You are on page 1of 116

‫‪177‬‬

‫ملتقى اإلبداع العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العدد ‪ 177‬أغسطس ‪2022‬‬

‫‪AL-DOHA MAGAZINE‬‬
‫‪w w w.dohamagazine.qa‬‬

‫غريتا ثونربج‪ ،‬مجيب لطيف وبرونو التور‪:‬‬


‫عىل أي أرض سنحيا؟‬
‫سفيتالنا أليكسيفيتش‪:‬‬
‫مخاطر العظمة‬

‫السنة ‪ - 15‬العدد ‪ - 177‬محرم ‪ - 1444‬أغسطس ‪2022‬‬


‫َ‬
‫عالـمنا؟‬ ‫كيف يُ ِّ‬
‫شكل الواقع االفرتايض‬
‫الذكريات الهشة تعيد برمجة الذاكرة‬
‫تفكيك األفكار املبتذلة حول العباقرة‬
‫أي مستقبل للكتابة األدبية؟‬‫ّ‬

‫جاك دريدا‬ ‫‪Year 15 - No. 177 - Muharram 1444 - August 2022‬‬

‫الوضوح الذي حاولت‬


‫أن أع ّقده‬
‫كانت حرب ًا بالكامريا ومازالت!‬
‫ـيتحول هــذا البلــد الصغيــر‪ ،‬إلى أحد أشــهر األماكن‬ ‫َّ‬ ‫سـ‬ ‫فــي َأ ْوج االنتشــار اإلمبريالــي علــى بــاد الشــرق‬
‫فــي العالــم‪ ،‬لــم يتوقــف الفوتوغرافيــون عــن تصويــره‬ ‫باحتــال نابليــون لمصر عام ‪ ،1798‬وفشــله ُبعيد ذلك‬
‫حتــى غــدت أرض القــدس ومعالمهــا األثريــة والدينيــة‬ ‫ـررت فرنســا ومعهــا بريطانيــا‬ ‫فــي ضــم فلســطين‪ ،‬قـ َّ‬
‫مألوفــة فــي أوروبــا وأميــركا‪ ،‬تعــرض صورها إلــى جوار‬ ‫المســالمين‪ .‬ففــي‬ ‫ـوع آخــر مــن العســكر ُ‬ ‫اســتقطاب نـ ٍ‬
‫صــور العواصــم العالميــة الكبــرى‪.‬‬ ‫العالَم‬‫ـورون قــد بدأوا في إبهــار َ‬ ‫المصـ ِّ‬
‫هــذه اآلونــة كان ُ‬
‫المبشــر األســكتلندي “جيمــس غراهــام”‬ ‫وقــد كان ُ‬ ‫األوروبــي بصنــدوق لويــس داجييــر الفوتوغرافــي‪،‬‬
‫(‪ ،)James Graham‬ســكرتير “جمعيــة لنــدن لنشــر‬ ‫وألنــه وســيط ناقــل للشــخوص واألماكــن أفضــل‬
‫ـور مقيــم في‬ ‫المســيحية فــي أوســاط اليهــود‪ ،‬أول مصـ ِّ‬ ‫مــن خيــال الرســامين‪ ،‬باتــت الصــورة علــى قــد ٍر مــن‬
‫القــدس منــذ العــام ‪ ،1853‬وخــال ســنوات إقامتــه‬ ‫األهمية العســكرية وإســتراتيجيتها على مــدى التاريخ‬
‫ـب علــى تصويــر المواقــع التــي لهــا صلــة بتاريــخ‬ ‫انكـ َّ‬ ‫االســتعماري‪.‬‬
‫ـدس‪ ،‬وبعــده توافــد علــى البــاد مئــات‬ ‫المقـ َّ‬
‫الكتــاب ُ‬ ‫وســواء تعلَّق االنتشــار شــرق ًا أو غرباً‪ ،‬كانت الصورة‬
‫يتم‬
‫الفوتوغرافييــن للغــرض ذاته‪ ،‬حيث كان التنســيق ُّ‬ ‫ال تخــرج عــن إطارهــا األحــادي‪ ،‬مؤكِّ ــد ًة بذلــك نظــرة‬
‫مــع الجمعيــات التبشــيرية الداعمــة عبــر “صنــدوق‬ ‫أوروبــا إلــى اآلخــر بوصفــه مــا قبــل أوروبــا‪ ،‬أو مــا هــو‬
‫ؤســس فــي العــام ‪.1865‬‬ ‫الم َّ‬ ‫اكتشــاف فلســطين” ُ‬ ‫قســمة ســلف ًا‬‫الم َّ‬
‫خــارج عــن جغرافيتهــا االفتراضيــة ُ‬
‫ولعــلّ أفظــع كشــف ألســرار االهتمــام الفوتوغرافي‬ ‫حســب مطامــع اقتصاديــة أو تاريخيــة‪.‬‬
‫المتزايــد بالقــدس هــو مــا أعلنــه صراحــة الفوتوغرافي‬ ‫ُ‬ ‫ففــي مصــر حيــن كان علمــاء اآلثــار تحــت إمــرة‬
‫األميركي “دوايت ألمندورف” سنة ‪ 1901‬واصف ًا غرضه‬ ‫نابليــون يقومــون بالتنقيب عن كنــوز الفراعنة‪ ،‬وخالل‬
‫مــن الفوتوغرافيــا فــي كتــاب أســماه “حــرب صليبيــة‬ ‫عمليــات المســح األثــري هاتــه شــكَّ ل الفوتوغرافيــون‬
‫قدســة”‪ ،‬ومــن هنــا اتخــذت‬ ‫الم َّ‬
‫بالكاميــرا علــى البــاد ُ‬ ‫عنصــر ًا أساســي ًا فــي البحــث األركيولوجــي‪ .‬وفــي‬
‫ـرر المبنــي حســب الدراســات‬ ‫المتكـ ِّ‬
‫الصــورة طابعهــا ُ‬ ‫فلســطين‪ ،‬العالقة الضاربة فــي ال ِقدم جعلت الصورة‬
‫التاريخيــة علــى تصويــر األماكــن الدينيــة مــن زوايــا‬ ‫ـدس‪ ،‬أمــا فــي بــاد المغــرب‬ ‫المقـ َّ‬ ‫ســينوغرافيا للكتــاب ُ‬
‫متشــابهة‪ ،‬تعتمــد علــى مســرحة المشــاهد اإلنجيليــة‬ ‫العربــي فــكان الفوتوغرافــي بوصلــة سوســيولوجية‬
‫والتوراتيــة‪ ،‬وعلــى موديــات بشــرية تجعــل الصــورة‬ ‫تشــير إلــى طقوســية الدولــة والشــعب مع ـاً‪ ،‬وعــدم‬
‫معرضــ ًا للقصــص الدينيــة‪ ،‬كمــا لوحــظ أن أغلــب‬ ‫المتو ِّفرة‪.‬‬
‫اســتيعابهما للثــروات الصناعيــة والفالحيــة ُ‬
‫الصــور التــي التقطــت فــي كنيســة القيامــة‪ ،‬وشــوارع‬ ‫تحــددت مواضيــع الصــورة‬ ‫َّ‬ ‫بلــد وآخــر‬‫ال بيــن ٍ‬‫وانتقــا ً‬
‫القــدس‪ ،‬وبيــت لحم‪ ،‬وطبريا‪ ،‬ويافــا‪ ،‬وحائط المبكى‪،‬‬ ‫ومضامينهــا االستشــراقية والكولونياليــة‪ ،‬دون أن‬
‫والناصــرة‪ ...‬ظهــرت فارغــة مــن الفلســطينيين بشــكلٍ‬ ‫نغفــل قاســم ًا مشــترك ًا علــى درجة كبيرة مــن االختزال‬
‫للعا َلــم علــى أن بالد القدس “أرض بال شــعب”‪.‬‬ ‫ســوق َ‬ ‫المتشــبع باإلثارة‬ ‫متخيل أوروبا ُ‬
‫َّ‬ ‫والتشــييء‪ ،‬يكمن في‬
‫اليــوم‪ ،‬وفــي زمــن عســير كالــذي نعيــش فصولــه‬ ‫والنــزوات التــي ألحقهــا األدب الرومانســي بقارئــه‪،‬‬
‫الغامضــة فــي أيامنــا‪( ،‬أصبــح عالمنــا يدور أكثــر فأكثر‬ ‫فــي مؤلَّفــات هوجــو‪ ،‬وجــرارد دونرفــال‪ ،‬وفلوبيــر‪،‬‬
‫حــول الصــور) (ص‪ ،)14 :‬كمــا باتــت حــروب الصــورة‬ ‫ورســومات جــون ليــون جيــروم‪ ،‬وديالكــروا‪ ،‬ودافيــد‬
‫فــي ســاحات أوســع‪ ،‬وبــأدوات فــي متنــاول الجميــع‬ ‫روبرتــس‪ ،‬وغيرهــم‪.‬‬
‫تجعــل قيــام أحــد النشــطاء بالتقــاط صــورة ونشــرها‬ ‫قدســة‬ ‫الم َّ‬
‫ولــم يكــن االتصــال الروحــي بــاألرض ُ‬
‫هينــة‪ ،‬األمــر الــذي يوهمنــا بــأن الصــورة قــد‬ ‫مســألة ِّ‬ ‫البعيــدة متاحـ ًا لكنائــس أوروبا‪ ،‬واهتمام المســيحيين‬
‫انتصــرت علــى النــص‪ ،‬وأن هــذا األخيــر لــم يعــد كمــا‬ ‫ـدد بالدراســات اإلنجيليــة والتوراتيــة‬ ‫بالقــدس قــد تجـ َّ‬
‫كان محرضـ ًا علــى إحيــاء ملهــاة نيــرون وحمــل قيثارته‬ ‫المستوفاة لشروط اإلنزال‪ ،‬وإنما شكَّ ل الفوتوغرافيون‬ ‫ُ‬
‫والغنــاء فــي محــراب األدب بعيــد ًا عــن النيــران وعــن‬ ‫المبشــرون فــي ذلــك الوقــت كتيبــة االســتطالع فــي‬ ‫ُ‬
‫المتالطــم!‬
‫بحــر السياســة ُ‬ ‫فلســطين منــذ أواســط القــرن التاســع عشــر‪ ،‬حيــث‬
‫رئيس التحرير‬
‫العدد‬
‫‪177‬‬

‫الغالف‪:‬‬
‫ثــقــافـيـة شــــهــريــة‬

‫السنة الخامسة عرشة ‪ -‬العـدد مئة وسبعة وسبعون‬


‫محرم ‪ - 1444‬أغسطس ‪2022‬‬

‫تصدر عن‪:‬‬
‫وزارة الثقافة‬
‫إدارة اإلصدارات والرتجمة‬
‫الـــدوحــــة ‪ -‬قـــــطــــر‬
‫صـــدر الــعــدد األول يف نــوفــمــر ‪ ،1969‬ويف يــنــايــر ‪ 1976‬أخـــذت توجهها الــعــريب واســتــمــرت‬
‫يف الـــصـــدور حــتــي يــنــايــر عــــام ‪ 1986‬لــتــســتــأنــف الـــصـــدور مـــجـــدد ًا يف نــوفــمــر ‪.2007‬‬

‫رئيس التحرير‬
‫خـــالد العــودة الفـضـــيل‬

‫التحرير‬
‫| تقارير | قضايا‬ ‫محـســن العـتيقـي‬

‫‪4‬‬
‫حديقة أفريقيا!‬ ‫التنفيذ واإلخراج‬

‫مقربة األرواح املُهاجرة‬


‫أحمد غزالة‬
‫فلوه الهاجري‬
‫(محمد أدهم السيد)‬
‫هـــنـد البنسعيد‬

‫‪7‬‬ ‫للمراسلة والتواصل‪:‬‬


‫من مغادرة إفريقيا إىل الحبس الكبري‬ ‫‪editor-mag@moc.gov.qa‬‬
‫‪finance-mag@moc.gov.qa‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬هذا املهاجر األبدي‬ ‫تليفون ‪)+974( 44022295 :‬‬
‫(حـ‪ :‬أنتوني غيون‪ -‬تـ‪ :‬مروى بن مسعود)‬ ‫فاكس ‪)+974( 44022690 :‬‬
‫ص‪.‬ب‪ - 22404 :.‬الدوحة ‪ -‬قطر‬

‫‪12‬‬
‫تويني فالوال‪:‬‬ ‫ـر بالرضورة‬‫ـر عــن آراء كتّابها وال تُعـ ِّ‬
‫املــواد املنشــورة يف املجلــة تُعـ ِّ‬
‫إنهاء استعمار األكاديمية يف إفريقيا‬ ‫عــن رأي الــوزارة أو املجلــة‪ .‬وال تلتــزم املجلــة بــردّ أصول مــا ال تنرشه‪.‬‬
‫(حـ‪ :‬أوالينكا أويجبيل ‪ -‬تـ‪ :‬مروى بن مسعود)‬

‫الموقع اإللكتروني‬
‫‪14‬‬ ‫‪www.dohamagazine.qa‬‬
‫روالن بليكر‬ ‫مواقع التواصل‬
‫ّ‬
‫الـمريئ‬ ‫العنف‬ ‫‪aldoha_magazine‬‬
‫(حـ‪ :‬براد إيفانز ‪ -‬تـ‪ :‬إسماعيل الموساوي )‬ ‫‪aldohamagazineofficial‬‬
‫‪dohamagazineofficial‬‬
‫| ملفات |‬ ‫| قضايا |‬

‫‪44-76‬‬ ‫‪27-41‬‬

‫جاك دريدا‬
‫الوضوح الذي‬
‫حاولت أن ّ‬
‫أعقده‬ ‫غريتا ثونربج‪:‬‬
‫أريدكم أن تشعروا بالذعر‬
‫(حوارات يف‪ :‬الحدث‪ ،‬الفلسفة‪ّ ،‬‬
‫الضيافة والتفكيك‪)...‬‬ ‫(إميلي بروز تـ‪ :‬مروى بن مسعود)‬
‫برونو التور‬
‫(تقديم وترجمة‪ :‬مـحمد بكاي)‬ ‫عىل أي أرض سنحيا؟‬
‫(حـ‪ :‬سفين أورتولي ‪ -‬تـ‪ :‬عبد الله كسابي)‬
‫الحس الـمناخي‪..‬‬
‫حوارات | نصوص | ترجمات | قراءات‬ ‫رشط البقاء عىل قيد الحياة‬
‫(عدنان هزاع البياتي)‬
‫مجيب لطيف‪:‬‬
‫‪77‬‬ ‫ُ‬
‫من الصعب أنْ نراهن عىل املستقبل‬
‫سفيتالنا أليكسيفيتش‪:‬‬ ‫(حـ‪ :‬ماركو إيفرز تـ‪ :‬شيرين ماهر)‬
‫مخاطر العظمة‬
‫(حـ‪ :‬خوسيه فيرجارا ‪ -‬تـ‪ :‬عبدالله بن محمد)‬
‫| أدب | فنون | مقاالت | علوم | | إصدارات‬
‫‪21‬‬ ‫أزمة «كوفيد ‪ ..»19 -‬في مساءلة خطاب الجائحة (محمد الدحاني)‬

‫‪83‬‬ ‫‪24‬‬ ‫ومتعددة (إيرين بيرثونيه ‪ -‬تـ‪ :‬رضا األبيض)‬


‫ِّ‬ ‫مقاربة حديثة‬
‫َ‬ ‫االقتصاد النسوي‪..‬‬

‫جيتانجايل رشي‪:‬‬ ‫‪42‬‬ ‫عمران المليح‪ :‬حالة استثنائية في األدب المغربي (محمد برادة)‬

‫الكتاب الذي سيفلت من قبضيت‬ ‫‪102‬‬ ‫أي مستقبل للكتابة األدبية؟ (إيريك هويل ‪ -‬تـ‪ :‬أحمد منصور)‬
‫االصطناعي‪ّ ..‬‬
‫ّ‬ ‫تحديات الذكاء‬
‫أمام ِّ‬
‫(حـ‪ :‬إليزابيث جرينير ‪ -‬تـ‪ :‬ع‪ .‬م)‬

‫‪96‬‬ ‫إيلني أوبرست‪:‬‬


‫الذكريات الهشة تعيد برمجة الذاكرة‬
‫‪87‬‬ ‫(حـ‪ :‬سارة تومسك ‪ -‬تـ‪ :‬شيرين ماهر)‬
‫ليو تيس شني يحاور هان سونغ‪..‬‬
‫أيّ من عمالقي الخيال العلمي األثرى خيا ًال؟‬
‫(تـ‪ :‬مي ممدوح)‬ ‫‪100‬‬ ‫خوسيه دي فالفريدي‪:‬‬
‫تفكيك األفكار املبتذلة حول العباقرة‬
‫(حـ‪ :‬فيرجين بلوش‪-‬ليني ‪ -‬تـ‪ :‬فيصل أبو ُّ‬
‫الط َف ْيل)‬

‫‪93‬‬
‫كارل أوفه كناوسغارد‪:‬‬ ‫‪106‬‬ ‫كيف ي ُ ِّ‬
‫ظميئ للكتابة ال يُروى‬
‫شكل الواقع االفرتايض عالـ َمنا؟‬
‫(حـ‪ :‬فلورنس نويفيل ‪ -‬تـ‪ :‬د‪ .‬فيصل أبو ُّ‬
‫الط َف ْيل)‬
‫مجتمعات هالمية وفوضوية!‬
‫(بيتر سودرمان تـ‪ :‬عبدالله بن محمد)‬
‫تقارير وقضايا‬

‫حديقة أفريقيا!‬
‫مقربة لألرواح املُهاجرة‬
‫أن‬
‫ـر وســائل التواصــل االجتامعــي ّ‬ ‫عندمــا قــرأت عائشــة القريــي‪ ،‬ابنــة الف َّنــان الجزائــري رشــيد القريــي‪َ ،‬عـ ْ َ‬
‫ـوم تقريب ًا عدداً‬ ‫كلَّ‬
‫ملجــاورة ملدينــة جرجيــس التونســية كانت تحمل يـ ٍ‬ ‫التيــارات البحريــة القويــة قبالــة الشــواطئ ا ُ‬
‫وربــا املئــات مــن األشــخاص الذيــن ســقطوا يف ميــاه البحــر األبيــض‬ ‫غــر قليــل مــن الجثــث املجهولــة لعــرات ّ‬
‫املتوســط خــال عــام ‪ ،2018‬أثنــاء محاولتهــم الفاشــلة للعبــور إىل الشــواطئ الشــالية مســتقلني قــوارب بدائيــة‬
‫تفتقــد ألدىن درجــات الســامة واألمــان‪ ،‬وأن العديــد مــن هــذه الجثــث مل يتــم دفنهــا بطريقـ ٍـة الئقــة أو مل تدفــن‬
‫عــى اإلطــاق‪ ،‬شــعرت بصدمــة وحــزن شــديدين‪.‬‬

‫األشــخاص الذيــن أنقذهــم حــرس الســواحل فــي جنــوب‬ ‫ـت الحــق مــن العــام نفســه‪ ،‬زارت االبنــة برفقــة‬ ‫فــي وقـ ٍ‬
‫المهاجريــن الذيــن‬ ‫أوروبــا وشــمال إفريقيــا‪ ،‬تشــير إلــى أن ُ‬ ‫والدهــا مدينــة جرجيــس‪ ،‬وصدمــا لهــول المشــهد الــذي‬
‫يعــدون‬‫ّ‬ ‫عــام‬ ‫كل‬ ‫يغرقــون فــي البحــر األبيــض المتوســط‬ ‫صادفهمــا‪ .‬يقــول الف َّنــان رشــيد القريشــي فــي وصــف ذلــك‬
‫وربمــا اآلالف‪.‬‬
‫بالمئــات‪ّ ،‬‬ ‫ـمى مقبــرة الغرباء‪،‬‬ ‫اليــوم‪« :‬عندمــا رأيــت المــكان الذي ُيسـ َّ‬
‫مــا يزيــد المشــهد تعقيــد ًا فــي جرجيــس علــى وجــه‬ ‫تحمــل‬‫كان ذلــك بمثابــة كابــوس بالنســبة لــي‪ .‬لــم أســتطع ُّ‬
‫المهاجريــن‬ ‫مخصصــة لجثــث ُ‬‫َّ‬ ‫الخصــوص‪ ،‬أن وجــود مقبــرة‬ ‫وتغيــر المنــاخ‬ ‫ُّ‬ ‫فكــرة أن األشــخاص الهاربيــن مــن الفقــر‬
‫الذيــن تجرفهــم ميــاه البحــر إلــى ســواحل المدينــة كان أمــر ًا‬ ‫والحــروب وحتــى (كورونــا)‪ ،‬ينتهــي بهــم األمــر فــي مكــب‬
‫صعبـ ًا نظــر ًا للواقــع االجتماعــي الخــاص بهــذه المدينــة‪ ،‬كمــا‬ ‫للنفايــات‪ .‬ويضيــف‪« :‬علــى الفــور‪ ،‬قلــت إننــا بحاجة لشــراء‬
‫يقول الســيد مونجي ســليم‪ ،‬الرئيس اإلقليمي للجنة الصليب‬ ‫قطعــة مــن األرض لبنــاء مقبــرة‪ ،‬وبمــا أن هؤالء األشــخاص‬
‫األحمــر في مدينة مســرين‪ .‬ويضيف قائـاً‪« :‬في الواقع‪ ،‬كانت‬ ‫مخصص ـ ًا‬‫َّ‬ ‫ـق الدفــن بكرامــة‪ ،‬ســأبني مكان ـ ًا‬ ‫ُحرمــوا مــن حـ ِّ‬
‫البلديــة مضطــرة لدفــن هــذه الجثــث فــي مــكانٍ غير مناســب‪،‬‬ ‫ـرف»‪.‬‬ ‫لدفنهــم هنــا كــي يســتريحوا فــي مــكانٍ ُمشـ ِّ‬
‫ألن ملكيــة المقابــر فــي هــذه المنطقــة تعــود للعائــات فقــط‪،‬‬ ‫للمبــادرة اإلنســانية‬ ‫كانــت هــذه الواقعــة نقطــة البدايــة ُ‬
‫حيــث تملــك كل أســرة مســاحة خاصــة بهــا لدفــن أمواتهــا‪.‬‬ ‫الرائعــة التــي خــرج بهــا الف َّنــان الجزائــري والتــي أصبحــت‬
‫وعندمــا تطلــب من النــاس بيع قطعة من األرض الســتخدامها‬ ‫ُتعــرف اليــوم باســم «حديقــة إفريقيــا»‪ ،‬هــذه البقعــة مــن‬
‫كمقبــرة‪ ،‬فإنهــم بشــكلٍ عــام يرفضــون ذلــك»‪.‬‬ ‫األرض التــي تقــع علــى الســاحل الجنوبــي مــن تونــس‬
‫هــذا األمــر‪ ،‬علــى أي حــال‪ ،‬لــم يمنــع رشــيد القريشــي‬ ‫للمهاجريــن الذيــن غرقــوا أثنــاء‬ ‫صصــت لتكــون مقبــرة ُ‬ ‫وخ ِّ‬‫ُ‬
‫مــن المضــي قدمـ ًا فــي مشــروعه اإلنســاني الخــاص‪ .‬فبعــد‬ ‫عبورهــم البحــر األبيــض المتوســط‪ ،‬ونصبـ ًا تذكاريـ ًا يذكِّ رنــا‬
‫زيارتــه للمنطقــة قــام علــى الفــور بشــراء قطعة مــن األرض‬ ‫بإنســانيتنا الضائعــة‪ .‬وال شــك أن التجربــة الشــخصية‬
‫وحولها إلى مقبــرة خاصة يمكن‬ ‫َّ‬ ‫بمســاحة ‪ 2500‬متــر مربــع‬ ‫المؤلمــة للف َّنــان رشــيد القريشــي الــذي فقــد شــقيقه فــي‬ ‫ُ‬
‫أن تســتوعب نحــو ‪ 600‬قبــر‪ ،‬وأطلــق عليهــا اســم «حديقــة‬ ‫عــام ‪ ،1962‬عندمــا ابتلعــه البحــر ولــم يعثــر علــى جثمانــه‬
‫مهمــة شــاقة ومبــادرة فرديــة‬ ‫إفريقيــا»‪ .‬وكانــت بــا شــك َّ‬ ‫وتأثيــر مضاعــف‬ ‫ٌ‬ ‫وقــع كبيــر‬
‫ٌ‬ ‫مطلقــ ًا بعــد ذلــك‪ ،‬كان لهــا‬
‫خالصــة‪ ،‬إذ قــام بتمويلهــا الف َّنــان الجزائــري بنفســه دون‬ ‫المبــادرة‪.‬‬
‫للخــروج بهــذه ُ‬
‫ـة حكوميــة أو غيــر حكوميــة‪.‬‬ ‫مســاعدة مــن أي جهـ ٍ‬ ‫فــي الواقــع‪ ،‬ال أحــد يعــرف العــدد الدقيــق لألشــخاص‬
‫الذيــن يموتون لألســف كل عام أثنــاء محاولتهم عبور البحر‬
‫فردوس لألرواح امل ُهاجرة!‬ ‫األبيــض المتوســط‪ ،‬فاإلحصائيــات ال تعكــس بالضــرورة‬
‫هــم لـ«حديقــة‬
‫الم ّ‬
‫علــى الرغــم مــن الجانــب اإلنســاني ُ‬ ‫الواقــع‪ .‬إذ أن أولئــك الذيــن لــم ينجحوا في عبور المتوســط‬
‫المهاجــرة التــي لم تجد الســام‬
‫إفريقيــا»‪ ،‬كمقبــرة لــأرواح ُ‬ ‫ولــم ُيعثــر علــى جثثهــم ال يتــم تمثيلهــم بشــكلٍ عــام فــي‬
‫الــذي تنشــده علــى وجــه األرض‪ّ ،‬إل أن التصميــم والبنــاء‬ ‫هــذه اإلحصائيــات‪ .‬ولكــن التقديــرات‪ ،‬اســتناد ًا إلــى أعــداد‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪4‬‬
‫رشيد قريشي‪ ،‬مؤسس مقبرة “حديقة أفريقيا” ▲‬

‫البوابــة لوحتــان كبيرتان تعمالن كما يقول القريشــي بمثابة‬ ‫أهميــة بالغــة فــي‬‫والجانــب الف ّنــي كان لهــا جميعـ ًا ‪-‬أيضـاً‪ّ -‬‬
‫«حــراس رمزييــن لمــن يصلّون من أجل الموتى»‪ ،‬في إشــارة‬ ‫المشــروع‪ .‬لــم يكن االهتمــام بهذا األمر مبالغ ًا بــه أو عبثياً‪،‬‬
‫إلــى عائــات وأصدقــاء المفقودين‪.‬‬ ‫بــل علــى العكــس‪ ،‬كان أمــر ًا مدروسـ ًا ومبــرراً‪ ،‬إذ إن الهدف‬
‫وعلــى طرفــي هــذه الممــرات تمــت زراعــة مجموعات من‬ ‫هــو أن يحصــل هــؤالء الضحايــا على الكرامة اإلنســانية التي‬
‫األعشــاب العطريــة والعالجيــة جنبـ ًا إلــى جنب مــع األزهار‬ ‫ربمــا ُحرموا منها خالل ســنين حياتهم‪.‬‬ ‫يســتحقونها‪ ،‬والتــي ّ‬
‫المــر التــي ترمز إلى‬‫الفواحــة‪ ،‬إضافــة إلــى أشــجار البرتقــال ُ‬ ‫َّ‬ ‫يصورهــا الف َّنــان رشــيد‬
‫ِّ‬ ‫لذلــك فــإن «حديقــة إفريقيــا» كمــا‬
‫عدة‬‫ّ‬ ‫أماكن‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ِّقت‬
‫مشــقة المــوت وحالوة اآلخــرة‪ .‬بينما ُعل‬ ‫القريشــي هــي «مــكان للذكــرى ملــيء بالنباتــات العطــرة‬
‫مــن الحديقــة أكــواب صفــراء وخضــراء‪ ،‬تهــدف إلــى جــذب‬ ‫ـم وصفها في القــرآن الكريم»‪.‬‬ ‫التــي تســتحضر الجنــة كما تـ َّ‬
‫ميــاه األمطــار والطيــور‪ .‬ويودي الممــر الرئيــس بالنهاية إلى‬ ‫ولتحقيــق ذلــك‪ُ ،‬بنيت المقبرة وســط بســتان من أشــجار‬
‫ـاء للتأمــل ومكان ـ ًا للصــاة يجمــع‬ ‫غرفــة مقببــة تو ِّفــر فضـ ً‬ ‫ـميها‬ ‫ـرء هــذه «الجنــة» كمــا يسـ ّ‬ ‫الزيتــون‪ ،‬حيــث يدخــل المـ ُ‬
‫بيــن كلِّ األديان‪.‬‬ ‫القريشــي‪ ،‬مــن خــال بوابة ضخمة‪ ،‬أشــبه ببوابــات القصر‪،‬‬
‫المســاواة بيــن جميــع الضحايــا دون تمييــز‬ ‫وال شــك أن ُ‬ ‫مطليــة باللــون األصفــر الالمــع فــي تشــبيه بليــغ لشــمس‬
‫أو تفريــق فيمــا بينهــم ســواء فــي الجنــس أو اللــون أو حتــى‬ ‫وتتضمــن البوابــة الرئيســة بوابــة أصغــر‬ ‫َّ‬ ‫إفريقيــا الســاطعة‪.‬‬
‫الديــن‪ ،‬هــي بــادرة رائعــة يشــهد لهــا وعامــل إضافــي يؤكِّ ــد‬ ‫منهــا حجمـ ًا لدخول الــزوار ُص ِّممت بارتفــاع منخفض‪ ،‬ربما‬
‫ـدث القريشــي حــول هــذا‬ ‫أهميــة هــذه المقبــرة‪ .‬يتحـ َّ‬
‫علــى ِّ‬ ‫عــن قصــد لكي تدفــع الزائر لالنحناء عند مــروره من خاللها‬
‫المهاجريــن‬ ‫األمــر قائ ـاً‪« :‬هــذه المقبــرة تضــم جثــث كل ُ‬ ‫احترامـ ًا ألولئــك الذيــن ذهبــوا إلــى البحــر فــي رحلــة شــاقة‬
‫ســواء كانــوا مســلمين أو مســيحيين أو حتــى بوذييــن‪،‬‬ ‫للبحــث عــن أمــل مفقــود ومســتقبل أكثــر إشــراقاً‪ ،‬ولكنــه‬
‫المهاجريــن الذيــن تــم العثــور عليهــم هــم‬ ‫فالبعــض مــن ُ‬ ‫لألســف لــم يـ ِ‬
‫ـأت أبــداً‪.‬‬
‫مــن بنغالديــش مثـاً‪ ،‬كما وعدت ربي بـــأن تكــون كل القبور‬ ‫يقول الف َّنان القريشــي‪« :‬أردت أن يكون المدخل الرئيس‬
‫مثــل بعضهــا وال وجــود ألي فــرق»‪.‬‬ ‫مثــل مدخــل القصــر‪ ،‬وعندمــا تفتــح األبــواب تجــد أجمــل‬
‫تتضمــن المقبــرة أيضـ ًا مســكن ًا صغيــر ًا للناطــور ومكتبـاً‬ ‫َّ‬ ‫األشــياء التــي صنعتهــا األيــادي الســحرية ألمهــر الحرفييــن‬
‫ا عــن مرافــق الحمامــات والمغاســل‪،‬‬ ‫للطبيــب‪ ،‬فضــ ً‬ ‫الملون‬
‫َّ‬ ‫فــي المنطقــة»‪ .‬تقودنــا الممــرات المكســوة بالبــاط‬
‫للمســاعدة فــي‬ ‫ومشــرحة تحتــوي علــى أحــدث المرافــق ُ‬ ‫تم اســتحضارها من‬ ‫والمزخــرف بتصميماتهــا الفريــدة التــي َّ‬
‫المتحللــة بشــدة التــي تــم غســلها علــى‬ ‫تحديــد الجثــث ُ‬ ‫مدينــة الحــرف التونســية الشــهيرة «نابــل» عبــر المقبــرة‪،‬‬
‫الشــاطئ و ُتركــت مســبق ًا لتتعفــن‪ .‬يقــول الف َّنــان الجزائــري‬ ‫لتصــل بنــا إلــى خمــس أشــجار مــن الزيتــون تم ِّثــل أركان‬
‫فــي وصــف ذلــك‪« :‬فــي البدايــة‪ ،‬أردت فقــط ُصنــع شــواهد‬ ‫اإلســام الخمســة واثنتــي عشــرة شــجرة مــن الكرمــة تم ِّثــل‬
‫للقبــور‪ .‬لكــن عندمــا وجــدت أن التعامــل مــع جثــث الموتى‬ ‫ـب علــى جانبــي‬ ‫تالميــذ المســيح االثنــي عشــر‪ .‬بينمــا تنتصـ ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪5‬‬
‫ـد األكبــر مــن حيــث القيمــة الماديــة‬ ‫جنيــف (سويســرا) و ُت َعـ ُّ‬
‫العالَم‪،‬‬ ‫وواحــدة مــن أهــم الجوائز علــى صعيد العمارة فــي َ‬
‫األهميــة والتقديــر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـد أمــر ًا علــى درجــة كبيــرة مــن‬ ‫ُي َعـ ُّ‬
‫ـم اختيــار تســعة عشــر مشــروع ًا‬ ‫إلــى جانــب المقبــرة تـ َّ‬
‫العا َلــم‪ ،‬مــن بينهــا ســبع دول‬ ‫متميــز ًا مــن ‪ 16‬دولــة حــول َ‬ ‫ِّ‬
‫عربيــة هــي‪ :‬البحرين‪ ،‬لبنان‪ ،‬الكويت‪ ،‬المغرب‪ ،‬فلســطين‪،‬‬
‫المتحــدة‪ ،‬باإلضافــة طبعـ ًا إلــى تونــس‪.‬‬ ‫اإلمــارات العربيــة ُ‬
‫المســتقلة‬ ‫ووفق ـ ًا للجائــزة‪ ،‬قامــت لجنــة التحكيــم العليــا ُ‬
‫المدرجــة فــي القائمــة‬ ‫باختيــار المشــاريع العشــرين ُ‬
‫تــم ترشــيحها لــدورة‬ ‫المختصــرة مــن بيــن ‪ 463‬مشــروع ًا َّ‬ ‫ُ‬
‫الجائــزة الخامســة عشــرة‪ ،‬األمــر الــذي يجعــل مــن اختيــار‬
‫المقبــرة مــن بين هذا العدد الهائل من المشــاريع العالمية‬
‫ـم اإلعــان عــن‬ ‫المتوقــع أن يتـ َّ‬ ‫أهميــة وحضــوراً‪ .‬ومــن ُ‬ ‫أكثــر ّ‬
‫ٍ‬
‫المشــاريع الفائــزة بالجائــزة فــي وقت الحق من هــذا العام‪.‬‬
‫والمتتبــع لجائــزة «اآلغــا خــان» للعمــارة منــذ انطالقتهــا‬ ‫ُ‬
‫المرشــحة‬ ‫ُ‬ ‫ـاريع‬ ‫ـ‬ ‫المش‬ ‫اختيار‬ ‫أن‬ ‫يدرك‬ ‫‪،1977‬‬ ‫عام‬ ‫في‬ ‫األولى‬
‫أو الفائــزة يخضــع دومـ ًا لمعاييــر صارمــة ودقيقــة‪ ،‬وهــي ال‬
‫تتعلَّق أساسـ ًا بحجم أو قيمة المشــروع المادية‪ ،‬بل بالدور‬
‫ســيئ ًا للغايــة‪ ،‬فكَّ ــرت ببنــاء غرفــة اســتقبال هنــا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫كان‬
‫المحيطــة‪،‬‬ ‫المجتمعــات ُ‬ ‫ـم الــذي يلعبــه فــي خدمــة ُ‬ ‫المهـ ّ‬ ‫ُ‬ ‫مخصصــة للتعامــل مع‬ ‫ـردة‬
‫ّ‬ ‫وبجوارهــا مباشــرة مشــرحة مبـ ّ‬
‫المســلمين عموماً‪،‬‬ ‫لمجتمع ُ‬ ‫يقدمها ُ‬ ‫والفائــدة الكبيــرة التي ِّ‬ ‫المتواضع في المقبرة‬ ‫جثــث الموتــى»‪ .‬ويقوم فريق العمــل ُ‬
‫انطالقــ ًا مــن مبــادئ وأفــكار إنســانية ســامية تقــوم علــى‬ ‫بعينــة مــن الحمــض النــووي لــكل ضحيــة يتــم‬ ‫باالحتفــاظ ِّ‬
‫والتعدديــة‪ ،‬والحفــاظ علــى الكرامة اإلنســانية‪،‬‬ ‫المســاواة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ـرف عليهــم‬‫دفنهــا‪« ،‬علــى أمــل أن نتمكَّ ــن يومـ ًا مــا مــن التعـ ُّ‬
‫وتعزيــز قيمــة االختــاف الثقافــي واالجتماعــي علــى كافــة‬ ‫مــن خــال الحمــض النــووي الــذي يوفــره األقــارب»‪ ،‬كمــا‬
‫األصعــدة‪ .‬وهــذا مــا ينطبــق دون شــك علــى هــذا المشــروع‬ ‫يقــول القريشــي‪.‬‬
‫ا للوجود‬ ‫اإلنســاني الكبيــر‪ ،‬األمــر الــذي يجعله‪ ،‬ليس مؤهـ ً‬
‫المرشــحة للجائــزة‬ ‫المختصــرة للمشــاريع ُ‬ ‫ضمــن القائمــة ُ‬
‫عىل قائمة جائزة اآلغا خان للعمارة‬
‫فحســب‪ ،‬بــل وللفــوز بهــا أيضـاً‪.‬‬ ‫منــذ افتتاحهــا فــي ‪ 9‬يونيو‪/‬حزيــران مــن العــام الماضــي‬
‫وهــذا مــا تؤكِّ ــده أيضــ ًا بشــكلٍ غيــر مباشــر كلمــات‬ ‫(‪ ،)2021‬كمحطــة أخيــرة لبضــع مئــات مــن الالجئيــن‬
‫الروائــي واألكاديمــي الفرنسي‪-‬الســنغالي «ديفيــد ديــوب»‪،‬‬ ‫والمهاجريــن الذيــن ســقطوا فــي ميــاه البحــر األبيــض‬ ‫ُ‬
‫الحاصــل علــى جائــزة البوكــر الدوليــة‪ ،‬الــذي كتــب يقــول‬ ‫المتوســط‪ ،‬أصبحــت هــذه المقبــرة موضــع اهتمــام العديــد‬
‫فــي وصــف هــذه الحديقــة‪« :‬مــن خــال جمالهــا‪ ،‬تمســك‬ ‫همــة والصحافييــن ووســائل اإلعــام‬ ‫الم ّ‬
‫مــن الشــخصيات ُ‬
‫«حديقــة إفريقيــا» بقلوبنــا وتثيــر إحساســنا بالظــروف التــي‬ ‫وكُ تبــت حولها المقــاالت في الصحف والمجالت المعروفة‪،‬‬
‫مــن «لومونــد» الفرنســية حتــى «نيويورك تايمــز» األميركية‪.‬‬
‫ـدد‬ ‫العا َلــم وتجـ ِّ‬
‫المهاجــرون فــي جميــع أنحــاء َ‬ ‫يعانــي منهــا ُ‬ ‫بينمــا وصفــت المديــرة العامــة لليونســكو «أودري أزوالي»‬
‫المشــتركة‪ .‬تؤكِّ ــد الحديقــة علــى‬ ‫إحساســنا باإلنســانية ُ‬ ‫«تقدم الجمــال ألولئك الذين ُحرموا‬‫ِّ‬ ‫مبــادرة القريشــي بأنها‬
‫أن الكــرم والتضامــن ليســا أوهامــاً‪ :‬إنهمــا موجــودان فــي‬
‫مــن الحصــول علــى قبــر‪ .‬إن لفتتــه تشــهد علــى إنســانيتنا‬
‫مجتمعــات الشــمال كمــا فــي مجتمعــات الجنــوب‪ ،‬وتذكِّ رنا‬
‫المشــتركة وتؤكِّ ــد أن لكل شــخص الحق في هــذه الكرامة»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بالشــيء الوحيــد الذي يمنع البشــرية نفســها مــن الغرق في‬ ‫غيــر أن التقديــر األكبــر الــذي حصلــت عليــه «حديقــة‬
‫بمعاناة‬ ‫ســفينة جماعيــة أال وهــو رفــض البقــاء غيــر مباليــن ُ‬ ‫إفريقيــا» كان فــي اختيارهــا مؤخــر ًا ضمــن المشــاريع‬
‫ال فــي فيلم وثائقي‬ ‫اآلخريــن»‪ .‬بينمــا يختم مونجي ســليم قائ ً‬ ‫المرشــحة لجائــزة «اآلغــا خــان» للعمــارة فــي‬ ‫العشــرين ُ‬
‫قصيــر حــول الحديقــة نشــر علــى موقــع جائــزة «اآلغــا خان»‬ ‫دورتهــا الحاليــة (‪ .)2022-2020‬ورغم أن المشــاريع الفائزة‬
‫للعمــارة‪« :‬بصراحــة‪ ،‬هــذه المقبــرة هــي تحفــة ف ّنيــة‪ ،‬مــكان‬ ‫فــي هــذه الــدورة لــم يتــم اإلعــان عنهــا بعــد‪ّ ،‬إل أن مجــرد‬
‫غيــر عــادي‪ .‬هــؤالء النــاس محظوظــون لكــي يجــدوا الراحــة‬ ‫المرشــحة‬‫اختيــار المقبــرة مــن بيــن المشــاريع العشــرين ُ‬
‫األبديــة فــي مثــل هــذا المــكان»‪ .‬محمــد أدهــم الســيد‬ ‫لهــذه الجائــزة العالميــة‪ ،‬التــي يقــع مقرهــا الرئيــس فــي‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪6‬‬
‫من مغادرة إفريقيا إىل الحبس الكبري‬
‫اإلنسان‪ ،‬هذا املهاجر األبدي‬
‫ـارة إىل أخــرى‪ ،‬يف اختــاط دائــم للســكّ ان‪،‬‬‫كشــف علــم اآلثــار الحديــث طبيعــة التد ُّفقــات التــي تسـ َّـببت‪ ،‬مــن قـ ّ‬
‫ومــا صاحبهــا مــن قمــع ونبــذ‪ .‬ومــن املفارقــات أن املجتمعــات البدويــة كانــت متيــل إىل االختفــاء‪ ،‬لكــن اإلنســان‬
‫ا قبــل القــرن الحــادي والعرشيــن‪ .‬يف كتابه األخري «البرش املهاجرون‪ ..‬من مغادرة إفريقيا‬ ‫مل يكــن‪ ،‬أبــداً‪ ،‬متن ّقـ ً‬
‫ـؤرخ وعــامل اآلثــار «جــان بــول دميو» تاريخ الهجــرات‪ ،‬من العرص الحجري القديم‬ ‫يتتبــع املـ ِّ‬
‫إىل الحبــس الكبــر»‪َّ ،‬‬
‫حتــى يومنــا هــذا‪ ،‬مــن أجــل فهــم أفضــل للحــركات الحاليــة‪ ،‬يف حجمهــا وإكراهاتهــا‪.‬‬

‫ـداً‪ ،‬مــع‬ ‫كنــت أرغــب فــي إنجــازه علــى المــدى الطويــل جـ ّ‬ ‫هجرات اقتصادية‪ ،‬وأخرى مناخية‪ ،‬وأخرى سياسية ‪...‬‬
‫الحفــاظ علــى اإليجــاز وســهولة القــراءة‪ ،‬والبحــث عــن‬ ‫لقــد أظهرتــم أن هــذه الحــركات لــم تكــن بســبب العولمــة‪،‬‬
‫الثوابــت واالختالفــات؛ ويرجــع ذلــك‪ ،‬أساسـاً‪ ،‬إلــى الزيــادة‬ ‫وحلــول القــرن الحــادي والعشــرين‪ .‬فــي األســاس‪ ،‬أســباب‬
‫ـتمرة فــي التركيبــة الســكّ انية البشــرية‪ .‬فــي الواقــع‪،‬‬ ‫المسـ ّ‬ ‫ـي ســنة‪ .‬كيــف جــاءت فكــرة‬
‫الهجــرات هــي نفســها منــذ مليو َنـ ْ‬
‫تعرضــت أوروبــا لالســتعمار قبــل (‪ )8000‬عــام‪ ،‬مــن ِق َبــل‬ ‫ّ‬ ‫كتابــة تاريــخ الهجــرات والمهاجريــن؟‬
‫زراعييــن مــن الشــرق األدنــى‪ ،‬أو اســتعمار األميرك َت ْيــن‬
‫ِّ‬ ‫اد‬ ‫رو‬
‫ّ‬
‫علــى يــد األوروبييــن‪ ،‬انطالق ـ ًا مــن «االكتشــافات الكبــرى»‬ ‫‪ -‬كان هــذا جــزء ًا مــن المشــاريع البحثية التــي كنت أفكِّ ر‬
‫بطــرق مختلفــة تمام ـاً‪ ،‬لكــن األســباب‪ ،‬فــي العمــق‪ ،‬هــي‬ ‫فيهــا لفتــرة طويلــة‪ ،‬وفــي نقــاش مــع «صوفي باجــارد»‪ ،‬من‬
‫نفســها دوم ـاً‪.‬‬ ‫خاصــة أن الحمالت‬ ‫ّ‬ ‫دار النشــر (‪ ،)Payot‬نضــج المشــروع‪،‬‬
‫االنتخابيــة المختلفــة التــي كانــت فيهــا الهجــرة (ليســت‬
‫إحــدى نقــاط القـ ّـوة فــي كتابــك‪ ،‬التأكيــد علــى أنه ال يوجد‬ ‫أساســي ًا فــي النقــاش‬
‫ّ‬ ‫دائمــاً‪ ،‬ألســباب وجيهــة) موضوعــ ًا‬
‫ـدي؛ إذ لــم تتو َّقــف الشــعوب عــن االختــاط‪ .‬مــع‬‫مجتمــع أبـ ّ‬ ‫ـام‪ .‬مــن الواضــح أننــي لــم أكــن أرغــب فــي تأليــف كتــاب‬ ‫العـ ّ‬
‫متكــررة تنتشــر عبــر القــرون مثــل‬
‫ِّ‬ ‫ذلــك‪ ،‬هنــاك مفــردات‬ ‫ـرد كتــاب تاريــخ‪ ،‬يربــط الحقائــق‪ ،‬ويظهــر‬ ‫مناضــل‪ ،‬بــل مجـ َّ‬
‫«برابرة» أو «غزوات»‪ ...‬هل كان ُينظر‪ ،‬دائم ًا‪ ،‬إلى المهاجر‬ ‫ـي ســنة الماضيــة‪،‬‬ ‫االختالفــات والثبــات علــى مــدى المليو َنـ ْ‬
‫علــى أنــه مصــدر خطــر؟‬ ‫األول للمصطلح‪.‬‬ ‫لكنــه‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬كتاب سياســي‪ ،‬بالمعنى َّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪7‬‬
‫جيــد جـ ّـداً‪ ،‬بالنســبة إلــى الهنــدو ‪-‬‬
‫أنــت تُظهِ ــر ذلــك‪ ،‬بشــكل ّ‬ ‫‪ -‬فــي الواقــع‪ ،‬فكــرة الكيانــات السياســية‪ ،‬والكيانــات‬
‫األوروبيــون؟‬
‫ّ‬ ‫أوروبييــن‪ .‬مــن أيــن أتــى‬ ‫ـمى «منذ‬ ‫أجــل غيــر مسـ ّ‬
‫ترســخ وجودهــا إلــى َ‬ ‫الثقافيــة التــي ّ‬
‫بدايــات الزمــن» (كمــا كتــب الجنــرال ديغــول عــن فرنســا‪،‬‬
‫ـارة‬
‫األوروبييــن‪ .‬إنهــا‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬القـ ّ‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬أوروبــا هــي اختــراع‬
‫أو ‪-‬باألحــرى‪ -‬الفكــرة التــي كان يحملهــا عنهــا)‪ ،‬ال معنــى‬
‫تحددهــا المحيطــات بشــكل واضــح؛ إنهــا‪،‬‬ ‫الوحيــدة التــي ال ّ‬ ‫(األمــة) ‪-‬بوصفهــا مجتمع ـ ًا مــن‬‫ّ‬ ‫لهــا تاريخي ـاً‪ .‬تعــود فكــرة‬
‫فــي األســاس‪ ،‬شــبه جزيــرة أوراســيا األخيــرة (أو آســيا)‪ .‬هــذا‬
‫المواطنيــن‪ -‬إلــى الثورة الفرنســية‪ ،‬وإلى الرومانســية فقط‪.‬‬
‫ـي قدمـ ًا فيــه‪ ،‬علــى‬ ‫هــو المــكان الــذي لــم نتمكَّ ــن مــن المضـ ّ‬ ‫إلهي لحكم‬ ‫ّ‬ ‫ـق‬
‫مــن قبــل‪ ،‬لــم يكن هناك ســوى ملــوك لهم حـ ّ‬
‫األقــلّ ‪ ،‬حتــى «االكتشــافات العظيمــة»‪ .‬مثــل جميــع أجــزاء‬
‫ويوســعون أراضيهــم بحكــم الحــروب أو الزيجات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرعايــا‪،‬‬
‫العالــم األخــرى‪ ،‬لــم يتوقَّف الناس عن االختــاط هناك‪ .‬بعد‬
‫معظــم الــدول الحديثــة تعــود إلــى القرن التاســع عشــر في‬
‫أول إنســان منتصــب القامــة‪ ،‬منــذ مــا ال يقلّ عن مليون ســنة‬ ‫ّ‬ ‫أحســن األحــوال‪ ،‬وغالبـ ًا مــا تعــود إلــى العقــود الماضيــة‪،‬‬
‫تحولــوا هنــاك‪ ،‬تدريجي ـاً‪ ،‬إلــى شــعوب نياندرتــال)‪،‬‬ ‫(الذيــن َّ‬ ‫فقــط؛ لــذا هــي نتيجــة تهجيــن ثقافــي‪ ،‬وتهجيــن بشــري‬
‫عام‪،‬‬‫وصــل الســابينس (أي أنــت ونحــن)‪ ،‬ومــا كانــوا‪ ،‬بشــكل ّ‬ ‫دائم ْيــن‪.‬‬
‫ـم‬ ‫َ‬
‫ـم َتـ َّ‬
‫صياديــن وجامعيــن‪ ،‬منــذ حوالــي (‪ )40‬ألــف عــام‪ ،‬ثـ َّ‬ ‫ّ‬ ‫مــرة‪ُ ،‬ينظــر فيهــا إلــى األجنبــي‬ ‫كلّ‬ ‫فــي‬ ‫ذلــك‪،‬‬ ‫مــع‬
‫اســتبدالهم واســتيعابهم منــذ (‪ )8000‬عــام مــن ِق َبل مزارعي‬ ‫ّ‬
‫‪«-‬البربــري» بحكم التعريــف‪ -‬على أنه خطر‪ .‬وإذا َت َّم قبوله‪،‬‬
‫العصــر الحجــري الحديــث‪ ،‬مــن الشــرق األدنــى‪ ،‬فــي حيــن‬ ‫ا فقيــراً‪.‬‬ ‫فغالبـ ًا مــا يكــون عبــد ًا با َ‬
‫أل ْســر أو الشــراء‪ ،‬أو عامـ ً‬
‫ـركات ســكّ انية أخــرى‪ ،‬أُب ِلــغَ عنهــا مــن خــال‬ ‫ـم رصــد تحـ ُّ‬ ‫َتـ َّ‬ ‫معظــم أفــراد مجتمعــات الدولــة كانــوا مــن العبيــد‪ ،‬ومــن‬
‫التحليــات الجينيــة األوليــة‪ ،‬مــن أوروبــا الشــرقية‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬من خالل مســتعمراتها‪.‬‬ ‫أوروبــا الحديثــة في المقــام ّ‬
‫عمليات النــزوح الداخلي الدائمة‬ ‫ّ‬ ‫باإلضافــة إلــى تتابــع‬ ‫«المتوحش النبيل»‪،‬‬ ‫ولكن‪ ،‬كان هناك‪ ،‬في بعض األحيان‪،‬‬
‫ّ‬
‫(المســتعمرات اليونانيــة‪ ،‬الفتوحــات الرومانيــة‪ ،‬غــارات‬ ‫علــى األقــلّ ‪ ،‬كموضــوع أدبــي‪ ،‬أو اإلفريقــي كـ«طفــل كبيــر»‬
‫الفايكنــغ‪ ،‬الهجــرات الجرمانيــة‪ ،‬وغيرهــا) القادمــة مــن‬ ‫(مــن اإلعــان عن مســحوق الشــوكوالتة إلى جوزفيــن بيكر‪،‬‬
‫الخــارج‪ ،‬مــن محطّ ــات فينيقيــة وقرطاجيــة‪ ،‬وتأســيس‬ ‫دون نســيان حدائــق الحيوانــات البشــرية فــي نهايــة القــرن‬
‫المجتمعــات اليهوديــة‪ ،‬والهجرات من آســيا مثل شــعب‬ ‫التاســع عشــر)‪ .‬البربــري أو الهمجــي عبــارة عــن قطعــة‬
‫الهــون‪ ،‬ثــم الفتوحــات العربيــة البربريــة فــي جنــوب‬ ‫معدنيــة‪ ،‬ال غنــى عنهــا اقتصادياً‪ ،‬لكنه‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬كبش فداء‪.‬‬
‫المجريون واألتراك والمغول‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬حتى‬ ‫ّ‬ ‫ـارة‪ ،‬ثم‬
‫القـ ّ‬
‫الهجــرة فــي اآلونــة األخيــرة‪ ،‬بســبب الثــورة الصناعيــة‪.‬‬ ‫علــم اآلثــار‪ ،‬واألســاطير‪ ،‬واللُّغويــات‪ ..‬واآلن‪ ،‬علــم‬
‫فــي الوقــت نفســه‪ ،‬انتقل مالييــن األوروبييــن‪ ،‬على مدى‬ ‫بتتبــع مســارات بعــض الشــعوب‪.‬‬
‫الوراثــة‪ ،‬كلّهــا تســمح لنــا ُّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪8‬‬
‫أول إبــادة جماعيــة فــي القــرن العشــرين)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫القــرون الخمســة الماضيــة‪ ،‬إلــى اســتعمار جــزء كبيــر‬
‫فيمــا يتع َّلــق بالهنــود األميركييــن‪ ،‬مــن ناحيــة‪ ،‬وتجــارة‬ ‫مــن العالــم‪ ،‬وخلقــوا كيانــات ثقافيــة جديــدة مختلطــة‪،‬‬
‫الرقيــق فــي المحيــط األطلســي‪ ،‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬مــن‬ ‫ـد مــا‪ ،‬مــع الســكّ ان األصلييــن لهــذه المناطق (في‬ ‫إلــى َحـ ّ‬
‫الواضــح أنــه كانــت هنــاك مذابــح ممنهجــة خــال فتــرات‬ ‫الهويــة‬
‫ّ‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫تحدي‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يك‬ ‫ـك‪،‬‬‫ـ‬ ‫لذل‬ ‫ـدا)؛‬
‫ـ‬ ‫كن‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫أكث‬ ‫ـل‬‫البرازيـ‬
‫القمــع‪ ،‬كمــا أن هنــاك اعتــراض علــى أنــه لــم يكــن مــن‬ ‫األوروبيــة منطقي ـاً‪ ،‬فقــط‪ ،‬فيمــا يتع َّلــق بلحظــة زمنيــة‬
‫مصلحــة التجــار ومالكــي العبيد القضاء علــى اليد العاملة‪.‬‬ ‫معينــة (مثقَّ فــو عصــر التنويــر‪،‬‬ ‫ـددة‪ ،‬ولمجموعــات‬ ‫محـ َّ‬
‫َّ‬
‫بالتأكيــد‪ ،‬لكن النتيجة كانت واحدة للطرفين ســواء بســبب‬ ‫علــى ســبيل المثــال)‪ .‬خــاف ذلــك‪ ،‬كمــا هــو الحــال مــع‬
‫القتل أو الترحيل أو سوء المعاملة أو األمراض المستوردة‪.‬‬ ‫هويــة أخــرى‪ ،‬هــي فكــرة متقلِّبــة باســتمرار‪.‬‬ ‫أيــة ّ‬ ‫ّ‬
‫لهــذا الســبب اقتــرح مصطلــح «اإلبــادة الجماعيــة غيــر‬
‫ـدث عــن «القتــل غيــر العمــد»‪ ،‬باعتبارنــا‬ ‫العمــد»‪ ،‬كمــا نتحـ َّ‬ ‫أنت تســتخدم مصطلح «اإلبادة الجماعية» لوصف غزو‬
‫ـدث عــن مالييــن الوفيــات‪ ،‬بــل عشــرات المالييــن فــي‬ ‫نتحـ َّ‬ ‫األميرك َت ْيــن‪ ،‬وتجــارة الرقيــق فــي المحيــط األطلســي‪ .‬لمــاذا‬
‫حالــة الهنــود الحمر ‪ -‬حتــى لو أنها ال تعتبــر تعريف ًا قانونياً‪،‬‬ ‫اختــرت هــذا المصطلــح الــذي قــد يبــدو قديمـ ًا‪ ،‬هنــا‪ ،‬مقارنــةً‬
‫بالمعنــى الدقيــق‪.‬‬ ‫بالتعريــف الــذي صاغــه رافائيــل ليمكين؟‬
‫«الحبس الكبير»‪ ..‬يبدو أنه مثّل عالمة استراحة في عملك‪.‬‬ ‫‪ -‬أســتخدم مصطلــح «اإلبــادة الجماعيــة» حتــى لغــزو‬
‫ماذا تمثِّل لك هذه اللحظة الفريدة في تاريخ الهجرات؟‬ ‫األثريين‬
‫ِّ‬ ‫يوليــوس قيصــر بالد الغال؛ ما أثار اســتياء بعض‬
‫‪« -‬الحبــس الكبيــر» (الــذي يظهــر فــي العنــوان الفرعــي‬ ‫الذيــن يحاولــون‪ ،‬بانتظــام‪ ،‬تبرئتــه مــن هــذا اال ّتهــام‪ ،‬على‬
‫لكتابــي) كان حدثــ ًا غيــر مســبوق فــي تاريــخ البشــرية‪.‬‬ ‫بحجــة المفارقــة التاريخيــة‪ .‬ورغــم ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وجــه التحديــد‪،‬‬
‫ولكــن‪ ،‬مــن المفارقات‪ ،‬أنــه حدث في ظلّ اســتمرار عملية‬ ‫قــد ارتكــب‪ ،‬باعترافــه الشــخصي‪ ،‬إبــادة جماعيــة لســكّ ان‬
‫تاريخيــة بــدأت مــع العصــر الحجــري الحديــث‪ ،‬عندمــا‬ ‫منطقــة الرايــن جميعهــم (مــن ‪ 200000‬إلــى ‪400000‬‬
‫ـتقرة والمنــازل الدائمــة‪،‬‬ ‫نســمة‪ ،‬مــن الرجــال والنســاء واألطفــال)‪ .‬مــن المس ـلَّم‬
‫ـم اختــراع أنمــاط الحيــاة المسـ ّ‬ ‫تـ َّ‬
‫التــي يغادرهــا المــرء‪ ،‬فقــط‪ ،‬لزراعــة الحقــول المجــاورة‬ ‫بــه أنــه يمكــن تقييــد تعريــف «اإلبــادة الجماعيــة»‪ ،‬لكــن‬
‫للقريــة‪ ،‬ورعــي الماشــية هنــاك‪ .‬ثــم‪ ،‬مــع ظهــور المــدن‪،‬‬ ‫اســتراتيجيه قيصــر كانــت‪ ،‬تقريب ـاً‪ ،‬مختلفــة عــن «األمــر‬
‫أصبــح الطعــام يأتــي مــن تلقــاء نفســه‪ ،‬وتضاعفــت المهن‬ ‫باإلبــادة» (‪ )Vernichtungsbefehl‬للجنــرال األلمانــي‬
‫(الحرفيــون‪ ،‬ال ّت ّجــار‪ ،‬الشــرطة‪ ،‬البيروقراطيــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـتقرة‬
‫المسـ ّ‬ ‫ـد «‪ ،»Herero‬ناميبيا اآلن‪،‬‬ ‫«فــون تروثــا»‪ ،‬عــام (‪ )1904‬ضـ ّ‬
‫ــم اختــراع‬
‫رجــال الديــن‪ ،‬الف َّنانــون‪ ،‬وغيرهــم)‪ ،‬بينمــا َت َّ‬ ‫وخلّفــت (‪ )80.000‬قتيــل‪ ،‬أو ثالثــة أربــاع الســكّ ان (تعتبــر‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪9‬‬
‫ذكرت‪ ،‬في السابق‪ ،‬أن كتابة تاريخ الهجرات يعني كتابة‬
‫تاريــخ البشــرية‪ ،‬وهكــذا كثيــراً مــا ُيعـ َّـرف «اآلخــر» علــى أنــه‬
‫بربــري‪ ،‬ويم ّثــل كبــش فــداء‪ .‬مــا خصوصيات القــرن الحادي‬
‫والعشــرين فــي نظرك؟‬
‫‪ -‬فــي األصــل‪« ،‬البربــري» هــو الشــخص الــذي ال يتك َّلــم‬
‫صدر‪ ،‬فقــط‪« ،‬أصوات هديــر»‪ .‬وبالمثل‪،‬‬ ‫اليونانيــة‪ ،‬والــذي ُي ِ‬
‫يســخر «سيســرون» مــن الغــال خــال إحــدى المحاكمــات‬
‫ـد ناخبيــه‬ ‫حيــث دافــع عــن حاكــم اســتعماري محتــال ضـ ّ‬
‫المشــتكين‪ ،‬مســتهزئ ًا بلغتهــم‪ ،‬وبدينهــم المزعــوم‪ .‬إن‬
‫األســطورة المظلمــة لـ«الغــزوات البربريــة»‪ ،‬لإلمبراطوريــة‬
‫ــد كبيــر‪ ،‬إعــادة بنــاء‬ ‫المتأخــرة‪ ،‬هــي‪ ،‬إلــى َح ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الرومانيــة‬
‫تأريخيــة الحقــة‪ ،‬لكــن التالعــب بها ال يزال قائمـ ًا حتى يومنا‬
‫هــذا‪ .‬مــع أولئــك الذيــن يســتحضرون‪ ،‬اليــوم‪ ،‬المهاجريــن‬
‫القــارة األفريقيــة‪ ،‬يمكننــا أن نتذكَّ ــر‬ ‫ّ‬ ‫المفترضيــن مــن‬
‫ـد اإليطالييــن‬ ‫الخطابــات المتطابقــة تمامـاً‪ ،‬التــي كانــت ضـ ّ‬
‫عمليــات إعــدام‬ ‫ّ‬ ‫فــي بدايــة القــرن العشــرين (كانــت هنــاك‬
‫خــارج نطــاق القانــون‪ ،‬كمــا فــي إيــغ مورتــس أو مرســيليا)‪،‬‬
‫ضد‬‫ـد األرمــن أو الالجئين اليهود من أوروبا الوســطى‪ ،‬أو ّ‬ ‫ضـ ّ‬
‫ـد الهجــرة‬ ‫العمــال البولندييــن‪ ،‬وفــي الواليــات الم َّتحــدة ضـ ّ‬ ‫ّ‬
‫اإليطاليــة أو الصينيــة‪.‬‬
‫مــرة‪ ،‬يكــون المهاجــر «قــذراً»‪ ،‬يــأكل طعامــ ًا‬ ‫ّ‬ ‫فــي كلّ‬
‫كريــه الرائحــة‪ ،‬ويرتــدي مالبــس غريبــة‪ ،‬أو يكــون جانح ـ ًا‬
‫أي كبــش‬ ‫محتمــاً‪ .‬فــي الوقــت نفســه‪ ،‬مثــل ّ‬ ‫َ‬ ‫أو مغ ِتصبــ ًا‬
‫الكتابــة أيضاً؛ ما ســمح بالتواصل‪ ،‬عــن بعد‪ ،‬مع اآلخرين‪.‬‬
‫يؤســس المهاجــر إلمكان توحيد الصفوف‪ ،‬وتشــكيل‬ ‫فــداء‪ّ ،‬‬ ‫استمرت وسائل‬ ‫النمو الهائل للسـكّان‪،‬‬ ‫بمرور الوقت‪ ،‬ومع‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫المتطرفة‬
‫ّ‬ ‫«ضد»؛ لذلــك ال توجد خصوصية للحركات‬ ‫ّ‬ ‫هويــة‬
‫ّ‬ ‫التطور‪ :‬الــورق‪ ،‬والطباعــة‪ ،‬والتلغراف‪،‬‬ ‫اال ِّتصــال عــن بعــد في‬
‫ّ‬
‫والعنصريــة المعاصــرة‪ .‬الســؤال الحقيقــي الوحيــد يتع ّلــق‬ ‫ـام‪ ،‬تواصــل انخفــاض عــدد‬ ‫ـ‬ ‫المه‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ميكن‬ ‫وأخيــر ًا اإلنترنــت‪ .‬مــع‬
‫ّ‬
‫بمســألة االســتيعاب‪ ،‬وهؤالء المهاجرون فقراء بالتعريف‪.‬‬ ‫العمــال فــي الزراعــة والصناعــة لصالــح الخدمــات‪ ،‬ويمكــن‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الحــظ‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬أن أولئــك الذيــن ينخرطــون فــي هجــرة‬ ‫اآلن‪ ،‬إنجــاز جــزء كبيــر منهــا عــن طريــق العمــل عــن بعــد‪،‬‬
‫وخاصــةً إلــى الواليــات الم َّتحــدة‪ ،‬ال ُيطلَق عليهم‬ ‫ّ‬ ‫األدمغــة‪،‬‬ ‫وهــو مــا تســارع في أثنــاء عملية اإلغــاق األخيرة‪ .‬فــي الواقع‪،‬‬
‫ً‬
‫اســم «مهاجــرون»‪ ،‬لكنهــم يحملــون تســمية أكثــر نبـا هــي‬ ‫هنــاك العديــد مــن األنشــطة غيــر العمــل‪ ،‬تتــم فــي أماكــن‬
‫«المغتربــون»؛ مــع ذلــك‪ ،‬هــم مهاجــرون «اقتصاديــون»‬ ‫مغلقة (الرياضات الداخلية‪ ،‬والحرب الصاروخية‪ ،‬ناهيك عن‬
‫مثلهــم مثــل اآلخرين‪ ،‬قســائم رواتبهم هــي المختلفة فقط‪.‬‬ ‫توصيــل البضائــع إلى المنازل عبــر الحاويات قريبـاً‪ ،‬الطائرات‬
‫المنفييــن الضريبيين هــم‪ ،‬بالفعل‪ ،‬مهاجرون‬ ‫ِّ‬ ‫وبالمثــل‪ ،‬إن‬ ‫بــدون طيــار‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك)‪ .‬بالطبع‪ ،‬هنــاك اســتثناءات لكلّ‬
‫اقتصاديــون؛ ألنهــم يريــدون الحفــاظ علــى ثرواتهــم مــن‬ ‫تخص‪ ،‬فقــط‪ ،‬من ‪ % 10‬إلى ‪15‬‬ ‫ّ‬ ‫شــيء‪ ،‬مثــل الســياحة (ولكنها‬
‫الرســوم التــي يتطلَّبهــا‪ ،‬عــادةً‪ ،‬التضامــن الوطنــي‪ .‬ســيبقى‬ ‫معينة بســبب االكتظاظ‪،‬‬ ‫‪ %‬من البشــر‪ ،‬وتشــهد تراجع أماكن َّ‬
‫ـددوا أولئــك الذين « َت َّم‬ ‫لمنظّ ــري «البدائــل العظيمــة» أن يحـ ِّ‬ ‫حتــى تفســح المجــال‪ ،‬مســتقبالً‪ ،‬لــكلّ احتمــاالت الواقــع‬
‫اســتبدالهم»؛ األمــر الذي يعيدنــا‪ ،‬بالفعل‪ ،‬إلــى التعليقات‬ ‫للعمــال الذيــن‬ ‫ّ‬ ‫االفتراضــي مــن المنــزل) أو التن ُّقــل اليومــي‬
‫فــي البدايــة‪ :‬ال يوجــد مجتمــع خالــد‪ ،‬بــل هنــاك اختــاط‬ ‫طُ ـرِدوا مــن مراكــز المــدن باهظــة الثمــن (مــن هنــا‪ ،‬جــاءت‬
‫دائــم‪ ،‬وتهجيــن‪ ،‬حتــى لــو حــاول َم ْن وصــل أخير ًا (فــي كثير‬ ‫أمــا بالنســبة إلــى «المهاجريــن»‪،‬‬ ‫حركــة الســترات الصفــراء)‪ّ .‬‬
‫ـق البــاب فــي وجــه مــن ل َِحق بــه ‪...‬‬ ‫مــن األحيــان (عبثـاً)) غلـ َ‬ ‫فــإن هدفهــم ليــس الترحال الدائم‪ ،‬بــل أن يكونوا قادرين على‬
‫ـرة أخــرى ‪-‬إن أمكــن بشــكل دائــم‪ -‬فــي مــكان أكثر‬ ‫االســتقرار مـ ّ‬
‫حوار‪ :‬أنتوني غيون ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود‬
‫أمانـاً‪ .‬وحتــى لــو أننــا لــم ننتقــل كثيــراً‪ ،‬مــن قبــل‪ ،‬إن اال ِّتجــاه‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫العام المرتبط بالكتلة المتزايدة بشــكل كبير للبشــرية‪ ،‬يســير‬ ‫ّ‬
‫‪https://www.nonfiction.fr/article-11327-lhomme-cet-eternel-migrant.htm‬‬ ‫نحــو جمــود تدريجي‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪170‬‬

‫‪169‬‬
‫العدد ‪ - 170‬ديسمرب ‪2021‬‬ ‫العدد ‪ - 169‬نوفمرب ‪2021‬‬

‫‪ZINE‬‬

‫‪ZINE‬‬
‫اإلبداع‬ ‫ملتقى‬ ‫اإلبداع‬ ‫ملتقى‬
‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬
‫‪ine.qa‬‬

‫‪AL-DOHA MAGA‬‬

‫‪AL-DOHA MAGA‬‬
‫‪ine.qa‬‬ ‫‪w w w.dohamagaz‬‬
‫‪w w w.dohamagaz‬‬

‫محمد إبراهيم الشوش‬


‫ل ّ‬ ‫يف ظ ّ‬
‫الذاكرة‬ ‫ِ‬ ‫نغوغي واثيونغو‪:‬‬
‫ّ‬
‫محمد مبوغار سار‬ ‫اللغة ساحة حرب!‬

‫السنة ‪14‬‬

‫السنة ‪14‬‬
‫فاجئة‬ ‫غونكور ُم‬ ‫بانيون‪:‬‬ ‫كوم‬ ‫وان‬ ‫أنط‬

‫‪ -‬العدد ‪ - 170‬ربيع اآلخر‬

‫‪ -‬العدد ‪ - 169‬ربيع األول‬


‫ِ‬ ‫األ‬
‫دب لم يخرس الـمعركة‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫و‬ ‫ــ‬ ‫ــ‬ ‫طـ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫كـ‬ ‫آالن فينكلكروت‪:‬‬
‫ما بعد األدب‬

‫‪ - 1443‬ديسمرب ‪2021‬‬

‫‪ - 1443‬نوفمرب ‪2021‬‬
‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬
‫يت!‬ ‫قرنـح‪..‬‬

‫‪2021‬‬
‫‪ber 2021‬‬

‫‪- November‬‬
‫‪Rabia I I 1443 - Decem‬‬

‫‪Rabi al-Awal 1443‬‬


‫من امل‬
‫يتافيزيقا إىل امليتاديجيتال‬

‫الطر يق إىل نوبل‬


‫حرب الخوارزميّات بَعد َ َ‬

‫‪Year 14 - No. 169 -‬‬


‫‪Year 14 - No. 170 -‬‬
‫سكتة الفيسبوك‬
‫زمن البيو‬
‫حماية ّ‬
‫للص‬
‫حة أم انتهازية تجارية؟‬

‫‪172‬‬

‫‪171‬‬
‫العدد ‪ - 172‬فرباير ‪2022‬‬ ‫العدد ‪ - 171‬يناير ‪2022‬‬
‫‪ZINE‬‬

‫‪ZINE‬‬
‫اإلبداع‬ ‫ملتقى‬ ‫اإلبداع‬ ‫ملتقى‬
‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬
‫‪AL-DOHA MAGA‬‬

‫‪AL-DOHA MAGA‬‬
‫‪ine.qa‬‬ ‫‪ine.qa‬‬
‫‪w w w.dohamagaz‬‬ ‫‪w w w.dohamagaz‬‬

‫مو يان‪:‬‬
‫م‬
‫سؤولية األدب األخرية‬
‫األدب يف أمازون‬
‫رصخة من زمن آخر‬ ‫سيمات فوق الخيال!‬
‫تق‬
‫السنة ‪- 15‬‬

‫الشع ُر سينقذ َ‬

‫السنة ‪- 15‬‬
‫العالَم!‬ ‫ُ‬
‫ُ الرواية القطريّة‪..‬‬ ‫َ‬
‫العدد ‪ - 172‬جامدى‬

‫العدد ‪ - 171‬جامدى‬
‫ياب املرجعيات‬‫املخاض وغ ُ‬
‫اآلخرة ‪ - 1443‬فرباير ‪2022‬‬

‫األوىل ‪ - 1443‬يناير ‪2022‬‬


‫مئوية بروست‬
‫كتابة النهاية!‬
‫حوارات‬
‫يورغن هابرماس‬

‫‪ry 2022‬‬
‫باتريك موديانو‬
‫‪ry 2022‬‬

‫أورهان باموق‬

‫‪a alawal 1443 - Janura‬‬


‫ألبري كامو‪..‬‬
‫‪a I I 1443 - Februa‬‬

‫الكتابات األوىل‬
‫‪Jumad‬‬

‫‪Year 15 - No. 171 - Jumad‬‬


‫من وساوس ُ‬
‫الكتّاب‪:‬‬
‫‪Year 15 - No. 172 -‬‬

‫ُ‬ ‫لمَ‬
‫ِ ينبغي أن أتَرجَ م؟‬
‫‪https://www.dohamagazine.qa‬‬

‫‪174‬‬

‫‪173‬‬

‫العدد ‪ - 174‬أبريل ‪2022‬‬ ‫العدد ‪ - 173‬مارس ‪2022‬‬


‫‪ZINE‬‬

‫‪ZINE‬‬

‫اإلبداع‬ ‫ملتقى‬ ‫اإلبداع‬ ‫ملتقى‬


‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬
‫‪AL-DOHA MAGA‬‬

‫‪AL-DOHA MAGA‬‬

‫‪ine.qa‬‬ ‫‪ine.qa‬‬
‫‪w w w.dohamagaz‬‬ ‫‪w w w.dohamagaz‬‬

‫جابر عصفور‪..‬‬
‫ِ‬
‫عىل أبواب الرتاث!‬
‫يف اللعبة االسترشاقية‬
‫السنة ‪15‬‬

‫السنة‬

‫محمَّ د مفتاح‬ ‫كأننا لم ن ُ‬


‫رتجم إدوارد سعيد‬
‫‪ - 15‬العدد ‪- 173‬‬

‫حُ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬العدد ‪- 174‬‬

‫لمٌ بنظريّ ٍة شعريّة‬ ‫الخ‬


‫لعلمي والواقعية‬ ‫ا‬ ‫يال‬
‫رمضان ‪ - 1443‬أبريل ‪2022‬‬

‫رجب ‪ - 1443‬مارس ‪2022‬‬

‫ات ِّ‬

‫يف الحرب‬
‫أم‬ ‫صال‬

‫روبري فالزير‬
‫صال؟‬ ‫انف‬

‫وال ِّ ِ‬
‫مقاالت مراهق‪..‬‬
‫أرشيف‬

‫سلم‬
‫‪2022‬‬

‫‪2022‬‬
‫‪Ramadan 1443 - April‬‬

‫‪Rajab 1443 - March‬‬

‫فيليب ديسكوال‪:‬‬
‫أشكال املر ّ‬
‫يئ‬
‫ميالن كونديرا‪:‬‬
‫ّ‬
‫فن مقا‬ ‫يورغن هابرماس‪:‬‬
‫‪Year 15 - No. 174 -‬‬

‫‪Year 15 - No. 173 -‬‬

‫ومة األيديولوجيا‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫فز!‬‫جيل تغشاه عادة الق‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪11‬‬
‫تويني فالوال‪:‬‬
‫إنهاء استعمار األكاديمية يف إفريقيا‬
‫يف كتابــه األخــر «إنهــاء اســتعامر الدراســات اإلفريقيــة‪ :‬إنتــاج املعرفــة‪ ،‬الوكالــة‪ ،‬والصــوت»‪ ،‬يركّ ــز املـ ِّ‬
‫ـؤرخ‬
‫امللحــة للقضــاء عــى بقايــا االســتعامر (هيمنــة القــوى األجنبيــة)‬
‫ّ‬ ‫واملفكّ ــر النيجــري «تويــن فالــوال» عــى الحاجــة‬
‫ـق‬
‫ـتبعدة؛ مــا خلـ َ‬‫مهمشــة أو مسـ َ‬
‫يف األكادمييــة‪ ،‬ويف منهجيــات البحــث‪ ،‬حيــث ال تــزال وجهــات النظــر اإلفريقيــة ّ‬
‫ـارة‪ .‬منتقــداً‪ ،‬يف الوقــت نفســه‪ ،‬قيــود االســتعامر وإخفاقــات إلغائــه حتــى اآلن‪ ،‬ثــم يختتــم‬ ‫صــورة مشـ ّـوهة للقـ ّ‬
‫مبناقشــة مســتقبلية إفريقيــة‪.‬‬
‫يف هــذه املقابلــة مــع «أوالينــكا أويجبيــل»‪ ،‬باحثــة االتِّصــال‪ ،‬يف جامعــة ترينيتــي‪ ،‬الغــوس‪ ،‬يتحـ َّـدث «فالــوال»‬
‫عــن بعــض ســاحات النضــال الرئيســية إلنهــاء االســتعامر يف مجــال إنتــاج املعرفــة‪.‬‬

‫أنحــاء إفريقيــا‪ ،‬حيــث ُتعقــد نــدوات وجمعيات‬ ‫أنــت ومثقَّفــون أفارقــة آخــرون‪ ،‬تأملــون فــي‬
‫فكريــة لتطويــر اســتراتيجيات بهــدف إحــكام‬ ‫ـادي الجانــب بهيمنــة أنظمــة‬
‫اســتبدال عالــم أحـ ّ‬
‫الســيطرة علــى إنهــاء االســتعمار فــي إفريقيــا‪.‬‬ ‫المعرفة الغربية المفروضة على إفريقيا‪ .‬كيف‬
‫المهمــة الرئيســية تتم ّثــل فــي دمــج أنظمتنــا‬
‫ّ‬ ‫تتصـ ّـورون ذلك؟‬
‫األصليــة فــي أســلوب التعليم الغربي الرســمي‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقــد أنــه يمكننــا أن ن َّتفــق علــى أن طبيعــة‬
‫تتكــون أنظمتنــا‪ ،‬لغاتنــا وأفكارنــا‪،‬‬‫ّ‬ ‫وممــا‬
‫ّ‬ ‫يفضلــه العالــم الغربــي ليــس‬ ‫الســرد الــذي ِّ‬
‫وح َرفنــا‪ ،‬وقصصنــا‪ ،‬بمــا فــي ذلــك المهرجانات‬ ‫ِ‬
‫ـب فــي مصلحــة إفريقيــا‬ ‫الســرد الــذي يصـ ّ‬‫هــو ّ‬
‫واالحتفــاالت والمعرفــة المفيــدة مــن كبــار‬
‫تمامــاً‪ .‬ومــع أن الســادة االســتعماريين قــد‬
‫ـن‪ ،‬وغيــر ذلــك الكثيــر‪ .‬ويجــب أن نضــع مــا‬ ‫السـ ّ‬ ‫رحلــوا منــذ عقــود‪ّ ،‬إل أنهــم تركــوا وراءهــم إرثـ ًا‬
‫تعلَّمنــاه موضــع التنفيــذ‪ ،‬بينمــا نحــن نلعــب‪،‬‬ ‫فكري ـ ًا ليــس واضح ـ ًا للكثيــر منــا فــي إفريقيــا‪.‬‬
‫ونتفاعــل معــاً‪ ،‬ونبنــي مجتمعــات هادفــة‪.‬‬ ‫وهــذه الموروثــات تشــمل تلــك التــي تنعكــس‬
‫فــي المعرفــة‪ ،‬وكيــف نكتســبها‪ ،‬والموروثــات‬
‫القــارة اإلفريقيــة بطريقــة‬
‫ّ‬ ‫َــم ســرد تاريــخ‬
‫ت َّ‬ ‫مؤسســاتنا‪ ،‬ولهــا‬‫َّ‬ ‫التــي تتحكَّ ــم فــي ســير عمــل‬
‫مشــوهة‪ .‬كيــف تعالجــون مشــكلة التشــويه‬ ‫ّ‬ ‫قارتنــا‪ .‬هذه هي‬‫تأثيــر علــى وســائل التنميــة فــي َّ‬
‫القائــم؟‬
‫الموروثــات التــي نبذل جهود ًا إيجابيــة إلزالتها‪،‬‬
‫قصــة أو تاريــخ شــعب من منظور‬ ‫‪ -‬إذا رويــت ّ‬ ‫مــن خــال إنهــاء االســتعمار‪.‬‬
‫يتقبلهــا الناس‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ـوف‬ ‫ـ‬ ‫فس‬ ‫طويلة‪،‬‬ ‫خاطــئ‪ ،‬لفتــرة‬ ‫كتابــي هــو أحــد األدوات التــي تســاعد فــي‬
‫صحــة مــا تــروي مــن‬
‫ـض النظــر عــن مــدى ّ‬ ‫بغـ ّ‬ ‫وضــع األمــور فــي نصابهــا الصحيــح بشــأن‬
‫عدمــه‪ ،‬مــع تجاهــل المنظــور اآلخــر أو حتــى‬ ‫إنهــاء االســتعمار‪ .‬أعلــم أن هنــاك العديــد مــن‬
‫أي منظور‬ ‫االعتقــاد بأنه ال يمكــن أن يكون هناك ّ‬ ‫ـواد هنــاك‪ ،‬وهنــاك الكثيــر من المســاهمات‬ ‫المـ ّ‬
‫آخــر غيــر المنظــور الــذي ُقـ ّ‬
‫ـدم لهــم‪.‬‬ ‫التــي ســتأتي مــن العلمــاء عبــر إفريقيــا‪ ،‬الذيــن‬
‫لفتــرة طويلــة‪ ،‬كان هناك الكثير من التغريب‬ ‫مهمتهــم الوطنيــة إلنهــاء االســتعمار‬ ‫يدركــون َّ‬
‫ــم‬
‫فــي التاريــخ اإلفريقــي‪ ،‬و ‪-‬فــي المقابــل‪َ -‬ت َّ‬ ‫فــي عمليــة إنتــاج المعرفــة‪ ،‬لكن هــذا ال يتوقَّف‬
‫إهمــال المنظــورات اإلفريقيــة أو اعتبارهــا غيــر‬ ‫هنــا‪ ،‬فهنــاك‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬توعيــة حثيثــة فــي جميــع‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪ -‬لطالمــا اعتقــدت أن اللّغــة باإلضافــة إلــى كونهــا ف ّن ـ ًا‬
‫ـول‪ ،‬وبقــدر مــا يتع َّلــق‬ ‫‪-‬هــي‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬علــم‪ .‬إنهــا أداة للتحـ ّ‬
‫األمــر بإنهــاء االســتعمار‪ ،‬تكــون اللّغــة ضروريــة‪ .‬ال أعتقــد‬
‫أن لــأدب قيمــة تذكــر بــدون لغــة‪ ،‬واللّغــة التــي ُيــروى بهــا‬
‫تغيــر‬ ‫ا لنقــل أشــياء مختلفــة يمكــن أن ّ‬ ‫تقطــع شــوط ًا طويـ ً‬
‫تحولــه‪ .‬بالطبــع‪ ،‬األدب اإلفريقــي‬ ‫منظــور شــعب مــا‪ ،‬أو ّ‬
‫يحتــاج إلــى إنهــاء االســتعمار‪.‬‬
‫ال يمكــن نقــل العديــد مــن جوانــب األدب اإلفريقــي‬
‫كاف إذا أخذتــه بعيــد ًا عــن الســياق اإلفريقــي‪ .‬وفــي‬ ‫بشــكل ٍ‬
‫الوقــت نفســه‪ ،‬الحفــاظ عليــه‪ ،‬فــي الســياق اإلفريقــي‪،‬‬
‫يعنــي اســتخدام اللّغــة اإلفريقيــة لنقلــه بشــكل صحيــح؛‬
‫لــذا‪ ،‬تحتــلّ اللغــة مكانــة كبيرة فــي األدب اإلفريقــي‪ ،‬ونحن‬
‫بحاجــة إلــى القيــام بعمــل أفضــل لالســتفادة منهــا‪ .‬اللّغــة‬
‫أكبــر مــن األدب‪ .‬إنهــا مدخــل إلــى التنشــئة االجتماعيــة‪،‬‬
‫ـدم الثقافــات والحضــارات‪.‬‬ ‫والتعليــم رفاهيــة النــاس‪ ،‬وتقـ ّ‬
‫تقدمنــا‪.‬‬
‫اللّغــات اإلفريقيــة جــزء ال يتج ـ َّزأ مــن مســيرة ُّ‬

‫مــا عالقــة التاريــخ اإلفريقــي بالعالــم أو مــا عالقــة العالــم‬


‫بالتاريــخ اإلفريقي؟‬
‫أي شــعب‪ ،‬مهمــا كان صغيراً‪،‬‬ ‫‪ -‬علينــا أن نفهــم أن تاريــخ ّ‬
‫يكــون مرتبطـ ًا بــه وبالعالــم‪ ،‬حتــى في زمــن العولمــة‪ .‬يجب‬
‫هويتنــا وتاريخنــا بشــكل‬
‫أن نكــون قادريــن علــى تحديــد َّ‬ ‫موجــودة‪ .‬لــم يبــدأ الكُ َّتــاب األفارقــة فــي إنهــاء اســتعمار‬
‫واضــح‪ ،‬بينمــا نشــارك‪ ،‬بنشــاط‪ ،‬فــي القريــة العالميــة‪.‬‬ ‫التاريــخ اإلفريقــي ّإل بعــد الحــرب العالمية الثانيــة؛ لذا‪ ،‬لو‬
‫التاريــخ اإلفريقــي مهــم للغاية بالنســبة إلــى العالم‪ ،‬وليس‬ ‫ـارة‪ ،‬فلن أنكر‬
‫أنــك قلــت إنــه كان هناك تحريف وتشــويه للقـ ّ‬
‫هــو التاريــخ الــذي نقــرؤه من منظــور الغرباء‪ ،‬فحســب‪ ،‬بل‬ ‫ذلــك‪ ،‬لكننــا‪ ،‬فــي الوقــت نفســه‪ ،‬نبتكــر‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬روايــات‬
‫قدم األفارقة مســاهمات‬ ‫التاريــخ الــذي يرويــه األفارقة‪ .‬لقد ّ‬ ‫ـد‪ ،‬وبــا كلــل‬
‫جديــدة‪ .‬لدينــا‪ ،‬اآلن‪ ،‬أشــخاص يعملــون بجـ ّ‬
‫ـدم الحضارة‪ ،‬من البشــر األوائل وصو ً‬
‫ال‬ ‫كبيــرة في ســبيل تقـ ُّ‬ ‫لتصحيــح هذه المعلومات المضلِّلة‪ ،‬واســتبدالها بالحقيقة‬
‫ـدم فــي التقنيــات‪ ،‬وتطوير الرأســمالية‪.‬‬ ‫إلــى التقـ ُّ‬ ‫كمــا هــي‪.‬‬
‫يتــم إلغــاء التاريــخ‬
‫ّ‬ ‫مؤخــراً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫رغــم إعــادة تضمينــه‪،‬‬ ‫ماذا تقصد بـ «مســتقبل إفريقيا»؟ (‪ ،Afrofuturism‬أو‬
‫‪-‬تدريجي ـ ًا‪ -‬مــن المناهــج الدراســية فــي نيجيريــا أو التقليــل‬ ‫تتميــز بمواضيــع‬ ‫ـن واألدب‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحركــة فــي الفـ ّ‬
‫بــم ينــذر هــذا؟‬
‫مــن مكانتــه فــي مرحلــة مــا‪َ .‬‬ ‫تتضمن عناصر من تاريخ وثقافة‬ ‫مستقبلية أو خيال علمي‪،‬‬
‫َّ‬
‫‪ -‬إن تجاهــل تعليــم التاريــخ فكــرة سـ ِّـيئة للغايــة‪ ،‬فالنهــر‬ ‫السود)‪.‬‬
‫ـم‬
‫ـف بالتأكيــد‪ .‬التاريــخ مهـ ّ‬ ‫الــذي يفقــد منبعــه ســوف يجـ ّ‬ ‫‪ -‬المســتقبل اإلفريقــي هــو إنهــاء االســتعمار فــي أحــدث‬
‫ـرر حذف تاريخها أو تهميشــه‬ ‫وأيــة أمة تقـ ّ‬
‫لنهــوض ّأيــة أمــة‪ّ ،‬‬ ‫أهم ّية‬
‫مراحلــه‪ .‬إنهــا حركــة من العالــم اإلبداعي تؤكِّ د علــى ّ‬
‫فــي النظــام التعليمــي ســتعاني مــن العواقــب‪ ،‬فــا توجــد‬
‫الســواد‪ ،‬وتعــرض طاقــات شــبابنا لدمــج التكنولوجيــا مــع‬
‫طريقتــان لذلــك‪ .‬إذا كنــت ترغــب فــي مســتقبل أفضــل‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تخيل الوحدة اإلفريقية بطريقتهم‬ ‫األداء‪ ،‬إلعــادة ُّ‬
‫لنفســك أو لبلــدك‪ ،‬فعليــك أن تفكّ ــر فــي مكانتــك اليــوم‪،‬‬
‫إنهــا تســتلهم األفــكار والممارســات مــن مختلــف أنحــاء‬
‫وكذلــك مــن أيــن أتيــت‪ ،‬وهــذا الترابــط بيــن هــذه األشــياء‬
‫العالــم‪ ،‬وتدمجهــا‪ ،‬وتســتوعب التغييــرات واالبتــكارات‬
‫ال لمــا يجــب القيــام بــه للوصــول إلــى‬ ‫ســيولّد فهم ـ ًا شــام ً‬
‫والتنويــر والتفكيــر والعديــد مــن الموروثــات والمفاهيــم‬
‫حيــث تريــد أن تكــون‪.‬‬
‫وتتكيــف معهــا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخــرى فــي مصلحــة إفريقيــا‪،‬‬
‫حوار‪ :‬أوالينكا أويجبيل ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫أنــت تكتــب عــن اســتخدام اللّغــة كشــكل مــن أشــكال‬
‫‪https://theconversation.com/nigerian-historian-and-thinker-toyin-‬‬
‫المصدر‪:‬‬
‫إنهــاء االســتعمار‪ ،‬وكذلــك لتخليــص األدب اإلفريقــي مــن‬
‫‪falola-on-decolonising-the-academy-in-africa-184188‬‬ ‫االســتعمار‪ ،‬أليــس كذلــك؟‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪13‬‬
‫روالن بليكر‬
‫الـمريئ‬
‫ّ‬ ‫العنف‬
‫عــى الرغــم مــن العــودة األخــرة واملثــرة للقلــق إىل السياســات االســتبدادية يف جميــع أنحــاء العــامل‪ ،‬فــإن‬
‫روالن بليكــر‪ ،‬أســتاذ العالقــات الدوليــة بجامعــة كوينزالنــد‪ ،‬ومؤلــف كتــاب «السياســة العامليــة املرئية»‪ ،‬متفائل‬
‫بشــأن ســلطة الجامليــات يف تقديــم ملحــات عــن االحتــاالت السياســية البديلــة‪ .‬ويف هــذا الصــدد يتذكَّ ــر زميلــه‬
‫الراحــل أليكــس دانتشــيف‪ ،‬الــذي آمــن‪ ،‬بأنــه «خالفـ ًا لالعتقــاد الســائد‪ ،‬يجب منح الف ّنانني‪ ،‬ال السياسـ ِّـيني‪ ،‬فرصة‬
‫خلــق نظــام عاملــي جديــد»‪ .‬معتقــدا أن «دانشــيف» كان مح ّقـ ًا عندمــا حثَّنــا عــى استكشــاف كيــف ميكــن ألعــال‬
‫الخيــال أن تســاعدنا يف معالجــة بعــض املوضوعــات السياســية األكــر إلحاحـ ًا يف عرصنــا‪.‬‬

‫مجموعــة أوســع مــن األســاليب لفهمهــا‪.‬‬ ‫مهتمــ ًا‬


‫ّ‬ ‫فــي أعمالــك الرائــدة‪ ،‬نجــدك دائمــ ًا‬
‫ـن‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الف‬ ‫قدمــت لــي المصــادر الجماليــة‪ ،‬مــن‬ ‫َّ‬ ‫بأهم ّيــة الصــور وعلــم الجمــال‪ ،‬خــال التفكيــر‬
‫ِّ‬
‫إلــى األدب والموســيقى‪ ،‬طريقــةً إلعــادة عــرض‬ ‫فــي السياســة العالميــة‪ ،‬مــاذا يمكــن أن تخبرنــا‬
‫المشــكالت السياســية الراســخة‪ ،‬وإعــادة‬ ‫عــن هــذا الوعــي بالصــورة الــذي يهيمــن علــى‬
‫الشــعور بهــا‪ ،‬وإعــادة التفكيــر فيهــا‪ :‬مــن‬ ‫اهتماماتــك؟‬
‫الحــرب والتنميــة والدبلوماســية إلــى المقاومــة‬ ‫‪ -‬شــكر ًا جزيـ ً‬
‫ا علــى هــذه الفرصــة لمناقشــة‬
‫والمصالحــة‪ .‬هــذا شــيء استكشــفته فــي كتابي‬
‫سياســة الجماليــات معــك‪ .‬لقــد كنــت أقــرأ‬
‫«الجماليــات والسياســة العالميــة»‪ ،‬وأعلم أنك‬ ‫‪-‬وأســتمتع‪ -‬بحواراتــك مــع بعــض المفكِّ ريــن‬
‫فعلــت ذلــك‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬فــي عملــك‪ ،‬وآخرهــا فــي‬ ‫ـدءا من (إيلين ســكاري‬ ‫األكثــر د ّقــةً‬
‫وعقالنيةً ‪ ،‬بـ ً‬
‫ّ‬
‫«‪.»Ecce Humanitas‬‬ ‫ال إلــى (ساســكيا‬ ‫‪ ،)Elaine Scarry -‬وصــو ً‬
‫للفن ‪-‬بطبيعة الحــال‪ -‬أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫لكــن‪ ،‬يمكــن‬ ‫ربمــا يمكننــي أن‬ ‫ساســين ‪َّ .)Saskia Sassen -‬‬
‫هــو نفســه سياســي ًا بذاتــه‪ .‬لقــد تعاونــت مــع‬ ‫يفســران‬ ‫عريض ْيــن ِّ‬ ‫َ‬ ‫جانب ْيــن‬
‫َ‬ ‫أبــدأ باإلشــارة إلــى‬
‫طــاب الدكتــوراه الســابقين‪ ،‬وزمالئــي‬ ‫بعــض ّ‬ ‫بالبصريات‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫طويل‬ ‫ة‬‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـذ‬
‫ـ‬ ‫من‬ ‫ســبب انشــغالي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(نيالنجانا بريماراتنا ‪Nilanjana Premarat� -‬‬ ‫ـام‪:‬‬
‫وبالجماليــات‪ ،‬بشــكل عـ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ،)na‬ومارك تشــو ‪ ،)Mark Chou -‬على ســبيل‬ ‫المرئيــات كمصــدر‬ ‫اســتخدام‬ ‫هــو‬ ‫األول‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫المثــال) الستكشــاف كيفيــة اســتخدام الفن في‬ ‫إلهــام‪ ،‬إلعادة التفكير في المشــاكل السياســية‬
‫عمليــات بناء الســام لفتــح الحــوارات‪ ،‬وتطوير‬ ‫تخصصــي فــي‬ ‫ُّ‬ ‫الراســخة‪ .‬أنــا أعمــل مــن خــال‬
‫التعاطــف بيــن الخصوم الســابقين‪.‬‬ ‫ـم تحديده‪ ،‬بشــكل‬ ‫(العالقــات الدوليــة) الــذي َتـ َّ‬
‫كان شــكلي الثانــي مــن المشــاركة الجماليــة‬ ‫جربتــه‬ ‫مــا‬ ‫‪،‬‬ ‫األقــلّ‬ ‫جــداً‪ .‬وهــذا‪ ،‬علــى‬ ‫ّ‬ ‫ضيــق‬
‫ِّ‬
‫َّ‬
‫أكثــر تحديــداً‪ ،‬مــن خــال استكشــافي كيــف‬ ‫عندمــا بــدأت‪ ،‬منــذ أكثــر مــن ثالثــة عقــود‪ :‬لقــد‬
‫مهم ـ ًا فــي حياتنــا‪،‬‬
‫ـي يلعــب دور ًا ّ‬ ‫أصبــح المرئـ ّ‬ ‫ـد كبير‪،‬‬ ‫التأديبيــة‪ ،‬إلــى َحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اقتصــرت اال ِّتفاقيــات‬
‫ـام‪ .‬كثيــر ًا مــا‬
‫وفــي العالقــات الدوليــة بشــكل عـ ّ‬ ‫علــى دراســة الظواهــر الدوليــة لتفاعــل الــدول‪،‬‬
‫نســمع أننــا نعيــش فــي عصــر مرئي‪/‬بصــري؛ أي‬ ‫واســتخدام األســاليب العلميــة االجتماعيــة‪.‬‬
‫أن عالمنــا يــدور أكثــر فأكثر حول الصور‪ .‬لســت‬ ‫كنــت أرغــب فــي إلقــاء نظــرة علــى ظواهــر‬
‫ممــا إذا كان هــذا هــو الحــال؛‬ ‫متأكِّ ــداً‪ ،‬تمام ـاً‪ّ ،‬‬ ‫أخــرى (ممارســات المعارضــة العابــرة للحــدود‬
‫‪-‬جزئيــاً‪ -‬إلــى أن الرؤيــة ليســت‬‫ّ‬ ‫يرجــع ذلــك‬ ‫الوطنيــة‪ ،‬علــى ســبيل المثــال)‪ ،‬واســتخدام‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪14‬‬
‫ـث الخــوف فــي‬ ‫ـرد قتــل النــاس‪ :‬يجــب أن يبـ ّ‬ ‫أكثــر مــن مجـ َّ‬ ‫مهمــة‪،‬‬
‫جديــدة بالطبــع‪ ،‬لكــن هنــاك‪ ،‬بالتأكيــد‪ ،‬تغييــرات ّ‬
‫ـم مــن ذلــك‪ ،‬فــي‬ ‫وربمــا األهـ ّ‬‫جربــوا الحــدث‪َّ ،‬‬ ‫أولئــك الذيــن َّ‬ ‫مؤخــراً‪ ،‬حــول كيفيــة عمــل الوظائــف المرئيــة‪ ،‬سياســياً‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أولئــك الذيــن يشــهدونه مــن مســافة بعيــدة‪ .‬هذا هو ســبب‬ ‫ـم تــداول الصور بســرعة أكبر من أي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـال‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫المث‬ ‫ـبيل‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـى‬ ‫علـ‬
‫مرئي‪ ،‬وكمشهد إعالمي؛ حتى‬ ‫تصميم (‪ )11‬ســبتمبر كحدث‬ ‫ـماه بــول فيريليــو‪ ،‬وديفيد‬ ‫ـؤدي إلى ما سـ ّ‬ ‫وقــت مضــى؛ مــا يـ ّ‬
‫ّ‬
‫تتمكَّ ــن الصــور مــن التقــاط الرســالة السياســية المقصودة‪،‬‬ ‫ـرة‪ ،‬بضغط الزمــكان‪ :‬المواقف التــي يكون فيها‬ ‫هــار‪ ،‬ذات مـ ّ‬
‫وتعميمهــا‪ ،‬ومضاعفتها‪.‬‬ ‫مهم ـ ًا بالقــدر نفســه‪ -‬إن لــم يكــن أكثــر‪ -‬مــن‬ ‫«هنــا واآلن» ّ‬
‫المرئيــات العنيفــة هنــا؛‬ ‫ّ‬ ‫عــن‬ ‫ث‬ ‫التحــد‬
‫ُّ‬ ‫ربمــا يمكننــا‬‫ّ‬ ‫«أيــن» يمكــن أن تنتشــر الصــور‪ ،‬وتصبــح ظاهــرة عالميــة‬
‫عــن شــكل مــن أشــكال العنــف المرئــي يتسـلَّل إلــى وعينــا‬ ‫فوريــة‪ .‬ثــم هناك‪ ،‬بالطبع‪ ،‬القدرة المنتشــرة‪ ،‬اآلن‪ ،‬للناس‪،‬‬
‫ـتمر فــي التشــكيل (أحياناً‪ ،‬لســنوات أو حتى‬ ‫الجماعــي ويسـ ّ‬ ‫علــى التقــاط الصــور‪ ،‬وتوزيعهــا‪ .‬فــي اآلونــة األخيــرة‪ ،‬قبــل‬
‫ـم‪ -‬كيف‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬‫ث‬‫َ‬ ‫و‪-‬من‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫ونفكِّ‬ ‫ـعر‬
‫ـ‬ ‫نش‬ ‫لعقــود)‪ ،‬وكيــف‬ ‫ـمى تأثيــر (‪)CNN‬‬ ‫عقديْــن مــن الزمــن‪ ،‬عندمــا شــغل مــا يسـ ّ‬ ‫َ‬
‫تتشــكَّ ل سياســتنا‪.‬‬ ‫المعل ّقيــن األكاديمييــن‪ ،‬كانــت شــبكات اإلعــام الرئيســية‪،‬‬
‫يهمنــي علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬حــول كيفيــة إدراكنــا‬ ‫مــا ّ‬ ‫أمــا‬
‫فقــط‪ ،‬هــي التــي تمتلــك القــدرة علــى تــداول الصــور‪ّ ،‬‬
‫للعنــف المرئــي‪ ،‬مثــل (‪ )11‬ســبتمبر‪ ،‬هــي المواقــف‬ ‫اليــوم فيمكــن للجميــع‪ ،‬تقريب ـاً‪ ،‬التقــاط صــورة أو مقطــع‬
‫رد ًا علــى ذلــك‪ .‬فــي أعقــاب الهجــوم‬ ‫السياســية التــي تظهــر ّ‬ ‫فيديــو علــى الهاتــف المحمــول‪ ،‬وتعميمــه عبــر وســائل‬
‫ـد «هم»‪،‬‬ ‫ـوي‪« :‬نحــن» ضـ ّ‬ ‫اإلرهابــي مباشــرةً‪ ،‬ظهــر خطــاب قـ ّ‬ ‫التواصــل االجتماعــي‪.‬‬
‫ـورت الصــور العاطفيــة‬ ‫السـ ّـيما فــي الواليــات الم َّتحــدة‪ .‬صـ َّ‬ ‫ـول كامــل فــي كيفيــة إنتــاج الصــور‪،‬‬ ‫والنتيجــة هــي تحـ ُّ‬
‫(والروايــات التــي رافقتهــا) مناقشــات سياســية حتــى أصبــح‬ ‫نجــم عنهــا أيضــاً‪ ،‬كيــف تصبــح ذات مغــزى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وتداولهــا‪،‬‬
‫منطقيــة‪،‬‬ ‫ـرد األكثــر‬ ‫ـرد العســكري ُينظــر إليــه علــى أنــه الـ ّ‬ ‫الـ ّ‬ ‫وأهم ّية سياســية‪ .‬إن القضايا المطروحة‪ ،‬من وجهة نظري‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬
‫الرد الشــرعي الوحيــد على الهجــوم‪ .‬نحن نعلم‪،‬‬ ‫وربمــا هــو ّ‬‫ّ‬ ‫مع َّقــدة جــداً‪ ،‬حتــى يتعــذَّ ر التحقيــق فيهــا من ِق َبل شــخص‬
‫اليــوم‪ ،‬أن السياســات التــي تلــت هــذا الهجــوم اإلرهابــي‬ ‫واحــد بمفــرده؛ هــذا هــو الســبب فــي أننــي أمضيــت قــدر ًا‬
‫كانــت إشــكالية للغايــة‪ ،‬ولــم تســاهم ّإل فــي المزيــد مــن‬ ‫كبيــر ًا مــن الوقــت وبــذل الجهــد لجمع أكثــر مــن (‪ )50‬باحث ًا‬
‫العام‬
‫ّ‬ ‫العنــف ذاتــه‪ ،‬ولكــن‪ ،‬في ذلــك الوقت‪ ،‬كان الخطــاب‬ ‫التخصصات الستكشــاف كيفية تشــكيل الصور‬ ‫ُّ‬ ‫من مختلف‬
‫(المؤطَّ ــر بصــور عاطفيــة دائمــة الحضــور) مــن النــوع الــذي‬ ‫والتحــف المرئيــة والعــروض السياســية الدوليــة‪.‬‬
‫يمكــن معــه رفــض النقــد‪ ،‬باعتبــاره غيــر وطنــي‪ ،‬وحتــى غير‬ ‫كانــت النتيجــة كتابــي عــن السياســة العالميــة المرئيــة‪،‬‬
‫أخالقــي‪ ،‬أيضـاً‪.‬‬ ‫الــذي يغطِّ ــي مجموعــة واســعة مــن المصــادر المرئيــة (من‬
‫المهــم الحفــاظ علــى‬ ‫هــذا هــو الســبب فــي أنــه مــن‬ ‫المتحركــة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫التصويــر الفوتوغرافــي‪ ،‬واألفــام‪ ،‬والرســوم‬
‫ّ‬
‫مشــاركة نقديــة فــي عمليــة التمثيــل المرئــي‪ :‬محاولــة‬ ‫وألعــاب الفيديــو‪ ،‬إلــى الخرائــط والمعالــم األثريــة واألزياء‬
‫مســتمرة للتســاؤل عــن كيفيــة تصويرنــا ‪-‬كجماعــات‪-‬‬ ‫وصور الطائرات بدون طيار‪/‬األقمار الصناعية)‪ ،‬الستكشــاف‬
‫ّ‬
‫لحــدث مثــل الحــادي عشــر من ســبتمبر‪ ،‬وما هــي العواقب‬ ‫المحــددة‪ ،‬مثــل العنــف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عشــرات الظواهــر السياســية‬
‫السياســية المتر ّتبــة علــى هــذه الصــور‪ .‬نحــن بحاجــة إلــى‬ ‫واالســتعمار‪ ،‬والحــدود‪ ،‬وحقــوق اإلنســان‪ ،‬والمجاعــة‪،‬‬
‫أن نكــون واعيــن لمــا نــراه‪ ،‬ومــا ال نــراه‪ :‬كيــف أصبحــت‬ ‫والتمويــل‪ ،‬والديــن‪ ،‬واألمــن‪ ،‬والالجئيــن‪.‬‬
‫بعــض الروايــات المرئيــة‪ ،‬والروايــات اللفظيــة تهيمــن‬
‫المميــزة‬
‫ِّ‬ ‫فــي تقديــري‪ ،‬علــى األقــلّ ‪ ،‬إن إحــدى الســمات‬
‫علــى ذاكراتنــا الجماعيــة‪ ،‬وكيــف شــكَّ لت هــذه الروايــات‬
‫فعال؛ أعني بهذا‬ ‫للعنف السياسي هي حاجته إلى جمهور ّ‬
‫ممارســاتنا السياســية‪ ،‬واإلمكانــات المتاحــة لنــا لتغييــر‬
‫هــذه الممارســات‪ ،‬وخلــق مســتقبل أفضــل‪.‬‬ ‫أن هنــاك حاجــة إلــى االعتــراف بكيفيــة أن مشــاهدة حدوثــه‬
‫هــذا هــو المــكان الــذي يمكــن فيــه للعلمــاء والناقديــن‪،‬‬ ‫جــزء ال يتجــزأ مــن كيفيــة قــدرة العنــف علــى إيصــال شــيء‬
‫على وجه الخصوص‪ ،‬تقديم أعمال ذات صلة بالسياســات‪.‬‬ ‫نقديـ ًا‪ ،‬مــا أكثــر مــا‬
‫ّ‬ ‫منظــراً‬
‫أكبــر مــن العنــف نفســه‪ .‬بصفتــك ّ‬
‫يوضحــوا لنــا طريقــة للخــروج مــن الحلقــة‬ ‫يمكنهــم أن ِّ‬ ‫يقلقــك عندمــا يتع َّلــق األمــر بكيفيــة إدراكنــا للعنــف؟‬
‫المفرغــة للعنــف المرئــي‪ .‬استكشــفت زميلتــي‪ ،‬المتعاونــة‬ ‫‪ -‬بالتأكيــد‪ ،‬نعــم‪ :‬مســألة التواصــل (والجمهــور) هــي‬
‫علــى المــدى الطويــل «إيمــا هاتشيســون» كيــف يمكــن‬ ‫مفتــاح يقودنــا إلــى محاولــة فهــم كيفيــة ارتبــاط الرؤيــة‬
‫للتمثيــات المرئيــة المشــحونة عاطفي ًا لألحــداث الصادمة‪،‬‬ ‫بالعنــف‪.‬‬
‫ـداً‪ .‬فــي بعــض‬ ‫أن تو ِّلــد ردود أفعــال سياســية مختلفــة جـ ّ‬ ‫مــا يتبــادر إلــى الذهن‪ ،‬على الفــور‪ ،‬هو الهجــوم اإلرهابي‬
‫عجلــت الصدمــة‬ ‫الحــاالت‪ ،‬كمــا فــي حالــة (‪ )11‬ســبتمبر‪َّ ،‬‬ ‫مؤخــراً‪ ،‬عنــد‬
‫فــي (‪ )11‬ســبتمبر‪/‬أيلول (‪ .)2001‬كمــا أشــرت‪َّ ,‬‬
‫بظهــور مجتمعــات سياســية منعزلــة تضــع مكانـ ًا آمنـ ًا فــي‬ ‫المســاهمة فــي منتــدى لــوس أنجلــوس ريفيــو أوف بوكس‪،‬‬
‫أي تهديــد خارجــي‪ .‬غالبــ ًا مــا تكــون هــذه‬ ‫ضــد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الداخــل‬ ‫إلــى أنــه «عندما ســقطت األبــراج»‪ ،‬كانت الرؤيــة في صميم‬
‫االســتجابات السياســية مصحوبــة بأشــكال جديــدة مــن‬ ‫فعــاالً‪ ،‬عليه أن يفعــل ما هو‬
‫الهجــوم‪ .‬لكــي يكــون اإلرهــاب ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪15‬‬
‫ا ِّتخــاذ بعــض الخيــارات‪ ،‬وتشــكيل اســتجاباتنا‪ :‬الفرديــة‪،‬‬
‫والجماعيــة لألحــداث السياســية‪.‬‬
‫يعتبــر التعامــل مــع تمثيــات العنــف جــزء ًا أساســي ًا مــن‬
‫التحــدي إلعــادة إدخــال الفاعليــة فــي المناقشــات‬ ‫ّ‬ ‫هــذا‬
‫الفلســفية‪ ،‬والمناقشــات السياســية‪ ،‬وفــي تشــكيل‬
‫قوة اإلنســانية التي‬ ‫معينــة‪ .‬لكن فكــرة ّ‬
‫اســتجابات سياســية َّ‬
‫نحتاجهــا‪ ،‬هنــا‪ ،‬تختلــف عن الطرق الســائدة لفهــم القضايا‬
‫المطروحــة‪ .‬ســنحتاج‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬إلى تجاوز الطرق الســببية‬
‫لفهــم الفاعليــة واالستكشــاف مــع جــاك رانســيير‪ ،‬وكيــف‬
‫يمكــن للتغييرات في توزيــع المعقول أن تفتح طرق ًا جديدة‬
‫لرؤيــة العالــم مــن حولنــا‪ ،‬والشــعور بــه‪ .‬مــع هــذا‪ ،‬تبــرز‪،‬‬
‫التحديــات السياســية التــي‬‫ِّ‬ ‫ـور‬‫أيضـاً‪ ،‬إمكانــات جديــدة لتصـ ُّ‬
‫نواجههــا؛ هــذا هــو أحــد األســباب العديــدة التــي جعلتنــي‬
‫المرئيــات‬
‫ّ‬ ‫مــدة طويلــة‪ ،‬فهــم كيــف تشــكّ ل‬ ‫أحــاول‪ ،‬منــذ ّ‬
‫تصورنــا عــن السياســة‪ ،‬وانخراطنــا بهــا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والعواطــف‬

