You are on page 1of 3

‫في المغرب‪ :‬تدبير الموارد البشرية‪ -‬بين تعدد اإلكراهات وتحديات المستقبل‬

‫يتسم واقع اإلدارة المغربية بتعدد االختالالت ونقائص جوهرية تمس بشكل أساسي الجهاز اإلداري على كافة المستويات‪ ،‬إال انه بالرغم‬
‫من هذه العوائق تتوفر هذه اإلدارة على اإلمكانيات الضرورية لتفعيل جميع اوراش اإلصالح والتحديث‪ ،‬باستغالل امثل للموارد البشرية‬
‫‪.‬في أفق إعادة توظيفها وتثمينها باعتبارها القوة المؤثرة في تفعيل اإلصالحات اإلدارية‬
‫كما يعتبر كل تطور يحصل في وظيفة "تدبير الموارد البشرية" ضروريا لعدة اعتبارات‪ ،‬أهمها التغيرات الكثيرة التي حدثت بفعل‬
‫اعتماد التكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال في كثير من وسائل اإلصالح وما ترتب عن ذلك من تغيرات في مجاالت تنظيم العمل‬
‫والتكوين المستمر‪ ،‬إضافة إلى مطالب المرتفقين التي ارتفعت حدتها بنظر لحاجاتها لخدمات ذات جودة عالية وإدارة خدومة بكل‬
‫‪.‬الفعالية المطلوبة‬
‫إن أهم إشكالية تطرح اليوم في مجال تدبير الموارد البشرية‪ ،‬تتمثل بشكل أساسي في غياب إستراتجية واضحة تحدد اإلطار‬
‫المرجعي للكفاءات والوظائف‪ ،‬كما أبانت الممارسة على مميزات هذا التدبير بأنه يقتصر في جانب كبير منه على المجال القانوني‬
‫‪.‬والتسيير اليومي للمشاكل على حساب التدبير الفعال المبني على منطق التدبير التوقعي واالستراتجي للموارد البشرية‬

‫‪:‬تدبير الموارد البشرية وتعدد االكراهات‪1-‬‬


‫إذا كانت نظريات التدبير التي يتبجح بها بعض المسؤولين خالل اجتماعاتهم‪ ،‬ما تزال تثير فضول الرأي العام حول مدى صحتها‬
‫على ارض الواقع ‪ ،‬فإنها ما تزال مغيبة عن الواقع التطبيقي إلدارتهم حيث الوجه والوجه اآلخر متمثلة أساسا في اعتماد نمط‬
‫تقليدي يرتكز على إدارة ملفات الموظفين وليس تدبير كفاءاتهم‪ ،‬والعمل على اكتساب معارف في التعقيد كأساس للحفاظ على‬
‫‪.‬وقارهم بدل مواجهة مشاكل التدبير التي تشكل عائقا في تطوير القدرات التدبيرية لإلدارة المغربية‬
‫وهكذا يشكل مجال وظيفة تدبير الموارد البشرية محط انتقادات وسببا جوهريا لكثير من العراقيل‪ ،‬بالرغم من أنه يمثل في نفس‬
‫الوقت أداة لتحسين أداء وفعالية إدارتنا العمومية حسب تطلعات وآمال المتعاملين معها من مواطنين ومقاولين‪.‬إذن‪ ،‬ماهي السبل‬
‫الكفيلة بإنجاح تطبيق نظريات التدبير على أرضية الواقع للسمو بالعمل اإلداري إلى األحسن؟‬
‫لقد أصبحنا مكبلين بقيود توصيات المؤسسات المالية الدولية أكثر منها لحاجياتنا الذاتية‪ ،‬قصد االستجابة اإلجبارية للتغيرات اآلنية‬
‫والمستقبلية في مجاالت التكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال‪.‬وبذلك أصبحنا رهائن لمجموعة من االكراهات الخارجة عن إرادتنا وال‬
‫‪.‬نتحكم في كثير من مساراتها المتعددة‬
‫إن اإلشكالية التي تعاني منها اإلدارة المغربية في مجال تدبير الموارد البشرية ال تعود باألساس إلى عدم وجود كفاءات‪ ،‬فإداراتنا‬
‫تزخر بذلك‪ ،‬وال إلى اإلمكانيات وإنما إلى غياب إستراتجية واضحة في هذا االتجاه‪ ،‬إضافة إلى تغاضينا عن مواكبة التحوالت التي‬
‫تتبنى التدبير الفعال المبني على منطق المنهاج التوقعي واالستراتيجي واعتمادنا ألوامر المسؤول اإلداري الفاقد لفكر ذو رؤية‬
‫محددة‪.‬اذ يالحظ في كثير من الحاالت انه بمجرد تغيير مسؤول تتغير االستراتيجية دون مبرر علمي سوى مبرر ذاتي‪ ،‬ويالحظ‬
‫المتتبع لهيكل إدارتنا أنه بالرغم من االرتقاء بمسميات الوحدات المكلفة بإدارة الموظفين إلى مستوى "مديريات للموارد البشرية"‪،‬‬
‫‪.‬فإنها ما تزال تمارس في الواقع مهام تدبير الملفات الموظفين بسبب افتقادها آلليات تمكنها من تدبير كفاءات ومؤهالت موظفيها‬

