Professional Documents
Culture Documents
تجديد المقاربات البيداغوجية في المنظومات التربويّة ا... لولة في فهم أسس التبيئة ومعيقاتها المنظومة التربويّة التونسيّة نموذجا
تجديد المقاربات البيداغوجية في المنظومات التربويّة ا... لولة في فهم أسس التبيئة ومعيقاتها المنظومة التربويّة التونسيّة نموذجا
تجديد المقاربات البيداغوجية في المنظومات التربويّة المغاربيّة :محاولة في فهم أسس التبيئة ومعيقاتها
المنظومة التربويّة التونسيّة نموذجا
د .محمد بالراشد
جامعة جندوبة -تونس
تاريخ االستبلـ 2018/11/17 :؛ تاريخ ادلراجعة 2018/12/22 :؛ تاريخ القبوؿ 2018/12/30 :
ملخص:
تعترب ادلقاربات البيداغوجيّة جوىر العمليّة الًتبويّة ،فهي اليت رب ّدد طريقة ىندسة الربامج كتأليف الكتب ادلدرسيّة كنوعيّة التقييم فضبل عن توجيهها دلختلف
كل عمليّة إصبلح على ذبديد ادلقاربة البيداغوجيّة ادلعتمدةمن قبلها حبثا عن ذبويد أدائها أنشطة التعليم كالتعلّم داخل الفصل .كذلذا تعمل ادلنظومات الًتبويّة مع ّ
اذلُت العتبارات عديدة منها ما يتعلّق باحلذر من كعن صلاعة أكرب يف معاجلة ادلشاكل الًتبويّة دبختلف أصنافها ،إال أف تبيئة أم مقاربة بيداغوجيّة ليست باألمر ّ
مكوناتو ادلختلفة .كضمن ىذا السياؽ حاكلت ىذه الدراسة اجلديد كاحلنُت إذل ادلقاربات السابقة ،كمنها ما يتعلّقباعتبارات تتّصل بادلناخ ادلدرسي العاـ يف ّ
الوقوؼ عند أبرز ادلقاربات البيداغوجيّة اليت اعتمدهتا ادلدرسة ادلغاربيّة انطبلقا من مثاؿ تونس ،ساعية إذل تبياف األسس اليت انبنت عليها كالصعوبات اليت
اعًتضتها ،فضبل عن دكر تلك ادلقاربات يف معاجلة ادلشاكل اليت تُعاين منها ادلنظومة الًتبوية التونسيّة منذ صدكر ّأكؿ قانوف ينظّم العمليّة الًتبويّة يف تونس
ادلستقلّة ( ،)1958كصوال إذل آخر قانوف ( ،)2002ذلك أنّو بقدر ما كاف تغيَت ادلقاربات البيداغوجيّة تعبَتا عن حيويّة ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة ،بقدر ما
يتسٌت توظيفها على النحو ادلطلوب ،كمن مث تقييمها. ادللحة لتوفَت ادلناخ ادلبلئم لتوطُت أم مقاربة بيداغوجيّة حىت ّ
عكس احلاجة ّ
الكلمات المفاتيح :ادلقاربة البيداغوجيّة /بيداغوجيا احملتول /بيداغوجيا األىداؼ /بيداغوجيا الكفايات /ادلناخ ادلدرسي
Abstract
Pedagogical approaches represent the core of any educational system. They define the method of
program design, textbook writing and quality assessment, as well as the various teaching and
learning activities in the classroom. Therefore, with each reform, educational systems renew the
pedagogical approach adopted in order to improve its performance and reach greater efficiency in
addressing different educational problems. However, the contextualisation of any pedagogical
approach is in fact challenging for many reasons, including the fear of innovation, the feeling of
attachment to previous approaches and other causes related to the overall school environment in its
various components. Within this context, the study attempts to address the most prominent
pedagogical approaches adopted by the Arab Maghreb school, based on the example of Tunisia,
seeking to clarify the foundations as well as the difficulties encountered. It also deals with the role
of these approaches in addressing the problems of the Tunisian educational system from the
declaration of the first decree that managed education in the newly independent Tunisia (1958) to
the latest related law (2002). Insofar as the change of pedagogical methods has been an expression
of the vitality of the Tunisian educational system, it reflected the urgent need to provide a more
contextualised pedagogical approach.
مقدمة:
تعترب ادلقاربة البيداغوجيّة عماد العمليّة الًتبويّة ،كذلذا عادة ما ترتبط اإلصبلحات الًتبويّة بتغيَت ادلقاربات البيداغوجيّة كذلك هبدؼ
التم ّكن من التغلّب على ادلصاعب اليت تُعاين منها ادلنظومات الًتبويّة ،كجعل ىذه األخَتة مواكبة من جهة للمستجدات البيداغوجيّة يف
يظل مثَتا إلشكاليات
العادل ،كمن جهة أخرل مستجيبة النتظارات اجملتمعات من ادلدرسة .لكن تغيَت ادلقاربات البيداغوجيّة على أعليّتو ّ
- 311
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
حيث أنّو ال ػلظى دائما بالقبوؿ احلسن من قبل الفاعلُت الًتبويُّت السيما منهم ادلعلّمُت ،كما ال ػلوز دائما على رضا األكليا ،،كذلذا
كانت كل عمليّة تغيَت ادلقاربة البيداغوجيّة دكماموضع شكوؾ كانتقادات من قبيل "ربويل ادلدرسة إذل حقل ذبارب" ،نتيجة "استَتاد
توجهات معيّنة على ادلنظومات الًتبويّة الوطنيّة األمر
مقاربات بيداغوجيّة ال تنسجم مع كاقعنا" ،كنتيجة "الرضوخ لفاعلُت دكليُّت ؽللوف ّ
الذم يه ّددىا بفقداف ىويّتها" ،كما أف ىذه ادلقاربات "تًتجم مشاريع شخصيّة كثَتا ما تزكؿ بتغيَت أصحاهبا من الوزرا..."،اخل .األمر
الذم غلعل من توطُت مقاربة بيداغوجية يف الواقع ادلغاريب كيف الواقع التونسي بصفة خاصة يعرؼ صعوبات كربل عامة .كضمن ىذا
السياؽ تبحث ىذه الدراسة عمليّة تبيئة ادلقاربات البيداغوجيّة بادلدرسة ادلغاربيّة انطبلقا من ادلثاؿ التونسي ،كأثر ذلك على صلاعة العمليّة
الًتبوية .
اإلشكالية:
يظل احلنُت إذل نوع من ادلقاربات البيداغوجيّة
إذا كاف ذبديد ادلقاربات البيداغوجيّة أمرا ال غٌت عنو بالنسبة إذل ادلنظومات الًتبويّة ،فلماذا ّ
مسيطرا؟ دبعٌت إذا كاف من بديهيّات الفعل الًتبوم تطوير ادلقاربات البيداغوجيّة كتغيَتىا حىت يتم ّكن من ذباكز التح ّديات ككسب
تظل الريبة سائدة كالشك قائما كلّما تعلّق األمربتغيَت مقاربة بيداغوجيّة؟ يستدعي البحث يف أجوبة ذلذه اإلشكاليّة الرىانات فلماذا ّ
اعتماد مثاؿ زل ّدد كمن ىنا يتأتّى التساؤؿ :إذل أم ح ّد صلحت ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة يف تبيئة تلك ادلقاربات البيداغوجيّة؟ ،كأم دكر
لعبتو ىذه ادلقاربات فيمعاجلة الصعوبات الكربل اليت تعاين منها تلك ادلنظومة من قبيل االنقطاع كالفشل ادلدرسيُت كمن قبيل ضعف
التحصيل لدل ادلتعلّمُت فضبل عن ادلفارقة بُت سلرجات ادلدرسة كمتطلّبات سوؽ الشغل ،كىل جعلت من ادلدرسة التونسيّة مواكبة
للتغَتات الكربل اليت يعيش على كقعها عادل الًتبية يف العادل؟
ّ
الفرضيات:
-ال يعترب تغيَت ادلقاربات البيداغوجيّة غاية يف ح ّد ذاتو ،كإّظلا يعكس تفاعل ادلنظومة الًتبويّة مع ّ
تغَتات زليطها االجتماعي من
كتغَتات احلقل الًتبوم يف العادل من ناحية أخرل.ناحيةّ ،
-تع ّد التجربة التونسيّة ذات رصيد ثرم من ناحية ادلقاربات البيداغوجيّة ادلعتمدة ،كلكن ىذا الثرا ،دل تقابلو صلاعة كربل يف أدا،
ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة.
.1في معنى المقاربة البيداغوجيّة وأهميّتها في العملية التربوية:
تأسست موجو ينظّم الوضعيات التعليميّة – التعلّمية ،سعيا لتحقيق األىداؼ ادلرسومة ،كمن أجل ذلك ّتعترب ادلقاربة البيداغوجيّة "دبثابة ّ
معُت باعتماد إجرا،ات كاستخداـ صيغ تطبيقيّة .كللمقاربة البيداغوجيّة تأثَت
يتم دبقتضاىا معاجلة ادلشكلة أك ربقيق ىدؼ ّ
على عمليّات ّ
ىاـ يف حفز ادلتعلّم للقياـ بع ّدة أنشطة كعلى التفاعل مع موضوع التعلّم كسياقو بشكل عاـ" (العمارم ،ص .)130 ،2015 ،دبعٌت أف ّ
تتكوف من رلموعة من ادلبادئ اليت يقوـ عليها إعداد برنامج دراسي ،ككذا اختيار اليت ّ ادلقاربة البيداغوجيّة ىي "القاعدة النظريّة ّ
ادلوجو كادلنظّم للعمليّة التعليميّة – التعلّمية يف سلتلف
اسًتاتيجيّات التعليم كالتقييم" (عزيزم،ع .)147 ،2003،كىي بذلك تش ّكل ّ
مراحلها بد ،من ىندسة الربامج ،كصوال إذل التقييم كمركرا بأنشطة التعلّم كاسًتاتيجياتو ،فضبل عن قدرهتا "على مساعدة ادلتعلّم على
لعل ذلك ماادلدرس على القياـ دبهامو التعليميّة يف إطار تربوم مبلئم" (العمارم ،ص .)130 ،2015 ،ك ّاالكتساب كالبنا ،،كمساعدة ّ
دفع الكثَتين إذل القوؿ إف " بلوغ أىداؼ طموحة يقتصر بالدرجة األكذل على اعتماد مقاربات بيداغوجيّة مناسبة تتماشى كربقيق
- 312
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
- 313
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
تبٍت
على حساب بنا ،الذات الفاعلة la construction du sujetلدل ادلتعلّم .كمثل ىذا النقد ػلتّم على ادلدرسة ّ
مقاربات بيداغوجيّة تأخذ بعُت االعتبار تنمية ذات ادلتعلّم.
