You are on page 1of 76

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‬

‫جامعة المنار‬

‫تقرير تربص حول موضوع‪:‬‬

‫الخطية المالية في مجال حوادث المرور‬

‫المشرف‪:‬‬ ‫اإلعداد‪:‬‬
‫السيد سهيل القزاح‬ ‫أمامة حبورية‬

‫السنة الجامعية‪2021-2020 :‬‬


‫الموضوع‪:‬‬

‫الخطية المالية في مجال حوادث المرور‬

‫‪2‬‬
‫كلمة الشكر‬

‫إن النصائح الذهبية نجدها صلب معدنها الثمين‪ ،‬وإني وجدت كليهما في شخص كل شخص تعاملت‬
‫معه داخل المرصد الوطني لسالمة المرور‪ ،‬وجمعتني به محادثات مثمرة وأوقات كالياقوت‪.‬‬

‫أكتب ما أكتبه ألني أؤمن بأن المعاملة الطيبة واألشخاص المتميزين واألماكن الراقية‪ ،‬ذكرهم لشكرهم‬
‫يعد واجبا ال بد من تأديته‪ ،‬واني لست أضطر للقيام بذلك ألنه لو كان على سبيل االضطرار والروتين‬
‫المعتاد في الكتابات لكنت قد خرقته وما كنت قد اتبعته‪.‬‬

‫سوف أقدم وصفا مختصرا لما قد عشته طيلة بقائي بالمرصد ولقائي مع إطاراته‪ ،‬وتعاملهم التلقائي‬
‫مع شخصي‪ ،‬لم أجد غير وجوه (مسفرة ضاحكة مستبشرة) وقلوب صادقة تعاملت مع طالبة معاملة لبقة‬
‫ومحترمة تنم عن حسن الضيافة والترحيب‪.‬‬

‫كانت أجواء العمل تساعد على تحقيق أفضل النتائج‪ ،‬حيث وجدت تجاوبا فعاال من قبل مختلف من‬
‫تعاملت معهم‪ ،‬فكانت مكاتبهم مفتوحة الستقبال جميع اسئلتي التي كنت اطرحها في سبيل البحث عن‬
‫تحليالت متكاملة‪ ،‬وقد تحصلت ليس فقط على معلومات من كل حسب معرفته الشاسعة وخبراته العالية‪،‬‬
‫وانما اخذت دروسا عميقة في مختلف جوانب الحياة من قبل مختلف األطراف المتواجدين بالمرصد‪.‬‬

‫كانت يد المساعدة تمتد من الجميع‪ ،‬والكل يحرص على أن يقدم ما بوسعه أن يقدمه بمختلف الوسائل‬
‫الممكنة والمتاحة ولم يرفض لي طلب‪ ،‬راودني إحساس باالنتماء لهذا الهيكل الذي غير عديد األشياء‬
‫بداخلي‪ ،‬فكنت اشعر باني جزء من مكوناته‪.‬‬

‫ما يسعني قوله والمقام ال يسع للتفصيل‪ ،‬هو أن الحياة تجارب ولكل تجربة عناصر نجاح وتقلبات‬
‫ولكن ما يبقى عالقا في الذهن يرسمه كل من كان طرفا في التجربة‪ ،‬فإما ان يكون األسوأ أو أن يكون‬
‫األفضل ليصبح مثاال يحتذى به‪.‬‬

‫ال يمكن أن يخلو الشكر من األسماء التي تستحقه‪ ،‬وبناء عليه فاني أود أن أتقدم بشكر خاص للسيد‬
‫المدير العام للمرصد الوطني لإلعالم والتكوين والتوثيق والدراسات حول سالمة المرور العميد صابر‬
‫الخفيفي‪ ،‬الذي شهدت فيه حرصه على التطوير والتغيير نحو األفضل والسعي الى إيجاد حلول جذرية‬
‫وحقيقية لتحقيق األهداف التي يضعها‪.‬‬

‫فكانت زياراته الدورية لمجال البحث العلمي داخل المرصد وطرح األسئلة عن مدى التقدم في العمل‬
‫الذي يقوم به الطلبة الباحثون ومدى توفر الظروف المالئمة من عدمها وتأكيده على أهمية مده بكل النقائص‬
‫حتى يعمل على إصالحها‪ ،‬فيه حرص مستمر على تقديم األفضل للهيكل‪.‬‬

‫كما أتقدم بالشكر للسيد سهيل القزاح من أشرف على هذا العمل المنجز‪ ،‬حيث كان متابعا حريصا‬
‫على كل تقدم في البحث ويسعى إلى ابداء جميع المالحظات الهامة والبناءة‪ ،‬إضافة الى تقديمه ألفكار‬
‫متنوعة إن دلت على شيء فهي تدل على إلمامه بمختلف المجاالت وشغفه للعلم والتعلم والتعليم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أود أن اشكر أيضا السيد سامي الشقراني‪ ،‬على جميع المجهودات التي قام ببذلها وحرصه على تمكيني‬
‫من مختلف المعطيات والبيانات التي ساعدتني في انجاز البحث‪ ،‬كما كانت أفكاره ونصائحه وتصوراته‬
‫منبعا يستقى منه األفضل‪ ،‬إضافة إلى دماثة أخالقه وتعامالته‪.‬‬

‫أما بالنسبة للجانب التقني واالحصائي‪ ،‬فاني أتوجه بالشكر للسيد محمد أمين سقير الذي كان حريصا‬
‫على بسط التفسيرات والتصحيحات الالزمة لجانب االحصائيات من العمل‪ ،‬فكلما طرأ تساؤل حول عالم‬
‫األرقام الذي يقتضي مختصا بارعا في الدقة التي تتصف بها االحصائيات‪ ،‬كنت أتوجه اليه وكان مستجيبا‬
‫لجميع األسئلة التي أطرحها‪.‬‬

‫كما أتقدم بجزيل الشكر واالحترام والتقدير لجميع إطارات المرصد‪ ،‬أختص بالذكر منهم السيد فيصل‬
‫الخميري والسيدة زهور اليوسفي‪ ،‬والسيد صبري مجولي‪ ،‬والسيد أيمن بن ابراهيم والسيد وليد قدوار‬
‫وجميع األطراف الذين يعملون داخل المرصد‪ ،‬على حسن استقبالهم وبشاشتهم ورحابة صدورهم وطاقتهم‬
‫اإليجابية‪.‬‬

‫أضيف شكرا خاصا أقدمه لإلدارة العامة للحرس الوطني‪ ،‬التي قامت بتمكيني من إحصائيات ساعدتني‬
‫على انجاز بحثي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفهرس‪:‬‬
‫الجزء األول‪:‬‬

‫النجاعة المحدودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‬

‫‪ -1‬صعوبات في صورة غياب حادث مرور‬


‫‪ -2‬صعوبات في صورة حصول حادث مرور‬

‫الجزء الثاني‪:‬‬

‫النجاعة المنشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‬

‫‪-1‬آليات لتحقيق النجاعة المنشودة‬


‫‪ -2‬تكريس مشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا"‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة ‪7 ......................................................................................................................‬‬
‫نجاعة محدودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور ‪13 .............................................‬‬ ‫‪.I‬‬
‫صعوبات في صورة غياب حادث مرور ‪13 .........................................................................‬‬
‫الخطية المالية المقررة للمخالفات ‪13 ..............................................................................‬‬
‫الخطية المالية المقررة للجنح ‪18 ...................................................................................‬‬
‫صعوبات في صورة حصول حادث مرور ‪27 .......................................................................‬‬
‫أ ‪-‬حادث مرور ينجر عنه القتل أو الجرح على وجه الخطأ ‪27 ............................................‬‬
‫ب‪-‬حادث مرور ينجر عنه اضرار مادية ‪33 ...................................................................‬‬
‫‪38 .........................................‬‬ ‫نجاعة منشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‬ ‫‪II‬‬
‫اليات لتحقيق النجاعة المنشودة ‪38 .........................................................................‬‬ ‫‪1‬‬
‫أ‪ -‬آليات تشريعية ‪38 .............................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬آليات تطبيقية ‪52 ...............................................................................................‬‬
‫‪ 2‬تكريس مشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" ‪58 ...........................................‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" ‪58 ......................................................‬‬
‫ب‪ -‬تقييم فكرة المشروع ‪59 ........................................................................................‬‬
‫الخاتمة ‪68 ....................................................................................................................‬‬

‫‪6‬‬
‫المقدمة‬

‫لقد سجلت احصائيات المرصد الوطني لسالمة المرور لسنة ‪ 2021‬في فترة وجيزة مدتها شهرين فقط‬
‫الى غاية ‪ 25‬فيفري ‪ ،2021‬عدد ‪ 639‬حادث مرور من بينها ‪ 141‬قتيال و‪ 850‬جريحا‪! 1‬‬

‫عند النظر الى االعداد المذكورة‪ ،‬ال من زاوية كونها مجرد إحصائيات وانما في أن كل رقم يمثل‬
‫شخصا قد غادر الحياة نهائيا أو تضرر أضرارا تعيقه عن التمتع بلذة الحياة كغيره من األشخاص اآلخرين‪،‬‬
‫عندها يبدر للذهن تساؤل جوهري حول المسؤول الرئيسي عن هذه الكوارث‪ ،‬التي أصبحت تسجل أعلى‬
‫النسب خاصة على المستوى الوطني مقارنة ببقية البلدان وأيضا تصنف القارة االفريقية في المرتبة األولى‬
‫عالميا مقارنة ببقية القارات التي تسجل نسبا مرتفعة في حوادث المرور القاتلة وذلك بناء على تصنيف‬
‫‪2‬‬
‫منظمة الصحة العالمية في تقريرها سنة ‪.2018‬‬

‫عندما تعم الفوضى في مجال ما أو في منطقة معينة‪ ،‬فان المعني بتنظيمها باألساس هو القانون باعتبار‬
‫أن وظيفته األساسية تتطلب ذلك‪ .‬وعليه فال بد في هذا االطار من الرجوع الى قانون الطرقات اليجاد الحل‬
‫المناسب للحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫ما يالحظ في قانون الطرقات‪ ،‬أنه ينظم جرائم الجوالن بالعنوان الثامن من مجلة الطرقات والذي يحتوي‬
‫على ثالثة عشر(‪ )13‬فصال‪ ،‬تتضمن تنظيما للجرائم المرورية والعقوبات المقررة لها‪ .‬هذه األخيرة تنقسم‬
‫الى نوعان هما السجن والخطية المالية كعقوبات اصلية إضافة الى وجود عقوبات أخرى مثل سحب رخصة‬
‫السياقة أو حجز العربة وغيرها‪ .‬سيقتصر الحديث عن عقوبة الخطية المالية باعتبارها األبرز في مادة‬
‫الطرقات خاصة‪.‬‬

‫الخطية المالية‪ ،‬تعد العقوبة األكثر استعماال من قبل المشرع في مجال قانون الطرقات‪ ،‬وهو توجه يدل‬
‫على تبني فكرة التخلي عن عقوبة السجن لتبقى مقتصرة فقط على صور حصرية‪ .‬فالخطية "بقيت تحتل‬
‫الصدارة في جل القوانين التي أقرتها كعقوبة أصلية ومنها القانون التونسي‪ ،‬وتشغل مكانة مرموقة في جل‬
‫السياسات العقابية"‪.3‬‬

‫بناء عليه فان الخطية المالية يمكن أن تكون العقوبة المسؤولة باألساس عن ظاهرة حوادث المرور‪،‬‬
‫حيث ال بد أن تحقق الجانب الردعي والزجري لتجنب ارتكاب جرائم الجوالن‪ .‬ولكن عند القيام بدراسة‬
‫شاملة لمجال حوادث المرور نجد أن الخطية المالية ال تقوم بواجبها كما يجب أن تقوم به‪ ،‬وذلك لوجود‬
‫صعوبات عديدة تمنعها من ذلك سيقع طرحها في هذه الدراسة المزمع إنجازها‪.‬‬

‫ال بد من مساءلة الخطية المالية‪ ،‬ووضعها في "االحتفاظ" الجراء األبحاث الالزمة حول دورها في‬
‫الحد من حوادث المرور ومدى قدرتها على القيام به‪ ،‬ثم استصدار حكم بادانتها أو براءتها‪.‬‬

‫‪ 1‬احصائيات المرصد الوطني لسالمة المرور‪ ،‬احصائيات حوادث المرور حسب األسباب الى غاية ‪ 25‬فيفري ‪ ،2021‬موقع المرصد‪:‬‬
‫‪( http://www.onsr.nat.tn/onsr/index.php?page=4ar&ty=cause&an=2021‬تاريخ االطالع‪.)2021/02/26 :‬‬
‫‪ 2‬تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة ‪( ،2018‬باللغة اإلنجليزية) تبلغ النسبة للقارة االفريقية سنة ‪ 26.6 ،2016‬على ‪ 100.000‬ساكن وهي‬
‫األعلى مقارنة ببقية القارات مثل القارة األوروبية المقدرة ب ‪ 9.3‬على ‪ 100.000‬ساكن‪.‬‬
‫‪Global Status Report on Road Safety 2018, WHO,2018. P.8.‬‬
‫‪ 3‬وفاء وديرة‪ ،‬بدائل العقوبة السجنية‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس المنار‪-2018 ،‬‬
‫‪ ،2019‬ص‪.216.‬‬

‫‪7‬‬
‫في هذا االطار يتنزل نص الموضوع في دراسة الخطية المالية في مجال حوادث المرور‪ ،‬وهو ما‬
‫يفترض منذ البداية تعريف المصطلحات‪.‬‬

‫المشرع التونسي لم يعرف الخطية المالية‪ ،‬ولكن الفقهاء قاموا بذلك‪.‬‬


‫فالخطية "مهما كانت جزائية أو جبائية تبقى دائما من قبيل العقوبات خاصة اذا نظرنا اليها من الناحية‬
‫الجزائية‪ ،‬فهي دائما تمثل الجزاء الذي يرتبه القانون على فعل مجرم وينفذ على الذمة المالية للمحكوم عليه‬
‫‪4‬‬
‫لقائدة خزينة الدولة"‪.‬‬

‫المالحظ أن الخطية المالية في مجال قانون الطرقات نوعان‪ ،‬جبائية وجزائية‪ .‬تتسلط األولى على‬
‫مرتكبي المخالفات المرورية بناء على التقسيم الثالثي للجرائم المنصوص عليه صلب الفصل ‪ 83‬من مجلة‬
‫الطرقات‪ ،‬وال تتجاوز قيمتها ستون دينار (‪60‬د) وتتسلط الثانية على الجنح المرورية وتصل قيمتها الى‬
‫خمسة االف دينار (‪5000‬د)‪.‬‬

‫يقرر المشرع التشديد في قيمة الخطية المالية في صورة حصول حادث مرور‪ ،‬ولكن ما المقصود‬
‫بحادث المرور؟‬

‫يعرف الفصل ‪ 3‬تحت عنوان "تعاريف أخرى" من مجلة الطرقات‪ ،‬حادث المرور بانه " كل حدث‬
‫فجئي يحصل على الطريق واشتركت فيه عربة على األقل وترتبت عنه أضرار بدنية أو مادية"‪.‬‬

‫وبالتالي فان حادث المرور يمكن أن تنجر عنه أضرار بشرية أو أضرار مادية أو كليهما‪.‬‬
‫والمقصود بطرح موضوع الخطية المالية في حوادث المرور هو معرفة دور الخطية في الحد من‬
‫الحوادث المرورية‪.‬‬

‫حتى يقع التوصل الى ذلك ال بد من تحديد التطورات التي شهدتها هذه العقوبة في التشريع التونسي‬
‫للطرقات‪.‬‬

‫✓ األهمية التاريخية‪:‬‬

‫لقد شهدت عقوبة الخطية المالية في مجال قانون الطرقات‪ ،‬تطورا تاريخيا‪ .‬هذا التطور تمثل في حرص‬
‫المشرع في كل مناسبة لتغيير أو تنقيح مجلة الطرقات‪ ،‬على الترفيع في قيمة الخطية المالية أو إعادة تنظيمها‪.‬‬

‫يظهر ذلك خاصة في أن الحد األدنى لقيمة الخطية المالية كان يقدر بثمانمائة مليم فقط (‪800‬مليم)‪ ،‬في‬
‫حين يصل حاليا الى ستة دنانير (‪6‬د)‪.‬‬
‫حيث كانت المجلة الملغاة حاليا‪ ،‬المؤرخة سنة ‪ 1957‬تنظم العقوبات لتصنفها الى عامة وخاصة‪ .‬وقد‬
‫كانت قيمة الخطية المالية بالنسية للعقوبات العامة تتراوح من ثمانمائة مليم (‪ 800‬مليم) الى أربعة دنانير‬
‫(‪4‬د) في حين تبلغ العقوبات الخاصة قيمة الخطية خمسة دنانير (‪5‬د) كحد أدنى الى مائتان واربعون دينار‬
‫(‪240‬د) كحد أقصى‪.‬‬

‫‪ 4‬وفاء وديرة‪ ،‬بدائل العقوبة السجنية‪ ،‬ص‪.254.‬‬

‫‪8‬‬
‫وحرصا من المشرع على ضرورة الترفيع في قيمة الخطية المالية‪ ،‬لتكون أكثر ردعا وبالتالي تحقق‬
‫النتائج التي وضعت من أجلها‪ ،‬فان المجلة الحالية المؤرخة سنة ‪ 1999‬والتي الغت االحكام السابقة لها‪،‬‬
‫شهدت تطورا هي األخرى حول جرائم الجوالن والعقوبات المقررة لها وذلك بناء على التنقيحات المدخلة‬
‫عليها‪( .‬التنقيحات كانت بتاريخ ‪ 2001‬و‪ 2006‬و‪.)2009‬‬

‫قبل إدخال التنقيحات على المجلة‪ ،‬كان تنظيم الجرائم يقسم الى ثالث أنواع طبقا للتقسيم الثالثي المعتاد‬
‫للجرائم‪ ،‬ولكن يضع تصنيفات داخلية تقسم المخالفات الى خطيرة وعادية‪ ،‬وهذه األخيرة بدورها تضع ثالثة‬
‫أصناف تقدر قيمة الخطية المقررة لها من ثالثة دنانير (‪3‬د) الى عشر دنانير (‪10‬د)‪.‬‬
‫ولكن تغير التنظيم بعد ادخال التنقيحات على المجلة‪ ،‬ليصبح كاالتي‪:‬‬

‫تقسم الجرائم المرورية الى ثالثة أصناف وهي المخالفات والجنح والجنايات‪.‬‬
‫بالنسبة للمخالفات تصنف الى خمسة أصناف تتراوح قيمة الخطية المقررة لها من ستة دنانير (‪6‬د) الى‬
‫ستون دينار (‪60‬د) وهي ‪ 143‬مخالفة توزع كالتالي‪:‬‬

‫‪ 14 -‬مخالفة من الصنف األول (قيمة الخطية المالية ‪6‬د)‬


‫‪ 45 -‬مخالفة من الصنف الثاني (قيمة الخطية المالية ‪10‬د)‬
‫‪ 55 -‬مخالفة من الصنف الثالث ( قيمة الخطية المالية ‪20‬د)‬
‫‪ 30 -‬مخالفة من الصنف الرابع (قيمة الخطية المالية ‪40‬د)‬
‫‪5‬‬
‫‪ 29 -‬مخالفة من الصنف الرابع (قيمة الخطية المالية ‪60‬د)‬
‫أما بالنسبة للجنح فهي ‪ 34‬جنحة نصت عليها الفصول من ‪ 85‬الى ‪ 88‬من مجلة الطرقات‪ ،‬وتراوحت‬
‫قيمة الخطية المالية المقررة لها من مائة دينار (‪100‬د) الى ثالثة االف دينار (‪3000‬د)‪.‬‬
‫وتقدر قيمة الخطية المالية في صورة حصول حادث مرور نتج عنه قتل أو جرح على وجه الخطأ‪ ،‬في‬
‫صورة اقتران ذلك بجرائم أخرى وهي عدم تامين المسؤولية المدنية أو السياقة تحت تاثير حالة كحولية أو‬
‫كان السائق غير متحصل على رخصة السياقة أو على الصنف المطلوب لسياقة عربة أو يسوق خالفا لما‬
‫اقتضاه قرار سحب الرخصة‪ ،‬ثالثة االف دينار (‪3000‬د) في حالة الجرح وخمسة االف دينار (‪5000‬د)‬
‫في حالة القتل‪ ،‬طبقا للفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات‪.‬‬
‫ما يالحظ اذن هو حرص المشرع على الترفيع في قيمة الخطية المالية‪ ،‬والتشديد فيها عند وجود ظروف‬
‫معينة‪ ،‬وهو أمر جيد ولكن يبدو أنه ال يكفي‪.‬‬
‫حسب اعتقادنا فان الترفيع في قيمة الخطية المالية يبدو أنه ال يحقق نتائج جذرية وذلك لعدة أسباب‬
‫أهمها هو أن كل التركيز في التشديد ينصب بعد حصول الحادث وليس قبله‪ ،‬ولكن ذلك ال يمكن أن يحقق‬
‫نتائج فعالة كما سيقع التطرق اليه الحقا بالتفصيل‪.‬‬
‫قبل ذلك يجب القول بان هذا التطور‪ ،‬كانت له تاثيراته الى حد ما‪ ،‬على مستوى التخفيض في عدد‬
‫الحوادث المرورية مما يؤكد نجاعة الخطية المالية في الحد منها‪ ،‬ولكن ما يالحظ أن هذه النجاعة لم تصل‬
‫الى الحد المطلوب فكانت النسبة تنخفض بطريقة بطيئة خاصة وأن هناك عديد العوامل األخرى التي تساعد‬
‫العقوبة على الحد من حوادث المرور والتي تتمثل في المجهودات التي يبذلها المرصد الوطني للمرور التي‬
‫تتمثل في وضع اسراتيجيات وطنية لسالمة المرور وحمالت توعوية وتحسيسة كذلك من خالل التقارير‬

