You are on page 1of 234

‫اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة أبي بكر بلقايد –تلمسان‪-‬‬
‫كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية‬
‫قسم علم االجتماع‬
‫ختصص‪ :‬علم االجتماع االتصال‬
‫أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه ل م د موسومة ب ـ ـ‪:‬‬

‫الرتبية الروحية آلية للتواصل الديين‬

‫إشراف‪:‬‬ ‫من إعداد الطالب‪:‬‬


‫د‪ .‬بن لباد الغالي‬ ‫قدوري عبد القادر‬
‫أعضاء جلنة املناقشة‪:‬‬
‫رئيسا‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬سعيدي محمد‬
‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذ محاضر (أ)‬ ‫د‪ .‬بن لباد الغالي‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة مستغانم‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬سيكوك قويدر‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة مستغانم‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬براهيم أحمد‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة معسكر‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جياللي معاشو كوبيبي أستاذ التعليم العالي‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫مجامعة تلمسان‬ ‫أستاذ محاضر (أ)‬ ‫د‪ .‬زازوي موفق‬

‫السنة اجلامعية‪1438- 1437 :‬هـ‪2017- 2016/‬م‬


‫إىل أمي و أبي منبع احلب و احلنان ‪ ،‬و سرّ جناحي ‪،‬و لغز توفيقي‪.‬‬

‫إىل زوجيت شقيقة القلب‪ ،‬و رفيقة الدرب ‪ ،‬و طوق الوفاء‪.‬‬

‫إىل أوالدي زينة حياتي دنياي‪ ،‬الذين كنت بعيدا عنهم يف قرب ‪،‬‬

‫من جرّاء هذا البحث ‪.‬‬


‫‪ -‬ليس يل إال أن أزجي وفري شكري و بالغ تقديري لألستاذ الفاضل الدكتور‬

‫بلباد الغايل الذي تفضّل عليّ مع كثرة واجباته بقبول اإلشراف على أطروحيت‪ ،‬ثم‬

‫غمرني بفضله حني تابع األطروحة مرحلة مبرحلة و هو يف كل ذلك ال يبخل عليّ‬

‫جبميل توجيهاته ‪،‬و دقيق مالحظاته بل كان يلقّى ذلك دائما بصدر رحب و خُلقٍ رفيع ‪ ،‬كما‬

‫أني أتقدم جبزيل شكري أيضا إىل الربوفيسور سعيدي حممد مدير خمرب حوار الديانات‬

‫واحلضرات يف حوض املتوسط جبامعة تلمسان ‪ ،‬الذي مل يضن عنا خبربته و علمه‬

‫ولطيف توجيهاته و حسن إرشاده‪.‬‬

‫‪ -‬كما أُعرب عن شكري و تقديري لرفيق دربي يف البحث العلمي األستاذ‬

‫عايد كمال ‪ ،‬الذي قدّم يل يد العون من أجل إمتام هذا البحث‪.‬‬


‫اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية‬
‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫جامعة أبي بكر بلقايد –تلمسان‪-‬‬
‫كلية العلوم اإلنسانية واإلجتماعية‬
‫قسم علم االجتماع‬
‫ختصص‪ :‬علم االجتماع االتصال‬

‫أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه ل م د موسومة بــــ‪:‬‬

‫الرتبية الروحية آلية للتواصل الديين‬

‫إشراف‪:‬‬ ‫من إعداد الطالب‪:‬‬


‫د‪ .‬بن لباد الغالي‬ ‫قدوري عبد القادر‬
‫أعضاء جلنة املناقشة‪:‬‬
‫رئيسا‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬سعيدي محمد‬
‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة تلمسان‬ ‫أستاذ محاضر (أ)‬ ‫د‪ .‬بن لباد الغالي‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة مستغانم‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬سيكوك قويدر‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة مستغانم‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬براهيم أحمد‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة معسكر‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جياللي معاشو كوبيبي أستاذ التعليم العالي‬
‫عضوا مناقشا‬ ‫مجامعة تلمسان‬ ‫أستاذ محاضر (أ)‬ ‫د‪ .‬زازوي موفق‬
‫السنة اجلامعية‪1438- 1437 :‬هـ‪2017- 2016/‬م‬
‫املقدمة‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫تعددت الدراسات اليت تناولت موضوع التواصل يف جماالت علمية و حبثية خمتلفة‪ ،‬و الكثري‬
‫منها تناول التواصل األفقي(االجتماعي)‪ ،‬الذي يكون بني الفاعليني االجتماعيني ضمن الدائرة‬
‫االجتماعية‪ ،‬و النادر منها تناول التواصل العمودي والذي يكون بني اإلنسان و خالق اإلنسان‪.‬‬
‫وتأيت هذه الدراسة لتجمع بني هذين النوعني من التواصل اعتمادا على" الرتبية الروحية" لألفراد‬
‫صلب‪ ،‬فأخذت أحبث يف كل شيء ‪ ،‬يف الكتب ‪ ،‬يف‬ ‫كخلفية تربوية دينية‪ ،‬و كسند ارتكاز ُ‬
‫القواميس ‪ ،‬يف املوسوعات ‪ ،‬يف األطروحات‪ ،‬يف اجملّالت‪ ،‬يف املقاالت ‪ ،‬و على صفحات النت‪،‬‬
‫متفرق‪ ،‬و ال جتمع بني الرتبية‬
‫فوجدهتا عبارة عن مواد علمية ودراسات تُعاجل موضوع البحث بشكل ّ‬
‫أتقرب‬
‫الروحية و التواصل الديين بشقيه األفقي(اإلجتماعي) و العمودي‪ ،‬لكن رغم ذلك ‪ ،‬أصبحت ّ‬
‫من املوضوع شيئا فشيئا وأخوض يف أعماقه فيئا فيئا‪ ،‬و هذا ما زادين حبّا و شغفا ألُحيط باملوضوع‬
‫أطوقُه قدر املستطاع‪ ،‬فأصبحت الفكرة تتشكل و تتبلور لدي نظريّاً و تطبيقياًّ ‪.‬كما أين مل أكن‬
‫و ّ‬
‫مرة ‪ ،‬ما أتوصل إليه ‪ ،‬و ما اخطط له‪ ،‬و ذلك نتيجة املطالعة‬
‫أجد مانعا‪ ،‬يف أن أغّري يف كل ّ‬
‫واكتساب اخلربة مبرور الوقت ‪ ،‬و األخذ بتوجيهات املؤطر و نصائحه العلمية ‪ ،‬لكن رغم ذلك إين‬
‫أعرتف بكل حقيقية وواقعية ‪ ،‬أن ما مجعته و كتبته ‪،‬و ما حللته ‪،‬و ما توصلت إليه يف امليدان ‪ ،‬ال‬
‫يعين الشمولية وال اإلحاطة الكاملة باملوضوع ‪ ،‬فقط هذا ما وصل إليه فهمي وجهدي العقلي جتاه‬
‫موضوع‪ " :‬التربية الروحية آلية للتواصل الديني‪.‬‬

‫أما بالنسبة لألطروحة فإهنا تكونت من مقدمة و مدخل و مخسة فصول(مل تتماثل حجما‬
‫بسبب تفاوت أمهيتها) ‪ ،‬مث نتائج الدراسة ‪ ،‬فاخلامتة ‪ ،‬و حتتوي األطروحة على مصطلحات باللغة‬
‫‪،‬أما املدخل مهدت به للدراسة بشكل عام ألضع القارئ يف‬
‫الفرنسية و اإلجنليزية و قليل باإلسبانية ّ‬
‫‪،‬أما يف ما خيص الفصول فحددهتا كما يلي‪:‬‬
‫صلب املبادرة البحثية ّ‬

‫‪2‬‬
‫املقدمة‬

‫األول‪ :‬تحديد المصطلحات و بناء المفاهيم حيث تناولته فيه بالتفصيل‬ ‫الفصل ّ‬
‫الكلمات املفتاحية ملوضوع األطروحة ‪ ،‬لذا قسمته إىل مبحثني ‪ ،‬األول حول مفهوم التربية الروحية‬
‫حبيث تطرقت يف المطلب األول إىل مفهوم الرتبية ‪،‬و في المطلب الثاني مفهوم الروح ‪ ،‬ألختم‬
‫هذا املبحث بمطلب ثالث حول بناء مفهومايت للرتبية الروحية أما المبحث الثاني تناولت فيه‬
‫مفهومه التواصل الديني بإسهاب في ثالثة مطالب ‪ ،‬ففي األول‪ :‬تطرقت إىل مفهوم التواصل‪،‬‬
‫وعناصره‪ ،‬ووظائفه ‪ ،‬و أساليبه و مناذجه ‪ ..‬أما يف املطلب الثاين‪ :‬تناول الدين من حيث املفهوم‪...‬‬
‫والعناصر‪ ...‬والوظائف‪ .‬أما يف خيص املطلب الثالث‪ :‬وصلت الدراسة فيه إىل بناء مفهومايت للتواصل‬
‫الديين‪ ،‬و تقدمي األمنوذج املقرتح يف هناية املطلب‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬التربية الروحية في أديان العالم‪ ،‬حيث قُ ّسم إىل مبحثني ‪،‬فخصصت‬
‫المبحث األول لتناول الرتبية الروحية يف األديان الوضعية ( القدمية)‪ ،‬حيث تطرقت يف املطلب األول‬
‫إىل الديانة البوذية ‪ ،‬و يف املطلب الثاين الديانة الكونفوشية‪ ،‬أما يف املطلب الثالث تطرقت إىل الديانة‬
‫اهلندوسية و خصصت المبحث الثاني للتطرق إىل الرتبية الروحية يف األديان السماوية( التوحيدية)‪.‬‬
‫و الذي تناولت فيه يف كل مطلب الرتبية الروحية يف الديانات السماوية الثالث ‪ ،‬و احرتمت‬
‫التسلسل الزماين والتارخيي لرتتيب هذا التناول ‪ ،‬حيث تطرقت يف المطلب األول‪ :‬الديانة اليهودية‪،‬‬
‫أما يف المطلب الثاني تطرقت للديانة املسيحية‪ ،‬ألختم بالديانة اإلسالمية يف المطلب الثالث ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬العالقة بين التربية الروحية وعملية التواصل الديني‪ ،‬والذي خصصت له‬
‫مبحثني‪ ،‬المبحث األول تناولت فيه العالقة بين التربية الروحية و التواصل الديني العمودي‪،‬‬
‫مبطلبني ‪ ،‬األول حول ‪ :‬التربية الروحية و عملية التواصل العمودي النازل ‪ّ ،‬أما المطلب الثاني‬
‫كان حول‪ :‬الرتبية الروحية و عملية التواصل الصاعد ‪ ،‬و يف المطلب الثالث خصصته ل ـ ‪ :‬الرتبية‬
‫الروحية وآليات التواصل العمودي الصاعد ّأما المبحث الثاني ‪،‬خصصته لتناول العالقة بين‬
‫التربية الروحية وعملية التواصل الديني األفقي ( اإلجتماعي)‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫املقدمة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬المدرسة و الكتاب المدرسي الديني و عملية التنشئة الدينية و عالقة‬
‫ذلك بعملية التواصل الديني ‪ ،‬حيث قسمته إىل مخس مباحث‪ ،‬فتناولت يف المبحث األول‬
‫مفهوم املدرسة‪ ،‬وخصصت المبحث الثاني لتسليط الضوء على مفهوم الكتاب املدرسي الديين‪ ،‬مث‬
‫خصصت المبحث الثالث‪ :‬ملفهوم التنشئة الدينية والمبحث الرابع‪ :‬دور اخلطاب املدرسي الديين‬
‫يف التنشئة الدينية وعالقة ذلك بالتواصل الديين‪ ،‬والذي تضمن مطلبني‪ ،‬األول حول دور التنشئة‬
‫الدينية املدرسية يف عملية التواصل الديين العمودي والثاين حول دور التنشئة الدينية املدرسية يف عملية‬
‫التواصل الديين األفقي (االجتماعي)‪.‬‬

‫الفصل الخامس ‪ :‬ميثل اإلطار التطبيقي للدراسة‪ ،‬وتناولته من خالل شقني منهجيني ‪ :‬الشق‬
‫األول ‪ :‬حتليل كتاب الرتبية اإلسالمية ملستوى السنة الرابعة متوسط ‪ ،‬و كتب العلوم اإلسالمية‬
‫ملستويات التعليم الثانوي باجلزائر ‪ ،‬للبحث يف درجة تضمني القيم الروحية (اإلميانية و التعبدية)‬
‫والقيم االجتماعية ‪ ،‬و اليت هلا عالقة مفرتضة يف عملية التواصل الديين بشقيه العمودي و األفقي‪ ،‬أما‬
‫الشق املنهجي الثاين ‪ :‬إجراء مقابلة مع التالميذ ( تلميذين من مستوى الرابعة متوسط ‪ ،‬و تلميذين‬
‫من كل مستوى يف الثانوي) ‪ ،‬ملعرفة مدى جتسد هذه القيّم يف سلوك التالميذ التواصلي الديين‬
‫ألتوصل يف األخري إىل خامتة تضمنت نتائج للدراسة ‪.‬‬

‫الطالب‪ :‬قدوري عبد القادر‬

‫بن سكران يوم ‪2016/11/01‬‬

‫‪4‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫‪ -1‬مدخل الدراسة‬

‫‪ -2‬أسباب اختيار الموضوع‬

‫‪ -3‬مشكلة الدراسة‬

‫‪ -4‬فرضيات الدراسة‬

‫دوافع و اهداف الدراسة‬ ‫‪-5‬‬

‫‪ -6‬منهج الدراسة‬

‫‪ -7‬أدوات الدراسة‬

‫‪ -8‬تحديد مجتمع الدراسة‬

‫‪ -9‬تحديد العينة و أسلوبها‬

‫‪ -11‬صعوبات البحث‬

‫‪6‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫‪-1‬مدخل الدراسة‪:‬‬

‫جلي‪ ،‬أن البِنيّة التكوينية لإلنسان تتألف من قسمني‪ ،‬واحد مادي و آخر‬
‫مما هو معلوم و ّ‬
‫روحي )‪ .(temporel et spirituel‬ولقد اهتم "اإلنسان املعاصر" باجلانب املادي كثريا‬
‫وبشكل رهيب ‪ ،‬حيث استطاعت العلوم الطبيعية أن تقدم تذليالت كبرية جدا‪ ،‬من أجل احلصول‬
‫على جانب جسماين)‪ (corporel‬رشيق و قوي ‪ ،‬حتت مسمى الرتبية البدنية أو اجلسدية وظروف‬
‫معيشية أكثر رفاهية حىت البذخ و الرتف‪ ،‬لكن يف مقابل ذلك‪ ،‬هناك جانب روحي )‪)spirituel‬‬
‫خلف هذا البدن ‪ ،‬الذي البد من االلتفات إليه ‪ ،‬حىت يتجه اإلنسان حنو معرفة نفسه ‪ ،‬مث خالقه‪،‬‬
‫مثّ اخيه اإلنسان ‪،‬و ال يتأتى ذلك إال من خالل الرتبية و التنشئة الروحية ‪ ،‬و اليت من خالهلا حُيقق‬
‫التواصل مع اهلل ‪ ،‬من جهة ‪ ،‬وحُيقق التفاعل و التواصل مع أخيه اإلنسان ‪ ،‬من جهة ثانية‪ .‬وذلك‬
‫قصد بناء جمتمع متكامل و متوازن و مطمئن ‪،‬و بعيد عن املعاناة و األمل واحلروب ‪ ،‬و الثورات‬
‫فأي ٍ‬
‫فعل للرتبية الروحية يف عملية التواصل الديين؟‬ ‫الشعبية ‪....‬اخل ‪ُّ ،‬‬

‫‪-2‬أسباب اختيار موضوع الدراسة ‪:‬‬

‫اختيارنا ملوضوع " الرتبية الروحية آلية للتواصل الديين " كان له بواعث كثرية و متنوعة‬
‫وميكن حصرها يف ما يلي‪:‬‬

‫‪-1-2‬األسباب الموضوعية ‪:‬‬

‫اختصاصي يف علم االجتماع الرتبوي من جهة ‪ ،‬و علم االجتماع االتصال من‬ ‫‪-1‬‬
‫جهة ثانية‪ ،‬اللذان يأخذان على عاتقهما كل ما يتعلق بالتنشئة االجتماعية و ظاهرة‬
‫التواصل‪.‬‬

‫الدراسات األكادميية يف ميدان " التواصل الديين " ما يزال يفتقد للخصوبة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪7‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫الرغبة و امليل ‪ ،‬يف دراسة موضوع التواصل الديين على خلفية تربوية دينية‬ ‫‪-3‬‬

‫حماولة معرفة قيمة ( ‪ )valeur‬احلياة الروحية ( الدينية) يف حتقيق تواصل اإلنسان‬ ‫‪-4‬‬
‫مع اهلل ( االتصال العمودي) و تواصل اإلنسان مع أخيه اإلنسان (االتصال‬
‫األفقي)‪.‬‬

‫عملية البحث عن احلقائق الروحية ( الدينية) من قبل قامات فكرية و علمية عاملية‬ ‫‪-5‬‬
‫يف مراحلهم األخرية من سلسلة جتلياهتم الفكرية‪ ،‬مثل الفيلسوف و الكاتب‬
‫الفرنسي روجيه جارودي واملفكر ويلفريد األملاين امللقب مبراد فوامان ‪ ،‬والفيلسوف‬
‫االجنليزي املعاصر "أنتوين فلو" الذي ملـّا بلغ مثانني (‪ )80‬سنة من عمره ‪،‬يف سنة‬
‫ّ‬
‫‪ 2004‬قال أن " هناك إاله "‪ ،‬نعم ‪ ،‬قاهلا بعد ما قضى ‪65‬سنة يف اإلحلاد على‬
‫حد قوله‪ .‬و آخرون كثر‪ ،‬ال يتسع اجملال لذكرهم‪.‬‬

‫موجة اإلسالمي السياسي يف الوقت الراهن الذي يسود الدول العربية‪ (،‬من خالل‬ ‫‪-6‬‬
‫ثورات شعوهبا ابتداء من أواخر سنة ‪ ، )2010‬و الذي يريد أن يتصدر تسيري‬
‫شؤون الناس‪.‬‬

‫عدم اهتمام الناس باحلياة الروحية و الدينية ‪ ،‬و انصرافهم أكثر فأكثر للحياة املادية‬ ‫‪-7‬‬
‫و خ ّفضوا حياهتم إىل املادة ‪ ،‬و النزوة ‪.‬‬

‫‪ -2-2‬األسباب الذاتية ‪:‬‬

‫اهتمامي بالرتبية و ال ّدين ‪،‬و بالتديّن كإنسان نشئ يف جمتمع مسلم منذ نعومة أظافري من‬
‫جراء االنسداد احلاصل بني اإلنسان‬
‫جهة‪ ،‬و حالة الضياع اليت أشعر هبا ‪ ،‬وتعيشها اإلنسانية من ّ‬
‫واهلل من جهة و بني اإلنسان و أخيه اإلنسان من جهة أخرى بشكل عام‪ .‬و اليت أدت إىل الفراغ‬

‫‪8‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫الروحي و الديين للبشرية‪ ،‬و إغراقها يف السخف املادي السام‪ ،‬مما أدى إىل إحلاق املعاناة للبشرية‬
‫واألمل و احلروب‪.‬‬

‫‪-3‬مشكلة الدراسة ‪:‬‬

‫النيب‬
‫إن اإلسالم هو آخر رسالة اتصالية دينية ‪ ،‬من اهلل إىل الناس أمجعني ‪ ،‬و لقد اختار اهلل ّ‬
‫"حممد ابن عبداهلل"‪ ،1‬هلذه املهمة الدينية التواصلية‪ ،‬إلبالغهم رسالة اهلل‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬

‫﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ من رَّبِِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصمُكَ منَ‬

‫النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدي الْقَوْمَ الْكَافرِينَ﴾ ( المائدة‪ ،) 67 :‬و لقد ضمن اهلل تعاىل لنبيّه‬

‫احلفظ والصون من أذى الناس و هو يف مهمته التواصلية مع الناس ‪ ،‬و ذلك من أجل إصالح‬
‫العملية التواصلية مع اهلل ‪ ،‬ألن هذه العملية شاهبا الشرك و اهلجران ‪ ،‬و من جهة ثانية بناء أسس‬
‫التواصل اإلنساين الصحيح و السليم ‪ ،‬و الذي ساده أيضا التقاطع و التدابر و احلروب املتواصلة‬
‫والعصبية القاتلة‪ ،‬و على هذا األساس وضع " مايكل هارت" صاحب كتاب " اخلالدون املائة" على‬
‫رأس قائمته " حممد ابن عبداهلل" رسول اإلسالم ‪ ،‬و كان تربيره أ ّن حممدا " هو اإلنسان الوحيد يف‬
‫التاريخ الذي جنح جناحاً مطلقاً على املستوى الديين و الدنيوي "‪ ، 2‬و هذا معناه أن حممدا ( صلى‬
‫اهلل عليه و مالئكته) استطاع أن يبين عالقة متينة مع اهلل ‪ ،‬و أيضا مع الناس ‪ ،‬و هذا كله كان‬
‫استنادا ملا يحوحى إليه من ربّه ‪،‬من كلمات (القرآن الكرمي) ‪،‬فمن هنا كانت الرتبية الدينية يف االسالم‬
‫تسمى القيم الروحية اإلميانية و التعبدية ‪،‬‬
‫حتمل قيّما فريدة من شأهنا تعزيز و متتني العالقة مع اهلل ‪ ،‬و ّ‬

‫بد املطَّلِب ( ‪ 22‬أبريل ‪8 - 571‬يونيو ‪ ) 632‬يحؤمن املسلمون‬ ‫اسم ححم َّمد ب ِن عبد اهلل ب ِن ع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ 1‬أَبو ال َق ِ‬
‫ح‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫رسلني‪ ،‬وهو خامتهم‪ ،‬أحرسل للنَّاس‬ ‫بأنَّه رسول اهلل للبشرية ليعيدهم إىل توحيد اهلل وعبادته شأنه شأن كل األنبياء و املح َ‬
‫كافَّة‪ ،‬ويؤمنون بأنّه أشرف املخلوقات وسيّد البشر‪ ،‬كما يعتقدون فيه العِصمة‪ /‬عن ‪https://ar.wikipedia.org/wiki‬‬
‫‪ 2‬مايكل هارت ‪ ،‬اخلالدون املائة ‪ ،‬ت ‪ :‬أنيس منصور دار الرشاد للنشر و التوزيع ‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬اجلزائر ‪ ،‬بدون طبيعة و بدون‬
‫تاريخ ‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪9‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫فاإلميانية متعلقة بالعقيدة و التوحيد ‪ّ ،‬أما التعبدية فهي متعلقة باملمارسة الدينية للفرائض أو الشعائر‪،‬‬
‫كما حتمل ايضا قيّما دينية اجتماعية من شأهنا تعزيز العالقات بني الناس و تطويرها‪ ،‬حىت يسود‬
‫الشر واخلطـ ـ ـ ـيئة عمـ ـ ـداً ‪ ،‬يف هـ ـ ــذه احليـ ـاة الدني ـ ـ ـا‪ ،‬والف ـ ـ ــوز‬
‫اخلري واحملب ـ ـة و السـ ـ ـالم‪ ،‬وجتنب املعاناة ّ‬
‫بنعيم ‪﴿03‬الدَّارَ الْآخرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ العنكبوت‪. 64 :‬‬

‫إذن لقد جاء اإلسالم ( قرآنا ‪ ،‬و سنّة صحيحة ) مببادئ و قيّم عقدية‪ ،‬روحية و اجتماعية‪،‬‬
‫صاحلة خلالفة اهلل يف أرضه‪ ،‬وإعمارها ‪،‬على الوجه السليم و النافع ‪ ،‬و بشكل ٍ‬
‫خال من اآلالم‬
‫واملعاناة و الرذيلة‪ ،‬والفساد‪ ،‬واليت أعتقد أهنا على عاتق اجملتمع الذي اختذ اإلسالم دينا ومنهج‬
‫حياة‪ ،‬فعليه أن يريب و ينشأ األجيال عليها ‪ ،‬حىت يستطيعون بناء كيان متني‪ ،‬و سليم مع اهلل حىت‬
‫تستقيم الذات اإلنسانية من جهة ‪ ،‬و بناء روابط و عالقات سليمة و متينة بينهم ‪ ،‬من جهة ثانية‪،‬‬
‫املهمة (مهمة‬
‫إنه التواصل الديين بشقيه (العمودي و األفقي) ‪،‬و ألجل ذلك انتدب اجملتمع هلذه ّ‬
‫اإلعداد الديين و الروحي و االجتماعي) ‪:‬المدرسة ‪ ،‬و ذلك من خالل خطاهبا الديين و عرب تدريس‬
‫مادة الرتبية اإلسالمية للمتمدرسني‪.‬‬
‫فتتحدد االشكالية يف الربط بني متغري الرتبية الروحية ‪ ،‬و متغري التواصل الديين ‪ ،‬بواسطة‬
‫دراسة " تأثري" املتغري األول يف الثاين ‪ ،‬و استخراج القيم الروحية و االجتماعية كنقطيت ارتكاز‬
‫للتواصل الديين (العمودي و األفقي)‪ ،‬حبيث نقوم بتخريج الرتابط بني فحوى الرتبية الروحية و آلياهتا‬
‫يف إجناح الفعل التواصلي الديين‪ .‬و عليه تكون اإلشكالية كما يلي ‪:‬‬
‫ما هو دور التربية الروحية في تعزيز عملية التواصل الديني ؟‬
‫و تتفرع هذه اإلشكالية إىل سؤالني رئيسني‪:‬‬
‫ما هو دور القيم الروحية اإليمانية و التعبدية في عملية التواصل العمودي؟‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -2‬ما هو دور القيم الدينية االجتماعية في عملية التواصل األفقي؟‬

‫‪10‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫‪-4‬فرضيات الدراسة ‪:‬‬

‫عرف " موريس أجنرس" الفرضية على أهنا " تصريح يتنبأ بعالقة بني عنصرين أو أكثر‬
‫لقد ّ‬
‫ويتضمن حتقيقي أمربيقي"‪ ،1‬و يقول أيضا هي إجابة مقرتحة لسؤال البحث ‪ ،‬ميكن تعريفها حسب‬
‫اخلصائص الثالث اآلتية‪ :‬التصريح‪ ،‬التنبؤ‪ ،‬ووسيلة التحقق األمربيقي"‪ ،2‬إذن بناء على هذين‬
‫التعريفني‪ ،‬ميكن القول على أن الفرضية هي ذلك احلل املسبق الذي يضعه الباحث‪ ،‬والقائم على‬
‫أساس عقلي ومنطقي‪ ،‬أو نتائج لدراسات سابقة ‪،‬أو خلربة ميدانية أو إلحصائيات علمية دقيقة واليت‬
‫تكون عبارة عن فكرة مادية (نصية)‪،‬أو رأي للباحث حُيسد هبا عالقة التأثري و التأثر بني متغريات‬
‫اإلشكالية‪ .‬فتتجلّى فرضيات الدراسة من خالل التوقعات املسبقة‪ ،‬واليت ححتدد العالقة التأثريية‬
‫ح‬
‫(السببية) بني متغري الرتبية الروحية‪ ،‬ومتغري التواصل الديين‪ ،‬حيث مت‪ ،‬صياغتها يف مجلتني تتسم‬
‫بالبساطة و الوضوح ‪ ،‬كما أهنا حمنبعثة من دراسات سابقة ‪ ،‬و اليت تساعد منهجية البحث ‪ ،‬و تكون‬
‫مبثابة عالمات تحعني البحث لتوقع النتائج حمسبقا ‪ ،‬و تتمثل فرضيتا إشكالية الدراسة يف‪:‬‬

‫للقيّم الروحية اإليمانية و التعبدية دور في عملية التواصل العمودي‬ ‫‪-1‬‬


‫للقيّم الدينية االجتماعية دور في عملية التواصل األفقي ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪-5‬دوافع و أهداف الدراسة‪:‬‬

‫تكمن دوافع و أهداف املوضوع الذي اخرتته‪ ،‬هي‪:‬‬

‫القيام بتحديد ركائز الرتبية الروحية يف أديان العامل ( الوضعية و السماوية)‪ ،‬و الرتكيز على‬ ‫‪-1‬‬
‫أسس الرتبية الروحية يف الدين اإلسالمي كدين مساوي خامتي للبشرية‪ ،‬بشهادة القرآن الكرمي‪،‬‬
‫و الكتب السماوية السابقة ( التوراة ‪ ،‬و اإلجنيل)‪.‬‬

‫‪ 1‬موريس أجنرس ‪ ،‬منهجية البحث يف العلوم اإلنسانية و االجتماعية – تدريبات عملية‪ ،-‬ترمجة ‪:‬بوزيد صحراوي و آخرون ‪،‬‬
‫دار القصبة للنشر ‪ ،‬حيدرة ‪ ،‬اجلزائر ‪ ،2004،‬ص‪150 ،‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪151‬‬
‫‪11‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫القيام بتحديد نوعا التواصل الديين(العمودي و األفقي) ‪ ،‬و ربطهما بالقيم الروحية (االميانية‬ ‫‪-2‬‬
‫و التعبدية)‪ ،‬و القيم الدينية االجتماعية على التوايل‪.‬‬

‫معرفة درجة تأثريية الرسالة االتصالية الدينية للمدرسة اجلزائرية‪ ،‬من خالل قياس درجة تضمني‬ ‫‪-3‬‬
‫كتب الرتبية اإلسالمية ‪،‬و العلوم اإلسالمية للقيم الروحية( االميانية و التعبدية) ‪ ،‬و القيم‬
‫االجتماعية للتعليم املتوسط ( مستوى رابعة متوسط فقط) و املستويات الثالث للتعليم‬
‫جتسد هذه القيّم‪ ،‬يف سلوك التلميذ التواصلي الديين ( بشقيه العمودي‬
‫الثانوي ‪ ،‬و مدى ّ‬
‫واألفقي‪).‬‬

‫ضرورة لفت االنتباه إىل قيمة احلياة الروحية و التنشئة الدينية للذات اإلنسانية ‪ ،‬و انعكاساهتا‬ ‫‪-4‬‬
‫الصحية على اجملتمع اإلنساين ‪.‬‬
‫ضرورة الرجوع إىل التعاليم الدينية السماوية (اإلسالم قرآنا و سنة صحيحة ) ‪ ،‬إلقامة صلة‬ ‫‪-5‬‬
‫صحيحة وقوية مع اهلل من جهة ‪ ،‬و بناء جسور التواصل بني الناس ّقوية و متينة أيضا من‬
‫جهة ثانية‪.‬‬
‫التوسع التكنولوجي الرهيب‪ ،‬واللذان قطعا شوطا كبريا يف‬
‫التوسع العلمي احلديث‪ ،‬و ّ‬
‫رغم ّ‬ ‫‪-6‬‬
‫حتقيق الرفاهية والبذخ والرتف الفاحش لإلنسان‪ ،‬إال أنه ال يزال اإلنسان يبحث على‬
‫احلقائق الروحية واملفاهيم الغيبة (كإسالم روجيه جارودي‪ ، 1‬وإسالم مراد هوفمان‪ ، 2‬وإسالم‬

‫‪ 17(: Roger Garaudy‬يوليو ‪1913 -‬‬ ‫‪ 1‬روجيه جارودي أو رجاء جارودي بالفرنسية‬
‫‪13‬يونيو‪ 2012‬هو فيلسوف وكاتب فرنسي‪...‬يف ‪ 2‬يوليو ‪ 1982‬أشهر جارودي إسالمه‪ ،‬يف املركز اإلسالمي يف جنيف‪/‬‬
‫عن موسوعة ويكيبيديا ‪/https://ar.wikipedia.org/wiki‬‬
‫‪ 2‬مراد ويلفريد هوفمان‪1931‬م باألملانية ‪ Murad Wilfried Hofmann‬مفكر أملاين مسلم ‪ ...‬يذكر د‪ .‬هوفمان أ ّن‬
‫من أسباب حتوله إىل اإلسالم ‪ :‬ما شاهده يف حرب االستقالل اجلزائرية‪ ،‬و ولعه بالفن اإلسالمي إضافة إىل التناقضات الكثرية‬
‫اليت تواجهه يف العقيدة املسيحية‪ /.‬عن موسوعة ويكيبيديا ‪/https://ar.wikipedia.org/wiki‬‬
‫‪12‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫حممد علي كالي‪ 1‬وإصراره هذا األخري على الطقوس اإلسالمية يف جنازته‪ ،‬و عودة أنتوين‬
‫فلو إىل اإلميان يف سن الثمانني من عمره الزمين‪...‬اخل) حيث أصبح اإلنسان يشعر بالفراغ‬
‫الديين ‪ ،‬و اخلواء الروحي‪ ،‬ومهددا بالدمار‪ ،‬و" بسموم" اجملتمع الصناعي املادي احلديث ‪،‬‬
‫التلوث وتغري املناخ على سطح األرض‪ ،‬والذي ّأدى إىل ارتفاع درجة حرارة كوكبنا حىت‬
‫مثل ّ‬
‫أصبح مهددا بالعوم املائي‪ ،‬من جراء زيادة مناسيب البحار و احمليطات‪ ،‬الناتج بدور عن‬
‫ذوبان اجلبال اجلليدية الشاخمة‪.‬‬
‫لفت االنتباه إىل مسؤويل الرتبية يف اجملتمع ‪،‬إىل ضرورة تطوير تدريس مادة الرتبية و العلوم‬ ‫‪-7‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لتنشئة األجيال تنشئة روحية و اجتماعية‪ ،‬لكي يستطيعوا بناء وإقامة تواصل‬
‫حقيقي دائم مع اهلل من جهة ‪ ،‬و بناء عالقات اجتماعية بينهم مستمرة‪ .‬من اجل إعمار‬
‫األرض و خالفة اهلل فيها ‪ ،‬على أساس اخلري و السالم و األخوة و العدالة‪ .‬وجتنب‬
‫الصراعات و احلروب و املعاناة و األمل و العيش الضنك‪ .‬و األمر املريج‪.‬‬

‫‪-6‬منهج الدراسة‪:‬‬

‫ضروري جدا على الباحث يف العلم ‪ ،‬أن يضع تصورا لدراسته بواسطة التفكري املنطقي و العلمي‬
‫للوسائل اليت يستخدمها يف دراسته‪ ،‬و الذي يسميه العلماء " باملنهج " الذي هو " ليس مصطلحا‬
‫أحادي املعىن يف العلم ‪ ،‬فقد نسعى إىل جتنبها ‪ ،‬و لكننا ال نستطيع جتاهلها طاملا هي مستعملة‪ ،‬إن‬
‫استعماهلا عادة ما يكون مقرونا بنعت ُيدد ما هو املنهج املأخوذ بعني االعتبار‪ :‬مناهج كمية ‪،‬‬

‫‪ 1‬حممد علي( ‪17‬يناير ‪3 - 1942‬يونيو ‪) 2016‬مالكم أمريكي ولد باسم كاسيوس مارسيلوس كالي جونيور‬
‫باإلجنليزية ‪: Cassius Marcellus Clay Jr‬يف ‪ 17‬يناير‪ 1942‬يف مدينة لويفيل بوالية كنتاكي وتويف يوم ‪3‬‬
‫يونيو ‪ 2016‬عن عمر ناهز ‪ 74‬عاماً بعد صراع طويل مع شلل الرعاش‪ ،‬ولد لعائلة أمريكية سوداء من الطبقة املتوسطة وكان‬
‫والده ميثوديا‪ ،‬لكن أمه ربته وأخاه على املذهب املعمداين‪ ،‬بعد أن اعتنق اإلسالم يف عام ‪1964‬م وغري امسه إىل حممد علي دون‬
‫امسه االخري‪ -‬كالي‪ /-‬عن موسوعة ويكيبيديا ‪/https://ar.wikipedia.org/wiki‬‬
‫‪13‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫كيفية‪ ،‬منهج علمي‪ ،‬جترييب‪ ،‬تارخيي‪ ،‬أو حتقيق ميداين و ذلك على سبيل ذكر البعض منها فقط"‪،1‬‬
‫فالتقنية املنهجية اليت استعملها الباحث هي تقنية حتليل احملتوى و أداة املقابلة ‪ ،‬ألن ظاهرة الرتبية‬
‫الروحية هي جمال دراسة ظاهرة إنسانية ذات عالقة حبياة الناس الدينية ( الروحية ) و االجتماعية‬
‫فالرتبية و التنشئة هلا عالقة مباشرة بسلوكيات و تفاعالت األفراد (ضمن الدائرة االجتماعية)‪ ،‬و منط‬
‫تفكريهم و معيشتهم ‪ ،‬و اجتاهاهتم العقدية الفكرية سواءً جتاه اهلل ‪ ،‬أو حجتاه بعضهم البعض‪.‬‬

‫‪-7‬أدوات الدراسة‪:‬‬

‫‪-1-7‬تقنية حتليل احملتوى ‪:‬‬

‫استعمل الباحث هذه التقنية ‪ ،‬غري املباشر لالستقصاء العلمي ‪ ،‬و اليت طبقها الباحث على‬
‫كتاب الرتبية اإلسالمية للسنة الرابعة متوسط ‪ ،‬و كتب العلوم اإلسالمية ملستويات التعليم الثانوي‬
‫باجلزائر‪ ،‬والصادرة كلها عن وزارة الرتبية الوطنية اجلزائرية ‪،‬حيث قام الباحث بسحب كمي ( كيفي)‬
‫للقيم الروحية واالجتماعية‪ ،‬وذلك قصد مقارنتها بسلوك التلميذ التواصلي الديين‪ ،‬لقياس مدى‬
‫جتسدها فيه‪.‬‬

‫‪-2-7‬تقنية املقابلة ‪:‬‬

‫و اليت كانت عبارة عن تقصي علمي ‪ ،‬استعملها الباحث إزاء التالميذ ‪ ،‬و الذين مت‬
‫موجهة و مفتوحة ‪ ،‬بأسئلة حمددة مسبقا‬
‫سحبهم بصيغة منفردة ‪ ،‬و الذي كان استجواهبم بطريقة ّ‬
‫على أساس القيّم الروحية اإلميانية ‪ -‬التعبدية ‪،‬و القيم االجتماعية اليت تناولوها عرب دروس الرتبية‬
‫والعلوم اإلسالمية يف املتوسطة والثانوية‪ ،‬واليت هلا عالقة مفرتضة بالتواصل الديين بشقيه العمودي‬
‫واألفقي على التوايل‪.‬‬

‫‪ 1‬موريس أجنرس ‪ ،‬منهجية البحث يف العلوم اإلنسانية و االجتماعية – تدريبات عملية‪ ،-‬ترمجة ‪:‬بوزيد صحراوي و آخرون‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪98‬‬
‫‪14‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫‪-8‬تحديد مجتمع الدراسة‪:‬‬

‫يتكون من كتاب‬‫جمتمع البحث اخلاص مبوضوع الدراسة يتجزأ إىل شقني ‪ ،‬الشق األول ‪ّ :‬‬
‫الرتبية اإلسالمية للسنة الرابعة متوسط ‪ ،‬و كتب املستويات الثالث من التعليم الثانوي باجلزائر‪.‬‬
‫أما الشق الثاين من جمتمع البحث يتكون من جمموعة التالميذ املتمدرسني يف املتوسط و الثانوي‪.‬‬

‫‪-9‬تحديد العينة و أسلوبها‪:‬‬

‫يف الشق األول مشلت العينة القيّم الروحية ( االميانية و التعبدية)‪ ،‬و القيّم االجتماعية حبيث‬

‫قام الباحث بِتعداد الوحدات ّ‬


‫املعرب عنها من خالل ملفاهتا يف كتب العلوم االسالمية للمستويات‬
‫الثالث للتعليم الثانوي ‪ ،‬ووجودها يف منت كتاب الرتبية اإلسالمية بالنسبة للتعليم املتوسط ‪،‬‬
‫اهلامة ليتم‬
‫حيث مت أخذ مقاطع مادة االتصال املكتوبة ‪ ،‬متمثلة يف مقدمة كل موضوع و اجلمل ّ‬
‫القيام باحلساب بطريقة كمية‪.‬‬

‫أما الشق الثاين متثلت العينة يف حتديد مثانية (‪ )8‬تالميذ‪ ،‬متت مقابلتهم يف أماكن خمتلفة‬
‫(املتوسطة‪ ،‬الثانوية‪ ،‬بيت املبحوث)‪ ،‬بشكل عشوائي و الذي هو " إجراء غري احتمايل للمعاينة‬
‫‪1‬‬
‫يقوم على سهولة الوصول إىل املبحوثني "‬

‫‪- 11‬الدراسات السابقة ‪:‬‬

‫يف ما خيص الدراسات السابقة ‪،‬مل أجد إال مواد علمية متفرقة ‪ ،‬تعاجل إما الرتبية الروحية‪،‬مثل دراسة‬
‫"فلسفة احلياة الروحية" ملقداد ياجلن ‪ ،‬و الذي حاول فيها معاجلة ثالثة أسئلة ‪ :‬هل احلياة الروحية‬
‫جمرد حياة اصطناعية ال يرتتب على ممارستها و ال على تركها أي شيئ من اخلري والشر؟ ومن أين‬
‫أتت ظاهرة احليا الروحية ؟فما منابعها و دوافعها األساسية؟ أو تعاجل التواصل اإلنساين ‪،‬أو العمومي‬

‫‪ 1‬موريس أجنرس ‪ ،‬منهجية البحث يف العلوم اإلنسانية و االجتماعية – تدريبات عملية‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪213‬‬
‫‪15‬‬
‫اإلطار املنهجي‬ ‫املدخل‬

‫أو االجتماعي‪ ،‬كدراسة آمال عمريات حول " االتصال االجتماعي" و اليت عاجلت فيها مرتكزات‬
‫االتصال العمومي و خصوصية هذا االتصال و أبعاده ‪ ،‬مث تناولت اسرتاتيجية الدعوة اإلسالمية يف‬
‫االتصال ‪ ،‬لتختم بعالقة املنهج احملمدي يف التغيري و البناء ‪،‬أو حماضرات حول التواصل الديين‬
‫‪،‬للدكتور شطيبة عبدالرحيم ‪ ،‬أو دراسات حول التواصل عند أهل التصوف كدراسة "صاحل بوترعة "‬
‫اليت كانت حول "التواصل يف بعديه الطبيعي و املتافيزيقي"‪ ،‬حبيث حدد أبعاد موضوعه يف دراسة‬
‫التواصل من حيث املفهوم و العناصر عند أقطاب املتصوفة ممثال يف ابن عريب‪ ،‬حماوال الكشف عن‬
‫خصوصية و حقيقية هذا العناصر‪.‬و كوهنا عناصر خمتلفة عما هو متعارف عليه يف التواصل اإلنساين‬
‫فهي تواصل من نوع آخر ‪..‬تواصل ميتافيزيقي‪.‬‬

‫و هذا ما أدي إىل ضرورة املقاربة بني التربية الروحية و التواصل الديني‪ .‬و قرأت لذلك جمموعة من‬
‫الكتب و املقاالت‪ ،‬و خاصة احلديثة اليت ختص املوضوع‪ ،‬و قمت بالتحليل والتأويل‪.‬‬

‫‪-11‬صعوبات البحث‪:‬‬

‫كباقي البحوث العلمية يف ميدان العلوم االجتماعية‪ ،‬تعرض الباحث لصعوبات و عوائق‬
‫متثلت يف ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬حش ّح الدراسات العلمية حول موضوع الدراسة ‪،‬و اليت من شأهنا تنري الدرب ‪ ،‬و تزيل‬
‫التوتر و القلق الذي ينتاب الباحث يف خطواته األوىل البحثية ‪.‬‬

‫املتكون‬
‫‪ -2‬صعوبة دراسة الظواهر االجتماعية و االنسانية باألساس‪ ،‬ألهنا مرتبطة باإلنسان ّ‬
‫من جسد و روح و نفس‪ ،‬و هي كلها أسرار ‪ ،‬تأىب إالّ أن ال تكشف عن حقيقتها ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول‪ :‬التربية الروحية‪ .‬مفهومها‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم الرتبية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مفهوم الروح‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مفهوم الرتبية الروحية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التواصل الديني‬

‫املطلب األول‪ :‬مفاهيم عامة حول التواصل‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مفاهيم عامة حول الدين‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مفهوم التواصل الديين‪...‬األمنوذج املقرتح‬

‫‪18‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم التربية الروحية‬

‫المطلب األول ‪ :‬التربية ‪..‬مفهومها‬

‫كل‬
‫لكي نصل إىل بناء مفهوم "الرتبية الروحية" ال بد من التطرق إىل مفهوم الرتبية والروح ٌ‬
‫على حدا‪ ،‬يف اللغة واالصطالح‪.‬‬

‫‪.1‬التربية في اللغة‪:‬‬

‫لقد شاع مفهوم الرتبية وتداول منذ زمن طويل‪ ،‬مما جعل املهتمني والدارسني يعتقدون أن‬
‫تناول هذا املفهوم واإلحاطة به علما هو سهل للغاية‪ ،‬لكن سرعان ما يتبدد هذا الظن ويدرك‬
‫الباحث أن مفهوم الرتبية هو من شاكلة السهل املمتنع‪ ،‬لذا جند معاجم اللغة وأدبيات الرتبية تفيض‬
‫بتعاريف كثرية ومتعددة‪ ،‬ترجع يف األصل إىل دالالت و معاين عدة يف اللغة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪.1.1‬النماء والتعاهد والزيادة‪:‬‬

‫ب الولد ـ ـ ـ ـ ربا‪ :‬وليه‪ ،‬وتعهده مبا يغذيه وينميه ويؤدبه"‪ 1‬وكذلك "ربا الشيء يربو ربوا ورباءً‪:‬‬
‫"ر َّ‬
‫َ‬
‫زاد ومنا"‪ ،2‬وقد جاء يف القرآن‪﴿ :‬وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِريًا﴾ اإلسراء‪24 :‬‬

‫‪.2.1‬التنشئة‪:‬‬

‫ب‪ .‬و نشأت يف بين فالن نَ ْشأً و نشوءاً ‪َ :‬شبَْب ُ‬


‫ت‬ ‫"نَ َشأَ‪ ،‬يـَْن َشأُ‪ ،‬نَ ْشأً ونُ ُشوءاً ونَشاءً‪َ :‬ربا َ‬
‫وش َّ‬
‫‪1‬‬
‫فيهم‪".‬‬

‫‪ 1‬جممع اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬ط‪ ،2004 ،4‬ص ‪.321‬‬
‫‪ 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب العلمية‪ ،‬جملد ‪ ،1‬ط‪ ،2005 ،1‬ص ‪.285‬‬
‫‪19‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪.3.1‬اإلصالح‪:‬‬

‫"رب‪ :‬إصالح الشيء والقيام عليه"‪ 2.‬و" رب الشيء إذا أصلحه"‪ ،3‬و"اإلصالح‪ :‬نقيض‬
‫‪4‬‬
‫اإلفساد‪ ..‬وأصلح الشيء بعد فساده‪ :‬أقامه "‬

‫‪.4.1‬التعليم والتلقني‪:‬‬

‫جاء يف لسان العرب "الرباين العامل املعلِّم‪ ،‬الذي يغذوا الناس بصغار العلم قبل كبارها‪ :‬هو‬
‫‪5‬‬
‫الرب‪ ،‬مبعىن الرتبية‪ ،‬كانوا يربون املتعلمني بصغار العلوم‪ ،‬قبل كبارها "‬
‫من ِّ‬

‫‪.5.1‬الرعاية‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫"لك نعمة تَـ ُربـُّ َها‪ ،‬أي حتفظها وتراعيها وتربيها‪ ،‬كما يريب الرجل ولده"‪.‬‬

‫‪.6.1‬األدب‪:‬‬

‫"الذي يتأدب به األديب من الناس‪ ،‬مسي أدبا ألنه يأدب الناس إىل احملامد وينهاهم عن‬
‫املقابح "‪.7‬‬

‫‪1‬مرجع نفسه‪،‬ص‪170‬‬
‫‪ 2‬أمحد بن فارس بن زكريا أو احلسني‪ ،‬ترتيب معجم مقايس اللغة‪ ،‬حتقيق وضبط عبد السالم حممد هارون‪ ،‬ترتيب وتنقيح علي‬
‫العسكري‪-‬حيدر املسجدي ‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،‬ب‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.390‬‬
‫‪ 3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد‪ ،1‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.370‬‬
‫‪ 4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد ‪ ،2‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.295‬‬
‫‪ 5‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد ‪ ،1‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.373‬‬
‫‪ 6‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.370‬‬
‫‪ 7‬نفسه‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪20‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪.7.1‬التهذيب‪:‬‬
‫‪1‬‬ ‫"كالتنقية‪َّ ،‬‬
‫هذب الشيء يهذبه هذبا وهذبه نقاه وأخلصه وقيل أصلحه"‬

‫‪.8.1‬التَّطَ ِّهر‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫"التنزه والكف عن اإلمث وما ال جيمل"‬

‫‪.9.1‬التكفيل‪:‬‬

‫قال اهلل يف القرآن‪ ﴿" :‬وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْل‬

‫بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ القصص‪.12 :‬‬

‫لقد جاء يف "التفسري امليسر " يف تأويل هذه اآلية "وحرمنا على موسى املراضع أن يرتضع‬
‫منهن من قبل أن نرده إىل أمه‪ ،‬فقالت أخته هل أدلكم على أهل بيت حيسنون تربيته وإرضاعه‪ ،‬وهم‬
‫مشفقون عليه؟ فأجابوها إىل ذلك"‪.3‬‬
‫‪4‬‬
‫"الكافل فهو الذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه"‬
‫‪5‬‬
‫املريب له"‬
‫"والكافل‪ :‬القائم بأمر اليتيم‪ِّ ،‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد‪ ،1‬مرجع نفسه‪.718 ،‬‬


‫‪ 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد ‪ ،3‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.471‬‬
‫‪ 3‬خنبة من العلماء‪ ،‬التفسري امليسر‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‪ ،‬املدينة املنورة ط‪ ،2009 ،2‬ص ‪.386‬‬
‫‪ 4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد ‪ ،6‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.662‬‬
‫‪ 5‬مصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.661‬‬
‫‪21‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫من خالل هذه السندات اللغوية يتضح لنا أن مفهوم الرتبية فضاء يدور يف فلكه جمموعة من‬
‫املعاين‪ ،‬هي التنمية والتعهد والتنشئة واإلصالح والتعليم والرعاية والنصيحة والتأديب و التكفيل‪ ،‬اليت‬
‫تطال الناشئ داخل اجملتمع‪.‬‬

‫‪.2‬التربية في االصطالح‪:‬‬

‫جاء يف موسوعة الالند الفلسفية أن الرتبية (‪ )l’éducation‬هي‪" :‬مسار يقوم على تطور‬
‫‪1‬‬
‫وظيفة أو عدة وظائف‪ ،‬تطورا تدرجييا بالدربة‪ ،‬وعلى جتويدها وإتقاهنا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ويقول الراغب األصفهاين‪ ":‬الرب يف األصل الرتبية وهو إنشاء الشيء حاال فحاال إىل حد التمام"‬

‫إذن فالرتبية هي تلك العملية اإلنسانية (ذاتية أو غريية) اليت تسهر على تنشئة الفرد تدرجييا‬
‫يف مجيع مناحيه وجوانبه كاجلانب اجلسدي والفكري الروحي‪ ،‬واالجتماعي واملهين‪ ،‬فالرتبية هي مناء‬
‫وتعهد وتنشئة وإصالح وتعليم ورعاية وتطهر وهتذيب وتأديب‪.‬‬

‫و"يقصد مبصطلح الرتبية بشكل عام ما يغري صفات اإلنسان أو ما ينتج عن هذا التحول‬
‫مقصودا كان أم غري مقصود‪ ،‬ويتخذ هذا املصطلح خصوصياته حسب اجملاالت ( العلوم‪ ،‬الفنون‪،‬‬
‫الدين) وحسب املستويات (تقسيم التعليم إىل ابتدائي‪ ،‬ثانوي‪ ،‬جامعي) وحسب النماذج (تكوين‬
‫أساسي أو مستمر‪ ،‬متخصص أو مراقب)‪ ،‬إن هذا العمل الذي ميارس على اآلخر من أجل تنمية‬
‫شخصيته‪ ،‬يشكل قبل كل شيء وسيلة يستخدمها اجملتمع لتجديد أوضاع وجوده اخلاص"‪ 3.‬و الرتبية‬
‫الكاملة هي تلك اليت تشمل خمتلف أبعاد اإلنسان‪ .‬إذ تسهر على " تنمية شخصية اإلنسان من‬

‫‪ 1‬أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت‪ -‬باريس‪ ،‬جملد‪ ،1‬ص ‪.322‬‬
‫‪ 2‬الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫‪ 3‬جيل فرييول‪ ،‬معجم مصطلحات علم االجتماع‪ ،‬ترمجة أنسام حممد األسعد‪ ،‬مراجعة وإشراف بسام بركة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار مكتبة‬
‫اهلالل‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪22‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫الطفولة جبميع جوانبها الدينية و الروحية و اخللقية و العقلية و اجلسدية و النفسية و االجتماعية "‪. 1‬‬
‫وال يتحقق هذا كله إال من خالل مؤسسات الرتبية والتنشئة االجتماعية‪ ،‬حبيث تصل بالفرد إىل‬
‫عملية التطبيع والتأهيل االجتماعي‪ ،‬فينسجم يف النهاية مع متطلبات اجملتمع‪ ،‬وحيقق املرونة واالتزان‬
‫مع حميطه االجتماعي‪ ،‬إنه التواصل االجتماعي املنشود ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الروح ‪ ...‬مفهومه‬

‫‪.1‬الروح في اللغة‪:‬‬

‫جاء يف معجم الوسيط‪(":‬الروح) ما به حياة النفس (يذكر ويؤنث) و‪ -‬النفس (ج أرواح)‬


‫‪2‬‬
‫والقرآن‪ ،‬والوحي"‪.‬‬

‫وجاء يف لسان العرب "قال الزجاج‪ :‬جاء يف التفسري أن الروح الوحي أو أمر النبوة‪ ،‬ويسمى‬
‫القرآن روحا‪ ،‬ابن األعرايب‪ :‬الروح الفرح والروح‪ :‬القرآن والروح األمر والروح النفس‪ ..‬و الروح ها هنا‬
‫‪3‬‬
‫جربيل‪ :‬والروح عيسى"‪.‬‬

‫وجاء يف مقايس اللغة أن الروح " الراء و الواو و احلاء أصل كبري مطرد ‪ ،‬يدل على َس َع ٍة‬
‫وفسحة‪ ،‬واطراد‪ ،‬و أصل [ذلك] كله الريح ‪ ،‬وأصل الياء يف الريح الواو‪ ،‬وإمنا قلبت ياءً لكسرة ما‬
‫الروح نسيم الريح‪ ،‬ويقال‬
‫قبلها‪ ،‬فالروح روح اإلنسان‪ ،‬وإمنا هو مشتق من الريح‪ ،‬و كذلك الباب كله و َّ‬
‫أراح اإلنسان إذا تنفس والروح جربيل عليه السالم"‪.4‬‬

‫‪ 1‬آمال عمريات ‪ ،‬االتصال االجتماعي ( العمومي)‪ ،‬عمان ‪،‬األردن ‪ ،‬دار أسامة ‪، 2014،‬ط‪ ،1‬ص‪21‬‬
‫‪ 2‬جممع اللغة العربية‪ ،‬معجم الوسيط‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.380‬‬
‫‪ 3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد ‪ ،2‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.243-242‬‬
‫‪ 4‬مقاييس اللغة‪ ،‬مادة (الروح)‪ ،‬موقع الباحث العريب‪ :‬املوقع على النت ‪ :‬مادة (الروح )=‪baheth.info/all.jsp ?tern‬‬
‫‪23‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫من خالل التعاريف اللغوية للروح‪ ،‬نستنتج أنه ال يوجد معىن أو داللة واحدة حمددة ملفردة‬
‫للروح ‪ ،‬بل هلا دالالت متعددة وخمتلفة‪.‬‬

‫الروح = القرآن(الوحي) = أمر النبوة = عامل األمر = جربيل = عيسى ابن مرمي عليه السالم‪ .‬و قليل‬
‫هي النفس‪.‬‬

‫‪.2‬الروح في االصطالح‪:‬‬

‫الروح لفظة ذات كنه ديين وفلسفي عميق‪ ،‬لذا جند تعريفه وحتديده حبسب تنوع األديان‬
‫وتعدد الفلسفات‪ ،‬على أن تقاطع مجيع التعاريف ينص على أن الروح شيء معنوي قائم يف الذات‬
‫اإلنسانية وعلى أساسه يتم اإلدراك والوعي والتفكري والشعور اإلنساين‪.‬‬

‫فهناك من يرى أن النفس والروح شيء واحد وهناك من يرى عكس ذلك‪" ،‬و جريت على استعمال‬
‫لفظ الروح و النفس مبعىن واحد كما هو عند مجهور الفالسفة ‪ ،‬واختيار أيب حامدا لغزايل وابن حزم‬
‫األندلسي"‪.1‬‬

‫ويرى الباحث "عدنان إبراهيم"‪ 2‬أن هناك بون‪ ،‬بني النفس والروح بقوله "النفس ليست‬
‫خصيصة إنسانية‪ ،‬النفس خصيصة حيوانية‪ ،‬كل الكائنات احلية فيها نفس‪ ،‬حىت املالئكة‬

‫﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾) العنكبوت‪ ،(57 :‬النفس هي اليت جتعل البنية حية‪،‬‬

‫خترجها من حيز اجلمادية‪ ،‬النفس موجودة يف اإلنسان وسائر احليوانات‪ ،‬أما الروح قرآنيا خصيصة‬
‫إنسانية‪ ،‬الروح نفخة إهلية علوية اختص هبا اهلل اإلنسان فقط ‪ ..‬هذه الروح هي اليت جتعله يبحث عن‬

‫‪ 1‬حممد سيد أمحد املسري‪ ،‬الروح يف دراسة املتكلمني والفالسفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬كورنيش النيل‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ط‪ ،1988 ،2‬ص ‪8‬‬
‫‪ 2‬عدنان إبراهيم‪ 1966 ( ،‬م ‪ - 1386‬هـ)مفكر إسالمي فلسطيين من مواليد مدينة غزة ‪.‬من اخلطباء املسلمني البارزين‬
‫يف النمسا يعتربه البعض من رواد اخلطاب الديين املستنري‪ ،‬له دراية بالفلسفة والرتبية واألدب ‪.‬جييد اللغات العربية واإلجنليزية‬
‫واألملانية والصربو كرواتية‪ / .‬عن و كيبيديا مت االطالع يوم ‪2016/10/17‬‬
‫‪24‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫املاوراء اليت جعلته يؤسس امليتافيزيقيا‪ ،‬جعلته عاشقا للجمال‪ ،‬يبحث عن املستقبل‪ ،‬يبحث يف املوت‬
‫والعدم‪ ،‬خياف من املوت والنهاية والفناء‪ ،‬فيه روح‪ ،‬فيه إذن هذه األشياء"‪ 1.‬و يقول أيضا يف موقف‬
‫آخر " الروح ليست هي النفس‪ ،‬ال ُختطئوا الروح شيئ و النفس شيء ‪ ،‬الروح دائما ممدوحة والنفس‬

‫مرة ومرة‪﴿ ،‬فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرينَ ﴾ املائدة‪﴿ .30 :‬ووَمَا‬

‫أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ )يوسف‪.(53‬‬

‫ٍ‬
‫مصاف ٍ‬
‫عال ‪ ،‬الروح سر من‬ ‫﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾ )الشمس‪ ،(9‬أما الروح فهي دائما يف‬

‫اسرار اهلل اخلالق‪ ،‬اختص هبا بين آدم وحده‪ ،‬ال جن وال ملك ‪ ،‬وال حيوان ‪ .‬الروح سر حبثنا عن اهلل‬
‫‪ ،‬تُشوقنا للدين ‪ ،‬للغيب ‪ ،‬تذوقنا للجمال حبثنا عن املطلق ‪ ،‬سر التفلسف عند اإلنسان ‪ ،‬سر‬
‫الفضول املعريف"‪ 2‬ولنعرج اآلن على الروح عند مفكري الديانات السماوية باختصار‪:‬‬

‫الروح عند مفكري اليهود‪:‬‬

‫لقد عرف الفيلسوف اليهودي املصري سعيد ابن يوسف الفيومي (‪ )492-882‬بقوله‪:‬‬
‫"فإن الروح يشكل ذلك اجلزء من اإلنسان املسؤول عن التفكري والرغبة والعاطفة"‪.3‬و لقد جاء يف‬
‫موسوعة املصطلحات اليهودية الدينية أن " نور اهلل هو روح اإلنسان "‪ 4‬فالروح مصدر طاقة و علم‬
‫وتفكري عند اإلنسان‪ ،‬و اليت استمدت كل هذا من الروح املطلق اخلالق لإلنسان و الطبيعة ‪.‬‬

‫‪ 1‬عدنان إبراهيم‪ ،‬سلسلة حماضرات الدين وتطلعات اإلنسان‪ :‬حنو ثورة روحية‪ ،‬ج‪،4‬املوقع عن النت‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=wEIBGSaUXas‬‬
‫‪2‬عدنان إبراهيم ‪ ،‬الفرق بني النفس و الروح ‪ ،‬املوقع على النت ? ‪www.youtube.com./watch‬‬
‫‪v=yezyk_ihgwk‬‬
‫‪ 3‬مصطفى حسيبة‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪.242‬‬
‫*ما بني قوسني زيادة يقتضيها السياق‪.‬‬
‫‪ 4‬رشاد الشامي ‪ ،‬موسوعة املصطلحات اليهودية الدينية ‪،‬املكتب املصري لتوزيع املطبوعات ‪،2002،‬ص ‪213‬‬
‫‪25‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫الروح عند مفكري املسيحية ‪:‬‬

‫وينقل لنا هوسنت مسيث عن وليام جيمس من خالل دراسته الروحية التحليلية ألديان العامل‬
‫الكربى‪ ":‬أن هناك نظاما غري مرئي (غييب) وإن خرينا األمسى يكمن يف العالقات الصحيحة معه ‪..‬‬
‫‪1‬‬
‫ولقد أطلقوا (أي املسيحيني)* على ذلك النظام اسم الروح"‬

‫كما يضيف املفكر املسيحي أورليس أوغسطينس (‪430-354‬م) إن "الروح عبارة عن مادة‬
‫‪2‬‬
‫خاصة وفريدة غرضها التحكم يف اجلسد"‬

‫كما جند "اإلجنيل" يوضح مفهوم الروح من خالل املقارنة اليت وضعها بني الروح و اجلسد‬
‫وذلك من خالل الرسالة املوجهة إىل مؤمين غالطية من لدن بولس ‪ ،‬حيث جاء فيها ‪16 " :‬إمنا أقول‬
‫اسلكوا يف الروح‪ .‬و عندئذ ال تُـتَ ِّممون شهوة اجلسد أبدا‪17‬فإن اجلسد يشتهي بعكس الروح‪ .‬و الروح‬
‫بعكس اجلسد‪ ،‬و هذان يقاوم أحدمها اآلخر حىت و الروح بعكس اجلسد‪ ،‬و هذان يقاوم أحدمها‬
‫اآلخر حىت إنكم ال تفعلون ما ترغبون فيه‪18.‬و لكن إذا كنتم خاضعني لقيادة الروح ‪ ،‬فلستم يف‬
‫‪20‬‬
‫وعبادة‬ ‫حال العبودية للشريعة‪ 19.‬أعمال اجلسد فظاهرة ‪،‬و هي الزىن و النجاسة و الدعارة‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫األصنام و السحر ‪،‬و العداوة و النزاع و الغرية و الغضب‪ ،‬و التحزب واالنقسام و التعصب‪،‬‬
‫السكر و العربدة ‪،‬و ما يشبه هذه‪ .‬و بالنظر إليها أقول لكم اآلن‪ ،‬كما سبق أن قلت‬
‫واحلسد و ُّ‬
‫أيضا‪ ،‬إن الذين يفعلون مثل هذه لن يرثوا ملكوت اهلل‪22‬و أما مثر الروح ‪:‬احملبة و الفرح و السالم ‪،‬‬
‫وطول البال و اللطف و الصالح و األمانة ‪23‬و الوداعة و ضبط النفس ‪ .‬و ليس من قانون مينع مثل‬
‫‪25‬‬
‫هذه الفضائل‪ 24 .‬و لكن الذين صاروا خاصة للمسيح ‪ ،‬قد صلبوا اجلسد مع األهواء والشهوات‪.‬‬
‫إذا كنا حنيا بالروح ‪،‬فلنسلك أيضا بالروح‪26.‬ال نكن طاحمني إىل اجملد الباطل ‪ ،‬يستفز بعضنا بعضا‪،‬‬

‫‪ 1‬هوسنت مسيث‪ ،‬أديان العامل‪ ،‬تعريب وتقدمي سعد رستم‪ ،‬حلب‪ ،‬دار اجلسور الثقافية‪ ،‬ط‪2007 ،3‬م‪ ،‬ص ‪ 395‬بتصرف‬
‫طفيف‪.‬‬
‫‪2‬مصطفى حسيبة‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫‪26‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫وحيسد أحدنا اآلخر "‪ .!1‬فالروح يف املوروث املسيحي هي مبعث كل مثرة حسنة عند اإلنسان‪.‬‬
‫عكس متاما مبعث اجلسد الذي كله دناءة‪ .‬ومبعث كل ما هو مذموم‪.‬‬

‫الروح عند مفكري اإلسالم‪:‬‬

‫يرى ابن قيم اجلوزية ( ‪691‬ه‪ 751 /‬ه‪ / 1292 -‬م‪ - 1349‬م) أن الروح ‪ ،‬وردت يف‬
‫القرآن و السنة النبوية ٍ‬
‫مبعان متعددة هي ‪:‬‬

‫" ‪ – 1‬الوحي املنزل يف قوله تعاىل ‪﴿ :‬وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِِّنْ أَمْرنَا﴾ الشورى‪52 :‬‬

‫‪ – 2‬القوة و الثبات و النصرة اليت يؤيد اهلل هبا من شاء من عباده املؤمنني كما يف قوله‬

‫تعاىل‪﴿ :‬أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهمُ الْإميَانَ وَأَيَّدَهُم برُوحٍ مِِّنْهُا ﴾ (جملادلة ‪)22‬‬

‫‪ – 3‬إهنا تطلق على جربيل أمني الوحي عليه السالم ‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬نَزَلَ بهِ الرُّوحُ الْأَمِنيُ‬

‫الشعراء‪)194-193‬‬ ‫عَلَىٰ قَلْبكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرينَ﴾(‬

‫‪– 4‬إهنا تطلق على الروح اليت سأل عنها اليهود فأجيبوا بقوله تعاىل‪﴿ :‬ويَسْأَلُونَكَ عَن الرُّوح‬

‫قُل الرُّوحُ مِنْ أَمْر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِِّنَ الْعِلْم إلَّا قَلِيلًا﴾ (اإلسراء‪)85 :‬‬

‫‪ – 5‬إهنا تطلق على املسيح بن مرمي – عليه و على نبينا أفضل الصالة و السالم – قال تعاىل ‪:‬‬

‫﴿ إنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِِّنْهُ﴾‬

‫( النساء‪)171 :‬‬

‫‪ 1‬اإلجنيل – كتاب احلياة – ‪ ،nav copyright©1982 IBS‬ط‪، 1995 ،6‬ص‪282‬‬


‫‪27‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫هذا و إن أرواح بين آدم مل ترد يف القرآن إال مبسمى النفس ‪ ،‬لكنها وردت يف السنة بلفظ النفس‬
‫والروح‪ 1"...‬و يشري أيضا ابن القيم " إىل أن الروح اليت اقرتنت هبذا البدن خلقت من مادة علوية‪..‬‬
‫وهي هبذا االقرتان تشعر بالغربة و حتن إىل مكاهنا العلوي ‪ ،‬إال أهنا أحيانا لشدة انشغاهلا بالبدن و‬
‫‪2‬‬
‫باحملسوسات املألوفة تنسى َم ْعلمها ووطنها و ختلد إىل األرض"‬

‫الروح عند متصوفة اإلسالم‪:‬‬

‫يركز الصوفية على تزكية األنفس ‪ ،‬و تصفية األخالق‪ ،‬و االعتناء بالظاهر و اجلوهر على‬
‫السواء‪ ،‬من أجل الفوز بالسعادة األبدية‪ ،‬فراحوا مييزون بني النفس و الروح ‪"،‬حيث مييزون متييزا‬
‫واضحا بني هذه األلفاظ‪ ،‬فالنفس عندهم شر حمض وهي حمل األخالق املذمومة‪ ،‬وموضع نظر‬
‫اخللق‪ ،‬أما الروح فهي مبدأ احلياة وحمل األخالق احملمودة‪ ،‬وهي لطيفة نقية متحررة من سلطان النفس‬
‫‪3‬‬
‫يعزو إليها الصوفية مجيع مظاهر اإلنسان الروحية‪ ،‬وهي أمر اهلل ال يُ ْد َرُك كنهها‪ ،‬كما أهنا حمل احملبة "‬

‫ويرى املتصوفة يف موقف آخر أن " كل فعل فيه حظ لكون من األكوان أنه نفسي ‪ ،‬يعين أنه عن‬
‫أمر النفس سواء كان ذلك الفعل حممودا أو مذموما ‪ ،‬و كل ما ليس فيه حظ إال اهلل تعاىل فهو روح‬
‫وإن اإلنسان له ثالث أنفس ‪ :‬نفس نباتية و هبا يشرتك مع اجلمادات ‪ ،‬و نفس حيوانية و هبا يشرتك‬
‫مع البهائم‪ ،‬و نفس ناطقة وهبا ينفصل عن هذين املوجودين و يصح عليه اسم اإلنسانية ؟ و هبا‬

‫‪ 1‬حسن بن على حسن احلجاجي ‪ ،‬الفكر الرتبوي عند ابن قيم‪،‬دار حافظ للنشر و التوزيع ‪ ،‬جدة ‪،‬ط‪1‬ن‬
‫‪1408‬ه‪1988/‬م‪،‬ص‪222‬‬
‫‪ 2‬حسن بن على حسن احلجاجي ‪ ،‬الفكر الرتبوي عند ابن قيم‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪ ،225-224‬بتصرف طفيف‬
‫‪ 3‬عبد الكرمي العثمان‪ ،‬الدراسات النفسية عند املسلمني والغزايل بوجه خاص‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1382 ،1‬هـ‪1963/‬م‪،‬‬
‫ص ‪.56‬‬
‫‪28‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫يتميز يف امللكوت ‪ ،‬و هي الكرمية "‪.1‬إذن الروح عندهم لطيفة ربانية تتميز بالكمال‪ ،‬و تتميز‬
‫باحملمودية‪ ،‬وهبا حيقق اإلنسان احملبة و االتصال مع اخلالق‪.‬‬

‫الروح من وجهة نظر فلسفية ‪:‬‬

‫لقد جاء يف موسوعة الفلسفية ألندريه الالند أن الروح " هي احلقيقة املفكرة عموما ‪ ،‬هي‬
‫فاعلة للتمثل بقوانينه و فاعليته الذاتية ‪ ،‬بوصفه قابل ملوضوع التمثل‪ ،‬و هو يتضمن ثالثة دالالت‪:‬‬

