Professional Documents
Culture Documents
1616054543 (1)
1616054543 (1)
جامعة المنار
المشرف: اإلعداد:
السيد سهيل القزاح أمامة حبورية
2
كلمة الشكر
إن النصائح الذهبية نجدها صلب معدنها الثمين ،وإني وجدت كليهما في شخص كل شخص تعاملت
معه داخل المرصد الوطني لسالمة المرور ،وجمعتني به محادثات مثمرة وأوقات كالياقوت.
أكتب ما أكتبه ألني أؤمن بأن المعاملة الطيبة واألشخاص المتميزين واألماكن الراقية ،ذكرهم لشكرهم
يعد واجبا ال بد من تأديته ،واني لست أضطر للقيام بذلك ألنه لو كان على سبيل االضطرار والروتين
المعتاد في الكتابات لكنت قد خرقته وما كنت قد اتبعته.
سوف أقدم وصفا مختصرا لما قد عشته طيلة بقائي بالمرصد ولقائي مع إطاراته ،وتعاملهم التلقائي
مع شخصي ،لم أجد غير وجوه (مسفرة ضاحكة مستبشرة) وقلوب صادقة تعاملت مع طالبة معاملة لبقة
ومحترمة تنم عن حسن الضيافة والترحيب.
كانت أجواء العمل تساعد على تحقيق أفضل النتائج ،حيث وجدت تجاوبا فعاال من قبل مختلف من
تعاملت معهم ،فكانت مكاتبهم مفتوحة الستقبال جميع اسئلتي التي كنت اطرحها في سبيل البحث عن
تحليالت متكاملة ،وقد تحصلت ليس فقط على معلومات من كل حسب معرفته الشاسعة وخبراته العالية،
وانما اخذت دروسا عميقة في مختلف جوانب الحياة من قبل مختلف األطراف المتواجدين بالمرصد.
كانت يد المساعدة تمتد من الجميع ،والكل يحرص على أن يقدم ما بوسعه أن يقدمه بمختلف الوسائل
الممكنة والمتاحة ولم يرفض لي طلب ،راودني إحساس باالنتماء لهذا الهيكل الذي غير عديد األشياء
بداخلي ،فكنت اشعر باني جزء من مكوناته.
ما يسعني قوله والمقام ال يسع للتفصيل ،هو أن الحياة تجارب ولكل تجربة عناصر نجاح وتقلبات
ولكن ما يبقى عالقا في الذهن يرسمه كل من كان طرفا في التجربة ،فإما ان يكون األسوأ أو أن يكون
األفضل ليصبح مثاال يحتذى به.
ال يمكن أن يخلو الشكر من األسماء التي تستحقه ،وبناء عليه فاني أود أن أتقدم بشكر خاص للسيد
المدير العام للمرصد الوطني لإلعالم والتكوين والتوثيق والدراسات حول سالمة المرور العميد صابر
الخفيفي ،الذي شهدت فيه حرصه على التطوير والتغيير نحو األفضل والسعي الى إيجاد حلول جذرية
وحقيقية لتحقيق األهداف التي يضعها.
فكانت زياراته الدورية لمجال البحث العلمي داخل المرصد وطرح األسئلة عن مدى التقدم في العمل
الذي يقوم به الطلبة الباحثون ومدى توفر الظروف المالئمة من عدمها وتأكيده على أهمية مده بكل النقائص
حتى يعمل على إصالحها ،فيه حرص مستمر على تقديم األفضل للهيكل.
كما أتقدم بالشكر للسيد سهيل القزاح من أشرف على هذا العمل المنجز ،حيث كان متابعا حريصا
على كل تقدم في البحث ويسعى إلى ابداء جميع المالحظات الهامة والبناءة ،إضافة الى تقديمه ألفكار
متنوعة إن دلت على شيء فهي تدل على إلمامه بمختلف المجاالت وشغفه للعلم والتعلم والتعليم.
3
أود أن اشكر أيضا السيد سامي الشقراني ،على جميع المجهودات التي قام ببذلها وحرصه على تمكيني
من مختلف المعطيات والبيانات التي ساعدتني في انجاز البحث ،كما كانت أفكاره ونصائحه وتصوراته
منبعا يستقى منه األفضل ،إضافة إلى دماثة أخالقه وتعامالته.
أما بالنسبة للجانب التقني واالحصائي ،فاني أتوجه بالشكر للسيد محمد أمين سقير الذي كان حريصا
على بسط التفسيرات والتصحيحات الالزمة لجانب االحصائيات من العمل ،فكلما طرأ تساؤل حول عالم
األرقام الذي يقتضي مختصا بارعا في الدقة التي تتصف بها االحصائيات ،كنت أتوجه اليه وكان مستجيبا
لجميع األسئلة التي أطرحها.
كما أتقدم بجزيل الشكر واالحترام والتقدير لجميع إطارات المرصد ،أختص بالذكر منهم السيد فيصل
الخميري والسيدة زهور اليوسفي ،والسيد صبري مجولي ،والسيد أيمن بن ابراهيم والسيد وليد قدوار
وجميع األطراف الذين يعملون داخل المرصد ،على حسن استقبالهم وبشاشتهم ورحابة صدورهم وطاقتهم
اإليجابية.
أضيف شكرا خاصا أقدمه لإلدارة العامة للحرس الوطني ،التي قامت بتمكيني من إحصائيات ساعدتني
على انجاز بحثي.
4
الفهرس:
الجزء األول:
الجزء الثاني:
5
المقدمة 7 ......................................................................................................................
نجاعة محدودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور 13 ............................................. .I
صعوبات في صورة غياب حادث مرور 13 .........................................................................
الخطية المالية المقررة للمخالفات 13 ..............................................................................
الخطية المالية المقررة للجنح 18 ...................................................................................
صعوبات في صورة حصول حادث مرور 27 .......................................................................
أ -حادث مرور ينجر عنه القتل أو الجرح على وجه الخطأ 27 ............................................
ب-حادث مرور ينجر عنه اضرار مادية 33 ...................................................................
38 ......................................... نجاعة منشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور II
اليات لتحقيق النجاعة المنشودة 38 ......................................................................... 1
أ -آليات تشريعية 38 .............................................................................................
ب -آليات تطبيقية 52 ...............................................................................................
2تكريس مشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" 58 ...........................................
أ -مفهوم "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" 58 ......................................................
ب -تقييم فكرة المشروع 59 ........................................................................................
الخاتمة 68 ....................................................................................................................
6
المقدمة
لقد سجلت احصائيات المرصد الوطني لسالمة المرور لسنة 2021في فترة وجيزة مدتها شهرين فقط
الى غاية 25فيفري ،2021عدد 639حادث مرور من بينها 141قتيال و 850جريحا! 1
عند النظر الى االعداد المذكورة ،ال من زاوية كونها مجرد إحصائيات وانما في أن كل رقم يمثل
شخصا قد غادر الحياة نهائيا أو تضرر أضرارا تعيقه عن التمتع بلذة الحياة كغيره من األشخاص اآلخرين،
عندها يبدر للذهن تساؤل جوهري حول المسؤول الرئيسي عن هذه الكوارث ،التي أصبحت تسجل أعلى
النسب خاصة على المستوى الوطني مقارنة ببقية البلدان وأيضا تصنف القارة االفريقية في المرتبة األولى
عالميا مقارنة ببقية القارات التي تسجل نسبا مرتفعة في حوادث المرور القاتلة وذلك بناء على تصنيف
2
منظمة الصحة العالمية في تقريرها سنة .2018
عندما تعم الفوضى في مجال ما أو في منطقة معينة ،فان المعني بتنظيمها باألساس هو القانون باعتبار
أن وظيفته األساسية تتطلب ذلك .وعليه فال بد في هذا االطار من الرجوع الى قانون الطرقات اليجاد الحل
المناسب للحد من حوادث المرور.
ما يالحظ في قانون الطرقات ،أنه ينظم جرائم الجوالن بالعنوان الثامن من مجلة الطرقات والذي يحتوي
على ثالثة عشر( )13فصال ،تتضمن تنظيما للجرائم المرورية والعقوبات المقررة لها .هذه األخيرة تنقسم
الى نوعان هما السجن والخطية المالية كعقوبات اصلية إضافة الى وجود عقوبات أخرى مثل سحب رخصة
السياقة أو حجز العربة وغيرها .سيقتصر الحديث عن عقوبة الخطية المالية باعتبارها األبرز في مادة
الطرقات خاصة.
الخطية المالية ،تعد العقوبة األكثر استعماال من قبل المشرع في مجال قانون الطرقات ،وهو توجه يدل
على تبني فكرة التخلي عن عقوبة السجن لتبقى مقتصرة فقط على صور حصرية .فالخطية "بقيت تحتل
الصدارة في جل القوانين التي أقرتها كعقوبة أصلية ومنها القانون التونسي ،وتشغل مكانة مرموقة في جل
السياسات العقابية".3
بناء عليه فان الخطية المالية يمكن أن تكون العقوبة المسؤولة باألساس عن ظاهرة حوادث المرور،
حيث ال بد أن تحقق الجانب الردعي والزجري لتجنب ارتكاب جرائم الجوالن .ولكن عند القيام بدراسة
شاملة لمجال حوادث المرور نجد أن الخطية المالية ال تقوم بواجبها كما يجب أن تقوم به ،وذلك لوجود
صعوبات عديدة تمنعها من ذلك سيقع طرحها في هذه الدراسة المزمع إنجازها.
ال بد من مساءلة الخطية المالية ،ووضعها في "االحتفاظ" الجراء األبحاث الالزمة حول دورها في
الحد من حوادث المرور ومدى قدرتها على القيام به ،ثم استصدار حكم بادانتها أو براءتها.
1احصائيات المرصد الوطني لسالمة المرور ،احصائيات حوادث المرور حسب األسباب الى غاية 25فيفري ،2021موقع المرصد:
( http://www.onsr.nat.tn/onsr/index.php?page=4ar&ty=cause&an=2021تاريخ االطالع.)2021/02/26 :
2تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة ( ،2018باللغة اإلنجليزية) تبلغ النسبة للقارة االفريقية سنة 26.6 ،2016على 100.000ساكن وهي
األعلى مقارنة ببقية القارات مثل القارة األوروبية المقدرة ب 9.3على 100.000ساكن.
Global Status Report on Road Safety 2018, WHO,2018. P.8.
3وفاء وديرة ،بدائل العقوبة السجنية ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس المنار-2018 ،
،2019ص.216.
7
في هذا االطار يتنزل نص الموضوع في دراسة الخطية المالية في مجال حوادث المرور ،وهو ما
يفترض منذ البداية تعريف المصطلحات.
المالحظ أن الخطية المالية في مجال قانون الطرقات نوعان ،جبائية وجزائية .تتسلط األولى على
مرتكبي المخالفات المرورية بناء على التقسيم الثالثي للجرائم المنصوص عليه صلب الفصل 83من مجلة
الطرقات ،وال تتجاوز قيمتها ستون دينار (60د) وتتسلط الثانية على الجنح المرورية وتصل قيمتها الى
خمسة االف دينار (5000د).
يقرر المشرع التشديد في قيمة الخطية المالية في صورة حصول حادث مرور ،ولكن ما المقصود
بحادث المرور؟
يعرف الفصل 3تحت عنوان "تعاريف أخرى" من مجلة الطرقات ،حادث المرور بانه " كل حدث
فجئي يحصل على الطريق واشتركت فيه عربة على األقل وترتبت عنه أضرار بدنية أو مادية".
وبالتالي فان حادث المرور يمكن أن تنجر عنه أضرار بشرية أو أضرار مادية أو كليهما.
والمقصود بطرح موضوع الخطية المالية في حوادث المرور هو معرفة دور الخطية في الحد من
الحوادث المرورية.
حتى يقع التوصل الى ذلك ال بد من تحديد التطورات التي شهدتها هذه العقوبة في التشريع التونسي
للطرقات.
✓ األهمية التاريخية:
لقد شهدت عقوبة الخطية المالية في مجال قانون الطرقات ،تطورا تاريخيا .هذا التطور تمثل في حرص
المشرع في كل مناسبة لتغيير أو تنقيح مجلة الطرقات ،على الترفيع في قيمة الخطية المالية أو إعادة تنظيمها.
يظهر ذلك خاصة في أن الحد األدنى لقيمة الخطية المالية كان يقدر بثمانمائة مليم فقط (800مليم) ،في
حين يصل حاليا الى ستة دنانير (6د).
حيث كانت المجلة الملغاة حاليا ،المؤرخة سنة 1957تنظم العقوبات لتصنفها الى عامة وخاصة .وقد
كانت قيمة الخطية المالية بالنسية للعقوبات العامة تتراوح من ثمانمائة مليم ( 800مليم) الى أربعة دنانير
(4د) في حين تبلغ العقوبات الخاصة قيمة الخطية خمسة دنانير (5د) كحد أدنى الى مائتان واربعون دينار
(240د) كحد أقصى.
8
وحرصا من المشرع على ضرورة الترفيع في قيمة الخطية المالية ،لتكون أكثر ردعا وبالتالي تحقق
النتائج التي وضعت من أجلها ،فان المجلة الحالية المؤرخة سنة 1999والتي الغت االحكام السابقة لها،
شهدت تطورا هي األخرى حول جرائم الجوالن والعقوبات المقررة لها وذلك بناء على التنقيحات المدخلة
عليها( .التنقيحات كانت بتاريخ 2001و 2006و.)2009
قبل إدخال التنقيحات على المجلة ،كان تنظيم الجرائم يقسم الى ثالث أنواع طبقا للتقسيم الثالثي المعتاد
للجرائم ،ولكن يضع تصنيفات داخلية تقسم المخالفات الى خطيرة وعادية ،وهذه األخيرة بدورها تضع ثالثة
أصناف تقدر قيمة الخطية المقررة لها من ثالثة دنانير (3د) الى عشر دنانير (10د).
ولكن تغير التنظيم بعد ادخال التنقيحات على المجلة ،ليصبح كاالتي:
تقسم الجرائم المرورية الى ثالثة أصناف وهي المخالفات والجنح والجنايات.
بالنسبة للمخالفات تصنف الى خمسة أصناف تتراوح قيمة الخطية المقررة لها من ستة دنانير (6د) الى
ستون دينار (60د) وهي 143مخالفة توزع كالتالي:
5عدد المخالفات يصل الى 173وهو ليس نفس العدد 143الموزعة على جدول تحديد المخالفات باألمر عدد 262المؤرخ قي ،2010وذلك
باعتبار أن العدد 143يحدد النقاط الموجودة بالجدول وقد تحتوي النقطة (أو المطة) أكثر من مخالفة واحدة.
9
التي تقوم بارسالها للوالة العالمهم بارتفاع عدد الحوادث بغية أخذ االحتياطات الالزمة وعدة أشياء أخرى،
وأيضا الجمعيات مما يعني أن العقوبة في حد ذاتها غير قادرة على تحقيق الردع لوحدها.
ما يمكن استنتاجه هو أن التطور التشريعي الذي شهدته عقوبة الخطية المالية ،كان له دور في الحد من
حوادث المرور ،ولكن لم يكن بالفاعلية المنشودة.
ما الذي يجعل الخطية المالية غير قادرة على الحد من حوادث المرور؟ هل الن قيمتها منخفضة مقارنة
بالعدد المرتفع للمخالفات المسجلة مما يجعلها غير قادرة على أن تكون ذات بعد زجري أم ألن التوجه الذي
يتوخاه المشرع غير سليم ،من خالل حرصه على التطبيق الحرفي لمبدأ التناسب ليكون عاجزا على أن
"يتجرأ" ليضع عقوبة مشددة على أفعال تبدو في ظاهرها بسيطة وعادية ويترك الشدة الى ما بعد حصول
الكارثة؟
ان اإلجابة عن هذا التساؤل يتطلب العودة الى اآلراء الفقهية والدراسات اوالبحوث العلمية المنجزة في
سبيل تطوير مفهوم عقوبة الخطية المالية حتى تحقق أفضل النتائج المرجوة ،وهو ما يحيل الى األهمية
النظرية.
✓ األهمية النظرية:
ان موضوع الخطية المالية في مجال حوادث المرور ،على الرغم من أهميته على جميع األصعدة،
باعتبار أن هذه العقوبة هي المطالبة بالدرجة األولى في الحد من الجرائم المرورية ،اال أنه لم يقع الحصول
على اية كتابات فقهية أو بحوث ودراسات حول هذا الجانب األهم من قانون الطرقات ،بل كانت كلها تتجه
نحو التركيز على الجزء المتعلق بالتعويضات المالية في صورة حصول حادث مرور.
الخطورة في هذا االطار هو أن غياب ،أو على األقل ،نقص الكتابات الفقهية حول هذا المجال ،فيه داللة
على أن االعتقاد لدى الكافة يتجه نحو اعتبار حوادث المرور "شر ال بد منه" وال يسع سوى محاولة مواساة
من تضرر منها وتعويضه ،ومعاقبة المتسبب فيها بأشد العقوبات.
يتجه الرأي لدينا ان أهمية طرح الموضوع المزمع إنجاز الدراسة بشأنه ،هو أخذ مختلف الجوانب
المتعلقة بعقوبة الخطية المالية من حيث الجرائم المرورية التي ال تنجر عنها حوادث المرور وتلك التي
تؤدي إليها ،وذلك بناء على االعتقاد لدينا في أن تسليط الضوء على مستعملي الطريق قبل حصول الحادث
أهم من النظر فيها بعده ،حرصا على تجنب حصوله قدر اإلمكان.
تكمن أهمية دراسة عقوبة الخطية المالية أيضا ،في أنها تؤكد الميزة التي يحظى بها قانون الطرقات
على خالف بعض المواد األخرى من القانون خاصة المادة المدنية ،من حيث ارتباطه بالقانون الجزائي مما
يجعل أحكامه تهم النظام العام.
اال ان الهدف من العقوبة يبقى مقترنا بمدى زجريته وردعه لمستعملي الطريق ،و بالتالي دور الخطية
المالية في الحد من حوادث المرور ،ويحصل ذلك في صورة الحرص على تطبيق القانون على المخالفين،
مما يسمح معه الحديث عن األهمية التطبيقية للموضوع.
✓ األهمية التطبيقية:
10
الطبيعة القانونية للخطية المالية في مادة الطرقات هي جبائية وجزائية كما سلف قوله .فبالنسبة لتلك
التي تتسلط على األصناف الخمسة من المخالفات المنصوص عليها صلب الفصل 83من مجلة الطرقات،
يمكن اعتبارها جبائية بناء على إجراءات استخالصها عن طريق القباضة المالية ودون اللجوء الى القضاء،
في حين تعتبر األخرى جزائية ،حيث تستخلص بعد استصدار حكم قضائي.
المالحظ هو أن الخطايا المسلطة على المخالفات والمسجلة لدى إدارة الحرس الوطني سنة ،2020
أكثر من تلك المسجلة لديهم حول الجنح المرورية في نفس السنة .حيث يبلغ عدد المخالفات المرورية من
6
األصناف الخمسة 656.255مخالفة في حين سجلت عدد المحاضر العدلية 255.698محضر.
هل يمكن أن يكون ذلك دليل على أن قيمة الخطية المسلطة على المخالفات تجعل منها غير ردعية وال
تحقق الهدف المتمثل في الحد من جرائم الجوالن؟
للوصول إلى إجابة متكاملة ال بد من دراسة الخطية المالية في مجال حوادث المرور من مختلف
جوانبها ،وهو ما سيقع التطرق إليه من خالل هذه الدراسة.
لكن قبل ذلك فإن ما يالحظ من خالل التطبيقات القضائية ألحكام الفصلين 89و 90من مجلة الطرقات
المنظمان لعقوبة مرتكبي حوادث المرور التي ينجر عنها القتل أو الجرح على وجه الخطأ ،هو اللجوء إلى
تطبيق الفقرة األولى من الفصلين آليا في عديد من القرارات التعقيبية ،وذلك قد يحول دون تحقق النجاعة
المطلوبة من عقوبة الخطية المالية في الحد من حوادث المرور.
حيث جاء بالقرار عدد 91881الصادر عن محكمة التعقيب بتاريخ 21جانفي ،2020إقرار للحكم
االبتدائي المتعلق بالجزء الجزائي من القضية ،وقد جاءت الحيثية كما يلي:
"وباستفاء األبحاث أحالت النيابة العمومية بالمحكمة االبتدائية بتونس المتهم على المجلس الجناحي
بالمحكمة المذكورة لمقاضاته من أجل الجرح على وجه الخطأ المنجر عن حادث مرور بسبب عدم أخذ
االحتياطات الالزمة أثناء السياقة طبق أحكام الفصل 89من مجلة الطرقات.
كما جاء بالقرار عدد 98056الصادر عن محكمة التعقيب بتاريخ 21جانفي ،2020إقرار للحكم
االبتدائي المتعلق بالجزء الجزائي من القضية ،ونصت الحيثية على ما يلي:
"وحيث أصدرت المحكمة االبتدائية بمدنين الحكم عدد 6430بتاريخ 2017/11/02والقاضي ابتدائيا
غيابيا بتخطئة المتهمة بثالثمائة دينار (300.000د) من أجل الجرح على وجه الخطأ إثر حادث مرور
7
بسبب عدم أخذ االحتياطات الالزمة أثناء السياقة طبق أحكام الفصل 89من مجلة الطرقات".
نالحظ أن نفس الحيثية نصت على ما يلي نصه ،صلب القرار عدد 92697المؤرخ بنفس التاريخ
السابق وضعه لمحكمة التعقيب:
6إحصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة .2020إدارة حرس المرور-تونس -وزارة الداخلية.
7في نفس السياق جاء القرار عدد 95997-91353-92200 – 92178بتاريخ 21جانفي 2020لمحكمة التعقيب( .غير منشورة)
11
"وبإستفاء األبحاث أحالت النيابة العمومية المتهم على المجلس الجناحي بالمحكمة االبتدائية بجندوبة
لمقاضاته من أجل القتل على وجه الخطأ إثر حادث مرور بسبب عدم أخذ اإلحتياطات الالزمة أثناء السياقة
طبق الفصل 89من مجلة الطرقات أصدرت المحكمة حكمها عدد 4493بتاريخ 2017/11/30بسجن
8
المتهم مدة خمسة عشرة يوما (15يوم) وتخطئته بخمسمائة دينار (500د) ."...
المالحظ أن المحكمة في عديد القرارات تلجؤ إلى تطبيق الفصلين 89و 90من مجلة الطرقات آليا
ودون تسليط الحد األقصى للعقوبة بل تسعى إلى إجراء سلطتها التقديرية ،مما يسمح معه القول في اعتقادنا
أن ذلك يكرس المحدودية الخطية المالية في الحد من حوادث المرور.
إن التساؤل عن النجاعة يقتضي التطرق إلى ماهو موجود للوصول إلى المنشود ،فبناء على إعتبار أن
الخطية المالية عاجزة ،على األقل إلى حد ما ،عن تحقيق نتائج فعالة فيما يهم الحد من حوادث المرور
الكارثية ،فإنه ال بد من دراسة الصعوبات التي تعترضها بغية بسط الحلول التي تساعدها على الوصول إلى
الهدف المنشود.
هذه الفرضية تتطلب اإلنطالق في دراسة النجاعة المحدودة للخطية المالية في الحد من حوادث
المرور(الجزء األول) للوصول إلى النجاعة المنشودة لها (الجزء الثاني).
8المالحظ أن المحكمة طبقا لهذه الحيثية تطبق الفصل 89من مجلة الطرقات على مرتكب جريمة القتل على وجه الخطأ إثر حادث مرور في حين
أن الفصل الذي يجب أن ينطبق هو 90من نفس المجلة.
12
.Iنجاعة محدودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور:
توجد عدة صعوبات تجعل من الخطية المالية في مجال حوادث المرور غير قادرة على تحقيق النجاعة
الكافية.
تبرز هذه الصعوبات في صورة ارتكاب جرائم مرورية دون حصول حادث ( )1وأيضا في صورة
ارتكاب جرائم الجوالن التي ينجر عنها حادث مرور (.)2
لتحديد الصعوبات التي تجعل من الخطية المالية ذات نجاعة محدودة في مجال حوادث المرور ،ال بد
من التمييز بين الخطية المالية المقررة للمخالفات (أ) وتلك التي تتعلق بالجنح (ب).
إذا كانت الجريمة من قبيل المخالفات ،فان الخطية المالية المقررة لها على معنى الفصل 83من مجلة
الطرقات تقسم الى خمسة أصناف ،كل صنف يعاقب عليه مخالفه بخطية تتراوح قيمتها من ستة ( )06دنانير
الى ستون ( )60دينار.9
يحدد هذا النوع من المخالفات ضمن قائمة تضبط بأمر .ولقد صدر األمر عدد 262في هذا اإلطار
11
بتاريخ 15فيفري 102010وقد احتوى على جدول متكون من 143صورة من صور المخالفات.
ـ مخالفات
ـ جنح
ـ جنايات
13
ان أبرز ما يالحظ في هذا الجدول هو أن المخالفات مقسمة بناء على معيار مجال أو موضوع المخالفة
والتي حدد المشرع لكل منها صنفا من األصناف الخمسة.
يبدو أن هذا التقسيم يؤدي الى التشتت وعدم القدرة على االلمام بجميع المخالفات خاصة أنها غير منظمة
في الجدول وفقا لمعيار األصناف الخمسة ،وبالتالي فانه إذا كانت المخالفات منظمة بطريقة تجعل مخالفات
الصنف الخامس مجمعة معا ومخالفات الصنف الرابع توضع تباعا وهكذا لبقية األصناف ،فان ذلك يمكن
من تحديد وحصر المخالفات وبالتالي تضمن حدا أدنى من تذكرها ،خاصة أن السائق على سبيل المثال
"ينسى أو يتناسى قواعد السير وخاصة منها المهتمة بالسالمة بعد أشهر أو سنوات قليلة من احرازه على
رخصة السياقة""12.ولعل هذه الحالة ناتجة ال عن عدم الشعور بالمسؤولية فقط بل عن تشعب وصعوبة
13
فصول هذا القانون مما يعسر حفظه وفهمه خاصة بالنسبة للسواق ذوي القدرات الفكرية المحدودة".
