You are on page 1of 5

‫تلخيص المحاضرة ‪: 1‬‬

‫التفسير في اللغة‪:‬‬
‫وأقول ‪ :‬من هذه النقول التي ذكرتها من كالم العلماء في الجانب اللغوي ‪ :‬يتجلى لنا ‪ :‬أن التفسير بمدلوليـه‬
‫اللغويين سواء أكان من الفسر ـ أو هو مقلوب السـفـر هـو ‪ :‬ا ‪ :‬الكشف والبيان والتوضيح ‪ ،‬ومنه قوله‬
‫تعالى ‪ ( :‬وال يأثونك يمثل إال جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) [ الفرقان ‪ . ] 33 :‬قال ابن عباس ‪ :‬معناه ‪:‬‬
‫أحسن تفصياًل ( ‪ . ) ۳‬كذلك يتجلى لنا ‪ :‬أن التفسير كما يستعمل لغة في الكشف الحسي ‪ ، .‬فإنه يستعمل أيضا‬
‫الكشف المعنوي المعقول ‪ ،‬وأن استعماله في المعنى الثاني أكثر من استعماله في المعنى‬
‫في األول ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫التفسير اصطالحا‪:‬‬
‫األمر الثاني تعريف التفسير االصطالحي‬
‫وأما التفسير في االصطالح ‪ :‬فإن الناظر في كالم الناس يرى لهـم اتجاهين في أمـر التفسير ‪ :‬أحدها ‪ :‬قضى‬
‫أصحابه بأن التفسير ليس له تعريف ؛ ألنه ليس من العلوم التي يبحث لها عن حد بسبب أنه ليس قواعد أو‬
‫ملكات ناشئة عن مزاولة القواعد كغيره من العلوم التي أمكن لها أن تشبه العلوم العقلية ‪ ،‬ويكتفي في إيضاح‬
‫التفسير بأنه ‪ :‬بيان كالم هللا ‪ ،‬أو أنه المبين أللفاظ القرآن ومفهوماتها فهو من قبيل العلم التصوري الذي ال‬
‫حكم‬
‫فيه على موضوع ‪ .‬أما ثاني هذين االتجاهين فإن صاحبه قاض بأن التفسير من قبيل المسائل الجزئية أو‬
‫القواعد الكلية ‪ ،‬أو الملكات الناشئة من مزاولة القواعد فيتكلف له التعريف ‪ ،‬فيذكر في ذلك علوما أخرى‬
‫يحتاج إليها في فهم القرآن ‪ ،‬كاللغة والصرف والنحو والقراءات ‪ ،‬وغير ذلك فهو من قبيل العلم التصديقي‬
‫المتضمن للحكم على موضوع ‪ .‬والمتتبع ألقوال أصحاب هذا االتجاه الذين قضوا للتفسير حنا‪ -‬يجدهم قد‬
‫عرفوا التفسير بتعريف عدة ؛ منها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما عرفه به اإلمام أبو حيان بأنه ‪ :‬عام يبحث في كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلوالتها وأحكامها اإلفرادية‬
‫والتركيبية ‪ ،‬ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫ثم أخذ ‪-‬طيب هللا ثراه‪ -‬في شرح التعريف وإخراج محترزاته فقال ‪ :‬فقولنا علم ‪ :‬هو جنس يشمل سائر العلوم‬
‫‪ .‬وقولنا ‪ :‬يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ‪ ،‬هذا هو علم القراءات ‪ .‬وقولنا ‪ :‬ومدلوالتها ‪ :‬أي‬
‫مدلوالت تلك األلفاظ ‪ ،‬وهذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العام ‪ .‬وقولنا ‪ :‬وأحكامها اإلفرادية‬
‫والتركيبية ‪ ،‬هذا يشمل علم التصريف وعلم اإلعراب ‪ ،‬وعلم البيان ‪ ،‬وعلم البديع ‪.‬‬
‫(‪)¹‬‬

