You are on page 1of 2

‫ذ محمد بنعبو‬ ‫المستوى‪:‬السنة ‪ 2‬بكالورٌا‬ ‫مادة الفلسفة ‪ -‬مجزوءة الوضع البشري ‪ /‬مفهوم الغٌر ‪ -‬نموذج تطبٌقً حول صٌغة

ل صٌغة القولة (العالقة مع الغٌر)‬

‫"نحن فً عالقة غامضة مع الغٌر‪ ،‬تتردد بٌن التعاطف معه أو الخوف منه "‬ ‫القولة ‪:‬‬
‫لِ َم تكون العالقة مع الغٌر غامضة ؟‬
‫‪ - 1‬مطلب الفهم‪:‬‬
‫إن وعً األنا بوجودها كذات ‪ ،‬ال ٌمكن أن ٌكون بدون وجود اآلخرٌن‪ ،‬فالمرء ٌولد بمفرده وٌموت بمفرده‪ ،‬لكنه ٌحًى مع اآلخرٌن‪ ،‬وباآلخرٌن‬
‫ولآلخرٌن‪ ،‬ففً غٌاب الغٌر تعٌش األنا عزلة قاتلة‪ ،‬هذه الضرورة‪ ،‬أي ضرورة الغٌر بالنسبة لؤلنا‪ ،‬تفرض على األنا الدخول فً عالقة إٌجابٌة مع‬
‫الغٌر‪ ،‬ألن كل توثر بٌنهما ( األنا والغٌر)‪ٌ ،‬فضً (بالضرورة) إلى ضٌاع الطرفٌن‪ ،‬لكن األنا‪ ،‬وفً محاولتها للتواصل مع الغٌر‪ ،‬وتحقٌق الغاٌات‬
‫المنشودة معه‪ ،‬تصطدم بمفارقات ٌكشف عنها واقع هذا الغٌر نفسه ‪ ،‬فهو تارة ٌكشف عن عالم من السعادة والطمأنٌنة واالرتٌاح‪ ،‬وتارة أخرى‪،‬‬
‫ٌكشف عن عالم من القلق والتوثر والمعاناة‪ ،‬مما ٌجعل األنا فً حٌرة من أمرها‪ ،‬بٌن االندفاع نحو الغٌر وربط عالقات معه‪ ،‬أو االنعزال عنه‪ ،‬هذه‬
‫المفارقة وااللتباس الذي ٌكشف عنهم ا الغٌر‪،‬هو ما حاولت القولة إثارته بصٌغة سؤال مرفق (بها) " لِ َم تكون العالقة مع الغٌر غامضة ؟ " ‪.‬‬
‫تساؤل من هذا النوع‪ٌ ،‬جعل من موضوع العالقة مع الغٌر ‪ ،‬موضوعا إشكالٌا‪ٌ ،‬حمل مفارقات ٌمكن تبٌنها فً التساؤل التالً ‪:‬‬
‫إذا كان الغٌر وكما عرَّ فه الفٌلسوف الفرنسً الوجودي جون بول سارتر األنا الذي لٌس أنا"‪ ،‬وإذا قبلنا بضرورة وجود الغٌر ومعرفته المعرفة‬
‫الٌقٌنٌة‪ ،‬فكٌف ٌنبغً أن ُت ْب َنى العالقة معه ؟ فهل ٌنبغً بناء هذه العالقة على التفاهم والتعاون والتسامح‪ ،‬أم على الصراع واإلقصاء والتشًٌء ؟‬

‫‪ - 2‬مطلب التحلٌل‪:‬‬
‫ٌضعنا مضمون هذا القول أمام تصورٌن متناقضٌن للعالقة مع الغٌر‪(،‬إٌجابً وسلبً) ‪ ،‬وٌطالبنا بالبحث عن األسباب التً تكمن وراء الغموض الذي‬
‫ٌكتنف العالقة مع الغٌر‪ٌ ،‬مكن َت َبٌُّن هذا األمر بوضوح من خالل تفكٌك داللة األلفاظ والمفاهٌم الواردة فً القولة‪ ،‬والتً تفتتح بكلمة " نحن" والتً‬
‫تفٌد الجمع‪ ،‬أي األنا والغٌر‪ ،‬والتً تجمعهما عالقة غامضة‪ ،‬ولفظة غامضة هنا‪ ،‬تشٌر إلى معنى االلتباس والتناقض‪ ،‬وهو ما تكشف عنه ألفاظ‬
