Professional Documents
Culture Documents
العلاقات الدولية C-D
العلاقات الدولية C-D
الموسم الجامعي2023-2022
مقدمة:
تعد العالقات الدولية فرع من فروع العلوم السياسية ،التي تعد بدورها تابعة للعلوم
االجتماعية والتي يحكمها مبدأ قانون النسبية ،فقواعده و أصوله ال تخضع إلى المطلق ،
فال توجد حقيقة مطلقة مسلم بها ،وتعنى العالقات الدولية ،من ناحية داللة المصطلح بدراسة
العالقات بين مختلف الوحدات المكونة للبيئة الدولية و كيفيات تأثير تفاعالتها الصراعية
والتعاونية ،على اعتبار أن عالقات التواصل المستمر ،في حقيقتها لم يطبعها التساكن
والتظافر بين المجتمعات البشرية فحسب ،ابل طالما عرفت التنازع والتصارع باستمرار
وبأحجام مختلفة ،وفي أماكن متعددة ،تبعا للظروف ومتغيراتها التي ال تستقر على حال،
ضمن حركة التطور والتحول ،ونتيجة مقتضيات المصالح والقيم ،في صيرورة بشرية تطبعها
هذه التفاعالت تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على توجهات الكبرى للسياسة
الدولية ،وكذا على اختيارات كل من وحداتها السياسية ذات سيادة ،وباقي الوحدات
ويعمل علم العالقات الدولية على تفسير تلك الحركيات الدولية عبر االعتماد على
األطر النظرية للعالقات الدولية وصالتها بالعلوم السياسية ،الجغرافيا ،والتاريخ ،واالقتصاد،
2
وسنحاول اإلجابة من خالل محاور مادة مدخل للعالقات الدولية ،على مجموعة من
التساؤالت التي تؤطر حقل العالقات الدولية ،وتفرض نفسها على الباحثين في هذا المجال،
❑ ضبط ماهية العالقات الدولية تطورها ،وتمييزها عن بعض المفاهيم المركزية ذات
❑ التمكين من المعرفة العامة ألبرز المدارس والنظريات التي تساعد على فهم
3
المحور األول :مدخل تمهيدي
لم تعد العالقات الدولية موضوعا لفئة قليلة من الناس ،بل انها ظاهرة واسعة ومعقدة
ذات آثار متعددة الجوانب على الجميـع تقريبـاً .واذا كـان المختصون في العالقات الدولية
ينظرون الى حقلهم بوصفه حقالً أكاديميـاً ،فأن المواطن العادي اصبح مرتبطا به بشكل أكثر
الن اال حداث الدولية تؤثر على حياة الناس بصورة عامة .خاصة بعد التطور واالنتشار
الواسع لوسائل االعالم السمعية البصرية وكذا وسائل التواصل االجتماعي .
ما هي أوجه التشابه واالختالف بين العالقات الدول ية وبعض المفاهيم ذات الصلة؟ -
إن التعريف بالعالقات الدولية وماهيتها ليس مسـألة سـهلة كما يتصورها البعض ،بل
هي في غاية الصعوبة والتعقيد ،وعلى الـرغم من الجهود الكبيرة المبذولة منذ عـام 1648
عنـدما انبثـق نظـام الـدول القوميـة الحـديث إلـى حيـز الواقـع ،اثـر التوقيـع علـى معاهـدة
وسـتفاليا الشـهيرة وحتـى يومنـا هـذا ،يصـعب علـى الدارسـين والبـاحثين إعطـاء تعريف جامع
4
ومع تطور الدراسات المتخصصة في العالقات الدولية ظهر سيل من التعريفات مما
يجعل مهمة الباحث عسيرة في تناولها ،وترتيبها ،والكشف عن المعايير التي استخدمت في
الدولة هي الطرف الوحيد :هناك عدد كبير من الباحثين يرون بأن الدولة هي -
الطرف الوحيد في العالقات الدولية ،وأن الفاعلين اآلخرين ال يمثلون إال كيانات تترجم إرادة
الدولة .ويقدم" ريمون آرون "تعريفا للعالقات الدولية يعتبر إنها تمثل العالقات بين الوحدات
أما" كوينسي رايت "فيعرفها بأنها" العالقات القائمة ما بين مجموعات سياسية ذات
سلطة ،مع التشديد على مكانة الدولة القومية )بينما يرى في موضع أخر بأنها عالقات
شاملة تشمل مختلف الجماعات في العالقات الدولية سواء كانت عالقات رسمية أم كانت
غير رسمية ،بينما يؤكد"هنري مورجينثاو "على أن جوهر العالقات الدولية هي السياسة
الدولية التي مادتها األساسية الصراع من أجل القوة بين الدول ذات السيادة .وفي هذا السياق
مثال يركـز "فيرالي" Virallyعلـى أن العالقات الدولية تعالج العالقات بين الدول فقط،
ويعرفها بالعالقات التـي تربط بين السلطات السياسية التي تحاول التهرب من سلطة سياسية
أعلى منها.
5
األفراد كوحدة للتحليل :بمقابل الرأي السابق ،هناك من الباحثين الذين وسعوا -
دائرة األطراف في العالقات الدولية .على سبيل المثال " نيكوالس سبيكمان " ،عرف
العالقات الدولية بأنها" العالقات بين أفراد ينتمون لدول مختلفة ،والسلوك الدولي هو السلوك
ينتمون إلى دول أخرى .ويعرف "رينولدز" Reynoldsالعالقات الدولية بأنهـا "تعنـي بد ارسـة
طبيعة وتصريف آثار عالقات بين أفراد أو جماعات يعملون في مسرح ذي خصوصية
تسوده الفوضى".
في هذا اإلطار تعتبر االتصاالت بين األفراد عبر الحدود من بين ما يمكن وصفه
بالعالقات الدولية ،فاألفراد الذين يسافرون عبر الحدود ،والتجارة التي تنقل من دولة إلى
أخرى ،والبعثات التي يتم تبادلها ،والمنظمات التي ترعى تلك العالقات سواء كانت حكومية
العالقـات الدوليـة كنظـام أو منظومة أو نسق هنالك بعض التعريفات التي تنظر -
إلى العالقات الدولية كنسق ،وهذه النظرة برأيهم تساعد على بلورة رؤيـة شاملة للعالقات
الدولية ،وذلك بتنظيم الوقائع واألحداث والربط بينها .هذا المفهوم أستعير أساسا من علوم
الطبيعية ،ومن أوائل الذين عرفوا النظام "برتاالنفي" Bertalanffyالذي يقول إن النظام هو
"مجموعـة مـن العناصر ذات التبعية المتبادلة أي المرتبطة فيما بينها بشكل يؤدي تغييـر
6
وعلى العموم إن التعريف بالعالقات الدولية وماهيتها ليس مسألة سهلة ،كما يتصورها
البعض بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد فإذا كان مصطلح العالقات الدولية يتضمن
اإلشارة إلى العالقات بين الدول فقط ،فانه في الواقع أوسع مدى من ذلك بكثير ،ذلك أن
المقصود من المصطلح هو رصد كافة االتصاالت بين الدول والحركات الوطنية وحركات
وبالتالي فان العالقات الدولية تعكس كافة صور المبادالت التي تجري بين األطراف
المختلفة عبر الحدود ،وفي نفي السياق يتجه تعريف كالفي هولتسي فيذهب إلى أن
العالقات الدولية تنشأ داخل كل مجموعة من كيانات سياسية ،قبائل ،دول ،مدن ،أمم ،
إمبراطوريات ،تربط بينها تفاعالت تتميز بقدر كبير من التواتر ووفق من االنتظام ،في حين
يرى "مارتن غريفيش" بأنها :مجموعة المبادالت التي تعبر الحدود أو تحاول عبورها.
وفي ظل هذا الجدل ،حول االستعمال الضيق أو الواسع لمصطلح العالقات الدولية،
فإن االتجاه العام في األوساط األكاديمية يميل إلى المعنى الواسع للمصطلح ،ومزية ذلك أنه
يفتح أمام المعرفة العلمية إمكانات هائلة للبحث بتوسع االمتداد التاريخي و المجالي الذي
تغطيه الظاهرة.
هناك خالف بين الباحثين حول ماهية العالقات الدولية ،هل إنها تحصر موضوعاتها
في النشاطات السياسية ،أو تتخطاها إلى نشاطات أخرى ،في عصر أصبحت الشركات
7
والمنظمات الدولية والتبادل الثقافي واالجتماعي تتخطى حدود الدول وتؤثر على السياسة
وتتأثر بها .وعلى أساس العالقات السياسية يعرف" محمد سامي عبد الحميد "العالقات
الدولية بأنها" كل عالقة ذات طبيعة سياسية أو من شأنها إحداث انعكاسات ،أو آثار سياسية
وبالمقابل هناك من يركز على المفهوم الواسع للعالقات الدولية ،فمثال يعرفها " بطرس
غالي فيقول" إننا نفضل عدم وصف العالقات الدولية بأنها سياسية ،ألنه إذ كان الجانب
السياسي هو الغالب فيها ،فإن لبعض العناصر األخرى من ثقافية واقتصادية واجتماعية ال
يقل عن أثر السياسية .ويرى" فردريك هارتمان" ،أن مصطلح العالقات الدولية يشمل كل
االتصاالت بين الدول وكل حركات الشعوب والسلع واألفكار عبر الحدود الوطنية.
العنصر الذي يجمع بين مختلف التعريفات التي تعتمد على الهدف من دراسة
العالقات الدولية ،هو التركيز على أهمية دراسة العالقات الدولية في ترسيخ الفهم وترشيد
التعامل مع التفاعالت الدولية .وفي هذا السياق يعرف" جون بورتون" العالقات الدولية
بأنها:علم يهتم بالمالحظة والتحليل والتنظير من أجل التفسير والتنبؤ ،بما يؤدي إلى حل
المشكالت الدولية ،والمساهمة في تطوير العالقات بين الدول ،وتحقيق نتائج أفضل
لالستقرار والسالم.
8
وفي نفس السياق يحدد" محمد طه بدوي "هدف العالقات الدولية في" التحليل
الموضوعي ألحداث الواقع الدولي لكونه يرتكز إلى الواقع المحسوس" ،وذلك بعكس ما تقوم
به النظريات الفلسفية التي ترتكز على بديهيات أو مسلمات ال تحقق تجريبيا ،فيقدم لها
تعريفا علميا ويعرفها بأنها" العلم الذي يعنى بواقع العالقات الدولية واستقرائها بالمالحظة
ويرى "فردريك دون" Dunn Fredrickإن هدف العالقات الدوليـة هـو السعي للحصول
على معرفة عامة حول السياسـة .وتشـتمل العالقـات الدولية على وسائل وطرائق تحليل
االفتراضات والوقائع السياسـية عـن طريق إجراء االستنباط وتصنيف األهداف القيمية واختبار
البدائل وبيـان نتائجها المحتملة واختبار الطريقة األكثر مالئمة للوصـول إلـى الغايـة
المطلوبة.
إذا كانت العالقات الدولية كظاهرة إنسانية قد وجدت مع ظهور المجتمع البشري وتابعت
تطورها بشكل فعلي وبخاصة منذ ظهور الدولة الحديثة ،إال أن ظهور العالقات الدولية
كمجال بحثي وحقل دراسي قد تأخر إلى بدايات القرن العشرين .لذلك فإن البحث في نشأة
العالقات الدولية يقتضي التمييز بين اعتبارها ظاهرة تاريخية ،وحقل معرفي.
- 1محمد طه بدوي :مدخل إلى علم العالقات الدولية ،دار النهضة العربية ،بيروت ،1978ص 73
9
العالقات الدولية كظاهرة تاريخية
قد يكون من الصعب ،إن لم يكن من المستحيل ،تحديد تاريخ ظهور العالقات الدولية تحديدا
دقيقا .فالتمييز بين الحرب والسالم يبدو مرتبط بتكون المجتمعات المنظمة غير إن مستوى
لقد نشأت العالقات بين الكيانات المختلفة والقوى المتباينة منذ نشوء الجماعات
البشرية ،ثم قامت القبائل وتطورت وعرفت الحرب والسلم والتجارة وأنماط من التعاون
والصراع ،ومن هنا يمكننا القول بأن تاريخ تلك العالقات قديم منذ خلق اإلنسان واستخالفه
على األرض .ولكن وعلى الرغم من ذلك فان العالقات بين الدول القومية ذات السيادة تشكل
وبنوع من االختصار سنحاول تقسيم تطور العالقات الدولية الى مرحلتين :العالقات الدولية
لقد ذكرنا أن العالقـات الدوليـة قديمـة قـدم اإلنسـانية ،غير أن هـذه العالقات كانت قائمة
في الغالب على الحروب والفتح والتوسع ،ومن هذا المنطلق وفي سياق المعرفة التاريخية
المسجلة ،يمكن الحديث عن بعض العالقات بين الشعوب في الحضارات القديمة ،التي
سادت ثم بادت في هذا المضمار ،فنذكر على سبيل المثال ال الحصر ،حضارة اآلشوريين،
البابليين ،والفينيقيين ،والفرس واإلغريق الفراعنة ،العبريين ،والهنود الضاربة في القدم ،والتي
10
تدل داللة قاطعة على قواعد التعامل وربط الصالت من خالل القوانين الوضعية لحمورابي
الطر ًق السلمية عن طريق المفاوضات وعقد االتفاقيات ،وأدى ذلك إلى ظهور بعض القواعد
تمثلت في أن إرسال البعثات في هذه المرحلة اقتصر على القيام بالتباحث حول أمور
المصاهرة والزواج 2بين القبائل ،أما القبائل القريبة فكانت الدعوة إلى عقد اجتماعات عامة
بهدف التباحث حول عدة شؤون منها :الصيد ،ممارسة الشعائر الدينية ،األعياد.