تطور علم التواصل ،كضمن ىذا السياؽ يكوف من الوجيو أف تستفيد ادلنظومة الًتبويّة من مكاسب ىذا العلم االستفادة من ّ
كاليت جعلت العمليّة التواصليّة متع ّددة ادلسارات بعد أف كانت أحاديّة ادلسار .فالتواصل دل يعد قائما على ثنائيّة باث كمتقبّل
فحسب كإّظلا غدا عمليّة مرّكبة تشتمل على التفاعل كالتقاسم كالتشارؾ ،كىي عناصر على قدر عاؿ من األعليّة باعتبارىا ذبعل
من التواصل عمليّة أساسيّة يف احلقل الًتبوم ،أك إذا ما استعرنا عبارة آالف توراف ذبعل االستفادة من رللوبات علم التواصل
ربوؿ "من الرسالة إذل التواصل،
ادلدرسة مدرسة تواصل ،une école de communicationكىي تسمية تشَت إذل ّ
كىو تغيَت يف الوجهة نكوف سلطئُت إف اكتفينا بالنظر إذل تأثَتاتو السلبية فقط") ،(Touraine,A, 1997,p461دبعٌت
يتم إعطا ،احلظوة للتواصل بُت الفاعلُت
مهما أف تكتفي ادلدرسة بالًتكيز على مضموف الرسالة الًتبويّة ،بقدر ما ّ أنّو دل يعد ّ
ألهنا كانت مركزة
عرؼ كبقوة برسالتها ال بتواصلها ،فذلك ّ الًتبويُّت ،ألنّو كمثلما أشار إذل ذلك آالف توراف "إذا ظلّت ادلدرسة تُ ّ
على اجملتمع ال على صبهورىا ،دبعٌت على القيم كادلعايَت كالًتاتبيّات كادلمارسات اليت تبٍت النظاـ االجتماعي ،كاليت من خبلذلا
ترغب ادلدرسة يف تكوين الطفل كربويلو إذل كائن اجتماعي .كيف ادلقابل ال ؽلكن أف نتحدث عن مدرسة الذات الفاعلة دكف
الدفاع عن مدرسة التواصل" (Touraine, 1997,461).فادلقاربات البيداغوجيّة تتأثّر بطريقة مباشرة أك غَت مباشرة
بالتطور احلاصل يف رلاؿ التواصل.
ّ
االستفادة من مجلوبات النموذج االقتصادي ،ؽلكن القوؿ اليوـ إف "النموذج االقتصادم للتسيَت كالتدبَت ادلقًتف دبفاىيم
الفعاليّة كادلردكديّة كاجلودة ،كظلوذج العلوـ ادلعرفيّة ادلرتبط دبفاىيم القدرات الذىنيّة كالتمثّبلت ،أصبحا علا ادلهيمنُت يف حقل
التطور الذم عرفو النموذج االقتصادم فرض مفاىيم جديدة على احلقل التنظَت ادلذكور" (اخلطايب ،ع ،)8 ، 2010 ،أم أف ّ
الًتبوم من أبرزىا اجلودة ،كمن مث ال غلوز اختزاؿ رسالة ادلدرسة اليوـ يف نقل ادلعارؼ من ادلعلّمُت إذل ادلتعلّمُت.
متغَتا باستمرار كبسرعة ،األمر الذم يفرض على األفراد اكتساب تحوالت عالم الشغل؛ حيث صار ىذا العادل ّ مسايرة ّ
مرات كثَتة ،األمر الذم
زبوؿ ذلم التكيّف مع ذلك الواقع الذم قد يدفع بالكثَتين منهم إذل تغيَت مهنهم ّ كفايات متع ّددة ّ
ربوالت عادل الشغل رب ّديا آخر للمدرسة ،كلطريقة
يستوجب تكوينا خاصا يتيح فرصة التعلّم مدل احلياة .كبعبارة أخرل سبثّل ّ
اشتغاذلا.
كقد صلم عن ىذا التفاعل بُت ادلمارسة الًتبويّة كالعلوـ اإلنسانيّة كاالنتظارات الفرديّة كاجملتمعيّة ،بركز مقاربات بيداغوجيّة ترصبت من ناحية
ادلؤسسة إذل تقدمي أجوبة عن التح ّديات ادلطركحة عليها
ادلؤسسة الًتبويّة يف تطوير آليات اشتغاذلا ،كمن ناحية أخرل سعي تلك ّ رغبة ّ
على الصعيدين الوطٍت كالعادلي.
.3المقاربات البيداغوجية :نماذج
ادلوجهة
خبلؿ مسَتة ادلدرسة ادلعاصرة ،عمدت -كيف تفاعل مع العوامل اليت سبقت اإلشارة إليها -إذل تغيَت ادلقاربات البيداغوجيّة ّ
للممارسات الًتبويّة ككاف من أبرز تلك ادلقاربات ما يأيت:
-بيداغوجيا المحتوى:
ىي "بيداغوجيا ترّكز على جعل ادلتعلّم يتلقى ادلعارؼ كؼلتزهنا كغاية يف ذاهتا من أجل إعادهتا يوـ االمتحاف"(رلاىد ،ع.)2011،25 ،
مهمة من تاريخ األنظمة الًتبويّة حيث ارتبطت عمليّات التدريس يف األنظمة الًتبويّة التقليديّة
جسدت ىذه البيداغوجيا مرحلة ّ كقد ّ
- 314
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
ب"تلقُت ادلعارؼ كنشرىا بُت التبلميذ" (منصف ،ع .)38 ،2007 ،كبذلك تتّسم ىذه ادلقاربة البيداغوجيّة بالًتكيز على "كيفيّة نقل
ادلدرس للمعرفة ،كليس حوؿ كيفيّة اكتساب ادلتعلّم دلعرفة كظيفيّة ؽلكن تفعيلها خارج فضا ،التكوين" (رلاىد ،ع.)25 ،2001 ،
ّ
تأسست طرؽ التدريس فيها على ما أمساه لوم نو" Louis Notقاعدة لقد أكلت ىذه ادلقاربة اىتماما كبَتا للتنشئة االجتماعيّة ،كذلذا ّ
التقليد الفاعل" (منصف ،ع ،) 38 ،2007 ،اليت تقوـ على "نقل ادلعلومات كترسيخها بُت األجياؿ تثبيتا للتقليد الثقايف للمجتمع،
فمن يعرؼ ينقل ادلعرفة دلن ال يعرؼ" (منصف ،ع .)2007،38،دبعٌت أف بيداغوجيا احملتول تقوـ على مبدأ رئيسي كىو أ ّف ادلدرسة
الصم كالتلقُت ،حيث "يتعلّم التلميذ حبسب ىذا النظاـ الطاعة
تع ّد للحياة ،كليست ىي احلياة ذاهتا ،كمن مث اعتمدت على أسلوب ّ
ادلطلقة أكال ،مث مبادئ القرتابة كمبادئ احلساب بأسلوب الصم كالتلقُت .كمن خبلؿ الطاعة ادلطلقة ،حبسب تعليمات ادلدرسة ادلتش ّددة،
مثل تنظيم أكقات الدكاـ ،كأكقات النوـ كأكقات الفراغ كقواعد السلوؾ كقوائم ادلمنوعات الطويلة ،يتعلّم التلميذ شيئا آخر يطلق عليو
يؤدم اعتماد بيداغوجيا احملتول على التلقُت ثبلث ككظائف أساسيّة
ايلتش ادلنهج اخلفي" (النقيب ،خ .)285 ،1997 ،كبعبارة مغايرة ّ
ىي (منصف ،ع:)39 ،2007 ،
يؤمن ىيمنة
أ -كظيفة احملافظة على الثقافة كااليديولوجيا السائدتُت اللّتُت غلب نقلهما لؤلطفاؿ ضمانا الستمرار اجملتمع ،كىذا ّ
جيل على جيل آخر.
يتحوؿ إذل سلطة ثانية
فادلدرس بوصفو أداة بشريّة زلافظة على ادلعرفة كناقلة ذلا ّ
ادلؤسسة الًتبويّةّ ،
ادلدرس ك ّ
ب -كظيفة السلطة ،سلطة ّ
تنضاؼ إذل سلطة ادلعرفة االجتماعيّة .إنّو يستم ّد سلطتو الديداكتيكيّة من سلطة ادلنت الذم ؼلتزنو كيُشيعو بُت األطفاؿ
يدرسها ذات مكانة متميّزة داخل الثقافة ادلدرسيّة.
كالتبلميذ .فهو يعترب "مادتو" اليت ّ
ت -كظيفة ديداكتيكيةترتبط دبختلف أنشطة التدريس كعملياتو كأدكاتو كتأخذ الوظيفة الديداكتيكية لنقل ادلعرفة شكل رلموعة من
فيعرب بشكل مباشر عن اسًتاتيجيتو البيداغوجيّة اخلاصة".
الوظائف اجلزئيّة كيرتّبها ّ
كلعل ىذه اخلصائص اليت اتّسمت هبا بيداغوجيا احمل تول ىي اليت دفعت البعض إذل اعتبارىا "بيداغوجيا ال تعَت أم اىتماـ إذل ّ
ادلدرس كبطريقتو كزلتول ما يق ّدمو ىذا األخَت،
كهتتم فقط دبا يقوـ بو ّ الطفل الذم يعترب حجر الزاكية يف البيداغوجيا احلديثةّ .
كبالتارل فالتلميذ ػلكم عليو يف إطار البيداغوجيا التقليديّة بأف يكوف مستهلكا بسيطا للمنتوجات الًتبويّة" (رلاىد ،ع، 2011 ،
.)25
ادلدرس يشرح
تقوـ مقاربة احملتول (مقاربة ادلضامُت) ،على أساس مركزية احملتويات" ،فالنمط البيداغوجي هبا تقليدم ،حيث أف ّ
يتدرب ،يعيد ما حفظو .فادلتلقي ىنا يقوـ بعمليتُت
الدرس ،ينظّم ادلسار ،كينجز ادلذ ّكرات كيكوف الطالب متلقيا ،يستمع ،ػلفظّ ،
كما كنوعا ،كادلرحلة الثانية استحضار ىذه ادلعرفة حاؿ ادلسا،لة" (نصَتة ،س ،كتارل ،ج .) ،دبعٌت أف
األكذل اكتساب ادلعرفة اجلاىزة ّ
التدريس كفق ىذه ادلقاربة يقوـ على التخزين كاالستحضار ،أك على احلفظ كالتذ ّكر .كبالتارل فهو ؼلاطب بعض ادلراقيالعرفانية ال
غَت.
