You are on page 1of 78

‫مادة المدخل الى العلاقات الدولية‬

‫مسكل القانون ابللغة العربية الاسدس ا ألول‬


‫اجملموعتني ‪C-D‬‬

‫م‬ ‫ن‬ ‫غ‬‫ل‬


‫الأستاد عيد ا ى اري‬
‫ع‬

‫الموسم الجامعي‪2023-2022‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫تعد العالقات الدولية فرع من فروع العلوم السياسية ‪ ،‬التي تعد بدورها تابعة للعلوم‬

‫االجتماعية والتي يحكمها مبدأ قانون النسبية ‪ ،‬فقواعده و أصوله ال تخضع إلى المطلق ‪،‬‬

‫فال توجد حقيقة مطلقة مسلم بها‪ ،‬وتعنى العالقات الدولية‪ ،‬من ناحية داللة المصطلح بدراسة‬

‫العالقات بين مختلف الوحدات المكونة للبيئة الدولية و كيفيات تأثير تفاعالتها الصراعية‬

‫والتعاونية‪ ،‬على اعتبار أن عالقات التواصل المستمر‪ ،‬في حقيقتها لم يطبعها التساكن‬

‫والتظافر بين المجتمعات البشرية فحسب‪ ،‬ابل طالما عرفت التنازع والتصارع باستمرار‬

‫وبأحجام مختلفة‪ ،‬وفي أماكن متعددة‪ ،‬تبعا للظروف ومتغيراتها التي ال تستقر على حال‪،‬‬

‫ضمن حركة التطور والتحول‪ ،‬ونتيجة مقتضيات المصالح والقيم‪ ،‬في صيرورة بشرية تطبعها‬

‫االنتظام ‪.‬‬ ‫الفوضى وتخللها‬

‫هذه التفاعالت تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على توجهات الكبرى للسياسة‬

‫الدولية‪ ،‬وكذا على اختيارات كل من وحداتها السياسية ذات سيادة‪ ،‬وباقي الوحدات‬

‫االجتماعية واالقتصادية الثقافية‪.‬‬

‫ويعمل علم العالقات الدولية على تفسير تلك الحركيات الدولية عبر االعتماد على‬

‫األطر النظرية للعالقات الدولية وصالتها بالعلوم السياسية‪ ،‬الجغرافيا‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬واالقتصاد‪،‬‬

‫والقانون‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬علم النفس‪...‬‬

‫‪2‬‬
‫وسنحاول اإلجابة من خالل محاور مادة مدخل للعالقات الدولية ‪ ،‬على مجموعة من‬

‫التساؤالت التي تؤطر حقل العالقات الدولية ‪ ،‬وتفرض نفسها على الباحثين في هذا المجال‪،‬‬

‫وغايتنا تحيق األهداف التالية‪:‬‬

‫❑ ضبط ماهية العالقات الدولية تطورها‪ ،‬وتمييزها عن بعض المفاهيم المركزية ذات‬

‫الصلة ( السياسة الخارجية‪ ،‬النظام الدولي‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬القانون الدولي)؛‬

‫❑ التمكين من المعرفة العامة ألبرز المدارس والنظريات التي تساعد على فهم‬

‫وتفسير وتأويل واقع العالقات الدولية؛‬

‫❑ التعرف على العوامل المؤثرة في العالقات الدولية (العوامل الجيوسياسية‪ ،‬العسكرية‬

‫االقتصادية‪ ،‬التكنولوجية‪ ،‬الخ‪)...‬؛‬

‫‪3‬‬
‫المحور األول‪ :‬مدخل تمهيدي‬

‫أوال‪ :‬ماهية العالقات الدولية‬

‫لم تعد العالقات الدولية موضوعا لفئة قليلة من الناس‪ ،‬بل انها ظاهرة واسعة ومعقدة‬

‫ذات آثار متعددة الجوانب على الجميـع تقريبـاً‪ .‬واذا كـان المختصون في العالقات الدولية‬

‫ينظرون الى حقلهم بوصفه حقالً أكاديميـاً‪ ،‬فأن المواطن العادي اصبح مرتبطا به بشكل أكثر‬

‫الن اال حداث الدولية تؤثر على حياة الناس بصورة عامة‪ .‬خاصة بعد التطور واالنتشار‬

‫الواسع لوسائل االعالم السمعية البصرية وكذا وسائل التواصل االجتماعي ‪.‬‬

‫‪ -‬فما هو تعريف العالقات الدولية ؟‬

‫‪ -‬وكيف نشأت وتطورت العالقات الدولية؟‬

‫ما هي أوجه التشابه واالختالف بين العالقات الدول ية وبعض المفاهيم ذات الصلة؟‬ ‫‪-‬‬

‫أ– تعريف العالقات الدولية‬

‫إن التعريف بالعالقات الدولية وماهيتها ليس مسـألة سـهلة كما يتصورها البعض‪ ،‬بل‬

‫هي في غاية الصعوبة والتعقيد‪ ،‬وعلى الـرغم من الجهود الكبيرة المبذولة منذ عـام ‪1648‬‬

‫عنـدما انبثـق نظـام الـدول القوميـة الحـديث إلـى حيـز الواقـع‪ ،‬اثـر التوقيـع علـى معاهـدة‬

‫وسـتفاليا الشـهيرة وحتـى يومنـا هـذا‪ ،‬يصـعب علـى الدارسـين والبـاحثين إعطـاء تعريف جامع‬

‫وشامل للعالقات الدولية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ومع تطور الدراسات المتخصصة في العالقات الدولية ظهر سيل من التعريفات مما‬

‫يجعل مهمة الباحث عسيرة في تناولها‪ ،‬وترتيبها‪ ،‬والكشف عن المعايير التي استخدمت في‬

‫بناء تلك التعريفات‪ ،‬وسنحاول رصد أهمها في ما يلي‪:‬‬

‫❑ التعريفات التي ارتكزت على أطراف العالقات الدولية‬

‫الدولة هي الطرف الوحيد‪ :‬هناك عدد كبير من الباحثين يرون بأن الدولة هي‬ ‫‪-‬‬

‫الطرف الوحيد في العالقات الدولية‪ ،‬وأن الفاعلين اآلخرين ال يمثلون إال كيانات تترجم إرادة‬

‫الدولة ‪ .‬ويقدم" ريمون آرون "تعريفا للعالقات الدولية يعتبر إنها تمثل العالقات بين الوحدات‬

‫السياسية المستقلة الموجودة في العالم‪.‬‬

‫أما" كوينسي رايت "فيعرفها بأنها" العالقات القائمة ما بين مجموعات سياسية ذات‬

‫سلطة‪ ،‬مع التشديد على مكانة الدولة القومية )بينما يرى في موضع أخر بأنها عالقات‬

‫شاملة تشمل مختلف الجماعات في العالقات الدولية سواء كانت عالقات رسمية أم كانت‬

‫غير رسمية‪ ،‬بينما يؤكد"هنري مورجينثاو "على أن جوهر العالقات الدولية هي السياسة‬

‫الدولية التي مادتها األساسية الصراع من أجل القوة بين الدول ذات السيادة‪ .‬وفي هذا السياق‬

‫مثال يركـز "فيرالي" ‪ Virally‬علـى أن العالقات الدولية تعالج العالقات بين الدول فقط‪،‬‬

‫ويعرفها بالعالقات التـي تربط بين السلطات السياسية التي تحاول التهرب من سلطة سياسية‬

‫أعلى منها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫األفراد كوحدة للتحليل ‪ :‬بمقابل الرأي السابق ‪ ،‬هناك من الباحثين الذين وسعوا‬ ‫‪-‬‬

‫دائرة األطراف في العالقات الدولية ‪ .‬على سبيل المثال " نيكوالس سبيكمان "‪ ،‬عرف‬

‫العالقات الدولية بأنها" العالقات بين أفراد ينتمون لدول مختلفة‪ ،‬والسلوك الدولي هو السلوك‬

‫االجتماعي ألشخاص أو مجموعات تستهدف أو تتأثر بوجود سلوك أفراد أو جماعات‬

‫ينتمون إلى دول أخرى‪ .‬ويعرف "رينولدز" ‪ Reynolds‬العالقات الدولية بأنهـا "تعنـي بد ارسـة‬

‫طبيعة وتصريف آثار عالقات بين أفراد أو جماعات يعملون في مسرح ذي خصوصية‬

‫تسوده الفوضى"‪.‬‬

‫في هذا اإلطار تعتبر االتصاالت بين األفراد عبر الحدود من بين ما يمكن وصفه‬

‫بالعالقات الدولية ‪ ،‬فاألفراد الذين يسافرون عبر الحدود‪ ،‬والتجارة التي تنقل من دولة إلى‬

‫أخرى‪ ،‬والبعثات التي يتم تبادلها‪ ،‬والمنظمات التي ترعى تلك العالقات سواء كانت حكومية‬

‫أو غير حكومية‪ ،‬تدخل جميعا في إطار العالقات الدولية‪.‬‬

‫العالقـات الدوليـة كنظـام أو منظومة أو نسق هنالك بعض التعريفات التي تنظر‬ ‫‪-‬‬

‫إلى العالقات الدولية كنسق ‪ ،‬وهذه النظرة برأيهم تساعد على بلورة رؤيـة شاملة للعالقات‬

‫الدولية‪ ،‬وذلك بتنظيم الوقائع واألحداث والربط بينها ‪.‬هذا المفهوم أستعير أساسا من علوم‬

‫الطبيعية‪ ،‬ومن أوائل الذين عرفوا النظام "برتاالنفي" ‪ Bertalanffy‬الذي يقول إن النظام هو‬

‫"مجموعـة مـن العناصر ذات التبعية المتبادلة أي المرتبطة فيما بينها بشكل يؤدي تغييـر‬

‫أحدها إلى تغيير األخرى‪ ،‬وبالتالي يتبدل المجموع‪".‬‬

‫‪6‬‬
‫وعلى العموم إن التعريف بالعالقات الدولية وماهيتها ليس مسألة سهلة‪ ،‬كما يتصورها‬

‫البعض بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد فإذا كان مصطلح العالقات الدولية يتضمن‬

‫اإلشارة إلى العالقات بين الدول فقط‪ ،‬فانه في الواقع أوسع مدى من ذلك بكثير‪ ،‬ذلك أن‬

‫المقصود من المصطلح هو رصد كافة االتصاالت بين الدول والحركات الوطنية وحركات‬

‫األفراد‪ ،‬واألفكار والسلع‪ ،‬عبر الحدود الوطنية‪.‬‬

‫وبالتالي فان العالقات الدولية تعكس كافة صور المبادالت التي تجري بين األطراف‬

‫المختلفة عبر الحدود‪ ،‬وفي نفي السياق يتجه تعريف كالفي هولتسي فيذهب إلى أن‬

‫العالقات الدولية تنشأ داخل كل مجموعة من كيانات سياسية ‪ ،‬قبائل ‪ ،‬دول ‪ ،‬مدن ‪ ،‬أمم ‪،‬‬

‫إمبراطوريات ‪ ،‬تربط بينها تفاعالت تتميز بقدر كبير من التواتر ووفق من االنتظام‪ ،‬في حين‬

‫يرى "مارتن غريفيش" بأنها‪ :‬مجموعة المبادالت التي تعبر الحدود أو تحاول عبورها‪.‬‬

‫وفي ظل هذا الجدل ‪ ،‬حول االستعمال الضيق أو الواسع لمصطلح العالقات الدولية‪،‬‬

‫فإن االتجاه العام في األوساط األكاديمية يميل إلى المعنى الواسع للمصطلح‪ ،‬ومزية ذلك أنه‬

‫يفتح أمام المعرفة العلمية إمكانات هائلة للبحث بتوسع االمتداد التاريخي و المجالي الذي‬

‫تغطيه الظاهرة‪.‬‬

‫❑ تعريفات ترتكز على مجال اهتمام العالقات الدولية‬

‫هناك خالف بين الباحثين حول ماهية العالقات الدولية‪ ،‬هل إنها تحصر موضوعاتها‬

‫في النشاطات السياسية ‪ ،‬أو تتخطاها إلى نشاطات أخرى‪ ،‬في عصر أصبحت الشركات‬

‫‪7‬‬
‫والمنظمات الدولية والتبادل الثقافي واالجتماعي تتخطى حدود الدول وتؤثر على السياسة‬

‫وتتأثر بها‪ .‬وعلى أساس العالقات السياسية يعرف" محمد سامي عبد الحميد "العالقات‬

‫الدولية بأنها" كل عالقة ذات طبيعة سياسية أو من شأنها إحداث انعكاسات‪ ،‬أو آثار سياسية‬

‫تمتد إلى ما وراء الحدود اإلقليمية لدولة واحدة‪.‬‬

‫وبالمقابل هناك من يركز على المفهوم الواسع للعالقات الدولية‪ ،‬فمثال يعرفها " بطرس‬

‫غالي فيقول" إننا نفضل عدم وصف العالقات الدولية بأنها سياسية‪ ،‬ألنه إذ كان الجانب‬

‫السياسي هو الغالب فيها‪ ،‬فإن لبعض العناصر األخرى من ثقافية واقتصادية واجتماعية ال‬

‫يقل عن أثر السياسية‪ .‬ويرى" فردريك هارتمان"‪ ،‬أن مصطلح العالقات الدولية يشمل كل‬

‫االتصاالت بين الدول وكل حركات الشعوب والسلع واألفكار عبر الحدود الوطنية‪.‬‬

‫❑ تعريفات ترتكز على الغرض من دراسة العالقات الدولية‬

‫العنصر الذي يجمع بين مختلف التعريفات التي تعتمد على الهدف من دراسة‬

‫العالقات الدولية ‪ ،‬هو التركيز على أهمية دراسة العالقات الدولية في ترسيخ الفهم وترشيد‬

‫التعامل مع التفاعالت الدولية‪ .‬وفي هذا السياق يعرف" جون بورتون" العالقات الدولية‬

‫بأنها‪:‬علم يهتم بالمالحظة والتحليل والتنظير من أجل التفسير والتنبؤ‪ ،‬بما يؤدي إلى حل‬

‫المشكالت الدولية‪ ،‬والمساهمة في تطوير العالقات بين الدول‪ ،‬وتحقيق نتائج أفضل‬

‫لالستقرار والسالم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وفي نفس السياق يحدد" محمد طه بدوي "هدف العالقات الدولية في" التحليل‬

‫الموضوعي ألحداث الواقع الدولي لكونه يرتكز إلى الواقع المحسوس"‪ ،‬وذلك بعكس ما تقوم‬

‫به النظريات الفلسفية التي ترتكز على بديهيات أو مسلمات ال تحقق تجريبيا‪ ،‬فيقدم لها‬

‫تعريفا علميا ويعرفها بأنها" العلم الذي يعنى بواقع العالقات الدولية واستقرائها بالمالحظة‬

‫والتجريب أو المقارنة من أجل التفسير والتوقع ‪1‬‬

‫ويرى "فردريك دون" ‪ Dunn Fredrick‬إن هدف العالقات الدوليـة هـو السعي للحصول‬

‫على معرفة عامة حول السياسـة‪ .‬وتشـتمل العالقـات الدولية على وسائل وطرائق تحليل‬

‫االفتراضات والوقائع السياسـية عـن طريق إجراء االستنباط وتصنيف األهداف القيمية واختبار‬

‫البدائل وبيـان نتائجها المحتملة واختبار الطريقة األكثر مالئمة للوصـول إلـى الغايـة‬

‫المطلوبة‪.‬‬

‫ب‪ -‬نشأة وتطور العالقات الدولية‬

‫إذا كانت العالقات الدولية كظاهرة إنسانية قد وجدت مع ظهور المجتمع البشري وتابعت‬

‫تطورها بشكل فعلي وبخاصة منذ ظهور الدولة الحديثة‪ ،‬إال أن ظهور العالقات الدولية‬

‫كمجال بحثي وحقل دراسي قد تأخر إلى بدايات القرن العشرين ‪.‬لذلك فإن البحث في نشأة‬

‫العالقات الدولية يقتضي التمييز بين اعتبارها ظاهرة تاريخية‪ ،‬وحقل معرفي‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد طه بدوي ‪:‬مدخل إلى علم العالقات الدولية ‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت ‪ ،1978‬ص ‪73‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ ‬العالقات الدولية كظاهرة تاريخية‬

‫قد يكون من الصعب‪ ،‬إن لم يكن من المستحيل‪ ،‬تحديد تاريخ ظهور العالقات الدولية تحديدا‬

‫دقيقا ‪.‬فالتمييز بين الحرب والسالم يبدو مرتبط بتكون المجتمعات المنظمة غير إن مستوى‬

‫كبير من قارة إلى أخرى وفي الفترة الزمنية نفسها ‪.‬‬


‫التنظيم يختلف اختالف ا‬

‫لقد نشأت العالقات بين الكيانات المختلفة والقوى المتباينة منذ نشوء الجماعات‬

‫البشرية‪ ،‬ثم قامت القبائل وتطورت وعرفت الحرب والسلم والتجارة وأنماط من التعاون‬

‫والصراع‪ ،‬ومن هنا يمكننا القول بأن تاريخ تلك العالقات قديم منذ خلق اإلنسان واستخالفه‬

‫على األرض ‪.‬ولكن وعلى الرغم من ذلك فان العالقات بين الدول القومية ذات السيادة تشكل‬

‫المساحة الرئيسية في حقل العالقات الدولية المعاصرة‪.‬‬

‫وبنوع من االختصار سنحاول تقسيم تطور العالقات الدولية الى مرحلتين‪ :‬العالقات الدولية‬

‫في العصور القديمة والوسطى‪ ،‬ثم العالقات الدولية في العصر الحديث‪.‬‬

‫✓ العالقات الدولية في العصور القديمة والوسطى‬

‫لقد ذكرنا أن العالقـات الدوليـة قديمـة قـدم اإلنسـانية ‪،‬غير أن هـذه العالقات كانت قائمة‬

‫في الغالب على الحروب والفتح والتوسع‪ ،‬ومن هذا المنطلق وفي سياق المعرفة التاريخية‬

‫المسجلة‪ ،‬يمكن الحديث عن بعض العالقات بين الشعوب في الحضارات القديمة‪ ،‬التي‬

‫سادت ثم بادت في هذا المضمار‪ ،‬فنذكر على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬حضارة اآلشوريين‪،‬‬

‫البابليين‪ ،‬والفينيقيين‪ ،‬والفرس واإلغريق الفراعنة‪ ،‬العبريين‪ ،‬والهنود الضاربة في القدم‪ ،‬والتي‬

‫‪10‬‬
‫تدل داللة قاطعة على قواعد التعامل وربط الصالت من خالل القوانين الوضعية لحمورابي‬

‫وحفريات وأوراق البردي المصرية‪ ،‬واأللواح البابلية والوصايا العبيرية‪.‬‬

‫جدوى تحقيق المصلحة المشتركة باللجوء إلى‬


‫ً‬ ‫أدركت الشعوب البدائية بالفطرة‬
‫ولقد ً‬

‫الطر ًق السلمية عن طريق المفاوضات وعقد االتفاقيات‪ ،‬وأدى ذلك إلى ظهور بعض القواعد‬

‫تمثلت في أن إرسال البعثات في هذه المرحلة اقتصر على القيام بالتباحث حول أمور‬

‫المصاهرة والزواج ‪ 2‬بين القبائل‪ ،‬أما القبائل القريبة فكانت الدعوة إلى عقد اجتماعات عامة‬

‫بهدف التباحث حول عدة شؤون منها ‪:‬الصيد‪ ،‬ممارسة الشعائر الدينية‪ ،‬األعياد‪.‬‬

‫ففي العصور القديمة وبالذات في عهد الفراعنة‪ ،‬كانت مصر الفرعونية ذات عالقات‬

‫بالدول المجاورة‪ ،3‬كما اتبعت سياسية خارجية قائمة على مبدأ توازن القوى‪ .‬واستطاعت‬

‫أن تبرم معاهدة مع الحبشيين التي تضمنت مبدأ السالم الدائم ومبدأ التحالف الدفاعي بين‬

‫الدولتين ضد أي عدوان خارجي‪.‬‬

‫فيما العالقات بـين المـدن اليونانيـة اتصـفت بنـوع مـن الثبـات والنظام وخاصة في أوقات‬

‫السلم حيث كانت قائمة على التعاهد وتبادل البعثات الدبلوماسية المؤقتة‪ ،‬وكانت كلما تحدث‬

‫الخالفـات فيمـا بيـنهم‪ ،‬يلجــأون إلــى التحكــيم كمــا جــاء فــي ( عقد معاهدة سالم نيكياس بين‬

‫اثينا وأسبرطة ‪421‬ق م)‪ ،‬ومعاهدات عديدة والتي كانت تبرم في األساس إلقامة األحالف‬

