Professional Documents
Culture Documents
لماذا نفشل كثيرا في تنظيم أوقاتنا منيف غريب
لماذا نفشل كثيرا في تنظيم أوقاتنا منيف غريب
الناس ال شاغل لهم إال تحقيق أقصى استفادة ممكن من الوقت ،فليس من شخص التقيته إال وك ان لدي ه م ا يقول ه في ه ذا
الصدد ،وأحيانا دارت نقاشات حادة بين الذين يعتقدون أن ال شيء ينفع ،وأولئ ك ال ذين يؤك دون نج احهم الب اهر في إدارة
الوقت ،وآخرون يقولون إن الحل في التطبيقات اإللكترونية الحديثة.
جربت شارلوت بوردوي ،وهي سيدة أعمال من هارتفوردش ير بالمملك ة المتح دة ،كاف ة أن واع التطبيق ات والكتب والوس ائل ،لكنه ا جميع ا ذهبت
هباء .ولم تجد إال الوقت يتسرب من بين يديها وتقول يائسة" :مازلت ال أستطيع أن أتدبر الوقت جيدا لتحديد المهام المطلوبة والقيام بها!"
أما آنا سيسيليا كالي ،وهي طالبة الدكتوراة في أوستن بوالية تكساس ،فقد بدأت متابعة الكثير من المهام التي تفوق طاقتها ،وتقول إن وس ائل إدارة
الوقت قدمت لها "وعدا بالتحكم الجيد في حياتها ،غير أن كل شيء بدأ جيدا وسرعان ما انتهى دون نتيجة".
وحين تفشل المحاولة األولى يأخذ الناس بتطبيق أو أسلوب جديد ،والتطبيقات واألساليب بالمئات ،بعضها على ش كل ق وائم مباش رة وأخ رى ع بر
وسائل معقدة تعج بالخصائص ،وكل ذلك في إط ار م ا تقدم ه ش بكة اإلن ترنت من وس ائل الع ون ال ذاتي وم ا ال يحص ى من الم دونات والمق اطع
المرئية ،بل إن أغلب الجامعات األمريكية والبريطانية تقدم دراسات تتعلق بكيفية إدارة الوقت.
وقد يسود اإلحباط مع استمرار البحث عن بديل نافع ،ويشعر البعض بالقلق ،بل وبالذنب ،وبدال من الوعد بإدارة جيدة للوقت وإنتاجية حس نة دون
قلق ،يحدث العكس تماما.
وتشير األدلة المتوافرة إلى أن هناك من الوس ائل م ا ينف ع البعض في مواق ف بعينه ا ،وال ينف ع آخ رين .ويق ول الباحث ان ب راد إي ون ،من جامع ة
كونكورديا بمونتلاير ،وهيرمان أغورنيس ،من جامعة جورج واشنطن ،ضمن ورقتيهما البحثية" :العالقة بين إدارة الوقت والنتائج الجي دة تتف اوت
بشكل كبير".
البعض يلجأ للمدونات التقليدية بديال عن التطبيقات اإللكترونية -ولكن ال ضمان لنجاح المهمة
فما الذي يحبط الكثيرين من إدارة الوقت؟ وهل من سبيل أمثل للتعامل مع الوقت؟
المزيد من اإلنتاج
بعد أن فات موعد مهم متعلق بأطروحة ولم تتمكن كالي من اللحاق ب ه ،ب دأت طالب ة ال دكتوراة في حض ور دروس إلدارة ال وقت بالجامع ة ال تي
تعمل بها .وبدا أن هذا هو الحل المنطقي ،إذ شعرت أنها تغرق تحت عبء ما ه و مطل وب منه ا من ق راءات وت دريس ومحاض رات ،ناهي ك عن
المحاوالت المستمرة للحصول على المنح.
وفي تلك الدروس ،تعلمت استخدام وسائل كثيرة إلدارة الوقت للتكيف مع التزامات عدة ،ولكن بعد تجربتها الواحدة تلو األخرى والفشل استبد به ا
اإلحباط ،وعبرت عن ذلك بالقول" :كثيرا ما نسأل أنفسنا ما إن كنا نقوم بما ينبغي من جهد للحصول على النتائج المطلوبة ،وال نس أل أنفس نا أب دا
ما إذا كنا نقوم بأكثر من مقدورنا!"
