You are on page 1of 160

‫أطروحات ومقاالت حول القيادة واإلدارة‬

‫الدكتور‬
‫خليل بن إبراهيم الشريف‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬

‫إعادة اكتشاف القيادة‬


‫اململكة العربية السعودية‬
‫جدة‬
‫رقم الطبعة الطبعة األوىل‬
‫رقم فسح وزارة الثقافة واإلعالم ‪56523720201206‬‬
‫تاريخ اإلجازة ‪2020-12-06‬م‬

‫مركز الرفاعي للطباعة ‪-‬جدة‬

‫يســمح بنــر الكتــاب وحمتوياتــه بــأي وســيلة نــر مرهونــا‬


‫باإلشــارة للكاتــب (املؤلــف)‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬

‫‪A‬‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬

‫لكل قائد يتعامل مع فريق عمله‬

‫والثقة‪..‬‬ ‫واحلكمة‪..‬‬ ‫باللطف ‪..‬‬

‫أهدي بكل احلب والتقدير هذا الكتاب‬

‫املؤلف‬

‫‪7‬‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬

‫‪o‬‬

‫‪8‬‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬

‫‪11‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪13‬‬ ‫القيادة (اكتساب الثقة)‬
‫‪18‬‬ ‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫‪27‬‬ ‫إعادة اإلنسانية إىل مفهوم القيادة‬
‫‪32‬‬ ‫أساليب القيادة‬
‫‪37‬‬ ‫أدوار اإلدارة ومسؤولياهتا‬
‫‪42‬‬ ‫القيادة واحلب‬
‫‪51‬‬ ‫القيادة الفاعلة‬
‫‪57‬‬ ‫أبعاد القيادة األكثر تأثري ًا‬
‫‪63‬‬ ‫العالقة الناجحة بني الرئيس واملرؤوس‬
‫‪68‬‬ ‫القيادة باالستبصار‬
‫‪74‬‬ ‫اإللقاء واخلطابة يف عامل القيادة‬
‫‪79‬‬ ‫القيادة يف ظل التغيري التكيفي‬
‫‪88‬‬ ‫مصائد القرارات‬
‫‪97‬‬ ‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫‪105‬‬ ‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫‪114‬‬ ‫القيادة بمفهوم الفضيلة‬
‫‪120‬‬ ‫ماذا يعني أن تصبح مديرا؟‬
‫‪124‬‬ ‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬
‫‪131‬‬ ‫خرافات عن القيادة‬
‫‪138‬‬ ‫يا صديقي املدير‬
‫‪145‬‬ ‫الرؤية االسترشافية‬
‫‪149‬‬ ‫سلوك القادة‬
‫‪154‬‬ ‫قائمة املراجع‬
‫‪9‬‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬

‫املقدمة‪:‬‬

‫لقــد كانــت القيــادة وال تــزال أحــد أهــم أســباب تطــور حيــاة‬
‫البــر ورسعــة تقدمهــا‪ ،‬فهــي عمليــة وجــدت منــذ أن وجــد‬
‫اإلنســان‪ .‬حيــث كانــت اجلامعــات تســر خلــف قائــد املجموعــة‬
‫وينتظــم ســلوكها وفــق عوامــل عديــدة كانــت القيــادة أمههــا‬
‫وأكثرهــا تأثــر ًا‪.‬‬
‫ويف حياتنــا املعــارصة اليــوم تقدمــت علــوم القيــادة تقدمــ ًا‬
‫يلفــت النظــر‪ .‬فقــد أصبحــت القيــادة قضيــة هامــة عــى رأس‬
‫أجنــدة العمــل يف املؤسســات والــركات‪ ،‬وصــار علــم القيــادة‬
‫أحــد العلــوم البــارزة التــي تــدرس يف خمتلــف املؤسســات التعليمية‬
‫وامتــأ الســوق واملكتبــات بالكتــب والدراســات واألبحــاث‬
‫والنظريــات يف جمــال القيــادة‪ ،‬وأصبــح ينظــر إىل كبــار رجــال‬
‫األعــال والصناعــة عــى أهنــم قــادة كبــار يقفــون جنب ـ ًا إىل جنــب‬
‫يف مصــاف كبــار القــادة العســكريني وكبــار الزعــاء السياســيني‪،‬‬
‫كــا أخــذت أســاء العديــد مــن أســاتذة اجلامعــات واألكاديميــن‬
‫املتخصصــن يف علــم القيــادة تشــتهر وتصبــح معروفــة‪.‬‬
‫يف هــذا الكتــاب حماولــة جــادة إلعــادة الــرؤى يف علــم القيــادة‬
‫وحماولــة اكتشــاف ملفاهيــم حديثــة أو مســتحدثة يف ســلوك القــادة‪.‬‬
‫حيــث تطــرح املقــاالت باختــاف عناوينهــا ومضامينهــا مــا ينبغــي‬
‫أن يكــون عليــه القائــد‪ .‬وتدعــو إىل إعــادة النظــر يف املعنــى احلقيقــي‬

‫‪11‬‬
‫إعادة اكتشاف القيادة‬
‫للقيــادة الــذي قــد يتطلــب تغيــر جــذري يف األفــكار‬
‫واملامرســات‪.‬‬
‫وكذلــك تســليط الضــوء عــى الــدور اجلوهــري لقــادة املســتقبل‬
‫يف صياغــة أطروحــات متجــددة وعمليــة إلدارة املؤسســات احلديثة‬
‫يف عــامل رسيــع التطــور وشــديد التعقيــد كالــذي نعيشــه اليــوم‪.‬‬
‫ونتيجــة ملــا ســبق أصبحــت القيــادة بشــكل متزايــد موضوع ـ ًا‬
‫أساســي ًا يف مناهــج دراســات إدارة األعــال وبرامــج التدريــب عــى‬
‫القيــادة وتنميــة مهــارات القيــادة املتنوعــة التــي تقدمهــا العديــد‬
‫مــن اجلامعــات وكليــات إدارة األعــال‪ ،‬وكان االفــراض الســائد‬
‫وراء هــذه الربامــج هــو أن القيــادة يمكــن تعلمهــا أو هــي عــى‬
‫األقــل موهبــة يمكــن تنميتهــا وهنــاك اقتنــاع متزايــد بأهنــا كذلــك‬
‫بالفعــل‪ ،‬ولكــن ليــس هنــاك اتفاقــ ًا كبــر ًا حــول الطريقــة التــي‬
‫يمكــن اتباعهــا لتنميتهــا بنجــاح‪.‬‬
‫يف هــذ الصــدد تتنــوع موضوعــات الكتــاب‪ ،‬حيــث تــم الرتكيــز‬
‫عــى النواحــي املفاهيميــة للقيــادة وكذلــك املامرســات واألفعــال‬
‫واملوضوعــات اجلوهريــة كاختــاذ القــرارات ومهــارات القيــادة‬
‫األكثــر تأثــر ًا‪ .‬وكيل أمــل أن يكــون هــذا الكتــاب مفيــد ًا لــكل مــن‬
‫يامرســون القيــادة ويرغبــون يف احلصــول عــى فهــم أفضــل لطبيعــة‬
‫هــذه العمليــة أو ربــا الســتخالص بعــض األفــكار امللهمــة مــن‬
‫بــن حمتويــات هــذا الكتــاب‬

‫‪12‬‬
‫القيادة (اكتساب الثقة)‬

‫القيادة (اكتساب الثقة)‬

‫ليــس مــن املبالغــة أو التعــدي يف القــول إذا أكدنــا أن جوهــر‬


‫نجــاح القائــد يعــود إىل كســب ثقــة املرؤوســن‪ .‬فالثقــة يف القائــد‬
‫حتــدد معــامل املامرســات الوظيفيــة مــن حيــث جــودة العمــل الــذي‬
‫يؤديــه املوظفــن‪ ،‬والعنايــة وااللتــزام الــذي يولونــه‪ ،‬واالســتعداد‬
‫لبــذل جهــد إضــايف‪ .‬كلهــا أمــور تعتمــد بشــكل كبــر عــى نوعيــة‬
‫القائــد الــذي تكــون‪ .‬كيــف هــي حــال العمــل معــك؟ كيــف‬
‫جيــدك النــاس خاصــة يف مواقــف التوتــر واالنفعــال؟ مــا الشــعور‬
‫الــذي ختلقــه يف نفــوس موظفيــك حيــال أنفســهم حــن يتعاملــون‬
‫معــك؟ هــل يعلمــون أهنــم ســيعاملون بإنصــاف ودعــم واحــرام؟‬
‫أم يعلمــون أنــك ال تكبــح أبــد ًا عواطفــك وتنفجــر بــأي يشء‬
‫يعتمــر داخلــك؟‬
‫إن أحــد أهــم الوســائل للتأثــر ال تعتمــد عــى الســلطة الرســمية‬
‫أو الصداقــة بقــدر مــا تعتمــد عــى احلصــول عــى الثقــة مــن‬
‫املرؤوســن‪ ،‬والســؤال الــذي جيــب أن يتبــادر لذهــن أي قائــد‪ :‬هــل‬
‫يمكــن للموظفــن الثقــة بــك؟ ســواء ســميتها ثقــة أم احرتام ـ ًا أم‬
‫ســمعة أم مصداقيــة فهــي كلهــا تصــب يف خانــة اعتقــاد املوظفــن‬
‫بإمكانيــة التعويــل عليــك لفعــل الــيء الصحيــح‪ .‬هــل يثــق‬
‫األفــراد بأنــك ســتفعل الــيء الصــواب كرئيــس هلــم؟ إن اإلجابــة‬
‫حتــدد مــا إذا كانــوا يقبلــون بســلطتك وقيادتــك ويعطــون العمــل‬

‫‪13‬‬
‫القيادة (اكتساب الثقة)‬
‫أقــى اهتاممهــم والتزامهــم‪ .‬ليــس هنــاك أهــم لنجاحــك‬
‫وتقدمــك مــن قدرتــك عــى خلــق الثقــة بــك كرئيــس وهــي‬
‫أســاس لقدرتــك عــى التأثــر يف املوظفــن‪.‬‬
‫يذكــر عاملــا اإلدارة لينــدا هيــل وكينــت ال ينبــاك (‪2019‬م)‬
‫أهــم العنــارص األساســية الكتســاب الثقــة مــن املوظفــن واملحــددة‬
‫يف عنرصيــن أساســيني‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الكفــاءة‪ :‬هــل يؤمــن موظفــوك بأنــك مديــر كــفء؟ إن‬
‫الكفــاءة تعنــي أنــك تعــرف مــاذا تفعــل وكيــف تفعــل‪ .‬هــي تعنــي‬
‫أن لديــك اخلــرة كرئيــس عمــل‪ .‬الثقــة بكفاءتــك ســوف تزيــد كلام‬
‫بينــت أنــك تعــرف « مــاذا» و «وكيــف» تديــر‪ ،‬مــع رضورة وجــود‬
‫ســجل وظيفــي لــك مــن اإلنجــازات يف اإلدارة‪ .‬ال تقتــر الكفــاءة‬
‫عــى املعرفــة الفنيــة بتفاصيــل العمــل‪ ،‬وإنــا تشــمل الكفــاءة الفنيــة‬
‫وهــي تعنــي أنــك تعــرف مــا يكفــي عــن العمــل وكيفيــة القيــام‬
‫بــه وليــس بالــرورة أن تكــون اخلبــر األول يف الشــؤون الفنيــة‬
‫للعمــل‪ ،‬بــل إنــه مــن هــدر الوقــت أن يقــي املديــر وقتــه ليعــرف‬
‫كل تفاصيــل العمــل‪ ،‬ولكــن إن كنــت ال تعــرف كيف جيــري العمل‬
‫ولســت عــى درايــة تامــة بــا يفعلــه املديــرون فكيــف يمكــن ألحــد‬
‫أن يثــق بأنــك تفعــل الــيء الصــواب كرئيــس للعمــل‪ .‬تــأيت بعــد‬
‫ذلــك الكفــاءة التشــغيلية وهــي معرفتــك بكيفيــة تطبيــق مــا تعرفــه‬
‫فاملعرفــة يشء والفعــل يشء آخــر‪ ،‬عليــك أن تعــرف كيــف ومتــى‬
‫تطبــق املعرفــة الفنيــة يف أعاملــك بمعنــى أن تعــرف كيــف تضــع مــا‬

‫‪14‬‬
‫القيادة (اكتساب الثقة)‬
‫تعرف موضع التنفيذ بكفاءة‪.‬‬
‫ثــم تــأيت الكفــاءة السياســية وهــي املعرفــة بــأن املجموعــة‬
‫التــي تديرهــا جــزء ًا مــن مؤسســة أكــر‪ ،‬وعليــك أن تعــرف كيــف‬
‫تتــرف بكفــاءة يف هــذا الســياق‪ ،‬هــذا يعنــي أن تعــرف كيــف‬
‫تعمــل املؤسســة التــي تعمــل هبــا وكيفيــة بنــاء العالقــات داخلهــا‬
‫وخــارج حــدود إدارتــك وجمموعــة العمــل التــي تديرهــا‪ ،‬بحيــث‬
‫يكــون لــك شــكل مــن أشــكال النفــوذ لقضــاء احتياجــات العمــل‬
‫يف إدارتــك‪ ،‬وجلعــل جمموعــة العمــل لديــك جمموعــة ذات تأثــر‬
‫عــى باقــي أجــزاء املؤسســة الكبــرة‪.‬‬
‫ثانيـ ًا‪ :‬الشــخصية‪ :‬هــل يعتــرك الذيــن يعملــون معــك مديــر ًا ذا‬
‫شــخصية؟ إن جمموعــة القيــم واملبــادئ التــي حتــرك ســلوكنا هــي يف‬
‫جمملهــا مــا يعــرف بالشــخصية‪ ،‬واملوظفــون غالبـ ًا مــا يعطــون الثقة‬
‫بعــد أن يعرفــوا شــخصية القائــد‪ .‬وهــو مــا جيعلهــم حيللــون أقوالــه‬
‫وأفعالــه بحث ـ ًا بــن ثناياهــا عــن شــخصيته‪ .‬يبحــث املوظفــون يف‬
‫الغالــب عــى أســس مهمــة يف شــخصية القائــد منهــا‪:‬‬
‫‪ -‬أنــه هيتــم للعمــل الــذي يقــوم بــه ويقــدر جهــد العاملــن‬
‫معــه ويوحــي هلــم باحرتامــه جلديــة العمــل وأمهيتــه ورضورة‬
‫إنجــازه عــى أكمــل وجــه‪ .‬كــا يرغــب املوظفــون تطابــق أقــوال‬
‫القائــد مــع أفعالــه يف هــذا الشــأن بالــذات فاملعايــر التــي يرغــب‬
‫أن يلتــزم هبــا املوظفــون هــو أول مــن يفــرض أن يلتــزم هبــا‪ .‬كــا‬
‫أنــه يقلــق للعمــل واملوظفــن بــا يــوازي قلقــه عــى نفســه أو أكثــر‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫القيادة (اكتساب الثقة)‬
‫‪ -‬أنــه يقــدر مــن يعملــون معــه وحيــرص عــى نجاحهــم‬
‫وحيفــظ هلــم حقوقهــم وامتيازاهتــم وال يتعــدى عــى يشء يفــرض‬
‫أن حيصلــوا عليــه‪ ،‬فهــو ال يظهــر التوافــق العاطفــي دون حمبــة‬
‫صادقــة ورغبــة يف تطويــر ونجــاح فريــق العمــل ومراعــاة‬
‫احتياجاهتــم واهتامماهتــم وإرشاكهــم احلقيقــي يف صناعــة القــرارات‬
‫وحتمــل املســؤولية والثقــة هبــم ومتكينهــم مــن العمــل مــن خــال‬
‫تفويضهــم بالصالحيــات املمكنــة لنجــاح مهامهــم‪.‬‬
‫‪ -‬االتــزان االنفعــايل والعاطفــي لــدى القائــد بحيــث يمكــن‬
‫االعتــاد عليــه يف نجــاح عمــل الفريــق‪ ،‬وبحيــث يكــون بمقــدوره‬
‫اإلدراك اجليــد ملشــاعره ومشــاعر العاملــن معــه دون اخلضــوع‬
‫لســيطرة هــذه املشــاعر‪ ،‬فهــو قــادر عــى التعاطــف معهــم دون‬
‫اإلخــال بواجبــات العمــل‪ ،‬والتعامــل البنــاء مــع أخطائهــم دون‬
‫ضيــاع للمحاســبية‪ ،‬والقــدرة عــى ســاع االنتقــاد واالنفتــاح‬
‫للعديــد مــن اآلراء دون الظهــور كشــخص بــا رأي واضــح‪.‬‬
‫واألهــم مــن ذلــك قــدرة القائــد عــى ضبــط مشــاعر الغضــب أو‬
‫التوتــر أو القلــق أو اخلــوف وتشــجيع الفريــق كذلــك عــى إعــادة‬
‫توازهنــم ومشــاعرهم أثنــاء األزمــات والصدامــات التــي ال ختلــو‬
‫منهــا أي بيئــة عمــل‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكــون لديــه إحســاس إجيــايب بذاتــه‪ .‬إن املوظفــن‬
‫يرغبــون بالقائــد املمتلــئ بالثقــة بنفســه واملثابــر واجلــريء والقــادر‬
‫عــى خــوض التحديــات دون املغامــرة اهلوجــاء أو القــرارات‬

‫‪16‬‬
‫القيادة (اكتساب الثقة)‬
‫غــر املدروســة أو تضخــم األنــا‪ .‬القائــد الــذي لديــه إحســاس‬
‫جيــد بذاتــه يصبــح أكثــر قبــوالً لآلخريــن وأكثــر ثقــة هبــم وأكثــر‬
‫صــر ًا عــى تعلمهــم وجتاوزهــم التحديــات يف بيئــة العمــل‪.‬‬
‫هــذه العنــارص مــا بــن الكفــاءة والشــخصية هــي أفضــل مــا‬
‫يمكــن فعلــه لكســب ثقــة املرؤوســن‪ .‬إن الوصــول إىل العالقــة‬
‫املناســبة مــع املوظفــن أســاس كل يشء يف رحلــة القيــادة‪ .‬بذاهتــا‬
‫لــن حتقــق النجــاح‪ ،‬لكــن مــن دوهنــا ســيكون النجــاح بعيــد املنــال‪.‬‬
‫تبــدأ القيــادة بتحديــد طبيعــة القائــد وطبيعــة نظــر املرؤوســن لــه‪،‬‬
‫وال يفــرض أن يتــم الرتكيــز عــى الســلطة أو صداقــة العمــل‬
‫وحدهــا‪ ،‬وإنــا يكــون التعويــل عــى الثقــة بكفــاءة القائــد‬
‫وشــخصيته‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬

‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف‬


‫الطموحة‬

‫يذكــر تشــارلز دويــج يف كتابــه املثــر (أرسار االنتاجيــة يف احليــاة‬


‫والعمــل) عــن قصــة وقعــت يف الثامنينــات مــن القــرن املــايض‪،‬‬
‫عندمــا انتهجــت جنــرال إلكرتيــك إحــدى أكــر الــركات يف‬
‫العــامل‪ ،‬منهــج األهــداف الذكيــة يف طريقــة وضــع األطــر االنتاجيــة‬
‫ملوظفيهــا الــذي بلــغ عددهــم آنــذاك ‪ 22‬ألــف موظــف‪ .‬حيــث‬
‫يقــوم هــذا املنهــج ببســاطة بأنــه عــى كل موظــف يف الرشكــة أن‬
‫يكتــب خطابـ ًا لرئيســه املبــارش يف العمــل يوضــح فيــه أهدافــه التــي‬
‫ســيعمل عــى حتقيقهــا يف املرحلــة القادمــة وطــرق حتقيــق هــذه‬
‫األهــداف واملعايــر التــي جيــب تلبيتهــا‪ ،‬وعندمــا يقبــل الرئيــس‬
‫هــذا اخلطــاب بعــد التحريــر واملناقشــة فإنــه يتحــول إىل عقــد عمل‪.‬‬
‫وقــد ســميت هــذه األهــداف باألهــداف الذكيــة والتــي تتبنــى‬
‫عــدد ًا مــن املعايــر وهــي أهنــا أهــداف حمــددة‪ ،‬وقابلــة للقيــاس‪،‬‬
‫وقابلــة للتنفيــذ‪ ،‬وواقعيــة‪ ،‬وحمــددة بزمــن‪ .‬بمعنــى آخــر جيــب أن‬
‫يكــون حتقيــق األهــداف أمــر ًا واضحــا وميســور ًا‪ ،‬وجيــب وصفهــا‬
‫بطريقــة تشــر إىل خطــة ملموســة‪.‬‬
‫انتــرت طريقــة التفكــر باألهــداف الذكيــة يف ثقافــة القيــادة‬
‫برشكــة جنــرال إلكرتيــك انتشــار ًا كبــر ًا فلقــد أصبــح هنــاك‬
‫اجلــداول الذكيــة ملســاعدة مديــري املســتوى املتوســط عــى وصــف‬

‫‪18‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫األهــداف الشــهرية‪ ،‬وأرواق العمــل الذكيــة لتحويــل األهــداف‬
‫الشــخصية إىل خطــط عمــل‪ ،‬وكان اعتقــاد الرشكــة أن األهــداف‬
‫الذكيــة ســتحقق نجاحــ ًا يرجــع إىل أســباب علميــة قويــة‪ .‬لكــن‬
‫هــذه املنهجيــة بعــد مــي فــرة مــن الزمــن مل حتقــق األربــاح‬
‫املنشــودة يف ظــل انتاجيــة عــدد مــن مصانــع الرشكــة‪ ،‬وأدى ذلــك‬
‫إىل إعــادة دراســة األهــداف الذكيــة والبحــث عــن اخللــل أو‬
‫مشــكالت التطبيــق‪ ،‬خصوصــ ًا يف تلــك األقســام املتعثــرة‪ ،‬وقــد‬
‫قامــت الرشكــة بطلــب املســاعدة مــن عــدد مــن املختصــن وعــى‬
‫رأســهم أســتاذ جامعــي يســمى (ســتيف كار) عميــد كليــة إدارة‬
‫األعــال بجامعــة ســاثذرن كاليفورنيــا ‪ ،‬كان خبــر ًا يف علــم نفــس‬
‫وضــع األهــداف وبــدأ الفريــق املختــص بمقابلــة املوظفــن وعندما‬
‫ســألوهم عــن شــعورهم حيــال تأكيــد رشكــة جنــرال إلكرتيــك‬
‫عــى أمهيــة األهــداف الذكيــة‪ ،‬توقعــوا ســاع شــكوى مــن هــذه‬
‫املنهجيــة أو آراء تفيــد بأهنــم ال يــرون أهنــا منهجيــة مرحيــة لتحقيــق‬
‫املزيــد مــن االنتاجيــة ‪ ،‬وأن الطلبــات الذكيــة املتتاليــة تعوقهــم يف‬
‫ســر العمــل‪ ،‬وبــدالً مــن ذلــك قــال املوظفــون إهنــم حيبــون نظــام‬
‫األهــداف الذكيــة‪ ،‬وأهنــا متنحهــم الشــعور باإلنجــاز احلقيقــي ‪.‬‬
‫لقــد اســتنتج الفريــق املختــص بــأن نظــام األهــداف الذكيــة‬
‫كان يعــزز لــدى املوظــف الشــعور باإلنجــاز بينــا جيــد نفســه قــد‬
‫حقــق األهــداف املتفــق عليهــا‪ ،‬لكــن املشــكلة التــي تــم اكتشــافها‬
‫مــن قبــل الفريــق املختــص أنــه ال املوظــف وال رئيســه املبــارش قــد‬

‫‪19‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫فكــروا بمــدى أكــر إذا كانــت هــذه األهــداف مهمــة وجمديــة‬
‫لإلنتاجيــة أم ال‪ ،‬فكــر رئيــس الفريــق د‪ .‬ســتيف كار يف أن الطريقــة‬
‫الوحيــدة لتحســن األداء هــي البحــث عــن طريقــة إلبعــاد املوظفني‬
‫عــن الرتكيــز عــى األهــداف قصــرة املــدى ‪ ،‬وتشــجيعهم عــى‬
‫التفكــر يف طموحــات أكــر وأهــداف طموحــة طويلــة املــدى‪،‬‬
‫وكانــت االســراتيجية املتبعــة لتنفيــذ ذلــك هــي عمــل اجتامعــات‬
‫تضــم أكــر قــدر مــن املديريــن التنفيذيــن وبدورهــم يقومــون‬
‫باجتامعــات مــع املوظفــن‪ ،‬بحيــث تكــون هــذه االجتامعــات أشــبه‬
‫بالتدريــب عــى التفكــر الطمــوح واألهــداف األكثــر صعوبــة‬
‫وإتقانــ ًا يف االنتاجيــة‪ .‬اســتطاعت هــذه االســراتيجية مــن جعــل‬
‫الرشكــة حتقــق املزيــد مــن األربــاح وتقليــل اهلــدر واألخطــاء يف‬
‫بعــض املصانــع إىل نســبة ‪ % 35‬ثــم توالــت بعــد ذلــك سلســلة‬
‫األهــداف الطموحــة للرشكــة‪.‬‬
‫ففــي عــام ‪ 1993‬م ســافر الرئيــس التنفيــذي الشــهري للرشكــة‬
‫آنــذاك (جــاك ويلــش ) إىل طوكيــو وســمع خــال لقاءاتــه مــع‬
‫قيــادات تنفيذيــة يابانيــة قصــة أخــرى ملهمــة عــن األهــداف‬
‫الطموحــة‪ ،‬فقــد ذكــروا لــه أن رئيــس نظــام الســكك احلديديــة‬
‫يف اليابــان يف عــام ‪ 1955‬م أطلــق حتدي ـ ًا أمــام أفضــل املهندســن‬
‫يف اليابــان‪ .‬وهــو اخــراع القطــار األرسع (قطــار الطلقــة)‪ .‬بعــد‬
‫ســتة أشــهر قــدم فريــق املهندســن نموذجـ ًا أوليـ ًا لقاطــرة تســتطيع‬
‫االنطــاق برسعــة ‪ 65‬ميـ ً‬
‫ا يف الســاعة‪ .‬حيــث أنــه يف ذلــك الوقــت‬

‫‪20‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫كانــت تلــك الرسعــة ســتجعل ذلــك القطــار أحــد أرسع قطــارات‬
‫نقــل الــركاب يف العــامل‪ ،‬مل يقبــل رئيــس الســكك احلديديــة لقــد كان‬
‫يريــد قطــار ًا برسعــة ‪ 120‬ميـ ً‬
‫ا يف الســاعة‪ .‬أوضــح املهندســون أن‬
‫هــذا اهلــدف غــر واقعــي وغــر ممكــن‪ .‬فــإذا انطلــق القطــار بتلــك‬
‫الرسعــة وانعطــف بحــدة فــإن قــوة الطــرد املركــزي ســتجعل‬
‫العربــات ختــرج عــن مســارها لذلــك ســتكون رسعــة ‪ 70‬مي ـ ً‬
‫ا يف‬
‫الســاعة أكثــر واقعيــة وإذا زادت رسعــة القطــار عــن هــذا فســوف‬
‫يتحطــم‪.‬‬
‫سأل رئيس السكك‪ :‬ملاذا جيب أن تنعطف القطارات؟‬
‫أجــاب املهندســون بــأن هــذا حيــدث بســبب وجــود العديــد مــن‬
‫اجلبــال‪.‬‬
‫سأل الرئيس مرة أخرى‪ :‬ملاذا ال نحفر األنفاق إذ ًا؟‬
‫عــاد املهندســون مــرة أخــرى بنمــوذج لقطــار رسعتــه ‪ 80‬مي ـ ً‬
‫ا يف‬
‫الســاعة ‪ .‬ولكــن رئيــس الســكك احلديديــة رفــض رفض ـ ًا قاطع ـ ًا‬
‫وانتقــد النمــوذج انتقــاد ًا شــديد ًا‪ .‬وطلــب أن يكــون القطــار قــادر‬
‫عــى االنطــاق برسعــة ‪ 120‬مي ـ ً‬
‫ا يف الســاعة‪.‬‬
‫لقــد كان هــذا اهلــدف الطمــوح والكبــر وطويــل املــدى‬
‫والــذي اســتغرق مــن املهندســن التفكــر والتخطيــط والتصميــم‬
‫ملــدة عامــن ســبب ًا رئيســي ًا يف اخــراع القاطــرات الرسيعــة بعــد‬
‫ذلــك حــول العــامل ‪ .‬ولقــد حتقــق هــذا الطمــوح لرئيــس الســكك‬
‫احلديديــة يف عــام ‪1964‬م حيــث غــادر ( توكايــدو شينكانســن )‬

‫‪21‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫أول قطــار طلقــة يف العــامل مــن مدينــة طوكيــو إىل أوســاكا خــال‬
‫ثالثــة ســاعات وثــان ومخســن دقيقــة بينــا كان يقطعهــا القطــار‬
‫القديــم يف ‪ 20‬ســاعة تقريبــ ًا ‪.‬‬
‫لقــد عكــف املهندســون يف التفكــر يف حلــول غــر اعتياديــة‬
‫تضمنــت النظــر يف قضبــان الســكة احلديديــة‪ .‬نفســها وتغيــر‬
‫معادالهتــا وأحجامهــا وطريقــة اتصاهلــا‪ ،‬وكذلــك يف شــق األنفــاق‬
‫وحتييــد املنعطفــات الشــديدة‪ ،‬لقــد دفــع هــذا الرئيــس باملهندســن‬
‫إىل أقــى إمكانياهتــم يف التفكــر واالخــراع‪.‬‬
‫بالنســبة جلــاك ويلــش رئيــس رشكــة جنــرال الكرتيــك آنــذاك‬
‫كانــت هــذه القصــة مصــدر إهلــام كبــر فعندمــا عــاد إىل موطنــه‬
‫اجتمــع الفريــق املختــص الــذي يقــوده د ســتيف كار وأخــره‬
‫بــأن الرشكــة حتتــاج إىل املزيــد مــن األهــداف الطموحــة واجلريئــة‬
‫وســينبغي عــى كل مديــر تنفيــذي وكل قســم باإلضافــة إىل تقديــم‬
‫أهــداف ذكيــة حتديــد هــدف طمــوح قــد ال يســتطيع املديــرون‬
‫وصــف كيفيــة تنفيــذه عــى األقــل يف البدايــة‪ ،‬ألنــه لــو عــرف‬
‫كيفيــة تنفيــذه فلــن يكــون هدفـ ًا طموحـ ًا‪ .‬وقــال ويلــش إنــه جيــب‬
‫عــى اجلميــع املشــاركة يف ((التفكــر عــى غــرار مــا حــدث مــع‬
‫القطــار الطلقــة))‪.‬‬
‫بعــد ســتة أشــهر مــن رحلــة ويلــش إىل اليابــان أصبــح كل‬
‫قســم يف الرشكــة يمتلــك هدفــ ًا طموحــ ًا‪ -‬عــى ســبيل املثــال ‪-‬‬
‫أعلــن قســم تصنيــع حمــركات الطائــرات أنــه ســيقوم بتقليــل عــدد‬

‫‪22‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫العيــوب وجتويــد صناعــة املحــركات املنتجــة بنســبة ‪ %25‬وافــق‬
‫ويلــش بــأن تقليــل العيــوب هــدف حكيــم ‪ ،‬ثــم أخربهــم بأنــه‬
‫ينبغــي عليهــم جتويدهــا بنســبة ‪ !!%70‬وكانــت كل حمــاوالت‬
‫املديــرون لثنــي ويلــش عــن هــذه النســبة ‪-‬التــي رأوا أهنا مســتحيلة‬
‫بــل وســخيفة ‪ -‬قــد قوبلــت بالرفــض‪ .‬ممــا جعلهــم يضطــرون إىل‬
‫العديــد مــن اإلجــراءات الكبــرة لتحقيــق هــذه النســبة بــدء ًا مــن‬
‫طــرق تدريــب العــال‪ ،‬وإعــادة دراســة لوائــح اختيــار العاملــن‬
‫وتوظيفهــم‪ ،‬وكذلــك عــرض املميــزات الوظيفيــة للنابغــن يف‬
‫هــذا املجــال لدرجــة أهنــم غــروا طريقــة الــدوام بــا تتوافــق مــع‬
‫رغباهتــم‪ ،‬وكذلــك طريقــة إدارة املصنــع‪ ،‬وإعــادة حتديــد الواجبات‬
‫الوظيفيــة‪ ،‬والعديــد مــن اإلجــراءات التــي ســامهت يف إصالحــات‬
‫شــاملة وواســعة املــدى مــن أجــل حتقيــق هــذه النســبة الطموحــة‪.‬‬
‫بإمكاننــا القــول إن تأثــر األهــداف الطموحــة وحــث العاملــن‬
‫عــى االلتــزام نحــو األهــداف الطموحــة التــي تبــدو بعيــدة املنــال‬
‫قــد يســاهم عــى حتقيــق طفــرات هائلــة يف االبتــكار واالنتــاج‪،‬‬
‫وحتويــل االنتبــاه إىل احتــاالت جديــدة للمســتقبل وإشــعال جــذوة‬
‫النشــاط يف املؤسســة‪ .‬ومــع ذلــك جيــب االحــراس مــن قــوة‬
‫األهــداف الطموحــة فقــد أظهــرت الدراســات أهنــا يمكــن أيض ـ ًا‬
‫أن تســبب االحبــاط والذعــر واالقتنــاع بــأن النجــاح ال يمكــن‬
‫حتقيقــه‪ ،‬فهنــاك خــط رفيــع بــن الطمــوح الــذي يســاعد النــاس‬
‫عــى حتقيــق يشء مدهــش وبــن التهــور الــذي يــؤدي إىل حتطــم‬

‫‪23‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫الروح املعنوية‪.‬‬
‫ويمكــن التعــرف عــى اهلــدف الطمــوح اجليــد والــذي حيفــز‬
‫عــى االبتــكار والتجديــد مــن خــال قدرتنــا عــى حتويلــه إىل‬
‫جمموعــة مــن املراحــل مــن األهــداف الذكيــة قصــرة املــدى‬
‫والقابلــة للتنفيــذ‪ .‬كذلــك ال جيــب أن تكــون األهــداف الطموحــة‬
‫يف التدقيــق عــى التفاصيــل التــي ال طائــل مــن ورائهــا‪ ،‬ولكــن يف‬
‫العموميــات ذات األثــر واملــردود الكبــر عــى املؤسســة أو الرشكــة‬
‫والتــي يمكــن تنفيذهــا عــى مراحــل مــن األهــداف الذكيــة‪.‬‬
‫لقــد تعرضــت دراســات أكاديميــة وكتــب يف علــم نفــس اإلدارة‬
‫ملســألة نجــاح تبنــي رشكــة جنــرال الكرتيــك األهــداف الذكيــة‬
‫واألهــداف الطموحــة معــ ًا‪ .‬كــا قامــت العديــد مــن املؤسســات‬
‫العامليــة بتقليــد نظــام الرشكــة‪.‬‬
‫إننــا نســتطيع بالفعــل تغيــر طريقــة تــرف النــاس مــن خــال‬
‫الطلــب منهــم التفكــر يف أهدافهــم بشــكل خمتلــف‪ ،‬وحاملــا نــدرك‬
‫كيفيــة القيــام هبــذا يمكننــا القيــام بأمــور كبــرة مل تكــن ختطــر ببالنــا‬
‫وقــد أكــدت نتائــج العديــد مــن الدراســات التــي ذكــرت‬
‫فيكتــاب ( بصفتــك رئيس ـ ًا) للكاتــب كينــت ال ينبــاك ( ‪2019‬م)‬
‫والتــي أجريــت يف جامعــة ( ووتــر لــو ) وجامعــة (ميلبــورن ) أن‬
‫األهــداف الطموحــة تــؤدي إىل ابتــكارات رائعــة ولكــن يف حالــة‬
‫واحــدة فقــط عندمــا يملــك النــاس نظامــ ًا لتقســيمها وحتويلهــا‬
‫إىل خطــط ملموســة ‪ ،‬وأن تعامــل املوظــف أو القائــد مــع قائمــة‬

‫‪24‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫حتتــوي أهــداف طموحــة بعيــدة املنــال فحســب فمــن املرجــح أن‬
‫تســبب االحبــاط والنفــور ‪ .‬لذلــك يتمثــل احلــل يف كتابــة القوائــم‬
‫واألهــداف اجليــدة التــي جتمــع األهــداف الطموحــة واألهــداف‬
‫الذكيــة ‪.‬‬
‫فكــر يف قائمــة طموحاتــك الكــرى ‪ ،‬احلــم أحالمــ ًا كبــرة ‪،‬‬
‫صــف األهــداف التــي تبــدو مســتحيلة للوهلــة األوىل مثــل حتقيــق‬
‫نســب إنجــاز عاليــة يف العمــل ‪ ،‬ختفيــض األخطــاء وضبــط اجلــودة‬
‫بنســب فــوق ‪ ، % 60‬زيــادة املبيعــات إىل الضعــف ‪ ..‬اخــر اهلــدف‬
‫ومــن ثــم إبــدا تقســيمه إىل خطــوات قصــرة املــدى ‪ ،‬ووجــه‬
‫لنفســك األســئلة التاليــة ‪:‬‬
‫‪ -‬مــا التقــدم احلقيقــي الــذي يمكنــك تنفيــذه يف اليــوم ؟ أو‬
‫األســبوع ؟ أو الشــهر ؟‬
‫‪ -‬مــا اإلجــراءات التــي ســوف تتخذهــا يف اليــوم التــايل‬
‫وعــى مــدى األســابيع الثالثــة التاليــة ؟‬
‫‪ -‬مــا اخلطــوات املحــددة قصــرة املــدى التــي تصاحــب‬
‫النجــاح الكبــر ؟‬
‫‪ -‬هل اجلدول الزمني مناسب وعميل ومرن ؟‬
‫‪ -‬هــل ســتصل للنتيجــة الكــرى خــال شــهر ‪ ..‬شــهرين‬
‫‪..‬عــام ؟‬

‫‪25‬‬
‫القيادة بني األهداف الذكية واألهداف الطموحة‬
‫‪ -‬كيــف ســتقوم بقيــاس مــدى تقدمــك نحــو اهلــدف الكبري؟‬
‫‪ -‬مــا األمــور املتوفــرة يف املؤسســة والتــي تســاعدك عــى‬
‫بدايــة العمــل للوصــول إىل اإلنجــاز الطمــوح؟‬
‫‪ -‬مــا العقبــات املتوقعــة وكيــف ســرتب أولويــات مواجهتها‬
‫واحللــول قصــرة املــدى املناســبة إلحــراز إنجــاز يف تذليــل‬
‫العقبــات؟‬
‫خالصــة القــول نحــن نحتــاج إىل األهــداف الطموحــة‬
‫واألهــداف الذكيــة مــن أجــل أن نحقــق تغيــر كبــر وملمــوس‬
‫‪ ،‬وأهــم اإلجــراءات لتحقيــق ذلــك يعتمــد عــى حتديــد اهلــدف‬
‫الطمــوح ومــن ثــم حتديــد األهــداف الذكيــة يف ذات الســياق‬
‫التــي مــن خالهلــا يمكــن أن تتبنــى أفضــل خطــة عمــل ملموســة‬
‫إلحــداث النقلــة النوعيــة الكبــرة يف اإلنجــاز واألداء ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫إعادة اإلنسان إىل مفهوم القيادة‬

‫إعادة اإلنسانية إلى مفهوم القيادة‬

‫طــرح الكاتــب األمريكــي الشــهري يف علــم القيــادة « بنجامــن‬


‫كيســلر « هــذا العنــوان ملقالــه يف إحــدى املجــات اإلداريــة « إعــادة‬
‫اإلنســانية إىل مفهــوم القيــادة « كان عنوانـ ًا مميــز ًا تطــرق مــن خاللــه‬
‫ملفهــوم القيــادة والقــدر الــذي ابتعــد عنــه حاليــ ًا عــن املفهــوم‬
‫اإلنســاين األصيــل للقيــادة‪ .‬وقــد افتتــح مقالــه بإحصائيــة مهمــة‬
‫تتعلــق بتكلفــة اســتثامر الــركات حــول العــامل يف تطويــر وتدريــب‬
‫القيــادات واملديريــن التنفيذيــن‪ .‬إذ بلــغ إمجــايل النفقــات يف هــذا‬
‫املجــال ‪ 45,5‬مليــار دوالر يف عــام واحــد وهــو عــام ‪ 2013‬م‪.‬‬
‫لكــن بقيــاس النتائــج يذكــر كيســلر أن األبحــاث تشــر إىل أن هــذه‬
‫االســتثامرات يف تطويــر وتدريــب القيــادات حــول العــامل مل حتقــق‬
‫الغايــات املرجــوة منهــا‪ ،‬فأحــد أهــم أســس التدريــب والتطويــر‬
‫يف علــم القيــادة هــو الوصــول إىل مفاهيــم راســخة وســليمة‬
‫عــن القيــادة‪ ،‬وهــذا مــا مل يتــم حدوثــه بعــد‪ .‬إذ ينتــر يف غالــب‬
‫أطروحــات الــدورات التجاريــة ترويــج ملفهــوم القيــادة القائــم‬
‫عــى (التأثــر) فالقيــادة لطاملــا وصفــت بأهنــا ذلــك التأثــر يف‬
‫اآلخريــن لتحقيــق أهــداف املؤسســة‪ ..‬أو حتريــك املوظفــن نحــو‬
‫رؤيــة املؤسســة‪ ..‬ويذكــر كيســلر بأنــه بالعــودة لدراســات عــدد‬
‫مــن الباحثــن وأســاتذة الســلوك التنظيمــي بكليــة إنســياد لألعــال‬
‫وجــدوا أن ربــط مفــردة (التأثــر) بمفهــوم القيــادة هــو اختــزال‬