‫أدق‪ ،‬إلــى تلــك العالقــات‬ ‫ّ‬ ‫أود أن أدفعــك‪ ،‬بشــكّ ل‬


‫ّ‬
‫التــي تجمــع بيــن المرئــي والعاطفــي‪ .‬لقــد فهــم الف ّنانــون‪،‬‬
‫مــدة طويلــة‪ ،‬الروابــط بيــن هذيــن االثنيــن؛‬
‫بالطبــع‪ ،‬منــذ ّ‬
‫ال للســير‬‫األمــر الــذي جعــل المنظريــن يســتغرقون وقت ًا طوي ً‬
‫علــى نهجهــم! ومــع ذلــك‪ ،‬فــي حيــن أن المجــال العاطفــي‬
‫قــد وعدنــا بتحريرنــا مــن ركــود العقــل والعقالنيــة‪ ،‬هنــاك‬
‫مخاطــر حتميــة تحــدث عندمــا تنهــار السياســة بأكملها‪ ،‬في‬ ‫الصــراع والعنــف‪ ،‬كما ي َّتضح من موجــة الهجمات اإلرهابية‬
‫المجــال العاطفــي‪ .‬كيــف يمكننــا أن نتع َّلــم‪ ،‬بشــكل أفضــل‪،‬‬ ‫التــي صاحبــت الحــرب علــى اإلرهــاب‪.‬‬
‫مــن التاريــخ‪ ،‬هنــا‪ ،‬عبر التفكيــر في هذه الروابط والعالقات‬ ‫لكــن هوتشيســون‪ ،‬فــي كتابهــا «المجتمعــات العاطفيــة‬
‫التــي تجمــع بيــن المرئــي والعاطفــي؟‬ ‫فــي السياســة العالميــة»‪ُ ،‬تظهــر أن هنــاك خيــارات أخــرى‬
‫‪ -‬نعــم‪ .‬فــي الواقــع‪ ،‬لقــد اســتغرق المنظِّ ــرون بعــض‬ ‫ـؤدي األحــداث المؤلمــة إلــى ديناميكيــات‬ ‫أيضـاً‪ :‬يمكــن أن تـ ِّ‬
‫ـرف إلى هــذه الروابط‬ ‫ـوالً‪ ،‬وأقــلّ عرضــةً لالنــزالق نحــو مزيد من‬ ‫جماعيــة أكثــر تحـ ّ‬
‫الوقــت لاللتحــاق بالف ّنانيــن‪ ،‬فــي التعـ ُّ‬
‫الم َّتســعة بيــن الرؤيــة والعواطــف‪ ،‬وقــد اســتغرق علمــاء‬ ‫العنــف‪ ،‬وتلعــب التمثيــات المرئية هنا‪ ،‬أيضاً‪ ،‬دور ًا رئيســي ًا‬
‫العالقــات الدوليــة وقتـ ًا أطــول لاللتحــاق بركــب المجــاالت‬ ‫ألنهــا تشــكِّ ل كيفيــة إدراك األفــراد والجماعــات لألحــداث‬
‫األخــرى (مــن علــم االجتمــاع إلــى علــم النفــس والفلســفة)‬ ‫توضــح «هاتشيســون» هــذه‬ ‫الصادمــة‪ ،‬واالســتجابة لهــا‪ِّ .‬‬
‫التــي أدركــت‪ ،‬منــذ وقــت طويــل‪ ،‬أن العواطــف هــي أكثــر‬ ‫القــدرة علــى كســر حلقــات العنــف فــي حالتيــن‪ :‬الشــعور‬
‫بكثيــر مــن الظواهــر الفرديــة وغيــر العقالنيــة التــي كانــت‬ ‫بالتضامــن الــذي ظهــر فــي أعقــاب كارثــة تســونامي فــي‬
‫ـوة المشــاعر‬ ‫ـدة طويلــة‪ ،‬قـ ّ‬ ‫تعتبــر نمطيــة‪ .‬لقــد رفضنــا‪ ،‬لمـ ّ‬ ‫جنــوب شــرق آســيا‪ ،‬عــام (‪ ،)2004‬والعمــل الــذي قامــت‬
‫والعواطــف فــي السياســة‪ .‬ولكــن هنــاك فــي الوقت نفســه‪،‬‬ ‫بــه لجنــة الحقيقــة والمصالحــة فــي جنــوب إفريقيــا‪.‬‬
‫المتنوعــة‬
‫ِّ‬ ‫دراســات ال حصــر لهــا ُتظهــر كيــف أن العواطــف‬ ‫إن فهــم هــذه الــدورات مــن العنــف المرئــي‪ ،‬واختراقها‪،‬‬
‫مثــل الخــوف والغضــب والتعاطــف تشــكِّ ل جميــع أبعــاد‬ ‫فاعليــة؛ وهــو أمــر‬
‫ّ‬ ‫يجبرنــا‪ ،‬حتمـاً‪ ،‬علــى تنظيــر أســئلة ذات‬
‫السياســة؛ مــن المفاوضــات الدبلوماســية إلــى األزمــات‬ ‫ال إذا احتضــن المــرء (كمــا أفعــل) تقديــر ًا ما بعد‬ ‫ليــس ســه ً‬
‫الماليــة‪ .‬هنــاك العديــد مــن الدراســات التــي تستكشــف‬ ‫لقــوة الخطابــات لتأطيــر وتشــكيل كيفيــة رؤيتنــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بنيــوي‬
‫ّ‬
‫كيــف تؤ ِّثــر القــوى العاطفيــة‪ ،‬مــن دون وعــي‪ ،‬فــي رؤيتنــا‬ ‫وتصرفنــا فــي العالــم‪ .‬هــذه معضلــة تعاملــت معهــا منــذ‬ ‫ُّ‬
‫التعــرف إلــى هــذا‬
‫ُّ‬ ‫للعالــم وخــارج قدرتنــا‪ ،‬كذلــك‪ ،‬علــى‬ ‫األول عــن المعارضــة‬ ‫بدايــة رحلتــي العلميــة‪ ،‬بــدء ًا بكتابــي َّ‬
‫التشــابك الدقيــق بيــن العاطفة والسياســة والتعبير عنهما‪.‬‬ ‫ـوة اإلنســانية والسياســة العالميــة‪ .‬مــا زلــت‬ ‫الشــعبية والقـ ّ‬
‫التحديــات علــى مــدار العقــد‬‫ِّ‬ ‫لقــد ســعيت إلــى فهــم هــذه‬ ‫باألمريْــن‪ :‬قبــول أن القــوى‬
‫َ‬ ‫أعتقــد أننــا قــادرون علــى القيــام‬
‫الماضــي‪ ،‬أو نحــو ذلــك‪ ،‬مــن خــال العديــد مــن المشــاريع‬ ‫الخطابيــة‪ ،‬بمــا في ذلــك القوى المرئية‪ ،‬تعمــل على تكييف‬
‫التعاونيــة مــع إيمــا هاتشيســون‪ .‬كمــا قمــت‪ ،‬بالطبــع‪،‬‬ ‫تصوراتنــا للعالــم دون وعــي‪ ،‬وفــي الوقت نفســه‪ ،‬ندرك أننا‬ ‫ُّ‬
‫باستكشــاف الموضــوع فــي العديــد مــن الحــوارات الرائعــة‬ ‫ـوة؛ أن لدينــا القــدرة علــى‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫وال‬ ‫ـول‬‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫عليه‬ ‫ـيطر‬ ‫ـ‬ ‫نس‬ ‫ال‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪16‬‬
‫مع «ريتشــارد جاكسون ‪ ،»Richard Jackson -‬الذي ُي َع ّد‬ ‫الخاصــة بــك هنــا‪ ،‬كمــا فعلت مــع براين ماســومي ‪Brian -‬‬ ‫ّ‬
‫عمله جزء ًا من جهد أكبر لجعلنا نفهم أن النزعة الســلمية‬ ‫‪ ،Massumi‬مث ـاً‪ ،‬الــذي كان لعملــه تأثيــر فــي فهمنــا‪.‬‬
‫فهــم بشــكل‬ ‫ممــا ُي َ‬
‫ـام) أقــوى بكثيــر ّ‬ ‫(والالعنــف‪ ،‬بشــكل عـ ّ‬ ‫مــع ذلــك‪ ،‬أنــا أقــلّ قلقـ ًا بشــأن االنهيــار أو االنــزالق فــي‬
‫ـام؛ هــذا هــو الســبب فــي أنــه مــن الضــروري التشــكيك‬ ‫عـ ّ‬ ‫ـم إدراك‬ ‫نــوع مــن الهاويــة العاطفيــة‪ ،‬وأعتقــد أنــه من المهـ ّ‬
‫فــي تمثيــات العنــف المنتشــرة علــى نطــاق واســع‪ ،‬ال تلــك‬ ‫مــا أشــار إليــه علمــاء األعصــاب لبعــض الوقــت‪ ،‬مــن أن‬
‫ـوس وســائل اإلعــام بتصويــر‬ ‫الواضحــة فحســب‪ ،‬مثــل َهـ َ‬ ‫العواطــف والعقــل متشــابكان ال محالة‪ ،‬وال تملــك أدمغتنا‬
‫الحــرب واإلرهــاب والجريمــة‪ ،‬تلــك الجوانــب مــن ثقافتنــا‬ ‫عمــا نشــعر بــه‪ ،‬إذ‬ ‫القــدرة علــى التفكيــر بشــكل منفصــل ّ‬
‫تترســخ بشــكل ســلطوي ومخفــي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫المرئيــة‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬التــي‬ ‫تحتــوي جميــع أحكامنــا المعرفيــة والعقالنيــة‪ ،‬دومـاً‪ ،‬على‬
‫ـاص‪ ،‬فــي أنظمــة‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـكل‬ ‫ـ‬ ‫بش‬ ‫ـا‪،‬‬‫ـ‬ ‫هن‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫وأفكِّ‬ ‫معينــة‪،‬‬
‫وبطريقــة َّ‬ ‫عناصــر عاطفيــة‪ .‬اليمكننــا تجريــد سياســتنا مــن آثــار هــذا‬
‫اإلقصــاء القائمــة على الجنس والعرق والعنف المســتخدم‬ ‫تصوراتنــا‪ ،‬وتفاعالتنــا االجتماعية‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫التأثيــر التــي تكمــن وراء‬
‫مــن أجــل الحفــاظ علــى هــذه األنظمــة‪.‬‬ ‫أهم ّيــةً هــي كيــف تتشــابك‬ ‫القضيــة األكثــر ِّ‬ ‫ّ‬ ‫أعتقــد أن‬
‫العواطــف والرؤيــة والســلطة‪ .‬خــذ‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪،‬‬
‫مــن المغــري‪ ،‬بالطبــع‪ ،‬القــول‪ :‬كلَّمــا غُ مــرت مجتمعاتنــا‬ ‫ـول األخيــر الــذي نوقــش كثيــر ًا وبــات إشــكالياً‪ ،‬حــول‬ ‫التحـ ُّ‬
‫أكثر بتمثيالت العنف‪ ،‬أصبحنا أكثر وعي ًا بمشاهدته بشكل‬ ‫يســمى بعالــم مــا بعــد الحقيقــة‪ .‬بالتأكيــد‪ ،‬ال يمكــن‬ ‫مــا‬
‫ّ‬
‫اضطــراري‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬نحــن نعلــم‪ ،‬أيض ـ ًا‪ ،‬أن مــا ُيــرى يتـ ّ‬
‫ـم‬ ‫الجيــد بكيفية‬ ‫ِّ‬ ‫فهــم رئاســة ترامــب‪ ،‬بأكملهــا‪ ،‬دون االهتمام‬
‫توســطه‪ ،‬بشــكل كبيــر‪ ،‬مــن خــال األنظمــة الجماليــة مــن‬ ‫ُّ‬ ‫التالعــب بالعواطــف‪ ،‬وصياغــة المناقشــات السياســية‪،‬‬
‫أجــل الحقيقــة واإلنــكار‪ .‬فــي الواقــع‪ ،‬غالبـ ًا مــا أجــد نفســي‬ ‫العامــة التــي تلــت ذلــك‬ ‫وغالبــ ًا مــا أنتجــت المناقشــات‬
‫ّ‬
‫أ َّتفــق مــع «جــاك رانســيير ‪ »Jacques Rancière -‬عندمــا‬ ‫معينــة ال نصيــب لهــا مــن الحقائــق‪ ،‬وال‬ ‫ادعــاءات حقيقــة َّ‬ ‫ِّ‬
‫يدعــي أننــا ال نشــاهد‪ ،‬فــي الواقــع‪ ،‬مــا يكفــي مــن الحقائــق‬ ‫ّ‬ ‫صحتهــا واقعيـاً‪ .‬قــد تكــون الصدامات‬ ‫َّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـق‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ق‬
‫ُّ‬ ‫التح‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫يمك‬
‫االدعاءات عندما يتعلَّق‬ ‫ترد على هذه ّ‬ ‫الخام للعنف‪ .‬كيف ّ‬ ‫السياســية التــي تلــت ذلــك دراماتيكيــة‪ ،‬لكنهــا لــم تكــن‬
‫األمــر بمعانــاة اإلنســانية؟‬ ‫جديــدة فــي األســاس؛ فقــد ســعى السياســيون‪ ،‬فــي جميع‬
‫أنحــاء العالم‪ ،‬لفترة طويلــة ‪-‬بوعي أو بالوعي‪ -‬إلى التالعب‬
‫ـورك‪ ،‬فمــن المغري‪،‬‬ ‫‪ -‬بالتأكيــد‪ ،‬أنــا أ َّتفــق كثيــر ًا مــع تصـ ُّ‬
‫للغايـ�ة‪ ،‬كمـ�ا جادلـ�ت «سـ�وزان سـ�ونتاج ‪Susan Son� -‬‬ ‫بالعواطــف الجماعيــة في محاولة لكســب التأييد الشــعبي‪،‬‬
‫‪ ،»tag‬و«ســوزان مولــر ‪ ،»Susan Moeller -‬وغيرهمــا‪،‬‬ ‫فعــال‪ ،‬مصــدر‬ ‫وكانــت القــدرة علــى القيــام بذلــك‪ ،‬بشــكل ّ‬
‫ـد ًا بصــور العنــف والمعانــاة إلــى درجة أنه‬ ‫أننــا مشــبعون جـ ّ‬ ‫نجــاح العديــد مــن الحمــات السياســية‪ ،‬وليــس فقــط تلك‬
‫ـول نظرنــا بعيــداً‪ ،‬أو أن‬ ‫ـ‬ ‫نح‬ ‫أن‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫إم‬ ‫ـاران؛‬ ‫ـ‬ ‫خي‬ ‫ليــس لدينــا ّإل‬ ‫التــي تعتمــد علــى الخطــاب الشــعبوي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫نصبــح محبطيــن إلــى درجــة أننــا لســنا قادريــن علــى ذلــك‪.‬‬ ‫القضيــة األكثــر‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫هــذا هــو الســبب فــي كونــي أعتقــد‬
‫األدق الحديث عــن اإلرهاق‪/‬اإلعياء‬ ‫ّ‬ ‫أعتقــد أنــه قــد يكون من‬ ‫بمــن لديــه القــدرة علــى التعبيــر‬ ‫صلــةً بالموضــوع تتع َّلــق َ‬
‫اإلعالمــي‪ ،‬كمــا فعــل علــى المــدى الطويــل «ديفيــد كامبــل‬ ‫بغض‬ ‫ّ‬ ‫ادعــاءات الحقيقــة‪ ،‬وكســب الدعــم لهــا‪،‬‬ ‫عــن بعــض ِّ‬
‫‪ :»David Campbell -‬إدراك أن معظــم النــاس لديهــم‪،‬‬ ‫االدعــاءات‪ ،‬واســتبعادها‪ .‬إن‬ ‫النظــر عــن مدى تشــويه هــذه ِّ‬
‫بالفعل‪ ،‬القدرة على مشــاهدة العنف والشــعور بالضحايا‪،‬‬ ‫مجــرد دحض مثل هذه االدعــاءات ال يكفي لفهم ومعالجة‬
‫ـول النظــرة مــن أزمــة إلــى‬ ‫ولكــن منطــق وســائل اإلعــام يحـ ِّ‬ ‫التحديــات السياســية‪ ،‬إذ‪ ،‬يلعــب المرئــي هنــا‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬دور ًا‬ ‫ِّ‬
‫ـول بالمصالــح التجاريــة لوســائل‬ ‫أخــرى؛ يتع َّلــق هــذا التحـ ُّ‬ ‫رئيســياً‪ ،‬السـ ّـيما في عصر وســائل التواصل االجتماعي التي‬
‫اإلعــام أكثــر بكثيــر مما يتع َّلــق بمدى اهتمام المشــاهدين‪،‬‬ ‫المتحركــة‪ ،‬مــن‬ ‫ِّ‬ ‫تــدور حــول تــداول الصــور الثابتــة والصــور‬
‫ـن هم أقــلّ حظّ اً‪،‬‬ ‫وقدرتهــم علــى الشــعور بالتعاطــف مــع َمـ ْ‬ ‫ـم تحقيــق‬ ‫المتحركــة‪ .‬لقــد تـ َّ‬
‫ِّ‬ ‫األفــام والصــور إلــى الرســوم‬
‫تحركهــا وســائل اإلعــام‬ ‫تشــكِّ ل هــذه الديناميكيــة التــي ّ‬ ‫عاطفيــ ًا‬
‫ّ‬ ‫الكثيــر‪ ،‬بالطبــع‪ ،‬كاســتخدام ترامــب المشــحون‬
‫تحديــات خطيــرة اللتزامنــا األخالقــي‪ ،‬والتزامنــا السياســي‬ ‫ِّ‬ ‫لـ«تويتــر»‪ ،‬وقدرتــه علــى جــذب جمهــور يتجــاوز أولئــك‬
‫ـدي لمشــكلة العنــف السياســي‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫التص‬ ‫فــي‬ ‫الذيــن تغطِّ يهــم وســائل اإلعــام التقليديــة‪ .‬إن االنتبــاه إلــى‬
‫ربمــا‪ ،‬يمكننــي توضيــح القضايــا المطروحــة بالرجــوع‬ ‫َّ‬ ‫المتضمنــة)‬ ‫ّ‬ ‫الديناميكيــات الناتجــة (مــع األبعــاد العاطفيــة‬
‫حالي ـاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫في‬ ‫ـارك‬ ‫ـ‬ ‫أش‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الرئيس‬ ‫ـث‬ ‫ـ‬ ‫البح‬ ‫ـروع‬ ‫ـ‬ ‫مش‬ ‫إلــى‬ ‫األهم ّيــة عنــد محاولــة فهم ســبب اكتســاب بعض‬ ‫ِّ‬ ‫أمــر بالــغ‬
‫ـدي‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫والتح‬ ‫ـي‪،‬‬‫ـ‬ ‫السياس‬ ‫ي‬ ‫ـد‬‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫التح‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫يتعام‬ ‫ـروع‬ ‫ـ‬ ‫مش‬ ‫ـو‬ ‫وهـ‬ ‫ادعــاءات الحقيقــة‪ ،‬حتى عندما ال تســتند إلى أدلّة واقعية‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ـور األزمــات اإلنســانية بغيــة‬ ‫األخالقــي المتم ِّثل َْيــن فــي تصـ ُّ‬ ‫فعلــى النمــوذج نفســه‪ ،‬نحــن بحاجــة إلى إيــاء اهتمام‪،‬‬
‫معالجــة المعضلــة اآلتيــة‪:‬‬ ‫بشــكل دقيــق‪ ،‬لتمثيــات العنــف‪ ،‬وكيف أنها‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬تضفي‬
‫التصورات الســائدة لألزمات اإلنسانية تثير‬ ‫ُّ‬ ‫نحن نعلم أن‬ ‫معينــة‪ ،‬وبذلــك تمنــع مجموعــة مــن‬ ‫ســلطة علــى أفعــال َّ‬
‫إشــكالية كبيــرة‪ ،‬وهــذا هــو الحــال مــع التمثيــات اإلعالميــة‬ ‫تم‬ ‫التحديــات السياســية‪ .‬لقد َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الخيــارات البديلــة لمواجهــة‬
‫المرئيــات‪ ،‬التــي تميــل المنظَّ مات‬ ‫ّ‬ ‫كمــا هــو الحــال مــع نــوع‬ ‫جيــد‪ ،‬فــي مقابلتــك‬ ‫توضيــح القضايــا المطروحــة‪ ،‬بشــكل ِّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪17‬‬
‫ـدم صــور ًا لألزمات‪ ،‬أقلّ عنفـاً‪ ،‬وأكثر احترام ًا‬ ‫لألزمــات أن تقـ ّ‬ ‫اإلنســانية إلــى توظيفها‪ ،‬فنحن نعلــم أن التغطية اإلخبارية‬
‫وأخالقيةً ‪ ،‬صور ًا يمكنها أن تولِّد التعاطف لدى المشــاهدين‬ ‫ّ‬ ‫ال مــن التركيز‬ ‫تميــل إلــى التركيــز على األحــداث العنيفة‪ ،‬بد ً‬
‫الغربييــن‪ ،‬وتحفِّزهــم على دعم الحمالت اإلنســانية‪ .‬فنحن‬ ‫ِّ‬ ‫بالتحيز الســلبي‬
‫ُّ‬ ‫ـمى‬
‫علــى األحــداث اإليجابيــة‪ ،‬وهــذا ما يسـ ّ‬
‫مؤسســات ملتزمــة بتحســين التواصــل‬ ‫َّ‬ ‫نتعــاون مــع أربــع‬ ‫ـورات الجماعيــة‪ ،‬وقد يمنعنــا من البحث‬ ‫ـوه التصـ ُّ‬ ‫الــذي يشـ ِّ‬
‫اإلنســاني‪ ،‬ومعالجة مشــكلة العنف المرئي المذكورة أعاله‬ ‫عــن حلّ مبتكر للمشــاكل السياســية‪.‬‬
‫مؤسســة ورلــد بــرس فوتــو ‪World Press -‬‬ ‫بشــكل مباشــر‪َّ :‬‬ ‫كمــا نعلــم‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬أن العديــد مــن الصــور الســائدة‬
‫‪ ،Photo‬واللجنــة الدوليــة للصليــب األحمــر‪ ،‬والصليــب‬ ‫ـور الضحايــا فــي جنــوب الكــرة األرضيــة بطــرق‬ ‫لألزمــات تصـ ِّ‬
‫األحمــر األســترالي‪ ،‬ومنظَّ مــة ّ‬
‫أطبــاء بــا حــدود‪.‬‬ ‫ســلبيين‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫نمطيــة جنســانية‪ ،‬وعرقيــة‪ ،‬بوصفهــم ضحايــا‬
‫يجمع المشــروع بين ثمانية باحثين وممارســين من ذوي‬ ‫خاليــن مــن الفاعليــة‪ ،‬ومعتمديــن علــى مســاعدة العالــم‬
‫ـم المجــاالت اآلتيــة‪ :‬العالقــات الدوليــة‪،‬‬ ‫الخبــرة التــي تضـ ّ‬ ‫ترســخ هــذه الصــور االســتعمارية الجديــدة‬ ‫المتقــدم‪ِّ .‬‬
‫ّ‬
‫والتصويــر الصحافــي‪ ،‬وعلــم النفــس االجتماعــي‪ ،‬ثــم‬ ‫المفاهيــم النمطيــة‪ ،‬وتجعــل مــن الصعــب تقديــم تعــاون‬
‫األصلييــن وسياســة إنهــاء االســتعمار‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫سياســات الســكّ ان‬ ‫إنســاني حقيقــي يقــوم علــى االحتــرام‪ ،‬وعلــى تحســين‬
‫ـبي ًا مــن العلمــاء‪ ،‬هو أمر‬ ‫إن التعــاون مــع عــدد كبيــر نسـ ّ‬ ‫القــدرات‪ ،‬وطــرح الحلــول المحل ِّّيــة‪.‬‬
‫ـم إجــراؤه تقليدي ـ ًا فــي عالــم السياســة‪ ،‬حيــث يظــلّ‬ ‫ال يتـ ّ‬ ‫ـدث عــن العنــف المرئي علــى الرغم‬ ‫هنــا‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬قــد نتحـ َّ‬
‫المميــزة‬
‫ِّ‬ ‫ـمة‬ ‫ـ‬ ‫الس‬ ‫ـو‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫واح‬ ‫ـخص‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫المؤ‬ ‫ـل‬ ‫العمـ‬ ‫مــن أن العنــف‪ ،‬هنــا‪ ،‬ذو طبيعــة بنيويــة أكثر‪.‬‬
‫التحديــات‬‫ِّ‬ ‫للمســاهمات العلميــة‪ ،‬لكنــي أجــد أن بعــض‬ ‫تدرك المنظَّ مات اإلنســانية‪ ،‬تماماً‪ ،‬المشكالت المرتبطة‬
‫الرئيســية‪ ،‬فــي يومنــا هــذا‪ ،‬بمــا فــي ذلــك العنــف المرئــي‪،‬‬ ‫بهــذا العنــف المرئــي‪ ،‬لكنهــا غالبـ ًا مــا تحجــم عــن االبتعاد‪،‬‬
‫هــي‪ ،‬ببســاطة‪ ،‬معقَّــدة للغايــة‪ ،‬إذ يتعــذَّ ر علــى شــخص‬ ‫ـورات الســائدة لألزمــات‪ ،‬هــذا هــو الحال‬ ‫جذريـاً‪ ،‬عــن التصـ ُّ‬ ‫ّ‬
‫واحــد المســاهمة فيهــا بشــكل شــامل‪.‬‬ ‫األم والطفــل‬ ‫ّ‬ ‫(صــور‬ ‫النمطيــة‬ ‫الصــور‬ ‫أن‬ ‫يعرفــون‬ ‫ألنهــم‬
‫أنــا أتع َّلــم أكثــر بكثيــر مــن خــال التعــاون مــع الزمــاء‬ ‫ــن‪ ،‬علــى ســبيل المثــال) تثيــر التعاطــف لــدى‬ ‫الجائعي ْ‬
‫َ‬
‫الذيــن يأتــون مــن خلفيــات مختلفــة‪ ،‬والذيــن يتحــدون‪،‬‬ ‫الغربييــن؛ لــذا هــي أدوات مثاليــة لهــذا النــوع‬ ‫ّ‬ ‫ـاهدين‬ ‫المشـ‬
‫باســتمرار‪ ،‬نــوع اليقيــن الــذي كنــت أعتبــره أمــر ًا مفروغ ـ ًا‬ ‫التبرعــات التــي تعتبــر أساســية لنجــاح‬ ‫ُّ‬ ‫مــن حمــات جمــع‬
‫منــه؛ وهــذا هــو الســبب فــي أننــا‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪،‬‬ ‫المشــاركات اإلنســانية‪ ،‬وإن التخ ّلــي عــن اســتخدام الصــور‬
‫نعمــل مــع العلمــاء الذيــن يتب ّنــون ‪-‬صراحــةً ‪ -‬مقاربــات نقد‬ ‫النمطيــة ‪-‬علــى الرغــم من كونها إشــكالية‪ -‬ســيأتي بمخاطر‬
‫الكولويناليــة والشــعوب األصليــة‪ ،‬وهــذا هــو الســبب فــي‬ ‫ـوض العمــل اإلنســاني‪.‬‬ ‫كبيــرة‪ ،‬قــد يقـ ِّ‬
‫أننــا نجمــع بيــن األكاديمييــن والممارســين‪ ،‬العلمــاء الذين‬ ‫هــذا هــو الســياق المكانــي الــذي يأتــي فيــه مشــروعنا‪:‬‬
‫الكم ّيــة‪ ،‬والنوعيــة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫يســتخدمون المناهــج‪:‬‬ ‫نحــاول استكشــاف كيــف يمكــن للتمثيــات المرئيــة البديلــة‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪18‬‬
‫إلي‪ ،‬السياســة الجمالية تدور‬ ‫والفاعلية البشــرية‪ .‬بالنســبة ّ‬ ‫حجة الســتخدام مثل‬ ‫لقــد حاولــت‪ ،‬لزمــن طويل‪ ،‬تقديم ّ‬
‫حــول إيجــاد طــرق جديــدة لرؤيــة العالــم‪ ،‬وفهمــه؛ يتع َّلــق‬ ‫التعدديــة فــي دراســة السياســة المرئيــة‪ ،‬إال‬ ‫ُّ‬ ‫هــذه المناهــج‬
‫األمــر بإعادة مشــاهدة العالم‪ ،‬وإعادة الشــعور به‪ ،‬وإعادة‬ ‫التحديــات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫مجموع‬ ‫ً‪-‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫‪-‬حتم‬ ‫ـرح‬ ‫ـ‬ ‫يط‬ ‫ـك‬ ‫أن القيــام بذلـ‬
‫ســماعه بطريقــة تفتــح االحتمــاالت لعالــم أفضــل؛ لهــذا‬ ‫جزئي ـاً‪ ،‬إلــى أنــه قــد يســتلزم التخ ِّلــي عــن‬ ‫ّ‬ ‫ويرجــع ذلــك‪،‬‬
‫مدرسـ ًا وكاتبـاً‪ ،‬أرى هــذه‬ ‫الســبب‪ ،‬فــي النهايــة‪ ،‬أنــا بصفتــي ِّ‬ ‫موحــد لألدلَّــة‪ ،‬والــذي ينتهــك األعــراف العلميــة‬ ‫َّ‬ ‫معيــار‬
‫ال مــن أشــكال النشــاط‪ ،‬ليــس النشــاط الــذي‬ ‫األنشــطة شــك ً‬ ‫يتضمــن‪ ،‬دائماً‪ ،‬العمــل من خالل‬ ‫َّ‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ألن‬ ‫ً؛‬‫ا‬‫ـ‬‫جزئي‬
‫ّ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫االجتماعي‬
‫يــدور حــول المعــارك فــي الشــارع‪ ،‬وال يهــدف إلــى تحقيــق‬ ‫فريــق بحثــي‪ ،‬قليلــون منــا هــم الذيــن يمتلكــون المهــارات‬
‫تغييــر فــوري‪ ،‬بــل هــو نــوع مــن النشــاط الــذي يهــدف إلــى‬ ‫المنهجيــة الســتخدام هــذه األســاليب بكفــاءة‪ ،‬والتــي‬
‫التغييــر التدريجــي‪ :‬هــو محــاوالت يوميــة مــن المقاومــة‪،‬‬ ‫تتــراوح بيــن الســيميائية‪ ،‬وتحليــل الخطــاب‪ ،‬والدراســات‬
‫تدريجيـ ًا فــي كيفيــة رؤيتنــا (كمجموعــات) للعالــم‬ ‫ّ‬ ‫تســاهم‬ ‫االســتقصائية‪.‬‬
‫مــن حولنــا‪ ،‬واســتيعابنا لــه‪.‬‬ ‫يوجــد‪ ،‬علــى وجــه التحديــد‪ ،‬مجموعــة مــن المناهــج‬
‫مــن منظــور ف ّنــان (كاتــب)‪ ،‬وناشــط‪ ،‬وفاعــل‪ ،‬يكــون‬ ‫المرئيــة المختلفــة‪ ،‬غيــر المتوافقــة كمــا قــد تبــدو‪ ،‬والتــي‬
‫«الســام ليــس نهايــة المطــاف»‪ ،‬بل ســيكون هنــاك‪ ،‬دائماً‪،‬‬ ‫تو ِّفــر أفضــل فرصــة لفهــم الروابــط المع َّقــدة بيــن الرؤيــة‬
‫عمــا‬
‫ـض النظــر ّ‬ ‫صــراع‪ ،‬وســيكون هنــاك‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬عنــف‪ ،‬بغـ ّ‬ ‫والعنــف والسياســة‪ ،‬ثــم تحويلهــا‪ .‬كمــا أن الجمــع بيــن‬
‫ـرون إلــى قبــول كلّ‬ ‫نفعلــه‪ ،‬لكــن هــذا ال يعنــي أننــا مضطـ ّ‬ ‫المناهــج المختلفــة يجعلنــا‪ ،‬دائم ـاً‪ ،‬علــى درايــة بوجهــة‬
‫المظالــم التــي تحــدث مــن حولنــا‪ ،‬وال يعنــي أننــا عاجــزون‬ ‫معين ًا من االنعكاس‬ ‫ـتوى َّ‬ ‫ننمي مسـ ً‬ ‫نظرنا العرضية؛ وبذلك ِّ‬
‫عــن معارضتهــا‪ ،‬فالعالــم ال يقــف ســاكن ًا أبــداً‪ ..‬نحــن نعلم‬ ‫ـد مفتاح ـ ًا لفهــم نقــدي للسياســة‪.‬‬ ‫الذاتــي الــذي ُي َعـ ّ‬
‫أنــه يمكننــا التأثيــر في محيطنا‪ ،‬حتى لــو كان بخطوة واحدة‬ ‫أتم ّنــى‪ ،‬فــي حــدود ســنتين‪ ،‬أن أســتطيع تقديــم تقريــر‬
‫ـرة‪ ،‬ونعلم ما إذا كان هــذا يتعلَّق بإحداث‬ ‫بســيطة فــي كلّ مـ ّ‬ ‫إليكــم‪ ،‬أذكــر فيــه المزيــد مــن النتائــج الملموســة مــن هــذا‬
‫التحول‬
‫ُّ‬ ‫في‬ ‫ـاهمة‬ ‫ـ‬ ‫بالمس‬ ‫أو‬ ‫العادية‬ ‫اليومية‬ ‫فــرق فــي حياتنــا‬ ‫ـدر كثيــر ًا الفرصــة التــي‬ ‫المشــروع‪ .‬فــي الوقــت الراهــن‪ ،‬أقـ ِّ‬
‫التدريجــي للبنيــات االجتماعيــة السياســية الكبــرى التــي‬ ‫التحديــات الرئيســية التــي‬ ‫ِّ‬ ‫أتيحــت لــي لإلشــارة إلــى بعــض‬
‫نشــكّ ل جــزء ًا منهــا‪.‬‬ ‫نواجههــا‪ ،‬وآمــل أن يســهم ذلــك فــي إيجــاد طــرق جديــدة‬
‫ـتمر‪ ،‬هــو إدراك‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫المس‬ ‫النضال‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫من‬ ‫ـم‬
‫هنــاك جــزء مهـ ّ‬ ‫لفهــم مظاهــر العنــف المرئــي‪ ،‬وتجازوهــا‪.‬‬
‫أننــا ال نحتــاج إلــى فهــم المعاييــر المجتمعيــة‪ ،‬وتحويلهــا‬
‫فحســب‪ ،‬بــل نحتــاج‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬إلــى التفكير بشــكل نقــدي في‬ ‫أود أن أســألكم عــن رؤيتكــم للســام‪ .‬لقــد‬‫وفــي الختــام‪ّ ،‬‬
‫قيمنــا وأحكامنــا المســبقة‪ ،‬فال يــزال جزء كبير مــن الحركة‬ ‫تكـ َّـرر‪ ،‬إلــى َحـ ّـد الرتابــة‪ ،‬أن السياســة‪ ،‬اليــوم‪ ،‬تعانــي مــن‬
‫العلميــة حــول السياســة الجماليــة‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪،‬‬ ‫أزمــة «خيــال»‪ .‬كيــف يمكننــا التغ ُّلــب علــى هــذا مــن خــال‬
‫جــزء ًا ال يتجــ َّزأ مــن الممارســات الغربيــة واالفتراضــات‬ ‫الجماليــات» بشــكل أفضــل؟ وهــل مــا زلــت‬
‫ّ‬ ‫توظيــف «ســلطة‬
‫ـد ًا عــن إنهــاء اســتعمار‬ ‫المتضمنــة فيهــا‪ ،‬نحــن بعيــدون جـ ّ‬ ‫ا بشــأن مثــل هــذه االحتمــاالت؟‬ ‫متفائ ـ ً‬
‫َّ‬
‫المشــاركات العلميــة‪ ،‬والعمليــة‪ .‬تحتــوي العديــد مــن‬ ‫‪ -‬علــى الرغــم مــن العــودة األخيــرة والمثيــرة للقلــق إلــى‬
‫التقاليــد غيــر الغربيــة علــى رؤى جماليــة يمكــن أن تزودنــا‬ ‫السياســات االســتبدادية فــي جميــع أنحــاء العالــم‪ ،‬ما زلت‬
‫الخاص‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بطــرق جديــدة لفهــم العالــم وإشــراكه‪ .‬في عملــي‬ ‫خاص‪ ،‬بشــأن ســلطة الجماليات في تقديم‬ ‫متفائالً‪ ،‬بشــكل‬
‫ّ‬
‫األول‪ ،‬القيــام بذلــك على مدى خمسـ ٍ‬
‫ـة‬ ‫حاولــت فــي المقــام َّ‬ ‫لمحــات عــن االحتماالت السياســية البديلة‪ .‬كثيــر ًا ما أتذكَّ ر‬
‫وثالثيــن ســنة ماضيــة‪ ،‬مــن خــال االنخــراط فــي المجتمع‪،‬‬ ‫هنــا زميلــي وصديقــي الراحــل «أليكــس دانتشــيف ‪Alex‬‬
‫والتعلُّــم مــن العلمــاء والمصــادر فــي كوريــا ومنطقــة‬ ‫بشــدة‪ ،‬بأنــه «خالفــ ًا لالعتقــاد‬
‫ّ‬ ‫‪ ،»Danchev‬الــذي آمــن‪،‬‬
‫ـام‪ ،‬لكننــي أدرك مــدى‬ ‫آســيا‪ ،‬والمحيــط الهــادئ بشــكل عـ ّ‬ ‫الســائد‪ ،‬يجــب منــح الف ّنانيــن‪ ،‬ال السياسـ ِّـيين‪ ،‬فرصــة خلق‬
‫قصــور هــذه الجهــود‪ ،‬وأن إنهــاء االســتعمار‪ ،‬فــي ذهنــي‪،‬‬ ‫نظــام عالمــي جديــد»‪ .‬أعتقــد أن «دانشــيف» كان مح ّقــ ًا‬
‫ـتمرة؛ لهــذا الســبب‪ ،‬كمــا أشــرت‪ ،‬يتم َّثــل‬ ‫هــو عمليــة مسـ ّ‬ ‫عندمــا حثَّنــا علــى استكشــاف كيــف يمكــن ألعمــال الخيــال‬
‫ـدي الرئيســي فــي محاربــة أزمــات الخيــال التــي تحيــط‬ ‫التحـ ّ‬ ‫أن تســاعدنا فــي معالجــة بعــض الموضوعــات السياســية‬
‫بنــا‪ ،‬والبحث ‪-‬بشــكل جماعــي‪ -‬عن طرق مبتكرة لالســتفادة‬ ‫ـن ‪-‬بجميع مظاهره‬ ‫األكثــر إلحاحـ ًا في عصرنــا‪ ،‬إذ يمكن للفـ ّ‬
‫للجماليــات‪ ،‬لبنــاء عالــم أفضــل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـوة اإلبداعيــة‬ ‫مــن القـ ّ‬ ‫المختلفــة‪ -‬أن يســاعدنا علــى رؤيــة العالــم من جديــد‪ ،‬كما‬
‫حاوره‪ :‬براد إيفانز* ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬إسماعيل الموساوي‬ ‫يســاعدنا علــى مالحظــة األشــياء التــي لم تكــن موجودة من‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫نتحدى االفتراضات اإلشــكالية التــي ا َّتخذناها‬ ‫ّ‬ ‫قبــل‪ ،‬وبذلــك‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫أمــر ًا مسـلَّم ًا بــه‪.‬‬
‫‪https://lareviewofbooks.org/article/histories-of-violence-the-visual-violence‬‬
‫هــذا األمــر أعادنــي إلــى الموضوعــات التــي ناقشــناها في‬
‫* براد إيفانز فيلسوف سياسي‪ ،‬ومنظّ ر نقدي‪ ،‬وكاتب‬ ‫بالجماليات والسياســة‬ ‫بدايــة هــذا الحــوار؛ تلــك المتعلِّقــة‬
‫متخصص في «مشكلة العنف»‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪19‬‬
‫‪156‬‬

‫‪164‬‬
‫‪agazine‬‬
‫‪@aldoha_m‬‬

‫العدد ‪ - 156‬أكتوبر ‪2020‬‬ ‫العدد ‪ - 164‬يونيو ‪2021‬‬


‫‪E‬‬

‫‪E‬‬
‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬

‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬
‫ملتقى اإلبداع‬ ‫ملتقى اإلبداع‬
‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬
‫‪.qa‬‬ ‫‪.qa‬‬
‫‪w w w.dohamagazine‬‬ ‫‪w w w.dohamagazine‬‬
‫‪gazine‬‬
‫‪aldoha_ma‬‬

‫السنة ‪13‬‬
‫‪azine‬‬

‫‪ -‬العدد ‪ - 156‬صفر‬
‫‪Doha Mag‬‬

‫السنة ‪14‬‬ ‫‪ -‬العدد ‪- 164‬‬


‫‪ - 1442‬أكتوبر ‪2020‬‬

‫شوال ‪ - 1442‬يونيو ‪2021‬‬


‫ال ّ‬
‫قصة القصرية‬

‫فـي قطـر‬
‫‪2020‬‬
‫‪Safar 1442 - October‬‬

‫‪- June 2021‬‬

‫قـمم يأس إميل سيوران‬


‫‪- Shawwal 1442‬‬
‫‪Year 13 - No. 156‬‬

‫تليها‪ :‬أقدمُ الـمخاوف‬


‫واسيين األعرج‪:‬‬
‫‪BEST‬‬ ‫محاولة لتجاوز الواقع‬
‫‪Year 14 - No. 164‬‬

‫‪OF‬‬
‫‪2020‬‬ ‫بيرت سلوتردايك‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الكتَّاب املُهمّ ون ِّ‬
‫يفكرون‬
‫بطريقة خطرة‬
‫ٍ‬
‫‪153‬‬
‫‪163‬‬

‫‪159‬‬
‫العدد ‪ - 163‬مايو ‪2021‬‬ ‫العدد ‪ - 153‬يوليو ‪2020‬‬
‫العدد ‪ - 159‬يناير ‪2021‬‬
‫‪E‬‬
‫‪E‬‬

‫‪E‬‬
‫ملتقى اإلبداع‬
‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬
‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬

‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬
‫العريب والثقافة اإلنسانية‬
‫ملتقى اإلبداع‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫ملتقى اإلبداع‬
‫‪.qa‬‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬
‫‪.qa‬‬ ‫‪w w w.dohamagazine‬‬
‫‪w w w.dohamagazine‬‬ ‫‪w w w.dohamagazine.‬‬
‫‪qa‬‬

‫‪agazine‬‬
‫‪agazine‬‬

‫‪@aldoha_m‬‬
‫‪@aldoha_m‬‬

‫بيرت أدامسون‪:‬‬

‫غالب هلسا‬ ‫كتب الجائحة‬


‫السنة ‪- 13‬‬

‫السنة ‪14‬‬
‫الفلسفة اإلسالميّة‬
‫جزء من الفلسفة الغربيّة‬ ‫ضعف الـمُ واكبة العربيّة‬

‫شـرف الكتابـة‬
‫‪gazine‬‬

‫‪ -‬العدد ‪ - 159‬جامدى‬
‫العدد ‪ - 153‬ذو القعدة‬
‫السنة ‪14‬‬

‫هريفيه لو تيلييه‪:‬‬
‫‪gazine‬‬

‫ْ‬
‫‪aldoha_ma‬‬

‫مواجهة الـمرء لنفسه‬


‫‪ -‬العدد ‪- 163‬‬
‫‪https://www.dohamagazine.qa‬‬

‫إسكندر حبش‪..‬‬
‫‪aldoha_ma‬‬

‫حياة أخرى متكاملة!‬ ‫رفعت سالم‬


‫األوىل ‪ - 1442‬يناير ‪2021‬‬

‫ِّ‬ ‫مُنذ وَعى أنّ‬


‫رمضان ‪ - 1442‬مايو ‪2021‬‬

‫‪ - 1441‬يوليو ‪2020‬‬

‫الوزن ليس هو الشعْ ر‬


‫‪azine‬‬

‫حنس أوريد‪:‬‬
‫الرواية التاريخ‬ ‫من سرية مارادونا‬
‫يّة يف مأمن من الرقابة‬
‫‪azine‬‬

‫‪Doha Mag‬‬

‫«أنا الدييجو»‬
‫العُ نرصيَّة فريوس‬
‫‪Doha Mag‬‬

‫ياسمينة خرضا‪:‬‬
‫َ‬ ‫«اقتصا ُد التنمية الذاتي‬
‫اسمي‬
‫ّة» بالعَ الم العربيّ‬

‫فرج دهام‬
‫يمقته بعض الذكوريني!‬
‫‪- July 2020‬‬

‫‪- Janurary 2021‬‬

‫مآل الطقوس الجماعيّة‬

‫ويـكـيـبـيـديــا‬
‫‪- May 2021‬‬

‫‪Dhu al-Qidah 1441‬‬

‫‪Jumada alawal 1442‬‬

‫َّ‬
‫فنان الالمرئـ ّي‬
‫‪- Ramadan 1442‬‬

‫البـاب الخلفـي‬
‫‪Year 13 - No. 153‬‬

‫ك‬
‫ارلوس زافون‪ ..‬أفول نجم‬
‫‪Year 14 - No. 159‬‬

‫نعوم تشومسيك‪ ..‬التوقيع‬


‫‪Year 14 - No. 163‬‬

‫عىل االنقراض السادس!‬


‫آ َدم حَ نني‪ ..‬و ُ‬
‫َريث َّ‬
‫الصالبَة‬
‫‪167-166‬‬
‫‪154‬‬
‫‪168‬‬

‫‪165‬‬

‫‪E‬‬
‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬

‫العدد ‪ - 168‬أكتوبر ‪2021‬‬ ‫العدد ‪ - 154‬أغسطس ‪2020‬‬ ‫العدد ‪ - 165‬يوليو ‪2021‬‬ ‫عدد خاص‬
‫‪ - 167-166‬أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪2021‬‬
‫‪E‬‬
‫‪E‬‬

‫‪E‬‬
‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬
‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬

‫‪AL-DOHA MAGAZIN‬‬

‫ملتقى اإلبداع‬ ‫ملتقى اإلبداع‬ ‫ملتقى اإلبداع‬ ‫ملتقى اإلبداع‬


‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العريب والثقافة اإلنسانية‬
‫‪agazine‬‬

‫‪qa‬‬ ‫‪.qa‬‬ ‫‪qa‬‬


‫‪w w w.dohamagazine.‬‬ ‫‪w w w.dohamagazine‬‬ ‫‪w w w.dohamagazine‬‬
‫‪.qa‬‬ ‫‪w w w.dohamagazine.‬‬
‫أرشيف‬

‫‪@aldoha_m‬‬

‫«اِ ِ‬
‫رتد قناعَك»‬
‫إدغار موران‬
‫السنة ‪14‬‬

‫مئة‬
‫عبد الرّحمن بدوي‬
‫الحياة بنصف وجه!‬
‫‪ -‬العددان ‪ - 167 - 166‬ذو‬

‫وجه الرّوائــي‬
‫‪gazine‬‬

‫خورخي لويس بورخيس‪:‬‬


‫السنة ‪- 13‬‬

‫حوار اكتُ ِشف حديثا ً‬


‫الحجة ‪ - 1442‬محرم ‪- 1443‬‬
‫‪aldoha_ma‬‬

‫السنة ‪- 14‬‬

‫سنة‬
‫العدد ‪ - 154‬ذو الحجة‬
‫السنة ‪14‬‬

‫م‪ .‬فوكس وأ‪ .‬بويتوس‪:‬‬


‫العدد ‪ - 165‬ذو‬
‫‪ -‬العدد ‪ - 168‬صفر‬

‫املرِّيخ ليس مناسبا ً‬

‫لقاءات‪:‬‬
‫أغسطس ‪ -‬سبتمرب ‪2021‬‬
‫‪azine‬‬

‫‪ - 1441‬أغسطس ‪2020‬‬

‫هشام جعيط‪..‬‬
‫القعدة ‪ - 1442‬يوليو ‪2021‬‬
‫‪Doha Mag‬‬
‫‪ - 1443‬أكتوبر ‪2021‬‬

‫إصالح الحياة!‬
‫مختارات‬
‫خورخي لويس بورخيس‬ ‫من‬
‫الشعر األفغاين املُعارص‬
‫ماريو فارغاس يوسا‬
‫‪2021‬‬
‫‪1443 - August - September‬‬

‫مو يان‬ ‫«الورشة النقدية»‬ ‫ما بعد اإلنسانية‬


‫‪- August 2020‬‬

‫لو كليزيو‬
‫مارك توين‬
‫هل يمكن للنقد‬ ‫أو الفكرة القاتلـة!‬
‫‪- July 2021‬‬

‫أن يكون أدباً؟‬


‫‪2021‬‬

‫روديارك كبلنج‬
‫‪Dhu al-Hijjah 1441‬‬

‫‪- Dhul-Hijjah 1442 - Muharram‬‬


‫‪- Safar 1443 - October‬‬

‫توفيـق الحكيم‬
‫‪- Thul Qa`dah 1442‬‬

‫دانيال كيلمان‬

‫ألف أزمة وأزمة!‬ ‫يف كشوف التطهري‬


‫ألفارو إنريجو‬
‫فديريكو غارسيا لوركا‬ ‫»‬ ‫كيف واكبت «‬
‫‪Year 13 - No. 154‬‬

‫ع‬
‫لويس باغاري ّا إيبو‬
‫دد خاص‬ ‫جائحة القرن‬
‫‪Year 14 - No. 168‬‬

‫‪Year 14 - No. 165‬‬

‫‪Year 14 - No. 166 - 167‬‬

‫‪20‬‬
‫فيليب روث‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬


‫ميالن كونديرا‬
‫أزمة «كوفيد ‪»19 -‬‬
‫يف مساءلة خطاب الجائحة‬
‫ملســاهمة يف ســياق تراجــع الخطابــات اإلعالميــة والسياســية حــول «كوفيــد ‪ ،»19 -‬بعدمــا وصلــت‬ ‫تــأيت هــذه ا ُ‬
‫إىل ذروة التضخــم مــع نهايــة الســنة الفارطــة‪ ،‬بحيــث مل تتنبــأ فقــط بخــروج عا َلــم مغايــر مــن رحــم الفــروس‬
‫للجوا ِئــح يف تاريــخ البرشيــة‪ ،‬بــل وسـلَّمت أيضـ ًا بعدالــة هــذا الفــروس‬‫التاجــي‪ ،‬إميانـ ًا منهــا بالقــدرة التحويليــة َ‬
‫لكونــه يخــرق كل الحواجــز الطبقيــة يف نظرهــا‪ ،‬وتوقَّعــت إجبــاره النخــب الحاكمــة النيوليربالية عىل إعادة ترتيب‬
‫ال‪ ،‬بإعادتهــا االعتبــار للدولة‪-‬الراعيــة‪ ،‬وبحتميــة فــرزه لجغرافيــة‬ ‫ملجتمعيــة الكــرى مســتقب ً‬ ‫ُس ـلَّم األولويــات ا ُ‬
‫العا َلــم مــن‬
‫سياســية جديــدة مــن أهــم عناوينهــا العريضــة تغـ ُّـر عالقــات القــوة الدوليــة بانتقــال مقــود زعامــة َ‬
‫أمــركا إىل الصــن‪.‬‬

‫المرحلــة الثانيــة‪ :‬أصبــح الفيــروس فــي هــذه المرحلــة‬ ‫ارتــكاز ًا علــى بعــض أدوات التحليــل التــي توفرهــا العلوم‬
‫ـص‪ ،‬لكــن مجمــل مــا أُنتــج‬ ‫ُيشــكِّ ل القضيــة الجوهريــة للنـ ّ‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬وخاصة علم االجتماع واالقتصاد والسياســة‪،‬‬
‫حــول كورونــا فــي هذه الفتــرة‪ ،‬ال يرقى أن يوصــف بالخطاب‬ ‫والتــي تعتبــر تفكيك اآلراء الشــائعة والتشــكيك فيها إحدى‬
‫تأمــات ذاتيــة‪،‬‬ ‫العلمــي‪ ،‬ألن أغلبــه‪ ،‬إمــا كان عبــارة عــن ُّ‬ ‫أهــم وظائفهــا‪ ،‬واســتناد ًا إلــى اإلســهامات الجــادة فــي هــذا‬
‫أو خواطــر سياســية‪ ،‬أو تجــارب حميميــة‪ ،‬تتمحــور حــول‬ ‫البــاب ســنضع كلَّ هــذه التوقعــات الســائدة علــى محــك‬
‫منطــق الوجــوب وليــس الوجــود‪ ،‬أي أنــه خطــاب رغبــوي‪،‬‬ ‫والمســاءلة‪ ،‬بعــد أن أصبحــت تطــرح نفســها‪ ،‬في‬ ‫الفحــص ُ‬
‫يأمــل فــي تغييــر النظــام العالمــي الجديــد‪ ،‬وقيــام الدولــة‬ ‫سياق محاولة استشراف أفق أزمة «كوفيد ‪ »19 -‬واستجالء‬
‫االجتماعيــة أو دولــة الرعاية‪ ،‬وتحقيــق العدالة االجتماعية‬
‫معا ِلــم مالمــح التدبيــر السياســي ُ‬
‫المتوقــع بعــد انتهائهــا‪،‬‬
‫واإليكولوجيــة‪ ،‬وإعطــاء األولويــة إلــى المشــاريع التنمويــة‬ ‫كيقينيــات بديهيــة وليــس كتخمينــات احتمالية‪.‬‬
‫للقطاعــات الحيويــة‪ ،‬كالتعليــم والصحــة وغيرهمــا‪ .‬وكأن‬
‫العا َلــم كلــه يوجــد فــي دولة واحــدة دون حــدود جغرافية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وصف خطاب كورونا‬
‫وال فروقــات ال فــي طبيعــة األنظمــة السياســية‪ ،‬وال فــي‬
‫المرحلــة األولــى‪ :‬كل متتبــع رصيــن لخطــاب كورونــا‬
‫االختيارات االقتصادية‪ ،‬وال في األنساق الثقافية والتربوية‪.‬‬
‫فمجمــل النصــوص‬ ‫ـوره‪ُ ،‬‬ ‫يمكــن لــه أن يرصــد خطاطــة تطـ ّ‬
‫التــي كُ تبــت فــي األول‪ ،‬لــم يكــن ُيشــكِّ ل فيهــا الفيــروس ّإل‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬اتســمت هذه المرحلة بالتقاطب الحاد‬ ‫المضــاف علــى النــص‪ ،‬وهكــذا قرأنــا مــواد موســوم ًا بها‬
‫المفكِّ رين في العلوم االجتماعية حول إمكانية دراســة‬ ‫دور ُ‬
‫بيــن ُ‬ ‫والتطــور العلمــي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫(كورونــا والرابــط االجتماعــي‪ ،‬كورونــا‬
‫«كوفيد ‪ ،»19 -‬وبأي منهج وبأي أدوات تحليلية‪ ،‬نتج عن هذا‬
‫كورونــا والنظــام العالمــي الجديد‪ ...‬إلخ)‪ ،‬وهــذه النصوص‬
‫تصوران‪ ،‬األول‪ ،‬يعتبــر أن تناول الظواهر‬‫ُّ‬ ‫التجــاذب الفكــري‬
‫كان يغلــب عليهــا الطابــع الحماســي واالنفعالــي‪ ،‬يقــارب‬
‫الفجائيــة كظاهــرة كورونــا‪ ،‬ليــس من اختصــاص العا ِلم في‬
‫فــي بعــض أوجهــه الســبق الصحافــي‪.‬‬
‫العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬وإنمــا هــو مــن اختصاصــات كلٌّ مــن‬
‫اإلعالمــي والسياســي‪ ،‬ألن العا ِلــم فــي حقــل اإلنســانيات‬ ‫أود قولــه مــن اإلشــارات الســابقة‪ ،‬أن الفيــروس فــي‬
‫مــا ُّ‬
‫واالجتماعيــات ال يــدرس الظاهــرة ّإل حينمــا تكتمــل‪ ،‬أي‬ ‫هــذه النصــوص لــم يكــن يجمع بينــه وبينهــا ّإل واو العطف‪،‬‬
‫حيــن تفصــح عــن كلِّ أبعادهــا‪ ،‬وهــذا أول شــرط لتحقيــق‬ ‫ـم حــذف مفهــوم «كوفيــد ‪ »19 -‬قــد ال يطــرأ أي تغييــر‬‫وإذا تـ َّ‬
‫الموضوعيــة بلغــة «دوركايــم»‪ ،‬أو الحيــاد األكســيولوجي‬ ‫علــى مضمــون النــص وقضيته‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪21‬‬
‫أو علــى األقــل تغييــر جــزء مــن طبيعــة بنيــات الدولــة‬ ‫بلغــة «فيبــر»‪ .‬ويضيــف هــذا الفريــق‪ ،‬أنــه إذا قبلنــا دراســة‬
‫والمجتمــع‪ ،‬كتدميــر الــدول أو خلخلــة بنياتهــا األساســية‬ ‫ُ‬ ‫ظاهــرة مــا قبــل أن تكتمــل‪ ،‬فســنكون ليــس أمــام ضــرورة‬
‫بلغة أخرى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ســواء االقتصادية أو االجتماعية أو السياسية‪.‬‬ ‫التجديــد المنهجــي فقــط‪ ،‬بــل ســنكون بشــكلٍ أوتوماتيكــي‬
‫الجوا ِئــح أو على‬ ‫ؤرخين‪ ،‬فــإن َ‬ ‫الم ِّ‬
‫التوجــه مــن ُ‬
‫ُّ‬ ‫وحســب هــذا‬ ‫أمــام إعــادة النظــر فــي موضــوع العلــوم االجتماعيــة عامة‪.‬‬
‫األقــل بعضهــا‪ ،‬عصــف بوجــود بعــض الــدول‪ ،‬وأضعــف‬ ‫وحــذَّ ر هــذا الفريــق من اتباع هــذه الخطوة‪ ،‬لكونهــا مغامر ًة‬
‫ســلطان أخــرى‪ ،‬وعرقــل ســيرورة وصيــرورة التنميــة فــي‬ ‫محســومة النتائــج‪ ،‬تؤدي بالضرورة إلــى انمحاء الخصائص‬
‫الثالثــة‪ ،‬وشــكَّ ك النــاس فــي أنســاقهم الثقافيــة‪ ،‬والقيميــة‬ ‫تميــز كل خطــاب عــن آخر‪ ،‬بمعنــى أنه ســيتعذَّ ر علينا‬ ‫التــي ِّ‬
‫والعقائديــة‪ ،‬بحيــث لــم تســتطع الصمــود أمــام هــول‬ ‫تمييــز الخطــاب اإلعالمــي عــن السياســي‪ ،‬واإلبداعــي عــن‬
‫الجوا ِئح‬ ‫ؤرخين‪ ،‬أن َ‬ ‫الم ِّ‬
‫المقابل يؤكِّ د بعض ُ‬ ‫الجا ِئحــة‪ .‬وفــي ُ‬
‫َ‬ ‫السوســيولوجي وغيره‪.‬‬
‫عبــر التاريــخ لــم تشــكِّ ل لحظــة فارقــة فــي تاريــخ البشــرية‪،‬‬ ‫أهميــة الموقــف اإليجابــي‬
‫أمــا الثانــي‪ ،‬فقــد رافــع علــى ّ‬
‫ـدل ال‬ ‫بدليــل أن الــدول‪ ،‬وخاصــة النخــب الحاكمــة‪ ،‬لــم تعـ ِّ‬ ‫الفاعــل الــذي يؤكِّ ــد ضــرورة انخــراط العلــوم االجتماعيــة‪،‬‬
‫من طبيعة نظامها السياســي‪ ،‬وال من خياراتها االقتصادية‪،‬‬ ‫وخاصــة السوســيولوجيا فــي دراســة الظواهــر الفجائيــة‪،‬‬
‫الجوا ِئح‬ ‫وال مــن نظمهــا التربوية والثقافيــة‪ .‬في نظر هؤالء‪َ ،‬‬ ‫بــدل االكتفــاء بالموقــف الســلبي‪ ،‬واالنطــواء علــى الــذات‬
‫مجرد ســحابة عابرة‪ ،‬ســرعان ما تختفي في الســماء وتعود‬ ‫بدعوة أن الموضوعية والحياد األكســيولوجي يفرضان على‬
‫الجا ِئحــة(‪.)1‬‬‫الــدول إلــى حياتهــا الطبيعيــة كمــا كانــت قبــل َ‬ ‫عا ِلــم االجتمــاع انتظــار اكتمــال الظاهــرة‪ ،‬وأشــاروا إلــى أن‬
‫بعــض هــذه الظواهــر ال تكتمل‪ ،‬وإنما تظهــر وتختفي فجأة‪،‬‬
‫ما بَعد «كوفيد ‪»19 -‬‬ ‫وهــذه الخاصيــة بالتحديد هي التي تبــرر االنخراط والتدخل‬
‫بحوالــي ثــاث ســنوات قبــل وبــاء «كوفيــد ‪ ،»19 -‬ســاد‬ ‫لدراســة هــذه الظواهــر‪.‬‬
‫الحديــث عــن بروز مالمــح لنظام عالمي جديــد‪ ،‬أي االنتقال‬
‫التعددية‬
‫ُّ‬ ‫مــن األحاديــة القطبيــة إلــى الثنائيــة القطبيــة(‪ )2‬أو‬ ‫المرحلــة الرابعــة‪ :‬تعتبــر هــذه المرحلــة‪ ،‬هــي المرحلــة‬
‫ـم الترويــج لهــذا‬ ‫الفعليــة لدراســة الفيــروس دراســةً علميــة‪ ،‬لكــن ليــس‬
‫القطبيــة ‪ .‬لكــن مــع انتشــار الفيــروس تـ َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫جــد ًا عبــر الطاحونــة اإلعالميــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الخطــاب بشــكلٍ كبيــر‬ ‫حــد ذاتــه‪ ،‬وإنمــا انعــكاس اإلجــراءات‬‫ّ‬ ‫الفيــروس فــي‬
‫وتــم اســتهالكه بشــكلٍ كبيــر مــن طــرف الجمهــور‪ ،‬ألنــه‬ ‫المتخــذة ضــده علــى أهــم جوانــب الحيــاة‬ ‫الصحيــة ُ‬
‫َّ‬
‫ـدم علــى لســان محترفــي الخطــاب الرمــزي وبعــض‬ ‫للمواطنيــن‪ ،‬وخاصــة علــى المســتوى االقتصــادي‬ ‫العامــة ُ‬
‫كان يقـ َّ‬
‫االختصاصييــن فــي القضايــا االســتراتيجية والسياســات‬ ‫واالجتماعــي والنفســي‪ ...‬إلــخ‪ .‬وفــي هــذا الصــدد قرأنــا‬
‫مهمــة مــن الجمهــور بــأن‬ ‫العديــد مــن الدراســات والتقاريــر حــول طبيعــة وحجــم‬
‫الدوليــة‪ ،‬وهكــذا «أقنعــوا» كتلــة َّ‬
‫لحظــة كورونــا هــي لحظــة مفصليــة فــي تاريــخ البشــرية‪،‬‬ ‫انعكاســات اإلجراءات الصحيــة لفيروس كورونا على بنيات‬
‫وأن هــذه األخيــرة علــى موعــد مــع التاريــخ لتغييــر النظــام‬ ‫المجتمــع‪ ،‬وعلــى التفاعــات االجتماعيــة بيــن أفــراده‪ ،‬وال‬‫ُ‬
‫التكيــف مــع النظــام‬ ‫العالمــي‪ ،‬وأنــه ال خيــار أمامهــا ّإل‬ ‫يســتطيع أحــد أن ينكــر أو يشــكك فــي جــدة وعلميــة هــذه‬
‫ُّ‬ ‫نجــزة‪.‬‬
‫المتحــدة‬‫العلمــي الجديــد‪ .‬كمــا ال خيــار أمــام الواليــات ُ‬ ‫الم َ‬
‫الدراســات ُ‬
‫العا َلــم الجديــد بشــراكة مــع‬ ‫األميركيــة‪ّ ،‬إل أن تقبــل قيــادة َ‬
‫الصيــن‪ ،‬أو أن هــذه األخيــرة ســتقوده لوحدهــا أو بتعــاون‬ ‫نقد خطاب كورونا‬
‫مــع أطـ ٍ‬
‫ـراف أخــرى‪.‬‬ ‫نشــير فــي البدايــة إلــى أنــه يصعــب وضــع خطــاب‬
‫وفــي نظــر الدكتــور خالــد شــهبار هــذا القــول‪ ،‬تعــوزه‬ ‫وإن كانــت هــذه األخيــرة بحجــم‬ ‫كورونــا فــي سـ ٍ‬
‫ـلة واحــدة‪ْ ،‬‬
‫المتحدة الزالــت قادرة على‬ ‫الحجــج الكافيــة‪ ،‬ألن الواليــات ُ‬ ‫ُ‬ ‫وســعة العلــوم االجتماعيــة بمختلــف ميادينهــا وحقولهــا‬
‫العا َلــم مــا َبعــد «كوفيــد ‪« ،»19 -‬فأســلحتها الزالــت‬ ‫َ‬ ‫ـادة‬ ‫قيـ‬ ‫التخصصيــة‪ ،‬ألنــه تعــذر علــى أصحابهــا التمييــز بيــن‬
‫هنــا واآلن‪ ،‬لــم تصــدأ‪ ،‬وذخيرتهــا لــم تســتنفد‪ ،‬وعظامهــا‬ ‫الجا ِئحــة بنفــس أدوات‬
‫خصوصيــات الخطابــات‪ ،‬متناوليــن َ‬
‫لــم تتهشــم‪ ،‬وأنيابهــا لــم تتكســر‪ ،‬رغــم الطابــع التســونامي‬ ‫البحــث والتحليــل‪ ،‬أو ُقــلْ ‪ :‬لــم يحســنوا توظيفهــا ّ‬
‫جيــداً‪،‬‬
‫المؤشــرات‪،‬‬ ‫للجا ِئحــة» ‪ .‬وهــذا مــا تؤكِّ ــده مجموعــة مــن ُ‬ ‫والمعطيــات‬‫أي أنهــم اقتصــروا علــى التحليــات الســطحية ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫َ‬
‫المتعلِّقــة بالمجــال العســكري‪ ،‬أو االقتصــادي‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫ســواء‬ ‫المعطيــات كمــا يقــول‬‫المباشــرة‪ ،‬ونســوا أن أغلــب هــذه ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلعالمــي‪ ...‬بغــض النظــر عــن طبيعــة نظامهــا السياســي‬ ‫«كلــود ليفــي ســترواس»‪ :‬غالبــ ًا مــا تكــون إمــا خاطئــة أو‬
‫ـض‬‫ونخبهــا الحاكمــة فــي الزمــن الراهــن‪ ،‬وفيمــا يلــي بعـ ٌ‬ ‫مضللــة‪ .‬وخاصــة حينمــا يرتبــط األمــر بالقــدرة التحويليــة‬
‫المؤشــرات الدالــة(‪:)5‬‬
‫مــن هــذه ُ‬ ‫ـم االنتصــار ألطروحــة علــى حســاب أخــرى‪.‬‬ ‫للجوا ِئــح‪ ،‬ويتـ ُّ‬
‫َ‬
‫مــن الناحيــة االقتصاديــة‪ ،‬ال يتجــاوز الناتــج الداخلــي‪-‬‬ ‫ؤرخيــن يختلفــون جــد ًا فــي‬ ‫الم ِّ‬
‫وفــي الحقيقــة حتــى ُ‬
‫الخــام الصينــي‪ ،‬الــذي يبلــغ (‪ )14217‬مليــار دوالر‪ ،‬نســبة‬ ‫للجوا ِئــح‪ ،‬فــإن كان الصف األول‬ ‫مســألة القــدرة التحويليــة َ‬
‫‪ 66‬فــي المئــة مــن الناتــج الداخلي‪-‬الخــام األميركــي الــذي‬ ‫المجتمعــات‬ ‫الجوا ِئــح علــى تغييــر طبيعــة ُ‬ ‫يعتقــد بقــدرة َ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪22‬‬
‫لعالَــم مــا َبعــد «كوفيــد ‪ ،»19 -‬ســواء‬ ‫الســيناريوهات َ‬ ‫يبلــغ (‪ )21345‬مليــار دوالر‪.‬‬
‫العا َلــم بعــد‬
‫بشــرت بــأن َ‬ ‫الســيناريوهات التفاؤليــة‪ ،‬التــي َّ‬ ‫مــن الناحيــة العســكرية‪ ،‬فأميــركا تتوفَّــر علــى قواعــد‬
‫الجا ِئحــة ســيكون أكثــر ديموقراطيــة؛ أي ذاك َ‬
‫العا َلــم‬ ‫هــذه َ‬ ‫العا َلــم‪ ،‬بينمــا ال تتو َّفــر الصيــن‬ ‫عســكرية فــي معظــم دول َ‬
‫الــذي ســينتهي فيــه البــؤس والجــوع والحــرب‪ ،‬وستســود‬ ‫ّإل علــى قاعــدة واحــدة بجيبوتــي‪.‬‬
‫فيــه العدالــة والرفــاه االجتماعــي‪ .‬أو تلــك الســيناريوهات‬ ‫مــن الناحيــة الماليــة‪ ،‬فالــدوالر مــا يــزال ومنــذ اتفاقيات‬
‫العالَم ســيصبح أكثر‬ ‫«بروتــن وودس ‪ »Bretton Woods‬ســنة ‪ ،1944‬العملــة‬
‫التشــاؤمية الســوداوية‪ ،‬التي تظن أن َ‬
‫المواطنين إلى‬ ‫االحتياطية األساســية في التــداول النقدي العالمي‪ .‬ويكفي‬
‫ـركات ُ‬ ‫ديكتاتوريــة‪ ،‬باتســاع مجال مراقبة تحـ ُّ‬
‫درجة إحصاء أنفاســهم في المجال العمومي والخصوصي‬ ‫للتدليــل علــى قوته‪ ،‬أن نشــير إلــى أن الصين تقتنــي البترول‬
‫اإليرانــي بالــدوالر‪ ،‬رغــم أنهمــا خصمــان لــدودان للواليــات‬
‫عبــر تقنيــات تكنولوجيــة عاليــة الجــودة والدقــة‪.‬‬
‫المتحدة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ـور خالــد شــهبار‪ ،‬الــذي‬ ‫وفــي مقابــل ذلــك عرضنــا تصـ ُّ‬ ‫مــن الناحيــة التكنولوجيــة‪ ،‬وباإلضافــة إلــى أن أميــركا‬
‫ـاء علــى‬
‫ـور الواقعــي‪ ،‬الــذي ينتصــر بنـ ً‬ ‫يمكــن وصفــه بالتصـ ُّ‬ ‫وتهــدد خصومهــا‬ ‫ِّ‬ ‫الزالــت تســيطر علــى نظــام الســويفت‬
‫ُحجــج قويــة ســبق عرضهــا ّإل أن عا َلــم مــا َبعــد «كوفيــد ‪-‬‬ ‫محــرك البحــث «غوغــل‬ ‫بحرمانهــم مــن خدماتــه‪ ،‬فــإن‬
‫ِّ‬
‫‪ »19‬ســيبقى كمــا كان مــن قبــل‪ ،‬ســواء علــى مســتوى المــد‬ ‫‪ ،»Google‬مــازال متفوقـ ًا بشــكلٍ كبير على «بايدو ‪»Baidu‬‬
‫العولمــي أو علــى مســتوى العالقــات الدوليــة والتوازنــات‬ ‫الصينــي‪ ،‬وموقع التجــارة اإللكترونية «أمازون ‪،»Amazon‬‬
‫الجيو‪-‬استراتيجية‪ ،‬أو التقسيم الدولي للعمل أو العالقات‬ ‫مــازال متفوقـ ًا علــى نظيــره «علــي بابــا ‪ ،»Ali baba‬ومنصــة‬
‫االجتماعيــة بيــن الجنســين‪ ،‬أو الوعــي اإليكولوجــي‪ ،‬أو‬ ‫التواصــل االجتماعــي «فيســبوك ‪ »Facebook‬التــي يصــل‬
‫السياســات العموميــة‪ ،‬أو أنظمــة الحكــم والحكامــة‪ ،‬أو‬ ‫عــدد مســتخدميها كل شــهر إلــى ‪ 5.8‬مليــار مازالت متفوقة‬
‫عالقات القوة االجتماعية‪ ،‬أو آليات توزيع الثروة والســلطة‬ ‫علــى نظيرتهــا الصينية «تينســنت ‪ »Tencent‬التي ال يتجاوز‬
‫ـدة اعتبارات‬ ‫والرأســمال الثقافــي والرمــزي‪ .‬وذلك راجع لعـ ّ‬ ‫مســتخدموها ‪ 4.2‬مليــار مســتخدم‪ ،‬كلهــم صينيــون‪.‬‬
‫ؤشــرات تؤكِّ د أن النخب النيوليبرالية الحاكمة‬ ‫الم ّ‬‫منها‪ :‬كلُّ ُ‬ ‫فــي مجــال القــوة الناعمــة (‪ ،)Soft Power‬يكفــي أن‬
‫وفيــة لعقيدتهــا‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫الزال‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الحديث‬ ‫ـدول‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫كل‬ ‫ـرق‬ ‫والتــي تختـ‬ ‫العالَميــة للجامعــات تمنــح‬ ‫نذكــر هنــا بــأن كل التصنيفــات َ‬
‫ّ‬
‫االقتصاديــة ولقناعاتهــا اإليديوسياســية مــن جهــة‪ ،‬وأن‬ ‫الصــدارة للجامعــات األميركيــة التــي اســتقبلت ‪ 1.1‬مليــون‬
‫األحزاب اليســارية والشــيوعية التي تملك مشروع ًا مناهض ًا‬ ‫طالــب أجنبــي خــال الســنة الجامعيــة ‪ ،2019/2018‬ثلثهم‬
‫ـداً‪ .‬وبلغة‬ ‫صينيــون (‪ 370000‬طالــب)‪ ،‬مــن بينهــم حفيــدة الرئيــس‬
‫للرأســمالية الزالــت كتلتهــا االنتخابيــة ضعيفة جـ ّ‬
‫أخــرى‪« ،‬تظل القوى السياســية واالجتماعيــة واإليكولوجية‬ ‫الصينــي «شــي جــي بينــغ» التــي قضــت أربــع ســنوات (مــا‬
‫بيــن ‪ 2010‬و‪ )2014‬فــي جامعــة «هارفــارد»‪ .‬وعلــى غــرار‬
‫المناهضة للمشــروع النيوليبرالي غير قادرة على اســتغالل‬ ‫ُ‬ ‫المختبــرات وفــرق البحث‬ ‫ؤسســات الجامعيــة‪ ،‬مازالــت ُ‬ ‫الم َّ‬ ‫ُ‬
‫لصنــع عا َلــم أفضــل‪ ،‬وذلــك بســبب‬ ‫ُ‬ ‫‪»19‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫«كوفي‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫لحظ‬
‫األميركية تســيل لعاب أفضل الكفــاءات والخبرات العلمية‬
‫ضعــف امتدادها الشــعبي‪ ،‬وعجزها عن الفعــل والتأثير في‬
‫أمــا الصيــن فهــي تعجــز حتــى عــن اســتقطاب‬ ‫العالَميــة‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫المجتمعــات»(‪ .)6‬محمــد الدحاني‬ ‫مجــرى ومســرى تاريخ ُ‬ ‫الكفــاءات األميركيــة مــن أصــول صينيــة‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إعالميـاً‪ ،‬وعلــى خــاف القنــوات الصينيــة التــي ال يتجاوز‬
‫هوامش‪:‬‬
‫‪ - 1‬لقــد عــرض خالــد شــهبار مختلــف هــذه المواقــف بأدلتهــا وحجــج كل فريــق منهــا فــي‬ ‫تأثيرهــا الصيــن والصينيين‪ ،‬فالقنــاة األميركية (‪ )CNN‬تظل‬
‫الفصــل األول مــن كتابــه عا َلــم مــا َبعــد «كوفيــد ‪ ،»19 -‬فــي مــا يلــي توثيقــه‪:‬‬ ‫العا َلــم‪ ،‬حيــث‬‫مــن أكثــر القنــوات انتشــار ًا ومشــاهدة فــي َ‬
‫‪ -‬خالــد شــهبار‪ ،‬عا َلــم مــا َبعــد «كوفيــد ‪ :»19 -‬الحمــل الــكاذب‪ ،‬تقديــم عبدالملــك ورد‪،‬‬
‫ا عن‬ ‫يصــل إرســال برامجهــا إلــى أكثــر مــن ‪ 212‬دولــة‪ ،‬فضـ ً‬
‫مطابــع (الربــاط نــت) ‪ -‬الربــاط‪ ،2020 ،‬ص‪.65 - 21‬‬
‫‪ - 2‬ياســين اليحيــاوي‪ ،‬نحــو نظــامٍ دولــي ثنائي القطــب أميركي‪ -‬صيني؟ مجلة استشــراف‪،‬‬ ‫العالَمــي الــذي جعلهــا إحدى أهــم أدوات‬ ‫إشــعاع هوليــوود َ‬
‫العدد (‪( )2‬أغسطس‪/‬آب ‪ ،)2017‬ص‪.296 - 291‬‬ ‫أمركَ ــة‬
‫َ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـوة‬ ‫ـ‬ ‫بق‬ ‫ـاهم‬ ‫ـ‬ ‫تس‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫األميركي‬ ‫القــوة الناعمــة‬
‫‪ - 3‬علــي الجربــاوي‪ ،‬الــرؤى االســتراتيجية لثالثــي القطبيــة الدوليــة‪ :‬تحليــل المضمــون‪،‬‬
‫العا َلــم عبــر تســويق القيــم والثقافــة األميركيــة‪.‬‬ ‫َ‬
‫مجلــة سياســات عربيــة‪ ،‬العــدد ‪( 31‬مــارس‪/‬آذار ‪ ،)2018‬ص‪.22 - 7‬‬
‫‪ - 4‬خالد شهبار‪ ،‬عالَم ما َبعد «كوفيد ‪ ،..»19 -‬ص‪.121‬‬ ‫ـاء علــى هــذه االعتبــارات وأخرى‪ ،‬يخلص خالد شــهبار‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫بن‬
‫‪ - 5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45 - 39‬‬ ‫يغيــر شــيئ ًا فــي عالقــات القــوى‬ ‫إلــى أن «كوفيــد ‪ »19 -‬لــن ِّ‬
‫‪ - 6‬خالد شهبار‪ ،‬عالَم ما َبعد «كوفيد ‪ ،»19 -‬ص‪.113‬‬
‫يســرع مــن تراجــع النفــوذ األميركــي‪ ،‬أو‬ ‫ِّ‬ ‫الدوليــة‪ ،‬ولــن‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪ -‬اليحيــاوي ياســين‪ ،‬نحــو نظــامٍ دولــي ثنائــي القطــب أميركــي‪ -‬صينــي؟ مجلة استشــراف‪،‬‬ ‫يســاهم فــي تــآكل ونضــوب المــوارد التــي تغذيــه وتعيــد‬
‫العدد (‪( )2‬أغســطس‪/‬آب ‪.)2017‬‬ ‫إنتاجــه علــى األق ـلّ فــي الوقــت الراهــن‪.‬‬
‫‪ -‬الجربــاوي علــي‪ ،‬الــرؤى االســتراتيجية لثالثــي القطبيــة الدوليــة‪ :‬تحليــل المضمــون‪،‬‬ ‫المســاهمة رصــد أهــم‬ ‫عمومــاً‪ ،‬حاولنــا فــي هــذه ُ‬
‫مجلــة سياســات عربيــة‪ ،‬العــدد (‪( )31‬مــارس‪/‬آذار ‪.)2018‬‬
‫‪ -‬شــهبار خالــد‪ ،‬عا َلــم مــا َبعــد «كوفيــد ‪ :»19 -‬الحمــل الــكاذب‪ ،‬تقديــم عبدالملــك ورد‪،‬‬ ‫المنعطفــات اإلبســتمولوجية والمنهجيــة التــي عرفهــا‬ ‫ُ‬
‫مطابــع (الربــاط نــت) ‪ -‬الربــاط‪.2020 ،‬‬ ‫خطــاب كورونــا فــي العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬ومســاءلة أهــم‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪23‬‬
‫االقتصاد النسوي‬
‫ِّ‬
‫ومتعددة‬ ‫مقا َربة حديثة‬
‫ـاء االقتصـ ِ‬
‫ـاد عــن العالقــات بــن الجنســن‪ ،‬وال يــزال الكثــر منهــم كذلــك‪ .‬ولتصحيــح هــذا‬ ‫ـل علـ ُ‬ ‫لطاملــا غفـ َ‬
‫منطلقات مختلفة‪ .‬وميكننا‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـات والبحوث‪ ،‬ولكن من‬ ‫تضاعفت الدراسـ ُ‬
‫ْ‬ ‫االنحياز اإلشــكايل‬
‫التمييــز بــن ثالثــة تيــارات رئيســية‪.‬‬

‫ـز‬
‫نميـ َ‬
‫أن ّ‬‫فيمــا يتع َّلــق بــكلّ هــذه األســئلة‪ ،‬يمكننــا اليــوم ْ‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االقتصاد السياسـ ُّ‬
‫ُ‬ ‫ـدرس فيه‬ ‫الوقت الذي لم يـ ْ‬ ‫إنــه فــي‬
‫يتم‬
‫ُّ‬ ‫ـدري‪،‬‬‫بيــن ثالثــة فــروع تشــكِّ ل االقتصاد النســوي والجنـ‬ ‫ـر الــذي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫والح‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫المنزل‬ ‫َ‬
‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫العم‬ ‫ـي‪،‬‬‫ـ‬ ‫الماركس‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫بمــا فــي‬
‫تعريــف كل منهــا مــن خــال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ـتينيات‬ ‫النضاالت النســوية في السـ‬ ‫ِ‬ ‫أن‬
‫قدمتــه النســاء‪ ،‬نجــد ّ‬ ‫َّ‬
‫ـدد لهيمنة النســاء‪ - 2 .‬طريقة في التفكير‬ ‫‪ - 1‬تحليــل محـ ّ‬ ‫والســبعينيات أنتجــت تنظيــر ًا مكثفـ ًا للتفكيــر فــي مســاهمة‬
‫فــي التم ْفصــل بيــن هــذه الهيمنــة واالســتغالل الرأســمالي‪.‬‬ ‫المرأة في االقتصاد‪ .‬وإذا كانت العلوم االجتماعية ســرعان‬
‫لمحاربــة هيمنة الذكور‪.‬‬ ‫االقتصــاد‬
‫َ‬ ‫فــإن‬ ‫ِ‬
‫الموضوعــات‪،‬‬ ‫اســتحوذت علــى هــذه‬ ‫مــا‬
‫‪ - 3‬اســتراتيجية ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫السياســي لــم يهتــم‪ ،‬فعــاً‪ ،‬بهــذه المســألة حتــى نهايــة‬ ‫ّ‬
‫النسوية املادية‪ :‬األبويّة والنضال امل ُستقل‬ ‫التســعينيات‪ ،‬وبشــكلٍ رئيســي علــى الجانــب اآلخــر مــن‬
‫ـط األطلســي‪.‬‬ ‫المحيـ ِ‬ ‫ُ‬
‫ـوي» في‬ ‫المقاربة األولى لـ«االقتصاد النسـ ّ‬ ‫تطوير ُ‬
‫ُ‬ ‫تم‬
‫لقد َّ‬
‫ـبعينيات القــرن الماضــي مــن ِق َبــلِ ناشـ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ـاد النســوي والجنــدري يشــهد‬ ‫أن االقتصـ َ‬ ‫واليــوم‪ ،‬يبــدو َّ‬
‫ـطات منخرطــات‬ ‫سـ‬
‫ـوية‪.‬‬
‫ـح‪ ،‬على ســبيل المثال‪،‬‬ ‫ـور ًا حقيقيـ ًا فــي فرنســا‪،‬كما ي ّتضـ ُ‬ ‫تطـ ُّ‬
‫فيمــا ُيشــار إليــه عــاد ًة باســم «الموجــة الثانية» للنسـ ّ‬ ‫مــن خــال إصــدار مجلــة نظــرات متقاطعــة حــول االقتصاد‬
‫ـاد سياســي للنظــام األبــوي»‪ ،‬وهــو العنــوان‬ ‫إنــه «اقتصـ ٌ‬ ‫(‪ )Regards croisés sur l’économie‬ســنة ‪ 2014‬عــدد ًا‬
‫الفرعـ�ي لكتـ�اب عا ِلمـ�ة االجتماع «كريسـ�تين دلفـ�ي �‪Chris‬‬
‫بعنــوان «هــل نســتطيع القيــام باقتصــاد النــوع؟» وظهــور‬
‫وجمع مقاالتها‬ ‫َ‬ ‫ـر في عــام ‪،2013‬‬ ‫‪ »tine Delphy‬الــذي ُن ِشـ َ‬ ‫مخصصيــن للمســألة‪ ،‬ســنة ‪ ،2020‬همــا كتــاب‬ ‫َّ‬ ‫كتابيــن‬
‫المقاربــة ‪-‬‬ ‫ْ‬
‫ـميت هــذه ُ‬ ‫المكتوبــة منــذ عــام ‪ .1970‬ولقــد ُسـ ّ‬ ‫«هيليــن بيريفيــر ‪« »Hélène Périvier‬االقتصــاد النســوي‬
‫ِ‬
‫تطويرها بشــكلٍ أساســي مــن ق َبلِ علمــاء االجتماع‬ ‫ُ‬ ‫ـم‬
‫التــي تـ َّ‬ ‫ ‪ ،»L’économie féministe -‬وكتــاب «غيوم فاليت �‪Guil‬‬
‫(«كريستين ديلفي ‪« ،»Christine Delphy‬كوليت غيومين‬ ‫‪« ،»laume Vallet‬اقتصــاد سياســي للنــوع ‪Économie -‬‬
‫‪« ،»Colette Guillaumin‬نيكــول كلــود ماتيــو ‪Nicole-‬‬ ‫يدعــي أنــه‬ ‫ـاد الــذي ّ‬ ‫‪ .»politique du genre‬يضــع االقتصـ ُ‬
‫‪ ،»Claude Mathieu‬مــن بيــن آخريــن) «النســوية المادية‬ ‫أي أنه يقترح‬ ‫نفســه بشــكلٍ‬
‫نهج معياري‪ْ ،‬‬ ‫صريح في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ـوي َ‬ ‫نسـ ٌّ‬ ‫ْ‬
‫(الفرنسية)»‪.‬‬ ‫المســاواة‬ ‫ـدم‬ ‫ـ‬ ‫لع‬ ‫دة‬ ‫ـد‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫تع‬ ‫الم‬ ‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫األبع‬ ‫ـار‬‫ـ‬ ‫االعتب‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـذ‬‫ـ‬ ‫يأخ‬ ‫أن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫تؤكِّ ــد «النســوية الماديــة» معارضتهــا للماركســية‪ ،‬مــع‬ ‫بيــن الرجــال والنســاء واألقليــات الجندريــة فــي التحليــل‬
‫المادية‪ ،‬وكذلك بمفهوم نمط اإلنتاج‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫قاربة‬ ‫بالم‬
‫احتفاظهــا ُ‬ ‫والتفكيــر فــي اســتراتيجيات القضــاء علــى هــذه التفاوتــات‪.‬‬
‫المقاربــة‪ ،‬مــن الناحيــة النظريــة‪ ،‬هيمنــةَ‬ ‫و َتعتبــر هــذه ُ‬ ‫تخصصــ ًا يحلّــل إنتــاج‬ ‫ُّ‬ ‫علــم االقتصــاد‪ ،‬باعتبــاره‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫المنزلي (أو‬ ‫ِ‬
‫ال للنســاء في إطار نمط اإلنتــاج‬ ‫الذكــور اســتغال ً‬ ‫دراســة ماديــة للقضايــا‬ ‫ٍ‬ ‫الثــروة وتوزيعهــا‪ ،‬ينطــوي علــى‬
‫ّ‬
‫ـط اإلنتاج الرأســمالي‪،‬‬ ‫األبــوي) الــذي يوجــد بالتوازي مع نمـ ِ‬ ‫المتعلِّقــة بالتمايــز االجتماعــي بيــن الجنســين‪ .‬وباعتبــاره‬ ‫ُ‬
‫ـر‪ ،‬وعلى‬ ‫أنثوي حـ ّ‬
‫ٍّ‬ ‫ـس الوقت على عمــلٍ‬ ‫والــذي يقــوم فــي نفـ ِ‬ ‫ا للرأســمالية‪ ،‬فإنــه يثيــر مســألة العالقــة بيــن نظــام‬ ‫تحليـ ً‬
‫نقــلٍ غيــر متكافــئ لــإرث مــن خالل الميـ ِ‬
‫ـراث‪.‬‬ ‫ـاء واألقليــات الجندريــة‪،‬‬ ‫الهيمنــة الــذي تعانــي منــه النسـ ُ‬
‫تعايــش نمــط اإلنتــاج هــذَ ا مــع الرأســمالية يعنــي‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬ ‫واالســتغاللِ الرأســمالي‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪24‬‬
‫ــج بعــض مســاهمات‬ ‫اإلنتــاج االجتماعــي»‪ ،‬والتــي ُت ْد ِم ُ‬ ‫النســاء ضحايــا اســتغاللٍ مــزدوج‪ :‬مــن ِق َبــلِ الرجــال‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫المســتقلة‪ ،‬ولكنهــا تضعهــا فــي إطــا ٍر‬ ‫النســوية الماديــة ُ‬ ‫ِ‬
‫جانــب‬ ‫ٍ‬
‫فــي الســياق المحلــي‪ ،‬مــن ناحيــة أولــى‪ ،‬ومــن‬
‫نظــري وسياســي ماركســي وثــوري‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ـام التأجير‪.‬‬
‫ـة ثانيــة‪ ،‬في عالقــة بنظـ ِ‬ ‫الرأســماليين‪ ،‬مــن ناحيـ ٍ‬
‫وهــي نظريــة تســتند أساسـ ًا إلــى قــراءة نقديــة لـ«إنجلــز‬ ‫الموقــف يختلــف عــن موقــف «إنجلــز ‪»Engels‬‬ ‫ُ‬ ‫هــذا‬
‫‪ »Engels‬و«ماركس ‪ ،»Marx‬واالهتمام بمســألة استغالل‬ ‫فــي كتابــه «أصــل األســرة والملكيــة الخاصــة والدولــة‬
‫ِ‬
‫ـاهمات ال ّنســويات‬ ‫المرأة تحديداً‪ ،‬وتأخذ بعين االعتبار مسـ‬ ‫‪L’Origine de la famille, de la propriété privée‬‬
‫فــي منظَّ مــة المــرأة االشــتراكية الدوليــة (‪( )ISF‬ومــن بينهن‬ ‫‪ »et de l’État‬عــام (‪ ،)1884‬حيــث اعتبــر أن «الرجــل هــو‬
‫«كالرا زيتكي ن ‪ ،»Clara Zetkin‬و«ألكســندرا كولونتاي �‪Al‬‬ ‫البرجــوازي فــي األســرة؛ وتلعــب المــرأ ُة دور البروليتاريــا»‪،‬‬
‫‪ ،»exandra Kollontaïï‬و«روزا لوكســمبورغ �‪Rosa Lux‬‬ ‫ـن الــذي اســتفاد من االســتغالل‪ ،‬أخيــراً‪ ،‬داخل األســرة‬ ‫ولكـ َّ‬
‫‪.)»emburg‬‬ ‫هــم الرأســماليون وليــس الرجــال‪.‬‬
‫تهــدف نظريــة «إعــادة اإلنتــاج االجتماعــي» إلــى تطويــر‬ ‫أن اإلطاحــة‬ ‫لذلــك‪ ،‬بينمــا تــرى الماركســية التقليديــة َّ‬
‫ـترك لإلنتــاج الرأســمالي ومــا تســميه «إعــادة‬ ‫تحليــلٍ مشـ ٍ‬ ‫ـمالية سـ ُتنهي هيمنــة الذكــور‪ ،‬ترى النســوية المادية‬ ‫ِ‬ ‫بالرأسـ‬
‫أي كل مــا يتع َّلــق بظــروف تراكــم رأس المــال‪.‬‬ ‫اإلنتــاج»‪ْ ،‬‬ ‫أنــه ال توجــد صلــةٌ منطقيــة بيــن االثنتيــن‪.‬‬
‫إذن بــكلِّ العمل المطلوب‬ ‫اإلنتاج»‬ ‫ـادة‬ ‫ـ‬ ‫«إع‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫عم‬ ‫يتع َّلــق‬ ‫ـم تنفيــذُ هــذه االســتراتيجية فــي منظَّ مـ ٍ‬
‫ـات مثــل‬ ‫ولقــد تـ َّ‬
‫ْ‬
‫لتصنيــع بضاعــة قوة العمل‪ ،‬الســلعة الوحيدة التي ال ُتن َتج‬ ‫«حركة تحرير المرأة» (‪ )MLF‬و«التجمع النسوي الدولي»‪،‬‬
‫ـبب‬‫ـروف الرأســمالية‪ .‬وهــذا هو السـ ُ‬ ‫بالضــرورة فــي ظــلِّ الظـ ِ‬ ‫وكانــت ســبب ًا فــي ظهــور حركــة «األجــر مقابــل األعمــال‬
‫أن بعــض منظــري «إعــادة اإلنتــاج االجتماعــي» مثــل‬ ‫فــي ّ‬ ‫فــإن‬
‫ّ‬ ‫المنزليــة» (‪ ،)Wages for Housework‬وبالتالــي‪،‬‬
‫يتحدثون عن «االقتصاد‬ ‫َّ‬ ‫«ســينزيا أروزا ‪»Cinzia Arruzza‬‬ ‫ٍ‬
‫مســتقلة للنســاء‬ ‫النســوية الماديــة تدافــع عــن منظّ ٍ‬
‫مــة‬
‫ـوة العمل»‪.‬‬ ‫مكملــة لتلــك الموجــودة علــى‬ ‫ـة ِّ‬ ‫مــن أجــل نضالهــن‪ ،‬منظّ مـ ٍ‬
‫السياســي لقـ ّ‬
‫فــإن نظريــة إعــادة اإلنتــاج االجتماعــي‬ ‫ّ‬ ‫وباختصــار‪،‬‬ ‫أســاس طبقــي‪ ،‬أو يمكــن أن تحــلَّ محلهــا‪.‬‬
‫ـات التــي‬‫تتضمــن‪ ،‬فــي دراســة التراكــم الرأســمالي‪ ،‬اآلليـ ِ‬ ‫َّ‬
‫ـام مــن خاللهــا علــى قــوة العمل‪ ،‬ســواء كانت‬ ‫ـ‬ ‫النظ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫يحص‬ ‫نظرية إعادة اإلنتاج االجتماعي‬
‫ُ‬
‫ـات قائمــةً علــى العمليــات البيولوجيــة (الحمــل)‬ ‫هــذه اآلليـ ُ‬ ‫ـمى نظريــة «إعــادة‬
‫ظهــر‪ ،‬فــي اآلونــة األخيــرة‪ ،‬مــا ُيسـ َّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪25‬‬
‫أو لــم تقــم عليهــا (العبوديــة)‪ ،‬وســواء كانــت موجــود ًة‬
‫فــي المنــزل أو لــم توجــد فيــه (الخدمــات االجتماعيــة أو‬
‫المخصخصــة)‪.‬‬ ‫ُ‬
‫عملهــن‬
‫ّ‬ ‫فــي‬ ‫ُهن‬‫ل‬ ‫اســتغال‬ ‫يتــم‬
‫ُّ‬ ‫النســاء‬
‫َ‬ ‫فــإن‬
‫َّ‬ ‫وبالتالــي‪،‬‬
‫اإلنتاجــي (تمامــ ًا مثــل البروليتارييــن الذكــور) والعمــلِ‬ ‫ِّ‬
‫ولكــن‪ ،‬فــي‬
‫ْ‬ ‫اإلنجابــي (أكثــر مــن البروليتارييــن الذكــور)‪.‬‬
‫كلتــا الحالتين‪ ،‬يســمح هذا االســتغاللُ بتراكــم رأس المال‪.‬‬
‫ولذلــك‪ ،‬تظــل مقاومــة الرأســمالية مركزيــةً وذات أولويــة‪،‬‬
‫المســاوا ِة‬
‫ـة بهــا كافيــةً لتحقيــق ُ‬ ‫حتــى لــو لــم تكــن اإلطاحـ ُ‬
‫آلي ـاً‪.‬‬
‫بيــن الرجــل والمــرأة‪ّ ،‬‬
‫بناء حديث (أواخر ســنة ‪ ،)2010‬وهي‬ ‫النظرية ذات ٍ‬‫ُ‬ ‫هذه‬
‫المنظِّ ريــن‪ ،‬وخاصــة الفالســفة («تيثــي‬ ‫ـد مــن ُ‬ ‫ـم العديـ َ‬‫تضـ ُّ‬
‫بهاتاشاريا ‪« »Tithi Bhattacharya‬سينزيا أروزا ‪Cinzia‬‬
‫‪« ،»Arruzza‬نانســي فريــزر ‪ ،»Nancy Fraser‬مــن بيــن‬
‫موحــد تمامـاً‪.‬‬
‫ـي غيــر َّ‬ ‫آخريــن)‪ ،‬حــول تقليـ ٍ‬
‫ـري وسياسـ ِّ‬ ‫ـد نظـ ّ‬
‫وإذا كانــت االســتراتيجية المطلوبــة تتمثــل فــي التنظّ ــم‬
‫ـإن نظريــة‬ ‫ـاس طبقــي فــي إطــار عالقــات اإلنتــاج‪ ،‬فـ َّ‬ ‫علــى أسـ ٍ‬
‫ـدد ســاحاتِ‬ ‫إعــادة اإلنتــاج االجتماعــي تؤكّ ــد أيضـ ًا علــى تعـ ُّ‬
‫األزمــات والنضال‪.‬‬

‫ُؤسسات النسويُّ‬
‫ِ‬ ‫اقتصا ُد امل‬
‫التأسيســي األخيــر لالقتصــاد‬
‫ِّ‬ ‫تطويــر الفــرع‬
‫ُ‬ ‫تــم‬
‫لقــد َّ‬
‫مختصيــن‪ .‬وهــو‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ال ّنســوي والجنــدري مــن ق َبــلِ اقتصادييــن‬
‫وعليــه‪ ،‬يلتحــق هــذا التقليــد باالقتصــاد السياســي الــذي‬ ‫ؤسســاتية»‪،‬‬ ‫«الم ّ‬
‫بالمقاربة «غير األرثدوكســية» أو ُ‬ ‫عرف ُ‬ ‫ما ُي َ‬
‫ينصــح الســلطة‪ ،‬ويعمــلُ علــى تطويــر الخبــرة فــي كيفيــة‬ ‫المقاربتين الســابقتين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫توحي‬ ‫أقل‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫تيار‬ ‫ل‬ ‫ـكِّ‬
‫ـ‬ ‫تش‬ ‫والتــي‬
‫ـة‪.‬‬‫ـمالية ممكنـ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ـل رأسـ‬‫تنظيــم الدولــة أفضـ َ‬ ‫االقتصاديــات األميركيــات («نانســي فولبــر‬ ‫ِ‬ ‫حيــث تجمــع‬
‫تطــور هــذا‬
‫ُّ‬ ‫أن‬
‫أن نالحــظ ّ‬ ‫المثيــر لالهتمــام أيضــ ًا ْ‬ ‫ومــن ُ‬ ‫‪ ،»Nancy Folbre‬و«جولــي نيلســون ‪،»Julie Nelson‬‬
‫«مأ َس َســة» ال ّنســوية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الفرع من االقتصاد يتوافق مع حركة َ‬ ‫ِ‬ ‫و«سـ�يلفي موريـ�ل ‪ ،»Sylvie Morel‬و«ويليــام والــر �‪Wil‬‬
‫ـب الدولــة مــن خــال مســألة التكافــؤ‪،‬‬ ‫أي دخولهــا إلــى قلـ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الفرنسيات‬ ‫‪ ،»liam Waller‬وغيرهن)‪ ،‬وفي اآلونة األخيرة‪،‬‬
‫ات‬ ‫مهم ِ‬
‫ّ‬ ‫الدولة‬
‫ُ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫إليه‬ ‫ض‬ ‫ُ‬ ‫تفو‬
‫ّ‬ ‫جمعيات‬ ‫حركة‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫تطوي‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫وكذل‬ ‫(«رتشال سيلفير ا ‪« ،»Rachel Silvera‬أن إيدو �‪Anne Ey‬‬
‫ـري‪.‬‬
‫ـة العامــة‪ ،‬مثــل مكافحــة الع ْنف األسـ ِّ‬ ‫الخدمـ ِ‬ ‫‪« ،»doux‬هيليــن بيريفيــار ‪« ،»Hélène Périvier‬غيلــوم‬
‫ـاث‬ ‫المقاربــات الثـ ِ‬ ‫ـدود بيــن ُ‬ ‫ـإن الحـ َ‬
‫وبطبيعــة الحــال‪ ،‬فـ َّ‬ ‫فاليــه ‪.)»Guillaume Vallet‬‬
‫أن األعمــال التــي توثــق‬ ‫ليســت محكَ مــة تمامـاً‪ ،‬مــن حيــث ّ‬ ‫عــد الجنســاني فــي دراســتها‬ ‫الب َ‬ ‫قاربــة ُ‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ــج هــذه ُ‬ ‫ُت ْد ِم ُ‬
‫ـب أو ذاك مــن جوانــب ســيطرة الذكــور مفيــد ًة‬ ‫هــذا الجانـ َ‬ ‫ســات االجتماعيــة‬ ‫ِ‬ ‫ؤس‬ ‫الم َّ‬
‫أي أنهــا تحلّــل ُ‬ ‫للرأســمالية‪ْ ،‬‬
‫دائم ـ ًا فــي كلّ التحليــات‪.‬‬ ‫واالقتصاديــة التــي تنظّ ــم وتحافــظ علــى هيمنــة الذكــور فــي‬
‫ـف النظريــة والسياسـ ّـية الكامنــة‬ ‫ـإن المواقـ َ‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فـ َّ‬ ‫أن نستشــهد‪ ،‬على ســبيلِ‬ ‫قلـ ِ‬
‫ـب النظــام االقتصــادي‪ .‬ويمكن ْ‬
‫وراء هــذه الفــروع الثالثــة متباعــد ٌة إلــى درجــة أنــه ال يــزال‬ ‫المثــال‪ ،‬بــدور نمــوذج الدولــة «االجتماعيــة» التــي تشــكِّ ل‪،‬‬
‫ـدها بشــكلٍ مشــترك للتفكيــر فــي نظــام‬ ‫ـب حشـ ُ‬ ‫الصعـ ِ‬
‫مــن ّ‬ ‫المرتبطــة‬
‫يضــع لهــا‬ ‫عمــلٍ‬ ‫(أنظمــة) الهيمنــة‪ ،‬أو حتــى اســتراتيجية‬ ‫مــن خــال الحمايــة القانونيــة واالجتماعيــة ُ‬
‫إلبعــاد النســاء عــن دائــرة‬ ‫ِ‬ ‫بمســألة الــزواج‪ ،‬حافــز ًا قويــ ًا‬
‫ـداً‪.‬‬ ‫للهيمنـ ِ‬
‫ـة حـ ّ‬ ‫اإلنتــاج الرأســمالي‪.‬‬
‫إيرين بيرثونيه(‪ ۹ )2‬ترجمة‪ :‬رضا األبيض‬ ‫قاربــة بأنهــا‬‫ُ َ‬ ‫الم‬ ‫هــذه‬ ‫وصــف‬ ‫يمكــن‬ ‫َ‬
‫لذلــك‪،‬‬ ‫ونتيجــة‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ليســت جــزء ًا مــن النضــال ضــد‬ ‫ْ‬ ‫إصالحيــة‪ ،‬بمعنــى أنهــا‬ ‫ّ‬
‫العنوان األصلي والمصدر‪:‬‬
‫‪Irène Berthonnet , L’économie féministe, une approche récente et plu-‬‬
‫ـإن‬
‫ـوي‪ ،‬فـ َّ‬
‫الرأســمالية‪ .‬إذ بالنســبة إلــى هــذا االقتصــاد النسـ ِّ‬
‫‪rielle‬‬ ‫ـص مــن هيمنــة الذكــور‪ ،‬ويمكــن‬ ‫أن تتخ ّلـ َ‬ ‫الرأســمالية يمكــن ْ‬
‫‪https://www.causecommune-larevue.fr/leconomie_feministe_une_ap-‬‬
‫‪proche_recente_et_plurielle‬‬
‫ـد السياســات العامــة‬ ‫«ترتيــب» عملهــا‪ ،‬يكفــي فقــط‪ ،‬تحديـ ُ‬
‫(‪ )2‬إيرين بيرثونيه أستاذة محاضرة في االقتصاد في جامعة باريس‪-‬ديدرو‪.‬‬ ‫المناســبة‪.‬‬ ‫والماليــة ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪26‬‬
‫بيئة‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪27‬‬


‫غريتا ثونربج‪:‬‬
‫أريدكم أن تشعروا بالذعر‬
‫إل أن دعواتهــا‪ ،‬التــي‬ ‫العا َلمــي الشــابة‪ .‬رغــم أنهــا ال تنتمــي للنخبــة ا ُ‬
‫ملثقَّفــة‪ّ ،‬‬ ‫«غريتــا ثونــرج»‪ ،‬أيقونــة املنــاخ َ‬
‫ال عميقـ ًا‪ :‬مــاذا لــو كان للذعــر فضائــل كالتحشــيد والتعبئــة؟‬ ‫أزعجــت الكثــر مــن النــاس‪ ،‬أصبحــت تثــر ســؤا ً‬

‫ـرة‬‫فــي «دافــوس»‪ ،‬فــي عــام ‪ ،2020‬اســتحضرت المشــهد مـ ّ‬ ‫فــي وقــت العشــاء‪ ،‬ينطلــق جــرس إنــذار الحريــق‪ .‬تخــرج‬
‫إن تقاعســكم عــن العمــل‬ ‫أخــرى‪« :‬منزلنــا ال يــزال مشــتعالً‪ّ .‬‬ ‫ألســنة‬
‫ُ‬ ‫علــى الفــور لتــدرك أن ســطح منزلــك قــد التهمتــه‬
‫يؤجــج اللهــب ســاعةً بســاعة»‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫النيــران‪ ،‬ورائحــة االحتــراق والدخان تقبض علــى أنفك‪ .‬لكن‪،‬‬
‫أدركــت «غريتــا ثونبــرج» «الحريــق» أثنــاء مشــاهدتها‬ ‫وكأن شــيئ ًا لــم يكــن‪ ،‬تعــود إلــى المنــزل لتكمــل عشــاءك‪.‬‬
‫فيلم ـ ًا وثائقي ـ ًا فــي الفصــل عــن «قــارة البالســتيك»‪ .‬نتيجــة‬ ‫لمشــاهدة فيلــم قبل‬ ‫ـت قــد خططت ُ‬ ‫بعــد كل شــيء‪ ،‬أنــت كنـ َ‬
‫ـزن عميق‪،‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬فــي الحاديــة عشــرة مــن عمرهــا‪ ،‬انتابها حـ ٌ‬ ‫الذهــاب إلــى الســرير‪ .‬فــي مــارس‪/‬آذار ‪ ،2020‬وأمــام أعضــاء‬
‫ـم تشــخيصها‬ ‫وصمتــت عــن الــكالم‪ ،‬وتوقفــت عــن األكل‪ .‬تـ َّ‬ ‫البرلمــان األوروبــي الذيــن وصفــت لهــم «غريتــا ثونبــرج» هذا‬
‫التوحــد‪ ،‬وهذا‬
‫ُّ‬ ‫بـ«متالزمــة أســبرجر»‪ ،‬وهي شــكلٌ من أشــكال‬ ‫المشــهد‪ ،‬قالــت األخيــرة‪« :‬أنــا آســفة‪ ،‬لكن هــذا ال معنى له»‪.‬‬
‫مــا يفســر ذاكرتهــا االســتثنائية‪ ،‬وقدرتهــا علــى اســتحضار‬ ‫الناشــطة الســويدية الشــابة المولــودة عــام ‪ 2003‬تفضــل أن‬
‫كومــة الوثائــق التــي تراجعهــا‪ .‬فــي عينيهــا صــور ألطنــان مــن‬ ‫اإلبــان‪:‬‬
‫يتحركــوا فــي ّ‬
‫َّ‬ ‫يشــعر سـكّان هــذا المنــزل بالذعــر‪ .‬وأن‬
‫النفايــات تطفــو علــى المــاء أو للدببــة القطبيــة المحرومــة‬ ‫اتصلــوا بقســم اإلطفــاء‪ ،‬ســارعوا بإخمــاد الحريــق‪ .‬منــذ‬
‫حولــت عائلتهــا إلــى نباتيــة‬‫مــن الجليــد‪ .‬الشــابة الســويدية َّ‬ ‫ـررت الناشــطة فــي المنــاخ االســتعارة‬ ‫خطاباتهــا األولــى‪ ،‬كـ ّ‬
‫وأقنعتهــم بعــدم اســتخدام الطائــرة فــي تنقالتهــم ‪ -‬والدتهــا‬ ‫الشــيراكية «البيــت المحتــرق»‪ ،‬للتأكيــد علــى عبثيــة االفتقــار‬
‫مغنيــة أوبــرا‪ ،‬ووالدهــا ممثل ومخرج‪ ،‬وإقناعهــم ليس باألمر‬ ‫المتفاقمة‪.‬‬ ‫إلــى العمل السياســي فــي مواجهــة كارثة المنــاخ ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪28‬‬
‫«لقــد ســرقتم أحالمــي وطفولتــي بكلماتكــم الفارغــة‪ .‬النــاس‬ ‫بمناســبة عيــد ميالدهــا‬ ‫الهيــن‪ .‬فــي ‪ 20‬أغســطس‪/‬آب ‪ُ ،2018‬‬ ‫ّ‬
‫يعانــون ويموتــون‪ .‬األنظمــة البيئيــة بأكملها تنهــار‪ ،‬ونحن في‬ ‫الخامــس عشــر‪ ،‬جلســت بمفردهــا أمــام البرلمــان الســويدي‬
‫ـدث عنــه‬ ‫بدايــة االنقــراض الجماعــي وكل مــا يمكنكــم التحـ ُّ‬ ‫ورفعــت الفتــة كانــت تأخذهــا معهــا إلــى كلِّ مــكان‪ .‬وكتبــت‬
‫هــو المــال والقصــص الخياليــة للنمــو االقتصــادي األبــدي‪.‬‬ ‫عليهــا بأحــرف ســوداء علــى خلفيــة بيضــاء‪Skolstrejk« :‬‬
‫تختــار «غريتــا ثونبــرج» كلمات بســيطة بصيغ إيقاعيــة مؤثّرة‪.‬‬ ‫‪«( »för klimatet‬إضــراب مدرســي مــن أجــل المنــاخ»)‪ .‬بعد‬
‫ـن «لورانــس برترانــد دورليــاك» «معركتهــا‬ ‫ـؤرخ الفـ ّ‬ ‫يقــول مـ ِّ‬ ‫المســتدير‬‫المراهقــة ذات الوجه ُ‬ ‫ـررت ُ‬
‫صيــف مــن الجفــاف‪ ،‬قـ َّ‬
‫خصــص لهــا للتــو كتابـ ًا بعنــوان («دب‬ ‫بــدأت بالصــور»‪ ،‬وقــد ّ‬ ‫والمحــاط بضفيرتيــن طويلتين‪ ،‬عــدم العودة إلى‬ ‫والطفولــي‪ُ ،‬‬
‫فــي الــرأس»)‪ .‬كل ذلــك مــع إحســاس مذهــل وحضــور ركحي‬ ‫المدرســة‪ ،‬كمــا فعــل طــاب المــدارس الثانويــة األميركية في‬
‫مميــز‪ ،‬ورثتــه بــا شــك مــن عائلتهــا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مروعــة‬
‫باركالنــد (فلوريــدا) قبــل بضعــة أشــهر‪ ،‬بعــد مذبحــة ِّ‬
‫مثــل غيرهــا من الشــخصيات البيئية التي ســبقتها‪ ،‬تشــعر‬ ‫مؤسســتهم‪.‬‬
‫فــي ّ‬
‫ـم انتقــاد شــخصيتها وشــبابها‬ ‫«غريتــا ثونبــرج» بالغضــب‪ .‬تـ َّ‬ ‫ولئــن حظيــت «غريتــا ثونبرج» وحركتها «أيــام الجمعة من‬
‫التوحــد لديهــا‪ ،‬فــي مزيــج مــن التمييــز علــى‬ ‫ُّ‬ ‫واضطرابــات‬ ‫إعالمي واســع وناشــط الفت‪ ،‬فذلك‬ ‫أجل المســتقبل» بصدى‬
‫ٍّ‬
‫أســاس الجنــس‪ ،‬والتفرقــة العمريــة والشــرعية التــي يمكــن‬ ‫ألنهــا ظهــرت فــي ســياق غلبــت عليــه خيبــات األمــل‪« :‬لقــد‬
‫ـد الدعوة العامــة للقتل‪ .‬في فرنســا‪ ،‬هاجمها‬ ‫أن تصــل إلــى حـ ِّ‬ ‫بلغنــا مرحلــة أدركنــا فيهــا أن خطــاب «الخطــوات الصغيــرة»‬
‫المجردة‬ ‫المثقَّفون‪« :‬أالن فينكيلكراوت» يدين «االستدعاءات ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال يــدوم طويــاً‪ :‬لــم يتــم احتــرام اتفاقيــات باريــس لعــام‬
‫للخطــاب الطفولــي»‪ .‬ويصفهــا «باســكال بروكنــر»‪« ،‬دعايــة‬ ‫‪ ،2015‬والتــي لــم تكــن فــي مســتوى التحــدي بــأي حــال مــن‬
‫ـم إعــادة تنشــيط هــذه‬ ‫الطفولــة المناخيــة»‪ .‬هــذا فقــط! «يتـ ُّ‬ ‫تخصــص فــي النشــاط‬ ‫الم ّ‬‫األحــوال»‪ ،‬يتذكــر «لــوك ســيمال»‪ُ ،‬‬
‫االنتقــادات القديمــة عندمــا تحتــدم النقاشــات حــول األزمة‪،‬‬ ‫والمحاضــر فــي المتحــف الوطنــي للتاريــخ الطبيعي‪.‬‬ ‫البيئــي‪ُ ،‬‬
‫وضــرورة اتخــاذ القــرار‪ ،‬كمــا يع ّلــق «لــوك ســيمال»‪ .‬التنميــة‬ ‫فــي فرنســا‪ ،‬يتزايــد الوعــي مــع اســتقالة الوزيــر «نيكــوالس‬
‫المســتدامة توافقيــة‪ ،‬ولكــن بمجــرد أن تتســاءل عــن أســلوب‬ ‫ُ‬ ‫هولــو» فــي أغســطس‪/‬آب ‪ .2018‬وبعــد مــرور عــام‪ ،‬نجحــت‬
‫حياتــك‪ ،‬فهــذا شــيء آخــر‪ .‬فكرتهــا بحظــر الســفر بالطائــرة‬ ‫الشــابة فــي التعريــف بأزمــة المنــاخ بزيارتهــا ألكثــر مــن ‪150‬‬
‫هــي التــي أثــارت هــذه الموجــة مــن االســتنكار‪.‬‬ ‫دولــة‪ .‬أصبحــت «غريتــا ثونبــرج»‪ ،‬التــي تعافــت مــن االكتئاب‬
‫ت «غريتا‬ ‫َََ ْ‬‫ر‬ ‫ب‬‫ع‬ ‫ـورك‪،‬‬ ‫لحضــور قمــة المنــاخ العالمية في نيويـ‬
‫المحيــط األطلســي فــي مركــب شــراعي خــالٍ مــن‬
‫لمعاناتهم‬ ‫بفضــل نشــاطها البيئــي‪ ،‬أيقونة هذا الجيل‪ ،‬ورمــز ًا ُ‬
‫ثونبــرج» ُ‬ ‫المناخية‪.‬‬
‫الكربــون‪ .‬وللوصــول إلــى «دافــوس»‪ ،‬اســتغرقت ‪ 32‬ســاعة‬ ‫فــي وقـ ٍ‬
‫تحدث الفيلســوف األلماني‬ ‫ـت مب ِّكر من عام ‪ّ ،1979‬‬
‫بالقطــار واســتنكرت عنــد وصولهــا وجــود ‪ 1500‬طائــرة خاصة‬
‫«هانــز جونــاس» ‪-‬بالفعــل‪ ،‬فــي مســألة وجود الكوكــب‪ -‬وعن‬
‫لمناقشــة مشــكلة المنــاخ‪ .‬في بلدان الشــمال‪،‬‬ ‫أتــى أصحابهــا ُ‬ ‫«الخــوف كعنصــر مســاعد للكشــف»‪ :‬هــذا هــو مــا يدفعنا إلى‬
‫هنــاك شــعور متزايــد بالعــار مــن الســفر بالطائــرة (عبــارة‬
‫اغتنــام المشــكلة وإيجــاد الحلــول‪ .‬لــم تقــل «غريتــا ثونبــرج»‬
‫«‪ »flygskam‬باللّغــة الســويدية أصبحــت متداولــة مؤخــراً)‪.‬‬
‫واختتمــت الصحافــة تقاريرهــا بـ«تأثيــر غريتــا ثونبــرج»‪.‬‬
‫المجتمعيــن‬ ‫وجهــت اللــوم إلــى القــادة ُ‬ ‫شــيئ ًا آخــر عندمــا ّ‬
‫فــي قمــة «دافــوس» ‪« :2019‬ال أريدكــم أن تأملــوا‪ .‬أريدكــم‬
‫اليــوم‪« ،‬غريتــا» التــي لــم تعــد طفلــة‪ ،‬ال تكتفــي بالتذكيــر‬
‫أن تشــعروا بالذعــر‪ .‬أريدكــم أن تشــعروا بالخــوف الــذي‬
‫أن المنــزل يحتــرق‪« :‬فــي البدايــة‪ ،‬قالــت إنــه يجــب علينــا‬
‫ـراء مناســباً»‪« .‬لوك ســيمال»‬ ‫أشــعر بــه كل يــوم وتتخــذوا إجـ ً‬
‫االســتماع إلــى رأي العلمــاء‪ ،‬وكأن هــذا النضــال يتجــاوز‬
‫متحدثـ ًا عــن فيلســوف ألمانــي آخــر‪« ،‬غونتر أنــدرس»‪ ،‬الزوج‬
‫ـورت إلــى نقــد‬ ‫ـم تطـ َّ‬
‫االنقســامات السياســية واالجتماعيــة‪ .‬ثـ َّ‬ ‫األول لـ«هانــا أرنــدت»‪ ،‬الــذي وصــف نفســه بـــ«زارع الذعــر»‪:‬‬
‫النظــام الرأســمالي»‪ ،‬يشــرح «ماكســيم جابوريــت»‪ ،‬طالــب‬
‫«بالنســبة لــه‪ ،‬كان التهديد النووي كبير ًا جــد ًا أن أدرك الناس‬
‫دكتــوراه فــي العلوم السياســية‪ ،‬ومشــارك في حركــة المناخ‪.‬‬
‫ا جماعي ـ ًا‬ ‫فــي هــذا الخريــف‪ ،‬ســتقود «غريتــا ثونبــرج» عم ـ ً‬ ‫األهميــة الالزمة‬
‫ّ‬ ‫خطورتــه‪ ،‬ولذلــك كان مــن الضــروري إعطــاء‬
‫تغيــر المنــاخ مــن إصــدار «‪ ،»Penguin‬ســاهم فيــه‬ ‫علــى هــذا الواقــع المناخي‪« :‬واجهــوا الخــوف»‪ .‬الذعر طريقة‬
‫حــول ُّ‬ ‫لمواجهــة أزمة المنــاخ وإيجاد الحلول بشــكلٍ‬
‫كلٌّ مــن «طومــا بيكيتــي» و«مارغريــت آتــوود» و«ناعومــي‬ ‫وممــر أساســي ُ‬
‫كاليــن»‪ .‬وقالــت الناشــطة لصحيفــة «الغارديــان»‪ ،‬علــى وجه‬ ‫المقابــل‪ ،‬كانــت «ثونبــرج» «تــزرع الخــوف»‪،‬‬ ‫جماعــي‪ .‬فــي ُ‬
‫الخصــوص‪ ،‬ســيكون األمــر متعلِّقـ ًا باألمــل‪« :‬وهــذا شــيء ال‬ ‫فــي خطــوة ســاعدت علــى نشــر الوعــي بالكارثــة‪ ،‬ضمــن تيــار‬
‫أحــد يمنحــه لــك‪ ،‬يجــب أن تنتزعــه بنفســك‪ ،‬وأن تصنعــه‪.‬‬ ‫اإليكولوجيــا السياســية التــي كانــت مقتصرة في الســابق على‬
‫وهــذا دليــل علــى أن الذعــر ال يــؤدي بالضــرورة إلــى اليــأس‪.‬‬ ‫المؤشــرات التنازلية‪.‬‬
‫الناشــطة أيض ـ ًا نجحــت أيض ـا فــي قلــب ترتيــب األجيــال‬
‫ً‬
‫إميلي بروز ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬مروى بن مسعود‬ ‫وتعليــم الكبــار درســاً‪« .‬كيــف تجــرؤون؟» فــي منبــر األمــم‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫المتحــدة‪ ،‬فــي ســبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،2019‬كانــت اللهجــة قويــة‬
‫‪ L’obs_Hors-Serie‬عدد (‪ )111‬يونيو‪/‬حزيران ‪.2022‬‬ ‫وقطعيــة‪ .‬الغضــب يفور من خديها‪ ،‬عيناها مليئتان بالدموع‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪29‬‬
‫برونو التور‬
‫عىل أي أرض سنحيا؟‬
‫«التاريــخ األريض صــار جــزءاً مــن التاريــخ اإلنســاين»‪ .‬فالنشـ ُ‬
‫ـاط البــري يؤثــر عــى البيئــة بكيفيــة أكــر رسعــة‬
‫ـت مــى‪ ،‬وهــذه البيئــة تؤثــر‪ ،‬بدورهــا‪ ،‬عــى رشوط وجــود الكائنــات الحية‪ .‬والســؤال‬ ‫وعمقـ ًا واســتدامة مــن أي وقـ ٍ‬
‫ملســتقبل مل يعــد يطــرح بألفــاظ الزمــن‪ ،‬بــل بألفــاظ املــكان‪ :‬عــى أي أرض ســنحيا؟ فــإذا‬ ‫ملتع ّلــق با ُ‬
‫األســايس ا ُ‬
‫مل يكــن هنــاك َمخـ َـرج مــا‪ ،‬فإنــه يقــع عــى عاتقنــا التفكــر يف الحــارض الهــش‪ .‬وينكــب برونــو التــور عــى هــذا‬
‫األمــر هنــا‪ ،‬واضعـ ًا املنــاخ يف قلــب حــرب (جيوسياســية ‪ )géopolitique‬عامليــة جاريــة‪ ،‬كثمــرة لـــ«رصاع طبقــات‬
‫جيواجتامعيــة» (‪.)géosociales‬‬

‫قبـاً‪ ،‬وإذن مــن كوننــا كنــا قادريــن على تغيير األمــر وإيجاد‬ ‫المســتقبل مصــدر قلــق بالنســبة‬
‫ســفين أورتولــي‪ :‬هــل ُ‬
‫ـول طــرأ‪ ،‬علــى ما أعتقــد‪ ،‬بين ســقوط االتحاد‬ ‫حلــول‪ .‬والتحـ ُّ‬ ‫إليكــم؟‬
‫الســوفياتي (‪ )1991‬وبدايــة العقــد األول مــن القــرن الحادي‬
‫والعشــرين‪ .‬ففــي اللحظــة التــي كان فيها باســتطاعتنا ومن‬
‫للمســتقبل‬ ‫‪ -‬برونــو التــور‪ :‬ســأقول‪ ،‬بدايــةً ‪ ،‬إن نظرتنــا ُ‬
‫ـور زمنــي إلــى آخــر‬ ‫تغيــرت جذريـاً‪ :‬لقــد انتقلنــا مــن تصـ ُّ‬ ‫قــد َّ‬
‫واجبنــا التفكيــر‪ ،‬فــإن كلّ المكابــح تعطلــت‪ .‬ولــم يعــد اآلن‬ ‫المســتقبل بــدون‬
‫الحد مــن األضرار‪ ،‬واالســتعداد لكارثة ال‬ ‫غير‬ ‫التقدمــي‪ ،‬كان ُ‬ ‫ُّ‬ ‫مكانــي‪ .‬ففــي التقليــد‬
‫ِّ‬ ‫فــي متناولنــا‪َ ،‬‬ ‫مــكان‪ .‬أمــا راهنـاً‪ ،‬فــكلّ اســتباق زمنــي ّإل وتصاحبــه واقعــة‬
‫فالمســتقبل موســوم بعودة لخطاب‬ ‫يمكــن تالفيهــا‪ .‬ولهذا‪ُ ،‬‬ ‫يتعيــن‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬تحديــد المــكان الــذي ســيكون لنــا فيــه‬ ‫أنــه‬
‫النهايــات‪ .‬وكمــا هــو الشــأن بالنســبة للقنبلــة الذريــة‪ ،‬لــم‬ ‫َّ‬
‫التقدم‬
‫ُّ‬ ‫يغير أفــكار‬
‫يغيــر األمــر برمته‪ ،‬كمــا ِّ‬ ‫مســتقبل‪ .‬وهــذا ِّ‬
‫المســتقبل‪ ،‬بقدر مــا يتعلَّق‬‫يعــد األمــر يتع َّلــق بالتفكيــر في ُ‬ ‫�اربونْيي ‪Pierre char� -‬‬ ‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ِير‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫«ب‬ ‫�رح‬‫ـ‬ ‫ويط‬ ‫�رر واألمـ�ل‪.‬‬ ‫والتحـ ُّ‬
‫ـدد‪ .‬واإلشــكال ال يكمــن إذن في‬ ‫الم َهـ َّ‬
‫بالتفكيــر فــي الحاضــر ُ‬ ‫والحرية ‪La Découverte -‬‬ ‫‪ »bonnier‬فــي كتابــه «الوفرة‬
‫ّ‬
‫االختيــار بيــن نزعــة تفاؤليــة وأخــرى تشــاؤمية‪ ،‬بــل فــي‬ ‫‪»Abondance et liberté‬ـ (‪ ،)2019‬هذا السؤال بالضبط‪:‬‬
‫اســتيعاب الوضعيــة الجديــدة‪ ،‬وعــدم فقــدان األمــل‪ ،‬دون‬ ‫مــا هــو المــكان الــذي ســنكون فيــه أحــراراً؟ وســبق لـ«بي ِتــر‬
‫إن شــمرنا عن ســواعدنا وتكاثفت‬ ‫الركــون إلــى اإليمــان بأننــا ْ‬ ‫يردايْك ‪ »Peter Sloterdijk -‬فــي ثُال ِثي ِتــه «دوائــر»‬ ‫ْســلو ِت ْ‬
‫جهودنــا نحــو هــدف واحــد‪ ،‬فإننــا ســنتخطى األزمــة‪ .‬وفــوق‬ ‫‪( Sphères‬التــي ُنشــرت بألمانيــا فــي ‪)2004 ،1999 ،1998‬‬
‫ذلــك ال يتع َّلــق األمــر بأزمــة‪ ،‬بــل بوضعية جديــدة باألحرى‪،‬‬ ‫أن أثــار ســؤال المكانيــة هــذا‪ ،‬دون أن ينشــغل مباشــر ًة‬
‫وهــذه الوضعيــة ال رجعــة فيهــا فــي جانـ ٍ‬
‫ـب كبيــر منهــا‪.‬‬ ‫باالحتبــاس الحــراري‪ :‬مــا هــي الشــروط الماديــة مــن أجــل‬
‫ون «وجوداً‪-‬هنا» ‪Dasein‬؟ ينبغي أن‬ ‫«الوجود‪-‬هنا»‪ ،‬أي ِل َنكُ َ‬
‫التغيــر المناخــي إذن هــو أيضـ ًا ســؤال وثيق الصلة‬
‫ُّ‬ ‫ســؤال‬ ‫نكــون قادريــن على التنفــس‪ ،‬والحصول على األوكســجين‪،‬‬
‫بجيل؟‬ ‫معينــة‪ ،،،‬إلــخ‪ .‬أيــن نعيــش‬ ‫واالســتفادة مــن درجــة حــرارة َّ‬
‫‪ -‬ليســت لــكلّ األجيــال المســؤولية نفســها فــي هــذه‬ ‫ومــع مــن؟ هــذا هــو الســؤال األساســي‪.‬‬
‫الوضعيــة‪ .‬ومــن هنــا هــذا القلــب لنظــام األجيــال‪ ،‬الــذي‬
‫جســدته «غريتــا ثونبيــرغ ‪( ،»Greta Thunberg -‬ناشــطة‬ ‫وهذا السؤال يرافقه خطاب النهايات‪...‬‬
‫ّ‬
‫بيئيــة ســويدية ُولدت ســنة ‪ ،)2003‬التي تذهلنــي‪ :‬إنها تقول‬ ‫المســتقبل‪ ،‬مــع مــا يســتتبعه‬ ‫التقدمــي‪ُ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬فــي التقليــد‬
‫ـرف‪:‬‬
‫للنــاس مــن جيلــي‪ ،‬هــؤالء الذيــن كان بوســعهم التصـ ُّ‬ ‫ـدم علمــي وتقنــي‪ ،‬كان هــو مــا نأمــل وننتظــر منــه‬ ‫مــن تقـ ُّ‬
‫«نحن الشــباب ناضجون‪ ،‬وأنتم لســتم كذلك‪ ،‬أنتم األطفال‬ ‫ـدد بالفعــل‪،‬‬ ‫ـ‬
‫ُ ِّ‬ ‫ح‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـتقبل‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫أن‬ ‫ـدو‬ ‫ـ‬ ‫يب‬ ‫اآلن‪،‬‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫لك‬ ‫الحــل‪.‬‬
‫قدمة‪ ،‬إنهــم خلفنا‪.‬‬
‫الم ِّ‬
‫والصبيانيــون»‪ .‬الشــباب ليســوا فــي ُ‬ ‫ـرف‬‫المســتقبل يأتــي مــن واقعــة وجــوب التصـ ُّ‬ ‫والقلــق إزاء ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪30‬‬
‫الحيــاة مثلــي؟ هــل ســأحصل علــى تقاعــد؟ هــل ســيحصل‬
‫أطفالــي علــى تقاعــد؟ كلّ هــذه األســئلة تختــرق الحقــل‬
‫السياســي وتصــدر عــن «النظــام المناخــي الجديــد»‪ .‬أنــاس‬
‫ـجلون وضعيــة‬ ‫مختلفــون ‪-‬ال يتفقــون حــول أي شــيء‪ -‬يسـ ّ‬
‫ـاع مشــتركة‪.‬‬
‫ضيـ ٍ‬

