Professional Documents
Culture Documents
ملخص
زكرياء الهكار.
1
تتناول هذه الدراس*ة بالرص*د والتحلي*ل ك*ل من المنهج الت**اريخي عن*د ابن خل*دون
والمقريزي ،إذ تض**منت مقارن**ة بين اختالف المن**اهج التاريخي**ة لك**ل منهم**ا ،وك**ذاك
اختالف المصادر التي اعتمداها بالرغم من تزامن الفترة التي كتبا فيها ،باإلضافة إلى
مقارنة رؤيتيهما حول بعض المجاالت التي كتبا فيها ،مثل :المجتمع واالقتصاد.
قس**مت ه**ذه الدراس**ة إلى قس**مين ،القس**م األول خصص**ته للتعري**ف ب**ابن خل**دون
والمقريزي ،ومن خالله أدرجت بعض أبرز مراحل حياتهما السياسية والعلمية ،بينم**ا
القسم الثاني جاء مركبا بين ثالث عناص**ر ،العنص**ر األول خصص**ته لمقارن**ة المنهج
الت**اريخي عن**د ابن خل**دون والمقري**زي ،والث**اني للحق**ول ال**تي تناولوه**ا ب**البحث
والتنظير ،وفي الثالث لطبيعة المصادر التي اعتمداها.
وفي الخاتمة خلص الباحث إلى تق**ديم أجوب**ة مباش**رة عن األس**ئلة اإلش**كالية ال**تي
جاءت في المقدمة ،ومن أبرزها أن المعرفة التاريخية ال**تي أنتجه**ا ابن خل**دون أث**رت
على م**ؤرخي عص**ره ،ومن بينهم المقري**زي غ**ير أن ه**ذا األخ**ير اس**تطاع أن يش**ق
طريق منهج جديد في البحث التاريخي بطرقه لمواضيع لم يشتغل عليها ابن خلدون.
الكلمات المفتاحية :ابن خلدون ،المقريزي ،المناهج التاريخية.
***
Ibn Khaldun and al-Maqrizi: A Comparative Study in Method, Fields,
and Sources
Ab stract
Zakariya al-Hakar
Most of Arabic archives in early centuries was narrating incidents and news.
Narrators were repeating what they heard from their ancestors without checking its
authenticity. This was the reason behind the absence of the concept of the historian.
This also created certain narratives that are similar to myth or contain some
supernatural elements that prevailed in storytelling sets.
Ibn Khaldun created a new approach in historicizing past events and news. He
turned similar history components to real living creators, thanks to his historical
approach in relation to those incidents. His approach was applicable to society and
history. In other words, He initiated an epistemic turn with past approaches of
history processes which were limited to tell unquestioned news. At the other side,
Miqrizi focused on the logical explanation of news to check its authenticity. He
developed his approach by studying his society, monitoring historical incidents of
his time, and comparing them with others from the past. Thus, he is similar to Ibn
Khaldun. They both studied the past through the eye of the present.
Keywords: narrating incidents, Ibn Khaldun, Miqrizi, approaches to history.
***
تقديم
لن نب**الغ إذا قلن**ا أن ابن خل**دون تم ”قتل**ه“ بحث**ا ودراس**ة ،ف**ألفت في**ه مجل**دات
ونوقشت في فكره أطروحات كثيرة ،كان القاسم المشترك بينها هو دراسة ابن خلدون،
دون مقارنته بأبناء عصره ،وذلك ما نرجعه إلى نقطتين :أواله**ا أن ابن خل**دون ش**كل
االس**تثناء ،وثانيه**ا أن م**ا كتب**ه ابن خل**دون ش**كل م**ادة دس**مة للبحث ،أس**الت م**داد
المفكرين والمؤرخين على حد السواء ،لكن هذه المعطيات ال تلغي إمكانية مقارن**ة ابن
خلدون م*ع م*ؤرخين معاص*رين أث*روا وت*أثروا بفك*ره .ومن ه*ذا المنطل*ق نق*دم ه*ذه
الورقة التي تعد دراسة مقارنة ،بين مؤرخين كبيرين ،األول مغربي والثاني مش**رقي،
فاالثنين عاشا في نفس العصر ،بل والتقيا التقاء األس**تاذ بالتلمي**ذ ،األس**تاذ ابن خل**دون
والتلميذ تقي الدين المقري**زي ،ه*ذا التلمي**ذ ال**ذي ن*ال حظ**ه من الدراس**ة والش**هرة في
مصر ،وذل**ك من خالل كتابات**ه الرص**ينة ،الخارج**ة عن التقلي**د المم**ارس في الكتاب**ة
التاريخية السائدة في عصره ،هاته الكتابة التي صنف أص**حابها إخب**اريون أك**ثر منهم
مؤرخين ،بالتالي فاالنقالب على التوجه المنتشر يجب أن يكون مسلحا بأليات تنظيرية
معرفي**ة ،ق**ادرة على إنش**اء أو ح**تى بن**اء علم ق**ائم بذات**ه يؤس**س للكتاب**ة التاريخي**ة،
بمنهجيات محددة ومضبوطة ،وهذه التنظيرات هي التي ج**اء به**ا ابن خل**دون وأث**رت
في كتابات معاصريه ومن بينهم المقريزي ،من هنا ك*ان ال*داعي للقي*ام به*ذه المقارن*ة
ه**و معرف**ة إلى أي ح**د أث**ر الفك**ر الخل**دوني على معاص**ريه؟ وم**ا هي نق**ط االلتق**اء
واالختالف بين منهج المقري**زي وابن خل**دون؟ وم**ا هي الزواي**ا ال**تي تم من خالله**ا
الدراسات والبحوث ابن خلدون والمقريزي ،دراسة مقارنة في المنهج والحقول والمصادر 3
تناول حقول دراساتهم؟ وماهي أبرز المصادر التي اعتمدها المقري**زي وابن خل**دون؟
وكيف تعاملوا معها؟
وكمحاولة لإلجابة على هذه التساؤالت جاءت هذه الورقة مقس**مة إلى قس**مين ،أم**ا
القسم األول فتناولت فيه التعريف بابن خلدون والمقريزي ،ومن خالل**ه أدرجت بعض
أب**رز مراح**ل حياتهم**ا السياس**ية والعلمي**ة ،بينم**ا القس**م الث**اني ج**اء مركب**ا بين ثالث
عناص***ر ،العنص***ر األول خصص***ته لمقارن***ة المنهج الت***اريخي عن***د ابن خل***دون
والمقري**زي ،والث**اني للحق**ول ال**تي تناولوه**ا ب**البحث والتنظ**ير ،وفي الث**الث لطبيع**ة
المصادر التي اعتمداها.
