You are on page 1of 5

‫إشكالية التنمية و الحكم الراشد في الجزائر‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر موضوع التنمية من بين أهم المواضيع التي تلقى اهتمام الباحثين في الميادين السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬لذلك اعتبرته المنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة األمم المتحدة في‬
‫عام ‪ 1986‬حقا مكرسا لدى الشعوب كغيره من الحقوق األخرى‪ ،‬ومنه تسعى الكثير من الدول‬
‫النامية اللحاق بالدول المتطورة والتي بلغت قياسات كبيرة من التقدم‪ .‬فبعد أن كان الحديث عن‬
‫التنمية االقتصادية الشاملة أصبح الكالم اآلن عن التنمية البشرية ومقاييسها ثم التنمية اإلدارية‬
‫وأبعادها‪ ،‬ولم يتوقف األمر إلى هذا الحد بل أن التنمية أصبح لها عالقة بالحكم الراشد أو‬
‫الحوكمة‪.‬‬
‫وبالتالي في رأي هذا االتجاه ال تستقيم تنمية حقيقية شاملة ومتوازنة في دولة من الدول بدون‬
‫تحقيق األسس والمبادئ التي يرتكز عليها الحكم الراشد‪ .‬و الجزائر في هذا الشأن تسير نحو‬
‫استكمال مشاريع التنمية بكل أبعادها االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪ .‬وإذا سلمنا بهذا الطرح‬
‫وجب طرح سؤال مركزي ورئيسي في هذا اإلطار‪:‬‬
‫‪ -‬إلى أي مدى ساهمت المشاريع التنموية التي أطلقتها السلطات في بعث التنمية والوصول إلى‬
‫حكم راشد ؟ ويندرج ضمن هذا السؤال أسئلة فرعية منها ‪:‬‬
‫‪ -‬هل أن آليات وأسس الحكم الراشد محققة في الجزائر؟‬
‫‪ -‬ما هو الواقع المعيشي لدى غالبية أفراد المجتمع بعد االنطالق في المشاريع التنموية ؟‬
‫ولذلك سيكون هذا الملتقى فرصة لإلجابة عن هذه األسئلة وغيرها‪.‬‬

‫‪ -1‬مفهوم الحكم الراشد‪:‬‬


‫يعتبر مصطلح الحكم الراشد في األدبيات السابقة مفهوما حديثا إذا ما قورن ببعض‬
‫المصطلحات‪ .‬فنجده في اللغة الفرنسية مرادف لمصطلح الحوكمة‪ ،‬فبدايات هذا المفهوم جاءت‬
‫إبان القرن الثالث عشر وانتشر كمفهوم قانوني عام ‪ 1978‬م ليستعمل بعد ذلك على نطاق‬
‫واسع معبرا عن تكاليف التسيير ‪.‬‬
‫وفي بداية الثمانينات استخدم من طرف المنظمات المالية الدولية وخاصة من قبل البنك الدولي‪،‬‬
‫إال أن األستاذين "جيمس مارش" و "جوهان أولسن" استخدما هذا المصطلح في ميدان العلوم‬
‫السياسية وهذا عندما نشرا كتابا يحمل عنوان‪" :‬إعادة اكتشاف الهيئات" الذي نشر عام ‪1989‬‬
‫في الو‪.‬م‪.‬أ وتساءال من خالله الباحثان عن كيفية تحديث المنظمات وتكييف اإلستراتيجية الجديدة‬
‫طبقا لتوازن القوى الحاصل في تلك الفترة وربط ذلك كله برشادة الحكم‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا المفهوم دور كبير خاصة في التصنيفات الممنوحة لكافة الدول في‬
‫تحقيقها آلليات الحكم الراشد ومن ثم أصبح له معايير تقيم على أساسها الدول وخاصة لدى‬
‫صندوق النقد الدولي الذي يركز عليه كثيرا حتى في ربط مساعداته للدول النامية بتحقيق شروط‬
‫الحكم الراشد‪.‬‬
‫فيقصد بالحاكمية أو الحوكمة إذن أسلوب وطريقة الحكم الجيدة‪ ،‬كما يعني أيضا التسيير الجيد‬
‫لشؤون منظمة ما قد تكون دولة أو هيئة وطنية أو عالمية‪ ،‬ليكون الهدف من وراء ذلك تحقيق‬
‫الفعالية والنجاعة‪.‬‬
‫وقد عرٌف البنك العالمي سنة ‪ 1992‬الحكم الراشد بأنه‪ :‬الطريقة المثلى التي يمارس بها السلطة‬
‫ألجل تسيير الموارد االقتصادية واالجتماعية لدولة من الدول‪ .‬ومنه يمكن القول أن الحكم‬
‫الراشد طبقا لهذه الهيئة ربطت مفهوم الحكم الراشد بعناصر أخرى محققة لنجاحه ومنها‪:‬‬
‫االستقرار السياسي للدولة وحماية وترقية حقوق اإلنسان وتكريس سيادة القانون‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ما هي العالقة بين مفهوم الحكم الراشد والتنمية؟ إن اإلجابة على هذا السؤال‬
‫يقودنا إلى سؤال آخر وهو ما مدى توفير آليات الحكم الراشد في دولة من الدول لكي يمكن‬
‫الحكم لها أوعليها في توفير تنمية مستديمة‪ ،‬لذلك فمن منظورنا أن الحكم الراشد يسير جنبا إلى‬
‫جنب مع مفهوم التنمية والتي تعني باألساس توسيع خيارات الناس نحو تحقيق مطامحهم‬
‫ومداركهم ولذلك ال تستقيم تنمية شاملة ومستديمة بدون توفير األسس والمبادئ التي يرتكز‬
‫عليها مفهوم الحكم الراشد‪.‬‬