‫وقولنا ‪ :‬ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب ‪ :‬يشمل ما داللته عليه بالحقيقة ‪ ،‬وما داللته عليه بالمجاز‬
‫فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ويصـد عـن الحمل على الظاهر صاد ‪ ،‬فيحتاج ألجل أن يحمل على غير‬
‫الظاهر وهو المجاز ‪.‬‬
‫وقولنا ‪ :‬وتتمات لذلك هو معرفة النسخ ‪ ،‬وسبب النزول ‪ ،‬وقصة توضح ما انبهم في القرآن ونحو ذلك أ‪.‬هـ (‬
‫‪.)1‬‬

‫وعرفه شيخ األشياخ الزرقاني بقوله ‪ :‬علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث داللته على مراد هللا تعالى‬
‫بقدر الطاقة البشرية ‪.‬‬
‫فقولنا ‪ " :‬عام " تقدم لك شرحه ‪ ،‬وقولنا ‪ " :‬يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم " قيد أول خرج به العلوم‬
‫الباحثة عن أحوال غير القرآن ‪.‬‬
‫وقولنا ‪ " :‬من حيث داللته على مراد هللا تعالى " قيد ثان خرج به البحث عن أحوال القرآن من غير هذه‬
‫الحيثية ككونه شادا على صحة قاعدة نحوية أو بالغية أو حكم فقهي أو أصل عقدي أو نحو ذلك ‪ ،‬وخرج به‬
‫كذلك البحث عن أحوال القرآن من حيث كونه لفظا منطوقا فقط أو خطا مرسوما فقط ( ‪ . ) ۲‬وقولنا ‪ :‬بقدر‬
‫الطاقة البشرية يراد منه ‪ :‬بيان أنه ال يقدح في العالم بالتفسير عدم العلم بمراد هللا تعالى من اآلية في الواقع‬
‫ونفس األمر في كثير من األحيان ( ‪. ) 1‬‬
‫فعد العلم بمعاني المتشابهات ال تقدح في العلم بالتفسير وإن ذهب البعض إلى خالف‬
‫ذلك ( ‪. ) ٢‬‬
‫وعدم العلم بمراد هللا تعالى من اآلية في الواقع ونفس األمر في كثير من األحيان ال يقدح كذلك في العلم‬
‫بالتفسير وهللا أعلم‬
‫معنى التأويل في اللغة‪:‬‬
‫األمر الثالث التأويل لغة‬
‫أما التأويل في اللغة ‪ :‬فإما أن يكون مأخوذا من األول بمعنى الرجوع ‪ ،‬تقول ‪ :‬آل يؤول ‪ ،‬أواًل إذا رجع فكأن‬
‫المؤول أرجع الكالم إلى ما يحتمله من المعاني ‪ .‬وإما أن يكون مأخوذا من اإليالة بمعنى السياس ‪ ،‬تقول ‪ :‬آل‬
‫األمير رعيته ‪ ،‬إذا أساسها وأحسن سياستها فكأن المؤول يسوس الكالم ويضعه في موضعه ‪ .‬المأخذ األول‬
‫يقول صاحب القاموس ‪ :‬آل إليه أوال ومآال‬
‫األمر الرابع التأويل في االصطالح ‪:‬‬
‫وقع اختالف المختلفين في تعريف التأويل اصطالحا فعند المتقدمين ( السلف ) التأويل له‬
‫معنيان ‪ :‬أحدها ‪ :‬تفسير الكالم وبيان معناه سواء أوافق ظاهره أو خالفه فيكون التأويل والتفسير على هذا‬
‫مترادفين ‪ ،‬وهذا هو ما عناه مجاهد من قوله ‪ ( :‬إن العالء يعلمـون تـأويله ) يعني القرآن وما يعنيه ابن‬
‫جرير الطبري بقوله في تفسيره ‪ :‬القول في تأويل قوله تعالى كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬وبقوله ‪ :‬اختلف أهل التأويل في هذه اآلية ونحو ذلك ‪ ،‬فإن مراده التفسير ‪ .‬ثانيها ‪ :‬هو نفس المراد‬
