You are on page 1of 17

‫الرجولة‬

‫فضيلة الشيخ د‪ .‬سفر بن عبدالرحمن الحوالي ‪.‬‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ اللهم بك‬
‫من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممداً‪ 3‬عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أمجعني والتابعني‬
‫بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فالرجولة أصل عظيم من أصول الرتبية على هذا الدين واإلميان به والدعوة إليه‪،‬‬
‫وإنه حيثما توجد الرجولة‪ ،‬وحيثما تكون البطولة‪ ،‬فإنه يكون عزالدين ومنعته‪،‬‬
‫وغلبة احلق وقيام الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وإحياء األمر باملعروف والنهي‪ 3‬عن املنكر‪.‬‬

‫وجيب أن نفرق بني جمرد الذكورة وبني الرجولة؛ فإن اهلل عز وجل خلق الزوجني‬
‫الذكر واألنثى‪ ،‬فجعل بين آدم زوجني إما ذكر أو أنثى‪ ،‬لكن ليس كل الذكور‬
‫رجاالً‪.‬‬
‫الرجولة يف القرآن‬
‫الرجولة يف القرآن وصف آخر فيه زيادة على جمرد الذكورة؛ فاهلل تبارك وتعاىل‬
‫ك ِإاَّل ِرجاالً نُ ِ‬
‫وحي ِإلَْي ِه ْم‬ ‫بدأ بأنبيائه يف هذا املنصب‪ ،‬فقال‪َ :‬و َما َْأر َس ْلنَا َقْبلَ َ‬
‫َ‬
‫[األنبياء‪ ]7:‬واهلل تبارك وتعاىل أرسل رجاالً مواقفهم الرجولية واضحة ملواجهة‬
‫الفساد‪ ،‬والشرك‪ ،‬والطغيان‪ ،‬واالحنراف‪ ،‬واجلور‪ ،‬والظلم وكل ما من شأنه أن‬
‫خيدش أمراً مما أنزله اهلل‪ ،‬ولذلك كانت تلك املواقف البطولية‪ ،‬اليت ال يقفها إال‬
‫أعظم الرجال وأقواهم وأشجعهم‪ :‬مثل وقوف إبراهيم اخلليل عليه السالم أمام‬
‫النمرود ‪ ،‬ووقوف موسى عليه السالم أمام فرعون‪ ،‬ووقوف نوح عليه السالم‬
‫أمام أمة عاتية ماكرة ألف سنة إال مخسني عاماً‪ ،‬ووقوف هود عليه السالم أمام‬
‫أمة مستكربة متجربة يبنون بكل ريع آية يعبثون‪ ،‬وإذا بطشوا؛ بطشوا جبارين‪،‬‬
‫كما أخرب اهلل عنهم على لسان نبيه هود عليه السالم‪ ،‬وكل األمم‪ 3‬ال يقف‬
‫لدعوهتا ويتصدى‪ 3‬جلربوهتا‪ 3‬إال رجال‪.‬‬

‫بطل األبطال وأعظم الرجال‬


‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬
‫وإن أعظم هؤالء الرجال هو خرية اهلل ومصطفاه من خلقه حممد َ‬
‫َو َسلَّ َم‪ ،‬ولو استعرضنا املواقف الرجولية النقضى الليل كله وما زلنا نتحدث عن‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم!‬
‫موقف واحد من مواقفه َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم من مواقف الرجولة أن يقف وحده‪ ،‬والناس كلهم‬ ‫يكفيه َ‬
‫قاموا ضده‪ ،‬وأن يدعو إىل اهلل وحيطم األصنام مجيعاً‪ ،‬ترجتف قلوب ملوك الروم‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬ومل جيف مداد صلح الروم بعد! كما ثبت‬ ‫والفرس منه َ‬
‫ذلك يف الصحيح ويف قصة هرقل ‪.‬‬

‫ِ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم من ربه‪َ ،‬‬
‫وخلَ َقه‬ ‫أية رجولة هذه اليت عُلِّ َمها رسول اهلل َ‬
‫َو َجَبلَه عليها‪ ،‬مث َعلَّمها أصحابه من بعده صلوات اهلل عليه وعليهم أمجعني؟! أية‬
‫رجولة أعظم من قيامه على الصفا‪ 3‬لينذر عشريته األقربني؟! مث ذلك املوقف‬
‫الشجاع العظيم الذي وقفه يف هجرته‪.‬‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم أنه‬


‫مواقفه العظيمه يف اجلهاد يف سبيل اهلل إذ خيرب أصحابه َ‬
‫لوال أن يشق عليهم ملا بقي خلف سرية خترج يف سبيل اهلل‪ ،‬وملا ختلف عنها‬
‫قط!! وقال أصحابه رضوان اهلل عليهم [[كنا إذا محي الوطيس (اي اشتدت‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ]] وقد متثل هذا األمر يوم‬
‫املعركة) احتمينا برسول اهلل َ‬
‫حنني إذ أقبلت هوازن وما أدراك ما هوازن؟! وقد أعدت وأجلبت؛ حىت قال‬
‫بعض مسلمة الفتح ممن مل يتمكن اإلميان يف قلبه‪ :‬لن يردهم اليوم‪ 3‬إال البحر! وقال‬
‫اآلخر‪ :‬بطل السحر اليوم! ومع ذلك وقف ‪-‬صلوات اهلل وسالمه عليه‪ -‬وقد‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وهو ينادي‪ :‬يا أصحاب‬ ‫كاد أن يتوىل أكثر املسلمني‪ ،‬وقف َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وهو ثابت يف‬‫بدر ! يا أصحاب الشجرة! حىت اجتمعوا‪ 3‬إليه َ‬
‫مكانه‪ ،‬مث حتولت‪ 3‬املعركة لصاحل املسلمني‪ ،‬وانتصروا‪ 3‬بفضل اهلل‪.‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وحياة أصحابه الكرام‪ 3‬يف‬
‫وهناك مواقف عظيمة يف حياته َ‬
‫الريموك ‪ ،‬والقادسية ‪ ،‬وهناوند ‪ ،‬وغريها‪ ،‬ال تعد وال حتصى‪ ،‬ولكننا سنضطر أن‬
‫نتجاوزها كلها‪ ،‬لنتحدث عن أمر جيب أن يتنبه له املربون والدعاة الوعاظ فيما‬
‫يتعلق بالرجولة‪ ،‬وهو من أين تنبع الرجولة؟ وأين توجد الرجولة؟ وكيف نريب يف‬
‫شبابنا الرجولة؟ كل منا يوصى ابنه كل يوم (كن رجالً) (نريد أن تكون رجالً)‬
‫باختالف اللهجات واملقصود منها واحد؛ فأين يكون حمضن ومهد هذه‬
‫الرجولة؟ وكيف نربيها؟ وكيف ننميها؟‬

‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬استجاب له الشباب‪،‬‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل عندما بعث حممداً‪َ 3‬‬
‫وكفر به الشيوخ؛ وإذا أردت أن تعرف دليالً واضحاً‪ 3‬على ذلك‪ ،‬فانظر كم‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم من بعده‪ ،‬عاشوا أربعني سنة ومخسني سنة‬ ‫عاش أصحابه َ‬
‫وحنو ذلك‪ ،‬فهذا‪ 3‬دليل على أهنم لو كانوا من جيله أو قريباً من جيله (كـالصديق‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم؛ بل كان أكثرهم‬ ‫رضي اهلل عنه) لتويف أكثرهم يف حياته َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫شباباً! بل املساجد إمنا يرتادها ويكثر فيها من املصلني يف دهره َ‬
‫َو َسلَّ َم وإىل اليوم الشباب‪ ،‬ممن نقول إهنم األطفال على سبيل التجوز‪ 3‬وإال فليسوا‬
‫بأطفال‪ ،‬ملاذا؟ ألن اهلل تبارك وتعاىل عندما وصفهم‪ ،‬وصفهم بأهنم رجال فقال‬
‫ص ِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫تعاىل‪ :‬يِف بُيُوت َأذ َن اللَّهُ َأ ْن ُتْرفَ َع َويُ ْذ َكَر ف َيها امْسُهُ يُ َسبِّ ُح لَهُ ف َيها بِالْغُ ُد ِّو َواآْل َ‬
‫الز َك ِاة [النور‪:‬‬ ‫الة َوِإيتَ ِاء َّ‬
‫الص ِ‬ ‫ال ال ُت ْل ِهي ِه ْم جِت َ َارةٌ َوال َبْي ٌع َع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه َوِإقَ ِام َّ‬
‫* ِر َج ٌ‬
‫‪.]37-36‬‬
‫لو أن كل واحد منا صحب أبناءه إىل املسجد لوجدنا أن أكثر من ثالثة أرباع‬
‫املسجد من األطفال أو الشباب! أليس كذلك؟! إذا كان كل منا عنده أربعة أو‬
‫ثالثة أو اثنان أو مخسة‪ ،‬فيكون األكثرية كذلك‪ ،‬فينطبق عليهم أهنم رجال‪،‬‬
‫كيف خرجوا من الطفولة إىل الرجولة؟ هل هو باالنتقال إىل املرقص أو امللهى أو‬
‫امللعب؟ ال واهلل؛ بل هو باالنتقال من البيت‪ 3‬إىل املسجد‪ ،‬ينتقل هؤالء من وصف‬
‫الطفولة إىل وصف الرجولة كما َّ‬
‫دل عليه كتاب اهلل‪.‬‬

‫إذن الرجل ‪-‬أوالً‪ -‬يتلقى مبادئ الرجولة من املسجد‪ ،‬انظر إىل من تراه رجالً‬
‫وألق كلمة‪ ،‬أو تقدم صل بالناس‬ ‫جبثته؛ لو قلت له‪ :‬قم أمام اجلماعة يف قرية فقط ِ‬
‫(وهو جمرد ذكر ليس برجل) خياف وال يستطيع!! لكن لو أتيت إىل رجل من‬
‫هؤالء الرجال ‪-‬حفظة القرآن‪ -‬فإنه يتقدم ويصلي بنا ويقرأ األجزاء الطويلة!‬
‫أليس هذا رجالً؟! هذه الرجولة من أين تعلمها؟ من املسجد‪ ،‬ولو قلت له‪ :‬قم‬
‫اخطب اجلمعة‪ ،‬لقام وخطب! وهكذا ترىب الصحابة الكرام على هذه الرجولة‪،‬‬
‫وتنافسوا فيها‪.‬‬