‫‪ 5‬عدد المخالفات يصل الى ‪ 173‬وهو ليس نفس العدد ‪ 143‬الموزعة على جدول تحديد المخالفات باألمر عدد ‪ 262‬المؤرخ قي ‪ ،2010‬وذلك‬
‫باعتبار أن العدد ‪ 143‬يحدد النقاط الموجودة بالجدول وقد تحتوي النقطة (أو المطة) أكثر من مخالفة واحدة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫التي تقوم بارسالها للوالة العالمهم بارتفاع عدد الحوادث بغية أخذ االحتياطات الالزمة وعدة أشياء أخرى‪،‬‬
‫وأيضا الجمعيات مما يعني أن العقوبة في حد ذاتها غير قادرة على تحقيق الردع لوحدها‪.‬‬

‫ما يمكن استنتاجه هو أن التطور التشريعي الذي شهدته عقوبة الخطية المالية‪ ،‬كان له دور في الحد من‬
‫حوادث المرور‪ ،‬ولكن لم يكن بالفاعلية المنشودة‪.‬‬

‫ما الذي يجعل الخطية المالية غير قادرة على الحد من حوادث المرور؟ هل الن قيمتها منخفضة مقارنة‬
‫بالعدد المرتفع للمخالفات المسجلة مما يجعلها غير قادرة على أن تكون ذات بعد زجري أم ألن التوجه الذي‬
‫يتوخاه المشرع غير سليم‪ ،‬من خالل حرصه على التطبيق الحرفي لمبدأ التناسب ليكون عاجزا على أن‬
‫"يتجرأ" ليضع عقوبة مشددة على أفعال تبدو في ظاهرها بسيطة وعادية ويترك الشدة الى ما بعد حصول‬
‫الكارثة؟‬

‫ان اإلجابة عن هذا التساؤل يتطلب العودة الى اآلراء الفقهية والدراسات اوالبحوث العلمية المنجزة في‬
‫سبيل تطوير مفهوم عقوبة الخطية المالية حتى تحقق أفضل النتائج المرجوة‪ ،‬وهو ما يحيل الى األهمية‬
‫النظرية‪.‬‬

‫✓ األهمية النظرية‪:‬‬

‫ان موضوع الخطية المالية في مجال حوادث المرور‪ ،‬على الرغم من أهميته على جميع األصعدة‪،‬‬
‫باعتبار أن هذه العقوبة هي المطالبة بالدرجة األولى في الحد من الجرائم المرورية‪ ،‬اال أنه لم يقع الحصول‬
‫على اية كتابات فقهية أو بحوث ودراسات حول هذا الجانب األهم من قانون الطرقات‪ ،‬بل كانت كلها تتجه‬
‫نحو التركيز على الجزء المتعلق بالتعويضات المالية في صورة حصول حادث مرور‪.‬‬
‫الخطورة في هذا االطار هو أن غياب‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬نقص الكتابات الفقهية حول هذا المجال‪ ،‬فيه داللة‬
‫على أن االعتقاد لدى الكافة يتجه نحو اعتبار حوادث المرور "شر ال بد منه" وال يسع سوى محاولة مواساة‬
‫من تضرر منها وتعويضه‪ ،‬ومعاقبة المتسبب فيها بأشد العقوبات‪.‬‬

‫يتجه الرأي لدينا ان أهمية طرح الموضوع المزمع إنجاز الدراسة بشأنه‪ ،‬هو أخذ مختلف الجوانب‬
‫المتعلقة بعقوبة الخطية المالية من حيث الجرائم المرورية التي ال تنجر عنها حوادث المرور وتلك التي‬
‫تؤدي إليها‪ ،‬وذلك بناء على االعتقاد لدينا في أن تسليط الضوء على مستعملي الطريق قبل حصول الحادث‬
‫أهم من النظر فيها بعده‪ ،‬حرصا على تجنب حصوله قدر اإلمكان‪.‬‬

‫تكمن أهمية دراسة عقوبة الخطية المالية أيضا‪ ،‬في أنها تؤكد الميزة التي يحظى بها قانون الطرقات‬
‫على خالف بعض المواد األخرى من القانون خاصة المادة المدنية‪ ،‬من حيث ارتباطه بالقانون الجزائي مما‬
‫يجعل أحكامه تهم النظام العام‪.‬‬
‫اال ان الهدف من العقوبة يبقى مقترنا بمدى زجريته وردعه لمستعملي الطريق‪ ،‬و بالتالي دور الخطية‬
‫المالية في الحد من حوادث المرور‪ ،‬ويحصل ذلك في صورة الحرص على تطبيق القانون على المخالفين‪،‬‬
‫مما يسمح معه الحديث عن األهمية التطبيقية للموضوع‪.‬‬

‫✓ األهمية التطبيقية‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫الطبيعة القانونية للخطية المالية في مادة الطرقات هي جبائية وجزائية كما سلف قوله‪ .‬فبالنسبة لتلك‬
‫التي تتسلط على األصناف الخمسة من المخالفات المنصوص عليها صلب الفصل ‪ 83‬من مجلة الطرقات‪،‬‬
‫يمكن اعتبارها جبائية بناء على إجراءات استخالصها عن طريق القباضة المالية ودون اللجوء الى القضاء‪،‬‬
‫في حين تعتبر األخرى جزائية‪ ،‬حيث تستخلص بعد استصدار حكم قضائي‪.‬‬

‫المالحظ هو أن الخطايا المسلطة على المخالفات والمسجلة لدى إدارة الحرس الوطني سنة ‪،2020‬‬
‫أكثر من تلك المسجلة لديهم حول الجنح المرورية في نفس السنة‪ .‬حيث يبلغ عدد المخالفات المرورية من‬
‫‪6‬‬
‫األصناف الخمسة ‪ 656.255‬مخالفة في حين سجلت عدد المحاضر العدلية ‪ 255.698‬محضر‪.‬‬
‫هل يمكن أن يكون ذلك دليل على أن قيمة الخطية المسلطة على المخالفات تجعل منها غير ردعية وال‬
‫تحقق الهدف المتمثل في الحد من جرائم الجوالن؟‬

‫للوصول إلى إجابة متكاملة ال بد من دراسة الخطية المالية في مجال حوادث المرور من مختلف‬
‫جوانبها‪ ،‬وهو ما سيقع التطرق إليه من خالل هذه الدراسة‪.‬‬

‫لكن قبل ذلك فإن ما يالحظ من خالل التطبيقات القضائية ألحكام الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات‬
‫المنظمان لعقوبة مرتكبي حوادث المرور التي ينجر عنها القتل أو الجرح على وجه الخطأ‪ ،‬هو اللجوء إلى‬
‫تطبيق الفقرة األولى من الفصلين آليا في عديد من القرارات التعقيبية‪ ،‬وذلك قد يحول دون تحقق النجاعة‬
‫المطلوبة من عقوبة الخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫حيث جاء بالقرار عدد ‪ 91881‬الصادر عن محكمة التعقيب بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪ ،2020‬إقرار للحكم‬
‫االبتدائي المتعلق بالجزء الجزائي من القضية‪ ،‬وقد جاءت الحيثية كما يلي‪:‬‬

‫"وباستفاء األبحاث أحالت النيابة العمومية بالمحكمة االبتدائية بتونس المتهم على المجلس الجناحي‬
‫بالمحكمة المذكورة لمقاضاته من أجل الجرح على وجه الخطأ المنجر عن حادث مرور بسبب عدم أخذ‬
‫االحتياطات الالزمة أثناء السياقة طبق أحكام الفصل ‪ 89‬من مجلة الطرقات‪.‬‬

‫وحيث أصدرت المحكمة االبتدائية بتونس ‪ 1‬الحكم عدد ‪ 43106‬بتاريخ ‪ 2018/10/10‬والقاضي‬


‫إبتدائيا غيابيا بتخطئة المتهم بثالثمائة دينار (‪300.000‬د) من أجل الجرح على وجه الخطأ المنجر عن‬
‫حادث مرور بسبب عدم أخذ االحتياطات الالزمة أثناء السياقة‪."...‬‬

‫كما جاء بالقرار عدد ‪ 98056‬الصادر عن محكمة التعقيب بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪ ،2020‬إقرار للحكم‬
‫االبتدائي المتعلق بالجزء الجزائي من القضية‪ ،‬ونصت الحيثية على ما يلي‪:‬‬
‫"وحيث أصدرت المحكمة االبتدائية بمدنين الحكم عدد ‪ 6430‬بتاريخ ‪ 2017/11/02‬والقاضي ابتدائيا‬
‫غيابيا بتخطئة المتهمة بثالثمائة دينار (‪300.000‬د) من أجل الجرح على وجه الخطأ إثر حادث مرور‬
‫‪7‬‬
‫بسبب عدم أخذ االحتياطات الالزمة أثناء السياقة طبق أحكام الفصل ‪ 89‬من مجلة الطرقات"‪.‬‬
‫نالحظ أن نفس الحيثية نصت على ما يلي نصه‪ ،‬صلب القرار عدد ‪ 92697‬المؤرخ بنفس التاريخ‬
‫السابق وضعه لمحكمة التعقيب‪:‬‬

‫‪ 6‬إحصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة ‪ .2020‬إدارة حرس المرور‪-‬تونس‪ -‬وزارة الداخلية‪.‬‬
‫‪ 7‬في نفس السياق جاء القرار عدد ‪ 95997-91353-92200 – 92178‬بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪ 2020‬لمحكمة التعقيب‪( .‬غير منشورة)‬

‫‪11‬‬
‫"وبإستفاء األبحاث أحالت النيابة العمومية المتهم على المجلس الجناحي بالمحكمة االبتدائية بجندوبة‬
‫لمقاضاته من أجل القتل على وجه الخطأ إثر حادث مرور بسبب عدم أخذ اإلحتياطات الالزمة أثناء السياقة‬
‫طبق الفصل ‪ 89‬من مجلة الطرقات أصدرت المحكمة حكمها عدد ‪ 4493‬بتاريخ ‪ 2017/11/30‬بسجن‬
‫‪8‬‬
‫المتهم مدة خمسة عشرة يوما (‪15‬يوم) وتخطئته بخمسمائة دينار (‪500‬د) ‪."...‬‬

‫المالحظ أن المحكمة في عديد القرارات تلجؤ إلى تطبيق الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات آليا‬
‫ودون تسليط الحد األقصى للعقوبة بل تسعى إلى إجراء سلطتها التقديرية‪ ،‬مما يسمح معه القول في اعتقادنا‬
‫أن ذلك يكرس المحدودية الخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫بناء على ما سبق بسطه فإن اإلشكالية المطروحة تتمثل في ما يلي‪:‬‬

‫ما مدى نجاعة الخطية المالية في الحد من حوادث المرور؟‬

‫إن التساؤل عن النجاعة يقتضي التطرق إلى ماهو موجود للوصول إلى المنشود‪ ،‬فبناء على إعتبار أن‬
‫الخطية المالية عاجزة‪ ،‬على األقل إلى حد ما‪ ،‬عن تحقيق نتائج فعالة فيما يهم الحد من حوادث المرور‬
‫الكارثية‪ ،‬فإنه ال بد من دراسة الصعوبات التي تعترضها بغية بسط الحلول التي تساعدها على الوصول إلى‬
‫الهدف المنشود‪.‬‬

‫هذه الفرضية تتطلب اإلنطالق في دراسة النجاعة المحدودة للخطية المالية في الحد من حوادث‬
‫المرور(الجزء األول) للوصول إلى النجاعة المنشودة لها (الجزء الثاني)‪.‬‬

‫‪ 8‬المالحظ أن المحكمة طبقا لهذه الحيثية تطبق الفصل ‪ 89‬من مجلة الطرقات على مرتكب جريمة القتل على وجه الخطأ إثر حادث مرور في حين‬
‫أن الفصل الذي يجب أن ينطبق هو‪ 90‬من نفس المجلة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ .I‬نجاعة محدودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪:‬‬
‫توجد عدة صعوبات تجعل من الخطية المالية في مجال حوادث المرور غير قادرة على تحقيق النجاعة‬
‫الكافية‪.‬‬
‫تبرز هذه الصعوبات في صورة ارتكاب جرائم مرورية دون حصول حادث (‪ )1‬وأيضا في صورة‬
‫ارتكاب جرائم الجوالن التي ينجر عنها حادث مرور (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬صعوبات في صورة غياب حادث مرور‪:‬‬

‫لتحديد الصعوبات التي تجعل من الخطية المالية ذات نجاعة محدودة في مجال حوادث المرور‪ ،‬ال بد‬
‫من التمييز بين الخطية المالية المقررة للمخالفات (أ) وتلك التي تتعلق بالجنح (ب)‪.‬‬

‫الخطية المالية المقررة للمخالفات‪:‬‬

‫إذا كانت الجريمة من قبيل المخالفات‪ ،‬فان الخطية المالية المقررة لها على معنى الفصل ‪ 83‬من مجلة‬
‫الطرقات تقسم الى خمسة أصناف‪ ،‬كل صنف يعاقب عليه مخالفه بخطية تتراوح قيمتها من ستة (‪ )06‬دنانير‬
‫الى ستون (‪ )60‬دينار‪.9‬‬
‫يحدد هذا النوع من المخالفات ضمن قائمة تضبط بأمر‪ .‬ولقد صدر األمر عدد ‪ 262‬في هذا اإلطار‬
‫‪11‬‬
‫بتاريخ ‪ 15‬فيفري ‪ 102010‬وقد احتوى على جدول متكون من ‪ 143‬صورة من صور المخالفات‪.‬‬

‫‪ 9‬الفصل ‪ 83‬من مجلة الطرقات‪:‬‬


‫تنقسم مخالفات أحكام هذه المجلة والنصوص التطبيقية لها إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫ـ مخالفات‬

‫ـ جنح‬

‫ـ جنايات‬

‫تنقسم المخالفات إلى خمسة أصناف ويعاقب كل مخالف بخطية قدرها‪:‬‬

‫ـ ستــة (‪ )06‬دنانير بالنسبة إلى المخالفات من الصنف األول‬

‫ـ عشـرة (‪ )10‬دنانير بالنسبة إلى المخالفات من الصنف الثاني‬

‫ـ عشرون (‪ )20‬دينارا بالنسبة إلى المخالفات من الصنف الثالث‬

‫ـ أربعون (‪ )40‬دينارا بالنسبة إلى المخالفات من الصنف الرابع‬

‫ـ ستـون (‪ )60‬دينارا بالنسبة إلى المخالفات من الصنف الخامس‬

‫تضبط قائمة المخالفات بأمر‪.‬‬


‫‪ 10‬صدر األمر عدد ‪ 262‬لسنة ‪ 2010‬مؤرخ في ‪ 15‬فيفري ‪ 2010‬يتعلق بضبط قائمة المخالفات ألحكام مجلة الطرقات ونصوصها التطبيقية‪،‬‬
‫موقع بوابة التشريع – تونس‪ ،‬البوابة الوطنية لإلعالم القانوني‪( https://cutt.ly/6ke83ye ،‬تاريخ االطالع‪ 22 :‬جانفي ‪).2021‬‬
‫وقد وقع تنقيحه بمقتضى أمر حكومي عدد ‪ 811‬مؤرخ في ‪ 30‬جوان ‪ .2017‬ونقح فصله األول العدد ‪ 112‬من الجدول المتعلق بقائمة المخالفات‬
‫الوارد بالفصل األول من األمر عدد ‪ 262‬المذكور سابقا وذلك فيما يتعلق بحزام األمان والذي أصبحت بمقتضاه المخالفة تشمل استعمال حزام األمان‬
‫داخل وخارج مناطق العمران وبالطرقات السيارة من قبل السائق أو راكب بالمقاعد األمامية أو المقاعد الخلفية‪ .‬بعد أن كانت المخالفة كما يلي‪" :‬عدم‬
‫استعمال حزام األمان من قبل السائق أو راكب بالمقاعد األمامية للسيارات الخاصة والسيارات المزدوجة والشاحنات الخفيفة بالطرفات السيارة‬
‫وخارج المناطق البلدية"‪ .‬مع اإلبقاء مع صنف العقوبة وهي الخطية من الصنف الرابع‪.‬‬
‫‪ 11‬تقسم صور المخالفات حسب الجدول كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬مخالفات من الصنف األول (قيمة المخالفة‪ 06 :‬دنانير)‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫ان أبرز ما يالحظ في هذا الجدول هو أن المخالفات مقسمة بناء على معيار مجال أو موضوع المخالفة‬
‫والتي حدد المشرع لكل منها صنفا من األصناف الخمسة‪.‬‬

‫يبدو أن هذا التقسيم يؤدي الى التشتت وعدم القدرة على االلمام بجميع المخالفات خاصة أنها غير منظمة‬
‫في الجدول وفقا لمعيار األصناف الخمسة‪ ،‬وبالتالي فانه إذا كانت المخالفات منظمة بطريقة تجعل مخالفات‬
‫الصنف الخامس مجمعة معا ومخالفات الصنف الرابع توضع تباعا وهكذا لبقية األصناف‪ ،‬فان ذلك يمكن‬
‫من تحديد وحصر المخالفات وبالتالي تضمن حدا أدنى من تذكرها‪ ،‬خاصة أن السائق على سبيل المثال‬
‫"ينسى أو يتناسى قواعد السير وخاصة منها المهتمة بالسالمة بعد أشهر أو سنوات قليلة من احرازه على‬
‫رخصة السياقة"‪"12.‬ولعل هذه الحالة ناتجة ال عن عدم الشعور بالمسؤولية فقط بل عن تشعب وصعوبة‬
‫‪13‬‬
‫فصول هذا القانون مما يعسر حفظه وفهمه خاصة بالنسبة للسواق ذوي القدرات الفكرية المحدودة"‪.‬‬

‫يؤدي تعدد الصور المحددة بالجدول‪ ،‬إضافة الى عدم تنظيمها وفقا لمعيار األصناف باعتباره األدق‪،‬‬
‫الى خطورة عدم تطبيق هذه النصوص القانونية وبالتالي عدم تحقق النجاعة المطلوبة من الخطية المالية‬
‫كعقوبة "مطالبة" بالحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫أبرز مثال على عدم تطبيق الفصول المنظمة للمخالفات‪ ،‬هو ما يتعلق بالمترجل‪ .‬حيث نظم المشرع‬
‫عقوبة لمخالفة القواعد المتعلقة بالمترجلين ضمن جدول تحديد المخالفات وذلك في الباب الثاني منه‪ ،‬وقد‬
‫تضمن خمسة صور اقتضت عقوبة من الصنف الثاني والثالث حسب تقسيم المخالفات المدرج بالفصل ‪83‬‬
‫من مجلة الطرقات‪ ،‬ولكن ما يالحظ هو أنه ال يوجد ما يؤكد أن القانون يطبق على المترجل‪ .‬رغم أن‬
‫المترجل يتصدر المراتب األولى في األطراف المتسببة في حوادث المرور وذلك بناء على احصائيات‬
‫‪14‬‬
‫المرصد الوطني لسالمة المرور‪.‬‬
‫حيث بلغ عدد الحوادث القاتلة التي يكون فيها المترجل سببا في الحادث‪ ،‬طيلة الخمس سنوات الماضية‬
‫(‪ 806 ،)2020-2016‬قتيل أي بنسبة ‪ %13.22‬وهي نسبة مرتفعة مقارنة بغيرها من األسباب مثل السهو‬
‫وعدم االنتباه المقدرة ب ‪ 748‬قتيل أي بنسبة ‪.%12.27‬‬
‫كذلك االمر عندما يكون المترجل طرفا مشاركا في الحادث‪ ،‬فان عدد القتلى في نفس الفترة الزمنية بلغ‬
‫‪ 1596‬قتيل أي بنسبة ‪% 26.17‬وهي أيضا نسبة مرتفعة مقارنة ببقية األطراف المشاركة‪ ،‬مثل سقوط‬
‫راكب المقدرة ب ‪ 47‬قتيل أي بنسبة ‪.%0.77‬‬
‫هناك عدة أسباب تؤدي الى عدم تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالمترجل‪ ،‬من بينها غياب العلم‬
‫لدى أغلب األشخاص بوجود عقوبات خاصة بالمترجل‪ ،‬رغم أن قرينة العلم بالقانون تقتضي أال يعذر أحد‬
‫بجهله للقانون ولكن الواقع يختلف عن مقتضيات هذا المبدأ‪.‬‬
‫‪ 14‬صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر عدد ‪ 151‬واألمر عدد ‪.)147‬‬
‫‪ -‬مخالفات من الصنف الثاني (قيمة المخالفة‪ 10 :‬دنانير)‪:‬‬
‫‪ 45‬صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر عدد ‪ 151‬واألمر عدد ‪ 150‬واألمر عدد ‪ 147‬وقرار ‪)1‬‬
‫‪ -‬مخالفات من الصنف الثالث (قيمة المخالفة‪ 20 :‬دينارا)‬
‫‪ 55‬صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر عدد ‪ 151‬واألمر ‪ 150‬والقرار ‪ 1‬والقرار ‪ 2‬والقرار ‪ 3‬واألمر ‪ 147‬واألمر ‪)2016‬‬
‫‪ -‬مخالفات من الصنف الرابع (قيمة المخالفة‪ 40:‬دينار)‬
‫‪ 30‬صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر ‪ 151‬واألمر ‪ 145‬واألمر ‪.)2016‬‬
‫‪ -‬مخالفات من الصنف الخامس (قيمة المخالفة‪ 60 :‬دينار)‬
‫‪ 29‬صورة (مأخوذة من مجلة الطرقات واألمر ‪ 151‬واألمر ‪ 150‬واألمر ‪)2016‬‬
‫‪ 12‬الدكتور سمير بن يحمد‪ ،‬الوقاية من حوادث الطرقات‪ ،‬سلسلة االعالم في خدمة المجتمع ‪ :2‬االعالم وسالمة المرور‪ ،‬وزارة االعالم‪ ،‬نزل‬
‫افريقيا ‪ 20‬و‪ 21‬أفريل ‪ .1982‬ص‪.75.‬‬
‫‪ 13‬نفس المرجع ص‪.75.‬‬
‫‪ 14‬موقع المرصد الوطني لسالمة المرور‪( https://cutt.ly/gkrwxon .‬تاريخ االطالع ‪ 22 :‬جانفي ‪).2021‬‬

