ "إﻋﺎدة اﻟتوازن" اﻷﻤر�ك�ﺔ �ﺎﻟتر�یز ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟتحول اﻟﻌسكري ﻨحو آﺴ�ﺎ اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‪ 4 .‬ﻓﻲ ﺠﺎﻨﻔﻲ ‪ ،2012‬ﻗﺎل وز�ر اﻟدﻓﺎع اﻷﻤر�كﻲ اﻟسﺎﺒق "ﻟیون �ﺎﻨیتﺎ"‪ ،‬ﻋن‬
‫اﻟتخف�ضﺎت اﻟتﻲ ﻋرﻓتﻬﺎ ﻤوازﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟدﻓﺎع�ﺔ ﻟن ﺘشمﻞ اﻻﻨتشﺎر اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدي‪ .‬وﺨﻼل ﻗمﺔ ﺴنﻐﺎﻓورة ﻓﻲ ﺠوان ‪ .2020‬ﻓﻲ إطﺎر اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠدﯿدة ﺘتمحور ﺤول آﺴ�ﺎ‪ ...‬إن ﻗرار ﻨشر‬
‫ﻤز�د ﻤن اﻟسﻔن ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪� ،‬ﺎﻟتوازي ﻤﻊ ﺘﻌز�ز اﻟشر�ﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﯿندرج ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ﺠﻬد ﻤتﻌمد‬
‫ﯿرﻤﻲ إﻟﻰ ﺘﻔضیﻞ اﻟدور اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﺤیو�ﺔ ﻟمستﻘبﻞ اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ 5 .‬ف�حﻠول ﻋﺎم ‪ 2020‬ﺴتﻌید اﻟ�حر�ﺔ‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻨشر ﻗواﺘﻬﺎ ﻤن ﻨس�ﺔ ‪ %50‬ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤﻘﺎﺒﻞ ‪ %50‬ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻷطﻠسﻲ‪ ،‬إﻟﻰ ﻤﺎ ﻨسبتﻪ ‪%60‬‬
‫‪6‬‬
‫ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤﻘﺎﺒﻞ ‪ %40‬ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻷطﻠسﻲ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Felix Heiduk and Gudrun Wacker, Op. cit. p 11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 504.‬‬
‫‪ -3‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.338‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Chris Mills, Op. cit., p 1.‬‬
‫‪ -5‬ﺨضر إﺒراه�م ﺴﻠمﺎن اﻟبدراﻨﻲ وﻋدﻨﺎن ﺨﻠﻒ ﺤمید اﻟبدراﻨﻲ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ -6‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.181‬‬

‫‪236‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﺧﺮ�ﻄﺔ ﺗﻮ�ح إﻋﺎدة �ﺸﺮاﻟﻘﻮات اﻷﻣﺮ�ﻜﻴﺔ �� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳﻴﺎ‪-‬ﺑﺎﺳﻴﻔﻴﻚ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ‪ �� 2011‬إﻃﺎراﺳ��اﺗﻴﺠﻴﺔ إﻋﺎدة اﻟﺘﻮازن اﻷﻣﺮ�ﻜﻴﺔ �� اﳌﻨﻄﻘﺔ اﻟ�ي‬
‫ﺑﺎدر إﻟ��ﺎ اﻟﺮﺋيﺲ ﺑﺎراك أو�ﺎﻣﺎ‪1 .‬‬

‫ﻤن ﻤنظور ﺼینﻲ‪ ،‬أدى اﻟتحول اﻟﻌسكري اﻷﻤر�كﻲ ﻨحو ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻓضﻼً ﻋن ﺘﻌز�ز اﻟترﺘی�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ‬
‫اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬إﻟﻰ ز�ﺎدة ﻤخﺎوف اﻟصین �شﺄن "اﻻﺤتواء" واﻟتﻬدﯿدات طو�ﻠﺔ اﻟمدى ﻟس�ﺎدﺘﻬﺎ‪� .‬مﺎ �ﺎن ُﯿنظر إﻟ�ﻪ ﻋﻠﻰ أﻨﻪ‬
‫�ضﻊ أﻤن اﻟطﺎﻗﺔ واﻟتجﺎرة ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬و�ﻼﻫمﺎ �ﻌتمد �شدة ﻋﻠﻰ ﺨطوط اﻟتجﺎرة اﻟ�حر�ﺔ ﺒین اﻟﻬند واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪،‬‬
‫ﻓﻲ ﺨطر ﻤتزاﯿد ﻤن اﻟحظر اﻟمحتمﻞ‪ .‬رداً ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬زادت اﻟصین ﻤن أﻨشطتﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنﺎطق اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬وأﺼ�حت أﻛثر ﺤزﻤﺎً ﻓﻲ ﺘﻌﺎﻤﻼﺘﻬﺎ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬ﻻ ﺴ�مﺎ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �جزر ﺴینكﺎﻛو ‪/‬‬
‫‪2‬‬
‫د�ﺎو�و اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻛﺎﻨت درﺠﺔ اﻻﺤتواء اﻷﻤنﻲ واﻀحﺔ �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ رغ�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺘﺎﯿوان‬
‫ﻛﻘﺎﻋدة ﻗوة ﻤستﻘﻠﺔ ﻋﻠﻰ أﻋتﺎب اﻟصین‪ .‬ﻨﻔس اﻟﻘدر ﻤن اﻷﻫم�ﺔ ﻫو دور اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﻤر�كﺎ‪� .‬ﺎﻨت درﺠﺔ‬
‫اﻻﺤتواء واﻀحﺔ �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ رغ�ﺔ واﺸنطن ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺘﺎﯿوان �ﻘﺎﻋدة ﻗوة ﻤستﻘﻠﺔ ﻋﻠﻰ أﻋتﺎب اﻟصین‪ .‬ﻨﻔس‬

‫‪1‬‬
‫‪- Chris Mills, Op. cit. p 2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 6.‬‬

‫‪237‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﻟﻘدر ﻤن اﻷﻫم�ﺔ ﻫو دور اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﻤر�كﺎ‪� .‬ﺎﻨت درﺠﺔ اﻻﺤتواء واﻀحﺔ �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ رغ�ﺔ واﺸنطن‬
‫ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺘﺎﯿوان �ﻘﺎﻋدة ﻗوة ﻤستﻘﻠﺔ ﻋﻠﻰ أﻋتﺎب اﻟصین‪ .‬ﻨﻔس اﻟﻘدر ﻤن اﻷﻫم�ﺔ ﻫو دور اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ‬
‫‪1‬‬
‫اﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﻤر�كﺎ‪.‬‬

‫أﻋﺎد ﺘصم�م أﻤر�كﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدﻓﺎع ﻋن ﺘﺎﯿوان ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1995‬ﺘﺄﻛید اﻟتزاﻤﻬﺎ ﺒبن�ﺔ أﻤن�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ �ﺎﻨت ﻗﺎﺌمﺔ ﻤنذ أواﺌﻞ اﻟخمسین�ﺎت ﻤن اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺘﺎﯿوان و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ واﻟ�ﺎ�ﺎن وﺘﺎﯿﻼﻨد‬
‫واﻟﻔﻠبین وأﺴتراﻟ�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ أﻋﻘﺎب إﻋﻼن أﻤر�كﺎ اﻟحرب ﻋﻠﻰ اﻹرﻫﺎب اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﺘم اﺨت�ﺎر‬
‫ﺴنﻐﺎﻓورة ﻀمن ﻫذا اﻹطﺎر اﻻﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬ﺒینمﺎ اﺤتﻠت أﺴتراﻟ�ﺎ ﻤكﺎﻨﺔ أﻋﻠﻰ �صﻔتﻬﺎ "ﺸرطﻲ" أﻤر�كﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‬
‫واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬ﻤﻬمﺎ �ﺎن اﻷﻤر‪ ،‬ﺘظﻞ ﻤﻌﺎﻫدة اﻷﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟﻌﺎم ‪ 1951‬ﻫﻲ اﻟمحور اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻬ�كﻞ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتحﺎﻟﻒ ﻫذا‪.‬‬

‫وﻓﻲ ظﻞ ﻫذﻩ اﻟظروف‪� ،‬مكن أن ﺘتحول اﻟحرب اﻟ�ﺎردة اﻟجدﯿدة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﺒین أﻤر�كﺎ‬
‫واﻟصین إﻟﻰ زوج آﺨر ﻤن اﻟﻘوى اﻟكبرى ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬أي ﺒین اﻟصین واﻟﻬند و�ین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬وﻟكن ﻫذا ﻟن‬

‫�كون ً‬
‫ﻤمكنﺎ إﻻ �مسﺎﻋدة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻷﻨﻬﺎ ﺘستخدم ﻤنﺎورات اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟمنﻊ اﻟصین ﻤن ﺘوﺴ�ﻊ ﻤجﺎﻻت اﻟنﻔوذ‬
‫‪3‬‬
‫ور�طﻬﺎ �ﺎﻟتوﺠیﻬﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﻹﻫتمﺎم �ﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن وﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن واﻟد�مﻘراط�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘرى اﻟصین �ﺄن ﻤسﺄﻟﺔ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﺸﺄن داﺨﻠﻲ‪ ،‬و�ﺄن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘدﺨﻞ �ﺄﻤر ﻻ �ﻌنیﻬﺎ‪ ،‬وأن ذﻟك‬
‫ﻤسﺎس �ﺎﻟس�ﺎدة اﻟصین�ﺔ؛ إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﺴتنكﺎرﻫﺎ ‪-‬أي اﻟصین‪ ،-‬ﻟﻼﺘﻬﺎﻤﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ �شﺄن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟصین�ﺔ ﺒﻬذا‬
‫اﻟشﺄن‪ ،‬وأﻨﻬﺎ ﻤحﺎوﻻت أﻤر�ك�ﺔ ﻟتﻘو�ض وﺤدﺘﻬﺎ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ ،‬وﺘوظ�ف أﻤر�كﻲ ﻤﻔرط ﯿﻬدف إﻟﻰ اﻟمسﺎوﻤﺔ ﺤول ﻗضﺎ�ﺎ‬
‫‪4‬‬
‫ﻤختﻠﻔﺔ‪.‬‬

‫ﺘستخدم اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ إدارة ﻋﻼﻗتﻬﺎ اﻟتنﺎﻓس�ﺔ ﻤﻊ اﻟصین ﻤﺎ �سمﻰ دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪ ،‬واﻟتﻲ‬
‫ﺘﻌتبر �مثﺎ�ﺔ ق�ﺎم دوﻟﺔ ﻤﺎ ﺒنشر اﻟﻬ�منﺔ وﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة �مﻘتضﻰ ذر�ﻌﺔ ﺤمﺎ�ﺔ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن وﺘحﻘیق ﻫدف اﻟتدﺨﻞ‬
‫‪5‬‬
‫ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻟﻠدول اﻷﺨرى‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟحﺎﻀر ﺘﻌد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أﻛثر اﻟدول ﺘرو�جﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Hari Singh, Op. cit. p 61.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 61.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 271.‬‬
‫‪ -4‬اﯾﺎد ﺟﺎﺳم ﻣﺣﻣد‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫‪ -5‬ﻟﯾوﺷﯾﮫ ﺗﺷﻧﺞ وﻟﻲ دوﻧﻎ‪ ،‬ﻣرﺟﮫ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.204‬‬

‫‪238‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫اﺴتخدﻤت اﻹدارات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمتﻌﺎق�ﺔ واﻟكوﻨﻐرس اﻷﻤر�كﻲ ﻤجموﻋﺔ ﻤن اﻟوﺴﺎﺌﻞ ﻟتﻌز�ز ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‬
‫مﺎرس ﻓﻲ وﻗت واﺤد‪� .‬شكﻞ ﻋﺎم‪ ،‬ﺘختﻠﻒ اﻟمﻘﺎر�ﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤستوى‬
‫وﻏﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ ﺘُ َ‬
‫ً‬ ‫واﻟحر�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین‪،‬‬
‫ﺘر�یزﻫﺎ اﻟنسبﻲ ﻋﻠﻰ اﻟمشﺎر�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬واﻹﺠراءات اﻟﻌﻘﺎﺒ�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬و‪/‬أو اﻟمشﺎر�ﺔ واﻟم�ﺎدرات ﻤتﻌددة اﻷطراف‪ .‬ﻗد‬
‫ﺘﻌكس �ﻌض اﻟمنﺎﻫﺞ اﻟحﺎﺠﺔ اﻟمتصورة ﻟتحﻘیق اﻟتوازن ﺒین ق�م اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﻤخﺎوف ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﻤﻊ‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻷﺨرى ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ .‬ﻗد ﯿتحدى اﻟ�ﻌض اﻻﻓتراض اﻟﻘﺎﺌﻞ �ﺄن ﺘﻌز�ز ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‬
‫ﯿنطوي ﻋﻠﻰ ﻤﻘﺎ�ضﺎت ﻤﻊ ﻤصﺎﻟﺢ أﺨرى‪ ،‬ﻤمﺎ �ﻌكس وﺠﻬﺔ ﻨظر ﻤﻔﺎدﻫﺎ أن ﺘﻌز�ز اﺤترام أﻛبر ﻟحﻘوق اﻹﻨسﺎن‬
‫أﻤر أﺴﺎﺴﻲ ﻷﻫداف اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﺨرى‪ .‬ﺘﻌﻬدت إدارة "�ﺎﯿدن" �ﺄن ﺘر�ز ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‬
‫واﻟق�م اﻟد�مﻘراط�ﺔ‪ 1 .‬و�ﻌود ﺘوظ�ف ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ ﻋﺎم ‪ ،1980‬ﺤیث ﻗﺎﻤت‬
‫إدارة "ﻛﺎرﺘر" ﺒنشر أول ﺘﻘر�ر ﻋن أوﻀﺎع ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬ودل ذﻟك ﻋﻠﻰ أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺒدأت‬
‫اﻨتﻬﺎج دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن �صورة رﺴم�ﺔ ﺘجﺎﻩ اﻟصین‪.‬‬

‫ﻛﺎن ﻗﻠق اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �شﺄن ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﻓﻲ اﻟصین ﻗض�ﺔ ﻤر�ز�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪،‬‬
‫وﻻ ﺴ�مﺎ ﻤنذ ﺤمﻠﺔ ﺘ�ﺎﻨﺎﻨمین ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .1989‬وﻓﻲ اﻟسنوات اﻷﺨیرة‪ ،‬ﺘدﻫورت أوﻀﺎع ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﻓﻲ اﻟصین‪،‬‬
‫ﺒینمﺎ زادت اﻟتوﺘرات اﻟثنﺎﺌ�ﺔ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟتجﺎرة واﻷﻤن‪ ،‬ور�مﺎ ﺨﻠق �ﻞ ﻤن اﻟﻘیود واﻟﻔرص ﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫�شﺄن ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‪ .‬ﺘستخدم ﺤكوﻤﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤجموﻋﺔ واﺴﻌﺔ ﻤن أدوات اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻟدﻋم ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن‬
‫ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘم اﺴتخدام �ﻌضﻬﺎ ﻤنذ ﻤﺎ �ﻘرب ﻤن ﻋﻘدﯿن ﻤن اﻟزﻤن‪ .‬ﻤنذ ﻋﺎم ‪ ،2019‬ﻓرﻀت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫ﻋﻘو�ﺎت وﻗیود ﻋﻠﻰ اﻟتﺄﺸیرات واﻟﻌﻘو�ﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟتجﺎرة ﻋﻠﻰ �ﻌض اﻟمسؤوﻟین واﻟك�ﺎﻨﺎت واﻟسﻠطﺎت‬

‫اﻟﻘضﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ ﺠمﻬور�ﺔ اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ)‪ ، (PRC‬ﻻ ﺴ�مﺎ ً‬


‫ردا ﻋﻠﻰ اﻟتﻘﺎر�ر اﻟموﺜوﻗﺔ ﻋن اﻻﻋتﻘﺎﻻت اﻟجمﺎع�ﺔ‬
‫واﻟسخرة ﻟﻸو�ﻐور واﻷﻗﻠ�ﺎت اﻟﻌرق�ﺔ اﻷﺨرى ﻓﻲ ﺸینج�ﺎﻨﻎ‪. 2‬‬

‫ﺤسب اﻟطرح اﻷﻤر�كﻲ ﯿنص دﺴتور ﺠمﻬور�ﺔ اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟحﻘوق اﻟمدﻨ�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪،‬‬
‫�مﺎ ﻓﻲ ذﻟك‪ ،‬ﻓﻲ اﻟمﺎدة ‪ ،35‬ﺤر�ﺔ اﻟتﻌبیر واﻟصحﺎﻓﺔ واﻟتجمﻊ وﺘكو�ن اﻟجمع�ﺎت واﻟتظﺎﻫر‪ ،‬وﻓﻲ اﻟمﺎدة ‪" ،36‬ﺤر�ﺔ‬
‫أﺤكﺎﻤﺎ أﺨرى ﻓﻲ دﺴتور اﻟصین وﻗواﻨینﻬﺎ ﺘحدد ﻫذﻩ اﻟحر�ﺎت أو ﺘضﻊ ﺸرو ً‬
‫طﺎ‬ ‫ً‬ ‫اﻟمﻌتﻘد اﻟدﯿنﻲ"‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻫنﺎك‬
‫ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬وﺘﻘوم اﻟدوﻟﺔ �شكﻞ روﺘینﻲ ﺒتﻘیید ﻫذﻩ اﻟحر�ﺎت ﻓﻲ اﻟممﺎرﺴﺔ اﻟﻌمﻠ�ﺔ‪ .‬ﺘستجیب اﻟحكوﻤﺔ �ﻘوة ﻟﻌﻼﻤﺎت اﻟتنظ�م‬
‫اﻻﺠتمﺎﻋﻲ اﻟمستﻘﻞ واﻟنشﺎط اﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟمستﻘﻞ واﻻﻀطرا�ﺎت اﻻﺠتمﺎع�ﺔ‪ .‬ﺘﻘید اﻟسﻠطﺎت �شدة اﻟنشﺎط اﻟجمﺎﻋﻲ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Thomas Lum and Michael A. Weber, " Human Rights in China and U.S. Policy: Issues for the 117 th Congress",‬‬
‫‪(Congressional Research Service, March 31, 2021), https://cutt.ly/7SnH5a6‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid, p 1.‬‬

‫‪239‬‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ اﻟﻮﻻ�ﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣ��ﻜ�ﺔ ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ت‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ﻏیر اﻟمرﺨص �ﻪ ﺒین اﻟجمﺎﻋﺎت اﻟدﯿن�ﺔ واﻷﻗﻠ�ﺎت اﻟﻌرق�ﺔ واﻟﻌﺎﻤﻠین ﻓﻲ اﻟصنﺎﻋﺔ‪ ،‬وﺘضﺎﯿق وﺘضطﻬد اﻟمﻌﺎرﻀین‬
‫اﻟس�ﺎﺴیین وﻤحﺎﻤﻲ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن واﻟنشطﺎء اﻻﺠتمﺎﻋیین‪ .‬ﺘرﺘ�ط اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻨتﻬﺎﻛﺎت ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن ﻓﻲ ﺠمﻬور�ﺔ‬
‫اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ �جﻬود اﻟحزب ﻟﻠحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟسﻠطﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ وﻗمﻊ اﻟمﻌﺎرﻀﺔ؛ و�ن�ﻊ اﻟ�ﻌض اﻵﺨر ﻤن ﻀﻌﻒ‬
‫ﺴ�ﺎدة اﻟﻘﺎﻨون أو اﻟتطبیق اﻟتﻌسﻔﻲ ﻟﻠﻘﺎﻨون‪ ،‬واﻻﻓتﻘﺎر إﻟﻰ اﺴتﻘﻼل اﻟﻘضﺎء‪ ،‬واﻟجﻬﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻏیر اﻟمﻘیدة‪ .‬اﻟتﻘﺎر�ر اﻟﻘطر�ﺔ اﻟصﺎدرة ﻋن و ازرة اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟﻌﺎم ‪ 2020‬ﺤول ﻤمﺎرﺴﺎت ﺤﻘوق‬
‫‪1‬‬
‫اﻹﻨسﺎن‪ :‬ﺴﻠطت اﻟصین اﻟضوء ﻋﻠﻰ ﻗضﺎ�ﺎ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن اﻟمستمرة اﻟتﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین‪.‬‬

‫اﻹﺴتنتﺎج اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻫو أن اﻟمشﺎر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟنشطﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻟمنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك ﺴوف ﺘستمر‬
‫‪2‬‬
‫ﻛضرورة اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤن ﺨﻼل ﺘوظ�ف ﻗضﺎ�ﺎ ﺤﻘوق اﻹﻨسﺎن واﻟد�مﻘراط�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Thomas Lum and Michael A. Weber, Op. cit. p4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Bates Gill, Evelyn Goh , Chin-Hao Huang, THE DYNAMICS OF US–CHINA–SOUTHEAST ASIA RELATIONS,(University of‬‬
‫‪sdney, The united states studies centre, June 2016), p 3. https://cutt.ly/ZA9G3oC‬‬

‫‪240‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫جيواسرتاتيجية الصني يف منطقة‬


‫آسيا الباسيفيك يف فرتة ما بعد‬
‫احلرب الباردة‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻤﻌرﻓﺔ اﻟس�ﺎق اﻟﻌﺎم ﻟﻠجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪� ،‬ﻘودﻨﺎ‬
‫ﻟﻠتطرق ﻟبروز اﻟﻘوة اﻟصین�ﺔ و�ن�ﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة اﻟذي ﺴﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﺒروز ﻫذﻩ اﻟﻘوة‬
‫واﻟمكﺎﻨﺔ‪ ،‬ﺤیث ﺘم ﻤنﺎﻗشﺔ إﺸكﺎﻟ�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ وﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوة ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻔكر اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻟصینﻲ‪ ،‬وﻋنﺎﺼر‬
‫اﻟﻘوة اﻟصین�ﺔ ووﻀﻊ اﻟﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻤﻊ اﻟﻘوى اﻟكبرى ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬ﻤﻊ ﺒروز اﻟصین �ﻘوة ﻋظمﻰ ﻓﻲ‬
‫ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪� .‬ذﻟك أﺜر اﻟبیئﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﺘﻌز�ز ﻤكﺎﻨتﻬﺎ �ﻘوة ﺼﺎﻋدة‪.‬‬

‫�مﺎ �ستﻌرض ﻫذا اﻟﻔصﻞ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻤن‬
‫ﺤیث ﻤضﺎﻤین ﻫذﻩ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟذي �ﻘﺎرب ﻹﻗﻠ�م�ﺔ آﺴیو�ﺔ ﺠدﯿدة ﻤن ﻤنظور ﺼینﻲ‪ ،‬ﻤﻊ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ دواﻓﻊ‬
‫اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین �ﺈﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠتحوط ﻤن اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﺜم اﻟم�ﺎدئ واﻹﻓتراﻀﺎت ﻟﻬذﻩ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪،‬‬
‫واﻟﻌواﻤﻞ اﻟمؤﺜرة ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟصﻌود؛ ﺜم ﻤضﺎﻤین اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب‬
‫اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﻤن ﺤیث أدوات اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻬذﻩ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬واﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺒنﺎء وﺘﻌز�ز اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻟتﺄﻤین اﻟتنم�ﺔ‬
‫اﻟوطن�ﺔ وﺘﻌز�ز اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ اﻟصینﻲ‪ ،‬ﻤضﺎﻓﺎ ﻟذﻟك ﺘﻌز�ز ﺴ�ﺎﺴ�ﺎت اﻟشراﻛﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬وﺘحیید‬
‫اﻟخﻼﻓﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟتﻌز�ز اﻟثﻘﺔ واﻷﻤن اﻟمستدام‪.‬‬

‫وﺘﻌد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ "اﻟمبدأ اﻟتنظ�مﻲ اﻟجدﯿد" ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ واﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪ .‬أﻫم‬
‫أداة ﻟتحﻘیق اﻷﻫداف اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ وﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬أﺒرزﻫﺎ ﺘﻌز�ز اﻟمكﺎﻨﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین‬
‫ﻛخطوة اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻨحو اﻟﻬ�منﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﻤواﺠﻬﺔ اﻟتحدي اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ‪ ،‬واﺤتواء اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟم�حث اﻷول‪ :‬اﻟﻘوة اﻟصین�ﺔ و�ن�ﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻟﻔترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬

‫ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة أدت إﻟﻰ ﺠمﻠﺔ ﻤن اﻟتحوﻻت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟجدﯿدة أﺒرزﻫﺎ ﺒروز اﻟﻘوى اﻟصﺎﻋدة وﻓﻲ ﻤﻘدﻤتﻬﺎ‬
‫اﻟصین‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ أﺴﻬم ﻓﻲ ﺘﻐییر ﺒن�ﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ �سبب ﺘﻐییر ﺘوز�ﻊ اﻟﻘوة ف�ﻪ‪ ،‬واﻨتﻘﺎل ﺜﻘﻞ اﻟس�ﺎﺴﺔ واﻹﻗتصﺎد‬
‫اﻟدوﻟیین إﻟﻰ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘشكﻞ اﻟصین ﻓیﻬﺎ ﺤجر اﻟزاو�ﺔ ﻓﻲ ﺘﻌز�ز اﻟتنم�ﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ‪ .‬ﻫذا اﻟوﻀﻊ‬
‫طرح ﻤسﺄﻟﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬وﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوة ووﻀﻊ اﻟﻬ�منﺔ ﺒین اﻟﻘوى‬
‫اﻟكبرى ف�ﻪ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬اﺸكﺎﻟ�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ وﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوة ﻓﻲ اﻟﻔكر اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻟصینﻲ‬

‫ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬

‫�ﻌد ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ازداد اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون واﻟمحﻠﻠون اﻻﺴتراﺘ�جیون ﻗﻠﻘﺎ ﻤن واﻗﻊ أن اﻟوﻀﻊ اﻷﻤنﻲ‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻟم ﯿتحول ﻋكس ﺘوﻗﻌﺎﺘﻬم إﻟﻰ ﺘوازن ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب ﻟﻠﻘوى اﻟكبرى‪ ،‬ﺒﻞ ﺘحت ﺴطوة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ �ﺎن ﻫمﻬم اﻷﻛبر اﺤتمﺎل أن ﺘستخدم اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ اﻟﻘوة ﻀد اﻟصین‪ ،‬أو �طر�ﻘﺔ‬
‫ﻀﺎرة �ﺎﻟمصﺎﻟﺢ اﻟصین�ﺔ ﻟذﻟك ر�زت اﻟصین دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟتشكیﻼت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻤثﻞ‪ :‬اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ إﻗﺎﻤﺔ‬
‫"ﻨظﺎم د�مﻘراطﻲ ﻋﺎﻟمﻲ" و "ﻨظﺎم ﺴ�ﺎﺴﻲ واﻗتصﺎدي ﻋﺎﻟمﻲ ﻋﺎدل وﻋﻘﻼﻨﻲ" ﻟردم اﻟﻬوة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﺒین‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟمین اﻟمتطور واﻟنﺎﻤﻲ‪ ،‬وأﺒدت رﻓضﻬﺎ ﻟـ "ﺴ�ﺎﺴ�ﺎت اﻟنﻔوذ وﺴ�ﺎﺴ�ﺎت اﻟس�طرة" اﻟتﻲ ﺘنتﻬك ﺴ�ﺎدة اﻟدول اﻟصﻐرى‪.‬‬

‫ﺘﻘوم اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻤﺔ ﻋﻼﻗﺎت ﻤتوازﻨﺔ ﻤﻊ اﻟدول اﻟكبرى أو اﻟتكتﻼت اﻟدوﻟ�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﺘطو�ر اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ �ﺎﻓﺔ اﻻﺘجﺎﻫﺎت‪ ،‬و�ذل ﺠﻬود ﻟتجنب ﻤجﺎﺒﻬﺔ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ 2 .‬وﻤن‬
‫أﺠﻞ ذﻟك ﺘسﻌﻰ اﻟصین إﻟﻰ إﻗﺎﻤﺔ ﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب‪ ،‬وﺘﻌﺎرض إﻗﺎﻤﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟﻌﺎﻟم أﺤﺎدي‬
‫اﻟﻘطب�ﺔ ﺘحت ه�منتﻬﺎ‪ ،‬و�كمن ﺠوﻫر ذﻟك ﻓﻲ ﻤنﺎﻫضﺔ اﻟﻬ�منﺔ وﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة؛ ‪ 3‬وﻋبر ﻋن ﻫذا اﻟتوﺠﻪ اﻟرﺌ�س‬
‫اﻟصینﻲ "ﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین" )‪� (2003-1993‬ﻘوﻟﻪ‪�" :‬ﻔرض اﻟتدﺨﻞ اﻷﻤر�كﻲ )ﻓﻲ ﯿوﻏسﻼف�ﺎ( طرح أﺴئﻠﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻋن‬
‫ﻨوع اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟذي �جب إﻗﺎﻤتﻪ‪ ،‬واﻻﺘجﺎﻩ اﻟذي �جب أن �سﻠكﻪ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشرون"‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬اﻟنجم اﻟصﺎﻋد‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.17‬‬


‫‪ -2‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.29-28‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪243‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺤﺎﺴمﺎ ﻓﻲ ﻨظرﺘﻬم إﻟﻰ اﻟنظﺎم‬


‫ً‬ ‫وﻤنذ ‪ 11‬ﺴبتمبر ‪ ،2001‬ﺒدأت �تﺎ�ﺎت اﻻﺴتراﺘ�جیین اﻟصینیین ﺘﻌكس ﺘحوًﻻ‬
‫اﻟدوﻟﻲ ودور اﻟصین ف�ﻪ‪ ،‬ﺘداﻓﻊ ﻋن ﺘخﻠﻲ اﻟصین ﻋن ﻋﻘﻠ�ﺔ اﻟضح�ﺔ اﻟﻘد�مﺔ )‪ (shouhaizhe xintai‬وﺘرﻓض اﻟصین‬
‫ﻋﺎﻤﺎ ﻤن اﻟﻌﺎر واﻹذﻻل" ﻓﻲ اﻟصین �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟﻌدﺴﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟتﻲ ﯿرى اﻟصینیون ﻤن‬
‫اﻟتﺄﻛید اﻟمستمر ﻋﻠﻰ "‪ً 150‬‬
‫ﺨﻼﻟﻬﺎ ﻤكﺎﻨﻬم ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟحدﯿثﺔ؛ ﺒدأ اﻟمحﻠﻠون اﻟصینیون ﻓﻲ اﻟترو�ﺞ ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك ﻤن أﺠﻞ ﺘبنﻲ اﻟصین‬
‫ﻟـ "ﻋﻘﻠ�ﺔ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ)‪ 1 ." (daguo xintai‬وردا ﻋﻠﻰ اﻟتحد�ﺎت ﻋﻠﻰ اﻟجﻬتین اﻟمحﻠ�ﺔ واﻷﺠنب�ﺔ ﺨﻼل ﻓترة‬
‫اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﺘﻼﺤمت اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻨوع ﻤن اﻟـ ‪ ،TIFA‬وﻫﻲ ﺼ�ﻐﺔ وﻀﻌﻬﺎ اﻻﺴتراﺘ�جیون وﺼنﺎع‬
‫اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻟصین ﺘشمﻞ أﻓكﺎ ار ﻋن "ﻤﻔﻬوم أﻤنﻲ ﺠدﯿد"‪ ،‬واﻟتصرف "ﻛـﻘوة ﻋظمﻰ ﻤسؤوﻟﺔ" و"اﻟنﻬوض اﻟسﻠمﻲ‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠصین"‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﻘسم اﻟخﺎص �ﺎﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟتﻘر�ر اﻟمؤﺘمر اﻟثﺎﻤن ﻋشر ﻟﻠحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟحﺎﻛم )‪� (PCR‬ش�ﻪ‬
‫اﻟتﻘر�ر اﻟسﺎ�ﻊ ﻋشر ﻟـ )‪ (PCR‬ﻟﻌﺎم ‪2007‬؛ إذ ﯿبدأ ﺒتكرار ﻤمﺎﺜﻞ ﻹﺘ�ﺎع ﻤسﺎر "اﻟتنم�ﺔ اﻟسﻠم�ﺔ" وﺘسﻠ�ط اﻟضوء ﻋﻠﻰ‬
‫اﻹﺘجﺎﻫﺎت اﻟمتزاﯿدة ﻨحو ﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب واﻟﻌوﻟمﺔ‪ .‬أﺸﺎر ﺘﻘر�ر )‪ (PCR‬اﻟسﺎ�ﻊ ﻋشر إﻟﻰ ﺘﻌدد اﻷﻗطﺎب‬
‫‪3‬‬
‫اﺘجﺎﻫﺎ "ﻻ رﺠوع ف�ﻪ"‪ ،‬وذ�ر ﺘﻘر�ر )‪ (PCR‬اﻟثﺎﻤن ﻋشر أن ﻫذا اﻹﺘجﺎﻩ "ﯿتﻌمق"‪.‬‬
‫ً‬ ‫�ﺎﻋت�ﺎرﻩ‬

‫اﻹﻤتداد اﻟطب�ﻌﻲ ﻟﻬذﻩ اﻷﻓكﺎر ﻫو اﻟتر�یز اﻟمتزاﯿد ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺎت‬
‫اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ )‪� (guanxi daguo‬ﺄوﻟو�ﺔ ﻋﻠ�ﺎ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ؛ إذ ﯿرى اﻻﺴتراﺘ�جیون اﻟصینیون �شكﻞ ﻤت ازﯿد‬

‫أن ﻤصﺎﻟحﻬم أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻘوى اﻟكبرى وأﻗﻞ ارﺘ�ﺎ ً‬


‫طﺎ �مصﺎﻟﺢ اﻟدول اﻟنﺎﻤ�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘم ﺘخف�ض ﺘصن�ﻔﻬﺎ إﻟﻰ أوﻟو�ﺔ‬
‫ﻫﺎﻤﺎ ﻋندﻤﺎ �ﺎن اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟصینیین ﻻ ﯿزاﻟون ﯿنظرون إﻟﻰ أﻤتﻬم ﻋﻠﻰ‬
‫اﻛ�ﺎ ً‬
‫أﻗﻞ‪� .‬مثﻞ ﻫذا اﻟتﻐییر وﺤدﻩ ﺘحوًﻻ إدر ً‬
‫أﻨﻬﺎ ﻤحروﻤﺔ ﻤن ﺤﻘوﻗﻬم �سبب اﻟﻌوﻟمﺔ واﻟﻘوى اﻟكبرى اﻷﺨرى واﻟمنتد�ﺎت اﻟمتﻌددة اﻷطراف؛ اﻵن ﯿتحدث‬
‫اﻟمسؤوﻟون اﻟصینیون ﺼراﺤﺔ ﻋن اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ "ﺘﻘﺎﺴم اﻟمسؤوﻟ�ﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ" ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى‪ .‬وﻋكس ﻫذﻩ اﻟتﻐییرات‪،‬‬
‫أﺼ�ﺢ اﻟرﺌ�س "ﻫو ﺠینتﺎو" أول زع�م ﺼینﻲ �حضر اﺠتمﺎع ﻤجموﻋﺔ اﻟدول اﻟثمﺎﻨﻲ اﻟصنﺎع�ﺔ اﻟكبرى )‪) (G-8‬و�ن‬
‫‪4‬‬
‫"ﻋضوا ﻓﻲ اﻟحوار"(‪.‬‬
‫ً‬ ‫ﻛﺎن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. p 32.‬‬
‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.18-17‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 2.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. p 32.‬‬

‫‪244‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻫذا اﻟمﻔﻬوم اﻷﻤنﻲ اﻟجدﯿد ﻟﻠصین �ﻌتمد ﻋﻠﻰ "اﻟم�ﺎدئ اﻟخمسﺔ ﻟﻠتﻌﺎ�ش اﻟسﻠمﻲ" اﻟتﻲ ﺘؤ�دﻫﺎ اﻟحكوﻤﺔ‬
‫اﻟصین�ﺔ رﺴم�ﺎ ﻤنذ اﻟخمسین�ﺎت واﻟتﻲ ﯿرﺠﻊ ﺘﺎر�خﻬﺎ إﻟﻰ ﻤؤﺘمر "�ﺎﻨدوﻨﻎ" ﻟﻠدول اﻟنﺎﻤ�ﺔ ﻋﺎم ‪ 1 1995.‬ﻓﻔﻲ اﻟﻔترة‬
‫اﻟممتدة ﺒین ﻋﺎﻤﻲ ‪ 1994‬و ‪ 1995‬ﻨﺎدت اﻟصین ﻤن أﺠﻞ ﻀرورة إﻗﺎﻤﺔ ﻤنظوﻤﺔ "ﺠدﯿدة" ﻟﻠنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪� ،‬ﺎﻟمثﺎل‬
‫ﺘنص اﻟوﺜ�ﻘﺔ اﻟب�ضﺎء ﻋن اﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ اﻟصﺎدرة ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪ 1995‬ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤن اﻟضروري‪ ،‬ﻓﻲ ﻤﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻷﻤن‬
‫ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ – اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪" ،‬إﻗﺎﻤﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻤن اﻹﺤترام واﻟود اﻟمت�ﺎدﻟین ﺒین اﻟدول‪" ،‬ﻟ�س ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻟم�ﺎدئ‬
‫اﻟخمسﺔ ﻓﻘط إﻨمﺎ أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي اﻟمشترك واﻟحﻞ اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠنزاﻋﺎت‪ ،‬واﻟحوارات واﻟمشﺎورات‬
‫اﻟثنﺎﺌ�ﺔ واﻟمتﻌددة اﻷطراف"؛ أ�ﻌد ﻤن ذﻟك ﺘدﻋو اﻟوﻗﺔ اﻟب�ضﺎء اﻟدول إﻟﻰ وﺠوب‪" :‬أﻻ ﺘﺄﻟو أي ﺠﻬد ﻹﻗﺎﻤﺔ ﻨظﺎم‬
‫‪2‬‬
‫ﺴ�ﺎﺴﻲ واﻗتصﺎدي ﺠدﯿد ﺴﻠمﻲ وﻤستﻘر وﻋﺎدل وﺤك�م"‪.‬‬

‫ﻓﻲ �ﻠمﺔ أﻟﻘﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻗمﺔ اﻻﻟف�ﺔ ﻟﻸﻤم اﻟمتحدة‪ ،‬أﻛد اﻟرﺌ�س اﻟصینﻲ "ﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین" ﻋﻠﻰ اﻟم�ﺎدئ اﻟثﻼﺜﺔ‬
‫اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟتوﺠ�ﻪ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ‪ ،‬وﺘﺄﺴ�س اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟجدﯿد‪:‬‬

‫‪ -1‬ﺘت�ﺎدل �ﺎﻓﺔ اﻟدول اﺤترام اﻹﺴتﻘﻼل واﻟس�ﺎدة‪ ،‬وﺘحظﻰ ﺤمﺎﯿتﻬﺎ ﻟﻠسﻼم اﻟﻌﺎﻟمﻲ �ﺎﻷﻫم�ﺔ اﻟﻘصوى‪ ،‬وﺘستط�ﻊ‬
‫ﻛﺎﻓﺔ اﻟدول اﻟع�ش ﻓﻲ اﻨسجﺎم ﺤق�ﻘﻲ إذا اﺤترﻤت اﻟم�ﺎدئ اﻟخمسﺔ ﻟﻠتﻌﺎ�ش اﻟسﻠمﻲ‪ ،‬واﻫداف وﻤ�ﺎدئ ﻤیثﺎق‬
‫اﻷﻤم اﻟمتحدة اﺤتراﻤﺎ ﺤق�ق�ﺎ وﻓﻌﻠ�ﺎ‪.‬‬
‫‪ -2‬ﺘﺄﺴ�س اﻷﻤن اﻟمشترك �ﻌد اﻟشرط اﻟمسبق اﻟممكن ﻟمنﻊ ﻨشوب اﻟنزاﻋﺎت واﻟحروب‪ ،‬و�جب ﻨبذ ﻓكر اﻟحرب‬
‫اﻟ�ﺎردة‪ ،‬و�ﻗﺎﻤﺔ وﺠﻬﺔ ﻨظر ﺠدﯿدة ﻟﻸﻤن ﺠوﻫرﻫﺎ اﻟثﻘﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ واﻟمنﻔﻌﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ‪ ،‬واﻟمسﺎواة واﻟتﻌﺎون؛ ‪ 3‬ﻤثﻞ‬
‫ﺠم�ﻊ اﻟتﻘﺎر�ر اﻟسﺎ�ﻘﺔ ﻟﻠحزب‪ ،‬ﯿنتﻘﻞ ﺘﻘر�ر )‪ (PCR‬اﻟثﺎﻤن ﻋشر ﻟ�حدد ﻓﻲ ﻓﻘرﺘﻪ اﻟثﺎﻨ�ﺔ ﻤشﺎﻛﻞ "ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة"‬
‫و"اﻟﻬ�منﺔ" اﻟتﻲ ﺘؤﺜر ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬ﻟكنﻪ‪� ،‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﯿذ�ر اﻟتﻘر�ر "اﻟتدﺨﻞ اﻟجدﯿد" ﻷول ﻤرة؛‬
‫ﯿبدو أن اﺴتخدام ﻫذا اﻟمصطﻠﺢ ﻓﻲ طب�ﻌتﻪ ﺘحذﯿر ﻟﻠﻐرب‪ ،‬و�ﺎﻟذات اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻟتدﺨﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺴور�ﺎ وأﻤﺎﻛن‬
‫أ�ضﺎ أن اﻟتﻘر�ر ﻷول ﻤرة �سﻠط اﻟضوء ﻋﻠﻰ ﺘﺄﺜیر اﻷزﻤﺔ اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟﻌﺎم ‪،2008‬‬
‫أﺨرى‪ .‬وﻤن اﻟمﻬم ً‬
‫‪4‬‬
‫وﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻤثﻞ‪ :‬أﻤن اﻟطﺎﻗﺔ‪ ،‬وأﻤن اﻟموارد‪ ،‬واﻷﻤن اﻟسیبراﻨﻲ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﺑﺎﯾﺗس ﻏﯾل‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫‪ -2‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -3‬ﻟﯾوﺷﯾﮫ ﺗﺷﻧﺞ وﻟﻲ دوﻧﻎ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 3.‬‬

‫‪245‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫‪ -3‬دﻓﻊ اﻟتشكیﻞ اﻟدوﻟﻲ ﻟﻠتﻘدم ﻨحو اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ �ﻌد ﻤطﻠ�ﺎ ﻋصر�ﺎ ﺘﻘدﻤ�ﺎ ﯿتواﻓق ﻤﻊ �ﺎﻓﺔ ﻤصﺎﻟﺢ ﺸﻌوب‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬و�كون ﻓﻲ ﺼﺎﻟﺢ اﻟسﻼم واﻷﻤن اﻟﻌﺎﻟمیین‪ ،‬ﻷن اﻟتشكیﻞ اﻟمتﻌدد اﻷﻗطﺎب �ختﻠﻒ ﻋن وﻀع�ﺔ ﺘنﺎﻓس‬
‫اﻟدول اﻟكبرى ﻤن أﺠﻞ اﻟﻬ�منﺔ واﻗتسﺎم ﻤنﺎطق اﻟنﻔوذ‪ .‬وان اﻟتﻌﺎون اﻟمت�ﺎدل و�ﺎﻓﺔ أﺸكﺎل ﻋﻼﻗﺎت اﻟشراﻛﺔ ﻻ‬
‫�جب أن ﺘوﺠﻪ ﻀد طرف ﺜﺎﻟث‪ ،‬وﺘتحمﻞ اﻟدول اﻟكبرى ﻤسؤوﻟ�ﺔ �برى ﺘجﺎﻩ ﺼ�ﺎﻨﺔ اﻟسﻼم اﻟﻌﺎﻟمﻲ واﻹﻗﻠ�مﻲ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫و�جب ﻋﻠیﻬﺎ اﺤترام ﺴ�ﺎدة اﻟدول اﻟصﻐیرة‪ ،‬و�جب ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻟﻐن�ﺔ ﻤسﺎﻋدة اﻟدول اﻟﻔﻘیرة‪.‬‬

‫إن اﻟﻌنصر اﻷﺴﺎﺴﻲ اﻟنﻬﺎﺌﻲ ﻓﻲ اﻟتﻔكیر اﻟصینﻲ اﻟجدﯿد ﻫو اﻟﻘبول �ﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟحﺎﻟﻲ أﺤﺎدي‬

‫اﻟﻘطب وأن ه�منﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺴتستمر ﻟﻌﻘود؛ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین ﯿروﺠون ً‬
‫ﻋﻠنﺎ ﻟتﻌدد�ﺔ‬
‫اﻷﻗطﺎب ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﺘجﺎﻩ اﻟﻌصر )و�دﯿنون اﻷﺤﺎد�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ(‪ ،‬ﻓﺈن اﻟمحﻠﻠین اﻟصینیین �ﻌترﻓون اﻵن �ﺄن ﺒﻼدﻫم‬
‫ﻻ �مكنﻬﺎ )وﻟن( ﺘحدي اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ أي وﻗت ﻗر�ب ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﻫذﻩ اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺎت ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‬
‫‪2‬‬
‫ﺘﺄﻛیدا‪.‬‬
‫أﻗﻞ ً‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﻫذﻩ اﻟنكسﺎت‪ ،‬ﻤن اﻟمؤ�د أن اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟصین�ﺔ اﻟجدﯿدة ﺴتستمر‪ ،‬وﺴتوﻓر ﻟصﺎﻨﻌﻲ‬
‫ﻓرﺼﺎ وﺘحد�ﺎت‪ .‬ﻓمشﺎر�ﺔ اﻟصین اﻟنشطﺔ ﻓﻲ اﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﺘخﻠق اﻟمز�د ﻤن‬ ‫اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷﻤر�كیین واﻵﺴیو�ین ً‬
‫اﻟﻔرص ﻟﻠحصول ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﺎون ﻓﻲ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟرﺌ�س�ﺔ؛ �ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ ﻟذﻟك‪ ،‬ﺘجﻠب اﻟصین اﻵن اﻟمز�د ﻤن اﻟموارد واﻟﻘوة‬
‫واﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ طﺎوﻟﺔ اﻟمﻔﺎوﻀﺎت‪ .‬ﻤﻊ ﺘوﺴﻊ ﺤصتﻬﺎ �ﻘوة ﻋظمﻰ ﻓﻲ اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ ور�طﻬﺎ �مصﺎﻟﺢ اﻟﻘوى اﻟكبرى‪،‬‬
‫طﺎ ﻓﻲ اﻟتﻘﺎر�ر ﻟمكﺎﻓحﺔ اﻟتﻬدﯿدات اﻷﻤن�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟتﻘﻠید�ﺔ وﻏیر اﻟتﻘﻠید�ﺔ‪،‬‬
‫�ج�ﺎ أﻛثر اﻨخ ار ً‬
‫وأﺼ�حت اﻟصین ﺘدر ً‬
‫‪3‬‬
‫وﻤن اﻷﻤثﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك دور اﻟصین اﻟراﺌد ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻟجﺔ اﻷزﻤﺔ اﻟنوو�ﺔ اﻟكور�ﺔ‪.‬‬

‫ﻫذﻩ اﻟص�ﻎ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬اﺘسﻘت ﻓﻲ ﺸكﻞ أﻛثر وﻀوﺤﺎ ﻟتتبﻠور ﻓﻲ ﻓكرة ﻤﻔﻬوم أﻤنﻲ ﺠدﯿد �حﻠول ﺠو�ﻠ�ﺔ ‪،1998‬‬
‫ﻋندﻤﺎ أﺼدر اﻟمكتب اﻹﻋﻼﻤﻲ ﻟمجﻠس اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟصین اﻟوﺜ�ﻘﺔ اﻟب�ضﺎء‪�" :‬مر اﻟﻌﺎﻟم ﺒتحوﻻت ﻋم�ﻘﺔ‪ ،‬ﺘﻔرض‬
‫ﻨبذ ﻋﻘﻠ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬وﺘطو�ر ﻤﻔﻬوم أﻤنﻲ ﺠدﯿد‪ ،‬وﻨظﺎم ﺴ�ﺎﺴﻲ واﻗتصﺎدي وأﻤنﻲ ﻋﺎﻟمﻲ ﺠدﯿد ﯿﻠبﻲ ﺤﺎﺠﺎت‬
‫زﻤننﺎ اﻟحﺎﻀر"‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit, p 33.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 33.‬‬

‫‪246‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫] ﻳﺠﺐ أن �ﺸ�ﻞ اﻟﺜﻘﺔ اﳌﺘﺒﺎدﻟﺔ‪ ،‬واﻟﻔﺎﺋﺪة اﳌﺸ��ﻛﺔ‪ ،‬اﳌﺴﺎواة‪ ،‬واﻟﺘﻌﺎون‪ ،‬ﺟﻮهﺮ اﳌﻔهﻮم اﻷﻣ�ي ا�جﺪﻳﺪ‪ .‬ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐ أن �ﺸ�ﻞ‬
‫ﻣﻴﺜﺎق اﻷﻣﻢ اﳌﺘﺤﺪة واﳌﺒﺎدئ ا�خﻤﺴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎ�ﺶ اﻟﺴﻠ�ي‪ ،‬وﻏ��هﺎ ﻣﻦ اﳌﺒﺎدئ اﳌﻌ��ف ��ﺎ دوﻟﻴﺎ اﻟ�ي ﺗﺤﻜﻢ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ‬
‫اﻷﺳﺎس اﻟﺴﻴﺎ�ىي �حﻤﺎﻳﺔ اﻟﺴﻼم‪ ،‬ﻋ�� اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺘﻌﺎون ذا اﻟﻔﺎﺋﺪة اﳌﺘﺒﺎدﻟﺔ واﻹزدهﺎر اﳌﺸ��ك �ﺸﻜﻼن ﺿﻤﺎﻧﺘﮫ‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ؛ أﻣﺎ اﻟﺴبﻴﻞ اﻷﻣﺜﻞ �حﻞ اﻟن�اﻋﺎت وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺴﻼم ﻓﻴﻘﻮم ﻋ�� إﺟﺮاء ا�حﻮارات‪ ،‬واﳌﻨﺎﻗﺸﺎت واﳌﻔﺎوﺿﺎت ﻋ��‬
‫ﻗﺪم اﳌﺴﺎواة ‪ ...‬وﺣﺪﻩ ﺗﻄﻮ�ﺮ ﻣﻔهﻮم أﻣ�ي ﺟﺪﻳﺪ و�ﻗﺎﻣﺔ ﻧﻈﺎم ﻋﺎﳌﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﺎدل وﺣﻜﻴﻢ‪ ،‬ﻳﻀﻤﻦ اﻟﺴﻼم واﻷﻣﻦ اﻟﻌﺎﳌﻴ�ن‬
‫�ﺸ�ﻞ أﺳﺎس[ ‪1 .‬‬

‫] ﺗﺒﻘﻰ اﻟﺴﻴﻄﺮة وﺳﻴﺎﺳﺎت اﻟﻘﻮى ‪ Power politics‬اﳌﺼﺪر اﻟﺮﺋي��ي ﻟﻠ��ﺪﻳﺪات اﻟ�ي ﺗﻮاﺟﮫ اﻟﺴﻼم واﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻌﺎﳌﻴ�ن؛ ﻻ‬
‫ﻳﺰال ﻟ�حﺮب اﻟﺒﺎردة وﺗﺄﺛ��هﺎ �ﻌﺾ ﻣﻦ اﻟﺮواج‪ ،‬ﻓﺒﻤﺎ أﺿﺎف ﺗﻮﺳﻴﻊ اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮ�ﺔ وﺗﻘﻮ�ﺔ اﻻﺣﻼف اﻟﻌﺴﻜﺮ�ﺔ إ�� ﻋﻮاﻣﻞ‬
‫اﻻﺳﺘﻘﺮار �� اﻷﻣﻦ اﻟﻌﺎﳌﻲ[ ‪.‬‬

‫] ﺗتﺒﻊ اﻟﺼ�ن ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋ�� ﺑﻨﺎء ﻋﻼﻗﺎت ﺣﺴﻦ ﺟﻮار وﺷﺮاﻛﺔ ﻣﻊ ﺟ��ا��ﺎ؛ ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﻳﺠﺎد ﺟﻮار ﺳﻠ�ي وآﻣﻦ‬
‫وﻣﺰدهﺮ؛ اﻟﺪﻓﻊ ﺑﻘﻮة ﻧﺤﻮ إﻗﺎﻣﺔ ﺣﻮار أﻣ�ي وآﻟﻴﺔ �ﻌﺎون �� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳﻴﺎ‪-‬ا�حﻴﻂ اﻟهﺎدئ[ ‪2 .‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬ﻋنﺎﺼر اﻟﻘوة اﻟصین�ﺔ ووﻀﻊ اﻟﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻤﻊ اﻟﻘوى اﻟكبرى‬

‫ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫�ﻌمﻞ اﻻﻗتصﺎد اﻟصینﻲ اﻟمزدﻫر واﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟمتطورة �شكﻞ ﻤتزاﯿد ﻋﻠﻰ ﺘﻐییر اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻋبر ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬واﻟحق�ﻘﺔ ﻫﻲ أن اﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟصﺎﻋدة ﺴتتمتﻊ ً‬
‫داﺌمﺎ �ﻘوة ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫وﻋسكر�ﺔ ﻤتكﺎﻓئﺔ‪ .‬ﺨﺎﺼﺔ وأن اﻟق�م واﻟمؤﺴسﺎت اﻻﺠتمﺎع�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠصین ﻻ ﺘتواﻓق ﻤﻊ ق�م وﻤؤﺴسﺎت اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة‪� ،‬مﺎ ﻫو اﻟحﺎل ﻤﻊ اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ اﻟﻐر��ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺘﻬدﯿد اﻟصین ﻟتحدي اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻷﻤر�كﺎ ﻟ�س ﻏیر‬
‫‪4‬‬
‫واﻗﻌﻲ‪.‬‬

‫إذا ﻨظرﻨﺎ إﻟﻰ ه�كﻞ اﻟﻘوة ﻨجد أن ﻋدو اﻟصین �ﺎن واﻀحﺎ ﻓﻲ اﻟتشكیﻞ ﺜنﺎﺌﻲ اﻟﻘطب�ﺔ ﻓﻲ ﻤرﺤﻠﺔ اﻟحرب‬
‫اﻟ�ﺎردة‪ ،‬وﺤتﻰ اﻟدول اﻟتﻲ ﺘدﻋﻲ �ﺄﻨﻬﺎ ﻟ�ست ﻤتحﺎﻟﻔﺔ‪ ،‬ﺘظﻬر ﻓﻲ ﻓترة ﻤحددة �ﺄﻨﻬﺎ ﺸر�كﺔ ﻟﻬذﻩ أو ﺘﻠك اﻟكتﻠﺔ‪ ،‬وﻓﻲ‬

‫‪ -1‬ﺑﺎﯾﺗس ﻏﯾل‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.20-19‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P4.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Hari Singh, Op. cit. p 61.‬‬

‫‪247‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟتشكیﻞ اﻟمتﻌدد اﻷﻗطﺎب ﻓﻲ ﻤرﺤﻠﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﺘظﻬر �ﻞ دوﻟﺔ ﺴواء �ﺎﻨت ﺨصمﺎ ﻤحتمﻼ أو ﺸر�كﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﻤتﻌﺎوﻨﺎ ﻤحتمﻼ ه�كﻞ اﻟﻘوة اﻟمﻌﻘد ﻤن اﻟﻼﺼدﯿق واﻟﻼﻋدو‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻏضون ﺜﻼﺜﺔ ﻋﻘود‪ ،‬ﺨرﺠت اﻟصین ﻤن ﺤﺎﻓﺔ اﻻﻨﻬ�ﺎر )�ﻌد ﻋﻘود ﻤن اﻟحر�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟمنﺎﻫضﺔ‪،‬‬
‫واﻟﻌزﻟﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬واﻟمجﺎﻋﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬واﻟﻌدﯿد ﻤن اﻷﻋطﺎل واﻟكوارث اﻟوطن�ﺔ اﻷﺨرى‪ ،‬واﻟتﻲ �مكن اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ‬
‫أﻗرب اﻨﻌكﺎﺴﺎت ﻟﻬﺎ ﻓﻲ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ اﻟیوم( إﻟﻰ ﻤر�ز اﻟصدارة ﻓﻲ اﻟتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬ﺘم ﺘسمیتﻪ ﻤن‬
‫ﻗبﻞ اﻷﻤم اﻟمتحدة )‪ (UN‬ﻛمحرك اﻟنمو اﻟجدﯿد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟسنوات اﻷﺨیرة‪. 2‬‬

‫ﺘﻘدم اﻟصین �ﻘوة ﺼﺎﻋدة ﻓرﺼﺎ وﺘحد�ﺎت ﻟﻠمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ وﻟمنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪ ،‬وﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬ﻓمن ﺠﻬﺔ‪ ،‬ﺘتبنﻰ اﻟصین �شكﻞ ﻤطرد اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ واﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟتﻲ ﻤن ﺸﺄﻨﻬﺎ أن ﺘحسن ﻤن‬
‫ﺼورﺘﻬﺎ وﻤوﻗﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬اﻟﻠذﯿن ﯿتمیزان �كوﻨﻬمﺎ أﻛثر اﺘسﺎﻗﺎ ﻤﻊ اﻟمﻌﺎﯿیر اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬واﻟتوﻗﻌﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬
‫واﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬واﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ؛ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﺘبدو اﻟصین �ﻘوﺘﻬﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟصﻌیدﯿن اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ أﻓضﻞ ﻟتحﻘیق أﻫداف أﻤن�ﺔ ﺘخدم ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟخﺎﺼﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمدى اﻟ�ﻌید‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2006‬اﺤتﻠت اﻟصین اﻟمرﺘ�ﺔ اﻷوﻟﻰ �شر�ﺎء ﺘجﺎر�ین ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ‪ ،‬وﺘﺎﯿوان‪،‬‬
‫ورا�طﺔ دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬واﻟﻬند‪ ،‬وﻫﻲ اﻟمصدر اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻠواردات اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬وﺴوق اﻟتصدﯿر ﻓﻲ اﻟمرﺘ�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‬
‫ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ إﻟﻰ ﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ وﺘﺎﯿوان‪ ،‬ﺘﻌد اﻟصین ﺴوق اﻟتصدﯿر اﻟ ارﺌد وﺘحتﻞ اﻟمرﺘ�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ �مصدر‬
‫‪4‬‬
‫ﻟﻠواردات‪ .‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬أﺼ�حت اﻟصین ﻤحور ﺸ�كﺎت اﻹﻨتﺎج اﻟتﻲ ﺘمتد ﻋبر اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﻟﻠدﻓﺎع اﻟصینﻲ ﻟشﻬر ﻤﺎي ‪ ،2015‬ﯿوﻀﺢ أن اﻟصین �ﺎﻨت ﻓﻲ ﻤنﻌطﻒ ﺤﺎﺴم ﻓﻲ‬
‫ﺴ�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ اﻹﺼﻼﺤ�ﺔ واﻟتنمو�ﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟحكوﻤﺔ ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺘحﻘیق اﻟتنم�ﺔ واﻟسﻼم وﺘحﻘیق اﻟحﻠم اﻟصینﻲ؛‬
‫وأﻛد �ﺄن ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟصین اﻟدﻓﺎع�ﺔ دﻓﺎع�ﺔ �طب�ﻌتﻬﺎ وﺘﻌﺎرض اﻟﻬ�منﺔ وﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة؛ �مﺎ أوﻀحت اﺴت ارﺘ�ج�ﺔ "اﻟدﻓﺎع‬
‫‪5‬‬
‫داﺌمﺎ ﺘﻌتمد اﺴتراﺘ�ج�ﺔ دﻓﺎع�ﺔ‪.‬‬
‫اﻟنشط" اﻟتﻲ اﻤتدت ﻟﻌﻘد ﻤن اﻟزﻤﺎن‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﻌنﻲ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ أن اﻟصین ﺴتظﻞ ً‬

‫‪ -1‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P4.‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P4.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 5.‬‬

‫‪248‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون ﯿنظرون إﻟﻰ اﻟتحدﯿث اﻻﻗتصﺎدي ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤﻔتﺎح اﻟصین إﻟﻰ اﻟتحدﯿث اﻟدﻓﺎﻋﻲ واﻹﺴتﻌداد ﻹﻤكﺎﻨ�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﺤدوث ﺘوﺘر ﻤتصﺎﻋد ﺒین اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪.‬‬

‫و�ورد اﻟتﻘر�ر ﺤﺎﻟﺔ اﻷﻤن اﻟوطنﻲ و�ؤ�د ﻋﻠﻰ أن اﻹﺘجﺎﻫﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟتﻌدد اﻷﻗطﺎب واﻟﻌوﻟمﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫آﺨذة ﻓﻲ اﻹزد�ﺎد‪ .‬و�ینمﺎ أﻗر �ﺄن اﺤتمﺎﻻت ﻨشوب ﺤروب �برى ﻗد ﺘراﺠﻌت‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ ﻗد ﺸدد ﻋﻠﻰ أن اﻟﻬ�منﺔ وﺴ�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟﻘوة واﻟتدﺨﻞ اﻟجدﯿد �شكﻼن ﺘﻬدﯿدات ﺠدﯿدة‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬وﺼﻒ اﻟتﻘر�ر اﺴتراﺘ�ج�ﺔ إﻋﺎدة اﻟتوازن ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة و�ﺼﻼح اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟس�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ اﻟدﻓﺎع�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ ﻤﻌﺎد�ﺔ ﻟﻠسﻼم اﻹﻗﻠ�مﻲ‪� .‬مﺎ ﺴﻠط اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض اﻟضوء‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗض�ﺔ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ و��ف ﯿتﻌرض اﻷﻤن اﻟ�حري ﻟﻠصین ﻟﻠتﻬدﯿد؛ �مﺎ ﺸدد ﻋﻠﻰ اﻟتﻬدﯿدات اﻟصﺎدرة‬
‫ﻤن ﺸ�ﻪ اﻟجز�رة اﻟكور�ﺔ‪ ،‬وذ�ر أن ﻋﺎﻤﻞ "ﺘﺎﯿوان" واﻟتحد�ﺎت اﻟنﺎﺸئﺔ ﻋن "اﺴتﻘﻼل ﺘر�ستﺎن اﻟشرق�ﺔ" و"اﺴتﻘﻼل‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتبت" ﺘشكﻞ ﺘﻬدﯿدات ﺨطیرة ﻟوﺤدة اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘﻘوم اﻨجﺎزات اﻟصین ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟحﺎﻀر ﻋﻠﻰ ر�یزﺘین أﺴﺎﺴیتین ﻫمﺎ‪ :‬اﻹﺼﻼح اﻻﻗتصﺎدي واﻹﻨﻔتﺎح ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم اﻟخﺎرﺠﻲ؛ ‪ 3‬وﺠﺎء دﺨول اﻟجیﻞ اﻟخﺎﻤس ﻤن اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟس�ﺎق اﻟدوﻟﻲ ﻟﻠتﻌﺎﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻏیر‬
‫اﻟمتكﺎﻓﺊ ﻤن اﻷزﻤﺔ اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟﻌﺎم ‪ .2008‬ﻤﺎ ﻟم ﯿتﻐیر ﻫو ﺤﺎﺠﺔ اﻟصین إﻟﻰ ﺒیئﺔ دوﻟ�ﺔ ﻤستﻘرة ﻟتطو�ر‬
‫اﻗتصﺎدﻫﺎ‪ .‬و�مﺎ أن اﻗتصﺎدﻫﺎ �ﻌتمد �شكﻞ �بیر ﻋﻠﻰ أﻤن ﺴﻼﺴﻞ إﻤداداﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ �جب أن �حظﻰ ﺒثﻘﺔ ودﻋم‬
‫اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ‪ .‬ﻤﺎ ﺘﻐیر ﻫو ﺤجم اﻻﻗتصﺎد اﻟصینﻲ؛ ﻟﻘد ﺘﻔوﻗت ﻋﻠﻰ اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤن ﺤیث اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ‬
‫ﻟتص�ﺢ ﺜﺎﻨﻲ أﻛبر دوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2010‬و�توﺠب ﻋﻠﻰ اﻟصین ﻤﻌﺎﻟجﺔ ﻤسﺄﻟﺔ ��ف�ﺔ ﻤمﺎرﺴﺔ ﺜروﺘﻬﺎ وﺴﻠطتﻬﺎ‬
‫‪4‬‬
‫وﻤكﺎﻨتﻬﺎ؛ ﺤجر اﻟزاو�ﺔ ﻓﻲ "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" ﻫو اﻻﻨسجﺎم واﻟسﻼم واﻻﺴتﻘرار و�ذﻟك ﺘكو�ن اﻟثروة‪.‬‬

‫�ﺎﻟﻌودة إﻟﻰ ﻤﺎ ﻗبﻞ أر�ﻌﺔ ﻋﻘود ﻨجد أن ﺤجم اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ ﻟﻠصین ﻋﺎم ‪ 1976‬ﺒﻠﻎ ﺤواﻟﻲ ‪95‬‬

‫ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر أﻤر�كﻲ‪ ،‬وﺸكﻞ ﻨحو ‪ %2,2‬ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬و�ﺎن إﺠمﺎﻟﻲ اﺤت�ﺎطﻲ اﻟصین ﻤن‬
‫اﻟنﻘد اﻷﺠنبﻲ ‪ 255‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻓﻘط‪ ،‬و�ﻠﻎ إﺠمﺎﻟﻲ ﺤجم ﺼﺎدرات وواردات اﻟصین ‪ 43‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر‪ ،‬وﻟم �كن ﻫنﺎك‬
‫اﺴتثمﺎر أﺠنبﻲ ﻤ�ﺎﺸر ﻓﻲ اﻟصین وﻻ اﺴتثمﺎر ﻤ�ﺎﺸر ﺼینﻲ ﻓﻲ اﻟخﺎرج ‪ ،‬وﻓﻲ ظﻞ ﻫذا اﻟوﻀﻊ ﻋكﻒ ﻗﺎدة اﻟصین‬

‫‪ -1‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.332‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 6.‬‬
‫‪ -3‬أﺤمد ﻓﺎروق ع�ﺎس‪" ،‬اﻟتجر�ﺔ اﻟتنمو�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین اﻟواﻗﻊ واﻟتحد�ﺎت"‪ ،‬اﻟمجﻠﺔ اﻟﻌﻠم�ﺔ ﻟﻺﻗتصﺎد واﻟتجﺎرة‪) ،‬ﻛﻠ�ﺔ اﻟتجﺎرة‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ اﻷزﻫر‪ ،‬اﻟمجﻠد ‪ ،49‬اﻟﻌدد‬
‫‪ ،(2019 ،3‬ص ‪.253‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op. cit. p 88.‬‬

‫‪249‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻋﻠﻰ ﺼ�ﺎﻏﺔ اﺴت ارﺘ�ج�ﺎت وﺴ�ﺎﺴﺎت ﺠدﯿدة ﻟﻠتنم�ﺔ؛ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ ﻋﺎم ‪ 1978‬ﺘم إﻋﻼن و�دء ﺘنﻔیذ ﻤجموﻋﺔ ﺠدﯿدة ﻤن‬
‫اﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟتنم�ﺔ ﻟﻺﺼﻼح ﻓﻲ اﻟداﺨﻞ واﻹﻨﻔتﺎح ﻋﻠﻰ اﻟخﺎرج ‪ ،‬وﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1980‬ﻗررت اﻟصین إﻨشﺎء أر�ﻊ ﻤنﺎطق‬
‫اﻗتصﺎد�ﺔ ﺨﺎﺼﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1988‬ﺘﺄﺴست ﻤﻘﺎطﻌﺔ "ﻫﺎﯿنﺎن"‪ ،‬اﻟتﻲ أﺼ�حت أﻛبر ﻤنطﻘﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟصین‪.‬‬

‫اﻹﻗتصﺎد اﻟصینﻲ ﯿتمتﻊ �ﻘوة ﺠذب �بیرة ﻟﻼﺴتثمﺎرات اﻷﺠنب�ﺔ و�شﻬد ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺤجم اﻟتدﻓﻘﺎت اﻹﺴتثمﺎر�ﺔ‬
‫اﻟتﻲ ﺘﺄﺘﻲ ﻤن اﻟخﺎرج واﻟتﻲ ﺘضﺎﻋﻔت �مﻌدﻻت �بیرة و�رﺠﻊ ﺴبب ذﻟك إﻟﻰ ﺘﻘدم اﻹﻗتصﺎد اﻟصینﻲ ﻨت�جﺔ ﻋواﻤﻞ‬
‫‪2‬‬
‫ﻋدة وﺤﻘﺎﺌق �ﺄﺘﻲ ﻓﻲ ﻤﻘدﻤتﻬﺎ اﻟتر�یز ﺸ�ﻪ اﻟمطﻠق ﻋﻠﻰ ﻗضﺎ�ﺎ اﻟنمو اﻹﻗتصﺎدي واﻟتحدﯿث اﻟﻌﻠمﻲ واﻟتكنوﻟوﺠﻲ‪.‬‬

‫وﻤن اﻟمؤ�د أن اﻟصین‪ ،‬إﻟﻰ ﺠﺎﻨب اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟﻘوى اﻟصﺎﻋدة اﻷﺨرى‪ ،‬ﺘر�د أن ﺘرى ﺼﻌودﻫﺎ اﻟمتزاﯿد ﻓﻲ‬
‫اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﯿتم اﺴت�ﻌﺎ�ﻪ �شكﻞ ﻤؤﺴسﻲ وﺴﻠمﻲ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬إذا ﺘراﺠﻌت اﻟﻘوى اﻟﻐر��ﺔ ﻋن اﺴت�ﻌﺎب اﻟصین‪،‬‬
‫ﻓﻠن ﺘتردد اﻷﺨیرة ﻓﻲ اﻟمسﺎﻋدة ﻓﻲ إﻨشﺎء ﻤنصﺎت ﻤؤﺴس�ﺔ ﺒدﯿﻠﺔ ﺘحت إﺸراﻓﻬﺎ‪ ،‬ﻤثﻞ ﺒنك آﺴ�ﺎ ﻟﻠبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‬

‫واﻹﺴتثمﺎر واﻟشراﻛﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ‪ .‬ﺒذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟصین ﺘﻘدر اﻟدﻤﻘرطﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﺒدﻻً‬
‫‪3‬‬
‫ﻤن اﻟدﻤﻘرطﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟوطن�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟﻘـد أﺼـ�حت اﻟتجـﺎرة اﻟخﺎرﺠیـﺔ اﻟصـین�ﺔ ﺘكتسـﻲ أﻫمیـﺔ �ـبرى ﻓﻲ اﻟتكﺎﻤـﻞ اﻹﻗﻠ�مـﻲ ﻓﻲ ﺸـرق آﺴـ�ﺎ‪ ،‬إذ ﺘحتـﻞ‬
‫اﻟصـین ﻤكﺎﻨﺔ ﻤر�ز�ﺔ ﻓﻲ ﺴﻠسﻠﺔ اﻟتور�د ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﺤیث أﻋـﺎدت دوﻟﻬـﺎ ﺘوﺠیـﻪ ﻤ�ﺎدﻻﺘﻬـﺎ اﻟتجﺎر�ـﺔ �ﺈﺘجـﺎﻩ اﻟصـین‪،‬‬
‫ﻤمـﺎ ﺴـﺎﻋد ﻋﻠـﻰ ﺘر�یـز اﻟمبـﺎدﻻت اﻟبـین�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻹﻗﻠ�میـ‪ .‬إن ﻫـذا اﻟتر�یـز ﻟﻠمبـﺎدﻻت ﻨـﺎﺘﺞ ﻋـن ارﺘﻔـﺎع وزن‬
‫اﻟصـین ﻓﻲ اﻟتجـﺎرة اﻟخﺎرﺠیـﺔ ﻟمـﺎ �سـمﻲ ﺒــدول "آﺴــ�ﺎن ‪ ،"3+‬أي دول اﻟتجمــﻊ �ﺎﻹﻀــﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟ�ﺎﺒــﺎن‪� ،‬ور�ــﺎ اﻟجنو�یــﺔ‬
‫واﻟصــین‪ 4 .‬وأﺼـ�حت اﻟصـین ﻓﻲ اﻟسـنوات اﻷﺨـیرة اﻟشـر�ك اﻹﻗتصـﺎدي اﻷول أو اﻟثـﺎﻨﻲ ﻟﻠكثـیر ﻤـن دول ﺸـرق آﺴـ�ﺎ‪.‬‬
‫و�ﻔسـر ﺘطـور رﺼـید اﻟمیـزان اﻟتجـﺎري ﻟﻠصـین ﻤـﻊ ﺸـر�ﺎﺌﻬﺎ اﻵﺴـیو�ین دور اﻟصـین �ﺄرﻀـ�ﺔ ﻟﻠتصـدﯿر ﻀـمن اﻟتﻘسـ�م‬

‫‪ -1‬أﺤمد ﻓﺎروق ع�ﺎس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.254-253‬‬


‫‪ -2‬م‪ .‬م ﺗﻣﺎرا ﻛﺎظم اﻷﺳدي‪" ،‬أھﻣﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣل اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻓﻲ ﻗوة اﻟدوﻟﺔ )اﻟﺻﯾن( أﻧﻣوذﺟﺎ ً"‪) ،‬ﻣﺻر‪ ،‬اﻟﻣرﻛز اﻟدﯾﻣﻘراطﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪.(2019/07/06 ،‬‬
‫‪https://cutt.ly/XSQ2WcO‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 39.‬‬
‫‪ -4‬طیب ﺠمیﻠﺔ وﻏیدة ﻓﻠﺔ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ .‬ص ‪.95‬‬

‫‪250‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻹﻗﻠ�مـﻲ ﻟﻠﻌمـﻞ ﻓﻲ آﺴـ�ﺎ‪ ،‬ﻓبینمـﺎ ﺘحﻘـق اﻟصـین ﻓﺎﺌضـﺎ ﺘجﺎر�ـﺎ ﻤـﻊ اﻟـدول اﻟﻐر�یـﺔ وﺨﺎﺼﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﺘتﻌرض‬
‫‪1‬‬
‫إﻟﻰ ﻋجز ﺘجﺎري ﻤﻊ دول اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫إن اﻟنﻘطﺔ اﻟمر�ز�ﺔ ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟتنم�ﺔ اﻟجدﯿدة اﻟتﻲ طرﺤتﻬﺎ اﻟصین ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ ﻋﺎم ‪1978‬ﻫﻲ ﻨﻘﻞ ﻤحور‬
‫أﻋمﺎل اﻟحزب واﻟدوﻟﺔ إﻟﻲ اﻟﻌمﻞ اﻻﻗتصﺎدي‪ ،‬ﻓﺄﺼ�ﺢ اﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي أﻫم ﻤق�ﺎس ﻟتﻘی�م ﻟﻠتنم�ﺔ‪ ،‬وﺘﻘی�م ﻗﺎدة‬
‫اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬و�ﻔضﻞ ﺠﻬود اﻟحكوﻤﺎت ﻋﻠﻰ اﻟمستو�ﺎت اﻟمختﻠﻔﺔ ﺸﻬدت اﻟبن�ﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ وﻗطﺎع اﻟتصن�ﻊ ﺘطو ار ﺴر�ﻌﺎ‪،‬‬
‫وﺨﻼل أر�ﻌﺔ ﻋﻘود ﺤﻘﻘت اﻟصین اﻨجﺎزات ﻏیر ﻤسبوﻗﺔ ﻓﻲ ﺘﺎر�ﺦ اﻟتنم�ﺔ ‪ ،‬ﻓﻘد ﺒﻠﻎ اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ ﻋﺎم‬
‫‪ 2017‬ﻨحو ‪ 12,31‬ﺘر�ﻠیون دوﻻر ﻟ�صﻞ ﻋﺎم ‪ 2019‬إﻟﻰ ‪ 14.28‬ﺘر�ﻠیون دوﻻر )ﻛﺎن ﻨﺎﺘجﻬﺎ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ ﻋﺎم‬
‫‪ 1978‬ﺤواﻟﻲ ‪ 150‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر( )أﻧﻈﺮ اﳌ�حﻖ رﻗﻢ ‪ ،(6‬وارﺘﻔﻊ ﻤتوﺴط ﻨصیب اﻟﻔرد ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ ﻤن ‪ 165‬دوﻻر‬
‫ﻋﺎم ‪ 1978‬إﻟﻰ أﻛثر ﻤن ‪ 800‬دوﻻر ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ ‪ ،2016‬واﻟصین اﻟتﻲ ﻟم �كن ﻓیﻬﺎ أي اﺴتثمﺎرات أﺠنب�ﺔ ﻤ�ﺎﺸرة ﻗبﻞ‬
‫أر�ﻌﺔ ﻋﻘود ﺒﻠﻎ ﺤجم اﻻﺴتثمﺎر اﻷﺠنبﻲ اﻟم�ﺎﺸر ﻓیﻬﺎ ﻋﺎم ‪ 2017‬ﻨحو ‪ 320,135‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر‪ ،‬وﺤﺎﻓظت ﻋﻠﻰ وﻀﻌﻬﺎ‬
‫‪2‬‬
‫ﻛثﺎﻨﻲ أﻛبر اﻗتصﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ‪ ،‬واﻷﻫم أن ﻨحو ‪ 700‬ﻤﻠیون ﺼینﻲ ﺨرﺠوا ﻤن داﺌرة اﻟﻔﻘر‪.‬‬

‫ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ اﻟﻘدرات اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬ﻓﻘد زادت اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟﻠصین �شكﻞ �بیر ﺨﻼل اﻟﻌﻘد ﯿن اﻟمﺎﻀیین‪ ،‬ﻤﻊ‬

‫ز�ﺎدات ﻤضﺎﻋﻔﺔ ﻓﻲ اﻹﻨﻔﺎق اﻟدﻓﺎﻋﻲ ﻷﻛثر ﻤن ‪ً 20‬‬


‫ﻋﺎﻤﺎ‪ .‬وﻗد ﺴمﺢ ذﻟك ﻟﻠج�ش اﻟصینﻲ ﺒتسر�ﻊ ﺒرﻨﺎﻤجﻪ اﻟتحدﯿثﻲ‬
‫واﻟحصول ﻋﻠﻰ أﺴﻠحﺔ ﻤتطورة‪ .‬ﯿبدو أن اﻟكثیر ﻤن ﻫذﻩ اﻟترﺴﺎﻨﺔ ﺘر�ز ﻋﻠﻰ ردع اﻟتدﺨﻞ اﻷﻤر�كﻲ اﻟمحتمﻞ ﻓﻲ‬
‫أ�ضﺎ أن اﻟﻌنﺎﺼر ﺘﻌزز ﻗدرات اﻟج�ش اﻟصینﻲ ﻟتتخطﻰ ﺘﺎﯿوان ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‬‫ﺤﺎﻟﺔ طوارئ ﻟتﺎﯿوان‪ ،‬وﻟكن ﯿبدو ً‬
‫‪3‬‬
‫واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ اﻷوﺴﻊ )أﻧﻈﺮاﳌ�حﻖ رﻗﻢ ‪.(7‬‬

‫�مضﻲ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﻟﻠدﻓﺎع اﻟصینﻲ ﻟﻌﺎم ‪ 2008‬ﻓﻲ ﺘحدﯿد اﻟمﻬﺎم اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠﻘوات اﻟمسﻠحﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬
‫وأﻫم ﻫذﻩ اﻟمﻬﺎم ﺤمﺎ�ﺔ "أﻤن اﻟصین وﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ ﻤجﺎﻻت ﺠدﯿدة" و"أﻤن ﻤصﺎﻟﺢ اﻟصین اﻟخﺎرﺠ�ﺔ"‪ .‬وﺘمﺎﺸ�ﺎ ﻤﻊ‬
‫اﻟتوﺠﻪ اﻟﻌﺎم ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ ﻓترة ﺤكم "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪� ،‬مكن اﻟﻘول إن ﻫذﯿن اﻟمجﺎﻟین ﻫمﺎ ﻤجﺎﻻت اﻟدﻓﻊ‬
‫اﻟجدﯿدة ﻓﻲ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض‪ .‬و�نﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ �شیر إﻟﻰ أن‪" :‬ﺘمﺎﺸ�ﺎ ﻤﻊ اﻟمتطﻠ�ﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋن‬

‫‪ -1‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ .‬ص ‪.95‬‬


‫‪ -2‬أﺤمد ﻓﺎروق ع�ﺎس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P4.‬‬

‫‪251‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟم�ﺎﻩ اﻟ�حر�ﺔ وﺤمﺎ�ﺔ اﻟ�حﺎر اﻟمﻔتوﺤﺔ‪ ،‬ﻓﺈن �حر�ﺔ ﺠ�ش اﻟتحر�ر اﻟشﻌبﻲ )‪ (PLAN‬ﺴتحول ﺘر�یزﻫﺎ ﺘدر�ج�ﺎً ﻤن‬
‫‪1‬‬
‫"اﻟدﻓﺎع ﻋن اﻟم�ﺎﻩ اﻟ�حر�ﺔ" إﻟﻰ ﻤز�ﺞ ﻤن "اﻟدﻓﺎع ﻋن اﻟم�ﺎﻩ اﻟ�حر�ﺔ" ﻤﻊ "ﺤمﺎ�ﺔ اﻟ�حﺎر اﻟمﻔتوﺤﺔ"‪.‬‬