‫‪ -‬الروح يف مقابل املادة‬

‫‪ -‬الروح يف مقابل الطبيعة‬


‫‪2‬‬
‫‪ -‬الروح يف مقابل اجلسد"‬

‫الروح من وجهة نظر علماء النفس‪:‬‬

‫" يستخدم علماء النفس اصطالح 'الذات اإلنسانية' كمرادف ملفهوم 'الروح املدرك و النفس والعقل'‬
‫‪3‬‬
‫الذي تستخدمه الديانات "‬

‫الروح من وجهة نظر علمية (وضعية)‪:‬‬

‫لقد أثبت الطب و علوم األعصاب ‪":‬إن املنطقة اجلانبية من الدماغ واملسمى‪ ،‬الفص‬
‫الصدغي من احملتمل جدا أن يكون مسؤوال عن تنظيم اجلانب الروحي يف حياة اإلنسان‪ ،‬وقد مت‬
‫التوصل إىل هذا االستنتاج عن طريق األشخاص الذين يعانون من صرع املنطقة الصدغية من الدماغ‪،‬‬

‫‪ 1‬حمي الدين ابن عريب ‪ ،‬التدبريات اإلالهية يف إصالح اململكة اإلنسانية ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنانط‪2003 ،2‬‬
‫م‪1424-‬ه‪،‬ص‪33‬‬
‫‪ 2‬أندريه الالند‪ ،‬املوسوعة الفلسفية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪365‬‬
‫‪ 3‬عمرو شريف ‪ ،‬رحلة عقل ‪،‬مكتبة الشروق الدولية ‪ ،‬مصر اجلديدة ‪ ،‬ط‪1432 ،4‬ه ‪ /‬يونيو ‪ 2011‬م‪،‬ص ‪233‬‬
‫‪29‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫حبيث وألسباب غري معروفة‪ ،‬يزداد النشاط الكهربائي هلذه املنطقة مبعزل عن بقية الدماغ‪ ،‬وهذا يؤدي‬
‫إىل ظهور أعراض وعالمات من أمهها أفكار دينية وروحية معقدة وأفكار ميتافيزيقية والتعلق بفكرة‬
‫دينية معينة‪ ،‬إىل حد اهلوس ‪ ..‬األمر الذي دفع العلماء إىل إجراء جتارب ترتكز على قياس نشاط هذا‬
‫القسم من الدماغ يف أشخاص متدينني غري مصابني بالصرع ومقارنته بأشخاص ملحدين ومت التوصل‬
‫يف جامعة كاليفورنيا يف سان دياغو الواقعة يف والية كاليفورنيا عام ‪ 1997‬إىل مالحظة أن النشاط‬
‫الكهربائي الدماغي يف الفص الصدغي هو أعلى يف املتدين مقارنة بامللحد"‪.1‬و عليه نستطيع أن‬
‫نقول هناك عالقة وطيدة بني تدين اإلنسان و بيولوجية‪ ،‬و برناجمه الصبغي الوراثي‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫بعد هذا العرض ‪ ،‬نستطيع أن نقول‪ ،‬بأن الروح" هي مبدأ احلياة العقلية ‪ ،‬و مفهوم الروح‬ ‫‪-1‬‬
‫أكثر دقة ‪ ،‬من مفهوم النفس ‪ ،‬اليت قد تعين يف آن واحد ‪،‬مبدأ احلياة و مبدأ الفكر ‪،‬‬
‫وباملقابل يُعترب مفهوم الروح أو العقل أكثر اتساعا من مفهوم الوعي الذي يشكل موضوع‬
‫التحليل النفساين ‪ ،‬فمفهوم الروح تأملي أو ما ورائي ‪ ،‬و هي ليست َملَكة ‪ ،‬بل فعالً ندركه‬
‫باحلدس ‪ ،‬و تقابل ‹الروح › ‹املادة›‪ .‬و الروحانية هي املذهب الذي يقول إن املادة تعود يف‬
‫هناية املطاف إىل طبيعتها الروحية "‪.2‬‬

‫مث إن " االعتقاد بوجود الروح اإلنسانية على أهنا َكيان ال مادي ‪ ، immaterial‬وبالتايل‬ ‫‪-2‬‬
‫حر أصال ‪ ،‬مدعوما هذا‬
‫بكوهنا ليست موضوعا للحتمية الطبيعة‪ ،‬بل على أهنا كيان ٌ‬

‫‪ 1‬مصطفى حسيبة‪ ،‬املعجم الفلسفيي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 245-244‬بتصرف طفيف جدا‪.‬‬
‫‪ 2‬هنى حنا ‪ ،‬رشيد فرحات‪ ،‬موريس شربل ‪،‬موسوعة كنوز املعرفة‪-‬األديان‪ -‬جونيه‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار نظري عبود‪ ،‬جملد‪،2‬ط‪،4‬‬
‫‪ ،2002‬ص‪326‬‬
‫‪30‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫االعتقاد ومشفوعا حبقيقة َّ‬


‫أن اإلنسان كائن عاقل قادر على الفهم والتمييز وبالتايل على‬
‫‪1‬‬
‫االختيار‪".‬‬

‫بناءً على ما سبق من عرض لتعاريف الروح عند الفالسفة و علماء النفس ومعتنقي‬ ‫‪-3‬‬
‫الديانات السماوية‪ ،‬ومن وجهة النظرة العلمية الوضعية‪ ،‬ميكننا القول ‪ ،‬أن الروح هو ذلك‬
‫اجلانب املعنوي الذي هو خلف بدن اإلنسان و الذي حيمل بعدا إهليا غيبيا‪ ،‬و الذي يقوده‬
‫إىل كل ما هو حممود ‪،‬ويعطيه القدرة على التفكري والتخطيط واإلدراك والتواصل مع اهلل من‬
‫جهة ‪ ،‬و تواصل اإلنسان مع أخيه اإلنسان من جهة ثانية‪.‬‬

‫التعريف اإلجرائي للروح‪:‬‬

‫من وجهة نظر هذا البحث ‪ ،‬تُعترب الروح شرحية نورانية " ‪"puce luminosité‬ذات‬
‫قوة و" طاقة عميقة "‪ 2‬من اهلل (اخلالق) ‪ ،‬مبثوثة يف مجيع أحناء جسم اإلنسان لتمده باحلركة‬
‫و الفاعلية‪ ،‬حىت تكون عملية تواصل اإلنسان املخلوق ‪ ،‬مع اهلل اخلالق‪ ،‬أمر وارد و يف املتناول ( إنه‬
‫التواصل العمودي)‪،‬هذا من جهة‪ ،‬و تواصل اإلنسان مع أخيه اإلنسان من جهة ثانية ( إنه التواصل‬
‫األفقي)‪.‬‬

‫‪ 1‬عدنان ابراهيم ‪ ،‬حرية االعتقاد يف اإلسالم و معرتضاته ‪( ،‬القتال‪ ،‬الذمة و اجلزية‪ ،‬و قتل املرتد)‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪ ،‬نوقشت يف‬
‫جامعة فيينا ‪ ،‬حتت إشراف الربوفيسور روديغر لولكر ( ‪، ) Rüdiger Lohlker‬سنة ‪ 2014‬م ‪ ،‬ص‪59‬‬
‫‪ 2‬هندي رشدي ‪،‬علم الطاقة الروحية ‪،‬دار املشارق ‪ ،‬طالبية ‪ ،‬اجليزة ‪ ،‬ط‪ ،2010 ، 1‬ص‪5‬‬
‫‪31‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مفهوم التربية الروحية‪:‬‬

‫جوهر الرتبية أن تكون دينية" مقولة أللفريد نورث " ‪ALFRED NORTH‬‬
‫‪ "WILTHED‬افتتح هبا هوسنت مسيث "‪" HOSTON SMITH‬كتابه (أديان العامل)‬
‫الذي هو عبارة عن دراسة روحية حتليلية ألديان العامل الكربى‪ ،‬وكأنه أراد أن يقول ‪ ،‬أن الرتبية‬
‫احلقيقية واليت جيب أن تكون ‪،‬هي الرتبية الدينية أو اإلميانية‪ .‬وهي األداة اليت تعمل على روحنة‬
‫ميوالت ‪،‬واجتاهات األفراد واألطفال خاصة‪ ،‬ألن "الروح عنصر هام من عناصر تكوين اإلنسان وهي‬
‫ال تصل إىل كماهلا إال بالرتبية املستمدة من منهج اهلل"‪.1‬‬

‫"هوستن سميث" يُلح‪ ،‬ويؤكد على أن الرتبية احلقيقية‪ ،‬والعميقة ‪،‬واجلوهرية ‪،‬هي اليت تستمد‬
‫مناهجها ومضامينها من الدين‪ .‬أي تلك اليت ميليها اهلل ( اخلالق) ‪،‬على البشر (املخلوقني) ‪،‬من‬
‫خالل كتبه وشرائعه املقدسة اليت أنزهلا على الناس‪ ،‬وانتدب هلا رسال و أنبياءً للتبليغ والتبيني‪ ،‬وكان‬
‫دين اإلسالم هو اإلجناز اخلامت والذي ساهم إسهاما هائال يف التطور الروحي للناس أمجعني‪ ،‬إهنا‬
‫أثرا يف تاري‬
‫الرتبية الروحية اإلميانية‪ .‬حبيث يُعترب" حممد صلى اهلل عليه و سلم ‪،‬أعظم الشخصيات ً‬
‫اإلنسانية كلها"‪،2‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل تقول املوسوعة الربيطانية يف هذا الشأن‪ ":‬لقد جاء‬
‫مصلحون كثر يف تاري البشرية ‪،‬كان من بينهم أنبياء استطاعوا إجناز بعض النجاح ‪،‬غري أننا ال‬
‫نشاهد عند أي أحد منهم النجاح الذي سجله حممد"‪ 3‬و ذلك من حيث إرساء قواعد السلوك‬
‫اإلنساين الرتبوي و االجتماعي‪ ،‬و أصول التواصل مع الناس يف مجيع مناحي حياهتم الدينية والدنيوية‪،‬‬
‫و ذلك بناءا على ما يُوحى إليه من ربه‪ ،‬حبيث ال يَزيد وال يُ ِنقص شيئا مما يوحى إليه‪ ،‬فلقد قال اهلل‬

‫‪ 1‬حسن بن علي بن حسن احلجاجي‪ ،‬الفكر الرتبوي عند ابن القيم‪ ،‬جدة‪ ،‬دار حافظ‪،‬ـ ط‪ ،1988 ،1‬ص ‪.241‬‬
‫‪2‬مايكل هارت‪ ،‬اخلالدون املائة ‪ ،‬تعريب أنيس منصور‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪14‬‬
‫‪ 3‬حممد فتح اهلل كولن‪ ،‬النور اخلالد حممد مفخرة االنسانية‪ ،‬ترمجة‪ :‬أورخان حممد علي‪ ،‬دار النيل للطباعة و النشر‪ ،‬مدينة النصر‬
‫–القاهرة‪،‬ط‪2013 ،8‬م‪1434 /‬ه ‪ ،‬ص‪312‬‬
‫‪32‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫يف القرآن‪﴿:‬ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضُ األَقَاويل لَأَخَذْنَا مِنْهُ باَلْيَمِنيِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ اَلْوَتِنيَ﴾ احلَاقةُ ‪45‬‬

‫ومعىن ذلك" ولو ادعى حممد علينا شيئا مل نقله النتقمنا منه وأخذناه بالقوة والقدرة"‪ .1‬إذن مهمة‬
‫الرسول املختار من أجل إصالح البشرية يكون ضرورة أمني على وحى اهلل‪.‬‬

‫فلقد اهتم أهل الدين والتصوف بالرتبية اإلميانية (الروحية) أميا اهتمام ‪،‬و ذلك من أجل تزكية‬
‫النفس اإلنسانية ‪ ،‬و مداواهتا من خمتلف العلل و األمراض و األسقام ‪،‬اليت تشد اإلنسان إىل كل ما‬
‫هو دنيئ أثناء تلبية حاجاته احلسية املختلفة‪ ،‬و قصد حتقيق ذلك ‪،‬أوجدوا هلا مناهجها و مضامينها‬
‫و أذكارا ينشأ و يرتعرع و يرتىب عليها الفرد‪ ،‬فالرتبية اإلميانية عندهم ضرورية جدًّا لسالمة الفرد ‪،‬ومن‬
‫مثَّ اجملتمع‪ ،‬فالرتبية الروحية " عبارة عن تلقني الشي مريده‪ ،‬أو األخ دينه ‪ ،‬شيئا فشيئا إلزالة حجبه‬
‫احلاجبة له ‪ ،‬عن مشاهدة مواله فيئا ففيئا ‪ ،‬مبداواة أدواء نفسه حىت يتفيئها فيئا فيئا على حسب‬
‫تطوراته طورا فطورا "‪ 2‬انطالقا من السري يف مقام اإلسالم‪ ،‬إىل السري يف مقام اإلميان وصوال إىل مقام‬
‫اإلحسان " بإفراد القلب و عوامله باالجنماع عليه تعاىل و االنفراد له عن كل شيء سواه ‪-‬‬
‫‪3‬‬
‫﴿وَأَنَّ إلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ﴾ النجم‪"42 :‬‬

‫التعريف اإلجرائي للتربية الروحية‪:‬‬

‫نسميها الرتبية الروحية أو الرتبية الدينية ‪ ،‬ألن " الدين يهتم بالروح ‪ ،‬فالدين هو‬
‫الروح‪،4"...‬فالرتبية الدينية (الروحية) هي تلك العملية الرتبوية اإلنسانية اليت هتدف إىل اشباع‬

‫‪ 1‬خنبة من العلماء ‪ ،‬التفسري امليسر ‪،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف ‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1434 ،4‬ه‪-‬‬
‫‪2013‬م‪،‬ص‪568‬‬
‫‪ 2‬عبيدة ابن حممد التيشييت ‪ ،‬ميزاب الرمحة الربانية يف الرتبية بالطريقة التجانية ‪ ،‬حتقيق عاصم إبراهيم الكيايل‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ط‪ ،2014 ،2‬ص‪.101‬‬
‫‪ 3‬عبيدة ابن حممد التيشييت ‪ ،‬ميزاب الرمحة الربانية يف الرتبية بالطريقة التجانية ‪ ،،‬املرجع نفسه‪،‬ص‪102‬‬
‫‪ 4‬عمر شريف ‪ ،‬رحلة عقل‪ ،‬تقدمي أمحد عكاشة‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية ‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪28‬‬
‫‪33‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫الفرد وتزويده بالقيم اإلميانية التعبدية و القيم الدينية االجتماعية ‪ ، ،‬بناءً على معطى الشرحية‬
‫النورانية( اليت هي الروح) من جهة‪ ،‬و عن طريق إتباع تعاليم القرآن الكرمي و التبيني النبوي من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬واملتوافقني فطريا] أي (الروح) و( القرآن ‪ +‬التبيني النبوي)]‪ .‬حتقيقا لتواصل اإلنسان(املخلوق)‬
‫مع اهلل(اخلالق)من جهة(التواصل العمودي‪ ،‬أو امليتافيزيقي الغييب)‪ ،‬وتواصل األفراد يف ما بينهم من‬
‫جهة أخرى(التواصل األفقي أو الفيزيقي اإلنسي )‪ .‬إهنا التنشئة الدينية بكل جتلياهتا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التواصل الديني‪.‬‬

‫إن مسألة التواصل من املسائل اليت أوالها علم اجتماع االتصال البحث والتقصي‪ ،‬سعيًا منه‬
‫للوقوف على طبيعته ‪،‬وآلية حدوثه يف اجملتمع ‪،‬سواء الفيزيقي الذي يتم بني الفاعليني االجتماعيني‬
‫(التواصل العرضي أو األفقي)‪ ،‬أو امليتافيزيقي الذي هو تواصل اإلنسان(املخلوق) مع اهلل(اخلالق) إنه‬
‫التواصل العمودي‪ ،‬وهذا األخري هو "تواصل ميد خيوطه إىل املعرفة وامليتافيزيقا‪ ،‬تواصل للذات احلاضرة‬
‫مع الذات الغائبة وتواصل الذات اإلنسانية مع الذات اإلهلية بآليات خمتلفة عن آليات التواصل‬
‫‪1‬‬
‫كل على‬
‫ٌ‬ ‫الدين‬
‫و‬ ‫اصل‬
‫و‬ ‫الت‬ ‫مفهوم‬ ‫على‬ ‫ج‬‫نعر‬ ‫أن‬ ‫البد‬ ‫الديين‪،‬‬ ‫اصل‬
‫و‬ ‫للت‬ ‫مفهوما‬ ‫نقدم‬ ‫لكي‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫الطبيعي"‬
‫حدا‪ ،‬يف اللغة واالصطالح‪ .‬كما سنتطرق من خالل نافذة هذا املبحث إىل عناصر ‪ ،‬و وظائف‬
‫واساليب االتصال ‪ ،‬لنختمه بنماذجه‪ ،‬لنفتح نافذة ثانية يف نفس املبحث ‪ ،‬نتناول من خالهلا عناصر‬
‫الدين و وظائفه ن لنتوصل إىل بناء مفهوم التواصل الديين ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفاهيم عامة حول التواصل‬

‫في مفهوم التواصل ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ ‬لغة‪:‬‬

‫في اللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -‬التواصل من" وصل ‪..‬الواو والصاد والالم أصل يدل على ضم شيء إىل شيء حىت يعلقه‪ ،‬ووصلته‬
‫‪2‬‬
‫به وصال‪ :‬والوصل ضد اهلجران"‪.‬‬

‫‪ 1‬صاحل بوترعة‪ ،‬آلية التواصل عند ابن عريب ‪،‬خمطوط مذكرة ماجستري‪ ،‬نوقشت بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة باتنة‪،‬‬
‫إشراف حممد بوعمامة‪ ،‬سنة ‪ ،2009-2008‬ص‪4‬‬
‫‪ 2‬ابن احلسني أمحد بن فارس‪ ،‬ترتيب معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1044‬‬
‫‪35‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬وقال الراغب األصفهاين يف مفرداته‪" :‬وصل‪ ..‬االتصال احتاد األشياء بعضها ببعض كاحتاد طريف‬
‫‪1‬‬
‫الدائرة ويضاد االنفصال‪ ،‬ويستعمل الوصل يف األعيان* ويف املعاين‪" .‬‬

‫‪-‬وقال ابن منظور يف لسانه "وصل‪ :‬وصلت الشيء وصال وصلة والوصل ضد اهلجران‪ .‬ابن سيده‪:‬‬
‫الوصل خالف الفصل"‪ ،2‬وقال أيضا "الوصل ضد اهلجران‪ ،‬والتواصل ضد التصارم ‪ ..‬يقال وصل‬
‫الصهر"‪ ،3‬و"وصل الشيء إىل الشيء‬
‫رمحه يصلها وصال وصلة‪ ،‬ما بينه وبينهم من عالقة القرابة‪ ،‬و ِّ‬
‫وصوال وتوصل إليه انتهى إليه وبلغه"‪.4‬‬

‫نتيجة ‪:‬‬

‫يعين التواصل يف اللغة العربية‪ :‬ضد اهلجران‪ ،‬و ضد االنفصال وضد التصارم و خالف‬
‫الفصل‪ ،‬فهو االتصال و الصلة‪ ،‬اإلبالغ و االحتاد و االنضمام‪.‬‬

‫أما التواصل في اللغات األجنبية ‪:‬‬

‫‪ -‬فمفردة ‪ comunicacion‬تعين يف اللغة اإلسبانية‪:‬‬

‫‪Ponerse en comunicacion‬‬ ‫إجراء تقرير أو تواصل مع أحد ما‪.‬‬

‫‪Con alguien5.‬‬

‫* األعيان‪ :‬الوصل يف األعيان يعين الوصل يف األشياء املادية كاتصال شيء بشيء وإنسان بإنسان‪.‬‬
‫‪ 1‬الراغب األصفهاين (أيب القاسم احلسني بن حممد)‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪،‬ج‪ ،2‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.681‬‬
‫‪ 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد‪ ،6‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.788‬‬
‫‪ 3‬مصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.790‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.789‬‬
‫‪5 Dictionnaire espagnol .arrousse. Edition 1/2007.paris cedex .p79‬‬
‫‪36‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬و مفردة ‪ communication‬يف اللغة الفرنسية هلا املعاين التالية " االتصال ‪:‬‬
‫‪ -1‬فعل (نشاط) االتصال‪ ،‬اثر هذا النشاط‪ .‬اخلرب املقدم لشخص ‪.‬ليتواصل معك‬
‫‪.‬تواصل مشهدي (مقطعي)‪.‬التحويل املؤقت مللف هناية الدراسة ‪.‬‬

‫‪ -2‬جتارة ‪ ،‬عالقة ‪ ،‬حزب عالقات هاتفية ‪ ،‬رصيد االتصال‪ .‬طرق االتصال‪ ،‬الطرقات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫األهنار‪ ،‬السكك احلديدية‪ ..‬اخل "‬

‫‪ -‬أما مفردة ‪ communication‬يف اللغة اإلجنليزية تعين‪ ":‬االتصال ‪:‬هو نشاط أو‬
‫عملية تعبري عن األفكار و املشاعر‪ ،‬أو إعطاء و تقدمي معلومات للناس ‪.‬يتصل ‪:‬فعل ‪.‬‬
‫‪1-‬تبادل املعلومات مع شخص ما ‪ :‬تبادل املعلومات ‪،‬األخبار‪ ،‬األفكار ‪..‬اخل مع‬
‫شخص ما‪.‬‬

‫‪ 2 -‬مشاركة األفكار و املشاعر ‪:‬جعل أفكارك ‪ ،‬مشاعرك و فكرك ‪...‬اخل‪...‬معروفة‬


‫لدى أشخاص آخرين حبيث يفهموهنا"‪.2‬‬

‫إذن " التواصل يقابله املصطلح األجنيب ‪ continuité‬و هو يعين فيما يعين االستمرارية ‪ ،‬ويتضمن‬
‫‪3‬‬
‫مفهوما آخر يتالمس معه ‪ ،‬و هو مفهوم االتصال ‪"communication‬‬

‫و عليه فإن مفردة التواصل يف اللغة العربية و اللغات األجنبية متماثلة إىل حد كبري جدا يف‬
‫الداللة واملعىن و املفهوم ‪ ،‬و كلها تلتقي يف املعاين التالية‪:‬‬

‫االتصال – إقامة عالقة ‪،‬االنضمام ‪ ،‬التحويل ‪ ،‬الوصل (ضد اهلجران)‪ ،‬النقل ‪ ،‬التبادل ‪ ،‬احلوار‪،‬‬
‫اإلخبار‪ ،‬اجراء تقرير‪ ،‬التعبري عن املشاعر و األفكار ‪ ،‬تبادل املعلومات ‪ ،‬التجارة ‪ ،‬املكاملات اهلاتفية‬
‫‪..‬اخل‬
‫‪1 Dictionnaire Flammarion de la langue française , Flammarion paris 1999,p239‬‬
‫‪2 Oxford Learner's Dictionary.(2006)The Seventh New Edition. Oxford University‬‬
‫‪Press.p291‬‬
‫‪ 3‬عمر هبيل ‪ ،‬إشكالية التواصل يف الفلسفة الغربية املعاصرة‪ ،‬املركز الثقايف العريب ‪ ،‬املغرب ‪ ،‬ط‪1426 ، 1‬ه‪ 2005/‬م‪،‬ص‪15‬‬
‫‪37‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫اصطالحا‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ارتكازا على املعىن اللغوي العام ملفردة "التواصل" الذي مر بنا‪ ،‬فلقد ساق لنا الباحثون‬
‫واملفكرون‪ ،‬تعريفات عدة ملفردة التواصل‪ ،‬وذلك حسب ميادين اهتمام واليت نسوق منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬مفهوم التواصل في علم االجتماع‪:‬‬

‫االتصال ليس مفهوما حديثا يف علم االجتماع‪ ،‬فقد استخدمه علماء االجتماع األوائل‬
‫وخاصة زوجيت شارلز كويل وجون ديوي‪ ،‬وكانوا يركزون على أنه "عملية اجتماعية تنتقل هبا األفكار‬
‫‪1‬‬
‫واملعلومات بني الناس"‬

‫ولقد عرفت اجلمعية الدولية لألخصائيني االجتماعيني ‪" NASN‬االتصال بأنه أحد عناصر‬
‫احلياة االجتماعية‪ ..‬وهو عملية يتم من خالهلا تبادل املعاين بني األفراد واملشاركة من جانب أفراد‬
‫اجملتمع يف أنشطة اجملتمع"‪ ،2‬وكذلك يرى علم اجتماع االتصال " أن التواصل يشري إىل العالقة اليت‬
‫حتدث بني الناس داخل نسق اجتماعي معني‪ ،‬أو بني جمموعة أنساق وقد يتم بشكل مباشر من‬
‫خالل اللقاء الشخصي بني األفراد واجلماعات أو بشكل غري مباشر بواسطة الكلمة املسموعة أو‬
‫املطبوعة أو املرئية أو اإللكرتونية‪ ،‬أما من حيث حجمه فقد حيدث بني شخصني أو بني شخص أو‬
‫مجاعة ومجاعة أخرى حملية أو إقليمية أو دولية"‪.3‬‬

‫وأيضا يعرف التواصل على أنه عملية نقل هادفة للمعلومات من شخص إىل آخر ومن‬
‫جمموعة إىل أخرى بغرض إجياد نوع من التفاهم املتبادل بينهما‪ ،‬ولذلك فالتواصل هو "العملية اليت‬

‫‪ 1‬سلوى عثمان الصديقي‪ ،‬هناء حافظ بدوي‪ ،‬العملية االتصالية – رؤية نظرية وعملية واقعية‪ ،‬دار الفتح للتجليد الفين‪ ،‬ط‬
‫‪ ،2008‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬سلوى عثمان الصديقي‪ ،‬العملية االتصالية‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬ماجد رجب العبد سكر‪ ،‬خمطوط مذكرة ماجستري‪ ،‬التواصل االجتماعي‪ ،‬نوقشت باجلامعة اإلسالمية غزة‪ ،‬حتت إشراف مجال‬
‫حممود حممد اهلويب‪ ،2011 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪38‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫يتم من خالهلا نقل وتبادل املعلومات واألفكار بني طرفني أو أكثر بطريقة مباشرة أو غري مباشرة‪،‬‬
‫وباستخدام وسيلة أو عدة وسائل اتصالية من خالل تفاعل األفراد من أجل إتاحة الفرصة لتوصيل‬
‫‪1‬‬
‫املعىن وفهم الرسالة"‬

‫كل هذه التعاريف اليت مرت بنا تتحدث عن التواصل الطبيعي بني الناس‪ ،‬أي ذلك التواصل‬
‫الذي حيدث بني الفاعليني االجتماعيني داخل اجملتمع لتحقيق أهداف وإشباع حاجيات‪ ،‬لكن يبقى‬
‫هذا التواصل يف شقه العرضي (بني الناس)‪،‬و يف املقابل هناك أهداف وحاجيات أخرى إلنسان ال‬
‫تتحقق إال باتصال من نوع آخر هو االتصال العمودي‪ ،‬حيث يقدم لنا يف هذا املقام "بارتيونس"‬
‫تعريفا للتواصل جامعا فيه املعنيني مع بعض (االتصال العمودي والعرضي) حيث يقول "فال وقت مير‬
‫إال وفيه تواصال‪ ،‬فاألفراد يف تفاعلهم‪ ،‬بواسطة سلوكاهتم ومواقفهم ورغباهتم يبنون عالقات أفقية لبين‬
‫‪2‬‬
‫جنسهم وعمودية مع كيان الطبيعة"‬

‫ويقول كذلك كلود هنري سان سيمون (‪1825-1760‬م) (فيلسوف واقتصادي فرنسي‬
‫ومؤسس االشرتاكية املسيحية) "إن التواصل هو أحد أهم األشياء األساسية والرئيسية يف احلياة ويف‬
‫الكون‪ ،‬إنه حاجة بشرية أساسية‪ ،‬اهلل خلقنا وبداخلنا جوع للعالقات‪ ،‬للعالقة معه‪ ،‬ومع الناس‬
‫اآلخرين‪ ،‬فالعالقات جزء ال يتجزأ منا‪ ،‬وبدون عالقات متينة ستغرف النفس البشرية يف املشاكل‬
‫السيكولوجية (النفسية والعاطفية) ال يستطيع اإلنسان االستمرار والنجاح دون أن يكون متصال‬
‫باآلخرين"‪ 3‬ودون أن يكون متصال أيضا باهلل‪.‬‬

‫‪ 1‬عدنان يوسف العتوم‪ ،‬وآخرون‪ ،‬التواصل االجتماعي‪ ،‬األردن‪ ،‬إربد‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،2011 ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 2‬عبد السالم عشري‪ ،‬عندما نتواصل نغري‪ ،‬مقاربة تداولية معرفية آلليات التواصل واحلجاج‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬املغرب‪،2006 ،‬‬
‫ص ‪/ 38‬نقال عن صاحل بوترعة‪ ،‬آليات التواصل عند ابن عريب‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 3‬مقال بعنوان‪ :‬اروي عطشك احلقيقي‪ :‬موقع كل طالب عريب ‪everyArabstudent.com‬‬
‫‪39‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬تعريف االتصال في علم التربية ‪:‬‬

‫اهتم علم الرتبية مبوضوع االتصال و حبث فيها ‪،‬حيث عرفه علماءه على أنه‪ " :‬عملية ميكن‬
‫بواسطتها نقل األفكار و التغيري الذي حيدث يف مكان معني إىل مكان آخر "‪.1‬‬

‫" ولقد حاول رجال الرتبية ربط االتصال باالجتاه‪ ..‬و يشري االجتاه إىل امليول اليت متيز فردا بعينه وهو‬
‫ليس شيء متسق و لكنه تفاعل مع ما حييط بالفرد من تراث و قيم و عادات و تقاليد و أحداث ‪،‬‬
‫و على هذا يركز علماء الرتبية على كل من االجتاهات الظاهرة ‪ ،‬و االجتاهات الباطنة ‪ ،‬و اليت تعترب‬
‫عوامل مهمة يف جناح عملية االتصال ‪ ،‬و حتقيق أهدافها ‪ ..‬و بصفة شاملة يتأثر االتصال كمفهوم‬
‫يف اطار جهود علماء الرتبية بنوعية املوضوعات املراد أخذ الرأي حوهلا و نوعية املعلومات املتوفرة‬
‫حول هذا املوضوع و على هذا فاالتصال هو تلك العملية اليت يعرب فيها اإلنسان عن أفكاره إىل‬
‫‪2‬‬
‫اآلخرين هبدف التأثري فيهم و تعديل اجتاهاهتم أو اإلبقاء عليه"‬

‫إذن يف علم الرتبية جيب أن يتوفر الوضوح يف طرح املواضيع ‪ ،‬و نوعيتها ‪ ،‬و نوعية الوسائل‬
‫املستخدمة يف التعبري و التواصل ‪.‬‬

‫‪ -‬تعريف االتصال في علم التدريس‪:‬‬

‫لقد ورد يف معجم علوم الرتبية ‪:‬‬

‫تواصل ‪ ،‬اتصال بيداغوجي ‪: communication pédagogique :‬‬

‫"كل أشكال و سريورات و مظاهر العالقة التواصلية بني املدرس و تالميذه ‪.‬إنه يتضمن منط اإلرسال‬
‫اللفظي و غري اللفظي بني مدرس ( أو من يقوم مقامه) و التالميذ‪ ،‬أو بني التالميذ أنفسهم ‪ ،‬كما‬

‫‪ 1‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم االتصال ‪ ،‬جامعة اإلسكندرية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪ 2‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم االتصال‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 21‬بتصرف‬
‫‪40‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫يتضمن الوسائل التواصلية و اجملال و الزمان ‪.‬و هو يهدف إىل تبادل أو تبليغ و نقل اخلربات‬
‫واملعارف و التجارب و املواقف مثلما يهدف إىل التأثري على سلوك املتلقي"‪ ، 1‬إذن يرى علم‬
‫التدريس أن عملية نقل املعارف و اخلربات و املعلومات ‪ ،‬من املدرس إىل التلميذ مرهون بنجاح‬
‫العملية التواصلية داخل الفصول الدراسية ‪.‬‬

‫‪ -‬تعريف التواصل في علم اإلعالم ‪:‬‬

‫يف جمال اإلعالم ‪ ،‬يعرف التواصل على أنه " بث رسائل واقعية أو خيالية تتصل مبوضوعات‬
‫معينة على أعداد كبرية من الناس خمتلفني فيما بينهم يف النواحي االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫والسياسية يوجدون يف مناطق متفرقة "‪.2‬إذن هناك جانبني ملفهوم االتصال يف نظر علماء اإلعالم‬
‫يتمثالن يف اجلانب الواقعي حلياة الفرد و اجملتمع كاألحداث اليومية املتنوعة‪ ،‬و األخبار احمللية‬
‫واإلقليمية و الدولية ‪ ،‬و اجلانب اخليايل كالتمثيل و املسرح و الغناء و األدب القصصي‪" ،‬و لذلك‬
‫يعرف علماء اإلعالم االتصال بأنه ظاهرة عامة و منتشرة ‪ ،‬تقوم بدور ال غىن عنه يف حتقيق التفاعل‬
‫الفكري و احلضاري داخل اجملتمع الواحد و بني اجملتمعات أي أن اخلرب أو املعلومة سواء كانت واقعية‬
‫أو خيالية تتحقق خالل عملية مشاركة بني املرسل و املستقبل من خالل عملية التغذية العكسية أي‬
‫ما يصل إىل املؤسسة من آراء واجتاهات حنو سياستها و خدماهتا و العاملني فيها ‪ ،‬فهي ليست جمرد‬
‫عملية إرسال و استقبال ملعلومات أو أفكار أو مشاعر ‪ ،‬بل إهنا تفاعل بني مجيع العناصر و بالذات‬
‫املرسل و املستقبل "‪ ، 3‬إذن استنادا على ما جاء يف مفهوم االتصال يف جمال اإلعالم‪ ،‬ميكن القول‬
‫أن التواصل أصبح قوة ال يستهان هبا من أجل التأثري يف اجلماهري ‪ ،‬و تعديل الرأي العام و تشكيله‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الطيف الفرايب و آخرون ‪ ،‬معجم علوم الرتبية ‪:‬مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك‪ ،‬سلسلة علوم الرتبية ‪ ،‬العددان‪-9‬‬
‫‪ ،10‬ط‪ ،2‬الدار البيضاء‪ ،‬منشورات عامل الرتبية ‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة ‪،1998 ،‬ص‪44‬‬
‫‪ 2‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم اإلتصال ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪22‬‬
‫‪ 3‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم اإلتصال ‪ ،‬مرجع نفسه ص ‪23‬‬
‫‪41‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬تعريف التواصل في علم اإلتصال‪:‬‬

‫" االتصال عبارة عن عملية تفاعل اجتماعي ‪ social interaction‬هتدف إىل تقوية‬
‫الصالت االجتماعية يف اجملتمع عن طريق تبادل املعلومات و األفكار و املشاعر ‪،‬اليت تؤدي إىل‬
‫التفاهم و التعاطف و التحابب أو التباغض "‪ 1‬و جند لالتصال يف علم االتصال عدة تعريفات منها‪:‬‬

‫‪-‬لقد عرف تشارلس كويل التواصل قائال‪ ":‬التواصل هو امليكانيزم الذي بواسطته توجد العالقات‬
‫اإلنسانية و تتطور ‪ ،‬إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عرب اجملال ‪ ،‬و تعزيزها يف الزمان ‪،‬‬
‫و يتضمن أيضا تعابري الوجه و هيئات اجلسم و احلركات و نربة الصوت ‪ ،‬و الكلمات و الكتابات‬
‫واملطبوعات ‪ ،‬و القطارات و التلغراف و التلفون ‪ ،‬و كل ما يشمل آخر ما مت يف االكتشافات يف‬
‫املكان و الزمان"‪.2‬‬

‫‪ -‬االتصال " هو املشاركة يف فكرة أو اجتاه أو موقف‪ .‬فنحن حنب و نتفق ‪ ،‬و نصادق من يتفق معنا‬
‫‪3‬‬
‫يف األفكار و االجتاهات و املواقف "‬

‫‪-‬و يعرف جورج هربت ميد " فإنه يعترب التواصل هو املبدأ املؤسس للمجتمع ‪ ،‬و هو يفهم التواصل‬
‫كتدخل لآلخر يف تكوين بناء األنا أو اهلوية و هو يعترب أن األنا اليت تكتفي بذاهتا ال مكان هلا يف‬
‫عامل التواصل "‪.4‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم أبو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي ‪ ،‬دار جمدالوي ‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن ‪ ،‬ط‪ ،1‬اإلصدار‬
‫الرابع‪،2011-2010 ،‬ص‪17‬‬
‫‪ 2‬ابراهيم حسن أبو حسنية ‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬دار كنوز املعرفة ‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1435 ،1‬ه‪2014-‬م ‪،‬‬
‫ص‪28‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم أبو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪18‬‬
‫‪ 4‬ابراهيم حسن أبو حسنية ‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪29‬‬
‫‪42‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪-‬و يرى ميتشايل » ‪« muchielli‬أن التواصل " هو نقل معلومات من مرسل إىل متلقي بواسطة‬
‫قناة ‪ ،‬حبيث يستلزم ذلك النقل منجهة ‪ ،‬وجود شفرة‪ ،‬و من جهة ثانية حتقيق عمليتني ‪ :‬ترميز‬
‫املعلومات » ‪ « encodage‬و فك الرتميز» ‪ « décodage‬مع ضرورة األخذ بعني االعتبار‬
‫طبيعة التفاعالت اليت حتدث أثناء التواصل‪ .‬و كذا أشكال االستجابة للرسالة و السياق الذي حيدث‬
‫‪1‬‬
‫فيه التواصل"‬

‫‪ -‬خالصة‪:‬‬

‫من خالل هذه التعاريف اليت أوردها العلماء نستنتج أن االتصال " ضرورة إنسانية‬
‫واجتماعية‪ ،‬فحاجة اإلنسان لالتصال ال تقل عن حاجته لألمن و الغذاء و الكساء و املأوى ‪ ،‬و مبا‬
‫أن اإلنسان كائن اجتماعي اتصايل فإنه ال يستطيع العيش يف معزل عن اجملتمع ‪ ،‬فالعزلة تعين العقاب‬
‫‪،‬واملرض النفسي أو االنسالخ عن اجملتمع ‪ ،‬فاجملرم مثال يعاقب بالعزل عن اجملتمع بالسجن واإلنسان‬
‫غري املرغوب فيه اجتماعيا يقاطعه اجملتمع ‪ ،‬فاالتصال يعين تطوير و تقوية العالقات اإلنسانية يف‬
‫‪2‬‬
‫اجملتمع ‪ ،‬و بالتايل التماسك و الرتابط و التواصل بني األفراد و اجلماعات و املؤسسات االجتماعية"‬

‫‪ ‬التعريف اإلجرائي للتواصل‪:‬‬

‫هو تلك العملية االجتماعية اليت تربط بني طرفيني ( مرسل و مستقبل)‪ ،‬و ذلك من أجل‬
‫نقل املعلومات‪ ،‬و القيم و األفكار‪ ،‬و التجارب‪ ،‬و اخلربات‪ ،‬و األحاسيس ‪ ،‬تلبيةً للحاجات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وإشباعها لكال طريف العملية التواصلية( التواصل الديين األفقي الفيزيقي) ‪ ،‬أو للطرف‬
‫األدىن يف العملية (التواصل العمودي امليتافيزيقي)‬

‫‪ 1‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪29‬‬


‫‪ 2‬إبراهيم أبو عرقوب ‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪20‬‬
‫‪43‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫عناصر االتصال‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫يتشكل التواصل من عدة أطراف " تكون جماله ‪ ،‬و حتقق وظائفه و أهدافه "‪ ، 1‬و اليت ميكن أن‬
‫جنملها يف النقاط التالية ‪:‬‬

‫المرسل ‪:‬‬

‫أو املصدر ‪ " ،‬و هو منشئ الرسالة ‪ ،‬قد يكون شخصا يتكلم أو يكتب ‪ ،‬أو حياضر أو شرطي‬
‫يؤشر بيده أو زعيما سياسيا يلقي خطابا أو حمطة اذاعة أو مطبعة أو حمطة تليفزيون‪ 2".‬و يسمي‬
‫‪3‬‬
‫كذلك بالقائم باالتصال "الذي يقوم بنقل املعلومات أو األفكار أو اآلراء أو املعاين إىل اآلخرين"‬

‫الرسالة‪:‬‬

‫"حتتوي على الرموز – اللغوية و اللفظية ‪ ،‬أو غري لغوية ‪ ،‬و غري لفظية – اليت تعرب عن املعلومات أو‬
‫‪4‬‬
‫األفكار أو اآلراء أو املعاين "‬

‫الوسيلة أو القناة ‪:‬‬

‫و هي " األداة اليت تنقل الرسالة االتصالية من املرسل إىل املستقبل ‪ ،‬و قد تكون مسعية كما‬
‫يف اإلذاعة ‪ ،‬أو بصرية كما يف املطبوعات من صحف و جمالت و ملصقات و صور ‪ ،‬أو مسعية‬
‫بصرية ‪ ،‬كما يف التليفزيون أو السينما أو الفيديو ‪ ،‬أو قد تكون احلواس اإلنسانية من مسع و بصر‬

‫‪ 1‬غمشي بن عمر‪،‬سيميولوجيا االتصال يف اخلطاب الديين قصص األنبياء يف القرآن الكرمي منوذجا ‪،‬خمطوط أطروحة دكتوراه‪،‬‬
‫نوقشت جبامعة اجلزائر‪ ،3‬بكلية العلوم السياسية و اإلعالم ‪،‬قسم علوم اإلعالم و االتصال ‪،‬حتت إشراف لعقاب حممد‪ ،‬نوقشت‬
‫سنة‪ ،2011-2010‬ص‪57‬‬
‫‪ 2‬إبراهيم أبو عرقوب ‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪40‬‬
‫‪ 3‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم االتصال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪73‬‬
‫‪ 4‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم االتصال‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪73‬‬
‫‪44‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫وشم و ذوق و ملس كما احلال يف االتصال الذايت ‪ ،‬أو قد ال يكون هناك وسيلة يف حالة االتصال‬
‫الشخصي أو الوجاهي ‪ ،‬و جيب على املرسل أن خيتار الوسيلة املناسبة لطبيعة الرسالة و املستقبل‬
‫واألكثر تأثريا على املستقبلني أو استعماال من قبلهم و األقل تكلفة"‪ ،1‬فالوسيلة هي الوسيط و الناقل‬
‫الذي يقوم بنقل الرسالة التواصلية من املرسل إىل املستقبل أو اجلمهور املقصود‪.‬‬

‫المرسل إليه‪:‬‬

‫أو املستقبل‪ ،‬و هي اجلهة اليت تستقبل الرسالة قد تكون شخصا أو مجهورا أو مؤسسة و يتم‬
‫االستقبال" من خالل أحد أو كل [حواسه ]*الشخص املختلفة (السمع و البصر و الشم و الذوق‬
‫‪2‬‬
‫واللمس) ‪ ،‬مث يقوم بتفسري رموزها و حياول إدراك معانيها"‬

‫االستجابة (التغذية الرجعية أو التغذية المرتدة)‪:‬‬

‫و" هي مدى قبول الرسالة أو رفضها ‪ ،‬هي نعم للرسالة أو ال لرفضها ‪ ،‬و قد تكون‬
‫االستجابة سريعة أو بطيئة أو متأخرة و قد تكون اجيابية أو سلبية ‪ .‬وقد تكون االستجابة على شكل‬
‫ابتسامة أو عبوس يف الوجهة أو كلمة طيبة أو اتصال هاتفي أو اتصال على شكل مظاهرة عارمة أو‬
‫استالم للعدو برفع األيدي ‪ ،‬و االعالم و الرايات أو انتخاب زعيم ملنصب ‪ .‬و قد تكون اإلستجابة‬
‫أو رد الفعل من جنس الرسالة أو قد تكون على النقيض منها ‪ :‬و لكن اإلستجابة الناجحة هي‬
‫اليت تنبثق عن فهم حملتوى الرسالة و هدف املرسل‪ 3".‬و نستطيع أن نقول هدف الرسالة و قصد‬
‫املرسل يتحقق من خالل االستجابة‪.‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم أبو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪41-40‬‬
‫‪ 2‬ابراهيم حسن أبو حسنية ‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪/55‬نقال عن وليد الشعييب ‪ ،‬فن و مهارات اإلتصال‬
‫الفعال‪ ،‬السعودية ‪،2007‬ص‪9‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم أبو عرقوب ‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪41‬‬
‫‪45‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫التأثير‪:‬‬

‫"هو التأثري الذي يتمظهر يف تغري سلوك املرسل إليه "‪ ،1‬و هو أيضا " احملصلة النهائية لالتصال ‪.‬ويتم‬
‫بتغيري معلومات واجتاهات و سلوك املستقبل مبا يتفق و أهداف املرسل"‪.2‬إذن عملية التأثري يف‬
‫املستقبل هي زبدة العملية التواصلية قصد إحداث التغيري املرغوب فيه‪.‬‬

‫‪ 1‬غمشي بن عمر‪ ،‬سيميولوجيا االتصال يف اخلطاب الديين قصص األنبياء يف القرآن الكرمي منوذجا‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪58‬‬
‫‪ 2‬أبو عرقوب ‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪4‬‬
‫‪46‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫مخطط تلخيصي لعناصر العملية التواصلية‬


‫عناصر االتصال‬

‫املستقبل‪/‬اجلمهور‬ ‫الوسيلة ‪ /‬القناة‪:‬‬ ‫الرسالة‪:‬‬ ‫املرسل ‪ /‬املصدر‪:‬‬


‫هو منشئ الرسالة‪ ،‬هي خطاب مكتوب حتمل املعلومة و تنفذ املستهدف‪:‬‬
‫قارئ الرسالة ومفكك‬ ‫الذي قام بإجناز فكرة‪ ،‬أو منطوق ‪ ،‬أو رموز ‪ ،‬على املستقبل عرب‪:‬‬
‫السمع أو البصر أو لرموزها‬ ‫أو لغة اجلسم‪.‬‬ ‫أو شعور‪...‬اخل‬
‫مسعي بصري معا‪.‬‬

‫االستجابة‪ ،‬التغذية الراجعة أو رد الفعل‬

‫التأثري‪ :‬حصول تبدل يف املعلومة‬


‫واالجتاه و السلوك لدى املستقبل‬

‫( الشكل‪)1‬‬

‫‪47‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫وظائف االتصال ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫إن لالتصال وظائف خمتلفة" و اليت تتفاوت يف جمملها من جمتمع إىل آخر حيث اهنا مرتبطة‬
‫بالتطور املعريف و التكنولوجي و الفكري ‪ ،‬و يقول فريكسنس ‪:‬للتواصل و ظائف خمتلفة ‪ ،‬و ذلك ألن‬
‫الناس تتواصل مع بعضها البعض ألسباب خمتلفة"‪ ، 1‬وهذه الوظائف من شأهنا أن توسع من آفاق‬
‫اإلنسان يف كذا جماالت ‪ :‬الثقايف ‪ ،‬و التعليمي‪ ،‬واالجتماعي ‪ ،‬و السياسي و الفكري الديين‪..‬وحنن‬
‫هنا جنتزأ من هذه الوظائف ‪ ،‬و نبقي على ما يناسب حبثنا ‪:‬‬

‫‪ -‬الوظيفة التعليمية التربوية ‪:‬‬

‫إن العملية التواصلية هي عملية تفاعلية بني الشي و املريد ‪ ،‬بني املعلم و املتعلم ‪ ،‬فيها‬
‫تبادل من حيث األخذ و العطاء من أجل تغري السلوك لدى املتعلم أو املريد ‪ ،‬و هذا هو هدف‬
‫الرتبية" فاالتصال عملية تفاعل اجتماعي بني األستاذ و الطالب فيها أخذ و عطاء و فعل و رد‬
‫فعل‪ ،‬وتعليم وتعلم‪ ،‬وهتدف إىل تغيري السلوك ‪،‬فالتعليم يعين التغيري املستمر يف سلوك الفرد و ذلك‬
‫بتزويد الطالب باخلربات واملواقف واألفكار والقيم االجتماعيات تساعده على التكييف مع جمتمعه‪،‬‬
‫ويسهم االتصال يف نقل املعارف والعلوم والرتاث من جيل إىل آخر مما يساعد على تواصل اخلربات‬
‫يف اجملتمع‪ .2".‬أي وظيفة االتصال يف هذه النقطة هي اكتساب املهارات و اخلربات و املعارف‬
‫واملفاهيم الوافدة اجلديدة‪ ،‬لغرض إحداث التغري يف الفكر و السلوك و التوافق مع اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -‬الوظيفة االجتماعية ‪:‬‬

‫"االتصال عملية اجتماعية ‪ ،‬تقوم بنقل معلومات ‪ ،‬و هتدف إىل تغيري السلوك اإلنساين ‪،‬‬
‫فاالتصال أداة فعالة يف تكوين العالقات اإلنسانية عن طريق تسهيل تبادل املعلومات بني الناس ‪،‬‬

‫‪1‬ابراهيم حسن أبو حسنية ‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪386‬‬
‫‪2‬أبو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪48‬‬
‫‪48‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫واالتصال كذلك عامل مهم يف توحيد األفكار و االجتاهات و العمل على تغيري السلوك اإلنساين"‪،1‬‬
‫فمثال من أجل حتقيق النماء االجتماعي نعتمد على تغيري طرائق التفكري و العادات واالجتاهات‪،‬‬
‫الذي بدور يعتمد على تغيري ما يف أنفس األفراد ‪ ،‬حىت يتغري الواقع حيث قال اهلل يف القرآن ‪:‬‬

‫﴿إنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بأَنفُسِهمْ﴾ (الرعد‪)11 :‬‬

‫‪ -‬الوظيفة الدينية‪:‬‬

‫إن من أهم وظائف التواصل اإلنساين يف احلياة االجتماعية‪ ،‬هي وظيفة التبليغ عن اهلل‬
‫واليت هي مهمة انتدب اهلل هلا أنبياءً و رسالً و رجال صاحلني ‪ ،‬حيث خاطب اهلل رسول اإلسالم‬

‫حممد ‪ ﴿ :‬يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِِّغْ مَا أُنزلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ‬

‫مِنَ النَّاس إنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرينَ﴾( املائدة‪ )67 :‬و التبليغ هنا هو " جعل‬

‫الشيء بالغا‪ .‬والبلوغ الوصول إىل املكان املطلوب وصوله‪ ،‬و هو هنا جماز يف حكاية الرسالة للمرسل‬
‫هبا إليه من قوهلم ‪ :‬بلغ اخلرب و بلغت احلاجة"‪ ، 2‬لذا جند " لالتصال دور كبري و فعال يف نشر‬
‫الدعوات والتعاليم الدينية "‪ ، 3‬و من هنا جند رجال الدين أكثر اهتماما‪ ،‬بقضية التواصل إلقناع‬
‫اآلخرين على القيام مبا أمر اهلل و الكف عن نواهيه‪ ،‬أو توصيل هلم ما أراد اهلل بصورة صحيحة‬
‫وواضحة ‪ ،‬وذلك بناء على النصوص الدينية املطلقة أساسا‪ .‬و باستخدام أساليب خمتلفة و مناسبة‬
‫كاحلوار ‪ ،‬والتعليم والقدوة ‪،‬و اجلدال احلسن‪ ،‬و املواعظ‪ ،‬و اإلرشاد ‪ ،‬و اخلطب و الكتابات‪،‬‬
‫الصحف وباستعمال و استخدام تكنولوجيا االعالم و االتصال احلديثة ‪ ،‬كالوسائط االلكرتونية ‪،‬‬
‫والفيديوهات ‪،‬و اإلذاعات و التليفزيون ‪ ،‬و األقمار الصناعية ‪ ،‬و مواقع التواصل االجتماعي ‪..‬اخل‬

‫‪1‬أبو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪49‬‬


‫‪ 2‬حممد الطاهر بن عاشور ‪ ،‬تفسري التحرير و التنوير ‪ ،‬اجلزء‪،6‬الدار التونسية للنشر‪،‬ص ‪258‬‬
‫‪ 3‬أبو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪49‬‬
‫‪49‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫أساليب االتصال‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫إن التواصل يبقى دائما عملية اجتماعية أساسية ‪،‬حبيث يليب به الفرد حاجاته و رغباته ضمن‬
‫إطاره االجتماعي‪ ،‬و من أجل ذلك اختذ الفرد أداة للتواصل ‪ ،‬أال و هي اللغة‪ " .‬واللغة مرياث‬
‫اجتماعي متطاول"‪ 1‬و" هي أداة االتصال و عبارة عن نظام من الرموز أعطاها إياها اإلنسان ‪ ،‬والرمز‬
‫هو الشيء الذي ميثل أو يرمز إىل شيء آخر ‪ ،‬و الكلمة عبارة عن رمز ميثل فكرة أو شيئا يف‬
‫‪2‬‬
‫الواقع"‬

‫وعليه ميكن القول أن التواصل اإلنساين هو تواصل لغوي صرف بشقيه اللفظي وغري اللفظي‪،‬‬
‫حىت يتمكن اإلنسان من التواصل و التعبري ‪ ،‬و التعاطي مع أخيه اإلنسان‪ ،‬ومع خالقه ‪ ،‬ومع كل‬
‫شيء ‪.‬إذن فأسلوب التواصل اإلنساين الذي يتخذ من اللغة أداة للتعاطي والتفاهم بني البشر‪،‬‬
‫يتمحور ضمن األسلوبني التاليني ‪:‬التواصل اللفظي ‪ ،‬و التواصل غري اللفظي ‪.‬‬

‫‪-1-‬التواصل اللفظي‪:‬‬

‫التواصل اللفظي هو الذي يتطلب لفظ و كالم بني طريف العملية التواصلية ‪ ،‬األول يسمى‬
‫املتكلم أو املخاطب( املرسل) ‪ ،‬و الثاين يسمى املستمع( املستقبل)‪ ،‬و هنا منيز نوعني من هذا‬
‫التواصل من حيث تساوى املستوى الوجودي األنطولوجي من عدمه و مها‪:‬‬

‫‪ 1-1-‬من اهلل إىل اإلنسان‪:‬‬

‫فاهلل عامل الغيب ‪،‬اخلارق للطبيعة ‪ ،‬و اإلنسان يف عامل الوجود الطبيعي ‪ ،‬و شتان بني‬
‫العاملني‪ ،‬لكن اهلل تكلم مع اإلنسان ‪ ،‬رغم اختالف املستوى الوجودي األنطولوجي ‪" ،‬و ميكن أن‬

‫‪ 1‬مصطفى ناصف‪ ،‬اللغة و التواصل و التفسري ‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة و الفنون و اآلداب ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬يناير‬
‫‪،1995‬ص‪28‬‬
‫‪2‬أبو عرقوب ‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪21‬‬
‫‪50‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫نلفت االنتباه إىل أن أكثر الصفات اليت متيز األديان الثالثة الكربى ذات األصول السامية ـ ـ اليهودية‬
‫و املسيحية و اإلسالم ـ ـ ـ هي تلك النظرة الشائعة فيها من أن املصدر التارخيي احلقيقي و الضامن‬
‫النهائي لصدق جتربة املؤمنني الدينية يتمثل يف حقيقة أساسية هي أن اهلل أظهر نفسه من خالل‬
‫اللغة"‪ ،1‬نعم و لقد مت ذلك بلغة يفهما اإلنسان يف كل مرة ‪ ،‬و " الوحي يعين يف اإلسالم أن اهلل‬
‫تكلم ‪...‬و الثقافة اإلسالمية كلها بدأت مع الواقعة التارخيية اليت تتمثل يف أن اهلل خاطب اإلنسان‬
‫باللغة اليت يتكلمها هو "‪ ،2‬فلقد تكلم اهلل وقال ذلك للرسول ليبلغ البشر رساالت اهلل ‪ ،‬و اليت‬
‫يسمها الدين بالوحي فالوحي هو "تواصل يف املقام األول "‪ ، 3‬رغم أن الوحي ليس دائما لغويا ‪،‬‬
‫فيمكن أن يكون اشارات و عالمات تستعمل لغرض التواصل‪ ،‬على حد قول توشيهيكو ايزوتسو‪.‬‬

‫‪ 2-1-‬من اإلنسان إىل اإلنسان‪:‬‬

‫و هنا يكون املخاطب أو املتكلم و املتلقي يف نفس املستوى الوجودي و األنطولوجي ‪ ،‬أي‬
‫يقفان على قدم سواء على أرضية التساوي الطبيعي ‪.‬إنه التواصل اللفظي اإلنساين‪.‬‬

‫ويسمى أيضا بالتواصل الشفوي الذي يتم عن طريق الرسائل اللفظية بني الناس‪ ،‬و هو" ذلك‬
‫‪4‬‬
‫اجلانب املنطوق من اللغة ‪ ،‬و املستعمل يف شىت جمالت احلياة ‪ ،‬إنه األصل يف عملية التخاطب "‬
‫ألن هناك من يرى أن " اللغة املنطوقة هي األصل ‪ ،‬و لغة التحرير فرع عليها ‪ ،‬و من مت كان املسموع‬
‫هو األول الذي يستقي منه اإلنسان مقاييس اللغة و املادة اإلفرادية"‪ ،5‬و هناك من يرى أن التواصل‬

‫‪ 1‬توشيهيكو ايزوتسو‪ ،‬اهلل و اإلنسان يف القرآن (علم داللة الرؤية القرآنية للعامل) ترمجة‪ ،‬هالل حممد اجلهاد‪ ،‬املنظمة العربية‬
‫للرتمجة‪ ،‬ط‪ ، 1‬آذار (مارس) ‪ ،2007‬بريوت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪240‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪240‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪247‬‬
‫‪ 4‬نزيهة روينة‪ ،‬التواصل يف القصص القرآين‪،‬خمطوط مذكرة ماجستري يف اآلداب و اللغة العربية‪،‬إشراف صالح الدين موالي‪،‬‬
‫نوقشت جبامعة حممد خيضر –بسكرة‪،-‬كلية اآلداب و اللغات‪،‬قسم اآلداب و اللغة العربية ‪ ،‬سنة ‪ ،2013/2012‬ص‪14‬‬
‫‪ 5‬نزيهة روينة‪ ،‬التواصل يف القصص القرآين ‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪/14‬نقال عن ‪:‬بشري ابرير ‪،‬التواصل مع النص ‪ ،‬ص‪33‬‬
‫‪51‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫اللفظي هو الذي" يتم من خالل استخدام الرموز اللفظية و يطلق عليها اللغة ‪ ،‬سواء كانت مكتوبة‬
‫‪1‬‬
‫أو مسموعة أو منطوقة ‪،‬و يشمل كل أنواع االتصال اليت يستخدم فيها اللفظ كوسيلة لنقل املعاين "‬

‫فاجملتمع البشري يلجأ إىل التواصل اللفظي‪ ،‬لكي يتمكن البشر من تسجيل تراثه املعريف و املعلومايت‬
‫واحلضاري ‪ ،‬و نقله إىل األجيال الالحقة ليتحول إىل خربات مشرتكة‪.‬‬

‫‪ -2-1-‬خصائص التواصل اللفظي ‪:‬‬

‫يتميز التواصل اللفظي بالسمات التالية‪:‬‬

‫* يكون التواصل اللفظي غري طبيعي و يكون خصوصي عندما يكون املتكلم هو اهلل‬

‫" * تتحكم قواعد اللغة يف االتصال اللفظي‪.‬‬

‫*االتصال اللفظي مقصور على ثقافة واحدة ‪ ،‬و حيمل معاين حمددة ‪ ،‬للجماعة الداخلية‪.‬‬

‫* نتعلم االتصال اللفظي يف مرحلة متأخرة من احلياة عن طريق التنشئة االجتماعية‪ .‬فالطفل يتعلم‬
‫الكالم و الكتابة بعد أن يكون قد تعلم لغة اإلشارات أوال‪ ،‬أي أن االتصال اللفظي ‪ ،‬يأيت بعد‬
‫االتصال غري اللفظي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫* يعتقد عدد كبري من العلماء بأن االتصال اللفظي ميكن أن يناشد العواطف‪" .‬‬
‫‪-2‬التواصل غير اللفظي‪:‬‬
‫ومنه التواصل العمودي الذي يكون بني اهلل و اإلنسان عرب الوحي غري اللفظي ألن" الوحي‬
‫ليس لفظيا بالضرورة‪ ،‬يعين أن العالمات اليت تستعمل لغرض التواصل ليست لغوية دائما‪ 3".‬و منه‬
‫أيضا التواصل األفقي الذي يكون بني بني األفراد‪ ،‬و الذي يتم من خالل إرسال واستقبال رسائل‬

‫‪ 1‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم اإلتصال‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪32‬‬
‫‪ 2‬أبو عرقوب ‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪23‬‬
‫‪ 3‬توشيهيكو ايزوتسو‪ ،‬اهلل واإلنسان يف القرآن (علم داللة الرؤية القرآنية للعامل) ترمجة‪ ،‬هالل حممد اجلهاد‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪249‬‬
‫‪52‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫بدون ألفاظ و مباين ‪.‬و هو " لغة اإلشارات و أعضاء اجلسم"‪ ،1‬فهنا يتم التعبري عن املعاين بواسطة‬
‫رموز على شكل إشارات و حركات‪ ،‬ال بواسطة الكالم‪.‬‬

‫‪ 1-2-‬خصائص التواصل غري اللفظي‪:‬‬

‫يتميز هذا النوع من التواصل باخلصائص التالية ‪:‬‬

‫" * تتحكم فيه ضرورات أو عوامل بيولوجية‪.‬‬

‫* لغة االتصال غري اللفظي عاملية ‪ ،‬فاالبتسامة مثال تعين نفس الشيء لكل الناس يف العامل ‪ ،‬ولكن‬
‫هناك بعض الرموز خيتلف معناها من ثقافة إىل أخرى‪.‬‬

‫* نتعلم االتصال غري اللفظي يف مرحلة متقدمة أو مبكرة من احلياة بعد الوالدة مباشرة عن طريق‬
‫التنشئة االجتماعية فالطفل يتعلم اإلشارات مثل االبتسامة و العبوس قبل أن يتكلم أو يكتب‬
‫فاالتصال غري اللفظي يسبق االتصال اللفظي يف عملية التنشئة االجتماعية‪.‬‬

‫* يعتقد عدد كبري من العلماء بأن االتصال غري اللفظي مفعم بالعواطف أو ميكن أن يناشد‬
‫‪2‬‬
‫العواطف بقوة ‪ ،‬فهو أصدق تعبريا عن املشاعر و األفكار من االتصال اللفظي "‬

‫فاالتصال غري اللفظي يلجأ صاحبه إىل استعمال لغة اإلشارة و احلركة واليت هلا معان‪ ،‬عوضا عن‬
‫الكالم أو التلفظ‪.‬‬

‫و يف ما يلي خمطط يوضح أساليب االتصال‪:‬‬

‫‪ 1‬أبو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪،‬ص‪23‬‬
‫‪53‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫مخطط حوصلي ّيوضح أساليب التواصل‪:‬‬

‫التواصل اللغوي ‪ :‬يعتمد منظومة رموز حتمل معاين‬

‫التواصل غري اللفظي‪:‬‬ ‫التواصل اللفظي‪:‬‬


‫‪-‬الوحي غري لفظي‬ ‫املنطوق‪ ،‬املكتوب‪ ،‬الوحي‬
‫‪ -‬اإلشارات( الصم ‪ ،‬البكم) ‪،‬‬ ‫اللفظي‪.‬‬
‫‪ -‬الصمت‬
‫‪ -‬اإليقاع املوسيقي للصوت‬
‫‪ -‬حركات أعضاء اجلسم‪ :‬الرأس‪ ،‬العينني‪،‬‬
‫اليدين‪ ،‬قسمات الوجه ‪.....‬اخل‬

‫حيتكم للنواحي البيولوجية‬


‫حيتكم لقواعد اللغة‬
‫و املزاجية للفرد‪،‬و العينية‬

‫التعبري عن املشاعر ‪ ،‬و األفكار بواسطة ‪:‬الكالم ‪،‬‬


‫الكتابة‪ ،‬و بلغة اإلشارة ‪،‬و حركات اجلسم (حركات‬
‫الرأس ‪ ،‬و اليدين و العينني ‪).....‬و ذلك قصد التواصل‬
‫و التفاهم و التعاطي مع اآلخر‪.‬‬
‫(الشكل ‪)2:‬‬

‫‪54‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫نماذج االتصال‪:‬‬ ‫‪-5‬‬

‫من أجل دراسة وحتليل العملية التواصلية ‪ ،‬جلأ الباحثون يف هذا احلقل إىل تقسيمها إىل‬
‫عناصر‪( :‬مرسل‪ ،‬رسالة‪ ،‬مستقبل واستجابة)‪ .‬مث وضعوا هذه العناصر يف مناذج أو نظريات متعددة‬
‫حبيث تقوم هذه النماذج‪ ،‬برتتيب و تنظيم ‪ ،‬و إجياد العالقة القائمة بني عناصر العملية التواصلية‪.‬‬

‫و" تستعمل هذه النماذج بصفتها خمططات توضيحية للعملية االتصالية ‪ ،‬و قواعد اسرتاتيجية‬
‫لبناء الرسالة و تصميمها لقياس مدى اتصالية اخلطاب ‪ ،‬و ديناميته و ضبط جناحه االتصال‬
‫وانسجام عناصره و أطرافه "‪ ،1‬و يف ما يلي بعض النماذج اليت أن توضح العملية التواصلية‪.‬‬

‫‪ -1-5‬نموذج السويل ‪) Lasswell(:‬‬

‫هو هارولد دوايت السويل ‪ ، Harold Dwight Lasswell‬عامل اجتماعي وسياسي‬


‫أمريكي ( ‪ 13‬فرباير ‪18 - 1902‬ديسمرب ‪ ،)1978‬يقول لكي نفهم عملية االتصال جيب‬
‫اإلجابة على " مخسة أسئلة حمورية لتحديد عناصر التواصل هي ‪ :‬من يقول ؟ ماذا يقول ؟ بأية‬
‫وسيلة؟ و ملن يقول؟ و ما أثر قوله؟ "‪ ، 2‬فلقد اهتم كثريا "بتأثري العملية االتصالية على املستقبل ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ألن جل تركيزه كان منصب على دراسة و حتليل حمتوى الدعاية السياسية‪ ،‬و الرأي العام يف أمريكا"‬

‫‪ 1‬غمشي بن عمر‪،‬سيميولوجية اإلتصال يف اخلطاب الديين ‪ ،‬خمطوط أطروحة دكتوراه‪ ،‬إشراف لعقاب حممد‪ ،‬نوقشت جبامعة‬
‫اجلزائر‪،3‬كلية العلوم السياسية و اإلعالم ‪ ،‬قسم علوم اإلعالم و اإلتصال‪،‬سنة ‪ ،2011/2010‬ص‪70‬‬
‫‪ 2‬ابراهيم حسن أبوحسنية‪ ،‬التواصل يف القرىن الكرمي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪29‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم أبو عرقوب ‪ ،‬الغتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪61‬‬
‫‪55‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫مخطط توضيحي لنموذج السويل لالتصال‬

‫رسالة‪ :‬ماذا يقول ؟‬

‫تأثري‪ :‬ما أثر القول ؟‬ ‫مستقبل‪ :‬ملن يقول؟‬


‫مصدر ‪ ،‬مرسل‪ :‬من يقول؟‬

‫قناة‪ :‬بأي وسيلة؟‬

‫(الشكل رقم‪)3‬‬

‫‪ -2-5‬نموذج آسجود و شرام ‪) osgeed and schramm(:‬‬

‫" لقد وضع هذا النموذج الدائري كل من شرام و آسجود يف سنة ‪1959‬م‪ ،‬و حيتوى على‬
‫ثالثة عناصر ‪ :‬مرسل و رسالة و مستقبل ‪ ،‬و يبني هذا النماذج أن هناك متاثال أو تساويا بني سلوك‬
‫املستقبل يف أثناء عملية االتصال"‪، 1‬و تتم العملية التواصلية وفق هذا النموذج كما يلي‪ ":‬تكون يف‬
‫ذهن املرسل فكرة أو أفكار يريد أن يوصلها للمستقبل ‪ ،‬فيقوم بتحويلها إىل رموز(كلمات منطوقة أو‬
‫مكتوبة أو اشارات يضعها يف رسالة‪ ،‬و يرسلها للمستقبل ‪ ،‬فيقوم باستقباهلا و حتويلها إىل رموز‬
‫وترمجتها أو تفسريها ‪ ،‬حىت يفهم معىن الرسالة "‪ .2‬و الشكل التايل يوضح هذا النموذج‪:‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم أبو عرقوب‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪62‬‬
‫‪ 2‬إبراهيم أبو عرقوب‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 62‬بتصرف‬
‫‪56‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬
‫‪1‬‬
‫مخطط توضيحي لنموذج آسجود و شرام‬

‫رسالة‬

‫محلل الرموز‬
‫صائغ الرموز‬
‫مفسر الرموز‬
‫مفسر الرموز‬
‫صائغ الرموز‬
‫محلل الرموز‬

‫رسالة‬

‫(الشكل رقم‪)4‬‬

‫‪ -3-5‬نموذج روس ( ‪)ROSS‬‬

‫" لقد قام بوضع هذا النموذج سنة ‪1965‬م‪ ،‬و حيتوي على مخسة عناصر رئيسية تشبه إىل حد ما‬
‫منوذج السويل‪.‬و يوضح هذا النمودج أن عملية اإلتصال تتأثر مبشاعر و اجتاهات و معلومات كل‬
‫من املرسل كمصدر و مفسر الرسالة ‪ ،‬و املستقبل كمحلل و مفسر للرسالة‪ ،‬فمثال إذا كانت رسالة‬
‫املرسل غري دقيقة فإن املستقبل ال يستطيع أن يفسرها و يفهما بشكل دقيق كذلك ‪ ،‬وو سبب ذلك‬
‫‪2‬‬
‫أن الرسالة الواصلة للمستقبل خمتلفة بعض الشيئ عن الرسالة األصلية اليت أرسلها املرسل"‬

‫‪1‬‬‫‪Alan Wells. Mass media and society : introduction,(Palo alto, national press‬‬
‫‪books 1972)p.185‬‬
‫‪ 2‬إبراهيم ابو عرقوب ‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 65-64‬بتصرف طفيف‬
‫‪57‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫و ميكن أن نوضح هذا النموذج باملخطط التايل ‪:‬‬

‫مخطط توضيحي لنموذج روس‪:1‬‬

‫مرسل‬
‫صائغ الرموز‪/‬مصدر‬
‫رسالة‬ ‫مستقبل‬
‫سمعية‬
‫بصرية‬
‫حملل رموز‬
‫شعور‬

‫مشاعر‬ ‫رموز‬ ‫مشاعر‬


‫اتجاهات‬ ‫لغة‬ ‫اتجاهات‬
‫معلومات‬ ‫صوت‬ ‫معلومات‬

‫(الشكل رقم ‪)5‬‬

‫ملحوظة‪" :‬يرتبط هذا النموذج باالتصال النفسي‪ ،‬والتأثري يف مشاعر وسلوكياهتم‪ ،‬وتغيري اجتاهاهتم‬
‫‪2‬‬
‫وقيمهم النفسية"‬

‫‪1-Jean c.Bradly and mark A.Edinberge, communication in the nurising,(New‬‬


‫‪York:Appleton-century-crofts1982)p.7‬‬
‫‪2‬غمشي بن عمر‪ ،‬سيميولوجية اإلتصال يف اخلطاب الديين ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪72‬‬
‫‪58‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -4-5‬نموذج ديفيد بيرلو‬