ففي العصور القديمة وبالذات في عهد الفراعنة ،كانت مصر الفرعونية ذات عالقات
بالدول المجاورة ،3كما اتبعت سياسية خارجية قائمة على مبدأ توازن القوى .واستطاعت
أن تبرم معاهدة مع الحبشيين التي تضمنت مبدأ السالم الدائم ومبدأ التحالف الدفاعي بين
فيما العالقات بـين المـدن اليونانيـة اتصـفت بنـوع مـن الثبـات والنظام وخاصة في أوقات
السلم حيث كانت قائمة على التعاهد وتبادل البعثات الدبلوماسية المؤقتة ،وكانت كلما تحدث
الخالفـات فيمـا بيـنهم ،يلجــأون إلــى التحكــيم كمــا جــاء فــي ( عقد معاهدة سالم نيكياس بين
اثينا وأسبرطة 421ق م) ،ومعاهدات عديدة والتي كانت تبرم في األساس إلقامة األحالف
- 2عرفت شعوب شمال إفريقيا عالقات متنوعة قد وصلت إلى درجة المصاهرة كالذي حدث بين مصر الفرعونية
والمغرب عندما تزوج الملك المغربي يوبا الثاني من ابنة كليوباطرة بمصر (حكم المغرب ما بين 25ق.م إلى سنة 33م)
- 3قد خص القران الكريم مصر بالذكر أو باإلشارة في مواطن كثيرة ،فتارةً في قصة موسى عليه السالم مع الفرعون،
ض" ،وهذه اآلية تحمل أكثر من دالالت وأمارات وأخرى في قصة يوسف علية السالم قال " :اجْ عَ ْلنِي َ
علَى خَزَ ائ ِِن ْاْلَرْ ِ
ظاهرة لوصف حال وشؤون ذاك الزمان،
11
العسكرية التي تقودها دويلة قوية تملي إرادتها وتضم تحت جناحها بعض الدويالت األقل
قوة ،مثل حلف" أسبارطة "الذي أبرمت معاهدته بين القرنين السابع والسادس قبل الميالد.
بعد اإلغريق ظهر العهد الروماني ،حيث تأثرت خاللها اإلمبراطورية الرومانية بالتراث
الموروث عن الحضارات القديمة واإلغريق على الخصوص ،فيما يتعلق باعتماد المعاهدات
والتحكيم في العالقات الخارجية ،.غير أن هذه الخصائص ما لبثت ان تالشت ،فظهر نتيجة
لذلك تحول في السلوك السياسي الخارجي حيث تنكر الرومان لألخالقيات والقيم المتعارف
أما في العصور الوسطى التي تبدأ من الحقبة التاريخية التي امتدت قرونا منذ تاريخ
سقوط روما في يد الجرمان سنة 476م إلى تاريخ سقوط بيزنطة في يد العثمانيين سنة
1953م.
منذ سقوط اإلمبراطورية الرومانية الغربية سنة 476م ،ولقد تميز البناء السياسي في
ذلك الوقت بسيادة النظام اإلقطاعي الذي اتسم بتجزئة السلطة السياسية بين أشكال مختلفة
تابعة بعضها البعض ،بروابط شخصية .حيث لم تكن هناك حكومة مركزية تستطيع أن
وال احد ينكر دور الدين في هذه الفترة في ربط جميع الوحدات السياسية المختلفة في
وحدة سياسية واحدة ،من خالل هيمنة الكنيسة على السلطتين الروحية والزمنية .
12
وقد كان لظهور اإلسالم عالمي النزعة ،وانتشره بسرعة عن طريق الدعوة واعتناق شعوب
لإلسالم ،دور كبير في تطور العالقات الدولية ،حيث كانت الدبلوماسية تخضع لقواعد دقيقة
في توثيق العالقات الثقافية والتجارية ،وعقد وتنظيم في أصول واضحة ،واستخدمت
المسلمون عددا كثي ار من معاهدات واتفاقيات حسن الجوار والصداقة والتحالف ،وميز الفقهاء
في هذا اإلطار بين دار اإلسالم التي اصطلحوا على إطالقها على الدولة أو الدول
اإلسالمية ودار الحرب التي يعني بها الدول التي يدين أهلها بتعاليم مخالفة لألحكام اإلسالم.
وقد خلق قيام الدولة اإلسالمية اهتمامات جديدة سياسية واجتماعية ودينية ،حيث أخذت
العالقات الدولية مظه ار جديدا بهدف نشر رسالة االسالم .حيث أنه منذ عهد النبي صلى للا
عليه وسلم نظم المسلمو ًن عالقاتهم مع غيرهم من األمم والشعوب والقبائل ،سواء في حال
السلم أو الحرب تنظيما رائدا رعي فيه ما كان مألوفا من قيم العالقات الدولية والتي ال
تتعارض ومفاهيم الدين الجديد ،مع إضافة بعض القيم التي كان يفتقدها عرف العالقات
الدولية الذي كان سائدا آنذاك ،فقد مارس المسلمو ًن الدبلوماسية ،بالمعنى والمضمو ًن من
خالل المفاوضات وإبرام المعاهدات وتبادل المصالح ،وما اتسمت به هذه العالقات من فن
- 4فتاريخ الدعوة اإلسالمية وأسلوبها التي قامت عليه من عصر صاحب الرسالة محمد صلى هللا عليه وسلم ،لم يخرج على الخط الذي حدد
سيرتها قوله تعالى لنبيه الكريم " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" سورة النحل االية .125
13
✓ العالقات الدولية في العصر الحديث
مع بداية انهيار نظـام اإلقطـاع واقتـراب العصـور الوسـطى فـي أوربــا مــن نهايتهــا ،بــدأ
ظهــور الــدول القوميــة الحديثــة التــي تميــزت باالستقالل في مباشرة سلطتها على إقليمها
وعلى السكان المسـتقرين في نطاق هذا اإلقليم .إن هذا التحول برمته أدى وألول مرة إلـى
ظهـور أولــى الــدول القوميــة كــانجلترا ،فرنســا ،اســبانيا ،البرتغــال ،وهذه الحقيقة التاريخية هي
التي هيأت األساس نحو قيام النظام الدولي األوروبي ،وكانت الدول القومية هي وحدة
التعامل الدولي األساسية فيه ،وكانت العالقات تتم على المستوى الرسمي بين الحكومات،
وتمثلت العناصر الرئيسية لهذا النظام في :مبدأ السيادة القومية ،ومبدأ عدم التدخل في
وذلك الن هذا المؤتمر بالنسبة ألوروبا والغرب عموما بمثابة نقطة االنطالق في تنظيم
العالقات الدولية على أسس جديدة واضحة المعالم وساهمت هذه المعاهدة في :
14
❖ تعـد فاتحـة لمـا سـمي فيمـا بعـد "دبلوماسـية المـؤتمرات" التـي اتخذت صورة مقابالت
بـين الملـوك واألمـراء لتبـادل وجهـات النظـر ,فصلح وستفاليا كان نتيجة ألول اجتماع عقد
❖ أقرت مبدأ المسـاواة بـين الـدول دون النظـر إلـى ن ظمهـا الداخليـة ,نظمها الدينيـة
فكانـت هـذه المعاهـدة بمثابـة الخطـوة األولـى نحـو تثبيت علمانية العالقات السياسية الدولية .
أقــرت نظــام إحــالل البعثــات الدبلوماســية الدائمــة محــل البعثــات الدبلوماسية المؤقتة ❖
وهذا القـرار أدى فيمـا بعـد الـى إقـرار القواعـد الدبلوماسية المتمثلة بالحصانات واالمتيازات
أقرت فكرة توازن القوى بـين دول أوروبـا باعتبارهـا وسـيلة لصـيانة السالم من خالل ❖
ردع الدولة التـي تسـعى إلـى التوسـع علـى حسـاب دول أخرى ,والحيلولة دون هـذا التوسـع
وقد اسـتقر الحـال فـي أوروبـا علـى هـذا الوضـع إلـى أن حاولـت فرنسـا توسيع ممتلكاتها
علـى حسـاب الـدول المجـاورة لهـا ،دون م ارعـاة لمبـدأ التوازن الذي اقر في مؤتمر وستفاليا،
فبدأت حقبة يمكن ان نصطلح عليها عهد المؤتمرات ،فبعد أن تحالفت الدول ضـد فرنسـا
واشتبكت معها في حـرب طويلـة انتهـت بتوقيـع معاهـدة اوترخـت عـام ، 1713التي أنهت
سلسلة الحروب التي قادتها فرنسا لتوسيع مملكتها على حساب جيرانها دو ًن مراعاة فكرة
والتي أعيد بمقتضاها تنظيم أوروبـا علـى أسـاس فكـرة تـوازن القوى، التوازًن الدولي،
15
ومؤتمرات الهاي للسالم ،1907-1899الذي يعتبر أول جمعية عمومية لبحث مسائل
التعاون الدولي ،ومن مخرجاته ا النظر في وجوب تطوير وتدوين القانون الدولي ،ومحاولة
إرساء آلية لفض النزاعات الدولية ،وإقرار مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية عن طريق
ويعتبر مؤتمر فيينا الذي عقد في مارس سنة 1815إلعادة تنظيم العالقات السياسية
باجتماع ما يقارب الخمسين ملكا وأمي ار وحوالي تسعين وفدا تم عقد أول مؤتمر بعد
مؤتمر وستفاليا من اجل إيجاد السبل لعقد سالم دائم بين الدول األروبية ،ال سيما بعد
حروب نابليون ،وقد نتج عن هذا المؤتمر عدة ق اررات ومبادىء اعتبرت بمثابة قواعد ثابتة
مع كل ذلك واجه نظام توازن القوى تحديات صعبة ،وبلغت التناقضات بين الدول
األوروبية ذروتها مع مطلع القرن العشرين ،وانهار سنة 1914باندالع الحرب العالمية
األولى.
الدول الخمس
ً انتهت الحرب العالمية األولى بفرض خمس معاهدات للصلح على
المنهزمة ،وشكل الحلفاء بعد نهاية مؤتمر فرساي لعام 1919مجالس عليا للحلفاء ،وبنفس
16
تحول بارزة
ً اتجاه عالمي وذات طابع سياسي هي منظمة "عصبة األمم" ،يعد إنشاؤها نقطة
وبعد فشل عصبة األمم في تحقيق أهدافها ،ظهرت منظمة األمم المتحدة وعملت على
االهتمام بتقنين وتنظيم قواعد العالقات الدبلوماسية ،ونجحت في تحضير وإقرار أكثر من ،
وهي اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ، 1961اتفاقية تهتم بالعمل الدبلوماسي ككل
واتفاقية فيينا للعالقات القنصلية لسنة ، 1963واتفاقية البعثات الخاصة لسنة ، 1969
وبتأسيس األمم المتحدة تكون العالقات السياسية الدولية قد أخذت منحى جديدا قائما
على أساس نبذ القوة وعدم استخدامها أو التلـويح بهـا فـي العالقات الدولية .إال أن كثي ار من
المبادئ والق اررات لم تترجم إلى الواقع العملي .وهكذا لم تستطع أن تقوم بأداء دورها المنطلـق
ومن خالل هذا المعطى السابق يمكن أن نلخص أبرز مالمح العالقات الدولية ،والتي
تمر بحالة مـن السـيولة والغمـوض ،وت ازيـد التناقضات في المجتمع الدولي بين االتجاه إلى
العولمة والتكامـل ،وبـين ظواهر التفتيت والتشرذم ،وتراجع األهمية النسبية لعوامل القوة
العسكرية في مقابل القوة الشاملة للدولـة ،وتنـامي أهميـة العامـل االقتصـادي والتكنولوجي،
وزيادة ظاهرة االعتماد االقتصادي المتبادل بـين الـدول ،وانسحاب المفهوم التقليدي للسيادة
17
القومية المطلقة للدولة ،وبـروز قـيم سياسية واجتماعية كالديمقراطية وحقـوق اإلنسـان والبيئـة
والمجتمـع المدني..
كانت المعرفة االجتماعية تاريخيا واحدة وغير مجزاة .ولكن مع تزايد نمو وتشعب
المعرفة حيث حصل تطور في ميادين وشؤون معينة أكثر من ميادين أخرى ،أخذت
المعرفة تنقسم إلى فروع مختلفة .ففي القرن الثامن عشر صار هناك تمايز مثال بين الفلسفة
الطبيعية والفلسفة األخالقية ،ثم تحولت التسميات إلى العلوم الطبيعية والعلوم األخالقية ،وفي
القرن التاسع عشر ونتيجة لتأثير كتابات "سان سيمون" و"أوجست كونت" التي ركزت على
العالقات اإلنسانية في المجتمع صارت العلوم األخالقية تعرف بالعلوم االجتماعية .وفي
سياق هذه التطورات تعود نشأة العالقات الدولية كفرع دراسي إلى أوائل القرن العشرين.
ومع نشوب الحرب العالمية األولى والصدمة التي منيت بها المشاريع السابقة التي
كانت تعول عليها إلبعاد الدول األوروبية عن المجابهة الفعلية ،اتجهت األنظار إلى دراسة
العالقات الدولية من زاوية خاصة يمكن نعتها" بالبحث عن السلم هكذا فإن دراسة العالقات
الدولية بصورة منهجية وعلمية ،أصبحت مطلبا مهما بعد الحرب العالمية األولى،وقد تزامن
هذا المطلب مع رغبة توضيح الحياة الدولية بشفافية وعلمية ،والتخلص من الدبلوماسية
18
وتجدر اإلشارة إلى أن العامل األساسي لدراسة العالقات الدولية وارتقائها إلى حقل
معرفي قائم بذاته ،هو الخوف من عودة الحرب ،والبحث عن إجابة للتساؤالت التالية :
كيف يمكن تعريف العدوان وتجنب وقوعه ،كيف يمكن السيطرة على الصراعات والنزاعات
والتحكم بمجراها ،وأخي ار ما هو الدور الذي بإمكان المنظمات الدولية ومن واجبها القيام به.
يثير مفهوم العالقات الدولية ،العديد من اإلشكاليات النظرية والتحليلية ،باإلضافة إلى
تداخله مع العديد من المفاهيم األخرى التي تتشابه معه ،بل تستخدم كمترادفات أو كبدائل
للداللة على نفس الموضوع ،رغم ما بينها من خالفات واضحة ،وفي هذا الصدد ستتم
اإلشارة إلى بع ض تلك المفاهيم التي توحي في الوهلة األولى أنها تؤدي نفس المعنى ،لكنها
بالرغم وجود صلة وعالقة بينها وبين مفهوم العالقات الدولية،إال أن لكل منها مجال خاص
وميدان مستقل تتحرك فيه ،ويتعلق األمر بكل من السياسة الدولية ،النظام الدولي ،القانون
▪ السياسة الدولية
ينصب اهتمام السياسة الدولية على محاولة التعرف على الكيفية التي تتعامل بها الدولة،
مع السياسات الخارجية التي تنتهجها القوى واألطراف الفاعلة فى النظام الدولي ،وفى
طليعتها الدول ،سواء ما تعلق من ذلك بمواقف التعاون أو الصراع أو التعامل الروتيني
19
المنتظم من خالل قنوات االتصال والتنسيق والتشاور والتفاوض بالوسائل واألدوات
بعبارة اخرى إن السياسة الدولية هي حاصل تالقي السياسات الخارجية وتفاعالتها مع
بعض في المنظومة الدولية بشكل كامل وايضا تفاعالتها مع المنظمات الدولية ومع
الجماعات الدولية من غير الدول يعني ليس الدول وحسب وانما المنظمات والجمعيات
والجماعات الدولية كافة وان هذه التفاعالت تشمل جميع جوانب الحياة ليست السياسية
وحسب وانما االقتصادية واالجتماعية والعسكرية والثقافية ..الخ .وان السياسة الدولية تهتم
بالسياسات الخارجية لكل الدول وتربطها مع بعضها البعض اي ربط المنظومة الدولية
وليس هناك سوى خط رفيع من االختالف ب ين العالقات الدولية والسياسة الدولية .ومع ذلك،
تمضي العالقات الدولية بعدة خطوات ،على عكس السياسة الدولية ،حيث تحلل التفاعالت
بين الجهات الفاعلة في المسرح الدولي مع االهتمام بجداول أعمالها السياسية .لذلك،
العالقات الدولية لها مجال أوسع من السياسة الدولية .هذا هو الفرق بين العالقات الدولية
والسياسة الدولي.