‫هذا القلق يتجاوز الجنس البشري‪...‬‬


‫‪ -‬بالفعــل‪ ،‬نحــن نــدرك اختفــاء الحشــرات‪ ،‬وذوبــان‬
‫الجليــد‪ ،،،‬إلــخ‪ .‬كيــف يمكــن اســتيعاب هــذه الصدمــة؟ مــا‬
‫ـع هــذا علينا ســيكولوجياً؟ يجب علينا اســتيعاب وضعية‬ ‫َو ْقـ ُ‬
‫فريــدة فــي تاريــخ األرض‪ .‬إنهــا وضعيــة تــكاد تكــون فريــدة‪:‬‬
‫علمــاء اآلثــار ينشــغلون كثيــر ًا بالدريــاس ‪ Dryas‬األخيــر‬
‫(الــذي َو َســم نهاية العصر الجليــدي األخير‪ ،‬حوالي ‪10000‬‬
‫ســنة ق‪.‬م‪ ،).‬الــذي عايــش فيــه اإلنســان‪ ،‬فــي غضــون جيــلٍ‬
‫تغيــرات فــي درجــة الحــرارة شــبيهة بمــا سنعيشــه‬ ‫واحــد‪ُّ ،‬‬
‫والمقارنــة مثيــرة لالهتمــام‪،‬‬ ‫نحــو الحــار أو نحــو البــارد‪ُ .‬‬
‫ـد ًا بالنســبة إلينــا‪ ،‬ألن األمــر آنئــذ‬
‫لكنهــا ليســت مالئمــة جـ ّ‬
‫كان يتع َّلــق بتجمعــات بشــرية صغيــرة تأثيرهــا علــى المناخ‬
‫كان بــدون أهميــة؛ أمــا نحن فنقترب اآلن مــن ثمانية ماليير‪،‬‬
‫وال شــيء جعلنــا نســتعد لدخــول التاريــخ األرضــي بهــذه‬
‫الكيفيــة‪ ،‬في التاريخ البشــري‪ .‬والسياســة أصيبــت بالجنون‬
‫العــدة المعرفيــة مــن أجــل‬ ‫لهــذا الســبب‪ ،‬وليســت لدينــا ُ‬
‫ِ‬
‫اســتيعاب واقعــة أن نشــاطاتنا ُتحــدث ردود أفعال ســريعة‬
‫ـد ًا مــن األرض‪ .‬لقــد أقامــت الحضــارات‪ ،‬علــى الــدوام‪،‬‬ ‫جـ ّ‬
‫العا َلــم االجتماعــي والكوســموس‪ ،‬لكــن‬ ‫روابــط وثيقــة بيــن َ‬
‫فنية‬ ‫ً‬ ‫طَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هــذا الرابــط صــار راهنا أ ْوثــق وأ ْو د‪ .‬وأعتقــد أن أعماال ّ‬
‫معينــة‪ ،‬أو أيضـ ًا مبــادرات «روحية» مثــل دورية‬ ‫ومســرحية َّ‬
‫«لوداتــو ســي ‪( »Laudato si -‬دوريــة البابــا فرانســوا ســنة‬
‫خصصــة‬ ‫و«غريتــا ثونبيــرغ» تســتوعب الوضعية المناخيــة الجديدة‪،‬‬
‫الم َّ‬
‫المشــترك»‪ُ ،‬‬ ‫‪ )2015‬حــول الحفــاظ علــى البيــت ُ‬
‫لألســئلة البيئيــة واالجتماعيــة‪ ،‬وبصور ٍة عامــة للحفاظ على‬ ‫وهــي‪ ،‬فــي نهاية المطاف‪ ،‬وجه « ُن ُبو ِئــي ‪،»prophétique -‬‬
‫الخلــق‪ ،،،‬إلــخ‪ ،‬يمكــن أن تســاعد على تمثل هــذه الوضعية‬ ‫بالمســتقبل‪ ،‬بل بالحاضــر‪ .‬فبخالف غيره‬ ‫والنبــي ال ينشــغل ُ‬
‫الجديدة‪.‬‬ ‫المســتقبل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫علــى‬ ‫اهتمامهــم‬ ‫يركــزون‬ ‫مــن النــاس الذيــن‬
‫ـدد علــى‬‫ألنهــم يأملــون النجــاة فــي النهايــة‪ ،‬فــإن النبــي يشـ ِّ‬
‫تفضلــون الحديــث عــن «غايــا ‪ »gaïa -‬أكثــر مــن الطبيعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خــرج‪ .‬والباحثــون فــي انهيــار الحضــارات‬ ‫عــدم وجــود َم َ‬
‫لماذا؟‬ ‫يشــعرون بهــذه الوضعيــة الجديــدة الوثيقــة الصلــة بمــا‬
‫أطلــق عليــه أزمــة ال َّت َو ُّلــد (‪.)crise de l’engendrement‬‬
‫جــداً‪ ،‬يمكــن أن تشــير‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬الطبيعــة‪ ،‬بمعنــى واســع‬
‫المــادة منــذ االنفجــار‬
‫ّ‬ ‫إلــى مجمــوع الكــون‪ ،‬أو مجمــوع‬ ‫تعرفونها؟‬
‫العظيــم (‪ .)bigbang‬وال شــيء لدينــا لنقــوم بــه بمفهــوم‬ ‫كيف ِّ‬
‫بهــذه الضخامــة‪ .‬أمــا «غايــا ‪ ،»gaïa -‬فعلــى العكــس مــن‬ ‫‪ -‬مــن أقصــى اليســار إلــى أقصــى اليمين‪ ،‬الجميع يشــعر‬
‫ذلــك‪ ،‬ال يحيــل علــى مجمــوع الكوســموس‪ ،‬بــل فقــط علــى‬ ‫بوجــود مشــكل فــي إعــادة إنتــاج الوضعيــة التــي نوجــد‬
‫بضعــة كيلومتــرات بيــن الحــدود الخارجيــة للغــاف الجوي‬ ‫عليهــا‪ .‬بالنســبة ألقصــى اليميــن‪ ،‬هــذا يتج َّلــى عبــر هــوس‬
‫َت بواســطة نشــاط الحيــاة‪.‬‬ ‫وبيــن طبقــات التربــة التــي ُشــكِّ ل ْ‬ ‫هوياتــي إثنــي أو حتــى عرقــي‪ ،‬أو عبــر تمركــز قهــري حــول‬
‫المالئمة لها ‪-‬الهواء‪،‬‬ ‫فـ«غايــا»‪ ،‬إجماالً‪ ،‬هي الحيــاة والبيئة ُ‬ ‫التمرد‬
‫ُّ‬ ‫دراســات النــوع‪ .‬وبالنســبة ألقصــى اليســار‪« ،‬حركــة‬
‫وه ْن َد َسـ ْتها الكائنات‬‫التربــات‪ ،،،‬إلــخ‪ -‬علــى نحو ما َشــكَّ َل ْتها َ‬ ‫تعبــر جيــد ًا عن‬
‫ضــد االنقــراض» مــن خــال اســمها وحــده‪ِّ ،‬‬
‫الحيــة منــذ البكتيريــا األولــى‪ .‬و«غايــا» ال تمتــد ال فيما يعلو‬ ‫رؤيتهــا‪ .‬وبيــن االثنيــن يتســاءل الكثيــر من النــاس‪ :‬ما الذي‬
‫فــوق غالفنــا الجــوي‪ ،‬وال فــي األســفل‪ ،‬إلــى غايــة الوشــاح‪،‬‬ ‫ســأعلّمه ألطفالــي؟ هــل يمكنهــم أن يحظــوا بــذات شــروط‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪31‬‬
‫وهــي ليســت منشــغلة بنــا‪ .‬لكننــا معنيــون بــردود األفعــال‬ ‫ـر عليه‪ .‬وهذه القشــرة‬ ‫الــذي لــم يكــن أبــد ًا لنشــاط الحياة أثـ ٌ‬
‫جد ًا مقارنةً بما نترقبه لنظام األرض‬ ‫الالمتوقعة والســريعة ّ‬ ‫الرفيعــة هــي مــا أطلــق عليــه أيضـ ًا «المنطقــة الحرجــة ‪la -‬‬
‫فالبشــر‪ ،‬مــن اآلن فصاعــداً‪ ،‬فــي‬
‫ُ‬ ‫إزاء نشــاطاتنا‪ .‬ولهــذا‪،‬‬ ‫‪ ،»zone critique‬وهــذه التســمية أكثــر حيــاد ًا من «غايا»‪،‬‬
‫ـد مــن نشــاطات البعــض‪ ،‬التــي بتوســط‬ ‫وضعيــة حــرب للحـ ِّ‬ ‫ـددة‪ .‬إن المنطقــة الحرجــة‬ ‫ومــا تــزال تثيــر ســجاالت متعـ ِّ‬
‫الكائنــات غيــر البشــرية‪ ،‬تؤ ّثــر علــى آخريــن‪ .‬ومــن زاويــة‬ ‫تموضــع فكــرة الطبيعــة‪ :‬نحــن نوجــد فــي «غايــا»‪ ،‬ومــا مــن‬
‫النظــر هــذه‪ ،‬يتع َّلــق األمــر‪ ،‬فــي نهايــة المطــاف‪ ،‬بعمليــة‬ ‫شــخص لــه أبد ًا تجربة أخــرى‪ .‬فـ«غايا» لفظ مالئم بالنســبة‬
‫توســع للجيوسياســية الكالســيكية‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫لكائــن فريــد‪ .‬وأشــكال أخرى مــن الحياة علــى كواكب أخرى‬
‫لــن تكــون «غايــا»‪ .‬وهــذه الفكــرة تتيــح تجــاوز عجــز علمــاء‬
‫التصرف؟‬
‫ُّ‬ ‫يتعين‬
‫َّ‬ ‫على أي مستوى‬ ‫البيولوجيــا عــن االنشــغال بشــروط الوجــود التــي غَ َّي َرتْهــا‬
‫جــداً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فالعالَــم مرتبــك‬
‫َ‬ ‫‪ -‬علــى كلّ المســتويات! ولهــذا‬ ‫الكائنــات الحيــة‪ ،‬وأيض ًا عــدم قدرة علمــاء الجيولوجيا على‬
‫للدولة‪-‬األمــة ليــس‪ ،‬علــى كلّ حــال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والتنظيــم السياســي‬ ‫كم َع ِّدليــن لبيئتهــم‪ .‬إنهــا بالفعــل توســيع‬ ‫اعتبــار األحيــاء ُ‬
‫فاألمــر‬ ‫متكيفــ ًا تمامــ ًا مــع اســتيعاب الشــروط األرضيــة‪.‬‬ ‫بالــغ لمفهــوم النظــام البيئــي‪.‬‬
‫ُ‬
‫يتع َّلــق بتجريــد كلــي غيــر قــادر‪ ،‬باألخــص‪ ،‬علــى اإلمســاك‬
‫ار مصالــح الكائنــات غير‬ ‫أي اختالف مع «غايا ‪« »gaïa -‬لوفلوك ‪»Lovelock‬؟‬
‫ـد ُ‬
‫ـددة‪ ،‬حيــث ُتـ َ‬
‫المتعـ ِّ‬
‫بالمســتويات ُ‬
‫ُ‬
‫اإلنســانية (‪.)non-humains‬‬ ‫‪ -‬ســؤال «جيمس لوفلوك ‪( »James Lovelock -‬مفكِّ ر‬
‫وناشــط بيئــي بريطانــي ُولد ســنة ‪ ،)1919‬في األصل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وعا ِلــم‬
‫يتعيــن إذن تجذيــر هــذا فــي تربــة‪ ،‬أو فــي نطــاق ٍ‬
‫أرض‬ ‫َّ‬ ‫هــل‬ ‫ســؤال «ســيبراني ‪ :»cybernétique-‬مــن أيــن يأتــي عــدم‬
‫محددة؟‬
‫َّ‬ ‫تــوزان غــازات الغــاف الجــوي؟ «وليــن مارغوليــس ‪Lynn‬‬
‫‪ -‬ينبغــي اإلجابــة‪ ،‬بطريقــة مختلفــة‪ ،‬عــن الســؤال الــذي‬ ‫‪( »Margulis‬عا ِلمــة بيولوجيــا مجهريــة أميركيــة ‪1938‬‬
‫طرحــه االشــتراكيون في القرن التاســع عشــر‪ :‬كيــف نحافظ‬ ‫‪ ،)2011 -‬التــي انشــغلت بالبكتيريــا تطــرح‪ ،‬بشــكلٍ مــا‪،‬‬
‫علــى مبــادئ العدالــة فــي وضعيــة با ِل َغــة ِ‬
‫الج َّدة‪ ،‬موســومة‬ ‫المعاكــس‪ :‬أيــن يذهــب غــاز الميثــان الــذي تنتجــه‬ ‫الســؤال ُ‬
‫آنئــذ بصعــود الصناعــة الكاربونيــة والتوســع الحضــري‪،‬‬ ‫هــذه الوحــوش الصغيــرة التــي أدرســها؟ فعــن هذا الســؤال‬
‫وراهنــ ًا بالنظــام المناخــي الجديــد؟ كيــف نبتكــر منطقــ ًا‬ ‫اح َتكَ َرتْهــا‪ ،‬لســوء‬
‫المــزدوج تنبثــق فرضيــة «غايــا»‪ ،‬التــي ْ‬ ‫ُ‬
‫مالئمـ ًا لهــذه الوضعية الجديــدة؟ فالوضعيتــان متماثلتان‪.‬‬ ‫واخ ُت ِزلَت‬
‫ْ‬ ‫‪،)New‬‬ ‫(‪Age‬‬ ‫ـد»‬‫ـ‬ ‫الجدي‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫«العص‬ ‫ـركات‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـظ‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الح‬
‫مــن لــدن «لوفلــوك» نفســه‪ ،‬إلــى شــكلٍ مــن الســيبرانية‪.‬‬
‫تتحدثون عن «طبقة جيواجتماعية»؟‬
‫َّ‬ ‫ألهذا السبب‬ ‫و«لوفلوك» ال ينشــغل ح ّق ًا بواقعة أن البشــر قد ينقرضون‪،‬‬
‫يتعيــن حصــر األرض التي‬ ‫ـراع طبقــي‪،‬‬
‫‪ -‬بالنســبة لــكلّ صـ ٍ‬ ‫إذ إنــه يفكِّ ــر فــي التاريــخ الطويــل لــأرض‪ .‬وإذا كان األمــر‬
‫َّ‬
‫يتعيــن الدفــاع عنهــا‪ ،‬وأولئــك الذيــن ســيجري الدفــاع عنهــا‬ ‫هكــذا‪ ،‬فــإن فكــرة «غايــا» بمثابــة تغييــر أكثــر جذريــة مــن‬
‫َّ‬
‫ضدهم‪ .‬فسؤال المناخ يوجد في صميم حرب جيوسياسية‬ ‫ذلــك الــذي أحدثــه «غاليلــي ‪ »Galilée‬فــي عصــره‪.‬‬
‫المتحــدة األميركيــة‪ ،‬التــي تعيش‪ ،‬أكثر‬ ‫عالميــة‪ .‬والواليــات ُ‬
‫مــن أي ٍ‬ ‫«إنهــا تتحــرك» يقــول «غاليلــي»‪ ،‬وأنتــم تضيفــون «إنهــا‬
‫بلــد آخــر‪ ،‬خارج‪-‬التربــة (‪ )hors-sol‬أو فــي تربــة‬
‫تنفعــل»‪...‬‬
‫ـرد‪ ،‬وفــي منطــق انفصال‪.‬‬ ‫ليســت لهــا‪ ،‬توجــد فــي موقف تمـ ُّ‬
‫لقــد انســحبت مــن اتفاقيــات باريــس (االتفــاق الدولي حول‬ ‫‪ -‬هــذه العبــارة لـ«ميشــيل ســير ‪،»Michel Serres -‬‬
‫المنــاخ واالحتبــاس الحــراري‪ ،‬الــذي اعتمدتــه (‪ )195‬دولــة‬ ‫الـ�ذي أثـ�ار اهتمامي فـ�ي كتابه «العقد الطبيعـ�ي ‪Le Con� -‬‬
‫حيــز التنفيــذ فــي ‪ 4‬نوفمبر‪/‬تشــرين‬ ‫ممثلــة‪ ،‬والــذي دخــل ِّ‬ ‫‪ »trat Naturel‬ـ (‪ .)1990‬أجــل‪ ،‬األرض تشــعر‪ ،‬وتنفعــل‬
‫الثانــي ‪ )2016‬مــع أن نشــاطاتها وانبعاثاتها من ثاني أكســيد‬ ‫مؤسســات سياســية تتوافــق مــع هــذا‬ ‫َّ‬ ‫إزاء نشــاطاتنا‪ .‬فــأي‬
‫الكربــون تؤ ِّثــر علينــا‪ .‬فنحــن هنــا إزاء صــراع للطبقــات‬ ‫المســتجد؟ ال نعلــم‪ .‬فـ«غايــا» مفهــوم علمــي ليســت لــه‬ ‫ُ‬
‫الجيواجتماعية‪.‬‬ ‫تخيل‬
‫سياســته‪ .‬حقوقيـاً‪ ،‬علــى ســبيل المثال‪ ،‬مــن الصعب ُّ‬
‫ـددة بوضوح‪ ،‬وهذا‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫مح‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫ليس‬ ‫المعنية‬ ‫الطبقات‬ ‫غيــر أن‬ ‫شــكل ســلطتها‪ .‬لكن‪ ،‬وعلى نح ٍو مفارق‪ ،‬الجميع اســتوعب‬
‫مــا يربك السياســة‪ .‬فنحن لســنا على وعــي بالحرب الدائرة‪،‬‬ ‫فكــرة «غايــا» بــأن في المنــاخ َض ْرب ًا من ضابــط الحرارة ‪-‬صار‬
‫علــى كلّ حــال‪ ،‬فــي البلــدان الغنيــة‪ .‬إنهــا «حــرب غريبــة»‬ ‫اآلن مضطرب ـاً‪ -‬ينظّ ــم نفســه بنفســه؛ وهــذا األمــر يحــدث‬
‫ـد ًا فــي‬
‫بــدون جبهــة‪ .‬وفكــرة أزمــة عميقــة كانــت جليــة جـ ّ‬ ‫ضغطـ ًا بالفعــل علــى القــرارات السياســية‪ .‬والدليــل هو أننا‬
‫الع َّمــال كان بوســعهم الشــعور‬ ‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬وكلّ ُ‬ ‫معينــة مــن الحــرارة‪.‬‬
‫ننشــد البقــاء فيمــا دون عتبــة َّ‬
‫بكونهــم معنييــن بهــا‪ .‬والوضعية‪ ،‬راهناً‪ ،‬هي بال شــك‪ ،‬أكثر‬ ‫لقد أثار «ميشــيل ســير» هذا اإلشــكال‪ ،‬لكنه جعله‪ ،‬على‬
‫دراماتيكيــة‪ ،‬لكنهــا أقــلّ وضوح ـاً‪ ،‬باألخــص ألن الفاعليــن‬ ‫مــا أعتقــد‪ ،‬غيــر قابــل لالســتخدام تقريبـاً‪ ،‬بســبب مفهــوم‬
‫ـزء كبيــر كائنــات غيــر بشــرية‪ .‬ومــا‬ ‫المعنييــن هــم فــي جـ ٍ‬ ‫الع ْقــد‪ .‬فنحــن لســنا فــي وضعيــة للحديــث مــع «غايــا»‪،‬‬ ‫َ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪32‬‬
‫التغيــر محتوم‪ .‬لماذا؟‬
‫ُّ‬ ‫الذيــن يرفضــون االعتــراف بــأن هذا‬ ‫الع َّمال‬
‫أطلــق عليــه «وعــي الطبقــة» الــذي يمكنــه أن يوحــد ُ‬
‫‪ -‬احترامــ ًا للتقليــد الشــكي! ولنســتحضر أن أكاديميــة‬ ‫فــي زيمبابــوي أو فــي فرنســا‪ ،‬ليــس لــه وجــود فــي صميــم‬
‫العلــوم الفرنســية قامــت بطــي صفحــة النزعــة الشــكية‬ ‫ـدون مــن‬ ‫الطبقــات الجيوسياســية الجديــدة‪ .‬والنشــطاء ي ِكـ ُّ‬
‫المناخيــة (‪ )climatoscepticisme‬فــي صفوفهــا منــذ‬ ‫أجــل خلق هذا اإلحســاس‪ ،‬لكن النتائج مــا تزال متواضعة‪.‬‬
‫مــا يناهــز شــهرين فقــط‪ .‬وهــؤالء المنكــرون ليســوا دائم ـ ًا‬ ‫القــدرة علــى تحديــد األعــداء أساســية فــي فلســفة «كارل‬
‫أناس ـ ًا مرتشــين وفاســدين‪ .‬إنهــم‪ ،‬فــي الغالــب‪ ،‬علــى مــا‬
‫شميت ‪ .»Carl Schmitt -‬ألهذا السبب تصفونه بـ«السام‬
‫أعتقــد‪« ،‬حداثيــون» فعليــون‪ ،‬يــرون أنــه مــا مــن مخــرج إذا‬
‫والــازم مــع ذلك»؟‬
‫ـور‪ .‬فكيف‬ ‫ـدم والتطـ ُّ‬
‫مــا أعرضنــا عــن مشــروع الحداثــة والتقـ ُّ‬
‫يمكــن التفكيــر فــي االزدهــار البيئــي؟ يــكاد األمــر أن يكــون‬ ‫‪« -‬كارل شــميت ‪( »Carl Schmitt -‬رجــل قانــون‬
‫ال وفــق هــذا المنطــق‪ .‬فبالنســبة لجــزء مــن هــؤالء‬ ‫مســتحي ً‬ ‫وفيلســوف ألمانــي ‪ ،)1985 - 1888‬يحظــى باهتمامــي‪ ،‬ألنــه‬
‫النــاس‪ ،‬التخلــي عــن مشــروع الحداثــة يفضــي إلــى نهايــة‬ ‫مؤ ِّلــف كتــاب «‪ »Nomos de la terre‬ـ (‪ ،)1950‬الــذي ظــلّ‬
‫الحضــارة‪ .‬وليســوا مخطئيــن تمام ـ ًا فــي هــذا!‬ ‫ـص األعمــق الوحيــد فــي فلســفة األرض‪.‬‬ ‫لزمــنٍ طويــل النـ ّ‬
‫مــن األكيــد أنــه ال يهتــم باألســئلة المناخيــة‪ ،‬لكنــه أدرك‬
‫لكن‪ ،‬أال يتعلَّق األمر أيض ًا بحظ‪ ،‬وبفرصة سانحة البتكار‬ ‫أن المــكان أكثــر أهميــة مــن الزمــن‪ .‬ففــي حــوار اســتثنائي‬
‫كيفيات جديدة للعيش؟‬ ‫وعلــى قــدر مــن الطرافة‪ ،‬وهو حوار حــول «المكان الجديد»‬
‫يتعيــن امتــاك قــدرة كبــرى علــى‬ ‫‪ -‬نعــم‪ ،‬إنــه حــظ‪ .‬لكــن‬ ‫المســتحيل أن يكــون المــرء‬ ‫(‪ ،)1954‬يبــرز بجــاء أنــه مــن ُ‬
‫َّ‬ ‫إنســان ًا فــي فضــاء «ســيئ»‪ .‬وهــذه القضايــا‪ ،‬التــي يمكــن أن‬
‫االســتيعاب‪ ،‬مــن أجــل قبــول اإلقــرار بأنــه حظ!‬
‫تقدميــة‪ .‬فالزمن ليس‬ ‫تبــدو ارتكاســية‪ ،‬ســرعان ما ســتصير ُّ‬
‫حوار‪ :‬سفين أورتولي ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبد الله كسابي‬ ‫زمــن الطيــران أو اإلقــاع‪ ،‬بــل زمــن الهبــوط‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪Une drôle de guerre, sans front, Philosophie magazine (hors-série n°‬‬


‫العنوان األصلي والمصدر‪:‬‬
‫تفضلون الحديث عن نزعة إنكارية (‪)négationnisme‬‬ ‫ِّ‬
‫‪46), philosophie du réchauffement climatique, p. : 16-19‬‬ ‫أكثــر مــن نزعــة شــكية (‪ )scepticisme‬لإلشــارة إلــى أولئــك‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪33‬‬
‫الحس الـمناخي‪..‬‬
‫رشط البقاء عىل قيد الحياة‬
‫ـتدامة يف غضــون‬ ‫ـار هائلــة عــى مخاطــر الكــوارث والتنميــة ا ُ‬
‫ملسـ َ‬ ‫ملتوقــع أن يكــون لتغـ ُّـر املنــاخ وتقلبــه آثـ ٌ‬ ‫مــن ا ُ‬
‫ـإن دروس املــايض فيــا يتع َّلــق ُ‬
‫مبامرســات الحـ ِّـد مــن مخاطــر الكــوارث‬ ‫لحســن الحــظ‪ ،‬فـ َّ‬ ‫جيــل أو جيلــن‪ .‬ولكــن ُ‬
‫ال يف مواجهــة تحديــات املنــاخ غــر‬ ‫ال تــزال غالبيتهــا ليســت ذات صلــة بجعلنــا أفضــل تجهيــزاً أو أفضــل حــا ً‬
‫املســبوقة التــي تنتظرنــا‪.‬‬

‫القــدرات التكيفيــة للنظــم البشــرية القائمــة خاصــة فــي‬ ‫اعتمــد البشــر دائمـ ًا علــى حســهم الســليم للبقــاء علــى‬
‫الــدول الناميــة‪ .‬أي أننــا لــن نتمكــن مــن التصــدي للمخاطــر‬ ‫قيــد الحيــاة واالزدهــار‪ .‬وينبــع هــذا المنطــق الســليم مــن‬
‫المســتقبلية والكــوارث الناجمــة عــن ذلــك مــا لــم نولــي‬ ‫ُ‬ ‫المســتمر حــول قــوى الطبيعــة‪ ،‬ومــا يترتــب علــى‬ ‫الفضــول ُ‬
‫ـد‬
‫المترتبــة علــى السياســات وجهــود الحـ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ـار‬
‫ـ‬ ‫لآلث‬ ‫ـام‬
‫ـ‬ ‫االهتم‬ ‫تطــور المهــارات العقليــة الكافيــة لفهــم تلــك‬ ‫ُّ‬ ‫ذلــك مــن‬
‫مــن مخاطــر الكــوارث‪ .‬وينبغــي تطويــر الحلــول التكتيكيــة‬ ‫خلقــة تقلــل مــن المخاطــر‪ .‬ولقــد‬ ‫القــوى وابتــكار حلــول ّ‬
‫القصيرة األجل واالســتراتيجيات الطويلة األجل وممارستها‬ ‫المتعلِّقــة‬‫ُ‬ ‫للمعلومــات‬ ‫العملــي‬ ‫تــم تبســيط االســتخدام‬ ‫َّ‬
‫وتبســيطها لتصبــح «إحساسـ ًا مناخيـاً» ســائداً‪ ،‬إذا كنا نأمل‬ ‫بالمخاطــر والســامة وتســليمه عبــر األجيال‪ ،‬ممــا أدى إلى‬
‫المباشــرة‪ ،‬وتج ُّنــب العواقــب‬ ‫الحــد مــن المخاطــر ُ‬ ‫ِّ‬ ‫فــي‬ ‫استراتيجيات للتكيف وبعض القدرات التكيفية‪ .‬ولكن اآلن‪،‬‬
‫لمســاعدة‬ ‫ُ‬ ‫التكيفيــة‬ ‫القــدرات‬ ‫وتطويــر‬ ‫األجــل‪،‬‬ ‫الطويلــة‬ ‫تحتــاج البشــرية إلــى تطويــر إحســاس جديــد آخــر للنجــاة‬
‫لحســن الحــظ‪ ،‬ليــس علينــا أن نبــدأ‬ ‫نوعنــا علــى البقــاء‪ُ .‬‬ ‫مــن تحديــات المنــاخ الجديــد فــي هــذه األلفيــة التــي دخلنا‬
‫ـد مــن مخاطــر‬ ‫مــن الصفــر‪ ،‬ألن مــا تعلَّمنــاه فــي مجــال الحـ ِّ‬ ‫بالتغيــرات‬
‫ُّ‬ ‫فــي العقــد الثالــث منهــا‪ .‬الجميــع علــى درايــة‬
‫الكــوارث لــم يســاعدنا علــى تطويــر الحــس المناخــي الــذي‬ ‫الموســمية فــي درجــة الحــرارة وهطــول األمطار‪ .‬وقــد تعلَّم‬
‫المقبلة‬‫يجعلنــا نتمتــع خالل عمرنا القصير ونتــرك لألجيال ُ‬ ‫النــاس االســتفادة مــن هــذه التغييــرات ألغــراض الزراعــة‬
‫المتعــة بالمنــاخ الطبيعي بعد أن تعاملنــا بأنانية معه‬ ‫هــذه ُ‬ ‫وإنتــاج األغذيــة وغيرهــا مــن األغــراض‪ .‬ولكــن اآلن‪ ،‬فــإن‬
‫فظهــر فســادنا فــي البحــر والبــر والجــو‪ ،‬ال متعــة أفضــل‬ ‫مــا أصبــح منطقي ـ ًا فيمــا يتعلَّــق بتقلُّــب المنــاخ لــم يعــد‬
‫مــن التمتــع بالمنــاخ بعــد أن نلتــزم بمعاييــر صحيــة صارمة‬ ‫تغيــر المنــاخ‬‫كافيــاً‪ .‬وتتوقــع التنبــؤات األخيــرة بشــأن ُّ‬
‫تغيــر المناخ‬‫لــكل مــا خلَّفنــاه مــن مشــكالت بيئيــة‪ ،‬وأهمهــا ُّ‬ ‫وتقلبــه حــدوث آثــار هائلــة علــى الغــاف الجــوي لــأرض‬
‫الكارثــة التــي نعيــش فيهــا حالياً‪ ،‬والتــي حرمتنا مــن التمتع‬ ‫المتوقــع حدوث صدمات‬ ‫والمحيطــات‪ .‬ونتيجــة لذلك‪ ،‬من ُ‬ ‫ُ‬
‫باإلحســاس بالمنــاخ‪.‬‬ ‫ـوالت هائلــة فــي مــوارد الميــاه العذبــة‪ ،‬الحيــاة البريــة‬ ‫وتحـ ُّ‬
‫واألمــن الغذائــي والزراعــة والصحــة والطاقــة‪.‬‬
‫النينو كنموذج للتحوُّالت يف مخاطر الكوارث‬ ‫المتوقعــة الهجــرة الجماعيــة‪ ،‬وهــي‬ ‫ومــن بيــن اآلثــار ُ‬
‫هــو دالــة على الخصائــص الفيزيائيــة للمخاطــر‪ ،‬وقابلية‬ ‫ـمى بالالجئيــن البيئييــن‪ ،‬وهــذه اآلثــار غيــر المســبوقة‬ ‫تسـ َّ‬
‫عرضــة لآلثــار الســلبية الناجمــة عــن‬
‫الم َّ‬
‫العناصــر والنظــم ُ‬ ‫علــى العناصــر األساســية لألمــن البشــري‪ ،‬واالســتدامة‬
‫المجتمعــات المحليــة والنظــم‬ ‫األحــداث الخطــرة‪ ،‬وقــدرة ُ‬ ‫ـتهدد بشــكلٍ خطيــر نوعيــة الحيــاة وحتــى بقــاء اإلنســان‬ ‫سـ ِّ‬
‫المحيطــة بهــا علــى التعامــل مــع اآلثــار‪ .‬تحــدث الكــوارث‬
‫ُ‬ ‫خــال القــرن‪ ،‬حســب معظــم التقديــرات العلميــة‪ .‬وفــي‬
‫عندمــا تطغــى األحــداث على أنظمة البيئة البشــرية‪ ،‬ســواء‬ ‫تغيــرة الناجمــة عــن‬ ‫الم ّ‬‫حيــن أن توقيــت وطبيعــة المخاطــر ُ‬
‫كانــت مزمنــة أو بطيئــة الظهــور أو ســريعة الظهــور‪ .‬ومــع‬ ‫المتفــق‬ ‫تغيــر المنــاخ مفتوحــان للنقــاش العلمــي‪ ،‬فمــن ُ‬ ‫ُّ‬
‫وتتغير عبــر الزمان والمكان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ذلــك‪ ،‬فإن المخاطــر دينامية‪،‬‬ ‫عليــه علــى نطــاقٍ واســع أن حجــم الصدمــات ســيتجاوز‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪34‬‬
‫وبينمــا نحســن فهمنــا لهــذه العالقــات والعلــوم الفيزيائيــة‬ ‫المســتقبل على العالقــة بين الخطر‬ ‫وتتوقــف المخاطــر فــي ُ‬
‫لتغيــر المنــاخ وتقلبــه‪ ،‬يمكننــا أن نعمــل على‬
‫ُّ‬ ‫واالجتماعيــة‬ ‫والضعــف والقــدرة‪ ،‬ولكنهــا تعكــس أيضـ ًا أي تغييــرات فــي‬
‫بنــاء المرونــة والقوة‪ .‬ويمكننا أيضـ ًا تعريف الناس بمصادر‬ ‫وتغيــر المنــاخ وتقلــب العالقــة بيــن قابليــة‬ ‫ُّ‬ ‫هــذه العناصــر‪.‬‬
‫البيانــات المناخيــة واســتخداماتها‪ ،‬ويمكننــا تعميــم الحــد‬ ‫التكيــف عــن طريــق تغييــر أنمــاط‬ ‫ُّ‬ ‫الخطــر والقــدرة علــى‬
‫‪-‬المتصلــة بالمنــاخ وغيــر ذلــك‪ -‬فــي‬‫مــن مخاطــر الكــوارث ُ‬ ‫كل مــن المخاطــر المناخيــة والظــروف التــي تعمــل فيهــا‬
‫والممارســات اليوميــة‪ .‬ويمكننــا أن نبنــي علــى‬ ‫السياســات ُ‬ ‫نظــم اإلنســان والبيئــة وتحدث فيهــا األحــداث‪ .‬إن التذبذب‬
‫المبــادرات ونقــاط القــوة القائمــة إلدمــاج ال ُنهــج القريبــة‬
‫ُ‬ ‫تغيــر المنــاخ الــذي‬
‫الجنوبــي للنينــو هــو مثــال مألــوف علــى ُّ‬
‫األجــل والطويلــة األجــل فــي إطــار واحــد‪.‬‬ ‫تغيــرت خصائص المخاطر‬ ‫يغيــر المخاطــر القصيرة األجل‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫تغيــر ًا كبيــراً‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فــإن الــدول التــي‬
‫ُّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫البيئي‬ ‫ـروف‬
‫ـ‬ ‫والظ‬
‫نهج جديد للحدِّ من املخاطر‬ ‫لــم تكــن لديهــا اســتراتيجيات قائمــة للتعامــل مــع الظروف‬
‫ـد مــن مخاطــر الكــوارث‬ ‫وتهــدف الجهــود التقليديــة للحـ ِّ‬ ‫التكيــف معهــا يعانــون‬
‫ُّ‬ ‫تغيــرة أو الذيــن لــم يتمكنــوا مــن‬
‫الم ّ‬ ‫ُ‬
‫ـج جديــد للحــد مــن المخاطــر فــي حــاالت الكــوارث‬ ‫إلــى نهـ ٍ‬ ‫أكثــر بكثيــر مــن الخســائر واالضطرابــات‪.‬‬
‫إلــى تعديــل المخاطــر علــى المــدى القريــب بإحــدى الطــرق‬
‫الثــاث التاليــة‪ :‬تغييــر الظــروف البيئيــة واالجتماعيــة التــي‬ ‫توقعات تقلب املناخ‬
‫تحــدث فيهــا األحداث الخطــرة‪ ،‬وتغيير خصائــص األحداث‬ ‫التغيــرات المناخيــة الطويلــة‬ ‫ُّ‬ ‫المتوقــع أن تســهم‬ ‫ومــن ُ‬
‫معيــن (وبالتالــي‪ ،‬غالبــ ًا مــا تتحــول المخاطــر‬ ‫َّ‬ ‫فــي مــكانٍ‬ ‫ـوالت رئيســية فــي الظــروف البيئيــة‬ ‫األجــل فــي حــدوث تحـ ُّ‬
‫إلــى مــكان آخــر)‪ ،‬و‪/‬أو بنــاء القــدرة علــى االســتجابة لآلثــار‬ ‫وأنمــاط المخاطــر‪ ،‬ممــا يؤثر علــى جميع عناصــر المخاطر‪.‬‬
‫تغير‬
‫المتصلــة بالتخفيف من آثار ُّ‬ ‫والتعافــي منهــا‪ .‬والجهود ُ‬ ‫بتغيــر المناخ‬
‫ُّ‬ ‫وتوقعــت الهيئــة الحكوميــة الدوليــة المعنية‬
‫المنــاخ والتكيــف معــه تفعــل الشــيء نفســه‪ .‬والهــدف مــن‬ ‫التابعــة لألمــم المتحــدة‪ ،‬التــي ُمنحــت جائــزة نوبــل لعــام‬
‫ذلــك هــو تغييــر الظــروف االجتماعيــة والبيئيــة‪ ،‬بحيــث ال‬ ‫‪ ،2007‬فــي تقريــر التقييــم الرابــع أن درجــات الحــرارة فــي‬
‫المســتقبل على النظم البشــرية‪.‬‬ ‫تطغــى أحــداث الخطر في ُ‬ ‫العالــم قــد ترتفــع بمــا يصــل إلــى (‪ 5 - 3‬درجــات مئوية) عام‬
‫وبمــا أن خصائــص وظــروف الخطــر أكثــر غموض ـاً‪ ،‬يجــب‬ ‫‪ ،2100‬وأن مســتويات ســطح البحــر قــد ترتفــع مــن (‪ 18‬إلى‬
‫علينــا أن نشــجع المرونــة مــن خــال تعظيــم قدرتنــا علــى‬ ‫‪ 59‬ســنتيمتراً)‪ .‬وأبلــغ الفريــق الحكومــي الدولــي المعنــي‬
‫الوصــول إلــى الحلــول اإلبداعيــة وتوليفهــا وسـ ِّنها‪ .‬ويجــب‬ ‫بتغيــر المنــاخ أيض ـ ًا عــن احتمــال زيــادة موجــات الحــرارة‬ ‫ُّ‬
‫المحتمــل‬ ‫ـرض ُ‬ ‫علينــا أن نفعــل مــا فــي وســعنا لتقليــل التعـ ُّ‬ ‫وهطــول األمطــار الغزيــرة في بعــض أرجاء الكــرة األرضية‪،‬‬
‫أيض ًا ‪.‬‬ ‫مــع توقــع زيــادة الجفــاف فــي أجــزاء أخــرى وزيــادة تكــرار‬
‫وستســهم ال ُنهــج التــي تركِّ ــز علــى بنــاء القــدرة علــى‬ ‫تــردد األعاصيــر المداريــة‪.‬‬
‫التكيــف علــى المــدى الطويل فــي الحد من الضعــف وزيادة‬ ‫وكثيــر مــن األماكــن مــن المتوقــع أن تشــهد أكبــر‬
‫القــدرة علــى التكيــف علــى المــدى القريــب؛ فــي حيــن أن‬ ‫الزيــادات فــي األخطــار الطبيعيــة التــي تتعلَّــق بالمنــاخ‪،‬‬
‫تمهــد الطريــق‬‫اإلجــراءات علــى المــدى القريــب ســوف ِّ‬ ‫التغيــرات واألخطــار ســتكون المناطــق الفقيــرة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وأهــم‬
‫لظــروف وخيــارات طويلــة األجــل‪ .‬وينبغــي النظــر فــي كال‬ ‫حيــث التنميــة البشــرية غيــر مســتدامة‪ ،‬وأعــداد متزايــدة‬
‫الجدوليــن الزمنييــن عنــد دمــج أنشــطة الحــد مــن مخاطــر‬ ‫مــن الســكّ ان‪ ،‬وتشــهد تحضــر ًا ســريعاً‪ .‬وباإلضافــة إلــى‬
‫الكــوارث مــع السياســات والتخطيــط‪.‬‬ ‫تغيــر‬
‫المرجــح أن يؤثــر ُّ‬ ‫التأثيــر علــى أنمــاط المخاطــر‪ ،‬مــن ُ‬
‫ال مــن األنشــطة التقليديــة القريبــة مــن الحــد‬ ‫وتواجــه ك ً‬ ‫درجــات الحرارة والظــروف الهيدرولوجية علــى أنماط توافر‬
‫مــن مخاطــر الكــوارث والجهــود التــي تركِّ ــز علــى التكيــف‬ ‫ـوالت‪ ،‬فإنها‬ ‫الميــاه وإنتــاج األغذيــة‪ .‬ومع حــدوث هذه التحـ ُّ‬
‫ـات أمــام التنفيــذ‪ .‬وتنقســم‬ ‫تغيــر المنــاخ وتقلبــه عقبـ ٌ‬ ‫مــع ُّ‬ ‫ستســهم فــي الهجــرة الجماعيــة‪ ،‬وفــي المســائل الصحيــة‬
‫التحديــات إلــى ثــاث فئــات رئيســية هــي‪ :‬مســائل البيانــات‬ ‫واألمنيــة‪ .‬وتميــل العولمــة (التــي تتناقض ســلب ًا مــع الطابع‬
‫المتعلِّقــة بالحــل‪ ،‬والجمــع‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬والتقاســم؛‬ ‫التقنيــة ُ‬ ‫اإلقليمــي مــن جانــب الفريــق الحكومــي الدولــي المعنــي‬
‫المتعلِّقــة بالبيانــات التقنيــة؛ قضايــا التعــاون‬ ‫والمســائل ُ‬ ‫المرتبطــة بــه‪،‬‬ ‫بتغيــر المنــاخ)‪ ،‬إلــى جانــب التكنولوجيــات ُ‬ ‫ُّ‬
‫والممارســة بشــكلٍ‬ ‫والتنســيق؛ والصعوبات في دمج العلم ُ‬ ‫إلــى تحويــل آثــار الكوارث إلى أشــخاص مشــتتين على نطاقٍ‬
‫مفيــد‪.‬‬ ‫واســع‪ ،‬ممــا يغير مــدى قابليتها لإلصابة‪ .‬غيــر أن العمليات‬
‫وقــد يكــون مــن الصعــب الحصــول علــى البيانــات‬ ‫الفعالــة والتكيــف‪ ،‬وأن‬ ‫َّ‬ ‫نفســها يمكــن أن تيســر االســتجابة‬
‫المكانيــة الالزمــة‪ ،‬وقــد يتطلــب تحليلهــا واســتخدامها‬ ‫تزيــد مــن القــدرات‪.‬‬
‫متخصصــة‪ .‬فــي الواقــع‪ ،‬هنــاك حاجــة إلــى مهــارات‬ ‫ِّ‬ ‫مــوارد‬ ‫ومــع طــول األطــر الزمنيــة‪ ،‬يــزداد عــدم اليقيــن بشــأن‬
‫لمشــاركة العديد من أنواع البيانات‪.‬‬ ‫محددة حتى ُ‬ ‫ّ‬ ‫وتقنيــات‬ ‫وتغيرهــا‪ ،‬وكيفيــة‬‫ّ‬ ‫كيفيــة تفاعــل النظــم البشــرية والبيئيــة‬
‫ـددة القطاعات‬ ‫متعددة األوجه ومتعـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫فالكــوارث والمخاطــر‬ ‫ـول العالقــات بيــن مختلف عناصر المخاطــر‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫تحـ ُّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪35‬‬
‫المشــاركة‬‫العســكرية واألوســاط األكاديميــة؛ وعــن طريــق ُ‬ ‫التخصصات‪ ،‬غير أن الطبيعة الناشــئة للكوارث‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـددة‬ ‫ومتعـ ّ‬
‫المباشــرة بــإدارة‬
‫فــي أنشــطة جمــع البيانــات ذات الصلــة ُ‬ ‫المتنافســة‪ ،‬وانعــدام الثقــة التاريخي‪،‬‬ ‫والمــوارد واألهــداف ُ‬
‫الطــوارئ المحليــة يقــوم (‪ )PDC‬بتطويــر وتنفيــذ أنظمــة‬ ‫ؤسسية يمكن أن تثبط التعاون والتنسيق‪.‬‬ ‫الم ّ‬ ‫والممارســات ُ‬ ‫ُ‬
‫دعــم القــرارات إلدارة الطوارئ وأنشــطة (‪ )DRR‬التي تدمج‬ ‫والممارســون والجمهــور‬ ‫ُ‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫العلم‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫يعم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫غالب‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫وأخي‬
‫المســتخدمين‬ ‫البيانــات الديناميكيــة والثابتة وال تتطلب من ُ‬ ‫فإن‬‫ـات مختلفــة‪ .‬لــذا‪ّ ،‬‬ ‫ويتحدثــون لغـ ٍ‬
‫َّ‬ ‫فــي عوالــم مختلفــة‪،‬‬
‫الحصــول علــى تكنولوجيــا متطورة‪ .‬وفي الوقت الذي تيســر‬ ‫خلق الجســور والطرق ذات المغزى من الناحية التشــغيلية‬
‫المبكِّ ــر بالمخاطــر‬
‫فيــه منتجــات وخدمــات المركــز اإلنــذار ُ‬ ‫المتعلِّقة بالمخاطر وتحليلها وإيصالها‬ ‫لتأطيــر المعلومات ُ‬
‫المفاجئــة‪ ،‬فإنهــا تقلــل أيضـ ًا مــن صعوبــات جمــع البيانات‬ ‫ُ‬ ‫الفعالــة‪ ،‬ولتيســير‬ ‫َّ‬ ‫األهميــة التخــاذ القــرارات‬ ‫ّ‬ ‫أمــر بالــغ‬ ‫ٌ‬
‫وإدارتهــا وتقاســمها‪ ،‬مما يدعم األمن علــى المدى الطويل‪.‬‬ ‫ـد مــن‬‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـم»‬
‫ـ‬ ‫و«تعمي‬ ‫ـوارث‬ ‫ـ‬ ‫الك‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫مخاط‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـد‬
‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫أنشــطة‬
‫وتشــمل قدرات وتجــارب البرنامج إجراء تقييمات للمخاطر‬ ‫مخاطــر الكــوارث‪.‬‬
‫متعــددة باســتخدام النمذجــة‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫نطاقــات‬ ‫والضعــف علــى‬ ‫والتصــدي لهــذه التحديــات فــي الســياق األكثــر شــيوع ًا‬
‫المعقــدة؛‬ ‫ُ‬ ‫ـرات‬‫ـ‬ ‫المؤش‬ ‫ـج‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ـائر‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الخس‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫العدديــة‪ ،‬وتقدي‬ ‫ـد مــن مخاطــر الكــوارث والمخاطر على المــدى القريب‬ ‫للحـ ِّ‬
‫للمســاعدة فــي تطويــر إدارة‬ ‫وأداء التكنولوجيــا تقييمــات ُ‬ ‫يبنــي ويمــارس بعــض الهيــاكل األساســية الالزمــة للتصدي‬
‫والمشاركة‪.‬‬ ‫فعال‪ ،‬والتحليل‪ُ ،‬‬ ‫البيانات والمعلومات بشكلٍ َّ‬ ‫تغيــر المنــاخ وتقلبــه والمخاطــر الطويلــة‬ ‫لهــا فــي ســياق ُّ‬
‫األجــل‪ ،‬ممــا يعــ ِّزز القــدرة علــى الصمــود لــدى األفــراد‬
‫مواجهة تحديات تقلب املناخ‬ ‫والمجتمعــات المحليــة‪.‬‬ ‫ؤسســات ُ‬ ‫والم َّ‬ ‫ُ‬
‫التحديــات التــي تواجــه إدمــاج الحــد مــن مخاطــر‬ ‫المحيــط الهــادئ فــي‬ ‫ُ‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـوارث‬ ‫ـ‬ ‫الك‬ ‫ـز‬‫ـ‬ ‫مرك‬ ‫ـاعد‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـد‬ ‫وقـ‬
‫الكــوارث‪ ،‬وال ســيما الحــد مــن مخاطر الكــوارث على المدى‬ ‫التصــدي لهــذه التحديات من خالل‪ :‬مســاعدة المجتمعات‬
‫الطويــل‪ ،‬مــع السياســة العامــة والتخطيــط هائلــة‪ .‬وعلــى‬ ‫المحليــة ذات االهتمــام وتعزيــز التعــاون بيــن أصحــاب‬
‫المــدى القريــب‪ ،‬تــؤدي التقلبــات الســنوية (مثــل اإلنســو)‬ ‫المتعلِّقــة بالحــد مــن‬ ‫المصلحــة‪ ،‬والتصــدي للتحديــات ُ‬
‫إلــى تعقيــد األمور‪ .‬وفــي األجل الطويــل‪ ،‬تتفاقم أوجه عدم‬ ‫مخاطــر الكــوارث فــي ســياق بنــاء القــدرة علــى الصمــود‬
‫تعددة‬
‫الم ّ‬‫المتشــابكة ُ‬
‫اليقيــن‪ ،‬ممــا يجعــل توصيــف النظــم ُ‬ ‫الحــد مــن مخاطــر الكــوارث‪ .‬مــن خــال بنــاء‬ ‫ِّ‬ ‫وتيســير‬
‫القطاعــات للبيئــة البشــرية والبيئة أكثر صعوبــة‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫عالقــات مــع الســلطات المحليــة والحكومــات الوطنيــة‬
‫فــإن تقييــم المخاطــر وإبالغهــا أكثــر صعوبــة أيض ـاً‪ .‬ومــع‬ ‫والمنظَّ مــات اإلقليميــة والمنظَّ مــات الدوليــة والجماعــات‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪36‬‬
‫ذلــك‪ ،‬يمكننــا‪ ،‬ويجــب علينــا‪ ،‬أن نســتفيد مــن نتائــج العمل‬
‫المنجــز فــي ســياق الحــد مــن مخاطــر الكــوارث إلدمــاج‬ ‫ُ‬
‫المتعلِّقــة بالمنــاخ والطقــس في ُصنــع القرار‪،‬‬ ‫المعلومــات ُ‬
‫وبنــاء العالقــات اإلنســانية وتعزيــز شــبكات المعلومــات‪،‬‬
‫تصــور للمخاطــر بشــكلٍ كلــي وســياقي‪ ،‬وربــط‬ ‫ُّ‬ ‫ووضــع‬
‫والممارســة فــي خدمــة االســتدامة‬ ‫البحــوث والتكنولوجيــا ُ‬
‫البشــرية‪ .‬ويســاعد اتخــاذ هــذه الخطــوات ُص َّنــاع القــرار‬
‫والمجتمعــات واألفــراد على إنتاج البيانات والتحليالت ذات‬ ‫ُ‬
‫الصلــة والوصــول إليهــا‪ ،‬وسيســاعدهم على رؤيــة المخاطر‬
‫والطقــس والمنــاخ كجــزء مــن الســياق اليومــي بــد ً‬
‫ال مــن‬
‫أن يكــون غيــر عــادي‪ .‬وستســاعد الخطــوات نفســها علــى‬
‫ٍ‬
‫نطاقات‬ ‫المتاحــة للتخفيــف والتكيف علــى‬ ‫زيــادة الخيــارات ُ‬
‫المنظَّ مــات التي تعمل‬ ‫ُ‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫حت‬ ‫أو‬ ‫ـراد‬
‫ـ‬ ‫لألف‬ ‫ـن‬‫ـددة‪ .‬وال يمكـ‬
‫متعـ ّ‬
‫بمفردهــا أن تواجه التحديات التي تطرحها مخاطر الكوارث‬
‫تغيــر المنــاخ وتقلبــه‪ .‬وإدراك ًا لذلــك‪ ،‬اتخــذ‬
‫الناجمــة عــن ُّ‬
‫الحــزب الديموقراطــي االجتماعــي إجــراءات إليجــاد ســبل‬
‫لتســهيل العمــل الجماعــي علــى أعلــى مســتوى‪.‬‬
‫ـد مــن المخاطر يــؤدي إلى‪:‬‬ ‫والحـ ِّ‬
‫المتبــادل بيــن األشــخاص الذيــن‬ ‫• تســهيل الوصــول ُ‬ ‫وتغي املناخ‬
‫ُّ‬ ‫اإلعالم‬
‫ـددة‪.‬‬‫تخصصــات متعـ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫معينــة مــن‬
‫يعملــون علــى أي قضيــة َّ‬ ‫ال يمكن تجاهل دور اإلعالم ووسائل التواصل االجتماعي‬
‫والممتلــكات إلــى‬
‫• التقليــل مــن الخســائر فــي األرواح ُ‬ ‫تغيــر المنــاخ وتقلبــه بشــكل معقــول في أي مناقشــة‬ ‫حــول ُّ‬
‫ـد األدنــى‪.‬‬‫الحـ ِّ‬ ‫المســتقبلية لألفــراد أو‬ ‫ـد مــن الخســائر ُ‬ ‫حــول كيفيــة الحـ ِّ‬
‫المشــكالت التــي يعانــي منهــا‬ ‫المســاعدة علــى دراســة ُ‬ ‫• ُ‬ ‫المنظَّ مــات‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬هــذا ال يعنــي أنــه‬ ‫المجتمعــات أو ُ‬ ‫ُ‬
‫وتغيــر المنــاخ بالتعــاون‬
‫ُّ‬ ‫العا َلــم بســبب الطقــس والمنــاخ‬ ‫َ‬ ‫مــن الضــروري إعــادة تكويــن التفكيــر الراســخ بالكامــل أو‬
‫مــع القطاعــات األخــرى‪ ،‬كالزراعــة والصحــة والســياحة‪،‬‬ ‫التخلــي عــن األنشــطة المألوفــة‪ .‬ويمكننــا أن نبنــي علــى‬
‫وغيرهــا للوصــول ألفضــل الحلــول لهــا‪.‬‬ ‫المبــادرات‬ ‫الهيــاكل واألنشــطة التــي وضعــت فــي إطــار ُ‬
‫• تبســيط األنشــطة‪ ،‬والتقليــل مــن االزدواجيــة وتمويــل‬ ‫المتعلِّقــة بالحــد مــن مخاطــر الكــوارث‪ .‬وينبغــي‬ ‫القائمــة ُ‬
‫المنافسة‪.‬‬ ‫المرتبطــة‬‫ّأل تعتبــر أنشــطة الحــد مــن المخاطــر والبحــوث ُ‬
‫والمالحظــات المحليــة‬ ‫ـد مــن‬
‫ـد مــا عــن الحـ ِّ‬
‫بتغيــر المنــاخ وتقلبــه منفصلــة إلــى حـ ٍّ‬ ‫ُّ‬
‫• إتاحــة الوصــول إلــى المعــارف ُ‬
‫والعالمية‪.‬‬ ‫مخاطــر الكــوارث‪ ،‬بــل عنصــر ًا رئيســي ًا مــن ال ُنهــج القريبــة‬
‫ـد مــن مخاطــر الكــوارث واألمــن‬ ‫األجــل واألطــول أجـ ً‬
‫ا للحـ ِّ‬
‫• إمكانيــة تحســين جمــع البيانــات المناخيــة وتحليلهــا‬
‫البشــري‪ .‬وتؤثــر األنشــطة القريبــة األجــل علــى الخيــارات‬
‫والتنبــؤ بمــا ســيحصل‪.‬‬
‫األطــول أجـاً‪ .‬وتعمــل زيــادة االتصــال ‪-‬من خــال العولمة‬
‫والمنظَّ مات وتوزيــع المعلومات‬ ‫• الوصــول إلــى األفــراد ُ‬ ‫وتكنولوجيــات االتصــاالت التــي تقــوم عليهــا‪ -‬علــى تغييــر‬
‫بشــكلٍ علمــي صحيح‪.‬‬
‫ـإن هذه‬ ‫مخاطــر األخطــار وآثارهــا وتضخيمهــا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فـ ّ‬
‫• بنــاء الشــبكات البشــرية والتكنولوجيــة التــي يمكــن‬ ‫االتصــاالت األساســية تتيــح فرصـ ًا أيضـاً‪ .‬وال لنــا مــن تيســير‬
‫متطــرف‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫تفعيلهــا خــال حــدث‬ ‫المتعلِّقــة بالمخاطــر بالكــوارث‬ ‫الوصــول إلــى المعلومــات ُ‬
‫وتهــدف جميــع هــذه العلــوم التطبيقيــة إلــى تســهيل‬ ‫المتطرفة‪ ،‬والتعاون‬ ‫التــي تســببها عناصر الطقس والمنــاخ ُ‬
‫بأهميــة المنــاخ‪ ،‬والعمــل‬ ‫بنــاء قاعــدة علميــة لإلحســاس‬
‫ّ‬ ‫المتعاونــة لترفع االتصال‬ ‫المجتمع المحلــي ُ‬ ‫مــع منظَّ مــات ُ‬
‫علــى التقليــل مــن األضــرار النفســية والماديــة التــي تخلفهــا‬ ‫إلــى مســتوى جديــد مــن خــال االســتفادة مــن تكنولوجيــا‬
‫الفيضانــات والجفــاف‪ ،‬والتــي تصل إلى نحــو ‪ % 90‬من إجمالي‬ ‫الشــبكات االجتماعيــة لتســهيل بنــاء العالقــات وتبــادل‬
‫الكــوارث الطبيعيــة‪ ،‬كما تعمل على التأثيــر على الرأي المحلي‬ ‫المعلومــات مــن خالل بناء شــبكات بشــرية مفتوحــة‪ ،‬تركز‬
‫بتغيــر المنــاخ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والعالمــي ألجــل تطبيــق االتفاقيــات الخاصــة‬ ‫َ‬ ‫لتغيــر المنــاخ وتقلبــه‪.‬‬‫ُّ‬ ‫علــى العلــوم التطبيقيــة‬
‫المشــتركة‬
‫ُ‬ ‫المية‬ ‫الع‬
‫َ‬ ‫المعارف‬ ‫قاعدة‬ ‫بناء‬ ‫على‬ ‫العمل‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫وبالتال‬
‫نوع جديد من الحس الســليم‪:‬‬ ‫بيــن أبنــاء هذا الكوكــب لتطوير ٍ‬ ‫تقدُّ م العلوم التطبيقية يف علم املناخ‬
‫الحــس المناخــي الحقيقــي‪ .‬عدنــان هــزاع البياتــي‬ ‫والممارســة في المناخ‬
‫ـدم فــي العلــوم التطبيقية ُ‬
‫إن التقـ ُّ‬
‫ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪37‬‬
‫مجيب لطيف‪:‬‬
‫أن نراهن عىل املُستقبل‬
‫من الصعب ْ‬
‫منــذ عقــود‪ ،‬يحــذِّ ر مجيــب لطيــف‪ ،‬خبــر األرصــاد األملــاين مــن أصــل باكســتاين‪ ،‬الباحــث يف التحـ ُّـول املناخــي‬
‫ملحيطــات يف «كيــل»‪ ،‬والحاصــل عىل جائــزة البيئة األملانية‬ ‫وأســتاذ العلــوم البحريــة مبعهــد «جيومــر» ألبحــاث ا ُ‬
‫لعــام ‪ ،2015‬مــن عواقــب ظاهــرة االحتبــاس الحــراري ومغبــة ارتفــاع درجــة حــرارة األرض‪ .‬ويف لقــاء أجــراه معــه‬
‫مبناســبة صــدور كتابــه الجديــد «عــد تنــازيل» الــذي يــرح فيــه عواقــب تغـ ُّـر املنــاخ‬ ‫موقــع «شــبيجل أوناليــن» ُ‬
‫وكيفيــة التفاعــل معــه بيئي ـ ًا واقتصادي ـ ًا وسياســي ًا واجتامعي ـ ًا‪ ،‬يقــول «لطيــف»‪« :‬عندمــا يتع َّلــق األمــر باملنــاخ‪،‬‬
‫رسعــان مــا يرتبــط ذلــك بالحديــث عــن التكاليــف املاديــة ونفــاد الحلــول»‪ ،‬بينــا ال نحتــاج يف حقيقــة األمــر ســوى‬
‫ملســتقبل»‪.‬‬ ‫ملراهنة عىل ا ُ‬ ‫إىل قرارات عاجلة وقاطعة يتبناها الساســة ويرشعون يف تنفيذها‪ ،‬فال أحد بإمكانه ا ُ‬

‫كذلــك يتزايــد ضغــط االقتصــاد‪ ،‬بمــا فــي ذلــك السياســة‬ ‫عندمــا يتعلَّــق األمــر بأزمــة المنــاخ ومســتقبل البشــرية‪،‬‬
‫الماليــة‪ .‬لقــد أصبحنــا نــدرك جميع ـاً‪ ،‬بشــكلٍ تدريجــي‪ ،‬أن‬ ‫تتأرجــح فــي كتابــك الجديــد «عــد تنازلــي» الصــادر فــي مايــو‪/‬‬
‫أزمــة المنــاخ هــي أيضـ ًا أزمــة اقتصاديــة وأمنية‪ .‬كمــا أن هناك‬ ‫أيــار مــن هــذا العــام‪ ،‬مــا بيــن نقطتيــن عكســيتين‪ ،‬أال وهمــا‬
‫ثمــة‪ ،‬أعتقــد‬
‫روابــط بيــن أزمــة المنــاخ وظهــور األوبئــة‪ .‬ومــن َّ‬ ‫العا َلــم» و«األمل في إنقــاذ الكوكب»‪...‬‬ ‫«االقتــراب مــن نهايــة َ‬
‫أن هــذه الرســالة قــد وصلــت بقــوة اآلن‪ ،‬حتى لدى الســلطات‬ ‫حدثنــا‪ ،‬فــي أي منطقــة تجــد نفســك فــي الوقــت الحالــي؟‬ ‫ِّ‬
‫المختلفــة‪ .‬فقــد باتــت اإلنســانية علــى حافة الهاويــة‪ ..‬وعلينا‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬أجدنــي ممزقــ ًا بيــن النقطتيــن‪ ،‬علــى األرجــح‪ .‬مــن‬
‫جميعـ ًا تلقــي إنــذارات الطبيعــة علــى محمــل الجــد‪.‬‬
‫العا َلــم‬
‫ناحيــة‪ ،‬تقودنــي الفرضيــات العلميــة البحتــة إلــى أن َ‬
‫النبــرة التــي تبنيتهــا فــي كتابــك تكشــف أنــك قــد واجهــت‬ ‫ال يعمــل علــى نحــو جيــد‪ ،‬فــا يــزال يتزايــد تركيــز الغــازات‬
‫تســاؤالت بســبب مســحة التفــاؤل التــي مازالــت تتمســك بهــا‬ ‫الدفيئــة فــي الغــاف الجــوي بســرعة مخيفــة‪ ،‬علــى الرغــم‬
‫مــن اتفاقيــة باريــس للمنــاخ‪ ،‬وقتامــة التقاريــر الصــادرة عــن‬
‫رغــم ســوداوية الحقائــق التــي تســوقها‪ .‬لقــد كتبت‪« :‬البشــرية‬
‫ـذرة‬‫بتغيــر المنــاخ والمنـ ِ‬
‫ُّ‬ ‫الهيئــة الحكوميــة الدوليــة المعنيــة‬
‫اآلن تقتــرب مــن حافــة الهاويــة»‪ ،‬والواقع يؤكد ذلك‪ :‬درجات‬
‫الممارسات‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬تســتمر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بســيناريوهات كارثية‪ .‬ومن‬
‫حــرارة قياســية تقــارب ‪ 50‬درجــة مئويــة تســود حاليـ ًا في الهند‬
‫المتوقــع أنهــا ســتحدث‪.‬‬ ‫التــي لــم يكــن مــن ُ‬
‫وباكســتان‪ .‬عــاوة علــى بــدء موســم حرائق الغابــات في غرب‬
‫المتحــدة بعنــف وبشــكلٍ غيــر مألــوف فــي ٍ‬
‫وقت مبكر‬ ‫الواليــات ُ‬ ‫مــاذا تقصــد بالتحديــد؟ أتقصــد ناشــطة المنــاخ الســويدية‬
‫المنظَّ مة العالمية لألرصاد الجوية أن تكون‬ ‫جداً‪ .‬كما تتوقع ُ‬ ‫«غريتــا ثونبيــرج» والحركــة الدوليــة الشــبابية «فرايــدي مــن‬
‫المقبلة أكثر سخونة من السنوات الخمس‬ ‫السنوات الخمس ُ‬ ‫المســتقبل»؟‬
‫أجــل ُ‬
‫الماضيــة»‪ ..‬كيــف تمســكت باألمــل وســط كل هــذه النتائــج‬
‫ـدد فقــط محــض التركيــز علــى‬ ‫‪ -‬مســتقبل المنــاخ لــن يتحـ َّ‬
‫الصادمة؟!‬
‫ـول فــي األرصــاد الجويــة التــي تهدد بخلــق ظواهر‬ ‫نقــاط التحـ ُّ‬
‫‪ -‬ليــس هــذا كل شــيء‪ ،‬بــل يمكــن ســرد المزيــد والمزيــد‬ ‫جديــدة ال رجــوع فيهــا داخــل النظــام المناخــي‪ ،‬وإنمــا هنــاك‬
‫ـدي أمــل‪.‬‬
‫مــن األمثلــة الصادمــة؛ ولكــن رغــم ذلــك‪ ،‬ال يــزال لـ ّ‬ ‫ـول اجتماعية يمكــن العمل عليهــا وبمقدورها‬ ‫أيضـ ًا نقــاط تحـ ُّ‬
‫وبــدون هــذا األمــل‪ ،‬لــن أتم َّكــن مــن تأليــف كتــاب مثــل هــذا‪.‬‬ ‫أن تســفر عــن تحســن مفاجــئ فــي سياســة المنــاخ العالمية‪.‬‬
‫كتبتــه فــي األســاس بدافــع األمــل الــذي أثــق فــي قدرتــه علــى‬ ‫ـول هــذه‪ ،‬ال يجــب أن ننتظــر‬ ‫ومــن أجــل تفعيــل نقــاط التحـ ُّ‬
‫قلــب دفــة األمــور وإنقــاذ األرض التــي تتــأوه منــذ عقــود دون‬ ‫موافقــة الجميــع ومباركــة األغلبيــة‪ .‬الكتلــة المؤثــرة كافيــة ‪-‬‬
‫أن يلتفــت لهــا أحــد‪ ..‬وعلينــا أن نكــون واضحيــن‪ :‬إن الوقــت‬ ‫وأعتقــد أننــا نمتلكهــا‪« .‬ثونبيــرج» وحركــة «فرايــدي مــن أجــل‬
‫ينفــد‪ ،‬ولكــن ال يــزال بإمكاننــا تج ُّنــب أكبــر كارثــة‪ ..‬نعــم‪ ،‬لقد‬ ‫المســتقبل» مجــرد أمثلــة‪ ،‬وهنــاك المزيــد من هــذه النماذج‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪38‬‬
‫للمنتجــات‬ ‫المثــال فيمــا يخــص الضرائــب ورســوم االســتيراد ُ‬ ‫ا جداً‪ ،‬وأهدرنا الكثير من الوقت‪ .‬ولهذا الســبب‬ ‫انتظرنــا طويـ ً‬
‫ـم إنتاجهــا بشــكلٍ مســتدام‪ ،‬ســنضع أزمــة المنــاخ‬ ‫التــي ال يتـ ُّ‬ ‫ً‬
‫صــار الوضــع حرجـا اآلن‪ .‬لذلــك ال ينبغــي أن نقــف مكتوفــي‬
‫تحــت الســيطرة المبدئيــة‪ .‬كما ســيؤدي ذلك بــدوره إلى إجبار‬ ‫المشــكلة‪ ،‬فــا تــزال هنــاك نقطــة‬ ‫األيــدي مهمــا تعاظمــت ُ‬
‫هــذه الــدول علــى تحويــل صناعتهــا‪ ،‬التــي ينجم عنهــا كميات‬ ‫ـي التنبيــه إليهــا‪.‬‬
‫ضــوء للولــوج توجــب علـ َّ‬
‫كبيــرة للغايــة مــن انبعاثــات ثانــي أكســيد الكربــون‪ .‬و ُتغ ـرِق‬
‫بمنتجــات ال ينبغــي لنــا أن نشــتريها بعــد اآلن‪.‬‬ ‫«إن حل المشكلة بسيط بشكلٍ قابل للتحقق‪ ..‬على المرء‬
‫األســواق ُ‬
‫المتاحــة»‪ ،‬هكذا‬
‫فقــط أن يتبــع العقــل ويســتخدم اإلمكانيــات ُ‬
‫العا َلــم بهــذا الشــكل الفــج فــي‬
‫فــي رأيــك‪ ،‬لمــاذا يتخــاذل َ‬ ‫قلــت فــي كتابــك‪ ..‬لمــاذا إذن ال يحــدث ذلــك حال كونه ســه ً‬
‫ال‬
‫مواجهــة أكثــر مشــاكله إلحاح ـ ًا؟‬ ‫كمــا ذكــرت؟ وكيــف يمكن تغيير ذلك؟‬
‫‪ -‬النقــاش يطــول فــي هــذا األمر‪ ،‬لكن أحد األســباب هو أننا‬ ‫بالمناســبة‪ ،‬يهمنــي أن أخبــرك أنــه مــا مــن نقــص فــي‬ ‫‪ُ -‬‬
‫يعج باألزمــات‪ :‬الحروب‪ ،‬األزمــة االقتصادية‬ ‫نعيــش فــي زمن ُّ‬ ‫المشــكالت فيما‬ ‫ُ‬ ‫أكبر‬ ‫إحدى‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫تتمث‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ولك‬ ‫ـال‪.‬‬‫ـ‬ ‫الم‬ ‫وال‬ ‫ـول‬
‫الحلـ‬
‫ِ‬
‫العالَميــة وأزمــة اليــورو‪ ،‬موجــات الالجئيــن‪ ،‬واآلن جائحــة‬ ‫َ‬ ‫المصنعــة بشــكلٍ مســتدام‬ ‫المنتجــات ُ‬ ‫يلــي‪ :‬يجــب أن تكــون ُ‬
‫وحــرب فــي أوكرانيــا‪ .‬األزمــات اآلنيــة دائمـ ًا ما تجــذب االنتباه‬ ‫ـتدامة‪ .‬لكنهــا ال‬‫المسـ َ‬
‫المنافســة غيــر ُ‬ ‫ِ‬ ‫أرخــص مــن المنتجــات ُ‬
‫وتصــرف األنظــار عــن األهــوال طويلــة األمــد مثــل االحتبــاس‬ ‫تــزال مدعومــة بشــكلٍ كبيــر مــن جانــب الــدول‪ ،‬ســواء تمثــل‬
‫الحــراري أو انقــراض األنــواع‪ .‬لكــن فــي رأيــي‪ ،‬األزمــات طويلة‬ ‫المكثفــة‬
‫ذلــك فــي اســتخدام الوقــود األحفــوري أو الزراعــة ُ‬
‫األمــد أكثــر دراماتيكيــة مقارنــة باألزمــات قصيــرة األمــد‪ ،‬نظر ًا‬ ‫لوثــة للبيئــة‪ ،‬حيــث تزدهــر فــروع االقتصــاد‬ ‫الم ِّ‬
‫أو الصناعــات ُ‬
‫ألنــه ال يمكــن تالفــي خســائرها‪ .‬فبعــد الوبــاء‪ ،‬يمكننــا إعــادة‬ ‫بأكملهــا دون االضطــرار إلــى دفــع فاتــورة العواقــب البيئيــة‪.‬‬
‫العالَمــي‪ .‬حتــى البــاد التــي مزقتهــا الحــروب‬ ‫بنــاء االقتصــاد َ‬ ‫والواقــع أن األمــر ال يمكــن أن يســتمر علــى هــذا النحــو‪ .‬أي‬
‫يمكــن إعــادة إعمارهــا‪ .‬ولكن ماذا عن غالفنــا الجوي الذي هو‬ ‫يتحمــل‬
‫َّ‬ ‫شــخص يتســبب فــي إلحــاق الضــرر بالبيئــة‪ ،‬البــد أن‬
‫المنقرضــة التي يســتحيل‬ ‫عصــب الحيــاة؟ ومــاذا عــن األنــواع ُ‬ ‫ويتحمــل التكاليــف والخســائر التــي‬ ‫َّ‬ ‫مســؤولية ذلــك أيضــ ًا‬
‫اســتعادتها؟ يبــدو أن عــدم القــدرة علــى التفكيــر علــى المدى‬ ‫تكبدتهــا عامــة النــاس‪ .‬إذا قمنــا بتطبيــق ذلــك‪ ،‬علــى ســبيل‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪39‬‬
‫هــذه اإلجراءات‪ ،‬ســوف يبغــض الجمهور مثل هــذه الضرائب‬ ‫الطويــل هــو طبيعــة بشــرية وآفــة فكريــة تقودنــا إلــى الهاوية‬
‫وســتصبح حمايــة المنــاخ مصطلحـ ًا أكثــر عاطفيــة‪ .‬إذا شــعر‬ ‫التــي حــذَّ رت منهــا فــي كتابي‪.‬‬
‫النــاس أن حمايــة المنــاخ مفيدة لهم‪ ،‬ســيختلف األمــر كثيراً‪.‬‬
‫المخالفــات وإنفاقهــا‬
‫يمكــن عمــل صنــدوق لجمــع قيــم هــذه ُ‬ ‫فــي عــام ‪ ،1988‬حــذَّ ر مشــرفك علــى رســالة الدكتــوراه‪،‬‬
‫المتعثريــن اجتماعيــ ًا أو لتجديــد‬
‫للتخفيــف مــن معانــاة ُ‬ ‫الفيزيائــي األلمانــي الحائــز علــى جائــزة نوبــل العــام الماضي‪،‬‬
‫المــدارس بأمــوال مــن صنــدوق حمايــة المنــاخ‪ ..‬كل هــذه‬ ‫كالوس هاسلمان‪ ،‬من أن حرارة األرض يمكن أن ترتفع بشكل‬
‫المضــرة للبيئــة‬
‫ـد مــن الســلوكيات ُ‬
‫الممارســات يمكنهــا أن تحـ َّ‬
‫ُ‬ ‫ال رجعــة فيــه فــي غضــون ‪ 30‬عامـ ًا فقــط‪ .‬كمــا تزامن في نفس‬
‫المباشــر علــى العامة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بالنفع‬ ‫وتعود‬ ‫ـود‬‫ـ‬ ‫الحش‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫غض‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫وتحي‬ ‫ـم تأســيس الهيئــة الحكوميــة الدوليــة المعنيــة‬ ‫العــام‪ ،‬أنــه تـ َّ‬
‫بتغيــر المنــاخ (‪ ،)IPCC‬حيــث أدركــت المزيــد والمزيــد مــن‬ ‫ُّ‬
‫المطالبــة بتفعيــل مبــدأ‬
‫كثيــر مــن النــاس ينظــرون إلــى ُ‬ ‫الــدول ضــرورة القيــام بشــيء مــا‪ .‬ولكــن لألســف لــم يكــن ألي‬
‫«االســتدامة» باعتبــاره هجومـ ًا علــى أســلوب حياتهــم‪ ،‬والــذي‬ ‫مــن ذلــك فائــدة ملموســة‪ ،‬بــل علــى العكــس‪ :‬أكثــر مــن نصــف‬
‫مــن شــأنه الحــد مــن قدرتهــم علــى االســتمرار‪ ..‬كيــف تواجــه‬ ‫انبعاثــات ثانــي أكســيد الكربــون التــي جعلــت حياتنــا صعبــة‬
‫هــذا؟‬ ‫إل بعــد عــام ‪...1990‬‬ ‫حيــز الغــاف الجــوي ّ‬
‫للغايــة لــم تدخــل ِّ‬
‫‪ -‬البد من التركيز أكثر وأكثر على المكاســب‪ .‬فعلى ســبيل‬ ‫إذن‪ ،‬مــا جــدوى التحذيــرات؟!‬
‫المثــال‪ ،‬مــن شــأن تحديــد الســرعة علــى طريــق األوتوبــان أن‬
‫‪ -‬هنــاك مفارقــة حقيقيــة فيمــا تقــول‪ ،‬فمنــذ ذلــك الحين‪،‬‬
‫ينقــذ األرواح ويج ِّنبنــا االختناقــات المروريــة ويوفــر المــال‬
‫أخــذت العديــد مــن الــدول التــي كانــت تنتــج القليل مــن ثاني‬
‫ويقلــل االنبعاثــات‪ .‬وهــذا أمــر رائــع‪ ،‬إذ يتميــز وســط المدينــة‬
‫أكســيد الكربــون‪ ،‬بصــورة مفاجئــة‪ ،‬فــي التســبب بانبعــاث‬
‫الخالي من الســيارات بالهدوء واتســاع المساحات الخضراء‪.‬‬
‫كميــات هائلــة مــن ثانــي أكســيد الكربــون‪ ،‬وخاصــة الصيــن‪.‬‬
‫ـم‪ ،‬تتوافــر لدينــا مســاحة لتنفــس هــواء نقــي والتنــزه‬ ‫ومــن ثـ َّ‬ ‫واعتبــار ًا مــن عــام ‪ ،2020‬اســتأثرت الصيــن‪ ،‬وحدهــا‪ ،‬بمــا‬
‫ـن منــا ال يريــد ذلــك؟ لقد‬‫ـ‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ـة‪.‬‬‫ـ‬ ‫العام‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫المقاه‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـوس‬ ‫والجلـ‬
‫العالَميــة‬
‫يقــرب مــن ‪ 31‬بالمئــة مــن إجمالــي االنبعاثــات َ‬
‫لمقابلتــك ممتطيـ ًا دراجتــي‪ ،‬حيــث مارســت الرياضــة‪،‬‬ ‫جئــت ُ‬ ‫ســنوياً‪ .‬والواقــع‪ ،‬لــم يكــن هــذا متوقع ـ ًا فــي التســعينيات‪.‬‬
‫واستنشــقت الهــواء النقــي‪ ،‬مــا جعلني أكثر صحــة‪ .‬هذا أيض ًا‬
‫وإن كان ذلــك‬
‫ففــي أوروبــا‪ ،‬انخفضــت االنبعاثــات تدريجيـاً‪ْ ،‬‬
‫ثمــة‪ ،‬علينــا أن نخلق بدايــة جديدة‬ ‫مــا يحتاجــه كوكبنــا‪ .‬ومــن َّ‬
‫ال مــن ذلــك‪ ،‬نســتغرق فــي‬ ‫تحمــل رســائل إيجابيــة‪ .‬ولكــن بــد ً‬ ‫يحــدث ببــطء شــديد وبعيــد ًا عــن المســتوى المطلــوب‪ .‬كمــا‬
‫عمــا يجــب أن‬ ‫المتحــدة‪.‬‬‫تنخفــض االنبعاثــات الكربونيــة اآلن فــي الواليــات ُ‬
‫نقاشــات بائســة ال تســفر ســوى عــن التخلــي ّ‬
‫المســتقبل‪.‬‬ ‫يكــون عليــه الحال فــي ُ‬ ‫بــدورك كأحــد الباحثيــن والعاكفيــن علــى دراســة شــؤون‬
‫كــم مـ ّـرة تلقيــت رســائل مناهضــة مــن أشــخاص يعتقــدون‬ ‫المنــاخ‪ ،‬هــل تعتقــد أن األمــور قــد تســير في االتجــاه الصحيح‬
‫أنهــم يســتطيعون دحــض نتائــج علــم المنــاخ عبــر رســالة‬ ‫إذا وضعنــا الحقائــق علــى الطاولــة؟‬
‫مكونــة مــن بضــع كلمــات؟ وهــل يتفاعــل العديــد‬
‫إلكتررونيــة َّ‬ ‫بالتأكيــد‪ .‬كنــا نعتقــد أننــا ســننتقل تلقائيــ ًا مــن مرحلــة‬
‫مــن الشــباب اآلن مــع أزمــة المنــاخ بمزيد مــن الخوف واليأس‬ ‫معرفــة الحقائــق إلــى مرحلــة العمــل عليهــا‪ .‬وكان هــذا هــو‬
‫المســتقبل؟ ومــا مــدى‬
‫رضــة للخــداع فــي ُ‬
‫والشــعور بأنهــم ُع َ‬ ‫الخطــأ الكبيــر الــذي ارتكبنــاه كـ«باحثيــن» فــي جميــع أنحــاء‬
‫واقعيــة أننــا مــا زلنــا قادريــن علــى تحقيــق أهــداف باريــس‬ ‫المشــكلة بشــكلٍ‬‫العالَم‪ .‬ولكن ال يمكن اتهامنا بأننا لم نتابع ُ‬ ‫َ‬
‫المناخيــة؟‬ ‫كاف‪ .‬ففــي النهايــة‪ ،‬لقــد وضعنا اإلشــكالية علــى رأس جدول‬ ‫ٍ‬
‫‪ -‬أتلقــى يوميـ ًا الرســائل‪ .‬بعضهــا ليــس مســيئاً‪ ،‬وبعضهــا‬ ‫العالَمــي لعقــود مــن الزمــن‪ .‬كعلمــاء‪،‬‬ ‫األعمــال السياســي َ‬
‫مســيء جــد ًا وبعضهــا عنصــري‪ .‬لهــذا الســبب لســت نشــط ًا‬ ‫يمكننــا تقديم المعلومات ووضع اقتراحات وطرح الخيارات‪.‬‬
‫أعرض نفســي‬ ‫ـن عليهــم اتخــاذ القــرار‪ .‬لكننــا‪ ،‬لســوء‬ ‫لكــن الساســة هــم َمـ ْ‬
‫علــى وســائل التواصــل االجتماعــي‪ .‬وال أريد أن ِّ‬
‫المنحــدرة‪ .‬أتلقى أيض ًا رســائل عديدة‬ ‫الحــظ‪ ،‬لــم نتوصــل إلــى االســتنتاجات الصحيحــة‪ ،‬بعــد‪.‬‬
‫للعواصــف والنقاشــات ُ‬
‫مــن جيل الشــباب‪ ،‬وأحــاول تهدئــة مخاوفهم‪ .‬فدائمـ ًا أوضح‬
‫كيف يمكنك القيام بذلك على نح ٍو أفضل؟‬
‫لهــم أن األمــر بأيدينــا‪ .‬ال يمكننــا فــي الواقــع منــع المنــاخ مــن‬
‫أن يصبــح أكثــر دفئ ـاً‪ ،‬لكــن مــدى دفئــه يعتمــد علــى كيفيــة‬ ‫‪ -‬مــن الصعــب جــد ًا علــى السياســيين أن يجــدوا قبــو ً‬
‫ال‬
‫المســتقبل‪ .‬أحاول أيضـ ًا أن أوضح للناس‬ ‫تصرفنــا جميعـ ًا في ُ‬ ‫ُّ‬ ‫المتعــارف عليهــا‪،‬‬‫اجتماعيـ ًا بشــأن التدابيــر الضروريــة غيــر ُ‬
‫ـب أهــداف اتفاقية باريس‬ ‫العا َلــم لــن ينتهــي حتــى لو لم نلـ ِ‬
‫أن َ‬ ‫مثــل‪ :‬فــرض الضرائــب البيئيــة‪ ،‬وتســعير الكربــون فــي صــورة‬
‫ٍ‬
‫بكلمات معســولة‪..‬‬ ‫لحمايــة المنــاخ‪ .‬ال أحــاول طالء الحقيقة‬ ‫ـد المســموح بــه‪ ،‬وكذلــك فــرض‬ ‫ـدى الحـ َّ‬
‫ـن يتعـ َّ‬
‫لمـ ْ‬
‫غرامــات َ‬
‫ولكــن عبــارات «ســنموت جميعــاً» ومــا شــابه تأتــي بنتائــج‬ ‫حظــر ومقاطعــات ‪ -‬ولكــن يجــب علــى الساســة دائمـ ًا توخــي‬
‫عكســية‪ .‬يجــب أن نتوخــى الحــذر عنــد انتقــاء مفرداتنــا ومــع‬ ‫المواطنيــن‪ .‬إذا جرى تفعيل مثل‬ ‫الحــذر حتــى ال يثقلوا كاهل ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪40‬‬
‫هــذه المرحلــة الحرجــة‪ .‬وفيما يخــص إمكانيــة خفض معدل‬ ‫وأل نفــرط فــي إدارة هــذا الملــف بطــرق‬ ‫إطــاق التحذيــرات ّ‬
‫احتــرار األرض‪ ،‬أرى أن هــذا غير ممكــن‪ ،‬نظر ًا لبقاء ذرات غاز‬ ‫غيــر حكيمــة‪ .‬هــذا ينطبــق أيضـ ًا علــى وســائل اإلعــام ولغتها‬
‫ـدة قرون‪.‬‬ ‫ثانــي أكســيد الكربــون عالقة فــي الغالف الجوي لعـ ّ‬ ‫فــي هــذا الملــف التــي تخاطــب بهــا الجماهيــر‪ .‬علينــا التأكــد‬
‫وحتــى إذا انخفضــت االنبعاثــات الســنوية بشــكلٍ كبيــر فــي‬ ‫مــن أننــا ال ننقــل ســيناريوهات الرعــب‪ ،‬فحســب‪ .‬والحقيقــة‬
‫المســتقبل‪ ،‬فــإن الكميــة اإلجمالية لثاني أكســيد الكربون في‬ ‫ُ‬ ‫ـد مــن ارتفــاع درجــة حــرارة األرض‬ ‫أننــا لــن نتمكــن مــن الحـ ِّ‬
‫الغــاف الجــوي ســتظل تــزداد وســيزداد تأثيرهــا علــى المنــاخ‬ ‫إلــى ‪ 1.5‬درجــة مئويــة‪ .‬لكــن هــدف البقــاء دون الوصــول إلــى‬
‫بشــكلٍ أكبــر‪ .‬مــن الصعب حق ًا خفض معــدل االحترار‪ ،‬ولكن‬ ‫درجتيــن ال يــزال فــي متنــاول اليــد‪ .‬وســيكون إنجــاز ًا كبيــراً‪.‬‬
‫يمكننــا فقــط إيقافــه حتــى ال يزيــد‪ ،‬أي علينــا ّأل نتســبب فــي‬ ‫العا َلــم ذلــك‪ ،‬عليــه الشــروع في تغيير شــبه فوري‪.‬‬ ‫فــإذا أراد َ‬
‫إطالق المزيد من ذرات ثاني أكســيد الكربون «الصافي» بدء ًا‬ ‫المتمثــل فــي الرغبــة فــي‬‫ُ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫الصناعي‬ ‫ـدول‬‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـض‬‫ـ‬ ‫بع‬ ‫إن موقــف‬
‫مــن اآلن وحتــى عــام ‪ 2050‬إذا كنــا نريــد ّأل تتجــاوز الزيــادة‬ ‫رفــع انبعاثــات ثانــي أكســيد الكربــون الهائلة إلــى ذروتها قبل‬
‫المتوقعــة لدرجة حــرارة األرض درجتان مئويتان‪ .‬وبخصوص‬ ‫فتــرة وجيــزة مــن عــام ‪ 2030‬هــو موقــف غيــر مقبــول تمامـاً‪،‬‬
‫ُ‬
‫إمكانيــة عــزل ذرات ثاني أكســيد الكربون وفصلها عن الهواء‪،‬‬ ‫وينبغــي التصــدي لــه‪ .‬قــد تســاعد أوراق الضغــط االقتصــادي‬
‫فــا أعتقــد أن ذلــك ممكنـاً‪ .‬تكلفــة هــذه األنظمــة‪ ،‬ومتطلبات‬ ‫مــن خــال فــرض التعريفــات الوقائيــة‪.‬‬
‫الطاقــة الخاصــة بهــا‪ ،‬ومقــدار ثانــي أكســيد الكربــون الــذي‬
‫يبلــغ تركيــز ثانــي أكســيد الكربــون فــي الغــاف الجــوي اآلن‬
‫يمكنهــا تحييــده بالفعــل‪ -‬كل هــذه األشــياء ليســت واضحــة‬
‫حوالي ‪ 421‬جزءاً في المليون‪ .‬إنه بالفعل أعلى بنسبة ‪ 50‬في‬
‫ســمى بـ«تكنولوجيــا االنبعاثــات‬ ‫الم َّ‬
‫حتــى اآلن‪ .‬الســيناريو ُ‬ ‫المئة مما كان عليه قبل التصنيع‪ ،‬وأعلى من أي ٍ‬
‫وقت خالل‬
‫المســتقبل‪.‬‬ ‫الســلبية» هــو فــي الواقــع رهــان غامــض علــى ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫الثالثــة مالييــن عامـ ًا الماضيــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال تــزال البشــرية‬
‫ـد مــن انبعاثــات ثانــي‬
‫واألحــرى أن نتعامــل مــع الحاضــر بالحـ ِّ‬ ‫بعيدة عن فكرة التخلي عن االنبعاثات الكربونية‪ ..‬أال تسحق‬
‫أكســيد الكربــون‪ ،‬اآلن‪.‬‬
‫هــذه الحقائــق تفاؤلــك؟ وهــل يمكننــا خفــض معــدل احتــرار‬
‫حوار‪ :‬ماركو إيفرز ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬شيرين ماهر‬ ‫المســتقبل‪ ،‬باســتخدام الوســائل التقنيــة لعــزل‬ ‫األرض‪ ،‬فــي ُ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ذرات ثاني أكســيد الكربون؟‬
‫هوامش‪:‬‬
‫‪ - 1‬تكنولوجيــا االنبعاثــات الســلبية (‪ :)CDR‬هــو مصطلــح يشــير إلــى إزالــة ثانــي أكســيد‬ ‫‪ -‬طالمــا أن هنــاك فرصــة للحــد مــن االحتــرار‪ ،‬فعلينــا أن‬
‫للموازنــة مــع انبعاثــات‬ ‫الكربــون بطــرق بشــرية مــن الغــاف الجــوي وعزلــه لفتــر ٍة طويلــة‪ُ ،‬‬ ‫نكافــح مــن أجــل تحقيــق ذلــك‪ .‬كل الكســور مهمــا بلغــت‬
‫ـدة أســاليب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـطة‬ ‫ـ‬ ‫بواس‬ ‫الغــازات الدفيئــة الناتجــة عــن حــرق الوقــود األحفــوري‪ .‬وذلــك‬
‫عدلــة‪.‬‬‫الم َّ‬
‫المحســنة والزراعــات ُ‬ ‫كالتشــجير والتجويــة ُ‬ ‫األهمية هنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وإن كانــت ُعشــر درجــة‪ ،‬شــديدة‬‫ضآلتهــا‪ ،‬حتــى ْ‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫علــى أي حــال‪ ،‬ال يوجــد شــيء فــي الفيزياء يمنعنــا من إبطاء‬
‫االحتــرار‪ .‬ومــا نحتاجــه اآلن ‪-‬بصــور ٍة ملحــة‪ -‬هــو بــدء نقــاش‬
‫‪https://www.spiegel.de/wissenschaft/mojib-latif-ueber-wege-aus-der-kli-‬‬
‫‪makrise-mit-der-zukunft-wettet-man-nicht-a-03599cc2-70e8-49db-841b-‬‬
‫‪52158eae5374‬‬ ‫واع حــول الطريقــة التــي نريــد أن نســلكها خــال‬ ‫مجتمعــي ٍ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪41‬‬
‫يوميات شاردة‬

‫عمران املليح‪:‬‬
‫حالة استثنائية يف األدب املغربي‬
‫ـعف العبــارة‪ ،‬ويتســع التخييــل‬ ‫ـت ُمحقـ ًا أيهــا العزيــز عمــران‪ ،‬عندمــا سـ َ‬
‫ـلكت ســبيل اإلبــداع األديب‪ ،‬حيــث تسـ ُ‬ ‫كنـ َ‬
‫لالقــراب مــن التجــارب واملشــاعر املعقــدة‪ ،‬وحيــث نســتطيع أن نعانــق فســحة العــوامل ا ُ‬
‫ملمكنــة التــي تحــاول‬
‫الرقابــة عبثـ ًا‪ ،‬أن تحرمنــا مــن الولــوج إليهــا‪..‬‬

‫توجــه عمــران فــي‬ ‫اإلنســانية واألخالقيــة هــي التــي كانــت ِّ‬ ‫ال أطلق صفة االستثنائية على الكاتب المغربي اليهودي‬
‫مســار ِه الحياتــي؛ إذ نجــده يبادر‪ ،‬ســنة ‪ ،1959‬إلى االســتقالة‬ ‫إدمــون عمــران المليــح‪ ،‬ألنــه نشــر أول روايــة لــه عندما بلغ‬
‫مــن المكتــب السياســي للحــزب الشــيوعي‪ ،‬عندمــا اكتشــف‬ ‫الســتين مــن عمــره‪ ،‬وإنمــا لكونــه عــاش تجربــةً ملتبســة‬
‫فظائــع ســتالين وانحرافــات النظــام الســوفياتي عــن مبــادئ‬ ‫مــع موهبتــه اإلبداعيــة بســبب انخراطــه المبكر فــي النضال‬
‫بالمســاواة وتحرير الفرد‬ ‫بشــرة ُ‬ ‫الم ِّ‬
‫األيديولوجيــة الماركســية ُ‬ ‫السياســي خــال فتــرة اســتعمار فرنســا للمغــرب (‪1912-‬‬
‫لينخرط‬ ‫من االســتغالل‪ .‬اســتقال عمران من النضال الحزبي َ‬ ‫وتحملــه مســؤولية القيــادة فــي المكتــب السياســي‬ ‫ّ‬ ‫‪،)1956‬‬
‫زوادتــه ذخيــر ًة مــن‬ ‫ا فــي ّ‬ ‫فــي مغامــرة اإلبــداع األدبــي‪ ،‬حامـ ً‬ ‫ـدم اســتقالته مــن‬ ‫للحــزب الشــيوعي المغربــي‪ ،‬قبــل أن يقـ ِّ‬
‫الذكريــات‪ ،‬ومتابعـ ًا ِل َمــا كان ُينشــر مــن روايــات فــي فرنســا‬ ‫تميــزة نحو‬‫ُ ّ‬ ‫الم‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫رحلت‬ ‫الحــزب والسياســة ســنة ‪ ،1959‬ليبــدأ‬
‫ــزودا بتكوينــه الفلســفي‪.‬‬ ‫وم ّ‬ ‫وإســبانيا وأميــركا الالتينيــة‪ُ ،‬‬ ‫ا معه ذاكرة ممتلئة وشــك ً‬
‫ال‬ ‫اإلبــداع الروائــي والفكــري حامـ ً‬
‫ً‬
‫ـول فــي حياتــه كشــف أمامــه أفق ـا آخــر‪ ،‬يمكــن‬ ‫وهــذا التحـ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ـن ســبقوه بصمــات تســتحق‬ ‫جمالي ـ ًا ال ِفتــا ً‪ُ ،‬مضيف ـ ًا إلــى َمـ ْ‬
‫أن نلخصــه فــي الســؤال التالــي‪ :‬هــل تكفــي األيديولوجيــة‬ ‫االعتبــار والتحليــل ‪.‬‬
‫الثوريــة الســتيعاب تعقيــدات عالقات الفــرد بالمجتمع؟ هل‬ ‫ارتبطــت حيــا ُة عمران (‪ )1917-2010‬بمراحل أساســية من‬
‫الملتصقــة باختبــارات الحيــاة‬ ‫تكفــي لإلجابــة عــن األســئلة ُ‬ ‫مســيرة المغــرب نحــو االســتقالل‪ ،‬ثــم مشــروع بنــاء الدولــة‬
‫تبــدد الشــكوك والمخــاوف‬ ‫وهمومهــا؟ هــل األيديولوجيــة ِّ‬ ‫المبكِّ ر‪ ،‬ضرورة‬ ‫الوطنيــة الديمقراطيــة‪ .‬وقد أدرك منذ شــبابه ُ‬
‫ـوالت القيــم؟‬ ‫ـدرة مــن أســئلة الوجــود وتحـ ُّ‬ ‫المتحـ ِّ‬‫ُ‬ ‫مقاومــة االســتعمار‪ ،‬والمحافظــة علــى وحــدة صفوف جميع‬
‫هــذه الزاويــة‪ ،‬يمكــن القــول بــأن نــزوح عمــران مــن‬ ‫المكونة للشــعب المغربي‪ ،‬وفي مقدمتها عشــيرته‬ ‫ِّ‬ ‫العناصر‬
‫السياســة إلــى األدب جــاء نتيجــة ِل َشــكّ ِه فــي فاعليــة‬ ‫ـم‪ ،‬كان‬ ‫المنغرســة منــذ قــرون فــي صلــب المجتمــع‪ .‬و ِمـ ْ‬
‫ـن ثـ َّ‬ ‫ُ‬
‫وجد في فســحة‬ ‫َ‬ ‫األيديولوجيــة التــي كان يؤمــن بهــا؛ وبذلــك‬ ‫ضمــن مجموعة الشــباب التــي انخرطت في الحركــة الوطنية‬
‫قر ُبــه مــن الحقائــق المتواريــة وراء الشــعارات‬ ‫اإلبــداع مــا ُي ّ‬ ‫الفرنَســة والتفرقــة بيــن صفــوف المناضلين‬ ‫لتقــاوم مشــاريع ْ‬
‫بوابــة األدب‬ ‫والحلــول الجاهــزة‪ .‬والعنصــر الــذي فتــح لــه ّ‬ ‫مــن أجــل تحرير الوطن‪ .‬ألجل ذلك‪ ،‬ســتصبح مســألة تهجير‬
‫نظر له‬
‫َ‬ ‫ـرة‪،‬‬‫ـ‬ ‫العميــق‪ ،‬هــو اعتمــاده علــى مفهــوم دقيــق للذاك‬ ‫اليهــود المغاربــة إلــى إســرائيل‪ ،‬بعــد االســتقالل‪ُ ،‬جرحــا‬
‫ـن الذي اعتمد في قراءاته لمارســيل‬ ‫الفيلســوف والتــر بنياميـ ْ‬ ‫نازف ـ ًا فــي كتابــات عمــران‪ ،‬ألنــه اعتبــره جريمــةً تتمثــل فــي‬
‫بروســت وكافــكا وجويــس علــى ربــط الذاكــرة بالحاضــر‪،‬‬ ‫تهجيــر مئــات اآلالف مــن اليهــود مــن أوطانهــم العربيــة‪،‬‬
‫ومنتهــي‬ ‫واعتبــار األليغوريــا عنصــر ًا هادم ـ ًا ِل َمــا هــو ســلبي ُ‬ ‫أرض فلســطينية ُه ِّجــر أهلهــا وأصبحــوا ضحيــة للعنــف‬ ‫إلــى ٍ‬
‫الصالحيــة‪ ،‬تمهيــد ًا لتشــييد الجديــد‪...‬‬ ‫واالحتــال‪ .‬ولعــلّ الصفحــات األولــى مــن روايتــه “المجــرى‬
‫قدمــة التــي كتبهــا عمــران للطبعــة الثانيــة مــن‬ ‫الم ِّ‬‫فــي ُ‬ ‫الثابــت” (‪ )1980‬هــي أفضــل وأعمق شــهادة أدبية عن مأســاة‬
‫ـألتين علــى‬
‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـار‬‫ـ‬ ‫أث‬ ‫‪،2000‬‬ ‫ـنة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـت”‬ ‫ـ‬ ‫الثاب‬ ‫ـرى‬ ‫ـ‬ ‫“المج‬ ‫روايتــه‬ ‫اجتثــاث العشــيرة اليهوديــة مــن أرضهــا ولغتهــا وطقوســها‪.‬‬
‫جانــب مــن األهميــة‪ :‬تتع َّلــق األولــى بالصدمــة التــي أحدثهــا‬ ‫عبر عنه عمــران المليح‬ ‫وهــذا الموقــف اإلنســاني والسياســي َّ‬
‫االســتعمار فــي المغرب‪ ،‬حيث خلخــل نمط العيش وأحدث‬ ‫فــي مقالــه التاريخــي المنشــور في مجلــة “األزمنــة الحديثة”‬
‫رجة في التقاليد‪ .‬وكل ذلك انعكس على اللغة‪ ،‬إ ْذ أصبحت‬ ‫ّ‬ ‫التــي كان يــرأس تحريرهــا جــان بــولْ ســارتر‪ ،‬ســنة ‪،1977‬‬
‫ِ‬
‫المســيطر‪ ،‬ومــن‬ ‫ِ‬
‫ســتعمر‪،‬‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫لتفــوق‬ ‫ــدة‬ ‫جس‬
‫ُ ِّ‬ ‫م‬ ‫الفرنســية‬ ‫ـود مغاربــة ومغاربةٌ يهود”‪ .‬والواقــع أن الدوافع‬ ‫بعنــوان “يهـ ٌ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪42‬‬
‫بالبرقــوق‪ ،‬لحــم الخــروف (‪ )...‬الســمك المشــوي‪ ،‬طجيــن‬ ‫خــال المجــال األدبــي تج َّلــى هــذا الصــراع اللُّغــوي‪ .‬وقــد‬
‫الملوخيــة‪ .‬ملــذّ ات‪( .‬ص ‪ 118‬مــن الترجمــة العربيــة التــي‬ ‫اختــار عمــران أن يكتــب بلغــة تمتــزج فيهــا الفرنســية بلغــة‬
‫ـكاد؛ دار توبقــالْ ‪ ،‬الــدار البيضــاء‪. )1987 ،‬‬
‫ـي تيزلـ ْ‬‫أنجزهــا علـ ّ‬ ‫األم الكاشــفة لما‬‫الــكالم المغربيــة التــي يعتبرهــا هــي اللغة ّ‬
‫إن هــذا الفصــل الــذي كتبــه إدمــون عمــران المليــح ســنة‬ ‫ضمــر ومكبــوت‪ .‬والمســألة الثانيــة التــي طرحهــا فــي‬ ‫هــو ُم َ‬
‫نيتــه ألنــه يســتوحي ســلوك ًا يمكــن أن‬ ‫‪ ،1983‬لــم يفقــد ِ‬
‫راه ّ‬ ‫ذاكرتيــن‪ :‬واحــدة سياســية‬ ‫ْ‬ ‫قدمــة‪ ،‬هــي تمييــزه بيــن‬‫الم ِّ‬
‫تلــك ُ‬
‫ـرر فــي ســياقات متشــابهة مــن تاريــخ المغــرب وتاريــخ‬ ‫يتكـ َّ‬ ‫تختــزن األحــداث والمواقــف‪ ،‬والثانيــة حافلــة بالمشــاعر‬
‫مجتمعــات أخــرى‪ ،‬عندما يتعلَّق األمر بفتــرات اهتزاز القيم‪،‬‬ ‫ـرد علــى الماضــي لتفــرض‬ ‫واللحظــات الوجوديــة التــي تتمـ َّ‬
‫واختــاط المقاييــس والثقافات‪ .‬وهو في اآلن نفســه‪ ،‬نموذج‬ ‫والمســتقبل‪ .‬وهــذه الذاكــرة الثانيــة‬ ‫نفســها علــى الحاضــر ُ‬
‫لتوظيــف لغــة الــكالم فــي التشــخيص والســخرية الكاشــفة‪.‬‬ ‫هــي التي ســيعتمد عليها عمــران في كتابــة رواياته الخمس‪.‬‬
‫ـاه‬
‫توخـ ُ‬
‫ـد أن عمــران المليــح ربــح الرهــان الــذي ّ‬ ‫فعـاً‪ ،‬أجـ ُ‬ ‫ليلُ الحكي”‬ ‫أورد مقتطفـ ًا مــن روايته “أيـ ْ‬
‫ـان أو ْ‬ ‫ألجــل ذلــك‪ُ ،‬‬
‫يممــ ًا نحــو باريــس‬
‫عندمــا غــادر المغــرب ســنة ‪ُ ،1965‬م ِّ‬ ‫(‪ ،)1983‬مأخــوذ مــن فصــل يحمــل عنــوان‪“ :‬تحت نــار حفلة‬
‫تخصصــة فــي فلســفة‬ ‫الم ّ‬ ‫رفقــة زوجتــه مــاري سيســيلْ ‪ُ ،‬‬ ‫طاجيــن فاخــرة” ُيصور فيه مشــاهد من ســلوك ولغة النخبة‬
‫بنياميــن‪ ،‬ليبــدأ رحلــة جديــدة علــى طريــق اإلبــداع‬
‫ْ‬ ‫والتــر‬
‫ْ‬ ‫ـب االســتقالل ‪:‬‬ ‫المتبرجــزة ع ِقـ َ‬
‫المغربيــة ُ‬
‫الروائــي‪ ،‬ومراقبــة الوطــن والعالــم من خالل الرؤيــة األدبية‬ ‫أطبــاء‪ ،‬محامــون‪ ،‬خبــراء‬ ‫“كان هنــاك جا ِمعيــون‪ّ ،‬‬
‫المس ـلّمات‪ ،‬وتغامــر بطــرح‬ ‫ـك فــي جميــع ُ‬ ‫التــي تبيــح الشـ ّ‬ ‫ُ‬
‫أنصــاف آلهــة‪،‬‬ ‫فــي اليونيســكو‪ ،‬انطلقــوا مــن ال شــيء‪.‬‬
‫األســئلة الحميمــة التــي تتعالــى المنظومــات األيديولوجيــة‬ ‫تقنوقراطيون حملة المســتقبل األســر الكبيــرة‪ ،‬االنتهازيون‪:‬‬
‫حد ُســه عندمــا كتــب ‪:‬‬
‫عــن طرحهــا‪ .‬وقــد صــدق ْ‬ ‫كان بْاليْغــي‪ ،‬أبــوه‬
‫ـوه كان يبيــع الفــول الســوداني‪ ،‬أبــوه ْ‬ ‫“أبـ ُ‬
‫“تجربتــي كمناضــل ومفكِّ ــر‪ ،‬أجبرتْنــي علــى اختيــار أحــد‬ ‫ـن بفضل الله‪ ..‬الحمد لله”‪.‬‬ ‫خماسـاً‪ ،‬أبــوه كان ب ّناء‪ ،‬لكـ ْ‬ ‫كان ّ‬
‫إمــا كتابــة كتــاب سياســي‪ ،‬تحليلي‪ ،‬عــن تجربتي في‬ ‫أمريْــن‪ّ :‬‬ ‫ســهرة بهيجــة (‪ )...‬رمضــان و َّلــى‪ .‬حبــور‪ ،‬ضحــكات متوالية‪،‬‬
‫اقتنعت‬
‫ُ‬ ‫دت بشــأنه طويـاً؛ ثم‬ ‫ترد ُ‬
‫الحركــة الوطنيــة؛ وهو ما ّ‬ ‫طقطقــة األحاديــث‪ُ ،‬ج َمل متقطّ عة‪ ،‬نيــازك تخترق الفضاء‪:‬‬
‫ـف مــن هــذا النوع‪ .‬وإمــا‪ ،‬وهنا وقــع االنقالب‬ ‫بــا جــدوى تأليـ ٍ‬ ‫“لقــد ســافروا صبــاح اليــوم إلــى طوريمولينــوس‪ .‬ســيارتان‪.‬‬
‫الحاســم‪ ،‬اللجــوء إلــى خيار آخــر هــو األدب والكتابة”‪.‬‬ ‫ـن تعلــم‪ .‬أجــل‪،‬‬ ‫ـم تكـ ْ‬
‫ـت أمــس‪ ،‬ال لـ ْ‬ ‫كلّ األســرة‪ ،‬أمينــة رجعـ ْ‬
‫ـت ُمحقـ ًا أيهــا العزيــز عمــران‪ ،‬عندمــا سـ َ‬
‫ـلكت‬ ‫نعــم‪ ،‬كنـ َ‬ ‫ـات‪ .‬الحاج‬ ‫مــع زوجهــا‪ .‬كانا فــي باريس كالعــادة‪ ،‬التخفيضـ ْ‬
‫تســعف العبــارة‪ ،‬ويتســع‬‫ُ‬ ‫ســبيل اإلبــداع األدبــي‪ ،‬حيــث‬ ‫ـكين‪ .‬لقــد نــادوا علــى كبــار األطباء‪ ،‬ســيحملونه‬ ‫مريــض مسـ ْ‬
‫التخييل لالقتراب من التجارب والمشــاعر المعقدة‪ ،‬وحيث‬ ‫ـاول على الطريقة الغربية‪ ،‬شــيء‬ ‫ـ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫تن‬ ‫ي‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫طاجي‬ ‫إلــى باريــس”‪.‬‬
‫الممكنــة التــي تحــاول‬‫نســتطيع أن نعانــق فســحة العوالــم ُ‬ ‫جميــل وعصــري‪“ :‬خــذْ صحنــا وتنــاول الطعــام”‪ .‬نفــس‬
‫الرقابــة عبثـاً‪ ،‬أن تحرمنــا مــن الولــوج إليهــا‪ .‬محمــد برادة‬ ‫الدجاج‬
‫ْ‬ ‫والكبــدة ْمشــرملة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫الصحــن للبســطيلة والكســكس‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪43‬‬
‫ترجمات‬

‫ملف خاص‬

‫جاك دريدا‬
‫الوضوح‬
‫الذي حاولت أن ّ‬
‫أعقده‬
‫ـميزت أعامل الفيلسوف الفرنيس ذي األصول الجزائرية «جاك دريدا» (‪ )2004 - 1930‬بالفرادة والغموض‪.‬‬ ‫لطاملا ت ّ‬
‫األمــر الــذي جعــل أشــياعه ال يتوقفــون عــن إحيــاء أثــره منــذ رحيلــه يف خريــف (‪ .)2004‬وعــى غــرا ذلــك يقــدم هــذا‬
‫ـملف مختــارات مــن حــوارات ترفــع الحجــب عــن فلســفة نشــطة واكبــت عرص التحـ ّـوالت التقنيــة املفرطة‪ ،‬متحورت‬ ‫الــ ّ‬
‫حــول‪ :‬الحــدث‪ ،‬والضيافــة‪ ،‬والغرييــة‪ ،‬والعدالــة‪ ،‬والتعليــم الفلســفي‪ ،‬وفيهــا يســتحرض دريــدا التفكيــك كمامرســة‬
‫فكريــة يقظــة ومنفتحــة‪ ،‬تعيــد النظــر يف أعطــال التاريخ واإلنســانية ومآزق الديـــموقراطية‪.‬‬

‫تقديم وترجمة‪ :‬مـحمد بكاي‬


‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪44‬‬
‫جاك دريدا‬
‫حوارات حول الحدث‬
‫ّ‬
‫والضيافة‬ ‫والفلسفة‬

‫ال إلــى «هيغــل» و«هوســرل»‪ ،‬واالنتصــار للكتابة بهذه‬ ‫وصــو ً‬ ‫من خالل مســيرة حافلة بالنقاشــات والحوارات والكتابة‬
‫الداخل‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـفة‬‫ـ‬ ‫الفلس‬ ‫نقد‬ ‫هو‬ ‫والغريبة‬ ‫دة‬ ‫ـر‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫المتم‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الطريق‬ ‫اســتمرت أربعــة عقــود تقريبــا‪ ،‬حــاول‬ ‫ّ‬ ‫الفلســفية التــي‬
‫ومــن الخــارج معـاً؛ أي نســف لحدودهــا‪ ،‬وتحريــر لباطنهــا‪.‬‬ ‫«دريــدا»‪ ،‬ولــوج مواقــع حرجــة بيــن فهــم الواقــع اإلنســاني‬
‫ويتداخــل البرنامــج التفكيكي ضمن هــذه الرؤية التقويضية‬ ‫ومآالتــه المنفلتــة مــن ّأيــة محاولــة للترســيم والتحديــد‪.‬‬
‫(إذا اســتعرنا مصطلــح هايدغــر) مــع البرامــج التعليميــة‪،‬‬ ‫منــذ ظهــور أعمــال «دريــدا» البكــر‪ ،‬ســنة (‪ ،)1967‬شــكّ ل‬
‫ـاء‬
‫والسياســية‪ ،‬والتربويــة األخــرى‪ ،‬فتصبــح الفلســفة فضـ ً‬ ‫عصيــة عــن التصنيف‪ ،‬أو حدث ًا فلســفي ًا‬ ‫ّ‬ ‫«التفكيــك» فلســفة‬
‫ـق فكــري مضبــوط‪ ،‬هــو فضــاء «الالّمــكان»‬ ‫متحيــز لحـ ّ‬
‫ّ‬ ‫غيــر‬ ‫زلــزل مواقع الفلســفة التقليدية‪ ،‬وشـ ّتت إحداثياتها‪ ،‬وأعاد‬
‫الــذي ال بدايــة لــه وال نهايــة‪ ،‬بحســب قــول «دريــدا»‪.‬‬ ‫يميز هــذا التفكيــك (الدريــدي) هو‬ ‫النظــر فــي خرائطهــا‪ .‬مــا ِّ‬
‫أمــا اقتــراب التفكيكــي مــن النصــوص ‪-‬فلســفية كانــت‬ ‫ّ‬ ‫رهانه على تفكير ينشــأ من الســؤال واالحتمال الـــمستحيل‬
‫أم أدبيــة‪ -‬فيكــون كشــف ًا الحتماالتهــا ورصــد ًا لتوقّعاتهــا‪.‬‬ ‫للحــدث‪ ،‬واعتمــاده علــى طريقــة مق ّنعــة وملتويــة لإلجابة‪،‬‬
‫متبصــرة لالختــاف غيــر القابــل‬
‫ّ‬ ‫ـك التشــفير هــو رؤيــة‬ ‫إن فـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حــدة الغمــوض وكثافــة‬ ‫ّ‬ ‫مــن خاللهــا يضاعــف التفكيــك‬
‫لالختــزال الــذي يثــري النصــوص‪ .‬وهنــا‪ ،‬يســتثمر «دريــدا»‬ ‫الســؤال‪ ،‬فــا يجيــب عــن مضمــون الســؤال ومحتــوى‬
‫مفهــوم الكتابــة كمزيــج بيــن األدبــي والفلســفي‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يحددهــا ليثبتهــا‪ ،‬بــل يعرض احتمالية األســئلة‬ ‫المعرفــة أو ّ‬
‫خاصة‪.‬‬‫ّ‬ ‫وســم نصوصــه‪ ،‬أو منحهــا بصمــة تخييلية فلســفية‬ ‫وهــي تتق ّلــب بيــن «نعم» و«ال»‪ ،‬فهــو ال يفترض ّأيــة إجابات‬
‫فبين األدب والفلســفة تتع ّقد الصالت‪ ،‬وتتواشج‪ ،‬وتتشابك‬ ‫مســبقة وســاكنة بقــدر مــا يفتــح الجبهــات علــى ديناميــة‬
‫حيــز مثيــر لالهتمــام؛ وهــو مــا طبــع نصوصه‬ ‫قوانينهمــا فــي ّ‬ ‫األول هــو االحتمــال واإلزاحــة‪ ،‬أي ما ي ّتصل‬ ‫نص ّيــة‪ ،‬شــرطها ّ‬ ‫ّ‬
‫الطالئعيــة مثــل «نواقيــس» أو «التشــظّ ي»‪ .‬وطبعــت هــذه‬ ‫«فردي ًا وفريــداً» منفلت ًا من محاولة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫حدث‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫بوصف‬ ‫ـدث؛‬ ‫ـ‬ ‫بالح‬
‫يقوض األنســاق‬ ‫الســمة االختالفيــة خطابــه الفلســفي الذي ّ‬ ‫ِّ‬ ‫االســتيالء علــى المعرفــة‪ .‬عــداوة التفكيك لألنســاق رافقت‬
‫التحديديــة‪ ،‬وينســف أوهامهــا‪ .‬عبــر هــذه الحــوارات‪ ،‬يثيــر‬ ‫ـدث عــن مغامرة فرديــة جريئة عبر‬ ‫رحلتــه الفلســفية‪ ،‬ليتحـ ّ‬
‫«جــاك دريــدا» أســئلة مــن قبيــل‪« :‬ما هــي الفلســفة؟» و«ما‬ ‫الكتــاب والكتابــة‪ ،‬مغامــرة تســائل الســياقات السياســية‪،‬‬
‫هــو األدب؟»‪ .‬فمــا تســير علــى هديــه التفكيــكات (الدريدية)‬ ‫والســياقات التاريخيــة‪ ،‬وتن ّقــب بحثـ ًا عــن جــذور الــذّ ات في‬
‫ـي‪ ،‬ال هــو أدبــي وال هــو فلســفي‪ ،‬إنــه شــكل‬‫هــو ضــرب برزخـ ّ‬ ‫كلّ مــكان‪ ،‬وزمــان‪ُ .‬يـــم ّثل التفكيــك حدث ـ ًا فلســفي ًا يطــارد‬
‫مق ّنــع أو ملتبــس وغيــر واضــح المالمح‪ ،‬مشـ ّتت الوجهات‪،‬‬ ‫‪-‬بشــكل مباغــت ومــرواغ‪ -‬مــا يأتــي مــن الماضــي أو مــن‬
‫يضحي بالعقالنيات ألجــل التلذّ ذ بكتابة‬ ‫ّ‬ ‫ـذري الجهــات‪،‬‬ ‫وشـ ّ‬ ‫المســتقبل المطلــق‪.‬‬
‫ـخر فيهــا البراهيــن لصالــح شــاعرية الفكــر واللّغة‪.‬‬ ‫تــ ّ‬ ‫ـرب لنا «دريدا» رؤيته للفلســفة‪،‬‬ ‫عبــر هــذه اللقاءات‪ ،‬يقـ ّ‬
‫آثــار المنعطــف اإلتيقــي للتفكيــك واضحــة‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬فــي‬ ‫ـادة علــى نفســها‪،‬‬ ‫وهــي رؤيــة جديــدة قوامهــا الثــورة المضـ ّ‬
‫هــذه الـــمقابالت‪ ،‬وهــو مــا طبــع أعمــال «جــاك دريــدا» فــي‬ ‫ـتمرد الــذي يشــاركه فيــه بقيــة أبنــاء جيلــه (فوكــو‪،‬‬ ‫وهــو الــ ُّ‬
‫التســعينيات؛ فبيــن الضيافــة والهجــرة وحقــوق اإلنســان‬ ‫ـرد علــى الفكر‬ ‫ألتوســير‪ ،‬دلــوز‪ ،‬كريســتيفا‪ .)...‬التفكيــك تمـ ّ‬
‫والعدالــة والقانون‪ ،‬زحزحت سياســة التفكيك ثوابت الفكر‬ ‫المركــزي الــذي طبــع التقاليــد الفلســفية‪ ،‬منــذ« أفالطــون»‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪45‬‬
‫يتغلغل فيه؛ هو ضرب من «الـــمستحيل الـــممكن» (‪L’im-‬‬ ‫ـدي للحقــوق‪ .‬فعمــل التفكيــك‬ ‫السياســي ألجــل تغييــر نقـ ّ‬
‫‪ )possible‬كمــا يشــترطه «دريــدا»‪ ،‬أي محاولتــه التفكيــر‬ ‫كان إصالحيــاً‪ ،‬رغــم ثورتــه الواضحــة‪ ،‬وقــد بــذل فيــه‬
‫بإمكانيــة المســتحيل‪.‬‬ ‫ـرري ليشــارك كلّ مث َّقــف‬ ‫«دريــدا» جهــد ًا باســم النقــد التحـ ّ‬
‫مــا يمكــن قولــه ‪-‬كمــا جــاء علــى لســان «دريــدا»‪ -‬هــو أن‬ ‫فــي االنتصــار لإلنســان‪ ،‬وتعطيــل أنســاق الثقافــة الدوليــة‬
‫التفكيــك ليــس نقــد ًا أو طريقــة أو منهجـاً‪ ،‬هــو جينيالوجيــا‬ ‫وجــه «دريــدا» نقــد ًا شرسـ ًا إلــى سياســات‬ ‫المهيمنــة‪ .‬كمــا ّ‬
‫الدهشــة‪ .‬ما‬ ‫ألفــكار ونصــوص ومفاهيــم تصنــع أحداثـ ًا تثير ّ‬ ‫فرنســا وتشــريعاتها بشــأن الـــمهاجرين‪ ،‬ودعــا‪ ،‬بصبغــة‬
‫الشــبح الــذي يعود دون اســتئذان‪،‬‬ ‫ـول عليــه التفكيــك هو َّ‬ ‫عـ ّ‬ ‫أخالقيــة متأ ِّثــرة بلغــة لفينــاس‪ ،‬إلــى إعــادة النظــر والنقاش‬
‫ولتلــك العــودة أثرهــا الخالــص الــذي ال يمكــن محــوه فــي‬ ‫فــي قضايــا الترحيــب باآلخــر الغريب عــن الثقافــة المركزية‬
‫الزمــان وفــي المــكان؛ لهــذا أولــى «دريــدا» اهتمامـ ًا بــه‪ ،‬لما‬ ‫األوروبيــة‪ ،‬ورأى فــي قوانيــن االندمــاج صهــر ًا للحميميــات‬
‫التنبــؤ بــه أو تمثِّلــه كمــا هــو فــي الفكــر‪ .‬حيــث‬
‫ُّ‬ ‫ال يمكــن‬ ‫الفرديــة‪ ،‬وتهميشــ ًا للذاكــرة الوطنيــة‪ ،‬لكــن «دريــدا»‬
‫ينفلــت الشــبحي (‪ )Le spectral‬مــن ّأية شــروط تحديدية‪،‬‬ ‫راهــن علــى فضــاء سياســي ومدنــي «غيــر مشــروط» ألجــل‬
‫ـميز بــه «دريــدا» عــن معاصريه‪،‬‬ ‫هــو حــدث معرفــي فريد تــ ّ‬ ‫ابتــكار أحــكام وظــروف أحســن؛ فالضيافــة الخالصــة التــي‬
‫خاصــة فــي كتابــه أطيــاف «ماركــس» الــذي ذكــره فــي أكثــر‬ ‫ّ‬ ‫ينشــدها هــي الترحيــب بالمضيــف قبــل وضــع شــروط لــه‪،‬‬
‫مــن موضع ضمن هذه الحــوارات‪ .‬بعبارات أخرى‪ ،‬التفكيك‬ ‫أي شــيء منــه‪ ،‬ســواء أكان‬ ‫قبــل معرفتــه وســؤاله أو طلــب ّ‬
‫الشــبح (‪ ،)Le spectre‬ويحتمل‬ ‫أســلوب فكــري يقتفــي أثــر ّ‬ ‫الهويــة‪ .‬تم ِّثــل التعديــات التي‬
‫ّ‬ ‫اســم ًا أم كان «أوراق» إثبــات‬
‫إمــكان وقوعــه‪ ،‬وهــو مــا تنكــره التضاريــس الفلســفية‪،‬‬ ‫اقترحهــا «دريــدا» تربيــة مدنيــة واحترامـ ًا لآلخــر وشــجاعة‬
‫ـورات المنطقيــة الـــمتمركزة عقالنياً‪ .‬مـــحمد بكاي‬ ‫والتصـ ّ‬ ‫سياســية‪ ،‬ومــا يدعــو إليــه ال ينتمــي إلــى اإلتيقــي بقــدر مــا‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪46‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مع ديدييه أوريبون‪ ،‬روبري ماجيوري وجان بيار ساغال‬
‫يف مديح الفلسفة‬
‫ـام‪ ،‬بالعلــوم‬
‫إن مبــادرات وزيــر البحــث «جــان بيــر شــوفينمو»‪ ،‬تزعــج‪ ،‬اليــوم‪ ،‬العــامل املحشـ ّـو‪ ،‬بشــكل عـ ّ‬
‫الدقيقــة والعلــوم االجتامعيــة أو اإلنســانية‪ .‬حتــى اآلن‪ ،‬ال نعــرف مــا الــذي قــد يخــرج مــن هــذه «الورشــة»‪ ،‬ســواء‬
‫ـادة والخالفــات واملناقشــات الجاريــة عــى‬ ‫جيــداً أم كان ســيئ ًا‪ :‬املشــاريع واملناقشــات‪ ،‬واملشــاريع املضـ ّ‬
‫أكان ّ‬
‫قــدم وســاق‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬هنــاك يشء واحــد واضــح‪ :‬الفلســفة منسـ ّـية متامـ ًا‪ ،‬ورغــم ذلــك‪ ،‬نحــن نتذكَّ ــر «الخــاف‬
‫النيــات (السـ ِّـيئة) للحكومــات الســابقة‪.‬‬
‫الفلســفي» واملناقشــات حــول الفلســفة التــي أثارتهــا ّ‬