‫لقد اهتم ديفيد بريلو‪ D.Berlo‬بتحليل العملية االتصالية على ضوء عناصرها األربعة وهي‬
‫"املصدر و الرسالة ‪ ،‬و الوسيلة ‪ ،‬و املستقبل أو املتلقي ‪ ،‬و مل يتعرض إىل رد الفعل أو رجع الصدى‪،‬‬
‫و لذلك فإن االتصال يف منوذج بريلو يسري يف اجتاه واحد‪ ، 1".‬لكن يف هذا النموذج جيب أ‪ ،‬تتوفر‬
‫شروط لكي يتم االتصال بسالسة و هي‪:2‬‬

‫‪ -‬أن يكون املرسل متأكد من كفاية معلوماته ووضوحها‬

‫‪ -‬أن يكون ترميز الرسالة على درجة كافية من الدقة و أن تكون اإلشارات و العالمات‬
‫قابلة لالنتقال بسرعة و كفاية و دقة بغض النظر عن التداخل و املنافسة‪.‬‬

‫‪ -‬أن تفسر الرسالة تفسريا يتفق مع ما كانت تقصده عملية اإلعداد الرمزي‪.‬‬

‫‪ -‬أن تعاجل الوجهة أو مقصد التفسري الرمزي لرسالة حبيث حتدث االستجابة املرغوبة‬

‫مخطط توضيحي لنموذج ديفيد بيرلو‪:‬‬

‫املصدر‬ ‫الرسالة‬ ‫الوسيلة‬ ‫املتلقي‬

‫(الشكل رقم ‪)6‬‬

‫‪ 1‬منال طلعت حممود ‪ ،‬مدخل إىل علم اإلتصال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪77‬‬
‫‪2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪77‬‬
‫‪59‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫ملحوظة ‪ :‬االتصال هنا خطي و ال يهتم بالتغذية الراجعة أو االرتدادية‪ ،‬فاألمر مرتبط بالكفاية‬
‫والوضوح سواء عند املرسل ‪،‬أو املتلقي ‪ ،‬و الرسالة ‪.‬‬

‫‪ -5-5‬نموذج نموذج شانون و ويفر‪:‬‬

‫هذا النموذج الذي وضعه شانون‪ ،‬رفقة مساعده ويفر ‪ ،‬يطابق منوذج السابق لديفيد بريلو ‪ ،‬الذي‬
‫يعرف عملية اإلتصال كوهنا مساريه خطية ‪ ،‬فقط هنا يضيف شانون عنصر التشويش الذي يعيق‬
‫العملية التواصلية‪ .‬و املخطط التايل يوضح هذا النموذج‪.‬‬

‫مخطط توضيحي لنموذج شانون و ويفر‪:1‬‬

‫مصدر‬ ‫جهاز‬ ‫المستقبل‬ ‫الوجهة‬


‫المعلومات‬ ‫ارسال‬

‫رسالة‬ ‫اثارة‬ ‫اإلشارة‬ ‫رسالة‬

‫التشويش‬
‫الواصلة‬

‫( شكل رقم ‪)7‬‬

‫‪1 Denis McQuail ,and Sven Windahi ,Communication Models for the study of mass‬‬
‫‪communication,p12‬‬
‫‪60‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -6-5‬نموذج االتصال اإلسالمي‪:‬‬

‫لقد قام " املدرب األردين " ابراهيم أبوعرقوب اشتقاق هذا النموذج من القرآن ‪ ،‬فرياه " منوذج شامل‬
‫و ميكن تطبيقه أو استخدامه يف تفسري و حتليل مجيع أنواع عمليات االتصال ‪ ،‬إنه النموذج‬
‫االسالمي الشامل الذي تقوم عليه عناصر العملية االتصالية االسالمية العاملية "‪ 1‬و لقد حدد ابراهيم‬
‫أبوعرقوب عناصر العملية االتصالية اإلسالمية هذه إىل ‪:‬‬

‫‪ ‬المرسل وهو اهلل‬

‫‪ ‬الرسالة و هي القرآن العظيم‬

‫‪ ‬الرسول ‪ :‬هو محمد صلى اهلل عليه و سلم‬

‫‪ ‬المستقبل ‪ :‬كل الناس ‪ ،‬ألن اإلسالم رسالة عاملية‬

‫‪ ‬االستجابة ‪ :‬قبول الرسالة أو رفضها‬

‫‪ ‬التأثير‪ :‬حتقيق هدف االتصال‬

‫أي جمال بني الفاعليني االجتماعيني ال خيلو من مشاكل تعوقه‬


‫أي اتصال يف ِّ‬
‫إن َّ‬
‫و حتد من فاعليته ‪ ،‬سواءً كانت عوائق نفسية أو ايديولوجية ‪ ،‬اجتماعية ثقافية ‪ ،‬اقتصادية ‪..‬اخل "‬
‫ويف جمال التواصل الديين ‪ ،‬فإن تلك العوائق تُطرح حبدة و باستعجال ‪،‬ألهنا تتحول إىل اسرتاتيجية‬
‫بالنظر إىل وظيفة اخلطاب الشرعي اليت ال تقتصر على اإلرسال و التلقي ‪ ،‬بل تتعداه إىل اإلقناع‬
‫والتأثري والتصديق"‪ ،2‬فرسالة حممد ‪-‬صلى اهلل عليه و سلم ‪ -‬رسول اإلسالم‪ ،‬املتمثلة يف القرآن‬

‫‪ 1‬إبراهيم ابو عرقوب‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪71‬‬
‫‪ 2‬شطيبة عبدالرحيم ‪،‬حماضرات يف التواصل الديين ‪ ،‬منتدى القرويني للرتمجة املتخصصة‪ ،‬املوقع اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪ ، www.chariaafest.com‬تاري االطالع ‪ 2015/08/16‬على الساعة ‪15:24‬‬
‫‪61‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫الكرمي وسنته الشريفة الشارحة و املبينة لكليات النص القرآين ‪ ،‬إىل موجهة إىل العاملني‪ ،‬فهي رسالة‬
‫لإلنسانية مجعاء إىل هنايتها‪ ،‬فهي خامتة الرساالت السماوية املوجهة لدنيا الناس‪ ،‬ويف ما يلي نقدم‬
‫النموذج االتصايل االسالمي الذي قدمه الباحث إبراهيم ابو عرقوب‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬
‫‪1‬‬
‫مخطط توضيحي لنموذج االتصال االسالمي عند ابراهيم أبو عرقوب‬

‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫﴿اللَّـهُ نُ ُ‬
‫المصدر‬
‫ض‪﴾...‬‬ ‫ور َّ َ َ‬
‫هللا‬
‫المرسل‬

‫القرآن‬ ‫الرسالة‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿فَآمنُوا بِاللَّـه َوَر ُسوله َوالنُّوِر الَّذي أ َ‬
‫َنزلْنَا﴾‬

‫االستجابة‬

‫﴿ و داعيا إىل اهلل بإذنه و سراجا منرياً ﴾‬ ‫الرسول‬ ‫الواسطة‬


‫صلى هللا‬
‫عليه و سلم‬

‫ال ُمستقبل‬
‫كلّ الناس‬

‫َّاس بَ ِش ًريا َونَ ِذ ًيرا﴾‬


‫اك إَِّال َكافَّةً لِّلن ِ‬
‫﴿ َوَما أ َْر َس ْلنَ َ‬

‫التأثير‬

‫( شكل رقم ‪)8‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم ابو عرقوب‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪72‬‬
‫‪63‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫خالصة‪:‬‬

‫هناك مناذج أخرى لعملية التواصل االجتماعي اإلنساين كنموذج ديفلور‪ ،‬و منوذج روالن بارت‬
‫و منوذج فليب بروتون‪ ،‬فكلها عبارة عن خطاطات منوذجية أولية يف حتديد مفهوم التواصل ‪ ،‬و تبني‬
‫العناصر الرئيسية له من مرسل ‪ ،‬و رسالة ‪ ،‬و وسيلة ‪ ،‬و مرسل إليه ‪ ،‬و استجابة و تأثري و العالقة‬
‫احلاصلة بينها ‪ " ،‬و تساعدنا هذه النماذج يف شرح و حتليل العمليات االتصالية املعقدة و تبسيطها‬
‫وكذلك يف التنبؤ مبسار األحداث و تبسيطها‪ ،‬و كذلك يف التنبؤ مبسار األحداث أثناء االتصال مما‬
‫ميكننا من وضع فرضيات للبحث يف جمال االتصال"‪ ، 1‬و يعترب التواصل الديين إحدى هذه اجملاالت‬
‫اليت حنن بصدد البحث فيه‪.‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم أبوعرقوب ‪ ،‬االتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل االجتماعي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪74‬‬
‫‪64‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مفاهيم عا ّمة حول الدين‬

‫الدين يف اللغة و اإلصالح‪:‬‬

‫‪ -1‬في اللغة‪:‬‬

‫‪ 1-1‬في اللغة العربية‪:‬‬

‫هناك مدلوالت و معاين متعددة ملفردة الدين منها‪:‬‬

‫أ‪ .‬االنقياد والطاعة‪:‬‬

‫‪ -‬دين‪" :‬الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها‪ ،‬وهو جنس من االنقياد والذل‪،‬‬
‫فالدين‪ :‬الطاعة‪ ،‬يقال دان له‪ ،‬يدين‪ ،‬دينا إذا أصحب وانقاد وطاع"‪.1‬‬

‫ب‪ .‬الثواب والعقاب‪:‬‬

‫جاء يف لسان العرب‪" :‬والدِّين‪ :‬اجلزاء واملكافأة‪ ،‬ودنته بفعله دينا جزيته"‪.2‬‬

‫ج‪ .‬العادة والشأن واحلال‪:‬‬

‫قال الراغب يف مفرداته‪" :‬والدين ويقال للطاعة واجلزاء واستعري للشريعة‪ ،‬والدين كامللة‪ ،‬لكنه‬

‫يقال اعتبارا بالطاعة واالنقياد للشريعة‪ ،‬قال‪{ :‬إن الدين عند اهلل اإلسالم} [آل عمران ‪-‬‬

‫‪ 1‬أيب احلسن أمحد بن فارس‪ ،‬ترتيب معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.376‬‬
‫‪ 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬جملد‪ ،7‬مرجع سابقن ص ‪.759‬‬
‫‪65‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ ،]-19‬وقال {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه هلل وهو حمسن} [النساء ‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫‪]125‬‬

‫‪ -2-1‬في اللغة األجنبية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬يف اللغة الفرنسية ‪:‬‬

‫لقد ورد يف قاموس " ‪ " FLAMMARION‬أن الدين هو " جمموعة من العقائد و املمارسات ‪،‬‬
‫اليت تنظم العالقات بني االنسان و القوة الكونية "‪2‬‬

‫ب‪ -‬يف اللغة اإلجنليزية‪:‬‬

‫"الدين ‪-1 :‬االميان بوجود اهلل او آهلة و ما يرتبط معها من أنشطة يف عبادهتا ‪-2.‬أحد نظم‬
‫االعتقاد اليت هي مؤسسة على االميان بوجود إاله معني أو عدة آهلة‪ :‬الدين اليهودي ‪ ،‬املسيحية‬
‫‪3‬‬
‫اإلسالم ‪ ،‬و ديانات العامل األخرى"‬

‫إذن من خالل املدلول اللغوي العريب واألجنيب‪ ،‬يتبني أن املعىن اللغوي للدين يتمثل يف االنقياد‬
‫والطاعة ‪ ،‬والذل لربط عالقة جيدة و قوية و مستمرة مع اهلل‪ ،‬بغية حتقيق املكافأة و جلب رضاه‬

‫‪ 1‬راغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪2 Bruno Bourdon ,Flammarion de la langue française, Jouve 18, rue St Denis ,‬‬
‫‪1999 paris ,p1073‬‬
‫‪3 Oxford Advanced learner’s Dictionary ,(2006) the seventh new edition‬‬
‫‪oxford university.p1279‬‬
‫‪66‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪.2‬الدين في االصطالح‪:‬‬

‫كم هي متنوعة ومتعددة تلك املعتقدات الدينية عند البشر "حبيث ال يستطيع الباحثون‬
‫والدارسون إعطاء تعريف جامع مانع للدين"‪ ،1‬فاملعتقدات والقيم الدينية عند اجملتمعات التقليدية‬
‫(البدائية) واجملتمعات األكثر ارتقاءً (أصحاب الديانات السماوية) خمتلقة متاما‪ ،‬بل يصل بنا األمر إىل‬
‫أن جند تصور الدين خمتلف عند أفراد اجملتمع الواحد‪ ،‬بل خمتلف حىت عند الفرد نفسه‪ ،‬وذلك عرب‬
‫مراحل حياته املختلفة حبيث "يف كل مرحلة من العمر خيتلف تأثري الدين فيها عن غريها من‬
‫املراحل"‪ ،2‬فالدين كظاهرة اجتماعية "خيضع إلميان الشخص الذي يضع التعريف وبالتايل يصعب‬
‫وضع تعريف يرضي مجيع الناس‪ ،‬فالدين يتناول واحدة من أقدم نقاط النقاش على األرض"‪ ،3‬و هو‬
‫" ظاهرة فكرية اجتماعية رافقت تارخييا قيام اجملتمعات البشرية ‪ ،‬فجاورت قدميا اخلرافة ‪ ،‬واألسطورة ‪،‬‬
‫ورمبا انبعثت عنهما ‪ ،‬ليس الدين جمموعة من املعتقدات فحسب ‪،‬بل ممارسات (صالة ‪ ،‬صوم ‪)...،‬‬
‫أما األديان املنزلة فقد متيزت بتشديدها على مصدرها اإلهلي ‪ ،‬فأنبياء العهد القدمي ينطقون مبا أوحى‬
‫اهلل إليهم ‪ ،‬و املسيح هو ابن اهلل املتجسد ‪...‬و القرآن هو كالم اهلل ‪ 4".‬لذا جند تعاريف الدين‬
‫خمتلفة حسب كل علم وكل ختصص وكل إيديولوجية‪ ،‬ويف ما يلي حماولة لعرض بعض هذه التعاريف‬
‫يف العلوم اإلنسانية و االجتماعية ‪ ،‬من أجل الوقوف عند أمهها يف جمال دراسات الدين‪:‬‬

‫‪ 1‬أنتوين غدنز‪ ،‬علم االجتماع (مع مداخالت عربية)‪ ،‬ت‪ :‬فايز الصياغ‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬مؤسسة ترمجان‪ ،‬ط‪ ،4‬ص‬
‫‪.569‬‬
‫‪ 2‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬جدة‪ ،‬رامتان‪ ،‬ط‪ ،1990 ،2‬ص ‪.27‬‬
‫‪ 3‬مصطفى حسيبة‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪4‬هنى حنا و آخرون ‪ ،‬موسوعة كنوز املعرفة ‪ ،‬األديان ‪ ،‬إشراف إميل بديع يعقوب‪ ، ،‬دار نظري عبود ‪ ،‬جونية ‪ ،‬لبنان‪ ،‬جملد‪،2‬‬
‫ط‪ ،2002 ،4‬ص‪238‬‬
‫‪67‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫تعريف الدين يف علم األديان‪:‬‬ ‫‪-1-2‬‬

‫يرى علماء الدين أمثال (فريديريك شالير ماخر) أن‪ ":‬الدين ال ميكن اختصاره مبظاهره‬
‫االجتماعية والثقافية اجلماعية اليت ال تشكل إال مظاهر ناجتة عن الدين وليس الدين أساسا‪ ،‬فالدين‬
‫بالنسبة هلم هو الوعي واإلدراك للمقدس وهو إحساس بأن الوجود والعامل مت إجياده بشكل غري‬
‫طبيعي عن طريق ذات فوق طبيعية تدعى اإلله أو اخلالق أو الرب"‪ ،1‬إذن يرى علماء الدين أن هناك‬
‫شعورا لدى اإلنسان بالعجز املطلق‪ ،‬يفقد معه األمان اجتاه اإلله‪ ،‬لذلك هناك عالقة بني هذا العجز‬
‫والتدين‪ ،‬وطلب األمان بعدم التخلي عن اإلميان باملقدس أو الفوقي "‪."super naturel‬‬

‫تعريف الدين عند املتصوفة‪:‬‬ ‫‪-2-2‬‬

‫يرى "محي الدين ابن عربي" أن ‪ " :‬الدين دينان ‪ :‬دين عند اهلل و عند من عرفه احلق تعاىل‬
‫ومن عرف من عرفه احلق‪ .‬و دين عند اخللق وقد اعتربه اهلل ‪.‬فالدين الذي عند اهلل هو الذي اصطفاه‬

‫اهلل و اعطاه الرتبة العليا على دين اخللق ‪...‬و هو قوله تعاىل ‪{:‬إن الدّينَ عِندَ اهلل‬

‫اإلسالَم} وهو االنقياد ‪.‬فالدين عبارة عن انقيادك ‪ ،‬و الذي من عند اهلل تعاىل هو الشرع الذي‬

‫شرعه اهلل تعاىل ‪ ...‬و هي[ النوع الثاين للدين ] النواميس احلكمية اليت مل جييء الرسول املعلوم هبا يف‬
‫العامة ‪ ،‬من عند اهلل بالطريقة اخلاصة املعلومة يف العرف ‪.‬فلما وافقت احلكمة و املصلحة الظاهرة‬
‫فيها احلكم اإلهلي يف املقصود بالوضع املشروع اإلهلي‪ ،‬اعتربها اهلل اعتبار ما شرعه من عنده‬
‫تعاىل‪.2"...‬‬

‫‪1‬مصطفى حسيبة‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬


‫‪ 2‬سعاد احلكيم‪ ،‬املعجم الصويف‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دندرة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1981 ،1‬ص ‪.478‬‬
‫‪68‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫تعريف الدين يف الفلسفة‪:‬‬ ‫‪-3-2‬‬

‫يف هذا امليدان جند الفالسفة دائما يربطون بني احلكمة والدين أو بني العقل واإلميان أو بني العقل‬
‫والوحي‪ ،‬فمثال أوغست كونت يرى "أن الدين هو الشعور بواجباتنا من حيث كوهنا قائمة على أوامر‬
‫‪1‬‬
‫إهلية سامية"‬
‫‪2‬‬
‫ويرى هيغل أن "الدين فن باطين يصور لنا احلقيقة اإلهلية من الداخل عن طريق الشعور الباطين"‬
‫ويرى أيضا أن "التدين عنصر أساسي يف تكوين اإلنسان وجزء من ماهيته‪ ،‬بل اإلنسان وحده هو‬
‫الذي ميكن أن يكون له دين"‪ ،3‬إذن فأصحاب هذا االجتاه يرون أن احلكمة (الفلسفة أو العقل)‬
‫والوحي مها وسيلتنا لتحصيل املعرفة‪ ،‬وهذه الثنائية هي صادرة من أصل واحد انبثقتا منه أال وهو اهلل‬
‫‪4‬‬
‫"فإن اهلل هو الذي أودع العقل يف اإلنسان‪ ،‬وهو الذي أعلن للناس حقائق الوحي"‬

‫ولقد جاء كذلك يف موسوعة الالند أن "الدين ‪ Religion‬مؤسسة اجتماعية متميزة‬


‫بوجود إيالف من األفراد املتحدين‪:‬‬

‫‪-‬بأداء بعض العبادات املنتظمة وباعتماد بعض الصيغ‪.‬‬

‫‪-‬باالعتقاد يف قيمة مطلقة ال ميكن وضع شيء آخر يف كفة ميزاهنا‪ ،‬وهو اعتقاد هتدف اجلماعة إىل‬
‫حفظه‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ /28‬عن أمحد اخلشاب االجتماع الديين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة القاهرة‬
‫احلديثة‪ ،1964 ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ 2‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪/.29‬عن زكريا ء إبراهيم‪ ،‬مشكلة الفلسفة‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫‪ 3‬إلياس بلكا‪ ،‬الغيب والعقل‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪69‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪-‬بتنسيب الفرد إىل قوة روحية أرفع من اإلنسان‪ ،‬وهذه ينظر إليها كقوة منتشرة‪ ،‬وإما كثرية وإما‬
‫‪1‬‬
‫وحيدة‪ ،‬هي اهلل‪.‬‬

‫تعريف الدين يف علم النفس‪:‬‬ ‫‪-4-2‬‬

‫يرى دعاة هذا امليدان أن القيم واملعتقدات الدينية املكونة للجماعات‪ ،‬تضفى مبيزة خاصة‬
‫هي اإلحساس الديين‪ ،‬حيث يرى (جوستاف لوبون) "إن اعتقاد اجلماعات يصطبغ بصبغة خاصة‬
‫هي الشعور الديين"‪ ،2‬حبيث يكون هذا الشعور باعث ألن يتوهم الفرد "ذات قوية" هي فوق مجيع‬
‫الذوات‪ ،‬تستحق اخلضوع التام ألوامرها ونواهيها واخلوف من هذه الذات اخلفية القوية‪ ،‬وال يتوقف‬
‫األمر هنا‪ ،‬بل جيب معاداة من ال حيرتمها" ومىت تكيف الشعور هبذه الصفة فهو من طبيعة الشعور‬
‫الديين"‪ ،3‬لكن ما هو مهم بالنسبة لبحثنا‪ ،‬هو تعريف (ريفيل) حيث يقول‪ ":‬الدين بأنه حتقيق احلياة‬
‫اإلنسانية بواسطة اإلحساس بأن رباطاً يصل الروح اإلنسانية بالنفس اخلفية اليت تعرتف األوىل مبا‬
‫للثانية من سلطان على العامل وعليها‪ ،‬واليت جيب أن تكون شاعرة باالتصال دائما"‪.4‬‬

‫إذن هناك روح اإلنسان وهناك الروح اخلفية املطلقة‪ ،‬وجيب على روح األوىل أن تسلم للثانية‬
‫بسلطاهنا عليها وعلى الوجود وجيب أن تكون دائما شاعرة بالتواصل معها بشكل دائم ومستمر‪،‬‬
‫وعليه يعترب الدين من وجهة النظر النفسية عامال مهما يف شخصية الفرد لتحقيق التوازن النفسي‪.‬‬

‫‪ 1‬أندريه الالند‪ ،‬املوسوعة الفلسفية‪ ،‬جملد ‪ ،3‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1204‬‬


‫‪ 2‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪/31‬عن سامي النشار‪ ،‬نشأة الدين‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪70‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫تعريف الدين يف األنثروبولوجيا‪:‬‬ ‫‪-5-2‬‬

‫إن أهم تعريف جنده يف احلقل األنثروبولوجي للدين ‪ ،‬هو ذلك املفهوم الذي قدمه "غريتز" ‪،‬‬
‫وذلك عندما أقحم " البعد الثقايف يف التحليل الديين"‪ ،1‬فهو يرى أن الدين عبارة عن " نظام من‬
‫الرموز يعمل إلقامة حاالت نفسية و حوافز قوية و شاملة و دائمة يف الناس عن طريق صياغة‬
‫مفهومات عن نظام عام للوجود وإضفاء الواقعية على هذه املفهومات حبيث تبدو هذه احلاالت‬
‫النفسية واحلوافز واقعية بشكل فريد"‪ ،2‬وبواسطة هذه األشكال الرمزية " يتواصل الناس وهبا يستدميون‬
‫ويطورون معرفتهم حول احلياة وموقفهم عنها"‪ ،3‬وهكذا يكون "غريتز" قد ركز على احلياة االجتماعية‬
‫الواقعية للناس وتداوهلم للمعاين واملفاهيم والرموز الدينية‪ ،‬ونظرهتم للكون ‪ ،‬يف تعريف "الدين"‪.‬‬

‫تعريف الدين يف علم االجتماع‪:‬‬ ‫‪-6-2‬‬

‫للدين أيضا وجهة اجتماعية صرفة‪ ،‬قد تعرض إليها العلماء املختصني يف هذا احلقل‪ ،‬أمثال‬
‫جوبلي الفييال‪ ،‬ماك إيفر‪ ،‬شاتل‪ ،‬فريزز‪.‬فريى كوبلي الفييال‪ " :‬أن الدين هو الطريقة اليت حيقق هبا‬
‫‪4‬‬
‫اإلنسان عالقاته مع الطاقات فوق اإلنسانية‪ ،‬أو اخلارقة أو اخلفية واليت يعتقد يف محايتها"‬

‫أما "ماك إيفر‪ ،‬وشارل بيج يعرفان الدين بأنه عالقة ال تقوم بني إنسان وإنسان آخر‪ ،‬ولكن تقوم‬
‫كذلك بني اإلنسان وقوة ما أعلى منه"‪.5‬‬

‫‪ 1‬زكريا ابراهيم ‪،‬كليفورد غريتز و التأويل األنثروبولوجي للدين ‪،‬مؤمنون بال حدود للدراسات و األحباث ‪ ،‬حبث حمكم نُشر يف‬
‫‪ 25‬يوليو‪ ،2016‬ص ‪ ،2‬املوقع على النت‪ www.mominoun.com :‬أطلع عليه يوم ‪.2016/09/10‬‬
‫‪ 2‬كليفورد غريتز ‪،‬تأويل الثقافات ‪،‬ترمجة حممد بدوي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬ط‪،1‬بريوت‪،2009،‬ص‪277‬‬
‫‪ 3‬زكريا ابراهيم ‪،‬كليفورد غريتز و التأويل األنثروبولوجي للدين ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪15‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 5‬عبد اهلل اخلرجيي‪ ،‬علم االجتماع الديين‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪/32‬عن ‪la grande encyclopédie tome vingt‬‬
‫‪huitième paris, p346.‬‬
‫‪71‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫لكن ال ميكن لنا التعرض للدين من الوجهة االجتماعية بدون الرجوع إىل زعيم املدرسة الفرنسية إمييل‬
‫دوركامي الذي يرى " أن الدين هو عبارة عن جموعة متماسكة من العقائد والعبادات املتصلة بالعامل‬
‫املقدس واليت تنظم سلوك اإلنسان حيال هذا العامل حبيث تؤلف هذه اجملموعة وحدة دينية تنظم كل‬
‫من يؤمنون هبا"‪.1‬إذن يرى "دوركامي" أن الدين يرتكب من عنصرين أساسني مها‪ :‬العقيدة‪ ،‬والشعائر‬
‫واليت يكون هبا اإلنسان جسر للتواصل مع اهلل ‪.‬‬

‫فعلى الرغم من اختالف وجهات النظر ‪،‬حول تعريفات الدين السابقة‪ ،‬عند العلماء‬
‫والباحثني املشتغلني يف حقل العلوم اإلنسانية و االجتماعية ‪ ،‬فإنه " ميكن اعتبار الدين منهجاً يف‬
‫احلياة ‪ ،‬تتبعه كل مجاعة أو يرتضيه كل جمتمع ‪ ،‬على اعتبار أن هناك ارتباطا وثيقا بني طبيعة النظام‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعي وطبيعة التصور االعتقادي‪".‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫من خالل كل ما سبق يتضح لنا أن الدين كظاهرة اجتماعية يضع تبعية للحياة اإلنسانية بأن‬
‫يكون هلا إحساس أو عالقة أو اتصال ميتافيزيقي ‪،‬بني اإلنسان ( املخلوق) وبني اهلل (اخلالق) وهو ما‬
‫نسميىه باالتصال العمودي ‪ ،‬واتصال آخر يكون أفقي و اقعي اجتماعي إمربيقي‪ ،‬ميثل مجيع‬
‫العالقات و التفاعالت بني اجملموعة البشرية حتقيقا لتواصلهم املستدام‪.‬‬

‫‪1 E.Dourkheim, les formes élémentaires de la vie religieuse, F.Alcan, Paris, 1927,‬‬
‫‪P65.‬‬
‫‪2‬عبد اهلل اخلرجيي ‪ ،‬علم االجتماع الديين ‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪35‬‬
‫‪72‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫التعريف اإلجرائي للدين‪:‬‬

‫املراد بالدين من وجهة نظر هذا البحث‪ :‬هو جمموعة من املعتقدات والشرائع األخالقية‬
‫والعبادات‪ ،‬األحكام الفقهية املستنبطة من القرآن الكرمي وما يوافقه من السنة النبوية الشريفة‬
‫الصحيحة شرحا وتبياناً وتوضيحاً‪ ،‬واليت يسمو هبا اإلنسان‪ ،‬ويستقيم سلوكه‪ ،‬وصوال إىل تأسيس‬
‫عالقة متينة ودائمة مع اهلل اخلالق من جهة‪ ،‬وبناء العالقات‪ ،‬ونسج خيوط الرتابط بني الناس على‬
‫أساس اخلري والسالم‪ ،‬والتفاهم‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والتكافل‪...‬اخل ‪ ،‬إلعمار األرض على أحسن‬
‫حال‪.‬‬

‫عناصر الدين‬

‫استنادا إىل التعاريف االصطالحية اليت مرت بنا ‪ ،‬و اليت حاول العلماء من خالهلا اإلحاطة‬
‫العلمية مبفهوم الدين ‪ ،‬نستشف أنه " يعتمد قيام األديان على عنصرين ‪ :‬أحدمها نظري ‪ ،‬يتمثل يف‬
‫األفكار و املعتقدات الدينية ‪ ،‬و يتمثل اآلخر كعنصر عملي يف الطقوس املختلفة اليت يقومون هبا‬
‫‪1‬‬
‫ويطبقوهنا و يفعلوهنا يف املناسبات الدينية "‬

‫‪-1‬العنصر األول ‪:‬‬

‫و هو العنصر النظري للدين‪ ،‬أو اجلانب االعتقادي له‪ ،‬و الذي يتمثل يف جمموعة من‬
‫األنظمة و األفكار و املعتقدات للسيطرة عن طريق األمر و النهي‪.‬و هذا العنصر من الدين هو "‬
‫خارجي و قائم يف اجملتمع قبل ظهور األفراد‪ ،‬فهم خيرجون إىل احلياة اليومية جيدونه سابقا لظهورهم‬

‫‪1‬عبد اهلل اخلرجيي ‪ ،‬علم االجتماع الديين ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪84‬‬


‫‪73‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫و يأخذون به "‪ ،1‬و يبقى هذا اجلانب النظري من الدين يعرب عن كل فكرة أو عقيدة مرتبطة بالقوة‬
‫اإلهلية اخلفية املقدسة و اخلارقة ‪ ،‬واليت تسعى إىل تنظيم سلوكيات البشر يف اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -2‬العنصر الثاني ‪:‬‬

‫وهو العنصر العملي للدين ‪ ،‬أو اجلانب التطبيقي له ‪،‬والذي يشمل جمموعة من الطقوس أو‬
‫الشعائر التعبدية اليت يقوم هبا املتدينون إما مجاعة يف املؤسسة الدينية (معبدا ‪ ،‬أو كنيسة ‪ ،‬أو‬
‫مسجدا‪)..‬أو أشتاتا يف دورهم اخلاصة حيث أن اليهود مثال صالهتم "على نوعني ‪ :‬صالة فردية‬
‫وصالة مجاعية "‪ ،2‬وعند املسلمني أيضا صالة الفرائض تُستحب مجاعيا ‪ ،‬و صالة النافلة تُستحب‬
‫فرادى يف البيوت ‪" ،‬فعن عبد اهلل بن شقيق قال ‪ :‬سألت عائشة عن صالة رسول اهلل –صلى اهلل‬
‫عليه و سلم‪ -‬عن تطوعه ؟ فقالت ‪ :‬كان يُصلي يف بييت قبل الظهر أربعا ‪ ،‬مث خيرج فيصلي بالناس‬
‫مث يدخل فيصلي ركعتني ‪ .‬و كان يصلي بالناس املغرب‪ ،‬مث يدخل فيصلي ركعتني ‪ ،‬و يصلي بالناس‬
‫العشاء ‪ ،‬و يدخل بييت فيصلي ركعتني ‪. 3"...‬‬

‫‪1‬عبد اهلل اخلرجيي ‪ ،‬علم االجتماع الديين ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪84‬‬


‫‪ 2‬هنى حنا‪ ،‬رشيد فرحات‪ ،‬مريس شربل ‪،‬موسوعة كنوز املعرفة –االديان‪،-‬اجمللد الثاين ‪ ،‬دار نظري عبود‪،‬جونيه ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪،4‬‬
‫‪،2002‬ص ‪230‬‬
‫‪3‬عبد العظيم بن عبد القوي املنذري ‪ ،‬خمتصر صحيح مسلم ‪،‬مرجع سابق ص‪99‬‬
‫‪74‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫مخطط يوضح عناصر ال ّدين‬

‫الدين‬

‫العنصر العملي‪ ،‬التطبيقي‬ ‫العنصر النظري العقدي‬

‫‪ -‬الطقوس‬ ‫‪ -‬جمموعة من النظم‬

‫‪-‬عبادات(صالة‪ ،‬صوم‪)..‬‬ ‫‪ -‬األفكار‬

‫‪ -‬الشعائر‪ ،‬املناسك‬ ‫‪ -‬العقائد‬

‫(الشكل رقم‪)9‬‬

‫و ميكننا أن نستنتج يف األخري " إن القواعد الدينية قد تكون آمرة‪ ،‬أو ناهية فهي حتض على‬
‫االعتقاد واإلميان ببعض األفكار‪ ،‬وتنصح أيضا بعدم اإلميان واالعتقاد يف أفكار ومعتقدات أخرى‪،‬‬
‫هذا ما ميثل الناحية النظرية يف الدين‪ ،‬وكذلك هناك الناحية العملية وهي اخلاصة بإتيان بعض األفعال‬
‫‪1‬‬
‫والطقوس والشعائر أو عدم اإلتيان هبا أحيانا‪".‬‬

‫‪1‬عبد اهلل اخلرجيي ‪ ،‬علم االجتماع الديين ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪85‬‬


‫‪75‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫وظائف ال ّدين‪.‬‬

‫الدين كظاهرة فكرية و اجتماعية له عدة وظائف منها‪:‬‬

‫هداية الناس‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫من بني الوظائف األوىل للدين هو هداية الناس و ربطهم برهبم اخلالق لكل شيئ‪ ،‬و جتنب التيه‬
‫يف احلياة الدنيا " واملراد باهلدى‪ :‬اإلرشاد إىل اخلري"‪ 1‬حيث قال اهلل يف القرآن ‪:‬‬

‫﴿فَمَن اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴾ (طه‪.)123 :‬و أما قوله › فال يضل› فمعناه‪:‬‬

‫"أنه إذا اتبع اهلدى الوارد من اهلل على لسان رسله َسلِم من أن يعرتيه شيء من ضالل ‪ ،‬و هذا‬
‫مأخوذ من داللة الفعل يف حيز النفي على العموم كعموم النكرة يف سياق النفي‪ ،‬أي فال يعرتيه‬
‫ضالل يف الدنيا "‪ ،2‬و معىن قوله ‹ ال يشقى› كما قال طاهر بن عاشور" هو شقاء اآلخرة ألنه إذا‬
‫سلم من الضالل يف الدنيا سلم من الشقاء يف اآلخرة"‪ ،3‬إذن ال تستقيم حياة اإلنسان دون أن يربط‬
‫عالقة قوية بربه و ذلك عن طريق إتباع هداية اخلالق ‪ ،‬و من أجل هداية البشر أُنزلت الكتب‬
‫وشرعت الشرائع و بُعثت الرسل ‪ ،‬فاإلنسان "إذا ارتبط بربه صار للحياة معىن ولون معني ومذاق‬
‫ُ‬
‫معني‪ ،‬إذا انفصل عن ربه وانقطع وتاه يف هذا الكون صار عبثا وصار ضالال وصار ظالما مهما فعل‬
‫إىل آخره‪ ،‬فهذا من معاين اهلداية وبعد ذلك يتبع ما أمره به‪ ،‬يرتبط به"‪ ، 4‬إذن فهداية الناس و تبني‬
‫الطريق القومي هو أحد أهم وظائف الدين ‪ ،‬و جتنب التيه يف هذا العامل‬

‫‪ 1‬حممد طاهر ابن عاشور ‪ ،‬تفسري التحرير و التنوير ‪ ،‬اجلزء السادس عشر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪330‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪330‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص‪331‬‬
‫‪ 4‬أمحد الريسوين ‪ ،‬وظائف الدين‪ ،‬برنامج الشريعة و احلياة ‪ ،‬قناة اجلزيرة بثت يوم ‪ 2010/3/16‬املوقع على النت‪:‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/programs/religionandlife‬‬
‫‪76‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫سعادة الناس‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫إن الكتب السماوية اليت أنزهلا اهلل على رسله ليبلغوها للناس حتمل النور الكثري هلم و من‬
‫أجل إسعادهم ‪"،‬وهناك آيات كثرية تصف القرآن والتوراة واإلجنيل بأن هذه الكتب نور وأنزلت نورا‬

‫"‪1‬حيث يقول اهلل يف القرآن يف شأن نور التوراة‪﴿ :‬إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بهَا‬

‫النَّبيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَاب اللَّـهِ‬

‫وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن وَلَا تَشْتَرُوا بآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بمَا‬

‫أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ ( المائدة‪ ،)44 :‬و يقول أيضا اهلل يف القرآن يف نورانية و هداية‬

‫اإلجنيل‪﴿ :‬وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارهِم بعِيسَى ابْن مَرْيَمَ مُصَدِِّقًا لِِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإجنيلَ‬

‫فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِِّقًا لِِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِِّلْمُتَّقِنيَ﴾( المائدة‪:‬‬
‫‪ ،)46‬لكن يف مقابل هذا ‪ ،‬من مل يتبع ما أنزل اهلل ‪،‬سيشقى ‪ ،‬و ال يتذوق حالوة السعادة أبدا ‪،‬‬

‫حيث يقول اهلل يف القرآن‪ ﴿ :‬وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْري فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا‬

‫ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾( طه‪ ،)124 :‬معناه " ومن َّ‬
‫توىل عن ذكري الذي ِّ‬
‫أذكره به فإن له يف‬

‫احلياة األوىل معيشة ضيقة شاقة "‪ 2‬وبالتايل يعيش اإلنسان يف شقاء عندما يكون بعيدا عن الدين‬
‫تعاليمه ‪.‬فالدين مينح لإلنسان السعادة اآلمان ‪ ،‬و الراحة و االطمئنان‪.‬‬

‫‪ 1‬أمحد الريسوين ‪ ،‬وظائف الدين‪ ،‬برنامج الشريعة و احلياة ‪ ،‬مرجع نفسه‬


‫‪ 2‬خنبة من العماء ‪ ،‬التفسري امليسر‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪320‬‬
‫‪77‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫الوظيفة االجتماعية‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫أجل ‪ ،‬للدين آثر يف اجملتمع ‪ ،‬حبث يسعى إىل إقامة الروابط االجتماعية بني األفراد "سواء‬
‫أكانت على نطاق األسرة‪ ،‬أم على مستوى الوطن‪ ،‬أم على مستوى األمم والدول والشعوب "‪،1‬‬
‫حبيث يعترب التواد والرتاحم والتعاطف والتواصل‪ ،‬من صلب الدين والتدين‪ "،‬فالدين يدعم القيم‬
‫والعادات‪ ،‬ويتضمن جزاءات أخالقية لضبط اتصال األفراد بعضهم ببعض ‪ ،‬مما حيقق الثبات‬
‫واالستقرار االجتماعي واحملافظة على النظام االجتماعي و التوافق معه "‪ ،2‬وعليه ميكن اعتبار الدين‬
‫"قاعدة ورابطة تشد أزر اجملتمع يوحي بقوة االعتقاد بوجود جمموعة من القيم املتعالية اجتماعيا وفقها‬
‫يتأسس نظام املوجودات"‪ ،3‬ومن مت يكون الدين ضرورة حتمية لتنظيم العالقات بني األفراد داخل‬
‫اجملتمع‪ ،‬ويبين جسور التواصل بني الناس من اجل التماسك و التضامن و التعاون بني الناس‪.‬‬

‫الوظيفة األخالقية‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫إن اإلنسان حباجة ماسة إىل رقيب أخالقي يوجهه خلري اإلنسانية و هذا الرقيب هو "العقيدة‬
‫واإلميان ذات السلطة الروحية اليت تفوق قوة القانون الوضعي و أحكامه‪ ،‬لذا جند كل دين يتوفر‬
‫على" جمموعة من األصول األخالقية‪ .‬ولو الحظنا األصول األخالقية لكافة األديان سنرى أهنا‬
‫مشرتكة يف الكثري من هذه األصول‪ .‬واألصول األخالقية للدين أو الشريعة احلاكمة هي املوجهة‬
‫للسلوك االجتماعي لذلك اجملتمع‪ 4".‬فالنظرة الدينية للعا َمل تتمثل يف كونه "نظاما أخالقيا حيدده‬

‫‪ 1‬حممد الزحيلي ‪ ،‬وظيفة الدين يف احلياة –و حاجة الناس إليه ‪ ، -‬مجعية الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬طبعة خاصة ‪،‬‬
‫‪1401‬ه‪1991/‬م ‪ ،‬ص ‪83‬‬
‫‪ 2‬سلوى علي سليم ‪،‬االسالم و الضبط االجتماعي ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪ ،‬القاهرة ‪، 1985،‬ص‪177‬‬
‫‪ 3‬سابينو أكوافيفا‪ ،‬إنزو باتشي ‪ ،‬علم االجتماع الديين اإلشكاالت والسياقات‪ ،‬ترمجة عز الدين عناية ‪ ،‬هيئة أبو ظيب للثقافة‬
‫والرتاث (كلمة)‪ ،‬أبو ظيب ‪،‬ط‪1432 ،1‬ه‪،2011/‬ص‪38‬‬
‫‪ 4‬حممد حممد رضائي ‪،‬مدخل إىل علم فلسفة الدين‪ ،‬ترمجة علي آل دهر اجلزائري‪ ،‬املوقع اإللكرتوين ‪ :‬نصوص معاصرة‬
‫‪ /http://nosos.net‬مت االطالع عليه يوم ‪2016/06/29‬على الساعة ‪13:50‬‬

‫‪78‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫اإلله"‪ 1‬إذن فعملية التفاعل و التواصل االجتماعي بني األفراد ‪،‬ال شك أهنا مرتكزة و مستندة على‬
‫املنظومة األخالقية اليت جاء هبا الدين‪ .‬و اليت هي متوافقة مع فطرة اإلنسان ‪،‬ألنه حيوى يف بدنه‬
‫"شرحية نورانية" هي من اهلل‪ ،‬يتعاطى هبا مع دين اهلل‬

‫الوظيفة االتصالية و التواصلية‪:‬‬ ‫‪-5‬‬

‫يرشد الدين الناس إىل التواصل الدائم مع اهلل‪ ،‬من خالل العقائد‪ ،‬والذي يأيت يف مقدمتها عقيدة‬
‫التوحيد‪ ،‬اليت تنص على عبادة اهلل الواحد ‪،‬و ترك و نبذ كل ند ‪،‬و هذا ما حث عليه اإلسالم منذ‬
‫بزوغ فجره يف شبه اجلزيرة العربية ‪ ،‬حيث قال اهلل تعاىل يف القرآن الكرمي ‪:‬‬

‫﴿ قُلْ إنِِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ‬

‫الْمُسْلِمِنيَ﴾ (الزمر‪ ،)11،12 :‬و معىن هذا " قل‪ -‬أيها الرسول –للناس ‪ :‬إن اهلل أمرين و من‬

‫تبعين بإخالص العبادة له وحده دون سواه ‪ ،‬و أمرين بأن أكون أول من أسلم من أميت ‪ ،‬فخضع له‬
‫بالتوحيد ‪ ،‬وأخلص له العبادة‪ ،‬وبرئ من كل اآلهلة "‪،2‬فعبادة اهلل من خالل ممارسة الشعائر‬
‫والفرائض الكربى للدين من صالة وصوم وزكاة وحج باالستطاعة كلها عبادات توطد الصلة باخلالق‬
‫تعاىل‪ ،‬وهنا " تظهر إرادة اهلل بفتح التواصل بينه و بني البشر ‪ ،‬تظهر وفق للقرآن "‪ ،3‬هذا من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة ثانية ينظم الدين العالقات التفاعلية بني الناس حيث أمر بالتعاون والتعارف والتحاور‪،‬‬
‫وحث على إعمار األرض باخلري والسالم‪ ،‬وفق لسنة التدافع‪ ،‬حيث قال اهلل يف القرآن‪:‬‬

‫﴿ولَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم ببَعْضٍ لَّهُدِِّمَتْ صَوَامِعُ وَبيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِريًا‬

‫ولَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّـهَ لَقَويٌّ عَزيزٌ﴾ الحج‪ ، 40 :‬و هنا تشري اآلية إىل أن‪:‬‬

‫‪ 1‬عمر شريف‪ ،‬رحلة عقل ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪17‬‬


‫‪ 2‬خنبة من العلماء‪ ،‬التفسري امليسر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪460‬‬
‫‪ 3‬توشيهيكو إيزوتسو‪ ،‬اهلل و اإلنسان و القرآن‪ ،‬مصدر سابق ‪213 ،‬‬
‫‪79‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫"لوال وقوع دفع بعض الناس بعضا آخر بتكوين اهلل و إيداعه قوة الدفع و بواعثه يف الدافع لفسدت‬
‫األرض ‪ ،‬أي من على األرض ‪ ،‬و اختل نظام ما عليها ‪ ،‬ذلك أن اهلل تعاىل ملا خلق املوجودات اليت‬
‫على األرض من أجناس و أنواع و أصناف ‪ ،‬خلقها قابلة لالضمحالل و أودع يف أفرادها سننا دلت‬
‫على أن مراد اهلل بقاؤها إىل أمد أراده ‪،‬و لذلك جند قانون اخلليفة منبثا يف مجيع أنواع املوجودات فما‬
‫‪1‬‬
‫من نوع إال و يف أفراده قوة إجياد أمثاهلا لتكون تلك األمثال أخالفا عن األفراد عند اضمحالهلا"‬
‫فبالتواصل اإلنساين حيقق الناس استمرار احلياة و توازهنا عن طريق اخلري و اإلعمار احلسن لألرض‬
‫فالنظام املعريف يف اإلسالم أسس لتواصل اإلنسان مع خالقه‪ ،‬بشىت العبادات ‪ ،‬وأسس لتواصل‬
‫اإلنسان مع أخيه اإلنسان بشىت املعامالت احلسنة واألخالق الفاضلة و القول احلسن والعمل الصاحل‬
‫‪..‬اخل ‪ ،‬و" هبذا يكون النظام املعريف اإلسالمي – يف مقابل الرؤى األخرى‪ -‬كبديل حقيقي شامل‬
‫وكلي‪ ،‬يضم كل املستويات واملفردات واملعرفية واملنهجية والسلوكية والعمرانية‪ ،‬ضابط للعالقات بني‬
‫اهلل و اإلنسان ‪ ،‬حيث تكون العالقة عالقة عبادة ‪ ،‬و بني اهلل و الكون تكون عالقة تسبيح ‪ ،‬و بني‬
‫اإلنسان تكون عالقة تسخري و متتع و استفادة من خريات اهلل‪ ،‬وبني اإلنسان واإلنسان تكون عالقة‬
‫حمبة و تعاون و تضامن"‪.2‬‬

‫خالصة ‪:‬‬

‫ميكن أن حند وظائف الدين يف نقطتني أساسيتني مها ‪:‬‬

‫‪ " ‬الدين هو السبيل الوحيد لتعريف اإلنسان كيف تكون العالقة بربه‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد علواش ‪ ،‬أمهية احلوار يف حتقيق التدافع ‪،‬شبكة ضياء للمؤمترات و الدراسات ‪ ،‬ص‪ ،3‬عن‪ /‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير و‬
‫التنوير ‪ ،‬ج‪،2‬ص ‪500‬‬
‫‪ 2‬حممد علواش ‪ ،‬أمهية احلوار يف حتقيق التدافع‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪2‬‬
‫‪80‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ُ ‬حيدد الدين لإلنسان (الشريعة) اليت تنظم حياته وعالقته باآلخرين‪ ،‬و بالبيئة اليت‬
‫من حوله ‪ ،‬ويعتقد املتدينون أن اهلل اخلالق لإلنسان و ِ‬
‫العامل خببايا نفسه هو‬
‫‪1‬‬
‫األقدر على سن هذه القوانني يف خطوطها العريضة"‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬التواصل الديني‪:‬‬

‫التواصل الديين كمفهوم‪ ،‬ال نريد به املفهوم احملض للدين ‪ ،‬وال املفهوم الصرف للتواصل وإمنا‬
‫هو تواصل انطالقته النص الديين القرآين الذي بُعث به النيب حممد (صلى اهلل عليه و سلم)‪ ،‬من‬
‫أجل حتقيق اخلري والسالم بني البشر‪ ،‬و اعمار األرض بالعدل و االحسان‪ ،‬والقضاء على كل أشكال‬
‫التفرقة والتناثر واهلجران و العصبية‪ ،‬عرب وسيلة التعقل ‪،‬واحلكمة ‪،‬واملوعظة احلسنة واخلطاب احلسن‬
‫واحلوار العلمي اهلادئ و اهلادف ‪،‬والتجادل باليت هي أحسن‪.‬‬

‫وتبقى اخلطة األساسية هي الرتبية الدينية ‪ -‬على حد قول ألفريد وايهتد ‪Alfred North‬‬
‫‪ - 2 whitehead‬اليت تتلقاها الناشئة داخل الفصول الدراسية ‪ ،‬قصد مسو ذواهتم التنشئة على‬
‫عبادة اهلل و توحيده و االمتثال ألوامره و نواهيه لتكوين رابطة قوية و دائمة مع اخلالق ‪ ،‬و اليت‬
‫جتعل الفرد يعيش حتت الشعور مبراقبة اهلل يف كل احواله حىت يستقيم أمره‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة‬
‫ثانية‪ ،‬نسج و بناء عالقات اجتماعية قوية ومتينة بني األفراد ‪ ،‬ألن الدين له ميدانني ‪:‬ميدان باطين‬
‫هو جمال الرتبية الدينة الباطنية ‪،‬واليت تعترب ركيزة أساسية لتنمية التواصل مع اهلل واستمراره ‪ ،‬و هناك‬
‫ميدان ظاهري للدين‪ ،‬هو جمال الرتبية الدينية االجتماعية اليت ختص اجتماع الناس و بناء العالقات‬
‫بينهم على الدوام حتقيقا للتطور و السالم و السعادة و األخوة االنسانية‪" .‬ومبا أن التواصل يف‬

‫‪ 1‬عمرو شريف ‪ ،‬رحلة عقل ‪ ،‬مرجع سابق ‪27،‬‬


‫‪ 2‬قال باحلرف الواحد‪" :‬جوهر الرتبية أن تكون دينية" ذكر هذا هوسنت مسيت يف مطلع دراسته الروحية التحليلية ألديان العامل‬
‫الكربى يف الصفحة رقم ‪4‬‬
‫‪81‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫مفهومه العام عملية يتفاعل هبا املرسلون واملستقبلون للرسائل يف سياقات اجتماعية معينة وبوسائل‬
‫معينة‪ ،‬فإن التواصل الديين يتم من خالل عملية التفاعل بني العناصر املكونة له"‪ 1‬و املتمثلة يف‪:‬‬

‫‪ -‬المرسل‪:‬‬

‫وهي املدرسة (املتوسطة و الثانوية) ‪ُ ،‬ممثلة يف خطاهبا الديين االسالمي حصرا املوجه‬
‫للتالميذ‪ ،‬عرب ما قرره املؤلفون من مناهج للرتبية اإلسالمية ‪ ،‬و عرب ما يسهر املدرسون على تنفيذه و‬
‫تطبيقه هلذه املناهج مع التالميذ يف الفصول الدراسية‪.‬‬

‫‪ -‬الرسالة‪:‬‬

‫وهي حمتوى الكتب الرتبية اإلسالمية الرمسية املعتمدة من لدن وزارة الرتبية الوطنية باجلزائر‬
‫واملوجهة لتالميذ السنة الرابعة من التعليم املتوسط ‪ ،‬و السنوات الثالث من التعليم الثانوي باجلزائر‬

‫‪ -‬الوسيلة‪:‬‬

‫هي عن طريق العملية التعليمية التعلمية‪ ،‬يف الفصول الدراسية‪.‬‬

‫‪ -‬المرسل إليه‪:‬‬

‫هم كافة تالميذ السنة الرابعة متوسط و السنة أوىل و الثانية و الثالثة ثانوي باجلزائر‪.‬‬

‫‪ -‬االستجابة (التغذية الراجعة)‪:‬‬

‫وتتمثل يف تلقي و قبول الرسالة الدينية املتمثلة اكتساب القيم اإلميانية و التعبدية ‪ ،‬و القيم‬
‫الدينية االجتماعية‬

‫‪ 1‬مجيلة زيان‪ ،‬اإلعالم ودوره يف التواصل الديين‪ ،‬املوقع اإللكرتوين ‪1SLAMLATINA.COM/NEWS1309.HTML.‬‬


‫تاري االطالع عليه‪26 :‬ديسمرب ‪2014‬‬
‫‪82‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬التأثير‪:‬‬

‫والذي يتمثل يف " حتقيق هدف االتصال‪ ،‬تغيري املعلومات و االجتاهات والسلوك"‪، 1‬حبيث‬
‫ينمي التلميذ عالقته و تواصله مع اهلل باستمرار ‪ ،‬و ينمي أيضا تواصله مع اآلخرين على الدوام ‪.‬‬

‫ومن البني أن العالقة بني مكونات هذه العملية التواصلية حمكمة ومرتابطة‪ ،‬تتأثر ببعضها يف‬
‫سياق جمتمع معني‪ ،2‬حبيث يتفاعل التالميذ مع مواضيع الرتبية اإلسالمية املقدمة هلم يف املدرسة‬
‫وذلك من أجل التنشئة ‪ ،‬وتزكية النفس حىت ينجذب ويتواصل التلميذ مع اهلل ألنه "غين عن البيان‬
‫أن النفس تنجذب إىل اهلل بواسطة الروح‪ ،‬لكنها دائما تكون مرتبطة مبا هو طبيعي أو مادي بواسطة‬
‫اجلسد"‪ 3‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى أفضت هذه الرتبية إىل اقتناع التالميذ بأفكار ومعتقدات‬
‫اليت متليها دروس الرتبية اإلسالمية‪ ،‬حبيث يؤدي هذا إىل تبين سلوكيات جديدة وحىت أوضاع جديدة‬
‫وفقا للتنشئة الدينية املدرسية و اليت من شأهنا تقوية التواصل اإلنساين و ما له من دور هام يف عملية‬
‫التفاعل االجتماعي ‪.‬‬

‫‪ -‬فضاء االتصال‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫أو بيئة االتصال ونقصد به" الوسط الذي يتم فيه حدوث االتصال بكل عناصره املختلفة"‬
‫إنه احلرم املدرسي‪ ،‬حيث يتفاعل التالميذ مع مدرسهم ومع بعضهم البعض ومع الوسائل البيداغوجية‬
‫الالزمة للعملية الرتبوية داخل الفصل الدراسي‪ ،‬قصد حتقيق الكفاءة الرتبوية‪.‬‬

‫‪1‬ابراهيم أبو عرقوب‪ ،‬اإلتصال اإلنساين و دوره يف التفاعل اإلجتماعي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪73‬‬
‫‪ 2‬مجيلة زيان‪ ،‬اإلعامل ودوره يف التواصل الديين‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪ 3‬يوهان كريستوف آرنولد‪ ،‬اجلنس واهلل والزواج‪ ،‬ت‪:‬األنبا أنطونيوس مرقس‪ ،‬دار احملراث لنشر الكتب‪ ،‬الواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪ .2013 ،‬ص‪55‬‬
‫‪ 4‬إبراهيم حسن أبو حسنية ‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪33‬‬
‫‪83‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫المخطط اإلجرائي التوضيحي للتواصل الديني اإلسالمي‬

‫املؤلفون‬ ‫املرسل األصلي‬

‫‪:‬هم‬ ‫املستقبل‬ ‫حمتوى كتب الرتبية‬ ‫الرسالة‬


‫تالميذ ‪4‬متوسط‬ ‫اإلسالمية (‪4‬متوسط‬
‫والطور الثانوي‬ ‫و‪1،2،3‬ثانوي)‬

‫احلرم‬
‫املدرسي‬

‫مدرسو التربية‬ ‫املرسل الفعلي‬


‫اإلسالمية بالمتوسط و‬
‫الثانوي‬

‫االستجابة‬ ‫التأثري‬

‫قبول اكتساب قيم دينية إميانية تعبدية ‪،‬‬ ‫تغري املعلومات مث السلوك جتاه اهلل و الناس‬
‫و قيم اجتماعية‬ ‫إجيابيا‬

‫(الشكل رقم‪)10‬‬

‫‪84‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫خالصة‪:‬‬

‫التواصل الديين هو عملية تبليغ أو إيصال و توصيل الرسالة الدينية إىل الناس‪ ،‬من اجل التغيري‬
‫يف أفكارهم و معلوماهتم و معارفهم و اجتاهاهتم ‪ ،‬و بالتايل تغيري سلوكهم و أفعاهلم و نشاطاهتم‬
‫الفردية و اجلماعية حنو األحسن و األفضل ‪ ،‬وهي مهمة ندب اهلل هلا رسال أنبياء‪ ،‬و أيدهم حبجج‬
‫إقناعيه باهرة ‪ ،‬وهو ضروري لصريورة العيش اجلماعي‪ ،‬بغية حتقيق التكامل االجتماعي‪ ،‬والتوازن‬
‫النفسي لألفراد والذي يكون أساسه الرتبية الدينية اإلميانية ‪،‬اليت يتلقاها األفراد داخل مؤسسة التنشئة‬
‫الدينية االجتماعية (األسرة‪ ،‬املسجد‪ ،‬الكنيسة ‪ ،‬املعبد‪ ،‬الزاوية‪ ،‬مدارس قرآنية‪ ،‬املدارس النظامية‪.‬‬
‫‪...‬اخل) واليت استنبطت مناهجها الرتبوية من النص الديين املقدس‪.‬‬

‫التعريف اإلجرائي للتواصل الديني‪:‬‬

‫التواصل الديين هو عملية تبليغ و إيصال الرسالة اإلسالمية( القرآن وما وافقه من السنة النبوية‬
‫تبيينا و شرحا) ‪ ،‬إىل كافة الناس على اختالف ألواهنم وألسنتهم‪ ،‬باحلكمة‪ ،‬والرتبية واملوعظة احلسنة‬
‫واجلدال احلسن‪ ،‬عرب خمتلف مؤسسات التنشئة االجتماعية( البيت‪ ،‬املدرسة املسجد‪ ،‬املدارس الدينية‬
‫‪...‬اخل)‪ .‬وذلك من أجل توطيد الصلة مع اهلل اخلالق من جهة‪ ،‬ونسج عالقات قوية ومتينة بني أفراد‬
‫اجملتمع من جهة أخرى‪ .‬كل هذا و ذاك ‪ ،‬يتم على أساس غرس القيم الدينية الروحية واالجتماعية‬
‫عند الناشئة‪ .‬فإجرائيا نعني بالتواصل الديني ‪ ،‬تلك العملية التربوية اإلرسالية التي تقوم بها‬
‫المدرسة( المتوسطة والثانوية في الجزائر)‪ ،‬لتبليغ وايصال التعاليم الدينية اإلسالمية إلى كافة‬
‫المتمدرسين ‪،‬قصد التلقي و التعلّم من أجل التنشئة والتربية الدينية‪ ،‬وذلك من خالل تدريس‬
‫مقرر مادة التربية اإلسالمية‪ .‬إلحداث التغيّر الالزم في المعارف المعلومات والمواقف‬ ‫ّ‬
‫والسلوك لدى التالميذ‪ ،‬تحقيقا إلقامة العالقة الدائمة مع اهلل (التواصل الديني العمودي)‪ ،‬وبناء‬
‫ونسج مختلف العالقات االنسانية الدائمة و المستمرة في الدائرة االجتماعية ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫حتديد املصطلحات وبناء املفاهيم‬ ‫الفصل األول‬

‫لإلشارة فقط ‪ ،‬للتواصل الديين بعدين مها‪:‬‬

‫التواصل العمودي ‪ :‬هو ذلك التواصل القائم بني اإلنسان واهلل ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫التواصل األفقي ‪ :‬هو ذلك التواصل القائم بني اإلنسان واإلنسان‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪86‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول‪ :‬التربية الروحية في األديان الوضعية‬

‫املطلب األول‪ :‬الديانة البوذية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الديانة الكونفسوشية‬

‫املطلب الثالث ‪ :‬الديانة اهلندوسة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التربية الروحية في األديان السماوية‬

‫املطلب األول‪ :‬يف الديانة اليهودية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬يف الديانة املسيحية‬

‫املطلب الثالث‪ :‬يف الديانة اإلسالمية‬

‫‪88‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول ‪ :‬التربية الروحية في الديانات الوضعية‬

‫المطلب األول‪ :‬التربية الروحية في الديانة البوذية‬

‫كثرية هي األحباث اليت تناولت الديانة البوذية (إما انفرادا‪ ،‬وإما ضمن جمموعة األديان‬
‫اهلندية) كإحدى الديانات الكربى يف اهلند‪ ،‬واليت حاولت أن هتتم حبل مشاكل الناس العديدة‬
‫واملتنوعة ففي "العام ‪ 563‬ق‪.‬م ولد جوتا بوذ ‪ Gotama Budda‬يف سفح جبال اهلماليا‪ ،‬على‬
‫حدود أوذ ‪ Oudh‬ونيبال وإليه تنسب البوذية"‪ 1‬ورغم أن بوذا "قد ولد يف األهبة والفخامة‪ ،‬ولكنه‬
‫كان يف غاية التعاسة‪ ،‬فقد الحظ أن أكثر الناس فقراء‪ ،‬وأن األغنياء أشقياء أيضا وأن الناس مجيعا‬
‫ضحايا املرض واملوت "‪ 2‬ولقد حاول دائما هذا الرجل (الذي احتل الرتبة الرابعة يف قائمة "مايكل‬
‫هريت"* من بني مائة أعظم الناس أثرا يف التاريخ)‪ ،‬أن يبحث عن احلقيقة‪ ،‬ليقدم حلوال حقيقية‬
‫ودائمة ملتاعب احلياة ومشاكل الناس‪ ،‬حيث كان يتصف بالوعظ واإلرشاد والرمحة والشفقة واالتساق‬
‫بني القول والفعل‪ ،‬حيث دعا إىل الزهد ورغّب فيه‪ ،‬وكان يرى بأنه حال ملشاكل الناس حيث " كان‬
‫من املعتقد يف ذلك الوقت أن احلل الوحيد ملتاعب الدنيا هو الزهد فيها"‪ ،3‬لكن بعد ذلك عدل عن‬
‫رأيه وعاد لالختالط واجللوس مع الناس فلقد "اكتشف أن تعذيب اجلسد ميأل العقل ضبابا‪ ،‬وحيجب‬
‫عن النفس رؤية احلقيقة"‪ ،4‬لكن هذا البحث سريكز على أهم خاصية يف الديانة البوذية واألساس‬
‫الرتبوي الديين الروحي ألتباعها من أجل حتقيق التواصل بشقيه العمودي واألفقي‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد إمساعيل علي‪ ،‬الرتبية يف حضرات الشرق القدمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،1999 ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ 2‬مايكل مارت‪ ،‬اخلالدون املائة‪ ،‬ترمجة أنيس منصور‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،‬ب‪.‬ت‪ ،‬دار الرشاد للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫* هو عامل فلكي أمريكي‪ ،‬اشتغل يف هيئة الفضاء األمريكية‪ ،‬متعته دراسة التاريخ‬
‫‪3‬مايكل هارت‪ ،‬اخلالدون املائة‪ ،‬ترمجة منصور أنيس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 4‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪89‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫خاصية الديانة البوذية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫للديانة البوذية خصائص هامة جنمعها يف النقاط التالية‪:‬‬

‫‪" ‬رغم استبعادها لآلهلة من معتقدها‪ ،‬فهي عوضا عن اإلميان بإله يتمركز حوله املعتقد‬
‫والطقس‪ ،‬فإهنا تؤمن باحلقائق النبيلة األربع"‪ ،1‬واليت سنذكرها فيما بعد ضمن تعاليم البوذية‪.‬‬

‫‪" ‬ال متتلك البوذية كتب مقدسة‪ ،‬لكنها متتلك شخصية مركزية هي مؤسسها سيدراتا غوتاما‬
‫بوذا"‪.2‬‬

‫‪" ‬معرفة احلقيقة الروحية ميكن أن تتم بطريقة جتريبية مباشرة من دون كتب مقدسة أو‬
‫‪3‬‬
‫مؤسسات وسيطة"‬

‫‪.‬تعاليم الديانة البوذية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ال ميكن إجياز التعاليم البوذية واليت تنطوي على أربع حقائق نبيلة فيما يلي‪:‬‬

‫احلقيقة األوىل‪" :‬هي أن احلياة شفاء أو أمل"‪ 4‬وأهنا "يف أعماقها تعيسة"‪ ،5‬إذن فحياة اإلنسان‬ ‫‌أ‪.‬‬

‫يف جوهرها شقاء وأمل وتعاسة‪.‬‬

‫احلقيقة الثانية‪" :‬هي أن سبب األمل والشقاء هو الرغبة يف احلياة ومتعها‪ ،‬ذلك أن الرغبة ال‬ ‫ب‪.‬‬
‫‌‬

‫ميكن إرضاؤها‪ ،‬فهي كالنار كلما أوقدهتا حطبا زادت تأججا‪ ،‬وكلما ازداد الفرد رغبة يف احلياة‪ ،‬كلما‬

‫‪ 1‬فراس السواح‪ ،‬دين اإلنسان (حبث يف ماهية الدين‪ ،‬ومنشأ الدافع الديين) سورية‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار عالء الدين للنشر والتوزيع‬
‫والرتمجة‪ ،‬ط‪ ،2002 ،4‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 2‬مدونة إسكندرية ‪ ،415‬مقدس بوجوه كثرية‪ ،‬العدد‪ ،1‬أيار‪/‬حزران ‪ ،2011‬بريوت‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ 4‬فراس السواح‪ ،‬دين اإلنسان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫‪ 5‬مايكل هارت‪ ،‬اخلالدون املائة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪90‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫دفع أمامه سلسلة ال تنتهي من التناسخات املقبلة‪ ،‬خيلقها الطمع يف استمرار وهم الوجود"‪ ،‬إذن‬
‫فكل رغبة حيققها اإلنسان من أجل املتعة هي متهد دائما لرغبة جديدة‪ ،‬وهكذا يف شكل سلسلة‬
‫وحلقات من الرغبات والشهوات اليت ال تنتهي‪.‬‬

‫احلقيقة الثالثة‪" ":‬هي أن القضاء على الشقاء ممكن‪ ،‬وذلك بالقضاء على الرغبة‪ ،‬وعدم‬ ‫ت‪.‬‬
‫‌‬

‫التعلق بأسباب احلياة‪ ،‬وهذا من شأنه حتضري الفرد للخروج من دورة التناسخ إىل "النريفانا"*‪ ،‬أي من‬
‫الصريورة إىل الوجود‪ ،‬أما ما هو شكل هذا الوجود وما طبيعته فأمر قد رفض البوذا التحدث عنه‬
‫‪1‬‬
‫بإصرار"‬

‫احلقيقة الرابعة‪": :‬هناك طريق إىل النريفانا‪ ،‬هو الطريق ذو املراحل الثمانية وهي‪:‬‬ ‫ث‪.‬‬
‫‌‬

‫الرؤية السليمة‪ ،‬وهنا على السالك أن يتخلص من كل اخلرافات والطقوس البدائية‪ ،‬وخصوصا‬ ‫‪.1‬‬
‫ما تعلق منها بالقرابني احليوانية‪ ،‬كما عليه أن يتخلص من االعتقاد باألرواح احلالة يف مظاهر الطبيعة‪،‬‬
‫واجلن العفاريت من أي نوع‪ ،‬وبشكل خاص عليه أن يتخلص من فكرة وجود خالق أعلى للكون‬
‫ميكن أن ميد يد العون لإلنسان يف سعيه حنو التحرر‪ ،‬وأن يسلك منفردا طريق االنعتاق‪.‬‬

‫املوقف الفكري السليم‪ :‬فإذا آمن اإلنسان مثال بالتمييز بني األفراد أو اجلماعات أو‬ ‫‪.2‬‬
‫األجناس‪ ،‬فإن ما يصدر عنه من أحكام وقرارات سوف يتسبب يف مزيد من اآلالم له وملن حوله‪.‬‬

‫اخلطاب السليم‪ :‬فكل فعل يسبقه عادة كالم‪ ،‬وهذا جيب أن يكون خاليا من الكذب‬ ‫‪.3‬‬
‫واخلداع والفرية‪.‬‬

‫* النريفانا‪ :‬هي حالة يصل إليها اإلنسان ميكن هبا القضاء على أنانيته وشهواته أي انعدام كل شيء يف أعماقه (أنظر‪ :‬مايكل‬
‫هارت‪ ،‬اخلالدون املائة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،2‬بتصرف طفيف)‪.‬‬
‫‪ 1‬فراس السواح‪ ،‬دين اإلنسان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫‪91‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫السلوك السليم‪ :‬حيث حبجم الفرد عن القتل والسرقة والزنا وشرب املسكرات وما إليها‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ويقبل على الصدقة والعون وحسن املعاملة‪.‬‬

‫سبل العيش السليمة‪ :‬وتقوم هذه السبل على أساس مكني من السلوك السليم‪ ،‬فال حيصل‬ ‫‪.5‬‬
‫الفرد عيشه إال بأفضل الطرق وأنبلها‪.‬‬

‫السعي السليم‪ :‬فعلى املرء أن يسعى من أجل ارتقائه العقلي واخللقي‪ ،‬ومن ذلك مثال نبذ‬ ‫‪.6‬‬
‫العادات السيئة واكتساب عادات حسنة‪ ،‬والتحرر من امليول اهلدامة وتنمية امليول البناءة‪.‬‬

‫اليقظة السليمة‪ :‬وهي العناية املبذولة من أجل تيقظ اجلسم والعقل‪ ،‬حيث يبقى الفرد يف‬ ‫‪.7‬‬
‫حالة مراقبة ألحاسيسه وأفكاره‪.‬‬

‫التأمل السليم‪ :‬هو االستغراق الباطين الذي يدفع بالسالك إىل عتبة االستنارة‪ ،‬ففي جلسة‬ ‫‪.8‬‬
‫االستغراق التقليدية اليت نراها يف متاثيل البوذا‪ ،‬يقوم املستغرق برتكيز وعيه على اآلن وكأنه الزمان قد‬
‫توقف‪ ،‬فال ماض للوعي وال مستقبل‪ ،‬يف حلظة تبدو وكأهنا حاضر أبدي‪ ،‬وهلذا االستغراق يف‬
‫املمارسة البوذية مثانية درجات‪ ،‬توصل الدرجة األخرية منها إىل النريفانا‪ ،‬بعد مترس طويل بالدرجات‬
‫‪1‬‬
‫السبع السابقة"‬

‫األساس التربوي الروحي في البوذية‪:‬‬

‫لقد ذكرنا أن البوذية ال متلك كتبا مقدسة‪ ،‬وال متتلك مؤسسات وسيطة ‪ ،‬من أجل معرفة‬
‫احلقيقة‪ ،‬فالبوذية ترى أن " أن اجلانب الروحي موجود يف كل كائن‪ ،‬وليس بالضرورة أن يكون عليه‬
‫برهان علمي كي نقر بوجوده‪ ،‬وليس حباجة على نص مقدس يؤكد وجوده‪ ،‬وهو ذلك الشعور العميق‬