‫ﯿنظر ﺨبراء اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین إﻟﻰ اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻟر�یزة اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫اﻷﺸمﻞ ﻓﻲ اﻟصین‪ .‬و�صرح �تﺎب ﻋﻠم اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟصینﻲ ﻟﻌﺎم ‪ 2013‬أن ﻋﻠﻰ اﻟصین إدراك أن اﻟﻘوات‬
‫اﻟنوو�ﺔ ﺘﻠﻌب "دو ارً ﻫﺎﻤﺎ" ﻓﻲ "ﻀمﺎن ﻤكﺎﻨﺔ اﻟصین �ﻘوة ﻋظمﻰ ﻏیر ﺨﺎﻀﻌﺔ‪ ،‬وﺤمﺎ�ﺔ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟجوﻫر�ﺔ ﻟﻸﻤﺔ‬
‫‪2‬‬
‫ﻤن أي اﻨتﻬﺎك‪ ،‬وﺨﻠق ﺒیئﺔ آﻤنﺔ ﻟﻠتنم�ﺔ اﻟسﻠم�ﺔ"‪.‬‬

‫ﻛمﺎ ﺤسنت اﻟصین ﻗواﺘﻬﺎ اﻟبر�ﺔ ور�زت ﻋﻠﻰ اﻟتحدﯿث اﻟتكنوﻟوﺠﻲ ﻟﻘواﺘﻬﺎ اﻟجو�ﺔ واﻟ�حر�ﺔ‪ .‬وﻗد أدارت‬
‫اﻟصین أ�ضﺎ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوى اﻟﻌظمﻰ �ﻐرض ﺘﻌظ�م ﺘخص�ص اﻟموارد ﻟﻠنمو اﻟمحﻠﻲ؛ ﻓتوﺼﻠت إﻟﻰ اﺘﻔﺎﻗﺎت ﺤدود�ﺔ‬
‫وطورت إﺠراءات ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ ﻤﻊ روﺴ�ﺎ ودول آﺴ�ﺎ اﻟمجﺎورة؛ �مﺎ طورت روا�ط اﻗتصﺎد�ﺔ وأﻤن�ﺔ ﺘﻌﺎوﻨ�ﺔ ﻤﻊ �ور�ﺎ‬
‫اﻟجنو��ﺔ‪ ،‬وﺸجﻌت �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺘﻠط�ف ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ ،‬وزادت أ�ضﺎ ﻤن اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪،‬‬
‫وﺘوﺼﻞ اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون إﻟﻰ ﺘسو�ﺎت ﺤول ﻗضﺎ�ﺎ �ثیرة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬اﻟصین�ﺔ ﻤن أﺠﻞ ﺘﻘﻠیﻞ إﻤكﺎﻨ�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﺤدوث ﺼراع ﻤكﻠﻒ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫أ�ضﺎ "أر�ﻌﺔ ﻤجﺎﻻت أﻤن�ﺔ رﺌ�س�ﺔ"‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘود اﻟصین أن ﺘر�ز ﻓیﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘطو�ر‬
‫ﯿر�ز اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ً‬
‫ﻗواﺘﻬﺎ‪ .‬وﻫﻲ‪ :‬اﻟﻔضﺎء اﻟسیبراﻨﻲ‪ ،‬اﻟﻔضﺎء اﻟخﺎرﺠﻲ؛ وﻨووي‪ ،‬واﻟ�حري‪ .‬ﻓﻲ اﻟمجﺎل اﻟرا�ﻊ )اﻟ�حري(‪� ،‬ختﻠﻒ اﻟكتﺎب‬
‫اﻷﺒ�ض ﻟﻌﺎم ‪ 2015‬اﺨتﻼﻓﺎ �بی ار ﻋن اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض اﻟسﺎﺒق‪ .‬وﻫو ﯿنص ﻋﻠﻰ أﻨﻪ‪�" :‬جب اﻟتخﻠﻲ ﻋن اﻟﻌﻘﻠ�ﺔ‬
‫اﻟتﻘﻠید�ﺔ اﻟﻘﺎﺌﻠﺔ �ﺄن اﻷرض ﺘﻔوق اﻟ�حر‪ ،‬و�جب إﯿﻼء أﻫم�ﺔ �بیرة ﻹدارة اﻟ�حﺎر واﻟمح�طﺎت وﺤمﺎ�ﺔ اﻟحﻘوق‬
‫ﺘر�یز �ﺎرًاز ﻓﻲ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ‬
‫ًا‬ ‫واﻟمصﺎﻟﺢ اﻟ�حر�ﺔ‪ ".‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻤن اﻟواﻀﺢ أن اﻷﻤن اﻟ�حري ﻗد اﻛتسب‬
‫‪4‬‬
‫اﻟصین�ﺔ‪ ،‬وﻤن ﺜم إﻋطﺎء اﻷوﻟو�ﺔ ﻟﻘواﺘﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ ﺨطط اﻟتحدﯿث اﻟخﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻛمﺎ أن ﻟدى اﻟصین ﻤﻔﻬوم واﺴﻊ ﻟﻠردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻬو ﯿتضمن ﻤجموﻋﺔ ﻤتﻌددة اﻷ�ﻌﺎد ﻤن اﻟﻘدرات‬
‫ﻤﻌﺎ ﻟتشكﻞ ﻤوﻗﻒ "اﻟردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟمتكﺎﻤﻞ" اﻟﻼزم ﻟحمﺎ�ﺔ ﻤصﺎﻟﺢ اﻷﻤن‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ وﻏیر اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘجتمﻊ ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 6.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﺎﯾﻛل إس ﺗﺷﺎﯾس‪ ،‬آرﺛر ﺗﺷﺎن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.21-20‬‬
‫‪ -3‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.332‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 6.‬‬

‫‪252‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟﻘوﻤﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟتﻔكیر �ﺎﻟردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻲ اﻟصین آﺨذ ﻓﻲ اﻟتطور �وﻨﻬﺎ ﺘﻌمﻞ ﻋﻠﻰ ﻤراﺠﻌﺔ اﻨط�ﺎﻋﺎﺘﻬﺎ ﺤ�ﺎل اﻟبیئﺔ‬
‫اﻷﻤن�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ وﺘحسین ﻗدراﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬و�سﻬم ﺘﻘی�م اﻟصین ﻟبیئتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ ﺘحﻔیز اﻟتﻐیر ﻓﻲ‬
‫ﺘﻔكیرﻫﺎ ﺤول ﻤتطﻠ�ﺎت” اﻟردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟمتكﺎﻤﻞ“‪ ،‬وﻫو ﻤﻔﻬوم ﻋسكري ﺼینﻲ ﯿدﻋو إﻟﻰ ﺘرﺴ�ﺦ ﻤجموﻋﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ‬
‫‪1‬‬
‫وﻤتنﺎﺴﻘﺔ ﻤن ﻗدرات اﻟردع اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ �مﺎ ﻓیﻬﺎ اﻟﻘوى اﻟنوو�ﺔ واﻟتﻘﻠید�ﺔ واﻟﻔضﺎﺌ�ﺔ وﻗوى اﻟﻔضﺎء اﻹﻟكتروﻨﻲ‪.‬‬
‫اﻷﻫداف اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻠردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻫﻲ ﻤنﻊ اﻨدﻻع اﻟحرب وﺤمﺎ�ﺔ ﺤﻘوق وﻤصﺎﻟﺢ اﻟس�ﺎدة اﻟ�حر�ﺔ وﻤصﺎﻟﺢ‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ ﻓﻲ اﻟصین‪.‬‬

‫ﻛمﺎ ﯿر�ز �تﺎب ﻋﻠم اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ ‪ 2013‬ﻋﻠﻰ أﻫم�ﺔ اﻻﺴتمرار ﻓﻲ ﺘطو�ر ﻗدرات اﻟصین ﻓﻲ‬
‫ﻤجﺎل اﻟحرب اﻟمﻌﻠوﻤﺎﺘ�ﺔ وﺘﻌز�ز ﻤسﺎﻫمتﻬﺎ ﻓﻲ "ﻨظﺎم اﻟردع" اﻟصینﻲ‪ .‬و�حسب اﻟكتﺎب ﻓﺈﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺠ�ش اﻟتحر�ر‬
‫اﻟشﻌبﻲ اﻟصینﻲ "اﻹﺼرار ﻋﻠﻰ ﻤمﺎرﺴﺔ اﻟدﻓﺎع اﻟمﻌﻠوﻤﺎﺘﻲ اﻟنشط �شكﻞ اﺴتراﺘ�جﻲ"‪ ،‬وﻟكن ﻋﻠ�ﻪ أ�ضﺎ ﺘطو�ر‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻘدرات اﻟﻬجوﻤ�ﺔ واﻟدﻓﺎع�ﺔ ﻋﻠﻰ ﺤد ﺴواء‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬ﺒروز اﻟصین �ﻘوة ﻋظمﻰ إﻗﻠ�م�ﺔ وﻋﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪.‬‬

‫ﺘدﻓﻊ اﻟصین �ﺎﺘجﺎﻩ اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﺒدﻻً ﻤن اﻹﺴتﻘطﺎب اﻷﺤﺎدي ﻋﻠﻰ اﻟمستو�ین اﻟﻌﺎﻟمﻲ واﻹﻗﻠ�مﻲ‪،‬‬
‫وﺘتوﻗﻊ أﻨﻪ ﻤﻊ اﺴتمرار اﻟتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ وﺘزاﯿد اﻟمشﺎورات اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ داﺨﻞ اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺴ�كون اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ‬

‫اﻟشؤون اﻹﻗﻠ�م�ﺔ أﻛثر ً‬


‫‪4‬‬
‫�ﻌﺎ �ﺎﻟتسﺎوي‪.‬‬
‫ﺘنوﻋﺎ وﺘوز ً‬
‫ﻓبنﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﺘﻐیرت اﻟدﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ واﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین‪� ،‬حیث �ﺎﺘت ﻤﻘﺎر�ﺎﺘﻬﺎ ﻟﻠشؤون‬
‫اﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ ﺘتمیز �ﺎﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ واﻟﻌمﻠ�ﺔ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل ﻤز�ﺞ ﻤن اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟبراﻏمﺎﺘ�ﺔ واﻟﻘوة‬
‫اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ واﻟدﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟنشطﺔ‪� .‬شكﻞ ﻤكنﻬﺎ ﻤن إﻗﺎﻤﺔ ﻋﻼﻗﺎت ﻤتنﺎﻤ�ﺔ و�نﺎءة ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ وﺤول‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺸر�ﺎت ﺠدﯿدة ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ وآﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ وﺠنوب آﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻣﺎﯾﻛل إس ﺗﺷﺎﯾس‪ ،‬آرﺛر ﺗﺷﺎن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.vii‬‬


‫‪ -2‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -3‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Wu Xinbo, “U.S. Security Policy in Asia: Implications for China-U.S. Relations”, (September 1, 2000).‬‬
‫‪https://cutt.ly/xA3fhGE‬‬
‫‪� -5‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪253‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻤﺎ �ﻘﻠق ﻓﻲ ﺼﻌود اﻟصین ﻫو اﻟسواﺒق اﻟتﺎر�خ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟتﺎر�ﺦ واﻟﻌﻠم �ﻘترﺤﺎن ﺒوﻀوح أن اﻷﻤم اﻟتﻲ ﻓﻲ وﻀﻊ‬
‫اﻨتﻘﺎل اﻗتصﺎدي ﺘمیﻞ ﻷن ﺘكون ﺘو�ید�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟخﺎرﺠﻲ؛ ‪ 1‬ﻓس�ﺎﺴﺎت اﻟصین وردود اﻟﻔﻌﻞ إزاﺌﻬﺎ ﺘز�دان‬
‫اﻟمﻌضﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ؛ واﺴتثمﺎر اﻟصین ﻓﻲ ﻗدرات إظﻬﺎر اﻟﻘوة و�ﻋﺎدة ﺘﺄﻛیدﻫﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺴ�ﺎدﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟم�ﺎﻩ واﻟ�ﺎ�سﺔ ﻤن ﺠزر "د�ﺎﯿو" إﻟﻰ ﺠزر "ﺴبراﺘﻠﻲ" واﻷﻋمﺎل اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟمحدودة اﻟتﻲ ﻗﺎﻤت ﺒﻬﺎ‬
‫�ﺎﻟﻔﻌﻞ ﺘثیر اﻟشك واﻟخوف ﻟدى اﻟ�ﺎ�ﺎن وﺘﺎﯿوان ودول را�طﺔ ﺸﻌوب ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ وﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ؛ ﻓﺎﻟنظر إﻟﻰ ﺘو�ید�ﺔ اﻟصین اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﺤﺎﻟ�ﺎ �ﺈﺴتشراف ﻟﻠمستﻘبﻞ �جﻌﻞ اﻵﺨر�ن ﯿتحصنون ﻀد إﻤكﺎﻨ�ﺔ‬
‫‪2‬‬
‫ﺘﻬدﯿد ﺼینﻲ ﻤستﻘبﻠﻲ ﻤحتمﻞ‪.‬‬

‫ﺒدأ اﻟس�ﺎﺴیون واﻻﺴتراﺘ�جیون اﻟصینیون ﯿتحدﺜون ﻋن اﻟصین "ﻛﻘوة ﻋظمﻰ ﻤسؤوﻟﺔ"‪، Fuzeren de daguo‬‬
‫اﻨبثق ﻤصطﻠﺢ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ اﻟمسؤوﻟﺔ ﻤن دون أي ﺘحﻔظ ﻓﻲ ﻤوازاة ﻗرار اﻟصین ﻋدم ﺨﻔض ق�مﺔ ﻋمﻠتﻬﺎ اﻟوطن�ﺔ‬
‫إ�ﺎن اﻷزﻤﺔ اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ ﺒین ‪ ،1998-1997‬وﻫو ﻗرار ﻻﻗﻰ ﺜنﺎءا وﺘﻘدﯿ ار ﻤن ﻗبﻞ دول اﻟمنطﻘﺔ واﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وﻗد أدى‬
‫اﻨضمﺎم اﻟصین إﻟﻰ ﻤنظمﺔ اﻟتجﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ د�سمبر ‪ ،2001‬واﻹﻨتﻘﺎل اﻟثﺎﺒت ﻟﻠسﻠطﺔ إﻟﻰ اﻟجیﻞ اﻟرا�ﻊ ﻤن اﻟق�ﺎدة‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻲ اﻟصین ﻓﻲ ‪ 2003-2002‬إﻟﻰ ﺘﻌز�ز اﻟمﻘﺎر�ﺔ اﻷﻛثر ﺜﻘﺔ ﻟﻠصین ﺘجﺎﻩ اﻟوﻀﻊ اﻷﻤنﻲ اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟﻌﺎﻟمﻲ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻓترة ‪ 2003-2001‬اﻨطﻠﻘت ﻨخ�ﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین دﻋوات ﺠدﯿدة إﻟﻰّ "دﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ ﻗوة ﻋظمﻰ"‬
‫ﻟﻠصین أﻛثر ﻨضجﺎ وﻤسؤوﻟ�ﺔ وذات ﻨﻬﺞ ﺒنﺎء‪ .‬و�مﺎ وﺠد ‪ Evan Medeiros‬و ‪M.Taylor Freavel‬ﺘبدو ﻫذﻩ اﻟمﻘﺎر�ﺔ‬
‫و�ﺄﻨﻬﺎ ﺘتخﻠﻰ ﻋن ﻋﻘدة "اﻟضح�ﺔ" اﻟتﻲ ﺘتصرف ﻋﻠﻰ أﺴﺎس رد اﻟﻔﻌﻞ وﺘتمﺎﺜﻞ أﻛثر ﻤﻊ "ﻋﻘﻠ�ﺔ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ" �مﺎ‬
‫‪4‬‬
‫ﯿﻼﺌم اﻟموﻗﻊ اﻷﻛبر وﺜوﻗﺎ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟشؤون اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘمﺎﺸ�ﺎ ﻤﻊ "ﻋﻘﻠ�ﺔ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ" أﻗﺎﻤت اﻟصین ﻋﻼﻗﺎت ﺸراﻛﺔ وﺘﻌﺎون �ﺎﻤﻠﺔ ﻤﻊ اﻻﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ‪ ،‬وﻋﻼﻗﺔ‬
‫ﺘﻌﺎون اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤﻊ روﺴ�ﺎ‪ ،‬و�ذﻟك ﻤﻊ اﺴتراﻟ�ﺎ و�ندا‪ ،‬وأﺴست أ�ضﺎ ﻋﻼﻗﺎت ﺸراﻛﺔ وﺘﻌﺎون وﺼداﻗﺔ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن‬
‫ﻗواﻤﻬﺎ ﺘكر�س اﻟجﻬود ﻤن أﺠﻞ اﻟسﻼم واﻟتطور اﻟمشترك‪ ،‬وأﺴست �ذﻟك اﻟصین ﻋﻼﻗﺎت ﺸراﻛﺔ وﺜﻘﺔ ﻤت�ﺎدﻟﺔ وﺤسن‬

‫‪ -1‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.383‬‬


‫‪ -2‬أﻓیري ﺠوﻟد ﺸتﺎﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.21-20‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪254‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺠوار ﻤﻊ را�طﺔ اﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬وﻋﻼﻗﺔ ﺸراﻛﺔ وﺘﻌﺎون ﻤمﺎﺜﻠﺔ ﻤﻊ ﻋدد �بیر ﻤن اﻟدول ﻓﻲ ﺠنوب آﺴ�ﺎ‪ ،‬وآﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪.‬‬
‫إﻗﺎﻤﺔ ﻤثﻞ ﺘﻠك اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻋزز ﺘﻘدم اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ اﻹﺘجﺎﻩ ﺼوب ﺒنﺎء ﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب‪ ،‬وﻋرض ﺠﻬود اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻬﺎدﻓﺔ إﻟﻰ إﻗﺎﻤﺔ ﻋﺎﻟم أﺤﺎدي اﻟﻘطب�ﺔ ﺒزﻋﺎﻤتﻬﺎ ﻟﻺﺤ�ﺎط اﻟشدﯿد‪ 1 .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﻨصت اﻟوﺜ�ﻘﺔ‬
‫اﻟب�ضﺎء اﻟصﺎدرة ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪ 1995‬ﻋﻠﻰ أﻨﻪ اﻨطﻼﻗﺎ ﻤن واﻗﻊ "أن أي ﺤرب ﻋﺎﻟم�ﺔ �ﻌیدة اﻻﺤتمﺎل ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ‬
‫اﻟمنظور" �مكن ﻟﻠمرء و�كﻞ واﻗع�ﺔ أن "ﯿتوﻗﻊ ﻓترة طو�ﻠﺔ ﻤن اﻟسﻼم ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم وﻤنﺎﺨﺎ ﻤواﺘ�ﺎ ﻓﻲ اﻟمنﺎطق اﻟمح�طﺔ‬
‫�ﺎﻟصین"‪" ،‬إﻨنﺎ ﺴنستمر ﻓﻲ ﺘوطید روا�طنﺎ اﻟود�ﺔ ﻤﻊ اﻟجیران وﺘثﺎﺒر ﻓﻲ ﺒنﺎء ﻋﻼﻗﺎت وﺸر�ﺎت ﻗﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ ﺤسن‬
‫‪2‬‬
‫اﻟجوار‪ .‬ﺴنز�د اﻟتﻌﺎون اﻹﻗﻠ�مﻲ وﻨرﻓﻊ ﻨس�ﺔ اﻟت�ﺎدﻻت واﻟتﻌﺎون ﻤﻊ اﻟدول اﻟمح�طﺔ ﺒنﺎ إﻟﻰ ﻤستوى أﻋﻠﻰ"‪.‬‬

‫ﺘﻘر�ر )‪ (PCR‬اﻟسﺎ�ﻊ ﻋشر ﯿنص ﻋﻠﻰ أن اﻟصین "ﺴتواﺼﻞ اﻟق�ﺎم ﺒدور ﻨشط ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟمتﻌددة‬
‫دور ﺒنﺎء"‪� ،‬كرر ﺘﻘر�ر )‪ (PCR‬اﻟثﺎﻤن ﻋشر‪� ،‬طر�ﻘﺔ أﻛثر ﺼراﺤﺔ‬
‫اﻷطراف‪ ،‬وﺴتتحمﻞ اﻟتزاﻤﺎﺘﻬﺎ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﺘﻠﻌب ًا‬
‫وﻗوة‪ ،‬أن اﻟصین ﺴوف ﺘشﺎرك ﺒنشﺎط ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﺘﻠﻌب دورﻫﺎ اﻟواﺠب �دوﻟﺔ ﻤسؤوﻟﺔ رﺌ�س�ﺔ‪ ،‬وﺘﻌمﻞ‬
‫�شكﻞ ﻤشترك ﻤﻊ اﻟدول اﻷﺨرى ﻟمواﺠﻬﺔ اﻟتحد�ﺎت اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬ﺘشیر ع�ﺎرات "اﻟمز�د ﻤن اﻟمشﺎر�ﺔ اﻟنشطﺔ" وﻟﻌب‬
‫"دور ﻤسؤول رﺌ�سﻲ" إﻟﻰ أن اﻟصین ﻟن ﺘشﺎرك ﻓﻘط ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﺒﻞ ﺴتضطﻠﻊ ﺒدور أﻛثر ﻤسؤوﻟ�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺘشكیﻞ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫وﻤن اﻟسمﺎت اﻟ�ﺎرزة اﻷﺨرى ﻟﻠتﻘر�ر اﻟثﺎﻤن ﻋشر )‪ (PCR‬أﻨﻪ ﯿتحدث ﻋن ﺤمﺎ�ﺔ اﻟحﻘوق واﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫اﻟمشروﻋﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟخﺎرج‪ .‬ﯿنص ﻋﻠﻰ‪" :‬ﺴنتخذ ﺨطوات ﻗو�ﺔ ﻟتﻌز�ز اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ واﻟت�ﺎدل اﻟثﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬وﺤمﺎ�ﺔ‬
‫اﻟحﻘوق واﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمشروﻋﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟخﺎرج"‪ .‬اﻟسؤال اﻟذي �طرح ﻨﻔسﻪ‪ :‬ﻫﻞ ﻫذا ﯿتطﻠب ﻤن اﻟصین اﻟتدﺨﻞ ﻓﻲ‬
‫اﻟشؤون اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻟﻠدول اﻷﺨرى؟ ﻤن اﻟمﻬم أن ﻨتذ�ر أن ﻋدم اﻟتدﺨﻞ �ﺎن أﺤد اﻟم�ﺎدئ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟصین�ﺔ؛ وأن ﺠم�ﻊ ﺘﻘﺎر�ر )‪� ،(PCR‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺘﻘر�ر )‪ (PCR‬اﻟثﺎﻤن ﻋشر‪ ،‬ﻗد أﻛد ﻫذا اﻟمبدأ‪.‬‬

‫ﻛمﺎ ﯿؤ�د اﻟتﻘر�ر اﻟثﺎﻤن ﻋشر ﻟﻠـ )‪ (PCR‬ﻋﻠﻰ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟمشتر�ﺔ ﻓﻲ اﻟتﻘﺎر�ر اﻟسﺎ�ﻘﺔ‪ ،‬وﻫﻲ‪ :‬ﺒنﺎء ﻋﺎﻟم‬
‫ﻤتنﺎﻏم؛ اﺘ�ﺎع اﻟم�ﺎدئ اﻟخمسﺔ ﻟﻠتﻌﺎ�ش اﻟسﻠمﻲ؛ اﺘ�ﺎع ﺴ�ﺎﺴﺔ ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﺴﻠم�ﺔ ﻤستﻘﻠﺔ؛ ﺤمﺎ�ﺔ اﻟس�ﺎدة وﺴﻼﻤﺔ‬
‫اﻷراﻀﻲ؛ ﺤمﺎ�ﺔ اﻷﻤن واﻟتنم�ﺔ؛ اﺤترام ﺘنوع اﻟحضﺎرات؛ ﺘجنب اﻟسﻌﻲ وراء اﻟﻬ�منﺔ‪ .‬واﻟسﻌﻲ إﻟﻰ ﺘطو�ر اﻟمنﻔﻌﺔ‬

‫‪ -1‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p3.‬‬

‫‪255‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمشتر�ﺔ وﻤر�ﺢ ﻟﻠجم�ﻊ ﻋﻠﻰ ﻤستوى اﻟﻌﺎﻟم‪ 1 .‬ﻓﻔﻲ آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪ ،‬ﻗﺎدت اﻟصین إﻨشﺎء أول ﻤجموﻋﺔ ﻤتﻌددة‬
‫اﻷطراف‪ ،‬ﻤنظمﺔ ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون اﻟتﻲ ﺘﺄﺴست ﻟتسو�ﺔ اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ طو�ﻠﺔ اﻷﻤد وﻨزع ﺴﻼح اﻟحدود‪ ،‬وﺘؤ�د‬
‫‪2‬‬
‫اﻟمنظمﺔ اﻵن ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﺎون ﻓﻲ ﻤكﺎﻓحﺔ اﻹرﻫﺎب واﻟتجﺎرة اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪.‬‬

‫ﻤؤﺴسﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻋضوا‬
‫ً‬ ‫ﻛمﺎ وﺠﻬت اﻟصین اﻫتمﺎﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﺘحسین ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ أورو�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪� ،1996‬ﺎﻨت اﻟصین‬
‫ﻓﻲ اﺠتمﺎع آﺴ�ﺎ‪-‬أورو�ﺎ‪ ،‬اﻟذي �ﻌﻘد اﺠتمﺎﻋﺎت ﻗمﺔ ﻨصﻒ ﺴنو�ﺔ ﻟرؤﺴﺎء اﻟدول واﺠتمﺎﻋﺎت و ازر�ﺔ ﺴنو�ﺔ‪� .‬ﻌد ذﻟك‬
‫ﺴنو�ﺎ؛ واﻷﻛثر إﺜﺎرة ﻫو أن اﻟصین ﺘواﺼﻠت ﻤﻊ ﺤﻠﻒ‬
‫ﺴ�ﺎﺴ�ﺎ ً‬
‫ً‬ ‫ار‬
‫أ�ضﺎ ﺤو ًا‬
‫�ﻌﺎﻤین‪ ،‬ﺒدأت اﻟصین واﻻﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ ً‬
‫اﻟنﺎﺘو ﻓﻲ أواﺨر ﻋﺎم ‪ 2002‬ﻟﻠمرة اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ �مثﻞ ﺨروﺠﺎً ﻫﺎﻤﺎً ﻋن ﺘﻘﻠیدﻫﺎ ﻓﻲ اﻨتﻘﺎد اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻟتﻲ ﺘﻘودﻫﺎ‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﺘدﺨﻼﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ‪.‬‬

‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻻ ﯿن�ﻐﻲ اﻋت�ﺎر ﻫذﻩ اﻟ�ﺎدرة ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻋتنﺎق ﺼینﻲ ﺠدﯿد ﻟﻸﻤن اﻟجمﺎﻋﻲ؛ �مﺎ �مكن اﺴتخداﻤﻪ‬
‫‪3‬‬
‫ﻟرﺼد ور�مﺎ اﺴتﻐﻼل اﻹﺨتﻼﻓﺎت داﺨﻞ اﻟحﻠﻒ ﻋبر اﻷطﻠسﻲ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �مشﺎر�ﺔ اﻟنﺎﺘو ﻓﻲ آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪.‬‬
‫ﻓﻬذﻩ اﻟس�ﺎﺴﺎت ﺘﻬدف ﻟوﺼول اﻟصین إﻟﻰ اﻟموارد اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ وﺘﻘﻠﻞ ﻤن إﻤكﺎﻨ�ﺔ وﻗوع ﺼراع دوﻟﻲ ﻤن ﺸﺄﻨﻪ‬
‫أن �ﻌید ﺘوﺠ�ﻪ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟصین اﻟمحﻠ�ﺔ ﻤن اﻟتوازن �ﻌید اﻟمدى إﻟﻰ اﻹﻨﻔﺎق اﻟدﻓﺎﻋﻲ ﻗصیر اﻟمدى ﻹدارة اﻟتﻬدﯿدات‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻔور�ﺔ‪.‬‬

‫�خ�ﺎ ﻓﻲ اﻟتوﺘر‬
‫أ�ضﺎ ﻟحﻞ ﻋدد ﻤن اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟتﻲ ﺘسببت ﺘﺎر ً‬
‫ﺨﻼل اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﺘحر�ت اﻟصین ً‬
‫ﺒینﻬﺎ و�ین ﺠیراﻨﻬﺎ‪ .‬ﻤنذ ﻋﺎم ‪ ،1991‬ﻗﺎﻤت اﻟصین ﺒتسو�ﺔ اﻟنزاﻋﺎت اﻟحدود�ﺔ ﻤﻊ �ﺎزاﺨستﺎن‪ ،‬وﻗرﻏیزﺴتﺎن‪ ،‬وﻻوس‪،‬‬
‫وروﺴ�ﺎ‪ ،‬وطﺎﺠ�كستﺎن‪ ،‬وﻓیتنﺎم‪ .‬ﻗﺎﻤت ﺒذﻟك ﻓﻲ �ﻌض اﻷﺤ�ﺎن �شروط أﻗﻞ ﻤن اﻟمنﻔﻌﺔ‪ .‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻓﻲ ﻤﻌظم ﻫذﻩ‬
‫اﻻﺘﻔﺎق�ﺎت‪ ،‬ﺤصﻠت اﻟصین ﻋﻠﻰ ‪ %50‬ﻓﻘط أو أﻗﻞ ﻤن اﻷراﻀﻲ اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ؛ ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬ﻓﻲ ﺤﻞ ﻨزاع‬
‫طو�ﻞ اﻷﻤد ﺤول ﺠ�ﺎل "�ﺎﻤیر"‪ ،‬اﻟتﻲ ورﺜتﻬﺎ طﺎﺠ�كستﺎن ﻤن اﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ‪ ،‬ﻗبﻠت اﻟصین ‪� 1000‬یﻠوﻤتر ﻤر�ﻊ‬
‫‪5‬‬
‫ﻓﻘط ﻤن ‪ 28‬أﻟﻒ �یﻠوﻤتر ﻤر�ﻊ ﻤتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 3.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. p 25.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. pp 25-26.‬‬
‫‪ -4‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.332‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros -M. Taylor Fravel, Op. cit. p 26.‬‬

‫‪256‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺘحسنت اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺤتﻰ ﻤﻊ اﻟﻬند‪ ،‬اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻟﻔترة طو�ﻠﺔ ﻤن ﺨصوم اﻟصین )ﺨﺎﻀت اﻟدول ﺤرً�ﺎ ﺤدود�ﺔ‬
‫رﺴم�ﺎ‪ ،‬إﻻ أن‬
‫ً‬ ‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .(1962‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟجﺎﻨبین ﻻ ﯿزاﻻن ﻏیر ﻗﺎدر�ن ﻋﻠﻰ ﺘسو�ﺔ اﻟخﻼﻓﺎت ﺒینﻬمﺎ‬
‫اﻟتوﺘرات ﻋﻠﻰ ﺤدودﻫمﺎ اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ ﻗد اﻨخﻔضت �شكﻞ �بیر‪ ،‬وذﻟك �ﻔضﻞ اﺘﻔﺎق�ﺎت ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ وﺨﻔض اﻟﻘوات‬
‫ﻓﻲ اﻟتسﻌین�ﺎت؛ وﺘم اﻟتوﺼﻞ إﻟﻰ اﺘﻔﺎق�ﺎت ﻤمﺎﺜﻠﺔ ﻤﻊ روﺴ�ﺎ ودول آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪.‬‬

‫ﻨﻬجﺎ أﻛثر واﻗع�ﺔ ﻓﻲ إدارة اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ ﺘﻠك اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �جزر‬
‫و�ﺎﻟمثﻞ‪ ،‬ﺘبنت اﻟصین ً‬
‫"�ﺎراﺴیﻞ" و"ﺴبراﺘﻠﻲ" و"ﺴینكﺎﻛو"‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟصین ﻻ ﺘزال ﻤتمسكﺔ �مطﺎﻟبﻬﺎ �شﺄن اﻟجزر‪ ،‬إﻻ أﻨﻬﺎ إﻟتزﻤت‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻨون اﻟدوﻟﻲ؛ و�ﻌد أر�ﻊ ﺴنوات ﻤن اﻟمﻔﺎوﻀﺎت‪ ،‬وﻗﻌت اﻵﺴ�ﺎن‬
‫ﻤ ار ار وﺘك ار ار ﺒتسو�ﺔ اﻟنزاﻋﺎت ﺴﻠم�ﺎً ً‬
‫‪1‬‬
‫إﻋﻼﻨﺎ �شﺄن ﻤدوﻨﺔ ﻗواﻋد اﻟسﻠوك ﻟمثﻞ ﻫذﻩ اﻷﻤور ﻓﻲ ﻋﺎم ‪2002.‬‬
‫ً‬ ‫واﻟصین‬

‫ﺘنظر اﻟصین إﻟﻰ ﻤخﺎوف اﻟﻘوى اﻷﺨرى ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻻ أﺴﺎس ﻟﻬﺎ‪� ،‬مﺎ أﻨﻬﺎ ﺘنطوي‬
‫وﺘخﻔﻲ اﻫتمﺎم اﻟمنﺎﻓسین �ﺎﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟصین‪ ،‬ﻓﺎﻟصین ﺘنظر إﻟﻰ ﻀﻌﻔﻬﺎ اﻟنسبﻲ وﻟ�س ﻗوﺘﻬﺎ اﻟصﺎﻋدة وﺘنظر‬
‫إﻟﻰ ﺘصر�حﺎﺘﻬﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ وﺠﻬودﻫﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺠﻬود ﻟضمﺎن ﻤصﻠحتﻬﺎ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟحیو�ﺔ ﻓﻲ اﻟدﻓﺎع ﻋن ﺴ�ﺎدﺘﻬﺎ اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻫذﻩ اﻟتطورات ﺤصﻠت ﻗبﻞ ‪ 11‬ﺴبتمبر ‪ ،2001‬إﻟﻰ أﻨﻬﺎ ظﻬرت ﻓﻲ ﻓترة ﻤن اﻹﻨشﻐﺎل اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻟشرق اﻷوﺴط وآﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ )اﻟﻌراق وأﻓﻐﺎﻨستﺎن( �شكﻞ ﻓتﺢ ﻓضﺎءا اﺴتراﺘ�ج�ﺎ واﺴﻌﺎ‬
‫أﻤﺎم اﻟصین ﻟتوﺴ�ﻊ ﻨﻔوذﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟصﻌیدﯿن اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟدوﻟﻲ‪ 3 .‬ور�مﺎ �ﺎن اﻷﻤر اﻷﻛثر إﺜﺎرة ﻟﻠدﻫشﺔ ﻫو أن اﻟصین‬
‫ﺌ�س�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ‬
‫دور ر ً‬
‫ﺒدأت ﻓﻲ اﻟترو�ﺞ ﻟم�ﺎدرات ﺤول اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنتد�ﺎت اﻟتﻲ ﺘﻠﻌب ﻓیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ًا‬
‫ﻗمﺔ اﻵﺴ�ﺎن ﻋﺎم ‪ ،2003‬اﻗترﺤت اﻟصین إﻨشﺎء آﻟ�ﺔ أﻤن�ﺔ ﺠدﯿدة‪ .‬ﺘحت ﻋنوان ﻤنتدى آﺴ�ﺎن اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ ،‬وﻫو آﻟ�ﺔ‬
‫ﻟﻠمنﺎﻗشﺎت اﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬واﻗترح وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصینﻲ "ﻟﻲ ﺘشﺎو ﺸینﻎ" ﺘشكیﻞ ﻤؤﺘمر ﻟز�ﺎدة اﻟتواﺼﻞ ﺒین اﻟجیوش‬
‫ظﺎ ﻋن ﻤوﻗﻒ اﻟصین ﻗبﻞ ﻋﻘد ﻤن اﻟزﻤﺎن ﻓﻘط‪ ،‬ﻋندﻤﺎ اﺒتﻌدت ﻋن أي‬
‫ﺨروﺠﺎ ﻤﻠحو ً‬
‫ً‬ ‫اﻵﺴیو�ﺔ‪ .‬ﺘمثﻞ ﻫذﻩ اﻟ�ﺎدرة‬
‫‪4‬‬
‫ﻤنﺎﻗشﺎت أﻤن�ﺔ ﻤﻊ اﻵﺴ�ﺎن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros -M. Taylor Fravel, Op. cit. p 26.‬‬
‫‪ -2‬أﻓیري ﺠوﻟد ﺸتﺎﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. pp 26-27.‬‬

‫‪257‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻓﻲ ﻏضون ذﻟك‪ ،‬زادت اﻟصین ﻤن ﻤشﺎر�تﻬﺎ ﻤﻊ ﻤجﻠس اﻷﻤن اﻟتﺎ�ﻊ ﻟﻸﻤم اﻟمتحدة‪ .‬ﻓحتﻰ ﻤنتصﻒ‬
‫اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬اﻤتنﻌت اﻟصین �ﺎﻨتظﺎم ﻋن اﻟتصو�ت ﻋﻠﻰ ﻗ اررات اﻟمجﻠس اﻟتﻲ اﺴتندت إﻟﻰ اﻟﻔصﻞ اﻟسﺎ�ﻊ ﻤن ﻤیثﺎق‬
‫اﻷﻤم اﻟمتحدة‪ ،‬اﻟذي �صرح �ﺎﺴتخدام اﻟﻘوة‪ ،‬ﻟﻺﺸﺎرة إﻟﻰ ﻤﻌﺎرﻀتﻬﺎ ﻟتﺂﻛﻞ اﻟس�ﺎدة اﻟتﻲ ﺘنطوي ﻋﻠیﻬﺎ ﻤثﻞ ﻫذﻩ‬
‫اﻟﻘ اررات‪ .‬ﻟكن ﻓﻲ اﻟسنوات اﻷﺨیرة‪ ،‬ﺒدأت اﻟصین ﻓﻲ دﻋم ﻫذﻩ اﻹﺠراءات‪ .‬ﻓﻔﻲ ﻨوﻓمبر‪ ،2002‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪،‬‬
‫ﺼوﺘت ﻟصﺎﻟﺢ اﻟﻘرار ‪� 1441‬شﺄن ﻋمﻠ�ﺎت اﻟتﻔت�ش ﻋﻠﻰ اﻷﺴﻠحﺔ ﻓﻲ اﻟﻌراق‪ :‬وﻫﻲ واﺤدة ﻤن اﻟمرات اﻟﻘﻠیﻠﺔ اﻟتﻲ‬
‫أﯿدت ﻓیﻬﺎ اﻟصین إﺠراء اﻟﻔصﻞ اﻟسﺎ�ﻊ ﻤنذ اﻨضمﺎﻤﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﻤم اﻟمتحدة ﻓﻲ ﻋﺎم ‪� .1971‬مﺎ زادت اﻟصین ﻤشﺎر�تﻬﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﻓﻲ ﻋمﻠ�ﺎت ﺤﻔظ اﻟسﻼم‪ ،‬ﻓﻲ "ﺘ�مور اﻟشرق�ﺔ" و"اﻟكوﻨﻐو" وأﻤﺎﻛن أﺨرى‪.‬‬

‫أﻤﺎ ﻓﻲ اﻟمؤﺘمر اﻟسﺎدس ﻋشر ﻟﻠحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟصینﻲ ﻋﺎم ‪ 2002‬ﻓﻘد أﺸﺎر إﻟﻰ أن اﻟسنوات اﻟﻌشر�ن‬
‫اﻷوﻟﻰ ﻤن اﻟﻘرن اﻟـ ‪ ،21‬ﺴتشكﻞ ﻨﺎﻓذة ﻤن "اﻟﻔرﺼﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ" �مكن ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ اﻟسﻌﻲ إﻟﻰ ﺘحﻘیق ﻫدﻓﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫"ﺒنﺎء ﻤجتمﻊ ﻤ�سور �شكﻞ ﻤتكﺎﻤﻞ"‪ 2 .‬اﻟصین ﺸﻬدت أ�ضﺎ ﻨﻔس اﻟتﻐییرات اﻟﻬﺎﻤﺔ ﻓﻲ اﻻﻫتمﺎم واﻟمشﺎر�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‬
‫�ﺎﻟحد ﻤن اﻟتسﻠﺢ اﻟﻌﺎﻟمﻲ وﻗضﺎ�ﺎ ﻤنﻊ‪ .‬ﺨﻼل ﻤﻌظم اﻟثمﺎﻨین�ﺎت ﻤن اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ‪ ،‬ﻨظرت �كین إﻟﻰ اﻟحد ﻤن‬
‫اﻟتسﻠﺢ وﺤظر اﻻﻨتشﺎر ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤسؤوﻟ�ﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻻﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ‪ ،‬وﻤحﺎوﻻت ﻟﻠحد ﻤن ﻨﻔوذ اﻟصین‪.‬‬
‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﻘد ﺼﺎدﻗت ﻤنذ ذﻟك اﻟحین ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﺘﻔﺎق�ﺎت اﻟحد ﻤن اﻷﺴﻠحﺔ وﻋدم اﻻﻨتشﺎر‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك‬
‫ﻤﻌﺎﻫدة ﻋدم اﻨتشﺎر اﻷﺴﻠحﺔ اﻟنوو�ﺔ واﺘﻔﺎق�ﺔ اﻷﺴﻠحﺔ اﻟك�م�ﺎﺌ�ﺔ‪� .‬مﺎ واﻓﻘت اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻻﻟتزام �مﻌﺎﻫدة اﻟحظر‬
‫‪3‬‬
‫اﻟشﺎﻤﻞ ﻟﻠتجﺎرب اﻟنوو�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪.1996‬‬

‫أﺨیرا‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﺴتمرار اﻟشر�ﺎت اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﺘﻘد�م �ﻌض اﻟمسﺎﻋدة اﻟمﻘﻠﻘﺔ ذات اﻻﺴتخدام اﻟمزدوج‬
‫ً‬
‫ﻟﻌدد ﻗﻠیﻞ ﻤن اﻟبﻠدان )ﻤثﻞ �ﺎﻛستﺎن و�ﯿران(‪ ،‬ﻓﺈن ﻨطﺎق وﻤحتوى وﺘواﺘر ﺼﺎدراﺘﻬﺎ ﻤن اﻟمواد اﻟحسﺎﺴﺔ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ‬
‫�ﺎﻷﺴﻠحﺔ ﻗد اﻨخﻔض وﺘﻘﻠص؛ ﻓﻲ اﻟنصﻒ اﻷﺨیر ﻤن اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﺒدأت اﻟحكوﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ إﻀﻔﺎء اﻟطﺎ�ﻊ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟمؤﺴسﻲ ﻋﻠﻰ اﻟتزاﻤﺎﺘﻬﺎ �ﻌدم اﻻﻨتشﺎر ﻤن ﺨﻼل إﺼدار ﻀوا�ط ﻋﻠﻰ اﻟصﺎدرات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. p 27.‬‬
‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. p 27.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. pp 27-28.‬‬

‫‪258‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺘﻌبر اﻟوﺜ�ﻘﺔ اﻟب�ضﺎء ﻟﻌﺎم ‪ 2002‬ﻋن ﻨظرة ﻤﻔﺎدﻫﺎ أن "اﻟسﻼم واﻟنمو ﯿ�ق�ﺎن ﻋنوان اﻟﻌصر اﻟحﺎﻟﻲ" وأن أي‬
‫ﺤرب ﻋﺎﻟم�ﺔ "ﻤست�ﻌدة ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ اﻟمنظور"‪ ،‬وأن " اﻻﺴتﻘطﺎب اﻟمتﻌدد واﻟﻌوﻟمﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤستمران �سرﻋﺔ و�ن‬
‫ﻛﺎن وﺴط اﻨحراﻓﺎت وﺘﻘﻠ�ﺎت"‪ ،‬وﺘخص اﻟوﺜ�ﻘﺔ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ–اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي �خطوة ﺨﺎﺼﺔ �ـ‪" :‬اﻟمنطﻘﺔ اﻷﻛثر‬
‫دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﻤن اﻟنﺎﻤ�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬واﻟﻘدرات اﻷﻛبر �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠنمو ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم"‪ .‬وﺘض�ف أن "ﺘﻘو�ﺔ اﻟحوار واﻟتﻌﺎون‪،‬‬
‫واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻹﺴتﻘرار اﻹﻗﻠ�مﻲ وﺘﻌز�ز اﻟنمو اﻟمشترك أﺴﺎس اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟسﺎﺌدة ﻓﻲ اﻟبﻠدان اﻵﺴیو�ﺔ"‪ .‬ﻓﻲ ﺤین ﯿرد‬
‫‪1‬‬
‫ذ�ر ﻨشوء "ﺘحد�ﺎت أﻤن�ﺔ ﻏیر ﺘﻘﻠید�ﺔ" ﻤبر ار ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤشكﻠﺔ �جب أن ﺘواﺠﻬﻬﺎ اﻟصین واﻟﻌﺎﻟم ﻤﻌﺎ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟرا�ﻊ‪ :‬أﺜر اﻟبیئﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ "آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك" ﻓﻲ ﺘﻌز�ز ﻤكﺎﻨﺔ اﻟصین �ﻘوة ﺼﺎﻋدة‬

‫ﻟﻘد أدى اﻨتشﺎر اﻟصین اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻓﻲ ﻤجﺎﻻت اﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎر واﻷﺴواق واﻟموارد اﻟطب�ع�ﺔ واﻟﻘواﻋد إﻟﻰ‬
‫ﺘوﺴ�ﻊ ﻨﻔوذﻫﺎ وﻤصﺎﻟحﻬﺎ‪ 2.‬و�ﻌكس ﺘﻘر�ر ﺤكوﻤﻲ ﺼینﻲ �ﻌود ﻟﻌﺎم ‪ 2015‬ﻫذا اﻻﻨط�ﺎع ﺤیث �ﻘول‪" :‬ﻓﻲ ظﻞ ﺒیئﺔ‬
‫ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﻤواﺌمﺔ �شكﻞ ﻋﺎم‪ ،‬ﺴت�ﻘﻰ اﻟصین ﻀمن ﻓترة ﻤواﺘ�ﺔ ﻤن اﻟﻔرص اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠتطو�ر‪ ،‬وﻫﻲ ﻓترة �مكن أن‬
‫ﯿتخﻠﻠﻬﺎ ﺘحﻘیق اﻟكثیر وﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى‪� ،‬شیر اﻟتﻘر�ر اﻟحكوﻤﻲ إﻟﻰ ﻋدد ﻤن اﻷﻤور اﻟتﻲ ﺘراﻫﺎ اﻟصین ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ‬
‫ﺘطورات ﻤﻘﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪� ،‬مﺎ ﻓیﻬﺎ “إﻋﺎدة اﻟتوازن" اﻷﻤر�كﻲ و�ﺼﻼح اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟس�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ‬
‫ﺘدﺨﻞ ﺨﺎرﺠ�ﺎ ﻓﻲ اﻟنزاﻋﺎت اﻟ�حر�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪. 3‬‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ وﻤﺎ ﺘﻌتبرﻩ اﻟصین ً‬

‫أﺼ�حت اﻟصین ﺘدر�ج�ﺎ ﻋضوا �ﺎﻤﻼ ﻓﻲ اﻟحوار �شﺄن ﺠم�ﻊ اﻟنظم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﺘﻘر��ﺎ ﻛمﺎ ﻫﻲ اﻵن‪ ،‬ﺘﻌتبر اﻟصین ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟﻌمﻠ�ﺔ ﻋﺎﻤﻼً ﻻ �مكن ﻷي أﺠندة ﻟجنوب ﺸرق‬
‫ﻗدﻤﺎ دون أﺨذﻫﺎ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر‪ 4 .‬ﻓمنذ أواﺴط اﻟتسﻌین�ﺎت ﺤتﻰ أواﺨرﻫﺎ‪ ،‬رﻋت وﻋززت اﻟصین ﻤن‬ ‫آﺴ�ﺎ اﻟمضﻲ ً‬
‫اﻟروا�ط اﻟثنﺎﺌ�ﺔ واﻟمتﻌددة اﻷطراف ذات ﺼﻠﺔ �ﺎﻷﻤن و�ﺠراءات ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ‪ ،‬ﻋبر اﻟمنطﻘﺔ اﻟمح�طﺔ ﺒﻬﺎ واﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫وﻋمﻠ�ﺎ‪ ،‬ﺘنطﻠق ﻤﻘﺎر�ﺔ اﻟصین اﻟتﻲ ﺘزداد دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﻨحو اﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤن اﻷﻫداف اﻟثﻼﺜﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ‬
‫ﻟﻠدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‪:‬‬

‫‪ /1‬ﻨزع ﻓتیﻞ اﻟتوﺘرات ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟتتﻔرع ﻟﻠتحد�ﺎت اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.22-21‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Mohan Malik, Op. cit., p 164‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺎﯾﻛل إس ﺗﺷﺎﯾس‪ ،‬آرﺛر ﺗﺷﺎن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P 55.‬‬

‫‪259‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫‪ /2‬طمﺄﻨﺔ اﻟجیران ﻓﻲ ﺸﺄن ﺼﻌود اﻟصین‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ /3‬ﺘحﻘیق اﻟتوازن ﻤﻊ ﻗوة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﺴبیﻞ اﻟتحﻘیق اﻷﻛثر ﻓﻌﺎﻟ�ﺔ ﻟﻠمصﺎﻟﺢ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض )ﺠﺎﻨﻔﻲ ‪ (2017‬ﺤول ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟصین �شﺄن اﻟتﻌﺎون اﻷﻤنﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‬
‫أﺸﺎر إﻟﻰ ﻨوا�ﺎ اﻟصین ﻟتشكیﻞ اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ وﻓًﻘﺎ ﻟشروطﻬﺎ اﻟخﺎﺼﺔ؛ �ﻘترح اﻟنﻬﺞ اﻷول إﻨشﺎء ﻨظﺎم إﻗﻠ�مﻲ ﻤتﻌدد‬
‫اﻟمستو�ﺎت وﺸﺎﻤﻞ وﻤتنوع‪ .‬ﯿتم ﺘﻔسیر اﻷﺴﺎس اﻟمنطﻘﻲ ﻟمثﻞ ﻫذا اﻟنظﺎم ﻤن ﺨﻼل ﺘنوع اﻷﻨظمﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻟتﻘﺎﻟید‬
‫اﻟتﺎر�خ�ﺔ وﻤستو�ﺎت اﻟتنم�ﺔ واﻟمخﺎوف اﻷﻤن�ﺔ‪.‬‬

‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ �شیر إﻟﻰ أن اﻟصین ﻻ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ إﻨشﺎء ه�كﻞ ﺠدﯿد‪ ،‬ﺒﻞ اﻋتمﺎدا ﻋﻠﻰ اﻟبنﻰ اﻟﻘﺎﺌمﺔ‪،‬‬
‫واﻗترح ﻨﻬجﺎ ﺜﺎﻨ�ﺎ ﯿتمثﻞ ﻓﻲ إﻨشﺎء إطﺎر ﻋمﻞ ﻤشترك ﻤن ﻗبﻞ ﺠم�ﻊ اﻟبﻠدان ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ؛ ﻟكن اﻟجمﻠﺔ اﻟتﺎﻟ�ﺔ ﺘتنﺎﻗض‬
‫ﻤﻊ اﻟموﻗﻒ اﻟسﺎﺒق �ﺎﻟﻘول إن ﻋﻠﻰ اﻟﻘوى اﻟكبرى أن ﺘﻌزز �شكﻞ ﻤشترك إطﺎر ﻋمﻞ أﻤنﻲ إﻗﻠ�مﻲ‪ .‬ﻟذﻟك ﯿبدو‪ ،‬أن‬
‫اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض �میز ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى واﻟدول اﻟصﻐرى‪ ،‬واﻗترح أن �كون اﻟنﻬﺞ اﻟثﺎﻟث ﻫو وﻀﻊ إطﺎر ﻋمﻞ ﻋﻠﻰ‬
‫أﺴﺎس اﻹﺠمﺎع‪ ،‬واﻟذي �مكن ﺒنﺎؤﻩ ﻤن ﺨﻼل اﻹﻨتﻘﺎل ﻤن اﻟمﻬﺎم اﻷﺴﻬﻞ إﻟﻰ اﻟمﻬﺎم اﻷﻛثر ﺼﻌو�ﺔ‪� .‬ع�ﺎرة أﺨرى‪،‬‬
‫ﻻ ﺘزال اﻟصین ﺘﻔضﻞ إ�ﻘﺎء ﻗضﺎ�ﺎ اﻟس�ﺎدة اﻟخﻼف�ﺔ �ﻌیدة ﻋن اﻟنﻘﺎش‪ .‬أﻤﺎ اﻟنﻬﺞ اﻟرا�ﻊ‪ ،‬ﯿتحدث ﻋن إﻨشﺎء إطﺎر‬
‫اﻗتصﺎدي إﻗﻠ�مﻲ ﻤنﻔصﻞ ﻋن اﻹطﺎر اﻷﻤنﻲ‪ .‬وﻫذا �ﻌنﻲ ﻤرة أﺨرى وﺠود إطﺎر اﻗتصﺎدي �مكن ﻟﻠصین أن ﺘؤدي‬
‫‪2‬‬
‫ف�ﻪ وﺴتﻘوم ف�ﻪ ﺒدور ﺤﺎﺴم وﺘتجﺎﻫﻞ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟتﻲ ﻗد ﺘﻌرﻗﻞ اﻟتﻌﺎون اﻹﻗتصﺎدي‪.‬‬

‫وﺘﺄﻤﻞ اﻟصین ﻤنذ ﻓترة طو�ﻠﺔ أن ﻨﻬجﻬﺎ ﺘجﺎﻩ دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ أن ﺘحﻘق ﻟﻬﺎ ﻓواﺌد ﻤن ﺤیث‪ (1 :‬ﺒیئﺔ‬
‫ﻤستﻘرة ﻋﻠﻰ طول ﺤدودﻫﺎ اﻟجنو��ﺔ ﺘﻔضﻲ إﻟﻰ ﻤﻬمﺔ ﺘحدﯿث اﻟصین‪ (2 .‬ﺴوق �بیر ﻟﻠتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین؛‬
‫‪ (3‬ﺸرط ﻤﻼﺌم ﻟتسو�ﺔ اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ؛ ‪ (4‬ﺘحسین ﺼورة اﻟصین �ﻘوة ﻋظمﻰ ﺼﺎﻋدة؛‬
‫‪3‬‬
‫‪ (5‬ﺴﺎﺤﺔ اﺨت�ﺎر ﻟﻠصین ﻹظﻬﺎر ﻗدراﺘﻬﺎ و�ﻤكﺎﻨ�ﺎﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ‪.‬‬

‫ﻤن اﻟواﻀﺢ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل ﻤؤﺘمر اﻟتﻔﺎﻋﻞ واﺠراءات ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ‪Conference on Interaction and‬‬

‫‪ ،(CICA) Confidence Building Measures in Asia‬ﻻ ﺘسﻌﻰ اﻟصین إﻟﻰ إطﺎر أﻤنﻲ إﻗﻠ�مﻲ ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ إﻨﻬﺎ‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.46-45‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. P 56.‬‬

‫‪260‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺘسﻌﻰ ﻓﻲ اﻷﺴﺎس إﻟﻰ إﻨشﺎء إطﺎر ﻋمﻞ ﺘنشئﻪ اﻟبﻠدان اﻵﺴیو�ﺔ وﺤدﻫﺎ؛ وﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟخصوص‪ ،‬اﻗترح "ﺸﻲ ﺠین‬
‫ﺒینﻎ" إﻗﺎﻤﺔ ﻤنتدى ﻏیر ﺤكوﻤﻲ ﻟتﺄﺴ�س ه�كﻞ أﻤنﻲ إﻗﻠ�مﻲ ﻵﺴ�ﺎ‪ .‬وﺘحق�ﻘﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟﻐﺎ�ﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ‪ 29‬ﺠوان ‪ ،2017‬داﻓﻊ‬
‫ﻤنتدى )‪ (CICA‬ﻏیر اﻟحكوﻤﻲ ﻤن أﺠﻞ إﻨشﺎء إطﺎر أﻤنﻲ إﻗﻠ�مﻲ �خصﺎﺌص آﺴیو�ﺔ‪� .‬مﺎ ﺸدد ﺨطﺎب "ﺸﻲ" ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟروا�ط ﺒین اﻷﻤن واﻟتنم�ﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ أن "اﻟتنم�ﺔ ﻫﻲ أﺴﺎس اﻷﻤن واﻷﻤن ﻫو اﻟشرط اﻟمسبق ﻟﻠتنم�ﺔ"‪.‬‬
‫وﻤن أﺠﻞ ذﻟك دﻋﻰ إﻟﻰ اﻹﺴراع ﻓﻲ ﺘطو�ر ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ .‬و�ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬ﺘم ﺘحدﯿد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ وﺴیﻠﺔ ﻟتوﺠ�ﻪ اﻟتنم�ﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘﻌز�ز اﻷﻤن وﺨﻠق ﺒن�ﺔ أﻤن�ﺔ ﺘﻌﺎوﻨ�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﻟﻶﺴیو�ین‪ .‬ﻤن اﻟواﻀﺢ‬
‫إذن‪ ،‬وﻤن ﺨﻼل )‪ (CICA‬ﺘسﻌﻰ اﻟصین إﻟﻰ ﺘوﻓیر ه�كﻞ ﺒدﯿﻞ ﻟمحور اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻬندﺴﺔ اﻷﻤن ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬
‫‪1‬‬
‫آﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫و�نوع ﻤن رد اﻟﻔﻌﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠق ﻤن اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ وﺴ�ﺎﺴﺔ ﺘﻌز�ز اﻷﺤﻼف‪ ،‬ﺒدأ اﻟمسؤوﻟون اﻟصینیون‬
‫ﺒتبنﻲ ورﻋﺎ�ﺔ ه�ﺎﻛﻞ أﻤن�ﺔ ﺒدﯿﻠﺔ �جزء ﻤن ﺠﻬد أوﺴﻊ ﻟتسو�ق اﻟمﻔﻬوم اﻷﻤنﻲ اﻟجدﯿد ﻟﻠصین‪ .‬ﻋبر إﻗﺎﻤﺔ ﺴﻠسﻠﺔ ﻤن‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة واﻟبنﺎءة ﻤﻊ ﺸر�ﺎء ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻤح�طﻬﺎ وﺤول اﻟﻌﺎﻟم‪ 2 .‬ﻓﻲ ‪ 11‬ﺠﺎﻨﻔﻲ ‪،2017‬‬
‫أوﻀحت اﻟصین ﻤوﻗﻔﻬﺎ ﻤن أﻤن ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤن ﺨﻼل �تﺎﺒﻬﺎ اﻷﺒ�ض اﻷول ﺤول ﻤواﻗﻔﻬﺎ‬
‫وﺴ�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ �شﺄن اﻟتﻌﺎون اﻷﻤنﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪� .‬ﺎن أﺤد اﻹﻤﻼءات اﻟتنﻔیذ�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟواردة ﻓﻲ‬
‫اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﻫو ﻨص�حﺔ أو ﺘحذﯿر ﻟﻠدول اﻟصﻐیرة واﻟمتوﺴطﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ �ﺄﻨﻬﺎ "ﻻ ﺘحتﺎج وﻻ ﯿن�ﻐﻲ ﻟﻬﺎ أن‬
‫ﺘنحﺎز إﻟﻰ ﺠﺎﻨب اﻟدول اﻟﻌظمﻰ"‪� .‬مﺎ �ﺎﻨت ﻤطﺎﻟب اﻟصین �ﺎﻟوﻻ�ﺔ اﻟﻘضﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ واﻷﻤن‬
‫اﻟ�حري ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤن ﻤجﺎﻻت اﻟتر�یز اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻠكتﺎب اﻷﺒ�ض �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﻤصدر ﻗﻠق أﻤنﻲ‬
‫‪3‬‬
‫إﻗﻠ�مﻲ‪.‬‬

‫اﻟشر�ﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ �ﺎن أﺒرزﻫﺎ ﻤﻊ روﺴ�ﺎ‪ ،‬أﻤﺎ اﻟترﺘی�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ ﻤتﻌددة اﻷطراف ف�حﻠول ﻋﺎم ‪ 2000‬ﺸﺎر�ت‬
‫اﻟصین ﺒدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤجموﻋﺔ واﺴﻌﺔ ﻤن اﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ واﻟمتﻌددة اﻷطراف‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﺴتضﺎﻓﺔ‬
‫اﻟمﻔﺎوﻀﺎت اﻟمتﻌددة اﻷطراف ﻟحﻞ اﻷزﻤﺔ اﻟنوو�ﺔ ﻤﻊ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻤﻌﺎﻟجﺔ اﻟخﻼﻓﺎت ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ "�حر ﺠنوب‬

‫‪1‬‬
‫‪- David Lai, Op. cit. p 5.‬‬
‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh “South China Sea Conundrum - Plus can change", In M.S. Prathibha: EAST ASIA STRATEGIC‬‬
‫‪REVIEW: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (NEW DELHI, INSTITUTE FOR DEFENCE STUDIES, First‬‬
‫‪Published, 2018). p 91.‬‬

‫‪261‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟصین"‪ ،‬وﻓتﺢ ﺤوارات أﻤن�ﺔ‪ ،‬واﺘ�ﺎع إﺠراءات ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ ﻤﻊ اﻟشر�ﺎء ﺤول اﻟﻌﺎﻟم‪ 1 .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﯿتم إﯿﻼء اﻫتمﺎم‬
‫ﻤسبق ﺒین اﻟصین واﻵﺴ�ﺎن ﺘﻠیﻬﺎ آﻟ�ﺔ را�طﺔ أﻤم ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ‪ ،(ASEAN plus Three) 3 +‬واﻟتﻌﺎون ﺒین‬
‫اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن وﺠمﻬور�ﺔ �ور�ﺎ‪ ،‬وﻗمﺔ ﺸرق آﺴ�ﺎ )‪ ،(EAS‬وﻤنتدى آﺴ�ﺎن اﻹﻗﻠ�مﻲ ‪ASEAN Regional Forum‬‬

‫)‪ ،(ARF‬اﺠتمﺎع وزراء دﻓﺎع اﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬ﻤنظمﺔ ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون )‪ ،(SCO‬وﻤنظمﺔ اﻟتﻌﺎون و�ﺠراءات ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ ﻓﻲ‬
‫آﺴ�ﺎ )ﺴ�كﺎ( )‪ .Conference on Interaction and Confidence Building Measures in Asia (CICA‬وﻓﻲ ﺠم�ﻊ‬
‫ﻫذﻩ اﻟم�ﺎدرات اﻟمتﻌددة اﻷطراف‪ ،‬ﺘﻔوﻗت اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟدول اﻷﺨرى ﻤن ﺨﻼل أﺴﻠو�ﻬﺎ اﻟثنﺎﺌﻲ ﻓﻲ اﻟتﻔﺎﻋﻞ �شﺄن‬
‫اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟمتنﺎزع �شﺄﻨﻬﺎ‪ .‬و�شكﻞ ﻤﻠحوظ‪ ،‬اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟ�ست ﺠزًءا ﻤن أي ﻤن ﻫذﻩ اﻟمنتد�ﺎت اﻟمتﻌددة‬
‫‪2‬‬
‫اﻷطراف‪.‬‬

‫ﺒذﻟت اﻵﺴ�ﺎن أول ﺠﻬد ﻟﻬﺎ ﻟتﻬیئﺔ ﻤنﺎخ إ�جﺎﺒﻲ ﻟتسو�ﺔ ﻨﻬﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤن ﺨﻼل اﻋتمﺎد إﻋﻼن‬
‫اﻵﺴ�ﺎن ﻟﻌﺎم ‪� 1992‬شﺄن �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ اﻟذي ﺤث ﺠم�ﻊ اﻷطراف ﻋﻠﻰ ﻤمﺎرﺴﺔ ﻀ�ط اﻟنﻔس‪ .‬ﻓﻲ ﻋﺎم‬
‫‪ ،2002‬اﺘﻔﻘت اﻵﺴ�ﺎن واﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟتوق�ﻊ ﻋﻠﻰ ﺒ�ﺎن ﺴ�ﺎﺴﻲ ﻏیر ﻤﻠزم �شﺄن إﻋﻼن اﻟسﻠوك ‪Declaration of‬‬

‫‪ (DOC) Conduct‬ﻟتﻌز�ز اﻟظروف اﻟمواﺘ�ﺔ ﻟﻠسﻼم و��جﺎد ﺤﻞ داﺌم ﻟﻠخﻼﻓﺎت واﻟنزاﻋﺎت ﺒین اﻟدول اﻟمﻌن�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﻋﺎم‬
‫إﻗﻠ�م�ﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻤؤﺘمر‬
‫ًا‬ ‫‪ ،2012‬ﻓشﻠت اﻵﺴ�ﺎن ﻓﻲ اﻟوﺼول إﻟﻰ أرﻀ�ﺔ ﻤشتر�ﺔ �شﺄن ﻗض�ﺔ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬ﻤنﻬ�ﺔ‬
‫ﺒدون ﺒ�ﺎن ﻤشترك‪ 3 .‬ﻫذﻩ اﻟخطوات‪ ،‬إﻨمﺎ ﺘحر�ﻬﺎ اﻟﻌنﺎﺼر اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ اﻟثﻼث اﻟتﻲ ﺘﻘﻒ وراء اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ‬
‫اﻟجدﯿدة‪:‬‬

‫‪� .1‬ﺄﻤﻞ اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون ﻋبر ﺘبنﻲ آﻟ�ﺎت دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ أﻤن�ﺔ ﻤتﻌددة اﻷطراف ﻓﻲ ﻨزع ﻓتیﻞ اﻟتوﺘرات ﻓﻲ اﻟﻔضﺎء‬
‫اﻷﻤنﻲ اﻟخﺎرﺠﻲ ﻟیتمكنوا ﻤن اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻟتحد�ﺎت اﻟداﺨﻠ�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‪ .‬إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻹﺼﻼح‬
‫اﻻﺠتمﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫‪� .2‬سﺎﻋد اﻹرﺘ�ﺎط اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻓﻲ اﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟمتﻌددة اﻷطراف اﻟصین ﻋﻠﻰ ﻤد ﻨﻔوذﻫﺎ وﻗوﺘﻬﺎ ﻟكن �طر�ﻘﺔ ﺘطمئن‬
‫ﺠیراﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺸﺄن "اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ" و"اﻟنمو اﻟسﻠمﻲ" اﻟﻠذﯿن ﺘشﻬدﻫمﺎ اﻟصین‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 8.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ Op. cit. pp 92-93.‬ة‪- Abhay Kumar Singh‬‬

‫‪262‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫‪� .3‬سﺎﻫم اﻟدور اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟمتﻌددة اﻷطراف ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ أو ﺤصر أو ﺘطو�ق اﻟنﻔوذ و"‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻬ�منﺔ" اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﻤﻊ ﺘﻔﺎدي أي ﻤواﺠﻬﺔ ﻋﻠن�ﺔ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫واﻟتحدي اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ اﻟذي ﺘواﺠﻬﻪ اﻟصین ﻫو أن ﺘمنﻊ ﺜﻼث ﻨتﺎﺌﺞ ﻏیر ﻤرﻏو�ﺔ‪ :‬ﺘحتﺎج اﻟصین ﻷن ﺘمنﻊ‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ه�منتﻬﺎ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﺴتمرار اﻟوﺠود‬
‫اﻷﻤر�كﻲ ﻤرﻏوب ف�ﻪ ﻤن �ﻌض اﻟنواﺤﻲ )ﻛمثبت ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن ﻤثﻼ(؛ إذ ﺘحتﺎج اﻟصین ﻷن ﺘمنﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤن أن ﺘص�ﺢ‬
‫ﻗوة ﻋظمﻰ �ﺎﻤﻠﺔ اﻟنمو ﻤنﺎﻓسﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي؛ �مﺎ ﺘحتﺎج اﻟصین ﻷن ﺘمنﻊ اﻟﻔﺎﻋﻠین اﻹﻗﻠ�میین‬
‫)را�طﺔ ﺸﻌوب ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ وروﺴ�ﺎ اﻟﻬند( ﻤن اﻟوﻗوف �جﺎﻨب اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أو اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟمنﺎﻓسین‬
‫‪2‬‬
‫�طر�ﻘﺔ �مكن أن ﺘؤدي إﻟﻰ اﻟتطو�ق اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫وﺘﻌتبر ﻤشﺎر�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ "ﻤنتدى آﺴ�ﺎن اﻹﻗﻠ�م"‪ (ARF) ASEAN Regional Forum‬وﺴیﻠﺔ ﻹدارة وﻟﻠحد‬
‫ﻤن اﻟمحﺎدﺜﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬واﻟترﺘی�ﺎت اﻟتﻲ �مكن أن ﺘؤﺜر ﻓﻲ ﺤر�ﺔ ﺤر�تﻬﺎ وﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪،‬‬
‫واﻟحرص ﻋﻠﻰ ﻋدم اﺴتخدام اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﺎ �مكن أن ﯿنﺎﻗض ﻤصﺎﻟﺢ اﻟصین‪ 3 .‬وﺘنظر اﻟصین إﻟﻰ‬
‫أﻫم�ﺔ ﻤشﺎر�تﻬﺎ ﻓﻲ )‪ (ARF‬وﻓﻲ ﺘطو�ر اﻵﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ ﺒینﻬﺎ و�ین آﺴ�ﺎن �وﺴیﻠﺔ ﻟتﻌز�ز ﻤﻘﺎر�ﺔ ﺒدﯿﻠﺔ ﻨحو أﻤن‬
‫آﺴ�ﺎ–اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي ﻤن ﺸﺄﻨﻬﺎ اﻛتسﺎب أﻓضﻠ�ﺔ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻗتصﺎد�ﺔ �بیرة ﻤﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ؛ ﻓﻲ ﻤﻘﺎﺒﻞ‬
‫‪4‬‬
‫اﻷﺤﻼف واﻹﺠراءات اﻷﻤن�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻘودﻫﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫ﻟذﻟك‪ ،‬ﯿوﻓر ﻨموذج "ﻤنتدى آﺴ�ﺎن اﻹﻗﻠ�مﻲ")‪ ، (ARF‬ﻟﻠصین رؤ�ﺔ ﺒدﯿﻠﺔ ﻟك�ف�ﺔ ﺘﻌز�ز اﻷﻤن اﻹﻗﻠ�مﻲ إﻟﻰ‬
‫ﻤﺎ ﻫو أ�ﻌد ﻤن اﻷﺤﻼف واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ؛ اﺴتخدم اﻟصینیون اﻟـ )‪ (ARF‬ﻓﻲ ﻤﻌﺎرﻀﺔ‬
‫اﻟجﻬود اﻟتﻲ ﺘﻘوم ﺒﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟﻠتﻌز�ز اﻷﺤﻼف اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬وﻗد‬
‫وﺼﻞ أﺤد اﻷﻛﺎد�میین اﻟصینیین اﻟمتخصصین �ﺎﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ إﻟﻰ اﺴتنتﺎج‪ ،‬ﻤﻔﺎدﻩ‪" :‬إﻨﻪ �ﺎﻟدﻓﺎع ﻋن‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.58‬‬


‫‪ -2‬أﻓیري ﺠوﻟد ﺸتﺎﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.78-77‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.123‬‬

‫‪263‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺘﻌدد�ﺔ اﻷﻗطﺎب‪� ،‬مكن ﻟﻠصین أن ﺘﻔوض اﻷﺴس اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻷﺨﻼق�ﺔ ﻟﻠجﻬود اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟﻬﺎدﻓﺔ إﻟﻰ ﺘﻌز�ز اﻟروا�ط‬
‫اﻷﻤن�ﺔ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ"‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻹطﺎر ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﺘرى "روزﻤﺎري ﻓوت" ‪ Rosemary foot‬أن‪" :‬ﻫذﻩ اﻟحمﻠﺔ ﻀد اﻻﺤﻼف اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬ﺘوﺼﻲ‬
‫�ﺄن اﻟق�مﺔ اﻟجوﻫر�ﺔ ﻟﻠمﻘﺎر�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﻤتﻌددة اﻷطراف ﻏیر ﻤﻘبوﻟﺔ ﻟدى اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین‪ ،‬وأن ﺘثمینﻬﺎ �ﻘوم �شكﻞ‬
‫أﺴﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻟدور اﻟذي �مكن أن ﺘﻠع�ﻪ ﻓﻲ إﻀﻌﺎف ﻋﻼﻗﺎت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ اﻵﺴیو�ین‬
‫ﻋﻠﻰ أﻤﻞ أن ﯿؤدي ﻫذا اﻹﻀﻌﺎف إﻟﻰ ﺘﻘﻠ�ص اﻟوﺠود اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘحول اﻟدول اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ‬
‫‪1‬‬
‫اﺘجﺎﻩ اﻟمﻔﻬوم اﻷﻤنﻲ اﻟجدﯿد اﻟذي ﺘداﻓﻊ ﻋنﻪ اﻟصین"‪.‬‬

‫ﻟذا �ﺎﻋتمﺎد اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‪ ،‬ﺘسﻌﻰ اﻟصین إﻟﻰ ﺒنﺎء دور ق�ﺎدي أﻛبر ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪-‬‬

‫اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي؛ وﻓﻲ وﻗت ﻻ ﯿزال اﻟكثیر ﻤن اﻟدول ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ �شكك ﻓﻲ ﻨوا�ﺎ اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟ�ﻌید‪ ،‬ﻨجحت‬
‫ﻤﻘﺎر�ﺔ اﻟصین ﻨحو آﻟ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ إﻟﻰ ﺤد �بیر ﻓﻲ ﺘﻬجئﺔ اﻟمخﺎوف اﻟﻘصیرة اﻟمدى ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ وﻓﻲ ﺒنﺎء‬
‫ﻋﻼﻗﺎت أوﺜق ﻤﻊ اﻟشر�ﺎء اﻷﺴﺎﺴیین‪� ،‬من ﻓیﻬم ﺤﻠﻔﺎء اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤﻊ إﻟتزام اﻟصین ﯿدور أﻛبر ﻓﻲ‬
‫دﻋم اﻻﺴتﻘرار اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ .‬ﻟكن ﻫذا ﻻ �ﻌنﻲ أن اﻟصین ﺘخﻠت ﻋن ُرؤاﻫﺎ إزاء أﻫم�ﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟواﻗع�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى؛ و��ﻘﻰ أن ﻟﻬذﻩ اﻟتطورات دﻻﻻت ﻤﻬمﺔ ﺠدا ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟمصﺎﻟﺢ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪ ،‬وﻫﻲ ﺘﻔرض ردودا ﻤن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.123‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.125‬‬

‫‪264‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟم�حث اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬

‫ﺘنتﻬﺞ اﻟصین اﻟصﺎﻋدة اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺜﻼﺜ�ﺔ اﻷ�ﻌﺎد ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻹﻋﺎدة ه�كﻠﺔ اﻹطﺎر‬
‫اﻹﻗتصﺎدي واﻷﻤنﻲ اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﺘسﻌﻰ إﻟﻰ إﻗﺎﻤﺔ ه�منﺔ ﻋسكر�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ و�حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ‪،‬‬
‫و�ﻗﺎﻤﺔ وﺠود �حري طو�ﻞ اﻷﻤد ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ .‬وﺘﻌتزم اﻟصین أ�ضﺎ ﺘطو�ر اﻟمواﻨﺊ ‪ /‬اﻟﻘواﻋد اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫وﺨطوط اﻟنﻘﻞ اﻟ�حري اﻻﺤت�ﺎط�ﺔ‪ ،‬واﺴتخدام ” اﻟطر�ق اﻟواﺤد “ﻛﺈﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻗتصﺎد�ﺔ ﻹدﻤﺎج أورو�ﺎ‬
‫‪1‬‬
‫وآﺴ�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ ﻓﻲ ﻨظﺎﻤﻬﺎ اﻻﻗتصﺎدي اﻟمتمر�ز ﺤول اﻟصین‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬

‫ﺼینﻲ‪-‬‬ ‫‪-‬اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻤن ﻤنظور‬

‫ﺘواﺼﻞ اﻟصین ﺼﻌودﻫﺎ اﻟمذﻫﻞ‪ ،‬وﺤﺎﻓظت ﻋﻠﻰ ﻤﻌدﻻت ﻨمو اﻗتصﺎدي ﺒنس�ﺔ ‪ %7‬أو أﻋﻠﻰ �ﻞ ﻋﺎم ﻤنذ‬
‫ﻋﺎم ‪ .1991‬و�ینمﺎ ﺘر�ز اﻟكثیر ﻤن اﻻﻫتمﺎم ﻋﻠﻰ اﻵﺜﺎر اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻌمﻠ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺘﺄﺜیر ﺼﻌود اﻟصین ﻋﻠﻰ‬
‫ﻓرﺼﺎ دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ وﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻪ ﻨﻔس اﻷﻫم�ﺔ‪ .‬ﻟم �ﻘتصر اﻷﻤر ﻋﻠﻰ ﻤنﺢ ﺜروﺘﻬﺎ اﻟمتزاﯿدة ﻟﻠصین ً‬
‫ﺠدﯿدة‪ ،‬وﻟكن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین�ﺔ ﻤﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ اﻵﺴیو�ین ﻗد ﺘﻐیرت �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ‪ .‬ﺘتمتﻊ اﻟصین اﻵن �ﻌﻼﻗﺎت ﻤثمرة‬
‫ﻤﻊ ﺠم�ﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻤمﺎ �حول اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌداﺌ�ﺔ اﻟسﺎ�ﻘﺔ إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺎت ﺘﻌﺎوﻨ�ﺔ‪ .‬ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪،‬‬
‫ﺘﻘﻊ اﻟصین اﻵن ﻓﻲ ﻤر�ز ﺸ�كﺔ إﻨتﺎج إﻗﻠ�م�ﺔ واﺴﻌﺔ‪ .‬ﻫذﻩ اﻟش�كﺔ اﻟمتزاﯿدة ﻤن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﺴﻬﻠت اﻨتشﺎر‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬ﺘرى اﻟدول اﻵﺴیو�ﺔ �شكﻞ ﻤتزاﯿد أن ﻤصیرﻫﺎ ﻤتشﺎ�ك‪ ،‬ﻤمﺎ �شجﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟ�حث ﻋن ﺴ�ﺎق أﻛثر ﺘنظ�مﺎً‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠتﻔﺎﻋﻞ‪ ،‬ﻹﻛتشﺎف اﻟحﻠول اﻟتﻌﺎوﻨ�ﺔ ﻟﻠمشكﻼت و�ﻨشﺎء ﻤنصﺔ ﻤن ﺸﺄﻨﻬﺎ ﺘضخ�م ﺼوﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟمسرح اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫ﯿنﻌكس اﻟنشﺎط اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﺴﻌیﻬﺎ ﻹﺒرام اﺘﻔﺎق�ﺎت ﺘجﺎرة ﺤرة ﺜنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬وﻓﻲ اﻗتراﺤﻬﺎ �شﺄن اﺘﻔﺎق�ﺔ‬
‫اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﺒین اﻟصین واﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬وﻓﻲ ﻤشﺎر�تﻬﺎ اﻟنشطﺔ ﻓﻲ ﻤختﻠﻒ اﻟﻬ�ﺎﻛﻞ اﻟمتﻌددة اﻷطراف واﻟحوارات اﻷﻤن�ﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬اﻨضمت اﻟصین إﻟﻰ إﻋﻼن ﺴﻠوك اﻷطراف ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬وﺘﻌﻬدت اﻷطراف اﻟموﻗﻌﺔ‬
‫ﺒتسو�ﺔ اﻟحدود اﻟ�حر�ﺔ اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ �ﺎﻟوﺴﺎﺌﻞ اﻟسﻠم�ﺔ‪ ،‬وﻫﻲ أول ﺤكوﻤﺔ ﻏیر ﺘﺎ�ﻌﺔ ﻟرا�طﺔ أﻤم ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 14.‬‬

‫‪265‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻤحﻔز ﻓﻲ ﺘجم�ﻊ واﺴتمرار اﻟمحﺎدﺜﺎت‬


‫ًا‬ ‫ﺘوﻗﻊ ﻤﻌﺎﻫدة اﻟصداﻗﺔ واﻟتﻌﺎون اﻟخﺎﺼﺔ �ﺎﻻﺘحﺎد‪� .‬مﺎ ﻟﻌبت اﻟصین ًا‬
‫دور‬
‫‪1‬‬
‫اﻟسداﺴ�ﺔ ﺤول ﻨزع اﻟسﻼح اﻟنووي ﻟكور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺠﺎﻨﻔﻲ ‪ ،2017‬ﻨشرت و ازرة اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ أول �تﺎب أﺒ�ض ﺤول ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟصین �شﺄن اﻟتﻌﺎون‬
‫اﻷﻤنﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ‪-‬ﻓﻲ إﺸﺎرة واﻀحﺔ إﻟﻰ ﻨوا�ﺎﻫﺎ ﻟﻌب دور ﻤﻬ�من ﻓﻲ اﻟمسرح اﻵﺴیوي‪.-‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋكس اﻷوراق اﻟب�ضﺎء اﻟسﺎ�ﻘﺔ اﻟتﻲ ذ�رت �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟصین اﻟﻌسكر�ﺔ واﻟدﻓﺎع اﻟوطنﻲ‪ ،‬ر�زت‬
‫ﻫذﻩ اﻟوﺜ�ﻘﺔ اﻟمحددة ﻋﻠﻰ دور اﻟصین ﻓﻲ ﻀمﺎن اﻷﻤن ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ اﻟتﻲ ﺸمﻠت ﺸمﺎل ﺸرق‬
‫ﺘمﺎﻤﺎ أن‬ ‫ق‬
‫وﺠنوب ﺸر آﺴ�ﺎ �ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟﻬند‪ .‬ﺠﺎء ﻓﻲ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض أن "اﻟصین ﺘدرك ً‬
‫طﺎ وﺜ�ًﻘﺎ �مستﻘبﻞ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﻟطﺎﻟمﺎ اﻋتبرت اﻟصین اﻟنﻬوض �ﺎﻻزدﻫﺎر واﻻﺴتﻘرار‬
‫ﺘنمیتﻬﺎ اﻟسﻠم�ﺔ ﻤرﺘ�طﺔ ارﺘ�ﺎ ً‬
‫‪2‬‬
‫اﻹﻗﻠ�میین ﻤسؤوﻟیتﻬﺎ اﻟخﺎﺼﺔ"‪.‬‬