‫بالكالم فإن كان الكالم طلباكان تأويله نفس الفعل المطلوب ‪ ،‬وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به‬
‫‪ ،‬وبين هذا المعنى والذي قبله فـرق ظاهر ‪ ،‬فالذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكالم كالتفسير‬
‫والشرح واإليضاح ‪ ،‬ويكون وجـود التأويل في القلب واللسان ‪ ،‬وله الوجـود الذهني واللفظي والرسمي ‪،‬‬
‫وأمـا هـذا فالتأويل فيه نفس األمور الموجودة في الخارج سواء أكانت ماضية أم مستقبلة ‪ ،‬فإذا قيل ‪ :‬طلعت‬
‫الشمس فتأويل هذا هو نفس طلوعها ‪ ،‬وهذا في نظر شيح اإلسالم بن تيمية ‪-‬‬
‫رحمه هللا‪ -‬هو لغة القرآن التي نزل بها ‪ ،‬وعلى هذا فيمكن إرجاع كل ما جاء في القرآن من لفظ التأويل إلى‬
‫هذا المعنى الثاني ‪.‬‬
‫أما تعريف التأويل عند المتأخرين من الفقهاء وعلماء أصول الفقه ( ‪ ، ) ۱‬فإنه هو ‪ :‬صرف اللفظ عن المعنى‬
‫الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به ‪.‬‬
‫هذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في علم أصول الفقه ومسائل الخالف فإذا قال أحدهم ‪ :‬هذا الحديث أو هذا‬
‫النص مؤول أو هو محمول على كذا ‪ ،‬قال اآلخر ‪ :‬هذا نوع‬
‫تأويل ‪ ،‬والتأويل يحتاج إلى دليل ‪ ،‬وعلى هذا فالمتأول مطلوب بأمرين ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن يبين احتمال اللفظ للمعنى‬
‫الذي حمله عليه وادعى أنه المراد ‪ .‬ثانيها ‪ :‬أن يبين الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى‬
‫معناه المرجوح وإال كان تأويال فاسدا أو تالعبا بالنصوص ‪.‬‬

‫( ‪ ) 1‬أما التأويل في اصطالح المتكلمين ‪ :‬فإنهم يريدون من التأويل ما ذهب إليه الخلف ‪ .‬هللا رحمهم تعالى‪-‬‬
‫من صرف النصوص المتشابهة من القرآن أو السنة عن ظاهرها إلى معان تتفق وتنزيه هللا تعالى عن‬
‫المشابهة والمماثلة ‪ ،‬بخالف ما ذهب إليه السلف ‪ -‬رضوان هللا عليهم من التفويض واإلمساك عن تعيين‬
‫معنى خاص‬
‫الفرق بين التفسير والتأويل‪:‬‬
‫وأقول ‪ :‬لعل من يمعن النظر في عبارات العلماء التي نقلتها لك في الحديث عن الفرق بين التفسير والتأويل‬
‫والنسبة بينها يستطيع أن يستخرج الفروق بينها وال يصعب عليه ذلك إن شاء هللا تعالى ويمكننا أن نجملها‬
‫للقارئ الكريم في النقاط التالية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن التفسير شرح وإيضاح للكالم ويكون وجوده في الذهن بتعلقه وفي اللسان بالعبارة الدالة عليه ‪ ،‬أما‬
‫التأويل فهو نفس الموجود في الخارج كقوله ‪ « :‬ولما يأتهم تأويله ﴾ [ يونس ‪ ، ] 39 :‬أي ‪ :‬وقوع المخبر‬
‫به ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن التفسير ما وقع مبيئا في كتاب هللا أو معينا في صحيح السنة ؛ ألن معناه قـد ظهر ووضح والتأويل ما‬
‫استنبطه العلماء ‪ ،‬وهذا معنى قولهم ‪ :‬التفسير ما يتعلق بالرواية ‪ ،‬والتأويل ما يتعلق بالدراية ‪.‬‬