‫الظــروف‪ ،‬وتع ّززهــا رســمياً‪ .‬تقترح (‪ ،)Greph‬أيضـاً‪ ،‬تقديم‬ ‫وجــد الفالســفة أنفســهم‪ ،‬بعــد حشــدهم فــي يونيــو‪/‬‬
‫الفلســفة في التعليم الثانوي في شــكلها النظامي المعترف‬ ‫العامــة للفلســفة‪ ،‬حيــث‬
‫ّ‬ ‫حزيــران (‪ ،)1979‬فــي الجمعيــة‬
‫بــه‪ ،‬مــع متطلّباتهــا ومعاييرهــا التقليديــة‪ ،‬لكن هــذه النقاط‬ ‫ـم اكتســاب الفكــرة‪ ،‬ليس دفاع ًا عن الفلســفة ّ‬
‫عمــا تمثِّله‪،‬‬ ‫َتـ َّ‬
‫المعنيــة‪ ،‬أي هــي‬
‫ّ‬ ‫يجــب مناقشــتها مــع جميــع الســلطات‬ ‫فحســب‪ ،‬كما يبدو واضحاً‪ ،‬بل امتداد ًا للتعليم الفلســفي‪،‬‬
‫بمعدل ســاعتين‬ ‫ّ‬ ‫المعنية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نقاط للمناقشــة مع كلّ الهيئات‬ ‫أيضـاً‪ .‬فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬كان االشــتراكيون‪ ،‬الذيــن لــم يكن‬
‫ألي‬
‫فــي األســبوع‪ ،‬مثــاً‪ ،‬ومــع الحقــوق المســموح بهــا ّ‬ ‫تصنيفهم ضمن أولئك الذين «يخشــون الفلسفة» ضرورياً‪،‬‬
‫ـدرس الفلســفة بتدريــس‬ ‫تخصــص أساســي آخــر‪ .‬يقــوم مـ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫قد اســتمعوا‪ ،‬بشــكل إيجابي‪ ،‬إلى المقترحات الصادرة عن‬
‫ما ن َّتفق على تســميته ‪-‬بالمعنى الدقيق للكلمة‪( -‬الفلســفة‬ ‫العامة (‪ .)des États Généraux‬كان «فرانسوا‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيات‬
‫المؤسســية)‪ ،‬ولكــن‪ ،‬مــن ناحية أخرى‪ ،‬باال ِّتفــاق مع مم ّثلي‬ ‫ّ‬ ‫ميتــران» قــد أكّ ــد‪ ،‬قبــل االنتخابــات‪ ،‬أن تدريــس الفلســفة‪،‬‬
‫التخصصــات األخــرى‪ ،‬وفقـ ًا ألشــكال جديدة‪ ،‬علــى محتوى‬ ‫ُّ‬ ‫ـيتم الحفاظ عليه‬ ‫مع وجود االشتراكيين في السلطة‪« ،‬ســــ ّ‬
‫ا أو سـ ّـيئ ًا فــي التوزيــع الحالي‬
‫ا ضئيـ ً‬
‫جديــد‪ ،‬وال يــزال تمثيـ ً‬ ‫وتطويــره»‪ .‬اليــوم‪ ،‬يحضر االشــتراكيون في الســلطة‪ ،‬فماذا‬
‫ـيتم ممارســة شــيء مــا بقــدر مــا‬ ‫لمجــاالت التدريــس‪ ،‬سـ ّ‬ ‫عــن الوعــود‪ ،‬إذاً؟ وزيــر التربيــة الوطنيــة «آالن ســافاري»‪،‬‬
‫ـم تدريســه‪ ،‬أي مــا يشــبه التفكيــر فــي حــدود الفلســفة‪،‬‬ ‫يتـ ّ‬ ‫علــى عكــس زميلــه فــي البحــث‪ ،‬صامــت للغايــة‪ .‬لقــد طلبنا‬
‫إذا أمكــن خــارج البرنامــج‪ ،‬وبأكبــر قــدر ممكــن مــن الخلق‪،‬‬ ‫مــن «جــاك دريــدا» الــذي كان دائم ـ ًا فــي طليعــة الكفــاح‬
‫لالبتــكار المشــترك‪ .‬فــي هــذا الفضــاء ال ّتوضيحــي‪ ،‬ســيكون‬ ‫ـدم‬‫مــن أجــل «الفلســفة»‪ ،‬وهــو علــى رأس (‪ ،)Greph‬أن يقـ ّ‬
‫للفالســفة والفلسفة (بالمعنى األوسع واألحدث) نصيبهم‪،‬‬ ‫مســاهمته‪ ،‬التــي قــد تبــدو تســاؤ ً‬
‫ال ضرورياً‪.‬‬
‫وهــو جــزء غيــر راجــح ســيكون متاحاً‪ ،‬فــي مجملــه‪ ،‬لجميع‬
‫المعلِّميــن ولــكلّ الطــاب‪ ،‬وهــذا يفتــرض إجــراء إصــاح‬ ‫مقرتح (‪)GREPH‬‬
‫أي مــكان‬‫عميــق للنظــام ولألعــراف داخــل المدرســة‪ ،‬وفــي ّ‬ ‫تقتــرح (‪ ،)Greph‬وهــي مجموعــة بحثيــة حــول تدريــس‬
‫آخر‪.‬‬ ‫مبدئيـ ًا يؤكّ ــد التزامات رئيــس الجمهورية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفلســفة‪ ،‬قــرار ًا‬
‫ـيتم تقديــم تدريــس‬‫وينفِّذهــا‪ :‬فــي أقــرب وقــت مـــمكن‪ ،‬سـ ّ‬
‫ج‪.‬دريدا‬ ‫الفلســفة‪ ،‬والحفــاظ عليــه فــي جميــع أقســام التعليــم‬
‫‪Qui a peur de la philosophie? et Les États Gé-‬‬ ‫يتم تحديد هــذا التاريــخ والقرار‪،‬‬
‫النهائــي‪ .‬مــن جهــة ثانيــة‪ّ ،‬‬
‫‪néraux de la philosophie (Flammarion, Collec-‬‬ ‫المعنيــة‪ ،‬و ‪-‬عالوة‬
‫ّ‬ ‫وســتجمع األعمــال مــن جميع األطــراف‬
‫‪tion Champs).‬‬ ‫ـيتم مضاعفة التجارب‪ ،‬ليــس فقط في بعض‬ ‫علــى ذلــك‪ -‬سـ ّ‬
‫المتخصصــة فــي التجريــب‪ ،‬بــل حيثمــا‬
‫ّ‬ ‫المــدارس الثانويــة‬
‫ليبيراســيون‪ :‬فــي مناســب َت ْين‪ ،‬تعـ َّـرض «فرانســوا ميتــران»‬ ‫ـجع‬ ‫كانــت ممكنــة ومرغوبــة‪ ،‬مــع العلــم أن الــوزارة ستشـ ِّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪47‬‬
‫ـدث‪ ،‬فحســب‪ ،‬عــن‬ ‫ـكلياً‪ .‬أنــا ال أتحـ َّ‬
‫ويبــدو أنهــا اختفــت شـ ّ‬ ‫لـمسألة توسيع نطاق تدريس الفلسفة‪ .‬كان هذا الموضوع‬
‫الشــعور بالخــاص‪ ،‬األمــل الهائــل الــذي كان مــن الممكــن‬ ‫العامة للفلســفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫علــى قائمــة أعمالكــم منــذ الجمعية‬
‫أتحدث‪ ،‬فقط‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أن يو ّلــده وصــول اليســار إلى الســلطة‪ .‬أنــا ال‬
‫‪ -‬جــاك دريــدا‪ :‬فــي الحقيقة‪ ،‬منذ بداية عام (‪ ،)1975‬كان‬
‫عمــا يمكــن أن ينتهــي بواحــدة من أكثــر الخطــوط التاريخية‬ ‫َّ‬ ‫ـدد (ف ّني‪،‬‬‫ادعاء محـ ّ‬ ‫ـرد ِّ‬
‫األمــر‪ ،‬بالنســبة إلينــا‪ ،‬أكثــر مــن مجـ َّ‬
‫خاصــة‪ .‬وهنــا‪ ،‬يجــب‬‫ّ‬ ‫ـة‪،‬‬‫ـ‬ ‫الجامع‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـرب‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ـذ‬‫ـ‬ ‫من‬ ‫ـ‬
‫ـةً‬ ‫قتام‬
‫ـول مــن شــأنه‬ ‫تعليمــي‪ ،‬وحتــى مشــترك)‪ .‬مثــل هــذا التحـ ُّ‬
‫التأكيــد علــى ذلــك‪ .‬ال! أنــا أشــير‪ ،‬علــى وجــه التحديــد‪ ،‬إلــى‬
‫أن يؤ ِّثــر فــي كلّ شــيء‪ ،‬قبــل المدرســة الثانويــة وبعدهــا‪،‬‬
‫االلتزامــات الرســمية لـ«فرانســوا ميتــران» خــال حملتــه‬
‫داخــل التعليــم‪ ،‬وخارجــه‪ .‬نظــر ًا ألنهــا‪ ،‬قبــل كلّ شــيء‪،‬‬
‫الرئاســية‪ ،‬ألن هــذا هــو الموضــوع الوحيــد لمقابلتنــا‪ .‬مثــل‬
‫ليســت مســألة نشــر نظــام‪ ،‬وحتــى أقــلّ مــن النظــام نفســه‬
‫كلّ التزامــات هــذه الفتــرة‪ ،‬يجــب أن تشــكِّ َل ميثــاق عمــل‬
‫(المحتــوى نفســه‪ ،‬المناهــج نفســها‪ ،‬وما إلى ذلــك) في ظلّ‬
‫أوالً‪ ،‬المقترحــات‬ ‫الحكومــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬كانــت هنــاك‪ّ ،‬‬ ‫ـول عميــق للنظــام‬ ‫ظــروف متطابقــة‪ ،‬حيــث ندعــو إلــى تحـ ّ‬
‫العشــرة لـ«خطــاب إيفــري» (‪ ،)Discours d’Evry‬ثــم‬
‫هــذه الرســالة إلــى (‪ )Greph‬التــي ُنشــرت منــذ ذلــك الحين‬ ‫جيــد ًا‬
‫ّ‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫نعل‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬‫ن‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ـع‪،‬‬ ‫التعليمــي بأكملــه فــي عالقتــه بالمجتمـ‬
‫فــي «لومونــد» يــوم (‪ )27‬مايو‪/‬أيــار‪« :‬يجــب الحفــاظ علــى‬ ‫ـدث‪ ،‬بعــد ذلــك‪ ،‬عــن تغييــر سياســي حقيقــي‪.‬‬ ‫أننــا ك ّنــا نتحـ َّ‬
‫تدريــس الفلســفة وتطويــره»‪« ،‬يمكن توســيعه فــي التعليم‬ ‫وال نخ ِفــي‪ ،‬مــع وصــول حكومــة يســارية‪ ،‬أن مســاحة‬
‫الثانــوي» و«يجــب تضمينه في جميع أقســام الــدورة الثانية‬ ‫النقــاش أو العــراك ســتكون‪ ،‬بالتأكيــد‪ ،‬أكثــر انفتاحـ ًا وأكثر‬
‫الطويلــة»‪ .‬تســتجيب هــذه االلتزامات‪ ،‬على وجــه التحديد‪،‬‬ ‫قويــة‪ ،‬وال يزال العمل‬ ‫مالءمــةً ‪ ،‬لكــن تلك المقاومة ســتظلّ ّ‬
‫العامــة‪ .‬لــن نســمح لهــم بالنســيان أو‬ ‫لمطالــب الجمعيــات‬ ‫ضروري ْيــن‪ .‬إن مــا نواجهــه هــو‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬أقــدم‬ ‫َّ‬ ‫والنضــال‬
‫ّ‬
‫لح أن نتذكَّ رهــم اليــوم‪ ،‬ألن المشــاكل ال‬ ‫ـم ّ‬
‫اإلهمــال‪ .‬مــن الــ ُ‬
‫ـم‪ -‬أكثــر إصــرار ًا مــن الموضوعــات‬ ‫وأكثــر تجــذّ راً‪ ،‬و ‪-‬مــن َثـ َّ‬
‫تــزال قائمــة‪.‬‬ ‫والبرامــج والقوانين السياســية التي تتعــارض أو ت ّتفق عليها‬
‫لــم تعلــن الــوزارة عــن ّأيــة إشــارة حتــى اآلن‪ ،‬وال عــن‬ ‫األغلبيــة االنتخابيــة فــي هــذا البلــد‪.‬‬
‫أدنــى مبــادرة فــي هــذا المجــال‪ ،‬ولــم تــرد إشــارة رســمية‬
‫لكننا شهدنا بعض التغيير السياسي‪ .‬هل من المحتمل‬
‫إلــى التزامــات «فرانســوا ميتــران»‪ ،‬ولــم نطرح حتــى فرضية‬
‫أولي‪ ..‬ال شــيء!‬ ‫أن تزيل هذه التغييرات بعض العقبات؟‬
‫مناقشــة‪ ،‬أو مشــروع دراســة أو استكشــاف ّ‬
‫حتــى أننــا نحافــظ علــى قمــع بعــض التراخيــص الحيويــة‬ ‫‪ -‬يبــدو أن العقبــة السياســية قد أزيلت مــن حيث المبدأ‪،‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪48‬‬
‫(‪)2‬‬
‫للفلســفة في بعض الجامعات (من طرف ســونيي ســييتي‬
‫والطلب والتالميذ‬‫ّ‬ ‫المدرســين‬
‫ّ‬ ‫‪ .)Saunier-Séité‬كثيــر مــن‬
‫مندهشــون أو ســاخطون مــن هــذا‪ ،‬ويمكننــا أن نشــهد‬
‫ـدة مناســبات‪ ،‬فــي صيــف وخريــف هــذه‬ ‫علــى ذلــك‪ .‬فــي عـ ّ‬
‫الســنة‪ ،‬عرضــت (‪ )Greph‬المشــاركة فــي هــذه األعمــال‬
‫التحضيريــة األساســية‪ ،‬علــى األقــلّ ‪ .‬يجــب إشــراك جميــع‬
‫العامــة‪ ،‬وأوليــاء‬
‫ّ‬ ‫المهتمــة‪ :‬الــوزارة‪ ،‬والمفتشــية‬ ‫ّ‬ ‫األطــراف‬
‫التخصصــات األخــرى‪ ،‬والنقابــات‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـاب‪ ،‬وممثِّلــي‬ ‫أمــور الطـ ّ‬
‫المهنية‪ ،‬مثل رابطة أســاتذة الفلســفة (ليســت‬ ‫ّ‬ ‫والجمعيات‬
‫«كرســت عملها ألكثر‬ ‫ّ‬ ‫والتي‬ ‫الوحيدة»‪،‬‬ ‫التمثيلية‬ ‫«الجمعية‬
‫ـو‪ ،‬لـ«توســيع التدريس‬ ‫مــن ثالثيــن عامـاً»‪ ،‬كمــا زعمــت‪ ،‬للتـ ّ‬
‫الفلســفي»‪ ،‬حتــى أن بعــض أعضائهــا أعلنــوا خشــيتهم مــن‬
‫أي‬
‫توســع التدريــس الفلســفي فــي األقســام التقنيــة)‪ .‬علــى ّ‬ ‫ّ‬
‫ألي إجراء (يتعلَّق‪ ،‬فقــط‪ ،‬بتعديل الجداول‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫يمك‬ ‫ال‬ ‫ـال‪،‬‬‫حـ‬
‫الزمنية في أقســام النهائي) أن يتناســب مع المشــاكل التي‬
‫نناقشــها‪ ،‬والتــي نكافــح ألجلهــا‪.‬‬

‫جداً بالنسبة إليكم؟‬


‫مهمة ّ‬
‫هل مسألة األقسام التقنية ّ‬
‫ـرق‪ ،‬هنــا‪ ،‬وعلــى عجــل‪ ،‬إلــى‬ ‫ـي‪ .‬نتطـ ّ‬ ‫‪ -‬نعــم‪ ،‬وبشــكل جلـ ّ‬
‫تطرقنــا إليهــا ســابقاً‪ ،‬وبشــكل‬ ‫الصعوبــة التاريخيــة التــي َّ‬
‫خالــص‪ .‬لمــاذا تخاطــر األغلبيــة الجديــدة فــي هــذا المجال‬
‫‪-‬علــى وجــه التحديــد‪ -‬بلغــة تــكاد تكــون مختلفــة‪ ،‬با ِّتبــاع‬
‫سياســة يبــدو أنهــا حاربــت منــذ عقــود؟ عندما كانــت القوى‬
‫التــي دعمت حكومات األمس‪ ،‬داخل المدرســة‪ ،‬وخارجها‪،‬‬
‫تميــل إلــى تقييــد التدريــس الفلســفي‪ ،‬لــم يكــن اهتمامهــا‬
‫معين ال يـــمكن الســيطرة عليه‪ ،‬من‬ ‫ـييس ّ‬ ‫قمع تسـ ٍ‬ ‫َ‬ ‫حظر أو‬
‫َ‬
‫خــال مثــل هــذه الخطابــات أو النصــوص أو الموضوعــات‬
‫السياســية‪ ،‬بالمعنــى المق ّنــن للمصطلــح مباشــرةً‪.‬‬
‫شــك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لعــب هــذا القلــق السياســي دور ًا مباشــراً‪ ،‬بــا‬
‫تخصصــات أو معــارف أخرى)‪ ،‬لكنهم‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬منفتحون‬ ‫ّ‬ ‫فــي‬ ‫الجادة‬ ‫خاصــة بعــد (‪ ،)68‬يمكننــا أن نتذكَّ ر عدد ًا مــن األدلّة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عليــه‪ ،‬وعلــى مــا بعده من الـــمساءالت أو التســاؤالت الذي‬ ‫قوية‬ ‫ـود‬‫ـ‬ ‫قي‬ ‫هناك‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫كان‬ ‫ـيء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫كلّ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫قب‬ ‫ـن‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ولك‬ ‫ـك‪.‬‬
‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـى‬ ‫علـ‬
‫ّ‬
‫يصعــب برمجتهــا‪.‬‬ ‫علــى الســوق‪ ،‬والضــرورات التقنيــة واالقتصاديــة‪ ،‬ومفاهيم‬
‫معينة‪ ،‬والبعض اآلخر قد يقول (أيديولوجيا) أو ‪-‬ببســاطة‪-‬‬ ‫َّ‬
‫مــاذا يحــدث اليــوم؟ هــل نحــن فــي وضــع جديــد‪ ،‬ح ّق ـ ًا‪،‬‬
‫الجليــة لإلنتاجيــة في‬ ‫ّ‬ ‫التكيــف الفــوري لإللحاحــات‬ ‫ُّ‬ ‫فلســفة‬
‫الصــدد‪ ،‬علــى األقــلّ ؟‬
‫فــي هــذا ّ‬ ‫المنافســة الوطنيــة‪ ،‬والدولية‪.‬‬
‫‪ -‬لســت متأكّ داً‪ .‬المشــروع أو «الفكرة» االشــتراكية يجب‬ ‫باختصــار‪ ،‬ليــس هنــاك مــا هــو «طبيعــي» أكثــر مــن هــذا‬
‫ـددة‪ .‬علــى‬ ‫ـدم مــن خــال تناقضــات جوهريــة ومتعـ ّ‬ ‫أن تتقـ َّ‬ ‫المنطــق التقنــي‪ ،‬وهــو إنتاجويــة ووضعيــة أيضـاً‪ .‬بالنســبة‬
‫ســبيل المثــال‪ ،‬يجــب أن تســتجيب وتهــرب مــن البرمجــة‬ ‫إلــى الفلســفة التــي تدعمهــم (إنهــا أيضـ ًا فلســفة‪ ،‬وتقليــد‬
‫التقنيــة‪ ،‬واالقتصاديــة للســوق واإلنتــاج‪ ،‬واإللحاحــات‬ ‫يمتــد‬
‫ّ‬ ‫فلســفي عظيــم‪ ،‬وفلســفة للفلســفة)‪ ،‬ال ينبغــي أن‬
‫الشــديدة للمنافســة الوطنيــة‪ ،‬والعالميــة فــي وضعهــا‬ ‫معيــن مــن الدمقرطــة‪ ،‬بمــا‬ ‫حــد ّ‬ ‫ّ‬ ‫تكويــن الفالســفة إلــى‬
‫الراهــن‪ .‬يجــب علــى هــذا الـــمشروع أن يســتجيب‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫يتجــاوز الطبقــة االجتماعيــة التــي كان لها مونوبــول احتكار‬
‫اآلليــة‪ ،‬وأن يرضيهــا ويحاول‬ ‫ّ‬ ‫ـذه‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫لقواني‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫مع‬ ‫ـتجيب‬ ‫ـ‬ ‫يس‬ ‫الخاصــة‪ .‬لــم يكــن‬ ‫ّ‬ ‫الخطــاب الفلســفي الملحــوظ بســماته‬
‫تتبع آثــاره في تفاصيل‬ ‫ـر منــه‪ ،‬يمكن ُّ‬ ‫إزاحتهــا‪ .‬تناقــض ال مفـ ّ‬ ‫ً‪-‬أدائيـاً» بما‬
‫ّ‬ ‫«فعاال‬
‫توســيع هــذا التكويــن مربحـاً‪ ،‬ولــم يكــن ّ‬
‫ـر ًا مطلق ـاً‪،‬‬
‫ـتراكي ْين‪ .‬إنــه ليــس شـ ّ‬
‫َّ‬ ‫التســيير والخطــاب االشـ‬ ‫فيــه الكفاية‪ .‬أعني بتكوين الفالســفة أن المواطنين (تالميذ ًا‬
‫أو رذيلــة‪ ،‬أو حادثــاً‪ ،‬لكــن هنــاك ســبب ًا للتفكيــر فــي هــذا‬ ‫مدرســين أو باحثيــن)‬ ‫األول‪ ،‬وأحيان ـ ًا ِّ‬ ‫أو طالب ـ ًا فــي المقــام ّ‬
‫التناقــض‪ ،‬وتحليلــه‪ ،‬دون التعامل معــه بالجهل أو اإلنكار‪.‬‬ ‫التخصــص (كمــا ينبغــي أن يكونــوا‬ ‫ُّ‬ ‫تدربــوا علــى صرامــة‬ ‫قــد ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪49‬‬
‫القويــة ليســت أدوات وتقنيــات‪ ،‬فحســب‪ ،‬علــى الرغــم مــن‬ ‫ّ‬ ‫هــل تعتبــر النــدوة الوطنيــة حــول البحــث والتكنولوجيــا‪،‬‬
‫أنهــا كذلــك‪ ،‬ومــن الضــروري ضمــان التقليــد الــذي ال غنــى‬ ‫مؤشراً في هذا الصدد؟‬‫ِّ‬ ‫نظمها «جان بيير شوفينمو»‪،‬‬ ‫التي ّ‬
‫عنــه‪ .‬علــى هــذا النحــو‪ ،‬ال تنــدرج الفلســفة‪ ،‬بالفعل‪ ،‬ضمن‬ ‫طيبــة للغايــة‪ .‬كيــف ال‬
‫العلــوم الدقيقــة أو العلــوم االجتماعيــة أو اإلنســانية التــي‬ ‫‪ -‬مــن حيــث المبــدأ‪ ،‬إنهــا مبــادرة ِّ‬
‫توافــق عليهــا؟ ولكــن‪ ،‬مباشــر ًة مــن بروتوكوالتهــا الرســمية‬
‫يعتقــد وزيــر البحــث أنــه يتمكَّ ــن‪ ،‬عبرهــا‪ ،‬مــن الرؤيــة أو‬ ‫مدعــوون لتســهيل‬ ‫وأعمالهــا التحضيريــة األولــى‪ ،‬فنحــن‬
‫النــدم علــى «التأخيــر» (ســؤال ضخــم أذكــره بشــكل عابــر‪،‬‬ ‫ّ‬
‫«العبــور» بيــن ضــرورات التكنولوجيــا أو اإلنتــاج (مفاهيــم‬
‫ال أكثــر)‪ .‬إن الطابــع العلمــي والهــدف مــن هــذه العلــوم‬ ‫غامضــة للغايــة‪ّ ،‬أيــ ًا كان مــا قــد يقولــه المــرء)‪ ،‬ومــن‬
‫ُيم ّثــان‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أســئلة للفلســفة‪ .‬فــي الماضــي‪ ،‬كان‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫ناحيــة أخــرى‪ ،‬التعليــم والعلــم والثقافة (المفاهيــم ال تقلّ‬
‫إلفســاح المجــال لـ«العلــوم اإلنســانية» التي أردنــا تقليل أو‬ ‫ـم أخذهــا كأمــر مسـلّم بــه‪ ،‬اليــوم‪،‬‬ ‫ـكاليةً ‪ ،‬وغالبـ ًا مــا يتـ ّ‬
‫إشـ ّ‬
‫ـفي‪.‬‬
‫اختــزال تدريســها الفلسـ ّ‬ ‫ـوة إلــى «تكييــف»‬ ‫بقــدر مــا هــي عليــه باألمــس)‪ ،‬وهــي مدعـ ّ‬
‫مجــرد نشــاط إنتاجــي‪ ،‬بــل‬ ‫َّ‬ ‫كمــا أن الفلســفة ليســت‬ ‫التخصصــات»‪« ،‬مــع االحتياجات‬ ‫ـدد‬
‫ُّ‬ ‫«أســاليب تكويــن متعـ ّ‬
‫ـمى «الثقافــة»‬ ‫يمكننــي القــول إن انتماءهـــا ضمــن مــا يسـ ّ‬ ‫للقطاع ْيــن‪ :‬االقتصــادي‪ ،‬واالجتماعــي (الصناعــة‬ ‫الجديــدة‬
‫َ‬
‫ضدهــا‪،‬‬ ‫ليــس بديهيــةً ال تأتــي مــن الــذّ ات‪ .‬دون الثــورة‪ ،‬أو ّ‬ ‫ـرعيةً ‪ ،‬بالطبــع‪..‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫أكث‬ ‫ـيء‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫ـك)»‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫والزراعة‪...‬وغي‬
‫ّ‬
‫الفلســفة شــيء آخــر غيــر العلــم والتكنولوجيــا والثقافــة‪.‬‬ ‫ال أكثــر مــن ذلــك‪ ،‬ولكــن أيــن التجديــد فــي فكــرة العلــم‬
‫وفــي هــذه الحقــول األخيــرة‪ ،‬يمكننا المراهنة علــى أن طفرة‬ ‫والثقافــة والتكنولوجيــا والبحــث والتعليــم؟ علــى الرغــم‬
‫أفضل‬ ‫ال تعلــن عــن نفســها ال تظهــر علــى حــدود الفلســفة‪ّ .‬‬ ‫ـظ‪،‬‬‫معينــة‪ ،‬لحســن الحـ ّ‬ ‫مــن أننــا نخطّ ــط لزيــادة ميزانيــات َّ‬
‫ـد الــذي ينظــر‬ ‫جانبــي الحـ ّ‬
‫َ‬ ‫القــول‪« :‬علــى الحــدود»‪ ،‬علــى‬ ‫فاعليةً ‪،‬‬ ‫لجعل الديـموقراطية االجتماعية‪ ،‬واإلنسانية أكثر‬
‫ّ‬
‫داخــل الفلســفة‪ ،‬وخارجهــا‪.‬‬ ‫والتــي ظ َّلــت‪ ،‬باألمــس‪ ،‬شــكلية وغيــر كافيــة‪ ،‬فــإن نظــام‬
‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬يرتبط اســم الفلســفة‪ ،‬بشــكل‬ ‫التقييــم واألهــداف يظــلّ كمــا هــو‪ ،‬إلــى جانــب الخطــاب‬
‫ـمح بتحديــده‪ ،‬عــن طريق‬ ‫ـأي «فكــر» لــم يعــد ُيسـ َ‬ ‫صحيــح‪ ،‬بـ ّ‬ ‫وفكــرة الثقافــة‪ .‬ضمــن هــذه االســتمرارية‪ ،‬يمكــن إحــراز‬
‫الصــواب‪ ،‬مــن خــال البرامج التقنيــة العلميــة أو الثقافية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـدم هائــل‪ ،‬بالطبــع‪ ..‬وأنــا مــن بيــن الذيــن يريــدون ذلــك‪.‬‬ ‫تقـ ُّ‬
‫التــي تزعجهــم‪ ،‬أحيان ـاً‪ ،‬وتســائلهم‪ ،‬وتؤكِّ ــد‪ ..‬نعــم‪ ،‬تؤكّ ــد‬ ‫لكــن‪ ،‬أال يجــب أن نتســاءل عن هــذه االســتمرارية‪ ،‬ونجعل‬
‫خارجهــا‪ ،‬دون أن يعارضهــا ذلــك الفكــر‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬أو‬ ‫ال فــي جميــع المجــاالت؟ ألــم‬ ‫فعــا ً‬
‫إمــكان هــذا التســاؤل ّ‬
‫يقيدهــا فــي الوضــع «النقــدي»‪ .‬قيمة «النقد» ليســت ســوى‬ ‫ّ‬ ‫يكــن ذلــك باســم الخطــاب نفســه‪ ،‬و«المقاطــع» ذاتهــا‪،‬‬
‫الخاص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫تاريخه‬ ‫ولها‬ ‫ـفية‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الفلس‬ ‫ـاالت‬
‫ـ‬ ‫االحتم‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫واح‬ ‫ـرة‪ ،‬إلخــاء‬ ‫و«التكيــف» نفســه الــذي أراده النــاس‪ ،‬ذات مـ ّ‬ ‫ُّ‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وجينيالوجيتهــا‬ ‫الفلســفة‪ ،‬وكلّ شــيء ال يفــي بمعاييــر «األداء» المنتــج‪،‬‬
‫يســمى‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪« ،‬تفكيــكاً» ال يقتصــر‬ ‫َّ‬ ‫مــا‬ ‫ـمى «احتياجــات اجتماعيــة»؟ هــذا المفهــوم األخير‬ ‫لمــا يسـ ّ‬
‫علــى واحــدة مــن تلــك العمليــات النقديــة المزعومــة التــي‬ ‫ملتبــس تمامــاً‪ ،‬وهــو المثــال األســمى‪ .‬مــا هــي الحاجــة‬
‫ألهمــت (فضائلهــا‪ ،‬وضرورتهــا التــي ال جــدال فيهــا) كلّ‬ ‫التكيــف مــع الحاجــة‬‫ُّ‬ ‫يعرفهــا؟ مــا هــو‬ ‫االجتماعيــة؟ مــن ّ‬
‫السلطات‬ ‫«النقدي» أمام ّ‬
‫ّ‬ ‫الـــمنافحين عن الفلسفة‪ ،‬والفكر‬ ‫خاصــة للبحــث والعلــوم‬ ‫ّ‬ ‫ً‪،‬‬
‫ا‬ ‫ـبق‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـة‬ ‫االجتماعيــة المفترضـ‬
‫الموجــودة‪ .‬مــا يثيــر اهتمامــي فــي هــذا «ال ّتفكيــك»‪ ،‬علــى‬ ‫والثقافــة والفلســفة (مــن بــاب أولــى)‪ ،‬وهــي شــيء آخــر‬
‫وجــه الخصــوص‪ ،‬ذلــك الفكــر اإليجابــي‪ ،‬باعتبــاره ليــس‬ ‫تمام ـاً؟‬
‫تقنيــ ًا علميــ ًا وال ثقافيــ ًا وال فلســفي ًا حتــى‪ ،‬فهــو يحتفــظ‬
‫ـفي الــذي يعمــل بــه ‪-‬بــكلّ مــا‬ ‫نعــم‪ .‬لكــن ال يكفــي القــول إنــه «شــيء آخــر تمامـ ًا»‪ّ .‬‬
‫ربمــا‬
‫بألفــة أساســية مــع الفلسـ ّ‬ ‫يكــون هــذا الغمــوض الف ّنــي هو ما يغــذّ ي الخطابات الالذعة‬
‫تحملــه الكلمــة مــن معــانٍ ‪ -‬في خطابــه‪ ،‬وكذلك فــي هياكله‬
‫المؤسســية‪ ،‬والتربوية‪ ،‬والسياســية‪ ،‬وغيرها‪ .‬يمكن العثور‬ ‫ضد الفلســفة؟‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫التخصصــات‪ :‬فــي العلــوم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫علــى هــذا «الفكــر» فــي جميــع‬ ‫ـق‪ ،‬لكننــي لــن أرتجل‪ ،‬هنــا‪ ،‬تعريف ًا للفلســفة‪.‬‬ ‫‪ -‬أنــت محـ ّ‬
‫معينة‬ ‫والفلســفة‪ ،‬في التاريخ‪ ،‬واألدب‪ ،‬والفنون‪ ،‬وبطريقة َّ‬ ‫أقتصــر‪ ،‬فقط‪ ،‬على االهتمامات المباشــرة المشــتركة بيننا‪،‬‬
‫فــي الكتابــة‪ ،‬وممارســة أو دراســة اللّغــات دون االســتحواذ‬ ‫ـمي شــي َئ ْين‪ ،‬علــى‬
‫وأود القــول إن «الفلســفة»‪ ،‬اليــوم‪ ،‬تسـ ّ‬ ‫ّ‬
‫علــى األداء التقنــي واالقتصادي‪ .‬إذا كان كذلك‪ ،‬فهذا الفكر‬ ‫األقلّ ‪:‬‬
‫ـد األقصــى للتكنوقراطيــة‪.‬‬ ‫ال يحصــى‪ ،‬ويم ِّثــل الحـ ّ‬ ‫ـد ًا مــن‬
‫مــن ناحيــة‪ ،‬مــن الواضــح وجــود تقليــد غنــي جـ ّ‬
‫والهشــة‪ ،‬علــى مــا يبــدو‪ ،‬وهــذه‬ ‫ّ‬ ‫هــذه األســئلة الغريبــة‬ ‫النصــوص‪ ،‬وكنــوز مــن الخطابــات والحجــاج واألســئلة‬
‫المســارات غيــر المعتــادة التــي يجــب أن نمنحهــا الفرصــة‪،‬‬ ‫(االنتقــادات المســبقة‪ ،‬ومــا هو أكثــر من االنتقــادات ماعدا‬
‫تكهنــات عقيمــة‪ .‬عــاو ًة علــى ذلــك‪،‬‬ ‫ليســت ‪-‬بالضــرورة‪ّ -‬‬ ‫النقــد‪ ،‬فقــط)‪ ،‬والميتافيزيقــا‪ ،‬واألنطولوجيــات اإلقليميــة‪،‬‬
‫لمــاذا ال ندعهــم يخاطــرون بالالإنتاجيــة؟ يجــب أن تعلــم‬ ‫والسياســة‪ ،‬ونظريــة المعرفــة بالمعنــى األوســع‪ ،‬إلــى‬
‫المهتمــة بالربحيــة القابلــة للحســاب أنــه‪ ،‬مــن‬ ‫ّ‬ ‫العقــول‬ ‫غيــر ذلــك‪ ..‬هــذه العناصــر مــن النظــام‪ ،‬أو هــذه األدوات‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪50‬‬
‫العامة أو األساسية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األنطولوجي الـموسوعي (األنطولوجيا‬ ‫ـم اإلعــان‬ ‫خــال هــذه التجــوال الهامشــي والعشــوائي‪ ،‬يتـ ّ‬
‫واألنطولوجيات اإلقليمية والمعارف واإليـــجابيات‪ ،‬وما إلى‬ ‫المحدد لالكتشــاف‬ ‫ّ‬ ‫عــن الطفــرات أحيانـاً‪ ،‬وهــو المســتقبل‬
‫ذلــك)‪ ،‬وهــو طلب أساســي‪.‬‬ ‫للتصدع بتوقيعــه الماكينــات األكثر ثق ً‬
‫ال‬ ‫ّ‬ ‫مقدمـ ًا‬
‫الــذي يأتــي ّ‬
‫لقــد بنــى هــذا التسلســل الهرمي نمــوذج الجامعــة الذي‬ ‫جيــداً‪ ،‬أن األفكار غير المســموعة‬ ‫وضمانـ ًا للبرمجــة‪ .‬نعلــم ّ‬
‫مــا زلنــا نعيشــه منــذ بدايــة القــرن التاســع عشــر‪ ،‬فدعونا ال‬ ‫الســاحقة‪ ،‬بــدت‪ ،‬أحيان ـاً‪ ،‬وكأنهــا‬ ‫واالكتشــافات العلميــة ّ‬
‫ـد ذاتــه‪ ،‬ضعيف‬ ‫ننســى ذلــك‪ .‬اليــوم‪ ،‬هــذا النمــوذج‪ ،‬فــي حـ ّ‬ ‫ـوة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫ضرب‬ ‫أو‬ ‫ـرد‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫رمي‬ ‫ضربــات غيــر متوقّعــة أو‬
‫للغايــة‪ ،‬وأعتقــد أنه ال رجوع فيه‪ .‬كلّ الجمعيات؛ الشــرقية‬
‫مؤسســات بحثيــة‬ ‫منهــا والغربيــة‪ ،‬تتركــه أو تقتلــه لصالــح‬ ‫لكــن‪ ،‬أال يوجــد فــي النصــوص التحضيريــة لنــدوة‬
‫َّ‬
‫أكثــر «كفــاءةً» (مــن وجهــة نظــر التكنولوجيــا العلميــة‪،‬‬ ‫«شــوفينمو» نفســها احتجاجـ ًا علــى التكنوقراطيــة‪ ،‬حتــى لــو‬
‫والصناعيــة‪ ،‬والعســكرية دائمــاً)‪ ،‬والتــي تعتمــد‪ ،‬بشــكل‬ ‫جــداً؟‬
‫ّ‬ ‫كان خجــو ً‬
‫ال‬
‫أي تعليــم‪ .‬ســيكون مــن‬ ‫أكبــر‪ ،‬علــى التعليــم‪ ،‬وتنقطــع عــن ّ‬ ‫‪ -‬بالتأكيد‪ .‬وهذا هو الســبب في أنني ال أنتقد هذه الندوة‬
‫ـور‪ ،‬وطبع ـ ًا‬ ‫الضــروري التو ّقــف‪ ،‬بإســهاب‪ ،‬عنــد هــذا التطـ ّ‬ ‫أو أشــجبها‪ ،‬بــل ‪-‬علــى العكــس‪ -‬أعــرض عليهــا مســاهمتي‬
‫ال يمكننــا القيــام بذلــك هنــا‪ .‬باختصــار‪ ،‬ســتكون المفارقــة‬ ‫المتواضعــة‪ ،‬كمــا تــرون‪ ،‬حتــى لــو بــدت متناقضــة بعــض‬
‫كمــا يأتــي‪ :‬وفقـ ًا للنمــوذج الــذي يمكــن تســميته «حديثـاً»‪،‬‬ ‫الشــيء‪ .‬فــي هــذه النصــوص التحضيريــة يضيــع االحتجاج‬
‫منــذ بدايــة القــرن التاســع عشــر األوروبــي‪ ،‬وقبــل كلّ‬ ‫علــى التكنوقــراط وســط ترنيمــة لإلنســانوية الديـــموقراطية‬
‫شــيء النمــوذج األلمانــي‪ ،‬تم ِّثــل هــذه الجامعــة‪ ،‬بشــكل‬ ‫ـرعيتها‪ ،‬وضرورتهــا‪ ،‬وتفاؤلها‪،‬‬ ‫التقنيــة األكثــر تأكيــد ًا في شـ َّ‬
‫غيــر مباشــر‪ ،‬عقالنيــة دوليــة قديمــة مدانــة‪ ،‬لكنهــا يمكــن‬ ‫وتقدمهــا‪ .‬حســناً‪ ،‬كلّمــا كان هــذا الخطــاب أقوى‪ ،‬بــدا أنه ال‬ ‫ّ‬
‫أن تصبــح‪ ،‬بفضــول‪ ،‬حتــى فــي شــيخوختها‪ ،‬نوعـ ًا مــن مــاذ‬ ‫يمكــن دحضــه‪ ،‬وكلّمــا احتجنــا (هنــاك «حاجة»!) للتســاؤل‬
‫ـدث عــن‬ ‫لليبراليــة؛ بمعنــى أنــه يمكــن للمــرء‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬التحـ ّ‬ ‫حــول أسســه النهائيــة‪ ،‬وحــدوده‪ ،‬وافتراضاتــه‪ ،‬وتاريخــه‬
‫احتياطيــ ًا وطارئــ ًا‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫حــا‬ ‫«الفنــون الليبراليــة»‪ ،‬وقــد يكــون‬ ‫القديــم وتاريخــه الجديــد‪ ،‬فلــن نكــون قادريــن علــى القيــام‬
‫للفكــر الــذي ال يــزال يرغــب فــي الهــروب مــن التخطيــط‬ ‫بذلــك ّإل مــن أماكــن بعيــدة أو مــن ال‪ -‬أماكــن‪ ،‬مــن خــال‬
‫تحدثنــا عنــه حالي ـاً‪ ،‬والــذي يكتســب جميــع‬ ‫المقيــد الــذي َّ‬ ‫ّ‬ ‫العاديــة‪ ،‬وغير المؤكّ دة‬
‫ّ‬ ‫خطابــات األقل ِّّيــة والتفاتاتهم‪ ،‬غير‬
‫أماكــن البحــث (مــا أطلــق عليــه‪ ،‬فــي زمــن «كانــط»‪ ،‬نــزاع‬ ‫مــن حيــث قبولهــا الفــوري‪ ،‬وفق ـ ًا الســتجوابات ال تســمح‬
‫الكل ّّيــات واألكاديميــات والجمعيــات العالمــة مــع القليلــة‬ ‫ـوي بالســيطرة عليهــا أو ترهيبهــا‪.‬‬
‫لهــذا البرنامــج القـ ّ‬
‫والهامشــية)‪.‬‬ ‫إلــي‪ ،‬علــى الفلســفة أو «الفكــر»‪ ،‬باألحــرى‪،‬‬ ‫بالنســبة َّ‬
‫الخياريْــن‪ .‬وعلــى‬ ‫َ‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫أح‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫أخ‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫علين‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬‫يتعي‬
‫َّ‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫أن‬ ‫ال أعتقــد‬ ‫ـتمر فيــه المــرء أو يبــدأ‬
‫هــذا الالّ‪-‬مــكان الـــمتن ّقل الــذي يسـ ّ‬
‫ينضمــان‬‫ّ‬ ‫متناقض ْيــن‪ ،‬همــا‬ ‫َ‬ ‫الرغــم مــن أنهمــا قــد يبــدوان‬ ‫ـرة أخــرى‪ ،‬بشــكل مختلــف‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬أن يســأل نفســه‪ :‬مــا‬ ‫مـ ّ‬
‫معـ ًا إلــى النظــام نفســه‪ .‬ال! ســيكون مــن الضــروري إعــادة‬ ‫الــذي تنطــوي عليــه التقنيــة فــي وضعيــة العلــوم الدقيقــة‪،‬‬
‫بنــاء جميــع العالقــات (بل‪ ،‬أحيانـاً‪ ،‬قطع جميــع العالقات)‬ ‫خاصــة؟‪ .‬التتم ّتــع هــذه‬‫ّ‬ ‫قبــل كل شــيء‪ ،‬وفــي اإلنتاجيــة‬
‫المؤسســي‪،‬‬‫ّ‬ ‫بيــن الدولــة مــن أعلى إلى أســفل‪ ،‬وفي شــكلها‬ ‫«الفلســفة» بموقــع قابل للتخصيص في نــدوة حول البحث‬
‫ال (المعرفــة والتكنولوجيــا والثقافــة والفلســفة والفكــر)‪.‬‬ ‫أو ً‬‫ّ‬ ‫والتكنولوجيــا‪ ،‬وهــذا مــا يجــب إدراكــه‪ .‬قــد نطلــق عليــه‬
‫ـداً‪ .‬ولكــن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫واضح‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫يك‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـو‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـك‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـدث‬ ‫ـ‬ ‫يح‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ربم‬
‫ّ‬ ‫ـددة لنظــام فلســفي‬ ‫تســمية العبــور بيــن «األعمــال المتعـ ّ‬
‫للحديــث عــن ذلــك‪ ،‬يجــب أن نتذكّ ــر‪ ،‬علــى األقــلّ ‪ ،‬التاريــخ‬ ‫أو تاريخــي أو اجتماعــي أو اقتصــادي أو سياســي»‪ ،‬لكنــه ال‬
‫بجد ّيــة‪ ،‬وأن نعيــد قــراءة صــراع‬ ‫الكامــل لهــذه اإلشــكالية‪ِّ ،‬‬ ‫ينتمــي إلــى سلســلة مثــل هــذه البحــوث‪.‬‬
‫الكل ِّّيــات مــن بيــن أشــياء أخــرى‪ ،‬وإعــادة كتابتــه بشــكل‬
‫مختلــف‪ ،‬تـــماماً‪ ،‬اليــوم‪ .‬وإن إعــادة كتابتــه بشــكل مختلف‬ ‫إذاً‪ ،‬هــل بنيــة الجامعــة والتعليــم العالــي هــو مــا يحتــاج‬
‫مـــما عنــد «كانــط» و«شــايرماخر»‬ ‫ّ‬ ‫تمامــ ًا أفضــل وأســوأ‬ ‫إلى الـــمساءلة؟‬
‫و«هيجل» و«هومبولدت» و«فيخته» و«شيلينغ»‪ ،‬و«كوزان»‬ ‫مهمــة‪ ،‬متناقضــة علــى مــا يبدو‪،‬‬
‫‪ -‬يجــب أن تكــون هنــاك ّ‬
‫ممــن‬ ‫و«هيدجــر»‪ ،‬وعــدد قليــل مــن األشــخاص اآلخريــن ّ‬ ‫مؤسســات تتــرك فضــاء‬ ‫لكنهــا حيويــة‪ ،‬تتم َّثــل فــي إنشــاء‬
‫َّ‬
‫ورثــوا هــذه الموضوعــات‪ .‬ال يــزال أمامنا المزيــد من الزمن‪،‬‬ ‫ـدد بعد‪ .‬أنا ال أشــير‪ ،‬فقط‪،‬‬‫ومتنفَّسـ ًا لمــا ليــس له وجه محـ ّ‬
‫والوسائل‪.‬‬ ‫إلــى الفلســفة بالشــكل الــذي ندركــه فيهــا كنظريــة للعلــم‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫أو نظريــة للمعرفــة‪ ،‬كنظــام يتعامــل مــع أســس العلــم أو‬
‫هوامش‪:‬‬
‫‪1 - Libération, 21-22 novembre 1981.‬‬ ‫التقنيــة أو السياســة أو اإلتيقــا‪ .‬هذه هي الفلســفة‪ ،‬بالطبع‪،‬‬
‫‪- 2‬أليــس ســونيي ســييتي (‪ :)2003 - 1925‬سياســية فرنســية‪ ،‬تق ّلــدت منصــب ســكرتير‬ ‫معين ـاً‪ ،‬فلســفياً‪ ،‬علــى العكــس مــن ذلــك‪،‬‬ ‫لكــن «فكــراً» ّ‬
‫الدولــة بيــن (‪ )1976‬و(‪ ،)1978‬ثــم وزيــرة الجامعــات حتــى مايو‪/‬أيــار (‪( .)1981‬الـــمترجم)‬
‫المصدر‪:‬‬
‫جينيالوجيتــه وفــي افتراضاته‬
‫َّ‬ ‫يمكــن أن يشــكّ ك‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬فــي‬
‫‪Libération, 21-22 novembre 1981.‬‬ ‫المســبقة عــن األصوليــة ذاتـــها‪ ،‬وحتــى التسلســل الـــهرمي‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪51‬‬
‫(‪)1‬‬
‫هل هناك لغة فلسفية؟‬
‫خاصــة»‪ ،‬كتابــة فلســفية واحــدة‪ ،‬حيــث نقاؤهــا‪ ،‬دامئ ـ ًا‪ ،‬يف‬
‫ّ‬ ‫جــاك دريــدا‪ :‬ال أعتقــد أن هنــاك «كتابــة فلســفية‬
‫ـم التحـ ُّـدث بالفلســفة‪،‬‬
‫كل يشء‪ ،‬يتـ ّ‬ ‫كل أنــواع التلـ ُّـوث‪ .‬لهــذا الســبب الهائــل‪ ،‬وقبــل ّ‬
‫محميــة مــن ّ‬
‫ّ‬ ‫نفســها‪ ،‬وتكــون‬
‫وكتابتهــا بلغــة طبيعيــة‪ ،‬ال بلغــة عامليــة ميكــن إضفــاء الطابــع الرســمي عليهــا متام ـ ًا‪ .‬بعــد قــويل هــذا‪ ،‬وضمــن‬
‫بقوة (وهناك تــوازن قوى هنا)‪ ،‬باعتبارها‬ ‫هــذه ال ّلغــة الطبيعيــة‪ ،‬ويف اســتعامالتها‪ ،‬فرضــت أمنــاط َّ‬
‫معينــة نفســها‪ّ ،‬‬
‫متعددة ومتضاربة‪ ،‬وال ميكن فصلها عن املحتوى نفســه وعن «األطروحات» الفلســفية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فلســفية‪ .‬هذه األمناط‬
‫النقــاش الفلســفي هــو‪ ،‬أيضـ ًا‪ ،‬رصاع لفــرض صيــغ خطابيــة وإجــراءات توضيحيــة وتقنيــات بالغيــة وتربوية‪ .‬يف ّ‬
‫كل‬
‫الطعــن‪ ،‬فحســب‪ ،‬يف الطابــع الفلســفي األصيــل والصحيح‬ ‫مـ ّـرة عارضنــا فيهــا فلســفة مــا‪ ،‬مل يكــن ذلــك مــن خــال ّ‬
‫لخطــاب اآلخر‪.‬‬

‫النوع ْين أكثــر تعقيد ًا (على‬ ‫َ‬ ‫تــزال معرفــة الحــدود بين هذَ يْــن‬ ‫النص الفلسفي يجب أن‬ ‫ّ‬ ‫لقد اقترحتم‪ ،‬مراراً وتكراراً‪ ،‬أن‬
‫ســبيل المثــال‪ ،‬ال أعتقــد أنهمــا نوعــان‪ ،‬كمــا تقتــرح)‪ ،‬وقبــل‬ ‫ـم تجاوزه نحــو الفكر الذي‬ ‫يؤخــذ علــى هــذا النحــو‪ ،‬قبــل أن يتـ ّ‬
‫ممــا‬
‫طبيعيــةً ‪ ،‬أو غيــر تاريخيــة‪ ،‬أو معطــاة ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلّ شــيء أقــلّ‬ ‫ـم‪ -‬دفعتــم إلــى قــراءة النصــوص الفلســفية‬ ‫يحملــه‪ ،‬و ‪-‬مــن َثـ َّ‬
‫المدونــة‬
‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـان‬‫ـ‬ ‫النوع‬ ‫ـابك‬ ‫ـ‬ ‫يتش‬ ‫أن‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫يمك‬ ‫ـد‪.‬‬ ‫نقــول أو نعتقـ‬ ‫بعدســة قــراءة النصــوص نفســها‪ ،‬التي تُعـ ّـد «أدبية» عموما‪ً،‬‬
‫نفســها وفق ًا للقوانين واألشــكال التي ال تكون دراســتها مثيرة‬ ‫ـاول األخيــرة فــي اإلشــكاليات الفلســفية‪ .‬هــل هنــاك‬ ‫وإلــى تنـ ُ‬
‫لالهتمــام‪ ،‬وجديــدة‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل ضروريــة إذا كان المرء ال‬ ‫محددة؟‪ ،‬وكيف تختلف عن غيرها من أشكال‬ ‫ّ‬ ‫كتابة فلسفية‬
‫هويــة شــيء مــا علــى أنــه «خطــاب‬ ‫يــزال يريــد اإلشــارة إلــى ّ‬ ‫الكتابة؟ أال يصرفنا االهتمام باألدبية عن الوظيفة البرهانية‬
‫ـم باال ِّتفاقات‬‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫نهت‬ ‫أن‬ ‫يجب‬ ‫أال‬ ‫ـه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫عن‬ ‫نتحدث‬ ‫َّ‬ ‫فلســفي» يعــي ما‬ ‫للخطاب الفلسفي؟ أال يخاطر هذا بمحو خصوصية األنواع‪،‬‬
‫والمؤسســات والتأويــات التــي تنتــج أو تحافــظ علــى جهــاز‬ ‫َّ‬ ‫وإخضــاع جميــع النصوص لإلجراء ذاته؟‬
‫ــم‪ -‬كلّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ث‬ ‫و‪-‬مــن‬ ‫المعاييــر‪،‬‬ ‫كلّ‬ ‫مــع‬ ‫والتحديــدات‪،‬‬ ‫القيــود‬
‫النص اآلخر‪ .‬يجب ّأل‬ ‫ّ‬ ‫نص يختلف عــن‬ ‫‪ -‬جــاك دريــدا‪ :‬كلّ ّ‬
‫االســتثناءات التــي تسـ ِّـببها؟ ال يمكــن للمــرء أن يتعامــل مــع‬
‫نحــاول إخضــاع النصــوص لـــ« اإلجراء ذاتــه» دائمـاً‪ .‬الينبغي‬
‫هــذه المجموعــة مــن األســئلة دون أن يســأل نفســه‪ ،‬مــن‬ ‫ـص يدعــو ‪-‬إذا جــاز‬ ‫أن نقرأهــا‪ ،‬أبــداً‪« ،‬بالعيــن نفســها»‪ .‬كلّ نـ ّ‬
‫وقــت إلــى آخــر‪« :‬مــا هــي الفلســفة؟» و«مــا هــو األدب؟»‪.‬‬ ‫التعبيــر‪« -‬عينــاً» أخــرى‪ .‬مــن المســلَّم بــه أنــه يســتجيب‪،‬‬
‫أي وقــت مضــى‪،‬‬ ‫هــذه األســئلة صعبــة وأكثــر انفتاحـ ًا مــن ّ‬ ‫ومحــدد‪ ،‬إلــى عيــن‬ ‫َّ‬ ‫ــد مــا‪ ،‬لتوقّــع مشــفَّر‬ ‫أيضــاً‪ ،‬وإلــى َح ٍّ‬
‫تمــت متابعتهــا‬ ‫ـد ذاتهــا‪ ،‬بحكــم تعريفهــا‪ ،‬وإذا َّ‬ ‫فهــي‪ ،‬فــي َحـ ّ‬ ‫توجههمــا‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫وأذن تســبقهما‪ ،‬وتمليهمــا بطريقــة مــا‪ ،‬أو ِّ‬
‫بفاعليــة‪ ،‬علــى األقــلّ ‪ ،‬ليســت أســئلة فلســفية وأدبيــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالنســبة إلــى بعــض النصــوص النــادرة‪ ،‬تميــل الكتابــة‪ ،‬أيضاً‬
‫فحســب‪ .‬ســأقول الشــيء نفســه فــي الحالــة األخيــرة‪،‬‬ ‫(كمــا يمكــن للمرء)‪ ،‬إلى رســم بنية وفيزيولوجيــا للعين التي‬
‫بالنســبة إلــى النصــوص التــي أكتبهــا‪ ،‬علــى األقــلّ ‪ ،‬بقــدر‬ ‫ـص‪ ،‬والتــي تبتكــر‪،‬‬ ‫لــم توجــد بعــد‪ ،‬ويقصــد بهــا حــدث النـ ّ‬
‫ـم العمــل عليهــا أو يمليهــا اضطــراب هــذه األســئلة‪،‬‬ ‫مــا يتـ ّ‬ ‫النــص‬ ‫تســتقر عليــه‪ .‬مــا هــو‬ ‫أحيانــاً‪ ،‬وجهتهــا‪ ،‬بقــدر مــا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وهــذا ال يعنــي تخلّيهــم عــن الحاجــة إلــى التظاهــر (آمــل‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫وه‬ ‫ـك؟‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫تحدي‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫يمك‬ ‫أي مــدى‬
‫الموجــه؟ وإلــى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذلــك علــى األقــلّ ) بأكبــر قــدر ممكــن مــن الد ّقــة‪ ،‬حتــى لــو‬ ‫ـراء»؟ لمــاذا تظــلّ‬ ‫ـ‬ ‫«الق‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫جان‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫أم‬ ‫ـف»‬ ‫ـ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫«المؤ‬ ‫ـب‬
‫ـ‬ ‫جان‬ ‫مــن‬
‫ّ‬
‫لــم تعــد قواعــد البرهــان موجــودة‪ ،‬باســتمرار‪ ،‬كمــا لــم تعــد‬ ‫معينــة غير قابلة لالختــزال‪ ،‬أو ال غنى عنها‪ ،‬في هذا‬ ‫َّ‬ ‫ـة»‬ ‫ـ‬ ‫«لعب‬
‫ـميه‬ ‫موجــودة قبــل كلّ شــيء‪ ،‬كمــا هــو الحــال فــي مــا تسـ ّ‬ ‫التحديــد ذاتــه؟ هنــاك‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬أســئلة تاريخيــة‪ ،‬واجتماعية‪،‬‬
‫«الخطــاب الفلســفي»‪ .‬حتــى داخلهــا‪ ،‬كمــا تعلمــون‪ ،‬أنظمــة‬ ‫ومؤسســية‪ ،‬وسياســية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ومتحركة‪ .‬هم أنفســهم يشــكّ لون‬ ‫ِّ‬ ‫ومتعددة‬
‫ِّ‬ ‫البرهنة إشــكالية‬ ‫لاللتــزام باألنــواع التــي ذكرتهــا‪ ،‬لــم أســتوعب‪ ،‬أبــداً‪ ،‬مــا‬
‫الموضــوع الثابــت لتاريــخ الفلســفة بأكملــه‪ .‬يندمــج الجــدل‬ ‫ـص األدبــي‪ .‬يبــدو‬ ‫ـمى بالنـ ّ‬ ‫ـص الفلســفي‪ ،‬ومــا يسـ َّ‬ ‫ـمى بالنـ ّ‬ ‫يسـ َّ‬
‫الــذي نشــأ حــول موضوعهــم مــع الفلســفة نفســها‪ .‬هــل‬ ‫ـي‪ ،‬فــا‬ ‫أن االختــاف بينهمــا غيــر قابــل لالختــزال بالنســبة إلـ ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪52‬‬
‫ـد هــذه األســئلة‪،‬‬ ‫مــن خــال حمايــة أنفســهم ضـ ّ‬ ‫تعتقــد‪ ،‬بالنســبة إلــى «أفالطون» أو «أرســطو» أو‬
‫ـوالت التي يدعون إليهــا أو يفترضونها‬ ‫ـد التحـ ّ‬
‫وضـ ّ‬ ‫«ديــكارت» أو «هيجل» أو «ماركس» أو «نيتشــه»‬
‫المؤسســة‪ ،‬أيضاً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫مســبقاً‪ ،‬هم يمارســون حماية‬ ‫أو «برغســون» أو «هايدغــر» أو «ميرلوبونتــي»‪،‬‬
‫ـد الفلســفة‪ .‬مــن وجهــة النظــر هــذه‪ ،‬بــدت‬ ‫ضـ ّ‬ ‫أنــه يجــب أن تكــون قواعــد البرهــان هــي نفســها‪،‬‬
‫لــي دراســة بعــض الخطابــات‪ ،‬مثــل خطابــات‬ ‫والحديــث قيــاس في اللّغــة والمنطــق والبالغة؟‬
‫«نيتشــه» أو «فاليــري»‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪،‬‬ ‫ليــس اختــزال «الخطــاب الفلســفي» فــي‬
‫أمــر ًا مثيــر ًا لالهتمــام‪ ،‬وهــي تميــل إلــى اعتبــار‬ ‫األدب‪ ،‬مــن أجــل تحليلــه فــي شــكله وأنمــاط‬
‫الفلســفة نوعــ ًا مــن األدب‪ .‬لكننــي لــم أشــترك‬ ‫تكوينــه وبالغتــه واســتعاراته ولغتــه وتخييالتــه‬
‫يوجهــون لــي تهمــة‬ ‫فيــه مطلق ـاً‪ .‬أولئــك الذيــن ِّ‬ ‫وكلّ مــا يقــاوم الترجمــة‪ ...،‬إلــى غيــر ذلــك‪.‬‬
‫اختــزال الفلســفة فــي األدب أو المنطــق فــي‬ ‫حــد كبيــر‪،‬‬‫ّ‬ ‫مهمــة ال تــزال فلســفية إلــى‬ ‫إنهــا ّ‬
‫البالغــة (انظــر‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــي كتــاب‬ ‫حتــى إن لــم تظــلّ فلســفية مــن خــال دراســة‬
‫هابرماس األخير «الخطاب الفلســفي للحداثة»‪،‬‬ ‫هــذه «األشــكال»‪ ،‬وعبرهــا التــي هــي أكثــر مــن‬
‫بترجمته الفرنســية عــن (غاليمار)‪ ،)1988( ،‬فقد‬ ‫تــؤول‬
‫ِّ‬ ‫أشــكال‪ ،‬باإلضافــة إلــى الطرائــق التــي‬
‫تج َّنبــوا قراءتــي بشــكل واضــح وحــذر‪.‬‬ ‫الشــعر واألدب وفقــ ًا لهــا‪ ،‬وإســناد األخيــرة‬ ‫ِّ‬
‫بالمقابل‪ ،‬ال أعتقد أن األسلوب «البرهاني» أو‬ ‫لوضــع اجتماعــي وآخــر سياسي‪،‬وســعي ًا‬
‫عام‪ ،‬غريبــان عن األدب‪.‬‬ ‫حتى الفلســفة‪ ،‬بشــكل ّ‬ ‫ادعــت‬ ‫الســتبعادهم مــن جســدها الخالــص‪َّ ،‬‬
‫مثلمــا توجــد أبعــاد «أدبيــة» و«تخييليــة» في كلّ‬ ‫المؤسســة األكاديميــة للفلســفة اســتقالليتها‬ ‫َّ‬
‫خطــاب فلســفي (و«سياســي» للُّغــة‪ ،‬بأكملهــا‪،‬‬ ‫الخاصــة‪ ،‬ومارســت اإلنــكار فيمــا يتع َّلــق بلغتهــا‬ ‫ّ‬
‫محميــة هنــاك)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العامــة تكــون‬
‫ّ‬ ‫فــإن السياســة‬ ‫ـميه األدبيــة والكتابــة‪ ،‬بشــكل‬ ‫الخاصــة‪ ،‬لمــا تسـ ّ‬
‫ّ‬
‫عرف‬‫ـص ُي َّ‬
‫أي نـ ّ‬ ‫لذلــك هنــاك فلســفات تعمل فــي ّ‬ ‫عــام‪ ،‬ســوء فهــم معاييــر خطابــه الخالــص‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بأنــه «أدبــي»‪ ،‬و ‪-‬بالفعــل‪ -‬في المفهــوم الحديث‬ ‫والعالقــة بيــن الكالم والكتابــة‪ ،‬وإجراءات تقنين‬
‫كل ِّّياً‪ ،‬لـ«األدب»‪.‬‬ ‫النصــوص الرئيســية أو النموذجيــة‪ ..‬وغير ذلك‪.‬‬
‫هذا التفســير بين «الفلســفة» و«األدب» ليس‬ ‫يحتجــون علــى كلّ هــذه األســئلة‬ ‫ّ‬ ‫أولئــك الذيــن‬
‫ـرد مشــكلة مع ّقدة‪ ،‬أحاول شــرحها على هذا‬ ‫مجـ َّ‬ ‫مؤسسية للفلسفة‪ ،‬ألنها‬ ‫يزعمون حماية ســلطة ّ‬
‫النحــو‪ ،‬بــل هــو مــا ي َّتخــذ‪ ،‬فــي نصوصــي‪ ،‬شــكل‬ ‫معينــة‪.‬‬
‫وصلــت إلــى طريــق مســدود فــي لحظــة َّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪53‬‬
‫ملحقــة وخارجيــة‪ ،‬مــن ناحيــة أخــرى‪ .‬هــذه هــي الطريقــة‬ ‫كتابــة تحــاول؛ كــي ال تكــون أدبيــة‪ ،‬وال فلســفية بحتــة‪ّ ،‬أل‬
‫ـام‪ ،‬إلــى جانــب نــوع مــن‬ ‫الم َّتبعــة فــي الجامعــة‪ ،‬بشــكل عـ ّ‬ ‫تضحــي بالبرهنــة‪ ،‬وبالتمظهــر‪ ،‬وباألطروحــات‪ ،‬وبالتخييليــة‬ ‫ّ‬
‫لـ«المتخيل»‪ ،‬أحياناً‪ ،‬لـ«حياة الفالســفة‬ ‫َّ‬ ‫الســرد الكالســيكي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أو بشــاعرية اللّغة‪.‬‬
‫العظمــاء»‪ ،‬بقــراءة فلســفية منهجيــة‪ ،‬أو حتــى بنيوية‪ ،‬التي‬ ‫باختصــار‪ ،‬لإلجابــة عــن الرســالة ذاتهــا التــي وردت فــي‬
‫إمــا حــول حــدس فريــد والمــع (نموذج مشــترك بين‬ ‫ننظّ مهــا ّ‬ ‫خاصــة»‪ ،‬كتابة‬
‫ّ‬ ‫ســؤالك‪ ،‬ال أعتقــد أن هنــاك «كتابــة فلســفية‬
‫ـور»‪ ،‬علــى مرحل َت ْيــن أو‬ ‫برغســون وهايدغــر)‪ ،‬أو حــول «تطـ ّ‬ ‫فلســفية واحــدة‪ ،‬حيــث نقاؤهــا‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬فــي نفســها‪ ،‬وتكــون‬
‫ثــاث مراحــل مــن ال ّزمــن‪.‬‬ ‫التلوث‪ .‬لهذا الســبب الهائل‪ ،‬وقبل كلّ‬ ‫ُّ‬ ‫محمية من كلّ أنواع‬ ‫ّ‬
‫حاولــت تحليــل االفتراضــات الـــمسبقة لهــذه الـــمبادرة‪،‬‬ ‫ـدث بالفلســفة‪ ،‬وكتابتهــا بلغــة طبيعيــة‪ ،‬ال‬ ‫ـم التحـ ُّ‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـيء‪،‬‬ ‫شـ‬
‫وبدء التحليالت حول الحدود والتخوم واألطر والتهميشــات‬ ‫بلغة عالمية يمكن إضفاء الطابع الرســمي عليها تماماً‪ .‬بعد‬
‫مــن جميــع األنــواع التــي أُذن لها‪ ،‬عموماً‪ ،‬بهــذه االنفصاالت‪.‬‬ ‫قولــي هذا‪ ،‬وضمن هذه اللّغة الطبيعية‪ ،‬وفي اســتعماالتها‪،‬‬
‫يبدو لي أن األســئلة المتعلِّقة بالتوقيع‪ ،‬واســم العلم تساعد‬ ‫ـوة (وهنــاك تــوازن قــوى‬ ‫معينــة نفســها‪ ،‬بقـ ّ‬
‫فرضــت أنمــاط َّ‬
‫ـام‪ ،‬ليــس داخلياً‪،‬‬ ‫علــى إعــادة التفصيــل‪ .‬التوقيــع‪ ،‬بشــكل عـ ّ‬ ‫ـددة ومتضاربة‪،‬‬ ‫هنــا)‪ ،‬باعتبارهــا فلســفية‪ .‬هــذه األنماط متعـ ّ‬
‫(المدونــة‬
‫ّ‬ ‫النــص الموقّــع‬ ‫ّ‬ ‫ببســاطة‪ ،‬بالنســبة إلــى جوهــر‬ ‫وال يمكــن فصلهــا عــن المحتــوى نفســه وعــن «األطروحــات»‬
‫الفلســفية‪ ،‬علــى ســبيل المثــال)‪ ،‬وال خارجي ـ ًا ببســاطة؛ أي‬ ‫الفلســفية‪ .‬النقــاش الفلســفي هو‪ ،‬أيضاً‪ ،‬صــراع لفرض صيغ‬
‫الفرضي َت ْيــن‪ ،‬ســتختفي‬
‫ِّ‬ ‫ا للفصــل‪ ،‬ففــي كلّ مــن ها َت ْيــن‬ ‫قابـ ً‬ ‫خطابيــة وإجــراءات توضيحيــة وتقنيــات بالغيــة وتربوية‪ .‬في‬
‫معينة‪،‬‬ ‫بوصفهــا توقيعـاً‪ .‬إذا كان توقيعــك ال ينتمي‪ ،‬بطريقة َّ‬ ‫ـرة عارضنــا فيهــا فلســفة مــا‪ ،‬لــم يكــن ذلــك مــن خــال‬ ‫كلّ مـ ّ‬
‫إلى المســاحة نفســها التي وقّعت عليها‪ ،‬والتي َت َّم تحديدها‬ ‫الطّ عــن‪ ،‬فحســب‪ ،‬فــي الطابــع الفلســفي األصيــل والصحيح‬
‫(الرســالة أو البطاقة‬ ‫بوســاطة نظــام رمــزي من االصطالحــات ّ‬ ‫لخطــاب اآلخر‪.‬‬
‫الصــك أو أي شــهادة أخــرى)‪ ،‬فليــس لــه قيمــة‬ ‫البريديــة أو ّ‬
‫التــزام‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬إذا كان توقيعــك محايثــ ًا فــي‬ ‫تتميــز باهتمــام متزايــد بمســألة‬
‫يبــدو أن أعمالكــم األخيــرة َّ‬
‫ال فيــه كأحــد أجزائــه‪ ،‬فلــن يكــون‬ ‫ـج ً‬ ‫التوقيــع‪ ،‬واســم العلــم‪ .‬مــا وزن هــذا الســؤال فــي مجــال‬
‫ـموقَّع‪ ،‬ومسـ ّ‬ ‫ـص الــ ُ‬ ‫النـ ّ‬
‫ـوة التنفيذيــة للتوقيــع‪ .‬فــي كلتــا الحال َت ْيــن (خارجي ـ ًا‬ ‫الفلســفة‪ ،‬ما دمنا نعتبر اإلشــكاالت غير شــخصية‪ ،‬وأســماء‬
‫لــه القـ ّ‬
‫أو داخليـاً)‪ ،‬يمكنــك اإلشــارة إلــى اســمك أو ذكــره ببســاطة‪،‬‬ ‫العلــم‪ ،‬بالنســبة إلــى الفلســفة‪ ،‬هــي رمــوز هــذه اإلشــكاالت؟‬
‫وهــو ليــس توقيعـاً‪ .‬التوقيــع ليــس بالداخلــي وال بالخارجي‪،‬‬ ‫‪ -‬منــذ البدايــة‪ ،‬كان علــى مشــكلة جديــدة تتع َّلــق بالكتابة‬
‫ـدده نظــام وتاريــخ مــن اال ِّتفاقــات؛ ما‬ ‫ـد‪ ،‬يحـ ّ‬ ‫بــل يقــع علــى حـ ّ‬ ‫ضيقــة وضروريــة للغايــة‪ ،‬مع‬ ‫أو األثــر‪ ،‬أن تتواصــل‪ ،‬بطريقــة ّ‬
‫أزال أســتفيد‪ ،‬بســرعة‪ ،‬مــن هــذه الكلمــات الثــاث‪ :‬النظــام‪،‬‬ ‫مشــكلة اســم العلــم (إنــه‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬موضوعي ومحــوري في‬
‫والتاريــخ‪ ،‬واال ِّتفــاق‪ ،‬لكــن ال يمكــن ألحــد أن يعتمدهــا دون‬ ‫(خاصــة فــي هوامــش الفلســفة)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الغراماتولوجيــا) والتوقيــع‬
‫ـدث عنهــا‪.‬‬ ‫ســؤال عــن اإلشــكالية التــي أتحـ ّ‬ ‫أهم ّيــةً ألن هــذه اإلشــكالية الجديــدة لألثــر تنطــوي‬
‫هــذا أكثــر ّ‬
‫ضروريـاً‪« :‬االتفاق»‬
‫ّ‬ ‫لذلــك‪ ،‬كان االهتمــام بهذه المشــاكل‬ ‫علــى تفكيــك بعــض الخطابــات الميتافيزيقيــة حــول الــذات‬
‫و«التاريــخ» للطوبولوجيــا والحــدود والتأطيــر‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫الهويــة الذاتية‬
‫ّ‬ ‫تميزها تقليديـاً‪:‬‬
‫المكونــة بــكلّ الســمات التــي ّ‬ ‫ّ‬
‫ـوة األدائيــة أيضـاً‪ .‬كان مــن الضــروري‪،‬‬ ‫إلــى المســؤولية والقـ ّ‬ ‫والنيــة والحضــور أو القــرب من الذات واالســتقاللية‬ ‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫والوع‬
‫تحدثــت‬ ‫أيضـاً‪ ،‬إخراجهــم مــن المعارضــات أو البدائــل التــي ّ‬ ‫الذاتيــة والعالقــة بالموضوع؛ لذلك كان األمــر يتعلَّق بإعادة‬
‫ـو‪ .‬كيــف يعمــل التوقيــع؟ األمــر مع َّقــد ومختلــف‬ ‫عنهــا للتـ ّ‬ ‫وضــع أو إعــادة كتابــة الوظيفــة المزعومــة للــذات‪ ،‬أو ‪ -‬إن‬
‫دائمـاً‪ ،‬علــى وجــه التحديــد‪ ،‬مــن توقيــع إلــى آخــر ومــن لغــة‬ ‫شــئت‪ -‬بإعــادة صياغــة فكــر للــذات ال يكــون دوغمائيــ ًا أو‬
‫إلــى أخــرى‪ ،‬لكنــه كان الشــرط الــذي ال غنــى عنــه إلعــداد‬ ‫فينومينولوجي ـ ًا‬
‫ّ‬ ‫تجريبي ـاً‪ ،‬وال نقدي ـ ًا (بالمعنــى الكانطــي) أو‬
‫ـص‬ ‫ـص و«مؤلّفــه»‪ ،‬النـ ّ‬ ‫وصــول صــارم إلــى العالقــة بيــن النـ ّ‬ ‫(بالمعنــى الديكارتي‪-‬الهوســرلي)‪ ،‬لكــن مــع األخــذ فــي‬
‫وظــروف إنتاجــه ســواء أكانت ســير نفســية كما قلنا‪ ،‬أو ســير‬ ‫االعتبار‪ ،‬في الوقت نفســه‪ ،‬األســئلة التي يطرحها «هايدغر»‬
‫ـام‪ ،‬على‬ ‫سوســيو‪ -‬تاريخية‪-‬سياســية‪ .‬هــذا ينطبــق‪ ،‬بشــكل عـ ّ‬ ‫علــى ميتافيزيقــا الــذات (‪ )subjectum‬كدعــم للتمثُّالت وما‬
‫ـص وأي «مؤ ّلــف»‪ ،‬لكنــه يتط َّلــب‪ ،‬بعــد ذلــك‪ ،‬عــدد ًا مــن‬ ‫أي نـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلــى ذلــك‪ ،‬وبــدا لــي أن التفاتــة «هايدغر» هذه تتطلَّب أســئلة‬
‫يتــم النظــر‬ ‫ّ‬ ‫التــي‬ ‫النــص‬
‫ّ‬ ‫أنــواع‬ ‫علــى‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫اعتمــاد‬ ‫المواصفــات‬ ‫جديدة‪.‬‬
‫ـر الفــروق بيــن النصــوص الفلســفية والنصــوص‬ ‫فيهــا‪ .‬ال تمـ ّ‬ ‫وعلــى الرغــم مــن التعقيــدات التــي حاولــت أخذهــا‬
‫تمــر‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬ضمــن هــذه األنــواع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األدبيــة‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫بالحســبان‪ ،‬غالب ـ ًا مــا يعيــد «هايدغــر» إنتــاج (علــى ســبيل‬
‫وفــي حــدود (حــدود المصطلــح) بيــن جميــع النصــوص‪،‬‬ ‫المثــال‪ ،‬فــي حديثــه عــن «نيتشــه») االلتفاتــة الكالســيكية‬
‫التــي يمكــن أن تكــون قانونيــة‪ ،‬وسياســية‪ ،‬وعلميــة‪ ،‬أيض ـاً‪،‬‬ ‫واألكاديميــة التــي تتمثَّــل فــي فصــل القــراءة «الداخليــة»‬
‫(ومختلفــة فــي «مناطــق» مختلفــة‪ ...،‬ومــا إلــى ذلــك)‪ .‬فــي‬ ‫ـص أو «الفكــر»‪ ،‬وحتــى القــراءة الـــمحايثة للنســق‪ ،‬مــن‬ ‫للنـ ّ‬
‫رســم هــذا التحليل‪ ،‬على ســبيل المثال‪ ،‬مــن جانب «هيجل»‬ ‫ناحيــة‪ ،‬وعــن «الســيرة الذاتيــة» التــي تظــلّ فــي األســاس‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪54‬‬
‫ذاتــه عالمــة للعمليــة األدائيــة التــي ال يمكن للمــرء أن يزيلها‬ ‫أو «نيتشــه»‪ ،‬مــن «جينيه» و«بالنشــو»‪ ،‬من «أرتــو» و«بونج»‪،‬‬
‫ـؤدي إلــى النســبية بل يطبع‬
‫بالكامــل وبــكلّ بســاطة؛ هــذا ال يـ ّ‬ ‫العامــة‪ ،‬بينمــا أحاول‬ ‫ّ‬ ‫معينـ ًا مــن البديهيــات‬ ‫اقترحــت عــدد ًا ّ‬
‫ـاء آخــر للخطــاب النظري‪.‬‬ ‫انحنـ ً‬ ‫مراعــاة االصطــاح‪ ،‬أو الرغبة في التعبير االصطالحي في كلّ‬
‫حالــة‪ .‬أذكــر هذه األمثلة‪ ،‬هنــا‪ ،‬ألن العمل المتعلِّق بالتوقيع‬
‫ـجلت أعمالكــم تحــت مسـ ّـمى «التفكيــك» معارضــة‬ ‫لقــد سـ ّ‬ ‫ـر‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬مــن خــال اســم العلــم بالمعنى العــادي؛ أعني‬ ‫يمـ ّ‬
‫لموضوع التقويض الهايدغري صراحةً ‪ .‬من «االنسحاب» إلى‬ ‫ـو‪.‬‬ ‫االســم العائلــي (اســم األســرة) بالشــكل الــذي نقلتــه‪ ،‬للتـ ّ‬
‫«الخطــوة»‪ ،‬ومــن «البطاقــة البريديــة» إلى «اإلرســال»‪ ،‬ومن‬ ‫لكــن‪ ،‬مــن غيــر أن أتمكَّ ــن مــن إعــادة تشــكيل هــذا العمــل‪،‬‬
‫ـواف»‪ ،‬ينســج التفكيــك شــبكة متزايدة‬ ‫«الهوامــش» إلــى «الحـ ّ‬ ‫أود توضيــح بعــض النقــاط‪ ،‬وذكــر بعــض االحتياطــات‪:‬‬ ‫هنــا‪ّ ،‬‬
‫ـم وال اســتعارات‪،‬‬ ‫الضيــق مــن األســماء التــي ليســت مفاهيـ َ‬ ‫ـرض داللــة اســم العلــم‪ ،‬فــي شــكله‬ ‫أ‪ /‬حتــى عندمــا تتعـ َّ‬
‫ولكنهــا تبــدو معالــم أو إشــارات‪ .‬هــل النشــاط التفكيكــي‬ ‫العــام والقانونــي‪ ،‬فــي هــذا التحليــل‪ ،‬للتوقيــع‪ ،‬ال يمكــن‬ ‫ّ‬
‫ـمساح؟ هــل‬
‫مســاح األراضــي أو الـــمهندس الــ ّ‬ ‫مماثــل لنشــاط ّ‬ ‫مجــرد كتابــة اســمه‬ ‫َّ‬ ‫مــن‬ ‫َّــف‬‫ل‬ ‫يتأ‬ ‫لــم‬ ‫فيــه‪.‬‬ ‫األخيــر‬ ‫اختــزال‬
‫هــذا «التخصيــص» للعالقــة بالتقاليــد ال يعـ ّزز فكــرة «إغــاق»‬ ‫العلــم؛ وهــذا هــو الســبب فــي أن اإلشــارات إلــى الــدالّ علــى‬
‫هــذا التقليــد‪ ،‬علــى حســاب تصـ ّـور أكثــر تمايــزاً لتعـ ّـدد البنوة؟‬ ‫مقدمة‬ ‫اســم العلــم‪ ،‬فــي نصوصــي‪ ،‬حتى لو بــدا أنها تشــغل ّ‬
‫تميــزت العالقــة بيــن «التفكيــك»‬ ‫أهم ّيــة محــدودة‪ ،‬أساس ـاً‪ :‬فــي‬ ‫أوليــة وذات ِّ‬ ‫المشــهد‪ ،‬تظــلّ َّ‬
‫‪ -‬نعــم‪ ،‬لطالمــا َّ‬ ‫كثيــر مــن األحيــان‪ ،‬أضــع عالمة على عــدم ثقتي فيمــا يتعلَّق‬
‫و«التقويض» الهايدغري‪ ،‬ألكثر من عشــرين عاماً‪ ،‬باألســئلة‬
‫واإلزاحــات وحتــى بالنقــد كمــا نقــول أحيان ـاً‪ ،‬وقــد تذكّ ــرت‬ ‫يؤدي‬ ‫باأللعــاب الســهلة أو المســيئة أو المتوافقــة‪ ،‬التــي قــد ِّ‬
‫ـرات فــي افتتاحيــة كتابــي فــي‬ ‫إليهــا ذلــك‪.‬‬
‫هــذا كمــا جــاء فــي إحــدى المـ َّ‬
‫الــروح (جاليلــي‪ ،)1987 ،‬ولكنــه كان كذلــك بالفعــل منــذ‬ ‫ـم الخلــط‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬بين «اســم العلم» وبين ما‬ ‫ب‪ /‬ال يتـ ّ‬
‫ّ‬
‫الغراماتولوجيــا ســنة ‪.1967‬‬ ‫والمسجل‬ ‫َّ‬ ‫نطلق عليه‪ ،‬عادةً‪ ،‬اسم األب أو العائلة الرسمي‪،‬‬
‫ـي‪ ،‬واحــدة مــن أكثــر‬ ‫فــي الحالــة المدنيــة‪ ،‬علــى هــذا النحــو‪ .‬إذا أطلقنــا علــى‬
‫تظــلّ أفــكار «هايدغــر»‪ ،‬بالنســبة إلـ ّ‬ ‫والســمات‬ ‫«اســم العلــم» مجموعــة مفــردة مــن العالمــات‬
‫وضروريةً في هذا الزمن‪ .‬سأســمح‬ ‫ّ‬ ‫األفكار صرامةً واســتفزاز ًا‬ ‫ِّ‬
‫األمريْــن ألقــول كــم هــي صادمــة‬ ‫لنفســي أن أتذكَّ ــر هذيــن‬ ‫يحددهــا بنفســه أو‬ ‫وال ّتســميات‪ ،‬التــي يمكــن لشــخص مــا أن ّ‬
‫َ‬
‫مبســطة‪،‬‬ ‫أجدها‬ ‫التي‬ ‫التصنيفات‬ ‫ـك‬ ‫ومثيــرة للســخرية كلّ تلـ‬ ‫يحددهــا بنفســه‬ ‫يطلقهــا علــى نفســه‪ ،‬أو دون أن يختارهــا أو ّ‬
‫ّ‬
‫السريعة التي انخرط فيها البعض خالل األشهر‬ ‫تمامـاً‪ ،‬فإنــك تــرى الصعوبــة فــي ذلــك‪ .‬ليــس مــن المؤكَّ ــد‪،‬‬
‫التجانســات ّ‬
‫تهدد‬
‫ـدث‪ ،‬فقط‪ ،‬عن الصحــف)‪ّ .‬‬ ‫القليلــة الماضيــة (أنــا ال أتحـ ّ‬ ‫أبــداً‪ ،‬أن تأتــي هذه المجموعــة معاً‪ ،‬وأن هناك واحدة‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫هــذه اإلســاءات والفظاظــة بالظالمية نفســها‪ ،‬وهــذا التهديد‬ ‫ـرية بالنســبة إلــى البعــض‪ ،‬وحتــى بالنســبة إلــى‬ ‫ال تبقــى سـ ِّ‬
‫أخالقــي كمــا هــو سياســي‪ ،‬ناهيــك عن الفلســفة نفســها‪.‬‬ ‫ا للتحليــل‪.‬‬ ‫ال هائـ ً‬
‫«وعــي» حامليهــا؛ مــا يفتــح مجــا ً‬
‫تــم اختــزال «الشــبكة» التــي‬ ‫ج‪ /‬لذلــك يبقــى أحــد االحتمــاالت مفتوحاً‪ :‬أن اســم العلم‬
‫لتوظيــف كلماتــك‪ ،‬إذا ّ‬
‫تســتحضرها‪ ،‬ليــس فــي نســيج مــن المفاهيــم أو فــي نســيج‬ ‫ـام‪ ،‬وأن التوقيــع يظــلّ مســتحيالً‪،‬‬ ‫غيــر موجــود فــي نقــاء تـ ّ‬
‫ـون‪ ،‬فقــط‪،‬‬ ‫تمامـاً‪ ،‬فــي نهايــة المطــاف‪ ،‬إذا كان أحدهــم‪ ،‬علــى األقــلّ ‪ ،‬ال‬
‫مــن االســتعارات‪ ،‬فأنــا ال أعــرف مــا إن كانــت تتكـ ّ‬
‫من «نقاط مرجعية» أو «إرشــادات»‪ .‬كنت ســأغريك بســؤالي‬ ‫يــزال يفتــرض أن اســم العلــم يجــب أن يكــون مناســب ًا تمامـاً‪،‬‬
‫عمــا تعنيــه بذلك‪ .‬يبدو أن الجملة اآلتية‪ ،‬في ســؤالك‪ ،‬تشــير‬ ‫ّ‬ ‫(حراً)‪ ،‬واصطالحي ًا بحتاً‪ .‬إذاً‪ ،‬وألسباب‬ ‫مستقل تمام ًا ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وتوقيع ًا‬
‫تفضــل‪ ،‬بهــذه الكلمــات‪ ،‬العالقــة بالفضــاء‪ ،‬وفــي‬ ‫إلــى أنــك ِّ‬ ‫أحــاول تحليلهــا‪ ،‬لــم يكــن هنــاك تعبيــر اصطالحــي خالــص‪،‬‬
‫«مســاح األراضي» أو «خبير العقار»‪ .‬لكنك‬ ‫الفضــاء‪ ،‬بتجربة ّ‬ ‫أي حــال ال يوجــد تعبيــر اصطالحــي يمكننــي أن‬ ‫أبــداً‪ ،‬وعلــى ّ‬
‫«مســاحاً»‬
‫ّ‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫يع‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الهندس‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫بعل‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫جيــد ًا أن الخبي‬
‫تعلــم ّ‬ ‫أن‬‫أعطيــه لنفســي أو أبتكــره فــي نقائــه‪ ،‬ثــم يتر َّتــب علــى ذلك َّ‬
‫والمقدمة‪PUF ،‬‬
‫ِّ‬ ‫(أصــل الهندســة‪ ،‬بقلــم هوســرل‪ ،‬الترجمــة‬ ‫يتم تدميرهما‪ -‬يجب‬ ‫مفهوم ّي التوقيع واســم العلم ‪-‬دون أن ّ‬ ‫َ‬
‫ـدة للفضــاء‪ ،‬كانــت موجــودة هنــاك‪.‬‬ ‫‪ ،)، 1962‬وأن تجــارب عـ ّ‬ ‫تؤدي‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫يمكن‬ ‫الصياغة‬ ‫إعادة‬ ‫أن‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫يبدو‬ ‫ـا‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫صياغتهم‬ ‫إعــادة‬
‫أوالً‪ -‬إلــى ســؤال المفهوم واالســتعارة‬ ‫أود العــودة ‪ّ -‬‬‫لكــن‪ّ ،‬‬ ‫خاصة‬ ‫ّ‬ ‫إلــى ظهــور قواعــد جديدة‪ ،‬إلجــراءات قراءة جديــدة‪،‬‬
‫للتــو‪ .‬أذكــر توضيحيــن‪ :‬لــم أحصــر‬ ‫ّ‬ ‫الــذي أشــرت إليــه‬ ‫نصه‪ ،‬ومع‬ ‫فيمــا يتع َّلــق بعالقــات «المؤ ِّلــف» الفيلســوف مــع ّ‬
‫المفهــوم أبــد ًا فــي االســتعارة أو المنطــق بالبالغــة كمــا‬ ‫مؤسســات التدريس والنشــر‪ ،‬ومــع التقاليد‬ ‫المجتمــع‪ ،‬ومع ّ‬
‫مؤخــر ًا (أكثــر فــي الفلســفة منــه‬ ‫ا َّتهمنــي بــه «هابرمــاس»‪َّ ،‬‬ ‫والموروثــات‪ ،‬لكننــي لســت متأكِّ ــد ًا مــن أن هــذا يمكــن أن‬
‫إلــى األدب‪ ،‬كمــا قلنــا ســابقاً)‪ .‬هــذا مذكــور‪ ،‬بوضــوح‪ ،‬فــي‬ ‫عامــة للتوقيــع واســم العلــم‪ ،‬علــى‬ ‫ـؤدي إلــى ظهــور نظريــة ّ‬ ‫يـ ِّ‬
‫عــدد مــن الـــمواضع‪ ،‬وال سـ َّـيما فــي «الـــميتولوجيا البيضاء»‬ ‫النمــوذج الكالســيكي للنظريــة أو الفلســفة (ميتا‪-‬لغــة قابلــة‬
‫(هوامــش‪ ،‬مينــوي‪)1972 ،‬؛ حيــث أقتــرح «منطقـاً» مختلفـاً‪،‬‬ ‫للتشــكيل والمالحظــة والموضوعيــة)؛ ألنه ‪-‬لألســباب ذاتها‪-‬‬
‫تمام ـاً‪ ،‬للعالقــة بيــن المفهــوم واالســتعارة‪ .‬يجــب أن أقنــع‬ ‫ـو‪ ،‬يجــب توقيــع هــذا الخطــاب الجديد حول‬ ‫التــي ذكرتهــا للتـ ّ‬
‫نفســي باإلشــارة إليــه هنــا‪ .‬مهمــا كان انتباهــي لألســئلة‪،‬‬ ‫حــد‬
‫يتضمــن فــي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫مــرة أخــرى‪ ،‬وأن‬ ‫التوقيــع واســم العلــم ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪55‬‬
‫قــرب أو عــن بعــد (أحــاول فهــم الدافــع الخفــي لســؤالك)‪،‬‬ ‫وتجربــة الفضــاء ‪-‬ســواء أكان أصــلَ الهندســة أو الكتابــة أو‬
‫ميــزت دائمـ ًا «إغالق» النهايــة (الغراماتولوجيــا)‪ ،‬وغالب ًا‬ ‫فقــد ّ‬ ‫التشــكيل أو الرسم (الحقيقة في الرسم‪ ،‬فالماريون‪-)1978 ،‬‬
‫مــا ذكــرت أن التقليــد لــم يكــن متجانس ـ ًا (مــن هنــا‪ ،‬يتو ّلــد‬ ‫ـدث عــن‬ ‫فــا أعتقــد أن «التماســف أو التنائــي» يعنــي أن أتحـ َّ‬
‫الشــرعية التــي تزعــزع‬ ‫اهتمامــي بجميــع النصــوص غيــر ّ‬ ‫ـرد «مكانــي» أو «فضائــي»‪ .‬إنــه ‪-‬بــا شــك‪ -‬يجعــل مــن‬ ‫مجـ َّ‬
‫قدمــه تقليــد مهيمــن عــن نفســه)‪.‬‬ ‫اســتقرار التمثيــل الــذي ّ‬ ‫الممكــن إعــادة االعتبــار‪ ،‬إذا جــاز التعبيــر‪ ،‬للمكانيــة التــي‬
‫أي مــدى تبــدو لــي‬ ‫لقــد قلــت‪ ،‬فــي كثيــر مــن األحيــان‪ ،‬إلــى ّ‬ ‫أخضعتهــا بعــض التقاليــد الفلســفية‪ ،‬وجعلتهــا ثانويــة‪ ،‬بــل‬
‫ألهم ّيــة‬ ‫ـري‬ ‫ـ‬ ‫الهايدغ‬ ‫إشــكالية فكــرة الميتافيزيقــا والمخطَّ ــط‬ ‫تجاهلتهــا‪ .‬ولكــن‪ ،‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬إن «التنائــي» يشــير‪،‬‬
‫ِّ‬
‫الموحــدة لتاريــخ الوجــود‪،‬‬ ‫«ايبوخيــه» الكينونــة‪ ،‬أو الوحــدة‬ ‫يتدخــل مع إرجاء‬ ‫َّ‬ ‫أيضـاً‪ ،‬إلــى أن يصبــح فضاء الزمن نفســه؛‬
‫ّ‬
‫حتــى لــو كان مــن الضــروري أخــذ هــذا «التأويــل الذاتــي»‬ ‫فــي حركــة تأجيــل زمنــي (‪)temporalisation‬؛ قــد يقــول‬
‫حــده أو فشــله‪.‬‬ ‫بعيــن االعتبــار فــي مطالبتــه أو رغبتــه أو‬ ‫المــرء إن التنائــي هــو الزمن أيضاً‪ .‬من ناحيــة أخرى‪ ،‬ال يمكن‬
‫ّ‬
‫ـي تنصيــص‪ ،‬ألنهــا دائمـ ًا عن هذه‬ ‫ـت بهــا‪ ،‬فإنــه يكســر‬ ‫اختزالــه كفتــرة تفاضليــة غيــر قابلــة للبـ ّ‬
‫أضــع «الذاتيــة» بيــن عالم َتـ ْ‬ ‫والهويــة الذاتيــة لــكلّ الحضــور‪ ،‬مــع كلّ العواقــب‬ ‫الحضــور‬
‫الهويــة الذاتيــة‪ ،‬تلــك‬
‫ّ‬ ‫الهويــة‪ ،‬وقبــل كلّ شــيء هــي هــذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التــي يمكــن أن تتر ّتــب علــى ذلــك‪ .‬يمكــن متابعتهــم فــي كثير‬
‫ـوة الـــمتناسلة مــن االنعكاســية الشـ ّفافة أو الشــاملة أو‬ ‫القـ ّ‬ ‫مــن المجــاالت المختلفــة‪.‬‬
‫الكل ِّّيــة التــي أصبحــت موضــع تســاؤل هنــا‪.‬‬
‫جيــد ًا كيــف لهــذه الحركــة‪،‬‬ ‫أعتــرف‪ ،‬اآلن‪ ،‬بأننــي ال أرى ّ‬
‫تركّ ــز أبحاثكــم األخيــرة علــى «القوميــة الفلســفية»‪ .‬كيــف‬ ‫والتــي ليســت «تحييــزاً» (‪ ،)spatialisation‬بالتأكيــد‪ ،‬أن‬
‫هويــة مــا؟ هــل توجــد فلســفة‬ ‫تشــير إلــى «إغــاق» «التقليــد»‪ .‬يشــير التباعــد التفاضلــي‪،‬‬
‫تبــدو لكــم اللّغــة وهــي تش ـكِّل ّ‬
‫أي إغــاق‪ .‬أمــا‬ ‫علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬إلــى اســتحالة ّ‬
‫فرنســية؟‬
‫ـور أكثــر‬
‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫«تص‬ ‫ـى‬‫«تعدديــة البنــوة»‪ ،‬والحاجــة إلـ‬
‫ّ‬ ‫بالنســبة إلــى‬
‫‪ -‬مــن الواضــح أن األمــر كلّــه يعتمــد علــى مــا نعنيــه‬ ‫تمايــزاً»‪ ،‬فســيظلّ هــذا «موضوعــي»‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬بطريقــة مــا‪ ،‬ال‬
‫بـ«الهوية» وبـ«التكوين»‪ .‬إذا كنتم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫باللّغــة‪ ،‬وأيض ًا ‪-‬اعذرنــي‪-‬‬ ‫«تعدد‬
‫ّ‬ ‫سـ َّـيما تحــت اســم التشــظّ ي والتناثــر‪ .‬إذا أخذنا عبــارة‬
‫هويــة «القوميــة‬
‫الهويــة التــي تعنــي ّ‬
‫ّ‬ ‫كمــا أعتقــد‪ ،‬تفهمــون‬ ‫النســل» فــي رســالته العائليــة‪ ،‬فإنها تكاد تكــون «الموضوع»‬
‫الفلســفية» أو ‪-‬علــى نطاق أوســع لتقليد فلســفي‪ -‬فبوســعي‬ ‫وخاصــة فــي‬‫ّ‬ ‫حتــى فــي «التشــظِّ ي»‪ ،‬و«صيدليــة أفالطــون»‪،‬‬
‫أن أقــول إن اللّغــة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬تلعــب دور ًا ّ‬
‫مهماً‪ ،‬للغاية‪ ،‬فيها‪.‬‬ ‫«نواقيــس»‪ ،‬و«البطاقــة البريديــة»‪ .‬إذا أخذنــا األشــياء عــن‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪56‬‬
‫المنشــورات‪ ،‬والتعاليــم‪ ،‬واألشــكال والمعاييــر الخطابيــة‪،‬‬ ‫ـمى باللّغــة الطبيعيــة‪ .‬لــم‬ ‫تجــد الفلســفة عنصرهــا فيمــا يسـ ّ‬
‫بالمؤسســات‪ ،‬والمجــال السوسيو‪-‬السياســي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والروابــط‬ ‫ّ‬ ‫تكــن قــادرة‪ ،‬أبــداً‪ ،‬علــى صياغــة نفســها‪ ،‬بالكامــل‪ ،‬بلغــة‬
‫والســلطة اإلعالميــة‪ .‬حتــى أنــه ســيكون مــن الصعــب إنشــاء‬ ‫اصطناعيــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن بعــض المحــاوالت الرائعــة في‬
‫وأي محاولــة للتصنيــف تفتــرض‪ ،‬مســبقاً‪،‬‬ ‫تصنيــف لذلــك؛ ّ‬ ‫الصواب‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أن هذه التشــكيلة هي‬ ‫تاريخ الفلســفة‪ .‬ومن ّ‬
‫ـدد ًا مــن شــأنه أن ينحــاز إلــى أحــد أطــراف النزاع‪.‬‬ ‫تفســير ًا محـ ّ‬ ‫حد ما (وفقـ ًا للقوانيــن االصطناعية‬ ‫فــي العمــل دائمـاً‪ ،‬وإلــى ّ‬
‫ـداء متوقَّعا من كلّ جانــب‪ ،‬تقريباً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ســتواجه‪ ،‬علــى الفــور‪ ،‬عـ ً‬ ‫التــي تشــكّ لت فــي ســياق التاريــخ)‪.‬‬
‫الخاصــة حــول‬ ‫ّ‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫فكرت‬ ‫ـدي‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫أن‬ ‫و ‪-‬علــى الرغــم‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬مــن‬ ‫هــذا يجعــل اللّغــة أو اللُّغــات الفلســفية قابلــة للتحديــد‪،‬‬
‫هــذا الموضــوع‪ -‬لــن أجــازف بهــا اآلن‪ .‬من ناحية أخــرى‪ ،‬رغم‬ ‫حــد مــا‪ ،‬ومتماســكة فــي اللُّغــات أو ‪-‬باألحــرى‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫إلــى‬
‫كلّ النقاشــات والمعارك حول «المواقف» أو «الممارســات»‬ ‫اســتخدامات اللُّغــات الطبيعيــة‪ .‬ويمكــن للمــرء أن يجــد‬
‫الفلســفية‪ ،‬مــن يســتطيع أن ينكــر وجــود تشــكيل للفلســفة‬ ‫تكافــؤ ًا وترجمــات ثابتــة بيــن هــذه المجموعــات الفرعيــة من‬
‫التيارات‬ ‫تاريخي ًا وحركيــة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفرنســية‪ ،‬رغــم تعاقب الهيمنــات‬ ‫لغــة طبيعيــة إلــى أخــرى‪ .‬وهكــذا‪ ،‬يمكــن للفالســفة األلمــان‬
‫المهيمنــة‪ ،‬حيــث يشــكِّ ل هــذا التكويــن تقليــداً‪ ،‬أي عنصــر ًا‬ ‫حد‬‫ـتقرة إلى ّ‬ ‫والفرنســيين الرجــوع إلــى ا ِّتفاقــات قديمة ومسـ ّ‬
‫ـبي ًا من النقــل والذاكرة والتراث؟‪ .‬في‬ ‫التعرف إليه‪ ،‬نسـ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫يمكــن‬ ‫معينــة ذات‬ ‫الخاصــة لكلمــات َّ‬ ‫ّ‬ ‫مــا‪ ،‬لترجمــة اســتخداماتهم‬
‫جد ًا‬
‫أثنــاء تحليلهــا‪ ،‬ســيكون مــن الضروري مراعاة عــدد كبير ّ‬ ‫محتــوى فلســفي عظيــم‪ ،‬لكنكــم تعلمون جميع ًا المشــكالت‬
‫مــن المعطيــات‪ ،‬التــي غالبـ ًا مــا تكون قابلــة للتحديد بشــكل‬ ‫التي تثيرها‪ ،‬وال يمكن تمييزها عن النقاش الفلســفي نفســه‪.‬‬
‫مؤسســات‬ ‫مفــرط‪ :‬تاريخيــة‪ ،‬ولغوية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬من خالل ّ‬ ‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬إذا لــم نفكّ ــر ببســاطة خــارج كلّ‬
‫الخاصــة بالتعليم والبحــث‪ ،‬فقط)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـددة للغايــة (ليســت‬ ‫محـ ّ‬ ‫اللُّغــات‪ ،‬وكلّ األلســنة (وهــو اقتراح يجــب أن يكون مصحوب ًا‬
‫ـمونه‪ ،‬إن وجد!‬ ‫دون أن تنســى رأس المال الفلســفي كما يسـ ّ‬ ‫باحتياطــات عديــدة مــع ذلــك؛ وهــو مــا ال يمكننــي القيــام بــه‬
‫ـي‪ ،‬المغامــرة‬ ‫ـد ًا بالنســبة إل َّ‬
‫ـ‬ ‫ـداً‪ ،‬والحــارق جـ ّ‬ ‫مــن الصعــب جـ ّ‬ ‫والهويــة الوطنيــة قبــل‬
‫ّ‬ ‫الهويــة‪ ،‬بالطبــع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هنــا)‪ ،‬فلــن تتشــكَّ ل‬
‫هنــا فــي بضــع جمــل‪.‬‬ ‫كلّ شــيء‪ ،‬فــي الفلســفة‪ ،‬خــارج عنصــر اللّغــة‪.‬‬
‫ـم اختبارهــا‪،‬‬ ‫هويــة الفلســفة الفرنســية لــم يتـ ّ‬ ‫أعتقــد أن ّ‬ ‫بعــد قولــي هــذا‪ ،‬ال أعتقــد أنــه يمكن للمــرء إنشــاء تطابق‬
‫بشــدة‪ ،‬كمــا هــي اليــوم‪ .‬تظهــر عالمــات تو ُّتــر الســلطة‬ ‫ّ‬ ‫بســيط بيــن التقليــد الفلســفي الوطنــي واللّغــة‪ ،‬بالمعنــى‬
‫الجامعيــة فــي هيئاتهــا الرســمية‪ ،‬وغالب ـ ًا بالطريقــة نفســها‬ ‫ـمى بالتقاليــد «القاريــة»‬ ‫العــادي لهــذا المصطلــح‪ .‬إن مــا يسـ ّ‬
‫ال‬‫معينــة‪ .‬لنأخــذ مثــا ً‬ ‫التــي تظهــر بهــا عدوانيــة صحافيــة َّ‬ ‫واألنجلوسكســونية (أو الفلســفة التحليليــة)‪ ،‬الســتخدام‬
‫مؤخــراً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ـرض‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫ـذي‬ ‫واحــداً‪ ،‬فقــط‪ :‬سأستشــهد بالحظــر الـ‬ ‫يتم تقاســمها بالتســاوي‪ ،‬وبشــكل‬ ‫وفجــة‪ّ ،‬‬ ‫تســميات ضخمــة ّ‬
‫مــن قبــل (‪ )CNU()2‬علــى الكوالبــارث‪ ،‬مثــاً‪ ،‬ونانســي‪ ،‬أي‬ ‫غيــر متســا ٍو إطالقاً‪ ،‬مــع اإلنجليزية‪ ،‬واأللمانيــة‪ ،‬واإليطالية‪،‬‬
‫ـم االعتــراف بعملهــم واحترامهــم‬ ‫علــى الفالســفة الذيــن َتـ َّ‬ ‫واإلســبانية‪ ،‬وغيرهــا‪ .‬إن «اللّغــة» (أعنــي الشــيفرة الفرعيــة)‬
‫فــي فرنســا‪ ،‬وخارجهــا‪ ،‬لســنوات عديــدة‪ ،‬ليصبحــوا أســاتذة‬ ‫للفلســفة التحليليــة‪ ،‬أو لهــذا التقليــد أو ذاك (األنجلــو‬
‫جامعييــن‪.‬‬ ‫أميركيــة‪ :‬أوســتن؛ أوســترالو‪-‬أنجلو‪-‬أميركية‪ :‬فيتجنشــتاين)‬
‫أحيانـاً‪ ،‬ومن خــال هذه العالمات الســخيفة للحرب التي‬ ‫منخرطــة فــي عالقــة تحديــد مفــرط فيمــا يتعلَّــق باللّغــة‪.‬‬
‫ال تشــلّ شــيئاً‪ ،‬فــي النهايــة‪ ،‬ســوى مــا هــو خامــل ومشــلول‬ ‫ـدث بها مواطنــو دول مختلفة‬ ‫ـمى القوميــة نفســها‪ ،‬ويتحـ َّ‬ ‫تسـ ّ‬
‫ـدث عنهــا‪،‬‬ ‫بالفعــل‪ ،‬إن «المحنــة الشــديدة» التــي كنــت أتحـ ّ‬ ‫(إنجليزيــة األميركييــن‪ ،‬وفرانكوفونية غير الفرنســيين)‪ .‬وهذا‬
‫ـمى «الفلســفة الفرنســية»‪.‬‬ ‫تفردهــا علــى ما يسـ ّ‬ ‫ـو‪ ،‬تضفــي ّ‬ ‫للتـ ّ‬ ‫ـمى باللّغة األصلية‬ ‫ـور‪ ،‬أحياناً‪ ،‬خارج ما يسـ ّ‬ ‫يفســر لمــاذا يتطـ َّ‬
‫ِّ‬
‫الداخــل‬ ‫الصعــب إدراكــه مــن ّ‬ ‫إنــه ينتمــي إلــى مصطلــح‪ ،‬مــن ّ‬ ‫ـص األصلــي)‪ ،‬تقليــد القــراءة الــذي يظــلّ مــن الصعــب‬ ‫(للن ّ‬
‫ـ‬
‫أكثــر مــن الخــارج كمــا هو الحــال دائمـاً‪ .‬االصطــاح‪ ،‬إن كان‬ ‫يتحدثــون أو‬ ‫قبــل األشــخاص الذيــن‬
‫ّ‬ ‫إعــادة اســتيعابه مــن َ‬
‫نقيـ ًا أو مختــار ًا أو واضحـ ًا مــن جانبــه‪،‬‬ ‫واحــد ًا طبعـاً‪ ،‬ليــس ّ‬ ‫يتحدثــون هــذه اللّغــة األصليــة‪ .‬هــذا صحيح‬ ‫َّ‬ ‫يعتقــدون أنهــم‬
‫علــى وجــه التحديــد‪ .‬المصطلــح‪ ،‬دائمــاً‪ ،‬وفقــط‪ ،‬لآلخــر‪،‬‬ ‫جــداً‪ ،‬بالنســبة إلــى «فتجنشــتاين»‬ ‫ّ‬ ‫مختلفــة‬ ‫نــواح‬
‫ٍ‬ ‫مــن‬
‫الملكيــة بشــكل مســبق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫منتــزع‬ ‫و«هايدغــر»‪ .‬تواجــه «قــراءات» أو «اســتقباالت» «هايدغــر»‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫مقاومــة كبيــرة فــي ألمانيــا (مثــل هايدغــر ذاتــه‪ ،‬وألســباب‬
‫هوامش‪:‬‬
‫‪1 - Autrement Revue, n° 102 : «À quoi pensent les philosophes?», dirigé‬‬ ‫المتخصصيــن‬
‫ّ‬ ‫أمــا بالنســبة إلــى‬ ‫ليســت سياســية‪ ،‬فقــط)‪ّ .‬‬
‫‪par J. Message, J. Roman et E. Tassin, Paris, novembre 1988.‬‬ ‫الفرنســيين حــول «فتجنشــتاين»‪ ،‬فــا الناطقــون باأللمانيــة‬
‫تحريــر ج‪ .‬ميســاج (‪ ،)J. Message‬وج‪.‬رومــان (‪ ،)J. Roman‬وإ‪.‬تاســين (‪،)E. Tassin‬‬
‫باريــس‪ ،‬نوفمبــر‪ .1988 ،‬هــذا اللقــاء هــو مدخــل إلــى «إعــادة التفكيــر فــي النصــوص التــي‬ ‫مهتمــون بهــا كثيــراً‪ ،‬دون أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫وال الناطقــون باإلنجليزيــة‬
‫شــكَّ لتها‪ ،‬بوصفهــا تقليــداً‪ ،‬تجــد الفلســفة نفســها مرتبطــة بالكتابــة بشــكل مــن األشــكال‪.‬‬ ‫مــن الممكــن القــول إنهــم يقاومونهــا‪.‬‬
‫فمــاذا عــن حــدود إغــاق الخطاب الفلســفي؟ هذا ما كتبه «جــاك دريدا» فــي أربعة ردود»‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬هل هناك فلســفة فرنســية؟ ال‪ .‬وهذا أقلّ من ّأية فترة‬
‫‪ - 2‬المجلس الوطني للجامعات في فرنسا‪( .‬الـمترجم)‬
‫المصدر‪:‬‬
‫مضــت‪ ،‬إذا أخذنــا فــي االعتبار عــدم التجانســية‪ ،‬والصراعية‬
‫‪Autrement Revue, n° 102, novembre 1988.‬‬ ‫ـمى بالمظاهــر الفلســفية‪:‬‬ ‫يميــز كلّ مــا يسـ ّ‬ ‫أيض ـاً‪ ،‬وهــو مــا ِّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪57‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إيف روكوت مع جاك دريدا‬
‫التفكيك ومساءلة التقليد‬
‫الفلسفي الغربي‬
‫قرائــه‪ ،‬بثالثــة كتــب‪ :‬الكتابــة‬
‫يف عــام (‪ ،)1967‬بــرز «جــاك دريــدا» وهــو يف الســابعة والثالثــن مــن عمــره‪ ،‬أمــام ّ‬
‫واالختــاف‪ ،‬والصــوت والظاهــرة‪ ،‬ويف الجراماتولوجيــا‪ .‬كانــت هــذه بدايــة مغامــرة «التفكيــك»‪ ،‬التــي ســتقوده‬
‫إىل التســاؤل حــول املخـ ِّـدرات والهجــرة‪ ،‬أو املشــاركة يف تأســيس الكل ِّّيــة الدوليــة للفلســفة‪ ،‬أو تنظيــم نــدوات‬
‫ـل هــذه املغامــرة مرشوعــه يف تفكيــك‬ ‫أدى إىل إلقــاء القبــض عليــه‪ .‬مت ّثـ ُ‬
‫رس ّيــة يف بــراغ بــن (‪)1982 - 1981‬؛ مــا ّ‬ ‫ِّ‬
‫«املؤسســات وحدودهــا وجدرانهــا»‪ .‬لكنــه‪ ،‬يف كتابــه الجديــد «‪،»Limited Inc‬‬ ‫ّ‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫وكذل‬ ‫ـات‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ُّغ‬
‫ل‬ ‫وال‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫امليتافيزيق‬
‫مل يعــد يحــاول «إربــاك» القــارئ بكتاباتــه‪ ،‬كــا فعــل يف «نواقيــس» أو «البطاقــة الربيديــة»‪ :‬مــن «ســقراط» إىل‬
‫األول عام (‪،)1972‬‬ ‫«فرويد» وما بعده‪ ،‬يف كتاب «‪ »Limited Inc‬األسلوب «اتِّفاقي»‪ ،‬وقد نرشَ «دريدا» جزءه َّ‬
‫األول بكثري‪،‬‬
‫ـم من ّ‬ ‫أمــا الجــزء الثاين‪ ،‬وهو أهـ ّ‬ ‫وهــو «التوقيــع‪ ،‬الحــدث‪ ،‬الســياق» الـــمنشور يف هوامــش الفلســفة‪ّ .‬‬
‫األول‪ .‬وفق ًا لـ«سريل»‪،‬‬ ‫نصه ّ‬ ‫ال عنيف ًا مع «جون سريل» حول ّ‬ ‫فقد نُرش عام (‪ )1977‬بال ّلغة اإلنجليزية‪ ،‬وميثِّل جد ً‬
‫تأمــل «أفعــال الــكالم»‪ ،‬إن إثقــال العقــل بتاريــخ الفلســفة مــن أجــل‬ ‫املنظــر وتلميــذ الفيلســوف «أوســن» الــذي ّ‬ ‫ِّ‬
‫«أخالقيــات التواصــل»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التفكــر‪ ،‬ليــس رضوريـ ًا‪ .‬بينــا يتنــاول الجــزء الثالــث مــن الكتــاب مــا يجــب أن تكــون عليــه‬