كلعل األىم من ذلك ىو أف التدريس كفقا لبيداغوجيا احملتول يتجاكز نقل ادلعرفة إذل تأمُت "كظيفة اجتماعيّة ،كليست عمليّة نقل
ّ
ادلعارؼ كتلقينها سول مظهر خارجي ذلذه الوظيفة" (منصف ،ع .)40 ،كيظهر "عرب األظلاط الديداكتيكيّة لبيداغوجيا ادلعرفة أف
ادلدرس كأمكنة التبلميذ ،بُت كضعيّة
ادلدرس) زبلق فراغات داخل اجملاؿ ادلدرسي بُت أمكنة ّ سلطة ادلعرفة ادلدرسيّة(كما اجلسد ّ
ادلدرس كخطاب التلميذ...اخل ،داخل ىذا اإلطار يظهر أف اخلطاب الوحيد ادلمكن ىو ادلدرس ككضعيات التلميذ ،كبُت خطاب ّ ّ
التدخل كالتوجيو كالتقومي كالعقاب" (منصف ،ع.)41 ،
خطاب ادلعرفة ،كأف من ؽلتلكو ىو من ؽلتلك القدرة على ّ
- 315
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
كرست بيداغوجيا احملتول مسار تواصل عمودم يقوـ على نقل احملتول ادلعريف شلن يعرؼ دلن ال يعرؼ ،كدل تبحث عن كيفيّة لقد ّ
نقل اكتساب الطفل للمعرفة .كمن ىنا ؽلكن القوؿ إف "السلطة يف ىذه البيداغوجيا ادلسماة تقليديّة traditionnelleذبد
مشركعيتها يف جانب ادلعرفة" ) .(Bahloul, M,2010,67دبعٌت أف على التبلميذ أف ؼلضعوا ذلذه السلطة كأف ينصتوا إذل
خطاب ادلعلّم على أنو دبثابة كلمات مق ّدسة ،فاألمر يتعلّق بوظائف متداخلة فعبل :نقل معرفتو كتغيَت اآلخر .كمن الواضح أف
خصائص ىذه العبلقة البيداغوجيّة تتمحور -إذا ما استخدمنا عبارة ميشاؿ فوكو ( )1980حوؿ ثنائية ادلعرفة /السلطة .فادلعرفة
ع السلطة ادلمنوحة للمعلّم" ).(Bahloul,M,2010,68-69كمن ىنا جا ،نقد ىذه ادلقاربة نقدا الذعا حيث اعترب تشر ّ
ادلؤسسات تكرس ادلنهج اخلفي حولت ادلدرسة إذل سجن (فوكو) ،كدعا آخركف إذل رلتمع ببل مدارس طادلا أف ىذه ّ البعض أهنا ّ
(ايليتش).
+بيداغوجيا األهداف:
طورىا تايلور ( ،)1949كظهرت بالواليات ادلتحدة األمريكيّة خبلؿ سنوات ،1950يف البداية بأهنا "تكنولوجيا تربويّة ،كقد ّ
تعرؼ ّ
ّ
يف سياؽ سوسيو-اقتصادم ،كىو صناعة السيارات ،مث انتشرت يف اجملاؿ الًتبوم من خبلؿ أعماؿ بلوـ" (منصف ،ع،2007 ،
حىت أنّو "ال يتأتّى
التطرؽ إذل بيداغوجيا األىداؼ -إذل ادلدرسة السلوكيّة يف علم النفسّ ،
.)40كعادة ما يُشار مباشرة – عند ّ
كل من كاطسوف Watsonكسكنر Skinnerاللذين احلديث عن بيداغوجيا األىداؼ دكف استحضار علم النفس السلوكي مع ّ
اعتربا السلوؾ اإلنساين خاضعا للمبلحظة كالقياس كالتقومي ،انطبلقا من مبادئ أساسيّة ىي اإلشراط كادلثَت كاالستجابة كالتعزيز"
(منصف ،ع .)40 ،2007 ،كلئن بدا ىذا الرأم كجيها كصائبا ،فإنّو ال ؼللو من اختزاؿ ،ألف بيداغوجيا األىداؼ اليت تبلورت
األقل يف رلاؿ الًتبية كالتكوين مع بلوـ Bloomالذم يعود إليو الفضل الكثَت يف إثارة االنتباه إذل أعليّة
"بشكل هنائي على ّ
ربديد كضبط أىداؼ التعليم حىت تسهل عمليّة تقوؽلها بشكل دقيق كموضوعي كدكف ىدر ال لطاقات ادلعلّم كال لطاقات ادلتعلّم"
(شرقي ،ـ )17 ،2010 ،ذبد ذلا جذكرا أيضا يف السياؽ السوسيو -حضارم للمجتمع األمريكي.
لقد كجد ىذا اجملتمع األمريكي الطامح إذل الربح كالباحث عن النفع ،ضالتو يف مقاربة تايلور Taylorللشغل .كقد أكذل ىذا
األخَت اىتماما خاصا للدافعيّة ،ك"اشتهرت دراستو باسم "دراسة احلركة كالزمن ،حيث تناكؿ تقسيم العمل إذل أجزائو البسيطة كاألّليّة
أقل جهد" (لعبلكم ،ع .)8 ،2012-2011 ،دبا يعٍت أف الطابع كذلك للوصوؿ إذل الطريقة ادلثلى ألدا ،العمل بسرعة كدقّة ك ّ
بتحوؿ كبَت بالنسبة إذل الصناعي الذم "عرفتو ادلقاكلة األمريكيّة كاف كرا ،التفكَت يف اعتماد مقاربة األىداؼ ،كىو ما يوحي ّ
تبٍت مقوالت كمقاربات حقوؿ أخرل من قبيل االقتصاد كىو ما دل يكن معتمدا خبلؿ مدعوة إذل ّ
ادلدرسة .فهذه األخَتة صارت ّ
سيطرة بيداغوجيا احملتول.كتتمحور بيداغوجيا األىداؼ حوؿ ثبلثة مفاىيم أساسيّة كىي "سلوؾ مبلحظ كىدؼ عاـ كىدؼ
خاص" .(Ait Amar Meziane, O,2014,145دبعٌت أف لؤلىداؼ درجات فمنها العاـ كمنها اخلاص ،كىي أىداؼ
يتم تقييمها من خبلؿ السلوؾ ادلبلحظ فقط.
ّ
ُػلسب لبيداغوجيا األىداؼ ّأهنا ميّزت بُت األىداؼ ادلعرفيّة كاألخرل الوجدانيّة السلوكيّة ،دبعٌت ّأهنا دل تقصر اىتمامها على
اجلانب ادلعريف للمتعلّم بل حاكلت سلاطبة مواقفو كميوالتو .كبعبارة أخرل لقد حدثت نقلة يف النظر إذل ادلتعلّم مع بيداغوجيا
األىداؼ حبيث دل يعد ينظر إليو على أنّو متقبّل للمعرفة ال غَت بل غدا صاحب مواقف ك ّاذباىات كميوالت خاصة بو ،على
ادلدرسة مساعدتو على تنميتها.
- 316
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
كعموما مثّلت بيداغوجيا األىداؼ "نقلة نوعيّة ضلو عقلنة ادلمارسات التعليميّة -التعلّمية يف األقساـ .حيث أمكن ذلا توضيح ما ىو
مطلوب من ادلتعلّم كادلعلّم ،كذلك عرب كضع ىدؼ قابل للقيس كادلبلحظة كمرتبط دبدة زمنيّة معقولة أثنا ،شلارسة كل عمليّة
كلكن ىذه ادلقاربة – كنتيجة إلفراطها يف ذبزئة التعلّمات من جهة ،كانتصارىاتعليميّة -تعلّميّة" (اجلملي ،عّ )2016،12 ،
كجهها ذلا دانياؿ ىاملُت كاليت
تعرضت النتقادات منها تلك اليت ّبطريقة أك بأخرل إذل إقامة عبلقة شبو آلية بُت ادلثَت كاالستجابةّ -
نورد منها (ىاملُت،د:)105 ،34 ،
رلرد تكيّف نفعي للمتعلّمُت مع ادلهاـ ادلوكولة إليهم.
*ؽلكن دلدخل ضيّق بواسطة األىداؼ أف يقلّص التعلّمات لتصبح ّ
*ؽلكن دلدخل ضيّق بواسطة األىداؼ أف يُهمل الفعل لفائدة السلوؾ.
*تقليص األفق داخل ادلدل القصَت كإقصا ،ادلدل البعيد.
+بيداغوجيا الكفايات:
مرة يف التعليم التقٍت كادلهٍت لبعض الدكؿ ادلتق ّدمة يف السبعينات من القرف العشرين لتلج بعد ذلك تدرغليّا
ظهرت "ادلقاربة بالكفايات ّأكؿ ّ
إذل التعليم األساسي مث إذل باقي األسبلؾ التعليميّة لذلك ؽلكن رؤية الكفاية كموجة عارمة ذات مغزل لكوف ادلدرسة يف هناية القرف
ادلهم الذم لعبتو بيداغوجيا
العشرين حبثت عن رىانات جوىريّة"(العمارم ،ص .)149 ،2015 ،بعبارة أخرل ،على الرغم من الدكر ّ
األىداؼ يف تطوير أدا ،ادلنظومة الًتبويّة إال أ ّف ىذه األخَتة بدت عاجزة عن تقدمي أجوبة عن األسئلة اليت طرحت عليها يف هناية القرف
كبتغَتات سوؽ الشغل ،كبركز فاعلُت تربويُّت ذلم تأثَت قوم يف مواقف ادلتعلّمُت
العشرين ،كخاصة منها تلك ادلتعلّقة باالنفجار ادلعريفّ ،
كسلوكهم كادلقصود بذلك تكنولوجيا ادلعلومات كاالتّصاؿ.