‫وﻓﻲ ﺨطﺎ�ﻪ ﻓﻲ اﻟمنتدى اﻻﻗتصﺎدي اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻓﻲ "داﻓوس ﻓﻲ" ‪ 17‬ﺠﺎﻨﻔﻲ ‪ ،2017‬داﻓﻊ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ‪Xi‬‬

‫‪ Jinping‬ﻋن ﻤ�ﺎدئ اﻟتجﺎرة اﻟحرة؛ أوﻀﺢ أن اﻟمشﺎﻛﻞ اﻟتﻲ �ﻌﺎﻨﻲ ﻤنﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم اﻟیوم‪ ،‬ﻤثﻞ ﻤوﺠﺎت اﻟﻼﺠئین ﻤن‬
‫اﻟشرق اﻷوﺴط وﺸمﺎل إﻓر�ق�ﺎ أو اﻹﻨكمﺎش اﻟمﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻟ�ست ﻨتﺎﺌﺞ ﻟﻠﻌوﻟمﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﺒﻞ ﻫﻲ ﻋواﻗب ﻨﻘص‬
‫اﻹﺼﻼح واﻟتنم�ﺔ‪ ،‬واﻟحو�مﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻏیر اﻟمﻼﺌمﺔ واﻟتنم�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻏیر اﻟمتكﺎﻓئﺔ‪� .‬ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬داﻓﻊ‬
‫ﻋن اﻟﻌوﻟمﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ وطرح أر�ﻌﺔ ﺤﻠول ﻟﻬذﻩ اﻟتحد�ﺎت‪ :‬ﻨموذج ﻨمو ﻤدﻓوع �ﺎﻹﺒتكﺎر؛ ﺘﻌﺎون ﻤﻔتوح وﻤر�ﺢ‬
‫ﻟﻠجﺎﻨبین؛ ﺤكم ﻋﺎدل وﻤنصﻒ؛ واﻟتنم�ﺔ اﻟمتوازﻨﺔ واﻟﻌﺎدﻟﺔ واﻟشﺎﻤﻠﺔ؛ واﺨتتم �ﻠمتﻪ ﺒتﻘد�م ﺼورة واﻋدة ﻟﻠنمو‬
‫اﻹﻗتصﺎدي اﻟمستمر ﻓﻲ اﻟصین‪ .‬وأﻛد ﻟﻠمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ �شكﻞ ﺨﺎص أن اﻟصین ﻟن ﺘخﻔض ق�مﺔ ﻋمﻠتﻬﺎ‪ ،‬واﻷﻫم‬
‫ﻤن ذﻟك أﻨﻪ أﺸﺎد �م�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق اﻟتﻲ ﺘم إطﻼﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪� ،2013‬ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟدﻋﺎﻤﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟنموذج‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻌوﻟمﺔ اﻟصینﻲ‪ .‬وأﻋﻠن أﻨﻪ ﻓﻲ ﻤﺎي ‪ 2017‬ﺴتستض�ف اﻟصین ﻤنتدى اﻟحزام واﻟطر�ق ﻟﻠتﻌﺎون اﻟدوﻟﻲ ﻓﻲ �كین‪.‬‬
‫ووﻓﻘﺎ ﻟـ‪" :‬ﺸﻲ"‪ ،‬ﻓﺈن اﻟحمﺎﺌ�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمتزاﯿدة وﺴ�ﺎﺴﺔ "أﻤر�كﺎ أوﻻً" ﻟن ﺘضر �ﺎﻟنمو اﻟصینﻲ ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ ﺴتنﻬﻲ‬
‫‪4‬‬
‫أ�ضﺎ اﻟر�وب اﻟمجﺎﻨﻲ اﻟذي ﺘتمتﻊ �ﻪ اﻟصین ﻤنذ اﻟتﻘﺎرب اﻟصینﻲ اﻷﻤر�كﻲ ﻋﺎم ‪1972.‬‬
‫ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- James J. Przystup, Op. cit. P4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. p 22.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 9.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 9.‬‬

‫‪266‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ ،‬ﯿذ�ر ﺘﻘر�ر ﻋمﻞ اﻟحكوﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﻟشﻬر ﻤﺎرس ‪" ،2017‬ﺘوﺴ�ﻊ اﻨﻔتﺎح اﻟصین‬
‫ﺒنشﺎط ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم"‪� ،‬ﺎﻟنظر إﻟﻰ اﻹﺘجﺎﻩ اﻷوﺴﻊ ﻨحو "ﻨزع اﻟﻌوﻟمﺔ" ﻓﻲ اﻟﻐرب‪ .‬و�حدد أر�ﻊ ﺨطوات ﻟتحﻘیق ﻫذا‬
‫اﻟﻬدف‪ .‬أوﻻً‪ ،‬ﺒذل "ﺠﻬود ﺤثیثﺔ ﻟمتﺎ�ﻌﺔ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق"‪ ،‬وﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪ ،‬ﻓﺄن اﻟصین ﺴتسرع ﻓﻲ ﺒنﺎء‬
‫اﻟممرات اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟبر�ﺔ وﻤراﻛز اﻟتﻌﺎون اﻟ�حري وﺴتﻌزز ﺘصدﯿر اﻟمﻌدات واﻟتﻘن�ﺎت واﻟمﻌﺎﯿیر واﻟخدﻤﺎت اﻟصین�ﺔ‪.‬‬
‫ﻨموا ﺜﺎﺒتًﺎ"‪ .‬ﺜﺎﻟثًﺎ‪ ،‬ﺴوف ﺘتخذ اﻟصین‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬ﺴتضمن اﻟصین أن "ﺘستمر اﻟتجﺎرة اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ اﻹﻨتﻌﺎش وﺘسجﻞ ً‬
‫ً‬
‫ا�ﻌﺎ‪ ،‬أن اﻟصین ﺴوف "ﺘﻌزز ﺘحر�ر وﺘسﻬیﻞ اﻟتجﺎرة‬ ‫"ﺨطوات �بیرة ﻟتحسین اﻟبیئﺔ ﻟﻠمستثمر�ن اﻷﺠﺎﻨب"‪ ،‬ور ً‬
‫واﻹﺴتثمﺎر اﻟدوﻟیین"؛ وﻫنﺎ‪� ،‬سﻠط اﻟتﻘر�ر اﻟضوء ﻤرة أﺨرى ﻋﻠﻰ أﻫم�ﺔ اﻟﻌوﻟمﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ واﻟتزام اﻟصین �ﺎﻟنظﺎم‬
‫اﻟتجﺎري ﻤتﻌدد اﻷطراف �ﺎﻋت�ﺎرﻩ اﻟﻘنﺎة اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻠتجﺎرة اﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬و�ﻟﻰ ﻀرورة ﺘﻌدﯿﻞ إطﺎر اﻟتﻌﺎون اﻹﻗتصﺎدي‬
‫اﻟشﺎﻤﻞ ﺒین اﻟصین ورا�طﺔ أﻤم ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ )اﻷﺴ�ﺎن( ودﻓﻊ ﺘنم�ﺔ ﻤنطﻘﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻬﺎدي‪.‬‬

‫اﻟتﻔكیر �ﺎﻟردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻲ اﻟصین آﺨذ ﻓﻲ اﻟتطور �وﻨﻬﺎ ﺘﻌمﻞ ﻋﻠﻰ ﻤراﺠﻌﺔ اﻨط�ﺎﻋﻬﺎ ﺤ�ﺎل اﻟبیئﺔ‬
‫اﻷﻤن�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ وﺘحسین ﻗدراﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ؛ أوﻻ‪ ،‬ﻗد �سﻬم ﺘﻘی�م اﻟصین ﻟبیئتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ ﺘحﻔیز اﻟتﻐیر‬
‫ﻓﻲ ﺘﻔكیرﻫﺎ ﺤول ﻤتطﻠ�ﺎت "اﻟردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟمتكﺎﻤﻞ"‪ ،‬وﻫو ﻤﻔﻬوم ﻋسكري ﺼینﻲ ﯿدﻋو إﻟﻰ ﺘرﺴ�ﺦ ﻤجموﻋﺔ‬
‫ﺸﺎﻤﻠﺔ وﻤتنﺎﺴﻘﺔ ﻤن ﻗدرات اﻟردع اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ �مﺎ ﻓیﻬﺎ اﻟﻘوى اﻟنوو�ﺔ واﻟتﻘﻠید�ﺔ واﻟﻔضﺎﺌ�ﺔ وﻗوى اﻟﻔضﺎء اﻹﻟكتروﻨﻲ؛‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪� ،‬حظﻰ اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون ﺒنطﺎق واﺴﻊ ﻤن اﻟخ�ﺎرات اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬وذﻟك �ﻔضﻞ اﻟتسخیر اﻟمستمر‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠﻘدرات اﻟجدﯿدة واﻟمتطورة ﻤن ﻗبﻞ اﻟج�ش اﻟصینﻲ‪.‬‬

‫ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﻘضﺎ�ﺎ اﻟدﻓﺎع‪ ،‬ﺘﻌﻬدت اﻟصین ﺒتﻌز�ز أﻨظمﺔ اﻟدﻓﺎع اﻟ�حري واﻟجوي‪ ،‬و�ذﻟك ﻀ�ط وﻤراق�ﺔ‬
‫اﻟحدود‪ ،‬ﻟحمﺎ�ﺔ اﻻﺴتﻘرار واﻷﻤن ﻓﻲ اﻟصین؛ اﻟتﻘر�ر ﻤﻬم أ�ضﺎ ﻤن ﺤیث ﺘسﻠ�ط اﻟضوء ﻋﻠﻰ ﻗضﺎ�ﺎ "ﻫوﻨﺞ �وﻨﺞ"‬
‫و"ﺘﺎﯿوان"‪� .‬حیث ﺘﻌﻬدت اﻟحكوﻤﺔ ﺒدﻋم اﻟﻘﺎﻨون اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠمﻘﺎطﻌﺔ اﻹدار�ﺔ ﻫوﻨﻎ �وﻨﻎ ‪The Hong Kong‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. pp 10-11.‬‬
‫‪ -2‬ﻤﺎ�كﻞ إس ﺘشﺎ�س وآرﺜر ﺘشﺎ‪" ،‬ﻨﻬﺞ اﻟصین إزاء 'اﻟردع اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟمتكﺎﻤﻞ'"‪) ،‬ﻛﺎﻟ�ﻔورﻨ�ﺎ‪ ،‬ﻤؤﺴسﺔ راﻨد‪ ،(2016 ،‬ص ‪https://bit.ly/3p1SbeO .3‬‬

‫‪267‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫‪ ،Administrative Region‬ودﻋم ﻤبدأ اﻟصین اﻟواﺤدة ﺒنﺎءا ﻋﻠﻰ ﺘواﻓق ﻋﺎم ‪ 1992‬اﻟمتﻌﻠق �ﻘض�ﺔ "ﺘﺎﯿوان"‪ ،‬واﻷﻫم‬
‫‪1‬‬
‫أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ ﺘحسین اﻵﻟ�ﺎت واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ "ﺤمﺎ�ﺔ ﺤﻘوق اﻟصین وﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ اﻟخﺎرج"‪.‬‬
‫ﻤن ذﻟك‪ ،‬أﻛد ﺘﻘر�ر اﻟﻌمﻞ ً‬

‫اﻷﻫم ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﺘمش�ﺎ ﻤﻊ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض‪ ،‬ﯿؤ�د ﻨﻔس اﻟتﻘر�ر لﻋمﻞ اﻟحكوﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﻟشﻬر ﻤﺎرس ‪2017‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﻫدف اﻟصین اﻟمتمثﻞ ﻓﻲ ﺒنﺎء "ﻨوع ﺠدﯿد ﻤن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ �ﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﺎون واﻟمنﻔﻌﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ وﺘﻘد�م‬
‫ﻤسﺎﻫمﺔ ﺠدﯿدة ﻟبنﺎء ﻤجتمﻊ دوﻟﻲ ذو ﻤصیر ﻤشترك‪ 2 .‬وﻤن اﻟنﻘﺎط اﻟمذ�ورة أﻋﻼﻩ‪� ،‬مكن ﻟﻠمرء ﺘحدﯿد اﻻﺴتم ارر�ﺔ‬
‫واﻟتﻐییرات ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟصین اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌصر اﻟحﺎﻟﻲ‪.‬‬

‫أوﻻً‪ ،‬اﻻﺴتم ارر�ﺔ اﻟ�ﺎرزة ﻓﻲ ﺠم�ﻊ وﺜﺎﺌق اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ واﻷوراق اﻟب�ضﺎء ﺘﻘر ً��ﺎ ﻫﻲ اﻟتر�یز اﻟمستمر ﻋﻠﻰ اﻟتﻌدد�ﺔ‬
‫اﻟﻘطب�ﺔ واﻟﻌوﻟمﺔ‪ .‬اﻹﺴتم ارر�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ ﻫﻲ ﻤوﻗﻒ اﻟصین اﻟمتكرر ﻤن ﻤﻌﺎرﻀﺔ اﻟﻘوة واﻟﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ؛ ﻫذا ﻤؤﺸر ﻋﻠﻰ ﻨ�ﺔ اﻟصین إظﻬﺎر ﻨﻔسﻬﺎ �نوع ﻤختﻠﻒ ﻤن اﻟﻘوة‪ ،‬أو �ﺎﻷﺤرى ﺒدﯿﻞ أﻓضﻞ ﻟﻠوﻻ�ﺎت‬
‫ﻤستمر ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫ًا‬ ‫ﻤوﻀوﻋﺎ‬
‫ً‬ ‫اﻟمتحدة‪ .‬ﺜﺎﻟ ًثﺎ‪ ،‬ﺘتم ﻤﻼﺤظﺔ اﻹﺴتم ارر�ﺔ ﻓﻲ ﻗض�ﺔ اﻟتنم�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ �ﺎﻨت‬
‫اﻟصین�ﺔ ﻤنذ ﺒدء ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻹﺼﻼح واﻻﻨﻔتﺎح ﻓﻲ ﻋﺎم ‪.1978‬‬

‫وﻟكن �شكﻞ ﻤﻠحوظ‪ ،‬ﯿتم ر�ط اﻟتنم�ﺔ �شكﻞ ﻤتزاﯿد �مﻔﻬوم اﻷﻤن؛ اﻛتسب اﻷﻤن ﻤﻌنﻰ أﻛثر ﺸموﻟ�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ظﻞ ﺤكم "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬واﻟمكون ﻤن أر�ﻌﺔ ﻤحﺎور‪ ،‬أي اﻷﻤن اﻟمشترك واﻟشﺎﻤﻞ واﻟتﻌﺎوﻨﻲ واﻟمستدام‪� .‬مكن‬
‫ﻤﻼﺤظﺔ اﺴتم ارر�ﺔ را�ﻌﺔ ﻓﻲ ﻫدف اﻟصین اﻟمتمثﻞ ﻓﻲ إﻨشﺎء ﺒن�ﺔ أﻤن�ﺔ ﺒدﯿﻠﺔ )ه�كﻞ أﻤنﻲ ﺠدﯿد(‪ ،‬واﻟتﻲ �ﺎﻨت‬
‫ﻤوﺠودة �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ ﻤﻔﻬوم اﻷﻤن اﻟجدﯿد ﻟـ "ﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین" ‪ ،Jiang Zemin‬ﻟكن ﻓﻲ ظﻞ ﺤكم "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬وﺠد‬
‫وﻤﻠموﺴﺎ ﻓﻲ ﻤنتدى)‪ ،(CICA‬ﻋندﻤﺎ ﺤدد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻷداة اﻟرﺌ�س�ﺔ‬
‫ً‬ ‫ﺤﺎﺴمﺎ‬
‫ً‬ ‫ﺘﻌبیر‬
‫ًا‬ ‫ﻫذا اﻟﻬدف‬
‫أﺨیر‪ ،‬دﻋمت اﻟم�ﺎدئ اﻟخمسﺔ ﻟﻠتﻌﺎ�ش اﻟسﻠمﻲ اﻟتﻲ �ﺎﻨت اﻟخﺎﺼ�ﺔ‬‫ﻟﻠتوﺠ�ﻪ ﻨحو إﻨشﺎء ﺒن�ﺔ أﻤن�ﺔ ﺘﻌﺎوﻨ�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ً .‬ا‬
‫اﻟممیزة ﻟس�ﺎﺴﺔ "ﻤﺎو ﺘسﻲ ﺘوﻨﻎ" اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ اﻟخمسین�ﺎت ﻤن اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ ﺠم�ﻊ ﺨطﺎ�ﺎت ووﺜﺎﺌق اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪ ،‬إﻟﻰ ﺠﺎﻨب اﻟموﻀوع اﻟداﺌم اﻟمتمثﻞ ﻓﻲ ﺤمﺎ�ﺔ ﺴ�ﺎدة اﻟصین وﺴﻼﻤﺔ أراﻀیﻬﺎ‪. 3‬‬

‫ﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﺘحت ق�ﺎدة "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﺸﻬدت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟتحوﻻت واﻟتﻐییرات‬
‫اﻟﻬﺎﻤﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬ﯿرد ذ�ر ﻤصطﻠﺢ "اﻟتدﺨﻞ اﻟجدﯿد" ﻷول ﻤرة ﻓﻲ ﺘﻘر�ر ﻤؤﺘمر اﻟحزب اﻟثﺎﻤن ﻋشر إﻟﻰ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 11.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. pp 12-13.‬‬

‫‪268‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺠﺎﻨب اﻋت�ﺎر ﺘﻌدد اﻷﻗطﺎب واﻟﻌوﻟمﺔ اﺘجﺎﻫﺎت ﻋﺎﻟم�ﺔ ﺼﺎﻋدة؛ اﻷﻤر اﻟثﺎﻨﻲ اﻷﺒرز ﻫو اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻷﻤن اﻟ�حري‪.‬‬
‫اﯿدا ﻓﻲ اﻟتﻘر�ر‪ ،‬و�ﻌد‬ ‫وﻫكذا‪ ،‬ﻓﺈن ع�ﺎرات ﻤثﻞ ﺤمﺎ�ﺔ اﻟحﻘوق واﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمشروﻋﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟخﺎرج ﺘجد ًا‬
‫ذ�ر ﻤتز ً‬
‫ذﻟك ﻓﻲ اﻷوراق اﻟب�ضﺎء ﺤول اﻟدﻓﺎع واﻟتﻌﺎون ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ؛ اﻷﻤر اﻟثﺎﻟث واﻷﻫم اﻟمرﺘ�ط �ق�ﺎدة "ﺸﻲ‬
‫ﺠین ﺒینﻎ" ﻫو ﺸﻌﺎر "ﺤﻠم اﻟصین"؛ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أﻨﻪ ﻤن ﺤیث اﻟمﻌنﻰ واﻷﻫم�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ ﯿدل ﻋﻠﻰ اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟتﻲ‬
‫ﻛﺎﻨت اﻟموﻀوع اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻤنذ اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬وﻤن ﺤیث اﻟﻐرض اﻛتسب ﺤﻠم اﻟصین ﻤكﺎﻨﺔ‬
‫ﻤر�ز�ﺔ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻋﻬد "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"؛ إﻨﻪ �مثﻞ ﻨﻘطﺔ ﺘحول ﺤﺎﺴمﺔ ﻓﻲ ﺘﺎر�ﺦ اﻟنمو‬
‫‪1‬‬
‫اﻻﻗتصﺎدي ﻟﻠصین‪ ،‬و�ذﻟك اﻟتجدﯿد اﻟوطنﻲ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬دواﻓﻊ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫ﻟﻠتضمین‪-‬‬ ‫‪-‬اﻟحﻠم اﻟصینﻲ ‪ ...‬رؤ�ﺔ‬

‫ﯿر�ط اﻻﺴتراﺘ�جیون اﻟصینیون �شكﻞ ﺠﻠﻲ اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین �ﺎﻟوﻀﻊ اﻟداﺨﻠﻲ إذ �ﻘر اﻟمﻔﻬوم �ﺄن‬
‫اﻟصین وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﺼﻌودﻫﺎ‪ ،‬ﻻ ﺘزال ﺘواﺠﻪ ﺘحد�ﺎت اﺠتمﺎع�ﺔ واﻗتصﺎد�ﺔ ﺼع�ﺔ وﻤتواﺼﻠﺔ داﺨﻠ�ﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠصین ﻋموﻤﺎ ﺘﻔرض ﻋﻠیﻬﺎ "اﺼدار أﺤكﺎم أو ﺴ�ﺎﺴﺎت داﺨﻠ�ﺔ ﻤتزﻨﺔ" ﻟضمﺎن اﺴتﻘرار اﻟنمو‬
‫‪2‬‬
‫اﻟداﺨﻠﻲ واﺴتم ارر�ﺔ �شكﻞ �سمﺢ و�ضمن ﻨجﺎح اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ �شكﻞ ﻋﺎم‪.‬‬

‫ﯿتجﻠﻰ ﺤﻠم اﻟصین‪ ،‬اﻟمتمثﻞ ﻓﻲ "ﺘجدﯿد ﺸ�ﺎب اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ اﻟﻌظ�مﺔ ‪rejuvenation of great Chinese‬‬

‫‪ "nation‬ﻓﻲ ﺘﻔكیرﻫﺎ ﻓﻲ ﻨﻔسﻬﺎ �دوﻟﺔ ﺼﺎﻋدة ﻋظ�مﺔ‪ ،‬وﻓﻲ �وﻨﻬﺎ اﺴت�ﺎق�ﺔ وواﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻤمﺎرﺴﺔ ﻗدرات ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌظمﻰ‪.‬‬
‫إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺘصور اﻟصین اﻟذاﺘﻲ ﻓﻲ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟمتﻐیر‪ ،‬ﺘﺄﺜر �ﻘوﺘین‪ :‬اﻟﻬو�ﺔ اﻟﻘد�مﺔ اﻟتﻲ ﺘشكﻠت‬
‫ﺒین ﻋﺎﻤﻲ ‪ 1949‬و‪ ،1979‬واﻟﻬو�ﺔ اﻟجدﯿدة اﻟتﻲ اﻛتسبتﻬﺎ ﻤنذ اﻟثمﺎﻨین�ﺎت ﺸكﻠت اﻟﻬو�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟحﺎﻟ�ﺔ ﻟﻠصین‪.‬‬
‫وﻨت�جﺔ ﻟذﻟك‪ ،‬ﺘﻌتبر اﻟصین ﻨﻔسﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب "دوﻟﺔ ﻨﺎﻤ�ﺔ" وﺘشﻌر �ﺄﻨﻬﺎ ﻤﻠزﻤﺔ ﺒتﻌز�ز ﻤصﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻟم اﻟنﺎﻤﻲ؛ ﻓﻲ‬
‫اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﺘطمﺢ اﻟصین إﻟﻰ أن ﺘكون ﻗوة إﻗﻠ�م�ﺔ رﺌ�س�ﺔ وﺤتﻰ ﻋﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘﻌمﻞ �شكﻞ وﺜیق ﻤﻊ اﻟدول‬
‫‪3‬‬
‫اﻟمتﻘدﻤﺔ‪ ،‬وﻫذا �ﻌنﻲ أن دور اﻟصین ﻓﻲ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ ﻗد ﺘﻐیر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 13.‬‬
‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.24-22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op cit. p 24.‬‬

‫‪269‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺘﻌﻘیدا‬
‫ﻓﻲ اﻟسنوات اﻷﺨیرة اﻟتﻲ ﺘﻠت ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﺒدأت اﻟصین ﻓﻲ اﺘخﺎذ ﻨﻬﺞ أﻗﻞ ﺘصﺎدﻤ�ﺔ وأﻛثر ً‬
‫وﺜﻘﺔ‪ ،‬وﻓﻲ �ﻌض اﻷﺤ�ﺎن‪ ،‬أﻛثر ﺒنﺎءة ﺘجﺎﻩ اﻟشؤون اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﻋكس ﻤﺎ �ﺎن ﻋﻠ�ﻪ اﻟحﺎل ﺨﻼل ﻓترة‬
‫اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬ﻓﺈن اﻟصین ﺘﻌمﻞ اﻵن إﻟﻰ ﺤد �بیر ﻀمن اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ .‬ﻟﻘد اﺤتضنت اﻟكثیر ﻤن اﻟمجموﻋﺔ‬
‫اﻟحﺎﻟ�ﺔ ﻤن اﻟمؤﺴسﺎت واﻟﻘواﻋد واﻟمﻌﺎﯿیر اﻟدوﻟ�ﺔ �وﺴیﻠﺔ ﻟتﻌز�ز ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟوطن�ﺔ‪ .‬وﻗد ﺴﻌت ﺤتﻰ إﻟﻰ ﺘشكیﻞ‬
‫‪1‬‬
‫ﺘطور ذﻟك اﻟنظﺎم �طرق ﻤحدودة‪.‬‬

‫ﺒدأ اﻟتحول اﻷﺨیر ﻓﻲ أواﺌﻞ اﻟتسﻌینﺎت‪ ،‬ﻤﻊ ﺴﻌﻲ اﻟصین إﻟﻰ ﺘوﺴ�ﻊ روا�طﻬﺎ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬ﺒین ﻋﺎﻤﻲ ‪1988‬‬

‫و‪ ،1994‬أﻗﺎﻤت اﻟصین ﻋﻼﻗﺎت دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ ﻤﻊ ‪ 18‬دوﻟﺔ و�ذﻟك ﻤﻊ اﻟدول اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻀمن اﻹﺘحﺎد اﻟسوف�ﺎﺘﻲ‬
‫واﻨشﺄت ﻤستو�ﺎت ﻤختﻠﻔﺔ ﻤن "اﻟشراﻛﺔ" ﻟتسﻬیﻞ اﻟتنسیق اﻻﻗتصﺎدي واﻷﻤنﻲ‪ ،‬و�ﺎﻨت ذروة ﻫذﻩ اﻟﻌمﻠ�ﺔ ﻫﻲ ﻤﻌﺎﻫدة‬
‫‪2‬‬
‫ﺤسن اﻟجوار واﻟتﻌﺎون اﻟودي اﻟتﻲ وﻗﻌتﻬﺎ اﻟصین ﻤﻊ روﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪.2001‬‬

‫أ�ضﺎ ﻓﻲ اﻟتخﻠﻲ ﻋن ﻨﻔورﻫﺎ اﻟسﺎﺒق ﻤن اﻟمؤﺴسﺎت اﻟمتﻌددة اﻷطراف‪،‬‬


‫ﺨﻼل ﻫذﻩ اﻟﻔترة‪ ،‬ﺒدأت اﻟصین ً‬
‫داﺌمﺎ ﻤن اﺴتخداﻤﻬﺎ ﻟمﻌﺎق�ﺔ اﻟصین أو ﺘﻘییدﻫﺎ‪ .‬ﺒدأ اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون ﯿدر�ون أن ﻤثﻞ ﻫذﻩ‬
‫واﻟتﻲ �ﺎن دﯿنﻎ �خشﻰ ً‬
‫اﻟمنظمﺎت �مكن أن ﺘسمﺢ ﻟبﻠدﻫم �ﺎﻟترو�ﺞ ﻟمصﺎﻟحﻬﺎ اﻟتجﺎر�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ واﻟحد ﻤن اﻟتدﺨﻼت اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬وﻫكذا‪،‬‬
‫اﺒتداء ﻤن اﻟنصﻒ اﻟثﺎﻨﻲ ﻤن اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﺒدأت اﻟصین ﻓﻲ اﻟتﻌﺎﻤﻞ ﻤﻊ را�طﺔ دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ )آﺴ�ﺎن(‪ .‬ﻓﻲ‬
‫ً‬
‫ﻋﺎم ‪ ،1995‬ﺒدأت �كین ﻓﻲ ﻋﻘد اﺠتمﺎﻋﺎت ﺴنو�ﺔ ﻤﻊ ��ﺎر ﻤسؤوﻟﻲ اﻵﺴ�ﺎن‪� .‬ﻌد ذﻟك �ﻌﺎﻤین‪ ،‬ﺴﺎﻋدت اﻟصین‬
‫ﻓﻲ إطﻼق آﻟ�ﺔ "آﺴ�ﺎن ‪ ،”3 +‬وﻫﻲ ﺴﻠسﻠﺔ ﻤن اﻻﺠتمﺎﻋﺎت اﻟسنو�ﺔ ﺒین دول اﻵﺴ�ﺎن اﻟﻌشر �ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟصین‬
‫واﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‪� .‬ﻌد ذﻟك ﺠﺎءت آﻟ�ﺔ "‪ ،"ASEAN + 1‬وﻫﻲ اﺠتمﺎﻋﺎت ﺴنو�ﺔ ﺒین اﻵﺴ�ﺎن واﻟصین‪ ،‬وﻗد‬
‫ﺘﻘﻠید�ﺎ إﻟﻰ اﻟحصول ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟحﻘوق واﻻﻤت�ﺎزات اﻟتﻲ ﺘتمتﻊ ﺒﻬﺎ ﻗوة ﻋظمﻰ دون ﻗبول‬
‫ً‬ ‫ﺴﻌت �كین‬
‫اﻟمسؤوﻟ�ﺎت اﻟتﻲ ﺘﺄﺘﻲ ﻤﻌﻬﺎ‪� .‬مﺎ ﻋززت اﻟصین ﻤشﺎر�تﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫واﺴتضﺎﻓت اﻻﺠتمﺎع اﻟتﺎﺴﻊ ﻟﻠزﻋمﺎء ﻓﻲ ﺸنﻐﻬﺎي ﻋﺎم ‪.2001‬‬

‫وﻓﻲ ﺒدا�ﺔ اﻷﻟف�ﺔ اﻟثﺎﻟثﺔ‪ ،‬واﺘسﺎﻗﺎ ﻤﻊ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟكبرى ﻟـ ‪ Deng‬وﻨظر�ﺔ اﻟمﻔﻬوم اﻷﻤنﻲ اﻟجدﯿد‪ ،‬ﺒدأ اﻟﻘﺎدة‬
‫واﻻﺴتراﺘ�جیون اﻟصینیون ﺨصوﺼﺎ أوﻟئك اﻟمرﺘ�طین �ﺎﻟجیﻞ اﻟرا�ﻊ ﻤن اﻟق�ﺎدة ﻓﻲ اﻟصین �ﺎﻟحدﯿث ﻋن )اﻟصﻌود‬

‫‪1‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op cit. p 22.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 24.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 25.‬‬

‫‪270‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟسﻠمﻲ‪ ،‬ﻨﻬضﺔ اﻟصین اﻟسﻠم�ﺔ ﻟﻠصین(‪ 1 .‬أﺜﺎر ﻤصطﻠﺢ "اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ" وﻤدى ﻤﻼءﻤتﻪ ﺠدﻻ ﺒین اﻟ�ﺎﺤثین‬
‫واﻻﺴتراﺘ�جیین اﻟصینیین‪ ،‬ﯿرى �ﻌضﻬم أن اﺴتخدام ﺘﻌبیر "ﺴﻠمﻲ" ﺴ�حد ﻤن اﻟخ�ﺎرات ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ "ﺘﺎﯿوان"‪ ،‬ف�مﺎ ﻻ‬
‫ﺘزال اﻟصین ﺘحتﻔظ �ﺈﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻟﻠجوء إﻟﻰ اﻟﻘوة ﻟحﻞ ﻤسﺄﻟﺔ ﻤطﺎﻟبتﻬﺎ �حق اﻟس�ﺎدة ﻋﻠﻰ "ﺘﺎﯿوان"‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین ﯿرى أﺨرون‬
‫أﻨﻪ ﻤن ﻏیر اﻟواﻀﺢ ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت اﻟصین ﺴتستمر ﻓﻲ اﻟصﻌود ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟطو�ﻞ؛ ﻟذﻟك آﺜﺎر اﻟرﺌ�س اﻟصینﻲ‬
‫"ﻫو ﺠینتﺎو" ‪ Hu Jintao‬اﺴتخدام ﺘﻌبیر "اﻟنمو اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین" ﻓﻲ ﺨطﺎ�ﻪ ﻓﻲ ﻤنتدى ‪ Boao‬ﻓﻲ أﻓر�ﻞ ‪ ،2004‬ﺒدﻻ‬
‫‪2‬‬
‫ﻤن اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫ﻫنﺎك اﻟكثیر ﻤن اﻷدﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟتﻐییر‪ ،‬وﺴﻌت اﻟصین ﻋدد ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ‪ ،‬واﻨضمت إﻟﻰ ﻤختﻠﻒ اﻹﺘﻔﺎﻗﺎت‬
‫اﻟتجﺎر�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬وﻋمﻘت ﻤشﺎر�تﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمنظمﺎت اﻟمتﻌددة اﻷطراف اﻟرﺌ�س�ﺔ‪ ،‬وﺴﺎﻋدت ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻟجﺔ ﻗضﺎ�ﺎ اﻷﻤن‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ؛ أﺼ�ﺢ ﺼنﻊ اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ أﻗﻞ ﺸخص�ﺔ وأﻛثر ﻤؤﺴس�ﺔ‪ ،‬وأﺼ�ﺢ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴیون اﻟصینیون‬
‫أﻛثر ﺘطو اًر ﻓﻲ ﺘوﻀ�حﻬم ﻷﻫداف اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬وأﺼ�حت ﻤؤﺴسﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﺘنظر إﻟﻰ اﻟبﻼد ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ‬
‫ﻗوة ﻋظمﻰ ﻨﺎﺸئﺔ ذات ﻤصﺎﻟﺢ وﻤسؤوﻟ�ﺎت ﻤتنوﻋﺔ وﻟ�س �دوﻟﺔ ﻨﺎﻤ�ﺔ ﻀح�ﺔ ﻟﻌصر "ﻤﺎو ﺘسﻲ ﺘوﻨﻎ" و"دﯿنﻎ ﺸ�ﺎو‬
‫‪4‬‬
‫ﺒینﻎ"؛ ‪ 3‬ﺘﻌبر ﻫذﻩ اﻟص�ﻐﺔ ﻋن اﻟثﻘﺔ واﻹﻗرار �ﺄن اﻟصین ﻗوة ﺼﺎﻋدة ﻤﻊ اﻟتﺄﻛید أن ﺼﻌودﻫﺎ ﻟن �كون ﻤﻌطﻼ‪.‬‬

‫ﻓﻲ د�سمبر ‪ ،2012‬أﻀﻔﻰ اﻟمؤﺘمر اﻟثﺎﻤن ﻋشر ﻟﻠحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟصینﻲ اﻟطﺎ�ﻊ اﻟرﺴمﻲ ﻋﻠﻰ دﺨول‬
‫اﻟجیﻞ اﻟخﺎﻤس ﻤن اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین وﺴط ﺘوﻗﻌﺎت ﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠحكم؛ ﻗﺎم "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬أﻤین اﻟحزب‬
‫اﻟجدﯿد ورﺌ�س اﻟدوﻟﺔ ﺒترو�ﺞ ﻤصطﻠﺢ "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" ﺨﻼل ﺨطﺎب أﻟﻘﺎﻩ ﻓﻲ ﻤﻌرض "اﻟطر�ق إﻟﻰ اﻟنﻬضﺔ" ﻓﻲ‬
‫ﺴ�ﺎ ﻓﻲ اﻟمنﺎﻗشﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﻤرﺠﻌﺎ ق�ﺎ ً‬
‫ً‬ ‫اﻟمتحﻒ اﻟوطنﻲ ﻟﻠتﺎر�ﺦ ﻓﻲ �كین؛ ﻤنذ ذﻟك اﻟحین أﺼ�ﺢ "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ"‬
‫‪5‬‬
‫اﻟرﺌ�س�ﺔ‪.‬‬
‫�ﻌد أن ﺘوﻟﻰ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" رﺌﺎﺴﺔ اﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟصینﻲ‪ ،‬أﻟﻘﻰ �ﻠمﺔ ﺤول "اﻟطر�ق إﻟﻰ اﻟتجدﯿد" ﻓﻲ‬
‫ﻨوﻓمبر ‪ 2012‬ﻓﻲ ﻤتحﻒ اﻟتﺎر�ﺦ اﻟوطنﻲ ﻗﺎل‪" :‬ﻫذا اﻟمﻌرض �ستﻌرض أﻤس اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪ ،‬و�ﻌرض اﻟیوم ﻟﻸﻤﺔ‬
‫اﻟصین�ﺔ‪ ،‬و�ﻌﻠن ﻏد اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ"؛ ﻓﻲ اﻷﻤس ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪� ،‬ﺎن �ﻘصد اﻹﻫﺎﻨﺎت اﻟتﻲ ﻋﺎﻨت ﻤنﻬﺎ اﻟصین ﻋﻠﻰ‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op cit. p 23.‬‬
‫‪� -4‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Zha Daojiong, “Zha Daojiong. P 87.‬‬

‫‪271‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﯿد اﻟﻘوات اﻻﺴتﻌمﺎر�ﺔ واﻹﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ ﻓﻲ أواﺨر اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر وأواﺌﻞ اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن‪� .‬حﻠول ﻋصر اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪،‬‬
‫أﺨیر‬
‫ﻛﺎن �ﻘصد ﻟ�س ﺤق�ﺔ ﻤﺎ �ﻌد ﻋﺎم ‪ 1949‬ﺒﻞ ﺤق�ﺔ اﻹﺼﻼح اﻟتﻲ أﻋﻘبت ﻋﺎم ‪ ،1978‬ﻋندﻤﺎ وﺠدت اﻟصین ًا‬
‫"طر�ًﻘﺎ ﻟتحﻘیق اﻟتجدﯿد اﻟﻌظ�م ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ"؛ �حﻠول ﻏد اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪� ،‬ﺎن "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" �ﻌنﻲ أن اﻟجﻬود‬
‫أﺨیر‪ ،‬ﺜم أوﻀﺢ اﻟمسﺎر اﻟذي اﺘ�ﻌﻪ اﻟشﻌب اﻟصینﻲ ﻟتحﻘیق اﻟتجدﯿد وذ�ر‬
‫اﻟكبیرة ﻟتجدﯿد اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﺴتتحﻘق ًا‬
‫�شكﻞ ﻗﺎطﻊ أن "اﻟتنم�ﺔ وﺤدﻫﺎ ﻫﻲ اﻟتﻲ ﺘت�ﺢ ﺘﻘو�ﺔ اﻟذات"‪.‬‬

‫ﻟذﻟك‪ ،‬أﻛد اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ" ﻋﻠﻰ أﻫم�ﺔ ﻤسﺎر اﻟتنم�ﺔ ﻟتحﻘیق ﻫدف اﻟتجدﯿد‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟخطﺎب‪ ،‬ذ�ر ﻷول ﻤرة‬
‫"ﺤﻠم اﻟصین"‪ ،‬وﻗﺎل‪" :‬ﻨﻌتﻘد أن ﺘحﻘیق اﻟتجدﯿد اﻟﻌظ�م ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﻫو أﻋظم ﺤﻠم ﺼینﻲ ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌصر اﻟحدﯿث‪ ".‬واﺨتتم ﺤدﯿثﻪ ﺒتحدﯿد ﻫدﻓین ﻤئو�ین‪ ،2021 :‬اﻟذ�رى اﻟمئو�ﺔ ﻟﻠحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟصینﻲ؛ وﻋﺎم‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،2050‬اﻟذ�رى اﻟمئو�ﺔ ﻟتﺄﺴ�س ﺠمﻬور�ﺔ اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ‪.‬‬

‫�مﻌنﻰ ﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ﻓكرة اﻟحﻠم ﻫﻲ وﻋد ﻟﻌﺎﻤﺔ اﻟنﺎس �ﺎﻟتحسین اﻟمستمر ﻓﻲ اﻻزدﻫﺎر‪ .‬ﻤنذ أن أوﻀﺢ "دﯿنﺞ‬
‫ﺸ�ﺎو ﺒینﻎ" ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1982‬ﻫدف "ﻤجتمﻊ رﻓﺎه�ﺔ ﻨسب�ﺔ" )ﻤضﺎﻋﻔﺔ اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ ﻟﻠبﻼد �حﻠول ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟﻘرن‬
‫اﻟﻌشر�ن ﻤن ﺒین ﻋﻼﻤﺎت رﺌ�س�ﺔ أﺨرى(‪ ،‬ﺒنت اﻟق�ﺎدات اﻟصین�ﺔ اﻟمتﻌﺎق�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻓكرة ز�ﺎدة اﻟثروة‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪� ،‬ﻌد‬
‫ﻋﻘد ﻤن اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن �ﺎن ﻫنﺎك وﻋﻲ ﻤتزاﯿد �ﺄﻨﻪ ﻟ�س ﻤن ﻤصﻠحﺔ اﻟصین ﺠﻌﻞ أﻫداف اﻟنمو اﻟﻌددي‬
‫ﻫﻲ اﻷﺴﺎس اﻟمنطﻘﻲ اﻟداﻓﻊ ﻟﻠحكوﻤﺔ؛ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟنحو‪ ،‬ﺴﻌت ق�ﺎدة اﻟجیﻞ اﻟخﺎﻤس إﻟﻰ ﺘحدﯿد ﻤﻬمتﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل‬
‫ﺘحس�ﺎ ﻟذ�رى اﻟمئو�ﺔ ﻟمیﻼد اﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟصینﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2021‬واﻟذ�رى اﻟمئو�ﺔ‬
‫ً‬ ‫ﺘذ�یر ﻨﻔسﻬﺎ �ﺎﻷداء اﻟسﻠ�م‬
‫ﻟتﺄﺴ�س ﺠمﻬور�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .2049‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤصطﻠﺢ "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" ﻏیر ﻤحدد إﻟﻰ ﺤد ﻤﺎ‪� .‬مكن‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻬم ﻓكرة "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤبدأ ﺠدﯿد ﯿوﺠﻪ اﻟتنم�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین و��ف ﺘرﺘ�ط اﻟصین ﺒ�ق�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫و�مكن أ�ضﺎً ﻓﻬم ﻤﻔﻬوم "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﻤبدأً ﺠدﯿداً ُ�سترﺸد �ﻪ ﻓﻲ ﺘنم�ﺔ اﻟصین ﻨﻔسﻬﺎ‪ ،‬و��ف�ﺔ‬
‫ارﺘ�ﺎط اﻟصین ﺒ�ق�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وﻫو ﯿبنﻲ ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬوﻤﻲ "اﻟمجتمﻊ اﻟمتنﺎﻏم" و"اﻟﻌﺎﻟم اﻟمتنﺎﻏم"‪ ،‬اﻟﻠذان ﺒر از ﻓﻲ اﻟمؤﺘمر‬
‫اﻟسﺎدس ﻋشر ﻟﻠحزب ﻋﺎم ‪ 2002‬وﺸﻬدا اﻹﻨتﻘﺎل اﻟرﺴمﻲ ﻟجیﻞ ﺴﺎﺒق ﻤن اﻟق�ﺎدة؛ ﺘم ﺘﻘد�م ﻤﻔﻬوم "اﻻﻨسجﺎم" رﺴم�ﺎ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. p 4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op cit. P 87.‬‬

‫‪272‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻛمبدأ ﺘوﺠیﻬﻲ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ ﻤؤﺘمر اﻟﻘمﺔ اﻟذي ﻋﻘد �منﺎﺴ�ﺔ اﻟذ�رى اﻟستین ﻟتﺄﺴ�س اﻷﻤم اﻟمتحدة ﻓﻲ‬
‫‪1‬‬
‫أﯿﻠول‪/‬ﺴبتمبر ‪2005.‬‬

‫ﻟﻘد ﺒدأ ﺘطور اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻋﻬد "دﯿنﻎ" اﻟذي �ﺎدر إﻟﻰ أول ﺘحول دﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ �بیر ﻓﻲ‬
‫اﻟصین ﻤن ﺨﻼل إطﻼق ﺤر�ﺔ "اﻹﺼﻼح واﻻﻨﻔتﺎح" ﻓﻲ أواﺨر اﻟس�ﻌین�ﺎت؛ وﻗبﻞ "دﯿنﻎ"‪� ،‬ﺎن "ﻤﺎو" ﻗد رﻓض ﻗواﻋد‬
‫اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﻹطﺎﺤﺔ �ﻪ‪ ،‬واﻟسﻌﻲ ﻟﻠتﻐییر ﻤن ﺨﻼل اﻟثورة ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك‪ ،‬وﻤﻌﺎرﻀﺔ ﻗو�ﺔ ﻟﻠﻘوى اﻟﻌظمﻰ‬
‫)اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻹﺘحﺎد اﻟسوﻓیتﻲ(‪ ،‬واﻹرﺘ�ﺎط اﻟوﺜیق �ﺎﻟدول اﻟنﺎﻤ�ﺔ‪ ،‬واﻟﻌزﻟﺔ اﻟنسب�ﺔ ﻋن اﻟمنظمﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫واﻹﻛتﻔﺎء اﻹﻗتصﺎدي‪.‬‬

‫إذا �ﺎﻨت اﻟتنم�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟسر�ﻌﺔ واﻟرﺨﺎء ﻫمﺎ ﻏﺎ�ﺔ إﺼﻼﺤﺎت "دﯿنﺞ"‪ ،‬ﻓﺈن اﻟبراﻏمﺎﺘ�ﺔ واﻟتدرج‬
‫واﻟﻼﻤر�ز�ﺔ واﻹﻨﻔتﺎح ﻋﻠﻰ اﻟخﺎرج �ﺎﻨت وﺴﺎﺌﻞ وﺴبﻞ ﺘحﻘیق ﻫذا اﻟﻐﺎ�ﺔ‪ 3 .‬ﻤن ﺒین أﻫم اﻟر�ﺎﺌز اﻟتﻲ ﻗﺎﻤت ﻋﻠیﻬﺎ‬
‫إﺼﻼﺤﺎت "دﯿنﺞ ﻫس�ﺎو دﯿنﺞ" ﻫﻲ اﻻﻨﻔتﺎح اﻹﻗتصﺎدي �ﻌد أن �ﺎن "ﻤﺎوﺘسﻲ ﺘوﻨﻎ" ﻗد راﻫن ﻋﻠﻰ ﻤبدأ اﻹﻋتمﺎد‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟنﻔس واﻟتنم�ﺔ �ﺎﻹﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻘد ارت اﻟذاﺘ�ﺔ‪ ،‬و�ﺎن اﻟﻬدف ﻤن ﻋدم اﻹﻨﻔتﺎح ﻋﻠﻰ أﺴواق اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﻋﻬد‬
‫"ﻤﺎو" ﺤمﺎ�ﺔ اﻟصین اﻹﺸتراﻛ�ﺔ ﻤن اﻟرأﺴمﺎﻟ�ﺔ؛ اﺘخذ "دﯿنﺞ " ﻤن دﻤﺞ اﻟصین ﻓﻲ اﻹﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ أﺤد اﻷﻫداف‬
‫اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین �ﻌد أن أدرك ﺘمﺎﻤﺎ أن اﻟصین ﻻ ﺘستط�ﻊ ﺘحدﯿث ﻨﻔسﻬﺎ دون اﻹﺴتﻌﺎﻨﺔ �ﺎﻟتﻘن�ﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ و�رأس‬
‫‪4‬‬
‫اﻟمﺎل اﻷﺠنبﻲ‪.‬‬

‫وﺘﻌﻘیدا‬
‫ً‬ ‫�ﻌكس ﻨﻬﺞ اﻟصین ﺘجﺎﻩ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ واﻟمنظمﺎت ﻤتﻌددة اﻷطراف واﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻷﻤن�ﺔ ﻤروﻨﺔ‬
‫ﺠدﯿدﯿن؛ ﺘمثﻞ اﻟتﻐییرات ﻤحﺎوﻟﺔ ﻤن ﻗبﻞ ﻗﺎدة اﻟصین اﻟجدد ﻟﻠخروج ﻤن ﻋزﻟﺔ ﻤﺎ �ﻌد ﺘ�ﺎﻨﺎﻨمین‪ ،‬و�ﻋﺎدة ﺒنﺎء ﺼورﺘﻬم‪،‬‬
‫وﺤمﺎ�ﺔ وﺘﻌز�ز اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪ ،‬وﺘﻌز�ز أﻤنﻬم؛ �مﺎ أﻨﻬﺎ ﺘظﻬر ﻤحﺎوﻟﺔ ﻟﻠتحوط ﻤن اﻟتﺄﺜیر اﻷﻤر�كﻲ‬
‫ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم؛ ‪ 5‬ﻤن ﺨﻼل ﻤطﺎﻟ�ﺔ اﻟصین ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ داﺌمﺎ �ﺎﻟتخﻠﻲ ﻋن "ﻓكر اﻟحرب‬

‫‪1‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op cit. pp 87-88.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros -M. Taylor Fravel, Op cit. pp 23-24.‬‬
‫‪� -3‬وﻨراد زاﯿتس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪.275 ،‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪.303 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op cit. p 24.‬‬

‫‪273‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟ�ﺎردة" اﻟذي ﺘحددﻩ اﻹﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺎ‪ ،‬وﺘجﺎوز اﻻﺨتﻼﻓﺎت اﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ‪ ،‬ﻟكن ﻟم ﺘظﻔر وﺠﻬﺔ اﻟنظر ﻫذﻩ �ﺎﻟﻘبول ﻤن‬
‫‪1‬‬
‫ﺠﺎﻨب اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫"ﻓرﺼﺎ أﻛبر" و"ﻓواﺌد ﻟﻠتنم�ﺔ واﻟتﻌﺎون"‬


‫ﻫدف اﻟصین اﻷﺴﺎﺴﻲ اﻟمتمثﻞ ﻓﻲ ﺘحﻘیق "ﺤﻠم اﻟصین"؛ واﻟذي ﺴیوﻓر ً‬
‫ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ و�نﺎء ﻨموذج ﺠدﯿد ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ورﻏم أن ﻫذا اﻟﻬدف ﻟ�س ﺠدﯿدا �مكن إرﺠﺎﻋﻪ‬
‫إﻟﻰ ﻓكرة "دﻨﻎ ﺸ�ﺎو ﺒینﻎ" ﻋن ﻨظﺎم ﺴ�ﺎﺴﻲ واﻗتصﺎدي دوﻟﻲ ﺠدﯿد‪ .‬ﻟكن اﻟجدﯿد ﻓﻲ ﻫذا ﻫو أن ﺜﻘﺔ اﻟصین اﻟمتزاﯿدة‬
‫�سرﻋﺔ ﻓﻲ اﻟظﻬور �بدﯿﻞ ﺠدﯿد ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ 2 .‬ﻫذﻩ اﻟتﻐییرات اﻟجمﺎع�ﺔ ﻓﻲ ﻤحتوى وﺸخص�ﺔ وﺘنﻔیذ اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫ﻤﻬمﺎ ﻓﻲ ﻨﻬﺞ اﻟصین اﻟضیق ورد اﻟﻔﻌﻞ ﺘجﺎﻩ اﻟﻌﻼﻗﺎت‬‫ﺘطور ً‬
‫ًا‬ ‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین ﻋﻠﻰ ﻤدى اﻟسنوات اﻟمﺎﻀ�ﺔ ﺸكﻞ‬
‫اﻟدوﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟثمﺎﻨین�ﺎت وأواﺌﻞ اﻟتسﻌین�ﺎت‪� 3 .‬مﺎ �ﺄﻤﻞ اﻻﺴتراﺘ�جیون اﻟصینیون ﻓﻲ أن اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ‬
‫ﻟﻠصین ﺴتﻔصﻞ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻋن داﺌرة اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺘﻘودﻫم إﻟﻰ ﺘﻐییر‬
‫‪4‬‬
‫أ�ضﺎ‪.‬‬
‫وﻻﺌﻬم اﻟمتﻌﻠق �ﺎﻷﻤن ﻟﻠصین ً‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﻹﻓتراﻀﺎت واﻟم�ﺎدئ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‬

‫ﯿﻬدف ﺘﻌز�ز اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین إﻟﻰ اﻟرد ﻋﻠﻰ ﻗﻠق ﻤزﻤن إزاء ﺘﻬدﯿد ﺼﻌود اﻟصین ﻟﻠوﻀﻊ اﻟدوﻟﻲ‬
‫اﻟراﻫن‪ ،‬وذﻟك ﻓﻲ ﺘكرار ﻟتجر�ﺔ ﺼﻌود أﻟمﺎﻨ�ﺎ أواﺨر اﻟﻘرن ‪ 19‬واﻟ�ﺎ�ﺎن أواﺌﻞ اﻟﻘرن ‪ 20‬وﻻﺸك أن ﺴﻌﻲ اﻟصین إﻟﻰ‬
‫اﻹﺜ�ﺎت أن ﺼﻌودﻫﺎ ﻟن �شكﻞ ﺘﻬدﯿدا ﻟﻼﺴتﻘرار اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻫو إﻗرار ﺒراﻏمﺎﺘﻲ ﻤن ﺠﺎﻨبﻬﺎ �ﺎﻟمﻌضﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ‬
‫اﻟتﻲ �ﻔرﻀﻬﺎ اﻟوزن اﻟمتزاﯿد ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺸؤون اﻟﻌﺎﻟم‪� ،‬مﺎ ﯿرﻤﻲ اﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ إﻟﻰ طمﺄﻨﺔ اﻟجیران إزاء‬
‫اﻟن�ﺎت اﻟحمیدة ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟسﻌﻲ إﻟﻰ ﻨتﺎﺌﺞ ﻤثمرة و�نﺎءة ﻤن �ﻞ اﻟنواﺤﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ ﻤﺎ‬
‫ﯿتﻌﻠق �ﻌﻼﻗﺎت اﻟصین ﻤﻊ اﻟشر�ﺎء اﻵﺴیو�ین اﻷﺴﺎﺴیین‪ ،‬ﻟكن اﻷﻛثر أﻫم�ﺔ ﻫو وﻀﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪5‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ أﺴس أﻛثر ﺼﻼ�ﺔ وﺘبدﯿد اﻟﻘﻠق اﻷﻤر�كﻲ اﻟمستمر إزاء ﺒروز اﻟصین �ﻼﻋب أﻛثر ﻗوة‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.14‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. p 9.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op cit. p 32.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, “TRANSFORMATION OF POWER IN THE ASIA-PACIFIC REGION”, (Pakistan,‬‬
‫‪HamdardIslamicus, Vol. 43 No. 1, 2020), p 272. https://cutt.ly/pAcPuJ1‬‬
‫‪ -5‬ﺑﺎﯾﺗس ﻏﯾل‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪274‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻓﻲ اﻟﻘمﺔ اﻟرا�ﻌﺔ ﻟمؤﺘمر اﻟتكﺎﻤﻞ وﺘداﺒیر ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ )‪ (CICA‬ﻓﻲ ﺸنﻐﻬﺎي ‪The Conference on‬‬

‫‪� ،Interaction and Confidence Building Measures in Asia‬ﻌد أن ﺘوﻟت اﻟصین ﻤنصب اﻟرﺌ�س‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا‬
‫ﺠدﯿدا ﻟﻸﻤن اﻵﺴیوي ودﻋﺎ إﻟﻰ إﻨشﺎء ﻤنتدى آﺴیوي ﻟﻠتﻌﺎون‬
‫ﻤﻔﻬوﻤﺎ ً‬
‫ً‬ ‫اﻟمؤﺘمر‪ ،‬اﻗترح "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬ﻷول ﻤرة‪،‬‬

‫ﺘمﺎﻤﺎ �مﺎ دﻋﺎ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨیون‪" ،‬آﺴ�ﺎ ﻟﻶﺴیو�ین" ﺨﻼل اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬ﺴﻌﻰ "ﺸﻲ" ً‬
‫أ�ضﺎ إﻟﻰ‬ ‫اﻷﻤنﻲ‪ .‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ً ،‬‬
‫إﻨشﺎء ﻤنتدى أﻤنﻲ ﺨﺎص �ﺎﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﺤیث ﻗﺎل‪" :‬ﻓﻲ اﻟتحﻠیﻞ اﻟنﻬﺎﺌﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺸﻌوب آﺴ�ﺎ أن ﺘدﯿر ﺸؤون آﺴ�ﺎ‪ ،‬وﺘحﻞ‬
‫ﻤشﺎﻛﻞ آﺴ�ﺎ وﺘحﺎﻓظ ﻋﻠﻰ أﻤن آﺴ�ﺎ"؛ واﻟجدﯿر �ﺎﻟذ�ر أن أﺤد ﻤﻌﺎﯿیر اﻟحصول ﻋﻠﻰ ﻋضو�ﺔ اﻟمجموﻋﺔ ﻫو أن‬
‫�كون ﺠزء ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻤن أراﻀﻲ اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪� .‬ﻘول اﻟنﻘﺎد إن ﻫذا‪ ،‬ﻓﻲ ﺤین أﻨﻪ ﻤع�ﺎر ﺼﺎﻟﺢ ﻟﻠﻌضو�ﺔ‪،‬‬
‫�ستﻬدف �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ إ�ﻌﺎد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة؛ و�مكن اﻟﻘول إن ﻤﻔﻬوم اﻷﻤن اﻵﺴیوي اﻟجدﯿد �ﻌكس ﺘﻘر ً��ﺎ اﻟمﻔﻬوم‬
‫‪1‬‬
‫اﻷﻤنﻲ اﻟجدﯿد اﻟذي داﻓﻊ ﻋنﻪ "ﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین" ‪ Jiang Zemin‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪1997.‬‬

‫ﻓﻲ ﺒدا�ﺔ اﻷﻟف�ﺔ اﻟثﺎﻟثﺔ‪ ،‬ﺒدأت اﻻﻓتراﻀﺎت واﻟم�ﺎدئ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین ﺘتجﻠﻰ �صورة أﻫداف �مكن‬
‫إدراﻛﻬﺎ‪ ،‬ﺘﻌتمد ﻋﻠیﻬﺎ اﻟدﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻤن أﺠﻞ اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین‪:‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﺘسﻌﻰ اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ �شكﻞ ﻋﺎم إﻟﻰ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻤنﺎخ ﻋﺎﻟمﻲ ﻤستﻘر �سودﻩ اﻻﺴتﻘرار‪ ،‬ﺨصوﺼﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻤح�طﻬﺎ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻟتتمكن اﻟصین ﻤن اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻟتحد�ﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬واﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﺠتمﺎع�ﺔ اﻟخطیرة ﻓﻲ‬
‫اﻟداﺨﻞ‪ ،‬وﻟﻌﻞ أﻓضﻞ ﺘﻌبیر ﻋن ﻫذا اﻟسﻌﻲ ﺠﺎء ﻓﻲ اﻟوﺜ�ﻘﺔ اﻟب�ضﺎء ﻟو ازرة اﻟدﻓﺎع اﻟصین�ﺔ ﻋﺎم ‪" :2002‬ﺘحتﺎج‬
‫‪2‬‬
‫اﻟصین اﻟنﺎﻤ�ﺔ إﻟﻰ ﻤنﺎخ ﺴﻠمﻲ ﻋﺎﻟمﻲ وﻤنﺎخ ﻤﻼﺌم ﻓﻲ ﻤح�طﻬﺎ"‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﻤن اﻟواﻀﺢ أن اﻟدﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻟﻠصین ﺘﻬدف إﻟﻰ ز�ﺎدة ﺜروة اﻟصین وﻨﻔوذﻫﺎ‪ ،‬ﻟكن �طر�ﻘﺔ‬
‫ﺘطمئن ﺠیراﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻨیتﻬﺎ اﻟسﻠم�ﺔ واﻟﻔﺎﺌدة اﻟمت�ﺎدﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﺘوﺼﻠت اﻟصین إﻟﻰ إدراك دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻟمﻌضﻠﺔ اﻷﻤن�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫وﺘرﻏب ﻓﻲ ﺘﻔﺎدي إﺜﺎرة ﻗﻠق ﺠیراﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻤن ﻫنﺎ‪ ،‬ﻫﻲ ﺘﻌمﻞ ﻋﻠﻰ ﺘﻌز�ز ﻓكرة اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. pp 4-5.‬‬
‫‪� -2‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪275‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬ﺘسﻌﻰ اﻟدﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة إﻟﻰ ﺘطو�ق ﻤﺎ ﺘراﻩ ﻨﻔوذا أﻤر�ك�ﺎ ﻤﻔرطﺎ ﻓﻲ اﻟبیئﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﻤﻊ‬
‫اﻟحرص ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ ﻋﻠﻰ ﺘﻔﺎدي أي ﻤواﺠﻬﺔ ﻋﻠن�ﺔ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ و�ﻞ ذﻟك‪ ،‬ﻤن أﺠﻞ رﺴم‬
‫ﺒیئتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟخﺎﺼﺔ‪. 1‬‬

‫ﻤن اﻟسمﺎت اﻟمﻬمﺔ ﻟصﻌود اﻟصین ﺤجمﻬﺎ اﻟﻘﺎري وﻋدد ﺴكﺎﻨﻬﺎ اﻟضخم ﻷن اﻟحجم ﻤﻬم ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن �ﻞ ز�ﺎدة ﺼﻐیرة ﻓﻲ دﺨﻞ اﻟﻔرد اﻟصینﻲ ﺴتخرج اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟصینیین ﻤن اﻟﻔﻘر وﺘز�د ﻤن ﺤصﺔ اﻟصین‬
‫ﻓﻲ اﻹﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﺤق�ﻘﺔ أن دﺨﻞ اﻟﻔرد ﻓﻲ اﻟصین ﻻ ﯿزال أﻗﻞ ﻤن ﻋشرة آﻻف دوﻻر أﻤر�كﻲ‪،‬‬
‫ﻓمن اﻟمرﺠﺢ أن ﺘتﻔوق اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺄﻛبر اﻗتصﺎد ﻓﻲ ﻤوﻋد ﻻ ﯿتجﺎوز ﻤنتصﻒ اﻟﻘرن؛ وﻤن‬
‫‪2‬‬
‫اﻟمؤ�د أن أي ﺤرب ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺴتؤﺠﻞ ذﻟك‪.‬‬

‫اﻟسمﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻷﺨرى ﻟصﻌود اﻟصین ﻫﻲ أﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﺠم�ﻊ اﻟمزاﻋم اﻟمضﺎدة �ﺄن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫اﻟصین�ﺔ ﻗد أﺼ�حت أﻛثر ﺤزﻤﺎً وﻋدواﻨ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻤدى اﻟﻌﻘد اﻟمﺎﻀﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین �ﺎﻨوا ﯿت�ﻌون ﺘوﺠﻬﺎً ﻤتوازﻨﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺘجنب اﻟمواﻗﻒ اﻟصﺎرﻤﺔ �شﺄن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �ﺎﺴتثنﺎء ﺤمﺎ�ﺔ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟوطن�ﺔ‬
‫اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﻤثﻞ وﻀﻊ "ﺘﺎﯿوان" و"اﻟتبت" وﻤنطﻘﺔ "اﻷو�ﻐور" و"�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ" و"�حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ"‪� .‬مﺎ‬
‫ﯿتجنب اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون ﺘحمﻞ ﻤسؤوﻟ�ﺎت ﻋﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬وﻫذا ٍ‬
‫ﺘحد �شكﻞ رﺌ�سﻲ‪ ،‬ﻷن ﺘكﺎﻟ�ف اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻹﺴتﻘرار‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﺴتزداد �شكﻞ �بیر ﻓﻲ غ�ﺎب اﻟمسﺎﻫمﺔ اﻟصین�ﺔ‪ .‬ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﻗد ﯿوﺤﻲ ﻫذا اﻟنﻬﺞ اﻟمتردد ﺘجﺎﻩ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟحو�مﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �ﺄن اﻟصین ﻟ�ست ﻤصممﺔ ﻋﻠﻰ اﺴتبدال اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬

‫إﻨﻪ ﻟمن اﻷﻫم�ﺔ إدراك أن اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟمتحوﻟﺔ ﻟﻠصین ﻤﻊ ﻤطﻠﻊ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن ﺘجﺎﻩ اﻷﻤن اﻹﻗﻠ�مﻲ‬
‫واﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬إﻨمﺎ �حر�ﻬﺎ ﺤﺎﻓز ﺘحﻘیق ﺜﻼﺜﺔ أﻫداف أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‪ :‬اﻟتخف�ف ﻤن ﺤدة اﻟتوﺘرات‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠتﻔرغ ﻟﻠتحد�ﺎت ﻋﻠﻰ اﻟجبﻬﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ؛ طمﺄﻨﺔ اﻟدول ﻓﻲ ﻤح�طﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ إزاء اﻟنوا�ﺎ اﻟسﻠم�ﺔ ﻟﻠصین؛‬
‫إ�جﺎد اﻟسبﻞ ﻟﻠتوازن ﺒﻬدوء ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬و�مﺎ أن أﻫم�ﺔ ﻫذﻩ اﻷﻫداف اﻟثﻼﺜﺔ �بیرة ﺠدا �ﺎﻟنس�ﺔ‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op cit. p 38.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 38.‬‬

‫‪276‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻷﻤن اﻟصین واﺴتﻘرارﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟطو�ﻞ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟدﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة ﺴمﺔ ﺜﺎﺒتﺔ وﻏیر ﻗﺎﺒﻠﺔ ﻟﻠنﻘض‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫‪1‬‬
‫ﻨحو ﻤتزاﯿد ﻓﻲ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟكبرى ﻟﻠصین‪.‬‬

‫وﺘجدر اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أﻨﻪ ﻓﻲ ﺴ�ﺎق اﻟنزﻋﺔ اﻷﺤﺎد�ﺔ اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬أﻛد اﻟرﺌ�س اﻟصینﻲ اﻟسﺎﺒق‬
‫"ﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین" ﻋﻠﻰ اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺘﻌر�ف ﺠدﯿد ﻟﻸﻤن ﻤن ﺨﻼل ﺼ�ﺎﻏﺔ ﻤﻔﻬوم أﻤنﻲ ﻤشترك وﺘﻌﺎوﻨﻲ‪ .‬وﻋﻠﻰ ﻨﻔس‬
‫ﻤﻔﻬوﻤﺎ ﻤن أر�ﻌﺔ زوا�ﺎ ﻟﻸﻤن �شمﻞ ﺒن�ﺔ أﻤن�ﺔ ﻤشتر�ﺔ وﺸﺎﻤﻠﺔ وﺘﻌﺎوﻨ�ﺔ وﻤستداﻤﺔ؛‬
‫ً‬ ‫اﻟمنوال‪ ،‬طرح "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‬
‫ودﻋﺎ إﻟﻰ إﻨشﺎء آﻟ�ﺔ أﻤن�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ وﻤتسﺎو�ﺔ وﺸﺎﻤﻠﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ 2 .‬ﻟﻘد ﺠﺎدل اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﺒوﺠود ﺴوء ﺘﻔﺎﻫم واﻨﻌدام‬
‫اﻟثﻘﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ ﺒین �ﻌض اﻟدول ﺤول اﻷﻤن اﻟتﻘﻠیدي �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﻤصدر ﻗﻠق ﻟﻠسﻼم اﻹﻗﻠ�مﻲ؛ واﺤدة ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ‬
‫اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻬم اﻟصین ﻫو أن " �ﻌض اﻟدول ﺘثیر ﻨزاﻋﺎت إﻗﻠ�م�ﺔ ﻤن أﺠﻞ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟخﺎﺼﺔ “‪ ،‬واﻟتﻲ "ﺘﻌﺎرﻀﻬﺎ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟصین �حزم"‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟرا�ﻊ‪ :‬اﻟتحد�ﺎت اﻟمؤﺜرة ﻋﻠﻰ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین ﻟﻠبروز �ﻘوة ﻋظمﻰ‬

‫ﺘدﯿن اﻟصین �صﻌودﻫﺎ اﻟسر�ﻊ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ إﻟﻰ ﺠﻬودﻫﺎ ﻟتص�ﺢ ﺠزًءا ﻤن اﻻﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ‬
‫اﻟرأﺴمﺎﻟﻲ؛ و�نشﺄ ﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻤن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمكثﻔﺔ اﻟتﻲ طورﺘﻬﺎ ﻤﻊ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟبﻠدان‬

‫اﻷﺨرى‪ .‬أﺼ�حت اﻟصین اﻵن اﻟشر�ك اﻟتجﺎري اﻷول ﻟ�س ﻓﻘط ﻟجیراﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟجنوب واﻟشرق وﻟكن ً‬
‫أ�ضﺎ ﻟﻠﻌدﯿد‬
‫ﻤن اﻟدول اﻟمتﻘدﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻐرب؛ ﻻ ﺘزال اﻟصین اﻟمصنﻊ اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻟﻠسﻠﻊ وﺘحتﺎج إﻟﻰ اﺴتیراد اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟمواد اﻟخﺎم‬
‫ﻤن اﻟخﺎرج ﻷﻨﻬﺎ ﺒﻠد ﻓﻘیر اﻟموارد‪ .‬و�ذا أرادت اﻟصین اﻻﺴتﻔﺎدة ﻤن ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ ﻤﻊ اﻟدول اﻷﺨرى‪،‬‬
‫ﻤثﻞ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬ﻓﺈن اﻟرﺴﺎﻟﺔ اﻟتﻲ ﯿ�ﻌثﻬﺎ اﻟﻘﺎدة اﻟصینیون ﻤنذ ﻓترة طو�ﻠﺔ �جب أن ﺘستمر ﻓﻲ اﻟظﻬور‪:‬‬
‫أ�ضﺎ ﺼﻌود اﻵﺨر�ن‪ ،‬وﺤتﻰ ﻻ ﯿنظر إﻟﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ ﻤسﺎﻋدات اﻟتنم�ﺔ اﻟصین�ﺔ "ﺒدون ﻗیود" ﻋﻠﻰ‬
‫ﺼﻌود اﻟصین �ﻌنﻲ ً‬
‫أ�ضﺎ‪� .‬مﺎ أن ﺘحسین ﻗد ارت اﻟبن�ﺔ‬
‫أﻨﻬﺎ إﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ‪� ،‬جب أن �ستمر ﺼﻌود اﻟصین اﻹﻗتصﺎدي ﻓﻲ إﻓﺎدة اﻵﺨر�ن ً‬
‫اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ اﻟبﻠدان اﻟتﻲ ﺘﻌتمد ﻋﻠیﻬﺎ اﻟصین ﻓﻲ اﻟمواد اﻟخﺎم وﺘصدﯿر اﻟ�ضﺎﺌﻊ إﻟیﻬﺎ ﻫو ﻓﻲ اﻟتحﻠیﻞ اﻟنﻬﺎﺌﻲ �خدم‬
‫‪4‬‬
‫اﻟمصﺎﻟﺢ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟوطن�ﺔ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. p 5.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 91.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op cit. p 38.‬‬

‫‪277‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺘبنﻰ ﺨ�ﺎرات اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻌتمدﻫﺎ اﻟصین �شكﻞ ﻤتزاﯿد ﻓﻲ ﻀوء اﻟتحد�ﺎت اﻟتﻲ ﺘواﺠﻬﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌصر اﻟحﺎﻟﻲ؛ ﻫذﻩ اﻟتحد�ﺎت �مكن ا�جﺎزﻫﺎ ﻓﻲ‪ :‬اﻟتحدي اﻷول ﯿتمثﻞ ﻓﻲ ﺘراﺠﻊ اﻟﻌوﻟمﺔ وﺘنﺎﻤﻲ اﻟحمﺎﺌ�ﺔ‪ .‬و�مكن‬
‫اﻟﻘول إن ﺼﻌود اﻟصین ﻟم �كن ﻤمكنﺎً ﺒدون اﻟنظﺎم اﻟرأﺴمﺎﻟﻲ اﻟﻠیبراﻟﻲ اﻟذي أﻨشﺄﺘﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﺤق�ﺔ ﻤﺎ‬
‫�ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ‪ .‬وﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟحﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻋندﻤﺎ ﺘﻌمﻞ اﻟصین ﻹﻋﺎدة اﻟتوازن اﻻﻗتصﺎدي ﻓﻲ اﻟداﺨﻞ واﻟسﻌﻲ‬
‫ﻤن أﺠﻞ ﺘنﻔیذ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻓﻲ اﻟخﺎرج‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘتطﻠب ﻨظﺎﻤﺎ اﻗتصﺎد�ﺎ ﻋﺎﻟم�ﺎ ﻤﻔتوﺤﺎ ٍ‬
‫ﺨﺎل ﻤن اﻟحمﺎﺌ�ﺔ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اﻟتحدي اﻟثﺎﻨﻲ ﻟﻠصین ﻫو ﺘﺄﻤین ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ �مﺎ ﻓﻲ ذﻟك أﻤن ﻤطﺎﻟبﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ �حر اﻟصین‬
‫اﻟجنو�ﻲ؛ وﻤﻊ ﺘوﺴﻊ ﻨﻔوذ اﻟصین وﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﺨﺎرج ﺸواطئﻬﺎ‪ ،‬أﺼ�حت اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺘﺄﻤین ﻫذﻩ اﻟموارد واﻷﺼول‬
‫ﻀرور�ﺔ‪ .‬اﻟتحدي اﻟثﺎﻟث ﯿن�ﻊ ﻤن ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة واﻟﻬ�منﺔ واﻟتدﺨﻞ اﻟجدﯿد‪ ،‬و�ﻠﻬﺎ ﺘُنسب إﻟﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻓﻬذﻩ‬
‫ﺌ�س�ﺎ ﻟﻠصین‪ ،‬وﻗد أدى ﻋدم اﻟ�ﻘین ﻓﻲ ﺴ�ﺎﺴﺔ "ﺘراﻤب" إﻟﻰ ﺘﻌمیق ﻋدم اﻟثﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین‬
‫ﺘحد�ﺎ ر ً‬
‫اﻷﺨیرة ﺘمثﻞ ً‬
‫أ�ضﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟخصوص‪� ،‬ﻌتبر ﻤﻌظم اﻷﻛﺎد�میین واﻟمراﻛز اﻟ�حث�ﺔ اﻟصین�ﺔ أن‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟصین‪ً .‬‬
‫"إﻋﺎدة اﻟتوازن إﻟﻰ آﺴ�ﺎ '' ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻫﻲ اﻷﺴﺎس اﻟمنطﻘﻲ اﻟرﺌ�سﻲ ﻟم�ﺎدرة "ﺘشﻲ ﺠین ﺒینﻎ ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫واﻟطر�ق"‪ .‬ﯿرﺘ�ط اﻟتحدي اﻟرا�ﻊ �ﺎﻟتمﺎﺴك اﻟداﺨﻠﻲ ﻟﻠصین واﻻﺴتﻘرار اﻻﺠتمﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﻀوء اﻟمشﺎﻛﻞ اﻟمستمرة ﺤول‬
‫ﻤطﺎﻟب اﻹﻨﻔصﺎل واﻟصراع اﻟﻌرﻗﻲ‪ .‬وﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﺘﻌتﻘد اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ أن اﻟتحد�ﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﺘمیﻞ إﻟﻰ ز�ﺎدة‬
‫اﻟمخﺎوف اﻷﻤن�ﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻟﻠصین‪ .‬ﺘم ﺘحدﯿد ﻫذا ﻓﻲ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﻟﻠدﻓﺎع ﻟﻌﺎم ‪ 2015‬واﻟذي ﯿنص ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﯿﻠﻲ‪: 1‬‬

‫)‪ ...‬ﻣﻊ ﻧﻤﻮ اﳌﺼﺎ�ح اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻟﻠﺼ�ن‪ ،‬أﺻﺒﺢ أﻣ��ﺎ اﻟﻘﻮﻣﻲ أﻛ�� ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻼﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ واﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ واﻹرهﺎب واﻟﻘﺮﺻﻨﺔ واﻟﻜﻮارث‬
‫اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ا�خﻄ��ة واﻷو�ﺌﺔ وأﻣﻦ اﳌﺼﺎ�ح ا�خﺎرﺟﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ واﳌﻮارد وﺧﻄﻮط اﻟﻨﻘﻞ واﻹﺗﺼﺎل اﻟﺒﺤﺮ�ﺔ اﻻﺳ��اﺗﻴﺠﻴﺔ )‪ (SLOCs‬ﻓﻀﻼ‬
‫ﻋﻦ اﳌﺆﺳﺴﺎت واﳌﻮﻇﻔ�ن واﻷﺻﻮل �� ا�خﺎرج( ‪2.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟسنوات اﻷﺨیرة‪ ،‬إذا ﻨظرﻨﺎ ﻓﻲ ﻤجموﻋﺔ واﺴﻌﺔ ﻤن اﻟتطورات اﻟدوﻟ�ﺔ‪� ،‬مكن ﻤﻼﺤظﺔ أن ﻗض�ﺔ ﺨروج‬
‫ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ ﻤن اﻹﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ ورﺌﺎﺴﺔ دوﻨﺎﻟد "ﺘراﻤب" ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﺤددﺘﺎ �شكﻞ �بیر ﻤسﺎر اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ؛ �ﻼ اﻟتطور�ن اﻟدوﻟیین ﻫمﺎ ﻤن أﻋراض ﺘصﻠب اﻟحدود اﻟذي ﯿنذر �موت اﻟﻌوﻟمﺔ‪ .‬و�شكﻞ أﻛثر‬
‫ﺘحدﯿدا‪ ،‬أﺜﺎر ﺸﻌﺎر اﻟرﺌ�س "ﺘراﻤب" "أﻤر�كﺎ أوﻻً"‪ ،‬واﻟذي �شیر إﻟﻰ إﺤ�ﺎء اﻹﻨﻌزاﻟ�ﺔ واﻟحمﺎﺌ�ﺔ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫ً‬
‫واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤخﺎوف �بیرة ﻓﻲ اﻟصین‪ .‬و�مكن ﻤﻼﺤظﺔ أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻫﻲ اﻟشر�ك اﻟرﺌ�سﻲ‬
‫ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟتصدﯿر ﺤیث ﺘستحوذ ﻋﻠﻰ ‪ %16.9‬ﻤن ﺼﺎدراﺘﻬﺎ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻻ ﺒد أن ﺘؤﺜر ﺴ�ﺎﺴﺔ "أﻤر�كﺎ أوﻻً" ﻋﻠﻰ اﻟنمو‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. pp 13-14.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 14.‬‬

‫‪278‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻻﻗتصﺎدي ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﺸرع ف�ﻪ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻓﻲ إﻋﺎدة اﻟتوازن اﻻﻗتصﺎدي‪ ،‬واﻟذي ﯿنطوي‬
‫�شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻟتحول "ﻤن اﻗتصﺎد ﻤدﻓوع �صﺎدرات ﻤنخﻔضﺔ اﻟجودة واﺴتثمﺎرات ﻋﺎﻤﺔ إﻟﻰ اﻗتصﺎد ﻟﻪ دور‬
‫‪1‬‬
‫أﻗوى ﻟﻠخدﻤﺎت واﻻﺴتﻬﻼك واﻟسﻠﻊ ﻋﺎﻟ�ﺔ اﻟجودة"‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﺼﻌید ﺘﻌز�ز اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟصین وﺠدت ﻓﻲ روﺴ�ﺎ‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘﻌرف ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻫﻲ‬
‫ﻤحتمﻼ‪ ،‬ﻟﻠتصدي ﻟمحﺎوﻻت‬
‫ً‬ ‫�كﺎ‬ ‫اﻷﺨرى ﺘوﺘ ًار ًا‬
‫�بیر ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ و�ﻌض ﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ اﻷورو�یین‪ ،‬ﺸر ً‬
‫اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤیر��ﺔ‪ .‬وﻗد ﻗﺎم وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟروﺴﻲ‪ ،‬ﺴیرﻏﻲ ﻻﻓروف‪ ،‬ﻓﻲ ‪ 23‬آذار‪ /‬ﻤﺎرس ‪ ،2021‬ﺒز�ﺎرة إﻟﻰ اﻟصین‪،‬‬
‫ﺤیث اﺘﻔق اﻟبﻠدان ﻋﻠﻰ اﻟوﻗوف �حزم ﻀد اﻟﻌﻘو�ﺎت اﻟﻐر��ﺔ وﺘﻌز�ز اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒینﻬمﺎ ﻟتﻘﻠیﻞ اﻋتمﺎدﻫمﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدوﻻر‬
‫ﻋﺎﻟم�ﺎ‪ ،‬و�ﺎﻻﻋتمﺎد‬
‫ً‬ ‫اﻷﻤیر�ﻲ ﻓﻲ اﻟتجﺎرة اﻟدوﻟ�ﺔ‪� ،‬مﺎ اﺘﻬم اﻟطرﻓﺎن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺄداء دور ﻤزﻋزع ﻟﻼﺴتﻘرار‬
‫‪2‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺘحﺎﻟﻔﺎت ﻋسكر�ﺔ ﺘنتمﻲ إﻟﻰ ﺤق�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬وﻤحﺎول إﻗﺎﻤﺔ ﺘحﺎﻟﻔﺎت ﺠدﯿدة ﻟتﻘو�ض اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪.‬‬