‫ـميها كذلــك) لجعــل‬ ‫معينــة (إذا كان بوســع المــرء أن يسـ ّ‬


‫َّ‬ ‫مؤسسـ ًا للكل ّّيــة الدوليــة للفلســفة‪ ،‬أعربتــم عــن‬ ‫ّ‬ ‫بصفتــك‬
‫ال وســريع ًا‬ ‫النــاس يعتقــدون أن التواصل يجب أن يكون ســه ً‬ ‫ـادة فــي البكالوريــا‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الم‬ ‫ـذه‬
‫ـ‬‫ه‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫تدري‬ ‫ـق‬‫ـ‬ ‫ينطل‬ ‫أن‬ ‫ـي‬
‫رغبتكــم فـ‬
‫وسلس ـاً‪ .‬يحــاول نقــل فكــرة أن جميــع «الرســائل» يمكــن‬ ‫(الثالــث الثانــوي) و ‪-‬مــع ذلــك‪ -‬تمثِّلــون وكتبكــم‪ ،‬بالنســبة‬
‫تل ّقيهــا دون جهــد‪ ،‬ودون ترجمــة‪ ،‬ودون تحضيــر؛ أي بــدون‬ ‫معينـ ًا مــن «الباطنيــة»‪.‬‬ ‫إلــى البعــض‪ ،‬أنموذجـ ًا‬
‫َّ‬
‫ّأيــة مراقبــة‪.‬‬
‫ومــن هنــا‪ ،‬يكــون نفــاد الصبــر الــذي يشــعرون بــه فــي‬ ‫‪ -‬دريــدا‪ :‬أحــاول أن أكــون مقروء ًا وواضحـ ًا قدر الممكن‪،‬‬
‫مواجهــة لغــة تبــدو محجــوزة ألولئك الذيــن يعرفــون قانون ًا‬ ‫بحجــة‬
‫ّ‬ ‫لكــن دون أن أتج ّنــب كثيــر ًا مــن المطالــب الفلســفية‬
‫معينـاً‪ ،‬والذيــن يجرؤون ‪-‬عالو ًة على ذلــك‪ -‬على طلب عمل‬ ‫«تســهيل» قــراءة كتبــي أو إنتــاج وهــم البســاطة‪ .‬ســيكون‬
‫ّ‬
‫ال نهايــة لــه مــن طــرف اآلخريــن؛ عمــل ُيقــال علنـاً‪ ،‬أو يظــلّ‬ ‫ـماغوجياً‪ ،‬وهذا يعني عــدم احترام‬ ‫ّ‬ ‫األمــر غيــر مســؤول وديــ‬
‫مضمــراً‪ ،‬وبمــا أن الفلســفة تتعامل مع اإلشــكاالت الكونية‪،‬‬ ‫أفضــل‪ ،‬دائمــاً‪ ،‬أن أثــق فــي‬ ‫القــارئ‪ .‬فــي الوقــت نفســه‪ِّ ،‬‬
‫مثــل الوجــود والمــوت والسياســة واألخــاق‪ ،‬فلمــاذا يجــب‬ ‫القــارئ‪ ،‬وأطلــب منــه القيــام بالقــراءة أو بعمــل القــراءة‪.‬‬
‫متخصصون في الفلســفة؟ لماذا يحتفظون‬ ‫ّ‬ ‫أن يكــون هنــاك‬ ‫للمرســل إليــه قبــل القــراءة‪،‬‬
‫َ‬ ‫إنــه عمــل ال يمنــح‪ ،‬أبــداً‪،‬‬
‫ـرهم؟ أال يجــب اعتبارهــم مشــبوهين‪ ،‬ألن «خطابهــم»‬ ‫بسـ ّ‬ ‫ـول مــن خــال القــراءة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ويتح‬ ‫فهــو ليــس ثابت ـاً؛ إذ يعمــل‬
‫ـق لــي معرفته؟‬‫ممــا يحـ ّ‬
‫يمنعنــي ّ‬ ‫مثــل الشــخص الــذي يكتــب‪ .‬وهــذه المشــكلة الخطيــرة‬
‫ـداً‪ ،‬فــي عمــر الفلســفة نفســه‪ .‬لمــاذا هــو أكثــر إلحاحـاً‪،‬‬ ‫جـ ّ‬
‫حجة معقولة؟‬
‫سيقولون لك إن هذه ّ‬ ‫نرحــب بالدمقرطــة‪ ،‬وأن نحافــظ عليهــا بال‬ ‫اليــوم؟ يجــب أن ّ‬
‫‪ -‬نعم‪ .‬طالما أن الشعبوية أو الظالمية ال تختبئ وراءها‪.‬‬ ‫هــوادة‪ .‬لكــن البعض يســتفيد من امتــداد «فورية ميديائية»‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪58‬‬
‫أال نواجه هكذا مطلب ًا متناقض ًا؟‬ ‫يجب على الفالســفة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬أن يفعلوا كلّ شــيء ليكونوا‬
‫ـم االســتماع إليهــا مــن ِق َبــل أكبر‬ ‫فــي متنــاول الجميــع‪ .‬هنــاك‪ ،‬بــا شــك‪ ،‬وهــذا مــا تؤكِّ ــده‬
‫‪ -‬متناقــض ومؤلــم أن يتـ ّ‬
‫عــدد لضمــان الذاكــرة أو إرث الفكــر فــي الوقــت نفســه‪،‬‬ ‫الفلســفة نفســها‪ ،‬حق لكلّ فرد في الوصول إلى الفلســفة‪.‬‬
‫ال صبور ًا ودقيقاً‪،‬‬ ‫بســبب تعقيد المشــاكل التي تتطلّب تحلي ً‬ ‫ـراض أن هنــاك أنموذجـ ًا للوضوح الطبيعــي ُيعطى‬ ‫ـن افتـ َ‬
‫لكـ َّ‬
‫باإلضافــة إلــى االعتمــاد علــى حــدود الزمــان والمــكان‪ ،‬كمــا‬ ‫علــى الفــور‪ ،‬للجميــع‪ ،‬فــي الشــارع‪ ،‬أو في الصحافــة أو في‬
‫هــو الحــال فــي هــذه اللحظــة بالــذات‪.‬‬ ‫التليفزيــون‪ ،‬هــو خــداع وتزويــر عميــق‪ ،‬أحيان ـاً‪ .‬حتــى فــي‬
‫ـر ًا للذهــاب‬ ‫تتميــز اللّغــة التــي يســهل‬ ‫الشــارع وفــي وســائل اإلعــام‪،‬‬
‫كلّ شــيء ســيكون أســهل إذا لــم تكــن مضطـ ّ‬ ‫ّ‬
‫بســرعة‪ :‬كتــاب‪ ،‬مقال‪ ،‬مقابلة‪ ،‬تكــون دائم ًا قصيرة ّ‬
‫جداً‪ .‬أال‬ ‫الوصــول إليهــا ‪-‬علــى مــا يبــدو‪ -‬بالعديــد مــن الشــيفرات‬
‫يكمن حلّ هذا التناقض الفلســفي‪ ،‬واألخالقي‪ ،‬والسياســي‬ ‫ـم‪ -‬بالعديــد مــن االســتثناءات!‬ ‫والشــيفرات الفرعيــة ‪-‬مــن َثـ َّ‬
‫معين؟ ألــن تأخذ شــكل الوســاطة االجتماعية‪،‬‬ ‫فــي ترحيــل َّ‬ ‫أي‬
‫«يتحدثــوا مثــل ّ‬
‫ّ‬ ‫أولئــك الذيــن يطالبــون الفالســفة بــأن‬
‫والمؤسســاتية؟ مؤ ِّلــف واحــد ال يســتطيع حلّ‬‫َّ‬ ‫والجماعيــة‪،‬‬ ‫شــخص آخــر»‪ ،‬يجــب أن يفكّ ــروا فــي األمــر‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪59‬‬
‫لكن «التفكيك» يستجيب‪ ،‬أيض ًا‪ ،‬للتقليد األوروبي نفسه‪.‬‬ ‫هــذه المشــكلة‪ .‬يجــب أن يكــون لديه حلفاء‪ ،‬من الـــمدرسة‬
‫‪ -‬ربمــا ينطــوي «التفكيــك» علــى احتــرام هــذا التقليــد‪،‬‬ ‫أوالً؛ لذلــك ال يوجــد تناقــض بيــن‬
‫ومــن وســائل اإلعــام‪ّ ،‬‬
‫وحركــة التفكيــر فــي إمكاناتــه وحــدوده؛ مــا يعنــي‪ ،‬أيضـاً‪،‬‬ ‫واالدعــاء الــذي أشــرت‬
‫ِّ‬ ‫ـد صعب ـ ًا‬
‫حقيقــة كتابــة شــيء يعـ ّ‬
‫تجــاوز ًا وإزاحــةً لــه‪.‬‬ ‫إليــه‪ :‬علــى ســبيل المثال‪ ،‬مطالبــة ‪ GREPH‬بتطويــر تعليم‬
‫تكهنات الفالســفة المحترفين‪،‬‬ ‫في‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫هــذا ال يحدث‪،‬‬ ‫الفلســفة‪ ،‬وتمديــد فترة دراســاتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫بــل إنــه التجربــة نفســها‪ ،‬حيــن نتعلَّــق بـــ «الطفيلــي»‬
‫القصدية‪ ،‬بأنه يتجاهل‬
‫ّ‬ ‫يعترف «سيرل»‪ ،‬في أحد أعماله‬
‫و«المهاجــر» و«الهامشــي»‪ ،‬علينــا أن نســأل أنفســنا‪:‬‬
‫معظم أعمال التقليد‪ .‬أين الفرق بينكما؟‬
‫مــاذا نفعــل؟ مــاذا تقصــد هــذه الكلمــات؟ مــا هــي قيمتهــا‬
‫الـــمفترضة؟ مــا العمــل معهــا؟ هل يجب أن نســتبعد شــيئ ًا‬ ‫‪ -‬يتعلَّــق األمــر فــي «‪ »Limitée Inc‬بالتواصــل‪ .‬بــدأ‬
‫ـد للتســامح؟ مــاذا تريــد أن‬ ‫مــا‪ ،‬ولــو مؤقتـاً؟ هــل هنــاك حـ ّ‬ ‫الجــدل بمقــال «التوقيــع‪ ،‬الحــدث‪ ،‬الســياق»‪ ،‬الــذي ُقــدم‬
‫تســتعيد؟ وينطبــق الشــيء نفســه علــى مشــكلة الــذات‪،‬‬ ‫للجمعيات الفلســفية الناطقة بالفرنســية‬ ‫ّ‬ ‫في أعقاب مؤتمر‬
‫الخاص‪ ،‬سواء أكان فردي ًا أم كان اجتماعي ًا أم كان‬ ‫ّ‬ ‫وجسدها‬ ‫(مونتريــال‪ ،)1971 ،‬وكان موضوعــه «التواصــل»‪ ،‬تحديــداً‪.‬‬
‫قوميـاً‪ ،‬واســمه الخالــص‪ ،‬وتوقيعــه‪ ،‬وصدقــه؛ مــع ملكيــة‬ ‫ال ينشــأ إثبــات اال ِّتصــال بيــن مشــاركَ ْين يمكــن تســميتهما‬
‫والهويــة الوطنيــة‬
‫ّ‬ ‫هويــة الــذات‪،‬‬‫رأس المــال أو األرض؛ مــع ّ‬ ‫«الفيلســو َف ْين»‪ ،‬فقــط‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬و«الجمهــور» مــن جهــة‬
‫أو اللّغويــة‪ ،‬والمســؤولية الفرديــة‪ ،‬والالّوعــي‪ ،‬والقانــون‪.‬‬ ‫أخــرى‪ ،‬وهــو جمهــور يعتقــد الصحافيــون أنهــم وحدهــم من‬
‫ـدث نيابــةً عنهــم‪،‬‬ ‫يملكــون الســلطة علــى المخاطبــة أو التحـ ُّ‬
‫وماذا عن مشكلة أوروبا؟‬ ‫ومقيمــون‪ ،‬وبيــن‬ ‫بالطريقــة ذاتهــا‪ ،‬التــي يوجــد بهــا جمهــور‬
‫ّ‬
‫‪ -‬يعتبــر «التفكيــك»‪ ،‬مســبقاً‪ ،‬أحــد ســاالت أوروبا‪ ،‬وهو‬ ‫أولئــك الذيــن يظهــرون أكثــر فــي وســائل اإلعــام الذين ليس‬
‫محاولــة للتفكيــر فــي فكــرة أوروبــا‪ ،‬أو فــي النظــام المفتوح‬ ‫لديهــم المزيــد مــن الســلطة دائم ـاً؛ لذلــك وجــدت‪ ،‬أيض ـاً‪،‬‬
‫للمفاهيم‪ ،‬أو في البديهيات التأسيســية للفلسفة كمغامرة‬ ‫مؤسســات فلســفية يصعــب‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫مجتمعــات وتقاليــد‪ ،‬وهنــاك‬
‫أوروبيــة‪ ،‬تتجــاوز المركزيــة العرقيــة األوروبيــة أو نقيضهــا‪.‬‬ ‫أحياناً‪ ،‬تمييزها‪ .‬تندمج هذه الصعوبة مع الفلســفة نفســها‪،‬‬
‫يعبــر عــن‬
‫ومنطــق مــا يربــط أوروبــا بأخــرى‪ ،‬وكذلــك مــا ِّ‬ ‫المؤسســية أو‬‫َّ‬ ‫التــي تفتــرض‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬انعكاسـ ًا علــى الظــروف‬
‫القوميــة فــي الكونية أو العالمية‪ ،‬هو ســرب مــن المفارقات‬ ‫المؤسســية لخطابهــا‪ ،‬ولغتهــا‪ ،‬ونــوع تواصلهــا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫غيــر‬
‫ـدم نفســها للتفكيك‪.‬‬ ‫التــي تقـ ّ‬ ‫لذلــك‪ ،‬عندمــا يجــرؤ ســيرل علــى تأليــف كتــاب عــن‬
‫األوليــة‬
‫ال يمكــن أن يكتفــي «التفكيــك» بالهجمــات ّ‬ ‫القصديــة‪ ،‬مشــير ًا إلــى أنــه ال يعــرف شــيئ ًا عــن تاريــخ‬
‫علــى المركزيــة األوروبيــة‪ ،‬كمــا أظهــر عــدد مــن العالمــات‬ ‫المشــكلة‪ ،‬فهــو ال يعتــرف بخطئــه‪ ،‬فقــط‪ ،‬بــل يلقــي باللــوم‬
‫المختلفــة منــذ فتــرة طويلــة‪ .‬وال ينبغــي أن يكتفــي بضميــر‬ ‫علــى تقليــد أوروبــي «قــاري» (وغالب ـ ًا مــا يكــون فرنســياً)‪،‬‬
‫خاصــة فــي هــذا ال ّزمــن‪ ،‬حيــث‬
‫ّ‬ ‫طيــب أو نشــوة «أوروبيــة»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يقــول إنــه ال يعالج مشــكلة‪ ،‬أبداً‪ ،‬دون التفكيــر في تاريخها‬
‫تنتصــر ال ّنرجســية هنــا وهنــاك‪ ،‬وتعلــن‪ ،‬أحيانــاً‪« ،‬نهايــة‬ ‫أوالً‪ .‬بحســب منطــق هــذا اال ّتهــام‪ ،‬علــى عكــس ذلــك‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ـرع الـــمسرنم‪،‬‬ ‫التاريــخ» ومحاولــة تنقيــة كلّ خطيئــة‪ ،‬تسـ ّ‬ ‫يجــب البــدء فــي معالجتــه علــى الفــور‪ ،‬ودون ّأيــة ذكــرى‪،‬‬
‫ـم مــن ذلــك أنــه يخاطــر‬‫وروح الرأســمالية الليبراليــة‪ .‬واألهـ ّ‬ ‫معيــن‬
‫باالرتبــاط بأشــكال مزعجــة مــن القوميــة البغيضــة أو‬ ‫ـك‪ ،‬اليــوم‪ .‬هنــاك تقــارب َّ‬ ‫بإلحــاح مــا هــو علــى المحـ ّ‬
‫بيــن موقــف «ســيرل» وموقــف بعــض الصحافييــن أو موقف‬
‫الدوغمائيــة الدينيــة‪.‬‬ ‫ـرعين‪.‬‬‫بعــض الفالســفة المتسـ ّ‬
‫تستعدون إلعادة قراءة «ماركس»؟‬ ‫ضد اإلجماع‪ ،‬هل‬ ‫نص «ســيرل» صعب‬ ‫لكــن‪ ،‬فــي الوقــت الحالــي‪ ،‬ثبــت أن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نصــي‪ ،‬وإن كان بطريقــة مختلفة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬هو‬ ‫مثــل ّ‬
‫تميز طعم الخدج بالتســاؤل التفكيكي‪.‬‬ ‫‪ -‬دريــدا‪ :‬لطالمــا َّ‬ ‫العام إلى درجة أن أحد ًا لم يســأله‬ ‫ـد ًا عــن المنتدى‬
‫ّ‬ ‫بعيــد جـ ّ‬
‫وضد اســتعادة األرثوذكســية البســيطة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ضد دين اإلجماع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عــن ذلــك‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬يلتــزم «ســيرل» باالفتراضات‬
‫ـك فــي أنــه يجــب إعــادة قــراءة ماركــس‪،‬‬ ‫ليــس هنــاك شـ ّ‬ ‫ـما يدركهــا؛ وهــو أكثــر مني في ذلــك‪ .‬إنه‬ ‫التاريخيــة أكثــر مــ ّ‬
‫يتــم‬
‫ّ‬ ‫ونيتشــه‪ ،‬وفرويــد‪ ،‬وقليــل مــن اآلخريــن! يجــب أن‬ ‫يدعي‪ ،‬في‬ ‫ـرليةً )‪ ،‬عندمــا ّ‬
‫«قــاري» وكمــا هو أكثــر مني (هوسـ ّ‬
‫ضدهــم‪ ،‬ألن‬
‫ذلــك مــع فالســفة الشــرق‪ ،‬أو ‪-‬إذا لــزم األمــر‪ّ -‬‬ ‫تحليــل أفعــال الــكالم األدائيــة (األمــر أو الوعــد أو التهديــد)‬
‫ـور بأقصــى ســرعة‪.‬‬ ‫المناقشــات معهــم تنمــو وتتطـ ّ‬ ‫الشــاذة‬
‫أنــه يجــب اســتبعاد الحقائــق التخييليــة والظواهــر ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هامش‪:‬‬
‫(الطفيليــات) بشــكل منهجــي‪ ،‬بســبب االقتبــاس أو الخيــال‬ ‫ّ‬
‫‪1- Yves Rocaute avec Jacques Derrida, L’événement du jeudi, 284, avril‬‬ ‫الســخرية والتعديــل األدبــي‪ ،‬واســتعادة النقــاء المثالــي‬ ‫أو ّ‬
‫‪1990, p 114-116.‬‬
‫المصدر‪:‬‬
‫بجد ّيــة‪ ،‬أو‬
‫واألصالنــي للملفــوظ الــذي مــن شــأنه أن يعبــر‪ِّ ،‬‬
‫‪L’événement du jeudi, n° 284, avril 1990.‬‬ ‫عمــا يعنيه‪.‬‬
‫بشــكل صحيــح‪ّ ،‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪60‬‬
‫مع خوسيه مانديز‬
‫الفكر روح‪ ،‬جسده اللّغة‬
‫ـم‪ -‬يجــب أن يكــون شــعري ًا إىل حـ ٍّـد مــا‪.‬‬ ‫جــاك دريــدا‪ :‬يجــب أن يكــون الفكــر حدثـ ًا‪ ،‬وابتــكاراً يف ال ّلغــة‪ ،‬و ‪-‬مــن َثـ َّ‬
‫ـعر أكــر مـ ّـا يوجــد يف أعــال‬ ‫حــدث ال ّلغــة هــو ابتــكار شــعري‪ .‬حيثــا توجــد أحــداث فكريــة‪ ،‬يوجــد‪ ،‬أحيانـ ًا‪ِ ،‬شـ ْ‬
‫شــعراء «لهــم األولويــة»‪ .‬بالنســبة يل‪ ،‬ال يوجــد فــرق ‪-‬ألقــول رسيعـ ًا بعــض الــيء‪ ،‬طبعـ ًا‪ -‬بــن أفــكار الشــاعر‬
‫كل يشء‪ ،‬وأن جميــع‬ ‫كل يشء موجــود يف ّ‬ ‫وطريقــة كتابتــه‪ .‬يف األســاس‪ ،‬ال يوجــد فــرق‪ ..‬هــذا ال يعنــي أن ّ‬
‫تهمنــي هــي‪ ،‬يف الوقــت نفســه‪ ،‬فلســفية‪ .‬أنــا أؤمــن باالختــاف‪ ،‬بالتخــوم بــن الفلســفة واألدب‪،‬‬ ‫النصــوص التــي ّ‬
‫حتــى لــو كانــت قابلــة لالخــراق‪ ،‬بــن تعاطــف الفكــر الفلســفي وتعاطــف الشــعر‪ .‬ال أريــد أن أخلــط بــن األمــور‪،‬‬
‫يهمنــي هــو التفكــر‪ ،‬والتفكــر يف الفلســفة‪ ،‬والكتابــة شــعراً‪ ،‬والعيــش كشــاعر‪،‬‬ ‫لكــن يف أصــل األشــياء‪ ،‬ومــا ّ‬
‫فـ ّ‬
‫ـكل هــذا متشــابه‪.‬‬

‫إن إنــكار الماركســية‪ ،‬اليــوم‪ ،‬هــو أكثــر مــن مجـ َّـرد موقــف‬ ‫هــل يمكــن اعتبــار األيديولوجيــا أحــد أشــكال الكــذب‪ ،‬أو‬
‫نظــري‪ ،‬أو اتِّفاقيــة اجتماعيــة‪ ،‬أو ميثــاق صمــت‪ .‬هــل يمكننــا‬ ‫ضرب ـ ًا مــن الكــذب؟‬
‫أن نســتنتج بعــض التبريــر لـ«ماركــس» مــن كلماتــه؟‬ ‫قــوي‪ .‬اســتحضرت‪ ،‬فــي‬ ‫‪ -‬لمفهــوم األيديولوجيــا تاريــخ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬ال‪ .‬إنهــا ليســت عــودة إلــى «ماركــس»‪ .‬إنهــا ليســت‬ ‫المؤتمــر‪ ،‬النظريــات الحديثــة للكــذب‪ ،‬والتي أعيرهــا اهتمام ًا‬
‫أوالً‪ ،‬وقبــل كلّ شــيء‪،‬‬ ‫إعــادة صياغــة لـ«ماركــس»؛ إنهــا‪ّ ،‬‬ ‫كبيــراً‪ ،‬ألنهــا تطرح مســألة تاريخ الكذب والحداثة السياســية‬
‫التســرع الــذي أرادوا بــه دفــن «ماركــس»‬ ‫ُّ‬ ‫احتجــاج علــى‬ ‫ـوالت التقنيــة والصور‪،‬‬ ‫للكــذب‪ ،‬مــع األخــذ بعيــن االعتبار تحـ ّ‬
‫يتعيــن‬
‫َّ‬ ‫أنــه‬ ‫أعتقــد‬ ‫ن‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الماركســي‬
‫َّ ْ‬ ‫والحلقــة‬ ‫الكتــاب‬ ‫وإغــاق‬ ‫وســائل اإلعــام‪ ،‬وغيرهــا‪ .‬يثيــر منظّ ــرو الكــذب المعاصــرون‬
‫علينــا الحــذر مــن هــذه النشــوة النيوليبراليــة الرأســمالية‬ ‫اهتمامــي كثيــراً؛ ومع ذلك هم ال يشــيرون‪ ،‬أبــداً‪ ،‬إلى هايدغر‬
‫ـات ماركــس»‪ .‬إنهــا بــادرة احتجــاج مــن جهتــي‪،‬‬ ‫بقولهــا‪« :‬مـ َ‬ ‫أو فرويــد أو النظريــة الماركســية لأليديولوجيــا‪ .‬وعلــى الرغم‬
‫يتحملــون مســؤولية عــدم المشــاركة فــي هــذه‬ ‫َّ‬ ‫ألن المثقَّفيــن‬ ‫ـد المفهوم الماركســي‬ ‫ممــا يمكــن قولــه ضـ ّ‬‫مــن وجــود الكثيــر ّ‬
‫تمر‬
‫الجنــازة المتهلِّلة والمنتشــية للرأســمالية الليبراليــة التي ّ‬ ‫لأليديولوجيــا‪ ،‬هــو مثيــر لالهتمــام؛ بمعنــى أنــه يشــير إلــى‬
‫ـيء للغايــة‪ ،‬وتحــاول دفــن‬ ‫بأزمــة‪ ،‬والتــي تعمــل بشــكل سـ ّ‬ ‫إشــكالي‪ ،‬حيــث ال يكــون تزويــر الحقيقــة‬ ‫المــكان‪ ،‬مــكان‬
‫ّ‬
‫عملية طرد ســحري لألرواح‬ ‫ّ‬ ‫«ماركس» بطريقة ســحرية‪ ،‬مثل‬ ‫لنيــة واعيــة وطوعيــة‬ ‫وتشــويهها كذبـاً‪ ،‬ال يســتجيب ببســاطة ّ‬
‫الشــريرة‪ .‬لكــن‪ ،‬فــي الوقــت نفســه‪ ،‬ال يتعلَّق األمر باســتعادة‬ ‫ـوه يفــرض علــى عــدد‬ ‫لتشــويه الواقــع‪ ،‬بالضــرورة‪ .‬هنــاك تشـ ُّ‬
‫«ماركــس»‪ ،‬بــل بالبحــث عــن النصائــح الثوريــة فــي قــراءة‬ ‫معينـاً‪،‬‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫تأوي‬ ‫أو‬ ‫ـع‪،‬‬‫ـ‬ ‫معينــة للواق‬
‫ّ‬ ‫كبيــر مــن األشــخاص رؤيــة َّ‬
‫«ماركــس»‪ ،‬وهــو أمــر يســاعدنا علــى التفكيــر فــي عصرنــا‪،‬‬ ‫نيــة واعيــة لفعــل الكــذب‪ .‬األيديولوجيــا‬ ‫ـمر عبــر ّ‬
‫لكنــه ال يــ ّ‬
‫ـرف بشــكل مختلــف معــه‪ .‬هــذه واحــدة مــن التفاتاتــي‬ ‫والتصـ ُّ‬ ‫ليســت كذبــة‪ ،‬وال وهمــاً‪ ،‬وال خطــأ؛ لذلــك‪ ،‬هنــاك‪ ،‬علــى‬
‫المع َّقــدة تجــاه «ماركــس»‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬مــا قلتــه‪،‬‬ ‫الجانــب الماركســي‪ ،‬محاولــة للتفكيــر في شــيء أيديولوجي‪،‬‬
‫ـو‪ ،‬عــن األيديولوجيــا‪ :‬التصنيــف الماركســي لأليديولوجيــا‬ ‫للتـ ّ‬ ‫شــيء ليــس خطـ ًـأ أو كذبــةً أو وهمـاً‪ .‬أعتقــد أننــا بحاجــة إلــى‬
‫ـداً‪ ،‬وتوجــد فيــه إشــارة إلى شــيء يجــب البحث عنه‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫ق‬‫مع ّ‬ ‫صنــف جديــد مــن التفكيــر‪ ،‬وتشــويه‪ ،‬وتحويــل للواقــع الــذي‬
‫هــو الصــوت‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنهــا ليســت مســألة اســتعادة‬ ‫ـرد كذبــة‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬هنــاك كذبة‪ ،‬وأريــد االحتفاظ‬ ‫ليــس مجـ َّ‬
‫دوغمائيــة للمفهــوم الماركســي لأليديولوجيــا‪.‬‬ ‫بالمفهــوم القديــم للكــذب‪ .‬هنــاك كذبــة سياســية‪ :‬أكاذيــب‬
‫متعمــدة‪ ،‬عبــر وســائل اإلعــام واآلالت‬ ‫ّ‬ ‫بســيطة‪ ،‬مقصــودة‪،‬‬
‫هــذه الحالــة‪ ،‬علــى األقــلّ ‪ ،‬فــي المنطقــة الغربيــة‪ ،‬تعايــش‬
‫الكبيــرة‪ ،‬وهــي رأســمالية وتقنيــة وعالميــة فــي الوقت نفســه‪.‬‬
‫عــدداً مــن الخطابــات غيــر المهيمنــة‪ ،‬التــي تش ـ ّكل نوع ـ ًا مــن‬
‫تحول فــي الواقع‪ ،‬وتأثيــرات أيديولوجية‪ ،‬وهي‬ ‫هنــاك‪ ،‬أيضـاً‪ّ ،‬‬
‫«التنافــر» األيديولوجــي والتنافــر الثقافــي؛ فهــل هــو األكثــر‬ ‫ـاء أو أكاذيــب تتطلَّب تصنيفات أخرى‪ ،‬فحســب؛‬
‫قبــو ً‬ ‫ليســت أخطـ ً‬
‫ال؟‬ ‫فمــن وجهــة النظــر هــذه‪ ،‬ال أعتقــد أن صنــف األيديولوجيــا‬
‫‪ -‬ال شــيء مقبــول‪ ،‬علــى اإلطــاق‪ .‬هــذا جــزء مــن‬ ‫الماركســية ٍ‬
‫كاف‪ ،‬علــى ّأيــة حــال‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪61‬‬
‫ويرمــم‪ ،‬لكننــي ال أعتقــد أن هــذا مقبــول‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫األيديولوجيــا مــن وجهــة نظــر الماركســية‪.‬‬
‫تعدديــة للخطابــات‪ .‬إن‬ ‫لطالمــا كانــت هنــاك ّ‬
‫مــن بيــن الفضائــل التــي يطرحهــا النقــد فــي‬ ‫المجــال األيديولوجــي ‪-‬علــى افتــراض وجــوده‪-‬‬
‫عمله‪ ،‬تتجلّى‪ ،‬دائم ًا‪ ،‬حالة ُمبت ِك ِر االستعارات‪،‬‬ ‫ـون‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬من منافســة مفاهيمية لعدد من‬ ‫يتكـ ّ‬
‫خالــقِ اللّغــة‪ .‬هــل تعتبــر نفســك كاتب ـ ًا فلســفي ًا؟‬ ‫الخطابــات‪ .‬لم تكــن هناك أيديولوجيا متجانســة‬
‫‪ -‬هنــا‪ ،‬اإلجابــات كثيــرة‪ .‬مــن ناحيــة‪ ،‬صحيــح‬ ‫أبــداً‪ .‬وحتــى فــي الــدول الشــمولية‪ ،‬التــي تحاول‬
‫فــرض مثــل هــذه األيديولوجيــا‪ ،‬هنــاك‪ ،‬دائم ـاً‪،‬‬
‫أن فــي تكوينــي‪ ،‬فــي مرحلــة المراهقــة‪ ،‬عندمــا‬
‫تو ّتــرات وصراعــات‪ .‬حتــى مــن وجهــة النظــر‬
‫ـداً‪ ،‬رغبــة‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬فــي أن أغدو‬ ‫كنــت صغيــر ًا جـ ّ‬ ‫الماركســية‪ ،‬ال يــزال بإمكاننــا تحليــل التناقضات‬
‫كاتبـ ًا فيلســوفاً‪ ،‬وكانت هناك نمــاذج لذلك‪ .‬وفي‬
‫ثمــة‬‫داخــل األيديولوجيــا المتجانســة‪ ،‬كمــا أن ّ‬
‫العشــرينات مــن عمــري‪ ،‬كان «ســارتر» و«كامو»‬
‫و«ميرلوبونتــي» قــدوة لــي مــن الفالســفة الذيــن‬
‫ـدث‪ ،‬اليــوم‪ ،‬عــن‬ ‫نشــاز ًا (تنافــر ًا لألصــوات)‪ .‬نتحـ ّ‬
‫خطــاب يقتــرح غيــاب األيديولوجيــا‪ .‬فــي النشــاز‬
‫كتبــوا األدب أيض ـاً‪ .‬كان هــذا مــا أثــار اهتمامــي‪،‬‬
‫الحالــي‪ ،‬هنــاك صــوت يقــول إنــه ليــس هنــاك‬
‫فقــد أردت أن أكتــب وأقــرأ‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬ال‬ ‫نشــاز‪ ،‬فحســب‪ ،‬بل نهاية لأليديولوجيات‪ .‬أعتقد‬
‫أعتبــر ما أفعله‪ ،‬اآلن‪ ،‬فلســفة خالصة وبســيطة‪.‬‬ ‫ـميه نشــازاً‪ ،‬أي مجموعة من الخطابات‬ ‫أن ما تسـ ّ‬
‫أســميه (تفكيــك الفلســفة) هــو نــوع مــن‬ ‫ِّ‬ ‫مــا‬ ‫المتنافــرة دون ّأيــة ســيطرة‪ ،‬يتوافــق مــع شــيء‬
‫التأمل في الفلســفة‪ ،‬من‬ ‫ُّ‬ ‫التفكير‪ ،‬أو ‪-‬إن شــئتم‪-‬‬ ‫مجــرد‬ ‫أكثــر خطــورة مــن األزمــة‪ .‬إنهــا ليســت‬
‫َّ‬
‫ا عن الفلســفة‪ .‬علــى الرغم من‬ ‫مــكان بعيــد قليـ ً‬ ‫أزمــة‪ .‬األزمــة هــي‪ ،‬دائم ـاً‪ ،‬لحظــة تو ُّتــر مرضــي‬
‫ـوف‪ ،‬وأســتاذ للفلســفة‪ ،‬ال‬ ‫ـدي تكويــن فيلسـ ٍ‬ ‫أن لـ ّ‬ ‫ـر بــه‬
‫تميــل إلــى التالشــي‪ ،‬عندمــا يكــون مــا نمـ ّ‬
‫أعتبــر مــا أكتبه فلســفياً‪ ،‬بالمعنى الدقيق للكلمة‬ ‫أكثــر خطــورةً‪ .‬وفــي هــذه التجربة التي نعيشــها‪،‬‬
‫(‪.)stricto sensu‬‬ ‫اليــوم‪ ،‬تحــاول هــذه الخطابــات المختلفــة التــي‬
‫الخطاب‬
‫ُ‬ ‫باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬يجــب أن يأخــذ‬ ‫استشــهدت بهــا ترميــم هــذا النــوع مــن الجــرح‬
‫النظــري اللّغــةَ بعيــن االعتبــار؛ يجــب ّأل يكــون‬ ‫تحدثنــا عــن نهايــة اإلنســان‪،‬‬
‫الــذي انفتــح عندمــا ّ‬
‫ـورات غريبــة عــن اللّغــة‪.‬‬ ‫ـرد عمــل علــى تصـ ّ‬ ‫مجـ ّ‬ ‫ونهايــة التاريــخ‪ ،‬ونهايــة األيديولوجيــا‪ ،‬ونهايــة‬
‫الفكــر مثــل الــروح‪ ،‬جســده هــو اللّغــة‪ .‬أعتقد أن‬ ‫الميتافيزيقــا‪ ....‬فــي مواجهــة هــذا النــوع مــن‬
‫المفاهيــم تعيــش فــي أجســاد لغويــة‪ ،‬لــذا يجب‬ ‫الهاويــة أو الفراغ‪ ،‬بعد موت الماركســية‪ ،‬نحاول‬
‫أن يكـ�ون الفعـ�ل الفكـ�ري اصطالحيـ�اً( (�‪idioma‬‬ ‫الســير بســرعة كبيــرة‪ ،‬لتعديــل خطــاب يطمئــن‪،‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪62‬‬
‫المنطقــان يصعــب التوفيــق بينهمــا‪.‬‬ ‫‪)tique‬؛ كل هــذا يعنــي أننــي‪ ،‬عندمــا أكتب أشــياء فلســفية‪،‬‬
‫ـد ًا لطريقــة الكتابــة وطريقــة التعامــل مــع‬ ‫أكــون منتبه ـ ًا جـ ّ‬
‫يبدو أن أحدث مغامرة سياسية أوروبية هي الوحدة‪ .‬هل‬ ‫اللّغة الفرنســية‪ .‬وبطريقة ما‪ ،‬أشــعر أنني أكتب شــيئ ًا خالّقاً‪،‬‬
‫هناك فكر حول أوروبا‪ ،‬موا ٍز للظاهرة السياسية؟‬ ‫وإذا نجحــت فــي كــون مــا هــو مكتــوب مرتبــط ارتباطـ ًا وثيقـ ًا‬
‫‪ -‬اليــوم‪ ،‬فــي الفلســفة‪ ،‬كمــا فــي كلّ شــيء‪ ،‬تقريبـاً‪ ،‬تنتــج‬ ‫باللّغــة الفرنســية‪ ،‬إذا لــم يصبــح غيــر قابــل للترجمــة‪ ،‬فمــن‬
‫ظاهــرة العولمــة؛ بعبارة أخرى‪ :‬يســافر الفالســفة كثيراً‪ ،‬مثل‬ ‫ـد ًا ترجمتــه‪.‬‬
‫الصعــب جـ ّ‬
‫ّ‬
‫اآلخريــن‪ ،‬والكتــب‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬تســافر كثيــراً‪ .‬بحســب اللّغــة‪ ،‬أنــا‬
‫الشــعري‪ ،‬والفكــر كفعــل‬
‫هــذا يقربنــا مــن مفهــوم الفكــر ِّ‬
‫أميركــي كمــا أنــي أوروبــي‪ .‬إذا كان معنــى ســؤالك هــو معرفــة‬
‫مــن أفعــال الخلــق‪.‬‬
‫مــا إذا كانــت هنــاك فكــرة تحــاول المطالبــة َبأ ْو َر َبتهــا والتفكير‬
‫فــي أوروبــا‪ ،‬حــول مســتقبل أوروبــا‪ ،‬فســأقول‪ :‬نعــم‪ .‬يكافــح‬ ‫ـو‪ ،‬يســير بالفعــل‪ ،‬فــي هــذا اال ِّتجــاه‪ .‬أعتقد‬ ‫‪ -‬مــا قلتــه‪ ،‬للتـ ّ‬
‫معظــم الفالســفة‪ ،‬اليــوم‪ ،‬لفهــم مــا تعنيــه أوروبــا‪ ،‬ومــن أين‬ ‫أن الفكــر الفلســفي‪ ،‬فكــر الفلســفة ‪-‬الــذي يثيــر اهتمامــي‪-‬‬
‫ـاص‪ .‬يتمثَّل‬ ‫أتــت أوروبــا‪ .‬بالطبــع‪ ،‬كلّ شــخص لديــه رأيــه الخـ ّ‬ ‫هــو فكــر ال‪-‬فلســفي‪ .‬يجــب أن يكــون الفكــر حدث ـاً‪ ،‬وابتــكار ًا‬
‫الخطــر الفلســفي الكبيــر فــي اإلجابــة علــى ســؤال‪ :‬مــن أيــن‬ ‫ـد مــا‪.‬‬ ‫فــي اللّغــة‪ ،‬و ‪-‬مــن َثـ َّ‬
‫ـم‪ -‬يجــب أن يكــون شــعري ًا إلــى حـ ٍّ‬
‫هويــة‪ ،‬ولكــن أكثــر مــن‬ ‫تأتــي أوروبــا؟ بافتــراض أنهــا كانــت ّ‬ ‫حــدث اللّغــة هــو ابتكار شــعري‪ .‬حيثما توجد أحــداث فكرية‪،‬‬
‫ثمــة‬
‫ّ‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫تك‬ ‫أن‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫ـف‬ ‫للتنبــؤ بمــا ســتصبح عليــه‪ ،‬وكيـ‬
‫ُّ‬ ‫ذلــك‪،‬‬ ‫ممــا يوجــد فــي أعمــال شــعراء‬ ‫ـعر أكثــر ّ‬ ‫يوجــد‪ ،‬أحيان ـاً‪ِ ،‬شـ ْ‬
‫ـادة لهــا‪ ،‬أي‪ :‬مــا مصيــر أوروبــا؟‪ ،‬وهــذا ســؤال‬ ‫أوروبيــة أو مضـ ّ‬ ‫«لهــم األولويــة»‪ .‬بالنســبة لــي‪ ،‬ال يوجــد فــرق ‪-‬ألقول ســريع ًا‬
‫مـمتاز‪.‬‬ ‫بعــض الشــيء‪ ،‬طبعـاً‪ -‬بيــن أفــكار الشــاعر وطريقــة كتابتــه‪.‬‬
‫فــي األســاس‪ ،‬ال يوجــد فــرق‪.‬‬
‫تتحدثــون عــن‬ ‫َّ‬ ‫تتحدثــون عــن األكاذيــب‪ ،‬مثلمــا‬ ‫ّ‬ ‫عندمــا‬ ‫اآلن‪ ،‬هــذا ال يعنــي أن كلّ شــيء موجــود فــي كلّ شــيء‪،‬‬
‫األيديولوجيــا أو اللّغــة‪ ،‬يكــون لــدى المســتمع انطبــاع بأنــك‬ ‫تهمنــي هــي‪ ،‬فــي الوقــت نفســه‪،‬‬ ‫وأن جميــع النصــوص التــي ّ‬
‫الحر ّيــة الفرديــة‪ .‬نزهــات مــن‬ ‫ّ‬ ‫تبحــث‪ ،‬دائمـ ًا‪ ،‬عــن جيــوب مــن‬ ‫فلســفية‪ .‬أنا أؤمن باالختالف‪ ،‬بالتخوم بين الفلســفة واألدب‪،‬‬
‫حر ّيــة‪ ،‬تشــعر أنهــا مهـ ّـددة؛ فهــل هــذا آمــن؟‬ ‫أجــل ّ‬ ‫حتــى لــو كانت قابلــة لالختراق‪ ،‬بيــن تعاطف الفكر الفلســفي‬
‫ـأقدم لكــم إجابــة مختصرة إلــى َح ّد‬ ‫وتعاطــف الشــعر‪ .‬ال أريــد أن أخلط بين األمــور‪ ،‬لكن في أصل‬
‫‪ -‬إنــه ســؤال واســع‪ .‬سـ ِّ‬
‫الحر ّيــة هــو ســؤال فلســفي‬ ‫مــا‪ ،‬وناقصــة الشــكل‪ ،‬ألن ســؤال‬ ‫يهمنــي هــو التفكيــر‪ ،‬والتفكيــر فــي الفلســفة‪،‬‬ ‫األشــياء‪ ،‬ومــا ّ‬
‫ّ‬ ‫والكتابــة شــعراً‪ ،‬والعيــش كشــاعر‪ ،‬فــكلّ هذا متشــابه‪.‬‬
‫كبيــر‪ .‬لإلجابــة بســرعة‪ ،‬بهــذه الطريقــة‪ ،‬يمكننــي أن أقــول‪:‬‬
‫الحر ّيــة‬
‫ّ‬ ‫ليــس مؤكّ ــد ًا أننــا نريــد أن نكــون أحــراراً‪ .‬لقــد ربطتــم‬ ‫اســمحوا لــي بالعــودة إلــى محاضرتكــم‪ .‬مــن الممكــن أن‬
‫باألمــل‪ ،‬وكأن مــا نريــده‪ ،‬قبل كلّ شــيء‪ ،‬هو أن نكــون أحراراً‪،‬‬
‫يكشــف الزمــن عــن الكــذب فــي َحـ ّـد ذاتــه‪ ،‬ولكــن كيف نكتشــف‬
‫وذلــك ليــس مؤكّ ــداً‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬لســت متأكّ ــد ًا مــن‬
‫الكــذاب فــي مجتمعنــا اإلعالمــي‪ ،‬حيــث أضعفتــم المســؤولية‬
‫ـراً‪ ،‬أي منفصـاً‪ .‬أريــد‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬أن أكــون‬ ‫أننــي أريــد أن أكــون حـ ّ‬ ‫فــي التكــرار؟‬
‫ـر ًا فحســب‪ .‬مــن الواضــح أن‬ ‫ملزمـاً‪ ،‬وأن أكــون مطلوبـاً‪ ،‬ال حـ ّ‬
‫بحر ّية‪.‬‬ ‫ـوذ‬ ‫الرابــط‪ ،‬الرابــط الحقيقــي‪ ،‬مأخـ‬ ‫‪ -‬عليــك أن تكــون حذر ًا بشــكل مضاعف‪ .‬مــن ناحية أخرى‪،‬‬
‫ّ‬
‫جينيالوجيتها‪،‬‬ ‫الحر ّية‪ ،‬وأتساءل عن‬ ‫عندما أفكر في كلمة‬ ‫المتغيــرة‬
‫ّ‬ ‫ـور تقنيــات الوســائطية‪ :‬حيــث الحالــة‬ ‫شــهدت تطـ ُّ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫الحر ّية سياســية‪ ،‬إنها‬ ‫لدي انطبــاع بأن‬ ‫ـون ّ‬ ‫ومــن أيــن أتت‪ ،‬يتكـ َّ‬ ‫للصــورة‪ ،‬والقــوى الكبيــرة المركّ ــزة علــى المعلومــة؛ ما يعني‬
‫ّ‬
‫حر ًا‬ ‫أكون‬ ‫أن‬ ‫أريد‬ ‫نفسه‪،‬‬ ‫الوقت‬ ‫في‬ ‫لكني‬ ‫حرة‪.‬‬ ‫أن الحديــث عــن األكاذيب‪ ،‬ببســاطة‪ ،‬لم يعــد ممكناً‪ .‬لم نعد‬
‫ّ‬ ‫ديـــموقراطية ّ‬ ‫ّ‬
‫كحر ّية مواطن فحســب‪ ،‬فأنا أريــد أن أكون‬ ‫حر ّيــة ليســت‬ ‫نعــرف مــن المســؤول‪ .‬انتبــه إلــى حقائــق التقنيــة التــي يبــدو‬
‫ّ‬ ‫مــع ّ‬
‫الحر ّيــة السياســية؛ أن يكــون لك‬ ‫ـر ًا فــي التفاعــل‪ ،‬متجــاوز ًا‬ ‫ـدد الكــذب‪ .‬كلّ هــذا صحيــح‪ ،‬لكنــي‪ ،‬فــي اآلن ذاته‪ ،‬ال‬ ‫أنهــا تبـ ّ‬
‫ّ‬ ‫حـ ّ‬
‫الحر ّية في‬ ‫ـة‪.‬‬
‫ـ‬‫ي‬ ‫الحر‬
‫ّّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ث‬ ‫التحد‬
‫ُّ‬ ‫ـب‬‫ـ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫يتط‬ ‫ال‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ي‬‫الحر‬
‫ّّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـر‬‫فكـ‬ ‫أعتقــد أننــا يجــب أن نتخ ّلــى عــن فئــة الكــذب أو عــن فكــرة أن‬
‫ّ‬
‫حر ّية‬ ‫بتعمد‪.‬‬ ‫قدروا الكــذب‬‫يكــون هنــاك ذنــب أو جرم‪ .‬هنــاك أناس ّ‬
‫الشــعر‪ ،‬فــي الفضــاء األدبي‪ ،‬فــي الرؤية‪ ،‬فــي اإلدراك‪ّ .‬‬ ‫ُّ‬
‫الحر ّيــة‬ ‫العيــش‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والتم ُّتــع‪ ،‬قبــل أن تصبــح هــذه‬ ‫الصعوبــة التــي واجهتهــا‪ ،‬والتــي أردت نقلهــا خــال‬
‫ّ‬
‫ـق‪ .‬إنهــا إمكانيــة المواطــن الــذي‬ ‫مســألة سياســية عــن الحـ ّ‬ ‫متوازي ْين‪:‬‬
‫َ‬ ‫المحاضــرة هــي ما يلــي‪ :‬الحفاظ علــى منطقَ ْيــن‬
‫المدنيــة‪ :‬أن يكــون قــادر ًا على‬ ‫الحر ّيــة‬ ‫يعيــش فــي فضــاء مــن‬ ‫األول هــو منطــق التقنيــة الذي يميل إلى تبديد المســؤولية‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حجز مســاحة غير مشــبعة بالسياســة‪.‬‬ ‫الفرديــة‪ ،‬واآلخــر هــو الحاجــة إلــى الحفــاظ علــى الفئــة‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫القديمــة مــن األكاذيــب؛ ألنــه ال يــزال هنــاك أشــخاص‬
‫هامش‪:‬‬ ‫خاصــة)‪ ،‬ويكذبــون ببســاطة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يكذبــون (السياســيون‪،‬‬
‫أجري الحوار في مدريد‪ ،‬بعد إلقاء محاضرة دريدا في (‪ )22‬أبريل‪/‬نيسان (‪)1997‬‬
‫المصدر‪:‬‬
‫بالمعنــى األكثــر كالســيكية للكلمــة‪ ،‬وينبغــي أن يحاكَ مــوا‬
‫‪« Los intelectuales », Résidence, VII-IX, 1997.‬‬ ‫يحاســبوا‪ ،‬مذنبيــن بهــذا الكــذب‪ .‬هــذان‬ ‫َ‬ ‫علــى ذلــك‪ ،‬وأن‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪63‬‬
‫فلسفة تفكيك ّية‬
‫ـن‬
‫يف نوفمرب‪/‬ترشيــن الثــاين (‪ ،)1995‬كان «دريــدا» يف زيــارة إىل ســانتياغو (تشــييل)‪ ،‬وهنــاك أجــرى مقابل َتـ ْ‬
‫عمومي َتــن؛ إحداهــا يف جامعــة أرســيس (‪ ،)L’université Arcis‬واألخــرى يف صالــون الكتــاب‪ ،‬وقــد ُحـ ّـررت‬ ‫ْ ِّ‬
‫التســجيالت من طرف مج ّلة «النقد الثقايف ‪ »Revista de Critica Cultural -‬يف تشــييل‪ ،‬ومنها اخرتنا بعض‬
‫النص ّيــة لهــذا املقــال‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫املقاطــع‬

‫المؤسســة األكاديمية‬
‫َّ‬ ‫عندهــا‪ ،‬بــدأت بأعمــال قتالية داخــل‬ ‫منــذ شــهر‪ ،‬تقريب ـ ًا‪ ،‬تو ِّفــي «جيــل دلــوز»‪ ،‬واســمه ‪-‬مثــل‬
‫لالحتجــاج علــى القــوى الرجعيــة‪.‬‬ ‫اســمك‪ -‬يم ِّثــل جــزءاً مــن كوكبــة فلســفية وفكريــة مرموقــة‬
‫(الكان‪ ،‬وبــارت‪ ،‬وألتوســير‪ ،‬وفوكو‪...،‬وغيرهــم)‪ ،‬والتــي‬
‫مؤخراً‪ ،‬كتاب ًا بعنوان «أطياف ماركس»‪ .‬ما‬ ‫َّ‬ ‫لقد نشــرتم‪،‬‬ ‫تضم (مايو ‪ )68‬كمرجع سياســي‪ ..‬أنت عشــت حدث (مايو‬ ‫ّ‬
‫الــذي دفعكــم إلــى العــودة إلــى «ماركــس»‪ ،‬أو ‪-‬علــى األقلّ ‪-‬‬ ‫‪ ،)68‬فكيــف كان لــه تأثيــر علــى الهيكلــة الجامعيــة‪ ،‬برأيــك؟‬
‫إلى شــبحه؟ (مارتن هوبينهاي)‬ ‫(نيللــي ريتشــارد)‬
‫متأخــر ًا جـ ّ‬
‫ـداً‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬دريــدا‪ :‬إذا كتبــت كتاب ـ ًا عــن «ماركــس»‬ ‫أود‪ ،‬فــي البــدء‪ ،‬تكريــم ذكــرى «جيــل دلــوز»‪،‬‬ ‫‪ -‬دريــدا‪ّ :‬‬
‫كتابــ ًا إيجابيــ ًا يحيــي «ماركــس» وأولئــك الذيــن مــا زالــوا‬ ‫خاصــة‪ .‬أ َّثــرت وفاتــه‬ ‫ـي بطريقــة مؤلمــة‬ ‫َّ‬
‫مخصــص لشــيوعي مــن جنــوب‬ ‫يناضلــون باســمه (الكتــاب‬
‫ّ‬ ‫الــذي أثــر موتــه فـ ّ‬
‫ّ‬ ‫فــي نفســي‪ ،‬وكذلــك ظــروف هــذه الوفــاة‪ ،‬حيــث شــارك‬
‫إفريقيــا)‪ ،‬فذلــك ‪-‬بالتحديــد‪ -‬ألن القيــام بــه أمــر عفــا عنــه‬ ‫فيهــا عــدد مــن الفالســفة الفرنســيين مــن هــذا الجيــل‪،‬‬
‫الزمــن أو ‪-‬باألحــرى‪ -‬فــي غيــر أوانــه‪ .‬أعتقــد أن مســؤولية‬ ‫وهــم أصدقائــي‪« :‬دلــوز» و«ألتوســير» و«فوكــو» و«بــارت»‪،‬‬
‫التفكيــر النقــدي تكمــن‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬فــي حســاب عدالــة فــي‬ ‫حقيقــةَ المــوت فــي مواقــف غيــر عاديــة إطالقــاً‪ .‬أشــعر‬
‫غيــر زمانهــا‪ :‬يجــب علــى المــرء أن يقــول مــا يعتقــد أنــه‬ ‫بالوحــدة قليـاً‪ ،‬فأنــا الناجــي‪ ،‬أو الباقــي علــى قيــد الحيــاة‬
‫ال يقولــه‪ .‬اليــوم‪ ،‬يخبرنــا الخطــاب الســائد حــول العالــم‬ ‫تقريبـاً‪ .‬أنــا أنتمــي إلــى الجيــل نفســه الــذي عايشــه «دلوز»‪.‬‬
‫بــأن الماركســية ماتــت‪ ،‬والشــيوعية قــد ُد ِفنــت‪ .‬علــى وجــه‬ ‫ومنــذ البدايــة‪ ،‬كانــت أفــكاره تعنــي لــي الكثيــر‪ .‬لطالمــا‬
‫ال للماركســية في وقت‬ ‫التحديــد‪ ،‬ألننــي لم أكن‪ ،‬أبداً‪ ،‬مناض ً‬ ‫شــعرت باإلعجــاب الشــديد بالتقــارب بيــن مــا كان يعمــل‬
‫ـد ًا أن أكــون واحــد ًا مــن مناضليها‪،‬‬‫كان فيــه مــن المغــري جـ ّ‬ ‫عليــه ومــا حاولــت أن أعمــل عليــه بنفســي‪ :‬التقــارب الــذي‬
‫وألننــي قاومــت عقيدتهــا‪ ،‬أعتقــد أنه مــن الضــروري‪ ،‬اليوم‪،‬‬ ‫ينبــع مــن االهتمــام المشــترك بفكــر االختــاف غيــر القابــل‬
‫معارضــة صوت مناوئ لهذا اإلجماع الحالي على رأســمالية‬ ‫ـي والمتناقــض والمعارضــة؛ فكــر مؤكّ ــد‬ ‫لالختــزال‪ ،‬للجدلـ ّ‬
‫ـرة‪ ،‬والديـــموقراطية البرلمانيــة‪ .‬أفعــل ذلــك‪،‬‬ ‫الســوق الحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أما حول‬ ‫تتأســس الجينيالوجيــا مع «نيتشــه»‪ّ .‬‬ ‫لتكــرار حيــث ّ‬
‫الخاصــة التــي تتأ َّلــف مــن تحليــل‪ ،‬فــي‬
‫ّ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫بطريقت‬ ‫ـع‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫بالطب‬ ‫(مايــو ‪ ،)68‬فقــد أعلــن «دلــوز»‪ ،‬فــي مقابلــة أعــدت قراءتها‬
‫كتــاب «أطيــاف ماركــس»‪ ،‬عمــل المبــارزة السياســية التــي‬ ‫نتصــوره فــي‬
‫ّ‬ ‫ال عميقــاً‪ ،‬يتجــاوز مــا‬ ‫مؤخــراً‪ ،‬أنــه كان زلــزا ً‬ ‫َّ‬
‫ـم التعبيــر عنهــا مــن خــال الخطــاب المهيمــن المناهض‬ ‫يتـ َّ‬ ‫الصادمــة بعد ذلك‬ ‫ـتمرت موجاتــه ّ‬ ‫ذلــك ال ّزمــن‪ ،‬والــذي اسـ َّ‬
‫للماركســية اليــوم‪ ،‬والــذي يبــدو لــي انتصــار ًا مهووسـاً‪ ،‬كما‬ ‫ـرد‬ ‫ـ‬ ‫تم‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫تعاطف‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫الرغ‬ ‫ـي‪ ،‬علــى‬
‫ُّ‬ ‫بكثيــر‪ .‬بالنســبة إلـ ّ‬
‫يقــول «فرويــد»‪ ،‬كمــن يصــرخ بالنصــر بصــوت عــالٍ جـ ّ‬
‫ـداً‪.‬‬ ‫(مايــو ‪ ،)68‬أعتــرف بشــعوري‪ ،‬فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬ببعــض‬
‫صرختــه عاليــة إلســكات القلــق والتو ُّتــر‪ ،‬والجــزع كعــرض‬ ‫ـردد فــي مواجهــة النشــوة العفوية‪ .‬لقد كان حــذراً‪ ،‬نوع ًا‬ ‫التـ ّ‬
‫علــى أن كلّ شــيء ليــس علــى مــا يــرام‪ ،‬فيمــا كان يع َتبــر‬ ‫معينــة مــن الــكالم‬ ‫َّ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫عفوي‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫وم‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫العاطف‬ ‫ـاء‬
‫ـ‬ ‫رث‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫مــا‪،‬‬
‫ـص «ماركس»‪،‬‬ ‫انتصــاراً‪ .‬أحــاول أن أتبــع عمــل الحداد في نـ ّ‬ ‫ـرر والشـ ّفاف‪ .‬لكنــا‪ ،‬في الســنوات التــي أعقبت (مايو‬ ‫المتحـ ّ‬
‫كقوة الســتجواب التحليل النفســي‬ ‫اللتقــاط قيمــة الطيــف‪ّ ،‬‬ ‫رد فعــل سياســي فــي فرنســا‪ ،‬نتــج‪ ،‬من وجهة‬ ‫‪ ،)68‬شــهدنا ّ‬
‫المرتبــط بالحــداد‪ .‬خطاب «ماركس» مليء باألشــباح‪ ،‬لكنه‬ ‫النظــر البرلمانيــة واالنتخابيــة‪ ،‬عــن تد ُّفــق هائــل لليميــن‪،‬‬
‫يســعى‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬إلــى القضاء عليهــا والتخلُّص منهــا‪ .‬حاولت‬ ‫لــم يســبق لــه مثيــل‪ ،‬كمــا نتــج‪ ،‬مــن الناحيــة األكاديميــة‪،‬‬
‫ـص‪ ،‬ورؤيــة الحــدود الفلســفية لـ«ماركــس»‬ ‫ـك رمــوز النـ ّ‬ ‫فـ ّ‬ ‫عــن منعطــف المحافظــة االرتكاســي والعنيــف والمتو ُّتــر‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪64‬‬
‫ـص‬
‫مــن وجهــة نظركــم‪ ،‬كيــف يمكــن إقامــة عالقــة بيــن النـ ّ‬
‫والممارســات االجتماعيــة؟ (تيريــزا ماتوس)‬
‫‪ -‬دريــدا‪ :‬تفتــرض الحاجــة إلــى إقامــة هــذه العالقــة‬
‫ـكالي ْين‪ ،‬بالنســبة‬ ‫تصو َريْــن يبــدوان قابل َْيــن للنقــاش أو إشـ َّ‬ ‫ُّ‬
‫للنص‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ق‬‫ضي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ر‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫تص‬ ‫ـيء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫وقبل‬ ‫ً‪،‬‬‫ال‬ ‫أو‬ ‫يفترض‪،‬‬ ‫ما‬ ‫؛‬ ‫ـي‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫كلّ‬ ‫ّ‬ ‫إلـ ّ‬
‫كشــيء يقتصــر علــى وســيط مكتــوب‪ .‬مــا حاولــت القيــام‬
‫ـص إلــى‬‫بــه‪ ،‬فــي الغراماتولوجيــا‪ ،‬هــو توســيع مفهــوم النـ ّ‬
‫مــا هــو أبعــد مــن الداعــم المحــدود‪ ،‬علــى وجــه التحديــد‪:‬‬
‫الحركــة‪ /‬اإلشــارة أو العمــل عبــارة عــن نصــوص أيضـاً‪ .‬فــي‬
‫ـر «الممارســة االجتماعيــة»‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬مــن‬ ‫المقابــل‪ ،‬تمـ ّ‬
‫خــال وســاطة النصــوص والخطــاب‪ .‬ال توجــد معارضــة أو‬
‫النص والممارسة االجتماعية‪ّ .‬أية مـمارسة‬ ‫ّ‬ ‫قوي بين‬
‫تـمييز ّ‬
‫ــد‬
‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫فــي‬ ‫هــو‪،‬‬ ‫نــص‬
‫ّ‬ ‫وأي‬
‫ّ‬ ‫النصــوص‪،‬‬ ‫عبــر‬ ‫تـــمر‬
‫ّ‬ ‫اجتماعيــة‬
‫ضروري ـ ًا الخلــط‬
‫ّ‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫لي‬ ‫ً‪،‬‬‫ا‬ ‫ـ‬ ‫طبع‬ ‫ـة‪.‬‬‫ـ‬ ‫اجتماعي‬ ‫ذاتــه‪ ،‬ممارســة‬
‫بيــن كلّ شــيء‪ ،‬أو االرتبــاك‪ ،‬مثــل‪ :‬نشــاط نشــر مقــاالت‬
‫فــي مجلــة مــع نشــاط العمــل فــي مصنــع‪ .‬يجــب التســاؤل‬
‫ـص والممارســة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫عــن التعــارض القائــم بيــن النـ ّ‬
‫صياغــة أدوات مفاهيميــة جديــدة تعيــد ابتــكار اســتراتيجية‬
‫فعليـاً‪ ،‬بعض النصوص‬ ‫ّ‬ ‫لمعالجــة االختالفــات التي تفصل‪،‬‬
‫والممارســات عــن بعضهــا اآلخــر‪ ،‬فــي الوقــت نفســه‪.‬‬

‫فــي الثمانينيــات والتســعينيات‪ ،‬نــرى ظهــور منعطــف‬


‫معينــة مــن النقــد الماركســي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫نقــدي يربــط التفكيــك بــروح‬
‫أشــير‪ ،‬قبــل كلّ شــيء‪ ،‬إلــى مشــكلة «مســامية الحــدود بيــن‬
‫التحــول العميــق للفضــاء‬
‫ُّ‬ ‫و«العــام»‪ ،‬مشــكلة‬
‫ّ‬ ‫«الخــاص»‬
‫ّ‬
‫ـام مــن ِق َبــل «جهــاز اإلعــام التقنــي»‪ ،‬وتبديــد «البنيــة‬
‫العـ ّ‬
‫ـؤدي‬
‫ـام‪ ،‬التــي تـ ّ‬
‫ـام والفضــاء العـ ّ‬
‫الطوبولوجيــة» للبــاب العـ ّ‬
‫إلــى عــدم وجــود مــكان للسياســة‪ ،‬والوعــد الديـــموقراطي‪.‬‬
‫غيــرت‬ ‫التحــوالت التــي ّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬دريــدا‪ :‬يــدور الســؤال حــول‬
‫عملــي فــي الثمانينيــات والتســعينيات‪ .‬يجــب أن أعتــرف أن‬
‫ـداً‪ ،‬عندمــا أعيــد‬
‫مــا يذهلنــي‪ ،‬فــي المناســبات النــادرة جـ ّ‬
‫قــراءة نفســي‪ ،‬هو اإلصــرار والتكرار الرتيــب‪ ،‬تقريباً‪ ،‬لبعض‬
‫ـرة‪،‬‬ ‫ألول مـ ّ‬
‫الزخــارف خــال كتاباتــي‪ :‬مــا أعتقــد أننــي أقولــه ّ‬
‫فــي عــام (‪ ،)1990‬هــو‪ ،‬غالباً‪ ،‬شــيء ال أســتطيع تذكُّ ره‪ ،‬منذ‬
‫وقــت طويــل‪ .‬لكــن هنــاك‪ ،‬بالطبــع‪ ،‬مصطلحــات أو مفاهيم‬
‫ـدة‬‫تغيــر مــن شـ ّ‬
‫وخاصــة النبــرات الجديــدة التــي ُّ‬‫ّ‬ ‫جديــدة‪،‬‬
‫الفكــر‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪« ،‬الوســائط التقنيــة عــن ُبعــد»‬
‫ـدث عنهــا‪ ،‬اليــوم‪ ،‬مــن وقــت إلــى آخــر بوصفهــا‬
‫ميتة فحســب‪،‬‬ ‫بوصفه فيلســوف ًا أيضاً‪ :‬هناك دوافع ليســت ِّ‬
‫التــي أتحـ َّ‬ ‫بــل التــزال مفتوحــة علــى المســتقبل كدوافــع مــا تفتــأ‬
‫مشــكلة‪ ،‬هــي مذكــورة‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬فــي الغراماتولجيــا؛ وهــو‬
‫تنــذر‪ ،‬وهنــاك‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬دوافــع تنتمــي إلــى التقاليــد‪ .‬كتابــي‬
‫مــا يجبرنــا عليــه التســارع المفــرط‪ ،‬فــي تطويــر هــذه الحالة‬
‫ـام‪ ،‬والتفكيــر فــي األمــر بإلحــاح‬ ‫بمنزلــة تكريــم لـ«ماركس» األمــس والغــد‪ ،‬ولتفكيكه أيضاً‪.‬‬
‫ـول الفضــاء العـ ّ‬ ‫التــي تحـ ّ‬
‫أي وقــت مضــى‪.‬‬ ‫يــرث التفكيــك نفســه واحــد ًا مــن أرواح «ماركــس»‪ ،‬لكــن‬
‫أكثــر مــن ّ‬
‫إن مقاربتــي األخيــرة‪ ،‬فــي التعامــل مــع المشــاكل‬ ‫أي ميــراث (هــو نفســه‬ ‫ليــس كلّهــا‪ :‬كمــا هــو الحــال فــي ّ‬
‫القانونيــة وقضايــا القانــون الدولــي‪ ،‬هــي مــا جعلتنــي ألحظ‬ ‫مــع هايدغــر‪ ،‬أو فرويــد‪ ،‬أو نيتشــه)‪ ،‬ال يتع َّلــق األمــر بتل ّقــي‬
‫الفــرق بيــن القانــون والعدالــة بشــكل أوضــح‪ .‬إن التشــكيك‬ ‫مدونــة متجانســة عالميـاً‪ ،‬بل بتشــغيل إنقاذ انتقائي يرشــح‬ ‫َّ‬
‫فــي تقاليــد القانــون‪ ،‬والتغييــر النقدي للحقــوق الممنوحة‪،‬‬ ‫ـص المــوروث‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـده‬
‫ـ‬ ‫تأكي‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـث‬
‫ـ‬ ‫الوري‬ ‫ـعى‬‫ـ‬ ‫يس‬ ‫مــا‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪65‬‬
‫األمــة ينطــوي علــى التغلُّــب علــى أداتيــة اآللــة‬ ‫مخاطبــة ّ‬ ‫أي إصــاح أو ثــورة‪ .‬لكــن‬ ‫أي عمــل سياســي أو ّ‬ ‫هــو شــرط ِّ‬
‫اإلعالمية‪-‬البالغيــة‪ .‬لكــن‪ ،‬فــي الوقت نفســه‪ ،‬ال يمكن إنتاج‬ ‫ـم‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬باســم مطلــب‬ ‫هــذا التفكيــك لمفهــوم القانــون يتـ ّ‬
‫فمجرد‬
‫َّ‬ ‫خطاب دون المرور بجهاز الوساطة وإعادة اإلنتاج‪:‬‬ ‫معيــن للعدالــة الينبغــي الخلــط بينــه وبيــن القانــون‪ ،‬لكنــه‬ ‫َّ‬
‫إنتــاج جملــة يعنــي النحــو وقواعــد التركيــب‪ ،‬وما إلــى ذلك‪.‬‬ ‫يشــير إلــى عــدم كفايــة هــذا المفهــوم مــع نفســه‪ .‬عندمــا‬
‫تتدخــل فــي الــكالم‪ ،‬مهمــا كان حيوي ـ ًا‬ ‫َّ‬ ‫والنحــو هــو تقنيــة‬ ‫تكــون لديــك خبــرة فــي أن حقــوق اإلنســان العالمية ليســت‬
‫أو مباشــر ًا أو أصلي ـاً‪ .‬يجــب أن تذهــب اإلتيقــا إلــى مــا هــو‬ ‫كمــا ينبغــي‪ ،‬وهــي دعــوة لتوســيعها (للعمــال‪ ،‬والنســاء‪،‬‬
‫أبعــد مــن الخطابــة‪ ،‬وتتفــاوض‪ ،‬فــي اآلن نفســه‪ ،‬حــول هذا‬ ‫يتم تقديمه باســم‬ ‫االدعــاء ّ‬ ‫واألطفــال‪ ،‬وغيرهــم)‪ ،‬فــإن هــذا ِّ‬
‫اإلفــراط‪ ،‬مــع األخــذ فــي االعتبــار جميــع الحيــل البالغيــة‪.‬‬ ‫ـص‬ ‫العدالــة التــي ال يمكــن تفكيكهــا‪ .‬نحيــل‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬إلــى نـ ّ‬
‫العالقــات بيــن التفكيــك والهيرمينوطيقــا مع ّقــدة‪ ،‬أيضاً‪.‬‬ ‫لبنياميــن مــن عشــرينيات القــرن الماضي هو «نقــد العنف»‬
‫ـمى‪ ،‬عموم ـاً‪ ،‬بـ«الهيرمينوطيقــا» يشــير إلــى تقليــد‬ ‫مــا يسـ ّ‬ ‫لربــط فكــرة العدالــة بالمســيحانية‪ ،‬وأيضــ ًا للتمييــز بيــن‬
‫ـمر عبــر شــايرماخر‪ ،‬والالهــوت‬ ‫التفســير الدينــي الــذي يــ ّ‬ ‫المســيحية والمســيحانية‪ :‬تشــير المســيحية إلــى صــورة‬
‫ً‬
‫األلمانــي‪ ،‬ومصــادر أخــرى‪ ،‬وصــوال إلــى غاداميــر‪ ،‬ويفترض‬ ‫ـرف إليهــا (المســيح)‪ ،‬بينمــا المســيحانية هــي‬ ‫يمكــن التعـ ُّ‬
‫أن تأويــل النصــوص يجــب أن يكتشــف «معناهــا» الحقيقــي‬ ‫وعــد بــدون أفــق التو ُّقــع‪ ،‬أو أفق مجــيء غير متو َّقــع لآلخر‪،‬‬
‫والمخفــي‪ .‬ال عالقــة للتفكيك بهــذا التقليد‪ ،‬بل ‪-‬على عكس‬ ‫موعــود ولكــن دون احتســاب وصولــه‪ .‬أحــاول أن أشــرح‬
‫ـدى الفكرة القائلة بأن القراءة يجب أن تكتشــف‪،‬‬ ‫ذلــك‪ -‬تتحـ ّ‬ ‫هــذا التقاطــع بيــن العدالــة غيــر القابلــة للتدميــر‪ ،‬والوعــد‬
‫ـص‪ .‬لكــن‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫خفي‬
‫َّ ْ‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫حقيق‬ ‫أو‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫معن‬ ‫ـور‬‫ـ‬ ‫أخيــراً‪ ،‬حض‬ ‫المســيحي والطيفيــة‪ .‬ال يمكــن أن يأتــي طلــب العدالــة مــن‬
‫هنــاك‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬طريقــة أخــرى للتفكيــر فــي الهيرمينوطيقــا‪،‬‬ ‫ـام الــذي يجــب أن‬ ‫القانــون‪ ،‬أو مــن المفهــوم القانونــي العـ ّ‬
‫ُيدركهــا نيتشــه أو هايدغــر‪ ،‬حيــث ال يتألَّــف التأويــل مــن‬ ‫يطيعــه‪ ،‬مثــل المطالبــة بــأن ينتصــر العقــل‪ ،‬فهــو ال يأتــي‬
‫ـي‪ ،‬ولكــن فــي قــراءة‬ ‫البحــث عــن آخــر مثــال لمعنــى خفـ ّ‬ ‫ـرره عقالنيـاً‪.‬‬
‫مــن العقــل نفســه‪ ،‬وليــس لــه مــا يبـ ِّ‬
‫ـص مــن خــال اللعــب‬ ‫ـول النـ ّ‬‫نشــطة ومنتجــة‪ :‬قــراءة تحـ ّ‬
‫ـددة ومتناقضــة‪ .‬هــذا المعنــى النيتشــوي‬ ‫علــى معــانٍ متعـ ِّ‬ ‫ما الفرق بين النظرية والبالغة؟ إذا لم يكن هناك فرق‪،‬‬
‫للتأويــل أقــرب كثيــر ًا إلــى التفكيــك‪ ،‬تمام ًا كما ذكــر هايدغر‬ ‫نميــز بيــن البالغــة وصناعــة الترفيــه؟ إذا كان األمــر‬
‫فكيــف ِّ‬
‫(‪ )hermeneuin‬الــذي ال يســعى إلى الكشــف عن المعنى‬ ‫كذلــك‪ ،‬فهــل يمكــن أن يكــون بمنزلــة أســاس للحديــث عــن‬
‫ـص‪ ،‬أو إلــى فكِّ ــه‪ ،‬بــل إلــى إنتاجــه بفعــل‬ ‫المــودع فــي النـ ّ‬ ‫اإلتيقــا؟ (كارلــوس بيريــز ســوتو)‪.‬‬
‫ـوة للقــراءة والكتابــة‪.‬‬ ‫شــعري‪ ،‬بخلــق قـ ّ‬ ‫‪ -‬دريــدا‪ :‬بالطبــع‪ ،‬هنــاك فــرق بيــن النظريــة والبالغــة‪.‬‬
‫ما هي منزلة النقد‪ ،‬اليوم؟ إذا كان ال ينبغي التفكير فيه‬
‫ـرد بالغــة أو أدب‪ .‬تشــير‬ ‫غالب ـ ًا مــا ا ُّتهــم التفكيــك بأنــه مجـ َّ‬
‫النظريــة إلــى إنتــاج منطــق ال يمكــن اختزالــه فــي البالغــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫إل علــى أســاس أنــه قـ ّـوة للتعبيــر‪ .‬أال يــزال لشــكل الـــمفكِّر‬
‫ــم‬‫التحــدث أو اإلقنــاع‪ .‬لكنــي أعتقــد أنــه َت َّ‬ ‫ُّ‬ ‫فــن‬
‫بمعنــى ّ‬
‫التحدث‬
‫ُّ‬ ‫«كعامــل ثقافــي» مع ًنــى؟ هــل ُيمنح‪ ،‬اليوم‪ ،‬إمكان‬
‫التغاضــي عــن اآلثــار المتر ِّتبــة عــن البالغــة ألجــل الخطــاب‬
‫لصالــح شــيء‪ ،‬وضـ ّـد آخــر مــن الفكــر النقــدي؟ (ســيرجيو‬ ‫ـام‪ .‬مــا حاولــت فعلــه هو ضبــط التحديد‬
‫روجاس)‬ ‫النقــدي‪ ،‬بشــكل عـ ّ‬
‫البالغي ألشــكال الخطاب‪ ،‬واســتخدام المجاز أو الكناية في‬
‫‪ -‬دريــدا‪ :‬مــا يشــغلني‪ ،‬لفتــرة طويلــة‪ ،‬فــي عملــي‪ ،‬هــو‬ ‫الخطــاب النظري والخطاب الفلســفي فــوق كلّ ذلك‪ .‬يجب‬
‫الخاصــة‪ ،‬مــن مكانــي فــي تطويــر‬
‫ّ‬ ‫المشــاركة بطريقتــي‬ ‫الحفــاظ علــى التمييــز بيــن النظريــة والخطــاب‪ ،‬ولكــن‪ ،‬في‬
‫يتكيــف مــع عصرنــا‪ ،‬مــع إلحاحــه السياســي‪،‬‬ ‫فكــر نقــدي ّ‬ ‫الوقــت نفســه‪ ،‬يجــب إعــادة النظــر فــي هــذه الحــدود‪ .‬مــن‬
‫واألخالقــي‪ ،‬التاريخــي‪ ،‬وغيــر ذلــك‪ ،‬فــي الوقــت نفســه‪،‬‬ ‫الواضــح أن صناعــة الترفيــه بأكملهــا‪ ،‬وبصفتهــا منظَّ مة غير‬
‫أود التأكيــد عليهــا‪ .‬يبــدو‬
‫وهــذه هــي النقطــة األولــى التــي ّ‬ ‫تمر عبر اآلالت الرأســمالية العظيمة التي‬ ‫فرديــة للخطــاب‪ّ ،‬‬
‫المفهوم ْين عن «الذاتية» و«النقد» يســتدعيان‬ ‫َ‬ ‫لي أن هذين‬ ‫تنطــوي علــى البالغــة‪ .‬إن إنتــاج عرض كما يفعــل المطربون‬
‫أســئلة ذات طبيعــة تفكيكيــة‪ ،‬ينبغــي أن تزعــج ســلطتها‪،‬‬ ‫أو السياســيون أو المحاضــرون يفتــرض‪ ،‬مســبقاً‪ ،‬خطابــ ًا‬
‫وتضعفهــا‪ .‬مــن ناحيــة‪ ،‬ال أريــد أن أتخلّــى عــن «الذاتيــة‬ ‫ليــس لفظيـاً‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل يســتعين باإلشــارة‪ ،‬والجســد‪،‬‬
‫يســمى «ذاتيــة الموظّ ــف» وال‬
‫ّ‬ ‫النقديــة» فــي مواجهــة مــا‬ ‫ومــا إلــى ذلــك‪.‬‬
‫عــن العمــل النضالــي لممارســته‪ ،‬ولكــن‪ ،‬من ناحيــة أخرى‪،‬‬ ‫ـدث اليوم على‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يتح‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫السياس‬ ‫المثال‪،‬‬ ‫علــى ســبيل‬
‫تميزت البنيوية بالتشــكيك في‬ ‫يتطرق الســؤال إلى البنيوية‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫نصـ ًا مكتوبـاً‪،‬‬ ‫شاشــة التليفزيــون لمخاطبــة جمهــوره‪ ،‬يقــرأ ّ‬
‫ـدث بلغة بنيوية عن‬ ‫ســلطة الــذات‪ ،‬وال يمكــن للمرء أن يتحـ ّ‬ ‫ـدث»‪ ،‬ويتظاهر بالنظر‬ ‫بالفعــل‪ ،‬فــي أثناء النظر إلى «المتحـ ِّ‬
‫الذاتيــة النقديــة‪ .‬بــدأت حركــة التفكيــك‪ ،‬التــي لهــا عدد من‬ ‫ـن اإلقنــاع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫لف‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الخطابي‬ ‫تدخلــت البالغــة‬
‫إلــى أعيننــا‪ :‬لقــد ّ‬
‫الصــات مــع البنيويــة‪ ،‬بالتشــكيك فــي بديهياتهــا؛ ال إلعادة‬ ‫ـم تعديلهــا بوســاطة هــذه اآلالت الجديــدة‪ .‬تطلــب م ّنــا‬ ‫و َتـ َّ‬
‫تأهيــل الــذات‪ ،‬بــل لمناقشــة بعــض االفتراضــات المســبقة‬ ‫المشــهدي‪ ،‬وتفتــرض أن فعــل‬ ‫ّ‬ ‫اإلتيقــا أن نتجــاوز بالغــة‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪66‬‬
‫ثقافييــن»‪ .‬نحــن‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫عضوييــن أو موظَّ فيــن‪ ،‬أو حتــى «وكالء‬ ‫ِّ‬ ‫ـرق التفكيــك إلــى بعــض المفاهيــم األساســية‬ ‫لنقدهــا‪ .‬يتطـ َّ‬
‫فــي الواقــع‪ ،‬نشــارك ‪-‬حتم ـاً‪ -‬فــي كلّ مــا نرفضــه‪ :‬األمــر ال‬ ‫التــي مــا زالــت ســارية المفعــول فــي البنيويــة‪ .‬مــن ناحيــة‪،‬‬
‫يتع َّلــق بإنــكار هــذا الوضــع‪ ،‬بــل بالقيــام بعمــل يزعــج أو‬ ‫هــذه هــي الطريقــة التــي ينظــر بهــا التفكيــك إلــى ميــراث‬
‫يعطّ ــل النســق المهيمــن للثقافــة‪ .‬أنــا أكــره كلمــة «ثقافــة»‬ ‫ويشــكّ ك فيهــا؛ لذلــك ينطبــق الشــيء ذاتــه علــى‬ ‫البنيويــة‪ُ ،‬‬
‫ـي‪ ،‬الفلســفة والفكــر همــا شــيء‬ ‫الماركســية‪.‬‬
‫محيــرة‪ .‬وبالنســبة إلـ ّ‬
‫ِّ‬ ‫ألنهــا‬
‫يســمى «الثقافــة»‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬إن‬ ‫ّ‬ ‫آخــر‪ ،‬هــو عكــس مــا‬ ‫ال يتعلَّــق األمــر بتفكيــك الفكــرة النقديــة للعــودة‬
‫الثقافــة لديهــا القــدرة علــى اســتعادة كلّ مــا هــو وراءهــا‪،‬‬ ‫إلــى الدوغمائيــة الســابقة للنقــد‪ ،‬بــل بإعــادة تنشــيط‬
‫باســتمرار‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن عــدم وجــود شــيء يقــف فــي‬ ‫المطلب ْيــن‬
‫َ‬ ‫ذاكــرة مفاهيميــة مرتبطــة بتاريخهــا‪ .‬إن هذيــن‬
‫طريــق الثقافــة أكثــر من التفكيك‪ ،‬يجــب أن أعترف أن هناك‬ ‫ظاهريــاً؛ وهمــا عــدم التخلّــي عــن التقليــد‬ ‫ّ‬ ‫المتناقض ْيــن‬
‫َ‬
‫ثقافــة تفكيكية‪ ،‬وتأثيــرات ثقافية للتفكيك؛ لذلك‪ ،‬ال يتعلَّق‬ ‫النقــدي لـ«كانــط» أو «ماركــس» أو مدرســة فرانكفــورت‪،‬‬
‫المؤسســات‪ ،‬بــل يتع َّلــق بتحويلهــا‪،‬‬ ‫ـد‬ ‫علــى ســبيل المثــال‪ ،‬وضــرورة التشــكيك فــي حدودهــا‪ ،‬في‬
‫َّ‬ ‫األمــر باالنتفاضــة ضـ ّ‬
‫ضد الهيمنة أو الســيطرة أو الغطرســة‬ ‫تأملية‪ ،‬فحســب‪،‬‬ ‫الوقــت نفســه‪ ،‬ليســا مطالــب فلســفية أو ُّ‬
‫من خالل النضاالت‪ّ ،‬‬
‫ـم تنصيبهــا‪ ،‬وإعــادة إنشــائها‪.‬‬ ‫يتم قياســهما‪ ،‬أيضاً‪ ،‬في الممارســة السياســية اليومية‪.‬‬ ‫بل ّ‬
‫فــي كل مــكان؛ حيــث يتـ ّ‬ ‫ً‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫المطال‬ ‫بعض‬ ‫ـتدعي‬ ‫ـ‬ ‫تس‬ ‫ذلك‪:‬‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ال‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫مث‬ ‫ـذ‬ ‫لنأخـ‬
‫ســؤال آخر عن أطياف ماركس‪ :‬في بداية كتاب «الثامن‬ ‫بالتحرر االجتماعي أو القومي أو الجنسي تشييد ًا تأسيسياً‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫عشــر مــن بروميــر لويــس بونابــرت»‪ ،‬يقــول ماركــس‪ :‬كتــب‬ ‫واعترافـ ًا بذاتيــة نقديــة‪ :‬أقل ِّّيــة اجتماعيــة تناضــل مــن أجــل‬
‫هيجــل أن التاريــخ يعيــد نفســه‪ ،‬لكنــه نســي أن يضيــف أنــه‬ ‫بهويتها في عمل نشــط للنضال السياســي‪ .‬أعتقد‬ ‫ّ‬ ‫االعتراف‬
‫مرتين؛ األولى كمأســاة‪ ،‬والثانية كمزحة‪ .‬فيما‬ ‫ـرر‪ ،‬وهــذا النضــال مــن‬ ‫االدعــاء بالتحـ ُّ‬‫أنــه يجــب دعــم هــذا ّ‬
‫يكرر نفســه ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الهويــة االجتماعيــة‪ ،‬ولكــن دون التخلّي عــن المبادرة‬ ‫أجــل‬
‫ـص ماركس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫في‬ ‫ـداث‬
‫ـ‬ ‫األح‬ ‫ـوع‬‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫البداي‬ ‫ـذه‬
‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـق‬
‫ـ‬‫ل‬‫َّ‬ ‫يتع‬ ‫ّ‬
‫الهوية التــي تدفعها لمنعها‬ ‫ّ‬ ‫فكرة‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫لتفكي‬ ‫ـرى‬ ‫ـ‬ ‫األخ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫النقدي‬
‫يتبــادر إلــى ذهنــي أن أتســاءل‪ :‬لمــاذا «أطيــاف» ماركــس ال‬
‫مؤسســية‪ ،‬تعطيــل خلــق دوغمائيــة جوهرية‬ ‫مــن أن تصبــح ّ‬
‫ماركــس «بصفتــه عائــداً» مثــل الطيــف‪ ،‬مثــل الظهــور مـ ّـرة‬
‫جديــدة وتو ُّتــرات قوميــة‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬منــذ المطالبــة المشــروعة‬
‫أخــرى؟ (جوســتو ميــادو باســتور)‬
‫بلغــة أو مجموعــة أقل ِّّيــة‪ ،‬يمكــن أن ينتهــي بهــا األمــر إلى أن‬
‫‪ -‬دريــدا‪ :‬أعتقــد أن عنــوان الكتــاب «أطيــاف ماركــس»‬ ‫تصبــح عنصريــة‪ ،‬وتو ِّلــد كراهيــة األجانــب‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪.‬‬
‫ـدث عنهــا ماركــس فــي‬ ‫يعنــي ّ ً‬
‫كل مــن األطيــاف التــي يتحـ َّ‬ ‫هوية‬
‫فقــط‪ ،‬مــن خــال مســاءلة مفهــوم الذاتيــة علــى أنهــا ّ‬
‫عملــه‪ ،‬والصــور الطيفيــة المختلفــة لماركــس نفســه التــي‬ ‫ـتقرة واآلمنة‪ ،‬يمكن للمرء‬ ‫الذات الحاضرة لنفســها‪ ،‬والمسـ ّ‬
‫أود‬
‫عــدة مناســبات‪ .‬مــا ّ‬ ‫مــر ًة أخــرى‪ ،‬فــي ّ‬ ‫تظهــر اليــوم‪ّ ،‬‬ ‫ـتقر أو تتمأســس‪ .‬عند‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫تس‬ ‫الهويــات التي‬
‫ّ‬ ‫أن ينتقــد‪ ،‬بنشــاط‪،‬‬
‫تذكّ ــره هــو اهتمامــي الطويــل األمــد بالطيفيــة واألشــباح‬ ‫ـدث عــن تحالف بين‬ ‫الحديــث عــن ها َت ْيــن الحرك َت ْيــن‪ ،‬ال أتحـ َّ‬
‫الموجــودة‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬فــي نصوصــي األولــى‪ ،‬والتــي ال‬ ‫نظري َت ْيــن بــل عــن تو ُّتــر نشــط‪ ،‬ال فــي مجــال الخطــاب‪،‬‬ ‫َّ‬
‫تنفصــل عــن اهتمامــي بالتقنيــة‪ .‬يفتــح تطويــر التقنيــات‬ ‫فحســب‪ ،‬بــل فــي مجــال النضــال السياســي أيضـاً‪.‬‬
‫واال ِّتصــاالت الســلكية والالســلكية‪ ،‬اليــوم‪ ،‬مســاحة لواقــع‬ ‫ـؤولياتنا‪ .‬إذا لــم‬
‫تحمــل مسـ ّ‬ ‫تجبرنــا هــذه الصعوبــة علــى ُّ‬
‫ال مــن قمــع‬‫طيفــي‪ .‬أعتقــد أن هــذه التقنيــات الجديــدة‪ ،‬بــد ً‬ ‫المهمــة المزدوجــة التــي تنطــوي على إشــارات‬ ‫ّ‬ ‫نواجــه هــذه‬
‫الشــبح ‪-‬ألننــا نعتقــد أن العلــم يطــرد الوهم‪ -‬تفتــح المجال‬ ‫متناقضــة‪ ،‬فلــن تكــون هنــاك مســؤولية أو قــرار‪ ،‬بــل آلــة‬
‫لتجربــة الطيفيــة التــي ال تكــون فيهــا الصــورة مرئيــة أو غيــر‬ ‫برنامـــجية ومبرمجــة‪ .‬يجــب أن يجتــاز القرار أو المســؤولية‬
‫يمر بتجربة‬ ‫اختبــار التناقــض وعــدم القــدرة علــى ا ِّتخــاذ القــرار‪ .‬ال‬
‫مرئية‪ ،‬محسوســة أو غير محسوســة‪ .‬وكلّ هذا ّ‬
‫حــداد لطالمــا ربطتهــا بمســألة الطيفيــة التــي نواجــه فيهــا‬ ‫يوجــد تناقــض بيــن القــرار‪ ،‬ومــا هــو غيــر قابــل للتقريــر؛‬
‫ـر كثير ًا على مســألة‬ ‫فغيــر القابــل للتقريــر هــو شــرط القــرار‪ .‬يفتــرض كلّ قــرار‬
‫األثــر‪ ،‬والـــمتواري‪ ،‬والالّحضــور‪ .‬أنــا أصـ ّ‬
‫العام من خالل تقنيات الوســائط‬ ‫ّ‬ ‫اإلعــام وتحويــل الفضــاء‬ ‫تحمل المســؤولية‪،‬‬ ‫ـم فيــه ُّ‬ ‫تقييمـ ًا للوضــع الفــردي الــذي يتـ ّ‬
‫للتوضيــح والتفاوض بشــأن ها َت ْين الحرك َت ْيــن المتناقض َت ْين‪.‬‬
‫ـددة الجديــدة التي هــي آالت إلنتاج األطياف‪ .‬ال يوجد‬ ‫المتعـ ّ‬
‫عامــة أو ضمــان مســبق‪ .‬نحــن‪ ،‬دائمــاً‪،‬‬ ‫ال توجــد قاعــدة ّ‬
‫مجتمــع يمكــن فهمــه‪ ،‬اليــوم‪ ،‬بــا هــذه الطيفيــة اإلعالمية‪،‬‬
‫محاصــرون فــي فضــاء يتع َّلــق بالذاتيــة النقديــة‪ ،‬والذاتيــة‬
‫أو مــن غيــر اإلشــارة إلــى الموتــى والضحايــا والمختفيــن‬
‫المؤسســية‪ .‬ال أعتقد أن هذه المعارضة تسمح‬ ‫َّ‬ ‫الرســمية أو‬
‫الذين يشــكّ لون خيالنا االجتماعي‪ .‬ال يوجد تحليل سياســي‬
‫لنــا باالختيــار بيــن االثنيــن‪ ،‬فــا توجــد مناطــق جامحــة مــن‬
‫ـدده هــذه الوفيــات‪.‬‬ ‫للحقــل االجتماعــي‪ ،‬مــا لــم تحـ ّ‬ ‫الالمؤسســية‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫أعتقــد أنــه يجــب بــذل كلّ مــا فــي وســعنا ‪-‬باســم النقــد‬
‫‪Revista de Cultural Critica , novembre 1995.‬‬ ‫التحــرري؛ لتج ُّنــب أن نصيــر مثقَّفــي دولــة أو مثقَّفيــن‬ ‫ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪67‬‬
‫عن ّ‬
‫الضيافة‬
‫يوظفه «ليفيناس» لهذا املصطلح‪ ،‬عىل الرغم‬ ‫جاك دريدا‪ :‬ال تُخ َتزل الضيافة ببســاطة‪ ،‬يف االســتخدام الذي ّ‬
‫مــن أنهــا كذلــك أيضـ ًا‪ ،‬مــن أجــل‪ :‬ترحيبــه بالغريــب يف منزلــه‪ ،‬ويف وطنــه‪ ،‬ويف مدينتــه‪ .‬مــن اللحظــة التــي أنفتــح‬
‫ـرف (لجوء) حتى‬ ‫فيهــا عــى الغــر‪ ،‬أنــا «مضيــف»؛ توظيفـ ًا لـــمصطلح «ليفينــاس» لإلشــارة إىل اآلخــر‪ ،‬فأنــا تحت تـ ُّ‬
‫ـي التعامــل مــع اآلخــر‪ ،‬و ‪-‬مــن َثـ َّ‬
‫ـم‪ -‬أنــا منفتــح‪ ،‬بالفعــل‪،‬‬ ‫يف الحــرب‪ ،‬والرفــض‪ ،‬وكراهيــة األجانــب تعنــي أنــه عـ ّ‬
‫األول‪.‬‬
‫رد فعــل عــى االنفتــاح ّ‬ ‫عــى الغــر‪ ،‬واالنغــاق ليــس أكــر مــن ّ‬

‫لآلخــر‪ .‬مــن وجهــة نظــره تلــك‪ ،‬تم ّتــع ليفينــاس بعالقــة غيــر‬ ‫أخبركــم إيمانويــل ليفينــاس بالكثيــر‪ .‬وقد نشــرتم الخطاب‬
‫وفيــة مــع األنطولوجيــا؛ ما جعــل تفكيره أحد أكبــر الصدمات‬ ‫ّ‬ ‫التأبينــي الملقــى فــي جنازتــه‪ ،‬الــذي كان أيضــ ًا دراســة عــن‬
‫فــي عصرنــا‪ .‬الزمتنــي هــذه الفكــرة طــوال حياتــي‪ .‬بطبيعــة‬ ‫عملــه الفكــري‪ ،‬بعنــوان (وداع ـ ًا‪ ،‬إيمانويــل ليفينــاس)‪ ،‬ذلــك‬
‫ربمــا‪ ،‬إن لــم تكــن‬
‫الحــال‪ ،‬كانــت هنــاك تفســيرات وبدايــات؛ َّ‬ ‫الخطــاب المثيــر للدهشــة فــي عالقتــه بليفينــاس (فيلســوف‬
‫ـوالت التــي لطالمــا جعلتنــي تحــت وطــأة‬ ‫الخالفــات‪ ،‬والتحـ ُّ‬ ‫اآلخــر) قبــل كلّ شــيء‪ .‬قــد نقــول إن اآلخــر ســيبقى‪ ،‬دائم ـ ًا‪،‬‬
‫الدهشــة‪ ،‬علــى األقــلّ ‪.‬‬‫ّ‬ ‫شــخص ًا آخــر‪ ،‬حتــى لــو ّ‬
‫تخيــل المــرء اآلخــر أنــه هــو نفســه‪،‬‬
‫تخيــل اآلخــر كآخــر‪ ،‬بصفتــه واحــداً‪،‬‬
‫وحتــى لــو كان أحدهــم ّ‬
‫هل يمكن أن تشرح لنا كيف أن هذه المسافة الالمتناهية‬
‫فهنــاك دائمـ ًا بقايــا مــن الغيريــة ال يمكــن أن تُحــاط بالكامــل‪،‬‬
‫مع اآلخر‪ ،‬الالمعرفة غير القابلة لالختزال لآلخر‪ ،‬هي عنصر‬
‫أبــداً‪ .‬هــذه نقطــة أساســية بالنســبة إليكــم‪ ،‬اآلن‪...‬‬
‫صداقة‪ ،‬وضيافة‪ ،‬وعدالة بالنسبة إلى ليفيناس؟‬
‫‪ -‬دريــدا‪ :‬فكــر «ليفينــاس» هــو فكــر عظيــم عــن اآلخــر‪.‬‬
‫الحس الســليم البســيط ‪-‬إذا جاز التعبير‪،-‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬باإلشــارة إلى‬ ‫يجــب أن أقــول‪ ،‬قبــل محاولــة اإلجابــة عن ســؤالك‪ ،‬إن بعض‬
‫ال يمكــن أن تكــون هنــاك ســوى صداقــة أو ضيافــة أو عدالــة‬ ‫المفــردات‪ ،‬فــي الوقــت الحالــي‪ ،‬أصبحــت مزعجــة بعــض‬
‫كآخريــة‬
‫ّ‬ ‫آخريــة اآلخــر بعيــن االعتبــار‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حيــث تؤخــذ فيهــا‬ ‫الشــيء‪ ،‬مــن قبيــل‪« :‬اآلخــر»‪ ،‬و«احتــرام اآلخــر»‪ ،‬و«االنفتاح‬
‫مطلقــة والنهائيــة وغيــر قابلــة لالختــزال فــي آن معـاً‪ ،‬حتــى‬ ‫علــى اآلخــر»‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪ .‬هنــاك شــيء أصبــح ميكانيكيـ ًا‬
‫لــو كانــت فــي مــا ال ُيحصــى‪ .‬يذكّ رنــا ليفينــاس بــأن اللّغــة‪ ،‬أي‬ ‫فــي هــذا االســتخدام األخالقــي لكلمــة «اآلخــر»‪ ،‬وفــي بعــض‬
‫اإلشــارة إلــى اآلخــر‪ ،‬هــي‪ ،‬فــي جوهرهــا‪ ،‬صداقــة وضيافــة‪.‬‬ ‫األحيــان‪ ،‬يوجــد‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬فــي اإلشــارة إلــى «ليفيناس»‪ ،‬شــيء‬
‫ـدث‬ ‫ومــن جانبــه‪ ،‬لــم تكــن هــذه األفــكار ســهلة‪ :‬عندمــا تحـ ّ‬ ‫ـد مــا‪ ،‬وســه ً‬
‫ال بعــض الشــيء (ويقــود‬ ‫كان ميكانيكي ـ ًا إلــى حـ ّ‬
‫الطيبة»‪.‬‬‫ِّ‬ ‫عــن الصداقــة والضيافة‪ ،‬لم يستســلم لـ «المشــاعر‬ ‫أود‪ ،‬باســم‬‫إلــى التقــوى والفضيلــة) لســنوات عديــدة؛ لذلــك ّ‬
‫الصعــب‪ ،‬أن أعتــرض علــى هــذا التبســيط‪.‬‬ ‫هــذا الفكــر ّ‬
‫مــع ذلــك‪ ،‬إن مصطلــح الضيافــة ليــس واضحـ ًا كمــا يبــدو‪،‬‬
‫باســم فكــر اآلخــر؛ أي عــدم قابليــة اآلخــر لالختــزال‬
‫ويمكنــك شــرحه بنفســك مــن خــال العودة إلــى الجينيالوجيا‬
‫الالنهائــي‪ ،‬حــاول «ليفينــاس» إعــادة التفكيــر فــي التقليــد‬
‫الخاصــة بكــم‪ ،‬ال سـ َّـيما مــع تحليــات بنفنســت‪ .‬يبــدو لــي أن‬
‫ّ‬ ‫الفلســفي بأكملــه‪ .‬مشــير ًا بمثابــرة وإصــرار عنيــد‪ ،‬إلــى مــا ال‬
‫ليفيناس حاول االنفصال عن مفهوم محتمل للضيافة‪ ،‬والتي‬
‫يــزال غيــر قابــل لالختــزال فــي اآلخــر‪ ،‬أي اآلخــر بــا حــدود‪.‬‬
‫بالحق‪ ،‬أي بمفهوم (الـماهو)‪ ،‬و(األنا) الـمضياف الذي‬ ‫ّ‬ ‫يربطها‬
‫ـميه (األنطولوجيــا)‪ ،‬وأعــاد تســميتها‪ ،‬علــى‬ ‫عمــا يسـ ِّ‬ ‫تســاءل ّ‬
‫يتو ّلــى الســلطة علــى اآلخر‪.‬‬ ‫أنهــا فكــرة تنتهــي‪ ،‬دائمــاً‪ ،‬باســم الكينونــة‪ ،‬باختــزال هــذه‬
‫‪ -‬ال ُتخ َتزل الضيافة ببســاطة‪ ،‬في االســتخدام الذي يوظّ فه‬ ‫اآلخريــة‪ ،‬منــذ «أفالطــون» إلــى «هايدغــر»؛ كمــا عــارض‬
‫«ليفينــاس» لهــذا المصطلــح‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنهــا كذلــك‬ ‫الخاصــة‬
‫ّ‬ ‫يســميه‪ ،‬بطريقتــه‬
‫ِّ‬ ‫هــذه األنطولوجيــا ضمــن مــا‬
‫أيضـاً‪ ،‬مــن أجــل‪ :‬ترحيبــه بالغريــب فــي منزلــه‪ ،‬وفــي وطنــه‪،‬‬ ‫(الميتافيزيقيــة)أو (الفلســفة األولــى)‪ ،‬وإعــادة هيكلــة هــذه‬
‫وفــي مدينتــه‪ .‬مــن اللحظــة التــي أنفتــح فيهــا علــى الغيــر‪ ،‬أنا‬ ‫ـتمد جميع نتائجها من التعالي الالمتناهي‬ ‫الفلســفة التي تسـ ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪68‬‬
‫لآلخــر‪ ،‬والرهينــة األخــرى‪ ،‬ويجــب أن تســتند‬ ‫«مضيف»؛ توظيف ًا لـمصطلح «ليفيناس» لإلشارة‬
‫اإلتيقــا علــى بنيــة هــذه الرهينــة‪.‬‬ ‫ـرف (لجــوء) حتــى فــي‬ ‫إلــى اآلخــر‪ ،‬فأنــا تحــت تصـ ُّ‬
‫الحــرب‪ ،‬والرفــض‪ ،‬وكراهيــة األجانــب تعنــي أنــه‬
‫نحــن نفهــم‪ ،‬مــن خــال االســتماع إليهــا‪ ،‬مــا‬ ‫ـي التعامــل مــع اآلخر‪ ،‬و ‪-‬مــن َث َّم‪ -‬أنــا منفتح‪،‬‬ ‫علـ ّ‬
‫الطيبــة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫يميــز هــذه الفكــرة عــن فكــرة المشــاعر‬ ‫ِّ‬ ‫بالفعــل‪ ،‬علــى الغيــر‪ ،‬واالنغــاق ليــس أكثــر من‬
‫لكــن‪ ،‬أال تعطــي كلمــات االحتــرام لآلخرين وصف ًا‬ ‫األول‪.‬‬
‫رد فعــل علــى االنفتــاح ّ‬ ‫ّ‬
‫اآلخريــة بقــدر‬
‫ّ‬ ‫أفضــل لفكــر «ليفينــاس»؛ احتــرام‬ ‫مــن هــذه الرؤيــة‪ ،‬تكــون الضيافــة هــي األولى‪.‬‬
‫اآلخريــة‪ ،‬دائمـ ًا‪ ،‬أمــراً يبعدنــي؟‬
‫ّ‬ ‫مــا تكــون‬ ‫األول يعني أنــه حتى قبل أن‬ ‫أن أقــول إن هــذا هــو َّ‬
‫‪ -‬لهــذا المفهــوم تاريــخ فلســفي طويــل‪.‬‬ ‫وم ْن أكون وما أنــا عليه‪ ،‬أعتقد‬ ‫أكــون نفســي‪ ،‬هــو َ‬
‫ـدث‬ ‫ـدث «كانــط» عــن االحتــرام‪ ،‬تحـ َّ‬ ‫عندمــا تحـ ّ‬ ‫أســس لهذه‬ ‫ّ‬ ‫قد‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫ـب‬ ‫ـ‬ ‫يج‬ ‫أن انفصــال اآلخــر‬
‫عــن احترام القانون‪ ،‬ال احترام اآلخر؛ فحســب‪.‬‬ ‫العالقــة مــع نفســي؛ بعبارة أخــرى‪ ،‬ال يمكنني أن‬
‫احتــرام اإلنســان‪ ،‬بالنســبة إلــى «كانــط»‪ ،‬ليــس‬ ‫أكــون على عالقة مع نفســي ذاتهــا‪ ،‬مع «كينونتي‬
‫ال وحيــداً؛ اإلنســان هــو مثــال واحــد‪ ،‬فقط‪،‬‬ ‫مثــا ً‬ ‫(أناي)‬
‫َ‬ ‫ـي»‪ّ ،‬إل بقــدر ما ســبق انفصال اآلخــر عن‬ ‫فـ ّ‬
‫مــن القانــون الــذي يجــب أن أحترمــه‪ .‬بالنســبة‬ ‫الخالصــة‪ .‬لهــذا الســبب‪ ،‬في مســار «ليفيناس»‪،‬‬
‫إلــى «ليفينــاس»‪ ،‬إن مفهــوم االحتــرام‪ ،‬قبــل أن‬ ‫معينــة‪ ،‬فــي‬
‫مــا أحــاول إعــادة تشــكيله‪ ،‬بطريقــة َّ‬
‫وصيــة‪ ،‬يصف حالة المســافة الالّمتناهية‬ ‫يكــون‬ ‫هــذا الكتــاب الصغيــر‪ ،‬هــو نقطــة البدايــة‪ ،‬وهــي‬
‫ّ‬
‫ـدث عنهــا‪ :‬االحتــرام هــو النظــرة‪،‬‬ ‫التــي ك ّنــا نتحـ َّ‬ ‫األول‬ ‫فكــرة االســتقبال‪/‬الترحيب‪ ،‬وهــو الموقــف َّ‬
‫والنظــرة عــن بعــد‪ .‬كمــا تعلمــون‪ ،‬يعيــد‬ ‫للــذات تجــاه اآلخــر؛ من فكــر المضيف إلــى فكرة‬
‫«ليفينــاس» تعريــف الشــخص‪ ،‬واألنــا‪ ،‬واآلخــر‬ ‫الرهينــة‪ .‬أنــا‪ ،‬بطريقــة مــا‪ ،‬رهينــة اآلخــر‪ ،‬وحالــة‬
‫يســميه الوجــه‪ ،‬ســواء‬ ‫ّ‬ ‫بصفتهــا وجوهــاً‪ .‬مــا‬ ‫الرهائــن هــذه التــي أكــون فيهــا‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬ضيفـ ًا‬
‫فــي التقاليــد اليهوديــة أو وفقــ ًا لمصطلحــات‬ ‫لآلخــر مــن خــال الترحيــب باآلخــر عنــدي‪ ،‬حيث‬
‫يســتحق االحتــرام‪ .‬منــذ اللحظــة‬ ‫ّ‬ ‫جديــدة‪،‬‬ ‫يحدد هذا الوضع‬ ‫أكــون ضيفـ ًا لـــ ‪/‬أو ‪/‬على آخــر‪ّ ،‬‬
‫التــي أكــون فيهــا‪ ،‬بالنســبة إلــى وجــه اآلخــر‪،‬‬ ‫الخاصــة‪ .‬عنــد الــكالم عــن‬ ‫ّ‬ ‫ـؤوليتي‬
‫الرهينــة مسـ َّ‬
‫ـدث إلــى اآلخــر‪ ،‬وفيهــا أســتمع إلــى‬ ‫حيــن أتحـ َّ‬ ‫«أنــا هنــا»‪ ،‬أنــا مســؤول أمــام اآلخــر‪« ،‬أنــا هنــا»‬
‫الغيــر‪ ،‬يكــون ُبعد االحتــرام مفتوحـاً؛ لذا‪ ،‬على‬ ‫تعنــي أننــي‪ ،‬بالفعل‪ ،‬فريســة لآلخر («الفريســة»‬
‫األخــاق أن تتماشــى مع هــذا الموقف‪ ،‬بالطبع‪،‬‬ ‫هــي تعبيــر ليفينــاس)‪ .‬إنهــا عالقــة متو ِّتــرة‪ .‬هــذه‬
‫ـون مــن‬ ‫وأن تقــاوم كلّ أشــكال العنــف التــي تتكـ ّ‬ ‫الضيافــة ليســت بســيطة وهادئــة‪ .‬أنــا فريســة‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪69‬‬
‫مــن السـكّان الذيــن لــم يشـ ّكلوا صفــة مواطنيــن‪ ،‬والذيــن لــم‬ ‫قمــع الوجــه‪ ،‬أو تجاهلــه‪ ،‬أو تقليــل االحتــرام لحاملــه‪.‬‬
‫تكــن قوانيــن الــدول القوميــة كافيــة لهــم؛ لذلــك‪ ،‬يجــب أن‬
‫تتكيــف أخالقنــا الترحيبيــة‪ ،‬سياســتنا الترحيبيــة‪ ،‬مــع ما وراء‬ ‫ـي) آخــر‪ ،‬قمتــم بتحليلــه فــي هــذا‬
‫هنــاك مصطلــح (ليفيناسـ ّ‬
‫ّ‬
‫ـم‪ -‬يجــب أن نتجــاوز الكونيــة‪ .‬فــي قــراءة‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫ث‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫‪-‬م‬ ‫و‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الدول‬ ‫العمــل‪ ،‬هــو مصطلــح «الســام»‪ .‬ومفهــوم الســام‪ ،‬بــدوره‪،‬‬
‫كوزموبوليتانية‬
‫ُ‬ ‫أي مــدى ُتع َتبــر‬ ‫ّ‬ ‫إلى‬ ‫ـح‬‫ـ‬ ‫أوض‬
‫ِّ‬ ‫لكانــط‪ ،‬أحــاول أن‬ ‫أو ً‬
‫ال‪ ،‬مثلــه مثــل مفهــوم الضيافــة‪.‬‬ ‫يأتــي‪ّ ،‬‬
‫كانــط العالميــة شــيئ ًا رائع ـاً‪ ،‬يجــب أن ن َّتجــه نحــوه‪ ،‬ولكــن‬ ‫أوالً‪ ،‬تمام ـاً‪،‬‬
‫‪ -‬لنفتــرض أن الســام‪ ،‬بالنســبة إليــه‪ ،‬يأتــي َّ‬
‫يجــب أن نعــرف‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬كيــف نتجــاوزه‪.‬‬ ‫مثــل الضيافــة والصداقــة؛ إنهــا بنيــة اللّغــة اإلنســانية ذاتهــا‪.‬‬
‫أبين‪ ،‬في مالحظة قصيرة‪،‬‬ ‫بخصوص التسامح؛ حاولت أن ّ‬ ‫هــذا ال يســتبعد الحــرب‪ ،‬ويبــدو أن «ليفينــاس» يقبــل بإمكان‬
‫لدي‬‫ّ‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫يحظ‬ ‫الذي‬ ‫ـامح‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫التس‬ ‫أي مــدى أُشــير إلــى مفهــوم‬ ‫إلــى ّ‬ ‫ـد دولة قيصر‪،‬‬ ‫حــدوث الحــرب‪ .‬عندمــا يعارض دولــة داود ضـ ّ‬
‫أي شــخص آخر‪ ،‬فــي النصوص‬ ‫باحتــرام كبيــر‪ ،‬بالطبــع‪ ،‬مثــل ّ‬ ‫فإنــه يقبــل هــذا االحتمــال‪ .‬إنــه في عالقــة تناقض أو انســجام‬
‫التــي تدمجــه‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــي «فولتيــر»‪ ،‬مــن قبــل‬ ‫مــع الموقــف (الكانطــي)‪ :‬بالنســبة إلــى «كانــط»‪ ،‬إن الحالــة‬
‫إن التقليــد مفهــوم مســيحي‪ ،‬محتــرم بهــذا‬ ‫تــراث مســيحي‪ّ .‬‬ ‫األصليــة للعالقــات بيــن البشــر‪ ،‬فــي الحالــة الطبيعيــة‪ ،‬هــي‬
‫‪-‬ربما‪ -‬مــن منظور الضيافة‬ ‫المعنــى‪ ،‬لكنــه قد يكــون غير ٍ‬
‫كاف ّ‬ ‫مؤسســة‪،‬‬‫عالقــة حــرب؛ لهذا الســبب‪ ،‬يجب أن يكون الســام َّ‬
‫معينــة أو مســاحات ال يهيمن عليها‬ ‫أو االنفتــاح علــى ثقافــات َّ‬ ‫ـم بنــاؤه كمجموعة مــن األدوات‪ ،‬ومن المشــاريع‬ ‫يجــب أن يتـ ّ‬
‫الفكر المســيحي‪ .‬ســيقال الشيء نفســه فيما يتعلَّق باإلخاء‪.‬‬ ‫ـد‬
‫معينــة (سياســية بشــكل خالــص)‪ ،‬للحـ ّ‬ ‫الثقافيــة‪ ،‬بطريقــة َّ‬
‫ـن احترامـ ًا كبيــر ًا لإلخــاء‪ ،‬فهــو ســبب كبيــر للشــعار‬ ‫إننــي أ ِكـ ّ‬ ‫مــن هــذا العــداء األصلــي‪.‬‬
‫الجمهــوري‪ ،‬حتــى لــو ظهــر‪ ،‬فــي أثنــاء الثــورة‪ ،‬كثيــر مــن‬ ‫مــع «ليفينــاس»‪ ،‬يحــدث العكــس بطريقة ما‪ :‬إنها مســألة‬
‫لج ْعــل قبــول اإلخــاء أمــر ًا مســيحي ًا صرفاً‪.‬‬ ‫المشــاكل َ‬ ‫األول مــن‬‫األول‪ ،‬واالعتــراف بهــذا الســام ّ‬ ‫ِم ّنــة علــى الســام ّ‬
‫ـت‪ ،‬فــي سياســات الصداقــة‪ ،‬أن أســائل مفهــوم‬ ‫لقــد حاولـ ُ‬ ‫ـروي نوع ًا مــا‪ ،‬من خالل‬‫للتوجــه نحــو ســام أخـ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫أجــل محاولــة‬
‫أوالً‪ ،‬ألنــه متجــذِّ ر فــي‬ ‫ـدة أســباب‪ّ :‬‬ ‫اإلخــاء بشــكل مزعــج؛ لعـ ّ‬ ‫عمــا قام بــه «كانط»‪ ،‬وفي‬ ‫ّ‬ ‫تختلف‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫لفت‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫إنه‬ ‫ً‪.‬‬‫ا‬ ‫ـ‬ ‫أحيان‬ ‫الحــرب‪،‬‬
‫األســرة‪ ،‬مــع الجنيالوجيــا‪ ،‬مــع األصالــة؛ ثانيـاً‪ ،‬ألنــه يتع َّلــق‬ ‫الوقــت نفســه مماثلــة لهــا‪ ،‬ألن «كانــط» يريــد‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬مــن‬
‫ـوة‪ ،‬أي أنهــا تؤكّ ــد علــى‬ ‫ـوة‪ ،‬وليــس عــن األخـ ّ‬ ‫بمفهــوم األخـ ّ‬ ‫(مؤسســات الســام العالمــي‪ ،‬ومعاهــدات‬ ‫َّ‬ ‫المؤسســة‬ ‫َّ‬ ‫خــال‬
‫ـم‪ -‬بقــدر مــا يدعــو إلــى التضامــن‬ ‫هيمنــة ذكوريــة‪ ،‬و ‪-‬مــن َثـ َّ‬ ‫الســام العالميــة‪ ،‬علــى ســبيل المثــال) إعــادة اكتشــاف كــرم‬
‫البشــري بيــن اإلخــوة ال األخــوات‪ ،‬يجــب أن يلهمنــا بعــض‬ ‫الضيافــة عالميـاً‪ .‬شــرح «كانــط» أن القانــون الطبيعــي ‪-‬علــى‬
‫ـد‬‫األســئلة‪ ،‬وليــس المعارضــة فقــط‪ .‬ليــس لــدي أي شــيء ضـ ّ‬ ‫الرغــم مــن وجــود حالــة حــرب فــي الطبيعــة‪ -‬يعنــي‪ ،‬ضمنـاً‪،‬‬
‫عمــا إذا كان الخطــاب الــذي تهيمــن‬ ‫ـوة‪ ،‬لكنــي أتســاءل ّ‬ ‫األخـ ّ‬ ‫ضيافــة عالميــة‪ :‬ال يمكــن أن يتشـ َّتت البشــر بشــكل ال نهائــي‬
‫لألخوة‪ ،‬ليس له تضمينات مشــبوهة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التوافقية‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫القيم‬ ‫عليــه‬ ‫ـم‪ -‬يجــب أن يتعايشــوا؛ لذلــك‪،‬‬ ‫علــى ســطح األرض؛ و ‪-‬مــن َثـ َّ‬
‫ـوة‪ ،‬اإلخــاء‪ ،‬التآخــي)‪.‬‬ ‫(األخـ ّ‬ ‫فــي كلتــا الحالتيــن‪ ،‬هنــاك ســام شــامل ودائــم فــي أفــق‬
‫التاريــخ‪ .‬فــي هــذه المرحلــة‪ ،‬يتقاطــع «كانــط» و«ليفيناس»‪،‬‬
‫تســتمرون فــي توضيــح قانــون غيــر مشــروط للضيافــة‬ ‫ّ‬ ‫كمــا يحــدث غالبـاً‪ ،‬مــن خــال الكيــازم‪.‬‬
‫ـم‬
‫الالمحــدودة‪ ،‬فــي كتابكــم عــن الضيافــة‪ .‬ولكــن‪ ،‬عندمــا يتـ ّ‬
‫تنفيــذ هــذه الضيافــة‪ ،‬أحيانـ ًا‪ ،‬فــي القوانيــن أو القانونيــة‪ ،‬أي‬ ‫أنتم تشتغلون على السياسي‪ ،‬وأنتم تفعلون ذلك بشكل‬
‫في القانون‪ ،‬ســنتموقع في نطاق محدود‪ ،‬في نظام الحقوق‬ ‫متكـ ّـرر لتعطيــل المفاهيــم التقليديــة‪ :‬أفكــر‪ ،‬قبــل كلّ شــيء‪،‬‬
‫والواجبــات التقليديــة‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬بيــن القوانيــن التــي تفــرض‬ ‫ٍ‬
‫مرض‪،‬‬ ‫فــي مفهــوم الكونيــة أو التســامح‪ ،‬الــذي تعتبرونه غير‬
‫قيــوداً‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬علــى الضيافة والقانون الالمحدود‪ ،‬يجب‬ ‫مهمـ ًا جـ ّـداً للتنوير‪ ،‬لكنه‪ ،‬اليوم‪ ،‬غير‬
‫والــذي كان‪ ،‬مــع ذلــك‪ّ ،‬‬
‫للتدخــل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أن نســعى إليجــاد شــيء يو ِّفــر اللعــب‪ ،‬ووســيلة‬ ‫ً‬
‫كاف؛ فــي مفهــوم اإلخــاء‪ ،‬الــذي تنتقــده‪ ،‬أيضـا‪ ،‬ألنــه يطمس‬ ‫ٍ‬
‫‪ -‬هــذه «اللعبــة» هــي مــكان المســؤولية‪ .‬علــى الرغــم مــن‬ ‫أود لــو تخبرنــا عــن هذه الطريقة‬
‫معينــة قادمــة‪ّ .‬‬
‫ديـــموقراطية َّ‬
‫حقيقــة أن المشــروطية الضيافــة يجــب أن تكــون النهائيــة‪،‬‬ ‫فــي إزعــاج المفاهيــم التقليدية بشــكل مفرط‪.‬‬
‫ــم‪ -‬غيــر متجانســة مــع الظــروف التشــريعية‪،‬‬ ‫و ‪-‬مــن َث َّ‬ ‫‪ -‬هــذه‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬ثــاث عقــد أساســية‪ .‬بالطبــع‪ ،‬أدعــو‬
‫والسياســية‪ ،‬ومــا إلى ذلك‪ ،‬وهذا التبايــن ال يعني المعارضة‪.‬‬ ‫إلــى مزيــد مــن الكونيــة‪ .‬الكونيــون مــن كلّ البلــدان ‪ ..‬جهــد‬
‫تتجســد هــذه الضيافــة غيــر المشــروطة‪ ،‬لكــي تصبــح‬ ‫ّ‬ ‫لكــي‬ ‫إضافــي‪ ..‬يلعــب مــع ســاد‪ ،‬وماركــس‪ ،‬وهــذا يعني أننا لســنا‪،‬‬
‫ـؤدي‪ ،‬مــن هنــا‪ ،‬إلــى ا ّتخــاذ‬
‫فعالــة‪ ،‬يجــب تحديدهــا‪ ،‬وهــي‪ ،‬تـ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫كونييــن بمــا يكفــي‪ ،‬وعلينــا أن نفتــح الحــدود؛ لكــن‬
‫ِّ‬ ‫بعــد‪،‬‬
‫تدابيــر عمليــة‪ ،‬لسلســلة مــن الشــروط والقوانيــن‪ ،‬التــي ال‬ ‫الكوزموبوليتانيــة‪ ،‬في الوقت نفســه‪ ،‬ليســت كافيــة‪ .‬الضيافة‬
‫تنســى فيهــا التشــريعات المشــروطة حتميــة الضيافــة التــي‬ ‫التــي كانــت تنظّ مهــا الدولــة‪ ،‬ببســاطة‪ ،‬من خــال العالقة مع‬
‫تحدثتــم عنهــا‪( .‬هنــاك التجانــس بــدون معارضــة‪ ،‬التجانــس‬ ‫َّ‬ ‫بعــض المواطنيــن‪ ،‬علــى هذا النحو‪ ،‬ال تبــدو كافية‪ .‬االختبار؛‬
‫ومــا ال يمكــن فصلــه)‪.‬‬ ‫التجربــة الرهيبــة لقرننا‪ ،‬كان (ومايــزال) تهجير ًا ألعداد كبيرة‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪70‬‬
‫اإلنســان‪ ،‬ولهــذا الســبب يوجــد تحديــد وإمكانــات ال نهايــة‬
‫ألن نــداء‬
‫لهــا‪ ،‬بــدون نهايــة للقانونــي‪ ،‬علــى وجــه التحديــد‪ّ ،‬‬
‫ـرة أخــرى‪ ،‬العــدل والقانــون غير‬ ‫العدالــة النهائــي‪( .‬هنــاك‪ ،‬مـ ّ‬
‫متجانسـ ْـين‪ ،‬وال ينفصــان‪،‬وكلّ منهمــا بحاجــة إلــى اآلخــر)‪.‬‬
‫َ‬
‫مــرات‪ .‬يقــال إن‬ ‫عــدة َّ‬
‫تطرقتــم إلــى مســألة اللغــة ّ‬ ‫لقــد َّ‬
‫الحـ ّـد األدنــى هــو مراعــاة االختــاف فــي اللُّغــات الموجــودة‬ ‫َ‬
‫عنــد األجانــب‪ ،‬حينمــا نريــد التحـ ُّـدث عــن الضيافــة‪ .‬عندمــا‬
‫نقــرأ لكــم‪ ،‬فــي البدايــة‪ ،‬بطريقــة بســيطة للغايــة‪ ،‬يبــدو أن‬
‫األمــر يتع َّلــق بمســألة اللّغــة المنطوقــة‪ ،‬فقــط‪ ،‬وأنــه يجــب‬
‫ترجمة هذه اللّغة‪ .‬في الواقع‪ ،‬يتعلَّق األمر‪ ،‬أيض ًا‪ ،‬بمســألة‬
‫التدخــل‪ ،‬مــع مراعــاة تــراث مختلــف‬
‫ُّ‬ ‫النمــاذج الثقافيــة وأنــواع‬
‫عن تراثنا‪ .‬إن اإلصغاء إلى اآلخر‪ ،‬والعودة إلى «ليفيناس»‪،‬‬
‫ريتهــا‬
‫آخ َّ‬
‫ريتهــا‪ ،‬يعنــي مراعــاة تراثهــا فــي َ‬
‫آخ َّ‬
‫فــي مجملهــا‪ ،‬فــي َ‬
‫ريــة اللغويــة‪.‬‬
‫اآلخ ّ‬
‫الكل ِّّيــة‪ ،‬بمــا فــي ذلــك َ‬
‫‪ -‬مشــكلة دراميــة‪ .‬إن الحفــاوة باآلخــر‪ ،‬فــي لغتــه‪ ،‬تعنــي‬
‫‪-‬بطبيعــة الحــال‪ -‬أخــذ لغتــه بعيــن االعتبــار‪ ،‬وليــس مطالبته‬
‫تجســده مــن األعــراف والمعايير‬ ‫ِّ‬ ‫بالتخ ّلــي عــن لغتــه‪ ،‬وكلّ ما‬
‫ـميه ثقافــة)‪ ،‬والعــادات‪ ،‬وغير ذلــك‪ ..‬اللّغة‬ ‫والثقافــة (مــا نسـ ِّ‬
‫جســد‪ ،‬ال يمكننــا أن نطلــب مــن اآلخــر التخ ّلــي عنهــا‪ ...‬إنهــا‬
‫تقليــد‪ ،‬ذكــرى‪ ،‬أســماء العلــم‪ .‬يبــدو مــن الصعــب‪ ،‬اليــوم‪،‬‬
‫ومــن الواضــح‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬مطالبــة دولــة قوميــة بالتخلّــي عــن‬
‫الـــمرحب بهــم بتعلّــم لغتهــا‪ ،‬وثقافتهــا بطريقــة‬ ‫َّ‬ ‫مطالبــة‬
‫معينــة‪.‬‬
‫َّ‬
‫إنــه النمــوذج االندماجــي الســائد‪ ،‬فــي فرنســا‪ ،‬اليــوم‪،‬‬ ‫نميز‪ ،‬باســتمرار‪ ،‬مشــكلة الضيافة‪،‬‬ ‫لهذا الســبب‪ ،‬يجب أن ّ‬
‫الجيــد الترحيــب‬ ‫ّ‬ ‫مــن جه َتــي اليســار واليميــن‪ .‬يقــال إنــه مــن‬ ‫بالمعنــى الدقيــق لمشــكلة الهجرة‪ ،‬والســيطرة علــى تدفّقات‬
‫باألجنبــي‪ ،‬ولكــن شــريطة االندمــاج‪ ،‬أي أن يعتــرف األجنبــي‬ ‫الهجــرة‪ :‬ليســت مســألة لهــا البعد ذاتــه‪ ،‬حتى لــو كان االثنان‬
‫بقيــم العلمانيــة‬ ‫أو المهاجــر أو المواطــن الفرنســي الجديــد َ‬ ‫ال ينفصــان‪ .‬يتم َّثــل االبتــكار السياســي‪ ،‬والقــرار السياســي‪،‬‬
‫والجمهوريــة‪ ،‬واللّغــة‪ ،‬والثقافــة الفرنســية‪ .‬يجــب إيجــاد‬ ‫ـوءا‪.‬‬
‫والمســؤولية فــي إيجــاد أفضــل التشــريعات أو أقلَّهــا سـ ً‬
‫ـرة أخرى‪ ،‬بيــن فائض النمــوذج االندماجي‬ ‫الصائــب‪ ،‬مـ ّ‬ ‫القــرار ّ‬ ‫مــرة‪ .‬مــن‬ ‫ّ‬ ‫هــذا هــو الحــدث الــذي يجــب ابتــكاره فــي كلّ‬
‫الــذي ســينتهي بــه األمــر‪ ،‬ببســاطة‪ ،‬إلــى محــو كلّ غيرية‪ ،‬من‬ ‫ومحدد‪ .‬على ســبيل‬ ‫ّ‬ ‫الضــروري أن نبتكــر فــي وضــع متماســك‬
‫خــال مطالبــة اآلخــر بالنســيان‪ ،‬فمــا إن يصــل حتــى ينســى‬ ‫ـم‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـريع‬ ‫ـ‬ ‫تش‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬ ‫المثــال‪ ،‬فــي فرنســا‪ ،‬اليــوم‪ ،‬هنــاك أفض‬
‫كلّ ذاكرتــه‪ ،‬وكلّ لغتــه‪ ،‬وكلّ مــا فيهــا‪ .‬الثقافــة‪ ،‬والنمــوذج‬ ‫احتــرام الضيافــة علــى أفضــل وجــه‪ .‬هــذا هــو المــكان الــذي‬
‫المعاكــس يتم َّثــان فــي االستســام الــذي يتط َّلــب أن يتع َّلــم‬ ‫يــدور فيــه النقــاش السياســي‪ ،‬والبرلمانــي بيــن جميــع القوى‬
‫الوافــد لغتنــا‪.‬‬ ‫أوليــة؛‬ ‫أي قاعــدة َّ‬ ‫االجتماعيــة‪ .‬ال توجــد معاييــر مســبقة‪ ،‬وال ّ‬
‫وهكــذا‪ ،‬ســواء فــي المجــال السياســي أو فــي مجــال‬ ‫الخاصة بك‪ .‬هــذا هو المكان‬ ‫ّ‬ ‫هنــاك‪ ،‬عليــك أن تبتكــر القواعــد‬
‫الترجمــة الشــعرية أو الفلســفية‪ ،‬إن الحــدث المــراد ابتــكاره‬ ‫الــذي تتصــادم فيــه جميــع القــوى االجتماعيــة‪ ،‬والسياســية‪،‬‬
‫هــو حــدث للترجمــة‪ .‬ال توجــد ترجمــة فــي تجانــس ال لبــس‬ ‫لتحديــد مــا يعتبــره الجميــع أفضــل معيــار‪.‬‬
‫فيــه‪ ،‬ولكــن اجتمــاع اللُّغــات الم َّتفــق عليهــا والمقبولــة‪ ،‬دون‬
‫ـد اختيــار ًا صعب ـ ًا‬
‫تفردهــا‪ ،‬يعـ ّ‬ ‫العدل ال ينفصل عن القانون؟‬
‫إعطــاء أكبــر قــدر ممكــن مــن ُّ‬
‫فــي جميــع األوقــات‪.‬‬ ‫‪ -‬وهــذا مــا حاولــت أن أبي ّنــه فــي الواقــع؛ أي أن العدالــة‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫كانــت غير حاســمة أمــام القانــون‪ ،‬وأن هناك تجــاوز ًا للعدالة‬
‫هامش‪:‬‬
‫حــوار ُم َتلفَ ــز مــع جــاك دريــدا علــى «فرانــس كولتــور»‪ .‬إنتــاج أنطــوان ســبير‪ )19( ،‬ديســمبر‬ ‫فيمــا يتع َّلــق بالقانــون‪ ،‬لكــن هــذا يتط َّلــب أن تكــون العدالــة‬
‫(‪)1997‬‬ ‫تتجســد في القانون والتشــريع‪ .‬بطبيعة‬ ‫ّ‬ ‫وفعالة‪ ،‬أن‬
‫ملموســة ّ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪Jacques Derrida, Sur Parole: instantanés philosophiques, éditions de‬‬
‫ألي قانــون أن يكــون مناســب ًا للعدالــة‪ ،‬و‬‫الحــال‪ ،‬ال يمكــن ّ‬
‫‪l’aube, 1999.‬‬ ‫ـور حقوق‬ ‫ـم‪ -‬يوجــد تاريــخ للقانون؛ ولهذا الســبب تتطـ ّ‬ ‫‪-‬مــن ثـ ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪71‬‬
‫مف ّكر الحدث‬
‫ـايب يتاخــم ثـــانني مـــجلَّداً‪ّ .‬‬
‫إن العمــل الــذي طـ ّـوره «جــاك دريــدا» منــذ مــا يقــارب أربعــة عقــود‪ُ ،‬يعـ َـرف‬ ‫ثــراء كتـ ّ‬
‫املكونــات األساســية لحداثتنــا الفلســفية‪« .‬التفكيــك»‪ ،‬وفقـ ًا‬‫ِّ‬ ‫بــه‪ ،‬اليــوم‪ ،‬يف جميــع أنحــاء العــامل؛ باعتبــاره أحــد‬
‫لالســم ذاتــه الــذي أطلقــه املف ِّكــر عــى عملــه‪ ،‬يتجــاوز اإلطــار الصــارم للدراســة األكادمييــة‪ :‬حــن تتع َّلــق كتبــه‬
‫ـر‪ :‬كــن منفتحـ ًا عــى مــا ســيأيت‪ ،‬لـــا ســيأيت‪،‬‬‫ـص القانــون الــدويل‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فهــذه كلمــة الـ ّ‬ ‫ـص أفالطــون‪ ،‬ونـ ّ‬
‫بنـ ّ‬
‫عــى اآلخــر‪.‬‬