‫وأبناء الصحوة اإلسالمية املباركة كل من كان يف ميدان من ميادين العلم‬


‫واجلهاد والدعوة‪ ،‬هؤالء جيب علينا ‪-‬حنن املربون‪ -‬أن نعيد فيهم هذه الرجولة‪،‬‬
‫ونربيهم على هذه الرجولة؛ إذ ال رجولة غريها‪ ،‬وكل ما عداها فهو هلو‪ ،‬وعبث‪،‬‬
‫وتضليل‪ ،‬بل رمبا كان فتنة هلم‪ ،‬بل رمبا كان إخراجاً هلم من دينهم وإمياهنم‬
‫وعقيدهتم؛ فالرجولة إمنا تنمو إذا اقرتنت‪ 3‬بإحياء املساجد‪ ،‬وبإقامة الدين‪،‬‬
‫وبتحفيظ كتاب اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وباألمر باملعروف‪ ،‬وبالنهي عن املنكر‪،‬‬
‫وبالدعوة إىل اهلل عز وجل‪ ،‬هنالك يكون حمضن الرجولة‪ ،‬وهنالك يصبح الصغري‬
‫رجالً‪ ،‬ويصبح بطالً؛ كـمحمد بن القاسم ‪ ،‬وطارق بن زياد ‪ ،‬وأمثاهلما من‬
‫الفاحتني الذين فتحوا أمماً عظيمة‪ ،‬وهم يف سن ال نقارنه وال نقيسه إال بشباب ما‬
‫يسمى بالثانوية!‬
‫الرتبية على الرجولة‬
‫ماض ٍ‬
‫عريق يف اجلهاد والعلم‬ ‫وإهنا واهلل مأساة‪ ،‬أن يكون أبناؤنا الذين آلبائهم ٍ‬
‫والدعوة حمرومني من الرتبية على تلك الرجولة؛ عندما تريد أن تتأكد وتطلع على‬
‫هذا احلرمان فانظر على أي شيء يرىب الطفل لو مل يربط باملسجد‪ ،‬انظر إىل‬
‫ذلك‪ ،‬وأين البطولة فيه؟ انظر إىل طفل نشأ يف أحضان والدين غري متعلمني ‪-‬ال‬
‫نقل جاهلني؛ ألن هناك فرقاً بني اجلهل وعدم العلم! اجلهل من جهل اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬وليس الذي‪ 3‬ال حيسن القراءة والكتابة‪ -‬ومها يريدان له اخلري‪ ،‬ولكن اهلل ال‬
‫يكلفهما ما ال يطيقان‪ ،‬مها مل يرتبيا ومل يتعلما‪ ،‬فكيف يدعوانه إىل اهلل؟! مع أننا‬
‫نعلم أنه ال يوجد أب وأم ال يدعوان ابنهم إىل الصالح‪ ،‬إال من مسخ اهلل!! فكلنا‬
‫يتمىن أن يكون يف ابنه من اخلري والصالح واهلدى‪ 3‬واالستقامة ما جيعله مضرب‬
‫املثل يف قريته وقبيلته‪ ،‬هكذا يريد منا آباؤنا وأمهاتنا لكنهم معذورن‪ ،‬فال جيد‬
‫األبناء من يربيهم على هذه الرجولة‪.‬‬

‫فتتلقفهم املدرسة‪ ،‬أليس حراماً أن ميضي الطفل اثنيت عشرة سنة‪ :‬ست يف‬
‫االبتدئية‪ ،‬وست يف متوسط وثانوي‪ ،‬مث يتخرج وال تستطيع أن تصفه بأنه رجل!‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وأصحابه‬
‫سبحان اهلل! أية تربية هذه؟! أين كان النيب َ‬
‫يربون؟! اثنيت عشر سنة كفيلة أن حتوله إىل طاقة‪ ،‬إىل شعلة‪ ،‬إىل قائد‪ ،‬إىل جماهد‪،‬‬
‫مفت‪ ،‬إىل حمدث‪ ،‬إىل فقيه‪ ،‬إىل حنوي‪ ،‬إىل لغوي‪ ،..‬واقرءوا سري‬ ‫إىل عامل‪ ،‬إىل ٍ‬
‫العلماء‪ ،‬يف أي سن كانوا عندما بلغوا مبلغ الفتوى‪ ،‬والعلم‪ ،‬واحلفظ‪ ،‬واجلهاد‪،‬‬
‫والدعوة؟!‬

‫أي ظلم يُظلَ ُمه الفىت املسكني؟! الذي‪ 3‬ولد وله نفس العقل الذي‪ 3‬كان ألولئك‪،‬‬
‫ويف نفس البيئة‪ ،‬ولكنه ظلم بأن يظل يدرس‪ ،‬مث يدرس‪ ،‬ومتضي عليه هذه‬
‫السنوات‪ ،‬مث ال يكون مستحقاً أن يقال عنه رجل إال القليل! وقد‪ 3‬يقال‪ :‬إنه رمبا‬
‫يعوض ذلك اإلعالم‪ ،‬ورمبا يعوض ذلك اجملتمع؛ وأظن أن احلديث يف اإلعالم‬
‫أصبح من الكالم املكرر‪ ،‬والكالم فيه أشبه باللغو؛ ألنه ال ميكن أن يريب على‬
‫خلق وال على فضيلة وال على جهاد‪ ،‬وال ترىب عليه نشء إال نشأ يف أودية‬
‫أخرى!! ال نريد أن نتحدث عنها أصالً؛ ألهنا بعيدة عن اهلل واليوم‪ 3‬اآلخر والدار‪3‬‬
‫اآلخرة‪ ،‬فهي لن تربطه باهلل وال بتقوى اهلل وال بطاعة اهلل!‬

‫إن قلب اجملتمع النابض‪ ،‬إن حقيقة اجملتمع‪ ،‬إن انتماء اجملتمع مرتبط بأصل أصيل‬
‫وت َِأذ َن اللَّهُ َأ ْن ُت ْرفَ َع َويُ ْذ َكَر فِ َيها امْسُهُ [النور‪ ]36:‬إنه‬
‫وركن ركني‪ ،‬وهو يِف بي ٍ‬
‫ُُ‬
‫مرتبط باملساجد هذا هو األصل‪ ،‬وهذا هو املنطلق فِ ِيه ِر َج ٌ‬
‫ال حُيِ بُّو َن َأ ْن َيتَطَ َّه ُروا‬
‫[التوبة‪ ]108:‬سبحان اهلل! هكذا الرجولة‪ ،‬الرجولة مرتبطة ببيوت اهلل‪،‬‬
‫بالطهارة‪ ،‬بالبيوت اليت أسست على تقوى من اهلل‪ ،‬واليت رفعت بذكر اهلل‪ ،‬واليت‬
‫هي هلل عز وجل‪.‬‬