‫‪27‬‬
‫إعادة اإلنسان إىل مفهوم القيادة‬
‫خاطــئ ملفهــوم القيــادة األكثــر إنســانية‪ .‬فالتأثــر يف كثــر مــن‬
‫األحيــان لغــة مهذبــة لإلكــراه‪ .‬وشــكل مبهــرج للربمجاتيــة‬
‫اإلداريــة‪ ،‬وإن كان ال خيلــو عمــل القائــد مــن التأثــر يف اآلخريــن‪.‬‬
‫هــذا حقيقــي‪ ،‬غــر أن مفهــوم القيــادة شــأن آخــر أكثــر اتســاع ًا‬
‫مــن فكــرة التأثــر‪ .‬حيــث يــرى الباحثــن يف الكليــة‪ ،‬مــن أجــل‬
‫إعــادة اإلنســانية ملفهــوم القيــادة العــودة للــوراء إىل املعنــى القديــم‬
‫واألصيــل للقيــادة بوصفهــا دائــ ًا (اجلهــد املبــذول مــن أجــل‬
‫اجلامعــة) فلســان حــال املرؤوســن فيهــا (إذا كنــت ال متثلنــا فلــن‬
‫تكــون قائــد ًا لنــا) يمكــن أن تكــون رئيسـ ًا رســمي ًا لكــن ال تشــغل‬
‫بالــك بمفهــوم القيــادة حتــى يشــعر املوظفــن بأهنــم يــرون شــخص ًا‬
‫كفــؤ ًا يســتحق أن يمنحونــه صوهتــم وتأييدهــم الكامــل‪.‬‬
‫مــن خــال هــذا املفهــوم فــإن حقيقــة القيــادة لــن تتأتــى مــن‬
‫خــال قــدرات التأثــر الكثــرة اجليــدة منهــا أو االســتغاللية‪ ،‬وال‬
‫مــن خــال االســتلطاف القائــم عــى املنفعــة‪ .‬إنــه مفهــوم ذو جوهر‬
‫إنســاين‪ .‬فلــن ينظــر للرئيــس كقائــد إال مــن خــال فريــق العمــل‪.‬‬
‫هــل فريــق العمــل يــرى أمامــه خــر مــن يمثلــه وخــر من يســتحق‬
‫صوتــه وتأييــده؟ هبــذه الرؤيــة تنتقــل طبيعــة مفهــوم القيــادة مــن‬
‫الرتكيــز عــى القائــد إىل الرتكيــز عــى املرؤوســن ويمكــن أن تقيــس‬
‫حينهــا ســلوك القائــد يف اللحظــة التــي نــرى املوظفــن يتعاملــون‬
‫معــه كممثــل هلــم‪ ،‬وكخــر إنســان هيتــم لشــأهنم وشــأن العمــل يف‬
‫الوقــت نفســه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إعادة اإلنسان إىل مفهوم القيادة‬
‫إذن القيــادة ال يمكــن أن ختتــزل يف (التأثــر) فحســب‪ ،‬ولكــن‬
‫يف كيفيــة هــذا التأثــر‪ ،‬ومــدى رضــا املوظفــن عــن شــكل ذلــك‬
‫التأثــر‪ ،‬وإحساســهم بأنــه التأثــر املناســب الــذي يصنــع القائــد‬
‫املناســب‪ .‬فيمكــن اختصــار مفهــوم القيــادة اإلنســاين بأنــه (القبــول‬
‫للقائــد لــدى املوظفــن واإلحســاس بأنــه خــر مــن يمثلهــم‬
‫وينــوب عنهــم والقناعــة بأنــه فيــا لــو كان اخليــار هلــم يف حتديــد‬
‫مــن يرأســهم فســيختارونه بــا تــردد)‪.‬‬
‫وجــد كيســلر أن إعــادة اإلنســانية ملفهــوم القيــادة تتطلــب أيضـ ًا‬
‫توضيــح الفــرق بــن مفهــوم القيــادة وبــن مفهــوم اإلدارة‪ .‬فكثــر ًا‬
‫مــا كانــت الــدورات التدريبيــة التــي تســتهدف تطويــر القيــادات‬
‫تضــع اإلدارة دائــ ًا يف اجلانــب الــيء‪ ،‬وتضــع القيــادة دائــ ًا يف‬
‫اجلانــب احلســن‪ .‬فعبــارات مثــل‪ :‬التفهــم‪ ،‬وحســن التخطيــط‪،‬‬
‫والتحفيــز‪ ،‬والتشــجيع‪ ،‬واإلهلــام خاصــة بالقائــد‪ .‬وعبــارات‬
‫مثــل‪ :‬قــر النظــر‪ ،‬وســوء التخطيــط‪ ،‬وغيــاب الرؤيــة‪ ،‬والقســوة‪،‬‬
‫وضعــف املرونــة خاصــة باملديــر‪.‬‬
‫هــذه املقارنــة هبــذا الشــكل التعســفي وغــر العلمــي جعلــت‬
‫الكثــر ممــن يــارس اإلدارة أو القيــادة يعتقــد أن كلمــة (مديــر)‬
‫كلمــة ســلبية‪ .‬وكلمــة (قائــد) كلمــة إجيابيــة تقــع يف اجلهــة املقابلــة!‬
‫واحلقيقــة أن القيــادة ليســت أفضــل مــن اإلدارة أو بديلــة عنهــا‪،‬‬
‫واإلدارة كذلــك ليســت أفضــل مــن القيــادة أو بديلــة عنهــا‪ .‬القيادة‬
‫واإلدارة نظامــا عمــل بينهــا العديــد مــن نقــاط االتفــاق‪ ،‬وبينهــا‬

‫‪29‬‬
‫إعادة اإلنسان إىل مفهوم القيادة‬
‫أيض ـ ًا عــدد مــن نقــاط االختــاف‪ .‬لكنهــا نظامــا عمــل للتكامــل‬
‫ولــكل واحــد منهــا طريقتــه ووظيفتــه وأنشــطته املميــزة‪.‬‬
‫ويمكــن التأكيــد قبــل ذكــر نقــاط االختــاف بــن القيــادة‬
‫واإلدارة‪ .‬أن كال منهــا حيتــاج إىل القيــم واألخــاق احلســنة وحيتــاج‬
‫إىل التخطيــط اجليــد‪ ،‬وبعــد النظــر‪ ،‬وحيتــاج الحــرام العالقــات‬
‫اإلنســانية‪ ،‬وحتفيــز العاملــن‪ .‬كل األمــور احلســنة واجليــدة مهمــة‬
‫أن تكــون يف القائــد أو املديــر عــى حــد ســواء‪ .‬كــا أن كل األمــور‬
‫الســلبية واخلاطئــة مــن املهــم أن يتجنبهــا القائــد واملديــر عــى حــد‬
‫ســواء‪.‬‬
‫قــد ختتلــف املســميات الرســمية يف التكليــف للمناصــب‬
‫الرســمية‪ .‬فعــادة يف املستشــفيات يســمى أعــى شــخص يف ســلطة‬
‫املستشــفى (مديــر املستشــفى) لكــن ذلــك ال يعنــي أنــه ال يمكــن‬
‫أن يكــون قائــد ًا‪ ..‬بينــا يف القطاعــات العســكرية التســمية الرســمية‬
‫للرؤســاء تكــون (قائــد عســكري) لكــن هــذا ال يمنــع أن يتــرف‬
‫كمديــر يف عملــه يف أحيــان كثــرة‪..‬‬
‫لذلــك يمكــن ذكــر أبــرز االختالفــات بــن القيــادة واإلدارة‬
‫عــى النحــو التــايل‪:‬‬
‫‪ -‬اإلدارة تتواكــب مــع األحــداث بينــا القيــادة تســابق‬
‫األحــداث‪.‬‬
‫‪ -‬اإلدارة تتكيــف مــع تعقيــدات الوضــع احلــايل بــا يشــمله‬
‫مــن إجــراءات وقوانــن تنفيذيــة‪ .‬بينــا القيــادة تســعى إلحــداث‬

‫‪30‬‬
‫إعادة اإلنسان إىل مفهوم القيادة‬
‫التغيري ومن ثم التكيف معه‪.‬‬
‫‪ -‬اإلدارة حتــرص عــى اســتمرارية املكتســبات واملحافظــة‬
‫عــى تطورهــا التدرجيــي‪.‬‬
‫‪ -‬القيــادة قــد تدخــل باملكتســبات يف مغامــرة مدروســة‬
‫لتحقيــق مكتســبات جديــدة أكثــر وفــرة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلدارة عــادة مــا تقــارن وتقيــس أدائهــا باألربــاح الدوريــة‬
‫وحتقيــق اجلــودة والنجــاح يف تطبيــق لوائــح العمــل‪.‬‬
‫‪ -‬القيــادة عــادة مــا تقيــس أدائهــا بالنقــات النوعيــة‬
‫والتجديــد وحجــم االبتــكار‪.‬‬
‫‪ -‬يف اإلدارة يمنــح املديــر املنصــب بتكليــف مــن الرؤســاء‬
‫األعــى‪ ،‬بينــا يف القيــادة يمنــح الرئيــس صفــة القيــادة مــن خــال‬
‫اقتنــاع وتأييــد املرؤوســن‪.‬‬
‫ومــن خــال الفــارق األخــر نعــود مــن جديــد لعنــوان مقــال‬
‫كيســلر ( إعــادة اإلنســانية ملفهــوم القيــادة ) حيــث يمكــن اختصــار‬
‫مجيــع مــا ذكــر بــأن مــن يمنــح لقــب القيــادة هــم املرؤوســن حــن‬
‫يــرون شــخص ًا صاحــب كفــاءة وقيــم وقــدرة عــى متثيــل جمموعــة‬
‫العمــل خــر متثيــل ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أساليب القيادة‬

‫أساليب القيادة‬

‫«إن كل فــرد منــا ينبغــي أن يضــع لنفســه أســلوبه اخلــاص‬


‫وطريقتــه اخلاصــة باســتخدام املهــارات والصفــات الشــخصية‬
‫التــي ورثناهــا»‬
‫جــون هــاريف اهتمــت الدراســات واألبحــاث يف جمــال‬
‫القيــادة بالتعــرف عــى أســاليب القيــادة عنــد القــادة والرؤســاء‬
‫وتناولــت األســاليب األكثــر شــهرة مثــل األســاليب األتوقراطيــة‬
‫والديموقراطيــة وتعــد أهــم الدراســات يف هــذا املجال دراســتني تم‬
‫إجراؤمهــا يف عامــي ‪ 1940 - 1939‬م بواســطة باحثــن أمريكيــن‬
‫مهــا ( وايــت وليبيــت ) وهــي اليــوم تعد مــن التجارب الكالســيكية‬
‫يف علــم النفــس االجتامعــي واهلــدف مــن هاتــن الدراســتني هــو‬
‫تقييــم مــدى نجــاح وفعاليــة الطــرق املختلفــة ملامرســة دور القيــادة‬
‫ويف جتربتهــا األوىل قامــا بعقــد مقارنــة بــن نوعــن مــن الســلوك‬
‫أو أســلوبني يف اإلدارة ( األســلوب األتوقراطــي ( الديكتاتــوري )‬
‫‪ -‬األســلوب الديموقراطــي ) وهــذان املصطلحــان واضحــان مــن‬
‫تلقــاء نفســيهام وليســا يف حاجــة إىل توضيــح فالقائــد األتوقراطــي‬
‫ال يــرى احلاجــة للمشــورة ومناقشــة قراراتــه مــع املرؤوســن ‪.‬‬
‫إنــه يتخــذ القــرار بنفســه ويتوقــع مــن فريــق العمــل التنفيــذ دون‬
‫مناقشــة‪ .‬أمــا القائــد الديموقراطــي فإنــه يناقــش القــرارات قبــل أن‬
‫يعتمدهــا وحيفــز فريــق العمــل للمشــاركة وإبــداء الــرأي ومــن ثــم‬

‫‪32‬‬
‫أساليب القيادة‬
‫يتخذ القرار املجمع عليه أو الذي تم تداوله مع املرؤوسني‪.‬‬
‫يف أبحــاث أخــرى ظهــر أســلوب ثالــث يف القيــادة وصفــوه بأنــه‬
‫أســلوب « عــدم التدخــل إال عنــد الــرورة القصــوى « ويف هــذا‬
‫النــوع الثالــث كــا يتضح مــن اســمه يلعــب القائــد دور ًا أساســي ًا يف‬
‫شــؤون اجلامعــة وال يتفاعــل مــع اجلامعــة عــادة إال بنــاء عــى مبادرة‬
‫منهــم‪ .‬غــر أن هنــاك مالحظــة مهمــة توجــه هلــذه األســاليب بأهنــا‬
‫غــر واقعيــة حيــث أن الســلوك الفعــي للعديــد مــن القــادة وربــا‬
‫معظمهــم يف العمــل ســوف يكــون يف مــكان مــا بــن نوعي الســلوك‬
‫املتناقضــن بمعنــى أن ســلوك القائــد لــن يكــون أتوقراطيـ ًا خالصـ ًا‬
‫أو ديموقراطي ـ ًا حمض ـ ًا ولكنــه ســيكون يف مــكان مــا بــن االثنــن‪.‬‬
‫ويعتــر ك ً‬
‫ال مــن (تانينبــاوم وشــميدت ) مــن بــن الباحثــن الذيــن‬
‫أوضحــوا هــذه النقطــة فهــا يريــان أن ســلوك القائــد خيتلــف عــى‬
‫نحــو متــدرج وكلــا ابتعــد القائــد عــن األتوقراطيــة زادت مشــاركة‬
‫املرؤوســن يف عمليــة اختــاذ القــرار ومهــا يريــان أيض ـ ًا أن القيــادة‬
‫الديموقراطيــة اخلالصــة مــن النــادر أن نصادفهــا يف املؤسســات‬
‫الرســمية‪.‬‬
‫وقــد اســتنتجت بحوثهــا أربعــة أســاليب للقيــادة يمكــن أن‬
‫نحدرهــا عــى مقيــاس متــدرج هــي ( ســادلر ‪2008 ،‬م)‪:‬‬
‫‪ -1‬األســلوب األتوقراطــي‪ :‬القائــد هنــا يتخــذ القــرارات‬
‫ويعلنهــا متوقعــ ًا مــن املرؤوســن تنفيذهــا دون نقــاش‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أساليب القيادة‬
‫‪ -2‬األســلوب الــذي يعتمــد عــى اإلقنــاع‪ :‬والقائــد عنــد هــذه‬
‫النقطــة مــن املقيــاس يتخــذ أيضـ ًا القــرارات للجامعــة دون مناقشــة‬
‫أو مشــاورة ولكنــه يعتقــد أن النــاس ســوف يكونــون أكثــر محاس ـ ًا‬
‫ودافعيــة للعمــل إذا تــم إقناعهــم بــأن هــذه القــرارات جيــدة وهــو‬
‫يقــدم للعاملــن الكثــر مــن الــرح والتســويق لقراراتــه للتغلــب‬
‫عــى أي مقاومــة حمتملــة ملــا يريــد أن يفعلــه والقائــد يبــذل كثــر ًا‬
‫مــن اجلهــد إلثــارة محاســة العاملــن لتحقيــق األهــداف التــي‬
‫وضعهــا للجامعــة‪.‬‬
‫‪ -3‬األســلوب القائــم عــى املشــورة‪ :‬إن أهــم ملمــح مــن‬
‫مالمــح هــذا األســلوب هــو أن القائــد يتشــاور مــع أعضــاء اجلامعة‬
‫قبــل اختــاذ القــرارات‪ .‬وهــو يف الواقــع يأخــذ يف اعتبــاره نصيحتهــم‬
‫ومشــاعرهم عنــد صياغــة قراراتــه ويمكــن هلــذا القائــد يف بعــض‬
‫األحيــان أال يقبــل مشــورة مرؤوســيه ولكنهــم عــى أيــة حــال‬
‫يشــعرون أن يف إمكاهنــم التأثــر عــى القائــد وحتــت هــذا النــوع‬
‫مــن القيــادة يظــل القــرار واملســؤولية الكاملــة عنــه هــي مســؤولية‬
‫القائــد ولكــن درجــة اشــراك املرؤوســن يف اختــاذ القــرار هنــا أكــر‬
‫بكثــر منهــا يف األســاليب الســابقة‪.‬‬
‫أســلوب القيــادة الديموقراطــي‪ :‬القــادة الذين يســتخدمون‬ ‫‪ -4‬‬
‫هــذا األســلوب عــادة مــا يعرضــون املشــكلة عــى مرؤوســيهم‬
‫ويدعوهنــم للمناقشــة والقائــد هنــا يكــون أشــبه بقائــد املؤمتــر أو‬
‫الرئيــس أكثــر مــن كونــه متخــذ القــرار وهــو يســمح بــأن يتــم‬

‫‪34‬‬
‫أساليب القيادة‬
‫التوصــل إىل القــرار مــن خــال عمليــة مناقشــة مجاعيــة بــدالً‬
‫مــن فرضــه عليهــم بوصفــه رئيســهم‪.‬‬
‫وبعــض األبحــاث التــي أجراها قســم األبحاث يف كليــة أرشيدج‬
‫لــإدارة عــى جمــال الصناعــة يف بريطانيــا اهتمــت باستكشــاف‬
‫موقــف املوظفــن جتــاه هــذه األســاليب األربعــة يف القيــادة( ســادلر‬
‫‪1966 ،‬م) حيــث شــملت عينــة البحــث أكثــر مــن ‪ 1500‬موظــف‬
‫وقــد تــم وصــف أســاليب القيــادة األربعــة يف اســتبيان وطلــب‬
‫مــن املوظفــن أن حيــددوا نــوع املديــر الــذي يعتقــدون أهنــم ســوف‬
‫يســتمتعون بالعمــل حتــت قيادتــه أكثــر مــن غــره وقــد أعطيــت‬
‫الرمــوز (أ)‪(،‬ب)‪(،‬ج)‪(،‬د) ومل يتــم اســتخدام مصطلــح أوتقراطــي‬
‫أو إقناعــي أو غــر ذلــك حتــى ال تؤثــر هــذه املســميات عــى‬
‫إجابــات أفــراد العينــة‪ .‬وكان األســلوب الــذي حــاز عــى أكــر‬
‫قــدر مــن التفضيــل هــو األســلوب القائــم عــى املشــورة ‪ %67‬يليــه‬
‫أســلوب اإلقنــاع ‪ %23‬أمــا األســلوب الديموقراطــي فــكان األقــل‬
‫تفضيـ ً‬
‫ا حيــث مل حيصــل إال عــى نســبة ‪ %2‬وقــد طلــب مــن أفــراد‬
‫العينــة أيض ـ ًا أن يذكــروا الوصــف الــذي ينطبــق أكثــر مــن غــره‬
‫عــى األســلوب الــذي يتبعــه املديــرون املبــارشون هلــم مــن بــن‬
‫هــذه األســاليب األربعــة وهنــا متــت إضافــة إجابــة خامســة لبديــل‬
‫إضــايف وهــي ( أســلوب املديــر ال يتشــابه عــى اإلطــاق مــع أي‬
‫أســلوب مــن هــذه األســاليب ) ولوحــظ يف املســتويات الدنيــا‬
‫مــن املؤسســة انخفــاض نســبة أفــراد العينــة الذيــن يعتقــدون أن‬

‫‪35‬‬
‫أساليب القيادة‬
‫أســلوب القيــادة الــذي يتبعــه قائدهــم هــو أســلوب اإلقنــاع أو‬
‫األســلوب القائــم عــى املشــورة‪ .‬بينــا وصلــت النســبة إىل ‪%36‬‬
‫مــن أفــراد العينــة يف املســتوى اإلداري ممــن يــرون أن رؤســاءهم‬
‫يتبعــون األســلوب القائــم عــى املشــورة‪.‬‬
‫وغنــي عــن القــول أن تأثــر أســلوب القيــادة عــى االنتــاج‬
‫واضــح وملمــوس وأكدتــه العديــد مــن الدراســات بالرغــم أن‬
‫االنتــاج تتحكــم فيــه متغــرات وأبعــاد كثــرة جتعــل مــن الصعــب‬
‫حتديــد العامــل احلاســم يف التأثــر‪ .‬غــر أن هــذا جيعلنــا نأخــذ بعــن‬
‫االعتبــار مــا يشــكل جانب ـ ًا مهم ـ ً‬
‫ا يف دراســة القيــادة وهــو مســألة‬
‫مواقــف املرؤوســن وتوقعاهتــم فعندمــا ال يتبنــى القائــد أســلوب ًا‬
‫واضح ـ ًا وحمــدد ًا يف القيــادة فإنــه مــن املرجــح أن يفشــل يف إعطــاء‬
‫العاملــن حتــت رئاســته جمموعــة واضحــة مــن التوقعــات يعرفــون‬
‫عــى أساســها كيــف يترصفــون يف املواقــف املختلفــة ويعرفــون‬
‫منهــا كيــف ســيكون رد فعلــه يف خمتلــف املواقــف ويمكــن القــول‬
‫إنــه رغــم أن املرؤوســن ربــا يرغبــون يف وجــود نــوع معــن مــن‬
‫العالقــة بينهــم وبــن قادهتــم فيــا يتعلــق مثــ ً‬
‫ا بمســألة املشــورة‬
‫وإىل أي مــدى حيبــون أن يطلــب املديــرون آراءهــم يف القــرارات‬
‫التــي يتخذوهنــا إال أن مــا حيتاجونــه أكثــر مــن ذلــك وهــو وجــود‬
‫عالقــة مســتقرة بينهــم وبــن قادهتــم جتعلهــم يعرفــون األرض‬
‫التــي يقفــون عليهــا وجتعــل مــن املمكــن هلــم أن يتنبــأوا بترصفــات‬
‫رئيســهم يف املواقــف املختلفــة ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫أدوار اإلدارة ومسؤولياهتا‬

‫أدوار اإلدارة ومسؤولياتها‬

‫يف الغالــب يمكــن إجيــاز أهــم أدوار اإلدارة الناجحــة يف ثالثــة‬


‫حمــاور حيتــاج القائــد لالهتــام بــكل حمــور منهــا بــا يضمــن التأثــر‬
‫فيــه التأثــر اإلجيــايب الــذي يعمــل عــى تطويــر املؤسســة بالكامــل‪:‬‬
‫‪ -1‬األفــراد‪ :‬حيــث لــكل موظــف أو عامــل فرديته وشــخصيته‬
‫التــي تــؤدي يف هنايــة األمــر إىل حتفيــزه أو هتميشــه‪.‬‬
‫‪ -2‬التنظيــات‪ :‬وتشــمل جمموعــات العمــل واألقســام‬
‫والفــروع ثــم املؤسســة ككل فالــكل تنظيــم ســاته وروحــه وقوانينه‬
‫التــي حتركــه‪.‬‬
‫‪ -3‬املخرجــات‪ :‬وتتضمــن تصميــم وحتســن املنتجــات‬
‫واخلدمــات وابتكارهــا وتســويقها‪.‬‬
‫هــذه هــي املحــاور الثالثــة التــي يتحتــم عــى كل قائــد أن يؤثــر‬
‫فيهــا ويقودهــا بشــكل حمــرف‪ .‬فليســت القيــادة عل ـ ًا حمك ـ ًا بــل‬
‫هــي أقــرب إىل الفــن ويكمــن رسهــا يف اجلــزء الغامــض منهــا‬
‫الــذي ال يمكــن رشحــه أو حتليلــه‪.‬‬
‫قبــل ذلــك حيتــاج القائــد إىل اإلحســاس بحجــم املســؤولية التــي‬
‫عــى عاتقــه‪ .‬إن هــذه املســؤولية هــي التــي ســتحدد مــدى جديتــه‬
‫يف حتقيــق النجــاح ‪ .‬وهــي ســتجعله يشــعر بالعقوبــة حــن يفقــد‬
‫مصداقيتــه يف أعــن املرؤوســن والعمــاء‪ .‬ولكــن متــى يفقــد‬
‫القائــد مصداقيتــه؟ متــى يعــرف بأنــه قائــد أو مديــر فاشــل‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫أدوار اإلدارة ومسؤولياهتا‬
‫إن املقيــاس احلقيقــي لذلــك هــو مــدى إنجــازه لألهــداف التــي‬
‫حددهــا مــع الفريــق يف بدايــة العــام‪ .‬إذا كان مــن الســهل أن ينطــق‬
‫املــرء بــا ال يفعــل فــإن هــذا يعــد املعيــار احلقيقــي لفشــل القائــد‪.‬‬
‫وانتهــاء مصداقيتــه أمــام املوظفــن‪ .‬ويف الواقــع لــن ختتلــف نظرتنــا‬
‫ملديــر ال حيقــق األهــداف التــي التــزم بتحقيقهــا عــن نظرتنــا لعامــل‬
‫يف الكهربــاء أو الســباكة أحرضنــاه ليصلــح لنــا خلــا يف املنــزل‬
‫وظــل حائــر ًا ال يقــدم وال يؤخــر ويتخبــط دون حــل املشــكلة إننــا‬
‫ســننظر لــه عــى أنــه عامــل فاشــل وســنطرده دون مقابــل ‪ ،‬وهــذا‬
‫ال خيتلــف أبــد ًا عــن قائــد ال حيقــق األهــداف املرســومة يف خطــة‬
‫العمــل ‪ .‬مــن هنــا كان احلــس باملســؤولية هــو البوصلــة التــي تدفــع‬
‫أي مديــر إىل حتقيــق األهــداف‪ .‬وهنــاك شــكلني للمســؤولية عــى‬
‫املديــر أن يدركهــا جيــد ًا‪:‬‬
‫‪ -1‬املســؤولية الفنيــة والتنفيذيــة وختــص املوظفــن والتنفيذيــن‬
‫وتشــمل كفــاءة اإلجــراءات واألســاليب وفعاليتهــا‪.‬‬
‫‪ -2‬املســؤولية اإلداريــة والقياديــة وختــص املديريــن وتشــمل‬
‫كفــاءة التخطيــط االســراتيجي والتنســيق واإلرشــاد والتوجيــه‪.‬‬
‫وال يمكــن ألحــد هذيــن الطرفــن أن يســر إال مرتكــز ًا عــى‬
‫اآلخــر فلــكل منهــا قــدر حمــدد مــن املســؤولية ولــكل منهــا جــزء‬
‫مــن النجــاح الــذي يتحقــق يف الوفــاء بمســؤولياته‪.‬‬
‫تتطلــب املســؤولية أيض ـ ًا االهتــام بعــدد مــن املبــادئ اإلداريــة‬
‫التــي تعــد روافــد مهمــة للقائــد مــن أجــل تصحيــح مســار اإلدارة‬

‫‪38‬‬
‫أدوار اإلدارة ومسؤولياهتا‬
‫دائــا نحــو األفضــل‪ .‬يشــر القيــادي اخلبــر والكاتــب األمريكي‬
‫الشــهري جــاك ويلــش إىل أهــم هــذه املبادئ‪:‬‬
‫‪ -‬الرتكيــز عــى اكتســاب الثقــة وحتــى يثــق املوظفــون‬
‫بمديرهــم عليــه أن حيقــق ثالثــة أشــكال مــن الثقــة‪ :‬الثقــة‬
‫الشــخصية وتتلخــص يف تفهــم أســباب الشــكوى واملعاملــة‬
‫الكريمــة التــي حتفــظ للموظــف كرامتــه وتشــعره بقدرتــه عــى‬
‫اإلنجــاز ‪ -‬الثقــة اإلداريــة وتتلخــص يف قــدرة القائــد أو املديــر‬
‫مــن وجهــة نظــر املوظفــن عــى تقييــم موظفيــه طبق ـ ًا إلنتاجيتهــم‬
‫وإخالصهــم ومصداقيــة النظــام الــذي يرســيه للثــواب والعقــاب‬
‫والرتقيــة والفصــل مــن العمــل ‪ -‬الثقــة القياديــة تتلخــص يف إيــان‬
‫املرؤوســن بقــدرة القائــد عــى قيادهتــم بمهــارة إىل اهلــدف الــذي‬
‫يبغــون حتقيقــه وانطالقـ ًا مــن نقطــة البدايــة صفــر‪ .‬كثــر ًا مــا خيلــط‬
‫املديــرون بــن هــذه األشــكال الثالثــة للثقــة فيعتقــدون أهنــم إذا‬
‫مارســوا واحــدة منهــا فــإن ذلــك يعوضهــم عــن ممارســة بقيــة‬
‫أنــواع الثقــة إال أن املديــر الناجــح يميــز بــن هــذه األشــكال الثالثــة‬
‫وجيمــع بينهــا يف تعاملــه مــع موظفيــه‪.‬‬
‫‪ -‬كــن فــوق اخلالفــات والشــبهات‪ :‬اجعــل خالفاتــك مــن‬
‫أجــل مصلحــة العمــل وليــس مــن أجــل أي مصلحــة شــخصية‬
‫امتنــع متامـ ًا عــن االنتقــام أو الرتبــح الشــخيص‪ .‬املديــر الــذي يعــف‬
‫عــن اخلالفــات الشــخصية والشــبهات يكتســب مصداقيــة تكفــل‬
‫لــه والء واحــرام مرؤوســيه وهــذا أهــم مــا حيتاجــه القائــد يف‬

‫‪39‬‬
‫أدوار اإلدارة ومسؤولياهتا‬
‫نجاح مهمته‪.‬‬
‫‪ -‬ختلــص مــن الرســميات‪ :‬التكلــف والرســميات تعــوق‬
‫عمليــات التغيــر والتطويــر وجتعلنــا هنتــم باأللقــاب واألشــخاص‬
‫واملناصــب عــى حســاب األفــكار واإلنجــازات‪ .‬جيــب أن يكــون‬
‫الرابــط بــن املوظفــن نوعــ ًا مــن التعــاون والصداقــة والنديــة‬
‫البعيــدة عــن الزيــف واخلــداع‪.‬‬
‫‪ -‬ال تســكت عــى األداء املتــدين‪ :‬ال يعــرف املديــرون‬
‫كيــف يترصفــون إزاء األداء املتــدين فمنهــم مــن يواجهــه بالعنــف‬
‫والترسيــح‪ ،‬ومنهــم مــن يواجهــه بالســكوت والصمــت وكالمهــا‬
‫خطــأ ال تنظــر إىل األداء املتــدين وكأنــه يســتدعي رد فعــل عنيفــ ًا‪،‬‬
‫كثــر ًا مــا يكــون اإلفصــاح عــن وجهــة نظــرك واملطالبــة الشــفوية‬
‫للموظــف بالتغيــر أفضــل تــرف‪.‬‬
‫‪ -‬توســع يف املكافــآت‪ :‬خيطــئ املدير الــذي يعتقــد أن املكافآت‬
‫تكاليــف فهــي اســتثامرات ألهنــا تعــود عــى املوظفــن عــى إنجــاز‬
‫مــا يتجــاوز قــدرات املوظــف العــادي‪ .‬تســتطيع باملكافــآت أن‬
‫حتــول موظفيــك العاديــن إىل خارقــن‪.‬‬
‫‪ -‬كــن قــدوة ملوظفيــك‪ :‬يعــظ كثــر مــن املديرين مرؤوســيهم‬
‫أن يفوضــوا بعــض مهامهــم وســلطاهتم ملــن هــم دوهنــم يف املنصب‬
‫وينســون أنفســهم‪ .‬إذا وجــدت بعــض مديريــك حيجمــون عــن‬
‫مشــاركة مرؤوســيهم وزمالئهــم اختــاذ القــرارات أو املعلومــات‬
‫فألــق نظــرة عــى مــا تفعلــه أنــت مــن املحتمــل أنــك أنــت‬

‫‪40‬‬
‫أدوار اإلدارة ومسؤولياهتا‬
‫الــذي تــرب هلــم املثــل يف االســتئثار بصناعــة القــرار أو إخفاء‬
‫املعلومات‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫القيادة واحلب‬

‫القيادة واحلب‬

‫كتــب جيفــري كولفــن مــن جملــة فورتشــن مقــاال شــديد‬


‫التميــز يف عــدد نوفمــر ‪ 2001‬بعنــوان ( ومــا شــأن احلــب يف األمــر‬
‫؟ ) حتــدث فيــه عــن كيلهــر رئيــس رشكــة ســاوث ويســت وجــاك‬
‫ويلــش رئيــس رشكــة جنــرال إلكرتيــك واســتخدامهام املتعصــب‬
‫لكلمــة احلــب يف جمــال القيــادة !‬
‫ومــا شــأن القيــادة باحلــب ؟ إن عــدم االرتيــاح الــذي يشــعر بــه‬
‫كثــر مــن النــاس جتــاه كلمــة احلــب يف جمــال العمــل يرجــع ألننــا‬
‫نفكــر يف احلــب عــى أنــه شــعور وجــداين وأن احلــب يكــون نتيجــة‬
‫لالرتيــاح واإلعجــاب لشــخص أو لــيء مــا ‪ .‬واحلقيقــة أن احلــب‬
‫احلقيقــي مــا هــو إال اختيــار عقــي و التــزام نحــو اآلخريــن ببــذل‬
‫كل مــا يف وســع اإلنســان عملــه جتاههــم ‪ .‬قــد نصــادف أنــاس ال‬
‫نملــك جتاههــم بمشــاعر وجدانيــة أو عاطفيــة ‪ ،‬لكننــا ملزمــون‬
‫بتقديــم احلــب والوفــاء والســعادة هلــم ‪ .‬إن احلــب قــرار مرتبــط‬
‫بالقيــم وليــس نــزوة عاطفيــة عابــرة كانــت أو جاحمــة ‪..‬‬
‫مــن هــذا املنطلــق ترتبــط القيــادة باحلــب ارتباطــا وثيقــا ؛ ذلــك‬
‫أن احلــب يفــر ويرتجــم توجههــا األهــم واألبــرز وهو قيــم الوالء‬
‫والوفــاء وااللتــزام والصــدق والشــجاعة ‪ .‬احلــب مــن منظــور‬
‫القيــادة احلكيمــة هــو الصــر وهــو الكــرم ‪ ،‬إنــه ليــس التكــر أو‬
‫العجرفــة (التواضــع) ‪،‬إنــه ليــس التــرف بازدراء(االحــرام) ‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫إنــه ليــس الســعي وراء إرضــاء الــذات (اإليثــار) ‪ ،‬إنــه ليــس تذكــر‬
‫اإلســاءة (الصفــح) ‪ ،‬احلــب هــو احلقيقــة (الصــدق) ‪ ،‬إنــه محــل كل‬
‫يشء وحتمــل كل يشء وهــو ال خيفــق أبــدا (االلتــزام) ‪..‬‬
‫بالتــايل يمكــن أن تكــون نقــاط االلتقــاء بــن القيــادة وبــن‬
‫احلــب ( قيــم احلــب احلقيقيــة ) فيــا يــي ‪:‬‬
‫‪ -‬القيادة تتطلب الصرب ‪:‬‬
‫إهنــا ليســت صفــة مهمــة للقائــد فحســب بــل صفــة أساســية؛‬
‫ألن الصــر والتحكــم يف الــذات مهــا حجــر الزاويــة للشــخصية‬
‫وبالتــايل القيــادة ‪ .‬والتحكــم يف الــذات يمكــن وصفــه بشــكل‬
‫أدق بعبــارة ( التحكــم يف األهــواء ) ‪ ،‬بــدون التحكــم يف الرغبــات‬
‫والنــزوات والشــهوات واألهــواء الرئيســية األخــرى ؛ يتالشــى كل‬
‫أمــل لنــا يف التــرف باســتقامة وخلــق يف املواقــف الصعبــة ‪ ،‬حيث‬
‫جيــب أن ننمــي عــادة االســتجابة مــن منطلــق املبــادئ وليــس مــن‬
‫منطلــق األهــواء والنــزوات ؛ حتــى نصبــح قــادة ناجحــن وفاعلني‪.‬‬
‫الصــر والتحكــم يف الــذات كالمهــا يتعلــق بالثبــات واالتســاق يف‬
‫احلالــة املزاجيــة واألفعــال والترصفــات ‪ ..‬هــل أنــت شــخص آمــن‬
‫؟ هــل مــن الســهل التواجــد معــك ؟ هــل مــن املمكــن التقــرب‬
‫إليــك ؟ هــل يمكنــك التعامــل مــع الــرأي املناقــض لرأيــك ؟ مثــل‬
‫هــذه األســئلة بحاجــة أن نوجههــا ألنفســنا بشــكل مســتمر ‪ ،‬فربــا‬
‫مــع مضينــا لوقــت طويــل يف القيــادة ننســى مثــل هــذه األســئلة‬
‫‪ ،‬أو ربــا قــد نضــل الطريــق وينفــذ صربنــا ‪ ،‬فنجــد أنفســنا بتنــا‬

‫‪43‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫ال نتحمــل وقــوع األخطــاء ‪ ،‬وال اآلراء املختلفــة عنــا ‪ ،‬واألخطــر‬
‫مــن ذلــك أن يصبــح مــن يعمــل معنــا جيــد مشــقة إضافيــة بحكــم‬
‫أنــه يعمــل معنــا ‪ .‬الصــر قيمــة عظيمــة مــن خالهلــا نســتطيع‬
‫كســب كل النــاس ‪ ،‬حيــث يتفــق اجلميــع عــى أن التعامــل مــع‬
‫اإلنســان الصبــور يتيــح أفــق واســع مــن العالقــة مــن التعامــل مــع‬
‫الشــخصية رسيعــة الضجــر والعصبيــة ‪.‬‬
‫‪ -‬القيادة تتطلب الكرم ‪:‬‬
‫وهــو منــح االنتبــاه والتقديــر والتشــجيع للموظفــن وإظهــار‬
‫اللطــف يف التعامــل معهــم ‪ ،‬الكــرم هــو تــرف ينــم عــن احلــب‬
‫ألنــه يتطلــب منــا مــد يــد العــون لآلخريــن وحتــى لألشــخاص‬
‫الذيــن قــد ال نحبهــم أو ال نعجــب هبــم ؛ والكــرم واللطــف‬
‫يتعلقــان باألشــياء التــي تســاعد العالقــات عــى املــي بسالســة‬
‫وانســيابية ؛ وإن كانــت أشــياء صغــرة تشــعر النــاس باالرتيــاح‬
‫أشــياء صغــرة مــن قبيــل قــول ‪ :‬مــن فضلــك ؛ أشــكرك ؛ أعتــذر‬
‫لــك ‪ ..‬الــخ ‪ .‬وكذلــك يظهــر الكــرم يف ترصفــات أعــى وأكثــر‬
‫ســمو ًا كالتحفيــز املســتمر مــن خــال التكريــم أمــام فريــق العمــل‬
‫‪ ،‬البشاشــة والعطــاء املعنــوي واملــادي ‪.‬‬
‫إن القائــد الكريــم ال تثنيــه أي خمــاوف مــن منــح العاملــن معــه‬
‫الدعــم املعنــوي واملــادي ‪ ،‬وهــو يــرى ذلــك ســلوك ًا رضوريــا‬
‫الســتمرار التأثــر هبــم ‪ ،‬بينــا القائــد البخيــل يشــعر أن العطــاء‬
‫قــد حيملــه مســؤولية مــا جتــاه املوظفــن أو قــد يقلــل مــن صورتــه‬

‫‪44‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫أو قــد يمنــح ألشــخاص ال يســتحقونه ‪ ،‬بغــض النظــر فــإن الكــرم‬
‫يقــرن بشــكل حمــوري مــع القيــادة باعتبــار أن القيــادة عطــاء وأن‬
‫العطــاء ال يتقنــه إال األشــخاص الكرمــاء ‪.‬‬
‫‪ -‬القيادة تتطلب التواضع ‪:‬‬
‫ويتمثــل يف عــدم الفخــر أو الكربيــاء أو العجرفــة أو حــب‬
‫الظهــور والتــرف بشــكل حقيقــي ال زيــف فيــه ‪ ..‬إن التواضــع‬
‫ال يعنــي املذلــة والســلبية وحمــو الــذات ؛ فاملتواضعــون يمكــن أن‬
‫يكونــوا يف شــجاعة األســود عندمــا يتعلــق األمــر بالقيــم واألخالق‬
‫وفعــل الــيء الصحيــح ‪ ،‬ويمكــن أن يكونــوا يف رضاوة الذئــاب‬
‫عندمــا يتطلــب األمــر احلفــاظ عــى الرتكيز مــن أجــل إنجــاز املهمة‬
‫وحتقيــق األهــداف وجعــل املوظفــن يشــعرون باملســؤولية ‪ ،‬القــادة‬
‫املتواضعــون هــم هــؤالء الذيــن كفــوا ببســاطة عــن خــداع أنفســهم‬
‫بشــأن حقيقــة ذواهتــم ‪ ،‬فعندهــم احلــاس واالســتعداد لإلنصــات‬
‫إىل آراء اآلخريــن املضــادة ‪ ،‬وعندهــم القناعــة الناضجــة بأهنــم ال‬
‫يمتلكــون كل األجوبــة واحللــول ‪ ،‬وال يشــعرون باالنزعــاج بســبب‬
‫هــذا ‪ ،‬ويتعايشــون معــه بارتيــاح تــام بــل وعندهــم االســتعداد التام‬
‫لالعــراف بالضعــف أو اخلطــأ ‪ .‬إهنــم ال يعانــون مــن تضخــم األنــا‬
‫‪ ،‬وال يعتقــدون بأهنــم فــوق القصــور اإلنســاين ‪ ،‬كــا أهنــم يتفهمون‬
‫احتياجاهتــم وال ينزعجــون مــن إبدائهــا ‪ .‬يؤمنــون بالتعــاون ‪،‬‬
‫ويقــدرون دور حتــى أصغــر موظــف يف املنظمــة ‪ ،‬وتالحظهــم دائــا‬
‫يســعون لالســتفادة مــن خــرات مجيــع املوظفــن ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫إن قيمــة التواضــع ختلــق يف املؤسســة جــو االحــرام املتبــادل ‪،‬‬
‫وترفــع كفــاءة األداء والقــدرة عــى تناقــل املعرفــة واخلــرة ‪ ،‬ومتــى‬
‫مــا كانــت هــذه القيمــة مقــدرة عنــد رأس اهلــرم فــإن جــوا مــن‬
‫التواضــع ســيعم املؤسســة ‪ ،‬وســتذوب العديــد مــن اخلالفــات‬
‫والصدامــات الناجتــة عــن االعتــداد بالــذات واحتقــار اآلخريــن ‪.‬‬
‫‪ -‬القيادة تتطلب االحرتام ‪:‬‬
‫واالحــرام هــو معاملــة النــاس باعتبــار أهنــم مهمــون ‪ .‬كثــر من‬
‫القــادة يروهنــم املوظفــن مــن حوهلــم وهــم حيرتمــون الشــخصيات‬
‫املهمــة وأصحــاب النفــوذ ‪ ..‬لكــن مــاذا عــن صغــار الشــأن أو‬
‫املزعجــن مــن املوظفــن ؟ هــل ينالــون نفــس االحــرام ؟‪..‬‬
‫إن االحــرام حــق للجميــع حيــث ال يوجــد أشــخاص ال قيمــة‬
‫هلــم قــد يوجــد أشــخاص لدهيــم مشــكالت ســلوكية فحســب‬
‫‪..‬هــذا صحيــح ؛ ومخــن مــاذا ؟ إننــي أنــا وأنت ومجيــع النــاس لدينا‬
‫مشــكالت ســلوكية أيضــا ‪ ..‬ومــن يظــن أن ليــس لديــه مشــكالت‬
‫ســلوكية عليــه العمــل عــى تصحيحهــا وحتســينها فليضــع شــعار‬
‫الغــرور والعجرفــة عــى رأســه ‪ .‬لذلــك ليــس هنــاك أي مــرر‬
‫ســليم جيعلنــا نحــرم أي موظــف مــن احرتامنــا لــه ‪ .‬كــا أن تقديــر‬
‫آراء املوظفــن حتــى ولــو كانــت قليلــة اخلــرة أو بعيــدة عــن إدراك‬
‫مــا يــدور يف أعــى الســلم القيــادي مــن أهــم أشــكال االحــرام ‪،‬‬
‫ال يمكــن تصــور األرضار الناجتــة عــن تقليــل شــأن املوظــف أو‬
‫عــدم االكــراث برأيــه ومقرتحاتــه ‪ ،‬فهــذا أحــد أكثــر األســباب‬