‫ﺒوﻀوح‪ ،‬اﻟصین ﻓﻲ ﻤﻔترق طرق ﺤیث ﺘحتﺎج إﻟﻰ ﺒیئﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻗو�ﺔ �مكن أن ﺘسﻬﻞ اﺴت�ﻌﺎب‬

‫ﺘداع�ﺎت إﻋﺎدة اﻟتوازن اﻻﻗتصﺎدي ﻓﻲ اﻟداﺨﻞ‪ً .‬‬


‫أ�ضﺎ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬دﺨﻠت اﻟصین ﻤرﺤﻠﺔ اﺘخذت ﻓیﻬﺎ اﻟﻘوﻤ�ﺔ‬
‫ﺸكﻼً أﻛثر ﻓﺎﻋﻠ�ﺔ‪ .‬ﻤن اﻟواﻀﺢ أن "ﺤﻠم اﻟصین" ﻏذى ﺘطﻠﻌﺎت اﻟصین إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ظﻬر اﻓتتﺎح‬
‫"ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق )‪ (BRI‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪� 2013‬وﺴیﻠﺔ رﺌ�س�ﺔ ﻟتحﻘیق اﻟتجدﯿد اﻟﻌظ�م ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬
‫ﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻤن اﻟمرﺠﺢ أن ﯿؤدي اﻹﺘجﺎﻩ اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻟتﻘﻠ�ص اﻟﻌوﻟمﺔ واﻟنزﻋﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟمتزاﯿدة إﻟﻰ ز�ﺎدة اﻟضﻐط ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟصین؛ وﻤن اﻟمرﺠﺢ أن ﺘؤدي ﻗضﺎ�ﺎ اﻟس�ﺎدة واﻟصراﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ إﻟﻰ ز�ﺎدة ﺤدة اﻟنزﻋﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬ﻤمﺎ‬
‫ﯿؤدي إﻟﻰ ﻫجوم إﻀﺎﻓﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌوﻟمﺔ واﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬و�ﻞ ﻫذا ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أن ﯿؤدي إﻟﻰ ﺘحول ﻋدواﻨﻲ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫أﻤﺎ ﻋن ﺠذور اﻟتحول اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ اﻟجدﯿد ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین واﻟﻌواﻤﻞ اﻟمؤﺜرة ف�ﻪ ﺘﻌود إﻟﻰ‬
‫اﻟرﺌ�س اﻟصینﻲ "دﯿنﻎ ﻫش�ﺎو ﺒینﻎ" ‪ ،Deng xiaoping‬اﻟذي ﺘوﺼﻞ ﻋﺎم ‪ ،1982‬إﻟﻰ اﻻﺴتنتﺎج �ﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﯿنحو أﻛثر‬
‫ﻓﺄﻛثر ﻨحو اﻟسﻼم واﻟتنم�ﺔ واﻟتطور‪ ،‬وأن إﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻨدﻻع ﺤرب ﻋﺎﻟم�ﺔ �ﻌیدة‪ ،‬وأﻨﻪ �مكن ﻟﻠصین أن ﺘنتظر ق�ﺎم ﺒیئﺔ‬
‫ﻋﺎﻟم�ﺔ ﻤستﻘرة ﺘسمﺢ ﺒﻬﺎ �ﺎﻟﻌمﻞ ﻋﻠﻰ ﻨموﻫﺎ اﻟداﺨﻠﻲ اﻟمﻠﺢ ﺠدا؛ ﻤوﻗﻒ ‪ Deng‬ﺘشكﻞ ﺘحوﻻ وﺘنﺎﻗضﺎ �بی ار ﻟﻠخط‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. p2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tony Kevin, “Russia and China Are Sending Biden a Message: don’t Judge Us or Try to Change Us. Those Days Are‬‬
‫‪over,” The Conversation, 25/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3mk91Uo‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. p2.‬‬

‫‪279‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمﺎوي )ﻨس�ﺔ ﻟمﺎوﺘسﻲ ﺘوﻨﻎ( اﻟﻘﺎﺌم ﻋﻠﻰ ﻓكرة اﻟحرب واﻟثورة واﻻﺴتﻌداد "ﻟحرب ﻤبتكرة‪ ،‬ﺤرب ﻨوو�ﺔ‪ ،".‬اﻟتﻲ زادت‬
‫‪1‬‬
‫ﺨﻼل اﻟﻌﻘود اﻷوﻟﻰ ﻤن ق�ﺎم ﺠمﻬور�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ ظﻞ اﻟضﻌﻒ اﻹﻗتصﺎدي واﻟصراع اﻹﯿدﯿوﻟوﺠﻲ واﻟﻌزﻟﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘسمﺢ ﻤشﺎر�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ اﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ أﻨﻬﺎ ﺘشرف ﻋﻠﻰ وﺴﺎﺌﻞ ﺠدﯿدة �مكن ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠﻰ‬
‫ﺘصورات اﻟدوﻟﺔ واﻟسﻌﻲ وراء ﻤصﺎﻟحﻬﺎ وﺨﻠق ﻨﻔوذ ﻟﻠدول اﻷﺨرى اﻟتﻲ ﺘشﺎرك ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمنظمﺎت‪ .‬ﺨﻼل اﻟﻌﻘود‬
‫داﺨﻠ�ﺎ ﻋﻠﻰ ﻤشﺎﻛﻠﻬﺎ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ ،‬وأن اﻟتحدﯿث اﻻﻗتصﺎدي واﻟس�ﺎﺴﻲ اﻟمستمر‬
‫ً‬ ‫اﻟﻘﺎدﻤﺔ‪ ،‬ﺴ�ظﻞ اﻟتر�یز اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠصین‬
‫أ�ضﺎ‪ ،‬و�جب‬
‫ﻷﻛبر دوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻤن ﺤیث ﻋدد اﻟسكﺎن ﻟ�س �ﺎﻟمﻬمﺔ اﻟ�سیرة‪ .‬ﻟكن ﻫنﺎك ﻓرﺼﺔ ﻟﻠمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ ً‬
‫‪2‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺼﺎﻨﻌﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷﻤر�كیین اﺴتخداﻤﻬﺎ �حكمﺔ‪ ،‬ﻟمواﺠﻬﺔ اﻟتحد�ﺎت واﻟﻔرص اﻟتﻲ أوﺠدﻫﺎ ﺼﻌود اﻟصین‪.‬‬

‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬وﻤن أﺠﻞ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟتدﺨﻞ اﻷﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﺸون اﻟصین اﻟداﺨﻠ�ﺔ �ﻌد أﺤداث ﻋﺎم ‪،1989‬‬
‫وﻤواﺠﻬﺔ اﻟﻌﻘو�ﺎت �ﺎن ﻤن اﻟبدﯿﻬﻲ أن ﺘتخذ اﻟصین ﻋدة ﺨطوات ﻓﻲ إطﺎر رد اﻟﻔﻌﻞ‪ 3 .‬ﻗﺎﻤت اﻟصین ﺒتحسین‬
‫وﺘطو�ر ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ اﻟدول اﻟمح�طﺔ ﻹﻓشﺎل و�ﻀﻌﺎف اﻟﻌﻘو�ﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ واﺤ�ﺎط ﻤحﺎوﻻت ﻋزل اﻟصین؛ ﻓﻲ‬
‫اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﻓﺈن ﻫدف ﺘحسین وﺘطو�ر ﻋﻼﻗﺎت اﻟصین ﻤﻊ اﻟدول ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟ�س ﻤجﺎﺒﻬﺔ ﻋﻘو�ﺎت اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻟﻐرب‪ ،‬و�ﻨمﺎ �كمن ﻓﻲ ﺨﻠق ﺒیئﺔ ﻤح�طﺔ وﻤواﺘ�ﺔ ﻟبنﺎء اﻟﻌصرﻨﺎت اﻷر�ﻊ∗‪� 4 .‬مﺎ ﻗﺎﻤت اﻟصین‬
‫ﻓﻲ اﻟﻔترة اﻟممتدة ﻤن ‪ 1990‬إﻟﻰ ‪� 1992‬ﺎﺴتﻌﺎدة وﺘﺄﺴ�س اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻤﻊ إﻨدوﻨ�س�ﺎ‪ ،‬وﺴنﻐﺎﻓورة‪ ،‬و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وﻤنﻐوﻟ�ﺎ‪ ،‬واﻟﻼوس‪ ،‬وﻓیتنﺎم‪ ،‬ووﻀﻌت ﻨﻬﺎ�ﺔ ﻟﻸوﻀﺎع اﻟﻔﺎﺘرة اﻟمت�ﺎدﻟﺔ ﻤﻊ اﻟﻬند‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.16‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op cit. p 34.‬‬
‫‪ -3‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -4‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫*‪-‬اﻟﻌﺻرﻧﺎت اﻷرﺑﻊ ﺗﻌﻧﻲ إﺣراز ﺗﻘدم ﻓﻲ اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ واﻟزراﻋﺔ واﻟﻌﻠوم واﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺎ‪ ،‬واﻟدﻓﺎع اﻟﻘوﻣﻲ‪ ،‬وﯾطﻠﻖ ﻋﻠﯾﮭﺎ "اﻟﺗﺣدﯾث اﻻﺷﺗراﻛﻲ" ﻓﻲ اﻟﺻﯾن‪.‬‬
‫‪ -5‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫‪280‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟم�حث اﻟثﺎﻟث‪ :‬ﻤضﺎﻤین اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‬

‫ﺘنتﻬﺞ اﻟصین ﺴ�ﺎﺴﺔ ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﺘﻌتمد اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪� ،‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬
‫اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟجدﯿدة‪ ،‬واﻟشراﻛﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺘﻌز�ز اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ أو ﻤتﻌددة اﻷطراف ﻋبر‬
‫آﺴ�ﺎ‪-‬‬ ‫اﻟمؤﺴسﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل ﻫذا اﻟم�حث ﺴیتحدد ﻟنﺎ أﺒرز ﻤضﺎﻤین اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ‬
‫�ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬وﻤدى ﻓﺎﻋﻠیتﻬﺎ ﻤن أﺠﻞ ﺘﻌز�ز ﺘنمیتﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺒیئﺔ أﻤن�ﺔ وﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﻤستﻘرة‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ‬
‫ظﻞ اﻟتنﺎﻓس اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻤﻊ ﻗوى أﺨرى �ﺎﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟﻬند واﻟ�ﺎ�ﺎن‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬أدوات اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻺﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‬

‫ﻋند ﺘحﻠیﻞ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪� ،‬جب أﺨذ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟﻌواﻤﻞ‬
‫ﻤدﻓوﻋﺎ �ﺎﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي اﻟسر�ﻊ‪ ،‬ﻤن اﻟمتوﻗﻊ أن ﺘكون‬
‫ً‬ ‫اﻟمحﻠ�ﺔ واﻷﺠنب�ﺔ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر‪ .‬ﻤﻊ ﺘزاﯿد طﻠبﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟطﺎﻗﺔ‬
‫أﺴﺎﺴ�ﺎ‬
‫ً‬ ‫أﻤر‬
‫اﻟصین أﻛبر ﻤستورد ﻟﻠطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪� ،‬ﻌد ﺘوﻓیر إﻤدادات اﻟطﺎﻗﺔ �شكﻞ آﻤن وﻤستدام ًا‬
‫ﻷﻤنﻬﺎ اﻟﻘوﻤﻲ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟطرق اﻟ�حر�ﺔ اﻟمجﺎﻨ�ﺔ واﻵﻤنﺔ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ واﻟمح�ط اﻟﻬندي ﻫﻲ ﺸر�ﺎن اﻟح�ﺎة‬
‫ﻟتجﺎرة اﻟطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟصین‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟثﻘﺎﻓﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬واﻷﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ اﻻﺸتراﻛ�ﺔ‬
‫واﻟمشﺎﻋر اﻟﻘوﻤ�ﺔ‪ ،‬ﻓضﻼً ﻋن ﺘصورات اﻟق�ﺎدة‪� ،‬ﻠﻬﺎ ﻋواﻤﻞ ﻤﻬمﺔ ﻓﻲ ﺘشكیﻞ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪ 1 .‬و�ﺎﻟنظر‬
‫إﻟﻰ اﻟطب�ﻌﺔ اﻟحﺎﻟ�ﺔ ﻟﻠتحد�ﺎت‪ ،‬اﺨتﺎرت اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ أر�ﻊ أدوات ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ :‬اﻟتﻌدد�ﺔ اﻻﻨتﻘﺎﺌ�ﺔ؛‬
‫‪2‬‬
‫اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟمح�ط�ﺔ؛ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ؛ واﻟﻘوﻤ�ﺔ‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﺘﻌدد�ﺔ اﻷطراف اﻹ ﻨتﻘﺎﺌ�ﺔ‪:‬‬

‫ﯿبدو أن ﺘﻌدد�ﺔ اﻷطراف أداة أﻛثر ﻓﺎﻋﻠ�ﺔ ﻤن اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین؛ ﺘرﺘ�ط اﻟتﻌدد�ﺔ‬
‫اﻟﻘطب�ﺔ �س�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة واﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟصﻔر�ﺔ اﻟتﻲ ﻻ ﺘؤدي إﻟﻰ ﺘحﻘیق أﻫداف أﻤن�ﺔ ﺘﻌﺎوﻨ�ﺔ ﻤر�حﺔ؛ ﻟذﻟك ﺘوﻟﻲ اﻟصین‬
‫أﻫم�ﺔ ﻟﻠتﻌدد�ﺔ �ﺄداة رﺌ�س�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ؛ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟصین ﺘؤ�د ﻓكرة اﻟﻌوﻟمﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﺤیث �مكن‬
‫ﻨظﺎﻤﺎ ﺘجﺎرً�ﺎ ﻤتﻌدد اﻷطراف �ﺎﻋت�ﺎرﻩ اﻟﻘنﺎة اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻠتجﺎرة اﻟدوﻟ�ﺔ‪ 3 .‬وﺘنظر اﻟصین إﻟﻰ ﺼﻌود‬
‫ﻟﻠصین أن ﺘختﺎر ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, “From the Asia-Pacific to the Indo-Pacific: Expanding Sino-U.S. Strategic Competition”, (China‬‬
‫‪Quarterly of International Strategic Studies Vol. 3, No. 4), p 501. https://cutt.ly/wAgtZLt‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. p 14.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 14.‬‬

‫‪281‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟكﺎ�ﺢ اﻷﻛبر ﻟﻠسﻌﻲ اﻷﻤر�كﻲ اﻟمدرك ﻟﻠﻬ�منﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وأن ﺘوازن اﻟﻘوى ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻤﺎ‬
‫�ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة أﺼ�ﺢ ﺒین "ﻗوة ﻋظمﻰ واﺤدة و�ثیر ﻤن اﻟﻘوى اﻟﻘو�ﺔ"‪ ،‬أو "ﻗطب واﺤد وﻗوى �ثیرة"‪ ،‬ﻤﻊ ﻗدرة‬
‫‪1‬‬
‫اﻷﺨیرة ﻋﻠﻰ ��ﺢ اﻷوﻟﻰ‪.‬‬

‫ﺤدد ﻤﻘﺎل ﻓﻲ ﻤجﻠﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟصین�ﺔ أر�ﻊ اﺴتراﺘ�ج�ﺎت ﻤتمیزة ﻓﻲ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻤتﻌددة‬
‫اﻷطراف‪ :‬اﻟمشﺎﻫدة‪ ،‬اﻻﻨخراط‪ ،‬اﻟتحﺎﯿﻞ وﺘشكیﻞ؛ �ﺎﻻﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ اﻟمﻘﺎل‪� ،‬مكن اﻟﻘول إن اﻟصین ﻗد ﺘجﺎوزت ﻤجرد‬
‫اﻟمراق�ﺔ واﺨتﺎرت اﻹﻨخراط واﻹﻟتﻔﺎف وﺘشكیﻞ اﻟمؤﺴسﺎت ﻤتﻌددة اﻷطراف‪ .‬وﻟكن ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻹﻨخراط ﻻ‬
‫ﯿزال �شكﻞ اﻟمع�ﺎر اﻟﻌﺎم �مﺎ ﯿتضﺢ ﻤن دور اﻟصین ﻓﻲ ﻤجﻠس اﻷﻤن اﻟتﺎ�ﻊ ﻟﻸﻤم اﻟمتحدة أو ﻤجﻠس ﺤﻘوق‬
‫اﻹﻨسﺎن اﻟتﺎ�ﻊ ﻟﻸﻤم اﻟمتحدة‪ ،‬ﻓﺈن اﻟتحﺎﯿﻞ واﻟتشكیﻞ ﯿتزاﯿد أ�ضﺎً �سرﻋﺔ‪ .‬إن دور اﻟصین ﻓﻲ ﻤنظمﺔ "ﺸنﻐﻬﺎي"‬
‫ﻟﻠتﻌﺎون ﻫو ﻤثﺎل واﻀﺢ ﻋﻠﻰ اﻟتحﺎﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻟمنظمﺎت ﻤتﻌددة اﻷطراف اﻟتﻲ �ﻘودﻫﺎ اﻟﻐرب‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻟم ﺘظﻬر‬
‫اﻟمنظمﺔ �ﻬ�كﻞ ﺒدﯿﻞ ﻟتﻘو�ض ﻤنظمﺎت اﻷﻤن اﻟجمﺎﻋﻲ اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻤثﻞ "اﻟنﺎﺘو"‪ ،‬وﻟكنﻬﺎ ﺘسﻌﻰ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ إﻟﻰ اﻟﻌمﻞ‬
‫ﺤوﻟﻬﺎ؛ ﻟكن ﺘشكیﻞ ﻤجموﻋﺔ ﺒر�كس )اﻟب ارز�ﻞ‪ ،‬وروﺴ�ﺎ‪ ،‬واﻟﻬند‪ ،‬واﻟصین وﺠنوب اﻓر�ق�ﺎ(‪ ،‬وﺘﺄﺴ�س اﻟبنك اﻵﺴیوي‬
‫ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻫﻲ أﻤثﻠﺔ واﻀحﺔ ﻋﻠﻰ ﻤ�ﺎدرات اﻟصین ﻓﻲ ﺘشكیﻞ ﻤؤﺴسﺎت ﺠدﯿدة ﻤتﻌددة اﻷطراف‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﺤول اﻟتﻌﺎون ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ �صر ﻋﻠﻰ أن اﻟصین ﻟن ﺘنشﺊ‬
‫أطر إﻗﻠ�م�ﺔ ﺠدﯿدة ﺒﻞ ﺴتﻌمﻞ ﻀمن اﻷطر اﻟﻘﺎﺌمﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻼﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ �شكﻞ‬‫ًا‬
‫�ﺎﻟتﺄﻛید ﺒن�ﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﺒدﯿﻠﺔ ﻟصندوق اﻟنﻘد اﻟدوﻟﻲ واﻟبنك اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﻟكنﻪ ﻋﻠﻰ اﻟنق�ض ﻤن ﻫذﻩ اﻷطر‪ ،‬ﻻ �جﻌﻞ‬
‫اﻹﻗراض ﻤشروطﺎً �ﺎﻹﻋت�ﺎرات اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ؛ �مﺎ أن اﻗتراح اﻟصین ﺘوﺴ�ﻊ اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻼﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‬
‫ﻋضوا ﺠدﯿدة‪ ،‬ﯿدل ﻋﻠﻰ اﻟتﺄﺜیر اﻟﻌﺎم ﻟﻠصین ﻓﻲ ﺘحدﯿد ﺘكو�ن ﺒنك اﻻﺴتثمﺎر‬
‫ً‬ ‫اﻟذي �ضم ‪ 57‬دوﻟﺔ ﻟ�شمﻞ ‪ 25‬دوﻟﺔ‬
‫اﻵﺴیوي‪. 2‬‬

‫ﺒینمﺎ ﺘظﻞ اﻟتﻌدد�ﺔ ﻫﻲ اﻟﻘﺎﻋدة‪ ،‬ﺘﻔضﻞ اﻟصین اﻟﻌمﻞ ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﺜنﺎﺌﻲ‪� .‬شیر ﺘﻘر�ر اﻟﻌمﻞ ﻟﻌﺎم ‪2017‬‬

‫إﻟﻰ ﺘﻔضیﻞ اﻟصین ﻟﻠتمییز ﺒین اﻟﻬیئﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻤتﻌددة اﻷطراف‪ .‬ﻓﻲ اﻟﻬ�ﺎﻛﻞ ﻤتﻌددة اﻷطراف ذات‬
‫اﻟتوﺠﻪ اﻷﻤنﻲ‪ ،‬ﻤثﻞ ﻤنظمﺔ ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون أو ﻤنتدى آﺴ�ﺎن اﻹﻗﻠ�مﻲ )‪ ،(ARF‬ﺘﻌمﻞ اﻟصین ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﺜنﺎﺌﻲ‬

‫‪ -1‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.226‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. pp 14-15.‬‬

‫‪282‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻟحﻞ اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟخﻼف�ﺔ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻷرض واﻟس�ﺎدة‪ .‬اﻷﺴﺎس اﻟمنطﻘﻲ اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠصین ﻫو اﻹﺤتﻔﺎظ �مطﺎﻟبﻬﺎ �ﺎﻟس�ﺎدة‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷراﻀﻲ اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬واﻟﻌمﻞ ﻋﻠﻰ ﻗضﺎ�ﺎ ﻏیر إﻗﻠ�م�ﺔ أﻗﻞ ﺘنﺎزًﻋﺎ‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻬذﻩ ﻫﻲ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین‬
‫ﻹﻨتظﺎر اﻟﻠحظﺔ اﻟمنﺎﺴ�ﺔ ﻟتسو�ﺔ اﻟﻘضﺎ�ﺎ �شروطﻬﺎ‪ .‬وﻫذا �ﻔسر ﻨﻬﺞ اﻟصین اﻹﻨتﻘﺎﺌﻲ ﻤتﻌدد اﻷطراف‪ .‬وﺼﻒ "ﯿوان‬
‫ﺠیندوﻨﺞ ‪ " Yuan Jindong‬ﻤن ﻤﻌﻬد ﻤوﻨتیري ﻟﻠدراﺴﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ‪Monterey Institute of International Studies‬‬

‫ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻤنﺎﺴب‪ ،‬اﻟتﻌدد�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین �ﺄﻨﻬﺎ‪Thinking unilaterally ; pursuing issues ") :‬‬

‫‪" "bilaterally and posturing multilaterally‬ﺘﻔكر ﻤن ﺠﺎﻨب واﺤد‪ ،‬وﺘتﺎ�ﻊ اﻟﻘضﺎ�ﺎ �شكﻞ ﺜنﺎﺌﻲ وﺘتخذ ﻤواﻗﻒ‬
‫‪1‬‬
‫ﻤتﻌددة اﻷطراف"(‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟمح�ط�ﺔ )دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷطراف(‪Peripheral Diplomacy :‬‬

‫ﻻ ﺘنتﻬﺞ اﻟصین اﻟیوم اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻬ�منﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ؛ ﻋند ﺘﻌر�ف إﻤبراطور�تﻬم ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ "اﻟممﻠكﺔ اﻟوﺴطﻰ"‬

‫ﻟم ﯿتبن اﻟحكﺎم اﻟصینیون ً‬


‫أﺒدا ﻤﻬمﺔ إﻤبراطور�ﺔ �ﺎن ﻤنطﻘﻬﺎ اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻫو اﻟمسﺎﻋدة ﻓﻲ ﺘحو�ﻞ اﻵﺨر�ن ﻋﻠﻰ ﺼورة‬

‫اﻟصین؛ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﺤق�ﻘﺔ أﻨﻬم ﯿؤﻤنون ﺒتﻔوق ﺤضﺎرﺘﻬم إﻻ أن اﻟحكﺎم اﻟصینیین ﻟم �شﺎر�وا ً‬
‫أﺒدا ﻓﻲ ﻤشروع‬
‫ﺒنﺎء إﻤبراطور�ﺔ ﻫدﻓﻪ ﺘصدﯿر اﻟحضﺎرة اﻟصین�ﺔ إﻟﻰ اﻟشﻌوب اﻷﺨرى ﺨﺎﺼﺔ اﻟشﻌوب اﻟمجﺎورة ﻟﻬﺎ‪� .‬ﺎن اﻟمتوﻗﻊ‬
‫ﻫو أن �ﻘبﻞ و�حترم اﻵﺨرون ﺴ�ﺎدة اﻟصین؛ ﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین اﻟیوم‪ ،‬اﻟذﯿن �ﻌتنﻘون ﻋﻘﻠ�ﺔ إﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ ﺤمیدة‪،‬‬
‫ﯿر�دون اﻟتﺄﻛد ﻤن ق�ﺎم اﻟنظﺎم اﻹﻤبراطوري اﻟﻼﻤر�زي‪ ،‬أوﻻً ﻓﻲ ﺸرق وﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺤیث ﺘﻘﻊ اﻟصین ﻓﻲ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟمر�ز وﺘحترم اﻟدول اﻷﺨرى ﺘﻔوق اﻟق�م اﻟصین�ﺔ ﻓضﻼ ﻋن ﻤر�ز�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ ﺘنمیتﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻋﻬد "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬ﺒرزت دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷطراف �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫ﻟﻠصین؛ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2013‬ﻤ�ﺎﺸرة �ﻌد إﻋﻼن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ُ ،‬ﻋﻘد ﻤؤﺘمر ﺤول اﻟﻌمﻞ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ ﺘجﺎﻩ اﻟدول‬
‫اﻟمجﺎورة ﻓﻲ �كین ﯿوﻤﻲ ‪ 24‬و‪ 25‬أﻛتو�ر‪ .‬وﻋن أﻫم�ﺔ اﻟمؤﺘمر‪ ،‬ﺼرح "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" أن "اﻷداء اﻟجید ﻓﻲ اﻟﻌمﻞ‬
‫اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ ﻤﻊ اﻟدول اﻟمجﺎورة ﻫو ﻤن ﻤنطﻠق ﺘحﻘیق 'اﻟﻬدﻓین اﻟمئو�ین' وﺘحﻘیق اﻟتجدﯿد اﻟﻌظ�م ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ"‪.‬‬
‫ﻛمﺎ أﻛد أن "اﻟصین �حﺎﺠﺔ إﻟﻰ اﻟﻌمﻞ ﻤﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ ﻟتسر�ﻊ اﻟترا�ط و�ﻨشﺎء ﺤزام اﻗتصﺎدي ﻟطر�ق اﻟحر�ر وطر�ق‬
‫ﺤر�ري �حري ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن"‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ "إﻨشﺎء ﻨمط ﺠدﯿد ﻤن اﻟتكﺎﻤﻞ اﻹﻗتصﺎدي اﻹﻗﻠ�مﻲ"‪ .‬أوﻀﺢ ﻫذا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op cit. p 15.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 39.‬‬

‫‪283‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمؤﺘمر �شكﻞ ﻗﺎطﻊ أﻫم�ﺔ اﻟمح�ط ﻓﻲ ﺼ�ﺎﻏﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟـ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ .‬واﻷﻫم ﻤن ذﻟك‪ ،‬أﺸﺎر ﺨطﺎ�ﻪ‬
‫‪1‬‬
‫طﺎ وﺜ�ًﻘﺎ ﺒتجدﯿد اﻷﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬
‫إﻟﻰ ﻤدى ارﺘ�ﺎط اﻟمح�ط ارﺘ�ﺎ ً‬

‫ﻤستمر ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪" .‬اﻟمیﻞ‬


‫ًا‬ ‫ﻤوﻀوﻋﺎ‬
‫ً‬ ‫وﺘجدر اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻷطراف �ﺎﻨت‬
‫إﻟﻰ ﺠﺎﻨب واﺤد" ﻤﻊ "ﻤﺎو ﺘسﻲ ﺘوﻨﻎ"؛ "ﺴ�ﺎﺴﺔ ﺤسن اﻟجوار" ﻤﻊ "دﯿنﻎ ﺸ�ﺎو ﺒینﻎ"؛ "اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتنم�ﺔ اﻟﻐر��ﺔ‬
‫واﻟتﻌدد�ﺔ" ﻤﻊ "ﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین"؛ "ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟنﻬوض اﻟسﻠمﻲ واﻟتنم�ﺔ اﻟمتوازﻨﺔ" ﻤﻊ "ﻫو ﺠینتﺎو"؛ وﺤﺎﻟ�ﺎً "ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫واﻟطر�ق" ﺘحت ﺤكم "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬ﯿتحدث اﻟجم�ﻊ ﻋن اﻷطراف �ﻌﺎﻤﻞ ﻤﻬ�من ﻓﻲ ﺘشكیﻞ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟصین‬
‫‪2‬‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ واﻟمحﻠ�ﺔ؛ ﻤﺎ �جﻌﻞ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟمح�ط�ﺔ ﻤﻬمﺔ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫ﻨسب�ﺎ ﻤنذ ﺤكم ﻤحكمﺔ "ﻻﻫﺎي" ﻓﻲ ﺠو�ﻠ�ﺔ ‪ 2016‬ﺒرﻓض‬


‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻟﻔترة اﻟﻘصیرة ﻤن اﻟتوﺘر اﻟمتزاﯿد ً‬
‫اﻟمطﺎﻟب اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ﻗررت اﻟﻔﻠبین وﺘﻠتﻬﺎ دول أﺨرى ﻓﻲ اﻵﺴ�ﺎن ﺘخف�ف ﺤدة‬
‫اﻟخطﺎب و�دأت �ﺎﻟتﻘﺎرب ﻤﻊ اﻟصین اﻟتﻲ ردت �ﺎﻟمثﻞ؛ ﺘجنبت اﻟصین اﺴتﻌداء ﺠیراﻨﻬﺎ و�دأت ﻋمﻠ�ﺔ ﻟوﻀﻊ ﻤدوﻨﺔ‬
‫ﻗﺎﻨوﻨﺎ ‪ (CoC) Code of Conduct‬ﻤﻊ اﻵﺴ�ﺎن؛ اﻟداﻓﻊ اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠوﻓﺎق اﻟحﺎﻟﻲ ﻫو اﻟتﻐییر اﻟسﻠو�ﻲ‬
‫ﺴﻠوك ﻤﻠزﻤﺔ ً‬
‫اﻟمﻠحوظ ﻟﻸطراف اﻟتﻲ ﻟدﯿﻬﺎ ﻤطﺎﻟب ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﺒید أن ﻤسﺄﻟﺔ ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت ﻫذﻩ اﻟتﻐییرات اﻟسﻠو��ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟواﻀحﺔ ذات طﺎ�ﻊ اﺴتراﺘ�جﻲ أو ﺘكت�كﻲ‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﺘبین ﺨطﺔ اﻟﻌمﻞ ﻟشﻬر ﻤﺎرس ‪ 2015‬إﻟﻰ أﻫم�ﺔ اﻟمح�ط �ﺎﻟنس�ﺔ ﻷﻫداف اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫واﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠصین‪ .‬ﺘصنﻒ ﺨطﺔ اﻟﻌمﻞ اﻟمنﺎطق اﻟمح�طﺔ واﻟمتخﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻟصین ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ‪-‬اﻟشمﺎﻟ�ﺔ اﻟشرق�ﺔ‬
‫واﻟشمﺎﻟ�ﺔ اﻟﻐر��ﺔ واﻟجنو��ﺔ اﻟﻐر��ﺔ واﻟداﺨﻠ�ﺔ– �مﺎ ﺘحدد ﻤزا�ﺎﻫﺎ اﻟنسب�ﺔ ﻤن أﺠﻞ دﻤجﻬﺎ �شكﻞ ﻤنﻬجﻲ ﻤﻊ اﻗتصﺎدات‬
‫اﻟبﻠدان اﻟمجﺎورة‪ .‬وﻫكذا‪ ،‬ﺴتكون ﺸینج�ﺎﻨﻎ ‪� Xinjiang‬مثﺎ�ﺔ ﻨﺎﻓذة ﻟﻺﻨﻔتﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻐرب ﻤﻊ وﺴط وﺠنوب وﻏرب‬
‫آﺴ�ﺎ )‪ ، (Central, South. And West Asia‬ﻤنﻐوﻟ�ﺎ اﻟداﺨﻠ�ﺔ )‪ (Inner Mongolia‬ﺴتق�م روا�ط ﻤﻊ روﺴ�ﺎ وﻤنﻐوﻟ�ﺎ؛‬
‫وﺘتواﺼﻞ ﻫیﻠوﻨﻐج�ﺎﻨﻎ وﺠیﻠین وﻟ�ﺎوﻨینﻎ )‪ (Heilongjiang, Jilin, and Liaoning‬ﻤﻊ اﻟشرق اﻷﻗصﻰ ﻟروﺴ�ﺎ؛‬
‫وﺴتتواﺼﻞ ﻤنطﻘﺔ ﻗواﻨﻐشﻰ ﺘشواﻨﻎ )‪ (the Guangxi Zhuang‬ذاﺘ�ﺔ اﻟحكم ‪ Autonomous Region‬ﻤﻊ دول اﻵﺴ�ﺎن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 15.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 16.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh, Op. cit. pp 87-88.‬‬

‫‪284‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫وﻤن ﺨﻼل ر�ط اﻟمح�ط اﻟخﺎرﺠﻲ �ﺎﻗتصﺎد�ﺎت اﻟدول اﻟمجﺎورة‪ ،‬ﺘسﻌﻰ اﻟصین ﻟ�س ﻓﻘط إﻟﻰ ﺘطو�ر ودﻤﺞ‬
‫اﻟمنﺎطق اﻟمح�ط�ﺔ‪ ،‬ﻟكنﻬﺎ ﺘسﻌﻰ ﺠﺎﻫدة ﻟتوﺴ�ﻊ دورﻫﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‪ .‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2012‬ﺘحدث اﻟ�ﺎﺤث اﻟصینﻲ "واﻨﺞ‬
‫ﺠ�سﻲ" ﻋن اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ "ﻤسیرة اﻟﻐرب" ﻤن أﺠﻞ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟتﻬدﯿد اﻷﻤر�كﻲ‪ .‬وﻫكذا اﺴتجﺎﺒت اﻟصین ﻤن‬
‫أﺴﺎﺴﺎ إﻟﻰ ﺘحﻘیق ﻫدﻓیﻬﺎ اﻟوطنیین اﻟﻌر�ضین‪ (1) :‬اﻟدﺨول ﻓﻲ‬
‫ﺨﻼل وﻀﻊ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﻬدف ً‬
‫اﻹزدﻫﺎر اﻹﻗتصﺎدي وﻤكﺎﻓحﺔ اﻟتﻬدﯿدات اﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ ﻤنﺎطﻘﻬﺎ اﻟمح�ط�ﺔ اﻟمتخﻠﻔﺔ واﻟضع�ﻔﺔ )أطراف اﻟصین(‪،‬‬
‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘﻠب�ﺔ ﻤتطﻠ�ﺎت اﻻﻗتصﺎد اﻟمت�ﺎطﺊ؛ و )‪ (2‬ﻨشر ﻨﻔوذﻫﺎ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ أوراﺴ�ﺎ وﺘﻔك�ك ﻤر�ز اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﻋن آﺴ�ﺎ ﻤن أﺠﻞ ﺘحﻘیق ﺤﻠم اﻟصین‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺘﻬدف إﻟﻰ إ�ﻌﺎد اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمتحدة‪.‬‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ‪Military Diplomacy :‬‬

‫ﺘﻌتبر اﻟصین أن �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﺨﺎﻟصﺔ ﻟﻬﺎ؛ وﻗد أدى ذﻟك إﻟﻰ ﺘوﺘرات ﺒینﻬﺎ و�ین‬
‫اﻟدول اﻷﺨرى اﻟمطﻠﺔ ﻋﻠ�ﻪ وﻫﻲ‪ :‬ﺒروﻨﺎي‪ ،‬و�ﻨدوﻨ�س�ﺎ‪ ،‬وﻤﺎﻟیز�ﺎ‪ ،‬واﻟﻔﻠبین‪ ،‬وﺘﺎﯿوان‪ ،‬وﻓیتنﺎم‪ .‬وﻻ ﺘخﻔﻲ اﻟصین‬
‫ﻓضﻼ ﻋن دﻋم واﺸنطن ﻟ�ﻌض دول ﺤوﻀﻪ‪،‬‬
‫ً‬ ‫اﻤتﻌﺎﻀﻬﺎ ﻤن ﺘحدي اﻟ�حر�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ اﻷﻤیر��ﺔ ﻟمزاﻋم �كین ف�ﻪ‪،‬‬
‫ﻛﻔیتنﺎم واﻟﻔﻠبین وﺘﺎﯿوان‪ ،‬ﻓﻲ ﻨزاﻋﻬﺎ ﻤﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘحدﯿد ﻨطﺎق اﻟم�ﺎﻩ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬وﻤن ﺜ ﱠم‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟﻌسكري‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫‪2‬‬
‫ﺴنو�ﺎ ‪ 250‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻋﻠﻰ ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ‪.‬‬
‫اﻟصین ﺘطور ﻗدراﺘﻬﺎ ﻓﻲ �ﻞ اﻟمجﺎﻻت؛ ﻓﻬﻲ ﺘنﻔق ً‬
‫ﺒﻠور اﻟمسؤوﻟون اﻟصینیون ﻓﻲ اﻟسنوات اﻷﺨیرة رؤ�ﺔ ﺒدﯿﻠﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﺨﺎﻟ�ﺔ ﻤن اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻟتﻲ‬
‫�ﻌتبروﻨﻬﺎ ﻤن "�ﻘﺎ�ﺎ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة وﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟﻘوة"؛ ﺘﻌرف اﻟرؤ�ﺔ اﻟصین�ﺔ اﻟجدﯿدة �ﺎﺴم "اﻟمﻔﻬوم اﻷﻤنﻲ اﻟجدﯿد"‪ ،‬ﻫذا‬
‫اﻟمﻔﻬوم اﻟذي ﻗدم ﻷول ﻤرة ﻤن ﺠﺎﻨب "ﺸﻲ ﻫﺎوﺘ�ﺎن" ‪ Chi Haotian‬وز�ر اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟسﺎﺒق ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟمنتدى‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ )‪ (ARF‬ﻟرا�طﺔ دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ )‪ (ASEAN‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .1997‬وﻗد ﺼ�ﻎ اﻟمﻔﻬوم اﻷﻤنﻲ اﻟجدﯿد ﻓﻲ‬
‫رد ﻤ�ﺎﺸر ﻋﻠﻰ ﺘوﺴﻊ اﻟنﺎﺘو ﺸرق أورو�ﺎ وﺠﻬود اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟتﻘو�ﺔ ﺘحﺎﻟﻔﺎﺘﻬﺎ وروا�طﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ ﺤول‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 16.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fareed Zakaria, “The Pentagon is Using China As an Excuse for Huge New Budgets,” The Washington Post,‬‬
‫‪18/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://wapo.st/3urX9Th‬‬
‫‪ -3‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.231‬‬

‫‪285‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫أﺴﺎﺴ�ﺎ ﻤن "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" ﻟشﻲ ﺠین ﺒینﻎ اﻟذي ﯿتضمن‬


‫ً‬ ‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق ﺘشكﻞ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ ﺠزًءا‬
‫"ﺠﻌﻞ اﻟصین ﻗوة ﻤﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم" و"دوﻟﺔ أﻗوى �ج�ش ﻗوي"؛ ﺘجري اﻟصین �شكﻞ روﺘینﻲ ﺘدر��ﺎت ﻋسكر�ﺔ‬
‫ﻤشتر�ﺔ‪ ،‬وﺘشﺎرك ﻓﻲ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻤتﻌددة اﻷطراف ﻤثﻞ ﻟجنﺔ اﻷر�ﺎن اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟتﺎ�ﻌﺔ ﻟﻸﻤم اﻟمتحدة‬
‫أ�ضﺎ ﻓﻲ أﻨشطﺔ ﺘحدﯿد اﻷﺴﻠحﺔ وﻨزع اﻟسﻼح اﻟدوﻟ�ﺔ؛ �مﺎ ﺘستورد اﻷﺴﻠحﺔ‬ ‫وﻋمﻠ�ﺎت ﺤﻔظ اﻟسﻼم‪ ،‬وﺘشﺎرك ً‬
‫‪1‬‬
‫ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ ﺘصدﯿر اﻷﺴﻠحﺔ واﻟتكنوﻟوﺠ�ﺎ وﺘﻘد�م اﻟمسﺎﻋدة اﻟﻌسكر�ﺔ إﻟﻰ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى‪.‬‬
‫واﻟتكنوﻟوﺠ�ﺎ ً‬
‫رؤ�ﺔ اﻟج�ش اﻟصینﻲ ﻟﻠبیئﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ ﺘكشﻒ ﻋن ﻗدر �بیر ﻤن اﻟتنﺎﻗض‪ ،‬ﻓمﻊ أن اﻟصین‬
‫ﺘتمتﻊ �ﻔترة ﻏیر ﻤسبوﻗﺔ ﻤن اﻟسﻼم وغ�ﺎب اﻟضﻐط اﻟﻌسكري اﻟخﺎرﺠﻲ اﻟم�ﺎﺸر‪ ،‬ﯿرى اﻟمﻌﻠﻘون اﻟﻌسكر�ون اﻟصینیون‬
‫ﻤﻊ ذﻟك أﺸكﺎﻻ �ثیرة ﻤن اﻟﻼ�ﻘین واﻟتﻬدﯿدات اﻷﻤن�ﺔ اﻟكﺎﻤنﺔ‪ .‬إذ ﯿوﺠد ﺠدل ﻋمیق ﺤول ﺒن�ﺔ اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﻨزوع‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻠﻘوة �جب ﻋﻠﻰ اﻟصین أن ﺘجﺎر�ﻪ‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ اﻟس�طرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ذﻟك‪ ،‬ﻗﺎم اﻟج�ش اﻟصینﻲ ﺒتوﺴ�ﻊ دورﻩ ﻓﻲ ﻋمﻠ�ﺎت اﻹﻏﺎﺜﺔ واﻟمسﺎﻋدة اﻹﻨسﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ ﺤﺎﻻت‬
‫اﻟكوارث؛ أﻫم ﺤدث ﻫو ز�ﺎرة �حر�ﺔ ﺠ�ش اﻟتحر�ر اﻟشﻌبﻲ )‪(People’s Liberation Army Navy‬إﻟﻰ ﺴر�ﻼﻨكﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻋﺎم ‪ .2014‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪ ،2014‬ﻋﻘدت ﺠمع�ﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟصین�ﺔ ‪China Military Sciences‬‬

‫)‪ Society (CMSS‬اﻟجوﻟﺔ اﻟخﺎﻤسﺔ "ﻟمنتدى ﺸ�ﺎﻨﻐشﺎن ‪" Xiangshan Forum‬ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟجوﻟﺔ‪ ،‬ﻗﺎﻤت ﺒرﻓﻊ ﻤستوى‬
‫اﻟﻠﻘﺎء ﻤن ﺨﻼل دﻋوة رؤﺴﺎء دﻓﺎع �ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ و�ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ واﻟ�ﺎ�ﺎن وﻤمثﻠین ﻤن ‪ 57‬دوﻟﺔ‪ُ .‬ﯿنظر إﻟﻰ ﻫذﻩ‬
‫ﺴنو�ﺎ ﻓﻲ ﺴنﻐﺎﻓورة‪ .‬وﻫذا ﻤؤﺸر ﻋﻠﻰ‬
‫ً‬ ‫اﻟجوﻟﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤحﺎوﻟﺔ ﺼین�ﺔ ﻟﻠتنﺎﻓس ﻤﻊ ﺤوار ‪ Shangri-La‬اﻟذي �ﻘﺎم‬
‫أن اﻟصین ﻻ ﺘﻌرض ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ ﺘحﺎول اﻟظﻬور �ﻘﺎﺌد ﻋسكري؛ ‪ 3‬ﻋﻠﻰ اﻋت�ﺎر أﻫم�ﺔ اﻟج�ش اﻟصینﻲ‬
‫ﻟتوﺠﻪ اﻟصین اﻹﺴتراﺘ�جﻲ واﻟحسﺎ�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ ﻟﻠدول اﻷﺨرى ﺘﻌد ﻤدر�ﺎت اﻟج�ش ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ و�یئﺔ اﻟصین‬
‫اﻷﻤن�ﺔ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻤتﻐی ار ﻤﻬمﺎ؛ ‪ 4‬وﻫنﺎك ﺜﻼﺜﺔ أﻫداف ﻟﻠدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ؛ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺒیئﺔ أﻤن�ﺔ ﻤواﺘ�ﺔ‪ ،‬وﺘحدﯿث‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﻘوات اﻟمسﻠحﺔ‪ ،‬و�ﻗﺎﻤﺔ ﻨﻔوذ ﻓﻲ دول أﺨرى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op, cit. p16.‬‬
‫‪ -2‬دﯾﻔﯾد ﺷﺎﻣﺑو‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op, cit. p 17.‬‬
‫‪ -4‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op, cit. p 17.‬‬

‫‪286‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻓﻲ اﻟﻌصر اﻟحﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺒرز اﻷﻤن اﻟ�حري �ﻌنصر رﺌ�سﻲ ﻓﻲ دﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ‪ .‬وﻟﻬذﻩ اﻟﻐﺎ�ﺔ‪ ،‬اﺴتحوذت‬
‫اﻟصین ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2016‬ﻋﻠﻰ أول ﻗﺎﻋدة ﻋسكر�ﺔ ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺠیبوﺘﻲ‪ .‬ﺘضمنت اﻹﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟوﺠود اﻟﻌسكري ﻟﻠصین‬
‫ﻓﻲ اﻟبﻼد ﺤتﻰ ﻋﺎم ‪ ،2026‬ﺒوﺤدة ﺘصﻞ إﻟﻰ ‪10,000‬ﻋسكري؛ ﻤمﺎ ﻻ ﺸك ف�ﻪ‪ ،‬ﻓﺈن ﺠیبوﺘﻲ ﺘﻌمﻞ �ﻌمود اﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫ﻓﻲ ﻤشروع طر�ق اﻟحر�ر اﻟ�حري )‪ .The Maritime Silk Route (MSR‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻟن ﺘسﺎﻋد اﻟﻘدرة اﻟ�حر�ﺔ‬
‫أ�ضﺎ ﻓﻲ ﺤﻞ ﻨزاع �حﺎر اﻟصین اﻟجنو��ﺔ‬
‫اﻟصین�ﺔ اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ ﻓﻲ ﺤمﺎ�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻓﻲ اﻟخﺎرج ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ ﺴتسﺎﻋد ً‬
‫ﻟصﺎﻟحﻬﺎ؛ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﻗﺎﻋدة "ﯿوﻟین اﻟ�حر�ﺔ" ‪ The Yulin Naval Base‬ﻓﻲ ﺠز�رة "ﻫﺎﯿنﺎن" ‪ Hainan Island‬ﺘبرز‬
‫�سرﻋﺔ �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﻌسكر�ﺔ اﻷﻛثر أﻫم�ﺔ ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ ،‬وﻫﻲ أﻗرب إﻟﻰ‬
‫أ�ضﺎ إﻟﻰ ﺘواﺠد ﻋسكري ﺼینﻲ‬
‫ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي ‪ ،(IOR) The Indian Ocean Region‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﻬﻲ ﺘشیر ً‬
‫‪1‬‬
‫أﻛبر ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي ‪.‬‬

‫را�ﻌﺎ‪ :‬اﻟﻘوﻤ�ﺔ ‪Nationalism‬‬

‫ﻤن وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟصین�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﻗﺎﺌمﺔ ﻤخﺎوﻓﻬﺎ اﻷﻤن�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ‪ ،‬ﺘشتمﻞ ﻋﻠﻰ اﻟحر�ﺎت اﻟمطﺎﻟ�ﺔ �ﺎﻹﻨﻔصﺎل‬
‫اﻟتﻲ ﺘنشط ﻓﻲ أﻤﺎﻛن؛ ﻤثﻞ‪ :‬ﺘﺎﯿوان و�ﻗﻠ�مﻲ اﻟتبت وﺴ�ك�ﺎﻨﻎ‪ ،‬وﺘحﻘیق اﻟتنم�ﺔ اﻻﺠتمﺎع�ﺔ‪-‬اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬واﻹﺴتﻘرار‬
‫اﻟداﺨﻠﻲ‪ ،‬واﻟمحﺎوﻻت اﻟتﻲ ﺘبذﻟﻬﺎ "ﻗوى ﺨﺎرﺠ�ﺔ"؛ ﺒﻬدف ﺘﻘو�ض ﺘمﺎﺴك اﻟصین داﺨﻠ�ﺎ‪ ،‬واﻟتدﺨﻞ ﻓﻲ ﺸؤوﻨﻬﺎ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‬
‫‪2‬‬
‫و"اﺤتواء" طموﺤﺎﺘﻬﺎ ﺒوﺼﻔﻬﺎ ﻗوة ﺼﺎﻋدة‪.‬‬

‫وﻗد ﺤدد ﺨطﺎب "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﺤول اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻓﻲ "ﻤﻌرض اﻟطر�ق إﻟﻰ اﻟنﻬضﺔ" �ﺎﻟمتحﻒ اﻟوطنﻲ أﻫم�ﺔ‬
‫اﻟﻘوﻤ�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین؛ ﻤن ﻫذﻩ اﻟمنصﺔ أطﻠق ﻷول ﻤرة ﺸﻌﺎر "ﺤﻠم اﻟصین"؛ ﻋرض اﻟمﻌرض �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ‬
‫ﻤﻌﺎﻨﺎة اﻟصینیین و�ذﻻﻟﻬم ﻋﻠﻰ أﯿدي اﻟﻘوى اﻹﺴتﻌمﺎر�ﺔ‪ .‬ﺸدد ﺨطﺎ�ﻪ ﻋﻠﻰ ﺤق�ﻘﺔ أن "ﺘحﻘیق اﻟتجدﯿد اﻟﻌظ�م ﻟﻸﻤﺔ‬
‫اﻟصین�ﺔ ﻫو أﻋظم ﺤﻠم ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ اﻟتﺎر�ﺦ اﻟحدﯿث"‪ .‬ﻤن ﻤنظور اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ ،‬ﺸدد ﺤﻠم اﻟصین ﻋﻠﻰ‬
‫ﺠواﻨب اﻟخسﺎرة اﻟمزدوﺠﺔ اﻟصین ﻋبر اﻟتﺎر�ﺦ؛ ﺨسﺎرة اﻷراﻀﻲ وﻓﻘدان اﻟدور اﻟق�ﺎدي ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬أﺜﺎر‬
‫ﺤﻠم اﻟصین اﻟسﻌﻲ اﻟدؤوب ﻻﺴتﻌﺎدة اﻷراﻀﻲ اﻟمﻔﻘودة واﻟمكﺎﻨﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘحﻘیق ﻫدف اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪. 3‬‬

‫وردا ﻋﻠﻰ اﻟﻘدرات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمتﻔوﻗﺔ‪ ،‬أظﻬرت اﻟصین اﻟتوازن اﻟداﺨﻠﻲ اﻟذي ﯿراﻓق اﻟثنﺎﺌ�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ؛ ﻓﻘد‬
‫طرﺤت ﻋن ﻨﻔسﻬﺎ اﻟﻌواﺌق اﻹﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ اﻟمﺎر�س�ﺔ وﺘﻐﻠبت ﻋﻠﻰ اﻟﻌق�ﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟتﻲ ﺘحول دون اﺘ�ﺎﻋﻬﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op, cit. p 17.‬‬
‫‪ -2‬ﺑﯾﺗس ﺟﯾل‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.240‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op, cit. p 18.‬‬

‫‪287‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟبراﻏمﺎﺘ�ﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ ﻨظﺎم اﻟسوق؛ ﻓﻔﻲ ﻋﻬد "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬اﻛتسبت اﻟﻘوﻤ�ﺔ ً‬
‫‪1‬‬
‫ﺠدﯿدا‪ ،‬وﻗد ﺘم‬
‫زﺨمﺎ ً‬
‫ﺘﻔسیر ذﻟك �شكﻞ ﻤختﻠﻒ‪ .‬ﯿرى "ﺠدﻋون راﺸمﺎن" ‪ Gideon Rachman‬أن "اﻵﺜﺎر اﻟمزﻋجﺔ ﻟﻠرأﺴمﺎﻟ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �مﺎ‬
‫وﺘجﺎﻨسﺎ‬
‫ً‬ ‫ار‬
‫ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻬجرة اﻟجمﺎع�ﺔ واﻷزﻤﺔ اﻟمﺎﻟ�ﺔ ﻟﻌﺎم ‪ ،"2008‬ﻗد زادت ﻤن "ﺠﺎذﺒ�ﺔ اﻟحنین إﻟﻰ ﻤﺎض أﻛثر اﺴتﻘرًا‬
‫و�تمحور ﺤول اﻷﻤﺔ"‪ .‬ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪ ،2016‬اﺴتﻐﻞ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" اﻟذ�رى اﻟثمﺎﻨین ﻟﻠمسیرة اﻟطو�ﻠﺔ ﻟحشد اﻟشﻌب‬
‫واﻟش�ﺎب اﻟصینﻲ ﻟخﻠق "ﻤسیرة طو�ﻠﺔ ﺠدﯿدة" و�نﺎء ﺼین ﻤزدﻫرة وأﻛثر ﻗوة؛ وﺘجدر اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن اﻟصین ﺘستخدم‬
‫ﺘحدﯿدا‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺘستحوذ ﻋﻠﻰ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻟﻠمطﺎﻟ�ﺔ‬
‫ً‬ ‫اﻟﻘوﻤ�ﺔ �ﺄداة ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟتﻌز�ز ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟوطن�ﺔ‪ .‬و�شكﻞ أﻛثر‬
‫�حﻘوق اﻟس�ﺎدة ﻋﻠﻰ اﻷراﻀﻲ اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ‪ .‬وﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﻘد اﺴتخدﻤت اﻟتﺎر�ﺦ �شكﻞ اﻨتﻘﺎﺌﻲ ﻟتﻘد�م ﻤطﺎﻟ�ﺎت إﻗﻠ�م�ﺔ‬
‫وﻓرض ﺴ�ﺎدة اﻟصین �مصﻠحﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ؛ �ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬ﻋندﻤﺎ ﺘكون اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻓﻲ ﺸراك اﻟمصﺎﻟﺢ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪� ،‬كون‬
‫‪2‬‬
‫ﻫذا اﻟمز�ﺞ ﻗﺎﺘﻼً و�ﻤكﺎﻨ�ﺎت ﺤﻞ اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﺘص�ﺢ ﻤﻌﻘدة‪.‬‬

‫�مكن اﺴتخﻼص �ﻌض اﻹﺴتدﻻﻻت ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﺘجﺎﻫﺎت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ اﻟنﺎﺸئﺔ‪ :‬أوﻻً‪ ،‬ﻤن‬
‫اﻟواﻀﺢ أن اﻟﻌوﻟمﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین ﺸرط أﺴﺎﺴﻲ ﻟنموﻫﺎ وازدﻫﺎرﻫﺎ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺘراﺠﻊ اﻟﻌوﻟمﺔ ﻓﻲ اﻟﻐرب ﯿثیر‬
‫ﻗﻠق اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ؛ إﻨﻬﺎ ﺘخشﻰ أن ﺘتﻘﻠص اﻟنزﻋﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟﻠیبراﻟ�ﺔ اﻟتﻲ طﺎﻟمﺎ ﺴﺎﻋدت اﻟصین ﻓﻲ ﺼﻌودﻫﺎ‪ ،‬وﻫذا‬
‫ﯿنذر �ﺎﻟﻔشﻞ ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق اﻟتﻲ ﺘم ﺘصورﻫﺎ ﻟ�س ﻓﻘط ﻟتﻠب�ﺔ ﻤتطﻠ�ﺎت اﻹﻗتصﺎد اﻟمت�ﺎطﺊ‪ ،‬وﻟكن ﻟتوﺴ�ﻊ‬
‫�صمتﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﺘحﻘیق ﺤﻠم اﻟصین؛ �مكن اﻟﻘول إن اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین ﻀرور�ﺔ ﻟتﻌز�ز ﺸرع�ﺔ اﻟحزب‬
‫اﻟتﻲ ﺘﻌتمد ﺒدورﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟتنم�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ؛ واﻟتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﺒدورﻫﺎ ﺘﻌتمد ﻋﻠﻰ اﻟﻌوﻟمﺔ واﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟﻠیبراﻟﻲ‪.‬‬

‫�ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬اﻟتنﺎﻗض ﻓﻲ ﻗصﺔ ﻨمو اﻟصین ﻫو أن اﻟﻌوﻟمﺔ ﺘدﻋم اﻟﻘوﻤ�ﺔ؛ ﻟذﻟك‪� ،‬ثﻔت اﻟصین ﻤن اﻟخﺎرج‬
‫وداﺨﻠ�ﺎ‪� ،‬ثﻔت ﺨطﺎب ﺤﻠم اﻟصین ﻟتﻌبئﺔ اﻟنﺎس وراء‬
‫ً‬ ‫دﻋوﺘﻬﺎ ﻟﻠﻌوﻟمﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ ﺠم�ﻊ اﻟمحﺎﻓﻞ اﻟدوﻟ�ﺔ ﺘﻘر ً��ﺎ‪،‬‬
‫اﻟحزب‪ .‬ﻓمنذ أواﺌﻞ اﻟتسﻌین�ﺎت‪ ،‬ﻤﻊ اﻷﺨذ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر ﺘزاﯿد اﻟمصﺎﻟﺢ ﻓﻲ اﻟخﺎرج‪ ،‬اﻋتمدت اﻟصین اﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫"اﻟخروج"‪ .‬ﺘتصدر اﻟصین اﺴتﻬﻼك اﻟطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻗد ﺘجﺎوزت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻤن ﺤیث اﻟطﻠب ﻋﻠﻰ اﻟطﺎﻗﺔ‬
‫ﻤنذ ﻋﺎم ‪. 32010‬‬

‫‪ -1‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.332‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 18.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op. cit. p 505.‬‬

‫‪288‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺤتمﺎ‪،‬‬
‫ﻟذﻟك‪ ،‬ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬ﻻ ﺘترك اﻟصین أي ﻤجﺎل ﻟﻠتﻔﺎوض؛ وﻫكذا ً‬
‫ﺘر�یز أﻛثر ﺤدة‪ 1 .‬اﻹﺴتنتﺎج اﻟثﺎﻨﻲ اﻟذي �مكن‬
‫ًا‬ ‫ﻓﻲ ظﻞ ﻋدواﻨ�ﺔ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‪ ،‬اﻛتسبت اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬
‫اﺴتخﻼﺼﻪ ﻫو أن اﻟصین ﺘحﺎول ﺘدر�ج�ﺎً إﻋﺎدة ﺘشكیﻞ اﻟبیئﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ ﻟتتواﻓق ﻤﻊ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟوطن�ﺔ؛ وﻓﻲ‬
‫ﻫذا اﻟس�ﺎق‪ ،‬ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ إﺼﻼح ﻨظﺎم اﻟحكم اﻟﻌﺎﻟمﻲ وﺘدﻋو إﻟﻰ ﻤشﺎر�ﺔ أﻛبر ﻟﻠجنوب اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻛمﺎ اﻀطﻠﻌت اﻟصین ﺒدور ق�ﺎدي ﻓﻲ اﺠتمﺎع اﻟﻘﺎدة اﻹﻗتصﺎدﯿین ﻟمنظمﺔ اﻟتﻌﺎون اﻹﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ‬
‫واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻟﻌﺎم ‪ 2016‬ﻤن ﺨﻼل اﻗتراح إﻨشﺎء ﻤنطﻘﺔ ﺘجﺎرة ﺤرة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬وﻓﻲ‬
‫اﺌدا ﻓﻲ ﻋمﻞ اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪.‬‬
‫دور ر ً‬
‫اﻟبر�كس‪ ،‬دﻋت إﻟﻰ ﺘوﺴ�ﻊ اﻟﻌضو�ﺔ؛ �مﺎ ﻟﻌبت ًا‬
‫ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬اﻵن �ﻌد أن أﻟﻐت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ‪The Trans-Pacific‬‬

‫‪ ،Partnership Agreement‬ﻤن اﻟمحتمﻞ أن ﺘكتسب اﻟشراﻛﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ ‪The Regional‬‬

‫)‪Comprehensive Economic Partnership (RCEP‬اﻟصدارة؛ ﻤﺎ ﻫو واﻀﺢ ﻫو أن اﻟصین ﺘتحمﻞ "اﻟمز�د ﻤن‬


‫أ�ضﺎ �ﺄﻨﻬﺎ ﻟن "ﺘمﻸ اﻟﻔراغ اﻟذي ﺘر�ﻪ اﻟﻐرب ﻷﻨﻬﺎ ﻻ ﺘزال‬
‫اﻟمسؤوﻟ�ﺎت ﻓﻲ اﻟحو�مﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ"‪ ،‬وﻟكنﻬﺎ ﺘن�ﻪ اﻟﻌﺎﻟم ً‬
‫دوﻟﺔ ﻨﺎﻤ�ﺔ""‪.‬‬

‫ﺘدﻋم اﻟصین اﻟﻌوﻟمﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ وﺘدﻋم ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻟتحﻘیق ﻫذا اﻟﻬدف؛ ﻋبر ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻔكرة‬
‫"ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻓﻲ ﺨطﺎ�ﻪ ﻓﻲ ﻤنتدى ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪" ،‬ﻟ�س اﻟمﻘصود ﻤنﻬﺎ إﻋﺎدة اﺨت ارع اﻟﻌجﻠﺔ" وﻟكن‬
‫"ﻟتكمﻠﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟتنم�ﺔ ﻟﻠبﻠدان اﻟمشﺎر�ﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻻﺴتﻔﺎدة ﻤن ﻗوﺘﻬﺎ اﻟنسب�ﺔ‪ ".‬وﻤن ﺜم‪ ،‬ﻓﺈن "اﻻﺘحﺎد‬
‫اﻻﻗتصﺎدي اﻷوراﺴﻲ ﻟروﺴ�ﺎ‪ ،" The Eurasian Economic Union of Russia‬واﻟخطﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻹﺘصﺎل اﻵﺴ�ﺎن ‪The‬‬

‫‪ ،Master Plan on ASEAN Connectivity‬وﻤ�ﺎدرة اﻟطر�ق اﻟمشرق ﻟكﺎزاﺨستﺎن ‪The Bright Road initiative of‬‬

‫‪ ،Kazakhstan‬وﻤ�ﺎدرة اﻟممر اﻷوﺴط ﻟتر��ﺎ‪ ، The Middle Corridor initiative of Turkey‬وﻤ�ﺎدرة طر�ق اﻟتنم�ﺔ‬
‫ﻓﻲ ﻤنﻐوﻟ�ﺎ‪ ، The Development Road initiative of Mongolia‬وﻤ�ﺎدرة اﻟداﺌرة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟواﺤدة ﻟﻔیتنﺎم ‪One‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،Economic Circle initiative of Vietnam‬ﺘﻌتمد وﺘستند ﻋﻠﻰ اﻟﻬ�ﺎﻛﻞ اﻟﻘﺎﺌمﺔ وﻟ�س إﻨشﺎء ه�ﺎﻛﻞ ﺠدﯿدة‪.‬‬

‫ﺘﻘودﻨﺎ اﻟنﻘطﺔ اﻟمذ�ورة أﻋﻼﻩ إﻟﻰ اﻻﺴتنتﺎج اﻟثﺎﻟث وﻫو أﻨﻪ ﺒینمﺎ ﺘدﻋﻲ اﻟصین ﻋدم إﻋﺎدة اﺨتراع اﻟﻌجﻠﺔ‪،‬‬
‫ﺠدﯿدا ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ �مﺎ ﯿتضﺢ ﻤن ﺨطﺎﺒﻲ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻓﻲ "‪ "CICA‬و"‪"Davos‬‬
‫ً‬ ‫ﻨموذﺠﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘﻘدم‬
‫اﻟخﺎﺼین واﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﺤول اﻟتﻌﺎون ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ‪The White Paper on Asia-Pacific‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya. Op. cit. p 18.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 18‬‬

‫‪289‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻤنزوﻋﺎ ﻤن ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة‪ ،‬واﻟﻬ�منﺔ‪ ،‬وﻟع�ﺔ ﻤحصﻠتﻬﺎ‬


‫ً‬ ‫ﻨموذﺠﺎ ﺒدﯿﻼً‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ Cooperation.‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺘﻘترح اﻟصین‬
‫اﻟصﻔر�ﺔ اﻟتﻲ ﻤیزت اﻟنظﺎم اﻟﻠیبراﻟﻲ اﻟمﻬ�من اﻟذي ﺘﻬ�من ﻋﻠ�ﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة؛ و�مكن اﻟﻘول إن ﻫذا اﻟنموذج‬
‫اﻟبدﯿﻞ �ﺎن ﻓﻲ طور اﻟتكو�ن‪ ،‬وﻤن اﻟواﻀﺢ أﻨﻬﺎ ﺒدأت ﻓﻲ ﻋﻬد "ﺠ�ﺎﻨﻎ ز�مین ‪�" Jiang Zemin‬ص�ﺎﻏﺔ ﻤﻔﻬوم اﻷﻤن‬
‫اﻟجدﯿد )‪� ،The New Security Concept (NSC‬ﺎن ﻤﻔﻬوم اﻷﻤن اﻟجدﯿد رد ﻓﻌﻞ ﻹﺤتواء اﻟنزﻋﺔ اﻷﺤﺎد�ﺔ واﻟﻬ�منﺔ‬
‫‪1‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ اﻟتسﻌین�ﺎت‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺨطﺎ�ﻪ ﻓﻲ )‪ (CICA‬ﻛرر "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ ‪" Xi Jinping‬ﻤ�ﺎدئ ﻤجﻠس اﻷﻤن اﻟﻘوﻤﻲ ﻟﻠصین‪ ،‬اﻟثﻘﺔ‬
‫أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬوم‬
‫اﻟمت�ﺎدﻟﺔ واﻟمنﻔﻌﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ واﻟمسﺎواة واﻟتنسیق‪ ،‬ﻤن أﺠﻞ ﺒن�ﺔ أﻤن�ﺔ آﺴیو�ﺔ؛ أﻛد ﻫذا اﻟموﻀوع ً‬
‫اﻟﻌﺎﻟم اﻟمتنﺎﻏم ﻟﻠرﺌ�س "ﻫو ﺠینتﺎو" اﻟذي ﺴﻌﻰ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ إﻟﻰ ﺘوﻟید ﻓكرة ﺼین�ﺔ ﻟﻠحكم اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻤن ﺨﻼل ﺘﺄﻛیدﻩ‬
‫ﻋﻠﻰ إﻀﻔﺎء اﻟطﺎ�ﻊ اﻟد�مﻘراطﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﻤ�ﺎدئ اﻟﻌداﻟﺔ واﻻزدﻫﺎر اﻟمشترك‪ ،‬واﻟتنوع واﻟتسﺎﻤﺢ‪ ،‬وﺤﻞ‬
‫اﻟنزاﻋﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ ﺴﻠم�ﺎ‪.‬‬

‫وﺴ�ﺎﺴ�ﺎ ﻤع�ﺎرً�ﺎ‬
‫ً‬ ‫اﻗتصﺎد�ﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻨموذﺠﺎ‬
‫ً‬ ‫�ﻌكس ﺤﻠم اﻟصین ﻟشﻲ ﺠین ﺒینﻎ ﻨﻔس اﻹﺴتم ارر�ﺔ اﻟمﻔﺎه�م�ﺔ و�ﻘدم‬
‫�ﻌتمد ﻋﻠﻰ اﻷﻤن اﻟمت�ﺎدل واﻟتنم�ﺔ اﻟمشتر�ﺔ؛ �مكن اﺴتخﻼص ﻫذا ﻤن ﺨطﺎب "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻓﻲ ﻤنتدى )‪.(BRI‬‬
‫اﺴترﺸﺎدا ﺒرؤ�ﺔ اﻟتنم�ﺔ اﻟمبتكرة واﻟمنسﻘﺔ‬
‫ً‬ ‫"ﻟﻘد وﺼﻠت اﻟصین إﻟﻰ ﻨﻘطﺔ اﻨطﻼق ﺠدﯿدة ﻓﻲ ﻤسﺎﻋیﻬﺎ اﻟتنمو�ﺔ‪ ،‬و‬
‫واﻟخضراء واﻟمﻔتوﺤﺔ واﻟشﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻓسوف ﻨتك�ف ﻤﻊ اﻟوﻀﻊ اﻟطب�ﻌﻲ اﻟجدﯿد ﻟﻠتنم�ﺔ وﻨوﺠﻬﻪ وﻨﻐتنم اﻟﻔرص اﻟتﻲ‬
‫‪2‬‬
‫ﯿوﻓرﻫﺎ"‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺘﻠخص �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ وﺼﻔﺔ اﻟصین ﻟنموذج ﺒدﯿﻞ ﻟﻠحو�مﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺒنﺎء اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ ﻟتﺄﻤین اﻟطﺎﻗﺔ وﺘﻌز�ز اﻟتجﺎرة اﻟخﺎرﺠ�ﺔ واﻟتنم�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟﻘد أﺴﻔر ﻨجﺎح ﻟس�ﺎﺴﺎت "اﻹﺼﻼح واﻹﻨﻔتﺎح" اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین ﻋن اﻹﯿرادات اﻟﻼزﻤﺔ ﻟضمﺎن ﺘحدﯿث‬
‫ﺸﺎﻤﻞ ﻟكﻞ ﺠﺎﻨب ﻤن ﺠواﻨب اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ز�ﺎدة ﺘدر�ج�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻘدرات اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ )ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن‬
‫أن ﻤﻌظمﻬﺎ ﻷﻏراض دﻓﺎع�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ(‪ 3 .‬ﺒدأت اﻟصین ﻓﻲ ﺘرﺴ�ﺦ وﺠودﻫﺎ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ اﻟ�حر�ﺔ اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﺤك اًر‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya. Op. cit. p 19.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 20.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others. Op. cit. p 23.‬‬

‫‪290‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫�خﻞ ﺒتوازن اﻟﻘوى‬


‫ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ ﻤدى ﻨصﻒ اﻟﻘرن اﻟمﺎﻀﻲ‪ .‬و�ذا ﺘُرك ﻫذا دون ﻤﻌﺎﻟجﺔ‪ ،‬ﻓسوف ّ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻘﺎري واﻟ�حري اﻟمستمر ﻤنذ ﻋﻘود واﻟذي ﺤﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﻹﺴتﻘرار ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬

‫ﺘدور اﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟج�ش اﻟتحر�ر اﻟشﻌبﻲ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟج�ش اﻟتحر�ر اﻟشﻌبﻲ‬
‫ﺤول "اﻟدﻓﺎع اﻟنشط" واﻟردع اﻟنووي واﻟتﻘﻠیدي‪ .‬ﻤﻊ اﻟتحدﯿث اﻟسر�ﻊ ﻟﻬ�ﺎﻛﻞ وﻗدرات اﻟﻘوة اﻟجو�ﺔ واﻟﻔضﺎﺌ�ﺔ واﻟ�حر�ﺔ‪،‬‬
‫أﻗﺎﻤت اﻟصین ﺴ�طرة ﺤﺎزﻤﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ واﻟشرﻗﻲ وﻋززت ﻋرض ﻗوﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻏرب اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤن‬
‫ﺨﻼل اﻟﻘواﻋد اﻟﻌسكر�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟجزر اﻻﺼطنﺎع�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ .‬ﯿت�ﺢ ﺘحدﯿث اﻟﻘوات اﻟجو�ﺔ ﻟج�ش‬
‫اﻟتحر�ر اﻟشﻌبﻲ و�حر�ﺔ ﺠ�ش اﻟتحر�ر اﻟشﻌبﻲ وﺠود اﻟصین و�ﺒراز ﻗوﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﺴﻠسﻠﺔ ﻤن اﻟمواﻨﺊ ذات‬
‫اﻻﺴتخدام اﻟمزدوج اﻟتﻲ �جري ﺘطو�رﻫﺎ �جزء ﻤن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻓﻲ اﻟدول اﻟمطﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻬندي واﻟسﺎﺤﻞ اﻟشرﻗﻲ اﻷﻓر�ﻘﻲ ﺴتت�ﺢ اﻟخدﻤﺎت اﻟﻠوﺠست�ﺔ و�ﻤكﺎﻨ�ﺔ اﻟوﺼول إﻟﻰ اﻟﻘواﻋد اﻟﻌسكر�ﺔ إﻟﻰ اﻟصین‪.‬‬

‫أﺤد اﻟمصﺎدر اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻠبیئﺔ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟﻬشﺔ ﻫﻲ اﻟنزاﻋﺎت اﻟ�حر�ﺔ اﻟتﻲ ﻟم ﺘحﻞ ﻓﻲ �حر اﻟصین‬
‫ﻨظر ﻟﻠنزاﻋﺎت اﻟﻘﺎﻨوﻨ�ﺔ اﻟمﻌﻘدة ﻤنذ ﻓترة طو�ﻠﺔ ﺤول اﻟمطﺎﻟب اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟوﻻ�ﺔ اﻟﻘضﺎﺌ�ﺔ واﻟمطﺎﻟب اﻟمضﺎدة‪،‬‬
‫اﻟجنو�ﻲ؛ ًا‬
‫ﻓﺈن ﻨزاع �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﻫو ﻤشكﻠﺔ ﻤستﻌص�ﺔ ﻤنذ اﻟس�ﻌین�ﺎت؛ �ﺎن ﻫنﺎك ﺘخوف ﺤق�ﻘﻲ ﻤن أن ﻨزاع �حر‬
‫اﻟصین اﻟجنو�ﻲ �مكن أن �شﻌﻞ ﺤرً�ﺎ ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻗبﻞ ﻗرار اﻟمحكمﺔ اﻟخﺎﺼﺔ اﻟمنﻌﻘدة ﻓﻲ "ﻻﻫﺎي"‬
‫�موﺠب ﻗﺎﻨون اﻟ�حﺎر اﻟذي ﺼدر ﻓﻲ ﺠو�ﻠ�ﺔ ‪ ،2016‬ﺸﻬدت اﻟمنطﻘﺔ ﺴ�ﺎﺴﺔ ﺤﺎﻓﺔ اﻟﻬﺎو�ﺔ‪ ،‬وﺘﻔﺎﻗم اﻟتوﺘر اﻹﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫اﻟسﺎﺌد ﻤنذ أن ﺨﻠصت اﻟمحكمﺔ إﻟﻰ أن اﻟمطﺎﻟب اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﻟ�س ﻟﻬﺎ أﺴﺎس ﻗﺎﻨوﻨﻲ‬
‫‪3‬‬
‫ورﻓض اﻟصین ﻗرار اﻟمحكمﺔ وﺘمسكﻬﺎ �موﻗﻔﻬﺎ اﻟحﺎزم‪.‬‬

‫ﻋمﻠت اﻟصین ﻋﻠﻰ ﺘطو�ر ه�كﻠﻬﺎ اﻟﻌسكري وﻗدراﺘﻬﺎ �سرﻋﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﺠﻬود اﻟتحدﯿث اﻟﻌسكري‬
‫ﻗد اﺘخذت ﻓﻲ أواﺌﻞ اﻟثمﺎﻨین�ﺎت‪� ،‬ﺎﻨت ﺤرب اﻟخﻠ�ﺞ ﻋﺎم ‪ 1991‬ﻫﻲ اﻟتﻲ دﻓﻌت اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین إﻟﻰ ﺘسر�ﻊ اﻟﻌمﻠ�ﺔ؛‬
‫ﻛﻞ ﻫذا ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أن �ﻌزز ﻤوﻗﻊ اﻟصین اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﻲ ﻤنطﻘتﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ 4 .‬و�مﺎ أﻤنت‬
‫اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ اﻟحیو�ﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ ﺘﻌمﻞ اﻟصین أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﺄﻤین ﻤصﺎﻟحﻬﺎ‬
‫اﻟﻘﺎر�ﺔ اﻟحیو�ﺔ ﻓﻘد أﻨجزت اﻟصین ﻨجﺎﺤﺎ ﻓر�دا �ﻘوة ﻗﺎر�ﺔ‪ :‬اﻟحدود اﻵﻤنﺔ ﻋﻠﻰ �ﺎﻤﻞ ﻤح�طﻬﺎ اﻟبري‪ .‬ﻟكن اﻟسﻼم‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others. Op. cit. p 23.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh, Op, cit. p 87.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op, cit. pp 506-507.‬‬

‫‪291‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن ﺴوف �ﻌتمد ﻋﻠﻰ ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت اﻟصین �ﻌد أن أﻤنت ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ ﺴوف‬
‫ﺘحول اﻨت�ﺎﻫﻬﺎ إﻟﻰ ﺘطو�ر ﻗدرات إظﻬﺎر اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‪� ،‬مﺎ �جﻌﻠﻬﺎ ﺘتحدى اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟ�حر�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ واﻻﺴتﻘطﺎب‬
‫‪1‬‬
‫اﻟثنﺎﺌﻲ‪.‬‬

‫ﺠدار ﻤن ﺤﻠﻔﺎء اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬وﻫم اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ وﺘﺎﯿوان واﻟﻔﻠبین‪ .‬و�ﻬذﻩ‬
‫ًا‬ ‫وﺘواﺠﻪ اﻟصین‬
‫اﻟطر�ﻘﺔ‪ ،‬ﺘحﺎول اﻟصین اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟشر�ط اﻟ�حري ﺤول ﺸواطئﻬﺎ )�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ( وﺘوﺴ�ﻊ ﻨﻔوذﻫﺎ إﻟﻰ‬
‫اﻟمح�ط اﻟﻬندي؛ ﯿنطبق ﻫذا �شكﻞ ﺨﺎص ﻋﻠﻰ ﺠزر "ﺴبراﺘﻠﻲ" اﻟتﻲ ﺘﻘﻊ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ اﻟﻐنﻲ �ﺎﻟنﻔط‬
‫واﻟموارد‪ ،‬واﻟذي ﺘﻔرض اﻟصین ﻋﻠ�ﻪ ﻤطﺎﻟب إﻗﻠ�م�ﺔ واﺴﻌﺔ اﻟنطﺎق ﺘتداﺨﻞ ﻤﻊ ﻤطﺎﻟب اﻟدول اﻟمجﺎورة‪ .‬و�نطبق ﻫذا‬
‫أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ ﺠزر "�ﺎراﺴیﻞ" اﻟﻘر��ﺔ‪ 2 .‬وﺘؤ�د اﻟصین "ﺴ�ﺎدﺘﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ وﺤﻘوﻗﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ" ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‬
‫ً‬
‫‪3‬‬
‫وأﻋر�ت ﻋن رﻏبتﻬﺎ ﻓﻲ "ﺤﻞ اﻟنزاﻋﺎت ذات اﻟصﻠﺔ ﺴﻠم�ﺎً"‪.‬‬

‫ﻤﺎ �سمﻰ �ﺎﻟخط اﻟ�حري اﻷول )ﺴﻠسﻠﺔ اﻟجزر اﻷوﻟﻰ( �صﻞ إﻟﻰ ﺘﺎﯿوان ﻤطﺎ�ًﻘﺎ ً‬
‫ﻓﻌﻠ�ﺎ ﻟﻠمطﺎﻟب اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ و�تواﻓق ﻤﻊ ﻤنطﻘﺔ اﻟتحكم اﻟخﺎﻀﻌﺔ ﻟﻠس�طرة أو اﻟمستﻬدﻓﺔ �ﺎﻟﻔﻌﻞ‪ .‬وﺘتنﺎزع اﻟصین ﻤﻊ‬
‫اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤﻠك�ﺔ ﺠزر ﺴینكﺎﻛو )د�ﺎو�و اﻟصین�ﺔ(‪ .‬إن اﺴتیﻼء اﻟصین ﻋﻠﻰ ﺠزر ﺴینكﺎﻛو‪ /‬داﯿو�و ﺴ�كسر اﻟحﺎﺠز‬
‫اﻟجﻐراﻓﻲ ﻟحﻠﻔﺎء اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺒین ﺘﺎﯿوان واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ .‬و�ﺎﻟمثﻞ‪� ،‬مﺎ وﺴﻌت اﻟصین ﻤنﺎطق دﻓﺎﻋﻬﺎ اﻟجوي‪ .‬وﺘحﺎول‬
‫اﻟصین ﺘﺄﻤین اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل ﻤن ﺨﻼل ﺒنﺎء ﺠزر اﺼطنﺎع�ﺔ ذات وﺠود ﻋسكري وﻤن‬
‫ﺨﻼل اﺘﻔﺎق�ﺎت ﺜنﺎﺌ�ﺔ ﻤﻊ اﻟدول اﻟمجﺎورة ﻟتوﻀ�ﺢ اﻟمطﺎﻟب اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ 4 .‬اﻟخط اﻟ�حري اﻟثﺎﻨﻲ )ﺴﻠسﻠﺔ اﻟجزر اﻟثﺎﻨ�ﺔ(‬
‫ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن إﻟﻰ ﻏوام ﻫو اﻟحدود اﻟتﻲ ﻤن اﻟمخطط أن ﯿتم دﻓﻊ اﻟنﻔوذ اﻷﻤر�كﻲ إﻟیﻬﺎ ﺘدر�ج�ﺎً‪� .‬ﻌد ﺘﻌرض اﻟ�حر�ﺔ‬
‫أ�ضﺎ �ﺎﺴم‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمت ازﯿد ﻟﻸﻨشطﺔ اﻟصین�ﺔ أﺤد أﺴ�ﺎب اﻟتر�یز اﻷﻤر�كﻲ ﻋﻠﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬واﻟمﻌروف ً‬
‫‪5‬‬
‫‪ Pacific Turn‬أو ‪.Pacific Pivot‬‬