.1التعريف بابن خلدون 2والمقريزي
.1المولد والنشأة
يرجع نسب ابن خلدون إلى حضرموت في اليمن فهو عب**د ال**رحمن بن محم**د بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون ،يقول في كتابه الذي عرف فيه بنفسه“ أم**ا نش**أتي
فإني ولدت بتونس في غرة رمضان سنة اثنين وثالثين وسبعمائة“ 3أم**ا المقري**زي فلم
يترجم لنفسه في كتاب خاص كم*ا فع**ل ابن خل**دون ،إال أنن*ا نج*د كث*يرا ممن ترجم**وا
له ،فهو تقي الدين أحمد بن عبد القادر بن محم**د بن إب**راهيم التقي العبي**دي -نس**بة إلى
الخلفاء الفاطميين -المقريزي ،وهذه الشهرة التي الزمته تعود إلى إحدى حارات بعلبك
التي عاشت فيها أسرته ،قبل انتقال جده ألبيه منها إلى دمش*ق ومن بع*دها إلى الق*اهرة
التي ولد فيه**ا مؤرخن*ا ،س*نة 766ه1364/م وت**وفي فيه**ا س*نة 845هـ1441/م ،بينم**ا
ت*ربى ابن خل*دون في كن*ف وال*ده ،وحف*ظ الق*ران على أس*تاذه أبي عب*د هللا محم*د بن
سعد ،كما أخذ قواعد النحو على والده و على أساتذة كثر ،من بينهم الشيخ أب**و عب*د هللا
بن العربي الحصايري ،وأبو العباس أحمد بن القصار وأبو عبد هللا محم**د بن إب**راهيم
اآلبلي شيخ العلوم العقلية ،الذي درس عليه ثالث سنوات .كما درس الفقه الم**الكي عن
جماعة من الفقه**اء منهم أب**و عب**د هللا محم**د بن عب**د هللا الجي**اني ،وأب**و القاس**م محم**د
القص**ير 4.في حين أن المقري**زي حف**ظ الق**ران عن ج**ده ألم**ه ”الش**مس بن ص**ايغ
الحنفي“ لينتق**ل إلى الدراس**ة في األزه**ر على ع**دد من العلم**اء ،منهم أب**يي إس**حاق
التنوخي ،وسراج الدين البلقيني ،وعبد الرحمن ابن خلدون- 5كم*ا أس*لفنا -وال*ذي ت*أثر
المقريزي به كثيرا فنجده يقول فيه” :الرجل الفاض*ل ،جم الفض*ل ،ب*اهر الخل*ق رفي*ع
القدر ظاهر الحياء ،أصيل المجد ،وقور المجلس ،خاص ال**زي ،ع**الي الهم**ة ع**زوف
عن الضيم ،قوي الجأش ،متعدد المزايا ،شديد البحث كث**ير الحف**ظ ،ص**حيح التص**ور،
6
مفخر من مفاخر التخوم المغربية“.
.2الحياة السياسية والعلمية البن خلدون والمقريزي
لقد خصص ابن خلدون منذ شبابه مساحة لالشتغال في السياسة ،فقد بدأ مع ”محمد
بن ت**افراكين“ ح**اكم ت**ونس ،بكتاب**ة (العالم**ة) أي المس**ؤول عن وض**ع االخت**ام في
المراسيم الصادرة ،وذلك سنة 752هـ .لينتق*ل بع*دها إلى ف*اس تلبي**ة لطلب أبي عن**ان
المريني الذي عينه كاتبا له بدء من أواخر 755هـ ،ليترقى بعدها لمنصب أمين ش*ؤون
السلطان ،وكما هو الشأن بالنسبة البن خلدون ،احتك المقريزي بالس**لطة السياس**ية في
مصر ،فقد كان على اتصال وثيق ”بالسلطان برقوق“ وابنه ”فرج“ وهذا ما س**هل ل**ه
االشتغال في مناصب م*ع الدول*ة المملوكي*ة ،فش*غل منص*ب محتسب 7الق*اهرة وش*غل
ك*اتب اإلنش*اء (موق**ع بال*ديوان) ،ثم عين نائب*ا من ن**واب الحكم ،ثم عين بع*دها إمام**ا
للجامع الحاكم الفاطمي وهي أهم وظيفة ش**غلها المقري**زي ،أم**ا الوظ*ائف العلمي**ة فق**د
تعددت هي األخرى لكال المؤرخين ،فعلى ال*رغم من انش**غاالت ابن خل*دون السياس*ية
إال أننا نجده يذكر في ”التعريف“ أنه عمل على التردد على مجالس العلماء والشيوخ،
المغاربة واالندلسيين ،الق**ادمين في الس**فارات ،فاس**تمر على ه**ذا الح**ال ح**تى الث**امن
عشر من صفر ،758وهو التاريخ الذي سجن فيه بسبب وش**اية وص**لت ألبي عن**ان،
مفادها أنه تواصل مع األمير محمد أمير بجاية ،الراغب في اس**ترجاع أراض**يه وه**ذا
ما أثار حفيظة أبي عنان الذي أمر بسجنه.
أف**رج عن**ه بع**د وف**اة أبي عن**ان وتحكم ال**وزير الحس**ن بن عم**ر في الس**لطة في
الس**ادس والعش**رين من ذي الحج**ة س**نة 8،759وع**اد بع**دها ابن خل**دون إلى مكانت**ه
السياسية وانتقل بعدها إلى غرناطة ،في ظل حكم األمير محم**د الخ**امس ،إال أن ك**ثرة
الدس**ائس ال**تي ع**انى منه**ا وتط**ور االح**داث نح**و األس**وأ ،س**رعت بعودت**ه إلى بالد
المغرب التي كانت هي األخرى تعرف اضطرابا سياسيا ،أثر على نفس**ية ابن خل**دون
وجعلته يم*ل السياس*ة ويتف*رغ للعلم 9.فتوج*ه إلى قلع*ة ”ب*ني س*المة“ غ*رب الجزائ*ر
لينقطع فيها أربع سنوات ويخرج منها بأعظم كتبه ”المقدمة“.