‫‪ 1‬فراس السواح‪ ،‬دين اإلنسان‪ ،‬مرجع نفسه ص ‪.289-288‬‬


‫‪92‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بأنك جزء من منظومة مقدسة ‪ ،‬ترتاقص على إيقاع التناغم الكوين "‪.1‬فتعتمد الرتبية الروحية يف‬
‫الديانة البوذية على التأمل من أجل مس حقائق األشياء‪ ،‬و مقاربة بوذا يف هذا الشأن هي " أن‬
‫تدخل املوضوع ذاته و تراه ‪ ،‬كما هو ‪ ،‬من الداخل ‪.‬فأن ترى الزهرة يعين أن تصبح الزهرة ‪ ،‬أن تكون‬
‫الزهرة‪ ،‬و أن تتفتّح مثل الزهرة ‪ ،‬و أن تبتهج لنور الشمس و َهطل املطر ‪ .‬و حني يتم ذلك فإن‬
‫الزهرة تكلمين و أعرف كل أسرارها ‪ ،‬و كل مباهجها‪ ،‬و كل آالمها ‪ ،‬أي كل حياهتا النابضة يف‬
‫داخلها‪ ،‬و ليس ذلك فحسب‪ :‬فإىل جانب معرفيت الزهرة أعرف كل أسرار الكون ‪ ،‬الذي ينطوي‬
‫على أسرار الكون‪ ،‬الذي ينطوي على كل أسرار ذايت اخلاصة "‪ ،2‬فيبقى التأمل الروحي هو األساس‬
‫يف الديانة البوذية ‪ ،‬حبيث " هو أحد الدروب الروحية اليت تساعد على خوض هذه التجربة هي حالة‬
‫انتقال من النوم إىل االستيقاظ ‪.‬استيقاظ احلواس ‪.‬الذهن هو احلضور الكامل‪ :‬بالذهن ‪ ،‬الروح ‪،‬‬
‫واحلواس ‪..‬و التأمل يزيد من اتصال اإلنسان بكل ما جيري حوله "‪ ، 3‬إذن جند هنا الرتبية البوذية‬
‫تش ّدد على أن ادارك املعرفة و احلقيقة الروحية‪ ،‬ال يتأتى إال بطريقة جتريبية مباشرة بعيدا كل البعد عن‬
‫الكتب املقدسة أو املؤسسات الدينية الوسيطة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التربية الروحية في الديانة الكونفوشية‬

‫‪Confecius‬‬ ‫تنسب الديانة الكونفوشيوسية إىل الفيلسوف الصيين كونفوشيوس‬


‫(‪551‬ق‪.‬م‪479-‬ق‪.‬م)‪" ،‬واسم كونفوشيوس هو النطق الالتيين السم احلكيم الصيين"‪ 4‬حيث‬
‫يضمنه كل األفكار الصينية عن السلوك االجتماعي‬
‫استطاع أن يفلح " يف إقامة مذهب ّ‬

‫‪ 1‬مدونة اسكندرية ‪ ،415‬مقدس بوجوه كثرية‪،‬العدد ‪ -1‬أيّار ‪/‬حزيران‪ ، 2011‬بريوت‪،‬ص‪19‬املوقع اإلكرتوين‪:‬‬


‫‪alescandaria415 ,wordpres.com‬‬
‫‪ 2‬ت‪.‬سوزوكي‪ ،‬التصوف البوذي و التحليل النفسي ‪ ،‬ترمجة ‪.‬ثائر ديب ‪،‬تقدمي ‪:‬وفيق خنسة‪ ،‬دار احلوار للنشر والتوزيع‪ ،‬الالذقية‪،‬‬
‫سورية‪ ،‬ط‪، 2007 ، 2‬ص‪47‬‬
‫‪ 3‬مدونة اسكندرية ‪ ،415‬مقدس بوجوه كثرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪20‬‬
‫‪ 4‬سعيد إمساعيل علي‪ ،‬الرتبية يف حضارات الشرق القدمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪93‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫واألخالقي"‪ 1‬ألن الظروف اليت وجد فيها كونفوشيوس كانت ظروفا مزرية‪ ،‬حيث كان فيه‬
‫"اضمحالل النظام العبودي وتعاظم النظام اإلقطاعي‪ ،‬فكانت الفوضى العارمة تضرب يف كل مكان‪،‬‬
‫مما ترك آثار واضحة يف أعماله اليت راحت تدعو إىل بذل اجلهد الستقامة الفرد واجملتمع مبوجب‬
‫التطلع حنو املعرفة بصرب وثبات والتعهد بالتمسك بالقضايا العادلة"‪.2‬‬

‫فما هي تعاليمه‪ ،‬وأسس تربيته‪.‬‬

‫‪.‬التعاليم الكونفوشيوسية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫مل يكن لكونفوشيوس تعاليم دينية مقدسة مكتوبة ميتثل ألوامرها ونواهيها‪ ،‬ومل يرتك شيئا مكتوبا‬
‫عن هذه التعاليم‪ ،‬بل كان "يقول إرادة اهلل هي طبيعة اإلنسان‪ ،‬والذي نسلكه إىل الطبيعة امسه الطريق‬
‫والذي جيعلنا قادرين على السري يف هذا الطريق هو التعليم والرتبية‪ ،‬ولذلك جيب أال نبعد عن الطريق‬
‫حلظة واحدة‪ ،‬أين ما ذهبت فخذ قلبك معك"‪ ،3‬فرغم أنه مل يرتك شيئا عن تعاليمه وتربيته مسطورا‬
‫ومل يكتب سطرا واحدا يف حياته إال أن" األجيال تناولت أحاديثه‪ ،‬ونصائحه وحماوراته مع تالمذته"‪.4‬‬

‫"وكانوا ينقلون آراءه ويعلقون عليها ويشرحوهنا‪ ،‬مما ساعد على تكوين مدرسة كربى‪ ،‬وهي املدرسة‬
‫الكونفوشيوسية‪.‬‬

‫والكتب اخلمسة اليت استمد منها كونفوشيوس إهلامه هي‪:‬‬

‫كتاب األغاين‪ ،‬أو الشعر (شيه تشينج ‪ ،)Shih Ching‬وحيتوي على ثالمثائة أغنية‬ ‫أ‪-‬‬

‫ومخس‪ ،‬باإلضافة إىل الرتاتيل الدينية‪ ،‬وتعود أشعار هذا الكتاب إىل عهد تشو‪.‬‬

‫‪ 1‬مايكل هارت‪ ،‬اخلالدون املائة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬


‫‪ 2‬سعيد إمساعيل علي‪ ،‬الرتبية يف حضارات الشرق القدمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 3‬أنيس منصور‪ ،‬ديانات أخرى‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،‬ب‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 4‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪94‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كتاب التاريخ (شيه تشينج ‪ ،)Shih Ching‬ويشمل الوثائق التارخيية اخلاصة بالصني يف‬ ‫ب‪-‬‬

‫عصورها القدمية (من ‪ 800-2000‬ق‪.‬م) وال سيما األوامر واملراسيم امللكية واإلمرباطورية‪.‬‬

‫كتاب التغريات (آي ‪ -‬تشينج ‪ )I-Ching‬الذي يبني سبب تطور احلوادث‪ ،‬وفيه استطاع‬ ‫ت‪-‬‬

‫أن حيول التنجيم إىل دراسة علمية للسلوك اإلنساين‪ ،‬وكيف يتأثر اإلنسان بالظروف الطبيعية‬
‫واالجتماعية اليت تكتنفه‪ ،‬ومن مث ميكن التنبؤ بسلوك الفرد ومستقبله‪( ،‬ويعزي هذا العمل تقليديا إىل‬
‫وينج وانج ‪ 1100 Weng Wang‬ق‪.‬م)‪.‬‬

‫كتاب الربيع واخلريف (تشو تشو ‪ ،)Chun Chun‬وقد عاجل فيه تاريخ الصني بالتفصيل‬ ‫ث‪-‬‬

‫بني سنيت ‪ 822‬و ‪ 464‬ق‪.‬م تقريبا‪.‬‬

‫كتاب الطقوس‪ ،‬أو التقاليد (يل تشي ‪ ،)Li Chi‬وهو جمموعة من القواعد اليت تنظم‬ ‫ج‪-‬‬

‫السلوك االجتماعي‪ ،‬وقد مت تأليف هذا الكتاب بعد كونفوشيوس بوقت طويل‪ ،‬ولكنه قد ميثل‬
‫‪1‬‬
‫بصورة جيدة القواعد والعادات اليت تعود إىل عصور سابقة"‬

‫‪.-2‬الرتبية الدينية الكونفوشوسية‪:‬‬

‫ال مناص بأن تعرتف حبقيقة ذكرهتا األحباث والكتابات حول الديانة الكونفوشيوسية‪ ،‬أال‬
‫وهي اختالفها حول هل لكونفوشيوس ديانة أم أخالق‪ ،‬فيذكر مايكل هارت يف مؤلفه [اخلالدون‬
‫املائة] "أن كونفوشيوس أحد مؤسسي الديانات الكربى‪ ،‬وهذا تعبري غري دقيق‪ ،‬فمذهبه ليس دينيا‪،‬‬
‫فهو ال يتحدث عن اهلل أو السماوات‪ ،‬وإمنا مذهبه هو طريق يف احلياة اخلاصة والسلوك االجتماعي‬
‫والسياسي"‪ ،2‬وهذا ما ذهب إليه كذلك أنيس منصور من خالل مؤلفه [ديانات أخرى] فعندما‬
‫"سأله أحد رجال الديانة البوذية‪ :‬يا معلم كونفوشيوس ما دينك؟ قال ال دين يل ‪ ...‬فقال ما‬

‫‪ 1‬سعيد إمساعيل علي‪ ،‬الرتبية يف حضارات الشرق القدمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ 2‬مايكل هارت‪ ،‬اخلالدون املائة‪ ،‬ترمجة أنيس منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪95‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كتابك؟ قال ال كتاب يل‪ ...‬قال ما صلواتك؟ قال ال صلوات‪ ،‬قال ما الذي تدعو إليه إذن؟ قال أن‬
‫يكون اإلنسان إنسانا‪ ،‬ال حيوانا وال إهلا"‪.1‬‬

‫لكن الباحث والناسك الروحي "هوستن سميث "يرى عكس ذلك متاما‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫دراسته الروحية التحليلية ألديان العامل‪ ،‬حيث يقول ‪":‬إذا أخذ الدين مبعناه األوسع كمنهج حياة تتم‬
‫صياغته حول االهتمامات النهائية لشعب ما‪ ،‬فإن الكونفوشيوسية تستحق بشكل واضح اسم‬
‫الدين‪ ،‬وحىت لو أخذ الدين مبعناه األضيق‪ ،‬أي كاهتمام بوضع اإلنسانية على أرضية التعايل على‬
‫الوجود املادي"‪.2‬‬

‫إذن على األقل نستطيع أن تقول أنه كان لكونفوشيوس مشروع ديين من خالل النقاط التالية‪:‬‬

‫"مشروعا ال ينتهي من الرتبية الذاتية‪ ،‬حىت يصبح اإلنسان إنسانا كامال‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫ب‪ -‬إن النفس هي مركز العالقات اإلنسانية املتبادلة‪ ،‬إنه يتم بناؤها من خالل العالقات املتبادلة‬
‫مع اآلخرين"‪.3‬‬

‫كان كونفوشيوس يعترب التعليم مسؤوال على توعية العناية واالهتمام بالفرد إلنتاج حياة اجتماعية‬
‫بالصفات التالية*‪:‬‬

‫"ج ين" ‪ Jen‬تعين كلمة "ج ين"‪-‬املشتقة لغويا من حريف "اإلنسان" و"االثنني"‪-‬العالقة‬ ‫أ‪-‬‬

‫املثالية اليت جيب أن تسود بني الناس‪.‬‬

‫‪ 1‬أنيس منصور‪ ،‬ديانات أخرى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪ 2‬هوسنت مسيث‪ ،‬أديان العامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.278-277‬‬
‫* أنظر أديان العامل‪ ،‬هوسنت مسيث‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫"تشون تسو" ‪ "Chunt zu‬هي التعبري املثايل عن مثل هذه العالقة بني الناس‪ ،‬وقد‬ ‫ب‪-‬‬

‫ترمجت إىل الشخص العظيم أو رفيع املنزلة واإلنسانية املتفوقة يف أفضل أحواهلا‪.‬‬

‫‪ Li‬املفهوم الثالث هو "يل" وله معنيان‪.‬‬ ‫ت‪-‬‬

‫‪ -‬األدب واللباقة‪ ،‬الطريقة الصحيحة اليت جيب أن يعامل هبا اإلنسان أو يتصرف هبا‪.‬‬

‫‪ -‬الوسيطة‪ :‬فالوسط هو املنهج أو الطريق الذي يكون بشكل ثابت يف املنتصف ‪ ...‬إن احرتام‬
‫الوسط جيلب االنسجام والتوازن‪ ،‬إنه يشجع على التفاهم واملداراة وجيعل اإلنسان حمتاطا‬
‫ومتحفظا"‪.‬‬

‫"يت ‪ Te‬تعين هذه الكلمة القوة اليت حتكم الناس أي السلطة (‪ ،)Power‬وال يقصد‬ ‫ث‪-‬‬

‫كونفوشيوس هنا القوة املادية بل النزاهة وحتقيق ثقة الشعب والقوة االقتصادية والعسكرية‪.‬‬

‫"وين" وهي لقطة تشري إىل "فنون السالم" ويف مقابل فنون احلرب‪ ،‬وتشمل على املوسيقى‬ ‫ج‪-‬‬

‫والفن‪ ،‬والشعر‪ ،‬وجمموع الثقافة يف منطها الروحي واجلمايل"‪.1‬‬

‫‪-‬فلم يدعو كونفوشيوس إىل حياة الرهبنة والتصوف الصرف‪ ،‬بل كان يؤكد على أن "احلياة احل ّقة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫قواعد وأصول وسلوك ومعاملة يلتزم هبا اجلميع فإذا فعلوا فال خوف على أحد من أحد"‬

‫‪ 1‬هوسنت مسيت‪ ،‬أديان العامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،276-266‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 2‬أنيس منصور‪ ،‬ديانات أخرى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪97‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الديانة الهندوسية‪:‬‬

‫إذا كان بوذا مؤسس الديانة البوذية‪ ،‬وإذا كان كونفوشيوس تنسب إليه الديانة الكونفوشيوسية‪،‬‬
‫فالديانة اهلندوسية "مل يسجل تاريخ األديان اسم شخص معني‪ ،‬يقال له إنه مؤسس الديانة‬
‫اهلندوسية"‪.1‬‬

‫إذن ليس هناك مؤسس أو نيب هلذه الديانة‪ ،‬ميكن الرجوع إليه كمصدر إشعاع لتعاليمها وتربيتها‬
‫اإلميانية الوجانية (الروحية لألتباع)‪" ،‬فاهلندوسية دين متطور‪ ،‬وجمموعة من التقاليد واألوضاع تولدت‬
‫من تنظيم اآلريني حلياهتم جيال بعد جيل بعدما وفدوا على اهلند"‪ ،2‬وتسمى أيضا بالديانة اهلندوكية‪،‬‬
‫ويطالق عليها أيضا الربمهية نسبة "إىل الكيان اإلهلي الذي يسميه اهلندوس (برمهان ومفهومها‬
‫التخلص من كل ما يزعج الروح اإلنسانية من اجلهل والضعف اجلسدي‪ ،‬وما ترافقه من اخلطايا‬
‫اجلسدية"‪ ،3‬فما هي تعاليم هذه الديانة؟ وما هي أسسها الروحية اإلميانية؟‬

‫تعاليم الهندوسية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫تستمد التعاليم اهلندوسية من خالل النصوص املقدسة واليت تسمى "بالفيد"*‪" ،‬وهي عبارة‬
‫عن جمموعة هائلة من الكتب اليت تتكلم عن اآلهلة واخللق والتناسخ واملقدسات واحملرمات"‪،4‬‬
‫ولنأخذ حملة موجزة عن الفيدا عند اهلندوسيني‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد ضياء الرمحن األعظمي‪ ،‬فصول يف أديان اهلند (اهلندوسية والبوذية واجلينية والسيخية‪ ،‬وعالقة التصوف هبا)‪ ،‬دار خباري‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1997-1417 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ 2‬أمحد شليب‪ ،‬مقارنة األديان (‪ )4‬أديان اهلند الكربى‪-‬اهلندوسية‪ .‬اجلينية‪-‬البوذية‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2000‬ص‪.38‬‬
‫‪ 3‬صربي املقدسي‪ ،‬اهلندوسية‪ :‬املنشأ‪ ،‬اجلذور والعقائد الروحية‪ ،‬احلوار املتمدن‪ ،‬املوقع على النت ‪www.ahewar.org‬‬
‫تاريخ االطالع‪ 2015/08/13 :‬التوقيت‪23:09 :‬‬
‫* الفيدا‪ :‬هي كلمة سنسكريتية قدمية‪ ،‬تعين احلكمة أو املعرفة املقدسة‪.‬‬
‫‪ 4‬صربي املقدسي‪ ،‬اهلندوسية‪ ،‬املنشأ‪ ،‬اجلذور‪ ،‬والعقائد الروحية‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪98‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫"الويدات هي عبارة عن أربع كتب دينية‪:‬‬

‫‪ .1‬الريج ويدا (‪ )Rig Veda‬وهو أشهر األربعة وأمهها وأمشلها كما سيظهر من مقارنة‬
‫موضوعاته مبوضوعات الويدات الثالث األخرى‪ ،‬ويقال أن تأليف الريج ويدا يرجع إىل ‪ 3000‬ق‪.‬م‬
‫وتشمل ‪ 1017‬أنشودة دينية وضعت ليتضرع هبا أتباعها أمام اآلهلة أو يتغنون هبا عن اآلهلة‪ ،‬وأشهر‬
‫اآلهلة الذين ورد ذكرهم فيها هو اإلله اندار إله اآلهلة‪ ،‬مث جييء بعده اإلله أغىن إله النار وراعي‬
‫األسرة‪ ،‬فاإلله قارونا‪ ،‬فاإلله سوريه (الشمس) وغريهم‪.‬‬

‫وال يزال اهلنود يتغنون بأناشيد من الريج ويدا‪ ،‬يرتلوهنا يف صلواهتم صباحا ومساء‪ ،‬ويتيمنون‬
‫بتالوهتا يف حفالت زواجهم كما كانوا يفعلون منذ ثالثة آالف عام‪.‬‬

‫‪ .2‬ياجورويدا (‪ )Yajur Veda‬وتشمل العبادات النثرية اليت يتلوها الرهبان عند تقدمي‬
‫القرابني‪.‬‬

‫‪ .3‬ساما ويدا (‪ )Sama Veda‬وتشمل األغاين اليت ينشدها املنشدون‪.‬‬

‫‪ .4‬آثار ويدا (‪ )Athar Veda‬وتشمل مقاالت يف السحر ‪ ...‬مصبوغة بالصبغة اهلندية‬


‫القدمية‪ ،‬فاحلياة اهلندية‪ ،‬كما يصورها آثار فيدا مملوءة باآلثام‪ ،‬والكون حافل بالشياطني واألغوال‬
‫خيوفون الناس‪ ،‬واآلهلة كفت أيديها عن اخلري مل تعد تدفع الشر‪ ،‬ويروي آثار فيدا جلوء الناس‬
‫للخرافات والرقي"‪.1‬‬

‫‪.‬أسس التربية الروحية في الديانة الهندوسية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫هناك جمموعة من الطقوس "‪ "Rities‬الدينية يعتمد عليها املؤمنني اهلندوس من أجل التنقية‬
‫والسمو الروحي‪ ،‬تتمثل أساسا يف الصالة‪ ،‬الصوم واحلج‪.‬‬

‫‪ 1‬أمحد شليب‪ ،‬مقارنة أديان العامل (‪ ،)4‬اهلندوسية‪ ،‬اجلينية‪ ،‬البوذية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41-40‬‬
‫‪99‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫"‪.1‬الصالة‪ :‬مبعىن العبادة وهي على نوعني‪:‬‬

‫األول‪ :‬يسمى "ياك" أو "جييا" وهو إشعال النار يف مكان معني‪ ،‬وقراءة أناشيد خاصة من‬ ‫‪-‬‬
‫"الفيدات" و"أبانشاد" الستجالب حب اآلهلة وطب الكفارة للذنوب‪ ،‬وجيب أن يتم "جييا" من‬
‫طريق رجل بْ َرِْمهي‪ ،‬فإنه الواسطة بني اخللق واخلالق‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬يسمى "بوجا" وهو التسبيح والتمجيد لآلهلة‪ ،‬وتقدمي القرابني هلم من زهور وفواكه‬ ‫‪-‬‬
‫وماء خملوط من زعفران‪ ،‬ولكل إله من اآلهلة طقوس وطريقة خاصة لتقدمي القرابني املذكورة‪.‬‬

‫‪.2‬الصوم‪ :‬لقد أدرك علماء اهلندوس أن الصوم هو أفضل وسيلة لتعديل النفس وقهرها‪ ،‬وكسر حدة‬
‫الشهوة احليوانية‪ ،‬وإضعاف القوى اجلسمانية‪ ،‬فأوجبوا الصيام على رجال الدين‪ ،‬والنساك والزهاد‪،‬‬
‫وللصوم طرق كثرية منها‪ :‬ترك الطعام والشراب ليال وهنارا بدون إفطار أليام غري حمدودة‪ ،‬ومنها‬
‫اجتناب الغالت دون املاء واللنب بقدر احلاجة‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يأكلوا أياما يف الظهرية فقط‪ ،‬ومنها أن‬
‫يأكلوا بعد غروب الشمس مرة واحدة‪.‬‬

‫وقد توجد مجاعات من الزهاد والنساك يف الغابات وعلى جبال مهاليا وهم يصومون وال يفطرون إال‬
‫نبات خاص يعصر يف حلوقهم فيبقون على قيد احلياة شبه امليت‪ ،‬وال يزالون على هذه احلالة حىت‬
‫ميوتوا‪.‬‬

‫‪.3‬احلج‪ :‬هو زيارة املواضع املقدسة واألشخاص املعظمني ويسمى "ياترا" ومعناه اللغوي "عبور النهر"‬
‫فالقصد من زيارة األشخاص املعظمني هو االستماع ملواعظهم‪ ،‬واالستماع بصحبتهم‪ ،‬واملقصود من‬
‫زيارة األماكن املقدسة عندهم عبادة األصنام يف هذه األماكن والغالب هي أربعة أماكن‪:‬‬

‫‪ .1‬دواركا (‪)Dwarka‬‬

‫‪ .2‬جنكات بوري (‪)Jagnath puri‬‬

‫‪100‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ .3‬بادركا ثرم (‪)Baderka srm‬‬

‫‪ .4‬راميشور (‪.)Rameshwar‬‬

‫وكذا حيج اهلندوس إىل أحد األهنار املطهرة فيغتسلون فيه مثل هنري "كنكا" و"جامنا" يف مدينيت‬
‫"واراناسي" و"اهلل آباد"‪.1‬‬

‫‪.4‬اليوغا (اليوجا)‪ :‬يعترب طقس جد مهم يف الديانة اهلندوسية‪" ،‬وهي رياضة روحية غايتها السمو‬
‫‪2‬‬
‫بالعقل والروح إىل حالة مثل السعادة القصوى‪ ،‬وذلك بإبعاد نفسه من الشهوات اجلسدية واملادية"‬
‫إذن يعتمد املؤمن على التأمل الروحي عن طريق اليوغا ليصل إىل درجة أمسى تعرف بالوالدة اجلديدة‬
‫(املوكشا)‪ ،‬فعندما ينتصر اليوغي على األسباب املادية واجلسدية‪ ،‬حيث "يدهش املشاهدين فرتى‬
‫يعيش اليوجي عاريا فوق النهر املتجمد‪ ،‬وينام على شظايا الزجاج دون أن تظهر عليه أية إصابة‬
‫وجيب أن يكون اإلنسان على حذر‪ ،‬فإن "اليوجا" نوع من العقائد الدينية‪ ،‬ووسيلة من وسائل السمو‬
‫الروحي عند اهلندوس"‪.3‬‬

‫وهذا األساس الروحي يعول عليه أهل اهلندوس كثريا من أجل اخلالص الروحي والتوازن‬
‫النفسي وحتقيق االتصال الديين العمودي مع اهلل (برامهان) واالحتاد به‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد ضياء الرمحن األعظمي‪ ،‬فصول يف أديان اهلند العظمى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.98-96-95‬‬
‫‪ 2‬صربي املقدسي‪ ،‬اهلندوسية‪ ،‬املنشأ واجلذور‪ ،‬العقائد الروحية‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪ 3‬حممد ضياء الرمحن األعظمي‪ ،‬فصول يف أديان اهلند العظمى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪( 96‬من اهلامش)‬
‫‪101‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني ‪:‬التربية الروحية في األديان السماوية‪:‬‬

‫اهلامة ‪،‬اليت لقيت اهتمام كبري من لدن العلماء‬


‫تعترب الرتبية بصفة عامة‪ ،‬من املواضيع ّ‬
‫واملفكرين منذ زمن بعيد جدا و إىل وقتنا احلاضر كذلك‪ ،‬فإذا كانت الرتبية لدى الشعوب البدائية‬
‫هتدف إىل استمرارية احلياة االجتماعية اليت كانت تقتصر دائما على إشباع حاجات اجلسم من طعام‬
‫تتبوؤه يف أي‬
‫وشراب وملبس ومأوى‪ ،‬فهي عند الشعوب الراقية واملتحضرة حتتل مكانة رفيعة جدا مل ّ‬
‫عصر من العصور وذلك عرب الدراسات النظرية والتطبيقية اليت حققت نتائج مبهرة يف عملية إعداد‬
‫األفراد وتنشئتهم من أجل بناء جمتمع صاحل‪ ،‬لكن هذا التطور يف العصر احلديث ال يعبئ بالدين فال‬
‫جندها (أي الرتبية) هتتم بالروح وال بتزكية النفس‪ ،‬بل يف الغالب جندها هتتم باجلسد واللذة وإشباع‬
‫احلاجات اجلسمية املادية لتحقيق الكمال والراحة واالطمئنان‪.‬‬

‫ويعترب هذا زعزعة األساس الروحي عند اإلنسان الذي هو سنده يف عملية التواصل الديين‬
‫(بشقيه العمودي و األفقي)‪ ،‬والذي يعترب أيضا القاسم املشرتك األكرب على األقل بني الديانات‬
‫السماوية‪ .‬وعليه فكيف هو حال الرتبية الروحية (أو اإلميانية اإلحسانية) عند اليهودية واملسيحية‬
‫واإلسالم؟‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التربية الروحية في الديانة اليهودية‬

‫الديانة اليهودية هي امللّة اليت يدين هبا اليهود عرب العامل‪ ،‬ومتمركزة خاصة يف الوقت احلاضر‬
‫يف إسرائيل*‪ ،‬وهم ينتسبون إىل أمة نيب اهلل موسى‪ ،‬ويعترب الدين اليهودي منبعا هاما من منابع‬
‫التصوف الكابايل ‪ ،** KABBALE‬عند متشبعة بتعاليم التوراة‪ ،‬وترسيخ عقائد معينة يف أنفس‬
‫الناشئة اليهودية‪ ،‬كرتسيخ مفهوم الوطن القومي اليهودي الذي يعيش فيه شعب اليهود فقلد "رأوا أن‬

‫* بالد فلسطني اليت أقيمت عليها دولة إسرائيل على خلفية عقدية وتنفيذ إرادة اهلل‪ ،‬يف نظر اإلسرائيليني‬
‫** الكبالة ‪ KABBALH‬أو القبالة يقابلها عند املسيحية التأهل الروحي ويف اإلسالم الصوفية‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫حيتفظوا بكيان مستقل إىل األبد"‪ ،1‬ولقد مارس اليهود تربية روحانية ودينية قومية عرب التاريخ‪ ،‬فكانت‬
‫التوراة حمتوى أساسي للتقاليد الروحية واألخالقية‪ ،‬فالدارس للرتبية الدينية عند اليهود سيكتشف شيئا‬
‫غري موجود يف الديانات السماوية األخرى (املسيحية‪ ،‬اإلسالم)‪ ،‬واملتمثل يف كوهنا تربية دينية أخالقية‬
‫منغلقة‪ ،‬ال تتوسع لتشمل اآلخر غري اليهودي فقط لتكوين جمتمع يهودي عضوي‪" ،‬ويزيد األمر‬
‫وضوحا معرفة ما جاء يف التلمود هبذا الصدد‪ ،‬فقد جاء فيه ما يبيح لليهودي الكذب والغدر واخليانة‬
‫وهو يعامل اآلخرين"‪.2‬‬

‫إذن فالرتبية الدينية الروحية يف الديانة اليهودية هتدف وترمي إىل تنشئة األجيال جسدا‬
‫واجتماعيا وروحيا وعقليا بشكل منغلق على الذات‪ ،‬استنادا إىل تعاليم التوراة وأنصارها‪ ،‬وهذا البحث‬
‫سيقتصر على اجلانب الكابلي الصويف‪.‬‬

‫أسس التربية الروحية عند اليهود‪:‬‬

‫‌أ‪ .‬الدعاء واملناجاة‪:‬‬

‫هو أحد األسس واملبادئ اليت يعتمد عليها أتباع التوراة (اليهود) من أجل توثيق الصلة مع الرب‬
‫(اهلل)‪ ،‬ويعترب الدعاة واملناجاة "من الوسائل اليت ميكن أن توثق صلة العبد خبالقة العظيم‪ ،‬ورغم‬
‫التحريف الكثيف الذي اعرتى التوراة إال أهنا ال ختلو من بعض صيغ الدعاء واملناجاة اليت ال ختالف‬
‫تعاليم اإلسالم مثل‪- :‬يا رب اهدين إىل برك‪ ،‬يسبب أعدائي‪ ،‬سهل قدامي طريقك‪-‬امحين يا رب‪،‬‬

‫‪ 1‬التوراة السامرية‪ :‬ترمجة أبو احلسن إسحق السوري‪ ،‬نشرها وعرف هبا أمحد حجازي السقا‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار األنصار‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1987‬م‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ 2‬عماد علي عبد السميع حسن‪ ،‬اإلسالم واليهودية‪ ،‬دراسة مقارنة من خالل سفر األولني‪ ،‬تقريط‪ ،‬عبد اخلالق إبراهيم إمساعيل‬
‫(لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية)‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪1425 ،‬ه ‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪103‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ألين ضعيف‪ ،‬اشفين يا رب ألن عظامي قد رجفت قد ارتاعت جدا"‪ 1‬وكذلك "يتصل بالدعاء‬
‫واملناجاة‪ ،‬بعض احلِ َكم الدينية يف التوراة‪ ،‬لتعرف العبد خبالقه جل وعال‪ ،‬ومن ذلك ما جاء يف سفر‬
‫املزمور واألمثال رأس احلكمة خمافة اهلل‪ ،‬فطنة جيدة لكل عامليها‪ ،‬تسبيحة قائمة إىل األبد) وكذلك‬
‫خضوع أهل التوراة ألحكامها"‪.2‬‬

‫ب‪ .‬الصالة‪:‬‬
‫‌‬

‫هي دائما وسيلة االتصال الروحي مع اهلل‪ ،‬وهي عبارة عن إظهار أحاسيس وتأدية الشكر‬
‫روحيا‪ ،‬ومن بني معانيها عند اليهود هي أن " الصلوات اليهودية (تفياله) بالعربية وكانت تعين يف‬
‫أصلها اإلرهاق‪ ،‬أو تعذيب الذات وإظهار اخلضوع"‪ 3‬فالصالة هي طقس لتقدمي التشكرات وطلب‬
‫االستغفار من اخلطايا وطلب املدد اإلهلي من أجل السمو الروحي‪ ،‬ومنها أيضا ما يكون لدفع‬
‫الغضب‪ ،‬كما جتدر اإلشارة هنا إىل أن الصلوات يف الديانة اليهودية ترتبط بالقرابني‪ ،‬حيث "يفصل‬
‫السفر (سفر األوليني) هذه الصلوات اليت يف صورة قرابني‪ ،‬فيبني ما يكون طلبا لغفرات اخلطيئة ومنها‬
‫متا يكون شكرا للنعمة‪ ،‬ومنها ما يكون لدفع غضب اإلله أي طلب الرضا"‪ ،4‬فالصالة هي أهم‬
‫األعمال الروحية اليت توطد الصلة باهلل ومع عباده‪ .‬و"الصالة عند اليهود‪ ،‬هي على نوعني ‪ ،‬صالة‬
‫فردية ‪ ،‬و صالة مجاعية"‪.5‬‬

‫‪ 1‬عابد توفيق اهلامشي‪ ،‬الرتبية يف التوراة (العهد القدمي عرض وتقومي مبيزان اإلسالم)‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1430‬ه ‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ 2‬عابد توفيق اهلامشي‪ ،‬الرتبية يف التوراة‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 3‬عماد عبد السميع حسن‪ ،‬اإلسالم واليهودية – دراسة مقارنة من خالل سفر األولني‪ -‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط‪1425 ،2004 ،1‬ه ‪ ،‬ص ‪ /226‬نقال عن موسوعة اليهود واليهودية‪ ،‬ج‪.226/5‬‬
‫‪ 4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.268‬‬
‫‪ 5‬هنى حنا و آخرون ‪ ،‬موسوعة كنوز املعرفة ‪ ،‬األديان ‪ ،‬إشراف إميل بديع يعقوب‪ ، ،‬دار نظري عبّود ‪ ،‬جونية ‪ ،‬لبنان‪ ،‬جملد‪،2‬‬
‫ط‪، 2002، 4‬ص‪238‬‬
‫‪104‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫طهارة البدن‪( :‬اجلسد)‪:‬‬ ‫ج‪.‬‬


‫‌‬

‫تعترب طهارة اجلسم ماديا من كل اإلفرازات اجلنسية أمر ديين مهم من أجل االتصال الروحي‬
‫مع اهلل‪ ،‬فالعهد القدمي (التوراة) يؤكد على هذا بشكل فاقع وساطع يف سفر الالويني ‪ ،‬و حتديدا‬
‫اإلصحاح اخلامس عشر حيث "يذكر بالتفصيل الشرائع اإلهلية الواجبة للتطهري سواء بالنسبة للرجل‬
‫أم املرأة أم املتزوجني‪ ،‬وكيف يتطهرون من جناسة اجلسد قبل أن يتقربوا إىل اهلل‪ ،‬والكتاب املقدس‬
‫يسمى عملية التطهري هذه تقديس اإلنسان لذاته لكي يتقرب إىل اهلل"‪ ،1‬ويف ما يلي بعض فقرات‬
‫سفر الالويني جنتزأ أمنها لتوضيح أمرية التطهري اجلسدي‪:‬‬

‫"‪1‬قال الرب ملوسى وهارون‪ 2 :‬قوال لبين إسرائيل‪ :‬كل رجل يكون له سيل من حلمه‪ ،‬فسيله‬
‫جنس‪ 3.‬وهذه تكون جناسته بسيله‪ :‬إن كان جلمه يبصق سيله‪ ،‬أو حيتبس حلمه عن سيله‪ ،‬فذلك‬
‫جناسته‪ 4.‬كل فراش يضطجع عليه الذي له السيل يكون جنسا‪ ،‬وكل متاع جيلس عليه يكون جنسا‪5.‬‬
‫ومن مس فراشه يغسل ثيابه ويستحم مباء‪ ،‬ويكون جنسا إىل املساء‪ 6.‬ومن جلس على املتاع الذي‬
‫جيلس عليه ذو السيل يغسل ثيابه ويستحم مباء‪ ،‬ويكون جنسا إىل املساء‪ 7.‬ومن مس حلم ذي السيل‬
‫يغسل ثيابه ويستحم مباء‪ ،‬ويكون جنسا إىل املساء‪ 8.‬وإن بصق ذو السيل على طاهر يغسل ثيابه‬
‫ويستحم مباء‪ ،‬ويكون جنسا إىل املساء‪ 9.‬وكل ما يركب عليه ذو السيل يكون جنسا‪ 10.‬وكل من‬
‫مس كل ما كان حتته يكون جنسا إىل املساء‪ ،‬ومن مجلهن يغسل ثيابه ويستحم مباء‪ ،‬ويكون جنسا إىل‬
‫املساء‪ 11.‬وكل من مسه ذو السيل ومل يغسل يديه مباء يغسل ثيابه ويستحم مباء ويكون جنسا إىل‬
‫املساء‪ 12.‬وإناء اخلزف الذي ميسه ذو السيل يكسر‪ ،‬وكل إناء خشب يغسل مباء‪ 13.‬وإذا طهر ذو‬
‫السيل من سيله حيسب له سبعة ايام لطهره‪ ،‬ويغسل ثيابه ويرحض سده مباء حي فيطهر‪ 14.‬ويف‬
‫اليوم الثامن يأخذ لنفسه ميامتني أو فرخي محام ويأيت إىل أمام الرب إىل باب خيمة االجتماع ويعطيها‬

‫‪ 1‬األنبا إيساك‪ ،‬كيف أتقرب إىل اهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪105‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫للكاهن‪ 15.‬فيعلمها الكاهن‪ :‬الواحد ذبيحة خطية‪ ،‬واآلخر حمرقة‪ ،‬ويكفر عنه الكاهن أمام الرب‬
‫من سيله" سفر الالويني‪ ،‬اإلصحاح ‪15-1 :15‬‬

‫نتيجة‪:‬‬

‫إن عملية التواصل الديين العمودي‪ ،‬عند اليهود يعتمد أفعاال و سلوكيات تعبدية مثل‪:‬‬
‫الدعاء املناجاة‪ ،‬و الصالة‪ ،‬وتطهري اجلسد من النجاسة احلسية باالمتناع عن شهواته‪ ،‬كل هذا جيعل‬
‫الفرد يف احلضرة اإلهلية ‪.‬كما " يهتم األدب التلمودي و الرباين ‪ ،‬يف معظمه بأمور ' الهاالخاه'‬
‫‪1‬وتعاجل ' الهاالخاه' العالقات بني فرد و آخر ‪ ،‬و بني الفرد و اجلماعة ‪ ،‬و بني مجاعة و أخرى‬
‫وبني بين إسرائيل ‪ ،‬و باقي الشعوب ‪ ،‬بل حىت بني باقي الشعوب و بعضها البعض "‪ ،2‬إنه التواصل‬
‫الدين األفقي ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التربية الروحية في الديانة المسيحية‬

‫هي أيضا الديانة املسيحية تنص وهتتم بالرتبية الروحية واألخالقية لإلنسان‪ ،‬إنه البعد اإلمياين‬
‫والعقدي‪ ،‬وذلك بناءً واستنادا على القوانني والوصايا املسيحية املنصوص عليها يف العهد اجلديد‬
‫(اإلجنيل)‪ ،‬وترتكز هذه الديانة دائما وبشكل ملفت لالنتباه ‪،‬على غرار األديان األخرى باألطفال‬
‫حيث جاء يف سفر التثنية " تَ َذ َّكروا دائِما ه ِذه الوصايا اليت اٌ ِ‬
‫عطيها لَ ٌكم اليوم‪ ،‬علِّموها أل ِ‬
‫َوالدكم" ‪-‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً َ ََ ّ‬
‫تثنية ‪7-6 :6-‬‬

‫‪ 1‬يطلق هذا اسم اهلاالخاه على اجلزء اخلاص باحلياة اليهودية يف الديانة اليهودية‪ ،‬و الذي حيدد احملرمات و احمللالت ‪ ،‬و ما هو‬
‫واجب و غري واجب ‪/‬عن موسوعة املصطلحات اليهودية الدينية‪.‬‬
‫‪ 2‬رشاد الشامي ‪ ،‬موسوعة املصطلحات اليهودية الدينية ‪ ،‬مرجع سابق ‪106 ،‬‬
‫‪106‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وكذلك جاء يف اإلجنيل وعندما نقرأ رسائل بولس ‪،‬جند أنه يذكر األطفال كثريا فيقول‪ ":‬أيها األوالد‬
‫أطيعوا والديكم يف كل شيء ألن هذا مرضي يف الرب‪ ،‬أيها اآلباء ال تغيظوا أوالدكم لئال يفشلوا"‪-‬‬
‫كو‪21-20 :3 -‬‬

‫فالرتبية الدينية املسيحية حريصة جدا على إقحام اهلل يف احلياة وضرورة تنشئة األطفال وتربية‬
‫األجيال تربية روحية‪ ،‬فريى يوهان كريستوف "إن االعتقاد بأنه يف إمكاننا مسح اهلل عن الوجود هو‬
‫غباء طبعا‪ ،‬فمهما عملنا فاهلل موجود‪ ،‬فاهلل كان موجودا منذ زمن بعيد حىت قبل أن جنيء إىل‬
‫الوجود‪ ،‬وسيبقى موجود وإىل زمن بعيد بعد رحيلنا‪ ،‬لذلك يتحتم علينا‪ ،‬حنن اآلباء أن نورث أوالدنا‬
‫‪1‬‬
‫وبكل جرأة القيم واملبادئ الدينية اليت نعتز هبا مهما كانت العواقب"‬

‫وعليه ما هي األسس اليت تعتمد عليها الديانة املسيحية من أجل تنشئة األطفال تنشئة دينية‬
‫روحية؟‬

‫أسس التربية الروحية في المسيحية‪:‬‬

‫تتخذ الرتبية الدينية عند املسيحيني عدة أساليب لرتبية األجيال تربية روحية إميانية‪ .‬فتعترب‬
‫األسرة ركيزة أساسية يف هذه العملية الرتبوية باإلضافة إىل مدارس األحد لتعليم وتلقني الناشئة مبادئ‬
‫اإلميان و السمو الروحي‪.‬‬

‫تالوة القصص‪:‬‬ ‫‌أ‪.‬‬

‫يرى املسيحيون أنه من الضروري جدا أن نريب األطفال تربية روحية ويقدم هلم تعليما دينيا عن اهلل‬
‫وذلك بأسلوب تالوة القصص الديين املرتبط بكل ما يتعلق بالسيد املسيح‪ ،‬فيجب "قراءة القصص‬

‫‪ 1‬يوهان كريستوف آرنولد‪ ،‬ملاذا يهمنا أطفالنا‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬دار احملراث للنشر‪2013 ،‬م‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪107‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عن طريق إخبارهم حياة اليسوع املسيح‪ ،‬وأن نشرح هلم املعىن الكامن وراء عيد امليالد السيد املسيح‬
‫‪1‬‬
‫وعيد القيامة ‪ ..‬أو عن مجع املالئكة اليت بشرت مبيالد املسيح"‬

‫تلقني وحفظ آيات اإلجنيل‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬


‫‌‬

‫ترى املسيحية أن عملية احلفظ على ظهر القلب من لدن األطفال آليات النص املقدس (اإلجنيل)‬
‫مبثابة األرضية الصلبة اليت يرتكزون عليها عندما يكربون حبيث يتكون لديهم تقوية روحية جملاهبة‬
‫الظروف النفسية واالجتماعية الصعبة والعسرية واليت تأتيهم من جراء التواصل والتفاعل االجتماعي‬
‫فيقول يوهان كريستوف آرنولد‪":‬إن تعليمهم (أي األطفال) على حفظ اآليات الكتابية قد يكون من‬
‫‪2‬‬
‫أحد األساليب اليت تعلمهم عن اإلميان"‬

‫الشكر و التسبيح‪:‬‬ ‫ح‪.‬‬


‫‌‬

‫يعترب الشكر والتسبيح هلل أيضا من األساليب اليت تعلم اإلنسان اإلميان وتربطه باهلل‪ ،‬وذلك من‬
‫أجل اإلمداد الروحي‪ ،‬وطلب العون اإلهلي‪ ،‬واالستعانة به‪ ،‬وهنا يؤكد يوهان كريستوف آرنولد على‬
‫دور األسرة كمؤسسة تنشئوية اجتماعية ينهل منها األوالد ويتشربون البعد الروحي اإلمياين والذي‬
‫يعترب أحد أهم جوانب الرتبية واإلعداد‪ ،‬إذا "جيب تعليم األطفال على تقدمي الشكر هلل على كل‬
‫شيء عندهم"‪ ،3‬ويف مجيع األحوال ‪ ،‬حيث جيب تعويدهم على تالوة دعاء الشكر عند األكل والنوم‬
‫مثال وعلى مجيع عطايا اهلل لنا وعلى مجال الطبيعة أيضا‪.‬‬

‫‪ 1‬يوهان كريستوف آرنولد‪ ،‬ملاذا يهمنا أطفالنا‪ ،‬مرجع السابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪108‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫د‪ .‬الصالة‪:‬‬

‫تعترب الصالة عند املسيحيني النعمة الكربى اليت يناهلا اإلنسان يف حياته الروحية‪ ،‬وهي العالقة‬
‫التوقي من استفزازات الشيطان لذا "أكرب نعمة يناهلا‬
‫والصلة الربانية الكفيلة باإلمداد السماوي‪ ،‬و ّ‬
‫اإلنسان يف حياته الروحية أن يعرف كيف يصلي‪ ،‬ألن الصالة هي املفتاح الذي يفتح كل الكنوز‬
‫السمائية أمام املصلي‪ ،‬ويف نفس الوقت الصالة هي أكثر األعمال الروحية اليت تالقي حماربات عنيفة‬
‫جدا من الشيطان"‪ ،1‬إذا فالصالة مقوم مهم يف الديانة املسيحية‪ ،‬فهي جتعل اإلنسان يربط روحه‬
‫‪2‬‬
‫باإلله "ومبجرد قيامه يف الصالة يندمج مع هذا العامل الروحاين ويستطيع أن يتلذذ باحلضرة اإلهلية"‬
‫والصالة عند املسيحيني "هي سبع يؤديها املصلّي يف النهار و الليل ‪ ،‬بدون مواعيد ثابتة لكنها‬
‫‪3‬‬
‫استقرت على صالة الصباح و صالة املساء ‪ ،‬و يهتم املسيحيون بالصالة أكثر من الصوم"‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التربية الروحية في اإلسالم‪:‬‬

‫هتتم الرتبية اإلحسانية اجلوانية (الروحية) يف اإلسالم باجلانب الروحي و القليب لإلنسان‪ ،‬حيث‬
‫يلجأ اإلنسان إىل أعمال إميانية تعبدية من شأهنا أن حتيي فيه هذا الوازع الفطري (روح من اهلل) الذي‬
‫ميكن أن يضمر مبلذات احلياة ألنه كما قلنا سابقا "إن النفس تنجذب إىل اهلل بواسطة الروح‪ ،‬لكنها‬
‫دائما تكون مرتبطة مبا هو طبيعي أو مادي بواسطة اجلسد"‪ ،4‬هذا من جهة‪ ،‬ومن أخرى "أن كل‬
‫رذيلة وخطيئة ال بد من أن تؤدي إىل ضرر يف حياة الفرد واجملتمع"‪ ،5‬لذا جند الرتبية اإلميانية يف‬
‫اإلسالم تنص على ضرورة وجود حمطات أو دورات روحية يلجأ إليها الفرد املسلم من أجل االرتقاء‬

‫‪ 1‬األنبا إيساك‪ ،‬كيف أتقرب إىل اهلل‪ ،‬مطبعة الدلتا‪ ،‬ط‪ ،2011 ،1‬ص‪.36‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪ 3‬هنى حنا و آخرون ‪ ،‬موسوعة كنوز املعرفة ‪ ،‬األديان ‪ ،‬إشراف إميل بديع يعقوب‪ ، ،‬دار نظري عبّود ‪ ،‬جونية ‪ ،‬لبنان‪ ،‬جملد‪،2‬‬
‫ط‪ ،2002، 4‬ص‪.238‬‬
‫‪ 4‬يوهان كريستوف آرنولد‪ ،‬اجلنس واهلل والزواج‪ ،‬ت‪:‬األنبا أنطونيوس مرقس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪55‬‬
‫‪ 5‬مقداد ياجلن‪ ،‬فلسفة احلياة الروحية‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪109‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫والسمو الروحي وتزكية النفس‪ ،‬وتطهريها من الرذائل وتوطيد الصلة مع اهلل‪ ،‬فيأخذ القلب حاال‬
‫أحسنا وأفضال‪ ،‬لينعكس ذلك إجيابا على تفاعله االجتماعي مع الناس‪ ،‬ويبين عالقاته اإلنسانية على‬
‫مدد من اهلل‪ ،‬ويعم الصالح واإلنتاج والسالم بني الناس‪ ،‬فيقول سعيد حوى ‪":‬إننا ندعو املسلم إىل‬
‫أن تكون له دورات روحية يف حياته ما استطاع إىل ذلك سبيال بالقدر الذي يتيسر له‪ ،‬فإن استطاع‬
‫أن تكون دورته أربعني يوما فليفعل‪ ،‬وإن استطاع ثالثة أيام أو سبع أو مثانية أو أكثر أو أقل فليفعل‬
‫‪ ...‬وأن استطاع أن يربط الدورة وبني بعض الشهور كرمضان أو األشهر احلرم أو العشر األوىل من‬
‫ذي احلجة أو غري ذلك‪ ،‬أو ما تيسر له ذلك"‪ ،1‬حبيث يكون هلذه احملطة أو الدورة الروحية برنامج‬
‫تعبدي مركز من صالة ودعاء واستغفار وتسبيح وشكر وصيام وأوراد الصباح واملساء وتالوة القرآن‬
‫والتفاعل الوجداين مع معانيه‪ ،‬هذا كله وآخر من شأنه أن حيصل لإلنسان مدد وصلة مع اهلل‪ ،‬وهذا‬
‫ما ختصصت فيه الطرق الصوفية ومناهج الرتبية اإلسالمية عند املسلمني‪.‬‬

‫أساليب التربية الروحية عند المسلمين‪:‬‬

‫أ‪ .‬الصالة وإعمار املساجد‪:‬‬

‫للمسجد يف اجملتمع املسلم مكانة مرموقة بل هو مؤسسة تربوية دينية اجتماعية‪ ،‬بل أول بناء‬
‫حرص رسول اإلسالم حممد بن عبد اهلل (صلى اهلل عليه ومالئكته) هو تشييد املسجد عند أول‬
‫خطوة وضعها يف املدينة مهاجرا‪ ،‬وذلك "من أجل أن تتوثق الصالت بني الناس‪ ،‬ومن أجل أن يديروا‬
‫وميارسوا شؤوهنم العامة‪ ،‬حيتاجون إىل مكان مشرتك غري األمكنة اخلاصة لكل واحد منهم"‪ ،2‬ومن‬
‫أجل أن تقام فيه الصلوات اخلمس يف النهار والليل‪.‬‬

‫‪ 1‬سعيد حوى‪ ،‬تربيتنا الروحية‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والرتمجة‪ ،‬ط‪1999 ،6‬م‪ ،‬ص‪ .98‬بتصرف‬
‫طفيف‪.‬‬
‫‪ 2‬حسن موسى الصفار‪ ،‬أحاديث يف الدين والثقافة واالجتماع‪ ،‬السعودية‪ ،‬القطيف‪ ،‬أطياف للنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة‬
‫املعارف‪ ،‬جملد ‪ ،2009 ،7‬ص ‪.82‬‬
‫‪110‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فاملسجد يف اإلسالم له ثالثة أدوار رئيسية "وهي املهمة الروحية‪ ،‬املهمة الثقافية والتعليمية‪ ،‬واملهمة‬
‫االجتماعية"‪.1‬‬

‫وتتمثل الوظيفة الروحية للمسجد "بأن يكون املسجد منبعا لإلهلام الروحي ولتوثيق العالقة مع اهلل‬
‫‪2‬‬
‫سبحانه وتعاىل بإقامة الصالة وتالوة القرآن‪ ،‬وبقراءة األدعية"‬

‫إذن ال خيرج اإلنسان املسلم من املسجد إال وهو أكثر ارتباطا باهلل وأكثر عالقة بإخوانه‬
‫املسلمني‪ .‬وتعترب الصالة عند املسلمني عماد الدين ‪ ،‬وهي الصلة القوية اليت جتمع بني العبد و ربه‪،‬‬
‫وهي فريضة من شأهنا ترفع من منسوب اجلانب الروحي عند الفرد ‪ ،‬ابتداءً من الوضوء إىل غاية‬
‫فاس َع يف اخلروج من اخلال و توضأ‬
‫التسليم ‪.‬حىت قال أهل التصوف و الرتبية الروحية "فإذا توضأت ْ‬
‫سم اهلل يف بدء كل حركة من حركاتك ‪ ،‬واغسل يديك‬
‫أسبغ وضوء يتوضأه أحد للصالة و أمته ‪ ،‬و ِّ‬
‫برتك الدنيا منها ‪ ،‬و مضمض بالذكر و التالوة ‪ ،‬واستنشق بشم الروائح اإلهلية ‪ ،‬واستنثر باخلضوع‬
‫وطرح الكرب ‪ ،‬واغسل وجهك باحلياء و ذراعيك إىل مرفقيك بالتوكل ‪ ،‬وامسح راسك بالذلة واالفتقار‬
‫واالعرتاف ‪ ،‬وامسح أذنيك باستماع القول واتباع أحسنه‪ ،‬واغسل قدميك إليطاء كثيب املشاهدة ‪،‬‬

‫مث أثْ ِن على اهلل مبا هو أهله ‪ ،‬و ّ‬


‫صل على رسوله الذي أوضح لك سنن اهلدى‪ ،‬و قف يف مصالك‬
‫بني يدي ربك من غري حتديد و ال تشبيه ‪ ،‬و واجهه بقلبك كما تواجه الكعبة بوجهك ‪ ،‬و حتقق أن‬
‫كربه بالتعظيم و مشاهدة عبوديتك ‪ ،‬و إذا تلوت‬
‫ما يف الوجود أحدا إال و أنت فتخلص ضرورة ‪،‬و ّ‬
‫فكن على حسب اآلية املتلوة ‪ ،‬فإن كانت ثناء على اهلل فكن أنت احملدث و هو الذي يتلو كتابه‬
‫عليك ‪ ،‬فيعلمك الثناء عليه فيما يثين به على نفسه ‪ ،‬و كذلك يف آية األمر و النهي و غري ذلك‬
‫وجه عليك سيدك من احلقوق فتحضرها يف قلبك ألدائها و احملافظة‬
‫لتقف عند حدوده و تعرف ما ّ‬
‫عليها ‪ ،‬و احلظ ناصيتك بيدك يف ركوعك و رفعك و سجودك و مجيع حركاتك فتسقط لك الدعوى‬

‫‪ 1‬حسن موسى الصفار‪ ،‬أحادث يف الدين والثقافة واالجتماع‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪111‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يف هذه املالحظة حىت تسلم ‪ ،‬فإذا سلمت فابق على عهدك و عقدك أنه ما مت أحد غريك وربك‬
‫سبحانه ‪ ،‬و سلم باللفظ على من أمرك فإنه سالمك على نفسك "‪ ،1‬إذن الصالة شعرية تعبدية‬
‫يلجأ إليه الفرد املسلم من أجل تنمية اجلانب الروحي فيه‪.‬‬

‫تالوة القرآن و تدبره‪:‬‬ ‫ت‪.‬‬


‫‌‬

‫القرآن الكرمي هو معجزة اهلل يف اخللق و الكون ‪ ،‬و كان نزوله حتدي للقوم املعاندين واملناوئني‬
‫و"هو كالم اهلل سبحانه وتعاىل الذي أنزله على الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم املنقول بالتواتر املكتوب‬
‫يف املصاحف من ّأول سورة الفاحتة إىل آخر سورة الناس‪ ،‬وهو عظيم الفضل يف حياة املسلمني‬
‫املتمسكني به قوالً وعمالً‪ ،‬وتتجلّى مكانته يف حفظه من كل حتريف أو تبديل وكذلك إعجازه جلميع‬
‫بين البشر أن يأتوا مبثله‪ ،2".‬فقراءة القرآن و تدبره يوضح للمسلم اجلاد الطريق الصحيح‪ ،‬كما حيتوي‬
‫بني ضفتيه ‪،‬على أوامر ونواهي تنظم العالقة مع اهلل ( العقائد السليمة والعبادات املفروضة)‪ ،‬وتنظيم‬
‫العالقات بني الناس‪ ،‬يف قضايا البيوع والزواج وصلة الرحم والتعاون والرتاحم والتضامن بني الناس‪،‬‬
‫والقول احلسن والعمل احلسن ‪...‬اخل ‪.‬‬

‫ث ‪.‬ذكر اهلل‪:‬‬

‫يقوي الصلة مع اهلل‪ ،‬وجيعل القلب ساكنا‬


‫الذكر هو أسلوب من شأنه أن ّ‬
‫مطمئنا ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد‪:‬‬

‫‪ 1‬حمي الدين ابن عريب ‪ ،‬التدبريات اإلالهية يف إصالح اململكة اإلنسانية ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪،2‬‬
‫‪2003‬م‪1424-‬ه‪ ،‬ص‪114-113‬‬
‫‪ 2‬زينه أبو عياش ‪،‬فوائد قراءة القرآن ‪ ،‬املوقع على النت ‪ ، /http://mawdoo3.com‬آخر حتديث ‪11 ، 01:39:‬‬
‫فرباير ‪2016‬‬
‫‪112‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ ،)28‬فهو "اتصال قليب باهلل ونشاط روحي بناء والقلب الفارغ من الذكر يبقى الهيا حائرا مظلما ما‬
‫مل حيصل له االتصال باهلل‪ ،‬واألنس مبجالسته"‪. 1‬‬

‫فالذكر حيقق للفرد التواصل مع اهلل و"إذا غلب الذكر على الذاكر امتزج حب املذكور بروحه‬
‫حىت تزول احلجب بينه وبني ربه‪ ،‬ويلمس حقيقة وجوده بعني البصرية‪ ،‬فيغذق عليه احلق تعاىل من‬
‫‪2‬‬
‫العلوم واألنوار ما يلقي بفضله وكرمه"‬

‫إذا عملية االتصال باهلل هي رهينة الذكر املتواصل واملستمر "فال يتحقق االتصال حبضرة اهلل‬
‫ضمن دائرته ببعض العبادات كالصالة واحلج‪ ،‬وتندرج يف أنواعه املداومة على قراءة القرآن الكرمي‬
‫‪3‬‬
‫بوعي‪ ،‬وتبصر‪ ،‬وعندها ساحة القلب مهبطا للعلوم الربانية‪ ،‬وملتقى لألنوار اإلهلية"‬

‫فالعكس من ذلك متاما فإن اإلنسان الغافل املنهمك يف ملذات اجلسد‪ ،‬وأسرف يف تناوهلا‪،‬‬
‫فرتاجع عنده االتصال مع اهلل تدرجييا إىل غاية االنع دام‪ ،‬والذين خاطبهم القرآن قائال‪:‬‬

‫﴿ولَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِريًا مِِّنَ الْجِنِِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ولَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا‬

‫يُبْصِرُونَ بِهَا ولَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَـٰئِكَ كَاْألَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَـٰئِكَ هُمُ‬

‫الْغَافِلُونَ ﴾ (األعراف‪.)179 :‬معناه " أوالئك هم الغافلون عن اإلميان باهلل و طاعته‪ 4".‬فعملية‬

‫الذكر هلا أمهية كبرية يف ربط الصلة القوية بني اإلنسان واخلالق سبحانه‪" ،‬فعندما يستحضر الذاكر‬
‫جالل اهلل وعظمته ويهيمن عليه الشعور باخلوف من غضبه وعقابه مع رجاء رمحته ومرضاته تصفو‬

‫‪1‬غازي صبحي آق بيق‪ ،‬القرآن منهج حياة‪ ،‬ختريج علي بن نايف الشحود‪ ،‬هباذج‪-‬دار املعمور‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪.267‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪ 4‬خنبة من العلماء ‪ ،‬التفسري امليسر ‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪174‬‬
‫‪113‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫روحه ويرق قلبه فيتصل باهلل"‪ ،1‬و كذلك " الذكر يف املفهوم الواسع العام يشمل مجيع األقوال ‪،‬‬
‫واألفعال واألحوال اليت يكون له تعلق باهلل تعاىل ‪ ،‬و يشمل الذكر لدى الصوفية ‪ ،‬التسبيح‬
‫والتحميد والتهليل – سبحان اهلل ‪ ،‬احلمد هلل ‪ ،‬ال إله إالّ اهلل ‪ ،-‬و تالوة القرآن الكرمي ‪ ،‬و ترديد‬
‫أمساء اهلل احلسىن و صفاته ‪ ،‬و دعاء اهلل و الصالة على رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم "‪.2‬و أيضا‬
‫"ذكر اهلل هو يف نفس الوقت نسيان للنفس‪ ،‬لذا يعترب الصوفية تكرار ذكر اسم اهلل وسيلة لتوجيه‬
‫انتباههم حنو اهلل واالستغراق فيه عن النفس"‪.3‬‬

‫فعملية الذكر هلا أمهية كبرية يف توطيد الصلة و الرابطة بني اإلنسان واخلالق سبحانه‪" ،‬فعندما‬
‫يستحضر الذاكر جالل اهلل وعظمته ويهيمن عليه الشعور باخلوف من غضبه وعقابه مع رجاء رمحته‬
‫ومرضاته تصفو روحه ويرق قلبه فيتصل باهلل"‪ 4‬كما "ينبغي أن يقرتن ذكر اهلل بالصحوة الفكرية‬
‫واليقظة الروحية‪ ،‬فال يذكره اللسان ويغفل عنه القلب‪ ،‬فاإلنسان أحوج ما يكون لالتصال بربه ليتقوى‬
‫‪5‬‬
‫على نزاعات الشيطان"‬

‫التوبة ‪:‬‬ ‫ث‪.‬‬


‫‌‬

‫لقد جاء يف "املفردات" للراغب األصفهاين أن " التوب ترك الذنب على أمجل الوجوه ‪ ،‬و هو‬
‫أبلغ وجوه االعتذار ‪...‬و التوبة يف الشرع ترك الذنب لقبحه و النَّدم على ما فرط منه و العزمية على‬

‫‪ 1‬غازي صبحي آق بيق‪ ،‬القرآن منهج حياة‪ ،‬ختريج علي بن نايف الشحود ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪2‬منال عبداملنعم السيد جاد اهلل ‪ ،‬أثر الطريقة الصوفية يف احلياة االجتماعية ألعضائها ‪ -‬دراسة أنثروبولوجيا يف مصر و املغرب –‬
‫خمطوط أطروحة دكتوراه ‪ ،‬إشراف حممد على أبو ريان و فاروق أمحد مصطفى ‪ ،‬نوقشت جبامعة اإلسكندرية ‪ ،‬كلية اآلداب ‪،‬‬
‫قسم األنثروبولوجيا ‪ ،‬سنة ‪ ،1990‬ص ‪219‬‬
‫‪ 3‬هوسنت مسيث‪ ،‬أديان العامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.525-524‬‬
‫‪ 4‬غازي صبحي آق بيق‪ ،‬القرآن منهج حياة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪ 5‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.275‬‬
‫‪114‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ترك املعاودة و تدارك ما أمكنه أن يتدارك من األعمال باإلعادة "‪ 1‬فالتوبة هي الرجوع إىل اهلل وجتديد‬
‫العالقة معه على مبدأ االقالع عن املعاصي و اآلثام و سيئ األخالق ‪،‬ألن "حياة التوبة هي نقطة‬
‫البدئ يف العالقة مع اهلل " ‪2‬و هكذا يؤسس املؤمن تواصل دائم مع اهلل عند التزامه قرع كل حلظة‬
‫وحني باب التوبة إىل اهلل ‪.‬‬

‫اخلوف من اهلل‪:‬‬ ‫خ‪.‬‬


‫‌‬

‫هو حالة شعورية اجتاه الروح املطلقة وباعثة على االبتعاد عن الرذائل والتناقضات‪ ،‬فاخلوف‬
‫من اهلل نوع من السمو الروحي الذي يقرب اإلنسان من خالقه سبحانه‪ .‬فرتاه كلما ازداد منه خوفا‪،‬‬
‫ازداد قربا إليه‪.‬‬

‫تسبيح اهلل‪:‬‬ ‫‌د‪.‬‬

‫والذي يعين تعظيم وتنزيه له عن كل عيب ونقص ودعوته بأمسائه‪ ،‬اليت وصف هبا نفسه‬
‫وتعرف هبا يف القرآن" ومن مسى اهلل تعاىل مبا مسى به نفسه‪ ،‬فهو ملحد يف أمسائه‪ ،‬فمسبح له هبا إذا‬

‫كانت أمساؤه ومدائح له وأوصافا"‪ ،3‬حيث قال اهلل يف القرآن‪﴿‌ :‬وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ‬

‫بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(األعراف‪:‬‬

‫ومعىن من معاين‬
‫ً‬ ‫‪ ،)180‬و"التسبيح تنزيه هلل تعاىل عن كل نقص ال يليق بكمال ذاته وصفاته‪،‬‬
‫متجيد عظمته وقدسيته‪ ،‬وصورة من صور إفراده بالعبودية والطاعة واحملبة"‪ 4‬إذا فالتسبيح من أساليب‬

‫‪ 1‬أيب القاسم احلسني ابن حممد ( املعروف باسم الراغب األصفهاين )‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ص‪98‬‬
‫‪ 2‬البابا شنودة الثالث ‪ ،‬اليقظة الروحية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪،1996 ،7‬ص‪6‬‬
‫‪ 3‬غازي صبحي آق بيق‪ ،‬القرآن منهج حياة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪272‬‬
‫‪ 4‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.281‬‬
‫‪115‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الرتبية الروحية عند املسلمني فهو تواصل روحي بني اإلنسان وربه‪ ،‬قصد االطمئنان والسكينة والتوازن‬
‫النفسي‪.‬‬

‫اخللوة مع اهلل‪:‬‬ ‫‌ذ‪.‬‬

‫"واخللوة باهلل هي حضانة روحية‪ ،‬وانقطاع عن كل العالئق املادية واملشاغل الدنيوية‪ ،‬حىت إذا‬
‫بلغت الروح درجة عالية يف الصفاء والرقي رجع صاحبها إىل خوض غمار الدعوة إىل اهلل واالنتقال‬
‫إىل مرحلة التأهيل الذايت إىل تأهيل اآلخرين"‪.1‬‬

‫الدعاء‪:‬‬ ‫‌ر‪.‬‬

‫هناك أساليب أخرى للتقوية الروحية و رفع منسوب اإلميان للفرد يف الديانة اإلسالمية‬
‫‪،‬كممارسة اخلوف من اهلل‪ ،‬والدعاء والتضرع جلالله و عظمته و أح ّقيته بالسؤال‪ .‬فيعترب الدعاء مخ‬
‫العبادة ‪ ،‬فلقد " أخرب اهلل تعاىل أنه ال يبايل و ال يعبأ بالناس ‪ ،‬لوال دعاؤهم إياه دعاء العبادة و دعاء‬

‫املسألة‪ 2".‬و هذا ما يوافق قول اهلل يف القرآن الكرمي ‪ ﴿ :‬قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّي لَوْالَ دُعَاؤُكُمْ ﴾ (‬

‫الفرقان ‪)77‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫يقول اهلل يف القرآن‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِِّن ذَكَرٍ وَ أُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا‬

‫وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِريٌ﴾ (الحجرات‪ ،)13 :‬و هذا‬

‫يعين أن هذا اخلطاب اإلهلي القرآين حيث على بناء جسور التواصل بني الناس‪ ،‬وأن تبقى أبدا قائمة‪،‬‬

‫‪1‬غازي صبحي آق بيق‪ ،‬القرآن منهج حياة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪ 2‬خنبة من العلماء ‪،‬التفسري امليسر‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف‪ ،‬املدينة املنورة‪،‬ط‪1434 ،4‬ه‪2013 /‬م‪366،‬‬
‫‪116‬‬
‫الرتبية الروحية يف األديان السماوية والوضعية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫حيث ميزان التفاضل بني الناس هو ارتفاع منسوب مستوى التقوى عندهم‪ ،‬و مقدار درجة السمو‬
‫الروحي‪ ،‬ألنه عندما حنقق الصلة القوية مع اهلل برتبية النفس على الذكر والصالة وإعمار املساجد‬
‫واالستقامة والتسبيح والوقفات التأملية مع النفس (اخللوة)‪ ،‬و التوبة ‪،‬فينعكس ذلك على شجرة‬
‫العالقات اإلنسانية لتزهر وتثمر‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اهلل)‬ ‫المبحث األول‪ :‬العالقة بين التربية الروحية وعملية التواصل الديني العمودي(اإلنسان‬
‫اإلنسان)‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرتبية الروحية وعملية التواصل العمودي النازل (اهلل‬
‫اهلل)‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرتبية الروحية وعملية التواصل العمودي الصاعد (اإلنسان‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرتبية الروحية وآليات التواصل العمودي الصاعد‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العالقة بين التربية الروحية والتواصل الديني األفقي (العرضي)‬
‫اإلنسان‬ ‫اإلنسان‬
‫املطلب األول‪ :‬التواصل األسري‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التكافل االجتماعي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التناصح‪.‬‬
‫املطلب الرابع ‪:‬التحاور‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الضبط االجتماعي‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬التضامن و التعاون‬
‫املطلب السابع ‪ :‬التسامح‬

‫‪119‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫لقد ذكر هوسنت مسيث يف دراسته اليت مسّاها " دراسة روحية حتليلية ممتعة ألديان العامل‬
‫الكربى" يف ُمؤلفه " أديان العامل الكربى " أن وليام جيمس أخرب يف كتابه املوسوم بـ ـ ـ ــ‪ " :‬تنوعات‬
‫ئي(غييب)‪ ،‬و إن خرينا األمسى يكمن يف العقااات‬‫التجربة الدينية " أن " هناك نظاما غري مر ّ‬
‫الصحيحة معه"‪ ، 1‬لدا جاء القرآن حافقا باآليات النصية* اليت حتث على تنشئة وتربية الذات‬
‫اإلنسانية روحيا‪ ،‬عرب عدة أساليب وتقنيات وشعائر تعبدية‪ ،‬من اجل توطيد الصلة مع اخلالق ‪،‬البارئ‬
‫‪،‬املصور‪ ،‬أنه اهلل‪ .‬وانعكاس ذلك على العقااات العامة بني األفراد يف احلياة االجتماعية‪ ،‬حى‬
‫تستطيع مجاعة الناس أن جتابه مجيع متطلبات احلياة‪ ،‬وأن يعرف اإلنسان املخلوق الغاية من وجوده‬
‫"ويتعرف على الوجهة األساسية ملسريته يف احلياة وأن حلياته ايمة ومعىن وهدفا"‪ 2‬وبالتايل كان للتنشئة‬
‫الروحية للفرد عقااة بالتواصل الديين بشقيه العمودي (النازل‪ ،‬الصاعد) واألفقي العرضي بني األفراد‬

‫يف حميطهم وبيئتهم‪ ،‬و ذلك من خقال النص الديين املق ّدس‪ ،‬فمثقا يقول اهلل يف القرآن ﴿يَا أَيُّهَا‬

‫الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج‪)77 :‬‬

‫يرى سيد اطب وفق التفسري الذي ادمه من خقال "ظقاله" أن هذه اآلية النصية‪ ،‬هتتم‬
‫وتؤسس لنوعني من العقااة واالتصال‪ ،‬ففي شطرها األول (‪..‬اركعوا و اسجدوا واعبدوا ربكم) تؤسس‬
‫بتوطيد الصلة و التواصل مع اهلل وتقويتها باإلميان والصقاة‪ ،‬أما شطرها الثاين (وافعلوا اخلري لعلكم‬
‫تفلحون) تؤسس لنسج العقااات واالتصاالت املختلفة بني األفراد داخل اجملتمع عن طريق فعل اخلري‬