‫ﻤن أﺠﻞ اﻟتمكن ﻤن اﻟﻌمﻞ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ ،‬ﺒدأ اﻟصینیون ﻓﻲ ﺒنﺎء وﺘحدﯿث اﻟمواﻨﺊ ﻓﻲ اﻟبﻠدان اﻟصد�ﻘﺔ‪،‬‬
‫ﺒدءا ﻤن �مبود�ﺎ إﻟﻰ ﻤ�ﺎﻨمﺎر إﻟﻰ �ﺎﻛستﺎن‪ ،‬واﻟتﻲ ﺴیتم ر�طﻬﺎ �ﺎﻟصین ﻋن طر�ق ﻤمرات ﺒر�ﺔ‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺨطوط‬
‫ً‬

‫‪ -1‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.338‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p10.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh Op. cit. p 89.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p10.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- I bid. p10.‬‬

‫‪292‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻷﻨﺎﺒیب‪ .‬وﺘﻌتبر ﺨطوط اﻷﻨﺎﺒیب اﻟمتوﺨﺎة ذات أﻫم�ﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻷﻨﻬﺎ ﺴتﻘﻠﻞ �شكﻞ �بیر ﻤن وﻗت اﻟنﻘﻞ ﻤن‬

‫ﻤوردي اﻟنﻔط ﻓﻲ اﻟشرق اﻷوﺴط إﻟﻰ اﻟصین‪ .‬و�طب�ﻌﺔ اﻟحﺎل‪ ،‬ﺴتمكن اﻟصین ً‬
‫أ�ضﺎ ﻤن اﻻﻟتﻔﺎف ﻋﻠﻰ ﻨﻘﺎط اﻟخنق‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمحتمﻠﺔ ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻗبﻞ اﻟ�حر�ﺔ اﻟﻬند�ﺔ إﻟﻰ اﻟحد اﻷدﻨﻰ‪.‬‬

‫وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻋرض اﻟصین ﻟﻘوﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي ﺼﻌب ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ وﻫذا �ﻌیدﻨﺎ إﻟﻰ "ﻤﺎﻫﺎن"‪ .‬إن اﻟمسرح‬
‫اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻌمﻠ�ﺎت اﻟ�حر�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻫو اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻤﻊ ﻨزاﻋﺎﺘﻪ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟﻌدﯿدة �ﺎﻟﻘرب ﻤن اﻟدوﻟﺔ اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ ﻟﻬﺎ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﺈن ﻗدرات اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬندي ﻤحدودة‪.‬‬

‫وﺘمتﻠك اﻟصین اﻟموارد اﻟطب�ع�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻌین ﻋﻠﻰ اﻟنمو اﻹﻗتصﺎدي واﻹﺴتﻘﻼل اﻹﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬وﺘتمتﻊ أ�ضﺎ‬
‫�خطوط اﺘصﺎل داﺨﻠ�ﺔ �بیرة ﺘوﻓر اﻟﻌمق اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟضروري ﻟـ "ﻗﺎﻋدة وطن�ﺔ ﻤنتجﺔ وآﻤنﺔ" وذﻟك ﻫو اﻟﻌنصر‬
‫اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻠﻘوة اﻟ�حر�ﺔ‪ 3 .‬وﻋﻠﻰ اﻋت�ﺎر إﻤكﺎﻨ�ﺔ ﻨشوب ﺼراﻋﺎت ﻋﻠﻰ ﺠبﻬﺎت ﻤتﻌددة وﺘطو�ق اﺴتراﺘ�جﻲ ﻓﺈن اﻟصین‬
‫ﺘواﺠﻪ ﺘحد�ﺎت أﻤن�ﺔ ﻤمكنﺔ‪ ،‬ﻟذﻟك ﯿتوﺠب ﻋﻠیﻬﺎ أن ﺘحﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﻟوﻀﻊ اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟراﻫن واﻟمستﻘر ﻋﻠﻰ ﺤدودﻫﺎ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟبر�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟطو�ﻞ وﺘوﻓیر ﻤوارد ﻟبنﺎء اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ �ذﻟك‪.‬‬

‫ﺘرى اﻟصین أﻨﻪ ﻤن اﻟضروري إدارة إﻤدادات اﻟطﺎﻗﺔ ﻏیر اﻟمنﻘطﻌﺔ واﻵﻤنﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﺄﺘﻲ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻤن‬
‫اﻟشرق اﻷوﺴط وﺸمﺎل إﻓر�ق�ﺎ ﻋبر اﻟطرق اﻟ�حر�ﺔ‪ .‬ﻟتﺄﻤین إﻤدادات اﻟطﺎﻗﺔ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ ،‬اﺴتثمرت اﻟصین‬
‫ﻓﻲ �ﻌض اﻟمواﻨﺊ اﻟجدﯿدة ﻓﻲ �ﺎﻛستﺎن و�نﻐﻼد�ش وﺴر�ﻼﻨكﺎ وﻤ�ﺎﻨمﺎر؛ وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﯿؤ�د �ﻌض اﻟﻌﻠمﺎء أن اﻟم�ﺎدرة‬
‫أ�ضﺎ‪.‬‬
‫اﻟصین�ﺔ ﻻ ﺘستند ﻓﻘط إﻟﻰ اﻻﻋت�ﺎرات اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬وﻟكنﻬﺎ ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺘﻌز�ز اﻟتﺄﺜیر اﻹﺴتراﺘ�جﻲ ﻟﻠصین ً‬
‫ﻛشﻔت وﺜﺎﺌق اﻟدﻓﺎع اﻟصین�ﺔ أن اﻟصین ﺴتر�ز ﻋﻠﻰ ﺘﺄﻤین اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺘﻌز�ز اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻓﻲ‬
‫‪5‬‬
‫ﻤواﻗﻊ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤختﻠﻔﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ف�ﻔري ‪ ،2017‬أﻋﻠن ﻤكتب اﻟشؤون اﻟتشر�ع�ﺔ ﻓﻲ ﻤجﻠس اﻟدوﻟﺔ اﻟصینﻲ أﻨﻪ �سﻌﻰ ﻟﻠحصول ﻋﻠﻰ آراء‬
‫ﻋﺎﻤﺔ �شﺄن ﺘنق�حﺎت ﻟﻘﺎﻨون ﺴﻼﻤﺔ اﻟمرور اﻟ�حري ﻟﻌﺎم ‪1984‬؛ ﺴتجﻌﻞ ﻫذﻩ اﻟمراﺠﻌﺔ اﻟﻐواﺼﺎت اﻷﺠنب�ﺔ ﺘسﺎﻓر‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟسطﺢ وﺘبﻠﻎ اﻟسﻠطﺎت ﻋن ﺘحر�ﺎﺘﻬﺎ ﻋندﻤﺎ ﺘكون ﻓﻲ ﻤ�ﺎﻩ اﻟصین؛ ﺘم اﻹﺒﻼغ ﻋن أن ﻤسودة اﻷﺤكﺎم ﺴتسمﺢ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Sören Scholvin, Op. cit. p 10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 10.‬‬
‫‪ -3‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.327‬‬
‫‪ -4‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Muhammad Saeed, Op, cit. pp 505-506.‬‬

‫‪293‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻟﻠسﻠطﺎت اﻟ�حر�ﺔ "�منﻊ دﺨول اﻟسﻔن اﻷﺠنب�ﺔ إﻟﻰ اﻟم�ﺎﻩ اﻟصین�ﺔ إذا ﺘم اﻟحكم ﻋﻠﻰ اﻟسﻔن �ﺄﻨﻬﺎ ﺴبب ﻤحتمﻞ‬
‫ﻟﻠضرر �ﺎﻟسﻼﻤﺔ واﻟنظﺎم اﻟمﻼﺤیین"‪� .‬شكﻞ ﻋﺎم‪ ،‬ﺴ�كون ﻤثﻞ ﻫذا اﻟتنق�ﺢ ﻀمن ﺤﻘوق اﻟدوﻟﺔ اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟنحو‬
‫اﻟمنصوص ﻋﻠ�ﻪ ﻓﻲ اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻷﻤم اﻟمتحدة ﻟﻘﺎﻨون اﻟ�حﺎر )‪ً (UNCLOS‬ا‬
‫ﻨظر ﻷﻨﻬﺎ ﺘنطبق ﻋﻠﻰ اﻟم�ﺎﻩ اﻟخﺎﻀﻌﺔ‬
‫ﻟﻠوﻻ�ﺔ اﻟﻘضﺎﺌ�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ )اﻟم�ﺎﻩ اﻟداﺨﻠ�ﺔ واﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟمنطﻘﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟخﺎﻟصﺔ(‪.‬‬

‫ﺤددت اﻟصین اﻟم�ﺎﻩ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ �ﺄﻨﻬﺎ ﺘشمﻞ اﻟم�ﺎﻩ اﻟداﺨﻠ�ﺔ واﻟ�حر اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟمنطﻘﺔ اﻟمتﺎﺨمﺔ واﻟمنطﻘﺔ‬
‫اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟخﺎﻟصﺔ واﻟجرف اﻟﻘﺎري و"أي ﻤنﺎطق �حر�ﺔ أﺨرى ﺘخضﻊ ﻟوﻻ�ﺔ اﻟصین "‪ .‬إن ﺘطبیق ﻫذا اﻟتﻌر�ف‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻘواﻋد اﻟتﻲ اﻗترﺤتﻬﺎ اﻟصین�ﺔ �سمﺢ ﻟﻬﺎ ﺒتوﺴ�ﻊ ﺤﻘوﻗﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ﻟتشمﻞ ﻤنﺎطق �حر�ﺔ ﺸﺎﺴﻌﺔ ‪�-‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك‬
‫اﻟم�ﺎﻩ داﺨﻞ "ﺨط ﺘسﻊ ﺸرطﺎت"‪ .‬وﻤن اﻟمؤ�د أن إﻨﻔﺎذ ﻫذﻩ اﻟحﻘوق اﻟﻘضﺎﺌ�ﺔ داﺨﻞ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﺴیز�د ﻤن‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتوﺘر اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻟحﺎﻟﻲ وﺴیز�د ﻤن اﺤتمﺎﻟ�ﺔ اﻟصراع داﺨﻞ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪.‬‬

‫ﯿؤﺜر ﺘحدﯿث اﻟج�ش اﻟصینﻲ ﻋﻠﻰ ﺘوازن اﻟﻘوى و�ﻌمﻞ �مصدر ﻗﻠق اﻟكثیر ﻤن اﻟدول و�حﻔز ﺘطو�ر اﻟدﻓﺎع‬
‫ﻓﻲ اﻟدول اﻟمجﺎورة‪ ،‬ﻓﺈدﻋﺎءات اﻟصین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟحﺎزﻤﺔ واﻟخطﺎب اﻟﻘوﻤﻲ واﻟثﻘﺎﻓﺔ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟمواز�ﺔ وﺘسر�ﻊ‬
‫ﺒرﻨﺎﻤﺞ اﻟتحدﯿث اﻟﻌسكري ﺨﻠق "ﻤﻌضﻠﺔ أﻤن�ﺔ" ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪ 2 .‬ﯿؤ�د اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض أﻨﻪ "ﻟن‬
‫�كون ﻫنﺎك أي ﺠﻬد ﻟتدو�ﻞ ﻗض�ﺔ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ و�ﻀﻔﺎء اﻟطﺎ�ﻊ اﻟﻘضﺎﺌﻲ ﻋﻠیﻬﺎ؛ ﻟن ﯿؤدي إﻻ إﻟﻰ ز�ﺎدة‬
‫ﺼﻌو�ﺔ ﺤﻞ اﻟمشكﻠﺔ وﺘﻌر�ض اﻟسﻼم واﻹﺴتﻘرار اﻹﻗﻠ�میین ﻟﻠخطر "؛ ﻤﺎ �شكﻞ رﻓضﺎ واﻀحﺎ ﻟجﻬود اﻟوﺴﺎطﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟخﺎرﺠ�ﺔ )طرف ﺜﺎﻟث(‪.‬‬

‫ﻓﻲ ظﻞ غ�ﺎب ﻤصﺎﻟﺢ �حر�ﺔ ﻤﻬمﺔ ﻓﺈن ﻤصﺎﻟﺢ اﻟصین اﻟﻘﺎر�ﺔ واﻟﻘدرات اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟ�حر�ﺔ ﺴوف ﺘردع‬
‫اﻟصین ﻋن ﺠﻌﻞ اﻟﻘوة اﻟ�حر�ﺔ أوﻟو�ﺔ ﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺤتﻰ اﻟنمو اﻹﻗتصﺎدي اﻟمستمر واﻟحﺎﺠﺔ اﻷﻛبر ﻟﻠطﺎﻗﺔ ﻟن ﺘجﻌﻠﻬﺎ‬
‫ﺘطور ﻗدرات �حر�ﺔ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋن ﻤصﺎﻟحﻬﺎ وطرق اﻟمﻼﺤﺔ اﻟ�حر�ﺔ ف�مﺎ وراء اﻟ�حر؛ ﻓﻸن اﻟتﻌز�ز اﻟ�حري اﻟصینﻲ‬
‫ﻗد ﯿؤدي إﻟﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ أﻤر�ك�ﺔ ﻤمﺎﺜﻠﺔ ﻓﺈن واردات اﻟصین ﻤن اﻟطﺎﻗﺔ ﺴتظﻞ ﻋرﻀﺔ ﻟﻠمنﻊ اﻷﻤر�كﻲ‪ 4 .‬ﻟذﻟك‪ ،‬وﻤن‬
‫أﺠﻞ ﺘسو�ﺔ اﻟنزاﻋﺎت ﺤول اﻷراﻀﻲ واﻟحﻘوق اﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬ﺘطﻠب اﻟصین ﻤن اﻷطراف اﻟمﻌن�ﺔ "اﺤترام اﻟحﻘﺎﺌق اﻟتﺎر�خ�ﺔ"‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh, Op, cit. p 92.‬‬
‫‪ -2‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ص ‪.214-213‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh, Op, cit. p 91.‬‬
‫‪ -4‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.343‬‬

‫‪294‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻋﺎﻟم�ﺎ" و"اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻷﻤم اﻟمتحدة‬


‫ً‬ ‫واﻟسﻌﻲ إﻟﻰ ﺤﻞ ﻤن ﺨﻼل اﻟمﻔﺎوﻀﺎت �موﺠب إﺠراءات "اﻟﻘﺎﻨون اﻟدوﻟﻲ اﻟمﻌترف �ﻪ‬
‫ﻟﻘﺎﻨون اﻟ�حﺎر"؛ وﻤن وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟصین�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﻫذﻩ "اﻟﻘواﻋد ﻻ ﯿن�ﻐﻲ أن ﺘمﻠیﻬﺎ دوﻟﺔ �ﻌینﻬﺎ"‪ ،‬ﺒﻞ "�جب ﻤنﺎﻗشﺔ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻘواﻋد اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ وﺼ�ﺎﻏتﻬﺎ ﻤن ﻗبﻞ ﺠم�ﻊ اﻟمﻌنیین"‪.‬‬

‫�ﻌدا‬
‫وﻗد أﻀﺎﻓت ﺘحر�ﺎت اﻟصین اﻟمتزاﯿدة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي )‪ (IOR‬ﻤن ﺨﻼل أﺼوﻟﻬﺎ اﻟ�حر�ﺔ ً‬
‫ﺠدﯿدا ﻟﻠدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬راﻓﻘﻪ ﻋدم وﺠود ﺴ�ﺎﺴﺔ �حر�ﺔ ﺼین�ﺔ واﻀحﺔ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ ،‬ﻤﺎ زاد‬
‫ً‬
‫ﻤن ﺤدة ﻋدم اﻟ�ﻘین ﻓﻲ اﻟنوا�ﺎ‪ .‬و�ﺎﻟنظر إﻟﻰ ﺸ�ﻪ اﻟتحﺎﻟﻒ اﻟمحتمﻞ ﺒین اﻟﻬند واﻟ�ﺎ�ﺎن واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻋت�ﺎرﻩ‬
‫ﻋق�ﺔ أﻤﺎم ﺘحﻘیق طموﺤﺎﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ )‪ ،(IOR‬ﺘستﻌد اﻟصین ﻷي ﻤنﺎﻓسﺔ ﺴتنشﺄ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل ﻤحﺎوﻟﺔ ﻤتﻌمدة‬
‫‪2‬‬
‫ﻟﻐموض اﺴتراﺘ�جﻲ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ اﻛتسﺎب اﻟﻔرﺼﺔ ﻟتصﻌید اﻟنشﺎط اﻟ�حري‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي �ختﺎروﻨﻪ‪.‬‬

‫أدت اﻟصین �ﻔﺎﻋﻞ ﻗوي �شكﻞ ﻤتزاﯿد ﻓﻲ اﻟمز�ﺞ اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻵﺴیوي‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﻫذا اﻟدور ﯿدرك‬
‫ﺘمﺎﻤﺎ أن ﻨﻬوﻀﻬﺎ ﯿتطﻠب ﺒیئﺔ ﺠﻐراف�ﺔ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺴﻠم�ﺔ وآﻤنﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻷﻤن اﻟ�حري ﻟﻠصین‪� ،‬ﻘوة ﻋسكر�ﺔ‬
‫ﻫﺎﻤﺔ‪ ،‬و�ﻨشﺎء ﻗوة ﻋسكر�ﺔ‪� ،‬ﻌززان ﺘوازﻨﻬﺎ ﻤﻊ اﻟﻘﺎرة‪ .‬ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ ﺘزاﯿد اﻟنﻔوذ اﻻﻗتصﺎدي واﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴﻲ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﺎﻟصین ﺘﻠﻌب دو ار ﻫﺎﻤﺎ ﻓﻲ ﺠم�ﻊ ﺠواﻨب اﻷﻤن ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﺨبرة اﻟصین اﻟوﺤیدة ﻓﻲ اﻟتﻬدﯿد ﻤن ﺠﺎﻨب ﻗوى �حر�ﺔ ﺤدﺜت ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟتﺎﺴﻊ ﻋشر‪ .‬ﻟكن ﻫذا اﻹﺴتثنﺎء‬
‫ﯿؤ�د أن اﻟﻘوى اﻟبر�ﺔ ﺘشكﻞ اﻟتﻬدﯿد اﻟرﺌ�سﻲ ﻟﻸﻤن اﻟصینﻲ‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻷﺴطول اﻟبر�طﺎﻨﻲ ﻓرض ﻫزاﺌم‬
‫ﻤذﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟصین ﻓﺈن ﺒر�طﺎﻨ�ﺎ اﻟﻌظمﻰ ﻟم ﺘحﺎول ﻤطﻠﻘﺎ اﺤتﻼل اﻷراﻀﻲ اﻟصین�ﺔ )�ﺎﺴتثنﺎء اﻟمواﻨﺊ اﻟمﻔتوﺤﺔ‬
‫‪ 4 .(Treaty ports‬ﻋﻠﻰ ﺨﻼف ذﻟك ﻓﺈن اﻟتﻬدﯿدات اﻷﻛبر ﻟﻠصین ﺠﺎءت أوﻻ ﻤن روﺴ�ﺎ و�ﻌد ذﻟك ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟتﻲ‬
‫اﺴتخدﻤت ﻗوات ﺒر�ﺔ ﻻﺤتﻼل اﻟصین‪ .‬ﻓﺎﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬ﻤت�ﻌﺔ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟمنشوو�ن ‪ Manchus‬ﻓﻲ اﻟﻘرن ‪ ،17‬اﺴتخدﻤت‬
‫ﺸمﺎل ﺸرق اﻟصین �ﻘﺎﻋدة ﻟﻐزو اﻟداﺨﻞ اﻟصینﻲ‪ ،‬ﻓﻠ�س ﺜمﺔ ﻓترة ﻓﻲ اﻟتﺎر�ﺦ اﻟصینﻲ ﻗﺎﻤت ﻗوة �حر�ﺔ ‪-‬ﻓﻲ ﻤﻘﺎﺒﻞ‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﻘوة اﻟبر�ﺔ‪� ،-‬ﻔرض ﺘﻬدﯿد ﻋﻠﻰ اﻟصین‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh, Op, cit. p 91.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Adarsha Verma, “Chinese Ambitions in the Indian Ocean Region", In M.S. Prathibha: EAST ASIA STRATEGIC REVIEW:‬‬
‫‪China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (NEW DELHI, INSTITUTE FOR DEFENCE STUDIES, First Published, 2018). p 113.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ralph A. Cossa and others, Op. cit. p 23.‬‬
‫‪ -4‬رو�رت روس‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.339‬‬
‫‪ -5‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.339‬‬

‫‪295‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬ﺘﻌز�ز ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻟشراﻛﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ ﻋبر اﻟتﻌﺎون اﻟثنﺎﺌﻲ واﻟمتﻌدد اﻷطراف‬

‫اﻟمرﺤﻠﺔ اﻷﻫم ﻓﻲ ﺘطور اﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻫﻲ ﻤرﺤﻠﺔ اﻟتحول ﻓﻲ اﻟتوﺠﻬﺎت اﻟﻔكر�ﺔ ﻟﻠق�ﺎدة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﻟﻠحزب واﻟدوﻟﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟجیﻞ اﻷول‪-‬ﻤﺎو ورﻓﺎﻗﻪ‪-‬؛ �ﺎﻨوا ﻤن اﻟمتﺄﺜر�ن �ﺎﻟكوﻨﻔوﺸیوﺴ�ﺔ واﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ‪-‬اﻟﻠینینﻲ‪،‬‬
‫و�مجﻲء اﻟق�ﺎدات اﻟجدﯿدة �ﻌد ﻋﺎم ‪� 1978‬ﺎﻨت أﻓكﺎر "دﯿنﻎ" " داﻓﻌﺎ ﻗو�ﺎ �ﺎﺘجﺎﻩ ﻤزج ﻤﻔﺎه�م اﻻﻗتصﺎد اﻟحر ﻤﻊ‬
‫‪1‬‬
‫ﻨظر�ﺎت اﻻﻗتصﺎد اﻟمخطط ﻤر�ز�ﺎ‪.‬‬

‫ظﻬرت اﻟﻘوة اﻹﻗتصﺎد�ﺔ واﻟمﺎﻟ�ﺔ ﻟﻠصین �شكﻞ ﺨﺎص ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻤﻊ اﻨحسﺎر ﻗوة اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ ﻤنذ اﻷزﻤﺔ اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ ﻓﻲ ‪1998-1997‬؛ ﻟﻘد �ﺎﻨت دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟصین اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻤنذ اﻷزﻤﺔ‬
‫اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ ﻓﻌﺎﻟﺔ‪ 2 .‬وﻓﻲ ﻋــﺎم ‪ 1999‬ﺤصــﻠت اﻟصــین ﻋﻠــﻰ ﻋضــو�ﺔ ﻤنظمــﺔ اﻟتجــﺎرة اﻟﻌﺎﻟمیــﺔ ﻟتحــرر ﻨشــﺎطﻬﺎ‬
‫اﻟتجــﺎري وﻟتنــﺎﻓس أﻗــوى اﻹﻗتصــﺎد�ﺎت ﻓﻲ اﻟﻌــﺎﻟم‪ ،‬وأﺼ�حت اﻟصین ﻓﻲ اﻟﻌﻘد اﻷول ﻤن اﻟﻘرن اﻟواﺤـد واﻟﻌشـر�ن‬
‫‪3‬‬
‫ﺜـﺎﻨﻲ أﻛـبر اﻗتصـﺎد ﻓﻲ اﻟﻌـﺎﻟم �ﻌـد اﻟوﻻﯿـﺎت اﻟمتحـدة اﻷﻤر�كیـﺔ‪ ،‬وﻟـدﯿﻬﺎ أﻛـبر اﺤتیـﺎطﻲ ﻨﻘـدي ﻓﻲ اﻟﻌـﺎﻟم‪.‬‬

‫اﺴتمر اﻟتكﺎﻤﻞ اﻻﻗتصﺎدي اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ �كﻞ ﻋﻠﻰ ﻗدم وﺴﺎق‪ .‬ﻨمت اﻟصﺎدرات اﻟبین�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘد‬
‫اﻟمﺎﻀﻲ ﻤن ‪ %34‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2002‬إﻟﻰ أﻛثر ﻤن ‪ %50‬ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎن ‪ .3+‬ﻤنذ ﻋﺎم ‪� 1993‬ﺎﻨت اﻟصین ﻤستوردا‬
‫ﻓﻲ اﻟتجﺎرة اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ .‬ﺤواﻟﻲ ‪ %50‬ﻤن واردات اﻟصین ﺘﺄﺘﻲ ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن وﺘﺎﯿوان و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ‪ .‬وﻤن ﺤیث اﻻﺴتثمﺎر‬
‫اﻷﺠنبﻲ اﻟم�ﺎﺸر‪ ،‬ﺘمتﻠك اﻟ�ﺎ�ﺎن أﻛثر ﻤن ‪ 30‬أﻟﻒ ﺸر�ﺔ ﺘستثمر أﻛثر ﻤن ‪ 60‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻓﻲ اﻟصین؛ �ور�ﺎ‬
‫اﻟجنو��ﺔ أ�ضﺎ ﺘستثمر أﻛثر ﻤن ‪ 35‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر؛ وﺘشﺎرك ﺴنﻐﺎﻓورة ﻓﻲ أﻛثر ﻤن ‪ 16000‬ﻤشروع �ﺎﺴتثمﺎرات ﺘز�د‬
‫ﻋن ‪ 31‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر‪ .‬ﺤتﻰ ﺘﺎﯿوان‪ ،‬اﻟتﻲ ﻟدﯿﻬﺎ اﻟصین ﻤﻌﻬﺎ ﻤشكﻠﺔ "ﻤصﻠحﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ" ﻏیر ﻗﺎﺒﻠﺔ ﻟﻠتﻔﺎوض‪ ،‬اﺴتثمرت‬
‫أﻛثر ﻤن ‪ 110‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻓﻲ اﻟبر اﻟرﺌ�سﻲ‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺘمثﻞ اﻟشر�ﺎت ﻤتﻌددة اﻟجنس�ﺎت ‪ %60‬ﻤن إﺠمﺎﻟﻲ‬
‫ﺘجﺎرة اﻟصین‪ ،‬و�تم اﺴتیراد ‪ %80‬ﻤن ق�مﺔ ﺼﺎدراﺘﻬﺎ‪ .‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪� ،‬ﺄﺘﻲ ﺤواﻟﻲ ‪ %60‬ﻤن ﺠم�ﻊ اﻟواردات إﻟﻰ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة ﻤن اﻟشر�ﺎت اﻟتﺎ�ﻌﺔ ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة أو اﻟشر�ﺎت اﻟمتﻌﺎﻗدة ﻓﻲ اﻟصین؛ ﻤﺎ ﺘُظﻬرﻩ ﻫذﻩ اﻷرﻗﺎم ﻫو أن‬
‫اﻟصﺎدرات "اﻟصین�ﺔ" ﻟ�ست ﻓﻘط ﻫﻲ اﻟتﻲ ﺘحدد اﻟجﻐراف�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﺘﻘﻊ اﻟصین ﻓﻲ‬
‫‪4‬‬
‫ﻗﻠب ﺘﻘس�م اﻟﻌمﻞ اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟدوﻟﻲ )أﻧﻈﺮاﳌ�حﻖ رﻗﻢ ‪.(8‬‬

‫‪ -1‬ﺻﺑﺎح ﻧﻌﺎس ﺷﻧﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪) .‬د‪.‬ص(‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Munir Majid, Op, cit. p 22.‬‬
‫‪ -3‬ﺻﺑﺎح ﻧﻌﺎس ﺷﻧﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪) .‬د‪.‬ص(‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Munir Majid, Op, cit. pp 23-24.‬‬

‫‪296‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫أوﻻ‪ :‬اﻟتجمﻊ اﻹﻗتصﺎدي اﻵﺴیوي اﻟ�ﺎﺴ�ف�كﻲ‬

‫ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬اﻟتﻲ أﻨشئت ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1989‬ﻤن ﻗبﻞ ‪ 12‬ﻤن اﻟدول‬
‫اﻷﻋضﺎء‪ ،‬ﻫو ﻤنتدى اﺴتشﺎري ﻤﻊ ﻋدم وﺠود ه�كﻞ ﺘنظ�مﻲ‪ ،‬اﻟﻔكرة اﻷﺼﻠ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟطو�ﻞ ﻫو إﻨشﺎء ﻤجتمﻊ‬

‫آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ .‬ﻟﻘد �ﺎن ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻹﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ً‬
‫‪1‬‬
‫أ�ضﺎ وﺴیﻠﺔ ﻤﻬمﺔ ﻟتحر�ر اﻟتجﺎرة‬
‫اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ طر�ق اﻻﻨضمﺎم إﻟﻰ ﻤنظمﺔ اﻟتجﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﺘسﻬیﻞ ﺘحر�ر اﻟتجﺎرة‪� ،‬ﻌزز �ﻞ ﻤن ﻤنظمﺔ اﻟتﻌﺎون‬
‫اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ وﻤنظمﺔ اﻟتجﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ �ﻞ ﻤنﻬمﺎ اﻵﺨر‪ .‬وﺘسﺎﻋد �ﻞ ﻤن ﻋضو�ﺔ ﻤنظمﺔ‬
‫اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ واﻻﻨضمﺎم إﻟﻰ ﻤنظمﺔ اﻟتجﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓﻲ اﻟمﻬمﺔ اﻟضخمﺔ ﻟﻺﺼﻼح‬
‫‪2‬‬
‫اﻟداﺨﻠﻲ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﻓﻬﻲ �بیرة ﻟدرﺠﺔ أن ﻤصﺎﻟحﻬﺎ اﻟتجﺎر�ﺔ وﺘﺄﺜیرﻫﺎ ﻋﺎﻟمﻲ ﻗو�ﺔ �شكﻞ ﻏیر ﻤتنﺎﺴب ﻤﻊ‬
‫ﺸر�ﺎﺌﻬﺎ اﻟم�ﺎﺸر�ن ﻓﻲ ﻏرب اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ وآﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻟذﻟك ﻓﺈن ﺘطور اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠصین‬
‫ﻤﻊ ﺸر�ﺎﺌﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬واﻟذي ﻟﻌب ف�ﻪ ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‬
‫‪3‬‬
‫أﺴﺎﺴ�ﺎ ﻤن ﻗصﺔ ﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟصین ﺴر�ﻊ اﻟنمو واﻟمتﻐیر ﻤﻊ اﻹﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ "‪.‬‬
‫ً‬ ‫ﻤﻬمﺎ ﻓﻲ اﻟتسﻌین�ﺎت �ﻌد ﺠزًءا‬
‫دور ً‬
‫ًا‬

‫و�ﺎﺨتصﺎر‪ ،‬ﻓﺈن اﻹﻗتصﺎدات اﻷﻋضﺎء ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﻤنظمﺔ اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬وﻫﻲ دول ﻤجﺎورة ﻟﻠصین‪ ،‬ﺘم ﺘﻘر�بﻬﺎ �شكﻞ ﻤتزاﯿد ﻤن اﻟصین إﻤﺎ ﻤن ﺨﻼل ﻗوى اﻟسوق ﻏیر اﻟرﺴم�ﺔ أو‬
‫ﻤن ﺨﻼل ﺘرﺘی�ﺎت اﻟتﻌﺎون اﻟرﺴم�ﺔ‪ .‬ﺤتﻰ اﻵن‪ ،‬ﻟم ﺘنشﺊ اﻟصین أي ﺘرﺘی�ﺎت ﺘﻌﺎون اﻗتصﺎدي رﺴم�ﺔ ﻤﻊ اﻗتصﺎدات‬
‫ﻗو�ﺎ ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻹﻗتصﺎدات اﻟمتﻘدﻤﺔ ﻤن ﺨﻼل‬
‫اﻗتصﺎد�ﺎ ً‬
‫ً‬ ‫أﻤر�كﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ وأﺴتراﻟ�ﺎ‪ ،‬ﻟكن اﻟصین أﻗﺎﻤت �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﺘكﺎﻤﻼ‬
‫دور ﻤحورً�ﺎ ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺘنش�ط‬
‫ﺸ�كﺔ واﺴﻌﺔ ﻤن اﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎر واﻟتمو�ﻞ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻤن اﻟمﻘرر أن ﺘﻠﻌب اﻟصین ًا‬
‫‪4‬‬
‫ﻋمﻠ�ﺔ ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ‪.‬‬

‫ﻓﻌﺎﻻ ﻓﻲ ﺘﻌز�ز اﻟﻌمﻠ�ﺔ "اﻟرﺴم�ﺔ" ﻟﻠتكﺎﻤﻞ اﻻﻗتصﺎدي‬


‫دور ً‬
‫وف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟترﺘی�ﺎت اﻟمؤﺴس�ﺔ‪ ،‬ﻟﻌبت اﻟصین ًا‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ .‬دﺨﻠت اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﺒین اﻟصین واﻵﺴ�ﺎن‪� ،‬ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ أول ﻤ�ﺎدرة ﻤن ﻨوﻋﻬﺎ ﻟﻶﺴ�ﺎن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lok Sang Ho, John Wong, “APEC and the Rise of China: an Introduction”, (World Scientific Book, 2011), p 1.‬‬
‫‪https://cutt.ly/mSWhjc3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Drysdale, Peter and others, APEC and liberalisation of the Chinese economy, (Canberra, The Australian National‬‬
‫‪University, 2012).‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Lok Sang Ho, John Wong, Op, cit. p 5.‬‬

‫‪297‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫زاﺌد واﺤدة‪ ،‬ﺤیز اﻟتنﻔیذ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .2010‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺘوﺴﻌت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠصین ﻤﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ ﻤن اﻵﺴ�ﺎن ﻓﻲ‬
‫اﻟجنوب �سرﻋﺔ‪ ،‬وأﺼ�حت اﻟصین اﻵن أﻛبر ﺸر�ك ﺘجﺎري ﻟﻶﺴ�ﺎن‪ .‬ﻓﻲ ﺸمﺎل ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ ،‬أﻗﺎﻤت اﻟصین �ﺎﻟﻔﻌﻞ‬
‫‪1‬‬
‫روا�ط ﺘجﺎر�ﺔ واﺴتثمﺎر�ﺔ ﻗو�ﺔ ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن و�ور�ﺎ اﻟجنو��ﺔ )اﻟصین ﻫﻲ اﻟشر�ك اﻟتجﺎري اﻷول ﺒینﻬمﺎ(‪.‬‬

‫ﻘیدا‪ .‬ﻻ ﺘزال اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠصین‬


‫وﻟكن ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟصورة أﻛثر ﺘﻌ ً‬
‫ﻤﻊ أﻋضﺎء ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﺘﻌﺞ �ﺎﻟمشﺎﻛﻞ واﻟمﻔﺎه�م اﻟخﺎطئﺔ؛ إذ ﻻ ﯿزال �ﻌض‬
‫ﺠیران اﻟصین و�ذﻟك ﺨصمﻬﺎ ‪-‬اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،-‬ﯿنظرون إﻟﻰ ﺼﻌود اﻟصین �ﻘﻠق‪ .‬وﻟن �كون اﻻﻨدﻤﺎج اﻷﻛبر‬
‫ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻗتصﺎد ﻤنظمﺔ اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻋمﻠ�ﺔ ﺴﻬﻠﺔ وﺴﻠسﺔ‪ .‬ﺴ�ﺎﺴ�ﺎً واﻗتصﺎد�ﺎً‪ ،‬ﻻ‬
‫ﺘزال اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻗوة ﻤﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ اﻟمستﻘبﻞ اﻟمنظور؛ �مﺎ أن اﻟوﺠود اﻻﻗتصﺎدي اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ ﻻ ﯿزال‬
‫ﻗو�ﺎً ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ‪ .‬ﻤن أﺠﻞ ﻤشﺎر�تﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻷﻛبر واﻷﻛثر ﺴﻼﺴﺔ ﻓﻲ ﻤنتدى اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﺘحتﺎج اﻟصین إﻟﻰ ﺘنم�ﺔ ﻋﻼﻗﺎت ﺠیدة ﻤﻊ �ﻞ ﻤن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟ�ﺎ�ﺎن ‪-‬وﻤن ﻫنﺎ ﺘﺄﺘﻲ أﻫم�ﺔ "ﻤجموﻋﺔ‬
‫اﻟدول اﻟثﻼث" اﻟتﺎ�ﻌﺔ ﻟمنظمﺔ اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪� .‬ﺎﺨتصﺎر‪ ،‬ﺴتشكﻞ ﻤشﺎر�ﺔ اﻟصین اﻷﻛثر‬
‫‪2‬‬
‫�بیر ﻟﻠصین �مﺎ ﻫو اﻟحﺎل �ﺎﻟنس�ﺔ ﻷﻋضﺎء اﻷﺒ�ك اﻵﺨر�ن‪.‬‬
‫ﺘحد�ﺎ ًا‬
‫ﻨشﺎطﺎً ﻓﻲ ﻋمﻠ�ﺔ اﻷﺒ�ك اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ ً‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ :‬ﺘجمﻊ ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻟنزاﻋﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ )ﻤثﻞ ﻤﺎ �ﻌرف �مواﺠﻬﺔ ﺴ�ك�م ‪ Sikkim Standoff‬ﻋﺎم ‪ ،2017‬ﻋندﻤﺎ‬
‫�ﺎﻟكﺎد اﺠتﺎزت اﻟصین واﻟﻬند ﻨزاﻋﺎ ﻤسﻠحﺎ ﻓﻲ اﻟمنﺎطق اﻟحدود�ﺔ اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ(‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ ﻤنذ ﻋﻘدﯿن ﻤن اﻟزﻤن ﺘنشط‬
‫ﻤنظمﺔ ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون )‪� (SCO‬منظمﺔ ﻤتنﺎﻤ�ﺔ وﻗو�ﺔ �شكﻞ ﻤتزاﯿد‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘضم ﻤنذ ﻋﺎم ‪ 2017‬اﻟﻬند و�ﺎﻛستﺎن‬
‫ﻛﻌضو�ن �ﺎﻤﻠﻲ اﻟﻌضو�ﺔ؛ و�وﺠود ﻤنظمﺔ ﺤﻠﻒ ﺸمﺎل اﻷطﻠسﻲ وﻤنظمﺔ "ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون‪ ،‬ﺘوﺠد اﻵن ﻤنظمتﺎن‬
‫ﻤﻌﺎ أﺠزاء �بیرة ﻤن ﻨصﻒ اﻟكرة اﻟشمﺎﻟﻲ؛ ﻤنذ ﺒداﯿتﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1996‬ر�زت‬
‫ﺘواﺠﻬﺎن �ﻌضﻬمﺎ اﻟ�ﻌض‪ ،‬وﺘﻐط�ﺎن ً‬
‫ﻤنظمﺔ "ﺸنﻐﻬﺎي" ﻟﻠتﻌﺎون ﻋﻠﻰ اﻟتﻌﺎون اﻷﻤنﻲ‪ ،‬اﻟذي �شمﻞ اﻷﻨشطﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ )اﻟمنﺎورات( و�ذﻟك ﻤكﺎﻓحﺔ اﻹرﻫﺎب‬
‫‪3‬‬
‫واﻟمشﺎورات اﻟمنتظمﺔ ﻤﻊ اﻟدول اﻷﻋضﺎء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Lok Sang Ho, John Wong, Op, cit. p 5.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. pp 5-6.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p11.‬‬

‫‪298‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫‪NATO‬‬ ‫‪SCO‬‬
‫‪America‬‬ ‫‪Europe‬‬ ‫‪Europe‬‬ ‫‪Asia‬‬
‫‪United States‬‬ ‫‪Luxembourg Czech Republic‬‬ ‫‪Belarus‬‬ ‫‪Russia Kazakhstan‬‬
‫‪Canada‬‬ ‫‪Estonia Montenegro Turkey‬‬ ‫)‪(observer‬‬ ‫‪Kyrgyzstan Tajikistan‬‬
‫‪France Netherlands Portugal‬‬ ‫‪Russia‬‬ ‫‪Uzbekistan‬‬
‫‪Albania Slovakia Belgium‬‬ ‫‪China India‬‬
‫‪Croatia Romania Bulgaria‬‬ ‫‪Pakistan‬‬
‫‪Latvia Slovenia Denmark‬‬ ‫‪Observer:‬‬
‫‪Lithuania Spain Germany‬‬ ‫‪Mongolia, Iran,‬‬
‫‪Hungary Greece Norway Great‬‬ ‫‪Afghanistan‬‬
‫‪Britain Iceland‬‬
‫‪Poland Italy‬‬
‫‪NATO and SCO 1‬‬ ‫ﺟﺪول ﻳﻮ�ح اﻟﺪول اﻟ�ي ﺗنﺘ�ي ﻟﺘﺠﻤ�� اﻟﻨﺎﺗﻮ وﺷﻨﻐهﺎي‬

‫ﺜﺎﻟثﺎ‪ :‬ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬

‫ﻓﻲ ﺨطﺎ�ﻪ اﻟرﺌ�سﻲ ﻓﻲ ﻤنتدى ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق)‪ ، BRI (The Belt and Road Initiatives‬ﻓﻲ ‪14‬‬

‫جسیدا ﻟروح اﻟسﻼم واﻟتﻌﺎون واﻹﻨﻔتﺎح واﻟشموﻟ�ﺔ‬


‫ﻤﺎي ‪ ،2017‬أﺸﺎد "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" �طر�ق اﻟحر�ر اﻟﻘد�م �ﺎﻋت�ﺎرﻩ ﺘ ً‬
‫واﻟمنﻔﻌﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ؛ وﻫﻲ ﻨﻔس ﺴمﺎت وﺨصﺎﺌص ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق اﻟحﺎﻟ�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ ﺤدﯿثﻪ ﻋن اﻟوﻀﻊ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‬
‫اﻟحﺎﻟﻲ اﻟذي ﯿتسم ﺒتﻌدد اﻷﻗطﺎب واﻟﻌوﻟمﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟرﻗمنﺔ واﻟتنوع اﻟثﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬أﻛد ﻤن ﺠدﯿد أن اﻟترا�ط اﻟﻌﺎﻟمﻲ‬
‫واﻟرغ�ﺔ ﻓﻲ اﻟسﻼم واﻟتنم�ﺔ ﺘتزاﯿدان ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وأن أﻛثر ﻤن ﻤﺎﺌﺔ دوﻟﺔ وﻤنظمﺔ دوﻟ�ﺔ ﺘشﺎرك ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة‬
‫اﻟحزام واﻟطر�ق‪. 2‬‬

‫ﻋرف ﺨطﺎ�ﻪ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤشروع "اﺘصﺎل ﺴ�ﺎﺴﻲ" ﻤتﻌدد اﻷ�ﻌﺎد ﻓﻲ أر�ﻌﺔ‬ ‫�ﻌد ذﻟك‪ّ ،‬‬
‫ﺠواﻨب‪ :‬اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪ ،‬واﻟتجﺎرة‪ ،‬واﻟتمو�ﻞ‪ ،‬واﻹﺘصﺎل ﺒین اﻷﻓراد‪ ،‬ﺜم ﺤدد اﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ اﻟخمسﺔ ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫واﻟطر�ق‪ :‬طر�ق ﻟﻠسﻼم؛ طر�ق ﻟﻺزدﻫﺎر؛ طر�ق ﻟﻺﻨﻔتﺎح؛ طر�ق ﻟﻺﺒتكﺎر؛ وطر�ق ﯿر�ط ﺒین اﻟحضﺎرات اﻟمختﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫و�ﺎن أﺴﺎس ﻫذﻩ اﻟم�ﺎدئ ﺤﺎﺠﺔ اﻟصین إﻟﻰ ﺒیئﺔ ﺘجﺎرة ﻤﻔتوﺤﺔ وﺤرة ﺘدﻋم "طب�ﻌتﻬﺎ اﻟجدﯿدة " ﻟﻠتنم�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‪،‬‬
‫اﺴترﺸﺎدا ﺒرؤ�ﺔ اﻟتنم�ﺔ اﻟمبتكرة واﻟمنسﻘﺔ‬
‫ً‬ ‫ﺤیث ﻗﺎل‪" :‬وﺼﻠت اﻟصین إﻟﻰ ﻨﻘطﺔ اﻨطﻼق ﺠدﯿدة ﻓﻲ ﻤسﺎﻋیﻬﺎ اﻟتنمو�ﺔ‪ ،‬و‬

‫‪1‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. Cit. p 11.‬‬

‫‪299‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫واﻟخضراء واﻟمﻔتوﺤﺔ واﻟشﺎﻤﻠﺔ‪ ،‬ﻓسوف ﻨتك�ف ﻤﻊ اﻟوﻀﻊ اﻟطب�ﻌﻲ اﻟجدﯿد ﻟﻠتنم�ﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ وﻨوﺠﻬﻪ وﻨﻐتنم اﻟﻔرص‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتﻲ ﯿوﻓرﻫﺎ‪.‬‬

‫وأﺸﺎر "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" إﻟﻰ اﻟخطوات اﻟتﻲ ﺴتتخذﻫﺎ اﻟصین ﻤن أﺠﻞ اﻟتنﻔیذ اﻟنﺎﺠﺢ ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫وﻫﻲ‪ :‬ﺘﻌز�ز اﻟتﻌﺎون اﻟودي ﻤﻊ اﻟدول اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻟم�ﺎدئ اﻟخمسﺔ ﻟﻠتﻌﺎ�ش‬
‫اﻟسﻠمﻲ؛ اﻟدﺨول ﻓﻲ اﺘﻔﺎق�ﺎت ﺘﻌﺎون ﻋمﻠ�ﺔ ﻤﻊ اﻟبﻠدان اﻟمﻌن�ﺔ؛ ز�ﺎدة اﻟدﻋم اﻟمﺎﻟﻲ ﻤن ﺨﻼل اﻟمسﺎﻫمﺔ �مبﻠﻎ‬
‫إﻀﺎﻓﻲ ﻗدرﻩ ‪ 100‬ﻤﻠ�ﺎر ﯿوان ﻓﻲ ﺼندوق طر�ق اﻟحر�ر؛ ﺒنﺎء ﺸراﻛﺎت ﺘجﺎر�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋدة "را�ﺢ – را�ﺢ"؛ ﺘﻌز�ز‬
‫اﻟتﻌﺎون ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻻﺒتكﺎر ﻤﻊ اﻟدول اﻟتﻲ ﺘنضم إﻟﻰ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل ﺘﻘد�م ﻤسﺎﻋدة �ق�مﺔ ‪60‬‬

‫ﻤﻠ�ﺎر ﯿوان ﻟﻠدول اﻟنﺎﻤ�ﺔ واﻟمنظمﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق؛ ووﻀﻊ آﻟ�ﺎت ﻤؤﺴس�ﺔ ﻟتﻌز�ز‬
‫اﻟتﻌﺎون ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ .‬واﺨتتم ﺤدﯿثﻪ �ﺎﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ أن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤتجذرة ﻓﻲ طر�ق اﻟحر�ر‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻘد�م وﺴ�كون ذﻟك ﻤكس�ﺎ ﻟجم�ﻊ اﻟدول اﻟمشﺎر�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘﻌمﻞ اﻟصین ﻋﻠﻰ ﺘﻌز�ز ﻋﻼﻗتﻬﺎ ﻤﻊ ﺒورﻤﺎ )ﻤ�ﺎﻨمﺎر( وﺘﻘوم ﺒبنﺎء اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻟﻬﺎ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺴتكون ً‬
‫أ�ضﺎ‬
‫�مثﺎ�ﺔ طر�ق ﺘجﺎري ﻤستﻘبﻠﻲ إﻟﻰ ﺠنوب آﺴ�ﺎ‪ .‬ﻤ�ﺎﻨمﺎر ﻫﻲ أول "ﻟؤﻟؤة" ف�مﺎ �سمﻰ ﺴﻠسﻠﺔ ﻵﻟﺊ اﻟصین‪ ،‬واﻟتﻲ‬
‫ﺘضﻌﻬﺎ ﺤول اﻟﻬند‪ ،‬ﻤن أﺠﻞ وﻀﻊ ﻨﻔسﻬﺎ اﺴتراﺘ�ج�ﺎ واﻗتصﺎد�ﺎ؛ ﺘﻬدف اﻟصین إﻟﻰ إﻨشﺎء ﻤحطﺎت ﺘجﺎر�ﺔ وﻤواﻨﺊ‬
‫ﻓﻲ ﺠم�ﻊ أﻨحﺎء آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﺒینمﺎ ﺘﻌد ﻤ�ﺎﻨمﺎر و�ﺎﻛستﺎن طرًﻗﺎ ﺒر�ﺔ ﻤﻬمﺔ ﻟﻠ�ضﺎﺌﻊ اﻟصین�ﺔ؛ واﻟﻔكرة ﻫﻲ ﻤواﺼﻠﺔ ﺘطو�ر‬
‫اﻟطرق اﻟتجﺎر�ﺔ اﻟبر�ﺔ واﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬وطر�ق اﻟحر�ر اﻟجدﯿد‪ ،‬اﻟذي ﻤن اﻟمﻘرر أن �صﻞ إﻟﻰ أورو�ﺎ اﻟﻐر��ﺔ‪ ،‬وﻤن اﻟمﻘرر‬
‫أن ﺘصﻞ اﻟروا�ط اﻟ�حر�ﺔ إﻟﻰ ﺸرق أﻓر�ق�ﺎ‪ ،‬ﺤیث ﺒنت اﻟصین ﻗﺎﻋدة ﻋسكر�ﺔ ﻓﻲ ﺠیبوﺘﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2017‬وﻋبر‬
‫‪3‬‬
‫�مﺎ أن ﻤحﺎوﻻت اﻟﻐرب ﻟﻠس�طرة ﻋﻠﻰ ﻤضیق "ﻤﻠﻘﺎ"‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ ﻋنق‬ ‫ﻗنﺎة اﻟسو�س إﻟﻰ أورو�ﺎ؛‬
‫‪4‬‬
‫اﻟزﺠﺎﺠﺔ اﻟمﻬم ﻤن آﺴ�ﺎ إﻟﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ ،‬ﻗد �ﺎءت �ﺎﻟﻔشﻞ ﺤتﻰ اﻵن‪.‬‬

‫را�ﻌﺎ‪ :‬ﻤنطﻘﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪� (FTAAP‬ق�ﺎدة اﻟصین‬

‫ﻗﺎم �ﻞ ﻤن اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ" ورﺌ�س ﻤجﻠس اﻟدوﻟﺔ "ﻟﻲ" ﺒز�ﺎرة ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪2013‬؛ وﺘؤ�د ﻫذﻩ‬
‫اﻟز�ﺎرات اﻟرﺴم�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻫم�ﺔ اﻟمنطﻘﺔ ﻓﻲ اﻟنﻬﺞ اﻟحﺎﻟﻲ اﻟذي ﺘت�ﻌﻪ اﻟصین ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟدوﻟ�ﺔ؛ �ستﻠزم ﻨﻬﺞ اﻟصین‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. Cit. p 11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- .I bid. p 11.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- K. Saalbach, Op. cit. p 10.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- I bid. p 10.‬‬

‫‪300‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫"ﺘرق�ﺔ" اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﺒین اﻟصین واﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬واﻟترو�ﺞ ﻟـ "ﻋﻘد ﻤﺎﺴﻲ ﺠدﯿد"‪ ،‬وﻤ�ﺎدرة دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ أوﺴﻊ ﺘم ﻓیﻬﺎ‬
‫اﻟدﻋوة إﻟﻰ ﻓﻠسﻔﺔ اﻟكوﻨﻔشیوﺴ�ﺔ اﻟمتمثﻠﺔ ﻓﻲ "اﻟسﻌﻲ إﻟﻰ اﻻﻨسجﺎم وﻟكن ﻟ�س اﻟتوﺤید" ﻤبدأ إرﺸﺎدي ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫‪1‬‬
‫ﺒین اﻟصین واﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﻌكس اﻟنﻬﺞ اﻷﻤر�كﻲ �ستند إﻟﻰ اﻟﻘواﻋد‪.‬‬

‫ﻤن ﺨﻼل اﻻﺴتﻔﺎدة ﻤن اﺴتضﺎﻓﺔ اﺠتمﺎع اﻟﻘﺎدة اﻹﻗتصﺎدﯿین ﻟمنظمﺔ اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ ﻟﻌﺎم ‪ 2014‬ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬اﺨتﺎرت اﻟصین ﻤنطﻘﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪� (FTAAP‬م�ﺎدرﺘﻬﺎ‬

‫اﻟ�ﺎرزة ﻟﻠتجمﻊ اﻟسنوي‪� .‬ﺄﺘﻲ ﻫذا ً‬


‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ دﻋوة اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ" ﻓﻲ ﻗمﺔ )‪ (APEC‬ﻟﻌﺎم ‪ 2013‬ﻓﻲ إﻨدوﻨ�س�ﺎ‪ ،‬ﻻﺘﻔﺎق�ﺎت‬
‫ﺘجﺎر�ﺔ "ﻤﻔتوﺤﺔ وﺸﺎﻤﻠﺔ" ﻤﻊ ﻟﻌب آﺒ�ك )‪" (APEC‬دو اًر ق�ﺎد�ﺎً"؛ �شیر ﺘصن�ف اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟﻠشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ "ﻏیر إﻗصﺎﺌ�ﺔ" إﻟﻰ أن ﺠم�ﻊ اﻟﻘطﺎﻋﺎت ﻤشموﻟﺔ ﻓﻲ اﻟمﻔﺎوﻀﺎت‪ ،‬وﺘستند ﺘﻬمﺔ "اﻹﺴت�ﻌﺎد" اﻟتﻲ‬
‫‪2‬‬
‫ﺘواﺠﻬﻬﺎ اﻟصین إﻟﻰ ﺤق�ﻘﺔ ﻤﻔﺎدﻫﺎ أﻨﻪ ﻟ�ست �ﻞ دول اﻟمنطﻘﺔ ﻤدرﺠﺔ ﻓﻲ اﻟشراﻛﺔ ﻋبر اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫�مكن اﻟنظر إﻟﻰ ﻤواﻓﻘﺔ اﻟصین ﻋﻠﻰ اﺘﻔﺎق�ﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪ (FTAAP‬ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ‬
‫ﺒ�ﺎن ﺠیواﺴتراﺘ�جﻲ ﻟن ﯿتم رﺴم ﺨطوط ﻓﻲ وﺴط اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻋكس إﺼرار اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋﻠﻰ إﻋطﺎء‬
‫اﻷوﻟو�ﺔ ﻟﻺرﺘ�ﺎط ﻤﻊ دوﻟﻬﺎ "ذات اﻟتﻔكیر اﻟممﺎﺜﻞ"‪ ،‬وأﻟﻐت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �شكﻞ ﻓﻌﺎل أي إﺸﺎرة إﻟﻰ ﺠدول زﻤنﻲ‬
‫ﻤحدد ﺤول ﻤنطﻘﺔ اﻟتجﺎرة اﻟحرة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ )‪ ،(FTAAP‬ﻟكن اﻟصین ﺘمكنت ﻤن ﺘﺄﻤین إطﻼق دراﺴﺔ‬
‫‪3‬‬
‫اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺠمﺎع�ﺔ ﺤول اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ ﺒتحﻘیق )‪.(FTAAP‬‬

‫ﻨمت ﺤصﺔ اﻟصین ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻤن ‪ %7‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1988‬إﻟﻰ ‪ %46‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪،2014‬‬
‫ﺒینمﺎ اﻨخﻔضت اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤن ‪ %72‬ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 1988‬إﻟﻰ ‪ %24‬اﻟیوم‪ .‬ﺨﻼل ﻫذﻩ‬
‫ﻀﻌﻔﺎ إﻟﻰ أﻛثر ﻤن ‪ 9‬ﺘر�ﻠیون دوﻻر أﻤر�كﻲ وﻫﻲ‬
‫ً‬ ‫اﻟﻔترة‪ ،‬ﺸﻬد اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ ﻟﻠصین ز�ﺎدة �مﻘدار ﺜﻼﺜین‬
‫اﻵن ﺜﺎﻨﻲ أﻛبر اﻗتصﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﯿبﻠﻎ ﻨصیب اﻟﻔرد ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ ﺤواﻟﻲ ‪ 7000‬دوﻻر و�مثﻞ اﻹﻨﻔﺎق‬

‫اﻟﻌسكري ً‬
‫‪4‬‬
‫ﺤﺎﻟ�ﺎ ﻤﺎ �ﻘرب ﻤن ‪ %10‬ﻤن إﺠمﺎﻟﻲ اﻟنﻔﻘﺎت اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op. Cit. Pp 99-100.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. P 100.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. P 100.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Bates Gill, Evelyn Goh , Chin-Hao Huang, THE DYNAMICS OF US–CHINA–SOUTHEAST ASIA RELATIONS,(University of‬‬
‫‪sdney, The united states studies centre, June 2016), p 16. https://cutt.ly/ZA9G3oC‬‬

‫‪301‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمطﻠب اﻟرا�ﻊ‪ :‬ﺘحیید اﻟخﻼﻓﺎت واﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻤﻊ دول ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‬

‫ﻛﻘوة ﻋظمﻰ وﻓﺎﻋﻞ ﻋﻘﻼﻨﻲ ﻤسؤول‬

‫ﺘحدد اﻷوﻟو�ﺎت اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین ه�كﻞ ﻗوﺘﻬﺎ اﻟﻌسكر�ﺔ وﺘدر�بﻬﺎ واﻨتشﺎرﻫﺎ؛ ﺘﻘﻊ ﻋﻠﻰ رأس أوﻟو�ﺎﺘﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟشرق اﻟذي �شمﻞ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ واﻟجنوب وﻏرب اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ؛ ﺘضمنت ﻋمﻠ�ﺔ ﺘحدﯿث اﻟج�ش اﻟصینﻲ‬
‫إﻋﺎدة ه�كﻠﺔ �برى وﺘحسین اﻟﻘوات وﺘطو�ر اﻟكﻔﺎءات ﻓﻲ اﻟحرب اﻹﻟكتروﻨ�ﺔ واﻟﻔضﺎء واﻟضر�ﺎت اﻟدق�ﻘﺔ واﺴتخدام‬
‫‪1‬‬
‫اﻟذ�ﺎء اﻹﺼطنﺎﻋﻲ واﻟجﻬﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ اﻟحكوﻤ�ﺔ وﻏیر اﻟحكوﻤ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻛﺎن ﻨﻬﺞ اﻟصین اﻟحﺎزم ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ﻤن ﺨﻼل إﻋﻼن ﻤطﺎﻟ�ﺎﺘﻬﺎ اﻟتﺎر�خ�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺨط ﻤن‬
‫ﺘسﻊ ﺸرطﺎت ‪ nine-dash line‬واﻟمواﺠﻬﺔ اﻟﻼﺤﻘﺔ ﻓﻲ "ﺴكﺎر�ورو ﺸول" ‪ Scarborough Shoal‬أﺠبر اﻟﻔﻠبین ﻋﻠﻰ‬
‫رﻓﻊ دﻋوى ﻀد اﻟصین أﻤﺎم ﻤحكمﺔ اﻟتحك�م اﻟداﺌمﺔ ﻓﻲ ﻻﻫﺎي؛ ورﻓضت اﻟصین اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ إﺠراءات اﻟتحك�م؛‬
‫ﺼدر ﺤكم اﻟمحكمﺔ ﻓﻲ ‪ .2016/07/12‬وﺘضمنت اﻟنتﺎﺌﺞ اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻘرار اﻟتحك�م ﻤﺎ ﯿﻠﻲ‪:‬‬

‫• ﻤطﺎﻟب اﻟصین اﻟتوﺴع�ﺔ ﻋبر ﺨط اﻟنﻘﺎط اﻟتسﻌﺔ وﻤطﺎﻟ�ﺎﺘﻬﺎ �ﺎﻟحﻘوق اﻟتﺎر�خ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟم�ﺎﻩ ﻓﻲ �حر اﻟصین‬
‫اﻟجنو�ﻲ ﻟ�س ﻟﻬﺎ أي أﺴﺎس ﻗﺎﻨوﻨﻲ‪.‬‬

‫• اﻨتﻬكت اﻟصین اﻟحﻘوق اﻟس�ﺎد�ﺔ ﻟﻠﻔﻠبین �ﺎﻟتدﺨﻞ ﻓﻲ أﻨشطﺔ اﻟﻔﻠبین اﻟمشروﻋﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘتﻬﺎ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟخﺎﻟصﺔ‪.‬‬

‫• ﺘسببت اﻟصین ﻓﻲ "ﻀرر ﺸدﯿد ﻟبیئﺔ اﻟشﻌﺎب اﻟمرﺠﺎﻨ�ﺔ" ﻤن ﺨﻼل أﻨشطتﻬﺎ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﺴتصﻼح اﻷراﻀﻲ وﺼید‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﻨواع اﻟح�ﺔ اﻟمﻬددة �ﺎﻻﻨﻘراض‪.‬‬

‫ﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬اﻋتمدت اﻟصین ﻨﻬﺞ اﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي �مﻘﺎر�ﺔ ﻟتخف�ف ﺤدة اﻟنزاﻋﺎت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ‬
‫اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‪ ،‬ﻟﻘد ﻨمت ﺘجﺎرة اﻟصین ﻤﻊ اﻵﺴ�ﺎن �شكﻞ �بیر ﻤن ‪ 8‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر أﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1980‬إﻟﻰ ‪ 178‬ﻤﻠ�ﺎر‬
‫دوﻻر أﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪) 2009‬واﻟتﻲ أﺼ�حت ﺨﻼﻟﻬﺎ أﻛبر ﺸر�ك ﺘجﺎري ﺨﺎرﺠﻲ ﻟرا�طﺔ دول ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ(‪،‬‬
‫إﻟﻰ ﻤﺎ �ﻘرب ﻤن ‪ 480‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر أﻤر�كﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 3 2014.‬و�ﺎﻟنظر إﻟﻰ أن اﻟصین ﺘﻔوﻗت ﻋﻠﻰ اﻟ�ﺎ�ﺎن �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Abhay Kumar Singh Op. cit. p 88.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Bates Gill, Evelyn Goh , Chin-Hao Huang, THE DYNAMICS OF US–CHINA–SOUTHEAST ASIA RELATIONS,(University of‬‬
‫‪sdney, The united states studies centre, June 2016), p 4. https://cutt.ly/ZA9G3oC‬‬

‫‪302‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺜﺎﻨﻲ أﻛبر اﻗتصﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2010‬وﺘجﺎوزت اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺄﻛبر دوﻟﺔ ﺘجﺎر�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﻋﺎم ‪،2013‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻓﺈن ﺘكث�ف اﻻﻋتمﺎد اﻻﻗتصﺎدي اﻟمت�ﺎدل ﺒین ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ واﻟصین ﺤق�ﻘﺔ ﻻ �مكن إﻨكﺎرﻫﺎ‪.‬‬

‫وﺘحت ق�ﺎدة "ﺸﻲ"‪ ،‬ر�زت اﻟصین �شكﻞ إﻀﺎﻓﻲ ﻋﻠﻰ اﻟمشﺎر�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ دﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻟمح�ط�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ ﻤؤﺘمر رﺌ�سﻲ ﻟدراﺴﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ ﻓﻲ أﻛتو�ر ‪ ،2013‬أﻛد ﺸﻲ ﻤن ﺠدﯿد �ﻌض اﻟرؤى واﻟم�ﺎدئ‬
‫اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟﻠشؤون اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك "ﻓترة اﻟﻔرص اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ" ﺤتﻰ ﻋﺎم ‪ 2020‬ﻻﺴتمرار اﻟنمو واﻟتنم�ﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬واﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺒیئﺔ ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﻤستﻘرة ﺘنﻔیذ اﻹﺼﻼﺤﺎت ﻋﻠﻰ اﻟجبﻬﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟنحو‪ ،‬ﺸدد ﺸﻲ‬
‫اﻗتصﺎد�ﺎ"‪،‬‬
‫ً‬ ‫طﺎ ﺒنﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ أن �كین �جب أن ﺘسﻌﻰ ﺠﺎﻫدة ﻟجﻌﻞ ﺠیران اﻟصین "أﻛثر ﺼداﻗﺔ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ وأﻛثر ارﺘ�ﺎ ً‬
‫وﻟمﻌﺎﻤﻠﺔ اﻟجیران اﻹﻗﻠ�میین ﻋﻠﻰ أﻨﻬم "أﺼدﻗﺎء وﺸر�ﺎء‪ ،‬ﻟجﻌﻠﻬم �شﻌرون �ﺎﻷﻤﺎن وﻤسﺎﻋدﺘﻬم ﻋﻠﻰ اﻟتطور"‪ ،‬وﺘكو�ن‬
‫‪2‬‬
‫إﺤسﺎس أﻗوى ﺒـ "اﻟمصیر اﻟمشترك" ﺒین اﻟصین وﺠیراﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟمجتمﻊ اﻹﻗﻠ�مﻲ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Bates Gill, Evelyn Goh, Chin-Hao Huang, Op. cit, p 5.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 18.‬‬

‫‪303‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟم�حث اﻟرا�ﻊ‪ :‬ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق �ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ "اﻟمبدأ اﻟتنظ�مﻲ اﻟجدﯿد" ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‬

‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪-‬‬ ‫‪-‬اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠتحوط ﻀد اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻹﺤتواء‬

‫"ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق" )أﻧﻈﺮاﳌ�حﻖ رﻗﻢ ‪ (9‬أو "ﺤزام واﺤد‪ ،‬طر�ق واﺤد"‪ ،‬ﻫﻲ ﻤ�ﺎدرة �مضﺎﻤین ﺠیواﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫وﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وﻤن اﻟم�ﺎدئ اﻟتنظ�م�ﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟجدﯿدة اﻟصین�ﺔ‪ ،‬و�مكن اﻋت�ﺎرﻫﺎ ﻓﻲ ﺴ�ﺎق ذﻟك �ﺈﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫رد ﻓﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻹﺤتواء اﻟتﻲ ﺘنتﻬجﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻀد اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟمستو�ین اﻹﻗﻠ�مﻲ )ﺠنوب‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ(‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟﻌﺎﻟمﻲ؛ ﻓﻲ إطﺎر ﺴﻌﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻟتكر�س وﻀﻊ اﻟﻘوة اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟنظﺎم‬
‫اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬واﻟتوﺠس ﻤن ﺘو�ید�ﺔ اﻟصین اﻟصﺎﻋدة ﺘﻬدد ﻤكﺎﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬طر�ق اﻟحزام اﻟواﺤد �رؤ�ﺔ ﺼین�ﺔ ﻟﻠنظﺎم اﻹﻗتصﺎدي اﻹﻗﻠ�مﻲ‬

‫"اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" ﻟ ـ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ "‪ ،‬ﻫﻲ ﺼ�ﻐﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ وﺠﺎﻤﻌﺔ ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺠذب اﻟمشﺎﻋر اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻟﻠصینیین‪،‬‬
‫ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ اﻟتجدﯿد اﻟﻌظ�م ﻟﻸﻤﺔ اﻟصین�ﺔ‪ .‬ﺘسﻌﻰ اﺴتراﺘ�جیتﻪ إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺘصم�م اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ �ﺎﻟطر�ﻘﺔ اﻟمذ�ورة‬
‫ﻤزدﻫر " �حﻠول ﻋﺎم ‪ 2021‬و"دوﻟﺔ ﻤتطورة �شكﻞ ﻤﻌتدل" �حﻠول‬
‫ًا‬ ‫"ﻤجتمﻌﺎ‬
‫ً‬ ‫اﻗتصﺎد�ﺎ ﻟجﻌﻠﻬﺎ‬
‫ً‬ ‫أﻋﻼﻩ‪ ،‬وﺘحو�ﻞ اﻟصین‬
‫ﺠدﯿدا ﻤن ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوى اﻟكبرى ﯿتضمن ًا‬
‫دور أﻛبر ﻟﻠصین ﻓﻲ‬ ‫ﻨوﻋﺎ ً‬
‫ﻋﺎم ‪2049‬؛ وﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﯿتصور ً‬
‫اﻟشؤون اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ .‬ﺘتمﺎﺸﻰ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟرؤ�ﺔ وﺘضمن ﺘوطیدﻩ اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ اﻟمجﺎل اﻻﻗتصﺎدي‪،‬‬
‫ﻛمﺎ أﻨﻬﺎ ﺘﻌزز اﻟتخط�ط ﻤن أﻋﻠﻰ إﻟﻰ أﺴﻔﻞ‪ ،‬وﻫﻲ ﻤوﺠﻬﺔ ﻨحو ﺘحو�ﻞ اﻟصین ﻤن اﻗتصﺎد اﻟصنﺎﻋﺔ واﻟتجﺎرة إﻟﻰ‬
‫اﻗتصﺎد اﻟخدﻤﺎت واﻹﺴتثمﺎر )اﻹﺴتثمﺎر اﻷﺠنبﻲ اﻟم�ﺎﺸر اﻟصینﻲ ﻓﻲ اﻟخﺎرج ‪overseas Chinese foreign direct‬‬
‫‪ ،(investment‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ ر�ط اﻟتنم�ﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ ﻟﻠصین �ﺎﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﻻ ﺴ�مﺎ ﻤﻊ اﻷﺴواق اﻟمتﻘدﻤﺔ ﻓﻲ أورو�ﺎ‪.‬‬

‫ﺘشكﻞ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤ�ﺎدرة "اﻟحزام واﻟطر�ق" ﻗﻠب اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪ ،‬ﻟذا ﻓﺈن اﻟ�ﻌد اﻟجیواﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫ﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ "اﻟحزام واﻟطر�ق" اﻟصین�ﺔ �كمن �ﺎﻷﺴﺎس ﻓﻲ رغ�ﺔ اﻟصین ﺒتﻌز�ز اﻻﺴتﻘرار واﻟثﻘﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ إﻗﻠ�م�ﺎ ﻤﻊ‬
‫دول اﻟجوار اﻟشرﻗﻲ واﻟجنو�ﻲ‪ ،‬ﻓضﻼ ﻋن اﻟمشﺎﻛﻞ اﻟمتﺄﺘ�ﺔ ﻤن اﻟجوار اﻟﻐر�ﻲ‪ ،‬واﻷﻫم ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ‬
‫ﻫو ﻤسﻌﻰ اﻟصین ﻓﻲ ﺘﻐییر اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ واﻹﻨتﻘﺎل �ﻪ ﻤن ﻨظﺎم ﺘﻬ�من ﻋﻠ�ﻪ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫إﻟﻰ ﻨظﺎم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب‪.‬‬

‫‪� -1‬ﺎﻫر ﻤردان ﻤضخور‪" ،‬اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟحزام واﻟطر�ق ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن"‪ ،‬ﻤجﻠﺔ دراﺴﺎت دوﻟ�ﺔ‪) ،‬ﻤر�ز اﻟدراﺴﺎت اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﺠﺎﻤﻌﺔ �ﻐداد‪ ،‬اﻟﻌدد‬
‫‪ ،(2016 ،67‬ص ‪.199‬‬

‫‪304‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺘﻐطﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤنطﻘﺔ ﺒﻬﺎ ‪ %55‬ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟﻘوﻤﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬و‪ %63‬ﻤن ﺴكﺎن‬
‫اﻟﻌﺎﻟم و‪ %75‬ﻤن اﺤت�ﺎط�ﺎت اﻟطﺎﻗﺔ اﻟمتﺎﺤﺔ اﻟمﻌروﻓﺔ‪ ،‬ﺒدﻋم ﻤن أﻛثر ﻤن ‪ 60‬دوﻟﺔ وﻤنظمﺔ دوﻟ�ﺔ؛ �ﻐطﻲ ﺘصم�م‬
‫ﻤسﺎر ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺨمسﺔ اﺘجﺎﻫﺎت رﺌ�س�ﺔ و�شمﻞ ﺴتﺔ ﻤمرات اﻗتصﺎد�ﺔ رﺌ�س�ﺔ ﻋبر آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ‪.‬‬

‫�ﻘترح اﻟمسﺎر اﻷول ر�ط اﻟصین �ﺄورو�ﺎ ﺤتﻰ �حر اﻟبﻠطیق‪ ،‬و�ﻐطﻲ ﻤنﺎطق آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ وروﺴ�ﺎ؛ اﻟممر‬
‫اﻟرﺌ�سﻲ ﻋبر ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ ﻫو "اﻟممر اﻻﻗتصﺎدي ﺒین اﻟصین وﻤنﻐوﻟ�ﺎ وروﺴ�ﺎ"‪ ،‬و"ﻤمر اﻟجسر اﻟبري اﻟجدﯿد‬
‫ﻷوراﺴ�ﺎ"؛ و�ر�ط اﻟمسﺎر اﻟثﺎﻨﻲ اﻟصین �ﺎﻟخﻠ�ﺞ اﻟﻔﺎرﺴﻲ واﻟ�حر اﻷﺒ�ض اﻟمتوﺴط ﻋبر آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ وﻏرب آﺴ�ﺎ‬
‫ﻋبر "اﻟممر اﻻﻗتصﺎدي ﺒین اﻟصین وآﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ وﻏرب آﺴ�ﺎ"‪ .‬اﻟمسﺎر اﻟثﺎﻟث �متد اﻟطر�ق ﻤن اﻟصین إﻟﻰ ﺠنوب‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ وﺠنوب آﺴ�ﺎ وﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ ،‬واﻟممرات اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟتﻲ ﺘمر ﻋبر ﻫذﻩ اﻟمنطﻘﺔ ﻫﻲ "اﻟممر‬
‫اﻻﻗتصﺎدي ﺒین اﻟصین و�ﺎﻛستﺎن" و"اﻟممر اﻻﻗتصﺎدي ﺒین ﺒنﻐﻼد�ش واﻟصین واﻟﻬند وﻤ�ﺎﻨمﺎر" و"اﻟممر اﻻﻗتصﺎدي‬
‫ﺒین اﻟصین وﺸ�ﻪ ﺠز�رة اﻟﻬند اﻟصین�ﺔ "‪.‬‬

‫و�ﻐطﻲ طر�ق اﻟحر�ر اﻟ�حري ﻤسﺎر�ن أو اﺘجﺎﻫین رﺌ�سیین‪ .‬وﻫﻲ ﺘشمﻞ‪ :‬اﻟطر�ق ﻋبر اﻟمواﻨﺊ اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ‬
‫ﻟﻠصین إﻟﻰ اﻟمح�ط اﻟﻬندي ﻋبر �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ وﻤضیق "ﻤﻠﻘﺎ"‪ .‬واﻟطر�ق اﻟثﺎﻨﻲ �متد ﻤن اﻟمواﻨﺊ اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫ﻟﻠصین إﻟﻰ ﺠنوب اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻋبر �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪.‬‬

‫ﺠدﯿدا‬
‫إطﺎر ً‬
‫وﻫكذا‪ ،‬ظﻬرت ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق �مبدأ ﺘنظ�مﻲ ﺠدﯿد ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ؛ إﻨﻪ ﯿوﻓر ًا‬
‫ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻹﺒراز ﺼورة اﻟصین �ﻘوة ﻤسؤوﻟﺔ ﻤﻬتمﺔ �ﺎﻟسﻼم واﻟتنم�ﺔ وﻤستﻌدة ﻟتحمﻞ ﻤسؤوﻟ�ﺔ دوﻟ�ﺔ‬
‫أﻛبر ﻟتحﻘیق ﻫذﻩ اﻟﻐﺎ�ﺔ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ اﻟمضﻲ ﻗدﻤﺎ ﻓﻲ ﻤوﻀوع اﻟنﻬوض اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین اﻟذي طرﺤﻪ" ﻫو ﺠینتﺎو ‪Hu‬‬
‫ً‬
‫‪ ."Jintao‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤﻘﺎطﻌﺔ اﻟﻬند ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺴوف ﺘخیب آﻤﺎل اﻟصین �شكﻞ ﻤﻔﻬوم ﻷﻨﻬﺎ ﺤر�صﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻨضمﺎم ﺠم�ﻊ اﻟﻘوى واﻟدول اﻟكبرى إﻟﻰ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺤتﻰ ﺘتمكن ﻤن ﺘسو�ق ﻫذﻩ اﻟم�ﺎدرة اﻟكبرى‬
‫‪2‬‬
‫ﺒنجﺎح إﻟﻰ اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟنظر�ﺔ‪ ،‬ﺘﻌد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق وﺴیﻠﺔ ﻟﻺﻗتصﺎد اﻟصینﻲ ﻟﻠتﻐﻠب ﻋﻠﻰ اﻟر�ود ﻤن ﺨﻼل‬
‫اﻹﺼﻼﺤﺎت اﻹﻗتصﺎد�ﺔ و�ﻋﺎدة اﻟﻬ�كﻠﺔ؛ ﻫذا ٍ‬
‫ﺘحد ﺴ�ﺎﺴﻲ ﻟﻠق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ �سبب اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟراﺴخﺔ ﻟمختﻠﻒ ﺠمﺎﻋﺎت‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op. cit. P81.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh, Op. cit. pp 46-47.‬‬

‫‪305‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟضﻐط اﻟبیروﻗراط�ﺔ واﻟتجﺎر�ﺔ اﻟتﻲ �ﺎﻨت ﺘستﻔید ﻤن اﻟنموذج اﻹﻗتصﺎدي اﻟحﺎﻟﻲ؛ دﻓﻊ ﻫذا اﻟتحدي "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‬
‫إﻟﻰ ﺘﻌز�ز وﺘجم�ﻊ اﻟﻘوة اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ اﻟﻼزﻤﺔ ﻟدﻓﻊ اﻹﺼﻼﺤﺎت؛ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ‪ ،‬دﻓﻊ ﻫذا اﻟصین ﻓﻲ ﻋﻬد "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ"‬
‫ﻟك�ﺢ اﻟمﻌﺎرﻀﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ ﻟضمﺎن أن ﺴﻠطﺔ اﻟحزب ﺒﻼ ﻤنﺎزع؛ ﻋﻠﻰ اﻟصﻌید اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻻ ﺴ�مﺎ ﻓﻲ اﻟجوار‪ ،‬ﻟوﺤظ‬
‫ﺘشدﯿد ﻋﺎم ﻓﻲ ﻨﻬﺞ اﻟصین ﻟحمﺎ�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ؛ إﻋﻼن اﻟصین "اﻷﺤﺎدي" و"دون أي ﺘشﺎور ﻤﻊ اﻟجیران" ﻟتحدﯿد ﻤنطﻘﺔ‬
‫اﻟدﻓﺎع اﻟجوي ‪ (ADIZ) The Air Defence Identification Zone‬ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ ‪The East China Sea‬‬

‫)‪ (ECS‬ﻓﻲ ﻨوﻓمبر ‪2013‬؛ ورﻓضﻬﺎ اﻟتﺎم ﻟشرع�ﺔ ﻤحكمﺔ اﻟتحك�م اﻟداﺌمﺔ ﻓﻲ "ﻻﻫﺎي"‪ ،‬وﺤكمﻬﺎ اﻟصﺎدر ﻓﻲ ﻋﺎم‬
‫‪ 2016‬اﻟذي أﯿد ﻨزاع اﻟﻔﻠبین ﻀد اﻷﻨشطﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ ‪(SCS) The South China Sea‬؛ و�شیر‬
‫‪1‬‬
‫ﺒنﺎء اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟنشط ﻓﻲ ‪ SCS‬إﻟﻰ ﻫذا اﻟتﻐییر ﻓﻲ اﻟموﻗﻒ‪.‬‬

‫ﻤنذ أن اﻗترﺤت اﻟحكوﻤﺔ اﻟصین�ﺔ ﻤ�ﺎدرة "ﺤزام واﺤد طر�ق واﺤد"‪� ،‬ﺎﻨت ﻫنﺎك اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟمنﺎﻗشﺎت اﻟمحﻠ�ﺔ‬
‫واﻟدوﻟ�ﺔ اﻟتﻲ ﻨشﺄت ﻓﻲ اﻷوﺴﺎط اﻷﻛﺎد�م�ﺔ �شﺄن أﺼﻞ اﻟم�ﺎدرة و�ﻟﻬﺎﻤﻬﺎ و�نﺎﺌﻬﺎ‪ .‬ﺘطور اﻻﻗتصﺎد اﻟصینﻲ �سرﻋﺔ‬
‫ﻋﺎﻤﺎ اﻟمﺎﻀ�ﺔ ﻤمﺎ أدى إﻟﻰ ز�ﺎدة اﻟطﻠب ﻋﻠﻰ اﻟطﺎﻗﺔ واﻟمواد اﻟخﺎم واﻷﺴواق ﻟﻘطﺎع اﻟتصن�ﻊ ﻓﻲ‬
‫ﻛبیرة ﻓﻲ اﻟثﻼﺜین ً‬
‫اﻟصین‪ .‬ﻟذﻟك‪� ،‬مكن ﻟم�ﺎدرة "‪� "One Belt One Road‬مشروع اﺘصﺎل أن ﺘسﺎﻋد ﻓﻲ ر�ط ﺠوار اﻟصین وﺘﻌز�ز‬
‫اﻟتﻌﺎون واﻟدﻋم ﻟﻠصین ﻟسد ﻫذﻩ اﻟﻔجوة ﻓﻲ اﻷﺴواق واﻟمواد اﻟخﺎم و�ذﻟك إﻤدادات اﻟطﺎﻗﺔ ﻤن أﺠﻞ ﺘنمیتﻬﺎ اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ‬
‫واﻟمستمرة‪ .‬ﺘحﻠﻞ ﻫذﻩ اﻟورﻗﺔ اﻟمصﺎدر اﻟصین�ﺔ ﻟوﻀﻊ ﺘصور ﻟم�ﺎدرة "‪ ،"One Belt One Road‬واﻟمنﺎﻗشﺎت واﻟتحد�ﺎت‬
‫اﻟمحﻠ�ﺔ ﻟﻠم�ﺎدرة وأﻫمیتﻬﺎ ﻟﻠق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ‪� .‬مﺎ ﯿ�حث ﻓﻲ أﺼﻞ ﻤ�ﺎدرة "‪ ،"One Belt One Road‬و��ف ر�طت‬
‫اﻟصین ﻤﻘﺎطﻌﺎﺘﻬﺎ اﻟﻐر��ﺔ واﻟوﺴطﻰ ﺒـ "اﻟحزام واﻟطر�ق '' ﻟتﻘﻠیﻞ اﻟتﻔﺎوت ﻓﻲ اﻟتنم�ﺔ ﻏیر اﻟمتكﺎﻓئﺔ ﺒین اﻟمﻘﺎطﻌﺎت‬
‫أ�ضﺎ ﻓﻲ اﻹرﺸﺎدات واﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ ﻟم�ﺎدرة "‪"One Belt One Road‬‬
‫اﻟﻐر��ﺔ واﻟشرق�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین‪ .‬ﻨظرت اﻟورﻗﺔ ً‬
‫‪2‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟنحو اﻟذي ﺤددﺘﻪ اﻟحكوﻤﺔ اﻟصین�ﺔ واﻟتحد�ﺎت اﻟتﻲ ﻗد ﯿواﺠﻬﻬﺎ ﺘنﻔیذ اﻟم�ﺎدرة‪.‬‬