الدراسات والبحوث ابن خلدون والمقريزي ،دراسة مقارنة في المنهج والحقول والمصادر 5
توجه بعد ذلك إلى مصر سنة 784هـ ،واستقر بها بعدما أكرمه الس**لطان ”الظ**اهر
برق**وق“ وكلف**ه بالت**دريس في المدرس**ة القمحي**ة- ،وهن**ا التقى ب**ه المقري**زي وتتلم**ذ
عليه 10،-وعين*ه قاض*يا ً للمالكي*ة ،ليتف*رغ بع*دها للعلم والت*دريس والق*راءة ،ح*تى س*نة
808هـ ،وهي السنة التي توفي فيها ،حيث استقر هناك أربعة وعشرين سنةً ،من أصل
أربعة وسبعين سنة من حياته قضاها متنقال بين تونس والمغرب واألندلس والشام .في
حين نجد المقريزي هو األخر د َرس بالمدرسة المؤيدي**ة بن**ا ًء على توص**ية أس**تاذه ابن
خل**دون ،ثم م**ا لبث أن نهج طري**ق أس**تاذه ب**اعتزال الحي**اة السياس**ية ،لينص**رف إلى
تدوين مؤلفاته التي بلغت عددا كبيرا حيث يشير أحد تالمذته إلى مئ**تي مؤل**ف ،إال أن
ما وصل منها ال يكاد يتجاوز العشرين مؤلف*ا 11.ونرج*ع ه*ذه الغ*زارة في اإلنت*اج إلى
طبيعة الحياة التي حظي بها المقريزي والتي ك**انت مس**تقرة نوع**ا م**ا مقارن**ة م**ع ابن
خلدون ،الذي لم يكد يستقر في بلد ما حتى يشد الرحال لغيره ،كما أن المقريزي استفاد
كث**يرا من ابن خل**دون ،وه**ذا م**ا فتح ل**ه أب**واب البحث في حق**ول مختلف**ة ،فق**د أل**ف
”المواع**ظ واالعتب**ار ب**ذكر الخط**ط واألث**ار“ وه**و ن**وع من الكتب تق**دم معلوم**ات
طوبوغرافي**ة وثقافي**ة واقتص**ادية مرتب**ة ومص**نفة ،وق**د ش**كل أف**رد الكتب في ه**ذا
الباب 12،كما أنه أرخ للخالف*ة الفاطمي*ة من خالل كت*اب ”اتع*اظ الحنف*ا بأخب*ار األئم*ة
الفاطميين الخلفا“ ،وهو يعد من أفض*ل المص*ادر عن العه*د الف*اطمي لم*ا تض*منه من
معلومات المصادر المعاصرة التي ضاع كث*ير منه*ا 13،وال*تي اتب*ع في كتابته*ا منهج*ا
مخالف**ا عن من س**بقوه .كم**ا أن ابن خل**دون ه**و األخ**ر خل**ف لن**ا إنت**اج علمي**ا مهم**ا،
فباإلضافة لمقدمة كتاب العبر -ال**تي ارتب**ط اس**مه به**ا ،-وال**تي تع**د المجل**د األول من
أصل سبع مجلدات تكون منها الكتاب ،ألف أيض**ا ”كت**اب في المنط**ق“ و ”كت**اب في
الحس**اب“ أش**ار إليهم**ا لس**ان ال**دين ابن الخطيب ،وكت**اب ”ش**فاء الس**ائل لته**ذيب
المسائل“ المنسوب إليه ،ومجموعة كبيرة من تلخيصات كتب ابن رشد 14.فلقد ساهمت
تجاربه وتنقالته الكثيرة في توسيع أفكاره وإكسابه معلومات قيمة قلما تج**ود به**ا أقالم
معاصريه ،فباإلضافة إلى كل المناص*ب السياس*ية والعلمي*ة ال*تي ش*غلها ،نج*د أن ابن
خلدون كان شغوفا بالعلم لدرجة أنه هاجر إلى المغرب ليدرس على أي**دي علمائه**ا ،إذ
بعد غزوة الس*لطان أبي الحس*ن المري*ني إلى ت*ونس س*نة 748وعودت*ه إلى المغ*رب
رفقة علمائه ،عزم ابن خلدون على اللحاق بهم .أما تنقالته السياسية فهي كث*يرة إال أن*ا
أبرزها كان مقامه عند تيمورلنك خالل السفارة التي توجه بها إليه بطلب من الس**لطان
المملوكي ”الناصر فرج“ 15،فق*د س*اهمت ه*ذه المهم*ة وغيره*ا في كتاب*ة ابن خل*دون
تاريخ أقرب ما يكون إلى الشمولي.
نس**تنتج من خالل ه**ذا التعري**ف أن هن**اك العدي**د من التقاطع**ات والتش**ابهات بين
سيرتي ابن خلدون والمقريزي ،بحيث أن كالهما ينحدر من أسر مه**اجرة ،فأس**رة ابن
خل*دون ه*اجرت من اليمن إلى األن*دلس ثم ت*وجهت بع*دها إلى ت*ونس ،وأيض*ا انتقلت
أسرة المقريزي من بعلبك لتستوطن في القاهرة بمصر .وكالهما ش**غال مناص**ب علي**ا
في الدولة ،إال أن ابن خلدون لم يبقى حبيس الدولة المرينية كما أشرنا سابقا ،فقد ش**غل
مناص**ب في ك**ل من دول**ة ب**ني عب**د ال**واد في المغ**رب األوس**ط ،والدول**ة المملوكي**ة
بمصر ،وإمارة غرناطة باألندلس ،في حين أن المقريزي لم يخ**رج عن محي**ط الدول**ة
المملوكية ،وهذا الوضع هو الذي ساهم في استقراره في مصر ،وعلى العكس من ذلك
فابن خلدون من خالل كل التنقالت التي أشرنا لها لم يعرف موضعا لالستقرار ،وه**ذا
ما ساهم في نظرنا في عدم التحاقه بمؤسسة تعليمي**ة كم**ا فع**ل المقري**زي حين التح**ق
بالدراسة في األزهر.
.2المنهج والحقول والمصادر عند ابن خلدون و المقريزي
.1المنهج التاريخي?