‫‪46‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫شــيوعا لضعــف االنتــاء الوظيفــي ‪ ،‬وبالتــايل ضعــف الــروح‬
‫املعنويــة لــأداء ‪ .‬كــا يلعــب التشــجيع واالعتــزاز باإلنجــازات‬
‫دورا مهــا يف ترســيخ ثقافــة االحــرام ‪ ،‬فاالحــرام يشــمل أيضــ ًا‬
‫تقديــر جهــود املوظفــن وتعزيزهــا حتــى ننتقــل للمرحلــة العليــا‬
‫مــن إحــدى أهــم الطــرق واألســاليب التــي يســتخدمها القائــد ملنح‬
‫االحــرام للموظــف وهــي منــح الثقــة والتفويــض للمســؤوليات‬
‫حتــى يتمكــن املوظــف مــن النمــو والتطــور املهنــي وحتقيــق‬
‫اإلنجــازات لــه وللمؤسســة وبشــكل عــام ‪.‬‬
‫‪ -‬القيادة تتطلب اإليثار ‪:‬‬
‫ونعنــي بــه تلبيــة احتياجات اآلخريــن ‪ .‬إنــه عندما خيتــار أحدهم‬
‫أن يكــون قائــدا فعليــه أن يلبــي احتياجــات أتباعــه قبــل احتياجاتــه‬
‫الشــخصية ألن القيــادة ماهــي إال قــرار بالعمــل خلدمــة اآلخريــن‬
‫‪ ،‬حيــث تصبــح فكــرة أن اجلميــع جيــب أن يكونــوا يف خدمتــي‬
‫فكــرة باليــة يف عــر إداري ووظيفــي مــيء بالتعقيــد ‪ .‬إن املوظفــن‬
‫يشــعرون دومــا باالمتنــان والرغبــة يف املزيــد مــن اإلنجــاز والعمــل‬
‫عندمــا يشــعرون بالديــن لقائدهــم ‪ ،‬وهــذا الديــن ال يكــون إال إذا‬
‫كان القائــد يتحــى باإليثــار ‪ ،‬عندمــا يقدمهــم لالمتيــازات قبــل أن‬
‫يقــدم نفســه أليهــا ‪ ،‬وحيــرص عــى حصوهلــم عــى حقوقهــم بالقــدر‬
‫الــذي حيــرص فيــه حصولــه عــى حقوقــه ‪ .‬عندمــا يتجــرد مــن‬
‫األنانيــة وحــب النفــس ‪ ،‬إىل حــب اخلــر لآلخريــن بقــدر مــا حيبــه‬
‫لنفســه ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫‪ -‬القيادة تتطلب الصفح ‪:‬‬
‫ونعنــي بــه جتــاوز الغضــب واحلقــد والضغينــة ‪ .‬ومهــارة‬
‫الصفــح مــن أهــم وأشــد املهــارات رضورة للقائــد ‪ .‬ألنــك عندمــا‬
‫تكــون القائــد فــإن النــاس مــن حولــك ســرتكبون األخطــاء إمــا‬
‫بقصــد أو غــر قصــد ‪ ،‬وســوف جيرحونــك وحيرجونــك‪ ،‬ســوف‬
‫خيذلونــك يف بعــض املواقــف‪ ،‬والعديــد منهــم لــن يبذلــوا املجهــود‬
‫الــذي كنــت تتوقعــه منهــم ‪ ،‬والبعــض سيفشــلون يف االســتجابة‬
‫جلميــع اجلهــود التــي بذلتهــا ‪ ،‬وهنــاك مــن ســيحاول اســتغاللك‬
‫‪ ..‬وهلــذا مــن الــروري أن يكتســب القائــد مهــارة ( عــادة ) تقبــل‬
‫القيــود التــي تقيــد املوظفــن ‪ ،‬والقــدرة عــى حتمــل عــدم االتقــان‬
‫وجتــاوز الغضــب واالســتياء واالزدراء واحلقــد ‪..‬‬
‫وجتــاوز الغضــب ال يعنــي الســلبية ‪ ،‬أو أن تكــون ممســحة أقــدام‬
‫العــامل ‪ ،‬جتــاوز احلقــد ال يعنــي تــرك النــاس يفلتــون بســلوكاهتم‬
‫الســيئة ‪ .‬إن الصفــح يعنــي أن تذهــب ملثــل هــؤالء النــاس‬
‫والتواصــل معهــم بحســم بشــأن الكيفيــة التــي تأثــر هبــا العمــل‬
‫بــا فعلــوه ‪ ،‬والتعامــل مــع املشــكلة ثــم جتــاوز أي حقــد أو ضغينــة‬
‫متبقيــة مــن املوقــف ‪ ،‬وكــا هــي العبــارة الشــهرية (( إنــك حتمــل‬
‫هلــم الضغائن وهــم ال يشــعرون بــأي يشء ويســتمتعون بحياهتم))‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫‪ -‬القيادة تتطلب الصدق ‪:‬‬
‫وهــو غيــاب الغــش واخلــداع وصفــة الصــدق مــن أكثــر‬
‫الصفــات التــي يرغبهــا النــاس يف قادهتــم بحســب العديــد مــن‬
‫الدراســات واســتطالعات الــرأي ‪ ..‬حيــث أن الصــدق هــو اجلــر‬
‫الــذي يصــل الثقــة بــن طــريف االتصــال ‪ ،‬وبدونــه تنعــدم الثقــة ؛‬
‫وبالتــايل تفقــد بيئــة العمــل التواصــل بــن أفرادهــا ‪ .‬ومــن املظاهــر‬
‫املهمــة للصــدق عنــد القائــد؛ أن يكــون صادقــا يف التزاماتــه التــي‬
‫قطعهــا للموظفــن ســواء فيــا يتعلــق باحلوافــز أو العقوبــات ‪ ،‬إذ‬
‫أن الفشــل يف معاقبــة املوظــف املهمــل واملســتهرت وجعــل املؤسســة‬
‫تبــدو وكأهنــا يف أحســن حــال يعــد مــن الغــش واخلــداع فالقائــد‬
‫الصــادق يواجــه نقــاط الضعــف بــكل رصاحــة ومكاشــفة دون‬
‫دس رأســه حتــت الرمــال‪ .‬ويتحــرى القائــد الصــادق احلقيقــة‪،‬‬
‫وال ينســاق وراء الشــائعات أو القيــل والقــال ‪ ،‬كــا أنــه صــادق يف‬
‫املشــاعر التــي يبــوح هبــا وال يقبــل التمثيــل أو التزييــف أو النفــاق‬
‫‪ .‬إن القائــد الــذي يثنــي عــى موظــف مــا عندمــا يواجهــه وإذا أدار‬
‫ظهــره لــه يبــدأ بنعتــه بأوصــاف ســيئة ‪ .‬لــن يســتطيع بعــد ذلــك أي‬
‫شــخص يف املؤسســة أن يصدقــه‪ ،‬ولــن تنهــار مصداقيتــه فحســب ‪،‬‬
‫بــل ســيفقد احرتامــه يف نظــر اجلميــع ‪ ،‬ولنــا أن نتخيــل تأثــر قائــد‬
‫ليــس لــه احــرام يف نظــر املوظفــن ! إن غيــاب مصداقيــة القائــد‬
‫تعنــي بالــرورة غيــاب تأثــره وغيــاب حضــوره يف وجــدان‬
‫العاملــن ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫القيادة واحلب‬
‫هــذه القيــم الســبعة إحــدى أهــم القيــم املعــرة عــن احلــب‬
‫‪ ،‬إهنــا مهمــة ورضوريــة بالرغــم أهنــا يف أذهاننــا أبعــد مــا تكــون‬
‫عــن مفهومنــا البســيط للحــب مــن املنظــور العاطفــي الوجــداين‬
‫الســطحي ‪ ،‬لكــن ترمجــة احلــب احلقيقيــة تــرز مــن خالل التمســك‬
‫هبــذه القيــم ملــن نتعامــل معهــم ‪ ،‬فضـ ً‬
‫ا عمــن نقودهــم ويعملــون‬
‫ضمــن مســؤوليتنا ‪ .‬فهــؤالء حيتاجــون منــا ملفهــوم القيــادة باحلــب‬
‫بــا حيتويــه مــن الصــر والكــرم واإليثــار والتواضــع واالحــرام‬
‫والصفــح والصــدق ‪ .‬هــذه القيــم الســبعة كفيلــة بنجــاح القيــادة‬
‫ونجــاح تأثريهــا املمتــد يف نفــوس املوظفــن ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫القيادة الفاعلة‬

‫القيادة الفاعلة‬

‫تتجــه املؤسســات عــى اختــاف اجتاهاهتــا وأنشــطتها إىل تبنــي‬


‫مفهــوم القيــادة يف مســتويات اإلدارة العليــا أو التنفيذيــة ‪ .‬ذلــك أن‬
‫مفهــوم القيــادة قــد أصبــح أحــد أكثــر املفاهيــم أمهيــة يف تطويــر‬
‫املؤسســات واملنظــات ســواء اخلدميــة أو الربحيــة ‪.‬‬
‫يقــول إدجــار شــاين « إذا أردنــا أن نميــز بــن القيــادة وبــن‬
‫اإلدارة فيمكننــا أن نقــول أن القــادة هــم الذيــن خيلقــون الثقافــات‬
‫ويغريوهنــا أمــا املديــرون فإهنــم يعيشــون يف إطارهــا»‬
‫تتعلــق اإلدارة بالتعامــل مــع التعقيــدات فمامرســتها وإجراءاهتــا‬
‫عمومـ ًا جــاءت اســتجابة ألحد أهــم التطــورات يف القــرن العرشين‬
‫وهــو ظهــور الــركات العمالقــة حيــث تنحــو الــركات الكبــرة‬
‫ذات النظــم املعقــدة يف غيــاب اإلدارة اجليــدة إىل الفــوىض بطــرق‬
‫هتــدد وجودهــا ألن اإلدارة اجليــدة تفــرض حالــة مــن االنضبــاط‬
‫والثبــات يف اجلوانــب الرئيســية مثــل جــودة املخرجــات وربحيتهــا ‪.‬‬
‫وعــى النقيــض مــن ذلــك تتعلــق القيــادة بمجــاراة التغيــر‬
‫والتطويــر كالتطــور التقنــي الرسيــع والتنافســية العامليــة املتزايــدة‬
‫‪ ،‬وعــدم االســتقرار املــايل ‪ .‬وبالتــايل فــإن ذلــك ينطبــق بوجــه أو‬
‫آخــر حتــى عــى املؤسســات غــر الربحيــة التــي هــي بحاجــة لتبنــي‬
‫مفهــوم القيــادة مــن أجــل التغيــر والتطويــر ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫القيادة الفاعلة‬
‫يف هــذا الصــدد قــدم عــامل اإلدارة الشــهري بيــر داركــر نموذجـ ًا‬
‫للقيــادة الفاعلــة يف مقالــة بعنــوان « مــا الــذي يصنــع مديــر ًا فاعـ ً‬
‫ا‬
‫؟ « حيــث رأى أنــه ال يشــرط أن يكــون املديــر الفاعــل قائــد ًا‬
‫باملعنــى الــذي يشــيع فيــه اســتخدام هــذا املصطلــح حاليـ ًا ‪ .‬فمثـ ً‬
‫ا‬
‫مل يكــن الرئيــس األمريكــي الثالــث والثالثــون هــاري ترومــان‬
‫يتمتــع باجلاذبيــة املطلوبــة ‪ ،‬لكنــه كان مــن بــن الرؤســاء التنفيذيــن‬
‫األكثــر تأثــر ًا يف التاريــخ األمريكــي ‪ .‬وباملثــل هنــاك بعــض رؤســاء‬
‫الــركات واملنظــات غــر الربحيــة الذيــن ال يمثلــون الصــورة‬
‫النمطيــة للقــادة كانــوا مــن أفضــل الرؤســاء وحققــوا نتائــج‬
‫وإنجــازات عظيمــة ‪.‬‬
‫يضــع داركــر نموذجــه القيــادي لصناعــة القــادة الفاعلــن‬
‫ضمــن ثامنيــة أســاليب ‪ ،‬ويف حــال اتبــاع هــذه األســاليب الثامنيــة‬
‫فهنــاك ضــان لتحقيــق النتائــج والفعاليــة يف القيــادة ‪ ،‬فالقــادة‬
‫الفاعلــن يتبعــون مــا يــي ‪:‬‬
‫‪ -1‬يســألون يف بدايــة األمــر ( مــا الذي جيــب فعلــه ؟) ويتضمن‬
‫جــواب هــذا الســؤال دائـ ًا أكثــر مــن مهمــة عاجلــة واحــدة ‪ .‬لكــن‬
‫القــادة الفاعلــن ال يشــتتون جهودهــم ‪ ،‬بــل يركــزون عــى مهمــة‬
‫واحــدة قــدر اإلمــكان ‪،‬فــا يوجــد قائــد ًا فعــاالً يقــوم بمهمتــن يف‬
‫وقــت واحــد ‪ .‬لــذا ينتقــل القائــد الناجــح بعــد طــرح ســؤال مــا‬
‫الــذي جيــب عملــه ‪ ،‬إىل حتديــد األولويــات وااللتــزام هبــا ‪ .‬قــد‬
‫تكــون املهمــة األوىل إعــادة رؤيــة ورســالة املؤسســة ‪ ،‬أو حتديــد‬

‫‪52‬‬
‫القيادة الفاعلة‬
‫عالقــة املؤسســة باملجتمــع ‪ ،‬أو توزيــع األعــال بشــكل ســليم ‪.‬‬
‫فعندمــا حتــدد املهمــة ذات األولويــة األوىل جيــب تأجيــل املهــام‬
‫األخــرى مهــا كانــت ملحــة ‪ .‬ثــم يعيــد القائــد بعــد إمتامهــا‬
‫وضــع األولويــات مــن جديــد بــدالً مــن االنتقــال إىل األولويــة‬
‫الثانيــة يف القائمــة الســابقة ‪ .‬وعندهــا يســأل مــرة أخــرى ‪ :‬مــا‬
‫الــذي جيــب عملــه اآلن ؟ وهــذا الســؤال يــؤدي عــادة إىل وضــع‬
‫أولويــات جديــدة وخمتلفــة‪ .‬لقــد ســأل هــذا الســؤال أحــد أهــم‬
‫القيــادات التنفيذيــة يف عــامل األعــال والصناعــة وهــو الرئيــس‬
‫التنفيــذي جلنــرال الكرتيــك ( جــاك ويلــش ) فبعــد ـــوليه رئاســتها‬
‫مبــارشة ســأل ذات الســؤال ‪ .‬وكانــت اإلجابــة أنــه أدرك أن إيقــاف‬
‫الــركات التابعــة للرشكــة األم التــي مل تصــل إىل املرتبــة األوىل أو‬
‫الثانيــة يف جماهلــا بــات رضوريـ ًا ‪ ،‬وليــس التوســع اخلارجــي الــذي‬
‫أرادت الرشكــة إطالقــه ‪ ،‬وبعــد أن تعــرف مــا الــذي جيــب عملــه‪،‬‬
‫حــدد املهــام التــي جتيدهــا الرشكــة مركــز ًا عــى واحــدة منهــا يف‬
‫كل مــرة ‪ ،‬وبعــد إمتــام مهمــة مــا ‪ ،‬أعــد ترتيــب األولويــات وفق ـ ًا‬
‫للمعطيــات اجلديــدة‬
‫‪ -2‬يســألون مــا الــذي يناســب املــروع ؟ ‪ :‬ويعتمــد هــذا‬
‫األســلوب عــى قــدرة القائــد عــى الرتكيــز يف حتقيــق اهلــدف‬
‫الرئيــي مــن املــروع ‪ .‬دون التشــتت يف حمــاوالت إلرضــاء‬
‫أطــراف ومراكــز قــوى يف املؤسســة ‪ .‬فــا ســيكون نافع ـ ًا وصاحل ـ ًا‬
‫لنجــاح املــروع ســيؤدي يف النهايــة إىل أن يكــون مناســب ًا للجميــع‬

‫‪53‬‬
‫القيادة الفاعلة‬
‫سواء اإلدارة العليا ‪ ،‬أو املستفيدين ‪ ،‬أو املوظفني ‪.‬‬
‫‪ -3‬يضعــون خطــط عمــل ناجحــة ‪ :‬يمثــل األســلوب األول‬
‫والثــاين مرحلــة مجــع املعلومــات واكتــال املعرفــة لــدى القائــد ‪،‬‬
‫فيــا يريــد عملــه ‪ ،‬وفيــا هــو مناســب للمــروع الــذي يقــوم بــه‬
‫‪ .‬يــأيت بعــد ذلــك وقــت التنفيــذ ‪ ،‬وهنــا البــد مــن إعــداد خطــط‬
‫جيــدة مبنيــة عــى املعرفــة الســابقة ‪ ،‬بحيــث تتضمــن هــذه اخلطــط‬
‫حتديــد النتائــج املطلوبــة بدقــة ‪ ،‬وتبــن كيفيــة التعامــل مــع القيــود‬
‫والعقبــات ‪ ،‬وجتيــب عــى األســئلة التاليــة ‪ :‬هــل مســار العمــل‬
‫قانــوين ؟ هــل العمــل مطابــق لرؤيــة املؤسســة وقيمهــا وسياســاهتا‬
‫؟ ‪ .‬كــا ينبغــي أن توضــح اخلطــة كيفيــة قضــاء وقــت القائــد‬
‫وجــداول االجتامعــات والتغذيــة الراجعــة ‪ ،‬وحتديــد الفــرص‬
‫اجليــدة واســتثامرها االســتثامر األمثــل ‪ .‬واخلطــة بالنســبة للقــادة‬
‫الفاعلــن تعــد بيــان نوايــا أكثــر مــن كوهنــا التزامــا ً‪،‬وجيــب أال‬
‫تتحــول إىل قيــد بــل جيــب تعديلهــا مــن حــن إىل آخــر ألن كل‬
‫نجــاح يولــد فرصـ ًا جديــدة ‪ .‬وكذلــك احلــال مــع الفشــل ‪ .‬يضــاف‬
‫إىل ذلــك أن عــى خطــة العمــل أن توجــد نظامـ ًا للتأكــد أن النتائــج‬
‫قــد حتققــت بمقارنتهــا باألهــداف ‪.‬‬
‫‪ -4‬يتحملــون مســؤولية اختــاذ القــرارات ‪ :‬حيــث ال يعــد‬
‫القــرار نافــذ ًا حتــى يعــرف النــاس اســم الشــخص املســؤول عــن‬
‫تنفيــذه ‪ -‬املوعــد النهائــي للتنفيــذ ‪ -‬حتديــد الفئــة التــي ســتتأثر‬
‫بــه وأولئــك الذيــن جيــب أن يعرفــوه ويفهمــوه ويقــروه ‪ -‬كذلــك‬

‫‪54‬‬
‫القيادة الفاعلة‬
‫أسامء األشخاص الذين يتعني إبالغهم بالقرار ‪.‬‬
‫‪ -5‬حتمــل مســؤولية التواصــل واالتصــال ‪ :‬وذلــك يتعلــق‬
‫بــإرشاك اآلخريــن يف صياغــة األهــداف وبنــاء اخلطــة ‪ .‬وهنــا نشــر‬
‫إىل أمهيــة إجيــاد شــبكة مــن التواصــل تضمــن توفــر املعلومــات‬
‫جلميــع املوظفــن حيــث يشــر شيســر برنــارد يف كتابــه ( وظائــف‬
‫املديــر ) ‪1938‬م « أن مــا يبقــي الــركات متامســكة ليــس امللكيــة‬
‫أو الســيطرة بــل املعلومــات»‪.‬‬
‫‪ -6‬يركــزون عــى الفــرص ال عــى املشــكالت ‪ :‬والصحيــح‬
‫أنــه جيــب االهتــام باملشــكالت وعــدم جتاهلهــا لكــن حــل‬
‫املشــكالت عــى الرغــم مــن أمهيتــه ال يــؤدي إىل نتائــج بــل‬
‫يمنــع الــرر فحســب ‪ ،‬يف حــن يــؤدي اســتثامر الفــرص إىل‬
‫النتائــج واملخرجــات املرجــوة ‪ .‬وكثــر ًا مــا يغــرق القــادة يف حــل‬
‫املشــكالت وينشــغلون عــن اســتثامر الفــرص ويتحــول عملهــم إىل‬
‫اإلدارة بالطــوارئ ممــا جيعلهــم خيــرون املنافســة ‪،‬يف ظــل تســارع‬
‫املتغــرات مــن حوهلــم ‪.‬‬
‫يديــرون اجتامعــات منتجــة ‪ :‬بحيــث يضمنــون أن تكــون‬
‫اجتامعاهتــم اجتامعــات عمــل ‪ ،‬وليــس جمــرد لقــاءات ثرثــرة ! ويف‬
‫هــذا الصــدد جيــب حتديــد نــوع االجتــاع مســبق ًا وكذلــك آليتــه ‪،‬‬
‫ووســائل املشــاركة فيــه ‪ ،‬وحتديــد زمــن العــروض حتديــدا ً دقيق ـ ًا‬
‫وصارمــ ًا ويف النهايــة حتويــل نتائــج االجتــاع إىل أهــداف وخطــة‬
‫واضحــة للتطبيــق ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫القيادة الفاعلة‬
‫‪ -8‬يفكــرون ويترصفــون بــروح ( نحــن ) وليــس ( أنــا ) ‪:‬‬
‫ويف هــذه املامرســة يكــون القــادة الفاعلــن مقتنعــون بــأن لدهيــم‬
‫مســؤولية حتميــة يمكــن التشــارك فيهــا أو تفويضهــا ‪ ،‬وهــم‬
‫يدركــون أهنــم يمتلكــون الســلطة فقــط ألن املؤسســة تثــق هبــم ‪،‬‬
‫فهــم يعملــون وفــق رؤيــة مشــركة وحتديــد مصــر مشــرك بمــن‬
‫فيهــم أقــل العاملــن تأثــر ًا يف املؤسســة ‪.‬‬
‫ختامـ ًا خيتلــف القــادة الفاعلــن كثــر ًا يف مســؤولياهتم وجوانــب‬
‫قوهتــم‪ ،‬وجوانــب ضعفهــم‪ ،‬وقيمهــم‪ ،‬ومعتقداهتــم ‪ ،‬والــيء‬
‫الوحيــد املشــرك بينهــم أهنــم ينجــزون األشــياء الصحيحــة ‪،‬‬
‫فبعضهــم يولــد قــادة فاعلــن ‪ ،‬لكــن متطلبــات القيــادة كثــرة‬
‫واملوهبــة وحدهــا ال تكفــي ‪ ،‬والفاعليــة فــرع مــن فــروع املعرفــة‬
‫وهــي مثــل أي معرفــة أخــرى يمكــن تعلمهــا ‪ ،‬بــل جيــب تعلمهــا ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫أبعاد القيادة األكثر تأثري ًا‬

‫أبعاد القيادة األكثر تأثير ًا‬

‫يف األربعينــات مــن القــرن املــايض اســتخدم البحــث الــذي‬


‫أجــري يف جامعــة واليــة أوهايــو أســلوب االســتبيان لدراســة‬
‫ســلوك القيــادة وقــد أدى هــذا البحــث إىل افــراض وجــود بعديــن‬
‫أساســيني لســلوك القائــد‪ :‬البعــد األول هــو االهتــام بالعاملــن‬
‫والبعــد الثــاين االهتــام باإلنتــاج‪ .‬ويمكــن تعريــف االهتــام‬
‫بالعاملــن بأنــه ســلوك يــدل عــى االهتــام بأعضــاء اجلامعــة مثــل‬
‫منحهــم التقديــر الــازم جلهودهــم وتعزيــز ثقتهــم بأنفســهم وبنــاء‬
‫الثقــة املتبادلــة بينهــم وبــن قائدهــم ودعوهتــم للمشــاركة يف القرار‪.‬‬
‫أمــا تعريــف االهتــام باإلنتــاج فيعــرف بأنــه احلــرص عــى وضــع‬
‫النظــام والضوابــط املنظمــة للعمــل ومتابعتهــا والســلوكيات الرامية‬
‫لتنظيــم عمــل اجلامعــة بــا حيقــق زيــادة اإلنتــاج وتأكيــد رضورة‬
‫إنجــاز املهــام يف وقتهــا املحــدد ووفــق املعايــر املطلوبــة‪.‬‬
‫وقــد أجريــت دراســات حــول هــذان البعــدان مــن القيــادة‬
‫ومــدى حتقيقهــا للنتائــج املرجــوة حيــث قــام الباحثــون يف جامعــة‬
‫ميتشــجن بتصنيــف مــريف اخلطــوط األوىل إىل فئتــن ( ســادلر ‪،‬‬
‫‪2008‬م)‪:‬‬
‫األوىل هــي املرشفــون الــذي يركــزون عــى اإلنتــاج والذيــن‬
‫يعطــون أكــر قــدر مــن الرتكيــز إلنجــاز املهــام‪ .‬والفئــة الثانيــة هــي‬
‫املرشفــون الذيــن يركــزون عــى املوظفــن الذيــن هيتمــون يف املقــام‬

‫‪57‬‬
‫أبعاد القيادة األكثر تأثري ًا‬
‫األول باحتياجــات العاملــن‪ .‬وقــد خلصــت النتائــج إىل أن اإلنتــاج‬
‫كان يف مســتوياته املنخفضــة عنــد املرشفــن الذيــن يركــزون عــى‬
‫اإلنتــاج بينــا ترتفــع اإلنتاجيــة عنــد املرشفــن الذيــن يركــزون‬
‫عــى العاملــن‪ .‬وعنــد تفســر هــذه النتائــج مــن املمكــن أن نقــول‬
‫إن أســلوب اإلرشاف هــو نتيجــة وليــس ســبب ًا الرتفــاع اإلنتاجيــة‬
‫وبعبــارة أخــرى يمكننــا القــول إنــه عندمــا يكــون هنــاك قســم يقوم‬
‫بعملــه عــى نحــو جيــد فــإن املــرف يمكــن أن يســرخي قلي ـ ً‬
‫ا‬
‫ويبــدأ يف الرتكيــز عــى العالقــات اإلنســانية ولكــن عندمــا تكــون‬
‫املجموعــة أقــل كفــاءة يف العمــل فــإن الضغــط عــى املــرف جيعلــه‬
‫أكثــر اهتامم ـ ًا بتحقيــق النتائــج‪.‬‬
‫ومــن بــن نقــاط الضعــف يف هــذه الدراســات التــي لوحظــت‬
‫يف وقــت مبكــر هــو ذلــك التقســيم املصطنــع نوع ـ ًا مــا للقــادة إىل‬
‫قــادة يركــزون عــى املوظفــن وآخريــن عــى اإلنتــاج فمث ـ ً‬
‫ا رغــم‬
‫أن هنــاك دراســة أجريــت يف أحــد مصانــع اجلــرارات أوضحــت أن‬
‫املرشفــن الذيــن حيققــون إنتاجيــة عاليــة كانــوا هــم األكثــر مهــارة‬
‫يف إشــباع حاجــة مرؤوســيهم للمعلومــات والدعــم إال أن هــؤالء‬
‫املرشفــن مل يكونــوا أقــل اهتامم ـ ًا باملحافظــة عــى املســتوى املرتفــع‬
‫لإلنتــاج‪ .‬ولذلــك يــرى عــدد مــن الباحثــن ( بــاك وموتــون ‪،‬‬
‫‪1964‬م) أن هنــاك حاجــة الســتبدال التصنيــف الــذي يقســم‬
‫املرشفــن إىل مرشفــن يركــزون عــى املوظفــن ومرشفــن يركــزون‬

‫‪58‬‬
‫أبعاد القيادة األكثر تأثري ًا‬
‫عــى اإلنتــاج بتصنيــف آخــر مــن مخــس فئــات كالتــايل ( ســادلر‬
‫‪2008 ،‬م)‪:‬‬
‫‪ -1‬أقــى درجــة مــن االهتــام باإلنتــاج وأقــل درجــة مــن‬
‫االهتــام باملوظفــن‪.‬‬
‫‪ -2‬أقــل درجــة مــن االهتــام باإلنتــاج وأقــى درجــة مــن‬
‫االهتــام باملوظفــن‪.‬‬
‫‪ -3‬درجــة متوســطة مــن االهتــام باإلنتــاج ودرجــة متوســطة‬
‫مــن االهتــام باملوظفــن‪.‬‬
‫‪ -4‬أقــل درجــة مــن االهتــام باإلنتــاج وأقــل درجــة مــن‬
‫االهتــام باملوظفــن‪.‬‬
‫‪ -5‬أقــى درجــة مــن االهتــام باإلنتــاج وأقــى درجــة مــن‬
‫االهتــام باملوظفــن‪.‬‬
‫اتفقــت هــذه الفئــات مــع نظريــة ريــدن رباعيــة األبعــاد( ريــدن‬
‫‪1970،‬م) حيــث اعتمــدت عــى مدخــل يســتخدم عنرصيــن‬
‫أساســيني مــن عنــارص دور القيــادة كنقطــة بدايــة لــه ويطلــق‬
‫ريــدن عــى هذيــن العنرصيــن اســم ( القيــادة املوجهــة نحــو املهــام‬
‫والقيــادة املوجهــة نحــو العالقــات ) ويســتخلص مــن النظريــة‬
‫أربعــة أســاليب لــإدارة ‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلدارة التــي تركــز عاليــ ًا عــى املهــام وتركيــز ًا منخفضــ ًا‬
‫عــى العالقــات‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلدارة التــي تركــز عاليـ ًا عــى العالقــات وتركيــز ًا منخفض ًا‬

‫‪59‬‬
‫أبعاد القيادة األكثر تأثري ًا‬
‫باملهام‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلدارة التــي تركــز تركيــز ًا منخفضــ ًا عــى املهــام‬
‫و ا لعال قــا ت ‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلدارة التي تركز عالي ًا عىل اجلانبني‪.‬‬
‫ويذكــر ( ســادلر ‪2008،‬م) أنــه ال يوجــد أســلوب مــن هــذه‬
‫األســاليب يمكــن أن نقــول إنــه بالــرورة أفضــل مــن األســاليب‬
‫األخــرى وأكثــر فعاليــة فــكل أســلوب مــن هــذه األســاليب يمكــن‬
‫أن يكــون عــى نفــس القــدر مــن الفاعليــة والنجــاح وذلــك حســب‬
‫املوقــف الــذي يســتخدم فيــه وعندمــا تســتخدم هــذه األســاليب‬
‫بفعاليــة ونجــاح يمكــن أن نطلــق عليهــا بالرتتيــب األســاء التاليــة ‪:‬‬
‫‪ -1‬األسلوب األتوقراطي املصلح‪.‬‬
‫‪ -2‬األسلوب املطور‪.‬‬
‫‪ -3‬األسلوب البريوقراطي‪.‬‬
‫‪ -4‬األسلوب التنفيذي‪.‬‬
‫أمــا عندمــا تســتخدم بشــكل يسء وغــر فعــال فإننــا يمكــن أن‬
‫نطلــق عليهــا حســب ترتيبهــا األســاء التاليــة‪:‬‬
‫‪ -1‬األسلوب األتوقراطي‪.‬‬
‫‪ -2‬األسلوب التبشريي‪.‬‬
‫‪ -3‬أسلوب التهرب من املسؤولية‪.‬‬
‫‪ -4‬أسلوب التهاون‪.‬‬
‫ويلخــص ريــدن أفضــل األســاليب للقيــادة اإلداريــة الناجحــة‬

‫‪60‬‬
‫أبعاد القيادة األكثر تأثري ًا‬
‫هــي تلــك القيــادة التــي تســتطيع تشــخيص املوقــف اإلداري‬
‫التشــخيص الدقيــق وبالتــايل يكــون لدهيــا املرونــة اجليــدة الختيــار‬
‫األســلوب املناســب لذلــك املوقــف مــن األســاليب األربعــة التــي‬
‫تطرحهــا النظريــة‪ .‬كــا يذكــر ( ســادلر ‪2008،‬م) جهــود عــامل‬
‫اإلدارة ( ليكــرت‪1961 ،‬م) الــذي أجــرى العديــد مــن الدراســات‬
‫حــول مــدى فاعليــة ونجــاح القيــادة املوجهــة نحــو املهــام والقيــادة‬
‫املوجهــة نحــو األشــخاص وقــد اســتخدم مصطلــح « القيــادة التــي‬
‫تركــز عــى العمــل « و « القيــادة التــي تركزعــى العاملــن « حيــث‬
‫وجــد أن األقســام التــي تعمــل حتــت قيــادة مرشفــن يركــزون عــى‬
‫العمــل غالب ـ ًا تكــون كفاءهتــا يف العمــل منخفضــة‪.‬‬
‫وقــد ميــز أيضــ ًا بــن نوعــن مــن األســلوب األتوقراطــي يف‬
‫القيــادة األول هــو األســلوب الســلطوي املســتغل والثــاين هــو‬
‫أســلوب املســتبد العــادل الــذي يعمــل للصالــح العــام‪ .‬والنــوع‬
‫األول جيعــل قنــوات االتصــال مقصــورة عــى القنــوات التــي تســر‬
‫فيهــا األوامــر مــن أعــى إىل أســفل فهــو يتخــذ كل القــرارات اهلامــة‬
‫دون استشــارة أحــد وحيافــظ عــى مســافة اجتامعيــة معقولــة بينــه‬
‫وبــن مرؤوســيه‪ .‬أمــا النــوع الثــاين فهــو أكثــر ميـ ً‬
‫ا إىل االســتامع إىل‬
‫أفــكار مرؤوســيه ولكــن نظــر ًا إىل أهنــم يظلــون حمصوريــن دائـ ًا يف‬
‫مرحلــة األتبــاع فــإن املعلومــات واألفــكار التــي يمكــن أن تصعــد‬
‫مــن أســفل إىل أعــى تظــل مقصــورة عــى األشــياء التــي يريــد‬
‫القائــد أن يســمعها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أبعاد القيادة األكثر تأثري ًا‬
‫إن التســاؤل الــذي يمكــن أن نخــرج بــه مــن هــذه الدراســات‬
‫املتنوعــة حــول القيــادة التــي تركــز عــى العمــل أو عــى املهــام أو‬
‫عــى النتائــج وبــن القيــادة التــي تركــز عــى العاملــن أو العالقــات‬
‫هــو أي األســلوبني أفضــل وأكثرمهــا نجاح ـ ًا وفاعليــة‪ .‬واحلقيقــة‬
‫أنــه ســؤال تصعــب اإلجابــة عليــه فالدراســات املختلفــة قــد أتــت‬
‫بنتائــج خمتلفــة تؤكــد صحــة كال مــن وجهتــي النظــر‪ .‬لكــن املؤكــد‬
‫أن جمموعــات العمــل املختلفــة حتتــاج إىل أســاليب خمتلفــة يف‬
‫القيــادة وبالتــايل ال يمكــن أن ينجــح القائــد إذا ركــز عــى العالقات‬
‫والعاملــن وأمهــل العمــل واإلنتــاج ‪ ،‬وكذلــك لــن ينجــح يف حــال‬
‫أمهــل العالقــات والعاملــن وركــز عــى العمــل واإلنتــاج‪ .‬حيــث‬
‫يمكــن أن نصــل حلقيقــة جوهريــة يف هنايــة هــذا املقــال بــأن عــى‬
‫القائــد أن يــويل كال مــن العاملــن والعمــل ذات االهتــام والرتكيــز‬
‫ممــا يــؤدي لبيئــة عمــل حمببــة وجاذبــة وإنجــاز قــوي ونتائــج جيــدة‬
‫تطابــق األهــداف املحــددة ســلف ًا‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫العالقة الناجحة بني الرئيس واملرؤوس‬

‫العالقة الناجحة بني الرئيس واملرؤوس‬

‫إن أكثــر األخطــاء شــيوع ًا والتــي يقــع فيهــا املديــرون يف بنــاء‬


‫عالقاهتــم مــع املوظفــن تتمثــل يف طــريف نقيــض بــن وضــع حاجــز‬
‫نفــي كبــر بينهــم وبــن املرؤوســن والرتكيــز عــى العمــل مــع‬
‫عالقــة بــاردة ضعيفــة إنســاني ًا ودون رعايــة أو اهتــام ‪ .‬وبــن أن‬
‫يتحــول املوظــف إىل صديــق مقــرب للمديــر وتصبح هــذه الصداقة‬
‫مقدمــة عــى التزامــات العمــل وتضعــف الرتكيــز عــى اإلنجــاز أو‬
‫تقديــم التغذيــة الراجعــة الدقيقــة لــأداء‪.‬‬
‫تطــرح الدكتــورة لينــدا إيــه تســاؤال مهــا يف كتاهبــا (بصفتــك‬
‫رئيسـ ًا) عــى القــادة والرؤســاء واملديريــن‪ :‬هــل تعتــر مرؤوســيك‬
‫املبارشيــن أصدقــاء لــك؟ فبدافــع مــن رغبــة أي مديــر أن يكــون‬
‫حمبوبـ ًا ومؤثــر ًا يف فريــق العمــل يميــل بدافــع فطــري حلاميــة عالقتــه‬
‫مــع املرؤوســن‪ ،‬واخللــط بــن الرغبــة يف نيــل حــب املرؤوســن‬
‫وكســب ثقتهــم أو احرتامهــم أحــد أكثــر الســقطات الشــهرية التــي‬
‫تســبب اخللــل يف أداء املديريــن والرؤســاء‪.‬‬
‫يكــره بعــض املديريــن الــراع ويتحاشــون أي قــول أو فعــل‬
‫يســبب توتــر اآلخريــن ويتخــذون قــرار ًا يعتقــدون أنــه عقــاين أن‬
‫الصداقــة والعالقــة القريبــة هــي أفضــل ســبيل للتأثــر يف اآلخريــن‬
‫والعمــل بمبــدأ « انجــز هــذا العمــل ألننــا أصدقــاء « واحلقيقــة‬

‫‪63‬‬
‫العالقة الناجحة بني الرئيس واملرؤوس‬
‫أن املديــر الــذي يســمح بروابــط شــخصية قويــة مــع املرؤوســن‬
‫ظن ـ ًا منــه أن ذلــك خيــدم العمــل فســوف يعــاين يف عملــه كمديــر‬
‫معانــاة ال مثيــل هلــا‪ .‬ولــن يكــون قــادر ًا عــى اختــاذ القــرارات‬
‫الصعبــة والرضوريــة بخصــوص األفــراد أو تقييــم األفــراد بصــورة‬
‫دقيقــة وتقديــم التغذيــة الراجعــة النقديــة واملفيــدة‪ .‬إن حاولــت أن‬
‫تبقــى عــى وفــاق مــع اجلميــع فســوف تقــع يف اســتثناءات ألفــراد‬
‫يراهــا آخــرون غــر مســتحقة أو غــر منصفــة‪ .‬العالقــات التــي‬
‫تكــون شــخصية بشــكل أســايس ال تعــود إال باإلحبــاط لألفــراد‬
‫عــى املــدى البعيــد وجتعلــك أقــل فاعليــة‪.‬‬
‫ومــن أجــل اكتشــاف مــا إن كانــت العالقــة مــع موظفيكتتخطى‬
‫حــدود القــدرة عــى ضبــط العمــل‪ .‬يمكــن أن تفكــر يف املوظفــن‬
‫واحــد ًا واحــد ًا وتســاءل‪ :‬إن تدهــور أداؤه ومل يتحســن فهــل‬
‫ســأكون قــادر ًا عــى اســتبعاده مــن الفريــق؟ إن ارتكــب أخطــاء‬
‫كبــرة متكــررة رغــم التدريــب اجليــد الــذي تلقــاه فهــل ســأقلص‬
‫مســؤولياته أم هــل ســأخربه بأنــه لــن حيصــل عــى املزيــد؟ إذا كنــت‬
‫مــردد ًا يف ضبــط أو عقوبــة شــخص بســبب اخلــوف عــى عالقتكــا‬
‫فــإن هــذه العالقــة ســوف متنعــك مــن القيــام بوظيفتــك كرئيــس‬
‫للعمــل؟‬
‫وهنــا يمكــن تفنيــد األســباب التــي جتعــل الصداقــة والرئاســة‬
‫ال تتوافقــان يف معظــم األحــوال‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫العالقة الناجحة بني الرئيس واملرؤوس‬
‫‪ -‬الصداقــة كمفهــوم اجتامعــي ليســت قائمــة مــن أجــل غاية‬
‫أخــرى‪ ،‬إنــا هــي متطلــب نفــي واجتامعــي باعتبــار أننــا خملوقــات‬
‫اجتامعيــة‪ .‬أمــا العالقــة بــن الرئيــس واملــرؤوس فأصــل هــذه‬
‫العالقــة قائــم عــى غايــة إنجــاز العمــل‪ ،‬وعندمــا يــر املوظــف‬
‫عــى التقاعــس عــن إنجــاز العمــل فــإن هــذه العالقــة ال بــد أن‬
‫تتأثــر ســلبي ًا وربــا قــد تنتهــي‪.‬‬
‫األصدقــاء بطبيعــة احلــال جيمعهــم الشــعور بالتســاوي‬ ‫‪ -‬‬
‫يف حميــط عالقتهــم‪ ،‬لكــن الرؤســاء واملرؤوســن ليســوا متســاوون‬
‫داخــل املؤسســة ال يف املســؤوليات وال يف الصالحيــات‪ .‬حتــى لــو‬
‫حافــظ الرئيــس عــى إخفــاء صالحياتــه وســلطته لكنــه ســيظل يف‬
‫حاجــة الســتخدامها أحيان ـ ًا عــى نحــو قــد ال يســعد مرؤوســيه‪،‬‬
‫وال يمكــن للعديــد مــن الصداقــات أن تنجــو يف مثــل هــذه‬
‫احلالــة مــن عــدم التســاوي‪.‬‬
‫‪ -‬األصدقــاء ال يقيمــون بعضهــم وال حياولــون تغيــر‬
‫بعضهــم‪ .‬وال يعلقــون صداقتهــم عــى هــذا التغيــر‪ ،‬لكــن املديــر‬
‫اجليــد ال بــد لــه أن يقيــم أداء األفــراد وقدراهتــم بصــورة مســتمرة‬
‫ويضغــط عليهــم كــي يتغــروا ويتطــوروا‪ ،‬وهــذا الضغــط النافــع‬
‫عــى حقيقتــه مهــم للغايــة وجــزء ال يمكــن حتاشــيه يف اإلدارة‪.‬‬
‫‪ -‬واقعيـ ًا لــن تســتطيع أن جتعــل مــن مجيــع املوظفــن أصدقاء‬
‫لــك‪ ،‬فــإن االســتلطاف وامليــل لبعضهــم ســيفوق البعــض اآلخــر‬
‫وســوف تتعاظــم روابطــك مــع عــدد منهــم دون اآلخــر ولــك أن‬