‫ضرورة البحث في آليات الفشل؟ ‪2-‬‬


‫ترى الم تتساءل النخب اإلدارية لماذا نجحت تجارب دول كانت تماثلنا إداريا وفشلت تجربتنا نحن‪ ،‬بالرغم من استنساخنا أحيانا‬
‫لنفس " النظريات"؟ ‪.‬الجواب يكمن في ذات اإلشكالية أال وهي مميزات بيئتنا االجتماعية والثقافية وحتى السياسية واإلمكانيات‬
‫المتوفرة فليس الحديث بطالقة بلغة أجنبية معناه الوصول إلى قمة التطور والتحديث‪ ،‬فهيمنة الفساد على دواليب اإلدارة يتطلب‬
‫القيام بعملية "مجهرية" لتحليل واقع التدبير الحالي إليجاد وصفات خاصة إلنجاح التدبير الحقيقي للموارد البشرية‪.‬فقد نرى البعض‬
‫يتبجحون بأفكارهم المستنسخة‪ ،‬لكنهم ينسون دائما حقيقة ثابتة ال تتغير‪ ،‬وهي أن هناك عوامل ال يمكن القفز عليها بسهولة ومنها‬
‫بالخصوص عقلية الموظف المغربي وثقافته ووضعه االجتماعي والمادي ومشاكله المتعددة المشارب‪ ،‬فكيف يعقل أن تطلب من موظف‬
‫تحديث عمله وأداءه وهو يعاني من إشكاليات تتعارض والمنظور العلمي لتدبير الموارد ومنها بالخصوص عدم تأهيل رؤسائه لمستوى‬
‫التحديث‪ ،‬وسطوة بعضهم للتضليل عن ضعفهم وإكراهات وضعه االجتماعي‪ ،‬وهذه تعتبر من أهم أسباب فشلنا في كثير من مشاريعنا‬
‫‪.‬التحديثية‬
‫كما يعتبر اإلطار القانوني الحالي للموظفين أهم عرقلة لتحول تدبير الموارد البشرية إلى حقيقة‪ ،‬حيث تتميز الوضعية الحالية للنظام‬
‫األساسي العام للوظيفة العمومية واألنظمة األساسية الخاصة المتسمة بتعدد المسميات واإلشكاليات التي تطرحها أنظمة الترقية والتقييم‬
‫والتكوين المستمر وجمود آليات الحركية وغياب التحليل التوقعي للمؤهالت وعدم تحديد حاجيات التوظيف بناء على دليل مرجعي‬
‫للوظائف والكفاءات‪ ،‬كل هذا ساهم ويساهم في عدم إقرار ثقافة تدبيرية تعتمد مسارا علميا في آلياتها‪ ،‬حيث يالحظ بكثير من‬
‫األسف ضعف المهنية لدى المصالح المكلفة بالموظفين‪ ،‬إذ يعاني الكثير من المسيرين من نقص كبير في التجربة المهنية والمعرفية‬