تم**يزت معظم التص**انيف العربي**ة في الق**رون الهجري***ة األولى بس**رد الوق**ائع
واألخبار ،فكان أصحابها مجرد ناقلين لألخبار من الذين سبقوهم ،دون نقذها أو ح**تى
الشك في مدى ص**حتها .وه**ذا م**ا س**اهم في غي**اب مهن**ة الم**ؤرخ (المح**ترف للكتاب**ة
التاريخي**ة) ،ف**برزت مهن**ة اإلخب**اري أو ال**روائي ال**ذي أقحم إلى الكتاب**ة التاريخي**ة
روايات يكاد يجزم العقل ببطالنه**ا ،باإلض**افة إلى األس**اطير ال**تي تش**يع أشخاص**ا أو
أح**داث ال يمكن تص**ديقها .من ه**ذا الوض**ع ال**ذي يمكن وص**فه ب**المتردي للكتاب**ة
التاريخية ،انطلق ابن خلدون محوالً التاريخ من معلومات تاريخي**ة جام**دة ،إلى وق**ائع
متحركة ،أسقطها على قوانين الت**اريخ والمجتم**ع ،بمع**نى أن ابن خل**دون ق**ام بقطيع**ة
إبستملوجية مع المنهج السابق ،المعتمد على نقل كل األخبار دون التقصي منها .وه**ذا
الطريق الذي رسمه ابن خلدون ،هو الذي سايره في**ه تلمي**ذه المقري**زي ،ل**يرفض نق**ل
األخب**ار دون تقيمه**ا ووزنه**ا بم**يزان العق**ل وال**تي يخض**عها لرك**ائز من ذاتيت**ه ،أي
قوانينه الخاصة التي بلورها واكتسبها من خالل احتكاكه بالمجتمع ،ومراقب*ة األح*داث
الدراسات والبحوث ابن خلدون والمقريزي ،دراسة مقارنة في المنهج والحقول والمصادر 7
وتطورها ،وذلك محاولة من**ه لفهم الماض**ي انطالق**ا من ق**وانين الحاض**ر ،وه**و نفس
ط**رح ابن خل**دون حيث وض**ع عص**ره في مج**رى الت**اريخ واعت**بره من مراحل**ه
الحاس**مة ،فالت*اريخ عن**ده يحت**اج إلى ”مأخ*ذ متع*ددة ومع**ارف متنوع**ة وحس*ن نظ*ر
وتثبيت ...ألن األخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواع**د
السياسة وطبيعة العمران واألحوال في االجتماع اإلنساني ويقيس الغائب منه**ا الش**اهد
والحاض**ر بال**ذاهب ،فربم**ا لم ي**أمن فيه**ا من العث**ور ومزل**ة الق**دم والحي**د عن ج**ادة
الص**دق“ 16ف**إذا م**ا ربطن**ا عص**ر م**ا قب**ل ابن خل**دون والمقري**زي بطبيع**ة الكتاب**ة
التاريخي**ة الس**ائدة ،نج**د أن**ه عص**ر نق**ل وس**رد لألح**داث ،حيث اكتفى مؤرخ**و ه**ذا
العص**ر على تقلي**د المتق**دمين ،دون التنب**ه لألس**باب و ال**دوافع ال**تي جعلتهم يكتب**ون،
ودون نق**ذ االخب**ار ال**واردة إليهم ،حيث تعلق**وا بتفاص**يل الماض**ي مستأص**ليها من
17
س*ياقتها ،فيخل*دون في الحاض*ر ماض*يا ق*د تجم*د في ت*واريخ تتناق*ل على نح*و ألي،
فالقطيعة ال*تي تح*دثنا عنه*ا أنف*ا ،جعلت من المنهج الخل*دوني ،ينتق*ل نقل*ة نوعي*ة عن
اإلخب**ار مث**ل الط**بري ،والوص**ف على طريق**ة المس**عودي ،ثم التفحص بأس**لوب
البيروني ،إلى مرحلة التحليل والنقد والتعليل ،المرحلة ال**تي ج**ددت الكتاب**ة التاريخي**ة
من خالل التمحيص في استحصال المعرفة وت**وخي الدق**ة من خالل المأخ**ذ المتع**ددة،
والمعارف المتنوعة ،فيق**ول ابن خل**دون“ التفنن في العلم إنم**ا ه**و بحص**ول ملك**ة في
اإلحاطة بمبادئه وقواعده ،والوقوف على مسائله واستنباط فروع**ه من أص**وله“ 18.إن
التغيير الذي مارسه ابن خلدون في الكتابة التاريخية خلق ت**أطيرا جدي**دا لعلم الت*اريخ،
يس**تطيع فهم أس**باب ح**دوث الح**دث الت**اريخي ،وربط**ه بش**روط وقوع**ه ،ومن ه**ذا
المنطلق يمكن أن نعتبر عمل ابن خلدون خاصة ”المقدمة“ ،ميالد تاريخ ع**ربي جدي**د
كعلم مؤسس له بمرجعية نظري**ة الزم**ة ،تض**ع الح**دود المنهجي**ة الفاص**لة بين عل**وم
الدين وعلم التاريخ 19،فاألولى تعتمد على ”الجرح والتعديل“ ،بينم*ا الث*اني يس*تعمل
فيه قانون المطابقة ،أو ما اصطلح عليه ابن خلدون مبدأ“ اإلمك**ان واالس**تحالة“ ،وه**و
المبدأ الذي استعان به من أجل منح كتابة الت**اريخ داللته**ا العلمي**ة ،ف**المؤرخ من ه**ذا
المنطلق ال يهمه إحصاء األخبار وتسجيلها فقط ،بل الكشف عن األس**باب ال**تي تحكم
ص**يرورة الظ**واهر االجتماعي**ة في الت**اريخ ،كم**ا تم**يزت كتابت**ه بمنهج النق**د
التاريخي 20،أي نقد الخ*بر من خالل البحث عن نقط*ة ض*عفه ،والمتمثل*ة حس*ب ابن خل*دون
في ”النقل“ ،لهذا اشترط في النقل كي يك*ون ص*حيحا ،أن يحكم إلى أص*ول الع*ادة،
وأن يحكم على طبيعة العمران واالحوال في االجتماع اإلنساني ،بالتالي ف**المؤرخ من
وجهة نظره ،ال يتقبل األخبار كما وردت له إنما يتعامل معها من خالل نقدها.
