Professional Documents
Culture Documents
مراجعة2
مراجعة2
الثقة بالنفس صفة من أفضل الصفات التي يملكها البعض من الن اس ،إذ تُنمي في من
يمتلكها شعورا بأنه قادر على تحقيق ما يريد ،والتعبير عن رأيه ومواقفه بص راحة ،وه ذا
انيتهم، يدفعه للتعامل مع الغير من أقرباء وأصدقاء وغرباء بناء على نظرة إيجابية تقدر إنس
وتعترف بحقوقهم ،وتحترم آراءهم وأفكارهم وتقاليدهم مهما كانت مختلفة .وهذا من ش أنه أن
يعزز السلم االجتماعي والتنوع الثقافي في المجتمع ،ويقوي احتماالت شعور أغلبي ة الن اس
بالسعادة والرضا عن حياتهم .إن من يثق بنفسه ال بد وأن يعتز باس تقالليته ويح رص على
حريته ويتمتع بحياته ،ويشعر بواجبه تجاه تحديات عصره .الثقة بالنفس صفة ُمكتسبة ،ال تولد
مع اإلنسان ،وإنما يكتسبها صاحبها من خالل التربية الس ليمة ،والتعليم الس ليم ،والم رور
بتجارب حياتية مختلفة تدربته على التأمل والتفكير والوعي.
إن الحياة التي تعطي اإلنسان كل ما يريد دون عناء يذكر هي حياة بال معنى ،فالنجاح
فيها يأتي بال ثمن ،بال جد وبال مثابرة وبال احساس بالقدرة على مواجهة التح ديات ..إنه ا
رحلة مملة تنقصها المتعة واإلثارة .وفي المقابل ،تعتبر الحياة التي تأخ ذ وال تعطي رحل ة
طويلة مع الفشل تنتهي دوما باإلحباط ،ذلك الشعور القاسي ال ذي يس رق من العين األم ل،
ويضعف الثقة بالنفس ،ويحرم القلب من المتعة والطمأنينة .لذلك كان على اإلنسان الذي يواجه
لك حياة قاسية كثيرة العقبات أن يدرك أن الطريق أمامه مسدودة ،وأن من األفضل له أن يس
طريقا أخرى حتى وإن كانت أكثر مشقة ..إن العناد ومحاولة التجديف ضد تيار قوي ال يفيد.
إن تجربة الحب من أصعب التجارب الحياتية ،فكل حب يفقد مع األيام بريقه كما يفقد الش وق
مع البعد حرقته ..من الممكن أن يتجدد الحب ،وأن يعيش طول العمر ،لكن عالقة الحب تنتهي
في كل الحاالت تقريبًا بالفشل ،وأحيانا بالحسرة والندم .وبين حياة تعطي وال تأخد ،وحياة تأخذ
اة وال تعطي تعيش غالبية الناس عمرها .إن من حق كل إنسان أن يحاول االقتراب من الحي
األولى واالبتعاد عن الثاني ة ،لكن علي ه أن يعي أن االبتع اد عن حي اة تأخ ذ وال تعطي،
واالقتراب من حياة تعطي وال تأخذ هما تجربتان إنسانيتان تكمل إحداها األخ رى ..رحلت ان
تجعالن للكفاح هدفًا ،وللنجاح والفشل معنى ،وللحياة متعة.
اإلنسان الذي يتصف بالوعي والثقة بالنفس يتواضع أمام العلم ويسعى للحص ول على
المزيد منه ،أما اإلنسان الذي يتصف بالجهل وضعف الثقة بالنفس فيتجه عادة إلى الخوف من
العلم ،ويتصرف أحيانًا بعنجهية إلخفاء ما يعانيه من جهل ،وذلك ألن العلم يقلق راح ة بال ه
ويربك ما في قلبه من مشاعر يقينية وما في رأسه من حكايات خرافية .األول يميل بطبعه إلى
االنفتاح على الغير ،بينما يميل الثاني إلى اإلنغالق على النفس .لذلك نالحظ أن األول يستمتع
بالفرح بنشوة ،ويحس بالحزن بعمق ،ويتذوق طعم الحياة بحالوتها ومرارتها بنفس الق در من
رح الصدق .أما الثاني فنالحظ أنه يميل إلى إخفاء مشاعره في حالتي الفرح والحزن ..ال يف
بالقدر الممكن ،وال يحزن بالقدر المطلوب ،ال يضحك وال يبكي إال نادرا ،وغالبا خلف جدران
يخشى أن تكون لها آذان تسمع وعيون ترى.
إن ثقة اإلنسان بنفسه ووعيه بحقوقه واعتزازه بحريته واستقالليته تقوده عادة للشجاعة
واألمانة مع النفس ،إذا تكلم صدق وإذا وعد أوفى ،يتصرف بوعي وعقالني ة ،ال يك ره وال
يحسد وال يحقد ،ال يلقي مسئولية أخطائه على غيره ،وال يلوم الحظ أو القدر ..إنسان يتسامح
مع من يختلف معهم في الرأي ،يحترم حقوق الغير ،ويدرك أن الحياة فرصة رائعة ال يج وز
ا ،وأن التضحية بها من أجل فرصة أخرى قد ال تأتي أبدا ..إنسان يؤمن بأن الحياة جزء من
علينا أن نسافر في بحارها العاصفة ،ونغوص في أعماقها ونستكشف أسرارها ونتمتع بكل ما
لديها من قدرة على العطاء ،فهذه حقوق ورثناها مع الحياة نفسها.
إن حب اإلنسان للحياة وإدراكه لما لديها من قدرات على العطاء ه و في ح د ذات ه
احترام للكون ولعملية الخلق التي أفرزت هذا الكون وكل ما فيه من كواكب وأقم ار وبش ر
وحيوانات وعصافير وأشجار وأزهار وجبال وبحار وأنهار وغير ذلك من أش ياء تفتن العين،
وتُحير العقل ،وتُفرح القلب.
إن البشر متساوون من حيث الحقوق والقيمة والكرامة ،مختلف ون من حيث ال ذكاء
والقدرات العقلية والبدنية ،قادرون على التفكير والتحليل واالبداع ،متباينون من حيث المواهب
اإلبداعية والقدرات على إدراك ما لديهم من كنوز عقلية وعاطفية وكيفي ة االس تفادة منه ا،
العبون يشاركون في كل عمليات الهدم والبناء التي ال تتوقف عن التحول والتغير.
ومن ناحية أخرى ،يُمثل التفاوت في الق درات الخالق ة ،والتب اين في المه ارات،
انية.. واالختالف في األدوار المجتمعية ،والتدرج في القدرات والمواهب جوهر الحياة اإلنس
إنها العناصر التي تجعل لحياة كل إنسان معنى خاص ،وتجعل لتجربته الحياتية مذاقا مختلف ا
ونكهة مميزة.
د .محمد ربيع