20
▪ السياسة الخارجية:
السياسة الخارجية هي البرنامج الذي تختاره وحدة دولية ما من بين البدائل المتاحة
لتحقيق أهدافها على المستوى الدولي ،فالسياسة الخارجية والدبلوماسية مهما اال توأمان ال
ويعرف "مارسيل ميرل" السياسة الخارجية بأنها ":ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه
نحو الخارج ،وأية سياسة خارجية حينما تخرج وراء حدود الدولة فإنها تلتقي بغيرها من
السياسات الخارجية للدول ،ومجموع التفاعالت التي تجري في المسرح الدولي هي ليست
سياسية فقط ،وإنما هي أيضا تفاعالت تشمل الجوانب االقتصادية والعسكرية واالجتماعية
والثقافي ّة وغيرها من أنواع التفاعالت األخرى التي تكون في مجملها ظاهرة العالقات الدولية.
وعلى العموم فالسياسة الخارجية تشير إلى جميع اإلجراءات التي تتخذها الدولة فيما
يتعلق بالدول أو الهيئات الدولية األخرى .تختلف هذه اإلجراءات وفًقا لجدول األعمال
المشاركة في ا لهيئات والمؤسسات الدولية (مثل األمم المتحدة ،ومكتب العمل الدولي، -
التصديق على المعاهدات أو االتفاقيات الدولية (مثل االتفاق الدولي الخاص بالحقوق -
21
-تقديم الدعم العسكري والهيكلي والمالي للدول والجهات الفاعلة من غير الدول.
▪ الدبلوماسية
الدبلوماسية في معناها الشامل هي العملية الكاملة التي تقيم عبرها الدول عالقاتها
الخارجية ،إنها وسيلة الحلفاء للتعاون ،ووسيلة الخصوم لحل النزاعات دون اللجوء إلى القوة،
فالدول تتواصل وتساوم وتؤثر إحداها في األخرى وتحل خالفاتها بواسطة الدبلوماسية
وتتخذ تعريفا بسيطا باعتبارها "الطريقة التي تدار بها العالقات الدولية "ويعطي أحد
التعريفات أهمية خاصة للدبلوماسية ودورها فهي "خط الدفاع األول" ،وهي "الفن والعلم الذي
تحاول به الدولة تحقيق أهدافها في الس ياسة الخارجية وتفادي الصراع المسلح" ،وبهذا المعنى
يمكن القول "أن الدبلوماسية تنتهي حين تبدأ الحرب ،وتبدأ حيث تنتهي" وبهذا المعنى أيضا
فإن "الدبلوماسية واإلستراتيجية هما جوانب مكملة لهذه السياسة وهي فن إدارة العالقات مع
دول أخرى إلنماء المصلحة الوطنية" ،ويعرفها سير أرنست ستاتو بأنها "تطبيق الحيلة
إذن أمام شمولية مصطلح العالقات الدولية أصبح تعبير الدبلوماسية في
يومنا الحالي يشكل جزء منه والخاص باألداء الرئيسية لتنفيذ السياسة الخارجية
▪ القانون الدولي
22
ولكننا نستطيع أن نعرفه بأنه اختلف الفقهاء حول تعريف القانون الدولي العام
"مجموعة القواعد القانونية االتفاقية الصادرة نتيجة التراضي الصريح أو الضمني للدول،
والتي تنظم المجتمع الدولي وتكون ملزمة لجميع الدول في تصرفاتها على المستوى
ويختلف القانون الدولي عن الداخلي في أن األخير ذو طابع إقليمي حيث يطبق داخل
إقليم الدولة التي وضعته في حين أن القانون الدولي يطبق على المستوى الخارجي حيث
أما القانون الدولي الخاص فيحدد العالقات بين المواطنين من مختلف البلدان ،فمثالً
في حال تزوج رجل مغربي وامرأة فرنسية في فرنسا ويعيشان في كندا ،ففي حال رغبا في
الطالق ،فإن قواعد القانون الدولي الخاص ستحدد ما إذا كان عليهم الذهاب إلى محكمة
مغربية أو فرنسية أو محكمة كندا للحصول على الطالق ،وينطبق القانون الدولي الخاص
على األ عمال التجارية ،التي تقوم بها الشركات في دول اجنبية.
ال يجوز أبدا الخلط بين القانون الدولي والعالقات الدولية ،فالقانون الدولي
هو علم قوانين وليس علم وقائع ،ومهمة القانون هي تحديد القواعد المطبقة على
أطراف اللعبة الدولية وتفسيرها والتحقق من احترامها ،كما أن القانون الدولي يوجد
في بداية ونهاية العالقات الدولية ،فهو يأتي في البداية ألن قواعده تحدد الشروط
القانونية التي يجب أن تتم وفقا لها العالقات الدولية ،فهو يضع المبادئ والقواعد التي
23
تحدد ألطراف العالقات الدولية خطوط سيرها (مثال كيف تعقد المعاهدات -مبادئ
المساواة أو عدم التدخل ،)...كما أنه يأتي في نهاية العالقات الدولية ،وذلك ألنه في
إطار قانوني (يتمثل في اتفاق دولي أو قرار دولي) يتم إيجاد الحلول للمشاكل الدولية
في البداية نشير إلى أن مفھوم النظرية في العلوم االجتماعية بصفة عامة ،يحمل عدة
معاني ،فھو يعني من الناحية األولية مقترح تفسيري عام ،أو ھو نسق مترابط منطقيا من
المقترحات العامة واالفتراضات حول متغيرات معينة ،وعلى مستوى العالقات الدولية
فالنظرية ھي محاولة لتفسير األحداث على الساحة الدولية وفق منظور تفسيري معين يركز
على جملة من المعطيات والمتغيرات كمفاتيح لفھم وتفسير األوضاع وإمكانية التنبؤ
ھناك مجموعة من النظريات الكبرى في العالقات الدولية ،وتسمى ايضا البراديغمات أو
النظريات التأسيسية وھي تحدد المنظور األولي للطبيعة ومحتوى العالقات الدولية ،او أنھا
تحدد الصورة اإلدراكية للواقع ،حيث يختلف المنظور إلى الفاعل والبيئة والعملية في
العالقات الدولية بين ھذه النظريات الكبرى إنھا تكشف عن النقاشات الكبرى في العالقات
الدولية حول الطبيعة االبستيمولوجية لنظريات العالقات الدولية ،ووجود براديغمات متنافسة
24
شهدت العالقات الدولية في القرن العشرين تحوالت جذرية من حيـث نطاق تفاعالتها
وتنوع قضاياها ومشاكلها ،وبذلك ساعدت خبرة الماضـي وتجربة الواقع الحاضر على أن تبلغ
دراسة العالقات الدولية درجة مـن التعقيد والتشابك ،بحيث يمكن أن تتعدد وتتباين مناهج
واتجاهات وطرائق دراستها وفهمها .من هنا دخلت النظريات التي كانت سائدة بعـد انتهـاء
الحرب العالمية األولى ،م تمثلة في نظريتي الواقعية والمثالية ،في حـوار وجدال حول
أفضليتها في فهم وتفسير الواقع الدولي الجديد المتولـد مـن نتائج الحرب من جهة ،ومناقشة
موضوع الحرب واحتمـاالت تكرارهـا والسبل الكفيلة بعدم حدوثها مرة أخرى من جهة أخـرى.
سـميت تلـك الحوارات بـ"الحوار األول" في مجـال نظريـات العالقـات الدوليـة .واستمرت هذه
الحوارات فترة طويلة بين الحربين امتدت حسـب تعبيـر "إدوارد كار" لمدة عشرون عاما
من( (1939-1919ولم تحسمها إال قيـام الحرب العالمية الثانية التي أيدت أفضلية فرضيات
النظرية الواقعية فـي تفسير ذلك الواقع ،بغض النظر عن قبول ذلك أو رفضه من حيث
المبدأ.
انطالقا من ذلك اكتسبت العالقة بين نظرية الواقعية والعالقات الدولية متانة وتماسكا،
منذ أن ظهرت العالقات الدولية كمفهوم أو حقل أكـاديمي مستقل ،ورسخت تلك العالقة في
فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بحيث أصبحت الواقعية النموذج المعرفي أو النظرية
المسيطرة فـي الد ارسـات االنجلو أمريكية نظ ار إلمكانيتها في تفسير أسباب قيـام .ودامـت
هيمنـة الواقعية على فرضيات ومنطلقات البحث في حقـل نظريـات العالقـات الدولية أثناء فترة
25
الحرب الباردة بشكل كبير .وكانت كتابات المفكرين من أمثال "إدوارد كار" و"هانس
مورجينثاو" ،وأطروحات السياسيين من أمثال "جورج كينان" و"هينري كيسنجر" وغيرهم دو ار
مع انتشار الثورة السلوكية في العلوم االجتماعية ومحاولتهـا تطـوير مناهج هذه العلوم
أسوة بنظيراتها في مجال العلوم الت طبيقية والطبيعيـة ،شهد حقل العالقات الدولية حوا ار ثانيا
بين االتجاهين يركز األول علـى دور الفلسفة والتاريخ في بناء النظرية وفهم وتفسير
العالقـات الدوليـة ،وسمي باالتجاه التقليدي ،ويركز الثاني علـى دور المنـاهج المعاصـرة
والوسائل واألدوات الرياضية والكمية ف ي بناء النظرية وتفسير العالقـات الدولية ،وسمي
باالتجاه السلوكي أو العلمي .لكن مع بدايات السبعينات من القرن الماضي وتزايد االهتمام
بقضـايا االقتصاد السياسي الدولي ،ظهرت نظريات جديدة حاولت بعض منهـا أن تطور
فرضياتها انطالقا من التقاليد الليبرالية وأطروحتها بشأن التعـاون الدولي .والبعض االخر
حاول أن يستند إلى التقاليد الماركسية وأطروحتها بشأن اإلمبريالية والرأسمالية ،وواقع
الالمساواة في السياسة الدولية ،ليطور منها فرضيات لفهم وتفسير العالقات الدولية .هكذا
شهد الحقل الحوار بين النماذج المختلفة (الواقعية والليبرالية والراديكالية ).أثرت الحوارات التي
جرت في العلوم االجتماعية بين الحداثة ،وما بعد الحداثة أو على المستوى األبستمولوجي
بين الوضعية ،وما بعد الوضـعية على حقل نظريات العالقات الدولية ،فبرز مع نهايات
الثمانينات الحـوار الثالث في الحقل مرك از على دور الثقافة واألفكار والقيم والمعـايير فـي
26
مجال العالقات الدولية .فكان ظهور مدخل البناء االجتمـاعي والنظريـة النقدية والمدخل
النسوي بمثابة اتجاهات جديدة في الحقل وعلى العموم هناك نظريات عامة ونظريات جزئية
النظريات العامة كان هدفها فهم وتفسير أو نقد العالقات الدولية كظاهرة كلية o
التكامل،،نظريات الصراع).
نظريات جزئية الغرض منها فهم وتفسير جوانب جزئية ضمن ظاهرة العالقات o
االحتواء).
وسنقتصر على دراسة خمس نظريات أساسية كان لها تأثير مهم في فهم وتفسير الظاهرة
إن النظرية المثالية والتي ظھرت بعد الحرب العالمية األولى ،تمثل في الواقع مشروع
وتوجه قيمي نحو معالجة ظاھرة الحرب والوقاية من الحروب ،وترى أن السبيل إلى ذلك يتم
عبر تطوير القانون الدولي ،وإنشاء مؤسسات دولية فعالة وقوية .ومن أھدافھا من وراء
تطوير القانون الدولي وضع حد للدبلوماسية السرية التي يرى الليبراليون المثاليون أنھا من
27
العوامل التي تقف وراء الحروب ،ووضع حد لنظام توازن القوى وسياسات األحالف
فالمثالية هي كل تفكير مبني على تصور رغبوي أو تمنيات ذاتية تتغلب فيه النزعة
الفلسفية واألخالقية واإلنسانية ،وهو غير مؤسس على معطيات وحقائق واقعية رغم
أن التفكير المثالي يقوم على استخدام مقاييس الصواب والخطأ في إطار من القيم
األدبية واألخالقية التي تعكس األوضاع الحقيقية للمجتمع الدولي واالبتعاد به عن حالة
الفوضى و الصراع .أطلق على التيار المثالي وصفʺ الغائي والطوباويʺ ،فهو غائي
ألنه يريد تحقيق هدف معين ،وهو السالم .وانشغاله بهذا الهدف يفوق اهتمامه بفهم
الواقع.ووصفه بالطوباوي ألنه يهدف إلى تحقيق أهداف خيالية ،من خالل اهتمام المدرسة
المثالية بدراسة وتحليل الظواهر الدولية ليست كما هي موجودة في الواقع الدولي المعيش،
وإنما كما يجب أن تكون ،ويرد المثالي فشل الشعوب في العيش بسالم إلى انعدام التفاهم
إن المساهمة األكثر ديمومة للمثالين في تطوير حقل العالقات الدولية ،كانت فكرة
التخصص األكاديمي الذي أنشأ دراسة السياسة الدولية؛ إذ رأى المثاليون أن الجهل وعدم
التفاهم كانا مصدرين أساسيين للصراع الدولي .وال بد من فهم اإلجراءات الدولية بطريقة
28
أفضل إذا ما أريد الحدّ من اندالع الحروب .واعتقد المثاليون أنّ التقدم لن يكون ممكنا إالّ
المنطلقات الفكرية للمدرسة المثالية :تستمد المثالية أساس رؤيتها من األديان أ-
السماوية والفلسفات اإلنسانية التي تهتم بوضع الضوابط والمعايير األخالقية العامة للسلوك
اإلنساني .واألسس المرجعية للفكر المثالي في العالقات الدولية تعود إلى أكثر من منبع،
فهي تعود إلى حركة التنوير المتفائلة في القرن الثامن عشر ،كما تعود إلى ليبرالية القرن
كما ينطلق رواد المثالية من مرتكزات أساسية في تحليلهم للعالقات الدولية وهي:
اعتبار المصير اإلنساني في تطابق مع العقل والحكمة ،كما يقول" جيرمي بنتهام ، -
والذي يعرف الخير بأنهʺ إعطاء اكبر درجة من السيادة ألكبر عدد من الناس؛
الدعوة إلى إقامة نظم ديمقراطية ،وابرز من نادى بذلك" روسو " "وكانت" .الن -
29
-مبدأ المساواة بين األمم.
