Professional Documents
Culture Documents
تلخيص القسم 2 من الاطروحةا
تلخيص القسم 2 من الاطروحةا
محمد الصبري.
2022/2021
تستهدف هذه المراجعة القسم الثاني من أطروحة نيل الدكتو اره للباحث المغربي مصطفى طه
تحت اشراف الدكتور الحسين أعيوشي ،جامعة القاضي عياض،كلية العلوم القانونية
عنوان"مفهوم النظام العام في القانون المغربي"والتي يبلغ عدد صفحاتها ، 471وتنقسم الى
ثالثة أقسام،حيث خصص القسم األول لدراسة األساس القانوني والنظري لمفهوم النظام
العام،والقسم الثاني لدراسة وتحليل مضمون مفهوم النظام العام انطالقا من معيرته ،والقسم
الثالث لدارسة التطبيقات العملية لمفهوم النظام العام في الفقه والقضاء اإلداريين .
ارتباطا بما سبق ،خصص الباحث القسم الثاني ،موضوع هذه المراجعة ،لتحليل النظام
العام تحليال معياريا وفقهيا وقضائيا ،بغية التعرف على هذا المفهوم بشكل دقيق من خالل
تطوره واتساع رقعته وامتداده في القانون والقضاء ،وذلك من أجل التأكيد على أن مفهوم النظام
العام ،مفهوم جوهري وأساسي على مستوى صياغة النصوص القانونية ،إن على مستوى
حماية منظومة الحقوق والحريات من جهة ،أو على مستوى تقييد ممارستها في الحدود المنظمة
كما حاول الباحث من خالل هذا القسم ،اإلجابة عن سؤال التوفيق بين ضمان الممارسة
الفعلية السليمة والقانونية للحقوق والحريات العامة ،والحفاظ على النظام العام ،الذي يتغير
سنتطرق فيه لطبيعة وخصائص مفهوم النظام العام ،في حين سيخصص المحورالثاني
تظهر األهمية البالغة لصفة العمومية في تشكيل النظام العام في كون تقييد الحريات عن
طريق الضبط اإلداري ،تفرضه ضرورة حفظ الجماعة من التهديد في صحتها وسكينتها وأمنها
"المثلث التقليدي للنظام العام" ،سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة .وما يؤكد هذا الطرح هو
أن النوايا والمعتقدات الخاصة ،وكذا التصرفات التي يقوم بها الفرد داخل بيته والتي ال يكون
لها مظهر خارجي مهدد للعناصر التقليدية للنظام العام هي خارج دائرة هذا األخير ،وبهذا
نتحدث عن الفضاء الخاص ،والذي ال تختص به سلطات الضبط اإلداري إال في حاالت نادرة
ومحددة قانونا ،غير أنها تخرج عن نطاق النظام العام ومن هنا يتبين أن صفة العمومية
كعنصر من عناصر النظام العام تمثل ركن هذا النظام وحجره األساس ،والذي بدونه ال
فالنظام العام إذن البد أن يكون عاما لما كان بفعل تدخل سلطات الضبط اإلداري لتقييد
الحريات ،ولكن أبيح هذا التقييد بهدف حماية المواطنين في أمنهم وسكينتهم وصحتهم ،لذلك
وجب أن يكون النظام المهدد عاما .أي يتصف بالعمومية والتجريد ،وانطالقا من هذه السمة
قيل بأن الضبط اإلداري العام يستهدف المحافظة على النظام العام تجاه الجمهور أو مجموعة
أضف الى ذلك أن النظام العام يتحدد مكانيا في األماكن العامة دون غيرها من األماكن
الخاصة ،وتعد الطرق العامة المجال الطبيعي لتطبيق النظام العام ،فالنظام العام في الشوارع
والطرق العامة أمر ضروري لحياة المجتمع الطبيعية ،وكذا سالمته لقيام المرافق العامة
بوظائفها ،ثم إنه وسيلة للربط بين األماكن المختلفة ،فضال على أنه وسيلة لتبادل األفكار
والمعتقدات السياسية ،وبذلك يعتبر الطريق العام مجاال حيويا لتطبيق النظام العام .
وتجذر اإلشارة الى أن ما قضى به مجلس الدولة الفرنسي،بخصوص جواز تدخل سلطات
الضبط اإلداري في الملك الخاص إذا كان التهديد الواقع ليس عاما بل متعلقا بأمن من يوجد
داخل المبنى ،حتى ولو لم يكن هناك خطر على المارة في الطريق أو من شأنه إعاقة
بالرجوع للتجربة الفرنسية ،نجد ان مجال تدخل سلطات الضبط اإلداري لحفظ النظام العام،لم
يبق محصو ار في األفعال المسببة للفوضى المادية فقط،بل توسع ليشمل التدخل في كل ما من
شأنه اال خالل بالنظام العام األدبي أو األخالقي وتعكير النظام العام وتهديده تهديدا مباش ار
،ويرجع الفضل في هذا التأويل المرن لصفة المادية هاته ،للفقه الفرنسي استنادا الى مجموعة
من اآلرآء الفقهية ،أهمها رأي مورو الذي يرى بأن "فكرة اآلداب العامة ال تثور في مجال
الضبط بالنسبة ألنواع البوليس الخاصة ،التي تستهدف غاية معينة لها ...
واآلداب الكريمة ،وهذا هو الشأن بالنسبة للبوليس الخاص بالصحف والدوريات الموجهة إلى
الشباب ففي أمثال هذه الحاالت ليس من سلطة الضبط أن تمارس سلطتها فحسب ،وإنما عليها
كماذهب برنارد الى أن ":من أن تنظيمنا االجتماعي ،وبالتالي النظام العام الذي يحميه ،ال
يرتكز على قواعد قانونية وسياسية واقتصادية فحسب ،إنما هو يرتكز على قواعد خلقية،وإن
لم تدرج بطريقة رسمية في القوانين ،ولكنها تطبع حضارتنا ،وتكون جزءا من النظام العام الذي
توحي به .فالنظام العام يعتمد على قواعد األخالق إلى المدى الذي تكون فيه هذه القواعد
يقصد بالخصائص ،الصفات التي تميز المفهوم عن باقي المفاهيم األخرى والتي يرجع اليها
القاضي كلما التبس عليه االمر ،لتحديد ما يدخل في باب النظام العام عن غيره من المفاهيم
/1الخصائص القانونية:
كما سبقت اإلشارة اليه ،يعتبر مفهوم النظام العام مفهوما سياسيا واجتماعيا ،ليس من صنع
المشرع وحده ،اذ يرتبط ارتباطا وثيقا بالتفسير القضائي ،كما انه عبارة عن مجموعة من القواعد
القانونية االمرة.