‫املسجد يف العهد‪ 3‬النبوي‬


‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم هو دار احلكم‪ ،‬ودار القضاء‪ ،‬ومقر‬
‫كان مسجد رسول اهلل َ‬
‫القيادة العسكرية‪ ،‬ومقر الفتوى‪ ،‬والعلم‪ ،‬ومقر ذوي الصدقات‪ ،‬والتربعات‪،‬‬
‫وغريها‪ ،‬عدِّد ما شئت من ضرورات األمة وأساسيات حياهتا‪ ،‬أين جتدها؟! إهنا‬
‫يف املسجد!!‬
‫وهكذا كان الصحابة الكرام‪ ،‬من أين خترج العلماء الذين درسوا على يد عبد‬
‫اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‪ ،‬وعبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنه‪ ،‬والذين حفظوا‬
‫هذه اآلالف املروية عن أيب هريرة رضي اهلل عنه الدوسي‪ 3‬اجلهراين ومعاذ ؟ أين‬
‫تعلموا؟‬

‫مث العلماء من بعدهم اإلمام أمحد ومالك والشافعي‪ ، 3‬وأولئك األئمة األعالم يف‬
‫احلديث وغريه‪ ،‬حىت اللغويون (علماء اللغة) أين كانوا يعلمون اللغة؟ سبحان‬
‫اهلل! كل شيء كان ينطلق من املسجد! وهلذا‪ 3‬نقلل من قدر‪ 3‬املسجد جداً إذا‬
‫مسيناه جامعة! مع أن جامعاتنا ومعروفة اآلن! ومعروف ماذا خترج!! فال أريد أن‬
‫أقلل من شأنه‪ ،‬وأقول‪" :‬كان جامعة" إال على سبيل التجوز‪ ،‬يؤخذ فيه كل‬
‫أنواع العلوم فهو جامع وجامعة‪ ،‬ومقر قيادة‪ ،‬وإمارة‪ ،‬وحكم‪ ،‬ودعوة إىل اهلل عز‬
‫وجل‪.‬‬

‫املسجد يف عصرنا‬
‫لكن اليوم‪ ،‬أين مساجدنا؟! أين دورها يف الرتبية والرجولة؟! ملاذا أقفرت املساجد‬
‫من املواعظ؟ ملاذ أقفرت من حلقات العلم‪،‬؟! أين ذهبت حلقات حتفيظ القرآن‬
‫الكرمي؟!‬
‫أين املربون‪ ،‬واملعلمون‪ ،‬واملفتون‪ ،‬واملوجهون؟! أم أن املسجد للصالة فقط؟!‬
‫وحىت هذه قصرنا فيها!! نصلي مع تأخ ٍر أحياناً أو تقاعس وختلف‪ ،‬نصلِّى فيها مث‬
‫تقفل سبحان اهلل! ولذلك يعشعش يف األذهان ما يريد العلمانيون واملفسدون‪ 3‬أن‬
‫فصل واخرج‪ ،‬وبعد‬‫ينشروه من أن الدين ال عالقة له باحلياة‪ ،‬إذا كنت متديناً ِّ‬
‫ذلك إن أردت الربا فتعامل به! وإن أردت االختالط فهو ميسر! وإن أردت‬
‫اللهو واللعب فله جماالته! وله ميادينه ومؤسساته! أي ال ميكن أن تظل متديناً أو‬
‫مرتبطاً هبذا‪ 3‬الدين إال باالرتباط باملسجد!! والبعض ال يأيت إال يوم اجلمعة!! فباهلل‬
‫عليكم أية رجولة يف أمة هذا حاهلا؟! إهنا أبعد ما تكون عن حقيقة الرجولة؛ فيها‬
‫ذكورة‪ ،‬ولكن الرجولة فيها قليل‪ ،‬هذا حالنا‪ ،‬وهذا حال مساجدنا؛ عندما‬
‫حصرنا الدين مبعىن واحد هو جانب من جوانبه‪ ،‬وحصرنا عمل املسجد يف‬
‫ذلك‪ ،‬مث نرجو خري الدنيا واآلخرة!! كيف يأيت خري الدنيا‪ 3‬من املطر والنعمة‪3‬‬
‫والغيث ودوام املال والرفاهية والصحة؟! وكيف نريد اجلنة‪ ،‬ونريد الفوز‪ 3‬برضا‬
‫اهلل‪ ،‬ونريد أن نرى وجه الرمحن تبارك وتعاىل‪ ،‬وهذا مقام بيوت اهلل عندنا؟!‬