‫‪14‬‬
‫فالمترجل ال يعي مدى خطورة اقترافه لجريمة "السير في غير األماكن المخصصة للمترجلين" أو‬
‫التجول في ساحة معبد أو تقاطع طرقات" أو جريمة "عبور المعبد المنظمة به حركة الجوالن من قبل‬
‫عون أو بواسطة إشارات ضوئية دون انتظار اإلشارة التي تسمح بالعبور"‪15.‬إضافة الى أنه ال توجد اليات‬
‫تمكن من تنفيذ العقوبات الخاصة بالمترجلين واثباتها‪.‬‬

‫ان الخطورة ترتكز حول الدور الذي يتدخل فيه المترجل كسبب رئيسي في حصول حوادث المرور‬
‫دون أن توجد الحلول الناجعة في الحد من ذلك‪ ،‬حيث أنه ال يمكن القاء كامل المسؤولية على المترجل في‬
‫حين توجد عدة أسباب تتداخل لتجعل منه "طرفا معفى من تطبيق القانون"‪.‬‬

‫فباإلضافة الى غياب الوعي لدى المترجل بقانون الطرقات الذي يصل الى حد اعتقاد البعض أنه ال‬
‫يشملهم‪ ،‬فان إلزام المترجل بالسير في األماكن المخصصة للمترجلين تصبح غير ممكنة في غياب هذه‬
‫األماكن‪ ،‬واجباره على احترام اإلشارات الضوئية في حين انها غير موجودة او ال تعمل‪ ،‬يزيد االمر تعقيدا‪،‬‬
‫وكذلك منعه من التجول في ساحة المعبد او تقاطع الطرقات في حين ان الرصيف أصبح مكانا مخصصا‬
‫للسيارات واالنتصاب الفوضوي والمقاهي يجعل من احترامه للقانون غير ممكن‪ .‬وهو أمر في غاية من‬
‫الخطورة وال بد من إيجاد الحلول الجذرية وتفعيلها جديا للحد من الكوارث التي تتسبب فيها حوادث المرور‪.‬‬

‫باإلضافة الى ما تقدم فانه ال بد من التطرق الى امر في غاية من األهمية فيما يتعلق بالمخالفات‪ ،‬حيث‬
‫يالحظ أن قيمة الخطية المالية المقررة لألصناف الخمسة من المخالفات ال تتجاوز الستون دينار وذلك‬
‫العتبارات عدة أبرزها ان تصنيف الجريمة ضمن المخالفات في القانون الجزائي يدل على أنها ال تعتبر‬
‫خطيرة مبدئيا‪.‬‬

‫في حين أ ن ذلك غير صحيح حسب اعتقادنا‪ ،‬فظاهر األمور ليس كباطنها‪ ،‬حيث قد تبدو الجريمة انها‬
‫بسيطة ومن األفعال التي من الممكن التسامح في شانها وال تحقق بالضرورة اضرارا اال ان ذلك ليس دائما‬
‫صحيح‪ .‬فاألخذ بفلسفة علم العقوبة التي تنبني على مبدا أساسي وهو مبدا التناسب بحذافيرها وتطبيقها على‬
‫جميع صور الجرائم من شانه ان يؤدي الى نتائج سلبية‪.‬‬

‫معلوم ان مبدا التناسب وفقا لعلم العقوبة يتكون من ثالثة عناصر أساسية يقع تسليط العقوبة المالئمة‬
‫بناء عليها وهي القيم والمبادئ االجتماعية وخطورة العدوان والخطأ‪ ،‬ان ذلك يعني انه ال بد ان تكون الفعلة‬
‫تمس من القيم والمبادئ االجتماعية وتصبح تشكل خطرا على المجتمع ال بد من حمايته منها عبر تسليط‬
‫‪16‬‬
‫العقوبة المالئمة‪ ،‬إضافة الى تحقق الخطأ في جانب مرتكبها‪.‬‬

‫مما يعني أنه في صورة المخالفات على معنى قانون الطرقات على سبيل المثال‪ ،‬فان العقوبة المقررة‬
‫بشأن هذا الصنف من الجرائم ال بد فيها من االخذ بعين االعتبار انها ال تشكل خطرا مباشرا على المجتمع‬
‫وال في حد ذاتها‪ ،‬بالتالي فان العقوبة يجب ان تكون مالئمة لها‪ .‬ولكن الواقع يختلف عن التنظير ويثبت‬
‫عكس ذلك‪.‬‬

‫‪ 15‬الصور ‪ 90‬و‪91‬و ‪ 93‬من الحاالت المنصوص عليها بجدول تحديد المخالفات المتعلقة بالمترجلين صلب األمر عدد ‪ 262‬المؤرخ في ‪.2010‬‬
‫‪ 16‬أمين مصطفى محمد‪ ،‬مبادئ علم االجرام (الظاهرة اإلجرامية بين التحليل والتفسير)‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪-‬اإلسكندرية‪ .2008 ،‬ص‪ 77.‬الى‬
‫‪.84‬‬

‫‪15‬‬
‫حيث بالرجوع الى احصائيات المخالفات المرورية المرفوعة من قبل وحدات الحرس الوطني لسنة‬
‫‪ 2020‬نجد عدة مخالفات مسجلة من األصناف الخمسة كما يلي‪:‬‬

‫النشاط‬ ‫نوع الخطية‬


‫‪51.275‬‬ ‫الصنف األول‬
‫‪103.456‬‬ ‫الصنف الثاني‬
‫‪84.113‬‬ ‫الصنف الثالث‬
‫‪168.818‬‬ ‫الصنف الرابع‬
‫‪248.593‬‬ ‫الصنف الخامس‬
‫‪656.255‬‬ ‫المجموع‬
‫‪17‬‬

‫بالعودة الى األسباب التي تتدخل في حصول حوادث المرور لسنة ‪ 2020‬ومقارنتها بأنواع المخالفات‬
‫المنصوص عليها بجدول تحديد المخالفات نجد أنه توجد عدة أسباب لحوادث المرور كانت من قبيل‬
‫المخالفات وليست الجنح‪.‬‬

‫حيث سجل المرصد الوطني لسالمة المرور سنة ‪ 2020‬ستة (‪ )06‬أنواع من المخالفات ذات الصنف‬
‫الخامس‪ 18‬من أصل ‪ 29‬نوع في هذا الصنف كأسباب رئيسية في حصول حوادث المرور‪.‬‬
‫تتمثل هذه المخالفات فيما يلي‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫احصائيات حوادث المرور حسب األسباب لسنة ‪2020‬‬
‫عدد الجرحى‬ ‫عدد القتلى‬ ‫الحوادث‬ ‫عدد‬ ‫الصنف الخامس‬
‫المترتبة عنها‬ ‫من المخالفات (‪)60‬د‬
‫‪ 74‬جريح‬ ‫‪ 10‬قتلى‬ ‫‪ 48‬حادث مرور‬ ‫السير في االتجاه‬
‫الممنوع‪.‬‬
‫(الصورة الرابعة‬
‫من الجدول‪)20‬‬

‫‪ 17‬احصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة ‪ 2020‬مأخوذة من إدارة الحرس الوطني (وقع الحصول على هذه االحصائيات عن طريق الهيكل‬
‫المزمع انجاز التربص داخله وهو المرصد الوطني لسالمة المرور)‪.‬‬
‫‪ 18‬وقع اختيار الصنف الخامس باعتباره الصنف األكثر تسجيال من قبل وحدات االمن مقارنة ببقية األصناف لسنة ‪.2020‬‬
‫‪ 19‬احصائيات المرصد الوطني لسالمة المرور‪ .‬موقع المرصد (مرجع سابق)‪.‬‬
‫‪ 20‬جدول تحديد المخالفات المضمن صلب االمر عدد ‪ 262‬سابق الذكر‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ 1136‬جريح‬ ‫‪ 272‬قتيل‬ ‫‪ 713‬حادث مرور‬ ‫السرعة‬ ‫تجاوز‬
‫القصوى المسموح بها‬
‫بعشرين (‪ )20‬كلم في‬
‫‪21‬‬
‫الساعة‬
‫(الصورة ‪ 19‬من‬
‫الجدول)‬
‫‪ 696‬جريح‬ ‫‪ 40‬قتيل‬ ‫‪ 446‬حادث مرور‬ ‫احترام‬ ‫عدم‬
‫األولوية‪( .‬الصورة ‪33‬‬
‫من الجدول)‬

‫‪ 27‬جريح‬ ‫‪ 12‬قتيل‬ ‫‪ 24‬حادث مرور‬ ‫االمتثال‬ ‫عدم‬


‫إلشارة التوقف الصادرة‬
‫عن حارس تقاطع‬
‫طريق مع سكة حديدية‪.‬‬
‫(الصورة ‪ 41‬من‬
‫الجدول)‪.‬‬

‫السير على السكك‬


‫الحديدية‪.‬‬
‫(الصورة ‪ 138‬من‬
‫الجدول)‪.‬‬
‫‪ 43‬جريح‬ ‫‪ 27‬قتيل‬ ‫‪ 40‬حادث مرور‬ ‫السير بدون انارة‬
‫ليال أو عند وجود‬
‫ضباب‪.‬‬
‫(الصورة ‪ 58‬من‬
‫الجدول)‪.‬‬

‫ما يالحظ اذن أن نسبة كبيرة من حاالت الجرائم التي تصنف كمخالفات تساهم في حصول حوادث‬
‫المرور على غرار بقية الجرائم‪ ،‬مما قد يسمح معه القول بأن قيمة الخطية المالية غير مالئمة لحقيقة المخالفة‬
‫وخطورتها‪.‬‬
‫قد يبدو هذا التحليل لصور المخالفات من الصنف الخامس وتسببها في حصول حوادث المرور‪ ،‬غير‬
‫متناسق مع أحكام مجلة الطرقات وخاصة الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬منها‪ ،‬حيث أن التحليل القانوني السليم يقتضي‬
‫قراءة النصوص القانونية بطريقة متناسقة‪.‬‬
‫بالرجوع الى الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات يالحظ أنها تنظم الصور التي يؤدي فيها حادث‬
‫المرور الى القتل أو الجرح على وجه الخطأ‪.‬‬

‫‪ 21‬ال بد من اإلشارة الى أن السرعة كسبب في حصول حوادث المرور المقصود به ضمن احصائيات المرصد ليس فقط هذا الصنف من السرعة‬
‫وانما يشمل كل صور مخالفة االحكام المتعلقة بالسرعة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وقد تضمنت الفقرة الثانية من الفصلين إحالة الى الفصول من ‪ 83‬الى ‪ 88‬من نفس المجلة‪ ،‬مما يعني‬
‫أنه في صورة حصول حادث مرور نجم عنه القتل أو الجرح‪ ،‬وكان السبب في هذا الحادث هو أحد الجرائم‬
‫المنصوص عليها صلب فصول اإلحالة‪ ،‬فان العقوبة ترفع‪.‬‬
‫بالتالي يصبح مقصد المشرع واضح من خالل تصنيفه للجرائم‪ ،‬والتي يبدو من خاللها أنه يميز بين‬
‫الصور التي يرتكب فيها جريمة من جرائم الجوالن دون أن يؤدي ذلك بالضرورة الى حصول حادث مرور‬
‫وتلك التي ينجر عنها حادث مرور قاتل أو ضار‪.‬‬

‫اال أنه وفي اعتقادنا ال بد من التركيز على قيمة الخطية المالية قبل حصول الحادث وليس بعده‪ ،‬كما‬
‫سيقع التأكيد عليه الحقا‪.‬‬

‫إضافة الى الصعوبات المتعلقة بالخطية المالية المقررة للمخالفات فانه ال بد من التطرق الى الصعوبات‬
‫المتعلقة بالخطية المالية المقررة للجنح‪.‬‬

‫الخطية المالية المقررة للجنح‪:‬‬

‫نظم المشرع الجنح المرورية صلب الفصول من ‪ 85‬الى ‪ 88‬من مجلة الطرقات‪ ،‬وقرر لكل منها خطية‬
‫‪22‬‬
‫مالية تتراوح بين مائة (‪ )100‬دينار وثالثة االف (‪ )3000‬دينار‪.‬‬

‫تظهر الصعوبات فيما يتعلق بالجنح خاصة في اإلجراءات التي يقع من خاللها تطبيق العقوبة المقررة‬
‫اليها‪ ،‬باإلضافة الى الصعوبات االصلية‪.‬‬

‫‪ -‬صعوبات إجرائية‪:‬‬

‫ان استخالص الخطايا المالية في هذا الصنف من جرائم الجوالن يتم بناء على حكم قضائي‪ ،‬حيث ينص‬
‫الفصل ‪ 101‬من مجلة الطرقات على ان معاينة الجرائم من هذا الصنف يتطلب تحرير محضر يحال على‬
‫العدالة‪.‬‬

‫وتضمنت الفصول ‪ 107‬و‪ 108‬و‪ 109‬من مجلة الطرقات المتعلقة بتطبيق العقوبات‪ ،‬ما يؤكد ذلك اذ‬
‫‪23‬‬
‫يفهم من أحكامها أن استخالص الخطايا المتعلقة بها يقع بناء على حكم قضائي‪.‬‬

‫تمر عملية استخالص الخطايا المتعلقة بالجنح بالمراحل التالية‪:‬‬

‫‪ 22‬ال بد من اإلشارة الى ان المشرع أضاف في بعض صور الجنح العقوبة السجنية ولكن سوف يقتصر الحديث حول عقوبة الخطية المالية‬
‫باعتبارها محور الدراسة‪.‬‬
‫‪ 23‬حيث جاءت العبارات دالة على أن تطبيق العقوبات يكون بناء على حكم قضائي اذ جاء بالفصل ‪ 107‬عبارة "يحكم عليه" والفصل ‪ 108‬جاء‬
‫فيه "‪ ...‬فانه ال يصدر اال حكم واحد بشأنها‪ "...‬وكذلك الفصل ‪ 109‬جاء فيه‪" :‬كل من حكم عليه من أجل احدى الجرائم‪...‬من تاريخ صدور حكم‬
‫بات يتعرض الى احدى العقوبتين السجن والخطية أو أقصى احداهما فقط"‪( .‬نفس المرجع)‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ -‬يقع "معاينة احدى الجرائم المنصوص عليها بالفصول من ‪ 85‬الى ‪ 91‬من مجلة الطرقات"‪ 24‬من‬
‫‪25‬‬
‫قبل السلطات المكلفة بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬يتم تحرير محضر معاينة‪.‬‬
‫‪ -‬يقع إحالة المحضر للمحكمة المختصة‪.‬‬
‫‪ -‬يتمتع المخالف بحق االعتراض‪ 26‬وعند ممارسته لهذا الحق يجب أن يؤمن مبلغ الخطية بالقباضة‬
‫المالية‪.‬‬
‫المالحظ أن المشرع وضع ضمانات تمكن من تحقيق الجانب الردعي لعقوبة الخطية المالية خاصة أن‬
‫األصل هو أن تكون "نجاعة الخطية الجزائية تتحدد بمدى نجاعة تنظيم النصوص التشريعية لكل الجوانب‬
‫المتعلقة بها‪ ،‬فكلما كان مقدار الخطية محددا بحسب معايير مضبوطة وخاضعة لمالحقة قضائية وإدارية‬
‫محكمة كلما كان للخطية أثر على شخص المحكوم عليه مناسبا لدرجة خطئه وخطورة أفعاله"‪ ،27‬لكن الواقع‬
‫يؤكد خالف ذلك‪.‬‬

‫حيث أن إجراءات استخالص الخطايا معقدة ومطولة وهو ما يؤدي الى عدم تحقق األهداف المرجوة‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بمجاوزة السرعة القصوى بخمسين كلم في الساعة أو أكثر‪ ،‬فان مرتكب هذه‬
‫الجنحة يعاقب بخطية "تتراوح قيمتها من مائة وعشرون (‪ )120‬دينار الى مائتان واربعون (‪ )240‬دينار"‪،28‬‬
‫وقد جاء بالفصل ‪ 101‬مكرر فقرة أخيرة من نفس المجلة ما يلي‪:‬‬

‫"عند تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين (‪ )50‬كلم في الساعة أو أكثر والتي يتم اثباتها‬
‫بواسطة الرادار االلي‪ ،‬تتولى مصلحة المرور التي ثبتت لديها الجنحة استدعاء مالك العربة عن طريق‬
‫البريد مضمون الوصول وذلك في اخر عنوان له مسجل لدى مصالح التعريف الوطني ويحرر في شانه‬
‫محضر يحال على العدالة طبقا ألحكام الفقرة األولى من الفصل ‪."101‬‬

‫ان هذه اإلجراءات تؤدي بالضرورة الى تراكم المحاضر لدى المحاكم مما يرهق كاهل القضاة في‬
‫اصدار االحكام‪ ،‬وبالتالي ال تتحقق نجاعة العقوبة‪.‬‬

‫وتبقى الصعوبات قائمة في هذا اإلطار فيما يتعلق بإجراءات استخالص الخطايا‪ ،‬حيث يبقى اللجوء الى‬
‫المحاكم لتسليط عقوبة الخطية المالية في الجنح المرورية‪ ،‬من بين أبرز العوائق التي تحول دون تحقق‬
‫النجاعة الكافية لهذه العقوبة‪.‬‬
‫حيث بقي ذلك الهاجس دون أن يقع تخطيه من قبل المشرع في النصوص القانونية المنظمة خاصة‬
‫للجنح‪ ،‬حتى بعد ادخال التنقيحات لمجلة الطرقات‪.‬‬

‫‪ 24‬الفصل ‪ 101‬فقرة أولى من مجلة الطرقات‪ :‬عند معاينة احدى الجرائم المنصوص عليها بالفصول ‪ 85‬و‪ 86‬و‪ 87‬و‪ 88‬و‪ 89‬و‪ 90‬و‪ 91‬يحرر‬
‫في شانها محضر يحال على العدالة ونوجه نسخة منه الى السلط اإلدارية المختصة‪ ،‬إذا كانت الجريمة من الجرائم التي تنجر عنها عقوبة إدارية"‪.‬‬

‫‪ 25‬المثال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو المخالفة المتعلقة بتجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين (‪ )50‬كلم في الساعة والتي‬
‫تصنف من قبل الجنح‪ .‬حيث تضمنت الفقرة األولى من الفصل ‪ 101‬مكرر ما يلي‪ " :‬عند تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين كلم في‬
‫الساعة أو أكثر والتي يتم اثباتها بواسطة الرادار االلي‪ ،‬تتولى مصلحة المرور التي ثبتت لديها الجنحة استدعاء مالك العربة عن طريق البريد‬
‫مضمون الوصول وذلك في اخر عنوان له مسجل لدى مصالح التعريف الوطني ويحرر في شأنه محضر يحال على العدالة طبقا ألحكام الفقرة‬
‫األولى من الفصل ‪."101‬‬
‫‪ 26‬ينظم المشرع هذا الحق صلب الفصل ‪ 101‬ثالثا من مجلة الطرقات‪.‬‬
‫‪ 27‬أمال الجالصي‪ ،‬الخطية الجزائية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة تونس المنار‬
‫‪ .1999‬ص‪.4.‬‬
‫‪ 28‬الفصل ‪ 86‬فقرة ‪ 2‬من مجلة الطرقات‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫"كانت هناك محاضر وهذه المحاضر تحال على المحكمة وتراكمت‪ ،‬ألنها عشرات االالف من المحاضر‬
‫فمهما كان المجهود المبذول من طرف المحاكم ال يمكن أن تستجيب لهذا العدد"‪ 29.‬هذا الراي المتعلق‬
‫بجعل الخطايا المستوجبة للمخالفات تستخلص لدى القباضات المالية دون التوجه الى المحاكم‪ ،‬نجده‬
‫بمداوالت مجلس النواب حول اصدار مجلة جديدة (وهي المجلة الحالية) لسنة ‪ ،1999‬لم يشمل سوى‬
‫المخالفات‪ ،‬ولكن الراي لدينا هو أن يقع تعميم هذا التوجه في جميع جرائم الجوالن‪ ،‬سواء كانت مخالفات‬
‫أو جنح في صورة غياب حادث مرور‪ ،‬ويبقى التوجه الى العدالة يقتصر فقط على الحاالت التي يحصل‬
‫فيها حادث مرور‪.‬‬

‫قد يقع نقد هذا التوجه من حيث أنه يخالف المبدأ الدستوري المتعلق بالحق في المحاكمة العادلة وذلك‬
‫صحيح من وجهة نظر قانونية‪ ،‬خاصة أن التوجه الذي يتبناه المشرع في تسليط العقوبة فيما يتعلق بالجنح‬
‫يبرز ضرورة تدخل السلطة التقديرية للقاضي لتسليط العقوبة الجزائية خاصة فيما يتعلق بالجنح التي تقتضي‬
‫عقوبة سجنية‪ .‬اال أنه وبالنظر الى عدم تحقق األهداف الزجرية للعقوبة الجزائية‪ ،‬والدليل كما سبق بيانه‪،‬‬
‫فانه ال بد من تغليب األهم على المهم‪.‬‬

‫حيث انه وبالنظر الى الكوارث التي تتسبب فيها حوادث المرور والخسائر البشرية واالقتصادية فان‬
‫العقوبة الجزائية اما أن تحقق نتائج فعالة أو أن تبقى مسجونة داخل المجالت القانونية محترمة للقواعد‬
‫الدستورية‪.‬‬

‫إضافة الى ذلك فان فكرة التخلي عن التوجه الى القضاء العدلي في صورة حصول جنحة مرورية ال‬
‫تقطع تماما مع مبدا الحق في المحاكمة العادلة باعتبار وجود ما يسمى بحق االعتراض‪.‬‬