‫‪ - 2‬عرفت شعوب شمال إفريقيا عالقات متنوعة قد وصلت إلى درجة المصاهرة كالذي حدث بين مصر الفرعونية‬
‫والمغرب عندما تزوج الملك المغربي يوبا الثاني من ابنة كليوباطرة بمصر (حكم المغرب ما بين ‪ 25‬ق‪.‬م إلى سنة ‪33‬م)‬
‫‪ - 3‬قد خص القران الكريم مصر بالذكر أو باإلشارة في مواطن كثيرة‪ ،‬فتارةً في قصة موسى عليه السالم مع الفرعون‪،‬‬
‫ض"‪ ،‬وهذه اآلية تحمل أكثر من دالالت وأمارات‬ ‫وأخرى في قصة يوسف علية السالم قال ‪" :‬اجْ عَ ْلنِي َ‬
‫علَى خَزَ ائ ِِن ْاْلَرْ ِ‬
‫ظاهرة لوصف حال وشؤون ذاك الزمان‪،‬‬
‫‪11‬‬
‫العسكرية التي تقودها دويلة قوية تملي إرادتها وتضم تحت جناحها بعض الدويالت األقل‬

‫قوة‪ ،‬مثل حلف" أسبارطة "الذي أبرمت معاهدته بين القرنين السابع والسادس قبل الميالد‪.‬‬

‫بعد اإلغريق ظهر العهد الروماني‪ ،‬حيث تأثرت خاللها اإلمبراطورية الرومانية بالتراث‬

‫الموروث عن الحضارات القديمة واإلغريق على الخصوص‪ ،‬فيما يتعلق باعتماد المعاهدات‬

‫والتحكيم في العالقات الخارجية‪ ،.‬غير أن هذه الخصائص ما لبثت ان تالشت‪ ،‬فظهر نتيجة‬

‫لذلك تحول في السلوك السياسي الخارجي حيث تنكر الرومان لألخالقيات والقيم المتعارف‬

‫عليها‪ ،‬وبدأ البطش والقوة‪.‬‬

‫أما في العصور الوسطى التي تبدأ من الحقبة التاريخية التي امتدت قرونا منذ تاريخ‬

‫سقوط روما في يد الجرمان سنة ‪ 476‬م إلى تاريخ سقوط بيزنطة في يد العثمانيين سنة‬

‫‪1953‬م‪.‬‬

‫منذ سقوط اإلمبراطورية الرومانية الغربية سنة ‪ 476‬م‪ ،‬ولقد تميز البناء السياسي في‬

‫ذلك الوقت بسيادة النظام اإلقطاعي الذي اتسم بتجزئة السلطة السياسية بين أشكال مختلفة‬

‫تابعة بعضها البعض‪ ،‬بروابط شخصية ‪ .‬حيث لم تكن هناك حكومة مركزية تستطيع أن‬

‫تحفظ األمن والنظام وتفرض نفوذها على سائر األرجاء‪.‬‬

‫وال احد ينكر دور الدين في هذه الفترة في ربط جميع الوحدات السياسية المختلفة في‬

‫وحدة سياسية واحدة‪ ،‬من خالل هيمنة الكنيسة على السلطتين الروحية والزمنية ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وقد كان لظهور اإلسالم عالمي النزعة‪ ،‬وانتشره بسرعة عن طريق الدعوة واعتناق شعوب‬

‫لإلسالم‪ ،‬دور كبير في تطور العالقات الدولية‪ ،‬حيث كانت الدبلوماسية تخضع لقواعد دقيقة‬

‫في توثيق العالقات الثقافية والتجارية‪ ،‬وعقد‬ ‫وتنظيم في أصول واضحة‪ ،‬واستخدمت‬

‫المسلمون عددا كثي ار من معاهدات واتفاقيات حسن الجوار والصداقة والتحالف‪ ،‬وميز الفقهاء‬

‫في هذا اإلطار بين دار اإلسالم التي اصطلحوا على إطالقها على الدولة أو الدول‬

‫اإلسالمية ودار الحرب التي يعني بها الدول التي يدين أهلها بتعاليم مخالفة لألحكام اإلسالم‪.‬‬

‫وقد خلق قيام الدولة اإلسالمية اهتمامات جديدة سياسية واجتماعية ودينية‪ ،‬حيث أخذت‬

‫العالقات الدولية مظه ار جديدا بهدف نشر رسالة االسالم ‪.‬حيث أنه منذ عهد النبي صلى للا‬

‫عليه وسلم نظم المسلمو ًن عالقاتهم مع غيرهم من األمم والشعوب والقبائل‪ ،‬سواء في حال‬

‫السلم أو الحرب تنظيما رائدا رعي فيه ما كان مألوفا من قيم العالقات الدولية والتي ال‬

‫تتعارض ومفاهيم الدين الجديد‪ ،‬مع إضافة بعض القيم التي كان يفتقدها عرف العالقات‬

‫الدولية الذي كان سائدا آنذاك‪ ،‬فقد مارس المسلمو ًن الدبلوماسية‪ ،‬بالمعنى والمضمو ًن من‬

‫خالل المفاوضات وإبرام المعاهدات وتبادل المصالح‪ ،‬وما اتسمت به هذه العالقات من فن‬

‫الفطنة والذكاء والكياسة ‪.4‬‬

‫‪ - 4‬فتاريخ الدعوة اإلسالمية وأسلوبها التي قامت عليه من عصر صاحب الرسالة محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لم يخرج على الخط الذي حدد‬
‫سيرتها قوله تعالى لنبيه الكريم " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" سورة النحل االية ‪.125‬‬

‫‪13‬‬
‫✓ العالقات الدولية في العصر الحديث‬

‫مع بداية انهيار نظـام اإلقطـاع واقتـراب العصـور الوسـطى فـي أوربــا مــن نهايتهــا‪ ،‬بــدأ‬

‫ظهــور الــدول القوميــة الحديثــة التــي تميــزت باالستقالل في مباشرة سلطتها على إقليمها‬

‫وعلى السكان المسـتقرين في نطاق هذا اإلقليم ‪ .‬إن هذا التحول برمته أدى وألول مرة إلـى‬

‫ظهـور أولــى الــدول القوميــة كــانجلترا‪ ،‬فرنســا‪ ،‬اســبانيا‪ ،‬البرتغــال‪ ،‬وهذه الحقيقة التاريخية هي‬

‫التي هيأت األساس نحو قيام النظام الدولي األوروبي‪ ،‬وكانت الدول القومية هي وحدة‬

‫التعامل الدولي األساسية فيه‪ ،‬وكانت العالقات تتم على المستوى الرسمي بين الحكومات‪،‬‬

‫وتمثلت العناصر الرئيسية لهذا النظام في ‪:‬مبدأ السيادة القومية‪ ،‬ومبدأ عدم التدخل في‬

‫الشؤون الداخلية للدول األخرى‪ ،‬ومبدأ الوالء القومي‪.‬‬

‫ويمكن القول أن معاهدة وستفاليا ‪5 1648‬نقطة التحول في تاريخ العالقات الدولية‪،‬‬

‫وذلك الن هذا المؤتمر بالنسبة ألوروبا والغرب عموما بمثابة نقطة االنطالق في تنظيم‬

‫العالقات الدولية على أسس جديدة واضحة المعالم وساهمت هذه المعاهدة في ‪:‬‬

‫‪1- - 5‬كانت المعاهدة سنة ‪ 1648‬بين القوى اْلوربية المتصارعة‬


‫‪ 2-‬أنهت هذه المعاهدة النظام اإلمبراطوري المسيحي الذي ساد في العصور الوسطى لتستبدله باتحاد بين الدول الجرمانية‬
‫‪ 3-‬أقرت هذه المعاهدة مبدأ المساواة بين الدول بمعزل عن نظمها الداخلية ‪ -4‬أدت إلى ترجع سلطان البابا والقوى الدنية‬
‫المحيط به‬
‫‪ 5-‬أدت إلى إحالل نظام السفارات الدائمة محل المؤقتة ما أدى إلى إقامة عالقات دائمة بين الدول وانطالق القانون الدولي‬
‫وتنظيم العالقات الدولية االوروبية‬
‫‪6-‬مهدت لقيام الدولة المدنية عقب الدولة الدينية‬
‫‪ 7-‬وظهور فكرة سيادة الدولة وأطلقت فكرة الدولة القومية وقادت فكرة السيادة إلى نظرية توازن القوى‬
‫‪ 8-‬أمتد تأثير معاهدة وستفاليا حتى مطلع الحرب العالمية اْلولى‬

‫‪14‬‬
‫❖ تعـد فاتحـة لمـا سـمي فيمـا بعـد "دبلوماسـية المـؤتمرات" التـي اتخذت صورة مقابالت‬

‫بـين الملـوك واألمـراء لتبـادل وجهـات النظـر ‪ ,‬فصلح وستفاليا كان نتيجة ألول اجتماع عقد‬

‫بين الملوك واألمراء في هيئة مؤتمر‪..‬‬

‫❖ أقرت مبدأ المسـاواة بـين الـدول دون النظـر إلـى ن ظمهـا الداخليـة ‪ ,‬نظمها الدينيـة‬

‫فكانـت هـذه المعاهـدة بمثابـة الخطـوة األولـى نحـو تثبيت علمانية العالقات السياسية الدولية ‪.‬‬

‫أقــرت نظــام إحــالل البعثــات الدبلوماســية الدائمــة محــل البعثــات الدبلوماسية المؤقتة‬ ‫❖‬

‫وهذا القـرار أدى فيمـا بعـد الـى إقـرار القواعـد الدبلوماسية المتمثلة بالحصانات واالمتيازات‬

‫الخاصة برجال السلك الدبلوماسي والتي لم تكن معروفة من قبل ‪.‬‬

‫أقرت فكرة توازن القوى بـين دول أوروبـا باعتبارهـا وسـيلة لصـيانة السالم من خالل‬ ‫❖‬

‫ردع الدولة التـي تسـعى إلـى التوسـع علـى حسـاب دول أخرى‪ ,‬والحيلولة دون هـذا التوسـع‬

‫لكـي ال يختـل تـوازن القـوى بين الدول‪.‬‬

‫وقد اسـتقر الحـال فـي أوروبـا علـى هـذا الوضـع إلـى أن حاولـت فرنسـا توسيع ممتلكاتها‬

‫علـى حسـاب الـدول المجـاورة لهـا ‪ ،‬دون م ارعـاة لمبـدأ التوازن الذي اقر في مؤتمر وستفاليا‪،‬‬

‫فبدأت حقبة يمكن ان نصطلح عليها عهد المؤتمرات ‪،‬فبعد أن تحالفت الدول ضـد فرنسـا‬

‫واشتبكت معها في حـرب طويلـة انتهـت بتوقيـع معاهـدة اوترخـت عـام ‪ ، 1713‬التي أنهت‬

‫سلسلة الحروب التي قادتها فرنسا لتوسيع مملكتها على حساب جيرانها دو ًن مراعاة فكرة‬

‫والتي أعيد بمقتضاها تنظيم أوروبـا علـى أسـاس فكـرة تـوازن القوى‪،‬‬ ‫التوازًن الدولي‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫ومؤتمرات الهاي للسالم ‪،1907-1899‬الذي يعتبر أول جمعية عمومية لبحث مسائل‬

‫التعاون الدولي‪ ،‬ومن مخرجاته ا النظر في وجوب تطوير وتدوين القانون الدولي‪ ،‬ومحاولة‬

‫إرساء آلية لفض النزاعات الدولية‪ ،‬وإقرار مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية عن طريق‬

‫لجان التحقيق وإنشاء محكمة التحكيم الدائمة‪.‬‬

‫ويعتبر مؤتمر فيينا الذي عقد في مارس سنة ‪ 1815‬إلعادة تنظيم العالقات السياسية‬

‫بين الدول األوروبية‪،‬‬

‫باجتماع ما يقارب الخمسين ملكا وأمي ار وحوالي تسعين وفدا تم عقد أول مؤتمر بعد‬

‫مؤتمر وستفاليا من اجل إيجاد السبل لعقد سالم دائم بين الدول األروبية‪ ،‬ال سيما بعد‬

‫حروب نابليون‪ ،‬وقد نتج عن هذا المؤتمر عدة ق اررات ومبادىء اعتبرت بمثابة قواعد ثابتة‬

‫في بناء الدبلوماسية الحديثة‪.‬‬

‫مع كل ذلك واجه نظام توازن القوى تحديات صعبة‪ ،‬وبلغت التناقضات بين الدول‬

‫األوروبية ذروتها مع مطلع القرن العشرين‪ ،‬وانهار سنة ‪ 1914‬باندالع الحرب العالمية‬

‫األولى‪.‬‬

‫✓ العالقات الدولية في العصر التنظيمات‬

‫الدول الخمس‬
‫ً‬ ‫انتهت الحرب العالمية األولى بفرض خمس معاهدات للصلح على‬

‫المنهزمة‪ ،‬وشكل الحلفاء بعد نهاية مؤتمر فرساي لعام ‪ 1919‬مجالس عليا للحلفاء‪ ،‬وبنفس‬

‫ودرو ويلسون "أمكن إنشاء أول منظمة دولية ذات‬


‫ً‬ ‫السنة بفضل أفكار الرئيس األمريكي"‬

‫‪16‬‬
‫تحول بارزة‬
‫ً‬ ‫اتجاه عالمي وذات طابع سياسي هي منظمة "عصبة األمم"‪ ،‬يعد إنشاؤها نقطة‬

‫في تاريخ القانو ًن الدولي والعالقات الدولية‪.‬‬

‫وبعد فشل عصبة األمم في تحقيق أهدافها ‪ ،‬ظهرت منظمة األمم المتحدة وعملت على‬

‫االهتمام بتقنين وتنظيم قواعد العالقات الدبلوماسية‪ ،‬ونجحت في تحضير وإقرار أكثر من ‪،‬‬

‫وهي اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪، 1961‬اتفاقية تهتم بالعمل الدبلوماسي ككل‬

‫واتفاقية فيينا للعالقات القنصلية لسنة ‪ ، 1963‬واتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪، 1969‬‬

‫وأخي ار اتفاقية لتمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية لسنة‪.1975‬‬

‫وبتأسيس األمم المتحدة تكون العالقات السياسية الدولية قد أخذت منحى جديدا قائما‬

‫على أساس نبذ القوة وعدم استخدامها أو التلـويح بهـا فـي العالقات الدولية‪ .‬إال أن كثي ار من‬

‫المبادئ والق اررات لم تترجم إلى الواقع العملي‪ .‬وهكذا لم تستطع أن تقوم بأداء دورها المنطلـق‬

‫مـن المبـادئ واألهداف التي قامت عليها بشكل كامل‪.‬‬

‫ومن خالل هذا المعطى السابق يمكن أن نلخص أبرز مالمح العالقات الدولية‪ ،‬والتي‬

‫تمر بحالة مـن السـيولة والغمـوض‪ ،‬وت ازيـد التناقضات في المجتمع الدولي بين االتجاه إلى‬

‫العولمة والتكامـل‪ ،‬وبـين ظواهر التفتيت والتشرذم‪ ،‬وتراجع األهمية النسبية لعوامل القوة‬

‫العسكرية في مقابل القوة الشاملة للدولـة‪ ،‬وتنـامي أهميـة العامـل االقتصـادي والتكنولوجي‪،‬‬

‫وزيادة ظاهرة االعتماد االقتصادي المتبادل بـين الـدول‪ ،‬وانسحاب المفهوم التقليدي للسيادة‬

‫‪17‬‬
‫القومية المطلقة للدولة‪ ،‬وبـروز قـيم سياسية واجتماعية كالديمقراطية وحقـوق اإلنسـان والبيئـة‬

‫والمجتمـع المدني‪..‬‬

‫‪ ‬العالقات الدولية كحقل معرفي‬

‫كانت المعرفة االجتماعية تاريخيا واحدة وغير مجزاة‪ .‬ولكن مع تزايد نمو وتشعب‬

‫المعرفة حيث حصل تطور في ميادين وشؤون معينة أكثر من ميادين أخرى‪ ،‬أخذت‬

‫المعرفة تنقسم إلى فروع مختلفة‪ .‬ففي القرن الثامن عشر صار هناك تمايز مثال بين الفلسفة‬

‫الطبيعية والفلسفة األخالقية‪ ،‬ثم تحولت التسميات إلى العلوم الطبيعية والعلوم األخالقية‪ ،‬وفي‬

‫القرن التاسع عشر ونتيجة لتأثير كتابات "سان سيمون" و"أوجست كونت" التي ركزت على‬

‫العالقات اإلنسانية في المجتمع صارت العلوم األخالقية تعرف بالعلوم االجتماعية‪ .‬وفي‬

‫سياق هذه التطورات تعود نشأة العالقات الدولية كفرع دراسي إلى أوائل القرن العشرين‪.‬‬

‫ومع نشوب الحرب العالمية األولى والصدمة التي منيت بها المشاريع السابقة التي‬

‫كانت تعول عليها إلبعاد الدول األوروبية عن المجابهة الفعلية‪ ،‬اتجهت األنظار إلى دراسة‬

‫العالقات الدولية من زاوية خاصة يمكن نعتها" بالبحث عن السلم هكذا فإن دراسة العالقات‬

‫الدولية بصورة منهجية وعلمية‪ ،‬أصبحت مطلبا مهما بعد الحرب العالمية األولى‪،‬وقد تزامن‬

‫هذا المطلب مع رغبة توضيح الحياة الدولية بشفافية وعلمية ‪ ،‬والتخلص من الدبلوماسية‬

‫السرية وجعل المراقبة الديمقراطية على السياسة الدولية للدول ممكنة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن العامل األساسي لدراسة العالقات الدولية وارتقائها إلى حقل‬

‫معرفي قائم بذاته‪ ،‬هو الخوف من عودة الحرب ‪ ،‬والبحث عن إجابة للتساؤالت التالية ‪:‬‬

‫كيف يمكن تعريف العدوان وتجنب وقوعه‪ ،‬كيف يمكن السيطرة على الصراعات والنزاعات‬

‫والتحكم بمجراها‪ ،‬وأخي ار ما هو الدور الذي بإمكان المنظمات الدولية ومن واجبها القيام به‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تمييز العالقات الدولية عن المفاهيم المشابهة‬

‫يثير مفهوم العالقات الدولية‪ ،‬العديد من اإلشكاليات النظرية والتحليلية‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫تداخله مع العديد من المفاهيم األخرى التي تتشابه معه‪ ،‬بل تستخدم كمترادفات أو كبدائل‬

‫للداللة على نفس الموضوع‪ ،‬رغم ما بينها من خالفات واضحة‪ ،‬وفي هذا الصدد ستتم‬

‫اإلشارة إلى بع ض تلك المفاهيم التي توحي في الوهلة األولى أنها تؤدي نفس المعنى‪ ،‬لكنها‬

‫بالرغم وجود صلة وعالقة بينها وبين مفهوم العالقات الدولية‪،‬إال أن لكل منها مجال خاص‬

‫وميدان مستقل تتحرك فيه‪ ،‬ويتعلق األمر بكل من السياسة الدولية‪ ،‬النظام الدولي‪ ،‬القانون‬

‫الدولي‪ ،‬السياسة الخارجية‪.‬‬

‫▪ السياسة الدولية‬

‫ينصب اهتمام السياسة الدولية على محاولة التعرف على الكيفية التي تتعامل بها الدولة‪،‬‬

‫مع السياسات الخارجية التي تنتهجها القوى واألطراف الفاعلة فى النظام الدولي‪ ،‬وفى‬

‫طليعتها الدول‪ ،‬سواء ما تعلق من ذلك بمواقف التعاون أو الصراع أو التعامل الروتيني‬

‫‪19‬‬
‫المنتظم من خالل قنوات االتصال والتنسيق والتشاور والتفاوض بالوسائل واألدوات‬

‫الدبلوماسية المتعارف عليها دوليا‪.‬‬

‫بعبارة اخرى إن السياسة الدولية هي حاصل تالقي السياسات الخارجية وتفاعالتها مع‬

‫بعض في المنظومة الدولية بشكل كامل وايضا تفاعالتها مع المنظمات الدولية ومع‬

‫الجماعات الدولية من غير الدول يعني ليس الدول وحسب وانما المنظمات والجمعيات‬

‫والجماعات الدولية كافة وان هذه التفاعالت تشمل جميع جوانب الحياة ليست السياسية‬

‫وحسب وانما االقتصادية واالجتماعية والعسكرية والثقافية ‪..‬الخ‪ .‬وان السياسة الدولية تهتم‬

‫بالسياسات الخارجية لكل الدول وتربطها مع بعضها البعض اي ربط المنظومة الدولية‬

‫والسياسات المحلية لكل الدول بدون استثناء‪.‬‬

‫العالقات الدولية والسياسة الدولية هي تخصصات أكاديمية متداخلة إلى حد كبير‪،‬‬

‫وليس هناك سوى خط رفيع من االختالف ب ين العالقات الدولية والسياسة الدولية‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬

‫تمضي العالقات الدولية بعدة خطوات ‪ ،‬على عكس السياسة الدولية ‪ ،‬حيث تحلل التفاعالت‬

‫بين الجهات الفاعلة في المسرح الدولي مع االهتمام بجداول أعمالها السياسية‪ .‬لذلك‪،‬‬

‫العالقات الدولية لها مجال أوسع من السياسة الدولية‪ .‬هذا هو الفرق بين العالقات الدولية‬

‫والسياسة الدولي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫▪ السياسة الخارجية‪:‬‬

‫السياسة الخارجية هي البرنامج الذي تختاره وحدة دولية ما من بين البدائل المتاحة‬

‫لتحقيق أهدافها على المستوى الدولي‪ ،‬فالسياسة الخارجية والدبلوماسية مهما اال توأمان ال‬

‫ينفصالن فالدبلوماسية ما هي إال اإلرادة التنفيذية للتشريعات والتعليمات والنظريات التي‬

‫تبلورها السياسة الخارجة من خالل و ازرة الخارجية‪.‬‬

‫ويعرف "مارسيل ميرل" السياسة الخارجية بأنها‪ ":‬ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه‬

‫نحو الخارج ‪ ،‬وأية سياسة خارجية حينما تخرج وراء حدود الدولة فإنها تلتقي بغيرها من‬

‫السياسات الخارجية للدول‪ ،‬ومجموع التفاعالت التي تجري في المسرح الدولي هي ليست‬

‫سياسية فقط‪ ،‬وإنما هي أيضا تفاعالت تشمل الجوانب االقتصادية والعسكرية واالجتماعية‬

‫والثقافي ّة وغيرها من أنواع التفاعالت األخرى التي تكون في مجملها ظاهرة العالقات الدولية‪.‬‬

‫وعلى العموم فالسياسة الخارجية تشير إلى جميع اإلجراءات التي تتخذها الدولة فيما‬

‫يتعلق بالدول أو الهيئات الدولية األخرى‪ .‬تختلف هذه اإلجراءات وفًقا لجدول األعمال‬

‫السياسي واالقتصادي للبلد المعني‪ ،‬وتشمل أمور منها ‪:‬‬

‫المشاركة في ا لهيئات والمؤسسات الدولية (مثل األمم المتحدة‪ ،‬ومكتب العمل الدولي‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫ومنظمة الصحة العالمية‪....‬‬

‫التصديق على المعاهدات أو االتفاقيات الدولية (مثل االتفاق الدولي الخاص بالحقوق‬ ‫‪-‬‬

‫المدنية والسياسية‪ ،‬واتفاقية حقوق الطفل‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -‬تقديم الدعم العسكري والهيكلي والمالي للدول والجهات الفاعلة من غير الدول‪.‬‬

‫▪ الدبلوماسية‬

‫الدبلوماسية في معناها الشامل هي العملية الكاملة التي تقيم عبرها الدول عالقاتها‬

‫الخارجية‪ ،‬إنها وسيلة الحلفاء للتعاون‪ ،‬ووسيلة الخصوم لحل النزاعات دون اللجوء إلى القوة‪،‬‬

‫فالدول تتواصل وتساوم وتؤثر إحداها في األخرى وتحل خالفاتها بواسطة الدبلوماسية‬

‫وتتخذ تعريفا بسيطا باعتبارها "الطريقة التي تدار بها العالقات الدولية "ويعطي أحد‬

‫التعريفات أهمية خاصة للدبلوماسية ودورها فهي "خط الدفاع األول"‪ ،‬وهي "الفن والعلم الذي‬

‫تحاول به الدولة تحقيق أهدافها في الس ياسة الخارجية وتفادي الصراع المسلح"‪ ،‬وبهذا المعنى‬

‫يمكن القول "أن الدبلوماسية تنتهي حين تبدأ الحرب‪ ،‬وتبدأ حيث تنتهي" وبهذا المعنى أيضا‬

‫فإن "الدبلوماسية واإلستراتيجية هما جوانب مكملة لهذه السياسة وهي فن إدارة العالقات مع‬

‫دول أخرى إلنماء المصلحة الوطنية"‪ ،‬ويعرفها سير أرنست ستاتو بأنها "تطبيق الحيلة‬

‫والذكاء في إدارة العالقات الرسمية بين الحكومات والدول المستقلة"‪.‬‬

‫إذن أمام شمولية مصطلح العالقات الدولية أصبح تعبير الدبلوماسية في‬

‫يومنا الحالي يشكل جزء منه والخاص باألداء الرئيسية لتنفيذ السياسة الخارجية‬

‫للدول التي هي جزء من العالقات الدولية‪.‬‬

‫▪ القانون الدولي‬

‫ينقسم الى قانون دولي عام وقانون دولي خاص‬

‫‪22‬‬
‫ولكننا نستطيع أن نعرفه بأنه‬ ‫اختلف الفقهاء حول تعريف القانون الدولي العام‬

‫"مجموعة القواعد القانونية االتفاقية الصادرة نتيجة التراضي الصريح أو الضمني للدول‪،‬‬

‫والتي تنظم المجتمع الدولي وتكون ملزمة لجميع الدول في تصرفاتها على المستوى‬

‫الخارجي‪ ،‬كما تحدد حقوق كل دولة وواجباتها في مواجهة غيرها من الدول‪".‬‬

‫ويختلف القانون الدولي عن الداخلي في أن األخير ذو طابع إقليمي حيث يطبق داخل‬

‫إقليم الدولة التي وضعته في حين أن القانون الدولي يطبق على المستوى الخارجي حيث‬

‫ينظم عالقات األشخاص الدولية‪.‬‬

‫أما القانون الدولي الخاص فيحدد العالقات بين المواطنين من مختلف البلدان‪ ،‬فمثالً‬

‫في حال تزوج رجل مغربي وامرأة فرنسية في فرنسا ويعيشان في كندا‪ ،‬ففي حال رغبا في‬

‫الطالق‪ ،‬فإن قواعد القانون الدولي الخاص ستحدد ما إذا كان عليهم الذهاب إلى محكمة‬

‫مغربية أو فرنسية أو محكمة كندا للحصول على الطالق‪ ،‬وينطبق القانون الدولي الخاص‬

‫على األ عمال التجارية‪ ،‬التي تقوم بها الشركات في دول اجنبية‪.‬‬

‫ال يجوز أبدا الخلط بين القانون الدولي والعالقات الدولية‪ ،‬فالقانون الدولي‬

‫هو علم قوانين وليس علم وقائع‪ ،‬ومهمة القانون هي تحديد القواعد المطبقة على‬

‫أطراف اللعبة الدولية وتفسيرها والتحقق من احترامها‪ ،‬كما أن القانون الدولي يوجد‬

‫في بداية ونهاية العالقات الدولية‪ ،‬فهو يأتي في البداية ألن قواعده تحدد الشروط‬

‫القانونية التي يجب أن تتم وفقا لها العالقات الدولية‪ ،‬فهو يضع المبادئ والقواعد التي‬

‫‪23‬‬
‫تحدد ألطراف العالقات الدولية خطوط سيرها (مثال كيف تعقد المعاهدات‪ -‬مبادئ‬

‫المساواة أو عدم التدخل‪ ،)...‬كما أنه يأتي في نهاية العالقات الدولية‪ ،‬وذلك ألنه في‬

‫إطار قانوني (يتمثل في اتفاق دولي أو قرار دولي) يتم إيجاد الحلول للمشاكل الدولية‬

‫المطروحة (حدوث نزاع واللجوء إلى القضاء أو التحكيم)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االتجاهات النظرية في العالقات الدولية‬

‫في البداية نشير إلى أن مفھوم النظرية في العلوم االجتماعية بصفة عامة‪ ،‬يحمل عدة‬

‫معاني‪ ،‬فھو يعني من الناحية األولية مقترح تفسيري عام‪ ،‬أو ھو نسق مترابط منطقيا من‬

‫المقترحات العامة واالفتراضات حول متغيرات معينة‪ ،‬وعلى مستوى العالقات الدولية‬

‫فالنظرية ھي محاولة لتفسير األحداث على الساحة الدولية وفق منظور تفسيري معين يركز‬

‫على جملة من المعطيات والمتغيرات كمفاتيح لفھم وتفسير األوضاع وإمكانية التنبؤ‬

‫بالمسارات المستقبلية التي تتخذھا الظواھر الدولية‪.‬‬

‫ھناك مجموعة من النظريات الكبرى في العالقات الدولية‪ ،‬وتسمى ايضا البراديغمات أو‬

‫النظريات التأسيسية وھي تحدد المنظور األولي للطبيعة ومحتوى العالقات الدولية‪ ،‬او أنھا‬

‫تحدد الصورة اإلدراكية للواقع‪ ،‬حيث يختلف المنظور إلى الفاعل والبيئة والعملية في‬

‫العالقات الدولية بين ھذه النظريات الكبرى إنھا تكشف عن النقاشات الكبرى في العالقات‬

‫الدولية حول الطبيعة االبستيمولوجية لنظريات العالقات الدولية‪ ،‬ووجود براديغمات متنافسة‬

‫في العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫شهدت العالقات الدولية في القرن العشرين تحوالت جذرية من حيـث نطاق تفاعالتها‬

‫وتنوع قضاياها ومشاكلها‪ ،‬وبذلك ساعدت خبرة الماضـي وتجربة الواقع الحاضر على أن تبلغ‬

‫دراسة العالقات الدولية درجة مـن التعقيد والتشابك‪ ،‬بحيث يمكن أن تتعدد وتتباين مناهج‬

‫واتجاهات وطرائق دراستها وفهمها‪ .‬من هنا دخلت النظريات التي كانت سائدة بعـد انتهـاء‬

‫الحرب العالمية األولى‪ ،‬م تمثلة في نظريتي الواقعية والمثالية‪ ،‬في حـوار وجدال حول‬

‫أفضليتها في فهم وتفسير الواقع الدولي الجديد المتولـد مـن نتائج الحرب من جهة‪ ،‬ومناقشة‬

‫موضوع الحرب واحتمـاالت تكرارهـا والسبل الكفيلة بعدم حدوثها مرة أخرى من جهة أخـرى‪.‬‬

‫سـميت تلـك الحوارات بـ"الحوار األول" في مجـال نظريـات العالقـات الدوليـة ‪.‬واستمرت هذه‬

‫الحوارات فترة طويلة بين الحربين امتدت حسـب تعبيـر "إدوارد كار" لمدة عشرون عاما‬

‫من(‪ (1939-1919‬ولم تحسمها إال قيـام الحرب العالمية الثانية التي أيدت أفضلية فرضيات‬

‫النظرية الواقعية فـي تفسير ذلك الواقع‪ ،‬بغض النظر عن قبول ذلك أو رفضه من حيث‬

‫المبدأ‪.‬‬

‫انطالقا من ذلك اكتسبت العالقة بين نظرية الواقعية والعالقات الدولية متانة وتماسكا‪،‬‬

‫منذ أن ظهرت العالقات الدولية كمفهوم أو حقل أكـاديمي مستقل‪ ،‬ورسخت تلك العالقة في‬

‫فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بحيث أصبحت الواقعية النموذج المعرفي أو النظرية‬

‫المسيطرة فـي الد ارسـات االنجلو أمريكية نظ ار إلمكانيتها في تفسير أسباب قيـام‪ .‬ودامـت‬

‫هيمنـة الواقعية على فرضيات ومنطلقات البحث في حقـل نظريـات العالقـات الدولية أثناء فترة‬

‫‪25‬‬
‫الحرب الباردة بشكل كبير‪ .‬وكانت كتابات المفكرين من أمثال "إدوارد كار" و"هانس‬

‫مورجينثاو"‪ ،‬وأطروحات السياسيين من أمثال "جورج كينان" و"هينري كيسنجر" وغيرهم دو ار‬

‫كبي ار في تلك الهيمنة‪.‬‬

‫مع انتشار الثورة السلوكية في العلوم االجتماعية ومحاولتهـا تطـوير مناهج هذه العلوم‬

‫أسوة بنظيراتها في مجال العلوم الت طبيقية والطبيعيـة‪ ،‬شهد حقل العالقات الدولية حوا ار ثانيا‬

‫بين االتجاهين يركز األول علـى دور الفلسفة والتاريخ في بناء النظرية وفهم وتفسير‬

‫العالقـات الدوليـة‪ ،‬وسمي باالتجاه التقليدي‪ ،‬ويركز الثاني علـى دور المنـاهج المعاصـرة‬

‫والوسائل واألدوات الرياضية والكمية ف ي بناء النظرية وتفسير العالقـات الدولية‪ ،‬وسمي‬

‫باالتجاه السلوكي أو العلمي ‪.‬لكن مع بدايات السبعينات من القرن الماضي وتزايد االهتمام‬

‫بقضـايا االقتصاد السياسي الدولي‪ ،‬ظهرت نظريات جديدة حاولت بعض منهـا أن تطور‬

‫فرضياتها انطالقا من التقاليد الليبرالية وأطروحتها بشأن التعـاون الدولي‪ .‬والبعض االخر‬

‫حاول أن يستند إلى التقاليد الماركسية وأطروحتها بشأن اإلمبريالية والرأسمالية‪ ،‬وواقع‬

‫الالمساواة في السياسة الدولية‪ ،‬ليطور منها فرضيات لفهم وتفسير العالقات الدولية‪ .‬هكذا‬

‫شهد الحقل الحوار بين النماذج المختلفة (الواقعية والليبرالية والراديكالية ‪).‬أثرت الحوارات التي‬

‫جرت في العلوم االجتماعية بين الحداثة ‪ ،‬وما بعد الحداثة أو على المستوى األبستمولوجي‬

‫بين الوضعية‪ ،‬وما بعد الوضـعية على حقل نظريات العالقات الدولية‪ ،‬فبرز مع نهايات‬

‫الثمانينات الحـوار الثالث في الحقل مرك از على دور الثقافة واألفكار والقيم والمعـايير فـي‬

‫‪26‬‬
‫مجال العالقات الدولية‪ .‬فكان ظهور مدخل البناء االجتمـاعي والنظريـة النقدية والمدخل‬

‫النسوي بمثابة اتجاهات جديدة في الحقل وعلى العموم هناك نظريات عامة ونظريات جزئية‬

‫في العالقات الدولية ‪:‬‬

‫النظريات العامة كان هدفها فهم وتفسير أو نقد العالقات الدولية كظاهرة كلية‬ ‫‪o‬‬

‫(النظرية الواقعية ‪،‬النظرية المثالية‪ ،‬النظرية السلوكية ‪،‬الليبرالية ‪،‬الماركسية ‪،‬نظريات‬

‫التكامل‪،،‬نظريات الصراع)‪.‬‬

‫نظريات جزئية الغرض منها فهم وتفسير جوانب جزئية ضمن ظاهرة العالقات‬ ‫‪o‬‬

‫الدولية(نظرية صنع القرار في السياسة الخارجية‪ ،‬نظرية الردع ‪،‬نظرية المباريات‪،،‬نظرية‬

‫االحتواء)‪.‬‬

‫وسنقتصر على دراسة خمس نظريات أساسية كان لها تأثير مهم في فهم وتفسير الظاهرة‬

‫الدولية ( المثالية‪ ،‬الواقعية‪ ،‬البنيوية‪ ،‬السلوكية ‪ ،‬اللبرالية)‪.‬‬

‫إن النظرية المثالية والتي ظھرت بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬تمثل في الواقع مشروع‬

‫وتوجه قيمي نحو معالجة ظاھرة الحرب والوقاية من الحروب‪ ،‬وترى أن السبيل إلى ذلك يتم‬

‫عبر تطوير القانون الدولي‪ ،‬وإنشاء مؤسسات دولية فعالة وقوية‪ .‬ومن أھدافھا من وراء‬

‫تطوير القانون الدولي وضع حد للدبلوماسية السرية التي يرى الليبراليون المثاليون أنھا من‬

‫‪27‬‬
‫العوامل التي تقف وراء الحروب‪ ،‬ووضع حد لنظام توازن القوى وسياسات األحالف‬

‫العسكرية‪ ،‬باستبدالھا بنظام لألمن الجماعي تسھر عليھا المنظمات الدولية‪.‬‬

‫فالمثالية هي كل تفكير مبني على تصور رغبوي أو تمنيات ذاتية تتغلب فيه النزعة‬

‫الفلسفية واألخالقية واإلنسانية ‪،‬وهو غير مؤسس على معطيات وحقائق واقعية رغم‬

‫موضوعيته ومنطقيته وسالمة تفكيره أو نبل أهدافه‪.‬‬

‫أن التفكير المثالي يقوم على استخدام مقاييس الصواب والخطأ في إطار من القيم‬

‫األدبية واألخالقية التي تعكس األوضاع الحقيقية للمجتمع الدولي واالبتعاد به عن حالة‬

‫الفوضى و الصراع ‪ .‬أطلق على التيار المثالي وصفʺ الغائي والطوباويʺ ‪ ،‬فهو غائي‬

‫ألنه يريد تحقيق هدف معين‪ ،‬وهو السالم‪ .‬وانشغاله بهذا الهدف يفوق اهتمامه بفهم‬

‫الواقع‪.‬ووصفه بالطوباوي ألنه يهدف إلى تحقيق أهداف خيالية‪ ،‬من خالل اهتمام المدرسة‬

‫المثالية بدراسة وتحليل الظواهر الدولية ليست كما هي موجودة في الواقع الدولي المعيش‪،‬‬

‫وإنما كما يجب أن تكون‪ ،‬ويرد المثالي فشل الشعوب في العيش بسالم إلى انعدام التفاهم‬

‫والجهل‪ ،‬وطرح المثاليون مبادئ شكلت منطلقاتهم الفكرية ‪.‬‬

‫إن المساهمة األكثر ديمومة للمثالين في تطوير حقل العالقات الدولية‪ ،‬كانت فكرة‬

‫التخصص األكاديمي الذي أنشأ دراسة السياسة الدولية؛ إذ رأى المثاليون أن الجهل وعدم‬

‫التفاهم كانا مصدرين أساسيين للصراع الدولي‪ .‬وال بد من فهم اإلجراءات الدولية بطريقة‬

‫‪28‬‬
‫أفضل إذا ما أريد الحدّ من اندالع الحروب‪ .‬واعتقد المثاليون أنّ التقدم لن يكون ممكنا إالّ‬

‫إذا تمكنا من تطوير العقل‪ ،‬واستخدامه للتحكم في الرغبات غير العقالنية‪.‬‬

‫المنطلقات الفكرية للمدرسة المثالية‪ :‬تستمد المثالية أساس رؤيتها من األديان‬ ‫أ‪-‬‬

‫السماوية والفلسفات اإلنسانية التي تهتم بوضع الضوابط والمعايير األخالقية العامة للسلوك‬

‫اإلنساني‪ .‬واألسس المرجعية للفكر المثالي في العالقات الدولية تعود إلى أكثر من منبع‪،‬‬

‫فهي تعود إلى حركة التنوير المتفائلة في القرن الثامن عشر‪ ،‬كما تعود إلى ليبرالية القرن‬

‫التاسع عشر والمثالية الويلسونية في القرن العشرين‪.‬‬

‫كما ينطلق رواد المثالية من مرتكزات أساسية في تحليلهم للعالقات الدولية وهي‪:‬‬

‫‪ -‬اعتبار الضمير اإلنساني بمثابة الحكم األعلى في القضايا األخالقية؛‬

‫اعتبار المصير اإلنساني في تطابق مع العقل والحكمة‪ ،‬كما يقول" جيرمي بنتهام ‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫والذي يعرف الخير بأنهʺ إعطاء اكبر درجة من السيادة ألكبر عدد من الناس؛‬

‫الدعوة إلى إقامة نظم ديمقراطية‪ ،‬وابرز من نادى بذلك" روسو " "وكانت‪" .‬الن‬ ‫‪-‬‬

‫األمراء يشنون حروبا لمصلحتهم الذاتية وليس من اجل مصلحة شعوبهم ؛‬

‫‪ -‬التركيز على أولوية األخالق على السياسة واالقتصاد واإليديولوجية؛‬

‫‪ -‬التركيز على مسلمة انسجام المصالح؛‬

‫‪ -‬االلتزام بمبدأ عدم االعتداء؛‬

‫‪ -‬االلتزام بمبدأ عدم التدخل ؛‬

‫‪29‬‬
‫‪ -‬مبدأ المساواة بين األمم‪.‬‬

‫ب‪ -‬أهداف المثالية‪ :‬تهدف المدرسة المثالية إلى تحقيق كل ما هو أخالقي ينقل العالم‬

‫إلى ما هو أفضل من خالل تحقيق األهداف التالية‪:‬‬

‫الحكومة العالمية ‪ :‬حيث تعتبرها المدرسة المثالية أنها النموذج العالمي للبنى‬ ‫‪-‬‬