‫ت‪ -‬أن التفسير أكثر ما يستعمل في األلفاظ ومفرداتها والتأويل أكثر ما يستعمل في المعاني والجمل ‪.‬‬
‫ث‪ -‬أن التفسير هو بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة والتأويـل هـو بيان المعاني التي تستفاد بطريق‬
‫اإلشارة ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن التفسير هو القطع بأن مراد هللا تعالى كذا والتأويل هو ترجيح أ أحد المحتمالت بدون قطع ‪.‬‬
‫وعلى هذا الرأي األخير فالتفسير خاص باأللفاظ التي ال تحتمل إال وجها واحدا ‪ ،‬والتأويل توجيه لفظ متوجه‬
‫إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من األدلة واستنباط المعاني من أوجه الخطابات المختلفة ‪ ،‬فمرده‬
‫إلى االجتهاد الذي يعتمد على إجادة العلوم التي تعتبر أدوات للتفسير ‪ ،‬وهذا من غير شك عمـل المهـرة مـن‬
‫الراسخين في العام ال غيرهم ‪ ،‬ومع ذلك فالوصول إلى المعنى المراد ال يكون مقطوعا به ألن التأويل كما‬
‫تقدم‪ -‬إنما يكون في األلفاظ التي تحتمل عدة معان ‪ ،‬فاالحتماالت قائمة في جميع معانيها وإن ترجح بعضها‬
‫بالدليل ‪ ،‬والترجيح ال يلغي بقية االحتماالت لجواز وجود مرجح آخر خفي على البعض ومن ثم ندرك سر‬
‫اختالف العلماء في التأويل لما ظهر لكل منهم من دليل ‪ ،‬فيكون أقربهم إلى ‪ .‬الصواب هو أقواهم دلياًل‬
‫وأظهرهم حجة وأوضحهم برهانا حسب المرجحات المعتبرة واال لتساوى الراجح بالمرجوح وهو ما لم يقل به‬
‫عاقل ( ‪. ) ۱‬‬

‫فضل التفسير والحاجة إليه‬


‫ال شك أن نهضة األمم وتقدم حضارتها ال يمكن أن تكون سليمة البنيان متينـة األركان صحيحة عن تجربة وال‬
‫سهلة متيسرة وال رائعة مدهشة إال إذا قامت على منهاج قويم وتشريع حكيم تسترشد بتعاليمه وتتقيد بنظمه‬
‫وقوانينه وذلك أمر ال يتوفر وال يتحقق إال في دستور هللا الخالد وكتابه المحكم المتقن وشريعته البيئة‬
‫المفصلة " القرآن الكريم " وكتاب‬
‫أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) [ هود ‪ ] 1 :‬لقد احتوى على جميع مقومات‬
‫الحياة الطيبة الهنية المباركة وانتظمت قوانينه وهداياته وتشريعاته كل عناصر السعادة لبني البشر على ما‬
‫أحاط به علم منزله الحكيم الخبير ‪.‬‬
‫وبدهي أن العمل بهذه التعاليم ال يكون إال بعد فهم القرآن وتدبرهفالتفسير هو مفتاح هذه الكنوز والذخائر التي‬
‫احتواها هذا الكتاب المجيد النازل إلصالح البشر وإنقاذ الناس وإعزاز العالم ‪ ،‬وبدون التفسير ال يمكن‬
‫الوصول إلى هذه الكنـوز والذخائر ‪ ،‬مما بالغ الناس في ترديد ألفاظ القرآن ‪ ،‬وتوفروا على قراءته كل يـوم‬
‫ألف مرة بجميع وجوهه الت قال السيوطي في بيان فضل التفسير ‪ :‬قال األصبهاني ‪ :‬أشرف صناعة يتعاطاها‬
‫اإلنسان تفسير القرآن بيان ذلك ‪ :‬أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من‬