‫لتنظيــم الحــركات السياســية‪ ،‬ولتغايريــة فــي حــراك قــوى‬ ‫ـف‪ ،‬لقيــت كتبكــم اســتقبا ً‬
‫ال فــي المجــال‬ ‫منــذ عقــد ونيـ ِّ‬
‫ســتقرر مســتقبل‬
‫ّ‬ ‫العولمــة البديلــة‪ ،‬التــي أعتقــد أنهــا‬ ‫السياســي‪ .‬مثــل الكتــب التــي تُف َتــح‪ ،‬أحيانـ ًا‪ ،‬علــى سياســة‬
‫«العالــم»‪.‬‬ ‫الصداقــة‪ ،‬وأحيان ـ ًا حــول سياســة الذاكــرة‪ ،‬أو حتــى علــى‬
‫سياســة الضيافــة‪ .‬كيــف تفهمــون مصطلــح السياســة؟‬
‫عنــد القــراءة‪ ،‬يبــدو أن شــبح ًا آخــر يطــارد نصوصكــم‪،‬‬
‫تطورونهــا مــن اإلتيقــا‪ ،‬مثــل‪:‬‬ ‫وبعــض المفاهيــم التــي‬ ‫‪ -‬دريــدا‪ :‬ســأجيب‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬بشــكل تخطيطــي‬
‫ُّ‬ ‫عــد‬
‫والصفــح‪ ،‬والضيافــة‪.‬‬ ‫العدالــة‪،‬‬ ‫وتيليغرافــي‪ :‬إذا كانــت نصوصــي‪ ،‬لفتــرة طويلــة‪ُ ،‬ت ّ‬
‫ّ‬ ‫تحيزاتي اليســارية معروفة)؛‬ ‫محايدة سياســي ًا (بينما كانت ُّ‬
‫‪ -‬بطريقــة مــا‪ ،‬كانــت األســئلة اإلتيقيــة موجــودة دائمـاً‪.‬‬ ‫ـرف‬ ‫فذلــك ألننــي كنــت‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬منتبهـ ًا للسياســة‪ ،‬ولــم أتعـ َّ‬
‫لكــن‪ ،‬إذا ك ّنــا نعنــي باإلتيقــا نظامـ ًا مــن القواعــد والمعايير‬ ‫إلــى نفســي‪ ،‬ولــم أدرك ما أريد أن أفكّ ر فيــه‪ ،‬وهي القوانين‬
‫يهمنــي‪ ،‬فــي‬ ‫األخالقيــة‪ ،‬فعندئــذ ال أقتــرح إتيقــا؛ فمــا ُّ‬ ‫يفســر لماذا لم أقم‪ ،‬مطلقاً‪،‬‬ ‫السياســية المهيمنة؛ وهو ما ِّ‬
‫الواقــع‪ ،‬هــو أپوريــات(‪ )1‬اإلتيقــا‪ ،‬وحدودهــا‪ ،‬ال سـ َّـيما حــول‬ ‫ضد «ماركــس»‪ ،‬كما لم‬ ‫لفتــرة طويلــة‪ ،‬بقــول كلمة واحــدة ّ‬
‫ـر‪ ،‬والشــهادة‪ ،‬والضيافــة‪،‬‬ ‫مســائل الهبــة‪ ،‬والصفــح‪ ،‬والسـ ّ‬ ‫ـد ًا لمــا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـ‬ ‫منتبه‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫بقي‬ ‫أقــل كلمــة واحــدة لصالحــه‪ ،‬بينمــا‬
‫ـي ‪ -‬الحيــوان أم غيــر ذلــك‪ .‬كلّ هــذا يعنــي فكــرة‬ ‫عــن الحـ ّ‬ ‫كان يحــدث فــي هذا الجانب‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬كنت منفتح ًا على‬
‫يتحمــل القــرار المســؤول ال أن‬ ‫ّ‬ ‫ا ّتخــاذ القــرار‪ :‬يجــب أن‬ ‫إتاحــة خطــاب سياســي يأخــذ فــي االعتبــار عمــل التفكيــك‬
‫ـر‪ ،‬أو يتجــاوز تجربــة غيــر قابلــة للتقريــر‪ ،‬فحســب‪ .‬إذا‬ ‫يمـ ّ‬ ‫الــذي شــرعت فيــه‪ .‬انتظــرت أن أكــون قــادر ًا علــى التعبيــر‬
‫أطبــق‬
‫ـي فعلــه‪ ،‬فأنــا ال أ َّتخــذ قــراراً‪ ،‬أو ِّ‬ ‫كنــت أعــرف مــا علـ ّ‬ ‫ـدد للسياســة‪.‬‬ ‫عــن عملــي فــي التفكيــك‪ ،‬بمفهــوم متجـ ّ‬
‫المعرفــة‪ ،‬أو أنشــر برنامجـاً‪ .‬لكــي يكــون هنــاك قــرار‪ ،‬يجب‬ ‫ـمى‬ ‫ـي‪ ،‬بــدا هــذا ممكنـ ًا عندمــا انهــارت ما تسـ ّ‬ ‫بالنســبة إلـ َّ‬
‫ّأل أعــرف مــاذا أفعــل‪.‬‬ ‫األنظمــة الشــيوعية‪ ،‬وعندمــا تأكَّ ــد مــوت «ماركــس» فــي‬
‫هــذا ال يعنــي أن نتخ ّلــى عــن المعرفــة‪ :‬يجــب أن نع ّلــم‬ ‫ـار ًا سياســياً‪،‬‬ ‫كلّ مــكان‪ .‬اعتقــدت أنــه كان غيــر عــادل‪ ،‬وضـ ّ‬
‫أنفســنا‪ ،‬ونعرفهــا قــدر اإلمــكان‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬إن لحظــة‬ ‫ومتعــدد‬
‫ِّ‬ ‫وخطيــراً‪ .‬أطيــاف «ماركــس» هــو كتــاب معقَّــد‬
‫ــح التعبيــر‪ -‬مســتقلّة‬ ‫القــرار‪ ،‬واللحظــة اإليتيقيــة ‪-‬إن َص ّ‬ ‫متعمــد‪ ،‬ليــس «ألجــل»‬ ‫َّ‬ ‫الطبقــات‪ ،‬ومتناقــض بشــكل‬
‫عــن المعرفــة‪ُ .‬يطــرح الســؤال األخالقــي فــي لحظــة «ال‬ ‫الخاصة‪ ،‬أيضاً‪ ،‬لـ«ماركس»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫«ماركــس» فقط‪ ،‬بل بطريقته‬
‫أعــرف مــا هــي القاعــدة الصحيحــة»‪ .‬مــا يقلقنــي‪ ،‬إذاً‪ ،‬هــو‬ ‫منــذ ذلــك الحيــن‪ ،‬ســعيت‪ ،‬فــي جميــع أنــواع الكتــب‬
‫(إيتيقيـاً) لإلتيقــا‪ ،‬هــذه‬
‫ّ‬ ‫ـادة‬
‫هــذه اللحظــة األخالقيــة المضـ ّ‬ ‫والخطَ ــب والتعاليــم‪ ،‬للتفكيــر فــي مــا يمكن أن تكــون عليه‬
‫اللحظــة التــي ال أعــرف فيهــا مــاذا أفعــل‪ ،‬عندمــا ال تكــون‬ ‫أمميــة جديــدة‪ ،‬مــع مراعــاة العولمــة والمشــاكل الجديدة‬
‫حيــز مــن العمل‬ ‫ـدي معاييــر متاحــة‪ ،‬لكنــي أشــارك ألخــذ ّ‬ ‫لـ ّ‬ ‫للســيادة‪ ،‬وكلّ ذلــك فــي السياســي‪ ،‬فــي عمليــة االنفصال‬
‫وتحملهــا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والحركــة لعمــل مســؤولياتي‪،‬‬ ‫عــن قلــب السياســة‪ :‬الدولــة القوميــة اإلقليميــة المرتبطة‪،‬‬
‫عاجــاً‪ ،‬ودون انتظــار‪ .‬مــا أفعلــه هــو ال إيتيقــي بقــدر‬ ‫بطريقــة أساســية‪ ،‬بالجــذور القوميــة‪ .‬إنهــا مســألة إعــادة‬
‫مــا هــو إيتيقــي‪ .‬أشــكّ ك فــي االســتحالة كاحتمــال لإلتيقــا‪:‬‬ ‫ـي نفســه‪ ،‬وفــي‬ ‫التفكيــر‪ ،‬ال فــي السياســة‪ ،‬بــل فــي السياسـ ّ‬
‫الضيافــة غيــر المشــروطة مســتحيلة‪ ،‬فــي مجــال القانــون‬ ‫القانــون الدولــي‪ ،‬وتــوازن القــوى‪ ،‬لتحليــل وفهــم الهيمنــة‬
‫الضيــق‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫أو السياســة‪ ،‬وحتــى اإلتيقــا بالمعنــى‬ ‫األميركيــة‪ ،‬والوهــن النقدي والمتناقــض للواليات الم َّتحدة‬
‫الصفــح‬ ‫المســتحيل هــو مــا يجــب القيــام بــه؛ إذا كان ّ‬ ‫األميركيــة أيض ـاً‪ ،‬واألماكــن الجديــدة‪ ،‬والطــرق الجديــدة‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪72‬‬
‫هــذه الطفــرات الحتميــة‪.‬‬ ‫عمــا يتعــذّ ر علــى الصفــح‪ ،‬أي‬
‫ممكن ـاً‪ ،‬فعليــه أن يصفــح ّ‬
‫فعــل المســتحيل‪ .‬إن القيــام بالمســتحيل ال يمكن أن يكون‬
‫ـب بكم كثيراً‪ .‬هل هناك‬
‫رحـ َ‬
‫المتحــدة هــي مرفــأ ّ‬
‫َّ‬ ‫الواليــات‬ ‫إتيقــا‪ ،‬ومــع ذلــك هــو شــرط مــن شــروطها‪ .‬أحــاول التفكير‬
‫محددة لهذا؟‬
‫ّ‬ ‫أسباب‬ ‫بإمكانيــة المســتحيل‪.‬‬
‫‪ -‬لقــد ســافرت كثيــراً‪ ،‬إلــى بلــدان كثيــرة‪ ،‬ال إلــى‬
‫تقولــون «إمكانيــة المســتحيل»؛ هــذه‪ ،‬أيض ـ ًا‪ ،‬الطريقــة‬
‫ـرر من هــذه الصورة‬ ‫أود التحـ ّ‬ ‫الواليــات الم َّتحــدة‪ ،‬فحســب‪ّ .‬‬ ‫التــي تُعـ ّـرف بهــا التفكيــك‪ .‬اآلن‪ ،‬ال يســع المرء ّ‬
‫إل أن يفكّ ر‪،‬‬
‫«األميركيــة»‪ ،‬فهــي ال تتوافــق مــع الواقــع‪ ،‬بــل مــع رغبــات‬
‫نتحــدث‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬عــن‬ ‫أو مصالــح القلّــة‪ ،‬فقــط‪ .‬يجــب أن‬ ‫عنــد قــراءة هــذا‪ ،‬فــي الهجمــات اإلرهابيــة علــى الواليــات‬
‫َّ‬
‫ـارات‪ ،‬وجميــع دول أوروبــا‪ .‬الســنة األولــى التــي‬ ‫سيتم نشره‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الم َّتحدة في سبتمبر‪/‬أيلول (‪ .)2001‬في كتاب‬
‫جميــع القـ ّ‬
‫قضيتهــا فــي الواليات الم َّتحدة (‪ )1956 - 1955‬كانت طارئة‪:‬‬ ‫مفهــوم (‪ )11‬ســبتمبر‪ ،‬تكتــب أن مــا حــدث يهــدد الجميــع‬
‫تحصلــت فيهــا علــى منحــة بفضــل مديــر المدرســة العليــا‬ ‫مــرة واحــدة « نظــام التأويــل‪ ،‬والبديهيــات‪ ،‬والمنطــق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫َّ‬
‫للذهــاب إلــى هارفــارد‪ ،‬ثــم عــدت إلــى الواليــات الم َّتحــدة‬ ‫والبالغــة‪ ،‬والمفاهيــم والتقييمــات التــي مــن المفتــرض أن‬
‫بعــد عشــر ســنوات‪ ،‬بدعــوة مــن «رينيــه جيــرار» لحضــور‬ ‫تجعل من الممكن فهم وشــرح شــيء مثل (‪ ،)9/11‬بد ّقة‪.‬‬
‫نــدوة‪ .‬المحاضــرة التــي ألقيتهــا‪ ،‬آنــذاك‪ ،‬كانــت حــول نقــد‬ ‫نريــد أن نعــود إليكــم‪ ،‬هــذا فيمــا يتع َّلــق بأحــد األســئلة التي‬
‫البنيويــة‪ ،‬وكان لهــا وقــع القنبلــة‪ .‬لقــد المســنا هنــاك‪ ،‬عــن‬ ‫ـتمر في‬
‫تطرحونها‪« :‬هل نكســر طبلة أذن الفيلســوف‪ ،‬ويسـ ّ‬
‫ـميه األميركيــون‪،‬‬ ‫أول إشــارة لمــا يسـ ِّ‬ ‫خطــأ أو عــن صــواب‪َّ ،‬‬ ‫سماعنا؟»‬
‫ـر ًة‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫إليه‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫عي‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫ـة)‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫البنيوي‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫بع‬ ‫منــذ ذلــك الحيــن (مــا‬ ‫ربما‪،‬أرغــب فــي تفجير طبالت آذان الفالســفة‪ ،‬دون أن‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ـرات متتالية‪ ،‬لثالث ســنوات‪ .‬وأخيراً‪ ،‬طلبت‬ ‫أخــرى‪ ،‬ثــاث مـ ّ‬ ‫يهمنــي يجب أن ُيســمع‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـك‪.‬‬‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫كلّ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـفة‬ ‫ـ‬ ‫الفلس‬ ‫ـر‬‫تنفجـ‬
‫ّ‬
‫منــي «جامعــة ييــل»‪ ،‬ثــم «جامعــة إرفيــن» فــي كاليفورنيــا‬ ‫مــن مــكان فلســفي‪ ،‬لكــن دعنــا نتــرك ذلــك‪ .‬للرجــوع إلــى‬
‫ـدة أســابيع قليلــة‪،‬‬ ‫ونيويــورك‪ ،‬إلقــاء حلقــات دراســية لمـ ّ‬ ‫الســؤال الملمــوس الذي تطرحه‪ ،‬أعتقــد أن المفاهيم التي‬
‫ـمرة واحــدة فــي الســنة‪ .‬لــم أُ ِقــم‪ ،‬أبــداً‪ ،‬لفتــرات طويلــة‬ ‫ولــ ّ‬ ‫ـم التالعــب بهــا‪ ،‬والتــي كانــت مفيــدة فــي تأويــل (‪،)9/11‬‬ ‫َتـ َّ‬
‫فــي الواليــات الم َّتحــدة‪ .‬بعــد قولــي هــذا‪ ،‬كان اســتقبال‬ ‫هــي‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬مفاهيــم تخضــع‪ ،‬اآلن‪ ،‬إلى تفكيــك جذري‪،‬‬
‫ســخاء‪،‬‬
‫ً‬ ‫عملــي فــي الواليــات الم َّتحــدة‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬أكثــر‬ ‫التقدم‪،‬‬ ‫وهــو ليــس تفكيــك ًا نظري ًا أو تفكيــك ًا عملياً‪ .‬إنه قيــد‬
‫ّ‬
‫أي مــكان آخــر‪ ،‬فقــد‬ ‫وأكثــر انتباه ـاً‪ ،‬كمــا هــو الحــال فــي ّ‬ ‫كمــا أقــول فــي كثيــر مــن األحيــان «مــا يحدث‪/‬مــا يأتــي»‪:‬‬
‫حــدةً‪،‬‬‫ّ‬ ‫أخــف‬
‫ّ‬ ‫واجهــت رقابــة أقــلّ ‪ ،‬وحواجــز وصراعــات‬ ‫ذريعــة الحرب على اإلرهــاب ال تصمد‪ ،‬ألن مفاهيم الحرب‬
‫مقارنــةً بفرنســا‪.‬‬ ‫العام‬ ‫واإلرهــاب لــم تعد قائمة‪ .‬وقد أشــار إلى ذلــك األمين‬
‫ّ‬
‫حتــى لــو كان التفكيــك موضــوع معــارك ضاريــة فــي‬ ‫لألمــم الم َّتحــدة «كوفي عنــان» خالل جلســة واحدة‪ :‬ليس‬
‫الواليــات الم َّتحــدة‪ ،‬لكــن النقــاش كان أكثــر انفتاح ـ ًا مــن‬ ‫لدينــا تعريــف صــارم لإلرهــاب الدولــي‪ .‬وينطــوي مفهــوم‬
‫نظيــره فــي فرنســا‪ ،‬وهــو مــا تــرك لــي مســاحة أكبــر‪ .‬أخيراً‪،‬‬ ‫الحــرب‪ ،‬فــي القانــون األوروبــي القديــم‪ ،‬علــى صــورة‬
‫بفضــل أو بســبب تاريــخ الجامعــة األميركيــة‪ ،‬غالبـ ًا مــا ك ّنــا‬ ‫الدولــة لألعــداء‪ ،‬وإعــان الحــرب مــن لــدن دولــة علــى‬
‫أي حــال‪،‬‬ ‫ـداً‪ ،‬علــى ّ‬ ‫جيــد‪ ،‬وســريع جـ ّ‬ ‫نعمــل هنــاك‪ ،‬بشــكل ّ‬ ‫أخــرى‪ .‬وليــس هــذا مــا هــو الحــال عليــه‪ .‬ال حــرب دوليــة‪،‬‬
‫ـي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـبة‬‫ـ‬ ‫بالنس‬ ‫ـةً‬ ‫ـ‬ ‫ألف‬ ‫ضمــن الدوائــر األكثــر‬ ‫وال حــرب أهليــة‪ .‬حتــى مفهــوم «حــرب العصابــات» الــذي‬
‫األهم ّيــة‪« .‬اإلرهابيون»‬
‫ّ‬ ‫اقترحــه «كارل شــميت» يفتقــر إلــى‬
‫ــز وجودكــم‪ ،‬هــو الجزائــر‪ .‬لقــد ولدتــم‪،‬‬
‫مي َ‬
‫بلــد آخــر‪ّ ،‬‬ ‫(مــن نــوع القاعــدة) ال يم ّثلــون دولــة (فعليــة أو افتراضية)‪،‬‬
‫وترعرعتــم هنــاك‪ .‬منــذ مغادرتكــم مدينــة الجزائــر عــام‬
‫وال إرادة لتأســيس دولــة أو اســتعادتها‪ .‬فــي أحــداث يــوم‬
‫(‪ ،)1949‬مـ ّـرت هــذه البــاد بأزمــات اجتماعيــة‪ ،‬وسياســية‬
‫(‪ )11‬ســبتمبر‪/‬أيلول‪ ،‬ال يوجــد شــيء مــن هــذا القبيــل‪ .‬كلّ‬
‫متعــددة‪ .‬مــا عالقتكــم‪ ،‬اليــوم‪ ،‬بهــذه األرض األولــى؟‬
‫ِّ‬ ‫األجهــزة المفاهيميــة التــي نســتخدمها لــم تعــد تعمــل‬
‫أول للحكايــة‪ ،‬وبدقّــة‪ :‬لــم أفــارق ضاحيتــي‬
‫‪ -‬توضيــح َّ‬ ‫كالعادة‪.‬‬
‫«األبيــار» فــي الجزائــر العاصمــة‪ ،‬إلــى أن بلغــت التاســعة‬ ‫ال حــرب وال إرهــاب كمــا قلنــا‪ ،‬لكــن المعارضــات‬
‫عشرة من عمري‪ .‬لم أكن أعرف «العاصمة‪/‬الـــميتروبول»‪،‬‬ ‫المفاهيمية مثل الوطني ‪ /‬الدولي‪ ،‬والمدني‪ /‬العسكري‪ ،‬ال‬
‫علــى اإلطــاق‪ .‬الحكايــة األخــرى‪ :‬فــي أعقاب عــام (‪،)1996‬‬ ‫لدي‬‫تعمل أيضاً‪ .‬كلّ هذا يحتاج إلى إعادة تشــكيل‪ .‬وليس َّ‬
‫خصــص برلمــان الكُ تــاب إحــدى جلســاته للجزائــر‪ ،‬وهــو‬ ‫ّ‬ ‫ظنــون فــي أنهــا ســتكون طويلــة وتدريجيــة‪ ،‬مــع تفاوتــات‬
‫البرلمان الذي شــاركت في تأسيســه‪ ،‬وشــغلت فيه منصب‬ ‫واســعة فــي التنميــة‪ ،‬كمــا اعتدنــا أن نقــول فــي البالغــة‬
‫نائب الرئيس في ستراســبورغ‪ .‬قبل ســاعة من المناظرات‪،‬‬ ‫الماركســية‪ .‬نهايــة الدولــة‪ ،‬وزوال الرغبــات فــي الســيادة‬
‫المتحدثــون مجتمعيــن فــي غرفــة المعيشــة‪ ،‬وإلــى‬
‫ّ‬ ‫كان‬ ‫التنبــؤ‬
‫ُّ‬ ‫ليــس ليــوم غـ ٍ‬
‫ـد‪ ،‬بــل يؤ ِّثــر فــي عالمنــا‪ .‬مــا ال يمكــن‬
‫ـابة جزائريــة‪ ،‬تســألني‪« :‬هل عشــت فــي الجزائر‪،‬‬‫جانبــي شـ ّ‬ ‫بــه‪ ،‬كمــا هــو الحــال دائمـاً‪ ،‬هو الزمــن‪ ،‬أو ‪-‬باألحــرى‪ -‬إيقاع‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪73‬‬
‫«ألتوســير»‪ ،‬أي ليــس‪ ،‬فقــط‪ ،‬مــع «ألتوســير»‪ ،‬بــل‪ ،‬أيض ـ ًا‬ ‫شـ�ارع أوريـ�ل دو باالديـ�ن؟ ?(?�‪rue d’Aurelles-de-Pal‬‬
‫مــع الذيــن كانــوا قادريــن علــى اإلحاطة بــه في أثنــاء قيامنا‬ ‫ـدم‬‫‪ - »)ladine‬نعــم‪«- .‬فــي ‪13‬؟» ‪ -‬نعــم‪« -.‬أنــا أيضـاً»‪ .‬تقـ ّ‬
‫بالتدريــس فــي مدرســة الـــمعلِّمين العليــا‪ .‬فــي اللحظــة‬ ‫الجزائري ْيــن اللذين ترك‬
‫َّ‬ ‫ـابة نفســها ألكتشــف أنهــا ابنــة‬
‫الشـ ّ‬
‫ـم فعلــه بعــد ذلــك‬ ‫األلتوســيرية‪ ،‬فــي حقبــة مــا‪ ،‬فــي مــا َتـ َّ‬ ‫ـرا لمغــادرة الجزائر‪ .‬منذ‬ ‫لهمــا والــدي شـقَّته‪ ،‬عندمــا اضطـ ّ‬
‫معــه‪ ،‬مــن حولــه‪ :‬قــراءة «رأس المــال» ألجــل «ماركــس»‪،‬‬ ‫ـرت هــي‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬إلــى مغــادرة الجزائــر‪،‬‬ ‫ذلــك الحيــن‪ ،‬اضطـ ّ‬
‫أرض عنهــا‪ ،‬لكــن دون أن أكــون معاديــ ًا لهــا‪.‬‬ ‫أعمــال لــم َ‬ ‫ـابة‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫َّف‬
‫ق‬ ‫ومث‬ ‫ـرأة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ام‬ ‫ـزدوج‪:‬‬ ‫بســبب وضعهــا المـ‬
‫الشــيء نفســه بالنســبة إلــى «دلــوز»‪ .‬شــعرت بأننــي قريب‬ ‫الجزائريــة نشــأت فــي المنــزل الــذي ترعرعــت فيــه‪ ،‬وقــد‬
‫ـد ًا مــن أطروحاتــه‪ ،‬لكننــي لــم أكــن ألكتبهــا مثلــه أبــداً‪:‬‬ ‫جـ ّ‬ ‫حضــرت هــذه الجلســة لبرلمــان الكتــاب‪ ،‬لتشــهد علــى‬
‫تقدمنــا‪ ،‬وكتبنــا بطريقــة مختلفــة‪ ،‬كمــا تأ َّثــرت كثيــراً‬ ‫لقــد َّ‬ ‫الدرامــا الجزائريــة‪ ،‬وعلــى اغتيــال المثقَّفيــن‪ ،‬وعلــى‬
‫بعملــه عــن نيتشــه‪ ،‬على ســبيل المثــال‪ ،‬لكنني لم أســتطع‬ ‫التعصــب الــذي عصــف بالبلــد‪ .‬أعيــش‪ ،‬اليــوم‪ ،‬فــي هــذا‬ ‫ُّ‬
‫ـاداً‪ ،‬كمــا أننــي أختلــف مــع مــا قالــه‬ ‫متابعــة «أوديــب» مضـ ّ‬ ‫التناقــض المؤلــم‪ :‬المحاكمــة الجزائريــة ‪ -‬مــع المعانــاة‬
‫عــن «آرتــو»‪ ،‬رغــم أننــي أشــاركه اهتمامــه بــه‪ .‬عــاو ًة علــى‬ ‫(أســمي هــذا «حنينــي‬ ‫ّ‬ ‫والنوســتالجيا التــي تنطــوي عليــه‬
‫ود ّية‬
‫ذلــك‪ ،‬أخبرتــه بــأن عالقاتنــا الشــخصية كانت‪ ،‬دائمـاً‪ِّ ،‬‬ ‫الجزائــري ‪ ،)»ma nostalgérie -‬أعيــش فــي فرنســا‪،‬‬
‫ـجل النــوع‬ ‫للغايــة‪ ،‬كمــا هــو الحــال مــع ليوتــار؛ حيــث ُيسـ ّ‬ ‫وهــي أيض ـ ًا بلــدي‪ ،‬وأراقــب‪ ،‬مــن هنــاك‪ ،‬التاريــخ المؤلــم‬
‫جداً‪ ،‬وســيتطلب األمر‬ ‫نفســه مــن التقــارب‪ .‬كلّ هــذا معقَّد ّ‬ ‫لـ«الجزائر المســتقلّة»‪.‬‬
‫ـدة أعــداد مــن اإلنســانية لشــرحها‪.‬‬‫عـ ّ‬
‫في أثناء دروسكم اإلعدادية في باريس‪« ،‬لوي لوجران‬
‫اشــتهر أحــد أقوالكــم المأثــورة‪« :‬ال يوجــد شــيء خــارج‬ ‫األول على «سارتر»‬ ‫انصب إعجابكم َّ‬‫ّ‬ ‫‪،»Louis-le-Grand -‬‬
‫نصـ ًا‪ ،‬فــكلّ شــيء يتأ َّثــر بطريقــة‬
‫ـص»‪ .‬إذا كان كلّ شــيء ّ‬ ‫النـ ّ‬ ‫و«برغســون»‪ .‬مــع ذلــك‪ ،‬أخذتكــم حياتكــم المهنيــة بعيــداً‬
‫التنــوع فــي أنســاق فهــم‬
‫ّ‬ ‫التفكيــك‪ .‬أال يتعــارض هــذا مــع‬ ‫عن هذين الفيلســو َف ْين‪ .‬كيف تنظرون إليهما‪ ،‬اليوم؟‬
‫العالــم التــي يبرزهــا تطـ ُّـور العلــم؟‬ ‫إلي‪ ،‬مذهالً‪ ،‬وكما‬ ‫‪ -‬صحيح أن «برغسون» كان‪ ،‬بالنسبة َّ‬
‫‪ -‬منــذ مــا يقــرب أربعة عقــود‪ ،‬بدأت بالتفكيــر في الكتابة‬ ‫هــو الحــال بالنســبة إلــى جميــع أبنــاء جيلي‪ ،‬كان «ســارتر»‬
‫يهمنــي‪ ،‬فــي البدايــة‪ ،‬هــو الكتابــة‬ ‫النــص‪ .‬مــا كان ّ‬
‫ّ‬ ‫وفــي‬ ‫شــخصية عظيمــة‪ ،‬وفيلســوفاً‪ ،‬وكاتبـ ًا ملتزمـاً‪ .‬كيــف أنظــر‬
‫األدبيــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن أننــي أصبحــت «فيلســوفاً» مــن‬ ‫لدي‬
‫إلى هذه اإلعجابات الـماضوية؟ أنا ال أنكرهما‪ .‬إذا كان ّ‬
‫جهــة المهنــة‪ .‬تســاءلت‪ :‬مــا هــي الكتابــة؟ مــاذا يحــدث‬ ‫ـر ًة أخرى‪،‬‬
‫أود أن أقــرأ هذيــن المفكّ رين مـ ّ‬
‫والحر ّيــة‪ّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫الوقــت‬
‫علي توســيع مفهوم‬ ‫وألقــي دروسـ ًا عنهما‪ .‬لكني‪ ،‬وأنا أشــيد بهمــا‪ ،‬أحاول‪ ،‬حتى‬
‫عندمــا نكتــب؟ لإلجابــة عن ذلــك‪ ،‬كان َّ‬
‫التوســع‪ .‬ال تعنــي عبــارة «ال‬ ‫ـص‪ ،‬ومحاولــة تبريــر هــذا‬ ‫النـ ّ‬ ‫فــي تحليالتــي التفكيكيــة‪ ،‬أن أشــير إلى شــغفي بالنصوص‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ـص» أن كلّ شــيء عبــارة عــن ورق‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـارج‬
‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـيء‬‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـد‬‫يوجـ‬ ‫لــم أكــن ألفعــل ذلــك دون إعــادة ترســيخها فــي أصالتهــا‪،‬‬
‫ّ‬
‫ــــهيـــــكـــــل شــبكة‬ ‫ومشــبع بالكتابــة‪ ،‬بــل أن كلّ تجربــة ُت‬ ‫الخاصــة بالتقاليــد الفلســفية‪،‬‬‫ّ‬ ‫وضمــن حدودهــا‪ ،‬تلــك‬
‫ْ‬
‫مــن اآلثــار التــي تشــير إلــى شــيء آخر غيــر نفســها؛ بمعنى‬ ‫والمؤسســية الفرنســية‪ .‬مع «برغســون» و«ســارتر»‪ ،‬هناك‬ ‫ّ‬
‫ـون دون الرجوع إلى زمن آخر‪،‬‬ ‫طــرق عمــل وتفكيــر وكتابــة لــم نجدهــا فــي األلمانيــة أو في‬
‫آخــر‪ ،‬ال يوجــد حاضر ال يتكـ َّ‬
‫أو حاضــر آخــر‪ .‬األثر‪-‬الحاضــر هــو أثــر مضاعــف َيقتفــي‪،‬‬ ‫اإلنجليزيــة‪ ،‬وهــي غريبــة‪ ،‬تمامـاً‪ ،‬عــن الغريب‪.‬‬
‫وســعت مفهــوم األثــر ليشــمل الصــوت‬ ‫ويقتفــى‪ .‬لقــد ّ‬‫ُ‬ ‫ثــم كان هنــاك‪ ،‬مــن بيــن أصدقائكــم‪ ،‬فالســفة وك ّتــاب‬
‫نفســه‪ ،‬مــع فكــرة إعــادة النظــر فيــه داخــل الفلســفة‪ ،‬منذ‬
‫العصــور اليونانيــة القديـــمة‪ ،‬كمــا أولــي اهتمامـ ًا بالكتابــة‬ ‫األهميــة‪ :‬ألتوســير‪ ،‬وليفينــاس‪ ،‬وبالنشــو‪،‬‬
‫ّ‬ ‫علــى قــدر مــن‬
‫الصوت‬ ‫وكذلــك جيــل دلــوز‪ ،‬وجــان فرانســوا ليوتــار‪ .‬لكــن الصداقــة‬
‫علــى حســاب الــكالم (مركزية اللوغــوس)‪ ،‬وحضور ّ‬
‫ـي (مركزيــة الصــوت)‪ .‬بعــد قولــي هــذا‪ ،‬وعلــى الرغــم‬ ‫تتط َّلــب الحــوار‪ .‬هــل يمكنــم قــراءة عملكــم علــى أنــه حــوار‬
‫الحـ ّ‬ ‫مــع هــؤالء األصدقــاء؟‬
‫مــن ضــرورة النقــد‪ ،‬ال يكــون التفكيــك ‪-‬برأيــي‪ -‬نقــد ًا أو‬
‫حكمـ ًا تقييميـاً‪ ،‬أو عمليــة تنحيــة‪ ،‬هــو أكثــر مــن طريقــة أو‬ ‫‪ -‬نعــم‪ .‬لكــن وجود حــوار ‪-‬وهي كلمــة ال أثقفها كثيراً‪ -‬ال‬
‫منهــج‪ ،‬إن جاز توظيف مفردتكــم‪ .‬تفترض فكرة «الطريقة»‬ ‫يعنــي أن الكتــب‪ ،‬الواحــد تلــو اآلخــر‪ ،‬هي إجابات أو أســئلة‬
‫مجموعــة مــن اإلجــراءات المنظّ مــة‪ ،‬قبــل تجربــة القــراءة‬ ‫خاصــة بهــؤالء المفكّ ريــن‪ .‬فــي الحقيقــة‪ ،‬هنــاك معالجــة‬‫ّ‬
‫معيــن‪ .‬إذا‬
‫ّ‬ ‫أو التأويــل أو التدريــس‪ ،‬باإلضافــة إلــى إتقــان‬ ‫ــم توجيــه بعــض نصوصــي‪ ،‬بشــكل‬ ‫َّ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫الحــوار‪.‬‬ ‫مــن‬ ‫أكثــر‬
‫معينـاً؛ فهذا ما تشــير إليــه طريقة‬ ‫اكتشــف البعــض تكــرار ًا َّ‬ ‫ـاص‪ ،‬إلــى هــؤالء األصدقــاء‪ ،‬ولكــن دون أن تكــون غيــر‬ ‫خـ ّ‬
‫الكلمــات‪ ،‬أليــس كذلــك؟ إن التفكيــك أو الدوافــع ليــس‬ ‫مقــروءة لآلخريــن‪ ،‬مــع كتبي عن «بالنشــو» أو «ليفيناس»‪.‬‬
‫ويمر‪ ،‬أيضاً‪،‬‬‫ّ‬ ‫طريقــة أو منهجـاً‪ .‬ليس «نقداً» وال «منهجـاً»‪،‬‬ ‫وبالمثل‪ ،‬ال أســتطيع شــرح «أطياف ماركس» دون تســليط‬
‫عبــر التاريــخ أو جينيالوجيــا أفــكار «النقــد» أو «الطريقــة»‪،‬‬ ‫الضــوء عليــه‪ ،‬يســتخرج التاريــخ الكامــل لعالقاتــي مــع‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪74‬‬
‫ـم التأكيــد علــى الرهانــات‬ ‫والســر والشــهادة‪َ .‬تـ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫كمــا يســمح التفكيــك بتأويــات القــراءة‬
‫التأمــات‪ ،‬كلّ هــذا يتع َّلــق بـــ‬ ‫ُّ‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـية‬ ‫ـ‬ ‫السياس‬ ‫العــام‪ ،‬وهــي كلّهــا‬ ‫ّ‬ ‫النــص‬
‫ّ‬ ‫والكتابــة وتحويــل‬
‫«(مــا) يأتــي»‪ ،‬أي الحــدث غير الـــمتوقَّع‪ .‬ونظر ًا‬ ‫ممــا‬
‫ّ‬ ‫ـدة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫جدي‬ ‫ـياء‬
‫ـ‬ ‫أش‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫يصنع‬ ‫أحــداث‪ .‬إنهــم‬
‫لوقــوع حــدث متو َّقــع‪ ،‬بالفعل‪ ،‬لم يعــد حدثاً‪.‬‬ ‫ـن يختبرهــا‪ .‬ال يوجــد إتقــان‬ ‫لمـ ْ‬‫يثيــر الدهشــة َ‬
‫ـرده؛ فهو‬ ‫للتفكيــك‪ ،‬وهــو ببســاطة‪ ،‬مواجهــة «شــيء‬
‫يهمنــي‪ ،‬فــي هــذا الحــدث‪ ،‬هــو تفـ ّ‬ ‫مــا ّ‬
‫ـر ًة واحــدة فقــط؛ لذلــك إن الحــدث‬ ‫ـرة يملــي عليــك شــخص آخــر‬ ‫آخــر»‪ ،‬فــي كلّ مـ ّ‬
‫يحــدث مـ ّ‬
‫التنبــؤ بــه‪ ،‬أي بــا‬ ‫فريــد مــن نوعــه‪ ،‬وال يمكــن‬ ‫ـون القــراء ِة الفــردي‪ ،‬الــذي يأمــرك بالتنازل‬ ‫قانـ َ‬
‫ُّ‬
‫أفــق‪ ،‬لــذا يكــون المــوت هــو الحــدث‪ ،‬بامتيــاز‪:‬‬ ‫عــن المســؤولية‪ ،‬لإلجابــة عــن قراءتــك‪ .‬مــع‬
‫التنبــؤ بــه حتى عندمــا يكــون متوقّعاً‪،‬‬ ‫ال يمكــن‬ ‫ـص‪ ،‬فلــن‬ ‫ذلــك‪ ،‬إذا لــم يفلــت شــيء مــن النـ ّ‬
‫ُّ‬
‫فهــو يحدث‪ ،‬وال يحدث منــذ حدوثه‪ ،‬وال يمكن‬ ‫ـص‪.‬‬‫ـم تجميــع هــذا النـ ّ‬ ‫يتـ ّ‬
‫ألي شــخص‪.‬‬ ‫ـون منها‪،‬‬ ‫بســبب بنيــة اآلثار نفســها التي تتكـ َّ‬
‫التنبــؤ بــه‪ ،‬ولــم يعــد يحــدث ّ‬ ‫ُّ‬
‫بنــص «بالنشــو»‬ ‫اهتمامــي‬ ‫تنامــى‬ ‫هنــا‪،‬‬ ‫مــن‬ ‫والتــي تنفتــح علــى شــيء آخــر غيــر نفســها‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫عــن المــوت باعتبــاره مســتحيالً‪ .‬المــوت‪ ،‬بــكلّ‬ ‫يمكــن إغــاق الكل ِّّيــة‪ .‬هــذا يســتثني التجميــع‬
‫بســاطة‪ ،‬هــو الموضــوع األكثــر اســتمرار ًا فــي‬
‫ـم‪ -‬قيمة‬ ‫ـص‪ ،‬و ‪-‬مــن َثـ َّ‬ ‫واإلغــاق‪ ،‬واكتماليــة النـ ّ‬
‫النظــام‪ .‬التفكيــك ليــس نظامـاً‪ ،‬أكثر مــن كونه‬
‫كلّ مــا كتبتــه‪ ،‬قبــل وقــت طويــل‪ ،‬فــي نواقيس‬
‫فلســفة‪ :‬إنــه يشــكِّ ك فــي المبــدأ الفلســفي‪ .‬إنه‬
‫(جاليلــي‪ )1974 ،‬أو اإلماتــة (جاليلــي‪،)1999 ،‬‬
‫ـرة‪،‬‬ ‫مغامــرة فرديــة تعتمــد حركتهــا‪ ،‬فــي كلّ مـ ّ‬
‫كلّ شــيء يبدأ بفكرة الموت‪ ،‬وكلّ شــيء يعود‬
‫على الموقف‪ ،‬والســياق (السياســي‪ ،‬على وجه‬
‫إليهــا‪ .‬يمكننــي أن أعطــي‪ ،‬كمثــال‪ ،‬ثالثــة أنــواع‬
‫الخصــوص)‪ ،‬وعلــى الــذات وجذورهــا في مكان‬
‫ـمس فكــرة المــوت هــذه‪.‬‬ ‫التأمــات التــي تــ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫مــن‬
‫مــا‪ ،‬وزمــان ما‪ ،‬والتي تســمح لهــا بالتوقيع على‬
‫الســمة اإليصائيــة للكتابة (فــي الغراماتولجيا‪،‬‬ ‫الـــمبادرة التفكيكيــة‪ ،‬بطريقة ما‪.‬‬
‫جيد ًا أن ما‬ ‫مينــوي‪ .)1967 ،‬عندمــا أكتب‪ ،‬أعلم ّ‬
‫أكتبــه يمكنــه أن يخلّصنــي‪ ،‬أو يبقينــي على قيد‬ ‫الزمــن‪ ،‬فــي نهايــة المطــاف‪ ،‬هــو جوهــر‬
‫الحيــاة‪ ،‬وأن مــا هــو فــي أصــل األثــر يمكــن أن‬ ‫تقدمــون فلســفة للزمــن‪.‬‬
‫تفكيركــم‪ ،‬لكنكــم ال ّ‬
‫يختفــي دون أن يختفــي األثــر‪ ،‬إن بنيتها كذلك‪،‬‬ ‫نفضــل أن يكــون لدينــا انطبــاع بالتعامــل مــع‬
‫ِّ‬
‫ـميتها (اإليصائيــة) أي مــن‬ ‫وهــي البنيــة التــي سـ َّ‬ ‫فلســفة الحــدث‪ .‬ســيلعب المــوت‪ ،‬بعــد ذلــك‪،‬‬
‫الوصيــة؛ و(الطيفيــة) أيضاً‪ ،‬التي ال تنفصل عن‬ ‫دور المفهــوم المحــوري؛ مــا يســمح لكــم‬
‫مفهــوم األثــر‪ ،‬الــذي وجــد انعكاســه بداخلــي‪،‬‬ ‫بالتعبيــر‪ ،‬بد ّقــة‪ ،‬عــن الزمــن والحــدث؟‬
‫قبــل فتــرة طويلــة مــن أطيــاف «ماركــس»‪ :‬األثر‬
‫ـق؛ ال توجــد فلســفة للزمــن فيمــا‬ ‫‪ -‬أنــت محـ ّ‬
‫ميتاً‪ .‬ما أربطه‪ ،‬أخيراً‪ ،‬بالمســألة‬ ‫حيـ ًا وال ّ‬ ‫ليــس ّ‬ ‫كتبتــه‪ ،‬لكــن ال توجــد فلســفة للحــدث الب ّتــة‪،‬‬
‫(أود التأكيد‪،‬‬ ‫الكبرى المتعلِّقة بعقوبة اإلعدام ّ‬ ‫ألي شــيء‪ .‬فــي‬ ‫وال للمــوت‪ .‬ال توجــد فلســفة ّ‬
‫ـت لهــا‬ ‫كرسـ ُ‬ ‫هنــا‪ ،‬علــى أســباب سياســية) التــي َّ‬ ‫الواقــع‪ ،‬بــدأت بالعمــل علــى التراث الفلســفي‬
‫ـدة ســنوات‪ ،‬وأردفتهــا بالتفاتــات‬ ‫نــدوة منــذ عـ ّ‬ ‫فيمــا يتعلَّــق بالزمــن («كانــط» و«هوســرل»‬
‫خاصة فيما يتع َّلــق بـ«قضية» موميا‬ ‫ّ‬ ‫ـددة‪،‬‬ ‫متشـ ّ‬ ‫«وهايدغــر» قبــل كلّ شــيء)‪ ،‬وامتيــاز الحاضــر‬
‫أبــو جمــال‪ ،‬الــذي أعــددت عنــه أحــد الكتــب‬ ‫فــي فكــر الزمــن‪ .‬تخبرنــا الفطــرة الســليمة بــأن‬
‫«مباشــرة مــن طابــور اإلعــدام»‪ ،‬ال ديكوفيــرت‪،‬‬ ‫ـم اإلعــان‬ ‫كلّ شــيء موجــود فــي الحاضــر‪ :‬يتـ ّ‬
‫(‪ .)1999‬بــدا لــي تاريــخ عقوبــة اإلعدام حاســم ًا‬ ‫عــن الماضــي‪ ،‬وعــن المســتقبل بعبــارات هــي‪،‬‬
‫ـد ذاتــه‪ ،‬كمــا كان فــي الوقــت نفســه‪،‬‬ ‫فــي حـ ِّ‬ ‫ـي؛ هذا‬ ‫خاصــة بالحاضــر‪ ،‬الحاضــر الحـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫دائمـاً‪،‬‬
‫بمنزلة خيط إرشــادي رائــع للتفكير في الدولة‪،‬‬ ‫هــو الوضــوح الــذي حاولــت أن أع ّقــده قلي ـاً‪.‬‬
‫والســيادة‪ ،‬والسلطة‪.‬‬ ‫بقيــت مســألة الزمن هذه فــي العمل أو في كلّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫أعمالــي‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬إن ما تقوله عــن االهتمام‬
‫هوامش‪:‬‬
‫‪ - 1‬األبوريات‪ :‬جمع أبوريا (‪ ،)Aporia‬وتعني االستعصاء أو الـمعضلة‬
‫ـر ًا عليه‬‫المميــز بالحــدث صحيــح‪ .‬أصبحت ُمصـ ّ‬ ‫َّ‬
‫التــي ليس لها حــلّ نهائــي‪( .‬المترجم)‬ ‫أكثــر فأكثــر‪ .‬الحــدث كمــا يأتي منفرداً‪ ،‬بشــكل‬
‫اإلنســانية‪ 28 ،‬ينايــر (‪ .)2004‬حــوار مــع جاك دريدا ‪ -‬جيروم ألكســندر‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫«م ْن»‬‫غيــر متو َّقــع‪ ،‬ليــس فقــط «مــا» يأتي‪ ،‬بــل َ‬
‫نيلسبرغ‬
‫يأتــي (اآلتــي)‪ .‬الســؤال‪« :‬مــاذا تفعــل بـــ (مــا)‬
‫‪L’Humanité, 28 janvier 2004.‬‬ ‫يأتــي؟» يأمــر بفكــر الضيافــة والهبة والتســامح‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪75‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪76‬‬
‫أدب | حوارات‬

‫سفيتالنا أليكسيفيتش‪:‬‬
‫مخاطر العظمة‬
‫يبــدو أن الهــروب مــن التاريــخ مســتحيل بالنســبة لـ«ســفيتالنا أليكســيفيتش» الحائــزة عــى جائــزة «نوبــل» لعــام‬
‫‪ .2015‬بعــد تأريــخ االتحــاد الســوفيايت مــن خــال «رواياتهــا الوثائقيــة»‪ ،‬التــي غالبــ ًا مــا تُفهــم ‪-‬خطــأ‪ -‬كتاريــخ‬
‫شــفوي‪ ،‬بــدأت منــذ عــام ‪ ،1985‬العمــل عــى كتابــن جديديــن‪ ،‬أحدهــا عــن الحــب‪ ،‬واآلخــر عــن الشــيخوخة‬
‫واملــوت‪ .‬رأت يف هــذه املواضيــع فرصــةً لتجربــة يشء مختلــف‪ ،‬غــر مرتبــط بتاريــخ مــا تســميه «الفــرد األحمــر»‬
‫يف االتحــاد الســوفيايت الســابق‪.‬‬

‫كانــت دائمــاً‪ ،‬تتركّ ــز فــي اتجــاه الدفــع نحــو‬ ‫المتفجــرة فــي‬ ‫لكــن بعــد ثــورة ‪ُ 2020‬‬
‫المبالغــة فــي التبســيط‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بيالروســيا‪ ،‬وهروبهــا الالحــق إلــى المنفــى‬
‫(الثانــي لهــا فــي أكثر مــن عقدين بقليــل)‪ ،‬حيث‬
‫ـم تذكيرنــا جميع ـ ًا أننــا نعيــش فــي‬ ‫مؤخــراً تـ َّ‬ ‫اضطــرت للتخلــي عــن مخطوطاتهــا‪ ،‬والغــزو‬
‫عا َلــم تشــيرنوبيل‪ ،‬ســواء ك ّنــا علــى علــم بذلــك‬ ‫الشــامل ألوكرانيــا مــن ِق َبــل روســيا فــي فبرايــر‪/‬‬
‫أم ال‪ ،‬بسبب الغزو الروسي ألوكرانيا‪ .‬من بين‬ ‫شباط ‪ ،2022‬أدركت أن مشروعها لم ِ‬
‫ينته بعد‪.‬‬
‫جميــع األخبــار المأســاوية األخــرى‪ ،‬مــا موقفــك‬ ‫ـرة‪ ،‬تركِّ ــز «أليكســيفيتش» أنظارهــا‬ ‫هــذه المـ ّ‬
‫مــن ســيطرة روســيا علــى محطتــي تشــيرنوبيل‬ ‫بشــكلٍ ملمــوس أكثــر علــى اللحظــة الراهنــة‬
‫و«زابوريزهزيــا» النوويتيــن؟‬ ‫مــن خــال توثيــق الثــورة والهجــرة مــن األراضي‬
‫‪ -‬كمــا تعلــم‪ ،‬كتابي‪« ،‬صالة تشــيرنوبيل»‪ ،‬له‬ ‫البيالروســية‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬تظــل آثــار الماضــي‬
‫المســتقبل‪ .‬لقد كتبته منذ‬ ‫راسخة‪ .‬اســتولت القوات الروسية الغازية على‬
‫عنــوان فرعي‪ :‬تاريخ ُ‬
‫فتــر ٍة طويلــة‪ ،‬لكــن حتــى ذلــك الحيــن افترضت‬ ‫يفســر المخاوف‬ ‫تشــيرنوبيل ألســابيع‪ ،‬وهــو مــا ِّ‬
‫بالفعــل وجــود عالَم جديد‪ .‬كان من الواضح أن‬ ‫عبــرت عنهــا فــي كتابهــا الشــهير‪« ،‬صــاة‬ ‫التــي َّ‬
‫عالَمـ ًا جديــد ًا بصــدد الظهــور‪ ،‬عا َلــم ال يتوافــق‬ ‫المرعبــة عــن وحشــية‬ ‫تشــيرنوبيل»‪ .‬القصــص ُ‬
‫مــع معرفتنــا وأخالقنــا‪ .‬بالطبــع ســتكون هنــاك‬ ‫يتــردد صداهــا فــي رواياتهــا‬ ‫ّ‬ ‫الحــرب وأهوالهــا‬
‫انفجــارات أخــرى‪ .‬كانــت هنــاك فوكوشــيما‪.‬‬ ‫الثالثيــة‪«( :‬الوجــه غيــر األنثوي للحــرب»‪« ،‬آخر‬
‫عندمــا ذهبــت إلــى هنــاك‪ ،‬فكّ ــرت فــي اإلرهاب‪،‬‬ ‫الشــهود»‪« ،‬فتيــان الزنكــي»)‪.‬‬
‫بالطبــع‪ ،‬وكيف سيســتخدمون محطــات الطاقة‬ ‫فــي الفتــرة الماضيــة أعلنــت الحكومــة‬
‫النوويــة‪ .‬كل محطــة طاقــة نوويــة هــي قنبلــة‬ ‫الروســية عــدم اعترافهــا بالدولــة األوكرانيــة‪،‬‬
‫نوويــة ضخمة‪.‬‬ ‫واعتبــرت أن شــعبها نــازي‪ ،‬أو أســوأ مــن‬
‫تدمــر محطــة‬ ‫ِّ‬ ‫الممكــن أن‬ ‫ُ‬ ‫كان مــن‬ ‫ذلــك‪ ،‬تمامــ ًا كمــا يدعــي «فالديميــر بوتيــن»‬
‫«زابوريزهزيــا» النوويــة أوروبــا بأكملهــا‪ ،‬لــو‬ ‫ـزء مــن روســيا الكبــرى علــى أي حــال‪.‬‬ ‫أنهــا جـ ٌ‬
‫لــم يتمكــن النــاس هنــاك مــن الســيطرة علــى‬ ‫مــن خــال االســتماع إلــى «أليكســيفيتش»‪،‬‬
‫ـدى مجــرد‬ ‫النــار فــي منتصــف الليــل‪ .‬األمــر يتعـ َّ‬ ‫ألب بيالروســي‬ ‫الناطقــة بالروســية والمولــودة ٍ‬
‫الخــوف‪ .‬وقــد تعاظمــت مخاوفنــا عندمــا أدركنا‬ ‫وأم أوكرانيــة‪ ،‬وهــي تناقش صدمــة الدمار الذي‬ ‫ٍ‬
‫لمجابهــة مــا صنعنــاه‬ ‫أن قدراتنــا التكنولوجيــة ُ‬ ‫حلّ بما كانت تســميه ذات يوم موطنها‪ ،‬نحاول‬
‫بأذهاننــا غيــر كافيــة‪ .‬لــو وصــل الحريــق إلــى‬ ‫فهــم عبثيــة آلــة الدعايــة‪ .‬معركتهــا اآلن‪ ،‬كمــا‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪77‬‬
‫إنهــا حالــة مقلقــة للغايــة نعيــش فيهــا جميع ـ ًا جنب ـ ًا إلــى‬ ‫محطــة الطاقــة‪ ،‬لمــا كان بإمكاننــا فعــل أي شــيء‪.‬‬
‫جنــب مــع فيروس كورونــا‪ .‬الثورة في بيالروســيا‪ ،‬واألحداث‬ ‫مروعـاً‪ ،‬ال ســيما وأن إحــدى الفــرق‬‫نعــم‪ ،‬كان االجتيــاح ِّ‬
‫الجاريــة فــي أوكرانيــا أســوأ بكثيــر‪.‬‬ ‫ـرهم‬ ‫ـ‬
‫َ َ‬ ‫أس‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـيرنوبيل‬
‫ـ‬ ‫تش‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫محط‬ ‫كانــت تعمــل هنــاك فــي‬
‫الجيــش الروســي‪ .‬كانــوا يو ِّفــرون لهــم الطعــام والراحــة‪،‬‬
‫عند إعادة قراءة «صالة تشــيرنوبيل» مع طالبي مؤخراً‪،‬‬ ‫ولكــن بخــاف ذلــك‪ ،‬هــم يواصلــون العمــل هنــاك‪ .‬هــل‬
‫ناقشــنا عالقتهــم بأحــداث ‪ 11‬ســبتمبر‪/‬أيلول باعتبارهــا‬ ‫تتخيــل حالــة اإلرهــاق التــي أصابــت هــؤالء‬ ‫ّ‬ ‫يمكنــك أن‬
‫ال لعالقة األجيال الشــابة مع تشــيرنوبيل في‬ ‫تشــبيه ًا محتم ً‬ ‫العامليــن؟ كيــف حالهــم مــن االكتئــاب؟ إذن‪ ،‬لدينا العامل‬
‫ـم هنــا‪.‬‬
‫البشــري مهـ ّ‬
‫واألهمية بشــكلٍ‬
‫ّ‬ ‫بيالروســيا وأوكرانيا كشــيء واســع النطاق‬
‫المتعــارف عليه عــدم قصف المحطــات النووية‪ ،‬وال‬ ‫مــن ُ‬
‫ـم تضمينه بقوة في‬ ‫ملحــوظ لــم يشــهدوه بأنفســهم‪ ،‬ولكن تـ َّ‬ ‫القتــال بالقــرب منهــا‪ ،‬ولكــن بالطبــع يحــدث ذلــك‪ ،‬ولســنا‬
‫الثقافــة فطـ ّـور األســاطير الخاصــة بــه‪ .‬بعــد مــا يقــرب مــن‬ ‫محمييــن مــن هــذا الجنــون‪ ،‬كمــا نــرى اآلن‪ .‬ال توجــد آليــة‬
‫ثالثة عقود منذ االنتهاء من النسخة األولى من «الصالة»‪،‬‬ ‫يمكنهــا العثــور علــى هــؤالء األشــخاص المجانيــن ومنعهم‬
‫مــا هــي انطباعاتــك عمــا تعنيــه تشــيرنوبيل لألجيــال الشــابة‬ ‫مــن فعــل األشــياء التــي تتبــادر إلــى أذهانهــم المجنونــة‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪78‬‬
‫حــادث شاســع جــداً وطويــل األمد ومن المســتحيل تصويره‬ ‫واهتماماتهــم البيئيــة؟‬
‫بالطــرق التقليديــة‪ .‬إنــه تحـ ٍـد ف ّنــي وتحـ ٍـد وجــودي‪ ،‬ويذكِّ رنــي‬ ‫‪ -‬أعتقــد أن تشــيرنوبيل ســتالحق كل جيــل‪ ،‬ألننــا بعــد‬
‫بشــيء قرأتــه فــي «صــاة تشــيرنوبيل» ‪ -‬أنــه ألول مـ ّـرة منــذ‬ ‫تشــيرنوبيل دخلنــا إلــى عا َلــم مختلــف تمامـاً‪ ،‬عا َلــم يتجاوز‬
‫ـاءلت مــا إذا كان يجــب عليــك أن تكتبــي أي‬ ‫ِ‬ ‫تشــيرنوبيل تسـ‬ ‫ثقافــة الحــرب المألوفــة‪ ،‬التــي كان النــاس علــى درايــة‬
‫شــيء علــى اإلطــاق ألن تلــك المنطقــة كانــت «أقــوى مــن‬ ‫بعنفهــا وحدودهــا وإمكانياتهــا‪ .‬مهمــا كانــت قاســية‪ ،‬لــم‬
‫أي شــيء يمكــن أن يقولــه األدب»‪ .‬فــي ضــوء األحــداث التــي‬ ‫تكــن مثــل تشــيرنوبيل‪ .‬ســتظل العديــد مــن الجســيمات‬
‫ـن أو‬
‫غيــر الفـ ّ‬
‫تصفينهــا‪ ،‬كيــف تعتقديــن أن تشــيرنوبيل قــد ّ‬ ‫ـعة موجــودة آلالف الســنين‪ ،‬واآلن هنــاك الكثيــر مــن‬ ‫المشـ ّ‬
‫األدب أو الثقافة بشكلٍ عام خالل السنوات الـ ‪ 35‬الماضية؟‬ ‫المــواد النشــطة‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬قــد تحتــرق القــرى‬
‫‪ -‬لســوء الحظ‪ ،‬لن أقول إنه ال تشــيرنوبيل وال فوكوشــيما‬ ‫المغلقــة‪ .‬هنــاك‬ ‫الموجــودة فــي تلــك المنطقــة الميتــة ُ‬
‫الفــن والفلســفة واألدب الــذي كان‬ ‫ّ‬ ‫أحدثــا االنفجــار فــي‬ ‫الكثيــر مــن الحرائــق والعواصــف‪ .‬هناك أنــاس يختبئون من‬
‫ينبغــي أن يحــدث‪ .‬ربمــا يتع َّلــق األمــر بحقيقــة أن البشــرية‬ ‫الســلطات‪ .‬كل شــيء خطير جداً‪ .‬إنه يفوق الخيال‪ .‬إذا ك ّنا‬
‫المشــكلة حقاً‪،‬‬ ‫لــم تبــذل جهودهــا بعــد‪ ،‬ولــم تختــرق هــذه ُ‬ ‫فــي زمــن الحــرب‪ ،‬ســيعود النــاس مــن القتــال وســيبدؤون‬
‫ولــم تفعــل ذلــك‪ ،‬ألنهــا غيــر قــادرة عليهــا‪ .‬لكننــي أعتقــد‬ ‫حيــاة جديــدة‪.‬‬
‫أنــه علــى الرغــم مــن أن تقنياتنــا ال تســتطيع حمايتنــا مــن‬ ‫لكــن فيمــا يتعلَّــق «بتشــيرنوبيل»‪ ،‬ال يمكننــا العــودة‪،‬‬
‫هــذه الكــوارث التــي ننتجهــا‪ّ ،‬إل أننــا مــا زلنــا بحاجــة إلــى‬ ‫ألنهــا ســتظل موجــودة لمئــات الســنين فــي هــذه المرحلــة‬
‫محاولــة فهمهــا‪.‬‬ ‫النشــطة‪ .‬أنــا مــن بيالروســيا‪ ،‬وفــي بيالروســيا‪ ،‬نشــرب‬
‫علــى ســبيل المثــال‪ ،‬قــال أحــد أبطالــي فــي «صــاة‬ ‫تشــيرنوبيل‪ ،‬ونــأكل تشــيرنوبيل‪ ،‬ونتنفــس تشــيرنوبيل‪ .‬لقد‬
‫تتلخــص فــي هــذا الصنــدوق‬ ‫ّ‬ ‫تشــيرنوبيل» إن ثقافتنــا كلهــا‬ ‫اخترقــت جزيئــات تشــيرنوبيل تربتنــا وأرضنــا ومياهنــا‪ .‬كل‬
‫الكنــز مــن المخطوطــات القديمــة‪ .‬لــم أجد أي شــيء هناك‬ ‫ـوث‪ .‬بيالروســيا هــي مختبــر تشــيرنوبيل الضخــم‪،‬‬ ‫شــيء ملـ َّ‬
‫مــن شــأنه أن يســاعدني‪ ،‬ألن النــاس لــم يعتــادوا غســل‬ ‫المســتقبل‪.‬‬ ‫مختبــر ُ‬
‫ـدة قرون‪،‬‬ ‫الحطــب‪ .‬لــم يتناولــوا طعامهــم في راحــة بال لعـ ّ‬ ‫تتخيــل مــا تعنيــه تشــيرنوبيل‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫يمكــن‬ ‫كيــف‬ ‫ولكــن‬
‫ولــم يضطــروا أبــد ًا إلــى إخــراج األطفــال مــن المــدارس‪،‬‬ ‫لألجيــال الشــابة اليــوم؟ مــن الصعــب قول ذلــك‪ ،‬رغم أنني‬
‫المختلفــة‬ ‫وهنــاك الكثيــر مــن هــذه األمثلــة لهــذه الحيــاة ُ‬ ‫أعتقــد أنــه يجــب عليهــم االبتعــاد عــن عا َلــم التكنوجينيــك‬
‫تمامــاً‪ ،‬لكننــا تمكنــا مــن التعايــش معهــا جزئيــ ًا فقــط‪،‬‬ ‫يهتمــون‬
‫ّ‬ ‫هــذا الــذي يفكِّ ــرون فيــه‪ .‬وعــن مــا يشــاهدونه ومــا‬
‫بالمعنــى الطبــي ومعــاداة الشــيوعية‪ .‬كانــت الشــيوعية‬ ‫تخيــل مــدى خطورتــه ومــدى قدرته‬ ‫بــه‪ .‬أعتقــد أنــه يمكنهــم ّ‬
‫تحطّ ــم البــاب عنــد رحيلهــا ولــم تتــرك لنــا ميراثــاً‪ .‬لكننــا‬ ‫علــى إثــارة فضولهــم‪ ،‬ألنهــم مجبــرون على العيــش في هذا‬
‫لــم نفكِّ ــر مطلق ـ ًا فــي هــذه المســألة‪ ،‬بالتأكيــد ليــس مــن‬ ‫العا َلــم‪ ،‬ولــم تتمكــن البشــرية من احتوائه بعــد‪ .‬بعد أربعة‬ ‫َ‬
‫الناحيــة الفلســفية‪.‬‬ ‫أيــام‪ ،‬كانت غيوم تشــيرنوبيل موجودة بالفعــل في إفريقيا‪.‬‬
‫دمــرت تشــيرنوبيل مفاهيــم البعيــد والقريــب‪ .‬هل كان‬ ‫لقــد ّ‬
‫كيف تعتقدين أن ذكرى تشيرنوبيل وأسطورة تشيرنوبيل‬ ‫هنــاك حديــث عــن المســافة البعيــدة عندمــا كانــت الغيوم‬
‫ـن للمضــي قدمـ ًا‪ ،‬إن لــم‬
‫يجــب‪ ،‬أو يمكــن معالجتهــا فــي الفـ ّ‬ ‫فــوق إفريقيــا بالفعــل‪ ،‬عندما كانــت بالفعل فوق الســويد؟‬
‫الممكنــة لتحقيــق ذلــك‬
‫نقــم بذلــك بالفعــل؟ مــا الوســائل ُ‬ ‫ال يقتصــر األمــر علــى عــدم قــدرة العلــم الحديــث علــى‬
‫المســتقبل؟‬
‫فــي ُ‬
‫المشــكالت فحســب‪ ،‬بــل فشــله أيضـ ًا فــي ّ‬
‫تخيــل‬ ‫حــلِّ هــذه ُ‬
‫العالَم لفتــرة طويلة اآلن‪،‬‬ ‫ـررت هوليــوود فكــرة نهايــة َ‬ ‫‪ -‬كـ ّ‬ ‫الممكنــة الحتوائهــا وإدارتهــا ‪ -‬مثل‬‫الخيــارات التكنولوجيــة ُ‬
‫فــي محاولــة لبنــاء واقــع حولهــا‪ ،‬لكــن عندمــا أتيــت إلــى‬ ‫فوكوشــيما‪ .‬نحــن ال نفهــم تمام ـ ًا فوكوشــيما‪ .‬ذهبــت إلــى‬
‫تشــيرنوبيل‪ ،‬مــا رأيتــه هنــاك كان أقــوى بكثيــر مــن أي أفــام‬ ‫هنــاك العــام الماضــي‪ ،‬وال يمكنــك االقتــراب أكثــر مــن‬
‫أو تخمينــات فــي هوليــوود‪ .‬كان الواقــع أكثــر تعقيــداً‪ .‬أفكِّ ــر‬ ‫عشــرة كيلومتــرات‪ .‬إنهــا منطقة محظورة‪ .‬هنــاك معلومات‬
‫فيمــا رأيتــه هنــاك‪ .‬تقتــرب مــن نهــر‪ ،‬وتشــعر برغبــة فــي‬ ‫محــدودة جــد ًا حــول مــا إذا كان هنــاك أي عــادم‪ ،‬أو أي‬
‫لمــس المــاء هنــاك‪ ،‬وتــرى قطيعـ ًا مــن األبقــار يقتــرب مــن‬ ‫المحيــط‪ ،‬فــي طعامنــا‪.‬‬ ‫جســيمات خطــرة‪ ،‬أو أي شــيء فــي ُ‬
‫ـم ويشــعر أنه‬ ‫النهــر‪ ،‬ويبتعــد عنــه فــوراً‪ ،‬ألنــه يمكــن أن يشـ َّ‬ ‫ـرة أخــرى‪ :‬لقــد ابتكرنــا تقنيــات ال تتماشــى مــع‬ ‫ســأقولها مـ ّ‬
‫ال ينبغــي حتــى االقتــراب منــه‪.‬‬ ‫المســبقة‪ ،‬والتــي مــن أجلهــا‬ ‫تصوراتنــا البشــرية ُ‬
‫ُّ‬ ‫أخالقنــا أو‬
‫يقــول األشــخاص الذيــن يعرفــون شــيئ ًا عــن النحــل إن‬ ‫ـن الحــروب‪ .‬كلهــا تبــدو أقــلَّ جديــة مقارنــةً بالمقيــاس‬ ‫نشـ ُّ‬
‫النحــل لــم يغــادر خاليــاه منــذ أســابيع‪ ،‬بينمــا ذهــب الناس‬ ‫الكونــي لهــذه المشــاكل‪.‬‬
‫المظاهــرات بعــد أيــام وأكلــوا بيروشــكي فــي الشــوارع‪.‬‬ ‫إلــى ُ‬
‫لقــد أدرك النحــل‪ .‬اتضــح أن النحــل‪ ،‬الكائنــات الحيــة‪ ،‬أكثر‬ ‫وبالتالــي‪ ،‬فــإن القضيــة الرئيســية عندمــا يتعلَّــق األمــر‬
‫قــوة بطريقــة مــا‪ ،‬لديهــم غريــزة أفضــل للبقــاء علــى قيــد‬ ‫بتشــيرنوبيل تتع َّلــق بكيفيــة تمثيــل مــا حــدث‪ ،‬وكيفيــة فهــم‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪79‬‬
‫يتحدث بشــكلٍ جميل‪ .‬إنه ُيخــرج من داخله‬ ‫َّ‬ ‫هــذا الشــخص‬ ‫الحيــاة‪ .‬يبــدو األمــر كمــا لــو أن لديهــم ذاكــرة أجــداد أفضل‬
‫أقصــى مــا يمكنــه فعلــه‪ .‬حتــى أبطــال روايتــي قالــوا لي ذلك‬ ‫تفتقــر إليهــا البشــرية‪ .‬خرجنــا بعــد فتــر ٍة وجيــزة‪َّ ،‬‬
‫تجولنــا‬
‫هم‬
‫الم ّ‬
‫أحيانـاً‪« ،‬لــم أكــن أعــرف حتى أننــي أعرف ذلك»‪ .‬مــن ُ‬ ‫فــي منطقــة تشــيرنوبيل‪ .‬كان النــاس يلعبــون كــرة القــدم‬
‫بالنســبة لــي الوصــول إلــى الناس بهــذه الطريقة‪.‬‬ ‫مــع األطفــال فــي الشــارع‪ .‬ال يمكــن للبشــر تغييــر حياتهــم‬
‫لقــد أمضينــا الكثيــر مــن الوقــت فــي نــزع هــذا الحجــاب‬ ‫بهــذا الشــكل‪ .‬واصــل النــاس حياتهــم بالطريقــة التــي كانوا‬
‫مــن التفاهــة‪ ،‬ألننــا نعيــش فــي عالــم مــن التفاهــات‪:‬‬ ‫عليهــا مــن قَبــل‪ .‬مــا حــدث كان بعيــد ًا عــن فهمهــم‪.‬‬
‫الصحــف‪ ،‬ومعظــم الكتــب مــن هــذا القبيــل‪ .‬هــذه التفاهــة‬ ‫بالنســبة لــي علــى األقــل‪ ،‬كان التحــدي الــذي أواجهــه‬
‫يجــب أن ينزعهــا الشــخص للوصــول إلــى نصــه الخــاص‪،‬‬ ‫ـن هــو كيفيــة التعامــل مــع هــذا الواقــع الجديــد‪.‬‬ ‫فــي الفـ ّ‬
‫حتــى يقــول تلــك األشــياء التــي لــم يقلهــا اآلخــرون ولــم‬ ‫بالتفكيــر فــي كتاباتــي الســابقة‪ ،‬كان األمــر أســهل بطريقــة‬
‫يعرفهــا اآلخــرون‪ .‬عندمــا يتمكنــون مــن رؤيتهــا‪ ،‬يجــب‬ ‫مــا‪ ،‬ألن هنــاك ثقافــة أدبيــة كاملــة فــي الكتابة عــن الحرب‪.‬‬
‫أن أكــون مســتعدة لتطويــر هوائيــات ألتمكَّ ــن مــن رؤيتهــا‬ ‫أي مفهــوم‪ :‬الخيــر والشــر‪ .‬ولكــن بالنســبة إلى تشــيرنوبيل‪،‬‬
‫وســماعها‪ ،‬ألنــه إذا كنــت ترغــب فــي ســماع شــيء جديــد‪،‬‬ ‫الشــر‪ .‬أنــت تتنفــس الهــواء‪،‬‬ ‫ـوع مختلــف تمام ـ ًا مــن ّ‬ ‫إنــه نـ ٌ‬
‫ٍ‬
‫بطريقــة جديــدة‪.‬‬ ‫عليــك أن تطلبــه‬ ‫وهــذا الهــواء يقتــل‪ .‬تريــد أن تــأكل تفاحــة وهــذه التفاحــة‬
‫ســيقول النــاس‪« ،‬أنــت تذهبيــن هنــاك وتكتبيــن تلــك‬ ‫ســتقتلك‪ .‬تريــد أن تجلــس علــى العشــب‪ ،‬وهــذا ســيقتلك‪.‬‬
‫األشــياء فقــط ‪ -‬األوســاخ الوجوديــة التــي هــي حياتنــا»‪.‬‬ ‫العالَــم الجديــد‬‫لذلــك‪ ،‬تصبــح تحــت رحمــة هــذا َ‬
‫ال‪ ،‬عليــك أن تزيــل كل الفائــض مــن حياتنــا‪ ،‬كل مــا هــو‬ ‫تمامـاً‪ ،‬وال يمكنــك االنتصــار فــي مواجهــة هــذه الكارثــة‪ .‬ال‬
‫ثــم ننغمــس مــع الشــخص فــي هــذه‬ ‫ســطحي‪ ،‬مبتــذل‪َّ ،‬‬ ‫المناســبة لذلــك‪ .‬ليــس لديــك حاســة الشــم‬ ‫تملــك اللّغــة ُ‬
‫المعرفــة الذاتيــة‪ .‬هــذا عمل هائل وصعب‪ .‬يجب أن تشــمل‬ ‫الصحيحــة‪ .‬اإلشــعاع ال رائحــة لــه‪ .‬ليــس لديــك أي عضــو‬
‫هــذه المجموعــة مــن القصــص الرجــال والنســاء والشــيوخ‬ ‫حســي لتشــعر باإلشــعاع‪ .‬ال يمكــن لإلشــعاع أن يخبــرك بما‬ ‫ّ‬
‫واألطفــال‪ .‬يجــب أن تكــون لديهــم وجهــات نظــر مختلفــة‪،‬‬ ‫هــو مرعــب ومــا هــو غيــر مرعــب‪ .‬المــوت فــي كل مــكان من‬
‫تغيــر وجهــة نظرنــا‪ ،‬كلنــا‪ .‬أنــت‬ ‫ومهــن مختلفــة‪ ،‬ألن مهننــا ِّ‬ ‫حولــك بــكل هــذه األشــكال‪.‬‬
‫معينــة‪ .‬عليــك أن تجمع‬ ‫َّ‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫بطريق‬ ‫العا َلــم‬
‫معتــاد علــى رؤيــة َ‬ ‫كان أمامــي خيــار وحيــد بســؤال النــاس عــن كيفيــة‬
‫ال معماريــ ًا ‪ -‬شــكل الحيــاة‬ ‫كل ذلــك معــاً‪ ،‬وتمنحــه شــك ً‬ ‫فهمهــم لهــذا الوضــع برمتــه فــي الوقــت الحالــي‪ .‬وقــد‬
‫الواقعيــة التــي نعيشــها‪.‬‬ ‫حــدث ذلــك اليــوم‪ :‬كيــف يفهمــون هــذا الشــكل مــن الموت‬
‫أصعــب شــيء أن يعتقــد الجميــع أن عملــي وثائقــي‬ ‫الــذي يحصــد األرواح‪ ،‬ويصيبهــم باألمــراض‪ ،‬ومــا طبيعــة‬
‫باألســاس‪ ،‬كأننــي أخــذت كل شــيء مــن األشــخاص الذيــن‬ ‫مشــاعرهم وتفكيرهــم‪ ،‬وكيــف يحاولــون إنقــاذ أطفالهــم‪.‬‬
‫اســتمعت إليهــم‪ .‬ال‪ ،‬كل شــيء في كتبي هو مــا قاله الناس‬ ‫ـدث إلــى الناس‪ .‬في‬ ‫ـي أن أســلك هــذا الطريــق‪ :‬التحـ ُّ‬ ‫كان علـ ّ‬
‫معينـاً‪ ،‬عليــك‬
‫ال َّ‬ ‫ـدم لــكل هــذا شــك ً‬ ‫حقـاً‪ ،‬لكــن عليــك أن تقـ ِّ‬ ‫ذلــك الوقت‪ ،‬شــعرنا بصدمة شــديدة جراء هــذه األحداث‪،‬‬
‫ا ف ّنيـ ًا بحــق‪.‬‬‫أن تنســجه معـاً‪ ،‬بحيــث يكــون عمـ ً‬ ‫ـدث النــاس لفهــم مــا جــرى‪ .‬كانــت الفلســفة صامتــة‪.‬‬ ‫وتحـ ّ‬
‫كانــت الثقافــة صامتــة‪ .‬كان النــاس يحاولــون البقــاء علــى‬
‫همتــك أو‬
‫لم ّ‬
‫فهمــك ُ‬‫تغيــر ُ‬
‫بالحديــث عــن المهــن‪ ،‬كيــف َّ‬ ‫ـدث معهــم‪.‬‬ ‫قيــد الحيــاة‪ .‬كان مــن الرائــع التحـ ُّ‬
‫هويتــك ككاتبــة خــال هــذه العقــود العديــدة‪ ،‬خاصــة فــي‬
‫تحدثــت عنهــا‬
‫َّ‬ ‫ضــوء خيبــة األمــل فــي التســعينيات التــي‬ ‫فيمــا يتع َّلــق بموضــوع المعرفــة‪ ،‬مــن الرائــع أن نكتشــف‬
‫باعتبارهــا فرصــةً مهــدورة للتعـ ُـرف علــى معانــاة النــاس فــي‬ ‫تجربتــك ودوافعــك فــي اختيــار أســلوب كتابتــك‪ .‬أعتقــد أن‬
‫حقبــة مــا بعــد االتحــاد الســوفياتي؟ من وجهــة نظرك‪ ،‬كيف‬ ‫هنــاك العديــد مــن االفتراضــات واألفكار حــول كيفية عملك‬
‫يمكــن للكلمــات أن تؤ ِّثــر فــي التغييــر الهــادف وتســاعد فــي‬ ‫وكيــف جمعــت هــذه الكتــب معـ ًا والفهــم الــذي يحصــل مــن‬
‫الحــرب اليــوم؟‬ ‫ـق بعملــك؟‬‫خاللهــا‪ .‬برأيــك مــا هــو أكبــر ســوء فهــم لحـ َ‬
‫‪ -‬مــا أكتبــه منــذ أربعين عام ًا هو قصة الشــخص األحمر‪،‬‬ ‫ـجل‬‫‪ -‬كثيــر ًا مــا أســمع مــن الصحافييــن أننــي أتن َّقــل وأسـ ِّ‬
‫الفكــرة الحمــراء‪ .‬لقــد بدأت منــذ ظهور تلك الفكــرة‪ .‬قابلت‬ ‫مــا أســمعه ‪-‬فقــط‪ -‬ويصبــح الكتــاب جاهــزاً‪ .‬هــذا هــراء‬
‫أشــخاص ًا رأوا لينيــن وســتالين‪ .‬النــاس الذيــن قاتلــوا فــي‬ ‫العالَــم‬
‫بالطبــع‪ .‬تأليــف هــذه الكتــب يتطلــب م ّنــي نســج َ‬
‫أفغانســتان‪ .‬النــاس الذيــن ماتوا في تشــيرنوبيل‪ .‬كل هؤالء‬ ‫مع ـ ًا مــن خــال العديــد مــن التفاصيــل‪ .‬عليــك أن تغتنــم‬
‫النــاس‪ .‬أدركــت فــي النهايــة أننــي لــم أكــن حريصــة كفايــة‬ ‫حيــاة الطبيعــة؛ عليــك أن تلتقــط صــور ًا للناس فــي لحظات‬
‫علــى تأليــف كتابــي بعنــوان «الزمــن الثانــي» عــن ســقوط‬ ‫االضطــراب‪.‬‬
‫اإلمبراطورية والكتابة عن نهاية «الشــخص األحمر»‪ .‬اتضح‬ ‫يتحدث الناس بشــكلٍ‬ ‫َّ‬ ‫ـاذا‬‫ـ‬ ‫«لم‬ ‫ـاس‪،‬‬
‫ـ‬ ‫الن‬ ‫ـألني‬
‫ـ‬ ‫يس‬ ‫كثيــر ًا مــا‬
‫لــي أننــي كنــت ســاذجة‪.‬‬ ‫جميــل فــي كتبــك؟» أجيــب أننــي ألتقط لحظات مــن الحب‪،‬‬
‫فــي ذلــك الوقــت‪ ،‬فــي التســعينيات‪ ،‬ك ّنــا نظــن أن‬ ‫واالضطرابــات الكبيــرة‪ ،‬والمــوت‪ :‬الحرب‪ ،‬تشــيرنوبيل‪ .‬مثل‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪80‬‬
‫أن تقــول‪ ،‬حســناً‪ ،‬شــخص مــا يشــبه اآلخــر فــي الظاهــر‪،‬‬ ‫يتــم إعــادة‬
‫َّ‬ ‫الشــيوعية قــد انتهــت‪ ،‬وأن هــذه الفكــرة لــن‬
‫لكنهــم مختلفــون حقـاً‪ :‬عيــون مختلفــة‪ ،‬ورمــوش مختلفة‪،‬‬ ‫صياغتهــا بــأي شــكلٍ مــن األشــكال‪ ،‬ال اإلمبرياليــة‪ ،‬وال أي‬
‫وآذان مختلفــة‪ ،‬وكل شــيء آخــر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن هذه الرغبة‬ ‫شــيء آخــر‪ .‬اتضــح أننــا لــم نكــن علــى صــواب‪ .‬الشــيوعي‬
‫العا َلــم‪ ،‬كمــا أعتقــد‪ ،‬هــي تبســيط يق ّلــل مــن‬ ‫فــي توحيــد َ‬ ‫ـرة أخرى‪،‬‬ ‫لــم يمــت‪ .‬الفــرد األحمــر يقــوم بتغييــر أشــكاله مـ ّ‬
‫مســتوى الثقافــة‪.‬‬ ‫ويتحــول‪.‬‬
‫َّ‬
‫الممكــن فهم مثل هذه األنشــطة‬ ‫ُ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫كان‬ ‫فــي الماضــي‪،‬‬ ‫يدمر‬
‫ِّ‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـخص‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـذا‬‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـدث‬‫ـ‬ ‫يح‬ ‫أن‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫يمك‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فيم‬ ‫أفكــر‬
‫علــى أنهــا رجعيــة‪ ،‬ولكــن فــي الوقــت الحاضــر‪ ،‬فــي القــرن‬ ‫خاركيــف‪ ،‬ويســويها تمامـ ًا بــاألرض‪ .‬هــذه المدينــة الجميلة‬
‫الحــادي والعشــرين‪ ،‬هــذه األشــياء غيــر مقبولــة تمامــاً‪.‬‬ ‫ـدي عالقــة شــخصية للغايــة‬ ‫التــي أحببــت زيارتهــا‪ .‬كانــت لـ ّ‬
‫هــذا يعنــي فقــط أن روســيا لــم تنجــح فــي االنضمــام إلــى‬ ‫بهــذه المدينــة‪ .‬كيــف تدمرهــا وتمســحها مــن علــى وجــه‬
‫المشــترك‪ .‬ظلــت فــي ضواحــي الحضــارة‪،‬‬ ‫عالَمنــا الكبيــر ُ‬ ‫العا َلــم اآلخــر‪،‬‬ ‫األرض؟ كيــف يمكنــك أن تحــاول هــدم هــذا َ‬
‫وهــي تظهــر لنــا عدوانيــة بأقصــى شــكلٍ ممكــن‪ .‬الكثيــر مــن‬ ‫والعالَم األوكراني‪.‬‬ ‫هــذه الحضارة؟ كل الحضــارة األوكرانية َ‬
‫«العا َلــم الروســي»‪،‬‬
‫َ‬ ‫النــاس غيــر مرتاحيــن بالفعــل لعبــارة‬ ‫كيــف تنكــر حقهــا فــي الوجــود؟ لمــاذا؟‬
‫ألنــه مــاذا يعنــي عالَــم مختلــف‪ ،‬عالَــم أفضــل؟ عندمــا‬ ‫ـدث‬ ‫هــل تســتطيع أن تتخيــل كائنــات فضائيــة ‪-‬أنــا ال أتحـ َّ‬
‫نكــون مختلفيــن‪ ،‬عندمــا يكــون لدينــا العديــد مــن األفــكار‬ ‫حتى عن دول حقيقية‪ -‬يقولون‪« :‬حســناً‪ ،‬الشــعب الروســي‬
‫المختلفــة‪ ،‬عندمــا يكون لدينا العديد من األفكار واألشــكال‬ ‫ُ‬ ‫العالَــم الروســي مجــرد أســطورة»‪ .‬مــاذا‬ ‫غيــر موجــود؛ َ‬
‫المثيــرة لالهتمــام‪ ،‬ومحــاوالت العثــور علــى معنــى الحيــاة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ســيحدث لروســيا؟ كيــف ســيكون شــعور الــروس؟ مــاذا‬
‫عندمــا عــدت إلــى موطنــي‪ ،‬لــم أتمكــن مــن تشــغيل‬ ‫تحملــوه حتــى نزلــوا إلى هذا‬ ‫حــدث لهــم؟ مــا اإلذالل الــذي ّ‬
‫التليفزيــون‪ ،‬ألنــه فــي كل ســاعة كنــت أســمع أنــه لدينا اآلن‬ ‫الحــد؟ واآلن أفهــم قــوة وكرامــة األوكرانييــن الذيــن يموتون‬
‫صواريــخ جديدة‪ ،‬وبعض الســفن الرائعة الجديدة‪ ،‬وبعض‬ ‫ولكنهــم يدافعــون عــن أنفســهم‪ ،‬ويدافعــون عــن عالَمهم‪،‬‬
‫ـدق‪ ،‬والدبابــة التي لــم يمتلكها حتى‬ ‫الغواصــات التــي ال تصـ َّ‬ ‫ويدافعــون عــن حــق أطفالهــم فــي أن يكونــوا أوكرانييــن‪،‬‬
‫األميركيــون‪ِ .‬قيــل هــذا دائمـا بحمــاس خــاص‪ .‬عندمــا كنــت‬
‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ويتحدثــون لغتهــم الخاصــة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أســتمع إلــى كل ذلــك‪ ،‬كنــت أفكِّ ــر‪« ،‬يــا إلهي‪ ،‬لــم يكن حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬اتضــح أننــي أذهــب إلــى أبعــد مــن ذلــك مــع هــذا‬
‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬الــذي حاول علــى األقــل التخلّص من‬ ‫الشــخص األحمر‪ ،‬وأرى كيف يقتربون من شــيء أخشــى أن‬
‫الماديــة واالرتقاء بهــذه الثقافة الروســية العظيمة‬ ‫ّ‬ ‫الثقافــة‬ ‫أقولــه بصــوت عــالٍ ‪ -‬الفاشــية‪ .‬نحــن نتعامــل مــع الفاشــية‬
‫فــي القرن التاســع عشــر»‪.‬‬ ‫الروســية‪ ،‬بصــدد التشــكُّ ل أمــام أعيننــا‪.‬‬
‫اليــوم ال توجــد حتــى الثقافــة الروســية علــى هــذا‬
‫المســتوى الروحــي العــام‪ ،‬علــى مــا يبــدو‪،‬‬ ‫أحد جوانب مشكلة الفاشية التي واجهناها كثيراً مؤخراً‬
‫المســتوى‪ ،‬ألن ُ‬ ‫ُ‬
‫العا َلــم‪ ،‬ربمــا‪ ،‬يختبــر هــذا الســقوط‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كل‬ ‫اآلن‬ ‫ـع‪.‬‬‫ـ‬ ‫تراج‬ ‫ـد‬ ‫قـ‬ ‫هــو االنبهــار بفكــرة «العظيــم»‪ :‬كل األشــياء عظيمة‪ ،‬اجعل‬
‫تم اســتبداله‬ ‫ألن الســر البشــري ‪-‬هــذه مجــرد فرضيتــي‪ -‬قد َّ‬ ‫أميــركا عظيمــة مـ ّـرة أخــرى‪ ،‬الهــوس بالعظمــة فــي روســيا‬
‫بالمعلومــات‪ ،‬وســر الحيــاة ال عالقــة لــه بهــذه المعلومات‪.‬‬ ‫الــذي نــراه فــي الحــرب والدعايــة‪ ،‬روســيا العظمــى‪ .‬ســؤالي‬
‫إن ســر الحيــاة شــيء أكثــر تعقيــداً‪ ،‬شــيء ال يمكــن فهمــه؛‬ ‫تشــخصين جاذبيتهــا؟ مــا الــذي‬ ‫ّ‬ ‫مــن جزأيــن‪ .‬أو ً‬
‫ال‪ ،‬كيــف‬
‫يمكننــا فقــط الرقــص حولــه‪ ،‬والنظــر‪ ،‬والتعجــب‪ ،‬ولكــن ال‬ ‫يحافــظ علــى هــذه األســطورة‪ ،‬مــا الــذي يجعــل مــا وراء‬
‫نســتبدله بهــذه المعلومــات‪ ،‬بالكيلوبايــت‪ ،‬والجيجابايــت‪.‬‬ ‫الســرد قائمـ ًا فــي عصرنــا؟ ثانيـ ًا‪ ،‬كيــف ينبغــي لهــذا االعتقــاد‬
‫أعتقــد أن التكنولوجيــا قد جعلت عالَمنــا أكثر تعقيد ًا وأكثر‬ ‫يغيــر عالقتنــا بالثقافــة الروســية‪ ،‬إذا كان‬ ‫فــي «العظمــة» أن ّ‬
‫تبســيطاً‪ ،‬فكريـاً‪.‬‬ ‫ينبغــي بالفعــل تغييرهــا؟‬

‫أعتقــد‪ ،‬أيضــ ًا‪ ،‬أنــه يمكــن اعتبــار تهديــد الدعايــة أحــد‬ ‫‪ -‬نعــم‪ ،‬هــذا ســؤال مثيــر لالهتمــام‪ .‬أخشــى كلمــة‬
‫أشــكال مشــكلة المعلومــات المذكــورة‪ .‬هنــاك فكــرة أن‬ ‫ـرة فــي الحــرب فــي صربيا‪،‬‬ ‫«عظيــم»‪ ،‬وخاصــة اآلن‪ .‬كنــت مـ ّ‬
‫الدعايــة ال تنجــح ّ‬ ‫وســمعت عــن «صربيــا العظمى»‪ .‬نحــن نعلم كيــف انتهت‪.‬‬
‫إل إذا شــارك الســكّ ان افتراضاتهــم‬
‫ونعلــم جميعـ ًا كيــف انتهــت «ألمانيــا العظيمــة»‪ .‬اآلن لدينا‬
‫المؤســس‬ ‫(المحـ ِّـرر ُ‬
‫األساســية‪ ،‬وكتــب «ميخائيــل زيغــار»‪ُ ،‬‬ ‫«روســيا العظمــى»‪ .‬دائمـ ًا مــا ينتهــي ذلــك بالــدم‪ .‬ال توجــد‬
‫لقناة ‪ ،)Dozhd‬آخر قناة إخبارية روسية مستقلة‪ ،‬مؤخراً‬
‫ـوع‪.‬‬
‫طريقــة أخــرى‪ ،‬ألن المنظــور البشــري مبنــي علــى التنـ ُّ‬
‫أن روسيا تشبه رئيسها بشكلٍ متزايد‪ .‬هل توافقين على أن‬
‫كلنــا مختلفــون‪ .‬حتــى جيراننــا‪ ،‬حتى أفــراد األمــة الواحدة‪،‬‬
‫الشــعب الروســي ككل‪ ،‬مــن الناحيــة األيديولوجيــة‪ ،‬يوافــق‬
‫كلنــا مختلفــون‪ .‬كــم نحــن مختلفــون!‬
‫رئيســه بشــكلٍ متزايــد فــي موقفــه وأهدافــه؟‬ ‫األذربيجانيــون واألرمــن واألوكرانيــون‪ ،‬أيــ ًا كان ‪ -‬إنــه‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ال أعتقــد ذلــك‪ .‬فــي النهايــة‪ ،‬ســتفوز الثالجــة علــى‬ ‫ـون بالكامــل والمشــرق‪ .‬ليــس مــن قبيــل‬ ‫العا َلــم ُ‬
‫الملـ َّ‬ ‫هــذا َ‬
‫المشــكلة تكمن أيض ًا في‬
‫جهــاز التليفزيــون‪ .‬لكننــي أقول إن ُ‬ ‫المصادفــة أن الــرب جعلنــا نختلــف عــن الخــارج‪ .‬يمكنــك‬ ‫ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪81‬‬
‫ـم جرهــا مــن قــاع الهاويــة إلــى وضــح النهــار‪ ،‬كل‬‫التــي تـ َّ‬ ‫ـدث‬ ‫أننــا‪ ،‬نحــن الديموقراطييــن فــي التســعينيات‪ ،‬لــم نتحـ َّ‬
‫هــؤالء ســولوفيفس وكيزيليــف‪ ،‬كل مــا يقولونــه‪ ،‬ليــس‬ ‫إلــى النــاس بمــا فيه الكفاية‪ .‬كنا نظن أن ســقوط الشــيوعية‬
‫بالصحافــة‪ .‬إنهــا جريمــة‪.‬‬ ‫العالَم‬ ‫كان واضحـ ًا جــد ًا وأن هــذا االنتصــار‪ ،‬انتصارنــا علــى َ‬
‫القديــم ســيأتي غــداً‪ .‬غــد ًا ســنكون أحــراراً‪ .‬ركضنــا حــول‬
‫تخيــل‬
‫ال‪ ،‬إذا كان بإمكاننــا ُّ‬ ‫بمالحظــة أكثــر تفــاؤ ً‬
‫نختــم ُ‬ ‫حرية!» لكــن لم يكن‬ ‫«حريــة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ســاحات المدينــة‪ ،‬وصرخنــا‪،‬‬
‫أوكرانيــا وأوروبــا بعــد الحــرب‪ ،‬مــا الــذي تأمليــن رؤيتــه؟‬ ‫لدينــا أي فكــرة عمــا كان عليــه األمــر‪ ،‬وأنــه كان يتطلــب م ّنــا‬
‫والعا َلــم كلــه وأميــركا أوكرانيــا‪.‬‬ ‫الكثيــر مــن العمــل‪ ،‬وأنهــا عمليــة طويلــة جــداً‪ ،‬لــن نحصــل‬
‫‪ -‬آمــل أن تســاعد أوروبــا َ‬
‫هــم جــد ًا أن تفــوز أوكرانيــا‪ .‬إذا فــازت أوكرانيــا‪،‬‬ ‫العا َلــم ال يســير علــى هــذا النحــو‪.‬‬ ‫عليهــا فــي الغــد‪َ .‬‬
‫الم ّ‬‫مــن ُ‬
‫هــل يمكنــك أن تتخيــل أنــه إذا عــاش الناس في معســكر‬
‫حرة‪ ،‬وأعتقد أن الشــعب الروسي‬ ‫فســتكون بيالروســيا أيض ًا ّ‬
‫ســوف يســتيقظ أيضـ ًا مــن نومــه الخامــل‪ ،‬خاصــة اآلن بعــد‬ ‫ـم ُســمح لهــم بالخــروج بالقــرب‬ ‫اعتقــال طــوال حياتهــم‪ ،‬ثـ َّ‬
‫المخيــم‪ ،‬فإنهــم يصبحــون أحــرار ًا فــي تلــك‬ ‫مــن بوابــات ُ‬
‫ـرة‪ .‬ال‬ ‫أن وقفــت أوروبــا معـ ًا بثبــات علــى هــذا النحــو ألول مـ ّ‬
‫وتصرفــوا‬ ‫أتذكّ ــر فــي الســابق أن أدرك الجميــع وجــود خطــر‬ ‫اللحظــة؟ ال‪ ،‬لقــد دخلــوا ببســاطة فــي مســاحة مختلفــة‪.‬‬
‫َّ‬
‫فــي انســجام مثــل اليــوم‪.‬‬ ‫المخيــم إلــى الحيــاة الطبيعيــة‪،‬‬ ‫فــي الواقــع‪ ،‬لقــد أعــادوا ُ‬
‫مــرة أخــرى‪ :‬إننــا نشــهد أمــام أعيننــا والدة‬ ‫وســيعيدون بنــاء المخيــم هنــاك‪ .‬هــذا مــا تفعلــه روســيا‬
‫ســأقولها ّ‬
‫الفاشــية‪ ،‬ويجــب أن نحاربهــا‪ .‬إذا فــازت أوكرانيــا‪ ،‬فســتكون‬ ‫المخيــم‪ .‬إنــه بنــاء االتحاد الســوفياتي‬ ‫اآلن‪ .‬إنهــا تبنــي هــذا ُ‬
‫ـد مختلــف‪ .‬كل واحــد م ّنــا ســوف‬ ‫البدايــة‪ .‬ســنعيش فــي بلـ ٍ‬ ‫أســوأ ممــا كان عليــه مــن قَبــل‪.‬‬
‫يســاعد أوكرانيــا علــى إعــادة البنــاء‪ .‬سنســاعد األجيــال‬ ‫أعتقــد أن فكــرة بوتيــن هــي بنــاء اإلمبراطورية الروســية‪،‬‬
‫قدمــة‬ ‫اإلمبراطوريــة القيصريــة‪ .‬لقد كشــف لنا أخطاءنــا‪ .‬يجب أن‬
‫الم ِّ‬‫الجديــدة علــى التعافــي‪ .‬ســنضع التعليــم فــي ُ‬
‫والمركــز‪ ،‬ألن هــذه هــي الطريقــة الوحيــدة للحــاق بالركب‪،‬‬ ‫ـدث مــع النــاس‪ .‬لقــد أنفــق مبلغـ ًا ضخمـ ًا مــن المــال‬ ‫تتحـ َّ‬
‫ال وقبــل كل شــيء إلــى‬ ‫ولكــن مــن أجــل ذلــك نحتــاج أو ً‬ ‫علــى شــيئين خــال ســنوات الوفــرة الطاقيــة‪ :‬الدعايــة‬
‫الفالســفة‪.‬‬ ‫والجيــش‪ .‬لــم يالحــظ النــاس حتــى كيــف عســكر البــاد‪.‬‬
‫نحــن بحاجــة إلى تقديــم معنى جديد‪ ،‬وخيــارات جديدة‬ ‫حســناً‪ ،‬لقــد رأينــا أنهــا لــم تكــن ناجحــة‪ ،‬الحــرب الخاطفــة‬
‫ـة مــا‪ ،‬وعــدم الوقــوف فــي مــكانٍ واحد وعدم تســمية‬ ‫بطريقـ ٍ‬ ‫فــي أوكرانيــا‪.‬‬
‫األشــياء ‪-‬بوتيــن‪ -‬بأســمائها‪ .‬دعنــا نقــل لمــاذا حــدث ذلــك‪،‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد أنفق الكثير مــن المال على التسـلّح‪ .‬ال‬
‫ولمــاذا لــم يكــن لــدى الشــخص الــذي أطــاح بالشــيوعية‬ ‫نعــرف علــى مــاذا أنفــق وكيــف سيســتخدمه‪ .‬بــل لــم نالحظ‬
‫التحمــل لســحقها حقـاً‪ ،‬ولمــاذا لــم يتمكنــوا‬ ‫القــدرة علــى‬ ‫ـم اســتبدال‬ ‫ـر كيــف تـ َّ‬‫ذلــك أص ـاً‪ .‬بالعيــش هنــاك‪ ،‬لــم نـ َ‬
‫ُّ‬ ‫حياتنــا بشــيء آخــر‪ .‬لــم يكــن هذا هو ســبب ذهابنــا إلى تلك‬
‫يتقدمــون إلــى األمــام‬ ‫َّ‬ ‫مــن نســيان الماضــي‪ ،‬ولمــاذا بــدؤوا‬
‫المظاهــرات الضخمة في التســعينيات‪ .‬أردنــا حياة مختلفة‬ ‫ُ‬
‫ولكــن فــي الواقــع لقــد انتهــى بهم األمــر من حيــث انطلقوا‪،‬‬
‫ـرة‪ ،‬ولكــن علــى مــاذا حصلنــا؟ حصلنا على نفس الشــيء‬ ‫حـ ّ‬
‫ولمــاذا انتهــى الماضــي أمامهــم‪.‬‬
‫الــذي تركنــاه وراءنــا‪ .‬ســئم الشــخص األحمر بســرعة كبيرة‬
‫ســيكون هــذا الوقــت الــذي ســنرى فيــه والدة العديــد‬
‫المعقَّدة‪.‬‬ ‫الحريــة‪ ،‬مــن تلــك العمليــة ُ‬ ‫ّ‬ ‫ممــا كان يعتقــد أنهــا‬
‫مــن األشــياء الف ّنيــة واإلبداعيــة‪ .‬مــا ولــد فــي ثورتنــا علــى‬
‫إنــه أمــر صعــب ‪ -‬الحاجــة إلــى التفكير كثيــر ًا واتخــاذ الكثير‬
‫ســبيل المثــال‪ .‬لقــد اندهشــت عندمــا ذهبــت إلــى المســيرة‬
‫مــن القــرارات‪ .‬لــم تكــن لدينــا مثــل هــذه التجربة‪.‬‬
‫أر قــط الكثيــر‬ ‫األولــى‪ .‬يــا إلهــي مــن أيــن أتــى هــؤالء؟ لــم َ‬ ‫لذلــك اليــوم‪ ،‬ال أعــرف كيــف‪ ،‬لكــن ‪ 67‬بالمئــة‪ ،‬وفقــ ًا‬
‫من األشــخاص الجميلين‪ ،‬والنســاء الجميالت‪ ،‬والفســاتين‬
‫للخدمــات االجتماعيــة الحكوميــة‪ ،‬أو حتــى مــا تكشــفه‬
‫زينــة بالــورود‪ ،‬والجميــع يبتســم‪ ،‬واألطفــال‬ ‫الم َّ‬
‫البيضــاء ُ‬
‫يتجولــون‪ .‬كان عالَمـ ًا لــم يكــن بوســعي تخيلــه‪ .‬كان مخبــأ‪ً.‬‬ ‫اســتطالعات الــرأي البســيطة لألشــخاص فــي الشــارع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫هنــاك أكثــر مــن ‪ 50‬بالمئــة يدعمــون بوتين‪ .‬لقد اندهشــت‪:‬‬
‫لــم أره مــن قَبــل‪ .‬أعتقــد أن البشــرية لديهــا الكثيــر مــن‬
‫يتجول في الميدان األحمر ويســتطلع آراء الناس‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫صحافي‬
‫الطاقــة الخفيــة‪ .‬نحتــاج فقــط إلــى تخليــص أنفســنا مــن‬
‫كل شــخص يقــول لــه‪« ،‬نعــم‪ ،‬إنــه رئيســي‪ .‬نعــم‪ ،‬نعتقــد‬
‫هــذه الغطرســة‪ ،‬مــن بدائيــة األنظمــة االســتبدادية‪ ،‬التــي‬
‫أنهــا عمليــة وقائيــة»‪.‬‬
‫وتهددنــا‪ .‬علينــا ببســاطة أن‬ ‫ِّ‬ ‫ال تــزال باقيــة‪ ،‬مــا زالــت باقيــة‬
‫ـم يقــول‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـوس‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫الكاب‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫الفظيع‬ ‫كل هــذه األشــياء‬
‫نتغ َّلــب علــى هــذا التهديــد‪.‬‬
‫شــخص مــا‪ ،‬مث َّقــف للغايــة‪ ،‬مث َّقــف بمظهــره‪« ،‬نعــم‪ ،‬إنــه‬
‫حوار‪ :‬خوسيه فيرجارا ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبدالله بن محمد‬ ‫أمــر مؤســف‪ .‬أختــي تعيــش فــي خاركيــف‪ .‬إنــه ألمر مؤســف‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫أنهــا فقــدت شــقتها هنــاك‪ .‬أشــعر باأللــم تجاههــا‪ ،‬لكننــي‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪https://lithub.com/on-the-dangers-of-greatness-a-conversation-with-‬‬
‫ـرف‪ ،‬إنــه إجــراء وقائــي‪،‬‬ ‫أصــدق رئيســنا‪ .‬كان علينــا أن نتصـ َّ‬
‫‪svetlana-alexievich/‬‬ ‫وإل لكانــوا غــزاة‪ ،‬وشــنوا الحــرب»‪ .‬لذلك‪ ،‬كل هذه األشــياء‬ ‫ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪82‬‬
‫جيتانجايل رشي‪:‬‬
‫«يف انتظار الكتاب‬
‫الذي سيفلت من قبضيت»‬
‫أصبحـ�ت «جيتانجـ�ايل رشي» أول مؤ ِّلفـ�ة هنديـ�ة تفـ�وز بجائـ�زة «بوكـ�ر» العامليـ�ة‪ ،‬عـ�ن روايتهـ�ا« «�‪Ret Sama‬‬
‫‪ »dhi‬التــي ترجمتهــا «ديــزي روكويــل» إىل اإلنجليزيــة «‪ - Tomb of Sand‬قــر الرمــل»‪ .‬تــروي قصــة امــرأة مسـ َّنة‬
‫تعيــش حالــة اكتئــاب بعــد وفــاة زوجهــا‪ .‬يف أحــد األيــام خطــر ببالهــا الســفر إىل باكســتان لتشــهد بنفســها صدمــة‬
‫تقســيم الهنــد وباكســتان يف عــام (‪« .)1947‬قــر الرمــال» ترشيــح ملشــاعر املــرأة وهــي تتصالــح مــع ماضيهــا ومــع‬
‫ـم ترشــيحها يف القامئــة القصــرة لجائــزة «بوكــر» الدوليــة لهــذا العــام‬ ‫تحدثنــا معهــا بعــد أن تـ َّ‬
‫دورهــا كامــرأة وأم‪َّ .‬‬
‫بخصــوص الروايــة األوىل وتجربتهــا اإلبداعيــة الناشــئة‪.‬‬

‫عاصريــن‪ ،‬مثــل‬‫الم ِ‬ ‫كارناتــاكا‪ ،‬كيــراال‪ ،‬والكُ َّتــاب الهنــود ُ‬ ‫هــل يمكننــا التعـ ُّـرف عليــك؟ طفولتــك‪ ،‬تعليمــك‪ ،‬وكيــف‬
‫كريشــنا ســوبتي‪ ،‬ونيرمال فيرما‪ ،‬وشريالل شوكال‪ ،‬وفينود‬ ‫أصبحــت كاتبة‪...‬؟‬
‫كومــار شــوكال‪ ،‬وغيرهــم‪ .‬وقــد أكســبني ذلك االطــاع على‬
‫‪ -‬أمضيــت طفولتــي فــي مــدن مختلفــة‪ ،‬حيــث يعمــل‬
‫ومرة أخــرى‪ ،‬رغم أني ال‬‫مجموعــة واســعة مــن األســاليب‪ّ ،‬‬
‫أعــرف التأثيــرات على كتاباتي فقد غرســوا فــي داخلي حب‬ ‫والــدي موظفــ ًا مدنيــاً‪ .‬وتلقيــت تعليمــي ُ‬
‫المبكِّ ــر فــي‬
‫المتوســطة‪ .‬لــم يكــن‬ ‫المــدارس المحليــة اإلنجليزيــة ُ‬
‫ـوع واالختــاف فــي تجربتــي اإلبداعيــة‪ .‬شــخصي ًا أرغب‬ ‫التنـ ُّ‬ ‫ارتباطــي باللّغــة واألدب الهندييــن رســمياً‪ ،‬بــل كان قــرار ًا‬
‫ِ‬
‫فــي كتابــة أنــواع مختلفــة جــد ًا مــن األعمــال ُتشــعر ُ‬
‫الق َّراء‬ ‫ـدث الهنديــة فقــط‪ .‬فــي كل مــكان‬ ‫شــخصياً‪ .‬والدتــي تتحـ َّ‬
‫ـد مــا أســتطيع‬‫ـرة! إلــى حـ ٍّ‬
‫بــأن عملــي مختلــف فــي كل مـ ّ‬ ‫مــن حولــي فــي تلــك المــدن كانــت اللّغــة الهنديــة‪ .‬قــرأت‬
‫القــول إن الروايــات الثــاث التــي كتبتهــا يمكــن أن تثيــر‬ ‫أيضــاً‪ ،‬فــي طفولتــي‪ ،‬الكثيــر مــن المجــات الهنديــة‬
‫مثــل هــذه الــردود!‬ ‫لألطفــال أكثــر مــن أطفــال المــدارس اإلنجليزيــة اليــوم‪.‬‬
‫وتشــبعت بالتقاليــد «الهنديــة» ‪ -‬حكايــات مــن رامايــان‬ ‫َّ‬
‫هل تلقيت تدريب ًا في الكتابة اإلبداعية؟‬
‫وماهابــارات والليالــي العربيــة وشيكشــيلي وبانتشــتانترا‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬لــم أتع َّلــم الكتابــة اإلبداعيــة! أليســت هــذه تقاليــد‬ ‫وكاثاساريتســاغار وبوتنــاث وشــاندراكانتا ســانتاتي‪ .‬ربمــا‬
‫أميركيــة باألســاس؟ آســفة‪ .‬أنا لســت معجبة بأميــركا! هل‬ ‫ذلــك يعــود إلــى غيــاب شــبه ك ّلــي لكُ تــب األطفــال باللّغــة‬
‫ال أدبيــة جديــرة باالهتمــام هنــاك؟‬ ‫أنتجــت دوراتهــم أعمــا ً‬ ‫اإلنجليزيــة‪ .‬لكــن ذلــك دفعنــا لتع ّلــم اللهجــات الهنديــة‬
‫كيــف صنعــت موهبتــي بنفســي إذن؟ ككاتبــة هنديــة! أنــا‬ ‫والمحليــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى الحكايــات الريفيــة واألمثــال‬
‫ـرة!‬
‫ـور قدراتــي فــي كل مـ ّ‬
‫بالممارســة! وأطـ ِّ‬‫أتع َّلــم ُ‬ ‫والخرافــات‪.‬‬

‫في روايتك «قبر الرمل»‪ ،‬تأكيد على أن العيش كامرأة‬ ‫فضليــن؟ ومــا مــدى تأثيرهــم علــى‬ ‫ــن هــم كُ َّتابــك ُ‬
‫الم َّ‬ ‫َم ْ‬
‫يعني العيش ضمن حدود‪ .‬ماذا تقصدين بذلك تحديداً؟‬ ‫تطــور تجربتــك؟‬ ‫ُّ‬
‫تــم وضــع العديــد مــن الحــدود‬‫ــدة قــرون‪َّ ،‬‬ ‫‪ -‬منــذ ِع ّ‬ ‫فضلة‪،‬‬‫الم َّ‬
‫‪ -‬كنت أعشــق األدب‪ .‬وكانت القراءة هوايتي ُ‬
‫والضوابط للنســاء‪ ،‬يخبرنهن بطبيعة دورهن وكيف ينبغي‬ ‫رغــم أنهــا كانــت عشــوائية للغايــة‪ .‬قــرأت الكثيــر مــن‬
‫لهــن أن يتصرفــن‪ ،‬وما إلى ذلك‪ .‬لذلــك لعبت تلك الحدود‬ ‫أعمــال العظمــاء الــروس‪ ،‬عظمــاء النســاء الفيكتوريــات‪،‬‬
‫دور ًا كبيــر ًا فــي نحــت شــخصياتهن‪.‬‬ ‫الكالســيكيات الفرنسية‪ ،‬كنوت هامسون‪ ،‬ماكس هافيالر‪،‬‬
‫ـإن‬
‫ـدود مرســومة‪ ،‬فـ َّ‬
‫أود قولــه‪ ،‬إذا كانــت هنــاك حـ ٌ‬ ‫مــا ُّ‬ ‫والحقـ ًا كالفينــو‪ ،‬كافــكا‪ ،‬كونديــرا‪ ،‬أدب أميــركا الالتينيــة‪،‬‬
‫ـم جــد ًا أيض ـاً‪ .‬لذلــك‪ ،‬كونــك امــرأة ال يعنــي‬
‫تجاوزهــا مهـ ّ‬ ‫األدب اليابانــي‪ ،‬الكُ َّتــاب الهنــود البنغــال‪ ،‬ماهاراشــترا‪،‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪83‬‬
‫أهمية‬
‫القائمــة الطويلــة‪ ،‬أعتقــد أننــي لــم أفهم حتى مــدى ّ‬ ‫االلتــزام بهــا فقــط‪ ،‬بــل تجاوزهــا والعبــور إلــى مــكانٍ آخر‪.‬‬
‫ذلــك‪ .‬كان األمــر مثــل‪« ،‬نعــم‪ ،‬لقــد ســمعت عــن جائــزة‬
‫«بوكــر»‪ ،‬وأنــا علــى القائمــة الطويلــة»‪.‬‬ ‫ترجمــة إلــى اللّغة اإلنجليزية‬‫والم َ‬
‫روايتــك لعــام ‪ُ ،2000‬‬
‫وبعــد ذلــك‪ ،‬بعــد أن بــدأ النــاس فــي االتصــال بــي‬ ‫أيضـ ًا «مــاي‪ :‬أم فــي صمــت»‪ ،‬أوصلتــك إلــى عا َلــم الشــهرة‪.‬‬
‫والكتابــة عــن عملــي‪ ،‬بــدأت أفهــم ببــطء أن الحضــور فقط‬ ‫تناقشين من خاللها حياة ثالث نساء من أجيالٍ مختلفة‪.‬‬
‫مهم ـاً‪ .‬وبحلــول الوقــت‬ ‫ـد أمــر ًا‬
‫فــي القائمــة الطويلــة ُي َعـ ُّ‬ ‫تتحدثيــن بالمثــل عــن نســاء مــن مختلــف‬
‫َّ‬ ‫فــي «قبــر الرمــل»‬
‫ّ‬
‫ـم ترشــيحي للقائمــة القصيــرة‪ ،‬كنــت قــد فهمــت‬ ‫الــذي تـ َّ‬ ‫األجيــال وعــن طبيعــة عالقاتهــن‪ .‬لمــاذا تفضليــن مثل هذه‬
‫مرشــح ًا للفــوز بالجائــزة‪.‬‬‫المعنــى الكامــل ألن تكــون ّ‬ ‫المواضيع؟‬
‫مهمــات علــى أي حــال‪ ،‬وألننــي‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬أعتقــد أن األمهــات‬
‫ما هو حال سوق الكتب الهندية في الهند؟‬
‫المحتمــل أن أكــون قــادرة علــى إدراك حيــاة‬ ‫امــرأة‪ ،‬فمــن ُ‬
‫‪ -‬ال يمكــن الحديــث عــن ســياقٍ واحــد‪ ،‬ويجب ّأل ننســى‬ ‫ـد‬
‫ـة خاصــة‪ .‬هنــاك بعــض األشــياء التــي ُت َعـ ُّ‬ ‫المــرأة بطريقـ ٍ‬
‫أن الكثيــر مــن المناطــق الناطقــة بالهندية فــي الهند فقيرة‬ ‫المباشــرة أو البعيدة‪ .‬وبالتالي‬ ‫جزء ًا من تجربتك الحياتية ُ‬
‫المتعلِّمون‬‫جــداً‪ .‬هنــاك أيض ًا مشــاكل فــي التعليم‪ .‬هنــاك ُ‬ ‫عبــر عــن نفســك‪.‬‬ ‫هــذه األشــياء تأتــي فقــط عندمــا ُت ِّ‬
‫المتعلميــن فــي هــذه المنطقــة‪ .‬إذا قارنــت واليــة‬ ‫وغيــر ُ‬ ‫لكن ال ننسى أن روايتي «‪»Hamara Shahar Us Baras‬‬
‫«كيــراال» (الواليــة الجنوبيــة فــي الهنــد وجميــع ســكّ انها‬ ‫ترجــم تقريب ًا بـ«مدينتنا في ذلك العام») ُنوقشــت كثيراً‪،‬‬ ‫( ُت َ‬
‫المتعلِّميــن) علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــإن الوعــي الــذي‬
‫مــن ُ‬ ‫والمســلمين‪ .‬لذلــك ليــس األمــر أنني‬ ‫وهــي عــن الهنــدوس ُ‬
‫بلغــه النــاس تجــاه األدب هنــاك ال يمكــن مقارنتــه بمــا‬ ‫أكتــب دائمـ ًا عــن األمهــات‪ ،‬بــل أكتب أيضـ ًا عــن الهندوس‬
‫يوجــد فــي المناطــق األخــرى الناطقــة باللّغــة الهنديــة‪.‬‬ ‫خيلتــي‪ ،‬فــي تجربتــي‪،‬‬ ‫ـم فــي ُم ِّ‬ ‫والمســلمين‪ .‬أي شــيء مهـ ّ‬
‫ُ‬
‫لكــن النــاس يريــدون القــراءة‪ ،‬يريــدون توفيــر المزيــد مــن‬ ‫فــي حياتــي‪ ،‬يظهــر فــي كتاباتي‪.‬‬
‫األشــياء ألنفســهم‪.‬‬
‫ال يملــك الجميــع هــذه الدرجــة مــن القــدرة الشــرائية‪.‬‬ ‫كيــف كان شــعورك بعــد ترشــيحك لجائــزة «بوكــر»‬
‫وهنــاك الكثيــر مــن النقــاش حــول أســعار الكتــب باهظــة‬ ‫العالميــة؟‬
‫الثمــن‪ ،‬وكيــف سيشــتريها النــاس العاديون؟ لهذا الســبب‬ ‫‪ -‬أنــا أعيــش فــي الهنــد وأكتــب باللّغــة الهنديــة‪ .‬لذلــك‬
‫ال يوجــد ســوى عــدد قليــل مــن مشــتري الكتــب الهنديــة‪.‬‬ ‫فــي عالمــي الخــاص‪ ،‬لــم أُفكِّ ــر حق ـ ًا فــي جائــزة «بوكــر»‪.‬‬
‫معظمهــا مــن المكتبــات‪ .‬هذه هي المشــاكل‪ ،‬لكــن الناس‬ ‫بالنســبة لــي‪ ،‬كنــت أراهــا بعيدة‪ ،‬فــي عالَم مختلــف تماماً‪.‬‬
‫يقــرؤون ويرغبــون فــي القــراءة‪.‬‬ ‫درجــة فــي‬
‫عندمــا تلقيــت األخبــار التــي تفيــد بأننــي ُم َ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪84‬‬
‫ســابق‪ ،‬وأي ـ ًا كان مــا قــد يكــون اليــوم فــي عصــر مــا َبعــد‬ ‫هــل تعتقديــن أن فــوزك بجائــزة «بوكــر» سيســاعد أيضـ ًا‬
‫العالَم‪.‬‬
‫الحداثــة وعولمــة َ‬ ‫فــي تطويــر ســوق الكتــب الهنديــة؟‬