‫الصرعات ووضع القواعد وتطبيقها ‪ ،‬وضمن هذه الصورة‬


‫ا‬ ‫والعمليات الخاصة بتوجيه وحل‬

‫للعالم تذوب كل الفوارق بين مكونات المجتمع الدولي‬

‫تحقيق السالم الدائم ‪ ،‬وهو من اسمي األهداف التي دعا لها رواد المدرسة المثالية‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫وذلك انطالقا من طبيعة البشرية الخيرة والتعاونية ‪ ،‬وفكرة السالم الدائم ال تتوفر إال بوجود‬

‫الديمقرطية التي تقود العالم للسالم) ويلسون وكانط‪(.‬‬


‫ا‬ ‫الدول‬

‫‪ -‬تحقيق المصلحة العالمية المشتركة‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬نقد الواقعيون طرح المثاليين‪ ،‬وّ شككوا في مدى علمية المعرفة التي أنتجها‬

‫المثاليون‪ .‬وقاموا بالتحديدّ بتحدي المقاربة المثالية غير النظامية والمستهدفة تعزيز القيم‬

‫في تخصص العالقات الدولية ‪.‬وقام كل من إدوارد كار وهانس مورغنثاو باتهام المثاليين‬

‫كما هو‬ ‫بتركيزهم على العالم وما ينبغي أن يكون عليه‪ ،‬مقارنة بالتعامل مع العالم‬

‫موضوعيا‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫لقد تكونت المدرسة الواقعية بعد الحرب العالمية الثانية كرد فعل رئيسي على االتجاه‬

‫المثالي(‪ ، )6‬فقد نشأت لتفسر وتحلل ما هو واقعي وكائن في العالقات الدولية‪ ،‬وبالتحديد‬

‫ظاهرة القوة والحرب والصدامات‪ ،‬ولم تهتم كما ذهبت إليه النظرية المثالية بطرح أفكار‬

‫وتصورات حول الوضع الذي يجب أن تكون عليه العالقات الدولية‪.‬‬

‫تضم النظرية الواقعية عموماً عدة تي ارات مختلفة تختلف حول قضايا هامة إال أنها‬

‫تشترك في االفتراضات الرئيسية التي تميزها عن النظريات األخرى‪ ،‬وهذا يعني أنها في‬

‫الحقيقة ال تشكل نظرية واحدة متجانسة كلياً‪ ،‬بل على العكس من ذلك فقد تطورت النظرية‬

‫الواقعية لتشمل عدة أشكال من المداخل أو التيارات الفكرية داخل هذه النظرية وهي‪:‬‬

‫(النظرية الواقعية الكالسيكية‪ ،‬الواقعية الكالسيكية الجديدة‪ ،‬الواقعية الجديدة)‪.‬‬

‫الواقعية الكالسيكية‪ :‬سيتم تسليط الضوء على النظرية الواقعية التقليدية‪ ،‬والتي أُدخلت‬

‫كاقتراب لدراسة العالقات الدولية بفضل" هانز مورجنثاو"( ‪ ،)7‬واستقرت هيمنة الواقعية‬

‫التقليدية لغاية العقد السابع من القرن العشرين حيث أحدث "كينيث والتز" شرخاً في واقعية‬

‫مورجنثاو‪.‬‬

‫‪ - 6‬إن الرائدَين الفعليَّين للمدرسة الواقعية الحديثة في العالقات الدولية هما نيكولو مكيافيللي — مؤلف كتاب «اْلمير»‬
‫(‪ — )1532‬وتوماس هوبز — مؤلف كتاب «اللوياثان» (‪ — )1651‬إذ افترض كِال هذين الفيلسوفين السياسيين أن‬
‫البشر تدفعهم باْلساس مصالحهم الذاتية وشهواتهم‪ ،‬وأن أكثر تلك الشهوات تفشيًا وانطوا ًء على خطورة محتملة هي شهوة‬
‫السلطة‬
‫‪ - 7‬اشتهر هانز مورجنثاو من خالل عمله الشهير "السياسة بين اْلمم" الذي أحدث ثورة في الدراسات اْلكاديمية‬
‫للسياسات الدولية‬
‫‪31‬‬
‫تنطلق الواقعية الكالسيكية من عدة مبادئ أهمها‪:‬‬

‫❑ طبيعة الصراع في العالقات الدولية هو صراع من أجل القوة ‪ ،8‬وهذا راجع أساسا لعدم‬

‫وجود سلطة مركزية فوق سلطة الدول؛‬

‫❑ الدولة تشكل وحدة متكاملة‪ ،‬حيث يرون أن الدولة تتصرف وكأنها فاعل واحد على‬

‫الرغم من وجود العديد من مراكز القوى واتخاذ القرار داخل الدولة‪ ،‬ويعنون بذلك أنه مهما‬

‫كان هناك تباين في وجهات النظر داخل الدولة‪ ،‬إال أنه سيتم حل الخالف بالنهاية لتصبح‬

‫الدولة تتكلم بصوت واحد على الصعيد الخارجي‪ ،‬وهذا يعني أن الدولة تشكل الفاعل‬

‫األساسي في العالقات الدولية؛‬

‫❑ الدولة الوطنية هي الوحدة األساسية للتحليل‪ ،‬وأنها الفاعل األساسي في العالقات‬

‫الدولية‪ ،‬وأن الفواعل األخرى (ك المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسية) هي فواعل‬

‫ثانوية إذا ما تمت مقارنة دورها بدور الدولة الوطنية؛‬

‫❑ السياسة واألخالق ضدان ال يجتمعان على عكس ما يعتقد المثاليون‪ ،‬فالمرتكزات‬

‫األخالقية ال يمكن إسقاطها على النشاط السياسي الدولي‪ ،.‬ومن هذا المنطلق رفض‬

‫الواقعيون تطبيق المبادئ األخالقية على سلوك الدول‪ ،‬ويدعون إلى تنقية سلوك الدولة من‬

‫هذه المبادئ‪ ،‬حيث يعتبرون أن الدولة عندما تسعى لتحقيق مصالحها الوطنية تكون‬

‫‪ - 8‬يفرق جوزيف ناي( )‪ (Joseph Nye‬أستاذ العلوم السياسية وعميد سابق لمدرسة جون كينيدي الحكومية في جامعة‬
‫هارفارد)‪ ،‬بين نوعين من القوة‪ ،‬القوة القاسية والتي تشمل العوامل التقليدية‪ ،‬كالقوة العسكرية واالقتصادية‪ ،‬والنوع الثاني‬
‫هو القوة الناعمة وتشمل الجوانب الثقافية كاْلعراف والتقاليد والهوية‪ ،‬باإلضافة إلى القدرة الدبلوماسية‪ ،‬بينما النظرة‬
‫العامة لدى الكثير م ن منظري العالقات الدولية‪ ،‬هي أن القوة ال يمكن النظر إليها إال نظرة شاملة تأخذ بعين االعتبار القوة‬
‫بكل أشكالها المادية وغير المادية‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫محكومة ِبقيم مختلفة عن ِ‬
‫القيم التي يحملها األفراد في عالقاتهم الشخصية‪ ،‬ويؤكدون على‬

‫أن معيار الحكم على سياسة معينة هي بنتائج تلك السياسية‪ ،‬ويعتبرون أيضاً أن الخلط ما‬

‫بين ِ‬
‫القيم الفردية وِقيم الدولة يعني وضع األساس لكارثة قومية‪ ،‬ألن المسؤولية األولى لرجل‬

‫الدولة هي الحفاظ على بقاء الدولة‪ ،‬وهذا اإللتزام يتطلب منه أخالقيات تختلف عن تلك التي‬

‫لدى الفرد؛‬

‫❑ هناك عوامل وأهداف ال يمكن تغييرها‪ ،‬وهي التي تشكل المعايير المحددة للسلوك‬

‫الدولي الخارجي‪ ،‬وهذا يتناقض شكال ومضمونا مع التيار المثالي الذي يرى أن الثقافة‬

‫والمعرفة يمكن أن تقوم السلوك البشري؛‬

‫❑ استم اررية الدولة وبقاؤها في الحياة السياسية الدولية يبقى مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقوة‪.‬‬

‫ومن الواضح أن النهج الواقعي إزاء العالقات الدولية عادةً ما يلقى استحسان ذوي‬

‫النزعة المحافظة والمتشائمة للغاية‪ ،‬الذين يتطلعون إلى الطبيعة البشرية من منظور قاتم إلى‬

‫إن ُو ِجد — من اإليمان بعملية بناء المؤسسات الليبرالية‪ ،‬أو‬


‫ضئيال — ْ‬
‫ً‬ ‫حد بعيد ويكنُّون ًا‬
‫قدر‬

‫القانون الدولي‪ ،‬أو أي خطوات تُتَّخذ تجاه التكامل اإلقليمي أو الحوكمة العالمية من خالل‬

‫المنظمات الدولية‪.‬‬

‫❖ االنتقادات الموجهة للنظرية الواقعية‪:‬‬

‫على الرغم من هيمنتها شبه الكاملة لفترات طويلة في دراسة العالقات الدولية‪ ،‬واإلنتاج‬

‫المعرفي الضخم الذي قدمته النظرية الواقعية‪ ،‬إال أنها لم تسلم أيضاً من االنتقادات‪ ،‬وكان‬

‫‪33‬‬
‫النصيب األكبر من هذه االنتقادات موجه من ِقبل أتباع النظريات األخرى‪ ،‬وأهم هذه‬

‫االنتقادات هي‪:‬‬

‫‪ ‬التركيز على إستخدام التاريخ‪ :‬حيث يعيب بعض الباحثين على الواقعيين محاوالتهم‬

‫إستخدام مفاهيم سياسية من الماضي لتحليل النظام الدولي المعاصر (السعي لتحديد أهداف‬

‫محدودة للدولة‪ ،‬فصل السياسة الخارجية عن السياسة الداخلية‪ ،‬الدبلوماسية السرية‪ ،‬توازن‬

‫القوى كوسيلة إلدارة الصراع)‪ ،‬حيث ُيلح الواقعيين على الدول للعودة للمماراسات التي‬

‫ُعرفت في أزمنة سابقة‪ ،‬وفي ذلك مبالغة من حيث مدى إمكانية تطبيق ذلك في مثل هذا‬

‫التغيير في النظام الدولي الحالي‪.‬‬

‫تُركز هذه النظرية بشكل كبير على مفهوم القوة‪ ،‬وتجعل منها المحور في التحليل‬ ‫‪‬‬

‫للعالقات الدولية‪ ،‬وفي المقابل تُغفل هذه النظرية العوامل األخرى وخاصة العوامل‬

‫اإلجتماعية‪ ،‬وقد بدا ذلك واضحاً في عدم قدرة هذه الواقعية على شرح وتفسير بعض‬

‫الظواهر التي تدخل في مكوناتها المتغيرات اإلجتماعية‪.‬‬

‫‪ ‬أن المنظرين الواقعيين لم يتفقوا على تعريف واحد متفق عليه لمفهوم القوة‪ ،‬بحيث‬

‫عرفوا القوة بأنها أداة ووسيلة لتحقيق األهداف‬


‫يصبح مناسباً للبناء عليه‪ ،‬فبعض الواقعيين ّ‬

‫وعلى رأسها األمن القومي‪ ،‬فيما تبنى فريقاً آخر تعريفاً مختلفاً يجعل من القوة هدفاً تسعى‬

‫الدولة لزيادته‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ ‬الخالف حول مفهوم المصلحة الوطنية‪ ،‬ويشتد الخالف بين الواقعيين عند ربط‬

‫مفهوم المصلحة الوطنية بمفهوم القوة‪.‬‬

‫اإلنتقادات التي برزت مطلع سبعينيات القرن العشرين من مجموعة من التيارات‬ ‫‪‬‬

‫ُعرفت بالتيار التعددي حينها‪ ،‬وتركزت اإلنتقادات حول إقصاء الواقعيين التقليديين للفاعلين‬

‫اآلخرين من غير الدول (كالمنظمات الدولية‪ ،‬والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬والشركات متعددة‬

‫الجنسية‪ ،‬واألحزاب العابرة للقومية ‪).‬‬

‫ب – البنيوية أو الواقعية الجديدة‪ :‬بعد أن خفق تيار الواقعية قليال تحت تأثير الترابط‬

‫ابتداء من أواخر السبعينات‬


‫ً‬ ‫المتبادل خالل الستينات‪ ،‬وبفضل زوال التوتر‪ ،‬عادت الواقعية‬

‫تحت تأثير الحرب الباردة الجديدة‪ ،‬دون شك لتحتل مكان الصدارة في التفكير حول العالقات‬

‫الدولية‪ ،‬وذلك تحت شعار التيار الواقعي الجديد‪ ،‬وكان ذلك بشكل خاص مع ظهور‬

‫أعمال"كينيث وولتز"‪ ،‬وجون جيرار‪" ،‬روبرت غيليان"‪ ،‬وابتعد منظرو التيار الواقعي الجديد‬

‫قليال عن نظريات موركنثاو لينضموا إلى" ريمون ارون"‪.‬‬

‫و لم تختلف الواقعية في شكلها الجديد عن الواقعية التقليدية في خصوص اعتبار‬

‫العوامل النابعة من البيئة الخارجية كمحدد رئيسي للسلوك الخارجي للدول‪ ،‬و ذلك انطالقا‬

‫من األساس الذي يؤكد ندرة األمن و فوضوية النظام الدولي‪ ،‬و من هذا المنطلق فإن جل‬

‫اهتمام الوحدات السياسية هي كيفية الحفاظ على وجودها إذاً‪ ،‬والتز يدافع عن رؤية تنطلق‬

‫من منظومة ما‪ ،‬أي من مجمل المنظومة الدولية التي تفرض طريقة معينة على شكل‬

‫‪35‬‬
‫وحدات المنظومة وتصرفاتها عن طريق مظاهرها الضاغطة ‪ ،‬إذاً‪ ،‬فالمنظومة الدولية هي‬

‫بنية تفرض نفسها على وحداتها‪ ،‬يقول والتز بأن‪" :‬بنية النظام الدولي هي التي تشكل كل‬

‫خيارات السياسة الخارجية للدولة"‪ ،‬ويجيب "والتز" من خالل دراسته للبنية النظامية على‬

‫المستوى الدولي‪ ،‬حيث يرى وجود تغييرات على أفعال القوى أشد تأثي ار من تل ك النابعة من‬

‫السياسة الداخلية‪.‬‬

‫و على هذا األساس يمكن تلخيص أهم مبادئ و مرتكزات الواقعية الجديدة (البنيوية)‬

‫في تفسيرها النسقي للسلوك الخارجي للدول‪ ،‬من خالل النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬الدولة كفاعل أساسي‪ ،‬وحدوي و عقالني‪ :‬فالدولة هي الفاعل األساسي في السياسة‬

‫الدولية بسبب امتالكها لوسائل العنف المنظم‪ .‬خاصة و أن الدول تتجه إلى فهم بيئتها‬

‫الدوليـة و ليس الداخلية‪ .‬و هذا ما أشار إليه "هنري كيسنجر" حينما قال‪ ":‬تبدأ السياسة‬

‫الخارجية حينما تنتهي السياسة الداخلية"‪.‬‬

‫شهد العالم مع بداية الثمانينيات تزايدا كبي ار لفواعل جديدة في النظام الدولي‪ ،‬من‬

‫الشركات المتعددة الجنسية‪ ،‬وكدا المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية‪ ،‬مما جعل‬

‫الواقعية افتراض الواقعية الكالسيكية أمام وضع يستحيل فيه تجاهل هذا التواجد األنطولوجي‬

‫على األقل (دون النظر إلى مدى فعاليته) لهذه الفواعل الجديدة‪ ،‬لذلك نجد الواقعية الجديدة‬

‫حاولت التعامل مع هذا النقص في عملية تعديلية ضمت فيه هذه الفواعل واعتبارها جزء في‬

‫التحليل دون أن تكون ذات فعالة أو استقاللية عن سياسات الدول و أهدافها‪ ،‬وكما يقول‬

‫‪36‬‬
‫والتز" ‪ ...‬فعلى مر التاريخ تغيرت الدول في أشكال كثيرة لكن طبيعة الحياة الدولية ظلت‬

‫هي دوما نفسها صراع و تعاون‪...".‬‬

‫تنطلق الواقعية الجديدة من القول بأن بنية النظام‬ ‫‪ ‬الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي ‪:‬‬

‫الفوضوية تفرض على الدول داخل النظام الدول نمط السلوك المتبع في بيئة المساعدة‬

‫الذاتية و الألمن‪ ،‬و الدول في هذه الوضعية تكون مبرمجة للعب دور محدد تمليه إمالءات‬

‫ترتيبها في سلم القوى الدولي‪.‬‬

‫و تعرف الفوضوية بأنها تعبر عن حالة "غياب الحكومة" على المستوى الدولي‪ .‬و‬

‫بالمعنى الرسمي فإنها تشير إلى عدم وجود سلطة مركزية‪ .‬و بهذا المعنى فإنها بالتأكيد‬

‫سمة من سمات النظام الدولي وتحدد اإلطار االجتماعي‪ /‬السياسي الذي تحدث فيه‬

‫العالقات الدولية‪ .‬و التي تظل الدول فيها عاجزة على الثقة في الدول األخرى‪ ،‬و يبقى‬

‫هدفها الرئيسي ليس زيادة القوة كما اعتقد الواقعيون التقليديون‪ ،‬بل العمل على حفظ البقاء‬

‫أو المحافظة على الذات والبحث عن المصلحة و القوة و الهدوء‪,‬‬

‫‪ ‬العوامل الداخلية ليست عامال مهما في السياسة الدولية ‪ :‬يتمسك الواقعيون الجدد‬

‫بطرح صلب جدا بخصوص فصل السياسة الداخلية عن الخارجية و نفي أية عالقة بينهما‪،‬‬

‫لذا ينفون أية أهمية أو قيمة للعوامل الداخلية في تفسير و فهم السلوك الخارجي للدول‪،‬‬

‫بحيث تختصر السياسة الخارجية ضمن الطروحات النسقية الدولية‪ ،‬باعتبار أن النسق‬

‫الدولي هو الذي يحدد طبيعة السلوك الخارجي للفواعل الدولية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫و تنقسم الواقعية الجديدة (البنيويةج بدورها إلى ما يعرف بالواقعية الدفاعية و الواقعية‬

‫الهجومية‪.‬‬

‫‪-‬الواقعية الهجومية‪ :‬تُّعد افتراضات الواقعية الهجومية متشائمة بخصوص اآلثار المترتبة‬

‫على الفوضى في بنية النظام الدولي‪ .‬وترى أن المعضلة األمنية تتطلب من ّ‬


‫كل دولة أن‬

‫تسعى إلى تحقيق أقصى ٍ‬


‫قدر من القوة الخاصة بها‪ .‬وال يقتصر هذا السعي على تعظيم‬

‫أمنها بل يتعداه لتحقيق الهيمنة والسيطرة على الدول األخرى‪ ،‬وذلك نتيجة طبيعية لعدم الثقة‬

‫بنوايا الدول األخرى ‪.‬‬

‫‪-‬الواقعية الدفاعية‪ :‬تشترك مع الواقعية الهجومية في أن الفوضوية في بنية النظام الدولي‬

‫تفرض عدم الثقة بنوايا الدول األخرى والسعي لتحقيقٍ قدر من القوة يفترض وجود عوامل‬

‫عديدة مثل التكنولوجيا العسكرية‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬والمعتقدات‪ ،‬واإلستراتيجية القومية الحديثة‪ ،‬ما‬

‫قد يضاعف تكاليف الحرب الهجومية ‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فإن إستراتيجيات الدفاع أكثر جاذبية‬

‫للدول من إستراتيجيات الهجوم‪.‬‬

‫وعلى العموم ذهب عددّ كبير من دارسي العالقات الدولية إلى أن النظرية الواقعية عفا‬

‫عليها الزمن‪ ،‬ولم تعد صالحة بوصفها منهجا علميا في العالقات الدولية‪ .‬وينطلق هؤالء من‬

‫أن مفاهيم الواقعية كالفوضى وتوازن القوى واالعتماد على الذات والقوة ّ‬
‫بكل أبعادها‬

‫تغٍييرّ وتحول مستمرين‪،‬‬


‫وتجلياتها‪ ،‬ترجع إلى حقبة ماضية‪ ،‬وأن السياسة الدولية في ّ‬

‫‪38‬‬
‫وظهرت مفاهيم جديدة‪ ،‬كالديمقراطية والعولمة واالعتمادية والمؤسساتية‪ ،‬تعزز السالم في‬

‫المجتمع الدولي‪ ،‬وبناء عليه‪ ،‬فقدت الواقعية قدرتها التفسريية بعد الحرب الباردة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬النظرية الليبرالية‬