‫ال بد من اإلشارة الى امر في غاية من األهمية‪ ،‬حيث يالحظ أنه وفي جريمة تجاوز السرعة القصوى‬
‫المث بتة بواسطة الرادار االلي توجد عديد المخالفات المسجلة ولكنها غير مستخلصة وهو أمر خطير ويؤكد‬
‫محدودية نجاعة الخطية المالية‪.‬‬

‫طبقا لإلحصائيات التي قامت بها إدارة الحرس الوطني‪ 30‬فانه يالحظ أن مخالفات الرادار االلي غير‬
‫المستخلصة خالل الفترة الممتدة من ‪ 2014‬الى ‪ 2018‬مقدرة كاالتي‪:‬‬

‫‪2018‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2014‬‬


‫‪53.447‬‬ ‫‪39.374‬‬ ‫‪91.561‬‬ ‫‪62.411‬‬ ‫‪46.980‬‬
‫مجموع المخالفات غير المستخلصة‪293.773 :‬‬

‫فمن أصل ‪ 634.029‬مخالفة مسجلة بواسطة الرادار للفترة الممتدة من ‪ 2014‬الى ‪ 2018‬يوجد‬
‫‪ 293.773‬مخالفة غير مستخلصة أي ‪ 340.256‬مخالفة فقط مستخلصة! أي تقريبا نصف المخالفات غير‬
‫مستخلصة وهو ما يستدعي التأكيد على أن السبب في اغلب الظن يعود باألساس الى اإلجراءات المعقدة في‬
‫استخالص الخطايا المالية‪.‬‬

‫‪ 29‬مداوالت مجلس نوب الشعب بتاريخ ‪ 06‬جويلية ‪ ،1999‬ص‪ .2281.‬موقع مجلس نواب الشعب‪-‬المداوالت‪.https://cutt.ly/5kuFjRf .‬‬
‫‪ 30 30‬اإلدارة العامة للحرس الوطني‪ ،‬الجمهورية التونسية‪ -‬وزارة الداخلية‪ -‬احصائيات حوادث المرور‪ 2018،‬ص‪.123‬‬

‫‪20‬‬
‫تتأكد الخطورة في هذا اإلطار في أن عدم استخالص الخطايا أو على األقل التأخر في استخالصها‬
‫يؤدي الى خسائر هامة‪ ،‬أبرزها حوادث المرور‪ ،‬خاصة وأن السرعة تعد من أبرز األسباب في حصولها‬
‫كما سبق بيانه‪ ،‬إضافة الى المبالغ المالية التي يتأخر صرفها لحساب خزينة الدولة مما يشكل عائقا اقتصاديا‬
‫هاما‪.‬‬

‫حيث يالحظ ان القيمة المالية بالدينار للمخالفات المستخلصة في الفترة من سنة ‪ 2014‬الى سنة ‪2018‬‬
‫أقل من تلك غير المستخلصة في نفس الفترة وهو أمر خطير‪.‬‬

‫فبناء على احصائيات إدارة الحرس الوطني فان مجموع المخالفات غير المستخلصة يبلغ ما قيمته‬
‫‪31.989.420‬د في حين يقدر مبلغ المخالفات المستخلصة ‪20.600.426‬د‪ ،‬والجدول التالي يوضح ذلك‪:‬‬

‫القيمة المالية للمخالفات المسجلة بواسطة الرادار غير المستخلصة‬


‫‪2018‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪3.206.820‬‬ ‫‪4.677.360‬‬ ‫‪10.978.320‬‬ ‫‪7.489.320‬‬ ‫‪5.637.600‬‬
‫المجموع‪31.989.420 :‬د‬

‫القيمة المالية للمخالفات المسجلة بواسطة الرادار المستخلصة‬


‫‪2018‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪6.969.700‬‬ ‫‪5.796.420‬‬ ‫‪1.958.977‬‬ ‫‪5.875.320‬‬ ‫‪9.325.800‬‬
‫المجموع‪20.600.426 :‬د‬

‫إضافة الى الصعوبات اإلجرائية توجد أيضا صعوبات اصلية‪.‬‬

‫‪ -‬صعوبات أصلية‪:‬‬

‫المقصود بالصعوبات االصلية هو ما يتعلق بمحتوى العقوبات المسلطة على مرتكبي الجنح المرورية‬
‫ومدى نجاعتها في الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫ال بد من التذكير بأن الجنح المرورية منظمة صلب الفصول من ‪ 85‬الى ‪ 88‬من مجلة الطرقات وتتوزع‬
‫كاالتي‪:‬‬

‫• ‪ 10‬أنواع من الجنح التي يعاقب عليها بخطية تتراوح قيمتها من مائة (‪ )100‬دينار الى مائتان‬
‫(‪ )200‬دينار منصوص عليها صلب الفصل ‪ 85‬من مجلة الطرقات‪.‬‬
‫• تضمن الفصل ‪ 86‬من المجلة في فقرته األولى‪ ،‬جنحة عقوبتها الخطية المالية وتتراوح قيمتها من‬
‫مائة (‪ )100‬دينار الى خمسمائة (‪ )500‬دينار ونوع ثاني من الجنح في الفقرة الثانية من نفس الفصل‬
‫وعقوبتها الخطية المالية التي تتراوح قيمتها من مائة وعشرون (‪ )120‬دينار الى مائتان وأربعين (‪)240‬‬
‫دينار‪ ،‬و‪ 7‬أنواع من الجنح في الفقرة الثالثة من نفس الفصل‪ ،‬التي تتسلط على مرتكبها عقوبة السجن لمدة‬

‫‪21‬‬
‫أقصاها شهر وخطية مالية تتراوح من مائة وعشرون (‪ )120‬دينار الى مائتان (‪ )200‬دينار أو بإحدى‬
‫العقوبتين فقط‪.‬‬
‫• تضمن الفصل ‪ 87‬من المجلة ‪ 11‬نوع من الجنح التي تكون عقوبتها السجن لمدة أقصاها ستة أشهر‬
‫وخطية تتراوح بين مائتان (‪ )200‬دينار وخمسمائة (‪ )500‬دينار أو بإحدى العقوبتين فقط‪.‬‬
‫• احتوى الفصل ‪ 88‬من المجلة على ‪ 4‬أنواع من الجنح التي تكون عقوبتها السجن من ستة أشهر الى‬
‫ثالث سنوات والخطية المالية التي تتراوح من خمسمائة دينار (‪ )500‬الى ثالثة االف دينار (‪.)3000‬‬

‫الفصل ‪ 85‬من مجلة الطرقات‬


‫عدم احترام عالمات أو إشارات الوقوف‪.‬‬
‫لوقوف أو التوقف أو السير إلى الوراء على المعبد‬
‫بالطرقات السيارة‪.‬‬
‫استعمال أكثر من رخصة سياقة من نفس الصنف‪.‬‬
‫نقل أشخاص على عربة غير مهيأة لذلك‪.‬‬
‫عدم تغيير شهادة تسجيل عربة في ظرف ثالثة‬
‫أشهر من تاريخ إمضاء وثيقة نقل ملكية العربة من قبل‬
‫مالكها المنصوص على هويته بهذه الشهادة أو من قبل‬
‫المكلف بالتفويت فيها أو من تاريخ الحصول على شهادة‬
‫للتسجيل مسلمة من مصالح الديوانة‪.‬‬
‫عدم احترام مقتضيات كراس الشروط المتعلق‬
‫باستغالل مؤسسات تعليم سياقة العربات أو كراس‬
‫يعاقب بخطية تتراوح من مائة (‪ )100‬دينار إلى‬ ‫الشروط المتعلق باستغالل المراكز المختصة في‬
‫مائتي (‪ )200‬دينار‬ ‫التكوين في مجال سياقة العربات‪.‬‬
‫عدم اإلعالم بتحطيم عربة‪.‬‬
‫استعمال عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز‬
‫المقاييس المسموح بها بنسبة‬
‫تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة‪.‬‬
‫وضع عربة على ملكه في الجوالن دون القيام‬
‫بإجراء الفحص الفني لها أو استعمال شهادة فحص فني‬
‫منتهية الصلوحية‪.‬‬
‫عدم االمتثال إلشارة الوقوف أو للمراقبة من قبل‬
‫األعوان المكلفين بذلك والمباشرين‬
‫الفصل ‪ 86‬من مجلة الطرقات‬
‫يعاقب بخطية تتراوح من مائة (‪ )100‬دينار إلى‬ ‫كل شخص يضع في الجوالن عربة أو مجموعة‬
‫خمسمائة (‪ )500‬دينار‬ ‫عربات يتجاوز وزنها الجملي الوزن الجملي المرخص فيه‬
‫أو الوزن الجملي الناقل المرخص فيه أو تتجاوز حمولتها‬
‫الحمولة القانونية على المغزل‪.‬‬
‫يعاقب بخطية تتراوح من مائة و عشرون (‪)120‬‬ ‫كل شخص يتجاوز السرعة القصوى المسموح بها‬
‫دينار إلى مائتين وأربعين (‪ )240‬دينار‬ ‫بخمسين كلم في الساعة أو أكثر‪.‬‬

‫السياقة خالفا لما اقتضاه قرار سحب رخصة‬


‫السياقة‪،‬‬
‫السياقة رغم حجز الرخصة المنصوص عليه‬
‫يعاقب بالسجن لمدة أقصاها شهر وبخطية تتراوح‬ ‫بالفصل ‪ 94‬مكرر من هذه المجلة‪،‬‬
‫من مائة وعشرين (‪ )120‬دينار إلى مائتي (‪ )200‬دينار‬ ‫عدم احترام عالمات أو إشارات مقاطع السكك‬
‫أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‬ ‫الحديدية أو اختراق حواجزها‪،‬‬
‫المجاوزة الممنوعة‪،‬‬
‫فرار كل سائق إثر التسبب في أضرار مادية لعربة‬
‫أخرى محاوال التفصي من المسؤولية المدنية‬
‫ـ وضع أو استعمال آلة كاشف الرادار بالعربة أو‬
‫تجهيزها بها‬

‫‪22‬‬
‫استعمال عربة تحمل حاوية غير مثبتة بمزالج‬
‫ملتوية‪،‬‬
‫الفصل ‪ 87‬من مجلة الطرقات‬
‫السياقة تحت تأثير حالة كحولية‪،‬‬
‫السياقة بدون رخصة أو السياقة بدون الحصول‬
‫على الصنف المطلوب‪.‬‬
‫السير في االتجاه المعاكس بالطرقات السيارة أو‬
‫الرجوع على األعقاب السيما بعبور األرض المسطحة أو‬
‫باستعمال نقاط العبور الخاصة‪.‬‬
‫عدم االمتثال إلشارة الوقوف أو للمراقبة من قبل‬
‫األعوان المكلفين بذلك والمباشرين مع اختراق الحواجز‬
‫المادية الموضوعة من قبلهم للغرض‬
‫رفض الخضوع إلجراءات إثبات الحالة الكحولية‬
‫استعمال عربة غير حاملة للوحة الصانع في‬
‫يعاقب بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر وبخطية‬ ‫الجوالن من قبل مالك أو ممثل قانوني لشخص معنوي‪.‬‬
‫تتراوح من مائتي (‪ )200‬دينار إلى خمسمائة (‪)500‬‬ ‫إدخال تغييرات جوهرية على عربة بدون ترخيص‪.‬‬
‫دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‬ ‫تعليم السياقة بدون إجازة‪.‬‬
‫تعليم السياقة بدون الحصول على شهادة الكفاءة‬
‫المهنية‪.‬‬
‫مخالفة األحكام المتعلقــة بالمرور على الجسور‬
‫وجوالن مجموعات العربات التي تشتمل على عدة‬
‫عربات مجرورة والنقل االستثنائي‪.‬‬
‫استغالل مؤسسة تعليم سياقة العربات أو مركز‬
‫مختص في التكوين في مجال سياقة العربات دون إمضاء‬
‫كراس الشروط وإيداع التصريح بالشروع في االستغالل‬
‫باستثناء مؤسسات تعليم سياقة العربات التي تم‬
‫الترخيص لها قبل صدور القرار المشار إليه بالفقرة الثانية‬
‫من الفصل ‪ 81‬من هذه المجلة‪.‬‬
‫الفصل ‪ 88‬من مجلة الطرقات‬
‫وضع عربة في الجوالن غير حاملة للبيانات‬
‫المتعلقة بتشخيصها أو وقع محوها أو إزالتها جزئيا أو‬
‫كليا أو وقعت إحاطتها باللحام‪.‬‬
‫إدخال تغيير على البيانات المتعلقة بتشخيص‬
‫يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثالث سنوات‬ ‫العربة‬
‫وبخطية تتراوح من خمسمائة (‪ )500‬إلـى ثالثـة آالف‬ ‫الجوالن بعربة غير مجهزة بلوحتي تسجيل‬
‫(‪ )3000‬دينـار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‬ ‫بالنسبة إلى العربات الواجب تجهيزها بلوحتي تسجيل‬
‫أو غير مجهزة بلوحة تسجيل بالنسبة إلى العربات‬
‫الواجب تجهيزها بلوحة واحدة أو الجوالن بعربة تعمد‬
‫سائقها حجب لوحة تسجيلها كليا أو جزئيا أو الجوالن‬
‫بعربة مجهزة بلوحة تسجيل تحمل رقم تسجيل ال‬
‫يخصها‪.‬‬
‫ـ الجوالن بعربة غير مسجلة أو بشهادة تسجيل‬
‫مدلسة أو غير مطابقة للعربة‬

‫الواضح ان المشرع نظم بدقة الجنح المرورية والعقوبات المقررة لها‪ ،‬ولكن التنظيم القانوني فقط ال‬
‫يكفي لتحقيق الغايات من سن القوانين‪ ،‬بل ال بد من الحرص على تطبيق هذه النصوص القانونية‪.‬‬
‫بالرجوع الى الواقع نجد أنه يعكس خالف ذلك في عدة وضعيات‪ ،‬حيث توجد فصول قانونية صلب‬
‫مجلة الطرقات غير منطبقة ويعود ذلك ألسباب عديدة‪.‬‬

‫نذكر من بين هذه األسباب كثرة الفصول وتضخم عدد الجرائم التي يصعب الى حد االستحالة أن يقع‬
‫االلمام بجميعها سواء من قبل مستعملي الطريق أو السلطات المطالبة بتطبيق القانون‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫حيث أن السرعة على سبيل المثال‪ ،‬باعتبارها من أكثر األسباب التي تؤدي الى حصول حوادث مرور‬
‫كارثية‪ ،‬فان المالحظ أن الفصول المنظمة لها مبعثرة داخل النصوص القانونية بصورة تجعل من االلمام‬
‫بها أمرا عسيرا‪.‬‬

‫حيث نجدها منظمة صلب الفصول من ‪ 13‬الى ‪ 15‬من مجلة الطرقات‪ ،‬و أيضا الفصل ‪ 86‬في فقرته‬
‫الثانية من نفس المجلة والفصل ‪ 102‬فقرة أولى والفصول من ‪ 3‬الى ‪ 13‬من االمر عدد ‪ 151‬المؤرخ في‬
‫‪ 24‬جانفي ‪ 2000‬والمتعلق بالقواعد العامة للجوالن بالطرقات‪ ،‬و المخالفات المضمنة صلب االمر عدد‬
‫‪ 262‬المؤرخ في ‪ 15‬فيفري ‪ 2010‬والمتعلق بضبط قائمة المخالفات ألحكام مجلة الطرقات ونصوصها‬
‫التطبيقية‪ ،‬في الباب الثاني من العنوان األول تحت عنوان المخالفات المتعلقة بالسرعة و التي تحتوي على‬
‫‪ 6‬صور من الحالة عدد ‪ 17‬المحددة بالجدول الى الحالة عدد ‪ 23‬منه‪ ،‬إضافة الى قرار وزير النقل المؤرخ‬
‫في ‪ 25‬جانفي ‪ 2000‬والمتعلق بضبط خاصيات واقيسة اإلشارات الدالة على السرعة القصوى المسموح‬
‫بها وشروط وضعها الذي تضمن ‪ 8‬فصول‪.‬‬

‫هذا التضخم التشريعي يؤدي حتما الى عدم قدرة أعوان األمن على سبيل المثال المعاينين للجرائم من‬
‫االلمام بجميعها وتسجيلها‪ ،‬مما يبرر غياب تطبيقات لعدة نصوص قانونية‪ ،‬حيث أن ذلك سيؤدي الى ارهاق‬
‫وتشتيت مجهودات السلطات المختصة بالمعاينة وبالتالي عدم احترام القانون‪.‬‬

‫خاصة وانه توجد صعوبة في اثبات بعض الجرائم في عدة مناطق من الجمهورية‪ ،‬وأيضا في نقص‬
‫االسطول األمني المعني بمعاينة الجرائم المرورية‪.‬‬

‫وفي إطار الحديث عن اثبات الجرائم‪ ،‬من المهم التطرق الى وسائل اثبات بعض الجرائم التي نظمها‬
‫المشرع صلب االمر عدد ‪.31155‬‬

‫تتكون هذه الوسائل من األجهزة التالية‪:‬‬


‫‪ -‬الرادار‬
‫‪ -‬الة مراقبة السرعة ومدة السياقة ومدة الراحة‬
‫‪ -‬الة وزن العربات‬
‫‪ -‬الة اختبار الحالة الكحولية‬
‫‪ -‬الة قيس التلوث الصادر عن العربات‬
‫‪ -‬الة قيس الضجيج الصادر عن العربات‬
‫حتى تتحقق الغاية من وجود وسائل االثبات هذه‪ ،‬ال بد ان تكون متوفرة حتى يقع رصد الجرائم المعنية‬
‫بإثباتها‪ ،‬اال أن الواقع يؤكد أن هذه األجهزة تحافظ على وجودها التشريعي صلب النصوص القانونية‬
‫المنظمة لها دون أن يتحقق وجودها المادي‪ ،‬او على األقل أغلبها‪.‬‬

‫ان الخطورة في غياب وسائل االثبات تكمن في اآلثار المترتبة عن ذلك‪ ،‬والتي تتمثل حتما في عدم‬
‫تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالجرائم المعنية باإلثبات‪.‬‬

‫‪ 31‬االمر عدد ‪ 155‬مؤرخ في ‪ 2000/01/24‬يتعلق بتحديد أجهزة ووسائل اثبات بعض جرائم الجوالن وضبط شروط استعمالها‪ .‬موقع بوابة‬
‫التشريع‪-‬تونس البوابة الوطنية لإلعالم القانوني‪( http://www.legislation.tn/affich-code/Code-de-la-route__93 .‬تاريخ االطالع‬
‫على الموقع ‪.)2021/02/08 :‬‬

‫‪24‬‬
‫فعدم توفر الة مراقبة السرعة ومدة السياقة ومدة الراحة‪ ،‬سوف يؤدي الى التفصي من المسؤولية‬
‫الجزائية لمرتكب الجرائم المتعلقة بالسرعة‪ ،‬عدى ما يقع اثباته بأجهزة الرادار التي ال توجد اال بصورة‬
‫قليلة مقارنة بعدد الحوادث المنجرة عن السرعة‪.‬‬

‫كذلك األمر فيما يتعلق بالة اختبار الحالة الكحولية‪ ،‬والتي سيؤدي غيابها او عدم نجاعتها الى عدم‬
‫المسائلة الجزائية لمرتكبي جرائم السياقة تحت تأثير حالة كحولية وهي جريمة من صنف الجنح المعاقب‬
‫عليها "بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر وبخطية تتراوح من مائتي (‪ )200‬دينار الى خمسمائة (‪ )500‬دينار‬
‫أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط"‪ ،32‬وأيضا جنحة "رفض الخضوع إلجراءات اثبات الحالة الكحولية"‪ ،‬حيث‬
‫لن يحصل هذا الرفض‪ ،‬ليس بسبب الخوف من العقاب وانما بسبب غياب جهاز االثبات أو على األقل عدم‬
‫نجاعته‪.‬‬

‫حيث جاء في التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية‪ 33‬أن البالد التونسية تحقق معدل ‪ 4‬على‬
‫‪ 10‬في سلم تحديد نسبة تطبيق الدولة لقانون السياقة في حالة سكر‪ ،‬والتي تعد منخفضة مقارنة ببعض الدول‬
‫األخرى مثل مصر (‪ 6‬على ‪ )10‬والجزائر (‪ 8‬على ‪ )10‬وعمان (‪ 8‬على ‪ ،)10‬كذلك فرنسا (‪ 8‬على ‪)10‬‬
‫واليابان (‪ 9‬على ‪ )10‬وتصل في كازاخستان الى (‪ 10‬على ‪.)10‬‬

‫يظهر الخطر أيضا بالنسبة لغياب الة وزن العربات‪ ،‬في أنه لن يقع تطبيق أحكام الفصل ‪ 86‬من مجلة‬
‫الطرقات والذي يجرم تجاوز الوزن الجملي المرخص به أو تجاوز الحمولة القانونية‪ ،‬ويقرر عقوبة الخطية‬
‫المالية التي تتراوح من مائة (‪ )100‬دينار الى خمسمائة (‪ )500‬دينار‪.‬‬

‫رغم أن الشاحنة الثقيلة على سبيل المثال تشارك في حصول حوادث المرور بنسب مرتفعة‪ ،‬حيث أثبتت‬
‫االحصائيات لدى المرصد الوطني لسالمة المرور‪ ،34‬أنه وعلى طيلة السنوات الممتدة منذ اخر تنقيح ادخل‬
‫على المجلة فقد سجلت عدد ‪ 1929‬قتيل‪ 35‬كطرف مشارك في الحادث‪ ،‬وأن أبرز األسباب يعود الى عدم‬
‫مالزمة اليمين بنسبة ‪% 23.59‬من القتلى وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالسيارة المقدرة ب‪%13.06‬من‬
‫القتلى‪ ،‬بحيث أنه عندما يكون السبب في الحادث القاتل هو عدم مالزمة اليمين وتكون الشاحنة الثقيلة طرفا‬
‫فيه فان نسبة القتلى تكون اكثر من تلك التي تكون فيها السيارة طرفا في الحادث‪.‬‬