‫ومفاهٌم العبارة األخٌرة من القولة‪ ،‬ففعل " تتردد " ‪ٌ ،‬حٌل على الحٌرة والغموض‪ ،‬الذي توضحه كلمة " التعاطف معه " أو " الخوف منه "‪،‬‬
‫فالتعاطف هو المٌل اإلٌجابً لآلخرٌن‪ ،‬وٌحمل معنى المودة والمحبة والصداقة‪ ،‬أما الخوف ‪ ،‬فهو عكس التعاطف‪ٌ ،‬حمل معنى سلبٌا ممثال فً‬
‫االضطراب والقلق والمعاناة‪ ،‬فغموض العالقة مع الغٌر إذن فً هذا القول‪ٌ ،‬كمن فً التقابل الموجود بٌن التعاطف كمٌل إٌجابً مع الغٌر‪ ،‬والخوف‬
‫كحالة نفسٌة سلبٌة‪ ،‬تناقض ومفارقة عبر عنها مجموعة من المفكرٌن‪ ،‬القدماء منهم والمحدثٌن والمعاصرين ‪ ،‬فعلى مستوى العالقة اإلٌجابٌة مع‬
‫الغٌر‪ٌ ،‬مكن أن نجد فً مفهوم الصداقة تجل من تجلٌات التعاطف مع الغٌر‪ ،‬فهو مفهوم ٌحٌل على كل معانً المودة والمحبة والصدق‪ ،‬أما الخوف‬
‫كحالة نفسٌة سلبٌة‪ ،‬له نتائج مدمرة للذات‪ ،‬ممثلة فً القلق واأللم والمعاناة‪ ،‬لتنتهً إلى التشًٌء‪ ،‬أي تحوٌل األنا إلى موضوع أو شًء بٌن األشٌاء‪،‬‬
‫فمفهوم الصداقة كمفهوم إٌجابً عبَّر عنه أوَّ الً فً الٌونان القدٌمة‪ ،‬الفٌلسوف أرسطو ‪ .‬فقد منح هذا الفٌلسوف ( أرسطو) الصداقة أهمٌة كبرى فً‬
‫حٌاة اإلنسان ‪ ،‬إنها فً نظره تجلً من تجلٌات التعاطف مع اآلخرٌن‪ ،‬أو بتعبٌره " إحدى الحاجات األش ّد ضرورة للحٌاة "‪ ،‬وهو األمر الذي أكده‬
‫حٌث اعتبر الصداقة الماهٌة الحقٌقٌة التً تربط اإلنسان باآلخرٌن‪ ،‬مهما كان سن هذا اإلنسان ومرتبته االجتماعٌة‪ ،‬وما ٌدعم هذا القول بالنسبة‬
‫ألرسطو هو تأسٌس الصداقة على مفهوم " الفضٌلة "‪ ،‬والفضٌلة قٌمة أخالقٌة ومدنٌة‪ ،‬تنبً على محبة الخٌر والجمال لذاته أوال ثم لؤلصدقاء ثانٌا‪،‬‬
‫لذلك فهً تدوم وتبقى‪ ،‬بخالف صداقة المنفعة والمتعة التً تزول بزوالهما‪ ،‬والصداقة ضرورٌة ومطلب للحٌاة المشتركة‪ ،‬ولو أمكن قٌام صداقة‬
‫الفضٌلة بٌن الناس جمٌعا‪ ،‬لما احتاجوا إلى العدالة والقوانٌن‪ ،‬وفً هذا ٌقول أرسطو‪ " :‬الصداقة فضٌلة‪ ،‬أو هً على أقل مصحوبة بالفضٌلة‪ ،‬وفوق‬
‫ذلك فهً ضرورٌة على وجه اإلطالق للحٌاة‪ :‬فبغٌر أصدقاء ال أحد ٌرٌد العٌش‪ ،‬حتى ولو كان ٌنعم بجمٌع الخٌرات األخرى"‪.‬‬
‫أما التصور الفكري الذي ٌرى فً العالقة مع الغٌر‪ ،‬عالقة سلبٌة ‪ٌ ،‬طبعها الخوف والقلق والمعاناة‪ ،‬فقد عبَّر عنها فً العصر المعاصر الفٌلسوف‬