‫‪-2‬آليات الحكم الراشد‪:‬‬


‫لقد أسست المنظمات العالمية النشطة في مجال تقييم الدول على أساس قوتها من ضعفها‪ ،‬ومن‬
‫بين أهم اآلليات التي تعتمدها في هذا الشأن ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬المشاركة‪ :‬وتعني حق الرجل والمرأة معا في إبداء الرأي في المجالس المنتخبة محليا‬
‫ووطنيا‪ ،‬ويتطلب عنصر المشاركة توفر حرية تشكيل الجمعيات واألحزاب والحريات العامة‬
‫واالنتخاب‪ ،‬والهدف من كل هذا هو السماح للمواطنين بالتعبير عن أرائهم واهتماماتهم لترسيخ‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫‪ )2‬حكم القانون‪ :‬ويعني سيادة القانون كأداة لتوجيه سلوك األفراد نحو الحياة السياسية بهدف‬
‫منع تعارض مهام المسؤولين فيما بينهم وبين المواطنين من جهة أخرى ووضوح القوانين‬
‫وانسجامها في التطبيق‪.‬‬
‫وأكثر من ذلك فهو يعني استقالل الهيئة القضائية عن الهيئتين التنفيذية والتشريعية‪ ،‬ومن جراء‬
‫ذلك عند تحقيق هذه اآللية تؤمن هذه القواعد وبالتالي يرتقي درجة المواطنة إلى مفهوم المساواة‬
‫بين المواطنين‪.‬‬
‫‪ )3‬الشفافية‪ :‬وتعني فسح المجال أما المواطنين بالتعرف على المعلومات الضرورية التي تهم‬
‫شؤون حياته‪ ،‬مثل حق المواطن في اإلعالم ومشاركة المواطنين ومساهمتهم في رقابة المجالس‬
‫الشعبية والوطنية والمحلية في اإلطالع على محاضر الجلسات التي تعقد دوريا في مجالسهم‪،‬‬
‫والهدف من وراء ذلك هو العمل على مشاركة المواطنين في إبداء اآلراء على المهام‪.‬‬
‫‪ )4‬المحاسبة‪ :‬تتطلب المحاسبة أو المساءلة القدرة على محاسبة المسؤولين عن إداراتهم للموارد‬
‫العامة وعن المهام الموكلة إليهم وعن النتائج المتوصل إليها ضمن مسارهم الوظيفي وعن‬
‫المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقهم‪ ،‬والهدف من المساءلة هو محاسبة المسؤولين عن‬
‫األموال العمومية زيادة على حماية األموال العمومية من العبث الذي قد يطال هذه األموال‬
‫وبالتالي الحد من االنتهاكات التي قد تحدث من حين آلخر لبعض المسؤولين نتيجة تصرفهم‬
‫بطرق غير شرعية وهذا مصداقا لمقولة‪ :‬من أين لك هــذا؟‬