يرى الباحث ان النظام العام فكرة سياسية واجتماعية ألن قواعده مستوحاة من حياة األفراد
الجماعية التي تتغير بتغير الزمان والمكان ،وحجته في ذلك مجموعة من اآلراء الفقهية والتي
ـ ـ ـ ففكرة النظام العام تقوم بدور منهجي مزدوج ،فمن جهة تقوم بصقل المبادئ واألسس السياسية
واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية التي يقوم عليها المجتمع في قالب قواعد قانونية آمرة
ملزمة ،ومن ناحية أخرى تقوم فكرة النظام العام مرة أخرى بتنظيم المجتمع عن طريق حماية
تلك القواعد واألسس من أي إخالل أو تهديد ،سواء من طرف األفراد أو الجماعات ،أي مما
ـ ـ ـ فكرة النظام العام تعبر عن الخطة السياسية التي ينتهجها نظام الحكم ،في تنظيمه الروابط
االجتماعية في وقت معين .ولذلك يكون النظام العام فرديا أو جماعيا ،تبعا للخطة السياسية
التي يسخر المشرع نظامه القانوني لحمايتها ،وما اختالفه داخل النظم المختلفة إال اختالف
ـ ـ ـ أن النظام العام السائد في مجتمع ما ،يمكن من تحديد طبيعة هذا المجتمع ،فحيث يؤكد
هذا النظام وجوب قيام النشاط االجتماعي على أساس استهداف الربح فإنه سيحمي حتما
االمتيازات الراسخة لحق الملكية ،وسلطان اإلرادة الذي يبلغ ذروته في الحرية التعاقدية وهذه
هي خصائص المجتمع الفردي .أما حيث تهدر هذه المزايا وال يعترف بإقامة العالقات
االجت ماعية على أساس من استجالب الربح أو استغالل النشاط الخاص لتحقيق الكسب فهو
مجتمع اشتراكي.
على الرغم من دور المشرع المركزي في تحديد النظام العام ،اال أن هذا األخير ال يستطيع
فرضه بالقوة،ألن النظام العام فكرة اجتماعية ،األمر الذي يوحي بأن تحديد القواعد القانونية
المتعلقة بالنظام العام ،تتحكم فيه المبادئ واألسس االجتماعية واالقتصادية والثقافية والبيئية و
الدينية والسياسية التي يقوم عليها المجتمع ،فقد تكون عرفا أو عادة أو قانونا أو اجتهادا فقهيا،
أو اجتهادا قضائيا ،والتي بطبيعة الحال تتغير بتغير الزمان والمكان وبالتالي فتشكل مفهوم
النظام العام لن يتم بواسطة التشريع فقط ،وإنما بناء على السلطة القضائية التي لها سلطة
المالءمة .
القاضي هو الوحيد الذي بامكانه تفسير وتحديد نطاق ودائرة وعناصر النظام العام لكن يلزمه
التقيد بمايلي:
ـ ـ ـ المرونة في تفسير النصوص القانونية ،كي ال يقيد نفسه مستقبال فيما يعرض عليه من
نوازل ومنازعات.
ـ ـ ـ مراعاة آداب عصره ونظم أمته األساسية ومصالحها العامة.
ـ ـ ـ الموضوعية والحياد.
مايضفي على فكرة النظام العام صفتها اآلمرة هو أنها تضع حال لمنازعات في اتجاه الحفاظ
على كيان المجتمع ،وذلك عن طريق المواءمة بين اإلرادات الفردية والمصلحة الجماعية
وبذلك تستخدم فكرة النظام العام لحسم المنازعات على أساس وجود نظام ذي أولوية اجتماعية
فحين يواجه القاضي بقاعدة من قواعد النظام العام ،فليس أمامه من خيار سوى النزول على
حكمها....
/2الخصائص العملية:
يقول الفقيه الفرنسي Lion Duguéفي هذا الشأن" :إذا أريد للحرية أن تمارس في الطريق
العام وهو مخصص بطبيعته لمزاولة بعض مظاهرها أو في المحافل العامة التي يتردد عليها
الجمهور ،فإنه من الضروري أن تخضع هذه الحرية لنظام ضابط محكم ال يقصد به كبت هذه
الحرية وإنما تنظيمها ،ومن ثم يعتبر كل تدبير تنظيمي ضابطا يتجه إلى كفالة النظام والسكينة
من هنا يتضح أن حماية النظام العام سابق على الحماية الدستورية والقانونية والتنظيمية للحرية
وأن النظام العام ال يتعارض مع الحريات ،بل ينظمها تنظيما معقلنا من أجل ضمان
عنصرين اثنين ،األول ضمان الممارسة السليمة للحقوق والحريات ،والثاني الحفاظ على النظام
العام .
يعتبرالنظام العام األداة القانونية المحققة للتطور االجتماعي ،بذلك يترك المشرع المساحة
الالزمة للقاضي والفقيه لتحديد التصرفات التي تدخل في دائرة النظام العام عن غيرها المخالفة
له وعليه ،فإنه من باب العبث تحديد التصرفات التي تدخل في مجال النظام العام ،على اعتبار
أن التحديد وإن كان مناسبا وصحيحا في مرحلة زمنية معينة ،-إال أنه لن يكون كذلك في
كما أن النظام العام يتغير تبعا لمجموعة من المتغيرات المرتبطة بطبيعة النظام السياسي
والدستوري ،ومجال الحقوق والحريات ،ثم الفلسفة السائدة في المجتمع ،إلى جانب المعتقدات
والديانات التي تعترف بها الدولة إلخ ...كل هذه المكونات وغيرها تساهم بشكل أو بآخر
فال يمكن إذن حسب أحمد السنهوري حصر النظام العام في دائرة دون أخرى ،فهو شيء
متغير يضيق ويتسع حسب ما يعده الناس في حضارة معينة "مصلحة عامة" ،وال توجد قاعدة
ثابتة تحدد النظام العام تحديدا مطلقا يتماشى مع كل زمان ومكان ،ألن النظام العام شيء
نسبي ،وكل ما نستطيعه هو أن نضع معيا ار مرنا يكون معيار المصلحة العامة ،غير أن
تطبيق هذا المعيار في حضارة معينة يؤدي إلى نتائج غير التي نصل إليها في حضارة أخرى
ج .النظام العام فكرة وقتية وتتميز بالنسبية:
يعتبر النظام العام من األفكار القانونية ذات الطابع اللحظي ،اآلني ،بمعنى أن تقدير مقتضيات
وقواعد وعناصر ومكونات المفهوم بلحظة النظر في النزاع أو الحدث دون النظر إلى تاريخه
ومكانه .ومن أمثلة ذلك ،عقد التأمين على الحياة الذي كان يعتبر فيما مضى مخالفا للنظام
العام في كثير من المجتمعات ،فقد أصبح اليوم مشروعا غير مخالف للنظام العام .