‫في مجال الوظيفة العمومية وضعف في التكوين‪ ،‬وفي التدبير التوقعي والتخطيط للقوى العاملة والعالقات اإلنسانية واالتصال‪ .‬ناهيك‬
‫عن وحدات تدبير الموارد البشرية القائمة اآلن‪ ،‬ماهي إال وريث شرعي لوحدات التسيير اإلداري والمالي الصرف‪،‬كما تعتبر إشكالية‬
‫التعقيد اإلداري من العوائق األساسية لتنمية وظيفة الموارد البشرية‪ ،‬حيث تضخم القواعد القانونية وتعدد المسالك والمساطر اإلدارية‬
‫وكثرة الوثائق مما أفضى إلى تكريس مسارات طويلة ومعقدة وآجال غير محدودة‪ .‬واألكيد أن جل الوصفات المعروضة حاليا تتجه‬
‫نحو التركيز على محتوى اإلدارة الجيدة بدل االستثمار في مقاربتها كمفهوم مجرد باعتبار أن تشخيص مواطن الخلل على مستوى‬
‫الموارد البشرية هو في منطلقه تشخيص لكل االختالالت وظواهر اإلدارة‪ .‬فباإلضافة إلى االختالالت الهيكلية‪ ،‬فإن االختالالت الوظيفية‬
‫حدث وال حرج بالرغم من تبني عشرات البرامج اإلصالحية منذ االستقالل إلى اآلن‪ ،‬فغياب سياسة واضحة المعالم للتوظيف‬
‫باإلدارات العمومية هي السمة المهيمنة‪ ،‬فالحاجيات عادة ما تكون غير مبررة بشكل مقنع كما أن القواعد القانونية الموجودة حاليا‬
‫ال تساعد على انتقاء المرشحين المؤهلين للقيام بأنشطة معينة وإنما يتم التوظيف بناء على تخصصات تحددها الجامعات والمعاهد‬
‫سلفا وليست حاجيات اإلدارة هي المتحكمة فيها‪ ،.‬كما أن نظام المباريات الحالي ال يمكن من معرفة الكفاءة الحقيقية لكل مرشح‪،‬‬
‫وغياب برامج االستقبال واإلدماج التي تمكن المتدرب من معرفة العمل الموكول إليه‪.‬فالمطلوب حاليا ال يستوجب إصدار نصوص‬
‫جديدة فحسب بل العمل على جعلها تتطور بما يكفل استجابتها ومالءمتها لمشاكل الواقع اإلداري الذي يعايشه الموظف‪.‬وكما ذكرت‬
‫سابقا‪ ،‬يواجه مجال تدبير الموارد البشرية مشاكل متعددة‪ ،‬وهذه المشاكل تزداد يوما عن يوم‪ ،‬لكن اإلشكالية ليست هنا‪ ،‬وإنما في‬
‫‪.‬التوفر على الحلول الناجعة لها‬