‫اﺴتخدﻤت اﻟصین "طر�ق واﺤد طر�ق واﺤد" أو "ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق" اﻷﺨیرة )‪ (BRI‬ﻹﺴتراﺘ�جیتﻬﺎ‬
‫اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمزدوﺠﺔ اﻟكبرى‪ ،‬وﻫمﺎ "اﻟحزام اﻻﻗتصﺎدي ﻟطر�ق اﻟحر�ر" و"طر�ق اﻟحر�ر اﻟ�حري ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي‬
‫واﻟﻌشر�ن‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟطر�ق اﻟبري‪ ،‬ﺘخطط ﻟر�ط آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ؛ وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﺘر�ز اﻟصین �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ ر�ط‬

‫اﻟصین �ﺄورو�ﺎ ﻋبر آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ وروﺴ�ﺎ؛ اﻟطرق اﻷﺨرى ﻫﻲ ً‬


‫أ�ضﺎ ﺠزء ﻤن ﻫذا اﻟطر�ق اﻟبري‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Prashant Kumar Singh, Op. cit. p 47.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op. cit. p 73.‬‬

‫‪306‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫أ�ضﺎ ر�ط اﻟصین �ﻐرب آﺴ�ﺎ ﻋبر آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ؛ ﻫذﻩ اﻟطرق ﻟتمكین ﻤرور اﻟ�ضﺎﺌﻊ اﻟصین�ﺔ؛ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟمثﺎل‪ ،‬ﺘﻌتزم ً‬
‫ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪ ،‬ﺘر�د اﻟصین اﻟوﺼول إﻟﻰ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي ﻋبر اﻟطرق اﻟبر�ﺔ‪ ،‬ﺤیث �مكنﻬم ﻨﻘﻞ ﻤوارد اﻟنﻔط‬
‫واﻟﻐﺎز إﻟﻰ اﻟصین وﻓﻲ اﻟمﻘﺎﺒﻞ اﻟوﺼول إﻟﻰ اﻷﺴواق ﻟﻠسﻠﻊ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﻤن ﻨﺎﺤ�ﺔ أﺨرى‪ ،‬ﻤن اﻟمﻔترض أن ﯿر�ط اﻟطر�ق اﻟ�حري اﻟمنﺎطق اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ ﻓﻲ اﻟصین �ﺎﻟمح�ط اﻟﻬندي‬
‫ﻋبر �حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ؛ ﯿﻬدف ﻫذا اﻟمسﺎر إﻟﻰ اﻟتوﺴﻊ ﻓﻲ أورو�ﺎ ور�ط اﻟصین �جنوب اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪� .‬شكﻞ‬

‫ﻋﺎم‪ ،‬ﺴیتم اﺴتخدام ﻫذﻩ اﻟطرق ﻟر�ط ﺠم�ﻊ اﻟمواﻨﺊ اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ ً‬
‫ﻤﻌﺎ‪� 1 .‬ﺎﻟتﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟصین ر�طت اﺴتراﺘ�جیتﻬﺎ‬
‫‪2‬‬
‫ﺒین اﻟحزام واﻟطر�ق ﻋبر اﻹﺴتنﺎد ﻋﻠﻰ اﻟممرات أو اﻟجسور اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟكبرى‪.‬‬

‫ﺘسﻌﻰ اﻟصین وﻋبر دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ ﻨشطﺔ ﻟتنﻔیذ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟحزام واﻟطر�ق ﻻ ﺴ�مﺎ ﻓﻲ اﻟمجﺎل اﻹﻗتصﺎدي‬
‫وﻤن ﺜم دﻓﻊ اﻟت�ﺎدﻻت اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻟتصﻞ إﻟﻰ ﻤستو�ﺎت ﻋﺎﻟ�ﺔ ﻓضﻼ ﻋن إﻗﺎﻤﺔ اﻟمنﺎطق اﻟحرة ﻓﻲ ﻤختﻠﻒ أﻨحﺎء‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬أﻤﺎ ﻓﻲ اﻟم�ﺎدﻻت اﻟتجﺎر�ﺔ ﻻ ﺴ�مﺎ ﻤﻊ دول اﻵﺴ�ﺎن ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ ﺠنوب ﺸرﻗﻲ آﺴ�ﺎ ﻤنذ أن أﻗﺎم اﻟجﺎﻨبین أﻛبر‬
‫ﻤنطﻘﺔ ﺘجﺎرة ﺤرة ﻋﺎم ‪� ،2010‬حیث أﺼ�حت اﻟصین اﻟشر�ك اﻟتجﺎري اﻷول ﻟدول اﻵﺴ�ﺎن‪ ،‬وﺘحتﻞ ﻫذﻩ اﻷﺨیرة‬
‫اﻟشر�ك اﻟتجﺎري اﻟثﺎﻟث ﻟﻠصین �ﻌد اﻹﺘحﺎد اﻷورو�ﻲ واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ 3 .‬ﻓم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻫﻲ اﻟخطﺔ‬
‫اﻟجیواﻗتصﺎد�ﺔ اﻟكبرى ﻟﻠرﺌ�س اﻟصینﻲ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻟتوﺤید اﻟبﻠدان اﻟمجﺎورة ﻟﻠصین وﺘﻠك اﻟموﺠودة ﻋﻠﻰ أطراﻓﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﻤشتر�ﺔ ﻟتﻌز�ز اﻟتنم�ﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟﻠصین ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟدول‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺴبتمبر ‪ 2013‬ﻓﻲ ز�ﺎرة اﺴتمرت ﻋشرة )‪ (10‬أ�ﺎم ﻟدول آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ )ﻛﺎزاﺨستﺎن وأوز�كستﺎن‬
‫وطﺎﺠ�كستﺎن(‪ ،‬ﺼﺎغ اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ" ﻷول ﻤرة ﻤصطﻠﺢ )‪ ،One Belt One Road (OBOR‬ﺤیث ﺘحدث �شكﻞ ﺸﺎﻤﻞ‬
‫ﻋن ﻤ�ﺎدرة اﻟصین اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟبنﺎء اﻟحزام اﻻﻗتصﺎدي ﻟطر�ق اﻟحر�ر وﻋن ﺘبنﻲ ﻨﻬﺞ ﻤشترك ﺘجﺎﻩ اﻟتنم�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟمنطﻘﺔ‪ ،‬وذﻟك ر�ط اﻟمنطﻘﺔ ﻤن ﺨﻼل طر�ق ﻤشترك‪ ،‬ﻤمﺎ �سﻬﻞ ﺘدﻓق اﻟسﻠﻊ واﻟموارد اﻟبین�ﺔ‪ .‬اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ" ﻓﻲ‬
‫ز�ﺎرﺘﻪ اﻟرﺴم�ﺔ ﻹﻨدوﻨ�س�ﺎ ﻓﻲ أﻛتو�ر ‪ 2014‬ﻟحضور اﻹﺠتمﺎع اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن ﻟﻠﻘﺎدة اﻹﻗتصﺎدﯿین ﻟمنظمﺔ اﻟتﻌﺎون‬
‫اﻻﻗتصﺎدي ﻵﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ‪ APEC‬طرح ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق؛ وﺘﻌتﻘد اﻟصین أﻨﻪ ﻤن ﺨﻼل اﻟتوﻓیق ﺒین‬
‫ﺤسﺎﺴ�ﺔ اﻵﺴ�ﺎن ﺘجﺎﻩ اﻟترا�ط اﻟتﺎر�خﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻗتراﺤﻬﺎ اﻟحﺎﻟﻲ ﻟﻠتﻌﺎون ﻤﻊ دول اﻵﺴ�ﺎن ﺴیؤﺘﻲ ﺜمﺎرﻩ وﺴ�ﻌزز اﻟتﻌﺎون‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op. cit. pp 73-74.‬‬
‫‪� -2‬ﺎﻫر ﻤردان ﻤضخور‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.198‬‬
‫‪ -3‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.200‬‬

‫‪307‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟ�حري‪ .‬وأﻋرب "ﺸﻲ" ﻋن اﻋتﻘﺎدﻩ �ﺄن ﺼندوق اﻟتﻌﺎون اﻟ�حري ﺒین اﻟصین واﻵﺴ�ﺎن اﻟذي أﻨشﺄﺘﻪ اﻟصین ﻓﻲ ذﻟك‬
‫اﻟوﻗت واﻟذي �ﺎن ﻤتوﺨ�ﺎ ﻓﻲ اﻷﺼﻞ ﻟتطو�ر ﺸراﻛﺎت ﻤن أﺠﻞ اﻟتﻌﺎون اﻟ�حري‪� ،‬مكن اﺴتخداﻤﻪ ﻟتنﻔیذ طر�ق‬
‫‪1‬‬
‫اﻟحر�ر اﻟ�حري ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن‪.‬‬

‫�ﻌد ﺘبنﻲ اﻟخطﺔ‪ ،‬ﺴﺎرﻋت اﻟصین �ﺎﻟﻌمﻠ�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻟتنﻔیذ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق؛ ﻓﻲ ‪ 27‬ﻨوﻓمبر ‪،2013‬‬
‫واﻓﻘت اﻟجﻠسﺔ اﻟثﺎﻟثﺔ ﻟمؤﺘمر اﻟحزب اﻟثﺎﻤن ﻋشر ﻋﻠﻰ اﻗتراح �ﻌنوان "اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻟرﺌ�س�ﺔ اﻟمتﻌﻠﻘﺔ ﺒتﻌمیق اﻹﺼﻼﺤﺎت‬
‫وﻤﻔتوﺤﺎ ﻓﻲ اﻟبﻼد ﻤن ﺸﺄﻨﻪ‬
‫ً‬ ‫ﺠدﯿدا‬
‫اﻗتصﺎد�ﺎ ً‬
‫ً‬ ‫ﻨظﺎﻤﺎ‬
‫ً‬ ‫�شكﻞ ﺸﺎﻤﻞ"؛ اﺘخذت اﻟجﻠسﺔ ﻗ اررات‪ ،‬ﺤیث ﺴتؤﺴس اﻟصین‬
‫أن �شجﻊ اﻟشر�ﺎت اﻟمحﻠ�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟمﻐﺎﻤرة ﺨﺎرج اﻟصین ﻟﻠتﻌﺎون اﻟتجﺎري ﻤﻊ اﻟشر�ﺎت اﻷﺠنب�ﺔ؛ و�ﺎﻟمثﻞ‪ ،‬ﻨرﺤب‬
‫أ�ضﺎ �ﺎﻟشر�ﺎت اﻷﺠنب�ﺔ ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟصین و�ﻗﺎﻤﺔ ﻗواﻋد اﻟتصن�ﻊ اﻟخﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻟبﻼد؛ ﻗررت اﻟجﻠسﺔ اﻟكﺎﻤﻠﺔ‬
‫ً‬
‫ﺘبنﻲ اﺘجﺎﻩ ﺠدﯿد ﻟﻠﻌوﻟمﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﺤیث ﺘر�د اﻟصین ﻤن اﻟشر�ﺎت اﻟممﻠو�ﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ )‪ (SOEs‬أن ﺘستثمر ﻓﻲ‬
‫أ�ضﺎ أن ﺘجذب اﻟسوق اﻟصین�ﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ اﻟمز�د ﻤن اﻻﺴتثمﺎر اﻷﺠنبﻲ اﻟم�ﺎﺸر ﻓﻲ ﻗطﺎﻋﺎت‬
‫اﻟدول اﻷﺠنب�ﺔ‪ ،‬و ً‬
‫اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺎ؛ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪� ،‬ﺎن ﻫذا �ﻌنﻲ إﺒراز ﺼورة "اﻹﻨﻔتﺎح اﻟمحﻠﻲ" واﺴتﻌدادﻫﺎ ﻷن ﺘكون أﻛثر ا ً‬
‫ﻨﻔتﺎﺤﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم اﻟخﺎرﺠﻲ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ دﻤﺞ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین "اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ" وﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ ﻟجذب اﻹﺴتثمﺎر اﻷﺠنبﻲ اﻟم�ﺎﺸر إﻟﻰ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟصین‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬أﻫم�ﺔ ﻤﻔﻬوم اﻟحزام اﻟواﺤد واﻟطر�ق اﻟواﺤد‬

‫اف�ﺎ ﺒـ "اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟمح�ط�ﺔ" ‪ ،Peripheral Diplomacy‬إذ ﺘتمحور ﻫذﻩ‬


‫ﺘبدأ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺠﻐر ً‬
‫اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ ﺤول اﻓتراض أن اﻟصین ﺘﻘﻊ ﻓﻲ اﻟمر�ز‪ ،‬ﺒینمﺎ اﻟدول اﻷﺨرى اﻟمجﺎورة ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺎﻤش‪ ،‬وﻟﮑنﻬﺎ ﺘتجﺎوز‬
‫ذﻟك ﻟتشمﻞ ﻤﻌظم أﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪� ،‬مﺎ أن ق�م اﻟم�ﺎدرة ﺘش�ﻪ إﻟﻰ ﺤد �بیر ق�م اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟمح�ط�ﺔ‪ :‬اﻻﻨﻔتﺎح واﻟشمول‬
‫ور�ﺢ ﻟﻠجم�ﻊ ﻤن أﺠﻞ ﺘﻌﺎون اﻗتصﺎدي ﻤتوازن‪ ،‬وﺘﻌکس أﻫداﻓﻬﺎ �ﺎﻟمثﻞ أﻫداف اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻟمح�ط�ﺔ‪ :‬ﺘنسیق‬
‫‪3‬‬
‫اﻟس�ﺎﺴﺎت‪ ،‬وﺘوﺼیﻞ اﻟمراﻓق‪ ،‬واﻟتجﺎرة دون ﻋواﺌق‪ ،‬واﻟتﮑﺎﻤﻞ اﻟمﺎﻟﻲ‪.‬‬

‫ﺘمتﻠك ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق أﻛثر ﻤن ‪ 2600‬ﻤشروع ﻓﻲ أﻛثر ﻤن ‪ 100‬دوﻟﺔ‪� ،‬ق�مﺔ إﺠمﺎﻟ�ﺔ ﺘبﻠﻎ ‪3.7‬‬

‫ﺘر�ﻠیون دوﻻر أﻤر�كﻲ‪� .‬ﻌد ﺒرﻨﺎﻤﺞ اﻟحزام واﻟطر�ق ﺒر ً‬


‫ﻨﺎﻤجﺎ ﺸدﯿد اﻟتﻌﻘید �شمﻞ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟبﻠدان اﻟتﻲ ﺘحتﺎج إﻟﻰ‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op. cit. pp 74-75.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 75.‬‬
‫‪ -3‬ﺻﻔﺎء ﺻﺎﺑر ﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣﺣﻣدﯾن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.162‬‬

‫‪308‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻨظر ﻟضﺦ اﻟصین اﻟﻬﺎﺌﻞ ﻟﻸﻤوال‪ ،‬وﻗدرة‬


‫ﺘنسیق وﺘنﻔیذ ﻤﻌﻘدﯿن‪ ،‬ﻤمﺎ ﻗد �ﻔرض ﺘحد�ﺎت �بیرة ﻋﻠﻰ اﻟصین‪ .‬وﻟكن ًا‬
‫اﻟمشﺎر�ﻊ ﻋﻠﻰ ﺘوﻟید إﯿرادات ذاﺘ�ﺔ اﻻﺴتداﻤﺔ‪ ،‬واﻟمروﻨﺔ اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻟﻠتصح�ﺢ ورﻓﻊ ﻤستوى ﻋمﻠ�ﺔ اﻟتنﻔیذ‪ ،‬ﯿبدو ﻨجﺎح‬
‫ﻤضموﻨﺎ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻓﻌﺎل‪ ،‬ﻗد ﺘتحول ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق إﻟﻰ ﻟع�ﺔ ﻤحصﻠتﻬﺎ ﺼﻔر �ﺎﻟنس�ﺔ‬
‫ً‬ ‫ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫‪1‬‬
‫ﻟﻠﻐرب ﺨﻼل ﻋﻘدﯿن أو ﺜﻼﺜﺔ ﻋﻘود‪.‬‬

‫اﻟمضمون اﻟحق�ﻘﻲ ﻟﻸﻫداف اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘتضمنﻬﺎ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻫﻲ ﺘﻠك اﻟمتﻌﻠﻘﺔ �ﺎﻟر�ط‬
‫اﻟجﻐراﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻟتﻘدم ﻨظر�ﺔ ﺠیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺘرﺘكز ﻋﻠﻰ اﻟجﻐراف�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪ ،‬أي أن اﺴتراﺘ�ج�ﺔ "اﻟجزام‬
‫واﻟطر�ق" وﻀﻌت ﻟتخترق ﻗﺎرات آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ واﻓر�ق�ﺎ‪ ،‬ﻤن اﻟصین ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ وﺠنو�ﻬﺎ إﻟﻰ أﻗصﻰ اﻟشمﺎل‬
‫اﻷورو�ﻲ واﻟجنوب اﻹﻓر�ﻘﻲ و�ﻬذا اﻟر�ط ﺴیتم دﻤﺞ اﻹﻗتصﺎد�ﺎت اﻟمتﻘدﻤﺔ ﻤﻊ اﻹﻗتصﺎد�ﺎت اﻵﺴیو�ﺔ اﻟنشطﺔ وﻤﺎ‬
‫‪2‬‬
‫ﺒینﻬمﺎ اﻹﻗتصﺎد�ﺎت اﻟنﺎﻤ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،1978‬ﻋندﻤﺎ �ﺎن اﻻﻗتصﺎد اﻟصینﻲ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻀطراب‪ ،‬ﺒدأ اﻟزع�م اﻟصینﻲ آﻨذاك "دﻨﻎ ﺸ�ﺎو‬
‫ﺒینﻎ" ‪ Deng Xiaoping‬ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻹﺼﻼح واﻻﻨﻔتﺎح ﻟﻠصین "‪ ،" Reform and Opening Up Policy‬واﻟتﻲ ﺘﻬدف‬
‫ﻋﻠﻰ ﻨطﺎق واﺴﻊ إﻟﻰ ﺠﻌﻞ اﻷﺴواق اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﻤتنﺎول اﻟﻌﺎﻟم اﻟخﺎرﺠﻲ‪� .‬ﺎن اﻹﺼﻼح ﯿتﺄﻟﻒ ﻤن اﺴتراﺘ�ج�ﺔ "ﺠﻠب‬
‫إﻟﻰ اﻟداﺨﻞ" ‪ ،Bringing-In‬ﻤمﺎ �ﻌنﻲ ﻀمنﺎً أن اﻟصین ﺴتﻔتﺢ أﺒواﺒﻬﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟخﺎرﺠﻲ و�مكن ﻟﻠدول اﻷﺠنب�ﺔ أن‬
‫طﺎ ﻟﻠصین ﻟجذب اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺎ واﻟدﻋم ﻤن اﻟمستثمر�ن اﻷﺠﺎﻨب ﻟدﻓﻊ ﺘنمیتﻬﺎ‬
‫أ�ضﺎ ﺸر ً‬
‫ﺘستثمر ﻓﻲ اﻟصین‪ .‬و�ﺎن ﻫذا ً‬
‫أ�ضﺎ‬
‫اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟتكنوﻟوﺠ�ﺔ‪ .‬ﻓﻲ اﻟمرﺤﻠﺔ اﻟﻼﺤﻘﺔ ﻤن اﻹﺼﻼﺤﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﺘم ﺘشج�ﻊ اﻟشر�ﺎت اﻟصین�ﺔ ً‬
‫ﻋﻠﻰ اﻻﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى‪ ،‬ﻤمﺎ أدى ﺒدورﻩ إﻟﻰ ﺘﻘدم ﺘكنوﻟوﺠﻲ واﻗتصﺎدي �بیر ﻓﻲ اﻟصین‪.‬‬

‫�ﻌد ﺜﻼﺜﺔ ﻋﻘود ﻤن ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻹﻨﻔتﺎح‪ ،‬ﻨمﺎ اﻹﻗتصﺎد اﻟصینﻲ �مﻌدل ‪ %10‬ﻓﻲ اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ و‪%18‬‬

‫ﺴنو�ﺎ ﻓﻲ اﻟتجﺎرة اﻟدوﻟ�ﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟتواﻟﻲ‪ .‬وﻫكذا‪ ،‬ﺘﻌزز اﻹﻗتصﺎد اﻟصینﻲ ﻤن ﺨﻼل ﺘبنﻲ وﺘكی�ف اﻟتﻘن�ﺎت اﻟجدﯿدة‬
‫ً‬
‫واﻟمتﻘدﻤﺔ‪ ،‬ﺴواء ﻤن اﻟشر�ﺎت اﻷﺠنب�ﺔ اﻟتﻲ اﺴتثمرت ﻓﻲ اﻟصین ﻟﻠوﺼول إﻟﻰ اﻷﺴواق اﻟصین�ﺔ‪ ،‬و�ذﻟك ﻤن‬
‫اﻟشر�ﺎت اﻟصین�ﺔ اﻟتﻲ اﺴتثمرت ﻓﻲ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى‪ .‬وﻗد أدى ذﻟك إﻟﻰ ﺘطو�ر ﻨطﺎق وﺤجم اﻟتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟصین؛ ﻤﻊ وﻀﻊ ﻫذا اﻟواﻗﻊ ﻓﻲ اﻹﻋت�ﺎر‪� ،‬ﻌتمد ﻤﻔﻬوم ‪ Xi‬اﻟخﺎص ﺒـ ‪ BRI‬ﻋﻠﻰ اﺴتراﺘ�ج�ﺔ أﺴﺎﺴ�ﺔ ﻫﻲ "اﻟدﺨول"‬

‫‪11‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021). https://cutt.ly/qA3Ttw4‬‬
‫‪� -2‬ﺎﻫر ﻤردان ﻤضخور‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.198‬‬

‫‪309‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫و"اﻟخروج" ‪ .The foundational “bringing-in” and “going out” strategy‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫‪1‬‬
‫دﻤجت ﻫﺎﺘین اﻹﺴتراﺘ�جیتین ووﻓرت أﻫم�ﺔ ﻤﻔﺎه�م�ﺔ أوﺴﻊ ﻟﻠم�ﺎدرة‪.‬‬

‫ﻛمﺎ أدى ﻨجﺎح ﻋمﻠ�ﺔ اﻹﺼﻼح إﻟﻰ إﯿﻼء أﻫم�ﺔ �بیرة ﻟتنم�ﺔ اﻟمنﺎطق اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ اﻟشرق�ﺔ واﻟمنﺎطق اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫اﻟخﺎﺼﺔ �سبب ﻤواﻗﻌﻬﺎ اﻟجﻐراف�ﺔ وﻗر�ﻬﺎ ﻤن اﻟمواﻨﺊ؛ ر�زت ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻹﺴتثمﺎر واﻟتصن�ﻊ اﻟوطن�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم‬
‫أ�ضﺎ ﺒیئﺔ اﺴتثمﺎر�ﺔ أﻛثر ﻤﻼءﻤﺔ ﻤﻘﺎرﻨﺔ �ﺎﻟمﻘﺎطﻌﺎت‬
‫اﻷول ﻋﻠﻰ اﻟمنﺎطق اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ اﻟشرق�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﺤیث ﻗدﻤت ً‬
‫اﻟموﺠودة ﻓﻲ اﻷﺠزاء اﻟداﺨﻠ�ﺔ واﻟﻐر��ﺔ ﻤن اﻟصین‪ .‬وﻨت�جﺔ ﻟذﻟك‪ ،‬ﺸﻬدت اﻟصین ﻓﺎﺌضﺎ ﻓﻲ اﻹﻨتﺎج ﺨﺎﺼﺔ ﻤن‬
‫اﻟسﻠﻊ اﻹﺴتﻬﻼﻛ�ﺔ وﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟمنتجﺎت اﻟصنﺎع�ﺔ اﻟثﻘیﻠﺔ واﻟخف�ﻔﺔ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎطﻌﺎت اﻟسﺎﺤﻠ�ﺔ اﻟشرق�ﺔ؛ وﻤن ﺜم‪،‬‬
‫واﺠﻬت اﻟصین ﺘحد�ﺎت ﻓﻲ إ�جﺎد أﺴواق ووﺠﻬﺎت ﺠدﯿدة ﻟﻬذﻩ اﻟسﻠﻊ اﻟﻔﺎﺌضﺔ وﺴط اﺘجﺎﻩ ﺘنﺎزﻟﻲ ﻓﻲ اﻟطﻠب اﻟﻌﺎﻟمﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟمنتجﺎت اﻟصین�ﺔ‪.‬‬

‫ﺘشمﻞ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤحﻠ�ﺔ واﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﺘنمو�ﺔ ﻟﻠصین‪ .‬ﺒینمﺎ ﺘر�د اﻟصین ﺘطو�ر ﻤنطﻘتﻬﺎ‬
‫أ�ضﺎ إﻟﻰ أن ﺘنشﺊ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤنطﻘﺔ ﻤجﺎورة ﻤنﺎﺴ�ﺔ‪ .‬وﻫﻲ ﺘﻌتﻘد أﻨﻪ إذا ﺘمكنت‬
‫اﻟﻐر��ﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘﻬدف ً‬
‫اﻟصین ﻤن إدارة ﺒیئﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻟتﻌﺎون اﻟبنﺎء ﻤﻊ ﺠی ارﻨﻬﺎ‪ ،‬ف�مكنﻬﺎ ﺤینئذ اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ ﺸؤوﻨﻬﺎ اﻟداﺨﻠ�ﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ‬

‫اﻟمثﺎل‪� ،‬ستخدم اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض ﻟﻠدﻓﺎع اﻟصینﻲ ﻟﻌﺎم ‪ً 2013‬‬


‫أ�ضﺎ ﻤصطﻠﺢ "ﻓترة اﻟﻔرﺼﺔ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ"‪ ،‬ﻤمﺎ �شیر‬
‫إﻟﻰ أن اﻟصین �ﺎﻨت ﻤستﻔیدة ﻤن اﻟبیئﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟحمیدة‪ ،‬ﻤمﺎ ﺴمﺢ ﻟﻬﺎ �ﺎﻟتر�یز أﻛثر ﻋﻠﻰ ﺘنمیتﻬﺎ اﻟمحﻠ�ﺔ‬
‫واﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ .‬ﻤن ﺨﻼل اﻟتر�یز ﻋﻠﻰ اﻟتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﺘمكنت ﻤن ﺘحﻘیق ﻤكﺎﻨﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ وﺘجنب ﺴ�ﺎق‬
‫اﻟتسﻠﺢ أو اﻟتدﺨﻞ اﻟﻌسكري‪ .‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق‪ ،‬ﺘﻌد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺨطﺔ ﺠدﯿدة ﻟتﻘد�م ﺨطﺔ ﻋمﻞ ﺸﺎﻤﻠﺔ أﺨرى‬
‫ﻟمواﺼﻠﺔ ﻫذﻩ اﻟس�ﺎﺴﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟﻌﻠمﺎء ﻗد أﺸﺎروا إﻟﻰ أن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻟدﯿﻬﺎ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟجواﻨب‬
‫اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﻗد ﺘثیر اﻟشكوك واﻟر��ﺔ ﺒین ﺠیران اﻟصین‪ ،‬وﻟكن �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫‪2‬‬
‫وﺴ�ﺎﺴﺔ ﻤحﻠ�ﺔ أﻛثر ﻤن �وﻨﻬﺎ ﻤﻬمﺔ أﻤن�ﺔ أو اﺴتراﺘ�ج�ﺔ‪.‬‬

‫ﻤبتكر �سمﺢ ﻟﻠصین ﺒتﻠب�ﺔ اﺤت�ﺎﺠﺎت اﻟمنﺎطق ذات اﻷداء‬


‫ًا‬ ‫ﻤﻔﻬوﻤﺎ‬
‫ً‬ ‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺘت�ﻊ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫اﻟضع�ف ﻋﻠﻰ وﺠﻪ اﻟتحدﯿد‪ ،‬ﻓضﻼً ﻋن اﻟسمﺎح ﻟﻬﺎ ﺒوﻀﻌﻬﺎ ﺒین اﻹﺼﻼﺤﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟشﺎﻤﻠﺔ وﺴ�ﺎﺴﺔ اﻻﻨﻔتﺎح‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op. cit. pp 75-76.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. P 83.‬‬

‫‪310‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻓرﺼﺎ ﻟﻠتﻔﺎﻋﻞ ﻤﻊ اﻟدول اﻟواﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ أطراﻓﻬﺎ ﺤول ﻗضﺎ�ﺎ اﻟتنم�ﺔ واﻟس�ﺎﺴﺔ‬
‫أ�ضﺎ ً‬
‫ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈﻨﻪ �منﺢ اﻟصین ً‬
‫أ�ضﺎ ﻤن ﻤشﺎر�ﻊ ﺘطو�ر‬
‫اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﻤمﺎ ﯿز�د ﻤن وﺠودﻫﺎ اﻹﻗﻠ�مﻲ‪ .‬و�ﺎﻟمثﻞ‪ ،‬ﺒینمﺎ �مكن ﻟﻠدول اﻟمجﺎورة اﻻﺴتﻔﺎدة ً‬
‫اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ ﺒﻼدﻫم‪� ،‬مكن ﻟﻠصین اﻟتﻔﺎوض �شﺄن اﻟوﺼول إﻟﻰ أﺴواﻗﻬﺎ وﻤواردﻫﺎ اﻟطب�ع�ﺔ واﻟمواد‬
‫‪1‬‬
‫اﻟخﺎم ﻟتﻌز�ز ﺘنمیتﻬﺎ اﻟمحﻠ�ﺔ؛ ﻫذا ﻫو اﻟتحول اﻟمﻬم ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ إطﺎر ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪.‬‬

‫اﺨت�ﺎر ﻟتﺄﺴ�س ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ ﻤتمر�ز"‪ .‬إﻨﻪ‬


‫طﺎ و ًا‬‫و�ﺈﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻗتصﺎد�ﺔ‪ ،‬ﺘﻌد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق "ﻤخط ً‬
‫ﺒرﻨﺎﻤﺞ ﻀخم ﻟﻠتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ �متد ﻤن ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ ﻋبر ﺠنوب ووﺴط آﺴ�ﺎ إﻟﻰ أورو�ﺎ واﻟشرق اﻷوﺴط‬
‫وأﻓر�ق�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ ﺤین أن "اﻟحزام" ع�ﺎرة ﻋن ﺴﻠسﻠﺔ ﻤن اﻟمشﺎر�ﻊ اﻟبر�ﺔ ﻋبر أوراﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻓﺈن "اﻟطر�ق" ع�ﺎرة ﻋن ﺴﻠسﻠﺔ‬
‫طموﺤﺔ ﻟتوﺴ�ﻊ وﺘحدﯿث اﻟمواﻨﺊ واﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�طین اﻟﻬندي واﻟﻬﺎدئ واﻟ�حر اﻷﺒ�ض اﻟمتوﺴط‬
‫‪2‬‬
‫ﻟتسﻬیﻞ اﻟوﺼول إﻟﻰ اﻟممرات اﻟ�حر�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬

‫�صرف اﻟنظر ﻋن ﺠﺎﻨب اﻟتكﺎﻤﻞ ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪� ،‬ﺎﻨت اﻟصین ﺤر�صﺔ ﻓﻲ إﺒراز ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫واﻟطر�ق �م�ﺎدرة اﻗتصﺎد�ﺔ‪� .‬مﺎ ﻗﺎم اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ" ﺒتسو�ق ﻫذﻩ اﻟم�ﺎدرة ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤ�ﺎدرة ذات ﻓﺎﺌدة ﻤت�ﺎدﻟﺔ وﺘﻌﺎون‬
‫ﻤشترك‪ .‬وأن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺴتﻠتزم ﺒـ "اﻟﻼءات اﻟثﻼﺜﺔ" ‪ Three Nos‬واﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ ﻟـ "�ﺎﻨتشیﻞ" ‪The‬‬

‫‪ .Panchsheel‬وﻫذﻩ اﻟم�ﺎدئ ﻫﻲ‪ :‬ﻋدم اﻟتدﺨﻞ ﻓﻲ اﻟشؤون اﻟداﺨﻠ�ﺔ ﻟﻠدول اﻷﺨرى‪ .‬ﻻ ﺘوﺴﻊ ﻤن أﺠﻞ اﻟس�طرة أو‬
‫اﻟﻬ�منﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ؛ وﻋدم ﺘوﺴ�ﻊ ﻤجﺎل اﻟنﻔوذ‪ .‬وﻤن ﺨﻼل ﺘجنب اﻟﻠﻐﺔ اﻟتﻲ ﻤن ﺸﺄﻨﻬﺎ ﺘﻐذ�ﺔ اﻟتنﺎﻓس اﻟجیوﺴ�ﺎﺴﻲ‬
‫وﺨﻠق ﻋدم اﻟثﻘﺔ ﻓﻲ ﺘﻌﺎﻤﻠﻬﺎ ﻤﻊ دول ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬ﻓﺈن اﻟصین ﻤصممﺔ ﻋﻠﻰ اﺴتخدام اﻟصورة اﻹ�جﺎﺒ�ﺔ‬

‫ﻋنﻬﺎ ﻓﻲ اﻟبﻠدان اﻷﺨرى واﻟحصول ﻋﻠﻰ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ واﻟطرق وﻤشﺎر�ﻊ اﻟر�ط ﻓﻲ أراﻀیﻬﺎ‪ً .‬‬
‫أ�ضﺎ‪ ،‬ﻟكﻲ ﺘنجﺢ‬
‫أ�ضﺎ إﻋﺎدة ﻀ�ط اﺴتراﺘ�ج�ﺎﺘﻬﺎ ﻟتكون داﻋمﺔ ﻟﻠس�ﺎﺴﺎت‬
‫ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ دول اﻟحزام واﻟطر�ق ً‬
‫اﻟصین�ﺔ وآﻟ�ﺎت اﻟت�سیر اﻷﺨرى ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬أﺨذت اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ ﻫذﻩ اﻟﻌواﻤﻞ ﻓﻲ اﻻﻋت�ﺎر ﻓﻲ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ اﻟجدﯿدة ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op, cit. p 78.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Marshal M Matheswaran, Op, cit.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op, cit. p 78.‬‬

‫‪311‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ واﻟم�ﺎدئ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ ﻟمشﺎر�ﻊ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬

‫ﯿﻬدف ﻤشروع "ﺤزام واﺤد وطر�ق واﺤد" إﻟﻰ ﺘزو�د ﻤنطﻘﺔ أوراﺴ�ﺎ اﻟكبرى ﺒﻬ�كﻞ اﺴتراﺘ�جﻲ واﻗتصﺎدي‪.‬‬
‫أ�ضﺎ ﻤواﻨﺊ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ ،‬وﺴ�ستخدم ﺠزء ﻤنﻬﺎ "طر�ق اﻟ�حر اﻟمتجمد اﻟشمﺎﻟﻲ"‪،‬‬
‫ﺴ�شمﻞ ﺠزء ﻤن ﻫذا اﻟنظﺎم ً‬
‫ﻟكن اﻟجزء اﻟمتنﺎﻤﻲ ﺴ�ﻌبر أوراﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴ�مﺎ روﺴ�ﺎ‪ .‬اﻟ�حث ﺠﺎر ﻟتطو�ر اﻟطرق اﻟﻠوﺠست�ﺔ اﻟجنو��ﺔ اﻟتﻲ‬
‫ﺘر�ط آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ ﺒثﻼث ﻗﺎرات‪ .‬ﯿﻬدف اﻟمشروع إﻟﻰ ﺘزو�د ﻤنطﻘﺔ أوراﺴ�ﺎ اﻟكبرى ﺒﻬ�كﻞ اﺴتراﺘ�جﻲ‬
‫أ�ضﺎ ﻤواﻨﺊ ﻓﻲ اﻟمح�ط اﻟﻬندي‪ ،‬وﺴ�ستخدم ﺠزء ﻤنﻬﺎ "طر�ق اﻟ�حر‬ ‫واﻗتصﺎدي‪ .‬ﺴ�شمﻞ ﺠزء ﻤن ﻫذا اﻟنظﺎم ً‬
‫‪1‬‬
‫اﻟمتجمد اﻟشمﺎﻟﻲ"‪ ،‬وﻟكن ﺠزءا ﻤتزاﯿدا ﺴ�ﻌبر أوراﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎر�ﺔ‪ ،‬وﻻ ﺴ�مﺎ روﺴ�ﺎ‪.‬‬

‫ﺸرﻋت اﻟصین �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟتخط�ط و�نﺎء اﻟطر�ق اﻵﺴیوي وﺸ�كﺔ اﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ اﻟﻌﺎﺒرة ﻵﺴ�ﺎ ﻋن طر�ق‬
‫‪ 13‬طر�ًﻘﺎ و‪ 8‬ﺨطوط ﺴكك ﺤدﯿد�ﺔ ﯿتم ﺒنﺎؤﻫﺎ �ﺎﻻﺸتراك ﻤﻊ دول ﻓﻲ آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ وﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ وﺠنوب‬
‫آﺴ�ﺎ‪ .‬ﺤﺎﻟ�ﺎ‪ ،‬ﺘم اﻻﻨتﻬﺎء �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻤن �ﻌض أﻗسﺎم ﺨط اﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ اﻟﻌﺎﺒر ﻵﺴ�ﺎ ﻓﻲ أﺠزاء ﻤن اﻟصین وﻻوس‬
‫وﺘﺎﯿﻼﻨد وﻤﺎﻟیز�ﺎ‪ .‬ﺨط ﺴكﺔ ﺤدﯿد اﻟصین ‪-‬أورو�ﺎ وﺨط ﺴكﺔ ﺤدﯿد اﻟصین ‪-‬ﻛﺎزاﺨستﺎن‪� .‬مﺎ �جري ﺘشیید اﻟطرق‬
‫اﻟتﻲ ﺘر�ط �ﻌض ﻤواﻨﺊ اﻟصین ﺒتﻠك اﻟموﺠودة ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ وﺠنوب آﺴ�ﺎ‪� .‬مﺎ أن اﻟطر�ق اﻟسر�ﻊ ﺒین‬
‫اﻟصین وﻗیرﻏیزﺴتﺎن وأوز�كستﺎن ﻗید اﻹﻨشﺎء‪� .‬مﺎ ﻗﺎﻤت اﻟصین ﺒبنﺎء ‪ 18‬ﻗنﺎة دوﻟ�ﺔ ﻟنﻘﻞ اﻟكﻬر�ﺎء‪ .‬وﺘم إﻨشﺎء اﻟﻌدﯿد‬
‫ﻤن ﺨطوط أﻨﺎﺒیب اﻟﻐﺎز ﺒدأت �ﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟﻌمﻞ‪ ،‬ﻤثﻞ ﺨط أﻨﺎﺒیب اﻟﻐﺎز اﻟطب�ﻌﻲ ﺒین اﻟصین وآﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪ ،‬وﺨط‬
‫أﻨﺎﺒیب اﻟنﻔط اﻟخﺎم ﺒین اﻟصین وروﺴ�ﺎ‪ ،‬وﺨط أﻨﺎﺒیب اﻟنﻔط واﻟﻐﺎز ﺒین اﻟصین وﻤ�ﺎﻨمﺎر‪� .‬ﻌد ﺘحر�ر وﺘسﻬیﻞ‬
‫اﻻﺴتثمﺎر واﻟترا�ط اﻟتجﺎري ﺠواﻨب ﻤﻬمﺔ ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ .‬ﻟكن ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫ﻫﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻗتصﺎد�ﺔ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول‪ ،‬إﻻ أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘزال ﺘحتوي ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟجواﻨب اﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘثیر اﻟﻐموض‬
‫‪2‬‬
‫واﻟشك ﻟدى اﻟدول اﻷﺨرى‪.‬‬

‫أ�ضﺎ إﻨشﺎء‬
‫ﻛمﺎ ﺘﻔترض اﻟمصﺎدر اﻟرﺴم�ﺔ اﻟصین�ﺔ أﻨﻪ إذا ﺘحﻘﻘت رؤ�ﺔ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬ف�مكنﻬﺎ ً‬
‫ﻤمر اﻗتصﺎدي واﻋد ﯿر�ط ﺒین ﻤﻌظم اﻟمنﺎطق و�ستﻔید ﻤنﻪ �شكﻞ ﻤ�ﺎﺸر ‪ 4,4‬ﻤﻠ�ﺎر ﺸخص‪ ،‬أي ‪ %63‬ﻤن ﺴكﺎن‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 268.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. Pp 81-82.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. Pp 78-79.‬‬

‫‪312‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫أﺸﺎر "ﺠوﺴتین ﯿ�ﻔو ﻟین" ‪ Justin Yifu Lin‬ﻤن اﻟمدرﺴﺔ اﻟوطن�ﺔ ﻟﻠتنم�ﺔ �جﺎﻤﻌﺔ �كین ‪The National‬‬

‫أ�ضﺎ ﻨﺎﺌب رﺌ�س أول ﺴﺎﺒق ﻟﻠبنك اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻤتحدﺜًﺎ ﻓﻲ‬


‫‪ ،School of Development at Peking University‬وﻫو ً‬
‫ﻤنتدى "ﺒواو ﻵﺴ�ﺎ" ‪ The Boao Forum‬ﻓﻲ ﺠو�ﻠ�ﺔ ‪ ،2015‬إﻟﻰ أن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺴتكون ﻗوة داﻓﻌﺔ ﺠدﯿدة‬
‫ﻤن أﺠﻞ ﺘﻌز�ز واﺴتمرار اﻹﻨتﺎﺠ�ﺔ واﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي ﻓﻲ آﺴ�ﺎ؛ وﺘواﺼﻞ اﻟبﻠدان اﻵﺴیو�ﺔ ﺘﻌز�ز ﻤكﺎﻨتﻬﺎ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫واﻟحد ﻤن اﻟﻔﻘر ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ؛ �مﺎ ﻨﺎﻗش اﻟمنتدى اﻟشكﻞ اﻟشﺎﻤﻞ ﻟﻠتنم�ﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻹﺴتثمﺎر اﻟمخطط اﻟذي ﺘﻬدف‬
‫اﻟمنطﻘﺔ إﻟﻰ ﺘحق�ﻘﻪ‪ ،‬ﺘﻌتﻘد اﻟصین أن آﺴ�ﺎ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟحﺎﻟﻲ ﺘمثﻞ �ﺎﻟﻔﻌﻞ ‪ %20‬ﻤن اﻟنﺎﺘﺞ اﻟمحﻠﻲ اﻹﺠمﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ وﻤﻊ ﻤشﺎر�ﻊ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬ﺴتز�د ﻫذﻩ اﻟحصﺔ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺒدورﻫﺎ �مكن أن ﺘسﻬم ﻓﻲ اﻟنمو اﻹﻗتصﺎدي‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ .‬ﻓﺎﻟتكﺎﻤﻞ اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟترا�ط واﻹﻋتمﺎد اﻟمت�ﺎدل ﯿوﻓران ﺤﻼً رﺌ�س�ﺎً ﻟﻠﻌدﯿد ﻤن اﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪.‬‬

‫وﻤن ﺜم‪ ،‬ﻓﺈن اﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻫﻲ "اﻟﻌواﻤﻞ اﻟخمسﺔ ﻟﻺﺘصﺎل أو ﻋواﻤﻞ اﻹﺘصﺎل‬
‫اﻟخمسﺔ" و"اﻟﻘواﺴم اﻟمشتر�ﺔ اﻟثﻼﺜﺔ"؛ اﻹﺘصﺎﻻت اﻟخمسﺔ ﻫﻲ‪ :‬ﺘنسیق اﻟس�ﺎﺴﺎت؛ ر�ط اﻟمراﻓق؛ ﺘجﺎرة ﺒﻼ ﻋراﻗیﻞ؛‬
‫اﻟتكﺎﻤﻞ اﻟمﺎﻟﻲ؛ واﻟروا�ط ﺒین اﻷﻓراد؛ "اﻟﻘواﺴم اﻟثﻼﺜﺔ اﻟمشتر�ﺔ" ﻫﻲ‪" :‬اﻟمصﻠحﺔ اﻟمشتر�ﺔ"‪" ،‬اﻟمصیر اﻟمشترك‪"،‬‬
‫و"اﻟمسؤوﻟ�ﺔ اﻟمشتر�ﺔ"‪ .‬ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟمثﺎﻟ�ﺔ‪ ،‬ﺘتوﻗﻊ اﻟم�ﺎدئ اﻟتوﺠیﻬ�ﺔ ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤن دول ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫واﻟطر�ق أن ﺘبتكر طرًﻗﺎ ﻟز�ﺎدة اﻹﺴتثمﺎر اﻷﺠنبﻲ وﺘﻌز�ز اﻟدﻋم اﻟمحﻠﻲ ﻟس�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ‪ ،‬وﺘﻌتﻘد اﻟصین أن ﻫذا ﺴ�سﺎﻋد‬
‫�ﻌد ذﻟك ﻓﻲ ﺒنﺎء ﻤصﺎﻟﺢ ﻤشتر�ﺔ ﻓﻲ ﺒﻠدان ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬واﻟذﯿن ﺴ�كوﻨون ﺠزًءا ﻤن ﻤجتمﻊ "اﻟمصﺎﻟﺢ‬
‫ﻤﻔتوﺤﺎ ﻤن وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟصین�ﺔ ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أن �مثﻞ‬
‫ً‬ ‫اﻗتصﺎد�ﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻨظﺎﻤﺎ‬
‫ً‬ ‫واﻟمصیر واﻟمسؤوﻟ�ﺔ اﻟمشتر�ﺔ"؛ ﺴوف ﯿبنون‬
‫ﻤ�ﺎدئ ﻤثﻞ اﻟمنﻔﻌﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ واﻟتﻌﺎون اﻟمر�ﺢ ﻟﻠجم�ﻊ واﻟتﻌدد�ﺔ واﻟتوازن واﻷﻤن واﻟﻔﻌﺎﻟ�ﺔ‪� .‬ع�ﺎرة أﺨرى‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل‬
‫ﺠدﯿدا ﻤن‬
‫ً‬ ‫طﺎ‬
‫ﺘطو�ر ﺴ�ﺎﺴﺎت ﺠدﯿدة ﻓﻲ اﻹﺼﻼﺤﺎت واﻹﻨﻔتﺎح‪ ،‬ﺴتطور اﻟصین ودول ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻨم ً‬
‫‪2‬‬
‫اﻟتﻔﺎﻋﻞ واﻟتﻔﺎﻫم �ختﻠﻒ ﻋن اﻟدول اﻟﻐر��ﺔ‪.‬‬

‫ﺒینمﺎ ﯿر�ز ﻤكون "اﻟحزام" ‪ Belt‬ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻋﻠﻰ ﻗطﺎع ﻏر�ﻲ ﺴر�ﻊ اﻟتطور وﺘدر�جﻲ‪ ،‬ﯿر�ز‬
‫ﻤكون "اﻟطر�ق" ‪ Road‬ﻋﻠﻰ ﺘوﺴ�ﻊ اﻟتﻌﺎون اﻟ�حري‪ ،‬ﻟكن ﻻ ﺘزال اﻟصین ﺘواﺠﻪ ﺤﺎﻟﺔ ﺼراع ﻤستمرة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ �حر‬
‫اﻟصین اﻟجنو�ﻲ‪ .‬وﻟﻠحصول ﻋﻠﻰ ﻤز�د ﻤن اﻟدﻋم ﻓﻲ اﻟ�حﺎر واﻟوﺼول إﻟﻰ ﻤنطﻘﺔ اﻟمح�ط اﻟﻬندي ﻤن أﺠﻞ اﻟمرور‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op. cit. P 84.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. Op, cit. P9.‬‬

‫‪313‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻵﻤن واﻟحر ﻟﻠ�ضﺎﺌﻊ اﻟصین�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺘﺄﻤین اﻟطرق واﻟممرات اﻟ�حر�ﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺘشكیﻞ ﺤﻠﻔﺎء ﻤﻊ دول‬
‫‪1‬‬
‫اﻟجوار‪.‬‬

‫�شكﻞ ﻋﺎم‪ ،‬ﺤددت ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق أﻫداﻓﻬﺎ وﻏﺎ�ﺎﺘﻬﺎ ﻟثﻼث ﻤراﺤﻞ ﻤختﻠﻔﺔ‪ .‬ﻓﻲ اﻟمرﺤﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‪� ،‬كون‬
‫ﻟﻬﺎ أﻫداف إﻨمﺎﺌ�ﺔ ﻓور�ﺔ ﻓﻲ إطﺎر زﻤنﻲ ﻤن ﺴنتین إﻟﻰ ﺜﻼث ﺴنوات‪ ،‬ﺤیث ﺘسﻌﻰ ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﺘوﺴ�ﻊ ﻓرص‬
‫اﻟتنم�ﺔ واﻟتوﺼﻞ إﻟﻰ ﺘواﻓق ﻓﻲ اﻵراء ﻤﻊ اﻟبﻠدان اﻟواﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻤح�طﻬﺎ وﺤدودﻫﺎ وﺘنﻔیذ اﻟمخططﺎت اﻟمتﻌﻠﻘﺔ ﺒبنﺎء‬
‫اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪ .‬وﻤشﺎر�ﻊ اﻻﺘصﺎل‪ .‬ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟمرﺤﻠﺔ‪ ،‬ﺴ�كون اﻻﺴتثمﺎر اﻟصنﺎﻋﻲ واﻟتﻌﺎون اﻻﻗتصﺎدي واﻟتجﺎري‬
‫وﺘسﻬیﻞ اﻟتجﺎرة واﻻﺴتثمﺎر‪ ،‬وﺘنﻘﻞ اﻷﻓراد واﻟتﻌﺎون ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟجمﺎرك وﺤمﺎ�ﺔ اﻻﺴتثمﺎر و�دارة اﻟﻬجرة ﻤجﺎﻻت‬
‫اﻟتﻌﺎون اﻟرﺌ�س�ﺔ‪.‬‬

‫وﻤن اﻟمﻘرر أن ﺘحﻘق اﻟمرﺤﻠﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ ﻤن ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪ ،‬اﻟتﻲ ﺘمتد ﻋﻠﻰ ﻤدى ﻋشر ﺴنوات‪،‬‬
‫أﺨیرا‪ ،‬ﯿتمثﻞ اﻟﻬدف طو�ﻞ اﻟمدى ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻓﻲ ﺘحﻘیق‬ ‫اﺨتراﻗﺎت ﻓﻲ اﻟتكﺎﻤﻞ اﻻﻗتصﺎدي اﻹﻗﻠ�مﻲ؛ ً‬
‫ﻤبدﺌ�ﺎ أن ﺘﻐطﻲ اﻟﻔترة اﻟزﻤن�ﺔ اﻟكﺎﻤﻠﺔ ﻟتنﻔیذ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫ً‬ ‫ﻨظﺎم ﻨﻘﻞ ﺒري و�حري وﺠوي ﻓﻌﺎل‪ .‬وﻤن اﻟمتوﻗﻊ‬
‫و�ﻘدر أﻨﻬﺎ ﺴتكتمﻞ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟمنﺎﺴب ﻟﻼﺤتﻔﺎل �ﺎﻟذ�رى اﻟمئو�ﺔ ﻟتﺄﺴ�س ﺠمﻬور�ﺔ‬ ‫ﻓترة زﻤن�ﺔ ﺘصﻞ إﻟﻰ ‪ً 35‬‬
‫ﻋﺎﻤﺎ ُ‬
‫اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪2049‬؛ �مﺎ أن ﺘنﻔیذ ﻤشروع ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤدرج ﻓﻲ دﺴتور اﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ‬
‫‪2‬‬
‫وزﺨمﺎ أﻛبر ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ و�ضمن اﺴتمرار ﻤشروع ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ﺜﻘﻼ‬
‫اﻟصینﻲ‪ ،‬ﻤمﺎ �منحﻪ ً‬

‫اﻟمطﻠب اﻟرا�ﻊ‪ :‬ﺘحد�ﺎت ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬

‫اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻹﺤتواء اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟمتزاﯿدة ﺠﻌﻠت اﻟصین ﺘتحول إﻟﻰ اﻟﻐرب ﻤن ﺨﻼل "ﺤزام واﺤد‪ ،‬طر�ق‬

‫واﺤد" ﻤ�ﺎدرة ﻻ ﺘشمﻞ طرق اﻟنﻘﻞ اﻟمختﻠﻔﺔ ﻓحسب‪ ،‬ﺒﻞ ﺘتوﺨﻰ ً‬


‫أ�ضﺎ إﻨشﺎء ﻤجموﻋﺎت ﻟﻠتنم�ﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ و�ﻨشﺎء‬
‫‪3‬‬
‫اﺘصﺎل ﻤ�ﺎﺸر ﺒین اﻟثﻘﺎﻓﺎت اﻷورو��ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ‪.‬‬

‫اﻗتصﺎد�ﺎ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول )وﻫﻲ‬


‫ً‬ ‫ﻤشروﻋﺎ‬
‫ً‬ ‫وﻫنﺎك ﺠدل ﻓﻲ اﻟصین ﺤول ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق‬
‫أ�ضﺎ أﻫداًﻓﺎ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وأﻤن�ﺔ‪ ،‬إذ �جﺎدل �ﻌض اﻟ�ﺎﺤثین اﻟصینیین‬
‫اﻟروا�ﺔ اﻟتﻲ ﯿتم ﺘﻘد�مﻬﺎ ﻟﻠﻐرب(‪ ،‬أو ﻤﺎ إذا �ﺎﻨت ﻟﻬﺎ ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op, cit. Pp 79-80.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 80.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op, cit. p 268.‬‬

‫‪314‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمؤﺜر�ن �ﺄن ﻫدف اﻟم�ﺎدرة واﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻼﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻫو ﺘحدي اﻟنسق اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ‪ ،‬واﻟحد ﻤن‬
‫ﺘﻌبیر ﻋن اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟصین اﻟكبرى اﻟجدﯿدة‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺘﻬدف اﻟصین إﻟﻰ‬ ‫ًا‬ ‫اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬وأن اﻟم�ﺎدرة ﺘﻌد‬
‫‪1‬‬
‫إﻀﻔﺎء رؤ�تﻬﺎ اﻟمﻔضﻠﺔ ﻟبنﺎء ﻨظﺎم ﻋﺎﻟمﻲ ﺠدﯿد �ق�ﺎدة ﺼین�ﺔ‪ ،‬و�رد ﻓﻌﻞ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة اﻟتوازن ﻓﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪،‬‬

‫إﻟﻰ ﺤد �بیر‪ ،‬ﺘﻌد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤسﺎﻫمﺔ ﻓر�دة ﻤن ﻨوﻋﻬﺎ ﻟـ "ﺸﻲ" ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ‪،‬‬
‫وﺘﻬدف إﻟﻰ أن ﺘكون اﻟسمﺔ اﻟممیزة ﻟﻔترة وﻻﯿتﻪ �رﺌ�س ﻟجمﻬور�ﺔ اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ‪ .‬ﺘتمیز ﻓترة وﻻ�ﺔ �ﻞ زع�م ﺼینﻲ‬
‫ﺒدﻋﺎﻤﺔ ﺴ�ﺎﺴ�ﺔ وأﯿدﯿوﻟوﺠ�ﺔ ﻓر�دة ﻤن ﻨوﻋﻬﺎ‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘمثﻞ اﻟتﻐییرات واﻹﺴتم ارر�ﺔ ﻓﻲ ﻓترة ق�ﺎدﺘﻪ‪ .‬ﺘحت ق�ﺎدة اﻟرﺌ�س‬
‫"ﻫو ﺠینتﺎو" ﻤن ‪ ،2013-2003‬ر�ز ﻗﺎﻨون اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین ﻋﻠﻰ اﻟتنم�ﺔ اﻟسﻠم�ﺔ وﺨﻠق ﻤستوى ﻤع�شﻲ‬
‫ﻤنﺎﺴب ﻟﻠشﻌب اﻟصینﻲ �حﻠول ﻋﺎم ‪ .2020‬ﻟﻘد �ﺎﻨت "اﻟتنم�ﺔ اﻟسﻠم�ﺔ" و"ﻤجتمﻊ رﻏید اﻟح�ﺎة" اﻟدﻋﺎﻤﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟصین�ﺔ؛ و�ﻌتبر ذﻟك ﻫدﻓﺎ ﻤﻬم ﻟﻠﻐﺎ�ﺔ ﺤیث �صﺎدف ﻋﺎم ‪ 2021‬اﻟذ�رى اﻟمئو�ﺔ ﻟتﺄﺴ�س اﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ‬
‫اﻟصینﻲ‪ .‬و�ﺎﻟمثﻞ‪ ،‬ﻓﺈن ﺘصور "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻟـ "اﻟحﻠم اﻟصینﻲ" وﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق �وﺴیﻠﺔ ﻟتحﻘیق ﻫذا اﻟﻬدف‬
‫ﻤن اﻟمﻔترض أن �حﻘق أﻫداﻓﻪ ﻓﻲ اﻟذ�رى اﻟمئو�ﺔ ﻟمیﻼد ﺠمﻬور�ﺔ اﻟصین اﻟشﻌب�ﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .2049‬ﺒبنﺎء دوﻟﺔ‬
‫‪2‬‬
‫اﺸتراﻛ�ﺔ ﺤدﯿثﺔ ﺘكون ﻗو�ﺔ وﻤزدﻫرة وﺘستﻌید اﻟمكﺎﻨﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ اﻟتﻲ ﻓﻘدﺘﻬﺎ ﺨﻼل ﻓترة اﻹﻤبر�ﺎﻟ�ﺔ‪.‬‬

‫ﻟﻘد أﺒدت اﻟصین اﻟكثیر ﻤن اﻟﻘﻠق واﻟشك �شﺄن اﺼطﻔﺎﻓﺎت اﻟنﻔوذ اﻟكبیرة ﻋﻠﻰ ﻤح�طﻬﺎ وﺘﻘوم ﺒتجنید أﺼدﻗﺎء‬
‫وﺤﻠﻔﺎء ﺠدد ﻀد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺤﻠﻔﺎﺌﻬﺎ اﻹﻗﻠ�میین‪� .‬مكن اﻟﻌثور ﻋﻠﻰ ﺘﺄﻛید ﺠﻬود اﻟصین ﻟجمﻊ اﻟمز�د ﻤن‬
‫اﻟبﻠدان ﺘحت ﻤن ﻤ�ﺎدرة "ﺤزام واﺤد وطر�ق واﺤد )‪� ،" (OBOR‬سﻌﻰ ﻤشروع ‪ One Belt One Road‬إﻟﻰ أن �كون‬
‫ﺤمﻠﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ ﻋبر آﺴ�ﺎ و�ﻓر�ق�ﺎ وأورو�ﺎ‪ .‬ﻤن ﺨﻼل اﻟمخطط ﺘحﺎول اﻟصین ر�ط ‪ 65‬ﺒﻠدا ﻋبر أﻛثر ﻤن ﻋشرة‬
‫‪3‬‬
‫ﻤمرات‪� ،‬مﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﻤﻘترح ﺠسر أوراﺴ�ﺎ اﻟﻘﺎري‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن ﺨﻠف�ﺔ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻫﻲ روح طر�ق اﻟحر�ر اﻟﻘد�م‪ ،‬إﻻ أﻨﻬﺎ ﻤختﻠﻔﺔ ﻤن ﻋدة‬
‫ﺼین�ﺎ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول وﺘتمحور ﺤول اﻟصین ﻷﻨﻬﺎ اﻟﻘوة اﻟداﻓﻌﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ‬
‫ً‬ ‫اﺤﺎ‬
‫ﺠواﻨب؛ ﺘﻌد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق اﻗتر ً‬
‫ﻟﻠمشﺎر�ﻊ اﻟثنﺎﺌ�ﺔ واﻟمتﻌددة اﻷطراف؛ ﻤﻊ ذﻟك ﻟم ﺘتوﺼﻞ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق إﻟﻰ ﻤ�ﺎدئ ﺘوﺠیﻬ�ﺔ ﻤحددة أو أي‬
‫وﺜ�ﻘﺔ ﻋﺎﻤﺔ ﺘتضمن أﺤكﺎﻤﺎ وﺸروطﺎ ﻤحددة ﻟﻠبﻠدان اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ اﻟم�ﺎدرة‪ ،‬وﻤﻌظم اﻟوﺜﺎﺌق أو ﻤذ�رات اﻟتﻔﺎﻫم‬

‫‪ -1‬ﺻﻔﺎء ﺻﺎﺑر ﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣﺣﻣدﯾن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ص ‪.162‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op, cit. Pp 83-84.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 271.‬‬

‫‪315‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟموﻗﻌﺔ �موﺠب اﻟم�ﺎدرة ﺜنﺎﺌ�ﺔ وﻟ�ست ﻤتﻌددة اﻷطراف؛ وﻨت�جﺔ ﻟذﻟك‪ ،‬ﯿتﻌین ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟبﻠدان ﻤراﻋﺎة ﻋدم‬
‫وﺠود ﻤﻌﻠوﻤﺎت ﻤوﺜوﻗﺔ �شﺄن اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻠم�ﺎدرة أﺜنﺎء ﻤنﺎﻗشﺔ ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ �شﺄن اﻻﻨضمﺎم إﻟﻰ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫أ�ضﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻬند‪ ،‬ﺤیث �ﻘوم ﺼﺎﻨﻌو اﻟس�ﺎﺴﺎت ﺒتﻘی�م ﻤزا�ﺎ اﻹﻨضمﺎم إﻟﻰ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫واﻟطر�ق‪ .‬و�نطبق ﻫذا ً‬
‫واﻟطر�ق‪ ،‬ﺨﺎﺼﺔ أﻨﻪ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠﻬند‪ ،‬ﯿتم إﻨشﺎء اﻟممر اﻻﻗتصﺎدي ﺒین اﻟصین و�ﺎﻛستﺎن ﻋﻠﻰ أرض ﻤحﻞ ﻨزاع ﺒین‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻬند و�ﺎﻛستﺎن‪.‬‬

‫ﺘتمتﻊ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﺒرؤ�ﺔ واﺴﻌﺔ �مكن أن ﺘكون ﻤﻔیدة ﻟجم�ﻊ اﻟدول اﻟمشﺎر�ﺔ إذا ﺘم ﻓحصﻬﺎ‬
‫وﺘحﻠیﻠﻬﺎ �ﻌنﺎ�ﺔ‪ ،‬و�مكن أن ﺘثبت أﻨﻬﺎ أﻗوى وأﻋﻘد ظﺎﻫرة دوﻟ�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن؛ وﻋﻠﻰ ﺴبیﻞ اﻟمثﺎل‪،‬‬
‫ﺤتﻰ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠﻬند‪� ،‬مكن أن ﺘكون ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤﻔیدة ﻟﻠتخف�ف ﻤن ﺤدة اﻟﻔﻘر ﻤن ﺨﻼل ﺨﻠق ﻓرص‬
‫اﻟﻌمﻞ و�نﺎء اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪ ،‬واﻟحصول ﻋﻠﻰ ﻗروض ﻤن ﺒنك اﻟتنم�ﺔ اﻟجدﯿد ﻟبنﺎء اﻟطرق �مﺎ ﺘﻘرر ﻓﻲ اﺠتمﺎﻋﻪ‬
‫اﻟسنوي اﻟثﺎﻨﻲ اﻟذي ﻋﻘد ﻓﻲ ﻨیودﻟﻬﻲ ﻓﻲ أﺒر�ﻞ ‪2017.‬‬
‫‪2‬‬

‫ﺘﻌد ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق واﺤدة ﻤن أوﻟﻰ ﻤ�ﺎدرات اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ واﻟر�ط اﻟش�كﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ واﻟتﻲ ﺴ�كون ﻟﻬﺎ‬
‫اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟمستﻔیدﯿن اﻟمحتمﻠین‪ ،‬ﺤیث ﻻ ﺘزال اﻟمنطﻘﺔ اﻵﺴیو�ﺔ ﺘﻔتﻘر إﻟﻰ اﻟطرق واﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ واﻹﺘصﺎﻻت‬
‫واﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ اﻟضرور�ﺔ ﻟﻠتنم�ﺔ‪ .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أن اﻟنت�جﺔ واﻟﻌواﻗب اﻟحق�ق�ﺔ ﻟم�ﺎدرة ‪ OBOR‬ﻻ‬
‫ﺘزال ﻏیر ﻤﻌروﻓﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟم�ﺎدرة ﻻ ﺒد أن ﺘؤدي إﻟﻰ ﺘطو�ر اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻤمﺎ ﯿؤدي إﻟﻰ اﻟتحول اﻻﻗتصﺎدي؛ ﺘم‬
‫ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ "ﻓكر )ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ(‬
‫أ�ضﺎ ﻓﻲ دﺴتور اﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟصینﻲ ً‬
‫ﺘوﺜیق ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ً‬
‫ﺤول اﻟﻌصر اﻟجدﯿد ﻟﻺﺸتراﻛ�ﺔ ذات اﻟخصﺎﺌص اﻟصین�ﺔ'' ﺨﻼل اﻟمؤﺘمر اﻟوطنﻲ اﻟـ ‪ 19‬ﻟﻠحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟصینﻲ‬
‫ﻓﻲ أﻛتو�ر ‪ ،2017‬ﻤمﺎ �جﻌﻞ اﻟم�ﺎدرة أﺤد أﻫم ﻤ�ﺎدرات اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠصین؛ وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻻ ﺘزال ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام‬
‫واﻟطر�ق ﺘواﺠﻪ اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟمخﺎطر اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ ﻋندﻤﺎ ﯿتﻌﻠق اﻷﻤر �مخﺎوف اﻷﻤن واﻟتﻬدﯿد ﻟﻠدول اﻟمجﺎورة واﻟدول‬
‫أ�ضﺎ ﻋدم اﻻﺴتﻘرار‬
‫ﻨظر ﻟوﺠود ﻤخﺎطر اﺌتمﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ اﻷﺴواق اﻟجدﯿدة ﻟﻠدول اﻟمشﺎر�ﺔ؛ ﺘشمﻞ اﻟمخﺎطر ً‬
‫اﻟمشﺎر�ﺔ ًا‬
‫طﺎ‬
‫اﻟس�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ �ﻌض ﻤنﺎطق اﻟم�ﺎدرة‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﻫذﻩ اﻟمخﺎطر واﻟتحد�ﺎت‪ ،‬ﺘظﻞ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻤخط ً‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op, cit. p82.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. Pp 82-83.‬‬

‫‪316‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺸﺎﻤﻼً ﺼممتﻪ اﻟصین ﻟتﻘﻠیﻞ اﻻﺨتﻼف واﻻﺤتكﺎك ﺒین دول اﻟمنطﻘﺔ وﺘﻌظ�م اﻟتﻌﺎون ﺒین �ﻞ ﻤن اﻟﻘوى اﻟكبیرة‬
‫‪1‬‬
‫واﻟصﻐیرة‪.‬‬

‫ﺣﺰام واﺣﺪ ‪-‬ﻃﺮ�ﻖ واﺣﺪ ﻃﺮ�ﻖ ا�حﺮ�ﺮ اﻟﺼﻴ�ي ا�حﺪﻳﺚ‪ .‬ﻃﺮ�ﻘﺔ اﻟﻨﻘﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Saheli Chattaraj, Op. cit. p 85.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 25.‬‬

‫‪317‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟم�حث اﻟخﺎﻤس‪ :‬اﻷﻫداف اﻟجیواﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ اﻟ�ﺎﺴ�ف�ك‬

‫ﺘسﻌﻰ اﻟصین ﻤن ﺨﻼل اﺴتراﺘ�ج�ﺎﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺒیئتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة و�دا�ﺔ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻹﺼﻼح‬
‫واﻹﻨﻔتﺎح اﻻﻗتصﺎدي‪ ،‬وﺘبنﻲ دﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ أﻤن�ﺔ ﺠدﯿدة إﻟﻰ ﺘحﻘیق ﻋدد ﻤن اﻷﻫداف ذات اﻟمضﺎﻤین اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫واﻟجیواﻗتصﺎد�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ‪ ،‬ﻟتﺄﻤین ﺼﻌودﻫﺎ اﻟسﻠمﻲ ﻤن ﺠﻬﺔ‪ ،‬واﻟتحوط ﻀد اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻹﺤتواء اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺔ‪ ،‬وﻤحﺎول ﺘﻐییر ﺒن�ﺔ اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟدوﻟﻲ �مﺎ ﯿتمﺎﺸﻰ واﻟمصﺎﻟﺢ اﻟﻘوﻤ�ﺔ ﻟﻠصین ﻤن ﺠﻬﺔ ﺜﺎﻟثﺔ‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻷول‪ :‬ﺘﻌز�ز ﻗوة وﻤكﺎﻨﺔ اﻟصین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ واﺤتواء وﻀﻊ اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‬

‫ﻟﻠصین‪-‬‬ ‫‪-‬ﺨطوة اﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻨحو اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ واﻟﻬ�منﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‬

‫ﻤؤﺨر �ثرت اﻟكتﺎ�ﺎت واﻟتحﻠیﻼت اﻟتﻲ ﺘتحدث ﻋمﺎ ُ�مكن أن ُ�طﻠق ﻋﻠ�ﻪ اﻟنظﺎم اﻟﻌﺎﻟمﻲ اﻟصینﻲ ‪Chinese‬‬
‫ًا‬
‫‪ ،world order‬ذﻟك اﻟمﻔﻬوم اﻟذي ﯿتمحور ﺤول رغ�ﺔ ورؤ�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ ﺘشكیﻞ ﻨسق إﻗﻠ�مﻲ وﻋﺎﻟمﻲ ﺠدﯿد ﺘحت‬
‫ﺨطر ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟتﻲ ﺘر�د اﺴتم ارر�ﺔ ق�ﺎدﺘﻬﺎ ﻟﻠنسق اﻟدوﻟﻲ‪ 1 .‬وﺘشكﻞ‬
‫ق�ﺎدﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻫو ﻤﺎ �شكﻞ ًا‬
‫أﺴﺎﺴﺎ ﻫﺎﻤﺎ ﻟتحﻘیق ﺴﻼم داﺌم ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺤیث أﻨﻬﺎ ﺴتؤدي إﻟﻰ ﺒنﺎء ﻨظﺎم‬
‫اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﻤن وﺠﻬﺔ اﻟنظر اﻟصین�ﺔ ً‬
‫ﻨسب�ﺎ وﺘﻌز�ز اﻟت�ﺎدﻻت واﻟتﻌﺎون‪ ،‬إذ �جب أن‬
‫ﺴ�ﺎﺴﻲ واﻗتصﺎدي ﻋﺎدل وﺴتضﻊ إطﺎر ﻋمﻞ ﺴ�ﺎﺴﻲ دوﻟﻲ ﻤستﻘر ً‬
‫ﺠم�ﻌﺎ أﻋضﺎء ﻤتسﺎوون ﻓﻲ اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ دون اﻟﻬ�منﺔ ﻤﻊ اﺘ�ﺎع ﻨموذج ﻟﻠتنم�ﺔ اﻟمشتر�ﺔ ﻓﻲ إطﺎر‬
‫ً‬ ‫ﺘكون اﻟدول‬
‫‪2‬‬
‫ﻤن اﻟثﻘﺔ اﻟمت�ﺎدﻟﺔ‪.‬‬

‫ﺘختﻠﻒ اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﻓﻲ ﻤرﺤﻠﺔ ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻋن أي ﻤرﺤﻠﺔ أﺨرى ﺸﻬدت ﺘﻌدد�ﺔ ﻗطب�ﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟتﺎر�ﺦ‪ ،‬ﻓخﻼل اﻟﻔترة ﻤن اﻟﻘرن اﻟخﺎﻤس ﻋشر إﻟﻰ أواﺨر اﻟنصﻒ اﻷول ﻤن اﻟﻘرن اﻟﻌشر�ن‪ ،‬ﺸﻬدت ﺴتﺔ )‪(06‬‬

‫ﻤراﺤﻞ ﻤن اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ‪ ،‬وﻗد ﺘمیز وﻀﻊ اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟمراﺤﻞ اﻟست �ﺎﻹﻋتمﺎد ﻋﻠﻰ اﻷﺤﻼف‬
‫اﻟﻌسكر�ﺔ‪ ،‬وﺘشكیﻞ ﺘوازن ﻨسبﻲ ﻟﻠﻘوى ﻋسكر�ﺎ‪ 3 .‬ﻟذﻟك ﺘسﻌﻰ اﻟصین إﻟﻰ ﺘﻐییر اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟحﺎﻟﻲ وﻤﻌﺎﯿیر‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟدول‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺘرى أن اﻟنظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﻗواﻋدﻩ وﻀﻌتﻬﺎ اﻟدول اﻟﻐر��ﺔ ﻋندﻤﺎ �ﺎﻨت اﻟصین ﻀع�ﻔﺔ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫وﺘﻌتﻘد أن اﻟتوز�ﻊ اﻟحﺎﻟﻲ ﻟﻠﻘوة واﻟموارد ﻤتحیز ﺒنﺎﺌ�ﺎ ﻟصﺎﻟﺢ اﻟﻐرب وﻀد اﻟصین‪.‬‬

‫‪ -1‬ﺻﻔﺎء ﺻﺎﺑر ﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣﺣﻣدﯾن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.161‬‬


‫‪ -2‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ -3‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ -4‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.384‬‬

‫‪318‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫�مكن إرﺠﺎع ﻤﻔﻬوم اﻟصین ﻋن اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ اﻟجدﯿدة اﻟتﻲ ﺘستثنﻲ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ إﻟﻰ‬
‫ﺨطﺎب اﻟرﺌ�س اﻟصینﻲ "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" ﻓﻲ ‪ 21‬ﻤﺎي ‪ 2014‬ﻓﻲ ﻤؤﺘمر اﻟتﻔﺎﻋﻞ وﺘداﺒیر ﺒنﺎء اﻟثﻘﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ‪The‬‬

‫)‪ .Conference on Interaction and Confidence-Building Measures in Asia (CICA‬ﻓﻲ ﻫذا اﻟخطﺎب طرح‬
‫"ﺸﻲ" ﻤﻘترﺤﺎت ﻤن أﺠﻞ "ﺸﻌوب آﺴ�ﺎ ﻹدارة ﺸؤون آﺴ�ﺎ وﺤﻞ ﻤشﺎﻛﻞ آﺴ�ﺎ واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ أﻤن آﺴ�ﺎ؛ ﺘتمتﻊ ﺸﻌوب‬
‫آﺴ�ﺎ �ﺎﻟﻘدرة واﻟحكمﺔ ﻋﻠﻰ ﺘحﻘیق اﻟسﻼم واﻹﺴتﻘرار ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ ﻤن ﺨﻼل ﺘﻌز�ز اﻟتﻌﺎون"‪.‬‬

‫و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ �مكن اﻟﻘول إﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻋكس اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪ ،‬ﻓﺈن طموح اﻟصین ﻫو ﺘحﻘیق اﻟتﻔوق اﻹﻗﻠ�مﻲ وﻟ�س‬
‫وﻨظر ﻟطموﺤﺎت اﻟصین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬
‫ًا‬ ‫اﻟتﻔوق اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل اﻟتﻔوق ﻋﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة وﺸراﻛﺎت ﺘحﺎﻟﻔﻬﺎ‪.‬‬
‫اﻟمتزاﯿدة‪� ،‬ص�ﺢ ﻤن اﻟضروري ﻓﻬم ��ف "ﺘتصور" �كین ه�منتﻬﺎ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ .‬اﻹﻓتراض اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻫنﺎ ﻫو أن ﻗﺎدة‬
‫أ�ضﺎ إﻟﻰ "ﺘرﺴ�ﺦ ﺒﻠدﻫم �ﻘوة ﻤﻬ�منﺔ ﻓﻲ ﺸرق آﺴ�ﺎ"‬
‫اﻟصین ﻻ ﯿﻬدﻓون ﻓﻘط إﻟﻰ ﺘوﺴ�ﻊ ﻗدراﺘﻬم وﻨﻔوذﻫم‪ ،‬وﻟكن ً‬
‫و�ﺨضﺎع ﻗوى ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻷﺨرى؛ ﺜﺎﻨ�ﺎً‪ ،‬إن ﺘﻔوق اﻟصین ﺴوف ﯿتجﻠﻰ �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻤن اﻟنﺎﺤ�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ؛ ﺜﺎﻟثًﺎ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫�بیرا‪ ،‬إن ﻟم �كن اﻟﻘضﺎء اﻟتﺎم‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟوﺠود اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻷﻤر�كﺎ‪.‬‬
‫ﺘﻘﻠ�صﺎ ً‬
‫ً‬ ‫ﺴیتطﻠب‬

‫ﻗدم رﺌ�س ﻤجﻠس اﻟدوﻟﺔ اﻟصینﻲ "ﻟﻲ �ﻪ ﺘش�ﺎﻨﻎ" ‪ Li Keqiang‬ﺘﻘر�ر ﻋمﻞ اﻟحكوﻤﺔ ﻓﻲ اﻟمؤﺘمر اﻟوطنﻲ‬
‫ﻟنواب اﻟشﻌب اﻟصینﻲ ﻓﻲ ‪ 5‬ﻤﺎرس ‪2017‬؛ وﺘضمن اﻟتﻘر�ر إﻋﻼﻨﺎت رﺌ�س�ﺔ ﺘتﻌﻠق �ﺎﻻﻗتصﺎد اﻟمحﻠﻲ واﻟبیئﺔ‬
‫واﻹﺴكﺎن واﻟدﻓﺎع واﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ 2 .‬إذ ﻋبرت اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ ﻋن ُرؤاﻫﺎ واﻋتمدت ﻋدداً �بی اًر ﻤن اﻟتداﺒیر �مﺎ‬
‫�كﻔﻲ ﻟﻠسمﺎح �ﺈﺠراء ﺘوﻟ�ف أوﻟﻲ ﻤن دﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ؛ ﺘمﺎﺸ�ﺎً ﻤﻊ اﻹﻋتراف �ﺄن اﻟطر�ﻘﺔ اﻟتﻲ ﺘتﻌﺎﻤﻞ ﺒﻬﺎ‬
‫اﻟق�ﺎدة اﻟصین�ﺔ اﻟیوم ﻤﻊ ﺘحد�ﺎﺘﻬﺎ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ ﻟﻬﺎ ﺘﺄﺜیر ﻤ�ﺎﺸر ﻋﻠﻰ ﺘطور اﻹﻗتصﺎد اﻟﻌﺎﻟمﻲ �ﺄﻛمﻠﻪ‪� ،‬جب‬
‫أن �شمﻞ اﻟتﻘی�م اﻟﻬﺎدف ر�ط ﺨ�ﺎرات اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟمحﻠ�ﺔ واﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠحكوﻤﺔ‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺘوﻓر‬
‫اﻟجﻐراف�ﺎ اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻟمنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ آﻓﺎًﻗﺎ ﻤشرﻗﺔ ﻟﻠنﻬﺞ اﻟصینﻲ ﻹدارة اﻟشؤون اﻹﻗتصﺎد�ﺔ ﻋبر‬
‫أ�ضﺎ ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف �مثﺎ�ﺔ أرض اﺨت�ﺎر ﻟﻺﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟصین�ﺔ؛ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟنحو‪ ،‬ﺴیتم‬ ‫اﻟحدود‪ ،‬وﺴتكون ً‬
‫‪3‬‬
‫اﻟتر�یز �شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻋﻠﻰ ��ف�ﺔ ارﺘ�ﺎط اﻟصین �ﺂﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. p 23.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 10.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Zha Daojiong, Op. cit. P 86.‬‬

‫‪319‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫وف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﻘض�ﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‪ ،‬ﻗﺎل "ﻟﻲ �ﻪ ﺘش�ﺎﻨﻎ"‪" :‬ﻛدوﻟﺔ �بیرة‪ ،‬ﺤﻘﻘت اﻟصین إﻨجﺎزات �ﺎرزة‬
‫ﻓﻲ دﺒﻠوﻤﺎﺴیتﻬﺎ �خصﺎﺌص ﻤمیزة"؛ ﺸمﻠت اﻹﻨجﺎزات‪ ،‬اﻟز�ﺎرات اﻟتﻲ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" وﻗﺎدة ﺼینیون‬
‫آﺨرون إﻟﻰ دول أﺠنب�ﺔ؛ اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ اﻹﺠتمﺎع اﻟرا�ﻊ واﻟﻌشر�ن ﻟﻠﻘﺎدة اﻹﻗتصﺎدﯿین ﻟﻸﺒ�ك ‪APEC‬؛ ﻗمﺔ ﻤنظمﺔ‬
‫ﺸنﻐﻬﺎي ﻟﻠتﻌﺎون‪ the Shanghai Cooperation Organisation Summit‬؛ اﺠتمﺎع ﻗﺎدة اﻟبر�كس ‪The BRICS‬‬