من جهة أخرى يعتبر النظام العام نسبي لكونه يرتبط بأوضاع سياسية واقتصادية ودينية
واجتماعية نسبية كذلك ،كما أنه يختلف باختالف المعتقدات والمواقف اإلنسانية والعادات
واألعراف ،وكمثال على ذلك تعدد الزوجات الذي يعتبر جائ از في جل الدول التي تأخذ بالدين
اإلسالمي كديانة رسمية لها ،إال أنه في الدول الغربية ال مجال للحديث عن تعدد الزوجات
كونه مخالفا للنظام العام ،أما في الشريعة اإلسالمية فاألمر مختلف تماما اذ يعتبر النظام
العام فكرة مطلقة ،الن النظام العام في اإلسالم فكرة ثابتة ال تقبل التغيير ،فهي منضبطة
وليس للقاضي أي سلطة تقديرية في هذا المجال ألنها تجسد حقيقة التشريع اإلسالمي الصادر
عن العليم الخبير بما يفيد البشر ،بخالف النظام العام الوضعي.
أما في فرنسا ،فاألخذ بنسبية النظام العام شيء الزم محكمة النقض الفرنسية في كثير من
ق ارراتها ،ومثال ذلك ،القرار الصادر في 10يونيو 1993في قضية إثبات النسب الطبيعي،
والذي بموجبه تم استبعاد القانون األجنبي الذي يحرم األطفال الفرنسيين أو المقيمين في فرنسا
ال يخفى على أحد ان عناصر النظام العام انقسمت عبر الزمن لثالث مراحل أساسية ،تتعلق
األولى بمرحلة تكون مفهوم النظام العام ،سماها الفقه بالثالثي التقليدي للنظام العام ،أي
األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة .وبتطور وظائف الدولة وظهور خدمات جديدة
تشمل جميع مناحي الحياة اليومية للمواطن ،ازدادت وظائف اإلدارة بالتوازي معها ،فتوسعت
عناصر النظام العام بدورها لتشمل عناصر حديثة بعد أن كانت مقتصرة على الثالثي التقليدي.
فلم يعد يكتسي طابع االستثناء المقيد للحرية الفردية ،بل أصبح ضابطا أصيال للحفاظ على
صفوة الحياة العامة واستقرارها واستمرارها ،مما حدا باإلدارة للتدخل في إطار صالحياتها
الضبطية للحفاظ على الحريات العامة لألفراد .ونتحدث هنا عن النظام العام الخلقي أو
اآلداب العامة ،والمحافظة على والرونق والرواء ،والنظام العام االقتصادي ،لينتقل بعد ذلك
المفهوم الحتواء عناصر حديثة متمثلة في الكرامة اإلنسانية واألمن الروحي ،والنظام العام
على الرغم من أن النظام العام فكرة متغيرة ومتطورة باستمرار مع الزمن ،وتختلف مكانيا
كذلك حسب الثقافة السائدة ،وحسب إيديولوجية نظام الحكم وكذا القيم المجتمعية العامة ،وقد
كان هذا الواقع كافيا لتطور مفهوم النظام العام واتساعه الحتواء عناصر جديدة ،تهم األخالق
واآلداب العامة ،إلى جانب الجمالية العامة ،وكذا النظام العام االقتصادي ،فان ذلك الواقع
ما كان له ان يحجب دور كل من الفقه والقضاء والتشريع في مساندة توسع نطاق النظام العام
ليشمل تلك العناصر،ومن تم يحق لنا أن نتعرف ونحن بصدد تلخيص هذا المحور،كيف ساهم
اذا كان النظام العام فكرة اجتماعية تقوم بتنظيم المجتمع ،وحماية أسسه االقتصادية
واالجتماعية والسياسية من أي تهديد أو إخالل ،من خالل تلك القواعد اآلمرة .واذا كانت فكرة
اآلداب العامة تشمل مجموعة األسس األخالقية التي يقوم عليها نظام المجتمع والتي يعتبرها
األفراد أنها واجبة االتباع في عالقاتهم ،ولذلك ال يباح الخروج عليها عن طريق االتفاقيات
الخاصة المخالفة ،كما أن كليهما يتسم بالمرونة والتغير ،تبعا لظروف الزمان والمكان ،والتأثر
بالتقاليد والعادات واألعراف السائدة في كل مجتمع ،فان اتساع مجال النظام العام ليشمل
عنصر اآلداب واألخالق أمر طبيعي ،خصوصا بالنسبة للدول الغربية كفرنسا التي لم توسع
سباقة لذلك على اعتبار أن األخالق واآلداب ركن ركين في دينها ..
بناء على ماسبق،وبعد االطالع على آراء الفقهاء في هذ المجال نخلص الى مايلي:
ـ ـ ـ أن هناك شبه إجماع لدى الفقه المعاصر على رفض التمييز بين فكرة النظام العام وفكرة
حسن اآلداب أو اآلداب العامة ،باعتبار هذه األخيرة تشكل أحد األسس التي يقوم عليها النظام
العام ،فهي الجانب الخلقي له ،وهو األساس األخالقي الذي يحفظ النظام العام في المجتمع،
والمتمثل في واجبات الفرد سواء اتجاه نفسه ،أو تجاه مجتمعه ،لكون هدفه األسمى هو الفضيلة
والعدالة.
ـ ـ أنه من الصعب تحديد مشموالت النظام العام األدبي ،أو العناصر المعنوية واألخالقية له،
لكون الفكرة تختلف حسب الزمان والمكان ،كما أنها ال تشمل كل القواعد األخالقية ،وإنما
تقتصر على الحد األدنى الذي تواضع عليه المجتمع ،وبناء على ذلك ،فاآلداب العامة بوصفها
عنص ار من العناصر الحديثة للنظام العام ،ال تترك أي فرد يتجاوز القواعد األخالقية المجتمعية،
وهو ما يبين بصورة أوضح ،تدخل الشرطة اإلدارية الذي ال يتم إال حينما يكون اإلخالل
باألخالق واآلداب العامة ،قد يؤثر على النظام العام المادي ،أي على العناصر التقليدية للنظام
العام.
