You are on page 1of 2

‫املميزات النظرية التي تميز املذهب األشعري عن باقي املذاهب الكالمية األخرى وخصوصا‬

‫املعتزلة؟‬
‫أصول األشاعرة في التوحيد‬
‫‪١‬النظر في إثبات الصفات‬
‫تعني املعتزلة بالتوحيد التنزيه املطلق هلل عن صفات املخلوقين‪ ،‬فاهلل تعالى "ليس كمثله ش يء"‪،‬‬
‫ومن ثم نفى املعتزلة الصفات التي قد توهم بالتشبيه والتجسيم وقالوا‪" :‬إن الصفات هي عين‬
‫الذات"‪..‬‬
‫أما موقف األشاعرة فهو نقيض تماما ملوقف املعتزلة‪ ،‬فهم أثبتوا هلل صفاته‪ ،‬وجعلوها قائمة‬
‫بذاته تعالى‪( ،‬أي‪ :‬أثبتوا هلل صفات فهي ليست عين ذاته‪ ،‬وال هي غير ذاته) فلله صفات دلت‬
‫أفعاله عليها ال يمكن جحدها وكما دلت األفعال على كونه عاملا‪ ،‬قادرا‪ ،‬مريدا‪ ،‬دلت على العلم‪،‬‬
‫والقدرة‪ ،‬واإلرادة ألن وجه الداللة ال يختلف شاهدا أو غائبا"(‪ )4‬فاهلل إذن عالم بعلم وعلمه‬
‫صفة قائمة بذاته‪ ،‬وقادر بقدرة وقدرته صفة قائمة بذاته‪ ،‬وكذلك الشأن بالنسبة لباقي‬
‫الصفات‪.‬‬
‫‪ ٢‬كالم هللا وخلق القرآن‬
‫إن القول بخلق القرآن عند املعتزلة يعد فرعا من تصورهم لعقيدة التوحيد لديهم‪ ،‬ألنه لو كان‬
‫القرآن وهو كالم هللا قديما لكان هناك قديمان هما هللا وكالمه (القرآن) وهذا القول سقوط في‬
‫التعدد‪ ..‬لذا التجأ املعتزلة إلى أن نظروا إلى صفة الكالم على أنها صفة فعل وخلق‪ ،‬وليست صفة‬
‫ذات‪ ،‬بمعنى أن كون هللا متكلما هو كونه فاعال للكالم وخالقا له‪ .‬والقرآن بذلك يكون مخلوقا هلل‬
‫وفعال له‪.‬‬
‫أما األشاعرة فيعتبرون صفة الكالم قديمة كسائر الصفات‪ .‬فكالم هللا قديم‪ ،‬والقرآن بذلك‬
‫يكون قديما‪.‬‬
‫‪ ٣‬رؤية هللا‬
‫أما موقف املعتزلة من الرؤية فإنه منسجم مع موقفهم من التنزيه املطلق للذات اإللهية‪،‬‬
‫وموقفهم من الصفات‪ ،‬ويؤكد الشهرستاني أنهم "اتفقوا على نفي رؤية هللا تعالى باألبصار في دار‬
‫القرار" (‪..)5‬‬
‫أما األشاعرة فيجعلونها ممكنة يوم القيامة ألن شرط الرؤية عندهم هو الوجود‪ ،‬وهللا موجود‪،‬‬
‫فهو إذن ممكن الرؤية(‪)6‬‬
‫‪٤‬القدرة‬
‫يرى األشاعرة أن القدرة اإللهية هي قدرة مطلقة‪ ،‬فاهلل فعال ملا يريد‪ ،‬يتمتع بقدرة وإرادة‬
‫مطلقتين‪ ،‬وبسلطة ال حد لها يفعل في ملكه ما يشاء‪...‬‬
‫أما اإلنسان فله قدرة حادثة ال ترقى إلى مستوى الخلق واإلبداع كالقدرة اإللهية وال تأثير لها غير‬
‫أن هللا تعالى أجرى سنته بأن يخلق عقب القدرة الحادثة‪ ،‬أو تحتها‪ ،‬أو معها الفعل الحاصل إذا‬
‫أراده العبد وتجرد له ويسمى هذا الفعل كسبا فيكون خلقا من هللا تعالى إبداعا وإحداثا‪ ،‬وكسبا‬
‫من العبد حصوال تحت قدرته"(‪ .)7‬وهذه النظرية هي التي عرفت في قاموس الفكر األشعري‬
‫بنظرية الكسب‪..‬‬
‫تماشيا مع موقف األشاعرة هذا فإنهم لم يلزموا هللا بتحقيق وعده ووعيده‪ ،‬كما قال املعتزلة‪،‬‬
‫فهو جائز عليه أن يدخل الجميع الجنة‪ ،‬وجائز أن يفعل العكس‪ ،‬وجائز أن يعاقب من يشاء‬
‫ويثيب من يشاء من عباده (‪)8‬فكل فعل من هللا عدل وفضل‪ ،‬ال معقب لحكمه‪.‬‬
‫وهكذا يدرج األشاعرة مسألة الوعد والوعيد في مبدئهم العام مبدأ التجويز‪ ،‬ولذلك فهم يجيزون‬
‫الشفاعة‪ ،‬واللطف اإللهي‪ ،‬خالفا للمعتزلة‪ ،‬ويعتبرون الشفاعة دليال على جواز غفران هللا‬
‫للعصاة من أهل امللة (‪ .)9‬أما اللطف اإللهي فهو يندرج ضمن القدرة املطلقة هلل‪ ،‬ألن في القدرة‬
‫"لطفا لو لطف به لسائر من يعلم أنه يموت كافرا آلمن"‪)10(.‬‬
‫وبالجملة فإن األشاعرة يؤكدون أن التعديل والتجويز ال يمكن أن نحكم بهما على أفعال هللا‬
‫قياسا على ما نحكم به على أفعال البشر ألن ما قد يبدو لنا ظلما في أفعال هللا هو عين العدل في‬
‫حكمة هللا" (‪ ) 11‬وقس على ذلك سائر أنواع القبح فال يمكن أن يقال إن في أفعال هللا قبحا ألن‬
‫البارئ عز وجل هو القاهر الذي له األشياء في قبضته‪ .‬ال آمر عليه‪ ،‬وال مبيح‪ ،‬وال حاظر‪ ،‬فلم‬
‫يجب أن يقبح جميع ما ذكرناه من فعله قياسا على قبحه منا" (‪1)12‬‬