‫من أھم أفكار اللبرالية التأكيد عل نظرية السالم الديمقراطي‪ ،‬وھي تطوير لفكرة "كانط"‬

‫حول الدول الليبرالية التي ال تحارب بعضھا بعض‪ ،‬ومن أھم رواد ھذه النظرية "متشل‬

‫دويل"‪ Michael Doyle‬فھو مع إق ارره بأن الدول الديمقراطية تميل إلى السالم مع بعضھا‬

‫فإنھا في نفسالوقت ھي أكثر الدول عدوانية تجاه الدول التسلطية‪ .‬ولكن نظرية السالم‬

‫الديمقراطي ووجھت بانتقادات منھا عدم كفاية التفاسير التي تقدمھا في سبب عدم ميل الدول‬

‫الديمقراطية للحرب فيما بينھا‪ ،‬فمن التعليالت تعليل "كانط" حول دور الرأي العام وطبيعتھا‬

‫السلمية‪.‬‬

‫وھناك تفسير آخر ھو ميل الدول الديمقراطية آلن تكون غنية وثرية مما يجعل الحرب‬

‫خيا ار غير عقالني بالنسبة إليھا‪ ،‬ويقم وندت تفسي ار آلخر ھو ميل الدول الديمقراطية إلى‬

‫العالقات السلمية فيما بينھا يرى كثير من المحللين أن هناك نوعين من القوة ‪ :‬الصلبة‬

‫وتتمثل في القوة العسكرية وأخرى مرنة اقتصادية وتستخدم كالهن الجرزة (اإلقناع) والعصا‬

‫(التهديد)‪.‬‬

‫فالدولة باعتمادها على القوى المرنة (االقتصادية) بإمكانها أن تحقق النتائج التي‬

‫تريدها‪ ،‬ألن الدول األخرى تريد السير على نهجها فتعجب بقيمها وثقافتها وعاداتها طامحة‬

‫‪39‬‬
‫بالوصول إلى مستوى رخائها‪ .‬هذه القوة تجعل من اآلخرين أن يريدوا ما تريده أنت‪ ،‬كما أن‬

‫هذه القوة المرنة ال تتجسد فقط في االقتصاد بل أيضا في الثقافة واالديولوجيا‪ ،‬والمؤسسات‪،‬‬

‫فالتيكان مثال لم تفقد قوتها الناعمة رغم أن إيطاليا قد فقدت قوتها الصلبة‪ ،‬كما أن دولة قطر‬

‫مجالها الجغرافي صغير جدا في الخريطة السياسية لكنها مؤثرة جدا في الساحة اإلعالمية‬

‫الدولية من خالل قناة الجزيرة‪.‬‬

‫تقوم النظرية الليبرالية على أساس االعتماد المتبادل وهو الحالة التي تسود العالقة بين‬

‫طرفين متعاقدين أو أكثر حيث تكون تكاليف فسخ العالقة أو خفض المبادالت متساوية‬

‫تقريبا بالنسبة لكال الطرفين حيث أن كل طرف يصبح معتمدا على الطرف األخر‪.‬‬

‫كذلك تقوم الليبرالية على مفهوم السالم الديموقراطي حيث أن الدول الليبرالية هي دول‬

‫يحكمها التمثيل الديمقراطي والمؤسسات الدستورية والحقوق السياسية والمدنية والحريات‬

‫العامة واحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬وكل هذه العوامل مجتمعة تجعلها أبعد ما تكون عن فكرة شن‬

‫حرب على دولة ديمقراطية مثلها‪ ،‬وهو ما يطلق عليه السالم الليبرالي أو السالم الديمقراطي‬

‫الذي تحكمه عدة معايير أهمها المستوى المرتفع االقتصادي واالستقالل االقتصادي والثقافة‬

‫الديمقراطية‪.‬‬

‫ومن المتحمسون لهذا الطرح الكاتب األميركي " فرانسيس فوكوياما" صاحب كتاب نھاية‬

‫التاريخ‪ ،‬حيث يعلن فيها انتصار الليبرالية على بقية اإليديولوجيات األخرى‪ ،‬وان الدول‬

‫الديمقراطية ھي أكثر استق ار ار من الناحية الداخلية وأكثر ميال للسالم في العالقات الدولية‬

‫‪40‬‬
‫وبناءا على ھذه النظرية تبرز استراتيجيات نشر الديمقراطية في العالم‪ ،‬سواء عبر التدخل‬

‫اإلنساني في الدول المنھارة أو التي تشھد حروبا أھلية‪ ،‬او عبر الضغط على الدول األقل‬

‫ديمقراطية عبر الوسائل االقتصادية والمالية‪ ،‬وھي تمثل السياسات الفعلية التي تعبر عنھا‬

‫نظريات السالم الديمقراطي في التعاملمع الدول غير الليبرالية‪ ،‬فحسب مايكل دويل ھناك‬

‫خياران أمام الدول الليبرالية ھي إقامة حلف دفاعي ضد الدول غير الليبرالية‪ ،‬واإلستراتيجية‬

‫الثانية ھي تبني إستراتيجية توسعية في نشر الديمقراطية عبر وسائل اقتصادية ودبلوماسية‪،‬‬

‫والتي يجملھا في ثالث استراتيجيات ھي ‪:‬‬

‫اإليحاء ‪ :‬بدفع الجماھير في الدول غير الديمقراطية إلى االحتجاج واالنتفاض من‬ ‫‪-‬‬

‫اجل الحرية‪ ،‬والسياسة‬

‫‪ -‬التحريض‪ :‬ببناء السالم‪ ،‬وإعادة ھيكلة االقتصاد‪ ،‬والسياسة‬

‫‪ -‬التدخل‪ :‬بإعطائھا شرعية في حالة عدم رضا األغلبية بالسلطة التي تحكمھم‬

‫تتسم الليبرالية بالنظرة المتفائلة‪ ،‬وتستند إلى مبدأ (االنسجام بين المصالح المتنافسة)‬

‫لألفراد والدول‪ ،‬وتقوم على االفتراضات التالية‪:‬‬

‫طبيعة اإلنسان ثابتة تتسم باألنانية وحب الذات‪ ،‬لكن يمكن لعقل اإلنسان أن يتغلب‬ ‫•‬

‫على غرائزه بما يمكنه من تحقيق مصالحه من خالل التعاون مع اآلخرين ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الدول هي الفاعل الرئيس في السياسة الدولية‪ ،‬وتتمتع الدولة بالسيادة على أرضها‪،‬‬ ‫•‬

‫لكن سلوك الدول يتأثر بظروفها الداخلية‪ ،‬فالدول الديموقراطية ال تحارب إحداها األخرى‪،‬‬

‫كما أن تقل الحروب بين الدول ذات االعتماد االقتصادي المتبادل‪.‬‬

‫يمكن حل الصراعات الدولية عبر الحوار والتفاوض بينما تُستخدم القوة في حالة‬ ‫•‬

‫الدفاع عن النفس أو الحرب العادلة‪.‬‬

‫يمكن من خالل بناء المؤسسات الدولية‪ ،‬وتعزيز التعاون االقتصادي والتجاري‬ ‫•‬

‫المتبادل والشراكة واإلدماج في االقتصاد العالمي‪ ،‬زيادة مساحة االستقرار والسالم الدوليين‪.‬‬

‫فالحروب تبدد الثروات‪ ،‬وتضر الجهات المنخرطة فيها‪.‬‬

‫النظرية السلوكية‪:‬‬

‫ظهرت المدرسة السلوكية خالل الخمسينيات من القرن العشرين الميالدي المنصرم‪،‬‬

‫وهدفت لمعالجة الظواهر الدولية من خالل سلوك األفراد والجماعات معنية بصناع القرار‪،‬‬

‫وقد تبلورت في الستينيات من القرن الماضي‪.‬‬

‫تنطلق هذه المدرسة من اعتبار سلوك البشر جوهر العالقات السياسية‪ ،‬لذلك تدرس‬

‫سلوكيات الدول التي هي في األصل واألساس سلوكيات األفراد والجماعات‪ ،‬وهي تتفاعل مع‬

‫علوم أخرى – غير علم السياسة – كاإلقتصاد‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم االجتماع‪،‬‬

‫الكمي للحاالت الواقعة في العالقات الدولية من خالل‬


‫واإلنتروبولوجيا‪ .‬وتعتمد منهج التحليل ّ‬

‫‪42‬‬
‫علوم الرياضيات والكومبيوتر‪ .‬تربط هذه المدرسة بين الظواهر السياسية والظواهر‬

‫أن السلوك السياسي هو جزء من سلوك اجتماعي عام‪.‬‬


‫االجتماعية‪ ،‬وتجد ّ‬

‫تمثل منطلقات ومرتكزات المدرسة السلوكية في‪:‬‬

‫✓ مظاهر التماثل والتي يعبر عنها بالتعميمات أو بالنظريات ذات األهمية التفسيرية‬

‫والتنبؤية‪،‬‬

‫إمكانية اختبار صحة التعميمات أو تلك النظريات من خالل مدى تطابقها مع‬ ‫✓‬

‫السلوكية الوثيقة الصلة بالظاهرة محل الدراسة والتحليل‪.‬‬

‫‪ -‬استخدام تقنيات الحصول على البيانات وتجميعها وتفسيرها لمالحظة ومتابعة‬ ‫✓‬

‫السلوك وتسجيله وتحليله‪.‬‬

‫استخدام األسلوب الكمي من أجل الحصول على معلومات وبيانات دقيقة ومنضبطة‬ ‫✓‬

‫على غرار الوسائل واألدوات التي تمكن الباحث من الوصول إلى نتائج علمية دقيقة‪.‬‬

‫الفصل والتمييز بين االفتراضات المتعلقة بالتقييم األخالقي وتلك المتصلة بالتفسير‬ ‫✓‬

‫اإلمبريقي مع إمكانية جمعهما دون الخلط بينهما‪.‬‬

‫التكامل أو االندماج بين البحث السياسي والبحوث العلمية األخرى في مختلف فروع‬ ‫✓‬

‫العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬والسيما تلك التي تؤثر في المجال السياسي بصورة مباشرة أو‬

‫غير مباشرة‪ .‬وهو الترابط الكفيل بإعادة علم العالقات الدولية خصوصا والعلوم السياسية‬

‫عموما إلى مكانتها الجديرة بهما في ميدان العلوم االجتماعية اإلنسانية‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫تعرضت للنقد من‬
‫قدمته المدرسة السلوكية من خدمات للبحث العلمي‪ ،‬إال ّأنها ّ‬
‫على رغم ما ّ‬

‫تطرفت في استبعاد القيم‬


‫ألنها ّ‬
‫حيث وجود بعض الثغرات في طروحاتها النظرية‪ ،‬وذلك ّ‬

‫المؤثرة في شخصية الباحث ونتائج البحث العلمي‪ ،‬كما ّأنها غالت في إمكانية توّقع حوادث‬

‫حتمية‪ .‬باإلضافة الى ذلك‪ ،‬استبعدت المدرسة السلوكية بعض الظواهر‬


‫ّ‬ ‫المستقبل بصورة‬

‫الموجودة في العالقات الدولية والتي يصعب إخضاعها لقواعد البحث العلمي‪ ،‬فبقيت في‬

‫دائرة المعرفة التقليدية أو المحافظة‪.‬‬

‫‪ -1‬النظريات النقدية ‪ :‬ورأت كافة النظريات النقدية ( الماركسية والماركسية الجديدة ‪،‬‬

‫نظرية التبعية‪ ،‬والنظرية النسوية‪ ،‬النظرية الخضراء) أن الواقعية والليبرالية تعمالن على‬

‫إضفاء الشرعية على اختالالت القوة في النظام الدولي القائم‪ .‬ومن ثم حرصت النظريات‬

‫النقدية على االنحياز إلى الفئات المهمشة‪.‬‬

‫وخالصة القول إن الوظيفة الرئيسية لنظرية العالقات الدولية هي في تمكيننا من تحسين‬

‫معرفتنا بالواقع الدولي سواء لفهمه فقط أو لتغييره ‪ ،‬إنها تساعدنا على تنظيم معلوماتنا وعلى‬

‫اكتشاف معلومات جديدة أكثر دقة ‪ ،‬إنها تزودنا بإطار للتفكير نحدد فيه أولويات البحث‬

‫ونختار أفضل الوسائل المتوفرة لجمع وتحليل المعلومات ‪ ،‬كما أن النظرية تلفت انتباهنا الى‬

‫التاثالت والتباينات وتشحذ اذهان اآلخرين لمعرفة دقتها أو عدم دقتها من خالل البحوث‬

‫التي تطبق أو تجري على أساسها ‪,‬‬

‫‪44‬‬
‫وليس ثمة من نموذج واحد للنظرية ‪ ،‬والنظرية الدولية التي تتجاوز نظـرية السياسة‬

‫الخارجية تتضمن عناصر وصفية وعقلية ومعيارية وتنبؤية ‪ ،‬وربما يركز باحث على واحدة‬

‫من هذه العناصر ‪ ،‬ومع ازدياد التطور في نظرية العالقات الدولية يتجه االهتمام نحو نظرية‬

‫مركبة من ‪ :‬ماذا يكون؟ ماذا يجب أن يكون؟ ماذا يمكن ان يكون؟ ‪ ،‬وجودة النظرية غير‬

‫مرهونة بكليتها أو جزئيتها ‪ ،‬فكل النظريات صالحة ما دامت تستخدم منهجية علمية مع‬

‫األخذ في االعتبار أن النظرية تنتهي الى العموميات‪ ،‬حيث أن اهتمامها هو بالشمولية أو‬

‫العمومية أكثر من عنايتها بالظواهر الفردية أو الخاصة‪ ،‬دون أن يعني ذلك إغفال الظواهر‬

‫األخيرة لما يمكن ان تقود اليه من نتائج تعمق النظرية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ق‬ ‫الع‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫لف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ح‬‫م‬ ‫ال‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ور ا ا ى‪ :‬ا ون ى لا ات ا دو ية‬‫ل‬

‫نتيجة للتطورات العلمية والتكنولوجية التي شهدتها البشرية وما رافقها من تطورات‬

‫اقتصادية واجتماعية وحضارية لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد في العالقات الدولية فهناك‬

‫اشخاص دوليون آخرون ظهروا للوجود الواحد تلو االخر انسجاما وتوافقا مع هذه التطورات‬

‫التي شهدتها البشرية فلم يعد المسرح الدولي حك ار على الدولة وحدها فإلى جانبها ظهر‬

‫اشخاص دوليون يمتازون بالمقدرة على العمل واالداء والتأثير في العالقات الدولية‪.‬‬

‫ويقصد بالفاعل الدولي كل سلطة أو جهاز أو جماعة أو حتى شخص قادر على ان‬

‫يؤدي دو ار في المسرح الدولي ‪ ،‬في هذه الحالة وببساطة يعد فاعل دولي كل من يملك‬

‫ممارسة تأثير على القابضين على سلطة اتخاذ القرار أو الممسكين بزمام القوة المادية ‪ ،‬وفي‬

‫مجال العالقات الدولية يمكن ان نعد الفاعلين هم الكيانات التي تتجاوز فعلها نطاق حدود‬

‫الدولة‪ ،‬ومن ثم تشارك بشكل ناشط في العالقات واالتصاالت التي تتخطى الحدود‪.‬‬

‫يتوزع الفاعلون الرئيسون في العالقات الدولية المعاصرة كاآلتي‪ :‬الدولة التي تعتبر‬

‫أقدمهم(أوال)‪ ،‬المنظمات الدولية (حكومية وغير حكومية) (ثانيا)‪ ،‬والشركات المتعددة‬

‫الجنسيات(ثالثا) ‪ ،‬وبعض األشخاص أصحاب النفوذ والتأثير الدولي (رابعا)‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫أوال‪ :‬الدولة كطرف أساسي في العالقات الدولية‬

‫يكاد يتفق المختصون في العالقات الدولية على إن الدولة هي الفاعل الرئيس في‬

‫العالقات الدولية لتمتعها بالسيادة وعدم خضوعها ألية سلطة اخرى في الداخل أو الخارج‬

‫باستثناء بعض الحاالت البسيطة التي يفرضها القانون الدولي على دول العالم من خالل‬

‫منظمة االمم المتحدة والدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس االمن والتي تتدخل في‬

‫شؤون بعض الدول بذريعة حماية قواعد القانون الدولي ‪.‬‬

‫يمكن القول أنه ليس للدولة تعريف موحد بل عدة تعريفات يختلف بعضها عن بعض‪،‬‬

‫و يعز هذا اختالف تخصص المهتمين ‪ ،‬فالدولة لعالم االجتماع تختلف عن عالم االقتصاد‬

‫أو السياسي ‪ ،‬ورغم كل االختالفات يمكن تعريف الدولة على أنها ‪":‬جماعة من األفراد‬

‫يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين‪ ،‬ويخضعون لهيئة حاكمة‪ ،‬ذات سيادة" ومن خالل هذا‬

‫التعريف يمكن أن نستشف مقومات الدولة‪ ،‬أو العناصر المكونة لها ( التجمع البشري‪،‬‬

‫اإلقليم‪ ،‬الهيئة الحاكمة‪ ،‬السيادة‪ ،‬وهناك من يضيف االعتراف)‪.‬‬

‫‪-1‬التجمع البشري (الشعب)‪:‬‬

‫نظ ار لكون الدولة شكل من أشكال التنظيم االجتماعي‪ ،‬فإن العنصر البشري يمثل‬

‫بالضرورة عنص ار أساسيا للدولة‪ ،‬وبالرغم من انه ال يشترط أن يكون هذا الشعب متجانسا ‪،‬‬

‫أو أن يكون على حجم معين‪ ،‬فأن األفراد أو الفئات البشرية المتفرقة والقائمة بشكلها البدائي‬

‫تبقى ن كرة ال تقدم أي تأثير في نشأة الدولة‪ ،‬إذا لم تعي أهمية وجودها وضرورة انصهارها‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫وعملها ضمن إرادة عيش جماعي مشترك‪ ،‬عبر عملية تاريخية حسب الظروف‬

‫والخصوصيات المميزة لكل شعب‪ ،‬لتجعل منه أمة تتميز بمصير جماعي موحد تذوب فيه‬

‫كل االنتماءات العرقية والهويات الثقافية المختلفة المتنوعة‪.‬‬

‫وحديثا يرى خبراء العالقات الدولية وعلماء السياسة أن يجب أن تتوفر في السكان‬

‫عناصر الرغبة في العيش معاً ‪ ،‬وأن يكون هناك نوع من التجانس واالنسجام‪ ،‬وأال يرتبط‬

‫وجودهم في الدولة وخضوعهم لها بمنطق" قهر السلطة "حتى ال يعمل السكان أو الشعوب‬

‫على التخلص من سيطرة‪ ،‬إذا ما سنحت الفرصة كما حدث في شعوب االتحاد السوفيتي‬

‫وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسالفيا‪ ،‬فكلما زادت العناصر المؤدية إلى ترابط السكان كلما أدى ذلك‬

‫إلى قوة نسيج المجتمع وزادت وحدته ‪.‬‬

‫وتتقاطع ضمن هذا المكون األساسي (العنصر البشري) من مكونات الدولة بعض‬

‫المفاهيم األخرى‪ ،‬فال بأس أن نشير إليها ولو باقتضاب‪.‬‬

‫‪ ‬الشعب ‪ :‬إن تحديد العنصر الذي يقوم عليه هذا المفهوم يختلف باختالف التعريف‬

‫المستند إليه‪ ،‬وهو يتراوح بين المفهوم الواسع والذي يسمى بالمفهوم االجتماعي باعتباره‬

‫مجموعة األشخاص الذين تربطهم بالدولة عالقة الجنسية‪ ،‬وبالتالي فهؤالء األشخاص‬

‫يعتبرون من رعايا الدولة‪ ،‬والمفهوم الضيق المسمى كذلك بالمفهوم السياسي والذي يعرف من‬

‫خالله الشعب كمجموعة األشخاص الذين يباشرون الحقوق السياسية في الدولة‪ ،‬أو بمعنى‬

‫أخر هم الذين يملكون الحق في االنتخاب والترشح‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ ‬األمة‪ :‬مجموعة بشرية توحدها مقومات وعناصر أساسية كاللغة والدين واألصل‬

‫والرغبة في العيش المشترك‪ ،‬والعناصر المكونة لألمة تختلف باختالف الفقهاء‪ ،‬فكل فقيه‬

‫ينظر إليها من خالل انتمائه إلى بلد معين‪ ،‬مما يدفعه إلى التركيز على عناصر معينة‬

‫وإهمال أخر‪ ،‬وعلى العموم فاألمة مزيج من عوامل مادية ومعنوية واقتصادية تتضافر لتخلق‬