‫‪ -3‬واقع التنمية والحكم الراشد في الجزائر‪:‬‬


‫في حقيقة األمر يكاد يجمع المهتمون بالشأن الجزائري أن اآلليات واألسس التي يرتكز عليها‬
‫الحكم الراشد ليست محققة إلى حد بعيد في الجزائر‪ ،‬فهذه اآلليات عندما نريد إسقاطها في‬
‫الجزائر وخاصة ما يتعلق منها بالمشاركة السياسية فهي مفتوحة للجميع على األقل فيما هو‬
‫مكرس في الدستور وهو الحق في إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي‪.‬‬
‫أما من ناحية حكم القانون فال يمكن الجزم بأن هذه اآللية مطبقة بحذافيرها حيث مازالت‬
‫العالقات القربية والعشائرية تسود مختلف أشكال التوظيف هذا من جهة وكذلك التالعب‬
‫بالصفقات العمومية السيما في منح المشاريع ذات الطابع االقتصادي للشركات العمومية‬
‫والخاصة من جهة أخرى‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بمفهوم الشفافية التي هي نتيجة منطقية ألساس حكم القانون‪ ،‬فبالرغم من وجود‬
‫مراكز متخصصة في إصدار ونشر بيانات حول ما تتوفر عليه الجزائر وفي حق المواطن في‬
‫اإلطالع على المعلومات‪ ،‬فمازالت الجزائر بعد لم تصل إلى هذا المستوى‪.‬‬
‫لكن هذا ال يمنعنا من ذكر بعض المزايا اإليجابية التي حققتها الجزائر للوصول إلى مفهوم‬
‫الحكم الراشد خاصة فيما يتعلق من الناحية االقتصادية أين تتوفر البالد على وفورات مالية‬
‫كبيرة السيما احتياطي الصرف الذي بلغ نهاية جوان ‪ 2008‬ما قيمته ‪ 133‬مليار دوالر‬
‫وصندوق ضبط اإليرادات الذي قارب ‪ 4000‬مليار دينار‪ ،‬باإلضافة إلى المخطط الخماسي‬
‫لدعم النمو االقتصادي والذي صرف منه لحد اآلن ‪ 150‬مليار دوالر حسب آخر اإلحصائيات‪.‬‬
‫كما يمكن تسجيل بعض المشاريع الواعدة في تنمية المناطق المعزولة منها على الخصوص‬
‫مشروع الطريق السيار شرق – غرب وصندوق تنمية مناطق الهضاب العليا وصندوق‬
‫الجنوب‪.‬‬
‫ومن الناحية السياسية يرى بعض الباحثين في هذا الشأن أن الجزائر فتحت ورشات كبيرة على‬
‫المجتمع منها ‪ :‬إصالح هياكل الدولة وإصالح العدالة وإصالح التربية والتعليم وهذا كله لتمكين‬
‫أفراد المجتمع من المشاركة طواعية في تنمية البالد وبالتالي عندما نقوم بتحليل بعض هذه‬
‫اإلنجازات التي قامت بها السلطات العمومية يمكن القول أن توفير الجوانب السياسية‬
‫واإلجتماعية واالقتصادية في إطالق هذه المشاريع كفيل بتحقيق متطلبات الحكم الراشد‪.‬‬
‫والجزائر في هذا الشأن خطت خطوات كبيرة نحو األحسن فيما يخص توسيع المشاركة‬
‫السياسية واحترام اإلرادة الشعبية وترقية حقوق اإلنسان وإيجاد نوع من اإلنسجام داخل الهيئات‬
‫المنتخبة‪ ،‬لكن ما يعاب في كل هذا هو غياب وتغييب مبادئ الشفافية والتسيير العقالني للموارد‬
‫والتي ما زالت تشكل نقاطا سوداء كلما أردنا الحديث عن توجيه جهود التنمية في الجزائر‪ ،‬كيف‬
‫ال والفساد والتبذير والرشوة أو غيرها أصبحت بمثابة قواعد عامة تسير عليها معظم هيئاتنا‬
‫المحلية والوطنية‪.‬‬
‫فبالرغم من إصدار قانون يترجم نصوص اإلتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في ‪ 2006‬والذي‬
‫قامت الجزائر بوضع جملة من التدابير الرامية لمواجهته‪ ،‬كما قامت أيضا بإصدار مراسيم‬
‫تطبيقية تحدد تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وكذا كيفية سير هذه الهيئة‪.‬‬
‫كما تتمتع هذه الهيئة بالشخصية المعنوية واستقاللية الذمة المالية وتقدم تقارير سنوية عن‬
‫الظاهرة المستفحلة في الجزائر إلى رئيس الجمهورية‪.‬‬
‫زيادة على كل هذا قامت الجزائر بإصدار عدة مراسيم رئاسية لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها‬
‫وعلى سبيل المثال ال الحصر قانون مكافحة غسيل األموال والذي صدر في ‪05/04/2005‬‬
‫والذي جاء بعد المخلفات الكارثية التي أحدثها بنك الخليفة بعمليات اختالس وفساد مالي كبير‪.‬‬
‫وبالنظر إلى هذه اإلجراءات التي قامت بها السلطات العمومية نالحظ أنها غير فعالة وتنتظر‬
‫وجود آليات فعلية للحد منها حيث الزالت الظاهرة مستشرية في معظم مؤسساتنا االقتصادية‬
‫وهيئاتنا اإلدارية العامة بل أصبحت هذه الظاهرة لصيقة أكثر بهذه المؤسسات‪ ،‬وما التقارير‬
‫السنوية التي تصدرها الهيئات الدولية في هذا الشأن كفيلة باستقراء الواقع الجزائري والتي‬
‫تصنف الجزائر في مراتب أخيرة‪ ،‬فاخر تقرير صدر عن المنظمة الشفافية الدولية في هذا العام‬
‫منحت الجزائر الرتبة ‪ 192‬من مجموع دول العالم وبنقطة ‪ 2,5‬من ‪.10‬‬
‫ونتيجة لذلك تم إنشاء الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد والتي هي فرع من منظمة الشفافية‬
‫الدولية والتي تقوم ببذل جهود معتبرة في مجال مكافحة الفساد والتشهير به‪ ،‬والتي أعدت تقارير‬
‫عن الظاهرة مؤكدة على خطورة الوضع في الجزائر وهذا جراء االنتشار الواسع لكافة أشكال‬
‫الفساد ‪.‬‬