يؤدي تعدد الصور المحددة بالجدول ،إضافة الى عدم تنظيمها وفقا لمعيار األصناف باعتباره األدق،
الى خطورة عدم تطبيق هذه النصوص القانونية وبالتالي عدم تحقق النجاعة المطلوبة من الخطية المالية
كعقوبة "مطالبة" بالحد من حوادث المرور.
أبرز مثال على عدم تطبيق الفصول المنظمة للمخالفات ،هو ما يتعلق بالمترجل .حيث نظم المشرع
عقوبة لمخالفة القواعد المتعلقة بالمترجلين ضمن جدول تحديد المخالفات وذلك في الباب الثاني منه ،وقد
تضمن خمسة صور اقتضت عقوبة من الصنف الثاني والثالث حسب تقسيم المخالفات المدرج بالفصل 83
من مجلة الطرقات ،ولكن ما يالحظ هو أنه ال يوجد ما يؤكد أن القانون يطبق على المترجل .رغم أن
المترجل يتصدر المراتب األولى في األطراف المتسببة في حوادث المرور وذلك بناء على احصائيات
14
المرصد الوطني لسالمة المرور.
حيث بلغ عدد الحوادث القاتلة التي يكون فيها المترجل سببا في الحادث ،طيلة الخمس سنوات الماضية
( 806 ،)2020-2016قتيل أي بنسبة %13.22وهي نسبة مرتفعة مقارنة بغيرها من األسباب مثل السهو
وعدم االنتباه المقدرة ب 748قتيل أي بنسبة .%12.27
كذلك االمر عندما يكون المترجل طرفا مشاركا في الحادث ،فان عدد القتلى في نفس الفترة الزمنية بلغ
1596قتيل أي بنسبة % 26.17وهي أيضا نسبة مرتفعة مقارنة ببقية األطراف المشاركة ،مثل سقوط
راكب المقدرة ب 47قتيل أي بنسبة .%0.77
هناك عدة أسباب تؤدي الى عدم تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالمترجل ،من بينها غياب العلم
لدى أغلب األشخاص بوجود عقوبات خاصة بالمترجل ،رغم أن قرينة العلم بالقانون تقتضي أال يعذر أحد
بجهله للقانون ولكن الواقع يختلف عن مقتضيات هذا المبدأ.
14صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر عدد 151واألمر عدد .)147
-مخالفات من الصنف الثاني (قيمة المخالفة 10 :دنانير):
45صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر عدد 151واألمر عدد 150واألمر عدد 147وقرار )1
-مخالفات من الصنف الثالث (قيمة المخالفة 20 :دينارا)
55صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر عدد 151واألمر 150والقرار 1والقرار 2والقرار 3واألمر 147واألمر )2016
-مخالفات من الصنف الرابع (قيمة المخالفة 40:دينار)
30صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر 151واألمر 145واألمر .)2016
-مخالفات من الصنف الخامس (قيمة المخالفة 60 :دينار)
29صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر 151واألمر 150واألمر )2016
12الدكتور سمير بن يحمد ،الوقاية من حوادث الطرقات ،سلسلة االعالم في خدمة المجتمع :2االعالم وسالمة المرور ،وزارة االعالم ،نزل
افريقيا 20و 21أفريل .1982ص.75.
13نفس المرجع ص.75.
14موقع المرصد الوطني لسالمة المرور( https://cutt.ly/gkrwxon .تاريخ االطالع 22 :جانفي ).2021
14
فالمترجل ال يعي مدى خطورة اقترافه لجريمة "السير في غير األماكن المخصصة للمترجلين" أو
التجول في ساحة معبد أو تقاطع طرقات" أو جريمة "عبور المعبد المنظمة به حركة الجوالن من قبل
عون أو بواسطة إشارات ضوئية دون انتظار اإلشارة التي تسمح بالعبور"15.إضافة الى أنه ال توجد اليات
تمكن من تنفيذ العقوبات الخاصة بالمترجلين واثباتها.
ان الخطورة ترتكز حول الدور الذي يتدخل فيه المترجل كسبب رئيسي في حصول حوادث المرور
دون أن توجد الحلول الناجعة في الحد من ذلك ،حيث أنه ال يمكن القاء كامل المسؤولية على المترجل في
حين توجد عدة أسباب تتداخل لتجعل منه "طرفا معفى من تطبيق القانون".
فباإلضافة الى غياب الوعي لدى المترجل بقانون الطرقات الذي يصل الى حد اعتقاد البعض أنه ال
يشملهم ،فان إلزام المترجل بالسير في األماكن المخصصة للمترجلين تصبح غير ممكنة في غياب هذه
األماكن ،واجباره على احترام اإلشارات الضوئية في حين انها غير موجودة او ال تعمل ،يزيد االمر تعقيدا،
وكذلك منعه من التجول في ساحة المعبد او تقاطع الطرقات في حين ان الرصيف أصبح مكانا مخصصا
للسيارات واالنتصاب الفوضوي والمقاهي يجعل من احترامه للقانون غير ممكن .وهو أمر في غاية من
الخطورة وال بد من إيجاد الحلول الجذرية وتفعيلها جديا للحد من الكوارث التي تتسبب فيها حوادث المرور.
باإلضافة الى ما تقدم فانه ال بد من التطرق الى امر في غاية من األهمية فيما يتعلق بالمخالفات ،حيث
يالحظ أن قيمة الخطية المالية المقررة لألصناف الخمسة من المخالفات ال تتجاوز الستون دينار وذلك
العتبارات عدة أبرزها ان تصنيف الجريمة ضمن المخالفات في القانون الجزائي يدل على أنها ال تعتبر
خطيرة مبدئيا.
في حين أ ن ذلك غير صحيح حسب اعتقادنا ،فظاهر األمور ليس كباطنها ،حيث قد تبدو الجريمة انها
بسيطة ومن األفعال التي من الممكن التسامح في شانها وال تحقق بالضرورة اضرارا اال ان ذلك ليس دائما
صحيح .فاألخذ بفلسفة علم العقوبة التي تنبني على مبدا أساسي وهو مبدا التناسب بحذافيرها وتطبيقها على
جميع صور الجرائم من شانه ان يؤدي الى نتائج سلبية.
معلوم ان مبدا التناسب وفقا لعلم العقوبة يتكون من ثالثة عناصر أساسية يقع تسليط العقوبة المالئمة
بناء عليها وهي القيم والمبادئ االجتماعية وخطورة العدوان والخطأ ،ان ذلك يعني انه ال بد ان تكون الفعلة
تمس من القيم والمبادئ االجتماعية وتصبح تشكل خطرا على المجتمع ال بد من حمايته منها عبر تسليط
16
العقوبة المالئمة ،إضافة الى تحقق الخطأ في جانب مرتكبها.
مما يعني أنه في صورة المخالفات على معنى قانون الطرقات على سبيل المثال ،فان العقوبة المقررة
بشأن هذا الصنف من الجرائم ال بد فيها من االخذ بعين االعتبار انها ال تشكل خطرا مباشرا على المجتمع
وال في حد ذاتها ،بالتالي فان العقوبة يجب ان تكون مالئمة لها .ولكن الواقع يختلف عن التنظير ويثبت
عكس ذلك.
15الصور 90و91و 93من الحاالت المنصوص عليها بجدول تحديد المخالفات المتعلقة بالمترجلين صلب األمر عدد 262المؤرخ في .2010
16أمين مصطفى محمد ،مبادئ علم االجرام (الظاهرة اإلجرامية بين التحليل والتفسير) ،دار الجامعة الجديدة-اإلسكندرية .2008 ،ص 77.الى
.84
15
حيث بالرجوع الى احصائيات المخالفات المرورية المرفوعة من قبل وحدات الحرس الوطني لسنة
2020نجد عدة مخالفات مسجلة من األصناف الخمسة كما يلي:
بالعودة الى األسباب التي تتدخل في حصول حوادث المرور لسنة 2020ومقارنتها بأنواع المخالفات
المنصوص عليها بجدول تحديد المخالفات نجد أنه توجد عدة أسباب لحوادث المرور كانت من قبيل
المخالفات وليست الجنح.
حيث سجل المرصد الوطني لسالمة المرور سنة 2020ستة ( )06أنواع من المخالفات ذات الصنف
الخامس 18من أصل 29نوع في هذا الصنف كأسباب رئيسية في حصول حوادث المرور.
تتمثل هذه المخالفات فيما يلي:
19
احصائيات حوادث المرور حسب األسباب لسنة 2020
عدد الجرحى عدد القتلى الحوادث عدد الصنف الخامس
المترتبة عنها من المخالفات ()60د
74جريح 10قتلى 48حادث مرور السير في االتجاه
الممنوع.
(الصورة الرابعة
من الجدول)20
17احصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة 2020مأخوذة من إدارة الحرس الوطني (وقع الحصول على هذه االحصائيات عن طريق الهيكل
المزمع انجاز التربص داخله وهو المرصد الوطني لسالمة المرور).
18وقع اختيار الصنف الخامس باعتباره الصنف األكثر تسجيال من قبل وحدات االمن مقارنة ببقية األصناف لسنة .2020
19احصائيات المرصد الوطني لسالمة المرور .موقع المرصد (مرجع سابق).
20جدول تحديد المخالفات المضمن صلب االمر عدد 262سابق الذكر.
16
1136جريح 272قتيل 713حادث مرور السرعة تجاوز
القصوى المسموح بها
بعشرين ( )20كلم في
21
الساعة
(الصورة 19من
الجدول)
696جريح 40قتيل 446حادث مرور احترام عدم
األولوية( .الصورة 33
من الجدول)
ما يالحظ اذن أن نسبة كبيرة من حاالت الجرائم التي تصنف كمخالفات تساهم في حصول حوادث
المرور على غرار بقية الجرائم ،مما قد يسمح معه القول بأن قيمة الخطية المالية غير مالئمة لحقيقة المخالفة
وخطورتها.
قد يبدو هذا التحليل لصور المخالفات من الصنف الخامس وتسببها في حصول حوادث المرور ،غير
متناسق مع أحكام مجلة الطرقات وخاصة الفصلين 89و 90منها ،حيث أن التحليل القانوني السليم يقتضي
قراءة النصوص القانونية بطريقة متناسقة.
بالرجوع الى الفصلين 89و 90من مجلة الطرقات يالحظ أنها تنظم الصور التي يؤدي فيها حادث
المرور الى القتل أو الجرح على وجه الخطأ.
21ال بد من اإلشارة الى أن السرعة كسبب في حصول حوادث المرور المقصود به ضمن احصائيات المرصد ليس فقط هذا الصنف من السرعة
وانما يشمل كل صور مخالفة االحكام المتعلقة بالسرعة.
17
وقد تضمنت الفقرة الثانية من الفصلين إحالة الى الفصول من 83الى 88من نفس المجلة ،مما يعني
أنه في صورة حصول حادث مرور نجم عنه القتل أو الجرح ،وكان السبب في هذا الحادث هو أحد الجرائم
المنصوص عليها صلب فصول اإلحالة ،فان العقوبة ترفع.
بالتالي يصبح مقصد المشرع واضح من خالل تصنيفه للجرائم ،والتي يبدو من خاللها أنه يميز بين
الصور التي يرتكب فيها جريمة من جرائم الجوالن دون أن يؤدي ذلك بالضرورة الى حصول حادث مرور
وتلك التي ينجر عنها حادث مرور قاتل أو ضار.
اال أنه وفي اعتقادنا ال بد من التركيز على قيمة الخطية المالية قبل حصول الحادث وليس بعده ،كما
سيقع التأكيد عليه الحقا.
إضافة الى الصعوبات المتعلقة بالخطية المالية المقررة للمخالفات فانه ال بد من التطرق الى الصعوبات
المتعلقة بالخطية المالية المقررة للجنح.
نظم المشرع الجنح المرورية صلب الفصول من 85الى 88من مجلة الطرقات ،وقرر لكل منها خطية
22
مالية تتراوح بين مائة ( )100دينار وثالثة االف ( )3000دينار.
تظهر الصعوبات فيما يتعلق بالجنح خاصة في اإلجراءات التي يقع من خاللها تطبيق العقوبة المقررة
اليها ،باإلضافة الى الصعوبات االصلية.
-صعوبات إجرائية:
ان استخالص الخطايا المالية في هذا الصنف من جرائم الجوالن يتم بناء على حكم قضائي ،حيث ينص
الفصل 101من مجلة الطرقات على ان معاينة الجرائم من هذا الصنف يتطلب تحرير محضر يحال على
العدالة.
وتضمنت الفصول 107و 108و 109من مجلة الطرقات المتعلقة بتطبيق العقوبات ،ما يؤكد ذلك اذ
23
يفهم من أحكامها أن استخالص الخطايا المتعلقة بها يقع بناء على حكم قضائي.
22ال بد من اإلشارة الى ان المشرع أضاف في بعض صور الجنح العقوبة السجنية ولكن سوف يقتصر الحديث حول عقوبة الخطية المالية
باعتبارها محور الدراسة.
23حيث جاءت العبارات دالة على أن تطبيق العقوبات يكون بناء على حكم قضائي اذ جاء بالفصل 107عبارة "يحكم عليه" والفصل 108جاء
فيه " ...فانه ال يصدر اال حكم واحد بشأنها "...وكذلك الفصل 109جاء فيه" :كل من حكم عليه من أجل احدى الجرائم...من تاريخ صدور حكم
بات يتعرض الى احدى العقوبتين السجن والخطية أو أقصى احداهما فقط"( .نفس المرجع).
18
-يقع "معاينة احدى الجرائم المنصوص عليها بالفصول من 85الى 91من مجلة الطرقات" 24من
25
قبل السلطات المكلفة بذلك.
-يتم تحرير محضر معاينة.
-يقع إحالة المحضر للمحكمة المختصة.
-يتمتع المخالف بحق االعتراض 26وعند ممارسته لهذا الحق يجب أن يؤمن مبلغ الخطية بالقباضة
المالية.
المالحظ أن المشرع وضع ضمانات تمكن من تحقيق الجانب الردعي لعقوبة الخطية المالية خاصة أن
األصل هو أن تكون "نجاعة الخطية الجزائية تتحدد بمدى نجاعة تنظيم النصوص التشريعية لكل الجوانب
المتعلقة بها ،فكلما كان مقدار الخطية محددا بحسب معايير مضبوطة وخاضعة لمالحقة قضائية وإدارية
محكمة كلما كان للخطية أثر على شخص المحكوم عليه مناسبا لدرجة خطئه وخطورة أفعاله" ،27لكن الواقع
يؤكد خالف ذلك.
حيث أن إجراءات استخالص الخطايا معقدة ومطولة وهو ما يؤدي الى عدم تحقق األهداف المرجوة.
فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بمجاوزة السرعة القصوى بخمسين كلم في الساعة أو أكثر ،فان مرتكب هذه
الجنحة يعاقب بخطية "تتراوح قيمتها من مائة وعشرون ( )120دينار الى مائتان واربعون ( )240دينار"،28
وقد جاء بالفصل 101مكرر فقرة أخيرة من نفس المجلة ما يلي:
"عند تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين ( )50كلم في الساعة أو أكثر والتي يتم اثباتها
بواسطة الرادار االلي ،تتولى مصلحة المرور التي ثبتت لديها الجنحة استدعاء مالك العربة عن طريق
البريد مضمون الوصول وذلك في اخر عنوان له مسجل لدى مصالح التعريف الوطني ويحرر في شانه
محضر يحال على العدالة طبقا ألحكام الفقرة األولى من الفصل ."101
ان هذه اإلجراءات تؤدي بالضرورة الى تراكم المحاضر لدى المحاكم مما يرهق كاهل القضاة في
اصدار االحكام ،وبالتالي ال تتحقق نجاعة العقوبة.
وتبقى الصعوبات قائمة في هذا اإلطار فيما يتعلق بإجراءات استخالص الخطايا ،حيث يبقى اللجوء الى
المحاكم لتسليط عقوبة الخطية المالية في الجنح المرورية ،من بين أبرز العوائق التي تحول دون تحقق
النجاعة الكافية لهذه العقوبة.
حيث بقي ذلك الهاجس دون أن يقع تخطيه من قبل المشرع في النصوص القانونية المنظمة خاصة
للجنح ،حتى بعد ادخال التنقيحات لمجلة الطرقات.
24الفصل 101فقرة أولى من مجلة الطرقات :عند معاينة احدى الجرائم المنصوص عليها بالفصول 85و 86و 87و 88و 89و 90و 91يحرر
في شانها محضر يحال على العدالة ونوجه نسخة منه الى السلط اإلدارية المختصة ،إذا كانت الجريمة من الجرائم التي تنجر عنها عقوبة إدارية".
25المثال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو المخالفة المتعلقة بتجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين ( )50كلم في الساعة والتي
تصنف من قبل الجنح .حيث تضمنت الفقرة األولى من الفصل 101مكرر ما يلي " :عند تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين كلم في
الساعة أو أكثر والتي يتم اثباتها بواسطة الرادار االلي ،تتولى مصلحة المرور التي ثبتت لديها الجنحة استدعاء مالك العربة عن طريق البريد
مضمون الوصول وذلك في اخر عنوان له مسجل لدى مصالح التعريف الوطني ويحرر في شأنه محضر يحال على العدالة طبقا ألحكام الفقرة
األولى من الفصل ."101
26ينظم المشرع هذا الحق صلب الفصل 101ثالثا من مجلة الطرقات.
27أمال الجالصي ،الخطية الجزائية ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة تونس المنار
.1999ص.4.
28الفصل 86فقرة 2من مجلة الطرقات.
19
"كانت هناك محاضر وهذه المحاضر تحال على المحكمة وتراكمت ،ألنها عشرات االالف من المحاضر
فمهما كان المجهود المبذول من طرف المحاكم ال يمكن أن تستجيب لهذا العدد" 29.هذا الراي المتعلق
بجعل الخطايا المستوجبة للمخالفات تستخلص لدى القباضات المالية دون التوجه الى المحاكم ،نجده
بمداوالت مجلس النواب حول اصدار مجلة جديدة (وهي المجلة الحالية) لسنة ،1999لم يشمل سوى
المخالفات ،ولكن الراي لدينا هو أن يقع تعميم هذا التوجه في جميع جرائم الجوالن ،سواء كانت مخالفات
أو جنح في صورة غياب حادث مرور ،ويبقى التوجه الى العدالة يقتصر فقط على الحاالت التي يحصل
فيها حادث مرور.
قد يقع نقد هذا التوجه من حيث أنه يخالف المبدأ الدستوري المتعلق بالحق في المحاكمة العادلة وذلك
صحيح من وجهة نظر قانونية ،خاصة أن التوجه الذي يتبناه المشرع في تسليط العقوبة فيما يتعلق بالجنح
يبرز ضرورة تدخل السلطة التقديرية للقاضي لتسليط العقوبة الجزائية خاصة فيما يتعلق بالجنح التي تقتضي
عقوبة سجنية .اال أنه وبالنظر الى عدم تحقق األهداف الزجرية للعقوبة الجزائية ،والدليل كما سبق بيانه،
فانه ال بد من تغليب األهم على المهم.
حيث انه وبالنظر الى الكوارث التي تتسبب فيها حوادث المرور والخسائر البشرية واالقتصادية فان
العقوبة الجزائية اما أن تحقق نتائج فعالة أو أن تبقى مسجونة داخل المجالت القانونية محترمة للقواعد
الدستورية.
إضافة الى ذلك فان فكرة التخلي عن التوجه الى القضاء العدلي في صورة حصول جنحة مرورية ال
تقطع تماما مع مبدا الحق في المحاكمة العادلة باعتبار وجود ما يسمى بحق االعتراض.
ال بد من اإلشارة الى امر في غاية من األهمية ،حيث يالحظ أنه وفي جريمة تجاوز السرعة القصوى
المث بتة بواسطة الرادار االلي توجد عديد المخالفات المسجلة ولكنها غير مستخلصة وهو أمر خطير ويؤكد
محدودية نجاعة الخطية المالية.
طبقا لإلحصائيات التي قامت بها إدارة الحرس الوطني 30فانه يالحظ أن مخالفات الرادار االلي غير
المستخلصة خالل الفترة الممتدة من 2014الى 2018مقدرة كاالتي:
فمن أصل 634.029مخالفة مسجلة بواسطة الرادار للفترة الممتدة من 2014الى 2018يوجد
293.773مخالفة غير مستخلصة أي 340.256مخالفة فقط مستخلصة! أي تقريبا نصف المخالفات غير
مستخلصة وهو ما يستدعي التأكيد على أن السبب في اغلب الظن يعود باألساس الى اإلجراءات المعقدة في
استخالص الخطايا المالية.
29مداوالت مجلس نوب الشعب بتاريخ 06جويلية ،1999ص .2281.موقع مجلس نواب الشعب-المداوالت.https://cutt.ly/5kuFjRf .
30 30اإلدارة العامة للحرس الوطني ،الجمهورية التونسية -وزارة الداخلية -احصائيات حوادث المرور 2018،ص.123
20
تتأكد الخطورة في هذا اإلطار في أن عدم استخالص الخطايا أو على األقل التأخر في استخالصها
يؤدي الى خسائر هامة ،أبرزها حوادث المرور ،خاصة وأن السرعة تعد من أبرز األسباب في حصولها
كما سبق بيانه ،إضافة الى المبالغ المالية التي يتأخر صرفها لحساب خزينة الدولة مما يشكل عائقا اقتصاديا
هاما.
حيث يالحظ ان القيمة المالية بالدينار للمخالفات المستخلصة في الفترة من سنة 2014الى سنة 2018
أقل من تلك غير المستخلصة في نفس الفترة وهو أمر خطير.
فبناء على احصائيات إدارة الحرس الوطني فان مجموع المخالفات غير المستخلصة يبلغ ما قيمته
31.989.420د في حين يقدر مبلغ المخالفات المستخلصة 20.600.426د ،والجدول التالي يوضح ذلك:
-صعوبات أصلية:
المقصود بالصعوبات االصلية هو ما يتعلق بمحتوى العقوبات المسلطة على مرتكبي الجنح المرورية
ومدى نجاعتها في الحد من حوادث المرور.
ال بد من التذكير بأن الجنح المرورية منظمة صلب الفصول من 85الى 88من مجلة الطرقات وتتوزع
كاالتي:
• 10أنواع من الجنح التي يعاقب عليها بخطية تتراوح قيمتها من مائة ( )100دينار الى مائتان
( )200دينار منصوص عليها صلب الفصل 85من مجلة الطرقات.
• تضمن الفصل 86من المجلة في فقرته األولى ،جنحة عقوبتها الخطية المالية وتتراوح قيمتها من
مائة ( )100دينار الى خمسمائة ( )500دينار ونوع ثاني من الجنح في الفقرة الثانية من نفس الفصل
وعقوبتها الخطية المالية التي تتراوح قيمتها من مائة وعشرون ( )120دينار الى مائتان وأربعين ()240
دينار ،و 7أنواع من الجنح في الفقرة الثالثة من نفس الفصل ،التي تتسلط على مرتكبها عقوبة السجن لمدة
21
أقصاها شهر وخطية مالية تتراوح من مائة وعشرون ( )120دينار الى مائتان ( )200دينار أو بإحدى
العقوبتين فقط.
• تضمن الفصل 87من المجلة 11نوع من الجنح التي تكون عقوبتها السجن لمدة أقصاها ستة أشهر
وخطية تتراوح بين مائتان ( )200دينار وخمسمائة ( )500دينار أو بإحدى العقوبتين فقط.
• احتوى الفصل 88من المجلة على 4أنواع من الجنح التي تكون عقوبتها السجن من ستة أشهر الى
ثالث سنوات والخطية المالية التي تتراوح من خمسمائة دينار ( )500الى ثالثة االف دينار (.)3000
22
استعمال عربة تحمل حاوية غير مثبتة بمزالج
ملتوية،
الفصل 87من مجلة الطرقات
السياقة تحت تأثير حالة كحولية،
السياقة بدون رخصة أو السياقة بدون الحصول
على الصنف المطلوب.
السير في االتجاه المعاكس بالطرقات السيارة أو
الرجوع على األعقاب السيما بعبور األرض المسطحة أو
باستعمال نقاط العبور الخاصة.
عدم االمتثال إلشارة الوقوف أو للمراقبة من قبل
األعوان المكلفين بذلك والمباشرين مع اختراق الحواجز
المادية الموضوعة من قبلهم للغرض
رفض الخضوع إلجراءات إثبات الحالة الكحولية
استعمال عربة غير حاملة للوحة الصانع في
يعاقب بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر وبخطية الجوالن من قبل مالك أو ممثل قانوني لشخص معنوي.
تتراوح من مائتي ( )200دينار إلى خمسمائة ()500 إدخال تغييرات جوهرية على عربة بدون ترخيص.
دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط تعليم السياقة بدون إجازة.
تعليم السياقة بدون الحصول على شهادة الكفاءة
المهنية.
مخالفة األحكام المتعلقــة بالمرور على الجسور
وجوالن مجموعات العربات التي تشتمل على عدة
عربات مجرورة والنقل االستثنائي.
استغالل مؤسسة تعليم سياقة العربات أو مركز
مختص في التكوين في مجال سياقة العربات دون إمضاء
كراس الشروط وإيداع التصريح بالشروع في االستغالل
باستثناء مؤسسات تعليم سياقة العربات التي تم
الترخيص لها قبل صدور القرار المشار إليه بالفقرة الثانية
من الفصل 81من هذه المجلة.
الفصل 88من مجلة الطرقات
وضع عربة في الجوالن غير حاملة للبيانات
المتعلقة بتشخيصها أو وقع محوها أو إزالتها جزئيا أو
كليا أو وقعت إحاطتها باللحام.