لكن بالرغم من عقالني**ة ابن خل**دون ال**تي أش**رنا له**ا س**ابقا ،فق**د س**جلنا من خالل
قراءة بعض نصوصه أنه كان يؤمن بـ ”الغيبيات“ أي بالسحر والطالسم والكهانة ،بل
ويخص**ص الح**ديث عنه**ا في الفص**ل الث**امن والعش**رون من ”مقدمت**ه“ ،فيق**ول في
تعريفها” :هي علوم بكيفية استعدادات تقت**در النف**وس البش**رية به**ا على الت**أثيرات في
عالم العناص**ر ،إم**ا بغ**ير معين أو بمعين من األم**ور الس**ماوية ،واألول ه**و الس**حر،
والث**اني ه**و الطلس**مات“ 21.إن تع**رض ابن خل**دون له**ذه المس**ائل ”الغيبي**ة“ حس**ب
الجابري ،ال يطعن في تفكيره مادام العلم كان يقبل مثل هذه األم**ور في عص*ره ،كم*ا
أنه ال يضر في شيء عقالنية ابن خل**دون ،إض**افة إلى أن دراس**ته للعم**ران البش**ري،
ألزمته التعرض لهذه المسائل ومحاولة فهمها 22،ومن جهة المقريزي نالحظ أن**ه ذهب
في نفس االتجاه ،خاصة وأنه كان عالما بالتنجيم ،بالت**الي نج**ده يرب**ط بعض الظ**واهر
واألحداث بعلم الغيبيات ،كما كان يفسرها باألقدار اإللهية فيقول على سبيل المث**ال في
”االتعاظ“” :أبو علي بن منصور العزيز باهلل ...ولد بالقصر من الق**اهرة والط**الع من
برج السرطان سبع وعشرون درجة 23“.كما أن اعتقاده به*ذه األم*ور جعل*ه يس*قط في
فخ نق**ل بعض األس**اطير من بعض مص**ادره ،حيث نج**ده ينق**ل عن البك**ري قول**ه:
”ويقال أن التمساح ال يضر منطقة أنصنا لطالسم وضعت بها“ 24،ولعل هذا النوع من
التحلي**ل راج**ع الى الثقاف**ة الس**ائدة في عص**ره ال**تي لم تس**تطع التخلص من رواس**ب
25
الماضي ،والتي لم يستطع المقريزي أن ينفلت منها.
وب**العودة إلى التنظ**ير ال**ذي نظ**ر ل**ه ابن خل**دون في ”المقدم**ة“ فإنن**ا نج**ده ينق**ل
التاريخ من حالته القلقة ،في الموق**ع بين العل**وم إلى مرحل**ة الت**اريخ كعلم ل**ه ش**روطه
وتنظيراته ،إال أن الدارس لتراث ابن خلدون يتساءل هل ك**ان ح**ذوه ح**ذو الم**ؤرخين
السابقين في ”كتاب العبر“ طبيعيا؟
نلغي فرضية كتابته ”لكتاب العبر“ قبل كتاب**ة ”المقدم**ة“ ،ألن ه**ذا يش**كل تفس**يرا
بسيطا وسهال ق**د ال يس**تند على معلوم**ات دقيق**ة خاص**ة وان ابن خل**دون لم ي**ورد أي
عبارة تفيد بذلك ،ونذهب إلى أن ابن خلدون كان واعيا بعدم تطبيق تنظيراته المنهجي**ة
في ”الع**بر“ ،وذل**ك ق**د يك**ون راج**ع إلى م**بررات معرفي**ة حتمته**ا طبيع**ة الكتاب**ة
التاريخي**ة ،فالمقدم**ة ك**انت مش**روعا وخط**ة نظري**ة تنتظ**ر من يكمله**ا أو يص**ل إلى
نهايتها ،وما يدل على ذلك هو قوله في نهايتها ”ولع**ل من ي**أتي بع**دنا ،ممن يؤي**ده هللا
الدراسات والبحوث ابن خلدون والمقريزي ،دراسة مقارنة في المنهج والحقول والمصادر 9
بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا“ 26من هذه القول*ة نب*دأ
مع المقريزي ونسائل منهجه في التدوين التاريخي من خالل اتباع**ه منهج ابن خل**دون
من عدمه وذلك عبر كتاب” :الخطط“ الذي ش**رع المقري**زي في كتابت**ه س**نة 820هـ/
1417م .وفرغ منه حوالي عام 843هـ1438/م .أي قبل وفاته بعامين ،وعلى ذلك فق**د
اس**تغرق ح**والي عش**رين عام**ا في كتابت**ه ،ولع**ل اهتم**ام المقري**زي بقض**ايا الت**اريخ
االجتماعي واالقتصادي في عصره راجع إلى عاملين رئيسين وهما:
– تأثر المقريزي بابن خلدون في رؤيته للتاريخ والعم**ران ،فالمرحل**ة ال**تي تتلم**ذ
فيها عليه من خالل حلقات دراسية ،شكلت ن*واة لمدرس*ة فكري*ة تخ*رج واس*تفاد منه**ا
27
المقريزي.
– معايش**ته للواق**ع المص**ري من خالل تقل**ده لوظ**ائف ك**ان من أهمه**ا ،محتس**ب
القاهرة ،وال يخفى علينا ما تمنحه هذه الوظيفة لص**احبها من ق**درة على االختالط م**ع
كافة فئات المجتمع ،خاصة في األسواق.
ففي هذا الكتاب نجده مثال يقدم أس**باب وعوام**ل ظه**ور النظ**ام اإلقط**اعي بمص**ر
خالل الفترة المملوكية ،فيربط وج*وده بالطبيع*ة العس*كرية للنظ*ام الممل*وكي ونش*أته،
كما يلقي الضوء على القوى المستفيدة منه ،ويصنفها تراتبيا من األمراء ،واألجناد ،ثم
في األخير القسم المحبس على الجوامع والم**دارس ،ثم يع*رض لمظ**اهر األزم**ة ال*تي
عاش**تها الدول**ة المملوكي**ة ويربطه**ا بش**كل منطقي م**ع اإلقط**اع ال**ذي ك**ان من أب**رز
أس**بابها 28.فمن خالل ه**ذا النم**وذج نج**د أن المقري**زي خ**رج عن النهج المت**داول في
طريق*ة كتاب*ة الخ*بر الت*اريخي ،فق*د اس*تهل الح*ديث عن األس*باب والعوام*ل المؤدي*ة
للظاهرة ،ثم ربطها بالمؤثرات الخارجية والداخلية ،ليخلص لنتائجه**ا وتأثيراته**ا ،كم**ا
أنه حافظ على كرنولوجي*ة األزمن*ة ال*تي تناولته*ا دراس*ته ،وه*و ب*ذلك ق*د اس*تفاد من
أستاذه ابن خلدون ،حيث رسم لعمله ترتيبا تاريخيا استهدف منه كتابة تاريخ ك**ل دول**ة
من ال**دول اإلس**المية في مص**ر ح**تى عص**ره في مؤل**ف واح**د مس**تقل 29،إال أن ابن
خلدون تجاوز المقريزي عندما ضم إلى كتابه ”العبر“ تاريخ أمم أخ**رى فق**د م**ال إلى
كتاب**ة ت**اريخ ع**المي وك**وني ،بحيث أرخ للف**رس واألت**راك باإلض**افة إلى اليون**ان
والرومان 30،بالتالي كان مش*روعه أوس*ع من مش*روع المقري*زي ال*ذي ق*ارب ت*اريخ
مصر فقط ،فابن خلدون.