‫مجموعة بشرية متجانسة تعيش فوق حيز جغرافي معيين‪.‬‬

‫‪-2‬اإلقليم‬

‫يشكل اإلقليم العنصر المادي والطبيعي للدولة‪ ،‬فال يمكن تصور وجود دولة بدون‬

‫أرض أو إقليم] واإلقليم عبارة عن مجال طبيعي‪،‬ال يقتصر فقط على اليابسة بل يمتد أفقيا‬

‫إلى البحر‪ ،‬وعموديا إلى المجال الجوي مساحة من األرض محدودة جغرافيا يشمل ثالث‬

‫مجاالت البر والجو والبحر‪ .‬وتعتبر اليابسة الجزء األهم من إقليم الدولة‪ ،‬فهي التي تمنحه‬

‫صفة الثبات ‪ ،‬بمعن ى تأمين قاعدة تسمح باستم اررية إقامة الجماعة الوطنية عليها؛ مما‬

‫يساعدها في تقوية التضامن فيما بينها‪ ،‬غير أنه ليس من الضروري أن تكون أراضي الدولة‬

‫متصلة األجزاء فقد تكون منفصلة بعضها عن بعض كما هو الحال بالنسبة لدول كاليابان أو‬

‫اندونيسيا حيث يتكون إقليم كل منها من عشرات الجزر أو مئات‪ ،‬كما وقد تكون واسعة‬

‫شاسع (كندا) أو ضيقة صغيرة ( اللكسبورغ) جبلية ( سويسرا‪ ،‬لبنان)‪ ،‬منبسطة سهلية‬

‫(فرنسا) أو صحراوية (العربية السعودية) أو واقع في أكثر من قارة (االتحاد السوفياتي سابقا‪،‬‬

‫تركيا)‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬إنه بالنظر إلى األهمية التي يكتسيها اإلقليم بالنسبة للدولة‪ ،‬فقد ظل‬

‫ترسيم الحدود عنص ار أساسيا في استقرار الدولة وتثبيت سكانها‪ .‬وإذا كان القانون الدولي‬

‫يتوفر على عدة قواعد لتخطيط وترسيم الحدود‪ ،‬فإن تطبيقه يصطدم أحيانا إما بالمطالب‬

‫المشروعة لبعض الدول التي قد تكون تعرضت في ظروف معينة القتطاع جزء من أراضيها‪،‬‬

‫وإما بمطامع دول أخرى نحو التوسع‪ .‬لذلك فغالبا ما يكون ترسيم الحدود مصد ار للصراعات‬

‫السياسية والجدل القانوني‪ ،‬خاصة بالنسبة للدول التي كانت قد خضعت لالستعمار‪ ،‬ولم يراع‬

‫في ضبط حدودها ال الواقع التاريخي‪ ،‬وال الواقع الديمغرافي‪ ،‬وال الواقع الثقافي‪ ،‬كما هو حال‬

‫العديد من دول إفريقيا‪.‬‬

‫‪-3‬السلطة السياسية‬

‫فضال عن اإلقليم والشعب‪ ،‬فإن نشوء الدولة يتطلب وجود سلطة سياسية تتولى‬

‫ممارسة صالحياتها على الشعب المقيم على اإلقليم‪ ،‬فكما قال جورج بوردو‪ :‬فإن‪« :‬دولة ال‬

‫سلطة لها ال غاية لها» بحيث يكون دور السلطة هو الحفاظ على النظام العام وإجبار‬

‫الشعب على احترام هذا النظام العام‪ ،‬ومن ثم يشترط في السلطة السياسية‪ ،‬الفعالية أي‬

‫القدرة الفعلية على ممارسة مهامها في الحفاظ على النظام واألمن الداخلي وتنفيذ التزاماتها‬

‫الخارجية‪.‬‬

‫وعلى العموم إن القدرة على اإلكراه ال تكفي الحكام للحفاظ على سلطتهم‪ ،‬إنما يجب‬

‫عليهم التمتع بثقة المحكومين‪ .‬بمعنى آخر فإن السلطة السياسية التي ال تمتلك سوى القوة‬

‫‪50‬‬
‫المادية‪ ،‬وال تحوز بالتالي على رضى غالبية الشعب على األقل‪ ،‬فال يمكنها أن تكون سلطة‬

‫شرعية‪ ،‬وموضوع الشرعية هذا يعتبر من القضايا اإلشكالية التي تثير جدال كبيرا‪ ،‬حيث‬

‫يطرح السؤال حول معايير هذه المشروعية والشروط الواجب توافرها في السلطة السياسية‬

‫لكي تكون سلطة شرعية‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد ميز الفيلسوف األلماني ماكس فيبر بين ثالثة أنماط من الشرعية‬

‫الشرعية التقليدية ‪ :‬تقوم على عوامل النسب أو الساللة أوالدين‪ ،‬أي على ما يدخل‬ ‫‪-‬‬

‫في نطاق العوامل الطبيعية (القرابة في لغة االنتربولوجيا أو العصبية في اللغة الخلدونية)‪،‬‬

‫وعلى العوامل الروحية التي تلحم الجماعات وتمتن لحمتها الداخلية‪.‬‬

‫الشرعية الكاريزماتية‪ :‬فهي تقوم على فكرة الزعيم الملهم الذي تنقاد إليه مجموع‬ ‫‪-‬‬

‫المحكومين ويدير شؤونهم السياسية منفردا‪ .‬وقد تنشأ الكاريزما من بطوالت سياسية أو‬

‫عسكرية ووطنية‪ ،‬كأن يكون الزعيم المتمتع بها في نظر شعبه قائدا عسكريا أو محر ار‬

‫لألرض أو قائدا لثورة سياسية ‪...‬الخ أو من مكانة دينية معتبرة تكرسه عند الشعب القدوة‬

‫والمالذ والمرجع‪.‬‬

‫الشرعية العقالنية‪ :‬فهي تقوم على أساس احترام القانون باعتباره اإلطار المرجعي‬ ‫‪-‬‬

‫لممارسة السلطة وللحياة العامة ‪.‬فهي تستند من جهة على دستور متوافق عليه يشكل النظام‬

‫األساسي للدولة ‪.‬ومن جهة ثانية تعتمد على المشاركة السياسية للمواطنين في إدارة سلطة‬

‫الدولة من انتخابات وتداول حر على السلطة‪.‬‬


‫‪51‬‬
‫‪-4‬السيادة‬

‫السيادة مفهوم قانوني وسياسي في نفس الوقت وباختصار فهو فعالية الدولة ألن تحكم‬

‫فعال‪ .‬ويكفي للتحدث ع ن مجال السيادة أن نقدم ما جاء في قرار الجمعية العمومية لألمم‬

‫المتحدة رقم ‪ 8/742‬بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪ 1953‬والخاص "بحقوق الدول المستقلة " فهو‬

‫خير دليل يرجع إليه لتوضيح السيادة الداخلية والخارجية للدول‪.‬‬

‫فبالنسبة للسيادة الداخلية ‪ :‬تشير إلى وجود شخص معين في كل دولة مستقلة‪ ،‬أو‬ ‫‪-‬‬

‫وجود جمعية أو مجموعة‪ ،‬تمتلك القوة الشرعية بشكل نهائي لقيادة السلطة وتطبيق الوالء‪ ،‬و‬

‫هذه السلطة العليا تكون مطلقة على كل األفراد والجماعات داخل الدولة‪ ،‬فهي تصدر‬

‫األوامر إلى كل األفراد والجماعات السياسية داخل تلك المنطقة‪ ،‬ولكنها ال تتقبل أي أوامر‬

‫من أي كان‪ ،‬و تعني حسب القرار األممي تمتع حكومة الدولة بكامل حقها بوضع‬

‫التشريعات من أجل تنظيم كل ما يهم إقليمها وسكانها وجميع وجوه الحياة االجتماعية فيها‪.‬‬

‫أما بالنسبة للسيادة الخارجية‪ :‬فمفاده تمتع حكومة الدولة بممارسة نشاطاتها الدولية‬ ‫‪-‬‬

‫بكامل حريتها وذلك باتخاذ ق ارراتها دون تدخل خارجي‪ ،‬وعدم السماح ألي دولة أو دول‬

‫أخرى بالتدخل في شؤونها وممارستها لسلطاتها بإقامة عالقات مباشرة أو غير مباشرة مع‬

‫حكومات دول أخرى أو منظمات دولية‪ ،‬يعنى بها أن الدولة ال تخضع ألية سلطة‪ ،‬أي أنها‬

‫مستقلة من تدخل أية دولة أخرى ‪ ،‬وحتى لو كانت السلطة تخضع التفاقية ما أو أنها مقيدة‬

‫بقواعد القانون الدولي‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫في العالم الحقيقي للعالقات الدولية ثمة تفاوت هائل في درجة استيفاء الدول لتلك‬

‫المعايير؛ فعلى سبيل المثال ‪:‬تكافح دول عديدة من أجل االحتفاظ بسيطرة سيادية فعلية‪،‬‬

‫حتى ولو على جزء من أرضها المحددة‪ ،‬وثمة دول عديدة ال تحتكر السيطرة على القوة‬

‫المسلحة داخل حدودها‪ ،‬وتجد نفسها في مواجهة حروب أهلية وتمردات‪ ،‬تضع مناطق‬

‫بأكملها من بالدها تحت سيطرة زعماء المتمردين وأمراء الحرب( مثل ‪:‬أفغانستان وأنجوال‬

‫تعرض مثل تلك‬


‫وبورما وكولومبيا والصومال والسودان‪ ،‬واثوبيا) ‪ ،‬إال أنه على الرغم من ُّ‬

‫الدول لتحديات جوهرية لسيادتها‪ ،‬فإنها ما زالت تنال االعتراف الدولي‪ ،‬وتوقع االتفاقيات مع‬

‫غيرها من الدول‪ ،‬وتوفد مبعوثيها إلى األمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية‪ ،‬وتتمتع‬

‫بمظهر خارجي( حتى وإن كان رمزّيٍا )من العضوية الكاملة في مجتمع الدول العالمي‪ ،‬التي‬

‫قارب عددها ‪ 200‬دولة اآلن‪.‬‬

‫‪ - 5‬االعتراف بالدولة‬

‫إن االعتراف بالدولة هو اإلقرار بوجودها وسيادتها‪ ،‬وتأكيد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها‬

‫الدولية‪ ،‬والخضوع للقوانين واألعراف الدولية‪ ،‬وسريان تشريعاتها وقوانينها في الداخل‬

‫والخارج‪ ،‬والتمتع بحقوقها الدولية‪ ،‬ويتحقق االعتراف من قبل الدول بعدة صيغ‬

‫ويتم التعبير عن االعتراف إما باعتراف الفردي أي أن كل دولة تعترف بغيرها عبر بيان‬

‫رسمي‪ ،‬أو عن طريق االعتراف الجماعي عبر بيان صادر عن مجموعة دول تشكل منظمة‬

‫دولية أو اقليمية أو مؤتمر دولي أو معاهدة دولية‪ ،‬وقد يكون االعتراف إما صريحا أي‬

‫‪53‬‬
‫اإلعالن عنه بتصريح أو بيان أو برقية أو عن طريق االعتراف الضمني أي كل تصرف أو‬

‫فعل يفهم منه االعتراف مثل استقبال البعثات الدبلوماسية أو تحية العلم‬

‫ثانيا ‪:‬المنظمات الدولية ( المنظمات الحكومية)‬

‫استمرت العالقات الدولية تعكس واقعا يتبلور بتخلف التفاعالت واجتهادها ضمن نسيج‬

‫من االرتباطات بين معظم الدول‪ ،‬بديناميكية فائقة في المجاالت المعلومة والمستحدثة في‬

‫ميدان الصناعة والزراعة والتجارة والتكنولوجيا والمواصالت وغيرها من التشعبات المتزايدة‬

‫بفعل عوامل للتطور والنمو‪.‬‬

‫أ – نشأت المنظمات الدولية‬

‫ظهرت المنظمات الدولية في شكلها المكتمل في القرن ‪ ، 20‬وإن كانت بوادر التنظيم‬

‫الدولي تمتد إلى العصور القديمة ‪ ،‬ثم عبر كل الحقب التاريخية الالحقة ‪.‬وقد عرف القرن‬

‫‪19‬أولى أشكال التنظيم الدولي المؤسس بسبب التطور االقتصادي والتكنولوجي الناتج عن‬

‫الثورة الصناعية ‪،‬‬

‫ويمكننا تقسيم مراحل التطور التاريخي للمنظمات الدولية إلى ثالث مراحل رئيسية‪،‬‬

‫سنتعرض في كل واحدة منها أهم المنظمات التي ظهرت فيها‪:‬‬

‫✓المرحلة األولى‪ :‬وامتدت هذه المرحلة من سنة ‪ 1815‬إلى ‪ ،1914‬وعرفت هذه‬

‫المرحلة الطويل نسبيا ظهور عشرات المنظمات ذات الطابع التخصصي‪ ،‬والتي فرضتها‬

‫ضرورات التجارة الدولية والزيادة الكبيرة في اإلنتاج الصناعي في اروبا‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ومن أبرز المنظمات التي أنشأت في هذه الفترة نجد‪:‬‬

‫‪‬اللجنة األوروبية للمالحة في نهر الراين ‪1815‬م‬

‫‪‬اتحاد البريد العالمي ‪1865‬م‬

‫‪‬المكتب الدولي لحماية الملكية الصناعية ‪1883‬م‬

‫‪‬المعهد الدولي للزراعة ‪1905‬م‬

‫✓المرحلة الثانية‪ :‬وامتدت هذه المرحلة في الفترة ما بين ‪ ،1945 -1919‬وتميزت هذه‬

‫المرحلة بنشأة أول منظمة سياسية دولية ذات طابع عالمي هي عصبة األمم‪ ،‬والتي أدمج‬

‫ميثاقها في اتفاقيات الصلح التي عقدت بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬ولقد تجاوزت أهميتها‬

‫كافة المنظمات التي انذاك‪.‬‬

‫وقد أسست من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية األولى‪ ،‬وقد نشأت الفكرة على‬

‫يد وزير الخارجية البريطاني ادوار وكراي ‪، Edward Gray‬وتبناها بشكل رئيسي وكبير‬

‫الرئيس األمريكي وورد ويلسون ‪ ، Woodrow Wilson‬وكان هدفه صياغة فكرة األمن‬

‫الجماعي‪.‬‬

‫وقد ظهرت في هذه الفترة كذلك منظمات أخرى منها‪:‬‬

‫محكمة العدل الدائمة ‪1919‬م‬

‫مكتب العمل الدولي ‪ 1919‬م‬

‫اللجنة الدولية للمالحة الجوية ‪ 1919‬م‬

‫‪55‬‬
‫ولكن مع األسف كانت الرغبة البشرية للسالم قصيرة ‪ ،‬بعد أن بددتها الحرب العالمية‬

‫الثانية‪ ،‬وما نجم عنها من خسائر بشرية ضخمة‪ ،‬مما حدا بالعقل البشري مرة أخرى‬

‫للبحث عن بدائل دولية فعالة لضمان السالم واألمن‪ ،‬وقد توجت تلك الجهود بإحداث‪ ،‬هيئة‬

‫األمم المتحدة في أكتوبر عام‪ ، 1945‬بعد أن وصل المجتمع الدولي مرحلة تميزت بوعي‬

‫الدول المتزايد بضرورة العمل في إطار مؤسس لمواجهة قضايا األمن والسلم‪ ،‬وتحقيق‬

‫التعاون الدولي في مجاالته المختلفة ‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬وامتدت هذه الفترة من ‪ 1945‬إلى ‪ ،1989‬وعرفت هذه المرحلة‬ ‫✓‬

‫والدة مئات المنظمات المتعددة والمختلفة األهداف والمبادئ واالختصاصات‪ ،‬ومن أبرز‬

‫المنظمات نجد هيئة األمم التابعة لها المتخصصة‬

‫ومن أجل مساعدة المنظمة للقيام بعملها على الوجه األمثل‪ ،‬تشكلت في المنظمة ‪15‬‬

‫وكالة متخصصة تقدم خدمات دولية ‪ ،‬في النواحي االقتصادية والثقافية والفنية ‪،‬ومن بين‬

‫هذه الوكاالت‪ (:‬المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة‪ ،‬منظمة الطيران المدني الدولي‪،‬‬

‫منظمة العمل الدولية‪ ،‬منظمة األمم المتحدة لألغذية الزراعية‪.)...‬‬

‫وقد شهد العالم منذ تلك الفترة قيام عدد كبير من المنظمات الدولية سواء منها العالمية‬

‫أو الجهوية‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة لجامعة الدول العربية كأقدم منظمة دولية قامت بعد‬

‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وقد تكونت في ‪ 22‬مارس ‪1945‬م‪ ،‬أي قبل منظمة األمم المتحدة‬

‫بشهور‪ ،‬منظمة الوحدة اإلفريقية سنة ‪( 1963‬حاليا االتحاد اإلفريقي) ومنظمة المؤتمر‬

‫‪56‬‬
‫اإلسالمي سنة ‪ .1969‬الحلف األطلسي(في عام ‪ ،1948‬التقى القادة األوروبيون مع‬

‫مسؤولي دفاع وعسكريين ودبلوماسيين في البنتاغون‪ ،‬بناء على أوامر وزير الخارجية‬

‫األمريكي جورج سي مارشال‪ .‬وأسفرت المحادثات من أجل تحالف عسكري جديد عن توقيع‬

‫معاهدة حلف شمال األطلسي‪ ،‬التي وقعها الرئيس األمريكي هاري ترومان في واشنطن‬

‫العاصمة في ‪ 4‬أبريل ‪ ، )1949‬والمجموعة االقتصادية األوربية (أنشأتها معاهدة روما لعام‬

‫‪.)1957‬‬

‫ب – ماهية المنظمات الدولية‬

‫المنظمة الدولية هي هيئة أنشأتها مجموعة من الدول بإرادتها لإلشراف على شأن من‬

‫شؤونها المشتركة‪ ،‬وتمنحها اختصاصات ذاتية تباشرها هذه الهيئة في المجتمع الدولي وفي‬

‫مواجهة الدول األعضاء نفسها‪ ،‬ومن خالل هذا المعنى يمكن التأكيد ان هذه الهيئة ال بد‬

‫أن توفر فيها بعض الشروط من بينها على الخصوص‪:‬‬

‫الديمومة‪ :‬أي أنها كيان دائم عبر أجهزته التي تباشر نشاطات مختلفة‪ ،‬ولتحقيق‬ ‫▪‬

‫أهداف هذه األنشطة‪ ،‬البد من تواجد هذه األجهزة بصفة دائمة من حيث اإلدارة والتمويل‬

‫والعضوية‪ ،‬وال يقصد باالستمرار أن تظل المنظمة أبد الظهر‪ ،‬وإنما المقصود أن ال يكون‬

‫وجدها عرضيا‪ ،‬فهي باعتبارها تعاون بين الدول تحتاج بالضرورة إلى قدر معقول من‬

‫االستقرار والبقاء كما ال يعني ذلك ضرورة وصف االستمرار على كل فروع المنظمة‪ ،‬وإنما‬

‫أن تمارس المنظمة كوحدة قانونية متكاملة اختصاصاتها بصفة مستمرة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الدولية‪ :‬من أجل أن تكون منظمة دولية يتطلب األمر موافقة الدول على تشكيلها‬ ‫▪‬

‫بشكل اختياري أو إرادي‪ ،‬ووصف المنظمات بأنها "دولية" ال ينصرف إلى أن تشمل في‬

‫عضويتها كل دول العالم حين يوجد عدد كبير من المنظمات الدولية التي ال تضم في‬

‫عضويتها إال عدد قليل من الدول ومثال ذلك المنظمات الدولية اإلقليمية‪ ،‬وتأسيسا على ذلك‬

‫فإن صفة الدولية تعني أن المنظمات تكون دولية إذا ضمت في عضويتها أكثر من دولة‬

‫أهداف مشتركة‪ :‬إذ غالبا ما تطغي صفة العمومية على األهداف التي تشمل كل‬ ‫▪‬

‫الدول األعضاء‪ ،‬وليس أحدها بصفة خاصة؛ وإنما لتحقيق أهداف وقيم ومبادئ مشتركة‪،‬‬

‫سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك‪ ،‬مما التقارب المنشود‪.‬‬

‫اإلدارة المستقلة‪ :‬بأن تكون المنظمة ذات شخصية قانونية مستقلة‪ ،‬حيث تنعكس‬ ‫▪‬

‫تصرفات المنظمة على كل أعضائها وليس على كل دولة على حدا‪ ،‬يترتب على ذلك أن‬

‫آثار التصرفات التي تجريها المنظمات ال تنصرف إلى الدول األعضاء كل منها على حدة‪،‬‬

‫بل إلى المنظمة نفسها باعتبارها شخصا قانونيا دوليا يستقل في حياته القانونية عن الدول‬