‫فاذا وقع توفير أجهزة قيس وزن العربات فان ذلك سيساعد بدرجة كبيرة على التخفيض من عدد‬
‫الحوادث الكارثية التي تقع بسبب تجاوز الحمولة القانونية أو الوزن الجملي المرخص به خاصة فيما يتعلق‬
‫بالشاحنات الثقيلة باعتبارها تؤدي الى نتائج كارثية‪ ،‬عند حصول الحادث المروري‪ ،‬على جميع األصعدة‪.‬‬

‫بما أن المجهودات التي يقوم بها المرصد الوطني لسالمة المرور وغيره من األطراف المشاركة‪ ،‬نحو‬
‫الحد من الحوادث يساهم في انخفاضها بنسب هامة‪ ،‬فان من واجب بل من مسؤولية السلط المختصة بتوفير‬
‫االت اثبات بعض الجرائم المرورية أن تنظر جديا في ذلك‪ ،‬باعتبار ان الوقاية أفضل من العالج‪.‬‬

‫نفس الصعوبات تتأكد في عدم توفر الة قيس التلوث أو الة قيس الضجيج‪ ،‬رغم أن المشرع حدد صلب‬
‫الفصل ‪ 85‬من مجلة الطرقات جريمة "استعمال عربة تنفث دخانا أو تحدث ضجيجا يتجاوز المقاييس‬

‫‪ 32‬الفصل ‪ 87‬فقرة أولى من مجلة الطرقات‪.‬‬


‫‪ 33‬تقرير ‪ ،2015‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 34‬احصائيات المرصد الوطني لسالمة المرور‪ :‬الشاحنة الثقيلة كطرف مشارك في الحوادث المرورية للفترة الممتدة من ‪ 2009‬الى‬
‫‪ 2021/02/07‬والسيارة كطرف مشارف في الحادث لنفس الفترة‪.‬‬
‫‪ 35‬ال بد من التأكيد على أن هذه النسبة تعتبر منخفضة مقارنة بالفترة الممتدة من ‪ 2008/01/01‬الى ‪ 2020/02/07‬التي سجلت عدد ‪ 2007‬قتيل‬
‫أين فارق ب ‪ 78‬قتيل وذلك يعود الى األسباب المشار اليها سابقا بالدراسة المزمع بسطها‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫المسموح بها بنسبة تساوي أو تفوق الخمسين بالمائة" وقرر تسليط عقوبة الخطية المالية التي تتراوح بين‬
‫مائة (‪ )100‬دينار ومائتان (‪ )200‬دينار‪.‬‬

‫ان غياب أجهزة اثبات بعض جرائم الجوالن كما وقع بيانه يحول دون تطبيق النصوص المجرمة لها‬
‫مما يؤكد محدودية النجاعة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫تتأكد الخطورة فيما يتعلق بعدم تطبيق غالبية النصوص القانونية المنظمة لقانون الطرقات‪ ،‬في أن ذلك‬
‫سيؤدي حتما الى التعود على القيام بالجرائم دون أي اعتبار لمدى خطورة ذلك ومدى مشاركته في حصول‬
‫حوادث مرور كارثية! فمن "المسلم به أن القوانين ال ينسخها أمر الشارع فحسب‪ ،‬بل انها تبطل أيضا‬
‫بإجماع الناس ضمنا على عدم العمل بها"‪ 36.‬وقد يؤدي ذلك الى السقوط في التكريس الواقعي لقاعدة‬
‫‪37‬‬
‫"عدم عمل الناس بالقوانين يوجب اعتبارها منسوخة بإجماع ضمني"!‬

‫تتأكد الصعوبات االصلية فيما يتعلق بالجنح المرورية‪ ،‬في أن نسبة كبيرة منها قد تؤدي بمرتكبها الى‬
‫السجن عالوة على عقوبة الخطية المالية‪ ،‬وهو أمر مخالف للتوجهات العالمية نحو التخلي عن العقوبات‬
‫السجنية قصيرة المدة‪.‬‬

‫فمن الثابت أن للسجن سلبيات‪ ،‬أهمها المس من كرامة المحكوم عليه واهانته واالضرار بصحته البدنية‬
‫والنفسية فضال عن خطر االختالط مع مجرمين محترفين"‪ .38‬وبالتالي يتجه الراي لدينا في أن مجال‬
‫الطرقات وخاصة في صورة اقتراف جنح دون أن يؤدي ذلك الى حصول حادث مرور‪ ،‬ال بد ان تكون‬
‫العقوبة فقط بالخطية المالية وان يقع التخلي عن العقوبات السجنية‪ .‬في المقابل يمكن استبدالها بعقوبة العمل‬
‫لفائدة المصلحة العامة من خالل العمل لساعات معينة يوميا ضمن الجمعيات في مجال السالمة المرورية‪.‬‬

‫ان هذا التصور يعد جائزا ومنطقيا خاصة في صورة ارتكاب جرائم مرورية مع غياب حادث المرور‪،‬‬
‫وبالتالي تبقى العقوبات السجنية تقتصر فقط على الحاالت التي يؤدي فيها ارتكاب جرائم الجوالن الى‬
‫حصول حادث مرور‪.‬‬

‫بعد التطرق الى الجرائم التي ترتكب دون ان يؤدي ذلك بالضرورة الى حصول حادث مرور‪ ،‬ال بد‬
‫من الحديث عن الصعوبات التي تنشا في ظل حادث مرور بغية تحديد نجاعة الخطية المالية في هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪ 36‬تأليف جوستينيان‪ ،‬ترجمة عبد العزيز فهمي‪ ،‬مدونة جوسنينيان في الفقه الروماني‪ .‬القاهرة‪ -‬دار الكاتب المصري‪ ،1946،‬الطبعة‪ ،1‬العدد ‪702‬‬
‫(حقوق النشر والترجمة بالعربية‪ :‬الجزيرة القاهرة ‪ ،200‬دار الكتاب المصري‪.‬ص‪ 379.‬مطة ‪.30‬‬
‫‪ 37‬المطة ‪ 36‬في نفس السياق ما يلي‪" :‬عدم عمل الناس بالقوانين يوجب اعتبارها منسوخة بإجماع ضمني"‪ .‬مذكرة جوستينيان (مرجع سابق)‪.‬‬
‫‪ 38‬فرحات الراجحي‪ ،‬تقدير العقوبة‪ ،‬مجلة القضاء والتشريع‪ ،‬المكتبة القانونية التونسية‪ ،‬نوفمبر ‪.2007‬ص‪38.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ .2‬صعوبات في صورة حصول حادث مرور‪:‬‬

‫قد يؤدي حادث المرور الى حصول جريمة الجرح أو القتل على وجه الخطأ أو فقط الى حصول اضرار‬
‫مادية‪.‬‬

‫أ‪ -‬حادث مرور ينجر عنه القتل أو الجرح على وجه الخطأ‪:‬‬

‫لقد نظم المشرع التونسي صلب الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات الخطية المالية المقررة عندما‬
‫ينتج عن حادث المرور جريمة الجرح والقتل على وجه الخطأ‪.‬‬
‫يحتوي هذين الفصلين على ثالث فقرات تبدو متشابهة‪ ،‬اذ تختلف فقط في اثار الحادث ان كان قد ترتب‬
‫عنه جرح أو قتل على وجه الخطأ وايضا في العقوبة المقررة لكل جريمة‪.‬‬

‫تحتوي الفقرة األولى من كل فصل على تجريم للجرح على وجه الخطأ صلب الفصل ‪ 89‬والقتل على‬
‫وجه الخطأ صلب الفصل ‪ 90‬من مجلة الطرقات‪ ،‬مع جعل العقوبة المقررة اليها بالسجن لمدة أقصاها ستة‬
‫أشهر وبخطية أقصاها خمسمائة (‪ )500‬دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط بالنسبة لجريمة الجرح على‬
‫وجه الخطأ‪ ،‬والسجن لمدة أقصاها سنة وشهر وبخطية أقصاها ألف ومائة (‪ )1.100‬دينار أو بإحدى هاتين‬
‫العقوبتين فقط بالنسبة لجريمة القتل على وجه الخطأ وذلك إذا كان سبب الحادث عدم اخذ االحتياطات‬
‫الالزمة‪.‬‬

‫بالنسبة للفقرة الثانية والثالثة من نفس الفصلين سابقا الذكر‪ ،‬يالحظ ان المشرع قد وضع حاالت تشديد‬
‫العقوبة‪.‬‬

‫حيث جاءت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 89‬من نفس المجلة وكذلك الفصل ‪ 90‬منها أنه عندما يكون‬
‫الحادث "ناتجا عن ارتكاب احدى الجرائم المبينة بالفصول ‪ 83‬و‪ 84‬و‪ 85‬و‪ 86‬و‪ 87‬و‪" 88‬فان العقوبة‬
‫ترفع‪.‬‬

‫تصبح كاالتي بيانه‪:‬‬


‫‪ -‬إذا نتج عن الحادث جرح على وجه الخطأ‪ ،‬فان العقوبة تصبح بالسجن لمدة أقصاها سنتان وبخطية‬
‫أقصاها ألفا (‪ )2.000‬دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‬
‫‪ -‬إذا نتج عن الحادث قتل على وجه الخطأ‪ ،‬فان العقوبة تصبح بالسجن لمدة أقصاها ثالث سنوات‬
‫وبخطية أقصاها ثالثة (‪ )3000‬االف دينار أو بإحدى العقوبتين فقط‪.‬‬

‫أما بالنسبة للفقرة الثالثة من كال الفصلين فان ان المشرع وضع أربعة صور ترفع فيها العقوبة فتصبح‬
‫ثالثة االف دينار بالنسبة للجرح وخمسة االف دينار بالنسبة للقتل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬ثبوت عدم تامين المسؤولية المدنية‬
‫‪ -‬أن يكون السائق عند وقوع الحادث‪:‬‬
‫تحت تأثير حالة كحولية‪،‬‬
‫غير متحصل على رخصة سياقة أو على الصنف المطلوب لسياقة العربة‪،‬‬
‫يسوق خالفا لما اقتضاه قرار سحب رخصة السياقة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫بعد بسط محتوى الفصلين ال بد من اجراء بعض المالحظات الهامة‪.‬‬

‫ان العبارة المستعملة صلب الفقرة األولى من قبل المشرع تبدو غامضة‪ ،‬وقد جاءت واسعة يمكن أن‬
‫تشمل مختلف الجرائم‪ .‬حيث أن "عدم ترك مسافة األمان"‪ 39‬أو "تجاوز مدة السياقة المحددة‪ "40‬أو "عدم‬
‫احترام األولوية"‪ 41‬أو جنحة "عدم احترام عالمات أو إشارات الوقوف"‪ 42‬أو جنحة "نقل أشخاص على‬
‫عربة غير مهيأة لذلك"‪ 43‬أو "عدم احترام عالمات أو إشارات مقاطع السكك الحديدية أو اختراق‬
‫حواجزها"‪ 44‬أو غيرها من الجرائم‪ ،‬كلها تعتبر صور لعدم أخذ االحتياطات الالزمة‪.‬‬
‫فما المقصود "بعدم أخذ االحتياطات الالزمة"؟‬

‫الواضح أن المشرع يستعمل هذه العبارة في عدة مواضع‪ 45‬دون أن يعرفها‪ ،‬مما يصعب معه تحديد‬
‫المقصود بها خاصة وأن المشرع يجعلها سببا من أسباب المؤاخذة الجزائية في صورة حصول حادث مرور‬
‫أدى الى القتل أو الجرح على وجه الخطأ‪ ،‬وهو أمر خطير باعتبار أن التفسير والتأويل في المادة الجزائية‬
‫يقتضي حسب توجه عدة فقهاء نحو ضرورة احترام عدة مبادئ أبرزها التأويل الضيق للنص الجزائي مما‬
‫يمنع إمكانية التوسع فيه‪ ،‬حيث أن مبدا شرعية الجرائم والعقوبات يقصد به أنه "ليس للقاضي أن يقوم بتوسيع‬
‫‪46‬‬
‫نطاق امتداد النص الجزائي فيجعله يستوعب افعاال لم يجرمها المشرع ولم يقرر عقابا من اجلها"‬

‫ولكن التمسك بهذا التوجه‪ ،‬يجعل "القانون عاجزا عن مواجهة الظروف الجديدة بل يجعله عاجزا حتى‬
‫عن حماية المجتمع في الظروف التي وضع فيها‪ ،‬ويحد من تطور القوانين الجزائية التي تبقى جامدة بحيث‬
‫تفقد وبسرعة التطابق مع الواقع والتماشي مع التطورات االجتماعية"‪.47‬‬

‫لذلك ظهر تصور فقهي يعتبر ان النص الجزائي يمكن أن يخضع الى التفسير المقاصدي والذي يقع‬
‫الوصول اليه بمنهج واحد ال ضيق وال واسع‪ ،‬وطالما توصل هذا التفسير الى روح المقاصد التشريعية‬
‫وكنهها فال أهمية بعد ذلك لكونه قد جاء ضيقا أو واسعا‪ ،‬اذ القيمة القانونية للنص منحصرة في كونه تعبيرا‬
‫‪48‬‬
‫عن تلك المقاصد‪ ،‬وكلما طابق التفسير هذه المقاصد فهو بالضرورة التفسير الصحيح للنص"‪.‬‬

‫بناء على هذا التوجه الفقهي فانه يصح تفسير عبارة "عدم أخذ االحتياطات الالزمة" على أساس أنه‬
‫يمكن أن يكون المقصود منها جميع الجرائم المنظمة بقانون الطرقات‪.‬‬

‫وفقا لما سبق بيانه‪ ،‬ال بد من التنبيه في هذا اإلطار الى ان شمول عبارة "عدم أخذ االحتياطات الالزمة"‬
‫لجميع الجرائم‪ ،‬قد يؤدي الى الحط من مكانة بقية النصوص المجرمة في المجلة‪ ،‬حيث أن ذلك سيؤدي‬

‫‪ 39‬الصورة ‪ 17‬من الجدول المحدد للمخالفات المنظم باألمر عدد‪( 262‬العقوبة المستوجبة هي الخطية من الصنف الثالث أي ‪20‬د)‬
‫‪ 40‬الصورة ‪ 10‬من الجول سابق الذكر (الصنف الرابع‪40 :‬د)‬
‫‪ 41‬الصورة ‪ 33‬من الجدول سابق الذكر (الصنف الخامس‪60:‬د)‪.‬‬
‫‪ 42‬الفصل ‪ 1-85‬من مجلة الطرقات (الخطية من ‪ 100‬الى ‪200‬د)‪.‬‬
‫‪ 43‬الفصل ‪ 4-85‬من مجلة الطرقات (الخطية من ‪ 100‬الى ‪.)200‬‬
‫‪ 44‬الفصل ‪ 3-86‬من مجلة الطرقات (الخطية من ‪120‬د الى ‪200‬د)‪.‬‬
‫‪ 45‬يستعملها المشرع صلب الفصل ‪- ..." 60‬أن يتوقف حاال مع أخذ االحتياطات الالزمة‪ ،"...‬الفصل ‪..." 89‬بسبب عدم أخذ‬
‫االحتياطات الالزمة أثناء السياقة ‪ ،»...‬الفصل ‪ ..." 90‬بسبب عدم أخذ االحتياطات الالزمة أثناء السياقة‪..."...‬الفصل‬
‫‪ 3‬من االمر عدد ‪ 144‬المؤرخ في ‪ 24‬جانفي ‪ 2000‬المتعلق برصيد النقاط المسند لكل رخصة سياقة‪..." :‬بسبب‬
‫عدم أخذ السائق لالحتياطيات الالزمة أثناء السياقة‪.."...‬‬
‫‪ 46‬د‪.‬عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي‪ ،‬المبادئ العامة للقانون الجزائي‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬طبعة أولى‪ .2017،‬ص‪.90.‬‬
‫‪( 47‬نفس المرجع) ص‪.91.‬‬
‫‪( 48‬نفس المرجع) ص‪.93.‬‬

‫‪28‬‬
‫الى خطورة االنزالق في التطبيق االلي ألحكام الفقرة األولى من الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬في جميع الحاالت‬
‫المطروحة أمام القضاء في صورة حصول حادث مرور انجر عنه الجرح أو القتل على وجه الخطأ‪.‬‬

‫وفعال أثبتت عديد القرارات التي اشتملت على أحكام جزائية باتة صادرة عن المحاكم االبتدائية الجناحية‬
‫فكرة التطبيق االلي للفقرة األولى من الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من المجلة!‬

‫حيث تلجأ المحاكم في عديد من القضايا المطروحة أمامها الى تطبيق الفصل ‪ 89‬عندما ينجر عن حادث‬
‫المرور جرح على وجه الخطأ أو الفصل ‪ 90‬عندما تحصل جريمة القتل على وجه الخطأ وذلك بشكل بات‬
‫ودون التأكد من األسباب التي انجر عنها الحادث‪ .‬اذ يالحظ أن هناك العديد من القرارات التعقيبية التي تكون‬
‫مستندات الطعن فيها ال تشمل سوى الجزء المدني من القضية بعد أن يقع اإلقرار من قبل المحكمة االبتدائية‬
‫بالمسؤولية الجزائية وتخطئة المتهم بشأنها حتى وان تبين لمحكمة التعقيب خالف ذلك‪ ،‬أو تكييف مغاير‬
‫ألسباب الحادث‪.‬‬

‫يتأكد القول من خالل ما جاء بأحد القرارات التعقيبية المؤرخ في ‪ 21‬جانفي ‪ ،492020‬حيث جاءت‬
‫وقائع القضية كيفما أوردها القرار في "اصطدام سيارة بجرار فالحي متبوع بمجرورة كان يسير أمامه غير‬
‫مستعمل لإلنارة في حين كان المتهم (سائق السيارة) يقود بسرعة ‪ 75/70‬كلم في الساعة ولم يشاهد الجرار‬
‫وقد أسفر الحادث عن إصابة سائق الجرار بأضرار بدنية"‪.‬‬

‫ولقد صدر الحكم االبتدائي عدد ‪ 351‬عن المحكمة االبتدائية ببن عروس بتاريخ ‪ 10‬جويلية ‪2018‬‬
‫اعتبرت فيه المحكمة أن المتهم يتحمل كامل مسؤولية الحادث وقررت تخطئته بخمسمائة دينار (‪500‬د) من‬
‫أجل الجرح على وجه الخطأ إثر حادث مرور طبق أحكام الفصل ‪ 89‬من مجلة الطرقات‪.‬‬
‫ولكن ما يجب مالحظته هو أن الحكم الصادر عن المحكمة الجناحية لم يقرر نفس القرار الذي قررته‬
‫محكمة التعقيب حول سبب حصول الحادث‪.‬‬

‫حيث جاء القرار التعقيبي معتبرا أن سبب الحادث هو جريمة "السير ليال بدون انارة خارج مواطن‬
‫العمران" وهي جريمة نص عليها الجدول المحدد لقائمة المخالفات ألحكام مجلة الطرقات ونصوصها‬
‫التطبيقية‪ 50‬وتحديدا الحالة عدد ‪-65‬أ والتي قرر المشرع في شأنها عقوبة الخطية المالية من الصنف الخامس‬
‫تطبيقا للفصل ‪ 83‬من مجلة الطرقات‪.‬‬

‫وفي هذه القضية المذكورة كان على المحكمة أن تطبق أحكام الفصل ‪ 89‬فقرة ثانية والذي جاء فيه ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫"يكون العقاب بالسجن لمدة أقصاها سنتان وبخطية أقصاها ألفا (‪ )2000‬دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين‬
‫فقط إذا كان الحادث ناتجا عن ارتكاب احدى الجرائم المبينة بالفصول ‪83‬و‪84‬و‪85‬و‪86‬و‪87‬و‪ 88‬من هذه‬
‫المجلة‪.‬‬

‫وبناء على قرار محكمة التعقيب حول اعتبار أن حادث المرور كان سببه السير ليال بدون انارة خارج‬
‫مواطن العمران‪ ،‬كان من الممكن‪ ،‬لو وقع الطعن في الحكم االبتدائي الجناحي‪ ،‬أن تسلط أحكام الفقرة الثانية‬

‫‪ 49‬قرار تعقيبي جزائي عدد ‪ 92178‬صادر بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪( 2020‬غير منشور)‪.‬‬


‫‪ 50‬األمر عدد ‪ 262‬المؤرخ في ‪ 2010‬السابق ذكره‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫من الفصل ‪ 89‬من مجلة الطرقات وذلك بناء على االحالة التي ضمنها المشرع صلب هذه الفقرة والتي‬
‫تشمل في هذا المثال الفصل ‪ 83‬الذي وضع بدوره إحالة للمخالفات التي تستوجب عقوبة الخطية المالية بناء‬
‫على األصناف الخمسة‪ .‬وبالتالي بما أن جريمة "السير ليال بدون انارة خارج مواطن العمران" توجد ضمن‬
‫الحالة عدد‪-65‬أ من الجدول وأن هذه الجريمة أدت الى حصول حادث مرور نجم عنه جرح على وجه الخطأ‬
‫فان العقوبة واجبة التطبيق هي "السجن لمدة أقصاها سنتان وبخطية أقصاها ألفا دينار"‪.‬‬

‫ان الخطورة تبرز أساسا في التطبيق االلي للفقرة األولى من الفصل ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات من‬
‫قبل المحاكم وذلك بسبب العبارة التي يستعملها المشرع لتحديد طبيعة الجريمة وهي "عدم أخذ االحتياطات‬
‫الالزمة"‪.‬‬

‫تتأكد الصعوبة أيضا من خالل التقنية التي يعتمدها المشرع في نفس الفصلين سابقا الذكر‪ ،‬في الفقرة‬
‫الثانية والتي يمكن أن تبرر عدم لجوء المحاكم في اغلب األوقات الى تطبيقها‪ ،‬وهي الية اإلحالة‪.‬‬