إدخال تغيير على البيانات المتعلقة بتشخيص
يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثالث سنوات العربة
وبخطية تتراوح من خمسمائة ( )500إلـى ثالثـة آالف الجوالن بعربة غير مجهزة بلوحتي تسجيل
( )3000دينـار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط بالنسبة إلى العربات الواجب تجهيزها بلوحتي تسجيل
أو غير مجهزة بلوحة تسجيل بالنسبة إلى العربات
الواجب تجهيزها بلوحة واحدة أو الجوالن بعربة تعمد
سائقها حجب لوحة تسجيلها كليا أو جزئيا أو الجوالن
بعربة مجهزة بلوحة تسجيل تحمل رقم تسجيل ال
يخصها.
ـ الجوالن بعربة غير مسجلة أو بشهادة تسجيل
مدلسة أو غير مطابقة للعربة
الواضح ان المشرع نظم بدقة الجنح المرورية والعقوبات المقررة لها ،ولكن التنظيم القانوني فقط ال
يكفي لتحقيق الغايات من سن القوانين ،بل ال بد من الحرص على تطبيق هذه النصوص القانونية.
بالرجوع الى الواقع نجد أنه يعكس خالف ذلك في عدة وضعيات ،حيث توجد فصول قانونية صلب
مجلة الطرقات غير منطبقة ويعود ذلك ألسباب عديدة.
نذكر من بين هذه األسباب كثرة الفصول وتضخم عدد الجرائم التي يصعب الى حد االستحالة أن يقع
االلمام بجميعها سواء من قبل مستعملي الطريق أو السلطات المطالبة بتطبيق القانون.
23
حيث أن السرعة على سبيل المثال ،باعتبارها من أكثر األسباب التي تؤدي الى حصول حوادث مرور
كارثية ،فان المالحظ أن الفصول المنظمة لها مبعثرة داخل النصوص القانونية بصورة تجعل من االلمام
بها أمرا عسيرا.
حيث نجدها منظمة صلب الفصول من 13الى 15من مجلة الطرقات ،و أيضا الفصل 86في فقرته
الثانية من نفس المجلة والفصل 102فقرة أولى والفصول من 3الى 13من االمر عدد 151المؤرخ في
24جانفي 2000والمتعلق بالقواعد العامة للجوالن بالطرقات ،و المخالفات المضمنة صلب االمر عدد
262المؤرخ في 15فيفري 2010والمتعلق بضبط قائمة المخالفات ألحكام مجلة الطرقات ونصوصها
التطبيقية ،في الباب الثاني من العنوان األول تحت عنوان المخالفات المتعلقة بالسرعة و التي تحتوي على
6صور من الحالة عدد 17المحددة بالجدول الى الحالة عدد 23منه ،إضافة الى قرار وزير النقل المؤرخ
في 25جانفي 2000والمتعلق بضبط خاصيات واقيسة اإلشارات الدالة على السرعة القصوى المسموح
بها وشروط وضعها الذي تضمن 8فصول.
هذا التضخم التشريعي يؤدي حتما الى عدم قدرة أعوان األمن على سبيل المثال المعاينين للجرائم من
االلمام بجميعها وتسجيلها ،مما يبرر غياب تطبيقات لعدة نصوص قانونية ،حيث أن ذلك سيؤدي الى ارهاق
وتشتيت مجهودات السلطات المختصة بالمعاينة وبالتالي عدم احترام القانون.
خاصة وانه توجد صعوبة في اثبات بعض الجرائم في عدة مناطق من الجمهورية ،وأيضا في نقص
االسطول األمني المعني بمعاينة الجرائم المرورية.
وفي إطار الحديث عن اثبات الجرائم ،من المهم التطرق الى وسائل اثبات بعض الجرائم التي نظمها
المشرع صلب االمر عدد .31155
ان الخطورة في غياب وسائل االثبات تكمن في اآلثار المترتبة عن ذلك ،والتي تتمثل حتما في عدم
تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالجرائم المعنية باإلثبات.
31االمر عدد 155مؤرخ في 2000/01/24يتعلق بتحديد أجهزة ووسائل اثبات بعض جرائم الجوالن وضبط شروط استعمالها .موقع بوابة
التشريع-تونس البوابة الوطنية لإلعالم القانوني( http://www.legislation.tn/affich-code/Code-de-la-route__93 .تاريخ االطالع
على الموقع .)2021/02/08 :
24
فعدم توفر الة مراقبة السرعة ومدة السياقة ومدة الراحة ،سوف يؤدي الى التفصي من المسؤولية
الجزائية لمرتكب الجرائم المتعلقة بالسرعة ،عدى ما يقع اثباته بأجهزة الرادار التي ال توجد اال بصورة
قليلة مقارنة بعدد الحوادث المنجرة عن السرعة.
كذلك األمر فيما يتعلق بالة اختبار الحالة الكحولية ،والتي سيؤدي غيابها او عدم نجاعتها الى عدم
المسائلة الجزائية لمرتكبي جرائم السياقة تحت تأثير حالة كحولية وهي جريمة من صنف الجنح المعاقب
عليها "بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر وبخطية تتراوح من مائتي ( )200دينار الى خمسمائة ( )500دينار
أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط" ،32وأيضا جنحة "رفض الخضوع إلجراءات اثبات الحالة الكحولية" ،حيث
لن يحصل هذا الرفض ،ليس بسبب الخوف من العقاب وانما بسبب غياب جهاز االثبات أو على األقل عدم
نجاعته.
حيث جاء في التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية 33أن البالد التونسية تحقق معدل 4على
10في سلم تحديد نسبة تطبيق الدولة لقانون السياقة في حالة سكر ،والتي تعد منخفضة مقارنة ببعض الدول
األخرى مثل مصر ( 6على )10والجزائر ( 8على )10وعمان ( 8على ،)10كذلك فرنسا ( 8على )10
واليابان ( 9على )10وتصل في كازاخستان الى ( 10على .)10
يظهر الخطر أيضا بالنسبة لغياب الة وزن العربات ،في أنه لن يقع تطبيق أحكام الفصل 86من مجلة
الطرقات والذي يجرم تجاوز الوزن الجملي المرخص به أو تجاوز الحمولة القانونية ،ويقرر عقوبة الخطية
المالية التي تتراوح من مائة ( )100دينار الى خمسمائة ( )500دينار.
رغم أن الشاحنة الثقيلة على سبيل المثال تشارك في حصول حوادث المرور بنسب مرتفعة ،حيث أثبتت
االحصائيات لدى المرصد الوطني لسالمة المرور ،34أنه وعلى طيلة السنوات الممتدة منذ اخر تنقيح ادخل
على المجلة فقد سجلت عدد 1929قتيل 35كطرف مشارك في الحادث ،وأن أبرز األسباب يعود الى عدم
مالزمة اليمين بنسبة % 23.59من القتلى وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالسيارة المقدرة ب%13.06من
القتلى ،بحيث أنه عندما يكون السبب في الحادث القاتل هو عدم مالزمة اليمين وتكون الشاحنة الثقيلة طرفا
فيه فان نسبة القتلى تكون اكثر من تلك التي تكون فيها السيارة طرفا في الحادث.
فاذا وقع توفير أجهزة قيس وزن العربات فان ذلك سيساعد بدرجة كبيرة على التخفيض من عدد
الحوادث الكارثية التي تقع بسبب تجاوز الحمولة القانونية أو الوزن الجملي المرخص به خاصة فيما يتعلق
بالشاحنات الثقيلة باعتبارها تؤدي الى نتائج كارثية ،عند حصول الحادث المروري ،على جميع األصعدة.
بما أن المجهودات التي يقوم بها المرصد الوطني لسالمة المرور وغيره من األطراف المشاركة ،نحو
الحد من الحوادث يساهم في انخفاضها بنسب هامة ،فان من واجب بل من مسؤولية السلط المختصة بتوفير
االت اثبات بعض الجرائم المرورية أن تنظر جديا في ذلك ،باعتبار ان الوقاية أفضل من العالج.
نفس الصعوبات تتأكد في عدم توفر الة قيس التلوث أو الة قيس الضجيج ،رغم أن المشرع حدد صلب
الفصل 85من مجلة الطرقات جريمة "استعمال عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس
25
المسموح بها بنسبة تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة" وقرر تسليط عقوبة الخطية المالية التي تتراوح بين
مائة ( )100دينار ومائتان ( )200دينار.
ان غياب أجهزة اثبات بعض جرائم الجوالن كما وقع بيانه يحول دون تطبيق النصوص المجرمة لها
مما يؤكد محدودية النجاعة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور.
تتأكد الخطورة فيما يتعلق بعدم تطبيق غالبية النصوص القانونية المنظمة لقانون الطرقات ،في أن ذلك
سيؤدي حتما الى التعود على القيام بالجرائم دون أي اعتبار لمدى خطورة ذلك ومدى مشاركته في حصول
حوادث مرور كارثية! فمن "المسلم به أن القوانين ال ينسخها أمر الشارع فحسب ،بل انها تبطل أيضا
بإجماع الناس ضمنا على عدم العمل بها" 36.وقد يؤدي ذلك الى السقوط في التكريس الواقعي لقاعدة
37
"عدم عمل الناس بالقوانين يوجب اعتبارها منسوخة بإجماع ضمني"!
تتأكد الصعوبات االصلية فيما يتعلق بالجنح المرورية ،في أن نسبة كبيرة منها قد تؤدي بمرتكبها الى
السجن عالوة على عقوبة الخطية المالية ،وهو أمر مخالف للتوجهات العالمية نحو التخلي عن العقوبات
السجنية قصيرة المدة.
فمن الثابت أن للسجن سلبيات ،أهمها المس من كرامة المحكوم عليه واهانته واالضرار بصحته البدنية
والنفسية فضال عن خطر االختالط مع مجرمين محترفين" .38وبالتالي يتجه الراي لدينا في أن مجال
الطرقات وخاصة في صورة اقتراف جنح دون أن يؤدي ذلك الى حصول حادث مرور ،ال بد ان تكون
العقوبة فقط بالخطية المالية وان يقع التخلي عن العقوبات السجنية .في المقابل يمكن استبدالها بعقوبة العمل
لفائدة المصلحة العامة من خالل العمل لساعات معينة يوميا ضمن الجمعيات في مجال السالمة المرورية.
ان هذا التصور يعد جائزا ومنطقيا خاصة في صورة ارتكاب جرائم مرورية مع غياب حادث المرور،
وبالتالي تبقى العقوبات السجنية تقتصر فقط على الحاالت التي يؤدي فيها ارتكاب جرائم الجوالن الى
حصول حادث مرور.
بعد التطرق الى الجرائم التي ترتكب دون ان يؤدي ذلك بالضرورة الى حصول حادث مرور ،ال بد
من الحديث عن الصعوبات التي تنشا في ظل حادث مرور بغية تحديد نجاعة الخطية المالية في هذا اإلطار.
36تأليف جوستينيان ،ترجمة عبد العزيز فهمي ،مدونة جوسنينيان في الفقه الروماني .القاهرة -دار الكاتب المصري ،1946،الطبعة ،1العدد 702
(حقوق النشر والترجمة بالعربية :الجزيرة القاهرة ،200دار الكتاب المصري.ص 379.مطة .30
37المطة 36في نفس السياق ما يلي" :عدم عمل الناس بالقوانين يوجب اعتبارها منسوخة بإجماع ضمني" .مذكرة جوستينيان (مرجع سابق).
38فرحات الراجحي ،تقدير العقوبة ،مجلة القضاء والتشريع ،المكتبة القانونية التونسية ،نوفمبر .2007ص38.
26
.2صعوبات في صورة حصول حادث مرور:
قد يؤدي حادث المرور الى حصول جريمة الجرح أو القتل على وجه الخطأ أو فقط الى حصول اضرار
مادية.
أ -حادث مرور ينجر عنه القتل أو الجرح على وجه الخطأ:
لقد نظم المشرع التونسي صلب الفصلين 89و 90من مجلة الطرقات الخطية المالية المقررة عندما
ينتج عن حادث المرور جريمة الجرح والقتل على وجه الخطأ.
يحتوي هذين الفصلين على ثالث فقرات تبدو متشابهة ،اذ تختلف فقط في اثار الحادث ان كان قد ترتب
عنه جرح أو قتل على وجه الخطأ وايضا في العقوبة المقررة لكل جريمة.
تحتوي الفقرة األولى من كل فصل على تجريم للجرح على وجه الخطأ صلب الفصل 89والقتل على
وجه الخطأ صلب الفصل 90من مجلة الطرقات ،مع جعل العقوبة المقررة اليها بالسجن لمدة أقصاها ستة
أشهر وبخطية أقصاها خمسمائة ( )500دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط بالنسبة لجريمة الجرح على
وجه الخطأ ،والسجن لمدة أقصاها سنة وشهر وبخطية أقصاها ألف ومائة ( )1.100دينار أو بإحدى هاتين
العقوبتين فقط بالنسبة لجريمة القتل على وجه الخطأ وذلك إذا كان سبب الحادث عدم اخذ االحتياطات
الالزمة.
بالنسبة للفقرة الثانية والثالثة من نفس الفصلين سابقا الذكر ،يالحظ ان المشرع قد وضع حاالت تشديد
العقوبة.
حيث جاءت الفقرة الثانية من الفصل 89من نفس المجلة وكذلك الفصل 90منها أنه عندما يكون
الحادث "ناتجا عن ارتكاب احدى الجرائم المبينة بالفصول 83و 84و 85و 86و 87و" 88فان العقوبة
ترفع.
أما بالنسبة للفقرة الثالثة من كال الفصلين فان ان المشرع وضع أربعة صور ترفع فيها العقوبة فتصبح
ثالثة االف دينار بالنسبة للجرح وخمسة االف دينار بالنسبة للقتل ،وهي:
-ثبوت عدم تامين المسؤولية المدنية
-أن يكون السائق عند وقوع الحادث:
تحت تأثير حالة كحولية،
غير متحصل على رخصة سياقة أو على الصنف المطلوب لسياقة العربة،
يسوق خالفا لما اقتضاه قرار سحب رخصة السياقة.
27
بعد بسط محتوى الفصلين ال بد من اجراء بعض المالحظات الهامة.
ان العبارة المستعملة صلب الفقرة األولى من قبل المشرع تبدو غامضة ،وقد جاءت واسعة يمكن أن
تشمل مختلف الجرائم .حيث أن "عدم ترك مسافة األمان" 39أو "تجاوز مدة السياقة المحددة "40أو "عدم
احترام األولوية" 41أو جنحة "عدم احترام عالمات أو إشارات الوقوف" 42أو جنحة "نقل أشخاص على
عربة غير مهيأة لذلك" 43أو "عدم احترام عالمات أو إشارات مقاطع السكك الحديدية أو اختراق
حواجزها" 44أو غيرها من الجرائم ،كلها تعتبر صور لعدم أخذ االحتياطات الالزمة.
فما المقصود "بعدم أخذ االحتياطات الالزمة"؟
الواضح أن المشرع يستعمل هذه العبارة في عدة مواضع 45دون أن يعرفها ،مما يصعب معه تحديد
المقصود بها خاصة وأن المشرع يجعلها سببا من أسباب المؤاخذة الجزائية في صورة حصول حادث مرور
أدى الى القتل أو الجرح على وجه الخطأ ،وهو أمر خطير باعتبار أن التفسير والتأويل في المادة الجزائية
يقتضي حسب توجه عدة فقهاء نحو ضرورة احترام عدة مبادئ أبرزها التأويل الضيق للنص الجزائي مما
يمنع إمكانية التوسع فيه ،حيث أن مبدا شرعية الجرائم والعقوبات يقصد به أنه "ليس للقاضي أن يقوم بتوسيع
46
نطاق امتداد النص الجزائي فيجعله يستوعب افعاال لم يجرمها المشرع ولم يقرر عقابا من اجلها"
ولكن التمسك بهذا التوجه ،يجعل "القانون عاجزا عن مواجهة الظروف الجديدة بل يجعله عاجزا حتى
عن حماية المجتمع في الظروف التي وضع فيها ،ويحد من تطور القوانين الجزائية التي تبقى جامدة بحيث
تفقد وبسرعة التطابق مع الواقع والتماشي مع التطورات االجتماعية".47
لذلك ظهر تصور فقهي يعتبر ان النص الجزائي يمكن أن يخضع الى التفسير المقاصدي والذي يقع
الوصول اليه بمنهج واحد ال ضيق وال واسع ،وطالما توصل هذا التفسير الى روح المقاصد التشريعية
وكنهها فال أهمية بعد ذلك لكونه قد جاء ضيقا أو واسعا ،اذ القيمة القانونية للنص منحصرة في كونه تعبيرا
48
عن تلك المقاصد ،وكلما طابق التفسير هذه المقاصد فهو بالضرورة التفسير الصحيح للنص".
بناء على هذا التوجه الفقهي فانه يصح تفسير عبارة "عدم أخذ االحتياطات الالزمة" على أساس أنه
يمكن أن يكون المقصود منها جميع الجرائم المنظمة بقانون الطرقات.
وفقا لما سبق بيانه ،ال بد من التنبيه في هذا اإلطار الى ان شمول عبارة "عدم أخذ االحتياطات الالزمة"
لجميع الجرائم ،قد يؤدي الى الحط من مكانة بقية النصوص المجرمة في المجلة ،حيث أن ذلك سيؤدي
39الصورة 17من الجدول المحدد للمخالفات المنظم باألمر عدد( 262العقوبة المستوجبة هي الخطية من الصنف الثالث أي 20د)
40الصورة 10من الجول سابق الذكر (الصنف الرابع40 :د)
41الصورة 33من الجدول سابق الذكر (الصنف الخامس60:د).
42الفصل 1-85من مجلة الطرقات (الخطية من 100الى 200د).
43الفصل 4-85من مجلة الطرقات (الخطية من 100الى .)200
44الفصل 3-86من مجلة الطرقات (الخطية من 120د الى 200د).
45يستعملها المشرع صلب الفصل - ..." 60أن يتوقف حاال مع أخذ االحتياطات الالزمة ،"...الفصل ..." 89بسبب عدم أخذ
االحتياطات الالزمة أثناء السياقة ،»...الفصل ..." 90بسبب عدم أخذ االحتياطات الالزمة أثناء السياقة..."...الفصل
3من االمر عدد 144المؤرخ في 24جانفي 2000المتعلق برصيد النقاط المسند لكل رخصة سياقة..." :بسبب
عدم أخذ السائق لالحتياطيات الالزمة أثناء السياقة.."...
46د.عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي ،المبادئ العامة للقانون الجزائي :دراسة مقارنة ،دار الكتاب ،طبعة أولى .2017،ص.90.
( 47نفس المرجع) ص.91.
( 48نفس المرجع) ص.93.
28
الى خطورة االنزالق في التطبيق االلي ألحكام الفقرة األولى من الفصلين 89و 90في جميع الحاالت
المطروحة أمام القضاء في صورة حصول حادث مرور انجر عنه الجرح أو القتل على وجه الخطأ.
وفعال أثبتت عديد القرارات التي اشتملت على أحكام جزائية باتة صادرة عن المحاكم االبتدائية الجناحية
فكرة التطبيق االلي للفقرة األولى من الفصلين 89و 90من المجلة!
حيث تلجأ المحاكم في عديد من القضايا المطروحة أمامها الى تطبيق الفصل 89عندما ينجر عن حادث
المرور جرح على وجه الخطأ أو الفصل 90عندما تحصل جريمة القتل على وجه الخطأ وذلك بشكل بات
ودون التأكد من األسباب التي انجر عنها الحادث .اذ يالحظ أن هناك العديد من القرارات التعقيبية التي تكون
مستندات الطعن فيها ال تشمل سوى الجزء المدني من القضية بعد أن يقع اإلقرار من قبل المحكمة االبتدائية
بالمسؤولية الجزائية وتخطئة المتهم بشأنها حتى وان تبين لمحكمة التعقيب خالف ذلك ،أو تكييف مغاير
ألسباب الحادث.
يتأكد القول من خالل ما جاء بأحد القرارات التعقيبية المؤرخ في 21جانفي ،492020حيث جاءت
وقائع القضية كيفما أوردها القرار في "اصطدام سيارة بجرار فالحي متبوع بمجرورة كان يسير أمامه غير
مستعمل لإلنارة في حين كان المتهم (سائق السيارة) يقود بسرعة 75/70كلم في الساعة ولم يشاهد الجرار
وقد أسفر الحادث عن إصابة سائق الجرار بأضرار بدنية".
ولقد صدر الحكم االبتدائي عدد 351عن المحكمة االبتدائية ببن عروس بتاريخ 10جويلية 2018
اعتبرت فيه المحكمة أن المتهم يتحمل كامل مسؤولية الحادث وقررت تخطئته بخمسمائة دينار (500د) من
أجل الجرح على وجه الخطأ إثر حادث مرور طبق أحكام الفصل 89من مجلة الطرقات.
ولكن ما يجب مالحظته هو أن الحكم الصادر عن المحكمة الجناحية لم يقرر نفس القرار الذي قررته
محكمة التعقيب حول سبب حصول الحادث.
حيث جاء القرار التعقيبي معتبرا أن سبب الحادث هو جريمة "السير ليال بدون انارة خارج مواطن
العمران" وهي جريمة نص عليها الجدول المحدد لقائمة المخالفات ألحكام مجلة الطرقات ونصوصها
التطبيقية 50وتحديدا الحالة عدد -65أ والتي قرر المشرع في شأنها عقوبة الخطية المالية من الصنف الخامس
تطبيقا للفصل 83من مجلة الطرقات.
وفي هذه القضية المذكورة كان على المحكمة أن تطبق أحكام الفصل 89فقرة ثانية والذي جاء فيه ما
يلي:
"يكون العقاب بالسجن لمدة أقصاها سنتان وبخطية أقصاها ألفا ( )2000دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين
فقط إذا كان الحادث ناتجا عن ارتكاب احدى الجرائم المبينة بالفصول 83و84و85و86و87و 88من هذه
المجلة.
وبناء على قرار محكمة التعقيب حول اعتبار أن حادث المرور كان سببه السير ليال بدون انارة خارج
مواطن العمران ،كان من الممكن ،لو وقع الطعن في الحكم االبتدائي الجناحي ،أن تسلط أحكام الفقرة الثانية
29
من الفصل 89من مجلة الطرقات وذلك بناء على االحالة التي ضمنها المشرع صلب هذه الفقرة والتي
تشمل في هذا المثال الفصل 83الذي وضع بدوره إحالة للمخالفات التي تستوجب عقوبة الخطية المالية بناء
على األصناف الخمسة .وبالتالي بما أن جريمة "السير ليال بدون انارة خارج مواطن العمران" توجد ضمن
الحالة عدد-65أ من الجدول وأن هذه الجريمة أدت الى حصول حادث مرور نجم عنه جرح على وجه الخطأ
فان العقوبة واجبة التطبيق هي "السجن لمدة أقصاها سنتان وبخطية أقصاها ألفا دينار".
ان الخطورة تبرز أساسا في التطبيق االلي للفقرة األولى من الفصل 89و 90من مجلة الطرقات من
قبل المحاكم وذلك بسبب العبارة التي يستعملها المشرع لتحديد طبيعة الجريمة وهي "عدم أخذ االحتياطات
الالزمة".
تتأكد الصعوبة أيضا من خالل التقنية التي يعتمدها المشرع في نفس الفصلين سابقا الذكر ،في الفقرة
الثانية والتي يمكن أن تبرر عدم لجوء المحاكم في اغلب األوقات الى تطبيقها ،وهي الية اإلحالة.
حيث أن كثرة القضايا ونقص القضاة يجعل من الية اإلحالة تمثل عبئا يحول دون إمكانية تطبيق
نصوص اإلحالة الن ذلك سيتطلب وقتا وجهدا كبيرين والحال أن كل التركيز عادة ينصب حول االضرار
التي تسبب فيها الحادث والتعويضات التي سيقع دفعها للمتضرر.
زد على ذلك فان قيمة الخطية مهما بلغ أقصاها (المحدد بخمسة االف ( )5000دينار كأقصى قيمة
للخطايا المحددة بالقانون التونسي للطرقات) ،فان ذلك سوف لن يؤثر على مرتكبي الجريمة ولن يحقق
الجانب الزجري الذي تتميز به عادة كل العقوبات الجزائية ،باعتبار أن المصاريف التي سيتحملها
كتعويضات للمتضرر من الحادث سوف تتجاوز قيمة الخطية المالية وهو أمر خطير للغاية!
فلم اذا يمتاز قانون الطرقات بوصفه فرعا من فروع القانون الجزائي ،إذا كانت العقوبات التي يقررها
غير قادرة على تحقيق الغايات التي وضعت من أجلها ،وغير قادرة على أن تكون ردعية بما يكفي لعدم
العود أو لتكون "عبرة تردع غير المعاقب"51؟
ان غياب االهتمام بالجانب الجزائي من قانون الطرقات والتركيز أكثر على المسؤولية المدنية ،يؤدي
حتما الى ضعف نجاعة الخطية المالية كعقوبة في مجال حوادث المرور.
يجب ان تكون العقوبة قادرة على تحقيق األهداف التي وضعت من اجلها حتى تنخفض نسبة الحوادث
المرورية خاصة القاتلة.
يتجه الراي لدينا في ضرورة قلب التصور التشريعي الذي ال يرفع في العقوبة الجزائية اال بعد حصول
الكارثة .حيث أن التطبيق السليم للقانون وخاصة المتعلق بالعقوبات ،باعتبارها وضعت لكي تحد من النسب
المرتفعة للجريمة ،يتمثل في "أخذ االحتياطات الالزمة" قبل وقوعها.
51حيث جاء بمدونة جوستينيان القاعدة التالية ":ينبغي في العقاب أن يكون عبرة تردع غير المعاقب" .ص( .426.مرجع سابق).