‫املسجد وتعظيمه‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قام ذات يوم فافتقد‪ 3‬امرأة ‪-‬جارية سوداء‪ -‬ليس هلا‬ ‫الرسول َ‬
‫أية قيمة يف اجملتمع؛ ولو ذكر الناس مجيعاً‪ ،‬فإهنا تنسى وال تذكر‪ ،‬ماذا كانت‬
‫تقم املسجد‪ ،‬كانت جتمع النوى‪ 3‬والعيدان‪ 3‬من املسجد كما جاء يف‬ ‫تعمل؟ كانت ُّ‬
‫احلديث! هذا عملها فلم تكن تعظ يف املسجد وال تذكر وال تعلم وال تفيت؟‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم فسأل عنها‪ { ،‬قالوا‪ :‬يارسول اهلل! إهنا‬ ‫فافتقدها رسول اهلل َ‬
‫توفيت البارحة‪ .‬قال‪ :‬وماذا فعلتم هبا؟ قالوا‪ :‬دفناها قالوا‪ :‬كيف نزعج رسول اهلل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يف الليل من أجل جارية أمة سوداء!! ما كان هلا من عمل‬ ‫َ‬
‫إذا خرج الناس من املسجد إال أن تأيت فتجمع‪ 3‬القمامة! فالصحابة حباً للرسول‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم رأوا أن األمر قد قضي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم وإيثاراً لراحته َ‬
‫َ‬
‫ويكفي { قال‪ :‬هال آذنتموين‪ ،‬أين قربها؟ فانطلق وانطلق معه أصحابه‪ ،‬فصلى‬
‫ك َو َم ْن يُ َعظِّ ْم َش َعاِئَر اللَّ ِه فَِإنَّ َها ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫عليها صلوات اهلل وسالمه عليه! } انظروا َذل َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َت ْق َوى الْ ُقلُوب [احلج‪ ،]32:‬وهو إمام املتقني َ‬
‫واهلل! إن من يقم املسجد هو خري عند اهلل ممن يسكن القصور يف معصية اهلل عز‬
‫وجل! لكن كيف نعرف؟! مشكلتنا أننا كرَّب نا وعظَّمنا الدنيا‪ 3‬وأهلها‪ ،‬وأصبحنا‬
‫نتفاخر‪ ،‬يقول اهلل يف القرآن‪َ :‬أهْلَا ُك ُم التَّ َكاثُُر [التكاثر‪ ]1:‬زينة وتفاخر وتكاثر!!‬
‫وأصبحنا نقول‪ :‬فالن عنده وعنده!! ومات فالن صاحب األموال‪ 3‬واملؤسسات‬
‫وصاحب امللك! لكن لو مات واحد من السودان كان ينظف املسجد‪ ،‬قلنا‪ :‬اهلل‬
‫يرمحه‪ ،‬قال‪ :‬ماذا كان عمله؟ وماذا كان عنده!‬

‫واهلل لو أعدنا املعايري الشرعية كما يف كتاب اهلل وكما ترىب عليها الصحابة‪،‬‬
‫لعظمنا بيوت اهلل‪ ،‬وعظمنا كل شيء يتعلق ببيوت اهلل عز وجل‪ ،‬يكفي أنه‪:‬‬
‫{ من بىن مسجداً هلل كمفحص قطاة بىن اهلل له بيتاً يف اجلنة } اهلل أكرب‪ ،‬بيت يف‬
‫اجلنة! سبحان اهلل بيوت اجلنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة‪ ،‬الشجرة فيها يسري‬
‫الراكب‪ 3‬يف ظلها مائة عام ال يقطعها!! هذه بيوت اجلنة! لو عُظِّمت ُ‬
‫بيوت اهلل‪،‬‬
‫معىن؛ أما رفعها‪ 3‬حساً‪،‬‬
‫لبنيت ورفعت وشيدت‪ ،‬كيف ترفع؟ ترفع حساً وترفع ً‬
‫فتكون أمجل وأنظف وأفضل‪ ،‬بشرط أن خيلو ذلك عن األمور اليت قد تدخل يف‬
‫املكروه والبدعة‪ ،‬ولكن تعظم وخيتار هلا املوقع املناسب‪ ،‬فيختار هلا البناء اجلميل‬
‫والفرش املمتاز‪ ،‬وكل ما خيدم املرافق واملصاحل واملنافع اليت تتعلق هبا‪ ،‬مث ترفع‬
‫كل من كانت حياته وقيمته‬ ‫معىن (وهو املهم) ترفع يف القلوب‪ ،‬وتعظم‪ ،‬وجُي ُّل ُّ‬
‫ً‬
‫مستمد ًة من هذا املسجد‪ ،‬ويف هذا املسجد؛ من جاء ليعلم أو يتعلم‪ ،‬من جاء‬
‫وعظ‪ ،‬فهذا هو الذي‪ 3‬حنبه وهذا هو الذي نعظمه‪،‬‬ ‫ليعظ أو يستمع لذكر اهلل ويُ َ‬
‫وهذا هو الذي نقدره؛ كما َعظَّ َم صلوات اهلل وسالمه عليه شأن هذه اجلارية ومل‬
‫يستهن بعملها‪.‬‬
‫أكثر ما يشغل بال الشباب الزواج! وال سيما مع هذه املصائب والفنت واملغريات‬
‫وامللهيات واملثريات اليت تريد أن تقحمهم‪ 3‬إقحاماً يف الرذيلة‪ ،‬والدعاة املضلون‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪{ :‬دعاة على أبواب جهنم } ينعقون يف كل إذاعة‬‫كما قال َ‬
‫ومنرب وجملة وصحيفة يريدون أن يغروهم بالرذيلة‪ ،‬هؤالء الشباب أمل يفكروا يف‬
‫اجلنة وما فيها من احلور العني؟ أمل يسألوا‪ ،‬ما هو مهر احلور العني؟ أمل يعلموا أن‬
‫كنس قمامة املسجد هو املهر؟! كنس القمامة من املسجد هو مهر احلور العني‪،‬‬
‫ملاذا؟ هب أنين شاب نظيف وال أريد أن أظهر أمام الناس إال بأنظف مظهر‪،‬‬
‫ولكنين من أجل بيت اهلل أذللت نفسي! ولكن ملن؟ هلل‪ ،‬أما غري اهلل فال نذل له‪،‬‬
‫نذل هلل ولكل من أمرنا اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل أن نذل له من الطاعة‪ ،‬واملراد به وجه‬
‫اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪ ،‬فإذا أتيت ألقم املسجد فأنا هبذا‪ 3‬العمل أدفع مهر احلور‬
‫العني‪.‬‬