أقرت يف تقريرىا ادلعنوف "التعليم ذلك الكنز ادلكنوف" كالذم متّ اعتماده منذ العاـ ،1995أبعادا للعمليّة من ادلعلوـ ،أف اليونسكو ّ
التعليميّة – التعلّميّة سبّت صياغتها على الوجو التارل :تعلّم لتعرؼ ،تعلّم لتعمل ،تعلّم لتكوف ،تعلّم لتشارؾ اآلخرين (عماد ،ع،
ألهناربتاج إذل مقاربة تتعاذل عن التجزئة كتنتصر إذل اإلدماج،
.)28 ،2017كقد بدا من الضركرم مقاربة ىذه األبعاد بطريقة مغايرة ّ
فبل معٌت دلعارؼ ال توظّف يف احلياة العمليّة (يف العمل كيف تأطَت العيش ادلشًتؾ) .أم أف ىدؼ ادلقاربة اجلديدة ىو سبكُت الناشئة من
توظيف ادلعارؼ يف احلياة اليوميّة كالعمليّة.
بأهنا "قدرة الفرد سوا ،أكاف تلميذا أـ أستاذا أـ شخصا آخر على توظيف ادلعرفةؽلكن تعريف الكفاية – على الرغم من كثرة تعريفاهتاّ -
ربوذلا إذل أداة إجرائيّة" (اسليماين ،ع،ادلكتسبة توظيفا مبلئما يف سياؽ ككضعيّات سلتلفةّ .إهنا قدرة ال تنفصل عن ادلعرفة كلكنّها ّ
ادلؤسسة الًتبويّة ،كمن خبلؿ العمليّة التعليميّة -التعلّميّة على
.)78 ،2005دبعٌت أف الكفاية يف االصطبلح الًتبوم ىي "أف تعمل ّ
إكساب ادلتعلّم رلموعة من ادلوارد (معارؼ كمهارات كخربات كقدرات كمواقف )...حبيث يكوف قادرا على إدماجهاكتعبئتها من أجل
ادلؤسسة – سب ّكنو من التكيّف اإلغلايب مع ادلشاكل كالوضعيّات اليت يواجهها
تفعيلها كتوظيفها يف سياقات متع ّددة كمتج ّددة –داخل ّ
ادلتوقّعة منها كالبلمتوقعة" (رلاىد ،ع.) 24 ،
مؤشرات كىي:
زبتص بثبلثة ّ
كيعترب فيليب بَتنو Ph. Perrenoudأف الكفاية ّ
-القدرة على ذبنيد ادلعارؼ كادلهارات الشخصيّة كلّما كاجو الفرد كضعيّة – مشكبل جديدا.
-القدرة على نقل ادلعارؼ كادلهارات الشخصيّة داخل كضعيات جديدة.
-القدرة على إدماج ىذه ادلعارؼ قصد إغلاد حلوؿ مبلئمة للمشكل ادلطركح.
- 317
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
-القدرة على االطلراط شخصيّا يف العمل دكف البقا ،باستمرار يف موقع احلكم أك ادلقيّم ،كلكن أيضا دكف ّ
التحوؿ إذل ن ّد متساك
مع ادلتعلّمُت.
لقد استندت ىذه ادلقاربة البيداغوجية إذل النظرية البنائيّة يف بعديها الفردم كاالجتماعي (بياجيهوفيقوتسكي) ،كحاكلت أف تتعاذل عن
منطق التجزئة من جهة كعن االختزاؿ النظرم للمعارؼ من جهة أخرل ،حبيث يكوف ادلتعلّم قادرا على تعبئة معارفو يف معاجلة كضعية-
مشكل يف حياتو اليوميّة.
+بيداغوجيا المعايير
أىم ادلقاربات البيداغوجيّة اليت اعتمدت يف العادل .كقد ظهر ىذا ادلدخل البيداغوجي
تعترب بيداغوجيا ادلعايَت les standardsإحدل ّ
يف "عدد من الواليات األمريكيّة منذ شبانينات القرف ادلاضي ،كساد يف التسعينات كأصلزت حولو العديد من الدراسات متّ نشر أعلّها يف
ادلؤسس على ادلعايَت يف
اجمللّد السنوم الثاين ألقدـ صبعيّة مهنيّة يف أمريكا ربت عنواف "من الكونغرس إذل الفصل ادلدرسي :اإلصبلح ّ
الواليات ادلتحدة"(الدريج ،ـfrom the capitol to the classroom : standards- .)33 ،2007 ،
.basedReform in the United States
مؤشرات رمزيّة تُصاغ يف مواصفات /شركط رب ّدد الصورة ادلثلى اليت ينبغي أف تتوافر لدل التلميذ (أك ادلدرسة) الذم توضع
كتع ّد "ادلعايَت ّ
يتم االتّفاؽ عليها (زللّيا كعادليّا) ،كضبطها كربديدىا للوصوؿ إذل رؤية
لو ادلعايَت ،أك اليت نسعى إذل ربقيقها ،كىي أدكات كظلاذج للقياسّ ،
كاضحة دلدخبلت النظاـ التعليمي كسلرجاتو ،لغاية ربقيق أىدافو ادلنشودة كالوصوؿ بو إذل جودة الشاملة" (الدريج ،ـ.)27 ،2007 ،
مهم بدؿ إعطائهم كتبا سبلي عليهم ادلمارسة الصفيّة كتساعد الًتبية كفقا دلدخل ادلعايَت "على التأ ّكد من أف التبلميذ يتعلّموف ما ىو ّ
كيكوف التبلميذ زلور الًتبية ادلستندة إذل ادلعايَت .كهتدؼ ىذه الًتبية إذل ربقيق مستول من الفهم عاؿ كعميق لدل التبلميذ ،كىو فهم
يتخطّى التعليم ادلستند إذل الكتب ادلدرسيّة كإذل الدركس" (الورشة الوطنية.)27 ،2014،
كيتم تعلّمها يف ادلدرسة (الورشة الوطنية .)28 ،2014 ،كيشًتط
تدرس ّ
كتعترب ادلعايَت الًتبويّة "معارؼ كمواقف كقيما أساسيّة ينبغي أف ّ
معربة عن توقّعات كاضحة دلا سيعرفو التبلميذ
أف تصاغ ىذه ادلعارؼ كادلهارات كالعادات كادلواقف كالقيم بدقة ككضوح لكي تأيت ّ
كيستطيعوف فعلو .كؽلكن إيضاح العناصر اليت قاـ عليها ىذا التحديد – الذم سبقت اإلشارة إليو -على النحو التارل :أما ادلعارؼ
فتتضمن األفكار ideasكالقضايا issuesكادلسائل dilemmasكادلبادئ principlesكادلفاىيم (الورشة الوطنية، ّ األساسية
.)29 ،2014
- 318
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
-إتاحة الفرصة ّ
لكل متعلّم للمشاركة يف اخلربات الًتبويّة احلقيقيّة.
كلعل ادلبدأ األساسي الذم انبنت عليو ىذه ادلقاربة ىو ادلساكاة دبا تعنيو من عدـ اضلياز ألم سبب كاف (العرؽ /الدين /اللغة /اإلعاقة/ ّ
تعرضت لنقد كبَت من بُت ادلوىبة) ،غَت أف ىذه ادلقاربة اليت اعتمدت يف عدد من الدكؿ دبا فيها بعض الدكؿ العربيّة (مصرُ ،عمافّ )...
أىم دعائمو أف ادلدرسة ليست مصنعا كأنّو من الصعب مواجهة الفركؽ بُت التبلميذ ،كمن الدعائم األخرل كوف ادلعايَت رمزيّة كليست ّ
حقائق كاقعيّة (الدريج ،ـ.)67 ،2007 ،
كقد عرفت ادلدرسة ببلداف ادلغرب العريب تغيَت ادلقاربات البيداغوجيّة من فًتة إذل أخرل شأهنا يف ذلك شأف بقيّة مدارس العادل .غَت أف
تأمل بغرض البحث يف طرؽ تبيئة تلك ادلقاربات من جهة ،كأثر ذلك التغيَت على كاقع ادلنظومة يظل يف حاجة إذل ّ األمر على أعليّتو ّ
الًتبويّة كىو ما سًتّكز عليو ىذه الورقة انطبلقا من ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة.
.4المنظومة التربوية التونسيّة وتح ّدي تبيئة المقاربات البيداغوجيّة
فأما ادلوضوعيّة فتتّصل
يكوف من الوجيو يف البداية اإلشارة إذل أف اعتماد ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة تربّره اعتبارات موضوعيّة كأخرل ذاتيّةّ ،
يبُت الدكر احليوم من ناحية أكذل بارتباط اإلصبلحات الكربل ذلذه ادلنظومة -بعد االستقبلؿ-بتغيَت يف ادلقاربات البيداغوجيّة ،كىو ما ّ
ذلذه األخَتة يف ربقيق غايات les finalitésادلنظومة الًتبويّة كأىدافها .ses objectifsكبالتارل فمن ادلنتظر ،كالببلد تستع ّد إلصبلح
تربوم جديد يتبل،ـ كالتغيَتات اليت يعيش على كقعها اجملتمع التونسي ،أف ربظى ادلقاربة البيداغوجيّة حبيز كبَت من النقاش كتبادؿ كجهات
ادلؤسسة الًتبويّة ،كإذل طريقة
النظر ،ألف ادلسألة تتعلّق دبا ىو أكرب من طرؽ التعليم كالتقييم إذل البحث يف منزلة ادلتعلّم كنوعيّة حضوره يف ّ
ادلتمسك حبقوقو كادللتزـ دبسؤكلياتو .دبعٌت آخر ،ال ؽلكن اختزاؿ ادلقاربة البيداغوجيّة يف طرؽ التعليم كالتعلّم كالتقييم،
بنا ،اإلنساف التونسي ّ
بل البد من النظر إليها من جانب آخر أال كىو منزلة ادلتعلّم يف فضاُ ،كجد ليساعده على تنمية شخصيتو يف جوانبها ادلختلفة.
- 319
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
لن يكوف تغيَت ادلقاربة البيداغوجيّة معطى جديدا يف اإلصبلح الًتبوم التونسي ادلنتظر ،كلكنّو لن يكوف يسَتا ،فالتجارب تثبت
استمرارية نوع من الشك كالريبة ذباه كل مقاربة جديدة ،تًتجم ذلك أسئلة من قبيل من يقف كرا،ىا؟ كدلاذا اآلف؟ كدلاذا متّ التخلّي عن
مستمر إذل ادلقاربة اليت زامنت اإلصبلح الًتبوم األكؿ ( )1958أال كىي بيداغوجيا احملتويات.
ّ سابقتها؟ فضبل عن حنُت
ييسر لنا
ادلربرات الذاتيّة فيمكن اختزاذلا يف نوعمن االطّبلع كلو زلدكد على ىذه التجربة يف مقارباهتا ادلختلفة ،كالذم من شأنو أف ّ
أما ّ
كل منها يف مواجهة التح ّديات اليت كاجهتها ادلدرسة
فهم كتفسَت عملية تبيئة تلك ادلقاربات كالصعوبات اليت كاجهتها فضبل عن دكر ّ
التونسيّة.