30
ليس الهدف من العقوبة التشفي في الجاني أو ايالمه بقدر ما هو هدف تنظيمي ،فشعور المرء بخطورة
العقوبة قبل االقبال على القيام بأفعال مجرمة ،خاصة في قانون الطرقات ،يجعله يحاول قدر اإلمكان تفادي
مخالفة االحكام القانونية .فالردع ال يجب ان يحصل بعد وقوع الجريمة وانما قبلها.
قد يقع نقد هذا التوجه بالقول إنه يخالف مبادئ القانون الجزائي خاصة مبدا التناسب وهو مبدا دستوري
اال ان ذلك غير صحيح في اعتقادنا كما سبق تأكيده.
بالنظر الى االثار التي من الممكن أن تترتب عن عدم احترام قانون الطرقات وهي حصول حادث
مرور فانه يكفي أن يكون ذلك دافعا نحو اعتبار تناسب األفعال المجرمة مع العقوبة.
حيث ال بد أن تكون الوظيفة األساسية للعقوبة هي الردع والزجر ،اال أن ذلك غالبا ال يتحقق لعدة
أسباب .فالترفيع في العقاب ضد المتسبب في الحادث بعد حصوله ،سوف يبدو وكأنه انتقاما منه ،في حين
ان وظيفة العقاب ليست االنتقام من المجرم وانما ردعه تجنبا للوقوع في األخطاء قبل حصولها أصال.
باإلضافة الى انه وخاصة في مجال حوادث الطرقات بالذات فان هناك صعوبات تمنع من تحقق النجاعة
المطلوبة من عقوبة الخطية المالية.
ففي الحكم الذي يصدر عن المحكمة الجزائية ،والذي يقضي بتسليط العقوبة فانه عادة ما يقع القيام
بالحق الشخصي 52في إطار الدعوى العمومية ،مما يعني ان الضوء سوف يتسلط أكثر على المتضرر
والتعويضات التي سيدفعها له المسؤول عن الحادث ،وبالتالي فان الحكم القاضي بثالثمائة دينار كخطية
مالية سوف لن تظهر مكانتها مقارنة بقيمة التعويضات المالية التي ستدفع للمتضرر ،وبالتالي ال تتحقق
نجاعة الخطية المالية المطلوبة في صورة التركيز على الترفيع في قيمة الخطية المالية بعد حصول الحادث.
ال بد من التركيز على الوقاية من حوادث المرور حتى ال نضطر الى العالج بعد حصول الكارثة ،فيكفي
أن تكون جريمة القتل أو الجرح توصف بأنها على وجه الخطأ ،حتى نعي أن مقترف الحادث ال يتعمد ذلك
باعتبار انه يعلم أن التعويضات التي سيدفعها أو العقوبة الجزائية سواء كانت بالسجن أو الخطية المالية
سوف لن تعيد شخصا رحل نهائيا عن الحياة أو طفال صار عاجزا عن الحركة وهو "لم يباشر حياته بعد".
فالعقوبات الجزائية "ال تمحي اثار الجريمة الالحق بالمجني عليه وال تجبر الخسائر التي تكبدها نتيجة ما
53
استهدف له من اعتداء".
حيث ثبت أن حوادث المرور جعلت "العديد من االفراد يعانون من اعاقات قد تكون حسية تخص
54
الحواس الخمسة أو جسمية ،وتكون على شكل تشويه أو حرمان من متعة الحياة"
" 52القيام بالحق الشخصي هو حق مخول لكل من لحقه شخصيا ضرر نشا مباشرة عن الجريمة ويمكن القيام بهذا الحق في ان واحد مع الدعوى
العمومية وذلك طبقا للفصلين األول والسابع من مجل ة اإلجراءات الجزائية" .هشام العبيدي ،خطأ المتضرر في قانون حوادث المرور ،مذكرة
لإلحراز على شهادة الماجستير في العلوم الجنائية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية تونس المنار .2016-2015 ،ص.104.
53محمد اللجمي ،التعويض عن الضرر البدني في القانون التونسي والمقارن ،الجزء األول ص41
54االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ،2020موقع المرصد الوطني (مرجع سابق)،
( https://www.onsr.nat.tn/bibliotheque/maktaba/1603438641.pdfتاريخ االطالع)2021/02/02 :
31
ولكن إذا كان يعلم انه إذا اقترف ابسط الجرائم المنظمة بقانون الطرقات مهما كانت درجتها ،سيتعرض
الى عقوبات متشددة وصارمة ومنطبقة ،فانه لن يتجرأ على اقترافها وسوف يأخذ كل االحتياطات تجنبا
لذلك ،وبالتالي تتحقق الفائدة على األقل من ناحية حصر نطاق أسباب الحوادث.
فاذا لم يكن السائق هو المتسبب المباشر في الحادث ،باعتباره تجنب اقتراف أحد جرائم الجوالن ،وليس
مستعمل الطريق باعتبار تطبيق العقوبات عليه هو أيضا ،فانه يبقى عنصر ثالث وهو الطريق.
حيث "يعتبر الطريق والبيئة المحيطة به سببا لوقوع الحوادث ،ويتمثل ذلك في األخطاء المتعلقة بقصور
التخطيط عند إنشاء الطرق ،فنجد األخطاء الهندسية المتمثلة بوجود المنعطفات الحادة وضيق الطريق
والتصميم الخاطئ وعدم االهتمام بالبنية التحتية كإيجاد أماكن لتصريف المياه على الطريق في فصل الشتاء،
55
والحاجة إلى تأمين الطرق بوسائل السالمة في الظروف المختلفة كالضباب ،والحاجة إلى تأمين الطريق".
في هذه الحالة يصح القول إنه ال بد من التشديد في العقوبات قبل حصول الحادث حتى ال يتجرأ مستعملي
الطريق الى ارتكاب الجرائم المرورية وأنه في صورة حصول حادث مرور ال بد من االخذ بعين االعتبار
كل األسباب التي أدت اليه.
فإذا ارتكب السائق على سبيل المثال جريمة تجاوز السرعة القصوى المسموح بها ،دون أن يؤدي ذلك
الى حصول حادث مرور ،فانه يعتبر مخطئا وال بد أن تسلط عليه عقوبة متشددة ألنه يعلم أن مجاوزة
السرعة هي جريمة يعاقب عليها القانون وهو على يقين أيضا باآلثار التي تترتب عنها والتي تتمثل في
حصول حادث مرور ضار أو قاتل ،وبالتالي فانه اما أن يكون حريصا على عدم تجاوز السرعة القصوى
مهما كانت الظروف أو أن ستتسلط عليه عقوبات متشددة تجعله يمتنع عن العود.
خاصة فيما يتعلق بجريمة السرعة التي تعتبر من "أكثر الجرائم التي يقرر في شأنها عقوبات متشددة
56
في العالم".
وهذا التشديد يحقق األهداف المرجوة من العقاب ،حيث "ال يجب أن ننسى أن للترهيب قيمة تربوية،
فطبيعة االنسان اقتضت هكذا ومنذ االزل أن العقاب هو جزاء للخطيئة التي جبل عليها البعض وهو الحل
57
الوحيد لعدم تجددها وال يحصل هذا اال عن طريق الترهيب".
في المقابل إذا وقع الحادث وأدى الى القتل أو الجرح ،فانه ال بد من النظر الى جميع الظروف التي وقع
فيها الحادث بما فيها الطريق بجميع مكوناته مثل إشارات المرور والعالمات المرورية وعندها يمكن تقدير
العقوبة المالئمة التي تبقى خاضعة لسلطة القاضي.
55االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ،2020موقع المرصد الوطني (مرجع سابق)،
( https://www.onsr.nat.tn/bibliotheque/maktaba/1603438641.pdfتاريخ االطالع)2021/02/02 :
56
Laurent Carnis, Quels enseignements peut-on tirer des statistiques des infractions au Code de la
route sur la politique publique de sécurité routière ? Site web : HAL-archives-ouvertes.fr P.87
https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00968225v2/document (date de consultation : 09/02/2021).
57فرحات الراجحي ،تقدير العقوبة ،مرجع سابق.
32
قد يقال إن تسليط عقوبة متشددة على مرتكب الحادث ،يخالف مبدا العدالة الجنائية باعتبار أن "الجريمة
ماهي اال نتاج الزم الجتماع عدة عوامل خلقية وطبيعية حملت المجرم على إتيان الجريمة ومتى توافرت
العوامل الالزمة لدى شخص ما فهو مسوق حتما الى ارتكاب الجريمة ،ولكن ال يجب الخلط وسوء الفهم،
فليس القول بان الجريمة حتمية لعوامل مختلفة تدخلت في نشوئها معناه ترك فاعلها وشانه ألنها مقدرة
عليه ،بالعكس ان المجتمع يتخذ عندئذ الوسائل الكفيلة حقيقة بحمايته .فكما أن الفرد محتوم عليه وقوع
الجريمة تحت تأثير تلك العوامل المختلفة ،كذلك المجتمع محتوم عليه الرد على فعل الجاني دفاعا عن
كيانه"،58 .
إضافة الى ذلك فانه من وجهة نظر علماء النفس ،فانه توجد نظرية تسمى بتوازن الخطر ،تعتبر أن
"السائق عندما يجد نفسه في ظروف مثالية (طريق جيد وسيارة جيدة) فإنه ينحو غالبا إلى السير بسرعة
مفرطة النعدام الشعور بالخطر" ،لذلك فان نجاح سياسات الردع في مجال سالمة المرور ناتج عن كون
تحرير المخالفة يهدد رخصة السياقة .أي يؤثر على رفع مستوى الخوف من فقدانها وبالتالي يُ ْلجم السائق
على القيام بسلوك مخالف للقانون".59
ان التدخل التشريعي نحو تغيير التوجه الذي يتخذه المشرع في مجال حوادث المرور أصبح ضروريا
للحصول على نتائج ناجعة وفعالة ،حيث ثبت أن من العناصر الرئيسية في العالم للنجاح ،هو التركيز على
60
الجانب التشريعي والحرص على تطبيقه تطبيقا شامال.
تتسلط الخطورة فيما يتعلق بمحدودية نجاعة الخطية المالية كعقوبة في مجال حوادث المرور عالوة
على ما سبق طرحه ،في الحوادث المرورية التي ال ينجر عنها القتل أو الجرح ،وهنا ال بد من التطرق الى
هذا الجانب الهام من واقع الطرقات.
المقصود بحوادث المرور التي تنجر عنها اضرار مادية هي تلك التي ال تخلف قتلى أو جرحى ،وانما
فقط أضرار تلحق الوسيلة أو الطريق ،مما يعني مبدئيا أن أحكام الفصلين 89و 90من مجلة الطرقات ال
تنطبق على مرتكبيها.
ان الفرضية التي تحكم هذه الفصول ،تتمثل في حصول جريمتي الجرح أو القتل على وجه الخطأ حتى
يقع تطبيق الحلول التي تقررها على المتسبب في الحادث ،والمالحظ في الصورة المشار اليها والمتعلقة
بحصول حادث انجر عنه اضرار مادية فقط ،أنها ال تتطابق مع تلك الفرضية وبالتالي ال تنطبق عليها
أحكامه.
يبقى السؤال المطروح هو ماهي النصوص القانونية التي تنطبق في صورة حصول حادث مرور دون
أن يؤدي ذلك الى خسائر بشرية؟
58د.مصطفى القللي ،في المسؤولية الجنائية" :أساس المسؤولية .عالقة السببية .القصد الجنائي .الخطأ" "أسباب االباحة ،موانع المسؤولية" .مكتبة
عبد هللا وهبة .1945-1944 .ص.12-11.
59حمد بن خليفة ،علم نفس السياقة ودوره في الحد من حوادث المرور :التجربة الفرنسية كمثال ،جامعة ،2015 ،Pressص.8.
60عقد العمل من أجل السالمة على الطرق 2020–2011ملف إعالمي لمنظمي أحداث التدشين .موقع منظمة الصحة العالمية WHOفريق األمم
المتحدة المعني بالتعاون في مجال السالمة على الطرق .ص.5
33
يبدو أن المشرع نظم هذه الحالة صلب الفصل 60من مجلة الطرقات ،61ولكن المالحظ أن هذا الفصل
يحدد فقط اإلجراءات التي يجب أن يتخذها كل من تسبب في حادث مرور ،دون تحديد العقوبات المترتبة
عن عدم اتباعها.
يضع المشرع طبقا للفصل 60المشار اليه أعاله ،ثالثة صور تلزم المتسبب في الحادث أن يعلم الشرطة
أو الحرس الوطني عند حصول حادث أسفر عن اضرار مادية فقط.
يفهم من ذلك أنه خارج إطار هذه الحاالت ال يكون المتسبب في الحادث مجبرا على االتصال بوحدات
المرور ،وهو أمر خطير يسمح بفتح المجال للتفصي من المسؤولية الجزائية.
حيث عندما يكون الحادث الذي نتج عنه اضرار مادية فقط قد "ارتكب بين الخواص" بعبارة المشرع،
فانه ال شيء يلزم المتسبب في الحادث أن يتصل بالشرطة أو الحرس ،اذ يكفي في هذه الصورة ان يقع
اجراء معاينة صلحية بين األطراف.
هذا "التسامح" أو الهفوة التي ارتكبها المشرع فتح من خاللها السبيل لمرتكبي هذه الحوادث للتفصي
من المسؤولية الجزائية ،وهو ما قد يؤدي الى نتائج وخيمة ،باعتبار ان حصول حادث مرور مهما كانت
النتيجة التي أدى اليها دليل على ارتكاب جرائم مرورية.
فاذا كان مرتكب حادث المرور الذي ال ينجر عنه أضرار بشرية ال يعامل مثل مرتكب حادث المرور
الذي ينجر عنه القتل أو الجرح ،فأي عدالة جزائية هذه التي تتسامح في حاالت ما وتردع في حاالت
أخرى؟!
ان قانون الطرقات على خالف بعض المواد األخرى من القانون ،يمتاز بكونه فرعا من فروع القانون
الجزائي ،وبالتالي فانه ال بد أن يخضع لخصائصه التي تميزه وأهمها اعتبار قواعده تهم النظام العام ،مما
يمنع االتفاق على مخالفتها وهو ما ال نجده في مجلة الطرقات بالنسبة لصورة حصول حادث مرور تنجر
عنه اضرار مادية مبدئيا.
34
فالتنصيص على أن " كل سائق اشترك في حادث مرور" مطالب بأن يقوم باإلجراءات الخاصة بتعمير
وإمضاء المعاينة الصلحية بالنسبة للحوادث المرتكبة بين الخواص" ،كأن فيه دعوة إلمكانية االتفاق على
مخالفة قواعد قانون الطرقات! ولكن هذا غير صحيح مبدئيا الن المصالحة تشمل الجزء المدني من الوضعية
المطروحة.
ولكن في غياب نص قانوني يجرم خرق واجب االتصال بالحرس أو الشرطة المرورية في هذه
الصورة ،فانه ال يمكن معاقبة فاعلها على ذلك ،تطبيقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه
62
صلب الفصل 28من الدستور.
رغم أن المشرع نظم صلب الفصل 85فقرة 7من مجلة الطرقات ،واجب "االعالم بتحطيم عربة"
وقرر عقوبة الخطية المالية لمخالفها والتي تبلغ قيمتها من 100د الى 200د ،اال ان العبارة تبدو غامضة
وغير مفهومة فقد يكون السبب في تحطيم العربة حادث مرور وقد ال يكون كذلك ،أي يمكن أن تتحطم
العربة بأسباب أخرى مثل هبوب عاصفة أدت الى سقوط شجرة على سقف العربة فتحطمت أو سقوط امطار
غزيرة أدت الى انجراف العربة بسبب المياه.
زد على ذلك فان العبارة جاءت مطلقة أي تشمل كل األشخاص ،سواء كان صاحب العربة المحطمة او
أي شخص اخر.
السؤال المطروح في هذا اإلطار هو إذا كانت نية المشرع تتجه نحو تجريم عدم االعالم بتحطيم عربة
فانه من الممكن ان تشمل صورة حصول حادث مرور ال ينجر عنه اضرار بشرية وبالتالي فانه يصبح
مطالب باإلعالم ،وإذا كان ذلك كذلك فلماذا يضيق المشرع من الحاالت التي تفرض االتصال بالشرطة او
الحرس مما يسمح بقراءة عكسية إمكانية عدم االتصال خارج الحاالت الثالث المنصوص عليها صلب
الفصل 60من المجلة؟
كان على المشرع ان يضع واجب االتصال بالشرطة في صورة حصول اضرار مادية مهما كانت
طبيعة االضرار او األشخاص المتضررة حتى تتحقق العدالة الجزائية.
يخلص مما سبق بسطه أن المشرع ترك سلطة االختيار لألطراف في صورة حصول حادث مرور
انجرت عنه اضرار مادية بين الخواص وهو أمر خطير للغاية.
فعندما يكون السبب في الحادث هو السياقة تحت تأثير حالة كحولية ،فان المتسبب في الضرر المادي،
سيفعل كل ما بوسعه إلقناع الطرف الذي اشترك في الحادث بأن يجريان معاينة صلحية ،ألنه يعلم يقينا أن
االتصال بالوحدات األمنية للمرور سيؤدي به الى السجن تطبيقا ألحكام الفصل 87من مجلة الطرقات الذي
يجرم السياقة تحت تأثير حالة كحولية ويعاقب مرتكبها "بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر وبخطية تتراوح
من مائتي ( )200دينار إلى خمسمائة ( )500دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط".
62الفصل 28من الدستور :العقوبة شخصية وال تكون اال بمقتضى نص قانوني سابق الوضع ،عدا حالة النص االرفق بالمتهم".
35
رغم ان أحكام الفصل 60يبدو أنها ال تضع حق القيام بالمعاينة الصلحية الختيار األطراف وانما
كواجب يفرضه حصول حادث مرور سواء انجر عنه اضرار مادية أو بشرية باعتبار ورود العبارة مطلقة.
حيث جاء صلب احكامها ما يلي:
"يجب على كل سائق اشترك في حادث مرور )...( :أن يقوم باإلجراءات الخاصة بتعمير وإمضاء
المعاينة الصلحية بالنسبة للحوادث المرتكبة بين الخواص".
قد يطرح التساؤل حول الوضعية التي سوف يكون فيها األطراف مجبرين على االتصال بوحدات االمن
أو الحرس.
هذه الوضعية تتمثل في عدم توصل األطراف الى اجراء معاينة صلحية ،في هذه الصورة فانه سيقع
االتصال بالشرطة أو الحرس والتي ستقوم بإعداد محضر بحث.
يبدو أن الوحدات األمنية على المستوى الواقعي ال تباشر الحادث على عين المكان وانما يقوم األطراف
باالتجاه الى المراكز األمنية وسرد الوقائع بأنفسهم ،وبناء على اقوالهم يقع تحرير محضر بحث ،وفي
الحاالت االستثنائية تتنقل الوحدات على عين المكان.
بناء على ما وقع بسطه سابقا فان احكام الفصل 60من مجلة الطرقات تتطلب ابداء المالحظات التالية:
حيث استعمل المشرع صيغة الوجوب معتمدا عبارة "يجب" مما يعني انها قاعدة امرة تهم النظام العام
وليست قاعدة تكميلية تكمل إرادة األطراف ،وعليه فانه ال يمكن االتفاق على مخالفتها.
إضافة الى ذلك فان اعتماد عبارة "حادث مرور" في المطلق ال بد ان تبقى على اطالقها ،مما يعني
أنها تشمل حادث المرور الذي تترتب عنه اضرار مادية وأيضا حادث المرور الذي تترتب عنه اضرار
بشرية.
وبالتالي فانه وفي صورة حصول حادث مرور ،مبدئيا يطالب كل سائق اشترك في الحادث أن يقوم
باإلجراءات التي نص عليها الفصل المذكور في شكل واجبات تحمل عليه ،ولكن هل أن السائق مطالب
بالقيام بها جميعا أو يكفي أن يقوم بأحدها؟
المالحظ أن المشرع يضع الواجبات المحمولة على السائق في صورة حصول حادث مرور في شكل
مطات ال يربط بينها بحرف العطف "واو" أو حرف "أو" ،وبالتالي فانه من الممكن ان يقوم بأحدها دون
األخرى.
لكن عند التدقيق في عبارات الفصل حالة بحالة فانه يمكن التوصل الى االستنتاج االتي:
توجد ثالث حاالت جاءت عباراتها مطلقة أي تشمل حادث المرور الذي تترتب عنه اضرار مادية
وحادث المرور الذي تترتب عنه اضرار بشرية ،وهي التي تفرض على السائق ما يلي:
-أن يتوقف حاال مع أخذ االحتياطات الالزمة الجتناب التسبب في أي خطر إضافي أو في عرقلة
حركة الجوالن.
36
-أن يقوم باإلجراءات الخاصة بتعمير وإمضاء المعاينة الصلحية بالنسبة للحوادث المرتكبة بين
الخواص.
-أن يعلم شركة التأمين في اآلجال القانونية
هذه االجراءات الثالث ال بد أن يقوم بها السائق بغض النظر عن النتائج المترتبة عن الحادث.
في المقابل يبقى االجراء المتعلق باالتصال بالشرطة أو الحرس الوطني متوقفا على تحقق أحد الصور
التالية:
-في صورة حصول حادث مرور انجرت عنه اضرار مادية فقط :هذه الحالة تشمل ثالث صور فقط
وهي "إذا أسفر الحادث عن اضرار مادية بعربات رابضة خالل غياب السائق أو بعربات تابعة للدولـة أو
بمنشآت على الطريق ".مما يسمح بقراءة عكسية القول بانه إذا أسفر الحادث عن اضرار مادية في غير هذه
الصور فان السائق غير ملزم باالتصال بالوحدات األمنية.
-في صورة حصول حادث مرور انجر عنه قتلى أو جرحى.
وبالتالي فانه يصح القول إنه إذا انجر عن الحادث اضرار مادية بين الخواص فان واجب االتصال
بالشرطة أو الحرس المروري غير ضروري ،مما يسمح معه لألطراف التفصي من المسؤولية الجزائية.
ال بد من التأكيد على الصعوبة التي تطرح في هذا اإلطار ،والتي تتعلق باالستحالة الواقعية لتنقل
االعوان المختصين بالمعاينة في كل الحوادث المرورية التي تحصل.
هذه االستحالة نابعة من نقص االسطول األمني المختص في جرائم المرور ،ففي صورة حصول أكثر
من حادث في مختلف المناطق ستضطر الوحدات الى التنقل لجميع المناطق التي حصل فيها حادث ،وذلك
سوف يشتت الجهود األمنية خاصة عند حصول اضرار او قتل في بعض الحوادث ،بالتالي سيكون التركيز
أكثر على هذه األخيرة فقط وهو أمر خطير كما سبق بيانه.
بناء على ما سبق توضيحه فانه يصح اعتبار أن الخطية المالية ستكون حتما ذات نجاعة محدودة باعتبار
أنها ال تتسلط على مخالفي قواعد الطرقات اال في حاالت محددة.
صحيح أن الخطية المالية تتسم بالنجاعة المحدودة في الحد من حوادث المرور ،ولكن هذا ال يمنع من
االقرار بأنها تحض بمكانة هامة من حيث تدخلها كأحد العوامل المساعدة على تحقيق الهدف ،وذلك ما سيقع
تحديده في الجزء الثاني من هذه الدراسة حرصا على بيان النجاعة المنشودة للخطية المالية
37
نجاعة منشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور: -II
حتى تكون الخطية المالية قادرة على الحد من حوادث المرور ،ال بد أن تتوفر آليات تساعد على تحقيق
ذلك ( )1وتمهد إلمكانية انجاز المشروع الذي قام باقتراحه المرصد الوطني لسالمة المرور في إطار
االستراتيجية الوطنية والمتمثل في "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" (.)2
معلوم أن وجود نص قانوني يعاقب مخالفي قانون الطرقات ،ال يكفي لوحده كي يحقق النجاعة المطلوبة
من وضعه ،بل ال بد من إيجاد آليات تدعم وجوده وبالتالي تتحقق األهداف المرجوة منه وهي أساسا الحد
من حوادث المرور.
هذه االليات ال بد أن تنطلق من النصوص القانونية في حد ذاتها بغية تنظيمها بطريقة متناسقة مع بعضها
البعض ،وتطويرها بإدخال تغييرات جذرية لنظام قانون الطرقات تماشيا مع التغييرات الواقعية الوطنية
والدولية (أ) ،وصوال الى التطبيقات التي تعد األهم باعتبارها تنزل النص القانوني من اطاره النظري الى
الواقعي وبالتالي التحقق من نجاعته(ب).
المقصود باآلليات التشريعية هو التوسل بالتدخل التشريعي لمراجعة بعض النصوص القانونية بغية
تحقيق نجاعة أفضل للخطية المالية في الحد من حوادث المرور.
ان التدخل التشريعي كحل ضروري للوصول الى النجاعة المنشودة يتطلب تحديد أساسه ومجاله.
عند طرح مسالة التغييرات القانونية ،فان ذلك يفترض وجود دوافع تساعد على اتخاذ قرار التغيير،
يمكن تقسيمها الى دوافع خارجية وأخرى داخلية أو دولية ووطنية.
✓ دوافع دولية/خارجية:
لقد تضمن تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة ،201863أن البلدان التي قامت بإدخال تغييرات
واصالحات تشريعية بناء على أحد عوامل الخطورة الخمسة أو جميعها ،تعتبر مصنفة من بين الدول التي
تقوم بممارسات فعالة في الحد من حوادث المرور القاتلة.
38
-إجبارية ارتداء حزام األمان
-إجبارية ارتداء الخوذة
-المقاعد المخصصة لألطفال
يتضمن كل عامل من عوامل الخطورة ،معايير تضعها منظمة الصحة العالمية لتحدد مدى توفرها لدى
قوانين الدول التي قامت بإدخال تغييرات تشريعية بناء على أحد عوامل الخطورة ،وذلك قصد تصنيفها من
ضمن البلدان التي تقوم بممارسات فعالة للحد من حوادث المرور.