‫الدباغة ؛ ألن موضوع الصياغة الذهب والفضة وها أشرف من موضوع الدباغة ( ‪ ) ۱‬راجع ‪ :‬مناهل‬
‫العرفان ( ‪. ) 47٧/١‬‬
‫( ‪) ۲۸‬‬

‫الذي هو جلد الميتة ‪ ،‬وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب ‪ ،‬فإنها أشرف من صناعة الكناسة ؛ ألن غرض‬
‫الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح ‪ ،‬وإما لشدة الحاجة إليها كالفقه ‪ ،‬فإن الحاجة إليه أشـد‬
‫مـن الحاجة إلى الطب ؛ إذ ما من واقعـة مـن الكون في أحد من الخلق إال وهي مفتقرة إلى الفقه ؛ ألن به‬
‫انتظام صالح أحوال الدنيا والدين بخالف الطب ‪ ،‬فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض األوقات ‪ ،‬إذا عرف‬
‫ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثالث ‪.‬‬
‫أما من جهة الموضوع ؛ فألن موضوعه كالم هللا تعالى الذي هـو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة ‪ " ،‬فيه‬
‫نبأ ما قبلكم وخبر مـا بعـدكم وحكم ما بينكم ال يتخلق على كثرة الرد وال تنقضي عجائبه " ‪ ،‬وأما من جهة‬
‫الغرض ؛ فألن الغرض منه هو االعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي ال تفنى ‪ .‬وأما‬
‫من جهة شدة الحاجة ؛ فألن كل كال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى‬
‫العلوم الشرعية والمعارف الدينية وهي متوقفة على العلم بكتاب هللا تعالى‬
‫األمر السادس حاجة المفسر إلى التبحر في العلوم ‪ ،‬محذوف‪.‬‬
‫شروط المفسر‪:‬‬
‫األمر السابع‬
‫الشروط التي ال بد من‬
‫اعلم يرحمك هللا أنه ال بد لمن أراد التصدي لتفسير كتاب هللا تعالى من توفر عدة شروط فيه وال يصح بحال‬
‫من األحوال عن اختالل شروط منها فضاًل عن جميعها أن يتهجم على هذا األمر الخطير وال أن يقحم نفسه في‬
‫خوض لجة هذا البحر المتالطم األمواج ‪ ،‬هذه الشروط التي ال بد من توفرها لمن أراد التصدي لتفسير القرآن‬
‫الكريم تتمثل فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬صحة االعتقاد ولزوم سنة الدين والمنهج القويم ‪ :‬فإن من كان مغموضا عليه في‬
‫الدين ال يؤتمن على أمور الدنيا وترد شهادته ‪ ،‬فكيف يؤتمن على الديـن‪ -٢‬صحة المقصـد ‪ :‬فعلى المفسر أن‬
‫يكون صحيح المقصـد فـيها يقـول ليلقى مـن ربـه التسديد والعون والهداية كما قال سبحانه ‪ ( :‬والذين‬
‫جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) [ العنكبوت ‪. ] 69 :‬‬
‫وإنما يحسن قصد المفسر إذا كان متحليا بالزهد والورع عن الدنيا وزخرفها أما وأنه إذا كان راغبا فيها من‬
‫أجل مالي يكسبه أو منصب يحصله فإنه لم يؤمن أن يتوسل بتفسيره‬
‫إلى غرض يصده عن صواب قصده ‪ ،‬ويفسد عليه صحة ما عمل ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يطلب تفسير القرآن من القرآن نفسه ‪ ،‬فما أجمل منه في مكان فسر في آخر ‪ ،‬وما اختصر في مكان‬