‫إلــى أي مــدى تعتقديــن أن الكُ َّتــاب يجــب أن ينخرطــوا‬ ‫‪ -‬آمــل ذلــك‪ .‬عندمــا تكــون في دائــرة الضوء‪ ،‬ســيحصل‬
‫مــن حولــك أيضـ ًا علــى بعــض االهتمــام‪ .‬مــن الواضــح أن‬
‫فــي القضايــا العامــة؟‬
‫العالَــم الهنــدي يحظــى ببعــض االهتمــام أيضــاً‪ .‬هنــاك‬ ‫َ‬
‫ـدي ميــول وحساســية ووعــي‬ ‫‪ -‬الشــأن العــام والكُ َّتــاب‪ .‬لـ ّ‬ ‫بالفعــل هــذا الوعــي خــارج (الهنــد) بــأن هنــاك شــيئ ًا مــا‬
‫بالقضايــا العامــة‪ .‬لكنني لن أتشــاجر مع كاتبــة تقول إنها ال‬ ‫العا َلــم الهندي (فيمــا يتعلَّق باإلنتــاج األدبي)‪.‬‬ ‫يحــدث فــي َ‬
‫تهتــم‪ ،‬ولــن أدفعهــا لالهتمــام‪ .‬واألهــم مــن ذلــك‪ ،‬أعتقد أن‬ ‫المحتمل أيضـ ًا أن يكون‬ ‫ُ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫الهندي‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ّغ‬
‫ل‬ ‫وإلــى جانــب ال‬
‫للمشــاركة فــي القضايــا العامة‪ .‬ليس‬ ‫هنــاك طرقـ ًا مختلفــة ُ‬ ‫هنــاك المزيــد من الوعي واإلثــارة والفضول بشــأن اللُّغات‬
‫ـن والمســرح‬‫باشــر‪ .‬الطريــق الخفــي للفـ ّ‬ ‫الم ِ‬
‫دائم ـ ًا العمــل ُ‬ ‫ٍ‬
‫وللغات‬ ‫األخــرى‪ .‬لذلــك أعتقــد أن هــذا جيــد حقـ ًا للهنديــة‬
‫واألدب يمكــن أن يخلــق مناخـ ًا حاضنـ ًا لألصــوات واألفــكار‬ ‫أخــرى فــي الهنــد وجنــوب آســيا‪.‬‬
‫األخــرى‪ .‬علــى غرار شــخصية «جي إم كويتــزي» في عصرنا‪،‬‬ ‫ورغــم ذلــك‪ ،‬يجــب علينــا أن نتذكَّ ــر أن عا َلــم الكتابة هو‬
‫ـي جغرافيـ ًا «بوبــن كاكار»‬‫أو الشــخصية األخــرى األقــرب إلـ ّ‬ ‫فــي الواقــع عا َلــم هــادئ للغايــة وخصوصــي‪ ،‬وستســتمر‬
‫والمحايــد سياســي ًا فــي العلن‪.‬‬ ‫المثيــر للجــدل ُ‬ ‫ُ‬ ‫الكتابــة بالطريقــة التــي كانــت عليهــا حتــى اآلن‪ ،‬بغــض‬
‫النظــر مــا إذا كان عملنــا يلفــت انتبــاه اآلخــر أم ال‪ .‬ألنــه‬
‫هل أنت راضية عن إنتاجك اإلبداعي؟‬ ‫العالَم‪.‬‬ ‫فــي النهايــة‪ ،‬هنــاك كتابــة فــي كل ركــن مــن أركان َ‬
‫‪ -‬راضيــة عــن إنتاجــي اإلبداعــي؟ هــل أنــت جــادة؟ أبــداً!‬ ‫لذلــك‪ ،‬سيســتمر العمــل فــي الكتابة‪ ،‬ولكن علــى األرجح‪،‬‬
‫ويطــور‬ ‫أنــا بانتظــار الكتــاب الــذي ســيفلت مــن قبضتــي‬ ‫ســيكون هنــاك المزيــد مــن الفضــول والحــرص علــى جلبه‬
‫ِّ‬
‫أجنحتــه الخاصــة ويحلِّــق عاليــ ًا مــن تلقــاء نفســه حتــى‬ ‫إلــى دائــرة االهتمــام‪.‬‬
‫أشــعر بالســعادة فــي رحلتــه الجميلــة‪ .‬ألمــح إشــارات عــن‬
‫ما الذي يجب القيام به للوصول إلى جمهور أوسع؟‬
‫قــرب تحقيــق ذلــك فــي بعــض األحيــان‪ ،‬ولكــن ليــس أكثــر!‬
‫‪ -‬للوصــول إلــى جمهــور أوســع‪ ،‬يجــب أن يصبــح التعليم‬
‫ما الفرق بين رواية القصة وكتابة القصة؟‬ ‫ضرورة أساســية‪ .‬ولكن أيض ًا شــبكة تســويق أفضل‪ ،‬ودعاية‬
‫‪ -‬أعتقــد أن هنــاك دائم ـ ًا فرق ـ ًا بيــن ســرد قصــة وكتابــة‬ ‫أكبــر‪ ،‬وترجمــات أكثــر جــودة‪ ،‬وأكبــر عــدد ممكن مــن أنواع‬
‫القصــة رغــم أن الهــدف مــن كليهما هو «ســرد» فــي النهاية‪.‬‬ ‫المنتديــات األدبيــة تمنــح اللّغة الهنديــة منصة أكبر‪.‬‬‫ُ‬
‫واختــاف الجمهــور أحــد األســباب الرئيســية لذلــك‪ .‬أحيانـ ًا‬ ‫المؤكَّ ــد أن عملــي لــو كتــب باإلنجليزيــة لوصــل إلى‬
‫مــن ُ‬
‫متغيــر ًا ومرئي ـاً‪ ،‬ويكــون الــراوي مكشــوف ًا‬ ‫يكــون الجمهــور‬ ‫جمهــور أوســع‪ .‬فــي أقــلّ مــن عــام مــن ترجمــة روايتــي‬
‫ِّ‬ ‫بمراجعــات‬
‫ومتغيــر وارتجالــي فــي‬
‫ِّ‬ ‫أيض ـاً‪ ،‬ممــا يســمح بــأداء مباشــر‬ ‫«مــاي» باللّغــة اإلنجليزيــة‪ ،‬حظيــت أعمالــي ُ‬
‫«الســرد»‪ .‬وأحيانــ ًا أخــرى‪ ،‬يتســ َّتر القــارئ‪ ،‬وســرعان مــا‬ ‫المقابــات والصــور أكثــر ممــا‬‫عديــدة وقمــت بعــدد مــن ُ‬
‫ويتحــول «الحكــي» إلــى «حكايــة‬ ‫يختفــي الكا ِتــب أيضــاً‪،‬‬ ‫عشــته فــي عشــر ســنوات منــذ ظهورهــا باللّغــة الهنديــة!‬
‫َّ‬ ‫أنــا أكتــب باللّغــة التــي أتقنهــا وأحبهــا‪ .‬لكــن هــل هنــاك‬
‫متغيــر فــي هــذه الحالــة‬
‫ِّ‬ ‫مرويــة» ثابتــة نســبياً‪ .‬هنــاك أداء‬ ‫ّ‬
‫تغيرين الذين ســيقرؤون‪ ،‬ويســمعون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مشــكلة لــو نجحــت الترجمــة فــي الوصــول إلــى عــدد أكبر‬
‫الم ِّ‬ ‫ـراء ُ‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ـع‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫أيضـ‬
‫ـراء والمزيــد مــن العائــدات؟!‬
‫ـم ســيدركون معانــي وإيقاعــات وصــور ًا مختلفــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫ثـ َّ‬ ‫القـ َّ‬
‫مــن ُ‬
‫ســوف نكــون دائمـ ًا فــي مواجهــة هــذا االختــاف غيــر القابل‬ ‫كيــف ينظــر الغــرب إلى الهند؟ وهل هناك صورة واحدة‬
‫لالختــزال بيــن الشــفهي والمكتــوب‪.‬‬ ‫للهنــد في ذهن الغرب؟‬
‫هل أنت نسوية قوية في الواقع كما في روايتك؟‬ ‫‪ -‬صــورة الهنــد فــي عقــول الغــرب؟ وهل يمكــن أن تكون‬
‫هنــاك صــورة واحــدة! ّإل فــي عقــول الحمقــى‪ .‬فــي الواقــع‬
‫‪ -‬ال أعــرف كيــف‪ ،‬لمــاذا‪ ،‬وأي شــكل مــن النســوية يمكــن‬
‫ـددة هنــا! لكــن مــن الناحيــة االنطباعيــة‪،‬‬‫هنــاك صــور متعـ ِّ‬
‫حساســة‬
‫اســتنتاجه مــن الكتــاب‪ .‬أعتبــر نفســي شــخصية ّ‬ ‫مــا أجــده حاضــر ًا بقوة هو غزو الهند للغــرب ‪ -‬التليفزيون‪،‬‬
‫تجــاه النســاء وتجاربهــن‪ ،‬ولكن ليــس كنســوية أيديولوجية‬
‫المالبــس‪ ،‬الديكــور‪ ،‬المطبــخ‪ ،‬الناس في الشــارع‪ ،‬إجما ً‬
‫ال‬
‫صارمة‪.‬‬
‫حضورنــا الفخــم للغاية! رغم أني لســت خبيرة في عالقات‬
‫حوار‪ :‬إليزابيث جرينير ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبدالله بن محمد‬ ‫الترابــط‪ّ ،‬إل أنــي ال أصــدق أن هــذه ليســت عالقــة تفاعليــة‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ـم تشــكيل «ثقافــات» جديــدة‪،‬‬ ‫إبداعيــة للغايــة‪ ،‬حيــث يتـ ُّ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪https://www.outlookindia.com/website/story/im-waiting-to-write-‬‬
‫وحيــث لــم تكــن الهنــد مجــرد شــريك ثانــوي‪ ،‬مهمــا كان‬
‫‪the-book-which-will-slip-out-of-my-grasp/211369‬‬ ‫المســاواة بيــن هــذا الغــرب والهنــد فــي وقـ ٍ‬
‫ـت‬ ‫تاريــخ عــدم ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪85‬‬
‫ميشيل بوتور‬

‫بحوث‬
‫‪98‬‬
‫العـامل‬
‫الـذي نعيـش فيـه يتغـر‬
‫ِّ برسعـة كبـرة‪ .‬والتقنيـات‬ ‫التقليديـة‬

‫يف ال ّر َواية ال َ‬
‫للـرسد‪ ،‬مل تعد صالحة ال‬

‫ميشيل بوتور‬
‫سـتيعاب جميع العالقات‬

‫جديدة‬
‫الجديـدة التـي‬
‫تنشـأ عـن هـذا الوضـع ا‬
‫لجديـد‪ .‬وإن التفتيـش‬ ‫عـن األشـكال ا‬
‫ا‬ ‫ة‬‫بقـو‬ ‫ت‬
‫َّـع‬ ‫تتم‬ ‫لجديـدة الخياليـة التـي‬
‫ّ سـتيعاب‬ ‫كـرى‪،‬‬
‫يلعـب‪ ،‬دوراً حاسـا يف‬
‫تحيـن مفهومنـا للواقـع‬ ‫اآلين‪ ..‬لكننـا‬
‫نعـرف جيـداً أن هنالـك‬
‫أوضاعـ ًا تتصـف بعـدم‬ ‫القـدرة عـى‬
‫االنعـكاس‪ ،‬وال تقـوم ّإال‬
‫بالوهـم الـذي تسـبغه‬ ‫عـى مو‬
‫ضوعهـا‪ ،‬وإليهـا تنتمـي تلـك ا‬

‫بحوث في الرّ وَ اية َ‬


‫ألعـال األدبيـة التـي ال‬ ‫تظهـر‬ ‫أن‬ ‫ميكـن‬
‫الوحـدة يف داخلهـا‪،‬‬
‫وإليهـا تنتمـي مواقـف‬ ‫الروائيـن الذيـن ال‬
‫ِّ‬
‫يتسـاءلون عـن طبيعـة‬
‫صحة‬‫عملهـم وعن ّ‬ ‫األشـكال‬
‫التـي يسـتعملونها‪ ،‬هـذه ا‬
‫ألشـكال التـي ال ميكـن أن‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫تنعكـس‬
‫عـى الفـور‪،‬‬ ‫تكشـف‪،‬‬
‫عـن تقصرهـا وكذبهـا‪،‬‬ ‫ألشـكال‬ ‫وهـذه ا‬

‫الجديدة‬
‫صـورة‬ ‫تعطينـا‬ ‫التـي‬
‫عـن الحقيقـة تناقـض كلّ‬ ‫املناقضـة ا‬
‫لحقيقـة التـي جعلتها تـرى‬
‫النور‪ ،‬والتـي تحاول أن‬ ‫ت‬
‫خفيهـا‪ .‬هنـا خـداع ينبغي‬
‫للناقـد أن يكشـفه‪ ،‬ألن أعا ً‬
‫ال أدبية‬ ‫كهـذه‪ ،‬مـع‬
‫كلّ مـا تتمتَّـع بـه مـن‬
‫روعـة‪ ،‬تُبقـي عـى الظـالم‪،‬‬ ‫وتزيـده‬
‫قضاتـه‪،‬‬ ‫متنا‬ ‫يف‬ ‫حلكـة‪ ،‬وتبقـي الضمـر‬
‫ويف عـاه‬ ‫الـذي‬
‫يخـى أن يقـوده إىل‬
‫أسـوأ حـاالت الفـوىض‪.‬‬

‫ترجمة‪ :‬فريد أنطونيوس‬


‫ترجمة‪:‬‬

‫يوليو ‪2019‬‬
‫فريد أنطونيوس‬
‫صدر في‬

‫‪97‬‬
‫ُ‬
‫أ ْغ ِن َّي ُة ِفلِسْ طِ ْ‬
‫ني‬
‫خوان مانويل روكا‬

‫ْت َز ْهر ًة‬ ‫َرأَي ُ‬


‫َ تُشْ ِب ُه ِم ْنقَا َر الطُّوقَانِ ‪،‬‬
‫َرأَي ُ طِ‬
‫َم َن فِـي الحَدِ ي َقةِ‪،‬‬ ‫ْت ْفالً يَ ْعز ُِف الك َ‬
‫ْت الرِّيحَ تَع ُ‬ ‫َرأَي ُ‬
‫ْب ُمت َ ْ‬
‫َس ِبلَ ًة ِبأَشْ جَا ِر الج ْو ِز‬
‫لَ ِكنِّي اليوم‬
‫حدَّثَ‬‫َ ْ َ الَ أسْ تَطِ ي ُع أَ ْن أَتَ َ‬
‫خر سِ و‬ ‫ش ٍء آ َ‬ ‫عَنْ َ ْ‬
‫َ َى َزهْر ِة دَمٍ فِـي ب َْيُوتَ ‪،‬‬
‫صانع الـمرايا‬

‫خ َتلِ َفة عنْ طِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُم ْ‬


‫جهٍ‪،‬‬ ‫فْلِ ب َْيوتَ ب َِال َو ْ‬
‫خ َتلِ َف ٍة عَنِ الرِّيح ا‬ ‫ُم ْ‬
‫ِ ملُتَس ِبلَ ِة بِاالنْتِحَابَاتْ ‪.‬‬
‫خْ و ْ‬
‫َان َمان ِْويلْ رُّوكَا‬
‫كل صَ م ٍ‬ ‫فِـي ّ‬

‫َصانِعُ الـ َم َرايَا‬


‫ْت ث َـ‬
‫َّم َة َرج ٌُل ِفلِسْ طِ ينيٌّ مُتخَف‪ٍ.‬‬
‫ِيق إلَـى بَيتِي يَ ْغدُو طَوِيالً‬ ‫الطَّر ُ‬
‫مختارات شعرية‬

‫ـي بِاتِّجَا ِه ِه‬ ‫ْشِ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬


‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ِي‬ ‫لِ نَّن‬
‫أَتَذكّ ُر أَ َّن مر‬
‫َ ْكَ َز ذَاتِـي فِـي ِفلِسْ طِ نيْ‪.‬‬
‫ح ٌد لَي َ‬ ‫َال لِـي أَ َ‬ ‫َوإِذَا ق َ‬
‫ْس ث َـ َّم َة ِفلِسْ طِ نيْ‪،‬‬
‫حِي َنئِذٍ َمركَز‬
‫ْ ُ ذَاتِـي سَ يَسْ قِي ِه العَالَمُ‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬خالد الريسوني‬

‫ْس ث َـ َّم َة َ‬ ‫حيْثُ لَي َ‬ ‫ُه َو ُهنَال َِك‪َ ،‬‬


‫حلْمِ سَ َيكُونُ‪.‬‬ ‫خرِيطَةٍ‪ ،‬فِـي ال ُ‬

‫مختارات شعرية‬
‫ت‬
‫يونيو ‪2019‬‬

‫رجمة‪ :‬خالد الريسوني‬

‫الر ّحل َ ُ‬
‫ة ا ْل َ‬
‫جوّية‬
‫‪79‬‬
‫لمر‬
‫َ‬ ‫فِي ا‬ ‫يناير‪ /‬كانون الثاني سنة‬
‫من شهر‬

‫ْكبة الهَ وا ِئيّة‬


‫ِ‬ ‫الصحيفة اإلنجليزية‬
‫ين أذاعت‬
‫» النبذة اآلتي ذكرها‪:‬‬
‫الرحلة‬

‫(من شرقي إ‬
‫فريقية إلى غربيها)‬
‫الجوية في المركبة الهوائية‬

‫وم الظالم‬
‫التي تستر عن الخاص‬
‫وأقفارها‬
‫الشاسعة من األسرار‬
‫طالما جد‬
‫في اكتشافها العلماء‬
‫خول إلى‬
‫تلك األقاليم والبطاح‪،‬‬ ‫ً‬
‫ضربا من‬
‫الجنون والخرافات‬
‫لنيل‪.»...‬‬ ‫ا‬ ‫عيون‬ ‫شاف‬

‫بعنوان‬
‫««خمسة أسابيع في‬
‫يوسف‬

‫ديب‬
‫الفرنسي الشهير «جول‬
‫اليان سركيس عن كتاب جول‬

‫‪ ،)1‬رائد‬
‫أدب الخيال العلمي‬
‫خترعات‬
‫علمية كثيرة طبعت‬

‫د مجلة‬
‫الدوحة إحياءها في‬
‫لمجاني‪ ،‬دوّ ن فيرن مغامراته‬
‫غابرييل فيرن «خمسة أسابيع‬

‫ً‬ ‫عند‬
‫صدورها‪ ،‬نجاحا لم يكن‬
‫زمنها‬
‫ُ تذكرة سفر نحو قارة‬
‫وقد ن‬
‫شرت الترجمة العربية‬
‫نوان‬
‫«الرحلة الجوية في‬
‫في منطاد» (الجزء الثاني)‬

‫يو‬
‫سف اليان سركيس‬

‫‪86‬‬
‫ديسمبر ‪2017‬‬

‫‪www.a‬‬
‫عن كتاب جول‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬


‫غابرييل فيرن «خمسة‬
‫أسابيع في منطاد»‬

‫‪59‬‬
‫(الجزء الثاني)‬

‫يوليو ‪165 2021‬‬


‫ليو تيس شني يحاور هان سونغ‪..‬‬
‫أيّ من عمالقي الخيال العلمي‬
‫هو األثرى خيا ً‬
‫ال؟‬
‫ـم اإلعــان عــن «جائــزة هوغــو» يف دورتهــا الثالثــة والســبعني‪،‬‬ ‫يف الثالــث والعرشيــن مــن آب‪ /‬أغســطس‪ ،‬تـ َّ‬
‫ـن الخيال العلمي»‪.‬‬ ‫الخاصة بفـ ّ‬
‫ّ‬ ‫بواشــنطن‪ ،‬يف الواليــات املتَّحــدة األمريكيــة‪ ،‬تلــك التــي يُطلــق عليهــا «جائــزة نوبل‬
‫فــاز الكاتــب الصينــي ليــو تــي شــن عــن عملــه «مشــكلة األجســام الثالثــة»‪ ،‬بجائــزة أفضــل روايــة‪ ،‬وهــي املـ ّـرة‬
‫ـيوي بجائــزة هوغــو‪.‬‬
‫األويل التــي يفــوز فيهــا آسـ ّ‬

‫دارت بينهمــا قبــل أربــع ســنوات‪ ،‬مــا زلــت‬ ‫صــدرت الطبعــة األولــى مــن عمــل الكاتــب‬
‫ثريــة للغايــة‪ ،‬وســنقتبس‪،‬‬ ‫أعتقــد أنهــا كانــت ّ‬ ‫ليــو تســي شــين «مشــكلة األجســام الثالثــة ‪:3‬‬
‫ممــا ورد فيهــا‪.‬‬‫هنــا‪ ،‬بعضــ ًا ّ‬ ‫نهايــة الموت»‪ ،‬في أغســطس (‪ ،)2010‬بطباعة‬
‫ً‬
‫قــال ليو تســي شــين‪« :‬بصفتــي كاتبـا للخيال‬ ‫أربعيــن ألــف نســخة ‪ ،‬لتنفــد بمــرور ثالثــة ّأيام؛‬
‫العلمــي‪ ،‬أتــوق ألن أرى الصينييــن يرفعــون‬ ‫ـرة أخــرى‪ ،‬علــى‬ ‫وهــو مــا اســتدعى طباعتهــا مـ ّ‬
‫ويمــدون‬
‫ّ‬ ‫أعينهــم عــن شــؤونهم اليوميــة‪،‬‬ ‫وجــه الســرعة‪ .‬وباعتبارهــا أكثر روايــات الخيال‬
‫أبصارهــم متطلِّعيــن إلــى الفضــاء‪ ،‬ولــو للحظــة‬ ‫جاذبيــةً فــي الصين‪ ،‬حصلــت (الطبعة‬ ‫ّ‬ ‫العلمــي‬
‫واحــدة‪ .‬فــي بعــض األحيــان‪ ،‬يمكــن أن يكــون‬ ‫اإلنجليزيــة) منهــا علــى «جائــزة هوغــو» ألفضل‬
‫ذلــك شــيئ ًا واقعي ـ ًا للغايــة» ‪.‬‬ ‫ـد هــذا تقديــر ًا كبيــر ًا لكاتــب الخيــال‬‫وي َعـ ّ‬
‫روايــة‪ُ ،‬‬
‫العلمــي القديــر ذاك‪.‬‬
‫المحــاور‪ :‬برأيكمــا‪ ،‬مــا الــذي قــد تعنيــه عبارة‬ ‫حصــل ليــو تســي شــين‪ ،‬فــي وقــت مبكِّ ــر من‬
‫«التطلُّع إلى الفضاء للحظة واحدة»‪ ،‬بالنســبة‬ ‫عــام (‪ ،)2010‬علــى جائــزة «نيبــوال» العالميــة‬
‫الصينييــن‪ ،‬فــي الوقت الراهن؟‬ ‫إلــى‬ ‫لألعمــال المكتوبــة باللغــة الصينيــة فــي دورتها‬
‫ِّ‬
‫األولــى‪ ،‬بصفتــه أفضــل كاتــب‪ ،‬عــن عملــه‬
‫‪ -‬ليو تسي شين‪ :‬يمكن القول‪ ،‬بموضوعية‪،‬‬ ‫«مشــكلة األجســام الثالثــة»‪ ،‬وفــاز معــه بهــذه‬
‫إنهــا تعنــي تغييــر التفكيــر‪ ،‬واالســترخاء لبعض‬ ‫الجائــزة‪ ،‬كذلــك‪ ،‬الكاتــب هــان ســونغ‪.‬‬
‫الوقــت‪ .‬ال أطمــح فــي الكثيــر مــن وراء ذلــك؛‬ ‫وفــي أبريــل‪ ،‬عــام (‪ ،)2011‬دعــت المجلَّة ّ ً‬
‫كل‬
‫كونــي كاتبـ ًا للخيــال العلمــي‪ ،‬ناهيــك عــن قــول‬ ‫من ليو تســي شــين‪ ،‬وهان ســونغ‪ ،‬وهما كاتبان‬
‫ذلــك اعتقــاد ًا بــأن األشــياء فــي الفضــاء أهـ ّ‬
‫ـم‪،‬‬ ‫مشــهوران فــي وســط الخيــال العلمــي الصيني‪،‬‬
‫ح ّقــاً‪ ،‬مــن تلــك الموجــودة علــى األرض‪ ،‬وأن‬ ‫للتحاور بشــأن الخيــال العلمي‪.‬‬
‫أهم ّيــةً من الحاضر‪،‬‬
‫المســتقبل‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬أكثر ِّ‬ ‫أي مــدى وصــل ثــراء الخيــال لدى‬ ‫تــرى‪ ،‬إلــى ِّ‬
‫ـاب الخيــال العلمي‪ -‬إيمان راســخ بأن‬ ‫لدينــا ‪-‬كُ ّتـ َ‬ ‫(األول‬
‫َّ‬ ‫الكاتب ْيــن‪ :‬ليــو تســي شــين‪ ،‬وهــان ســونغ‬‫َ‬
‫الفضــاء ســيكون‪ ،‬يوم ـ ًا مــا‪ ،‬أكثــر ِّ‬
‫أهم ّيــةً مــن‬ ‫مهنــدس كمبيوتــر فــي محطّ ــة كهربــاء‪ ،‬والثاني‬
‫األرض‪ ،‬لكــن‪ ،‬بالحديــث عــن الوقــت الراهــن‪،‬‬ ‫مراســل صحافي)‪.‬‬
‫إن التط ُّلــع إلــى النجمــات بالســماء هــو ضــرب‬ ‫بإعــادة‪ ،‬النظــر‪ ،‬اآلن‪،‬إلــى المحــاورة التــي‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪87‬‬
‫المحاور‪ :‬قال ليو تسي شين من قبل‪« :‬إن سبيل الخيال‬ ‫مــن ضــروب التســلية والترويــح عــن النفــس‪ ،‬يمكــن القــول‬
‫ـدي هــو ســبيل العثــور علــى بيتــي‪ .‬ال أعــرف أيــن‬‫العلمــي لـ َّ‬ ‫إنــه كذلــك بالنســبة إلــى الصينيــن‪ ،‬علــى وجــه الخصــوص‪.‬‬
‫ـي أن أذهــب للبحــث عنــه فــي‬ ‫يوجــد بيتــي؛ لــذا ينبغــي علـ َّ‬ ‫ينبغــي علينــا‪ ،‬في نهاية األمــر‪ ،‬أن نواجه الحياة على األرض‬
‫قصي»‪ .‬بينما‪ ،‬في رواية هان ســونغ «مترو األنفاق»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مكان‬ ‫ثمــة ســوء فــي ذلــك‪ ،‬علــى اإلطــاق‪ .‬يجــب‬ ‫بجد ّيــة‪ ،‬وليــس ّ‬
‫ِّ‬
‫تطورت رحلة ركّ اب قطار مترو األنفاق العائدين إلى بيوتهم‬ ‫َّ‬ ‫أن يكــون‪ ،‬لــدى ك ّتــاب الخيــال العلمــي‪ ،‬فهــم واضــح لألمر‪.‬‬
‫ـروع‪ .‬ما الــدور الذي يلعبه االنفجار‬ ‫المـ ِّ‬
‫إلــى واقــع تشـ ُّـردهم ُ‬ ‫أود أن‬
‫الحالييــن‪ّ ،‬‬ ‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬بالنســبة إلــى الصينيين‬
‫ِّ‬
‫العلمــي والتكنولوجــي فــي رحلــة العــودة إلــى البيــت كمــا‬ ‫أقــول لهــم‪ :‬حــال حــدوث إشــعاع نــووي‪ ،‬فكِّ ــروا فــي مــا إذا‬
‫تنســجها أعمالكما؟‬ ‫ثمــة ملــح علــى ســطح القمــر‪ .‬وعنــد المــرض‪ ،‬فكِّ ــروا‪،‬‬ ‫كان ّ‬
‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬فــي الموطــن الروحــي للبشــر‪ ،‬يمنــح‬ ‫ثمــة فاصوليــا خضــراء علــى ســطحه‪ .‬ليكــن األمــر‬ ‫إن كان ّ‬
‫العلــم النــاس شــعور ًا باالســتقرار واال ِّتكاليــة‪ ،‬وعلــى الرغم‬ ‫علــى هــذا النحــو‪.‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪88‬‬
‫وتقــول لــي‪ :‬مرحبـاً‪ ،‬هــذا المــكان ليــس مكانــك المناســب‪.‬‬ ‫مــن عجــز العلــم عــن إثبــات الحقيقــة المطلقــة‪ ،‬فــي نهايــة‬
‫األمــر‪ ،‬بمقــدوره إثبــات التزييــف‪ ،‬فحســب‪ ،‬وهــو ال يــزال‬
‫المحــاور‪ :‬لــكلّ منكمــا وظيفتــه المعتــادة خــارج نطــاق‬ ‫واحــد ًا مــن أقــوى أنظمــة المعرفــة البشــرية‪ ،‬وأكثرهــا‬
‫ثمــة عالقــة بيــن مــا تكتبانــه مــن خيــال علمــي‬
‫الكتابــة‪ .‬هــل ّ‬ ‫صرامــةً ‪ .‬فــي األديــان‪ ،‬يكفــي إعــان إرادة اإللــه‪ ،‬حــال عجــز‬
‫وطبيعــة مهنــة كلٍّ منكمــا‪ ،‬ومحتواهــا؟‬ ‫المــرء عــن تخميــن األشــياء غيــر الواضحة‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬من‬
‫الواضــح أن هــذا غيــر ممكــن فــي العلــم؛ فــا يعتــرف العلم‬
‫ثمــة عالقــة‪ ،‬حتــى لــو كتبــت‬ ‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬ليــس ّ‬ ‫ـوة والســلطة‪ ،‬بــل يعتــرف‪ ،‬فحســب‪ ،‬بنتائــج التجــارب‬
‫ـرة‪ ،‬فــإن ذلــك االلهــام‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ذات‬ ‫روايــة ذات صلــة بالحاســوب‪،‬‬ ‫بالقـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ومالحظــات الطبيعــة‪ ،‬وهــو بمنزلــة يــد موثوقــة تمســك بنــا‬
‫لــن يكــون منبعــه العمــل‪.‬‬
‫ـم رحلــة‬‫فــي غمــار هــذه الطبيعــة غيــر المتوقَّعــة‪ ،‬فــي خضـ ّ‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬أنــا أمتهــن الصحافــة‪ ،‬الرجــل الخــارق‬
‫ـب‬‫ـتقرة‪ ،‬تلــك التــي تم ِّثــل ريشــة فــي مهـ ّ‬
‫الحيــاة غيــر المسـ ّ‬
‫«ســوبر مــان» فــي فيلــم «ســوبر مــان» يعمــل‪ ،‬كذلــك‪،‬‬
‫الريــح‪ .‬وفــي الوقــت ذاته‪ ،‬يكشــف العلم عــن أعمق طبقات‬
‫بالصحافــة‪ ،‬بينمــا يســتغلّ وقــت فراغــه فــي إنقــاذ العالــم‪.‬‬
‫الجمــال فــي ســرح الطبيعــة؛ تلــك التــي ال يســتطيع األدب‬
‫العالقــة بيــن هذيــن االثنين‪ ،‬أشــبه مــا تكون بذهــاب الكاتب‬
‫والفـنّ التقليديّــان إدراكهــا‪.‬‬
‫«يوي تشــيو يوي» لمضاربة األســهم‪ .‬أنا لســت (سوبر مان)‪،‬‬
‫ا مســاعد ًا ِّ‬
‫يغيــر الشــعور‬ ‫‪ -‬هــان ســونغ‪ُ :‬يعــد ذلــك عامـ ً‬
‫وال طاقــة لــي علــى إنقاذ العالــم‪ ،‬كما ال أعــرف كيف أضارب‬
‫بالحــواس الخمســة لــدى العائــد إلــى البيــت‪ ،‬لكنــه‪ ،‬مــن‬
‫باألســهم‪ ،‬غير أنني أتوق للقيام بشــيء يبعد بعض الشــيء‬
‫ثَــمَّ‪ ،‬يضلّــل طريــق عودتــه‪ ،‬فــي نهايــة المطــاف‪.‬‬
‫عــن عملــي األساســي‪ .‬المســافة تصنــع الــذكاء‪.‬‬
‫المحــاور‪ :‬أيــن يكمــن الجــزء األكثر ســحراً فــي كتابة أدب‬
‫المحــاور‪ :‬فــي ظــلِّ تنـ ُّـوع الثقافــة الشــعبية الجماهيريــة‬
‫الخيــال العلمــي‪ ،‬لدى كلٍّ منكما؟‬
‫فــي هــذا العصــر‪ ،‬مــا النــوع المفضَّــل لــكلّ منكمــا؟ ولمــاذا؟‬
‫ليــو تســي شــين‪ :‬يكمــن فــي شــعور الخلق‪ ،‬والتجـ ُّ‬
‫ـول ما‬
‫ثمــة‬‫أحــب مشــاهدة األفــام‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪:‬‬ ‫بيــن العوالــم العديــدة‪ ،‬إضافةً إلى شــعور تجربــة الحيوات‬
‫أولهما‪ :‬طالما‬ ‫يحددان مســار تقديــري‪َّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫موضعــان فريدان‬ ‫المختلفة‪.‬‬
‫ـب حتــى مشــاهدة األفــام‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫أح‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫فأن‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ضخ‬ ‫أن االســتثمار‬ ‫‪ -‬هان سونغ‪ :‬يكمن في االغتراب‪.‬‬
‫السيئة‪ ..‬دائماً‪ ،‬أشعر بأن إنفاق اآلخرين ألموال ضخمة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وثمــة شــعور‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬باالســتمتاع‬ ‫ّ‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫نهدره‬ ‫أل‬
‫ّ‬ ‫ـتدعي‬ ‫يسـ‬ ‫المحــاور‪ :‬خــال مســيرة الكتابــة‪ ،‬هــل حــدث أن مــررت‬
‫بمشــاهدة حــرق األمــوال‪ .‬ويتعلَّق ثانيهمــا بنوعية األفالم‬ ‫بتجربــة «أن يلتهــم العمــل جــزءاً منــك»؟ هــل تتأ َّثــر حياتــك‬
‫التــي تســتقطبني؛ والتي تنقســم إلى نوعيــن‪ :‬أحدهما هو‬ ‫الواقعيــة ببعــض المؤثِّــرات القادمــة مــن عالــم آخــر؟‬
‫العاديــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تلــك األفــام ذات الموضوعــات العنيفــة غيــر‬
‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬ال‪ .‬أشــعر بأننــي أكثر شــبه ًا بمهندس‬
‫مثــل أفــام اإلثــارة‪ ،‬والخيــال العلمــي‪ ،‬وجرائــم الحــرب‪،‬‬
‫أحــب‪،‬‬ ‫خــاص‪ ،‬فأنــا‬ ‫مميــز بشــكل‬
‫جيــدة‪ ،‬بينمــا يبقى خارج‬ ‫قصة ِّ‬‫قصــة‪ ،‬يســعى جاهــد ًا لبنــاء ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بينمــا النــوع اآلخــر َّ‬ ‫القصــة فــي معظــم األحاييــن‪ .‬أعلــم أن ذلــك ليــس‬ ‫ّ‬ ‫ـار‬ ‫ـ‬ ‫إط‬
‫ـدة‪ ،‬تلــك األفــام النقيــة الرائقــة إلــى أقصــى الحدود‪،‬‬ ‫بشـ ّ‬ ‫المؤهــل أن يكــون علــى هــذا‬ ‫جيــداً‪ ،‬فــا ينبغــي للروائــي‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫تلــك التــي ال تشــوبها شــائبة‪ ،‬وتخلــو مــن كلّ صــراع بيــن‬ ‫أود أن أخلــق فتــاة جميلــة فــي عالمــي‬ ‫النحــو‪ .‬أنــا‪ ،‬كذلــك‪ّ ،‬‬
‫األشــخاص؛ تلــك «األفــام» التــي تشــبه‪ ،‬فــي جمالهــا‬ ‫حبهــا‪ ،‬لكننــي ال أفعــل‪ .‬أســعى‪ ،‬دائماً‪،‬‬ ‫الخيالــي‪ ،‬وأقــع فــي ِّ‬
‫النــص النثــري أو لوحــة األلــوان المائيــة‪ .‬مثــل‬ ‫ّ‬ ‫الرائــق‪،‬‬ ‫لفصــل الخيــال العلمــي عــن الواقــع‪ .‬لقد مــددت بعض ًا من‬
‫ـداً‪ ،‬كمــا أنــه غيــر مشــهور الب ّتــة‪ .‬مــن‬ ‫هــذا النــوع نــادر جـ ّ‬ ‫جســور التواصــل مــع الوســط األدبــي فــي اآلونــة األخيــرة‪،‬‬
‫«قصة أبريل»‪« ،‬مطعم البطريق»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـاهدتها‬ ‫األفالم التي شـ‬ ‫عاديين‪،‬‬ ‫وجــدت أن مــن يكتبــون الروايــات يبــدون أشــخاص ًا‬
‫ِّ‬
‫«مــا نحــن عليــه»‪« ،‬يــوم ريفــي»‪ ،‬وغيرهــا‪ .‬وبيــن هذيــن‬ ‫بينمــا يبــدو َم ْن يكتبــون الشــعر‪ ،‬والف ّنانون أناسـ ًا مغايرين‪.‬‬
‫النوعيــن‪ ،‬يصعــب مشــاهدة تلــك األفــام الكثيــرة التــي‬ ‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬فــي روايــة «متــرو األنفــاق»‪ ،‬أردت أن أجد‬
‫تعكــس الحيــاة اليوميــة بطابعهــا األدبي وطابعهــا الفني‪.‬‬ ‫ألمــت بعالــم متــرو األنفــاق‪ ،‬وذلــك على‬ ‫ـا للكارثــة التــي َّ‬ ‫حـ ً ّ‬
‫أفضــل مشــاهدة األفــام‪ ،‬بمــا فــي ذلــك‬ ‫‪ -‬هــان ســونغ‪ِّ :‬‬ ‫الصعيديْــن‪ :‬التقنــي‪ ،‬والفلســفي‪ ،‬بيــد أننــي لــم أجــد‪ ،‬فــكلّ‬‫َ‬
‫أحــب مشــاهدة األعمــال‬ ‫ّ‬ ‫أفــام «هايــاو ميازاكــي»‪ ،‬كمــا‬ ‫التكهنــات كانــت خارجــة عــن ســيطرتي‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ـع‬
‫ـ‬ ‫وجمي‬ ‫ـات‬‫اإلجابـ‬
‫ثمــة كثيــر مــن األشــياء ال يمكــن تقديمهــا ّإل مــن‬ ‫الف ِّن ّيــة‪ّ .‬‬ ‫وقــد أوضحــت‪ ،‬فــي الوقــت ذاتــه‪ ،‬أننــي لــم أتمكَّ ــن مــن‬
‫خــال الصــور‪ ،‬حينهــا تكــون الكلمــات عاجــزة عــن تقديــم‬ ‫الخــروج مــن النفــق‪ ،‬وأدركت أن العمل قــد التهمني‪ .‬يمكن‬
‫المفضــل هــو فيلــم «القيامــة اآلن»‪ ،‬وهــو‬ ‫َّ‬ ‫أي شــيء‪ .‬فيلمــي‬ ‫ويشــعرهم بعــدم‬ ‫ـراء‪ُ ،‬‬ ‫لهــذا األمــر أن يخلــق صعوبــات للقـ ّ‬
‫بالدين‪،‬‬ ‫ـس ِّ‬‫فيلــم ضخــم‪ ،‬وصــادم للغايــة‪ ،‬ينطــوي علــى حـ ّ‬ ‫إلي‪ ،‬العالــم اآلخر موجود كذلك‪ ،‬وينتابني‬ ‫الرضا‪ .‬بالنســبة َّ‬
‫وشــعور بنهايــة العالــم كذلــك‪.‬‬ ‫ثمــة نســخة أخرى منــي‪ ،‬ترقبنــي طــوال الوقت‪،‬‬ ‫شــعور بــأن ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪89‬‬
‫باإليجــاب‪ ،‬فمــا قــد يكــون هــذا اللــون؟‬ ‫هان سونغ يسأل ليو تيس شني‬
‫‪ -‬ليو تســي شــين‪ :‬ال لون له‪ ،‬المســتقبل‪ ،‬في عقلي الباطن‪،‬‬
‫شــيء شـ ّفاف‪ ،‬شــفاف؛ اليمكــن الرؤيــة مــن خاللــه‪ ،‬إنه شــبيه‬ ‫‪ .1‬هل تعتقد أن األجسام الطائرة المجهولة هي مركبات‬
‫ـفافيته‪ ،‬لكنه غامض ال ُيسـ َـبر غوره‪.‬‬ ‫الفضائيين؟‬
‫ِّ‬ ‫تخص‬
‫ّ‬
‫بالكريســتال في بريقه وشـ َّ‬
‫المكونــة مــن رقعــة كبيــرة مــن األبنيــة‬ ‫َّ‬ ‫فــي رأيــي‪ ،‬المدينــة‬ ‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬مصطلح األجســام الطائــرة المجهولة‬
‫الكريســتالية الش ـ ّفافة لديهــا أفضــل إحســاس بالمســتقبل‪،‬‬ ‫ـام‪ ،‬يمكــن إطالقــه علــى جميــع األشــياء التــي‬ ‫مصطلــح عـ ّ‬
‫ربمــا كان شــعوري ذلــك نابعـ ًا مــن تأ ُّثــري بمشــاهدة «ســوبر‬ ‫َّ‬ ‫وربمــا يقبــع بداخلهــا‬
‫تحلِّــق فــي الســماء‪ ،‬وال نعرفهــا‪َّ ،‬‬
‫ـدة‪ ،‬بقصــر الكريســتال‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫بش‬ ‫ـرت‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫َّ‬
‫ث‬ ‫تأ‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫فق‬ ‫ـي‪،‬‬‫ـ‬ ‫طفولت‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـان»‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫مركبــة (أو اثنتيــن) تعــود إلــى الكائنــات الفضائيــة‪ ،‬بينمــا‬
‫الرائــع الــذي نشــأ مــن قطــع صغيــرة مــن الكريســتال‪.‬‬ ‫األمــر المؤكَّ ــد‪ ،‬فــي هــذا الصــدد‪ ،‬أن الكائنــات الفضائيــة‬
‫التــي تســتقلّ مثــل هــذه المركبــات‪ ،‬تنتمــي إلــى مجموعــة‬
‫‪ .5‬هل شعرت باألرق‪ ،‬من قبل؟ ولماذا؟‬ ‫التبانــة‪.‬‬
‫ـرة درب ّ‬ ‫هــي األكثــر بؤس ـ ًا وفقــر ًا وتع ُّثــر ًا فــي مجـ ّ‬
‫ـداً‪ .‬يمكنني‪ ،‬بشــكل‬‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬كان ذلــك نادر ًا جـ ّ‬
‫ـي؟ وهــل لذلــك تأثيــر علــى كتابــة الخيال‬
‫‪ .2‬هــل أنــت حزبـ ّ‬
‫أساســي‪ ،‬تذكُّ ــر شــعور األرق عشـ ّـية رأس الســنة‪ ،‬كلّ عــام‪،‬‬
‫ـج الخــارج باألصــوات المرتفعــة للقذائف‪.‬‬ ‫العلمي؟‬
‫حيــث يضـ ّ‬
‫مــدة‪ ،‬دائــرة‬ ‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬ال‪ .‬ا َّتصلــت بــي‪ ،‬منــذ ّ‬
‫‪ .6‬هــل أنــت متفائــل أم متشــائم؟ وهــل آمنــت‪ ،‬مــن قبــل‪،‬‬ ‫الموحــدة بالمدينــة‪ ،‬وطلبــوا منــي االنضمــام إلــى‬ ‫ّ‬ ‫الجبهــة‬
‫بالقدر؟‬
‫َ‬ ‫ـر ذلك‬ ‫حــزب ديموقراطــي أو شــيء مــن هــذا القبيــل‪ .‬لــم ي ِثـ ْ‬
‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬أنــا متفائــل‪ ،‬وأومــن إيمانـ ًا راســخ ًا بأن‬ ‫اهتمامــي‪ ،‬ويكمــن الســبب فــي رغبتــي إتاحــة المزيــد مــن‬
‫يتعيــن علــى‬ ‫َّ‬ ‫الوقــت ألتمكَّ ــن مــن كتابــة الخيــال العلمــي‪.‬‬
‫أعضــاء الحــزب عقــد العديــد مــن لجــان الدراســة‪ ،‬وكتابــة‬
‫التقاريــر لتوصيــل أفكارهــم‪ ،‬ناهيــك عن ضــرورة أن يضطلع‬
‫أعضــاء الحــزب بدور قيادي ونموذجي‪ ،‬ومن غير المناســب‬
‫كذلــك‪ ،‬كتابــة الخيــال العلمــي خــال ســاعات العمــل‪.‬‬

‫‪ .3‬في كلمة واحدة‪ ،‬ما هو مفتاح كتابة الخيال العلمي‬


‫القراء مطالعته؟‬
‫يحب ّ‬‫ّ‬ ‫الذي‬
‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬الحيرة (هــذه الكلمة ليســت المفتاح‪،‬‬
‫إنهــا حالتي عندمــا أواجه هذه المشــكلة)‪.‬‬

‫تظــن أن للمســتقبل لونــ ًا؟ لــو كان الجــواب‬


‫ّ‬ ‫‪ .4‬هــل‬

‫ليو تيس شني‬


‫ُو ِلد في مدينة يانغتشــوان التابعة لمحافظة شانشــي‪،‬‬
‫عــام (‪ .)1963‬يعمــل مهنــدس كمبيوتــر فــي محطّ ــة‬
‫«نيانغتســي قــوان» لتوليــد الكهربــاء فــي شانشــي‪ ،‬كمــا‬
‫يكتــب روايــات الخيــال العلمــي كعمــل ثانــوي‪ .‬نــال‪،‬‬
‫لســنوات متتاليــة‪ ،‬جائــزة «جاالكســي» إلبــداع الخيــال‬
‫العلمــي الصينــي‪ ،‬وكما نــال غيرها من الجوائــز‪ ،‬وهو أحد‬
‫أشــهر ك ّتــاب الخيــال العلمــي فــي الصيــن‪ .‬ومــن أعمالــه‪:‬‬
‫«عصــر الســوبرنوفا»‪« ،‬كــرة البــرق»‪« ،‬المع ِّلــم الريفــي»‪،‬‬
‫وغيرهــا‪ .‬وفــي نهايــة (‪ ،)2010‬صــدر عملــه «مشــكلة‬
‫األجســام الثالثــة ‪ :3‬نهايــة المــوت»‪ ،‬وهــي الجــزء األخيــر‬
‫أهم‬
‫ـد ّ‬ ‫فــي سلســلة «مشــكلة األجســام الثالثــة» ؛ التــي ُت َعـ ّ‬
‫أعمــال الخيــال العلمــي الصينــي‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪90‬‬


‫الرياضيات للتعبير عنه‪.‬‬ ‫ـرية مادامــت ال تتخ ّلــى عــن العلــم‪ ،‬فســيكون الغــد‬ ‫البشـ ّ‬
‫أفضــل مقارنــةً باليوم‪ ،‬وأن المســتقبل أفضــل حتماً‪ ،‬مقارنةً‬
‫‪ .9‬أخيــراً‪ ،‬مــا عســاه يكــون الكــون؟ (ال يمكــن اإلجابــة‬ ‫بالحاضــر‪ .‬لم يســبق لــي أن آمنت بالقدر يومـاً‪ ،‬وأعتقد‪ ،‬في‬
‫بالقــول إن ذلــك غيــر واضــح)‬ ‫يحي ْون‬
‫ظــلّ هــذا العصــر المليء بالفــرص‪ ،‬أن أولئك الذيــن َ‬
‫‪ -‬ليو تســي شــين‪ :‬بالنسبة إلى القدماء الصينيين‪ ،‬الكون‬ ‫ـد‪ .‬وبطبيعة‬ ‫حيــاة سـ ِّـيئة يســتح ّقونها‪ ،‬ألنهــم ال يعملون بجـ ّ‬
‫هــو ِم ْر َجــل محمــول علــى الــرأس‪ ،‬يكــون أزرق فــي النهــار‪،‬‬ ‫الحــال‪ ،‬لــو حــدث أن تع َّثــرت خطــاي فهويــت هنالــك‪ ،‬ذات‬
‫يــوم‪ ،‬فلــن ألــوم أحــد ًا علــى اإلطالق‪.‬‬
‫وأســود فــي الليــل‪ .‬وبالنســبة إلــى اليونانييــن القدامــى‪،‬‬
‫مجوفة تحــوي مجموعة من‬ ‫َّ‬ ‫الكــون عبــارة عــن كــرة زجاجية‬ ‫البوذية؟ هل كان بوذا سيدرس الفيزياء‪،‬‬ ‫‪ .7‬ما رأيك في‬
‫ّ‬
‫مرصــع أعالهــا بالكوكــب والشــمس؛ أمــا بالنســبة‬ ‫الكــرات‪َّ ،‬‬ ‫لو عاش في العصر الحديث؟‬
‫النارية؛‬
‫ّ‬ ‫إلــى المعاصريــن‪ ،‬فهــو رمــاد بــارد ُتخلِّفــه األلعــاب‬
‫بينمــا هــو فــي عيون كُ ّتاب الخيال العلمي‪ ،‬مســرح تنكشــف‬ ‫‪ -‬ليــو تســي شــين‪ :‬أعتقــد أن الديانــة البوذيــة هــي األكثــر‬
‫تعقيــد ًا مــن بيــن كا ّفــة الديانــات‪ ،‬وال أعــرف الكثيــر عنهــا‪،‬‬
‫علــى خشــبته القصــص‪ ،‬وأداة يكســب منهــا المؤ ِّلــف أجره‪.‬‬
‫ال للحديث بشــأنها‪ ،‬كما أني ال أفهم روح بوذا‪.‬‬ ‫مؤه ً‬
‫ولســت َّ‬
‫ليو تيس شني يسأل هان سونغ‬ ‫أعتقــد‪ ،‬فحســب‪ ،‬أن وضــع العالــم المع َّقــد بشــكل مذهل‪،‬‬
‫فــي البوذيــة‪ ،‬هــو وليــد خيــال علمــي جامــح‪ .‬ال أ َّتفــق مــع‬
‫ـوف‬ ‫وجهــة النظــر الســائدة فــي «الفيزيــاء الحديثــة والتصـ ُّ‬
‫‪ .1‬كــم ُم َسـ َّـودة لروايــة تتكـ َّـدس فــي قــاع صندوقــك‪ ،‬دون‬
‫الشــرقي»‪ ،‬وأظــن أن بنيــة العالــم‪ ،‬فــي البوذيــة‪ ،‬تختلــف‪،‬‬
‫المفضــل أم مــازال هنالــك فــي‬
‫َّ‬ ‫ُنشــر؟ وهــل نُشــر عملــك‬ ‫أن ت َ‬ ‫الكونيــات مــن حيــث‬ ‫تمامـاً‪ ،‬عنهــا فــي علــم الفيزيــاء وعلــم‬
‫قــاع الصنــدوق؟‬ ‫ّ‬
‫نظامهــا المعرفــي‪ .‬أحســب كذلــك أنــه مــن الســخف القــول‬
‫إن علمــاء الفيزيــاء يكافحــون لتس ـلُّق الجبــل‪ ،‬فــي حيــن‬
‫ينتظــر بــوذا فــي األعلــى‪ ،‬وابتســامة تعلــو وجهــه‪ ،‬دون أن‬
‫ينبــس بكلمــة‪ .‬إذا عــاش بوذا فــي العصر الحديــث‪ ،‬دون أن‬
‫يــدرس الفيزيــاء النظريــة‪ ،‬فســيظلّ جالسـ ًا في ظلّ شــجرة‬
‫يتأمل‪ ،‬ناشــد ًا لحظة التنوير‪ .‬لكن‪ ،‬وقتذاك‪ ،‬ســتكون‬ ‫كبيرة َّ‬
‫القمــة‪ ،‬وانســابت حركة‬ ‫طائــرة ن ّفاثــة قــد حلَّقــت مــن أعلــى ّ‬
‫المــرور علــى الطريــق الســريع‪ ،‬علــى مقربــة منــه‪ ،‬وفــوق‬
‫العشــب أمامــه‪ ،‬تعالت ضحــكات الفتيــات الجميالت‪ ،‬وفي‬
‫ـيمر ذلــك دون أن يــدرك منــه شــيئاً‪.‬‬
‫النهايــة‪ ،‬سـ ّ‬
‫الحب؟ ‬
‫ّ‬ ‫‪ .8‬كيف تصف‬
‫‪ -‬ليو تســي شــين‪ :‬أصعب شــيء في الكون؛ قد تســتخدم‬

‫هان سونغ‬
‫من مواليد تشونغتشــينغ‪ ،‬التحق بوكالة أنباء شــينخوا‬
‫ـدة مناصب هي‪ :‬مراســل صحافي‪،‬‬ ‫عــام (‪ ،)1991‬وتق َّلــد عـ ّ‬
‫ونائــب مديــر تحريــر المجلَّــة األســبوعية «نظــرة علــى‬
‫الشــرق»‪ ،‬ورئيــس التحريــر التنفيــذي فيهــا‪ ،‬ونائــب مديــر‬
‫الشــؤون الخارجيــة في وكالــة أنباء شــينخوا‪ ،‬ونائب مدير‬
‫اإلدارة المركزيــة فــي الوقــت ذاتــه‪ ،‬وعضــو هيئــة تحريــر‬
‫مج ّلــة «الجيــش الصينــي»‪ .‬يكتــب أدب الخيــال العلمــي‪،‬‬
‫ومــن أعمالــه‪« :‬شــاهدة قبــر الكــون»‪« ،‬رحلــة إلــى الغــرب‬
‫عــام ‪« ،»2066‬المحيــط األحمــر»‪ ،‬وغيرها‪ .‬فــي نهاية عام‬
‫(‪ ،)2010‬طُ رحــت فــي األســواق روايــة اإلثــارة والتشــويق‬
‫«متــرو األنفاق»‪.‬‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪91‬‬


‫الذي ســتحمله؟‬ ‫قصــة قصيــرة‪ ،‬ونحــو ثــاث‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬أكثــر مــن مئــة ّ‬
‫إلــى خمــس روايــات‪ .‬أفضــل األعمــال هــي تلــك المنشــورة‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬روايــة «هامــش الميــاه»‪ ،‬وفيلــم «القيامــة‬
‫علــى اإلنترنــت‪ ،‬مثــل «دليــل مطــاردة الجمــال»‪.‬‬
‫اآلن»‪.‬‬
‫أيهمــا األصعــب‪ :‬كتابــة التقاريــر اإلخباريــة‪ ،‬أم كتابــة‬
‫‪َّ .2‬‬
‫ــودة موجــزة آلخــر خبــر صحافــي‬
‫‪ .10‬يرجــى كتابــة ُم َس َّ‬ ‫قصــص الخيــال العلمــي؟‬
‫عشــية تدميــر العالــم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تذيعــه وكالــة األنبــاء‪،‬‬
‫‪ -‬هان ســونغ‪ :‬من الصعب‪ ،‬للغاية‪ ،‬كتابة كليهما بشــكل‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪« :‬لقــد اخطــأوا التقديــر»‪ :‬وكالــة أنبــاء ‪،XX‬‬
‫تخيــل الحقيقة‪ .‬حــال المقارنة‪ ،‬تكون‬
‫جيــد؛ فهمــا يتطلَّبــان ُّ‬
‫ِّ‬
‫األول‪ .‬فيمــا يتع َّلــق بشــائعة دمــار‬
‫بكيــن‪ 21 ،‬ديســمبر‪/‬كانون َّ‬ ‫كتابة األخبــار أكثر صعوبةً ‪.‬‬
‫مؤخــراً‪ ،‬عبــر شــبكة اإلنترنــت‪ ،‬والتــي‬ ‫العالــم المتداولــة‪َّ ،‬‬
‫معيــن‪ ،‬مسـ ِّـببةً ذعر ًا األشــخاص في هذا‬ ‫انتشــرت فــي محيــط َّ‬ ‫‪ .3‬يقــال إن كتابــة األخبــار‪ ،‬لفتــرة طويلــة مــن الوقــت‪،‬‬
‫المحيــط‪ .‬وطبقـ ًا لمــا أطْ لَعنــا عليــه المراســل‪ ،‬هــذه الشــائعة‬ ‫تم ِّثــل نوعـ ًا مــن الضــرر يلحــق بإبــداع الروايــة‪ ،‬بينما ال يبدو‪،‬‬
‫روجهــا بعــض األشــخاص مــن الخــارج‪ ،‬ممــن لديهــم دوافــع‬ ‫َّ‬ ‫فــي أســلوب كتابــة الروايــة لديــك‪ ،‬أدنــى تأ ُّثــر بأســلوب كتابة‬
‫وروجوها عبر اإلنترنت؛‬ ‫خفيــة‪ .‬لقــد اختلقوا معلومات زائفة‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫األخبــار‪ .‬كيــف فعلــت ذلــك؟‬
‫ذلــك مــن أجــل إحــداث الفوضــى فــي بالدنــا؛ بهــدف إرباكهــا‪.‬‬
‫ربمــا حــان الوقــت أكثــر فأكثــر لكتابــة‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪َّ :‬‬
‫لقــد رفعــوا رايــة البحث العلمــي‪ ،‬بينما انخرطــوا‪ ،‬في الواقع‪،‬‬
‫األخبــار بتقنيــات الروايــة‪ ،‬فــي الوقــت الراهــن‪.‬‬
‫ـوض النظام االجتماعي‪.‬‬ ‫فــي األنشــطة التي تزعج الناس‪ ،‬وتقـ ِّ‬
‫أينما يكن االســتقرار‪ ،‬ينشروا الشــائعات التحريضية‪ ،‬وحيثما‬ ‫‪ .4‬هل تشعر بالفزع عند مشاهدة أفالم الرعب؟‬
‫ـدوا أيديهــم إلثــارة القالقــل‪ .‬ينبغــي علينــا أن‬
‫توجــد ثغــرة‪ ،‬يمـ ّ‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬ألننــي أشــعر بالخــوف الشــديد‪ ،‬ال أجــرؤ‬
‫نكــون يقظيــن دائم ـ ًا فــي مواجهــة هــؤالء األشــخاص َخ ِّ‬
‫فيــي‬
‫حتــى علــى مشــاهدتها‪.‬‬
‫الدوافــع‪ ،‬وأن نحفــظ أذهاننــا صافيــةً ‪ ،‬علــى الــدوام‪ ،‬ونبقــي‬
‫أعيننــا مفتوحــة‪ ،‬لنكشــف مؤامراتهــم‪ ،‬وال نســمح بنجــاح‬ ‫‪ .5‬إذا قــدم لزيارتــك‪ ،‬ذات يــوم رجــل أبيــض الشــعر‪،‬‬
‫محاوالتهــم الب ّتــة‪ .‬وفقــ ًا للمعلومــات التــي حصــل عليهــا‬ ‫وكان هــو أنــت فــي المســتقبل‪ ،‬بعــد س ـ ِّتين عام ـ ًا‪ ،‬مــا أكثــر‬
‫الصحافيــون مــن الســلطات‪ ،‬ســيظلّ العالــم علــى حالــه‪،‬‬ ‫ـود أن تطرحــه عليــه؟‬
‫ســؤال تـ ّ‬
‫الخفيــة‪ ،‬أســاؤوا‬
‫ّ‬ ‫يتدمــر أبــداً‪ .‬ق َّلــة مــن ذوي األجنــدات‬
‫َّ‬ ‫ولــن‬
‫اإللمــام بالوضــع‪ ،‬واختاروا المــكان الخطأ‪ ،‬وأســاؤوا التقدير‪.‬‬ ‫‪ -‬هان سونغ‪َ :‬م ْن برفقتك؟‬

‫جائزة هوغو‬ ‫ثمــة عا َلمــان؛ أحدهمــا ِّ‬


‫ضيق ومشــرق‪ ،‬واآلخر‬ ‫‪ .6‬لــو كان ّ‬
‫تفضل؟‬
‫فأيهما ِّ‬ ‫رحيــب ومظلــم‪ُّ ،‬‬
‫جائــزة تمنحهــا «الجمعيــة العالميــة للخيــال العلمــي»‪ ،‬ويشــار إليها‬
‫‪-‬اختصــاراً‪ -‬بـــ(‪ ،)WSFS‬واالســم الرســمي لهــا هــو «جائــزة اإلنجــاز فــي‬
‫‪ -‬هان سونغ‪ :‬األخير‪.‬‬
‫الخيــال العلمــي ‪،»The Science Fiction Achievement Award -‬‬
‫‪ .7‬يقــال إنــك تســتيقظ فــي منتصــف الليــل لتكتــب‪ ،‬وهــذه‬
‫ــميت بـ«جائــزة هوغــو» تكريمــ ًا ألبــي الخيــال العلمــي « هوغــو‬
‫ُس ِّ‬ ‫عــادة غيــر شــائعة‪ ،‬ال يســعني معهــا ســوى التخميــن‪ :‬هــل‬
‫جيرنزبــاك»‪ ،‬ويمكــن تســميتها بـ«جائــزة نوبــل فــي الخيــال العلمــي»‪،‬‬
‫تســتيقظ لتســجل أحالمــك؟‬
‫ُيعتــرف بجائزتي «هوغو» و«نيبوال» في وســط الخيــال العلمي باعتبارهما‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬ال أتذكَّ ــر أحالمــي‪ ،‬فــي األغلــب‪ .‬أســتيقظ‬
‫جائزت َْيــن موثوق َت ْيــن ومؤ ِّثرت َْيــن‪ُ .‬تم َنــح «جائــزة هوغــو» بنـ ً‬
‫ـاء علــى اختيــار‬
‫ـاء علــى آراء لجنــة التحكيــم‪.‬‬ ‫فــي منتصــف الليــل‪ ،‬ألننــي كثيــر ًا مــا أخلــد للنــوم مبكِّ ــراً‪ .‬لو‬
‫ـراء‪ ،‬و ُتم َنــح «نيبــوال» بنـ ً‬
‫القـ ّ‬
‫ـم‬ ‫متأخــر ًا بعــض الشــيء‪ ،‬فغالب ـ ًا مــا أســتيقظ ألكتــب‬ ‫ِّ‬ ‫نمــت‬
‫فــي الســاعة الواحــدة ظهــراً‪ ،‬يــوم (‪ )23‬أغســطس عــام (‪َ ،)2015‬تـ َّ‬
‫رســمياً‪ ،‬عــن «جائــزة هوغــو» الثالثــة والســبعين فــي مركــز‬ ‫اإلعــان‪،‬‬
‫فــي ســاعات الصبــاح األولــى‪.‬‬
‫ّ‬
‫ســبوكان للمؤتمــرات‪ ،‬فــي واشــنطن‪ .‬فــاز الكاتب الصيني ليو تســي شــين‬
‫أيهــا‬
‫‪ .8‬زرت الكثيــر مــن األماكــن بحكــم أنــك صحافــي‪َّ ،‬‬
‫بجائــزة أفضــل روايــة عــن عمله «مشــكلة األجســام الثالثــة»‪ ،‬وكانت هذه‬
‫وأيهــا أكثــر مــا تكــره؟‬
‫تفضــل؟ ُّ‬
‫ِّ‬
‫ـيوي‪.‬‬
‫ـرة األولــى التــي يفــوز فيهــا بالجائــزة كاتــب أسـ ّ‬
‫هــي المـ ّ‬
‫ثمــة‬
‫أحبــه هــو التيبــت‪ ،‬وليــس ّ‬
‫‪ -‬هــان ســونغ‪ :‬أكثــر مــكان ّ‬
‫ترجمة عن الصينية‪ :‬مي ممدوح‬ ‫مــكان أمقتــه‪ ،‬فاألمكنة جميعها تمنح المرء شــعور ًا بالتجديد‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫منصة مجلَّة المدينة‪ ،‬بتاريخ ‪ 24‬أب‪ /‬أغسطس‪2015 ،‬‬ ‫ال عن‪ّ :‬‬ ‫نق ً‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪ .9‬إذا كنت س ُتنفى إلى بلوتو مدى الحياة‪ ،‬ومسموح‬
‫‪https://mp.weixin.qq.com/s/JDGl02pQ3IFI1ap3bgIdKg‬‬ ‫لــك بأخــذ كتــاب واحــد‪ ،‬وقــرص مضغــوط لفيلــم‪ ،‬فمــا‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪92‬‬
‫كارل أوفه كناوسغارد‪:‬‬
‫ُ‬
‫أعتقد أن ظميئ للكتابة سوف‬ ‫ُ‬
‫«كنت‬
‫يُروى ما إن أنتهي من قول ك ّ‬
‫ل يشء»‬
‫كان الكاتب «كارل أوفه كناوسغارد ‪ ،»Karl Ove Knausgaard -‬موجوداً يف باريس‪ ،‬يف الفرتة التي تفصل‬
‫رباعيته «الفصــول األربعة»‪ ،‬وتاريخ صدور‬ ‫َّ‬ ‫بــن تاريــخ صــدور روايتــه «يف الصيــف»‪ ،‬التــي مت ّثــل الجــزء األخــر من‬
‫الرســام الرنويجــي (إدوارد مونــش ‪-‬‬‫ّ‬ ‫كتابــه التــايل يف ســبتمرب‪/‬أيلول القــادم‪ ،‬عــن دار النــر (‪ ،)Denoël‬حــول‬
‫‪ )Edvard Munch‬ـ (‪.)1944 - 1863‬‬
‫ـادي‪ ،‬وعــن نقــط التشــابه التــي تربــط مجمــوع أعاملــه‬
‫ســألناه عــن مصــادر إلهامــه‪ ،‬وعــن عالقتــه بالعــامل املـ ّ‬
‫بالعا َلــم التصويــري لـ«مونــش ابــن بلــده العظيــم‪.‬‬

‫ـن السادســة‬ ‫بونــج»‪ .‬عندمــا اكتشــفت هــذا الكتــاب‪ ،‬فــي سـ ّ‬ ‫فلورنــس نويفيــل‪ :‬تم ّثــل روايتكــم‪« :‬فــي الصيــف» الفصــل‬
‫ـرأت‬
‫والعشــرين‪ ،‬أحببتــه علــى الفــور‪ .‬لــم يســبق لــي أن قـ ُ‬ ‫األخيــر مــن سلســلتكم‪ .‬كيــف كان شــعوركم عندمــا أنهيتــم‬
‫شــيئ ًا مثــل هــذا مــن قبــل‪ ،‬وبعــد أن ألّفـ ُ‬
‫ـت روايتــي األولــى‪،‬‬ ‫كتابــة هــذه السلســلة؟‬
‫حاولــت تقليــده‪ ،‬حتــى إننــي قمــت بإعــداد قائمــة باألشــياء‬ ‫الجيــد‪ ،‬دائمــاً‪ ،‬إنهــاء‬ ‫‪ -‬كارل أوفــه كناوســغارد‪ :‬مــن‬
‫اليوميــة التــي أردت وصفهــا‪ ،‬بالطريقــة نفســها‪ ،‬وبالــروح‬ ‫ِّ‬
‫مشــروع مــا‪ .‬وقــد َعــرف هــذا المشــروع‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬عــدد ًا مــن‬
‫نفســها‪ ،‬لكننــي لــم أســتطع فعــل ذلــك‪ .‬وبعد تأليــف كتابي‬ ‫ـت‬
‫ـوالت‪ ،‬علــى امتــداد زمــن إنجــازه‪ .‬فــي البدايــة‪ ،‬ألزمـ ُ‬ ‫التحـ ُّ‬
‫«كفاحــي» الصــادر عن دار نشــر (‪ ،)Denoël‬ما بين (‪)2012‬‬ ‫نصــ ًا واحــد ًا كلَّ يــوم‪،‬‬ ‫نفســي بقاعــدة بســيطة‪ :‬أن أكتــب ّ‬
‫و(‪ ،)2020‬كانــت فكــرة محاكاتــه مــا تــزال تراودنــي‪ ،‬وقــد‬ ‫ـت روايتــي «فــي الربيــع»‪،‬‬ ‫وفــي َدفعــة واحــدة‪ .‬وبعــد أن أ َّل ْفـ ُ‬
‫ـرة أخرى‪ .‬فجاءت هذه السلســلة الرباعية بمنزلة‬ ‫حاولــت مـ ّ‬ ‫ـت‪ ،‬فــي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫توص‬ ‫ـتاء»‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫وبعدهــا «فــي الخريــف»‪ ،‬و«فــي‬
‫َّ ُ‬
‫عدة‪.‬‬
‫ـاص بــي) بعــد مرور ســنوات ّ‬ ‫«االنحيــاز لألشــياء» (الخـ ّ‬ ‫حــد مــا‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫صــارم إلــى‬ ‫نهايــة المطــاف‪ ،‬إلــى أن هــذا القيــد‬
‫ٌ‬
‫ـحت‬
‫ـدت أن هــذا الشــكل ثابت‪ ،‬فما كان م ّني ّإل أن فسـ ُ‬ ‫ووجـ ُ‬
‫وماذا عن فكرة الفصول؟‬
‫ـور‪ ،‬وهكــذا غــدا الكتــاب‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫تتط‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫لك‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫القاع‬ ‫ـذه‬ ‫ـ‬ ‫له‬ ‫ـال‬ ‫المجـ‬
‫ت الفصولُ‬ ‫فرض ِ‬
‫‪ -‬بينمــا كنــت أبحــث عن صيغة بســيطة‪َ ،‬‬ ‫األول؛ فهــو يحتــوي المزيــد من‬ ‫الرابــع يختلــف عــن الكتــاب َّ‬
‫نفســها‪ .‬لقــد مكَّ نتنــي هــذه الفصــول مــن الكتابــة‬
‫األربعــة َ‬ ‫اليوميــات‪ ،‬ناهيــك عــن‬‫ّ‬ ‫النصــوص‪ ،‬ومــن شــذرات عــدد مــن‬
‫عــن حياتــي‪ ،‬وعــن األشــياء مــن حولــي‪ ،‬وعــن األماكــن‪،‬‬ ‫المائيــة للف ّنــان األلمانــي «أنســلم كيفــر»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لوحــات األلــوان‬
‫أتحــدث عــن نفســي‪ .‬أردت‪ ،‬أيضــاً‪،‬‬‫َّ‬ ‫والحيوانــات‪ ،‬دون أن‬ ‫يتضمــن هــذا الكتــاب‪ ،‬أكثــر من غيــره‪ ،‬مجموعة‬ ‫َّ‬ ‫باختصــار‪،‬‬
‫ـك بمفهــوم الموســوعة‪ .‬شــعرت أنــه يجــب أن يكــون‬ ‫أن أحتـ ّ‬ ‫تنوعـاً‪.‬‬
‫ـواد األكثــر ُّ‬ ‫مــن المـ ّ‬
‫هنــاك إمــكان لوصــف العالم؛ لوصف كلّ مــا هو موجود في‬
‫بهويتك (من أنت؟)‪،‬‬ ‫هــذا العالــم‪ ،‬بطريقة محايدة‪ ،‬ال تتأثــر‬ ‫مــا الــذي أثــار لديكــم‪ ،‬فــي األصــل‪ ،‬هــذه الرغبــة فــي‬
‫َّ‬
‫وال بالمــكان الــذي أتيــت منــه (من أيــن أتيــت؟)‪ ،‬لذلك كانت‬ ‫النصــوص القصيــرة المكتوبــة َدفعــةً واحــدة؟‬
‫فكــرة هــذه الفصــول مزدوجة؛ فمــن ناحية‪ ،‬كانت المســألة‬ ‫بــدأ كلّ شــيء مــع «االنحيــاز لألشــياء» (‪ ،)1942‬وهــو‬
‫تتع َّلــق باســتعادة جــزء مــن الوجــود الخـ ّ‬
‫ـاص ‪ -‬والدة ابنتــي‬ ‫مجموعــة مــن قصائــد النثــر للشــاعر الفرنســي «فرانســيس‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪93‬‬
‫جوهريـاً‪ .‬ولكــن عندمــا ُتقرأ‬
‫ّ‬ ‫هــذه مشــروع ًا مختلفـ ًا اختالفـ ًا‬ ‫التــي نراهــا تظهــر فــي كتابــي «فــي الخريــف»‪ ،‬بينما مــا تزال‬
‫جيــد ًا ‪ ...‬دائم ـ ًا أنــا‪ ،‬دائم ـ ًا كتابتــي‪ .‬وبالنهايــة‪ ،‬لــم أتمكَّ ــن‬
‫ِّ‬ ‫أمهــا‪ .‬ومــن ناحية أخــرى‪ ،‬كانت هنــاك تلك‬ ‫جنينـ ًا فــي بطــن ِّ‬
‫مــن الهــروب مــن نفســي‪.‬‬ ‫ـور الكونــي للموســوعة‪ .‬يتع َّلــق‬
‫الرغبــة فــي اســتئناف التصـ ُّ‬
‫ممــا هــو حميمــي ومــا هــو مشــاع؛ أي بكتــاب‬ ‫األمــر بمزيــج ّ‬
‫سجين نف ِ‬
‫ْسك؟‬ ‫َ‬ ‫ما الذي يجعلك‬ ‫ـدى إلــى اآلخريــن‪.‬‬
‫ـدى إلــى ابنتــي‪ ،‬وآخــر مهـ ً‬ ‫ُمهـ ً‬
‫‪ -‬إنــه شــيء مــا‪ ،‬بداخلــي‪ ،‬يقــاوم‪ .‬عندمــا أعيــد قــراءة ما‬
‫ـن العشــرين‪ ،‬أالحظ أن هذا الشــيء كان‬ ‫ربما ألنكم‪،‬‬
‫هو‪ ،‬إذن‪ ،‬كتاب تقومون بإهدائه البنتكم‪َّ ...‬‬
‫كنــت أكتبــه في سـ ّ‬
‫موجــوداً‪ ،‬بالفعــل‪ ،‬في ذلك الوقت‪ .‬وكأن هذا الشــيء نبع‪،‬‬ ‫ً‬
‫ـن الطفولة ‪ -‬وقد ذكرتم ذلك كثيرا‪ -‬لم‬ ‫عندما كنتم في سـ ّ‬
‫أو نقطــة تتط َّلــع للوصــول إليها‪ .‬يمكنك أن تســلك مســارات‬ ‫تحدث معكم يوما؟ً‬
‫يسبق لوالدكم أن َّ‬
‫مختلفــة‪ ،‬ولكــن هــذا الموضــع هــو المــكان الــذي تحــاول‪،‬‬ ‫يتحــدث‪ ،‬أبــداً‪ ،‬عــن األشــياء‬ ‫‪ -‬فــي الواقــع‪ ،‬لــم يكــن‬
‫َّ‬
‫دائمـاً‪ ،‬الذهــاب إليــه ‪ ...‬هنــاك صــراع فــي داخلــي‪ :‬أريــد أن‬ ‫المهمــة‬ ‫المهمــة‪ .‬مــن الصعــب أن نتعامــل مــع األشــياء‬
‫أجيــب عــن الســؤال‪ :‬لمــاذا أحتــاج إلــى الكتابــة؟ أعلــم أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مــن خــال التعبيــر عــن شــعورنا الحقيقــي‪ّ ،‬إل فــي الكتابة‪.‬‬
‫اإلجابــة عــن هــذا الســؤال تكمــن فــي البحــث قريب ـ ًا مــن‬
‫ب هذا الكتاب إلــى ابنتي عندما‬ ‫ـأه ُ‬
‫اعتقــدت‪ ،‬دائمـاً‪ ،‬أننــي سـ َ‬
‫والــدي‪ ،‬وباإلهانــة التــي لحقتنــي علــى يديــه‪ ،‬فــي شــبابي‪.‬‬
‫هديــة مــن الهدايــا‪.‬‬
‫ـن الثامنــة عشــرة‪ ،‬وكأنــه ّ‬ ‫تبلــغ سـ ّ‬
‫ـد أن ظمئــي للكتابــة ســوف ُيــروى‬ ‫ـت أعتقـ ُ‬
‫فــي البدايــة‪ ،‬كنـ ُ‬
‫مــا إن أنتهــي مــن قول كلّ شــيء‪ ،‬كلّ شــيء‪ ،‬علــى اإلطالق‪.‬‬ ‫تغيــرت طريقــة كتابتكــم‪ ،‬فــي نهايــة هــذه السلســلة‪،‬‬
‫هــل َّ‬
‫ولكــن األمــور ال تســير علــى هــذا النحــو‪ ،‬فالنبــع ال ينضــب‪،‬‬ ‫بالمقارنــة مــع طريقــة الكتابة لديكــم في كتابكم «كفاحي»؟‬
‫وبعــد كتابــة آالف الصفحــات‪ ،‬مــا أزال هنــا‪ ،‬ومــازال أكتــب‪.‬‬
‫‪ -‬كان هــذا هــو الهــدف‪ ،‬فقــد أردت أن أقطــع عالقتــي مــع‬
‫سينشر في سبتمبر‪ ،‬أيلول (‪،)2022‬‬ ‫قمتم بتخصيص كتاب ُ‬ ‫كتابــي «كفاحــي»‪ ،‬أن أقطــع الصلــة مــع الدرامــا‪ ،‬والعاطفة‬
‫للرســام النرويجــي إدوارد مونــش‪ .‬وســيرافق هــذا الكتــاب‬
‫ّ‬ ‫«رباعيــة الفصول»‬
‫ّ‬ ‫الدائمــة‪ ،‬وحاالتــي فــي التفكيــر‪ ...‬كانت‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪94‬‬
‫خاص‪ ،‬في لوحاته؟‬
‫ّ‬ ‫ما الذي يصدمك‪ ،‬بشكل‬ ‫المعــرض المزمــع تنظيمــه فــي متحــف أورســيه‪ ،‬المســتوحى‬
‫مــن متحــف مونــش فــي أوســلو‪ ،‬وهــو المتحــف الــذي منحــك‬
‫رســام مــا‪،‬‬‫نحــدد كيــف يؤ ِّثــر فيــك ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬مــن الصعــب أن‬
‫صالحيــة مطلقــة عــام (‪ .)2017‬وســنرى أن مونــش‪ ،‬أيضــ ًا‪،‬‬
‫واعتمــاد ًا علــى ّأيــة ينابيع‪ ،‬يكون التأثيــر‪ ،‬وكيف تفعل تحفةٌ‬
‫ـاص بــه‪...‬‬
‫كان يحــوم‪ ،‬دون كلــل‪ ،‬حــول «نقطــة النبــع» الخـ ّ‬
‫ـم توصيل عاطفة بلمســة‬ ‫اآلخريــن‪ ،‬وكيــف يتـ ّ‬ ‫مــا ِف ْعل ََهــا فــي َ‬
‫ـدث عــن هــذا‬ ‫ـم ربــط فكــرة بلــون مــا‪ .‬أتحـ َّ‬‫فرشــاة‪ ،‬وكيــف يتـ ّ‬ ‫ـتمر نفســه هــو مــا قــاده‬
‫‪ -‬فــي الواقــع‪ ،‬كان البحــث المسـ ّ‬
‫فــي بدايــة مقالتــي عــن مونــش‪ ،‬حــول لوحــة تعــود إلــى‬ ‫إلــى الرســم‪ ،‬مــن مرحلــة المراهقــة إلــى النهايــة‪ ،‬عندمــا‬
‫ا مــن الكرنــب‪ .‬يتــم ذلــك بســرعة‪،‬‬ ‫ـور حقـ ً‬
‫عــام (‪ ،)1915‬تصـ ِّ‬ ‫تو ِّفــي عــن عمــر يناهــز (الثمانيــن) عامـاً‪ ،‬محاطـ ًا بأعمالــه‪.‬‬
‫يتضمــن مســاحات مســطّ حة‬ ‫َّ‬ ‫تقريبـ ًا مثــل رســم تخطيطــي‪،‬‬ ‫بالنســبة إلــى معــرض أوســلو‪ ،‬تمكَّ نــت مــن االطِّ ــاع علــى‬
‫مــن األخضــر واألزرق تلتقــي فــي المــدى البعيــد‪ ،‬ومث َّلــث‬ ‫(‪ )1000‬لوحــة‪ ،‬و(‪ )20000‬رســم تقريبــي‪ .‬كان كلّ شــيء‬
‫مــن القمــح األصفــر علــى الجانــب‪ ،‬وشــريط داكــن يلــوح‬ ‫متفاوت ـاً‪ ،‬ولكــن هنــاك‪ ،‬دائم ـاً‪ ،‬فــي أبســط رســم‪ ،‬طاقــة ال‬
‫فــي األفــق ‪ ...‬ومــع ذلــك‪ ،‬هــذه اللوحــة زاخــرة بالمعنــى‬ ‫ـدق‪ .‬أردت أن أسـلِّط الضــوء على هــذه الطاقة من خالل‬ ‫صـ َّ‬
‫ُت َ‬
‫تفجــر شــيئ ًا مــا بداخلــي‪ .‬أرى فيهــا‬ ‫بطريقــة ســحرية‪ :‬إنهــا ِّ‬ ‫ـرض مــن قبــل؛ ال ألن هذه األعمــال قد بلغت‬ ‫أعمــال لــم ُتعـ َ‬
‫الفــراغ‪ ،‬والمــوت‪ ،‬كمــا أرى فيهــا‪ ،‬أيض ـاً‪ ،‬المصالحــة مــع‬ ‫النهايــة والكمــال‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬بــل ألن الطاقــة الكامنــة فيها‬
‫المــوت‪ ،‬نوعـ ًا من الدعوة إلــى الذوبان فــي النهائية العالم‪.‬‬ ‫متجلِّيــة‪ .‬أعــاد مونش النظر في الموضوعات نفســها مراراً‪،‬‬
‫إن لوحــة مونــش ال تقــول شــيئاً‪ ،‬وال ُتظهــر ســوى الكرنــب‬ ‫وتكــراراً‪ .‬وليــس مــن قبيــل المصادفــة أنــه كان‪ ،‬أيضـاً‪ ،‬قارئ ًا‬
‫والقمــح واألشــجار والســماء‪ .‬ولكــن المــوت‪ ،‬والمصالحــة‪،‬‬ ‫شــغوفاً‪ ،‬لدوستويفســكي‪ ،‬ففــي اليــوم الــذي تو ِّفــي فيــه‪،‬‬
‫والســام‪ ...‬كلّ هــذا موجــود فيهــا‪ ،‬بيــن الكرنــب والقمــح‪،‬‬ ‫كان يعيــد قــراءة روايتــه «الشــياطين»‪.‬‬
‫واألصفــر واألخضــر‪ ،‬واألزرق والبرتقالــي‪.‬‬

‫المؤرقة بين الســخيف والميتافيزيقي‬ ‫ّ‬ ‫نقــط التطابــق هذه‬


‫‪ -‬بيــن المــوت والكرنــب ‪ -‬موجــودة‪ ،‬باســتمرار‪ ،‬في فصولكم‬
‫األربعــة‪ ،‬مثلمــا تحضــر لديكــم‪ ،‬أيضـ ًا‪ ،‬فكــرة االمتــزاج مــع‬
‫الطبيعــة العظيمــة بأكملها‪...‬‬
‫‪ -‬نعــم‪ .‬وهــذا قاســم مشــترك آخــر بينــي وبيــن مونــش‪.‬‬
‫ـب األشــجار‪ .‬لقــد رســم الكثير منها‪ :‬أشــجار‬ ‫إننــي ِم ُثلــه؛ أحـ ّ‬
‫الكســتناء‪ ،‬والبتــوال ‪ ...‬كمــا أننــي أصــف الكثيــر منهــا فــي‬
‫ـر على أوجه‬ ‫فصولــي‪ .‬إنــه يمنحهــا مواقف بشــرية‪ ،‬بينما أصـ ّ‬
‫التشــابه بيــن العناصــر‪ ،‬وذلــك مــن خــال التخ ُّلــص مــن‬
‫البعــد الســيكولوجي قــدر اإلمــكان‪ ،‬وبالنظــر‪ ،‬فقــط‪ ،‬إلــى‬
‫ـذرات‪ ،‬والفيزيــاء‪ ،‬وعلم وظائــف األعضاء ‪...‬‬ ‫مجموعــات الـ ّ‬
‫تصــرون علــى‬
‫ّ‬ ‫أهم ّيــة الســرعة‪ .‬أنتــم‬
‫كلمــة أخيــرة عــن ِّ‬
‫ســرعة اللمســة فــي لوحــات مونــش ورســوماته‪ .‬يبــدو األمــر‬
‫ْس ُه‪ ،‬أيض ًا‪ ،‬على «الرسم دفعةً واحدة»‪.‬‬ ‫َ‬
‫كما لو أنه أ ْج َب َر نف َ‬
‫ـم جـ ّـداً أن نبــدع بهــذه الطريقــة فــي الحركــة‪،‬‬
‫لمــاذا مــن المهـ ّ‬
‫دون تفكيــر‪ ،‬تقريبـ ًا؟‬
‫هــذا هــو بيــت القصيــد‪ .‬فــي مشــروعي الحالــي‪ ،‬ال أعــرف‬
‫بعــد‪ :‬الكتابــة هــي التــي تجعــل ذلــك‬
‫ُ‬ ‫إلــى أيــن ســأذهب‬
‫يحــدث‪ .‬ليــس علــى المــرء أن يعرف مــا يفعلــه عندما يكتب‬
‫أو يرســم‪ .‬إذا ك ّنــا علــى درايــة كبيــرة بمــا نفعــل‪ ،‬فيمكننــا‬
‫ا ذريعـاً‪.‬‬‫القــول إننــا فشــلنا فشـ ً‬
‫حوار‪ :‬فلورنس نويفيل ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬فيصل أبو الطُّ ف َْيل‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪Le monde, Vendredi 17 Juin 2022, pp. 32.‬‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪95‬‬


‫دراسات‬

‫إيلني أوبرست‪:‬‬
‫الذكريات الهشة تعيد برمجة الذاكرة‬
‫الذاكرة‪ ..‬هي الصندوق األســود لعقولنا‪ .‬لكنها ليســت دامئ ًا الدليل القاطع عىل ما وقع من أحداث ويصعب‬
‫االســتناد إليهــا‪ ،‬بصــور ٍة مطلقــة‪ ،‬يف رسد الحقائــق والتفاصيــل بدقــة‪ ..‬الذكريــات الهشــة قــد تســاهم يف توليــد‬
‫ذكريــات زائفــة‪ ..‬تتحـ َّـدث «إيلــن أوبرســت»‪ ،‬أســتاذة علــم النفــس بجامعــة «هاغــن» األملانيــة والباحثة يف مجال‬
‫«العلــوم العصبيــة»‪ ،‬يف مقابلــة أجرتهــا معهــا مج ّلــة «تســايت»‪ ،‬عــن مــدى هشاشــة الذاكــرة اإلنســانية التــي هــي‬
‫ملتغــرات التــي تجعــل مخرجاتهــا ليســت بالدقــة الكافيــة والتامهــي‬ ‫أضعــف مــا نعتقــد وتحكمهــا العديــد مــن ا ُ‬
‫الكامــل مــع الحقائــق‪ ..‬تــرح «أوبرســت» كيــف تتشـكِّل الذكريــات الزائفــة إىل جــوار نظريتها الحقيقيــة‪ .‬كام تف ِّند‬
‫مــدى خطــورة التالعــب بهــذه الذكريــات الوهنــة‪ .‬وكيــف أن األمــر أكــر تعقيــداً مــا يبــدو عليــه؟ فهــذه الذاكــرة‬
‫الهشــة تتغـ َّـر باســتمرار وميكــن أيضـ ًا تزييفهــا عمــداً ‪ -‬ســواء بصــورة ذاتيــة أو مــن ِق َبــل اآلخريــن‪.‬‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪96‬‬


‫حــد مــا‪ .‬فــي األســاس‪،‬‬ ‫‪ -‬هــذا صحيــح إلــى ٍّ‬ ‫مــاذا أعددنــا لعيــد الميــاد العــام الماضــي؟‬
‫قــد يكــون مــا نتذكــره صحيحــ ًا بدرجــة كبيــرة‪.‬‬ ‫صديقــي يقــول‪ :‬ســمك‪ ،‬لكننــي متأكــدة أنــه‬
‫ثمــة‪ ،‬علينــا أن نــدرك‬‫ولكــن ليــس تمامـاً‪ ،‬ومــن َّ‬ ‫لحــم روســتو‪ ..‬كذلــك ال يــزال صديقــي يقــول‬
‫أن العديــد مــن العوامــل يمكنهــا أن تؤثــر علــى‬ ‫حتــى يومنــا هــذا إنــه اتخــذ الخطــوة األولــى فــي‬
‫ربمــا تتأثر ذكرياتنا بفعــل أحالمنا‪ ،‬وقد‬ ‫ذاكرتنــا‪ّ .‬‬ ‫بدايــة عالقتنــا‪ ،‬لكننــي متأكــدة كونــي األولــى في‬
‫تتشــوه أيضـ ًا بفعل قصص اآلخريــن‪ .‬من األمثلة‬ ‫اإلفصاح عن مشــاعري‪ .‬أســتطيع أن أتذكر أين‬
‫الجيــدة علــى ذلــك ذكريات الطفولــة‪ :‬إذا أخبرك‬ ‫كنــا ومــاذا كان يرتــدي ومــا قلتــه بالضبــط؟‪...‬‬
‫القصــة ذاتهــا عشــر مــرات عــن كيفيــة‬ ‫ّ‬ ‫والــدك‬ ‫ســألت شــخصين عــن نفــس‬ ‫ِ‬ ‫الغريــب أنــه إذا‬
‫اســتمرار ســقوطك عــن دراجتــك الحمــراء أثنــاء‬ ‫الحــدث‪ ،‬فغالبــ ًا مــا تحصليــن علــى إجابتيــن‬
‫المحتمل أن تدمج اللون األحمر‬ ‫التدريــب‪ ،‬فمن ُ‬ ‫مختلفتيــن‪ ..‬فكيــف يحــدث ذلــك؟‬
‫فــي ذكرياتــك‪ .‬حتــى لو كنــت ال تتذكره بنفســك‪.‬‬
‫الشــيء نفســه ينطبــق علــى الصــور‪ .‬غالب ـ ًا مــا‬ ‫‪ -‬ذاكرتنــا أســوأ بكثيــر مما نعتقــد‪ ،‬وذكرياتنا‬
‫يزعــم الناس أنه يمكنهــم تذكُّ ر تجارب طفولتهم‬ ‫المقابــل‪ .‬االرتبــاك هنــا‬‫مشــوهة أيضــاً‪ ،‬فــي ُ‬
‫المبكِّ ــرة عندمــا كانوا في عمر ســنة أو ســنتين أو‬ ‫«كالســيكي» للغايــة‪ ،‬وليــس مســتغرباً‪ .‬فمــن‬
‫ُ‬ ‫الــوارد أن يحــدث لَبــس وتختلــط الســنوات‬
‫ثــاث ســنوات‪ ،‬بينمــا تخبرنــا أبحــاث البيولوجيــا‬
‫العصبيــة أن هــذا األمــر ليــس ممكنــ ًا وغيــر‬ ‫فيمــا بينهــا حــال اســتدعاء الذكريــات‪ ،‬فكلتــا‬
‫قابــل للتحقــق‪ .‬ففــي هــذه المرحلــة العمريــة‪،‬‬ ‫اإلجابتيــن صحيحتــان‪ .‬ولكــن الفــارق هنــا فــي‬
‫ـور بعــد الدمــاغ والوعــي الذاتــي بصــور ٍة‬‫لــم يتطـ َّ‬ ‫دقــة اســتدعائها‪ .‬هنــاك أيضــ ًا فرضيــة ّ‬
‫مهمــة‬
‫المفتــرض أن تتشــكَّ ل الذكريــات‬ ‫تفســر مثــل هــذا االختــاف‪ ،‬فغالب ـ ًا مــا نمــزج‬
‫كاملــة‪ ،‬إذ مــن ُ‬ ‫بيــن مــا حــدث ومــا نتمنــاه أو مــا كان فــي نيتنــا‬
‫األولــى بيــن ســن الرابعــة والخامســة‪.‬‬
‫فعلــه‪ ،‬خــال عمليــة اســتدعاء الذكريــات‪،‬‬
‫أتقصدين أن كلّ اشتباك يحدث مع الماضي‬ ‫فيختلــط تلقائيـ ًا مــا كان يــدور فــي رؤوســنا ولم‬
‫بإمكانــه تغييــر برمجــة الذاكــرة؟ ولــو كان األمــر‬ ‫نتفــوه بــه لفظي ـ ًا مــع مــا حــدث بالفعــل‪.‬‬
‫كذلــك‪ ،‬فهــل هــذا يعنــي أنــه مــن الصعــب أن‬
‫كيــف يمكــن الخلــط بيــن النوايــا والتجــارب‬
‫نعتمد على ذاكرتنا‪ ،‬خاصة وأن هناك احتمالية‬
‫الحقيقيــة؟‬
‫تولــد ذكريــات خاطئة؟‬
‫‪ -‬الذكريــات‪ ،‬فــي األســاس‪ ،‬بمثابــة إعــادة‬
‫‪ -‬يمكنــك اعتبــار األمــر علــى هــذا النحو‪ .‬لكن‬
‫بنــاء لألحــداث‪ ،‬فــا تعمــل ذاكرتنــا مثــل حافظــة‬
‫عــاد ًة ال تهاجم هذه التغييــرات جوهر الذاكرة‪،‬‬
‫الكمبيوتــر‪ ،‬حيــث يمكــن اســتعادة نفــس الملــف‬
‫بــل تهاجــم التفاصيــل فقــط‪ ،‬إذا تحدثــت عنها‪.‬‬
‫ـرة‬
‫تتغيــر الذكريــات فــي كلّ مـ ّ‬ ‫َّ‬ ‫مــرار ًا وتكــراراً‪ ،‬إذ‬
‫األمــر أبعــد مــن ذلــك أيضـاً؛ فــإذا واصلت ســرد‬
‫قصــة مــن ماضيــك‪ ،‬ففــي مرحلــة مــا لــم تعــد‬
‫طمــرة داخــل‬ ‫نف ِّكــر فيهــا فــي هــذه األحــداث ُ‬
‫الم َ‬
‫ّ‬ ‫الذاكــرة‪ .‬تلعــب صورتنــا الذاتيــة أيضــ ًا دور ًا فــي‬
‫تتذكرهــا بالضبــط‪ :‬هــل كان األمــر كذلــك حق ـ ًا‬
‫إعــادة تشــكيل الذكريــات‪ :‬أولئــك الالئــي يريــن‬
‫أم أنــك تذكــر هــذه التفاصيــل فقــط ألنــك قمت‬
‫متحررات يسعدن باتخاذ الخطوة‬ ‫ِّ‬ ‫ـاء‬
‫أنفســهن نسـ ً‬
‫ـرة األخيــرة؟!‬‫بســردها بهــذه الطريقــة فــي المـ ّ‬ ‫األولــى‪ .‬أو كُ ــن يرغبــن فــي القيــام بذلــك‪ .‬فــي‬
‫حتــى اآلن‪ ،‬هــذه مجــرد أمثلــة يوميــة‪ ،‬حيــث‬
‫يتطور مســار حيــاة األفراد‪/‬الناس‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الوقت نفســه‪،‬‬
‫ال يكــون للذاكــرة الزائفــة عواقــب وخيمــة‬
‫أشــياء جديــدة‪ ،‬وتمــر بهــم العديــد‬ ‫ً‬ ‫ويتعلمــون‬
‫بصــور ٍة واضحــة‪ .‬ولكــن هــذا بالطبــع يقودنــا‬
‫تغيــر وجهــة نظرهــم فــي‬ ‫تغيــرات‪ ،‬التــي ِّ‬ ‫الم ِّ‬
‫مــن ُ‬
‫إلــى حقيقــة أن ذاكرتنــا هشــة ويمكــن التأثيــر‬
‫األحــداث الســابقة‪ ،‬واألمر ذاتــه يحدث في طريقة‬
‫عليهــا بســهولة‪ ،‬والخطــورة فــي ذلــك تتشــكَّ ل‬
‫اســترجاع هــذه األحــداث‪ .‬فعلــى ســبيل المثــال‪،‬‬
‫عندمــا يؤثــر اآلخــرون فيمــا نتذكــره أو يتالعبون‬
‫تختلــف الطريقــة التي نتذكر بهــا لحظة من حياتنا‬
‫بالكيفيــة التــي نســتدعي بهــا هــذه الذكريــات‪.‬‬ ‫فــي ســن الخامســة عشــرة مقارنةً بلحظـ ٍ‬
‫ـات أخرى‬
‫لقد أظهرت بعض الدراسات أن ما تقولين ممكن‬ ‫فــي ســن الثالثيــن أو الســتين‪ ،‬كمــا لــو كنــا ننظــر‬
‫إلــى هــذه الذكريــات من خــال عدســات مختلفة‪.‬‬
‫حق ـ ًا‪ .‬فهنــاك اختبــارات علــى زرع ذكريــات خاطئــة‬
‫فــي رؤوس األشــخاص‪ ،‬وثبــت نجاحهــا بالفعل‪...‬‬ ‫يبــدو هــذا التحليــل كمــا لــو أننــا ال نســتطيع‬
‫‪ -‬أجــل‪ ،‬سأســوق لـ ِ‬
‫ـك مثاالً‪ :‬لقــد قمنا بدعوة‬ ‫االعتمــاد علــى ذاكرتنــا‪ ،‬بصــور ٍة مطلقــة‪...‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪97‬‬
‫هــذه الفرضيــة‪ ،‬ويبحثــون فــي ذاكرتهــم البعيــدة‪ .‬وبمــرور‬ ‫بحجــة إجــراء دراســة عــن ذكريــات مرحلــة‬ ‫بعــض الطــاب ُ‬
‫الوقــت‪ ،‬يخلقــون صور ًا في رؤوســهم وقصص ًا تبدو منطقية‬ ‫وتحدثنا عــن ذكريات‬ ‫َّ‬ ‫تحدثنــا إلــى آبائهــم مســبق ًا‬
‫الطفولــة‪َّ .‬‬
‫بالنســبة لهــم‪.‬‬ ‫ـت الحــق قمنــا بخلــط هــذه الذكريــات مــع‬ ‫حقيقيــة‪ .‬فــي وقـ ٍ‬
‫ادعــاءات كاذبــة وســألنا الطالب عنهــا‪ .‬كان رد الفعل األول‬
‫المعالجــون‬
‫ربمــا يحــاول ُ‬ ‫يبــدو هــذا خطيــراً‪ ..‬ولكــن ّ‬ ‫لهــم‪ :‬ال نتذكَّ ــر ذلــك‪ .‬وبعــد ذلــك‪ ،‬بــدأ الطــاب الخاضعون‬
‫«التعمــق فــي األمــر» مــن بــاب االشــتباه فــي حــدوث صدمــة‬
‫ُّ‬ ‫لالختبــار البحــث فــي ذاكرتهــم‪ .‬أخبرناهــم أننــا حصلنا على‬
‫مكبوتــة‪ ،‬أليــس هــذا وارداً؟‬ ‫هــذه المعلومــات مــن ذويهــم‪ .‬وهــم فــي الواقــع مصــدر‬
‫ثــم منحناهــم الوقــت‬ ‫موثــوق بــه عــن مرحلــة الطفولــة‪َّ .‬‬
‫‪ -‬أجــل‪ ،‬هنــاك حــاالت يصــل فيهــا المرضــى إلــى االعتقــاد‬
‫ـر ًة أخــرى‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـف‬
‫ـ‬ ‫ث‬
‫ّ‬ ‫مك‬ ‫الــازم‪ ،‬وطلبنــا منهــم التفكيــر بشــكلٍ‬
‫بأنهــم يتذكَّ ــرون التجــارب الســيئة‪ ،‬بينمــا لــم تكــن لديهــم‬
‫المفاجــأة أن الطــاب الذيــن‬ ‫حتــى موعــد الجلســة التاليــة‪ُ .‬‬
‫ذكريــات عنهــا قبــل العــاج‪ .‬قــد يبــدو هــذا بالنســبة لهــم‬
‫لــم يكونــوا متأكديــن فــي البدايــة والذيــن وثقــوا فــي ســرد‬
‫«تفســيراً» لســبب اكتئابهم‪ ،‬أو عدم أدائهم الجيد في الحياة‪،‬‬
‫أو عــدم قدرتهــم القيــام بمهامهم الحياتية‪ ،‬أو حظهم الســيئ‬
‫المقابــات‬‫آبائهــم بــدأوا يفكِّ ــرون ويختبــرون ذاكرتهــم‪ .‬فــي ُ‬
‫فــي الحــب‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ال أنفــي أن الذاكــرة البشــرية البعيــدة‬ ‫التاليــة‪ ،‬نظــلّ نعضــد هــذه الذكــرى الزائفــة بشــكلٍ متكـ ِّ‬
‫ـرر‬
‫بواســطة حثهــم علــى التفكيــر أكثــر وأكثــر‪ .‬فــي النهايــة‪،‬‬
‫والمراحــل الحياتيــة األولــى‪ ،‬كمرحلــة الطفولــة‪ ،‬قــد تحمــل‬
‫ثبــت أنــه يمكــن إقنــاع الطــاب الخاضعيــن لالختبــار أنهــم‬
‫ـر دائــم‬ ‫تجــارب مؤلمــة‪ ،‬ويمكــن أن يكــون لهــا ‪-‬بالطبــع‪ -‬تأثيـ ٌ‬ ‫ســيتذكّ رون األمــر بهــذه الطريقــة‪.‬‬
‫علــى حيــاة األفــراد‪ .‬لكــن المشــاكل النفســية يمكــن أن يكــون‬
‫ـباب عديــدة‪ .‬وإذا لــم تكــن هنــاك صدمــة بالفعــل فــي‬ ‫لهــا أسـ ٌ‬ ‫إذن مــا الــذي يح ِّفــز الذاكــرة الخاطئــة ويجعلهــا تكتســب‬
‫حيــاة هــؤالء‪ ،‬فإن البحث فــي مثل هذه الفرضيــة غير الدقيقة‬ ‫مصداقيــة زائفــة لــدى أصحابهــا‪ ..‬أهــو اقتــراح األفــكار أم‬
‫يمكــن أن يو ِّلــد لديــه ذكريــات زائفــة‪ .‬وفيمــا يخــص تنقيــب‬ ‫التخيــل؟‬ ‫الحــث علــى‬
‫ُّ‬
‫عمــا يعــرف بـ«صدمــة مكبوتــة»‪،‬‬ ‫مقدمــي الخدمــات النفســية ّ‬‫ِّ‬
‫ربمــا بشــكلٍ أكثــر دقــة‪ :‬اقتــراح األفــكار والحــث علــى‬
‫‪ّ -‬‬
‫فحتــى اآلن‪ ،‬ال يوجــد دليل مقنع على مفهوم (القمع النفســي‬
‫إعــادة البنــاء ‪ -‬بعبــار ٍة أخــرى‪ ،‬القــدرة والدافــع لتضميــن‬
‫للذكريــات)‪ .‬فــي الواقع‪ُ ،‬تظهر الدراســات أن النــاس أكثر مي ً‬
‫ال‬
‫تصرفنــا‬
‫َّ‬ ‫قصــة حيــاة المــرء‪ .‬لقــد‬
‫المقتــرح فــي ّ‬ ‫الحــدث ُ‬
‫المؤثــرة أو األحــداث‬ ‫لتذكــر األشــياء ذات الشــحنة االنفعاليــة ُ‬ ‫نحــن واآلبــاء كســلطة موثوقــة‪ ،‬والنتيجــة أنهــم صدقوهــم‬
‫الفريــدة مــن نوعهــا‪ .‬لكنــه مــن الصعــب فحــص ودراســة هذه‬
‫وصدقونــا‪ .‬وهنــا تكمــن خطــورة هــذا الــدور‪ ،‬بحســب الجهة‬
‫ـروف معمليــة‪ .‬ولكــن هنــاك دراســات علــى‬ ‫الحــاالت فــي ظـ ٍ‬
‫الموثوقــة لــدى األشــخاص مــن أصحــاب الذكريات الهشــة‪،‬‬
‫كمشــاهدة أطفال مقتل‬ ‫حــاالت موثقة‪ ،‬ففــي بعض الحاالت؛ ُ‬ ‫وهــذا بالطبــع يمكــن أن تكــون لــه عواقــب أكثــر خطــورة‪.‬‬
‫ـم‬
‫المحاربيــن الذيــن تـ َّ‬
‫أحــد الوالديــن‪ .‬أو أحاديــث مــع قدامــى ُ‬
‫توثيــق تجاربهــم أيض ـاً‪ ،‬فاالثنتــان تجربتــان مؤلمتــان‪ .‬هــؤالء‬ ‫مــا هــي النمــاذج الحياتيــة التــي يمكــن أن يطــرأ عليها مثل‬
‫النــاس ال يســتطيعون قمــع هــذه الخبــرات وذكرياتهــم عنهــا‪،‬‬ ‫هــذا التغيير في الذاكرة اإلنســانية؟‬
‫بــل العكــس هــو الصحيــح فــي أغلــب األحيــان‪ :‬لقــد عانــوا من‬
‫متعمــدة‪ -‬فــي العالج‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬يحــدث هــذا كثيــر ًا ‪-‬بصــورة غيــر‬
‫عــدم قدرتهــم علــى «إخراج هذه الصــور من رؤوســهم‪ ..‬وطرد‬
‫النفســي‪ ،‬ألن األشــخاص الذين يخضعون للتأهيل النفسي‬
‫المؤلمــة»‪.‬‬
‫مثــل هــذه الذكريــات ُ‬ ‫معرضــون لذلــك أكثــر مــن غيرهم‪ .‬عــاد ًة ما يطلــب هؤالء‪،‬‬
‫إذن ما الفرق بين قمع الذكريات ونسيانها بالفعل؟‬ ‫المســاعدة واالستشــارات النفســية‪ ،‬ألنهم يعانــون‪ ،‬وغالب ًا‬ ‫ُ‬
‫مــا يهتمــون بالســؤال‪ :‬مــا هــي مشــكلتي؟ إنهــم يبحثــون‬
‫‪ -‬يتناول مفهوم «القمع النفسي» لدى فرويد‪ ،‬االفتراض‬ ‫عــن تفســير للمشــاكل التــي تؤرقهــم أو تفســير معاناتهــم‪.‬‬
‫يتم قمعهــا من الوعي‪،‬‬ ‫بــأن األحــداث الصادمــة والتهديدية ُّ‬ ‫هــذا بــدوره‪ ،‬يمكــن أن يــؤدي إلــى تكويــن ذاكــرة خاطئــة‪.‬‬
‫وبالتالــي لــم يعــد بإمــكان الشــخص الوصــول إليهــا دون‬ ‫فــي بعــض الحــاالت‪ ،‬يحــدث ذلــك‪ ،‬لســوء الحــظ‪ ،‬إذا‬
‫مســاعدة عالجيــة‪ ،‬بحيــث ال يتذكرهــا‪ .‬أمــا النســيان يعمــل‬ ‫المعالــج أطروحــة مفادهــا أن ســبب االكتئــاب‪ ،‬علــى‬ ‫أخــذ ُ‬
‫بطريقــة مختلفــة‪ ،‬فــإذا نســينا شــيئ ًا مــا‪ ،‬فلــن نتمكَّ ــن مــن‬ ‫ســبيل المثــال‪ ،‬هــو صدمــة مــن الماضــي ويريــد «البحــث‬
‫الوصــول إلــى وضعيتــه فــي الذاكــرة بعــد اآلن‪ ،‬ولكــن هــذ‬ ‫فيهــا»‪ .‬ولكــن فــي الواقــع لــم تكــن فرضيتــه بالدقــة الكافية‬
‫ـدر مــن االختالف‪ :‬ففــي حالة‬ ‫العمليــة المعرفيــة يشــوبها قـ ٌ‬ ‫اتســاق ًا مــع تاريــخ المريــض‪ ،‬ولــم يكــن هنــاك بالفعل مثل‬
‫النســيان‪ ،‬يفقــد اإلنســان ممــر الوصــول لهــذه الذكريــات‪،‬‬ ‫هــذه الصدمــة‪ .‬هــذه الفرضيــات غيــر الدقيقــة يمكنهــا أن‬
‫رجــح‬ ‫الم َّ‬
‫بهــا‪ .‬وهــو مــا نســميه «ضيــاع آثــار الذاكــرة»‪ .‬مــن ُ‬ ‫المشــكلة هنــا‪ ،‬أن المريــض‬ ‫تولــد ذكريــات كارثيــة زائفــة‪ُ .‬‬
‫أن ننســى األشــياء التــي ال تهمنــا‪ ،‬وكذلــك األحــداث األقــلّ‬ ‫ينظــر للطبيــب كـ«ســلطة موثوقــة» و«خبيــر اختصاصــي»‪.‬‬
‫تأثيــر ًا علينــا شــخصياً‪.‬‬ ‫ثمــة‪ ،‬يبــدأ المرضــى فــي البحــث‪ ،‬والتفكيــر فــي‬ ‫ومــن َّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪98‬‬
‫تطور‬
‫يتم تحليــل ُّ‬
‫أي تأثيــرات موحيــة؟ باإلضافــة إلــى ذلــك‪ُّ ،‬‬ ‫المتعلِّقــة‬
‫المعقَّــدة ُ‬
‫هــل تفيــد مثــل هــذه العمليــات ُ‬
‫ســياق هــذه الشــهادات‪ .‬غالبـ ًا مــا تــزداد الذكريــات الزائفــة‬ ‫الممكــن التمييــز‬
‫بالذاكــرة فــي كشــف الجرائــم؟ وهــل مــن ُ‬
‫ا بمــرور الوقــت وتكتســب في كلّ‬ ‫بشــكلٍ أكبــر وأكثــر تفصيـ ً‬ ‫بيــن الذكريــات الكاذبــة والحقيقيــة؟‬
‫ـرة تفاصيــل إضافيــة‪ .‬ونــادر ًا مــا يكــون هــذا هــو الحــال مع‬ ‫مـ ّ‬ ‫عندما تلعب الذكريات‪ ،‬أي أقوال الشــهود‪ ،‬دور ًا رئيســي ًا‬
‫الذكريــات الحقيقيــة التــي تتســم بالثبــات فــي محتواهــا‪..‬‬
‫المحاكمــات‪ ،‬يصبــح األمــر صعبـاً‪ .‬في بعــض األحيان‪،‬‬ ‫فــي ُ‬
‫كثيرون مقتنعون بأن الذكريات هي التي تصنع اإلنسان‪.‬‬ ‫ُتقــام الدعــاوى القضائيــة بعــد ســنوات من وقــوع الحادث‪،‬‬
‫وأن ما نتذكره هو ما نحن عليه اآلن‪ .‬هل هذا الفكر خاطئ؟‬ ‫مــا يجعــل األمــر أكثر تعقيــداً‪ .‬لذلــك غالب ًا ما تكــون إفادات‬
‫الشــهود غيــر دقيقــة‪ .‬والســؤال الــذي يطــرح نفســه‪ :‬مــا‬
‫وهل يمكن محو الذكريات الكاذبة؟‬
‫البديــل؟ مــن الجيــد دائمــ ًا أن تكــون أقــوال العديــد مــن‬
‫صيــة‪ .‬قد يدرك البعــض أنهم صنعوا‬ ‫‪« -‬المحــو» كلمــة َع ّ‬ ‫األشــخاص متطابقــة‪ .‬فعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬إذا كان لــدى‬
‫الصور في رؤوســهم بأنفســهم‪ .‬وهنا‪ ،‬من األســهل التعامل‬ ‫ثالثــة أشــخاص ال يعرفــون بعضهــم البعــض‪ ،‬أي ال يمكنهم‬
‫المتشــابكة‬ ‫مــع الذكريــات األقــلّ خطورة‪ ،‬أمــا في الذكريات ُ‬ ‫المحادثــات‪ ،‬إفــادات‬ ‫التأثيــر علــى بعضهــم البعــض فــي ُ‬
‫الهويــة وإعطــاء تفســيرات مرضيــة‬
‫ّ‬ ‫مــع مســائل إعــادة بنــاء‬ ‫وذكريــات ليســت متشــابهة‪ ،‬وال يوجــد دليــل موضوعــي‬
‫لمحنــة البعــض‪ ،‬فيصبــح األمــر أكثر تعقيــداً‪ ،‬ومن الصعب‬ ‫عليــه‪ ،‬نلجــأ إلــى إصــدار مــا يعــرف بـ«تقريــر المصداقيــة»‪.‬‬
‫للغايــة حتــى إدراك أن الذاكــرة خاطئــة‪ .‬فــي الواقــع‪ ،‬هناك‬ ‫مهمــة صعبــة‪ ،‬حيــث إنــه مــن الصعــب‬ ‫لكنهــا‪ ،‬فــي الواقــع‪ّ ،‬‬
‫ا يخترع‬ ‫ا أم آجـ ً‬
‫عبــارة كتبهــا ماكــس فريــش تقول‪« :‬عاجـ ً‬ ‫التفريــق بشــكلٍ موثــوق فيــه‪ ،‬بيــن الذكريــات الزائفــة‬
‫الجميــع قصص ـ ًا يعتبرونهــا حياتهــم»‪ ..‬أتفــق معــه تمام ـ ًا‬ ‫والحقيقيــة‪ ،‬خاصــة أن الذكــرى الزائفــة ليســت كذبــة‪ .‬هــذا‬
‫فــي هــذه الفرضية‪.‬‬ ‫ـد ًا وجــب توضيحــه‪ .‬فــي حــال أدت الذكريــات‬ ‫ـم جـ ّ‬
‫أمــر مهـ ّ‬
‫حوار‪ :‬سارة تومسك ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬شيرين ماهر‬ ‫الهشــة إلــى توليــد ذكريات زائفــة‪ ،‬يؤمن اإلنســان حق ًا بهذه‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫الذاكــرة‪ ،‬وال يعــرف أنهــا ال تتوافــق مــع الواقــع‪ .‬كجــزء مــن‬
‫المصدر‪:‬‬ ‫ـم فحص الســياق‬ ‫أدائنــا المهنــي فــي تقييــم المصداقيــة‪ ،‬يتـ ُّ‬
‫‪https://www.zeit.de/zeit-magazin/leben/2022-05/falsche-erinnerun-‬‬
‫‪gen-psychologie-aileen-oeberst-interview?fbclid=IwAR2QcFaaTBZZy-‬‬
‫ـم فيــه اإلدالء بهــذه الشــهادات بعنايــة‪ :‬هــل جــرى‬ ‫الــذي تـ َّ‬
‫‪tUvZSobf2ipB73DPRVkQLFhD9v2XW9xNKBA2DJSQMAyFI‬‬ ‫ٍ‬
‫طــرح األســئلة بصــورة مفاجئــة ومربكــة؟ هــل كانــت هنــاك‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪99‬‬
‫خوسيه دي فالفريدي‪:‬‬
‫علينا أن نقوم بتفكيك األفكار‬
‫املبتذلة حول العباقرة واملوهوبني‬
‫ـن املــرء مــن بلــوغ مرتبــة الشــخص العبقــري‪ُ ،‬يقـ ِّـدم كتــاب «أرسار العباقــرة»‬ ‫بعيــداً مــن توصيــف طريقــة مت ِّكـ ُ‬
‫الصــادر عــن دار النــر (‪ )HumenSciences‬يف شــهر أبريل‪/‬نيســان (‪ ،)2022‬معرضــ ًا لبورتريهــات عــدد مــن‬
‫إن جميــع‬ ‫ويح ِّلــل مســاراتهم يف ضــوء أعــال علــم النفــس العلمــي‪ّ .‬‬ ‫الرجــال العظــاء والنســاء العظيــات‪ُ ،‬‬
‫نفســها‪ :‬فبالنســبة إىل الشــاعر آرثــر رامبــو‪ ،‬كان يعتمــد‪ ،‬يف‬ ‫األشــخاص االســتثنائيني مل تكــن لديهــم الحوافـ ُـز ُ‬
‫بي‬‫ـاق‪ُ .‬ي ّ‬
‫ـل حافــزه يف العمل الشـ ّ‬ ‫أمــا بالنســبة إىل املهنــدس هــري فــورد‪ ،‬فتم َّثـ َ‬
‫كتاباتــه‪ ،‬عــى إرشاقــات خاطفــة‪ّ ،‬‬
‫الحــوار الــذي ُأ ِجـرِي مــع أحــد عا ِل َمــي النفــس اللذيــن شــاركا يف تأليــف هــذا الكتــاب‪ ،‬وهــو خوســيه دي فالفــردي‪،‬‬
‫ـؤدي إىل ظهــور شــخص عبقــري أو نضجــه‪ ،‬بــل إن هنــاك مزيج ـ ًا مــن‬ ‫أنــه ال يوجــد يشء ثابــت‪ ،‬مــن شــأنه أن يـ ّ‬
‫ـظ واملواهــب والعمــل‪:‬‬ ‫الحـ ّ‬