‫‪ 1‬هوسنت مسيث ‪ ،‬أديان العامل الكربى ‪ ،‬ترمجة ‪ ،‬سعد رستم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪395‬‬
‫* يتضمن القرآن ‪:‬اآليات الكونية (اخلوارق الكونية) واآليات النصية املدونة يف املصحف الكتاب‪ ،‬و يتلوها املسلمون يف صلواهتم‬
‫اخلمس و اليت يستنبط منها األحكام الشرعية‪ ،‬واليت جاءت مبنهج افعل و ال تفعل ‪.‬‬
‫‪ 2‬إبراهيم حسن أبو حسنية‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬دار كنوز املعرفية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،2014-1435 ،،1‬ص‬
‫‪.123‬‬
‫‪120‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بكل أنواعه وضروبه‪ ،‬وذلك من أجل الفقاح والنجاح والصقاح‪ ،‬حيث يقول يف تفسريه موضحا‬
‫هذين النوعني من التواصل‪:‬‬

‫" العبادة تصل األمة املسلمة باهلل‪ ،‬فتقوم حياهتا على ااعدة ثابتة وطريق وصال‪ .‬وفعل اخلري يؤدي إىل‬
‫استقامة احلياة اجلماعية على ااعدة من اإلميان وأصالة االجتاه"‪،1‬إذن هناك تواصل اإلنسان مع اهلل‬
‫الذي خلقه‪ ،‬وتواصل مع اإلنسان مع أخيه اإلنسان ضمن الدائرة االجتماعية ‪ ،‬و الذي حددهتا‬
‫اآلية ‪ 77‬من سورة الحج ‪.‬على سبيل املثال ال احلصر ‪ ،‬فكثرية هي اآلي اليت تنص و تؤسس‬
‫للتواصل الديين بشقيه العمودي و األفقي ‪.‬و فيما يلي سنتطرق إىل ٍ‬
‫كل منهما بشيء من التوضيح‪.‬‬

‫‪ 1‬سيد اطب‪ ،‬يف ظقال القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1412 ،17‬هـ‪1992-‬م‪ ،‬جملد‪ ،4‬ص‬
‫‪.2445‬‬
‫‪121‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المبحث األول‪ :‬العالقة بين التربية الروحية و عملية التواصل الديني العمودي ‪:‬‬

‫لو نأخذ مثاال‪ ،‬اجلزء األول من اآلية ‪ 77‬من سورة الحج تدبّرا و تف ّكرا لوجدها تؤسس‬
‫لتواصل اإلنسان مع خالقه (اهلل)‪ ،‬على أسس تربوية وتعبدية يتلقاها الناشئ شيئا فشيئا عرب مؤسسة‬
‫التنشئة االجتماعية والدينية (األسرة‪ ،‬املسجد‪ ،‬الزاوية‪ ،‬املدرسة النظامية ‪ ،‬مجاعة الرفاق املؤمنني‪)....‬‬
‫وذلك استنادا واعتمادا على تعاليم القرآن بعد استنباط خمتلف األحكام الشرعية منه لتقومي حياة الفرد‬
‫التواصلية مع اهلل‪ ،‬لكن الذي منيزه هنا وجود اجتاهني لعملية تواصل اإلنسان ‪ -‬اهلل‪ :‬اجتاه نازل واجتاه‬
‫صاعد‪.‬‬

‫اإلنسان)‪:‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬التربية الروحية وعملية التواصل العمودي النازل (اهلل‬

‫يف علم االتصال اجلماهريي ‪ ،‬يُعرف االتصال اهلابط أو النازل بأنه " انسياب املعلومات من‬
‫الرؤساء إىل املرؤوسني يف اهليكل التنظيمي للمؤسسة‪ ،‬ويتضمن حمتوى الرسالة ‪ :‬ارارات ومعلومات‪،‬‬
‫وهو مهم لتوضيح أهداف املؤسسة وسياسة املؤسسة "‪ ،1‬واياسا على ذلك فإن التواصل الديين يف‬
‫اجتاهه النازل هو تلك األوامر والنواهي النازلة من اخلالق (اهلل) إىل الناس (املخلواني)‪ ،‬عرب األنبياء‬
‫يبني‬
‫والرسل املختارين واملصطافني من مجلة البشر‪ ،‬بالدالئل والرباهني واحلجج واملعجزات‪ ،‬حيث ّ‬
‫اهلل وحي ّدد كيفية ممارسة هذا التواصل مع ذاته العليّة و أسلوهبا الشعائري الديين التواصلي كالدعاء‪،‬‬
‫واالميان به‪ ،‬واالستجابة له تعاىل‪ ،‬واالستقامة الفكرية والسلوكية‪...‬اخل‪ ،‬و ذلك عرب الوحى‪ ،‬حيث‬

‫يقول اهلل يف القرآن‪﴿ :‬وَإِذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِِّي فَإنِِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا‬

‫دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة‪.)186 :‬‬

‫‪ 1‬أسامة زكي السيد علي‪ ،‬مهارات االتصال (اإلنساين و األكادميي)‪ ،‬دار أسامة للنشر و التوزيع‪ ،‬و نبقاء ناشرون و موزعون‪،‬‬
‫األردن ‪ ،‬عمان‪،‬ط‪2016 ،1‬م ‪ ،‬ص ‪60‬‬
‫‪122‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫واد ّبني العامل الياباين توشيهيكو إيزوتسو هذه التواصلية بقوله‪ :‬وميكن متييز طريقتني خمتلفتني هلذا‬
‫التواصل‪ :‬النوع اللفظي‪ ،‬والنوع اآلخر غري اللفظي‪ ،‬إن النوع اللفظي من التواصل اد يتم من األعلى‬
‫إىل أدىن‪ ،‬وذلك هو الوحي باملعىن التقين الضيّق"‪،1‬لذا نعترب الوحي مادة تواصلية من إنزال اهلل إىل‬
‫اإلنسان عرب واسطة الرسل‪ ،‬إذن "الوحي‪ ،‬بوصفه الشكل النموذجي للتواصل من اهلل إىل اإلنسان‬
‫ليس سوى ظاهرة جزئية تنضم إىل عدة ظواهر غريها يف إطار املفهوم األوسع لتواصل اهلل –‬
‫اإلنسان"‪ 2‬إن هذا النوع من التواصل الذي هو من األعلى إىل أسفل واملتمثل يف اآليات النصية‬
‫يتوضح وينكشف اهلل لعباده‪ ،‬حى ميكنهم التواصل‬
‫املدونة يف املصحف (القرآن)‪ ،‬فمن خقاهلا ّ‬ ‫ّ‬
‫والتعاطي مع ذاتيته العليّة‪ ،‬فاهلل موجود لنعيش يف عقااة معه على حد اول "كري كجارد" وهنا يصبح‬
‫التواصل ‪،‬يف االجتاه املعاكس (الصاعد)‪.‬‬

‫اهلل)‪:‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬التربية الروحية و عملية التواصل العمودي الصاعد (إنسان‬

‫إن االتصال يف اجتاهه الصاعد يف اجملال اجلماهريي اإلنسي هو " هو انسياب املعلومات من‬
‫املرؤوسني إىل القيادات الوسطى أو العليا يف املؤسسة‪ ،‬و تتمثل يف الشكاوي ‪ ،‬التقارير ‪ ،‬االارتاحات‪،‬‬
‫االجتماعات"‪ 3‬إذن هو عملية انعكاسية ـ حتدث عندما تتشكل عوائق اتصالية يف االجتاه النازل‬
‫وعليه ففي اجملال الديين‪ ،‬حيدث أيضا نظري لعملية التواصل الديين‪ ،‬حبيث تكون من اإلنسان‬
‫املخلوق إىل اهلل اخلالق‪ "،‬و هذا النظري اإلنساين هو القيام بالعبادة و الطقوس الدينية"‪ ،4‬كإاامة‬
‫الصقاة ‪ ،‬و اإلحلاح يف الدعاء‪...‬اخل‪ ،‬حيث يُعىن القرآن بتحديد آلية التواصل مع اهلل من خقال اآلية‬

‫‪ 186‬مثقا و من سورة البقرة اليت متنها‪{:‬وَإِذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ‬

‫‪ 1‬إبراهيم حسن أبو حسنية‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ 2‬توشيهيكو ايزوتسو‪ ،‬اهلل و اإلنسان يف القرآن ‪،‬ترمجة هقال حممد اجلهاد‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة ‪ ،‬بريوت ‪ ،2007‬ط‪،1‬‬
‫ص‪213‬‬
‫‪ 3‬أسامة زكي السيد علي‪ ،‬مهارات االتصال (اإلنساين و األكادميي)‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪61‬‬
‫‪ 4‬توشيهيكو ايزوتسو‪ ،‬اهلل و اإلنسان يف القرآن ‪،‬ترمجة هقال حممد اجلهاد‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪233‬‬
‫‪123‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}‪ ،‬فإنه تواصل "من‬

‫األدىن إىل األعلى وهو الذي يتخذ شكل الدعاء"‪ 1‬مثقا‪ :‬جييب اهلل دعوة الداعي إذا دعاه‪ ،‬فقط‬
‫على الداعي االستجابة ألوامر و نواهي اهلل من جهة ‪،‬واإلميان به من جهة أخرى ‪،‬لعلّى الرشاد يعم‬
‫مجيع أفراد اجملتمع‪.‬‬

‫ِ‬
‫و لقد جاء يف تفسري الكشاف للزخمرشي يف اول اهلل " فَإ ّين اَ ِر ٌ‬
‫يب"‪" ،‬متثيل حلاله يف سهولة‬
‫إجابته ملن دعاه وسرعة إجناحه حاجة من سأله حبال من ارب مكانه‪ ،‬فإذا دعا أسرعت تلبيته‪ ،‬وحنوه‬

‫﴿ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (سورة ق‪)16:‬واوله عليه الصقاة والسقام‪‹ :‬هو‬

‫بينكم وبني أعناق أرواحكم ›وروي‪ ،‬أن أعرابيا اال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أاريب ربنا‬

‫فنناجيه‪ ،‬أم بعيد فنناديه؟ فتنزلت ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾‪ ،‬وإذا دعوهتم لإلميان والطاعة‪ ،‬كما أين‬

‫أجيبهم إذا دعوين حلوائجهم"‪.2‬‬

‫إذن من خقال اآلية ‪ 186‬من سورة البقرة‪ ،‬ومن خقال تفسريها من ابل " الزمخشري" يتضح‬
‫وضح و تَ َكشَّف لإلنسان من خقال الوحي و من أجل التواصل‪ ،‬و على الناس فقط‬ ‫لنا‪ ،‬أن اهلل تَ ّ‬
‫" فليطيعوين فيما أمرهتم به و هنيتهم عنه ‪ ،‬و ليؤمنوا يب ‪ ،‬لعلهم يهتدون إىل مصاحل دينهم و دنياهم‪،‬‬
‫ويف هذه اآلية إخبار منه سبحانه عن اربه من عباده"‪ 3‬و هذا كله حتقيقا حلاجيات اإلنسان املختلفة‬
‫الروحية واالجتماعية املادية ‪ ،‬واليت طلب حتقيقها من لدن العليم اخلري‪ .‬إنه اهلل‪.‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم حسن أبو حسنية‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ 2‬أيب القاسم حممود بن عمر الزخمشري اخلوارزمي‪ ،‬الكشاف‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪2001-1421 ،2‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪255‬‬
‫‪ 3‬خنبة من العلماء‪ ،‬التفسري امليسر‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1434 ،4‬هـ‪2013-‬م‪،‬ص‪28‬‬
‫‪124‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ف النتيجة اليت ميكن استنتاجها من خقال ما سبق ‪ ،‬هي أن الرتبية الروحية للفرد ‪ ،‬تؤسس و تبين‬
‫له عقااة تواصلية دينية يف اجتاهني متناظرين‪ "،‬و اليت تكون بني اهلل و اإلنسان يف املنظور القرآين ذات‬
‫وجهني أساسا‪ :‬من اهلل إىل اإلنسان ‪ ،‬و من اإلنسان إىل اهلل"‪ ،‬األوىل هي أوامر اهلل و نواهيه النازلة‬
‫ف للناس ‪ ،‬و الثانية هي االستجابة‬
‫انكش َ‬
‫ف اهلل و َ‬
‫عر َ‬
‫إىل اإلنسان عرب "الوحي" و الذي من خقاله تَ َّ‬
‫‪1‬‬

‫واالمتثال لإلنسان جتاه أوامر اهلل ونواهيه ‪ ،‬و فقا لتعاليم الوحي‪.‬‬

‫اهلل)‪:‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬التربية الروحية وآليات التواصل العمودي الصاعد (إنسان‬

‫تعترب الرتبية الروحية مبثابة "الطااة" الذاتية القازمة لشحن اإلنسان من أجل االرتقاء والسمو‬
‫والفاعلية الروحية‪ ،‬فتصبح آلية وميكانزميا من أجل التواصل مع اهلل ألن‪" ،‬ما من معرفة ميكن أن يقال‬
‫عنها أ ّهنا روحية حقا ‪ ،‬إال و هي ناجتة عن اتصال واع اائم مع املقامات العُليا ‪ ،‬و إىل هذا االتصال‬
‫تعود كلمات مثل كلمة 'إهلام' و كلمة 'وحي'"‪ ،2‬ومن هذا املنطلق كان جيب أن حيتوى اإلنسان يف‬
‫بنيته اخلَلقية على شيء ما و مناسب‪ ،‬ليتعاطى مع كل ما هو غييب ميتافزيقي و ديين مطلق‪ ،‬ألن‬
‫" املعرفة امليتافيزيقية ‪ ،‬باملعىن احلقيقي هلذه الكلمة ‪ ،‬لكوهنا من طراز كلي ‪ ،‬مستحيلة لو مل يكن يف‬
‫الكائن ملكة من نفس الطراز "‪ 3‬أجل إهنا الروح‪ ،‬و اليت دائما " جتوع إىل التواصل مع خالقها مثل‬
‫اجلسد إىل مادته‪ ،‬ولقد علمنا أن التوازن الروحي ال يكتمل إال بتقوية اإلميان‪ ،‬وهذا التقوية حتتاج إىل‬
‫تواصل لفظي وفعلي مع اهلل سبحانه‪ ،‬وهنا يأيت دور الرمزية بتنوعها اللفظي واحلركي يف إحداث ذلك‬

‫‪ 1‬نقصد بالوحي ‪ :‬القرآن الكرمي ‪ ،‬و التبيني النبوي املوافق له ( السنة الصحيحة)‬
‫‪ 2‬عبدالواحد حيىي ‪ ،‬نظرات يف الرتبية الروحية ‪ ،‬ترمجة عبدالبااي مفتاح‪ ،‬عامل الكتب احلديث ‪ ،‬إربد ‪ ،‬األردن ‪ ،2014 ،‬ط‪، 1‬‬
‫ص‪200‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه ‪199 ،‬‬
‫‪125‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫التواصل واالرتباط مع اخلالق جل جقاله"‪ 1‬ويتحقق هذا التواصل العمودي يف اجتاهه الصاعد عند‬
‫أهل الرتبية الروحية و املتصوفة عرب عدة آليات‪ ،‬أو ميكانزميات نذكر منها ‪:‬‬

‫‪.1‬الصقاة‪:‬‬

‫الرجل أي أنه أزال‬


‫الصقاء‪ ،‬اال‪ :‬ومعىن صلّى ّ‬
‫اال الراغب يف مفرداته أن " أصل الصقاة من ّ‬
‫ض إلزالة املرض‪ 2".‬أما‬
‫مر َ‬
‫الصقاءَ الذي هو نار اهلل املوادة‪ ،‬وبناء صلّى كبناء ّ‬
‫عن نفسه هبذه العبادة ّ‬
‫شرعا تعترب الصقاة الركن الثاين من أركان اإلسقام ‪ ،‬وهي "األساس العملي و النظري للجانب‬
‫العبادي كله"‪ ،3‬والصقاة بوصفها كقاً‪ ،‬هي" طريقة للتواصل غري اللفظي بني اهلل و اإلنسان ‪ ،‬وطريقة‬
‫إنسانية لتأسيس اتصال مباشر مع اهلل من خقال شكل الشعرية املأمور هبا "‪.4‬إذن فالصقاة يف‬
‫اإلسقام هلا مكانة أساسية ‪،‬كوهنا آلية رئيسة للتواصل مع اخلالق‪ ،‬وكوهنا أيضا ذات ايمة متزايدة بني‬
‫الواجبات الدينية اإلسقامية كشعرية مميزة للمجتمع املسلم‪ .‬ألهنا تعترب " نوع من التواصل غري اللغوي‬
‫خاصة عن اإلجقال العميق‬
‫يف االجتاه الصاعد ‪ ،‬أي من االنسان إىل اهلل‪ ،‬ذلك أهنا تعبري ذو هيئة ّ‬
‫الذي يشعر به االنسان يف حضرة اهلل "‪5‬و هي أيضا " طريقة للتواصل غري اللفظي بني اهلل واإلنسان‪،‬‬
‫وطريقة إنسانية لتأسيس اتصال مباشر مع اهلل من خقال الشعرية املأمور هبا"‪ ،6‬هكذا تغدو فريضة‬
‫الصقاة أحد الشعائر اليت جيب أن يُقيمها الفرد املؤمن بقا هتاون وال كسل‪ ،‬فلقد ُوّزعت أوااهتا مخس‬

‫مرات يف اليوم و الليلة بتوايت مكتوب و حمدد‪ ،‬امتثاال لقول اهلل يف القرآن { إن الصالة كانت‬
‫ّ‬

‫‪1‬إبراهيم حسن أبو حسنية‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪/108‬نققا عن سائد الربغوثي‪ ،‬روعة التوازن يف‬
‫اإلسقام‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪ 2‬الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن ‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪374‬‬
‫‪ 3‬سعيد حوى ‪ ،‬اإلسقام‪ ،‬شركة الشهاب ‪ ،‬اجلزائر‪،‬ط‪،1988 ،2‬ص‪23‬‬
‫‪ 4‬توشيهيكو ايزوتسو‪ ،‬اهلل و اإلنسان يف القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪234‬‬
‫‪ 5‬مرجع نفسه‪233 ،‬‬
‫‪ 6‬نفسه‪ ،‬ص ‪234‬‬
‫‪126‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫على املؤمنني كتاب موقوتا}(النساء ‪ ،)103 :‬وعليه تُعترب " الصلوات املرتكزات األساسية‬

‫لصلة اإلنسان ّبربّه"‪ 1‬جللب شيئا من رضا اهلل ‪ ،‬و حتقيقا لقاطمئنان النفسي‪ ،‬و االستقرار الروحي‪.‬‬

‫‪ .2‬الدعاء ‪:‬‬

‫إذا كان الوحي (النص القرآين حصرا) عبارة عن عقااة لغوية تواصلية بني اهلل و اإلنسان يف‬
‫االجتاه النازل‪ .‬فقا يظل اإلنسان سلبيا يف هذه العملية التواصلية النازلة ‪،‬بل يقوم باملبادرة و حياول‬
‫اإلنسان الورع أن يقيم جسرا تواصليا لغويا معاكسا (صاعدا) جتاه اهلل يف شكل الدعاء الذي هو‬
‫"تواصل لغوي مباشر يف االجتاه الصاعد"‪ 2‬كما ذكرنا سابقا‪ ،‬هلذا يعترب الدعاء من لدن اإلنسان آلية‬
‫من آليات التواصل و التفاعل مع اهلل‪ .‬حبيث يعترب (أي الوحي) "حماورة القلب الشخصية احلميمية‬
‫جداً مع اهلل ‪ ،‬و اليت ال حتدث إال عندما يكون القلب اإلنساين يف حالة كهذه"‪ ، 3‬و يقوم اإلنسان‬
‫يتمىن ‪ ،‬و الشكل التايل يوضح‬
‫هبذه العملية ألنه ينتظر من اهلل االستجابة ‪ ،‬بل و يتواع حتقيق ما ّ‬
‫العملية التواصلية عن طريق الدعاء و االستجابة من لدن اهلل‬

‫اهلل‬

‫االستجابة‬ ‫الدعاء‬

‫اإلنسان‬

‫‪ 1‬سعيد حوى ‪ ،‬اإلسقام‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪101‬‬


‫‪ 2‬توشيهيكو ايزوتسو‪ ،‬اهلل و اإلنسان يف القرآن ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪302‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪303‬‬
‫‪127‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪.3‬الرؤيا املنامية‪:‬‬

‫"والرؤيا ما يرى يف املنام"‪ ،1‬فالرؤيا حتمل أخبارا ومعلومات لصاحبها عن املاضي‪ ،‬وعما سيأيت‬
‫يف املستقبل‪ ،‬والذي هو عبارة عن غيب وخفاء بالنسبة للحاضر‪ ،‬فهذا هو حال الرؤيا الصاحلة ألهنا‬
‫من اهلل "فعن أيب اتادة‪ ،‬عن رسول اهلل أنه اال‪ :‬الرؤيا الصاحلة من اهلل‪ ،‬والرؤيا السوء من الشيطان‪،‬‬
‫فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره ولتعوذ باهلل من الشيطان‪ ،‬ال تضره وال خيرب هبا‬
‫‪2‬‬
‫أحد‪ ،‬فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر وال خيرب إال من حيب"‬

‫فالرؤيا عند أهل الرتبية الروحية والتصوف "آلية مهمة للوصول إىل احلقيقة والتواصل مع‬
‫املوجودات يف عامل الغيب‪ ،‬من ما ال عني رأت وال أذن مسعت‪ ،‬وااللتقاء مع األنبياء اخللفاء الراشدين‬
‫واألولياء السابقني لقاستفادة من علومهم وجتارهبم ملواصلة عمل األنبياء والرسل"‪ 3‬و " يف الرؤيا تتسع‬
‫دائرة التواصل‪ ،‬لكوهنا تؤكد إمكانيات هائلة للتفاعل حني التلقي"‪.4‬‬

‫إذن خنلص يف األخري أن عرب آلية الرؤيا يتم التواصل مع اهلل من أجل التحصيل على املعرفة‬
‫واحلقائق من طرف خفي‪.‬‬

‫(الو َج ُل)‪.‬‬
‫‪.‬الو ْج ُل ‪ :‬أو َ‬
‫‪َ 4‬‬
‫وجقاً فهو َوِج ٌل"‪،5‬ولقد اال اهلل يف القرآن‬ ‫ِ‬
‫"الو ْج ُل استشعار اخلوف‪ ،‬يقال‪َ :‬وج َل يـَ ْو َج ُل َ‬
‫َ‬
‫﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِميَانًا وَعَلَىٰ‬

‫‪ 1‬الراغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.276‬‬
‫‪ 2‬عبد العظيم بن عبد القوي املنذري‪ ،‬خمتصر صحيح مسلم‪ ،‬دار اإلمام املالك للكتاب‪ ،‬باب الواد‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1431 ،2‬هـ‪-‬‬
‫‪2010‬م‪ ،‬ص ‪.340‬‬
‫‪ 3‬صاحل بوترعة‪ ،‬آليات التواصل عند ابن عريب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.340‬‬
‫‪ 4‬آمنة بلعلي‪ ،‬احلركية التواصلية يف اخلطاب الصويف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪ 5‬راغب األصفهاين‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬ج‪ ،2‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.665‬‬
‫‪128‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫رَبِِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (األنفال‪ ،)2 :‬و "عن أم الدرداء َ‬


‫*"‪1‬‬
‫فالو َج ُل‬
‫َ‬ ‫السعفة‬
‫الو َج ُل يف القلب كاحرتاق َّ‬
‫طااة روحية ناجتة من ذكر اهلل الدائم واإلميان الصادق‪ ،‬فهي تقرب اإلنسان الروحاين من ربه‬
‫واالرتباط به "فالوجل صفة من صفات الواجدين والوجد مكاشفات من احلق يف شكل حركات أو‬
‫الو َج ُل حالة استشعارية اتصالية تواصلية مع‬
‫َ‬ ‫يطلع‬ ‫وبالتايل‬ ‫‪،‬‬‫‪2‬‬
‫كلمات مستغربة هي ما عرف بالشطح"‬
‫اهلل عند اكتمال التجربة الروحية‪ ،‬وهو تعبري ملا يستشعره الروحاين حني ما يكون يف احلضرة اإلهلية‪.‬‬

‫‪.5‬الكشف‪:‬‬

‫الكشف "هو االطقاع على ما وراء احلجاب من املعاين الغيبية واألمور احلقيقية وجودا‬
‫وشهودا"‪ ،3‬كما أن الكشف أو املكاشفة عند أهل الرتبية الروحية وأهل التصوف ال يتواف على‬
‫االطقاع على الغيبيات بل يتعدى ذلك إىل معرفة األحكام الشرعية بواسطة اإلهلام عن طريق اناة‬
‫االتصال الروحي‪ ،‬وال يتحقق هذا الكشف إال عن طريق العبادة واإلميان‪ ،‬حيث يقول ابن عريب‬
‫"فاعبد ربك املنعوت يف الشرع‪ ،‬حى يأتيك اليقني‪ ،‬فينكشف الغطاء"‪ ،4‬ويؤكد ذلك ابن عريب يف‬
‫مقام آخر "أنه ليس أمت وأعلى من الكشف ألن غاية املطالب هي الرؤية‪ ،‬واحلجاب أعظم احلرمان‬
‫وما حيصل من كشف عند أهل الذوق ليس مأخوذا من األلفاظ وال من أفراد الرجال‪ ،‬بل هي جتليات‬
‫على القلب عند غلبة سلطان الوجد وحالة الغناء بالوجود‪ ،‬فالكشف حيصل كلما سعى اإلنسان إىل‬
‫ختليص ذاته وحتريرها فتطلع على احلكمة اإلهلية اليت يعجز العقل عن بلوغها لنقطة"‪ ،5‬وبالتايل يغدو‬

‫السعفة‪ :‬غصن النخلة‪.‬‬ ‫* ّ‬


‫‪ 1‬أيب القاسم حممود بن عمر الزخمشري اخلوارزمي‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،2‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ 2‬آمنة بلعي‪ ،‬احلركة التواصلية يف اخلطاب الصويف‪ ،‬منشورات احتاد الكتب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،2001 ،‬ص ‪156‬‬
‫‪ 3‬صاحل بوترعة‪ ،‬آليات التواصل عند أيب عريب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ 4‬سعاد احلكيم‪ ،‬املعجم الصويف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.513‬‬
‫‪ 5‬عرايبية سهام‪ ،‬منزلة العقل عند حمي الدين بن عريب‪ ،‬خمطوط مذكرة ماجسري‪ ،‬نواشت جبامعة اإلخوة منشوري‪ ،‬اسنطينة‪ ،‬كلية‬
‫العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اسم الفلسفة‪ ،‬سنة ‪ ،2011/2010‬ص ‪.106‬‬
‫‪129‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الكشف أو املكاشفة آليات للتواصل مع اهلل‪ ،‬ناجتة عن تربية النفس وهتذيبها وتزكيتها من كل ما هو‬
‫مادي جسدي أرضي‪.‬‬

‫‪.6‬املخاطبة‪:‬‬

‫املخاطبة هي آلية من األفعال التواصلية مع اهلل‪ ،‬حيث يتم التخاطب وتبادل اخلطاب مع اهلل‪،‬‬
‫وهذا ما نقله أهل التصوف‪ ،،‬حيث "نقل لنا النفري رؤاه حى بدت كالواائع‪ ،‬فخاطب اهلل وبادله‬
‫اخلطاب‪ ،‬وحتدث بامسه بعد مرحلة التحقيق‪ ،‬وهو بذلك يسرد علينا اصة الرحلة أو العروج إىل اهلل بل‬
‫يسرد جمموعة من املخاطبات اليت متت بينه وبني اهلل‪ ،‬فتصبح وكأهنا تعبري عن تضخم نص مسكوت‬
‫عنه هو نص الرحلة‪ ،‬ما دام أنه ال يتم للصويف وصوال وال حتقيقا وال حى خماطبة إال بعد اطع‬
‫الطريق"‪ ، 1‬إذن تعترب املخاطبة آلية للتواصل مع اهلل بعد اطع شوط طويل من اإلميان والصفاء‬
‫الروحي‪ ،‬وترك امللذات واآلثام املنغصة‪ ،‬واليت تشد النفس إىل األسفل و إىل األدىن وكل ما هو أرضي‪.‬‬

‫‪.7‬املشاهدة‪:‬‬

‫إن عملية تلقني الدين لإلنسان شيئا فشيئا‪ ،‬جتعل منه إنسان روحاين سامي الروح‪ ،‬نقي‬
‫السريرة‪ ،‬مداوى ألدواء نفسه حى تزول احلجب عنه من أجل املشاهدة اليت هي" عبارة عن رؤية احلق‬
‫صفى من مجيع آثار األوهام حى ال يبقى‬
‫من غري ريبة وال هتمة وال بقية وذلك أن الروح إذا تطهر وتُ َّ‬
‫فيه غري السر اإلهلي املصون القدسي‪ ،‬اجنلت مرآته من غش أنفاس األوهام‪ ،‬وصحت مساؤه من غيوم‬
‫كدورات الرسوم‪ ،‬وانقشع غبار مألوفات اجلسوم‪ ،‬فعند ذلك تشرق مشس املعرفة ساطعة األنوار وتلوح‬
‫دالالت املشاهدة باهرة األسرار‪ ،‬فيتجلى احلق سبحانه ملرآة الروح من غري حتديد وال تكييف وال‬
‫تشبيه وال إحاطة وال مقابلة‪ ،‬إمنا هي بوارق أنوار العظمة تتتابع وتتواىل وتتوارد على مرآة الروح تقييد‬

‫‪ 1‬آمنة بلعلي‪ ،‬احلركة التواصلية يف اخلطاب الصويف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪130‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪.‬سئل أحد العارفني من أهل الرتبية الدينية عن املشاهدة فقال "كما لو ادرت اتصال‬
‫يقني العيان" ُ‬
‫‪1‬‬

‫الربوق وتواليها يف الليلة الظلماء حى تصري كأضواء هنار يكون بالشمس الصاحية‪ ،‬اال‪ :‬فكذلك‬
‫‪2‬‬
‫الروح إذا توالت عليه أنوار التجلي فتلوح له أسرار امللكوت واجلربوت يظفر حبق اليقني"‬

‫حيث اال اهلل يف القرآن ﴿ نُّورٌ على نُورٍ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ (النور‪:‬‬

‫‪ ،)35‬من عباده أي "يوفق إلصابة احلق من نظر ونذير بعني عقله واإلنصاف من نفسه"‪.3‬كما انه‬
‫"ميكن لإلنسان أن يرى األمور من خقال نور اهلل"‪4‬وبالتايل ميكننا القول أن املشاهدة تغدو آلية من‬
‫آليات التواصل مع اهلل‪ ،‬استنادا إىل مسلك طريق تربوي ديين روحاين‪ ،‬وعرب أطوار ومراحل يقطعها‬
‫السالك" بصدق التوجه ‪ ،‬و إخقاص القلب ‪ ،‬و على ادر اجملاهدة تكون املشاهدة "‪.5‬‬

‫‪ 1‬عبيدة بن حممد التشييت‪ ،‬ميزاب الرمحة الربانية يف الرتبية بالطريقة التيجانيةـ دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2014 ،2‬م‪،‬‬
‫ص ‪.182‬‬
‫مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪3‬الزخمشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.247‬‬
‫‪ 4‬هوسنت مسيث ‪ ،‬أديان العامل ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬سعد رستم‪ ،‬مرجع سابق ص‪480‬‬
‫‪ 5‬عبدالواحد حيىي ‪ ،‬نظرات يف الرتبية الروحية ‪ ،‬ترمجة عبدالبااي مفتاح‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪9‬‬
‫‪131‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العالقة بين التربية الروحية والتواصل الديني األفقي (تواصل إنسان ‪ -‬إنسان)‪:‬‬

‫ملحة إلجناح عملية تواصل األفراد فيما بينهم‬


‫تغدو الرتبية الروحية عملية ضرورية و آلية ّ‬
‫ضمن اإلطار االجتماعي‪ ،‬حيث تنص آيات كثرية يف القرآن الكرمي على هذا النوع من التواصل‪،‬‬
‫ألن" أول حوار وتواصل ‪،‬ذكره القرآن الكرمي فيما يتعلق بني البشر ‪،‬بعضهم ببعض ‪،‬دار حول‬

‫اإلصقاح والنهي عن الفساد "‪ 1‬حيث اال اهلل يف القرآن‪﴿ :‬وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي‬

‫الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (البقرة‪ )11 :‬ومعىن ذلك "إذا نصحوا ليكفوا عن اإلفساد‬

‫يف األرض بالكفر واملعاصي وإفشاء أسرار املؤمنني‪ ،‬ومواالة الكافرين‪ ،‬االوا كذبا وجداال إمنا حنن‬
‫صقاح الصقاح"‪ .2‬فعملية اإلفساد يف األرض هي اطع وهجران‪ ،‬وتنافر للبشر فيما بينهم‪ ،‬وعملة‬
‫اإلصقاح –مبأل هذه الكلمة‪ -‬هي اتصال وتواصل بينهم‪ ،‬الذي من شأنه أ‪ ،‬حيافظ على نظام احلياة‬
‫االجتماعية للناس‪ ،‬وهذا ما نسميه بالتواصل العرضي‪ ،‬الذي يكون مستندا على تعاليم القرآن الكرمي‬
‫والسنة النبوية الشارحة و املبيّنة ‪،‬ألن " املبدأ اجلوهري و األساس الذي ينطلق منه العامل اإلسقامي يف‬
‫بناء جسور احلوار بني الثقافات و احلضارات و األديان مجيعا هو مبدأ أصيل ‪ ،‬ألنه من صميم‬
‫املبادئ الراسخة اليت يؤمن هبا اكثر من مليار و ربع املليار من املؤمنني بالرسالة العاملية يف هذا العامل ‪،‬‬
‫واليت هي رسالة تنوير ‪ ،‬و تسامح و رسالة إخاء تؤمن بوحدة األصل اإلنساين ‪ ،‬و بالتساوي بني‬
‫البشر يف الكرامة و يف احلق يف احلياة ‪ ،‬يف ظّل األمن و السقام و الوئام و التفاهم و االحرتام "‪. 3‬‬

‫لذا حرصت الرتبية الروحية يف اإلسقام على تنشئة األفراد تنشئة إسقامية صحيحة‪ ،‬و ذلك من‬
‫خقال استنباط منهاجا من القرآن الكرمي وما يقابله من سنّة رسول اإلسقام شرحا وتبيينا و توضيحا ‪،‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم حسن أبو حسنية‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.208‬‬
‫‪ 2‬خنبة من العلماء ‪ ،‬التفسري امليسر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪3‬‬
‫‪ 3‬عبدالعزيز بن عثمان التوجيي ‪ ،‬التواصل احلضاري و التفاهم بني الشعوب ‪ ،‬منشورات املنظمة االسقامية للرتبية و العلوم و‬
‫الثقافة – إيسيسكو‪1431-‬ه‪2010/‬م‪،‬ص‪17‬‬
‫‪132‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الفعال فيما‬
‫فبناء على هذا جند هناك عقااة متينة بني الرتبية الروحية لألفراد والتواصل السليم و ّ‬
‫بينهم‪ ،‬ومن بني صور هذه العقااة جند‪.‬‬

‫التواصل األسري‬ ‫‪-1‬‬

‫التكافل االجتماعي‪.‬‬ ‫‪-2‬‬


‫التناصح ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫التحاور‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الضبط االجتماعي‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫التضامن و التعاون‬ ‫‪-6‬‬
‫التسامح‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬التربية الروحية و عملية التواصل األسري‪:‬‬

‫لقد خلق اهلل الرجل و املرأة من نفس النوع ‪،‬إنه النوع البشري ‪ ،‬فليست املرأة من اجلا ّن‬
‫والرجل من اإلنس أو العكس‪ ،‬أجل ‪ ،‬خلقهما من نفس واحدة ‪،‬من نوع واحد‪ ،‬لكي تكون إمكانية‬
‫التواصل بينهما واردة واائمة‪ ،‬و إاامة الروابط بينمها تكون على أساس املودة و الرمحة حيث يقول‬

‫اهلل يف القرآن‪﴿ :‬وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ‬

‫بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾‪.‬الروم‪21 :‬‬

‫فلما كان صقاح اجملتمع من صقاح األسرة ‪ ،‬اهتمت الرتبية اإلسقامية ببناء األسرة على‬
‫أسس متينة حيث صانتها من املزالق و التفكك‪ ،‬كتحرميها للزىن و الفاحشة ‪ ،‬و كل ما يقرب إىل‬
‫ذلك‪ .‬فاهتمت الرتبية اإلميانية أميا اهتمام باإلحسان إىل الوالدين من لدن األوالد‪ ،‬حيث اال اهلل يف‬

‫القرآن ‪﴿ :‬وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا‬

‫‪133‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍِّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِميًا﴾ اإلسراء‪. 23 :‬فعملية التواصل مع الوالدين‬

‫ويلح على أن تبقى اائمة ‪ ،‬مهما بلغ الوالدين من العمر عتيّا ليس‬
‫حيث عليها الدين اإلسقامي ‪ ،‬بل ّ‬
‫هذا فحسب ‪ ،‬بل البد من خماطبتهما بالقول الكرمي و عدم التأفيف " الذي هو أدىن مراتب القول‬
‫السيئ"‪.1‬و ابل ذلك يوصي اإلسقام الوالدين على أداء واجبهما على أمت وجه و أكمله مع أوالدمها‬
‫"فحق األوالد على اآلباء الكسوة و اإلطعام و الرتبية و اإلحسان و التأديب ‪ ،‬واختيار االسم احلسن‬
‫تتمنت الروابط األسرية بني األوالد و آبائهم‬
‫وإعدادهم للقيام بواجباهتم ذكورا و إناثا " ‪ ،‬فهكذا ّ‬
‫‪2‬‬

‫وتنشأ جسور التواصل بينهم ‪ ،‬و يسود السقام و االستقرار بني أفراد االسرة الواحدة‪ ،‬و من أاوى‬
‫الدعائم هلذا التواصل يف اجملتمع ‪،‬جند الكتاب املدرسي " الذي يلقن الطفل ايّما و معايري و مفاهيم‬
‫جمتمعه الذي ينتمي إليه و يتعلّم جمموعة من املبادئ حتدد دوره و منط سلوكه اليومي "‪.3‬و من هنا‬
‫كانت الضرورة لتلقني التلميذ ايما روحية و اجتماعية جتعله على درجة عالية من اإلحسان لوالديه‬
‫وذلك من خقال منهاج مادة الرتبية اإلسقامية يف املؤسسة الرتبوية‪.‬‬
‫أما إذا عدنا إىل النواة األوىل للعائلة‪ ،‬جند أن الوالدين " و مها اللذان يقومان بالدور األساسي‬
‫الفعال يف تكوين األسرة و تنظيمها و رعاية مجيع أفرادها ‪ ،‬و تنمية مجيع روابطها "‪ ،4‬و أن على‬
‫ّ‬
‫عاتقهما مسؤولية كبرية أال وهي " عزم كل من الزوجني على االرتباط مدى احلياة" ‪ 5‬لذا جيب أن‬
‫تتحول الرابطة بينهما من الدوافع البيولوجية الغريزية إىل تواصل إنساين مبين على الرمحة و املودة‬
‫خزان لتنشئة‬
‫والتعاون و التضامن ‪ ،‬حتقيقا للسعادة الزوجية ‪ ،‬و االستقرار األسري ‪ ،‬الذي يعترب ّ‬
‫األبناء ‪ ،‬و نقل إليهم أجبديات التواصل فيما بينهم و فيما بينهم و بني الوالدين‪.‬‬

‫‪ 1‬امساعيل بن عمر بن كثري ‪ ،‬صحيح خمتصر تفسري ابن كثري‪ ،‬دار السقام ‪،‬القاهرة ‪،‬مصر‪ ،‬ط‪2003 ،3‬م‪1423/‬ه ‪،‬‬
‫ص‪. 1026‬‬

‫‪ 2‬سعيد حوى ‪،‬االسقام‪ ،‬شركة الشهاب ‪،‬باب الواد‪،‬اجلزائر‪،‬ط‪2،1988‬م‪1408/‬ه ‪،‬ص ‪303‬‬


‫‪ 3‬آمال عمريات ‪ ،‬التواصل االجتماعي ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪24‬‬
‫‪ 4‬عبدالرمحان النحقاوي ‪ ،‬الرتبية االجتماعية يف اإلسقام ‪،‬دار الفكر ‪،‬دمشق‪،2008،‬ب‪.‬ط‪،‬ص ‪155‬‬
‫‪ 5‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪106‬‬
‫‪134‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ال يتواف التواصل األسري عند حدود الوالدين و األبناء‪ ،‬بل ميتد إىل اجلريان و ذوي القرىب‬
‫أيضا‪ ،‬فلقد اهتمت الرتبية اإلسقامية باإلحسان إىل ذوي القرىب‪ ،‬و التحذير من تقطيع األرحام حيث‬

‫يقول اهلل يف القرآن‪﴿ :‬فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾‬

‫محمد‪22 :‬‬
‫أي" فلعلكم إن أعرضتم عن كتاب اهلل و سنة نبيه حممد صلى اهلل عليه و سلم أن تعصوا اهلل‬
‫يد‬
‫يف األرض ‪ ،‬فتكفروا به و تسفكوا الدماء ‪ ،‬و تقطّعوا أرحامكم" إذن "صلة الرحم تقوي املودة وتز ُ‬
‫‪1‬‬

‫بالسعادة"‪.2‬‬ ‫احملبَّة وتتوثَّق عرى القر ِ‬


‫اصل والشعور ّ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫الت‬
‫و‬ ‫التعارف‬
‫ُ‬ ‫فيها‬ ‫حناء‪،‬‬‫الش‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ُ‬‫العداو‬ ‫وتزول‬ ‫ابة‬ ‫ُ‬
‫وكخقاصة لقد ر ّغبت الرتبية الروحية ‪ -‬اإلميانية يف اإلسقام و حثّت على بناء جسور التواصل‬
‫األسري بشى أشكاله ‪ ،‬كآليات حيوية للتواصل العرضي بني الناس ‪ ،‬حيث يقول اهلل يف القرآن‪:‬‬

‫﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي القرب‬

‫ى وَالْيَتَامَىٰ َالْمَسَاكِنيِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا‬

‫مِِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرضُونَ﴾ البقرة‪83 :‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬التربية الروحية وعملية التكافل االجتماعي‪:‬‬

‫تسعى الرتبية الدينية اإلسقامية على تنشئة الفرد املسلم ‪ ،‬من خقال املنهج القرآين و الشرح‬
‫النبوي على حب اخلري‪ ،‬وعلى التواصل مع الناس ابتداء من الذات‪ ،‬إىل الوالدين‪ ،‬إىل الزوج وأفراد‬
‫األسرة واجلريان وذوي القرىب‪ ،‬وذوي األرحام‪ ،‬واألصدااء وبااي أفراد اجملتمع ‪ ،‬واآلخر الذي على غري‬
‫ملة اإلسقام "فالتواصل يف اإلسقام ليس يف اجملال العسكري أو السياسي وال يف جمال العمل‪ ،‬أو‬

‫‪ 1‬خنبة من العلماء‪ ،‬التفسري امليسر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪509‬‬


‫‪ 2‬سلمان بن حيي املالكي ‪ ،‬صلة األرحام أساس بناء احلياة‪ ،‬اسم املواع على النت ‪ :‬صيد الفوائد ‪، www.saaid.net‬‬
‫تاريخ االطقاع ‪2016/05/13‬على الساعة ‪19:52 :‬‬
‫‪135‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫نطاق األسرة فحسب‪ ،‬وإمنا هو أسلوب حياة"‪ 1‬فهناك صور عديدة للتواصل االجتماعي بني البشر‬
‫كما تنص الرتبية اإلميانية من أجل حتقيق السقامة والسعادة ألفراد اجملتمع‪ ،‬وكمثال عن ذلك جند‬
‫ظاهرة التكافل االجتماعي‪ ،‬وحتديدا رعاية وإحسان اليتيم‪ ،‬ألن يف ذلك تواصل‪ ،‬حيث يقول إبراهيم‬
‫حسن أبو حسنية "ويف تواصل البشر فيما بينهم‪ ،‬ومن باب التكافل االجتماعي‪ ،‬وهو رعاية اليتيم أو‬
‫‪2‬‬
‫من ال يعرف له أبوين‪ ،‬وتكفل الناس يف رعايته وتوفري الرضاعة له يف سن الرضاعة ورعايته مبا حيتاج"‬
‫فلقد رغب الدين اإلسقامي يف محاية ورعاية اليتيم واإلحسان إليه‪ ،‬و اإلنفاق عليه ‪ ،‬و على الفقراء‬
‫واحملتاجني ‪ .‬فكثرية هي اآليات النصية يف القرآن الكرمي اليت حتث على ذلك‪ ،‬و ترغب فيه ‪،‬اصد‬
‫حتصيل األجر و الثواب ‪ ،‬و حتقيق التوازن و االستقرار يف اجملتمع ‪.‬منها ‪:‬‬

‫‪ ﴿ .1‬وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ‬

‫وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ولَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ‬

‫اللَّـهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ األنعام‪152 :‬‬

‫‪﴿ .2‬كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾الفجر‪17 :‬‬

‫‪﴿ .3‬فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ الضحى‪9 :‬‬

‫‪﴿ .4‬مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِِّ‬

‫سُنبُلَةٍ مِِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة‪261 :‬‬

‫‪ 1‬ماجد رجب العيد سكر‪ ،‬التواصل االجتماعي (أنواعه‪ ،‬ضوابطه‪ ،‬آثاره ومعوااته) دراسة ارآنية موضوعية‪ ،‬خمطوط مذكرة‬
‫ماجستري‪ ،‬نواشت باجلامعة اإلسقامية‪ ،‬غزة‪ ،‬كلية أ صول الدين‪ ،‬إشراف مجال حممود اهلويب‪ ،‬سنة ‪ ،2011‬ص ‪.53‬‬
‫‪2‬إبراهيم حسن أبو حسنية‪ ،‬التواصل يف القرآن الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪136‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫كما جاءت األحاديث النبوية مبينة و شارحة‪ ،‬جململ اآليات السابقة املتعلقة باالهتمام‬
‫باجلانبني املادي و املعنوي لليتيم ‪ ،‬حيث ورد يف خمتصر صحيح مسلم ‪،‬وحتديدا يف باب اإلحسان‬
‫إىل األرملة واملسكني وال يتيم أنه ‪ ":‬عن أيب هريرة اال‪ ،‬اال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬كافل‬
‫اليتيم له أو لغريه‪ .‬أنا وهو كهاتني يف اجلنة‪ ،‬وأشار مالك بالسبابة والوسطى"‪ ،1‬إذن لقد اهتم الدين‬
‫اإلسقامي باليتيم أميا اهتمام‪ ،‬حبيث جيب أن ال نقطع عليه تربية ووصاال ومعاملة حسنة‪ ،‬حى ينشأ‬
‫رويدا رويدا‪ ،‬وحاال حاال‪ ،‬ليصبح عضوا فعاال يف اجملتمع‪ ،‬ينهض بواجباته‪ ،‬ويؤدي مسؤولياته " وهبذه‬
‫املعاملة احلسنة نكون اد أعددنا مواطنا صاحلا‪ ،‬ينهض بواجباته‪ ،‬ويضطلع مبسؤولياته‪ ،‬فقا يشعر‬
‫بنقص وال يسبح يف متاهات اهلواجس واألفكار"‪ 2‬إذن فنحن نتكلم على نوع من التكافل اخلاص‬
‫باليتيم‪ ،‬ضمن إطاره االجتماعي وداخل اجلماعة من أجل الرتبية واإلصقاح وال يتم ذلك إال عن‬
‫طريق التواصل معه دائما‪ "،‬و من الظواهر البارزة يف اجملتمع اإلسقامي حى اليوم ‪ ،‬متاسك األسرة‬
‫وسيطرة الروح اإلميانية التعاونية على أجوائها ‪ ،‬فاالبن ينفق على أبيه ‪ ،‬و على أمه و حيتويهما يف‬
‫بيته مع زوجته و أوالده و يقوم خبدمتها حى يتوفهما اهلل ‪،‬و هو يعترب ذلك فرضا دينيا ‪ ،‬و عمقا‬
‫يتقرب به إىل اهلل ‪،‬و نرى األخ الكبري ينفق على إخوته الصغار و يربيهم و يعلمهم و يزوجهم و هو‬
‫يرى ذلك حق هلم و واجب ال منّة و ال تفضُّل و كذلك يقوم بواجبه حنو أاربائه ‪ ،‬يقيم شر العوز‬
‫ويدفع عنهم حاجة السؤال ‪ ،‬عند العجز أو الفقر "‪ ، 3‬فالتكافل هنا ال يراد به اجلانب املادي واملايل‬
‫فقط ‪،‬بل هو أوسع و أمشل من ذلك و ميتد إىل الدعم النفسي و املعنوي ‪ ،‬حيث يرى الكاتب‬
‫اإلسقامي حممد اإلبراشي " أن مفهوم التكافل االجتماعي يف اإلسقام خيتلف عن مفهومه يف النظم‬
‫يقصدون به التّكافل املادي الذي‬
‫األخرى‪ ،‬فحينما يتحدث عُلماء االجتماع عن مفهوم التكافل فهم ُ‬
‫يربط بني أفراد املجتمع‪ ،‬وهو ليس مفهوما خاطئا لكنه ال يُعرب عن مفهوم التكافل تعبريا كامقا‪ ،‬لكن‬
‫ُ‬

‫‪ 1‬عيد العظيم عبد القوي‪ ،‬خمتصر مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪2‬عبد اهلل ناصح علون‪ ،‬التكافل االجتماعي يف اإلسقام‪ ،‬دار السقام للطباعة والنشر والتوزيع والرتمجة‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ 3‬مصطفى السباعي ‪،‬التكافل االجتماعي يف اإلسقام‪،‬دار ابن حزم ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪1430‬ه‪2010-‬م‪،‬ص‪345‬‬
‫‪137‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫عندما يتكلم اإلسقام عن مفهوم التكافل االجتماعي فإنه يقصد به التكافل يف مجيع جماالته املادية‬
‫واملعنوية‪ ،‬التكافل االجتماعي فريضة على كل مسلم يف حدود طااته يلتزم بأدائها كسائر الفرائض‬
‫ذلك أن التكافل يقوم يف اإلسقام على مبدأ األخوة والرتابط بني املسلمني‪ ،‬فهي يف حدود احلاجات‬
‫امللحة‪ ،‬فقا جيوز هلم أن يرتكوا إخواهنم يف حاجة أو نقص"‪.1‬‬

‫واألمثلة كثرية يف باب التكافل االجتماعي اليت حرصت الرتبية الروحية ‪ -‬اإلميانية على‬
‫ترسيخها وتثبيتها يف أوساط اجملتمع اإلنساين‪ ،‬كالتضامن والرتاحم‪ ،‬واضاء حوائج الناس احملتاجني و‬
‫اليتامى وإتيان الصداات للفقراء واملساكني و املعوزين ‪...‬اخل يف اجلانبني املادي و املعنوي ‪،‬كل هذا‬
‫وآخر من شأنه أن يقيم جسور التواصل بني األفراد يف الدائرة االجتماعية ‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪:‬التربية الروحية والتناصح بين الناس‪:‬‬

‫يعترب تقدمي النصيحة للناس و فق شروط معينة و معروفة ‪ ،‬آلية من آليات التواصل اإلنساين‬
‫يف الدائرة االجتماعية‪ ،‬فلقد حرصت أيضا الرتبية الدينية اإلسقامية على إسداء النصائح‪ ،‬يف إطارها‬
‫تكون الصلة بني الذاتني على التئام"‪ ،2‬حبيث ال‬
‫الصحيح الذي حيرتم مشاعر املنصوح "فالنصيحة ّ‬
‫حيدث تضاد وتنافر بينهم بل إسداء النصيحة بأدب حى يتحقق التواصل و يعم اخلري بني‬

‫الناس‪ ،‬بل يعترب الدين كله هو النصيحة‪ ،‬حيث جاء يف صحيح البخاري "الدين النصيحة هلل‬
‫ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم"‪ ،3‬حيث علق مصطفى البغا شارحا بقوله "(نصحو) نصح له‬
‫حتري ما ينبغي له وما يصلح وأراد له اخلري وأخلص يف تدبري أمره‪ ،‬ونصح العبد هلل تعاىل‪ ،‬واف عند‬

‫‪ 1‬نادية املتوكل ‪ ،‬التكافل االجتماعي‪ ،‬جملة املتميزة اإللكرتونية ‪ ،‬املواع‪ / http://site.mtmza.net:‬االطقاع عليه يوم‬
‫‪2016/06/30‬على الساعة ‪13:20‬مساءا‬
‫‪2‬إبراهيم األمسري‪ ،‬شرح حديث (الدين نصيحة) املواع اإللكرتوين ‪ WWW.DENONA.COM‬تاريخ االطقاع‬
‫‪ 2015/09/17‬على الساعة ‪.12:04‬‬
‫‪3‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬احملقق‪ ،‬حممد زهري بن ناصر ناصر‪ ،‬دار طوق احلياة‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.40‬‬
‫‪138‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ما أمر وما هني‪ ،‬وفعل‪ ،‬وما جيب‪ ،‬واجتنب ما يسخط‪ ،‬ونصح لرسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬صدق‬
‫نبوته والتزام ما جاء به وختلق بأخقااه بقدر طااته"‪ ،1‬لذا يعترب التناصح بني األفراد يف حياهتم‬
‫االجتماعية عملية اتصالية من شأهنا أن تؤسس لعقااات إنسانية متينة و ذلك من أجل إصقاح‬
‫واستقرار اجملتمع‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التربية الروحية والتحاور بين الناس‪:‬‬

‫أيضا اهتمت الرتبية اإلميانية يف اإلسقام بالتواصل والتحاور مع اآلخر ‪ ،‬حى ذلك اآلخر‬
‫الذي ال ينتمي إىل عقيدة اإلسقام‪ ،‬بل لقد اعتىن هذا الدين منذ بزوغه‪ ،‬بالروابط والعقااات املفرتض‬
‫إاامتها بني األفراد والشعوب‪ ،‬وجاء ليؤسس لقضية التعارف واحلوار‪ ،‬حيث يقول اهلل يف القرآن‪:‬‬

‫﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾‬

‫(الحجرات‪ )13:‬معناه "لتعارفوا‪ ،‬أي لتعلموا كيف تتناسبون واملعىن‪ ،‬أ‪ ،‬احلكمة اليت من أجلها‬
‫راتبكم على شعوب وابائل هي أ‪ ،‬يعرف بعضكم نسب بعض"‪.2‬‬

‫إذن بالتعارف يتحقق التواصل بني الناس والشعوب‪ ،‬فاحلوار بني األفراد والشعوب "شكل من‬
‫التفاعل بني القوى االجتماعية‪ ،‬ووسيلة للتواصل‪ ،‬أو لتجنب الصراع وتلطيف اجملاهبات"‪. 3‬‬

‫‪ 1‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬احملقق‪ ،‬حممد زهري بن ناصر ناصر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 2‬الزخمشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،4‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.378‬‬
‫‪ 3‬عماد عبد اللطيف‪ ،‬اسرتاتيجية التعايش‪ ،‬وكفاءة احلوار بني العرب والغرب‪ ،‬جملة التفاهم‪ ،‬العدد ‪1432 ،33‬هـ ‪2011-‬م‪،‬‬
‫املواع على النت ‪ TAFAHOM.COM‬تاريخ االطقاع ‪.2015/09/22‬‬
‫‪139‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ومنهم "من يعترب احلوار أساسيا للتعايش والتفاهم واحرتام اخلصوصيات وخمتلف حيثيات‬
‫الوجود واالختيار"‪.1‬لدا حرص رسول اإلسقام حممد ابن عبد اهلل‪ (،‬صلى اهلل عليه و مقائكته ) على‬
‫لغة التحاور سواء على املستوى الداخلي أو اخلارجي‪ ،‬ففي النزاعات األسرية مثقا جند التعاليم الرتبوية‬

‫يف هذا الصدد واضحة‪﴿ :‬وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِِّنْ‬

‫أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِِّقِ اللَّـهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِريًا﴾ النساء‪ 35 :‬ومعناه‬

‫"إن علمتهم ‪-‬يا أولياء الزوجني‪ -‬شقااا بينهما يؤدي إىل الفراق‪ ،‬فأرسلوا إليهما حكما عدال من‬
‫أهل الزوج‪ ،‬وحكما عدال من أهل الزوجة‪ ،‬لينظروا وحيكموا مبا فيه املصلحة هلما‪ ،‬ويسبب رغبة‬
‫احلكمني يف اإلصقاح‪ ،‬واستعماهلما األسلوب الطيب‪ ،‬يوفق اهلل بني الزوجني"‪.2‬‬

‫إذن فاحلوار هنا وبرعاية حكماء الزوجني‪ ،‬من أجل إصقاح العملية التواصلية بني الزوجني‬
‫املفرق واملفكك لألسرة‪ ،‬اليت تعترب الوحدة البنائية للمجتمع‪.‬‬
‫وردم شقااهما‪ ،‬وذلك جتنبا للصراع ّ‬

‫ولنضرب مثال آخر عن حرص الدين اإلسقامي على التواصل حى مع اآلخر املختلف يف‬
‫العقيدة‪ ،‬وحماولة إجياد نقطة االشرتاك وكلمة السواء‪ ،‬حيث خاطب اهلل ‪ -‬من خقال القرآن ‪ -‬رسوله‬

‫حممد‪ ،‬ألن يدعو أهل الكتاب إىل كلمة السواء ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ‬

‫بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِِّن دُونِ اللَّـهِ‬

‫فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران‪.64 :‬‬

‫‪ 1‬نور الدين املقاخ‪ ،‬التواصل ضرورة عمرانية‪ ،‬املواع على النت ‪:‬‬
‫‪ http://www.aljamaa.net/ar/document/2031.shtml‬تاريخ النشر اجلمعة ‪ 28‬يناير‪/‬كانون الثاين ‪ ،2005‬تاريخ‬
‫االطقاع عليه ‪ ،2016/09/02:‬على الساعة ‪10:24‬‬

‫‪ 2‬خنبة من العلماء‪ ،‬التفسري امليسر‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1434 ،4‬هـ‪2013-‬م‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪140‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و معىن ذلك يا أيها الرسول ال "ألهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ،‬تعالوا إىل كلمة عدل‬
‫وحق نلتزم هبا مجيعا‪ ،‬وهي أن ختص اهلل وحده بالعبادة وال تتخذ أي شريك معه‪ ،‬من وثن وصنم أو‬
‫صليب أو طاغوت أو غري ذلك‪ ،‬وال يدين بعضا لبعض بالطاعة من دون اهلل‪ ،‬فإن عرضوا عن هذه‬
‫الدعوة الطيبة فقولوا هلم –يا أيها املؤمنون‪ -‬اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية‬
‫واإلخقاص‪ ،‬والدعوة إىل كلمة السواء‪ ،‬كما توجه إىل اليهود والنصارى توجه إىل من جرى جمراهم"‪.1‬‬

‫فلقد حرص ال ّدين اإلسقامي عرب اآليات النصية الكثرية للقرآن على اجلنح للسلم‪﴿ :‬وَإِن‬

‫جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ األنفال‪ ،61 :‬ونبذ التع ّدي على‬

‫اآلخرين‪ ﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِِّمُوا طَيِِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَ لَا تَعْتَدُوا إِنَّ‬

‫يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ املائدة‪ ،87 :‬والتواصل باحلكمة واخلطاب احلسن‪:‬‬ ‫لَا‬ ‫اللَّـهَ‬

‫﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‬

‫إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل‪.125 :‬‬

‫فاإلسقام بتعاليمه السمحة اخلالدة جتاوز بفكرة التواصل بني املسلم و غريه فردا أو مجاعة من‬
‫التواصل الشكلي احملدود إىل التواصل الفكري املوضوعي الواسع الشامل ‪ ،‬و من التكامل النظري مع‬
‫اآلخر إىل التكامل احلقيقي ‪ ،‬و من التفاعل النسيب إىل التفاعل اإلجيايب الرشيد"‪ ، 2‬ألن احلوار" ليس‬

‫‪1‬خنبة من العلماء‪ ،‬التفسري امليسر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬


‫‪ 2‬اطب مصطفى سانو‪ ،‬وراة مقدمة إىل املؤمتر السنوي الثاين‪ :‬حنن واآلخر املقرر انعقاده ما بني ‪ 8-6‬صفر لعام ‪1427‬هـ‬
‫املوافق ‪ 8-6‬مارس لعام ‪2006‬م بدولة الكويت‪.‬ص‪2‬‬
‫‪141‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫غاية يف ح ّد ذاته ‪ ،‬و إمنا وسيلة إىل صيغة للتعايش و التفاهم و التعاون اإلنساين "‪ 1‬على املسرح الوااعي‬
‫االجتماعي ‪ ،‬و هكذا نستطيع أن جنين مثار التواصل الديين‪ ،‬و احلضاري و الثقايف بني شعوب العامل‪.‬‬

‫إذن فالرتبية الروحية ‪ -‬اإلميانية يف اإلسقام حريصة كل احلرص على تنشئة األفراد على أسلوب‬
‫احلوار‪ ،‬و التعاون و التضامن‪ ،‬و التواصل احلسن‪ ،‬و االعرتاف باآلخر املختلف و اإلحسان إليه‪ ،‬و حريّة‬
‫االعتقاد‪ ،‬حتقيقا للتفاعل والتواصل االجتماعي‪ ،‬الذي هدفه الوئام والبناء واإلصقاح‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬التربية الروحية وعملية الضبط االجتماعي‪:‬‬

‫تنم الرتبية الروحية على اخللق القومي‪ ،‬والسري يف اجملتمع على أساس اخللق احلسن ‪،‬حبيث أن‬
‫ّ‬
‫"اخللق القومي هو الدعامة األوىل اليت يبين عليها اجملتمع أمنه واستقراره"‪ 2‬وكثرية هي اآليات النصية‬
‫القرآنية‪ ،‬واألحاديث النبوية‪ ،‬اليت حتث على اخللق احلسن والقومي سلوكا ولفظا وإارارا‪.‬‬

‫وأن مثاال واحدا أو اثنني من القرآن الكرمي سيكونان كافيني جلعل هذه املسألة مقنعة ‪ ،‬فنقرأ‬
‫مثقا يف سورة القلم و الفراان اآليتني ‪ 4‬و ‪ 63‬على التوايل ما مفاده الرتغيب يف اخللق احلسن والقومي ‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪﴿ ‬وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍا ﴾ لقلم‪4 :‬‬

‫‪﴿ ‬وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ‬

‫الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾الفرقان‪63 :‬‬

‫‪ 1‬عبدالعزيز بن عثمان التوجيي ‪ ،‬التواصل احلضاري و التفاهم بني الشعوب ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪14‬‬
‫‪ 2‬منال عبد املنعم السيد جاد اهلل‪ ،‬خمطوط مذكرة دكتوراه‪ ،‬املوسوم بأثر الطريقة الصوفية يف احلياة االجتماعية ألعضائها‪ ،‬ص‬
‫‪.257‬‬
‫‪142‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وعليه تبقى األخقاق احلسنة والفاضلة من الركائز األساسية يف الرتبية الروحية للديانة اإلسقامية ‪،‬بل‬
‫هي روح العملية التواصلية بني األفراد من أجل عملية الضبط االجتماعي وذلك من أجل تنظيم حياة‬
‫األفراد "ومن مث يتّضح أثر الطريقة [ أسلوب يف الرتبية الروحية ]* الذي ال ميكن إنكاره على احلياة‬
‫االجتماعية اليت هي مبثابة دعوة لتدعيم املبادئ والقيم الدينية‪ ،‬ونداء للتمسك باآلداب واألخقاق‬
‫‪1‬‬
‫فعال وبنّاء"‬
‫اإلسقامية اليت ال بديل هلا خللق جمتمع ّ‬

‫وعليه فعملية الضبط االجتماعي هي حماولة للوصول إىل االمتثال واملطابقة مع تعاليم الرتبية‬
‫العامة‬
‫الروحية‪-‬اإلميانية‪ ،‬وتسلم العملية التواصلية من التشنج و االنسداد بني األفراد‪ ،‬بناءً للعقااات ّ‬
‫اخلاصة‪ ،‬وحتقيقا الستقرار اجملتمع وازدهاره‪.‬‬
‫و ّ‬

‫المطلب السادس ‪ :‬التربية الروحية و عملية التضامن و التعاون في المجتمع اإلنساني‪:‬‬

‫ال ميكن للمجتمع اإلنساين أن يكون عبارة على أفرادا آحادا مشتتني ‪ ،‬يستغين و يستقل كل فرد‬
‫عن اآلخر ‪ ،‬بل و بناءً على الطبيعية اخلَلقية اليت ُجبل عليها اإلنسان و جعلت منه كائن اجتماعي‬
‫واتصايل بطبعه ‪،‬كتبادل املنفعة و التعاون على حتقيق املصاحل اخلاصة و املشرتكة ‪ ،‬و هبذا التضامن‬
‫والتعاون يتحقق وجود اجملتمع اإلنساين ‪ ،‬و على هذا االساس جند الرتبية الدنية الروحية يف اإلسقام‬
‫تسهر على توثيق الرباط " بني أفراد اإلنسان برباط اليب يو ّحد بينهم يف االجتاه واهلدف‪ ،‬وجيعل منهم‬
‫َوحدة اوية متماسكة‪ ،‬يأخذ بعضها برااب بعض‪ُ ،‬سداها احملبة‪ ،‬و ُحلْمتها الصاحل العام‪ ،‬وهدفها السعادة‬
‫يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهذا الرباط هو رباط اإلميان والعقيدة املتَّصلة مببدأ اخلري والرمحة‪ ،‬وهو اهلل ‪ -‬سبحانه‬

‫* مابني حاضنتني توضيح يقتضيه السياق‪.‬‬


‫‪ 1‬منال عبد املنعم السيد جاد اهلل‪ ،‬خمطوط مذكرة دكتوراه (أثر الطرق الصوفية يف احلياة االجتماعية ألعضائها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.251‬‬
‫‪143‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وتعاىل" ‪ ،1‬إذن التضامن و التعاون سر اوة كل جمتمع إنساين‪ ،‬و سر متاسكه و ترابطه أيضا‪ ،‬بل هو سر‬
‫متاسك اجملتمعات و األمم ‪ ،‬و رمبا هلذا املبدأ ‪ ،‬تأسست منظمة التعاون اإلسقامي سنة ‪ 1969‬و اليت‬
‫من بني أهدافها " تعزيز التضامن اإلسقامي بني الدول األعضاء‪ .‬و دعم التعاون بني الدول األعضاء يف‬
‫اجملاالت السياسية واالاتصادية واالجتماعية والثقافية والعلمية"‪ .2‬فكثرية هي اآليات القرآنية واالحاديث‬
‫النبوية اليت أكدت على التعاون و التضامن بني املؤمنني على الرب واالميان مثقا ‪:‬‬

‫﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِِّ وَ التَّقْوَىٰ وَ لَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ‬

‫شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾المائدة‪ ، 2 :‬و معىن ذلك " و تعاونوا – أيها املؤمنون فيما بينكم‪ -‬على فعل اخلري‬

‫جتاوز حلدود اهلل ‪ ،‬واحذروا خمالفة أمر اهلل فإنه‬


‫وتقوى اهلل ‪ ،‬و ال تعاونوا على ما فيه امث و معصية و ٌ‬
‫شديد العقاب "‪ ، 3‬و يف حديث ‪-‬عن أيب موسى ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬اال‪ :‬اال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫بعضا)؛ متفق عليه‪.‬و معىن ذلك " أن يكونوا إخوانا‬
‫عليه وسلم ‪(:-‬املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه ً‬
‫مرتامحني متحابني متعاطفني ‪ ،‬حيب كل منهم لآلخر ما حيب لنفسه ‪ ،‬و يسعى يف ذلك ‪ ،‬و أن عليهم‬
‫مراعاة املصاحل الكلية ‪ ،‬اجلامعة ملصاحلهم كلهم "‪ ،4‬ومن هذا املنطلق جند أن الرتبية الدينية الروحية‬
‫واالجتماعية يف اإلسقام حتث األفراد على التعاون والتضامن والتكاثف وكلها آليات‬
‫"‪ "MECANISMES‬لتحقيق التواصل الديين يف ش ّقه األفقي ‪.‬‬

‫‪ 1‬مقال حممود شلتوت ‪ ،‬التضامن ا الجتماعي يف اإلسقام ‪ ،‬شبكة األلوكة‪ ،‬تاريخ اإلضافة ‪: 13/1/2013‬ميقادي‬
‫– ‪ 1434/3/ 1‬هجري‪ ،‬املواع اإللكرتوين ‪ / http://www.alukah.net:‬تاريخ االطقاع عليه ‪ 2016/06/30‬على‬
‫الساعة ‪ 23:31‬مساءا‬
‫‪ 2‬منظمة املؤمتر اإلسقامي‪ ،‬فكرة عامة ‪ ،‬املواع اإللكرتوين ‪ /http://www.aljazeera.net‬تاريخ االطقاع‬
‫‪2016/06/30‬على الساعة ‪23:58‬‬
‫‪ 3‬خنبة من العلماء ‪ ،‬التفسري امليسر ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪106‬‬
‫‪ 4‬شبكة األلوكة ‪،www.alukah.net‬تاريخ اإلضافة ‪: 17/2/2013‬ميقادي ‪ 1434/4/6 -‬هجري‪ ،‬تاريخ االطقاع‬
‫‪2016/07/01‬على الساعة ‪19:58‬‬
‫‪144‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫المطلب السابع‪ :‬التربية الروحية و التسامح بين البشر‬

‫التسامح هو فعل إنساين رااي‪ ،‬يقوم به صاحبه من أجل احلفاظ على عملية التواصل االجتماعي‬
‫حبيث يعفو املتسامح على خصمه و املسيء إليه ‪،‬حى تبقى العقااة اإلنسانية اائمة و مجيع العمليات‬
‫االجتماعية متواصلة ‪ ،‬من تعاون و تضامن و مساعدة و مصاهرة ‪..‬اخل ‪ ،‬فهذا ما جاءت به مجيع‬
‫أديان العامل ‪ ،‬و هذا ما ارره القرآن الكرمي يف كثري من اآليات النصية ‪ ،‬حيث أمرنا و حثّنا على العفو‬
‫والصفح مثقا ‪ ،‬يقول يف سورة النور اآلية ‪: 22‬‬

‫﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾‬

‫الصغائر‬
‫رد اإلساءة باإلساءة‪ ،‬والرتفّع عن ّ‬
‫فالتسامح مفهوم يدل على " العفو عند املقدرة‪ ،‬وعدم ّ‬
‫اجتماعي دعا إليه كافّة‬
‫ّ‬ ‫أخقااي‬
‫ّ‬ ‫مو بالنّفس البشريّة إىل مرتبة أخقاايّة عالية‪ ،‬والتّسامح كمفهوم‬
‫الس ّ‬
‫و ُّ‬
‫الرسل واألنبياء واملصلحني؛ ملا له من دور وأمهيّة كربى يف حتقيق وحدة‪ ،‬وتضامن‪ ،‬ومتاسك اجملتمعات‬
‫ّ‬
‫الصراعات بني األفراد واجلماعات‪ ،‬والتّسامح يعين احرتام ثقافة وعقيدة وايم‬
‫والقضاء على اخلقافات و ّ‬
‫اآلخرين"‪ ،1‬فالرتبية اإلميانية يف ا لدين اإلسقامي حتث األتباع و املعتنقني‪ ،‬على التسامح و العفو‬
‫والصفح و يف مجيع احلاالت فالتسامح آلية جلرب علمية التواصل اإلنساين من القطع و الكسر ‪.‬‬