‫بسط في مكان آخر ‪ ،‬وليس أعلم بمراد هللا تعالى من هللا تعالى وسيأتيك بيان ذلك في حينه إن شاء هللا‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يطلب تفسير القرآن من السنة المطهرة ‪ ،‬فإن السنة شارحة للكتاب وبيان وتوضيح له ‪ ،‬فهي‬
‫مخصصة لعامه ومقيدة لمطلقه ومبينة لمجمله وموضحة لمشكله وقد‬
‫( ‪) ۳۷‬‬
‫̈ܪܥܩܐ‬
‫المفسر‬

‫قال هللا تعالى في حق نبيه ‪ ( :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ﴾ [ النحل ‪] 44 :‬‬
‫‪.‬‬
‫وقد قال ﷺﷺ « أال إني أوتيت الكتاب ومثله معه " يعني السنة المطهرة ‪.‬‬
‫وقال الشافعي رحمه هللا‪ : -‬كل ما حكم به رسول ہللا ﷺ فهو في فهمه من القرآن قـال تعالى ‪ « :‬إنا أنزلنا‬
‫إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أزاك هللا ﴾ [ النساء ‪ ، ] 105 :‬غير أنه يجب في األخذ من السنة أن‬
‫يتجنب الضعيف والموضوع وأن يكون منها على حذر شديد ‪ ،‬فما شاعت الخرافات وانتشرت الخزعبالت إال‬
‫من دخول اإلسرائيليات والموضوعات في التفسير لهذا قال اإلمام أحمد ‪ :‬ثالث كتب ال أصل لها ‪ :‬المغازي‬
‫والمالحم والتفسير ‪.‬‬
‫قال المحققون من أصحابه ‪ :‬مراده أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة وإال فقد صح من ذلك كثير (‬
‫‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬أن يطلب التفسير من أقوال الصحابة ‪ ،‬فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن واألحوال ‪ .‬عند نزوله ‪،‬‬
‫ولما اختصـوا بـه مـن الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح وقد قال الحاكم ‪ :‬إن تفسير الصحابي الذي‬
‫شهد الوحي والتنزيل له حكم‬
‫المرفوع ( ‪. ) ۲‬‬
‫قال المحققون وصرح به الحاكم نفسه أيضا ‪ :‬إن ذلك مخصوص بما فيه سبب نزول أو نحوه مما ال مدخل‬
‫للرأي فيه فإنه يكون ‪-‬والحالة هذه‪ -‬في حكم المرفوع واال فهـو من قبيل الرأي ‪.‬‬
‫وما قاله المحققون هو الصواب ‪ ،‬ويضاف إلى ذلك ‪ :‬أال يكون الصحابي قد اشتهر باألخذ عن أهل الكتاب‬
‫أيضا ‪ ،‬وأال يعارضه صحابي آخر ولم يمكن الجمع بينها فإن ما ورد من ذلك فهو من قبيل الرأي وليس من‬
‫قبيل الرواية ‪ ،‬ونحن مخيرون حينئذ‪ -‬في األخذ به وعدم األخذ بشيء من ذلك ‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يطلب التفسير من أقوال أئمة التابعين المعروفين بالعلم المشهورين باألخذ عن الصحابة المحرزين عن‬
‫األخذ من أهل الكتاب ‪ ،‬فإن اختلف الوارد عنهم ولم يمكن الجمع فال عبرة بالوارد عنهم كما أنه ال بد من '‬
‫صحة النقل عنهم كما تقدم ‪.‬‬
‫وقد أكثر المفسرون من نقل أقوال التابعين وربما حكوا عنهم عبارات مختلفة فيظن من ال فهم له أن ذلك‬
‫تناقض ‪ ،‬وليس كذلك بل ربما ذكر بعضهم معنى من اآلية لكونه أظهر عنده أو أليق بحال السائل أو اخبر عن‬