‫حيث أن كثرة القضايا ونقص القضاة يجعل من الية اإلحالة تمثل عبئا يحول دون إمكانية تطبيق‬
‫نصوص اإلحالة الن ذلك سيتطلب وقتا وجهدا كبيرين والحال أن كل التركيز عادة ينصب حول االضرار‬
‫التي تسبب فيها الحادث والتعويضات التي سيقع دفعها للمتضرر‪.‬‬

‫زد على ذلك فان قيمة الخطية مهما بلغ أقصاها (المحدد بخمسة االف (‪ )5000‬دينار كأقصى قيمة‬
‫للخطايا المحددة بالقانون التونسي للطرقات)‪ ،‬فان ذلك سوف لن يؤثر على مرتكبي الجريمة ولن يحقق‬
‫الجانب الزجري الذي تتميز به عادة كل العقوبات الجزائية‪ ،‬باعتبار أن المصاريف التي سيتحملها‬
‫كتعويضات للمتضرر من الحادث سوف تتجاوز قيمة الخطية المالية وهو أمر خطير للغاية!‬

‫فلم اذا يمتاز قانون الطرقات بوصفه فرعا من فروع القانون الجزائي‪ ،‬إذا كانت العقوبات التي يقررها‬
‫غير قادرة على تحقيق الغايات التي وضعت من أجلها‪ ،‬وغير قادرة على أن تكون ردعية بما يكفي لعدم‬
‫العود أو لتكون "عبرة تردع غير المعاقب"‪51‬؟‬

‫ان غياب االهتمام بالجانب الجزائي من قانون الطرقات والتركيز أكثر على المسؤولية المدنية‪ ،‬يؤدي‬
‫حتما الى ضعف نجاعة الخطية المالية كعقوبة في مجال حوادث المرور‪.‬‬

‫يجب ان تكون العقوبة قادرة على تحقيق األهداف التي وضعت من اجلها حتى تنخفض نسبة الحوادث‬
‫المرورية خاصة القاتلة‪.‬‬

‫يتجه الراي لدينا في ضرورة قلب التصور التشريعي الذي ال يرفع في العقوبة الجزائية اال بعد حصول‬
‫الكارثة‪ .‬حيث أن التطبيق السليم للقانون وخاصة المتعلق بالعقوبات‪ ،‬باعتبارها وضعت لكي تحد من النسب‬
‫المرتفعة للجريمة‪ ،‬يتمثل في "أخذ االحتياطات الالزمة" قبل وقوعها‪.‬‬

‫‪ 51‬حيث جاء بمدونة جوستينيان القاعدة التالية‪ ":‬ينبغي في العقاب أن يكون عبرة تردع غير المعاقب"‪ .‬ص‪( .426.‬مرجع سابق)‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ليس الهدف من العقوبة التشفي في الجاني أو ايالمه بقدر ما هو هدف تنظيمي‪ ،‬فشعور المرء بخطورة‬
‫العقوبة قبل االقبال على القيام بأفعال مجرمة‪ ،‬خاصة في قانون الطرقات‪ ،‬يجعله يحاول قدر اإلمكان تفادي‬
‫مخالفة االحكام القانونية‪ .‬فالردع ال يجب ان يحصل بعد وقوع الجريمة وانما قبلها‪.‬‬
‫قد يقع نقد هذا التوجه بالقول إنه يخالف مبادئ القانون الجزائي خاصة مبدا التناسب وهو مبدا دستوري‬
‫اال ان ذلك غير صحيح في اعتقادنا كما سبق تأكيده‪.‬‬

‫بالنظر الى االثار التي من الممكن أن تترتب عن عدم احترام قانون الطرقات وهي حصول حادث‬
‫مرور فانه يكفي أن يكون ذلك دافعا نحو اعتبار تناسب األفعال المجرمة مع العقوبة‪.‬‬

‫حيث ال بد أن تكون الوظيفة األساسية للعقوبة هي الردع والزجر‪ ،‬اال أن ذلك غالبا ال يتحقق لعدة‬
‫أسباب‪ .‬فالترفيع في العقاب ضد المتسبب في الحادث بعد حصوله‪ ،‬سوف يبدو وكأنه انتقاما منه‪ ،‬في حين‬
‫ان وظيفة العقاب ليست االنتقام من المجرم وانما ردعه تجنبا للوقوع في األخطاء قبل حصولها أصال‪.‬‬

‫باإلضافة الى انه وخاصة في مجال حوادث الطرقات بالذات فان هناك صعوبات تمنع من تحقق النجاعة‬
‫المطلوبة من عقوبة الخطية المالية‪.‬‬

‫ففي الحكم الذي يصدر عن المحكمة الجزائية‪ ،‬والذي يقضي بتسليط العقوبة فانه عادة ما يقع القيام‬
‫بالحق الشخصي‪ 52‬في إطار الدعوى العمومية‪ ،‬مما يعني ان الضوء سوف يتسلط أكثر على المتضرر‬
‫والتعويضات التي سيدفعها له المسؤول عن الحادث‪ ،‬وبالتالي فان الحكم القاضي بثالثمائة دينار كخطية‬
‫مالية سوف لن تظهر مكانتها مقارنة بقيمة التعويضات المالية التي ستدفع للمتضرر‪ ،‬وبالتالي ال تتحقق‬
‫نجاعة الخطية المالية المطلوبة في صورة التركيز على الترفيع في قيمة الخطية المالية بعد حصول الحادث‪.‬‬

‫ال بد من التركيز على الوقاية من حوادث المرور حتى ال نضطر الى العالج بعد حصول الكارثة‪ ،‬فيكفي‬
‫أن تكون جريمة القتل أو الجرح توصف بأنها على وجه الخطأ‪ ،‬حتى نعي أن مقترف الحادث ال يتعمد ذلك‬
‫باعتبار انه يعلم أن التعويضات التي سيدفعها أو العقوبة الجزائية سواء كانت بالسجن أو الخطية المالية‬
‫سوف لن تعيد شخصا رحل نهائيا عن الحياة أو طفال صار عاجزا عن الحركة وهو "لم يباشر حياته بعد"‪.‬‬
‫فالعقوبات الجزائية "ال تمحي اثار الجريمة الالحق بالمجني عليه وال تجبر الخسائر التي تكبدها نتيجة ما‬
‫‪53‬‬
‫استهدف له من اعتداء"‪.‬‬

‫حيث ثبت أن حوادث المرور جعلت "العديد من االفراد يعانون من اعاقات قد تكون حسية تخص‬
‫‪54‬‬
‫الحواس الخمسة أو جسمية‪ ،‬وتكون على شكل تشويه أو حرمان من متعة الحياة"‬

‫‪" 52‬القيام بالحق الشخصي هو حق مخول لكل من لحقه شخصيا ضرر نشا مباشرة عن الجريمة ويمكن القيام بهذا الحق في ان واحد مع الدعوى‬
‫العمومية وذلك طبقا للفصلين األول والسابع من مجل ة اإلجراءات الجزائية"‪ .‬هشام العبيدي‪ ،‬خطأ المتضرر في قانون حوادث المرور‪ ،‬مذكرة‬
‫لإلحراز على شهادة الماجستير في العلوم الجنائية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية تونس المنار‪ .2016-2015 ،‬ص‪.104.‬‬
‫‪ 53‬محمد اللجمي‪ ،‬التعويض عن الضرر البدني في القانون التونسي والمقارن‪ ،‬الجزء األول ص‪41‬‬
‫‪ 54‬االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ‪ ،2020‬موقع المرصد الوطني (مرجع سابق)‪،‬‬
‫‪( https://www.onsr.nat.tn/bibliotheque/maktaba/1603438641.pdf‬تاريخ االطالع‪)2021/02/02 :‬‬

‫‪31‬‬
‫ولكن إذا كان يعلم انه إذا اقترف ابسط الجرائم المنظمة بقانون الطرقات مهما كانت درجتها‪ ،‬سيتعرض‬
‫الى عقوبات متشددة وصارمة ومنطبقة‪ ،‬فانه لن يتجرأ على اقترافها وسوف يأخذ كل االحتياطات تجنبا‬
‫لذلك‪ ،‬وبالتالي تتحقق الفائدة على األقل من ناحية حصر نطاق أسباب الحوادث‪.‬‬

‫فاذا لم يكن السائق هو المتسبب المباشر في الحادث‪ ،‬باعتباره تجنب اقتراف أحد جرائم الجوالن‪ ،‬وليس‬
‫مستعمل الطريق باعتبار تطبيق العقوبات عليه هو أيضا‪ ،‬فانه يبقى عنصر ثالث وهو الطريق‪.‬‬

‫حيث "يعتبر الطريق والبيئة المحيطة به سببا لوقوع الحوادث‪ ،‬ويتمثل ذلك في األخطاء المتعلقة بقصور‬
‫التخطيط عند إنشاء الطرق‪ ،‬فنجد األخطاء الهندسية المتمثلة بوجود المنعطفات الحادة وضيق الطريق‬
‫والتصميم الخاطئ وعدم االهتمام بالبنية التحتية كإيجاد أماكن لتصريف المياه على الطريق في فصل الشتاء‪،‬‬
‫‪55‬‬
‫والحاجة إلى تأمين الطرق بوسائل السالمة في الظروف المختلفة كالضباب‪ ،‬والحاجة إلى تأمين الطريق"‪.‬‬

‫في هذه الحالة يصح القول إنه ال بد من التشديد في العقوبات قبل حصول الحادث حتى ال يتجرأ مستعملي‬
‫الطريق الى ارتكاب الجرائم المرورية وأنه في صورة حصول حادث مرور ال بد من االخذ بعين االعتبار‬
‫كل األسباب التي أدت اليه‪.‬‬

‫فإذا ارتكب السائق على سبيل المثال جريمة تجاوز السرعة القصوى المسموح بها‪ ،‬دون أن يؤدي ذلك‬
‫الى حصول حادث مرور‪ ،‬فانه يعتبر مخطئا وال بد أن تسلط عليه عقوبة متشددة ألنه يعلم أن مجاوزة‬
‫السرعة هي جريمة يعاقب عليها القانون وهو على يقين أيضا باآلثار التي تترتب عنها والتي تتمثل في‬
‫حصول حادث مرور ضار أو قاتل‪ ،‬وبالتالي فانه اما أن يكون حريصا على عدم تجاوز السرعة القصوى‬
‫مهما كانت الظروف أو أن ستتسلط عليه عقوبات متشددة تجعله يمتنع عن العود‪.‬‬

‫خاصة فيما يتعلق بجريمة السرعة التي تعتبر من "أكثر الجرائم التي يقرر في شأنها عقوبات متشددة‬
‫‪56‬‬
‫في العالم"‪.‬‬

‫وهذا التشديد يحقق األهداف المرجوة من العقاب‪ ،‬حيث "ال يجب أن ننسى أن للترهيب قيمة تربوية‪،‬‬
‫فطبيعة االنسان اقتضت هكذا ومنذ االزل أن العقاب هو جزاء للخطيئة التي جبل عليها البعض وهو الحل‬
‫‪57‬‬
‫الوحيد لعدم تجددها وال يحصل هذا اال عن طريق الترهيب"‪.‬‬

‫في المقابل إذا وقع الحادث وأدى الى القتل أو الجرح‪ ،‬فانه ال بد من النظر الى جميع الظروف التي وقع‬
‫فيها الحادث بما فيها الطريق بجميع مكوناته مثل إشارات المرور والعالمات المرورية وعندها يمكن تقدير‬
‫العقوبة المالئمة التي تبقى خاضعة لسلطة القاضي‪.‬‬

‫‪ 55‬االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ‪ ،2020‬موقع المرصد الوطني (مرجع سابق)‪،‬‬
‫‪( https://www.onsr.nat.tn/bibliotheque/maktaba/1603438641.pdf‬تاريخ االطالع‪)2021/02/02 :‬‬
‫‪56‬‬
‫‪Laurent Carnis, Quels enseignements peut-on tirer des statistiques des infractions au Code de la‬‬
‫‪route sur la politique publique de sécurité routière ? Site web : HAL-archives-ouvertes.fr P.87‬‬
‫‪https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-00968225v2/document (date de consultation : 09/02/2021).‬‬
‫‪ 57‬فرحات الراجحي‪ ،‬تقدير العقوبة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫قد يقال إن تسليط عقوبة متشددة على مرتكب الحادث‪ ،‬يخالف مبدا العدالة الجنائية باعتبار أن "الجريمة‬
‫ماهي اال نتاج الزم الجتماع عدة عوامل خلقية وطبيعية حملت المجرم على إتيان الجريمة ومتى توافرت‬
‫العوامل الالزمة لدى شخص ما فهو مسوق حتما الى ارتكاب الجريمة‪ ،‬ولكن ال يجب الخلط وسوء الفهم‪،‬‬
‫فليس القول بان الجريمة حتمية لعوامل مختلفة تدخلت في نشوئها معناه ترك فاعلها وشانه ألنها مقدرة‬
‫عليه‪ ،‬بالعكس ان المجتمع يتخذ عندئذ الوسائل الكفيلة حقيقة بحمايته‪ .‬فكما أن الفرد محتوم عليه وقوع‬
‫الجريمة تحت تأثير تلك العوامل المختلفة‪ ،‬كذلك المجتمع محتوم عليه الرد على فعل الجاني دفاعا عن‬
‫كيانه"‪،58 .‬‬

‫إضافة الى ذلك فانه من وجهة نظر علماء النفس‪ ،‬فانه توجد نظرية تسمى بتوازن الخطر‪ ،‬تعتبر أن‬
‫"السائق عندما يجد نفسه في ظروف مثالية (طريق جيد وسيارة جيدة) فإنه ينحو غالبا إلى السير بسرعة‬
‫مفرطة النعدام الشعور بالخطر"‪ ،‬لذلك فان نجاح سياسات الردع في مجال سالمة المرور ناتج عن كون‬
‫تحرير المخالفة يهدد رخصة السياقة‪ .‬أي يؤثر على رفع مستوى الخوف من فقدانها وبالتالي يُ ْلجم السائق‬
‫على القيام بسلوك مخالف للقانون"‪.59‬‬

‫ان التدخل التشريعي نحو تغيير التوجه الذي يتخذه المشرع في مجال حوادث المرور أصبح ضروريا‬
‫للحصول على نتائج ناجعة وفعالة‪ ،‬حيث ثبت أن من العناصر الرئيسية في العالم للنجاح‪ ،‬هو التركيز على‬
‫‪60‬‬
‫الجانب التشريعي والحرص على تطبيقه تطبيقا شامال‪.‬‬

‫تتسلط الخطورة فيما يتعلق بمحدودية نجاعة الخطية المالية كعقوبة في مجال حوادث المرور عالوة‬
‫على ما سبق طرحه‪ ،‬في الحوادث المرورية التي ال ينجر عنها القتل أو الجرح‪ ،‬وهنا ال بد من التطرق الى‬
‫هذا الجانب الهام من واقع الطرقات‪.‬‬

‫ب‪ -‬حادث مرور ينجر عنه اضرار مادية‪:‬‬

‫المقصود بحوادث المرور التي تنجر عنها اضرار مادية هي تلك التي ال تخلف قتلى أو جرحى‪ ،‬وانما‬
‫فقط أضرار تلحق الوسيلة أو الطريق‪ ،‬مما يعني مبدئيا أن أحكام الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات ال‬
‫تنطبق على مرتكبيها‪.‬‬

‫ان الفرضية التي تحكم هذه الفصول‪ ،‬تتمثل في حصول جريمتي الجرح أو القتل على وجه الخطأ حتى‬
‫يقع تطبيق الحلول التي تقررها على المتسبب في الحادث‪ ،‬والمالحظ في الصورة المشار اليها والمتعلقة‬
‫بحصول حادث انجر عنه اضرار مادية فقط‪ ،‬أنها ال تتطابق مع تلك الفرضية وبالتالي ال تنطبق عليها‬
‫أحكامه‪.‬‬

‫يبقى السؤال المطروح هو ماهي النصوص القانونية التي تنطبق في صورة حصول حادث مرور دون‬
‫أن يؤدي ذلك الى خسائر بشرية؟‬

‫‪ 58‬د‪.‬مصطفى القللي‪ ،‬في المسؤولية الجنائية‪" :‬أساس المسؤولية‪ .‬عالقة السببية‪ .‬القصد الجنائي‪ .‬الخطأ" "أسباب االباحة‪ ،‬موانع المسؤولية"‪ .‬مكتبة‬
‫عبد هللا وهبة‪ .1945-1944 .‬ص‪.12-11.‬‬
‫‪ 59‬حمد بن خليفة‪ ،‬علم نفس السياقة ودوره في الحد من حوادث المرور‪ :‬التجربة الفرنسية كمثال‪ ،‬جامعة ‪ ،2015 ،Press‬ص‪.8.‬‬
‫‪ 60‬عقد العمل من أجل السالمة على الطرق ‪ 2020–2011‬ملف إعالمي لمنظمي أحداث التدشين‪ .‬موقع منظمة الصحة العالمية ‪ WHO‬فريق األمم‬
‫المتحدة المعني بالتعاون في مجال السالمة على الطرق‪ .‬ص‪.5‬‬

‫‪33‬‬
‫يبدو أن المشرع نظم هذه الحالة صلب الفصل ‪ 60‬من مجلة الطرقات‪ ،61‬ولكن المالحظ أن هذا الفصل‬
‫يحدد فقط اإلجراءات التي يجب أن يتخذها كل من تسبب في حادث مرور‪ ،‬دون تحديد العقوبات المترتبة‬
‫عن عدم اتباعها‪.‬‬
‫يضع المشرع طبقا للفصل ‪ 60‬المشار اليه أعاله‪ ،‬ثالثة صور تلزم المتسبب في الحادث أن يعلم الشرطة‬
‫أو الحرس الوطني عند حصول حادث أسفر عن اضرار مادية فقط‪.‬‬

‫تتمثل هذه الصور الثالث فيما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬عربة رابضة خالل غياب السائق‬
‫‪ -‬عربات تابعة للدولة‬
‫‪ -‬منشآت الطريق‬

‫يفهم من ذلك أنه خارج إطار هذه الحاالت ال يكون المتسبب في الحادث مجبرا على االتصال بوحدات‬
‫المرور‪ ،‬وهو أمر خطير يسمح بفتح المجال للتفصي من المسؤولية الجزائية‪.‬‬

‫حيث عندما يكون الحادث الذي نتج عنه اضرار مادية فقط قد "ارتكب بين الخواص" بعبارة المشرع‪،‬‬
‫فانه ال شيء يلزم المتسبب في الحادث أن يتصل بالشرطة أو الحرس‪ ،‬اذ يكفي في هذه الصورة ان يقع‬
‫اجراء معاينة صلحية بين األطراف‪.‬‬

‫هذا "التسامح" أو الهفوة التي ارتكبها المشرع فتح من خاللها السبيل لمرتكبي هذه الحوادث للتفصي‬
‫من المسؤولية الجزائية‪ ،‬وهو ما قد يؤدي الى نتائج وخيمة‪ ،‬باعتبار ان حصول حادث مرور مهما كانت‬
‫النتيجة التي أدى اليها دليل على ارتكاب جرائم مرورية‪.‬‬

‫فاذا كان مرتكب حادث المرور الذي ال ينجر عنه أضرار بشرية ال يعامل مثل مرتكب حادث المرور‬
‫الذي ينجر عنه القتل أو الجرح‪ ،‬فأي عدالة جزائية هذه التي تتسامح في حاالت ما وتردع في حاالت‬
‫أخرى؟!‬

‫ان قانون الطرقات على خالف بعض المواد األخرى من القانون‪ ،‬يمتاز بكونه فرعا من فروع القانون‬
‫الجزائي‪ ،‬وبالتالي فانه ال بد أن يخضع لخصائصه التي تميزه وأهمها اعتبار قواعده تهم النظام العام‪ ،‬مما‬
‫يمنع االتفاق على مخالفتها وهو ما ال نجده في مجلة الطرقات بالنسبة لصورة حصول حادث مرور تنجر‬
‫عنه اضرار مادية مبدئيا‪.‬‬

‫‪ 61‬الفصل ‪ 60‬من مجلة الطرقات‪:‬‬


‫مع مراعاة األحكام المتعلقة بإغاثة األشخاص في حالة خطرة‪ ،‬يجب على كل سائق اشترك في حادث مرور‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتوقف حاال مع أخذ االحتياطات الالزمة الجتناب التسبب في أي خطر إضافي أو في عرقلة حركة الجوالن‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعلم الشرطة أو الحرس الوطني حاال إذا أسفر الحادث عن أضرار مادية فقط سواء بعربات رابضة خالل غياب السائق أو بعربات تابعة‬
‫للدولـة أو بمنشآت على الطريق‪.‬‬
‫‪ -‬أن يقوم باإلجراءات الخاصة بتعمير وإمضاء المعاينة الصلحية بالنسبة للحوادث المرتكبة بين الخواص‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعلم الشرطة أو الحرس الوطني حاال أو أن يكلف من يقوم بذلك إذا أسفر الحادث عن قتيل أو جريح وأن يمتنع عن إدخال أي تغيير على مكان‬
‫وقوع الحادث أو محو اآلثار التي من شأنها أن تحدد مسؤولية كل طرف وذلك دون عرقلة حركة الجوالن‪.‬‬
‫‪-‬أن يعلم شركة التأمين في اآلجال القانونية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫فالتنصيص على أن " كل سائق اشترك في حادث مرور" مطالب بأن يقوم باإلجراءات الخاصة بتعمير‬
‫وإمضاء المعاينة الصلحية بالنسبة للحوادث المرتكبة بين الخواص"‪ ،‬كأن فيه دعوة إلمكانية االتفاق على‬
‫مخالفة قواعد قانون الطرقات! ولكن هذا غير صحيح مبدئيا الن المصالحة تشمل الجزء المدني من الوضعية‬
‫المطروحة‪.‬‬

‫ولكن في غياب نص قانوني يجرم خرق واجب االتصال بالحرس أو الشرطة المرورية في هذه‬
‫الصورة‪ ،‬فانه ال يمكن معاقبة فاعلها على ذلك‪ ،‬تطبيقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه‬
‫‪62‬‬
‫صلب الفصل ‪ 28‬من الدستور‪.‬‬