‫‪:‬العمل على إنجاح سياسة التغيير ‪3-‬‬


‫إن من الحقائق الثابتة أننا سنواجه سنوات طويلة من التغيرات العميقة داخل اإلدارة ومحيطها وإنه ال فائدة من محاولة تجاهل‬
‫التغيرات والتظاهر بأن الغد سيكون كاألمس إن السياسة الوحيدة الثابت نجاحها هي محاولة صنع المستقبل الذي يجب أن يالئم‬
‫التغيرات مع الواقع وأن يجعل من اإلدارة عامل تغيير الرتباطها الوثيق بتنمية جميع المجاالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫من القواعد المسلمة انه ال يستطيع الفرد وحده إدارة التغيير‪ ،‬بل يمكنه فقط أن يقوده‪ ،‬فلم نعد نسمع كثيرا عن التغلب على‬
‫مقاومة التغيير والتي كانت تشكل جوهر القضايا المتداولة خالل خمس عشرة سنة خلت‪ ،‬فالكل بات يتقبل اآلن بأن التغيير ال مفر‬
‫منه غير أنه ألجل أن تكون أي إدارة قائدة ناجحة للتغيير‪ ،‬يجب أن يكون لديها سياسة ابتكار منتظمة وأن تنظر إليه باعتباره‬
‫فرصة للتنمية والتطوير الذاتي‪.‬وأفضل تغيير هو ما يصدر في الداخل عن قناعة والتزام لكن التغيير ليس شعارا ولكنه حقائق يجب‬
‫‪.‬معاينتها على ارض الواقع‬
‫فمن خالل رؤيا محددة يمكن لنا ضمان مسايرة بالدنا لتطور جيراننا الشماليين باعتماد سياسة واضحة في مجال الموظفين‪ ،‬صحيح‬
‫أن نظام الوظيفة العمومية المعتمد حاليا ال يتضمن ثقافة تدبيرية‪ ،‬بالرغم من بعض طالئع اإلرهاصات األولية كإعداد الدليل المرجعي‬
‫للوظائف والكفاءات باإلدارات العمومية‪ ،‬فإنه يتعين إعالن تحديات في مجال التدبير الحقيقي المبني على العالقات اإلنسانية وتفويض‬
‫المسؤولية والتكوين المستمر وإقرار سياسة حركية حقيقيةتستجيب لطموح الموظفين وإدارة مواطنة‪.‬فمن المسلم به أن هناك مجموعة‬
‫من العوائق أمام كل تغيير‪ ،‬فالثقافة السائدة داخل اإلدارة المغربية اليمكن تغييرها بين ليلة وضحاها‪ ،‬لذا فإن كل القرارات الجديدة‬
‫في مجال تدبير الموارد البشرية يجب أن تأخذ بعين االعتبار بنية التغيير وماض اإلدارة والمكونات الشخصية للموظف العمومي لقد‬
‫أصبحت اإلدارة المغربية مجبرة على االستثمار في مجال الموارد البشرية بإقرار سياسة محكمة في مجال التكوين المستمر والبحث‬
‫عن الطرق الحديثة للتدبير‪ ،‬فبدون االستثمار في اإلنسان فال يمكن البتة الحديث عن التنمية بما فيها التنمية اإلدارية‪ .‬انطالقا من‬
‫هذه المعطيات‪ ،‬فإن التحديث الحقيقي يكون باعتماد نظرة شمولية لتطوير اإلدارة المغربية‪ ،‬ولن يتم ذلك إال باقتناعنا بأن البحث‬
‫‪.‬إليجاد حلول المشاكل اليوم هو الذي سيمكننا من تحقيق إدارة جيدة ومواطنة في الغد‬