على العموم فإن اآلداب واألخالق العامة التي تتكفل سلطات الضبط اإلداري بحمايتها ،هي
تلك اآلداب العامة ذات المظهر الخارجي ،التي يجب أن يتحلى بها الفرد تجاه الجماعة ،سواء
أدى االختالل بها بالفعل أو الكلمة أو اللباس أو الصورة ،إلى إلحاق الضرر بالطابع المادي
للنظام العام ،كفالة للحياة المادية والمعنوية للجماعة ،وال دخل لسلطات الضبط اإلداري في
أخالق الشخص تجاه نفسه .وكمثال على ذلك ،فإنه إذا كان من حق الفرد اعتناق أي ديانة
سماوية ،فإنه ليس من حقه في الدولة اإلسالمية ،الدعوة إلى ديانته ،وإنكار الديانات
السماوية األخرى ،ألن في ذلك مساسا بالدين اإلسالمي الحنيف ،ومساسا بمبادئ وأخالق
األمة اإلسالمية .فممارسة حرية العقيدة المكفولة دستوريا تكون في إطار حماية اآلداب
بالنسبة للمشرع الفرنسي ،لم تتضمن النصوص القانونية التي أشارت الى النظام العام ،عنصر
اآلداب العامة كعنصر من عناصر النظام العام إلى جانب األمن العام والصحة العامة
والسكينة العامة .ومن تم فإن اآلداب العامة ال تعتبر عنص ار من عناصر النظام العام .وعلى
النقيض من ذلك ذهب جانب آخر من الفقه الفرنسي إلى القول بأن التحديد الوارد في النصوص
القانونية التي أشارت إلى النظام العام ،قد ورد على سبيل البيان واإليضاح فقط ،ومن تم
بالنسبة للمشرع المغربي ،فقد نص على عنصر اآلداب العامة في الفصل 483من مدونة
القانون الجنائي ..أما بالنسبة للجزائر ،فقد أدرج المشرع اآلداب العامة ضمن عناصر النظام
العام ،في المادة 237من القانون البلدي لعام ، 1967وفي المادة 14من المرسوم / 267
يتعلق بالنقاوة والطمأنينة العمومية.إال أن المشرع الجزائري قد تراجع عن موقفه هذا إثر تعديل
قانون البلدية بموجب القانون رقم ، 08 - 90بحيث لم يدرج حماية اآلداب العامة ضمن
اختصاصات رئيس المجلس الشعبي البلدي ،عكس ما كان عليه سابقا .كما أنه استقر على
على الرغم من أن القضاء الفرنسي كان ال يعترف بمكون اآلداب العامة واألخالق كعنصر
من عناصر النظام العام ،فإن هذا التوجه لم يعمر طويال ،بحيث صدرت أحكام مهمة عن
القضاء الفرنسي ،والتي أثبتت كون األخالق واآلداب العامة ،هي جزء من النظام العام ،ونحيل
هنا على حكم شركة أفالم لوتيتيا ،وكدا النقابة الفرنسية لمنتجي ومصدري األفالم الصادر في
18دجنبر 1995هذا الحكم الذي أجاز لسلطات الضبط اإلداري حظر كل ما من شأنه أن
يمس األخالق واآلداب العامة في المجتمع الفرنسي ،وكدا الحكم الصادر عن محكمة القضاء
اإلداري في القضية رقم 103بجلسة 7فبراير سنة ، 1978حيث قضت المحكمة بمنع
أما بالنسبة للقضاء المغربي فقد ذهب في نفس االتجاه ،وأخذ بمبدأ التوسع في مفهوم النظام
العام ،وأصدر بعض األحكام المؤيدة لهذا الموقف ،أبرزها الحكم الصادر بتاريخ 22يونيو
1964في قضية المدعو أحمد واكريم ،والحكم الصادر بتاريخ 19يونيو 1962في قضية
حمو دافيد ،وأيضا الحكم الصادر بتاريخ 17أكتوبر 1985والذي جاء فيه ما يلي" :إن اإلدارة
وإن كان لها الحق في منع بيع أي منشور ،إال أن ذلك يجب أن يكون مبر ار قانونا ،بمعنى أن
يكون الهدف من ذلك استعمال حق الرقابة للحفاظ على األخالق والنظام العام"
ثانيا:الجمالية العمومية:
من خالل مراجعتنا ألرآء الفقهاء بخصوص عنصر الجمالية العمومية ،نجدها تتقاطع فيما
يلي:
ـ مع تطور المجتمع ،الذي أدى بدوره الى تطور الفقه سواء الفرنسي أو المغربي ،انضافت
الجمالية العمومية إلى عناصر النظام العام،لما له من أهمية في خلق السكينة واالطمئنان
ـ يدخل في اطار الجمالية العمومية ،المحافظة على المناطق األثرية ،وجمال المدن ،وذلك
بالمحافظة على النسق العمراني ،وما قد يصيبه ممن تشوه جراء البنايات الفوضوية ،وكذلك
ـ إشكالية تحديد صالحيات الشرطة اإلدارية بخصوص تدخلها للحفاظ على الجمالية العمومية،
والغموض التي الذي شاب اآلراء الفقهية سواء الفرنسية أوالمغربية ،هذه األخيرة التي انقسمت
الى قسمين ،قسم يرى بأن الشرطة اإلدراية ال تتدخل اال في الحاالت التي قد يتسبب فيها
اإلخالل بعنصر الجمالية العمومية ،في تهديد للعناصر التقليدية للنظام العام ،وقسم آخر
يرى ضرورة التدخل ولو لم يكن هناك أي تهديد ،إال ان هذا األخير ال يستند الى نصوص
قانونية....