‫‪65‬‬
‫العالقة الناجحة بني الرئيس واملرؤوس‬
‫تتخيــل اخلــراب الــذي ســوف يعصــف بجهــودك إلدارة متوازنــة‬
‫لفريــق العمــل‪.‬‬
‫ا أو آجــ ً‬
‫ا ســيكون عليــك اختــاذ‬ ‫حتــت هــذه املســببات عاجــ ً‬
‫قــرارات أو إجــراءات ضــد شــخص يعمــل معــك تتطلــب نقــدا‬
‫أو شــكل مــن أشــكال العقوبــة أو التوجيــه الصــارم‪ ،‬وبالنســبة‬
‫لشــخص كان يظــن نفســه صديقــا لــك ســتكون هــذه األفعــال‬
‫بالنســبة لــه كنــوع مــن اخليانــة وســوف تنهــي التــزام ذلــك‬
‫الشــخص بالعمــل‪.‬‬
‫هــل يعنــي ذلــك أن العالقــة بــن الرئيــس واملــرؤوس مبنيــة عىل‬
‫املصلحــة والتالعــب فيكــون اهتــام الرئيــس باملــرؤوس فقــط مــن‬
‫أجــل احلصــول عــى العمــل‪ ،‬هــل هــذا شــكل آخــر مــن أشــكال‬
‫االســتغالل وإزاحــة العالقــات اإلنســانية أثنــاء العمــل؟‬
‫جييــب عــن هــذا عــامل اإلدارة االمريكــي د‪».‬كينــت ال ينبــاك‬
‫« أن العالقــة بــن الرئيــس واملــرؤوس جيــب أن ال تفقــد جانبهــا‬
‫اإلنســاين أبــد ًا وإن كانــت تركــز عــى مصلحــة العمــل ‪ ،‬حيــث‬
‫جيــب أن تكــون ركائزهــا االهتــام والدعــم للموظــف ‪ ،‬إهنــا أشــبه‬
‫بعالقــة املعلــم بطالبــه ‪ ،‬أو مــدرب فريــق كــرة القــدم بالالعبــن ‪،‬‬
‫فالقيــادة بشــكل عــام أقــرب هلــذه األنــواع مــن العالقــة والتــي ال‬
‫تتطلــب الصداقــة بــن الرئيــس واملــرؤوس ولكنهــا تتطلــب عالقــة‬
‫الدعــم واملــؤازرة واالهتــام ‪ ،‬فاملعلــم مطالــب بدعــم الطالــب‬
‫واالهتــام بــه ودفعــه للتطــور والتقــدم وتقييمــه والوقــوف عــى‬

‫‪66‬‬
‫العالقة الناجحة بني الرئيس واملرؤوس‬
‫أخطائــه يف التعلــم وكذلــك الــيء نفســه مــع مــدرب كــرة القــدم‬
‫‪ ،‬إنــه يدفــع الالعبــن ليقدمــوا املزيــد وال يتوانــى عــن الضغــط‬
‫عليهــم مــن أجــل حيــرزوا تقدمــ ًا ملموســ ًا يف مســتواهم حمفوفــ ًا‬
‫ذلــك باملحبــة واالحــرام واالهتــام‪.‬‬
‫إن طبيعــة عالقــة املديــر باملوظفــن تتمثــل بالــود واملراعــاة‪ ،‬لكن‬
‫العالقــة ذاهتــا ليســت اهلــدف األســايس‪ ،‬جيــب أن تكــون عالقــة‬
‫رصحيــة وإجيابيــة لكــن البــد فيهــا دائ ـ ًا بــيء مــن املســافة‪،‬خط‬
‫ال ينبغــي أبــد ًا جتــاوزه‪ .‬إذا خلــق املديــر عالقــات هدفهــا الرئيــي‬
‫هــو ديمومــة العالقــة وليــس إنجــاز العمــل فهــو بذلــك خيلــق فخـ ًا‬
‫ســوف يبتلعــه عاج ـ ً‬
‫ا أو آجــا ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫القيادة باالستبصار‬

‫القيادة باالستبصار‬

‫كل يشء يعــود للثقافــة ؛ هكــذا يبــدو األمــر‪ ،‬ومــن الواضــح‬


‫أن الغالــب عــى ترصفاتنــا مــا متليــه عليــه ثقافتنــا الشــعبية وعاداتنــا‬
‫ورمتنــا االجتامعــي ‪ .‬ففــي املجتمعــات التــي ترقــت يف ســلم‬
‫احلضــارة وقدمــت التضحيــات اجلســيمة لينتــر العلــم عــى‬
‫العــادة‪ ،‬وتنتــر الثقافــة املعرفيــة عــى الثقافــة الشــعبوية‪ ،‬ويتســيد‬
‫املشــهد الرمــوز العلميــة بقــدر الفرصــة التــي حيظــى هبــا الرمــوز‬
‫الرتفيهيــة‪ ،‬يف تلــك املجتمعــات التــي أخــذت وقتهــا لتحســم‬
‫ميوهلــا واهتامماهتــا جتــاه قيــم مثــل احلريــة والعدالــة‪ ،‬وحقــوق‬
‫اإلنســان‪ ،‬وحتكيــم الرشــد والعقالنيــة يف تســيري احليــاة عوضــا‬
‫عــن العاطفــة العابــرة والنــزوة الضيقــة‪ ،‬يف مثــل تلــك البيئــة تكــون‬
‫املامرســة النظريــة ألي علــم مــن العلــوم التســر إال يف نفــس املســار‬
‫الــذي تتــم فيــه عمليــة التطبيــق واملامرســة النظريــة‪.‬‬
‫إن لقائــد أو املديــر يف بيئــة ثقافيــة يســودها احــرام حــق الفــرد‬
‫يف التعبــر واملواطنــة واملشــاركة السياســية واالجتامعيــة ليــس‬
‫هــو القائــد الــذي يعيــش يف بيئــة تشــيطن الديموقراطيــة وحقــوق‬
‫اإلنســان ‪ ،‬وتعتــر حريــة التعبــر شــكل مــن أشــكال الضــال‬
‫اإلنســاين ضمــن أطروحــات ايدولوجيــة حمكمــة ومغلقــة وغــر‬
‫قابلــة للتفســر أو املناقشــة ‪ ،‬وإن كان كال القائديــن ‪ -‬حمــل املثــال‬
‫‪ -‬يتلقــون ذات النظريــات املعرفيــة حــول القيــادة واإلدارة وذات‬

‫‪68‬‬
‫القيادة باالستبصار‬
‫املفاهيم احلديثة هلا ‪.‬‬
‫لقــد جــاءت القيــادة و اإلدارة كعلــم لــه ابعــاده النظريــة‬
‫واملعرفيــة ليضــع بــن أيدينــا أســاليب مقرتحــة وجديــدة وهــي‬
‫أيضــا مدروســة وجمربــة‪ .‬لكــن هــذه األطروحــات مجيعهــا تتالشــى‬
‫أمــام النســق الثقــايف املهيمــن عــى ثقافــة املجتمــع الشــعبية‪.‬‬
‫إن األنســاق االجتامعيــة تدخــل قاعــات الدراســة‪ ،‬وتتحكــم‬
‫يف مكاتــب أعــى اهليئــات اإلداريــة ‪ .‬إننــا ننظــر لعلــم القيــادة ‪-‬‬
‫واألرجــح كثــر مــن العلــوم ‪ -‬عــى أنــه يــراوح يف حركتــه بــن‬
‫النظريــة والتطبيــق‪ ،‬واحلقيقــة أن العلــم النظــري للقيــادة هــو تطبيق‬
‫يف حــد ذاتــه وال يمكــن فصــل املامرســة عــن املعرفــة وال املعرفــة‬
‫عــن املامرســة‪ .‬فاملعرفــة وحدهــا دون ممارســة تعنــي عــدم املعرفــة‬
‫بالــرورة ‪ ،‬ومهــا كانــت املعرفــة مدونــة وحــارضة وحمفوظــة عــن‬
‫ظهــر قلــب فإهنــا رسعــان مــا تتالشــى أمــام بيئــة ثقافيــة يســودها‬
‫فكــرة اهليمنــة ‪ ،‬والبحــث عــن املزيــد مــن الســلطة مــن أجــل فرض‬
‫الــرأي الواحــد والصــوت الواحــد والتــي نشــأت عــى األرجــح‬
‫بدايــة مــن حجــرة املنــزل وحتــى حجــرة الدراســة إىل حــوارات‬
‫املقاهــي واملناســبات االجتامعيــة العامــة ‪.‬‬
‫يف البيئــة الســلطوية التــي تنــزع إىل فكــرة الفــرض والقــر‬
‫اإلداري والقهــر التنظيمــي‪ ،‬نكــون بأمــس احلاجــة ملــا أســميه‬
‫‪-‬القيــادة باالســتبصار ‪ -‬وهــو مفهــوم يركــز عــى ذات القائــد‬
‫نفســه أكثــر مــن اهتاممــه بــأي بعــد آخــر مــن أبعــاد العمليــة القيادية‬

‫‪69‬‬
‫القيادة باالستبصار‬
‫التبص والبصرية؟‬
‫واإلدارية ‪ .‬يا ترى ما معنى ُّ‬
‫التمهــل واألنــاة يف تبــن األمــور وكشــفها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫التبــر‪ :‬هــو‬
‫والســر يف عالجهــا عــى بصــرة ورشــد‪ ،‬والتبــر هبــذا املعنــى هو‬
‫خ ُلــق حــث عليــه القــرآن‪ ،‬وطلــب مــن املســلم أن يكــون صاحـ َ‬
‫ـب‬
‫تفكــر وتد ُّبــر ومتهــل‪ ،‬وأال ت ُغــره املظاهــر‪ ،‬بــل حيــاول أن يســتنبط‬
‫حقائــق األمــور‪ ،‬ويســتدل بالعالمــات واإلرشــادات عــى النتائــج‬
‫والغايــات‪ ،‬فيكــون لــه ذلــك مرشــدً ا هيديــه‪ ،‬وقائــدً ا يقــود قلبــه‬
‫ـم َب َص ِائـ ُـر ِم ـ ْن‬ ‫وعقلــه إىل ســواء الســبيل؛ قــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬قــدْ َجا َء ُكـ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ـم‬‫ـي َف َع َل ْي َهــا َو َمــا َأ َنــا َع َل ْي ُكـ ْ‬ ‫ـم َف َم ـ ْن َأ ْبـ َ َ‬
‫ـر َفلنَ ْفســه َو َم ـ ْن َعمـ َ‬ ‫َر ِّب ُكـ ْ‬
‫ــوا إِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫بِح ِف ٍ‬
‫أيضــا‪ ﴿ :‬إِ َّن ا َّلذيــ َن ا َّت َق ْ‬ ‫يــظ ﴾ [األنعــام‪ ،]104 :‬وقــال ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــف ِمــ َن َّ‬‫ــه ْم َط ِائ ٌ‬
‫ون ﴾‬ ‫ــر َ‬ ‫ــم ُم ْب ُ‬ ‫َّــروا َفــإِ َذا ُه ْ‬ ‫الشــ ْي َطان ت ََذك ُ‬ ‫َم َّس ُ‬
‫[األعــراف‪]201 :‬‬
‫القيــادة باالســتبصار حالــة مــن التأمــل الداخــي والتتبــع‬
‫الزمنــي لســلوك القائــد نفســه بنفســه ‪ ،‬إهنــا حالــة مــن املراجعــة‬
‫الداخليــة الكاملــة واملمتــدة مــن املــايض وعــر احلــارض وصــوال‬
‫للســلوك اإلداري املنشــود مســتقبال ‪.‬‬
‫وهــي ليســت مقصــورة عــى التأمــل يف املؤسســة أو أفرادهــا‬
‫بــل هــي ممتــدة للتفكــر املتكامــل حــول مفاهيــم أوســع وأشــمل‬
‫كحقــوق اإلنســان واحلريــة والعدالــة االجتامعيــة‪ ،‬ومبــادى‬
‫اإلســام العظيمــة‪ ،‬والقيــم الكــرى كالنزاهــة والصــدق واإلتقــان‬
‫يف العمــل ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫القيادة باالستبصار‬
‫إهنــا أشــبه بعمليــة فلــرة فكريــة ونفســية مطولــة ليكــون القائــد‬
‫قــادرا عــى تطبيــق املامرســات احلقيقيــة حــول نظريــات اإلدارة‬
‫احلديثــة ‪ .‬ويف تصــوري أن القيــادة باالســتبصار تشــكل حالــة‬
‫مــن االســتعداد والتحليــل النفــي الداخــي الــذي يتأمــل بأبعــاد‬
‫املشــكالت االجتامعيــة والفكريــة ويضــع مــن خــال الفكــر‬
‫املتعمــق األســس واملبــادئ التــي يمكــن ان يقــال عنهــا عامليــة‬
‫والتــي هــي صاحلــة لــكل زمــان ومــكان‪ ،‬كــا أهنــا ال تتغــر بتغــر‬
‫املواقــف واألشــخاص‪ ،‬ومــن هنــا ينطلــق لبنــاء منظومــة فكريــة‬
‫ثقافيــة نفســية داخليــة تســاعده للبــدء يف تعلــم ومعــارف نظريــات‬
‫القيــادة واإلدارة احلديثــة ‪.‬‬
‫خلفية القيادة باالستبصار ‪:‬‬
‫الفكــرة األساســية يف هــذه النظريــة أن إدراك موضــوع مــا حيــدده‬
‫املجــال اإلدراكــي الــكيل الــذي يوجــد فيــه‪ ،‬وأن الــكل ليــس جمــرد‬
‫جممــوع األجــزاء وأن اجلــزء يتحــدد بطبيعــة الــكل‪ ،‬وأن األجــزاء‬
‫تتكامــل يف وحــدات كليــة (الزبــادي واخلطيــب‪. )49 ،1990 ،‬‬
‫النظريــة املجاليــة مأخــوذة عــن عــامل الفيزيــاء ليفــن ‪ ،‬وهــذا‬
‫املفهــوم (املجــال) بــدأ مــع ظهــور مدرســة اجلشــطالت‪ ،‬ورغــم‬
‫انتامئــه ملدرســة اجلشــطالت يف بدايــة حياتــه العلميــة إال أن‬
‫نظريتــه ختتلــف عــن نظريــة اجلشــطالت‪ ،‬حيــث ركــز ليفــن عــى‬
‫(احلاجــات‪ ،‬اإلرادة‪ ،‬الشــخصية‪ ،‬العوامــل االجتامعيــة) يف الوقــت‬
‫الــذي تركــز فيــه اجلشــطالت عــى (اإلدراك‪ ،‬التعلــم‪ ،‬التكوينــات‬

‫‪71‬‬
‫القيادة باالستبصار‬
‫الفســيولوجية يف رشح اإلنســان) ويعتــر توجــه (ليفــن) يف علــم‬
‫النفــس توجه ـ ًا اجتامعي ـ ًا‪ ،‬بــل قــال رصاحــة أن علــم النفــس هــو‬
‫علــم اجتامعــي‪ ،‬وركــز يف عملــه هــو وأتباعــه عــى دراســة الســلوك‬
‫كدالــة للموقــف الفيزيقــي واالجتامعــي (ملحــم‪.)142 ،2001 ،‬‬
‫ويؤكــد (ليفــن) أمهيــة قــوى املجــال الديناميــة التــي تســهم يف‬
‫حتديــد الســلوك ويعــرف املجــال بأنــه نتــاج الوقائــع املوجــودة‬
‫معـ ًا والتــي تــدرك عــى أهنــا تعتمــد بعضهــا عــى البعــض اآلخــر ‪.‬‬
‫لالســتبصار» قاعــدة أخــرى‪ .‬ال تســبق العمــل فحســب ‪ ،‬بــل تليــه‬
‫أيضـ ًا ‪ ،‬قــد تســمى أيضـ ًا « باالختــار» فبعــد االنتهــاء مــن العمــل‬
‫بأكملــه‪ ،‬ربــا ال تكــون هنــاك حلــول واضحة يف متنــاول اليــد‪ .‬فامذا‬
‫بعــد ذلــك؟ دع األمــر جانبـ ًا لربهــة‪ ،‬تــارك ًا العقــل الباطــن‪ ،‬الــذي‬
‫هــو مصــدر اإلبــداع يقــوم بــدوره؛ فالتفكــر ضمــن العقــل الباطــن‬
‫ليــس حمــدود ًا بالقيــود األدبيــة العاديــة للغــة الشــعورية‪ .‬عنــد هــذا‬
‫املســتوى‪ ،‬يمكــن للمــرء برسعــة أن حيشــد كميــات كبــرة مــن‬
‫البيانــات عــى نحــو أكثــر كفــاءة مــن أي جهــاز كمبيوتــر ويمــزج‬
‫املكونــات غــر املتشــاهبة لتتحــول إىل أنــاط إدراكيــة ومفاهيميــة‪.‬‬
‫وعنــد هــذه النقطــة‪ ،‬تــرز احللــول يف الذهــن فجــأة كــا لــو كانــت‬
‫تــأيت مــن العــدم‪ ،‬ويمكــن الجتاهــات جديــدة أن تبــدأ يف التبلــور‪.‬‏‬
‫لــن يكــون مــن املجــدي أبــدا وضــع العربــة أمــام احلصــان‪ .‬القيــادة‬
‫باالســتبصار هــي عمليــة توقــف مطــول لتحليــل كل يشء قبــل‬
‫البــدء يف التجريــب العبثــي يف إدارة املؤسســات‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫القيادة باالستبصار‬
‫وقبــل ان نحلــل مــؤرشات األداء ومقاييــس اإلنجــاز ‪ .‬عــى‬
‫القائــد ذاتــه أن حيلــل تفكــره وممارســاته بشــكل معمــق ودون إمالء‬
‫مــن أحــد ‪ .‬إهنــا خطــوة تعــد مــن أهــم اخلطــوات يف بدايــة العمــل‬
‫اإلداري‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫اإللقاء واخلطابة يف عامل القيادة‬

‫اإللقاء واخلطابة في عالم القيادة‬

‫يف قصــة خلدهــا التاريــخ عندمــا فــر نابليــون بونابــارت مــن‬


‫منفــاه األول يف جزيــرة ( ألبــا ) متجهــا إىل فرنســا يف حماولــة جنونيــة‬
‫إلعــادة إمرباطوريتــه التــي هزمتهــا قــوات التحالــف وجعلــت‬
‫عــى فرنســا ملــك ًا مأجــور ًا وامللقــب بلويــس الســادس عــر ‪..‬‬
‫وبعــد أن وضــع نابليــون أقدامــه عــى تــراب فرنســا واســتطاع‬
‫املــرور عــر الطــرق والقــرى التــي يأمــن جانبهــا وجــد نفســه‬
‫وجمموعــة صغــرة مرهقــة مــن اجلنــود املخلصــن لــه يف مواجهــة‬
‫كتيبــة مدججــة بالســاح أرســلها لويــس الســادس عــر آنــذاك‬
‫للقبــض عليــه ‪ ..‬حينهــا ويف تلــك اللحظــة الفارقــة واحلاســمة‬
‫وقــف نابليــون أمــام بنــادق جنــود امللــك‪ ،‬وتقــدم بخطــوات واثقــة‬
‫‪ ،‬ومل يكــن لــه مــن ســاح وحيــد جتــاه القــوة العســكرية التــي أمامه‬
‫غــر الكلمــة ‪ ..‬فــك أزرار قميصــه وعــرض صــدره أمــام حــراب‬
‫البنــادق وألقــى عبــارات معــدودة وهــو يــرخ (( تأملــوين جيدا ‪..‬‬
‫أنــا إمرباطوركــم احلقيقــي ‪ ..‬نابليــون بونابــارت ‪ ..‬هــل حتبــون أن‬
‫توجهــوا رصاصاتكــم إلمرباطوركــم الــذي خــاض معكامحلــروب‬
‫يف أقــى األرض وأدناهــا ‪ ..‬الأذكــر أن جنــود فرنســا البواســل‬
‫واملخلصــن الذيــن امتــدوا حتــت قيــاديت إىل مــر وموســكو‬
‫وحطمــوا الكربيــاء األورويب والــرويس ‪ ..‬ال أتذكــر أبــدا أهنــم‬
‫يوجهــون بنادقهــم جلنراالهتــم ))‬

‫‪74‬‬
‫اإللقاء واخلطابة يف عامل القيادة‬
‫بعــد أن أهنــى كلامتــه التــي نزلــت كالصاعقــة عــى اجلنــود ألقــوا‬
‫مجيع ـ ًا أمامــه بنادقهــم‪ ،‬ومحلــوه عــى أكتافهــم وراحــوا يرصخــون‬
‫عــاش االمرباطــور ‪ ..‬وعــاد نابليــون إىل العاصمــة باريــس متوج ـ ًا‬
‫بدعــم اجليــش كام ـ ً‬
‫ا وفــر لويــس الســادس عــر دون أن تطلــق‬
‫طلقــة واحــدة !!!‬
‫* الكلمــة املؤثــرة ســاح القائــد األول فــإذا فقــده فقــد أهــم‬
‫وأعظــم وأخطــر أدواتــه القياديــة ‪.‬‬
‫* األتبــاع أكثــر مــا ينتظرونــه مــن القــادة هــو الكلــات‬
‫فــإن كانــت موحيــة وملهمــة وصادقــة ومؤثــرة اســتمر والئهــم‬
‫واحرتامهــم وإخالصهــم للقائــد‪ ،‬وإن كانــت موجعــة وقاســية‬
‫ومهينــة وال مباليــة حتولــوا إىل أتبــاع منافقــن وكذابــن ومزوريــن‬
‫أمــا إذا كانــوا أحــرار ًا وأصحــاب علــم وحكمــة فإنــه من املســتحيل‬
‫أن يبقــوا بجــوار قائــد يلذعهــم بالكلــات ويســل لســانه عليهــم‬
‫إذ رسعــان مــا ســينفضون مــن حولــه ويرتكونــه برفقــة املنافقــن‬
‫واملتزلفــن الذيــن يشــكلون أكــر نقــاط الضعــف ألي قائــد ‪.‬‬
‫* مــن أعظــم الوســائل التــي اســتخدمها قدوتنــا ورســولنا‬
‫ونبينــا العظيــم يف قيادتــه للدولــة اإلســامية احلديثــة باملدينــة كان‬
‫اخلطــاب القيــادي امللهــم واملؤثــر‪ ،‬و ال أظــن يف تاريــخ القــادة‬
‫مــن فجــر التاريــخ وحتــى اليــوم أروع وأعظــم وأشــد تأثــرا مــن‬
‫خطابــه لألنصــار حينــا غضبــوا يف غــزوة حنــن عــى توزيــع‬
‫الغنائــم لقبائــل العــرب وللمؤلفــة قلوهبــم ممــن دخلــوا اإلســام‬

‫‪75‬‬
‫اإللقاء واخلطابة يف عامل القيادة‬
‫حديثــا الذيــن مل يكــن هلــم بعــد ذلــك التأثــر أو التضحيــات كالتــي‬
‫قدمهــا األنصــار ‪ ..‬ومــا أن وقــف فيهــم رســول اهلل صــى اهلل عليــه‬
‫وســلم خطيبــا حتــى ألقــى عليهــم كلــات تســطر بمــداد مــن‬
‫الذهــب جعلتهــم حيتقــرون الغنائــم واملاديــات وتتعلــق قلوهبــم‬
‫باملكاســب األخرويــة التــي حققوهــا بالوقــوف مــع قائدهــم‬
‫ونبيهــم حممــد صــى اهلل عليــه وســلم ‪ ..‬كان ممــا قــال عليــه الصــاة‬
‫والســام يف ذلــك املوقــف العظيــم ‪:‬‬
‫((يــا معــر األنصــار ‪ :‬أمــا واهلل لــو شــئتم لقلتــم فلصدقتــم و‬
‫لصدقتــم ‪ ،‬أتيتنــا مكذبــا فصدقنــاك ‪ ،‬وخمــذوال فنرصنــاك ‪ ،‬وطريــدا‬
‫فأوينــاك ‪ ،‬وعائــا فآســيناك ‪ ،‬أوجدتــم يامعــر األنصــار يف‬
‫أنفســكم يف لعاعــة مــن الدنيــا تألفــت هبــا قومــا ليســلموا ووكلتكم‬
‫إىل إســامكم ‪ ،‬أال ترضــون يامعــر األنصــار أن يذهــب النــاس‬
‫بالشــاة والبعــر وترجعــوا برســول اهلل إىل رحالكــم ؟ فوالــذي نفس‬
‫حممــد بيــده لــوال اهلجــرة لكنــت امــر ًأ مــن األنصــار ‪ ،‬ولــو ســلك‬
‫النــاس شــعبا وســلكت األنصــار شــعبا لســلكت شــعب األنصــار ‪،‬‬
‫اللهــم ارحــم األنصــار وأبنــاء األنصــار وأبنــاء أبنــاء األنصــار‪.)) ..‬‬
‫* قمــة االحــرام والتقديــر والتحفيــز لألتبــاع حينــا خاطبهــم‬
‫هــذا النبــي العظيــم الكريــم وأخربهــم بأنــه ســيتبعهم ويمــي‬
‫ورائهــم أينــا ذهبــوا بينــا هــو النبــي الــذي جيــب عــى اخلالئــق‬
‫كلهــم أن يتبعــوه !‬

‫‪76‬‬
‫اإللقاء واخلطابة يف عامل القيادة‬
‫* الكلمــة املدروســة واخلطــاب املعــد إعــدادا جيــدا ومؤثــرا‬
‫يســتطيع أن يغــر قناعــات واجتاهــات حتتــاج إىل زمــن طويــل‬
‫لتغيريهــا ‪ ..‬بينــا الكلمــة احلمقــاء واخلطــاب التقليــدي البليــد‬
‫يكــرس الفرقــة ويعمــق الفجــوة بــن القائــد وأتباعــه ‪.‬‬
‫* اســتطاع الزعيــم األملــاين الفــايش « هتلــر « أن يؤثر يف الشــعب‬
‫األملــاين تأثــر ًا بالغـ ًا مــن خــال خطبــه الطويلــة وإلقائــه العبقــري‬
‫الــذي ســحر عقوهلــم وجعلهــم يؤمنــون بأنــه خملصهــم وقائدهــم‬
‫لزعامــة البرشيــة ‪ .‬فبالرغــم مــن أفــكاره العنرصيــة واإلجراميــة ‪،‬‬
‫ورغبتــه التوســعية وحكمــه املســتبد الشــمويل الــذي جيعــل النفــور‬
‫منــه أقــرب عــن الــوالء لــه ‪ ،‬مــع ذلــك فقــد كانــت قدرتــه اخلطابية‬
‫ا حاســ ًا يف تأييــد الشــعب األملــاين‪ .‬ومثــل‬
‫وإلقائــه املؤثــر عامــ ً‬
‫هــذه احلالــة تظهــر لنــا مــؤرش ًا واضحــ ًا خلطــورة تأثــر اإللقــاء‬
‫واخلطابــة والكلــات يف عــامل القيــادة ‪ ،‬ولنتذكــر عبــارة صغــرة‬
‫كان يقوهلــا هتلــر بعينيــه الالمعتــن بينــا يــرب بيــده عــى صــدر‬
‫فتــى مراهــق مــن جمنديــه وهــو يقــول «يــا ليــت جلنــرااليت قلوبــا‬
‫كشــجاعة قلبــك»‬
‫* يف املنظــات واملؤسســات والقطاعــات اإلداريــة األتباع ليســوا‬
‫يف حاجــة إىل قائــد كل مــا تقــدم فيهــم قــام يذكرهــم باألنظمــة‬
‫واللوائــح والواجبــات واألعــال التــي يفــرض أن يقومــوا هبــا‬
‫‪ ..‬إهنــم بحاجــه ملــن يذكرهــم بإنســانيتهم ‪ ،‬بقدراهتــم املكبوتــة ‪..‬‬
‫بحاحــة ملــن يالمــس اجلانــب املــيء واجليــد يف دواخلهــم بحاجــة‬

‫‪77‬‬
‫اإللقاء واخلطابة يف عامل القيادة‬
‫للكلمــة التــي ختــرج عقوهلــم وأفكارهــم مــن الروتــن والضجــر‬
‫والعجــز أحيانــا ‪.‬‬
‫* الكلمــة القياديــة دورهــا احلقيقــي يكــون بإقنــاع األتبــاع بــأن‬
‫مــا يعتقــدون أنــه مســتحيل إنــا هــو ممكــن ومتــاح وأهنــم أفضــل‬
‫مــن يســتطيعون حتويــل املســتحيل إىل ممكــن ‪.‬‬
‫* إن أســوأ تــرف يمكــن أن يقــوم بــه قائــد ‪ ،‬أن يتقــدم ملنــر‬
‫خياطــب فيــه أتباعــه دون أن يكــون مســتعد ًا اســتعداد ًا تامــ ًا ملــا‬
‫ســوف يقولــه ‪ ،‬ودون أن يكــون قــد درس خطابــه و أعــده إعــداد ًا‬
‫ا ‪ .‬وكثــر ًا مــا نــرى هتاونــ ًا عنــد قيــادات كبــرة يف هــذا‬
‫متكامــ ً‬
‫اخلصــوص وكأهنــم ال يقــرأون التاريــخ‪ ،‬وال يدركــون أمهيــة هــذه‬
‫املهــارة يف جمــال القيــادة ‪.‬‬
‫* هــذا عــى األقــل يقتــي مــن كل قائــد أن يكــون لديــه بنــك‬
‫ثــري مــن اخلطابــات اجلاهــزة يف ذاكرتــه ألي مناســبة أو حــدث‬
‫متوقــع مواجهتــه ‪ .‬وأن يصنــع مهارتــه اخلطابيــة بشــكل دائــم‬
‫ومســتمر وأن تتطــور لديــه مــن ســنة ألخــرى ‪ .‬وهــذه مــن رضائب‬
‫القيــادة التــي ال مفــر منهــا ‪.‬‬
‫* للكلمــة وقــع وأثــر كبــر يف عــامل األعــال بــل يف عــامل احليــاة‬
‫بشــكل عــام ‪ ،‬ولنتذكــر قولــه عــز وجــل (( أمل تــر كيــف رضب اهلل‬
‫مثــا كلمــة طيبــة كشــجرة طيبــة أصلهــا ثابــت وفرعهــا يف الســاء‬
‫)) وقولــه عــز وجــل (( ومثــل كلمــة خبيثــة كشــجرة خبيثــة اجتثت‬
‫مــن فــوق األرض ماهلــا مــن قــرار ))‬

‫‪78‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬

‫القيادة في ظل التغيير التكيفي‬

‫ختتلــف القيــادة عــن اإلدارة ‪ ،‬لكــن ليــس لألســباب التــي‬


‫يعتقدهــا معظــم النــاس ‪ ،‬فالقيــادة ليســت ضبابيــة أو غامضــة وال‬
‫عالقــة هلــا باجلاذبيــة أو أي صفــة مــن صفــات الشــخصية الســاحرة‬
‫( كوتــر ‪ 2012 ،‬م) ‪.‬‬
‫مــا جتــدر اإلشــارة إليــه أن القيــادة ليســت بالــرورة أفضــل‬
‫مــن اإلدارة أو بديـ ً‬
‫ا عنهــا ‪ .‬القيــادة واإلدارة نظامــا عمــل خمتلفــان‬
‫ومتكامــان لــكل واحــد منهــا وظيفتــه وأنشــطته املميــزة ‪ .‬وكلتامها‬
‫رضوريــان للنجــاح يف بيئــة العمــل الشــديدة التعقيــد والتقلــب ‪.‬‬
‫لكــن القيــادة تتطلــع دائـ ًا إىل التغيــر‪ ،‬بحكــم أن القــادة لدهيــم‬
‫طموحــات تفــوق العمــل بمجــرد تســيري الواقــع الراهــن ‪ ،‬بــل‬
‫يف العــادة يصــل األمــر أن القــادة ال يرضيهــم الواقــع الراهــن ‪،‬‬
‫ويــروون رضورة التغيــر مــن أجــل الوصــول للــرؤى والتطلعــات‬
‫التــي يطمحــون أن حتققهــا املؤسســة التــي يقودوهنــا ‪ .‬ومــن جهــة‬
‫أخــرى تواجــه املؤسســات والــركات هــذه األيــام حتديــات‬
‫التكيــف فاملتغــرات يف املجتمعــات واألســواق والعمالء واملنافســة‬
‫واألزمــات العامليــة وكذلــك التكنولوجيــا التــي جتتــاح العــامل جتــر‬
‫املؤسســات عــى توضيــح قيمهــا ووضــع اســراتيجيات جديــدة‪.‬‬
‫وتعلــم طــرق تشــغيل جديــدة‪ .‬لكــن أصعــب مهمــة يواجههــا‬
‫القــادة عــادة إلحــداث التغيــر هــي حشــد العاملــن يف عمــوم‬

‫‪79‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫املؤسسة وراء عملية التكيف‪.‬‬
‫لــذا مــن املهم تعبئــة الرشكــة أو املؤسســة لتكييــف إجراءاهتا كي‬
‫تنجــح يف بيئــة عمــل جديــدة وإال فــإن التعثــر ســيكون هــو املصــر‬
‫‪ .‬ويف احلقيقــة إن جعــل املوظفــن يعملــون بالتــزام ويتكيفــون مــع‬
‫التغيــر يعــد ميــزة تنافســية يف عــامل القيــادة واملؤسســات ‪ .‬ولذلــك‬
‫يواجــه القــادة صعوبــة يف إحــداث التغيــر والعمــل التكيفــي وذلك‬
‫يرجــع لســببني ( هيفتــز ‪ 2012 ،‬م)‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أنــه جيــب عليهــم مــن أجــل إحــداث التغيــر أن يبــدؤوا‬
‫بأنفســهم ويتخلــوا عــن أنــاط الســلوك القديمــة ‪.‬‬
‫الثــاين ‪ :‬أن التغيــر التكيفــي مقلق ـ ًا لألفــراد الذيــن يتعرضــون‬
‫لــه ‪ ،‬ألنــه يتطلــب منهــم القيــام بــأدوار وبنــاء عالقــات وممارســة‬
‫قيــم وســلوكات وطــرق عمــل جديــدة وهــذا مــا جيعــل كثــر ًا مــن‬
‫املوظفــن يــرددون يف بــذل اجلهــود والتضحيــات املطلوبــة منهــم‪.‬‬
‫وهنــا يطــرح ( الوري ‪2012،‬م) ســتة مبــادئ لقيــادة عمليــة‬
‫التغيــر‪:‬‬
‫‪ -1‬الصعود عىل الرشفة‪:‬‬
‫هيــدف هــذا األســلوب إىل متكــن القائــد مــن امتــاك رؤيــة‬
‫بانوراميــه واســعة للتغيــر‪ ،‬وعــدم االنجــراف يف خضــم التطــورات‬
‫وأن عــى القــادة أن جيــدوا ســياق ًا للتغيــر أو يوجــدوه‪ .‬وجيــب‬
‫عليهــم أيضــ ًا أن يمنحــوا املوظفــن فهــ ًا قويــ ًا لتاريــخ املــروع‬
‫أو الرؤيــة اجلديــدة‪ .‬واجلوانــب املضيئــة فيــه‪ ،‬وكذلــك التغــرات‬

‫‪80‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫التنافســية احلاليــة‪ ،‬وكذلــك املســؤولية التــي عــى املوظفــن أن‬
‫يتحملوهــا لرســم املســتقبل‪ ،‬وعليهــم أيضــ ًا أن يكونــوا قادريــن‬
‫عــى حتديــد النزاعــات املتعلقــة بالقيــم والصالحيــات وأنــاط‬
‫العمــل‪ ،‬ومراقبــة ردود الفعــل املثبطــة للتغيــر أو املســاندة لــه‪.‬‬
‫قــد يصبــح القائــد أســر ًا للنظــام بــكل ســهولة إذا مل يكن قــادر ًا‬
‫عــى التحــرك بــن ميــدان العمــل واملراقبــة‪ ،‬والتأمــل مــن يــوم‬
‫آلخــر‪ ،‬ومــن حلظــة ألخــرى يف الطــرق الكثــرة التــي يمكــن فيهــا‬
‫لعــادات املؤسســة أن تفشــل عمليــة التغيــر‪ ،‬ولــن يســتطيع القائــد‬
‫متابعــة التوجهــات املعقــدة لعميــة التغيــر ناهيــك عــن التأثــر فيهــا‬
‫إذا مــا ظــل يف امليــدان فقــط‪ .‬فهنــاك قــادة كثــر اســتطاعوا أن يقضوا‬
‫معظــم وقتهــم الثمــن يف الرشفــة وهــم يوجهــون مؤسســاهتم نحــو‬
‫التغيــر‪ ،‬ومــن دون ذلــك املنظــور ربــا ســيعجزون عــن حشــد‬
‫النــاس لتقبــل علميــة التغيــر‪.‬‬
‫‪ -2‬معرفة حتدي التكيف‪:‬‬
‫إن أي رشكــة أو مؤسســة يتشــبث فيها موظفوهــا بالعماللفردي‬
‫بمعــزل عــن اآلخريــن‪ ،‬ويعملــون عــى إرضــاء رؤســائهم أكثــر‬
‫مــن حرصهــم عــى إرضــاء العمــاء واملســتفيدين ال يمكــن أن‬
‫حتقــق النجــاح الــذي تصبــوا إليــه‪.‬‬
‫ويتطلــب التعــرف عــى حتديــات التكيــف لــدى املوظفــن‬
‫البحــث يف ثالثــة أمــكان يف املؤسســة‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫‪ -‬االســتامع إىل أفــكار النــاس ومهومهــم داخــل العمــل‬
‫وخارجــه‪ ،‬مــن خــال توجيــه األســئلة التاليــة (أي القيــم‬
‫واملعتقــدات واالجتاهــات أو الســلوكات التــي يتعــن تغيريهــا مــن‬
‫أجــل إحــراز التقــدم؟ ومــا التغيــرات الرضوريــة يف األولويــات‬
‫واملصــادر والســلطات؟ ومــا التضحيــات املطلوبــة؟ ومــن الــذي‬
‫ســيتحملها؟‬
‫‪ -‬النظــر إىل النزاعــات بصفتهــا إشــارات‪ ،‬أي أعــراض‬
‫حتديــات التغيــر‪ .‬وتشــخيص الرصاعــات احلقيقــة تشــخيص ًا دقيق ًا‪.‬‬
‫كالتــي تتعلــق بالقضايــا الفنيــة البحتــة‪ ،‬مــن مثــل اإلجــراءات‪،‬‬
‫واجلــداول الزمنيــة‪ ،‬وهرميــة الســلطة‪ ،‬والصالحيــات‪ .‬وعــادة‬
‫مــا يكــون منبــع هــذه الرصاعــات عائــد خلالفــات تتعلــق بالقيــم‬
‫والعــادات‪.‬‬
‫‪ -‬تقييــم فريــق العمــل التنفيــذي باعتبــاره قــد يكــون جتســيد ًا‬
‫لتحــدي التغيــر‪ ،‬والبــدء مــن خاللــه لتمثيــل أفضــل العــادات‬
‫والقيــم واالعــراف بأخطــاء الفريــق ومعاجلتهــا‪ .‬وهــذا حيــدده‬
‫التعــرف عــى حتــدي التغيــر بشــكل دقيــق وواضــح ممــا يوحــد‬
‫اجلهــود إلزالــة العقبــات‪.‬‬
‫‪ -3‬السيطرة عىل القلق‪:‬‬
‫عمليــة التغيــر تولــد القلــق والتوتــر‪ ،‬لــذا يتعــن عــى القائــد‬
‫قبــل أن يتعامــل املوظفــون مــع التحديــات التــي ال توجــد هلــا‬
‫حلــول جاهــزة‪ .‬إدراك أن النــاس يمكنهــم التعلــم برسعــة إذا تــم‬

‫‪82‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫التوضيــح هلــم الطريقــة التــي يعملــون هبــا مســبق ًا‪ .‬ويف الوقــت‬
‫نفســه عليهــم أن يشــعروا بــرورة التغيــر عندمــا يفــرض الواقــع‬
‫حقائــق جديــدة‪ ،‬وأنــه ال يمكنهــم أن يتعلمــوا إذا كانــوا مربكــن أو‬
‫مرهقــن‪ .‬لكــن إزالــة القلــق كلي ـ ًا تقــي عــى احلافــز لالنخــراط‬
‫يف عمليــة التغيــر‪ .‬وبالتــايل عــى القائــد املحافظــة عــى التــوازن‬
‫الدقيــق بــن شــعور النــاس باحلاجــة إىل التغيــر وشــعورهم بضغــط‬
‫التغيــر‪ .‬وإلبقــاء درجــة معينــة مــن التوتــر ال بــد عــى القائــد‬
‫األخــذ باحلســبان ثــاث مهــام رئيســية وهــي‪:‬‬
‫‪ -‬عــى القائــد إجيــاد مــا يمكــن أن نســميه البيئــة الضابطــة أو‬
‫املنظمــة‪ ،‬حيــث يكــون هنــاك مقــدار متــوازن مــن حجــم وضغــط‬
‫التغيــر ومقــدار االنخفــاض يف مســتوى التوتــر والقلــق‪ .‬فهنــاك‬
‫متنفــس دائــا بــن مرحلــة وأخــرى مــن إحــداث التغيــر‪ .‬حيــث‬
‫يوجــد القائــد الظــروف للمجموعــات املختلفــة لتتحــدث فيــا‬
‫بينهــا‪ ،‬وتناقــش املشــكالت‪ ،‬وتوضــح االفرتاضــات اخلاصــة‬
‫بالقيــم ووجهــات النظــر املتعارضــة‪ .‬ويمكــن مــع الوقــت طــرح‬
‫مزيــد مــن القضايــا حــن ظهورهــا‪ .‬ويتحقــق هــذا أيضــ ًا مــن‬
‫خــال الطــرح املنظــم للمبــادرات دون إيقــاف األنشــطة األخــرى‬
‫بشــكل مفاجــئ دون نقــاش وحــوار ألعضــاء الفريــق‪.‬‬
‫‪ -‬القائــد مســؤول عــن التوجيــه واإلرشــاد‪ ،‬واحلاميــة‪ ،‬وإدارة‬
‫النزاعــات‪ .‬فيوفــر التوجيــه مــن خــال حتديــد حتــدي التغيــر‬
‫واملشــكالت الرئيســية‪ ،‬وهــو حيمــي العاملــن فيــا يتعلــق بــاألدوار‬

‫‪83‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫واملســؤوليات اجلديــدة عــن طريــق توضيــح احلقائــق والقيــم‬
‫الرئيســة‪ .‬ويســاعد أيضـ ًا عــى كشــف النزاعــات‪ ،‬ألنــه يعدهــا أداة‬
‫لإلبــداع والتعلــم‪ .‬وأخــر ًا فإنــه يعمــل عــى املحافظــة عــى املعايــر‬
‫التــي تتحــدى الذيــن حيتاجــون إىل التغيــر‪.‬‬
‫‪ -4‬املحافظة عىل االنتباه املنظم‪:‬‬
‫إن إحــدى املهــام املثــرة للقيــادة هــي جعــل أعضــاء الفريــق‬
‫التنفيــذي يســتمعون إىل بعضهــم‪ ،‬ويتعلمــون مــن بعضهــم‪ ،‬فالناس‬
‫يســتطيعون يف أثنــاء نــدوة حواريــة‪ ،‬االهتــداء إىل احللــول اجلامعيــة‬
‫عندمــا يفهــم كل واحــد منهــم وجهــة نظــر الشــخص اآلخــر‪ .‬لــذا‬
‫فــإن مهمــة القائــد هــي إظهــار اخلــاف إىل العلــن‪ ،‬واختــاذه مصدر ًا‬
‫لإلبــداع‪ .‬فعــى القائــد أن يقــاوم املشــتتات التــي متنــع العاملــن مــن‬
‫التعامــل مــع قضايــا التغيــر‪ .‬فمــن املتوقــع عندمــا تقــدم أي رشكــة‬
‫عــى عمليــة تغيــر أن تشــهد ســلوكات التملــص‪ ،‬وإلقــاء اللــوم‬
‫عــى اآلخريــن‪ ،‬واإلنــكار‪ ،‬والرتكيــز عــى القضايــا الفنيــة اليوميــة‬
‫فقــط‪ .‬ومهامجــة األفــراد بــدالً مــن إبــداء وجهــات النظــر التــي‬
‫حيملوهنــا‪ ،‬وهــذه كلهــا صــور مــن جتنــب العمــل؛ لــذا جيــب حتديــد‬
‫املشــتتات عنــد حدوثهــا‪ ،‬حتــى يســتعيد املوظفــون تركيزهــم‪.‬‬
‫عندمــا حيــل اخلــاف العقيــم مــكان احلــوار‪ ،‬عــى القائــد‬
‫أن يتدخــل ليعيــد الفريــق ترتيــب القضايــا‪ .‬وأن يعمــق احلــوار‬
‫باألســئلة‪ .‬ويفــكك القضايــا إىل أجــزاء‪ ،‬بــدالً مــن جعــل النزاععائ ًام‬
‫وســطحي ًا‪ .‬وعندمــا يشــغل املوظفــون أنفســهم بإلقــاء اللــوم‬