‫‪Leaders Meeting‬؛ ﻗمﺔ اﻷﻤن اﻟنووي ‪the Nuclear Security Summit‬؛ اﺠتمﺎﻋﺎت رف�ﻌﺔ اﻟمستوى ﺨﻼل اﻟدورة‬
‫اﻟحﺎد�ﺔ واﻟس�ﻌین ﻟﻠجمع�ﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻸﻤم اﻟمتحدة؛ اﺠتمﺎع آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ‪ the Asia-Europe Meeting‬؛ واﺠتمﺎع ﻗﺎدة‬
‫ﺸرق آﺴ�ﺎ ﺤول اﻟتﻌﺎون ‪� 1 .The East Asian Leaders meeting on cooperation‬مﺎ ﺘحدث ﻋن دور اﻟصین‬
‫اﻟنشط ﻓﻲ إﺼﻼح وﺘحسین ﻨظﺎم اﻟحو�مﺔ اﻟﻌﺎﻟمﻲ‪ ،‬وﻻ ﺴ�مﺎ ﻨجﺎح اﻟصین ﻓﻲ ﺘنﻔیذ اﺘﻔﺎق�ﺔ �ﺎر�س‪ .‬ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق‬
‫�طیئﺎ‪،‬‬
‫�ﺎﻟﻘضﺎ�ﺎ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪� ،‬ﺎﻨت ﺘوﻗﻌﺎﺘﻪ ﻗﺎﺘمﺔ إﻟﻰ ﺤد ﻤﺎ‪ ،‬ﺤیث ﻗﺎل إن "اﻟنمو اﻻﻗتصﺎدي اﻟﻌﺎﻟمﻲ ﻻ ﯿزال ً‬
‫و�تزاﯿد اﺘجﺎﻩ ﺘراﺠﻊ اﻟﻌوﻟمﺔ وﻋودة اﻟحمﺎﺌ�ﺔ‪ .‬وﻫنﺎك اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟشكوك ﺤول اﺘجﺎﻩ ﺴ�ﺎﺴﺎت اﻻﻗتصﺎدات اﻟرﺌ�س�ﺔ‬
‫‪2‬‬
‫وﺘﺄﺜیراﺘﻬﺎ ﻏیر اﻟم�ﺎﺸرة "‪ .‬وأن "اﻟصین ﺘمر �مرﺤﻠﺔ ﺤﺎﺴمﺔ وﻤﻠیئﺔ �ﺎﻟتحد�ﺎت ﻓﻲ ﻤسﺎﻋیﻬﺎ اﻟتنمو�ﺔ"‪.‬‬

‫إن اﻟرغ�ﺔ اﻟﻘصوى ﻟﻠصین اﻟمﻌﺎﺼرة ﻟتﻌز�ز ﻤكﺎﻨتﻬﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻫﻲ أن ﺘتخﻠﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻋن ﻤوﻗﻌﻬﺎ‬
‫اﻹﺴتراﺘ�جﻲ اﻟمﻬ�من ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﻤثﻠمﺎ ﻓﻌﻠت اﻟممﻠكﺔ اﻟمتحدة �ﻌد اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ اﻟثﺎﻨ�ﺔ ﻤﻊ أﻤر�كﺎ‪ 3 .‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﻘد ﻫدﻓت‬
‫اﻟصین إﻟﻰ اﻟتﺄﺜیر ﻋﻠـﻰ ﺒنیـﺔ اﻟنسق اﻟدوﻟـﻲ‪ ،‬و�ﺎﻟتﺄﻛید ﻋﻠـﻰ اﻟطﺎﺒـﻊ ﻤتﻌــدد اﻷﻗطﺎب ‪ ،Multi-polar system‬إذ‬
‫ُ�حسب ﻟﻸزﻤﺔ اﻟمﺎﻟ�ﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻓــﻲ ﻋــﺎم ‪ ،2008‬أﻨﻬﺎ �ﺎﻨت أﺤـد اﻟتطورات اﻟتــﻲ ﺴﺎﻫمت ﻓــﻲ اﻟتﺄﻛید ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟطﺎ�ﻊ؛‬
‫ﻷﻨﻬﺎ أﻀﻌﻔــت ﻤكﺎﻨﺔ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة �ﺎﻋت�ﺎرﻫــﺎ ﻤر�ـز اﻟنظﺎم اﻻﻗتصﺎدي اﻟﻌﺎﻟـمﻲ )أﻧﻈﺮاﳌ�حﻖ رﻗﻢ ‪ .(10‬و�ﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬
‫ذﻟك‪ ،‬ﻓﻠﻘـد ﺴـﺎﻫمت ﺘطـورات أﺨـرى ﻓـﻲ ﺘنﺎﻤﻲ اﻟنﻔـوذ اﻻﻗتصﺎدي اﻟصینﻲ‪ ،‬و�تمثــﻞ أﺒرزﻫـﺎ ﻓﻲ ﺼﻌ ـود "ﺘ ارﻤـب" إﻟﻰ‬
‫ﺴدة اﻟرﺌﺎﺴﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬اﻟذي ﺸرع ﻓﻲ ﺘبنﻲ اﻟحمﺎﺌیــﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ �مدﺨـﻞ ﻟتﻘﻠیﻞ اﻟﻌجـز ﻓـﻲ اﻟموازﻨـﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻓـﻲ‬
‫اﻟوﻗـت اﻟـذي أﺼ�حت ﻓیـﻪ اﻟصیـن ﻫـﻲ اﻟمداﻓـﻊ اﻟرﺌ�سـﻲ ﻋـن اﻟﻌوﻟمـﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ‪� ،‬مﺎ اﺘضﺢ ﻓـﻲ ﺨطﺎب اﻟرﺌیـس‬
‫اﻟصینـﻲ أﻤﺎم ﻤنتـدى داﻓوس اﻻﻗتصﺎدي ﻋـﺎم ‪ ،2017‬ﺤیـن أﻛـد ﻋﻠﻰ أن "اﻟﻌوﻟمـﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ ﻟ�ســت ﻫــﻲ اﻟســبب‬
‫وراء اﻟمشــﺎﻛﻞ واﻷزﻤﺎت اﻟتــﻲ �ﻌﺎﻨﻲ ﻤنﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬و�ذا ﺼﺢ ذﻟك‪ ،‬ﻓـﺈن ﻫـذا ﻻ �ﻌنـﻲ أن ﻨﻘضـﻲ ﻋﻠـﻰ ﻫذا اﻟنظﺎم‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Abanti Bhattacharya, Op. cit. p 10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 10.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 272.‬‬

‫‪320‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫وﻟﻠتدﻟیـﻞ ﻋﻠﻰ إﺼـرار اﻟصیـن ﻋﻠـﻰ اﻟدﻓـﺎع ﻋـن اﻟﻌوﻟمﺔ‪ ،‬أﻛـد اﻟرﺌیـس اﻟصینﻲ اﻟتـزام ﺒﻼدﻩ �ﺄﺒـرز اﻟم�ﺎد ارت اﻹﻗتصﺎد�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتـﻲ طرﺤتﻬـﺎ‪ ،‬واﻟتـﻲ ﺘتمثـﻞ ﻓـﻲ "اﻟشـ ارﻛﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ اﻟشـﺎﻤﻠﺔ اﻹﻗﻠ�میـﺔ"‪ ،‬و"ﻤبـﺎدرة اﻟحـزام واﻟطر�ــق"‪.‬‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻨﻲ‪ :‬ﻤواﺠﻬﺔ اﻟتحدي اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ ﻟﻠصین ﻋﻠﻰ ﻀوء اﻟطموﺤﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ‬

‫وﺠیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ ﺸرق آﺴ�ﺎ اﻟمﻌﻘدة‪.‬‬

‫ﻟﻘد أدى اﻟطموح واﻟسﻌﻲ وراء اﻟق�ﺎدة اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤن ﻗبﻞ اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن إﻟﻰ ﺘحو�ﻞ اﻟمنطﻘﺔ اﻵﺴیو�ﺔ إﻟﻰ‬
‫ﻤسرح ﻤتﻘﻠب ﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة‪ 2 .‬إذا اﺴتمرت اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟدوﻟ�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﻤن اﻟمرﺠﺢ أن ﺘتﻔوق‬
‫اﻟصین ﻋﻠﻰ اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟتص�ﺢ اﻟﻘوة اﻵﺴیو�ﺔ اﻟمﻬ�منﺔ ﻓﻲ ﻏرب اﻟمح�ط اﻟﻬﺎدي‪� ،‬حیث ﺘﻌزز دورﻫﺎ �ﻼﻋب أﺴﺎﺴﻲ‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻲ ﺘشكیﻞ اﻟتطورات اﻟدﯿبﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ أﻨحﺎء أوراﺴ�ﺎ وﺘمتن ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ذات اﻟ�ﻌد اﻷﻤنﻲ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ واﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬

‫ﯿتﻔق ﻋدد ﻤن اﻟمحﻠﻠون اﻟصینین ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق ﻓﻲ إﺒداء ﺸكوك ﻋم�ﻘﺔ إزاء ﻤیول اﻟ�ﺎ�ﺎن "اﻟﻌسكر�ﺔ" و�ﻤكﺎﻨ�ﺔ‬
‫أن ﺘﻠﻌب دو ار أﻤن�ﺎ إﻗﻠ�م�ﺎ واﺴﻌﺎ و�ﻤكﺎﻨ�ﺔ ﺘدﺨﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﺤداث اﻟمحتمﻠﺔ ﻓﻲ �ور�ﺎ اﻟشمﺎﻟ�ﺔ وﺘﺎﯿوان‪ ،‬وارﺘ�ﺎطﺎﺘﻬﺎ‬
‫اﻟدﻓﺎع�ﺔ اﻟﻘو�ﺔ ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ .‬وﻫم ﯿرون ﺘحوﻻ ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدﻓﺎع�ﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ ﻤن اﻟتوﺠﻪ اﻟداﺨﻠﻲ‬
‫‪4‬‬
‫إﻟﻰ اﻟتوﺠﻪ اﻹﻗﻠ�مﻲ وﺘحوﻻ ﻤن اﻟدﻓﺎع اﻟسﻠبﻲ إﻟﻰ اﻟدﻓﺎع اﻟنشط‪.‬‬

‫ﺘحﺎول اﻟصین إﻋﺎدة ﺘشكیﻞ اﻟﻔضﺎء اﻻﺴتراﺘ�جﻲ اﻵﺴیوي‪ ،‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺘجبر اﻟجﻬﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ اﻷﺨرى ﻓﻲ‬
‫أ�ضﺎ‪ .‬ﻤن اﻟمﻌروف أن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﺘظﻞ اﻟتحدي اﻟرﺌ�سﻲ‬
‫اﻟمنطﻘﺔ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة ﺘشكیﻞ ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ اﻟصین ً‬
‫ﻟطموﺤﺎت اﻟصین �ﻘوة ﻋظمﻰ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤﺎ ﻻ �مكن ﺘجﺎﻫﻠﻪ ﻫو ﺘحدي اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟتطﻠﻌﺎت اﻟصین ﻓﻲ ﺘوﻟﻲ‬
‫زﻤﺎم اﻟق�ﺎدة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪� .‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬ﺘﻠﻌب اﻟ�ﺎ�ﺎن دور "اﻵﺨر" اﻟمﻬم ﻓﻲ ﻤوازﻨﺔ اﻟﻘوة اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ‬
‫واﻟﻌسكر�ﺔ ﻟﻠصین ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪� .‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤخﺎوف اﻟصین �شﺄن ﻨﻬوض اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤستمدة �شكﻞ �بیر‬
‫ﻤن وﻋیﻬﺎ اﻟتﺎر�خﻲ‪ .‬ﺘم اﻟتحﻘق ﻤن ﺼحﺔ ذﻟك ﻤن ﺨﻼل ﻋدم رغ�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ ﻗبول اﻟتحول اﻟذي ﯿﻠوح ﻓﻲ اﻷﻓق‬
‫ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن إﻟﻰ ﻤﺎ �سمﻰ ﺒـ "دوﻟﺔ طب�ع�ﺔ"‪.‬‬

‫‪ -1‬ﺻﻔﺎء ﺻﺎﺑر ﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣﺣﻣدﯾن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.161‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Amrita Jash. Op. cit. p 22.‬‬
‫‪� -3‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -4‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪" ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.232‬‬

‫‪321‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ذﻟك‪ ،‬ﯿتجﻠﻰ اﻟتوازن اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ اﻟمضﺎد ﻟتطﻠﻌﺎت اﻟصین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ "�حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ"‬
‫و"�حر اﻟصین اﻟجنو�ﻲ" وﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق )‪(BRI‬؛ �مكن ﺘﻌر�ف اﻟمنﺎﻓسﺔ اﻟصین�ﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‬
‫‪1‬‬
‫اﻵﺴیو�ﺔ ﻓﻲ ﺴ�ﺎق اﻟمثﻞ اﻟصینﻲ اﻟﻘد�م اﻟﻘﺎﺌﻞ‪" :‬ﻻ �مكن ﻟجبﻞ واﺤد أن �حتوي ﻋﻠﻰ ﻨمر�ن"‪.‬‬

‫ﺘنظر اﻟصین �ذﻟك إﻟﻰ اﻟم�ﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ ﻗدراﺘﻬﺎ وﺴوء ﻓﻬم دواﻓﻌﻬﺎ ﺒوﺼﻔﻬﺎ "ﺴتﺎرة ﻤن اﻟدﺨﺎن" ﻟﻠﻌسكرة اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ‬
‫اﻟمتجددة أو اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟمدﻋوﻤﺔ أﻤر�ك�ﺎ ﻹﺤتواء اﻟصین ﻤن ﺨﻼل اﻟمسﺎﻋدة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟﻠﻔﺎﻋﻠین اﻹﻗﻠ�مین‪ ،‬ودﻋم‬
‫اﻟتحﺎﻟﻔﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟمﻌﺎد�ﺔ ﻟﻠصین‪ 2 .‬ﻓﻲ ﻀوء ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘض�ﺔ اﻟمر�ز�ﺔ ﻫﻲ‪" :‬ﻫﻞ �مكن ﻟﻠصین ﺤًﻘﺎ اﻟوﺼول‬
‫�ﺎ�ﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬ﺤیث‬
‫ً‬ ‫ﺘحد�ﺎ‬
‫ﺼع�ﺎ ﻫو أن طموﺤﺎت اﻟصین ﺘواﺠﻪ ً‬ ‫ً‬ ‫إﻟﻰ اﻟﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ؟" ﻤﺎ �جﻌﻞ ﻫذا اﻟحسﺎب‬
‫ﯿتنﺎﻓس �ﻼﻫمﺎ ﻟﻠحصول ﻋﻠﻰ اﻟﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ؛ أﺒرز ﺴمﺎت ﺸرق آﺴ�ﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻫﻲ أن اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن‬
‫ﺠن�ﺎ إﻟﻰ ﺠنب ﻤﻊ اﻟتنﺎﻓس اﻟمتزاﯿد ﺒینﻬمﺎ؛ وﻓﻲ ﻫذا اﻟصدد‪� ،‬مكن ﺘﻔسیر ﻤﺎ �جﻌﻞ‬
‫ﻗو�تین وﺜر�تین ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟوﻗت‪ً ،‬‬
‫‪3‬‬
‫"اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟراﻛدة" ﻗوة ﻤواز�ﺔ ﻟـ "اﻟصین اﻟصﺎﻋدة" �ﺎﻟطرق اﻟتﺎﻟ�ﺔ‪:‬‬

‫أوﻻً‪� ،‬ﻌد ﺜﻼﺜﺔ ﻋﻘود ﻤن اﻟنمو اﻹﻗتصﺎدي اﻟسر�ﻊ‪ ،‬ﺤﻠت اﻟصین ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ 2010‬ﻤحﻞ اﻟ�ﺎ�ﺎن �ثﺎﻨﻲ أﻛبر‬
‫اﻗتصﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم �ﻌد اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ورﻓﻌت ﻨﻔسﻬﺎ ﻤن اﻹﻨﻌزاﻟ�ﺔ اﻟشیوع�ﺔ إﻟﻰ ﻤرﺘ�ﺔ اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ؛ ﻟكن اﻟنﻔوذ‬
‫اﻹﻗتصﺎدي اﻟصینﻲ اﻟمتنﺎﻤﻲ ﻓشﻞ ﻓﻲ اﺤتواء ﺒراﻋﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟطو�ﻠﺔ؛ اﻟضﻌﻒ اﻟمﺎﻟﻲ اﻟمؤﻗت ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن‪،‬‬
‫ﻤﻘﺎرﻨﺔ �ﺎﻟنمو اﻹﻗتصﺎدي اﻟﻘوي ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬ﻻ �ضمن زواﻟﻬﺎ �ﻼﻋب اﻗتصﺎدي ﻗوي‪ .‬ﺒدﻻً ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﺘكمن اﻟمیزة‬
‫اﻟنسب�ﺔ ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ اﻗتصﺎدﻫﺎ ﻋﺎﻟﻲ اﻟتطور اﻟﻘﺎﺌم ﻋﻠﻰ اﻟتكنوﻟوﺠ�ﺎ اﻟمتﻘدﻤﺔ واﻟﻘدرة اﻟﻘو�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺒتكﺎر اﻟﻌﻠمﻲ‬
‫ﺼنﺎع�ﺎ أﻛثر ﻗوة ﻤن اﻟصین‪.‬‬
‫ً‬ ‫اﻗتصﺎدا‬
‫ً‬ ‫واﻟتكنوﻟوﺠﻲ ﻤمﺎ �جﻌﻠﻬﺎ‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟجﺎﻨب اﻷﻤنﻲ‪ ،‬ﺘمتﻠك �ﻞ ﻤن اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻗدرات ﻋسكر�ﺔ �بیرة ﺘجﻌﻞ �ﻞ ﻤنﻬمﺎ‬
‫ً‬
‫ﻗو�ﺎ ﻓﻲ ﻨزاع �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ‪ .‬ﺒینمﺎ ﺘحتﻔظ اﻟ�ﺎ�ﺎن �ﺎﻟس�طرة اﻹدار�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟجزر اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬ﺘؤ�د‬
‫ﻻع�ﺎ ً‬
‫ً‬
‫اﻟصین ﺘﻔوﻗﻬﺎ اﻻﺴتراﺘ�جﻲ ﻤن ﺨﻼل ﺘكث�ف اﻟدور�ﺎت اﻟ�حر�ﺔ‪ .‬إن أﻫم ﻤﻌﺎرﻀﺔ ﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷرض اﻟخﺎﻟ�ﺔ ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن‬
‫واﻟتﺄﻤ�م اﻟﻼﺤق ﻟﻠجزر اﻟذي ﺘﻼﻩ إﻨشﺎء اﻟصین ﻤن ﺠﺎﻨب واﺤد ﻟمنطﻘﺔ ﺘحدﯿد اﻟدﻓﺎع اﻟجوي ‪Air Defence‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. p 24.‬‬
‫‪ -2‬أﻓیري ﺠوﻟد ﺸتﺎﯿن‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. p 24.‬‬

‫‪322‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫)‪Identification Zone (ADIZ‬ﻟ�حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ ‪-‬ﯿوﻀﺢ اﻟتكﺎﻓؤ اﻟحﺎﻟﻲ ﺒین اﻟﻘوﺘین اﻟمتﻘﺎﺒﻠتین ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪.‬‬
‫ﻤؤﺨر ﻗواﻨین أﻤن�ﺔ ﺠدﯿدة ‪-‬ﺘخﻠت ﻋن ﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ‬
‫ًا‬ ‫واﻷﻫم ﻤن ذﻟك‪ ،‬ﺘحﺎول اﻟ�ﺎ�ﺎن أن ﺘص�ﺢ ﻗوة "طب�ع�ﺔ" ﻷﻨﻬﺎ أﻗرت‬
‫ﻋﺎﻤﺎ وﺸرﻋت ﻤمﺎرﺴتﻬﺎ ﻟﻠحق ﻓﻲ اﻟدﻓﺎع اﻟجمﺎﻋﻲ ﻋن اﻟنﻔس‪ .‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟموﻗﻒ‬‫اﻟسﻠم�ﺔ اﻟتﻲ اﺴتمرت ‪ً 70‬‬
‫اﻟﻌسكري اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ اﻟمتطور ﯿثیر ﻤخﺎوف ﺘتﻌﻠق �ﺈﻋﺎدة ﻋسكرة اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن ‪-‬و�ﺎﻟتﺎﻟﻲ‪� ،‬ﻌمﻞ �رادع‬
‫‪1‬‬
‫ﻗوي ﻟﻠﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻟﻠصین‪.‬‬

‫أ�ضﺎ ﻓﻲ ﻤصطﻠحﺎت ﻓكر�ﺔ‪ ،‬ﺤیث ﺘوﻓر "اﻟذات" ﻤﻘﺎﺒﻞ "اﻵﺨر" ﻗوة‬


‫ﺜﺎﻟثًﺎ‪ ،‬ﺘنﻌكس ﺘطﻠﻌﺎت اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ً‬
‫دﻓﻊ ﺘنﺎﻓس�ﺔ؛ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬اﻟتﻬدﯿد اﻷﺴﺎﺴﻲ �ﺄﺘﻲ ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟصﺎﻋدة اﻋتمﺎدا ﻋﻠﻰ اﻟوﻋﻲ اﻟتﺎر�خﻲ‪ ،‬ﺒینمﺎ‬
‫�ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن ﻋبء اﻟتصرف �ﻘوة ﻤسؤوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋكس ﺼورﺘﻬﺎ اﻹﻤبراطور�ﺔ اﻟسﺎ�ﻘﺔ‪.‬‬

‫ﺘُظﻬر ﻫذﻩ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟتنﺎﻓس ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻋﻠﻰ اﻟنﻔوذ اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪� ،‬مﺎ ﺘجسد ﺘحول اﻟصین‬
‫ﻤن �وﻨﻬﺎ ﻗوة �ﺎﻤنﺔ إﻟﻰ ﺼﺎﺤب ﻤصﻠحﺔ ﻨشط ﻓﻲ اﻟمنطﻘﺔ‪ .‬ﻫذا اﻟسبب وراء "دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ اﻟﻔﻌﻞ ورد اﻟﻔﻌﻞ" ﺒین‬
‫اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤن أﺠﻞ اﻟتﺄﺜیر اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻓًﻘﺎ ﻟـ “ﺠون ﻤیرﺸﺎ�مر"‪ ،‬ﻫو أن "اﻟدول اﻷﻗوى ﺘحﺎول ﻓرض‬
‫ه�منتﻬﺎ ﻓﻲ ﻤنطﻘتﻬﺎ ﻤﻊ اﻟتﺄﻛد ﻤن ﻋدم ﺴ�طرة أي ﻗوة ﻋظمﻰ ﻤنﺎﻓسﺔ ﻋﻠﻰ ﻤنطﻘﺔ أﺨرى‪] .‬ﺤیث[ اﻟﻬدف اﻟنﻬﺎﺌﻲ‬
‫ﻟكﻞ ﻗوة ﻋظمﻰ ﻫو ﺘﻌظ�م ﺤصتﻬﺎ ﻤن اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ واﻟس�طرة ﻓﻲ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟمطﺎف ﻋﻠﻰ اﻟنظﺎم "‪ .‬ﻓﻲ ﻀوء ذﻟك‪،‬‬
‫و�ﺎﻟنظر إﻟﻰ ﺘوازن اﻟﻘوى اﻟمتﻐیر ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�ُ ،‬ﻘﺎل ﻋﻠﻰ ﻨطﺎق واﺴﻊ أن ﺼﻌود اﻟصین واﻟر�ود ﻓﻲ اﻟ�ﺎ�ﺎن ﺴ�ضﻊ‬
‫‪2‬‬
‫أ�ضﺎ إﻟﻰ ﺠر اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة إﻟﻰ ﻤدارﻫﺎ‪.‬‬
‫اﻟبﻠدﯿن ﻓﻲ ﻤسﺎر ﺘصﺎدﻤﻲ ﺴیؤدي ً‬

‫‪� /1‬ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪ ،‬اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻫﻲ "اﻵﺨر اﻟمﻬم" ‪For China. Japan is the Significant Other‬‬

‫اﻟجﺎﻨب اﻵﺨر اﻟذي �شكﻞ اﻟمﻌﺎدﻟﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻫو اﻟﻌﺎﻤﻞ اﻟﻔكري‪ .‬اﻗترح "أﻟین واﯿتنﺞ"‬
‫‪Allen Whiting‬أن‪" :‬اﻷﺤداث اﻹﺴتﻔ ازز�ﺔ ﻓﻲ اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟمرﺘ�طﺔ �ﺎﻟحرب‪ ،‬ﺘؤدي إﻟﻰ رد ﻓﻌﻞ ﺘﻠﻘﺎﺌﻲ ﻓﻲ اﻟصین �جمﻊ‬
‫ﺒین اﻟﻐضب ﻤن اﻟمﺎﻀﻲ واﻟتخوف ﻤن اﻟمستﻘبﻞ"؛ ﻟﻺﺸﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﻘوﻤ�ﺔ اﻟمتصﺎﻋدة واﻟتﺎر�ﺦ اﻟمتنﺎزع ﻋﻠ�ﻪ‬
‫واﻟﻬو�ﺎت اﻟمتضﺎر�ﺔ ﻫﻲ اﻟﻌواﻤﻞ اﻟسبب�ﺔ اﻟرﺌ�س�ﺔ‪ ،‬ﻤمﺎ ﯿز�د ﻤن ﺘﻌﻘید اﻟمنﺎﻓسﺔ ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ .‬ووﻓًﻘﺎ ﻟـ "ﺸین‬
‫�كینﺞ"‪Ǫin Yaqing‬؛ �مكن ﺘﻔسیر دور اﻟﻬو�ﺔ �ﻌﺎﻤﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺘطﻠﻌﺎت اﻟصین اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻋﻠﻰ اﻟنحو اﻟتﺎﻟﻲ‪" :‬إن‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. p 25.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. pp 25-26.‬‬

‫‪323‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻤواﻗﻒ اﻟدوﻟﺔ ﺘجﺎﻩ اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ وﺴﻠو�ﻬﺎ اﻟدوﻟﻲ ﻤتجذرة ﻓﻲ ﻫو�تﻬﺎ؛ اﻟدول ذات اﻟﻬو�ﺎت اﻟمختﻠﻔﺔ ﻟﻬﺎ وﺠﻬﺎت‬
‫‪1‬‬
‫ﻨظر ﻤختﻠﻔﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم واﻟتﻲ ﺒدورﻫﺎ ﻟﻬﺎ ﺘﺄﺜیرات ﻤختﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺴ�ﺎﺴﺎﺘﻬﺎ واﺴتراﺘ�ج�ﺎﺘﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ"‪.‬‬

‫ﻤ�ﺎﺸر �مواﺠﻬﺎت اﻟصین ﻤﻊ اﻟﻐرب وﻻﺤًﻘﺎ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨیین "اﻵﺨر�ن"‪.‬‬


‫ًا‬ ‫طﺎ‬
‫ﯿرﺘ�ط ﺠوﻫر "اﻟذات" اﻟصین�ﺔ ارﺘ�ﺎ ً‬
‫دور‬
‫وﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟذاﻛرة اﻟتﺎر�خ�ﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻠصین‪� ،‬ﺎﻋت�ﺎرﻫﺎ "ﻀح�ﺔ" ﻗﺎﻤت ﺒبنﺎء ﻫو�ﺔ "دوﻟﺔ ﻀح�ﺔ"‪ ،‬واﻟتﻲ ﺘﻠﻌب ًا‬
‫ﺤﺎﺴمﺎ ﻓﻲ ﺘحدﯿد ﻨﻔس�ﺔ اﻟصین ﻓﻲ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ؛ وﺘﻌد اﻟ�ﺎ�ﺎن "دوﻟﺔ أﺨرى ذات أﻫم�ﺔ أﻛبر" ﻤن اﻟمستﻌمر�ن‬
‫ً‬
‫اﻷﺠﺎﻨب اﻵﺨر�ن‪ ،‬ﺤیث ﻟم ﺘﻘم اﻟصین ﺒتﻌدﯿﻞ ﺼورﺘﻬﺎ ﻋن اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤن ﺨﻼل "إﻋﺎدة ﺘصن�ﻔﻬﺎ �دوﻟﺔ ﻤستﻌمرة‬
‫أﺠنب�ﺔ"؛ ﻓﺎﻟوﻋﻲ اﻟتﺎر�خﻲ ﻟﻠصین �ﺎﻟﻌدوان اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ ﺨﻼل ‪� 1945-1931‬ﻌمﻞ �حﻠﻘﺔ وﺼﻞ ﻤشتر�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻬو�ﺔ‬
‫ﻗو�ﺎ ﻷﻨﻪ �ﻌطﻲ دﻓﻌﺔ‬ ‫دور ً‬
‫اﻟجمﺎع�ﺔ ﻟﻠصینیین �ﻌد اﻟحرب واﻟتﻲ ﺘمیزﻫم ﻋن اﻟ�ﺎ�ﺎﻨیین "اﻵﺨر"؛ ﯿﻠﻌب "اﻵﺨر" ًا‬
‫إ�جﺎﺒ�ﺔ ﻟﻬو�ﺔ اﻟصین ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟ�ﺎ�ﺎن‪ .‬و�سبب ﺘضﺎرب اﻟﻬو�ﺔ ﻫذا‪ ،‬ﻓﺈن ﻓكرة "ﻋودة ظﻬور اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ‬
‫ﺘﻬ�من ﻋﻠﻰ اﻟتصور اﻟصینﻲ"‪� ،‬مﺎ ﺸوﻫد ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻟنزاع ﻋﻠﻰ ﺠزر د�ﺎو�و‪/‬ﺴینكﺎﻛو‪ ،‬وﺘﺎﯿوان وﻏیرﻫﺎ‪ ،‬ﻤمﺎ ﯿدل‬
‫ﻋﻠﻰ أن ﺘﺎر�ﺦ اﻟحرب أﺼ�ﺢ ﻋﺎﻤﻼً رﺌ�س�ﺎً ﻓﻲ ﺘحدﯿد ﻤوﻗﻒ اﻟصین ﻤن اﻟ�ﺎ�ﺎن‪.‬‬

‫ﻨظر ﻟمنطق اﻟﻬو�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺘطﻠﻌﺎت اﻟصین ﻓﻲ ﻟﻌب دور ﻤﻬ�من ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﺘﻌكس اﻹﺤسﺎس �ﺄن ﺘص�ﺢ‬ ‫و ًا‬
‫"دوﻟﺔ �بیرة ﻤسؤوﻟﺔ" ﻟتحﻘیق ﻫذا اﻟﻬدف‪� ،‬ص�ﺢ ﻤن اﻟضروري ﻟﻠصین ﻀمﺎن اﻟتﻔوق اﻷﺨﻼﻗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟمدى اﻟطو�ﻞ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟ�ﺎ�ﺎن؛ وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻤﻔﻬوم اﻟصین ﻋن "دوﻟﺔ �بیرة ﻤسؤوﻟﺔ" ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟﻪ ﻤﻌنﻰ ﻤزدوج‪ :‬أوﻻً‪،‬‬
‫ﺒنﺎء ﻋﻠﻰ إﺤسﺎﺴﻬﺎ اﻟخﺎص �كوﻨﻬﺎ دوﻟﺔ �بیرة‪ ،‬ﺴتﻔﻲ �ﺎﻟتزاﻤﻬﺎ �ﺎﻟتصرف �مسؤوﻟ�ﺔ ﻤن ﺨﻼل‬‫ﯿوﻀﺢ أن اﻟصین‪ً ،‬‬
‫اﻟتﻐﺎﻀﻲ ﻋن ﻗضﺎ�ﺎ ﻏیر ﻤﻬمﺔ ﻨسبﻲ؛ وﺜﺎﻨ�ﺎً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسﻪ‪ ،‬ﺴوف ﺘختﻠق اﻷﻋذار ﻟرد ﻓﻌﻠﻬﺎ اﻟﻘوي اﻟمحتمﻞ ﻓﻲ‬
‫ً‬
‫ﺤﺎﻻت اﻟطوارئ اﻟمستﻘبﻠ�ﺔ؛ وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻤن اﻟمﻬم ﻤﻼﺤظﺔ أﻨﻪ ﻓﻲ ﻋمﻠ�ﺔ اﻟتصرف اﻟمسؤول أﺼ�ﺢ ﺴﻠوك اﻟصین‬
‫‪2‬‬
‫اﻹﻗﻠ�مﻲ ﺤﺎزﻤﺎ �شكﻞ ﻤتزاﯿد‪.‬‬

‫‪ /2‬ﺘطﻠﻌﺎت اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟمتشﺎ�كﺔ ﻤن أﺠﻞ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ‬

‫ﻻ ﺠدال ﻓﻲ أن ﺴﻌﻲ اﻟصین ﻫو �سب اﻟس�ﺎدة اﻹﻗﻠ�م�ﺔ �زع�م ﻵﺴ�ﺎ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻫذا اﻟطموح ﯿثﻘﻞ‬
‫ﻛﺎﻫﻞ اﻟ�ﺎ�ﺎن �ﻘوة ﻤواز�ﺔ‪ .‬وﻗد ﺘجﻠﻰ ذﻟك ﻓﻲ ﺘنﺎﻓس إﻗﻠ�مﻲ ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. p 26.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. pp 26-27.‬‬

‫‪324‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫أوﻻ‪ :‬اﻟمنﺎﻓسﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ‪ ،‬ﯿتجﻠﻰ اﻟتنﺎﻓس اﻹﻗﻠ�مﻲ ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ ﺘنﺎﻓسﻬمﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺠزر "د�ﺎو�و‪/‬ﺴینكﺎﻛو"‪ ،‬واﻟحﻘوق اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ؛ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �مسﺄﻟﺔ اﻟس�ﺎدة‪ ،‬ﺘطﺎﻟب اﻟ�ﺎ�ﺎن‬
‫�ﺎﻟجزر ﻏیر اﻟمﺄﻫوﻟﺔ‪ ،‬ﺒینمﺎ ﺘﻌتمد اﻟصین ﻓﻲ ﻤطﺎﻟبﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻟسجﻼت اﻟتﺎر�خ�ﺔ؛ و�دﻋﻲ اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض‬
‫اﻟصینﻲ ﻟﻌﺎم ‪ 2012‬ﺤول "د�ﺎو�و " أن "د�ﺎو�و" واﻟجزر اﻟتﺎ�ﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﺠزء ﻻ ﯿتج أز ﻤن اﻷراﻀﻲ اﻟصین�ﺔ؛ ﺠزر"د�ﺎو�و"‬
‫ﻫﻲ أرض ﻤتﺄﺼﻠﺔ ﻓﻲ اﻟصین ﻤن ﺠم�ﻊ اﻟنواﺤﻲ اﻟتﺎر�خ�ﺔ واﻟجﻐراف�ﺔ واﻟﻘﺎﻨوﻨ�ﺔ‪ ،‬وﺘتمتﻊ اﻟصین �س�ﺎدة ﻻ ﺠدال‬
‫‪1‬‬
‫ﻓیﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺠزر"د�ﺎو�و"‪.‬‬

‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �مسﺄﻟﺔ اﻟحﻘوق اﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬ﯿدور اﻟخﻼف ﺤول ﺘرﺴ�م اﻟحدود اﻟ�حر�ﺔ واﻟتﻔسیرات اﻟمختﻠﻔﺔ‬
‫ً‬
‫ﻹﺘﻔﺎق�ﺔ اﻷﻤم اﻟمتحدة ﻟﻘﺎﻨون اﻟ�حﺎر ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ‪ ،‬ﻤمﺎ ﯿتسبب ﻓﻲ ﺤدوث ﺼراع ﺒینﻬمﺎ ﺤول اﻟمنﺎطق‬
‫اﻹﻗتصﺎد�ﺔ اﻟخﺎﻟصﺔ )‪ Exclusive Economic Zones (EEZs‬اﻟمتداﺨﻠﺔ ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن‪ .‬ﺘجﺎدل اﻟصین �ﺄن‬
‫ﻤنطﻘتﻬﺎ ﺘمتد إﻟﻰ ﺤﺎﻓﺔ اﻟجرف اﻟﻘﺎري ‪ ،The edge of the continental shelf‬ﺒینمﺎ ﺘﻘول اﻟ�ﺎ�ﺎن إﻨﻬﺎ �جب أن‬
‫ﺘتوﻗﻒ ﻋند ﻨﻘطﺔ اﻟمنتصﻒ ﺒین اﻟبﻠدﯿن‪.‬‬

‫و�ﺎﻟنظر إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟمتضﺎر�ﺔ‪ ،‬ﻗﺎﻤت اﻟ�ﺎ�ﺎن ﺒتﺄﻤ�م اﻟجزر ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2012‬ﻤمﺎ أدى إﻟﻰ رد اﻟصین‬
‫اﻟمتشدد ﻓﻲ ﺸكﻞ دور�ﺎت ﻋﻠﻰ طول اﻟجزر و�ﻋﻼن ﻤن ﺠﺎﻨب واﺤد ﻋن ﺘحدﯿد ﻤنطﻘﺔ اﻟدﻓﺎع اﻟجوي ﻓﻲ ﻋﺎم ‪2013‬‬

‫‪ .(ADIZ) air defense identification zone‬وﻤنذ ذﻟك اﻟحین‪ ،‬ﺘصﺎﻋدت اﻟتوﺘرات ﺤول اﻟحﻘوق اﻹﻗﻠ�م�ﺔ واﻟ�حر�ﺔ‬
‫�شكﻞ �بیر ﻓﻲ ظﻞ ﺘصﻌید ﻋسكري ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ‪ .‬ﺘﻘوم اﻟصین �ﺎﻟﻌسكرة ﻓﻲ‬
‫اﻟمنطﻘﺔ اﻟمتﺎﺨمﺔ ﻟجزر د�ﺎو�و‪/‬ﺴینكﺎﻛو اﻟمتنﺎزع ﻋﻠیﻬﺎ؛ ﺘرد اﻟ�ﺎ�ﺎن �مكﺎﻓحﺔ اﻟﻌسكرة ﻤن ﺨﻼل ز�ﺎدة وﺠود اﻷﺴطول‬
‫اﻟﻌسكري‪ 2 .‬وﻗد أﺜﺎر ﻫذا ﻤخﺎوف �بیرة ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟمخﺎطر اﻟتﻲ ﺘنطوي ﻋﻠیﻬﺎ‪ ،‬و�شكﻞ أﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ ﻤخﺎطر‪.‬‬

‫أوﻻً‪ ،‬ﺨطر ﺤدوث ﻤواﺠﻬﺔ ﻋسكر�ﺔ ﻋرﻀ�ﺔ وﻏیر ﻤﻘصودة ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ًا‬
‫ﻨظر ﻟﻠمشﺎﻋر اﻟﻌداﺌ�ﺔ‬
‫ﺜﺎﻨ�ﺎ‪ ،‬ﻫنﺎك ﺨطر ﺤدوث ﺴوء ﺘﻘدﯿر ﺴ�ﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺠﻬودﻫم ﻹظﻬﺎر‬‫اﻟمتزاﯿدة وأﻨشطتﻬمﺎ اﻟﻌمﻠ�ﺎﺘ�ﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﻘر�ﺔ ﺸدﯿدة‪ً .‬‬
‫اﻟس�طرة اﻟس�ﺎد�ﺔ اﻟتﻲ �مكن أن ﺘؤدي إﻟﻰ ﻨزاع ﻤسﻠﺢ‪ ،‬و�مكن أن �حدث �سبب ﺴوء ﻓﻬم دواﻓﻊ اﻵﺨر�ن وأﻓﻌﺎﻟﻬم‪.‬‬
‫وﺜﺎﻟ ًثﺎ‪ ،‬ﯿنطوي اﻟخطر ﻋﻠﻰ إﺠراء ﻤتﻌمد ﻟﻔرض اﻟس�طرة ﻋﻠﻰ اﻟجزر‪ ،‬وﻫو أﻤر ﻻ ﯿزال �ﻌید اﻻﺤتمﺎل إﻟﻰ ﺤد‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash، Op. cit. p 28.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 28.‬‬

‫‪325‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻛبیر‪ ،‬ﻟكن ﻻ �مكن اﺴت�ﻌﺎد اﻻﺤتمﺎﻻت‪ .‬وﻤن ﻫنﺎ أدت ﻫذﻩ اﻟمخﺎطر إﻟﻰ ز�ﺎدة اﻟتوﺘر ﻓﻲ �حر اﻟصین اﻟشرﻗﻲ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻤمﺎ أﺜر ﻋﻠﻰ اﻻﺴتﻘرار اﻹﻗﻠ�مﻲ اﻵﺴیوي‪.‬‬

‫اﻟمنﺎﻓسﺔ ﻋﻠﻰ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻵﺴیو�ﺔ‪� ،‬صرف اﻟنظر ﻋن ﺼراﻋﻬمﺎ ﻋﻠﻰ اﻟس�ﺎدة واﻟحﻘوق اﻟ�حر�ﺔ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫أ�ضﺎ ﻓﻲ ﺒنﺎء اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ؛ أﺼ�حت ﻓجوة اﻹﺴتثمﺎر ﻓﻲ‬
‫ﺴﻌﻲ اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟﻠمنﺎﻓسﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ُ�شﺎﻫد ً‬
‫اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟمتنﺎﻤ�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ ﻤصدر ﻗﻠق إﻗﻠ�مﻲ ﻤﻬم‪ .‬وﻓًﻘﺎ ﻟتﻘر�ر ﺒنك اﻟتنم�ﺔ اﻵﺴیوي ‪the Asian Development‬‬

‫)‪ Bank (ADB‬ﻟﻌﺎم ‪� 2017‬ﻌنوان "ﺘﻠب�ﺔ اﺤت�ﺎﺠﺎت اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ"‪ ،‬ﺴیتطﻠب ﺘطو�ر اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻨظر‬ ‫ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ ﻤﺎ ﯿز�د ﻋن ‪ 22.6‬ﺘر�ﻠیون دوﻻر ﺤتﻰ ﻋﺎم ‪ 2030‬أو ‪ 1,5‬ﺘر�ﻠیون دوﻻر ً‬
‫ﺴنو�ﺎ؛ و ًا‬
‫ﺴنو�ﺎ ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪.‬‬
‫ﺤﺎﻟ�ﺎ ﺤواﻟﻲ ‪ 881‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ً‬
‫ﻹﺤت�ﺎﺠﺎﺘﻬﺎ اﻟمتزاﯿدة‪ ،‬ﺘستثمر اﻟمنطﻘﺔ اﻵﺴیو�ﺔ ً‬
‫واﻟسبب ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻘﻠق اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻫو ﻓجوة اﻹﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪ ،‬ﻫذﻩ اﻟﻔجوة دﻓﻌت‬
‫اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن إﻟﻰ ﺘﻌز�ز ر�ﺎدﺘﻬمﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ �ﺈﺘخﺎذ ﺘداﺒیر اﺴت�ﺎق�ﺔ ﻟتﻠب�ﺔ اﺤت�ﺎﺠﺎت اﻹﺴتثمﺎر‪ .‬أي أن �ﻼ ﻤن‬
‫اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﯿتنﺎﻓسﺎن ﻤﻊ �ﻌضﻬمﺎ اﻟ�ﻌض ﻟتوﻓیر اﻟسﻠﻊ واﻟخدﻤﺎت اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ؛ و�مكن رؤ�ﺔ اﻟمنﺎﻓسﺔ ﺒین‬
‫"ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق" اﻟصین�ﺔ اﻟتﻲ ﺘﻌمﻞ �ﺎﻟتوازي ﻤﻊ "ﺠودة اﻹﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ اﻟ�ﺎ�ﺎن ‪" Quality‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Infrastructure Investment‬‬

‫أ�ضﺎ ﻓﻲ اﻟطر�ﻘﺔ اﻟتﻲ ﺘتخذ ﺒﻬﺎ اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻤ�ﺎدرات ﻟتوﺴ�ﻊ ﻤسﺎﺤتﻬمﺎ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤن‬
‫ﺘظﻬر اﻟمنﺎﻓسﺔ ً‬
‫ﺨﻼل ﺒنﺎء اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪ .‬ﻤن أﺠﻞ ﻫذا اﻟﻬدف‪ ،‬أطﻠﻘت اﻟصین ﺘحت ق�ﺎدة اﻟرﺌ�س "ﺸﻲ ﺠین ﺒینﻎ" اﻟم�ﺎدرة اﻟكبرى‬
‫"ﺤزام واﺤد‪ ،‬طر�ق واﺤد )‪" (OBOR‬وﺘتمثﻞ اﻟخطﺔ ﻓﻲ ﺒنﺎء "اﻟحزام اﻻﻗتصﺎدي ﻟطر�ق اﻟحر�ر" و"طر�ق اﻟحر�ر‬
‫رﺴم�ﺎ �ﺎﺴم "ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق"؛ �مﺎ ﺘشیر وﺜ�ﻘﺔ‬
‫ً‬ ‫اﻟ�حري ﻟﻠﻘرن اﻟحﺎدي واﻟﻌشر�ن"‪ ،‬و�ﻌد ذﻟك ﺘمت ﺘرﺠمتﻪ‬
‫"اﻟرؤ�ﺔ" ﻟﻌﺎم ‪" :2015‬اﻟحﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺘحسین اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻟﻠمنطﻘﺔ‪ ،‬و�ﻨشﺎء ﺸ�كﺔ آﻤنﺔ وﻓﻌﺎﻟﺔ ﻤن اﻟممرات اﻟبر�ﺔ‬
‫واﻟ�حر�ﺔ واﻟجو�ﺔ‪ ،‬ورﻓﻊ اﻹﺘصﺎل ﺒﻬﺎ إﻟﻰ ﻤستوى أﻋﻠﻰ"‪ ،‬وأن‪" :‬ﺘوﺼیﻞ اﻟمراﻓق ﻫو أوﻟو�ﺔ ﻟتنﻔیذ اﻟم�ﺎدرة‪[...] .‬‬
‫]ﺤیث[ �جب ﻋﻠﻰ اﻟبﻠدان اﻟواﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ طول اﻟحزام واﻟطر�ق ﺘحسین ﺘخط�ط إﻨشﺎء اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ وأﻨظمﺔ اﻟمﻌﺎﯿیر‬
‫ﻗدﻤﺎ �شكﻞ ﻤشترك ﻓﻲ إﻨشﺎء ﻤمرات رﺌ�س�ﺔ دوﻟ�ﺔ‪ ،‬وﺘشكیﻞ ﺸ�كﺔ ﺒن�ﺔ ﺘحت�ﺔ ﺘر�ط‬ ‫اﻟتﻘن�ﺔ اﻟخﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ‪ ،‬واﻟمضﻲ ً‬
‫‪3‬‬
‫ﺠم�ﻊ اﻟمنﺎطق اﻟﻔرع�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ ،‬و�ین آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ وأﻓر�ق�ﺎ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op, cit. p 29.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 29.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. pp 29-30.‬‬

‫‪326‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫�ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﺘﺎ�ﻌت اﻟصین ﺴﻌیﻬﺎ ﻟتحﻘیق اﻟر�ﺎدة اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻤن ﺨﻼل إﻨشﺎء اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻺﺴتثمﺎر‬
‫ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ‪ (AIIB) The Asian Infrastructure Investment Bank‬ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،2015‬واﻟذي ﯿﻬدف إﻟﻰ ﺘمو�ﻞ‬
‫ﻤشﺎر�ﻊ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪ .‬ﺒدأ اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻼﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻋمﻠ�ﺎﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪2016‬‬

‫ﺒرأﺴمﺎل ‪ 100‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر‪ .‬واﻛتسبت ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق اﻟصین�ﺔ ﻤز ً�دا ﻤن اﻟزﺨم ﻤﻊ ﺘوق�ﻊ ‪ 21‬دوﻟﺔ آﺴیو�ﺔ‬
‫ﻛﺄﻋضﺎء ﻤؤﺴسین "ﻤذ�رة ﺘﻔﺎﻫم �شﺄن إﻨشﺎء ﺒنك اﻹﺴتثمﺎر اﻵﺴیوي ﻟﻠبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ" ﻓﻲ ‪ 24‬أﻛتو�ر ‪ 2014‬ﻓﻲ �كین‪،‬‬
‫ﻤحتمﻼ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪.2016‬‬
‫ً‬ ‫ﻤؤﺴسﺎ‬
‫ً‬ ‫ﻋضوا‬
‫ً‬ ‫واﻟتﻲ اﻤتدت إﻟﻰ ‪57‬‬

‫إن اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﺘتﻠخص ﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ أﻫداف )‪ (1‬اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‬
‫اﻟمستداﻤﺔ ﻟتﻌز�ز اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟخضراء ودﻋم اﻟبﻠدان ﻟتحﻘیق أﻫداﻓﻬﺎ اﻟبیئ�ﺔ واﻹﻨمﺎﺌ�ﺔ ؛ )‪ (2‬اﻹﺘصﺎل ﻋبر اﻟبﻠدان‬
‫ﻟبنﺎء ﺒن�ﺔ ﺘحت�ﺔ ﻋبر اﻟحدود‪ ،‬ﺘتراوح ﻤن اﻟطرق واﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ إﻟﻰ اﻟمواﻨﺊ وﺨطوط أﻨﺎﺒیب اﻟطﺎﻗﺔ واﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‬
‫ﻟﻺﺘصﺎﻻت ﻋبر آﺴ�ﺎ اﻟوﺴطﻰ‪ ،‬واﻟطرق اﻟ�حر�ﺔ ﻓﻲ ﺠنوب ﺸرق وﺠنوب آﺴ�ﺎ‪ ،‬واﻟشرق اﻷوﺴط؛ )‪ (3‬ﺘﻌبئﺔ رأس‬
‫اﻟمﺎل اﻟخﺎص ﻹﺒتكﺎر ﺤﻠول ﺘحﻔز رأس اﻟمﺎل اﻟخﺎص‪� ،‬ﺎﻟشراﻛﺔ ﻤﻊ ﺒنوك اﻟتنم�ﺔ اﻟمتﻌددة اﻷطراف اﻷﺨرى‬
‫واﻟحكوﻤﺎت واﻟمموﻟین ﻤن اﻟﻘطﺎع اﻟخﺎص واﻟشر�ﺎء اﻵﺨر�ن ﺒﻬدف اﻹﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق‪ ،‬واﻓق اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟذي ﺘﻘودﻩ اﻟصین ﻋﻠﻰ ﻗروض �ق�مﺔ‬
‫أ�ضﺎ ﺼندوق‬
‫‪ 1,73‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻟدﻋم ﺘسﻌﺔ ﻤشﺎر�ﻊ ﻟﻠبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ ﺴ�ﻊ دول‪� .‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬أﻨشﺄت اﻟصین ً‬
‫طر�ق اﻟحر�ر �ق�مﺔ ‪ 40‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻓﻲ د�سمبر ‪ ،2014‬ﻤن أﺠﻞ "ﺘﻌز�ز اﻟتنم�ﺔ واﻹزدﻫﺎر اﻟمشتر�ین ﻟﻠصین‬
‫وﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟبﻠدان واﻟمنﺎطق اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ ﻤ�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق"‪ ،‬واﻟتﻲ �ﺎﻨت ﻤكرﺴﺔ ﻓﻲ اﻟمﻘﺎم اﻷول "ﻟدﻋم اﻟبن�ﺔ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟتحت�ﺔ واﻟموارد وﺘنم�ﺔ اﻟطﺎﻗﺔ واﻟتﻌﺎون ﻓﻲ ﻤجﺎل اﻟﻘدرات اﻟصنﺎع�ﺔ واﻟتﻌﺎون اﻟمﺎﻟﻲ"‪.‬‬

‫أ�ضﺎ أﻨشطﺔ ﺒنیتﻬﺎ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ .‬ﻓﻲ ﻋﺎم‬


‫اﺴتجﺎ� ًﺔ ﻟم�ﺎدرة اﻟحزام واﻟطر�ق ﻓﻲ اﻟصین‪ ،‬ﻋززت اﻟ�ﺎ�ﺎن ً‬
‫‪ ،2015‬أطﻠق رﺌ�س اﻟوزراء اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ "ﺸینزو آﺒﻲ" ‪ Shinzo Abe‬ﻤ�ﺎدرة "اﻟشراﻛﺔ ﻤن أﺠﻞ ﺠودة اﻟبن�ﺔ‬
‫اﻟتحت�ﺔ)‪ ،"Partnership for Ǫuality Infrastructure (PǪI‬ﺒﻬدف ﺒنﺎء "ﺒن�ﺔ ﺘحت�ﺔ ﻋﺎﻟ�ﺔ اﻟجودة وﻤبتكرة ﻓﻲ ﺠم�ﻊ‬
‫أﻨحﺎء آﺴ�ﺎ‪ ،‬ﻤﻊ رؤ�ﺔ طو�ﻠﺔ اﻷﺠﻞ"‪ .‬اﻗترح "آﺒﻲ" أن "اﻟ�ﺎ�ﺎن �ﺎﻟتﻌﺎون ﻤﻊ ﺒنك اﻟتنم�ﺔ اﻵﺴیوي ‪Asian Development‬‬

‫ﻤبتكر ﻟﻠبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﺒتكﻠﻔﺔ ‪ 110‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر أﻤر�كﻲ أي ‪ 13‬ﺘر�ﻠیون ﯿن �ﺎ�ﺎﻨﻲ‬


‫ًا‬ ‫ﺘمو�ﻼ‬
‫ً‬ ‫)‪ ،Bank (ADB‬ﺴیوﻓر ﻵﺴ�ﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻤدى ﺨمس ﺴنوات"‪ ،‬ارﺘﻔﻊ ﻫذا اﻟمبﻠﻎ إﻟﻰ ‪ 200‬ﻤﻠ�ﺎر دوﻻر ﻓﻲ ﻋﺎم ‪.2016‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op, cit. p 30.‬‬

‫‪327‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ُﯿنظر إﻟﻰ ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻤﻌﺎرﻀﺔ ﻟﻠبنك اﻵﺴیوي ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟذي ﺘﻘودﻩ اﻟصین‪،‬‬
‫وﻤﻘدار اﻷﻤوال اﻟتﻲ ﺘﻘترﺤﻬﺎ اﻟ�ﺎ�ﺎن أﻋﻠﻰ ﻗﻠیﻼً ﻤن رأس اﻟمﺎل اﻟتﺄﺴ�سﻲ ﻟﻠبنك اﻵﺴیوي ﻟﻼﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ‬
‫)‪(AIIB‬؛ ﻓﻲ د�سمبر ‪ ،2016‬أﻋﻠنت اﻟشر�ﺎت اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ اﻟخﺎﺼﺔ ﻋن وﺴیﻠﺔ ﺠدﯿدة أﺨرى‪" ،‬ﻤ�ﺎدرة اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨ�ﺔ‬
‫‪ ،" Japan Infrastructure Initiative‬واﻟتﻲ ﺘبین ﺨطط اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻟز�ﺎدة اﻟشراﻛﺔ ﺒین اﻟﻘطﺎﻋین اﻟﻌﺎم واﻟخﺎص ﻓﻲ‬
‫ﺘطو�ر اﻟمشﺎر�ﻊ ﻤن ﺨﻼل إﻨشﺎء ﺼندوق ﺨﺎص ﻟﻬذا اﻟﻐرض‪ .‬وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟحﺎﻟﺔ‪ ،‬ﯿﻬدف اﻟمشروع اﻟمشترك إﻟﻰ‬
‫ﺘوﻓیر ﻤﺎ ﻤجموﻋﻪ ﺤواﻟﻲ ‪ 100‬ﻤﻠ�ﺎر ﯿن )‪ 878‬ﻤﻠیون دوﻻر( ﻓﻲ ﺸكﻞ اﺴتثمﺎرات وﻗروض ﻟدﻋم ﺼﺎدرات اﻟبن�ﺔ‬
‫اﻟتحت�ﺔ ﻟﻠﻘطﺎع اﻟخﺎص‪ ،‬ﻟمشﺎر�ﻊ ﺘشمﻞ ﻤحطﺎت اﻟطﺎﻗﺔ واﻟسكك اﻟحدﯿد�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ وأورو�ﺎ واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪� .‬مﺎ‬
‫أ�ضﺎ ﻋن اﻹﻨضمﺎم إﻟﻰ اﻟبنك اﻵﺴیوي ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ ﻤمﺎ زاد ﻤن ﺤدة اﻟموﻗﻒ ﻀد‬
‫اﻤتنﻌت اﻟ�ﺎ�ﺎن ً‬
‫أ�ضﺎ ﺨروج اﻟ�ﺎ�ﺎن ﻋن ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻟمسﺎﻋدة اﻹﻨمﺎﺌ�ﺔ اﻟرﺴم�ﺔ اﻟسﺎ�ﻘﺔ‪ ،‬ﺤیث ﺘسﻌﻰ اﻵن إﻟﻰ‬
‫اﻟصین؛ و�ظﻬر ﻫذا ً‬
‫‪1‬‬
‫إﻀﺎﻓﺔ ُ�ﻌد اﺴتراﺘ�جﻲ ﻟتطو�ر ﺒنیتﻬﺎ اﻟتحت�ﺔ ﻓﻲ اﻟخﺎرج‪.‬‬

‫ﻤمﺎ ﺴبق‪ ،‬ﻫنﺎك ﺨﻼﻓﺎت ﺒین اﻟصین واﻟ�ﺎ�ﺎن ﻓﻲ ﺴﻌیﻬمﺎ ﻟتحﻘیق اﻟر�ﺎدة اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ؛ طموﺤﺎت‬
‫اﻟصین ﻓﻲ أن ﺘص�ﺢ ﻗوة ﻋظمﻰ ﺘﻐذﯿﻬﺎ أﺤﻼم أن ﺘص�ﺢ اﻟزع�م اﻵﺴیوي ﻋن طر�ق اﻟحد ﻤن ه�منﺔ اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫ﻨظر ﻟﻠتوازن اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻤﻊ اﻟ�ﺎ�ﺎن اﻟذي �حد‬
‫اﻟمتحدة ﻓﻲ آﺴ�ﺎ؛ اﻷﻫم ﻤن ذﻟك‪ ،‬أن رﻫﺎﻨﺎت اﻟصین ﻤﻌرﻀﺔ ﻟﻠخطر ًا‬
‫�شكﻞ �بیر ﻤن طموﺤﺎت اﻟصین اﻟمتزاﯿدة؛ و�ﻼﻫمﺎ ﯿتنﺎﻓس ﻋﻠﻰ اﻟﻬ�منﺔ اﻹﻗﻠی�مﺔ ﻤن ﺨﻼل ﻤ�ﺎدرة "اﻟح ازم واﻟطر�ق"‬
‫ﻟﻠصین ‪ ،BRI‬وﻤ�ﺎدرة "اﻟشراﻛﺔ ﻤن أﺠﻞ ﺠودة اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ" ﻟﻠ�ﺎ�ﺎن ‪ PǪI‬ﻋﻠﻰ اﻟنحو اﻟذي ﻨظمﻪ اﻟبنك اﻵﺴیوي‬
‫ﻟﻺﺴتثمﺎر ﻓﻲ اﻟبن�ﺔ اﻟتحت�ﺔ اﻟذي �خضﻊ ﻟنﻔوذ اﻟصین ‪ AIIB‬و�نك اﻟتنم�ﺔ اﻵﺴیوي اﻟذي �خضﻊ ﻟنﻔوذ اﻟ�ﺎ�ﺎن‬
‫‪ADB‬؛ ﻟﻘد أدى ﻫذا اﻟتنﺎﻓس اﻟصینﻲ اﻟ�ﺎ�ﺎﻨﻲ إﻟﻰ ﺘﻘو�ض اﻟﻬندﺴﺔ اﻟجیوﺴ�ﺎﺴ�ﺔ واﻟجیواﻗتصﺎد�ﺔ ﻵﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬
‫و�ﺎﻟنظر إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻘوى اﻟمتﻌﺎرﻀﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟدﯿنﺎﻤ�ﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ ﻓﻲ آﺴ�ﺎ �ﻌیدة ﻋن اﻻﺴتﻘرار؛ وﻫنﺎك ﺨطر ﻤتزاﯿد ﻤن‬
‫ﺘﻐییر اﻟوﻀﻊ اﻟراﻫن ﻤﻊ ﺘوﻟﻲ اﻟصین زﻤﺎم اﻟم�ﺎدرة؛ ﻟكن ﺤق�ﻘﺔ أن ﺘص�ﺢ اﻟ�ﺎ�ﺎن "طب�ع�ﺔ" ﺴتز�د ﻤن اﺘسﺎع اﻟﻔجوة‬
‫ﻓﻲ آﺴ�ﺎ‪ ،‬وﻫذا �جﻌﻞ اﻟمنطﻘﺔ اﻵﺴیو�ﺔ �شكﻞ ﻋﺎم اﻟمسرح اﻟرﺌ�سﻲ ﻟس�ﺎﺴﺎت اﻟﻘوة اﻟﻌظمﻰ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟحﺎدي‬
‫‪2‬‬
‫واﻟﻌشر�ن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. Pp 30-31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- I bid. p 31.‬‬

‫‪328‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫اﻟمطﻠب اﻟثﺎﻟث‪ :‬اﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتحوط اﻟصین�ﺔ ﻹﺤتواء اﻟﻬ�منﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﻤدى ﺴنوات ﻋدﯿدة‪ ،‬ﻨظرت اﻟصین إﻟﻰ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ اﻟتﻬدﯿد اﻷﻛبر ﻷﻫداف‬
‫أﻤنﻬﺎ اﻟﻘوﻤﻲ اﻷﺴﺎﺴ�ﺔ‪ .‬وﺘستند وﺠﻬﺔ اﻟنظر ﻫذﻩ إﻟﻰ اﻨط�ﺎع اﻟصین �ﺄن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ‬
‫‪1‬‬
‫"اﺤتواء" اﻟصین أو ﻤنﻌﻬﺎ ﻤن ﻤنﺎﻓستﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻤكﺎﻨتﻬﺎ‪.‬‬

‫واﺴتﮑمﺎﻻ ﻟرؤ�ﺔ اﻟصین‪ ،‬اﻟراﻓضﺔ ﻹﻨﻔراد دوﻟﺔ واﺤدة �مﻘدرات اﻟنسق اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﻻ ﺘمیﻞ اﻟصین إﻟﻰ اﻟدﺨول ﻓﻲ‬
‫ﺘحﺎﻟﻔﺎت ﻤﻊ دول أﺨرى أو ﺘشکیﻞ أي ﺠبﻬﺎت ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ ﻗوى ﻤﻌینﺔ‪ 2 .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ظﻬور اﻟﻌدﯿد ﻤن ﻨظر�ﺎت‬
‫اﻟتﻌﺎون ﻤنذ اﻨتﻬﺎء اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬راﻓﻘﻬﺎ ﻤﻔﺎه�م ﺠدﯿدة �ﺎﻷﻤن اﻟجمﺎﻋﻲ‪ ،‬واﻷﻤن اﻟشﺎﻤﻞ‪ ،‬واﻟتﻌﺎون اﻷﻤنﻲ‪ ،‬واﻷﻤن‬
‫اﻟمشترك اﻟمت�ﺎدل وﻏیرﻫﺎ ﻤن اﻟنظر�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻟتﻲ ﺘؤ�د اﻟتﻌﺎون وﺘجنب اﻟمواﺠﻬﺔ‪� ،‬مﺎ ﺘؤ�د ﻋﻠﻰ اﻟحوار اﻟس�ﺎﺴﻲ‬
‫وﻤﻘﺎوﻤﺔ اﺴتخدام اﻟﻘوة‪ 3 .‬وﻓﻲ ﻤوازاة اﻟتطور ﻓﻲ اﻟتﻔكیر ﻋﻠﻰ اﻟمستوى اﻟرﺴمﻲ ف�مﺎ ﯿتﻌﻠق �ﺎﻟمﻔﻬوم اﻟجدﯿد ﻟﻸﻤن‬
‫واﻟصﻌود اﻟسﻠمﻲ ﻟﻠصین‪ ،‬ﺒرز ﺘ�ﺎر ﺠدﯿد ﻤن اﻟ�ﺎﺤثین اﻷﻛﺎد�میین ﻤمن �ﻘدﻤون أﺴسﺎ ﻨظر�ﺔ أﻛثر ﺘﻌمﻘﺎ‪ ،‬ودﻋمﺎ‬
‫ﺘحﻠیﻠ�ﺎ ﻟﻠس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ واﻷﻤن�ﺔ اﻟتﻲ ﺘزداد دﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ‪.‬‬

‫أﯿد ﻫؤﻻء ﻤﻘﺎر�ﺔ أﻛثر ﺘﻌﺎوﻨﺎ ﺘجﺎﻩ اﻟﻐرب ﻋموﻤﺎ‪ ،‬واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺨصوﺼﺎ إذ ﺘؤ�د ﻫذﻩ اﻟمجموﻋﺔ‬
‫ﻤن اﻟ�ﺎﺤثین أﻨﻪ ﻤن اﻟمصﻠحﺔ اﻹﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻟﻠصین إﻗﺎﻤﺔ ﻋﻼﻗﺎت ﻤثمرة ﻤن اﻟتﻌﺎون ﻤﻊ اﻟﻘوى اﻟكبرى �ﺎﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ أو اﻟ�ﺎ�ﺎن‪ ،‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻟﻌق�ﺎت اﻟثنﺎﺌ�ﺔ اﻟمتواﺼﻠﺔ‪ ،‬ﺒﻞ ﯿؤ�دون إﻟﻰ اﻟﻘبول �ﺎﻟﻌمﻞ ﻤﻊ‬
‫اﻟﻘوة اﻷﻤر�ك�ﺔ أﺤﺎد�ﺔ اﻟﻘطب‪ ،‬ﻤبرر�ن ﺒذﻟك �ﺎﻷﺴ�ﺎب اﻟتﺎﻟ�ﺔ‪:‬‬

‫‪ -1‬ﻗد �شكﻞ ﻋﺎﻟم ﻤتﻌدد اﻷﻗطﺎب ﺨط ار ﻋﻠﻰ اﻟمصﺎﻟﺢ اﻟصین�ﺔ‪.‬‬


‫‪ -2‬ﯿوازي اﻟدﻋم اﻟتﻌدد�ﺔ اﻷﻗطﺎب اﻟتﻔكیر اﻟداﻋم ﻟﻠمواﺠﻬﺔ‪.‬‬
‫‪� -3‬مكن ﻟﻠصین واﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ وﻋبر "ﺘثق�ف اﺠتمﺎﻋﻲ وطنﻲ" أت ﺘتوﺼﻼ إﻟﻰ اﻟتك�ف إﺤداﻫمﺎ ﻤﻊ‬
‫اﻷﺨرى‪.‬‬
‫‪� -4‬مكن ﻟﻠس�طرة اﻷﻤر�ك�ﺔ‪ ،‬ﻟذا ﻤورﺴت ﻋﻠﻰ ﻨحو ﻤﻼﺌم‪ ،‬أن ﺘﻌود �ﺎﻟنﻔﻊ ﻋﻠﻰ اﻻﺴتﻘرار اﻹﻗﻠ�مﻲ واﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻣﺎﯾﻛل إس ﺗﺷﺎﯾس‪ ،‬آرﺛر ﺗﺷﺎن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.2‬‬


‫‪ -2‬ﺻﻔﺎء ﺻﺎﺑر ﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣﺣﻣدﯾن‪ ،‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ -3‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪329‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫‪� -5‬مكن ﺨدﻤﺔ ﻤصﺎﻟﺢ اﻟصین ﻋﻠﻰ ﻨحو أﻓضﻞ‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل اﻟﻌمﻞ ﻋﻠﻰ اﻟتك�ف ﻤﻊ اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ اﻟخﺎﻀﻊ‬
‫‪1‬‬
‫ﻟس�طرة اﻟﻐرب ﺴع�ﺎ إﻟﻰ ﺘنم�ﺔ ﻤصﺎﻟﺢ وﻤﻌﺎﯿیر وﻤؤﺴسﺎت ﻤشتر�ﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر‪� ،‬ﻘر �ﻌض اﻟمﻔكر�ن �من ﻓیﻬم اﻟتﺎ�ﻌون ﻟـ "ﻤدرﺴﺔ اﻟحزب اﻟشیوﻋﻲ اﻟمر�زي" أﻫم�ﺔ ﻤسﺄﻟﺔ‬
‫اﻟد�مﻘراط�ﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﻤر�ك�ﺔ اﻟصین�ﺔ؛ و�جﺎدﻟون �ضرورة أن ﺘتبنﻰ اﻟصین اﻟم�ﺎدئ اﻟد�مﻘراط�ﺔ ﻤن أﺠﻞ ﻨزع‬
‫‪2‬‬
‫ﻓتیﻞ اﻟتوﺘرات ﻤﻊ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻟتحسین اﻟوﻀﻊ اﻷﻤنﻲ ﻟﻠصین �شكﻞ ﻋﺎم‪.‬‬

‫ﻤﻊ ذﻟك ﯿرى ﻤحﻠﻠون اﺴتراﺘ�جیون ﺼینیون آﺨرون أن ﺘﻘو�ﺔ وﺘوﺴ�ﻊ اﻟتحﺎﻟﻔﺎت واﻟشر�ﺎت اﻷﻤن�ﺔ اﻷﻤر�ك�ﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺠم�ﻊ اﻨحﺎء اﻟﻌﺎﻟم ﻤنذ ﻨﻬﺎ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﺠزء ﻤن ﺨطﺔ �برى ﻟتحﻘیق اﻟﻬ�منﺔ اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ‪ ،‬و�ﻌتﻘدون أن اﻟوﻻ�ﺎت‬
‫اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘسﻌﻰ إﻟﻰ ﺨﻠق "ﻨظﺎم أﻤنﻲ دوﻟﻲ" ﺘحت ﺴ�طرﺘﻬﺎ‪ ،‬ﯿتوﻟﻰ اﻟنﺎﺘو ف�ﻪ "ﻤﻬمﺔ ﻋﺎﻟم�ﺔ"‪ 3 .‬ﻻ ﯿتﻔق‬
‫ﻠب�ﺎ‬ ‫اﻟجم�ﻊ ﻤﻊ ﻫذا اﻟتﻘی�م؛ �شیر اﻟﻌدﯿد ﻤن اﻹﺴتراﺘ�جیین اﻟصینیین أن اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین ﻻ ﯿزاﻟون ﯿتخذون ً‬
‫ﻨﻬجﺎ ﺴ ً‬
‫ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﺘجﺎﻩ اﻟشؤون اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ؛ ووﻓًﻘﺎ ﻟوﺠﻬﺔ اﻟنظر ﻫذﻩ‪ ،‬ﻻ ﺘزال اﻟصین ﺘحﺎول ﺘﻌظ�م ﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل اﻟحد‬
‫اﻷدﻨﻰ ﻤن اﻟمشﺎر�ﺔ ﻓﻲ اﻟخﺎرج‪ ،‬ﻤن ﺨﻼل اﻹﺴتﻔﺎدة اﻟمجﺎﻨ�ﺔ ﻤن ﺘصرﻓﺎت اﻟﻘوى اﻟكبرى اﻷﺨرى ﻤﻊ اﻟمطﺎﻟ�ﺔ‬
‫�ﺎﻟمكﺎﻨﺔ اﻷﺨﻼق�ﺔ اﻟﻌﺎﻟ�ﺔ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﯿتجﺎﻫﻞ ﻫؤﻻء اﻟنﻘﺎد ﺤق�ﻘﺔ ﻻ �مكن إﻨكﺎرﻫﺎ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻌﻘود اﻟثﻼﺜﺔ اﻟمﺎﻀ�ﺔ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫طﺎ ﻤن أي وﻗت آﺨر ﻓﻲ ﺘﺎر�ﺦ اﻟصین‪.‬‬
‫ذ�ﺎء واﻨخ ار ً‬
‫أﺼ�حت اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ اﻟصین�ﺔ أﻛثر ً‬

‫ف�ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬و�رﻏم أن اﻷﺤﻼف اﻟﻌسكر�ﺔ اﻟتﻲ ﺘشكﻠت ﻓﻲ ﻤرﺤﻠﺔ اﻟ�ﺎردة ﻤﺎ زاﻟت ﻗﺎﺌمﺔ‪ ،‬ﻟكن‬
‫اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ اﻟحﺎﻟ�ﺔ واﻟمستﻘبﻠ�ﺔ ﺘر�ز ﻋﻠﻰ ﺠم�ﻊ أﻨواع اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ ﻤن أﺠﻞ اﻟشراﻛﺔ واﻟتﻌﺎون‬
‫واﻷﺤﻼف‪� 5 .‬ﺎﻨت اﻟﻘوة اﻟﻌسكر�ﺔ ﻤیزة اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ ﻟﻌدة ﻗرون‪ ،‬ﻟكن اﻟﻌوﻟمﺔ اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟتﻌدد�ﺔ اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ‬
‫ﻫمﺎ اﻟمیزﺘﺎن ﻟﻠتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬وﺘتجسدان ﻓﻲ اﻟمجﺎﻻت اﻟس�ﺎﺴ�ﺔ واﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻟﻌسكر�ﺔ‪،‬‬
‫واﻟثﻘﺎف�ﺔ‪� ،‬مﺎ ﺘتجسدان ﻓﻲ اﻟتﻔﺎﻋﻼت اﻟمت�ﺎدﻟﺔ ﺒین اﻟدول وز�ﺎدة اﻻﻋتمﺎد اﻟمت�ﺎدل‪ .‬وﺘضﺎؤل اﺤتمﺎﻻت ﻨشوب‬

‫‪� -1‬ﺎﯿتس ﻏیﻞ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ -2‬ﻨﻔس اﻟمرﺠﻊ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -3‬د�ﻔید ﺸﺎﻤبو‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. p 23.‬‬
‫‪ -5‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.122‬‬

‫‪330‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﺤروب واﺴﻌﺔ اﻟنطﺎق ﺒین اﻟﻘوى اﻟكبرى‪ .‬وﻤن ﺜم‪� ،‬سﻬم اﺘجﺎﻩ اﻟتﻌدد�ﺔ اﻟﻘطب�ﺔ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة ﻓﻲ ﺼ�ﺎﻨﺔ اﻟسﻼم‬
‫‪1‬‬
‫واﻷﻤن اﻟﻌﺎﻟمیین‪.‬‬

‫ﺘﻌﺎرض اﻟصین ﻓكرة اﻟحضﺎرة اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ و�ذﻟك ﻤمﺎرﺴﺎت وﻀﻊ اﻟمﻌﺎﯿیر اﻟﻌﺎﻟم�ﺔ ﻟحﻘوق اﻹﻨسﺎن؛ ﻤن‬
‫اﻟمنظور اﻟصینﻲ‪ ،‬ﺘﻌتبر اﻟﻘواﻋد واﻟق�م واﻟمﻌﺎﯿیر ﻨسب�ﺔ وﻨتﺎج ﺘكو�نﺎت ﻤختﻠﻔﺔ ﻟﻠزﻤﺎن واﻟمكﺎن‪ .‬ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﻘوى‬
‫اﻟﻌظمﻰ اﻷﺨرى‪ ،‬ﺘﺄﻤﻞ اﻟصین أن �شﺎرك اﻵﺨرون ق�مﻬﺎ وﻤﻌﺎﯿیرﻫﺎ‪ .‬وﻤﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻻ ﺘبنﻲ ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﻓﻬم ﻤع�ﺎري ﻤﻔﺎدﻩ أن ﻤﻬمﺔ اﻟصین اﻟتﺎر�خ�ﺔ واﻟحضﺎر�ﺔ ﻫﻲ إﺒراز ق�مﻬﺎ ﻓﻲ اﻟخﺎرج‪ .‬ﻋﻠﻰ اﻟﻌكس ﻤن‬
‫ذﻟك‪ ،‬ﯿبدو أن اﻟﻘﺎدة اﻟصینیین �ﻌتﻘدون أن اﻟسمﺎت اﻟرﺌ�س�ﺔ ﻟﻠحضﺎرات اﻟصین�ﺔ ﻗد ﺸكﻠت �ﺎﻟﻔﻌﻞ دﯿنﺎﻤ�ك�ﺎت‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺒین اﻟدول واﻟﻌﺎﺒرة ﻟﻠحدود ﻓﻲ ﺸرق وﺠنوب ﺸرق آﺴ�ﺎ وأن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗتصﺎد�ﺔ واﻻﺴتراﺘ�ج�ﺔ اﻟتﻲ ﺘبنیﻬﺎ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟصین ﻤﻊ ﺠیراﻨﻬﺎ اﻷﻛثر ﺘرا�طﺎ‪.‬‬

‫اﺴتراﺘ�ج�ﺎت اﻟصین ﺘنظر إﻟﻰ "إﻋﺎدة اﻟتوازن" ﻟﻠوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة اﻷﻤر�ك�ﺔ ﺘجﺎﻩ آﺴ�ﺎ �جزء ﻤمﺎ ﯿوﺼﻒ‬
‫�ﺎﻟمحﺎوﻻت اﻷﻤر�ك�ﺔ ﻹﺤتواء" اﻟﻘوة اﻟمتزاﯿدة ﻟﻠصین وﺘﺄﺜیرﻫﺎ اﻟمتصﺎﻋد ‪ .3‬ﻟذﻟك داﻓﻊ اﻟصین ﻫو اﻹﻟتﻔﺎف ﺤول‬
‫ﺴ�ﺎﺴﺔ اﻹﺤتواء و�زاﺤﺔ ﻨﻔوذ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ‪�-‬ﺎﺴ�ف�ك‪� ،‬ﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ إظﻬﺎر ﻨﻔسﻬﺎ �مداﻓﻊ ﻋن‬
‫اﻟنظﺎم اﻹﻗﻠ�مﻲ ﻓﻲ ﻓترة ﻤﺎ �ﻌد اﻟحرب اﻟ�ﺎردة؛ ﻓﻲ ﻫذا اﻟس�ﺎق أﺸﺎر اﻟكتﺎب اﻷﺒ�ض إﻟﻰ أن "اﻟمﻔﺎه�م اﻷﻤن�ﺔ‬
‫ﻨظر ﻟﻠتطور‬
‫اﻟﻘد�مﺔ اﻟﻘﺎﺌمﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠ�ﺔ اﻟحرب اﻟ�ﺎردة‪ ،‬واﻟﻠع�ﺔ اﻟصﻔر�ﺔ‪ ،‬واﻟتشدﯿد ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة ﻗد ﻋﻔﺎ ﻋﻠیﻬﺎ اﻟزﻤن ًا‬
‫اﻟدﯿنﺎﻤ�كﻲ ﻟﻠتكﺎﻤﻞ اﻹﻗﻠ�مﻲ"؛ ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻟصین �مكن ﺘحﻘیق اﻟسﻼم واﻻﺴتﻘرار ﻓﻲ ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط‬
‫اﻟﻬﺎدئ ﻤن ﺨﻼل‪ :‬ﺘﻌز�ز اﻟتنم�ﺔ اﻹﻗﻠ�م�ﺔ و�رﺴﺎء أﺴﺎس اﻗتصﺎدي ﻤتین؛ ﺒنﺎء اﻟشراﻛﺎت وﺘﻘو�ﺔ اﻷﺴﺎس اﻟس�ﺎﺴﻲ؛‬
‫ﺘحسین اﻵﻟ�ﺎت اﻹﻗﻠ�م�ﺔ اﻟمتﻌددة اﻷطراف اﻟﻘﺎﺌمﺔ وﺘﻌز�ز إطﺎر اﻟسﻼم واﻹﺴتﻘرار اﻹﻗﻠ�میین؛ ﺘﻌز�ز وﻀﻊ اﻟﻘواﻋد‬
‫وﺘحسین اﻟضمﺎﻨﺎت اﻟمؤﺴس�ﺔ؛ ﺘكث�ف اﻟتﻌﺎون اﻟﻌسكري؛ ﺤﻞ اﻟخﻼﻓﺎت واﻟنزاﻋﺎت‪ ،‬واﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺒیئﺔ ﺴﻠ�مﺔ؛‬
‫وﺘشیر ﻫذﻩ اﻻﻗتراﺤﺎت إﻟﻰ ﻫدف اﻟصین ﻟتﻐییر اﻟبن�ﺔ اﻷﻤن�ﺔ طو�ﻠﺔ اﻷﻤد اﻟتﻲ ﺘﻬ�من ﻋﻠیﻬﺎ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‬
‫‪4‬‬
‫اﻷﻤر�ك�ﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬ﻟیوﺸ�ﻪ ﺘشنﺞ وﻟﻲ دوﻨﻎ‪ ،‬ﻤرﺠﻊ ﺴﺎﺒق‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Tarık OĞUZLU, Op. cit. p 39.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺎﯾﻜﻞ إس ﺗﺸﺎﯾﺲ وآرﺛﺮ ﺗﺸﺎ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Amrita Jash, Op. cit. p23.‬‬

‫‪331‬‬
‫اﻟﺼن ف� ﻣﻨﻄﻘﺔ آﺳ�ﺎ اﻟبﺎﺳ�ﻔ�ﻚ ف� ت‬
‫ﻓ�ة ﻣﺎ بﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟبﺎردة‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ﺟﻴﻮاﺳ�اﺗ�ﺠ�ﺔ‬ ‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ي‬ ‫ي ي‬