‫‪:‬فن صناعة المسيرين األكفاء ‪4-‬‬


‫اعتماد وظيفة " تدبير الموارد البشرية" يطرح مجموعة من األسئلة تتعلق بمميزات ومواصفات المكلف بالتسيير ؟فمميزات المسير‬
‫الجيد والكفء عديدة‪ ،‬لكن تظل أهمها التوفر على تجربة في مجال التدبير تمكنه من إغناء معارفه إضافة إلى توفره على قاعدة‬
‫معرفية وقانونية حول مجال تسيير شؤون الموظفين والمساطر المعتمد في مساراتها من خالل تحكمه في مجاله التقني وكذا‬
‫المؤهالت التي تمكنه من العمل ضمن فريق العمل وسمات روح الفريق‪ ،‬ذلك أن المسير الجيد ال يأمر وإنما يتحاور ويقدم نصائح‬
‫للعمل األفضل‪ ،‬ويعمل دائما على خلق العمل المناسب "لشركائه" في العمل‪ .‬إن تدبير الموارد البشرية هي فن ممارسة التدبير‬
‫الجيد‪ ،‬أي تدبير الكفاءات البشرية وليس البشر ذاته‪ ،‬وهذه الكفاءات محددة في معارف الفرد واجتهاداته وتكوينه‪ ،‬وألجل تحديد هذه‬
‫اآلليات المعرفية اإلنسانية فإنه يتعين إخضاع هذا العامل البشرية للتجربة الميدانية والتي هي حيز مقياس لكفاءته كما أن التدبير‬
‫الجيد للموارد البشرية يرتبط ارتباطا وثيقا بتكوين جيد للموظفين في مجاالت احتياجاتهم‪ ،‬فال يمكن ضمان نجاح أي ورش بدون‬
‫‪.‬التوفر على مخطط تكويني فعال يستجيب لحاجياتهم الحقيقية تمكن من تنمية وتطوير مؤهالتهم التدبيرية‬
‫إن من خصائص ممارسة وظيفة التدبير الجيد إلدارة الموارد البشرية" هو التوفر على أفراد ذوي معرفة خاصة لصقل كفاءاتهم ومهاراتهم‬
‫والخضوع المستمر لبرامج تكوين متعددة ومستجيبة للحاجيات الحقيقية لإلدارة‪ ،‬من مجاالت التدبير واالستراتيجية واالتصال والعالقات‬
‫اإلنسانية‪ .‬وفي هذا اإلطار يعتبر جل الموظفين عمال ذوي معرفة يمتلكون أسباب اإلنتاج‪ ،‬وهي تلك المعرفة المخزنة في عقولهم‬
‫وتعتبر من أصول رأس المال الضخمة القابلة لالنتقال كاملة‪ ،‬لكن في واقع االقتصادي الحالي فإن هذا المعطى ما يزال مغيبا عن‬
‫‪.‬كثير من مخططاتنا التنموية‬
‫ووفقا لهذا المعطى‪ ،‬فإنه تجب تدبير الموارد البشرية بشكل مختلف وحسب المؤهالت التي يتوفرون عليها‪ ،‬وأن تتم إدارة الموظفين‬
‫كشركاء بمعنى أنه ال يمكن إصدار األوامر للشركاء وإنما ينبغي إقناعهم‪ ،‬ولذلك فإن عملية إدارة الموظفين آخذة في التحول لتصبح‬
‫" عمال تسويقيا" ألن المطلوب ليس إدارة االفراد بل المهمة قيادتهم والهدف هو تحويل قوة ومعرفة كل فرد إلى عوامل‬
‫إنتاجية‪ .‬فاختيار مسؤولي ومسيري تدبير الموارد البشرية يجب أن يكون من بين األطر اإلدارية المختصة‪ ،‬لكن يظل التساؤل مطروحا‪،‬‬
‫وفق أية منهجية ؟! فال الشواهد وال األقدمية في اإلدارة هي موضعا البحث‪ ،‬ذلك أن االختيار يجب أن يتم من بين المسيرين‬
‫المهنيين في المجال القانوني‪-‬التدبيري الذي له عالقة بتسيير الموظفين والتدبير اإلداري‪ .‬لهذا فإن تأهيل األطر لمناصب المسؤولية‬
‫في مجال تدبير الموارد البشرية يتطلب القيام بتقييم مؤهالتهم المهنية والمعرفية وتجاربهم الميدانية‪.‬مع عدم االقتصار على مباريات‬
‫تعتمد على التقييم النظري وتغيب المجال التطبيقي مما ترتب عنه مسؤول منظر وهذا من أسباب الكثير من المشاكل التي تتخبط‬
‫‪.‬فيها العديد من اإلدارات العمومية‬
‫لذا‪ ،‬فإن تثمين العنصر البشري والتوفر على رؤية استراتيجية عنصران أساسيان لكل تحديث وتطوير للقدرات والكفاءات التي تتوفر‬
‫عليها كل إدارة‪ ،‬الشيء الذي يفرض علينا التفريق بين وظيفة "تدبير شؤون الموظفين" ووظيفة "تدبير الموارد البشرية" فإذا كانت‬
‫األولى تهدف إلى تدبير الوضعيات اإلدارية للموظفين من ترقية وتنقيط الخ‪ ،‬فإن الوظيفة الثانية تهدف إلى البحث عن فعالية كفاءة‬
‫‪.‬مواردها بالدرجة األولى‬