‫(‪ - )1‬فضل االعتزال وطبقات املعتزلة‪ ،‬القاض ي عبد الجبار‪ ،‬ص ‪ ،127‬تحقيق فؤاد سيد‪ ،‬تونس ‪1973‬م‪.‬‬
‫(‪ - )2‬في علم الكالم‪ ،‬محمود صبحي‪ .59-58 ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت ‪1958‬م‪.‬‬
‫(‪ - )3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫(‪ - )4‬امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاني‪ ،‬ج‪.150/1‬‬
‫(‪ - )5‬امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاني‪ ،‬ج‪55/1‬‬
‫(‪ - )6‬الباقالني‪ ،‬تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪ ،‬تحقيق عماد الدين أحمد حيدر‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،1987 ،‬ص‬
‫‪ 301‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ - )7‬امللل والنحل‪ ،‬الشهرستاني‪ ،‬ج‪.156/1‬‬
‫(‪ )8‬الباقالني‪ ،‬التمهيد‪ ،‬ص ‪400‬‬
‫(‪ - )9‬نفس املصدر ص ‪416‬‬
‫(‪ - )10‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.379‬‬
‫(‪ - )11‬نفس املصدر ‪،‬ص ‪384‬‬
‫(‪ - )12‬نفس املصدر السابق‬

You might also like