‫األخيــرة‪ ،‬علــى األشــخاص الذيــن ُي َسـ َّـم ْو َن ذوي‬ ‫انصــب اهتمــام عا ِلــم النفــس «خوســيه دي‬ ‫َّ‬
‫اإلمكانــات الفكريــة العاليــة؟‬ ‫فالفيــردي» فــي البحث فــي مســارات العباقرة من‬
‫النســاء والرجــال‪ .‬فأن يكــون المرء ُمبدعـ ًا يتطلَّب‬
‫‪ -‬ألننا مهووسون بالنجاح االجتماعي‪ ،‬والنجاح‬
‫قــدرة هائلــة علــى التركيــز‪ ،‬والمثابــرة‪ ،‬والث ّقــة‬
‫متكــرر عــن األطفــال‬ ‫ِّ‬ ‫المالــي‪ .‬فهنــاك حديــث‬
‫الحظ‪ .‬عا ِلــم األحياء الحائز‬ ‫ّ‬ ‫بالنفــس‪ ،‬وشــيئ ًا مــن‬
‫ـم اكتشــافهم‪ ،‬بســرعة‪ ،‬فــي‬ ‫الموهوبيــن الذيــن َتـ َّ‬ ‫الطب‪ ،‬فرانســوا جاكوب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫علــى جائــزة «نوبل» فــي‬
‫محيطهــم‪ .‬يمكــن للمرء أن يمتلــك قدرات إبداعية‬
‫ومارســيل بروســت‪ ،‬وأندريه ســيتروين‪ ،‬وبيكاسو‪،‬‬
‫دون أن تكــون لديــه إمكانــات عالية‪ ،‬كمــا يمكن أن‬
‫ومــوزارت كلّ هــؤالء كانوا عباقــرة‪ .‬وكان بعضهم‪،‬‬
‫يكــون لديــه مســار دراســي المــع دون أن يســير‪،‬‬
‫مثــل ليونــاردو دافنشــي‪ ،‬متعــددي االهتمامــات‪.‬‬
‫متطــورة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جنبــ ًا إلــى جنــب‪ ،‬مــع قــدرة إبداعيــة‬
‫فعلى ســبيل المثال كان فيكتور هوغو ‪-‬إلى جانب‬
‫علينــا‪ ،‬إذاً‪ ،‬أن نقــوم بتفكيــك األفــكار المبتذلــة‬
‫رســام ًا أيضـاً‪ .‬وفــي الواقــع‪ ،‬إن هؤالء‬ ‫كونــه كاتبـاً‪ّ -‬‬
‫حــول العباقــرة والموهوبيــن؛ فــأن يكــون المــرء‬
‫ـددة‪،‬‬ ‫العباقــرة الذيــن ينشــطون فــي مجــاالت متعـ ِّ‬
‫تحملــه للمخاطــر‪،‬‬ ‫ذكيـ ًا ال يكفــي لمعرفــة كيفيــة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مهــددون باالنقــراض منــذ القــرن التاســع عشــر‪.‬‬
‫ـد‪ ،‬هنــا‪ ،‬مــن‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫وال‬ ‫ـرة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫العباق‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـوم‬
‫ـ‬ ‫يق‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫أم‬ ‫ـو‬ ‫وهـ‬ ‫متعددي االهتمامات‬ ‫وســواء أكان هؤالء العباقرة‬
‫ِّ‬
‫التذكيــر بــأن الوالديــن والمحيــط واألجــواء التــي‬ ‫أم ال‪ ،‬فقــد عرفــوا جميعـ ًا كيــف يســتفيدون‪ ،‬علــى‬
‫مهمــة للغاية‪ .‬ففي‬ ‫ّ‬ ‫ـور أنفســنا فــي ظلّها‪ ،‬تظــلّ‬ ‫نطـ ِّ‬ ‫نحــو أمثــل‪ ،‬مــن عالمــة تجاريــة مركزيــة‪ ،‬ضرورية‬
‫الوقت الحاضر‪ ،‬وداخل كتب التنمية الشــخصية‪،‬‬ ‫حتــى بالنســبة إلــى الكائــن البشــري؛ أال وهــي‬
‫ـم بيــع قوائــم بمــا يجــب فعلــه‪ ،‬ومــا ال يجــب‬ ‫يتـ ّ‬ ‫«القــدرة اإلبداعيــة»‪ .‬لقــد أوصــل العباقــرة هــذه‬
‫فعلــه‪ :‬دعونــا نفصــل أنفســنا عنهــم‪ ،‬فــا نصبــح‬ ‫القــدرة اإلبداعيــة إلــى ذروتهــا‪ ،‬فيمــا ظــلّ أغلبنــا‬
‫ضحايــا الكمــال‪ ،‬والســعادة اإللزاميــة‪.‬‬ ‫ـم اختراعــه مــن ِق َبــل‬
‫مقتصريــن علــى تفســير مــا َتـ َّ‬
‫هل يمتلك جميع العباقرة قدرات إبداعية؟‪ ‬‬ ‫اآلخرين‪.‬‬

‫‪ -‬إن القــدرة اإلبداعيــة متوافــرة عنــد جميــع‬ ‫لمــاذا ُس ـلّطت األضــواء كثيــراً‪ ،‬فــي الســنوات‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪100‬‬
‫‪ -‬ليــس بالضــرورة‪ ،‬لكنهــا كذلــك فــي كثيــر مــن األحيــان‪.‬‬ ‫العباقرة‪ ،‬وفي كلّ شــكل من أشــكال العبقرية‪ ،‬ســواء العلمية‬
‫ـدة‪ ،‬لألمــراض العقلية‪ ،‬ويوجد‬ ‫معرضون‪ ،‬بشـ ّ‬‫بعــض العباقــرة َّ‬ ‫الفنيــة‪ ،‬تكمــن هنــاك رغبــة فــي اإلبــداع‪ .‬إن جميــع العباقرة‬
‫ّ‬ ‫أو‬
‫لديهم ميل إلى الهشاشــة النفســية‪ِ .‬ل ُنلْقِ ‪ ،‬على ســبيل المثال‪،‬‬ ‫لديهــم ســمات شــخصية أساســية‪ :‬فباإلضافــة إلــى المعرفــة‬
‫نظــرة علــى غوتــه أو روبــرت شــومان أو جيــرارد دي نيرفــال أو‬ ‫والحافــز والبيئــة التــي تحتضنهــم‪ ،‬لديهــم قــدرة هائلــة علــى‬
‫فيرجينيــا وولــف أو فرانســيس بيكــون أو نيكــوال دي ســتايل‪..‬‬ ‫التركيــز والمثابــرة‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أننــا نمتلــك قاطبــة هــذه‬
‫رســام ًا رائع ـ ًا لــو‬
‫هــل كان مــن المتو َّقــع أن يكــون فــان جــوخ ّ‬ ‫المكونــات‪ ،‬ال نصبــح كلُّنــا بيير ومــاري كوري‪ :‬فالعبقريــة‪ ،‬إذاً‪،‬‬
‫ِّ‬
‫أنــه كان أكثــر ســعادةً؟ لســنا متيقِّنيــن مــن ذلــك‪.‬‬ ‫ليســت فــي متنــاول الجميــع‪.‬‬

‫ممــا‬
‫يســعى كتابكــم إلــى تشــجيع القــدرة اإلبداعيــة أكثــر ّ‬ ‫الخاصة التي تربط األشخاص االستثنائيين‬
‫ّ‬ ‫ما نوع العالقة‬
‫يدعــي أنــه يخلــق عباقــرة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بالغموض‪ ،‬والتي يتحكَّم بها هؤالء؟‬
‫‪ -‬الشــخص العبقري ليس محبوسـ ًا في برج عاجي‪ ،‬منعز ً‬
‫ال‬ ‫‪ -‬يتعلــق األمــر بالقــدرة علــى االنفتــاح علــى المعلومــات‬
‫ّ‬
‫عــن عا َلــم مــن المفتــرض أنــه طبيعــي‪ ،‬بــل إن لديــه نقــاط قـ ّ‬
‫ـوة‬ ‫التــي تبــدو متناقضــة؛ فــأن يتم َّكــن المــرء مــن التعامــل مــع‬
‫ـن مــن تنظيمهــا علــى‬ ‫يشــترك فيهــا مــع اآلخريــن‪ ،‬لكنــه تم َّكـ َ‬ ‫خاصــة‪ .‬إننــا‪،‬‬
‫التناقــض وعــدم االنســجام الواضــح‪ ،‬تلــك ميــزة ّ‬
‫بغ ْر َبلــة العديــد مــن‬
‫النحــو األمثــل‪ ،‬فقــد عــرف كيــف يقــوم َ‬ ‫ـور األشــياء بطريقة متجانســة‪ .‬على‬ ‫فــي معظــم األحيــان‪ ،‬نتصـ َّ‬
‫الجيــدة‪ ،‬وتطويــر أفضلها‪ .‬علــى المرء أن يقــوم با ّتخاذ‬ ‫ِّ‬ ‫األفــكار‬ ‫ـم اكتشــاف الحمــض النــووي ‪،ADN‬‬ ‫ســبيل المثــال‪ ،‬عندمــا َتـ َّ‬
‫عــدد مــن الخيــارات‪ ،‬ودون أن يشـ ِّتت تفكيــره‪ ،‬وأن ينتقــل مــن‬ ‫فــي عــام (‪ ،)1953‬كان مــن الضــروري قبــول بنيتــه اللولبيــة‬
‫األقــوال إلــى األفعال‪ .‬ويجب ّأل تظل اإلمكانات دون اســتثمار‪.‬‬ ‫المزدوجــة‪ ،‬والتــي لــم تكــن واضحــة بشــكل مســبق‪.‬‬
‫وعلــى النقيــض ممــا نجــده في الكتب المدرســية لعلــم النفس‬
‫اإليجابــي‪ ،‬فإننــا لســنا بصــدد إصــدار أوامــر قضائيــة‪ ،‬بــل نؤكّ د‬ ‫هل يعرف العباقرة الفشل؟‪ ‬‬
‫والصدفة اللذين يتخلَّالن كلّ مســار‪ .‬ال‬ ‫ْ‬ ‫الحظ‬
‫ّ‬ ‫علــى نصيــب مــن‬ ‫‪ -‬بالتأكيــد‪ .‬تومــاس إديســون‪ ،‬بالمناســبة‪ ،‬كان يتباهــى بأنه‬
‫ـددة‪ ،‬ولكن‬ ‫ً‬
‫يصبــح المــرء عبقريـا مــن خــال ا ِّتبــاع وصفات محـ َّ‬ ‫ـرات قبــل أن يكتشــف المصبــاح الكهربائــي‪.‬‬ ‫فشــل لمئــات المـ ّ‬
‫ربمــا‪ ،‬أن نتيــح بعــض الفــرص‪ ،‬أو أن نســاعد‬ ‫مــن الممكــن‪َّ ،‬‬ ‫إن الطريقــة التــي ننظــر بهــا إلــى الفشــل هــي علــى قــدر كبيــر‬
‫اآلخريــن علــى أن يصبحــوا عباقــرة‪ .‬يســتهدف الكتــاب‪ ،‬بشــكل‬ ‫خصــص (شــارل بيبــان ‪)Charles Pépin -‬‬ ‫األهميــة‪ .‬وقــد َّ‬ ‫ِّ‬ ‫مــن‬
‫طلبهــم علــى التم ُّتــع‬
‫ـاص‪ ،‬األســاتذة؛ إذ يمكنهــم تشــجيع ّ‬ ‫خـ ّ‬ ‫كتابـ ًا لهــذا الموضــوع‪ ،‬عنوانــه «فضائــل الفشــل»‪ ،‬وصــدر عــن‬
‫ـتقالليتهم‪ ،‬وعلــى العمــل مــن أجــل تطويرهــا‪ ،‬وهــو مــا لم‬ ‫َّ‬ ‫باسـ‬ ‫دار نشــر (‪ ،)Allary‬ســنة (‪ ،)2016‬كما‪ ،‬كان ستيف جوبز يركّ ز‬
‫يخطِّ ــط لــه نظــام التعليــم الفرنســي إلــى اآلن‪.‬‬ ‫علــى إخفاقاتــه‪ ،‬بــل إنــه ا َّتخذهــا موضوع ـ ًا لمحاضــرة ألقاهــا‬
‫طــاب جامعــة ســتانفورد‪ ،‬بكاليفورنيــا‪ ،‬عــام (‪.)2005‬‬ ‫علــى ّ‬
‫من المثير للدهشة أنكم ال تذكرون سيغموند فرويد‪ .‬على‬ ‫ـرض لــه ســتيف جوبــز هــو أنــه لــم يتم َّكــن مــن‬ ‫وأول فشــل تعـ َّ‬‫َّ‬
‫مكرس‬‫الرغم من أن كتابه «ذكرى طفولة لليوناردو دافنشي» َّ‬ ‫ـرض للطــرد مــن ِق َبــل شــركة آبــل‪ ،‬وهــي‬ ‫ـ‬ ‫تع‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫إنهــاء دراســته‪،‬‬
‫ّ‬
‫رســام الموناليــزا! باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬ال يظهــر‬
‫لشــجرة عائلــة ّ‬ ‫أسســها مــع ســتيف ووزنيــاك فــي عــام (‪.)1976‬‬ ‫الشــركة التــي َّ‬
‫مصطلــح «الالوعــي» فــي كتابكم‪ .‬ما ســبب ذلك؟‬
‫ـروري لكــي يصبــح المــرء‬
‫ّ‬ ‫هــل الشــعور باالطمئنــان شــرط ضـ‬
‫‪ -‬لــم ننطلــق مــن زاويــة التحليــل النفســي فــي تأليــف كتابنــا‬
‫خلفيــة عملنــا‪.‬‬ ‫هــذا‪ ،‬لكــن التحليــل النفســي يظــلّ حاضــر ًا فــي‬ ‫عبقريـ ًا؟‬
‫ّ‬
‫ـم بنــاء عــدد مــن الجســور بيــن هــذا المجــال مــن‬ ‫واليــوم‪ ،‬يتـ ّ‬ ‫ـداً‪ ،‬وثقة عالية‬
‫ـورة جـ ّ‬‫لــدى العباقــرة‪ ،‬فــي الواقع‪( ،‬أنا) متطـ ِّ‬
‫مجــاالت المعرفــة وبيــن العلــوم المعرفيــة‪ ،‬فنحــن نتنــاول‬ ‫بالنفــس‪ ،‬تو ِّفــران لهــم ضرب ـ ًا مــن الحمايــة عندمــا يواجهــون‬
‫الالوعــي مــن خــال العلــوم المعرفيــة؛ وهــو مــا ال يحــول‬ ‫عــدد ًا مــن العقبــات‪ ،‬وبدونهمــا ال يمكنهــم مواجهــة الكثيــر‬
‫والحلــم والبيئــة المحيطــة‬ ‫ـدث عــن الرغبــة ُ‬ ‫بيننــا وبيــن التحـ ُّ‬ ‫التخصصــات‬
‫ُّ‬ ‫خاصــةً إذا كانــوا يعملــون فــي‬
‫ّ‬ ‫مــن المخاطــر‪،‬‬
‫(األســرة‪ ،‬فــي اصطــاح التحليل النفســي)‪ .‬وعلــى الرغم من أن‬ ‫ـك وعــدم اليقيــن‪ُ :‬ي ْف ِص ُح ّ‬
‫الرســامون‬ ‫الف ِّن ّيــة‪ ،‬حيــث يســود الشـ ّ‬
‫ـي‪ ،‬في ثنايــا الكتاب‪،‬‬ ‫مصطلــح «الالوعــي» ال يظهــر‪ ،‬بشــكل جلـ ّ‬ ‫والموســيقيون والكُ ّتاب عن جملة من الشــكوك التي تســاورهم‬
‫مــن الجديــر بالذكــر أن عبــارة فريديريــك نيتشــه‪« :‬كــن مــا أنت‬ ‫ا فــي مواجهــة‬‫معينــة‪ ،‬ولكــن يجــب ّأل نثابــر طويـ ً‬
‫فــي أوقــات َّ‬
‫عليــه»‪ ،‬يجــب ّأل تحملنــا علــى االعتقــاد بــأن النجــاح يعتمــد‬ ‫صعوبــة مــا‪ ،‬بــل علينــا أن نعــرف كيــف نأخــذ الواقــع بعيــن‬
‫علــى اإلرادة وحدهــا‪.‬‬ ‫االعتبــار‪ .‬لــدى العباقــرة معرفــة فوقيــة تســمح لهــم بمعرفــة‬
‫حوار‪ :‬فيرجين بلوش‪-‬ليني ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬فيصل أبو الطُّ ف َْيل‬ ‫كيفيــة تحقيــق التــوازن بيــن التخ ِّلــي عــن األشــياء واإلصــرار‬
‫فــي الحصــول عليهــا‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪Libération, Lundi 13 Juin 2022, pp. 18-19.‬‬ ‫الحتمي للعبقرية؟‬
‫ّ‬ ‫المصير‬
‫َ‬ ‫هل تمثِّل الكآبة‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪101‬‬
‫االصطناعي‬
‫ّ‬ ‫أمام تح ِّديات الذكاء‬
‫أيّ مستقبل للكتابة األدبية؟‬
‫يقـ ّـر الناقــد األديب «هارولــد بلــوم» يف كتابــه «القلــق مــن التأثــر» بــأن التأثــر يحــدث (بــن الك ّتــاب)‪ ،‬دامئـ ًا‪ ،‬عــن‬
‫طريــق التفســر الخاطــئ»‪ ،‬لذلــك يتجاهــل هــؤالء ‪-‬عمــداً‪ -‬أســافهم‪ ،‬ويســيئون تفســرهم يك تخلــو إنتاجاتهــم‬
‫أي تأثــر مســبق‪ .‬وتُع َتــر مراحــل القلــق عنــده فرويديــة وغريبــة نوعـ ًا مــا‪ ،‬تســقط عنهــا صفــة الشــمولية‪ ،‬غــر‬ ‫مــن ّ‬
‫أنــه يصيــب يف قولــه إن اإلبــداع مقــرون بحالــة مــن القلــق‪ .‬وهــو غالبـ ًا مــا يشــبه الك ّتــاب بعـ ّـال البنــاء يف رومــا‪،‬‬
‫الذيــن يبنــون فــوق يشء مــا‪.‬‬

‫ـررت أن أرى مــا إذا كان‬ ‫فــي مواجهــة قلقــي المباشــر‪ ،‬قـ َّ‬ ‫تحــول قلقــي مــن التأثيــر‬ ‫َّ‬ ‫لكــن‪ ،‬فــي العــام الماضــي‪،‬‬
‫بإمــكان (‪ )GPT-3‬كتابــة روايتــي األولــى‪ ،‬الموســومة بـــ«ذي‬ ‫إلــى مصــدر آخــر‪ ،‬هــو كيــان يدعــى (‪ .)GPT-3‬إنــه شــبكة‬
‫ريفياليشــن»‪ .‬ألثبــت لنفســي‪ ،‬أنــه ال داعي للقلــق (بل هناك‬ ‫عصبيــة اصطناعيــة‪ ،‬بهــا أكثــر مــن (‪ )175‬مليــار عنصــر‪،‬‬
‫داع)‪ .‬يتط َّلــب ولــوج هــذا «البرنامــج» موافقــات مختلفــة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـوة حوســبة تبلــغ (‪ )175‬مليــار‬ ‫ويشــبه دماغـ ًا اصطناعيـ ًا بقـ ّ‬
‫وهــي تجربــة تمنــح التفاعــل معــه صفــة النبــوءة‪ ،‬ذلــك ألن‬ ‫رابــط (رقــم ضعيــف مقارنــة بالدمــاغ الــذي يتوافــر علــى‬
‫يتم‬
‫المجرة المســتضاف علــى خادم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫المــرء يتواصل بدماغ‬ ‫ــم تطويــره مــن‬ ‫حوالــي (‪ )125‬تريليــون وصلــة عصبيــة)‪َ ،‬ت َّ‬
‫بالملخص الــذي يوجد‬ ‫َّ‬ ‫التحكُّ ــم بــه بإحــكام‪ .‬قمــت بتزويــده‬ ‫طــرف (‪ ،)OpenAI‬بتكلفــة مالييــن مــن الــدوالرات‪ ،‬ومــن‬
‫علــى غــاف الروايــة‪ ،‬مــا منحــه إحساسـ ًا بمــن أكــون‪ ،‬وكيف‬ ‫الخــاص بالتدريــب فقــط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العمــل الحوســبي‬
‫يحاكينــي في الكتابة‪ ،‬وبعد ذلــك‪ ،‬وتفادي ًا إلخضاع التجربة‬ ‫ـدرب‬
‫ويعتبــر (‪ )GPT-3‬معالــج لغــة طبيعــي‪ ،‬أي أنــه مـ َّ‬
‫التحيــز‪ ،‬اختــرت‪ ،‬عشــوائياً‪ ،‬بضــع فقــرات من‬ ‫ُّ‬ ‫ألي نــوع مــن‬ ‫ـم تقديمــه‪ ،‬ويعتمد‪ ،‬في‬ ‫أي توجيــه يتـ ّ‬ ‫علــى محاولــة إكمــال ّ‬
‫روايتــي‪ ،‬وجدتهــا مناســبة للمقارنــة‪ ،‬فوقــع االختيــار علــى‬ ‫الخاصة به‪ ،‬أساسـاً‪ ،‬على شــبكة اإلنترنت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بيانــات التدريــب‬
‫مشــهد قصيــر فــي منتصــف الرواية‪.‬‬ ‫بالكامــل‪ ،‬لذلــك‪ ،‬عنــد تقديم بعض التوجيهــات‪ ،‬مثل بضع‬
‫ـابة‪ ،‬تتابــع مــن تعتقــد أنه‬ ‫كانــت «كارمــن»‪ ،‬العالمــة الشـ ّ‬ ‫ـص‪ ،‬يعمــل علــى تخميــن مــا ســيأتي‪ .‬و ُتظهر‬ ‫فقــرات مــن النـ ّ‬
‫قتــل أحــد زمالئهــا في مترو أنفــاق مدينة نيويــورك‪ .‬أصبحت‬ ‫هــذه التخمينــات أنــه يمكنــه‪ ،‬ح ّقــاً‪ ،‬الكتابــة‪ ،‬بــل يمكنــه‬
‫األحــداث المحيطــة بالتحقيــق أكثــر غرابــةً وغموضـ ًا بمرور‬ ‫الكتابــة بجميــع أنــواع األســاليب‪ ،‬فــي كثيــر مــن األحيــان‪،‬‬
‫ـدم‪ ،‬فهي‬ ‫أي تقـ ُّ‬
‫الوقــت‪ ،‬وهــي غيــر قــادرة‪ ،‬اآلن‪ ،‬على إحــراز ّ‬ ‫بشــكل مقنــع مثــل المؤ ِّلــف البشــري‪ .‬إن القلق الذي أشــعر‬
‫متأخر مــن الليل‪ .‬في‬ ‫ِّ‬ ‫تراقــب محطّ ــة متــرو األنفــاق في وقت‬ ‫أي‬
‫بــه تجاهــه يختلــف عــن القلــق الــذي أشــعر بــه تجــاه ّ‬
‫ظــلّ األجــواء المتو ِّترة التي تعيشــها‪ ،‬والمكالمــات الهاتفية‬ ‫كاتــب إنســان‪ .‬أعتقــد أنه يم ِّثــل الضربــات التحذيرية األولى‬
‫ـجلة منذ‬ ‫الغامضــة التــي كانــت تتل ّقاهــا مــن أرقــام غيــر مسـ َّ‬ ‫ـدد مقابــل آلــة تنافســه فــي اللّغــة‪.‬‬ ‫لرجــل مهـ ّ‬
‫أن بــدأت التحقيــق‪ ،‬بــدأت تخشــى رؤية شــيء غير إنســاني‪.‬‬ ‫وال يبــدو أن الكثيريــن‪ ،‬فــي صناعــة النشــر‪ ،‬الحظــوا هــذا‬
‫هــا هــي النســخة األصلية‪:‬‬ ‫األمــر‪ .‬إن إضفــاء الطابــع األكاديمــي علــى األدب‪ ،‬وجعلــه‬
‫متأخر‬
‫ِّ‬ ‫فــي النهايــة‪ ،‬يصبــح النــاس أقــلّ عــدداً‪ .‬في وقــت‬ ‫شــرط الكتــاب األساســي لتســلُّق التسلســل الهرمــي الــذي‬
‫ـؤدي‬ ‫تخيــل الســيناريوهات‪ ،‬لتـ ّ‬ ‫مــن الليــل‪ ،‬يبــدأ عقلهــا فــي ُّ‬ ‫يقودهــم‪ ،‬مث ـاً‪ ،‬إلــى برنامــج «ماجيســتر الفنــون الجميلــة»‬
‫ً‬
‫ـرر فــي حلقــة‪ ،‬كمــا لــو أن جــزءا منهــا‬ ‫أدوارهــا بشــكل متكـ ِّ‬ ‫(‪ )MFA‬الشــهير‪ ،‬قــد خلــق الكثيــر مــن الك َّتــاب غيــر المباليــن‬
‫ـدى حــدوث شــيء مــا‪ ،‬فــي انتظــار شــيء خطيــر‪ .‬وبد ً‬
‫ال‬ ‫يتحـ ّ‬ ‫أشــك فــي أن الكثيريــن فــي‬ ‫ّ‬ ‫بالتكنولوجيــا والعلــوم؛ لذلــك‬
‫التأخــر والنــاس فــي التناقــص‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مــن ذلــك‪ ،‬بــدأ الليــل فــي‬ ‫تغير األشــياء بالنســبة إليهم‬ ‫يهتمون بكيفية ُّ‬ ‫ّ‬ ‫المجتمع األدبي‬
‫ـر وتفتــح أبوابهــا دون‬ ‫حتــى صــارت القطــارات‪ ،‬بأكملهــا‪ ،‬تمـ ّ‬ ‫ـم دفــع حــدود التع ُّلــم العميــق إلــى أبعــد مــن ذلــك‪.‬‬ ‫حيــث يتـ ّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪102‬‬
‫موســيقياً‪ ،‬ينظــر إلــى األعلــى‪ ،‬كلــب ينبــح وينتــزع رباطــه‪،‬‬ ‫أي روح‪ .‬وأصبحت «كارمن» نصف‬ ‫أن تدخــل أو تخــرج منهــا ّ‬
‫زوجــان عجــوزان يمشــيان يــد ًا بيــد‪ ،‬ينظــران إلــى األعلــى‪..‬‬ ‫تمتد‬
‫ّ‬ ‫المنصــة الطويلة الخطيــرة بجوارها‪ ،‬التــي‬ ‫ّ‬ ‫خائفــة مــن‬
‫ـن أحــد ًا لم يالحظهــا‪ ،‬والمدينة تنبــض‪ ،‬وتتنفَّس‪ ،‬وتزفر‪.‬‬ ‫لكـ ّ‬ ‫تتخيله‬‫َّ‬ ‫يتضمن الســيناريو الذي‬ ‫َّ‬ ‫إلــى هــذا العالم الجوفي‪...‬‬
‫قدمــت بعــض التوجيهــات‬ ‫ّ‬ ‫ـرة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫الفق‬ ‫ـذه‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـول‬
‫ـ‬ ‫للحص‬ ‫مخلوقـاً‪ ،‬شــيئ ًا ضخمـ ًا ورشــيقاً‪ ،‬شــيئ ًا بــرأس حيــوان‪ ،‬يطلّ‬
‫ـن‪ ،‬وحذفــت بعــض بنــود‬ ‫نتيجتيـ ْ‬
‫َ‬ ‫أول‬
‫فقــط‪ ،‬وتخلّصــت مــن ّ‬ ‫ربمــا هــو رأس‬ ‫المنصــة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫مــن الجانــب إلــى الخــارج‪ ،‬فــوق‬
‫المحاولــة الثالثــة للبرنامــج‪ .‬اســتغرق األمــر حوالــي خمس‬ ‫مصراع ْيــه‪ ،‬ويلهــث‪،‬‬‫َ‬ ‫يحــدق بهــا‪ ،‬ينفتــح فمــه علــى‬ ‫ِّ‬ ‫ثــور‪،‬‬
‫دقائــق‪ .‬لــم أضــف شــيئاً‪ ،‬إنهــا نســخة كاملــة مــن البرنامــج‪.‬‬ ‫وعينــاه معتمتــان تنظــران إليهــا بشــهوانية‪ ،‬وفــي النهايــة‬
‫آلــة مــاردة لديهــا الجــرأة لكتابــة كتابــي‪.‬‬ ‫ـد‪ ،‬إلــى درجــة أنهــا‪،‬‬ ‫تصبــح الصــورة أقــوى‪ ،‬والتوقُّعــات أشـ ّ‬
‫ـك فــي أن هــذا النثــر الصناعــي يشــوبه عيــوب‪ .‬أذرع‬ ‫ال شـ ّ‬ ‫فــار ًة مــن مقعدهــا الخشــبي‪ ،‬مفزوعــة‪،‬‬ ‫فجــأةً‪ ،‬انطلقــت َّ‬
‫طويلــة وقصيــرة! الريــاح القادمــة مــن متــرو األنفاق ليســت‬ ‫ـدوارة‪ ،‬تنظــر‪ ،‬باســتمرار‪ ،‬حولهــا‬ ‫البوابــات الـ ّ‬
‫مندفعــة نحــو ّ‬
‫قويــة بمــا يكفــي ل ُتسـ ِقط شــخص ًا مــا أرضـاً‪ .‬يغمــر «كارمن»‬ ‫ّ‬ ‫حتــى تصــل إلــى ســطح األمــان‪.‬‬
‫ـرد الخــوف والتو ُّتر‪.‬‬‫ال مــن مجـ َّ‬ ‫الرعــب فــي هــذا اإلصــدار‪ ،‬بد ً‬ ‫ـص نســخة (‪ ،)GTP-3‬قــد َت َّم تغذيــة الفقرة‬ ‫أمــا فيمــا يخـ ّ‬ ‫ّ‬
‫يتبيــن مــا إن كان هــذا حلمـاً‪،‬‬ ‫كمــا أن تلــك الجملــة‪ ،‬حيــث َّ‬ ‫الســابقة بكلمــة «مخلــوق»‪ ،‬ويتو ّلــى البرنامــج الكتابة حيث‬
‫أي كاتــب‬ ‫ال تســتخدم قواعــد نحويــة‪ّ .‬إل أنــه يجــب أن يبــدأ ّ‬ ‫ـط العريض‪:‬‬ ‫ـص مكتــوب بالخـ ّ‬ ‫النـ ّ‬
‫فــي الشــعور ببعــض القلــق مــن الــذكاء االصطناعــي عنــد‬ ‫المنصــة الطويلة‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫خائف‬ ‫ـف‬ ‫ـ‬ ‫نص‬ ‫ـن»‬ ‫ـ‬ ‫«كارم‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫وأصبح‬
‫قــراءة هــذا المنتــوج‪ .‬هنــاك عــدد مــن التقنيــات األدبيــة‬ ‫ـد إلــى هــذا العالــم الجوفــي‬ ‫الخطيــرة بجوارهــا‪ ،‬التــي تمتـ ّ‬
‫المتقدمــة التــي يســتخدمها البرنامــج‪ .‬يعنــي اســتخدام‬ ‫ِّ‬ ‫تتخيلــه مخلوقــ ًا زحــف مــن‬ ‫ّ‬ ‫يتضمــن الســيناريو الــذي‬ ‫َّ‬ ‫‪...‬‬
‫الجمــل التتابعيــة مــن دون روابــط حول رحلــة «كارمن»‪ ،‬أن‬ ‫جحــر فــي األرض‪ ،‬كائــن ضخــم بعي َن ْيــن صغير َت ْيــن‪ ،‬وأذرع‬
‫البرنامــج يعرف أن هذا النمط مناســب لوصف الشــخصيات‬ ‫طويلــة وقصيــرة‪ ...‬لكــن هــذا لــم يكــن حلماً‪ ،‬أليــس كذلك؟‬
‫فيســتعمل إلبطــاء‬ ‫أمــا االنقطــاع فــي الســرد ُ‬ ‫المتحركــة‪ّ .‬‬
‫ِّ‬ ‫المــارة تســقطها أرضــاً‪ ،‬وقبــل أن‬ ‫ّ‬ ‫كادت ريــاح القطــارات‬
‫حركــة األشــخاص الذيــن ال يالحظــون فــرار «كارمــن»‪ ،‬وهذا‬ ‫تعــرف ذلــك‪ ،‬خرجــت مســرعةً مــن متــرو األنفــاق‪ ،‬صاعــد ًة‬
‫جيــد أيضـاً‪ ،‬إنــه ذو طابع ســينمائي‪ ،‬يجعــل القارئ‬ ‫أســلوب ّ‬ ‫البوابــات الــدوارة‪ ،‬إلــى الشــارع‪ ،‬تركــض علــى‬ ‫ـدرج‪ ،‬عبــر ّ‬ ‫الـ َ‬
‫يركِّ ــز علــى المدينــة‪.‬‬ ‫الرصيــف‪ ،‬أنفاســها تلهــث‪ ..‬يرتفــع الصــوت حتــى يبلــغ‬
‫كان الســطر األخيــر‪« :‬والمدينــة تنبض‪ ،‬تتن َّفــس‪ ،‬تزفر»‪،‬‬ ‫جوفهــا‪ ،‬وحذاؤهــا الرياضــي يضــرب علــى األســفلت‪ .‬صــار‬
‫ـو الروايــة‪،‬‬‫بالتأكيــد‪ ،‬شــيئ ًا كنــت ســأكتبه‪ .‬إنهــا تناســب جـ ّ‬ ‫مجــرد ضبــاب اآلن‪ .‬شــخص مــا يحضــر نظامــ ًا‬ ‫َّ‬ ‫كل شــيء‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪103‬‬
‫التــي تعتبــر مدينــة نيويــورك مثــل جهازهــا الــذي يمتلــك‬
‫ـد ًا للروايــة‬ ‫وعي ـ ًا بطيئ ـاً‪ .‬إن هــذه العبــارة ذاتهــا مناســبة جـ ّ‬
‫نص‬ ‫التــي شــعرت بأنهــا حافلــة بالذكريات‪ .‬بعد البحــث في ّ‬
‫الكتــاب‪ ،‬عثــرت علــى عبــارة مماثلــة‪« ،‬المدينــة تستنشــق‪،‬‬
‫وتزفــر فــي ريــاح صاخبــة عظيمــة»‪ ،‬تصــف عاصفــة علقــت‬
‫ـخصيات بهــا‪ ،‬فيمــا أصبــح ليلــة القتــل‪ .‬بالتأكيــد‪ ،‬لــم‬ ‫ّ‬ ‫الشـ‬
‫يســبق للبرنامــج أن اطَّ لــع علــى هــذا القســم مــن الكتــاب‪،‬‬
‫ـرد التفكيــر فــي أن الــذكاء االصطناعــي اســتنتج‬ ‫ّإل أن مجـ َّ‬
‫العينــة التــي‬ ‫َّ‬ ‫كتابــة الجملــة أعــاه‪ ،‬اعتمــاداً‪ ،‬فقــط‪ ،‬علــى‬
‫الملخــص‪ ،‬هــو أمــر غريــب‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قدمتهــا‪ ،‬ومــن‬ ‫ّ‬
‫يســعدني أن أبلِّــغ عــن اســتمرار وجــود مشــكالت فــي‬
‫(‪ :)GPT-3‬لديها مساحة محدودة للمدخالت وللمخرجات‪،‬‬
‫ـعبة‬ ‫فقط حوالي ‪ 1500‬كلمة‪ ،‬كما أن تزويدها بأحداث متشـ ِّ‬
‫يجعــل المنتــوج غيــر متماســك‪ .‬ال يزال الــذكاء االصطناعي‬
‫كاتــب‬
‫ُ‬ ‫محــرر بشــري لربطــه بالواقــع‪ ،‬لكنــه‬ ‫ّ‬ ‫بحاجــة إلــى‬
‫خاصــة أنــه‬ ‫ّ‬ ‫جيــد‪ ،‬ذو إنتاجــات قصيــرة‪،‬‬ ‫مســود ٍة أولــى ّ‬ ‫َّ‬
‫يمكــن أن يولــد فقــرات أســرع مــن اإلنســان بحوالــي ألــف‬
‫ـص الــذي يمكنــك‬ ‫ـرة‪ .‬مــا عليــك ســوى النقــر‪ ،‬وســتجد النـ ّ‬ ‫مـ ّ‬
‫االختيــار منــه‪ ،‬واالختيــار مــن بينــه‪ .‬ال أرغــب فــي الكتابــة‬
‫أن يســهم‪ ،‬بالتأكيــد‪ ،‬فــي عــدد مــن المشــاهد والعبــارات‬ ‫بهــذه الطريقة‪ ،‬لكن من المؤكَّ د أن اآلخرين سيســتخدمونه‬
‫جيــد ًا‬
‫ربمــا ‪-‬كمــا نأمــل‪ -‬أن يكــون البرنامــج ّ‬ ‫ذات الصلــة‪َّ .‬‬ ‫يؤدي ذلك إلى تحســين كتبهم بشــكل‬ ‫مؤلّف ًا مشــاركاً‪ ،‬وقد ِّ‬
‫كمعالجــات اللّغــة الطبيعيــة‪ .‬قــد يحتــاج‪ ،‬دائماً‪ ،‬إلــى إدارة‬ ‫شرعي‪.‬‬
‫أمــا وضــع الشــعراء فهــو أســوأ‬ ‫دقيقــة‪ ،‬أو قــد ال يحتــاج‪ّ .‬‬ ‫بعيدا عن المســاعد االصطناعي‪ ،‬يجب أن يقلق الكُ َّتاب‪،‬‬ ‫ً‬
‫بكثيــر‪ ،‬ألن كلّ األشــياء التــي يكافــح البرنامــج مــن أجلهــا‪،‬‬ ‫أما عندما‬ ‫بجد ّية‪ ،‬بشــأن (‪ )GPT-4‬بصفته منافسـ ًا مباشــراً‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫مثــل التماســك طويــل المــدى‪ ،‬والســببية‪ ،‬ومعرفــة الــذوق‬ ‫تنتشــر (‪ ،)GPT-5‬فيجــب أن يشــعروا بالرهبــة‪ .‬وهنــا يكمــن‬
‫ـام‪ ،‬وتطويــر الشــخصية‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪ ،‬كلّهــا أشــياء‪،‬‬ ‫العـ ّ‬ ‫ـب هــذا القلــق التكنولوجــي الجديــد‪ :‬طبيعتــه الحتميــة‪.‬‬ ‫لـ ّ‬
‫مهمــة في القصائد‪ .‬الشــيء نفســه بالنســبة‬ ‫ّ‬ ‫ـون‬‫ـ‬ ‫تك‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫نــادر ًا‬ ‫ـور مســتقبل مــا بعــد العمــل‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫تص‬ ‫ـم‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫يت‬ ‫أن‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫المفي‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـس‬ ‫ليـ‬
‫إلــى كتــاب األغانــي‪ .‬مثـاً‪ ،‬قــام الــذكاء االصطناعــي بكتابــة‬ ‫فــي كثيــر مــن األحيــان‪ ،‬حيــث يقــوم الــذكاء االصطناعــي‬
‫كلمــات األغنيــة الجذّ ابــة «الغــرق فــي الشــمس» لفرقــة‬ ‫بالعمــل ك ّلــه؛ مــا يتــرك البشــر أحــرار ًا فــي قضــاء ّأيامهــم‬
‫«نيرفانــا» عبــر تدريبــه علــى أعمالهــم القديمــة‪.‬‬ ‫ـن‪ .‬ولكــن‪ ،‬مــاذا لــو كان الــذكاء االصطناعي‬ ‫فــي صناعــة الفـ ّ‬
‫كيــف ســيكون رعــب «بلــوم» إذا كان توجيــه بســيط‬ ‫ـن‪ ،‬أيضـاً؟‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الف‬ ‫ـع‬ ‫أفضــل فــي صنـ‬
‫لـ(‪ )GPT-X‬يولد في المســتقبل «ســونيتة» شكسبير جديدة‬ ‫هــل يعتبــر هــذا اإلخــراج «ف ّنــاً»؟ كلمــات الــذكاء‬
‫ومثاليــة؟ مــا القلــق الــذي سيشــعر بــه الشــويعر أو كاتــب‬ ‫االصطناعــي ليــس لهــا قصــد‪ .‬فقــط‪ ،‬العقــول الواعيــة تنتج‬
‫يهم‪ ،‬وأن‬‫ـرح بعض المؤلّفين بأن هــذا ال ّ‬ ‫متواضــع؟‪ .‬قــد يصـ ِّ‬ ‫ــد مــا‪ ،‬القــرود الالمتناهيــة‬ ‫المعنــى‪ .‬يشــبه هــذا‪ ،‬إلــى َح ٍّ‬
‫مميــزاً‪ ،‬ال المنتج نفســه‪.‬‬ ‫ـج‬ ‫ـ‬ ‫المنت‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫تجع‬ ‫هويتهــم هــي التــي‬ ‫ـراء النهائيـاً‪ ،‬وفــي النهايــة‪ ،‬أنتجــت قصيــدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التــي كتبــت هـ ً‬
‫لكــن مــا سيشــعر به صانــع اللّغــة الصادق ‪-‬الشــخص الذي‬ ‫«ســيلفيا بــاث»‪ .‬قــد يجــادل المــرء بــأن وعــي المراقــب هــو‬
‫ـم باللّغــة باعتبارهــا لغــة‪ -‬هــو القلــق‪ ،‬ذاك النــوع الــذي‬ ‫يهتـ ّ‬ ‫ـن‪ ،‬ال الوعــي بصفتــه منتجـ ًا ف ّن ّيـاً‪،‬‬ ‫الــذي يعطــي مع ًنــى للفـ ّ‬
‫ـام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـلل‬‫ـ‬ ‫بالش‬ ‫ـب‬ ‫يصيـ‬ ‫ـرد‬ ‫أي معنــى‪ ،‬هنــا‪ ،‬هــو مجـ َّ‬ ‫ـرد علــى ذلــك هــو أن ّ‬ ‫ولكــن الـ ّ‬
‫ال أقــول إن الك ّتــاب تحــت تهديــد وجــودي مــن (‪.)GPT-3‬‬ ‫توهــم األطيــاف ‪ -‬إنــه مثــل رؤيــة الوجــوه فــوق الصخــور‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وقــد ال يؤ ِّثــر هــذا البرنامــج أو غيــره‪ ،‬بطريقــة أو بأخــرى‪،‬‬ ‫علــى المريــخ‪ .‬إنــه تزييــف عميــق للمعنــى‪ .‬بهــذه الطريقــة‪،‬‬
‫علــى األدب‪ ،‬إطالقـاً‪ .‬لكــن وجودهــم‪ ،‬فحســب‪ ،‬بالضــرورة‪،‬‬ ‫يســلبنا الــذكاء االصطناعــي كلماتنــا عــن طريــق إضعــاف أو‬
‫ـن ضئي ـاً‪.‬‬ ‫ســيجعل اإلنتــاج البشــري للفـ ّ‬ ‫ال ذات بناء مثالي‪،‬‬ ‫أهم َّيتها‪ .‬تعطينا هذه البرامج جم ً‬ ‫تمييع ّ‬
‫إيريك هويل ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬أحمد منصور‬ ‫ـميته‬ ‫لكــن بــدون محتــوى داللــي مقصــود؛ وهــو شــيء سـ َّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫«نهايــة العالــم الدالليــة»‪.‬‬
‫العنوان األصلي والمصدر‪:‬‬
‫‪Erik Hoel. I Got an Artificial Intelligence to Write My Novel‬‬
‫كمــا هــو الحــال اآلن‪ ،‬لم يتمكَّ ــن (‪ )GPT-3‬من كتابة «ذي‬
‫‪https://electricliterature.com/i-got-an-artificial-intelligence-to-write-my-novel/‬‬ ‫ريفياليشــن»‪ ،‬حتــى مــع وجــود يــد تحريريــة وازنــة‪ .‬يمكــن‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪104‬‬
‫صدر في‬

‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪105‬‬


‫‪95‬‬ ‫يوليو ‪165 2021‬‬
‫كيف يُش ِّكل الواقع االفرتايض عالـ َمنا؟‬
‫مجتمعات هالمية وفوضوية!‬
‫ـأن واقعنــا يعــاين مــن مشــاكل كثــرة‪ .‬حــروب‪ ،‬مجاعــة‪ ،‬أمــراض‪ ،‬رضائــب‪ ،‬تراكــات غــر‬ ‫ال يختلــف اثنــان بـ َّ‬
‫َ‬
‫العالــم بعدســة بعــض أكــر رشكات التكنولوجيا‬
‫مرغــوب فيهــا مــن شــعر الحيوانــات األليفــة‪ .‬ولكــن إذا نظــرت إىل َ‬
‫العا َلــم‪ ،‬سـ ّ‬
‫ـتتبي مشــكلةً أعمــق وأهــم بكثــر‪ :‬ليــس هنــاك مــا يكفــي مــن الهولوغــرام (‪ )holograms‬أو الصــور‬ ‫يف َ‬
‫جسمة‪.‬‬ ‫ا ُ‬
‫مل َّ‬

‫الواقــع أصـاً؟ ومــا طبيعــة‪ ،‬اإلنســان‪ ،‬مثلــه مثــل الوجــود؟ ال‬ ‫منــذ األيــام األولــى لثــورة التكنولوجيــا الحديثــة ‪-‬ظهــور‬
‫المتابعة‪.‬‬
‫ـردد في ســحب نَفَ ــس عميق من دخان بونغ قبــل ُ‬ ‫تتـ ّ‬ ‫أجهــزة الكمبيوتــر والوصــات في فتــرة ما َبعد الحــرب‪ ،‬والتي‬
‫علــى أي حــال‪ ،‬ليــس لدينا هذا النوع مــن الهولوغرام حتى‬ ‫أتاحــت لنــا اإلنترنــت والبريــد اإللكترونــي وأجهــزة اآليفــون‬
‫مؤســس‬ ‫اآلن‪ .‬ولكــن فــي أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪ ،2021‬أعلــن ّ‬ ‫ولعبــة «فــارم فــل» (‪ -)Farmville‬حلــم علمــاء التكنولوجيــا‬
‫(فيســبوك) «مــارك زوكربيــرج» أنــه ملتــزم بحــل مشــكلة‬ ‫بعا َلــم مــن الهولوغــرام‪ :‬معلومــات‬ ‫وكُ َّتــاب الخيــال العلمــي َ‬
‫الهولوغــرام بشــكلٍ نهائــي‪.‬‬ ‫وأشــياء افتراضيــة ثالثيــة األبعــاد تطفــو فــي الفضــاء مــن‬
‫لم يســمها مشــكلة هولوغرام‪ ،‬ألنه ال أحد يســميها كذلك‪.‬‬ ‫حولــك‪ ،‬أو فضــاءات جديــدة تمامـ ًا من األثيــر الرقمي يمكنك‬
‫منصــات التواصل‬‫ال مــن ذلــك‪ ،‬قال إن (فيســبوك) ‪-‬عمالق ّ‬ ‫بــد ً‬ ‫استكشــافها والتفاعــل معهــا‪.‬‬
‫االجتماعــي الــذي انتقــل خــال عقديــن مــن الزمن مــن موقع‬ ‫التخصصــات‪ .‬مــن‬ ‫ُّ‬ ‫متعــددة‬
‫ِّ‬ ‫كانــت هــذه فكــرة غامضــة‬
‫ويــب يم ّكنــك مــن نشــر صــور الحفالت و«لفــت انتبــاه» زميلك‬ ‫الســهل التفكيــر فــي الهولوغــرام كمجــرد تقنيــة عــرض‬
‫فــي الكليــة فــي صفحتــه علــى (فيســبوك) إلــى نظــام ثقافــي‬ ‫متقدمــة‪ ،‬مثــل أجهــزة التليفزيــون وشاشــات الكمبيوتــر‪ .‬إنها‬ ‫ِّ‬
‫وسياســي شاســع ومثيــر للجــدل علــى اإلنترنــت‪ ،‬كان يعتبــر‬ ‫أعمــق مــن ذلــك بكثيــر‪ .‬للتفاعــل بسالســة مــع الكائنــات فــي‬
‫علــى نطــاقٍ واســع بأنــه تهديــد جــذري للديموقراطيــة وفضاء‬ ‫الفضــاء ثالثــي األبعــاد‪ ،‬حتــى فــي أبســط الطــرق ‪-‬ل َن ُقــل‪،‬‬
‫ـيخصص مــوارده الكبيرة لبناء‬‫مناســب لبيــع أريكة قديمة‪ -‬سـ ّ‬ ‫لمشــاهدة شــيء مــا مــن زاويــة مختلفــة‪ -‬ال يتطلب‬ ‫االلتفــات ُ‬
‫ـيغير اسم الشركة‬ ‫ما ُيعرف بـ«ميتافيرس ‪ ،»metaverse‬وسـ ّ‬ ‫العــرض الحصول علــى معلومات حول الخصائص الفيزيائية‬
‫إلــى «ميتا ‪.»Meta‬‬ ‫تتبــع مــا أنــت بصــدد مشــاهدته وبــأي‬ ‫لمحيطــك فقــط‪ ،‬وإنمــا ُّ‬ ‫ُ‬
‫مطــول تضاعــف كبكــرة تجريبيــة‬ ‫ّ‬ ‫فــي عــرض تقديمــي‬ ‫تتكيــف وفق ـ ًا لذلــك‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ـم‬
‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫أداة‪،‬‬
‫للمنتجــات‪ ،‬بعضها ســيظهر قريبـاً‪ ،‬والبعض اآلخر افتراضي‪،‬‬ ‫وهــذا ينطبــق أيضــ ًا علــى الصــوت‪ ،‬الــذي يختلــف بدقــة‬
‫كشــف «زوكربيــرج» عــن رؤيتــه لـ«ميتافيــرس»‪ ،‬وهــي شــبكة‬ ‫ـاء علــى عوامــل مثــل كتلــة وملمــس األشــياء فــي غرفتــك‬ ‫بنـ ً‬
‫مــن األماكــن االفتراضيــة وشــبه االفتراضيــة للعمــل واللعــب‬ ‫باإلضافــة إلــى درجــة إمالــة رأســك وموقعــه‪ .‬عينــاك وأذنــاك‬
‫والشــراء والبيــع والتجــارة‪ ،‬والتواصل مع األصدقاء‪ .‬ســتكون‬ ‫ا مــن‬ ‫عبــارة عــن أجهــزة استشــعار‪ ،‬تكتشــف قــدر ًا هائــ ً‬
‫هنــاك ألعــاب فيديــو واجتماعــات وتدريبــات وأنشــطة أخــرى‬ ‫العا َلــم مــن حولــك‪ ،‬يقــوم ذهنــك بعــد‬ ‫المعلومــات حــول َ‬
‫مــن كل األنــواع‪.‬‬ ‫ـت فعلــي‪.‬‬ ‫ذلــك بفــك شــفرتها ومعالجتهــا وتوليفهــا فــي وقـ ٍ‬
‫طــرح «زوكربيــرج» رؤيتــه علــى أنهــا متعاطفــة وإنســانية‬ ‫أضــف لمســة‪ ،‬وســتتعاظم تحديــات القيــاس الحســي أكثــر‬
‫ـررة وخيــال علمــي‪ .‬فــي «ميتافيــرس»‪ ،‬يمكنــك أن تأخذ‬ ‫ومتحـ ّ‬ ‫فأكثــر‪ .‬إلنشــاء عا َلــم غ ّنــي بالتفاعــل االفتراضــي‪ ،‬ســتحتاج‬
‫شــكل نســخة واقعية من نفســك‪ ،‬تتفاعل مع نســخة واقعية‬ ‫لتتبــع نطــاق اإلدراك البشــري وقياســه‪.‬‬ ‫إلــى تقنيــة ُّ‬
‫للموظفيــن‬‫مــن شــقتك‪ ،‬أو يمكــن أن يكــون لديــك اجتمــاع ُ‬ ‫ـة مــا‪ ،‬هــذه مشــكلة فلســفية بقــدر مــا هــي تحـ ٍ‬
‫ـد‬ ‫بطريقـ ٍ‬
‫فــي الفضــاء بينمــا تتقمــص شــخصية روبــوت راقــص‪ .‬يمكنك‬ ‫تكنولوجــي‪ .‬مــاذا يعنــي أن تــرى‪ ،‬تســمع‪ ،‬تلمــس‪ ،‬تتصــل‪،‬‬
‫ركــوب موجــة كنســخة كرتونيــة مــن نفســك أو تلكــم مخلوقـ ًا‬ ‫وتتواصــل ‪ -‬للتفاعــل مــع الواقــع مــن حولنــا؟ مــا طبيعــة هــذا‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪106‬‬
‫لعا َلــم أكثــر إشــراق ًا متصــل بتقنيــات حســية حـ ّ‬
‫ـرة‬ ‫تو ّفــر رؤيــة َ‬ ‫خياليـ ًا فــي حلبــة مالكمــة ســحرية‪ .‬حتــى أنــه ســتكون هنــاك‬
‫تــم تصميمهــا‬ ‫تســهل التفاعــل البشــري والخبــرة‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الحركــة‬ ‫متهــورة‪ ،‬ويفتــرض أنهــا‬ ‫ّ‬ ‫متعــددة األضــاع‬ ‫ِّ‬ ‫حيوانــات أليفــة‬
‫وإدارتهــا مــن األلف إلى اليــاء من ِق َبل مســتخدمين مفوضين‬ ‫خاليــة مــن شــعر الحيوانــات األليفــة غيــر المرغــوب فيــه‪.‬‬
‫لتشــكيل المواقــع مــن حولهــم ومشــاركتها‪.‬‬ ‫فــي كل تجربــة‪ ،‬هنــاك الكثيــر مــن الهولوغــرام ‪ /‬الصــور‬
‫فــي الوقــت نفســه‪ ،‬تطــرح «ميتافيــرس» رؤيــة لواقــع عبــر‬ ‫المتوهجة بالضوء االفتراضي‬ ‫جســمة‪ :‬الصناديق الالمعــة ُ‬ ‫الم َّ‬
‫ُ‬
‫االتصــال الوســيط بالكامــل يكــون أكثــر مالءمــةً ألشــكال‬ ‫وســيتم‬
‫ُّ‬ ‫وبطاقــات عــرض المعلومــات تطفــو فــي الفضــاء‪.‬‬
‫التجــارة الرقميــة واإلعالنــات غيــر المألوفــة‪ ،‬رؤيــة يســعى‬ ‫تمثيلــك بنفســك فــي العديــد مــن الوضعيــات االفتراضيــة‬
‫أشــد مناصريهــا إلــى إدارتهــا بشــكلٍ اســتباقي والتالعــب بدور‬ ‫للعــرض التوضيحي بنوع مــن الهولوغرام‪« :‬صورة رمزية»‪ ،‬أو‬
‫الحكومــة عبــر اســتيعابه منــذ البدايــة‪ .‬إنهــا منافســة‪ ،‬بعبارة‬ ‫صورة ملف شــخصي شــديدة التخصيص‪ ،‬والتي قد تشــبهك‪،‬‬
‫ـوران متنافســان ومتناقضــان ظاهريـ ًا للتكنولوجيا‬ ‫أخــرى‪ ،‬تصـ ّ‬ ‫ـول ذهاب ـ ًا وإياب ـ ًا‬
‫أو قــد تبــدو مثــل جــراد البحــر‪ ،‬أو قــد تتحـ َّ‬
‫ـرر‪ ،‬والثانــي حــول التح ُّكــم‪.‬‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬األول حــول التحـ ُّ‬ ‫حســب الحالــة‪.‬‬
‫عد نظر (في الغالب)‪.‬‬ ‫التصوران ُب َ‬
‫ُّ‬ ‫من الواضح أن لهذين‬ ‫يمكنــك أن تشــعر باإلثــارة فــي طريقــة التســويق التــي‬
‫ـراء وتكامــل‪ .‬أخيــراً‪ ،‬تح ّقــق الحلــم‬ ‫اختارهــا «زوكربيــرج» بثـ ٍ‬
‫من واقع افرتايض إىل سايرببانك‬ ‫بتجربــة غنيــة بالهولوغــرام‪ .‬كان العــرض التقديمــي غارق ًا في‬
‫أول شــيء يجــب فهمــه عــن «ميتافيــرس» هــو أنــه ليــس‬ ‫المثاليــة فــي مجــال التكنولوجيــا‪ ،‬ولــم يصــف «زوكربيــرج»‬
‫مجــرد واقــع افتراضــي ‪ -‬ذلــك الشــيء الــذي ترتــدي فيــه‬ ‫بحماس عالم ًا غامر ًا بشــكلٍ أكبر فحســب‪ ،‬بل أكثر إنســانية‪،‬‬
‫نظــارات إلكترونيــة وتظهر فيــه كاألحمق وأنــت «بداخله»‪ ،‬ثم‬ ‫وأكثــر قــدرة علــى التواصــل بيــن النــاس يمكنهــم مــن العيش‬
‫ـن يمكنه‬ ‫تتحســس طريقــك فــي الهــواء كاألبلــه في نظر كل َمـ ْ‬ ‫ّ‬ ‫بحريــة‪.‬‬
‫والعمــل ّ‬
‫العا َلــم الحقيقــي‪ .‬إن «ميتافيــرس»‪ ،‬كمــا كتــب‬ ‫َ‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـك‬ ‫رؤيتـ‬ ‫ـيء أكثــر مــن مجــرد الســخرية بشــأن‬ ‫ولكــن كان هنــاك شـ ٌ‬
‫الرأســمالي االســتثماري «ماثيو بول» في كتاب تمهيدي طويل‬ ‫المسألة بأكملها‪ ،‬وليس فقط في استحضار أنظمة معامالت‬
‫عبــر اإلنترنــت حــول الموضــوع‪ ،‬عبــارة عــن شــبكة مترابطــة‬ ‫الدفــع الســهلة‪ .‬بالطبــع‪« ،‬فيســبوك» ‪-‬اآلن «ميتــا»‪ -‬يرغــب‬
‫المنتشــرة‬ ‫مــن التقنيــات‪ ،‬بمــا فــي ذلــك قــدرة الشــبكات ُ‬ ‫فــي بيــع األشــياء‪ ،‬وتســهيل اســتخدام اآلخريــن لمنصته لبيع‬
‫فــي كل مــكان‪ ،‬ومعالجــة الدفوعــات الرقميــة‪ ،‬والحوســبة‬ ‫األشــياء‪ .‬لكــن طــوال العــرض‪ ،‬اســتمر «زوكربيــرج» أيضـ ًا في‬
‫للمشــاركة‪ ،‬والتي‬ ‫المحمولــة‪ ،‬والهويــات االفتراضيــة القابلــة ُ‬ ‫تضمنت مالحظاته إشــارات غامضة‬ ‫َّ‬ ‫بأهمية القواعد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التذكيــر‬
‫ال يمكــن أن تشــمل فقــط صورتــك الرمزيــة ولكــن محفظتــك‬ ‫للمنظميــن وصانعــي السياســات والمعاييــر‬ ‫بشــكلٍ مــدروس ُ‬
‫متنوعــة مــن‬
‫ِّ‬ ‫الرقميــة وشــبكاتك االجتماعيــة وأشــكا ً‬
‫ال أخــرى‬ ‫المشــتركة لســلوك الشــركة المســؤول‪ .‬كل ذلــك‪ ،‬إذا حصــل‬ ‫ُ‬
‫المعلومــات الشــخصية‪.‬‬ ‫علــى مــا يريــد‪ ،‬ســيعكس اهتمامــات «ميتــا» التجارية‪.‬‬
‫لكــن «ميتافيــرس» ليــس واقعـ ًا افتراضيـ ًا أيضـاً‪ .‬مــن شــبه‬ ‫بالــكاد تكــون الشــركة الوحيــدة التــي كشــفت عــن نيتهــا‬
‫المســتخدمون نظــارات واقيــة ذات مظهــر‬ ‫المؤكــد أن يرتــدي ُ‬ ‫ُ‬ ‫لبنــاء «ميتافيــرس»‪ .‬مــن الواضــح أن شــركات البرمجيــات‬
‫أخــرق علــى األقــلّ لبعــض الوقــت‪ .‬وحتــى تفهــم من أيــن يأتي‬ ‫العمالقــة مثــل مايكروســوفت وشــركة إنتــاج ألعــاب الفيديــو‬
‫«ميتافيــرس»‪ ،‬عليــك أن تفهــم كيــف نشــأ الواقــع االفتراضي‪،‬‬ ‫جهود كبيرة‪ .‬لكــن العالمات التجارية‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )Epic‬قــد أعلنــت عــن‬
‫بمــا فــي ذلــك الثقافــة الخارجيــة الخاصــة التــي أنتجها‪.‬‬ ‫التــي يبــدو أنهــا ال عالقــة لهــا بالتكنولوجيــا ‪-‬منتجــي مــواد‬
‫ـددة لإلنترنــت‪ ،‬تس ـلّل‬ ‫مثلمــا ال توجــد نقطــة انطــاق محـ ّ‬ ‫تنظيــف األطبــاق‪ ،‬على ســبيل المثال‪ -‬قد طالبت أيض ًا بإنشــاء‬
‫العالَــم ببــطء‪ ،‬وهــو نتــاج تكــراري‬ ‫الواقــع االفتراضــي إلــى َ‬ ‫تجربة «ميتافيرس» كتمارين تســويقية‪ .‬لألســف‪ ،‬الهولوغرام‬
‫المختلفــة‪ .‬ولكــن إذا كان علينــا‬ ‫للعديــد مــن خطــوط البحــث ُ‬ ‫لــن تقــوم بتنظيــف األطبــاق واألوانــي الزجاجيــة‪ .‬لكنهــم قــد‬
‫ِ‬
‫اختيــار نقطــة واحــدة‪ ،‬فســنبدأ بالســتينيات‪ ،‬مــع عالــم‬ ‫يســوقون لــك مــواد التنظيــف‪.‬‬
‫الكمبيوتر األســطوري «إيفان ســاذرالند» والجهاز الذي أصبح‬ ‫منــذ فجــر اإلنترنــت‪ ،‬كان عمالقــة التكنولوجيــا يطمحــون‬
‫ـرف باســم «ســيف داموكليــس»‪.‬‬ ‫ُيعـ َ‬ ‫إلــى تعطيــل الصناعــات القديمــة‪ ،‬مــن ســيارات األجــرة إلــى‬
‫طــور «إيفــان ســاذرالند ‪»Sketchpad‬‬ ‫فــي عــام ‪َّ ،1963‬‬ ‫المكالمات الجماعيــة إلى اصطياد‬ ‫خدمــة توصيــل البيتزا إلــى ُ‬
‫(لوحــة الرســم)‪ ،‬وهــو برنامــج رســم رقمي بدائــي ولكنه ثوري‪.‬‬ ‫الشــقق إلــى قــول «يــو» ألصدقائــك‪( .‬حق ـاً‪ .‬فــي عــام ‪،2014‬‬
‫تتبــع الضوء‬ ‫باســتخدام هــذا البرنامــج‪ ،‬يمكــن لليــد البشــرية ُّ‬ ‫مهمتــه‪ :‬إرســال كلمــة ‪ yo‬إلــى‬ ‫ـمى ‪ّ Yo‬‬ ‫كان هنــاك تطبيــق يسـ َّ‬
‫الــذي يظهــر علــى الشاشــة‪ .‬كان أول برنامــج علــى اإلطــاق‬ ‫ـخص آخــر‪ .‬وقــد حصل علــى ‪ 1.5‬مليون دوالر مــن التمويل‬ ‫شـ ٍ‬
‫يســتخدم واجهــة رســومية‪.‬‬ ‫االستثماري)‪.‬‬
‫أصبحــت الواجهــات الرســومية شــائعة اآلن‪ :‬يمكنــك‬ ‫لكــن «ميتافيــرس» أكبــر مــن ذلــك‪ .‬إنهــا محاولــة لتعطيــل‬
‫اســتخدامها كل يــوم علــى أجهــزة تتــراوح مــن الهواتــف إلــى‬ ‫طبيعــة الواقــع نفســه ‪ -‬الســتبداله‪ ،‬أو علــى األقــل تعزيــزه‪،‬‬
‫الســيارات إلــى الثالجــات‪ .‬لكــن فــي األيــام األولــى للحوســبة‪،‬‬ ‫بمحــاكاة رقميــة للواقــع‪ ،‬تكــون أكثــر مرونةً وأكثــر تخصيصاً‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪107‬‬
‫ال مــن أشــكال الواقــع‬ ‫مــن الناحيــة الف ّنيــة‪ ،‬كان هــذا شــك ً‬ ‫المســتخدمون مع أجهزة الكمبيوتر‬ ‫لــم تكن موجودة‪ .‬تفاعل ُ‬
‫المعــ ّزز‪ ،‬المعــروف أيضــ ًا باســم الواقــع المختلــط‪ ،‬الــذي‬ ‫مــن خــال الشــفرات الغامضــة والبطاقــات المثقبــة مــن‬
‫يمــزج بيــن الواقــع واالفتراضــي‪ .‬لكــن هــذه الفــوارق بالــكاد‬ ‫ـم التعامل معها أحيان ًا بواســطة وســطاء‬ ‫الــورق‪ ،‬التــي كان يتـ ُّ‬
‫يتــم تمييزهــا فــي ذلــك الوقــت‪ .‬الفكــرة األساســية هــي أنــه‬ ‫بشــريين مدربيــن‪ ،‬بحيــث ال يتفاعــل معظــم النــاس‪ ،‬حتــى‬
‫ـت مب ِّكــر مــن عــام ‪ ،1969‬اختــرع «ســاذرالند» نظامـ ًا‬ ‫فــي وقـ ٍ‬ ‫العلمــاء الذيــن يعتمــدون علــى حســابات الكمبيوتــر‪ ،‬بشــكلٍ‬
‫لمشــاهدة الصــور المجســمة ‪ -‬كمــا‬ ‫بدائيــ ًا ولكنــه وظيفــي ُ‬ ‫مباشــر مــع أجهــزة الكمبيوتــر علــى اإلطــاق‪ .‬أظهــر برنامــج‬
‫خمنــت ذلــك‪.‬‬ ‫«‪ »Sketchpad‬أن النــاس ال يمكــن أن يتفاعلــوا مباشــر ًة مــع‬
‫لــم يكــن «ســيف داموكليــس» آليــة المشــاهدة‪ .‬كان نظــام‬ ‫العا َلــم الرقمــي فحســب‪ ،‬ولكنهــم يســتطيعون القيــام بذلــك‬ ‫َ‬
‫تتبــع الحركــة الثقيــل الــذي ُع ِّلــق بشــكلٍ غيــر مســتقر علــى‬ ‫ُّ‬ ‫إلنتــاج أشــكال ف ّنيــة‪ ،‬وليــس معــادالت فقــط‪.‬‬
‫ـرك فــوق رأس العــارض‪ .‬ومــن هنــا كانــت التســمية‪ ،‬في‬ ‫المحـ ِّ‬
‫ُ‬ ‫في أواخر السـ�تينيات‪ ،‬أتبع «ساذرالند» برنامج« «�‪Sketch‬‬
‫إشــارة إلــى المثــل الرومانــي القديم عــن عضو في البــاط أراد‬ ‫‪ »pad‬بجهــاز تفاعــل رســومي ثــوري آخــر‪ ،‬يمكن القــول جهاز‬
‫أن يحكــم مــكان الملــك‪ .‬وافــق الملــك علــى تبديــل األماكــن‬ ‫ثوري‪ .‬كان عبارة عن مجموعة من النظارات الواقية ‪ -‬شاشــة‬
‫ليــوم واحــد‪ ،‬وأجلســه علــى أريكــة ذهبية وأمــر الخــدم بتلبية‬ ‫مثبتــة علــى الــرأس معلَّقــة علــى دعامــة بالســقف المتصــل‬ ‫َّ‬
‫كل طلباتــه‪ .‬لكــن الملــك أيضـ ًا ع ّلــق ســيف ًا فوق رأســه‪ ،‬مذكر ًا‬ ‫المســتخدم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حركــة‬ ‫ــع‬ ‫بتتب‬
‫ُّ‬ ‫النظــام‬ ‫يقــوم‬ ‫كمبيوتــر‪.‬‬ ‫بجهــاز‬
‫إيــاه بــأن القــوة الهائلــة مقترنــة بتهديــد دائــم‪.‬‬ ‫ويمكــن لألشــخاص الذيــن اســتخدموا النظــارات الواقية رؤية‬
‫المبكِّرة‬
‫عندما أدخل «ســاذرالند» تقنية الواقع االفتراضي ُ‬ ‫صــور أساســية للغايــة (ولكــن لــم يســبق لهــا مثيــل فــي ذلــك‬
‫العالَــم‪ ،‬لــم تكــن هنــاك قــوة هائلــة بعــد‪ .‬ولكــن كان‬ ‫إلــى َ‬ ‫ـم إنشــاؤها بواســطة الكمبيوتــر وهــي تســبح فــي‬ ‫الوقــت) تـ َّ‬
‫ـرر الكامــل الــذي‬ ‫ـعور بإمكانيــة غيــر محــدودة للتحـ ُّ‬
‫هنــاك شـ ٌ‬ ‫الغرفــة‪ .‬إذا قمــت بتحريــك رأســك‪ ،‬يمكنــك أن تــرى مــا يحيط‬
‫يمكــن أن تحققــه التكنولوجيا‪ .‬ألنه داخل المكعب االفتراضي‬ ‫ـدة جوانــب وزوايــا‪ .‬مكعبــات مرســومة بخــط‬ ‫بالصــورة مــن عـ ّ‬
‫يتغيــر‬
‫ّ‬ ‫لعا َلــم قــد‬
‫العائــم الــذي يرســمه كانــت هنــاك إمكانيــة َ‬ ‫المكعــب‬ ‫تســبح فــي الهــواء وبأبعــاد فــي الظاهــر‪ .‬بــدا وكأن ُ‬
‫ـور الواقــع‪ ،‬بمجــرد نــزوة‪.‬‬ ‫فيــه للواقــع‪ ،‬أو علــى األقــل تصـ ّ‬ ‫كان هنــاك حقـاً‪.‬‬
‫ـور شــبكات الكمبيوتــر بســرعة خــال الســبعينيات‬ ‫مــع تطـ ُّ‬
‫والثمانينيــات مــن القــرن الماضــي‪ ،‬ظهــرت فكــرة جديــدة‪ :‬ال‬
‫يمكنــك إعــادة تشــكيل الواقــع بنفســك فقــط‪ ،‬ولكــن يمكنــك‬
‫مشــاركة هذا الواقع الجديد مع أشــخاص آخرين‪ .‬وال يســمح‬
‫العالَم الحالي فحســب؛ وإنما‬ ‫لــك الواقــع االفتراضــي بتعزيز َ‬
‫يتيــح لــك إنشــاء عا َلــم آخــر جديــد تمامـاً‪ ،‬وهــو مــا يتيــح لــك‬
‫المجتمعي‪.‬‬ ‫الحريــة الفرديــة واالتصــال ُ‬
‫فــي الســنوات التــي أعقبــت اختراع «ســاذرالند»‪ ،‬ســاهمت‬
‫فكــرة الواقــع االفتراضــي فــي إلهــام وتحفيــز مجتمــع حقيقي‬
‫المخترعيــن وأصحــاب الــرؤى‬ ‫لــوادي الســيلكون مــن ُ‬
‫والمتحيليــن والــرواد ورجــال األعمــال‪ .‬وارتبــط هــذا الجهــد‬
‫وم ُثلهــا الراديكاليــة‪ ،‬والتــي جمعت‬ ‫بثقافــة القرصنــة الوليــدة ُ‬
‫وربطــت بيــن عمليات هندســة عصر الفضــاء بنكهات مختلفة‬
‫مــن الليبرتاريــة‪ ،‬والنقابيــة‪ ،‬والطائفيــة‪ ،‬ومــا َبعــد اإلنســانية‪،‬‬
‫والعصــر الجديــد «الهبــي ديبــي وو»‪ ،‬وموســيقى المخــدرات‪،‬‬
‫والســمو الروحي والتقني‪ ،‬ودعاة حمايــة البيئة الراديكاليين‪،‬‬
‫المضــادة‬ ‫وأي شــيء آخــر يحــدث مــن خــال الثقافــة ُ‬
‫بكاليفورنيــا فــي ذلــك الوقــت‪ .‬أطلــق «تيموثــي ليــري» علــى‬
‫الواقـ�ع االفتراضـ�ي تسـ�مية «إل‪ .‬إس‪ .‬دي‪ .‬الرقمـ�ي»( (�‪digi‬‬
‫‪ .)tal LCD‬وقارنــه آخــرون بحلــم جماعــي واضــح‪ ،‬عا َلــم بــا‬
‫قواعــد‪ ،‬حــدوده الوحيــدة هــو الخيــال‪.‬‬
‫مؤســس‬ ‫فــي مذكراتــه لعــام ‪ 2017‬يــروي «جــارون النيــر»‪ّ ،‬‬
‫أول شــركة للواقــع االفتراضــي وأحــد أكثر الشــخصيات نفوذ ًا‬
‫فــي وســائل اإلعــام‪« ،‬فجــر كل شــيء جديــد»‪ ،‬كيــف أن حتى‬
‫بعــض األشــخاص قــد أقامــوا «حفــات الواقــع االفتراضــي»‪،‬‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪108‬‬
‫المف ِّكريــن البارعيــن فــي مجــال‬ ‫منــذ نشــأتها‪ ،‬كان بإمــكان ُ‬ ‫تــم تزييــن الغــرف لتبــدو وكأنهــا بيئــات افتراضيــة‬ ‫حيــث َّ‬
‫بعا َلــم‬
‫التكنولوجيــا مالحظــة إمكاناتهــا‪ .‬يمكــن ربــط الجميــع َ‬ ‫متعــددة األضــاع ربمــا تكــون موجــودة فــي النهايــة‪ .‬كان‬ ‫ِّ‬
‫مشــترك مــن المعلومــات واالتصــاالت‪ .‬ومــاذا لــو قامت‪ ،‬بدل‬ ‫النــاس فــي أمــس الحاجــة إلــى عا َلــم مشــترك ملــيء بالصور‬
‫ربــط األشــخاص مــن خالل نصــوص وروابــط وصور أساســية‪،‬‬ ‫ـوى‬ ‫المجســمة لدرجــة أنهــم علّقــوا دعامــات مــن الــورق المقـ ّ‬ ‫ّ‬
‫المشــترك ‪-‬‬ ‫بتوصيلهــم مــن خــال تمثيــات الفضــاء الرقمــي ُ‬ ‫لتخيــل كيــف سيشــعرون يومـ ًا مــا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الحف‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫أماك‬ ‫فــي‬
‫طبقــة واســعة وقابلــة للتالعب مــن الواقــع االفتراضي‪ ،‬يمكن‬ ‫تطورهــا‪.‬‬ ‫لكــن التكنولوجيــا الفعليــة كانــت بطيئــة فــي ُّ‬
‫ـخص م ّتصــل‪ ،‬فوق الكــون المادي نحن‬ ‫الوصــول إليهــا ألي شـ ٍ‬ ‫تم استكشــافها ونشــرها في‬ ‫ومفاهيــم الواقــع االفتراضــي قــد َّ‬
‫جميعـ ًا نشــارك بالفعــل‪.‬‬ ‫الغالــب مــن خــال الخيــال العلمــي‪ ،‬الــذي لــم يكــن مقيــد ًا‬
‫«ميتا»‪ ،‬على القمة‪ ..‬قد تسميها «ميتافيرس»‪.‬‬ ‫بالضوابــط التكنولوجيــة‪.‬‬
‫فــي الواقــع‪ ،‬هــذا هــو بالضبط ما قام به «نيل ستيفنســون»‬ ‫ـر ويليام جيبســون كتاب «نيورومانســر‬ ‫في عام ‪ ،1984‬نشـ َ‬
‫والمؤثرة‬‫والمســلية ُ‬ ‫المضحكــة ُ‬ ‫فــي روايتــه الخياليــة التنبؤيــة ُ‬ ‫‪ ،»Neuromancer‬وهــو مزيــج «نيــو نويــر» مــن الخيــال‬
‫يصدق «‪ »Snow Crash‬عام (‪ ،)1992‬والتي وصفت‬ ‫َّ‬ ‫بشكلٍ ال‬ ‫البوليســي الســاخر‪ ،‬وسخرية فن الروك‪ ،‬وأســاطير القراصنة‬
‫عالَم ـ ًا رقمي ـا آخــر مترامــي األطــراف‪ ،‬حيــث يتفاعــل النــاس‬‫ً‬ ‫تصور لـ«‪ »Blade Runner‬بواسطة فرقة‬ ‫ُّ‬ ‫المب ّكرة ‪ -‬عبارة عن‬ ‫ُ‬
‫مــن خــال الصــور الرمزية ‪-‬بدائل رســومية لذواتهــم المادية‪-‬‬ ‫«‪ - »Television‬التــي ســاعدت فــي تحديد الحالــة المزاجية‬
‫متنوعة‪ ،‬اعتماد ًا على المبلغ الذي يدفعه األشــخاص‬ ‫ِّ‬ ‫بجــودة‬ ‫وثيمــات النــوع الــذي نعرفــه اآلن باســم الســايبربانك‪ .‬أمــا‬
‫مقابل اتصاالتهم‪.‬‬ ‫أكبــر مســاهمة مؤكّ ــدة لل ِكتــاب فــي الثقافــة الشــعبية فكانت‬
‫لــم يكــن «‪ »Snow Crash‬مجــرد كتــاب تمهيــدي علــى‬ ‫عبــارة‪( :‬الفضــاء الســيبراني)‪ .‬ولــم يكــن الجــزء األكثــر أهمية‬
‫«ميتافيــرس»‪ .‬مــن بيــن أمور أخــرى‪ ،‬كان بمثابة نقــد تفصيلي‬ ‫فــي مصطلــح جيبســون الجديــد هــو البادئــة ‪-‬ســيبر‪ -‬التــي‬
‫للسياســة الالســلطوية‪ ،‬حيــث تفســح الحكومــة المنكوبــة‬ ‫ـم‬ ‫المصطلــح الــذي تـ َّ‬ ‫ـم إســاءة اســتخدامها غالبـاً‪ ،‬بــل كان ُ‬ ‫يتـ ُّ‬
‫لمجتمــع مخصخــص بالكامــل‪ .‬كان «ميتافيــرس»‬ ‫الطريــق ُ‬ ‫تعديلــه‪( :‬فضــاء)‪ .‬لــم يكــن الواقــع االفتراضــي مجــرد مظهــر‬
‫أشــبه بهــروب مــن ذلــك الواقــع‪ ،‬عا َلــم لــه ثقافتــه الفوضويــة‬ ‫أو أســلوب أو موقــف‪ .‬كان مكانــ ًا يمكــن أن يــزوره كل مــن‬
‫ـت طويــل حتــى يبــدأ‬ ‫ـض وقـ ٌ‬ ‫ولغتــه الخاصــة ‪ -‬عا َلــم لــم يمـ ِ‬ ‫يرغــب فــي ذلــك‪.‬‬
‫النــاس فــي واقعنــا بمحاولــة بنائــه‪.‬‬ ‫اســتمرت فكــرة الواقع االفتراضي كبيئــة مجتمعية‪ ،‬تحمل‬
‫بينمــا كان الخيــالُ العلمــي يستكشــف إمكانــات الواقــع‬ ‫تضمنــت سلســلة‬ ‫َّ‬ ‫تســمية اآلن ‪ ،VR‬وانتشــرت طــوال العقــد‪.‬‬
‫االفتراضــي‪ ،‬كانــت التكنولوجيــا األساســية تلحــق بالركــب‬ ‫الخيــال العلمــي «‪»Star Trek: The Next Generation‬‬
‫أسـ�س «النيـ�ر»« «�‪VPL Re‬‬ ‫تدريجيـ�اً‪ .‬فـ�ي أوائـ�ل الثمانينيـ�ات‪ّ ،‬‬ ‫غرفــة ألعــاب واقــع افتراضــي قابلــة للتعديــل بــا حــدود‬
‫مكرســة بالكامــل للواقــع االفتراضي‪.‬‬ ‫‪ ،»search‬وهــي شــركة ّ‬ ‫المعقــدة‪،‬‬ ‫والتــي يمكــن أن تســتوعب ألعــاب تقمــص األدوار ُ‬
‫كان «النيــر» (وال يــزال) رجــل اســتعراض‪ ،‬غريــب األطــوار‬ ‫واالستكشــاف التاريخــي‪ ،‬واالســترخاء فــي البيئــة الغريبــة‪،‬‬
‫ـدد الثقافــات‪ .‬نشــأ «النيــر»‪ ،‬نجــل كاتــب عمــود علمــي‬ ‫ومتعـ ِّ‬ ‫وغيرهــا مــن التجــارب الحســية الكاملــة‪ ،‬دون الحاجــة إلــى‬
‫قبــة علــى طــراز‬ ‫فــي مجــات الخيــال العلمــي‪ ،‬فــي منــزل ّ‬ ‫نظــارات واقيــة‪.‬‬
‫صممــه بنفســه عندمــا كان مراهق ـ ًا وبنــاه‬ ‫الخيــال العلمــي ّ‬ ‫ـمى «‪ :»Holodeck‬وهو مكان‬ ‫وبطبيعــة الحــال‪ ،‬كانت تسـ َّ‬
‫مــع والــده‪ ،‬وكان العبـ ًا مهووسـ ًا وجامعـ ًا لــآالت الغامضــة‪.‬‬ ‫يمكــن لطاقــم المركبــة الفضائيــة «إنتربرايــز» زيارتــه لتجربــة‬
‫صمم لعبــة فيديــو‪،»Moondust« ،‬‬ ‫فــي أوائــل الثمانينيــات‪َّ ،‬‬ ‫هولوغــرام جماعي‪.‬‬
‫تتميــز بنظــام‬‫َّ‬ ‫ـت‬‫ـ‬ ‫كان‬ ‫ـة‪.‬‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫بمدرس‬ ‫ـرج‬‫ضمــن أطروحــة تخـ ُّ‬
‫تحكــم طبيعــي غيــر مألــوف‪ ،‬فــي لعبــة فيديــو أوالً‪ ،‬وفــي‬ ‫من مفهوم إىل نموذج تمهيدي‬
‫المستخدم‬ ‫موســيقى تســتجيب بشكلٍ عضوي لعناصر تحكم ُ‬ ‫فــي أوائل التســعينيات‪ ،‬بدأت المفاهيم األساســية للواقع‬
‫والرســومات علــى الشاشــة‪.‬‬ ‫االفتراضــي باالندمــاج مــع تقنيــة جديدة أخرى‪ :‬شــبكة الويب‬
‫المضادة‬ ‫كان «النيــر» عنصــر ًا أساســي ًا فــي مشــهد الثقافــة ُ‬ ‫العالميــة‪ .‬كانــت شــبكات الكمبيوتــر موجــودة منــذ ســنوات‬
‫يقــدم‬
‫ِّ‬ ‫للواقــع االفتراضــي بــوادي الســيليكون‪ ،‬حيــث كان‬ ‫فــي شــكل «‪ »Usenet‬ولوحــات رســائل أخــرى عبــر اإلنترنت‪،‬‬
‫المنتظمــة التــي كانــت‬ ‫«محادثــات الواقــع االفتراضــي» ُ‬ ‫المســتخدمين كانت صغيــرة نســبياً‪ ،‬وتتألف من‬ ‫لكــن قاعــدة ُ‬
‫تــدور‪ ،‬كمــا يذكــر فــي «فجــر كل شــيء جديــد»‪ ،‬حــول «أفكار‬ ‫هتمين بالكمبيوتر‬ ‫ُ ّ‬‫والم‬ ‫األكاديميين‬ ‫من‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ذاتي‬ ‫منتقاة‬ ‫مجموعة‬
‫المب ِّكــرة‪ ،‬وفهــم حيــوان رأســي األرجــل‪ ،‬وكيــف‬ ‫الطفولــة ُ‬ ‫تحمســين‪ .‬و ّفــر الويــب االتصــال بالمنــازل العاديــة فــي‬‫والم ّ‬
‫ُ‬
‫ـن أكثــر‬‫يمكــن لإلنســانية تدميــر نفســها مــا لــم ينغمــس الفـ ّ‬ ‫العا َلــم‪ ،‬وذلــك مــن خــال واجهة مرئية ســهلة‬ ‫جميــع أنحــاء َ‬
‫تخيــل الواقــع االفتراضــي كأداة‬ ‫المســتقبل»‪ .‬لقــد ّ‬ ‫وأكثــر فــي ُ‬ ‫االســتخدام ‪ -‬نوافــذ متصفــح تعرض نص ًا تشــعبياً‪ ،‬وارتباطات‬
‫لالتصــال واإلبــداع‪ ،‬أشــبه فضــاء مــا َبعــد اللغــة مشـ ّكل مــن‬ ‫تشــعبية‪ ،‬وصوراً‪.‬‬
‫الرمــوز التفاعليــة والبيئــات الرقميــة المرنــة بال حــدود‪ .‬إعادة‬ ‫ـد مــا‪ .‬ولكــن‬
‫كانــت شــبكة الويــب المبكــرة بدائيــة إلــى حـ ٍّ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪109‬‬
‫علــى أهــداف مــن أعلــى إلى أســفل‪ .‬كانــت مســاحة اجتماعية‬ ‫تشــكيل الواقــع فــي الواقــع االفتراضــي ســيكون مثل تشــغيل‬
‫المســتخدمون أهدافهــا‪ .‬وفي عــوض «الالعبين»‪ ،‬كان‬ ‫يضبــط ُ‬ ‫المحادثات التــي أعيدت طباعتها في‬ ‫الموســيقى‪ .‬وفــي إحدى ُ‬ ‫ُ‬
‫هناك «سكان»‪ ،‬ألن «‪ »Second Life‬كان مجتمع ًا افتراضياً‪.‬‬ ‫«تخيــل يومـا مــا ســتكون هنــاك واجهات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ـر»‪:‬‬ ‫ـ‬ ‫«الني‬ ‫ـال‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫كتاب‬
‫ولكــن اتضــح أن معظــم النــاس يفضلــون األلعــاب‪ .‬وهــذا‬ ‫مســتخدم إلنشــاء أشــياء جديدة في الواقع االفتراضي تعمل‬
‫هــو المــكان الــذي تبلــورت فيــه بالفعــل فكــرة «ميتافيــرس»‬ ‫الموســيقية اليــوم»‪.‬‬ ‫بشــكلٍ جيــد‪ ،‬وســريع كاآلالت ُ‬
‫فــي شــكله الحالــي‪.‬‬ ‫بصنــع نظــارات واقيــة‬ ‫ال محالــة‪ ،‬قامــت شــركة «‪ُ »VPL‬‬
‫للمســتخدمين‬ ‫ُ‬ ‫تســمح‬ ‫المنفِّــر‪ .‬وابتكــرت قفــازات‬ ‫بشــكلها ُ‬
‫من فورتنايت إىل فرياري‬ ‫وصممــت برامج‬ ‫ّ‬ ‫بالتالعــب باألشــياء فــي الفضــاء االفتراضي‪،‬‬
‫َبعــد مــا يقــرب مــن ‪ 20‬عام ـاً‪ ،‬بــدأ «ميتافيــرس» الفعلــي‬ ‫حســية‪ .‬أبهــرت عروضهــا التجريبيــة الغامــرة‬ ‫تتبــع ّ‬ ‫وأجهــزة ُّ‬
‫‪-‬أو شــيء مشــابه جــداً‪ -‬فــي الظهــور‪ .‬ســماعات الواقــع‬ ‫المتابعيــن‪ :‬أظهــر غــاف أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪ 1987‬لمجلــة‬ ‫ُ‬
‫االفتراضــي ليســت منتشــرة فــي كل مــكان كأجهــزة اآليفــون‪،‬‬ ‫«‪ »Scientific American‬أحــد قفــازات الواقــع االفتراضــي‬
‫لكــن يمكنــك الحصــول علــى واحــدة مناســبة مقابــل بضــع‬ ‫لـــ«‪ »VPL‬بجانــب تمثيلها الرســومي‪ ،‬جنب ًا إلى جنب مع عبارة‬
‫مئــات مــن الــدوالرات وســماعات رائعــة مقابــل أكثــر قلي ـ ً‬
‫ا‬ ‫«الثــورة التاليــة فــي أجهــزة الكمبيوتــر»‪.‬‬
‫ـور‪.‬‬ ‫المتطـ ِّ‬ ‫مــن ســعر كمبيوتــر األلعــاب ُ‬ ‫لكــن منتجــات «‪ »VPL‬كانــت مرهقــة ومكلفــة ‪ -‬مجموعــة‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬أصبــح مــن الواضــح أن «ميتافيــرس»‪ ،‬خاصــة‬ ‫الواقــع االفتراضــي ذات األســعار المعقولــة والتــي لــم يتــم‬
‫المب ِّكــرة الحاليــة‪ ،‬ال يعتمــد بشــكلٍ صــارم علــى‬ ‫فــي مرحلتــه ُ‬ ‫طرحها في الســوق كان من المفترض أن يبلغ ســعرها ‪75000‬‬
‫الواقــع االفتراضــي ‪ -‬ليــس عندمــا تكــون لدينــا هواتــف ذكيــة‬ ‫دوالر‪ .‬وفــي أوائــل التســعينيات‪ ،‬تخ ّلــى «النيــر» عــن الشــركة‬
‫وشــبكات جوال فائقة الســرعة ومعالجات دفع عبر اإلنترنت‬ ‫بســبب خالفــات داخليــة حــول طبيعــة توجههــا‪.‬‬
‫وعملــة مشــفرة‪ ،‬وربمــا األهــم مــن ذلــك‪ ،‬مجتمعــات ألعــاب‬ ‫وفــي عــام ‪ 2003‬فقــط وضــع أحــد األشــخاص مــا يشــبه‬
‫الفيديــو الجماعيــة القائمــة علــى ألعــاب مثــل «فورتنايــت»‬ ‫الفكــرة الكاملــة للـ«ميتافيــرس» موضــع التنفيــذ‪ ،‬فــي مــكان‬
‫بعالَم‬‫ـم َ‬
‫فإن الحلـ َ‬
‫ـورات‪َّ ،‬‬ ‫و«بوكيمــون غــو»‪ .‬بفضــل هــذه التطـ ُّ‬ ‫ـمى «الحيــاة الثانيــة ‪.»Second Life -‬‬ ‫تجمــع افتراضــي يسـ َّ‬
‫متصــل‪ ،‬واقع رقمي مشــترك‪ ،‬ســلس وجميــل وبديهي كأداة‪،‬‬ ‫حتــى ذلــك الحيــن‪ ،‬كان األمــر يتعلَّــق بشاشــة مســطّ حة‬
‫بــدأ فــي التشـ ُّكل أخيــراً‪ ،‬مــع أو بــدون نظــارات دون ذوق‪.‬‬ ‫ال مــن محــاكاة الواقــع االفتراضــي الغامــرة التــي‬ ‫تمام ـاً‪ ،‬بــد ً‬
‫تشــتهر شــركة «رافاييــا كاميــرا» بلعبتهــا الشــهيرة علــى‬ ‫تتميــز «‪Second‬‬ ‫تخيلهــا «ستيفنســون» و«النيــر» وآخــرون‪َّ .‬‬
‫اإلنترنــت «فورتنايــت ‪ ،»Fortnite‬عبــر تبادل إطــاق النار بين‬ ‫‪ »Life‬بواجهــة تشــبه اللعبــة‪ ،‬حيــث تنتقــل الصــور الرمزيــة‬
‫ـورت إلــى عـ ٍ‬
‫ـرض‬ ‫ـدة العبيــن‪ ،‬وعلــى نطــاقٍ واســع‪ ،‬ثـ َّ‬
‫ـم تطـ َّ‬ ‫عـ ّ‬ ‫المســتخدم عبر بيئــات افتراضيــة مترامية‬ ‫التــي يتح َّكــم فيهــا ُ‬
‫افتراضــي لالعبيــن األصغــر ســن ًا فــي الغالــب‪ »Epic« .‬هــي‬ ‫األطــراف‪ .‬يمكــن للصــور الرمزيــة مواكبــة األحــداث‪ ،‬وإجــراء‬
‫واحــدة مــن شــركات عديــدة تحــاول بنــاء التقنيــة التأسيســية‬ ‫والتصــرف‬
‫ُّ‬ ‫محادثــات‪ ،‬والتســ ّكع مــع األصدقــاء والغربــاء‪،‬‬
‫لـ«ميتافيــرس»‪ ،‬وقــد اســتضافت «فورتنايــت» أحداثـ ًا ضخمة‬ ‫ـد افتراضــي مشــترك‪ .‬كانــت‬ ‫كمواطنيــن فــي بلـ ٍ‬ ‫بشــكلٍ عــام ُ‬
‫داخــل اللعبــة‪ ،‬مــن حفــل موســيقي افتراضــي يضــم مغنــي‬ ‫هنــاك تجــارة وصداقــة وتعليــم وترفيــه‪.‬‬
‫الــراب «ترافيــس ســكوت» إلى العرض الترويجــي األول لفيلم‬ ‫تصورهــا «نيــل‬ ‫َّ‬ ‫كمــا‬ ‫لــم تكــن بالضبــط «ميتافيــرس»‬
‫كريســتوفر نوالن «‪ ،»Tenet‬الذي يتجاوز نطاق لعبة الفيديو‬ ‫ستيفنســون»‪ ،‬لكنهــا اســتخدمت بعضــ ًا مــن نفــس اللّغــة‬
‫التقليدية‪.‬‬ ‫ـات لطيفــة عــن فكــره‬ ‫تضمــن كتــاب «النيــر» كلمـ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫والمفاهيــم‪.‬‬
‫وعلــى عكــس «‪ ،»Second Life‬مــن الواضــح جــد ًا أن‬ ‫المســتخدم‬ ‫ُ‬ ‫ـاركة‬ ‫ـ‬ ‫مش‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـده‬ ‫ـ‬ ‫بتأكي‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـيد‬ ‫ـ‬ ‫مش‬ ‫ً‪،‬‬‫ا‬ ‫ـ‬ ‫ذاتي‬ ‫وجــه‬
‫الم ّ‬ ‫ُ‬
‫موجهــة مــن أعلــى‬‫«فورتنايــت» هــي لعبــة مبنيــة علــى تجربــة َّ‬ ‫ـدر قيمــة الفرد»‪ .‬لــم يكن األمــر خيالياً‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ـ‬ ‫يق‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫و«االقتص‬
‫ِ‬
‫للمســتخدمين مــن ق َبــل مــدراء‬ ‫تــم إعدادهــا ُ‬
‫إلــى أســفل َّ‬ ‫لكنــه كان مثالي ـاً‪ ،‬ونشــأ مــن نظــرة عالميــة متفائلــة بشــكلٍ‬
‫ً‬
‫ـور جمهورهــا انطالق ـا مــن‬ ‫الشــركات‪ .‬ورغــم ذلــك‪ ،‬فقــد تطـ َّ‬ ‫أساســي والتــي كانــت تعتبــر التعــاون والتنســيق الفــردي‪،‬‬
‫تحركهــا األهــداف‪.‬‬ ‫المشــتركة التــي ِّ‬ ‫تلــك التجربــة ُ‬ ‫للتقدم البشــري‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫والتوجيــه الذاتــي والتنظيــم الذاتي‪ ،‬مفتاح ًا‬
‫ـدث فــي الغالــب عــن‬ ‫لكــن «رافاييــا كاميــرا» كانــت تتحـ ّ‬ ‫كانــت «‪ »Second Life‬أشــبه بالنمــوذج األولــي‪ ،‬عرضــ ًا‬
‫األدوات الرقميــة للشــركة‪ ،‬ومجموعــة مــن منتجــات البرامــج‬ ‫موجــه مــن‬
‫لتجمــع افتراضــي َّ‬ ‫ّ‬ ‫توضيحيـ ًا جماعيـ ًا غيــر كامــل‬
‫المصممــة لتمكين أي شــخص‬ ‫ّ‬ ‫ومكتبــات األشــياء االفتراضيــة‬ ‫القاعــدة إلــى القمــة‪ ،‬يحكمــه األفــراد‪ ،‬ويركِّ ــز علــى التجــارة‬
‫مــن إنشــاء تجربــة خاصة من نــوع «ميتافيرس»‪ .‬مــن الناحية‬ ‫والمجتمــع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫النظريــة‪ ،‬قــد يعنــي ذلك قــدرة األفراد العاديين على الســعي‬ ‫وعلى غرار شــركة «النيــر» (‪ ،)VPL‬أثارت «‪»Second Life‬‬
‫وراء أحالمهــم‪ .‬ولكــن مــن الناحيــة العمليــة‪ ،‬فــإن العالمــات‬ ‫ضجــة فــي الصحافــة‪ .‬فــي بعــض األحيــان‪ ،‬كانــت الشــركة‬
‫التجاريــة ‪ -‬مثــل «‪ ،»Balenciaga‬وهــي أول عالمــة لألزيــاء‬ ‫تتباهــى بمــا يصــل إلــى مليــون مســتخدم‪ .‬والجديــر بالذكر أن‬
‫يتــم إطالقهــا فــي «فورتنايــت»‪ ،‬و«فيــراري»‪ ،‬التــي‬ ‫الراقيــة ُّ‬ ‫المبدعيــن نفــوا أن يكونــوا قــد ابتكــروا لعبــة‪ ،‬ألنهــا ال تحتــوي‬ ‫ُ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪110‬‬
‫متزايــد علــى التكييــف‪ .‬فــي اإلعالن وجلســات االســتماع‪ ،‬كان‬ ‫وضعــت نمــاذج رقميــة مفصلــة للغايــة لســياراتها الخارقــة‬
‫موقــف الشــركة هــو أن اإلنترنــت يحتــاج بالطبــع إلــى قواعــد‬ ‫المســتفيدة‪.‬‬ ‫داخــل ألعــاب «‪ - »Epic‬هــي ُ‬
‫لمســاعدة‬‫ولوائــح جديــدة ‪ -‬وأن «فيســبوك» جاهــز ومســتعد ُ‬ ‫قال «بوليير» إن أحد اإلغراءات األساســية للـ«ميتافيرس»‬
‫المشــرعين والبيروقراطييــن فــي صياغتهــا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هــي إقامــة عا َلــم خــالٍ مــن اإلعالنــات التقليديــة ‪« -‬عا َلــم بــا‬
‫الموظفيــن مؤخــر ًا فــي عــرض‬ ‫ُ‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫أح‬ ‫ـح‬
‫ـ‬ ‫أوض‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫عندم‬ ‫ـذا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫وهك‬ ‫ال مــن ذلــك‪ ،‬ســيكون اإلعــان غامراً‪.‬‬ ‫إزعــاج»‪ .‬بــد ً‬
‫لتقديــم «ميتافيــرس» بأن «الســرعة التي ظهــرت بها التقنيات‬ ‫يصعــب عــدم التشــكيك فــي أن «فيســبوك» ‪-‬آســف يــا‬
‫والمنظّ مين يلعبون دور ًا‬ ‫الجديدة جعلت صانعي السياســات ُ‬ ‫«ميتــا»‪ -‬يســعى خلــف هــدف مشــابه‪.‬‬
‫فــي اللحــاق بالركــب»‪ ،‬لــم يكــن مــن الصعــب تخميــن نهايــة‬ ‫المســتثمرين أنهــا‬ ‫فــي أوائــل عــام ‪ ،2022‬أبلغــت الشــركة ُ‬
‫والمنظّ مين إلى الحظيرة‬ ‫المشــرعين ُ‬ ‫اللعبــة‪ .‬من خالل جلب ُ‬ ‫المتوقعــة بنحــو ‪10‬‬ ‫فشــلت فــي تحقيــق أهــداف اإليــرادات ُ‬
‫مب ّكــراً‪ ،‬تبحــث «ميتــا» عن مقعد علــى الطاولة‪ ،‬حيــث يمكنها‬ ‫المشــكلة هــي أن «فيســبوك» عبــارة عــن‬ ‫مليــارات دوالر‪ُ .‬‬
‫الضغــط مــن أجــل القواعــد التي ستســتفيد منها‪.‬‬ ‫ثــم بيــع‬ ‫تطبيــق‪ .‬يقــوم بجمــع بيانــات حــول مســتخدميه‪َّ ،‬‬
‫كان «النيــر»‪ ،‬الــذي يعمــل اآلن فــي مايكروســوفت‪ ،‬ينتقــد‬ ‫تلــك البيانــات للعالمــات التجاريــة التــي يمكنهــا اســتخدامها‬
‫بشــكلٍ خــاص خطــط «ميتــا» ونمــوذج أعمــال «فيســبوك»‪،‬‬ ‫لجعــل إعالناتهــا أكثــر دقــة وتوجيهاً‪ .‬يمتلك «فيســبوك» رؤى‬
‫والــذي يعتقــد أنــه يعتمــد علــى تأجيــج الغضــب مــن أجــل‬ ‫فريــدة لقاعــدة مســتخدميه الكبيــرة جــد ًا ممــا يجعلهــا ذات‬
‫المشــاركة‪« .‬عنــد االســتماع إلــى حديــث «مــارك زوكربيــرج»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫للمعلنيــن‪.‬‬ ‫قيمــة اســتثنائية ُ‬
‫يبــدو أنــه شــخص مصــاب بجنــون العظمــة قــد أخــذ أشــيائي‬ ‫ويتم الوصــول إليها‬ ‫ُّ‬ ‫لكــن التطبيقــات تعمــل علــى األجهــزة‬
‫مرشــح التعظيم الذاتــي الغريب‪.‬‬ ‫وقــام بتصفيتهــا مــن خــال ّ‬ ‫مــن خــال األســواق مثــل متجــر تطبيقــات «آبــل»‪ .‬فــي عــام‬
‫أعنــي‪ ،‬إنــه غريــب للغاية»‪ ،‬كمــا ذكر في بودكاســت «‪»Sway‬‬ ‫المســتخدمين ما إذا كانوا‬ ‫‪ ،2021‬بــدأت «آبــل» في اســتجواب ُ‬
‫بنيويــورك تايمــز فــي نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪ ،2021‬بعد ٍ‬
‫وقت‬ ‫التتبــع داخــل التطبيــق الــذي يوصــل‬ ‫يريــدون إيقــاف تشــغيل ُّ‬
‫قصيــر مــن العــرض التقديمــي الكبيــر علــى «فيســبوك»‪.‬‬ ‫المســتخدمين‬ ‫ُ‬ ‫غالبيــة‬ ‫قــام‬ ‫ً‪.‬‬
‫ا‬ ‫تخصيصــ‬ ‫إلــى إعالنــات أكثــر‬
‫«الفكــرة التــي أحملهــا عنه كانت دائم ًا أنك ســتظهر وســتكون‬ ‫التتبــع‪ .‬اتضــح حينهــا أن ســيطرة «آبل» على‬ ‫بإيقــاف تشــغيل ُّ‬
‫مثــل ‪ 100‬مليــون مــن أصحــاب المشــاريع الصغيــرة يقومــون‬ ‫نظــام األجهــزة والبرامج كان «ســيف داموكليس» معلّق ًا فوق‬
‫بأشــيائهم الصغيــرة هنــا وهنــاك‪ .‬ولــن يكــون هنــاك ســيد‬ ‫رأس «زوكربيرج»‪.‬‬
‫أعلــى»‪.‬‬ ‫«ميتــا» تعتبــر نفســها شــركةً تهــدف لربــط النــاس‪ .‬لكــن‬
‫ـر ًا مــن الصور‬
‫تخيــل رواد الواقــع االفتراضــي عالَمـ ًا ُحـ ّ‬‫لقــد َّ‬ ‫نمــوذج عملهــا الفعلــي‪ ،‬الطريقــة التــي تجنــي بهــا األمــوال‪،‬‬
‫الموســيقية‪ ،‬حيث يبني الناس حقائقهم الخاصة‬ ‫جســمة ُ‬ ‫الم َّ‬‫ُ‬ ‫تتبــع البيانات‪،‬‬ ‫المســتخدم‪ .‬بــدون ُّ‬ ‫تتبــع ســلوك ُ‬ ‫يعتمــد علــى ُّ‬
‫دون توجيــه مــن أعلــى إلــى أســفل‪« .‬ميتــا» تريــد العكــس‪:‬‬ ‫أصبحت عمليات شــراء اإلعالنات على نظامها األساســي أقل‬
‫المعلنون‬‫وتحركه وســائل اإلعــام‪ ،‬حيث يتتبــع ُ‬ ‫ِّ‬ ‫عا َلــم منظّ ــم‬ ‫أهميــة بكثيــر‪ .‬لذلــك فقــد اعتمدت الشــركة تقنيــة أخرى‪ ،‬في‬ ‫ّ‬
‫تحركاتك‪.‬‬‫ُّ‬ ‫كل‬ ‫الظاهــر‪ ،‬تتع َّلــق باالتصــال والتواصــل‪ ،‬ولكنها مبنيــة في ٍ‬
‫جزء‬
‫فإن‬‫متقدمــة‪ .‬للتذكير‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تتبع ســلوكية‬ ‫كبيــر منهــا علــى أنظمــة ُّ‬
‫حلم الهولوغرام متواصل‬ ‫لتتبــع وقياس اإلدراك البشــري‪.‬‬ ‫الواقــع االفتراضــي هــو تقنية ُّ‬
‫ــد «ميتافيــرس» حيلــة ســاخرة الســتمالة‬ ‫إذن‪ ،‬هــل ُت َع ُّ‬ ‫فإن هذه األنظمة ستمنح‬ ‫تم تبنيها من ِق َبل الجماهير‪ّ ،‬‬ ‫إذا َّ‬
‫العمليــة التنظيميــة وبيــع «تشوتشــكي» (‪)tchotchkes‬‬ ‫ٍ‬
‫المســتخدم أكثــر مــن أي وقــت مضــى‪ .‬وهــذه‬ ‫«ميتــا» بيانــات ُ‬
‫االفتراضيــة ذات العالمــات التجاريــة؟ نعــم‪ .‬لكــن ليــس ذلك‬ ‫المــرة‪ ،‬تريــد الشــركة التح ُّكــم فــي أنظمــة األجهــزة والبرامــج‬
‫ـرر‬ ‫ـم القديــم بفضــاء افتراضــي مشــترك‪ ،‬متحـ ِّ‬ ‫إن الحلـ َ‬‫فقــط‪ّ .‬‬ ‫حتــى ال يتم َّكــن أي منافــس مــن إيقــاف تدفق البيانــات‪ .‬ولهذا‬
‫ومصمــم لتحفيــز اإلبــداع‪ ،‬مــا زال‬
‫َّ‬ ‫مــن قيــود الواقــع المــادي‬ ‫الغـ�رض اسـ�تحوذت «ميتـ�ا» علـ�ى شـ�ركة «أوكلـ�وس»( (�‪Ocu‬‬
‫ـد كبيــر‪.‬‬ ‫قائم ـ ًا إلــى حـ ٍّ‬ ‫‪ )lus VR‬بقيمــة ‪ 2‬مليــار دوالر أميركــي ونشــرت سلســلة مــن‬
‫ُخــذ مثــال «‪ ،»Roblox‬منصــة األلعــاب االجتماعيــة التــي‬ ‫ســماعات الواقــع االفتراضــي ذات األســعار المعقولــة نســبي ًا‬
‫تســتهدف منــذ ظهورهــا منــذ عــام ‪ 2006‬األطفــال باألســاس‬ ‫ـم‪ ،‬فــإن إصــرار «زوكربيــرج» علــى أن‬ ‫للمســتهلكين‪ .‬ومــن ثـ َّ‬ ‫ُ‬
‫ـدم فــي الســن)‪.‬‬ ‫(رغــم أن قاعــدة مســتخدميها بــدأت اآلن تتقـ َّ‬ ‫المعادلــة‪ ،‬كمــا يتخيلهــا‪ ،‬لــن تتطلــب معاييــر فحســب‪ ،‬بــل‬ ‫ُ‬
‫لصنع‬ ‫ُ‬ ‫متكامل‬ ‫ـام‬ ‫ـد ذاتها؛ إنه نظـ‬
‫«‪ »Roblox‬ليســت لعبــة بحـ ِّ‬ ‫ال جديــدة مــن الحكــم»‪.‬‬ ‫أيضـ ًا «أشــكا ً‬
‫للمســتخدمين تجربتها‪ .‬يمكــن بعد ذلك بيع‬ ‫األلعــاب ويتيــح ُ‬ ‫علــى مــدى الســنوات العديــدة الماضيــة‪ ،‬واجهــت شــركة‬
‫المبدعين‪.‬‬ ‫األلعــاب‪ ،‬حيــث تتقاســم الشــركة اإليــرادات مــع ُ‬ ‫المشــرعين فــي الكونغرس‪.‬‬ ‫«زوكربيــرج» تدقيقـ ًا شــديد ًا مــن ُ‬
‫بعــض هــذه األلعــاب عبــارة عن تجــارب أكشــن ومغامرات‬ ‫الكثيــر مــن هــذا التدقيــق مضلــل‪ ،‬ويعتمــد علــى ســوء فهــم‬
‫ـد مــا‪ ،‬لكن العديــد منها مجرد تجــارب‪ ،‬بعيد ًا‬ ‫تقليديــة إلــى حـ ٍّ‬ ‫تكنولوجيــا اإلنترنــت بشــكلٍ عــام‪ ،‬ومــا يفعلــه «فيســبوك»‬
‫عن أهداف ألعاب الفيديو التقليدية‪ .‬في «‪ ،»Roblox‬يمكنك‬ ‫علــى وجــه التحديــد‪ .‬لكــن اســتجابة «فيســبوك» تركِّ ز بشــكلٍ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪111‬‬
‫يســبق لهــا مثيــل وأحداثـ ًا فنيــة غريبــة تحــاول إحــداث وعــي‬ ‫زيــارة الجــزر االســتوائية‪ ،‬وتب ّنــي حيوانــات أليفــة افتراضيــة‪،‬‬
‫جماعــي مك ّثــف‪ .‬فــي بعــض األحيــان ســيمنحنا «فيــراري»‬ ‫ـواد افتراضيــة ســرية أو‬ ‫وإدارة مطعــم بيتــزا رقمــي‪ ،‬وإنشــاء نـ ٍ‬
‫افتراضيــة أو ســترة رائعــة مــن عالمــة تجاريــة ســاخنة‪.‬‬ ‫عامــة للتســكع مــع أصدقائك‪.‬‬
‫وأحيانــ ًا يطلعنــا علــى نــادي تعــري اصطناعــي مــع راقصــة‬ ‫مثــل معظــم تجارب النوع لـ«ميتافيــرس» اليوم‪ ،‬ال يتطلب‬
‫ثالثيــة األبعــاد‪.‬‬ ‫األمــر نظــارات الواقــع االفتراضــي ‪-‬يمكنــك الوصــول إليها من‬
‫يصمــم بعض األشــخاص منــازل القبة الجيوديســية‬ ‫ّ‬ ‫مثلمــا‬ ‫خــال جهــاز كمبيوتــر أو هاتــف‪ -‬ولكــن يمكنــك اســتخدام‬
‫الخاصــة بهــم وينتقــل آخــرون إلــى التقســيمات الفرعيــة‬ ‫ســماعة الواقــع االفتراضــي إلثــراء التجربــة إذا كنــت ترغــب‬
‫لملفات تعريف االرتباط‪ ،‬ســيظهر بعض سـكّان «ميتافيرس»‬ ‫فــي ذلــك‪.‬‬
‫ـرف عليهــا‬ ‫حصري ـ ًا ككيانــات مــا َبعــد اإلنســان ال يمكــن التعـ ُّ‬ ‫وينتقــل بعــض مســتخدمي «‪ »Roblox‬مــن األلعــاب‬
‫ويبنون عوالم افتراضية واســعة وغريبة يعيشــون فيها‪ ،‬بينما‬ ‫الصغيــرة والعوا ِلــم االفتراضيــة إلــى أنواع أخرى مــن اإلبداع‪،‬‬
‫حد كبير أجســادهم‬ ‫ســيختار آخــرون صــور ًا رمزية تشــبه إلــى ٍّ‬ ‫الموســيقى‪ .‬ابتكر مســتخدمو «‪ »Roblox‬النوع الفرعي‬ ‫مثــل ُ‬
‫الواقعيــة ويلتزمــون فــي الغالــب بالفضــاءات الجاهــزة‪ ،‬التي‬ ‫الصوتــي الخــاص بهــم‪ ،‬المعــروف باســم «‪،»Robloxcore‬‬
‫ـرف ثالــث لالســتخدام الجماعي‪.‬‬ ‫صممهــا طـ ٌ‬ ‫ـم إنشــاؤها رقميـ ًا وأصــوات‬ ‫يتميــز بأصـ ٍ‬
‫ـوات نطاطــة تـ َّ‬ ‫والــذي َّ‬
‫ّ‬
‫ـيتم إنشــاء بعــض تجــارب «ميتافيرس» من أســفل إلى‬ ‫ُّ‬ ‫ـ‬ ‫وس‬ ‫ـم التالعــب بهــا بواســطة الكمبيوتــر تتصــادم مــع بعضهــا‬ ‫يتـ ُّ‬
‫مخصصــة‪ ،‬فوضويــة؛‬ ‫َّ‬ ‫أعلــى بواســطة مجتمعــات افتراضيــة‬ ‫البعــض فــي مــا يشــبه مزيجــ ًا مــن أفضــل ‪ 40‬موســيقى‬
‫ـيتم تنظيــم التجــارب األخــرى مــن أعلى إلى أســفل‪ ،‬ولكن‬ ‫شــعبية وموســيقى تصويريــة قديمــة أللعــاب «‪.»Nintendo‬‬
‫وسـ ُّ‬
‫ال وفوري ـاً‪ ،‬تمام ـ ًا‬ ‫بطــرق تجعــل الوصــول إلــى التجربــة ســه ً‬ ‫إنــه بالضبــط كمــا تخيلــت مــن قَبــل شــكل موســيقى البــوب‬
‫كمــا أتاح «فيســبوك» وســائل التواصل االجتماعــي للجماهير‬ ‫للمراهقيــن إذا كانــت قادمــة مــن عا َلــم داخــل الكمبيوتــر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وســنحت الهواتــف الذكيــة بإمكانيــة التواصــل االفتراضي بين‬ ‫المبالغــة القــول إن «‪ »Roblox‬تمثــل‬ ‫ُ‬ ‫مــن‬ ‫ســيكون‬
‫لعا َلــم قائــم علــى‬ ‫األفــراد‪ .‬ســوف تتعايــش هاتــان الرؤيتــان َ‬
‫يحركــه‬
‫الموســيقي ِّ‬ ‫ـرر ًا بالكامــل مــن الهولوغــرام ُ‬ ‫عالَمـ ًا متحـ ِّ‬
‫الهولوغــرام‪ ،‬أحيانـ ًا فــي تعــارض‪ ،‬وأحيانـ ًا أخــرى فــي وئــام‪.‬‬ ‫المثــل األعلــى‪.‬‬ ‫تقربنــا أكثــر مــن هــذا َ‬ ‫المســتخدم‪ .‬لكنهــا ِّ‬ ‫ُ‬
‫فــي الواقــع‪ ،‬توجــد هاتــان الرؤيتــان بالفعــل‪ ،‬فــي أشــكالٍ‬ ‫هــذا المقــال سـلّط الضــوء علــى هولوغــرام باعتبارها فكرة‬
‫مختلفــة‪ ،‬فــي الـ«ميتافيــرس» البدائــي الــذي بــدأ بالفعــل في‬ ‫مهمــة أيضــاً‪ ،‬ألنهــا تمثــل عنصــر ًا حيويــاً‪:‬‬ ‫ســخيفة‪ .‬لكنهــا َّ‬
‫الظهــور وفــي ألعاب الفيديو‪ ،‬ووســائل التواصــل االجتماعي‪،‬‬ ‫إمكانيــة التخصيــص الشــامل والتح ُّكــم الفــردي‪.‬‬
‫ومؤتمــرات الفيديــو‪ ،‬والعمــل عــن ُبعــد‪ ،‬ودمــج مختلــف تلك‬ ‫حيــث تتمثــل إحــدى األفــكار الرئيســية للـ«ميتافيــرس» في‬
‫الموجهــة والشــبيهة باللعبــة مثل‬ ‫الحفــاظ علــى الهويــة الفرديــة وتخصيصهــا‪.‬‬
‫العناصــر‪ .‬تــؤدي التجــارب ُ‬
‫«فورتنايــت» بالفعــل إلــى مجتمعــات منظمــة ذاتيـاً‪ ،‬كمــا أن‬ ‫جانــب مــن هــذا الشــيء جمالــي‪ :‬يمكــن تعديــل البيئــة‬
‫وجهــة مثــل «‪ »Roblox‬تقــوم‬ ‫االفتراضيــة‪ ،‬أو الجســم االفتراضــي‪ ،‬وتغييرهــا وفقـ ًا ألهوائك‬
‫الم ّ‬
‫مجموعــات األدوات غيــر ُ‬
‫ـداف معتــادة مثــل اللعبة‪.‬‬ ‫بالفعــل بإنشــاء ألعــاب فيديــو بأهـ ٍ‬ ‫ـاء علــى الســياق أو الحالــة‬ ‫تتغيــر بنـ ً‬
‫ّ‬ ‫وتفضيالتــك‪ .‬يمكــن أن‬
‫كلُّ هــذا يــدور داخــل مــا يشــبه «ميتافيــرس» ‪-‬ميتافيــرس‬ ‫ـوم مــن األيــام‪ ،‬قد تظهــر في عملــك كحيوان‬ ‫المزاجيــة‪ .‬فــي يـ ٍ‬
‫حقـاً‪ -‬بنظــارات الواقــع االفتراضــي أو بدونهــا‪ .‬وسيســتمر مــع‬ ‫بانــدا كرتونــي‪ ،‬وفــي اليــوم التالــي كشــجرة عمالقــة مــن‬
‫وتتغير وتصبح‬ ‫المســتقبل‪ ،‬حيــث تنمــو‬ ‫الخشــب األحمــر‪ .‬قــد تظهــر كرجــل أو امــرأة أو كشــيء آخــر‬
‫ّ‬ ‫تجــارب «ميتافيــرس» ُ‬ ‫تمامـاً‪ .‬يمكنــك دمــج أطــراف افتراضيــة إضافيــة أو ذيــل؛ مــن‬
‫جــزء ًا أكبــر مــن حياتنــا‪ ،‬ممــا يجعــل الحلــم بواقــع مضطــرب‬
‫أكثــر واقعيــة مــن أي وقـ ٍ‬
‫ـت مضــى‪.‬‬ ‫المنيرة لبحــوث الواقع االفتراضي‬ ‫بين االكتشــافات العديــدة ُ‬
‫التكيــف مــع الصور‬‫ُّ‬ ‫أن البشــر ال يواجهــون صعوبــة كبيــرة فــي‬
‫عندما يتح ّقق ذلك‪ ،‬ســتكون هناك حدود‪ .‬حتى اآلن‪ ،‬يعد‬
‫الرمزيــة بإضافــات غيــر بشــرية‪.‬‬
‫الواقــع االفتراضــي فــي األســاس تقنيــة بصريــة وصوتيــة‪ ،‬مــع‬
‫لكــن األمــر يتعلَّــق أيضــ ًا بالبيانــات الشــخصية‪ :‬يريــد‬
‫ردود فعــل لمســية محــدودة‪ .‬ال يمكنــك تنــاول كوكتيــل فــي‬
‫مهندســو «ميتافيــرس» أن تكــون قــادر ًا علــى نقــل هوياتــك‬
‫ـم لــن يزعجك شــعر‬ ‫«ميتافيــرس» أو مداعبــة كلبــك‪( .‬ومــن ثـ َّ‬ ‫الرقميــة‪ ،‬مــن الصــور الرمزيــة الخاصة بك إلى أرقــام بطاقتك‬
‫الــكالب)‪ .‬وعلــى غــرار الواقــع المــادي‪ ،‬الواقــع االفتراضــي ال‬
‫االئتمانيــة إلــى عمليــات تســجيل الدخــول إلى خدمــة توصيل‬
‫يخلــو مــن مشــاكل‪ ،‬لكنه يحمــل أيضـ ًا الهولوغــرام وإمكانات‬
‫البقالــة‪ ،‬عبــر العوا ِلــم االفتراضيــة‪.‬‬
‫تحرريــة‪ .‬وكمــا هــو الحــال دائمـاً‪ ،‬ســوف يســتفاد البشــر قــدر‬ ‫ُّ‬ ‫المبــدأ األساســي للـ«ميتافيــرس» ‪-‬والفكــرة األساســية‬
‫اإلمــكان مــن إمكانياته‪.‬‬
‫للواقــع االفتراضــي‪ -‬هو أن النــاس مختلفــون‪ ،‬ولديهم رغبات‬
‫بيتر سودرمان ‪ ۹‬ترجمة‪ :‬عبدالله بن محمد‬ ‫وتفضيــات مختلفــة‪ ،‬وأحيان ًا حتى في قرارة أنفســهم‪ ،‬ويجب‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر‪:‬‬
‫الســماح لهــم بالوجــود فــي عا َلــم يحتــرم هــذه الحقيقــة‪.‬‬
‫مجلة «‪ »Reason‬عدد يوليو‪/‬تموز ‪2022‬‬ ‫الموســيقى لــم‬ ‫العا َلــم أنواعـ ًا مــن ُ‬ ‫أحيانـ ًا ينتــج مثــل هــذا َ‬
‫أغسطس ‪177 2022‬‬ ‫‪112‬‬
‫أرشيف‬
https://www.dohamagazine.qa

33
168 2021 ‫أكتوبر‬
shutterstock

174 2022 ‫أبريل‬ 113

You might also like