ب -أهداف المثالية :تهدف المدرسة المثالية إلى تحقيق كل ما هو أخالقي ينقل العالم
الحكومة العالمية :حيث تعتبرها المدرسة المثالية أنها النموذج العالمي للبنى -
تحقيق السالم الدائم ،وهو من اسمي األهداف التي دعا لها رواد المدرسة المثالية، -
وذلك انطالقا من طبيعة البشرية الخيرة والتعاونية ،وفكرة السالم الدائم ال تتوفر إال بوجود
لكن ،نقد الواقعيون طرح المثاليين ،وّ شككوا في مدى علمية المعرفة التي أنتجها
المثاليون .وقاموا بالتحديدّ بتحدي المقاربة المثالية غير النظامية والمستهدفة تعزيز القيم
في تخصص العالقات الدولية .وقام كل من إدوارد كار وهانس مورغنثاو باتهام المثاليين
كما هو بتركيزهم على العالم وما ينبغي أن يكون عليه ،مقارنة بالتعامل مع العالم
موضوعيا.
30
لقد تكونت المدرسة الواقعية بعد الحرب العالمية الثانية كرد فعل رئيسي على االتجاه
المثالي( ، )6فقد نشأت لتفسر وتحلل ما هو واقعي وكائن في العالقات الدولية ،وبالتحديد
ظاهرة القوة والحرب والصدامات ،ولم تهتم كما ذهبت إليه النظرية المثالية بطرح أفكار
تضم النظرية الواقعية عموماً عدة تي ارات مختلفة تختلف حول قضايا هامة إال أنها
تشترك في االفتراضات الرئيسية التي تميزها عن النظريات األخرى ،وهذا يعني أنها في
الحقيقة ال تشكل نظرية واحدة متجانسة كلياً ،بل على العكس من ذلك فقد تطورت النظرية
الواقعية لتشمل عدة أشكال من المداخل أو التيارات الفكرية داخل هذه النظرية وهي:
الواقعية الكالسيكية :سيتم تسليط الضوء على النظرية الواقعية التقليدية ،والتي أُدخلت
كاقتراب لدراسة العالقات الدولية بفضل" هانز مورجنثاو"( ،)7واستقرت هيمنة الواقعية
التقليدية لغاية العقد السابع من القرن العشرين حيث أحدث "كينيث والتز" شرخاً في واقعية
مورجنثاو.
- 6إن الرائدَين الفعليَّين للمدرسة الواقعية الحديثة في العالقات الدولية هما نيكولو مكيافيللي — مؤلف كتاب «اْلمير»
( — )1532وتوماس هوبز — مؤلف كتاب «اللوياثان» ( — )1651إذ افترض كِال هذين الفيلسوفين السياسيين أن
البشر تدفعهم باْلساس مصالحهم الذاتية وشهواتهم ،وأن أكثر تلك الشهوات تفشيًا وانطوا ًء على خطورة محتملة هي شهوة
السلطة
- 7اشتهر هانز مورجنثاو من خالل عمله الشهير "السياسة بين اْلمم" الذي أحدث ثورة في الدراسات اْلكاديمية
للسياسات الدولية
31
تنطلق الواقعية الكالسيكية من عدة مبادئ أهمها:
❑ طبيعة الصراع في العالقات الدولية هو صراع من أجل القوة ،8وهذا راجع أساسا لعدم
❑ الدولة تشكل وحدة متكاملة ،حيث يرون أن الدولة تتصرف وكأنها فاعل واحد على
الرغم من وجود العديد من مراكز القوى واتخاذ القرار داخل الدولة ،ويعنون بذلك أنه مهما
كان هناك تباين في وجهات النظر داخل الدولة ،إال أنه سيتم حل الخالف بالنهاية لتصبح
الدولة تتكلم بصوت واحد على الصعيد الخارجي ،وهذا يعني أن الدولة تشكل الفاعل
الدولية ،وأن الفواعل األخرى (ك المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسية) هي فواعل
األخالقية ال يمكن إسقاطها على النشاط السياسي الدولي ،.ومن هذا المنطلق رفض
الواقعيون تطبيق المبادئ األخالقية على سلوك الدول ،ويدعون إلى تنقية سلوك الدولة من
هذه المبادئ ،حيث يعتبرون أن الدولة عندما تسعى لتحقيق مصالحها الوطنية تكون
- 8يفرق جوزيف ناي( ) (Joseph Nyeأستاذ العلوم السياسية وعميد سابق لمدرسة جون كينيدي الحكومية في جامعة
هارفارد) ،بين نوعين من القوة ،القوة القاسية والتي تشمل العوامل التقليدية ،كالقوة العسكرية واالقتصادية ،والنوع الثاني
هو القوة الناعمة وتشمل الجوانب الثقافية كاْلعراف والتقاليد والهوية ،باإلضافة إلى القدرة الدبلوماسية ،بينما النظرة
العامة لدى الكثير م ن منظري العالقات الدولية ،هي أن القوة ال يمكن النظر إليها إال نظرة شاملة تأخذ بعين االعتبار القوة
بكل أشكالها المادية وغير المادية.
32
محكومة ِبقيم مختلفة عن ِ
القيم التي يحملها األفراد في عالقاتهم الشخصية ،ويؤكدون على
أن معيار الحكم على سياسة معينة هي بنتائج تلك السياسية ،ويعتبرون أيضاً أن الخلط ما
بين ِ
القيم الفردية وِقيم الدولة يعني وضع األساس لكارثة قومية ،ألن المسؤولية األولى لرجل
الدولة هي الحفاظ على بقاء الدولة ،وهذا اإللتزام يتطلب منه أخالقيات تختلف عن تلك التي
لدى الفرد؛
❑ هناك عوامل وأهداف ال يمكن تغييرها ،وهي التي تشكل المعايير المحددة للسلوك
الدولي الخارجي ،وهذا يتناقض شكال ومضمونا مع التيار المثالي الذي يرى أن الثقافة
❑ استم اررية الدولة وبقاؤها في الحياة السياسية الدولية يبقى مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقوة.
ومن الواضح أن النهج الواقعي إزاء العالقات الدولية عادةً ما يلقى استحسان ذوي
النزعة المحافظة والمتشائمة للغاية ،الذين يتطلعون إلى الطبيعة البشرية من منظور قاتم إلى
القانون الدولي ،أو أي خطوات تُتَّخذ تجاه التكامل اإلقليمي أو الحوكمة العالمية من خالل
المنظمات الدولية.
على الرغم من هيمنتها شبه الكاملة لفترات طويلة في دراسة العالقات الدولية ،واإلنتاج
المعرفي الضخم الذي قدمته النظرية الواقعية ،إال أنها لم تسلم أيضاً من االنتقادات ،وكان
33
النصيب األكبر من هذه االنتقادات موجه من ِقبل أتباع النظريات األخرى ،وأهم هذه
االنتقادات هي:
التركيز على إستخدام التاريخ :حيث يعيب بعض الباحثين على الواقعيين محاوالتهم
إستخدام مفاهيم سياسية من الماضي لتحليل النظام الدولي المعاصر (السعي لتحديد أهداف
محدودة للدولة ،فصل السياسة الخارجية عن السياسة الداخلية ،الدبلوماسية السرية ،توازن
القوى كوسيلة إلدارة الصراع) ،حيث ُيلح الواقعيين على الدول للعودة للمماراسات التي
ُعرفت في أزمنة سابقة ،وفي ذلك مبالغة من حيث مدى إمكانية تطبيق ذلك في مثل هذا
تُركز هذه النظرية بشكل كبير على مفهوم القوة ،وتجعل منها المحور في التحليل
للعالقات الدولية ،وفي المقابل تُغفل هذه النظرية العوامل األخرى وخاصة العوامل
اإلجتماعية ،وقد بدا ذلك واضحاً في عدم قدرة هذه الواقعية على شرح وتفسير بعض
أن المنظرين الواقعيين لم يتفقوا على تعريف واحد متفق عليه لمفهوم القوة ،بحيث
وعلى رأسها األمن القومي ،فيما تبنى فريقاً آخر تعريفاً مختلفاً يجعل من القوة هدفاً تسعى
الدولة لزيادته.
34
الخالف حول مفهوم المصلحة الوطنية ،ويشتد الخالف بين الواقعيين عند ربط
اإلنتقادات التي برزت مطلع سبعينيات القرن العشرين من مجموعة من التيارات
ُعرفت بالتيار التعددي حينها ،وتركزت اإلنتقادات حول إقصاء الواقعيين التقليديين للفاعلين
اآلخرين من غير الدول (كالمنظمات الدولية ،والمنظمات غير الحكومية ،والشركات متعددة
ب – البنيوية أو الواقعية الجديدة :بعد أن خفق تيار الواقعية قليال تحت تأثير الترابط
تحت تأثير الحرب الباردة الجديدة ،دون شك لتحتل مكان الصدارة في التفكير حول العالقات
الدولية ،وذلك تحت شعار التيار الواقعي الجديد ،وكان ذلك بشكل خاص مع ظهور
أعمال"كينيث وولتز" ،وجون جيرار" ،روبرت غيليان" ،وابتعد منظرو التيار الواقعي الجديد
العوامل النابعة من البيئة الخارجية كمحدد رئيسي للسلوك الخارجي للدول ،و ذلك انطالقا
من األساس الذي يؤكد ندرة األمن و فوضوية النظام الدولي ،و من هذا المنطلق فإن جل
اهتمام الوحدات السياسية هي كيفية الحفاظ على وجودها إذاً ،والتز يدافع عن رؤية تنطلق
من منظومة ما ،أي من مجمل المنظومة الدولية التي تفرض طريقة معينة على شكل
35
وحدات المنظومة وتصرفاتها عن طريق مظاهرها الضاغطة ،إذاً ،فالمنظومة الدولية هي
بنية تفرض نفسها على وحداتها ،يقول والتز بأن" :بنية النظام الدولي هي التي تشكل كل
خيارات السياسة الخارجية للدولة" ،ويجيب "والتز" من خالل دراسته للبنية النظامية على
المستوى الدولي ،حيث يرى وجود تغييرات على أفعال القوى أشد تأثي ار من تل ك النابعة من
السياسة الداخلية.
و على هذا األساس يمكن تلخيص أهم مبادئ و مرتكزات الواقعية الجديدة (البنيوية)
في تفسيرها النسقي للسلوك الخارجي للدول ،من خالل النقاط التالية:
الدولية بسبب امتالكها لوسائل العنف المنظم .خاصة و أن الدول تتجه إلى فهم بيئتها
الدوليـة و ليس الداخلية .و هذا ما أشار إليه "هنري كيسنجر" حينما قال ":تبدأ السياسة
شهد العالم مع بداية الثمانينيات تزايدا كبي ار لفواعل جديدة في النظام الدولي ،من
الشركات المتعددة الجنسية ،وكدا المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ،مما جعل
الواقعية افتراض الواقعية الكالسيكية أمام وضع يستحيل فيه تجاهل هذا التواجد األنطولوجي
على األقل (دون النظر إلى مدى فعاليته) لهذه الفواعل الجديدة ،لذلك نجد الواقعية الجديدة
حاولت التعامل مع هذا النقص في عملية تعديلية ضمت فيه هذه الفواعل واعتبارها جزء في
التحليل دون أن تكون ذات فعالة أو استقاللية عن سياسات الدول و أهدافها ،وكما يقول
36
والتز" ...فعلى مر التاريخ تغيرت الدول في أشكال كثيرة لكن طبيعة الحياة الدولية ظلت
تنطلق الواقعية الجديدة من القول بأن بنية النظام الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي :
الفوضوية تفرض على الدول داخل النظام الدول نمط السلوك المتبع في بيئة المساعدة
الذاتية و الألمن ،و الدول في هذه الوضعية تكون مبرمجة للعب دور محدد تمليه إمالءات
و تعرف الفوضوية بأنها تعبر عن حالة "غياب الحكومة" على المستوى الدولي .و
بالمعنى الرسمي فإنها تشير إلى عدم وجود سلطة مركزية .و بهذا المعنى فإنها بالتأكيد
سمة من سمات النظام الدولي وتحدد اإلطار االجتماعي /السياسي الذي تحدث فيه
العالقات الدولية .و التي تظل الدول فيها عاجزة على الثقة في الدول األخرى ،و يبقى
هدفها الرئيسي ليس زيادة القوة كما اعتقد الواقعيون التقليديون ،بل العمل على حفظ البقاء
العوامل الداخلية ليست عامال مهما في السياسة الدولية :يتمسك الواقعيون الجدد
بطرح صلب جدا بخصوص فصل السياسة الداخلية عن الخارجية و نفي أية عالقة بينهما،
لذا ينفون أية أهمية أو قيمة للعوامل الداخلية في تفسير و فهم السلوك الخارجي للدول،
بحيث تختصر السياسة الخارجية ضمن الطروحات النسقية الدولية ،باعتبار أن النسق
37
و تنقسم الواقعية الجديدة (البنيويةج بدورها إلى ما يعرف بالواقعية الدفاعية و الواقعية
الهجومية.