‫‪ -4‬تصور حكم راشد وتنمية حقيقية في الجزائر‪:‬‬


‫‪ )1‬النهوض بالعامل البشري‪:‬‬
‫إن االستثمار في المورد البشري أصبح ضرورة ملحة لكافة الهيئات والمنظمات العالمية‬
‫وبالتالي أصبح ينظر إليه كقيمة مضافة وتحقيق ناتج وطني وليس تكلفة اجتماعية ملقاة على‬
‫المنظمة اإلدارية‪ ،‬وتطور هذا المفهوم من إدارة األفراد إلى الموارد البشرية إلى مفهوم آخر أال‬
‫وهو تنمية المورد البشري‪ .‬فلم يعد يقتصر مما سبق على التعليم والتدريب بل امتد إلى مفاهيم‬
‫أخرى مثل ‪ :‬تطوير أنماط التفكير والسلوك ونوعية التعليم ومشاركة المجموع في اتخاذ‬
‫القرارات والعالقات االجتماعية وطرق وأساليب العمل ومن ثم تعبئة األفراد والعاملين نحو‬
‫توسيع مجاالت تفكيرهم وزيادة قدراتهم على التحكم فيها‪.‬‬
‫وبخصوص الجزائر ال يمكن بأي حال من األحوال التكلم عن المفهوم الجديد للموارد البشرية ما‬
‫دامت مؤسساتنا لم تلتحق بعد بالتقدم الحاصل في الدول المتطورة أين نجد كل الوسائل المتاحة‬
‫لدى الفرد العامل والتعبير عنها بكل حرية وأين نجد التكفل التام بهذا العامل المحقق لإلنتاجية‪.‬‬
‫كما ينظر إليه على أنه القاطرة األساسية لجميع اإلصالحات‪ ،‬بالمقارنة مع ذلك ما يمكن قوله في‬
‫الجزائر فلكي نكون موضوعيين بعض الشيء فبالرغم من إصرار السلطات العمومية على‬
‫التكفل بهذا العنصر وتوفير الوسائل المادية والمالية من أجله لكن لم نالحظ أثر ذلك على تنميته‬
‫نفسيا واجتماعيا واقتصاديا بتحقيق درجة اإلشباع والدليل على ذلك اإلحصائيات السنوية المقدمة‬
‫من هنا وهناك حول حالة اإلحتقان التي يعيشها المئات من إطارات الدولة وحول الميزانية‬
‫المقدمة للبحث العلمي التي لم تتجاوز ‪ %1‬في أحسن األحوال‪.‬‬
‫فمجال اإلهتمام ينصب إذن على جانب اإلنفاق االستثماري في مجال الموارد البشرية‪ ،‬فيكاد‬
‫يجمع الباحثين في هذا المجال على أهم مجاالت اإلستثمار في هذا المورد تكمن في التعليم‬
‫والتكوين والتدريب باعتبار هذه العناصر مجتمعة تحقق فوائد ونتائج على المديين المتوسط‬
‫والبعيد للفرد والمؤسسة‪.‬‬
‫وبذلك لزم اإلهتمام بهذا المورد أكثر وأكثر للحاق بالدول المتطورة ومن ثم تحقيق تنمية حقيقية‬
‫للبالد‪.‬‬