‫التي أقامته لتحقيق من وراء إسهامها في عضويته هدفا أو أهداف معينة‬

‫ولذك يشترط بأن يكون للمنظمة بنيانها التنظيمي الخاص‪ ،‬ذات طاقم إداري وموظفين‬

‫يمارسون المهام المنوطة بهم‪ ،‬وذات ميزانية واعتبارات دولية وامتيازات‪ ،‬مما يضفي عليها‬

‫الصبغة القانونية إلى جانب الدولية‪.‬‬

‫ويمكن تصنيف المنظمات الدولية حسب ثالث معايير أساسية‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫❖ المعيار الجغرافي‪ :‬يقصد بالمعيار الجغرافي‪ ،‬المنظمات الدولية التي تشمل مناطق‬

‫جغرافية واسعة وتتميز بالشمولية أو العالمية كمنظمة األمم المتحدة‪ ،‬أما النوع الثاني فهو‬

‫المتميز باإلقليمية أي نطاق جغرافي أقل اتساعا‪ ،‬كجامعة الدول العربية‪ ،‬ومنظمة الدول‬

‫األمريكية‪.‬‬

‫❖ المعيار الوظيفي‪ :‬وحسب معايير الوظيفة أو االختصاص فإن المنظمات الدولية تنقسم‬

‫إلى منظمات عامة األهداف أو االختصاص وأخرى متخصصة‪.‬‬

‫‪ -‬المنظمات الدولية العامة‪ :‬وذلك إذا كان الغرض من إنشائها حسب االتفاق الدولي‬

‫المنشئ لها يشمل كافة أوجه النشاط الدولي سياسي واقتصادي واجتماعي‪ ،‬أي أن المنظمة‬

‫الدولية عامة ذات نشاط عام شامل مثل عصبة األمم واألمم المتحدة‬

‫المنظمات المتخصصة‪ :‬فهي التي يقتصر تدخلها على مجاالت محددة وهي تتسم‬ ‫‪-‬‬

‫بالتعدد بحيث يمكن أن تكون ذات طابع اقتصادي (صندوق النقد الدولي‪ ،‬البنك الدولي‬

‫لإلنشاء والتعمير) أو ذات صبغة ثقافية أو علمية‪ :‬منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم‬

‫والثقافة اليونسكو أو ذات أهداف اجتماعية ‪ :‬منظمة الصحة العالمية‪.‬‬

‫المعيار السلطوي ‪ :‬يقصد به تمييز المنظمات الدولية التي لديها خصوصية اتخاذ‬ ‫❖‬

‫الق اررات‪ ،‬وفرضها على جميع الدول األعضاء‪ ،‬في حين هناك المنظمات التي تقتصر على‬

‫اتخاذ التوصيات التي ال تلزم الدول في تنفيذها‪ .‬وهو المبدأ المهيمن على األعمال القانونية‬

‫للمنظمات الدولية عبر إصدار توصيات‪ ،‬ويعتبر هذا النوع الثاني من المنظمات األكثر‬
‫‪59‬‬
‫انتشارا‪ ،‬كما أن الدول األعضاء لها الح رية في التقيد بها أو رفضها‪ ،‬مثل منظمة الدول‬

‫المصدرة للبترول‪ ،‬وجامعة الدول العربية‪ ،‬وذلك ألنه ليس هناك وسائل مادية للمنظمة‬

‫إلرغام الدول األعضاء على تنفيذ توصيتها وق ارراتها‪.‬‬

‫‪ -‬المنظمات غير الحكومية‬

‫والى جانب المنظمات الحكومية التي تم االشارة اليها أعاله‪ ،‬البد من االشارة الى بعض‬

‫المعطيات حول المنظمات غير الحكومية باعتبار االدوار التي اصبحت تلعبها على‬

‫مستوى المسرح الدولي‪.‬‬

‫ع رف المجلس االقتصادي االجتماعي المنظمات غير الحكومية في ق ارره الصادر في‬

‫‪22‬فبراير ‪ 1950‬م بأنها‪ :‬كل منظمة دولية لم تنشأ بطريق االتفاقات فيما بين الحكومات‬

‫تعتبر منظمة دولية غير حكومية‪.‬‬

‫ويمكن تعريف المنظمات الدولية غير الحكومية على أنها منظمات تعمل بصفة مستقلة‬

‫عن إرادة الدول‪ :‬عضوية ونشاط‪ ،‬والتي تهدف إلى تقديم الخدمات والسلع بشكل تطوعي‬

‫وغير ربحي‪ ،‬وتنشط المنظمات الدولية غير الحكومية‪ ،‬على مستوى كل دول العالم عبر‬

‫الفروع المنتشرة لها‪ ،‬وتتنوع القضايا التي تهتم بها من قضايا اجتماعية تنموية ونشاطات‬

‫إغاتية إنسانية منظمة (الهالل االحمر والصليب االحمر) إلى جانب االهتمام بترقية حقوق‬

‫اإلنسان ( منظمة العفو الدولية)‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ثالثا‪ :‬الشركات متعددة الجنسيات( أو عبر الوطنية)‬

‫تعد الشركات المتعددة الجنسيات من أكثر األنماط تعبي ار عـن عولمـة االقتـصاد ‪ ،‬لمـا‬

‫تملكـه مـن إمكانيات مادية وبشرية هائلة تمتد إلى مختلف دول العالم ‪ ،‬وتنوع نشاطاتها‬

‫لتشمل قطاعـات اإلنتـاج والتجارة والخدمات والمال والمـصارف الدوليـة‪ ،‬بغيـة توزيـع‬

‫المخـاطر وت نويـع مـصادر الـربح ‪ ،‬وسـعيها لتحويل العالم إلى ساحة اقتصادية واحدة بغية‬

‫بسط نفوذها ‪ ،‬وأحكام سيطرتها على قطاعـات األعمـال في العالم ‪ ،‬مستفيدة من منجزات‬

‫التقدم العلمي والتقني األمر الذي أدى لتراجع دور الدولة أمام هـذه الشركات‪.‬‬

‫تعتبر الشركات عبر الوطنية من أبرز الفاعلين الدوليين من غير الدول في العالقات‬

‫الدولية‪ ،‬وقد تزايدت أهمية دورها بفعل التطورات االقتصادية الكبرى‪ ،‬المتمثلة في ظاهرة‬

‫العولمة والتي تشهدها الحياة الدولية‪.‬‬

‫بعـض الفقهـاء لجـأ إلـى تقييـد تعريـف هـذه الـشركات بحـدود كميـة بحيـث يلـزم أن يكـون‬

‫للـشركة األصلية التي تقوم باالستثمار في الخارج حد أدنى من الضخامة ‪ ،‬حيث يرى‬

‫"أ‪.‬رايمون فرنون" ‪ :‬إن الـشركة متعـددة الجنـسيات هـي شـركة أم تـسيطر علـى تجمـع كبيـر‬

‫مـن ال مؤسـسات فـي قوميـات عديدة ‪ ،‬وهي المؤسسة التي تجعل كـل تجمـع يبـدو كمـا لـو أن‬

‫لـه مـدخال لمـصب مـشترك مـن المـوارد المالية والبشرية ‪ ،‬ويبدو حساسا لعناصر إستراتيجية‬

‫مشتركة"‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬ويبدو أن الـشركة المتعـددة الجنـسيات هـي شـركة مقرهـا الرئيـسي فـي‬

‫الدولـة األم‪ ،‬ولهـا نـشاطات اقتصادية متعددة في مجاالت تجارية وصناعية وماليـة‪،‬‬

‫وعمليـات موزعـة علـى أكثـر مـن دولـة‪ ،‬سـواء عن طريق مشاريع خاصة أو شركات تابعة‪،‬‬

‫وكثي ار ما تندمج مع شركات من دول أخرى‪ ،‬وتلعـب دو ارً في التدفق العالمي لالستثمار‬

‫األجنبي المباش ر في مجموعة كبيرة من البلـدان‪ ،‬تتـوزع فـي أرجـاء العـالم؛ مما جعلها‬

‫تسيطر حاليا على حوالي ثلثي التجارة العالمية ‪.‬‬

‫تشكل الشركات المتعددة الجنسيات اليوم القوة المحركة في النظام االقتصادي والسياسي‬

‫الدولي الراهن‪ ،‬وهي ظاهرة اقتصادية مهمة في مجال العالقات الدولية‪ ،‬بحيث أنها تمثل‬

‫اليوم إحدى القوة المؤثرة في صنع االحداث والتحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬

‫في العالم المعاصر‪ ،‬ألنها ببساطة تسيطر مباشرة على أهم النشاطات االقتصادية في كل‬

‫المجتمعات في العالم‪ ،‬ومن يملك القوة االقتصادية فهو يؤثر على مجريات السياسة‪.‬‬

‫وقد يكمن تعاظم نفوذ هذه الشركات إلى خلق نوع قوي من المزج بين الوحدات‬

‫اإلنتاجية والمؤسسات المالية والمصرفية العالمية على الصعيد العالمي‪ ،‬وتمارس عملها من‬

‫خالل شبكة معقدة من الهياكل التنظيمية وتنخرط في عمليات اإلنتاج الدولي وفق نظام‬

‫عالمي متكامل يضع تحت إداراتها ما يناهز ثلث اإلنتاج العالمي‪.‬‬

‫كما وتعد الشركات متعددة الجنسية المحرك الرئيس لظاهرة العولمة التي تمثل المحدد‬

‫االساسي لمسار النمو والتنمية في مختلف دول العالم اليوم‪ .‬ظهور الشركات متعددة‬
‫‪62‬‬
‫الجنسيات الصورة الجديدة لتنظيم النشاط االقتصادي في االقتصادات الرأسمالية المتقدمة ‪،‬‬

‫حيث أن الشركة متعددة الجنسية أو عبر الوطنية كما تسمى في بعض األحيان ‪ ،‬تمثل‬

‫التجسيد الحي لظاهرة عولمة الحياة االقتصادية ‪ ،‬حيث أخذت هذه الشركات تسيطر على‬

‫العالم ‪ ،‬مخترقة كافة مناطق السيادة الوطنية بسلعها ‪ ،‬خدماتها ‪ ،‬أموالها ‪ ،‬تكنولوجياتها ‪،‬‬

‫اتصاالتها البعدية ‪ ،‬بطاقة ائتمانها وأنماطها االستهالكية‪ .‬وأخذ نشاط الشركات متعددة‬

‫الجنسيات يحظى بأهمية كبيرة في العديد من ادبيات السياسة واالقتصاد‪ ،‬وفي تقارير العديد‬

‫من المنظمات الدولية‪ ،‬على رأسها تقرير مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية حول‬

‫االستثمار العالمي‪ ،‬نظ ار للدور الذي تلعبه في السيطرة على عمليات نقل التكنولوجيا‬

‫ومؤسسات التمويل واسواق العمل ومنافذ التسويق وتدفقات وحركة رؤوس االموال‬

‫واالستثمار‪ ،‬وانعكاسات هذا الدور على مستقبل تطور االقتصاد العالمي‪.‬‬

‫وتختلف الشركات متعددة الجنسية ليس من ناحية نوعية العمل فقط‪ ،‬ولكن أيضا من‬

‫ناحية كيفية أداء هذا العمل‪ ،‬والمستوى التكنولوجي‪ ،‬والبناء التنظيمي وبنية السوق الذي‬

‫يستوعب منتجات تلك الشركات‪ .‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬إال أن هناك بعض الميزات المشتركة‬

‫للعديد من الشركات متعددة الجنسية‪ ،‬يمكن استخدامها لوصف هذه الظاهرة وتميز المشاكل‬

‫التي تخلقها هذه الشركات‬

‫خصائص الشركات المتعددة الجنسيات‬

‫▪ الشركة متعددة الجنسيات هي شركة تتكون من عدد من الشركات االجنبية التابعة لها؛‬
‫‪63‬‬
‫▪ تميل الشركات متعددة الجنسيات إلى أن تكون احتكارية؛‬

‫▪ أتساع الرقعة الجغرافية لنشاطاتها؛‬

‫تستطيع أن توصل إنتاج الشركة األم وتسويقه خارج حدود اية دولة؛‬ ‫▪‬

‫▪ تمتلك رؤوس أموال ضخمة؛‬

‫تركز على االستثمار والبحث العلمي المتواصل من اجل تطوير منتجاتها؛‬ ‫▪‬

‫عمال الشركة ينتمون لجنسيات مختلقة‪.‬‬ ‫▪‬

‫أهداف الشركات المتعددة الجنسيات‪:‬‬

‫• توحيد سوق التجارة الدولية عن طريق الهدم واإلضعاف المستمر للقيود التعريفية والكمية‬

‫القومية؛‬

‫• توحيد سوق المال واالئتمان الدول؛‬

‫• توحيد سوق التكنولوجيا الدولي من خالل حركة قومية نحو التنميط؛‬

‫• تهدف إلى تحقيق استراتيجية آمن اإلمدادات ومن ثم المحافظة على تقييم المستثمرين‬

‫للشركة الذين قد يتأثر موقفهم نحوها لسبب او ألخر‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬األفراد (المواطن العالمي)‪:‬‬

‫كان للقانون الدولي المعاصر بشكل ام وللقانون الدولي لحقوق اإلنسان بشكل خاص‪،‬‬

‫األثر األكبر في ازدهار وانتشار حقوق الفرد وفي بروزه كفاعل دولي‪ .‬فلقد تميز القانون‬

‫موسعا‬
‫الدولي المعاصر بم ارعاة األبعاد اإلنسانية واالجتماعية في أحكامه‪ ،‬حيث تطور ّ‬
‫‪64‬‬
‫نطاق اهتمامه ليشمل اإلنسان بصورة مباشرة‪ ،‬وهو ما تجلى بحقوق اإلنسان التي تم تقنينها‬

‫وتنظيمها‪ ،‬وزيادة رفاهية اإلنسان وتقدمه‪ ،‬وشملت الحقوق السياسية والمدنية واالقتصادية‬

‫واالجتماعية والثقافية‪ .‬وحماية اإلن سانية بإقرار فكرة (الجرائم ضد اإلنسانية) جرائم الحرب‪ ،‬ومنع الفصل‬

‫العنصري‪،‬‬

‫إن االهتمام بدور الفرد ع لى مسرح العالقات الدولية ليس جديدا‪ ،‬فشخصية رجل الدولة‬

‫كانت لها سمة دائما انعكاساتها في مجال اتخاذ القرارت الحاسمة‬

‫وأتت الليبرالية الجديدة في مظاهرها المختلفة‪ ،‬في أواخر القرن العشرين‪ ،‬تكشف عن‬

‫اإلمكانات الكبيرة التي أتاحت ألفراد ليس لهم سلطة رسمية ان يتمتعوا بمراكز مؤثرة في‬

‫العالقات الدولية‪.‬‬

‫–‬ ‫وعلى سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬لقد اعتبر "بيل غيتس"‪ -‬صاحب مؤسسة‬

‫‪Microsoft‬أهم شخصية المية لعام ( ‪ ).1997‬ويعتبر تد تورنر‪ -Turner‬صاحب شركة‬

‫‪CNN‬التلفزيونية‪ ،-‬وروبرت مردوخ ‪ - Murdokh‬أكبر محتكر ألجهزة اإلعالم البريطانية‬

‫واألوسترالية‪ -‬بأنهما من أكبر المؤثرين في مجال اإلعالم‪ .‬وال ننسى ما قام ويقوم به "جورج‬

‫سورس‪" Soros‬في مجال المضاربات المالية‪.‬‬

‫طبق مبدأ الالعنف في المجال السياسي وأرسى‬


‫كذلك نذكر الماهتما غاندي الذي ّ‬

‫تركز عمله العام على النضال ضد الظلم‬


‫مفاهيم جديدة في مقاومة المحتل حيث ّ‬

‫االجتماعي من جهة وضد االستعمار من جهة أخرى فأصبح رمز للسالم في العالم‬

‫‪.‬باإلضافة إلى نيلسون مانديلال ونضاله الطويل ألجل الحرية الذي حرر بالده من نظام‬
‫‪65‬‬
‫التمييز العنصري وكان ملهما للعديد من حركات التحرر الالحقة حول العالم‪ .‬دون إغفال‬

‫الدور الالفت والمميز لألم تيري از على الصعيد اإلنساني العالمي‪.‬كلها أسماء فرضت‬

‫وجودها على ساحة العالقات الدولية وهي من بين مجموعة من األفراد الذين عرفوا كيف‬

‫يحسنون استغالل مكامن القوة عندهم (مقوماتهم الشخصية) ويستفيدون مما تقدمه‬

‫التكنولوجيا الحديثة في ميادين االتصاالت واإلعالم والهيمنة االقتصادية‪ ،‬بحيث بنوا‬

‫ألنفسهم أمبراطوريات عالمية ّكل في مجاله‬

‫وفي هذا السياق البد من اإلشارة إلى أن أهم عامل ساهم في تطور هذا الفاعل من‬

‫غير الدول هو التقدم التقني والتكنولوجي‪ ،‬الذي أسهم في تطوير وسائل اإلعالم بكل‬

‫أنواعها‪ ،‬باإلضافة إلى وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬التي مكنت الفرد من تنظيم شبكات‬

‫افتراضية الكترونية ‪ ،‬سا عدته في معرفة القضايا العالمية المشتركة ‪ ،‬وساهمت في جعل‬

‫التأثيرات تعبر الحدود‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬الثورات التي شهدتها المنطقة العربية‪ ،‬فضال عن‬

‫االحتجاجات التي امتدت إلى بقاع أخرى في العالم‪ .‬والتي أكدت مدى قوة الفرد الفاعل في‬

‫إحداث تغيير عميق وشامل في دولته ‪ ،‬وأحيانا يتعدى حدود دولته‪ ،‬ويمتد أثره إلى مختلف‬

‫أنحاء العالم‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ق‬ ‫الع‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ح‬‫م‬ ‫ال‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫ل‬
‫ور ا ا ث‪ :‬وا ل و رة ى لا ات ا دو ية‬‫ل‬

‫تتفاعل الوحدات المكونة لنظام الدولي في اتجاهات غير خطية النمط ‪ ،‬ضمن األطر‬

‫السلمية و الصراعية من أجل هدف واحد هو تحقيق المصالح سواء الفردية القومية أو فوق‬

‫قومية‪ ،‬لذلك فكل فاعل دولي يسعى لتأسيس مصلحته باالعتماد على عدة عوامل ذاتية‬

‫موضوعية تتوزع إلى عوامل تقليدية وحديثة استنادا للمعيار التاريخي لتطورها‪ ،‬تؤثر في‬

‫مكانة و مدى نفوذ الفواعل ‪ ،‬من ابرز تلك العوامل (العامل الجيوسياسي‪ ،‬العامل‬

‫اإليديولوجي‪ ،‬العامل االقتصادي‪ ،‬ثم العامل العسكري)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العوامل الجيوسياسية‬

‫الجيوسياسية مصطلح تقليدي ينطبق في المقام األول على تأثير الجغرافيا على‬

‫السياسة‪ ،‬فهـو علم دراسة تأثير األرض "برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها"‬

‫على السـياسة‪ ،‬في مقابل مسعى السياسة لالستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي‪،‬‬

‫أضاف إلى الجيـوبوليتيك فرع الجيـواستراتيجيا‪.‬‬

‫تقوم النظرية الجيوسياسية على فرضية مفادها أن ثم عالقة بين قوة الدولة وجغرافيتها‪،‬‬

‫باعتبار أن هذه األخيرة (الجغرافية) تسهم إسهاماً قويا في بناء الدولة‪ ،‬وزيادة أسباب‬

‫ومصادر قوتها‪ ،‬كما تلعب دو ار مهماً في صياغة خططها األمنية والعسكري والتنموي‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وترجع فكرة ربط العامل الجغرافي بالمجال السياسي إلى العهد اإلغريقي وبالتحديد عند‬

‫أرسطو في كتابه "السياسة" عندما تطرق لنظرية العالقة بين المناخ والحرية ‪،‬كما أصبح‬

‫للجغرافيا دو اًر مهما لدى محللي السياسة الدولية في إطار ما يعرف بالحتمية الجغرافية في‬

‫مدرسة راتزل والمدرسة لجيوبولتيكية عموماً‪ ،‬لذلك يقول نابليون بونابرت ‪ " :‬إن سياسة الدول‬

‫حسب جغرافيتها"‪ .‬وهذا ما أكدته بعض المعارك الكبرى في القارة األوربي ‪ ،‬من خالل بروز‬

‫دور المناخ وطبيعة األرض في حسم الصراعات المسلحة ‪ ،‬مثل معارك نابليون بونابرت في‬

‫شتاء‪.‬‬
‫أوربا وخسارته لحملته ضد روسيا سنة ‪ ،1812‬ألسباب عديدة أهمها المناخ البارد ً‬