‫رغم أن المشرع نظم صلب الفصل ‪ 85‬فقرة ‪ 7‬من مجلة الطرقات‪ ،‬واجب "االعالم بتحطيم عربة"‬
‫وقرر عقوبة الخطية المالية لمخالفها والتي تبلغ قيمتها من ‪100‬د الى ‪200‬د‪ ،‬اال ان العبارة تبدو غامضة‬
‫وغير مفهومة فقد يكون السبب في تحطيم العربة حادث مرور وقد ال يكون كذلك‪ ،‬أي يمكن أن تتحطم‬
‫العربة بأسباب أخرى مثل هبوب عاصفة أدت الى سقوط شجرة على سقف العربة فتحطمت أو سقوط امطار‬
‫غزيرة أدت الى انجراف العربة بسبب المياه‪.‬‬

‫زد على ذلك فان العبارة جاءت مطلقة أي تشمل كل األشخاص‪ ،‬سواء كان صاحب العربة المحطمة او‬
‫أي شخص اخر‪.‬‬

‫السؤال المطروح في هذا اإلطار هو إذا كانت نية المشرع تتجه نحو تجريم عدم االعالم بتحطيم عربة‬
‫فانه من الممكن ان تشمل صورة حصول حادث مرور ال ينجر عنه اضرار بشرية وبالتالي فانه يصبح‬
‫مطالب باإلعالم‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فلماذا يضيق المشرع من الحاالت التي تفرض االتصال بالشرطة او‬
‫الحرس مما يسمح بقراءة عكسية إمكانية عدم االتصال خارج الحاالت الثالث المنصوص عليها صلب‬
‫الفصل ‪ 60‬من المجلة؟‬

‫كان على المشرع ان يضع واجب االتصال بالشرطة في صورة حصول اضرار مادية مهما كانت‬
‫طبيعة االضرار او األشخاص المتضررة حتى تتحقق العدالة الجزائية‪.‬‬

‫يخلص مما سبق بسطه أن المشرع ترك سلطة االختيار لألطراف في صورة حصول حادث مرور‬
‫انجرت عنه اضرار مادية بين الخواص وهو أمر خطير للغاية‪.‬‬

‫فعندما يكون السبب في الحادث هو السياقة تحت تأثير حالة كحولية‪ ،‬فان المتسبب في الضرر المادي‪،‬‬
‫سيفعل كل ما بوسعه إلقناع الطرف الذي اشترك في الحادث بأن يجريان معاينة صلحية‪ ،‬ألنه يعلم يقينا أن‬
‫االتصال بالوحدات األمنية للمرور سيؤدي به الى السجن تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 87‬من مجلة الطرقات الذي‬
‫يجرم السياقة تحت تأثير حالة كحولية ويعاقب مرتكبها "بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر وبخطية تتراوح‬
‫من مائتي (‪ )200‬دينار إلى خمسمائة (‪ )500‬دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط"‪.‬‬

‫‪ 62‬الفصل ‪ 28‬من الدستور‪ :‬العقوبة شخصية وال تكون اال بمقتضى نص قانوني سابق الوضع‪ ،‬عدا حالة النص االرفق بالمتهم"‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫رغم ان أحكام الفصل ‪ 60‬يبدو أنها ال تضع حق القيام بالمعاينة الصلحية الختيار األطراف وانما‬
‫كواجب يفرضه حصول حادث مرور سواء انجر عنه اضرار مادية أو بشرية باعتبار ورود العبارة مطلقة‪.‬‬
‫حيث جاء صلب احكامها ما يلي‪:‬‬

‫"يجب على كل سائق اشترك في حادث مرور‪ )...( :‬أن يقوم باإلجراءات الخاصة بتعمير وإمضاء‬
‫المعاينة الصلحية بالنسبة للحوادث المرتكبة بين الخواص"‪.‬‬
‫قد يطرح التساؤل حول الوضعية التي سوف يكون فيها األطراف مجبرين على االتصال بوحدات االمن‬
‫أو الحرس‪.‬‬

‫هذه الوضعية تتمثل في عدم توصل األطراف الى اجراء معاينة صلحية‪ ،‬في هذه الصورة فانه سيقع‬
‫االتصال بالشرطة أو الحرس والتي ستقوم بإعداد محضر بحث‪.‬‬

‫يبدو أن الوحدات األمنية على المستوى الواقعي ال تباشر الحادث على عين المكان وانما يقوم األطراف‬
‫باالتجاه الى المراكز األمنية وسرد الوقائع بأنفسهم‪ ،‬وبناء على اقوالهم يقع تحرير محضر بحث‪ ،‬وفي‬
‫الحاالت االستثنائية تتنقل الوحدات على عين المكان‪.‬‬

‫بناء على ما وقع بسطه سابقا فان احكام الفصل ‪ 60‬من مجلة الطرقات تتطلب ابداء المالحظات التالية‪:‬‬

‫حيث استعمل المشرع صيغة الوجوب معتمدا عبارة "يجب" مما يعني انها قاعدة امرة تهم النظام العام‬
‫وليست قاعدة تكميلية تكمل إرادة األطراف‪ ،‬وعليه فانه ال يمكن االتفاق على مخالفتها‪.‬‬

‫إضافة الى ذلك فان اعتماد عبارة "حادث مرور" في المطلق ال بد ان تبقى على اطالقها‪ ،‬مما يعني‬
‫أنها تشمل حادث المرور الذي تترتب عنه اضرار مادية وأيضا حادث المرور الذي تترتب عنه اضرار‬
‫بشرية‪.‬‬

‫وبالتالي فانه وفي صورة حصول حادث مرور‪ ،‬مبدئيا يطالب كل سائق اشترك في الحادث أن يقوم‬
‫باإلجراءات التي نص عليها الفصل المذكور في شكل واجبات تحمل عليه‪ ،‬ولكن هل أن السائق مطالب‬
‫بالقيام بها جميعا أو يكفي أن يقوم بأحدها؟‬

‫المالحظ أن المشرع يضع الواجبات المحمولة على السائق في صورة حصول حادث مرور في شكل‬
‫مطات ال يربط بينها بحرف العطف "واو" أو حرف "أو"‪ ،‬وبالتالي فانه من الممكن ان يقوم بأحدها دون‬
‫األخرى‪.‬‬

‫لكن عند التدقيق في عبارات الفصل حالة بحالة فانه يمكن التوصل الى االستنتاج االتي‪:‬‬

‫توجد ثالث حاالت جاءت عباراتها مطلقة أي تشمل حادث المرور الذي تترتب عنه اضرار مادية‬
‫وحادث المرور الذي تترتب عنه اضرار بشرية‪ ،‬وهي التي تفرض على السائق ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتوقف حاال مع أخذ االحتياطات الالزمة الجتناب التسبب في أي خطر إضافي أو في عرقلة‬
‫حركة الجوالن‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬أن يقوم باإلجراءات الخاصة بتعمير وإمضاء المعاينة الصلحية بالنسبة للحوادث المرتكبة بين‬
‫الخواص‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعلم شركة التأمين في اآلجال القانونية‬
‫هذه االجراءات الثالث ال بد أن يقوم بها السائق بغض النظر عن النتائج المترتبة عن الحادث‪.‬‬
‫في المقابل يبقى االجراء المتعلق باالتصال بالشرطة أو الحرس الوطني متوقفا على تحقق أحد الصور‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬في صورة حصول حادث مرور انجرت عنه اضرار مادية فقط‪ :‬هذه الحالة تشمل ثالث صور فقط‬
‫وهي "إذا أسفر الحادث عن اضرار مادية بعربات رابضة خالل غياب السائق أو بعربات تابعة للدولـة أو‬
‫بمنشآت على الطريق‪ ".‬مما يسمح بقراءة عكسية القول بانه إذا أسفر الحادث عن اضرار مادية في غير هذه‬
‫الصور فان السائق غير ملزم باالتصال بالوحدات األمنية‪.‬‬
‫‪ -‬في صورة حصول حادث مرور انجر عنه قتلى أو جرحى‪.‬‬

‫وبالتالي فانه يصح القول إنه إذا انجر عن الحادث اضرار مادية بين الخواص فان واجب االتصال‬
‫بالشرطة أو الحرس المروري غير ضروري‪ ،‬مما يسمح معه لألطراف التفصي من المسؤولية الجزائية‪.‬‬

‫ال بد من التأكيد على الصعوبة التي تطرح في هذا اإلطار‪ ،‬والتي تتعلق باالستحالة الواقعية لتنقل‬
‫االعوان المختصين بالمعاينة في كل الحوادث المرورية التي تحصل‪.‬‬

‫هذه االستحالة نابعة من نقص االسطول األمني المختص في جرائم المرور‪ ،‬ففي صورة حصول أكثر‬
‫من حادث في مختلف المناطق ستضطر الوحدات الى التنقل لجميع المناطق التي حصل فيها حادث‪ ،‬وذلك‬
‫سوف يشتت الجهود األمنية خاصة عند حصول اضرار او قتل في بعض الحوادث‪ ،‬بالتالي سيكون التركيز‬
‫أكثر على هذه األخيرة فقط وهو أمر خطير كما سبق بيانه‪.‬‬

‫بناء على ما سبق توضيحه فانه يصح اعتبار أن الخطية المالية ستكون حتما ذات نجاعة محدودة باعتبار‬
‫أنها ال تتسلط على مخالفي قواعد الطرقات اال في حاالت محددة‪.‬‬

‫صحيح أن الخطية المالية تتسم بالنجاعة المحدودة في الحد من حوادث المرور‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع من‬
‫االقرار بأنها تحض بمكانة هامة من حيث تدخلها كأحد العوامل المساعدة على تحقيق الهدف‪ ،‬وذلك ما سيقع‬
‫تحديده في الجزء الثاني من هذه الدراسة حرصا على بيان النجاعة المنشودة للخطية المالية‬

‫‪37‬‬
‫نجاعة منشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪:‬‬ ‫‪-II‬‬

‫حتى تكون الخطية المالية قادرة على الحد من حوادث المرور‪ ،‬ال بد أن تتوفر آليات تساعد على تحقيق‬
‫ذلك (‪ )1‬وتمهد إلمكانية انجاز المشروع الذي قام باقتراحه المرصد الوطني لسالمة المرور في إطار‬
‫االستراتيجية الوطنية والمتمثل في "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" (‪.)2‬‬

‫‪ -1‬اليات لتحقيق النجاعة المنشودة‪:‬‬

‫معلوم أن وجود نص قانوني يعاقب مخالفي قانون الطرقات‪ ،‬ال يكفي لوحده كي يحقق النجاعة المطلوبة‬
‫من وضعه‪ ،‬بل ال بد من إيجاد آليات تدعم وجوده وبالتالي تتحقق األهداف المرجوة منه وهي أساسا الحد‬
‫من حوادث المرور‪.‬‬

‫هذه االليات ال بد أن تنطلق من النصوص القانونية في حد ذاتها بغية تنظيمها بطريقة متناسقة مع بعضها‬
‫البعض‪ ،‬وتطويرها بإدخال تغييرات جذرية لنظام قانون الطرقات تماشيا مع التغييرات الواقعية الوطنية‬
‫والدولية (أ)‪ ،‬وصوال الى التطبيقات التي تعد األهم باعتبارها تنزل النص القانوني من اطاره النظري الى‬
‫الواقعي وبالتالي التحقق من نجاعته(ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬آليات تشريعية‪:‬‬

‫المقصود باآلليات التشريعية هو التوسل بالتدخل التشريعي لمراجعة بعض النصوص القانونية بغية‬
‫تحقيق نجاعة أفضل للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫ان التدخل التشريعي كحل ضروري للوصول الى النجاعة المنشودة يتطلب تحديد أساسه ومجاله‪.‬‬

‫• أساس التدخل التشريعي‪:‬‬

‫عند طرح مسالة التغييرات القانونية‪ ،‬فان ذلك يفترض وجود دوافع تساعد على اتخاذ قرار التغيير‪،‬‬
‫يمكن تقسيمها الى دوافع خارجية وأخرى داخلية أو دولية ووطنية‪.‬‬

‫✓ دوافع دولية‪/‬خارجية‪:‬‬

‫لقد تضمن تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة ‪ ،201863‬أن البلدان التي قامت بإدخال تغييرات‬
‫واصالحات تشريعية بناء على أحد عوامل الخطورة الخمسة أو جميعها‪ ،‬تعتبر مصنفة من بين الدول التي‬
‫تقوم بممارسات فعالة في الحد من حوادث المرور القاتلة‪.‬‬

‫تتمثل عوامل الخطورة الخمس فيما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬السرعة‬
‫‪ -‬السياقة تحت تأثير حالة كحولية‬
‫‪63‬‬
‫‪Rapport de L’OMS- Résumé- Rapport de situation sur la sécurité routière dans le monde 2018, P.8.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -‬إجبارية ارتداء حزام األمان‬
‫‪ -‬إجبارية ارتداء الخوذة‬
‫‪ -‬المقاعد المخصصة لألطفال‬

‫يتضمن كل عامل من عوامل الخطورة‪ ،‬معايير تضعها منظمة الصحة العالمية لتحدد مدى توفرها لدى‬
‫قوانين الدول التي قامت بإدخال تغييرات تشريعية بناء على أحد عوامل الخطورة‪ ،‬وذلك قصد تصنيفها من‬
‫ضمن البلدان التي تقوم بممارسات فعالة للحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫حيث توصلت منظمة الصحة بناء على التقرير الذي أنجزته‪ ،‬أن هناك دول قد انضمت منذ سنة ‪2014‬‬
‫الى سنة ‪ 2017‬الى الدول التي تمتثل قوانينها الى أفضل الممارسات العالمية بناء على عامل الخطورة‪.‬‬
‫فكانت النتيجة كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬عامل السرعة‪ :‬انضمت ‪ 46‬دولة سنة ‪ 2014‬وصفر دولة إضافية سنة ‪.2017‬‬
‫‪ -‬عامل السياقة تحت تأثير حالة كحولية‪ :‬انضمت ‪ 35‬دولة سنة ‪ 2014‬وعشرة دول إضافية سنة‬
‫‪.2017‬‬
‫‪ -‬عامل اجبارية ارتداء حزام األمان‪ :‬انضمت ‪ 102‬دولة سنة ‪ 2014‬وثالثة دول إضافية سنة ‪.2017‬‬
‫‪ -‬عامل اجبارية ارتداء الخوذة‪ :‬انضمت ‪ 44‬دولة سنة ‪ 2014‬وخمسة دول إضافية سنة ‪.2017‬‬
‫‪ -‬عامل المقاعد المخصصة لألطفال‪ :‬انضمت ‪ 29‬دولة سنة ‪ 2014‬وأربعة دول إضافية سنة ‪.2017‬‬

‫بناء على ما سبق بسطه فانه وعلى المستوى العالمي يعتبر التدخل التشريعي عامال هاما في الحد من‬
‫حوادث المرور أو على األقل التخفيض من خطورتها لذلك تسعى الدول الى مواكبة التطورات العالمية‬
‫والوطنية في هذا اإلطار‪.‬‬

‫على الرغم من أن ما يالحظ في التغييرات التشريعية المقصودة من منظمة الصحة العالمية كانت مبنية‬
‫بحسب عوامل الخطورة على معايير مختلفة لم تشمل العامل المتعلق بالعقوبات المسلطة على مرتكبي‬
‫الجرائم المرورية‪ ،‬اال ان ذلك ال يمنع من ذكرها تأكيدا على أن التدخل التشريعي ضروري‪.‬‬

‫حيث أن العديد من الدول أقرت أهمية مراجعة أحكام الطرقات كل خمسة أو عشرة سنوات‪ ،‬وذلك لعدة‬
‫أسباب أهمها التغييرات التي تحدث والتطورات التي تتطلب نظاما قانونيا جديدا متماشيا مع كل األوضاع‪.64‬‬

‫إضافة الى الدوافع الخارجية أو الدولية التي تقتضي التدخل التشريعي‪ ،‬فانه يجدر التطرق الى الدوافع‬
‫الوطنية أو الداخلية للبالد التونسية‪.‬‬

‫‪ 64‬هشام فاضل‪ ،‬ندوة بعنوان "قانون المرور بين ردع المستهترين وثقافة االنضباط‪ ،"...‬مجلة المرور‪ ،‬اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪-‬دولة‬
‫قطر‪ 11 ،‬ماي ‪ ،2016‬ص‪.36.‬‬

‫‪39‬‬
‫✓ دوافع وطنية‪ /‬داخلية‪:‬‬

‫إ ن أساس التدخل التشريعي بناء على المعطيات المحلية للبالد التونسية يتمثل في انعكاس التطورات‬
‫التاريخية لقواعد قانون الطرقات في الحد من حوادث المرور مما يثبت معه أهمية التدخل التشريعي‬
‫وضرورته‪.‬‬
‫حيث بالرجوع إلى أحكام قانون الطرقات‪ ،‬نجد أن المشرع قد اعتنى بعقوبة الخطية المالية فجعلها‬
‫تتسلط على غالبية جرائم الجوالن وحرص على مواكبة مختلف التطورات من خالل إدخال تنقيحات على‬
‫أحكام عقوبة الخطية المالية واعادة تنظيمها‪.‬‬

‫ما يتجلى‪ ،‬منذ نشأة أول مجلة قانونية تنظم القواعد المرورية وذلك سنة ‪ 1957‬إلى حين إلغائها بالقانون‬
‫المؤرخ في ‪ 24‬ديسمبر ‪ 1964‬المتعلق بإعادة تنظيم مجلة الطرقات‪ ،‬هو التطور الهام المتعلق بتنظيم عقوبة‬
‫الخطية المالية‪ ،‬وذلك دليل على اعتناء المشرع بمجال قانون الطرقات خاصة عندما أصبحت المجلة صادرة‬
‫بمقتضى قانون وليس أمر حكومي والذي هو أقل درجة من القانون حسب هرم كلسن‪.‬‬

‫يبرز التطور التاريخي للعقوبات المتعلقة بمخالفة قانون الطرقات‪ ،‬في الحرص على تغيير نظامها من‬
‫ناحية ومن ناحية أخرى عبر الترفيع في قيمة الخطية المالية‪.‬‬
‫فبعد أن كانت العقوبات تقسم الى عامة وخاصة‪ ،‬وتقدر قيمة الخطية المقررة للعقوبات العامة بثمانمائة‬
‫مليم كحد أدنى الى أربعة دنانير نحد أقصى‪ ،‬وتقدر قيمة الخطية بالنسبة العقوبات الخاصة بخمسة دنانير‬
‫الى مائتان واربعون دينار‪ .65‬فان المشرع أعاد تنظيم العقوبات بناء على التقسيم الثالثي للجرائم مع تصنيف‬
‫المخالفات الى نوعان خطيرة وعادية‪ ،‬وهذه األخيرة بدورها تحتوي على ثالثة أصناف‪ .‬وفي مرحلة أخيرة‬
‫قرر المشرع الحفاظ على التقسيم الثالثي للجرائم وجعل المخالفات تحتوي على خمسة أصناف مع التخلي‬
‫عن تقسيمها الى عادية وخطيرة‪.‬‬

‫يبدو أن حرص المشرع على التغيير في أحكام مجلة الطرقات يهدف أساسا الى الحد من حوادث‬
‫المرور‪ ،‬والمالحظ أن ذلك قد تحقق ولو نسبيا وبمساعدة عدة عوامل أخرى متداخلة‪.‬‬

‫حيث بلغ عدد الحوادث في الفترة الممتدة من سنة ‪ 2001‬الى سنة ‪ 89.310( ،662009‬حادث مرور)‬
‫في حين انخفض العدد الى (‪ 67.378‬حادث مرور) في الفترة الممتدة من سنة ‪ 2009‬وهو تاريخ اخر تنقيح‬
‫‪67‬‬
‫ادخل على المجلة الى سنة ‪2017‬‬

‫يبين الجدول التالي التطورات التي حصلت بين الفترتين قبل آخر تنقيح أدخل على المجلة وبعده‪:‬‬

‫‪ 65‬والسجن من ‪ 16‬يوما إلى ‪ 6‬أشهر او بإحدى العقوبتين فقط‪.‬‬


‫‪ 66‬تبرير اختيار الفترة الممتدة من سنة ‪ 2001‬إلى ‪ 2009‬لتحديد إحصائيات حوادث المرور‪ :‬باعتبار أن مجلة الطرقات صدرت بتاريخ ‪ 1999‬وأن‬
‫آخر تنقيح ادخل عليها كان سنة ‪ 2009‬والذي نقح خاصة الفصل ‪ 83‬محل الذكر الذي غير نظام التقسيم لقواعد الجوالن والحرص على الزيادة في‬
‫عدد االصناف للمخالفات العادية من ثالثة أصناف إلى خمسة أصناف مع الترفيع الطفيف في قيمة الخطية‬
‫‪ 67‬تبرير التوقف عند حد سنة ‪ 2017‬في هذا اإلطار إلجراء مقارنة ال بد أن يكون عدد السنوات تتطابق‪ .‬وفي هذه الوضعية بما أنه وقع تحديد الفترة‬
‫الممتدة بين سنة ‪ 2001‬و‪ 2009‬فإن عدد السنوات يكون ‪ 8‬سنوات وبالتالي في المقابل ال بد من احتساب ‪ 8‬سنوات أخرى منذ سنة ‪ 2009‬للقيام‬
‫بالمقارنة)‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الفترة الممتدة من سنة ‪ 2001‬الى سنة ‪2009‬‬
‫الجرحى‬ ‫القتلى‬ ‫الحوادث‬
‫‪126.031‬‬ ‫‪12.438‬‬ ‫‪89.310‬‬

‫الفترة الممتدة من سنة ‪ 2009‬الى سنة ‪2017‬‬


‫الجرحى‬ ‫القتلى‬ ‫الحوادث‬
‫‪100.184‬‬ ‫‪11.621‬‬ ‫‪67.387‬‬

‫يعد التدخل التشريعي اذن من بين أحد العوامل الهامة التي تساعد على التخفيض من نسبة الحوادث‬
‫المرورية‪.‬‬
‫بعد بسط أساس التدخل التشريعي‪ ،‬ال بد من التطرق الى مجاله‪.‬‬