لقدعرفت ادلدرسة التونسيّة ثبلث مقاربات بيداغوجيّة شأهنا يف ذلك شأف ادلدرستُت اجلزائرية كادلغربيّة ،فعلى سبيل ادلثاؿ ذكر الباحثاف
اجلزائرياف سادل نصَتة كصباؿ تارل أف ادلنظومة الًتبوية اجلزائريّة عرفت بعد االستقبلؿ ثبلث مقاربات أساسيّة للمناىج الًتبويّة :المقاربة
التقليديّة (ادلقاربة بادلضامُت) ،والمقاربة باألهداف (بيداغوجيا األىداؼ) والمقاربة بالكفاءات ( .نصَتة ،س كتارل ،صباؿ .) ،كيعكس
التحوؿ من براديغم التعليم إذل براديغم التعلّم.
التحوؿ يف ادلقاربات نزعة ادلدرسة بادلغرب العريب إذل ّ
ىذا ّ
أ .بيداغوجيا المحتوى:
استمر العمل يف إطاره إذل سنة
ّ ارتبطت ىذه ادلقاربة بإصبلح نوفمرب 1958كىو اإلصبلح األكؿ للتعليم يف تونس ادلستقلّة كالذم
مهمة يف الًتبية
جسد قانوف نوفمرب 1958زلطة ّ 1991تاريخ صدكر النص التشريعي الثاين ادلنظّم للعملية الًتبويّة يف تونس .كقد ّ
التونسيّة باعتباره عمل يف ذات اآلف على توفَت الكادر البشرم الذم كانت الببلد ربتاجو بعد خركج الفرنسيُت ،كعلى توحيد التعليم
رلسمة يف العركش
عرب عن رغبة سياسيّة يف بنا ،تونس ادلتعالية عن االنتما،ات األكليّة ّ كتعصَته فضبل عن ذبذير االنتما ،الوطٍت حيث ّ
لعل أعليّة الدكر الذم لعبتو ادلدرسة التونسيّة يف إحداث
كالقبائل كاجلهات ،إضافة إذل مقاكمة األميّة اليت كانت منتشرة يف الببلد آنذاؾ .ك ّ
فعالة يف إرسا ،التحديثحراؾ اجتماعي كبَت يف اجملتمع التونسي ىي اليت دفعت بالبعض إذل القوؿ "ساعلت ادلدرسة التونسيّة مساعلة ّ
كعلمنة الكثَت من مناحي احلياة يف الببلد ،كترسيخ ىويّة كطنيّة تقدميّة كمعتدلة ككفّرت للدكلة إطارات كفأة ،كما م ّكنت الكثَت من أبنا،
الشرائح االجتماعيّة الشعبيّة من االرتقا ،االجتماعي" (التيمومي ،ق.)2016،27 ،
جدير بالذكر أف ادلدرسة التونسيّة تبنّت خبلؿ اإلصبلح األكؿ -ادلشار إليو أعبله – بيداغوجيا احملتول القائمة على ادلعرفة ال على زلوريّة
دكر ادلعلّم يف نقل ادلعرفة ،األمر الذم يعكس عبلقة تربويّة قائمة على تواصل عمودم .كبعبارة أخرل إنالعبلقة البيداغوجيّة اليت ىي
حل من كل ارتباط بالطرؽ "عبارة عن رلموع التبادالت اللفظيّة كغَت اللفظيّة اليت سبيّز أم فعل بيداغوجي ،كىي تبادالت ليست يف ّ
البيداغوجيّة ادلستخدمة من قبل ادلعلّم") (Bahloul, M, 2005,17تعكس يف كاقع األمر ظلط ادلقاربة البيداغوجيّة كنوعيّتها.
توجو
أسهمت بيداغوجيا احملتول – يف تلك ادلرحلة ادلفصليّة من تاريخ الببلد التونسيّة -يف تغيَت اجملتمع التونسي .فهذه ادلقاربة زامنت ّ
ادلدرسة إذل الًتكيز على التنشئة االجتماعيّة la socialisationال إذل بنا ،الذات الفاعلة la subjectivationلدل ادلتعلّم.
كبعبارة أخرل رّكزت ادلدرسة التونسيّة على توحيد التعليم هبدؼ توحيد التنشئة ،كمثلما كاف للتنشئة السياسيّة قطب ىو رئيس احلزب
الواحد كزعيم الببلد ،فإف للتنشئة الًتبويّة قطبا كاحدا كىو ادلعلّم .كقد قاـ ىذا األخَت بدكره على النحو ادلطلوب ساعده يف ذلك الرضا
ادلهٍت الذم كاف يشعر بو ادلعلّموف.
لقد كانت ادلكانة اليت ػلظى هبا ادلعلّموف مرموقة لسببُت اثنُت (الظاىرم ،ف:)27 ،2016 ،
أ -يتقاضى ادلعلّموف ركاتب شهريّة تسمح ذلم ماديا بتأمُت حاجياهتم األساسيّة بصفة مرضية كبضماف مستول عيش زلًتـ نسبيّا.
- 320
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
تدعم
تثمن ذاتو كذبعلو إذل ح ّد ما ينسب إذل نفسو خصائص شليّزة كسلطة على زليطو ّ ب -ػلظى ادلعلّم دبكانة اجتماعيّة مرموقة ّ
ثقتو بنفسو.
يعرب عنو خبطاطة الشيخ كادلريد (اإلدريسي ،ـ،2018 ، من ىذا ادلنطلق ،كاف ادلعلّموف مصدر ادلعرفة ،كقاطرة التغيَت ،كلكن ضمن ما ّ
تتم بواسطة ادلعارؼ كادلضامُت الثقافية ،كيع ّد فصل قضايا
)54فالعبلقة اليت بنوىا مع ادلتعلّمُت كانت ذات خصوصيّة "تكمن يف ّأهنا ّ
الطرائق عن قضايا ادلضامُت خطرا على حد قوؿ فيليب مَتيو( Meirieuبوبكرم ،ـ .)87 ،2000 ،دبعٌت آخر ،جا،ت مقاربة
ادلعوض لئلطارات الفرنسيّة
ادلضامُت يف فًتة كانت جهود الببلد الًتبويّة تتّجو إذل نشر التعليم كاحل ّد من األميّة ،كإذل توفَت الكادر البشرم ّ
يفسر الرضا الذم حظيت بو تلك ادلقاربة آنذاؾ كالذم جعل ادلغادرة للببلد ،إذل تنشئة اجتماعيّة ذات طابع ذبانسي توحيدم ،كىو ما ّ
خرغليها ػلنّوف إليها.
الكثَت من ّ
أسست عبلقة بُت التونسيّات كالتونسيُّت كادلعرفة .فكاف التم ّكن من ادلعارؼ سبيبل لبلرتقا،
كػلسب ذلذه ادلقاربة البيداغوجيّة ّأهنا ّ
ُ
االجتماعي ،أك إذا شئنا صار االرتقا ،االجتماعي مشركطا باكتساب ادلعرفة .كلكن ىذه ادلقاربة أرست رؤية للمعرفة تقوـ على أف ىذه
األخَتة معطى ،كاحلاؿ أف "ادلعرفة تبٌت كليست معطى" (بوبكرم ،ـ.)2000،77 ،
فضبل عن اتّساقها مع نسق سوسيو -سياسي قائم على الشيخ كادلريد ،كعلى الزعيم كأتباعو ،كىو ما جعلها مقاربة تنظر إذل ادلعلّم على
أنّو صاحب ادلعرفة ،إذل ادلتعلّم على أنّو متقبّل للمعرفة ،كمن مث يكاد يقتصر دكر األخَت على تقبّل ادلعارؼ كاالستظهار هبا ،كؼلتزؿ دكر
ادلعلّم يف نقلها دكف مراعاة للفوارؽ بُت ادلتعلّمُت .كىذا يربز بطريقة أك بأخرل كيف أف براديغمالتعليم ؼلفي ثقافة التوحيد كالتجانس اليت
لعل غياب ىذه األخَتة سيصبح جليا عندما دل يعد التمفصل قائما التنوع .ك ّ
ىي نقيض ثقافة الذات الفاعلة كادلبادرة كثقافة االختبلؼ ك ّ
بُت سلرجات ادلدرسة كمتطلبّات سوؽ الشغل.
ال تبدك انعكاسات تلك ادلقاربة على نوعيّة الثقافة فقط ،كىي ثقافة دل تقطع مع تنشئة اجتماعيّة تنشد التجانس منذ مرحلة ما قبل
الدكلة الوطنيّة بل كاف لتلك االنعكاسات كجو آخر تعلّق بالطابع االنتقائي لتلك ادلقاربة كالذم أفضى إذل مدرسة انتقائيّة ،كىو ما يبيّنو
ارتفاع نسب اذلدر ادلدرسي ،ككذلك التفاكت الصارخ بُت اجلهات .كبعبارة مغايرة لقد كانت نسبة الوفاة ادلدرسيّة la mortalité
scolaireمرتفعة) (Azzouz,A,1993,42ذلك أنّو من رلموع 200.000طفل سجلوا بالسنة األكذل ابتدائي ،دل يبلغ منهم
يتحصل منهمّ السنة األكذل ثانوم إال 60.000أم 33بادلائة ،كدل ػلصل منهم على الباكالوريا إال 10.000أم 5بادلائة ،فيما دل
تتحملها ادلقاربة
على شهادة جامعيّة إال 5000طالبا ،أم 2.5بادلائة ) .(Azzouz,A,1993,8كمثل ىذه االنعكاسات كإف ال ّ
فإهنا تعكس أيضا عدـ صلاعة تلك ادلقاربة (دبا ىي مؤطّرة للممارسة الًتبويّة يف مستوياهتا ادلختلفة) يف معاجلة بعض
البيداغوجيّة لوحدىاّ ،
الظواىر من قبيل الفشل ادلدرسي l’échec scolaireالذم صار مبلزما للمنظومة الًتبويّة التونسيّة.
للمؤسسة الًتبويّة باالنسجاـ مع النسق السوسيو-سياسي العاـ القائم على عبلقة تواصليّة عموديّة ّ مسحت ادلقاربة ادلبنيّة على احملتويات
فإهنا جعلت الفشل األكؿ .فهي مقاربة كإف ح ّققت نتائج إغلابية ّ
مدعو إذل طاعة ّ زلورىا من يعرؼ يساعد من ال يعرؼ ،كىذا األخَت ّ
كلعل ذركة األزمة اليت بلغتها مدرسة ادلقاربة بادلضامُت
ادلدرسي مسألة مرتبطة بادلتعلّم ،كمن شبة دل تراع ىذه ادلقاربة الفوارؽ بُت ادلتعلّمُتّ .