-الواقعية الهجومية :تُّعد افتراضات الواقعية الهجومية متشائمة بخصوص اآلثار المترتبة
أمنها بل يتعداه لتحقيق الهيمنة والسيطرة على الدول األخرى ،وذلك نتيجة طبيعية لعدم الثقة
تفرض عدم الثقة بنوايا الدول األخرى والسعي لتحقيقٍ قدر من القوة يفترض وجود عوامل
عديدة مثل التكنولوجيا العسكرية ،والجغرافيا ،والمعتقدات ،واإلستراتيجية القومية الحديثة ،ما
قد يضاعف تكاليف الحرب الهجومية .ونتيجة لذلك ،فإن إستراتيجيات الدفاع أكثر جاذبية
وعلى العموم ذهب عددّ كبير من دارسي العالقات الدولية إلى أن النظرية الواقعية عفا
عليها الزمن ،ولم تعد صالحة بوصفها منهجا علميا في العالقات الدولية .وينطلق هؤالء من
أن مفاهيم الواقعية كالفوضى وتوازن القوى واالعتماد على الذات والقوة ّ
بكل أبعادها
38
وظهرت مفاهيم جديدة ،كالديمقراطية والعولمة واالعتمادية والمؤسساتية ،تعزز السالم في
المجتمع الدولي ،وبناء عليه ،فقدت الواقعية قدرتها التفسريية بعد الحرب الباردة.
ج -النظرية الليبرالية
من أھم أفكار اللبرالية التأكيد عل نظرية السالم الديمقراطي ،وھي تطوير لفكرة "كانط"
حول الدول الليبرالية التي ال تحارب بعضھا بعض ،ومن أھم رواد ھذه النظرية "متشل
دويل" Michael Doyleفھو مع إق ارره بأن الدول الديمقراطية تميل إلى السالم مع بعضھا
فإنھا في نفسالوقت ھي أكثر الدول عدوانية تجاه الدول التسلطية .ولكن نظرية السالم
الديمقراطي ووجھت بانتقادات منھا عدم كفاية التفاسير التي تقدمھا في سبب عدم ميل الدول
الديمقراطية للحرب فيما بينھا ،فمن التعليالت تعليل "كانط" حول دور الرأي العام وطبيعتھا
السلمية.
وھناك تفسير آخر ھو ميل الدول الديمقراطية آلن تكون غنية وثرية مما يجعل الحرب
خيا ار غير عقالني بالنسبة إليھا ،ويقم وندت تفسي ار آلخر ھو ميل الدول الديمقراطية إلى
العالقات السلمية فيما بينھا يرى كثير من المحللين أن هناك نوعين من القوة :الصلبة
وتتمثل في القوة العسكرية وأخرى مرنة اقتصادية وتستخدم كالهن الجرزة (اإلقناع) والعصا
(التهديد).
فالدولة باعتمادها على القوى المرنة (االقتصادية) بإمكانها أن تحقق النتائج التي
تريدها ،ألن الدول األخرى تريد السير على نهجها فتعجب بقيمها وثقافتها وعاداتها طامحة
39
بالوصول إلى مستوى رخائها .هذه القوة تجعل من اآلخرين أن يريدوا ما تريده أنت ،كما أن
هذه القوة المرنة ال تتجسد فقط في االقتصاد بل أيضا في الثقافة واالديولوجيا ،والمؤسسات،
فالتيكان مثال لم تفقد قوتها الناعمة رغم أن إيطاليا قد فقدت قوتها الصلبة ،كما أن دولة قطر
مجالها الجغرافي صغير جدا في الخريطة السياسية لكنها مؤثرة جدا في الساحة اإلعالمية
تقوم النظرية الليبرالية على أساس االعتماد المتبادل وهو الحالة التي تسود العالقة بين
طرفين متعاقدين أو أكثر حيث تكون تكاليف فسخ العالقة أو خفض المبادالت متساوية
تقريبا بالنسبة لكال الطرفين حيث أن كل طرف يصبح معتمدا على الطرف األخر.
كذلك تقوم الليبرالية على مفهوم السالم الديموقراطي حيث أن الدول الليبرالية هي دول
العامة واحترام حقوق اإلنسان ،وكل هذه العوامل مجتمعة تجعلها أبعد ما تكون عن فكرة شن
حرب على دولة ديمقراطية مثلها ،وهو ما يطلق عليه السالم الليبرالي أو السالم الديمقراطي
الذي تحكمه عدة معايير أهمها المستوى المرتفع االقتصادي واالستقالل االقتصادي والثقافة
الديمقراطية.
ومن المتحمسون لهذا الطرح الكاتب األميركي " فرانسيس فوكوياما" صاحب كتاب نھاية
التاريخ ،حيث يعلن فيها انتصار الليبرالية على بقية اإليديولوجيات األخرى ،وان الدول
الديمقراطية ھي أكثر استق ار ار من الناحية الداخلية وأكثر ميال للسالم في العالقات الدولية
40
وبناءا على ھذه النظرية تبرز استراتيجيات نشر الديمقراطية في العالم ،سواء عبر التدخل
اإلنساني في الدول المنھارة أو التي تشھد حروبا أھلية ،او عبر الضغط على الدول األقل
ديمقراطية عبر الوسائل االقتصادية والمالية ،وھي تمثل السياسات الفعلية التي تعبر عنھا
نظريات السالم الديمقراطي في التعاملمع الدول غير الليبرالية ،فحسب مايكل دويل ھناك
خياران أمام الدول الليبرالية ھي إقامة حلف دفاعي ضد الدول غير الليبرالية ،واإلستراتيجية
الثانية ھي تبني إستراتيجية توسعية في نشر الديمقراطية عبر وسائل اقتصادية ودبلوماسية،
اإليحاء :بدفع الجماھير في الدول غير الديمقراطية إلى االحتجاج واالنتفاض من -
-التدخل :بإعطائھا شرعية في حالة عدم رضا األغلبية بالسلطة التي تحكمھم
تتسم الليبرالية بالنظرة المتفائلة ،وتستند إلى مبدأ (االنسجام بين المصالح المتنافسة)
طبيعة اإلنسان ثابتة تتسم باألنانية وحب الذات ،لكن يمكن لعقل اإلنسان أن يتغلب •
على غرائزه بما يمكنه من تحقيق مصالحه من خالل التعاون مع اآلخرين .
41
الدول هي الفاعل الرئيس في السياسة الدولية ،وتتمتع الدولة بالسيادة على أرضها، •
لكن سلوك الدول يتأثر بظروفها الداخلية ،فالدول الديموقراطية ال تحارب إحداها األخرى،
يمكن حل الصراعات الدولية عبر الحوار والتفاوض بينما تُستخدم القوة في حالة •
يمكن من خالل بناء المؤسسات الدولية ،وتعزيز التعاون االقتصادي والتجاري •
المتبادل والشراكة واإلدماج في االقتصاد العالمي ،زيادة مساحة االستقرار والسالم الدوليين.
النظرية السلوكية:
وهدفت لمعالجة الظواهر الدولية من خالل سلوك األفراد والجماعات معنية بصناع القرار،
تنطلق هذه المدرسة من اعتبار سلوك البشر جوهر العالقات السياسية ،لذلك تدرس
سلوكيات الدول التي هي في األصل واألساس سلوكيات األفراد والجماعات ،وهي تتفاعل مع
علوم أخرى – غير علم السياسة – كاإلقتصاد ،وعلم النفس ،وعلم االجتماع،
42
علوم الرياضيات والكومبيوتر .تربط هذه المدرسة بين الظواهر السياسية والظواهر
✓ مظاهر التماثل والتي يعبر عنها بالتعميمات أو بالنظريات ذات األهمية التفسيرية
والتنبؤية،
إمكانية اختبار صحة التعميمات أو تلك النظريات من خالل مدى تطابقها مع ✓
-استخدام تقنيات الحصول على البيانات وتجميعها وتفسيرها لمالحظة ومتابعة ✓
استخدام األسلوب الكمي من أجل الحصول على معلومات وبيانات دقيقة ومنضبطة ✓
على غرار الوسائل واألدوات التي تمكن الباحث من الوصول إلى نتائج علمية دقيقة.
الفصل والتمييز بين االفتراضات المتعلقة بالتقييم األخالقي وتلك المتصلة بالتفسير ✓
التكامل أو االندماج بين البحث السياسي والبحوث العلمية األخرى في مختلف فروع ✓
العلوم االجتماعية واإلنسانية ،والسيما تلك التي تؤثر في المجال السياسي بصورة مباشرة أو
غير مباشرة .وهو الترابط الكفيل بإعادة علم العالقات الدولية خصوصا والعلوم السياسية
43
تعرضت للنقد من
قدمته المدرسة السلوكية من خدمات للبحث العلمي ،إال ّأنها ّ
على رغم ما ّ
المؤثرة في شخصية الباحث ونتائج البحث العلمي ،كما ّأنها غالت في إمكانية توّقع حوادث
الموجودة في العالقات الدولية والتي يصعب إخضاعها لقواعد البحث العلمي ،فبقيت في
-1النظريات النقدية :ورأت كافة النظريات النقدية ( الماركسية والماركسية الجديدة ،
نظرية التبعية ،والنظرية النسوية ،النظرية الخضراء) أن الواقعية والليبرالية تعمالن على
إضفاء الشرعية على اختالالت القوة في النظام الدولي القائم .ومن ثم حرصت النظريات
معرفتنا بالواقع الدولي سواء لفهمه فقط أو لتغييره ،إنها تساعدنا على تنظيم معلوماتنا وعلى
اكتشاف معلومات جديدة أكثر دقة ،إنها تزودنا بإطار للتفكير نحدد فيه أولويات البحث
ونختار أفضل الوسائل المتوفرة لجمع وتحليل المعلومات ،كما أن النظرية تلفت انتباهنا الى
التاثالت والتباينات وتشحذ اذهان اآلخرين لمعرفة دقتها أو عدم دقتها من خالل البحوث
44
وليس ثمة من نموذج واحد للنظرية ،والنظرية الدولية التي تتجاوز نظـرية السياسة
الخارجية تتضمن عناصر وصفية وعقلية ومعيارية وتنبؤية ،وربما يركز باحث على واحدة
من هذه العناصر ،ومع ازدياد التطور في نظرية العالقات الدولية يتجه االهتمام نحو نظرية
مركبة من :ماذا يكون؟ ماذا يجب أن يكون؟ ماذا يمكن ان يكون؟ ،وجودة النظرية غير
مرهونة بكليتها أو جزئيتها ،فكل النظريات صالحة ما دامت تستخدم منهجية علمية مع
األخذ في االعتبار أن النظرية تنتهي الى العموميات ،حيث أن اهتمامها هو بالشمولية أو
العمومية أكثر من عنايتها بالظواهر الفردية أو الخاصة ،دون أن يعني ذلك إغفال الظواهر
45
ق الع ف ل ع لف ن ت حم ال
ل ل ا
ور ا ا ى :ا ون ى لا ات ا دو يةل
نتيجة للتطورات العلمية والتكنولوجية التي شهدتها البشرية وما رافقها من تطورات
اقتصادية واجتماعية وحضارية لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد في العالقات الدولية فهناك
اشخاص دوليون آخرون ظهروا للوجود الواحد تلو االخر انسجاما وتوافقا مع هذه التطورات
التي شهدتها البشرية فلم يعد المسرح الدولي حك ار على الدولة وحدها فإلى جانبها ظهر
اشخاص دوليون يمتازون بالمقدرة على العمل واالداء والتأثير في العالقات الدولية.
ويقصد بالفاعل الدولي كل سلطة أو جهاز أو جماعة أو حتى شخص قادر على ان
يؤدي دو ار في المسرح الدولي ،في هذه الحالة وببساطة يعد فاعل دولي كل من يملك
ممارسة تأثير على القابضين على سلطة اتخاذ القرار أو الممسكين بزمام القوة المادية ،وفي
مجال العالقات الدولية يمكن ان نعد الفاعلين هم الكيانات التي تتجاوز فعلها نطاق حدود
الدولة ،ومن ثم تشارك بشكل ناشط في العالقات واالتصاالت التي تتخطى الحدود.
يتوزع الفاعلون الرئيسون في العالقات الدولية المعاصرة كاآلتي :الدولة التي تعتبر
46
أوال :الدولة كطرف أساسي في العالقات الدولية
يكاد يتفق المختصون في العالقات الدولية على إن الدولة هي الفاعل الرئيس في
العالقات الدولية لتمتعها بالسيادة وعدم خضوعها ألية سلطة اخرى في الداخل أو الخارج
باستثناء بعض الحاالت البسيطة التي يفرضها القانون الدولي على دول العالم من خالل
منظمة االمم المتحدة والدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس االمن والتي تتدخل في
يمكن القول أنه ليس للدولة تعريف موحد بل عدة تعريفات يختلف بعضها عن بعض،
و يعز هذا اختالف تخصص المهتمين ،فالدولة لعالم االجتماع تختلف عن عالم االقتصاد
أو السياسي ،ورغم كل االختالفات يمكن تعريف الدولة على أنها ":جماعة من األفراد
يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين ،ويخضعون لهيئة حاكمة ،ذات سيادة" ومن خالل هذا
التعريف يمكن أن نستشف مقومات الدولة ،أو العناصر المكونة لها ( التجمع البشري،
نظ ار لكون الدولة شكل من أشكال التنظيم االجتماعي ،فإن العنصر البشري يمثل
بالضرورة عنص ار أساسيا للدولة ،وبالرغم من انه ال يشترط أن يكون هذا الشعب متجانسا ،
أو أن يكون على حجم معين ،فأن األفراد أو الفئات البشرية المتفرقة والقائمة بشكلها البدائي
تبقى ن كرة ال تقدم أي تأثير في نشأة الدولة ،إذا لم تعي أهمية وجودها وضرورة انصهارها،
47
وعملها ضمن إرادة عيش جماعي مشترك ،عبر عملية تاريخية حسب الظروف
والخصوصيات المميزة لكل شعب ،لتجعل منه أمة تتميز بمصير جماعي موحد تذوب فيه
وحديثا يرى خبراء العالقات الدولية وعلماء السياسة أن يجب أن تتوفر في السكان
عناصر الرغبة في العيش معاً ،وأن يكون هناك نوع من التجانس واالنسجام ،وأال يرتبط
وجودهم في الدولة وخضوعهم لها بمنطق" قهر السلطة "حتى ال يعمل السكان أو الشعوب
على التخلص من سيطرة ،إذا ما سنحت الفرصة كما حدث في شعوب االتحاد السوفيتي
وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسالفيا ،فكلما زادت العناصر المؤدية إلى ترابط السكان كلما أدى ذلك
وتتقاطع ضمن هذا المكون األساسي (العنصر البشري) من مكونات الدولة بعض
الشعب :إن تحديد العنصر الذي يقوم عليه هذا المفهوم يختلف باختالف التعريف
المستند إليه ،وهو يتراوح بين المفهوم الواسع والذي يسمى بالمفهوم االجتماعي باعتباره
مجموعة األشخاص الذين تربطهم بالدولة عالقة الجنسية ،وبالتالي فهؤالء األشخاص
يعتبرون من رعايا الدولة ،والمفهوم الضيق المسمى كذلك بالمفهوم السياسي والذي يعرف من
خالله الشعب كمجموعة األشخاص الذين يباشرون الحقوق السياسية في الدولة ،أو بمعنى
48
األمة :مجموعة بشرية توحدها مقومات وعناصر أساسية كاللغة والدين واألصل
والرغبة في العيش المشترك ،والعناصر المكونة لألمة تختلف باختالف الفقهاء ،فكل فقيه
ينظر إليها من خالل انتمائه إلى بلد معين ،مما يدفعه إلى التركيز على عناصر معينة
وإهمال أخر ،وعلى العموم فاألمة مزيج من عوامل مادية ومعنوية واقتصادية تتضافر لتخلق
-2اإلقليم
يشكل اإلقليم العنصر المادي والطبيعي للدولة ،فال يمكن تصور وجود دولة بدون
أرض أو إقليم] واإلقليم عبارة عن مجال طبيعي،ال يقتصر فقط على اليابسة بل يمتد أفقيا
إلى البحر ،وعموديا إلى المجال الجوي مساحة من األرض محدودة جغرافيا يشمل ثالث
مجاالت البر والجو والبحر .وتعتبر اليابسة الجزء األهم من إقليم الدولة ،فهي التي تمنحه
صفة الثبات ،بمعن ى تأمين قاعدة تسمح باستم اررية إقامة الجماعة الوطنية عليها؛ مما
يساعدها في تقوية التضامن فيما بينها ،غير أنه ليس من الضروري أن تكون أراضي الدولة
متصلة األجزاء فقد تكون منفصلة بعضها عن بعض كما هو الحال بالنسبة لدول كاليابان أو
اندونيسيا حيث يتكون إقليم كل منها من عشرات الجزر أو مئات ،كما وقد تكون واسعة
شاسع (كندا) أو ضيقة صغيرة ( اللكسبورغ) جبلية ( سويسرا ،لبنان) ،منبسطة سهلية
(فرنسا) أو صحراوية (العربية السعودية) أو واقع في أكثر من قارة (االتحاد السوفياتي سابقا،
تركيا).