‫الفرنسً جون بول سارتر )‪ ، Jean Paul Sartre ( -1905 -1980‬فً مؤلفه‪ " :‬الوجود والعدم "‪ ، L'être et Le Néant‬لقد أكد سارتر أوَّ الً فً‬
‫هذا المؤلف‪ ،‬على ضرورة الغٌر لوجود األنا ‪ ،‬وهو ما ٌبدو واضحا من قوله ‪ " :‬الغٌر هو الوسٌط الذي ال غنى عنه بٌنً وبٌن نفسً"‪ ،‬لكن هذه‬
‫الضرورة‪ ،‬لم تلغ فً نظر سارتر سلبٌات الغٌر‪ ،‬فهو بنظراته –ٌقول سارتر‪ٌ -‬قٌد تصرفات األنا وٌرصد حركاتنا‪ ،‬بل ٌخلق لدٌها حاالت نفسٌة‬
‫متوترة‪ ،‬أبرزها حالة الخجل ‪ ، La Honte‬وهذه الحالة السٌكولوجٌة التً تنتاب األنا أحٌانا‪ ،‬ال ٌمكن الشعور بها إال بحضور اآلخر ونظراته ‪Ses‬‬
‫‪ ، Regards‬وفً هذا ٌقول سارتر‪ ":‬إن الخجل ‪ la Honte‬فً تركٌبه األول هو خجل من الذات أمام اآلخر‪ ،‬فأنا خجول من نفسً من حٌث أتبدى‬
‫للغٌر"‪ ،‬وٌضٌف موضحا‪(،‬بتصرف) " قد تصدر عنً حركة غٌر الئقة‪ ،‬وهذه الحركة تلتصق بً‪ ،‬ال أحكم علٌها وال ألومها‪ ،‬لكن بمجرد ما أشاهد‬
‫شخصا ٌرمقنً‪ ،‬وٌتبٌن لً أنه اكتشف ما فً حركتً هذه من سوقٌة‪ ،‬حتى أشعر بحالة الخجل تدب فً أوصالً‪ ،‬ال أجد لها مخرجا إال بالهروب‬
‫صبِ ُح‬‫إلً) ‪ ( Le Regard‬ف ٌُ َح َّيو لنً إلى موضوع‪ ،‬فأ ُ ْ‬
‫والتستر عن نظرات الغٌر التً تجمد حركاتً‪ ،‬فالرابطة بٌن األنا والغٌر‪ ،‬هو قدرته على النظر َّي‬
‫موجودا للغٌر أتحجر تحت نظرته‪ ،‬ومن هنا ٌنشأ جزعً وقلقً على نفسً‪ ،‬ألن إمكانٌاتً مهددة من طرفه‪ ،‬فهو بنظرته إلً ٌشلنً وأنا بدوري‬
‫شًء اآلخر‪،‬‬ ‫وأح ِّو لُه كذلك إلى موضوع‪ ،‬فهناك إذن هوة ال تردم بٌن األنا واآلخر‪ٌ ،‬ستحٌل معها كل التواصل‪ ،‬ألن كل منهما ٌُ ِّ‬
‫أنظر إلٌه وأشله َ‬
‫وٌسلب منه مقوماته كوعً وحرٌة وتلقائٌة وفرضٌة"‪ ،‬وهذا الوضع المقلق الناشئ عن نظرات الغٌر‪ ،‬هو ما دفع بسارتر ‪ ،‬بأن ٌختم مسرحٌة له‬
‫بعنوان‪ " :‬جلسة مغلقة" ‪ ، Huis Clos‬بعبارة مشهورة لدٌه‪ٌ ،‬قول فٌها‪ " :‬الجحٌم هم اآلخرون‪ ، L’Enfer, c’est les autres " ،‬عبارة تجسد‬
‫بوضوح العالقة السلبٌة مع الغٌر‪.‬‬
‫ٌبدو إذن ‪ ،‬من تحلٌل موقف كل من أرسطو وسارتر‪ ،‬وهما من المواقف المعبرة عن مضمون القولة‪ ،‬أن هناك فعال عالقة غامضة مع الغٌر‪ ،‬تتراوح‬
‫بٌن السلب واإلٌجاب ‪ ،‬لكن أي موقف من هذه المواقف السالفة الذكر‪ٌ ،‬مكن االطمئنان إلٌه‪ ،‬أي اعتبارها المقبولة أخالقٌا أثناء بناء عالقة مع الغٌر ؟‬
‫هل التعاطف والصداقة واالحترام‪ ،‬أم الخوف والقلق والمعاناة؟‬