العمومية أصبح له قوة قانونية ،يؤكد ذلك مجموعة من الق اررات واألحكام الصادرة في هذا
ـ ـ ـ قضية اتحاد نقابات مطابع باريس سنة ، 1936والتي تعود وقائعها إلى أن رئيس البلدية
أصدر ق ار ار يحظر فيه توزيع المطبوعات اإلعالنية في الشارع ،لكون المارة عندما ينتهون منها
يلقون بها في الشارع فتؤدي بذلك إلى تشويه المنظر العام ،هذا األخير الذي يفرض وجود
سلطة إدارية تحافظ عليه .فطعن اتحاد نقابات المطابع في هذا القرار ،كونه ال يدخل ضمن
اختصاصات وأهداف ووظائف الجهة التي أصدرته ،لكن قرار مجلس الدولة كان جريئا ورفض
إلغاء القرار نظ ار ألن المحافظة على جمالية الرونق والرواء تعتبر من بين أهداف الشرطة
ـ ـ ـ تقرير مفوض الحكومة الفرنسي ،في 23نونبر ، 1951في قضية الشركة الجديدة للطباعة
واإلعالن ،حيث اعترف بشكل صريح بأن جمالية الرونق والرواء من عناصر النظام العام
بقوله" :عندما تتدخل الشرطة لتنظيم عموم الصحف والدوريات ،فإن بإمكانها قانونا أن تؤسس
تدخلها على ضرورة ضمان حرية المروربالشوارع والهدوء والصحة العامة ،بل وجمال الرواء
أيضا.....
ـ ـ ـ ـ القرار الجزائري الذي أورده سليماني السعيد في مقاله حول" :النظام العام كهدف وقيد على
نشاط الضبط اإلداري" ،والصادر بتاريخ 15أبريل 2003والذي جاء فيه ..." :حيث اتضح
لمجلس الدولة بعد االطالع على كل ما احتوى عليه ملف الدعوى من وثائق ومستندات ،أنه
حقيقة حصول المستأنف على ترخيص من المستأنف عليها بوضع كشك جاهز بشرط أن
يكون هذا األخير في حالة مالئمة ال تشوه المنظر العام ،واحترام قواعد النظافة .حيث أن
اإلدارة لها سلطة الضبط اإلداري والمحافظة على جمالية عمران البلدية.....
تجذر اإلشارة الى أن اعتبار الحفاظ على جمالية الرونق والرواء يدخل في باب صالحيات
الشرطة اإلدارية ،قد يؤدي إلى التعسف في استعمال هذا االختصاص ،لكون تقييم القاضي
للمحافظة على العناصر التقليدية للنظام العام قد يبدوا سلسا بخالف تقييمه لما يدخل في باب
الجمالية الذي سيكون في غاية التعقيد بحيث يقحم القانون في مجال االذواق واأللوان
واإلختيارات الشخصية ،ومن تم يجب أن يكون هذا التدخل مقننا ،وأال يتم إال إذا كان التهديد
كما تمت اإلشارة إليه ،أصبحت الجمالية العامة محط اهتمام المشرع،وذلك واضح من خالل
ـ ـ ـ المادة 19من قانون التعمير المغربي التي تنص على أنه" :يهدف تصميم التهيئة إلى تحديد
جميع أو بعض العناصر التالية :األحياء واآلثار والمواقع التاريخية أو األثرية والمواقع والمناطق
الطبيعية كالمناطق الخضراء العامة أو الخاصة الواجب حمايتها أو إبراز قيمتها ألغراض
جمالية أو تاريخية أو ثقافية ،وكذلك القواعد المطبقة عليها إن اقتضى األمر ذلك؛ االرتفاقات
المحدثة لمصلحة النظافة والمرور أو ألغراض جمالية أو أمنية أو للحفا ظ على الصحة العامة
في مصر ،نص القانون رقم 656لسنة 1954الخاص بتنظيم المباني في المادة 8منه على
أنه "يجوز أن يحدد بقرار وزاري طابع خاص أو لون معين أو مادة خاصة بمظهر البناء الذي
مما ال شك فيه أن تزايد مجاالت تدخل الدولة في الحياة االقتصادية واالجتماعية ،رغبة منها
في تنظيم المجتمع ،قد ساهم في توسيع مجاالت النظام العام ،ذلك أن إتاحة الحرية المطلقة
لألفراد في القيام بنشاطاتهم التي تهم الجانب االقتصادي ،قد يعرض المجتمع لمخاطر
اقتصادية واجتماعية ،وقد تصل لمخاطر سياسية ،إذا لم تعمل الدولة على تنظيم الممارسات
االقتصادية .من هنا جاء التفكير في عناصر جديدة لفكرة النظام العام ،وترتيبا على ما سبق،
ظهرت الحاجة ملحة إلضافة عنصر جديد للنظام العام ،تتدخل سلطات الشرطة اإلدارية
لتنظيمه ،ويتعلق األمر ،بالنظام العام االقتصادي ،وبذلك أصبحت الحريات االقتصادية مجاال
خصبا لنشاط سلطات الضبط اإلداري ،إذ تدخلت الدولة الحديثة في تنظيم االقتصاد ،وعملت
على فرض قيود على ممارسات األفراد .
يرتبط النظام العام االقتصادي في القانون الخاص ارتباطا وثيقا بالحرية التعاقدية ،أي بتقييد
الحرية التعاقدية في مقابل حماية النظام االجتماعي واالقتصادي ،ونشير في هذا الصدد للمادة
6من القانون المدني الفرنسي لسنة ، 1804التي تحظر شروط التعاقد المخالفة للنظام العام
وأيضا ما تضمنته المادة 1134من القانون المدني الفرنسي ،والتي تنص على أن" :االتفاقات
أما فكرة النظام العام االقتصادي في القانون العام ،فتقوم على أن تدخل الدولة هو وحده الذي
انقسم الفقه بخصوص االعتراف بالنظام العام االقتصادي ،كعنصر من عناصر النظام العام
إلى قسمين ،قسم يغيب تماما الحديث عن نظام عام اقتصادي مستقل عن العناصر التقليدية
للنظام العام ،ومن ثم ال محل للقول بوجود نظام عام اقتصادي مستقل ،وآخر يرى خالف ذلك
،بحيث يعتبر النظام العام االقتصادي ،عنصر مستقل بذاته ،كسائر عناصر النظام العام
،فرضه تطور المجتمع ،الذي فرض بدوره اتساع مجال النظام العام ،وبالتالي الزم تدخل
تجذر اإلشارة إلى أنه عند إضافة أي عنصر جديد لمشتمالت النظام العام أو التوسع
فيه،بإضافة مكونات جديدة لألسس والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع اجتماعيا واقتصاديا
وأخالقيا وسياسيا ،يلزم أن يكون ذلك مقترنا بتعديل دستوري وتنظيمي ،كي ال يبقى المجال
مفتوحا أمام سلطات الشرطة اإلدارية لتقييدها والتي تؤثر على الممارسة السليمة للحقوق
والحريات وذلك باسم النظام العام .خصوصا وأن المجتمع المغربي مجتمع مركب ،مختلف
الثقافات والقيم ،وبالتالي يكون السبيل الوحيد لتدخل الشرطة اإلدارية هو المحافظة على النظام
العام في الحاالت التي يقع فيها اضطراب أو خروج عن القانون ،أو خرق مادي ألحد العناصر
فبعد الحديث عن العناصر التقليدية للنظام العام ،والمتعلقة باألمن والصحة والسكينة العامة،
وبعد التوجه نحو التوسع في عناصر للنظام العام لتشمل النظام العام االقتصادي والجانب
المعنوي للنظام العام والمتمثل في األخالق واآلداب العامة ،إلى جانب جمالية الرونق والرواء،
يأتي الحديث في هذا المحورعن العناصر الحديثة للنظام العام والمتمثلة في الكرامة اإلنسانية
والنظام العام البيئي واألمن الروحي واالختيار الديمقراطي....