.2حقول الكتابة
اختلفت وتعددت الحقول المعرفية ،التي تناولها كل من المقريزي وابن خل**دون في
تص**نيفاتهم ،فتح**دثا عن الدول**ة ومقوماته**ا ،وعن المجتم**ع وفئات**ه ،كم**ا تح**دثا عن
االقتصاد الذي يؤثر في كل ما سبق ،فغيابه يساوي انهيار الدولة والمجتمع ،وحضوره
يقوي الدولة وينمي المجتمع ،وانطالقا من هذا الطرح سنخص**ص الح**ديث عن الحق**ل
االقتصادي لما له من تأثير مباشر على باقي الحقول األخرى.
لقد أخذ الحقل االقتصادي الحيز الكبير من كتابات المقريزي ،وأع**اره ابن خل**دون
اهتمام كبير ،إال أنه يصعب تحليل واستنباط أراءه في االقتصاد ،حيث أن**ه لم يض**منها
في مؤلف مستقل ،بل جاءت متفرقة في كتب**ه ،كم**ا أن**ه أدرجه**ا في س**ياق حديث**ه عن
حوادث تاريخية أو ظواهر اجتماعي**ة معين**ة ،فه**و لم يف**رد له**ا فص**ال أو كتاب**ا عكس
المقري**زي ال**ذي اهتم بالقض**ايا ذات البع**د االقتص**ادي ،وذل**ك ع**بر تس**جيلها في كتب
مس**تقلة ،حيث تع**د النق**ود والمع**امالت داخ**ل األس**واق واالحتك**ار ،من بعض أب**رز
مساهمات المقريزي في االقتصاد ،ومن أهم الكتب ال**تي ع**الج فيه**ا ه**ذه القض**ايا ه**و
كتاب ”إغاثة األمة في كشف الغمة“ ،الذي ألفه في ظروف اقتص**ادية ج**د قاس**ية ،من
واق**ع المجاع**ة ال**تي حلت بمص**ر م**ا بين 796و 808هـ ،وم**ا ص**احبها من انتش**ار
الطاعون والوباء.
لقد استهدف المقريزي من كتابه هذا ،توضيح األسباب التي أدت إلى هاته األزم**ة
وإلى مخلفاتها ،ثم أشار إلى بعض الحلول التي من شأنها رفع األزمة 31،كما أش*ار إلى
طبيعة النقود السائدة في مصر فيق**ول” :اعلم أرش**دك هللا إلى ص**الح نفس**ك ،وألهم**ك
مراشد أبناء جنسك أن النقود المعت**برة ش**رعا وعقال وع**ادة إنم**ا هي ال**ذهب والفض**ة
فق*ط ،وم*ا ع*داها ال يص*لح أن يك*ون نق*دا“ 32،ونج*د ابن خل*دون يتح*دث عن ظ*اهرة
االحتك**ار ال**تي انتش**رت في ف**ترات األزم**ات والمجاع**ات ،ويربطه**ا بقل**ة الع**رض،
وكثرة الطلب ،كما فرق باالحتكار الفردي واالحتكار ال**ذي تق**وم ب**ه الدول**ة ،واعت**بره
”أخذ ألموال الناس بالباطل“ 33وهو ما ذهب إلي*ه ح*تى المقري*زي بحيث ربط*ه بغالء
34
األسعار في زمن األزمة واعتبره فسادا.
ومن الظواهر االقتصادية التي عالجها المؤرخان ،هي ظاهرة غالء األسعار ،التي
الحظنا اختالف الرؤى بينهما ،فابن خلدون ي**رى أن رخص األس**عار ه**و مض**ر ف**إذا
كانت البضائع رخيصة ،فهي تفس**د ال**ربح والنم**اء ،وال يحص**ل الت**اجر منه**ا إال على
الدراسات والبحوث ابن خلدون والمقريزي ،دراسة مقارنة في المنهج والحقول والمصادر 11
العناء دون الحصول على قيمة العمل البشري 35وهو م*ا يفس*د رأس مال*ه وي*ؤثر ح*تى
على الدول*ة ،بحيث تق*ل جبايته*ا 36.بينم*ا ي*راه المقري*زي ،غالء ف*احش يرب*ط أس*بابه
ب*الظروف السياس**ية الناجم**ة عن تقص**ير الحك**ام في رعاي**ة مص**الح الرعاي**ا ،فنج**ده
يصف الغالء في فترة الخليفة المستنصر بقول**ه” :ثم وق**ع في أي**ام المستنص**ر الغالء،
الذي فحش أمره ،وشنع ذكره ،وكان أمده سبع سنين ،وسببه ضعف السلطنة ،واختالل
أح*وال المملك*ة ،واس*تيالء األم*راء على الدول*ة“ 37،كم*ا ربط*ه ب*المتغيرات الطبيعي*ة
كالمناخ ،ونقصان مجرى نهر النيل ،وبعض اآلفات الطبيعية األخرى.
من خالل استقراء بعض الظواهر االقتص**ادية عن**د ابن خل**دون والمقري**زي ،نج**د
أنهم*ا كان*ا واع*يين باألس*باب الحقيقي*ة وراء بروزه*ا ،فلم يركن*ا إلى التفس*ير البس*يط
المرتبط على الخصوص بالعامل الديني ،بل عمال على تحليلها والنظ**ر في مس**بباتها،
كما أنهم اقترحوا حلوال لها.
.3المصادر:
لم تختل**ف أن**واع المص**ادر ال**تي اعتم**د عليه**ا ك**ل من المقري**زي وابن خل**دون،
فكالهما اعتمد على ثالث مواد مصدرية ،األولى هي المصادر الشفوية ،ال**تي رجع**وا
فيها إلى معاصريهم من بين رجال الس**لطة والفك**ر واألدب ،والفقه**اء ،أو ح**تى عام**ة
الناس كالصناع والتجار وغ*يرهم ،أم*ا المص*ادر الثاني*ة ،فهي المكتوب*ة والمتمثل*ة في
الغالب من كتب الجغرافية والفلس**فة (العربي**ة واإلغريقي**ة) ،والكتب الديني**ة كالح**ديث
والقراَن.
