You are on page 1of 34

‫ماستر األمن و تدبير المخاطر األمنية‬

‫مادة النظام العام‬

‫تلخيص القسم الثاني من أطروحة "النظام العام في القانون المغربي"‬


‫للباحث المغربي مصطفى طه‪.‬‬

‫تحت إشراف الدكتور إسماعيل الحمودي‪.‬‬ ‫من إعداد الطالب الباحث‪:‬‬

‫محمد الصبري‪.‬‬

‫‪2022/2021‬‬
‫تستهدف هذه المراجعة القسم الثاني من أطروحة نيل الدكتو اره للباحث المغربي مصطفى طه‬

‫تحت اشراف الدكتور الحسين أعيوشي ‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪،‬كلية العلوم القانونية‬

‫واالقتصاد‬ ‫"الحقوق‬ ‫الدكتوراه‬ ‫دراسات‬ ‫بمراكش‪،‬مركز‬ ‫واالجتماعية‬ ‫واالقتصادية‬

‫والتدبير"مختبراألبحاث القانونية وتحليل السياسات ‪،‬خالل الموسم الدراسي ‪،2020/2019‬تحت‬

‫عنوان"مفهوم النظام العام في القانون المغربي"والتي يبلغ عدد صفحاتها ‪، 471‬وتنقسم الى‬

‫ثالثة أقسام‪،‬حيث خصص القسم األول لدراسة األساس القانوني والنظري لمفهوم النظام‬

‫العام‪،‬والقسم الثاني لدراسة وتحليل مضمون مفهوم النظام العام انطالقا من معيرته‪ ،‬والقسم‬

‫الثالث لدارسة التطبيقات العملية لمفهوم النظام العام في الفقه والقضاء اإلداريين ‪.‬‬

‫ارتباطا بما سبق ‪ ،‬خصص الباحث القسم الثاني ‪ ،‬موضوع هذه المراجعة ‪ ،‬لتحليل النظام‬

‫العام تحليال معياريا وفقهيا وقضائيا‪ ،‬بغية التعرف على هذا المفهوم بشكل دقيق من خالل‬

‫تطوره واتساع رقعته وامتداده في القانون والقضاء‪ ،‬وذلك من أجل التأكيد على أن مفهوم النظام‬

‫العام ‪ ،‬مفهوم جوهري وأساسي على مستوى صياغة النصوص القانونية‪ ،‬إن على مستوى‬

‫حماية منظومة الحقوق والحريات من جهة‪ ،‬أو على مستوى تقييد ممارستها في الحدود المنظمة‬

‫قانونا من جهة ثانية ‪.‬‬

‫كما حاول الباحث من خالل هذا القسم‪ ،‬اإلجابة عن سؤال التوفيق بين ضمان الممارسة‬

‫الفعلية السليمة والقانونية للحقوق والحريات العامة‪ ،‬والحفاظ على النظام العام‪ ،‬الذي يتغير‬

‫بتغير الزمان والمكان ‪..‬‬


‫وفيما يلي سوف نحاول تلخيص هذا القسم انطالقا من محورين اثنين ‪ ،‬المحور األول‬

‫سنتطرق فيه لطبيعة وخصائص مفهوم النظام العام ‪،‬في حين سيخصص المحورالثاني‬

‫لعناصر النظام العام‪.‬‬

‫المحور األول‪:‬تحديد طبيعة وخصائص النظام العام من خالل معيرته‪:‬‬

‫أوال‪ :‬طبيعة النظام العام من خالل معيار صفتي العمومية والمادية‪:‬‬

‫‪ /1‬طبيعة النظام العام من خالل معيار صفة العمومية‪:‬‬

‫تظهر األهمية البالغة لصفة العمومية في تشكيل النظام العام في كون تقييد الحريات عن‬

‫طريق الضبط اإلداري ‪ ،‬تفرضه ضرورة حفظ الجماعة من التهديد في صحتها وسكينتها وأمنها‬

‫"المثلث التقليدي للنظام العام"‪ ،‬سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ‪.‬وما يؤكد هذا الطرح هو‬

‫أن النوايا والمعتقدات الخاصة‪ ،‬وكذا التصرفات التي يقوم بها الفرد داخل بيته والتي ال يكون‬

‫لها مظهر خارجي مهدد للعناصر التقليدية للنظام العام هي خارج دائرة هذا األخير‪ ،‬وبهذا‬

‫نتحدث عن الفضاء الخاص‪ ،‬والذي ال تختص به سلطات الضبط اإلداري إال في حاالت نادرة‬

‫ومحددة قانونا‪ ،‬غير أنها تخرج عن نطاق النظام العام ومن هنا يتبين أن صفة العمومية‬

‫كعنصر من عناصر النظام العام تمثل ركن هذا النظام وحجره األساس‪ ،‬والذي بدونه ال‬

‫يمكن الحديث أصال عن نظام عام‪..‬‬

‫فالنظام العام إذن البد أن يكون عاما لما كان بفعل تدخل سلطات الضبط اإلداري لتقييد‬

‫الحريات ‪ ،‬ولكن أبيح هذا التقييد بهدف حماية المواطنين في أمنهم وسكينتهم وصحتهم‪ ،‬لذلك‬
‫وجب أن يكون النظام المهدد عاما‪ .‬أي يتصف بالعمومية والتجريد‪ ،‬وانطالقا من هذه السمة‬

‫قيل بأن الضبط اإلداري العام يستهدف المحافظة على النظام العام تجاه الجمهور أو مجموعة‬

‫من بينهم مفتوحة وغير محددة‪.‬‬

‫أضف الى ذلك أن النظام العام يتحدد مكانيا في األماكن العامة دون غيرها من األماكن‬

‫الخاصة‪ ،‬وتعد الطرق العامة المجال الطبيعي لتطبيق النظام العام‪ ،‬فالنظام العام في الشوارع‬

‫والطرق العامة أمر ضروري لحياة المجتمع الطبيعية‪ ،‬وكذا سالمته لقيام المرافق العامة‬

‫بوظائفها‪ ،‬ثم إنه وسيلة للربط بين األماكن المختلفة‪ ،‬فضال على أنه وسيلة لتبادل األفكار‬

‫والمعتقدات السياسية‪ ،‬وبذلك يعتبر الطريق العام مجاال حيويا لتطبيق النظام العام ‪.‬‬

‫وتجذر اإلشارة الى أن ما قضى به مجلس الدولة الفرنسي‪،‬بخصوص جواز تدخل سلطات‬

‫الضبط اإلداري في الملك الخاص إذا كان التهديد الواقع ليس عاما بل متعلقا بأمن من يوجد‬

‫داخل المبنى‪ ،‬حتى ولو لم يكن هناك خطر على المارة في الطريق أو من شأنه إعاقة‬

‫المرور‪،‬اليتنافى مع صفة عمومية النظام العام‪....‬‬

‫‪ /2‬طبيعة النظام العام من خالل معيار صفة المادية‪:‬‬

‫بالرجوع للتجربة الفرنسية ‪،‬نجد ان مجال تدخل سلطات الضبط اإلداري لحفظ النظام العام‪،‬لم‬

‫يبق محصو ار في األفعال المسببة للفوضى المادية فقط‪،‬بل توسع ليشمل التدخل في كل ما من‬

‫شأنه اال خالل بالنظام العام األدبي أو األخالقي وتعكير النظام العام وتهديده تهديدا مباش ار‬

‫‪،‬ويرجع الفضل في هذا التأويل المرن لصفة المادية هاته ‪،‬للفقه الفرنسي استنادا الى مجموعة‬
‫من اآلرآء الفقهية ‪،‬أهمها رأي مورو الذي يرى بأن "فكرة اآلداب العامة ال تثور في مجال‬

‫الضبط بالنسبة ألنواع البوليس الخاصة‪ ،‬التي تستهدف غاية معينة لها ‪...‬‬

‫واآلداب الكريمة‪ ،‬وهذا هو الشأن بالنسبة للبوليس الخاص بالصحف والدوريات الموجهة إلى‬

‫الشباب ففي أمثال هذه الحاالت ليس من سلطة الضبط أن تمارس سلطتها فحسب‪ ،‬وإنما عليها‬

‫واجب مفروض‪ ،‬في أن يستخدم اختصاصاتها لحماية اآلداب العامة"‬

‫كماذهب برنارد الى أن‪ ":‬من أن تنظيمنا االجتماعي‪ ،‬وبالتالي النظام العام الذي يحميه‪ ،‬ال‬

‫يرتكز على قواعد قانونية وسياسية واقتصادية فحسب‪ ،‬إنما هو يرتكز على قواعد خلقية‪،‬وإن‬