حيث توصلت منظمة الصحة بناء على التقرير الذي أنجزته ،أن هناك دول قد انضمت منذ سنة 2014
الى سنة 2017الى الدول التي تمتثل قوانينها الى أفضل الممارسات العالمية بناء على عامل الخطورة.
فكانت النتيجة كما يلي:
-عامل السرعة :انضمت 46دولة سنة 2014وصفر دولة إضافية سنة .2017
-عامل السياقة تحت تأثير حالة كحولية :انضمت 35دولة سنة 2014وعشرة دول إضافية سنة
.2017
-عامل اجبارية ارتداء حزام األمان :انضمت 102دولة سنة 2014وثالثة دول إضافية سنة .2017
-عامل اجبارية ارتداء الخوذة :انضمت 44دولة سنة 2014وخمسة دول إضافية سنة .2017
-عامل المقاعد المخصصة لألطفال :انضمت 29دولة سنة 2014وأربعة دول إضافية سنة .2017
بناء على ما سبق بسطه فانه وعلى المستوى العالمي يعتبر التدخل التشريعي عامال هاما في الحد من
حوادث المرور أو على األقل التخفيض من خطورتها لذلك تسعى الدول الى مواكبة التطورات العالمية
والوطنية في هذا اإلطار.
على الرغم من أن ما يالحظ في التغييرات التشريعية المقصودة من منظمة الصحة العالمية كانت مبنية
بحسب عوامل الخطورة على معايير مختلفة لم تشمل العامل المتعلق بالعقوبات المسلطة على مرتكبي
الجرائم المرورية ،اال ان ذلك ال يمنع من ذكرها تأكيدا على أن التدخل التشريعي ضروري.
حيث أن العديد من الدول أقرت أهمية مراجعة أحكام الطرقات كل خمسة أو عشرة سنوات ،وذلك لعدة
أسباب أهمها التغييرات التي تحدث والتطورات التي تتطلب نظاما قانونيا جديدا متماشيا مع كل األوضاع.64
إضافة الى الدوافع الخارجية أو الدولية التي تقتضي التدخل التشريعي ،فانه يجدر التطرق الى الدوافع
الوطنية أو الداخلية للبالد التونسية.
64هشام فاضل ،ندوة بعنوان "قانون المرور بين ردع المستهترين وثقافة االنضباط ،"...مجلة المرور ،اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية-دولة
قطر 11 ،ماي ،2016ص.36.
39
✓ دوافع وطنية /داخلية:
إ ن أساس التدخل التشريعي بناء على المعطيات المحلية للبالد التونسية يتمثل في انعكاس التطورات
التاريخية لقواعد قانون الطرقات في الحد من حوادث المرور مما يثبت معه أهمية التدخل التشريعي
وضرورته.
حيث بالرجوع إلى أحكام قانون الطرقات ،نجد أن المشرع قد اعتنى بعقوبة الخطية المالية فجعلها
تتسلط على غالبية جرائم الجوالن وحرص على مواكبة مختلف التطورات من خالل إدخال تنقيحات على
أحكام عقوبة الخطية المالية واعادة تنظيمها.
ما يتجلى ،منذ نشأة أول مجلة قانونية تنظم القواعد المرورية وذلك سنة 1957إلى حين إلغائها بالقانون
المؤرخ في 24ديسمبر 1964المتعلق بإعادة تنظيم مجلة الطرقات ،هو التطور الهام المتعلق بتنظيم عقوبة
الخطية المالية ،وذلك دليل على اعتناء المشرع بمجال قانون الطرقات خاصة عندما أصبحت المجلة صادرة
بمقتضى قانون وليس أمر حكومي والذي هو أقل درجة من القانون حسب هرم كلسن.
يبرز التطور التاريخي للعقوبات المتعلقة بمخالفة قانون الطرقات ،في الحرص على تغيير نظامها من
ناحية ومن ناحية أخرى عبر الترفيع في قيمة الخطية المالية.
فبعد أن كانت العقوبات تقسم الى عامة وخاصة ،وتقدر قيمة الخطية المقررة للعقوبات العامة بثمانمائة
مليم كحد أدنى الى أربعة دنانير نحد أقصى ،وتقدر قيمة الخطية بالنسبة العقوبات الخاصة بخمسة دنانير
الى مائتان واربعون دينار .65فان المشرع أعاد تنظيم العقوبات بناء على التقسيم الثالثي للجرائم مع تصنيف
المخالفات الى نوعان خطيرة وعادية ،وهذه األخيرة بدورها تحتوي على ثالثة أصناف .وفي مرحلة أخيرة
قرر المشرع الحفاظ على التقسيم الثالثي للجرائم وجعل المخالفات تحتوي على خمسة أصناف مع التخلي
عن تقسيمها الى عادية وخطيرة.
يبدو أن حرص المشرع على التغيير في أحكام مجلة الطرقات يهدف أساسا الى الحد من حوادث
المرور ،والمالحظ أن ذلك قد تحقق ولو نسبيا وبمساعدة عدة عوامل أخرى متداخلة.
حيث بلغ عدد الحوادث في الفترة الممتدة من سنة 2001الى سنة 89.310( ،662009حادث مرور)
في حين انخفض العدد الى ( 67.378حادث مرور) في الفترة الممتدة من سنة 2009وهو تاريخ اخر تنقيح
67
ادخل على المجلة الى سنة 2017
يبين الجدول التالي التطورات التي حصلت بين الفترتين قبل آخر تنقيح أدخل على المجلة وبعده:
40
الفترة الممتدة من سنة 2001الى سنة 2009
الجرحى القتلى الحوادث
126.031 12.438 89.310
يعد التدخل التشريعي اذن من بين أحد العوامل الهامة التي تساعد على التخفيض من نسبة الحوادث
المرورية.
بعد بسط أساس التدخل التشريعي ،ال بد من التطرق الى مجاله.
يجب أن تشمل التطورات التشريعية عدة عناصر ،حيث وبناء على الصعوبات التي وقع توضيحها
صلب هذه الدراسة في جزئها األول سيقع اقتراح الحلول المالئمة.
كما سلف بيانه في الجزء األول من الدراسة ،أن التضخم التشريعي وكثرة النصوص القانونية المتعلقة
بالمخالفات خاصة ،أدى الى محدودية نجاعة الخطية المالية في الحد من حوادث المرور.
وحيث تبعا لما وقع التوصل اليه فيما يتعلق بدور المخالفات ،التي تبدو في ظاهرها بسيطة وال تتسبب
بالضرورة في حوادث مرور ،فان ذلك غير صحيح.
بالتالي ال بد من التخلي عن الية التصنيفات الخمسة رغم أنها مستعملة من قبل عديد الدول في العالم،
ولكن بما أن المعطيات في كل دولة تختلف عن بقية الدول فانه ال بد من التركيز على الهدف األصلي من
التنظيم القانوني وليس فقط التنظير بناء على مبادئ ال يجوز مخالفتها .فالمبادئ التي تصبح عائقا نحو
إمكانية التطور والتغيير نحو إيجاد حلول متطابقة مع الواقع ،خرقها يعد واجبا وطنيا!
41
فالضحايا من جراء حوادث المرور الشنيعة بسبب ارتكاب "هفوات" أو مخالفات تبدو في ظاهرها
بسيطة ،سوف لن يعودوا الى حياتهم الطبيعية وسوف تتشرد عائالت بسبب فقدان عائلهم الوحيد الذي توفي
جراء حادث مرور!
فالتصنيفات الخمسة اثبتت عدم نجاعتها ،باعتبار أنها تحدث تشتتا لدى الجميع يمنع من معرفة المخالفات
المنصوص عليها باعتبارها عديدة وغير خاضعة لنفس القيمة المالية لعقوبة الخطية ،بالتالي فان السائق
الذي يرتكب مخالفة من الصنف األول ثم يرتكب مخالفة أخرى من الصنف الخامس وأيضا مخالفة ثالثة من
الصنف الثاني سيكون هدفه الوحيد هو دفع قيمة الخطايا في مجملها دون أن يهتم أو يبحث عن أنواعها حتى
ال يقع فيها في مرات قادمة.
الحل حسب اعتقادنا في هذا اإلطار ،هو تحديد صنف أوحد للمخالفات يقابله قيمة مالية واحدة لجميعها
كخطية يجب استخالصها .هذا الحل سيحد من التركيز على قيمة الخطية في حد ذاتها ،ويصبح االهتمام
منصبا على المخالفة المرتكبة ،ولتتحقق النجاعة من هذا الحل ال بد من اقترانه بالترفيع في قيمة الخطية
المالية حتى تكون رادعة وقادرة على إلزام السائق بأخذ االحتياطات الالزمة بغية تجنب حصول حوادث
المرور أو على األقل الحد من االضرار الناجمة عنها.
-التخلي عن العقوبات السجنية عند غياب حادث مرور انجر عن الجنحة المرتكبة ،ألنه "من الثابت
68
ان للسجن سلبيات تجعل اصالح الجاني امرا صعبا وإعادة ادماجه بالمجتمع امرا مستحيال".
-التخلي عن الزامية التوجه الى القضاء إلصدار حكم يتضمن العقوبة المتسلطة على مرتكب الجريمة
مع المحافظة على حق التقاضي كإجراء اختياري وليس اجباري.
-ضبط قيمة ثابتة للخطية المالية المقررة للجنح والتخلي عن الية الحدين األقصى واالدنى لعدم
ضرورتها أو نجاعتها في مجال قانون الطرقات.
-التوسل بالتكنولوجيا الحديثة والمتطورة في ممارسة إجراءات استخالص الخطايا المرورية.
ان التخلي عن العقوبات السجنية في صورة ارتكاب جنح مرورية واالكتفاء فقط بعقوبة الخطية المالية
أمر ضروري وذلك تماشيا مع التوجهات العالمية بصفة عامة التي تدعو الى التخلي عن عقوبة السجن
واقتصارها على مقترفي الجرائم الخطرين.
حيث أن مخالف احكام الجوالن ،ليس بالضرورة مجرما خطيرا لدرجة تستدعي عزله عن المجتمع،
وبالتالي فان االكتفاء بهذه العقوبة في الجرائم التي تنجر عنها حوادث قاتلة أو اضرار بشرية يكفي لتحقيق
األهداف المرجوة من العقوبات.
باإلضافة الى التخلي عن ضرورة والزامية التوجه الى القضاء إلصدار حكم يعاقب بناء عليه المخالف
بسبب األفعال التي ارتكبها.
42
هذا الحل يقتضي ضبط قيمة ثابتة للخطية المالية دون وضع حد أدنى واقصى لها ،إضافة الى توفير
إمكانية ممارسة حق التوجه الى القضاء لكل من يريد اثبات أن الجريمة ال تنسب اليه .فيصبح استخالص
الخطايا المالية المتعلقة بالجنح خاضعا لنظام استخالص الخطايا المتعلقة بالمخالفات ،بالتالي عندما يقوم
السائق بجنحة تجاوز السرعة القصوى على سبيل المثال ،فانه يقع اعالمه بالجريمة التي ارتكبها وقيمة
المخالفة التي يجب أن يدفعها فيذهب الى إدارات القباضة المالية لدفع الخطية.
وحرصا على التوصل الى تطبيق أنجع لهذا الحل ،يمكن ادخال منظومات الذكاء االصطناعي
واالستئناس بالتطورات التكنولوجية والمعلوماتية لتحقيق نتائج أسرع وأكثر فاعلية.
يتم ذلك عبر جعل االعالم بجميع الخطايا المالية وكل التفاصيل المتعلقة بالفعلة ،عن طريق تطبيقات
الكترونية توفر مجاال يمكن من الدفع االلكتروني.
ان التطورات التكنولوجية أصبحت اهم ما يميز جميع المجاالت ،بناء على النجاعة التي حققها في
تسهيل المعامالت وتحقق األهداف بطرق سريعة وفعالة.
والمالحظ أن البالد التونسية تسعى الى االندماج ضمن هذه المنظومة العالمية ويبرز ذلك من خالل
الحصول على قروض لتمويل مشاريع في هذا المجال.69
التدخل التشريعي بناء على ما سبق بيانه يعد أمرا ال بد منه ،وال يجب التمسك بالموروث التشريعي
لوضع النصوص القانونية بصفة مطلقة اطالقا تمنع من تحقق األهداف المرجوة من التقنين ،وانما يجب
االخذ بعين االعتبار ان "لكل مجتمع خصوصياته وظروفه االجتماعية والسياسية ،وأن القاعدة القانونية
تفرضها الحاجة وتصنعها الظروف تتكون شيئا فشيئا عبر أفكار ثم تجسم على ارض الواقع ،وعلى المشرع
التونسي ان يستقل بنفسه عن بقية تشريعات العالم ،يستأنس ببعض التجارب نعم ،لكن ال يكتفي بتتبع غيره
دون تثبت او تدقيق اذ ال بد من االخذ بعين االعتبار تطور العصر وتجربة الماضي لوضع قوانين ثورية
طموحة تكون مثاال يحتذى به ال نقال لتجارب الغير دون ان يكون لها طعم او ربح او حتى لن نفهم أسباب
70
اتخاذ تلك القاعدة القانونية او تلك".
69حيث يوجد مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بتاريخ 21ديسمبر 2017بين الجمهورية التونسية والبنك االفريقي للتنمية
للمساهمة في تمويل مشروع دعم تركيز المخطط الوطني االستراتيجي "تونس الرقمية ،"2020وكذلك مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاق
القرض المبرم بتاريخ 21ديسمبر 2017بين الجمهورية التونسية والبنك االفريقي للتنمية لتمويل مشروع دعم القدرات التقنية والتكنولوجية،
ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بتونس بتاريخ 21ديسمبر 2017بين الجمهورية التونسية والبنك االقتصادي للتنمية
للمساهمة في تمويل مشروع مساندة تنمية القدرات التقنية والتكنولوجية ،ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 14
فيفري 2019بين الجمهورية التونسية والوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل برنامج دعم الصحة االلكترونية ،E-Santeومشروع القانون
التعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بتاريخ 30جانفي 2020بين الجمهورية التونسية والبنك الدولي لإلنشاء والتعمير للمساهمة في تمويل
برنامج الحوكمة االلكترونية لدعم التحول الرقمي للخدمات اإلدارية ،ومشروع قانون يتعلق بإصدار المجلة الرقمية بتاريخ 11ديسمبر .2019
(المصدر :بوابة التشريع بتونس ،مرجع سابق ،مشاريع قوانين معروضة على السلطة التشريعية :تاريخ االطالع 22 :جانفي .)2021
70ادريس حريق ،مالحظات حول مشروع تنقيح الباب األول من المجلة الجزائية :ال لنقل تجارب الغير ...نعم لقوانين عصرية طموحة ،...تعليق
قانوني ،مجلة االخبار القانونية ،عدد ،259/258أفريل .2018ص.15.
43
-3ضرورة وضع تعريف تشريعي لعبارة "عدم اخذ االحتياطات الالزمة" أو حذفها:
ان استعمال المشرع التونسي لعبارة "عدم اخذ االحتياطات الالزمة" كفعل مجرم يؤدي الى حصول
حادث مرور قاتل أو تنجر عنه اضرار بشرية ،يعاقب عنه مرتكبه بعقوبات نص عليها صلب الفصلين 89
و 90من مجلة الطرقات ،حال دون تحقق األهداف المرجوة من التجريم.
حيث أن قواعد القانون الجزائي ،على خالف بقية االحكام القانونية تخضع لمبدأ التأويل الضيق
و"المقصود بهذا المبدأ أنه ليس للقاضي ان يقوم بتوسيع نطاق امتداد النص الجزائي فيجعله يستوعب افعاال
71
لم يجرمها المشرع ولم يقرر عقابا من اجلها"
وبما أن االحكام المتعلقة بجرائم الجوالن تنتمي الى القانون الجزائي ،فان ذلك سيؤدي الى ضرورة
احترام مبادئها ،وبالتالي سيؤدي الى التطبيق االلي للفقرة األولى لكل من الفصلين 89و 90من المجلة كما
سبق التدقيق بشأنه في الجزء األول من الدراسة ،مما يحد من صور تطبيق الفقرة الثانية من الفصلين.
الحل الناجع حسب اعتقادنا يتجه نحو ضرورة تدخل المشرع اما لوضع تعريف لعبارة "عدم اخذ
االحتياطات الالزمة" أو الغائها مقابل الحفاظ على احكام الفقرة الثانية والثالثة من الفصلين ،باعتبار أنهما
يضمنان حدا أدنى من النجاعة المطلوبة من العقوبة.
المالحظ أن الفصل المذكور يتضمن واجبات يتحملها السائق في صورة حصول حادث مرور مطلقا،
أي سواء نتج عنه أضرار مادية أو بشرية ،ولكن ما يالحظ كما وقع تفصيل القول فيه سابقا ،هو أوال ال نجد
عقوبات لمخالفي أحكام هذا الفصل رغم الصياغة التي استعملها المشرع عبر وضع عبارة "يجب" التي
تجعل من النص القانوني ملزما ،ثانيا فيما يتعلق بالمطة الثانية من نفس الفصل والتي يتضح أنها ال تجبر
السائق على االتصال بالشرطة أو الحرس الوطني عند حصول حادث مرور نتج عنه اضرار مادية ،اال في
ثالث صور فقط ،مما يسمح معه التفصي من المسؤولية الجزائية لمرتكب الحادث ذلك بناء على فرضية أن
حصول حادث مرور بالضرورة دليل على ارتكاب مخالفات ألحكام قانون الطرقات.
حتى يقع مساءلة جميع االشخاص المرتكبين لحوادث المرور سواء تلك التي تنجر عنها أضرار بشرية
أو مادية في مختلف الصور ،فانه ال بد من ادخال تنقيحات على المطة الثانية من الفصل 60من مجلة
الطرقات ،وذلك تحقيقا للعدل من ناحية ومن ناحية أخرى حتى تؤدي العقوبات المقررة لمخالفة أحكام مجلة
الطرقات النجاعة المطلوبة.
باإلضافة الى ضرورة تحديد العقوبات المتعلقة بمخالفة أحكام الفصل المذكور ،باعتبار أن عدم اعالم
الشرطة أو الحرس الوطني عند حصول القتل أو الجرح على وجه الخطأ ال ينتج عنه أية مساءلة.
وال يمكن اعتبارها جريمة فرار على معنى الفصل 91من مجلة الطرقات ،الن عدم االتصال بالشرطة
ال يعني بالضرورة الفرار .حيث قد يمتنع مرتكب الحادث عن اعالم وحدات االمن دون أن يقوم بالفرار،
71د.عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي ،المبادئ العامة للقانون الجزائي-دراسة مقترنة -دار الكتاب ،طبعة أولى ،2017ص.90.
44
وبالتالي تصبح الواجبات المنصوص عليها صلب الفصل 60من المجلة المذكورة ال تؤدي الى اية مساءلة
قانونية.
لذلك وضمانا التباع اإلجراءات المتعلقة بحوادث المرور ،على المشرع أن يتدخل ويحدد العقوبات
المالئمة لعدم اتباعها.
-5الحرص على التشديد في عقوبة الخطية المالية قبل حصول الحادث وليس بعده
يالحظ أنه وبعد أن يحصل حادث المرور القاتل أو الذي تنجر عنه أضرار بشرية ،فان المسؤول عنه
سيساءل جزائيا ومدنيا ،وفي أغلب األوقات يقع البت في الجزئين معا في نفس الدعوى أمام نفس المحكمة
المختصة بناء على القيام بالحق الشخصي المخول للمتضرر أو من يؤو ل إليهم الحق.
بناء على ذلك فانه ومهما بلغت قيمة عقوبة الخطية المالية ،باعتبارها محور الدراسة ،المقدرة بخمسة
االف دينار في اقصى الحاالت ،فإنها لن تؤثر على مرتكب الحادث من حيث الزجر والردع ،بقدر ما تقوم
بذلك التعويضات المدنية.
بالتالي فانه وبما ان العقوبة الجزائية تعتبر مطالبة بتحقيق الردع والزجر لمرتكبي الجرائم فانه ال بد
من إيجاد حلول تحقق النجاعة المطلوبة .يمكن ان تتمثل هذه الحلول ،في جعل العقوبات مشددة للجرائم
المرتكبة قبل حصول الحادث مهما كانت تبدو بسيطة وليس العكس.
إ ن تنظيم الجرائم والعقوبات ،يخضع الى مبادئ عامة تم بناؤها منذ القدم في مختلف العصور ،والتي
كانت دائما في صراع بين معيارين أساسيين عند محاولة اصالح العقاب يتمثالن في العدل وتحقيق مصلحة
المجتمع ،فتكون النتيجة اما بتغليب العدل أو المصلحة أو محاولة التوفيق بينهما ،حيث يوجد عنصران
للعقاب وتسليطه قد يحتوي على أحدهما أو كليهما وهما عنصر الردع والتخويف والقسوة من جهة ،ومن
72
جهة أخرى التركيز على الجانب اإلنساني من العقاب دون محاولة اهماله.
بناء على ما سبق بيانه ،فإن السؤال المطروح هو ماهي خصائص الخطية المالية المنظمة لمجال قانون
الطرقات؟ هل تخضع لمعيار العدل أم المصلحة وما هو العنصر الغالب هل هو الردع والتخويف والشدة ام
الجانب اإلنساني؟
ال يمكن ضبط الخصائص المحددة للخطية المالية عامة ،وانما سوف يقتصر الحديث عن تلك المتعلقة
بقانون الطرقات باعتباره محور الدراسة وذلك من خالل اجراء محاولة نحو تبين خصائصها مع ترك
المجال لمزيد التعمق في ذلك لمن يهتم بذلك.
المالحظ أن عقوبة الخطية المالية في مجال قانون الطرقات تراوح بين معياري العدل والمصلحة ،فمن
العدل أن يحاسب الشخص على قدر خطورة الفعلة التي ارتكبها ،وفي المقابل ال بد أن يقع حماية المجتمع
من مرتكب الجريمة وذلك عبر تحقق الردع العام والخاص.
72د .كمال الدسوقي ،علم النفس العقابي -أصوله وتطبيقاه( ،مرجع سابق) ص.53-52.
45
وبالرجوع الى أحكام قانون الطرقات في جزئها المتعلق بتنظيم جرائم الجوالن وعقوباتها ،فان المشرع
التونسي فعال يحاول التوصل الى وضع عقوبات مالئمة لخطورة األفعال المرتكبة تطابقا مع التوجهات
العالمية ،وقد ظهر ذلك في التطورات التشريعية التي ادخلها على قانون الطرقات.
حيث يضع الية التصنيف المعتمدة من قبل عدة تشريعات في العالم ،الى خمسة أصناف بالنسبة لجريمة
المخالفة ،ويحدد عقوبات مالئمة للجنح وال توجد اال جناية واحدة فقط وهي المنصوص عليها صلب الفصل
91من المجلة 73والمتعلقة بجريمة الفرار .بالتالي يالحظ حرص المشرع على تحقيق العدل في وضع
العقوبات.
في المقابل حتى تتحقق مصلحة المجتمع ،نجد أن المشرع يطبق عنصر الردع والتخويف والتشديد كلما
حصل حادث أدى الى القتل أو الجرح على وجه الخطأ وذلك بغية منع ارتكاب جرائم الجوالن.
يظهر ذلك خاصة عبر الية اإلحالة التي يستعملها صلب الفصلين 89و 90من مجلة الطرقات كما سبق
بيانه والتي تشمل الفصول من 83الى 88من المجلة ،حيث أن الجرائم المنظمة بها تقتضي عقوبات محددة
سلفا وذلك حتى في صورة ارتكاب الجريمة دون حصول حادث مرور ،ولكن عندما يقترن اقترافها مع
حصول الحادث والذي ينجر عنه القتل أو الجرح على وجه الخطأ ،فان العقوبة تشدد وتصبح أقسى تحقيقا
للعدل والمصلحة معا.
بهذا يكون المشرع قد تمكن من الوصول الى تحقيق الهدف المتمثل في تطابق تنظيمه للعقوبات مع
المبادئ العامة التي تحكمها.
ولكن المالحظ بعد الدراسة التي وقع القيام بها في هذا اإلطار ،والتي حاولنا من خاللها مسائلة الخطية
المالية هل فعال تحقق النجاعة الكافية للحد من حوادث المرور أم ال تستطيع ذلك؟ وقد تبينا أنها تحقق نجاعة
محدودة بناء على الصعوبات التي أسلفنا تدقيقها ،فانه ما يمكن التوصل اليه هو أن المشرع حقق الهدف
النظري ولم يحقق األهداف الواقعية واالصلية والتي تتمثل في منع حصول حوادث المرور على األقل القاتلة
منها أو التخفيض منها.
بالتالي ال بد من مراجعة التوجهات الرامية لتنظيم العقوبة مع الحرص على التركيز على الجانب
الواقعي لها وليس "التنظيري" ،فيبدو أن الواقع والنظري "خطان متوازيان ال يلتقيان أبدا".
حيث بناء على االحصائيات والمالحظات والتحليالت التي وقع القيام بها صلب هذه الدراسة ،تبين لدينا
أن قانون الطرقات بصورة خاصة يحتاج الى تنظيم خاص مستقل عن التوجهات العامة.
الحل الجوهري لذلك والطريقة األمثل الذي يجب اتخاذها هي التشديد فيما يبدو ظاهريا فعال بسيطا
ولكنه في الحقيقة ،وبالنظر الى النتائج التي تترتب عن ارتكابه في صورة حصول حادث مرور ،يصبح
خطيرا ،والفعل الخطير يصبح أكثر خطورة بعد حصول الحادث .ولكن الخطورة حسب اعتقادنا هي محاولة
"مداواة الجرح" بعد وقوعه وهو ما لن يحقق أية نتيجة إيجابية.
73الفصل 91من مجلة الطرقات :ترفع عقوبة السجن لمدة عشر ( )10سنوات إذا ثبت أن السائق المتسبب في القتل أو
الجرح على وجه الخطإ قد تعمد الفرار محاوال بذلك التفصي من المسؤولية الجزائية أو المدنية التي يمكن أن
يتحملها.