لقد أشار ابن خلدون إلى العدي**د من الم**ؤرخين من الق**رون الهجري**ة األولى ال**ذين
اعتم**د عليهم ،وح**تى من الق**رن الس**ادس والس**ابع ،ومن بين ه**ؤالء نج**د اس**م ”ابن
حزم“ يتكرر عن**ده كث*يرًا فق**د ك**ان ابن خل*دون يس**تعمله لتأكي**د األنس**اب أو مقارنته**ا
بغيرها من المصادر األخرى ،كم**ا نق**ل عن المس**عودي في كت**اب ”م**روج ال**ذهب“،
والبكري في كتاب ” المسالك والممالك“ 38ومجموعة أخرى من كتب التاريخ الع**ام، ،
كم*ا نج*د المقري*زي يعتم**د ه**و األخ*ر على ع**دد من المص**ادر ،فنق*ل عن المتص*وفة
والفقهاء ،كشهاب الدين الس*هروردي ،والش*يخ فتح ال*دين محم*د بن س*يد الن*اس 39كم*ا
نجده يرجع إلى المعاص*رين منهم كالش*يخ أحم*د بن علي القص*ار 40،ويق*ول في من*اح
أخ**رى“ وأخ**برني ثق**ة“ ،أو ”وأخ**برني من ال أتهم أن**ه ش**اهد“ 41،فالص**يغة األولى
نستشف من خاللها أن الخبر بالنسبة للمقريزي صحيح وذلك لمعرفت**ه ب**المخبر ،بينم**ا
الصيغة الثانية ،يتحفظ من خاللها على الناق**ل للخ**بر ،وباإلض**افة إلى ه**ذا فق**د اعتم**د
أيضا على كتب التاريخ العام ،ككتاب ”معجم البلدان“ لي**اقوت الحم**وي ،والمس**عودي
والبك**ري 42وغ**يرهم ،وق**د اعتم**د أيض**ا على وث**ائق ص**ادرة عن دي**وان الم**واريث
(المراسيم الصادرة عن الدولة) ،فاعتم*دها من أج*ل إحص*اء ع*دد الوفي*ات 43،كم*ا أن
المقريزي كان دقيقا في اإلحال**ة على مص**ادره ،فلم يكن يكتفي ب**ذكر ص**احب الكت**اب
كما يفعل ابن خلدون ،بل كان يشير في الغالب إلى الك**اتب واس**م الكت**اب فنج**ده يق**ول
مثال” :وأنشد أبو عمر الكندي في كتاب ’األمراء‘ ،لسعيد القاص أبياتا 44“.بالتالي فهو
كان يحيل إلى القارئ على مصدر معلومته عبر ذكر اسم المِؤ لف والمَؤ لف.
باإلضافة إلى هذه المصادر فقد استغل ك**ل من المقري*زي وابن خل**دون النص**وص
الدينية ،وعلى رأسها القران والحديث ،فكثيرا ما نصادف في كتاباتهم استش**هادات من
النص الديني وذلك إما بطريقة االقتباس المباشر ،أي عبر نقل اآلية أو الحديث كاملين
مثل ما نجد عند ابن خلدون فيقول مثال” :وانظ**ر م**ا وق**ع ل**وزراء الدول**ة العباس**ية...
ت﴾“،المؤمن 45 85:وإما يتم التلميح واإلشارة فقط ،وهذا ما نجده عن**د ﴿ ُسنَّتَ هّٰللا ِ الَّ ۪تي قَ ْد خَ لَ ْ
المقريزي ،فيقول” :وهذا الغالء دبر أمر البالد فيه يوسف عليه السالم ،وق**د ذك**ره هللا
سبحانه وتعالى في قراَنه العظيم وتضمنته التوراة“ 46،ولق*د ج*اء االعتم*اد على النص
الديني لما يتضمنه من قيمة على مستوى الخطاب خاصة في الفترة قيد الدراس**ة ،فه**و
يضفي نوعا من المصداقية على السياق العام الذي يأتي استخدامه فيه.
خاتمة
في األخير نخلص إلى أن المعرف*ة التاريخي*ة ال*تي أنتجه*ا ابن خل*دون أث*رت على
مؤرخي عصره ،ومن بينهم تلميذه المقريزي ،الذي تجاوب بشكل كب**ير م**ع منهج ابن
خلدون وذلك م*ا يب*دوا جلي*ا من خالل كتابات**ه وتص*نيفاته ،ومن خالل رص**دنا لبعض
الحقول المعرفية عند ابن خلدون والمقري**زي الحظن**ا م**دى وج**ود تق**ارب في طبيع**ة
الحقول المتناول*ة بالدراس*ة ،وعلى ال*رغم من ه*ذا فق*د حاف**ظ المقري*زي على ذاتيت**ه،
بحيث خصص جل اهتماماته بتاريخ مصر ،بينما قارب ابن خلدون في كتابه ”الع**بر“
التاريخ الكوني الشمولي ،وهذا االختالف في مجاالت الدراسة هو ما س**اهم في بل**ورة
فك**ر ت**اريخي ع**ربي ش**امل ،ق**ارب مواض**يع مختلف**ة بمنهجي**ة موح**دة ،خاص**ة في
الفترات الالحقة لعصر ابن خلدون والمقريزي .وخالصة القول إن ما يميز دراسة ابن
خلدون بمقارنت**ه م**ع مفك**ري عص**ره ،ه**و الكش**ف عن الت**أثير والت**أثر ال**ذي حص**ل
الدراسات والبحوث ابن خلدون والمقريزي ،دراسة مقارنة في المنهج والحقول والمصادر 13
خاصة بين ابن خلدون والمقريزي السيما وأنهما من بين أكبر المؤرخين الذي ع**رفهم
العالم العربي من غربه إلى شرقه في القرن السابع والثامن الهجريين.
***
المصادر والمراجع
المصادر
– ابن خلدون ،عبد الرحمن ،التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا ،دار الكتاب اللبناني ،بيروت.1979 ،
– ابن خلدون ،عبد الرحمن ،المقدمة ،طبعة المكتبة العصرية ،بيروت.2013 ،
– تقي الدين احمد بن علي المقريزي ،المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واالث**ار ،تحقي**ق :محم**د زينهم -مديح**ة
الشرقاوي ،مكتبة مدبولي ،6القاهرة.1997 ،
– تقي الدين ،أحمد بن علي المقريزي ،إغاثة األمة في كشف الغم**ة ،دراس**ة تحقي**ق :ك**رم حلمي فرح**ات ،عين
للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية ،مصر.2007 ،
– شمس الدين السخاوي ،الضوء الالمع ألهل القرن التاسع ،دار الجيل ،بيروت.1992،
المراجع العربية?