‫لم تدرج بطريقة رسمية في القوانين‪ ،‬ولكنها تطبع حضارتنا‪ ،‬وتكون جزءا من النظام العام الذي‬

‫توحي به‪ .‬فالنظام العام يعتمد على قواعد األخالق إلى المدى الذي تكون فيه هذه القواعد‬

‫مندمجة في القانون ومتقبلة في غالبية الضمائر"‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬خصائص مفهوم النظام العام‪.‬‬

‫يقصد بالخصائص ‪،‬الصفات التي تميز المفهوم عن باقي المفاهيم األخرى والتي يرجع اليها‬

‫القاضي كلما التبس عليه االمر‪ ،‬لتحديد ما يدخل في باب النظام العام عن غيره من المفاهيم‬

‫األخرى ‪ ،‬ويمكن التمييز بين خصائص قانونية وأخرى علمية‪.‬‬

‫‪/1‬الخصائص القانونية‪:‬‬

‫كما سبقت اإلشارة اليه‪ ،‬يعتبر مفهوم النظام العام مفهوما سياسيا واجتماعيا ‪،‬ليس من صنع‬

‫المشرع وحده‪ ،‬اذ يرتبط ارتباطا وثيقا بالتفسير القضائي ‪،‬كما انه عبارة عن مجموعة من القواعد‬
‫القانونية االمرة‪.‬‬

‫أ‪ /‬النظام العام بطبيعته فكرة سياسية واجتماعية‪:‬‬

‫يرى الباحث ان النظام العام فكرة سياسية واجتماعية ألن قواعده مستوحاة من حياة األفراد‬

‫الجماعية التي تتغير بتغير الزمان والمكان ‪،‬وحجته في ذلك مجموعة من اآلراء الفقهية والتي‬

‫يمكن أن نجمل مضمونها كاآلتي‪:‬‬

‫ـ ـ ـ ففكرة النظام العام تقوم بدور منهجي مزدوج‪ ،‬فمن جهة تقوم بصقل المبادئ واألسس السياسية‬

‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية التي يقوم عليها المجتمع في قالب قواعد قانونية آمرة‬

‫ملزمة‪ ،‬ومن ناحية أخرى تقوم فكرة النظام العام مرة أخرى بتنظيم المجتمع عن طريق حماية‬

‫تلك القواعد واألسس من أي إخالل أو تهديد‪ ،‬سواء من طرف األفراد أو الجماعات‪ ،‬أي مما‬

‫قد ينالها من تهديد ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ فكرة النظام العام تعبر عن الخطة السياسية التي ينتهجها نظام الحكم‪ ،‬في تنظيمه الروابط‬

‫االجتماعية في وقت معين‪ .‬ولذلك يكون النظام العام فرديا أو جماعيا‪ ،‬تبعا للخطة السياسية‬

‫التي يسخر المشرع نظامه القانوني لحمايتها‪ ،‬وما اختالفه داخل النظم المختلفة إال اختالف‬

‫في نوع السياسة التي يعبر عنها‪.‬‬

‫ـ ـ ـ أن النظام العام السائد في مجتمع ما‪ ،‬يمكن من تحديد طبيعة هذا المجتمع ‪،‬فحيث يؤكد‬

‫هذا النظام وجوب قيام النشاط االجتماعي على أساس استهداف الربح فإنه سيحمي حتما‬

‫االمتيازات الراسخة لحق الملكية‪ ،‬وسلطان اإلرادة الذي يبلغ ذروته في الحرية التعاقدية وهذه‬
‫هي خصائص المجتمع الفردي‪ .‬أما حيث تهدر هذه المزايا وال يعترف بإقامة العالقات‬

‫االجت ماعية على أساس من استجالب الربح أو استغالل النشاط الخاص لتحقيق الكسب فهو‬

‫مجتمع اشتراكي‪.‬‬

‫ب‪ /‬النظام العام ليس من صنع المشرع وحده‪:‬‬

‫على الرغم من دور المشرع المركزي في تحديد النظام العام ‪ ،‬اال أن هذا األخير ال يستطيع‬

‫فرضه بالقوة‪،‬ألن النظام العام فكرة اجتماعية ‪،‬األمر الذي يوحي بأن تحديد القواعد القانونية‬

‫المتعلقة بالنظام العام ‪،‬تتحكم فيه المبادئ واألسس االجتماعية واالقتصادية والثقافية والبيئية و‬

‫الدينية والسياسية التي يقوم عليها المجتمع‪ ،‬فقد تكون عرفا أو عادة أو قانونا أو اجتهادا فقهيا‪،‬‬

‫أو اجتهادا قضائيا‪ ،‬والتي بطبيعة الحال تتغير بتغير الزمان والمكان وبالتالي فتشكل مفهوم‬

‫النظام العام لن يتم بواسطة التشريع فقط‪ ،‬وإنما بناء على السلطة القضائية التي لها سلطة‬

‫المالءمة ‪.‬‬

‫ج‪ /‬ارتباط فكرة النظام العام بنطاق التفسير القضائي‪:‬‬

‫القاضي هو الوحيد الذي بامكانه تفسير وتحديد نطاق ودائرة وعناصر النظام العام لكن يلزمه‬

‫التقيد بمايلي‪:‬‬

‫ـ ـ المبادئ الجوهرية السائدة في دولته ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ المرونة في تفسير النصوص القانونية ‪ ،‬كي ال يقيد نفسه مستقبال فيما يعرض عليه من‬

‫نوازل ومنازعات‪.‬‬
‫ـ ـ ـ مراعاة آداب عصره ونظم أمته األساسية ومصالحها العامة‪.‬‬

‫ـ ـ ـ الموضوعية والحياد‪.‬‬

‫د‪/‬النظام العام مجموعة من القواعد اآلمرة‪:‬‬

‫مايضفي على فكرة النظام العام صفتها اآلمرة هو أنها تضع حال لمنازعات في اتجاه الحفاظ‬

‫على كيان المجتمع‪ ،‬وذلك عن طريق المواءمة بين اإلرادات الفردية والمصلحة الجماعية‬

‫وبذلك تستخدم فكرة النظام العام لحسم المنازعات على أساس وجود نظام ذي أولوية اجتماعية‬

‫فحين يواجه القاضي بقاعدة من قواعد النظام العام‪ ،‬فليس أمامه من خيار سوى النزول على‬

‫حكمها‪....‬‬

‫‪/2‬الخصائص العملية‪:‬‬

‫أ‪.‬النظام العام وسيلة لحماية وتقييد الحريات‪:‬‬

‫يقول الفقيه الفرنسي ‪ Lion Dugué‬في هذا الشأن‪" :‬إذا أريد للحرية أن تمارس في الطريق‬

‫العام وهو مخصص بطبيعته لمزاولة بعض مظاهرها أو في المحافل العامة التي يتردد عليها‬

‫الجمهور‪ ،‬فإنه من الضروري أن تخضع هذه الحرية لنظام ضابط محكم ال يقصد به كبت هذه‬

‫الحرية وإنما تنظيمها‪ ،‬ومن ثم يعتبر كل تدبير تنظيمي ضابطا يتجه إلى كفالة النظام والسكينة‬

‫واألمن في الطريق العام سائغا مشروعا"‪..‬‬

‫من هنا يتضح أن حماية النظام العام سابق على الحماية الدستورية والقانونية والتنظيمية للحرية‬

‫وأن النظام العام ال يتعارض مع الحريات‪ ،‬بل ينظمها تنظيما معقلنا من أجل ضمان‬
‫عنصرين اثنين‪ ،‬األول ضمان الممارسة السليمة للحقوق والحريات‪ ،‬والثاني الحفاظ على النظام‬

‫العام ‪.‬‬

‫ب‪ .‬النظام العام فكرة مرنة ومتغيرة باستمرار‪:‬‬

‫يعتبرالنظام العام األداة القانونية المحققة للتطور االجتماعي‪ ،‬بذلك يترك المشرع المساحة‬

‫الالزمة للقاضي والفقيه لتحديد التصرفات التي تدخل في دائرة النظام العام عن غيرها المخالفة‬

‫له وعليه‪ ،‬فإنه من باب العبث تحديد التصرفات التي تدخل في مجال النظام العام‪ ،‬على اعتبار‬

‫أن التحديد وإن كان مناسبا وصحيحا في مرحلة زمنية معينة‪ ،-‬إال أنه لن يكون كذلك في‬

‫جميع األزمة واألمكنة‪.‬‬

‫كما أن النظام العام يتغير تبعا لمجموعة من المتغيرات المرتبطة بطبيعة النظام السياسي‬