‫ولذلك من عرف اهلل عز وجل‪ ،‬ومن عرف اجلنة‪ ،‬والنار‪ ،‬ومن عرف قيمة ذكر‬
‫اهلل‪ ،‬فليسابق إىل مثل هذه األمور‪ 3،‬إىل التنافس إلحياء بيوت اهلل‪ ،‬وإعمار بيوت‬
‫اهلل‪ ،‬وإحياء ذكر اهلل تبارك وتعاىل يف كل مكان‪ ،‬أن يرفع النداء!! النداء‪ 3‬الذي‬
‫نسمعه‪ ،‬ولكننا نغفل عن معناه! من منا ال يسمع (اهلل أكرب)؟! من منا ال يسمع‪:‬‬
‫(أشهد أن ال إله إال اهلل أشهد أن حممداً رسول اهلل حي على الصالة وحي على‬
‫الفالح؟!) نسمعها‪ 3‬لكن هل تدبرنا ووعينا معناها ومدلوهلا يف حياتنا؟! كيف‬
‫نقول‪ :‬اهلل أكرب‪ ،‬ونسمع اهلل أكرب‪ ،‬ونأيت إىل بيت اهلل‪ ،‬مث ال نُعظِّم بيت اهلل‪ ،‬وال‬
‫من دعا إىل اهلل‪ ،‬وال من قام باألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ِ ،‬من أبنائنا وممن‬
‫يُعلِّم أبناءنا‪ ،‬ال لذاته وال لشخصه‪ ،‬ولكن الرتباطه هبذا الدين‪ ،‬ألنه يدعو إىل اهلل‬
‫وهو أكرب تبارك وتعاىل من كل شيء؟!‬
‫جيب أن يكون كل ارتباط يف سبيل اهلل‪ ،‬وكل ما أريد به وجه اهلل أكرب عندنا‬
‫من كل شيء‪ ،‬وأعظم من كل شيء! حنب أبناءنا إذا حفظوا كتاب اهلل‪ ،‬من‬
‫حيفظ شيئاً من القرآن‪ ،‬يكون أحب الناس إليك يف القرية أو يف املدينة!‬

‫وكذلك من يدعو إىل اهلل‪ ،‬ومن يعظ‪ ،‬ومن يذكر‪ ،‬حتبه هلل‪ ،‬ويف اهلل‪ ،‬يرتبط قلبك‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪{ :‬األرواح‪ 3‬جنود جمنده‪ ،‬ما تعارف منها‬
‫بقلبه كما قال َ‬
‫ائتلف‪ ،‬وماتناكر منها اختلف }‪ ،‬يراك فيشعر أنك حتبه‪ ،‬وتشعر أنه حيبك؛ ألنه‬
‫من جنود اهلل‪ ،‬وألنه من أولياء اهلل‪ ،‬وألنه ممن يأوي إىل بيت اهلل‪ ،‬وألنه ممن يرفع‬
‫ويعظم شعائر اهلل‪ ،‬هكذا جيب أن تكون أواصرنا القلبية‪ ،‬ومن هنا تعود إلينا‬
‫البطولة فيصبح طفلنا وذكرنا وأنثانا وشاعرنا وفقهينا وعاملنا وحنوينا كلهم يف‬
‫ميزان واحد‪ ،‬وهو ميزان التقوى‪ ،‬ويصبح هلذه األمة معىن آخر‪ ،‬وتنال موقعاً ال‬
‫تستطيع أن تناله أية أمة يف التاريخ‪.‬‬

‫إن اهلل إمنا يرفع الناس وإمنا يضعهم هبذا الدين‪ ،‬هذا هو املعيار! االرتفاع‬
‫واالتضاع بذكر اهلل‪ ،‬وبالتقرب إليه‪ ،‬وبعبادته ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪ ،‬وباجلهاد يف‬
‫سبيله‪ ،‬ويف بذل النفس والنفيس من أجله وحده ال شريك له‪ ،‬وإن غضب الناس‬
‫فال يضروك واهلل‪.‬‬
‫أبشركم وأطمئنكم أنه ال يدعو أحد إىل اهلل خالصاً من قلبه‪ ،‬جمتهداً‪ 3‬يف النصح‬
‫هلذه األمة‪ ،‬يريد هلا اخلري إال ويلقي اهلل تبارك وتعاىل حمبته يف قلوهبا! هذه قاعدة!‬
‫وهذه من أسرار القلوب اليت ال تدخل حتت أنظار أهل املوازين الدنيوية‪ ،‬وال‬
‫يستطيعون أن يدركوها‪ ،‬بل هم أنفسهم‪ 3‬يعجزون عنها‪ ،‬ملاذا؟ ألن سرها عند اهلل‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ { :‬إن اهلل إذا أحب عبداً‪ ،‬نادى جربيل عليه‬‫عز وجل‪ ،‬قال َ‬
‫السالم ياجربيل‪ ،‬إين أحب فالناً فأحبه‪ ،‬فيحبه جربيل‪ ،‬مث ينادي يف أهل السماء‪:‬‬
‫إن اهلل حيب فالناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء‪ ،‬مث يوضع له القبول يف األرض }‬

‫وأنت حبسك البسيط‪ ،‬وبنظرتك األولية‪ ،‬انظر إىل وجوه اجتمعت على ذكر اهلل‬
‫يف بيت من بيوت اهلل‪ ،‬من القسمات من التعبريات والعيون‪ 3‬ترى الصفاء واخلري‬
‫والنور!! مث انظر إىل وجوه قوم اجتمعوا‪ 3‬على غري ذلك! ماذا جتد؟! املؤمن ينظر‬
‫بنور اهلل‪ ،‬وغري املؤمن ال يستطيع أن مييز‪ ،‬ال يستطيع أن يرى؛ لكن الذي آتاه اهلل‬
‫البصرية والفراسة مييز بني الوجوه‪.‬‬