صحيح ما تقوله كالي ،فالبحث المستمر عن النتائج من أجل النتائج ال ي ؤدي ع ادة إلى المطل وب ،ويق ول إي ون إن ض غط الم رء على نفس ه به ذا
الصدد هو السبب في الكثير من اإلحباط من وسائل إدارة الوقت ،فأغلبها "صمم بافتراض أن عليك مضاعفة الجهد باستمرار".
ويؤكد إيون فشل تلك االستراتيجية ،فرغم أن أغلب الناس يقومون بمهام أك ثر بمس اعدة تل ك الوس ائل ،إال أنهم ينس ون أن ال طاق ة لهم بمض اعفة
الجهد باستمرار ،بل يطالبون أنفسهم بالمزيد والمزيد.
ورغم زيادة إنتاجيتهم في األسابيع األولى ،يلحقهم اإلحباط بعد ذلك ،وتظل المشكلة الحقيقية في "العمل المضني وليس في عدم إدارة الوقت بشكل
جيد".
ينجح البعض في زيادة إنتاجيتهم ،فيضاعفون مهامهم فينتهي بهم الحال إلى نقطة الصفر
ومن التبعات األخرى للمطالبة المستمرة بزيادة اإلنتاج أن المرء ينسى في خضم ذلك الشيء األهم ،وتقول كريستين ك ارتر ،الزميل ة بمرك ز العلم
من أجل النفع العام بجامعة كاليفورنيا بيركلي ،إن هذا سببا رئيسيا في أن تلك الوسائل ال تنفع الكثير من الناس ،إذ يعتم د أغلبه ا على ش حذ الهم ة
وتصمم كقائمة من المحظورات "بينما المرء ال تدفعه همته بقدر مشاعره".
وتضيف" :أغلبنا يهمه الشعور بالحب والتقدير أك ثر من اإلنت اج ،وليس أفض ل من وس ائل التواص ل االجتم اعي ك دليل على ذل ك ،ف المرء يت ابع
باستمرار كم حازت آراؤه على اإلعجاب ،وهو ما يشعره بأنه محبوب".
موازنات
إذن ،لماذا نجد أنفسنا مطالبين بالمزيد باستمرار؟
في الماضي ،حين كان الناس يعملون في المصانع لم تكن أهمية إدارة الوقت تشغلهم ،بل يقول إيون" :على خط اإلنت اج لم يكن على العام ل تنظيم
وقته ،بل كان عليه أداء المهمة المحددة له فحسب".
أما اليوم فالكثيرون يقومون بأعمال ذهنية تتطلب منهم الموازنة المستمرة بين المهام ،ناهيك عن مط الب األس رة والمجتم ع ،وم ا أيس ر أن يخت ل
التوازن في خضم الموازنات المستمرة" ،حينها ال تجد سوى نفسك تلقي اللوم عليها".
وبالتالي يشعر الناس أن أداءهم ليس كما هو مطلوب ،فيبحث ون عن وس يلة تفي دهم بعض ال وقت ،فيض يفون مزي دا من المه ام ،ومن ثم يش عرون
بنقص األداء مجددا -فما السبيل للخروج من هذا الفخ؟
صعوبة العثور على حل
فحتى حين تستقيم األولويات ،ال يسهل على الشخص الوقوف على الوسيلة المناسبة إلدارة وقته ،فتلك الوسائل تفترض الكثير عن بيئة العمل
وعن شخصية مستخدمها.
يقول إيون إن العمال بالمصانع وعلى خطوط اإلنتاج لم تشغلهم إدارة الوقت بل خصصت المهام لهم بوضوح
فالبعض أكثر إدراكا للوقت من غيره ،بحيث يُحسنون تقدير الوقت ال ذي س تتطلبه مهم ة بعينه ا ،بينم ا آخ رون ي نزعون للتف اؤل أك ثر من الالزم
بقدرتهم على إدارة الوقت ،وهي مشكلة يقع فيها كثيرون حتى باتت تسمى "وهم أن كل شيء تحت السيطرة".