‫والدستوري‪ ،‬ومجال الحقوق والحريات‪ ،‬ثم الفلسفة السائدة في المجتمع‪ ،‬إلى جانب المعتقدات‬

‫والديانات التي تعترف بها الدولة إلخ ‪ ...‬كل هذه المكونات وغيرها تساهم بشكل أو بآخر‬

‫باالعتماد على نمط معين من التشريع وبآلة قانونية معينة‪.‬‬

‫فال يمكن إذن حسب أحمد السنهوري حصر النظام العام في دائرة دون أخرى‪ ،‬فهو شيء‬

‫متغير يضيق ويتسع حسب ما يعده الناس في حضارة معينة "مصلحة عامة"‪ ،‬وال توجد قاعدة‬

‫ثابتة تحدد النظام العام تحديدا مطلقا يتماشى مع كل زمان ومكان‪ ،‬ألن النظام العام شيء‬

‫نسبي‪ ،‬وكل ما نستطيعه هو أن نضع معيا ار مرنا يكون معيار المصلحة العامة‪ ،‬غير أن‬

‫تطبيق هذا المعيار في حضارة معينة يؤدي إلى نتائج غير التي نصل إليها في حضارة أخرى‬
‫ج‪ .‬النظام العام فكرة وقتية وتتميز بالنسبية‪:‬‬

‫يعتبر النظام العام من األفكار القانونية ذات الطابع اللحظي ‪،‬اآلني ‪،‬بمعنى أن تقدير مقتضيات‬

‫وقواعد وعناصر ومكونات المفهوم بلحظة النظر في النزاع أو الحدث دون النظر إلى تاريخه‬

‫ومكانه‪ .‬ومن أمثلة ذلك ‪ ،‬عقد التأمين على الحياة الذي كان يعتبر فيما مضى مخالفا للنظام‬

‫العام في كثير من المجتمعات ‪ ،‬فقد أصبح اليوم مشروعا غير مخالف للنظام العام ‪.‬‬

‫من جهة أخرى يعتبر النظام العام نسبي لكونه يرتبط بأوضاع سياسية واقتصادية ودينية‬

‫واجتماعية نسبية كذلك ‪،‬كما أنه يختلف باختالف المعتقدات والمواقف اإلنسانية والعادات‬

‫واألعراف ‪ ،‬وكمثال على ذلك تعدد الزوجات الذي يعتبر جائ از في جل الدول التي تأخذ بالدين‬

‫اإلسالمي كديانة رسمية لها‪ ،‬إال أنه في الدول الغربية ال مجال للحديث عن تعدد الزوجات‬

‫كونه مخالفا للنظام العام ‪،‬أما في الشريعة اإلسالمية فاألمر مختلف تماما اذ يعتبر النظام‬

‫العام فكرة مطلقة‪ ،‬الن النظام العام في اإلسالم فكرة ثابتة ال تقبل التغيير‪ ،‬فهي منضبطة‬

‫وليس للقاضي أي سلطة تقديرية في هذا المجال ألنها تجسد حقيقة التشريع اإلسالمي الصادر‬

‫عن العليم الخبير بما يفيد البشر‪ ،‬بخالف النظام العام الوضعي‪.‬‬

‫أما في فرنسا ‪ ،‬فاألخذ بنسبية النظام العام شيء الزم محكمة النقض الفرنسية في كثير من‬

‫ق ارراتها‪ ،‬ومثال ذلك‪ ،‬القرار الصادر في ‪ 10‬يونيو ‪ 1993‬في قضية إثبات النسب الطبيعي‪،‬‬

‫والذي بموجبه تم استبعاد القانون األجنبي الذي يحرم األطفال الفرنسيين أو المقيمين في فرنسا‬

‫بصفة دائمة من حقهم في اثبات نسبهم‪....‬‬


‫المحور الثاني‪:‬عناصر النظام العام‬

‫ال يخفى على أحد ان عناصر النظام العام انقسمت عبر الزمن لثالث مراحل أساسية‪ ،‬تتعلق‬

‫األولى بمرحلة تكون مفهوم النظام العام ‪ ،‬سماها الفقه بالثالثي التقليدي للنظام العام ‪،‬أي‬

‫األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة‪ .‬وبتطور وظائف الدولة وظهور خدمات جديدة‬

‫تشمل جميع مناحي الحياة اليومية للمواطن‪ ،‬ازدادت وظائف اإلدارة بالتوازي معها‪ ،‬فتوسعت‬

‫عناصر النظام العام بدورها لتشمل عناصر حديثة بعد أن كانت مقتصرة على الثالثي التقليدي‪.‬‬

‫فلم يعد يكتسي طابع االستثناء المقيد للحرية الفردية‪ ،‬بل أصبح ضابطا أصيال للحفاظ على‬

‫صفوة الحياة العامة واستقرارها واستمرارها‪ ،‬مما حدا باإلدارة للتدخل في إطار صالحياتها‬

‫الضبطية للحفاظ على الحريات العامة لألفراد ‪ .‬ونتحدث هنا عن النظام العام الخلقي أو‬

‫اآلداب العامة‪ ،‬والمحافظة على والرونق والرواء‪ ،‬والنظام العام االقتصادي‪ ،‬لينتقل بعد ذلك‬

‫المفهوم الحتواء عناصر حديثة متمثلة في الكرامة اإلنسانية واألمن الروحي ‪،‬والنظام العام‬

‫البيئي ‪،‬واالختيار الديمقراطي‪.‬‬

‫على الرغم من أن النظام العام فكرة متغيرة ومتطورة باستمرار مع الزمن‪ ،‬وتختلف مكانيا‬

‫كذلك حسب الثقافة السائدة‪ ،‬وحسب إيديولوجية نظام الحكم وكذا القيم المجتمعية العامة‪ ،‬وقد‬

‫كان هذا الواقع كافيا لتطور مفهوم النظام العام واتساعه الحتواء عناصر جديدة‪ ،‬تهم األخالق‬

‫واآلداب العامة ‪ ،‬إلى جانب الجمالية العامة ‪ ،‬وكذا النظام العام االقتصادي ‪،‬فان ذلك الواقع‬

‫ما كان له ان يحجب دور كل من الفقه والقضاء والتشريع في مساندة توسع نطاق النظام العام‬
‫ليشمل تلك العناصر‪،‬ومن تم يحق لنا أن نتعرف ونحن بصدد تلخيص هذا المحور‪،‬كيف ساهم‬

‫كل من الفقه والقضاء والمشرع في ظهوراألخالق واآلداب العامة‪ ،‬والجمالية العامة‪،‬‬

‫والنظام العام االقتصادي‪.‬‬

‫أوال‪:‬األخالق واآلداب العامة‪:‬‬

‫‪ /1‬األخالق واآلداب العامة من خالل الفقه‪:‬‬

‫اذا كان النظام العام فكرة اجتماعية تقوم بتنظيم المجتمع ‪،‬وحماية أسسه االقتصادية‬

‫واالجتماعية والسياسية من أي تهديد أو إخالل‪ ،‬من خالل تلك القواعد اآلمرة‪ .‬واذا كانت فكرة‬

‫اآلداب العامة تشمل مجموعة األسس األخالقية التي يقوم عليها نظام المجتمع والتي يعتبرها‬

‫األفراد أنها واجبة االتباع في عالقاتهم‪ ،‬ولذلك ال يباح الخروج عليها عن طريق االتفاقيات‬

‫الخاصة المخالفة‪ ،‬كما أن كليهما يتسم بالمرونة والتغير‪ ،‬تبعا لظروف الزمان والمكان‪ ،‬والتأثر‬

‫بالتقاليد والعادات واألعراف السائدة في كل مجتمع‪ ،‬فان اتساع مجال النظام العام ليشمل‬

‫عنصر اآلداب واألخالق أمر طبيعي ‪،‬خصوصا بالنسبة للدول الغربية كفرنسا التي لم توسع‬

‫مؤخر‪ ،‬بخالف الدول اإلسالمية التي كانت‬


‫ا‬ ‫مجال النظام العام ليشمل اآلداب واألخالق إال‬

‫سباقة لذلك على اعتبار أن األخالق واآلداب ركن ركين في دينها ‪..‬‬

‫بناء على ماسبق‪،‬وبعد االطالع على آراء الفقهاء في هذ المجال نخلص الى مايلي‪:‬‬

‫ـ ـ ـ أن هناك شبه إجماع لدى الفقه المعاصر على رفض التمييز بين فكرة النظام العام وفكرة‬