جا،ت سنة ،1986عندما ّقرر رئيس اجلمهورية آنذاؾ احلبيب بورقيبة إجرا ،دكرة استثنائيّة للبكالوريا يف شهر سبتمرب /أيلوؿ ُعرفت
زلل تغيَت يف اإلصبلح الثاين
ب"دكرة بورقيبة" نتيجة ضعف نسب النجاح يف الدكرتُت (الرئيسية كادلراقبة) ،كىكذا ستكوف ىذه ادلقاربة ّ
الذم جا ،ببيداغوجيا األىداؼ بدال عنها.
بيداغوجيا األهداف:
- 321
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
تبنّت تونس مقاربة بيداغوجيا األىداؼ مع قانوف جويلية 1991ادلنظّم لئلصبلح الًتبوم الثاين .كقد متّ بذلك بنا ،برامج دراسيّة قائمة
على بيداغوجيا األىداؼ .كقد تزامن ذلك مع إرسا ،التعليم األساسي يف تونس (دلدة 9سنوات).
كلئنجسدت ىذه ادلقاربة نقلة نوعيّة يف طريقة الربامج الدراسيّة من حيث ربديد األىداؼ ككضوحها ،كىو ما يعٍت كظيفيّة ادلعارؼ ،دبعٌت
ّ
أف تقدمي ادلعارؼ دل يعد غاية يف ح ّد ذاتو ،كإظلا بات الغرض منو ربقيق األىداؼ اليت رمست العامة منها كاإلجرائيّة .كىي بذلك تنزع عن
فإهنا دل ربدث ذات التغيَت مثبل على مستول الكتب ادلدرسيّة اليت طغت عليهاادلعرفة طابعا خاصا اتّسمت بو طيلة إصبلح ّ .1958
النزعة الكميّة ادلعرفيّة.
دل تكن مسَتة ىذه ادلقاربة البيداغوجيّة يف تونس على أحسن ما يراـ .فقد اصطدمت بعراقيل جعلت من تبيئتها يف كاقع ادلنظومة الًتبويّة
التونسيّة أمرا عصيّا .كذلذا متّ اللجو ،سنة 1997إذل زبفيف الربامج الدراسيّة ،كتبل ذلك إجرا ،آخر سبثّل يف إصدار الوثائق ادلنهجيّة اليت
موحدة إلصلاز الدركس يف سلتلف ادلواد الدراسيّة ،ككأنّنا باإلدارة ىي اليت صارت ترسم اذلداؼ اإلجرائيّةكانت عبارة عن جذاذات ّ
عرب
ادلدرس زماـ ادلبادرة ،كاحلاؿ أنّو مع بيداغوجيا األىداؼ بدأ احلديث عن سبهُت ادلعلّم ،كعن دكر فاعل للمتعلّم .كقد ّ كافت ّكت من ّ
ادلدرسُت يتندركف منذ بضعة عقود بقوؿ بعض الباحثُت عن الصعوبات اليت صلمت عن ىذا التمشي التوحيدم بقولو "إذا كاف بعض ّ
"درسوا كما تطلب الربامج أدرس" ،فإنّو ؽلكن القوؿ اليوـ إف الشعار السائد ىو ّ"درسوا كما رأيتموين ّ
بعض ادلشرفُت على العمل الًتبوم ّ
تدرسوا" (كردم ،ع.)17 ،2002 ، الرمسيّة كالوثائق ادلنهجيّة أف ّ
تدخل مباشر من اإلدارة
عربت الوثائق ادلنهجيّة عن مركزيّة مفرطة ،كعن ّ التدخل اإلدارم مفسدا لركح بيداغوجيا األىداؼ ،فقد ّ لقد كاف ّ
تنم عن رغبة يف نزع
يف بنا ،العمليّة التعليميّة -التعلّميّة .كبعبارة أخرل كانت طرؽ تبيئة بيداغوجيا األىداؼ يف ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة ّ
ىامش ادلبادرة من أحد الفاعلُت الًتبويُّت الرئيسيُت الذم ىو ادلعلّم.
دل يكن حظ ادلتعلّم أكفر منحظ ادلعلّم ،فمقاربة بيداغوجيا األىداؼ تزامنت مع إرسا ،ادلدرسة األساسيّة اليت تزامن ظهورىا مع صدكر
جسدت عمليّة
التحوؿ الذم صار على ادلدرسة مواكبتو .كبعبارة مغايرةّ ، االتّفاقيّة الدكلية حلقوؽ الطفل ( ،)1989كىو ما يربز نوعيّة ّ
تبٍت ادلدرسة األساسيّة ضمنيّا رؤية نوعيّة للطفل /ادلتعلّم كدلنزلتو يف العمليّة التعليميّة التعلّمية.
ّ
دل تصحب ىذه ادلقاربة عملية تغيَت جذريّة يف النظر إذل ادلتعلّم ،كطغت على تلك ادلقاربة ذات ىواجس ادلقاربة السابقة من امتحانات
ككثافة معرفيّة ،كال غرابة أف يعاد سيناريو دكرة بورقيبة يف مناظرة ختم شهادة التعليم األساسي حيث متّ إجرا ،دكرة استثنائيّة يف
سبتمرب 1998بعد أف كانت نتائج الدكرة األساسيّة (كالوحيدة) سليّبة لآلماؿ ،ليتم الحقا التخلّي عن إجبارية "مناظرة السنة التاسعة
تدّن مستول ادلتعلّمُت .كذلك م ّكنت اإلجرا،ات اجلديدة ادلتّخذة يف الباكالوريا بتمكُت كلَتتقي ادلتعلّموف دكف امتحانات كبالتارل ّ
ادلمتحنُت دبا نسبتو 25بادلائة كحافز للنّجاح" (السليماين ،ـ .)152 ،2015 ،كبعبارة ثانية دل تتم تبيئة مقاربة بيداغوجيا األىداؼ
إدارم(يوجو الوثائق ادلنهجيّة) كآخر سياسي( ػل ّدد بطريقة مباشرة أك غَت مباشرة نسب النجاح) ظلّت
ّ على النحو ادلطلوب ،فبُت قرار
مدرسي ادلرحلة األكذل
ادلدرسُت ،كذلك على الرغم من أف ىذه ادلقاربة رافقها على مستول تكوين ّ ىناؾ فجوة كبَتة تتّصل بنوعيّة تكوين ّ
من التعليم األساسي تغيَت مت دبوجبو التخلّي عن مدارس الًتشيح لصاحل معاىد تكوين ادلعلّمُت بداية من سنة ،1991-1990كعلى
مدرسي ادلرحلة الثانوية ظهور مناظرة "الكاباس" .
مستول ّ
تضمنتو كثيقة "ضلو رلتمع ادلعرفة" اليت
تؤد مقاربة بيداغوجيا األىداؼ إذل ربقيق ما ُرسم من أىداؼ ،كبدا ذلك جليّا من خبلؿ ما ّ دل ّ
أصدرهتا كزارة الًتبية كالتكوين سنة ، 2002حيث ع ّددت تلك الوثيقة ادلشاكل اليت تعاين منها ادلدرسة التونسية كاليت اصبلتها يف النقاط
االتية (كزارة الًتبية:)7 ،2002 ،
- 322
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
-ضعف مردكد ّ
ادلؤسسة الًتبويّة (عدد ىاـ من ادلنقطعُت خاصة يف ادلرحلة الثانية من التعليم األساسي دكف سبلّك الكفايات
ادلرسومة للتعليم األساسي).
الكمي كاإلفراط يف -سيطرة ادلنحى ّ
الكمي على الربامج التعليميّة (ادلواد كثَتة ،كالربامج ذلا منحى موسوعي ...كمن نتائج ادلنحى ّ
التجزئة أف أصبحت مكتسبات ادلتعلّمُت دكف ادلأموؿ).
-ضعف مكتسبات التبلميذ (...كيتجلّى ذلك يف الصعوبة اليت غلدكهنا يف التعبَت كالتواصل ككذلك يف ّ
حل ادلسائل الرياضيّة).
-ادلركزية ادلفرطة يف تسيَت النظاـ الًتبوم (فكل شي ،يصدر عن ادلركز ضلو ادلستويات اجلهويّة كاحملليّة اليت ال سبلك سول أف تطبّق
آليا ما يصدر إليها من قرارات).
-غياب االحًتاؼ (إذ ال يتل ّقى ادلربّوف على اختبلؼ أصنافهم أم تكوين أساسي يف ىذا الصدد).
-غياب ثقافة تقييميّة (يسود االعتقاد أف االنتقا ،كحده كفيل بضماف جودة التعليم كاحلفاظ على قيمة الشهائد العلميّة).
ض ّمنت يف كثيقة "ضلو رلتمع ادلعرفة" بالقوؿ إف بيداغوجيا األىداؼ دل تفلح يف ذباكز الصعوبات اليت تسمح لنا ىذه ادلبلحظات اليت ُ
ادلوجهة ألنشطة التعلّم كالتقييم .بل إف بيداغوجيا األىداؼ كانت تُعاين منها ادلدرسة التونسيّة منذ أف كانت بيداغوجيا احملتول ىي ّ
كبإفراطها يف ذبزئة ادلعارؼ ساعلت يف تعميق اإلشكاليات اليت تواجهها ادلمارسة الًتبويّة التونسيّة.
ال ؽلكن اختزاؿ تبيئة مقاربة بيداغوجيا األىداؼ يف بنا ،الربامج الرمسيّة طبقا لتلك ادلقاربة ،دبعٌت أنّو من الضركرم توفَت مناخ مناسب
ادلستمر) فضبل عن التخلّي عن مسار ادلدرسُت (التكوين األساسي ك ّ يشمل تأىيل ادلوارد البشريّة دبا يف ذلك اإلداريّة ،كحسن تكوين ّ
ستتحوؿ تدرغليّا إذل عائق لئلبداع .فادلقاربة اليت ال يتوفر ذلا ادلناخ ادلبلئمبل ؽلكن ذلا أف
ّ التواصل العمودم الذم انتهى إذل مركزيّة مفرطة
فتتحوؿ بذلك إذل نوع من ادلوضة ال غَت.