أوال :الكرامة اإلنسانية
إن فكرة "الكرامة اإلنسانية" باعتبارها عنصر من العناصر الحديثة للنظام العام يستند إلى
أسس دينية وقانونية وقضائية يمكن اجمالها كما يلي:
إذا كانت جميع الشرائع السماوية تقوم على مبدأ الكرامة اإلنسانية ،فإن الشريعة اإلسالمية
تبدو مهيمنة ً في هذا الصدد ،كونها تناولت الكرامة اإلنسانية بمنطق شمولي مطلق ،وذلك
دون أي اعتبار أو تمييز للون أو اللغة أو العرق أو الديانة ،التي تميز اإلنسان من دولة ألخرى
ومن زمان آلخر ،واألدلة على ذلك كثيرة ،لعل أجلها قول الحق سبحانه وتعالى﴿ :ولقد كرمنا
بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا
تفضيال ﴾ وقوله ﴿،ولقد خلقنا ُكم ثُم صورنا ُكم ثُم قُلنا ِللمال ِئك ِة اس ُجدُوا ِآلدم فسجدُوا ِإال ِإب ِليس
اجدِين﴾ وقول عمر ابن الخطاب ":متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم لم ي ُكن ِمن الس ِ
أحرارا" هذه القولة وحدها تمثل المصدر الرئيس لما نصت عليه المادة األولى من اإلعالن
في هذا الصدد ،مما يؤكد هيمنة الشريعة اإلسالمية العالمي لحقوق اإلنسان لسنة 1948
على العديد من التشريعات الدولية الوضعية.....
أما على مستوى العالم فقد تضمنت جميع المواثيق الدولية مكون الكرامة االنسانية ،بدءا
باإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة ،1948وكدا إعالن ، 1997مرورا بالعهد الدولي
الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية وانتهاء بإعالن
فريبورغ بشأن الحقوق لسنة ، 2007جميع هذه المواثيق قد نصت في ديباجتها على صيغة
موحدة ،تؤكد على حق البشرية في الكرامة اإلنسانية ،يتعلق األمربعبارة "كرامة أصيلة
الدساتير العربية التي أولت في اآلونة األخيرة اهتماما فيهم" ،األمر الذي انعكس على
تشريعيا كبيرا في مجال حماية الكرامة اإلنسانية ووقايتها من االنتهاكات التي قد تتعرض لها،
سواء من طرف الدولة أو من طرف األشخاص اآلخرين ،أو من طرف المؤسسات ،ونخص
بالذكرالدستور المغربي لسنة 2011الذي ينص على ضرورة احترام الكرامة اإلنسانية بحيث
قام في مرحلة أولى بدسترتها ،وذلك بناء على االتفاقيات والمواثيق واإلعالنات الدولية ،وكذا
على مضامين الشريعة اإلسالمية ،خصوصا ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة،
وبعد وضعه لألسس القانونية والتنظيمية ،انتقل إلى وضع اإلطار المؤسساتي الموكول له
مهمة الحفاظ على هذه المقتضيات المتعلقة باحترام حقوق اإلنسان والحفاظ على الكرامة
اإلنسانية....
أما بالنسبة للتجربة الفرنسية ،فأول إشارة لمكون الكرامة اإلنسانية في القانون الوضعي كانت
بموجب القانون 86 / 1067الصادر في 30شتنبر 1986والمعدل عام ، 1989والمتعلق
بحرية االتصال .لكن على الرغم من ذلك ،كان للقضاء الفرنسي دور محوري في تطوير
وتنمية وتوسيع نطاق النظام العام،وإضافة عناصر جديدة كلما دعت الضرورة لذلك ،ففي
السماح بتدخل الشرطة اإلدارية لحماية الكرامة اإلنسانية،إقرارمنه بأن األخيرة عنصر جديد
من عناصر النظام العام ،والذي يؤكد هذا الطرح مجموعة من المواقف والقرارات يمكن أن
نعرج على أهمها كما يلي:
ـ قرارمجلس الدولة الفرنسي رقم 344 / 343 - 94والمؤرخ في 27يوليوز ، 1994
والمتعلق ب" :قوانين أخالقيات علم األحياء" والذي يروم صون الكرامة البشرية ضد أي
شكل من أشكال اإلسترقاق والتدهور.
ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 27أكتوبر 1995تحت رقم ، 143578هذا القرار
الذي أكد من جديد على ضرورة صون الكرامة البشرية من كل ما يشوبها من خروقات
وتهديدات ،حيث جاء في القرار بأن " :احترام الكرامة اإلنسانية مفهوم مطلق ال يمكن أن
يستوعب أي تنازالت على أساس التقييمات الذاتية التي يمكن للجميع القيام بها".
ــٍ القرارالصادر بتاريخ 1995من طرف رئيس مجلس بلدية ، Morsang-Surالساعي
إلى حظر عرض ومشاهدة "رمي األقزام" ،والذي أيده مجلس الدولة بناء على العالقة الوطيدة
التي تربط الكرامة اإلنسانية بالنظام العام .....
ثانيا :النظام العام البيئي .
يرجع الفضل في ظهورعنصر النظام العام البيئي كأحد عناصر النظام العام ،إلى القضاء
الفرنسي الذي أقر من خالل بعض أحكامه بأن الشرطة اإلدارية تتمتع بصالحية التدخل
للحفاظ على النظام العام العمراني والجمالي والبيئي..