‫حسن اآلداب أو اآلداب العامة‪ ،‬باعتبار هذه األخيرة تشكل أحد األسس التي يقوم عليها النظام‬
‫العام‪ ،‬فهي الجانب الخلقي له‪ ،‬وهو األساس األخالقي الذي يحفظ النظام العام في المجتمع‪،‬‬

‫والمتمثل في واجبات الفرد سواء اتجاه نفسه‪ ،‬أو تجاه مجتمعه‪ ،‬لكون هدفه األسمى هو الفضيلة‬

‫والعدالة‪.‬‬

‫ـ ـ أنه من الصعب تحديد مشموالت النظام العام األدبي ‪،‬أو العناصر المعنوية واألخالقية له‪،‬‬

‫لكون الفكرة تختلف حسب الزمان والمكان‪ ،‬كما أنها ال تشمل كل القواعد األخالقية‪ ،‬وإنما‬

‫تقتصر على الحد األدنى الذي تواضع عليه المجتمع‪ ،‬وبناء على ذلك‪ ،‬فاآلداب العامة بوصفها‬

‫عنص ار من العناصر الحديثة للنظام العام ‪،‬ال تترك أي فرد يتجاوز القواعد األخالقية المجتمعية‪،‬‬

‫وهو ما يبين بصورة أوضح‪ ،‬تدخل الشرطة اإلدارية الذي ال يتم إال حينما يكون اإلخالل‬

‫باألخالق واآلداب العامة‪ ،‬قد يؤثر على النظام العام المادي‪ ،‬أي على العناصر التقليدية للنظام‬

‫العام‪.‬‬

‫ـ ـ األثر الكبير للدين في تكييف اآلداب العامة‪.‬‬

‫‪ /2‬األخالق واآلداب العامة من خالل التشريع‪:‬‬

‫على العموم فإن اآلداب واألخالق العامة التي تتكفل سلطات الضبط اإلداري بحمايتها‪ ،‬هي‬

‫تلك اآلداب العامة ذات المظهر الخارجي ‪،‬التي يجب أن يتحلى بها الفرد تجاه الجماعة‪ ،‬سواء‬

‫أدى االختالل بها بالفعل أو الكلمة أو اللباس أو الصورة ‪،‬إلى إلحاق الضرر بالطابع المادي‬

‫للنظام العام‪ ،‬كفالة للحياة المادية والمعنوية للجماعة‪ ،‬وال دخل لسلطات الضبط اإلداري في‬

‫أخالق الشخص تجاه نفسه‪ .‬وكمثال على ذلك‪ ،‬فإنه إذا كان من حق الفرد اعتناق أي ديانة‬
‫سماوية ‪ ،‬فإنه ليس من حقه في الدولة اإلسالمية ‪،‬الدعوة إلى ديانته ‪،‬وإنكار الديانات‬

‫السماوية األخرى‪ ،‬ألن في ذلك مساسا بالدين اإلسالمي الحنيف‪ ،‬ومساسا بمبادئ وأخالق‬

‫األمة اإلسالمية‪ .‬فممارسة حرية العقيدة المكفولة دستوريا تكون في إطار حماية اآلداب‬

‫واألخالق العامة التي يتمسك بها أفراد المجتمع‪.‬‬

‫بالنسبة للمشرع الفرنسي‪ ،‬لم تتضمن النصوص القانونية التي أشارت الى النظام العام ‪ ،‬عنصر‬

‫اآلداب العامة كعنصر من عناصر النظام العام إلى جانب األمن العام والصحة العامة‬

‫والسكينة العامة‪ .‬ومن تم فإن اآلداب العامة ال تعتبر عنص ار من عناصر النظام العام‪ .‬وعلى‬

‫النقيض من ذلك ذهب جانب آخر من الفقه الفرنسي إلى القول بأن التحديد الوارد في النصوص‬

‫القانونية التي أشارت إلى النظام العام ‪ ،‬قد ورد على سبيل البيان واإليضاح فقط‪ ،‬ومن تم‬

‫يمكن إدخال اآلداب العامة في عناصر النظام العام‪...‬‬

‫بالنسبة للمشرع المغربي ‪ ،‬فقد نص على عنصر اآلداب العامة في الفصل ‪ 483‬من مدونة‬

‫القانون الجنائي‪ ..‬أما بالنسبة للجزائر‪ ،‬فقد أدرج المشرع اآلداب العامة ضمن عناصر النظام‬

‫العام‪ ،‬في المادة ‪ 237‬من القانون البلدي لعام ‪ ، 1967‬وفي المادة ‪14‬من المرسوم ‪/ 267‬‬

‫‪ 81‬المؤرخ في ‪ 10 / 10 / 1981‬المتعلق بصالحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي فيما‬

‫يتعلق بالنقاوة والطمأنينة العمومية‪.‬إال أن المشرع الجزائري قد تراجع عن موقفه هذا إثر تعديل‬

‫قانون البلدية بموجب القانون رقم ‪ ، 08 - 90‬بحيث لم يدرج حماية اآلداب العامة ضمن‬
‫اختصاصات رئيس المجلس الشعبي البلدي ‪،‬عكس ما كان عليه سابقا‪ .‬كما أنه استقر على‬

‫نفس الموقف في ظل قانون البلدية الحالي رقم ‪.10-11‬‬

‫‪ /3‬األخالق واآلداب العامة من خالل القضاء‪:‬‬

‫على الرغم من أن القضاء الفرنسي كان ال يعترف بمكون اآلداب العامة واألخالق كعنصر‬

‫من عناصر النظام العام ‪ ،‬فإن هذا التوجه لم يعمر طويال ‪ ،‬بحيث صدرت أحكام مهمة عن‬

‫القضاء الفرنسي ‪،‬والتي أثبتت كون األخالق واآلداب العامة ‪،‬هي جزء من النظام العام‪ ،‬ونحيل‬

‫هنا على حكم شركة أفالم لوتيتيا ‪،‬وكدا النقابة الفرنسية لمنتجي ومصدري األفالم الصادر في‬

‫‪ 18‬دجنبر‪ 1995‬هذا الحكم الذي أجاز لسلطات الضبط اإلداري حظر كل ما من شأنه أن‬

‫يمس األخالق واآلداب العامة في المجتمع الفرنسي ‪،‬وكدا الحكم الصادر عن محكمة القضاء‬

‫اإلداري في القضية رقم ‪ 103‬بجلسة ‪ 7‬فبراير سنة ‪ ، 1978‬حيث قضت المحكمة بمنع‬

‫عرض فيلم "العش الهادئ" لكونه يمس بعنصر األخالق واآلداب‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء المغربي فقد ذهب في نفس االتجاه‪ ،‬وأخذ بمبدأ التوسع في مفهوم النظام‬

‫العام ‪،‬وأصدر بعض األحكام المؤيدة لهذا الموقف‪ ،‬أبرزها الحكم الصادر بتاريخ ‪ 22‬يونيو‬

‫‪1964‬في قضية المدعو أحمد واكريم‪ ،‬والحكم الصادر بتاريخ ‪ 19‬يونيو ‪ 1962‬في قضية‬

‫حمو دافيد‪ ،‬وأيضا الحكم الصادر بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪ 1985‬والذي جاء فيه ما يلي‪" :‬إن اإلدارة‬

‫وإن كان لها الحق في منع بيع أي منشور‪ ،‬إال أن ذلك يجب أن يكون مبر ار قانونا‪ ،‬بمعنى أن‬

‫يكون الهدف من ذلك استعمال حق الرقابة للحفاظ على األخالق والنظام العام"‬
‫ثانيا‪:‬الجمالية العمومية‪:‬‬

‫‪/1‬الجمالية العمومية في الفقه‪:‬‬

‫من خالل مراجعتنا ألرآء الفقهاء بخصوص عنصر الجمالية العمومية ‪،‬نجدها تتقاطع فيما‬

‫يلي‪:‬‬

‫ـ مع تطور المجتمع ‪،‬الذي أدى بدوره الى تطور الفقه سواء الفرنسي أو المغربي ‪،‬انضافت‬

‫الجمالية العمومية إلى عناصر النظام العام‪،‬لما له من أهمية في خلق السكينة واالطمئنان‬

‫النفسي والمادي لدى المواطنات والمواطنين‪....‬‬

‫ـ يدخل في اطار الجمالية العمومية ‪،‬المحافظة على المناطق األثرية ‪،‬وجمال المدن‪ ،‬وذلك‬

‫بالمحافظة على النسق العمراني‪ ،‬وما قد يصيبه ممن تشوه جراء البنايات الفوضوية ‪،‬وكذلك‬