رب ّقق األىداؼ ادلرسومة ّ
عربت عنو كثيقة "ضلو رلتمع ادلعرفة" ادلشار إليها بغياب ثقافة متنوعة األكجو كمنها ما ّ
بدت ادلشاكل اليت عانت منها بيداغوجيا األىداؼ ّ
تقييميّة ،كضمن ىذا السياؽ ،بدت إشكالية تقييم األىداؼ الوجدانيّة – السلوكيّة حاضرة بقوة .دبعٌت أف ادلمارسة الًتبويّة التونسيّة ظلّت
مرّكزة على صنف كاحد من األىداؼ الًتبويّة كىو األىداؼ ادلعرفيّة ،فبقيت األىداؼ الوجدانيّة –السلوكيّة مستعصية على التقييم،
كبذلك دل تفلح بيداغوجيا األىداؼ يف القطع مع بيداغوجيا احملتول ،فاستمر ىاجس ادلعلّمُت مرّكزا على البعد ادلعريف لؤلىداؼ ،كدل يتم
ادلتفوقُت يف مواد دراسيّة ذات
االذباىات .كال غرابة أف نرل ادلتعلّمُت ّتوظيف مقاربة بيداغوجيا األىداؼ يف تقييم عمليّة بنا ،ادلواقف ك ّ
يًتددكف يف شلارسة سلوكات عنيفة (سوا، االذباىات من قبيل الًتبية ادلدنيّة كالفلسفة كالًتبية كالتفكَت اإلسبلمي ،ال ّ
صلة مباشرة بادلواقف ك ّ
ضد األقراف أك ضد الفضا ،ادلدرسي بشكل عاـ).
يتحصل عليو ادلعلّموف يف
ّ دل ربظ األىداؼ الوجدانيّة – السلوكيّة بذات االىتماـ العتبارات عديدة منها ما يتّصل بنوعيّة التكوين الذم
لعل تعثّر تقييم األىداؼ
تلك ادلسألة ،كمنها أيضا استمرارية طغياف النزعة ادلعرفيّة اليت ىي سليلة ادلقاربة السابقة القائمة على احملتويات .ك ّ
يفسر كلو إذل ح ّد بعض ادلظاىر اليت عرفها اجملتمع التونسي من قبيل العنف كتنامي الوجدانيّة -السلوكيّة ،كعدـ إيبلئها االىتماـ البلزـ ّ
تتبٌت العنف يف مناطق سلتلفة من العادل.
السلوكيات احملفوفة بادلخاطر كأيضا التحاؽ بعض الفئات الشبابيّة بتنظيمات ّ
تؤد بيداغوجيا األىداؼ إذل التغلّب على العوائق الكربل اليت الزمت ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة من قبيل التفاكت اجلهوم ،كمن قبيل دل ّ
االنقطاع ادلدرسي ،كمن قبيل مكانة الطفل – ادلتعلّم يف ادلنظومة الًتبويّة اليت ظلّت مقتصرة على دكر ادلتقبّل للمعارؼ كدل يرتق إذل مرتبة
يبُت أف تغيَت ادلقاربة البيداغوجية دل يفض يف هناية ادلطاؼ إذل انتقاؿ ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة
الشريك ادلساىم يف بنا ،ادلعارؼ ،كىو ما ّ
من براديغم التعليم إذل براديغم التعلّم.كمن مث بدا من الضركرم التفكَت يف تغيَتىا كىو ما جا ،بو إصبلح ( 2002اإلصبلح الًتبوم
- 323
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
بيداغوجيا الكفايات:
ّأدت "ضبلة االنتقادات اليت ُك ّجهت لبيداغوجيا األىداؼ كخاصة بالنسبة إذل تركيزىا على ادلقاربة اإلجرائيّة إذل ظهور التدريس بواسطة
ظلو شخصيّة ادلتعلّم من قدرات عقليّة كعمليّة ضركرية" الكفايات على اعتبار أف ىذه األخَتة مدخل مناسب للتعلّم كربقيق مستلزمات ّ
(شرقي ،ـ .)29 ،2010 ،فما "تقدمو ادلدرسة دل غلب كيتجاكب كإكراىات احلياة ادلتع ّددةكمتطلّباهتا .فما الذم تستفيده ادلدرسة كفيما
تنفع كل ىذه الساعات من الدرس كالتحصيل اليت قضاىا ادلتعلّم بُت حيطاف ادلدرسة إذا كاف التلميذ ال ػلتفظ منها إال ببعض البقايا أك
العبلمات tracesكاليت ال تنفعو عند مواجهة مشكل حقيقي عندما ؼلرج إذل احلياة احلقيقيّة" (شرقي ،ـ .)2010،35 ،دبعٌت أف أسئلة
جديدة أعقبت اعتماد بيداغوجيا األىداؼ كيف مقدمتها :دلاذا ال يستطيع ادلتعلّموف توظيف مكتسباهتم يف معاجلة ادلشاكل اليت تعًتضهم
يف حياهتم اليوميّة؟.
ادلعوؿ عليو طريقة تدبَتىا كتعبئتها .فعيش اإلنسافدل يعد امتبلؾ ادلعارؼ فقط،يف القرف احلادم كالعشرين" ،يش ّكل أمرا ضركريا بل ّ
معُت يف تدبَت كاستعماؿ ادلعارؼ بشكل يتجاكز ما كانت ربتاجو األجياؿ كاندماجو رىُت بربىنة ىذا اإلنساف على امتبلؾ مستول ّ
السابقة .لذلك أضحت ادلدرسة ملزمة بتنمية كفايات ادلتعلّمُت بشكل ؽل ّكنهم من االستمرار يف التعلّم الذايت كيف التعلّم مدل احلياة،
كلعل اإلضافة النوعيّة ذلذه ادلقاربة اليت
كبالتارل عليها أف هتدؼ إذل تعليم مستدمي كقابل للتحويل" (العمارم ،صّ .)146 ،2015 ،
ّازبذت من البنائية إطارا مرجعيا ذلا ،ىو "أهنا تستند على نظاـ متكامل كمندمج من ادلعارؼ كاألدا،ات كادلهارات اليت تسمح للمتعلّم
أماـ صبلة من الوضعيات التعليميّة -التعلّميّة بإصلاز ادلهاـ ادلطالب هبا بشكل منسجم كمتوافق" (ىويدم ،ع.)58 ،2015،
ُ
تبنّت ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة ادلقاربة بالكفايات مع إصبلح جويلية 2002مثلما سبقت اإلشارة إذل ذلك .كىي مرحلة "زبلّى فيها
جل ىواجسو ادلتّصلة بتحقيق األىداؼ الكميّة ،السيّما يف مرحلة التعليم األساسي ،كىو ما يكشف يف النظاـ الًتبوم التونسي عن ّ
كضوح على أف تعميم التمدرس ،كاستدامتو دل يعودا ينتسباف إذل "فئة التح ّديات" ادلطركحة على النظاـ الًتبوم التونسي" (كزارة الًتبية
كالتكوين.)2008،14 ،
يسمى
متّ ذبسيم ىذه ادلقاربة بالنظر إذل ادلواد الدراسيّة على أهنا عائبلت ،ككضعت كثيقة برنامج الربامج اليت كانت األرضية ادلشًتكة دلا ّ
عربت عن ذلك كثيقة التعلّمات االختيارية
بالكفايات األفقيّة ككفايات ادلواد .كمتّ الشركع يف إرسا ،بعض التعلّمات بطريقة مغايرة مثلما ّ
(كزارة الًتبية كالتكوين ،)2004 ،كيف ذلك رغبة كاضحة يف التجديد.
ادلدرسُت كمنها ما يتصل بعوائق إداريةدل يكن مصَت ادلقاربة بالكفايات أفضل من ادلقاربة السابقة ،فقد اصطدمت بعراقيل منها رفض ّ
يتم االبقا ،على تلك ادلقاربة يف ادلرحلة االبتدائية كإلغائها بادلرحلتُت اإلعدادية كالثانوية،بدت من خبلذلا ادلركزية مفرطة .كال غرابة أف ّ
كبررت كزارة اإلشراؼ ذلك التخلّي باإلبقا ،عليها كاإلبقا ،على ركحها .كقد عكس ىذا التخلّي ارتباؾ القائمُت على ادلنظومة الًتبويّة يف ّ
رلرد قرار إدارم يتّخذ أحيانا
تبٍت مقاربة بيداغوجيّة أك التخلّي عنها ّ رؤيتهم للمقاربة البيداغوجيّة ،كىي رؤية اتّسمت بطابع تقٍت ،جعل ّ
ادلدرسُت كاألكليا.،
ربت ضغط فاعلُت تربويُّت آخرين من قبيل نقابات ّ
- 324
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
جا،ت ادلقاربة بالكفايات يف سياؽ مستج ّدات كربل عرفها احلقل الًتبوم على الصعيدين الوطٍت كالعادلي ،فعادل الشغل ادلعٍت األكؿ
زبوؿ ذلمربوالت كبَتة األمر الذم ػلتّم على ادلدرسة العمل على إكساب ادلتعلّمُت الكفايات اليت ّ ادلؤسسة الًتبويّة عرؼ ّ
دبخرجات ّ
تغَتات عادل الشغل .كما أف ىذه ادلقاربة جا،ت يف سياؽ ثقايف ػلمل الكثَت من التناقضات ،فمن جهة ظلت النزعة الفردانيّةالتكيّف مع ّ
بشكل غَت مسبوؽ ،كمن جهة أخرل بقدر ما توط ّد التواصل بُت البشر بقدر ما تراجع التفاىم بينهم (موراف.)2002 ،
لتبٍت ادلقاربة بالكفايات إال أف طريقة توطينها دل تكن ناجعة،
كعلى الرغم من أف السياؽ العاـ يف سياقاتو الثقافيّة كاالقتصاديّة كاف مناسبا ّ
استمرت التجزئة سائدة يف ادلمارسة اليوميّة ،حىت
ّ فلم يتم التعامل مع ادلواد الدراسيّة على ّأهنا عائبلت إال على ادلستول النظرم ،حيث
أف تلك ادلواد غدت جزرا منفصلة عن بعضها .كإذا ما أضفنا إذل ذلك غياب التمفصل بُت أنشطة البحث اجلامعيّة كبُت كاقع ادلدرسة
التونسيّة نقف على عنصر آخر مؤثّر سلبا يف أسلوب تبيئة ادلقاربة بالكفايات ،كعليو ال غرابة أف كانت حصيلة تلك ادلقاربة زلدكدة فقد
تضمن الكتاب األبيض (كزارة الًتبية )2016 ،ربديدا لنقاط ضعف ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة كاليت ىي حصيلة اعتمادىا ادلضطرب على ّ
ادلقاربة بالكفايات ،كىذه النقاط ىي اآلتية:
-اتّساع ّ
اذلوة بُت ادلدرسة كزليطها االقتصادم.