ويفضل البعض التركيز على مهمة واحدة ،وآخرون يحبون القيام بمهام عدة في وقت واحد .كذلك تختلف معايير ال وقت والمتوق ع أداؤه من مك ان
آلخر ،وبين مجتمع وآخر.
والكثير من وسائل إدارة الوقت يصممها نفس األشخاص ،وهم عادة من مطوري البرمجيات.
ويشرح هيرنان أراسينا ،رجل األعمال الفنزويلي ومصمم تطبيق "إف ورتليس" ،ذل ك ب القول" :نط ور التط بيق لح ل مش كلة تواجهن ا نحن أنفس نا،
والمشكلة األكثر شيوعا هي تراكم المهام المطلوبة بشكل يومي".
وليس عجبا أن العاملين بمجال التكنولوجيا بين أكثر المتحمسين لتلك الوسائل ،ومن بين أحدث الكتب في هذا الص دد م ا ألفت ه ران دي زوكرب يرغ
(شقيقة مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك) بعنوان "اختر ثالثة".
وقد ابتكر أراس ينا تط بيق "إف ورتليس" بع د فش ل العدي د من التطبيق ات ال تي اس تخدمها إلدارة أعمال ه .ويق ول" :ب دأت أتخلى عنه ا الواح دة تل و
األخرى" ،حتى عاد إلى الورقة والقلم.
لكنه افتقد استخدم آلة تنبيه تحسب الوقت المتبقي للمهمة ،فجاء تطبيقه ليمزج بين طريقة التسجيل البسيطة وأداة الوقت.
وقد طورت العديد من التطبيقات المنتشرة إليجاد حل لمشكلة محددة واجهها شخص بعينه -وهذا الشخص يختلف عمله وطريقة تفكيره عنك!
ومن ثم ليس منطقيا أن تشعر باألسى لفشلك في االستفادة من وسيلته -كأنك تحزن ألن حذاء شخص آخر ال يناسب قدمك!
طريقة "البندورة" تعتمد Dعلى تشغيل منبه بالمطبخ لمدة 25دقيقة ألداء مهمة محددة
وليس في هذا ضير حين يعمل الشخص بمفرده ،ولكن في إطار الشركات تتش ابك مه ام العم ل والنت ائج ،ويص بح األم ر معق دا ،وكث يرا م ا تلج أ
الشركات لبرامج مكلفة عديدة الخصائص يصعب على الموظف تعلمها -حسبما يقول إدواردو ألفاريز ،مؤسس ومدير "ويركب" لبرمجي ات إدارة
مشاريع الشركات.
وغالبا ال تتفق تلك الوسائل مع أسلوب عمل الموظف ،وألنها أساسية لتنسيق المهام داخل فريق العمل تصبح معيقة ال مساعِ دة له.
ويقول ألفاريز" :المرونة أمر الزم لتلك الوسائل .البد أن يكون بمقدور كل عامل بالفريق االضطالع بعمله بما يوافقه".
لكن المرونة مهمة بشكل آخر ،إذ يجب اإلقرار بأنه لن يستطيع العامل القيام دوما بكل ما يطلب منه.
ويعترف ألفاريز نفسه قائال" :كثيرا ما مرت مهام مطلوبة مني دون أن أتمكن من أدائها".
فما الحل؟
يؤمن ألفاريز بفائدة التكنولوجيا ،وسوف تطلق شركته قريبا "مدربا" اصطناعيا يذكر المستخدم بمهامه المتبقية ،ويراجع جدوله ،وينبهه إلى ض يق
الوقت قياسا بالمهمة.
ويضيف ألفاريز" :مدرب الذكاء االصطناعي هذا سيعلمك أوال كيف تنظم وقتك ،ثم سيساعدك على أداء المهام".
لكن هناك رأيا آخر .إذ يُسدي أراسينا مصمم تطبيق "إفورتليس" نصيحة بسيطة ويقول" :ابدأ أوال دون تطبيق وحاول تحديد المهم بالنسبة لك".
تحكم في حياتك!
والشك أن الحياة ستمضي بنا جميعا يوما ما -وهو األمر الواجب وضعه نصب أعيننا حتى يتسنى لنا االستفادة بالوقت استفادة جيدة ،ولكننا كثيرا
ما نغفل عن الموت.