‫بالمحافظة على نظافة الساحات العمومية والطرق العامة‪....‬‬

‫ـ إشكالية تحديد صالحيات الشرطة اإلدارية بخصوص تدخلها للحفاظ على الجمالية العمومية‪،‬‬

‫والغموض التي الذي شاب اآلراء الفقهية سواء الفرنسية أوالمغربية ‪،‬هذه األخيرة التي انقسمت‬

‫الى قسمين‪ ،‬قسم يرى بأن الشرطة اإلدراية ال تتدخل اال في الحاالت التي قد يتسبب فيها‬

‫اإلخالل بعنصر الجمالية العمومية ‪ ،‬في تهديد للعناصر التقليدية للنظام العام ‪ ،‬وقسم آخر‬

‫يرى ضرورة التدخل ولو لم يكن هناك أي تهديد ‪،‬إال ان هذا األخير ال يستند الى نصوص‬

‫قانونية‪....‬‬

‫‪ /2‬الجمالية العمومية من خالل القضاء‪:‬‬


‫من خالل االطالع على موقف القضاء ‪،‬سواء الفرنسي أو الجزائري ‪،‬نتبين ان عنصر الجمالية‬

‫العمومية أصبح له قوة قانونية ‪،‬يؤكد ذلك مجموعة من الق اررات واألحكام الصادرة في هذا‬

‫الصدد والتي يمكن ايجازها كاآلتي‪:‬‬

‫ـ ـ ـ قضية اتحاد نقابات مطابع باريس سنة ‪ ، 1936‬والتي تعود وقائعها إلى أن رئيس البلدية‬

‫أصدر ق ار ار يحظر فيه توزيع المطبوعات اإلعالنية في الشارع‪ ،‬لكون المارة عندما ينتهون منها‬

‫يلقون بها في الشارع فتؤدي بذلك إلى تشويه المنظر العام‪ ،‬هذا األخير الذي يفرض وجود‬

‫سلطة إدارية تحافظ عليه‪ .‬فطعن اتحاد نقابات المطابع في هذا القرار‪ ،‬كونه ال يدخل ضمن‬

‫اختصاصات وأهداف ووظائف الجهة التي أصدرته‪ ،‬لكن قرار مجلس الدولة كان جريئا ورفض‬

‫إلغاء القرار نظ ار ألن المحافظة على جمالية الرونق والرواء تعتبر من بين أهداف الشرطة‬

‫اإلدارية ‪،‬كونها عنص ار من عناصر النظام العام‪.....‬‬

‫ـ ـ ـ تقرير مفوض الحكومة الفرنسي ‪،‬في ‪ 23‬نونبر ‪، 1951‬في قضية الشركة الجديدة للطباعة‬

‫واإلعالن‪ ،‬حيث اعترف بشكل صريح بأن جمالية الرونق والرواء من عناصر النظام العام‬

‫بقوله‪" :‬عندما تتدخل الشرطة لتنظيم عموم الصحف والدوريات‪ ،‬فإن بإمكانها قانونا أن تؤسس‬

‫تدخلها على ضرورة ضمان حرية المروربالشوارع والهدوء والصحة العامة‪ ،‬بل وجمال الرواء‬

‫أيضا‪.....‬‬

‫ـ ـ ـ ـ القرار الجزائري الذي أورده سليماني السعيد في مقاله حول‪" :‬النظام العام كهدف وقيد على‬

‫نشاط الضبط اإلداري"‪ ،‬والصادر بتاريخ ‪ 15‬أبريل ‪ 2003‬والذي جاء فيه‪ ..." :‬حيث اتضح‬
‫لمجلس الدولة بعد االطالع على كل ما احتوى عليه ملف الدعوى من وثائق ومستندات ‪،‬أنه‬

‫حقيقة حصول المستأنف على ترخيص من المستأنف عليها بوضع كشك جاهز بشرط أن‬

‫يكون هذا األخير في حالة مالئمة ال تشوه المنظر العام ‪،‬واحترام قواعد النظافة‪ .‬حيث أن‬

‫اإلدارة لها سلطة الضبط اإلداري والمحافظة على جمالية عمران البلدية‪.....‬‬

‫تجذر اإلشارة الى أن اعتبار الحفاظ على جمالية الرونق والرواء يدخل في باب صالحيات‬

‫الشرطة اإلدارية‪ ،‬قد يؤدي إلى التعسف في استعمال هذا االختصاص‪ ،‬لكون تقييم القاضي‬

‫للمحافظة على العناصر التقليدية للنظام العام قد يبدوا سلسا بخالف تقييمه لما يدخل في باب‬

‫الجمالية الذي سيكون في غاية التعقيد بحيث يقحم القانون في مجال االذواق واأللوان‬

‫واإلختيارات الشخصية ‪ ،‬ومن تم يجب أن يكون هذا التدخل مقننا‪ ،‬وأال يتم إال إذا كان التهديد‬

‫له أثر خارجي ‪....‬‬

‫‪ /3‬الجمالية العمومية من خالل رأي المشرع‪:‬‬

‫كما تمت اإلشارة إليه ‪ ،‬أصبحت الجمالية العامة محط اهتمام المشرع‪،‬وذلك واضح من خالل‬

‫مجموعة من النصوص القانونية والتي يمكن اإلشارة اليها كاآلتي‪:‬‬

‫ـ ـ ـ القانون الفرنسي الصادربتاريخ ‪ 2‬ماي ‪ ، 1930‬إضافة إلى القانون الصادر في ‪29‬‬

‫ديسمبر‪ 1979‬المتعلق بالرقابة على لصق اإلعالنات‪ ،‬ومرسوم ‪ 28‬ماي ‪ 1970‬المنظم‬

‫لتصاريح البناء ‪...‬‬

‫ـ ـ ـ المادة ‪19‬من قانون التعمير المغربي التي تنص على أنه‪" :‬يهدف تصميم التهيئة إلى تحديد‬
‫جميع أو بعض العناصر التالية‪ :‬األحياء واآلثار والمواقع التاريخية أو األثرية والمواقع والمناطق‬

‫الطبيعية كالمناطق الخضراء العامة أو الخاصة الواجب حمايتها أو إبراز قيمتها ألغراض‬

‫جمالية أو تاريخية أو ثقافية ‪،‬وكذلك القواعد المطبقة عليها إن اقتضى األمر ذلك؛ االرتفاقات‬

‫المحدثة لمصلحة النظافة والمرور أو ألغراض جمالية أو أمنية أو للحفا ظ على الصحة العامة‬

‫وكذلك االرتفاقات التي تفرضها قوانين خاصة إن وجدت‪".‬‬

‫في مصر‪ ،‬نص القانون رقم ‪ 656‬لسنة ‪ 1954‬الخاص بتنظيم المباني في المادة ‪ 8‬منه على‬

‫أنه "يجوز أن يحدد بقرار وزاري طابع خاص أو لون معين أو مادة خاصة بمظهر البناء الذي‬

‫يجب اتباعه في بعض الشوارع أو المناطق‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬النظام العام االقتصادي‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن تزايد مجاالت تدخل الدولة في الحياة االقتصادية واالجتماعية ‪،‬رغبة منها‬

‫في تنظيم المجتمع‪ ،‬قد ساهم في توسيع مجاالت النظام العام‪ ،‬ذلك أن إتاحة الحرية المطلقة‬

‫لألفراد في القيام بنشاطاتهم التي تهم الجانب االقتصادي‪ ،‬قد يعرض المجتمع لمخاطر‬

‫اقتصادية واجتماعية‪ ،‬وقد تصل لمخاطر سياسية‪ ،‬إذا لم تعمل الدولة على تنظيم الممارسات‬

‫االقتصادية‪ .‬من هنا جاء التفكير في عناصر جديدة لفكرة النظام العام‪ ،‬وترتيبا على ما سبق‪،‬‬

‫ظهرت الحاجة ملحة إلضافة عنصر جديد للنظام العام ‪،‬تتدخل سلطات الشرطة اإلدارية‬

‫لتنظيمه‪ ،‬ويتعلق األمر‪ ،‬بالنظام العام االقتصادي ‪،‬وبذلك أصبحت الحريات االقتصادية مجاال‬

‫خصبا لنشاط سلطات الضبط اإلداري‪ ،‬إذ تدخلت الدولة الحديثة في تنظيم االقتصاد‪ ،‬وعملت‬
‫على فرض قيود على ممارسات األفراد ‪.‬‬

‫يرتبط النظام العام االقتصادي في القانون الخاص ارتباطا وثيقا بالحرية التعاقدية‪ ،‬أي بتقييد‬