‫ذ محمد بنعبو‬ ‫المستوى‪:‬السنة ‪ 2‬بكالورٌا‬ ‫مادة الفلسفة ‪ -‬مجزوءة الوضع البشري ‪ /‬مفهوم الغٌر ‪ -‬نموذج تطبٌقً حول صٌغة القولة (العالقة مع الغٌر)‬

‫‪ - 3‬مطلب المناقشة ‪:‬‬


‫لقد وجد موقف كل من أرسطو وسارتر من العالقة مع الغٌر ما ٌؤٌدهما من المفكرٌن‪ ،‬فعلى مستوى العالقة اإلٌجابٌة‪ٌ ،‬الحظ حضور (فً العصر‬
‫الحدٌث)‪ ،‬الفٌلسوف األلمانً كانط ‪ Emmanuel Kant‬الذي َبٌَّن فً مؤلف له بعنوان‪ " :‬مذهب الفضٌلة" ‪ ،‬على أهمٌة الصداقة فً حٌاة اإلنسان‪،‬‬
‫كشكل من أشكال العالقة اإلٌجابٌة مع الغٌر ‪ ،‬لكن الصداقة فً بعدها األخالقً كفضٌلة‪ ،‬ولٌس كمنفعة‪ ،‬مقتربا بذلك من أرسطو‪ ،‬ومبتعدا عنه فً‬
‫نفس الوقت‪ ،‬ألنه منح الصداقة داللة كونٌة‪ ،‬بحٌث سما بها عن كل االنتماءات العرقٌة والطبقٌة والدٌنٌة‪ ،‬فالصداقة لدٌه تقوم على مشاعر الحب‬
‫واالحترام المتبادل بٌن شخصٌن‪ ،‬وهً واجب أخالقً ٌنبغً على اإلنسان السعً نحو تحقٌقه‪ ،‬فالصداقة إذن تدخل ضمن المجال األخالقً للشخص‪،‬‬
‫الذي ٌعمل فٌه ذاته وذات اآلخرٌن‪ ،‬ال كوسٌلة وإنما كغاٌة‪....‬‬
‫صدى هذا القول الكانطً عن العالقة اإلٌجابٌة مع الغٌر‪ ،‬تردد أوَّ ال مع الباحثة األمرٌكٌة‪ ،‬ذات األصل األلمانً حنا أراندت‪ ،‬فً مؤلف لها بعنوان‪:‬‬
‫" دٌرٌدا وآخرون‪ ،‬المصالحة والتسامح "‪ ،‬فقد أكدت هً أٌضا على العالقة اإلٌجابٌة مع الغٌر‪ ،‬ومنحت الصداقة بعدا أخالقٌا‪ ،‬تمثل فً معانً‬
‫الحب والصفح واالحترام‪ ،‬وامتد صدى العالقة اإلٌجابٌة مع الغٌر ثانٌا‪ ،‬مع الباحثة والناقدة األدبٌة البلغارٌة جولٌا كرٌستٌفا ‪ ، Julia Kristeva‬لكن‬
‫الجدٌد عند هذه الباحثة‪ ،‬أنها لم تقف فً تأكٌدها على العالقة اإلٌجابٌة مع الغٌر‪ ،‬عند حدود الغٌر القرٌب أو الشبٌه‪ ،‬بل امتدت إلى الغٌر الغرٌب‪ ،‬وقد‬
‫عبرت عن هذا فً كتابها" ‪ ، : " Etrangers à nous-mêmes‬بالقول التالً ‪ " :‬لٌس الغرٌب‪ -‬الذي هو اسم مستعار للحقد ولآلخر‪ -‬هو ذلك‬
‫الدخٌل المسؤول عن شرور المدٌنة كلها‪ ،‬وال ذلك العدو الذي ٌتعٌن القضاء علٌه إلعادة السلم إلى الجماعة‪ ،‬إن الغرٌب ٌسكننا على نحو غرٌب‪،‬‬
‫إنه القوة الخفٌة لهوٌتنا‪ ...‬ونحن إذ نتعرف على الغرٌب فٌنا نوفر على أنفسنا أن نبغضه فً ذاته‪،"...‬هكذا تنتهً كرٌستٌفا إلى التأكٌد على أن‬