‫‪84‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫عــى قــوى خارجيــة‪ ،‬أو عــى اإلدارة العليــا‪ ،‬أو ضغــط العمــل‬
‫الزائــد فعــى القائــد أن يشــحذ حــس الفريــق باملســؤولية لتوفــر‬
‫الوقــت لغايــات التغيــر‪ .‬وعندمــا يلجــأ األفــراد وأعضــاء الفريــق‬
‫إىل محايــة أنفســهم ومصاحلهــم‪ ،‬فعــى القــادة أن يشــددوا عــى‬
‫رضورة التعــاون‪ ،‬وعــى املوظفــن أن يكتشــفوا قيمــة التشــاور فيــا‬
‫بينهــم واســتعانة أحدمهــا باآلخــر بوصفــه مصــدر ًا يف عمليــة حــل‬
‫املشــكالت‪.‬‬
‫‪ -5‬إعادة املسؤولية إىل املوظفني‪:‬‬
‫ينتظــر املوظفــون مــن القيــادة العليــا ‪ -‬يف أحيــان كثــرة ‪ -‬أن‬
‫تســتجيب لتحديــات وعقبــات التغيــر‪ ،‬واحلقيقــة إن التوتــر والقلق‬
‫املرافقــن لعمليــة التغيــر جيعــان هــذه االتكاليــة أكثــر ســوء ًا‪ ،‬ألن‬
‫املوظفــن يميلــون إىل أن يكونــوا ســلبيني‪ .‬وهــذا مــا جيعــل كبــار‬
‫القــادة واملديريــن الذيــن يتفاخــرون بقدرهتــم عــى حــل املشــكالت‬
‫يتخــذون قــرارات حاســمة‪ .‬إن مثــل هــذا الســلوك كفيــل باســتعادة‬
‫التــوازن عــى املــدى القصــر‪ ،‬لكنــه يف النهايــة يــؤدي إىل الالمباالة‪،‬‬
‫وســلوكات جتنــب العمــل التــي حتمــي املوظفــن مــن املســاءلة‬
‫واملعانــاة واحلاجــة إىل التغيــر‪.‬‬
‫إن جعــل املوظفــن يتحملــون مســؤولية أكــر عمليــة صعبــة‪.‬‬
‫ألن األمــر ال يتعلــق فقــط بوجــود كثــر مــن املوظفــن مــن‬
‫املســتويات الدنيــا الذيــن ال جيــدون مشــكلة يف أن يكونــوا متلقــن‬
‫تعليــات العمــل‪ .‬ولكنــه يتعلــق بوجــود قــادة مــن الذيــن اعتــادوا‬

‫‪85‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫معاملــة املوظفــن بصفتهــم آلــة حتتــاج إىل ضبــط‪ .‬لــذا فــإن جعــل‬
‫املوظفــن يبــادرون إىل حتديــد املشــكالت وحلهــا‪ ،‬يعنــي أن اإلدارة‬
‫يف حاجــة إىل تعلــم كيــف تدعــم بــدالً مــن الضبــط والســيطرة‪،‬‬
‫وحيتــاج املوظفــون بدورهــم إىل تعلــم محــل املســؤولية‪.‬‬
‫يضــاف إىل هــذا‪ ،‬أن عــى القائــد تشــجيع املوظفــن مجيعـ ًا عــى‬
‫الثقــة بالنفــس‪ ،‬الثقــة بالنفــس ال تولــد مــع النــاس‪ ،‬فحتــى أكثــر‬
‫النــاس ثقــة بأنفســهم يمكــن أن ينهزمــوا‪ ،‬فالثقــة بالنفــس تــأيت مــن‬
‫النجــاح واخلــرة وبيئــة العمــل‪ .‬وعليــه فــإن أهــم دور للقائــد هــو‬
‫غــرس الثقــة يف نفــوس العاملــن معــه‪ .‬الذيــن عليهــم أن يمتلكــوا‬
‫الشــجاعة لإلقــدام عــى املغامــرة وحتمــل املســؤولية‪ ،‬ولذلــك مــن‬
‫املهــم الوقــوف إىل جانبهــم عندمــا يقعــون يف األخطــاء‪.‬‬
‫‪ -6‬محاية األصوات القيادية اآلتية من األسفل‪:‬‬
‫يعــد االســتامع إىل األصــوات واآلراء مجيعهــا هو األســاس ألي‬
‫منظمــة مســتعدة للتجريــب والتعلــم‪ ،‬لكــن الواقــع يشــر إىل اعتيــاد‬
‫الســلطة إســكات املعارضــن واملبدعــن واآلراء التــي تكشــف‬
‫تناقضــات املؤسســة وعيوهبــا إىل العلــن ‪ .‬فهــؤالء يوجــدون حالــة‬
‫مــن عــدم التــوازن‪ ،‬وال جتــد املؤسســة أمامهــا إال الطريقــة الســهلة‬
‫الســتعادة التــوازن‪ ،‬وهــي حتييــد هــذه األصــوات حتــت شــعار‬
‫العمــل اجلامعــي وحشــد اجلهــود‪.‬‬
‫واملالحــظ أيض ـ ًا أنــه مــامل يتــم تشــجيع اآلراء اآلتيــة مــن فــرق‬
‫التنفيــذ وإثارهتــم وجداني ـ ًا ليدلــوا بأفكارهــم ومالحظاهتــم ‪ ،‬وإال‬

‫‪86‬‬
‫القيادة يف ظل التغري التكيفي‬
‫فــإن مثــل هــذه األصــوات لــن تكــون واضحــة أو ســتحجم متام ـ ًا‬
‫عــن أي مشــاركة ‪ ،‬وتعــد هــذه خســارة ملعلومــات قيمــة جــد ًا مــن‬
‫أشــخاص يواجهــون دوامــة العمــل اليومــي ويف خــط التــاس مــع‬
‫اخلدمــات التــي تســتهدفها املؤسســة ‪ ,‬ولذلــك نــرى أن عــى القــادة‬
‫أن يعتمــدوا عــى اآلخريــن مــن داخــل املؤسســة إلثــارة قضايــا‬
‫قــد تشــر إىل بــوادر تغيــر حمتمــل ‪ ،‬وعليهــم أن يوفــروا التشــجيع‬
‫واحلاميــة لألفــراد الذيــن يشــاركون بمالحظاهتــم ‪ ،‬فغالبـ ًا مــا تكون‬
‫وجهــة نظــر هــؤالء األفــراد مــن النــوع الــذي يثــر إعــادة التفكــر‬
‫‪ ،‬وهــذه قــدرة ال يملكهــا مــن هــم يف الســلطة ‪ .‬لــذا عــى مــن هــم‬
‫يف اإلدارة العليــا أن يتبعــوا هــذه القاعــدة‪ ،‬وهــي مقاومــة أي رغبــة‬
‫لقمــع الــرأي اآلخــر‪ ،‬وعليهــم أن يصعــدوا إىل الرشفــة‪ ،‬ويكبتــوا‬
‫اندفاعهــم‪ ،‬ويســألوا‪ :‬مــا الــذي يتحــدث عنــه هــذا الشــخص يف‬
‫واقــع األمــر؟ هــل هنــاك يشء نجهلــه؟‬
‫هــذه املبــادئ الســتة تســاهم يف تــوازن عمليــة التغيــر‪ ،‬وجتعــل‬
‫عمليــة القيــادة عمليــة مســتمرة تســتلهم نشــاطها مــن النمووالتعلم‬
‫املســتمر للمؤسســة مــن خــال أفرادهــا الذيــن يشــاركون يف‬
‫مســؤولية التغيــر‪ ،‬ويعملــون بجهــد منظــم ال ينتظــر احللــول مــن‬
‫القيــادة فحســب وإنــا يعمــل عــى املشــاركة يف صياغتهــا يف جــو‬
‫مدعــوم بالثقــة والتقبــل واالبتــكار‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مصائد القرارات‬

‫مصائد القرارات‬

‫إن جوهــر عمليــات اإلدارة تكمــن يف اختــاذ القــرارات ‪ ،‬وهــي‬


‫مــن أهــم الوظائــف التــي يامرســها أي قائــد أو مديــر‪ ،‬كــا أهنــا مــن‬
‫العمليــات املعقــدة التــي ال ختلــو مــن اخلطــورة‪ ،‬فالقــرارات الســيئة‬
‫يمكــن أن يكــون هلــا آثــار مدمــرة عــى املؤسســات والــركات‪،‬‬
‫وقــد تســبب أرضار ًا يصعــب التعامــل معهــا لفــرات طويلــة مــن‬
‫الزمــن‪ ،‬لذلــك اهتمــت الدراســات والبحــوث لســنوات طويلــة‬
‫لدراســة ســلوك اختــاذ القــرارات‪ ،‬وكيــف تتــم مثــل هــذه العمليات‬
‫يف الوعــي القيــادي واإلداري‪ ،‬وكيــف يمكــن حتســن ســلوك اختــاذ‬
‫القــرارات ألقــى درجــة ممكنــة ممــا حيمــي القيــادات وأصحــاب‬
‫القــرار مــن الوقــوع دون وعــي يف قــرارات تــر أعامهلــم ومصالــح‬
‫الــركات التــي يعملــون هبــا‪.‬‬
‫وقــد كتــب عــدد مــن الباحثــن يف جمــال اختــاذ القــرارات منهــم‬
‫( جــون هامونــد‪ ،‬ورالــف كينــي‪ ،‬وهــوارد رئيفــا ) وغريهــم كثــر‬
‫عــن املصائــد التــي حتصــل عنــد اختــاذ القــرارات‪ ،‬والتــي يقصــد‬
‫هبــا الطــرق غــر الســليمة التــي يتــم هبــا اختــاذ القــرارات مــن قبــل‬
‫أصحــاب القــرار دون وعــي أو إدراك كامــل للخطــأ الــذي وقعــوا‬
‫فيــه أثنــاء عمليــة اختــاذ القــرار‪ ،‬فهــي مصائــد قــد تعــرض حتــى‬
‫الطــرق العلميــة لصناعــة القــرار‪ .‬ويمكــن حتديــد أنواعهــا عــى‬
‫النحــو التــايل‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫‪ -‬مصيــدة املعلومــات األوليــة ‪ :‬إن املعلومــات األوىل عــن‬
‫املوضــوع حمــل اختــاذ القــرار أيــا كان شــكلها احصائيــات أو آراء‬
‫خــراء أو أخبــار عامــة أو تنبــؤات اقتصاديــة يمكــن أن تتخــذ حيــز ًا‬
‫قوي ـ ًا مــن الدفــع بصاحــب القــرار الختــاذ آراء مترسعــة ومــن ثــم‬
‫قــرارات خاطئــة‪ ،‬إن املعلومــات األوىل يمكــن أن يكــون هلــا تأثــر‬
‫غــر واعــي عــى صاحــب القــرار فيــا خيــص أي معلومــات أخــرى‬
‫تــأيت بعدهــا‪ ،‬إذ عــادة مــا تتــم املقارنــة دون إدراك مــع املعلومــات‬
‫األوىل ‪ ،‬لــو افرتضنــا أن قائــد ًا يرغــب بإبــرام صفقــة أو احلصــول‬
‫عــى مناقصــة للحصــول عــى مــروع مــا‪ ،‬إن املعلومــات األوليــة‬
‫التــي ســيتلقاها مــن املحاســبني أو املستشــارين أو مــن أســعار‬
‫الســوق ســتجعل حــدود القــرار الــذي ســوف يتخــذه جتــاه هــذه‬
‫الصفقــة مســتندا ملرجعيــة تلــك املعلومــات فلــو تــم تزويــده بــأن‬
‫املــروع بنــاء عــى املعلومــات األوليــة وأســعار الســوق تعــادل‬
‫ثالثــة ماليــن ريــال وتتحمــل الرشكــة الصيانــة بعقــد ســنوي‬
‫مئتــن ألــف ريــال‪ .‬إن هــذه األرقــام ستشــكل طــوق حصــار ألي‬
‫قــرار يمكــن أن يتخــذه القائــد فيــا بعــد إنــه ســيكون يف نطاقهــا‬
‫وربــا بغــر وعــي ينســى أن هنــاك طــرق أخــرى يمكــن صياغــة‬
‫القــرار هبــا بعيــد ًا عــن هــذه املعلومــات‪ ،‬يمكــن مثــا أن يتــم رشاء‬
‫املناقصــة بمبلــغ أعــى بكثــر وتتحمــل الرشكــة مســؤولية الصيانــة‬
‫دون عقــد ســنوي‪ ،‬لذلــك جيــب التنبــه قبــل اختــاذ القــرارات أال‬
‫يعتمــد فحســب عــى املعلومــات األوىل فقــط ولكــن يتــم مجــع‬

‫‪89‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫املعلومــات عــى مراحــل كافيــة مــن الوقــت وعرضهــا أيض ـ ًا عــى‬
‫فــرات كافيــة الختــاذ القــرار املناســب‪ .‬والنظــر إىل املشــكلة عــى‬
‫الــدوام مــن مجيــع جوانبهــا والتفكــر بنقــاط انطــاق بديلــة بــدالً‬
‫مــن التمســك بحــدود املعلومــات األوىل‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة الوضــع الراهــن‪ :‬يميــل أصحــاب القــرار دون‬
‫شــعور للقــرارات التــي مــن شــأهنا املحافظــة عــى الوضــع الراهن‪،‬‬
‫لكــن املحافظــة عــى الوضــع الراهــن قــد تكــون أحــد الترصفــات‬
‫الســيئة يف عــامل مــيء باملنافســة واملتغــرات املتســارعة‪ ،‬لذلــك جيــب‬
‫أن يتنبــه صانــع القــرار هــل هــو حتــت تأثــر الرغبــة يف املحافظــة‬
‫عــى الوضــع الراهــن؟ تظهــر هــذه احلالــة عــى ســبيل املثــال عندمــا‬
‫يعــرض ابتــكار جديــد أو عــرض منتــج جديــد للرشكــة قــد يتجــه‬
‫القــرار لرفــض الفكــرة باعتبارهــا قــد تســبب خلــل يف معطيــات‬
‫الوضــع الراهــن كــا يظهــر أحيانــا حينــا جيــد الرئيــس األعــى‬
‫نفســه بــن خياريــن يف توظيــف مديــر جديــد ألحــد األقســام‪ ،‬إذ قد‬
‫يفضــل املرشــح مــن داخــل القســم أكثــر مــن ترشــيحه للمرشــح‬
‫مــن خــارج الرشكــة وإن كان هــو األفضــل فيــا تبينــه بيانــات‬
‫التوظيــف واملقابــات الشــخصية‪ ،‬وذلــك العتقــاد ضمنــي غــر‬
‫واعــي بــأن املوظــف مــن داخــل الرشكــة يمكــن أن يكــون أكثــر‬
‫قــدرة عــى املحافظــة عــى الوضــع الراهــن‪ ،‬ولذلــك يكــون مــن‬
‫املهــم عــى صاحــب القــرار الرتكيــز دائ ـ ًا عــى األهــداف املنشــود‬
‫حتقيقهــا يف املؤسســة ‪ ،‬وجمــال اقتنــاص الفــرص الــذي تبحــث عنــه‬

‫‪90‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫املؤسســة بشــكل حمــدد‪ .‬واالعتقــاد بــأن الوضــع الراهــن ليــس‬
‫البديــل الوحيــد‪ ،‬وأن الوضــع الراهــن ليــس بالــرورة دائــا أن‬
‫يكــون الوضــع املثــايل‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة التربيــرات للقــرارات اخلاطئــة الســابقة‪ :‬حيــث‬
‫يســتمر صاحــب القــرار بتنفيــذ قــرارات عالجيــة ملــروع أو‬
‫برنامــج أو توظيــف كان مــن األفضــل اهنائهــا وحســب‪ ،‬ألهنــا‬
‫ببســاطة كانــت قــرارات ســابقة خاطئــة‪ ،‬مــا حيــدث أنــه مــن أجــل‬
‫عــدم االعــراف باألخطــاء الســابقة ومواجهتهــا بأهنــا قــرارات‬
‫خاطئــة يتــم املواصلــة يف اختــاذ القــرارات العالجيــة وحماولــة‬
‫إنقــاذ أمــر ال يمكــن إنقــاذه‪ .‬يظهــر ذلــك بوضــوح مثـ ً‬
‫ا حــن يتــم‬
‫اختــاذ القــرار حــول تســويق منتــج مــا‪ ،‬وألن الدراســات واخلطــط‬
‫أوضحــت آنــذاك أن هــذا املنتــج ســيحقق نقلــة نوعيــة يف األربــاح‪،‬‬
‫يتــم االســتمرار يف دعــم تســويق هــذا املنتــج اجلديــد رغــم إن كل‬
‫البيانــات تشــر إنــه مل حيقــق أي أربــاح وأنــه يســتمر يف إحــداث‬
‫اخلســائر‪ ،‬وتبــدأ حماولــة عــاج هــذا القــرار باالســتمرار يف وضــع‬
‫حلــول جلعــل هــذا املنتــج صامــد ًا أمــام حتديــات الســوق‪ ،‬ولكــن‬
‫يف احلقيقــة الفكــرة برمتهــا نابعــة مــن عــدم الرغبــة يف االقتنــاع‬
‫بأنلقــرار الســابق باختيــار املنتــج مــن البدايــة مل تكــون موفقــة‪،‬‬
‫واحلــل أن يــدرك القائــد إذا كان ســبب انزعاجــه مــن االعــراف‬
‫باخلطــأ يتعلــق باحرتامــه لذاتــه ومنظــره أمــام اآلخريــن‪ ،‬فــإن عليــه‬
‫أن يواجــه نفســه بقــوة وأن يتحــى بالشــجاعة لالعــراف باخلطــأ‬

‫‪91‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫فاألخطــاء حتــدث يف عــامل اإلدارة ولكــن جيــب وضــع احللــول‬
‫النهائيــة هلــا وليــس التهــرب منهــا بمحــاوالت غــر جمديــة إلثبــات‬
‫الــذات‪ ،‬ويمكــن للقائــد أن يعــرف هــذه النوعيــة مــن القــرارات‬
‫مــن خــال األســئلة املبــارشة ووجهــات النظــر الرصحيــة واملبــارشة‬
‫بالتعــرف عــى حمــاوالت معاجلــة األمــور التــي ال يمكــن معاجلتهــا‬
‫وبالتــايل التعامــل معهــا برصاحــة عــى أهنــا كانــت قــرارات خاطئــة‬
‫وجيــب إهنائهــا دون االســتمرار يف حمــاوالت املعاجلــة إذا كانــت‬
‫املعاجلــة مســتحيلة أو ليــس هلــا اجلــدوى واملــردود املناســب عــى‬
‫املؤسســة‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة تأكيــد الدليــل‪ :‬هــذه املصيــدة تظهــر عندمــا نكــون‬
‫أمــام قــرار لدينــا رأي مســبق حولــه إمــا باإلجيــاب أو الســلب‪.‬‬
‫ويف حــال واجهنــا أول دليــل يؤكــد رأينــا املســبق فإننــا نعتــر‬
‫ذلــك توكيــد ًا جيعلنــا نــرع يف اختــاذ القــرار املبنــي عــى الشــعور‬
‫املســبق‪ .‬فلــو كنــت قائــد ًا ترغــب يف زيــادة التوســع يف اخلدمــة التــي‬
‫تقدمهــا رشكتــك‪ ،‬يف داخــل نفســك جتــد فكــرة التوســع ستســاهم‬
‫يف زيــادة األربــاح‪ ،‬يف حــال طرحــت هــذا االقــراح يف اجتــاع‬
‫مديــري اإلدارات ورأيــت أحدهــم يؤيــد قــرارك فإنــك ســتندفع‬
‫دون شــعور نتيجــة هــذا التأكيــد إىل فكــرة التوســع يف الفــروع‪ ،‬قــد‬
‫جيعلــك هــذا التأكيــد ال تلتفــت لــآراء األخــرى التــي تــرى أن‬
‫زيــادة الفــروع قــد تســبب زيــادة يف التكاليــف ال يمكــن تغطيتهــا‬
‫باألربــاح اجلديــدة‪ ،‬وربــا لــن تســتوعب اآلراء التــي تقــول لــك‬

‫‪92‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫أنــه ليــس الوقــت املناســب للتوســع نتيجــة ظــروف معينــة يف‬
‫الســوق‪ .‬وحلاميــة القــرار مــن مثــل هــذه املصيــدة ينبغــي للقائــد‬
‫أال يتــرع عنــد ظهــور أول دليــل يوافــق حدســه ولكــن عليــه أن‬
‫يســتعني بوجهــات نظــر أخــرى ودائــا تكــون صناعــة القــرار وفــق‬
‫نمــوذج القــرار الذكــي الــذي ينبــع مــن دراســة مفصلــة ومتأنيــة‪.‬‬
‫بحيــث تكــون اآلراء التــي توافــق حدســه ختضــع لــذات املعايــر يف‬
‫صناعــة القــرار لتلــك التــي ختتلــف مــع حدســه‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة التأطــر‪ :‬أول مرحلــة يصنــع فيهــا القــرار هــي مــن‬
‫خــال الســؤال املطــروح للمشــكلة‪ ،‬طريقــة إطــار الســؤال واجتــاه‬
‫الســؤال هلــا تأثــر قــوي يف النهايــة عــى اختــاذ القــرار‪ .‬عــى القــادة‬
‫دائــ ًا أن يتأكــدوا مــن األســئلة التــي حتــدد املشــكلة مــدار اختــاذ‬
‫القــرار‪ ،‬فاألســئلة املؤطــرة تؤثــر عــى اختــاذ القــرار حــاول أن تعيــد‬
‫صياغــة الســؤال مــن عــدة أوجــه خمتلفــة لتــدرك خفايــاه ومعاملــه‪.‬‬
‫عــى ســبيل املثــال لــو ســئلت‪:‬‬
‫هــل متانــع كثــرا أن أقــود ســيارتك؟ هــل يمكننــي قيــادة‬
‫ســيارتك؟ الســؤاالن يســتهدفان قيــادة الســيارة ولكــن تــم تأطــر‬
‫الســؤال األول بطريقــة غــر الســؤال الثــاين ممــا قــد يغــر اجتــاه‬
‫القــرار لصاحــب الســيارة‪.‬‬
‫لذلــك مــن املهــم أن يفكــر القــادة جيــد ًا يف األســئلة التــي‬
‫يطرحوهنــا جلمــع املعلومــات‪ ،‬ويف األســئلة التــي حتــدد املشــكلة‬
‫حتديــد ًا دقيقــ ًا‪ ،‬ويف األســئلة التــي ال جتعــل املجيــب هلــا خيضــع‬

‫‪93‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫الجتاه معني يفرضه عليه السؤال املطروح‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة تفــادي االنتقــادات ووطــأة الــرأي العــام‪ :‬حيــث‬
‫يميــل صاحــب القــرار يف هــذه احلالــة إىل اختــاذ القــرارات التــي‬
‫ال تســبب انتقــادات مــن قبــل العمــاء أو أعضــاء جملــس اإلدارة‬
‫أو الــرأي العــام بشــكل عــام‪ ،‬بينــا يف احلقيقــة أحيان ـ ًا جيــب علينــا‬
‫اختــاذ قــرارات قــد تســبب انتقــادات شــديدة ولكنهــا هــي الســبيل‬
‫األســلم لتفــادي وضــع معــن‪ ،‬أو لتحقيــق قفــزة نوعيــة يف األرباح‪،‬‬
‫وهنــا حيتــاج صاحــب القــرار الشــجاعة الكافيــة لفهــم القــرارات‬
‫التــي يمكــن أن تســبب االنتقــادات وإثــارة الــرأي العام يف املؤسســة‬
‫أو لــدى املســتفيدين‪ ،‬ومــا مــدى حاجــة املؤسســة أو الرشكــة هلــا‪،‬‬
‫ودراســة كافــة اخليــارات بموضوعيــة شــديدة تقــود القائــد الختــاذ‬
‫القــرار الصحيــح دون اخلــوف ممــا قــد يســببه مــن ردات فعــل قويــة‬
‫للمتأثريــن منــه‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة اإلفــراط يف الثقــة‪ :‬مــع أن احلقيقــة تؤكــد أننــا‬
‫كأفــراد ال نجيــد كثــر ًا القيــام بالتقديــرات أو التوقعــات ألهنــا‬
‫تتطلــب جهــود ًا بحثيــة خلــراء وفــرق عمــل علميــة كبــرة‪ .‬مــع‬
‫ذلــك يميــل القــادة لألســف لإلفــراط بالثقــة يف بعــض التوقعــات‬
‫والوثــوق بآرائهــم بالقــدر الــذي يــؤدي إىل أخطــاء يف إصــدار‬
‫األحــكام ومــن ثــم قــرارات ســيئة‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة اإلفــراط يف احلــذر‪ :‬وتطهــر هــذه احلالــة عندمــا‬
‫نواجــه بقــرارات عاليــة اخلطــورة فإننــا نميــل لتعديــل تقديراتنــا‬

‫‪94‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫وتوقعاتنــا لنكــون يف اجلانــب اآلمــن‪ .‬القــرارات اخلطــرة تدفعنــا‬
‫دون وعــي ليــس لقــدر مــدروس مــن املغامــرة بــل إىل البحــث عــن‬
‫اجلانــب اآلمــن‪ ،‬فــإذا ارتفعــت الرضائــب مث ـاً‪ ،‬عــادة مــا يفكــر‬
‫أصحــاب القــرار بزيــادة األســعار وتقليــل التكاليــف‪ ،‬وخطــوة‬
‫مثــل هــذه قــد توحــي باختــاذ قــرار آمــن لكــن يف أحيــان كثــرة‬
‫يكــون رفــع األســعار وتقليــل التكاليــف ســبب يف نقــل املؤسســة‬
‫أو الرشكــة مــن حالــة املــرض إىل حالــة الوفــاة‪.‬‬
‫‪ -‬مصيــدة جتــارب املــايض‪ :‬إذا كنــا ال نغــايل يف الثقــة وال‬
‫نغــايل يف احلــذر فإننــا ال نــزال نقــع يف مصيــدة التوقعــات عندمــا‬
‫نعتمــد بصــورة متكــررة يف توقعاتنــا بشــأن املســتقبل عــى مــا نملكه‬
‫مــن جتــارب يف املــايض‪ .‬واحلقيقــة أن املســتقبل لــن يكــون يف ســياق‬
‫مماثــل لســياقات املــايض وبالتــايل قــد نقــع يف قــرارات خاطئــة‬
‫مبنيــة عــى أفــكار املــايض‪ .‬ليــس كل مــا جــرى يف املــايض يمكــن‬
‫أن يكــون صاحلــ ًا فيــا جيــري يف احلــارض وإن كانــت املالبســات‬
‫والوقائــع متشــاهبة إال إن هنــاك متغــرات كثــرة البــد وأهنــا‬
‫ختتلــف عــا مــى‪ ،‬ولذلــك املغــاالة مــن قبــل القائــد يف اختــاذ‬
‫قــرارات نتيجــة خــرات املــايض قــد تــؤدي إىل مشــكالت مل تكــن‬
‫باحلســبان‪ .‬وفيهــذه احلالــة ليــس مطلوبـ ًا مــن القائــد إنــكار خربتــه‬
‫بالكامــل إنــا عليــه أال يكــون عــى يقــن كامــل بــأن مــا صلــح يف‬
‫وقــت ســابق يمكــن أن يصلــح للوقــت احلــايل‪ ،‬إنــا عليــه دائــا‬
‫االبتــكار والبحــث عــن حلــول جديــدة‪ ،‬وتوقــع توقعــات جديــدة‬

‫‪95‬‬
‫مصائد القرارات‬
‫أيض ًا‪.‬‬
‫ويف حــاالت اإلفــراط يف الثقــة أو احلــذر أو جتــارب املــايض‬
‫يمكــن التنبــه هلــذه املصائــد مــن خــال البحــث يف قــرارك بــن‬
‫طــريف نقيــض مــن القيــم الدنيــا إىل القيــم العليــا‪ ،‬مــن التوقعــات‬
‫النــادرة إىل التوقعــات األكثــر احتــاالً‪ .‬وشــدد يف كل احلــاالت عــى‬
‫املعلومــات واملدخــات ألهنــا ســتكون وســيلتك القويــة الختــاذ‬
‫القــرار الســليم‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬

‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬

‫إن القــادة العظــاء ال يتميــزون بشــخصياهتم وفلســفاهتم بــل‬


‫بمنطــق فعلهــم ‪ ،‬كيــف يفــرون ســلوكاهتم وســلوكات غريهــم‬
‫وكيــف حيتفظــون بالســلطة أو حيمــون أنفســهم ومؤسســاهتم ضــد‬
‫األخطــار ؟ ومــع ذلــك فهنــاك عــدد قليــل نســبي ًا مــن القــادة ممــن‬
‫حياولــون فهــم منطــق فعلهــم‪ ،‬وهنــاك عــدد أقــل منهــم ممــن قــد‬
‫فكــروا يف إمكانيــة تغيــره ‪ .‬وقــد طــرح عاملــي اإلدارة ( ديفيــد‬
‫روكــي ‪ ،‬ووليــام توربــرت‪2012 ،‬م ) ‪ ،‬مســتويات مــن أنــاط‬
‫منطــق الفعــل للقــادة واملديريــن يف املؤسســات والــركات الربحية‬
‫وغــر الربحيــة ‪ ،‬ويقــوم هــذا التصنيــف عــى النمــط الــذي يغلــب‬
‫عــى ســلوك املديــر وفهمــه لطبيعــة العالقــات مــن حولــه ‪ ،‬بحيــث‬
‫ال يضفــي شــكل مــن أشــكال القوالــب لتلــك الشــخصيات‪،‬‬
‫بــل حيــدد نمــط املنطــق الــذي حيــر بشــكل غالــب عــى أفعالــه‬
‫ومنطلقــات تفكــره‪ ،‬وبــوادر ســلوكه جتــاه املؤسســة والعاملــن‬
‫معــه ‪ .‬ويتضــح مــن خــال اســتعراض تصنيــف األنــاط للقــادة‪،‬‬
‫أن مجيــع أســس ذلــك التصنيــف هلــا ارتبــاط وثيــق باالعتقــادات‬
‫التــي ينبــع منهــا الســلوك ‪ ،‬واالعتقــادات حتددهامعايــر قيميــة ‪،‬‬
‫إذن نحــن بالتأكيــد أمــام احتيــاج تدعمــه النظريــة والبحــث ملفهــوم‬
‫القيــادة بالقيــم ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫إن مفهــوم القيــادة بالقيــم قــد ورد يف صــورة عــدد مــن‬
‫املصطلحــات التــي تعــر عــن أهدافــه‪ ،‬إذ اســتخدم (ســينربغ‪،‬‬
‫‪1998‬م) مصطلــح (اإلدارة بالضمــر) هادفــ ًا إىل تقديــم خيــار‬
‫حديــث لتحقيــق النجاحــات طويلــة األمــد‪ ،‬مؤكــد ًا عــى أن دوام‬
‫اســتقرار النجــاح هــي صفــة ال تتكــون إال بــإدارة راســخة تعتمــد‬
‫عــى اســتحضار القيــم واعتامدهــا يف مجيــع العالقــات والتعامــات‪،‬‬
‫ثــم قــدم بعد ذلــك مايــكل أوكونــور وكينيــث بالنــكارد (‪2000‬م)‬
‫نظريــة اإلدارة بالقيــم باعتبارهــا اجتاهـ ًا إداريـ ًا حديث ًا ملنظــات القرن‬
‫الواحــد والعرشيــن‪ ،‬وهــي نظريــة تتعامــل مــع اجلانــب اإلنســاين يف‬
‫اإلدارة‪ ،‬وحتــاول تفهــم أثــر القيــم الفرديــة والعامــة يف املنظــات ‪،‬‬
‫ومــن تلــك النظريــات مــا قدمــه ك ً‬
‫ال مــن ونــدال وباجــر (‪2003‬م)‬
‫يف نظريــة القيــادة املعتمــدة عــى القيــم‪ ،‬ثــم أضافــت ســوزان‬
‫أطلــس (‪2002‬م) تســمية أخــرى وهــي القيــادة باســتخدام القيــم‪.‬‬
‫جــاءت بعــد ذلــك أطروحــة ســتيفن كــويف الشــهرية (‪2005‬م)‬
‫القيــادة املرتكــزة عــى املبــادئ واصفــا هبــا خصائــص القــادة الذيــن‬
‫ترتكــز قيادهتــم عــى املبــادئ والقيــم‪ ،‬حيــث ذكــر أن هــذا النــوع‬
‫مــن القيــادة جيعــل القــادة دائمــو التعلــم‪ ،‬ويتمتعــون باســتعداد‬
‫إلســداء اخلدمــات‪ ،‬كــا أهنــم مفعمــون بالطاقــات البنــاءة‪ ،‬وهــم‬
‫كذلــك يؤمنــون بجوهــر اآلخريــن اإلنســاين‪ ،‬وحييــون حيــاة متزنة‪،‬‬
‫ويعتــرون القيــم مرتكــز ًا مهــا يف عالقاهتــم مــع زمالئهــم يف‬
‫العمــل‪ .‬وقــد دعمــت نتائــج أبحــاث روكــي وتوربيــت (‪2012‬م)‬

‫‪98‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫بشــكل أو بآخــر مــا أفضــت إليــه مفاهيــم القيــادة بالقيــم‪ ،‬حيــث‬
‫خرجــت دراســتهام بتصنيــف أنــاط منطــق الفعــل القيــادي إىل‬
‫ســبعة مســتويات عــى النحــو اآليت ‪:‬‬
‫‪ -1‬القائد االنتهازي ‪:‬‬
‫يتصــف هــذا القائــد بالتشــكك واالرتيــاب والنرجســية‬
‫واملنــاورة‪ ،‬ويركــز عــى املكاســب الشــخصية وينظــر للعــامل‬
‫والنــاس بصفتهــم فرصـ ًا لالســتغالل‪ ،‬حيــث تتحــدد نظــرة القــادة‬
‫االنتهازيــن إىل العــامل اخلارجــي بمفهومهــم للســيطرة‪ ،‬وبعبــارة‬
‫أخــرى‪ ،‬تعتمــد ردة فعلهــم جتــاه حــدث مــا عــى اعتقادهــم أو عدم‬
‫اعتقادهــم أهنــم يســتطيعون التحكــم يف النتائــج‪ .‬إهنــم يعاملــون‬
‫النــاس اآلخريــن بوصفهــم أشــياء أو منافســن وحياولــون أيضـ ًا أن‬
‫كونــوا أنانيــن ‪ ،‬وهيتمــون بأنفســهم ‪.‬‬
‫ويرفضــون التغذيــة الراجعــة ويلقــون الفشــل عــى اآلخريــن‬
‫ويلومنهــم بقســوة ‪.‬‬
‫‪ -2‬القائد الدبلومايس ‪:‬‬
‫يفهــم الدبلومــايس العــامل مــن حولــه بطريقــة لطيفــة أكثــر‬
‫مــن طريقــة االنتهــازي ‪ ،‬لكــن يمكــن أن تكــون لطريقــة التفكــر‬
‫هــذه نتائــج ســلبية جــدا ً عندمــا يكــون القائــد يف املناصــب العليــا‬
‫للمؤسســة التــي ينتمــي هلــا ‪.‬‬
‫حيــث خيــدم الدبلومــايس جمموعتــه بإخــاص ‪ ،‬ويســعى إىل‬
‫إرضــاء زمالئــه يف املناصــب العليــا جتنب ـ ًا للــراع ‪ .‬حيــث يركــز‬

‫‪99‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫بمنطــق الفعــل عــى حتكــم الفــرد يف ســلوكه أكثــر مــن تركيــزه عــى‬
‫الســيطرة عــى األحــداث اخلارجيــة ‪ ،‬ويصبــح الدبلوماســيني ســبب ًا‬
‫للمشــكالت يف املناصــب العليــا ألهنــم حياولــن جتنــب اخلــاف ‪،‬‬
‫والرتكيــز عــى العالقــات وحتييــد مواجهــة املشــكالت التــي يــرز‬
‫فيهــا الــراع التظيمــي أو أخطــاء العمــل الواضحــة ‪ .‬لذلــك‬
‫تكــون املبــادرة بالتغيــر مــع مايرافقهــا مــن خــاف ومعارضــة‬
‫أحــد التهديــدات املزعجــة للدبلومــايس وســوف يســعى جتنبهــا‬
‫قــدر اإلمــكان حتــى إىل درجــة حتطيــم الــذات ‪.‬‬
‫‪ -3‬القائد اخلبري‪:‬‬
‫يظهــر القــادة اخلــراء عــى عكــس االنتهازيــن الذيــن يركــزون‬
‫عــى حماولــة الســيطرة عــى العــامل مــن حوهلــم‪ ،‬والدبلوماســيني‬
‫الذيــن يركــزون يف الســيطرة عــى ســلوكهم اخلــاص‪ ،‬حيــث‬
‫حيــاول اخلــراء ممارســة الســيطرة والتحكــم مــن خــال حتســن‬
‫معرفتهــم يف حياهتــم املهنيــة والشــخصية‪ ،‬ويتصفــون بالتفكــر‬
‫الصــارم واالتبــاع الكامــل لإلجــراءات واملفاهيــم اإلداريــة التــي‬
‫اســتوعبوها بالكامــل مــن خــال اطالعهــم املســتمر لتفاصيــل‬
‫وإجــراءات وأنظمــة العمــل ‪ .‬ونظــر ًا لثقتهــم بخربهتــم فإهنــم‬
‫يعتمــدون عــى البيانــات الدقيقــة واملنطــق يف جهودهــم ‪ .‬لضــان‬
‫املوافقــة عــى مقرتحاهتــم ودعمهــا‪ .‬ويعانــون مــن ضعــف االهتــام‬
‫باجلوانــب األخــرى ذات العالقــة بالقيــادة كالتحفيــز واإلهلــام‬
‫والــرؤى االســراتيجية البعيــدة ‪ ،‬إهنــم يفكــرون يف حــدود‬

‫‪100‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫دائــرة وحيــدة تتعلــق باإلجــراءات والقوانــن وتراكــات اخلــرة‬
‫الوظيفيــة‪.‬‬
‫‪ -4‬القادة ذوي اإلنجازات العالية ‪:‬‬
‫هــذا النــوع مــن املديريــن يتحــدى املوظفــن ويســاندهم يف‬
‫الوقــت نفســه ‪ ،‬ويكــون معهــم فريقـ ًا إجيابيــا ً ويوجــد جــو ًا تعاونيـ ًا‬
‫بــن األقســام وحيرصــون عــى أن تكــون بيئــة العمــل إجيابيــة ‪،‬‬
‫ويركــزون جهودهــم عــى املخرجــات الفعليــة واألهــداف القابلــة‬
‫للتحقيــق ‪ .‬ويتقبلــون التغذيــة الراجعــة بصــدر رحــب‪ ،‬وحياولــون‬
‫االســتفادة منهــا يف تــدارك األخطــاء ‪ ،‬لكــن أســلبوهم غالبــ ًا مــا‬
‫يمنــع التفكــر خــارج الصنــدوق ‪ .‬كــا أهنــم ال ينســجمون يف‬
‫التعامــل مــع املوظفــن والقــادة اخلــراء ‪ ،‬فمثـ ً‬
‫ا جيــد القائــد اخلبــر‬
‫أن مــن الصعــب عليــه تقبــل املديــر الســاعي إىل اإلنجــازات العاليــة‬
‫‪،‬ألنــه ال يســتطيع إنــكار نجــاح القائــد املنجــز مــع أنــه يشــعر بأنــه‬
‫أفضــل منــه ‪.‬‬
‫‪ -5‬القائد املتفرد ‪:‬‬
‫يــدرك القائــد املتفــرد املواقــف العمليــة بطريقــة أكثــرا ً جتــردا ً‬
‫وتأوي ـ ً‬
‫ا ‪ ،‬ويســتطيع التعامــل مــع الفكــر املختلــف بصــورة متيــزه‬
‫عــن اآلخريــن أو عــن الفكــر الســائد‪ ،‬ومــا يميزهــم أيضـ ًا إدراكهم‬
‫أنــه يمكــن حــدوث صــدام بــن مبادئهــم وأفعاهلــم أو بــن قيــم‬
‫مؤسســتهم وتطبيقهــا هلــذه القيــم ‪ ،‬حيــث يصبــع الــراع مصــدر‬
‫توتــر وإبــداع ‪ ،‬ويزيــد مــن الرغبــة يف إجــراء مزيــد مــن التطــور‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫ويميــل املتفــردون أيضــا ً إىل جتاهــل القوانــن التــي يعتقــدون‬
‫أهنــا غــر رضوريــة ‪ ،‬وهــذا مــا جيعلهــم مصــدر توتــر لزمالئهــم‬
‫ورؤســائهم ‪.‬‬
‫‪ -6‬القائد االسرتاتيجي‬
‫القــادة االســراتيجيون يركــزون عــى القيــود والــرؤى‬
‫التنظيميــة التــي يتعاملــون معهــا عــى أهنــا أشــياء قابلــة للنقــاش‬
‫والتغيــر ‪ ،‬حيــث يتقنــون التحكــم يف التأثــر التنظيمــي لألفعــال‬
‫واالتفاقــات وفهــم الــرؤى املشــركة عــر طــرق الفعــل املختلفــة‬
‫باجتــاه كل مــا يشــجع التحــوالت التنظيميــة والشــخصية ‪ ،‬يتعامــل‬
‫االســراتيجيون مــع النــزاع بســهولة أكثــر مــن أصحــاب األنــاط‬
‫االخــرى ‪ ،‬ويتقنــون أيضــا ً معاجلــة الرفــض الغريــزي للتغيــر ‪،‬‬
‫وبالتــايل هــم أكثــر القــادة نجاحـ ًا يف إحــداث التغيــر والتحــوالت‬
‫التنظيميــة الشــاملة‪.‬‬
‫‪ -7‬القائد الكيميائي ‪:‬‬
‫هــذا النمــط مــن أكثــر األنــاط نــدرة يف مســتويات القيــادة ‪،‬‬
‫حيــث يكــون لدهيــم القــدرة عــى جتديــد أنفســهم ومؤسســاهتم‬
‫أو إعــادة اكتشــافها بطــرق ذات دالالت تارخييــة مهمــة ‪ ،‬ففــي‬
‫الوقــت الــذي يســتطيع فيــه االســراتيجي االنتقــال مــن إحــداث‬
‫التغيــرات مــن مرحلــة إىل أخــرى ‪ ،‬يتمتــع الكيميائــي بقــدرة عــى‬
‫التعامــل مــع مراحــل التغيــرات يف وقــت واحــد ‪ ،‬وخيتــر الكثــر‬
‫مــن اجلهــد والوقــت لفريــق العمــل ‪ ،‬ويتعامــل معوضــاع خمتلفــة‬