‫الحرية التعاقدية في مقابل حماية النظام االجتماعي واالقتصادي ‪،‬ونشير في هذا الصدد للمادة‬

‫‪ 6‬من القانون المدني الفرنسي لسنة ‪، 1804‬التي تحظر شروط التعاقد المخالفة للنظام العام‬

‫وأيضا ما تضمنته المادة ‪ 1134‬من القانون المدني الفرنسي‪ ،‬والتي تنص على أن‪" :‬االتفاقات‬

‫التي صيغت على نحو غير قانوني تعتبر باطلة"‬

‫أما فكرة النظام العام االقتصادي في القانون العام‪ ،‬فتقوم على أن تدخل الدولة هو وحده الذي‬

‫يمكن أن يعالج انعدام التوازن واالختالل االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬

‫انقسم الفقه بخصوص االعتراف بالنظام العام االقتصادي ‪،‬كعنصر من عناصر النظام العام‬

‫إلى قسمين ‪،‬قسم يغيب تماما الحديث عن نظام عام اقتصادي مستقل عن العناصر التقليدية‬

‫للنظام العام‪ ،‬ومن ثم ال محل للقول بوجود نظام عام اقتصادي مستقل ‪،‬وآخر يرى خالف ذلك‬

‫‪،‬بحيث يعتبر النظام العام االقتصادي ‪،‬عنصر مستقل بذاته ‪،‬كسائر عناصر النظام العام‬

‫‪،‬فرضه تطور المجتمع ‪ ،‬الذي فرض بدوره اتساع مجال النظام العام ‪ ،‬وبالتالي الزم تدخل‬

‫الشرطة اإلدارية لحمايتة ‪.‬‬

‫تجذر اإلشارة إلى أنه عند إضافة أي عنصر جديد لمشتمالت النظام العام أو التوسع‬

‫فيه‪،‬بإضافة مكونات جديدة لألسس والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع اجتماعيا واقتصاديا‬

‫وأخالقيا وسياسيا‪ ،‬يلزم أن يكون ذلك مقترنا بتعديل دستوري وتنظيمي‪ ،‬كي ال يبقى المجال‬
‫مفتوحا أمام سلطات الشرطة اإلدارية لتقييدها والتي تؤثر على الممارسة السليمة للحقوق‬

‫والحريات وذلك باسم النظام العام‪ .‬خصوصا وأن المجتمع المغربي مجتمع مركب‪ ،‬مختلف‬

‫الثقافات والقيم‪ ،‬وبالتالي يكون السبيل الوحيد لتدخل الشرطة اإلدارية هو المحافظة على النظام‬

‫العام في الحاالت التي يقع فيها اضطراب أو خروج عن القانون‪ ،‬أو خرق مادي ألحد العناصر‬