أما بخصوص تعريف النظام العام البيئي ،فقد تعددت اآلراء الفقهية ،إال أنها تكاد تُج ِم ُع على
أنه "مجموعة من القواعد المقبولة والمعترف بها من قبل الجميع والتي تهدف إلى حماية
العمليات اإليكولوجية في كل الحياة ،بهدف ضمان التنمية المستدامة والرفاه للبشرية" وأنه
عنصر ال محيد عنه ضمن عناصر النظام العام ،بل له عالقة وطيدة مع باقي العناصر
التقليدية ،كما أنه يستمد حجيته القانونية من خالل دسترة الحق في بييئة سليمة ،من قبل
المشرع المغربي سنة ،2011وإن بدا ذلك متأخرا مقارنة مع دساتير دول أخرى كاألرجنتين،
وألمانيا ،والبرازيل....
وتجذر اإلشارة إلى أن التشريع البيئي قد عرف مسارا استثنائيا في المغرب ،فقد سبق
التشريع العادي الدستور في تناول موضوع البيئة ،من خالل استصدار حزمة من القوانين
لعل أهمها:
ــ القانون اإلطاررقم 99.12المتعلق بالبيئة والتنمية المستدامة باعتباره أرقى ما توصل إليه
التشريع المغربي بخصوص البيئة والتنمية المستدامة ،والذي جاء نتيجة الرغبة في تحديث
المنظومة التشريعية البيئية ،إلى جانب الضغوط الدولية ،إضافة إلى ما قام به المغرب من
المصادقة والتوقيع على اتفاقيات ومعاهدات دولية تهم البيئة.
ــ القانون رقم 12.03المتعلق بدراسات التأثير على البيئة ،والذي جاء في مادته الخامسة
ما يلي" :تهدف دراسة التأثير على البيئة إلى :تقييم ممنهج ومسبق لآلثار المحتملة المباشرة
وغير المباشرة ،المؤقتة والدائمة للمشروع على البيئة ،وبشكل خاص تقييم أثاره على اإلنسان
والحيوان.
والنبات والتربة والماء والهواء والمناخ والوسط الطبيعي والتوازن البيولوجي والممتلكات
والمآثر التاريخية ،وعند االقتضاء ،على الجوار والنظافة واألمن والصحة العمومية مع
مراعاة تفاعل هذه العناصر فيما بينها" .هذا الفصل الذي يُظهر بعض نقط التقاطع بين قوانين
البيئة وبين عناصر النظام العام األخرى من قبيل األمن والصحة العامة.
ــ المرسوم رقم 2.14.7بتاريخ 19ماي 2015المحدد لمهام الشرطة البيئية .
ــ القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات ..
كما أن النظام العام البيئي يتميز بعدة خصائص لعل أبرزها:
ــ هشاشة وضعف القواعد القانونية المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة ،إضافة إلى افتقارها
الى الجانب الزجري في أغلب األحيان ،مما يتعذر معه إنتاج ممارسة بيئية فعالة وناجعة،
تمكن من إرساء نظام للمسؤولية والمراقبة.
ــ أنه يتميز بالتغير في الزمان والمكان.
ــ إمكانية تدخل الشرطة اإلدارية بشكل استباقي لحماية النظام العام البيئي صعب للغاية ومرد
ذلك إلى صعوبة التنبؤ بمآل الطبيعة في ظل التهافت وراء الثروات الطبيعية باستنزافها بدون
أي اعتماد على مقاييس ومعايير معينة.
ثالثا:األمن الروحي.
يمكن القول بأن األمن الروحي تحصل به الطمأنينة والسكينة التي يشعر بها الفرد والمجتمع،
والتي تأتي نتيجة ممارسة الشعائر الدينية وفق نمط يقع عليه إجماع األمة من اختيار للمذهب
والعقيدة والسلوك ،فيكون من نتائجها الحتمية نبذ العنف والتطرف .ولم يكن اإليمان بأن األمن
الروحي عنصر أساسي من عناصر النظام العام عبثا ،وإنما لكون اإلنسان لديه حاجيات
روحية إلى جانب الحاجيات المادية والمعنوية ،وكان هذا المعنى موجودا في الديانات
السماوية ،وتطور إلى أن ظهر مصطلح" :األمن الروحي ".فهو ضمان لممارسة الفرد لحقوقه
الدينية ،وحماية الدولة له أثناء ممارستها من أي تدخل لحرمانه من ممارسة شؤونه الدينية.
األخير له ارتباط قوي باألمن العام فلوال األمن في الطرقات ،ولوال قيام الشرطة اإلدارية
بأدوارها القانونية والتقديرية في الحفاظ على األمن العام "المادي" ،لما تمكن المسلمون من
أداء صالة الصبح في المساجد ،ولوال األمن العام الدولي لما تمكن المسلمون في جميع بقاع
العالم من أداء مناسك الحج والعمرة في األراضي السعودية بالرغم من كون الحروب تحوم
حولها .وبذلك تظهر األهمية البالغة لألمن المادي في خدمة األمن الروحي.
ويجد األمن الروحي في التجربة المغربية أساسه في المقوم التاريخي ،والمقوم الديني ،إضافة
إلى المقوم الدستوري ،من خالل دسترة اإلسالم كدين الدولة عبر مجموعة من الفصول
أبرزها الفصل 1و3و...41التي من خاللها نستشف الدور المحوري الذي يلعبه الملك في
الحفاظ األمن الروحي بصفته أميرا للمؤمنين ،ورئيسا للمجلس العلمي األعلى.....
أما بخصوص الممارسة العملية ،فنلمسها من خالل مواقف الملك الراسخة والتي تروم حماية
الدين ،وضمان األمن الروحي للمواطنين،إن على المستوى الداخلي ،من خالل التصدي
للمحاوالت المخالفة للثوابت الدينية والتي تمس باألمن الروحي للمواطنين ،وتحضرنا في هذا
المقام واقعة حجز نسخة صحيح البخاري ...أو على المستوى الخارجي كما حدث سنة
2009لما قطعت الدولة المغربية عالقاتها مع إيران تجنبا لتلك لمحاوالت التشييع التي كادت
تقوم بها بعض العناصر المندسة....