‫الشيء بالزمه أو نظيره أو بمقصوده وثمرته ‪ ،‬والكل يؤول إلى معنى واحد غالبا ( ‪. ) ۱‬‬
‫‪ -7‬أن يكون المفسر محصال لجملة من العلوم ‪.‬‬

‫العلوم التي يحتاج إليها المفسر‪:‬‬


‫نقول ليس اإلعراب فحسب ‪ ،‬بل هي جملة علوم حكاها السيوطي عن بعض المحققين شرطا للمفسر وبلغ بها‬
‫خمسة عشر علقا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحدها ‪ :‬اللغة ‪ ،‬ألن بها يعرف شرح مفردات األلفاظ ومدلوالتها بحسب الوضع قال‬
‫مجاهد ‪ :‬ال يحل ألحد يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يتكلم في كتاب هللا إذا لم يكن عالما بلغات العرب‬
‫الثاني ‪ :‬النحو ؛ ألن المعنى يتغير ويختلف باختالف اإلعراب فال بد من اعتباره ‪ .‬أخرج أبو ‪ ،‬عبيد عن‬
‫الحسن أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بها قراءته فقال حسن فتعلمها فإن‬
‫الرجل يقرأ اآلية فيعيي بوجهها فيهلك فيها ‪ .‬الثالث ‪ :‬التصريف ؛ ألن به تعرف األبنية والصيغ ‪ ،‬قال ابن‬
‫فارس ‪ :‬ومن فاته علمه فاته المعظم ألن " وجد " مثال كلمة مبهمة فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها وقال‬
‫الزمخشري ‪ :‬من" مثال كلمة مبهمة فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها وقال الزمخشري ‪ :‬من بدع التفاسير‬
‫قول من قال ‪ :‬إن اإلمام في قوله تعالى ‪ « :‬يوم ندعو كل أناس بإمامهم » [ اإلسراء ‪ ، ] 71 :‬جمع " أم " ‪،‬‬
‫وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا غلط أوجبه جمله بالتصريف فإن " أما " ال‬
‫تجمع على " إمام " ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬االشتقاق ؛ ألن االسم إذا كان اشتقاقه مـن مـادتين مختلفتين اختلف المعنى باختالفها كالمسيح هل‬
‫هو من السياحة أو المسح !‬
‫الخامس والسادس والسابع ‪ :‬المعاني والبيان والبديع ؛ ألنه يعرف باألول خواص تراكيب الكالم ‪ ،‬من جمـة‬
‫إفادتها المعنى وبالثاني خواصها من حيث اختالفها بحسب وضـوح الداللة وخفائها ‪ ،‬وبالثالث وجوه تحسين‬
‫الكالم وهذه العلوم الثالثة هي علوم البالغة وهي من أعظم أركان المفسر ؛ ألنه ال بد له من مراعاة ما‬
‫يقتضيه اإلعجاز وإنما يدرك بهذه‬
‫العلوم ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬علم القراءات ؛ ألن به يعرف كيفية النطق بالقرآن وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على‬
‫بعض ‪ .‬التاسع ‪ :‬أصول الدين بما في القرآن من اآليات ‪ ،‬الدالة بظاهرها على ما ال يجوز على هللا‬
‫تعالى فاألصولي يؤول ذلك ويستدل على ما يستحيل وما يجب وما يجوز ‪ .‬العاشر ‪ :‬أصول الفقه ‪ ،‬إذ به‬
‫يعرف وجه االستدالل على األحكام واالستنباط ‪ .‬الحادي عشر ‪ :‬أسباب النزول والقصص ‪ ،‬إذ بسبب النزول‬