‫نتيجة هامة‪:‬‬

‫" إن أسس التنشئة الدينية يف اإلسقام ترتكز حول مفهوم واسع شامل ‪ ،‬ال يقتصر على اإلميان‬
‫االعتقادي و أداء الشعائر الدينية التعبدية فحسب‪ ،‬بل يشمل نشاط اإلنسان كله من اعتقاد و فكر‬
‫وشعور و تصور و عمل ما دام اإلنسان يتوجه هبذا النشاط إىل اهلل و يلتزم فيه بشرعه ‪ ،‬و يسري على‬

‫‪ 1‬التسامح ‪ :http://mawdoo3.com‬تاريخ االطقاع عليه يوم ‪2016/07/23‬على الساعة ‪20:18‬مساءا‬

‫‪145‬‬
‫العالقة بني الرتبية الروحية و عملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الثالث‬

‫منهجه "‪ ،1‬فعملية "التشبّث بالقيم الدينية و األخقااية السامية هي الرباط املتني الذي جيمع بني‬
‫احلضارات اإلنسانية املتعاابة"‪.2‬و هبذا يكون النظام الرتبوي الروحي واالجتماعي يف اإلسقام " ضابط‬
‫للعقااات بني اهلل و اإلنسان ‪ ،‬حيث تكون العقااة عقااة عبادة‪ ،‬وبني اهلل والكون تكون عقااة تسبيح‪،‬‬
‫وبني اإلنسان عقااة تسخري ومتتع واستفادة من خريات اهلل‪ ،‬و بني اإلنسان و اإلنسان تكون عقااة حمبة‬
‫وتعاون و تضامن "‪.3‬‬

‫‪ 1‬مرمي ‪ ،‬آيت أمحد‪ ،‬التنشئة الدينية و سؤال مستقبل جيل املعرفة‪ ،‬دار السقام للطباعة و النشر و التوزيع و الرتمجة ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫ط‪2013 ،1‬م‪1434/‬ه‪ ،‬ص‪54‬‬
‫‪ 2‬عبدالعزيز بن عثمان التوجيي ‪ ،‬التواصل احلضاري و التفاهم بني الشعوب ‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪19‬‬
‫‪ 3‬حممد علواش ‪ ،‬أمهية احلوار يف حتقيق التدافع( وراة حبثية)‪ ،‬شبكة ضياء للمؤمترات و الدراسات (تاريخ االطقاع عليها يف‬
‫النت‪،2016/08/28 :‬ص ‪2‬‬
‫‪146‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫تمهيد‬

‫المبحث األول ‪ :‬في مفهوم المدرسة‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬في أساسية الكتاب المدرسي ومفهوم الكتاب المدرسي الديني‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬مفهوم التنشئة الدينية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬دور الخطاب المدرسي الديني في التنشئة الدينية و عالقة ذلك بالتواصل‬
‫الديني‬

‫املطلب األول‪ :‬دور التنشئة الدينية يف عملية التواصل الديين العمودي‬

‫املطلب الثاين‪ :‬دور التنشئة الدينية يف عملية التواصل الديين األفقي ( العرضي)‬

‫‪148‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫تعترب املدرسة املؤسسة االجتماعية الثانية (بعد االسرة) ‪ ،‬اليت أوجدها اجملتمع و انتدهبا من أجل‬
‫القيام بوظيفة التأهيل االجتماعي للناشئة نيابة عنه ‪ ،‬حبيث تسهر على تزويد التالميذ بالعلم و املعرفة‬
‫والرتبية واألخالق والدين‪ ،‬استعداد للحياة يف املستقبل‪ ،‬فلو نلقي نظرة حول املواد التعليمية اليت‬
‫تُدرس للتالميذ يف مدارس دول العامل ‪،‬لوجدناها تتوزع بني املعريف العلمي والتكنولوجي واإليديولوجي‬
‫تسميها الدول العربية اإلسالمية‬
‫أو العقدي‪ ،‬وضمن العقدي جند ما يسمى بالرتبية الدينية و اليت ّ‬
‫اهلامة ‪،‬‬
‫بـ ـ ــ‪" :‬الرتبية اإلسالمية "‪ ،‬حيث متارس املدرسة خطاهبا الديين عرب هذه املادة التعليمية الدينية ّ‬
‫ألن كما يقول وليم جيمس " حياة الدين ككل هي أهم وظيفة من وظائف اإلنسانية"‪ ،1‬و هذا‬
‫الذي حتاول املدرسة ترسيخه يف نفوس الناشئة ‪.‬و عليه ‪:‬ما هو مفهوم املدرسة وما هو مفهوم التنشئة‬
‫الدينية ‪ ،‬وما هو دور املدرسة يف عملية التنشئة الدينية و عالةة لل بعملية التواصل الديين‬

‫‪ 1‬هوسنت مسيث‪ ،‬أديان العامل ‪ ،‬تعريب‪ ،‬سعد رستم ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪4‬‬
‫‪149‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫المبحث األول ‪:‬مفهوم المدرسة ‪:‬‬

‫اس البيت الذي يُدرس‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫نقول املدرسة أو " املِْدراس و املِْدرس‪ :‬املوضع الذي يدرس فيه‪...‬و املِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ‬
‫فيه القرآن" ‪ 1" ،‬هذا على مستوى اللفظ ‪ ،‬أما اصطالحا هي " مؤسسة اجتماعية أنشأها اجملتمع‬
‫عن ةصد ووظيفتها األساسية تنمية شخصيات األفراد تنمية متكاملة و تنشئة األجيال اجلديدة مبا‬
‫جيعلهم أعضاء صاحلني يف اجملتمع الذي تعدهم له"‪ 2‬إلن تُعترب املدرسة موجود اجتماعي هام‪ ،‬حبيث‬
‫تسهر على تأهيل وتنشئة األطفال املتمدرسني‪ ،‬حىت يتمكنوا من أداء واجباهتم بكل وعي ومسؤولية‪،‬‬
‫ولل من خالل ما تقدمه من معارف وخمتلف العلوم‪ ،‬وترسيخ للقيم يف نفوس الناشئة‪ ،‬فاملدرسة‬
‫متر الدراسة بعدة مراحل‬
‫مؤسسة تعليميّة يتعلّم فيها الطالب الدروس مبختلف العلوم‪ ،‬و ّ‬
‫عموما "هي ّ‬
‫خاصة ومدارس حكوميّة‪،‬‬
‫وهي االبتدائيّة‪ ،‬واإلعداديّة‪ ،‬والثانويّة‪ ،‬كما وتنقسم املدارس اىل مدارس ّ‬
‫سن السادسة من العمر‪ ،‬ولل إلكساب الطفل أسس الكتابة والقراءة‬ ‫اإلجباري عند ّ‬
‫ّ‬ ‫ويبدأ التعليم‬
‫أهم املراحل يف توجه الطفل وبناء شخصيته "‪ ، 3‬إلن نستطيع‬
‫واحلساب‪ ،‬وتعترب املرحلة االبتدائيّة من ّ‬
‫القول أن املدرسة هي فضاء مهم وأساسي يف عملية إعداد الطفل ألهم وظيفة يف احلياة أال و هي‬
‫وظيفة الدين على حد ةول وليم جيمس‪.4‬و هي " املكان األول الذي يتشكل فيه مستقبله‬
‫عامال مهم من عوامل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ومستقبله الشخصي على وجه اخلصوص"‪ ،5‬فإهنا متثل كذل‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مصدر سابق ص ‪190‬‬


‫‪ 2‬فاروق عبده فليه ‪،‬و أمحد عبدالفتاح الزكى ‪ ،‬معجم مصطلحات الرتبية لفظا و اصطالحا ‪،‬ب ‪.‬ط‪ ،‬دار الوفاء مجهورية مصر‬
‫العربية‪ ،‬ص‪217‬‬
‫‪ mawdoo3.com 3‬املوةع اإللكرتوين الشهري‪ :‬موضوع ‪.‬كوم‪ :‬مفهوم‪-‬املدرسة‬
‫‪ 4‬فيلسوف أمريكي ومن رواد علم النفس احلديث‪ .‬كتب كتباً مؤثرة يف علم النفس احلديث وعلم النفس الرتبوي‪ ،‬وعلم النفس‬
‫الديين والتصوف‪ ،‬والفلسفة الرباغماتية‬
‫‪ 5‬من ةراءات املركز الوطين للوثائق الرتبوية‪ ،‬الشباب و التمدرس بني النجاح و الرسوب ‪ ،‬ترمجة ملحقة ةسنطينة‪ ،‬اجلزء األول‬
‫‪،2007‬ص‪26‬‬
‫‪150‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫التنشئة الدينية‪ ،‬كوهنا " تعمل بوسائلها املختلفة عمال يشبه إىل حد كبري دور العائلة "‪ 1‬و دور‬
‫املسجد كذل ‪ ،‬فاملدرسة وعن طريق خطاهبا الديين‪ ،‬تعمل على تنمية الوازع والسلوك الدينني لدى‬
‫يسر ألطفال اجملتمع ‪ ،‬متثّل ةيم هذا اجملتمع و معايريه وتدريبهم على السلوك الذي‬
‫الناشئة‪ ،‬ألهنا " تُ ّ‬
‫‪2‬‬
‫يرتديه عموما ‪،‬يف املواةف والسلوك‪ ،‬وهي بذل وكالة من وكاالت التنشئة االجتماعية لات أمهية "‬
‫كما تساهم املدرسة يف بناء الشخصية الدينية للمتمدرسني وتثقيفهم عن طريق اكساهبم القيم‬
‫الدينية الروحية و االجتماعية أساسا ‪،‬تنميةً لعملية تواصلهم مع رهبم ‪ ،‬و فيما بينهم‪ ،‬لذا ميكننا أن‬
‫نستنتج أن للمدرسة وظيفة اجتماعية ودينية أساسية تتمثل يف "اعداد الفرد املسلم‪ ،‬واجملتمع‬
‫يف سلوكه‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬الذي حيقق العبودية اخلالصة هلل يف تصوراته املشرتكة ‪ ،‬وحيقق نتائج لل‬
‫وحياته الفردية و االجتماعية "‪.3‬‬

‫إلن فاملدرسة متارس دورها الرتبوي و التعليمي و ال ّديين أساسا من خالل موظّفو الرتبية والتعليم ‪،‬‬
‫ومن خالل الوسائل البيداغوجية املتاحة و اليت يستعملوهنا‪ ،‬و على رأس ةائمة هذه الوسائل‪ :‬الكتاب‬
‫املدرسي ‪.‬و الذي له مكانة أساسية يف اخلطاب الديين املدرسي‪ .‬فما خطب هذه املكانة وما هو‬
‫مفهوم الكتاب املدرسي الديين‬

‫‪ 1‬مولود زايد الطبيب ‪ ،‬التنشئة السياسية و دورها يف تنشئة اجملتمع ‪،‬املؤسسة العربية الدولية ‪ ،‬عمان ‪،‬األردن ‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪1420‬ه‪2001/‬م‪،‬ص ‪79‬‬
‫‪ 2‬زكاريا الشربيين و يسريّة صادق تنشئة الطفل – و سبل الوالدين يف معاملته وحل مشكالته ‪،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪1421‬ه‪2000 /‬م ب ‪ .‬ط ‪،‬ص ‪116‬‬
‫‪ 3‬عبد الرمحان النحالوي‪ ،‬الرتبية االجتماعية يف االسالم دار الفكر‪ ،‬دمشق ‪ ،‬برامكة‪،2008 ،‬ص‪119‬‬
‫‪151‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫المبحث الثاني ‪:‬محورية الكتاب المدرسي و مفهوم الكتاب المدرسي الديني ‪:‬‬

‫حسب ميدان البحث و االهتمام ‪ ،‬ففي‬ ‫اختلفت كثريا تعريفات الكتاب املدرسي ‪ ،‬و لل‬
‫الكتاب الرمسي احلكومي الذي يوزع على التالميذ يف‬ ‫بعضها يضيق مفهومه‪ ،‬ليدل على لل‬
‫املدارس‪ ،‬ويف بعض البحوث يتسع مفهومه ليشمل املنهاج والوثائق املرافق للمنهاج ‪ ،‬و دليل املعلم‬
‫الشارح الستخدام املنهاج و الكتاب ‪ ،‬ويف هذا السياق جند تعريف اليونسكو أن الكتاب هو " كل‬
‫مطبوعة غري دورية حتتوي على األةل على ‪ 49‬صفحة باستثناء الغالفني"‪ 1‬لذا نعترب الكتاب‬
‫الوثيقة الرمسية املعتمدة من ةبل وزارة الرتبية الوطنية ‪،‬و هو منهاج مكتوب‪ ،‬و الذي‬ ‫املدرسي تل‬
‫يضم بني ضفتيه جمموعة من التعلّمات و املهارات الفكرية اليت تعرب عن ةيّم معينة ولل حسب‬
‫نوع اخلطاب و الرسالة اليت حيملها يف متنه‪ ،‬و اليت أُريد هلا بطريقة ةصدية من ةبل الفاعلني يف‬
‫املنظومة الرتبوية ‪ ،‬فهو " مجلة ما تقدمه املدرسة من معارف و مهارات و اجتاهات ‪...‬ملساعدة‬
‫املتعلم ‪ ،‬على النمو املتوازن و السليم يف مجيع جوانب شخصيته"‪ 2‬و يف حبثنا هذا سنركز على كتب‬
‫املوجهة لتالميذ مرحلة التعليم املتوسط ممثلة يف مستوى السنة الرابعة متوسط‬
‫الرتبية اإلسالمية ّ‬
‫‪،‬ومرحلة التعليم الثانوي مبستوياته الثالث يف اجلزائر‪ ،‬و الذي حيتوى متنه على جمموعة من القيم‬
‫الدينية من أجل تنمية البعد الروحي – اإلمياين و التعبدي‪ ، -‬و االجتماعي للتلميذ‪ ،‬و اللذان‬
‫يكونان الركيزتني األساسيتني ‪ ،‬لتواصل الفرد مع خالقه من جهة ‪ ،‬و تواصله مع الفاعليني‬ ‫ّ‬
‫االجتماعني من جهة أخرى يف الدائرة االجتماعية ‪ ،‬تلبية للحاجيات النفسية و االجتماعية‪ .‬ةصد‬
‫تصور ما سوف يكون عليه يف املستقبل كذل ‪.‬‬
‫بناء حاضر اجملتمع و ّ‬

‫‪ 1‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬حتليل احملتوى يف العلوم اإلنسانية – مفهومه ‪ ،‬اسسه‪ ،‬استخداماته‪-‬دار الفكر العريب ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪1425‬ه‪2004 /‬م‪ ،‬ص‪58‬‬
‫‪ 2‬مرمي آيت أمحد‪ ،‬التنشئة الدينية وسؤال مستقبل جيل املعرفة‪ ،‬دار السالم ‪،‬القاهرة االسكندرية‪،‬ط‪ 1434 ،1‬ه‪2013 /‬م‪،‬‬
‫ص‪144‬‬
‫‪152‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫فالكتاب املدرسي الديين ( كتاب الرتبية اإلسالمية) أداة بيداغوجية ها ّمة ال ميكن االستغناء عنها‬
‫موجه أساسا للتلميذ الستعماله داخل الفصل الدراسي و يف الوسط‬
‫بأي حال من األحوال ‪ ،‬فهو ّ‬
‫األسري أيضا‪ ،‬و باإلضافة إىل لل ‪ ،‬أن هذا النوع من الكتب " هلا خصوصية تنبع من دورها الذي‬
‫تؤديه ‪ ،‬فهي تتصل مباشرة حبياة املتعلمني وواةعهم ‪ ،‬كما تشكل إطارا مرجعيا لتصرفاهتم و سلوكياهتم‬
‫و ةيمهم و اجتاهاهتم"‪ ،1‬كما تعترب كتب الرتبية اإلسالمية مسؤولة عن تنمية النظام القيّمي الديين‬
‫للتالميذ ‪ ،‬و هذا يتطلب أن تكون هذه الكتب متضمنة و حمتوية على جمموعة من القيم اإلميانية‬
‫التعبدية اليت تنمي يف أنفس الناشئة التواصل مع اهلل اخلالق من جهة ‪ ،‬و جمموعة من القيم الدينية‬
‫االجتماعية اليت تنمي و تقوي االتصاالت ‪ ،‬و نسج خمتلف العالةات بني األفراد يف الدائرة‬
‫االجتماعية ‪ ،‬و من أجل هذا االعتبار جند وزارة الرتبية الوطنية يف اجلزائر ـ ـ ـ على غرار باةي الدول‬
‫اإلسالمية ـ ـ ـ ـ ـ دائما جتري مجلة من التغريات اإلصالحية و التعديلية ‪ ،‬و لل من أجل متكني التالميذ‬
‫من حتقيق التحصيل و االستيعاب املرجوين ‪ ،‬و بطريقة سلسلة‪ ،‬ةصد جتسيد تل املفاهيم و القيم‬
‫الروحية ‪ -‬اإلميانية و االجتماعية يف سلوكهم اليومي يف اطار ما نسميه بالتواصل الديين بشقيه‬
‫العمودي و األفقي ‪.‬فالكتاب املدرسي ال يقتصر " على توصيف وةائع اجتماعية و انسانية موضوعية‬
‫بل يتجاوز لات التوصيف اىل ترسيخ ةيم تتحول اىل عالةات اجتماعية مثالية و إىل مشروع جمتمع‬
‫يستجيب لضرورات تنشئة اجتماعية متوازنة "‪ ، 2‬إلن بناء على هذا نستطيع القول ‪،‬أن الكتاب‬
‫موجهة للنشئ إلحداث التغيري االجتماعي‪.‬‬
‫املدرسي هو وسيلة اتصالية و تربوية إعالمية هامة ّ‬

‫وكنتيجة إن الكتاب املدرسي الديين كدعامة صحافية مكتوبة ‪،‬له دور هام يف اسرتاتيجية‬
‫التواصل الديين‪ ،‬و الذي يشتغل على املدى املتوسط و البعيد ‪ ،‬بل بواسطته (أي الكتاب املدرسي‬

‫‪ 1‬امساء الشبول و ناصر اخلوالدة ‪ ،‬حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية للمرحلة الثانوية يف األردن يف ضوء نظرية الذكاءات ‪،‬‬
‫اجمللة األردنية يف العلوم الرتبوية ‪ ،‬جملد ‪ ،10‬عدد‪،3،2014‬ص‪296‬‬
‫‪ 2‬القيم الرتبوية يف الكتاب املدرسي‪ :‬العلوم اإلنسانية يف التعليم الثانوي ‪،‬إشراف حممد غامل‪éditions ،‬‬
‫‪ DGRSDT.CRASC‬اجلزائر ‪،2015‬ص‪.56‬‬
‫‪153‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫الديين) ميكن تغيري مواةف و اجتاهات املتمدرسني ‪ ،‬و لل ارتكازا و استنادا على تكريس القيم‬
‫الدينية الروحية و االجتماعية ‪ ،‬و هذا ما يندرج حتت طائلة اخلطاب املدرسي الديين ‪ ،‬الذي يسعى‬
‫إىل حتسني و تعديل و معاجلة سلوك النشء من شىت األمراض النفسية و اآلفات االجتماعية ‪،‬‬
‫وبدون اللجوء إىل االجراءات القهرية لتعديل سلوك الفرد بأكثر لباةة و أكثر دميقراطية‪ ،‬فعلى االةناع‬
‫نتكلم يف هذا النوع من االتصال ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫المبحث الثالث ‪:‬التنشئة الدينية المدرسية‪:‬‬


‫إلا كانت مهمة املدرسة هي التنشئة االجتماعية )‪ ( socialisation‬واليت يعتربها علماء‬
‫االجتماع "عملية تعلم و تعليم و تربية تقوم على التفاعل االجتماعي و هتدف إىل اكساب الفرد‬
‫سلوك و معايري و اجتاهات مناسبة ألدوار اجتماعية معينة متكنه من مسايرة مجاعته و التوافق‬
‫االجتماعي معها و تكسبه الطابع االجتماعي و تيسر له االندماج يف احلياة االجتماعية"‪ ،1‬فإن من‬
‫مجلة ما متارس به لل هو الكتاب املدرسي‪ ،‬والذي يعنينا يف حبثنا هذا هو الكتاب املدرسي الديين ‪،‬‬
‫تتنمى شخصية الطفل روحيا وأخالةيا‬ ‫حبيث يكون له دور يف هام عملية التنشئة الدينية‪ ،‬حبيث ّ‬
‫واجتماعيا‪ ،‬لدا تعرف التنشئة الدينية على أهنا "جمموعة من القيم الروحية و املبادئ األخالةية اليت‬
‫تنمي شخصية الطفل ‪ ،‬فهي األداة أو العملية اليت تقوم بنقل الرتاث الديين و الثقايف واالجتماعي‬
‫ّ‬
‫لألجيال اجلديدة معتمدة على التفاعل االجتماعي ‪ ،‬هبدف تشكيل شخصية الطفل تتضمنه من‬
‫معتقدات وةيم وسلوكيات حيث تُكسب الناشئة الثقافة الدينية للمجتمع الذي ينتمون إليه وجتعل‬
‫منهم أفرادا واعني بأمهية توظيف القيم واملبادئ الدينية يف احلياة االجتماعية"‪ 2‬ومن مجلة هذا‬
‫التوظيف هو توظيف هذه املبادئ والقيم الدينية (الروحية واالجتماعية) يف التواصل الديين بشقيه‬
‫العمودي واألفقي‪.‬‬
‫إلن فالتنشئة الدينية هي تل العملية اليت يتحصل التلميذ من خالهلا على معلومات‬
‫تكون له منظومة من القيم الروحية – اإلميانية‪ -‬والقيم‬
‫وكفاءات و معارف دينية من املدرسة‪ ،‬واليت ّ‬
‫فعال و ناجح مع األفراد‬ ‫االجتماعية اليت تساهم يف توطيد الصلة باهلل من جهة‪ ،‬و بناء تواصل أفقي ّ‬
‫داخل اجملتمع من جهة ثانية‪ ،‬وحتدد هذه القيّم درجة مسامهة ونشاط فاعلية الفرد الدينية يف اجملتمع‪،‬‬
‫وتساعد أيضا على بقاء واستقرار وتوازن واستمرار النظام االجتماعي وحياة اجلماعة‪ ،‬طاملا هذه‬
‫التنشئة الدينية تستهدف مترير وتكريس هذه القيم (الروحية واالجتماعية) واالساليب الدينية املستَمدَّة‬
‫من النصوص الدنية املقدسة ةرآنا وسنةً‪.‬‬

‫‪ 1‬فاروق عبده فيلة وأمحد عبدالفتاح لزكي‪ ،‬معجم مصطلحات الرتبية لفظا واصطالحا‪ ،‬ب‪.‬ط‪ .‬دار الوفاء‪ ،‬مصر– اإلسكندرية‪ ،‬ص‪131‬‬
‫‪ 2‬مرمي آيت أمحد‪ ،‬التنشئة الدينية وسؤال مستقبل جيل املعرفة‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪81‬‬
‫‪155‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫المبحث الرابع‪ :‬دور الخطاب المدرسي الديني في التنشئة الدينة وعالقة ذلك بالتواصل‬
‫الديني‬

‫من‬ ‫تعترب املدرسة فضاء مهم يف الرتبية الدينية و التطبيع و التأهيل االجتماعني‪ ،‬و لل‬
‫املوجه لتالميذها عرب مناهج الرتبية اإلسالمية‪" ،‬فالناشئة يف وةتنا احلاضر يتأثرون‬
‫خالل خطاهبا الديين ّ‬
‫‪1‬‬
‫ببيئة املدرسة مبا تتضمنه من زمالء و مدرسني و مناهج مدرسية أكثر من تأثرهم باحمليط األسري "‬
‫فاإلنسان حباجة ماسة ألن يقيم عالةة و صلة بينه و بني خالقه ‪ ،‬من أجل حياة متزنة و مفيدة ألن"‬
‫اإلنسان جمبول بالفطرة على اإلميان"‪،2‬بسب البنية التكوينية اجلسدية املنفوخ فيها من روح اهلل‪ .‬فال‬
‫‪،‬إال من خالل تنمية القيم الروحية و اإلميانية يف نفسه ‪،‬و اليت من شأهنا تنظّم‬ ‫يتحقق له لل‬
‫ماسة أيضا إىل ةيم دينية‬
‫التواصل مع اهلل و تأسس له ‪ ،‬ومن جهة أخرى اإلنسان كذل حباجة ّ‬
‫اجتماعية من أجل تنظيم العالةات االجتماعية بني الناس و التأسيس هلا ألنه كائن اجتماعي اتصايل‬
‫فعال و سليم‬
‫باألساس‪ ،‬فال تستقيم حياة األفراد داخل اجملتمع إال من خالل تواصل جيّد و ّ‬
‫ومستمر ‪ ،‬فاالهتمام بأحوال األسرة مثال و باجلريان وباألةارب و باآلخرين و التعاون و التضامن‬
‫معهم ‪ ،‬وكل ما من شأنه يساهم يف بناء تواصل اجتماعي متني ‪ ،‬ال يتأتى إال من خالل عملية غرس‬
‫ةيّ ًما دينية اجتماعية‪ ،‬وهذا ما تأخذه املدرسة على عاتقها يف تنشئة التلميذ دينيا و أخالةيا ‪،‬روحيا‬
‫املوجهة هلم‪.‬‬
‫واجتماعيا‪ .‬ولل عرب تدريس حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية ّ‬

‫المطلب األول ‪ :‬التنشئة الدينية المدرسية و عملية التواصل العمودي‬

‫من مجلة ما يكون به اخلطاب الديين املدرسي هو كتاب الرتبية اإلسالمية املدرسي ‪ ،‬و الذي‬
‫حيتوي متنه على جمموعة من القيم اإلميانية و التعبدية‪ ،‬اليت تُغرس يف أنفس املتعلّمني ‪ ،‬و لل من‬
‫خالل وضعيات التعلّم و التقومي داخل الفصل الدراسي‪ ،‬و اهلدف من لل بناء العالةة التواصلية‬

‫‪ 1‬مرمي آيت أمحد‪ ،‬التنشئة الدينية وسؤال مستقبل جيل املعرفة‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪36‬‬
‫‪2‬عمريات آمال‪ ،‬االتصال االجتماعي العمومي ‪ ،‬دار أسامة‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪2014‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.25‬‬
‫‪156‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫بني املتعلم و بني اهلل ‪ ،‬حيث هنا يكون للمدرسة ‪-‬من خالل استخدام للكتاب املدرسي الديين‪-‬‬
‫تزود املتمدرسني مبتاع معريف‬
‫دور يف عملية اإلعداد الروحي و اإلمياين التعبدي للمتعلمني‪ ،‬فاملدرسة ّ‬
‫روحي يتناول مثال ةضايا اإلميان و أركانه و فضل لكر اهلل تعاىل ‪ ،‬و تعليم الصالة و الدعاء‬
‫واإلخالص يف العبادة و الصدق مع اهلل ‪،‬و جتنب الشرك به‪ ،‬و حسن التوكل و االعتماد عليه تعاىل‬
‫‪،‬و اللجوء إىل التوبة عند ارتكاب املعصية و اخلطأ‪ ،‬كما االهتمام بقضايا النظر و التفكر و التأمل يف‬
‫تبين هذه القيم الروحية – اإلميانية‬
‫الكون الذي أوجده و أبدعه اهلل تعاىل ‪ ،‬فمن خالل غرس و ّ‬
‫تغري الفكر و االجتاه لدى املتمدرسني‪ ،‬حبيث يتجسد لل على سلوكهم و تصبح هذه القيم‬
‫واخرى ي ّ‬
‫خزانا و وةودا للتواصل الديين العمودي ‪ ،‬فمثال لو نأخذ شعرية الصالة يف هذا املقام لوجدناها‬ ‫ّ‬
‫"نوع من التواصل غري اللغوي يف االجتاه الصاعد ‪ ،‬أي من اإلنسان إىل اهلل‪ ،‬لل أهنا تعبري لو هيئة‬
‫خاصة عن اإلجالل العميق الذي يشعر به اإلنسان يف حضرة اهلل "‪ 1‬و هي كذل " طريقة انسانية‬
‫لتأسيس اتصال مباشر مع اهلل من خالل شكل الشعرية املأمور هبا "‪ ،2‬نفس الشيء بالنسبة الستمالة‬
‫اهلل باملناداة و الدعاء الذي هو " حوار القلب اإلنساين مع اهلل و سؤاله النعمة و املساعدة ‪ ،‬كنوع‬
‫لفظي من التواصل باالجتاه الصاعد " ‪.3‬و من هنا تربز ضرورة املدرسة يف التنشئة الدينية من أجل‬
‫إبراز دور الرتبية الروحية (اإلميانية و التعبدية ) يف احلياة االجتماعية للمتعلمني ةصد القضاء على‬
‫دوافع االحنراف و اجلرمية لديهم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التنشئة الدينية المدرسية و عملية التواصل األفقي (العرضي)‬

‫إن اخلطاب املدرسي الديين ال يقتصر على غرس‪ ،‬وتكريس القيم الروحية(اإلميانية والتعبدية)‬
‫لدى الناشئة فحسب ‪ -‬ولل من أجل التواصل الدائم مع اهلل ‪ ،‬ليظهر لل على سلوك الفرد يف‬

‫‪ 1‬توشيهيكو ايزوتسو‪ ،‬اهلل و اإلنسان يف القرآن (علم داللة الرؤية القرآنية للعامل) ترمجة‪ ،‬هالل حممد اجلهاد‪ ،‬املنظمة العربية‬
‫للرتمجة‪ ،‬ط‪ ، 1‬آلار (مارس) ‪ ،2007‬بريوت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪233‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪234‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص‪233‬‬
‫‪157‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫إىل " ترسيخ املبادئ املطابقة للقيم‬ ‫ممارسة الشعائر الدينية املفروضة أساسا‪ -‬بل يتع ّدى لل‬
‫اإلنسانية اليت يدعو إليها اإلسالم كالتسامح‪ ،‬والكرم‪ ،‬واألخوة‪ ،‬واإلثار والتضامن و التحلّي باألخالق‬
‫احلميدة و حب العمل و االجتهاد و السلم "‪،1‬و اليت من شأهنا تنظيم عالةات اجتماعية ةوية‬
‫ومتينة و دائمة بني أفراد اجملتمع ‪ ،‬فكلّما استطاعت املدرسة ‪ -‬خبطاهبا الديين‪ -‬تكريس القيم الدينية‬
‫االجتماعية و الثقافية لدا الناشئة عرب عملية التعليم و التواصل البيداغوجي فتستطيع أن متتد بينهم‬
‫وشائج التواصل االجتماعي و تنمو ‪ .‬فعلى املستوى الفردي‪ ،‬يتضمن التواصل االجتماعي نوعية‬
‫وعدد العالةات اليت تربط الفرد باآلخرين يف الفضاء االجتماعي الذي يشمل األسرة‪ ،‬واجلريان‬
‫واألةارب‪ ،‬و األصدةاء‪ ،‬و اآلخرين‪ ،‬و حىت اجملتمعات األخرى املختلفة‪.‬‬

‫و هذا ما جند املدرسة تؤسس له و تقوم به يف تنشئة األوالد ‪،‬و لل اعتمادا على مناهج‬
‫الرتبية اإلسالمية اليت حتتوي على ترسيخ القيم االجتماعية و األسرية و اإلعالمية و التواصلية فنجد‬
‫على سبيل املثال ال احلصر يف منهاج الرتبية اإلسالمية للسنة ثانية من التعليم الثانوي يف اجلزائر‬
‫كفاءات مرحلية تَستهدف التلميذ حتقيقا للقيم املذكورة آنفا وهي "معرفة ةيم األسرة واجملتمع‬
‫والعالةات بني مكوناهتا والتعامل مع احمليط العام للمجتمع" ‪ 2‬هذا بالنسبة للقيم االجتماعية‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة للقيم اإلعالمية و التواصلية حتققها الكفاءة املرحلية التالية "معرفة ةيمة العقل كيفية واحملافظة‬
‫عليه وممارسة أساليب اخلطاب واحلوار والتواصل االجيايب مع اآلخرين ونبذ الغلو والتطرف"‪ ،3‬و هكذا‬
‫جند املدرسة حريصة كل احلرص من خالل خطاهبا الديين على غرس و تكريس جمموعة من القيم‬
‫يف‬ ‫االجتماعية يف أنفس و خميال التالميذ ‪ ،‬تعزيزا و تنمية للتواصل األفقي ‪ ،‬حيث يتجسد لل‬
‫سلوكهم اليومي احليايت االجتماعي ‪ ،‬من حسن التعامل و التفاعل مع الغري ‪ ،‬و يناةش و يتعاون‬

‫‪ 1‬بوبكر بن بوزيد ‪ ،‬إصالح الرتبية يف اجلزائر – رهانات و إجنازات‪ -‬دار القصبة ‪ ،‬اجلزائر‪ ،2009‬ب‪.‬ط‪،‬ص‪62‬‬
‫‪ 2‬وزارة الرتبية الوطنية ‪،‬اجلنة الوطنية للمناهج‪ ،‬منهاج العلوم اإلسالمية للسنة الثانية من التعليم الثانوي العام و التكنولوجي‬
‫(مجيع الشعب)‪،‬نوفمرب ‪ ، 2005‬ص‪10‬‬
‫‪ 3‬مصدر نفسه‪ ،‬ص‪11‬‬
‫‪158‬‬
‫املدرسة و الكتاب املدرسي الديين و عملية التنشئة الدينية و عالقة ذلك بعملية التواصل الديين‬ ‫الفصل الرابع‬

‫ويتضامن مع زمالئه و مع اآلخرين‪ ،‬وكل لل مرده إىل تقدير ةيمة العقل الذي يستخدمه و يوظّفه‬
‫حترم كل ما‬
‫حلل املشكالت اليومية اليت تعرتضه يف حياته ‪ ،‬ألن التعاليم اإلسالمية ( ةرآن و سنة)‪ّ ،‬‬
‫خيل به‪ ،‬بل حتث على احلفاظ عليه من مجيع املفاسد‪ .‬اليت تعطله‪ ،‬كاخلمر‬ ‫يضر العقل و ّ‬
‫واملخدرات‪ ،‬و اإلدمان بشىت أنواعه ‪..‬اخل‬

‫خالصة ‪:‬‬

‫تُعترب املدرسة جزء مهم من اجملتمع‪ ،‬بل هو من أنشأها و اعتربها املؤسسة االجتماعية الثانية‬
‫(بعد األسرة) من أجل التنشئة والرتبية الدينية‪ ،‬حبيث تسهر املدرسة يف البالد العربية اإلسالمية اليوم‬
‫‪ -‬ومن خالل خطاهبا الديين – على إعداد الناشئة إعدادا روحيا وأخالةيا واجتماعية‪ ،‬حىت يستطيع‬
‫الفرد حتقيق عبادة اهلل اخلالق بوصفها عالةة تواصلية مع لاته العليّة ‪،‬هذا من جهة‪ ،‬ونسج خمتلف‬
‫العالةات اإلنسانية مع الفاعليني االجتماعيني ضمن الدائرة االجتماعية‪ ،‬حتقيقا للراحة‬
‫واألمان النفسيني‪ ،‬و حتقيقا الستقرار اجملتمع و توازنه و منوه املستمر‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪4‬‬

‫‪ .1‬القيم‬
‫‪ .2‬القيم الروحية ( االيمانية و التعبدية)‬
‫‪ .3‬القيم الدينية االجتماعية‬
‫‪ .4‬تحليل المحتوى‬
‫‪ .5‬الطريقة و االجراءات‬
‫‪ .6‬أدوات التحليل‬
‫‪ .7‬رصد القيم الروحية (اإليمانية والتعبدية) الواردة في كتب التربية اإلسالمية في الجزائر‬

‫‪ .8‬رصد القيّم االجتماعية الواردة في كتب التربية اإلسالمية في الجزائر‬


‫‪ .9‬دراسة الرصد و تحليله‬
‫‪ .11‬تحليل نتائج المقابلة‬

‫‪161‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫األول اىل الكشف عن درجة تضمني و توافر وتوزيع القيم الروحية‬


‫هتدف الدراسة يف شقها ّ‬
‫(االميانية والتعبدية)‪ ،‬والقيم االجتماعية‪ ،‬يف كتاب الرتبية االسالمية ملرحلة التعليم املتوسط ممثلة‬
‫مبستوى سنة الرابعة متوسط‪ ،‬وكتب العلوم اإلسالمية ملرحلة التعليم الثانوي جبميع مستوياهتا (اوىل‬
‫والثانية والثالثة) يف اجلزائر‪ ،‬واليت اها دور يف عملية التوال مع ا هل (التوال الدي ي العمودي )من‬
‫جهة‪ .‬و دور ثاين يف عملية التوال الدي ي األفقي( التوال اإلنسي أو التوال االجتماعي أو‬
‫جتسد ذلك يف سلوك التالميذ يف ش ّقها الثاين‪.‬‬
‫التوال العمومي)‪ ،‬و مدى ّ‬

‫جيب أن نذكر يف البداية " أن حتت تسمية الرتبية اإلسالمية يف التعليم املتوسط ‪ ،‬و حتت‬
‫تسمية العلوم اإلسالمية يف الثانوي ‪ ،‬تالزم مادة الرتبية الدينية التلميذ اجلزائري يف ك مساره‬
‫الدراسي حبجم ساعي قدره ساعة واحدة يف التعليم املتوسط و ما بني الساعة و الساعتني يف الثانوي‬
‫حسب التخصصات ‪ ،‬تدرس املادة يف ك مستويات التعليم الثانوي بنفس احملتوى و الكتب املدرسية‬
‫الشعب األدبية و العلمية و التقنية‪ ،‬و إذا كان مدرس هذه املادة يف التعليم املتوسط‬
‫دومنا متييز بني ُ‬
‫‪1‬‬
‫هو استاذ اللغة العربية فإن مدرسها يف الثانوي هو خريج املعاهد املختصصة يف العلوم اإلسالمية "‬

‫تعترب املناهج الدراسية أحد أهم مرتكزات أي نظام تربوي يف العامل ‪،‬وهو منهاج نابع من‬
‫فلسفة اجملتمع وحاجاته حبيث تسهر املناهج على تزويد املتعلمني باملعلومات واملعارف واخلربات‬
‫املختلفة واملتوافقة اساسا مع تطلعات اجملتمع وبيئته ‪ ،‬ويكون ذلك حتت رعاية املدرسة واشرافها ‪.‬و"ملا‬
‫كان اجملتمع يتغري و يتطور تبعا للتغريات البيئية والثقافية والعلمية ‪،‬فال بد للمناهج الدراسية ان تتطور‬

‫‪ 1‬املعريف و اإليديولوجي يف الكتاب املدرسي( العلوم اإلنسانية يف التعليم الثانوي) ‪ ،‬مركز البحث يف األنثروبولوجيا االجتماعية‬
‫والثقافية ‪،‬قسم البحث ‪ :‬سيوسيو‪-‬أنثروبولوجيا التاريخ و الذاكرة ‪،‬منشورات ‪ ،2012،CRASC‬ص‪136‬بتصرف‬
‫‪162‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫لتكون باستمرار لورة واضحة تعكس حالة اجملتمع وثقافته وحاجته"‪ 1‬وضمن املنهاج الدراسي ‪ ،‬جند‬
‫ّ‬
‫الكتاب املدرسي والذي له "دور اساسي يف عملية التعلم والتعليم ‪ ،‬اذ يعد الكتاب املدرسي احد‬
‫مصادر التعلم ‪ ،‬ومن اقوى الوسائ اليت تسهم يف تشكي عقلية املتعلم ‪ ،‬وتكوين قدراته وتنمية‬
‫‪2‬‬
‫موجه مباشرة للتلميذ ‪،‬فال بد من توفّره بني أيدي‬
‫مواهبه ‪ ،‬وزيادة معارفه " ‪ .‬فالكتاب املدرسي هو ّ‬
‫املدرسة على كيفية استعماله واستثمار حمتوياته واالنتفاع هبا‪ ،‬وهنا تقع‬ ‫املتعلمني ‪ ،‬واحلرص من قب‬
‫مسؤولية كبرية جدا على عاتق االساتذة واملتعلمني‪.‬‬

‫فلقد أدركت وزارة الرتبية الوطنية يف اجلزائر‪ -‬على غرار دول العامل العريب ‪ ،-‬أمهية الكتاب‬
‫املدرسي ‪ ،‬ملا له من دور فعال وأساسي يف إجناح العملية التعليمية التعلمية‪ ،‬فلقد بذلت جهودا كبرية‬
‫ومعتربة ‪،‬ابتداء من السنة الدراسية ‪2003/ 2002‬م من اج تطوير واعداد الكتاب املدرسي‬
‫اجلزائري يف حلّة جديدة و جيّدة متكنه من أداء دوره ‪ ،‬واملتمث أساسا يف حتقيق أهداف املنهاج‬
‫الدراسي ‪ ،‬لذا " حرلت وزارة الرتبية الوطنية يف اطار تنفيذ اإللالح ‪ ،‬على حفظ و تدعيم مكانة‬
‫الرتبية اإلسالمية يف املنظومة الرتبوية‪ ،‬كما سهرت الوزارة أيضا على أن حتت الرتبية اإلسالمية مكانة‬
‫مرموقة ضمن النشاطات الرتبوية التحضريية ‪ ،‬و أن يتم تدريسها بدون انقطاع طوال املسار الدراسي‬
‫‪3‬‬
‫ومتثّ هذا اإللالح اساسا يف ادماج‬ ‫للتالميذ ‪ ،‬و أن تُدرج ضمن مواضيع امتحان البكالوريا"‬
‫األبعاد الروحية و األخالقية و االجتماعية يف مضامني كتب العلوم اإلنسانية عموما‪ ،‬لذا جند " مجيع‬
‫الربامج و الكتب املدرسية اجلديدة قد ادجمت يف مضامينها ‪ ،‬بعدا اجتماعيا و أخالقيا آخذة يف‬
‫احلسبان احتياجات التلميذ و مستوى منوهم السيكولوجي و كذا قدرهتم على االستيعاب و هذا يف‬

‫‪ 1‬ااهامشي عبدالرمحان ‪،‬و عطية حمسن ‪ ،‬حتلي حمتوى مناهج اللغة العربية –رؤية نظرية تطبيقية ‪،‬دار الصفاء ‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن ‪،‬‬
‫ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 2‬أمساء الشبول ‪ ،‬و نالر اخلوالدة ‪ ،‬حتلي حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية للمرحلة الثانوية يف األردن على ضوء نظرية الذكاءات‪،‬‬
‫اجمللة األردنية يف العلوم الرتبيوة ‪ ،‬جملد ‪ 10‬عدد‪ ،2014 ،3‬ص‪.293‬‬
‫‪ 3‬بوبكر بن بوزيد‪ ،‬إلالح الرتبية يف اجلزائر – رهانات و إجنازات‪ -‬دار القصبة‪ ،‬اجلزائر‪،2009،‬ص‪62‬‬
‫‪163‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫كرس اإللالح الرتبوي التعليمي يف اجلزائر قيم و تعاليم الدي ي اإلسالمي‬


‫ّ‬ ‫فلقد‬ ‫‪1‬‬
‫مجيع أطوار التعلّم "‬
‫بتدرج سليم يف تأليف كتب الرتبية اإلسالمية ‪ ،‬حبيث " يف السنوات األوىل من التعليم االبتدائي يتي‬
‫للتالميذ معرفة أركان اإلسالم اخلمس ‪ ،‬و خالل مرحلة التعليم املتوسط من االستيعاب التدرجيي‬
‫للمفاهيم املرتبطة مبمارسة الشعائر الدينية و إدراك التعاليم األساسية يف الدين اإلسالمي ‪ ،‬مث ابتداء‬
‫من السنة االوىل من التعليم الثانوي اكتساب ثقافة اوسع متنحهم فكرا متفتحا و موقفا متساحما ازاء‬
‫الديانات و الثقافات األخرى"‪ ، 2‬ومبا أن التالميذ هم من يستعملون الكتاب املدرسي اساسا فنعتربه‬
‫أداة اتصال‪ ،‬بني املؤلفني و التلميذ عرب املعلم القائم باالتصال" ويف ضوء هذا ميكن النظر إىل الكتاب‬
‫املدرسي على أنه وسيلة من وسائ االتصال"‪ 3‬ب يعترب" أهم وسيلة إعالمية و تعليمية "‪ 4‬إذ نعترب‬
‫املؤلفني مرسلني ‪،‬ليصب مضمون الكتب املدرسية حيم العديد من الرسائ كالقيم الرتبوية و الدينية‬
‫واالجتماعية واألخالقية‪ .‬و يضحى التالميذ الذين يستخدمون الكتب‪ ،‬مستقبلني‪ .‬ويعترب املعلم‬
‫تغيري أفكارهم وسلوكهم‬
‫املرس الفعلي يف العملية التواللية البيداغوجية وذلك قصد التأثري فيهم‪ ،‬و ّ‬
‫داخ اجملتمع‪ .‬لدا يعترب الكتاب املدرسي مادة اتصالية مكتوبة ومقروءة ‪.‬‬

‫"ويأيت إحداث التطوير املطلوب ضرورة يف كتب الرتبية اإلسالمية ‪،‬باعتبارها ركيزة أساسية يف‬
‫تكوين شخصية الطالب اإلسالمية ‪ ،‬وااهدف منها ال يقتصر على املعرفة أو تنمية املهارات ‪،‬إّمنا‬
‫‪5‬‬
‫يتع ّدى ذلك بكثري فهي تبث االجتاهات والسلوكيات االخالقية للمتعلم ‪ ،‬داخ املدرسة وخارجها "‬
‫حبيث يهتم الكتاب املدرسي ملادة الرتبية اإلسالمية بتقوية التوال مع ا هل (التوال العمودي)عن‬
‫طريق تكريس القيم االميانية و التعبدية والروحية اليت حيتويها من جهة‪ ،‬ويسهر أيضا على تقوية‬

‫‪ 1‬بوبكر بن بوزيد‪ ،‬إلالح الرتبية يف اجلزائر – رهانات و إجنازات‪ ، -‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪62‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص نفسها‬
‫‪3‬رشدي أمحد طعيمة‪ ،‬حتلي احملتوى يف العلوم اإلنسانية ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ب‪.‬ط‪1425 ،‬ه‪2004،‬م‪،‬ص‪42‬‬
‫‪ 4‬آمال عمريات‪ ،‬االتصال االجتماعي(العمومي)‪،‬دار أسامة ‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن‪،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص‪24‬‬
‫‪ 5‬أمساء الشبول ‪ ،‬و نالر اخلوالدة ‪ ،‬حتلي حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية للمرحلة الثانوية يف األردن على ضوء نظرية الذكاءات‪،‬‬
‫مصدر سابق ‪،‬ص‪213‬‬
‫‪164‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫التوال االجتماعي قصد الولول باإلنسانية إىل كمااها‪ ،‬وسعادهتا‪ ،‬وذلك عن طريق تكريس القيم‬
‫االجتماعية التواللية اليت حيتويها أيضا يف متنه‪.‬‬

‫موجهة لتالميذ مستوى السنة الرابعة‬ ‫فكتب الرتبية االسالمية اليت هي موضوع حبثنا‪ ،‬واليت هي ّ‬
‫املتوسط و مستوى السنة األوىل والثانية والثالثة من التعليم الثانوي يف اجلزائر‪ ،‬فال جرم أهنا‬
‫من التعليم ّ‬
‫تضم و تتوافر على مجلة من القيّم من بينها القيم الروحية –اإلميانية‪-‬التعبدية‪ ،‬والقيم االجتماعية‬
‫من جهة أخرى ‪،‬و اليت تستهدف املتعلم‪ ،‬و اليت هي مبثابة مرتكزات أساسية ‪ ،‬و أرضية للبة‬
‫إلقامة و تشيّيد توال متني مع ا هل‪ ،‬و مع الناس لعمارة األرض باخلري‪ ،‬والعم الصاحل ‪،‬و العدل‬
‫وسريكز البحث على رلد هذين النوعني من القيّم ‪،‬واليت اها عالقة بتقوية و تعزيز‬
‫و احملبة و السالم‪ّ .‬‬
‫التوال الدي ي بشقيه العمودي و األفقي( العمودي الذي يكون مع ا هل‪ ،‬و األفقي الذي يكون بني‬
‫األفراد)‬

‫‪ -1‬القيم‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫لقد ورد يف ' لسان العرب' أن " ِ‬
‫القيَ َم مصدر مبعىن االستقامة "‪ 1‬و " القيِّ ُم هو املستقيم "‬
‫هذا بالنسبة للمدلول اللفظي اللغوي البحت‪ ،‬أما يف املدلول االلطالحي ‪ ،‬فلقد جاء يف معجم‬
‫مصطلحات الرتبية 'لفظا والطالحا' أن القيم " هي جمموعة من االعتقادات الراسخة لدى الفرد‬
‫لتفضي أمناط معينة من السلوك ‪ ،‬و اليت تظهر يف شك اجتاهات معيارية يستدل على معناها من‬
‫خالل االستجابات التفضيلية أو االنتقائية لسلوك الفرد اللفظي أو العملي ‪،‬إزاء املواقف املختلفة اليت‬
‫يكتسبها من خالل بيئته االجتماعية و الثقافية احمليطة به حمددا له أهدافه العامة يف احلياة‪ 3".‬فإذا‬

‫‪ 1‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬اجمللد ‪،7‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.462‬‬


‫‪ 2‬مصدر نفسه ‪ ،‬الصفحة نفسها‬
‫‪ 3‬فاروق عبده فليه‪ ،‬وأمحد عبدالفتاح الزكى‪ ،‬معجم مصطلحات الرتبية لفظا والطالحا‪ ،‬ب‪.‬ط‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪-199‬‬
‫‪.200‬‬
‫‪165‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫كان اإلنسان حييط به عاملني ‪ ،‬عامل مادي حمسوس واقعي ‪ ،‬و عامل غري مرئي مساوي ‪ ،‬فتأيت القيم‬
‫"كمجموعة من القوانني و األهداف و املث العليا اليت توجه اإلنسان سواء يف عالقته بالعامل املادي‬
‫أو االجتماعي أو العامل السماوي "‪ 1‬فاألول ختتص بتنميته القيم االجتماعية ‪ ،‬و الثاين ختتص به‬
‫القيم الروحية – اإلميانية ‪ .‬إذن فالقيم هي قوى و طاقات داخلية ذاتية ُحت ّفز الفرد على بناء عالقة‬
‫عمودية مع خالقة من جهة‪ ،‬وبناء العالقات اإلنسانية العرضية حتقيقا للتوال االجتماعي ااهادف‬
‫والبنّاء‪ ،‬و ذلك على ضوء الرتبية الروحية والتنشئة الدينية و األخالقية ‪ ،‬واليت تستمد منهجها من‬
‫النصوص الدينية املقدسة ( قرآنا و سنةً)‪ ،‬وعليه ما هو مفهوم ك من القيم الروحية اإلميانية‬
‫والتعبدية‪ ،‬والقيم االجتماعية ؟‬

‫‪ -2‬القيم الروحية (االيمانية و التعبدية)‪:‬‬

‫اجلواين ‪ -‬يف حياة الناس ‪ ،‬و هي‬


‫هي تلك القيّم اليت ترتبط باجلانب الروحي – اإلمياين و ّ‬
‫املعايري و املبادئ اليت تنظم عالقة البشر برهبم اخلالق املستحق للعبادة ‪ ،‬كما حتدد للتهم به تعاىل‪،‬‬
‫و تعترب القيم الروحية‪ -‬اإلميانية و التعبدية‪" -‬ضرورة حياتية لك إنسان فيها يصب اإلنسان ذا نفس‬
‫مطمئنة متفائلة يقب على احلياة بك روح اجيابية وعزمية متوقدة‪ ،‬ال يعجز إذا اعرتضت سبيله‬
‫الصعاب مستعينا با هل يف ك أموره يلجأ إليه يف الشدائد ويثق يف عونه وهدايته وبدون القيم اإلميانية‬
‫ختت موازين شخصيته وتضطرب قواه العقلية والنفسية فيشقى يف حياته وتصب نظرته إىل احلياة نظرة‬
‫متشائمة قامتة وهذا يؤدي إىل أن يضيع اإلنسان ألنه ال يعرف ماذا يريد وما عليه أن يفع مما يدفعه‬
‫إىل التخلص من حياته ألنه ال يشعر فيها إال بالبؤس والشقاء"‪2‬وهي أيضا " تلك القيم املنظمة‬

‫‪ 1‬فاروق عبده فليه ‪،‬و أمحد عبدالفتاح الزكى ‪ ،‬معجم مصطلحات الرتبية لفظا و الطالحا‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪200‬‬
‫‪ 2‬الزنتاين‪ ،‬عبد ا حلميد الصيد‪ ،‬أسس الرتبية اإلسالمية يف السنة النبوية‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1993 ،‬ص ‪326‬‬
‫‪166‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫لعالقة االنسان بربه كاليت تتعلق بأركان االميان "‪ 1‬وحينذاك‪ ،‬يتحقق التوال العمودي مع ا هل خالق‬
‫اإلنسان‪ ،‬ويبتعد الفرد عن االحنراف واملعالي بتوالله هذا‪ .‬وأن هذه القيم الروحية – اإلميانية‬
‫والتعبدية‪ ،‬يستطيع اجملتمع أن يغرسها يف أنفس التالميذ‪ ،‬من خالل الرتبية الروحية والتنشئة‬
‫االجتماعية الدينية املدرسية‪ ،‬اليت متارس على التالميذ من عن طريق عملية التمدرس‪ ،‬واستعمااهم‬
‫لكتب الرتبية اإلسالمية داخ الفصول الدراسية ‪ ،‬و من خالل أيضا النشاطات البيداغوجية الدينية‬
‫اليت يشرف عليها املعلم‪ .‬حبيث تتعزز لدا التلميذ القدرة على التوال مع ا هل‪ ،‬عن طريق ممارسة‬
‫العبادة والشعائر الدينية ‪،‬والتأم يف مظاهر قدرة ا هل يف الكون الدالة على وحدانيته وخالقيته‪...‬اخل‬

‫‪ -3‬القيم الدينية االجتماعية‪:‬‬

‫إن ك ما من شأنه يساهم يف تنظيم العالقات االنسانية وتوطيدها بني الفاعليني‬


‫االجتماعيني يف الدائرة االجتماعية‪ ،‬و اجلماعة اليت ينتمون إليها و ذلك من أج املنفعة املتبادلة‬
‫يسمى بالقيم الدينية االجتماعية ‪ ،‬واليت‬
‫والتنمية‪ ،‬على ضوع النصوص الدينية ‪،‬و اليت نطلق عليه ما ّ‬
‫بصر‬
‫هي عبارة عن " طاقات للنشاط و دوافع للعم يف ضوء معايري أخالقية دينية تتسم باجلماعية تُ ّ‬
‫الشباب بك سلوك ُحتّرمه أو ترفضه اجلماعة "‪ ، 2‬فالقيم االجتماعية " تتص بوجود االنسان يف‬
‫اجملتمع ‪ ،‬وتنظم العالقات يف اجملتمع مث بر الوالدين ومساعدة احملتاجني واالحسان للجريان "‪ 3‬و ك‬
‫مهما يف بناء العالقات اإلنسانية‪ .‬و هي أيضا "تساعد اإلنسان على وعي و ادراك و ضبط‬
‫ما يُعد ًّ‬
‫وجوده االجتماعي ‪ ،‬حبيث يكون أكثر فاعلية و هي تضبط حاجة اإلنسان لالرتباط بغريه من‬

‫‪ 1‬أمحد موسى امحد برهوم‪ ،‬دور امللعم يف تعزيز القيم اإلميانية لدى طلبة املرحلة الثانوية مبدرسيت خانيونس و غرب غزة ‪ ،‬من‬
‫وجهة نظر الطلبة ‪ ،‬خمطوط ماجستري ‪ ،‬اشراف سليمان حسني املزين ‪ ،‬نوقشت بكلية الرتبية باجلامعة اإلسالمية بغزة –فلسطني ‪،‬‬
‫سنة ‪2009‬م‪1430/‬ه‪،‬ص‪17‬‬
‫‪ 2‬فاروق عبده فليه ‪،‬و أمحد عبدالفتاح الزكى ‪ ،‬معجم مصطلحات الرتبية لفظا و الطالحا‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪201‬‬
‫‪ 3‬أمحد موسى امحد برهوم‪ ،‬دور امللعم يف تعزيز القيم اإلميانية لدى طلبة املرحلة الثانوية مبدرسيت خانيونس و غرب غزة‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪14‬‬
‫‪167‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫األفراد‪ ،‬و يستطيع أداء دوره االجتماعي حبيوية و فاعلية "‪،1‬إذن نستطيع أن خنلص إىل أن القيمة‬
‫االجتماعية هي اليت " يعرب عنها اهتمام الفرد و ميله إىل غريه من الناس ‪ ،‬فهو حيبّهم و ميي على‬
‫مساعدهتم و جيد يف ذلك إشباعا له ‪ ،‬و يتميّز األشخاص الذين تسود عندهم هذه القيمة بالعطف‬
‫‪3‬‬
‫و احلنان و خدمة الغري "‪ ،2‬فالقيم االجتماعية " تعترب ُحلمة التماسك االجتماعي"‬

‫إذن فالقيم االجتماعية من وجهة نظر هذا البحث‪ ،‬هي تلك اليت تتعلق بتوال التلميذ‬
‫باآلخرين و اهتمامه هبم ‪ ،‬و الرغبة إىل ابرام عالقات معهم‪ ،‬و يتجسد ذلك يف سلوكه كمساعدة‬
‫اآلخرين ‪ ،‬و االهتمام بأسرته ‪ ،‬و طاعة والديه ‪ ،‬و حسن اجلوار ‪ ،‬و التعاون ‪،‬و ك ما من شأنه ُمي ّّت‬
‫العالقات االجتماعية املتعددة داخ اجملتمع ‪ ،‬و اليت من املفرتض تعلّمها و اكتسبها ب و نشأ‬
‫عليها من خالل دروس الرتبية اإلسالمية داخ الفصول الدراسية أثناء حياته املدرسية ‪ .‬إذن "إن‬
‫للقيم االجتماعية أثراً بالغاً يف حياة الفرد واجملتمع‪ ،‬ذلك أهنا تسهم يف تكوين العالقات االجتماعية‬
‫اليت تربط بني الفرد باآلخرين سواء أكانوا أعضاء أسرته وعشريته أو حيِّه أو جمتمعه الكبري أو البشرية‬
‫املوجهة لسلوكه يف الوسط األسري واالجتماعي‪،‬‬ ‫عامة‪ 4".‬فعملية متثّ هذه القيم من لدن التلميذ و ِ‬
‫ّ‬
‫واحمل ّفزة لالتصال اإلجيايب مع اآلخرين و التعايش معهم بسالم ‪،‬هي كفاءة مستهدفة من قب كتب‬
‫املدرس احلرص ك احلرص على تنفيذها ‪ ،‬إلقناع املتمدرسني‬
‫الرتبية اإلسالمية يف‪ .‬و اليت من واجب ّ‬
‫هبذه املعايري الفكرية التنظيمية ‪ ،‬حىت يصلون إىل مستوى متثلها يف سلوكهم التواللي ‪.‬‬

‫‪ 1‬دنيا مجال املصري ‪ ،‬اثر استخدام لعب األدوار يف اكتساب القيم االجتماعية املتضمنة يف حمتوى كتاب لغتنا اجلميلة لطلبة‬
‫الصف الرابع األساسي يف حمافظة غزة ‪،‬خمطوط مذكرة ماجستري ‪ ،‬إشراف داود درويش حلس =‪،‬نوقشت بكلية الرتبية يف اجلامعة‬
‫اإلسالمية غزة سنة‪1431‬ه‪2010/‬م ‪ ،‬ص‪/43‬عن ‪ :‬ابوالعينينن ‪ ،1988‬ص‪251.‬‬
‫‪ 2‬أسامة عبدالرحيم علي ‪ ،‬القيم الرتبوية يف لحافة األطفال ‪ ،‬هليوبوليس غرب ‪ ،‬مصر‪ ،2005 ،‬ط‪ ،1‬ص‪27‬‬
‫‪ 3‬بوبكر بن بوزيد‪ ،‬إلالح الرتبية يف اجلزائر – رهانات و إجنازات‪ -‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪60‬‬
‫‪ 4‬الزنتاين ‪،‬عبد ا حلميد الصيد‪ ،‬أسس الرتبية اإلسالمية يف السنة النبوية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪779‬‬
‫‪168‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫نتيجة‪ :‬القيم الروحية(االميانية و التعبدية) لتزكية الذات اإلنسانية‪ ،‬و القيم االجتماعية لتنظيم‬
‫و ضبط اجملتمع و وقايته من االضطراب ‪ ،‬و محايته من االختالل‪.‬‬

‫‪-4‬تحليل المحتوى‪:‬‬

‫صصت‬ ‫يُعترب حتلي املضمون (أو حتلي احملتوى) و منذ نشأته من األدوات العلمية اليت ُخ ّ‬
‫القتفاء أثر وسائ االتصال ‪،‬حبيث يعترب " تقنية غري مباشرة تطبق على مادة مكتوبة ‪ ،‬مسموعة أو‬
‫مسعية بصرية ‪ ،‬تصدر عن أفراد أو مجاعات أو تتناواهم ‪ ،‬و اليت يعرض حمتواها بشك غري رقمي‬
‫التقنيات لتحلي ليس فقط املواد املنتجة حاليا ‪ ،‬ب حمتوى املواد اليت أنتجت يف‬ ‫‪...‬إهنا أفض‬
‫املاضي "‪ 1‬و يعرفه ' برنار برليسن' ‪ Bernard Berelson‬بأنه " تقنية حبث تعم على الولف‬
‫املوضوعي الشام (الكلي)و الكمي حملتوى الظاهر أو اجللّي لالتصاالت"‪ 2‬و هي تقنية أكثر‬
‫استعماال يف ميدان علم االجتماع خالة عند الذين هم مهتمني بوسائ اإلعالم و االتصال بشك‬
‫عام (الكتب املدرسية ‪،‬حمتوى التليفزيون القصص‪ ، )..‬و يف حبثنا هذا نستخدم هذه التقنية كأداة‬
‫منهجية واليت هندف من خالاها إىل حتلي حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية الصادرة عن وزارة الرتبية‬
‫الوطنية اجلزائرية (مستوى السنة الرابعة من التعليم املتوسط و مستويات السنوات الثالث من التعليم‬
‫الثانوي ) ممثلة جبميع مواضيعها ‪ ،‬حتليال كميّا و كيفيّا ‪ ،‬وذلك من خالل إعداد فئات التحلي و اليت‬
‫تتضمن القيم اإلميانية و التعبدية من جهة ‪ ،‬و القيم االجتماعية من جهة أخرى ‪،‬و اليت اها عالقة‬
‫جتسد ذلك على سلوك التالميذ ‪.‬‬
‫بتقوية و مناء عملية التوال الدي ي (العمودي واالفقي )وإمكانية ّ‬

‫‪ 1‬موريس اجنرنس ‪ ،‬منهجية البحث العلمي يف العلوم االنسانية‪،‬ترمجة ‪،‬بوزيدي لحراوي و اخرون‪ ،‬دار القصبة للنشر ‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪،2004‬ص‪218‬‬
‫‪2 Christian Leray , presses de l’université du québec,p5‬‬
‫‪169‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪-5‬الطريقة و اإلجراءات‪:‬‬

‫أ‪-‬مجتمع الدراسة ‪:‬إن أي حبث من البحوث العلمية إال و له جمتمع حمدد تُقام عيله التجارب‬
‫وخمتلف مراح التقصي و يطلق جمتمع البحث على " ك ما ميكن أن يعمم عليه نتائج البحث" ‪،1‬‬
‫فتكون جمتمع الدراسة من شقني ‪:‬‬
‫ّ‬

‫شق األول‪:‬‬
‫ال ّ‬

‫يتكون من حتلي جمموعة كتب الرتبية اإلسالمية و الصادرة عن وزرارة الرتبية الوطنية يف اجلزائر‬
‫وتفصيلها كما يلي ‪:‬‬

‫‪ ‬كتاب الرتبية اإلسالمية للسنة الرابعة من التعليم املتوسط ‪ ،‬إشراف موسى لاري ‪ ،‬إعداد‬
‫الفريق الرتبوي ‪:‬خلضر لكح ‪ ،‬حممد األمني بوقلقال ‪ ،‬عصام طواليب ‪،‬نصر الدين خالف‬
‫ابراهيم شابو ‪ ،‬حممود عبود‪ ،‬نور الدين العايب‪ ،‬الديوان الوط ي للمطبوعات املدرسية‪،‬‬
‫‪ ،2015/2014‬و يتألف الكتاب من ‪ 61‬لحيفة ‪ ،‬بأربع(‪ )4‬دورات ‪ ،‬تضم أربعة‬
‫وعشرون (‪)24‬وحدة تعليمية (حصة)‪.‬‬

‫‪ ‬كتاب العلوم اإلسالمية للسنة أوىل من التعليم الثانوي (جذع مشرتك آداب ‪ ،‬جذع مشرتك‬
‫علوم و تكنولوجيا) ‪ ،‬إشراف موسى لاري‪ ،‬إعداد الفريق الرتبوي ‪:‬خالد بو مشّة‪ ،‬نصر الدين‬
‫خالف‪ ،‬سيدي علي دعاس‪ ،‬عيسى مقاري‪ ،‬الديوان الوط ي للمطبوعات املدرسية‪-2013،‬‬
‫‪،2014‬و يتألف الكتاب من ‪ 189‬لحيفة بعشر(‪ )10‬جماالت معرفية ‪ ،‬و سبع و ثالثني‬
‫(‪)37‬وحدة تعليمية‪.‬‬

‫‪ 1‬حلس داود ‪ ،‬دور األسرة يف تربية النشء‪ ،‬وفق املنهج اإلسالمي يف ضوء متغريات العصر ‪ ،‬مؤمتر كلية الشريعة و القانون‬
‫الدويل‪ ،‬املؤمتر الدويل ‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية ‪ ،‬كلية الشريعة ‪ ،‬غزة ‪ ،‬ص‪66‬‬
‫‪170‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ ‬كتاب السنة الثانية من التعليم الثانوي ( ك الشعب) ‪ ،‬إشراف موسى لاري ‪ ،‬تأليف‬
‫الفريق الرتبوي ‪:‬خالد بو مشّة‪ ،‬نصر الدين خالف ‪ ،‬خضراء بن هنية‪ ،‬سيدي علي دعاس‪،‬‬
‫عيسى مقاري‪ ،‬عصام طواليب‪ ،‬عبدالرمحان قادة‪ ،‬امساعي دباح‪ ،‬الديوان الوط ي للمطبوعات‬
‫املدرسية‪ ،2016/2015،‬ويتألف من ‪ 142‬لفيحة خبمس(‪ )5‬ملفات ‪ ،‬تضم مخسة‬
‫وثالثني (‪ )35‬وحدة تعليمية‬

‫‪ ‬كتاب العلوم اإلسالمية للسنة الثالثة من التعليم الثانوي ( ك الشعب) ‪ ،‬إشراف موسى‬
‫لاري‪ ،‬تأليف الفريق الرتبوي‪ :‬موسى لاري ‪ ،‬خالد بومشّة‪ ،‬نصر الدين خالف ‪ ،‬فات بن‬
‫عامر ‪ ،‬الديوان الوط ي للمطبوعات املدرسية‪ ، 2014،/2013 ،‬و يتألف من‪157‬‬
‫لحيفة من سبع (‪)7‬ملفات‪ ،‬بتسعة عشر وحدة تعليمية ‪.‬و نصوص للدعم و االستثمار‬
‫بأحد عشرة (‪)11‬حصة تعليمية‬

‫هامة‪: 1‬‬
‫ملحوظة ّ‬

‫بعد االطالع على مّت الكتب و تصف حمتواها مجيعا من أج رلد القيم اإلميانية و التعبدية‬
‫و القيم االجتماعية الواردة فيها و اليت اها دور مفرتض يف عملية التوال الدي ي ‪ -‬لدى املتمدرسني‬
‫‪-‬بشقيه العمودي و العرض على التوايل ‪ ،‬مت التخلّي و اقصاء ما يلي‪:‬‬

‫باملؤلف ‪ ،‬و املستوى التعليمي‬


‫عرف َ‬ ‫‪ -‬املق ّدمات اليت ُوضعت يف لدر ك كتاب ‪ ،‬ألهنا تُ ّ‬
‫املقصود‪ ،‬ويشري إىل مجيع اجملاالت واملل ّفات املعرفية وعناوين املواضيع اليت سيتناواها التلميذ‬

‫‪ -‬العناوين ‪ ،‬ألن حمتوى احلصص التعليمية ينوب عنها ‪.‬‬

‫‪ -‬شرح معاين املفردات ‪ ،‬ألن ذلك تعدد للدالالت اللغوية‬

‫‪171‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -‬مجيع الفهارس ألهنا متث عرضا لعناوين امللفات أو اجملاالت املعرفية أو الدورات‪ ،‬وعناوين‬
‫الوحدات التعليمية ألهنا متث حمتوى احلصص التعليمية‪.‬‬

‫‪ -‬إمهال مجيع اجلم و الفقرات الشارحة واملتكررة و اليت متث حشوا فقط لألفكار‬

‫‪ -‬إمهال القيّم الضمنية الروحية و االجتماعية غري ّ‬


‫املصرح هبا يف الكتب ‪ ،‬ألن املدرسني قد ال‬
‫يأخذون هبا ‪ ،‬مما يشري إىل انتفاء عملية التعرف على مدى جتسد هذه القيم املسترتة يف‬
‫سلوك التلميذ التواللي(العمودي و األفقي) من عدمه‪.‬‬

‫ويف املقاب لقد متّ الرتكيز على القيّم املصرح هبا و الظاهرة يف الكتب (املعنية بالتحلي ) بشك‬
‫ساطع وفاقع‪ ،‬واليت ُمجعت حتت عنوان للملف التعلّمي يف فهارس الكتب‪ ،‬و املوسومة بـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪" :‬ملف‬
‫القيم االميانية والتعبدية "‪" ،‬ملف القيم االجتماعية و االسرية "‪"،‬ملف القيم االعالمية و التواللية‬
‫"خالة يف مستوى الطور الثانوي‪ ،‬أما يف الطور املتوسط جاءت القيّم (الروحية واالجتماعية) على‬
‫طول مساحة الكتاب احمللّ حمتواه ‪.‬‬

‫ااهامة‪ ‬يف مّت املوضوع‪،‬‬


‫كما متّ الرتكيز على مق ّدمة ك موضوع‪ ،‬و اجلملة ااهامة أو الفقرة ّ‬
‫أو يف فقرة االستنتاج والتطبيقات والتقومي ملستوى الرابعة متوسط و السنة الثالثة ثانوي أو فقرة‬
‫االستثمار السلوكي للسنة أوىل والثانية ثانوي ألن يف هذه الفقرات تتجلى الصيغ اللفظية للقيم‬
‫بشك ساطع و فاقع‪.‬‬

‫شق الثاني‪:‬‬
‫ال ّ‬

‫يتكون من جمموعة من التالميذ و عددهم مثانية (‪ ، )08‬يدرسون يف سنة ‪ 4‬من التعليم املتوسط‬
‫ويف املستويات الثالث للتعليم الثانوي يف اجلزائر ‪ ،‬حبيث اختار الباحث و بشك عشوائي ‪،‬تلميذين‬

‫‪ ‬يعترب الباحث اجلملة هامة ‪ :‬هي اليت تتكرر ولو مببىن آخر و حامال لنفس الداللة ‪ ،‬يف مقدمة املوضوع و عرضه و يف‬
‫االستنتاج و يف التطبيقات و التقومي‬
‫‪172‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫(خمتلفني يف اجلنس ) عن ك مستوى تعليمي من متوسطة بن مشرنن عبدالقادر(عمري) ‪ ،‬و ثانوية‬