49
وعلى العموم ،إنه بالنظر إلى األهمية التي يكتسيها اإلقليم بالنسبة للدولة ،فقد ظل
ترسيم الحدود عنص ار أساسيا في استقرار الدولة وتثبيت سكانها .وإذا كان القانون الدولي
يتوفر على عدة قواعد لتخطيط وترسيم الحدود ،فإن تطبيقه يصطدم أحيانا إما بالمطالب
المشروعة لبعض الدول التي قد تكون تعرضت في ظروف معينة القتطاع جزء من أراضيها،
وإما بمطامع دول أخرى نحو التوسع .لذلك فغالبا ما يكون ترسيم الحدود مصد ار للصراعات
السياسية والجدل القانوني ،خاصة بالنسبة للدول التي كانت قد خضعت لالستعمار ،ولم يراع
في ضبط حدودها ال الواقع التاريخي ،وال الواقع الديمغرافي ،وال الواقع الثقافي ،كما هو حال
-3السلطة السياسية
فضال عن اإلقليم والشعب ،فإن نشوء الدولة يتطلب وجود سلطة سياسية تتولى
ممارسة صالحياتها على الشعب المقيم على اإلقليم ،فكما قال جورج بوردو :فإن« :دولة ال
سلطة لها ال غاية لها» بحيث يكون دور السلطة هو الحفاظ على النظام العام وإجبار
الشعب على احترام هذا النظام العام ،ومن ثم يشترط في السلطة السياسية ،الفعالية أي
القدرة الفعلية على ممارسة مهامها في الحفاظ على النظام واألمن الداخلي وتنفيذ التزاماتها
الخارجية.
وعلى العموم إن القدرة على اإلكراه ال تكفي الحكام للحفاظ على سلطتهم ،إنما يجب
عليهم التمتع بثقة المحكومين .بمعنى آخر فإن السلطة السياسية التي ال تمتلك سوى القوة
50
المادية ،وال تحوز بالتالي على رضى غالبية الشعب على األقل ،فال يمكنها أن تكون سلطة
شرعية ،وموضوع الشرعية هذا يعتبر من القضايا اإلشكالية التي تثير جدال كبيرا ،حيث
يطرح السؤال حول معايير هذه المشروعية والشروط الواجب توافرها في السلطة السياسية
وفي هذا الصدد ميز الفيلسوف األلماني ماكس فيبر بين ثالثة أنماط من الشرعية
الشرعية التقليدية :تقوم على عوامل النسب أو الساللة أوالدين ،أي على ما يدخل -
في نطاق العوامل الطبيعية (القرابة في لغة االنتربولوجيا أو العصبية في اللغة الخلدونية)،
الشرعية الكاريزماتية :فهي تقوم على فكرة الزعيم الملهم الذي تنقاد إليه مجموع -
المحكومين ويدير شؤونهم السياسية منفردا .وقد تنشأ الكاريزما من بطوالت سياسية أو
عسكرية ووطنية ،كأن يكون الزعيم المتمتع بها في نظر شعبه قائدا عسكريا أو محر ار
لألرض أو قائدا لثورة سياسية ...الخ أو من مكانة دينية معتبرة تكرسه عند الشعب القدوة
والمالذ والمرجع.
الشرعية العقالنية :فهي تقوم على أساس احترام القانون باعتباره اإلطار المرجعي -
لممارسة السلطة وللحياة العامة .فهي تستند من جهة على دستور متوافق عليه يشكل النظام
األساسي للدولة .ومن جهة ثانية تعتمد على المشاركة السياسية للمواطنين في إدارة سلطة
السيادة مفهوم قانوني وسياسي في نفس الوقت وباختصار فهو فعالية الدولة ألن تحكم
فعال .ويكفي للتحدث ع ن مجال السيادة أن نقدم ما جاء في قرار الجمعية العمومية لألمم
المتحدة رقم 8/742بتاريخ 27نوفمبر 1953والخاص "بحقوق الدول المستقلة " فهو
فبالنسبة للسيادة الداخلية :تشير إلى وجود شخص معين في كل دولة مستقلة ،أو -
وجود جمعية أو مجموعة ،تمتلك القوة الشرعية بشكل نهائي لقيادة السلطة وتطبيق الوالء ،و
هذه السلطة العليا تكون مطلقة على كل األفراد والجماعات داخل الدولة ،فهي تصدر
األوامر إلى كل األفراد والجماعات السياسية داخل تلك المنطقة ،ولكنها ال تتقبل أي أوامر
من أي كان ،و تعني حسب القرار األممي تمتع حكومة الدولة بكامل حقها بوضع
التشريعات من أجل تنظيم كل ما يهم إقليمها وسكانها وجميع وجوه الحياة االجتماعية فيها.
أما بالنسبة للسيادة الخارجية :فمفاده تمتع حكومة الدولة بممارسة نشاطاتها الدولية -
بكامل حريتها وذلك باتخاذ ق ارراتها دون تدخل خارجي ،وعدم السماح ألي دولة أو دول
أخرى بالتدخل في شؤونها وممارستها لسلطاتها بإقامة عالقات مباشرة أو غير مباشرة مع
حكومات دول أخرى أو منظمات دولية ،يعنى بها أن الدولة ال تخضع ألية سلطة ،أي أنها
مستقلة من تدخل أية دولة أخرى ،وحتى لو كانت السلطة تخضع التفاقية ما أو أنها مقيدة
52
في العالم الحقيقي للعالقات الدولية ثمة تفاوت هائل في درجة استيفاء الدول لتلك
المعايير؛ فعلى سبيل المثال :تكافح دول عديدة من أجل االحتفاظ بسيطرة سيادية فعلية،
حتى ولو على جزء من أرضها المحددة ،وثمة دول عديدة ال تحتكر السيطرة على القوة
المسلحة داخل حدودها ،وتجد نفسها في مواجهة حروب أهلية وتمردات ،تضع مناطق
بأكملها من بالدها تحت سيطرة زعماء المتمردين وأمراء الحرب( مثل :أفغانستان وأنجوال
الدول لتحديات جوهرية لسيادتها ،فإنها ما زالت تنال االعتراف الدولي ،وتوقع االتفاقيات مع
غيرها من الدول ،وتوفد مبعوثيها إلى األمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية ،وتتمتع
بمظهر خارجي( حتى وإن كان رمزّيٍا )من العضوية الكاملة في مجتمع الدول العالمي ،التي
- 5االعتراف بالدولة
إن االعتراف بالدولة هو اإلقرار بوجودها وسيادتها ،وتأكيد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها
والخارج ،والتمتع بحقوقها الدولية ،ويتحقق االعتراف من قبل الدول بعدة صيغ
ويتم التعبير عن االعتراف إما باعتراف الفردي أي أن كل دولة تعترف بغيرها عبر بيان
رسمي ،أو عن طريق االعتراف الجماعي عبر بيان صادر عن مجموعة دول تشكل منظمة
دولية أو اقليمية أو مؤتمر دولي أو معاهدة دولية ،وقد يكون االعتراف إما صريحا أي
53
اإلعالن عنه بتصريح أو بيان أو برقية أو عن طريق االعتراف الضمني أي كل تصرف أو
فعل يفهم منه االعتراف مثل استقبال البعثات الدبلوماسية أو تحية العلم
استمرت العالقات الدولية تعكس واقعا يتبلور بتخلف التفاعالت واجتهادها ضمن نسيج
من االرتباطات بين معظم الدول ،بديناميكية فائقة في المجاالت المعلومة والمستحدثة في
ظهرت المنظمات الدولية في شكلها المكتمل في القرن ، 20وإن كانت بوادر التنظيم
الدولي تمتد إلى العصور القديمة ،ثم عبر كل الحقب التاريخية الالحقة .وقد عرف القرن
19أولى أشكال التنظيم الدولي المؤسس بسبب التطور االقتصادي والتكنولوجي الناتج عن
ويمكننا تقسيم مراحل التطور التاريخي للمنظمات الدولية إلى ثالث مراحل رئيسية،
المرحلة الطويل نسبيا ظهور عشرات المنظمات ذات الطابع التخصصي ،والتي فرضتها
54
ومن أبرز المنظمات التي أنشأت في هذه الفترة نجد:
✓المرحلة الثانية :وامتدت هذه المرحلة في الفترة ما بين ،1945 -1919وتميزت هذه
المرحلة بنشأة أول منظمة سياسية دولية ذات طابع عالمي هي عصبة األمم ،والتي أدمج
ميثاقها في اتفاقيات الصلح التي عقدت بعد الحرب العالمية األولى ،ولقد تجاوزت أهميتها
وقد أسست من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية األولى ،وقد نشأت الفكرة على
يد وزير الخارجية البريطاني ادوار وكراي ، Edward Grayوتبناها بشكل رئيسي وكبير
الرئيس األمريكي وورد ويلسون ، Woodrow Wilsonوكان هدفه صياغة فكرة األمن
الجماعي.
55
ولكن مع األسف كانت الرغبة البشرية للسالم قصيرة ،بعد أن بددتها الحرب العالمية
الثانية ،وما نجم عنها من خسائر بشرية ضخمة ،مما حدا بالعقل البشري مرة أخرى
للبحث عن بدائل دولية فعالة لضمان السالم واألمن ،وقد توجت تلك الجهود بإحداث ،هيئة
األمم المتحدة في أكتوبر عام ، 1945بعد أن وصل المجتمع الدولي مرحلة تميزت بوعي
الدول المتزايد بضرورة العمل في إطار مؤسس لمواجهة قضايا األمن والسلم ،وتحقيق
المرحلة الثالثة :وامتدت هذه الفترة من 1945إلى ،1989وعرفت هذه المرحلة ✓
والدة مئات المنظمات المتعددة والمختلفة األهداف والمبادئ واالختصاصات ،ومن أبرز
ومن أجل مساعدة المنظمة للقيام بعملها على الوجه األمثل ،تشكلت في المنظمة 15
وكالة متخصصة تقدم خدمات دولية ،في النواحي االقتصادية والثقافية والفنية ،ومن بين
هذه الوكاالت (:المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة ،منظمة الطيران المدني الدولي،
وقد شهد العالم منذ تلك الفترة قيام عدد كبير من المنظمات الدولية سواء منها العالمية
أو الجهوية ،كما هو الحال بالنسبة لجامعة الدول العربية كأقدم منظمة دولية قامت بعد
الحرب العالمية الثانية ،وقد تكونت في 22مارس 1945م ،أي قبل منظمة األمم المتحدة
بشهور ،منظمة الوحدة اإلفريقية سنة ( 1963حاليا االتحاد اإلفريقي) ومنظمة المؤتمر
56
اإلسالمي سنة .1969الحلف األطلسي(في عام ،1948التقى القادة األوروبيون مع
مسؤولي دفاع وعسكريين ودبلوماسيين في البنتاغون ،بناء على أوامر وزير الخارجية
األمريكي جورج سي مارشال .وأسفرت المحادثات من أجل تحالف عسكري جديد عن توقيع
معاهدة حلف شمال األطلسي ،التي وقعها الرئيس األمريكي هاري ترومان في واشنطن
.)1957
المنظمة الدولية هي هيئة أنشأتها مجموعة من الدول بإرادتها لإلشراف على شأن من
شؤونها المشتركة ،وتمنحها اختصاصات ذاتية تباشرها هذه الهيئة في المجتمع الدولي وفي
مواجهة الدول األعضاء نفسها ،ومن خالل هذا المعنى يمكن التأكيد ان هذه الهيئة ال بد
الديمومة :أي أنها كيان دائم عبر أجهزته التي تباشر نشاطات مختلفة ،ولتحقيق ▪
أهداف هذه األنشطة ،البد من تواجد هذه األجهزة بصفة دائمة من حيث اإلدارة والتمويل
والعضوية ،وال يقصد باالستمرار أن تظل المنظمة أبد الظهر ،وإنما المقصود أن ال يكون
وجدها عرضيا ،فهي باعتبارها تعاون بين الدول تحتاج بالضرورة إلى قدر معقول من
االستقرار والبقاء كما ال يعني ذلك ضرورة وصف االستمرار على كل فروع المنظمة ،وإنما
57
الدولية :من أجل أن تكون منظمة دولية يتطلب األمر موافقة الدول على تشكيلها ▪
بشكل اختياري أو إرادي ،ووصف المنظمات بأنها "دولية" ال ينصرف إلى أن تشمل في
عضويتها كل دول العالم حين يوجد عدد كبير من المنظمات الدولية التي ال تضم في
عضويتها إال عدد قليل من الدول ومثال ذلك المنظمات الدولية اإلقليمية ،وتأسيسا على ذلك
فإن صفة الدولية تعني أن المنظمات تكون دولية إذا ضمت في عضويتها أكثر من دولة
أهداف مشتركة :إذ غالبا ما تطغي صفة العمومية على األهداف التي تشمل كل ▪
الدول األعضاء ،وليس أحدها بصفة خاصة؛ وإنما لتحقيق أهداف وقيم ومبادئ مشتركة،
سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك ،مما التقارب المنشود.