46
فعند التشديد في العقوبات قي جميع جرائم الجوالن قبل حصول الحادث ،فان ذلك سوف يؤدي حتما
الى اليقظة ومزيد التركيز عند السياقة أو عند استعمال الطريق وأخذ كل االحتياطات الالزمة تجنبا للعقوبة.
فاذا كانت العقوبات المسلطة قبل حصول الحادث قادرة على تجنب العود تحقيقا لهدف الحد من ارتكاب
الحوادث المرورية ،لما كان أبرز أسباب حصول حوادث المرور حسب احصائيات المرصد الوطني يتمثل
في السهو وعدم االنتباه!
حيث معلوم أن مستعملي الطريق ،غالبا ما يمتنعون عن ارتكاب جرائم الجوالن ليس بناء على رغبتهم
في ذلك أو تجنبا لحصول حادث المرور ،وانما تجنبا للعقوبات المقررة لمخالفتها .وبالتالي سيكون التركيز
لديهم مرتفعا ،واالنتباه عاليا عندما تكون العقوبات مشددة.
إن أهمية الترفيع في قيمة الخطية المالية وإعادة النظر في أحكامها فيما يتعلق بالمخالفات
المرورية أصبح أمرا ضروريا بناء على أن الخطورة تكمن في أن "ارتكاب هذا النوع من
74
الجرائم صار "مألوفا" حتى أنهم لم يشعروا أبدا بفضاحته".
يظهر الدليل على ذلك في أن عدد المخالفات المسجلة من قبل وحدات الحرس الوطني
للمرور خالل سنة 752020تقدر ب 904.848مخالفة وهو عدد مرتفع جدا مقارنة بتلك
المسجلة حول الجنح المرورية أو ما يطلق عليه بالمحاضر العدلية المقدر ب 255.698
محضر ،أي ضعف عدد الجنح بأكثر من ثالث مرات .وهو ليس أمرا غريبا ،حيث توجد بلدان
أخرى أيضا تسجل لديها المخالفات أكثر من الجنح ،مثل فرنسا.
وذلك ال يدل على شيء اال على أن "التسامح" في شان هذا النوع من الجرائم المرورية
من خالل بناء المنظومة العقوبية للمخالفات استنادا على خطورة األفعال المجرمة هو امر
يؤدي حتما الى عدم احترام القوانين المنظمة لها ومخالفة احكامها دون توقف.
ال يجب انتظار حصول حادث مرور حتى يقع الترفيع في العقوبة الن ذلك سوف لن يحقق
اية نتائج إيجابية ،فلن يرجع من فقد حياته مجددا أو من تضرر ،بناء على العقوبة التي ستسلط
على مرتكب الحادث ،خاصة ان المشرع في حد ذاته يعتبر الجرائم المرورية التي ينجر عنها
القتل او الجرح تعتبر من قبيل الجرائم المصنفة على أنها ارتكبت على وجه الخطأ ،أي أنه ال
يوجد أحد يريد ارتكاب حادث مرور عمدا ،إضافة انها لن تردع غيره من المخالفين كما يؤمل،
ألنها إذا كانت غير قادرة على ردع صاحبها فكيف لها ان تردع غيره!
بناء على ما سبق بسطه فان ردع المخالفين ألحكام الطرقات ،ال يجب أن يكون التشديد
فيه بعد حصول الحادث وانما قبله.
74ميشيل فوكو المراقبة والمعاقبة-والدة السجن -ترجمة علي مقلد ،مركز االنماء القومي بيروت ،1990ص.113.
75احصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة .2020ادارة الحرس الوطني (مرجع سابق).
47
-6اتباع عوامل الخطورة الخمس المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية عند ادخال التنقيحات
المالئمة:
بناء على دراسة قمنا بإنجازها في محاولة ضبط التشريعات التي أدخل عليها المشرع التونسي تنقيحات
يناء على عوامل الخطورة الخمسة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية ،كما سبق توضيحه آنفا ،فإنه وقع
استخالص ما يلي:
من بين العوامل الخمسة ،شملت التغييرات التشريعية فقط األحكام المتعلقة بارتداء حزام األمان والقيادة
تحت تأثير حالة كحولية.
وبناء على تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة ،2018فان ادخال تعديالت حول تحديد نسبة الكحول
في الدم المنصوص عليها بالقانون تعتبر من بين اهم الممارسات الجيدة ،وذلك بضبط حد أقصى لنسبة
الكحول في اللتر الواحد من الدم وهي 0.05غرام من الكحول الصافي بالنسبة لعامة السكان و 0.02غرام
76
بالنسبة لفئة السائقين الشبان وغير المتمرسين.
والمالحظ أنه وبعد ادخال التنقيحات المتعلقة بأحكام القيادة تحت تأثير حالة كحولية من قبل المشرع
التونسي سنة ،2016فان عدد الحوادث التي تكون فيها السياقة في حالة سكر سببا لحصولها قد شهد
انخفاضا كما يبينه الجدول التالي:
يستنتج من ذلك أن التدخل التشريعي له دور فعال في الحد من حوادث المرور ،رغم وجود عدة عوامل
أخرى ساعدت على تحقيق تلك النتائج.
76
Rapport de L’OMS, op. Cité. P.10.
48
ولكن عند التركيز على هذه الظاهرة ودعمها من جميع جوانبها فان ذلك سيؤدي الى الوصول الى نتائج
أكثر نجاعة وفعالية ،تصل حتى الى تسجيل 0حالة من الحوادث القاتلة المنجرة عن السياقة في حالة سكر،
وذلك ليس أمرا بعيد المنال باعتبار أنه الى حد االن ووفقا إلحصائيات المرصد بتاريخ 17فيفري 2021
يوجد فقط 6حوادث مرور من بينها صفر قتلى و 10جرحى وهو أمر جيد مقارنة بعدد القتلى الذي سجل
للسرعة ب 35قتيل أي بنسبة %29.06في نفس الفترة ،أو غيرها من األسباب.
في عدة بلدان من العالم ال يقع التركيز فقط على التخفيض من نسبة الكحول في اللتر الواحد من الدم
وانما أيضا وفي المقابل يتم الترفيع في قيمة الخطية المالية المقررة لمرتكبي جريمة السياقة تحت تأثير
حالة كحولية.
فكوريا على سبيل المثال قامت بإدخال تنقيحات سنة 2019نحو التخفيض من نسبة الكحول في الدم
حيث أصبحت % 0.03بعد أن كانت ،%0.05مع الترفيع في قيمة الخطية المالية من 50.000يان الياباني
الى 500.000يان ياباني إضافة الى تدابير أخرى ،وقد أثبتت الدراسات لديهم أن ذلك قد حقق نتائج إيجابية.
77
بالتالي ال بد من طرح حلول جذرية وحقيقية تتماشى مع الواقع االجتماعي والسياسي للبالد التونسية
في ما يتعلق بقانون السياقة تحت تأثير حالة كحولية ،وال يتحقق ذلك اال عبر عدة مجهودات ال بد ان تبذل
حتى تتحقق األهداف المرجوة ،حيث إضافة الى التخفيض من نسبة الكحول في اللتر الواحد من الدم ال بد
من الترفيع في قيمة الخطية المالية باعتبارها العقوبة المطالبة بإضفاء الجانب الردعي والزجري للفعلة،
وحتى تتمكن من تحقيق ذلك يجب التركيز خاصة على وسائل اثبات الحالة الكحولية باعتبار أن غيابها أو
عدم نجاعتها يعد أبرز األسباب التي تحول دون إمكانية تطبيق العقوبات المالئمة لها.
إضافة الى عامل الخطورة المتعلق بالسياقة تحت تأثير حالة كحولية ،ال بد من التطرق الى عامل ارتداء
حزام األمان.
حيث اعتبرت منظمة الصحة أن ارتداء حزام األمان يساهم في التخفيض بنسبة %45الى % 50
من خطورة الوفاة عند حصول حادث مرور من بين السواق والجالسين بالمقاعد االمامية وبنسبة %25
بالنسبة للجالسين في المقاعد الخلفية.
إذن فالتعميم الذي قامت به البالد التونسية في اجبارية ارتداء حزام األمان بالنسبة الى السواق وراكبي
المقاعد االمامية وكذلك المقاعد الخلفية المجهزة بها وذلك بناء على تنقيح ،2017بعد أن كانت تشمل فقط
السواق وراكبي المقاعد األمامية ،يعتبر تغييرا هاما وذلك لتطابقه مع المعايير الدولية ،حيث تعتبر منظمة
الصحة العالمية أن اجبارية ارتداء حزام األمان للجالسين في المقاعد االمامية والخلفية للسيارة تعتبر خاصية
78
أساسية ألفضل الممارسات.
وأيضا شمل التغيير المكان ،حيث أصبحت اجبارية ارتداء الحزام داخل وخارج مواطن العمران
وبالطرقات السيارة بعد أن كان يشمل فقط الطرقات السيارة وخارج المناطق البلدية.
77
OECD Reviews of Public Health : Korea : Healthier Tommoro, Tackling harmful alcohol use, OECD iLibrary ,
site web : https://urlz.fr/eXir (18-02-2021).
78
Rapport de l’OMS op cité p.12
49
وبناء على أهمية عامل الخطورة المتمثل في ارتداء حزام األمان ،ال بد من إخراجه من دائرة المخالفات
البسيطة المضمنة داخل التصنيفات الخمسة ،وفي المقابل اعتباره مثلما تعتبره منظمة الصحة العالمية ،عامال
من عوامل الخطورة وبالتالي تسليط عقوبات اشد لمخالفيه.
فعلى الرغم من أن عدم ارتداء حزام األمان ال يشكل في حد ذاته سببا مباشرا لحصول حوادث المرور،
اال أنه يشكل خطرا فيضاعف من نسبة االضرار عند وقوع الحادث.
هذا إضافة الى االضرار الداخلية الخفية ذات االثار السلبية على الجسم.
علما أن راكب الوسيلة غير المستعمل لحزام األمان يقطع مسافة حجرة القيادة في عشر الثانية ،وإذا
افترضنا أن سرعة الوسيلة تقدر ب 100كلم في الساعة ،فان عديد المعطيات تتغير على النحو التالي:
والثابت أنه بالرغم من المظهر الدموي للجروح الخارجية ،فان االضرار الداخلية الخفية هي التي تأخذ
بعين االعتبار ،وهذا ما يفرق بين ضحايا الطريق وضحايا الحوادث األخرى.
وبناء على ذلك ال بد أن تشمل التغييرات التشريعية ،ترفيعا على مستوى قيمة الخطية المالية التي تقدر
حاليا بأربعين دينار فقط.
المالحظ أن التغييرات التشريعية في البالد التونسية ،لم تشمل كل من السرعة واجبارية ارتداء الخوذة
من ناحية ومن ناحية أخرى ال يوجد تنظيم قانوني إلجبارية المقاعد المخصصة لألطفال.
79دليل السائق ،المرصد الوطني للمرور -الديوان الوطني للحماية المدنية -الجمعية التونسية للخبراء في مادة السيارات وحوادث المرور والجامعة
التونسية لشركات التامين ،المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ،ص.29-28.
50
بالتالي ال بد أن يقع االخذ بعين االعتبار هذه العوامل من قبل المشرع التونسي وذلك تماشيا مع
التطورات العالمية وتحقيقا للهدف األصلي وهو الحد من حوادث المرور.
إضافة الى ذلك فانه ال بد من التركيز على معيار العقوبة في مختلف عوامل الخطورة ،حتى تتحقق
النجاعة المطلوبة.
خاصة فيما يتعلق بأحكام السرعة ،حيث ما يالحظ أن البالد التونسية لم تدخل تغييرات تشريعية على
االحكام المنظمة للسرعة منذ سنة 2009على خالف بقية دول العالم ،التي اثبتت احصائيات منظمة الصحة
العالمية أن هناك 46دولة قد أدخلت تغييرات تشريعية بناء على عامل الخطورة المتمثل في السرعة وذلك
سنة .2014
وضرورة التدخل التشريعي في إطار أحكام السرعة هام ،باعتبارها ال تزال تحتل المراتب األولى في
حصول حوادث المرور بناء على احصائيات المرصد الوطني ،ولم تسجل سوى انخفاضا طفيفا منذ سنة
،2013كما هو مبين في الجدول التالي:
80
السرعة ()%
رغم أن مخالفات الرادار االلي المسجلة من قبل وحدات الحرس الوطني كما هو مبين بالجدول ،والتي
تثبت أنه وفي نفس الفترة الممتدة من سنة 2013الى سنة ،2018سجلت انخفاضا في عدد المخالفات
المرفوعة ،مما يفترض من خالله نقص المخالفين المتجاوزين للسرعة المسموحة قانونا ،اال أن االنخفاض
الطفيف في عدد الحوادث خاصة القاتلة بنسبة %0.15يقتضي عكس ذلك.
80احصائيات حوادث المرور من 2013الى ،2015ومن 2016الى ،2018موقع المرصد (مرجع سابق).
51
من سنة 2016الى 2018 من سنة 2013الى
2015
376.738 380.096
الفارق-3.358 :
بناء على ما سبق طرحه ،فان المشرع مطالب بالتدخل نحو تعديل أحكام السرعة من خالل خاصة،
الترفيع في قيمة الخطية المالية وتسهيل إجراءات استخالصها كما سبق بسطه كي تحقق النجاعة الكافية،
باعتبار أن تأجيل العقاب من خالل تأخر صدور االحكام القضائية قد يحول دون الزجر والردع المطلوبان
وبالتالي الحد من حوادث المرور.
حيث أكدت منظمة الصحة العالمية في التقرير الذي أنجزته سنة ،2018أن الدول التي تسعى الى
ضمان توفير اليات تساعد على تطبيق القانون ،تدخل ضمن تصنيف البلدان ذات الممارسات الجيدة
81
الستراتيجيات الحد من حوادث المرور القاتلة.
وقد بينت أيضا أنه حاليا توجد 123دولة ،لديها قوانين تحرص على تطبيقها بناء على أحد عوامل
الخطورة الخمس ،من بينها 45دولة لديها قوانين مطبقة فيما يتعلق بعامل واحد من عوامل الخطورة ،في
حين توجد 31دولة لديها قوانين تحرص على تطبيقها فيما يتعلق بعاملين اثنين ،وهناك 22دولة لديها قوانين
منطبقة لثالثة عوامل معا ،في حين توجد 20دولة تحرص على تطبيق القوانين الموجودة ألربعة عوامل
من عوامل الخطورة وال يوجد سوى 5دول فقط لديها قوانين تطبق فيما يتعلق بالخمسة عوامل معا.
ولكن بما أن البالد التونسية تحصل على معدالت ضعيفة في نسبة تطبيقها للقانون ،بناء على دراسة
لمنظمة الصحة العالمية المنجزة سنة ،2015فانه ال بد من التركيز على الحلول المساعدة على تحقق ذلك.
قبل ذلك سيقع اجراء مقارنة بين تونس وبعض من دول العالم التي تصنف حسب البنك الدولي من بين
الدول متوسطة الدخل ،حول مدى تطبيقها للقوانين المتعلقة بعوامل الخطورة الخمسة.
81
Global Status Report On Road Safety OMS, 2018, P.24.
52
معدل تطبيق القانون
10
10 10
8 9 9
8 8 8
6 7
6
4 5 5 5
4 4
2 3
2
0
السرعة السياقة تحت تاثير الكحول حزام األمان ارتداء الخوذة
عمان الجزائر تونس مصر
82
المالحظ بناء على البيان أعاله أن البالد التونسية تعتبر األقل تطبيقا للقانون حسب تقديرات منظمة
الصحة العالمية مقارنة بكل من الجزائر ومصر وعمان.
ال بد اذن من الحرص على إيجاد الحلول المالئمة لتحقيق تطبيقات أنجع للقانون حتى تتمكن عقوبة
الخطية المالية من القيام بواجبها على أكمل وجه.
يمكن إضافة الى ما سبق بسطه التأكيد على ضرورة الحرص على تطبيق القانون باعتبار النتائج
اإليجابية التي تترتب على ذلك.
حيث ما يمكن استخالصه من خالل االحصائيات التي أجرتها إدارة الحرس الوطني للمرور حول
تسجيل المخالفات ،83أن ارتفاع عدد المخالفات المسجلة من قبل الوحدات المختصة بذلك ،قابله انخفاض في
عدد الحوادث المرتكبة في نفس الفترة.
بالتالي يمكن أن يستنتج من خالل ذلك أن الحرص على تطبيق القانون يؤول الى الحد من حوادث
المرور بمساعدة عدة عوامل أخرى.
82وقع اعداد هذا البيان بناء على االحصائيات التي أعدتها منظمة الصحة العالمية بالتقرير المنجز سنة ،2015ويتمثل احتساب معدل تطبيق
القانون بناء على سلم محدد من قبل المنظمة العالمية ،من 0الى ،10حيث يكون العدد 10دليل على تطبيق الدولة للقانون كليا ،والصفر دليل على
انعدام كلي لتطبيق القانون فيما يتعلق بمجال محدد.
83احصائيات إدارة الحرس الوطني للمرور للسنوات الممتدة من 2015الى ( 2020وقع الحصول على هذه االحصائيات بناء على إجراءات تكفل
بها المرصد الوطني لسالمة المرور).
53
+440.092 3.101.361 2.661.269 عدد الخطايا المسجلة
يالحظ طبقا للجدول السابق بيانه ،هو ارتفاع عدد الخطايا المسجلة ب 440.092خطية ازدادت في
السنوات الممتدة من 2018الى 2020مقارنة بالثالث سنوات التي تسبقها ،وقد قابل ذلك انخفاض في عدد
الحوادث ب 1410حادث و 326قتيل ،إضافة الى انخفاض هام في عدد الجرحى ب 3006جريح.
يمكن اعتبار أن عوامل انخفاض الحوادث إضافة الى كل المجهودات المبذولة من قبل المرصد الوطني
للمرور والجمعيات وغيرها كما سلف بيانه ،فانه ال بد من االخذ بعين االعتبار أن ارتفاع عدد المخالفات
المسجلة يمكن ان يكون دليال على الحرص على تطبيق القانون على المخالفين.
االليات التطبيقية التي تساعد على تحقيق النجاعة المنشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور،
تتمثل اذن في الحرص على تطبيق القانون من جهة ،ومن جهة أخرى توفير كل الوسائل التي تساعد على
ذلك.
يتطلب الحرص على تطبيق القانون تدخل جميع األطراف المسؤولة عن الحد من ظاهرة الحوادث
المرورية ،وال يكون ذلك اال متى أصبحت السالمة المرورية أولوية وطنية.
حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن ضمان الدول لتحقيق ممارسات فعالة في الحد من حوادث المرور
القاتلة ،يتطلب تدخل مختلف األطراف من بينها وزارة النقل والتجهيز والداخلية والصحة والجمعيات
والمنظمات والمجتمع المدني.
وحرصا على تطبيق أنجع للقانون ،يمكن االستئناس بالطريقة التي تستند عليها منظمة الصحة ،المتعلقة
بعوامل الخطورة وذلك انطالقا من احصائيات المرصد الوطني للمرور من خالل تحديد خمسة أسباب
أساسية تتدخل في حصول حوادث مرور قاتلة طيلة سنوات عدة ،سيكون ذلك كما يلي بيانه:
المالحظ بناء على احصائيات المرصد ،أنه وطيلة 19سنة تتصدر السرعة وشق الطريق وعدم مالزمة
اليمين والسهو عدم االنتباه والمجاوزة الممنوعة الخمس مراتب األولى في أسباب الحوادث المروية القاتلة،
كما يلي:
أسباب حوادث المرور القاتلة
%29.73 الرسعة
54
%13.03 شق الطريق
%11.05 عدم مالزمة اليمي
%8.76 السهو وعدم االنتباه
%5.43 المجاوزة الممنوعة
(المصدر :موقع المرصد الوطني للمرور :الفترة الممتدة من سنة 2001الى سنة )2020
على الرغم من االنخفاض في عدد القتلى فان ذلك لم يمنع من محافظة السرعة على أعلى النسب طيلة
سنوات عديدة.
وبناء عليه ال بد أن يقع التركيز أكثر على السرعة ،من حيث الحرص على تطبيق القوانين المتعلقة بها.
يجب أن يقع الترفيع في الخطية المالية المتعلقة بالسرعة ،وفي جميع حاالتها دون أن تختلف القيمة
المالية بناء على درجة الخطورة ،وذلك باعتبار أن مخالفة احكام السرعة بالذات يؤدي الى كوارث مرورية
ال يجب التسامح بشأنها مهما بدت المخالفة بسيطة ،حيث ثبت لدى عديد الدول في العالم أن "القوانين
المرورية المشددة ساهمت في نشر الوعي وكانت في صالح المجتمع"84.حيث يالحظ أن السرعة تحصد
االف األرواح ال يمكن لخطية مالية أو عقوبة سجنية أو تعويضات مدنية أن ترجعها.
سجلت السرعة ،حوادث قاتلة في السنوات الخمسة األخيرة بأعداد مفزعة ،خاصة عند النظر الى تلك
االعداد ليس كأرقام تدخل في بيانات االحصائيات ،انما كأشخاص فقدت حياتها.
في السنة الحالية 2021ولمدة شهر ونصف فقط ،بلغ عدد القتلى التي تكون السرعة سببا أساسيا في
حصوله 36قتيل وهو عدد مرتفع جدا مقارنة ببقية األسباب التي بلغت 26قتيال في السهو وعدم االنتباه
وتسعة قتلى لشق الطريق وسبعة لعدم احترام األولوية.
المالحظ أن هناك انخفاض في عدد القتلى المسجلة طيلة السنوات الخمسة األخيرة ،على الرغم من
محافظة السرعة على المرتبة األولى في أسباب حوادث المرور القاتلة.
84مجلة المرور ،اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية ،دولة قطر ،العدد 11 ،65-11ماي ،2016ص.33-32.
55
ان االنخفاض المسجل يعود الى عدة عوامل تتمثل في التالي:
-الحمالت التحسيسية
-تسجيل المخالفات ألحكام السرعة
-التقارير التي يعدها المرصد الخاصة بالتنبيه الدوري للواليات باالرتفاع المسجل لديهم في عدد
الحوادث المرورية
-تدخل هياكل المجتمع المدني عبر الجمعيات المرورية...
بناء على ذلك ،وبما أن هذه االليات تساعد حقا على تحقيق نتائج إيجابية ،فانه ال بد من دعمها بحلول
إضافية.
تتمثل الوسائل المساعدة في اقتراح لمجموعة من الحلول المختلفة والمتمثلة فيما يلي:
✓ يجب ان تصبح العقوبة حول مخالفة السرعة تتمثل في الخطية المالية إضافة الى سحب الرخصة
أو حجز العربة.
✓ يجب خاصة الحرص على الفصل في دعاوى المرور باعتبار أن "سرعة الفصل اهم أسباب ردع
المخالفين" ،85أو جعلها خاضعة لنظام االستخالص المتعلق بالمخالفات المرورية كما سبق توضيحه.
86
فالسرعة في تسليط العقوبة يعتبر عامل أساسي في تحقيق النجاعة المطلوبة.
✓ توفير اسطول من وحدات المرور كاف للحرص على تطبيق القانون ،خاصة وأن تدعيم المجهودات
األمنية يتمتع بدور رئيسي في الحد من الجريمة بصفة عامة ،حيث تؤكد االحصائيات لدى دولة قطر
باعتبارها األولى عربيا في الخدمات التي يقدمها جهاز الشرطة ،الى ارتفاع نسبة المجهود الشرطي للحفاظ
على حالة االمن واألمان في الدولة من قبل الجهات المختصة للحد من المظاهر والسلوكيات ،مكن بدرجة
87
كبيرة من تسجيل انخفاض كبير على مستوى ارتكاب الجريمة مقارنة بالمعدالت العالمية".
✓ "أهمية تأهيل أجهزة الشرطة واالمن وبناء قدراتها في مجال ضبط الجريمة عامة وكشفها بالوسائل
واألساليب الحديثة المشروعة بعيدا عن أي قسر أو اكراه أو انتقاص لحقوق االنسان ،واالستفادة في هذا
88
الشأن من التجارب العربية والدولية الناجحة".
✓ تشجيع الوحدات األمنية على مزيد الحرص على تطبيق القانون وذلك عبر منح جوائز ألفضل
الممارسات التي يقوم بها االعوان ،ويمكن استلهام هذه الفكرة من خالل "جائزة العامل المثالي" المنظم
باألمر عدد 1933والمؤرخ في سبتمبر 1993والمتعلق بجائزة العامل المثالي ،ويوجد قرار للوزير األول
مؤرخ في 5جانفي 1994متعلق بضبط كيفية اسناد هذه الجائزة ،وحاليا يوجد تفعيل لهذه المنظومة من
85مجلة المرور ،اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية -دولة قطر ،العدد 11 ،24-64مارس .2016ص.63 .
86
L’importance pour la sécurité routière de la politique pénale en matière de circulation, plaidoyer une
politique criminelle efficace, Institut Belge pour la Sécurité Routière asbl- département recherche et conseil,
Discussion Paper n°99-01, mai 1999, P16.
87مجلة المرور ،اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية -دولة قطر ،العدد 11 ،24-64مارس .2016ص16 .
88مجلة أصداء األمانة ،األمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب ،العدد ،40مارس ،2016ص.2.
56
خالل المنشور عدد 6الذي صدر سنة ،2020وبالتالي يمكن تعميم هذه االلية لضمان الحرص على تطبيق
القانون.
✓ اجراء رقابة دورية متشددة بغية القضاء على الفساد الذي يحول في عديد من الحاالت الى عدم
تطبيق القانون.
✓ توفير كاميرات المراقبة في مختلف المناطق أو على األقل في تلك التي تكثر فيها الحوادث.