‫التقليدية للنظام العام‪......‬‬

‫المحورالثالث‪ :‬العناصر الحديثة للنظام العام‪:‬‬

‫فبعد الحديث عن العناصر التقليدية للنظام العام ‪،‬والمتعلقة باألمن والصحة والسكينة العامة‪،‬‬
‫وبعد التوجه نحو التوسع في عناصر للنظام العام لتشمل النظام العام االقتصادي والجانب‬
‫المعنوي للنظام العام والمتمثل في األخالق واآلداب العامة‪ ،‬إلى جانب جمالية الرونق والرواء‪،‬‬
‫يأتي الحديث في هذا المحورعن العناصر الحديثة للنظام العام والمتمثلة في الكرامة اإلنسانية‬
‫والنظام العام البيئي واألمن الروحي واالختيار الديمقراطي‪....‬‬
‫أوال‪ :‬الكرامة اإلنسانية‬
‫إن فكرة "الكرامة اإلنسانية" باعتبارها عنصر من العناصر الحديثة للنظام العام يستند إلى‬
‫أسس دينية وقانونية وقضائية يمكن اجمالها كما يلي‪:‬‬
‫إذا كانت جميع الشرائع السماوية تقوم على مبدأ الكرامة اإلنسانية ‪،‬فإن الشريعة اإلسالمية‬
‫تبدو مهيمنة ً في هذا الصدد‪ ،‬كونها تناولت الكرامة اإلنسانية بمنطق شمولي مطلق‪ ،‬وذلك‬
‫دون أي اعتبار أو تمييز للون أو اللغة أو العرق أو الديانة‪ ،‬التي تميز اإلنسان من دولة ألخرى‬
‫ومن زمان آلخر‪ ،‬واألدلة على ذلك كثيرة ‪،‬لعل أجلها قول الحق سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ولقد كرمنا‬
‫بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا‬
‫تفضيال ﴾ وقوله ‪﴿،‬ولقد خلقنا ُكم ثُم صورنا ُكم ثُم قُلنا ِللمال ِئك ِة اس ُجدُوا ِآلدم فسجدُوا ِإال ِإب ِليس‬
‫اجدِين﴾ وقول عمر ابن الخطاب ‪ ":‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬ ‫لم ي ُكن ِمن الس ِ‬
‫أحرارا" هذه القولة وحدها تمثل المصدر الرئيس لما نصت عليه المادة األولى من اإلعالن‬
‫في هذا الصدد ‪،‬مما يؤكد هيمنة الشريعة اإلسالمية‬ ‫العالمي لحقوق اإلنسان لسنة ‪1948‬‬
‫على العديد من التشريعات الدولية الوضعية‪.....‬‬
‫أما على مستوى العالم فقد تضمنت جميع المواثيق الدولية مكون الكرامة االنسانية‪ ،‬بدءا‬
‫باإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة‪ ،1948‬وكدا إعالن ‪ ، 1997‬مرورا بالعهد الدولي‬
‫الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية وانتهاء بإعالن‬
‫فريبورغ بشأن الحقوق لسنة‪ ، 2007‬جميع هذه المواثيق قد نصت في ديباجتها على صيغة‬
‫موحدة‪ ،‬تؤكد على حق البشرية في الكرامة اإلنسانية‪ ،‬يتعلق األمربعبارة "كرامة أصيلة‬
‫الدساتير العربية التي أولت في اآلونة األخيرة اهتماما‬ ‫فيهم" ‪،‬األمر الذي انعكس على‬
‫تشريعيا كبيرا في مجال حماية الكرامة اإلنسانية ووقايتها من االنتهاكات التي قد تتعرض لها‪،‬‬
‫سواء من طرف الدولة أو من طرف األشخاص اآلخرين‪ ،‬أو من طرف المؤسسات‪ ،‬ونخص‬
‫بالذكرالدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬الذي ينص على ضرورة احترام الكرامة اإلنسانية بحيث‬
‫قام في مرحلة أولى بدسترتها‪ ،‬وذلك بناء على االتفاقيات والمواثيق واإلعالنات الدولية‪ ،‬وكذا‬
‫على مضامين الشريعة اإلسالمية‪ ،‬خصوصا ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‪،‬‬
‫وبعد وضعه لألسس القانونية والتنظيمية‪ ،‬انتقل إلى وضع اإلطار المؤسساتي الموكول له‬
‫مهمة الحفاظ على هذه المقتضيات المتعلقة باحترام حقوق اإلنسان والحفاظ على الكرامة‬
‫اإلنسانية‪....‬‬
‫أما بالنسبة للتجربة الفرنسية ‪،‬فأول إشارة لمكون الكرامة اإلنسانية في القانون الوضعي كانت‬
‫بموجب القانون ‪ 86 / 1067‬الصادر في ‪ 30‬شتنبر ‪ 1986‬والمعدل عام ‪ ، 1989‬والمتعلق‬
‫بحرية االتصال ‪ .‬لكن على الرغم من ذلك‪ ،‬كان للقضاء الفرنسي دور محوري في تطوير‬
‫وتنمية وتوسيع نطاق النظام العام‪،‬وإضافة عناصر جديدة كلما دعت الضرورة لذلك ‪،‬ففي‬
‫السماح بتدخل الشرطة اإلدارية لحماية الكرامة اإلنسانية‪،‬إقرارمنه بأن األخيرة عنصر جديد‬
‫من عناصر النظام العام‪ ،‬والذي يؤكد هذا الطرح مجموعة من المواقف والقرارات يمكن أن‬
‫نعرج على أهمها كما يلي‪:‬‬
‫ـ قرارمجلس الدولة الفرنسي رقم ‪ 344 / 343 - 94‬والمؤرخ في ‪ 27‬يوليوز ‪، 1994‬‬
‫والمتعلق ب‪" :‬قوانين أخالقيات علم األحياء" والذي يروم صون الكرامة البشرية ضد أي‬
‫شكل من أشكال اإلسترقاق والتدهور‪.‬‬
‫ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 27‬أكتوبر ‪ 1995‬تحت رقم ‪ ، 143578‬هذا القرار‬
‫الذي أكد من جديد على ضرورة صون الكرامة البشرية من كل ما يشوبها من خروقات‬
‫وتهديدات‪ ،‬حيث جاء في القرار بأن‪ " :‬احترام الكرامة اإلنسانية مفهوم مطلق ال يمكن أن‬
‫يستوعب أي تنازالت على أساس التقييمات الذاتية التي يمكن للجميع القيام بها‪".‬‬
‫ــٍ القرارالصادر بتاريخ ‪ 1995‬من طرف رئيس مجلس بلدية ‪ ، Morsang-Sur‬الساعي‬
‫إلى حظر عرض ومشاهدة "رمي األقزام"‪ ،‬والذي أيده مجلس الدولة بناء على العالقة الوطيدة‬
‫التي تربط الكرامة اإلنسانية بالنظام العام ‪.....‬‬
‫ثانيا‪ :‬النظام العام البيئي ‪.‬‬
‫يرجع الفضل في ظهورعنصر النظام العام البيئي كأحد عناصر النظام العام ‪،‬إلى القضاء‬
‫الفرنسي الذي أقر من خالل بعض أحكامه بأن الشرطة اإلدارية تتمتع بصالحية التدخل‬
‫للحفاظ على النظام العام العمراني والجمالي والبيئي‪..‬‬
‫أما بخصوص تعريف النظام العام البيئي ‪ ،‬فقد تعددت اآلراء الفقهية ‪،‬إال أنها تكاد تُج ِم ُع على‬
‫أنه "مجموعة من القواعد المقبولة والمعترف بها من قبل الجميع والتي تهدف إلى حماية‬
‫العمليات اإليكولوجية في كل الحياة ‪،‬بهدف ضمان التنمية المستدامة والرفاه للبشرية" وأنه‬
‫عنصر ال محيد عنه ضمن عناصر النظام العام ‪ ،‬بل له عالقة وطيدة مع باقي العناصر‬
‫التقليدية ‪،‬كما أنه يستمد حجيته القانونية من خالل دسترة الحق في بييئة سليمة ‪،‬من قبل‬
‫المشرع المغربي سنة ‪ ،2011‬وإن بدا ذلك متأخرا مقارنة مع دساتير دول أخرى كاألرجنتين‪،‬‬
‫وألمانيا‪ ،‬والبرازيل‪....‬‬
‫وتجذر اإلشارة إلى أن التشريع البيئي قد عرف مسارا استثنائيا في المغرب ‪ ،‬فقد سبق‬
‫التشريع العادي الدستور في تناول موضوع البيئة ‪،‬من خالل استصدار حزمة من القوانين‬
‫لعل أهمها‪:‬‬
‫ــ القانون اإلطاررقم‪ 99.12‬المتعلق بالبيئة والتنمية المستدامة باعتباره أرقى ما توصل إليه‬
‫التشريع المغربي بخصوص البيئة والتنمية المستدامة‪ ،‬والذي جاء نتيجة الرغبة في تحديث‬
‫المنظومة التشريعية البيئية‪ ،‬إلى جانب الضغوط الدولية‪ ،‬إضافة إلى ما قام به المغرب من‬
‫المصادقة والتوقيع على اتفاقيات ومعاهدات دولية تهم البيئة‪.‬‬
‫ــ القانون رقم ‪ 12.03‬المتعلق بدراسات التأثير على البيئة ‪ ،‬والذي جاء في مادته الخامسة‬
‫ما يلي‪" :‬تهدف دراسة التأثير على البيئة إلى‪ :‬تقييم ممنهج ومسبق لآلثار المحتملة المباشرة‬
‫وغير المباشرة‪ ،‬المؤقتة والدائمة للمشروع على البيئة‪ ،‬وبشكل خاص تقييم أثاره على اإلنسان‬
‫والحيوان‪.‬‬
‫والنبات والتربة والماء والهواء والمناخ والوسط الطبيعي والتوازن البيولوجي والممتلكات‬
‫والمآثر التاريخية‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬على الجوار والنظافة واألمن والصحة العمومية مع‬
‫مراعاة تفاعل هذه العناصر فيما بينها"‪ .‬هذا الفصل الذي يُظهر بعض نقط التقاطع بين قوانين‬
‫البيئة وبين عناصر النظام العام األخرى من قبيل األمن والصحة العامة‪.‬‬
‫ــ المرسوم رقم ‪ 2.14.7‬بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ 2015‬المحدد لمهام الشرطة البيئية ‪.‬‬
‫ــ القانون التنظيمي رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات ‪..‬‬
‫كما أن النظام العام البيئي يتميز بعدة خصائص لعل أبرزها‪:‬‬
‫ــ هشاشة وضعف القواعد القانونية المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة ‪ ،‬إضافة إلى افتقارها‬
‫الى الجانب الزجري في أغلب األحيان ‪ ،‬مما يتعذر معه إنتاج ممارسة بيئية فعالة وناجعة‪،‬‬
‫تمكن من إرساء نظام للمسؤولية والمراقبة‪.‬‬
‫ــ أنه يتميز بالتغير في الزمان والمكان‪.‬‬