يقول إيون" :في الماضي كانت المقابر بوسط المدن ،أما اليوم فأغلبها بعيدة عن النظر حتى ال نلقي للم وت ب اال .في المجتم ع الح ديث ،كث يرا م ا
نغفل قصر الحياة وأن علينا أن نمسك بزمام حياتنا ونقدر ما لدينا من وقت".
وبعد أن أدرك إيون قصر حياته ،قرر أن يخ الف توقع ات اآلخ رين ويس ير وف ق قواع د يح ددها بنفس ه ،فه و يس تيقظ في التاس عة بع د ن وم تس ع
ساعات ،وال يعمل إال أربع ساعات يوميا .وحين يصلك بريد إلك تروني من ه تج ده م ذيال ب القول إن ه ال يفحص بري ده إال أي ام العم ل في الواح دة
ظهرا.
يتريض إيون ويقرأ يوميا -ما يساعده على استقاء ما يحتاجه من فكر لمتابعة أبحاثه.
ويستعين الباحث الجامعي بكثير من الوسائل ،منها قوائم المهام والجداول الشهرية ،ووسائل التوقيت ،لكن ه ال يس تخدمها ليض يف ثقال إلى مهام ه،
بل يجعل منها أداة "لإلمساك بزمام حياته وهيكلة عمله كما يرى".
والقول إن على المرء أن يمسك بزمام أموره ليس قوال هينا .وي درك إي ون ذل ك ،إذ يق ول" :أس أل نفس ي ،ه ل أري د ه ذا العم ل حق ا؟ ه ل أت رك
زوجتي؟ هل أريد أطفاال؟ جميعها تساؤالت تتعلق بإدارة الوقت".
ويقول إيون إن الحديث عن إدارة الوقت يفتقر إلى التفكير المتعمق في األمور الحياتية الصعبة.
خطوات مفيدة
وبخالف القضايا الحياتية الصعبة ،باإلمكان أن نأخذ بعض الخطوات الرئيسية.
أولى تلك الخطوات أن تأخذ في الحسبان أن اإلنتاج ليس هدفا في حد ذاته ،بل وسيلة لها حدود.
ثانيا ،جرب مرارا حتى تصل لما ينفعك ويوافق شخصيتك وأسلوبك ،وهو األمر الذي لن يأتي من أول محاولة.
وال يحب الكثيرون وسائل تنظيم الوقت" ،ومع ذلك يدركون أهميتها في التعامل بأقل معوقات وبإبداع أك ثر" ،وهن اك آخ رون ي تزمتون في التقي د
بالجداول" ،وحري أن يدركوا أن هناك حياة دون جداول وأن األوان قد آن للتخلي عنها" كما ينصح إيون.
َت ِع د المقاطع المرئية البراقة والمدونات المتفائلة على اإلنترنت بوسائل سهلة ويسيرة ،ولكن حين يأخذ المرء بها يجد األم ر أص عب مم ا ب دا علي ه
أوال.
وقد انتهى األمر بأن استخدمت كالي ورقة حسابية ،ومازالت تمقت التطبيقات؛ أما ب وردوي فوج دت أن قاع دة "الخمس ث وان" تناس بها؛ إذ تتنفس
بعمق وتعد إلى خمسة ومن ثم تبدأ العمل في المهمة الصعبة!
ولم يجد شخص حتى اآلن حال ناجعا ،وال دواء لكل داء ،وليس من المنتظر أن يجده .ومع ذلك بإمكاننا جميعا التمتع بعالقة عمل أفضل بأال نقسو
على أنفسنا ،وإن لم تشجعنا أي من األسباب سالفة الذكر على أال نفعل ذلك ،فعلينا أن ندرك أن انتقاد الذات يقود العمل لحال أسوأ.
وكما تقول كريستين كارتر ،فإن نقد الذات قد يؤدي لرد فعل ضاغط تتوقف معه استجابة الدماغ إلدراك الوقت إدراكا سليما.
إذن ،الرفق بالذات أفضل من جلدها" ،فال أحد يسعى لحل دون أن يفشل أحيانا".