✓ الحرص على ادخال منظومة تربوية في تعليم قواعد السير عامة والخطورة التي تتسبب في
مخالفتها ،يمكن ان يكون ذلك عبر وزارة التربية من خالل ادراج قانون الطرقات كمادة أساسية تدرس في
المدارس والمعاهد ويقع االختبار في شانه كغيرها من المواد ،أو يكون عبر التعامل مع وزارة التعليم العالي
والبح ث العلمي من خالل االليات المتوفرة لدى هياكله والمتمثلة مثال في مركز المهن واشهاد الكفاءات
() Centre 4C: Centres de Carrière et de Certification des Compétencesوذلك عبر
تقديم تكوين لمختلف الفئات الطالبية في مجال قانون الطرقات مع الحرص على منح شهادات معترف بها
في المقابل ،وذلك سيعود بالفائدة من حيث ترسيخ قواعد المرور وسيجد اقباال كبيرا من الطلبة ...
✓ يجب ادخال وتفعيل نظام إعادة تكوين المخالفين لقواعد الطرقات ،فكل سائق سجل نقصا في عدد
النقاط الممنوحة لرخصة السياقة المقدرة بخمسة وعشرين نقطة وذلك بسبب مخالفته للقانون فانه يمكن ان
يسترجعها بعد القيام بإعادة التكوين ،أو تعويض العقوبات المسلطة على المترجل من خالل تكوينه في هذا
المجال خاصة وان شق الطريق يعتبر من بين األسباب الرئيسية في حصول حوادث المرور.
✓ ادخال تصليحات على إشارات المرور التي ال تعمل والحرص على تزويد المناطق غير المجهزة
بها.
حيث أن "موضوع إشارات المرور هام جدا واالهم منه هو احترامه من طرف مستعملي الطريق وعدم
89
تعرض اإلشارات للتلف من طرف المواطنين".
✓ يجب الحرص على تجهيز مراكز تعليم السياقة بنظام لالختبار العملي االلكتروني للمتدربين ،الذي
يتيح "مراقبة عملية االختبار داخل السيارة بشكل الكتروني ومعرفته مكان وجود السيارة والمختبر عبر
أجهزة التتبع وت سجيل المالحظات حول األخطاء التي تحدث اثناء االختبار والحصول على تقارير أداء
المختبر ومراقبة سلوكيات المختبر والفاحص ،فضال عن إمكانية اجراء الفحص والتقييم عن بعد ،حيث
يوجد مختبر او فاحص داخل السيارة وكذلك فاحص ومراقب في مركز التحكم كما يمكن للنظام مراقبة عدة
مختبرين في نفس الوقت من خالل أجهزة تحديد الموقع وكاميرا امامية لتصوير الطريق وكاميرا إضافية
لتصوير الفاحص والمختبر وكل ما يحدث داخل السيارة" ،90وهو نظام معمول به بدولة قطر ،فلما ال يقع
إدخاله ضمن نظام البالد التونسية لتحقيق اكثر فعالية.
89االعالم وسالمة المرور ،سلسلة االعالم في خدمة المجتمع ،الجمهورية التونسية -وزارة االعالم -التدوة القومية األولى من اجل سالمة المرور،
افريل .1982ص.90.
90مجلة المرور (مرجع سابق) ص.60.
57
✓ يمكن االستئناس بتجارب دول العالم أيضا فيما يتعلق بفكرة التنسيق بين األطراف المعنية بالسالمة
المرورية عبر ارسال رسائل شكر وثناء في إطار تعزيز المسؤولية المشتركة لحفظ االمن للجمهور وذلك
91
لقيامهم باإلبالغ عن وقوع حوادث مختلفة شاهدوها أمامهم دون ان يكونوا أطرافا في الحادث نفسه"
✓ يمكن اقتراح وضع صندوق يسمى "صندوق الخطايا المرورية" ،على غرار صندوق ضمان
ضحايا حوادث المرور ،يقع تمويله من قبل مختلف األطراف المعنية بوضع الحوادث المرورية والنتائج
السلبية التي تحدثها ،وأيضا عبر جعل الخطايا المالية التي تصرف لخزينة الدولة والمتعلقة بجرائم الجوالن
تخصص لهذا الصندوق وذلك سيعود بالنفع على جميع األطراف وسيحقق عدة فوائد .حيث يمكن من خالل
هذا الصندوق الحرص على إعادة تأهيل الطرقات وتوفير اإلشارات المرورية التي ال تعمل او تزويد
المناطق التي ال تحتوي على إشارات مرورية العمل على توفير االت اثبات جرائم الجوالن...
ان جميع الحلول المقترحة وغيرها من االليات التشريعية أو التطبيقية كما سلف توضيحه ،ال بد أن
تتظافر كل الجهود نحو العمل عليها وذلك بغية تحقيق األهداف المنشودة للخطية المالية المتعلقة بالحد من
حوادث المرور ،باعتبارها العقوبة المسؤولة بتحقيق الردع لكل مخالفي قانون الطرقات.
يدعم دور الخطية كعقوبة أساسية في مجال حوادث المرور من خالل إدخال تطورات وتغييرات تتماشى
مع مختلف الظروف العالمية والوطنية على نظام عقوبة الخطية ،يمكن أن يظهر هذا التطور من خالل
المشروع الذي وضعه المرصد الوطني لسالمة المرور في إطار االستراتيجية الوطنية ،والمتمثل أساسا فيما
وقع تسميته بمشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا".
ال بد من ضبط مفهوم "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" ،وضبط آليات تطبيقه قصد تحديد
األهداف التي يرسمها واالثار المترتبة عن تفعيله.
يعرف السيد (سهيل القزاح) صاحب الفكرة" ،الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" بناء على تصور
يقوم على تطوير لمفهوم عقوبة الخطية المالية نحو إصالحها ،وجعلها ال تهدف الى تسليط العقوبة "انتقاما"
من مرتكب الجريمة المرورية ،وانما تشجيعا له على تجنب العود ،فالتصورات الحديثة لعلم العقاب تقتضي
ان يكون "الغرض من الجزاء الجنائي ليس االنتقام من المجرم وانما إصالحه حتى ال يعود الى ارتكاب
92
الجريمة مرة اخرى".
حيث يرتكز هذا التصور أساسا ،على فكرة الترفيع في قيمة الخطية المالية مع ضرورة ارجاع نسبة
من معلوم الخطية المدفوع الى مرتكب الجريمة المرورية ،عندما يثبت أنه وخالل مدة زمنية محددة لم
يرتكب أية جريمة مرورية من نفس النوع.
58
حتى تتضح الفكرة أكثر ،ال بد من بسط المثال التالي حتى يقع تبين مفهوم هذا التصور المتطور لتسليط
العقوبات .حيث وفي صورة ارتكاب السائق لجريمة تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين كلم في
الساعة أو أكثر ،فان القيمة الحالية لعقوبة الخطية المالية ،تتمثل في مائة وعشرون دينار كحد أدنى ومائتين
وأربعين دينار كحد أقصى.
في هذه الحالة إذا ما وقع الترفيع في قيمة الخطية المالية لتصبح على سبيل المثال تقدر بخمسمائة دينار،
فان المخالف سيقوم بدفع هذا المبلغ لمخالفته ألحكام السرعة ،ولكن سوف لن يقف االمر عند هذا الحد ،وانما
سوف يصبح تحت الرقابة لمدة معينة (مثال شهر كامل) وعند انتهاء المدة ،وقد ثبت انه لم يرتكب اية مخالفة
من هذا النوع ،فانه سيقع تشجيعه على حرصه هذا من خالل مده بنسبة معينة من معلوم الخطية التي قام
بدفعها ،وبالتالي سيتحقق الجانب الردعي فعال بناء على هذه االلية باعتبار ان مرتكب الجريمة سيحرص
على عدم الوقوع فيها مجددا الن في ذلك ستحصل له فائدة حقيقية.
ان الية الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا فيها تكريس لما جاء به الفقيه "جوستينيان" عندما نص
على ما يلي:
"مهمتنا نحن الفقهاء غرس أصول الخير والعدالة والتمييز بين الحق والباطل والمباح والمحظور،
وغايتنا جعل الناس أخيارا صالحين ،ال من طريق إسترهابهم بالعقوبات فحسب ،بل ومن طريق ترغيبهم
بحسن الجزاء أيضا" .93وهذه الغاية تتحقق عند تغيير نظام عقوبة الخطية المالية من خالل ادخال االلية
سابقة الذكر وتنفيذها.
بعد طرح مفهوم الفكرة المستجدة ،فانه ال بد من تقييمها نحو ابراز مظاهر التميز فيها.
اعتبارا وان كل فكرة تحتوي على مميزات وحدود ،وحتى يكون الطرح حياديا ،فانه سيقع التطرق الى
جميع هذه الجوانب.
• حدود الفكرة:
ان أول ما يبدر للذهن لدى الجميع حول فكرة الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا ،هو جزؤها المتعلق
بالترفيع في قيمتها.
حيث قد يرى العديد من األشخاص خاصة مستعملي الطريق ،أن القيمة الحالية للخطايا المالية في مجال
قانون الطرقات يبدو مرتفعا ،خاصة بالمقارنة مع األوضاع االقتصادية للبالد التونسية وضعف األجور
والدخل لدى مختلف الفئات ،مما يؤدي الى االعتراض على الترفيع فيها.
زد على ذلك فان هناك عديد العوامل التي تؤدي الى حصول حوادث المرور ،وبالتالي عند الترفيع في
قيمة الخطية المالية دون الحرص على توفير البيئة المالئمة ،فيه داللة على تحميل عبئ المسؤولية على
59
مستعملي الطريق فحسب ،في حين أن هناك عديد األطراف المسؤولة عن السالمة المرورية ،خاصة فيما
يتعلق باإلشارات غير الموجودة أو التي ال تعمل والبنية التحتية الضعيفة والطرقات غير المجهزة ،وآالت
اثبات الجرائم غير المتوفرة في اغلبها ،والظروف المالئمة لعمل االعوان التي تسهر على انفاذ القانون
وغيرها...
من وجهة نظر قانونية ،فانه بناء على مبدأ التناسب وهو مبدا دستوري وجزائي يقتضي ضرورة أن
يكون العقاب متناسبا مع الفعل المجرم ،فانه قد يحول ذلك دون إمكانية الترفيع في قيمة الخطايا المالية اال
بصورة محدودة ،مما يؤدي معه الى عدم تحقق الجانب المتعلق بالجزء األهم من الفكرة وهو االسترجاع
النسبي لجزء من القيمة المالية.
تقتضي الفكرة المطروحة توفر عديد االليات التي تدعم وجودها ،وذلك من حيث الوسائل التي ستمكن
من اجراء رقابة على كل المخالفين مع الحرص على متابعة كل سائق على حدى حتى يتم تمكينه من معرفة
ما إذا كان قد وقع في نفس المخالفة أم مخالفة من نوع اخر ،ليعلم ان كان سيحصل على النسبة المسترجعة
أم ال ،وبالتالي قد يصبح كل التركيز منصب على مدى حصوله على تلك النسبة من عدمه ،مما قد يؤدي الى
نتائج سلبية.
حيث أن غياب الية فعالة تمكن من اطالع السائق على المخالفات التي ارتكبها نوعا ومرات وقيمة
وجميع البيانات المتعلقة بحصول الجريمة المرورية ،قد يحول دون تحقق أحد أهداف مشروع الخطية المالية
القابلة لالسترجاع نسبيا وهو الحد من ظاهرة افساد الذمة ،بل قد يؤدي الى تعمقها ،باعتبار أن المجهول يحد
من الثقة في الوعد المتمثل في استرجاع نسبة من القيمة المالية ،وبالتالي قد يلجئ البعض الى سلوك مسلك
قد يبدو لهم أنجع للتفصي من العقاب.
تقتضي الفكرة المطروحة ايضا تغيير إجراءات استخالص الخطايا ،بحيث أن اإلبقاء على نفس
اإلجراءات سيؤول الى صعوبات تمنع من تحقق الهدف األساسي وهو الردع عن ارتكاب الجرائم المرورية
بغية الحد من الحوادث.
فعلى سبيل المثال ،بالنسبة لجنحة تجاوز السرعة القصوى المحددة قانونا ،فان ضرورة اصدار حكم
يسلط عقوبة على المخالف ،سيؤدي الى انتظار صدوره وبالتالي ستتعقد األمور عند إضافة فكرة االسترجاع،
فتطرح مسالة اآلجال ،حول مدة بداية احتساب أجل االسترجاع ،هل هو منذ حصول الجنحة أم مند صدور
الحكم أو تاريخ االعالم به.
• مميزات الفكرة:
ان ميزة مشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" تكمن في كونها عبارة عن "معاقبة بقسوة
ملطفة" بعبارة فوكو.
فالترفيع من الخطية المالية أصبح أمرا ضروريا في جميع األحوال ،سواء اقترن بفكرة االسترجاع أم
لم يقترن بها .وذلك بناء على االحصائيات التي تسجل أعدادا مرتفعة لحوادث المرور ،وهذه االعداد تنخفض
دوريا بناء على مختلف العوامل والمجهودات ،والتي من بينها الحرص على تطبيق القانون ،وبالتالي فان
60
تسليط العقاب يحقق الى حد ما ردعا لمرتكبي الفعل المجرم .ولكن المالحظ ان العقوبات الحالية تحقق نتائج
بصورة بطيئة جدا وبنسب قليلة.
حيث بالرجوع الى عدد المخالفات المسجلة بواسطة الرادار االلي في الفترة الممتدة من سنة 2013الى
سنة 2015ومقارنتها بالثالث سنوات التي تليها ،نالحظ انخفاضا في عدد المخالفات المسجلة بحوالي
-3.358مخالفة ،يمكن أن يكون ذلك دليال على أن تطبيق القانون يؤدي الى انخفاض نسبة ارتكاب األفعال
المجرمة .وبالتالي عند الترفيع في قيمة الخطية المالية سيحقق ذلك نتائج أفضل أي سينخفض عدد المخالفات
المرتكبة باعتبار حرص مستعملي الطريق على تجنب العقوبة خاصة ألنها أصبحت مشددة.
تأكيدا على أهمية الترفيع في قيمة الخطية المالية ،باعتبار ان القيمة تحدث اثرا على مستعملي الطريق،
فان ما يالحظ هو أن المخالفات من األصناف الخمسة التي تتراوح فيها قيمة الخطية من ستة دنانير الى
ستون دينار ،تشهد ارتفاعا في عدد الخطايا المسجلة ،فعند المقارنة بين الفترة الممتدة من سنة 2015الى
سنة 2017والثالث سنوات التي تليها ،يالحظ زيادة ب 336468مخالفة ،مما يمكن ان يستنتج من خالله،
أن هذا االرتفاع ناجم عن محدودية نجاعة الخطية المالية المسلطة على صنف المخالفات من الجرائم
المرورية ،فلو كان العدد ينخفض في كل سنة فان ذلك قد يدل على احترام قواعد الجوالن ،وذلك قد يعود
أساسا الى القيمة غير الردعية للخطية .على الرغم من أن هذه النتيجة للفرضية المطروحة قد ال تكون دقيقة
باعتبار أن ارتفاع عدد المخالفات المسجلة كل سنة تدخل فيه عدة أسباب ومتغيرات أهمها تطور اسطول
النقل.
إضافة الى ذلك فان ما يالحظ بناء على نشاط وحدات حرس المرور للسنوات من 2014الى ،2020
هو أن عدد المخالفات المسجلة من األصناف الخمسة أكثر من تلك المسجلة حول المحاضر العدلية .حيث
بلغ عدد المخالفات المالية 4.590.864في حين سجلت المحاضر العدلية عدد 1.739.813محضر في
نفس الفترة ،مما يسمح معه القول بان لقيمة الخطية المالية دور هام في تجنب العود أو تجنب الوقوع في
جرائم الجوالن بصفة عامة.
بناء على ما سلف بيانه فان تحقيق الجانب الردعي يكون عبر التشديد في العقوبة.
ما يؤكد ذلك هو أن المشرع في حد ذاته قد سعى في فترة تغيير المجلة وتنقيح المجلة الحالية ،الى
محاولة الترفيع في قيمة الخطية المالية لبعض الجرائم المرورية ،وتتجه نيته عبر ذلك في أن التشديد من
العقوبة فيه تأثير على الحد من مخالفات احكام قانون الطرقات.
حيث جاء بمداوالت مجلس النواب حول مشروع تنقيح مجلة الطرقات سنة 2006ما يلي:
" واعتبا ار أن مبالغ الخطايا الحالية بالنسبة إلى المخالفات العادية لم تقع مراجعتها منذ سنوات وال تمثل
94
عامل ردع فقد نص المشروع على مضاعفة هذه المبالغ"
كذلك االمر عند تنقيح المجلة سنة 2009جاء ما يلي:
94مداوالت مجلس النواب ،مشروع قانون تنقيح مجلة الطرقات ،الجلسة 16 ،29جويلية .2006ص823.
61
" وتدعيما للسالمة المرورية من ناحية وحفاظا على الوظيفة الردعية للعقوبات من ناحية أخرى ،نص
95
المشـروع على الترفيع في مقدار الخطية"
وبالتالي فان الترفيع في قيمة الخطية المالية ،هو عنصر فعال للحد من الجرائم المرورية.
ولكن ال يكفي التشديد في العقوبة ،بل ال بد من العمل على تحفيز المخالفين لقواعد الطرقات على تجنب
ارتكاب جرائم الجوالن ليس بناء على الخوف من العقوبة فقط وانما أيضا لمعرفة خطورة الفعل المجرم
وبالتالي تجنب العود.
حيث اثبتت الدراسات حول علم النفس العقابي ،أن هناك مجموعة من القواعد التي تحقق الهدف من
وجود العقاب.
حيث أن استرجاع نسبة من قيمة الخطية المالية ،يشكل حافزا لمرتكب الجريمة المرورية على تجنب
العود.
تتميز فكرة االسترجاع على دعم لقاعدة "الوقاية خير من العالج" ،عبر الحرص على تجنب الضرر
أفضل من الوقوع فيه ،فالمعالجة قبل وقوع العود من خالل تجنبه عبر الية استرجاع نسبة من قيمة الخطية
التي فيها تشجيع على ذلك ،أفضل من التشديد في العقوبة عند حصول العود.
بالنسبة للقاعدة التالي " :تقرير التقدم أجدى من العقاب أو على األقل يجب أن يرتبط به" ،يبرز تطبيقها
عند تكريس فكرة الخطية القابلة لالسترجاع ،من خالل أن مرتكب الجريمة المرورية سيحظى بمتابعة لسجل
المخالفات التي يرتكبها بالتالي يسعى نحو تجنبها.
95مداوالت مجلس النواب ،مشروع تنقيح مجلة الطرقات ،الجلسة 21 ،33جويلية ،2009ص.1564.
62
فعندما يرتبط العقاب بمتابعة للتقدم الذي يحرزه السائق ،فان ذلك سيؤدي الى انخفاض في عدد الجرائم
المرتكبة.
حيث أن "معرفة نتائج التقدم هي طريقة عقلية في طبيعتها وتأتي كحافز جيد بحيث تزيد السرعة والدقة
96
وحسن األداء"
تقترن هذه القاعدة بقاعدة المنافسة والتسابق "وخير أنواعها هي منافسة الشخص لنفسه أي مقارنته
لنفسه على أساس سابق تقارير تقدمه" ،بالتالي عندما يتوفر لدى المخالف بيانات حول الجرائم التي يرتكبها
ودعم ذلك بتقديم حافز لتجنبها فان ذلك سيحقق فوائد عديدة.
أما بالنسبة لقاعدة التشجيع واللوم" ،فانه بناء على تجارب اجراها باحثان هما Gilchristوand Gats
،Rislandاتضح ان التقدم انما يأتي بالتشجيع والمديح أكثر مما يأتي باللوم والتأنيب ،وقد اثبتت بحوث
كثيرة كفاية الثواب كحافز قوي للتعلم خصوصا الثواب المادي ،فيجب ان يأتي العقاب بأثر مالئم خاصة إذا
وقع فهم الغرض من العقوبة.
والعقاب إذا كان قاسيا او غير واضح ومفهوم ،فانه يؤدي الى االستياء والمقاومة ،بالعناد والرغبة في
تجنب التعلم الذي ارتبط به العقاب ،أما الثواب في صورة مكافئات مالية أو مزايا أو إعفاءات فقد ثبت انه
97
حافز قوي".
إضافة الى ما سبق بسطه من مميزات لفكرة الخطية المالية القابلة لالسترجاع ،فانه ال بد من اجراء
ملحوظات هامة في سبيل احاطة العيوب التي تطرحها هذه الفكرة بوسائل تمكن من تجاوز هذه العيوب.
▪ المالحظة األولى تتعلق باالعتراض على فكرة الترفيع في قيمة الخطية المالية.
يتجه رد هذه المالحظة لعدة أسباب ،تختلف باختالف الجهة المعارضة ،إن كانت من قبل شراح القانون
أو الراي العام أو غيرها.
بالنسبة لشراح القانون ،فسيكون االعتراض حول الترفيع في قيمة الخطية المالية مبني على فكرة
أساسية ،أال وهي مبدا التناسب كما سبق بسطه ،باعتبار أن تقدير العقوبات ال بد أن يكون متناسبا مع األفعال
المجرمة ،وعلى أساس مدى خطورتها ،وبالتالي فان "السير بدون انارة ليال أو عند وجود ضباب" سوف
لن تتجاوز المخالفة المقررة لمرتكبها الستين دينار كما هي منظمة حاليا لدرجة تصل بقيمة الخطية الى
خمس مائة دينار على سبيل المثال .بناء على اعتبارها ال تشكل خطرا مثل "الجوالن بعربة غير مسجلة"
التي تقدر عقوبتها بخطية مالية تتراوح بين 500د و 3000د والسجن من 6اشهر الى ثالث سنوات (الفصل
4-88م.الطرقات).
ولكن ذلك قد ال يكون تقديرا صحيحا ،أوال الن مخالفة "السير بدون انارة ليال أو عند وجود ضباب"
تشكل خطرا فادحا باعتبار أنها تتسبب في حصول حوادث مرورية قاتلة ،فبناء على االحصائيات لسنة
63
2020سجلت الحوادث التي تنجر عن ارتكاب هذه المخالفة اعدادا تصل الى 40حادث مرور من بينها 27
قتيال و 43جريحا.
اما ثانيا فان تقدير العقوبة ال يجب أن يكون مبني على مدى خطورة الفعلة فقط وانما أيضا على األساس
الذي يفرض احترام مستعملي الطريق لقواعد الجوالن ،حيث ما يالحظ بالنسبة لجريمة "الجوالن بعربة
غير مسجلة" المذكورة سابقا ،ال يوجد ما يؤكد أنها جريمة تسجل اعدادا مرتفعة لمرتكبيها ،فحتى في صورة
وجود مخالفين ألحكامها فإنها ستكون حاالت استثنائية قليلة وذلك بناء على شدة العقوبة المقررة لها وليس
لكونها تصنف كفعلة خطيرة .فالجوالن بعربة غير مسجلة في حد ذاته كفعلة ال تؤدي مباشرة الى حصول
حادث مرور وانما هي تحقق اهدافا أخرى منها الحرص على تجنب التفصي من المسؤولية الجزائية
والمدنية.
ال بد بناء على ما سبق بسطه ،من توجيه التركيز عند تقدير العقوبات على تبني معيار مغاير لمعيار
خطورة الفعلة المجرمة ،أو على األقل دعمه بمعيار اخر اال وهو مدى مساهمة الفعلة في حصول حادث
مرور.
يمكن تكريس هذا التوجه من خالل تبني قاعدة أسباب الخطورة الخمسة الذي تستعمله منظمة الصحة
العالمية والمتمثلة في وضع 5أسباب تعتبر المنظمة انها تشكل خطرا أكثر من غيرها ،يكون ذلك عير وضع
خمسة أسباب غير تلك التي تتخذها المنظمة وانما بناء على معطيات البالد التونسية لتتحقق النجاعة المطلوبة
وذلك لالنطالق من أكثر األسباب التي تؤدي الى حوادث مرور قاتلة بناء على احصائيات المرصد الوطني
للمرور.
وهي تتمثل فيما يلي ،بناء على احصائيات حوادث المرور للسنوات الخمس األخيرة (:)2020-2016
-السرعة (تتسبب في حوادث المرور القاتلة بنسبة ،)%29.53
-عدم مالزمة اليمين (،)13.23%
-شق الطريق (،)13.22%
-السهو وعدم االنتباه (،)12.27%
-المداهمة (.)5.43%
بناء على هذه األسباب يمكن تقدير قيمة الخطية المالية المقررة لها عبر الحرص على الترفيع فيها،
باعتبارها تشكل خطرا خاصة بشريا واجتماعيا واقتصاديا.
بالنسبة لالعتراض المقترن بالرأي العام ،خاصة الفئة المعنية بمجال الطرقات ،فانه ال بد من ابداء
بعض المالحظات الضرورية.
صحيح أن فكرة الزيادة في قيمة الخطية المالية ستكون معرضة للرفض ،ولكن لتفادي ذلك ال بد من
السعي الى تصحيح فكرة الشدة في العقوبات ،بانها ال توجد من اجل التشفي في مرتكب األفعال المجرمة
وانما وجدت أوال وبالذات حماية له من كل النتائج المنجرة عن ارتكابها ،وبالتالي عندما يقع الترفيع في قيمة
الخطية المالية سيكون الحذر من الوقوع في أحد المخالفات لقواعد الطرقات أعلى.
64
إضافة الى ذلك فان جميع من يقر بمعارضة التشديد في العقوبة ،يخفي اقرارا غير مباشر بنية ارتكاب
الجرائم .الن المشرع متى منع تجاوز السرعة القصوى المحددة قانونا فانه يعلم أن مخالفة ذلك له عواقب
وخيمة وذلك صحيح الى ابعد الحدود باعتبار ان السرعة بالذات من بين أكثر األسباب التي تؤدي الى حوادث
قاتلة ،وعلى الرغم من هذا المنع يوجد العديد من األشخاص الذين يتجاوزون ذلك متحدين المشرع مرتكبين
لجرائم الجوالن غير مبالين بخطورة ذلك.