اإلدارة المستقلة :بأن تكون المنظمة ذات شخصية قانونية مستقلة ،حيث تنعكس ▪
تصرفات المنظمة على كل أعضائها وليس على كل دولة على حدا ،يترتب على ذلك أن
آثار التصرفات التي تجريها المنظمات ال تنصرف إلى الدول األعضاء كل منها على حدة،
بل إلى المنظمة نفسها باعتبارها شخصا قانونيا دوليا يستقل في حياته القانونية عن الدول
ولذك يشترط بأن يكون للمنظمة بنيانها التنظيمي الخاص ،ذات طاقم إداري وموظفين
يمارسون المهام المنوطة بهم ،وذات ميزانية واعتبارات دولية وامتيازات ،مما يضفي عليها
58
❖ المعيار الجغرافي :يقصد بالمعيار الجغرافي ،المنظمات الدولية التي تشمل مناطق
جغرافية واسعة وتتميز بالشمولية أو العالمية كمنظمة األمم المتحدة ،أما النوع الثاني فهو
المتميز باإلقليمية أي نطاق جغرافي أقل اتساعا ،كجامعة الدول العربية ،ومنظمة الدول
األمريكية.
❖ المعيار الوظيفي :وحسب معايير الوظيفة أو االختصاص فإن المنظمات الدولية تنقسم
-المنظمات الدولية العامة :وذلك إذا كان الغرض من إنشائها حسب االتفاق الدولي
المنشئ لها يشمل كافة أوجه النشاط الدولي سياسي واقتصادي واجتماعي ،أي أن المنظمة
الدولية عامة ذات نشاط عام شامل مثل عصبة األمم واألمم المتحدة
المنظمات المتخصصة :فهي التي يقتصر تدخلها على مجاالت محددة وهي تتسم -
بالتعدد بحيث يمكن أن تكون ذات طابع اقتصادي (صندوق النقد الدولي ،البنك الدولي
لإلنشاء والتعمير) أو ذات صبغة ثقافية أو علمية :منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم
المعيار السلطوي :يقصد به تمييز المنظمات الدولية التي لديها خصوصية اتخاذ ❖
الق اررات ،وفرضها على جميع الدول األعضاء ،في حين هناك المنظمات التي تقتصر على
اتخاذ التوصيات التي ال تلزم الدول في تنفيذها .وهو المبدأ المهيمن على األعمال القانونية
للمنظمات الدولية عبر إصدار توصيات ،ويعتبر هذا النوع الثاني من المنظمات األكثر
59
انتشارا ،كما أن الدول األعضاء لها الح رية في التقيد بها أو رفضها ،مثل منظمة الدول
المصدرة للبترول ،وجامعة الدول العربية ،وذلك ألنه ليس هناك وسائل مادية للمنظمة
والى جانب المنظمات الحكومية التي تم االشارة اليها أعاله ،البد من االشارة الى بعض
المعطيات حول المنظمات غير الحكومية باعتبار االدوار التي اصبحت تلعبها على
22فبراير 1950م بأنها :كل منظمة دولية لم تنشأ بطريق االتفاقات فيما بين الحكومات
ويمكن تعريف المنظمات الدولية غير الحكومية على أنها منظمات تعمل بصفة مستقلة
عن إرادة الدول :عضوية ونشاط ،والتي تهدف إلى تقديم الخدمات والسلع بشكل تطوعي
وغير ربحي ،وتنشط المنظمات الدولية غير الحكومية ،على مستوى كل دول العالم عبر
الفروع المنتشرة لها ،وتتنوع القضايا التي تهتم بها من قضايا اجتماعية تنموية ونشاطات
إغاتية إنسانية منظمة (الهالل االحمر والصليب االحمر) إلى جانب االهتمام بترقية حقوق
60
ثالثا :الشركات متعددة الجنسيات( أو عبر الوطنية)
تعد الشركات المتعددة الجنسيات من أكثر األنماط تعبي ار عـن عولمـة االقتـصاد ،لمـا
تملكـه مـن إمكانيات مادية وبشرية هائلة تمتد إلى مختلف دول العالم ،وتنوع نشاطاتها
لتشمل قطاعـات اإلنتـاج والتجارة والخدمات والمال والمـصارف الدوليـة ،بغيـة توزيـع
المخـاطر وت نويـع مـصادر الـربح ،وسـعيها لتحويل العالم إلى ساحة اقتصادية واحدة بغية
بسط نفوذها ،وأحكام سيطرتها على قطاعـات األعمـال في العالم ،مستفيدة من منجزات
التقدم العلمي والتقني األمر الذي أدى لتراجع دور الدولة أمام هـذه الشركات.
تعتبر الشركات عبر الوطنية من أبرز الفاعلين الدوليين من غير الدول في العالقات
الدولية ،وقد تزايدت أهمية دورها بفعل التطورات االقتصادية الكبرى ،المتمثلة في ظاهرة
بعـض الفقهـاء لجـأ إلـى تقييـد تعريـف هـذه الـشركات بحـدود كميـة بحيـث يلـزم أن يكـون
للـشركة األصلية التي تقوم باالستثمار في الخارج حد أدنى من الضخامة ،حيث يرى
"أ.رايمون فرنون" :إن الـشركة متعـددة الجنـسيات هـي شـركة أم تـسيطر علـى تجمـع كبيـر
مـن ال مؤسـسات فـي قوميـات عديدة ،وهي المؤسسة التي تجعل كـل تجمـع يبـدو كمـا لـو أن
لـه مـدخال لمـصب مـشترك مـن المـوارد المالية والبشرية ،ويبدو حساسا لعناصر إستراتيجية
مشتركة".
61
ومن هذا المنطلق ،ويبدو أن الـشركة المتعـددة الجنـسيات هـي شـركة مقرهـا الرئيـسي فـي
الدولـة األم ،ولهـا نـشاطات اقتصادية متعددة في مجاالت تجارية وصناعية وماليـة،
وعمليـات موزعـة علـى أكثـر مـن دولـة ،سـواء عن طريق مشاريع خاصة أو شركات تابعة،
وكثي ار ما تندمج مع شركات من دول أخرى ،وتلعـب دو ارً في التدفق العالمي لالستثمار
األجنبي المباش ر في مجموعة كبيرة من البلـدان ،تتـوزع فـي أرجـاء العـالم؛ مما جعلها
تشكل الشركات المتعددة الجنسيات اليوم القوة المحركة في النظام االقتصادي والسياسي
الدولي الراهن ،وهي ظاهرة اقتصادية مهمة في مجال العالقات الدولية ،بحيث أنها تمثل
اليوم إحدى القوة المؤثرة في صنع االحداث والتحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية
في العالم المعاصر ،ألنها ببساطة تسيطر مباشرة على أهم النشاطات االقتصادية في كل
المجتمعات في العالم ،ومن يملك القوة االقتصادية فهو يؤثر على مجريات السياسة.
وقد يكمن تعاظم نفوذ هذه الشركات إلى خلق نوع قوي من المزج بين الوحدات
اإلنتاجية والمؤسسات المالية والمصرفية العالمية على الصعيد العالمي ،وتمارس عملها من
خالل شبكة معقدة من الهياكل التنظيمية وتنخرط في عمليات اإلنتاج الدولي وفق نظام
كما وتعد الشركات متعددة الجنسية المحرك الرئيس لظاهرة العولمة التي تمثل المحدد
االساسي لمسار النمو والتنمية في مختلف دول العالم اليوم .ظهور الشركات متعددة
62
الجنسيات الصورة الجديدة لتنظيم النشاط االقتصادي في االقتصادات الرأسمالية المتقدمة ،
حيث أن الشركة متعددة الجنسية أو عبر الوطنية كما تسمى في بعض األحيان ،تمثل
التجسيد الحي لظاهرة عولمة الحياة االقتصادية ،حيث أخذت هذه الشركات تسيطر على
العالم ،مخترقة كافة مناطق السيادة الوطنية بسلعها ،خدماتها ،أموالها ،تكنولوجياتها ،
اتصاالتها البعدية ،بطاقة ائتمانها وأنماطها االستهالكية .وأخذ نشاط الشركات متعددة
الجنسيات يحظى بأهمية كبيرة في العديد من ادبيات السياسة واالقتصاد ،وفي تقارير العديد
من المنظمات الدولية ،على رأسها تقرير مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية حول
االستثمار العالمي ،نظ ار للدور الذي تلعبه في السيطرة على عمليات نقل التكنولوجيا
ومؤسسات التمويل واسواق العمل ومنافذ التسويق وتدفقات وحركة رؤوس االموال
وتختلف الشركات متعددة الجنسية ليس من ناحية نوعية العمل فقط ،ولكن أيضا من
ناحية كيفية أداء هذا العمل ،والمستوى التكنولوجي ،والبناء التنظيمي وبنية السوق الذي
يستوعب منتجات تلك الشركات .وبالرغم من ذلك ،إال أن هناك بعض الميزات المشتركة
للعديد من الشركات متعددة الجنسية ،يمكن استخدامها لوصف هذه الظاهرة وتميز المشاكل
▪ الشركة متعددة الجنسيات هي شركة تتكون من عدد من الشركات االجنبية التابعة لها؛
63
▪ تميل الشركات متعددة الجنسيات إلى أن تكون احتكارية؛
تستطيع أن توصل إنتاج الشركة األم وتسويقه خارج حدود اية دولة؛ ▪
تركز على االستثمار والبحث العلمي المتواصل من اجل تطوير منتجاتها؛ ▪
• توحيد سوق التجارة الدولية عن طريق الهدم واإلضعاف المستمر للقيود التعريفية والكمية
القومية؛
• تهدف إلى تحقيق استراتيجية آمن اإلمدادات ومن ثم المحافظة على تقييم المستثمرين
كان للقانون الدولي المعاصر بشكل ام وللقانون الدولي لحقوق اإلنسان بشكل خاص،
األثر األكبر في ازدهار وانتشار حقوق الفرد وفي بروزه كفاعل دولي .فلقد تميز القانون
موسعا
الدولي المعاصر بم ارعاة األبعاد اإلنسانية واالجتماعية في أحكامه ،حيث تطور ّ
64
نطاق اهتمامه ليشمل اإلنسان بصورة مباشرة ،وهو ما تجلى بحقوق اإلنسان التي تم تقنينها
وتنظيمها ،وزيادة رفاهية اإلنسان وتقدمه ،وشملت الحقوق السياسية والمدنية واالقتصادية
واالجتماعية والثقافية .وحماية اإلن سانية بإقرار فكرة (الجرائم ضد اإلنسانية) جرائم الحرب ،ومنع الفصل
العنصري،
إن االهتمام بدور الفرد ع لى مسرح العالقات الدولية ليس جديدا ،فشخصية رجل الدولة
وأتت الليبرالية الجديدة في مظاهرها المختلفة ،في أواخر القرن العشرين ،تكشف عن
اإلمكانات الكبيرة التي أتاحت ألفراد ليس لهم سلطة رسمية ان يتمتعوا بمراكز مؤثرة في
العالقات الدولية.
– وعلى سبيل المثال ال الحصر ،لقد اعتبر "بيل غيتس" -صاحب مؤسسة
واألوسترالية -بأنهما من أكبر المؤثرين في مجال اإلعالم .وال ننسى ما قام ويقوم به "جورج
االجتماعي من جهة وضد االستعمار من جهة أخرى فأصبح رمز للسالم في العالم
.باإلضافة إلى نيلسون مانديلال ونضاله الطويل ألجل الحرية الذي حرر بالده من نظام
65
التمييز العنصري وكان ملهما للعديد من حركات التحرر الالحقة حول العالم .دون إغفال
الدور الالفت والمميز لألم تيري از على الصعيد اإلنساني العالمي.كلها أسماء فرضت
وجودها على ساحة العالقات الدولية وهي من بين مجموعة من األفراد الذين عرفوا كيف
يحسنون استغالل مكامن القوة عندهم (مقوماتهم الشخصية) ويستفيدون مما تقدمه
وفي هذا السياق البد من اإلشارة إلى أن أهم عامل ساهم في تطور هذا الفاعل من
غير الدول هو التقدم التقني والتكنولوجي ،الذي أسهم في تطوير وسائل اإلعالم بكل
أنواعها ،باإلضافة إلى وسائل التواصل االجتماعي ،التي مكنت الفرد من تنظيم شبكات
افتراضية الكترونية ،سا عدته في معرفة القضايا العالمية المشتركة ،وساهمت في جعل
التأثيرات تعبر الحدود ،على سبيل المثال ،الثورات التي شهدتها المنطقة العربية ،فضال عن
االحتجاجات التي امتدت إلى بقاع أخرى في العالم .والتي أكدت مدى قوة الفرد الفاعل في
إحداث تغيير عميق وشامل في دولته ،وأحيانا يتعدى حدود دولته ،ويمتد أثره إلى مختلف
أنحاء العالم.
66
ق الع ف ملا م ع ال ت حم ال
ل ل ث ل
ور ا ا ث :وا ل و رة ى لا ات ا دو يةل
تتفاعل الوحدات المكونة لنظام الدولي في اتجاهات غير خطية النمط ،ضمن األطر
السلمية و الصراعية من أجل هدف واحد هو تحقيق المصالح سواء الفردية القومية أو فوق
قومية ،لذلك فكل فاعل دولي يسعى لتأسيس مصلحته باالعتماد على عدة عوامل ذاتية
موضوعية تتوزع إلى عوامل تقليدية وحديثة استنادا للمعيار التاريخي لتطورها ،تؤثر في
مكانة و مدى نفوذ الفواعل ،من ابرز تلك العوامل (العامل الجيوسياسي ،العامل
الجيوسياسية مصطلح تقليدي ينطبق في المقام األول على تأثير الجغرافيا على
السياسة ،فهـو علم دراسة تأثير األرض "برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها"
على السـياسة ،في مقابل مسعى السياسة لالستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي،
تقوم النظرية الجيوسياسية على فرضية مفادها أن ثم عالقة بين قوة الدولة وجغرافيتها،
باعتبار أن هذه األخيرة (الجغرافية) تسهم إسهاماً قويا في بناء الدولة ،وزيادة أسباب
ومصادر قوتها ،كما تلعب دو ار مهماً في صياغة خططها األمنية والعسكري والتنموي.