-ىشاشة ادلدرسة كزليطها االقتصادم.
-ىشاشة ادلدرسة أماـ اجتياح ظواىر مستج ّدة كمشينة لفضا،اهتا.
-بركز احلاجة ادلتأ ّكدة إذل منواؿ جديد للحوكمة.
- 325
-
تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة :محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب
المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب)123 - 133( ،
______________________________________________________________________________________________________________
ييسر استيعاب عمليّة تغيَت ادلقاربات البيداغوجيّة كيبعد ادلمارسة الًتبويّة عن االنفعاالت اليت
كادلركنة يف التواصل مع اآلخر ،من شأنو أف ّ
كثَتا ما أعاقت توطُت ىذه ادلقاربة أك تلك فتصَت عاجزة عن مواجهة التحديات اليت تواجهها ادلنظومة الًتبويّة.
تتنزؿ فيو ،فعلى
دلكونات أؽلقاربة كفهما دقيقا للسياؽ الذم ّ يتطلّب توطُت مقاربة بيداغوجيّة يف ادلنظومة الًتبويّة التونسيّة رؤية شاملة ّ
التمسك اليوـ دبقاربة قائمة على احملتويات كادلضامُت ،على الرغم من أعلية ىذه األخَتة ،ألف ادلنطق الًتبوم اليوـ سبيل ادلثاؿ ال ؽلكن ّ
ينبٍت على خصوصيّة كىي ربقيق اجلودة ،كمن مث فطبيعة ادلقاربة البيداغوجية ينبغي أف تكوف منسجمة مع نوعيّة التح ّدم كمن مقومات
ربوؿ كبَت يف نوعيّة ادلمارسة الًتبويّة ،فإذ كنا "ربدثنا طويبلادلقوـ يشَت إذل ّ
التوجو إذل بنا ،الذات الفاعلة عند ادلتعلّم ،كىذا ّ
اجلودة اليوـ ّ
عن الوظائف االجتماعيّة للفرد ،فإنو غلب علينا اليوـ أف ربدث عن كظائف التنظيم االجتماعي يف خدمة الذات الفاعلة للفرد ،أك اليت
تكوف خطرا عليها" ) ،(Touraine, A, 2007, 297كىو ما يعٍت التخلّي عن نظرة التمركز حوؿ الذات ،اليت جعلت الكثَتين
يطنبوف يف ادلقارنة بُت فًتات تعلّمهم كفًتات تعلّم أبنائهم ،كىي مقارنات غَت رلدية حبكم التغيَت الكبَت الذم عاشت على كقعو
ربوالت أكدت أف ادلدرسة ال تع ّد للحياة كإظلا ىي احلياة ذاهتا.
ؤسساهتا دبا فيها مؤسسة ادلدرسة ،كىي ّ اإلنسانيّة كم ّ
يستدعي توطُت ادلقاربات البيداغوجيّة اليوـ ،االقتناع بأف التعليم حق كأف "احلق يف الًتبية كالتعليم كالتكوين ،باألحرل ،ىو أب احلقوؽ
األخرل ،ألنو ال حياة ك ال ك رامة كال شغل كال عدؿ كال مساكاة كال غَتىا من تلك احلقوؽ ،إلنساف ال يعلم ،ماداـ جاىبل باألساس
لكل ما حولو" (الوكيلي ،ـ .)247 ،2012 ،كأف التمتّع هبذا احلق يقتضي إتاحة الفرصة الكافية لصاحب احلق دلمارستو ،كمن مث توفَت
الظركؼ ادلبلئمة لو حىت يتم ّكن من شلارسة حقو.
كلكن ترصبة ىذا الوعي إذل كاقع ،يقتضي تنزيل ادلقاربة البيداغوجية ضمن سياؽ شامل من خصائصو:
- 326
-
مجلد( 9عدد 2102/)2 ISSN 2170-0370 مجلة الباحث في العلوم االنسانية و االجتماعية
لنجاعتها .كمن مث يكوف على ادلعنيُت باإلصبلح الًتبوم القادـ يف تونس التفكَت يف ادلناخ العاـ ادلبلئم لنجاعة ادلقاربة البيداغوجية قبل
التفكَت يف تغيَت مقاربة بأخرل.
المراجع:
.1باللّغة العربيّة
اسليمانيالعريب ()2005؛ التواصل الًتبوم :مدخل جلودة الًتبية كالتعليم ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضا.،
بلخَتم سليمة( )2000؛ ادلقاربة بالكفايات كادلقاربة بالتمثّبلت يف التعليم ،رللة العلوـ االجتماعية كاإلنسانية ،العدد السادس.
بوبكرؽلحمد ()2000؛ ادلدرسة كإشكالية ادلعٌت ،دار الثقافة ،الدار البيضا.،
التيمومي اذلادم ()2016؛ تعليم اجلهل يف عصر العودلة كاإلصبلح الًتبوم بتونس ،دار زلمد علي احلامي صفاقس.
الدرغلمحمد؛ ادلعايَت يف التعليم :ظلاذج كذبارب لضماف جودة التعليم ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضا،
اخلطايب عزالدين ()2010؛ األطر ادلرجعية للمقاربات البيداغوجية ،دفاتر الًتبية كالتكوين ،عدد 2مام .2010
اخلمسي عبد اللطيف ( )2010؛ تغيَت ادلقاربات البيداغوجية كذبديد ادلمارسة الًتبويّة ،دفاتر الًتبية كالتكوين ،العدد ،2مام .2010
ساسي نورالدين ك النيفر مصطفى ()2014؛ سياسات تكوين ادلعلّمُت كتعيينهم "احلالة التونسية" ،ادلنظمة العربية للًتبية كالثقافة كالعلوـ ،تونس.
سعداهلل ،سعد اهلل؛(( /) 2013صبع كمراجعة)؛ الثورة كادلسألة الًتبوية :إشكاليات كبدائل ،أعماؿ ندكة منتدل الفارايب للدراسات كالبدائل12-11-10 ،
مام ،2013منشورات منتدل الفارايب للدراسات كالبدائل ،صفاقس.
شرقي زلمد؛ مقاربات بيداغوجية ( :)2010من تفكَت التعلّم إذل تعلّم التفكَت :دراسة سوسيو-بيداغوجيّة ،أفريقيا الشرؽ ،الدار البيضا.،
التصورات ادلرتبطة بادلمارسات البيداغوجيّة كباذلويّة ادلهنيّة ،مركز النشر اجلامعي ،تونس.
كتطور ّ
ادلستمر للمدرسُت ّ
ّ الظاىرم نور الدين ()2016؛ التكوين
لعبلكم عماد ( )2012؛ مفهوـ العمل لدل العماؿ كعبلقتو بدافعيتهم يف العمل الصناعي من خبلؿ إشباع احلوافز ادلادية ،دراسة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه
يف علم النفس كعلوـ الًتبية ،زبصص علم النفس العمل كالتنظيم ،جامعة اإلخوة منتورم ،قسنطينة ،السنة اجلامعية .2012-2011
فاربي زلمد ()2012؛ الًتبية على قيم ادلواطنة كالسلوؾ ادلدين :ادلفعوؿ الفردم كادلسؤكلية ادلشًتكة ،عادل الًتبية عدد21
رلاىد عبد اهلل () 2011؛ الكفايات كالًتبية على القيم كاالختيار مفاىيمها كمرجعياهتا يف ادلنهاج الًتبوم من خبلؿ ادليثاؽ الوطٍت للًتبية كالتكوين ،كالكتاب
األبيض ،رللّة علوـ الًتبية ،العدد السابع كاألربعوف-مارس .2011
منصف عبد احلق ()2007؛ رىانات البيداغوجيا ادلعاصرة :دراسة يف قضايا التعلّم كالثقافة ادلدرسيّة ،افريقيا الشرؽ ،الدار البيضا.،
مورانإدغار () 2002؛ تربية ادلستقبل :ادلعارؼ السبع الضركرية لًتبية ادلستقبل ،ترصبة عزيز لزرؽ كمنَت احلجوجي ،منشورات توبقاؿ -منشورات اليونسكو ،الدار
البيضا -،باريس.
النقيب خلدكف حسن ()1997؛ يف البد ،كاف الصراع !جدؿ الدين كاالثنية ،األمة كالطبقة عند العرب ،دار الساقي ،بَتكت.
ىويدم عبد الباسط ()2015؛زلاكر التجديد يف اسًتاتيجيّة التدريس عن طريق الكفا،ات ،رللة الدراسات كالبحوث االجتماعيّة العدد ،12سبتمرب 2015
كزارة الًتبية كالتكوين-تونس ،ضلو رلتمع ادلعرفة :اإلصبلح الًتبوم اجلديد :اخلطة التنفيذية دلدرسة الغد( 2007-2002جواف .)2002
- 327
-
محبولة في فهم أسس التبيئة ومعيقبتهب:تجديد المقبرببت البيداغىجية في المنظىمبت التربىيّة المغبربيّة
)123 - 133( ،المنظىمة التربىيّة التىنسيّة نمىذجب
______________________________________________________________________________________________________________
2012 /21 عادل الًتبية عدد،)؛ ادلدرسة كمنظومة القيم الكونيّة2012(الوكيلي زلمد عزيز
باريس، ضلو صاحل مشًتؾ عادلي؟ اليونسكو:)؛ إعادة التفكَت يف الًتبية ك التعليم2015( اليونسكو
باللّغة الفرنسيّة.2
Abdennanbi.A (1993) ; Pour un système éducatif efficient, Cérès productions, Tunis.
Ait Amar Meziane.O ;(2014) « De la pédagogie par objectifs à l’approche par compétences :
migration de la notion de compétence », Synergies Chine n°9, 2014
Bahloul. M (2005); L’école et la violence, CAEU Med Ali Sfax.
Bahloul.M (2010) ; Besoin de soumettre et désir d’enseigner, CAEU Med Ali, Sfax.
Perrenoud. Ph (1997); Construire des compétences dès l’école, ESF éditeur, Sciences humaines,
Paris.
Perrenoud. Ph (1998); Construire des compétences, est-ce tourner le dos aux savoirs, Pédagogie
collégiale, vol 12, n°3, 1998
Touraine .A (1997) ; Pourrons-Nous vivre ensemble égaux et différents ?, Fayard, Paris.
Touraine. A (2007) ; Penser autrement, Fayard, Paris.
- 328
-