‫‪ )2‬تقريب المواطن باإلدارة‪:‬‬


‫إن اإلتصال وقرب المواطن من اإلدارة هو السبيل الوحيد لبناء أسس الحكم الراشد فللقضاء‬
‫على المشاكل اإلجتماعية التي يتخبط فيها المواطن في انعدام المرافق العمومية وعدم نجاعتها‬
‫يكمن في إيضاح عالقات التعاون واإلتصال بين المواطن واإلدارة‪ ،‬ومنه ال يمكن تصور إدارة‬
‫بدون عالقات اتصال وقرب مهما كان مستوى تلك اإلدارة‪ ،‬لذلك فالهدف األساسي الذي وجد‬
‫من أجله الجهاز اإلداري عموما هو تلبية رغبات الجمهور وتأمين أفضل الخدمات له‪ ،‬ولما كان‬
‫ذلك المبتغى فإنه من حق المواطن أن يراقب ويطلع على أداء الجهاز اإلداري محليا ووطنيا‬
‫وذلك بإدالء رأيه بواسطة المجالس الشعبية المحلية والوطنية التي انتخب فيها‪ ،‬فلذلك ينبغي فتح‬
‫فضاءات للتفكير والتصور والتقييم والمراقبة لكل ما يتعلق بالعالقات الداخلية بين المواطنين‬
‫وذلك قصد تكريس مبدأ الشفافية في التعامالت وهذا لتجاوز األساليب الكالسيكية في التسيير‬
‫وتقديم خدمات ترضي قاصدي تلك المكاتب قصد تطوير إدارة رشيدة يكون المواطن المساهم‬
‫الحقيقي فيها‪.‬‬
‫كما يمكن تقريب اإلدارة من المواطن كذلك من خالل العمل على ترقية ثقافة تسيير جيدة‬
‫تحكمها معايير وأنظمة ومبادئ وقيم جديدة منها المردودية واإلنتاجية والقدرة التنافسية والكفاءة‬
‫واإلحترافية من جهة‪ ،‬وبناء قواعد واضحة إلشراك مختلف الفواعل في رسم السياسات‬
‫وصياغتها من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ )3‬ترسيخ روح الديمقراطية والمشاركة السياسية‪:‬‬