‫‪102‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫بمســتويات متعــددة حيــث يســتطيع أيضــا عــى خماطبــة امللــوك‬
‫والعامــة يف آن واحــد ‪ ،‬وهــو يســتطيع التعامــل مــع األولويــات‬
‫الرسيعــة ‪ ،‬لكنــه يف الوقــت ذاتــه ال يغفــل عــن األهــداف طويلــة‬
‫املــدى‪ ،‬إهنــم ليســوا يف عجلــة مــن أمرهــم ‪ ،‬كــا أهنــم ال خيصصون‬
‫ســاعات طويلــة يف نشــاط واحــد بعينــه ‪ ،‬وعادة مــا يتمتعون بشــعبية‬
‫كبــرة وهــم أفــراد واعــون يعيشــون وفقــا ملعايــر أخالقيــة عاليــة ‪،‬‬
‫ويركــزون عــى احلقيقــة ‪ ،‬لكــن األهــم مــن كل هــذا هــو قدرهتــم‬
‫عــى التقــاط اللحظــات املهمــة يف تاريــخ مؤسســاهتم ‪ ،‬ويعتمــدون‬
‫نظ ـ ًا ورمــوز ًا وشــعارات تــأرس قلــوب النــاس وعقوهلــم‪ .‬ويظهــر‬
‫بوضــوح أن منطــق الفعــل يف كل مســتوى يتأثــر تأثــر ًا مبــارش ًا‬
‫بمنطــق القيــم التــي يتبناهــا القائــد يف فهمــه وتفســره لســلوكياته‬
‫‪ ،‬ويف أفعالــه أثنــاء ممارســة القيــادة ‪ ،‬حيــث كان النمــط االنتهــازي‬
‫أبعــد هــذه األنــاط عــن االلتــزام بقيــم مرجعيــة حتــدد الســلوك ‪،‬‬
‫فالقيــادة بالقيــم يف هــذا النمــط شــبه منعدمــه ‪ ،‬وهــذا ســبب وجيــه‬
‫ليكــون حســب أبحــاث (روكــي وتوربيــت ‪ )2012 ،‬أقــل القــادة‬
‫نجاحــا ً وأكثرهــم رضر ًا بعمــل املؤسســة ‪ .‬بينــا نجــد يف أعــى ســلم‬
‫هــذا التصنيــف ( نمــط القائــد الكيميائــي) وهــو شــخصية يتبنــى‬
‫قيــم ومبــادئ ويعــرف كيــف يعكــس هــذه املبــادئ عــى املؤسســة‬
‫وأفرادهــا ‪ ،‬كــا أهنــم يتمتعــون بشــعبية كبــرة حلســن عالقتهــم‬
‫مــع اآلخريــن وقدرهتــم عــى تغيــر أنفســهم واآلخريــن باإلهلــام‬
‫وصناعــة الــرؤى املحفــزة للتغيــر ‪ ،‬وتتســم قيادهتــم باالرتــكاز‬

‫‪103‬‬
‫منطق الفعل للقيادة بالقيم‬
‫عــى معايــر أخالقيــة عاليــة ‪ ،‬كــا أهنــم هيتمــون باحلقيقــة ويتبنوهنــا‬
‫يف املواقــف املتعــددة لعمليــات القيــادة ‪.‬‬
‫إن القيــادة بالقيــم كــا يشــر جيمــس وبوســنر (‪2005‬م) ‪:‬‬
‫« يمكــن مــن خالهلــا معرفــة أن مــا يميــز أغلــب القــادة العظــاء‬
‫وأكثرالقــادة جذبــ ًا لإلعجــاب هــم أصحــاب املبــادئ وإيامهنــم‬
‫العميــق بــا حيملونــه مــن قيــم» ‪ ،‬وهــو مــا ذهــب إليــه (تــوم بيــر)‬
‫مؤلــف الكتــاب املشــهور (بحثــ ًا عــن االمتيــاز) الــذي أعطــى‬
‫نصيحــة جوهريــة واحــدة تفــي بجميــع األعــراض التــي تســاعد‬
‫املنظــات يف حتقيــق االمتيــاز وهــي ‪ »:‬عليــك بتحديــد منظومــة‬
‫القيــم» ‪.‬‬
‫أخــر ًا ‪ ..‬ليــس مــن العســر عــى القائــد أن يفهــم نمــط املنطــق‬
‫لفعلــه ‪ ،‬بــل بإمكانــه تغيــر هــذا املنطــق ‪ ،‬وســتكون القيــادة‬
‫بالقيــم هــي املســار املناســب واملضمــون لنجاحــه وحتقيــق أهــداف‬
‫املؤسســة التــي يقودهــا ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬

‫املمارسات اخلاطئة في األساليب اإلدارية‬

‫كيــف نتعلــم األمــر الصحيــح إذا مل يكــن لدينــا تصــورا واضحـ ًا‬
‫عــن األمــر اخلاطــئ؟ هكــذا تتجــه النظريــة العكســية يف تعلــم‬
‫األســاليب اإلداريــة‪ ،‬حيــث يتــم تســليط الضــوء عــى املامرســات‬
‫اخلاطئــة مــن أجــل معرفتهــا وبالتــايل جتنبهــا ومــن ثــم يصبــح‬
‫االنتقــال إىل املامرســات الســليمة أكثــر وضوحــ ًا وســهولة‪ .‬لقــد‬
‫كتــب الدكتــور عبــد اهلل عبــد اجلبــار كتاب ـ ًا حــول هــذا املوضــوع‬
‫بعنــوان (النظريــة العكســية يف تعلــم األســاليب اإلداريــة) وقــد‬
‫بــن فيــه بشــكل مفصــل أمهيــة التعــرف عــى األمــور الســلبية يف‬
‫أســاليب اإلدارة لتجنبهــا واتبــاع األســاليب اجليــدة‪ .‬هــذه املنهجيــة‬
‫قــد اســتخدمتها الرشيعــة الدينيــة مــن قبــل‪ .‬إن ديننــا اإلســامي‬
‫جيعلنــا دائــ ًا عــى وعــي باألمــور املنكــرة واخلاطئــة فيحذرنــا‬
‫منهــا وينبهنــا مــن الوقــوع فيهــا مــن أجــل أن يكــون االنتقــال‬
‫لألمــور الطيبــة والصحيحــة أكثــر فهــا ووعيــا ويــرا عــى الفــرد‬
‫واملجتمــع‪ .‬مــن خــال هــذا املنظــور ســنناقش يف هــذا املقــال‬
‫املامرســات اخلاطئــة يف األســاليب اإلداريــة مــن أجــل التحذيــر‬
‫منهــا وتنبيــه القــادة واملديريــن مــن الوقــوع فيهــا‪ ،‬ومــن ثــم يكــون‬
‫الســلوك املقابــل لــكل ســلوك ســلبي هــو الســلوك اإلجيــايب الــذي‬
‫نســعى مجيعــ ًا لتبنيــه يف املواقــف اإلداريــة املختلفــة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫ولكــن كبدايــة نــود أن ننطلــق مــن مســلمة جوهريــة جيــب أن‬
‫تكــون واضحــة لــدى اجلميــع‪ ،‬وهــي أن القائــد أو املديــر يف أســاس‬
‫تكوينــه البــري ليــس منزهــا عــن اخلطــأ أو اخللــل‪ ،‬إذا أردنــا مــن‬
‫القائــد أو املديــر أن يكــون إنســان ًا بــا أخطــاء فنحــن نخالــف‬
‫الطبيعــة البرشيــة‪ ،‬إذ ال يوجــد إنســان كامــل منــزه عــن األخطــاء‪،‬‬
‫نحــن عندمــا نتكلــم عــن القــادة واملديريــن فنحــن ال نتكلــم عــن‬
‫أنبيــاء معصومــن‪ ،‬بــل نتكلــم عــن بــر معرضــون للتقصــر‬
‫البــري وعــدم الكــال‪ .‬إننــا ال نتحــدث هنــا عــن األخطــاء‬
‫اهلامشــية واإلنســانية التــي يقــع فيهــا معظــم النــاس‪ ،‬مــا نتطــرق‬
‫إليــه يف مقالنــا هــو تلــك األخطــاء الكبــرة والشــاذة جــد ًا والتــي‬
‫لــن يســتقيم معهــا عمــل القائــد أو املديــر‪ .‬إهنــا أخطــاء يمكــن أن‬
‫تدمــر بيئــة العمــل‪ ،‬وتــورث لــدى املوظفــن النفــور والكراهيــة‪،‬‬
‫وهــي مســببة خلســارات كبــرة يف اإلنجــاز واألداء والنتائــج‪ .‬مــن‬
‫هنــا جــرى التنويــه والتحذيــر منهــا ألهنــا غــر قابلــة للســكوت أو‬
‫التغــايض‪.‬‬
‫يمكــن حتديــد أبــرز املامرســات اخلاطئــة يف األســاليب اإلداريــة‬
‫فيــا يــي ‪:‬‬
‫‪ -1‬إدارة البعــد الواحــد ‪ :‬ونعنــي هبــا أن القائــد أو املديــر يتخــذ‬
‫أســلوب ًا واحــد ًا يف اإلدارة أو القيــادة‪ ،‬فيتبنــى مث ـ ً‬
‫ا بعــد العالقــات‬
‫اإلنســانية ويتعامــل مــع أي مشــكلة أو موقــف إداري هبــذا املبــدأ‬
‫ويعتقــد أن مبــدأ العالقــات اإلنســانية هــو األســلوب واحلــل‬

‫‪106‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫لــكل املشــكالت واملواقــف التــي متــر عليــه‪ .‬واحلقيقــة أنــه عندمــا‬
‫يتبنــى املديــر أســلوب ًا واحــد ًا يف اإلدارة فهــو كمــن حيــاول فتــح كل‬
‫األبــواب بمفتــاح واحــد‪ ،‬وهــو يتصور يف هــذه احلالة أن املشــكالت‬
‫واملواقــف اإلداريــة كلهــا واحــدة فبعضهــم ‪ -‬عــى ســبيل املثــال ‪-‬‬
‫قــد يتبنــى أســلوب العقــاب كأســلوب واحــد يف اإلدارة‪ ،‬فيســائل‬
‫ويلــوم ويلفــت النظــر وخيصــم عــى مجيــع املواقــف التــي تواجهــه‬
‫يف العمــل ‪ ،‬ومثــال آخــر أن يواجــه القائــد أي مشــكلة تواجههــا‬
‫املؤسســة بحــل تقليــل التكاليــف‪ ،‬واحلقيقــة أن هــذا احلــل ليــس‬
‫عــى الــدوام ح ـ ً‬
‫ا ســليام ً يف مواجهــة األزمــات املاليــة للمؤسســة‬
‫ألن حــل مثــل هــذا قــد ينقــل املؤسســة مــن حالــة املــرض إىل‬
‫حالــة النهايــة والوفــاة ‪ .‬القيــادة الناجحــة تعتمــد يف قيادهتــا عــى‬
‫أبعــاد متعــددة وأســاليب متنوعــة كل أســلوب منهــا يناســب احلالــة‬
‫واملوقــف اإلداري الــذي تواجهــه ‪ ،‬فليــس هنــاك أســلوب ًا واحــدا ً‬
‫يصلــح لــكل احلــاالت واملواقــف‪.‬‬
‫‪ -2‬التضخيــم والضغــط النفــي ‪ :‬يقــوم املديــر أو القائــد‬
‫يف هــذه املامرســة بتضخيــم املشــكالت التــي تواجــه املؤسســة إن‬
‫كان صغــرة يعمــل عــى تضخيمهــا وإن كانــت كبــرة فإنــه يعمــل‬
‫عــى جعلهــا أمــر ًا هائ ـ ً‬
‫ا يســتحيل التعامــل معــه‪ ،‬كــا أنــه يســتمر‬
‫يف الضغــط النفــي عــى املوظفــن يف غالــب املواقــف اإلداريــة‪،‬‬
‫قــد حتتــاج أي إدارة أن جتعــل املوظفــن يقعــون حتــت تأثــر مقنــن‬
‫وحمــدد وغــر مســتمر مــن الضغــط مــن أجــل حتقيــق نــوع مــن‬

‫‪107‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫التحــدي يف بيئــة العمــل ورفــع طاقــة املوظفــن ملزيــد مــن اإلنجــاز‬
‫وحتقيــق النتائــج اجليــدة ‪ ،‬لكــن املديــر الــذي يعتمــد عــى التضخيــم‬
‫والضغــط النفــي ال يقــوم بذلــك بشــكل مقنــن أو مــدروس‪ ،‬إنــه‬
‫يشــعر أن مــن الــازم أن يعيــش املوظفــن يف حالــة مــن الضغــط‬
‫واهللــع مــن خــال تضخيــم األمــور‪ ،‬ولألســف تكــون النتيجــة أن‬
‫املوظفــن يشــعرون باإلحبــاط واإلرهــاق النفــي الــذي جيعلهــم‬
‫يكرهــون حلظــات الذهــاب للعمــل صباحـ ًا‪ ،‬بــل وجيعلهــم يقعــون‬
‫يف األخطــاء بشــكل متكــرر ‪ ،‬وتضعــف دافعيتهــم وانتامئهــم‬
‫للمؤسســة ‪ .‬لكــن القــادة العظــاء ال يلجئــون أبــد ًا ملثــل هــذا‬
‫األســلوب ‪ ،‬إذ ينطبــق عليهــم قــول املثــل « العظــاء يعتــرون‬
‫املتاعــب واملشــكالت الكبــرة أمــور هينــة‪ ،‬وينظــرون لألمــور‬
‫اهلينــة عــى أهنــا ال يشء عــى اإلطــاق « ‪ ،‬يف احلقيقــة أن تضخيــم‬
‫املشــكالت التــي تواجــه القــادة يف العمــل لــن تزيدهــم إال تعبــ ًا‬
‫ومشــقة‪ ،‬أعــط كل يشء قــدره املناســب فــإن أعطيتــه أكــر مــن‬
‫حجمــه صعــب عليــك التعامــل معــه‪ .‬جيــب عــى القائــد أو املديــر‬
‫جتنــب تضخيــم املشــكالت ألنــه ســينظر هلــا بصــورة غــر واقعيــة‪،‬‬
‫وســيتخذ اإلجــراء املبنــي عــى توهــم نفــي خاطــئ ناتــج عــن‬
‫الضغــط النفــي‪ ،‬انظــر للمشــكلة يف حجمهــا املجــرد والطبيعــي‬
‫وتعامــل معهــا بعيــد ًا عــن مشــاعر الرعــب أو القلــق املبالــغ فيــه‪.‬‬
‫‪ -3‬الفضــول والتدقيــق ‪ :‬يــارس املديــر يف هــذا النــوع مــن‬
‫األخطــاء‪ ،‬حالــة مــن الفضــول عــى املوظفــن والتدقيــق الشــديد‬

‫‪108‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫يف أعامهلــم‪ ،‬إنــه ال يقبــل أن يكــون هنــاك موضــوع يف املؤسســة غــر‬
‫ملــم بــه ســواء كان يعنيــه هــذا املوضــوع أوال يعنيــه‪ ،‬وإذا طلــب‬
‫مــن أحــد املوظفــن إنجــاز عمــل مــا فإنــه يغرقــه يف تفاصيــل كيفيــة‬
‫إنجــاز هــذا العمــل للدرجــة التــي ال جيعــل معهــا للموظــف أي‬
‫قــدرة عــى العمــل الــذايت‪ .‬يســر عــامل النفــس الشــهري إىل إشــارة‬
‫مهمــة أمــام هــذه احلالــة النفســية فيقــول « التدقيــق الزائــد يف مجيــع‬
‫التفاصيــل حيوهلــا إىل أشــياء مهمــة‪ ،‬بينــا األمــر مل يكــن يتطلــب‬
‫ســوى نظــرة رسيعــة « وكــا يقــول جــاك كانفيلــد « جتاهلــك‬
‫لبعــض األمــور يعــر عــن نضجــك « الفضــول والتدقيــق يــيء‬
‫ملــزاج املوظفــن ويشــعرهم وكأهنــم مراقبــن‪ ،‬كــا أنــه مــن املرهــق‬
‫ألي مديــر تتبــع كل مــا حيــدث يف املؤسســة وحماولــة فــرض نفســه‬
‫فيــه ‪ .‬وكــا يقــال نصــف احلكمــة يف التغافــل ‪ ،‬املديــر الناجــح أقــل‬
‫فضــوالً بالنــاس ‪ ،‬أكثــر فضــوالً باإلنجــاز ‪ ،‬وعــى القائــد أو املديــر‬
‫أال يوجــه املوظفــن بشــكل دائــم إىل كيفيــة أداء أعامهلــم ‪ ،‬عليــه أن‬
‫خيربهــم بشــكل مبــارش باملطلــوب ‪ ،‬وســيفاجئونه بابتكاراهتــم‪.‬‬
‫‪ -4‬األنانيــة وحــب الظهــور ‪ :‬يف هــذه احلالــة يصبــح املديــر‬
‫حمبــ ًا للظهــور والتصــدر باإلنجــازات عــى حســاب أصحاهبــا‬
‫وينســب الفضــل لنفســه بينــا جيعــل جهــود البقيــة جهــودا ثانويــة‬
‫وال تســتحق اإلشــادة ‪ ،‬ويف هــذه احلالــة يصبــح املديــر حماطــ ًا‬
‫بمجموعــة مــن الدعائيــن واملنافقــن الذيــن يلمعــون كل يشء‬
‫للمديــر ويزيــدون مــن شــعوره حلــب الظهــور واألنانيــة حتــى‬

‫‪109‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫يصبــح املديــر يف هــذه احلالــة يــرى أن قضيــة متجيــده والتصفيــق‬
‫لــه أمــر ًا حمســوم ًا ورضوريــ ًا ‪ ،‬ومثــل هــذه املشــاعر كفيلــة أن‬
‫جتعــل املديــر يبتعــد متامـ ًا عــن املهمــة األساســية لعملــه ويدخــل يف‬
‫متاهــة نفســية تضيــع وقتــه وجهــده عــن التطويــر واإلنجــاز ‪ .‬يقــول‬
‫الدكتــور جــال أمــن كالمــ ًا رائعــ ًا يف هــذا الصــدد « إذا قمــت‬
‫بعمــل ألن هــذا مــا أمــاه عليــك ضمــرك وأمانتــك فلــن يزيــدك‬
‫رشفــ ًا إشــادة النــاس بعملــك ولــن يقلــل مــن رشفــك أن أحــد ًا‬
‫مل يشــد بــه أو يذكــره « وهــذا أمــر حقيقــي جــد ًا‪ .‬فاملعيــار الــذي‬
‫يفــرض أن يكــون هــو املعيــار األصيــل الــذي جيعلــك راضيـ ًا عــن‬
‫أداء عملــك هــو ضمــرك وإحساســك الداخــي بأنــك قمــت بــا‬
‫جيــب عليــك القيــام بــه‪ ،‬ثــم يــأيت رأي النــاس يف املرتبــة األخــرى‬
‫لتتأكــد أن مــا تنجــزه حيقــق رضــا املســتفيدين عــن املؤسســة وليــس‬
‫عنــك أنــت شــخصي ًا‪.‬‬
‫‪ -5‬الصداميــة‪ :‬وهــو ســلوك جيعــل املديــر متســاه ً‬
‫ال يف التصادم‬
‫مــع املوظفــن أو العمــاء‪ ،‬فيصبــح املديــر يتصــادم مــع املوظــف‬
‫اجليــد وغــر اجليــد عــى حــد ســواء‪ .‬إن هــذا الســلوك لــه عواقــب‬
‫وخيمــة ال تغيــب إال عــن قليــل احلكمــة والنضــج‪ .‬الصدامــات‬
‫املتكــررة جتعــل بيئــة العمــل غــر مرحيــة وغــر ســعيدة‪ ،‬كــا أهنــا‬
‫جتعــل املوظفــن ينشــغلون بشــكل كبــر عــن أهــداف العمــل‪،‬‬
‫وتصبــح املؤسســة أو اإلدارة أماكــن طــاردة للموظفــن املتميزيــن‬
‫وبيئــة غــر جاذبــة للكفــاءات اخلارجيــة‪ ،‬ومــن الصعــب تصــور‬

‫‪110‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫حالــة مديــر ملؤسســة مــا يقــع عليهــا هــذا الوصــف ألهنــا ســتصبح‬
‫ذات ســمعة ســيئة وغــر حمببــة ال ملــن هــو بداخلهــا وال ملــن يفكــر‬
‫باالنتقــال إليهــا‪ .‬كيــف يــرىض قائــد ًا أن تكــون حالــة مؤسســته‬
‫عــى هــذا احلــال‪ .‬لذلــك ليتذكــر القــادة دائــا أن العالقــات اجليــدة‬
‫يف العمــل تصنــع الفــارق الكبــر يف حتســن البيئــة وجاذبيتهــا‪ ،‬وأن‬
‫النــاس يأرسهــم اإلحســان وينفرهــم الصــدام والقســوة‪.‬‬
‫‪ -6‬اخلــوف والتشــكك‪ :‬ليــس هنــاك مــا جيعــل اإلنجــاز‬
‫واإلبــداع مســتحي ً‬
‫ال مثــل اخلــوف مــن الفشــل‪ ،‬وعــدم الثقــة يف‬
‫العاملــن‪ .‬فاخلــوف املتكــرر يف العمــل جيعلنــا يف النهايــة نكــره‬
‫العمــل‪ .‬وانتشــار الشــك بــن أفــراد املؤسســة جيعلهــا مؤسســة‬
‫مفككــة مــن الداخــل‪ .‬عندمــا توضــع يف مركــز القيــادة جيــب عليك‬
‫أن تتحمــل املســؤولية وأال تعيــش مرعوبـ ًا مــن الفشــل أو مــن آراء‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وكــا يقــال ال جتعــل اخلــوف مــن الوقــوع يف األخطــاء‬
‫يمنعــك مــن تســديد الكــرة‪ .‬إن املديــر اخلائــف مــن اختاذ القــرارات‬
‫بشــكل مســتمر أو يشــكك يف اآلخريــن وفياملوظفــن ســيفقد ثقــة‬
‫واحــرام املوظفــن‪ .‬قــد حيتــاج العمــل إىل قــدر مقنــن ومــدروس‬
‫مــن التخــوف الــذ يبــر بالتوقعــات ويمنــع مــن التهــور‪ ،‬لكــن‬
‫قــدر كبــر مــن اخلــوف يــورث الــردد وبــطء اإلنجــاز والفشــل‪.‬‬
‫‪ -7‬النرجســية املعرفيــة ‪ :‬يكــون املديــر يف هــذه املامرســة‬
‫متقوقعــ ًا حــول آرائــه وخربتــه‪ ،‬فهــو يــرى أنــه صاحــب الــرأي‬
‫الســديد يف كل موقــف‪ ،‬وأن خربتــه ومعرفتــه تفــوق اجلميــع‪ ،‬وأن‬

‫‪111‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫بإمكانــه أن يتعــرف عــى حــل أي مشــكلة بمجــرد عرضهــا عليــه‪،‬‬
‫وأن آراء اآلخريــن تنقصهــا اخلــرة التــي يمتلكهــا‪ ،‬فهــو بتعبــر‬
‫أدق يكــون واقعـ ًا يف الغــرور املعــريف‪ ،‬والغــرور املعــريف مــا هــو إال‬
‫وجــه مــن أوجــه اجلهــل‪ ،‬ألن اإلنســان مهــا بلغــت معرفتــه يظــل‬
‫دائــ ًا وأبــد ًا بحاجــة للتعلــم وســاع اآلراء املختلفــة واالســتفادة‬
‫مــن وجهــات النظــر‪ .‬الغــرور املعــريف قــد يولــد للقائــد الطغيــان يف‬
‫اختــاذ القــرارات‪ .‬ومــن صفــات القــادة األذكيــاء احساســهم بأهنــم‬
‫بحاجــة للتعلــم مــن اآلخريــن‪ ،‬كمديــر دائــ ًا اجعــل قاعدتــك‬
‫الذهبيــة أن تســتفيد مــن آراء املوظفــن والرؤســاء والعمــاء‪ ،‬فقــد‬
‫يكــون لــدى أحــد منهــم مــن ســداد الــرأي مــا يفــوق تصــورك‪.‬‬
‫‪ -8‬غيــاب القيــم احلاكمــة‪ :‬ال يمكــن لإلنســان أن يصبــح قائد ًا‬
‫قبــل أن يكــون إنســان ًا صاحــب مبــادئ وقيــم‪ .‬القائــد الــذي حي ِّكــم‬
‫القيــم يف مؤسســته سيشــهد لــه حتــى أعدائــه بصالحــه ونزاهتــه‪،‬‬
‫كــا أن غيــاب القيــم يف ســلوك املديــر يــؤدي إىل غيابشــعبيته‪ ،‬وتذكر‬
‫أن الشــعبية هــي أن حيرتمــك النــاس عندمــا تغــادر منصبــك كــا‬
‫حيرتمــوك عندمــا تســتلمه‪ .‬إن القائــد الصــادق األمــن لــن يتمكــن‬
‫أي قلــب مــن مقاومــة دخولــه‪ .‬والقيــادة بالقيــم تعنــي أن املحــرك‬
‫الرئيــي للنجــاح واإلنجــاز واإلتقــان هــو القيــم وليــس اللوائــح‬
‫واألنظمــة فحســب‪.‬‬
‫‪ -9‬غيــاب املعرفــة املهنيــة‪ :‬حيــث يكــون القائــد يف هــذه احلالــة‬
‫غــر ملــم بإجــراءات ولوائــح العمــل أو األمــور الرئيســية واملهمــة‬

‫‪112‬‬
‫املامرسات اخلاطئة يف األساليب اإلدارية‬
‫يف نشــاط املؤسســة التــي يعمــل هبــا‪ .‬إمــا ألنــه جديــد عىل املؤسســة‬
‫أو ألنــه مل يعطــي نفســه الوقــت الــازم لتعلــم تلــك اللوائــح‬
‫واألنظمــة والترشيعــات‪ .‬واحلقيقــة أنــه ليــس هنــاك مــن موقــف‬
‫أصعــب عــى املوظــف مــن التعامــل مــع مديــر غــر ملــم باملفاهيــم‬
‫واللوائــح والقوانــن والترشيعــات اخلاصــة بالعمــل‪ .‬إذ كان الديــر‬
‫جديــد ًا عــى اإلدارة فأبســط يشء يمكنــه القيــام بــه أن يعتمــد عــى‬
‫أصحــاب اخلــرة ومشــاورهتم قبــل اختــاذ القــرارات ولكــن هــذا‬
‫ال يعنــي أن جيعــل الوقــت يمــر دون أن يــدرك ويســتوعب متامــ ًا‬
‫كل املفاهيــم واألنظمــة اخلاصــة بعملــه اجلديــد‪ .‬إن احلــل الوحيــد‬
‫لغيــاب املعرفــة املهنيــة يف العمــل هــو أن يقــي املديــر أكــر وقــت‬
‫ممكــن لتعلمهــا واســتيعاهبا مــن خــال التعلــم والتعلــم والتعلــم‪.‬‬
‫كــا أن االســتفادة مــن خــرات املوظفــن القدامــى تســاعد املديــر‬
‫يف فهــم كل اإلجــراءات والقوانــن املتبعــة داخــل العمــل‪ .‬تعــد‬
‫هــذه أبــرز املامرســات اخلاطئــة يف األســاليب اإلداريــة التــي جيــب‬
‫احلــذر مــن الوقــوع فيها‪،‬واملبــادرة للتخلــص منهــا يف أرسع وقــت‬
‫حــال الوقــوع فيهــا‪ ،‬ملــا هلــا مــن آثــار ســلبية جــد ًا عــى بيئــة العمل‪،‬‬
‫وعــى معنويــات املوظفــن‪ ،‬وممــا ال شــك فيــه أن مــا يقابلهــا مــن‬
‫ســلوكات إجيابيــة هــي اهلــدف املنشــود هلــذا املقــال‪ ،‬فاهلــدف مــن‬
‫معرفــة الســلوك الســلبي هــو االجتــاه إىل مــا يعاكســه مــن الســلوك‬
‫اإلجيــايب بعــد أن تكــون صورتــه باتــت أكثــر وضوح ـ ًا وســهولة‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫القيادة بمفهوم الفضيلة‬

‫القيادة مبفهوم الفضيلة‬

‫ظهــرت القيــادة هبــذا املفهــوم يف كتابــات عــامل اإلدارة‬


‫األمريكــي الشــهري ألــرت ياتــس ‪ Albert yatce‬الــذي كان له‬
‫نظريــة رائــدة يف ربطــه بــن مفهــوم القيــادة ومفهــوم الفضيلــة‪ .‬إن‬
‫القائــد وفــق هــذه النظريــة ينظــر للعاملــن معــه عــى أهنــم أهــداف‬
‫يف حــد ذاهتــم وليســوا وســائل لتحقيــق أهــداف ‪ ،‬وبالتــايل تصبــح‬
‫االعتبــارات األخالقيــة والقيــم الفاضلــة يف التعامــل معهــم هــدف‬
‫واســراتيجية للقيــادة ذات البعــد القيمــي واألخالقــي حيــث‬
‫( الغايــة ‪ -‬تــرر الوســيلة ) ‪ ،‬وتنطلــق هــذه النظريــة بعــدد مــن‬
‫املســلامت ومنهــا ‪:‬‬
‫* القيــادة مــن مفهــوم الفضيلــة عبــارة عــن فكــر وقــرار ورؤيــة‬
‫‪ ..‬فكــر يتســع حســب وعــي القائــد وســعة أفقــه ‪ ،‬وقــرار يتأرجــح‬
‫أو يتعجــل حســب إحســاس القائــد والتزامــه ‪ ،‬ورؤيــة طموحــة‬
‫تلهــم العاملــن وحتفزهــم ليــؤدوا العمــل أكثــر ممــا هــو مطلــوب‬
‫منهــم ‪.‬‬
‫* القائــد احلقيقــي ليــس رســوال وال شــخصا متعصبــا وال‬
‫شــخصا مستأســدا عــى األخريــن ‪ .‬إنــه شــخص ال تأخــذه العــزة‬
‫باإلثــم ‪ ،‬وال يــرب الضعيــف رضبــه هيتــز هلــا قلــب القــوي ‪،‬‬
‫كــا أنــه ال جيــد نفســه يف دائــرة البحــث عــن النفــوذ والتحكــم‬
‫باآلخريــن وال حيــب أن يــرى املوظفــن خيافــون منــه ويتملقونــه ‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫القيادة بمفهوم الفضيلة‬
‫بــل إنــه يفهــم احلــزم واللــن يف إطارمهــا البنــاء املفيــد للموظــف‬
‫املتميــز أو املوظــف املتــواري عــن األنظــار‪ .‬ويــدرك أنــه ال يقــود‬
‫املوظفــن بســلطته الرســمية فحســب ‪ ،‬وإنــا بقدراتــه األخــرى يف‬
‫حســن التواصــل معهــم وكســب ثقتهــم ووالئهــم ‪.‬‬
‫* إن القائــد احلقيقــي هــو الشــخص الــذي لديــه رؤيــة واضحــة‬
‫للمســتقبل الــذي جيــب أن تكــون عليــه املؤسســة التــي يقودهــا‬
‫(وزارة ‪ -‬جامعــة ‪ -‬مدرســة ‪ -‬رشكــة ) ‪ ،‬وأن يــدرك كيــف ســتكون‬
‫عــى مســتوى النتائــج وعــى مســتوى األداء ‪ ،‬وكذلــك عىل مســتوى‬
‫الــروح العامــة التــي حتــرك ســلوك املوظفــن وعالقتهــم بالقيــادة‬
‫وعالقتهــم ببعضهــم البعــض ومــدى انتامئهــم ووالئهــم للمنظمــة‬
‫‪ ،‬ومــدى تطلعهــم ملزيــد مــن النجــاح والتطــور عــى مســتواهم‬
‫الشــخيص وعــى مســتوى املؤسســة التــي يعملــون هبــا‪.‬‬
‫* إن القائــد احلقيقــي هــو الشــخص الــذي لديــه الرغبــة‬
‫الصادقــة والعزيمــة القويــة لتحويــل األحــام والطموحــات‬
‫إلىواقــع حقيقــي وملمــوس ‪ .‬إنــه قــادر أوال عــى الطمــوح‬
‫فهــو ال يكتفــي بالوضــع الراهــن ‪ ،‬كــا أنــه قــادر عــى حتريــك‬
‫احلشــود نحــو ذلــك الطمــوح واقناعهــم بــأن األمــر يقــع ضمــن‬
‫مســؤولياهتم جتــاه أنفســهم وجتــاه مســتقبل املؤسســة ‪ .‬إنــه يفتــح‬
‫اآلفــاق للعاملــن بــأال يكتفــوا باســتيعاب الواقــع واألداء احلــايل ‪،‬‬
‫بــل يثــر يف أنفســهم الرغبــة والتأمــل يف الوضــع الــذي جيــب أن‬
‫تتقــدم لــه املؤسســة يف املســتقبل ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫القيادة بمفهوم الفضيلة‬
‫* هنــاك جمموعــة مــن القيــم التــي تشــكل مفهــوم الفضيلــة‬
‫ويمكــن اعتبارهــا االســراتيجيات األساســية للفكــر القيــادي‬
‫الــذي ينطلــق مــن هــذا األســاس ‪:‬‬
‫من هذه القيم القيادية التي متثل الفضيلة ‪:‬‬
‫‪ -1‬قــول احلقيقــة ‪ ( truth‬الصــدق ) ‪ :‬ويعنــي ذلــك أن تكــون‬
‫صادقــا مــع نفســك ومــع األخريــن مــن حولــك وأن يكــون هنــاك‬
‫اتســاق بــن مــا تقــول وبــن مــا تعمــل وأن يكــون مــا يظهــر عليــك‬
‫هــو انعــكاس ملــا بداخلــك وأن مــا تســمح لآلخريــن بــأن يعتقــدوه‬
‫عنــك جيــب أن يمثــل حقيقتــك ‪ .‬فهــي الســبيل لتحقيــق األهــداف‬
‫بعيــد ًا عــن ممارســات الكــذب والغــش والتحايــل ‪ ،‬إن احلقيقــة‬
‫ترســخ االلتــزام باملســؤولية يف احلفــاظ عــى الوعــود واألمانــات ‪،‬‬
‫وكذلــك عــدم الــردد يف الترصيــح بوجهــة النظــر واإلفصــاح عــن‬
‫الــرأي والقناعــات ‪ .‬قــول احلقيقــة يعنــي العمــل وفــق منهجيــة‬
‫تراعــي احلقيقــة وحتــرص عــى عــدم التعتيــم عليهــا أو تشويشــها‬
‫بــا يكفــل للعاملــن يف املنظمــة الشــعور بالطمأنينــة واالســتقرار‬
‫النفــي واســتناد تعامالهتــم عــى أســس مــن املصداقيــة والوضــوح‬
‫‪ .‬ممــا يتطلــب مســتويات متقدمــة مــن الثقــة املتبادلــة التــي تنشــأ من‬
‫األســاس عــى هــذه القيمــة العظيمــة ‪.‬‬
‫‪ -‬النزاهة واألمانة ‪integrity‬‬
‫إن النزاهــة واألمانــة أثمــن يشء يمتلكــه اإلنســان ألهنــا متثــل‬
‫صــوت الضمــر احلــي لديــه وذلــك ألهنــا هــي التــي جتعلنــا‬

‫‪116‬‬
‫القيادة بمفهوم الفضيلة‬
‫نتمســك بمبادئنــا وأن نقــاوم إغــراءات الســلطة واملكانــة والنفــوذ‬
‫واملــال وعندمــا نتكلــم عــن النزاهــة فنحــن ال نقصــد احلــذر مــن‬
‫الوقــوع يف الرسقــة أو االختــاس فحســب ألن مــن يفعــل ذلــك‬
‫فــإن مكانــه الطبيعــي هــو الســجن وليــس املنصــب القيــادي‬
‫نحــن نتحــدث عــن النزاهــة بمفهومهــا الشــامل والواســع؛ إهنــا‬
‫احرتامــك حلقــوق العاملــن معــك وإرشــادهم هبــا ‪ .‬إهنــا حرصــك‬
‫أال تقطــع وعــدا ال تســتطيع تنفيــذه ‪ .‬إهنــا التزامــك بكافــة األمــور‬
‫التــي يتوقعهــا أتباعــك واملســتفيدون مــن عملــك أن حتققهــا هلــم ‪.‬‬
‫فهــي شــكل مــن أشــكال احلــس العــايل باملســؤولية ‪ ،‬وحالــة مــن‬
‫أهــم حــاالت الضبــط للســلوك وهــو ذلــك الضبــط النابــع مــن‬
‫الــذات ومــن عوامــل شــد وتوتــر داخليــة تنشــط تلقائي ـ ًا لتجعــل‬
‫اإلنســان ‪ -‬القائــد يف هــذه احلالــة ال يعــرض قرارتــه وخطواتــه‬
‫اإلداريــة عــى حمــكات قويمــة ‪ ،‬وحتــت رادع مــن النــداء األخالقــي‬
‫الــذايت ‪ ،‬بحيــث حيقــق املصلحــة للجميــع دون أهــواء خاصــة أو‬
‫منافــع شــخصية ‪.‬‬
‫‪ -3‬االلتزام ‪commitment‬‬
‫وتعنــي التــزام القائــد بواجباتــه ومســؤولياته العمليــة واملهنيــة‬
‫واألخالقيــة التزامــا كامــا واالبتعــاد عــن تســيري األمــور كيفــا‬
‫اتفــق وكذلــك التزامــه أن يكــون هــو والعاملــن معــه يف املســتقبل‬
‫أفضــل ممــا هــم عليــه اآلن وأن يســتمروا يف الطموحــات والرغبــة‬
‫يف حتقيــق اإلنجــازات واالســتزادة مــن املعرفــة والعلــم يف جمــاالت‬

‫‪117‬‬
‫القيادة بمفهوم الفضيلة‬
‫أعامهلــم ‪ .‬فالنجــاح لــن يــأيت باملصادفــة‪ ،‬وخللــق الظــروف اجليــدة‬
‫للنجــاح البــد أوالً مــن التــزام القائــد عــى خلــق مثــل هــذه‬
‫الظــروف‪ ،‬وعــى حتســن األداء‪ ،‬وعــى زيــادة وعــي أفــراد املؤسســة‬
‫بقدراهتــا وإمكانياهتــا والواجبــات التــي عليهــم القيــام هبــا مــن‬
‫أجــل احلفــاظ عــى املكتســبات وتنميتهــا واســتثامرها االســتثامر‬
‫األمثــل‪.‬‬
‫كــا تتجــى قيمــة االلتــزام أيضـ ًا ‪ ،‬يف الوفــاء بالوعــود التــي يتــم‬
‫قطعهــا ألي جهــة كانــت ســواء للموظفــن أو العمــاء ‪ ،‬إن مثــل‬
‫هــذه الوعــود مل تقطــع ملجــرد كســب الثقــة فــرة مــن الوقــت ثــم‬
‫فقداهنــا لألبــد ‪ ،‬وإنــا هــي حمــظ إلتــزام جيــب أن يعمل عليــه اجلميع‬
‫حتــى تســتمر الثقــة وتكــر مــع كل إنجــاز ومــع كل مســتحق مــن‬
‫املســتحقات ‪ .‬ذلــك أيضــا ً ينطبــق عــى املعايــر واملــؤرشات ‪ ،‬إن‬
‫القائــد ملــزم بــأن جيعــل هــذه املعايــر موضــع التنفيــذ احلقيقــي‬
‫‪ ،‬وموضــع االلتــزام يف التطبيــق واملامرســة مــن اجلميــع عــى حــد‬
‫ســواء ‪ ،‬إن أي تنــازالت حــول ذلــك يعنــي خلــل يف منــاخ االلتــزام‬
‫العــام ‪ ،‬ممــا ســيؤدي يومــا مــا لتصبــح املعايــر باملؤسســة جمــرد‬
‫شــعارات اجلميــع يعــرف أهنــا جمــرد حــر عــى ورق ‪ ،‬وهــذا مــا ال‬
‫يتمنــاه أي قائــد حقيقــي ملؤسســة ناجحــة ‪.‬‬
‫‪ -4‬الرأفة واإلحساس باالخرين ‪compassion‬‬
‫إن الرأفــة واحلنــو عــى اآلخريــن تعتــر أهــم خاصيــة يتمتــع هبــا‬
‫اإلنســان أكثــر مــن غــره مــن خملوقــات اهلل األخــرى عــى هــذه‬

‫‪118‬‬
‫القيادة بمفهوم الفضيلة‬
‫األرض وهــي تعنــي الرغبــة الصادقــة يف مشــاركة اآلخريــن يف‬
‫معاناهتــم ومتاعبهــم ومصائبهــم إهنــا الرغبــة الصادقــة ليــس يف‬
‫حتمــل الذنــب ولكــن يف حتمــل املســؤولية اإلنســانية واألخالقيــة‬
‫جتــاه مصــاب اآلخريــن وآالمهــم بحكــم كوننــا أوالً وأخــرا نحــن‬
‫مجيعــا بــر ‪ .‬فمفهــوم اإلحســاس باآلخريــن ينمــو حتــى حيقــق‬
‫أرقــى أشــكال التضامــن يف املؤسســة أو املنظمــة ‪ ،‬وهــو مســتوى‬
‫مــن التعايــش بــن املوظفــن ينقلهــم مــن الغوغائيــة أو التنافســية‬
‫املنفلتــة إىل مســتوى مــن التعــاون والتــآزر تكــون الســيطرة فيــه‬
‫للخــر العــام والوقــوف مــع مــن يتعــرض ملصــاب أو طــارئ‬
‫يســتحق معــه ممــن حولــه أن يكونــوا عــى قــدر مــن اإلنســانية‬
‫والتعاطــف النبيــل معــه ‪ .‬فاملؤسســة يفــرض دائ ـ ًا أن تكــون بيت ـ ًا‬
‫ألرسة متضامنــة مــن املوظفــن ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ماذا يعني أن تصبح مديرا؟‬