فمن يخالف قاعدة قانونية تجرم فعال معينا ،ال يجب مراعاته وال يجب االخذ بعين االعتبار تناسب
العقوبة مع فعلته ،بل ال بد من التشديد فيها باعتبار أنه وفي اللحظة التي يقوم فيها بارتكاب الفعل المجرم ال
يفكر في شيء سوى في مصلحته الشخصية والخاصة ،وبالتالي وبناء على ان دور المشرع حماية المصالح
العامة وتقديمها على المصالح الخاصة ،فانه ال بد أن يكون متشددا في تسليط العقوبات ،تجنبا لحصول
حوادث مرور كارثية.
"وحتى تستطيع أن تحتل مكانتها المرموقة في سلم العقوبات ،فان عقوبة الخطية يجب أن تكون صارمة،
فالمنحرف يجب أن يشعر بأنها عقوبة قاسية ،وهذا ما ذهب اليه القضاة والرأي العام الذين تولد لديهم االقتناع
من منظور الصرامة بأنها كافية كعقوبة وتنعدم الجدوى في اللجوء الى العقوبة السالبة للحرية قصيرة
98
المدة".
حيث يصح قول الفقيه ورجل القانون (أحمد بن طالب) ،في هذا اإلطار عند اقراره بما يلي:
"ال نجاح لمجتمع تغلب فيه المطالبة بالحق ويترك الواجب ،وتطغى فيه المناداة بالحرية وتنسى
المسؤولية الن الحق بال واجب فراغ والحرية بال مسؤولية فوضى وناموس الكون يأبى الفراغ وال يقبل
99
الفوضى".
بناء على ذلك ال بد من السعي نحو تصحيح النظرة حول العقوبة ،فهي ليست انتقاما من المجرم وانما
حماية له بصفة رئيسية وحماية للمجتمع بصفة عامة ،وأن "المتابعة المرورية من قبل رجال المرور لقائدي
السيارات هي حماية لهم ولمن معهم من أخطاء صغيرة ترتكب بقصد أو بغير قصد وقد تتسبب في كوارث
وضحايا لها تأثير على األرواح والممتلكات بشكل واضح.
فالبعض ومن خالل وسائل االعالم بمختلف أنواعها يظن أن رجال المرور مصيدة للسائقين كما يقول
البعض رغم وجو دهم في كافة الطرقات كمدافع أول لضمان انسياب الحركة المرورية وتحقيق اقصى
درجات السالمة المرورية فرجل المرور عمله ليس مقصر في رصد المخالفات ولزوم منحه صالحية أكبر
100
لردع المخالفين في الطريق من كافة الجهات".
▪ المالحظة الثانية تتعلق باألوضاع االقتصادية للبالد التونسية وضعف األجور والدخل لدى مختلف
الفئات مما يؤدي الى رفض فكرة الترفيع:
صحيح أن األوضاع االقتصادية للبالد التونسية تبدو متردية وغير مستقرة خاصة في فترة ما بعد الثورة
وفي نظر المجتمع يؤدي ذلك الى رفض الترفيع في قيمة الخطية المالية باعتبار ضعف األجور والمداخيل،
65
ولكن ذلك ال يمنع من الحرص على تفادي حصول الحوادث المرورية ،ومن وجهة نظر اقتصادية فان فكرة
الترفيع قد تساعد على تحسين الوضع االقتصادي الى حد ما.
حيث أن الدولة تخسر جراء حوادث المرور تكاليف باهظة" ،فالتكاليف االقتصادية للحوادث المرورية
تتمثل في الخسائر المادية وإتالف ممتلكات االفراد من عربات وتكاليف إصالحها ،أو األضرار التي تلحق
بالممتلكات والمنشآت العامة ،وما يتعرض له األشخاص من أضرار قد تصل للوفاة أو العجز ،وما تنفقه
الدولة على مصاريف عالج المصابين .وعلى ذلك ،فإن حساب التكلفة االقتصادية للحوادث المرورية ،وما
ينجم عنها من إصابات ووفيات وخسائر مادية ،تعتبر عملية معقدة تشتمل على كثير من العناصر تمس
مباشرة من حياة المواطن وسالمته وكذلك االنعكاسات االجتماعية المترتبة عليها وحجم الخسائر في المعدات
والمنشآت إضافة إلى تكاليف االلتزامات في مجاالت الصحة والرعاية االجتماعية ،وتعويضات حوادث
المرور التي تنفقها شركات التأمين ،وكل العناصر المكونة لتكلفة الضحية والحادث المروري وغيرها من
101
المتطلبات التي ينبغي على الدولة االضطالع بها".
بناء عليه فان الترفيع في قيمة المخالفة المالية يحقق عدة نتائج فعالة على غرار الحد من حوادث
المرور ،فهو يس اهم في انخفاض نسبة ارتكاب جرائم الجوالن وبالتالي يساعد على تنظيم الطرقات والحث
على مزيد "االخذ باالحتياطات الالزمة" مما يساهم في الحفاظ على الطرقات والممتلكات العامة والحد من
نسبة الخسائر بمختلف أنواعها.
▪ المالحظة الثالثة تتعلق بان هناك عديد األطراف المسؤولة عن السالمة المرورية ،خاصة فيما
يتعلق باإلشارات غير الموجودة أو التي ال تعمل والبنية التحتية الضعيفة والطرقات غير المجهزة ،وآالت
اثبات الجرائم غير المتوفرة في اغلبها ،والظروف المالئمة لعمل االعوان التي تسهر على انفاذ القانون
وغيرها...
بالنسبة لهذه المالحظة تعتبر األكثر اقناعا ،فكما سبق طرحه في الجزء األول من الدراسة المزمع
إنجازها ،فانه ال يمكن القاء المسؤولية على المترجل مثال في حين ال يوجد أمكنة مخصصة لتنقله تجنبا
لحوادث المرور ،وكذلك االمر بالنسبة للسائق الذي أحيانا ال يجد اإلشارات المرورية التي توجهه تفاديا
الرتكاب جريمة مرورية ،زد على ان الطرقات غير المجهزة وغير المالئمة بناء على ضعف البنية التحتية
تكون في عديد األوقات سببا رئيسيا في حصول حادث المرور أو على األقل تساهم في تعزيز نسبة االضرار
الخطرة.
كل ذلك صحيح ،ولكن هذا ال يعني رفض كلي للترفيع في قيمة الخطية المالية استنادا على حجة سلبية،
وانما يمكن طرح المسالة جديا واخذها بعين االعتبار من قبل األطراف المسؤولة وفي المقابل وضع خطة
التشديد في العقوبة عبر مراحل ،انطالقا من الجرائم التي ان حصلت فهي خارجة عن نطاق العوامل
الخارجية للطريق وداخلة أساسا في مسؤولية مستعمل الطريق .فعدم ارتداء الخوذة أو حزام األمان ال دخل
لها في الطرقات وال في إشارات المرور وال في وسائل اثبات الجرائم وال في غيرها من العوامل المساعدة
على حصول الحادث.
101النقيب سامي الزنايدي ،االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ،تقرير ختم الدروس ،المدرسة العليا لقوات االمن الداخلي.2020،
ص.42-41.
66
▪ المالحظة الرابعة تتمثل في ضرورة وجود الوسائل التي ستمكن من اجراء رقابة على كل المخالفين،
مع الحرص على متابعة كل سائق على حدى حتى يتم تمكينه من معرفة ما إذا كان قد وقع في نفس المخالفة
أم مخالفة من نوع اخر ،ليعلم ان كان سيحصل على النسبة المسترجعة أم ال ،وذلك قد يؤدي الى نتائج سلبية
تتمثل في أن كل التركيز قد يصبح منصبا على مدى حصوله على تلك النسبة من عدمه وليس التعلم من
اخطائه.
هذه المالحظة صحيحة في جزئها األول ،حيث أن التطبيق السليم والناجع لفكرة الخطية المالية القابلة
لالسترجاع سيكون عبر وضع البيئة المالئمة لتحقيقه ،وذلك من خالل توفير برامج متابعة وتركيز اليات
مراقبة فعالة وهو أمر ليس بالمستحيل ،وال يجب أن يكون عائقا نحو اصالح الدور العقابي للحد من حوادث
المرور.
فالتطورات التقنية والتكنولوجية في العالم تتطلب أن تندمج فيها البالد التونسية ،وهي تسعى لذلك حاليا
عبر مختلف المجاالت ،ولكن ال بد من االخذ بعين االعتبار المجال المروري خاصة باعتباره مجال حساس
ويحصد أرواحا سنويا .فإدخال منظومة المحاكمة عن بعد على سبيل المثال هو أمر جيد وفيه دليل على
حرص الدولة التونسية في االندماج داخل المنظومة العالمية المتطورة ،ولكن غيابه ال يؤدي الى وفاة أي
أحد أو تضرره جسديا ،في حين أن غياب الدعم التقني للسالمة المرورية يؤدي اليها.
بالنسبة للجزء الثاني من المالحظة ،فانه يمكن القول بان انصباب التركيز لدى المخالف على النسبة
المسترجعة لن يكون اال مقترنا بالتركيز على المخالفة في حد ذاتها ،حيث أن السائق الذي يرتكب جريمة
"المجاوزة الممنوعة" 102عندما ترفع قيمة الخطية المسلطة على مرتكبها فتصبح على سبيل المثال تقدر
بألف دينار ،فان المخالف سوف يدفع القيمة كاملة وبعد مرور مدة معاينة ،سوف يحرص على عدم الوقوع
في تلك الجريمة مجددا ،لسبيبين اثنين ،أوال الن العقوبة كانت مشددة ،وثانيا ألنه بانقضاء المدة المقررة
لتجنب العود ،سيجني نتائج حسن سلوكه من خالل استرجاعه لنسبة من قيمة الخطية.
102والتي تقدر حاليا قيمة الخطية المسلطة على مرتكبها حسب الفصل 86من مجلة الطرقات ،بين مائة وعشرين ( )120دينار إلى مائتي ()200
دينار والسجن مدة أقصاها شهر.
67
الخاتمة:
تقتضي السالمة المرورية أن يقع بذل كل العناية الالزمة في سبيل الحد من حوادث المرور الكارثية،
والتي تتطلب أن يكون هذا المجال أحد أبرز أولويات الدولة التونسية من خالل تظافر المجهودات لجميع
األطراف المتداخلة ألجهزة الدولة.
ويعتبر البحث العلمي أحد الوسائل الهامة التي تساعد على دراسة المسألة بمختلف جوانبها واقتراح
حلول ناجعة وفعالة في سبيل الوصول الى النتائج المطلوبة .وعليه فان هذه الدراسة قد تطرقت الى أحد أهم
الجوانب لمادة قانون الطرقات ،والتي كما سبق بيانه لم تحظى باالهتمام المطلوب من قبل الفقهاء ،المتمثلة
في أبرز العقوبات لمخالفي قواعد المرور وهي الخطية المالية.
لم يكن البحث قائما على الطريقة الوصفية ،وإنما على وضع فرضيات بناء على مجموعة وسائل بحثية،
على غرار االحصائيات والمقابالت والمراجع الفقهية وغيرها ،للوصول الى نتائج في سبيل تطوير حلول
موجودة أو تفعيل حلول جديدة.
بناء عليه ،كان التساؤل الجوهري ينطلق من مساءلة الخطية المالية ،باعتبارها العقوبة األساسية التي
تتسلط على مخالفي قواعد الطريق ،وبالتالي فهي مطالبة بتحقيق الردع ضمانا لتجنب العود .وبعد دراسة
مختلف الجوانب وإخضاع الخطية المالية لألبحاث الالزمة وقع التوصل إلى حقيقة مفادها أنه توجد نجاعة
ولكنها محدودة.
النجاعة المحدودة للخطية المالية ،تظهر من خالل الصعوبات التي تعترضها فتقلص قدرتها على الحد
من حوادث المرور .تتشكل أساسا عبر مظهرين هما ما قبل الحادث وما بعده .فليس األمر متشابها.
وعليه وقع التوصل إلى فكرة هامة ومختلفة تماما عن التوجه العام لقواعد الجرائم والعقوبات عامة،
حيث أن الخط ورة حسب اعتقادنا ال يمكن أن تكون بناء على طبيعة الفعل المجرم ،فما يبدو في ظاهره
بسيطا اال أن النتائج التي تترتب عن حصوله في إطار حادث مرور تؤكد حقيقة خطورته.
خالفا للتوجه الذي يتبناه المشرع ،وهو أن التشديد في العقوبة حول نفس الفعل االجرامي ال يكون إال
إذا وقع في إطار حادث مرور ،فإن الحرص على التشديد في العقوبة قبل حصول الفعل تكون أنجع ،وذلك
ألن الوقاية تبقى أفضل بكثير من العالج الذي قد ال يغير شيئا في األحداث الواقعة.
إضافة إلى أن التضخم التشريعي الذي يظهر من خالل كثرة النصوص القانونية المنظمة لجرائم
الجوالن ،تحول في كثير من األحيان الى عد lالقدرة على االلمام بها من مختلف األطراف المعنية بالشأن
المروري ،مما يؤدي إلى غياب تطبيق العديد من الفصول القانونية مما يحد من الوصول إلى النتائج المرجوة
وخاصة الحد من حوادث المرور.
تعد اإلجراءات المتبعة الستخالص الخطايا المتسلطة على مرتكبي الجنح المرورية ،أيضا من بين أبرز
العوائق التي تحد من القدرة على تحقيق أهداف السالمة المرورية والسرعة المطلوبة في تخفيض نسب
الحوادث.
68
لقد وقع التطرق إلى الصعوبات التي تجعل من الخطية المالية ذات نجاعة محدودة في صورة حصول
حادث مرور ،والتي تمثلت في جانبين هما عندما ينجر عنه أضرار بشرية وذلك الذي ينجر عنه أضرار
بشرية.
بالنسبة لحصول حادث مرور انجرت عنه أضرار مادية فان االشكال الذي وقع التنبه اليه يتمثل في أن
المسؤول عن الحادث ال شيء يلزمه بأن يتصل بالشرطة والحرس الوطني اال في حاالت محددة قانونا
بصفة حصرية مما يفتح معه المجال الى التفصي من المسؤولية الجزائية وبالتالي تضييق مجال تطبيق
القانون وهو ما يحد من نجاعة الخطية المالية في مجال حوادث المرور.
أما بالنسبة للحادث المروري الذي تنجر عنه أضرار بشرية ،فان العائق يبرز من خالل استعمال
المشرع لعبارة يبدو أنها غير واضحة وهي "عدم أخذ االحتياطات الالزمة" كسبب للمؤاخذة الجزائية ،وهو
ما يؤدي الى خطورة االنزالق في التطبيق االلي لهذا السبب على الرغم من وجود صور لتشديد العقوبة عند
وجود جرائم يحددها النص القانوني عبر استعمال تقنية اإلحالة .التطبيق االلي يجعل من مكانة العقوبة
تتقلص خاصة وأن قيمة الخطية المالية في صورة القيام بالحق الشخصي ال تكون ردعية مقارنة بالقيمة
المالية للتعويضات المدنية.
ال يمكن مساءلة الخطية المالية دون استنطاق للحوادث المرورية لمعرفة كل األسباب المتداخلة التي
تؤدي الى حصول حوادث المرور بنسب كارثية .فالعقوبة ال يمكن ان تؤدي وظيفتها الردعية دون ان تكون
هناك دعائم قادرة على تحقيق ذلك .حيث ان الصعوبة تتأكد من خالل غياب االليات والتجهيزات التي تمكن
من تطبيق احكام عقوبة الخطية المالية.
فنجاعة الخطية المالية محدودة باعتبارها توضع في كفة مع أسباب تتظافر لتؤدي الى حصول حوادث
كارثية .فال يكفي التنصيص على العقوبة دون وجود عوامل أخرى تساعد على تهيئة األرضية المالئمة للحد
من حوادث المرور،
صحيح أن الصعوبات التي تطرأ على العقوبة تحد من نجاعتها ،ولكن ذلك ال يمنع من الحث على
الوصول الى النجاعة المنشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور .ويكون ذلك عبر اليات تشريعية
وأخرى تطبيقية من ناحية ،ومن ناحية أخرى عبر تطوير وإصالح عقوبة الخطية المالية في مجال حوادث
المرور.
تتمثل االليات التشريعية في ضرورة تدخل المشرع لتنقيح بعض النصوص القانونية صلب مجلة
الطرقات ،وإعادة تنظيم أحكامها بناء على التطورات والتغييرات التي طرأت على مجال الطرقات وخاصة
على التوجه الذي يقوم على التشديد في العقوبة قبل حصول الحادث وليس بعده والتخلي عن التمسك بالمبادئ
القانونية التي تصبح حاجزا يحول دون تحقيق األهداف التي وضعت من أجلها القواعد القانونية .فمبدأ
التناسب على سبيل المثال ال يجب النظر اليه من زاوية نظر واحدة فقط وانما ال بد من قياسه على معطيات
واقعية ،حتى ال يتحول الهدف من ضرورة الحد من حوادث المرور الى ضرورة الحفاظ على أسس التجريم
والعقاب.
يمكن تحقيق الهدف المنشود ،عند تطبيق هذا الحل وتبنيه وإعادة دراسته من قبل مختلف الفقهاء
والباحثين ،عبر المرور بمراحل تنطلق من األسباب األكثر مساهمة في حصول حوادث المرور القاتلة،
ويمكن ان يكون ذلك عبر االستئناس باإلحصائيات التي يقوم بإنجازها المرصد الوطني لسالمة المرور.
يجب أيضا األخذ بعين االعتبار فكرة المشروع المقترح من قبل المرصد نحو اصالح عقوبة الخطية
المالية بجعلها أكثر تناسبا مع التطورات والتغييرات الحديثة على جميع األصعدة ،فتكريس استراتيجية
استرجاع جزء من قيمة الخطية المالية عند غياب العود يشكل حافزا يدعم قدرة العقوبة على الحد من ارتكاب
جرائم الجوالن ،ويتطابق مع الدراسات الحديثة حول علم النفس العقابي الذي يربط فكرة العقاب بالثواب
لتحقيق الغابة التي وجدت من أجلها العقوبة منذ البداية.
69
بناء على هذه الدراسة التي تم إنجازها ،فان ما يمكن استخالصه هو أن اإلصالح ال يمكن ان يكون
بمعزل عن الدراسة الواقعية والمعمقة لمختلف الجوانب والحرص على التطبيق الفعلي للحلول المتوصل
اليها حتى تتحقق الغاية المتمثلة في الحد من حوادث المرور الكارثية.
70
المراجع العامة:
-تأليف جوستينيان ،ترجمة عبد العزيز فهمي ،مدونة جوسنينيان في الفقه الروماني .القاهرة -دار
الكاتب المصري ،1946،الطب عة ،1العدد ( 702حقوق النشر والترجمة بالعربية :الجزيرة القاهرة ،200
دار الكتاب المصري).
-د .عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي ،المبادئ العامة للقانون الجزائي :دراسة مقارنة ،دار الكتاب،
طبعة أولى.2017،
-محمد اللجمي ،التعويض عن الضرر البدني في القانون التونسي والمقارن ،الجزء األول
-د .مصطفى القللي ،في المسؤولية الجنائية" :أساس المسؤولية .عالقة السببية .القصد الجنائي.
الخطأ" "أسباب االباحة ،موانع المسؤولية" .مكتبة عبد هللا وهبة.1945-1944 .
-د .كمال الدسوقي ،علم النفس العقابي -أصوله وتطبيقاه ،المكتبة المركزية-مصر -طبعة أولى،
.1961
-ميشيل فوكو المراقبة والمعاقبة -والدة السجن -ترجمة علي مقلد ،مركز االنماء القومي بيروت
.1990
-د .محمد أحمد المنشاوي ،مبادئ علم العقاب ،مكتبة القانون واالقتصاد -الرياض -الطبعة األولى،
2015
-أحمد بن طالب ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس-
2014
-
المراجع الخاصة:
-كتاب اإلدارة العامة للحرس الوطني ،الجمهورية التونسية -وزارة الداخلية -احصائيات حوادث
المرور.2018،
-أحمد بن خليفة ،علم نفس السياقة ودوره في الحد من حوادث المرور :التجربة الفرنسية كمثال،
جامعة .2015 ،Press
-دليل السائق ،المرصد الوطني للمرور -الديوان الوطني للحماية المدنية -الجمعية التونسية للخبراء
في مادة السيارات وحوادث المرور والجامعة التونسية لشركات التامين ،المطبعة الرسمية للجمهورية
التونسية.2020 ،
-االعالم وسالمة المرور ،سلسلة االعالم في خدمة المجتمع ،الجمهورية التونسية -وزارة االعالم-
الندوة القومية األولى من اجل سالمة المرور ،أفريل .1982
Rapport de L’OMS- Résumé- Rapport de situation sur la sécurité routière dans
le monde 2018
Global Status Report On Road Safety OMS, 2018.
L’importance pour la sécurité routière de la politique pénale en matière de
circulation, plaidoyer une politique criminelle efficace, Institut Belge pour la
Sécurité Routière asbl- département recherche et conseil, Discussion Paper n°99-
01, mai 1999
71
المذكرات واالطروحات:
-أمال الجالصي ،الخطية الجزائية ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية – جامعة تونس المنار
-هشام العبيدي ،خطأ المتضرر في قانون حوادث المرور ،مذكرة لإلحراز على شهادة الماجستير
في العلوم الجنائية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية تونس المنار2016-2015 ،
-النقيب سامي الزنايدي ،االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ،تقرير ختم الدروس،
المدرسة العليا لقوات االمن الداخلي.2020،
-
المجالت:
-فرحات الراجحي ،تقدير العقوبة ،مجلة القضاء والتشريع ،المكتبة القانونية التونسية ،نوفمبر 2007
-هشام فاضل ،ندوة بعنوان "قانون المرور بين ردع المستهترين وثقافة االنضباط ،"...مجلة المرور،
اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية-دولة قطر 11 ،ماي ،2016
-ادريس حريق ،مالحظات حول مشروع تنقيح الباب األول من المجلة الجزائية :ال لنقل تجارب
الغير ...نعم لقوانين عصرية طموحة ،...تعليق قانوني ،مجلة االخبار القانونية ،عدد ،259/258أفريل
,2018
-مجلة المرور ،اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية ،دولة قطر ،العدد 11 ،65-11ماي 2016
-مجلة المرور ،اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية -دولة قطر ،العدد 11 ،24-64مارس،
.2016
-مجلة المرور ،اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية -دولة قطر ،العدد 11 ،24-64مارس 2016
-مجلة أصداء األمانة ،األمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب ،العدد ،40مارس 2016
-
القرارات القضائية:
قرار تعقيبي جزائي عدد 92178صادر بتاريخ 21جانفي ( 2020غير منشور). -
قرار تعقيبي جزائي عدد 92697صادر بتاريخ 21جانفي ( 2020غير منشور) -
قرار تعقيبي جزائي عدد 92056صادر بتاريخ 21جانفي ( 2020غير منشور) -
قرار تعقيبي جزائي عدد 91881صادر بتاريخ 21جانفي ( 2020غير منشور) -
المواقع االلكترونية:
72
-موقع المرصد الوطني لسالمة المرورhttps://cutt.ly/gkrwxon .
-مداوالت مجلس نوب الشعب بتاريخ 06جويلية ،1999ص .2281.موقع مجلس نواب الشعب-
المداوالتhttps://cutt.ly/5kuFjRf .
-االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ،2020موقع المرصد الوطني (مرجع سابق)،
( https://www.onsr.nat.tn/bibliotheque/maktaba/1603438641.pdfتاريخ االطالع:
)2021/02/02
-عقد العمل من أجل السالمة على الطرق 2020–2011ملف إعالمي لمنظمي أحداث التدشين.
موقع منظمة الصحة العالمية WHOفريق األمم المتحدة المعني بالتعاون في مجال السالمة على الطرق.
/https://www.who.int
Laurent Carnis, Quels enseignements peut-on tirer des statistiques des
infractions au Code de la route sur la politique publique de sécurité routière ? Site
web : HAL-archives-ouvertes.fr P.87 https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-
00968225v2/document
OECD Reviews of Public Health : Korea : Healthier Tommoro, Tackling
harmful alcohol use, OECD iLibrary , site web : https://urlz.fr/eXir (18-02-2021).
المالحق:
-احصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة 2020مأخوذة من إدارة الحرس الوطني (وقع
الحصول على هذه االحصائيات عن طريق الهيكل المزمع انجاز التربص داخله وهو المرصد الوطني
لسالمة المرور)( .ملحق)1
-احصائيات إدارة الحرس الوطني للمرور للسنوات الممتدة من 2015الى ( 2020وقع الحصول
على هذه االحصائيات بناء على إجراءات تكفل بها المرصد الوطني لسالمة المرور( ).ملحق )2
73
الملحق عدد 1
نشاط وحدات حرس المرور لسنوات 2020-2014
74
الملحق عدد 3
أهم أسباب حوادث المرور القاتلة لمدة 19سنة
المجاوزة عدم مالزمة شق الطريق السهو وعدم السرعة
الممنوعة اليمين االنتباه
115 128 165 115 464 2001
89 137 153 134 489 2002
119 145 182 123 543 2003
88 149 193 107 463 2004
94 118 210 116 497 2005
122 153 246 113 404 2006
103 165 235 81 394 2007
80 186 213 73 442 2008
101 137 146 64 421 2009
67 121 144 115 297 2010
90 150 159 142 159 2011
74 208 174 139 548 2012
59 171 209 199 473 2013
65 219 258 136 416 2014
57 181 249 110 415 2015
61 211 243 135 400 2016
56 196 166 141 420 2017
45 160 149 144 344 2018
43 133 176 133 366 2019
32 107 72 195 271 2020
(موقع المرصد الوطني لسالمة المرور)
75
76