‫و هذا من خالل إسهام األحزاب السياسية في بلورة النقاشات التي تدور داخل المجموعة الوطنية‬
‫وهذا باحترام الرأي ومراعاة المصلحة العامة‪ ،‬وال يمكن بلوغ ذلك إال من خالل إضفاء الرقابة‬
‫الشعبية التي تتوالها المجالس المنتخبة بشكل حر ونزيه وهذا بتحقيق مكاسب المواطنين‪.‬‬
‫‪ )4‬توفر مجتمع مدني فعال‪:‬‬
‫إذ أن حيوية المجتمع المدني تكمن في قدرته على تأطير المواطنين للعمل الطوعي والمشاركة‬
‫في التنمية الحقيقية للبالد‪ ،‬فما هو مطلوب من المجتمع المدني في الجزائر هو السماح لهذه‬
‫الجمعيات ودعمها بكافة الوسائل نحو هيكلة الفرد وهذا بهدف إشراك المواطن في العمل‬
‫المشترك في تنفيذ المشاريع مع األجهزة الرسمية في إطار صنع السياسات المحلية و إضفاء‬
‫الرقابة و المشاركة في تنفيذ المشاريع‪.‬‬

‫‪ )5‬وجود فواعل حقيقية تشترك فيها الصحافة الحرة والتنظيمات المهنية‪:‬‬


‫فالسلطات المنتخبة التي تتولى تنظيم وتسيير المجالس المحلية بطريقة شفافة تؤدي إلى تفعيل‬
‫العوامل المشتركة نحو مفهوم الحكم الراشد الذي يتطلب النزاهة في التسيير وحياد اإلدارة‬
‫وغرس روح المبادرة والشعور بالمسؤولية و التزام المسؤول بتقديم الحساب على المهام‬
‫الموكلة إليه‪.‬‬

‫‪ )6‬تطبيق مبدأ الشفافية في التعامل‪:‬‬


‫وهذا بإلزامية استقالل الهيئة القضائية عن الهيئتين التشريعية والتنفيذية وفتح نقاشات واسعة بين‬
‫مختلف الفاعلين حول ظاهرة الفساد المستفحلة في شتى الهيئات الرسمية للبالد‪ ،‬وقصد التخفيف‬
‫منها لزم تحسين أجور الموظفين العموميون وإقرار مبدأ العدالة في التوزيع لتنشيط برامج‬
‫التنمية‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫من خالل ما قلناه سابقا يمكننا الخروج ببعض النتائج منها‪:‬‬
‫‪ )1‬أن الحكم الراشد هو الدعامة األساسية لبلوغ التنمية الشاملة‪ ،‬كما أن تحقيق التنمية يستدعي‬
‫قيام أسس وآليات للحكم الراشد أو الحوكمة لذلك ربطته الكثير من المنظمات الدولية وخاصة‬
‫المانحة للمساعدات بتوفير شروط الديمقراطية وترقية حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ )2‬إن هناك آليات وأسس ضرورية تضبط مفهوم الحكم الراشد من بينها‪ :‬الشفافية وحكم القانون‬
‫والنزاهة والتسيير الجيد‪.‬‬
‫‪ )3‬يجمع أغلب المهتمين بالشأن الجزائري أن البالد لم تستكمل بعد آليات التنمية بالمفهوم‬
‫الحقيقي وهذا ال يعني بالمقابل أن قطار التنمية متوقف بل أن الجزائر فتحت ورشات للتنمية من‬
‫الناحية السياسية كإصالح قطاع العدالة وهياكل الدولة والتربية ومن الناحية االقتصادية تحقيق‬
‫مزيد من الوفرات المالية‪ ،‬إال أن الجانب األكبر يبقى يميز المشهد الجزائري هو اعتماده على‬
‫البترول كمصدر واحد ووحيد للثروة زيادة على اعتبار آخر هو انتشار الفساد وبكل أشكاله ما‬
‫ولد ضغوطات اجتماعية بسبب الفقر والبطالة والتهميش‪.‬‬
‫‪ )4‬يمكن أن يستقيم حكم راشد أو تنمية حقيقية من منظورنا في الجزائر انطالقا من النهوض‬
‫بالموارد البشرية وربطها بالمعرفة والتكنولوجيا ثم توسيع المشاركة السياسية وحرية التعبير‬
‫وكذلك فتح نوافذ على المجتمع المدني والحركات الجمعوية وتوصيل قنوات الحوار بين اإلدارة‬
‫والمواطن إضافة إلى تطوير القدرات اإلدارية وهذا كله لتوجيه هذه الفواعل لمتطلبات التنمية‬
‫المنشودة‪.‬‬

You might also like