‫‪:‬نجاح وظيفة التدبير رهين بكفاءة ومهنية الموارد البشرية ‪5-‬‬


‫إن من أسباب انحطاط مهام التدبير لدى العديد من اإلدارات ليس في الغالب مرتبط بقلة اإلمكانيات وإنما في السياسة المعتمدة‬
‫في اختيار المسيرين‪ ،‬حيث الهيمنة للزبونية والعشوائية‪ ،‬إضافة إلى غياب المهنية الشيئ الذي يؤدي بصورة تلقائية إلى سيادة سياسة‬
‫تكريس االختالالت لحل مشاكل الموظفين‪.‬ومع هذا فليس الكل سيء كما قد يتوهم البعض فهناك مجهودات كبيرة بدلت لتطوير هذا‬
‫المجال‪ ،‬لكن مشكلتنا لحد اآلن هو البطء في تنفيذ اإلصالح وعدم إشراك جميع الموظفين من خالل إطالعهم على أهم األوراش‬
‫المفتوحة حاليا إلصالح الهيكل الوظيفي "لتدبير الموارد البشرية‪.‬وقد أكون مخطئا إن قلت بأن هناك وجود لهذه الوظيفة كما نتمناه أو‬
‫كما نقرا ذلك في مفكرات االكادميين‪ ،‬فباستثناء المصطلحات والعناوين‪ ،‬فإننا ما نزال في مرحلة " تدبير شؤون الموظفين"‪ ،‬وما‬
‫مرحلة تدبير الموارد البشرية حاليا إال هدف‪ ،‬نراه أحيانا بعيدا وأحيانا قريبا جدا خالل سماعنا لمشاريع نصوص تهم وضعيات‬
‫الموظفين وطرق العمل الجديدة أو بداية إعداد الدالئل المرجعية للوظائف والكفاءات أو صدور نص جديد لتقييم األداء ‪ ،‬لكننا نفقد‬
‫الثقة أحيانا عند تصرفات لبعض مسؤولي الموارد البشرية باعتمادهم توجهات تقليدية صرفة‪،‬تنعدم فيها مالمح التطور والتحديث‬
‫‪.‬الحقيقي‬
‫إن التاجر واإلدارة ماهما إال بعدان مختلفان لنفس المهمة‪ ،‬فالتاجر الذي ال يعرف كيف يدير لن يستمر لفترة طويلة واإلدارة التي ال‬
‫تعرف كيف تتجدد لن تستمر لفترة طويلة‪ ،‬وفي الواقع فإن أية إدارة كيفما كان نوعها يجب أن يتم تصميمها من أجل االستجابة‬
‫لتغيرات المحيطة بها‪ ،‬وأن تعمل على االهتمام بالمجهود بدل االهتمام بالتكاليف فقط‪.‬فمميزات القيادات الناجحة في الوقت الحاضر‬
‫التنبؤ بالتحديات المستقبلية واإلعداد للتعامل مع هذه التحديات وهذا لن يتم إال بوجود رؤية وتخطيط استراتجي بحيث يكون المنظور‬
‫‪.‬الجديد متوجها إلى المستقبل لكن مع إدراك الواقع وعدم إهمال الماضي‬

You might also like