‫عمري ‪ ،‬الكائنتني ببلدية عمري والية تلمسان‪.‬‬

‫هامة ‪:2‬‬
‫ملحوظة ّ‬

‫متّ اختيار كتاب الرتبية اإلسالمية للمستوى السنة الرابعة من التعليم املتوسط ‪ ،‬و السنوات‬
‫الثالث من التعليم الثانوي يف اجلزائر ‪ ،‬ألهنم هم مستقبلو الرسالة الدينية اهذه الكتب‪ ،‬و هم‬
‫تالميذ ذوو عمر زم ي ما بني ‪18-15‬سنة ‪ ،‬و يعيشون فعليّا مرحلة املراهقة ‪ ،‬ألن هذه الفرتة من‬
‫حياهتم " تتميّز جبنوح لاحبها إىل اإلفراط أو التفريط يف ك شيء‪ ،‬بسبب األحاسيس الفيّاضة‬
‫والغرائز اجلياشة‪ ،‬وتنصب كلها يف بوتقة إثبات الذات بشىت السلوكيات ولو كانت منحرفة‪ ،‬والتمرد‬
‫على القيود األسرية واالجتماعية‪ ،‬سواء أكانت قيودا سليمة أم بالية ‪،‬لذا يتطلب تعامال حكيما‬
‫وعلميا معه‪ ،‬حىت ال يؤدي اكتساب املعرفة إىل ردود فع تكون نتائجها عكس املأمول ‪ ،‬أو تفقد‬
‫املتعلم الثقة يف مصداقية ما يتلقاه من توجيهات"‪ ،1‬كما أن حياة املراهق تكون "مليئة بفرص دخول‬
‫التجارب اجلديدة‪ ،‬وتتميّز باكتشاف العالقات اإلنسانية املؤثرة يف الشخصية و كذلك فرتة اإلحساس‬
‫بالقوى العميقة يف الفرد ‪ ،‬كما يتعرض ألزمات نفسية تسودها املعاناة و االحباط‪ ،‬و مير بفرتات من‬
‫‪3‬‬
‫الصراع والقلق ولعوبات التوافق "‪ ،2‬كما أن التلميذ يف هذه املرحلة " قد يعرتيه محاس دي ي ‪".‬‬
‫وذلك من أج القضاء " على القلق النفسي و حالً للصراع الذي يوسم مرحلة املراهقة "‪ ، 4‬فالتدين‬
‫بالنسبة للتلميذ املراهق هو ح لوضعه النفسي و اجلسمي اجلديدين ‪،‬و هو " ال جيد خمرجا من هذا‬

‫‪ 1‬وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬اللجنة الوطنية للمناهج ‪،‬مديرية التعليم الثانوي ‪ ،‬منهاج السنة األوىل من التعليم الثانوي – مادة العلوم‬
‫االسالمية ‪،‬جدع مشرتك آداب ‪،2005-‬ص‪4‬‬
‫‪ 2‬فهد خلي زايد‪ ،‬فن التعام مع املراهقني ‪ ،‬دار النفائس و جسور ‪ ،‬احملمدية اجلزائر‪،‬ط‪1433 ،1‬ه‪2012-‬م‪،‬ص‪12‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪177‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬لفحة نفسها‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫الصراع إال أن يهب نفسه للغايات الروحية السامية "‪1‬و عليه ميكننا القول بأن التديّن يف هذه‬
‫املرحلة بالنسبة للتلميذ املراهق يع ي االستقرار النفسي و االمان جتاه املشاك العاطفية و االنفعالية‪.‬‬

‫‪-6‬أدوات التحليل ‪:‬‬

‫فئات التحليل‪:‬‬

‫"تعترب الفئات عنالر ّدالة يف الوثائق اليت نريد تسجيلها"‪ 2‬و اليت تستخدم بإحكام شديد يف "‬
‫لذا وضع الباحث (‪ )corpus‬قائمة لرلد مجيع‬ ‫‪3‬‬
‫الولف املوضوعي ملضمون مادة االتصال "‬
‫القيم اإلميانية‪-‬التعبدية ‪ ،‬من جهة و أخرى لرلد القيم االجتماعية ‪ ،‬من جهة أخرى ‪ ،‬واليت من‬
‫الدي ي بشقيه‬ ‫املفرتض يتم استثمارها و متثّلها من لدن التالميذ ‪ ،‬واليت يوظّفوهنا يف عملية التوال‬
‫العمودي و األفقي ‪ ،‬وهذه القيم هي اليت يراد إبرازها من خالل عملية التدريس واليت يستعم فيها‬
‫وسيلة الكتاب الدي ي ( كتب الرتبية اإلسالمية ) ملستوى السنة الرابعة متوسط من التعليم املتوسط‪،‬‬
‫واملستويات الثالث من التعليم الثانوي باجلزائر‪ ،‬كوسيلة اتصال مقروءة‪.‬‬

‫وحدات الداللة‪:‬‬

‫إن عملية اختيار فئات التحلي تسم " بأخذ و حدات الداللة (املعىن) من الوثائق‪ ،‬أي أخذ‬
‫مقاطع من مادة االتصال "‪ ،4‬كالكلمة أو فقرة أو موضوع ‪ ،‬شخصيات‪...‬اخل‪ .‬و الباحث اعتمد‬

‫‪ 1‬فهد خلي زايد‪ ،‬فن التعام مع املراهقني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪178‬‬


‫‪ 2‬موريس أجنرس‪ ،‬منهجية البحث يف العلوم االنسانية‪ ،‬ترمجة بوزيد لحراوي و اخرون ن مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪278‬‬
‫‪ 3‬رشدي أمحد طعيمة ‪ ،‬حتلي احملتوى يف العلوم اإلنسانية – مرجع سابق ‪،‬ص‪272‬‬
‫‪4‬موريس أجنرس‪ ،‬منهجية البحث يف العلوم االنسانية‪ ،‬ترمجة بوزيد لحراوي و اخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪279‬‬
‫‪174‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫وحدة داللية تتمث يف الفقرة ‪ ،‬اليت قال عنها موريس أجنرس أهنا "مواضيع منتشرة عرب سطر أو‬
‫سطرين أو أكثر ‪ ،‬او عرب لفحة أو أكثر " ‪.1‬‬

‫ع ّد الوحدات‪:‬‬

‫عادة طريقة العم يف الع ّد و احلساب تكون يف النوع الكمي ‪،‬و ليس الكيفي الذي يكون‬
‫خاص بوحدات الولف‪ .‬فإن" وحدات العد حتدد بدقة و تضبط طرق حساب العنالر املنتقاة من‬
‫الفئات‪ ،‬سنأخذ يف االعتبار عند حسابنا اها التكرار و الكم‪ ،‬فيما يتعلق بالتكرار‪ ،‬تكمن العملية يف‬
‫تسجي عدد مرات ظهور هذه الوحدة أو تلك‪...‬أما يف ما خيص الكم‪ ،‬فنشري فيما يتعلق بك‬
‫ظهور لوحدة الداللة "‪ 2‬هكذا نستطيع حساب وقراءة العدد الذي تتواجد به ك من القيم الروحية‬
‫االميانية (التعبدية) من جهة والقيم االجتماعية من جهة أخرى ‪،‬يف مّت كتب الرتبية اإلسالمية املعنية‪.‬‬
‫و من مث معرفة احليّز و املساحة اليت حتتلهما كذلك‪.‬‬

‫‪-7‬رصد القيم الروحية (اإليمانية والتعبدية) الواردة في كتب التربية اإلسالمية في الجزائر‪:‬‬

‫‪ -1-7‬كتاب التربية اإلسالمية لمستوى الرابعة متوسط‪:‬‬

‫مل حتشر القيم الروحية ‪-‬اإلميانية و التعبدية ‪ ،‬يف دورة تعليمية معينة كما يف مستويات التعليم‬
‫الثانوي ‪ ،‬ب وجدت موزعة على كام مواضيع الربنامج الدراسي ‪.‬و اجلدول التايل ّيوض ذلك‪:‬‬

‫الصفحة فئات التحليل(القيم اإليمانية‬ ‫الجملة أو الفقرة‬ ‫الموضوع‬


‫التعبدية) التي تنمي عملية‬
‫التواصل الديني العمودي‬
‫توحيد ا هل و اإلميان به‬ ‫‪-‬فمن آمن با هل تعاىل وحده ال شريك له‪ ،‬واستقام على ‪5‬‬ ‫ثواب اإلميان‬

‫‪ 1‬موريس أجنرس‪ ،‬منهجية البحث يف العلوم االنسانية‪ ،‬ترمجة بوزيد لحراوي و اخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪279‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ، ،‬ص‪279‬‬
‫‪175‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫أوامره وطاعته‪ ،‬واجتنب نواهيه ومعصيته‪ ،‬فله اجلزاء األوىف‬ ‫والعم الصاحل‬
‫يف الدينا و اآلخرة‪.‬‬
‫االستقامة و الطاعة هل‬ ‫‪5‬‬ ‫‪-‬من استقام على طاعة ا هل تعاىل أثابه ا هل‬
‫‪13‬‬ ‫‪-‬االستقامة هي الالح النفس و دفع نوازع الشر عنها‬
‫‪ -‬ذكر ا هل و شكره‬ ‫‪8‬‬ ‫ذكر ا هل ‪-‬إن التعبري عن شكر ا هل عز وج باإلكثار من ذكره‬ ‫فض‬
‫‪ -‬إقامة الصالة‬ ‫‪-‬الصالة فريضة من فرائض االسالم و ركن اساسي من ‪8‬‬ ‫تعاىل‬
‫أركانه ‪.‬‬
‫‪ -‬الصدق مع ا هل‬ ‫‪9‬‬ ‫‪-‬يلتزم الصدق يف معاملته مع ا هل عز وج‬
‫اإلميان باليوم اآلخر‬ ‫باليوم جيب اإلميان باليوم اآلخر ‪ ،‬فقد ربط القرآن الكرمي بني ‪11‬‬ ‫اإلميان‬
‫اإلميان با هل و اإلميان باليوم اآلخر يف آيات كثرية‬ ‫اآلخر‬
‫اإلميان باليوم اآلخر‬ ‫‪61‬‬ ‫وعيد املكذبني بالبعث و احلساب‬ ‫سورة النبأ‬
‫حقيقة البعث و اجلزاء يوم القيامة‬
‫اإلحسان‬ ‫أن تعبد ا هل كأنك تراه ‪ ،‬أي ختلص يف عبادة ا هل وحده ‪35‬‬ ‫التعريف بالدين‬
‫‪،‬كأنك تراه وقت عبادته ‪ ،‬و تذكر أن ا هل يشاهد و يرى‬ ‫اإلسالمي‬
‫منك ك لغري و كبري تفعله‬
‫اإلميان با هل و مالئكته‬ ‫التصديق اجلازم بوجود ا هل اخلالق سبحانه وحده ال ‪35‬‬ ‫التعريف بالدين‬
‫شريك له و التصديق بوجود املالئكة و هم ال يعصون ا هل‬ ‫اإلسالمي‬
‫ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون‬
‫اإلميان بالقدر والقضاء‬ ‫اإلميان بالقضاء والقدر ركن من أركان اإلميان ‪ ،‬لقد جاء ‪37‬‬ ‫اإلميان بالقضاء‬
‫القدر يف القرآن الكرمي يف عشرات املرات‪ ،‬كلها‪ ،‬تدل‬ ‫والقدر‬
‫على مجيع أن األحداث قدرت مبقدار ما تقتضيه رعاية‬
‫ا هل خللقه‬
‫‪ -‬التوك على ا هل‬ ‫‪41‬‬ ‫‪-‬التوك هو اإلعتماد على ا هل تعاىل و طلب املعونة منه‬ ‫التوك‬

‫‪176‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -2-7‬كتاب العلوم اإلسالمية للسنة أولى ثانوي‪:‬‬

‫وردت يف مّت هذا الكتاب‪ ،‬القيم الروحية ‪-‬اإلميانية التعبدية ‪،‬بشك واض و ساطع ابتداءً‬
‫من الصفحة ‪46‬إىل غاية الصفحة ‪ ،76‬أي ما يعادل ‪ 31‬لفحة ‪ ،‬من بني ‪189‬لفحة للكتاب‬
‫واجلدول التايل يوض ذلك‪:‬‬

‫الصفحة فئات التحليل(القيم اإليمانية التعبدية)‬ ‫الجملة أو الفقرة‬ ‫الموضوع‬


‫التي تنمي عملية التواصل الديني‬
‫العمودي‬

‫طاعة ا هل و شكره و عدم الغفلة عن‬ ‫الكون يشهد بوجود ا هل جيب علينا أن ال نغف عن حقيقة اخلالق ‪49‬‬
‫حقيقته‬ ‫‪..‬إذا ما أقررنا بأنه تعاىل خالقنا وجب‬ ‫تعاىل ووحدانيته‬
‫علينا طاعته يف ك ما أمر و هنى‪ ،‬وشكره‬
‫على نعمه اليت ال حتصى‬

‫اإلميان با هل‬ ‫أثر اإلميان يف حياة املقصود مبحتوى اإلميان أركانه اليت بيّنها ‪50‬‬
‫(ص) بقوله " أن تؤمن با هل ومالئكته‬ ‫الفرد و اجملتمع‬
‫وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر‬
‫خري و شره "رواه مسلم‬

‫التأدب معه‬
‫‪ -‬شكر ا هل و ّ‬ ‫أدب املؤمن مع ا هل ‪-‬أشكر ا هل خالقي على نعمه‪ ،‬و ان ‪57‬‬
‫أستحيي منه تعاىل عندما حتدث ي نفسي‬ ‫تعاىل‬
‫باملعصية‬

‫‪-‬أتوك على ا هل يف ك شؤون حيايت‬


‫‪ -‬التوك على ا هل و خوفه‬ ‫‪61‬‬ ‫وأخاف نقمه‪ ،‬وأحسن الظن به‬

‫‪177‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -‬اإلخالص يف العبادة‬ ‫‪-‬مادمت أؤمن با هل ربّا أن أعبده ‪72‬‬ ‫العبادة يف االسالم‬


‫بإخالص و أن ابتعد عن الرياء‬

‫علي أن أؤدي ك عبادايت خضوعا هل‬


‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬أداء العبادات‬ ‫‪72‬‬
‫تعاىل و شكرا لنعمه اليت أنعمها‬
‫علي‪...‬أؤدي لاليت وأحافظ عليها‬
‫ّ‬
‫‪،‬أؤدي زكاة مايل و أعني الفقراء‬
‫واملساكني‪ ...‬ألوم رمضان و أتأدب‬
‫بآدابه‪ ،‬و أحج البني ان استطعت إليه‬
‫سبيال‪.‬‬

‫‪ -‬التمييز بني األحكام الشرعية‬ ‫فعلي أن أعرف كيف ‪76‬‬


‫احلكم التكليفي وشروط ‪-‬ما دمت مؤمنا ّ‬
‫أميّز بني األحكام الشرعية حىت ال أخلط‬ ‫التكليف‬
‫بينها ‪ ،‬و ال أقع يف معصية ا هل من حيث‬
‫ال أعلم‪.‬‬

‫‪-‬احلرص على القيام بك ما طلبه ا هل‬


‫م ي و أن اترك ما ثبت دلي على تركه‬
‫ّ‬
‫‪ -‬احلرص على طاعة ا هل‬ ‫‪76‬‬
‫علي ان اجتهد يف عبادايت قدر املستطاع‬
‫ّ‬
‫‪ -‬االجتهاد يف العبادة‬ ‫‪76‬‬

‫‪178‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -3-7‬كتاب العلوم اإلسالمية للسنة ثانية ثانوي‪:‬‬

‫وردت يف مّت هذا الكتاب‪ ،‬القيم اإلميانية التعبدية بشك واض و ساطع ابتداءً من الصفحة‬
‫‪54‬إىل غاية الصفحة ‪ ،108‬أي ما يعادل ‪ 54‬لفحة ‪ ،‬من بني ‪142‬لفحة للكتاب واجلدول‬
‫التايل يوض ذلك‪:‬‬

‫فئات التحليل(القيم اإليمانية‬ ‫الصفحة‬ ‫الجملة أو الفقرة‬ ‫الموضوع‬


‫التعبدية) التي تنمي عملية‬
‫التواصل الديني العمودي‬

‫‪ -‬توحيد ا هل و عبادته‬ ‫علي أن اعبد ا هل وحده ‪ ،‬ألن ريب وخالقي و ‪57‬‬


‫‪ّ -‬‬ ‫التوحيد و أثره يف‬
‫رازقي و يده األمر يف ك شيء‬
‫النفس‬ ‫استقرار‬
‫علي أن ال اشرك‬
‫‪ -‬حىت حيفظ ي ا هل برعايته ‪ّ ،‬‬ ‫اإلنسانية‬
‫‪ -‬حمبة ا هل و اإلخالص له‬ ‫‪57‬‬
‫به احدا ‪ ،‬و ال أعصيه فيما أمرين به أو هناين‬
‫وعدم اإلشراك به‬
‫عنه ‪...‬حىت أعيش مطمئن النفس مستقرا‬
‫أحب ا هل و أخلص يف‬
‫علي أن ّ‬
‫هانئ البال ‪ّ ،‬‬
‫توحيده و عبادته‪.‬‬

‫‪ -‬قدسية و عظمة القرآن‬ ‫مقدمة يف علوم أعظم القرآن و أقدس القرآن الكرمي اآليات ‪61‬‬
‫اليت ت ّدل على وحي ا هل تعاىل لنبيّه (ص)‬ ‫القرآن‬

‫‪ -‬التمييز بني املكي واملدين‬ ‫معرفيت للقرآن املكي و املدين تساعدين على ‪64‬‬ ‫علم املكي واملدين‬
‫من القرآن‬ ‫فهم القرآن الكرمي فهما لحيحا‬

‫‪ -‬قراءة القرآن‬ ‫عند قراءيت للقرآن الكرمي ألتزم بالقراءات ‪67‬‬ ‫القراءات و القراء‬
‫املتواترة املشهورة‪ ،‬و أجتنب القراءات الشاذة‬

‫‪179‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -‬فهم القرآن الكرمي وتطبيقه‬ ‫علم التفسري نشأته أجتهد يف فهم القرآن الكرمي و تطبيقه يف ‪72‬‬
‫حيايت اليومية‬ ‫و تطوره‬

‫‪ -‬معرفة أوجه قراءة القرآن‬ ‫علي أن أدرك أن القرآن نزل على أوجه سبعة ‪79 ،‬‬
‫ّ‬ ‫مجع القرآن وترتيبه‬
‫الكرمي‬ ‫تيسريا و تسهيال على قارئ القرآن‬

‫‪ -‬تقدير السنة و العم هبا‬ ‫علي أن أعم بالسنة النبوية و أقدرها ‪ ،‬فهي ‪84‬‬‫السنة و مكانتها يف ّ‬
‫املصدر الثاين للتشريع‪ ،‬ألن املسلمني قد بذلوا‬ ‫الشريعة‬
‫جهودا جبارة يف سبي تدوينها‬

‫يف تنظيم‬ ‫‪ -‬قيمة التشريع‬ ‫علي أن أدرس التشريع اإلسالمي ‪،‬ألنه هو ‪88‬‬‫التشريع ّ‬ ‫تاريخ‬
‫احلياة‬ ‫الذي ينظم حيايت‬ ‫االسالمي‬

‫‪ -‬ثراء الفقه اإلسالمي وتنوعه‬ ‫علي أن أعتز ‪95‬‬


‫املدارس الفقه اإلسالمي ثري مبدارسه لذا ّ‬ ‫نشأة‬
‫بذلك و اعتربه ثروة تشريعية‬ ‫الفقهية و تطورها‬

‫‪ -‬جتنب معصية ا هل مبعرفة‬ ‫فعلي أن أعرف كيف أميّز بني ‪97‬‬


‫الوضعي ما دمت مؤمنا ّ‬ ‫احلكم‬
‫األحكام الشرعية‬ ‫األحكام الشرعية حىت ال أخلط بينها و ال أقع‬ ‫وأقسامه‬
‫يف معصية ا هل‬

‫حتقيق و حفظ املصاحل‬ ‫الشريعة أعتقد أن األحكام الشرعية جاءت لتحقيق ‪100‬‬ ‫مقالد‬
‫مصاحل الناس و احلفاظ عليها‬ ‫االسالمية‬

‫عبادة ا هل ‪ ،‬و استعمال الرخص‬ ‫علي ان أحرص على القيام بعباديت كلها ‪ ،‬و ‪104‬‬
‫مظاهر اليسر يف ّ‬
‫الشرعية‬ ‫الرخص الشرعية عند‬
‫أن اجلأ إىل ّ‬ ‫العبادات‬

‫احلاجة حىت حيب ي ا هل‬

‫والصلوات‬ ‫احملافظة على الصالة‬ ‫علي أن أحافظ على الصلوات اخلمس مجاعة ‪108‬‬
‫ّ‬ ‫من الصلوات‬

‫‪180‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫املشروعة‬ ‫باملسجد‪ ،‬ملتزما بآداهبا‪ ،‬واحافظ على‬ ‫املشروعة‬


‫الصلوات املشروعة مبختلف أنواعها طاعة هل‬
‫ورسوله‬

‫‪ -4-7‬كتاب العلوم اإلسالمية للسنة الثالثة ثانوي‪:‬‬

‫وردت يف مّت هذا الكتاب‪ ،‬القيم اإلميانية التعبدية بشك واض و ساطع ابتداءً من الصفحة‬
‫‪48‬إىل غاية الصفحة ‪ ،66‬أي ما يعادل ‪ 19‬لفحة ‪ ،‬من بني ‪157‬لفحة للكتاب و اجلدول‬
‫التايل يوض ذلك‪:‬‬

‫الصفحة فئات التحليل(القيم اإليمانية‬ ‫الجملة أو الفقرة‬ ‫الموضوع‬


‫التعبدية ) التي تنمي عملية‬
‫التواصل الديني العمودي‬

‫‪ -‬اإلميان و العبادة و دورمها‬ ‫أثر اإلميان و العبادات يف ‪-‬ليس اإلميان مفهوما فكريا أو عاطفيا حمدودا ‪49‬‬
‫يف استقامة الفرد‬ ‫اجتناب االحنراف و اجلرمية جامدا ‪ ،‬و امنا اإلميان قوة عالمة عن الدنايا‬
‫وطاقة حيرك هبا اإلنسان فيطارد هبا اجلرمية من‬
‫نفسه و من جمتمعه‪.‬‬

‫حمددة مبجوعة من‬


‫‪-‬أن العبادة يف اإلسالم ليست ّ‬
‫التّكاليف و األعمال‪ ،‬و إمنا تتسع لتشم ك ما‬
‫يصدر عن اإلنسان بدافع القربة إىل ا هل‬
‫واالستجابة ألمره‪ ،‬و االنتهاء بنهيه‪.‬‬

‫‪ -‬التعرف على األديان‬ ‫والرساالت إن ك املعطيات و احلقائق السالفة الذكر(ذكرت ‪52‬‬ ‫االسالم‬
‫السماوية و بيان أفضلية‬ ‫يف فقرة سابقة)جتع من املنطقي على ك عاق‬ ‫السماوية‬
‫اإلسالم‬ ‫حيرتم عقله أن يعانق اإلسالم و أن يؤوب إىل‬

‫‪181‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫رحابه و يلجأ إىل ركنه الشديد‪ ،‬ألن مرياث‬


‫السالم قد انتهى إليه باتفاق مجيع‬
‫األنبياء عليهم ّ‬
‫بشر عيسى عليه السالم به قال ا هل‬ ‫األديان و قد ّ‬
‫يسى اب ُن َمرََمي يَا‬ ‫تعاىل ‪ :‬وإِذ قَ َ ِ‬
‫ال ع َ‬ ‫َ‬
‫ب ِ ي إِسرائِي إِ ِّين رس ُ ِ‬
‫ني‬ ‫ول اللَّـه إِلَي ُكم ُّم َ‬
‫ص ِّدقًا لِّ َما بـَ َ‬ ‫َ َ َ َُ‬
‫ي ِم َن التـَّوَراةِ َوُمبَشًِّرا بَِر ُسول يَأِيت ِمن بَـع ِدي‬ ‫يَ َد َّ‬
‫ات قَالُوا َهـَ َذا ِسحر‬ ‫امسه أَمح ُد فَـلَ َّما جاءهم بِالبـيِّـنَ ِ‬
‫َ َُ َ‬ ‫ُُ َ‬
‫ُّمبِني ﴿الصف‪﴾6:‬‬

‫‪ -‬معرفة مصادر التشريع‬ ‫مصادر التشريع اإلسالمي هي ‪ :‬األدلة اليت ‪60‬‬ ‫مصادر التشريع االسالمي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬و اثرها يف‬ ‫نصبها الشارع دليال على األحكام‪ ،‬و هي‬
‫مرونة الشريعة اإلسالمية‬ ‫الكتاب و السنة و اإلمجاع ‪ ،‬و القياس ‪ ،‬يضاف‬
‫إليها املصادر التّبعية و منها املصاحل املرسلة‬
‫وغريها ‪..‬‬

‫‪-8‬رصد القيم االجتماعية الواردة في كتب التربية اإلسالمية في الجزائر‬

‫‪ -1-8‬كتاب التربية اإلسالمية لمستوى الرابعة متوسط‪:‬‬

‫جاءت القيم االجتماعية على طول الكتاب وفق اجلدول التايل‪:‬‬

‫فئات التحليل( القيم‬ ‫الصفحة‬ ‫الجملة أو الفقرة‬ ‫الموضوع‬


‫االجتماعية التي تنمي عملية‬
‫التواصل الديني األفقي)‬
‫‪ -‬مساعدة اآلخرين‬ ‫مواقف من حياة سيّدنا مبادرة موسى عليه السالم لتقدمي يد املساعدة ‪17‬‬
‫ملن حيتاجها حبا يف العم‬ ‫موسى عليه السالم‬
‫‪ -‬رابطة األخوة اإلميانية‬ ‫‪20‬‬ ‫إن الرابطة اليت تربط املؤمن بأخيه املؤمن هي‬ ‫من أخالق املسلم‬

‫‪182‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫رابطة األخوة‬
‫‪ -‬إلالح ذات البني‬ ‫‪20‬‬ ‫‪-‬وجوب اإللالح بني املؤمنني‬ ‫بر الوالدين‬
‫ولون العالقات بني‬ ‫‪-‬حترمي السخرية و االستهزاء باآلخرين‬
‫األفراد‬ ‫‪-‬عدم التجسس و سوء الظن‬
‫اجتناب الغيبة و النميمة‬
‫‪-‬وجوب طاعة الوالدين و اإلحسان إليهما‬
‫‪ -‬طاعة الوالدين‬ ‫‪-‬من مظاهر بر الوالدين ‪ :‬حمبتهما وتوقريمها و ‪23‬‬
‫واإلحسان إليهما‬ ‫مالطفتهما‬
‫‪ -‬اإلحسان إىل اجلار‬ ‫الرسول للى ا هل عليه حديث‪ :‬عن عبدا هل بن عمر رضي ا هل عنهما ‪30‬‬
‫عن النيب قال " أتدري ما حق اجلار ؟ إذا‬ ‫و سلم حيفظ احلقوق‬
‫إستعانك أعنته ‪ ،‬وإذا ستقرضك أقرضته ‪ ،‬وإذا‬
‫افتقر ‪ ،‬عدت عليه ‪ ،‬وإذا مرض عدته ‪ ،‬وإذا‬
‫ألابه خري هنأته ‪ ،‬وإذا ألابته مصيبة عزيته ‪،‬‬
‫وإذا مات اتبعت جنازته ‪ ،‬وال تستط عليه‬
‫بالبناء ‪ ،‬فتحجب عنه الري إال بإذنه ‪ ،‬وال‬
‫تؤذه بقتار قدرك إال أن تغرف له منها ‪ ،‬وإن‬
‫اشرتيت فاكهة ‪ ،‬فاهد له ‪ ،‬فإن مل تفع ‪،‬‬
‫فأدخلها سرا ‪ ،‬وال خيرج هبا ولدك ليغيظ هبا‬
‫ولده "‬
‫‪ -‬أدب التوال مع املعلم‬ ‫بالدين وجوب التأدب مع علمائنا حينما نتوجه إليهم ‪35‬‬ ‫التعريف‬
‫و العلماء‬ ‫بالسؤال لنتعلم منهم‬ ‫اإلسالمي‬
‫‪ -‬املسؤولية االجتماعية‬ ‫املسؤولية شاملة جلميع مناحي احلياة ويشرتك ‪39‬‬ ‫املسؤولية‬
‫فيها اجلميع ك ّ حسب سلطته وقدراته ‪،‬‬
‫والقيام هبا على أحسن وجه يؤدي إىل تقدم‬

‫‪183‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫وازدهار اجملتمع و ترابط أفراده فيما بينهم‬


‫‪ -‬مبدأ التشاور بني األفراد‬ ‫كان الرسول للى ا هل عليه و سلم يستشري ‪43‬‬ ‫مواقف يف الشورى‬
‫ألحابه يف كثري من القضايا ويأخذ برأيهم‬
‫‪-‬الشورى لمام أمان لعدم انتشار االستبداد و‬
‫التفرد بالراي بني أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫مع القدوات‬ ‫‪ -‬التوال‬ ‫عُرف تاريخ اإلسالم بعلماء بذلوا جهودا كبرية ‪47‬‬ ‫من عظماء األمة‬
‫اإلسالمية التارخيية‬ ‫يف سبي طلب العلم و توريثه لألجيال‬
‫نور‬ ‫الالحقة‪ ،‬فكانوا بذلك حقا مشاع‬
‫ومنارات هداية الزالت األمة اإلسالمية تنتفع‬
‫بعلمهم إىل يومنا هذا‬
‫‪ -‬الكف عن إيذاء الغري‬ ‫‪-‬ال جيوز للمسلم أن يؤذي غريه بلسانه أو ‪52‬‬ ‫كف األذى‬
‫‪ -‬التسام‬ ‫بيده أو بقلبه‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪-‬على املسلم أن يكون متساحما مع من آذاه‬
‫‪ -‬مبدأ السلم و األمن يف‬ ‫ينشد اإلسالم السلم الداخلي و اخلارجي ‪ ،‬يف ‪54‬‬ ‫مواقف يف السلم‬
‫العالقات اإلنسانية(‬ ‫عالقته باألمم االخرى‪ -‬ال ميكن أن حيقق‬
‫حمليّا وخارجيا)‬ ‫املسلم وحدانية ا هل تعاىل و طاعته إال يف جو‬
‫يسوده األمن و السلم‬
‫‪ -‬تعميق الروابط األسرية‬ ‫‪-‬للة الرحم واجبة يف حق القرابة من املسلمني ‪56‬‬ ‫للة الرحم‬
‫و غريهم –للة الرحم عالمة على كمال‬
‫اإلميان و حسن اإلسالم –تكون للة الرحم‬
‫‪56‬‬ ‫بالزيارة و الرعاية وتقدمي اخلدمة‬
‫‪-‬تربط للة الرحم أفراد اجملتمع بعضه مع‬
‫بعض و جتعله متعاون على اخلري‬
‫‪ -‬اتباع الرسول يف مجيع‬ ‫‪-‬يتطلع اإلنسان دائما أن يكون املث األعلى ‪57‬‬ ‫الرسول(ص) القدوة‬

‫‪184‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫مناحي احلياة‬ ‫بني أقرانه و اهذا فهو يبحث عن منوذج يقتدى‬


‫به يف حياته و رسول ا هل للى ا هل عليه هو‬
‫املث األعلى و النموذج األمث الذي جيب أن‬
‫يقتدى به اإلنسان يف سلوكه و معاملته ‪.‬‬

‫‪ 2-8‬كتاب العلوم اإلسالمية لمستوى أولى ثانوي ‪:‬‬

‫وردت القيم االجتماعية الدينية يف مّت هذا الكتاب يف جمالني ‪" :‬جمال القيم االجتماعية‬
‫واألسرية" ابتداءً من الصفحة ‪ 79‬إىل الصفحة ‪ ، 96‬مث من خالل اجملال "القيم االعالمية‬
‫والتواللية" من الصفحة ‪ 142‬إىل الصفحة ‪147‬‬

‫صفحة فئات التحليل(القيم االجتماعية‬ ‫الجملة أو الفقرة‬ ‫الموضوع‬


‫) التي تنمي عملية التواصل‬
‫الديني األفقي‬

‫‪ -‬بناء األسرة‬ ‫املودة و السكينة ودورمها ‪ -‬االسرة يف االسالم ال تنشأ إال بالزواج ‪82‬‬
‫الشرعي‬ ‫يف بناء االسرة‬

‫‪-‬األسرة يف االسالم تبىن على السكينة واملودة‪،‬‬


‫‪ -‬أسس بناء األسرة‬ ‫‪82‬‬
‫لذا علي اسعى أن أسعى إىل حتقيقها يف أسريت‬
‫و احملافظة عليه بشىت السب‬

‫‪ -‬طاعة الوالدين‬ ‫‪82‬‬ ‫الدي‪ ،‬و أجتنب ك ما يغضبهم‬


‫‪..-‬فأطيع و ّ‬

‫‪ -‬حقوق الطف قب الوالدة‬ ‫حق الكف يف االسرة قب الوالدة حسن ‪86‬‬ ‫حقوق الطف يف االسالم ‪-‬من ّ‬
‫اختيار أمه و ابيه و رعايته و هو جنني ‪.‬‬

‫‪-‬من حق الطف بعد الوالدة حسن اختيار‬

‫‪185‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -‬حقوق الطف بعد الوالدة‬ ‫امسه و التفرغ التام لرعايته و الرضاعة واحلضانة ‪86‬‬
‫و الكفالة حىت يف حالة تفرق الوالدين‬

‫‪ -‬تربية الطف تتضمن تربية جسده و عقله‬


‫‪ -‬التنشئة املتكاملة‬ ‫‪86‬‬
‫ونفسه‬

‫‪ -‬جتنب اآلفات‬ ‫اآلفات ‪-‬اآلفات و املفاسد االجتماعية سبب يف ‪92‬‬ ‫خطر‬


‫واملفاسد االجتماعية‬ ‫خراب االمم و سقوطها يف هاوية الضياع لذا‬ ‫واملفاسد االجتماعية‬
‫(النزاعات ‪ ،‬الظلم ‪،‬‬ ‫علي أن أجتنبها‪ ،‬و اسهم يف مكافحتها ‪.‬‬
‫ّ‬
‫العصبية ‪ ،‬اخلمر‪ ،‬السرقة)‬
‫‪-‬فساد ذات البني و العنف و الظلم و السرقة‬
‫و العصبية من اآلفات و املفاسد االجتماعية ‪92‬‬
‫علي أن أجتنبها‬
‫اخلطرية اليت جيب ّ‬

‫‪ -‬اإلقبال على األعمال‬ ‫التطوعي ضروري لك جمتمع ‪ ،‬لذا علي ‪95‬‬


‫ّ‬ ‫العم التطوعي و أثره يف العم‬
‫التطوعية‬ ‫أن اقوم به ‪..‬للعم التطوعي فض عظيم يف‬ ‫اجملتمع‬
‫اإلسالم ‪ ،‬فكما أقوم بالواجبات العينية جيب‬
‫علي أن أقوم بالواجبات الكفائية‪..‬العم‬
‫التطوعي يشم جمال العبادات و املعامالت‪،‬‬
‫فال يص أن أغف أي جانب منهما ‪.‬‬

‫‪ -‬االقتداء بالرسول (ص)‬ ‫كان الرسول (ص) مثال الزوج و األب حلنون ‪99‬‬ ‫الرسول(ص) يف بيته‬
‫يف التوال األسري‬ ‫‪ ،‬فعلينا االقتداء به‪.‬‬

‫‪ -‬التعاون والشورى بني‬ ‫‪ -‬البد على الزوجني أن يتعاونا على أداء‬


‫‪99‬‬
‫الزوجني‬ ‫الواجبات الدينية‪ ،‬ويشارك يف أداء املسؤوليات‪،‬‬
‫ويتبادال حسن التعام ‪ ،‬ويتشاورا يف م بينهما‬

‫‪186‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫يف أمور العائلة‬

‫‪ -‬التعارف و التوال مع‬ ‫‪-‬لقد دعا االسالم إىل التعارف و التوال ‪145 ،‬‬ ‫التوال‬ ‫و‬ ‫التعارف‬
‫اآلخرين‬ ‫علي أن أتعارف و أتوال مع‬‫ضرورة بشرية و مطلب لذا جيب ّ‬
‫اآلخرين ‪ ،‬و ال أتصادم معهم‪.‬‬ ‫شرعي‬

‫‪-‬للتعارف و التوال أخالقيات تقوم على‬


‫‪ -‬التزام مكارم األخالق‬
‫‪145‬‬ ‫مكارم األخالق و البد أن اتصف هبا‬

‫‪ -‬التعايش السلمي الداخلي‬ ‫االسالم يدعو للتعايش االسالم حيث على التعايش السلمي ‪ ،‬و هو ‪150‬‬
‫و اخلارجي‬ ‫ضرورة حضارية ‪ ،‬و ال ميكن أن تستغ ي عنه‬ ‫السلمي‬
‫البشرية ‪ ،‬لذا علي أن اعايش من خيالف ي يف‬
‫اجلنس و العقيدة بسالم استجابة ألمر ا هل‬
‫تعاىل ‪...‬أذكر مثار التعايش السلمي الداخلي و‬
‫اخلارجي ‪ .‬ماذا تستنتج؟‬

‫علي‬
‫‪-‬كلمة "اإلسالم" ُمشتقة من السلم ‪ ،‬لذا ّ‬
‫‪ -‬السعي حنو السلم‬
‫أن أسعى للسلم يف ك شيئ‬

‫‪-3-8‬كتاب العلوم اإلسالمية لمستوى ثانية ثانوي ‪:‬‬

‫وردت القيم االجتماعية الدينية يف مّت هذا الكتاب يف جمالني ‪" :‬جمال القيم األسرية‬
‫واالجتماعية " ابتداءً من الصفحة ‪ 110‬إىل الصفحة ‪ ، 120‬مث من خالل اجملال "القيم‬
‫االعالمية و التواللية" من الصفحة ‪ 126‬إىل الصفحة ‪138‬‬

‫‪187‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫صفحة فئات التحليل(القيم‬ ‫الجملة أو الفقرة‬ ‫الموضوع‬


‫االجتماعية ) التي تنمي‬
‫عملية التواصل الديني‬
‫األفقي‬

‫ضرورة إقامة األسرة شرعيا‬ ‫دور االسرة يف تربية ‪ -‬عند تكوين أسرة أسعى لتكون بطريق شرعي وفق ‪114‬‬
‫العم مبا تدعو إليه الشريعة‬ ‫أحكام اإلسالم ‪..‬‬ ‫اجملتمع و تنميته‬
‫اإلسالمية قب تكوين االسرة و بعده‬
‫االسري‬ ‫شروط التوال‬ ‫‪114‬‬
‫‪ -‬جيب حتقيق املودة و السكينة بني أفراد أسريت‬
‫اجليد‬

‫‪ -‬جتنب الطالق‬ ‫تستمر ‪-‬أعم على اجتناب الطالق ‪ ،‬ألنه يهدم كيان األسرة ‪119‬‬ ‫ال‬ ‫عندما‬
‫و يشتت أفرادها‬ ‫األسرة‬

‫واجب اإلنفاق على الزوجة‬ ‫حق الزوجة املطالبة بنفقة الزوج ‪..‬من حق األبناء ‪124‬‬
‫املشكالت ‪-‬من ّ‬ ‫من‬
‫واألبناء‬ ‫املطالبة حبق النفقة على األب قب البلوغ‬ ‫األسرية‬

‫يف‬ ‫حفظ حق الطف‬ ‫حق الطف الرضاعة ‪ ،‬و احلضانة يف حالة تفرق‬
‫‪-‬من ّ‬
‫‪124‬‬
‫الطالق‬ ‫الوالدين‬

‫رعاية الطف وتربيته‬ ‫‪-‬األسرة هي احملضن الطّبيعي الذي يتوىل محاية الطف‬
‫النّاشئ ‪ ،‬و رعايته و تنميته جسديا وعقليا و روحيا‬

‫قيمة العق واحلفاظ عليه‬ ‫نعمة العق و كيف ‪-‬ألن ذهاب العق يؤسس لك اجلرائم و اآلفات ‪127‬‬
‫االجتماعية و اخلبائث‪...‬العق هبة من ا هل تعاىل جيب‬ ‫حنافظ عليها‬
‫‪128‬‬
‫علي تنميته و احملافظة عليه ‪.‬‬
‫ّ‬

‫احلوار والتعاطي مع الناس‬ ‫احلوار عند حواري مع اآلخرين أتأدب بآداب اإلسالم ‪ ،‬و ‪133‬‬ ‫أدبيات‬

‫‪188‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫ألتزم أوامره يف ذلك ‪.‬‬ ‫والتوال يف اإلسالم‬

‫‪-‬االعتدال يف الدين‬ ‫والتطرف ‪-‬ألتزم االعتدال ‪ ،‬و اجتنب ك مظاهر الغلو و ‪137‬‬ ‫الغلو‬
‫وخطرها على العقيدة التطّرف‪.‬‬
‫و اجملتمع‬
‫‪-‬أبتعد عن احلكم على اآلخرين‪ ،‬و إساءة الظن هبم‪.‬‬
‫‪-‬اجتناب سوء الظن‬ ‫‪137‬‬
‫‪-‬ال أتعصب لرأيي ‪ ،‬و اقب الصواب من غريي‬
‫‪-‬التسام‬ ‫‪137‬‬

‫‪-‬االلتزام بأخالق اإلسالم‬ ‫‪142‬‬ ‫رسائ الرسول (ص) ‪-‬حسن متثّ اإلسالم و أخالقه مع اآلخرين ‪ ،‬كما فع‬
‫ُرس النيب (ص)‬ ‫إىل ملوك عصره‬

‫‪-‬تدارس كتب رسول ا هل(ص)‪ ،‬و االقتداء بأسلوب أدبه‬


‫يف‬ ‫بالرسول‬ ‫‪-‬االقتداء‬ ‫‪142‬‬
‫الرسائ ‪ ،‬و يف الدعوة للتعريف باإلسالم‬
‫يف توجيه ّ‬
‫الدعوة‬
‫اخالقه‬

‫‪-‬األخذ بأحسن ما عند األمم األخرى ‪ ،‬مما يفيد‬


‫‪-‬نق اخلربات و ك ما هو‬ ‫املسلمني ‪ ،‬و ال يتعارض مع أحكام اإلسالم ‪ ،‬وقواعده‬
‫‪142‬‬
‫مفيد من األمم األخرى‬ ‫العامة ‪ ،‬كما فع الرسول (ص) يف اختاذ خامت خيتم به‬
‫الرسائ املوجهة للملوك‬

‫‪-4-8‬كتاب العلوم اإلسالمية لمستوى ثالثة ثانوي ‪:‬‬

‫توزعت القيم االجتماعية الدينية يف مّت هذا الكتاب إىل جمالني تعليميني‪" :‬جمال القيم‬
‫االجتماعية واألسرية" ابتداءً من الصفحة ‪ 83‬إىل الصفحة ‪ ، 97‬مث من خالل اجملال "القيم‬
‫االعالمية و التواللية" من الصفحة ‪ 97‬إىل الصفحة ‪.97‬‬

‫‪189‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫العناية باآلخر غري املسلم‬ ‫‪-‬قال اإلمام القرايف املالكي رمحه ا هل ‪ ":‬فمن اعتدى ‪88‬‬ ‫العالقات‬
‫بني عليهم و لو بكلمة سوء أو غيبة ن فقد ضيّع ذمة ا هل ‪،‬‬ ‫االجتماعية‬
‫و ذمة رسوله (ص) ‪ ،‬و ذمة دين االسالم " حل عبارة‬ ‫املسلمني وغريهم‬
‫موضحا أنواع احلماية اليت وفرها اإلسالم‬
‫اإلمام القرايف ّ‬
‫لغري املسلمني ؟‬

‫‪-‬ما هي الروابط اليت أقامها االسالم بني البشر ليتعاونا‬


‫جسور الرتابط بني الناس‬ ‫‪88‬‬
‫على شؤون حياهتم؟‬

‫‪-‬إن غري املسلمني يف بلد اإلسالم كما أن اهم حقوقا‬


‫دور غري املسلم يف بالد‬ ‫فعليهم واجبات هي‪ :‬احرتام القانون االسالمي ‪..‬دفع ‪88‬‬
‫االسالم‬ ‫اجلزية ‪..‬ترك ما فيه غضاضة على املسلمني ‪...‬ترك ما‬
‫فيه إظهار منكر ‪...‬مراعاة شعور املسلمني ‪.‬‬

‫‪ -‬حفظ األنساب‬ ‫لانت الشريعة االسالمية األنساب من الضياع ‪89‬‬ ‫املشاك‬ ‫من‬
‫والكذب و التزييف و جعلت ثبوت النّسب حقا للولد‬ ‫األسرية‪:‬‬
‫يدفع به عن نفسه املعرة و الضياع ‪ ،‬و حقا ألمه تدرأ به‬
‫الفضيحة و االهتام بالفحشاء ‪ ،‬و حقا ألبيه حيفظ به‬
‫نسبه وولده أن يضيع أو ينسب لغريه و جعلت النسب‬
‫يثبت بطرق شرعية و علمية دقيقة‪.‬‬

‫‪-‬كفالة الطف جمهول النسب‬ ‫‪-‬فاإلسالم أوجب من األطفال جمهويل النسب أمساء و ‪91‬‬ ‫النسب‬
‫هوية ‪ ،‬ومن أج ذلك و إىل جانب األخة يف ال ّدين ‪،‬‬
‫استحسن الشرع لفائدهتم حق املواالة كما تلخصه اآلية‬
‫الكرمية ‪:‬‬

‫ند اللَّ ِـه فَِإن َّمل تَـعلَ ُموا‬


‫ط ِع َ‬
‫وهم ِآلبَائِ ِهم ُه َو أَق َس ُ‬
‫ادعُ ُ‬

‫‪190‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫س َعلَي ُكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫آبَاءَ ُهم فَإخ َوانُ ُكم يف الدِّين َوَم َوالي ُكم َولَي َ‬
‫يما أَخطَأ ُمت بِِه َولَـَ ِكن َّما تَـ َع َّم َدت قُـلُوبُ ُكم‬‫ِ‬
‫ُجنَاح ف َ‬
‫يما ﴿األحزاب‪﴾5 :‬‬ ‫وَكا َن اللَّـه َغ ُف ِ‬
‫ورا َّرح ً‬
‫ُ ً‬ ‫َ‬

‫‪-‬رعاية جمهول النسب‬ ‫‪-‬أما ظروف اجملهول النسب فقد تستدعي من الناحية ‪95‬‬ ‫التب ي‬
‫اإلنسانية ضرورة احلفاظ على وجوده ‪ ،‬و معاملته معاملة‬
‫الرمحة و حفظه من الضياع‬
‫كرمية‪ ،‬تقوم على الود و ّ‬
‫وإجياد ح عاج له و هذا احل ليس من طريق التب ي‪،‬‬
‫وإمنا يتم عن طريق آخر‪ ،‬وهو الكفالة واملعاونة حلاجة‬
‫مرب يربّيه ويرشده ويعلمه‪ ،‬ويصونه‬
‫من ليس له عائ أو ّ‬
‫وحيفظه و حيميه من أمل الفقر و احلاجة‪ ،‬ويرعى ضعفه‬
‫وغربته عن اجملتمع ‪.‬‬

‫كفالة اليتيم أو جمهول النسب‬ ‫إذا وجد طف جمهول النسب ‪ ،‬أو ولد يف مشفى ‪96‬‬ ‫الكفالة‬
‫ماتت أمه أثناء والدته‪ ،‬أو كان محله بطريق غري شرعي‪،‬‬
‫وليس له أب يعوله و يربيه و ينفق عليه ‪ ،‬او مات والده‬
‫وجب على الدولة توفري سب احلماية و احلفاظ له ‪،‬‬
‫وإذا مل تقم الدولة هبذا الواجب ن و جب على اجملتمع‬
‫املبادرة لرعاية هذا املولود ‪ ،‬و يتم ذلك من طريق كفالته‬
‫والتّطوع بالنفقة و اإليواء و الرتبية و اإلرشاد و التّعلم أو‬
‫التّوجيه حلرفة أو لناعة مت ّكنه يف حياته من العيش ممّا‬
‫ت ّدر عليه من خري أو كسب مادي الئق به‪.‬‬

‫‪-‬حرمة الدماء واملال بني الناس‬ ‫‪-‬أيها الناس إن دمائكم و أموالكم عليكم حرام اىل أن ‪100‬‬ ‫حتلي و وثيقة‬
‫الرسول (ص) تلقوا ربكم‪....‬‬
‫خطبة ّ‬
‫يف حجة الوداع‬
‫‪-‬إن ما كانت اجلاهلية تفخر به و تتمسك به من‬

‫‪191‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫تقاليد العصبية و القبلية و فوارق اللغات و االنساب‬


‫والعرق واستعباد اإلنسان أخاه اإلنسان بأغالل الظلم‬
‫‪ -‬إقرار العدالة و املساواة‬
‫واملراباة قد بط و مات اعتباره فهو اليوم جيفة منتنة‬
‫غيبتها شريعة ا هل يف باطن األرض ‪ ،‬و الب مكاهنا من ‪100‬‬
‫حياة املسلم اليوم حتت موطئ األقدام ‪ ،‬إنه رجس وىل‪..‬‬

‫حج بعد اليوم إال يف هذا الزمن الذي استقر‬


‫‪...-‬و ال ّ‬
‫‪-‬إعالن شهر ذي احلجة‬
‫امسه ‪ :‬ذا احلجة ‪.‬‬
‫ليلتقي فيه الناس ك عام‬
‫‪101‬‬
‫‪..-‬أولى الرسول (ص) خريا بالنساء و أكد يف كلمته‬
‫املختصرة اجلامعة القضاء على الظلم البائد للمرأة يف‬
‫‪-‬االعرتاف مبكانة املرأة يف‬
‫اجلاهلية ‪ ،‬و تثبيت ضمانات حقوقها وكرامتها اإلنسانية ‪101‬‬
‫اجملتمع‬ ‫اليت تضمنتها الشريعة اإلسالمية‪..‬‬
‫ّ‬

‫‪-‬وضع النيب(ص) الناس من مجيع املشاك اليت قد‬


‫‪101‬‬
‫‪-‬التمسك مبنهج ا هل ورسوله‬ ‫تعرتض حياهتم أمام مصدرين ال ثالث اهما ‪،‬ضمن اهم‬

‫يف احلياة االجتماعية و النفسية‬ ‫االعتصام هبما األمان من ك شقاء و ضالل ‪ .‬كتاب‬
‫ا هل و سنة رسوله ‪...‬‬

‫‪..-‬و أساس ذلك كله تلك األخوة اإلميانية اليت جيب‬


‫‪-‬وجوب األخوة بني املسلمني‬ ‫‪101‬‬
‫أن تكون بني مجيع املسلمني على اختالف و تنوع‬
‫مسؤولياهتم‪.‬‬

‫‪-‬مسؤولية األمة يف تبليغ رسالة‬ ‫‪..-‬و لكنه (ص) يريد أن يطمئن اىل شهادة أمته بذلك ‪102‬‬
‫اإلسالم‬ ‫أمام ا هل تعاىل يوم القيامة عندما يسألون ‪...‬فأعقب‬
‫تولياته هذه اهم بأن نادى فيهم قائال‪ :‬إنكم ستسألون‬
‫عىن‪ ،‬فما أنت قائلون؟‬
‫ّ‬

‫‪192‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪-9‬دراسة الرصد و تحليله ‪:‬‬

‫األول إىل البحث عن التضمني الكمي للقيم الروحية –اإلميانية‬


‫سعت هذه الدراسة يف شقها ّ‬
‫من جهة‪ ،‬والقيم الدينية االجتماعية من جهة أخرى‪ ،‬يف كتاب الرتبية اإلسالمية للسنة الرابعة من‬
‫التعليم املتوسط‪ ،‬وكتب العلوم اإلسالمية يف التعليم الثانوي يف اجلزائر ‪ ،‬حيث احتوت مضامني هذا‬
‫الكتب كلها على جمموعة من القيّم الدينية ( إميانية‪ -‬تعبدية ‪ ،‬حقوقية ‪ ،‬اجتماعية ‪،‬أسرية إعالمية‬
‫تواللية‪ ،‬مالية واقتصادية‪ ،‬بيئية‪ ،‬مجالية ‪ ،‬فكرية‪ ).‬و اليت يعمد املؤلفون إىل غرسها يف ذهن األجيال‬
‫يهم الباحث‪ ،‬هو رلد حجم‬ ‫الناشئة عرب العملية التدريسية يف الفصول النظامية الدراسية ‪ ،‬و ما ُ‬
‫القيم الروحية اإلميانية –التعبدية ‪ ،‬و القيم االجتماعية الواردة يف الكتب السابقة الذكر و اليت من‬
‫املفرتض اها دور يف عملية التوال الدي ي لدى التالميذ املتمدرسني‪ ،‬سواء يف تنمية العالقة مع‬
‫ا هل(التوال العمودي ) أو تنمية العالقة مع اآلخرين (التوال العرضي أو األفقي )‪.‬‬

‫ضمت كلّها ‪ 36‬قيمة يف اجملال‬


‫فلقد جاءت هذه الكتب حمتويةً على ‪ 143‬موضوعا تربويا دينيا ‪ّ (،‬‬
‫وزع تعدادها كالتايل‪:‬‬
‫اإلمياين التعبدي ‪ ،‬و‪ 56‬قيمة يف اجملال االجتماعي) ّ‬

‫‪ 24 -‬موضوعا بالنسبة لكتاب السنة الرابعة من التعليم املتوسط‬


‫‪ 37 -‬موضوعا بالنسبة لكتاب السنة أوىل ثانوي‬
‫‪ 35 -‬موضوعا بالنسبة لكتاب السنة الثانية ثانوي‬
‫‪ 47 -‬موضوعا بالنسبة لكتاب السنة الثالثة ثانوي‬

‫واجلدول التايل يُوض تعداد و نسب املواضيع اليت تضمنتها هذه الكتب على القيّم الروحية‬
‫اإلميانية و التعبدية‪ ،‬و القيّم الدينية االجتماعية فقط ‪،‬و اليت اها عالقة مفرتضة بعملية التوال الدي ي‬
‫وباملقارنة كذلك ‪ ،‬مع حجم املواضيع الواردة فيها و احلاملة لقيم أخرى خمتلفة‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫المجموع النسبة‬ ‫السنة‪3‬‬ ‫‪ 1‬السنة‪2‬‬ ‫‪ 4‬السنة‬ ‫السنة‬ ‫كتب التربية‬


‫ثانوي‬ ‫ثانوي‬ ‫ثانوي‬ ‫متوسط‬
‫االسالمية‬

‫تعداد‬

‫المواضيع‬

‫‪% 20.97‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪07‬‬ ‫عدد المواضيع‬


‫التي تناولت‬
‫القيم اإليمانية‬
‫التعبدية‬

‫‪10.63‬‬ ‫‪37.14‬‬ ‫‪13.51‬‬ ‫‪29.16‬‬ ‫النسبة المئوية‬

‫‪% 21.67‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪07‬‬ ‫‪07‬‬ ‫عدد المواضيع ‪12‬‬


‫التي تناولت‬
‫القيم االجتماعية‬

‫‪10.63‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪18.91‬‬ ‫‪50‬‬ ‫النسبة المئوية‬

‫التعليق على الجدول ‪:‬‬

‫صص لتكريّس القيم‬ ‫يالحظ من خالل هذا اجلدول أن هناك ثالثون (‪ )30‬موضوعا ُخ ّ‬
‫اإلميانية التعبدية (الروحية) من أل مائة و ثالثة و أربعني (‪ )143‬موضوعا تربويا دينيا ‪ ،‬من لدن‬

‫‪194‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫وزارة الرتبية الوطنية يف اجلزائر‪ ،‬أي ما يعادل ‪ % 20.97‬فقط‪ ،‬إذن فالقيم اإلميانية والتعبدية املراد‬
‫إبرازها من خالل عملية االتصال عرب استعمال الكتاب املدرسي الدي ي ملادة الرتبية االسالمية‬
‫(بالنسبة للطور املتوسط) ‪،‬و العلوم اإلسالمية (بالنسبة للطور الثانوي) يف الفصول الدراسية‪ ،‬إ ّهنا‬
‫توزعت منها حسب‬ ‫تغطي فقط‪ُ ،‬مخس الربنامج املدرسي السنوي للمادة الدراسية و نيِّف واليت ّ‬
‫اجلدول السابق‪ ،‬بنسب خمتلفة عند املستويات املدروسة كتبهم وكانت غري منسجمة و غري متوازنة‬
‫املتدرج ‪ ،‬حبيث يشري اجلدول إىل نسبة ‪% 29.16‬‬
‫وغري معقولة حىت‪ ،‬ومل يراع فيها التوزيع املنطقي ّ‬
‫من القيم اإلميانية والتعبدية ُخصصت ملستوى الرابعة متوسط‪ ،‬ونسبة ‪ُ %13.51‬خصصت ملستوى‬
‫األوىل ثانوي‪ ،‬لرتتفع النسبة يف مستوى الثانية ثانوي حيث بلغت ‪ ، %37.14‬مث لتسقط بشك‬
‫حر إىل نسبة ‪ %10.63‬بالنسبة ملستوى الثالثة ثانوي‪ ،‬فالشيء املالحظ هنا‪ :‬أن تنامي عمر‬ ‫ّ‬
‫التالميذ الزم ي والعقلي‪ ،‬ال يتوافق مع تنامي الرسالة االتصالية احلاملة للقيم اإلميانية والتعبدية‪ ،‬وهذا‬
‫ما يشك خلالً مفرتضاً يف عملية " اإلشباع الروحي "‪ 1‬للتالميذ و نقص يف مستوى منسوب إمياهنم‬
‫فزهم على اخلري ‪ ،‬ألن " املتدينون يعتربون‬
‫وتبصرهم بشىت العبادات و العقائد ‪ ،‬اليت من شاهنا أن ُحت ّ‬
‫ّ‬
‫أن اخلري هو ما حيقق القرب من ا هل "‪.2‬و أن املعرفة اإلميانية الروحانية تقرب باألساس إىل ا هل‪ ،‬لذلك‬
‫ما أحوج الناشئة " إىل املعرفة عن اإلله ‪،‬مث ما أحوجنا للتوال معه"‪.3‬إذن فعملية التعاطي مع ا هل‬
‫اخلالق هي تلبية حلاجة أساسية و رمبا كانت ضرورية يف نفس اإلنسان‪ .‬و هنا تغيب الصفة التأثريية‬
‫للعملية االتصالية يف الدعوة للقيّم االميانية و التعبدية لدى التالميذ‪.‬‬

‫كما يالحظ دائما من خالل اجلدول السابق‪ ،‬أن هناك واحد وثالثون(‪ )31‬موضوعا حمموال‬
‫كرس القيّم االجتماعية‪ ،‬من بني مائة وثالثة وأربعون‬
‫على الكتب املدرسية الدينية املدروسة‪ ،‬يّ ّ‬

‫‪ 1‬نقصد باإلشباع الروحي ‪ :‬خمتلف العبادات و الشعائر الدينة و العقائد ااالميانية و املعرفة الدينية اليت يأتيها الفرد و يتبناها‬
‫فيشعر باالرتقاء و السمو الروحي ‪ ،‬و االطمئنان النفسي ‪.‬‬
‫‪ 2‬عمرو شريف‪ ،‬رحلة عق ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪108‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪109‬‬
‫‪195‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫(‪ )143‬موضوعا تربويا دينيا‪ ،‬أي ما يعادل ‪ ، % 21.67‬و اليت توزعت كما يلي يف املستويات‬
‫التعليمية املدروسة كتبهم ‪ % 50 :‬منها كانت حممولة يف كتاب السنة الرابعة متوسطة‬

‫موجهة ملستوى أوىل ثانوي‪ ،‬و ‪ %20‬منها موجهة ملستوى الثانية‬


‫ونسبة ‪ % 18.91‬منها ّ‬
‫ثانوي ‪ ،‬لتنخفض إىل ‪ % 10.63‬خمصصة للسنة الثالثة ثانوي‪ ،‬و هنا نسج كذلك عدم مراعاة‬
‫التوازن يف تنامي القيم االجتماعية اليت جيب غرسها يف أنفس التالميذ‪ ،‬بالنسبة لتدرجهم يف مسارهم‬
‫التَعليمي التَعلُ ّمي‪ ،‬األمر الذي جيع تعلّم هذه القيّم من قب التالميذ خيضع للعشوائية و االرجتالية‪،‬‬
‫وفقدان الرسالة االتصالية للفاعلية و التأثريية يف سلوك التالميذ التواللي ‪،‬و غياب الدقة‬
‫واالسرتاتيجية الواضحتني لغرسها يف أنفسهم ‪،‬و اليت من شأهنا تكوين الرغبة لديهم للتعاطي مع‬
‫اآلخرين وإقامة خمتلف العالقات االجتماعية ‪ ،‬و اجلماعات اليت ينتمي إليها التلميذ (أسرة ‪،‬أقارب‪،‬‬
‫رفقاء‪ ،‬اجملتمع احمللى‪ ،‬و العامل‪ ، ) ..‬كالتعاون و التضامن و التسام والتفاهم ‪...‬اخل ‪.‬‬

‫ّأما الشق الثاني من الدراسة َمتثَّ يف البحث عن مدى ّ‬


‫جتسد هذه القيّم ( الدينية الروحية‬
‫واالجتماعية) يف سلوك التالميذ ‪ ،‬حتقيقا للتوال الدي ي بشقيه العمودي و األفقي على التوايل‬
‫وعلى هذا األساس مت اجراء " مقابالت" مع تلميذين من ك مستوى تعليمي( ابتداءً من مستوى‬
‫السنة الرابعة من التعليم املتوسط إىل السنة النهائية من التعليم الثانوي يف ك من متوسطة و ثانوية‬
‫بلدية عمري مشال شرق مقر والية تلمسان ) ‪ ،‬حيث مت إعداد "مخطط أو دليل المقابلة" مسبقاً‪،‬‬
‫حيتوى على جمموعة من األسئلة اليت بُنيت أساسا على القيّم الروحية اإلميانية التعبدية ‪ ،‬و القيم‬
‫الدينية االجتماعية اليت تضمنتها كتاب مادة الرتبية اإلسالمية (بالنسبة للسنة الرابعة متوسط) و كتب‬
‫العلوم اإلسالمية( بالنسبة للسنوات الثالث للتعليم الثانوي) ‪ ،‬و اليت مفرتضا اها دور يف تنمية وتعزيز‬
‫عملية التوال الدي ي بشقيه العمودي والعرضي‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪-11‬تحليل نتائج المقابلة‬

‫جتسد القيم الروحية اإلميانية والتعبدية والقيم‬


‫عن طريق إجراء املقابلة ‪،‬حاول الباحث تتبع مدى ّ‬
‫الدينية االجتماعية يف سلوك التلميذ ‪ ،‬حتقيقا للتوال الدي ي (العمودي واألفقي) وذلك من خالل‬
‫الرسالة االتصالية الدينية اليت حتملها الكتب املدرسية الدينية السابقة‪ ،‬واليت يتلقاه التالميذ يف ك‬
‫من املتوسطة (مستوى الرابعة متوسط) و الثانوية (ك مستويات الثانوي)‪.‬‬

‫موضحة يف اجلداول التالية‪.‬‬


‫فكانت النتائج ّ‬

‫تجسد القيّم الروحية ‪ -‬التعبدية ‪،‬الشعائرية ‪ -‬في سلوك‬


‫‪-1-11‬الجداول الموضحة لمدى ّ‬
‫التلميذ التواصلي العمودي‪:‬‬

‫يبيّن الجدول رقم ‪ 1‬المحافظة على أداء الصالة المفروضة عند التالميذ المبحوثين‬

‫المجاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫الفئات سنة ‪ 4‬متوسط سنة ‪ 1‬ثانوي‬

‫التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة التكرار النسبة‬

‫‪25‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪11‬‬ ‫نعم‬

‫‪75‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪1 111‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ال‬

‫‪111‬‬ ‫‪8 111‬‬ ‫‪2 111‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪2 111‬‬ ‫المجموع ‪2‬‬

‫نالحظ من خالل اجلدول ن نسبة ‪ % 75‬من التالميذ املبحوثني يعزفون عن تأدية فريضة‬
‫الصالة‪" ،‬فرغم أن هذه املادة (مادة الرتبية اإلسالمية) تسم للتلميذ بأن يتعلم األركان اخلمس‬
‫لإلسالم يف السنوات األوىل من التعليم االبتدائي ‪ ،‬لتدمج بشك تدرجيي املمارسة الدينية و احملاور‬

‫‪197‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫األساسية لإلسالم مع السنوات األخرية من التعليم االبتدائي و خالل ك سنوات التعليم املتوسط"‪،1‬‬
‫يأدون الصالة ‪ ،‬و نعزو ذلك إىل منهجية تدريس هذه املادة اليت‬
‫إال أن ‪ 25‬باملائة فقط من املبحوثني ّ‬
‫الزالت قالرت على أجرأة الكفاءات اخلالة باملمارسات الدينية خالة يف التعليم الثانوي " الذي‬
‫نسج من خالل اجلدول نقص كبري جدا يف تأدية‬
‫يتم الرتكيز فيه على اجلانب املعريف" ‪ ،‬إذن ّ‬
‫‪2‬‬

‫الصالة ‪،‬كممارسة دينية ‪ ،‬و كسلوك تواللي دي ي عمودي ‪،‬و كركن أساسي من أركان اإلسالم‪.‬‬
‫من لدن املبحوثني متلقي الرسالة الدينية يف املدرسة عرب حصص مادة الرتبية و العلوم اإلسالمية‪.‬‬

‫يبين الجدول رقم ‪ 2‬حضور حلقات الذكر في المناسبات الدينية في المسجد أو الزاوية ‪،‬‬
‫كاحتفالية المولد النبوي الشريف‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫الفئات سنة ‪ 4‬متوسط‬
‫التكرار النسبة التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫نعم‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ال‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫اجملموع ‪0‬‬
‫نالحظ من خالل اجلدول أن نسبة حضور التالميذ املبحوثني واملشاركة يف حلقات الذكر‬
‫هي منعدمة‪ ،‬سواء باملساجد أو الزوايا ‪ ،‬ونفسر ذلك مبا تول إليه الباحث "جياليل املستاري" يف‬
‫دراسته التحليلية‪ ،3‬كون أن اخلطاب الدي ي للمدرسة اجلزائرية من خالل تدريس مادة الرتبية والعلوم‬

‫‪1 Benbouzid ,B ,la réforme de l’éducation en Algérie, enjeux et réalisations ,‬‬


‫‪Alger(Algérie),casbah éditions,2009 ,p53‬‬
‫‪ 2‬مركز البحث يف األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية‪ ،‬املعريف و اإليديولوجي يف الكتاب املدرسي( العلوم االنسانية يف التعليم‬
‫الثانوي)‪ ،‬اشراف حممد غامل ‪ ،‬منشورات ‪، 2012، crasc‬ص‪،139‬بتصرف طفيف جدا‬
‫‪ 3‬دراسة موسومة ب ــ‪ :‬اخلطاب الدي ي يف املدرسة اجلزائرية بني املعريف و االيديولوجي ‪ ،‬كتاب العلوم اإلسالمية يف الثانوي منوذجا ‪،‬‬
‫نُشرت يف كتاب مركز البحث يف األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية ‪ ،‬منشورات ‪2012‬‬
‫‪198‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫اإلسالمية لقد غيّب كليّا اخلطاب الصويف ‪ " ،‬على الرغم من أن اخلطاب الصويف جزء رئيس يف بنية‬
‫‪1‬‬
‫الرتاث الدي ي االسالمي و أن التصوف الشعيب ظاهرة واقعية اها حضورها يف اجملتمع اجلزائري"‬

‫يبين الجدول رقم ‪ 3‬الشعور بارتفاع منسوب االيمان في شهر رمضان ‪.‬‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫الفئات سنة ‪ 4‬متوسط‬
‫التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة‬
‫‪100‬‬ ‫‪8 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫يزداد‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ال يزداد ‪0‬‬
‫‪100‬‬ ‫‪8 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫اجملموع ‪2‬‬
‫نالحظ من خالل اجلدول أن ك املبحوثني أطبقوا على أن مستوى منسوب االميان يرتفع يف‬
‫عامة املسلمني يف اجملتمع املسلم‪ ،‬ملا لشهر رمضان من‬
‫شهر الصيام شهر رمضان ‪ ،‬و هذا هو شعور ّ‬
‫فض ‪ ،‬حيث جاء يف احلديث " عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أن الرسول صلى اهلل عليه و سلّم‬
‫‪2‬‬
‫ص ِّفدت الشياطين "‬‫قال‪ :‬إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنّة ‪ ،‬و غُلقت أبواب النّار ‪ ،‬و ُ‬
‫كما أن شهر رمضان هو شهر يصوم املسلمني هناره ‪ ،‬و يتلون القرآن يف ليله عرب املساجد و الزوايا‬
‫و يف البيوت‪ ،‬و هكذا تغذو أجواء رمضان أجواء روحانية إميانية ‪،‬يسود فيها اخلري و الصدقات‬
‫مطهرة‬
‫ليتوجه هذا الشهر بزكاة الفطر اليت تعترب يف عقيدة املسلمني ّ‬
‫والتضامن مع الفقراء واحملتاجني‪ّ ،‬‬
‫للصيام و عون للمحتاج‪ .‬وعلى هذا األساس يرى البحث‪ ،‬أن شعور التالميذ بزيادة اإلميان يف هذا‬
‫اخلالة‪ ،‬و ال عالقة للرسالة االتصالية الدينية اليت تلقوهنا‬
‫الشهر راجع اهذا األجواء اإلميانية الرمضانية ّ‬
‫يف احلرم املدرسي‪ ،‬عرب حصص مادة الرتبية و العلوم اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ 1‬مركز البحث يف األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية‪ ،‬املعريف و اإليديولوجي يف الكتاب املدرسي( العلوم االنسانية يف التعليم‬
‫الثانوي)‪ ،‬اشراف حممد غامل ‪ ،‬منشورات ‪، 2012، crasc‬و هران ‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص‪146‬إىل ‪147‬‬
‫‪ 2‬عبد العظيم بن عبد القوي املنذري ‪ ،‬خمتصر لحي مسلم ‪ ،‬مصدر سابق ص‪151‬‬

‫‪199‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫الجدول رقم ‪ 4‬يبين حرص المدرسة على تحفيظ القرآن الكريم‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة‬
‫‪100‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫ال حترص ‪2‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫حترص‬
‫‪100‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬
‫من خالل هذا اجلدول يتض لنا أن التالميذ املبحوثني أمجعوا على أن املدرسة و من خالل‬
‫حصص الرتبية و العلوم اإلسالمية سواء يف املتوسط أو الثانوي ‪ ،‬ال حترص على حتفيظ القرآن الكرمي‬
‫تول إليه "جياللي مستاري " ( باحث دائم‬‫للمتمدرسني ‪ ،‬وسبب ذلك نفهمه من خالل ما ّ‬
‫بمركز البحث في األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية ‪،‬وهران‪ ،‬الجزائر) حيث قال يف دراسته"‬
‫أننا لسنا أمام حمتوى دي ي كما جنده يف املؤسسات الدينية التقليدية ‪ ،‬مث اجلامعات اإلسالمية العتيقة‬
‫أو مدارس تكوين األئمة أو الزوايا حبيث يكون تصنيف العلوم الدينية تصنيفا كالسيكيا يشم أنواع‬
‫املعرفة الدينية من قرآن وحديث وتفسري وقراءات‪ ،‬ب حيي حمتوى كتب العلوم اإلسالمية يف الثانوي‬
‫إىل خطاب جديد حول الدين"‪ 1‬وعلى هذا االساس نستطيع القول ‪ ،‬أن التنشئة الدينية املدرسية‬
‫باجلزائر الزالت قالرة من أج تربية النشء على حتفيظ قدر كاف من كالم ا هل (القرآن الكرمي‪).‬‬
‫كمورد روحاين للتوال العمودي‪.‬‬

