Professional Documents
Culture Documents
غياب العقلانية
غياب العقلانية
ذلك العلم (= الطبيعيات) إال فى مسائل معينة أربع وهى" :األولى :حكمهم بأن هذا اإلقتران المشاهد فى الوجود بين
"1. "2األسباب والمسببات إقتران تالزم بالضرورة
إن التصور االشعري لإلرادة اإللهية كان يضعها في مقارنة مع إرادة اإلنسان ،فكل ما يعجز عنه اإلنسان يقدر عليه اهلل .وبما أن
اإلنسان ال يستطيع أن يمنع اإلحتراق عند مالقاة القطن للنار مثال ،فإن اهلل يقدر على ذلك بأن يجعل النار ال تحرق ،وبكيفية
عامة يقدر على أن يجعل األشياء وصفاتها على غير ما هى عليه بل ضد ما هى عليه ،وهو ما عرف عند المتكلمين
”.بمبدأ"الجواز
هكذا قال األشاعرة بالجواز ما يعني إنكار الطبائع – خصائص األشياء الثابتة – والقول بعدم اإلقتران الضروري بين السبب
.والمسبب
يقول الغزالي ":اإلقتران بين ما يعتقد في العادة سببا وبين ما يعتقد مسببا ليس ضروريا عندنا ....فليس من ضرورة
وجود أحدهما وجود األخر وال من ضرورة عدم أحدهما عدم األخر مثل الري والشرب واإلحتراق ولقاء
"النار.........فإنا نجوز اللقاء بينهما دون إحتراق
والقول بالجواز سيؤدي حتما إلى نفي العقل و إختالل الواقع وهو ما كان يدركه الغزالي ،يقول ":فإن قيل :
فهذا(=الجواز) يجر إلى إرتكاب محاالت شنيعة ......ومن وضع كتابا في بيته فليجوز أن يكون قد أنقلب عند
رجوعه إلى بيته غالما ......أو ترك الرماد فليجوز إنقالبه مسكا .....فإن اهلل تعالى خلق لنا علما بأن هذه
الممكنات لم يفعلها ولم ندع أن هذه األمور واجبة بل هي ممكنة يجوز أن تقع ويجوز أال تقع و إستمرار العادة بها ،
" 3مرة بعد أخرى ،يرسخ في أذهاننا جريانها على وفق العادة الماضية ترسيخا ال تنفك عنه
فالجواز هو األساس و اإلطراد الذي نشاهده في الحوادث الطبيعية هو مجرد "عادة"!!!و قطعا ال مكان في هذه
المنظومة للعلوم النظرية ،يقول الغزالي":ولعلك تقول أن العلوم وراء هذه(=العلوم الدينية) كثيرة كعلم الطب
والنجوم وهيئة بدن األنسان وتشريح اعضائه ....وغير ذلك ،فأعلم أنا إنما أشرنا إلى العلوم الدينية التى البد من
وجود اصلها فى العالم حتى يتيسر سلوك طريق اهلل تعالى والسفر اليه ،اما هذه العلوم التى أشرت اليها فهى علوم،
".4ولكن ال يتوقف على معرفتها صالح المعاش والمعاد ولذلك لم نذكرهاً
كان هذا رأي "حجة اإلسالم" الغزالي في العلوم النظرية وهكذا كانت رؤية األشاعرة للعالم ،والصادم في تلك
الرؤية العبثية للعالم و ظواهر الطبيعة أنه قد تم تصديرها في قوالب فقهية وكأن العقيدة الصحيحة لإلسالم ال مكان
فيها لمعرفة سنن اهلل تعالى في كونه .وأن العلم ،بقوانينه و براهينه ،ال يستقيم مع اإليمان الصادق .ويصر الغدادي
1 .الغزالى ،المنقذ من الضالل والموصل إلى ذى العزة والجالل ص 105
2 البغدادي :السابق ص 309
3 الغزالي –تهافت الفالسفة-دار المعارف-ص239-246
الغزالي –جواهر القران ص 425
على تقديم ما فهمه" أهل السنة" من علوم نظرية في إطار ديني مجمع عليه ال سبيل لرده إال من أهل البدع و
"وأَ ْج ُ
معوا (=أهل السنة)على وقُوف االرض وسكونها وان حركتها انما تكون بِ َعا ِرض يعرض ل ََها الضالل ،يقولَ :
"5من َزلْ َزلَة
ثم يبين ابن رشد خطأ تصور األشعرية في إثبــات القــدرة واإلرادة األلهيــة عن طريــق "الجــواز" بــدال من اإلعــتراف
باألسباب الطبيعية ،يقول " :كـان يظهـر فى بـادئ الــرأى أن إســم اإلرادة إنمــا يطلــق على من يقــدر أن يفعـل الشـئ
وضده ،رأوا أنهم إن لم يضعوا أن الموجودات جائزة لم يقدروا أن يقولوا بوجود فاعل مريــد فقــالوا أن الموجــودات
كلها جائزة ليثبتوا من ذلك أن المبدأ الفاعل مريد ,كأنهم لم يروا الترتيب الذى فى األمــور الصــناعية ضــروريا ،وهــو