‫العالقة اإلٌجابٌة مع الغٌر‪ ،‬ال ٌنبغً أن تقف عند حدود الغٌر القرٌب أو الصدٌق‪ ،‬وإنما ٌنبغً أن تتجاوزها إلى الغٌر البعٌد أو الغرٌب‪ ،‬هذه مجمل‬
‫المواقف الفكرٌة التً دافعت عن العالقة اإلٌجابٌة مع الغٌر‪ ،‬لكن الموقف القائل بالعالقة السلبٌة كما ورد فً القولة‪ ،‬و المتمثل فً الخوف‪ ،‬وجد هو‬
‫أٌضا من ٌؤٌده من المفكرٌن‪ ،‬وهو الفٌلسوف األلمانً فردرٌك هٌجل )‪ ، F.Hegel (1770-1831‬الذي اعتبر الصراع هو أساس العالقة مع الغٌر ‪،‬‬
‫والصراع ال ٌمكن أن ٌ َُولِّد إال الخوف والقلق والمعاناة‪ ،‬سواء لدى المنتصر أوالمهزم‪ ،‬فالخوف ال ٌنتاب المنهزم فقط‪ ،‬بل أٌضا المنتصر‪ ،‬الذي ٌخاف‬
‫صراعٌة بٌن األنا والغٌر بمثال‪ :‬جدلٌة العبد‬‫من انتقام المنهزم منه‪ ،‬فكالهما فً حالة توثر وقلق وخوف من اآلخر‪ ،‬وقد َبٌ ََّن هٌجل طبٌعة العالقة ال ِّ‬
‫والسٌد‪ ،‬فً مؤلف له بعنوان ‪ " :‬فٌنومٌنولوجٌا الروح" ‪ ،‬ففً هذا المؤلف‪ ،‬حاول هٌجل أن ٌؤكد َّأوالً–كما هو الشأن بالنسبة لسارتر‪ -‬على ضرورة‬
‫وجود الغٌر بالنسبة لؤلنا ‪ ،‬لتشكٌل وعٌها بذاتها وممارسة وجودها فً العالم ‪ ،‬لكن انبثاق األنا من حٌث هً وعً بالذات‪ ،‬ال ٌمنح من طرف الغٌر‬
‫بشكل سلمً‪ ،‬وإنما ٌنتزع عبر صراع ٌخاطر فٌه كل من الوعٌٌن( األنا والغٌر) بحٌاته ‪ ،‬وٌسعى إلى موت اآلخر‪ ،‬فهو إذن صراع من أجل إثبات‬
‫الذات والحصول على اعتراف اآلخر باألنا ‪ ،‬دون أن ٌكون فً وسع " األنا " أن تنكر حق " اآلخر " فً البقاء‪ ،‬ألنها لو فعلت ذلك لما استطاعت أن‬
‫تظفر منه باإلقرار المنشود أو االعتراف هكذا ٌنتزع السٌد اعتراف العبد له بالسٌادة‪ ،‬و أٌضا ٌنتزع من خاللها العبد اعتراف السٌد له بالسٌادة ‪،‬‬
‫حٌن ٌضعف السٌد وٌستكٌن للراحة‪ ،‬فالصراع إذن حسب هٌجل هو صلب العالقة بٌن األنا والغٌر ‪ ،‬وال ٌمكن أن ٌفضً هذا الصراع‪ ،‬إال إلى الخوف‬
‫والقلق واأللم‪ ،‬أي إلى عالقة سلبٌة مع الغٌر‪.‬‬

‫‪ 4 -‬مطلب التركٌب‪:‬‬
‫ٌتبٌن من تحلٌل ومناقشة الموقف المعبر عنه فً القولة‪ ،‬حول موضوع العالقة مع الغٌر‪ ،‬أن هناك تباٌنا فً فهم إشكالٌة العالقة مع الغٌر‪ ،‬فهناك من‬
‫ذهب إلى تأكٌد الطابع اإلٌجابً لهذه العالقة‪ ،‬المؤسس على التعاطف والمودة والصدق‪ ،‬وهناك من جهة أخرى‪ ،‬من ذهب عكس ذلك‪ ،‬إلى التنصٌص‬
‫على العالقة السلبٌة مع الغٌر‪ ،‬المؤسسة على الخوف والقلق والمعاناة‪ ،‬لكن رغم المبررات التً ٌقدمها أصحاب القول بالعالقة السلبٌة مع الغٌر‪ ،‬فإن‬