67
وترجع فكرة ربط العامل الجغرافي بالمجال السياسي إلى العهد اإلغريقي وبالتحديد عند
أرسطو في كتابه "السياسة" عندما تطرق لنظرية العالقة بين المناخ والحرية ،كما أصبح
للجغرافيا دو اًر مهما لدى محللي السياسة الدولية في إطار ما يعرف بالحتمية الجغرافية في
مدرسة راتزل والمدرسة لجيوبولتيكية عموماً ،لذلك يقول نابليون بونابرت " :إن سياسة الدول
حسب جغرافيتها" .وهذا ما أكدته بعض المعارك الكبرى في القارة األوربي ،من خالل بروز
دور المناخ وطبيعة األرض في حسم الصراعات المسلحة ،مثل معارك نابليون بونابرت في
شتاء.
أوربا وخسارته لحملته ضد روسيا سنة ،1812ألسباب عديدة أهمها المناخ البارد ً
ويرتبط تطور التحليل الجيوسياسي بشكل كبير بتطور المدارك و المعارف الجغرافية،
-1العامل التقني :فبفضل تطور وسائل النقل و االتصال الذي شهده القرن التاسع
عشر أصبح الربط و التواصل بين جميع األقاليم و البلدان ممكنا ،إذ أدى ذلك إلى اختصار
الوقت و تيسير الحركة و التنقل ،فأصبح العالم يش ّكل فضاء موحدا واضح المعالم ،و كل
-2العامل الفكري و العلمي :و نقصد بها النزعة العلمية الجديدة ،التي ميزت القرن
التاسع عشر:
68
أن
النزعة الوضعية :التي كان" أوغست كونت" أهم روادها ،والتي كانت تعتقد ّ -
الداروينية االجتماعية :و هي التيار الفكري الذي حاول تبني مفاهيم داروين -
األساسية و إسقاطها على العالقات االجتماعية ،إذ أصبح العلم ينظر إلى المجتمع و الدولة
ككائن حي تتح ّكم فيه نفس القوانين التي تتح ّكم في الكائن العضوي ) النشوء ،االرتقاء،
الصراع و التنافس من أجل البقاء...الخ( ،و هي نظرة أنثربولوجية طبيعية تنظر لإلنسان و
-3العامل السياسي :و نقصد به بروز الوعي أو الحس القومي الذي ساهم في بروز
دول قومية جديدة في المسرح األوروبي على أنقاض الممالك و اإلمارات اإلقطاعية )
استقالل بعض الدول و توحيد األخرى على غرار الوحدة األلمانية،و الوحدة اإليطالية( ،و
التوسعية.
ّ
وإذا كان منظرو العالقات الدولية يختلفون حول أهمية ودور الجغرافيا في رسم مالمح
السياسة الخارجية ،لكن غالبيتهم يجمعون على أن للحيز الجغرافي دور مؤثر وحاسم ،بل هو
69
حتمي ويعد من العناصر الدائمة والفاعلة في السياسة الخارجية ،ويظهر ذلك جليا في سلوك
الدول الحبيسة ،فالبحث عن منافذ إلى البحر قد يقودها إلى صراعات مع دول الجوار.
وكما هو معلوم ان الدولة هي موضوع الجغرافيا السياسية األول واألساسي ،والدولة هي
الوحدة األساسية في النمط السياسي العاملي ،كل دولة مظهر قائم بذاته ،غري متكرر في
أي صورة من صور الدول األخرى ،الدولة إذن مظهر متفرد بكل وحدة سياسية؛ ألن لكل
• اختالف المساحة المسكونة والم ستغلة داخل كل دولة تترتب عليه نتائج خاصة في
والعالمي.
وهذا التفرد الوظيفي لكل دولة على حدة ال يلغي أن كافة الدول يجب أن تمتلك
-نظام حكم إداري كفء لضمان سيادة الدولة على سطحها — األرضي والمائي
والجوي؛
70
-شعب مقيم بصفة دائمة (بغض النظر عن الهجرة من أو إلى الدولة؛
وال شك أن الدول تختلف فيما بينها اختال ًفا كبرًيا في درجة امتالكها لعنصر أو أكثر
من العناصر الخمسة السابقة ،فهناك دول ذات مساحات عمالقة على رأسها االتحاد
السوفيتي ،ودول ذات أعداد سكانية هائلة على رأسها الصين ،ودول ذات موارد قوية ومتعددة
كالواليات الم تحدة ،ودول ذات بناء اقتصادي متكامل ،وأخرى تعتمد على نوع أو آخر من
مصادر الثروة ،وأخرًيا دول ذات شبكة نقل كثيفة ،وأخرى تفتقر إلى خطوط الحركة
األساسية.
تأخذ المدرسة الواقعية من القوة مفهوما مركزيا لمقوالتها ،إذ تتعامل هذه المدرسة مع
العالقات الدولية على أنها صراع مستمر يهدف إلى زيادة قوة الدولة ربط "هانس مورجنتاو"
بين القوة والسياسة الدولية جاعال من القوة أساس لها ،ويظهر أن مفهوم القوة يظل أكثر
المفاهيم تحوال وتغي ار في محتواه ،وأكثرها استم ار ار في مواكبة التحوالت التي يعرفها العالم،
والتطورات الحاصلة في العالقات الدولية ،خاصة ما يرتبط باألمن الذي هو الهدف الرئيس
71
وحتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية ،إال أن زيادة تأثير العناصر
األخرى أنهى هذا االحتكار للقوة العسكرية ،فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما
بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في العالقات الدولية .إن تحليل
عددا من العوامل.
القوة العسكرية ألي دولة يتطلب منا األخذ بعين االعتبار ً
ويمكن التأكيد أن القوة الزالت مفهوما مركزيا في بنية العالقات الدولية ،مما يجعل
الصراع في السياسة الدولية متمحو ار حول السعي المتالك عناصر القوة ،وتحتل القوة
العسكرية المكانة المركزية في مركب قوة الدولة ،وإن كان في الوقت الراهن هناك ميل إلى
التخفيف من هذه المركزية لصالح األصناف األخرى ذات الكلفة المنخفضة اقتصاديا
وسياسيا ،وهو ما تؤشر عليه الممارسة الدولية في حاالت متعددة ،حيث أثبتت عجز القوة
لكن على العموم فامتالك الدولة لقدرات عسكرية يمكنها من حماية استقاللها السياسي،
وإفساح المجال لمرونة اكبر وخيارات أوسع لسياستها الخارجية ،تجاه مصادر التهديد
الخارجي ،بينما غياب تلك القدرات يحد من بدائل الحركة الخارجية في مواجهه التهديدات
الدولي
72
ونظريا استخدم العامل العسكري من طرف العديد من المنظرين االستراتيجيين في
الدراسات اإلستراتيجية من خالل توظيفه في نظريات الصراع ،نظرية توازن القوى ،نظرية
ومادام العامل العسكري ،باعتباره أهم المدخالت المؤثرة في عملية صنع السياسة
الخارجية ،وتحديد طبيعة العالقة بين الدول وبالخصوص المتنافسة بينها على اكتساب
مناطق النفوذ و السيطرة ،ظهرت بعض المفاهيم الجديدة ذات الصلة −عـلى سـبيل المثـال
−مفهـوم " الردع" الذي ارتبط بأذهان الساسة والقادة وصناع القرار "بالعصر النووي " الذي
ساد في القرن العشرين حين كانـت الحـرب البـاردة والتـسابق النـووي المحموم بين قطبي القوة،
هو السمة األساسية للعالقات الدولية ،وكان الهـدف منه هو تحقيق التوازن ومنع نشوب
وال شك أن ا لقوة العسكرية للدولة تقاس بتـوفر عـدد مـن العنـاصر والمؤشرات المختلفة
حجم مساحة الدولة وطول حدودها وعالقاتهـا مع الدول المجاورة لها؛ ✓
مـؤشر إلى مـدى قـدرة الدولـة في االعـتماد عـلى الـذات في إنتـاج األسـلحة األساسـية ✓
وذخائرهـا؛
73
ومن العناصر المؤثرة في القوة العسكرية كـذلك العقيـدة ،التـي تـؤمن بهـا األمة فهي ✓
من القدرات الكامنة التي ترفد معنويات الجيش وتدفع بـه إلى المزيد من التقدم والقوة؛
الوحدة الوطنية وتآلف الشعب والتفافه حول الجيش والثقـة المطلقة به من العوامل ✓
يمكن رصد أهمية العامل اإلقتصادي في التأثير في العالقات الدولية ،من حيث الجوانب
النظرية والعملية ،نظرياً؛ تطرح بعض الرؤى النظرية دوره في تحليل العالقات الدولية حيث
يشكل العامل االقتصادي حجر الزاوية بالنسبة لالتجاه الماركسي التقليدي والجديد ،فأولى
دول العالم تأثي اًر في الساحة الدولية هي تلك الدول التي تستحوذ على أقوي مستوى اقتصادي
تاريخياً ،وقد احتل العامل االقتصادي مكانة متميزة في تفسير بروز ظاهرة االستعمار و
المستعمرات الجديدة لدى االتجاه الماركسي ،نظ اًر لسعي الدول األوربية الرأسمالية توسيع
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية ،ظهرت الواليات المتحدة كقوة اقتصادية مؤثرة في
العالقات الدولية لفترة الحرب الباردة ،وتمكنها من السيطرة على مؤسسات دولية منها؛
مؤسسة التنمية الدولية مؤسسة التمويل الدولية واالتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة،
74
تعد القوة االقتصادية من أبرز المقومات التى ترتكز إليها قومية الدول ،ومن ثم فهي
وقد كان من شأن تلك األهمية البالغة للقدرة االقتصادية أن أتخذها بعض المحللين
للعالقات الدولية كمعيار لتصنيف الدول األعضاء فى النسق الدولي العالمي ،من حيث تدرج
قواها ،وذلك إلى جانب المعيار التقليدي الذى كان منصباً على القدرة اإلستراتيجية ،أو
ومن هذا المنطلق راح بعض المحللين يتحدثون عن نسق دولي عالمي متعدد األقطاب
من الوجهة االقتصادية ،يسود في ظل ثنائية األقطاب في إطار النسق العالمي من الوجهة
اإلستراتيجية ،وهو األمر الذي حذا بالبعض إلى إطالق تسمية ” القوى العظمى المدنية ”
على بعض الدول أو التكتالت الدولية ذات القدرة االقتصادية الفائقة في المجال الدولي ،
ومن أمثلة هذه الدول والتكتالت ،اليابان ،ألمانيا ،المجموعة االقتصادية األوروبية.باالضافة
إلى البلدان الصناعية الحديثة (،كوريا الجنوبية ،وتايوان ،وسنغافورة ،وهونج كونج) والتي
وتطرح العالقة بين االقتصاد والعالقات الدولية العديد من المشاكل والقضايا المعقدة،
حيث يتم استغالل التفوق االقتصادي لبعض الدول لتصريف الخالفات ،وتحقيق األهداف
75
القومية للدول المهيمنة ،أو التأثير على بعض البلدان النامية والتحكم في مصيرها من خالل
-الحظر التجاري :شكلين من الحظر أما حظر كلي شامل أو حظر جزئي محدود،
وتعتبر إجراءات الحظر بشكلها الكلي والجزئي أحد أكثر أشكال العقوبات االقتصادية فعالية
مثال الحظر الذي فرضته األمم المتحدة على العراق ،الحظر في السياسة الدولية،
-المقاطعة االقتصادية :تعني االمتناع عن شراء سلع تنتجها دولة معينة ،ويعتبر هذا
اإلجراء اقل تأثي ار من إجراء الحظر ،في أن الذي يفرض الحظر هي الحكومات بينما الذي
يمارس المقاطعة هي الشركات والمؤسسات واألفراد ،من خالل دوافع وطنية مثال مقاطعة
-التعريفات الجمركية :وهي سياسة يتم بموجبها فرض ضرائب جمركية على الواردات من
المحلية. للصناعة الحماية توفير هو الهدف يكون وقد األجنبية, الدول
-الحصص :تستخدم بعض الدول نظام الحصص للسيطرة على استيراد بعض الحصص،
التي تستخدمها الدول المانحة (الدول الغربية) في سياستها الخارجية تجاه دول العالم الثالث،
والهدف الرئيسي من وراء تقديم هذه المس اعدات هو فرض سياسات معينة على الدول
76
المتلقية للمساعدات ,وبعد نهاية الحرب الباردة وضعت الواليات المتحدة األمريكية والدول
ومن بينها قيام هذه األخيرة بتطبيق الغربية شروطا لمنح المساعدات للدول النامية،
ميدان العالقات الدولية؟ بلى إنها عامل مهم وحيوي ومؤثر في العالقات الدولية ،فالتسابق
مختلف المجاالت كل يوم تقريبا فها نحن نشهد ثورة المعلومات وعالم الحواسيب
واالنترنيت ،فالمعلومة أينما كانت ومهما كان مصدرها أصبحت متاحة أمام الجميع لإلطالع
عليها وبالتالي إجراء ما يلزم عليها سواء من قبل األفراد والمؤسسات أو الدول .وليس دور
التقد م التكنولوجي في دعم القدرة االتفاقية وبالتالي القوة االقتصادية للدولة ،فيكفي أن نلقي
نظرة فاحصة على نوعية األساليب التكنولوجية المستخدمة في عمليات اإلنتاج داخل الدول
المتقدمة لكي نتبين هذه الحقيقة الهامة .فالتكنولوجيا أكفأ وسائل استغالل اإلمكانيات
الطبيعية والمادية والبشرية المتاحة وذلك بدال من الركون إلى نماذج االستغالل التقليدية التي
ال توفر االستفادة القصوى من تلك الموارد ،ومن ناحية ثانية ،فقد انطلق اإلنتاج بفضل هذا
التطور التكنولوجي إلى آفاق جديدة لم يكن من المتصور أنه سيصل إليها
وعسكرية وغيرها ،مما دفع الدول للتسابق في الوصول إلى قمة الهرم العلمي والتكنولوجي
77
لكي تتفوق على غيرها وتحتل مكانة ذات تأثير بالغ ومهم في العالقات الدولية ،ومن أمثلة
وبريطانيا وفرنسا وغيرها وهذا ما جعل لها مكانة خاصة ومميزة في الميزان الدول.
78