".6مع ذلك صادر عن فاعل مريد وهو الصانع
كما أن من ينكر السببية فهو يجحد اهلل تعالى يقول"فكما أنه من أنكر وجود المسببات مرتبة على األســباب في األمــور
الصناعية أو لم يدركها فهمه فليس عنده علم بالصناعة وال الصانع ,كذلك من جحد ترتيب المسببات على األســباب
" 7في هذا العالم فقد جحد الصانع الحكيم
ويؤكد ابن رشد أن ما دفع األشعرية إلى إنكــار الســببية هــو"الهــروب من القــول بفعــل القــوى الطبيعيــة"ويــرد عليهم
قـــائال"ولـــو علمـــوا أن الطبيعـــة مصـــنوعة,وأنـــه ال شـــئ أدل على الصـــانع من وجـــود موجـــود بهـــذه الصـــفة في
"8اإلحكام ،لعلموا أن القائل بنفي الطبيعة قد أسقط جزءا عظيما من موجودات األستدالل على وجود الصانع
إن أبن رشد يرى أنه بــدال من وضــع اإلرادة اإللهيــة المطلقــة كشــئ ينــاقض إرادة اإلنســان وقــوانين الطبيعــة،
الشئ الذى يثير مشكلة المسؤولية والجزاء ومشكلة أطراد قوانين الطبيعة ويدفع إلى طرحهــا طرحــا ال عقالنيــا
ال علميا ،ويفــرغ مفهــوم الحكمــة والعنايــةاإللهيتين من مضــمونها ،إن أبن رشــد يــرى أنــه بــدال من ذلــك ينبغى
اإلنطالق من النظام والترتيب اللذين فى العالم بوصفهما تجليات للحكمــة والعنايــة اإللهيــتين ودليال عليهمــا،
وبالتالى دليال على وجود اهلل ذاتــه .وفى هــذه الحالــة لن يكــون هنــاك أى تعــارض بين العقيـدة الدينيـة وبين
القول بالسببية والطبائع وأطراد قوانين الطبيعة والقول بإرادة اإلنسان وقدرتـه فى ظـل الشــروط الــتى يقتضــيها
.النظام والترتيب اللذين فى العالم بما فى ذلك بدن اإلنسان نفسه
أما اإلرادة اإللهية المطلقة فلن ينال منهـا شـيئا ألنهـا هى الـتى قضـت أن يكـون ذلـك كـذلك .فحريـة إرادة
اإلنسان وقدرته وأطراد قوانين الطبيعة ...ألخ ،كل ذلك مظاهر لسنة اهلل( :سنة اهلل التى قد خلت من قبــل
ولن تجــد لســنة اهلل تبــديال)" ،الفتح ."23 :وهكــذا نتحــرر من ذلــك التصــور الــذى يربــط بين الجــواز ،بين
الالعقل و"المحاالت الشنيعة" ،وبين العقيدة الدينية ،ويصبح القول بالتالى بإرتباط المسببات بأسبابها إرتباطا ضروريا
كان إصرار األشاعرة على القول باإلرادة اإللهيةالمطلقة رغبة منهم في مخالفة للمعتزلة الذين قــالوا بخلــق اإلنســان
ألفعاله ،أي بتحمله لتبعة أفعاله ،ردا للجبر األموي ،أنتج عقيدة األشعرية ،وفي محورها مبدأ الجــواز ،ومــا ينتج عن
.ذلك من رفع للسببية ونقض للعلوم ،كصورة جاهلة من صور التدين التي خذلت العقل اإلسالمي
أما القائلين بالمكاشفة والعرفان كمصادر للمعرفة باهلل وهم الصوفية والباطنيــة ،فقــد أنكــر ابن رشــد عليهم طــريقتهم،
وإن لم ينفها ،يقول"فطرقهم في النظر ليست طرق نظرية ,أعني مركبة من مقدمات وأقيســة,ولكن يزعمــون أن المعرفــة
باهلل وبغــيره من الموجــودات شــئ يلقى في النفس عنــد تجردهــا من العــوارض الشــهوانية ....إن هــذه الطــرق وإن
سلمنا وجودها فإنها ليست عامة للناس بما هم ناس ولو كــانت هــذه الطريقــة هي المقصــودة بالنــاس لبطلت طريقــة
"9النظر ولكان وجودها في اإلنسان عبثا .والقران كله إنما هو دعاء للنظر واإلعتبار
لنقـــرأ نصـــا يمكن أن يكـــون مـــدخال لفهم "شـــيخ اإلســـالم" في نقـــده "لعلـــوم األوائـــل" ،يقـــول " ان هـــذا
العلم(=الرياضيات) هو الذي تقوم عليه براهين صادقة لكن ال تكمل بذلك نفس وال تنجو به من عــذاب وال يحصــل
لها به سعادة ولهذا قال ابو حامد الغزالي وغيره في علوم هؤالء هي بين علوم صادقة ال منفعة فيها -ونعوذ باهلل من
علم ال ينفع -وبين ظنون كاذبه ال ثقــه بهــا وان بعض الظن اثم يشــيرون بــاالول الى العلــوم الرياضــية وبالثــاني الى مــا
"10يقولونه في االلهيات