‫واهلل! إذا عرض عليك اجتماع تستطيع أن تقول هؤالء جيتمعون‪ 3‬على ذكر اهلل!‬
‫أو تقول‪ :‬هؤالء جيتمعون على معصية اهلل! ملاذا؟ ألن كل إناء مبا فيه ينضح‪ ،‬ألن‬
‫القلوب وما يعتلج فيها يظهر على صفحات الوجوه!! هذا سر أودعه رب‬
‫العاملني ال يستطيع أحد من الناس أن ينفك عنه‪ ،‬بل السعيد من اكتشفه‪ ،‬ومن‬
‫عرفه‪ ،‬ومن آتاه اهلل البصرية‪ ،‬لكي يدركه ويستمتع‪ 3‬به وحيمد‪ 3‬اهلل تبارك وتعاىل‬
‫على هذا‪.‬‬
‫القلوب وما يغريها‬
‫كل منا مر هبذه التجربة‪ ،‬لكن البعض أكثر من بعض‪ ،‬ملاذا؟ ألن منا من نشأ‬
‫مهتدياً ويف بيئة من اخلري واإلميان‪ ،‬يأيت عليه العارض أو مامساه اهلل تعاىل طَاِئ ٌ‬
‫ف‬
‫ان [األعراف‪ ،]201:‬فيقع يف ظلمة‪ ،‬فيحضر جمتمعاً للخري‪ ،‬فتنجلي‬ ‫ِمن الشَّيطَ ِ‬
‫َ ْ‬
‫عنه الظلمة‪ ،‬فيحمد‪ 3‬اهلل عز وجل‪ ،‬والبعض قد يكون ممن مرت به حالة مظلمة‬
‫جداً‪ ،‬مث يرى شيئاً آخر‪ ،‬وأذكر تعبرياً عرب به رجل كان مغنياً مشهوراً‪ 3‬مث‬
‫اهتدى!!‬
‫حدثين أحد اإلخوة من الدعاة‪ ،‬فقال‪ :‬ذهبت إىل منطقة من مناطق اململكة ‪،‬‬
‫فدخلت إىل حمل غناء ألعظ صاحبه‪ ،‬فإذا بفلبيين نصراين يريد شريط لـكات‬
‫استيفن ‪ ،‬والكآبة ختنقه‪ ،‬ف ُقلت له‪ :‬هل تعرف استيفن ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أتدري‪ 3‬ما حصل له؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬أسلم‪ ،‬قال‪ :‬فأنا مسلم من اآلن‪ ،‬وال يدري‬
‫ما هو اإلسالم وذلك من شدة إعجاب الناس به! يوسف إسالم ملا سئل‪ :‬كيف‬
‫شعورك؟ قال‪ :‬ال أستطيع أن أعرب إال أن أقول‪ :‬إنين كنت يف ظلمات بعضها‬
‫فوق بعض‪ ،‬وخرجت إىل نور ال هناية له‪ .‬سبحان اهلل!! الليلة الواحدة مباليني‬
‫اجلنيهات ومبئات األلوف من اجلنيهات‪ ،‬واجلماهري تعلق صورته على الصدور‬
‫ويف كل مكان‪ ،‬وصاحب الدخان يقول‪ :‬ضع سيجارة شركيت يف فمك فقط‬
‫وخذ كذا‪ 3‬ماليني! وصاحب السيارة يقول‪ :‬قف جوار السيارة‪ ،‬وضع يدك‬
‫عليها‪ ،‬لنأخذ لك صورة وخذ كذا‪ 3‬ماليني‪.‬‬

‫أدىن حركة ميكن أن يتحدثوا عنها؟! كيف حذاؤه! وهل حيب البطاطس؟! هل‬
‫يأكل البيض؟! كل فعل يريدون أن يعرفوه! يعبدونه كما يعبدون األصنام!! وهو‬
‫يقول‪ :‬واهلل مع هذا الشعور عند الناس‪ ،‬أنا أحتقر نفسي وبعد أن يغين يذهب إىل‬
‫البيت لينعزل عن الناس كلهم بنفسه‪ ،‬يشعر بالنقص واالحتقار!‬

‫ومن النماذج‪ :‬امرأة أوروبية مشهورة‪ ،‬وإن كانت مل تسلم بعد‪ ،‬وحنن ما نزال يف‬
‫تواصل معها لتسلم ولكنها اعتزلت الفن كلياً؛ تقول‪ :‬كلما أرجع إىل أي فيلم‬
‫من أفالمي أقول‪ :‬كم كنت سخيفة جداً عندما أمثل هذا! وكم قالت يل ابنيت‬
‫الصغرية أما كنت تستحني يا أماه وأنت متثلني هذا الدور؟! سبحان اهلل!‬
‫احملاسبة والرجولة‬
‫الذل داخل األعماق!! لكن من الذي يراه؟! ال بد أن حياسب اإلنسان منا نفسه‬
‫ويتفقد موازينها؛ حىت يكون رجالً‪ ،‬انظر إىل نفسك‪ ،‬إىل قلبك‪ ،‬معيارك‬
‫وميزانك بني جنبيك‪ ،‬بني أضالعك‪ ،‬انظر إىل قلبك‪ ،‬إىل إميانك مىت يزداد؟ مىت‬
‫ينقص؟ انظر يف قلبك وإىل منزلة شعائر اهلل والقائمني هبا يف هذه األرض‪ ،‬واعلم‬
‫أن موقعك عند اهلل من كرامته ومنزلته عندك‪ ،‬من اإلقبال لتعظيم شعائر اهلل‪،‬‬
‫ومن إحيائك لذكر اهلل‪ ،‬ومن حبك لبيوت اهلل‪ ،‬وحللقات حتفيظ القرآن‪،‬‬
‫ولندوات العلم واخلري واهلدى‪ 3‬والصالح‪.‬‬