‫ﻓﺎﻟصین ﻏیر ﻤستﻌدة ﻟﻘبول أي ﻋق�ﺎت ﺨﺎرﺠ�ﺔ ﺘﻌترض ﺘنمیتﻬﺎ‪ ،‬وﺴ�ﺎﺴتﻬﺎ طو�ﻠﺔ اﻟمدى ﺘحددﻫﺎ اﻷﻫداف‬
‫اﻟمزدوﺠﺔ اﻟمتمثﻠﺔ ﻓﻲ اﻟحﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻬ�منﺔ اﻵﺴیو�ﺔ واﺴتﻌﺎدة اﻷراﻀﻲ اﻟتﻲ ﺘﻌتﻘد �كین أﻨﻬﺎ ﺘﻘﻊ ﻀمن ﺴ�ﺎدﺘﻬﺎ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻤمﺎ ﯿدل ﻋﻠﻰ وﺠود اﺘجﺎﻩ ﻨحو ﻤنطﻘﺔ آﺴ�ﺎ واﻟمح�ط اﻟﻬﺎدئ أﺤﺎد�ﺔ اﻟﻘطب‪.‬‬

‫ر�مﺎ �ﺎﻨت اﻟتﻐییرات �طیئﺔ ودق�ﻘﺔ �ﺎﻟتﺄﻛید‪ ،‬ﻟكن دﻻﻻﺘﻬﺎ ﻫﺎﺌﻠﺔ‪ .‬وآﺜﺎرﻫﺎ ﺤﺎﺴمﺔ �ﺎﻟنس�ﺔ ﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟصین‬
‫ﻤﻊ �ﻞ ﻤن اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة واﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ �كﻞ‪ .‬ﻻ ﺘﻘبﻞ اﻟصین اﻵن �ﺎﻟﻌدﯿد ﻤن اﻟﻘواﻋد واﻟمؤﺴسﺎت اﻟدوﻟ�ﺔ‬

‫ﻻع�ﺎ أﻛثر ﻗدرة وﻤﻬﺎرة ﻓﻲ اﻟﻠع�ﺔ اﻟدﺒﻠوﻤﺎﺴ�ﺔ‪ .‬ﻟكن ﻗد �كون ﻟﻬذﻩ اﻟتطورات ً‬
‫أ�ضﺎ‬ ‫اﻟسﺎﺌدة ﻓحسب؛ �مﺎ أﻨﻪ أﺼ�ﺢ ً‬
‫ﻨت�جﺔ أﺨرى �جب أﻻ �ﻐیب ﻋنﻬﺎ ﺼﺎﻨﻌو اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻷﻤر�كیون‪ :‬ﺒینمﺎ ﺘوﺴﻊ اﻟصین ﻨﻔوذﻫﺎ‪ ،‬ﺴتتحسن ً‬
‫أ�ضﺎ ﻓﻲ‬
‫‪2‬‬
‫ﺤمﺎ�ﺔ ﻤصﺎﻟحﻬﺎ ﺤتﻰ ﻋندﻤﺎ ﺘتﻌﺎرض ﻤﻊ ﻤصﺎﻟﺢ اﻟوﻻ�ﺎت اﻟمتحدة‪.‬‬

‫ﻛﺎن ﺘحول "دﯿنﻎ" ﺠز ًﺌ�ﺎ ﻓﻘط‪ ،‬ﻤﻊ ذﻟك ظﻠت اﻟمشﺎر�ﺔ اﻟصین�ﺔ ﻓﻲ اﻟمجتمﻊ اﻟدوﻟﻲ ﻀع�ﻔﺔ ﺨﻼل ﻓترة‬
‫وﻻﯿتﻪ؛ وﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﺴﻌت اﻟصین إﻟﻰ اﻟحصول ﻋﻠﻰ اﻟﻌدﯿد ﻤن ﺤﻘوق واﻤت�ﺎزات ﻗوة ﻋظمﻰ دون ﻗبول ﻤﻌظم‬
‫اﻹﻟتزاﻤﺎت واﻟمسؤوﻟ�ﺎت اﻟمصﺎﺤ�ﺔ ﻟﻬﺎ؛ �ﺎﻨت ﻫذﻩ اﻟدﯿنﺎﻤ�ك�ﺔ واﻀحﺔ �شكﻞ ﺨﺎص ﻓﻲ اﻟمنظمﺎت اﻟحكوﻤ�ﺔ اﻟدوﻟ�ﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﻤثﻞ اﻷﻤم اﻟمتحدة وظﻠت ﻋمﻠ�ﺔ ﺼ�ﺎﻏﺔ اﻟس�ﺎﺴﺔ اﻟخﺎرﺠ�ﺔ ﻓﻲ ظﻞ "دﯿنﻎ" ﺸدﯿدة اﻟمر�ز�ﺔ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Muhammad Muzaffar and others, Op. cit. p 272.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Evan S. Medeiros - M. Taylor Fravel, Op. cit. p 23.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- I bid. p 24.‬‬

‫‪332‬‬
‫اخلـامتـة‬
‫الخاتمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫إذا نظرنا إلى العالقات بين الصين والواليات المتحدة األمريكية منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬فإننا نجد‬
‫‪-‬‬

‫بوجه عام‪ ،-‬أن العالقات الصينية األمريكية في غاية التشابك والتعقيد‪ ،‬وال تزال تخضع لمرحلة اإلنتقال والتكوين‬
‫للوصول إلى مرحلة التشكل‪ ،‬تماما كما هو الحال بالنسبة للعالقات الدولية في إطار النسق الدولي التي لم تصل‬
‫إلى مرحلة اإلستقرار بعد؛ ويمكن أن نطلق عليها بأنها أهم عالقة ثنائية بين دولتين في عالم ما بعد الحرب‬
‫الباردة‪ ،‬سواء بالنسبة للدولتين‪ ،‬أو للمجتمع الدولي ككل؛ ساهم في تعقيد هذه العالقات بروز الصين كقوة عالمية‬
‫صاعدة تهدد مكانة الواليات المتحدة األمريكية كقوة عظمى مهيمنة على قمة هيكل النظام الدولي‪.‬‬

‫الواليات المتحدة األمريكية والصين هما القوتان العظميان في منطقة آسيا المحيط الهادئ؛ ونتيجة‬
‫لعامل التنافس الجيواستراتيجي بينهما حول المكانة الدولية ووضع الهيمنة فيه‪ ،‬فهما لن تكونان شريكين‬
‫استراتيجيين‪ ،‬وبدال من ذلك ستظالن منافسين استراتيجيين منخرطين في صراع القوى العظمى التقليدي حول‬
‫األمن والتأثير والمصالح والتنافس حول مناطق النفوذ والهيمنة‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن التشابهات بين ديناميكيات‬
‫العالقات األمريكية‪-‬السوفياتية في أثناء الحرب الباردة‪ ،‬والعالقة األمريكية‪-‬الصينية في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫متجانسة فعال‪ ،‬فكلتاهما عالقة قوى عظمى في إطار ثنائية قطبية؛ وفي الموقفين يستلزم التنافس قوة برية كبرى‬
‫وقوة بحرية كبرى (الواليات المتحدة واإلتحاد السوفياتي في أوروبا خالل فترة الحرب الباردة‪/‬الواليات المتحدة‬
‫والصين في آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة)‪ ،‬ويمكن للقدرات القائمة أو الممكنة لكل منهما أن‬
‫تتحدى المصالح الحيوية لآلخر؛ إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن تركيز القوى العظمى في الحالتين كان ينصب على‬
‫منطقة استراتيجية واقتصادية ذات أهمية عالمية‪.‬‬

‫في سياق ذلك‪ ،‬تشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ عملية انتقال من نظام قديم توسعي جز ًئيا إلى نظام‬
‫جديد متعدد األقطاب؛ التغيير في ميزان القوى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ناتج عن التوتر بين الصين‬
‫كقوة صاعدة والواليات المتحدة األمريكية باعتبارها القوة المهيمنة؛ هذا الدفع نحو نظام إقليمي جديد يتسبب في‬
‫توجهات أمنية جديدة وإعادة اصطفاف بين دول المنطقة؛ وعلى الرغم من أن النظام العالمي ال يزال أحادي‬
‫نظاما ثنائي القطب أو متعدد‬
‫ً‬ ‫القطب إلى حد كبير على المستوى العالمي‪ ،‬يبدو أن توازن القوى قد أسس‬
‫األقطاب في منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ .‬فمنطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬التي تغطي الصين وشمال شرق آسيا‬
‫وجنوب شرق آسيا‪ ،‬هي منطقة ذات تيارات معقدة؛ من ناحية‪ ،‬هناك على مستوى المنطقة التنمية اإلقتصادية‬
‫التي تدفع منطقة آسيا والمحيط الهادئ للتعاون المستدام؛ من ناحية أخرى‪ ،‬فإن هذه المنطقة تعاني‪ ،‬إلى جانب‬

‫‪334‬‬
‫الخاتمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫العديد من النزاعات األخرى‪ ،‬من النزاعات البحرية غير المستقرة التي يمكن أن تشعل الحروب بين دول آسيا‬
‫والمحيط الهادئ‪ ،‬وعلى رأس هذه التهديدات‪ ،‬المنافسة الشديدة بين الصين والواليات المتحدة على مجموعة‬
‫واسعة من المصالح الحيوية‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬تقف الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ على مفترق طرق؛ فالمخاوف االستراتيجية تلوح في‬
‫األفق بشكل كبير حيث تتعارض قوة الصين المتنامية ومداها مع مصالح القوى األخرى؛ إن ظهور الصين‬
‫كمحرك للنمو اإلقتصادي العالمي يعني أنه‪ ،‬باستثناء أزمة كبيرة‪ ،‬فإن االنحياز الواضح ضد الصين سيكون‪،‬‬
‫صعبا؛ إذ تشكل عودة الصين وظهورها كقوة إقليمية عظمى إلى جانب االنحدار‬ ‫ً‬ ‫أمر‬
‫من الناحية السياسية ًا‬
‫النسبي للواليات المتحدة‪ ،‬يشكالن شرطين لتحقيق توازن جديد للقوة في جميع أنحاء العالم‪ .‬وفي ضوء ذلك‪ ،‬من‬
‫الواضح أن الصين المتنامية النفوذ في المنطقة يمثل خروجا عن هيكل أمني يركز على الواليات المتحدة في‬
‫المنطقة وتسعى إلى إنشاء هيكل قوة متمركز حول الصين‪ .‬تتراجع فجوة القوة بين الصين وأمريكا ببطء‪ ،‬لكن‬
‫الصين ليست على وشك أن تصبح قوة عالمية بسبب ضعفها النسبي مقارنة بالواليات المتحدة من حيث القوة‬
‫االقتصادية والعسكرية العالمية‪ ،‬لكن نفوذ الصين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يؤكد بال شك قوة‬
‫الصين كقوة إقليمية قوية‪.‬‬

‫إن إشكال التنافس بين الصين والواليات المتحدة األمريكية يمثل نمطا فريدا في التشكيل الدولي الحالي‬
‫نظ ار لمكانة الصين كقوة صاعدة يمكن أن تصبح دولة عظمى مهيمنة‪ ،‬والواليات المتحدة كدولة عظمى مهيمنة‬
‫يمكن أن تفقد هذا الترتيب لصالح الصين‪ ،‬ولذلك فطبيعة العالقات البينية بين القوتين تتراوح بين التنافس‬
‫إلعتبارات المصلحة الوطنية من منظور واقعي وتعاون للحاجة إلى اعتماد متبادل من منظور ليبرالي‪ ،‬إذ تصل‬
‫هذه العالقات إلى درجة تؤهل وصول التوتر بين البلدين إلى حد اقتناع بعض اإلستراتيجيين بإمكانية حدوث‬
‫حرب باردة جديدة‪ ،‬وقد تصل إلى حد التعاون واإلنفراج والتوقع بإمكانية انتفاء أوجه الخالفات والصراع؛ ويمكننا‬
‫الخروج بعدة نتائج‪ ،‬سواء تعلق األمر بطبيعة العالقات بين الصين والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬أو تعلق األمر‬
‫بالعوامل المتحكمة والمؤثرة في هذه العالقات‪:‬‬

‫‪ /1‬إن المصالح المتعارضة للقوى البحرية والقارية والخصائص اإلستراتيجية للوضع القائم وجغرافية جنوب شرقي‬
‫آسيا تسهم جميعها في إمكانية حدوث توتر قوى عظمى منخفض نسبيا في القرن الواحد والعشرين‪ ،‬حتى لو‬
‫أشبعت المصالح الحيوية كال من الصين والواليات المتحدة في النظام الحالي فإن المعضلة األمنية في‬

‫‪335‬‬
‫الخاتمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫اإلستقطاب الثنائي يمكن أن تخلق أزمات متكررة‪ ،‬وتحتل الصين مركز الصدارة في أولويات أجندة اإلهتمامات‬
‫األمريكية وصلت إلى حد وضع الصين في وضع الدولة األولى بالرعاية‪ ،‬كما تمثل العالقات الثنائية للصين‬
‫بأهم عالقة ثنائية وهو ما يبرز مدى أهمية هذه العالقات‪ ،‬فهي إذن تساهم في تشكيل وضع الدولتين على‬
‫الساحة الدولية بعد نهاية الحرب الباردة خاصة مع مطلع القرن الواحد والعشرين‪.‬‬

‫‪ /2‬تشكل منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪ ،‬من الناحية األمنية‪ ،‬جوهر المصالح للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والصين تسعى‬
‫إلى تحقيق هيمنة تبدأ بالهيمنة اإلقتصادية‪ ،‬وتنتهي بالهيمنة العسكرية‪ ،‬ومن ثم احتواء المنطقة‪ ،‬وبالتالي دفع‬
‫الواليات المتحدة األمريكية إلى خارج المنطقة اآلسيوية‪ ،‬وهو ما يفسر اختيار الواليات المتحدة األمريكية خالل‬
‫فترة التسعينيات لخيار التصعيد ضد الصين ولو أن تمسك الواليات المتحدة األمريكية بخيار المواجهة المباشرة‬
‫سيدفع الصين إلى التحول ‪ -‬في ظل هذه الظروف‪ -‬إلى قوة عظمى تقود جميع الدول والقوى والتجمعات‬
‫المناهضة للهيمنة األمريكية‪.‬‬

‫‪ /3‬تمثل تايوان أهم عقبة في استمرار تطوير التعاون الصيني‪-‬األمريكي‪ ،‬فهي تثير أزمات دورية بين الدولتين‪،‬‬
‫فالواليات المتحدة ال ترغب في قيام الصين الكبرى من جهة ألن ذلك يجعل الصين تتطلع إلى دور أكبر في‬
‫العالقات الدولية‪ ،‬ومن جهة أخرى تستخدم الواليات المتحدة األمريكية قضية تايوان إلى جانب قضايا أخرى في‬
‫إدارة عالقاتها مع الصين‪ ،‬عندما ترغب في الحصول على تنازالت في عدد من القضايا والملفات الدولية‪.‬‬

‫‪ /4‬برز التنافس بصورة واضحة مع إدراك الواليات المتحدة للتهديد الصيني‪ ،‬وسعيها إلى تغيير الوضع السياسي‬
‫واإلقتصادي القائم في الصين‪ ،‬من خالل نشر الديمقراطية بمفاهيم غربية‪ ،‬وإثارة مسائل حقوق اإلنسان‪ ،‬وضرورة‬
‫تحرير التجارة وفتح األسواق وتحرير العملة والتعددية السياسية والحزبية‪...‬الخ‪ ،‬وهي قضايا تهدد األمن واإلستقرار‬
‫في الصين‪ ،‬التي تسعى للحفاظ على النظام السياسي القائم بقيادة الحزب الشيوعي‪ ،‬وتبني اقتصاد السوق‬
‫اإلشتراكي‪ ،‬وانتهاج سياسات اقتصادية‪ ،‬تجارية ومالية بما يتوافق ومصالح الصين‪ ،‬ورفضها للسياسات األمريكية‪،‬‬
‫وهو ما جعل العديد من المحللين يؤكدون أن العالقات بين الصين والواليات المتحدة األمريكية سوف تتشكل‬
‫بفعل تأثير عوامل الثقافة‪ ،‬واإلنتماء الحضاري‪ ،‬فاإلختالف الحضاري بين البلدين ساهم في تعميق الخالفات‬
‫بينهما‪ ،‬خاصة مع ترويج أطروحة صدام الحضارات‪.‬‬

‫‪ /5‬يمثل غياب عامل الثقة اإلستراتيجي بين الصين والواليات المتحدة األمريكية سببا رئيسيا إلستمرار التنافس‪،‬‬
‫وأن غياب هذا العامل يعود إلدراك كل من الصين والواليات المتحدة األمريكية لنوايا الطرف اآلخر‪ ،‬وإدراك‬

‫‪336‬‬
‫الخاتمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫النوايا هذا مرده اإلستراتيجيات المتبعة بين الدولتين في إدارة عالقاتهما البينية‪ ،‬والقائمة على تعظيم المكاسب‬
‫على مختلف األصعدة‪ ،‬ويزداد تأثير غياب عامل الثقة االستراتيجي بسعي الصين لتبني سياسات تهدف إلقامة‬
‫عالم متعدد األقطاب‪ ،‬وتشجيع العالقات مع أقطاب دولية عديدة‪ ،‬وسعي الواليات المتحدة األمريكية للحفاظ‬
‫على نظام أحادي القطبية‪.‬‬

‫‪ /6‬باعتبار أن المتغير اإلقتصادي هو المفسر لمعظم تفاعالت العالقات الدولية‪ ،‬فإن التنافس الجيواستراتيجي‬
‫بين الصين والواليات المتحدة يتعمق بسبب التنافس اإلقتصادي من حيث األسواق ومن حيث تأمين مصادر‬
‫الطاقة‪ ،‬وطرق اإلمداد البحرية‪ ،‬فالقوة اإلقتصادية للدولة تعطيها وضعا أفضل في إدارة الشؤون الدولية وحماية‬
‫مصالحها‪.‬‬

‫‪ /7‬التنافس الجيواستراتيجي في العالقات الصينية‪ -‬األمريكية‪ ،‬ال ينفي الوجه اآلخر لهذه العقبات‪ ،‬وهو التعاون‬
‫فالواليات المتحدة األمريكية في حاجة للحوار الدائم مع الصين‪ ،‬خاصة بعد فشل سياسات المقاطعة واإلحتواء‬
‫والحصار‪...‬الخ‪ ،‬وذلك لعدة أسباب‪ ،‬أبرزها المصالح المشتركة‪ ،‬ووضع الواليات المتحدة األمريكية الحرج من‬
‫حيث تآكل عناصر قوتها الشاملة‪ ،‬فهناك حاجة لإلعتماد المتبادل خاصة في عصر العولمة في أبعادها‬
‫االقتصادية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬واإلجتماعية‪ ،‬والتكنولوجية‪ ،‬فالتعاون اإلقتصادي وفقا للمنظور الليبرالي في العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬يساهم في تعزيز التفاهم وحل الخالفات وهو ما يفسر تطور العالقات التجارية والمالية بين الصين‬
‫والواليات المتحدة األمريكية خاصة بعد انضمام األولى لمنظمة التجارة العالمية عام ‪.2001‬‬

‫‪ /8‬إن المشاكل التي تعترض استمرار الصعود الصيني من حيث المعوقات التي تواجه التنمية الصينية وكذلك‬
‫التحديات الخارجية‪ ،‬خاصة وأن الصين ما تزال في بدايات مرحلة التحول‪ ،‬ولم يتحدد بعد معالم مسارها الجديد‪،‬‬
‫وما هي أفضل الوسائل التي تضمن استقرارها وتقدمها‪ ،‬يجعلها تحافظ على عالقات تعاون مع الواليات المتحدة‬
‫األمريكية والتأكيد على سلمية صعودها وسلوكها الخارجي‪ ،‬وتتبنى ما يعرف بالمواجهة الهادئة‪ .‬كما أنها وكنتيجة‬
‫لذلك يتراوح اختيارها ما بين اإلنفتاح والمشاركة‪ ،‬أو اختيار طريق يحد من تأثير العولمة عليها ومجاراة‬
‫اإلستراتيجية الغربية الجاري تنفيذها على مستوى العالم‪ ،‬مما جعل من الصين في الكثير من القضايا تنتهج‬
‫سياسة معتدلة عموما حفاظا على مصالحها اإلقتصادية مع الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وأنها فعال تتبع سياسة‬
‫مسؤولة تجاه قضايا المجتمع الدولي‪ ،‬وأنها ال تتبع سياسات تضر بمصالح الغرب‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫الخاتمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ /9‬الخيار العسكري أو المواجهة العسكرية بين الصين والواليات المتحدة في فترة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬أمر‬
‫مستبعد للغاية‪ ،‬ألن خيا ار على هذا النح و يعني التدمير المتبادل األكيد وهذا ال يعني انتفاء إمكانية قيام حرب‬
‫باردة جديدة بين القطبين‪ ،‬خاصة إذا استمر التناقض والتضارب في المصالح واإلستراتيجيات‪ ،‬وإصرار الواليات‬
‫المتحدة األمريكية على استدراج الصين للدخول في خيار المواجهة إذا فشلت سياسة احتواء الصين من خالل‬
‫دمجها في النظام الدولي القائم‪.‬‬

‫‪ /10‬الهيمنة األمريكية على واقع العالقات الدولية‪ ،‬هي عرضة للمنافسة من قبل القوى الدولية الصاعدة‪ ،‬خاصة‬
‫الصين‪ ،‬التي باتت تشكل قوة عالمية ال يمكن تجاهلها‪ ،‬إما من حيث مقوماتها اإلقتصادية أو السياسية أو‬
‫العسكرية‪ ،‬وهذا الصعود يؤدي إلى إعادة التوازن في النظام الدولي‪ ،‬كما كان قبل تفكك اإلتحاد السوفياتي‪ ،‬ولكن‬
‫بأسلوب مختلف‪ ،‬فالتنافس الدولي الراهن يعتمد على المنافسة االقتصادية التي تسخر الحركة السياسية الدولية‬
‫لخدمتها‪ ،‬وبالتالي فالقوى الصاعدة تعتمد في منافستها للقوى الدولية الموجودة على النمو والتفوق االقتصادي‪،‬‬
‫إذ تكرس الواليات المتحدة األمريكية جهودها إلقامة عالم أحادي القطبية تحت هيمنتها‪ ،‬بينما تؤيد الصين وعدد‬
‫من القوى األخرى إقامة عالم متعدد األقطاب‪.‬‬

‫لذلك فان‪ ،‬ما يمكن قوله عن التنافس الجيواستراتيجي الصيني األمريكي في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫في آسيا أنه يعني الكثير في الوقت الراهن في تشكيل العالقات الثنائية وتوجهاتها وفي تشكيل التوازنات الدولية‬
‫والتفاعل في النسق الدولي‪ ،‬خاصة مع حجم التحديات التي تواجه القطب العالمي‪-‬الواليات المتحدة األمريكية‬
‫‪-‬‬

‫وما يثيره مستقبل العالقات بين الصين والواليات المتحدة األمريكية بسبب األثر الذي سيتركه تنامي قدرات‬
‫الصين‪ ،‬وإعادة صياغة دورها في العالم بما يتناسب ومكانتها‪ ،‬لذلك فالعالقات الصينية‪-‬األمريكية‪ ،‬أعقد وأكبر‬
‫من وصفها بالعالقات التنافسية بين القوتين‪ ،‬يحاول كل طرف فيها تفادي الوصول إلى مرحلة التوتر الحاد‪،‬‬
‫واستمرار حالة التنافس‪-‬نفسه‪ ،-‬تعتمد على مدى استكمال الصين لنهوضها في المستقبل المنظور‪ ،‬وما يمكن أن‬
‫يمثله من تهديد للواليات المتحدة األمريكية خاصة من حيث درجة التقدم على صعيد القدرات العسكرية‪،‬‬
‫واإلقتصادية‪.‬‬

‫فالتنافس حالة طبيعية في العالقات بين الصين والواليات المتحدة األمريكية ألن العالقات الدولية هي‬
‫عالقات قائمة على القوة من أجل تحقيق المصلحة الوطنية‪ ،‬لكل دولة‪ ،‬وأن التعاون هو تكتيك بين الطرفين‬
‫لحاجة اإلعتماد المتبادل بينهما‪ ،‬كما أنه ضرورة عندما يتعلق األمر بالتحديات التي تواجه األمن الشامل الدولي‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫الخاتمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أخيرا‪ ،‬يمكننا القول إن كال من مبادرة الحزام والطريق الصينية (‪ )BRI‬واستراتيجية أمريكا في المحيطين الهندي‬
‫والهادئ ‪ Indo-Pacific Strategy-IPS‬هما انعكاسا للتنافس االستراتيجي بين الواليات المتحدة والصين على‬
‫المستوى اإلقليمي‪ ،‬وبال شك‪ ،‬ستتأثر منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشکل کبير بمبادرة الحزام والطريق‪ ،‬ويسلط‬
‫أيضا على رغبة الصين في تعميق العالقات مع آسيا البحرية‪ .‬وعلى الرغم‬‫العنصر البحري في المبادرة الضوء ً‬
‫من ادعاء الصين أن مسعى مبادرة الحزام والطريق موجه نحو التنمية‪ ،‬فإن الواليات المتحدة‪ ،‬من بين العبين‬
‫إقليميين آخرين‪ ،‬حذرة من أن النظام اإلقليمي المتمركز حول الصين‪ ،‬ويوجد نقاشات جادة في دوائر السياسة‬
‫األمريكية حول كيفية صياغة استراتيجيات تنافسية في مواجهة مبادرة الحزام والطريق‪ ،‬إذ ينظر االستراتيجيون‬
‫األمريكيون إلى استخدام الصين لمبادرة الحزام والطريق كوسيلة لشن هجوم جيواقتصادي‪ ،‬وكذلك‪ ،‬لتوسيع نفوذها‬
‫األمني والسياسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ‪ ،‬وبالتالي كتهديد للنظام اإلقليمي الذي تقوده الواليات المتحدة‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫قائمـة املالحــق‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :1‬منحنى بياني‪ 1‬يوضح نمو حجم اإلقتصادين األمريكي والصيني منذ عام ‪ ،2010‬واحتمال أن يتفوق حجم االقتصادي الصيني نظيره األمريكي بحلول عام ‪ 2028‬ليصل‬
‫إلى عتبة ‪ 35‬تريليون دوالربحلول عام ‪ ،2034‬وأال يتجاوزاالقتصاد األمريكي عتبة ‪ 25‬تريليون دوالر؛ ويفسرهذا الوضع التنافس الجيو اقتصادي الصيني األمريكي في منطقة آسيا‬
‫الباسيفيك التي تشكل مركزالثقل االقتصادي العاملي حاليا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- " China to Overtake US as World’s Largest Economy by 2028 - 5 Year Earlier Than Forecasts, Says Report”, (December 27, 2020), https://cutt.ly/ZSU12FK‬‬

‫‪341‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :2‬توضح الخريطة‪ 2‬طرق نقل الطاقة من منطقة الشرق األوسط وشمال افريقيا إلى الصين عبراملحيط الهندي وبحرالصين الجنوبي وهو ما يفسرالتنافس العسكري‬
‫البحري الصيني األمريكي في املنطقة‪.‬‬
‫‪ %40‬من التجارة العاملية تمرعبرمضيق ملقا الذي يربط بحرالصين الجنوبي باملحيط الهندي‬
‫‪ %80‬من واردات الصين تمرعبرنفس املضيق‬

‫‪2‬‬
‫‪- Navya Mudunuri, "The Malacca Dilemma and Chinese Ambitions: Two Sides of a Coin", (7 July 2020). https://cutt.ly/USIDlke‬‬

‫‪342‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :3‬توضح الخريطة‪ 3‬معضلة مضيق ملقا وبحرالصين الجنوبي بسبب سياسات العسكرة التي تنتهجها عدد من الدول كالواليات املتحدة والعند والصين‪ ،‬ما‬
‫دفع بالصين لتأمين تجارتها وامداداتها من الطاقة بممرين جديدين‪ ،‬األول عبرباكستان (باللون األزرق)‪ ،‬والثاني عبرميانمار(باللون األحمر)‪ ،‬لتقليص املرورعبراملضيق‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- Sanjana Krishnan, "The Malacca Dilemma: No panacea but multiple possibilities", (The Malacca Dilemma: No panacea but multiple possibilities‬‬
‫‪MAY 22, 2020). https://cutt.ly/3SIJnxj‬‬

‫‪343‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :4‬منحنى بياني‪ 4‬يوضح أهم الشركاء اإلقتصاديين من القوى الكبرى مع تجمع اآلسيان الذي يتشكل من غالبية دول جنوب شرق آسيا (آسيا الباسيفيك)‬

‫بحيث يتضح لنا أن الصين أكبرشريك اقتصادي للتجمع بأكثرمن ‪ 500‬ملياردوالرسنويا (عامي ‪ )2009/2008‬تليها الواليات املتحدة األمريكية واإلتحاد األوروبي بأقل من ‪ 300‬مليار‬
‫دوالرلكل منهما‪ ،‬وأخيرا اليابان بحوالي ‪ 220‬ملياردوالر‪ .‬وقد قفزت حصة الصين من إجمالي التدفقات التجارية الثنائية لرابطة أمم جنوب شرق آسيا من ‪ ٪11.8‬في عام ‪ 2010‬إلى‬
‫‪ ٪18‬في عام ‪.2019‬‬

‫‪4‬‬
‫‪- Economic Intelligence, “Asia trade brief: February 2021”, (March 3rd 2021), https://cutt.ly/JSUKXjd‬‬

‫‪344‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :5‬خريطة‪ 5‬توضيحية لبحرالصين الجنوبي‪ ،‬وفيه تتحدد املنطقة االقتصادية الخالصة لكل الدول املطلة عليهن بحيث يتضح لنا التناقض والتداخل بين مطالب‬
‫الصين والدول األخرى‪.‬‬

‫الخط باللون األحمريمثل املطالب البحرية للصين‪ ،‬الخط باللون األزرق يمثل املطالب البحرية لفيتنام‪ ،‬الخط باللون األصفريمثل املطالب البحرية ملاليزيا‪ ،‬الخط باللون األخضر يمثل‬
‫املطالب البحرية لبروناي‪ ،‬الخط باللون البنفسجي يمثل املطالب البحرية للفلبين‪.‬‬

‫‪ -5‬النزاعات في بحر الصين الجنوبي‪ ،‬المصدر‪https://cutt.ly/2SI24Ew :‬‬

‫‪345‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :6‬تمثيل بياني‪ 6‬يوضح نمو الناتج القومي اإلجمالي لإلقتصاد الصيني من ‪ 6‬تريليون دوالر أمريكي عام ‪ ،2010‬ليصل حسب التوقعات إلى أكثرمن ‪ 17.7‬تريليون دوالر‬
‫أمريكي عام ‪،2021‬‬

‫ليحتل املرتبة الثانية عامليا خلف الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وهو ما يعكس الديناميكية التي تميزاالقتصاد الصيني ما يرشحه لتجاوز االقتصاد األمريكي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪- Keith Breene, “7 things to know about China’s economy”, (World Economic Forum, 2016). https://cutt.ly/cSUk0i1‬‬

‫‪346‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :7‬دائرة نسبية‪ 7‬تمثل حجم اإلنفاق العسكري العاملي لعام ‪ ،2019‬يتضح من خاللها احتالل الواليات املتحدة األمريكية كقوة عظمى مهيمنة املرتبة األولى عامليا بحجم‬
‫إنفاق عسكري بلغ أكثرمن ‪ 731‬ملياردوالر‪ ،‬وتأتي الصين كقوة صاعدة في املرتبة الثانية بحجم إنفاق عسكري بلغ أكثرمن ‪ 261‬ملياردوالر‪ .‬مع مالحظة اإلستدارة العسكرية‬
‫األمريكية نحو منطقة آسيا الباسيفيك التي تشكل البيئة اإلقليمية للصين‪ ،‬وأن غالبية اإلنفاق العسكري الصيني يتضمن تحديث وتطويرالقوات البحري خاصة بحرالصين‬
‫الجنوبي واملحيط الهندي؛ وهو ما يعكس التنافس األمني والجيوسياس ي بين القوتين‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪- Stockholm International Peace Research Institute, "List of countries by military expenditures (SIPRI)”, (18/04/2021). https://cutt.ly/cSUvBqE‬‬

‫‪347‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :8‬تمثيل بياني بالنسب املئوية يوضح ثالثة أكبرشركاء تجاريين للصين خالل الفترة ‪ ،2020-2015‬وهم على التوالي‪ :‬اإلتحاد األوروبي‪ ،‬تجمع اآلسيان‪ ،‬والواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬وهذا يبرزحجم القوة االقتصادية للصين سواء على املستوى اإلقليمي مع اآلسيان‪ ،‬أو على املستوى العاملي مع اإلتحاد األوروبي والواليات املتحدة‪8.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪- Huo Li, “Graphics: A glance at China's foreign trade transformation in 70 years”, (01-Sep-2020). https://cutt.ly/fSUwWBW‬‬

‫‪348‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :9‬خريطة‪ 9‬توضيحية للتجارة الدولية للصين ومبادرة الحزام والطريق‪ ،‬تبرز‪ /1 :‬أهم الشركاء التجاريين بالتدريج من حيث حجم التبادل التجاري؛ ‪ /2‬مبادرة الحزام البحري (طريق‬
‫الحريرالبحري الجديد عبراملحيطين الهادئ شرقا‪ ،‬والهندي غربا) والحزام البري (طريق الحريرالبري القديم عبرأوراسيا)؛ ‪ /3‬أهم املوانئ البرية والبحرية التي أنشأتها الصين عبرالعالم لتعزيز‬
‫تجارتها الخارجية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪- Leiden Asia Centre, Clingendael China Centre, “The BRI and China’s International Trade Map”, (12/09/2021). https://cutt.ly/aSUaErv.‬‬

‫‪349‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪350‬‬
‫المالحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫امللحق رقم ‪ :10‬يمثل الشكل البياني‪ 1‬النسب املئوية للتجارة الخارجية للواليات املتحدة األمريكية والصين كشريك تجاري أول‬
‫لدول العالم منذ عام ‪ 2000‬على غاية عام ‪2020‬ن بحيث يتضح لنا‪:‬‬

‫الواليات املتحدة األمريكية كانت الشريك التجاري األول لحوالي ‪ %80‬من دول العالم عام ‪ ،2000‬في األمريكيتين وأوروبا‬ ‫‪-‬‬
‫و افريقيا وآسيا وأستراليا وأوقيانوسيا‪ ،‬وهذا ما توضحه خريطة العالم األولى في الصفحة السابق‪.‬‬
‫بحلول عام ‪ ،2020‬أصبحت الصين الشريك التجاري األول لغالبية دول العالم بحوالي ‪ %70‬من الدول‪ ،‬وهو ما توضحه‬ ‫‪-‬‬
‫خريطة العالم الثانية في الصفحة السابقة‪.‬‬

‫من خالل الشكل البياني ومن الخريطتين يتحدد لنا مدى صعود االقتصاد الصيني ونمو تجارتها الخارجية وهو ما يعكس في نفس‬
‫الوقت التراجع في مؤشرات القوة االقتصادية للواليات املتحدة األمريكية‬

‫‪1‬‬
‫‪- Oliver Stuenkel, "The vast majority of countries now share greater trade with China than the US, a dramatic shift‬‬
‫‪from only 20 years ago”, (19/07/2021). https://cutt.ly/zSUDXIQ‬‬

‫‪351‬‬
‫قائمة‬
‫املصادر واملراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫أوال‪ :‬ابللغة العربية‬

‫أ‪-‬الكتب‪:‬‬
‫‪ .1‬إي براون‪ ،‬مايكل وآخرون‪ ،‬صعود الصني‪ ،‬ترمجة‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2010 ،‬‬
‫‪ .2‬السعيد إدريس‪ ،‬حممد‪ ،‬حتليل النظم اإلقليمية‪ :‬دراسة يف أصول العالقات الدولية اإلقليمية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مركز الدراسات السياسية‬
‫واإلسرتاتيجية‪.)2001 ،‬‬
‫‪ .3‬إلياس‪ ،‬جوانيتا وستشن بيرت‪ ،‬أساسيات العالقات الدولية‪ ،‬تر‪ :‬حميي الدين محيدي‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪.)2016 ،‬‬
‫‪ .4‬بن إبراهيم القصري‪ ،‬ماهر‪ ،‬املشروع األوروآسيوي من اإلقليمية إىل الدولية‪ :‬العامل بني احلالة الالقطبية والنظام العاملي متعدد األقطاب‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2014 ،‬‬
‫‪ .5‬برجينسكي‪ ،‬زبيغنييف‪ ،‬رقعة الشطرنج الكربى‪ :‬التفوق األمريكي وضروراته اجليواسرتاتيجية امللحة‪ ،‬ترمجة سليم أبراهام‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار‬
‫عالء الدين للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الرابعة‪.)2008 ،‬‬
‫‪ .6‬تشنج‪ ،‬ليوشيه ودونغ‪ ،‬يل‪ ،‬الصني والوالايت املتحدة األمريكية خصمان أم شريكان‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد العزيز محدي عبد العزيز‪( ،‬القاهرة‪،‬‬
‫اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2003 ،‬‬
‫‪ .7‬جولد شتاين‪ ،‬أفريي‪" ،‬مستقبل ابهر تفسري وصول الصني"‪ ،‬يف‪ :‬مايكل إي براون وآخرون‪ ،‬صعود الصني‪ ،‬ترمجة‪ :‬مصطفى قاسم‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2010 .‬‬
‫‪ .8‬جي كريستنسن‪ ،‬توماس‪" ،‬الصني والتحالف األمريكي‪-‬الياابين واملعضلة األمنية يف شرق آسيا"‪ .‬يف‪ :‬مايكل إي براون‪ ،‬صعود الصني‪،‬‬
‫تر‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2010 .‬‬
‫‪ .9‬جونز‪ ،‬سني لني‪" ،‬مقدمة" يف‪ :‬مايكل إي براون وآخرون‪ ،‬صعود الصني‪ ،‬تر‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪.)2010 .‬‬
‫‪ .10‬جيل‪ ،‬بيتس ‪" ،‬الصني مركز انشئ للقوة العاملية"‪ ،‬يف‪ :‬جراميي هريد‪ ،‬القوى العظمى واإلستقرار اإلسرتاتيجي يف القرن احلادي والعشرين‪،‬‬
‫رؤية متنافسة للنظام الدويل‪( ،‬مركز اإلمارات للبحوث والدراسات اإلسرتاتيجية‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2013 ،‬‬
‫‪ .11‬خضر احلديثي‪ ،‬هاين الياس‪ ،‬صراع اإلرادات يف آسيا‪ :‬دراسة يف مستقبل التعاون اإلقليمي يف آسيا وأثره على الشرق األوسط‪،‬‬
‫(دمشق‪ ،‬مركز الشرق للدراسات‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2007 ،‬‬
‫‪ .12‬ديسوا‪ ،‬جريار‪ ،‬دراسة يف العالقات الدولية‪ ،‬النظرايت اجليوسياسية‪ ،‬ترمجة قاسم املقداد‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار نينوى للدراسات‪.)2014 ،‬‬
‫‪ .13‬داونز‪ ،‬إريكاسرتيكر وسي‪-‬ساوندرز فيليب‪" ،‬الشرعية وحدود النزعة القومية‪ :‬الصني ودزر داييو"‪ ،‬يف‪ :‬مايكل إي براون وآخرون‪،‬‬
‫صعود الصني‪ ،‬ترمجة‪ :‬مصطفى قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2010 .‬‬
‫‪ .14‬رايض‪ ،‬حممد‪ ،‬األصول العامة يف اجلغرافيا السياسية واجليوبوليتيكا‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪.)2014 ،‬‬

‫‪353‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ .15‬روس‪ ،‬روبرت‪" ،‬جغرافية السالم‪ :‬شرق آسيا يف القرن احلادي والعشرون"‪ .‬يف‪ :‬مايكل إي براون‪ ،‬صعود الصني‪ ،‬ترمجة‪ :‬مصطفى‬
‫قاسم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2010 .‬‬
‫‪ .16‬زايتس‪ ،‬كونراد‪ ،‬الصني‪ :‬عودة قوة عاملية‪ ،‬تر‪ :‬سامي مشعون‪( ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلسرتاتيجية‪.)2003 ،‬‬
‫‪ .17‬شامبو‪ ،‬ديفيد‪" ،‬رؤى العامل لدى اجليش الصيين‪ :‬األمن املتناقض"‪ .‬يف‪ :‬مايكل إي براون‪ ،‬صعود الصني‪ ،‬ترمجة‪ :‬مصطفى قاسم‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2010 .‬‬
‫‪ .18‬عبد احلي‪ ،‬وليد‪ ،‬مراجعة لكتاب "مستقبل القوة " جوزيف اني‪( ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪ ،‬ت‪ .‬ن‪ ،)2013/12/11 :‬اتريخ التصفح‪:‬‬
‫‪https://cutt.ly/WAFjnWv .2018/07/04‬‬
‫‪ .19‬عطوان‪ ،‬خضر‪ ،‬القوى العاملية والتوازانت اإلقليمية‪( ،‬األردن‪ ،‬عمان‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2010 ،‬‬
‫‪ .20‬غيل‪ ،‬ابيتس ‪ ،‬النجم الصاعد‪ ،‬الصني‪ :‬دبلوماسية أمنية جديدة‪ ،‬ترمجة‪ :‬دالل أبو حيدر‪( ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.)2009 ،‬‬
‫‪ .21‬فوجلي‪ ،‬توماس وآخرون‪ ،‬مستقبل النظام العاملي اجلديد‪ ،‬ترمجة عاطف معتمد وعزت زاين‪( ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬ع ‪،1724‬‬
‫الطبعة األوىل‪.)2011 ،‬‬
‫‪ .22‬كيندي‪ ،‬بول‪ ،‬نشوء وسقوط القوى العظمى‪( ،‬األردن‪ ،‬عمان‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)1994 ،‬‬
‫‪ .23‬كيسنجر‪ ،‬هنري‪ ،‬هل حتتاج أمريكا إىل سياسة خارجية؟ حنو دبلوماسية للقرن الواحد والعشرين‪ ،‬ترمجة عمر األيويب‪( ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫دار الكتاب العريب‪ ،‬الطبعة الثانية‪.)2003 ،‬‬
‫‪ .24‬ميتكيس‪ ،‬هدى وعابدين‪ ،‬صدقي‪ ،‬قضااي األمن يف آسيا‪( ،‬مصر‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز الدراسات اآلسيوية‪.)2004 ،‬‬
‫‪ .25‬مريشامير‪ ،‬جون‪ ،‬مأساة سياسة القوى العظمى‪ ،‬ترمجة مصطفى حممد قاسم‪( ،‬الرايض‪ ،‬جامعة امللك سعود‪.)2001 ،‬‬
‫‪ .26‬هريد‪ ،‬جراميي‪ ،‬القوى العظمى واإلستقرار اإلسرتاتيجي يف القرن احلادي والعشرين‪ ،‬رؤية متنافسة للنظام الدويل‪( ،‬مركز اإلمارات‬
‫للبحوث والدراسات اإلسرتاتيجية‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2013 ،‬‬
‫‪ .27‬هاس‪ ،‬ريتشارد وأودوليفان‪ ،‬ميجان‪ ،‬العسل واخلل‪ :‬احلوافز والعقوابت والسياسة اخلارجية‪ ،‬ترمجة إمساعيل عبد احلكيم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مركز‬
‫األهرام للرتمجة والنشر‪ ،‬الطبعة األوىل‪.)2002 ،‬‬
‫‪ .28‬هاس‪ ،‬ريتشارد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬استعادة التوازن‪ ،‬ترمجة سامي الكعكي‪( ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.)2009 ،‬‬

‫ب‪-‬اجملالت والدورايت‪:‬‬

‫‪ .1‬أبو زيد‪ ،‬هدير‪" ،‬خيارات حرجة‪ :‬مستقبل "القرن اآلسيوي" يف ظل التنافس األمريكي– الصيين"‪( ،‬مركز املستقبل للدراسات واألحباث‬
‫اإلسرتاتيجية‪ 24 ،‬يونيو‪https://cutt.ly/7A3wx87 ،)2020 ،‬‬
‫‪ .2‬القصاص‪ ،‬أنس ‪" ،‬اإلسرتاتيجية البحرية الصينية وتشكيل النظام العاملي اجلديد"‪( ،‬القاهرة)‪ ،‬اتريخ النشر‪ ،2015/10/22 :‬اتريخ‬
‫التصفح‪https://cutt.ly/OAjSalL .2019/08/15 :‬‬
‫‪ .3‬البدراين‪ ،‬خضر إبراهيم سلمان والبدراين‪ ،‬عدانن خلف محيد‪" :‬اسرتاتيجية إعادة التوازن األمريكية يف آسيا وأثرها على الصني"‪ .‬اجمللة‬
‫السياسية والدولية‪( ،‬العراق‪ ،‬اجلامعة املستنصرية‪ ،‬اجمللد ‪ ،2016‬العدد ‪.)2016 ،30‬‬

‫‪354‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ .4‬األسدي‪ ،‬م‪ .‬م متارا كاظم‪" ،‬أمهية العامل االقتصادي يف قوة الدولة (الصني) أمنوذجاً"‪( ،‬مصر‪ ،‬املركز الدميقراطي العريب‪،‬‬
‫‪https://cutt.ly/XSQ2WcO .)2019/07/06‬‬
‫‪ .5‬إمساعيل‪ ،‬إسراء وهاشم‪ ،‬عزة‪" ،‬القوى العاملية ‪ :2016‬حتدايت القيادة األمريكية وصعود النفوذ الروسي"‪( ،‬مركز الدراسات اإلسرتاتيجية‬
‫والدولية‪https://cutt.ly/VAjb4SD .)2016/01/12 ،‬‬
‫‪ .6‬إس تشايس‪ ،‬مايكل وتشان‪ ،‬آرثر‪" ،‬هنج الصني إزاء 'الردع االسرتاتيجي املتكامل'"‪( ،‬كاليفورنيا‪ ،‬مؤسسة راند‪،)2016 ،‬‬
‫‪https://bit.ly/3p1SbeO‬‬
‫‪ .7‬النزاعات يف حبر الصني اجلنويب‪ ،‬املصدر ‪https://cutt.ly/2SI24Ew‬‬
‫‪ .8‬براندز‪ ،‬هال‪" ،‬رحلة كيسنجر السرية إىل الصني ومسار احلرب الباردة"‪ ،‬صحيفة الشرق األوسط‪( ،‬العدد ‪ ،15576‬اتريخ النشر‪:‬‬
‫‪ ،)2021/07/21‬اتريخ التصفح‪https://cutt.ly/PAzhkoR .2021/08/18 :‬‬
‫‪ .9‬اتشبينار‪ ،‬عمر‪" ،‬اإلستدارة األمريكية من الشرق األوسط حنو منطقة آسيا‪-‬الباسيفيك"‪ ،‬جملة الدراسات الفلسطينية‪( ،‬لبنان‪ ،‬مؤسسة‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ ،‬ع ‪. https://academia-arabia.com/ar/reader/2/77390)2015 ،103‬‬
‫‪ .10‬جاسم حممد‪ ،‬اايد‪" ،‬حمددات العالقات الصينية األمريكية يف الربع األخري من القرن العشرين"‪ ،‬جملة اجلامعة العراقية‪( ،‬اجلامعة العراقية‪،‬‬
‫كلية اإلعالم‪ ،‬ع ‪https://www.iasj.net/iasj/download/8d984b0f3c4ab274 .)2/36‬‬
‫‪ .11‬حريب‪ ،‬هديل‪" ،‬مستقبل الصعود الكوين للصني وقيادة العامل يف القرن احلادي والعشرين"‪ ،‬جملة قضااي سياسية‪( ،‬العراق‪ ،‬جامعة‬
‫النهرين‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪ ،‬ع ‪https://www.iasj.net/iasj/article/139535 .)2018 ،51‬‬
‫‪ .12‬دون مؤلف‪" ،‬التجارة والتكامل اإلقليمي يف آسيا واحمليط اهلادئ"‪( ،‬ابنكوك‪ ،‬مكتب منظمة العمل الدولية اإلقليمي آلسيا واحمليط‬
‫اهلادئ‪https://cutt.ly/IAcfRyL .)2016 ،‬‬
‫‪ .13‬رمضاين‪ ،‬ابتسام وبوروبي عبد اللطيف‪" ،‬التنافس اإلسرتاتيجي الصيين – األمريكي يف منطقة جنوب شرق آسيا"‪ ،‬اجمللة اجلزاررية‬
‫لألمن والتنمية‪( ،‬اجلزارر‪ ،‬جامعة ابتنة ‪ ،1‬ع ‪https://cutt.ly/bSntjVJ .)2018 ،13‬‬
‫‪ .14‬راشد‪ ،‬ابسم‪ " ،‬الصراع والتعاون يف إقليم آسيا واحمليط اهلادي"‪( ،‬مؤسسة كارينغي للسالم الدويل‪ ،)2015/07/16 ،‬اتريخ التصفح‪:‬‬
‫‪https://cutt.ly/gAjxtvo ،)2000/05/14‬‬
‫‪ .15‬سعود‪ ،‬عابد‪" ،‬الفرق بني اإلسرتاتيجية واجليوسرتاتيجية"‪( ،‬السعودية‪ ،‬جريدة الرايض‪ ،‬العدد ‪ 25 ،15249‬مارس ‪ ،)2010‬اتريخ‬
‫التصفح‪https://cutt.ly/iADQzfy 2018/09/13 :‬‬
‫أمنوذجا"‪ ،‬جملة السياسة‬
‫ً‬ ‫‪ .16‬صابر‪ ،‬صفاء وحممدين‪ ،‬خليفة‪" ،‬الصني حنو تنافسية قطبية متعددة يف القرن الـ ‪ :21‬مبادرة احلزام والطريق‬
‫واإلقتصاد‪( ،‬جامعة اإلسكندرية‪ ،‬کلية الدراسات االقتصادية والعلوم السياسية‪ ،‬اجمللد ‪ ،14‬ع ‪ ،13‬يناير ‪.)2022‬‬
‫‪https://cutt.ly/AAkgzgX‬‬
‫‪ .17‬طي‪ ،‬حممد‪" ،‬اجليوبوليتيك من منتصف القرن التاسع عشر حىت اآلن"‪( ،‬لبنان‪ ،‬املركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق‪ ،‬ط ‪ ،1‬ع ‪،19‬‬
‫ديسمرب ‪.)2019‬‬

‫‪355‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪ .18‬طيب‪ ،‬مجيلة وغيدة‪ ،‬فلة‪" ،‬حقيقة التكامل االقتصادي اإلقليمي بني الصني وبقية دول شرق آسيا "‪ ،‬جملة اإلقتصاد اجلديد‪( ،‬اجلزارر‪،‬‬
‫جامعة مخيس مليانة‪ ،‬ع ‪ ،12‬اجمللد ‪https://cutt.ly/USEFrtP .)2015-01‬‬
‫‪ .19‬عاشور‪ ،‬ليلى حاجم وموفق عبد احلميد‪ ،‬سايل‪" ،‬تكتل القوى االقتصادية الصاعدة‪ :‬جمموعة الربيكس أمنوذجا"‪ ،‬جملة قضااي سياسية‪،‬‬
‫(العراق‪ ،‬جامعة النهرين‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪https://cutt.ly/dAjtjju )2016 ،56-45‬‬
‫‪ .20‬عالوي خليفة‪ ،‬حسني‪" ،‬فكرة اهليمنة ابلقيادة يف االسرتاتيجية األمريكية‪ :‬مدخل للقرن احلادي والعشرين"‪ ،‬جملة قضااي سياسية‪،‬‬
‫(العراق‪ ،‬جامعة النهرين‪ ،‬العدد ‪https://www.iasj.net/iasj/download/1dc917be44dc58c5 .)2013 ،33-32‬‬
‫‪ .21‬فاروق عباس‪ ،‬أمحد‪" ،‬التجربة التنموية يف الصني الواقع والتحدايت"‪ ،‬اجمللة العلمية لإلقتصاد والتجارة‪( ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة األزهر‪،‬‬
‫اجمللد ‪ ،49‬ع ‪https://cutt.ly/oSEFM1r .)2019 ،3‬‬
‫‪ .22‬قسوم‪ ،‬سليم‪ " ،‬نظرايت انتقال القوة والتغري السلمي‪ :‬هل سيكون صعود الصني سلميا؟"‪ ،‬اجمللة اجلزاررية لألمن والتنمية‪( ،‬ع ‪،13‬‬
‫‪.)2018‬‬
‫‪ .23‬لينفاي‪ ،‬زهي ووي‪ ،‬رون‪" ،‬العالقات الصينية األمريكية واسرتاتيجية واشنطن اليت تزعزع استقرار كامل منطقة آسيا الباسيفيك"‪ ،‬تر‪:‬‬
‫عاصم مظلوم‪( ،‬مركز الناطور للدراسات واألحباث‪ 2 ،‬مارس ‪ ،)2012‬اتريخ التصفح ‪.2018/10/23‬‬
‫‪https://cutt.ly/mPIz6Hu‬‬
‫‪ .24‬حممد عبيد‪ ،‬قاسم وميسر فتحي‪ ،‬حممد‪" ،‬األزمات الدولية ومستقبل التوازانت اجليوسرتاتيجية العاملية"‪ ،‬جملة قضااي سياسية‪( ،‬العراق‪،‬‬
‫جامعة النهرين‪ ،‬العدد ‪https://cutt.ly/1ADbrUz ،)2016 ،44-43‬‬
‫‪ .25‬ميسر فتحي‪ ،‬حممد‪" ،‬التغيري يف النظام الدويل ومراكز القوى العاملية‪ :‬رؤية مستقبلية"‪ ،‬جملة تكريت للعلوم السياسية‪( ،‬العراق‪ ،‬جامعة‬
‫النهرين‪ ،‬ع ‪.)2015 ،4‬‬
‫‪ .26‬مربوك‪ ،‬شريف شعبان‪" ،‬االحتواء واملشاركة‪ :‬اإلسرتاتيجية األمريكية يف آسيا"‪( ،‬املركز العريب للبحوث والدراسات‪،)2016/03/13 ،‬‬
‫اتريخ التصفح ‪https://cutt.ly/CAjQGS6 .)2019/03/02‬‬
‫‪ .27‬مانسينج‪ ،‬سورجيت‪ ،‬اهلند والصني‪ :‬تنافس وتعاون‪ ،)2016( ،‬اتريخ التصفح‪www.greatdecisions.org .2021/02/13 :‬‬
‫‪ .28‬مردان مضخور‪ ،‬ابهر‪" ،‬اسرتاتيجية احلزام والطريق للقرن احلادي والعشرين"‪ ،‬جملة دراسات دولية‪( ،‬مركز الدراسات اإلسرتاتيجية‬
‫الدولية‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬العدد ‪https://cutt.ly/YSEGUhN .)2016 ،67‬‬
‫‪ .29‬حممود عبد العزيز‪ ،‬غزالن ‪ " ،‬الصعود الصيين واألاثر املرتتبة على نزاعات حبر الصني اجلنويب"‪ ،‬جملة كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪،‬‬
‫(مصر‪ ،‬جامعة ‪ 6‬أكتوبر‪ ،‬اجمللد ‪ ،21‬العدد ‪ ،4‬أكتوبر ‪( ،)2020‬د‪.‬ص)‪https://cutt.ly/hSRoD9i .‬‬
‫‪ .30‬حممد عبيد‪ ،‬قاسم وميسر فتحي‪ ،‬حممد‪" ،‬األزمات الدولية ومستقبل التوازانت اجليوسرتاتيجية العاملية"‪ ،‬جملة قضااي سياسية‪( ،‬العراق‪،‬‬
‫جامعة النهرين‪ ،‬ع ‪https://cutt.ly/1ADbrUz .)2016 ،44-43‬‬
‫‪ .31‬نعاس شنافة‪ ،‬صباح‪" ،‬القوة الصينية‪ :‬حتدي الصريورة التارخيية واملوقع يف مدار القوى العاملية"‪ ،‬جملة العلوم السياسية‪( ،‬جامعة بغداد‪،‬‬
‫كلية العلوم السياسية‪ ،‬ع ‪ ،)2013 ،46‬د‪.‬ص‪https://cutt.ly/gPId8p1 .‬‬

‫‪356‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫ كلية العلوم‬،‫ اجلامعة املستنصرية‬،‫ (العراق‬،‫ اجمللة السياسية والدولية‬،"‫ "الصني ومستقبل النظام السياسي الدويل‬،‫ حممد‬،‫ ايس خضري‬.32
https://cutt.ly/UOvHVd5 .)2014 ،24 ‫ ع‬،‫السياسية‬

:‫األطروحات‬-‫ج‬

‫ أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه‬،"2001 ‫ "اإلسرتاتيجية األمنية األمريكية اجلديدة يف منطقة جنوب شرق آسيا منذ‬،‫ أمينة‬،‫ فالح‬.1
.)2020/2019 ،‫ كلية احلقوق والعلوم السياسية‬،1 ‫ (جامعة ابتنة‬،‫يف العلوم السياسية‬

‫ ابللغة اإلجنليزية‬:‫اثنيا‬
I. Books:
1. Aksu, Fulya, "Basic Concepts and Historical Development of Geopolitics, Strategy and
Geostrategy, Geoeconomy and Geoculture", in: Erhan AKDEMİR, Geopolitics and Strategy,
(Turkey, T.C. Anadolu University).
2. A. Cossa, Ralph and others, The United States and the Asia-Pacific Region: Security Strategy for
the Obama Administration.) Pacific Forum CSIS, Institute for Defense Analyses (IDA), Center
for a New American Security (CNAS), February 2009). https://cutt.ly/vPTt9dW
3. Bhattacharya, Abanti, “Emerging Foreign Policy Trends under Xi Jinping", In M.S. Prathibha:
East Asia Strategic Review: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (New Delhi, Institute for
Defence Studies, First Published, 2018). https://cutt.ly/HSENFa2
4. Chattaraj, Saheli, “The One Belt One Road as a Chinese Vision of Regional Economic Order", In
M.S. Prathibha: East Asia Strategic Review: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (New
Delhi, Institute for Defence Studies, First Published, 2018). https://cutt.ly/HSENFa2
5. Drysdale, Peter and others, APEC and liberalisation of the Chinese economy, (Canberra, The
Australian National University, 2012).
6. Egberink, Fenna with van der Putten, Frans-Paul, ASEAN, China’s Rise and Geopolitical Stability
in Asia (Netherlands Institute of International Relations ‘CLINGENDAEL, No. 2, April 2011).
https://cutt.ly/ITWGaZx
7. Heiduk, Felix and Wacker, Gudrun, From Asia-Pacific to Indo-Pacific: Significance,
Implementation and Challenges, (Berlin, German Institute for International and Security Affairs,
July 2020). https://cutt.ly/BAkyLKu
8. Jash, Amrita, " China’s Japan Challenge: Regional Ambitions and Geopolitics of East Asia", In
M.S. Prathibha: East Asia Strategic Review: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (New
Delhi, Institute for Defence Studies, First Published, 2018).
9. https://cutt.ly/HSENFa2
10. Kumar Singh, Abhay “South China Sea Conundrum - Plus can change", In M.S. Prathibha: East
Asia Strategic Review: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (New Delhi, Institute for
Defence Studies, First Published, 2018). https://cutt.ly/HSENFa2

357
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

11. Kumar Singh, Prashant, “Resurfacing of Divergence in India-China Relations", In M.S. Prathibha:
East Asia Strategic Review: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (New Delhi, Institute for
Defence Studies, First Published, 2018). https://cutt.ly/HSENFa2
12. Mallinson, William and Ristic, Zoran, the Threat of Geopolitics to International Relations:
Obsession with the Heartland, (Cambridge Scholars Publishing, 2016). https://cutt.ly/FOlyErF
13. Onur ÖZÇELİK, Ali, "Geopolitics in a Globalized World", In: Erhan AKDEMİR, Geopolitics and
Strategy, (Turkey, T.C. Anadolu University, February 2020).
14. OĞUZLU, Tarık, "Modern Theoretical Development of Geopolitics and Strategic Studies", In:
Erhan AKDEMİR, Geopolitics and Strategy, (Turkey, T.C. Anadolu University February 2020).
15. Saalbach, K, “Modern Geostrategy: Methods and Practice”, (German: Osnabruck University, 02
Dec 2017).
16. Tovy, Tal, the Changing Nature of Geostrategy 1900–2000. The Evolution of a New Paradigm
(Geopolitics: Theory and History), (USA, Alabama, Air University Press, Air Force Research,
Institute Maxwell Air Force Base, Alabama, ed 1). https://cutt.ly/uOk6kXq
17. Verma, Adarsha, “Chinese Ambitions in the Indian Ocean Region", In M.S. Prathibha: East Asia
Strategic Review: China’s Rising Strategic Ambitions in Asia, (New Delhi, Institute for Defence
Studies, First Published, 2018). https://cutt.ly/HSENFa2
II. Articles:
1. Daojiong, Zha, “China’s Economic Diplomacy Focusing on the Asia-Pacific Region”, China
Quarterly of International Strategic Studies, (Peking University, Vol. 1, No. 1).
https://cutt.ly/CTW5JpX
2. Eades, J.S. and J.M. Cooper, Malcolm, “The Asia Pacific World: A Summary and an Agenda”,
(Ritsumeikan Asia Pacific University, spring 2010). https://cutt.ly/1AjwsyP
3. "EU Economic Cooperation with Asia-Pacific", (Asia-Pacific Committee of German Business,
May 2021). https://cutt.ly/EATYKzG
4. Gill, Bates, Goh, Evelyn, Chin-Hao Huang, THE DYNAMICS OF US–CHINA–SOUTHEAST
ASIA RELATIONS, (University of Sydney, the United States Studies Centre. June 2016), p 3.
https://cutt.ly/ZA9G3oC
5. Gordon, Sandy, “India’s rise as an Asia–Pacific power Rhetoric and reality”, (Australian
Strategic Policy Institute, May 2012), p 2. https://www.files.ethz.ch/isn/161724/SI58_India.pdf
6. Garamone, Jim, “Austin, Blinken Trip All about Partnerships with Asian Allies,” U.S.
Department of Defense, 13/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3dCgwSv
7. Heiduk, Felix and Wacker, Gudrun, From Asia-Pacific to Indo-Pacific: Significance,
Implementation and Challenges, (Berlin, German Institute for International and Security Affairs,
July 2020). https://cutt.ly/BAkyLKu
8. Iulia, Alba and Popescu, Catrinel. "The Theory of the Global Domination -Russian Geo-Strategy
Conceptual Framework on the Black Sea Region". International Journal of Economics and
Business Administration. (Romania. International Journal of Economics and Business
Administration, Vol 7, Issue 2, 2017). https://cutt.ly/ETW1r8H
9. Ismailova, Eldar and Papava, Vladimer. “The Heartland Theory and the Present-Day
Geopolitical Structure of Central Eurasia”. 2021/03/26 ‫تاريخ التصفح‬. https://cutt.ly/TODbeAG

358
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

10. J. Przystup, James, “The United States and the Asia-Pacific Region: National Interests and
Strategic Imperatives”, Strategic Forum, (Institute for National Strategic Studies National
Defense University, N. 239? April 2009). https://cutt.ly/VPRLgoK
11. Kevin, Tony, “Russia and China Are Sending Biden a Message: don’t Judge us or Try to Change
Us. Those Days Are over,” The Conversation, 25/3/2021, accessed on 5/4/2021, at:
https://bit.ly/3mk91Uo
12. Lai, David, ASIA-PACIFIC: A STRATEGIC ASSESSMENT, (Strategic Studies Institute and
U.S. Army War College Press, May 2013). https://www.files.ethz.ch/isn/165066/pub1155.pdf
13. L. Shirk, Susan, “CHINESE VIEWS ON ASIA-PACIFIC REGIONAL SECURITY
COOPERATION”, (United States of America, The National Bureau of Asian Research, Vol 5,
No. 5, 1994). https://cutt.ly/aAS1YKw
14. Lum, Thomas and A. Weber, Michael, " Human Rights in China and U.S. Policy: Issues for the
117 th Congress", (Congressional Research Service, March 31, 2021), https://cutt.ly/7SnH5a6
15. L. Shirk, Susan, “Chinese Views on Asia-Pacific Regional Security Cooperation”, (United States
of America, The National Bureau of Asian Research, Vol 5. No. 5. 1994).
https://cutt.ly/aAS1YKw
16. McDougall, Derek. “Asia Pacific in World Politics”. University of Melbourne, (USA, the Lynne
Rienner Publishers, 2007(. https://cutt.ly/HPRK0H5
17. Meena, Krishnendra, “What is the difference between geo-politics and geo-strategy ?”, (India,
The Manohar Parrikar Institute for Defence Studies and Analyses), 2021/04/18 ‫تم التصفح بتاريخ‬
https://cutt.ly/EOlUSDs
18. Muzaffar, Muhammad and others, “Transformation of power in the Asia-Pacific Region”,
(Pakistan, HamdardIslamicus, Vol. 43 No. 1, 2020). https://cutt.ly/pAcPuJ1
19. Majid, Munir, “Southeast Asia between China and the United States”, (London School of
Economics and Political Science, London, UK. November 2012). https://cutt.ly/iPUhpXS
20. Malik, Mohan, “China in the Asia-Pacific in 2040: Alternative Futures”.
https://cutt.ly/8ADBTYi
21. M. Matheswaran, Marshal, “US-China Strategic Competition in the Asia-Pacific”, (Aug 2021).
https://cutt.ly/qA3Ttw4
22. Mills, Chris, “The United States’ Asia-Pacific Policy and the Rise of the Dragon”, Indo-Pacific
Strategic Papers, (Australian Defence College. The Centre for Defence and Strategic Studies,
August 2015), p 4. https://cutt.ly/sASaM16
23. Negut, Silviu, "Geostrategy VS. Geoeconomy", ("Carol I" National Defence University, N° 58,
2016). https://cutt.ly/IOlJ57T
24. Pethiyagoda, Kadira, "China-India relations: Millennia of peaceful coexistence meet modern day
geopolitical interests", (the Brookings Doha Center, October 13, 2017), https://cutt.ly/HAnhlzN
25. Pempel, T.J., “Geoeconomic Order in the Asia-Pacific”, (National Bureau of Asian Research,
Vol15, N 4, October 2020), https://muse.jhu.edu/article/772676
26. Pethiyagoda, Kadira, "China-India relations: Millennia of peaceful coexistence meet modern day
geopolitical interests", (the Brookings Doha Center, October 13, 2017), https://cutt.ly/HAnhlzN

359
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

27. Rumley, Dennis, “The Geopolitics of Asia-Pacific Regionalism in the 21st Century”, (University
of Western Australia, the Otemon Journal of Australian Studies, vol. 31. 2005).
https://cutt.ly/JPRPRx7
28. Raik, Kristi, Aaltola, Mika and others, "THE SECURITY STRATEGIES OF THE US, CHINA,
RUSSIA AND THE EU", (Finland, Finnish institute of international affairs, N 56, JUNE 2018),
https://cutt.ly/eASLPvv
29. Saeed, Muhammad, “From the Asia-Pacific to the Indo-Pacific: Expanding Sino-U.S. Strategic
Competition”, (China Quarterly of International Strategic Studies Vol. 3, No. 4).
https://cutt.ly/wAgtZLt
30. Scholvin, Sören, “Geopolitics an Overview of Concepts and Empirical Examples from
International Relation”, (German Institute of Global and Area Studies, April 2016).
https://cutt.ly/bAYtPph
31. Singh, Hari, “Asia-Pacific in (America’s) New World Order”, (Buenos Aires, Latin American
Council for Social Sciences, 2005). https://cutt.ly/KAYiJn3
32. S. Medeiros, Evan – Fravel, M. Taylor, “China’s New Diplomacy”, Foreign Affairs, Vol 82, N
6, Nov / Dec 2oo3). https://cutt.ly/zAxiFIU
33. Sang Ho, Lok and Wong, John, “APEC and the Rise of China: an Introduction”, (World
Scientific Book, 2011), https://cutt.ly/mSWhjc3
34. Venier, Pascal, “Main Theoretical Currents in Geopolitical Thought in the Twentieth Century”,
(Open Edition journal, 12/03/2010). 2019/06/04 ‫ تاريخ التصفح‬https://cutt.ly/sADnaeL
35. Xinbo, Wu, “U.S. Security Policy in Asia: Implications for China-U.S. Relations”, (September
1, 2000). https://cutt.ly/xA3fhGE
36. Wickett, Xenia and Nilsson, John, “The Asia-Pacific Power Balance beyond the US–China
Narrative”, (U.S.A. The Royal Institute of International Affairs). https://cutt.ly/5ATSke5
37. Zakaria, Fareed, “The Pentagon is Using China As an Excuse for Huge New Budgets,” The
Washington Post, 18/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://wapo.st/3urX9Th
III. Theses:
1. Dinar Swastiningtyas, Theosa, the Sino-American Strategic Rivalry in the Asia-Pacific, Thesis
Presented to the Higher Degree Committee of Ritsumeikan Asia Pacific University, (Japan,
September 2017).
2. RANÂ GÖKMEN, Semra, “Geopolitics and the Study of International Relations”, (Thesis PhD,
Middle East Technical University, Department of International Relations, August 2010).
https://cutt.ly/JObDNt9

:‫املصادراإللكترونية‬

1. Keith Breene, “7 things to know about China’s economy”, (World Economic Forum, 2016).
https://cutt.ly/cSUk0i1
2. Leiden Asia Centre, Clingendael China Centre, “The BRI and China’s International Trade Map”,
(12/09/2021). https://cutt.ly/aSUaErv

360
‫قائمة المصادر والمراجع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

3. Huo Li, “Graphics: A glance at China's foreign trade transformation in 70 years”, (01-Sep-
2020). https://cutt.ly/fSUwWBW
4. Stockholm International Peace Research Institute, "List of countries by military expenditures
(SIPRI)”, (18/04/2021). https://cutt.ly/cSUvBqE
5. Economic Intelligence, “Asia trade brief: February 2021”, (March 3rd 2021),
https://cutt.ly/JSUKXjd
6. " China to Overtake US as World’s Largest Economy by 2028 - 5 Year Earlier Than Forecasts,
Says Report”, (December 27, 2020), https://cutt.ly/ZSU12FK
7. Navya Mudunuri, "The Malacca Dilemma and Chinese Ambitions: Two Sides of a Coin", (7
July 2020). https://cutt.ly/USIDlke
8. Sanjana Krishnan, "The Malacca Dilemma: No panacea but multiple possibilities", (The
Malacca Dilemma: No panacea but multiple possibilities MAY 22, 2020). https://cutt.ly/3SIJnxj
9. Oliver Stuenkel, "The vast majority of countries now share greater trade with China than the US,
a dramatic shift from only 20 years ago”, (19/07/2021). https://cutt.ly/zSUDXIQ

361
‫فهرس احملتويات‬
‫فهرس المحتويات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫الصفحة‬ ‫املحت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوى‬


‫‪01‬‬ ‫مقدم ــة‬
‫الفصل األول‪ :‬تأصل مفاهيمي ونظري للتنافس الجيواستراتيجي‬
‫‪18‬‬ ‫البحث األول‪ :‬وصف تحليلي مفاهيمي للتنافس الجيواستراتيجي‬
‫‪18‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم اإلستراتيجية ‪ ...‬اإلتجاه الجغرافي للسياسة الخارجية‬
‫‪26‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الجيواستراتيجية واملفاهيم ذات صلة‬
‫‪36‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬العالقة الوظيفية والبنيوية بين الجيواستراتيجية والجيوبوليتيك‬
‫‪42‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬القوى العظمى واشكالية التوازن الجيواستراتيجي العاملي‬
‫‪51‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬األطرالنظرية للتنافس الجيواستراتيجي‬
‫‪44‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬التطور النظري للدراسات الجيوسياسية واإلستراتيجية … البناء الفكري للجيواستراتيجية‬
‫‪79‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الجيواستراتيجية في النظريات الجيوسياسية‬
‫‪91‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬التنافس الجيواستراتيجي الدولي في النظريات العالقات الدولية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬البنية اإلقليمية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك وخلفيات التنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات‬
‫املتحدة األمريكية‬
‫‪103‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬األهمية الجيوسياسية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪103‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬التعريف بالبنية اإلقليمية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪111‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الخصائص الجيوسياسية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪119‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬انتقال مركز الثقل السياس ي واإلقتصادي من األطلس ي إلى آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪125‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬تأثير األهمية الجيوسياسية آلسيا‪-‬باسيفيك على عالقات القوى الكبرى‬
‫‪131‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬األهمية الجيو اقتصادية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪131‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مؤشرات القوة االقتصادية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪134‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬األقطاب الصاعدة كقوة دافعة للصعود الجيوسياس ي ألسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪138‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬أثر األهمية الجيواقتصادية ملنطقة آسيا‪-‬باسيفيك على النظام اإلقتصاد العاملي‬
‫‪141‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬محددات الشك والحذراملتبادل في العالقات بين الصين والواليات املتحدة األمريكية‬
‫‪141‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬التاريخ الدبلوماس ي الشائك خالل فترة الحرب الباردة‪.‬‬
‫‪144‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬املحددات الجيوسياسية للتنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬
‫‪150‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬املحددات الجيواقتصادية للتنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات املتحدة‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬املحددات األمنية للتنافس الجيواستراتيجي بين الصين والواليات املتحدة األمريكية‬
‫"اإلحساس املتناقض باألمن"‬
‫‪165‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬سياسات اإلستقطاب والتحالفات اإلقليمية بين الصين والواليات املتحدة في آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪165‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬العالقات بين األطراف الثالث الصين والواليات املتحدة األمريكية والهند‬

‫‪362‬‬
‫فهرس المحتويات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪171‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬العالقات بين األطراف الثالث الصين‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬اليابان‬
‫‪174‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬العالقات بين األطراف الثالث الصين‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬روسيا‬
‫الفصل الثالث‪ :‬جيواستراتيجية الواليات املتحدة األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫‪179‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬الهيمنة بالقيادة في الفكر اإلستراتيجي األمريكي‬
‫‪179‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مضامين فكرة الهيمنة بالقيادة في الفكر االستراتيجي األمريكي‬
‫‪184‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬تطور اإلستراتيجية األمريكية في آسيا‪-‬باسيفيك بعد نهاية الحرب الباردة‬
‫‪190‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬املجال الحيوي كآلية لبناء استراتيجية الهيمنة بالقيادة األمريكية في آسيا‪-‬باسيفيك‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬استراتيجية إعادة التوازن االمريكية في آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫‪197‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬دوافع استراتيجية إعادة التوازن األمريكية في آسيا‪-‬باسيفيك "احتواء الصين"‬
‫‪209‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أبعاد ومظاهر التغير في اإلستراتيجية االمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪214‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬العوامل املؤثرة على اإلستدارة األمريكية نحو منطقة آسيا‪-‬باسيفيك "إعادة التوازن"‬
‫‪226‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مضامين اإلستراتيجية األمريكية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك فيما بعد الحرب الباردة‬
‫‪226‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الشراكة اإلقتصادية عبر املحيط الهادئ بقيادة الواليات املتحدة األمريكية‬
‫‪231‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الشراكة األمنية وتعزيز القوة البحرية في منطقة املحيطين الهندي والباسيفيكي‬
‫‪238‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬اإلهتمام بقضايا األمن وحقوق اإلنسان والديمقراطية‬
‫الفصل الرابع‪ :‬جيواستراتيجية الصين في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫‪243‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬القوة الصينية وبنية النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫‪243‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬إشكالية القطبية وعالقات القوة في الفكر اإلستراتيجي الصيني‬
‫‪247‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬عناصرالقوة الصينية ووضع الهيمنة في العالقات مع القوى الكبرى في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‪.‬‬
‫‪253‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬بروز الصين كقوة عظمى إقليمية وعاملية في فترة ما بعد الحرب الباردة‪.‬‬
‫‪259‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬أثر البيئة اإلقليمية آسيا‪-‬باسيفيك في تعزيز مكانة الصين كقوة صاعدة‬
‫‪257‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬استراتيجية الصعود السلمي للصين في بيئتها اإلقليمية‬
‫‪265‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬اإلستراتيجية الصينية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫‪-‬اإلقليمية اآلسيوية الجديدة من منظور صيني‪-‬‬
‫‪269‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬دوافع استراتيجية الصعود السلمي للصين في منطقة آسيا الباسيفيك‪.‬‬
‫‪-‬الحلم الصيني ‪ ...‬رؤية للتضمين‪-‬‬
‫‪274‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬اإلفتراضات واملبادئ اإلستراتيجية للصعود السلمي للصين في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪277‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬التحديات املؤثرة على استراتيجية الصين للبروز كقوة عظمى‬
‫‪281‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مضامين اإلستراتيجية الصينية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك في فترة ما بعد الحرب الباردة‬
‫‪281‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬أدوات السياسة الخارجية لإلستراتيجية الصينية في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪290‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬استراتيجية بناء القوة البحرية لتأمين الطاقة وتعزيز التجارة الخارجية والتنمية اإلقتصادية‪.‬‬
‫‪296‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬تعزيز سياسات الشراكة اإلقتصادية واألمنية عبر التعاون الثنائي واملتعدد األطراف‬

‫‪363‬‬
‫فهرس المحتويات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫‪302‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬تحييد الخالفات والقضايا السياسية مع دول منطقة آسيا‪-‬باسيفيك كقوة عظمى وفاعل‬
‫عقالني مسؤول‬
‫‪304‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬مبادرة الحزام والطريق باعتبارها "املبد التنظيمي الجديد" للسياسة الاارجية الصينية‬
‫‪-‬استراتيجية للتحوط ضد استراتيجية اإلحتواء األمريكية‪-‬‬
‫‪304‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬طريق الحزام الواحد كرؤية صينية للنظام اإلقتصادي اإلقليمي‬
‫‪308‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أهمية مفهوم الحزام الواحد والطريق الواحد‬
‫‪3012‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬املبادئ التوجيهية واملبادئ األساسية ملشاريع مبادرة الحزام والطريق‬
‫‪314‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬تحديات مبادرة الحزام والطريق‬
‫‪318‬‬ ‫املبحث الاامس‪ :‬األهداف الجيواستراتيجية للصين في منطقة آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪318‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬تعزيز قوة ومكانة الصين اإلقليمية والدولية واحتواء وضع الهيمنة األمريكية‬
‫‪-‬خطوة استراتيجية نحو التعددية القطبية والهيمنة العاملية للصين‪-‬‬
‫‪321‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مواجهة التحدي الياباني على ضوء الطموحات اإلقليمية وجيوسياسية جنوب شرق آسيا املعقدة‪.‬‬
‫‪329‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬استراتيجية التحوط الصينية إلحتواء الهيمنة األمريكية في آسيا‪-‬باسيفيك‬
‫‪331‬‬ ‫الااتمة‬
‫‪341‬‬ ‫قائمة املالحق‬
‫‪353‬‬ ‫قائمة املراجع‬
‫‪362‬‬ ‫فهرس املحتويات‬
‫‪366‬‬ ‫امللاص‬

‫‪364‬‬
‫ملخص الدراسة‬
:‫امللخص‬
‫ حيث برزت مالمح نظام دولي جديد تهيمن عليه الواليات املتحدة‬،‫أدت نهاية الحرب الباردة إلى تحول في بنية النظام الدولي‬
‫ مع ذلك برزت قوى‬.‫األمريكية من الناحيتين السياسية واإلقتصادية وتسعى إلى تكريس وتعزيز مكانتها كقوة عظمى وحيدة ومهيمنة‬
.‫صاعدة أخرى تسعى إلى تغيير النظام الدولي نحو التعددية القطبية أبرزها الصين‬
‫ والواليات املتحدة األمريكية‬،‫أدى ذلك إلى بروز تنافس جيواستراتيجي بمضامين جيوسياسية بين الصين كقوة صاعدة‬
‫ وفي هذا السياق‬.‫ هذا التنافس يرتكز في املناطق واألقاليم الدولية املهمة‬.‫كقوة مهيمنة في املجاالت االقتصادية والسياسية واألمنية‬
.‫باسيفيك أهم منطقة في عالم ما بعد الحرب الباردة مسرحا للتنافس الصيني األمريكي‬-‫تشكل منطقة آسيا‬
‫باسيفيك من خالل تعظيم قوتها الشاملة ودفع الواليات املتحدة‬-‫حيث تسعى الصين إلى بناء مكانتها اإلقليمية في آسيا‬
‫ وباملقابل تسعى الواليات املتحدة األمريكية إلى احتواء الصين في بيئتها اإلقليمية ومنعها من البروز كقوة‬،‫األمريكية خارج املنطقة‬
.‫عظمة تهدد مكانة الواليات املتحدة األمريكية في القرن الحادي والعشرين‬
Abstract:
The end of the cold war has changed the structure of the international system, where the
features of a new international system emerged, dominated by the United States of America from the
political and economic perspectives, and it seeks to consolidate and strengthen its position as the sole
and hegemonic superpower. However, other emerging powers have emerged seeking to change the
international system towards multi-polarity, most notably China.
This has led to geostrategic competition in geopolitical content between China as an emerging
power and the United States of America as a leading force in the economic, political and security
fields. This competition is concentrated in important international regions and territories. In this
regard, the Asia Pacific region is the most important region in the post-Cold War world and the stage
of Sino US competition.
China tries to drive the United States out of the region by giving full play to its comprehensive
strength, so as to establish its regional status in the Asia Pacific region, while the United States tries
to contain it China's territorial environment prevents it from becoming a superpower threatening the
status of the United States in the 21st century.

366

You might also like