‫ــ إمكانية تدخل الشرطة اإلدارية بشكل استباقي لحماية النظام العام البيئي صعب للغاية ومرد‬
‫ذلك إلى صعوبة التنبؤ بمآل الطبيعة في ظل التهافت وراء الثروات الطبيعية باستنزافها بدون‬
‫أي اعتماد على مقاييس ومعايير معينة‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬األمن الروحي‪.‬‬
‫يمكن القول بأن األمن الروحي تحصل به الطمأنينة والسكينة التي يشعر بها الفرد والمجتمع‪،‬‬
‫والتي تأتي نتيجة ممارسة الشعائر الدينية وفق نمط يقع عليه إجماع األمة من اختيار للمذهب‬
‫والعقيدة والسلوك‪ ،‬فيكون من نتائجها الحتمية نبذ العنف والتطرف‪ .‬ولم يكن اإليمان بأن األمن‬
‫الروحي عنصر أساسي من عناصر النظام العام عبثا‪ ،‬وإنما لكون اإلنسان لديه حاجيات‬
‫روحية إلى جانب الحاجيات المادية والمعنوية‪ ،‬وكان هذا المعنى موجودا في الديانات‬
‫السماوية‪ ،‬وتطور إلى أن ظهر مصطلح‪" :‬األمن الروحي‪ ".‬فهو ضمان لممارسة الفرد لحقوقه‬
‫الدينية‪ ،‬وحماية الدولة له أثناء ممارستها من أي تدخل لحرمانه من ممارسة شؤونه الدينية‪.‬‬
‫األخير له ارتباط قوي باألمن العام فلوال األمن في الطرقات‪ ،‬ولوال قيام الشرطة اإلدارية‬
‫بأدوارها القانونية والتقديرية في الحفاظ على األمن العام "المادي"‪ ،‬لما تمكن المسلمون من‬
‫أداء صالة الصبح في المساجد‪ ،‬ولوال األمن العام الدولي لما تمكن المسلمون في جميع بقاع‬
‫العالم من أداء مناسك الحج والعمرة في األراضي السعودية بالرغم من كون الحروب تحوم‬
‫حولها‪ .‬وبذلك تظهر األهمية البالغة لألمن المادي في خدمة األمن الروحي‪.‬‬
‫ويجد األمن الروحي في التجربة المغربية أساسه في المقوم التاريخي‪ ،‬والمقوم الديني‪ ،‬إضافة‬
‫إلى المقوم الدستوري ‪ ،‬من خالل دسترة اإلسالم كدين الدولة عبر مجموعة من الفصول‬
‫أبرزها الفصل ‪1‬و‪3‬و‪...41‬التي من خاللها نستشف الدور المحوري الذي يلعبه الملك في‬
‫الحفاظ األمن الروحي بصفته أميرا للمؤمنين ‪،‬ورئيسا للمجلس العلمي األعلى‪.....‬‬
‫أما بخصوص الممارسة العملية ‪،‬فنلمسها من خالل مواقف الملك الراسخة والتي تروم حماية‬
‫الدين‪ ،‬وضمان األمن الروحي للمواطنين‪،‬إن على المستوى الداخلي ‪،‬من خالل التصدي‬
‫للمحاوالت المخالفة للثوابت الدينية والتي تمس باألمن الروحي للمواطنين ‪،‬وتحضرنا في هذا‬
‫المقام واقعة حجز نسخة صحيح البخاري ‪...‬أو على المستوى الخارجي كما حدث سنة‬
‫‪ 2009‬لما قطعت الدولة المغربية عالقاتها مع إيران تجنبا لتلك لمحاوالت التشييع التي كادت‬
‫تقوم بها بعض العناصر المندسة‪....‬‬
‫تجذر اإلشارة هنا ‪،‬إلى أنه على الرغم من مجهودات المغرب في سبيل الحفاظ على األمن‬
‫الروحي للمواطنين ‪،‬إال أن هذه المجهودات تبدو غير كافية ‪ ،‬وأن التحديات مازالت قائمة‪،‬أمام‬
‫ما أملته وتمليه ظاهرة العولمة ‪ ،‬من انفتاح‪ ،‬فالشبكات العنكبوتية يصعب ضبطها ‪ ،‬والتلفزة‬
‫يصعب مراقبتها‪،‬ومن تم أصبح تحقيق األمن الروحي رهين باألمن الرقمي‪.‬‬
‫بعيدا عن المغرب ‪،‬تمت مواقف دولية ‪ ،‬رامت الحفاظ على األمن الروحي لعل أهمها منع‬
‫الحكومة البريطانية عرض فيلم يمس شخصية المسيح‪ ،‬بدعوى أنه يسيء إلى النظام العام‬
‫ويسيء إلى مشاعر المسيحيين‪ .‬وهو ما أكدته محكمة حقوق اإلنسان األوروبية بقرار(‪25‬‬
‫نونبر ‪ ) 1996‬الرافض لدعوى جمعيات حقوق اإلنسان المطالبة بإلغاء قرار الحكومة‬
‫البريطانية لتعارضه مع حق اإلنسان في التعبير وفي نشر رأيه‪ .‬وأسست المحكمة موقفها‬
‫المؤيد للحكومة البريطانية باشتمال الفيلم على القذف والفظاظة والوقاحة "‪.....‬وسواء تعلق‬
‫األمر ببريطانيا أو بفرنسا أو بالدانمارك ‪ ،‬فإن تلك المواقف سرعان ما تتبخر إذا كان‬
‫المستهدف هو اإلسالم ونبي اإلسالم بذريعة الحرية والحق في التعبير‪....‬‬
‫رابعا ‪:‬الخيار الديمقراطي‬
‫مما ال شك فيه أن تطور المجتمع يفضي إلى تطور المفاهيم‪ ،‬خاصة القانونية‪ ،‬والنظام العام‬
‫ليس بمنأى عن ذلك‪ ،‬إذ تقتضي حتمية التطور مالئمة المفهوم مع المتطلبات المجتمعية‬
‫الجديدة‪،‬والتوسع في عناصره‪ ،‬فإلى جانب عنصر الكرامة اإلنسانية‪ ،‬وعنصر النظام العام‬
‫البيئي‪ ،‬وعنصر األمن الروحي‪ ،‬أضحى من الضروري إلحاق االختيار الديمقراطي وسيادة‬
‫القانون بعناصر النظام العام التي يفترض أن يأخد بها القضاء اإلداري والدستوري ‪،‬في‬
‫الحاالت التي تطرح فيها منازعات حقوق اإلنسان في عالقتها باألمن الداخلي والخارجي وكذا‬
‫بالممارسة الفعلية للحقوق والحريات‪ ،‬على اعتبار أن الديمقراطية أهم اكتشاف توصل إليه‬
‫الفكر السياسي اإلنساني‪.‬‬
‫فالحديث عن مفهوم االختيار الديمقراطي باعتباره عنصرا من عناصر النظام العام ‪،‬‬
‫يقود المحالة إلى الحديث عن مفهوم الديمقراطية كممارسة وكنمط تسييروتد بير ‪ ،‬وكجزء ال‬
‫يتجزأ من حقوق اإلنسان خصوصا أنها الوسيلة األساسية التي تمكن األفراد من الدفاع عن‬
‫حقوقهم و كرامتهم اإلنسانية في مواجهة الحكومة وإجراءاتها التعسفية‪ .‬وبالتالي فالديمقراطية‬
‫هي البيئة المالئمة والطبيعية لحماية وإعمال الحقوق والحريات األساسية ‪ ،‬خصوصا أنها‬
‫تتصل بحرية التعبير‪ ،‬والتجمع‪ ،‬وتكوين الجمعيات‪ ،‬وإعمال الحقوق االقتصادية واالجتماعية‬
‫وما إلى ذلك ‪ ...‬وبشكل عام تتطلب الديمقراطية‪ ،‬بكل معانيها‪ ،‬وجود ممارسة حرة للحقوق‬
‫والحريات الفردية والجماعية ‪،‬التي بدونها ال يمكن تحقيق الديمقراطية أيا كان شكلها‪ ،‬ذلك‬
‫أنها شرط أساسي لتعزيز نسيج الديمقراطية‪.‬‬
‫ارتباطا بما سبق يمكننا ان نخلص إلى ما يلي‪:‬‬
‫ــ اتساع نطاق النظام العام ليشمل عنصر الخيار الديمقراطي ‪ ،‬فرضه تطور المجتمع‬
‫‪،‬خصوصا على المستوى الحقوقي ‪،‬إذ أصبح اليوم "الحق في الديمقراطية "حق من حقوق‬
‫المواطنين‪،‬األخير الذي يترجم على أرض الواقع‪ ،‬ليس من خالل العمليات االنتخابية‬
‫فحسب‪،‬وإنما من خالل المشاركة في جميع القرارات التي تؤثر على حياة المواطنين‪ ،‬فاإلعالن‬
‫العالمي لحقوق اإلنسان مثال في مادته الواحدة والعشرين ينص على أن‪ :‬لكل فرد الحق" في‬
‫االشتراك في إدارة الشؤون العامة لبالده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون اختيارا‬
‫حرا"‪.‬‬
‫ــ أن االلتزام بالديمقراطية يعد أحد المداخل األساسية لضمان حماية حقوق اإلنسان على‬
‫المستوى الدولي‪ ،‬سواء تعلق األمر بالدول المتقدمة أودول العالم الثالث‪.‬‬
‫ــ بالنسبة للمغرب ‪ ،‬دسترةالخيارالديمقراطي جعلت منه ثابتا من الثوابت التي تقوم عليها‬
‫األمة المغربية‪ ،‬ويظهر ذلك بجالء في الفصل‪1:‬و‪2‬و‪....175‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫من خالل مراجعتنا لهذا القسم نخلص إلى مايلي‪:‬‬
‫أن النظام العام يتحدد في األماكن العمومية ‪ ،‬وأن ما يترتب عن تدخل سلطات الضبط اإلداري‬
‫لحفظه‪ ،‬من تقييد للحريات ليس مقصودا لذاته ‪ ،‬وإنما المقصود حماية األمن العام‬
‫للمواطنين‪،‬ومن تم البد أن يكون النظام العام عاما ومجردا‪.‬‬
‫وإذا كانت صفة المادية التي يتصف بها النظام العام ‪ ،‬والتي تقتضي أن حماية هذا األخير‬
‫إنما تنصب على مظهره الخارجي ‪،‬فإن هذه الخاصية قد تصطدم مع ما أفرزه توسع نطاق‬
‫النظام العام ليشمل األخالق واآلداب العامة‪،‬خصوصا في البلدان ذات المرجعية اإلسالمية‬
‫كالمغرب‪.‬‬

‫إذا كان من خصائص النظام العام أنه ال يتعارض مع الحقوق الحريات ‪ ،‬وأنه فكرة سياسية‬
‫أي له عالقة بالنظام السياسي ‪،‬كما يرى محمد عصفور"بأن فكرة النظام العام تعبرعن الخطة‬
‫التي ينتهجها نظام الحكم في تنظيمه الروابط االجتماعية في وقت معين‪ ،".....‬واجتماعية أي‬
‫أن قواعده نابعة من المجتمع‪،‬وأنها تتغير بتغير الزمان والمكان‪،‬وإذا كان اإلسالم هو دين‬
‫الدولة بالنسبة للمغرب ‪،‬على اعتبار ما تحمله الشريعة اإلسالمية من قيم وأخالق ثابتة ‪،‬فكيف‬
‫السبيل إذن للتوفيق بين الثابت والمتغير‪ ،‬بتعبيرآخر‪،‬كيف ِيؤثراختالف المرجعيات على النظام‬
‫العام المغربي‪...‬‬

You might also like