‫ما ٌمكن تأكٌده فً هذا المجال‪ ،‬هو أن العالقة مع الغٌر ٌجب أن تكون إٌجابٌة‪ ،‬لما لهذا الغٌر من أهمٌة قصوى فً تشكٌل هوٌة األنا كشخص‪ ،‬وفً‬
‫غٌابه تعٌش األنا عزلة قاتلة‪ ،‬لذا ال بد من رسم عالقة إٌجابٌة معه‪ ،‬سواء كان هذا الغٌر قرٌبا منا أو غرٌبا عنا‪ ،‬وال ٌمكن بالتالً القبول بحكم‬
‫تحول نظرات األنا الغٌر إلى موضوع‪ " ،‬إال إذا كانت نظرة‬ ‫تح َول نظراته األنا إلى موضوع‪ ،‬كما ِّ‬
‫الفٌلسوف الفرنسً سارتر على الغٌر بأنه جحٌم‪َ ،‬‬
‫بعضنا إلى بعض ال إنسانٌة‪ ،‬وإال إذا شعر كل منا بأن أفعاله‪ ،‬بدال من أن تتقبل وتفهم‪ ،‬تخضع للمالحظة مثل أفعال حشرة"‪ ،‬كما قال بذلك الفٌلسوف‬
‫الفرنسً مٌرلوبونتً ‪ ،‬كما أنها لٌست من نوع ا لصراع‪ ،‬كما قال بذلك هٌجل ‪ ،‬ألن الصراع بٌن البشر‪ ،‬ال ٌفضً إال إلى الهدم والفناء‪ ،‬فالعالقة‬
‫اإلٌجابٌة مع الغٌر‪ ،‬هً ما ٌنبغً أن ٌطبع الوجود اإلنسانً‪ ،‬ألن هذا النوع من العالقة‪ ،‬هو الذي ٌضمن استمرارٌة هذا الوجود‪ ،‬وهذه العالقة ال‬
‫ٌنبغً أن تقف عند حدود الغٌر الصدٌق‪ ،‬بل ٌنبغً أن تمتد إلى الغٌر الغرٌب‪ ،‬حقا أن الصداقة تعتبر مختبرا حقٌقٌا لقدرات البشر على الوفاء‬
‫ى ما عداه من األغٌار‪( ،‬أي الغٌر الغرٌب )‪ ،‬مع العلم أن‬ ‫ُ‬
‫والصدق‪ ،‬لكن ٌبقى هذا المفهوم غٌر ذي معنى إذا ما انحصر فً نطاق الغٌر القرٌب‪ ،‬وأقصِ ِ‬
‫الموقف إزاء ما هو غرٌب‪ ،‬هو أٌضا مختبر حقٌقً إلمكانٌات البشر على تقبل وتفهم المخالف لنا فً العقٌدة والمأكل والمشرب‪ ،‬إنه اختبار حقٌقً‬
‫لقبول االختالف‪ ،‬أي قبول ما ٌفرق بٌن البشر‪ ،‬ولٌس فقط لما ٌجمع بٌنهم‪ ،‬لذا فالغٌر سواء كان فردا أو جماعة أو ثقافة‪ ،‬صدٌقا أو غرٌبا‪ ،‬قرٌبا منا‬
‫أو بعٌدا عنا‪ ،‬هو جزء ال ٌنفصل عن الذات‪ٌ ،‬منحها الوجود والتحقق‪ ،‬لهذا ال بد من إقامة عالقة تواصل معه‪ ،‬عالقة تقوم على أساس االعتراف‬
‫المتبادل‪ ،‬مع نبذ كل أشكال التمٌٌز واإلقصاء والعنف‪ ،‬ألن الغٌر فً نهاٌة المطاف‪ ،‬ما هو إال أنا آخر بشري مثلنا‪ ،‬ووجوده هو نداء للغٌر من أجل‬
‫تجاوز النقص الذي ٌعتري األنا‪ ،‬ونداء له من أجل حوار حضاري مبنً على االحترام المتبادل والتسامح‪ ،‬بعٌدا عن كل أنواع الهٌمنة والتسلط ‪.‬‬

‫ملحوظة‪ * :‬وردت هذه القولة فً االمتحان الوطنً الموحد للبكالورٌا‪ ( ،‬الدورة االستدراكٌة‪ ،) 2011‬مسلك العلوم اإلنسانٌة‪.‬‬

You might also like