‫ماذا يعني أن تصبح مديرا؟‬

‫يصنــع املديــر اجلديــد لنفســه شــخصية مغايــرة مــع بــدء تكليفــه‬


‫بــإدارة جمموعــة مــن النــاس ‪ ،‬فهــو يــرى نفســه جمــر ًا عــى أال‬
‫يكــون شــخص ًا عادي ـ ًا أمــام اآلخريــن ‪ ،‬وأن عليــه أن يكــون أكثــر‬
‫انســجام ًا مــع منصــب مديــر ! ويف هــذه احلالــة فإنــه يضطــر ألن‬
‫يكــون شــخص ًا آخــر ذا نمــط جديــد حتــى عــى نفســه ‪ ،‬ويــارس‬
‫حالــة أشــبه مــا تكــون للتمثيــل ‪ ،‬لتقمــص الــدور الــذي حيفــظ لــه‬
‫مكانتــه االعتباريــة اجلديــدة أمــام جمموعــة العمــل ‪ .‬حســن ًا ! إن‬
‫هــذا خطــأ كبــر ‪ ،‬وهــو خطــأ شــائع بدرجــة مذهلــة ‪ ،‬فاملديريــن‬
‫يف مياديــن العمــل يعملــون دون وعــي لعــزل ذواهتــم احلقيقيــة عــن‬
‫بيئــة العمــل ‪ ،‬وهــم حيدثــون بذلــك العديــد مــن العوائــق التــي ال‬
‫معنــى هلــا فيــا لــو كانــوا يامرســون دورهــم القيــادي بشــخصياهتم‬
‫الطبيعيــة ‪.‬‬
‫إن هــذا يســتوجب أن يعــي كل مديــر حديث ـ ًا كان أو قدي ـ ًا أنــه‬
‫ليــس هنــاك مــن معنــى جوهــري بــأن تكــون مديــر ًا ‪ ،‬إنــه أمــر ال‬
‫يعــدو كونــه شــعور ًا فطريــ ًا حلــب الرئاســة ‪ ،‬إن األمــر ال حيتــاج‬
‫إىل قنــاع زائــف يشــغل ذهــن املديــر عــن دوره اجلوهــري يف قيــادة‬
‫العمــل ‪ .‬وبالتــايل يقودنــا ذلــك إىل التعــرف عــن كثــب حلقيقــة‬
‫التأثــر املتبــادل بــن الشــخص كإنســان جمــرد مــن أي لقــب وبــن‬
‫املوقــع الوظيفــي كموقــف ‪ .‬هــل يمكــن أن يتحــول شــخص مــا إىل‬

‫‪120‬‬
‫ماذا يعني أن تصبح مديرا؟‬
‫شــخصية جديــدة تســلطية أو ودودة أو متذمــرة أو متعاليــة بمجــرد‬
‫تــويل منصــب قيــادي ؟‬
‫إن هــذا مالحــظ كثــر ًا يف مياديــن العمــل واألمــر يتعــدى‬
‫حــدود التكلــف البســيط إىل تغــر حمــوري يف الســلوك ويف النظــرة‬
‫للموقــف اإلداري بكاملــه ‪ .‬إذ يــؤول ذلــك إىل أشــكال مــن الرصاع‬
‫اإلداري والتنظيمــي ناجتــة عــن ابتعــاد الوعــي واملخيلــة اإلداريــة‬
‫عــن حقيقــة الواقــع الراهــن ‪ ،‬ومــع مــرور الوقــت تتحــول طبيعــة‬
‫املديــر اجلديــد إىل طبيعــة غريبــة حتــى عــى نفســه ‪ ،‬وجيــد نفســه‬
‫منخرط ـ ًا يف رصاعــات جانبيــة ليــس هلــا عالقــة ال مــن قريــب وال‬
‫مــن بعيــد بأهــداف املؤسســة التــي يقــوم بإدارهتــا ‪.‬‬
‫يف هــذا الصــدد يذكــر (جــر وارنــر) يف كتابــه « مــكان العمــل‬
‫اخلــايل مــن الدرامــا « أن أكثــر مــا يتأثــر بــه املديــر اجلديــد هــو مــا‬
‫احتــواه عقلــه الباطــن مــن ســلوك رؤســائه الســابقني طيلــة فــرة‬
‫خربتــه يف العمــل ‪ ،‬وأن كثــر ًا مــن ســلوكيات املديــر ختضــع لصــور‬
‫نمطيــة ســلبية كانــت أو إجيابيــة تلقفهــا موقــع الذكريــات يف الذهــن‬
‫الالواعــي ‪ ،‬ممــا جيعــل املديــر يتــرف بإمــاء داخــي ألشــخاص‬
‫آخــرون وتلــك أكــر نقطــة ضعــف تشــكل الســلوك اإلداري‬
‫املضطــرب للمديــر اجلديــد ‪.‬‬
‫إن مــا ذكــره (وارنــر) يف ظنــي جــزء مــن لوحــة كاملــة للموقــف‬
‫اإلداري ‪ ،‬حيــث يشــر خــراء علــم النفــس أن انتقــال الشــخص‬
‫مــن موقــع املــرؤوس إىل موقــع الرئيــس حيــدث هــزة نفســية بشــكل‬

‫‪121‬‬
‫ماذا يعني أن تصبح مديرا؟‬
‫أو بآخــر لــدى الشــخص وتتداعــى ألجلهــا كثــر مــن اخلواطــر‬
‫والعواطــف والذكريــات ؛ فربــا كلمــة أو معنــى أو مفهــوم أو مبــدأ‬
‫تلقفــه املديــر اجلديــد يف مــكان مــا وحتــت تأثــر موقــف ما ؛ يشــكل‬
‫توجيــه قــري للقــرارات التــي ســيتخذها حيــال املؤسســة أو حيال‬
‫املرؤوســن‪ .‬وليــس أســوأ مــن تلــك الثقافــة الســلبية التــي تــدور‬
‫بــن املديريــن يف جلســاهتم العامــة إذ ينحــو ســلوكهم يف غالــب‬
‫األحيــان لالعتــداد بمواقفهــم اإلداريــة والقياديــة ‪ ،‬واملفاخــرة‬
‫بأســاليبهم يف إدارة املواقــف املختلفــة ‪ ،‬وبــذل النصائــح للمديريــن‬
‫اجلــدد وفــق نظــرة تتســم بأهنــم يملكــون احلقيقــة واجلــدارة الكاملة‬
‫فيــا يقومــون بــه يف حــن أن مؤسســاهتم وإداراهتــم حتقــق فشــا‬
‫مالحظ ـ ًا يناضلــون مــن أجــل عــدم االقتنــاع واالعــراف بــه !‬
‫إن الــذي تؤكــده الدراســات احلديثــة يف علــم اإلدارة أن الســات‬
‫الشــخصية هلــا ذلــك األثــر املالحــظ يف العمليــة القياديــة غــر أهنــا‬
‫ليســت األولويــة حــن تســنم منصــب مــا ملديــر جديــد ‪ ،‬وإذا حتــول‬
‫املديــر إىل شــخص هنــم للمزيــد مــن الصالحيــات التــي ال حيتاجهــا‬
‫إنــا يســعى مــن خالهلــا ملزيــد مــن الســيطرة واالنتشــاء النفــي‬
‫وملزيــد مــن النفــوذ لتغذيــة احتيــاج ذايت تتحــول حينهــا اللعبــة‬
‫اإلداريــة برمتهــا إىل لعبــة ســاذجة ورصاع ودرامــا إداريــة تأخــذ‬
‫الرئيــس واملــرؤوس إىل مزيــد مــن التخبــط والضيــاع !‬
‫لذلــك تكمــن احلكمــة اإلداريــة الســليمة بــأن تكــون أوىل‬
‫أولويــات املديــر اجلديــد ليــس األثــاث املكتبــي الفاخــر ‪ ،‬وال‬

‫‪122‬‬
‫ماذا يعني أن تصبح مديرا؟‬
‫األناقــة املبالــغ فيهــا ‪ ،‬وال اجــرار العبــارات الدبلوماســية‬
‫املمجوجــة‪ ،‬وال فتــح أبــواب الــراع عــى الســلطة ‪ ،‬وإنــا‬
‫بالرتكيــز عــى أهــداف املؤسســة التــي يديرهــا ‪ ،‬ودراســة مواضــع‬
‫قوهتــا ومكامــن ضعفهــا ‪ ،‬والبــدء الفــوري بمعاجلــة األمــور‬
‫التــي تســتلزم املعاجلــة والتدخــل الرسيــع ‪ ،‬وإجيــاد بيئــة إداريــة‬
‫واجتامعيــة حمفــزة للعمــل ‪ ،‬ومــن ثــم وضــع خطــة عمــل للتطويــر‬
‫وليــس خطــة عمــل للتشــغيل ‪ .‬إذ إن املديــر يف املفهــوم احلديــث‬
‫إذا مل يضــع بصمتــه يف تطويــر املؤسســة التــي يديرهــا ‪ ،‬وإال هــو‬
‫يف حقيقــة األمــر جمــرد شــخص مســر لألعــال لــن يتغــر يشء يف‬
‫املؤسســة يف حــال وجــوده أو رحيلــه ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬

‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬

‫تظــل القيــادة دائــا أحــد العوامــل احلاســمة يف نجــاح أي‬


‫مؤسســة‪ ،‬والطريقــة التــي يتــم اتباعهــا وكذلــك املنهــج الــذي‬
‫يؤمــن بــه القائــد مجيعهــا تؤثــر يف صياغــة املنــاخ الوظيفــي‪ ،‬وبنــاء‬
‫العالقــات‪ ،‬وتوزيــع األدوار‪ ،‬وبــث الدافعيــة عنــد العاملــن‪ .‬نحــن‬
‫نتوقــع الكثــر مــن القيــادة باعتبارهــا املوجــه حلركــة املؤسســة‪،‬‬
‫واالعتقــاد الســائد يفــرض عــى القــادة الكثــر مــن املســؤولية‬
‫وااللتــزام جتــاه مــا يقومــون بــه مــن أعــال مــع فــرق العمــل‪،‬‬
‫وبالتــايل هــم بحاجــة رضوريــة لتبنــي مبــادئ ناجحــة يف غالــب‬
‫الظــروف وحتــت أي اعتبــارات خمتلفــة‪.‬‬
‫تكــون األســاس للقيــادة األصيلــة‬
‫ّ‬ ‫إننــا نســتمد املبــادئ التــي‬
‫مــن جمموعــة مــن معتقداتنــا وقناعاتنــا وســلوكياتنا لكننــا لــن‬
‫نعــرف املبــادئ الســليمة أبــد ًا إال إذا اختربناهــا حتــت الضغــط‪ ،‬مــن‬
‫الســهل نســبي ًا أن تضــع قائمــة مــن املبــادئ التــي تؤمــن بأمهيتهــا يف‬
‫جمــال القيــادة عندمــا تكــون األوضــاع عــى مــا يــرام‪ ،‬أمــا عندمــا‬
‫يكــون النجــاح ومســتقبل املؤسســة عــى املحــك فأنــت تتعلــم مــا‬
‫الــيء األكثــر أمهيــة؟ مــا الــذي أنــت عــى اســتعداد للتضحيــة‬
‫بــه ومــا الــذي ال يمكنــك التضحيــة بــه حتــت أي ظــرف مــن‬
‫الظــروف؟‬

‫‪124‬‬
‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬
‫إن مبــادئ القيــادة هــي قيــم مطبقــة عملي ـ ًا‪ ،‬لــذا فــإن امتــاك‬
‫قاعــدة صلبــة مــن املبــادئ‪ ،‬واختبارهــا يف الظــروف الصعبــة‬
‫ســوف يمكــن القائــد مــن تطويــر املبــادئ التــي يســتخدمها يف‬
‫القيــادة بشــكل عــام‪ ،‬حيــث تعمــل املبــادئ عــى إضفــاء مزيــد ًا‬
‫مــن العمــل املؤســي املمنهــج للقيــادة‪ ،‬وجتعــل بيئــة العمــل مكانـ ًا‬
‫أفضــل يملــؤه الرضــا الوظيفــي والرغبــة يف اإلنجــاز‪ ،‬وهــذا هــو‬
‫حتــدي القيــادة األصيلــة‪.‬‬
‫وقــد وضــع عــدد مــن علــاء القيــادة البارزيــن أمثــال بوســنر‬
‫‪ ،‬كــوزس ( ‪ )2008‬عــددا مــن املبــادئ املوجهــة لنجــاح العمليــة‬
‫القياديــة ‪ ،‬وحتقيــق النتائــج املرجــوة يف أي مؤسســة ‪ .‬وهــي كالتــايل‪:‬‬
‫‪ -1‬املبدأ األول‪( :‬مبدأ وضع نموذج واضح لألداء)‪:‬‬
‫* مــن املفــرض عــى القائــد أن يــارس ويطبــق وســائل وطــرق‬
‫يف قيادتــه للعمــل تنبــع مــن أفــكاره وآرائــه‪ ،‬وأن يشــعر مــن حولــه‬
‫بمــدى إيامنــه واقتناعــه هبــذه األفــكار‪ ،‬ويتحقــق ذلــك مــن خــال‬
‫حتــدث القائــد عــن النمــوذج املفضــل لــأداء بوضــوح وباســتمرار‬
‫أمــام اآلخريــن‪.‬‬
‫* كثــر مــن القــادة يتحــدث بإســهاب مبينــا انزعاجــه مــن‬
‫أســلوب األداء اخلاطــئ‪ ،‬ويرتكــز حديثــه عــا ال يفــرض أن يقــع‬
‫املوظفــن فيــه مــن أخطــاء‪ ،‬واحلقيقــة املهمــة التــي جيــب الرتكيــز‬
‫عليهــا أن يكــون حديــث القائــد دائــا يف اجتــاه أســلوب األداء‬
‫األمثــل وليــس العكــس ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬
‫* مــن املهــم أن حيــدد القائــد النمــوذج األمثــل لــأداء حتديــد ًا‬
‫واضح ـ ًا للجميــع ووفق ـ ًا لألعــال املختلفــة لألقســام ‪ ،‬بحيــث ال‬
‫خيضــع األمــر لالجتهــادات الشــخصية أو التأويــل الزائــف ‪ ،‬عليــه‬
‫أن حيــدد مــا يريــد مــن املوظفــن بشــكل واضــح ودقيــق ‪،‬‬
‫* متــى مــا كان القائــد جمــرد شــخص يقلــد بشــكل أعمــى‬
‫ألفــكار وســلوكيات اآلخريــن فسيشــعر مــن حولــه أنــه رجــل ٍ‬
‫خاو‬
‫وتابــع وخيفــت بداخلهــم شــعور الــوالء لــه وتأييــده ومنارصتــه‪.‬‬
‫* عــى القائــد أن يقــود أتباعــه مــن منطلــق مــا يؤمــن بــه ‪ ،‬وال‬
‫حيــدث ذلــك بالــكالم فقــط ‪ .‬الــكالم مرحلــة رضوريــة ليفهــم‬
‫اجلميــع مبــادئ قائدهــم بصــورة واضحــة يرتافــق مــع ذلك ســلوك‬
‫القائــد الــذي يامرســه أمــام اﻵخريــن والــذي جيــب أن يمثــل‬
‫إيامنــه الفعــي ملبادئــه وآرائــه ‪.‬‬
‫‪ -2‬املبدأ الثاين (مبدأ احلث عىل رؤية مشرتكة)‬
‫* إن أي شــخص بــا مؤيديــن وبــا منارصيــن وبــا فريــق‬
‫عمــل خملــص ﻻ يمكــن أن يكــون قائــدا ولــن يتبعــه أي فــرد دون‬
‫أن يتأثــر برؤيتــه فالقائــد احلقيقــي هــو ذلــك الشــخص امللهــم‬
‫واملوحــي وصاحــب التطلعــات واآلمــال املســتقبلية ‪.‬‬
‫* حتــى يتمكــن القائــد مــن طــرح رؤيــة مؤثــرة وموحيــة‬
‫وملهمــة ألتباعــه جيــب أن يكــون عــى درايــة وفهــم بآمــال‬
‫وطموحــات وتطلعــات مــن يقودهــم وأن يفتــح حــوار ًا مشــرك ًا‬
‫معهــم يقــوده لطــرح رؤيــة مؤثــرة تشــرك مــن خالهلــا تطلعاتــه‬

‫‪126‬‬
‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬
‫وتطلعات اﻵخرين من حوله ‪.‬‬
‫* البــد أن يمتلــك القائــد القــدرة عــى فهــم القضايــا املعقــدة‬
‫يف مؤسســته ‪ ،‬والقــدرة عــى رســم رؤيــة للمســتقبل تثــر محــاس‬
‫املوظفــن ‪ ،‬واخلــرة العمليــة لرتمجــة االســراتيجية إىل خطــة‬
‫ملموســة تتصــف بإمكانيــة التنفيــذ ‪.‬‬
‫‪ - 3‬املبدأ الثالث ‪ ( :‬مبدأ القيادة حتدي )‬
‫* القــادة احلقيقيــون أشــخاص مواجهــون وجريئــون إن لدهيــم‬
‫القــدرة عــى حتــدي اإلجــراءات العقيمــة التــي قــد يفرضهــا‬
‫النظــام املتبــع يف املؤسســة كــا أهنــم يؤمنــون أن التجربــة والفشــل‬
‫واملخاطــرة طريــق حتمــي لإلنجــاز والتطويــر ‪.‬‬
‫* حيقــق القــادة التحــدي بطريقة مدروســة ‪ ،‬ﻻ بشــكل عشــوائي‬
‫أو شــخيص متهــور إذ أن إنجــاز حــاالت مــن االنتصــارات الصغرية‬
‫عــى بعــض املعوقــات يعطــي العاملــن ثقــة كبــرة يف أنفســهم‬
‫ويمدهــم بالرغبــة يف حتــدي املواقــف األكثــر خطــورة‪.‬‬
‫* يف املؤسســات التقليديــة والتــي تضــع عــددا كبــرا مــن‬
‫العراقيــل لإلنجــاز وتثقــل القــادة بالكثــر مــن اللوائــح والتعاميــم‬
‫والقــرارات املتضاربــة يصبــح مبــدأ التحدي أكثــر إحلاحـ ًا ورضورة‬
‫إذ أن جبــن القائــد عــن جتــاوز مثــل تلــك العقبــات ســيجعل العمل‬
‫رتيب ـ ًا ومعقــد ًا وبطيئ ـ ًا وتتأثــر ثقافــة املنظمــة بذلــك فينتــر فيهــا‬
‫الرتاخــي والكســل واالتــكال عــى اآلخريــن والســلبية التامــة جتــاه‬
‫التطويــر والتحســن‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬
‫* هــذا املبــدأ يعطــي القائــد مزيــد مــن الــوالء والدعــم مــن‬
‫املوظفــن ‪ ،‬حيــث ســينظرون لــه كقائــد ذكــي يســتطيع مواجهــة‬
‫التحديــات دون الوقــوع يف أرضار أو خمالفــات متهــورة ‪ ،‬ويشــيع‬
‫جــو مــن اجلديــة واإلتقــان يف العمــل ‪ ،‬ويفتــح العقــول للتفــاؤل‬
‫والبحــث دائــا عــن حلــول للعقبــات والتحديــات التــي تواجــه‬
‫املؤسســة ‪.‬‬
‫‪-‬املبدأ الرابع ‪( :‬مبدأ متكني اﻵخرين من الترصف)‬
‫* إن الــرؤى العظيمــة ﻻ تتحقــق بمجهــود فــردي فالقيــادة‬
‫جهــد فريــق‪ *.‬إن القــادة الناجحــون يدركــون أن أســاليب األوامــر‬
‫والســيطرة والرقابــة الشــديدة والتــي كانــت ســائدة يف العصــور‬
‫القديمــة مل يعــد هلــا قبــول اﻵن وأهنــا أســاليب تعمــل عــى كبــت‬
‫املوظفــن وتقييــد قدراهتــم وبالتــايل يكــون إنتاجهــم وفــق احلــد‬
‫األدنــى مــن العمــل ‪.‬‬
‫* القــادة املؤثــرون جيعلــون مــن حوهلــم يشــعرون بالقــوة والثقة‬
‫والقــدرة عــى التطويــر واإلبــداع ويعطوهنــم الفرصــة لالنطــاق‬
‫وللتــرف مــن خــال قدراهتــم وطاقاهتــم الكامنــة فــا يكبتــون‬
‫هــذه الطاقــات ألن العاملــن معهــم لــن يبذلــوا كل مــا يف وســعهم‬
‫ولــن يعملــوا بجهــد فــوق املطلــوب منهــم إذا جعلهــم القائــد‬
‫يشــعرون بالكبــت والضعــف واالتكاليــة ‪.‬‬
‫* القــادة احلقيقيــون قــادرون عــى صناعــة القــادة اجلــدد ‪ ،‬إن‬
‫صدورهــم تتســع لــكل موظــف يرغــب الرتقــي والتطــور يف جمــال‬

‫‪128‬‬
‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬
‫عملــه ‪ ،‬وحتــى أولئــك الذيــن يتعثــرون تبقــى األيــدي ممتــدة هلــم‬
‫ليعاجلــوا ســلوكهم وينهضــوا مــع فريــق العمــل ويشــاركوا يف‬
‫اإلنجــاز بعيــد ًا عــن التأنيــب املســتمر أو قطــع آماهلــم يف أن يكونــوا‬
‫موظفــن قادريــن عــى التميــز والعطــاء ‪.‬‬
‫‪ - 5‬املبدأ اخلامس ‪ ( :‬مبدأ التشجيع والتحفيز )‬
‫* جيــب عــى القــادة أن يشــجعوا أتباعهــم باســتمرار حتــى‬
‫يســتمروا بالعطــاء والعمــل عــى حتقيــق الرؤيــة املشــركة‪.‬‬
‫* هــذا التحفيــز والتشــجيع جيــب أن يكــون مدروســ ًا وذكيــ ًا‬
‫وصادقـ ًا يف الوقــت نفســه ‪ .‬إن التحفيــز وســيلة مهمــة الســتمرارية‬
‫األداء اجليــد ورفــع الــروح املعنويــة للموظفــن ‪ ،‬ومــامل حيقــق ذلــك‬
‫فقــد يعــود بالــرر والســلبية وفقــدان الثقــة بــن القائــد واﻵخريــن‬
‫مــن حولــه ‪.‬‬
‫* النــاس حــن يــرون دجــاالً أو منافقـ ًا أو رئيسـ ًا ﻻ هــم لــه إال‬
‫صورتــه اإلعالميــة أو ذلــك الــذي يظهــر أمــام اﻵخريــن عــى أنــه‬
‫املحســن املتفضــل عليهــم سيســبب هلــم مثــل هــذا القائــد شــعورا‬
‫باالشــمئزاز وخيلــق أجــواء ســلبية بينهــم وبينــه‪.‬‬
‫* إن التحفيــز الــذي يقــوم عــى فهــم القائــد لعواطــف وقيــم‬
‫اﻵخريــن مــن حولــه ‪ ،‬وبالتــايل اختيــار وقــت وطريقــة التحفيــز‬
‫املناســبة والصادقــة لــكل شــخص يســتحقها بحســب املهمــة التــي‬
‫اســتطاع املوظــف إنجازهــا ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫املبادئ اخلمسة للقيادة املؤثرة‬
‫* مــن أفضــل طــرق التحفيــز والتشــجيع خلــق أجــواء إجيابيــة‬
‫يف العمــل وإضفــاء روح املــرح واملحبــة والتعــاون بعيــدا عــن‬
‫التوتــر والضغينــة واملؤامــرات ‪.‬‬
‫* يعــد التمكــن الوظيفــي مــن أهــم أشــكال التحفيــز للموظف‬
‫وذلــك مــن خــال إعطــاءه الصالحيــات املناســبة التــي تيــر‬
‫قدرتــه عــى اإلنجــاز بشــكل فعــال ‪ ،‬ودعمــه معنوي ـ ًا ومادي ـ ًا ممــا‬
‫يشــجع األداء املتميــز بــن مجيــع أفــراد املؤسســة ‪.‬‬
‫تســاعد مثــل هــذه املبــادئ عــى إجيــاد نجــاح منظــم داخــل‬
‫املؤسســة ‪ ،‬يقــدر فيهــا املوظفــون القيــادة املؤثــرة ويتفاعلــون‬
‫بــاألداء معهــا بــل ويســعون إىل إجيادهــا ‪ ،‬حيــث متتــاز هــذه املبــادئ‬
‫بقدرهتــا عــى خلــق احلالــة الوظيفيــة املتحفــزة لإلنجــاز ‪ .‬وهــي‬
‫جتعــل مــن القيــادة أســلوب ًا أكثــر منهجيــة وأســهل كيفيــة ً ‪ ،‬إن‬
‫تطبيــق هــذا األســلوب مــن القيــادة املرتكــز عــى املبــادئ يعــد مــن‬
‫وجهــة نظــري املهمــة املتكاملــة للقيــادة ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫خرافات عن القيادة‬

‫خرافات عن القيادة‬

‫مثلــا هــي املفاهيــم الراســخة والســليمة عــن القيــادة منتــرة‬


‫وتلقــى رواجــ ًا عنــد القــادة األكثــر نجاحــ ًا‪ ،‬إالَّ أنــه ولألســف‬
‫أيضــا تنتــر العديــد مــن اخلرافــات حــول عمــل القيــادة‪ ،‬وهــي‬
‫كذلــك تلقــى رواجــ ًا لــدى القــادة األقــرب تعرضــ ًا للفشــل يف‬
‫حياهتــم املهنيــة‪ .‬واخلرافــة ببســاطة هــي معلومــات ال أصــل هلــا‬
‫وهــي بعيــدة عــن املنطقيــة ولكــن هلــا مــا يربرهــا يف الســلوك‬
‫اإلنســاين والــذي جيعلهــا أكثــر قبــوالً وانتشــار ًا بــن النــاس ‪ .‬وبنــاء‬
‫أي مفهــوم أو مبــدأ قيــادي أو إداري عــى خرافــة يعنــي أن هــذا‬
‫البنــاء يتجــه للســقوط إن عاجـ ً‬
‫ا أو آجـاً‪ ،‬ألن اخلرافــات مــا هــي‬
‫إال أوهــام ال يمكــن أن تصمــد يف عــامل الواقــع ‪.‬‬
‫وقــد تعــددت الكتابــات حــول اخلرافــات يف جمــال القيــادة ‪،‬‬
‫نظــر ًا ألن هــذا املجــال ال حيتمــل عــى اإلطــاق العمل أو االســتناد‬
‫عــى األوهــام إذ رسعــان مــا تكــون النتائــج كارثيــة ويتــرر منهــا‬
‫القائــد واملرؤوســن وكذلــك املســتفيدين مــن أداء املؤسســة ‪.‬‬
‫يذكــر ( ســامويل ) يف كتابــه إدارة اجلــودة الشــاملة عــن عــدد مــن‬
‫اخلرافــات حــول مفهــوم القيــادة ‪ ،‬هــذه اخلرافــات تكونــت خــال‬
‫الســنوات القديمــة نتيجــة ممارســات وأفــكار خاطئــة يف أذهــان‬
‫النــاس عــن القيــادة‪ ،‬وباتــت هــذه اخلرافــات مــن معوقــات حتقيــق‬
‫اجلــودة يف املنظــات فطبيعــة العــر والنــاس قــد اختلفــت ومل‬

‫‪131‬‬
‫خرافات عن القيادة‬
‫يعــد ملثــل هــذه اخلرافــات مــكان يف العمــل املؤســي ‪ .‬مــن هــذه‬
‫اخلرافــات مــا يــي ‪:‬‬
‫*خرافــة حــق امللكيــة ‪ :‬وهــو اعتقــاد القائــد أو املرؤوســن بــأن‬
‫القائــد هــو مالــك املنظمــة ولــه حــق التــرف فيهــا بحســب رغبته‬
‫وكيفــا يشــاء‪ .‬وذلــك ينتــج بطبيعــة احلــال حتــت تأثــر أحــد أمريــن‬
‫‪ ،‬ومهــا أن القائــد يمكــن أن يكــون قــد وصــل ملنصبــه بطريقــة‬
‫شــاقة جــد ًا وحمفوفــة باملغامــرة واملخاطــرة وبالتــايل يتملكــه شــعور‬
‫باالســتحقاق الكامــل هلــذا املوقــع ‪ ،‬بــل يتعــدى ذلــك إىل شــعور‬
‫باالســتحقاق مللكيــة املــكان الــذي يديــره‪ ،‬باعتبــار أن مــا مــن‬
‫شــخص آخــر قــدم التضحيــات الالزمــة لذلــك كــا قدمهــا هــو‬
‫‪ ،‬أمــا األمــر اآلخــر فيحــدث عندمــا يمــي القائــد فــرة طويلــة‬
‫جــدا يف إدارة مؤسســة مــا للدرجــة التــي يشــعر عندهــا أن هــذه‬
‫املؤسســة لــن يفهمهــا أحــد كــا يراهــا هــو ‪ ،‬وال يوجــد شــخص‬
‫أكثــر خــرة بتارخيهــا ومراحــل تطورهــا مثلــه ‪ ،‬وبالتــايل تتحــول‬
‫هــذه األحاســيس إىل ترصيــح ذايت بأحقيــة متلــك هــذه املؤسســة ‪.‬‬
‫ويف كل احلــاالت فــإن تصــور مثــل هــذا هــو بدايــة ســقوط القيــادة‬
‫‪ ،‬ألن ملخــص هــذا الــدور إنــا هــو خرافــة تبحــث عــن تربيــر‬
‫ليــس إالَّ ‪ .‬مجيعنــا نقــود منظــات علينــا االعــراف ألنفســنا منــذ‬
‫أول حلظــة للعمــل بأننــا ال نملــك هــذه املؤسســات‪ ،‬وإنــا نعمــل‬
‫عــى قيادهتــا لتحقيــق األهــداف املنشــودة ‪ .‬والوقــوع يف فــخ خرافــة‬
‫حــق امللكيــة سيســبب للقائــد سلســلة طويلــة مناملصادمــات مــع‬

‫‪132‬‬
‫خرافات عن القيادة‬
‫املرؤوســن ‪ ،‬كــا أن ســلوكه القيــادي ســيصطبغ باألنانيــة والغــرور‬
‫وتلــك أخطــر الصفــات التــي يمكــن أن تدمــر املنظومــة القياديــة يف‬
‫أي بيئــة عمــل كانــت ‪.‬‬
‫* خرافــة « نعــم أهيــا الرئيــس» ‪ :‬أن يقول كل شــخص يف املنظمة‬
‫نعــم أهيــا الرئيــس لــكل مــا يفعلــه أو يقولــه القائــد ‪.‬هــذه قاعــدة قد‬
‫يراهــا املوظــف أحيانـ ًا ســبي ً‬
‫ال للنجــاة مــن أي مصادمــة مــع رئيــس‬
‫العمــل ‪ ،‬ويف حــال اقتنــع القائــد أيض ـ ًا أن املوظــف اجليــد بالنســبة‬
‫لــه هــو ذلــك الــذي جييبــه دومــا باملوافقــة الدائمــة ‪ .‬فــإن مؤسســة‬
‫مثــل هــذه ســتتحول إىل مرسحيــة هزليــة مــن التهريــج والنفــاق‪ ،‬ال‬
‫تتطــور األعــال وال يمكــن جتويــد مهمــة مــا إالَّ مــن خــال النقــد‬
‫املوضوعــي ‪ ،‬وخرافــة نعــم أهيــا الرئيــس تلغــي أي بــوادر حمتملــة‬
‫للنقــد ‪ ،‬كــا أهنــا حتــول اهتــام املوظــف مــن حتســن العمــل إىل‬
‫حتســن عالقتــه مــع الرئيــس عــى حســاب العمــل ‪ ،‬والقائــد الــذي‬
‫ال يرغــب ســاع الصــوت املعــارض‪ ،‬أو يعتقــد أن خمالفتــه يف الــرأي‬
‫شــكل مــن أشــكال التعــدي عــى مكانتــه ‪ ،‬يفتقــر إىل أبســط وأهــم‬
‫مقومــات القائــد احلقيقــي ‪ .‬ألن القائــد الفعــال ال خيشــى النقــد وال‬
‫تربكــه وجــود أصــوات خمالفــة لــه ‪ ،‬بــل هــو عــى أتــم االســتعداد‬
‫لتبنــي وجهــة النظــر املخالفةلــه يف حــال وجــد ذلــك مــن مصلحــة‬
‫العمــل وســبي ً‬
‫ال جلــودة املخرجــات ‪ .‬إن هــذه اخلرافــة يشــرك فيهــا‬
‫الرئيــس واملــرؤوس فكالمهــا يف غالــب األحيــان مــن يصنــع ومهـ ًا‬
‫مماثـ ً‬
‫ا ويعتقــدون معــه أنــه جينبهــم الكثــر مــن الرصاعــات‬

‫‪133‬‬
‫خرافات عن القيادة‬
‫واملشاكل‪.‬‬
‫* خرافــة األب الروحــي ‪ :‬وتوجــد هــذه اخلرافــة يف الغالــب يف‬
‫املؤسســات املحافظــة حيــث يصبــح القائــد إنســان أعــى وأكمــل‬
‫وجيــب أن يــأيت املرؤوســن إليــه ويتذللــون بــن يديــه ‪ ،‬وهنــا‬
‫تتحــول شــخصية القائــد إىل إنســان يبحــث عــن تقديــس مــن‬
‫حييطــون بــه ‪ ،‬وبــدالً مــن أن يكــون القائــد هــو املحفــز والــذي‬
‫يعطــي املرؤوســن االهتــام والتقديــر يتحــول األمــر إىل شــكل‬
‫عكــي حيــث يكــون قائــد املؤسســة حمــل قداســة وتبجيل مســتمرة‬
‫‪ ،‬ويتعــن عــى مجيــع العاملــن تقديــم فــروض الطاعــة والــوالء لــه‬
‫مــن وقــت آلخــر ‪ .‬ويتحــول اهتــام املؤسســة يف هــذه احلالــة مــن‬
‫جتويــد العمــل وحتقيــق األهــداف إىل مزيــد مــن التكريــس لتقديــس‬
‫القائــد والعمــل عــى إشــباع روح العظمــة لديــه ‪ .‬وبالتأكيــد مثــل‬
‫هــذه اخلرافــة كفيلــة بتشــتيت العمــل والنشــاط حتــى أن املؤسســة‬
‫مــع مــرور الوقــت قــد تنســى اهلــدف الــذي وضعــت مــن أجلــه‬
‫ويصبــح تركيزهــا عــى القائــد أكثــر ممــا يتطلبــه العمــل مــن تركيــز‬
‫واهتــام ‪.‬‬
‫* خرافــة االســتقاللية ‪ :‬وهــو اعتقــاد خاطــئ يــرى فيــه القائــد‬
‫أنــه املســؤول عــن كل يشء يف املؤسســة وأنــه ليــس بحاجــة ملشــورة‬
‫أو معونــة اآلخريــن وهــذا بالتأكيــد يتنــاىف مــع فكــر العمــل‬
‫املؤســي وفــرق اجلــودة‪ ،‬فقــد أصبحــت املنظــات يف العقــود‬
‫األخــرة أقــل متســك ًا بالســلم الوظيفــي وأكثــر متســك ًا باألســلوب‬

‫‪134‬‬
‫خرافات عن القيادة‬
‫التعــاوين ‪ .‬واالســتقالل بالــرأي مل يعــد الســبيل املناســب يف عــامل‬
‫مؤســي شــديد املنافســة وشــديد التعقيــد ‪ .‬كــا أن هــذه اخلرافــة‬
‫تتســبب يف هــدر كبــر لإلمكانيــات والكــوادر البرشيــة يف بيئــة‬
‫العمــل ‪ ،‬وغيــاب أيضــ ًا ملشــورة اخلــراء التــي حتمــل الفهــم‬
‫العميــق ملجريــات اإلنتــاج والعوامــل املؤثــرة فيــه ‪ .‬ويصبــح األداء‬
‫وحتقيــق األهــداف مرهــون بــرأي شــخص واحــد ال يمكــن لــه‬
‫مهــا وســعت حيلتــه إدراك مجيــع األبعــاد واملتغــرات املؤثــرة يف‬
‫املؤسســة ‪ .‬ممــا قــد ينتــج عنــه قــرارات بالغــة الــرر ‪ ،‬كــا ســيؤدي‬
‫هــذا االســتبداد بالــرأي إىل إحبــاط املوظفــن فرأهيــم غــر مســموع‬
‫وإن كان يمثــل احلقائــق املهمــة لتجنــب املشــكالت أو لتحســن‬
‫خمرجــات املؤسســة‪.‬‬
‫* خرافــة الدائــرة املغلقــة ‪ :‬وهــو اعتقــاد القائــد أنــه واملقربــن‬
‫لــه مــن نــواب ومســاعدين هــم وحدهــم مــن يفهمــون العمــل وال‬
‫يعرتفــون بمواهــب وقــدرات وخــرات التنفيذيــن ‪ ،‬ومثــل هــذه‬
‫احلالــة دائ ـ ًا مــا ختلــق فجــوة كبــرة بــن أصحــاب القــرار وبــن‬
‫التنفيذيــن يف ميــدان العمــل ‪ ،‬ممــا جيعــل اخلطــط والقــرارات ال‬
‫تطبــق بالصــورة الصحيحــة ‪ ،‬وتواجــه معوقــات ال تفهمهــا تلــك‬
‫الدائــرة املغلقــة وبالتــايل ال يمكنهــا إدراك حلوهلــا ‪ ،‬ويصــاب‬
‫العمــل بحالــة مــن االرتبــاك والتخبــط والقــرارات املتضاربــة ‪.‬‬
‫وتتحــول العالقــة بــن هــذه الدائــرة وبــن املوظفــن التنفيذيــن‬
‫إىل عالقــة تصــادم وتبــادل اهتامــات ممــا يشــيع جــوا مشــحونا ال‬

‫‪135‬‬
‫خرافات عن القيادة‬
‫يمكن معه جتويد العمل أو حتسني األداء‪.‬‬
‫*خرافــة القداســة ‪ :‬حيــث يــرى القائــد أن األنظمــة واللوائــح‬
‫ال تطبــق يف حقــه فهــو حالــة اســتثنائية وخاصــة بخــاف غــره مــن‬
‫املوظفــن ‪ ،‬وقــد يســود هــذا االعتقــاد حتــى يعتــاد حتــى املوظفــن‬
‫عــى تقبــل هــذه الفكــرة ‪ ،‬فــرون أنــه بإمــكان القائــد وحــده أال‬
‫يمتثــل للوائــح واألنظمــة إنــا البقيــة فليزمهــم ذلــك ‪ .‬وال شــك‬
‫ا مبــارش ًا النتشــار الفســاد يف املنظمــة ‪،‬‬
‫أن ذلــك ســيكون مدخــ ً‬
‫وســيدرك اجلميــع متأخــر ًا أن غيــاب القائــد القــدوة الــذي يطبــق‬
‫النظــام عــى نفســه أوالً قبــل اآلخريــن هــو صــام األمــان ضــد‬
‫املحســوبية والفســاد ‪ .‬ولــن يكــون مــن الســهل لقائــد ال يلتــزم‬
‫باملعايــر واألنظمــة أن يقنــع املرؤوســن بتطبيــق تلــك األنظمــة ‪،‬‬
‫وهــذا يقــود ملشــكلة أكــر وهــي غيــاب االمتثــال للقائــد والشــك‬
‫يف مصداقيتــه ‪ ،‬وســقوط احرتامــه لــدى أفــراد العمــل ‪ .‬ومتــى مــا‬
‫فقــدت الثقــة يف القائــد فهــذا أمــر ال يمكــن تعويضــه أو إعــادة‬
‫بنائــه‪.‬‬
‫يضيــف فيليــب ســالدر يف كتابــه ( القيــادة ) عــدد مــن اخلرافــات‬
‫حــول مفهــوم القيــادة وجيملهــا عــى النحــو التايل‪:‬‬
‫*خرافــة القيــادة مهــارة نــادرة‪ :‬هــذا غــر صحيــح فرغــم أن‬
‫القــادة العظــاء ربــا يكونــون شــيئ ًا نــادر ًا‪ ،‬إال أن معظــم النــاس‬
‫لدهيــا إمكانيــات القيــادة‪ ،‬واألهــم مــن ذلــك أن بعض األشــخاص‬
‫يمكــن أن يكونــوا قــادة يف مؤسســة معينــة بينــا يلعبــون أدوار ًا‬

‫‪136‬‬
‫خرافات عن القيادة‬
‫عاديــة متامــ ًا يف مؤسســة أخــرى‪ .‬وهنــاك فــرص عديــدة للقيــادة‬
‫ومعظمهــا يف متنــاول معظــم النــاس‪.‬‬
‫*خرافــة القــادة يولــدون وال يصنعــون وهــذا غــر صحيــح‬
‫فاحلقيقــة هــي أن معظــم القــدرات والكفــاءات اخلاصــة بموضــوع‬
‫القيــادة يمكــن تعلمهــا‪ .‬ونحــن مجيعــ ًا قــادرون عــى تعلمهــا‬
‫رشيطــة أن تكــون لدينــا اإلدارة الالزمــة لذلــك‪.‬‬
‫*خرافــة القــادة لدهيــم شــخصية كاريزميــة‪ .‬نعــم بعضهــم‬
‫كذلــك ولكــن الكثرييــن منهــم ليســوا كذلــك‪.‬‬
‫*خرافــة القيــادة توجــد عــى قمــة املؤسســة فقــط‪ .‬يف احلقيقــة‬
‫كلــا زاد حجــم املؤسســة زاد احتــال تعــدد أدوار القيــادة‬
‫هبا‪*.‬خرافــة القائــد يســيطر ويوجــه‪ .‬هــذا ليــس هــو احلــال أيضـ ًا‪.‬‬
‫فالقيــادة ليســت ممارســة للســلطة بقــدر ماهــي متكــن لآلخريــن‬
‫ومنحهــم الســلطة‪ .‬فالــدور احلقيقــي للقــادة يتمثــل فيــا يقدمونــه‬
‫مــن إهلــام لآلخريــن وليــس يف جمــرد توجيــه األوامــر إليهــم فالقيادة‬
‫هــي عمليــة متكــن للنــاس مــن اســتخدام قدراهتــم وخرباهتــم‬
‫وإمكانــات املبــادرة لدهيــم‪.‬‬
‫هــذه اخلرافــات تشــكل املعــوق األســايس يف إجيــاد ثقافــة‬
‫تنظيميــة تســاهم يف حتقيــق اجلــودة داخــل املؤسســة ومــامل تتنبــه‬
‫القيــادات عــى كافــة مســتوياهتم للحــد مــن حصــول هــذه الظواهر‬
‫وإال فســيكون منــاخ العمــل ســلبي وال يســاعد عــى اإلنجــاز‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫يا صديقي املدير‬