‫‪ 1‬مركز البحث يف األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية‪ ،‬املعريف و اإليديولوجي يف الكتاب املدرسي( العلوم االنسانية يف التعليم‬
‫الثانوي)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪200‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫الجدول رقم ‪ 5‬يبين اللجوء إلى الدعاء عند الحاجة من لدن المتمدرسين‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬

‫‪100‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫نعم‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ال‬
‫‪100‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬
‫من خالل اجلدول نالحظ أن ك التالميذ املبحوثني يلجؤون إىل "الدعاء " كممارسة دينية‬
‫خالة يف أوقات احلاجة ‪ ،‬كاملرض مثال‪ ،‬و فرتة‬
‫وآلية من آليات التوال الدي ي العمودي مع ا هل‪ّ ،‬‬
‫االمتحانات ‪،‬و خالة الرمسية منها ‪ ،‬كشهادة التعليم املتوسط ‪ ،‬و شهادة البكالوريا‪ ،‬على حد تعبري‬
‫املبحوثني ‪.‬‬

‫الجدول رقم ‪ 6‬يبين مدى قراءة القرآن باستمرار من لدن المتمدرسين‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬

‫‪25‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪01‬‬ ‫قراءة باستمرار‬
‫‪75‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫عدم القراءة‬
‫‪100‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬
‫نالحظ من خالل اجلدول السابق أن ‪ % 25‬من املبحوثني يقرؤون القرآن باستمرار يف‬
‫لرحا لنا أثناء املقابلة ‪،‬أهنما يزاوالن بانتظام حفظ‬
‫املسجد و يف بيوهتم ‪ ،‬على حد قواهما ‪ ،‬أل ّهنما ّ‬
‫مقرها بوسط بلدية عمري منذ سن التم ّدرس‪ ،‬أما نسبة‬ ‫القرآن الكرمي ‪ ،‬باملدرسة القرآنية ‪ ،‬الكائن ّ‬
‫‪ % 75‬منهم تعزف عن قراءة القرآن ‪ ،‬فال خطاب املدرسة الدي ي أثّر فيهم ‪ ،‬و ال هم مهتمني‬
‫حبفظ القرآن الكرمي باملدرسة القرآنية التابعة للبلدية‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫أي العبادات ‪ ،‬تقرب اإلنسان إلى ربه أكثر فيٍ رأي المتمدرسين‬
‫الجدول رقم ‪7‬يبين ُّ‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬

‫‪77.78‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2 33.33‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الصالة‬
‫‪11.11‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0 33.33‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫الصيام‬
‫‪11.11‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0 33.33‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫احلج‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫الزكاة‬
‫‪100‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬
‫نالحظ من خالل اجلدول أن نسبة ‪ %77.78‬من التالميذ املبحوثني يعتقدون أن فريضة‬
‫الصالة هي العبادة الوحيدة من بني باقي العبادات اليت تقربن اإلنسان إىل ا هل أكثر ‪،‬رغم أن ‪%25‬‬
‫منهم حيافظون على أدائها(كما يوض اجلدول رقم ‪ .)1‬و هذا ما يوافق أن الصالة عبادة هي يومية‬
‫ب تعداد مخس مرات يف اليوم ‪ ،‬كما أن أقرب ما يكون العبد إىل ربه ‪ ،‬و هو ساجد‪ ،‬لقوله تعاىل‬
‫(كالّ ال تطعه واسجد و اقترب‪ )..‬اآلية ‪ 19‬سورة العلق ‪.‬و معىن ذلك " فال تطعه فيما دعاك إليه‬
‫من ترك الصالة‪ ،‬واسجد واقرتب منه بالتحبب و الطاعة"‪.1‬‬

‫‪ 1‬خنبة من العلماء ‪ ،‬التفسري امليسر ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪598‬‬


‫‪202‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫الجدول رقم ‪ 8‬يبين حرص األستاذ على تحفيظ القرآن الكريم‬

‫إجابة المبحوثين‬ ‫الفئات‬

‫صرح المبحوثون أنه ال توجد حصص‬ ‫هل يحرص أستاذة مادة التربية اإلسالمية على ّ‬
‫تحفيظكم بعض السور القرآنية؟ و هل توجد مخصصة و دائمة لتحفيظهم القرآن الكريم‬
‫حصص مخصصة لتحفيظ القرآن الكريم في في حصة التربية اإلسالمية ‪،‬داخل القسم‬
‫الدراسي ‪،‬اللهم إال بعض اآليات ‪ ،‬ألنهم‬ ‫القسم‬
‫يُسألون عليها في االختبارات و الفروض‬

‫نالحظ من خالل اجلدول أن الرسالة الدينة املدرسية يف التعليم املتوسط أو التعليم الثانوي يف‬
‫اجلزائر‪ ،‬هتم جانبا مهما من ال ّدين ‪ ،‬أال و هو عدم حرله على ختريج تالميذ و يف لدورهم قدر‬
‫مهم من القرآن الكرمي حفظا على ظهر قلب‪ ،‬ألنه ألب حمتوى هذه الكتب حتم رسالة جديدة‬
‫غري تلك اليت كانت تتبناها املعاهد و اجلامعات التقليدية ‪ ،‬و الزوايا كما ذكرنا سابقا ‪ ،‬و هذا ما‬
‫يؤكده ك من "حممد العيادي" ‪ ،‬و "جياليل املستاري" من خالل دراستهما‪ ،‬فاألول يرى أن حمتوى‬
‫و الثاين يرى أن حمتوى كتب‬ ‫‪1‬‬
‫كتب العلوم اإلسالمية استحالة إىل "خطاب جديد حول ال ّدين"‬
‫العلوم اإلسالمية يف التعليم الثانوي يف اجلزائر " ال ميكن تصنيفه ضمن حمتويات العلوم الدينية‬
‫التقليدية"‪ 2‬اليت هتتم بتحفيظ القرآن ملريديها‪ .‬فيكتفي تالميذ السنة الرابعة متوسط و تالميذ التعليم‬
‫الثانوي حبفظ تلك اآليات اليت عالقة بعملية االسرتجاع أثناء االمتحانات الرمسية فقط ‪ ،‬و ال يوجد‬
‫لرح أحد املبحوثني أن التالميذ ال يهتمون مبادة الرتبية اإلسالمية ألم معاملها يف‬
‫حتفيز آخر‪ .‬كما ّ‬
‫‪1 El ayadi, M. L’école publique moderne et l’enseignement religieux, in‬‬
‫‪ouvrage collectif ,fondation du roi Abdu-aziz et la fonction Konrad Adenauer.‬‬
‫‪Enseigner la religion aujourd’hui, Actes de colloque, casablanca (Maroc), 2004,‬‬
‫‪p57‬‬
‫‪ 2‬مركز البحث يف األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية‪ ،‬املعريف و اإليديولوجي يف الكتاب املدرسي( العلوم االنسانية يف التعليم‬
‫الثانوي)‪ ،،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪142‬إىل ص ‪143‬‬
‫‪203‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫حساب النتائج الدراسية ضعيف جدا و يقدر ب ـ ـ ـ ( ‪ ) 01‬و بالتايل ال نستطيع أن نقول بأن الرسالة‬
‫االتصالية الدينية‪ ،‬ومن خالل استعمال الكتاب الدي ي من لدن التالميذ يف الفصول الدراسية يف‬
‫املستوى الرابعة متوسط و املستويات الثالث يف الثانوي أن تكون اها ليغة تأثريية يف سلوك التلميذ‬
‫التواللي العمودي ‪ ،‬ألن كالم ا هل هو الوحي هو القرآن ‪ ،‬و الذي يعترب قناة تواللية بني اإلنسان‬
‫وربه ‪ ،‬و بني ا هل و عبده‪.‬‬

‫الجدول رقم ‪ 9‬يوضح حرص أفراد األسرة على مشاهدة القنوات الدينية من أجل تعلم أمور‬
‫الدين اإلسالمي‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬

‫‪12.5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫نعم‬
‫‪62.5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ال‬
‫‪25‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪050‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫أحيانا‬
‫‪100‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬
‫نالحظ من خالل اجلدول أن نسبة ‪ % 12.5‬من املبحثني فقط من حيرلون على‬
‫مشاهدهتم القنوات الدينية‪ ،‬من اج تعلم أمور الدين‪ ،‬أم النسبة الكبرية منهم واملقدرة بـ ـ ـ ـ‪ 62.5‬ـ‪،%‬‬
‫ال يعنيهم مشاهدة القنوات الدينية‪ ،‬أما النسبة املتبقية و اليت تقدر بـ ـ ـ ـ ـ‪ % 25‬هي ليست منتظمة يف‬
‫فلما سألنا التالميذ املبحوثني عن القنوات اليت يهتمون‬
‫احلرص على مشاهدة القنوات الدينية‪ّ ،‬‬
‫مبشاهدهتا فكانت تتنوع بني الرياضية واألكشن‪ ،‬بالنسبة للذكور‪ ،‬والقنوات اخلالة بالطبخ‬
‫واملسلسالت العربية واألجنبية‪ .‬كما أضاف أحد املبحوثني أنه ال " توجد قناة دينية جزائرية مبعىن‬
‫الكلمة "‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫حوصلة‪:‬‬

‫أقروا أن الصالة هي العبادة‬


‫من خالل اجلدول رقم ‪ 6‬يتّض أن نسبة ‪ %77.78‬من املبحوثني ّ‬
‫الوحيدة من بني باقي العبادات (لوم ‪ ،‬زكاة ‪ ،‬حج) اليت من شأهنا تقوية الصلة بني اإلنسان و ربّه‬
‫لكن يف نفس الوقت أن نسبة ‪ %25‬فقط من املبحوثني من حيافظ على إقامة الصالة و ذلك من‬
‫‪ROBERT‬‬ ‫‪1‬‬
‫يفسره روبرت وانستون‬
‫خالل اجلدول رقم ‪ ،1‬و هذا التناقض يف النسب ّ‬
‫‪ WINSTON‬من خالل ُم َؤلفه ' الفطرة البشرية ' بقوله " أن احلس ال ّدي ي جزء من بنيتنا‬
‫سج يف جيناتنا‪ ،‬وأنه يرتاوح قوًة و ضعفاً من إنسان إىل آخر"‪ ، 2‬لذا جند املبحوثني‬
‫النفسية‪ ،‬وأنه ُم ّ‬
‫يقرون بدور الصالة يف تقوية الصلة مع اخلالق‪ ،‬و ذلك بناءً على معطى الشرحية النورانية‬‫أغلبيتهم ّ‬
‫يف األجساد يف بداية التكوين اخلَلقي لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫(الروح) املنفوخ ألال من روح ا هل‬

‫﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾( الحجر‪ ،) 29 :‬و نسج‬

‫أيضا من خالل الجدول رقم ‪ 2‬أن ك املبحوثني مل يسبق اهم و أن حضروا جلسة ذكر سواء يف‬
‫املسجد أو الزاوية ‪،‬أو يف مدارس حتفيظ القرآن الكرمي كاحتفالية املولد النبوي شريف مثال‪، ،‬كما‬
‫أن كلّهم يشعرون بارتفاع منسوب اإلميان لديهم يف شهر الصيام ‪ ،‬كما يف معطيات الجدول رقم‪،3‬‬

‫كما نالحظ من خالل الجدول رقم ‪ 4‬ك املبحثني ّ‬


‫لرحوا أن املدرسة و من خالل مادة الرتبية‬
‫اإلسالمية ال حترص على حتفيظهم القرآن الكرمي ‪ ،‬لكن رغم ذلك ‪ ،‬أن نسبة ‪ %25‬منهم يقرؤون‬
‫مسجلون يف املدرسة القرآنية بالبلدية‪ ،‬ويتابعون حصص مسائية من أج‬
‫القرآن باستمرار‪ ،‬كون أهنم ّ‬
‫حفظ القرآن الكرمي منذ املرحلة االبتدائية على حد قواهم‪ .‬والشيء امللفت لالنتباه أن ك املبحوثني‬
‫لرحوا أهنم يلجؤون إىل 'آلية' الدعاء‪ ،‬عندما يواجهون‪ ،‬ضيق أو أزمات أو حتقيق حاجات وذلك‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬روبرت وانستون‪ ،‬إجنليزي ولد سنة ‪1940‬يعم أستاذ و عميد معهد أمراض جراحة النساء والتوليد بلندن‪/.‬عن كتاب رحلة‬
‫عق يف هامش لفحة ‪173‬‬
‫‪ 2‬عمرو شريف ‪ ،‬رحلة عق ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪173‬‬

‫‪205‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫مرده حسب الدكتور عمرو شريف إىل أن " عالقة اإلنسان با هل عالقة‬ ‫حسب اجلدول ‪ ،6‬وهذا ّ‬
‫فطرية عاطفية"‪ ،1‬فرغم أن التلميذ ال يشعر باملسؤولية التكليفية الدينية ألداء خمتلف العبادات‬
‫والشعائر بانتظام‪ ،‬إالّ أنه يلجأ إىل ا هل يف وقت الشدة واحلاجة والضعف‪ ،‬ألنه جملوب على ذلك‬
‫فطريّا‪ ،‬بناءً على عنصر الروح الذي هو جزء ألي يف بنية اإلنسان إضافة إىل النفس واجلسد‪.‬‬

‫تجسد القيّم الروحية العقائدية واإليمانية في سلوك التلميذ‬


‫جدول رقم ‪ 11‬يبيّن مدى ّ‬
‫التواصلي العمودي‪.‬‬

‫إجابات المبحوثين‬ ‫أسئلة القيّم‬


‫ك اإلجابات كانت‪ :‬أنا مسلم‪ ،‬أو أنا مؤمن أو‪ ،‬أنتمي إىل‬ ‫معىن النطق بالشهادتني‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫تلميذين قاال ألننا مؤمنني ست(‪ )6‬تالميذ قالوا لتوحيد ا هل‬ ‫ملاذا النطق هبا يف العبادات‬
‫أربع تلميذ استطاعوا التفريق بينهما أما الباقي مل يفرقوا بني املفهومني‬ ‫الفرق بني أركان االميان و االسالم‬
‫تلميذين قاال نشعرا أن لنا إميان با هل‪ ،‬وأربعة قالوا ملضاعفة األجر‪،‬‬ ‫فائدة االميان بالقدر والقضاء‬
‫واثنان قاال الصرب‬
‫ك املبحوثني يعتقدون أن األضرحة ال تنفع وال تضر‪ ،‬وقالوا أن‬ ‫االعتقاد بأن األضرحة تنفع و تضر‬
‫فني (أي ليس اهم مستوى تعليمي‬ ‫ِ‬
‫الناس يقوموا بذلك ألهنم ُمتَ َخل َ‬
‫معترب) وليس اهم إميان قوي با هل‪ ،‬وستة منهم قالوا جيب الرتبية‬
‫االسالمية الصحيحة‪ ،‬واثنان من املستوى ‪ 3‬ثانوي قاال بال منهم‬
‫قالوا جيب الرتبية االسالمية الصحيحة‪ ،‬واثنان من املستوى ‪ 3‬ثانوي‬
‫قاال باإلضافة إىل الرتبية البد من هتدمي األضرحة اليت يزورها الناس (‬
‫أضرحة سيدي لاحل وسيدي علي الكائنني ضواحي بلدية عمري‬
‫بقرية الغاناينة)‬

‫‪1‬عمرو شريف ‪ ،‬رحلة عق ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪162‬‬


‫‪206‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫أطبق املبحوثني على أن عملية االنتحار راجعة إىل قلّة اإلميان با هل‬ ‫سبب تفشي االنتحار يف اجملتمع‬
‫تعاىل و ضعف الثقة به‪ ،‬واالبتعاد عن ا هل‪.‬‬

‫ُمخس مبحوثني مل يستطيعوا أن يفرقوا بني مفهومي التوك واالتكال‪،‬‬ ‫الفرق بني التوك و االتكال‬
‫وثالثة تالميذ فقط اسطاعوا أن يقدموا الفرق الصحي الذي درسوه‬
‫ثالثة قالوا احلصول على ثواب ا هل يوم القيامة‪ ،‬و الباقي قالوا‬ ‫مثرات االميان با هل‬
‫احلصول على الثواب و السعادة و االطمئنان يف الدنيا‬
‫أربعة قالوا "بصدق نكسب حمبة ا هل "‪ ،‬وأربعة قالوا أن "حيبنا ا هل‬ ‫مثرة الصدق مع ا هل‬
‫مثرات التأم يف الكون من مساء وما حوت والناس"‬
‫أقرو مثرة التأم هذه هي دلي أن اهذا الكون خالق ‪.‬‬
‫من كواكب وجنوم‪ ،‬واألرض وما حوت على ك املبحوثني ّ‬
‫جبال و حميطات ونبات وحيوان‪ ..‬اخل‬

‫نالحظ من خالل هذا اجلدول أن ك املبحوثني يشعرون باالنتماء إىل الدين اإلسالمي‬
‫رغم أن اثنني منهم ال زالوا مل يتمثّلوا مدلول الشهادتني يف خمتلف العبادات‪ ،‬ومها نفسهما مل يستطيعا‬
‫التمييز بني أركان اإلسالم و أركان االميان ‪ ،‬كما أن مخساً منهم مل يستطيعوا التمييز أيضا بني التوك‬
‫واالتكال ‪،‬لكن رغم ذلك ‪،‬ك املبحوثني يعتقدون أن لإلميان بالقدر و القضاء فائدة سواء شعورا‬
‫التمرن على الصرب على حد قواهم ‪.‬كما أن املبحوثني أطبقوا على أن‬
‫باإلميان‪ ،‬أو ملضاعفة األجر‪ ،‬أو ّ‬
‫ظاهرة االنتحار يف اجملتمع ناجتة عن قلّة اإلميان با هل ‪ ،‬و تزعزع الثقة بشك رهيب بني اإلنسان وا هل‪،‬‬
‫يفسـ ـ ــر‪ ،‬بـ ـ ــأن الشعور الروحي و الدي ي ‪ ،‬والتعام مع املفاهيم العقائدية‬
‫إىل درجة اليأس وهـ ـ ـ ــذا ما ّ‬
‫الغيبة عند املبحوثني ناتج عن فطريّة ال ّدين عند االنسان املطلق ‪،‬و عن "شرحية" الروح النورانية اليت‬
‫نفخها ا هل يف اإلنسان بعد تسويته‪ .‬ففي عام ‪ 2004‬م ‪،‬عرضت جملة تامي ‪ TEME‬يف العدد ‪25‬‬
‫" موضوعا مهما بعنوان 'جين األلوهية' ‪ ،GENE DE ALLAH‬ويدور هذا الموضوع‬
‫حول أن الشعور باإلله والرغبة في التوجه إليه بالعبادة‪ ،‬وكذلك الشعور بوجود النعيم والعذاب‬

‫‪207‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫في حياة أخرى‪ ،‬بعد الموت ‪ ،‬أمور فطرية عند البشر في كل الحضارات عبر التاريخ و عبر‬
‫الجغرافيا "‪ ،1‬إذن هناك عالقة بني بيولوجيا االنسان و استعداده للتدين ‪،‬حيث أن هناك جني‬
‫يعرف باسم "‪، VMAT2‬هذا الجين مسؤول عن تكوين ناقل كيميائي بالمخ يعرف باسم‬
‫‪ vesicular monamine transporter‬وهو مسؤول عن تجديد مستوى عدد‬
‫من الناقالت الكيميائية التي تنظم عمل المخ ( السيروتونين – الدوبامين – النورأدرينالين )‪،‬‬
‫كما أنه له دورا في توجيه مراكز المخ المسؤولة عن المشاعر الروحية و المفاهيم الغيبية‪،2".‬‬
‫و على هذا األساس البيولوجي الدي ي الذي يتمتع به اإلنسان ‪ ،‬جند أن املبحوثني يقولون أن مثرة‬
‫اإلميان با هل و الصدق معه ‪ ،‬جيلب لنا الثواب منه تعاىل ‪ ،‬و جيع حياتنا سعيدة و مطمئنة ‪ ،‬كما‬
‫جيلب لنا حب ا هل و الناس‪ ،‬لكن على مستوى االمتثال لتعاليم الدين اإلسالمي ‪،‬و بناء على ما‬
‫يتلقاه التالميذ من رسالة اتصالية تربيوية إسالمية ( القيّم اإلميانية والتعبدية) يف املدارس‪ ،‬و بناء على‬
‫أرقام الجداول رقم( ‪ ) 8 ،7 ،6 ،5 ،4 ،3 ،2 ،1‬ال ميكننا تأكيد االلتزام بالفرائض الدينية من‬

‫قب املبحوثني ويف مقدمتها الصالة‪ ،‬ومن خالل الجدول رقم ‪ 11‬ال نلحظ و ال نلمس ً‬
‫فهما‬
‫كافياً للقيّم اإلميانية العقائدية لديهم دائما‪ ،‬وهنا نستطيع القول أن رغم توفر االستعداد الفطري‬
‫البيولوجي لتدين اإلنسان و قبوله التعاطي مع ا هل ‪ ،‬و مع املفاهيم املتعلقة بالغيب ‪،‬إال أنّه ال ميكنه‬
‫وسليم كام ‪ ،‬إال بالرتبية الروحية السليمة والشاملة ألركان الدين‪.‬‬ ‫أن يص إىل تدين لحي‬
‫والتأمل‬
‫فاإلنسان" يستطيع أن يصيرا أفضل عقليّا و روحيّا بالتدريبات العقلية والروحية‪ ،‬كالتف ّكر ّ‬
‫والصالة‪ ،‬ومجاهدة النفس تماما كما يبني جسمه بالتمارين الرياضية‪3".‬و هكذا يص اإلنسان‬
‫إىل بناء عالقة لحي و دائمة مع ا هل لتحقيق الرضا والسعادة‪ ،‬وختفيف معاناة احلياة‪ ،‬و الفوز بنعيم‬
‫احلياة األبدية بعد املوت‪.‬‬

‫‪ 1‬عمرو شريف ‪ ،‬رحلة عق ‪ ،‬مصدر سابق ص ‪176‬‬


‫‪ 2‬مصدر نفسه ‪ ،‬يف هامش لفحة ‪177‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص‪179‬‬
‫‪208‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫ضح مدى تجسد القيّم الدينة االجتماعية في سلوك التلميذ التواصلي‬


‫‪-2-11‬جداول تو ّ‬
‫العرضي‬

‫جدول رقم ‪ 11‬يبيّن حال العالقات بين أفراد األسرة‬

‫نوع إجابة المبحوثين (تالميذ ‪ 4‬متوسط‪ ،‬و تالميذ التعليم‬ ‫الفئات‬


‫الثانوي)‬ ‫السؤال حول‬
‫القيم االجتماعية‬
‫أمجع املبحوثني على أن العالقات بني أفراد األسرة سيّئة ‪ ،‬و ليست‬ ‫حال العالقات بني أفراد االسرة‬
‫على أحسن حال‪ .‬فقط واحد منهم قال العالقات حسنة و احلمد‬
‫ هل‪.‬‬
‫لرح املبحوثون أن ذلك يكون بالتفاهم والتحاور عند حدوث‬
‫كيفية بناء عالقات جيدة بني الوالدين على ّ‬
‫املشاك ‪ ،‬و التعاون وقال أحد املبحوثني جيب أن ك طرف يدعم‬ ‫دروس الرتبية االسالمية‬
‫اآلخر ‪.‬‬
‫التأثريات السلبية على األبناء عند انعدام أطبق املبحوثون أن األبناء يف هذه احلالة يصابون بأمراض نفسية‪ ،‬و‬
‫يفشلون يف حتقيق النجاح خالة يف الدراسة على حد تعبري مبحوث‬ ‫احلوار بني الوالدين‬
‫يف املستوى ‪ 3‬ثانوي‬
‫ممارسة الشعائر الدينية بني أفراد األسرة ‪ .‬و اتفق املبحوثون على أن ممارسة الشعائر الدينة مجاعية بني أفراد‬
‫األسرة من شأنه أن يوطد العالقة بينمه ‪ ،‬كما أضافوا أن هذا غري‬ ‫ه هذا حال اليوم‬
‫حال اليوم‬
‫كيف حنص على عالقة متينة بني أفراد ثالثة مبحوثني قالوا جيب على الوالدين توجيه األبناء إىل الصواب ‪،‬‬
‫و تربيتهم إسالميّاً ومخسة منهم قالوا جيب أن تبىن األسرة على‬ ‫األسرة‬
‫التفاهم واحلوار و التعاون و مساعدة ك واحد اآلخر‬
‫نالحظ من خالل اجلدول أن إجابات املبحوثني خطرية ج ّدا ‪ ،‬و حتم دالالت معينة جيب‬
‫تفكيك شفرهتا ‪ ،‬و جيب الوقوف عندها ‪ ،‬فعندما يقول التلميذ (ة) املبحوث(ة) (تلميذ التعليم‬
‫‪209‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫املتوسط ‪ ،‬و الثانوي) يا "أستاذ "‪ ،‬إن العالقات األسرية اليوم ‪،‬هي مف ّككة ‪ ،‬و ليست على أحسن‬
‫ما يرام ‪ ،‬فكيف ميكن لنا أن نتصور مستقب النمو االجتماعي اهذا التلميذ أو اهذه التلميذة ‪ ،‬فعندما‬
‫ينشأ الطف يف هكذا ظروف ‪ ،‬تضمر يف نفسه العاطفة االجتماعية و ترتاجع و يُرجع الدكتور‬
‫عبدالكرمي بكار هذا الوضع إىل عدم احلوار بني أفراد األسرة حيث يقول ‪ ":‬الشك أن كثيرا من‬
‫األسر تتحاور في أشياء كثيرة و بطريقة جيدة ‪ ،‬لكنها – مع األسف‪ -‬ال تشكل سوى نسبة‬
‫ضئيلة"‪ ،1‬و يوال الدكتور كالمه أن " الذي يحدث في البيوت غالبا ليس حوار ‪ ،‬و إنما هو‬
‫جدال و مناوشة كالمي ‪ ،‬ليس إالّ" ‪ 2‬فيضطر أفراد األسرة إىل وجود بدائ عن انسدادهم األسري‪،‬‬
‫حيث "إن كثير من المراهقين و المراهقات قد يئسوا من تواصل أسرهم معهم ‪ ،‬و بحثوا عمن‬
‫يشكون إليه همومهم ‪ ،‬و من يثري عواطفهم ومشاعرهم‪ ،‬و قد وجدوا ذلك على شبكة‬
‫‪3‬‬
‫األنترنت"‬

‫أما عن كيفية بناء عالقات جيدة بني الوالدين على ضوء دروس الرتبية االسالمية اليت يتل ّقاها‬
‫التالميذ يف القسم‪ ،‬أجاب املبحوثون ‪ ،‬أنه جيب أن تبىن بالتفاهم ‪ ،‬و التحاور خالة عند حدوث‬
‫املشاك ‪ ،‬والتعاون‪ ،‬و رّكز أحدهم حبد القول ‪:‬يجب على كل على طرف أن يدعم اآلخر‪ ،‬ألنه‬
‫عندما ينعدم احلوار بني الوالدين ‪ ،‬ينعكس ذلك بالسلب على األبناء ‪ ،‬فكما اخربنا ثالثة من‬
‫لرح آخرون أن األبناء قد يفشلون يف حتقيق النجاح يف‬
‫املبحوثني أهنم يصابون بأمراض نفسية‪ ،‬كما ّ‬
‫لرح أحد املبحوثني يف مستوى الثالثة ثانوي ‪ ،‬أن‬
‫حياهتم ‪،‬خالة يف التحصي الدراسي ‪ ،‬كما ّ‬
‫زميال له‪ ،‬ترك مقاعد الدراسة ‪،‬عندما حدث الطالق بين الوالدين للتكفل بأمه وإخوته على حد‬
‫قول المبحوث على حد قول المبحوث على هامش المقابلة‪ .‬أما يف ما خيص ممارسة الشعائر‬

‫‪ 1‬عبدالكرمي بكار ‪ ،‬التوال األسري ( كيف حنمي أسرنا من التفكك)‪ ،‬دار السالم للنشر و القراءة‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ، 2009‬ص‪9‬‬
‫‪ 2‬مرجع نفسه ‪،‬ص‪12‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪210‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫التطوع ‪...،‬اخل‪،‬‬
‫الدينية بني أفراد األسرة يف املنزل مجاعيا ‪،‬كإقامة الصالة ‪ ،‬و الدعاء اجلماعي وليام ّ‬
‫قال املبحوثون ‪ ،‬أن هذا فعال ‪،‬من شأنه أن يُوطّد العالقة بني اجلميع‪ ،‬لكن هذا غائب يف األسر‬
‫متاما‪ ،‬على ح ّد قول املبحوثني‪.‬‬

‫وعن سؤال ‪:‬كيف حنص على عالقة متينة بني أفراد األسرة ‪ ،‬اخربنا املبحوثون أنه ‪:‬يجب على‬
‫الوالدين توجيه األبناء إلى الصواب ‪ ،‬و تربيتهم تربية إسالمية ‪ ،‬و منهم من قال يجب أن تُبنى‬
‫األسرة على التفاهم و الحوار و التعاون و مساعدة كل واحد منها لآلخر‪.‬‬

‫جدول رقم ‪ 12‬يبيّن حال العالقات مع اآلخرين خارج نطاق األسرة‬

‫إجابة التالميذ المبحوثين‬ ‫الفئات‬

‫انعكاس العاقات األسرية الجيدة قال المبحوثون أن العالقات األسرية الجيّدة تعود بالنفع‬
‫على العالقة مع األقارب ‪ ،‬والجيران على األقارب‪ ،‬أما على الجيران تنعكس باإليجاب أحيانا‬
‫عامة أيضا تنعكس‬
‫فقط‪.‬أما على أفراد المجتمع ّ‬ ‫عامة‪.‬‬
‫وأفراد المجتمع ّ‬
‫باإلجاب وحينها نستطيع بناء مجتمع مزدهر وصالح‬
‫يضيف أحد المبحوثين ‪.‬‬

‫من خالل هذا اجلدول نفهم من خالل أجوبة املبحوثني أن كلّما كانت العالقة األسرية‬
‫جيدة و متينة ينعكس ذلك باإلجاب على األقارب ‪ ،‬و على اجلريان و على اآلخرين من اجملتمع‬
‫الذي نتواجد فيه ‪ ،‬ب ال ميكن للمجتمع أن يتطور و يزدهر‪ ،‬إال يف ظ توال أسري ّقوي وجيّد‬
‫ومستمر ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫جدول رقم ‪ 13‬يبيّن المحافظة على زيارة األقارب (صلة الرحم)‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬

‫‪14.26‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫نعم‬
‫‪57.14‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ال‬
‫‪28.60‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫أحيانا‬

‫‪100‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬

‫من خالل اجلدول نالحظ أن نسبة ‪ %57.14‬من املبحوثني ال حيافظون على زيارة أقارهبم‬
‫ونسبة ‪ %14.26‬منهم من يواظبون على ول أقارهبم ‪ ،‬أما نسبة ‪ %28.60‬ال يداومون على‬
‫زيارة أقارهبم‪ ،‬و يرجع أحد املبحوثني السبب إىل تكنولوجيا االتصال احلديثة التيقلت من اإللتقاء‬
‫احلقيقي بني األقارب ‪ ،‬و يكتفون يف الغالب بااهاتف أو الفيس بوك ‪،‬أو التويرت ‪،‬أو السكايب‬
‫يضيف املبحوث ‪...‬اخل‪ ،‬و الغريب يف األمر أن مجيع الدروس اليت يتلقاه تالميذ التعليم الثانوي يف‬
‫مادة العلوم اإلسالمية ضمن ملف القيم األسرية و االجتماعية ‪ ،‬خالية متاما من تناول قيمة" صلة‬
‫الرحم" و الذي هو من للب القيم األسرية و االجتماعية ‪،‬و اليت من شأهنا أن تؤسس للتوال‬
‫االجتماعي األسري ‪ ،‬أما مستوى السنة الرابعة متوسط يف الصفحة ‪ 55‬من كتاهبم يتناول قيمة للة‬
‫الرحم معنا و حكما و فضال و ثوابا و فائدة‪ .‬و اليت يرى البحث غري كافية خللق تأثري يف سلوك‬
‫التلميذ التواللي االجتماعي‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫جدول رقم ‪ 14‬يبيّن حال العالقات بين األقارب‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬

‫‪57.14‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫حسنة‬
‫‪42.86‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫سيئة‬
‫‪100‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬

‫من خالل اجلدول نالحظ أن النسبة املرتفعة من املبحوثني هي من تصف العالقات بني‬
‫األقارب أهنا جيّدة و اليت تقدر ب ـ ـ ــ‪ ، %57.14:‬و ترى نسبة ‪ %42.86‬من البحوثني أن سوء‬
‫العالقات بني األقارب سببه ‪ ،‬عدم معرفة مثار للة الرحم اليت أمر به ا هل ‪.‬و هذه النسب تعكس‬
‫طبيعة اجملتمع الريفي اليت تطغي عليه العضوية و التضامن‪ ،‬أكثر منه من اجملتمعات اآللية و الذي‬
‫ينتمي إليه أفراد عينة البحث‪.‬‬

‫‪ -‬كيف نحصل على عالقة و روابط جيدة بين األقارب ‪.‬‬

‫تباينت إجابة املبحوثني‪ ،‬حبيث أ ّكد تلميذا التعليم املتوسط‪ ،‬تتشك العالقات اجليدة بني‬
‫سرح تالميذ التعليم‬
‫األقارب من جراء الزيارات وتفقد أحوال أقاربنا‪ ،‬ومساعدة احملتاجني منهم‪ ،‬كما ّ‬
‫الثانوي أنه لعب يف بناء عالقات جيدة‪ ،‬وعلى حد تعبري أحدهم ‪:‬أمر غري ممكن أن تكون عالقات‬
‫جيدة بني األقارب يف الوقت احلايل‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫جدول رقم ‪ 15‬يبيّن حال العالقات بين التالميذ‪.‬‬

‫إجابة المبحوثين‬ ‫السؤال‬

‫فائدة الكالم الطيّب و العم الصاحل يف متتني العالقة أطبق املبحوثني أنه يعود بالفائدة على ربط عالقات‬
‫متينة بني الزمالء‪ ،‬و تتعدى هذه العالقة إىل خارج‬ ‫بني التالميذ‪ ،‬سواء داخ املدرسة أو خارجها‬
‫املدرسة‬

‫وجود تالميذ يتامى ‪ ،‬و ماهي اجلّهة اليت يتلقون منها نعم يوجد تالميذ يتامى أو معوزين و يتلقون‬
‫املساعدة من زمالئهم‪ ،‬و من بعض األساتذة و من‬ ‫املساعدة يف املدرسة؟‬
‫إدارة املدرسة‪.‬‬
‫أقر ك املبحوثني أن أمر التعاون حال بينهم ‪ ،‬ومن‬
‫تعاون التالميذ يف ما بينهم؟ سواء داخ املؤسسة ّ‬
‫أشكاله‪ ،‬إجراء الفروض والتمارين املنزلية‪ ،‬وتبادل‬ ‫التعليمية أو خارجها‬
‫بعض األدوات البيداغوجية كالكتب الرمسية وغري‬
‫الرمسية وألبسة الرياضة‪.‬‬

‫دور ااهيئة احلسنة و املظهر الالئق للتلميذ كأساس اختلف املبحوثون منالفة يف هذا السؤال فأربعة‬
‫منهم يرون أن للهيئة و املظهر احلسنني ن دور يف بناء‬ ‫لربط العالقة بني التالميذ‬
‫الصداقات‪ ،‬واألربعة الباقية قالوا أن املظهر وااهيئة‬
‫وإن كان ال بد منهما فتبقى غري كافية لتمتني‬
‫الصداقات بني التالميذ‬

‫تفاع التالميذ مع التلميذ املتكرب؟ أو الذي يعيش يف هكذا كانت إجابة املبحوثني ‪:‬ال‬
‫رفاهية‬

‫و يفسد‬ ‫املبحوثني أن هذا حال‬ ‫تأثر سوء الظن ‪ ،‬و الغيبة و النميمة والتجسس بني أمجع ك‬
‫الصداقات ‪.‬‬ ‫التالميذ على الصداقة بينهم‬

‫‪214‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫من خالل اجلدول يتض أن العم الصاحل و الكالم الطيّب ‪ ،‬بني التالميذ ضروري لربط‬
‫العالقات االجتماعية بني األفراد ‪ ،‬داخ املؤسسة التعليمية ‪ ،‬و كذلك يتعدى إىل خارجها‪ ،‬و هذا‬
‫ما أطبق عليه ك املبحوثني ‪ّ ،‬أما يف ما خيص مساعدة التالميذ اليتامى أو املعوزين يف املؤسسة الرتبوية‬
‫قال املبحوثني أهنا موجودة سواءً من زمالئهم التالميذ ‪ ،‬أو اإلدارة و حىت األساتذة‪ ،.‬أما يف ما خيص‬
‫أقر املبحوثون أهنم قائم بينهم ‪ ،‬و يف أغلبيته التعاون املتعلق بالدراسة‬
‫تعاون التالميذ يف ما بينهم ‪ّ ،‬‬
‫كإجراء الفروض و الواجبات املنزلية مع بعض ‪ ،‬سواء يف املؤسسة الرتبوية أو يف بيوهتم ‪ ،‬كما ميكن‬
‫أن يتعدى التعاون إىل استعارة ألبسة الرياضة على حد تعبري املبحوثون ‪ ،‬أم يف ما خيص دور ااهيئة‬
‫احلسنة و املظهر الالئق يف توطيد العالقة بني التالميذ قد اختلف املبحوثون يف ذلك ‪،‬منالفة‬
‫فأربعة منهم يرون أن للهيئة و املظهر احلسن دور يف بناء الصداقات ‪ ،‬و األربعة الباقية قالوا أن‬
‫املظهر و ااهيئة و إن كان ال بد منهما فتبقى غري كافية لتمتني الصداقات بني التالميذ‪ ،‬أما يف ما‬
‫خيص التلميذ املتكرب ‪ ،‬أو الذي يعيش يف ترف فاحشن قد أطبق املبوحثني ‪ ،‬أن ال عالقة معه‪ ،‬و يف‬
‫احلقيقة أن جمتمع التالميذ مبتوسطة و ثانوية " بلدية عمري" ال يوجد هبا مث هؤالء التالميذ ‪ ،‬كون أن‬
‫مجيع التالميذ قادمون من مناطق ريفية ‪ ،‬فالحية ‪ ،‬تابعة إلقليم بلدية عمري و هي ( عمري‪ ،‬الغناينة‪،‬‬
‫العزايزة ‪ ،‬غول مياس‪ ،‬الشاليدة ‪ ،‬أوالد أعلى ‪ ،‬بن قالل) ‪ ،‬كما أقر التالميذ املبحوثون أن سوء الظن‬
‫تُأثر سلباً على الصداقة بينهم‪ ،‬و حيدث‬ ‫و الغيبة و النميمة و التجسس بني التالميذ كلها عوام‬
‫التنافر و ااهجران ‪ ،‬ألن " اخلطيئة تؤدي إىل االنفصال "‪ 1‬و الغريب يف األمر لقد أ ّكد املبحوثون أن‬
‫هذا حال و بقوة يف املؤسسة الرتبوية و يُفسد الصدقات ‪ ،‬فهنا تكم عملية الرتبية الدينية يف تنمية‬
‫الذات اإلنسانية على األخالق النفسية الفاضلة ‪.‬‬

‫‪ 1‬يوهان كريستوف أرنولد ‪ ،‬اجلنس ‪ -‬ا هل –و الزواج ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪41‬‬


‫‪215‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -‬حال عملية التواصل في المجتمع الذي نعيش فيه ‪:‬‬

‫جدول رقم ‪ 16‬يبين مشاركة التالميذ في عمليات التضامن و التعاون في الدائرة االجتماعية‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 4‬متوسط‬ ‫الفئات‬
‫النسبة‬ ‫التكرار‬ ‫التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة‬ ‫النسبة‬ ‫التكرار‬

‫‪50‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫نعم‬
‫‪50‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ال‬
‫‪100‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اجملموع‬

‫نالحظ من خالل هذا اجلدول إن نسبة ‪ % 50‬من املبحوثني يتضامنون و يتعاونون يف ما‬
‫بينهم يف حييهم ‪ ،‬و ‪ % 50‬منهم ال يشاركون ‪ ،‬و يف احلقيقة هذا الرقم األخري ميث نسبة‬
‫املبحوثات ‪ ،‬ألن طبيعة اجملتمعات الريفية تأىب مشاركات اجلنس األنثوي يف العم التطوعي ‪ ،‬فلقد‬
‫عربت إحدى املبحوثات باحلرف الواحد‪ :‬الحظت ذات يوم من أبناء الحي يتعاونون‪ ،‬بحيث كانوا‬
‫ّ‬
‫يقومون بعملية النظافة و الطالء لألرصفة و أشجارها‪.‬‬

‫أما حول نوع التضامن و التعاون الذي يقوم به األفراد ‪ ،‬يضيف املبحوثني يكون حول نظافة‬
‫احمليط ‪ ،‬وتنظيف املقربة‪ ،‬و توزيع ألبسة العيد على احملتاجني ‪ ،‬و أضحيات العيد‪ ،‬و توزيع األدوات‬
‫نفسره مبا ذهب إليه "جاردنر"حول تقسيماته للذكاء ‪ ،‬و اليت كان من أنواعها "‬
‫املدرسية ‪،‬و هذا ّ‬
‫ذكاء العالقة مع اآلخرين " الذي " يتضمن التمكن من التعرف على مشاعر و دوافع و نوايا‬
‫اآلخرين و التعامل معهم و غالبا ما يتمتع بهذا النوع من الذكاء الناجحون ن السياسيين‬
‫‪1‬‬
‫ومديري اإلعالنات و محترفي التسويق و المعالجين النفسيين و المدرسين"‬

‫‪ 1‬عمرو شريف و نبي كام ‪،‬املخ ذكر أو أنثى‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية ‪ ،‬مصر اجلديدة ‪ ،‬ط يناير ‪،2011‬ص ‪38‬‬
‫‪216‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫‪ -‬األسباب التي تجعل األفراد يتضامنون في ما بينهم و يتعاونون ‪:‬‬

‫لقد أجاب مخسة من املبحوثني أن سبب التضامن و التعاون بني أفراد اجملتمع يرجع إىل كسب‬
‫األجر من ا هل‪ ،‬كما أجاب الثالثة اآلخرون أن السبب راجع إىل الشعور مبعاناة اآلخرين و الشفقة‬
‫عليهم‪ ،‬ويرجع كال من "بيرت سالويف" و"جون ماير" منبع هذا الشعور إىل الذكاء االنفعايل‬
‫(العاطفي)‪ ،‬فعلى املستوى االجتماعي يتضمن هذا الذكاء " قدرة الفرد على فهم مشاعر اآلخرين‬
‫وتوقع ردود أفعالهم‪ ،‬ويتضمن أيضا المهارات االجتماعية الالزمة لبناء عالقات جيدة‬
‫‪1‬‬
‫باآلخرين"‬

‫‪ -‬كيف يؤثر انحراف الشباب و إجرامه على الروابط بين الناس‪:‬‬

‫أطبق املبحوثون على احنراف الشباب و إجرامه يؤثر تأثريا سلبيا على الروابط االجتماعية ‪ ،‬ويضر‬
‫هبا ‪ ،‬إلى أن تصل هذه الروابط إلى التفكك‪ ،‬على حد تعبري أحدهم ‪.‬‬

‫‪ -‬حال التواصل بين المجتمعات و الدول‪:‬‬

‫جدول رقم ‪17‬يبين مدى اهتمام التلميذ بأخبار الدول و المجتمعات‪.‬‬

‫اجملاميع‬ ‫سنة ‪ 3‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 2‬ثانوي‬ ‫سنة ‪ 1‬ثانوي‬ ‫الفئات سنة ‪ 4‬متوسط‬
‫التكرار النسبة التكرار النسبة التكرار النسبة‬ ‫التكرار النسبة التكرار النسبة‬
‫‪12.5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫نعم‬
‫‪87.5‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪1 100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ال‬
‫‪100‬‬ ‫‪8 100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2 100‬‬ ‫اجملموع ‪2‬‬

‫‪ 1‬عمرو شريف و نبي كام ‪،‬املخ ذكر أو أنثى‪ ،‬مرجع سابق ص ‪40‬‬
‫‪217‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫نالحظ من خالل اجلدول أن نسبة ‪ %87‬و هي األغلبية الساحقة من املبحوثني الذين ال يلقون‬
‫باالً ألخبار العامل ‪،‬و نسبة ‪ % 12.5‬فقط من يتابع أخبار العامل ‪.‬‬

‫‪ -‬أما حول السؤال الذي تناول قضية التفاهم و الوحدة بين الدول العربية أجاب املبحوثون‬
‫أهنا غائبة وغري متفامهني‪ ،‬ومل يستطيع املبحوثون توضي سبب هذه التفرقة وعدم التفاهم‪،‬‬
‫فقط مبحوثني من السنة الثالثة ثانوي‪ ،‬ارجعا السبب إىل تضارب املصاحل‪ ،‬وتدخ الدول‬
‫العظمى كأمريكا على حد قواهما‬

‫‪ -‬أما يف ما خيص كيف يمكن بناء عالقات قوية بين المجتمعات العربية ‪،‬أجاب ثالثة‬
‫مبحوثني فقط‪ ،‬وقالوا البد من االلتزام بالدين اإلسالمي‪ ،‬وتربية األجيال تربية إسالمية‬
‫لحيحة‪.‬‬

‫‪ّ -‬أما حول المبادئ التي يجب أن تركيز عليها دول العالم لها التعامل و التفاعل مع‬
‫بعضها ‪ ،‬أجاب ثالثة مبحوثني" بالتعاون و السلم "‪ ،‬و اثنان آخرين أجابا "باألخوة "وثالثة‬
‫آخرين أجابوا "بالعدالة و السلم و جتنب القت "‪.‬‬

‫حوصلة‪:‬‬

‫يف ما خيص اجلزء الذي تناوله البحث‪ ،‬والذي كان يدور حول مدى جتسد القيّم الدينية‬
‫االجتماعية يف سلوك التالميذ التواللي األفقي (االجتماعي)‪ ،‬والذي كان عن طريق طرح أسئلة‬
‫احملضرة مسبقاً‪ ،‬و اليت حددت على أساس القيّم الدينية األسرية و االجتماعية املتضمنة يف‬
‫خمتارة ‪ ،‬و ّ‬
‫كتب الرتبية والعلوم اإلسالمية (املعنية بتحلي حمتواها سابقا)‪ ،‬واملفرتض أهنم تناولوها مع مدرسيهم‬
‫يف الفصول الدراسية‪ ،‬فنستطيع القول أن التوال األفقي بني التالميذ سواء يف أسرهم أو مع أقارهبم‬
‫أو مع األفراد اآلخرين من اجملتمع ‪ ،‬يبقى هشاً‪ ،‬و ليس ذو ركائز تربوية دينية ‪ ،‬ب يف الغالب له‬
‫بواعث عاطفية بيولوجية أو أرضية ِخلقية (الفطرة)‪ ،‬فال زالت الرتبية اإلسالمية اليت تقدم يف املدارس‬
‫‪218‬‬
‫حتليل حمتوى كتب الرتبية اإلسالمية‬ ‫الفصل اخلامس‬

‫(على األق املستويات املدروسة) قالرة على تنشئة األفراد على قيّم تربوية دينية اجتماعية من شئنها‪،‬‬
‫توطد خمتلف العالقات االجتماعية ابتداء من داخ األسرة إىل العامل ‪ ،‬ألن "دور التنشئة و التربية‬
‫في التمسك بالمفاهيم الدينية ال ينكره منصف "‪ ،1‬فإذا طُرح السؤال "عن أيّهما أهم في تشكيل‬
‫سلوك اإلنسان‪ ،‬العوامل البيولوجية الطبيعية أما العوامل التربوية المكتسبة‪ ،‬تماما كالسؤال عن‬
‫مكون أساسي له تأثره‬
‫أيّهما أكثر تأثرا في حجم جسم ما‪ ،‬طول جسمه أم عرضه ؟ فكالهما ّ‬
‫المباشر على المحصلة النهائية "‪ ،2‬و من هنا تغدو الرتبية الدينية عام مهم يف التنشئة ب هي‬
‫جوهرها على حد قول ألفريد نورث وايهتد‪.‬‬

‫‪ 1‬عمرو شريف ‪ ،‬رحلة عق ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪204‬‬


‫‪2‬عمرو شريف و نبي كام ‪،‬املخ ذكر أو أنثى‪ ،‬مرجع سابق ص‪103‬‬
‫‪219‬‬
‫اخلامتة‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫بعد هناية هذه الدراسة حول ‪ ":‬التربية الروحية كآلية للتواصل الدينية " توصلنا إىل‬
‫استخراج جمموعة من النتائج‪ ،‬و التايل حاولنا قدر املستطاع اإلجابة عن سؤايل البحث ‪ ،‬و حتديد‬
‫فرضياته واليت كانت يف األصل عبارة عن توقعات قبلية ‪ ،‬و متثلت النتائج يف ما يلي‪:‬‬

‫تبقى مناهج الرتبية اإلسالمية يف اجلزائر ‪ ،‬تعاين من نقص يف درجة تضمني القيم الروحية‬ ‫‪-1‬‬
‫(اإلميانية –التعبدية) و القيم الدينية االجتماعية ‪ ،‬حبيث تضمنت ستة و ثالثون‬
‫( ‪ )36‬موضوعا تناول القيم اإلميانية و التعبدية ‪ ،‬و ‪ 56‬موضوع تناول القيم االجتماعية‬
‫(‪)143‬‬ ‫بالنسبة للمستويات التعليمية األربع‪ ،‬وهذا كله من بني مائة و ثالثة و أربعون‬
‫موضوعا دينيا ‪ ،‬و هذا يف تقدير البحث غري كاف و بكثري يف أربعة مستويات تعليمية يف‬
‫أوج سن املراهقة‪.‬‬
‫ّ‬

‫إن احملتوى الديين للكتب املدروسة و اخلاصة بالرتبية و العلوم اإلسالمية‪ ،‬ليس حمتوى‬ ‫‪-2‬‬
‫ديين كثيف (سواء يف احلجم الساعي أو حول غزارة املواضيع) كالذي الذي نراه يف الزوايا‬
‫ومدارس تكوين األئمة ‪ ،‬و مدارس حتفيظ القرآن الكرمي‪ .‬أو املعاهد اإلسالمية‪ ،‬أو‬
‫الكتاتيب سابقا‪.‬‬

‫إن الرسالة الدينية االتصالية اليت حتملها كتب الرتبية و العلوم اإلسالمية ‪ ،‬تفتقد للصيغة‬ ‫‪-3‬‬
‫التأثريية يف فكر التلميذ العقائدي ‪،‬و يف سلوكه التواصلي بشقيه العمودي و األفقي‬

‫أن تالميذ التعليم املتوسط( مستوى الرابعة متوسط) و تالميذ التعليم الثانوي يف اجملتمع‬ ‫‪-4‬‬
‫اجلزائري ‪ ،‬ال ينضوون على قدر كاف من املبادئ أو القيم الروحية ‪ ،‬و خاصة الشق‬
‫املرتبط باملمارسة الدينية كالعزوف عن الصالة ‪ ،‬و على هجر القرآن الكرمي حفظا‬
‫و تالوته باستمرار يف احلياة اليومية‪ ،‬وحىت يف الشق العقائدي‪ ،‬حبث مل يستطيع مثال‪ ،‬كل‬

‫‪221‬‬
‫اخلامتة‬

‫التالميذ التفريق بني التوكل و التواكل و أيضا تلقينا إجابات متذبذبة يف قضايا االميان‬
‫نسجل عجز يف اخلطاب املدرسي الديين يف‬
‫باآلخرة و القضاء و القدر ‪...‬اخل و بالتايل ّ‬
‫إقناع التالميذ لتبين هذه القيّم الدينية(الروحية و االجتماعية) من أجل تواصل ديين سليم‪.‬‬

‫ينجح التواصل الديين عرب عملية التنشئة و الرتبية على القيّم الروحية و االجتماعية عرب‬ ‫‪-5‬‬
‫مؤسسات التنشئة االجتماعية و الدينية ( االسرة ‪ ،‬املدرسة ‪ ،‬املسجد ‪ ،‬املدارس القرآنية‬
‫الزوايا ‪ ،‬اجلامعات و املعاهد اإلسالمية ‪ ،‬و اإلعالم الديين‪...‬اخل)‬

‫حتتاج الرسالة االتصالية الدينية املدرسية ‪ ،‬إىل كفاءة املدرسني البيداغوجية و املعرفية‬ ‫‪-6‬‬
‫وحتديث املناهج الدراسية ملادة الرتبية اإلسالمية ‪ ،‬و االستفادة من تكنولوجيات العصر‬
‫املتعلقة باإلعالم و االتصال‪ ،‬لكي تكون ذات صيغة تأثريية و فاعلة‪.‬‬

‫هناك بع ٌد فطري للتدين‪ ،‬نتيجة "لشرحية الروح النورانية"‪ ،‬و اليت جعلت التالميذ يف بعض‬ ‫‪-7‬‬
‫األحيان يبنون جسور تواصل كالتعاون‪ ،‬و العطف على اليتيم‪ ،‬و التضامن‪ ،‬و املشاركة يف‬
‫أعمال التطوع داخل اجملتمع ‪....‬اخل ‪ ،‬و هذا راجع أيضا إىل طبيعة اجملتمع الريفي الذي‬
‫تصهر الرتبية‬
‫ال زال حيافظ على عضويته و تالمحية أفراده ‪ ،‬و الذي من املفروض أن ّ‬
‫اخلرية امللهمة هبا‬ ‫اإلسالمية يف املدراس على تزكية النفس‪ ،‬و تنمية االستعدادات الفطرية‬
‫ّ ُ‬
‫الذات اإلنسانية ‪.‬‬

‫ال ميكن للمدرسة اليت يتزاحم فيها اخلطاب ‪ :‬بني الديين و األديب اللغوي احمللّي واألجنيب‬ ‫‪-8‬‬
‫والتقين والعلمي‪ ،‬والفين‪ ،‬والرياضي‪ ،‬أن تكون ل رسالتها االتصالية الدينية ذات صبغة‬
‫مؤثرة يف اجتاه وسلوك التلميذ‪ .‬وخاصة يف ظل عصر تغلب فيه العقل على الدين وتغلبت‬
‫فيه املادة عن الروح‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫اخلامتة‬

‫فعالة في العالم المعاصر" على حد‬ ‫قوة حيّة و ّ‬ ‫وأخريا يُعترب اإلسالم " الذي يشكل اليوم ّ‬
‫قول الناسك الروحي "هوستين سميث" ‪ّ ،‬‬
‫خزان هامٌّ و مق ّدس لتنشئة الناس تنشئة دينية و روحية‬
‫واجتماعية سليمة ومتوازنة‪ ،‬ولتزكية الذات اإلنسانية‪ ،‬وتربيتها على اإلميان والعبادة‪ ،‬وعلى التعارف‬
‫والتعاطف والتعاون والتضامن والتحاور‪ ..‬اخل ‪ ،‬تأسيساً للتواصل الديين املنشود‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫املالحق‬

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان‬

‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسم علم االجتماع‬

‫استبيان ‪:‬‬
‫التربية الروحية آلية للتواصل الديني‬
‫استبيان مقابلة حبث علمي من تصميم و إعداد الطالب الباحث ‪ :‬قدوري عبدالقادر‬

‫‪225‬‬
‫املالحق‬

‫دليل املقابلة‬

‫التاريخ‪:‬‬

‫التوقيت‪:‬‬

‫مكان إجراء املقابلة ‪:‬‬

‫مستوى التلميذ‪.......................:‬اجلنس‬

‫حتية طيبة و بعد‪:‬‬

‫أشكرك جزيل الشكر على منحك يل جزءا من وقتك من أجل اجراء هذه املقابلة ‪ ،‬كما‬
‫أذكرك أين الطالب الباحث قدوري عبدالقادر من مجاعة تلمسان ‪ ،‬وأنا بصدد اعداد حبث علمي‬
‫لتتمة متطلبات احلصول على شهادة الدكتوراه يف علم االجتماع اتصال ‪ ،‬و لقد أتيت ملقابلتك من‬
‫أجل حماورتك يف اطار حبث يتناول موضوع الرتبية الروحية كآلية للتواصل الديين (بشقيه العمودي‬
‫واألفقي )‪ ،‬فإن كنت ال ترى مانا يف ذلك ‪ ،‬فسأقوم بتقييد كالمك حىت أتذكره ‪ ،‬و أنه يبقى يف‬
‫السرية التامة ‪ ،‬و ال يذكر امسك إطالقا ‪ ،‬فإذا كنت مستعد ‪ ،‬سأشرع يف طرح االسئلة املتعلقة مبا‬
‫درسته يف مادة الرتبية اإلسالمية يف مدرستك ‪ ،‬و من شأهنا أن تنمي التواصل مع اهلل ‪ ،‬و التواصل‬
‫مع األفراد‪.‬‬

‫في الشعائر الدينة‪:‬‬

‫يقول الرسول صلى اهلل عليه و سلم ‪" :‬علّموا اوالدكم الصالة عند سبع واضربوهم عليها عند عشر"‬
‫‪...‬هل حيرص الوالدين الكرميني على تطبيق هذا احلديث ؟‬

‫ال‬ ‫هل حتافظ على أداء الصالة ؟‪ ..‬نعم‬ ‫‪-1‬‬


‫هل حتضر حلقات الذكر يف املناسبات الدينية يف املسجد أو الزاوية ‪ ،‬كاحتفالية املولد‬ ‫‪-2‬‬
‫ال‬ ‫نعم‬ ‫النبوي الشريف؟‬

‫‪226‬‬
‫املالحق‬

‫هل تشعر بارتفاع منسوب االميان يف شهر رمضان ؟‬ ‫‪-3‬‬


‫ال يزداد‬ ‫يزداد‬
‫هل حترص املدرسة على حتفيظك القرآن الكرمي ؟‬ ‫‪-4‬‬

‫حترص‬ ‫ال حترص‬

‫هل تلجأ إىل الدعاء عند احلاجة مثال ؟‬ ‫‪-5‬‬


‫ال‬ ‫نعم‬
‫هل تقرأ القرآن الكرمي باستمرار ؟‬ ‫‪-6‬‬
‫ال أقرأ‬ ‫قراءة باستمرار‬
‫ماهي العبادة اليت تربط اإلنسان بربه أكثر يف نظرك ؟‬ ‫‪-7‬‬

‫احلج‬ ‫الصيام‬ ‫الزكاة‬ ‫‪...‬الصالة‬

‫هل حترص املدرسة على حتفيظك القرآن الكرمي؟‬ ‫‪-8‬‬

‫‪..........................................................................................‬‬

‫الدينية من أجل تعلم أمور الدين‬ ‫هل حيرص أفراد األسرة على مشاهدة القنوات‬ ‫‪-9‬‬
‫اإلسالمي‬
‫أحيانا‬ ‫نعم‪....‬‬ ‫‪ .‬ال‪......‬‬

‫يف العقيدة و االميان‪:‬‬

‫ب‪ :‬حنن نعيش يف جمتمع مسلم أليس كذلك‬ ‫‪-1‬‬


‫‪:...............................................................................‬‬

‫‪227‬‬
‫املالحق‬

‫ب‪ :‬ماذا يعين لك النطق بالشهادتني ؟‬ ‫‪-2‬‬

‫م‪.........................................................................................‬‬

‫ملاذا نقوم هبا ( أي الشهادتني) يف خمتلف العبادات؟‬ ‫‪-3‬‬

‫م‪.........................................................................................‬‬

‫ما الفرق بني أركان اإلميان و أركان اإلسالم ؟‬ ‫‪-4‬‬

‫‪:.........................................................................................‬‬
‫م ‪..........................................................................‬‬

‫اذكر الفائدة اإلميان بالقضاء و القدر؟‬ ‫‪-5‬‬

‫م‪..:......................................................................................‬‬
‫‪......................................................................‬‬

‫ما رأيك فيمن يعتقد أن األضرحة و القبور تنفع و تضر ‪ ،‬كشفاء املرضى مثال ؟ و ما هي‬ ‫‪-6‬‬
‫احللول اليت تقرتحها‬

‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬

‫يف نظرك ما هو السبب يف انتشار ظاهرة االنتحار ؟‬ ‫‪-7‬‬

‫م ‪..................................................................................‬‬

‫‪228‬‬
‫املالحق‬

‫‪......................................................................................‬‬

‫هناك مقولة مشهورة للخليفة عمر ابن اخلطاب رضي اهلل عنه ‪ " :‬يرفع أحدكم يديه إىل‬ ‫‪-8‬‬
‫السماء يقول ‪ :‬يا رب يا رب ‪...‬و هو يعلم أن السماء ال متطر ذهبا و ال فضة‪ ".‬فما‬
‫الفرق بني التوكل على اهلل و التواكل أو االتكال يف نظرك؟‬

‫م‪.........................................................................................‬‬

‫ب‪:‬ما هي مثرات االميان باليوم اآلخر و الصدق مع اهلل ؟‬ ‫‪-9‬‬

‫م‪.........................................................................................‬‬

‫‪ -11‬ب‪ :‬ما هي مثرات التأمل يف الكون من مساء و ما حوت من كواكب وجنوم ‪ ،‬و األرض‬
‫وما حوت على جبال و حميطات و نبات و حيوان‪ ..‬اخل‬

‫م‪.........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬

‫دعنا اآلن نواصل حديثنا ‪..‬لكن هذه المرة نتحدث عن العالقات االنسانية ‪ ،‬أي تلك‬
‫العالقات القائمة بين االفراد داخل األسرة و داخل المجتمع ككل ‪ ،‬أو حتى بين األمم‬
‫والشعوب ؟‬

‫دعنا نتكلم عن التواصل األسري‪:‬‬

‫يعرف العلماء التواصل األسري بأنه ‪ :‬االتصال الذي يكون بني طرفني (الزوجني) أو عدة‬
‫أطراف (الوالدين واألبناء) والذي له عدة أشكال تواصلية‪ ،‬كاحلوار والتشاور والتفاهم واإلقناع‬
‫واالتفاق والتعاون والتوجيه واملساعدة‪ .‬و يظهر هذا التواصل يف أمجل صوره يف ذلك التوحد بني أفراد‬
‫االسرة حىت يصبح هلم مفاهيم متقاربة و موحدة‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫املالحق‬

‫ب‪:‬كيف هو حال العالقات بني أفراد األسرة يف جمتمعنا؟‬ ‫‪-1‬‬


‫م‪..................................................................................‬‬
‫‪...................................................................................‬‬
‫ب‪ :‬كيف جيب أن يبين الزوجني عالقات جيدة من خالل ما درست يف الرتبية‬ ‫‪-2‬‬
‫االسالمية ؟‬

‫م ‪........................................................................................‬‬
‫السلبية على األبناء يف غياب احلوار احلقيقي بني الزوجني؟‬
‫ب‪:‬ماهي التأثريات ّ‬
‫م‪........................................................................................‬‬
‫ب‪ :‬هل ترى أن ممارسة بعض الشعائر الدينية يف البيت مع بعض (الوالدين و األبناء) من شأنه أن‬
‫يوطّد العالقة بني أفراد العائلة ؟ كالصالة ‪ ،‬و الدعاء اجلماعي قبل األكل مثال ‪..‬اخل‬

‫م‪:......................................................................................‬‬

‫ب‪:‬يف رايك هل هذا حاصل يف األسر اليوم؟‬

‫م‪:......................................................................‬‬

‫ب ‪:‬يف رأيك كيف حنصل على عالقات متينة بني أفراد األسرة؟‬

‫م‪.........................................................................................‬‬

‫دعنا نتكلم على العالقات مع اآلخرين خارج نطاق األسرة‪:‬‬

‫ب‪:‬كيف تنعكس العالقات األسرية اجليدة على العالقة مع األقارب و اجلريان و افراد اجملتمع‬
‫عامة؟‬

‫‪230‬‬
‫املالحق‬

‫لنبدأ باألقارب‪:‬‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫ثم الجيران‪:‬‬

‫‪...............................................................................‬‬

‫ثم باقي أفراد المجتمع ‪:‬‬


‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪.................................................‬‬

‫يسمى يف ديننا بصلة الرحم؟‬


‫ب‪:‬هل حتافظ على زيارة األقارب أو ما ّ‬
‫ال‪.‬‬ ‫م نعم‬

‫ب‪ :‬العالقات بني األقارب هي ‪:‬‬

‫سيئة‬ ‫حسنة‬

‫ب ‪:‬يف نظرك كيف حنصل على عالقة و روابط قوية بني األقارب؟‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫دعنا نتكلم اآلن عن العالقات بين التالميذ ؟‬

‫ب ‪ :‬ما فائدة الكالم الطيب و العمل الصاحل يف متتني العالقة بني التالميذ سواء داخل املؤسسة أو‬
‫خارجها ؟‬

‫‪231‬‬
‫املالحق‬

‫م‪.........................................................................................‬‬

‫ب ‪:‬هل بينكم تالميذ يتامى يف املؤسسة ؟ إذا كان اجلواب بنعم ‪ :‬هل يتلقون املساعدة سواء من‬
‫زمالئهم التالميذ ‪.‬أو اإلدارة أو االستاذة ‪..‬أو آخرين أذكرهم ؟‬

‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬

‫ب ‪:‬هل تعتقد أن اهليئة احلسنة و املظهر الالئق للتلميذ له دور يف ربط العالقة معه ؟‬

‫م‪:........................................................................................‬‬
‫ب ‪:‬هل يتفاعل التالميذ مع التلميذ املتكرب؟ أو الذي يعيش يف رفاهية كبرية؟‬

‫م‪: .....................................................................‬‬

‫هل يتعاون التالميذ يف ما بينهم ‪ ،‬سواء داخل املؤسسة أو خارجها ؟‬

‫م‪:...................................................‬‬

‫ب ‪:‬ما هي أشكال هذا التعاون ؟‬

‫م‪:................................................................................‬‬

‫ب ‪ :‬هل تعتقد أن سوء الظن و الغيبة و النميمة و التجسس يفسد العالقة بني التالميذ ؟‬

‫م‪:........................................................................................‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪....................................................................‬‬

‫‪232‬‬
‫املالحق‬

‫دعنا نتحدث اآلن عن التواصل في المجتمع الذي نعيش فيه ؟‬

‫ب‪ :‬هل سبق لك و أن شاركت يف عملية التضامن و التعاون يف احلي الذي تعيش فيه ؟‬ ‫‪-1‬‬

‫ال‬ ‫‪.‬نعم‬

‫ب ‪ :‬أذكر نوع هذا التضامن و التعاون ؟‬

‫‪.......................................................................................‬‬
‫‪...............................................................‬‬

‫ب ‪ :‬يف نظرك ما هي األسباب اليت جتعل األفراد يتعاونون و يتضامنون يف ما بينهم ؟‬ ‫‪-2‬‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫ب ‪ :‬كيف يؤثر احنراف الشباب و إجرامه ‪ ،‬على الروابط بني الناس ؟‬ ‫‪-3‬‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫اآلن دعنا نتكلم عن التواصل بين المجتمعات أو الدول‪:‬‬

‫ب ‪:‬هل أنت مهتم بأخبار الدول و اجملتمعات؟‬ ‫‪-1‬‬

‫م‪:...............................................‬‬

‫ب ‪:‬كيف تبدو لك الدول العربية يف قضيتا التفاهم و الوحدة ؟‬ ‫‪-2‬‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫ما سبب هذه التفرقة يف رأيك؟‬ ‫‪-3‬‬

‫‪233‬‬
‫املالحق‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫ب ‪:‬كيف ميكن بناء عالقات قوية بني اجملتمعات العربية ؟‬ ‫‪-4‬‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫ب ‪ :‬ماهي املبادئ اليت جيب أن ترتكز عليها دول العامل حىت ميكن هلا التعامل و‬ ‫‪-5‬‬
‫التفاعل مع بعضها ؟‬

‫م‪:........................................................................................‬‬

‫‪234‬‬
‫املالحق‬

‫ترخيص الدراسة الميدانية‬

‫‪235‬‬
‫املالحق‬

‫‪236‬‬
:‫الملخص‬
‫وذلك من خالل ضبط املصطلحات‬، ‫يقوم هذا البحث بدراسة عن الرتبية الروحية كآلية للتواصل الديين‬
‫كما‬، )‫مث معرفة أهم الركائز األساسية الرتبية الروحية يف خمتلف أديان العامل (السماوية و األرضية‬، ‫وبناء املفاهيم‬
‫اشتمل البحث على إجياد العالقة بني القيم الروحية و االجتماعية وعملية التواصل الديين يف ش ّقيه العمودي‬
‫ كما كشف البحث عن‬،‫تطرق البحث إىل دور التنشئة الدينية املدرسية يف عملية هذا التواصل‬
ّ ‫ كما‬،‫واألفقي‬
‫جتسد القيم‬
ّ ‫ عن مدى‬،‫املتوسط و الثانوي) باجلزائر‬
ّ ‫طريق دراسة حتليلية حملتوى كتب الرتبية اإلسالمية (الطور‬
‫هامة‬
ّ ‫ ليتتتم البحث بنتائج‬.‫ا ّلروحية واالجتماعية املتضمنة هلذ التتب يف السلو التواصلي للمتمدر‬
‫ التواصل الديين‬، ‫ الدين‬، ‫ التواصل‬، ‫ الرتبية الروحية‬، ‫ الروح‬، ‫ الرتبية‬: ‫الكلمات المفتاحية‬
Résumé
La présente étude traite du sujet de l’éducation spirituelle en tant que
mécanisme de communication religieuse. Et ce, par la détermination et l’identification
des concepts de base, notamment par l’identification des principes sur lesquels repose
l’éducation spirituelle dans diverses religions du monde (célestes et positivistes). Par
ailleurs, cette recherche étudie la relation entre les valeurs socio-spirituelles et le
processus de communication religieux dans ses deux dimensions : verticale et
horizontale. De même, elle explore le rôle de l’éducation scolaire dans ce processus.
Ce travail met en exergue, également, à travers une étude analytique, le contenu des
manuels scolaires de la matière de l’éducation islamique des deux cycles : moyen et
secondaire en Algérie. De plus, elle tente d’évaluer à quel point ces valeurs socio-
spirituelles se concrétisent à travers le comportement communicatif chez l’apprenant.
En fin de compte conclu des résultats de recherche importants
Mots-clés :Education . esprit. Initiation spiritual . communication .religion .
communication religieuse
Summary
This work deals with spiritual education as a religious communication
means through which we determined notions and concepts and identified the basis of
spiritual education in different religions of the world. This study tried also to exhibit
the relationship between spiritual and social values and religious communicative in its
two dimensions: vertical and horizontal. In the other hand, we studied the scholar
religious education role in communication operation. Furthermore, this work analyzed
the books content of Islamic education (middle and secondary school) in Algeria and
in what extent these spiritual and social values of these books are observable in
learner’s communicative behavior. Ultimately concluded important research results
key words :Education. Spirit. Spiritual Initiation. Communication. Religion.
Religious communication

You might also like