‫ويرتبط تطور التحليل الجيوسياسي بشكل كبير بتطور المدارك و المعارف الجغرافية‪،‬‬

‫مما ساهم في التأسيس لعلم الجيوسياسة ‪ ،‬باإلضافة للعوامل التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬العامل التقني ‪ :‬فبفضل تطور وسائل النقل و االتصال الذي شهده القرن التاسع‬

‫عشر أصبح الربط و التواصل بين جميع األقاليم و البلدان ممكنا‪ ،‬إذ أدى ذلك إلى اختصار‬

‫الوقت و تيسير الحركة و التنقل ‪ ،‬فأصبح العالم يش ّكل فضاء موحدا واضح المعالم‪ ،‬و كل‬

‫هذا التطور ما كان ليحصل بدون ّ‬


‫التقدم الرهيب في المجال التكنولوجي ) المالحة‪ ،‬النقل‬

‫البري‪ ،‬فتح المضايق البحرية‪..‬الخ‪(.‬‬

‫‪ -2‬العامل الفكري و العلمي ‪:‬و نقصد بها النزعة العلمية الجديدة‪ ،‬التي ميزت القرن‬

‫التاسع عشر‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫أن‬
‫النزعة الوضعية ‪ :‬التي كان" أوغست كونت" أهم روادها‪ ،‬والتي كانت تعتقد ّ‬ ‫‪-‬‬

‫تميز الظواهر المادية و الطبيعية‬


‫الظواهر االجتماعية تخضع لنفس القوانين الموضوعية التي ّ‬

‫فإن تحليلها و فهمها يتطلّب كذلك تطبيق المنهج العلمي نفسه؛‬


‫‪ ،‬وبالتالي ّ‬

‫الداروينية االجتماعية‪ :‬و هي التيار الفكري الذي حاول تبني مفاهيم داروين‬ ‫‪-‬‬

‫األساسية و إسقاطها على العالقات االجتماعية‪ ،‬إذ أصبح العلم ينظر إلى المجتمع و الدولة‬

‫ككائن حي تتح ّكم فيه نفس القوانين التي تتح ّكم في الكائن العضوي ) النشوء‪ ،‬االرتقاء‪،‬‬

‫الصراع و التنافس من أجل البقاء‪...‬الخ(‪ ،‬و هي نظرة أنثربولوجية طبيعية تنظر لإلنسان و‬

‫مميزة ساهمت في تشكيل فهم الجيوسياسيين األوائل‪.‬‬


‫الدولة بنظرة ّ‬

‫‪ -3‬العامل السياسي‪ :‬و نقصد به بروز الوعي أو الحس القومي الذي ساهم في بروز‬

‫دول قومية جديدة في المسرح األوروبي على أنقاض الممالك و اإلمارات اإلقطاعية )‬

‫استقالل بعض الدول و توحيد األخرى على غرار الوحدة األلمانية‪،‬و الوحدة اإليطالية(‪ ،‬و‬

‫ظهر مع هذه النزعة الجديدة) أو ساهمت في بروزه (التكالب االستعماري و التع ّ‬


‫طش إلى‬

‫متطرفة تريد إضفاء شرعية علمية على مشاريعها‬


‫ّ‬ ‫احتالل أقاليم جديدة و فق اعتبارات قومية‬

‫التوسعية‪.‬‬
‫ّ‬

‫وإذا كان منظرو العالقات الدولية يختلفون حول أهمية ودور الجغرافيا في رسم مالمح‬

‫السياسة الخارجية‪ ،‬لكن غالبيتهم يجمعون على أن للحيز الجغرافي دور مؤثر وحاسم‪ ،‬بل هو‬

‫‪69‬‬
‫حتمي ويعد من العناصر الدائمة والفاعلة في السياسة الخارجية‪ ،‬ويظهر ذلك جليا في سلوك‬

‫الدول الحبيسة‪ ،‬فالبحث عن منافذ إلى البحر قد يقودها إلى صراعات مع دول الجوار‪.‬‬

‫وكما هو معلوم ان الدولة هي موضوع الجغرافيا السياسية األول واألساسي‪ ،‬والدولة هي‬

‫الوحدة األساسية في النمط السياسي العاملي‪ ،‬كل دولة مظهر قائم بذاته‪ ،‬غري متكرر في‬

‫أي صورة من صور الدول األخرى‪ ،‬الدولة إذن مظهر متفرد بكل وحدة سياسية؛ ألن لكل‬

‫دولة مظاهرها المتفردة غير المتكررة في الموضوعات التالية‪:‬‬

‫• الموقع وعالقات المكان تميز كل دولة عن غريها بظروف وعالقات مختلفة‪.‬‬

‫• المظاهر الطبيعية ألرض كل دولة متغايرة عن غريها ‪.‬‬

‫• اختالف المساحة المسكونة والم ستغلة داخل كل دولة تترتب عليه نتائج خاصة في‬

‫كل دولة ‪.‬‬

‫• اختالف عالقات كل دولة بالوحدات السياسية األخرى على المستوى اإلقليمي‬

‫والعالمي‪.‬‬

‫وهذا التفرد الوظيفي لكل دولة على حدة ال يلغي أن كافة الدول يجب أن تمتلك‬

‫خمسة عناصر أساسية لقيامها واستمرارها‪ ،‬وهذه العناصر هي‪:‬‬

‫‪ -‬مساحة من األرض تحدها حدود متعارف عليها أو متنازع عليها؛‬

‫‪ -‬نظام حكم إداري كفء لضمان سيادة الدولة على سطحها — األرضي والمائي‬

‫والجوي؛‬

‫‪70‬‬
‫‪ -‬شعب مقيم بصفة دائمة (بغض النظر عن الهجرة من أو إلى الدولة؛‬

‫‪ -‬بناء اقتصادي ّأيٍا كان شكله؛‬

‫‪ -‬نظام من النقل وخطوط للحركة داخل أراضي الدولة‪.‬‬

‫وال شك أن الدول تختلف فيما بينها اختال ًفا كبرًيا في درجة امتالكها لعنصر أو أكثر‬

‫من العناصر الخمسة السابقة‪ ،‬فهناك دول ذات مساحات عمالقة على رأسها االتحاد‬

‫السوفيتي‪ ،‬ودول ذات أعداد سكانية هائلة على رأسها الصين‪ ،‬ودول ذات موارد قوية ومتعددة‬

‫كالواليات الم تحدة‪ ،‬ودول ذات بناء اقتصادي متكامل‪ ،‬وأخرى تعتمد على نوع أو آخر من‬

‫مصادر الثروة‪ ،‬وأخرًيا دول ذات شبكة نقل كثيفة‪ ،‬وأخرى تفتقر إلى خطوط الحركة‬

‫األساسية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العامل العسكري‬

‫تأخذ المدرسة الواقعية من القوة مفهوما مركزيا لمقوالتها‪ ،‬إذ تتعامل هذه المدرسة مع‬

‫العالقات الدولية على أنها صراع مستمر يهدف إلى زيادة قوة الدولة ربط "هانس مورجنتاو"‬

‫بين القوة والسياسة الدولية جاعال من القوة أساس لها ‪ ،‬ويظهر أن مفهوم القوة يظل أكثر‬

‫المفاهيم تحوال وتغي ار في محتواه‪ ،‬وأكثرها استم ار ار في مواكبة التحوالت التي يعرفها العالم‪،‬‬

‫والتطورات الحاصلة في العالقات الدولية‪ ،‬خاصة ما يرتبط باألمن الذي هو الهدف الرئيس‬

‫من حيازة القوة في الوقت الراهن‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫وحتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية‪ ،‬إال أن زيادة تأثير العناصر‬

‫األخرى أنهى هذا االحتكار للقوة العسكرية‪ ،‬فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي‬

‫بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية‪.‬‬

‫والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما‬

‫بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في العالقات الدولية‪ .‬إن تحليل‬

‫عددا من العوامل‪.‬‬
‫القوة العسكرية ألي دولة يتطلب منا األخذ بعين االعتبار ً‬

‫ويمكن التأكيد أن القوة الزالت مفهوما مركزيا في بنية العالقات الدولية‪ ،‬مما يجعل‬

‫الصراع في السياسة الدولية متمحو ار حول السعي المتالك عناصر القوة‪ ،‬وتحتل القوة‬

‫العسكرية المكانة المركزية في مركب قوة الدولة‪ ،‬وإن كان في الوقت الراهن هناك ميل إلى‬

‫التخفيف من هذه المركزية لصالح األصناف األخرى ذات الكلفة المنخفضة اقتصاديا‬

‫وسياسيا‪ ،‬وهو ما تؤشر عليه الممارسة الدولية في حاالت متعددة‪ ،‬حيث أثبتت عجز القوة‬

‫العسكرية المنظمة في حسم الصراعات استراتيجيا‪.‬‬

‫لكن على العموم فامتالك الدولة لقدرات عسكرية يمكنها من حماية استقاللها السياسي‪،‬‬

‫وإفساح المجال لمرونة اكبر وخيارات أوسع لسياستها الخارجية‪ ،‬تجاه مصادر التهديد‬

‫الخارجي ‪ ،‬بينما غياب تلك القدرات يحد من بدائل الحركة الخارجية في مواجهه التهديدات‬

‫الخارجية ويحاصرها في البدائل الدبلوماسية‪ ،‬وبالتالي التقليل من مكانه الدولة في النظام‬

‫الدولي‬

‫‪72‬‬
‫ونظريا استخدم العامل العسكري من طرف العديد من المنظرين االستراتيجيين في‬

‫الدراسات اإلستراتيجية من خالل توظيفه في نظريات الصراع‪ ،‬نظرية توازن القوى‪ ،‬نظرية‬

‫االستجابة المرنة‪ ،‬نظرية التدمير الشامل‪ ،‬نظرية االحتواء‪.‬‬

‫ومادام العامل العسكري‪ ،‬باعتباره أهم المدخالت المؤثرة في عملية صنع السياسة‬

‫الخارجية‪ ،‬وتحديد طبيعة العالقة بين الدول وبالخصوص المتنافسة بينها على اكتساب‬

‫مناطق النفوذ و السيطرة‪ ،‬ظهرت بعض المفاهيم الجديدة ذات الصلة ‪−‬عـلى سـبيل المثـال‬

‫‪ −‬مفهـوم " الردع" الذي ارتبط بأذهان الساسة والقادة وصناع القرار "بالعصر النووي " الذي‬

‫ساد في القرن العشرين حين كانـت الحـرب البـاردة والتـسابق النـووي المحموم بين قطبي القوة‪،‬‬

‫هو السمة األساسية للعالقات الدولية ‪ ،‬وكان الهـدف منه هو تحقيق التوازن ومنع نشوب‬

‫المواجهة التي كانت تمثـل الكارثـة بالنـسبة للقادة وصناع القرار‬

‫وال شك أن ا لقوة العسكرية للدولة تقاس بتـوفر عـدد مـن العنـاصر والمؤشرات المختلفة‬

‫والمتنوعة والتي من أبرزها‪:‬‬

‫حجم القوة البـشرية في جـيش الدولـة ؛‬ ‫✓‬

‫حجم مساحة الدولة وطول حدودها وعالقاتهـا مع الدول المجاورة لها؛‬ ‫✓‬

‫مـؤشر إلى مـدى قـدرة الدولـة في االعـتماد عـلى الـذات في إنتـاج األسـلحة األساسـية‬ ‫✓‬

‫وذخائرهـا؛‬

‫حجم اإلنفاق العسكري العام؛‬ ‫✓‬

‫‪73‬‬
‫ومن العناصر المؤثرة في القوة العسكرية كـذلك العقيـدة‪ ،‬التـي تـؤمن بهـا األمة فهي‬ ‫✓‬

‫من القدرات الكامنة التي ترفد معنويات الجيش وتدفع بـه إلى المزيد من التقدم والقوة؛‬

‫الوحدة الوطنية وتآلف الشعب والتفافه حول الجيش والثقـة المطلقة به من العوامل‬ ‫✓‬

‫الهامـة في القـوة العـسكري‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العامل االقتصادي‬

‫يمكن رصد أهمية العامل اإلقتصادي في التأثير في العالقات الدولية‪ ،‬من حيث الجوانب‬

‫النظرية والعملية‪ ،‬نظرياً؛ تطرح بعض الرؤى النظرية دوره في تحليل العالقات الدولية حيث‬

‫يشكل العامل االقتصادي حجر الزاوية بالنسبة لالتجاه الماركسي التقليدي والجديد‪ ،‬فأولى‬

‫دول العالم تأثي اًر في الساحة الدولية هي تلك الدول التي تستحوذ على أقوي مستوى اقتصادي‬

‫تاريخياً ‪ ،‬وقد احتل العامل االقتصادي مكانة متميزة في تفسير بروز ظاهرة االستعمار و‬

‫المستعمرات الجديدة لدى االتجاه الماركسي‪ ،‬نظ اًر لسعي الدول األوربية الرأسمالية توسيع‬

‫األسواق و البحث عن الموارد األولية‪.‬‬

‫وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ظهرت الواليات المتحدة كقوة اقتصادية مؤثرة في‬

‫العالقات الدولية لفترة الحرب الباردة‪ ،‬وتمكنها من السيطرة على مؤسسات دولية منها؛‬

‫مؤسسة التنمية الدولية مؤسسة التمويل الدولية واالتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة‪،‬‬

‫وصندوق النقد الدولي‪ ،‬والبنك العالمي‬

‫‪74‬‬
‫تعد القوة االقتصادية من أبرز المقومات التى ترتكز إليها قومية الدول‪ ،‬ومن ثم فهي‬

‫تشكل بذلك أهم العوامل المكونة لقدرة الدولة فى المجال الدولى‪.‬‬

‫وقد كان من شأن تلك األهمية البالغة للقدرة االقتصادية أن أتخذها بعض المحللين‬

‫للعالقات الدولية كمعيار لتصنيف الدول األعضاء فى النسق الدولي العالمي‪ ،‬من حيث تدرج‬

‫قواها ‪ ،‬وذلك إلى جانب المعيار التقليدي الذى كان منصباً على القدرة اإلستراتيجية‪ ،‬أو‬

‫العسكرية للدول بصفة أساسية ‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق راح بعض المحللين يتحدثون عن نسق دولي عالمي متعدد األقطاب‬

‫من الوجهة االقتصادية‪ ،‬يسود في ظل ثنائية األقطاب في إطار النسق العالمي من الوجهة‬

‫اإلستراتيجية ‪ ،‬وهو األمر الذي حذا بالبعض إلى إطالق تسمية ” القوى العظمى المدنية ”‬

‫على بعض الدول أو التكتالت الدولية ذات القدرة االقتصادية الفائقة في المجال الدولي ‪،‬‬

‫ومن أمثلة هذه الدول والتكتالت ‪ ،‬اليابان‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬المجموعة االقتصادية األوروبية‪.‬باالضافة‬

‫إلى البلدان الصناعية الحديثة‪ (،‬كوريا الجنوبية‪ ،‬وتايوان‪ ،‬وسنغافورة‪ ،‬وهونج كونج) والتي‬

‫نظر لتوسعاتها الصناعية السريعة‪ ،‬ونجاحها في‬


‫يُطلق عليها ُمسمى النمور االقتصادية؛ ًا‬

‫تحقيق نمو اقتصادي قائم على الصادرات ‪.‬‬

‫وتطرح العالقة بين االقتصاد والعالقات الدولية العديد من المشاكل والقضايا المعقدة‪،‬‬

‫حيث يتم استغالل التفوق االقتصادي لبعض الدول لتصريف الخالفات‪ ،‬وتحقيق األهداف‬

‫‪75‬‬
‫القومية للدول المهيمنة‪ ،‬أو التأثير على بعض البلدان النامية والتحكم في مصيرها من خالل‬

‫مجموعة من اآلليات ذات الطبيعة االقتصادية ‪ ،‬ومن أبرزها‪-:‬‬

‫‪ -‬الحظر التجاري ‪ :‬شكلين من الحظر أما حظر كلي شامل أو حظر جزئي محدود‪،‬‬

‫وتعتبر إجراءات الحظر بشكلها الكلي والجزئي أحد أكثر أشكال العقوبات االقتصادية فعالية‬

‫مثال الحظر الذي فرضته األمم المتحدة على العراق‪ ،‬الحظر‬ ‫في السياسة الدولية‪،‬‬

‫المفروض على إيران بسبب برنامجها النووي‪.‬‬

‫‪ -‬المقاطعة االقتصادية ‪ :‬تعني االمتناع عن شراء سلع تنتجها دولة معينة‪ ،‬ويعتبر هذا‬

‫اإلجراء اقل تأثي ار من إجراء الحظر‪ ،‬في أن الذي يفرض الحظر هي الحكومات بينما الذي‬

‫يمارس المقاطعة هي الشركات والمؤسسات واألفراد ‪ ،‬من خالل دوافع وطنية مثال مقاطعة‬

‫المنتوجات ذات المص در االسرائيلي‪ ،‬بسبب العدوان على الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫‪ -‬التعريفات الجمركية ‪ :‬وهي سياسة يتم بموجبها فرض ضرائب جمركية على الواردات من‬

‫المحلية‪.‬‬ ‫للصناعة‬ ‫الحماية‬ ‫توفير‬ ‫هو‬ ‫الهدف‬ ‫يكون‬ ‫وقد‬ ‫األجنبية‪,‬‬ ‫الدول‬

‫‪ -‬الحصص ‪ :‬تستخدم بعض الدول نظام الحصص للسيطرة على استيراد بعض الحصص‪،‬‬

‫حيث تقوم بتحديد حصص معينة للسلع المستوردة‪.‬‬

‫‪ -‬المعونات االقتصادية ‪ :‬تعتبر المعونات االقتصادية واحدة من أهم األدوات الضاغطة‪،‬‬

‫التي تستخدمها الدول المانحة (الدول الغربية) في سياستها الخارجية تجاه دول العالم الثالث‪،‬‬

‫والهدف الرئيسي من وراء تقديم هذه المس اعدات هو فرض سياسات معينة على الدول‬

‫‪76‬‬
‫المتلقية للمساعدات‪ ,‬وبعد نهاية الحرب الباردة وضعت الواليات المتحدة األمريكية والدول‬

‫ومن بينها قيام هذه األخيرة بتطبيق‬ ‫الغربية شروطا لمنح المساعدات للدول النامية‪،‬‬

‫الديمقراطية واحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬وتبني االقتصاد الحر‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬العامل التطور العلمي والتكنولوجي‪:‬‬


‫يعيش العالم اليوم ثورة في المجاالت العلمية المختلفة وهذه الثورة كيف اليكون لها وزن في‬

‫ميدان العالقات الدولية؟ بلى إنها عامل مهم وحيوي ومؤثر في العالقات الدولية‪ ،‬فالتسابق‬

‫في ميدان التكنولوجيا يجعل الدول تأتي بشيء جديد في‬

‫مختلف المجاالت كل يوم تقريبا فها نحن نشهد ثورة المعلومات وعالم الحواسيب‬

‫واالنترنيت‪ ،‬فالمعلومة أينما كانت ومهما كان مصدرها أصبحت متاحة أمام الجميع لإلطالع‬

‫عليها وبالتالي إجراء ما يلزم عليها سواء من قبل األفراد والمؤسسات أو الدول ‪.‬وليس دور‬

‫التقد م التكنولوجي في دعم القدرة االتفاقية وبالتالي القوة االقتصادية للدولة‪ ،‬فيكفي أن نلقي‬

‫نظرة فاحصة على نوعية األساليب التكنولوجية المستخدمة في عمليات اإلنتاج داخل الدول‬

‫المتقدمة لكي نتبين هذه الحقيقة الهامة ‪.‬فالتكنولوجيا أكفأ وسائل استغالل اإلمكانيات‬

‫الطبيعية والمادية والبشرية المتاحة وذلك بدال من الركون إلى نماذج االستغالل التقليدية التي‬

‫ال توفر االستفادة القصوى من تلك الموارد‪ ،‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬فقد انطلق اإلنتاج بفضل هذا‬

‫التطور التكنولوجي إلى آفاق جديدة لم يكن من المتصور أنه سيصل إليها‬

‫فالتقدم العلمي والتكنولوجي شمل كافة المرافق الحياتية من اجتماعية واقتصادية‬

‫وعسكرية وغيرها‪ ،‬مما دفع الدول للتسابق في الوصول إلى قمة الهرم العلمي والتكنولوجي‬
‫‪77‬‬
‫لكي تتفوق على غيرها وتحتل مكانة ذات تأثير بالغ ومهم في العالقات الدولية‪ ،‬ومن أمثلة‬

‫الدول المتقدمة في المجاال ت العلمية والتكنولوجية اليابان والواليات المتحدة األمريكية‬

‫وبريطانيا وفرنسا وغيرها وهذا ما جعل لها مكانة خاصة ومميزة في الميزان الدول‪.‬‬

‫‪78‬‬

You might also like