‫فقدان الرجولة‬
‫ومن أراد أن يفقد معاين الرجولة فلينظر إىل الطرف اآلخر‪ ،‬انظر إىل أصحاب‬
‫اللهو‪ ،‬والغناء‪ ،‬والسكر‪ ،‬والعربدة‪ ،‬والفجور‪ ،‬هل ميكن أن يتصفوا هبذه الصفة‬
‫النبيلة‪ ،‬صفة الرجولة؟؟ إن الرجولة جتمع صفات الغرية‪ ،‬أو الشجاعة‪ ،‬والكرم‪،‬‬
‫والنبل‪ ،‬فهل يتصف هبا أصحاب اللهو والغناء والسكر‪ 3‬والفجور؟! هيهات! إن‬
‫أحد هؤالء إذا شرب املخدرات أو إذا سهر من أجل اجملون واخلالعة‪ ،‬جاءت‬
‫الدياثة يف بيته! فرضيها أو مل يعلم عنها!! هكذا واقعهم‪ ،‬تُف َقد الرجولة!! ميسخ‬
‫اإلنسان! كما أنه يفقد صفة عظيمة من صفات الرجولة وهي الكرم‪ ،‬والكرم ال‬
‫يتصف به إال الرجال‪ ،‬هل عند هؤالء السكارى والعرابدة كرم؟! ال‪ ،‬بل هم‬
‫أخبل الناس‪.‬‬
‫إن املضيع للصالة ولطاعة اهلل يبخل حىت على أبيه وعلى أمه بالريال أو بالدرهم‪،‬‬
‫فإذا جاءه الصاحب يف اخلبث والفجور‪ ،‬يدفع‪ 3‬ويتربع ويستدين وأكثرهم َم ِدين‬
‫من أجل اللهو والفساد! ال ينفقه على أهله وأوالده!! بل يضيعهم وحيرمهم من‬
‫ضرورات احلياة من أجل متعة حمرمة‪ ،‬أين الرجولة؟! ال عرض‪ ،‬وال غرية‪ ،‬وال‬
‫مسئولية‪ ،‬وال كرم! أين الرجولة؟ إهنم يفقدون حىت معاين الرجولة املعروفة لدى‬
‫اجلميع والبدهية لدى اجلميع‪ ،‬واليت هي أقل من الرجولة احلقيقية اليت يعرفها‬
‫املؤمنون‬
‫إن الرجولة احلقيقية مبعناها العميق العظيم واليت يتصف هبا املؤمنون هي‪ :‬إيقاظ‬
‫القلب‪ ،‬وحتريك اجلوارح‪ ،‬وابتعاث اهلمة؛ إلعالء دين اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وإرغام‬
‫أنوف الكافرين واملنافقني واجلاحدين واملعاندين من أجل كلمة احلق‪ ،‬من أجل‬
‫(اهلل أكرب)‪ ،‬من أجل (ال إله إال اهلل)‪ ،‬هذه هي الرجولة اليت جيب أن نرتىب عليها‬
‫وجيب أن نتعلمها‪.‬‬

‫وإننا لنحمد اهلل عز وجل‪ ،‬ونفرح ونفخر بأن هذه املعاين بدأت تنغرس يف‬
‫القلوب‪ ،‬بدأنا نشاهد حلقات التحفيظ‪ ،‬نشاهد االجتماعات اخلرية الطيبة‪،‬‬
‫نشاهد احرتام العلم‪ ،‬وافتتاح مكتبات وتسجيالت إسالمية‪ ،‬انتشار الكتيب‬
‫اإلسالمي بل الكتاب اإلسالمي‪ ،‬انتشار املؤسسات واملدارس‪ 3‬اخلريية‪ ،‬واألعمال‬
‫التعاونية يف كل مكان‪ ،‬ونتفاءل بقول القائل‪:‬‬
‫إن اهلالل إذا رأيت بدوه أيقنت أن سيصري بدراً‪ 3‬كامال‬

‫ويقول اآلخر‪ :‬أول الغيث‪ 3‬قطرة؛ فأصبحنا نرى من أبناء أمتنا من خترج وتعلم‪،‬‬
‫وإذا به منارة يف منطقته ويف قريته! وإذا الناس كلهم ‪-‬شيخ القبيلة أو شيخ القرية‬
‫واألمناء واإلمام والناس‪ 3-‬حيبونه بينما تراهم يكرهون ذلك الفاجر العاصي‪ 3‬الذي‬
‫يتبع اللهو واللعب‪ ،‬ويرتكب ماحرم اهلل‪.‬‬
‫لكن حيتاج اخلري منا إىل دعم‪ ،‬وإىل تشجيع‪ ،‬وتأييد‪ ،‬ومساندة‪ ،‬وأن نشرتك يف‬
‫اخلري‪ ،‬ونتسابق إليه‪ ،‬ونتنافس عليه‪ ،‬كل منا بقدر ما يستطيع‪ ،‬من مل جيد إال‬
‫الدعاء فليدع‪ ،‬فليحب الدين واخلري والصالح واإلميان والتقوى والفضيلة‪،‬‬
‫وحفظة كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬واآلمرين باملعروف والناهني عن املنكر‪ِ ،‬‬
‫َأحبَّهم‪،‬‬
‫ادعُ اهلل هلم؛ فهذا وحده خري عظيم‪.‬‬

‫وإن استطعت أكثر من ذلك فافعل‪ ،‬ملاذا؟ ألن املؤمن القوي‪ 3‬خري وأحب إىل اهلل‬
‫كل خري‪ ،‬ومقام الرجولة يقتضي منك أكرب من ذلك‪،‬‬ ‫من املؤمن الضعيف‪ ،‬ويف ٍ‬
‫لكن أقل شيء أن حتبهم‪ ،‬وأن تدعو هلم‪ ،‬وأن تعلم أبناءك‪ ،‬وأن تغبط من اآلباء‬
‫كل من كان ابنه حافظاً لكتاب اهلل ومقيماً حلدود اهلل‪ ..‬نسأل اهلل أن يوفقنا‬
‫مجيعاً ملا حيب ويرضى إنه جواد كرمي‪ ،‬وصلى اهلل على حممد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

You might also like