‫يعرف معنى اآلية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه ‪.‬‬
‫( ‪ ) ۱‬راجع في ذلك أيضا بحث الثاني عشر ‪ :‬الناسخ والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره ‪ .‬الثالث عشر ‪: :‬‬
‫الفقه ‪ .‬الرابع عشر ‪ :‬األحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم ‪ .‬الخامس عشر ‪ :‬علم الموهبة ‪ ،‬وهو علم‬
‫يورثه هللا تعالى لمن عمل بما علم واليـه اإلشارة بحديث ‪ « :‬من عمل بما علم ورثه هللا علم ما لم يعلم » ‪.‬‬
‫قد يقال ‪ :‬علم الموهبة ليس في قدرة اإلنسان فكيف يمكن تحصيله ؟ الجواب ‪ ،‬أن تحصيله في األخذ بأسبابه‬
‫من التقوى ‪ ،‬والعمل والذهد ‪ ،‬فقد قال هللا تعالى ‪ :‬واتقوا هللا ويعلمكم هللا وهللا بكل شيء عليم ﴾ [ البقرة ‪۲۸ :‬‬
‫‪]٢‬‬
‫السادس عشر ‪ :‬علم أحوال البشر ‪ ،‬فقد أنزل هللا هذا الكتاب وجعله آخر الكتب ‪ ،‬وبين فيه ما لم يبينه في‬
‫غيره ‪.‬‬
‫بين فيه كثيرا من أحوال الخلق وطبائعهم ‪ ،‬والسنن اإللهية في البشر ‪ ،‬وقص علينا أحسـن القصص عن األمم‬
‫وسيرها الموافقة لسنته فيها ‪ .‬فال بد للناظر في هذا الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم‬
‫وأدوارهم ‪ ،‬ومناشئ اختالف أحوالهم ‪ ،‬من قوة وضعف ‪ ،‬وعز وذل ‪ ،‬وعلم وجمل ‪ ،‬وإيمان وكفر ‪ ،‬ومن‬
‫العلم بأحوال العالم الكبير علويه وسفليه ‪ ،‬ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة من أهمها التاريخ بأنواعه ‪ .‬قال‬
‫األستاذ اإلمام ‪ :‬أنا ال أعقل كيف يمكن ألحد أن يفسر قوله تعالى ‪ « :‬كان الناس أمه واحدة فبعث هللا النبتين‬
‫مبشرين ومنذرين ﴾ [ البقرة ‪] ۲۱۳ :‬‬
‫وهو ال يعرف أحوال البشر ‪ ،‬وكيف اتحدوا ‪ ،‬وكيف تفرقوا ؟ وما معنى تلك الواحدة التي كانوا عليها ؟ وهل‬
‫كانت نافعة أم ضارة ؟ وماذا كان من آثار بعثه النبيين فيهم ‪ .‬أجمل القرآن الكالم عن األمم ‪ ،‬وعن السنن‬
‫اإللهية ‪ ،‬وعن آياته في السماوات واألرض ‪ ،‬وفي اآلفاق واألنفس ‪ ،‬وهو إجـال صادر عمن أحاط بكل شيء‬
‫علما ‪ ،‬وأمرنا بالنظر والتفكر ‪ ،‬والسير في األرض لنفهم إجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمااًل ‪ ،‬ولو‬
‫اكتفينـا من علم الكون بنظرة في ظاهره ‪ ،‬لكنا كمن يعتبر الكتاب بلون السابع عشر ‪ :‬العالم بسيرة النبي ﷺ‬
‫وأصحابه ‪ ،‬وماكانوا عليه من علم وعمل وتصرف في الشئون دنيويها وأخرويه ( ‪. ) ۱‬‬
‫أما المعاني العامة التي يستشعر العامة منها عظمة الخالق ‪ ،‬والتي يفهمها اإلنسان عند إطالق اللفظ الكريم‬
‫فهي قدر مشترك بين عامة الناس متيسرة لكل واحد منهم وهو المأمور به للتدبر والتذكر ألن هللا سبحانه‬
‫وتعالى سهله ويسره ‪ ،‬فقال ‪ « :‬ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر [‬

You might also like