‫تأثير الحياة المهنية على الحياة الشخصية‬

‫توطئة‬

‫قديما كانت الحدود الفاصلة بين الحياة العملية واألسرية واضحة ج ًدا‪ .‬ولكن اليوم‪ ،‬أوشك‬
‫العمل على اقتحام الحياة الشخصية‪ ،‬ولم يعد حفظ التوازن بين العمل والحياة الشخصية‬
‫‪.‬مهمة يسيرة‬
‫حيث أن العالم الحاليّ وتحدي ًدا المجتمعات الصناعية البحتة تعيش صرا ًعا بين مسؤوليات‬
‫العمل وااللتزامات الشخصية والعائلية‪ ،‬وهي مشكلة تزداد حدة كلما ازداد العالم تقدمًا‬
‫ً‬
‫وسرعة ‪ ،‬فقد أدت التكنولوجيا إلى زيادة المنافسة وكثافة العمل في السوق‪ ،‬ما يعني أن األمر‬
‫ال يقتصر فقط على ساعات دوام أطول وتغيب أكثر عن المحيط العائلي‪ ،‬وإنما يشير إلى‬
‫التداخل الكبير بين الناحيتين‪ ،‬فمن الطبيعي ج ًدا أن نجد نفسنا نجيب على الرسائل‬
‫اإللكترونية في ساعات المساء أو ننجز إحدى مهمات العمل في أيام عطلنا و كذالك التفكير‬
‫في المشاكل الشخصية و العائلية أثناء ساعات العمل‬

‫الدراسات السابقة‬

‫نحاول في هذا البحث‪ ،‬استعراض بعض األبحاث و الدراسات التي تطرقت لهذا الموضوع‪،‬‬
‫و التي تفسر لنا عواقب هذا الخلل وأنسب الحلول لخلق نمط حياة صحي ومريح على قدر‬
‫اإلمكان‬
‫تطرقت مجلة التنمية االقتصادية العدد ‪/06‬ديسمبر‪ 2018‬إلثبات تأثير التوفيق بين‬
‫الحياة المهنية و الخاصة على الرضا في العمل‪ ،‬إذ تم االعتماد على استبيان نموذجي تم‬
‫استخدامه في دراسات سابقة يركز على ثالث مكونات للحياة المهنية و الخاصة تتمثل في‬
‫السلوكيات‪ ،‬تنظيم الوقت و قلق الفرد و ذلك لتحديد تأثير هذه األبعاد على الرضا في العمل‪.‬‬
‫حيث توصلت الدراسة إلى أنه ال يوجد تأثير للتوفيق بين الحياة المهنية و الخاصة بمكوناته‬
‫الثالثة (السلوكيات‪ ،‬تنظيم الوقت‪ ،‬قلق الفرد) على الرضا في العمل و يفسر ذلك بوجود‬
‫عوامل أخرى مهمة أشارت إليها العديد من الدراسات‪ ،‬تؤثر أكثر كظروف المادية و‬
‫المعنوية المالئمة و المكانة االجتماعية الالئقة‪...‬الخ‪N‬‬

‫وقد أوضحت دراسة (يوتبي اند يوتبي) أن متطلبات العمل وضغوطه تجعل من الصعب‬
‫على الفرد إيجاد وقت الالزم لتحقيق التوازن بين العمل والحياة بأنشطتها المختلفة‬
‫دور ضغوط العمل في استجالء أتر اختالف أجيال العاملين على التوازن بين العمل والحياة‬
‫( رسالة الدكتوراه من إعداد الباحثة فاتن عبد النعيم أحمد تحت إشراف د‪ .‬محمد أيمن عبد‬
‫اللطيف عشوش)‬

‫دراسة رووز‪١٩٩٩‬ضغوط العمل التي يتعرّ ض لها مختصو المراجع في المكتبات‪.‬‬

‫وكشفت نتائج الدراسة أنّ المكتبيين المسئولين عن الخدمة المرجعية يعانون من ضغوط‬
‫بسبب تأديتهم أعمالهم أمام المستفيدين‪ ،‬وأنهم يعملون في منطقة مفتوحة ال تتوافر فيها‬
‫االستقاللية الشخصية‪ ،‬إضافة إلى افتقار المكتبات إلى قنوات التخاطب والتدريب الجيدة التي‬
‫تنمح الموظفين فرصة التعبير عن أنفسهم وتكسبهم خبرات هم بحاجة لها‬

‫أهمية الموضوع والقيمة المضافة‬

‫كوني طالب وأجير في قطاع مراكز النداء‪ ،‬أتعرض بشكل مستمر لضغوطات وإكراهات‬
‫العمل‪ ،‬مما يلقي ب ضالله على دوري كرب أسرة‪ .‬أحاول عبر هذا البحث‪ ،‬كشف مختلف‬
‫الجوانب المتعلقة بالموضوع‪ ،‬مع الوقوف على الحلول والتوجيهات العلمية‬

‫اإلشكالية‬
‫هل يعد العمل مصدرا الضغوطات فقط‪ ،‬أم هناك إيجابيات أيضا يجب األخذ بها؟‬

‫؟ ما هي أهمية العمل في حياة الفرد والمجتمع‬

‫ما مدا تأثير ضغوط العمل على الحالة الوجدانية للفرد‪ ،‬وهل لها تبعيات على الحياة‬
‫الشخصية؟‬

‫هل هناك أثار جسمية وسلوكية ونفسية التي من الممكن مالحظتها إثر التعرض لضغوط‬
‫العمل؟‬

‫هل هناك تأثير رجعي‪ ،‬بمعنى‪ ،‬تأثير الحياة الشخصية على الحياة المهنية؟‬
 ‫الفرضيات‬
‫يع ُّد العمل من األنشطة اإلنسانيّة األساسيّة في حياة األفراد والمُجتمعات على ح ٍّد سواء؛ فهو‬
‫العجلة التي ُتسيّر نهضة المجتمع إلى األمام‪ ،‬وهو واح ٌد من األنشطة اإلنسانيّة التي ال غنى‬
‫عنها‪ ،‬وال يمكن العيش بدونها‬

‫طبيعة خاص ٌّة به‪ ،‬فتأثيرات ضغوط العمل تختلف ولكن ليست كلّها ضارّ ًة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عمل‬
‫ٍ‬ ‫أليّ ضغط‬
‫بل من المُمكن أن يكون بعضها ضرور ّيا ً‬

‫تعد طبيعة العمل من الشروط الرئيسية التي يجب توفرها‪ ،‬لتحقيق التوازن بين العمل‬
‫والحياة الشخصية‬

‫ال يتو ّقف تأثير الضغوط المهنية على الجوانب الشخصية لألفراد والبيئة فحسب بل يرافق‬
‫األشخاص في بيئة العمل وتنعكس آثارها سلبا على العديد من الجوانب العضوية والنفسية‬
‫وتحد من األداء الوظيفي لديهم وعالقاتهم مع اآلخرين وتكيُّفهم مع ظروف العمل‪ ،‬األمر‬
‫الذي يتسبّب في انخفاض اإلنتاجية وتدني جودتها‬

‫يعتبر األفراد المرضى والمضطربون نفسيا وغير الراضين عن وظائفهم وغير المتوافقين‬
‫مع األعمال يسهمون في تدهور الداء وانخفاض كمية اإلنتاج وجودته كما يُحمِّلون المجتمع‬
‫نتائج باهظة حيث يتحمّل كل الخسائر التي يتسببون فيها‬