– الجابري ،محمد عابد ،فكر ابن خلدون العصبية والدولة معالم نظرية خلدوني**ة في الت**اريخ اإلس**المي ،مرك**ز
دراسات الوحدة العربية ،بيروت.2008 *،
– أومليل ،علي ،الخطاب التاريخي دراسة لمنهجية ابن خلدون ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء.2005 ،
– وجيه كوثراني ،تاريخ التاريخ اتجاهات -م**دارس -من**اهج ،المرك**ز الع**ربي لألبح**اث ودراس**ات السياس**ات،
الدوحة.2012 ،
– أنط**وان خلي**ل ض**ومط ،الت**أريخ في العص**ور الوس**طى اإلس**المية دراس**ة نقدي**ة في المن**اهج ،دار الحداث**ة،
بيروت.2005 *،
– أنور الجندي ،نوابغ الفكر اإلسالمي ،دار الرائد العربي ،بيروت.1983 ،
– عبد الرحمن بدوي ،مؤلفات بن خلدون ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة.2006 ،
– محمد الجوهري ،محسن يوسف ،ابن خلدون إنجاز فكري متجدد ،مكتبة اإلسكندرية ،مصر.2008 ،
المراجع األجنبية?
-Y. La coste. Ibn Khaldoun naissance de l’histoire, passe du tiers monde nouv, Ed, La découverte, paris
1998.
- Gustave Le bon, La Civilisation Des Arabes, ED Al Biruni, Beyrouth, 2014.
-Ibrahim Oweiss, ”Ibn Khaldoun, the father of Economics“, Arab civilization challenges and response,
state university of New York press, 1988.
مقاالت
– علي بركات” ،اإلقط**اع العس**كري الممل**وكي :ق**راءة في خط**ط المقري**زي ،مجل**ة إب**داع مص**ر ،مجل**د ،20
.2012
– محمد مصطفى زيادة 600” ،عام على مولد المؤرخ المصري المقري**زي“ ،مجل**ة الهالل ،ع**دد ،1966 * ،5
ص .34-28
– محمد مصطفى زيادة ،المقريزي المؤرخ الكبير ،مجلة العربي ،عدد ،14يناير ،1960ص .79-72
***
طالب باحث بمعهد الدوحة للدراسات العليا ،الدوحة ،قطر. 1
اشتهر بين الناس باسم ”ابن خلدون“ إال ان اسمه الفعلي كان ”عبد الرحمن“ وتلقيبه بهذا اللقب راجع الى أحد أجداده الق*دماء ،وه*و الج*د ال*ذي دخ*ل م*ع الجن*د 2
اليمانية إلى األندلس ،قبل والدة ”عبد الرحمن“ بما يناهز أربع قرون( .انظر ،ابن خلدون ،التعري*ف ب**ابن خل*دون ورحلت*ه غرب*ا وش**رقا ،دار الكت*اب اللبن*اني،
بيروت ،1979 *،ص.)16
ابن خلدون ،التعريف ،مصدر سابق ،ص .17 3
شمس الدين السخاوي ،الضوء الالمع ألهل القرن التاسع ،دار الجيل ،بيروت ،1992،الجزء الثاني ،ص.23 5
أنور الجندي ،نوابغ الفكر اإلسالمي ،دار الرائد العربي ،بيروت ،1983 ،ص .395 6
الحسبة” :هي وظيفة دينية من باب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين ،يعين لذلك من يراه أهال ل*ه ،فيتعين فرض*ه 7
عليه ويتخذ األعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ،ويعزر ويؤدب على قدرها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة ،وال يتوق**ف حكم**ه على تن**ازع
أو استعداء بل له النظر فيما يصل إلى علمه من ذلك ويرفعه إلي**ه ،وليس ل*ه إمض**اء الحكم في ال*دعاوى مطلق**ا ،ب**ل فيم*ا يتعل*ق ب**الغش والت*دليس ،في المع*اش
وغيرها وفي المكاييل والموازين“ (ابن خلدون ،المقدمة ،ص .)126
نفسه ،ص .70 8
محمد الجوهري ،محسن يوسف ،ابن خلدون إنجاز فكري متجدد ،مكتبة اإلسكندرية ،مصر ،2008 ،ص.15 9
وجيه كوثراني ،تاريخ التاريخ اتجاهات -مدارس -مناهج ،المركز العربي لألبحاث ودراسات السياسات ،الدوحة ،2012 ،ص .58 12
أنطوان خليل ضومط ،التاريخ في العصور الوسطى اإلسالمية دراسة نقدية في المناهج ،دار الحداثة ،بيروت ،2005 *،ص .198 13
عبد الرحمن بدوي ،مؤلفات بن خلدون ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة ،2006 ،ص .10 14
ابن خلدون ،المقدمة ،المكتبة العصرية ،بيروت ،2013 *،ص .88 16
علي أومليل ،الخطاب التاريخي دراسة لمنهجية ابن خلدون ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،2005 ،ص .82 17
19
Y. La coste. Ibn Khaldoun naissance de l’histoire, passe du tiers monde nouv, Ed, La découverte, paris 1998, p8
20
Gustave Le bon, La Civilisation Des Arabes, ED Al Biruni, Beyrouth, 2014, p573
ابن خلدون ،المقدمة ،مصدر سابق ،ص .295 21
محمد عابد الجابري ،فكر ابن خلدون العصبية والدولة معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسالمي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،2008 *،ص .115 22
تقي الدين احمد بن علي المقريزي ،المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واالثار ،تحقيق :محمد زينهم – مديحة الشرقاوي ،مكتبة مدبولي ،6القاهرة ،1997 ،ج،1 23
ص .154
نفسه ،ص .571 24
محمد مصطفى زيادة ،المقريزي المؤرخ الكبير ،مجلة العربي ،عدد ،14يناير ،1960ص .33 27
علي بركات” ،اإلقطاع العسكري المملوكي :قراءة في خطط المقريزي ،مجلة إبداع مصر ،مجلد ،2012 ،20ص .115 28
محمد مصطفى زيادة 600” ،عام على مولد المؤرخ المصري المقريزي“ ،مجلة الهالل ،عدد ،1966 ،5ص .77 29
تقي الدين أحمد المقريزي ،إغاثة األمة في كشف الغمة ،دراسة تحقيق :كرم حلمي فرحات ،عين للدراس*ات والبح*وث اإلنس*انية واالجتماعي*ة ،مص*ر،2007 ، 31
ص .30
نفسه ،ص .155 32
تقي الدين أحمد المقريزي ،إغاثة األمة ،مصدر سابق ،ص .94 34
35
Ibrahim Oweiss, ”Ibn Khaldoun, the father of Economics“, Arab civilization challenges and response, state university of New York press, 1988, p80.
ابن خلدون ،المقدمة ،مصدر سابق ،ص .225 36