تجذر اإلشارة هنا ،إلى أنه على الرغم من مجهودات المغرب في سبيل الحفاظ على األمن
الروحي للمواطنين ،إال أن هذه المجهودات تبدو غير كافية ،وأن التحديات مازالت قائمة،أمام
ما أملته وتمليه ظاهرة العولمة ،من انفتاح ،فالشبكات العنكبوتية يصعب ضبطها ،والتلفزة
يصعب مراقبتها،ومن تم أصبح تحقيق األمن الروحي رهين باألمن الرقمي.
بعيدا عن المغرب ،تمت مواقف دولية ،رامت الحفاظ على األمن الروحي لعل أهمها منع
الحكومة البريطانية عرض فيلم يمس شخصية المسيح ،بدعوى أنه يسيء إلى النظام العام
ويسيء إلى مشاعر المسيحيين .وهو ما أكدته محكمة حقوق اإلنسان األوروبية بقرار(25
نونبر ) 1996الرافض لدعوى جمعيات حقوق اإلنسان المطالبة بإلغاء قرار الحكومة
البريطانية لتعارضه مع حق اإلنسان في التعبير وفي نشر رأيه .وأسست المحكمة موقفها
المؤيد للحكومة البريطانية باشتمال الفيلم على القذف والفظاظة والوقاحة ".....وسواء تعلق
األمر ببريطانيا أو بفرنسا أو بالدانمارك ،فإن تلك المواقف سرعان ما تتبخر إذا كان
المستهدف هو اإلسالم ونبي اإلسالم بذريعة الحرية والحق في التعبير....
رابعا :الخيار الديمقراطي
مما ال شك فيه أن تطور المجتمع يفضي إلى تطور المفاهيم ،خاصة القانونية ،والنظام العام
ليس بمنأى عن ذلك ،إذ تقتضي حتمية التطور مالئمة المفهوم مع المتطلبات المجتمعية
الجديدة،والتوسع في عناصره ،فإلى جانب عنصر الكرامة اإلنسانية ،وعنصر النظام العام
البيئي ،وعنصر األمن الروحي ،أضحى من الضروري إلحاق االختيار الديمقراطي وسيادة
القانون بعناصر النظام العام التي يفترض أن يأخد بها القضاء اإلداري والدستوري ،في
الحاالت التي تطرح فيها منازعات حقوق اإلنسان في عالقتها باألمن الداخلي والخارجي وكذا
بالممارسة الفعلية للحقوق والحريات ،على اعتبار أن الديمقراطية أهم اكتشاف توصل إليه
الفكر السياسي اإلنساني.
فالحديث عن مفهوم االختيار الديمقراطي باعتباره عنصرا من عناصر النظام العام ،
يقود المحالة إلى الحديث عن مفهوم الديمقراطية كممارسة وكنمط تسييروتد بير ،وكجزء ال
يتجزأ من حقوق اإلنسان خصوصا أنها الوسيلة األساسية التي تمكن األفراد من الدفاع عن
حقوقهم و كرامتهم اإلنسانية في مواجهة الحكومة وإجراءاتها التعسفية .وبالتالي فالديمقراطية
هي البيئة المالئمة والطبيعية لحماية وإعمال الحقوق والحريات األساسية ،خصوصا أنها
تتصل بحرية التعبير ،والتجمع ،وتكوين الجمعيات ،وإعمال الحقوق االقتصادية واالجتماعية
وما إلى ذلك ...وبشكل عام تتطلب الديمقراطية ،بكل معانيها ،وجود ممارسة حرة للحقوق
والحريات الفردية والجماعية ،التي بدونها ال يمكن تحقيق الديمقراطية أيا كان شكلها ،ذلك
أنها شرط أساسي لتعزيز نسيج الديمقراطية.
ارتباطا بما سبق يمكننا ان نخلص إلى ما يلي:
ــ اتساع نطاق النظام العام ليشمل عنصر الخيار الديمقراطي ،فرضه تطور المجتمع
،خصوصا على المستوى الحقوقي ،إذ أصبح اليوم "الحق في الديمقراطية "حق من حقوق
المواطنين،األخير الذي يترجم على أرض الواقع ،ليس من خالل العمليات االنتخابية
فحسب،وإنما من خالل المشاركة في جميع القرارات التي تؤثر على حياة المواطنين ،فاإلعالن
العالمي لحقوق اإلنسان مثال في مادته الواحدة والعشرين ينص على أن :لكل فرد الحق" في
االشتراك في إدارة الشؤون العامة لبالده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون اختيارا
حرا".
ــ أن االلتزام بالديمقراطية يعد أحد المداخل األساسية لضمان حماية حقوق اإلنسان على
المستوى الدولي ،سواء تعلق األمر بالدول المتقدمة أودول العالم الثالث.
ــ بالنسبة للمغرب ،دسترةالخيارالديمقراطي جعلت منه ثابتا من الثوابت التي تقوم عليها
األمة المغربية ،ويظهر ذلك بجالء في الفصل1:و2و....175
خاتمة:
من خالل مراجعتنا لهذا القسم نخلص إلى مايلي:
أن النظام العام يتحدد في األماكن العمومية ،وأن ما يترتب عن تدخل سلطات الضبط اإلداري
لحفظه ،من تقييد للحريات ليس مقصودا لذاته ،وإنما المقصود حماية األمن العام
للمواطنين،ومن تم البد أن يكون النظام العام عاما ومجردا.
وإذا كانت صفة المادية التي يتصف بها النظام العام ،والتي تقتضي أن حماية هذا األخير
إنما تنصب على مظهره الخارجي ،فإن هذه الخاصية قد تصطدم مع ما أفرزه توسع نطاق
النظام العام ليشمل األخالق واآلداب العامة،خصوصا في البلدان ذات المرجعية اإلسالمية
كالمغرب.
إذا كان من خصائص النظام العام أنه ال يتعارض مع الحقوق الحريات ،وأنه فكرة سياسية
أي له عالقة بالنظام السياسي ،كما يرى محمد عصفور"بأن فكرة النظام العام تعبرعن الخطة
التي ينتهجها نظام الحكم في تنظيمه الروابط االجتماعية في وقت معين ،".....واجتماعية أي
أن قواعده نابعة من المجتمع،وأنها تتغير بتغير الزمان والمكان،وإذا كان اإلسالم هو دين
الدولة بالنسبة للمغرب ،على اعتبار ما تحمله الشريعة اإلسالمية من قيم وأخالق ثابتة ،فكيف
السبيل إذن للتوفيق بين الثابت والمتغير ،بتعبيرآخر،كيف ِيؤثراختالف المرجعيات على النظام
العام المغربي...