‫يا صديقي املدير‬

‫يــا صديقــي املديــر‪ ،‬إن اإلدارة أمــر غريــب حقــا ً! فالنــاس‬


‫عندمــا يســمعون كلمــة (مديــر) يقومــون مبــارشة وبطريقــة أبعــد‬
‫مــا تكــون عــن الوعــي‪ ،‬بفــرض قائمــة طويلــة مــن املواصفــات‬
‫واملســؤوليات واملعايــر املمكنــة وغــر املمكنــة عــى عاتــق‬
‫حامــل لقــب (املديــر)! ومــع ذلــك فــإن مثــل هــذه الرؤيــة التــي‬
‫ترفــع ســقف التوقعــات‪ ،‬بــل ربــا تلغــي الســقف متامــا‪ ،‬جعلــت‬
‫عــى عاتــق املديريــن مســؤولية التطويــر مثلهــا كمثــل مســؤولية‬
‫املحافظــة عــى املكتســبات‪ ،‬وبظنــي لــوال هــذه النظــرة اإلنســانية‬
‫غــر الواعيــة ملــا يفــرض أن يكــون عليــه املديــر‪ ..‬لكانــت حالــة‬
‫احليــاة اإلداريــة والتنظيميــة يف املؤسســات واملنظــات يرثــى هلــا ‪.‬‬
‫يف هــذا الصــدد يدخــل بنــا عــامل اإلدارة والتنميــة البرشيــة‬
‫االنجليــزي « ريتشــارد متبلــر» يف الذهنيــة االجتامعيــة والعمليــة‬
‫ملعنــى أن تكــون مديــرا ً ‪ ..‬إنــك كمديــر يتوقــع منــك الكثــر مــن‬
‫األشــياء ‪ ،‬أن تكــون ســندا ً قويــا ً ‪ ،‬وقائــدا ً وجمــددا ً ‪ ،‬وســاحرا‬
‫ً ‪ -‬جيــذب زيــادة يف املــوارد والوظائــف ويــريض العمــاء بعصــاه‬
‫الســحرية ‪ -‬وجيــب أن يكــون أبــا ً أو عــا ً يف منتهــى العطــف‬
‫‪ ،‬وصــدرا ً حنونــا ً يلجــأ اآلخريــن إليــه ! وحمفــز ًا وملهــا ً ‪ ،‬وأن‬
‫تكــون قاضيــا ً صارمــا ً وعــادالً ‪ .‬وأن تكــون دبلوماســي ًا ‪ ،‬وعراف ـ ًا‬
‫يف الرتشــيد وخفــض امليزانيــات ‪ ،‬وأن تكــون حاميــا ً وخملصــا ً‪،‬‬

‫‪138‬‬
‫يا صديقي املدير‬
‫وصاحل ـ ًا‪ ،‬وإنســان ال يقهــر !! وعليــك أن تعــرف وحــدك ‪ -‬ألن‬
‫املرؤوســن ال يتذكــرون ذلــك أبــدا ً ‪ -‬أنــك مســؤول عــن جمموعــة‬
‫مــن املوظفــن ربــا مل يكــن لــك دور يف اختيارهــم ‪ ،‬وربــا ال حتبهــم‬
‫‪ ،‬ومــن اجلائــز أهنــم ال حيبونــك ‪ ،‬ومــن املمكــن أال يكــون هنــاك‬
‫يشء مشــرك بينكــم ‪ ،‬وعليــك أن حتصــل منهــم عــى قــدر معقــول‬
‫مــن اإلنتــاج يف العمــل كل يــوم ‪ ،‬وعليــك أن تتأكــد مــن أهنــم ال‬
‫يســببون املشــاكل ألنفســهم أو لبعضهــم البعــض ‪ ،‬وأهنــم يطبقــون‬
‫الترشيعــات التــي تتبناهــا مؤسســتك ‪ ،‬وعليــك أن تكــون ملــا ً‬
‫بحقوقــك ‪ ،‬وحقوقهــم ‪ ،‬وحقــوق املؤسســة ‪ ،‬وحقــوق الدولــة ‪.‬‬
‫وباإلضافــة إىل كل هــذا ‪ ،‬فإنــه يكــون مطلوبــا ً منــك أداء مهامــك‬
‫الوظيفيــة أيضــ ًا ‪ ،‬كــا جيــب أن تكــون هادئــا ً ومتامســك ًا ‪ ،‬فــا‬
‫يمكنــك أن تــرخ ‪ ،‬أو أن تقــذف باألشــياء ‪ ،‬أو أن يكــون لــك‬
‫أشــخاص مقربــون ‪ .‬أنــت يــا صديقــي مســؤول عــن االهتــام‬
‫بفريــق العمــل ‪ ،‬ومــن املمكــن أن يتــرف هــذا الفريــق أحيانــا‬
‫مثــل األطفــال أو املراهقــن الســيئني حيــث يصلــون إىل العمــل‬
‫يف وقــت متأخــر ‪ ،‬ويتغيبــون دون إذن ‪ ،‬ويرفضــون القيــام بعمــل‬
‫حقيقــي إذا حــروا ‪ ،‬وينرصفــون مــن العمــل مبكــرا ً وأشــياء مــن‬
‫هــذا القبيــل ‪ ،‬يف الوقــت الــذي ينــدر أن يكــون بمقــدورك فصلهــم‪.‬‬
‫وقائمــة املهــام ال تنتهــي ‪.‬‬
‫وبموقعــك كمديــر ‪ ،‬ســتكون مهــزة الوصــل بــن اإلدارة العليــا‬
‫وفريــق العمــل ‪ ،‬ويمكــن أن تصــل إليــك أوامــر تافهــة مــن قبــل‬

‫‪139‬‬
‫يا صديقي املدير‬
‫اإلدارة العليــا ‪ ،‬ويكــون عليــك حينهــا أال تضحــك مــن هــذا‬
‫القــرارات أو تتعجــب منهــا ‪ ،‬بــل عليــك أن توصلهــا ألعضــاء‬
‫الفريــق وتتصنــع أمهيــة تنفيذهــا رغــم علمــك برضرهــا البالــغ‬
‫عــى ســر العمليــات ‪.‬‬
‫أنــت لســت مســؤوال ً عــن املوظفــن فحســب ‪ ،‬ولكنــك أيضـ ًا‬
‫مســؤول عــن امليزانيــات واالنضبــاط واالتصــاالت والكفــاءة‬
‫واألنظمــة واللوائــح والشــؤون القانونيــة واملســائل الشــخصية‬
‫واإلجــازات وأعطــال العمــل ‪ ،‬ومجــع املــال لــراء هدايــا‬
‫املتقاعديــن ‪ ،‬وقوائــم العمــل ‪ ،‬واملعايــر واجلــودة‪ ،‬والتخطيــط ‪،‬‬
‫والتدريــب ‪ ،‬واللقــاءات ‪ ،‬واالجتامعــات بــكل أشــكاهلا وأنواعهــا ‪.‬‬
‫وعليــك أيضــا ً أن تدخــل يف رصاعــات مــع األقســام األخــرى‬
‫وفــرق العمــل األخــرى واملســتفيدين واملديريــن األعــى وإدارات‬
‫امليزانيــات ‪ .‬وعليــك أيضــا ً أن تكــون النمــوذج الــذي حيتــذى بــه ‪،‬‬
‫وهــذا معنــاه أنــك ســتضطر ألن تصــل يف املوعــد املحــدد ‪ ،‬مهندمــا ً‬
‫يف ثيابــك ‪ ،‬جمــدا ً يف عملــك ‪ ،‬دؤوبـ ًا ‪ ،‬وأن تكــون آخــر مــن ينرصف‬
‫‪ ،‬وأول مــن حيــر ‪ ،‬غــر متحيــز ألحــد ‪ ،‬متحمــ ً‬
‫ا املســؤولية ‪،‬‬
‫مراعيـ ًا اآلخريــن ‪ ،‬حكيــا ً ببواطــن األمــور ‪ ،‬واســع احليلــة ‪ ،‬بعيــدا‬
‫ً عــن اخلطــأ ‪ ،‬والقائمــة تطــوول ‪..‬‬
‫وعليــك أن تقبــل بوصفــك مديــر ًا فقــد تتعــرض للســخرية أو‬
‫يمكــن وصفــك باملديــر املعرقــل للنجــاح ‪ ،‬ومــن املمكــن احلكــم‬
‫عليــك مــن قبــل املوظفــن أو اإلدارة العليــا بأنــك شــخص غــر‬

‫‪140‬‬
‫يا صديقي املدير‬
‫كــفء أو حتــى شــخص ال حاجــة إليــه يف تنفيــذ املهمــة احلقيقــة‬
‫املوكلــة إىل فريــق العمــل ‪.‬‬
‫واحلقيقــة بعــد هــذا كلــه‪ .‬إنــك مل تــرد إال أن تقــوم بعملــك‪،‬‬
‫وعملــك يــراه اجلميــع بمزايــدات ال هنايــة هلــا‪ ،‬ليســت يف احلقيقــة‬
‫موجهــة لشــخصك‪ ،‬ولكنهــا نظــرة قــد رســمت عــر فــرات‬
‫طويلــة مــن الزمــن ملــن يريــد تــويل هــذه املهمــة‪ .‬إنــك بحاجــة‬
‫لتحديــد عملــك بتصــور ذايت خــاص فيــك‪ ،‬جيعــل مــا تقــوم بــه‬
‫أكثــر تصنيف ـ ًا ووضوح ـ ًا‪ ،‬إذن يــا صديقــي يعــوزين أن أقــول لــك‬
‫ملخــص مــا يــراه (ريتشــارد متبلــر) يف كتابه الشــهري قواعــد اإلدارة‪.‬‬
‫حيــث حيــدد عمــل املديــر يف جانبــن رئيســيني مهــا‪:‬‬
‫‪ -1‬إدارة الذات‪.‬‬
‫‪ -2‬إدارة العمليات ‪.‬‬
‫إن املديــر هــو املوظــف الــذي يشــكل جــزء ًا مــن فريــق إدارة‬
‫املؤسســة ‪ ،‬ويعتمــد عليــه يف ممارســة الســلطة املخولــة إليــه يف إدارة‬
‫فريــق العمــل والنواحــي الوظيفيــة وامليزانيــات ‪ ،‬وذلــك لتحقيــق‬
‫أهــداف املؤسســة ‪ .‬إن املديريــن مســئولني عــن إدارة املــوارد البرشية‬
‫واالتصــاالت وتطبيــق القيــم املشــركة وترســيخها ‪ ،‬وأخالقيــات‬
‫املؤسســة وثقافتــه ‪ ،‬وكذلــك تقــع عــى عاتقهــم قيــادة التغيــر‬
‫وإدارتــه ‪ .‬ومــن هــذا ينطلــق مفهومنــا ملهمــة املديــر ‪ ،‬والــذي فيــا‬
‫يبــدو أنــه يعمــل مــع أشــخاص ‪ ،‬وهــؤالء األشــخاص يمكــن‬
‫تعريفهــم بشــكل تقريبــي بالفريــق أو القســم أو الطاقــم‪ ،‬والتســمية‬

‫‪141‬‬
‫يا صديقي املدير‬
‫يف احلقيقــة ليســت ذات بعــد جوهــري ‪ ،‬ولكــن ( إدارة الــذات)‬
‫تســتلزم معرفــة اخلطــأ الــذي يقــع فيــه معظــم املديريــن ‪ ،‬وهــو‬
‫اعتقادهــم أهنــم يديــرون النــاس ‪ ،‬ويظنــون أن النــاس هــم أدواهتــم‬
‫ورصيدهــم اإلداري والفنــي ‪ .‬فــإذا جعلــت فريقــك ناجحــ ًا ‪،‬‬
‫فســتجعل مــن نفســك مديــر ًا ناجحــا ً وســتكون املؤسســة ناجحة‪..‬‬
‫أو هكــذا تقــول النظريــة ‪ .‬واحلقيقــة أن علينــا كمديريــن أن نعمــل‬
‫مــع بــر هلــم اخلصائــص البرشيــة املشــركة ‪ ،‬وعلينــا معرفــة مــا‬
‫حيفزهــم ‪ ،‬وكيــف يفكــرون ويشــعرون ‪ ،‬وملــاذا يأتــون إىل العمــل؟‬
‫وملــاذا يبذلــون قصــارى جهدهــم ( أو أقــل جهدهــم ) ‪ ،‬ومــم‬
‫خيافــون ‪ ،‬وفيــم يأملــون ‪ ،‬وبــاذا حيلمــون ‪ ،‬وعلينــا تشــجيعهم ‪،‬‬
‫وتوجيههــم ‪ ،‬ومنحهــم املصــادر الالزمــة ألداء أعامهلــم وإدارة‬
‫أنفســهم ‪ ،‬ومراقبــة عملياهتــم ‪ ،‬ووضــع االســراتيجيات هلــم ‪،‬‬
‫وجيــب أن نقلــق عليهــم ‪ ،‬ونســاندهم ‪ ،‬وندعمهــم ؛ ولكــن علينــا‬
‫أال نديرهــم ‪ ،‬بــل سنســمح هلــم بــإدارة أنفســهم ‪ ،‬وســنركز عــى‬
‫دورنــا احلقيقــي يف إدارة املؤسســة ‪.‬‬
‫تتعلــق إدارة الــذات ‪ ،‬بــإدراك املديــر أمهيــة نفســه ‪ ،‬حيــث‬
‫جيــب أن تعــرف أنــك أهــم شــخص يف الفريــق ‪ ،‬ليــس ألنــك‬
‫شــخص أفضــل أو أكثــر خــرة أو قيمــه أو أي أمــر جيعلــك تعظــم‬
‫مــن شــأن نفســك ‪ .‬ولكنــك أهــم شــخص يف الفريــق ألن كل‬
‫اآلخريــن ســوف ينظــرون إليــك كقــدوة ‪ ،‬أنــت مــن ســيضع‬
‫املقيــاس ملــا جيــب أن يصلــوا ‪.‬إذا أدرت العمــل بطــرق عشــوائية ‪،‬‬

‫‪142‬‬
‫يا صديقي املدير‬
‫أو قمــت بخيانتهــم ‪ ،‬أو انتابــك القلــق مــن أن أفــراد فريقــك أفضل‬
‫منــك‪ ،‬أو عاملتهــم بطريقــة فظــة‪ ،‬أو حاولــت منعهــم مــن التفــوق‬
‫عليــك ‪ ،‬أو جتسســت عليهــم ‪ ،‬أو أي يش مــن هــذا القبيــل ‪ ،‬فــإن كل‬
‫مــا يمكنــك مــن خاللــه مــن التأثــر عليهــم ســيكون غــر جمديـ ًا ‪،‬‬
‫باعتبــار أن النــاس تقبــل العمــل مــع قليــل اخلــرة ‪ ،‬أو املبالــغ يف‬
‫طموحــات أداء املؤسســة ‪ ،‬لكنهــا ال تســتطيع العمــل مــع إنســان‬
‫ال يســتطيع إدارة ذاتــه ‪ ،‬فاقــد الثقــة يف نفســه ويف اآلخريــن ويلجــأ‬
‫للمامرســات غــر األخالقيــة يف العمــل ‪.‬‬
‫بالتأكيــد يــا صديقــي لســت ممــن ينخــرط يف مثــل هــذه‬
‫األســاليب ‪ ،‬لكــن هنــاك أمــور أخــرى متعلقــة بــإدارة الــذات ‪،‬‬
‫فكثــرة الشــكوى ‪ ،‬والتذمــر مــن إرهــاق العمــل ‪ ،‬والبــوح لفريــق‬
‫العمــل بمــدى اشــتياقك لإلجــازة والراحــة ‪ ،‬والبحــث دومـ ًا عــن‬
‫احلــل األســهل وجتنــب العمــل الشــاق ‪ ،‬مثــل هــذه الصفــات‬
‫الذاتيــة ســتنتقل لفريــق عملــك دون قصــد ‪ ،‬وأنــت بالتأكيــد ال‬
‫ترغــب بذلــك ؛ إن إدارة الــذات ‪ ،‬حتتــم عــى املديــر أن يكــون هادئـ ًا‬
‫مرتاحـ ًا واثقـ ًا وحازمـ ًا وقــادر ًا عــى تــويل مســؤولياته بــكل رحابــة‬
‫صــدر ‪ ،‬بــل ومســتمتع ًا بذلــك ‪.‬‬
‫أمــا مــا يتعلــق بــإدارة العمليــات ‪ ،‬فهــي عمليــة ســتنقلك مــن‬
‫االهتــام بشــأن األفــراد إىل شــأن األداء العــام يف املؤسســة ‪،‬ولــن‬
‫تبحــث عــن الناجحــن يف العمــل بقــدر بحثــك جلعــل عمليــات‬
‫املؤسســة تنجــح بمشــاركة وأداء املوظفــن ‪ ،‬ســينتقل تركيــزك‬

‫‪143‬‬
‫يا صديقي املدير‬
‫مــن كيــف ســيؤدي املوظفــون العمــل ‪ ،‬إىل كيــف ســيكون األداء‬
‫املطلــوب إنجــازه ‪ ،‬مــا خطواتــه ‪ ،‬وكيــف يعمــل بشــكل احــرايف‬
‫ويقــاس ويمكــن تقييمــه بشــكل واضــح ‪،‬ســتصيغ األفــكار اجليــدة‬
‫لآلخريــن ‪ ،‬وستشــجع مفاهيــم الــوالء وروح الفريــق الواحــد ‪،‬‬
‫ســتثق بفريــق العمــل وســتظهر هــذه الثقــة هلــم ‪ ،‬ســتعمل عــى‬
‫توفــر اجلــو املالئــم لــأداء املتميــز ‪ ،‬وستســمح بــكل الطــرق‬
‫والوســائل التــي تــؤدي للهــدف وتصنــع الفــارق ‪ ،‬ســتجعل‬
‫أســلوبك يســر وفــق مــا يناســب كل عضــو يف الفريــق ‪ ،‬وســتحرتم‬
‫الفروقــات الفرديــة ‪ ،‬ولــن يكــون لــك الــرأي احلاســم عــى‬
‫الــدوام يف كل موضــوع ‪ .‬ســتضع للجميــع توقعــات واضحــة‬
‫لســر وطريقــة العمــل ‪ ،‬ولــن حتــاول تربيــر األنظمــة والترصفــات‬
‫اخلاطئــة ‪ ،‬وســتصنع يف داخــل الفريــق شــعور ًا بأهنــم يعرفــون أكثــر‬
‫منــك ‪ ،‬حتــى لــو مل يكــن ذلــك صحيحـ ًا ‪ ،‬وســتدرب فريــق عملك‬
‫عــى أن يأتــوا باحللــول قبــل أن يأتــوك باملشــكالت ‪.‬‬
‫هــذان البعــدان اجلوهريــان مهــا مــا عليــك الرتكيــز ‪ ،‬إدارة‬
‫الــذات ‪ ،‬وإدارة العمليــات ‪ ،‬مــن خالهلــا ســتجعل عملــك متوازنــا‬
‫ومتكام ـ ً‬
‫ا ‪ ،‬وبالتأكيــد لــن تضيــع يف دوامــة املســؤوليات التــي ال‬
‫حــدود هلــا يف عــامل اإلدارة ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫الرؤية االسترشافية‬

‫الرؤية االستشرافية‬

‫يف عــامل القيــادة دائــا مــا تبــدأ الرحلــة بالرؤيــة االســترشافية‪،‬‬


‫إن القائــد بحاجــة العتــاء الســارية حتــى يصــل إىل أعــى نقطــة يف‬
‫ســفينة العمــل‪ ،‬وذلــك ليتفحــص البحــر واألفــق عــى مــدار ‪360‬‬
‫درجــة وأن حيــاول البحــث عــن االجتاهــات واملســارات اجلديــدة‬
‫وأن يتجنــب االجتاهــات اخلطــرة‪.‬‬
‫تلــك الرؤيــة جيــب أن تتوفــر قبــل أن تبــدأ املســرة فالرؤيــة‬
‫تعنــي تفه ـ ًا للواقــع احلــايل‪ ،‬وقــدرة عــى دراســة املســتقبل‪ -‬بــل‬
‫وصناعتــه أحيان ـ ًا‪ -‬يتثمــل الواقــع ببيئــة العمــل واملنــاخ التنظيمــي‬
‫واملنافســون والعمــاء‪ ،‬وتتمثــل دراســة املســتقبل بتحديــد‬
‫االجتاهــات ورســم السياســات التــي مــن شــأهنا حتقيــق النجاحــات‬
‫واســتدامة األربــاح‪.‬‬
‫تتجــى أهــم أدوار القــادة بتمكنهــم عــى اكتشــاف الرؤيــة‬
‫االســترشافية املناســبة ملســتقبل مؤسســاهتم أو رشكاهتــم‪ ،‬وقدرهتــم‬
‫عــى تقييــم أخطــار أحــد املســارات ومقارنتهــا مــع املســارات‬
‫األخــرى مــع النظــر بعــن االعتبــار ملســتجدات البيئــة اخلارجيــة‪،‬‬
‫وتطلعــات العمــاء‪ ،‬وتقلبــات الســوق‪ .‬هــذه الرؤيــة االســترشافية‬
‫ستســهل فيــا بعــد دور فــرق التخطيــط ورؤســاء األقســام مــن‬
‫التوصــل إىل أكثــر الطــرق أمان ـ ًا ورسع ـ ًة هلــذه الوجهــة‪ ،‬وكذلــك‬
‫اختيــار األدوات والوســائل املناســبة لعمليــة العبــور نحــو حتقيــق‬

‫‪145‬‬
‫الرؤية االسترشافية‬
‫الرؤيــة‪ .‬لذلــك عنــد القــادة األكثر حكمــة ال تبــدأ عمليــة التخطيط‬
‫قبــل أن ينظــر القائــد مــن األعــى ويســترشف املســتقبل ويــرى مــع‬
‫فريقــه الوجهــة املناســبة للعمــل الــذي يتقنــون تقديمه للمســتفيدين‬
‫واملجتمــع‪ .‬يؤكــد هــذا املعنــى مــا ذكــره خبــر اإلدارة األمريكــي‬
‫فرانــك ماكنيــز « إذا بدأنــا العمــل دون قــراءة دقيقــة ملعطيــات البيئــة‬
‫ودون أن تكــون لنــا رؤيــة واضحــة وسياســة متامســكة فإننــا ســوف‬
‫نخفــق أمــام أنفســنا وأمــام رشكتنــا وأمــام فريــق العمــل‪ ،‬فســوف‬
‫نقــوم بزيــادة معــدالت إنتــاج بعــض املنتجــات بمجــرد ارتفــاع‬
‫معــدل املبيعــات هلــا والــذي ال يلبــث أن يأخــذ يف االنخفــاض‪ .‬كــا‬
‫قــد نقــوم بزيــادة عــدد العاملــن مــن أجــل تصنيــع أحــد املنتجــات‬
‫التــي تكــون يف الفــرات األخــرة مــن مرحلــة انتشــارها‪ ،‬أو قــد‬
‫ً‬
‫خطــأ أن هنــاك طلبــ ًا متزايــد ًا عــى أحــد املنتجــات التــي‬ ‫نعتقــد‬
‫تكــون يف الفــرات األخــرة مــن مرحلــة انتشــارها»‪.‬‬
‫مــن هــذا يتضــح أنــه مــن أهــم املهــام التــي جيــب أن يقــوم هبــا‬
‫القــادة واملديريــن‪ .‬الوقــوف عــى الرؤيــة االســترشافية املناســبة‪.‬‬
‫ومــن ثــم البــدء يف إعــداد السياســات العامــة التــي تضــع املحددات‬
‫ألولئــك الذيــن ســيرشعون يف عمليــات التخطيــط التشــغييل إذ تأيت‬
‫أمهيــة أســئلة مثــل‪ :‬مــا املجــال الــذي نجيــد العمــل فيــه؟ مــا هــي‬
‫نقــاط القــوة لدينــا؟ مــا هــو الســوق الــذي مل يتــم إغراقــه بعــد؟‬
‫كيــف يمكننــا أن نســتحوذ عــى هــذا الســوق بحيــث يعــود علينــا‬
‫باألربــاح؟ مــا هــي التطــورات التكنولوجيــة التــي هلــا تأثــر يف‬

‫‪146‬‬
‫الرؤية االسترشافية‬
‫مســار عملنــا؟ مــا هــي البنيــة التحتيــة الالزمــة لتحقيــق السياســات‬
‫اجلديــدة؟ هــل ســنقوم بالتعامــل مبــارشة مــع العمــاء أم أننــا‬
‫ســوف نســتعني بشــبكة موزعــن؟ هــل نقــوم بتملــك جهــات‬
‫التصنيــع أم نســتعني بمصــادر خارجيــة؟ هــل نكــون مبدعــن‬
‫فنيــن أم نكــون مقلديــن رسيعــن؟‬
‫إن الــركات واملؤسســات يمكنهــا حتقيــق النجــاح إذا وضعــت‬
‫يدهــا عــى الرؤيــة املناســبة وحــددت السياســات بشــكل دقيــق‬
‫ثــم التــزم العاملــون هبــا‪ .‬وكــا تقــول احلكمــة اإلداريــة « سياســة‬
‫جيــدة بنســبة ‪ %80‬ويتــم تطبيقهــا بالتــزام ‪ %100‬تتفــوق عــى‬
‫سياســة جيــدة بنســبة ‪ %100‬ويتــم تنفيذهــا بالتــزام ‪ .%80‬إن‬
‫االلتــزام بالرؤيــة والسياســات واإليــان هبــا أمــر مهــم ومــن‬
‫املفاتيــح الرئيســية التــي تضمــن نجــاح العمــل‪ .‬ويمكــن حتقيــق‬
‫االلتــزام بالرؤيــة والسياســات مــن خــال إرشاك احلــد املناســب‬
‫مــن املوظفــن يف عمليــات صياغــة السياســات وحتديــد األهــداف‬
‫وبنــاء اخلطــط التشــغيلية ممــا حيقــق انســجام ًا متكامـ ً‬
‫ا بــن القيــادة‬
‫واجلهــات التنفيذيــة ويشــجع بيئــة العمــل عــى االلتــزام والتقيــد‬
‫بتلــك السياســات‪ ،‬فمن احلقائــق اإلداريــة اجلوهرية أن األشــخاص‬
‫الذيــن يكونــون عــى مقربــة مــن جمريــات األمــور داخــل العمــل‬
‫تكــون لدهيــم رؤيــة أفضــل عــن الكيفيــة التــي جيــب أن يســر هبــا‬
‫العمــل‪ .‬والقــادة األكثــر كفــاءة دائــ ًا مــا هيتمــون إلرشاك احلــد‬
‫املمكــن مــن العاملــن يف عمليــات صناعــة القــرار‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الرؤية االسترشافية‬
‫يمكــن أن نختــم هــذا املقــال بالتأكيــد عــى رضورة أن يكــون‬
‫القــادة عــى درايــة باملــكان الذين يريــدون أن تتجــه إليه مؤسســاهتم‬
‫ورشكاهتــم قبــل أن يبــدأوا يف وضــع اخلطــط‪ .‬بالتأكيــد ليــس‬
‫هــذا وحــده كافي ـ ًا للنجــاح يبقــى هنــاك تفاصيــل تنفيذيــة مهمــة‬
‫ورضوريــة‪ .‬لكــن دون الرؤيــة االســترشافية لــن يكــون لتلــك‬
‫التفاصيــل أي أمهيــة‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫سلوك القادة‬

‫سلوك القادة‬

‫يعــد ســلوك القائــد أحــد أهــم املوضوعــات التــي تناولتهــا‬


‫الدراســات واألبحــاث خــال القــرن الواحــد والعرشيــن‪ ،‬حيــث‬
‫أن ســلوكات القــادة تنعكــس عــى شــخصياهتم التــي يظهــرون هبــا‬
‫أمــام املرؤوســن وبالتــايل عــى نــوع األســلوب الــذي ســيتبنونه يف‬
‫القيــادة‪.‬‬
‫ومــن املتفــق عليــه عمومـ ًا أننــا يمكــن أن نفهــم املزيد عــن طبيعة‬
‫القيــادة الفعالــة وكيــف يمكــن تنميــة قــدرات القــادة مــن خــال‬
‫دراســة الســلوك الفعــي للقــادة الناجحــن وأســاليب إدارهتــم أكثــر‬
‫مــن جمــرد حماولــة اكتشــاف الصفــات اخلاصــة التــي يمتلكوهنــا (‬
‫ســادلر‪2008 ،‬م)‪.‬‬
‫وقــد ركــزت عــدد مــن األبحــاث ( ســادلر‪2008 ،‬م) عــى‬
‫موضــوع ســلوك القائــد الناجــح الفعــال مــن خــال إجــراء‬
‫مقابــات مــع بعــض القــادة الذيــن يامرســون القيــادة واحلصــول‬
‫عــى آرائهــم‪ .‬وقــد أجــرى ( بينيــس و نانــوس ‪ 1985 ،‬م) لقــاءات‬
‫مــع تســعني قائــد ًا مــن القــادة البارزيــن ثالثــون منهــم مــن القطــاع‬
‫العــام وســتون مــن الرؤســاء التنفيذيــن يف الــركات وقــد حــددوا‬
‫أربــع اســراتيجيات أو جوانــب « لكفــاءة ســلوك القائــد» هــي ‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫سلوك القادة‬
‫‪ -1‬االنتباه من خالل الرؤية‪.‬‬
‫‪ -2‬املعنى من خالل عملية االتصال‪.‬‬
‫‪ -3‬الثقــة مــن خــال اختــاذ املوقــف املناســب ‪ -‬أن تكــون‬
‫ترصفاتــه منطقيــة يمكــن التنبــؤ هبــا وأن يكــون موقفــه واضحــ ًا‬
‫ويتمســك بــه‪.‬‬
‫‪ -4‬النظرة اإلجيابية للذات‪.‬‬
‫وقــد أعــد فــاركاس وويتلوفــر تقريــر ًا عــن دراســة قامــا هبــا‬
‫حــول أســلوب الرؤســاء التنفيذيــن يف القيــادة وقــد قامــا بإجــراء‬
‫مقابــات مــع مئــة وســتني مــن الرؤســاء التنفيذيــن مــن دول‬
‫عديــدة ومعظمهــم كان يــرأس مرشوعــات كــرى‪ .‬وكان اهلــدف‬
‫مــن البحــث هــو حتديــد مواقــف هــؤالء التنفيذيــن ونشــاطهم‬
‫وســلوكهم والبحــث عــن مواطــن التشــابه واالختــاف يف‬
‫أســاليبهم‪ .‬وقــد توصــل الباحثــون إىل وجــود مخســة أســاليب‬
‫خمتلفــة تعكــس األمهيــة النســبية التــي يعطيهــا هــؤالء التنفيذيــون‬
‫للجوانــب املختلفــة مــن دورهــم‪ .‬ومــن بــن النتائــج التــي توصلــوا‬
‫إليهــا أنــه يف الــركات الناجحــة ال يقــوم الرؤســاء التنفيذيــون‬
‫بدورهــم يف القيــادة بالطريقــة التــي تناســب شــخصياهتم أو ميوهلــم‬
‫الشــخصية بــل يقــودون الرشكــة باألســلوب الــذي يناســب‬
‫احتياجاهتــا وحالــة العمــل فيهــا وفيــا يــي يقــدم الباحثــون هــذه‬
‫األســاليب اخلمســة ( ســادلر‪2008 ،‬م‪،‬ص‪:)68‬‬

‫‪150‬‬
‫سلوك القادة‬
‫‪ -1‬أســلوب االســراتيجية‪ :‬يركــز هــؤالء الرؤســاء التنفيذيــون‬
‫عــى وضــع وتنفيــذ االســراتيجية طويلــة املــدى للرشكــة ويقضــون‬
‫اجلــزء األكــر مــن وقتهــم يف معاجلــة القضايــا اخلارجيــة للرشكــة‬
‫مثــل العمــاء والــركات املنافســة واجتاهــات الســوق والتطورات‬
‫التكنولوجيــة ويكلفــون كبــار املديريــن مــن زمالئهــم العاملــن يف‬
‫املؤسســة بمتابعــة العمليــات اليوميــة فيهــا نيابــة عنهــم ويقــدم‬
‫الباحثــون الرؤســاء التنفيذيــن لرشكــة كــوكا كــوال ورشكــة دل‬
‫للكمبيوتــر كأمثلــة عــى ذلــك‪.‬‬
‫‪ -2‬أســلوب رأس املــال البــري‪ :‬يعتقــد هــؤالء الرؤســاء‬
‫التنفيذيــون أن صياغــة االســراتيجية هــي مهمــة جيــب أن تتــم يف‬
‫وحــدات الرشكــة القريبــة مــن األســواق وهــم يــرون أن دور املديــر‬
‫التنفيــذي هــو وضــع جمموعــة مــن القيــم للمؤسســة والتأثــر عــى‬
‫مواقــف الرشكــة وســلوكيات العاملــن فيهــا‪ ،‬وهــم يقضــون جــزء ًا‬
‫كبــر ًا مــن وقتهــم يف الســفر وااللتقــاء بالنــاس والقيــام باألنشــطة‬
‫املتعلقــة باملــوارد البرشيــة مثــل اختيــار املوظفــن اجلــدد ومراجعــة‬
‫األداء وتطويــر العمــل وهــم بعبــارة أخــرى يركــزون عــى تطويــر‬
‫النســيج الثقــايف للرشكــة‪ .‬ومــن أمثلــة الرؤســاء التنفيذيــن الذيــن‬
‫يتبعــون هــذا الســلوك رؤســاء رشكــة جيليــت وبيبــي كــوال‬
‫ورشكــة ســاوث ويســت للخطــوط اجلويــة‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫سلوك القادة‬
‫‪ -3‬أســلوب املــروع‪ :‬الرؤســاء التنفيذيــون الذيــن يندرجــون‬
‫حتــت هــذا التصنيــف يركــزون عــى تنميــة وتطويــر خــرات‬
‫الرشكــة باعتبارهــا ميــزة تنافســية‪ .‬وهلــذا يقضــون معظــم وقتهــم‬
‫يف األمــور الفنيــة مثــل مواكبــة أحــدث التطــورات التكنولوجيــة‪،‬‬
‫وحتليــل منتجــات الــركات املنافســة والتعــرف عــى متطلبــات‬
‫العمــاء‪ .‬ومــن أمثلــة الرؤســاء التنفيذيــن الذيــن يتبعــون هــذا‬
‫األســلوب؛ رئيــس رشكــة موتــوروال ووكالــة أوجيلفــي ومــازر‬
‫اإلعالنيــة‪.‬‬
‫‪ -4‬أســلوب الصنــدوق‪ :‬يســتخدم فــاركاس وويتلوفــر هــذا‬
‫املصطلــح لوصــف ســلوك املديــر التنفيــذي الــذي يركــز معظــم‬
‫اهتاممــه عــى تطويــر الوســائل التــي تضمــن لــه الســيطرة وليــس‬
‫مــن الــروري أن تكــون أدوات الســيطرة هنــا أدوات ماليــة فقــط‬
‫فهــذه الســيطرة يمكــن أن تأخــذ شــكل املعايــر والتقاليــد الثقافيــة‬
‫ولكــن اهلــدف مــن هــذه الســيطرة هــو ضــان تناغــم وانضبــاط‬
‫ســلوك العاملــن وتقديــم مســتوى عــال مــن اخلدمــة املمتــازة‬
‫أو الســلع عاليــة اجلــودة للعمــاء وهــؤالء الرؤســاء التنفيذيــون‬
‫يقضــون معظــم وقتهــم يف مراجعــة التقاريــر الروتينيــة املعتــادة‬
‫حــول أمــور عديــدة مثــل النتائــج املاليــة أو مســتوى رضــا العمــاء‬
‫وهــم هيتمــون كثــر ًا أيضــ ًا بإعــداد خطــوات إجرائيــة مفصلــة‬
‫وواضحــة‪ .‬ومــن بــن الــركات التــي يقودهــا هــذا النــوع مــن‬
‫الرؤســاء رشكــة إتــش إس يب يس لألســهم وجمموعــة نــات ويســت‬

‫‪152‬‬
‫سلوك القادة‬
‫جروب واخلطوط اجلوية الربيطانية‪.‬‬
‫‪ -5‬أســلوب التغيــر‪ :‬هــؤالء الرؤســاء التنفيذيــون يــرون أن‬
‫وظيفتهــم هــي أن يكونــوا عوامــل مســاعدة عــى إحــداث التغيــر‪.‬‬
‫ومــن ثــم فإهنــم يقضــون جــل وقتهــم يف التحــدث حــول احلاجــة‬
‫إىل التغيــر وخلــق منــاخ داخــل املنظمــة يتقبــل التغيــر املســتمر‬
‫باعتبــاره النظــام الطبيعــي لألشــياء ومــن أمثلــة الرؤســاء الذيــن‬
‫يســتخدمون هــذا األســلوب جــون هــاريف جونــز رئيــس رشكــة آي‬
‫يس آي والرئيــس التنفيــذي لرشكــة تينيكــو وجولــد مــان ســاكس‪.‬‬
‫ويشــر الباحثــون إىل وجــود تداخــل بــن األســاليب التــي‬
‫يســتخدمها الرؤســاء التنفيذيــون فبعضهــم يســتخدم أكثــر مــن‬
‫أســلوب ولكــن البيانــات هــي التــي توضــح مــا هــو األســلوب‬
‫الســائد بوضــوح يف معظــم احلــاالت‪ .‬وتبعــا لــكل أســلوب تتبايــن‬
‫ســلوكات القــادة التــي تتأثــر تأثــر ًا كبــر ًا بنمــط الشــخصية حيــث‬
‫يتجــه ســلوك القائــد إىل األســلوب األكثــر قربـ ًا لنمــط شــخصيته‪.‬‬
‫فالشــخصية املحافظــة الروتينيــة لــن تكــون بطبيعــة احلــال يف‬
‫أســلوب التغيــر بــل هــي أقــرب ألســلوب الصنــدوق‪ .‬بينــا‬
‫الشــخصية اإلبداعيــة املتجــددة ســتكون أقــرب ألســلوب التغيــر‬
‫‪ .‬ومــا ينبغــي التأكيــد عليــه أنــه ليــس هنــاك أســلوب أفضــل مــن‬
‫اآلخــر ولكــن هنــاك أســلوب أكثــر مناســبة ألهــداف املؤسســة‬
‫وتطلعاهتــا املســتقبلية‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫املراجع‬

‫‪Y‬‬

‫‪154‬‬
‫املراجع‬
‫‪ -‬هيــل‪ ،‬لينــدا؛ الينبــاك‪ ،‬كــن ‪2019 (.‬م)‪ .‬بصفتــك رئيسـ ًا‪.‬‬
‫مكتبــة جريــر‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬ماكســويل‪،‬جون يس ‪2019(.‬م)‪ .‬تطويــر القائــد بداخلــك‪.‬‬
‫مكتبــة جريــر‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬هيــل‪ ،‬لينــدا ‪2009 (.‬م)‪ .‬كيــف تكــون مديــر ًا ناجحـ ًا‪ .‬دار‬
‫الفكــر‪ ،‬دمشــق‪ ،‬ســوريا‪.‬‬
‫‪ -‬ســادلر‪ ،‬فيليــب ‪2008 (.‬م)‪ .‬القيــادة‪ .‬جمموعــة النيــل‬
‫العربيــة‪ ،‬القاهــرة ‪ ،‬مــر‪.‬‬
‫‪ -‬ماكنــر‪ ،‬فرانــك ‪2001(.‬م)‪ .‬يمكنــك أن تطلــب منهــم أن‬
‫يعملــوا‪ .‬مكتبــة جريــر‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬جمموعــة مقــاالت ‪2017 (.‬م)‪ .‬عــن فــرق العمــل‪ .‬دار‬
‫العبيــكان ‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬جمموعــة مقــاالت ‪2017 (.‬م)‪ .‬عــن التواصــل‪ .‬دار‬
‫العبيــكان ‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬جمموعــة مقــاالت ‪2016 (.‬م)‪ .‬عــن قيــادة التغيــر‪ .‬دار‬
‫العبيــكان‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬جمموعــة مقــاالت ‪2017 (.‬م)‪ .‬عــن اختــاذ القــرارات‬
‫الذكيــة‪ .‬دار العبيــكان‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬جمموعــة مقــاالت ‪2016 (.‬م)‪ .‬عــن القيــادة‪ .‬دار العبيكان‪،‬‬
‫الســعودية‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫املراجع‬
‫‪ -‬ســايمون‪ ،‬هربــرت أي ‪1424 (.‬هـــ)‪ .‬الســلوك اإلداري‪.‬‬
‫معهــد اإلدارة العامــة‪ ،‬الريــاض‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬توفيــق‪ ،‬عبدالرمحــن ‪2004 (.‬م)‪ .‬اإلدارة باملعرفــة‪ .‬مركــز‬
‫اخلــرات املهنيــة لــإدارة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مــر‪.‬‬
‫‪ -‬ســاعايت‪ ،‬تومــاس ل ‪1420(.‬هـــ)‪ .‬صناعــة القــرار للقــادة‪.‬‬
‫معهــد اإلدارة العامــة‪ ،‬الريــاض‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬عبــوي‪ ،‬زيــد منــر ‪2009(.‬م)‪ .‬دور القيــادة الرتبويــة يف‬
‫اختــاذ القــرارات‪ .‬دار الــروق‪ ،‬عــان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬ماكســويل‪ ،‬جــون يس ‪2019(.‬م)‪ .‬قائــد الـــ ‪ 360‬درجــة‪.‬‬
‫مكتبــة جريــر‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬أيــون‪ ،‬جــو ‪2013(.‬م)‪ .‬وفــاة اإلدارة احلديثــة‪ .‬عــامل‬
‫الكتــب‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مــر‪.‬‬
‫‪ -‬ويلــش‪ ،‬جــاك؛ ويلــش‪ ،‬ســوزي ‪2019(.‬م)‪ .‬مكتبــة‬
‫جريــر‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬جروت‪،‬ديــك ‪2001(.‬م)‪ .‬االنضبــاط دون عقــاب‪ .‬مكتبــة‬
‫جريــر‪ ،‬الســعودية‪.‬‬
‫‪ -‬توفيــق‪ ،‬عبدالرمحــن ‪1998 (.‬م)‪ .‬املســارات األربعــة‬
‫للتفــوق‪ .‬مركــز اخلــرات املهنيــة لــإدارة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مــر‪.‬‬
‫‪ -‬جانــوف‪ ،‬جاثــان ‪2019 (.‬م)‪ .‬احلكمــة املكتســبة مــن‬
‫التعــب‪ .‬مكتبــة جريــر‪ ،‬الســعودية‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫ﻧﺒﺬة ﻋﻦ اﳌﺆﻟﻒ‬
‫د ﺧﻠﻴﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺣﻤﺪ اﻟﺸﺮﻳﻒ‬
‫ﻣﺨﺘﺺ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ‬

‫اﳌﺆﻫﻼت‬
‫ﺑﻜﺎﻟﻮرﻳﻮس اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻄﺎﺋﻒ‬
‫ﻣﺎﺟﺴﺘﻴﺮ اﻹدارة ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻌﻮد‬
‫دﻛﺘﻮراه اﻹدارة ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻌﻮد‬

‫اﻻﻧﺘﺎج اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ‬


‫‪ -‬دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ‬
‫‪-‬اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ ﻗﺎدة اﻟﻤﺪارس اﻷﻫﻠﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮﻳﺎض‬
‫‪ -‬ﻧﻤﻮذج ﻣﻘﺘﺮح ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ أداء اﻟﻘﻴﺎدات اﻟﻤﺪرﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ‬
‫اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻘﻴﺎدة ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ‬
‫‪ -‬ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﻻت ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻒ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬
‫‪ -‬ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻴﻦ ﻗﺼﺼﻴﺔ ﺣﺎزت ﻋﻠﻰ ﺟﻮاﺋﺰ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ‬

You might also like