‫• مجال التدخل التشريعي‪:‬‬

‫يجب أن تشمل التطورات التشريعية عدة عناصر‪ ،‬حيث وبناء على الصعوبات التي وقع توضيحها‬
‫صلب هذه الدراسة في جزئها األول سيقع اقتراح الحلول المالئمة‪.‬‬

‫تتمثل الحلول المقترحة فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إعادة النظر في تصنيف الجرائم وخاصة فيما يتعلق بالمخالفات‪.‬‬


‫‪ -‬مراجعة أحكام الجنح المرورية خاصة من حيث إجراءات تسليط العقوبات المتعلقة بها‬
‫‪ -‬ضرورة وضع تعريف تشريعي لعبارة "عدم اخذ االحتياطات الالزمة" أو حذفها‬
‫‪ -‬تنقيح الفصل ‪ 60‬من مجلة الطرقات‬
‫‪ -‬الحرص على التشديد في عقوبة الخطية المالية قبل حصول الحادث وليس بعده‬
‫‪ -‬اتباع عوامل الخطورة الخمس المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية نحو ادخال تنقيحات مالئمة‬
‫ال بد من تفصيل القول في جميع هذه الحلول حالة بحالة‪.‬‬

‫‪ -1‬إعادة النظر في تصنيف الجرائم وخاصة فيما يتعلق بالمخالفات‪:‬‬

‫كما سلف بيانه في الجزء األول من الدراسة‪ ،‬أن التضخم التشريعي وكثرة النصوص القانونية المتعلقة‬
‫بالمخالفات خاصة‪ ،‬أدى الى محدودية نجاعة الخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫وحيث تبعا لما وقع التوصل اليه فيما يتعلق بدور المخالفات‪ ،‬التي تبدو في ظاهرها بسيطة وال تتسبب‬
‫بالضرورة في حوادث مرور‪ ،‬فان ذلك غير صحيح‪.‬‬

‫بالتالي ال بد من التخلي عن الية التصنيفات الخمسة رغم أنها مستعملة من قبل عديد الدول في العالم‪،‬‬
‫ولكن بما أن المعطيات في كل دولة تختلف عن بقية الدول فانه ال بد من التركيز على الهدف األصلي من‬
‫التنظيم القانوني وليس فقط التنظير بناء على مبادئ ال يجوز مخالفتها‪ .‬فالمبادئ التي تصبح عائقا نحو‬
‫إمكانية التطور والتغيير نحو إيجاد حلول متطابقة مع الواقع‪ ،‬خرقها يعد واجبا وطنيا!‬

‫‪41‬‬
‫فالضحايا من جراء حوادث المرور الشنيعة بسبب ارتكاب "هفوات" أو مخالفات تبدو في ظاهرها‬
‫بسيطة‪ ،‬سوف لن يعودوا الى حياتهم الطبيعية وسوف تتشرد عائالت بسبب فقدان عائلهم الوحيد الذي توفي‬
‫جراء حادث مرور!‬
‫فالتصنيفات الخمسة اثبتت عدم نجاعتها‪ ،‬باعتبار أنها تحدث تشتتا لدى الجميع يمنع من معرفة المخالفات‬
‫المنصوص عليها باعتبارها عديدة وغير خاضعة لنفس القيمة المالية لعقوبة الخطية‪ ،‬بالتالي فان السائق‬
‫الذي يرتكب مخالفة من الصنف األول ثم يرتكب مخالفة أخرى من الصنف الخامس وأيضا مخالفة ثالثة من‬
‫الصنف الثاني سيكون هدفه الوحيد هو دفع قيمة الخطايا في مجملها دون أن يهتم أو يبحث عن أنواعها حتى‬
‫ال يقع فيها في مرات قادمة‪.‬‬

‫الحل حسب اعتقادنا في هذا اإلطار‪ ،‬هو تحديد صنف أوحد للمخالفات يقابله قيمة مالية واحدة لجميعها‬
‫كخطية يجب استخالصها‪ .‬هذا الحل سيحد من التركيز على قيمة الخطية في حد ذاتها‪ ،‬ويصبح االهتمام‬
‫منصبا على المخالفة المرتكبة‪ ،‬ولتتحقق النجاعة من هذا الحل ال بد من اقترانه بالترفيع في قيمة الخطية‬
‫المالية حتى تكون رادعة وقادرة على إلزام السائق بأخذ االحتياطات الالزمة بغية تجنب حصول حوادث‬
‫المرور أو على األقل الحد من االضرار الناجمة عنها‪.‬‬

‫‪ -2‬مراجعة أحكام الجنح المرورية‪:‬‬

‫الحلول المقترحة في هذا اإلطار تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬التخلي عن العقوبات السجنية عند غياب حادث مرور انجر عن الجنحة المرتكبة‪ ،‬ألنه "من الثابت‬
‫‪68‬‬
‫ان للسجن سلبيات تجعل اصالح الجاني امرا صعبا وإعادة ادماجه بالمجتمع امرا مستحيال"‪.‬‬
‫‪ -‬التخلي عن الزامية التوجه الى القضاء إلصدار حكم يتضمن العقوبة المتسلطة على مرتكب الجريمة‬
‫مع المحافظة على حق التقاضي كإجراء اختياري وليس اجباري‪.‬‬
‫‪ -‬ضبط قيمة ثابتة للخطية المالية المقررة للجنح والتخلي عن الية الحدين األقصى واالدنى لعدم‬
‫ضرورتها أو نجاعتها في مجال قانون الطرقات‪.‬‬
‫‪ -‬التوسل بالتكنولوجيا الحديثة والمتطورة في ممارسة إجراءات استخالص الخطايا المرورية‪.‬‬

‫ان التخلي عن العقوبات السجنية في صورة ارتكاب جنح مرورية واالكتفاء فقط بعقوبة الخطية المالية‬
‫أمر ضروري وذلك تماشيا مع التوجهات العالمية بصفة عامة التي تدعو الى التخلي عن عقوبة السجن‬
‫واقتصارها على مقترفي الجرائم الخطرين‪.‬‬
‫حيث أن مخالف احكام الجوالن‪ ،‬ليس بالضرورة مجرما خطيرا لدرجة تستدعي عزله عن المجتمع‪،‬‬
‫وبالتالي فان االكتفاء بهذه العقوبة في الجرائم التي تنجر عنها حوادث قاتلة أو اضرار بشرية يكفي لتحقيق‬
‫األهداف المرجوة من العقوبات‪.‬‬
‫باإلضافة الى التخلي عن ضرورة والزامية التوجه الى القضاء إلصدار حكم يعاقب بناء عليه المخالف‬
‫بسبب األفعال التي ارتكبها‪.‬‬

‫‪ 68‬فرحات الراجحي‪ ،‬تقدير العقوبة مجلة القضاء والتشريع نوفمبر ‪.2007‬ص‪38.‬‬

‫‪42‬‬
‫هذا الحل يقتضي ضبط قيمة ثابتة للخطية المالية دون وضع حد أدنى واقصى لها‪ ،‬إضافة الى توفير‬
‫إمكانية ممارسة حق التوجه الى القضاء لكل من يريد اثبات أن الجريمة ال تنسب اليه‪ .‬فيصبح استخالص‬
‫الخطايا المالية المتعلقة بالجنح خاضعا لنظام استخالص الخطايا المتعلقة بالمخالفات‪ ،‬بالتالي عندما يقوم‬
‫السائق بجنحة تجاوز السرعة القصوى على سبيل المثال‪ ،‬فانه يقع اعالمه بالجريمة التي ارتكبها وقيمة‬
‫المخالفة التي يجب أن يدفعها فيذهب الى إدارات القباضة المالية لدفع الخطية‪.‬‬

‫وحرصا على التوصل الى تطبيق أنجع لهذا الحل‪ ،‬يمكن ادخال منظومات الذكاء االصطناعي‬
‫واالستئناس بالتطورات التكنولوجية والمعلوماتية لتحقيق نتائج أسرع وأكثر فاعلية‪.‬‬

‫يتم ذلك عبر جعل االعالم بجميع الخطايا المالية وكل التفاصيل المتعلقة بالفعلة‪ ،‬عن طريق تطبيقات‬
‫الكترونية توفر مجاال يمكن من الدفع االلكتروني‪.‬‬

‫ان التطورات التكنولوجية أصبحت اهم ما يميز جميع المجاالت‪ ،‬بناء على النجاعة التي حققها في‬
‫تسهيل المعامالت وتحقق األهداف بطرق سريعة وفعالة‪.‬‬

‫والمالحظ أن البالد التونسية تسعى الى االندماج ضمن هذه المنظومة العالمية ويبرز ذلك من خالل‬
‫الحصول على قروض لتمويل مشاريع في هذا المجال‪.69‬‬

‫التدخل التشريعي بناء على ما سبق بيانه يعد أمرا ال بد منه‪ ،‬وال يجب التمسك بالموروث التشريعي‬
‫لوضع النصوص القانونية بصفة مطلقة اطالقا تمنع من تحقق األهداف المرجوة من التقنين‪ ،‬وانما يجب‬
‫االخذ بعين االعتبار ان "لكل مجتمع خصوصياته وظروفه االجتماعية والسياسية‪ ،‬وأن القاعدة القانونية‬
‫تفرضها الحاجة وتصنعها الظروف تتكون شيئا فشيئا عبر أفكار ثم تجسم على ارض الواقع‪ ،‬وعلى المشرع‬
‫التونسي ان يستقل بنفسه عن بقية تشريعات العالم‪ ،‬يستأنس ببعض التجارب نعم‪ ،‬لكن ال يكتفي بتتبع غيره‬
‫دون تثبت او تدقيق اذ ال بد من االخذ بعين االعتبار تطور العصر وتجربة الماضي لوضع قوانين ثورية‬
‫طموحة تكون مثاال يحتذى به ال نقال لتجارب الغير دون ان يكون لها طعم او ربح او حتى لن نفهم أسباب‬
‫‪70‬‬
‫اتخاذ تلك القاعدة القانونية او تلك"‪.‬‬

‫‪ 69‬حيث يوجد مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بتاريخ ‪ 21‬ديسمبر ‪ 2017‬بين الجمهورية التونسية والبنك االفريقي للتنمية‬
‫للمساهمة في تمويل مشروع دعم تركيز المخطط الوطني االستراتيجي "تونس الرقمية ‪ ،"2020‬وكذلك مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاق‬
‫القرض المبرم بتاريخ ‪ 21‬ديسمبر ‪ 2017‬بين الجمهورية التونسية والبنك االفريقي للتنمية لتمويل مشروع دعم القدرات التقنية والتكنولوجية‪،‬‬
‫ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بتونس بتاريخ ‪ 21‬ديسمبر ‪ 2017‬بين الجمهورية التونسية والبنك االقتصادي للتنمية‬
‫للمساهمة في تمويل مشروع مساندة تنمية القدرات التقنية والتكنولوجية ‪ ،‬ومشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ ‪14‬‬
‫فيفري ‪ 2019‬بين الجمهورية التونسية والوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل برنامج دعم الصحة االلكترونية ‪ ،E-Sante‬ومشروع القانون‬
‫التعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بتاريخ ‪ 30‬جانفي ‪ 2020‬بين الجمهورية التونسية والبنك الدولي لإلنشاء والتعمير للمساهمة في تمويل‬
‫برنامج الحوكمة االلكترونية لدعم التحول الرقمي للخدمات اإلدارية‪ ،‬ومشروع قانون يتعلق بإصدار المجلة الرقمية بتاريخ ‪ 11‬ديسمبر ‪.2019‬‬
‫(المصدر‪ :‬بوابة التشريع بتونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مشاريع قوانين معروضة على السلطة التشريعية‪ :‬تاريخ االطالع‪ 22 :‬جانفي ‪.)2021‬‬

‫‪70‬ادريس حريق‪ ،‬مالحظات حول مشروع تنقيح الباب األول من المجلة الجزائية‪ :‬ال لنقل تجارب الغير‪ ...‬نعم لقوانين عصرية طموحة‪ ،...‬تعليق‬
‫قانوني‪ ،‬مجلة االخبار القانونية‪ ،‬عدد ‪ ،259/258‬أفريل ‪ .2018‬ص‪.15.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -3‬ضرورة وضع تعريف تشريعي لعبارة "عدم اخذ االحتياطات الالزمة" أو حذفها‪:‬‬

‫ان استعمال المشرع التونسي لعبارة "عدم اخذ االحتياطات الالزمة" كفعل مجرم يؤدي الى حصول‬
‫حادث مرور قاتل أو تنجر عنه اضرار بشرية‪ ،‬يعاقب عنه مرتكبه بعقوبات نص عليها صلب الفصلين ‪89‬‬
‫و‪ 90‬من مجلة الطرقات‪ ،‬حال دون تحقق األهداف المرجوة من التجريم‪.‬‬

‫حيث أن قواعد القانون الجزائي‪ ،‬على خالف بقية االحكام القانونية تخضع لمبدأ التأويل الضيق‬
‫و"المقصود بهذا المبدأ أنه ليس للقاضي ان يقوم بتوسيع نطاق امتداد النص الجزائي فيجعله يستوعب افعاال‬
‫‪71‬‬
‫لم يجرمها المشرع ولم يقرر عقابا من اجلها"‬

‫وبما أن االحكام المتعلقة بجرائم الجوالن تنتمي الى القانون الجزائي‪ ،‬فان ذلك سيؤدي الى ضرورة‬
‫احترام مبادئها‪ ،‬وبالتالي سيؤدي الى التطبيق االلي للفقرة األولى لكل من الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من المجلة كما‬
‫سبق التدقيق بشأنه في الجزء األول من الدراسة‪ ،‬مما يحد من صور تطبيق الفقرة الثانية من الفصلين‪.‬‬

‫الحل الناجع حسب اعتقادنا يتجه نحو ضرورة تدخل المشرع اما لوضع تعريف لعبارة "عدم اخذ‬
‫االحتياطات الالزمة" أو الغائها مقابل الحفاظ على احكام الفقرة الثانية والثالثة من الفصلين‪ ،‬باعتبار أنهما‬
‫يضمنان حدا أدنى من النجاعة المطلوبة من العقوبة‪.‬‬

‫‪ -4‬تنقيح الفصل ‪ 60‬من مجلة الطرقات‪:‬‬

‫المالحظ أن الفصل المذكور يتضمن واجبات يتحملها السائق في صورة حصول حادث مرور مطلقا‪،‬‬
‫أي سواء نتج عنه أضرار مادية أو بشرية‪ ،‬ولكن ما يالحظ كما وقع تفصيل القول فيه سابقا‪ ،‬هو أوال ال نجد‬
‫عقوبات لمخالفي أحكام هذا الفصل رغم الصياغة التي استعملها المشرع عبر وضع عبارة "يجب" التي‬
‫تجعل من النص القانوني ملزما‪ ،‬ثانيا فيما يتعلق بالمطة الثانية من نفس الفصل والتي يتضح أنها ال تجبر‬
‫السائق على االتصال بالشرطة أو الحرس الوطني عند حصول حادث مرور نتج عنه اضرار مادية‪ ،‬اال في‬
‫ثالث صور فقط‪ ،‬مما يسمح معه التفصي من المسؤولية الجزائية لمرتكب الحادث ذلك بناء على فرضية أن‬
‫حصول حادث مرور بالضرورة دليل على ارتكاب مخالفات ألحكام قانون الطرقات‪.‬‬

‫حتى يقع مساءلة جميع االشخاص المرتكبين لحوادث المرور سواء تلك التي تنجر عنها أضرار بشرية‬
‫أو مادية في مختلف الصور‪ ،‬فانه ال بد من ادخال تنقيحات على المطة الثانية من الفصل ‪ 60‬من مجلة‬
‫الطرقات‪ ،‬وذلك تحقيقا للعدل من ناحية ومن ناحية أخرى حتى تؤدي العقوبات المقررة لمخالفة أحكام مجلة‬
‫الطرقات النجاعة المطلوبة‪.‬‬

‫باإلضافة الى ضرورة تحديد العقوبات المتعلقة بمخالفة أحكام الفصل المذكور‪ ،‬باعتبار أن عدم اعالم‬
‫الشرطة أو الحرس الوطني عند حصول القتل أو الجرح على وجه الخطأ ال ينتج عنه أية مساءلة‪.‬‬

‫وال يمكن اعتبارها جريمة فرار على معنى الفصل ‪ 91‬من مجلة الطرقات‪ ،‬الن عدم االتصال بالشرطة‬
‫ال يعني بالضرورة الفرار‪ .‬حيث قد يمتنع مرتكب الحادث عن اعالم وحدات االمن دون أن يقوم بالفرار‪،‬‬

‫‪ 71‬د‪.‬عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي‪ ،‬المبادئ العامة للقانون الجزائي‪-‬دراسة مقترنة‪ -‬دار الكتاب‪ ،‬طبعة أولى ‪،2017‬ص‪.90.‬‬

‫‪44‬‬
‫وبالتالي تصبح الواجبات المنصوص عليها صلب الفصل ‪ 60‬من المجلة المذكورة ال تؤدي الى اية مساءلة‬
‫قانونية‪.‬‬
‫لذلك وضمانا التباع اإلجراءات المتعلقة بحوادث المرور‪ ،‬على المشرع أن يتدخل ويحدد العقوبات‬
‫المالئمة لعدم اتباعها‪.‬‬

‫‪ -5‬الحرص على التشديد في عقوبة الخطية المالية قبل حصول الحادث وليس بعده‬

‫يالحظ أنه وبعد أن يحصل حادث المرور القاتل أو الذي تنجر عنه أضرار بشرية‪ ،‬فان المسؤول عنه‬
‫سيساءل جزائيا ومدنيا‪ ،‬وفي أغلب األوقات يقع البت في الجزئين معا في نفس الدعوى أمام نفس المحكمة‬
‫المختصة بناء على القيام بالحق الشخصي المخول للمتضرر أو من يؤو ل إليهم الحق‪.‬‬

‫بناء على ذلك فانه ومهما بلغت قيمة عقوبة الخطية المالية‪ ،‬باعتبارها محور الدراسة‪ ،‬المقدرة بخمسة‬
‫االف دينار في اقصى الحاالت‪ ،‬فإنها لن تؤثر على مرتكب الحادث من حيث الزجر والردع‪ ،‬بقدر ما تقوم‬
‫بذلك التعويضات المدنية‪.‬‬
‫بالتالي فانه وبما ان العقوبة الجزائية تعتبر مطالبة بتحقيق الردع والزجر لمرتكبي الجرائم فانه ال بد‬
‫من إيجاد حلول تحقق النجاعة المطلوبة‪ .‬يمكن ان تتمثل هذه الحلول‪ ،‬في جعل العقوبات مشددة للجرائم‬
‫المرتكبة قبل حصول الحادث مهما كانت تبدو بسيطة وليس العكس‪.‬‬

‫إ ن تنظيم الجرائم والعقوبات‪ ،‬يخضع الى مبادئ عامة تم بناؤها منذ القدم في مختلف العصور‪ ،‬والتي‬
‫كانت دائما في صراع بين معيارين أساسيين عند محاولة اصالح العقاب يتمثالن في العدل وتحقيق مصلحة‬
‫المجتمع‪ ،‬فتكون النتيجة اما بتغليب العدل أو المصلحة أو محاولة التوفيق بينهما‪ ،‬حيث يوجد عنصران‬
‫للعقاب وتسليطه قد يحتوي على أحدهما أو كليهما وهما عنصر الردع والتخويف والقسوة من جهة‪ ،‬ومن‬
‫‪72‬‬
‫جهة أخرى التركيز على الجانب اإلنساني من العقاب دون محاولة اهماله‪.‬‬

‫بناء على ما سبق بيانه‪ ،‬فإن السؤال المطروح هو ماهي خصائص الخطية المالية المنظمة لمجال قانون‬
‫الطرقات؟ هل تخضع لمعيار العدل أم المصلحة وما هو العنصر الغالب هل هو الردع والتخويف والشدة ام‬
‫الجانب اإلنساني؟‬

‫ال يمكن ضبط الخصائص المحددة للخطية المالية عامة‪ ،‬وانما سوف يقتصر الحديث عن تلك المتعلقة‬
‫بقانون الطرقات باعتباره محور الدراسة وذلك من خالل اجراء محاولة نحو تبين خصائصها مع ترك‬
‫المجال لمزيد التعمق في ذلك لمن يهتم بذلك‪.‬‬

‫المالحظ أن عقوبة الخطية المالية في مجال قانون الطرقات تراوح بين معياري العدل والمصلحة‪ ،‬فمن‬
‫العدل أن يحاسب الشخص على قدر خطورة الفعلة التي ارتكبها‪ ،‬وفي المقابل ال بد أن يقع حماية المجتمع‬
‫من مرتكب الجريمة وذلك عبر تحقق الردع العام والخاص‪.‬‬

‫‪ 72‬د‪ .‬كمال الدسوقي‪ ،‬علم النفس العقابي‪ -‬أصوله وتطبيقاه‪( ،‬مرجع سابق) ص‪.53-52.‬‬

‫‪45‬‬
‫وبالرجوع الى أحكام قانون الطرقات في جزئها المتعلق بتنظيم جرائم الجوالن وعقوباتها‪ ،‬فان المشرع‬
‫التونسي فعال يحاول التوصل الى وضع عقوبات مالئمة لخطورة األفعال المرتكبة تطابقا مع التوجهات‬
‫العالمية‪ ،‬وقد ظهر ذلك في التطورات التشريعية التي ادخلها على قانون الطرقات‪.‬‬

‫حيث يضع الية التصنيف المعتمدة من قبل عدة تشريعات في العالم‪ ،‬الى خمسة أصناف بالنسبة لجريمة‬
‫المخالفة‪ ،‬ويحدد عقوبات مالئمة للجنح وال توجد اال جناية واحدة فقط وهي المنصوص عليها صلب الفصل‬
‫‪ 91‬من المجلة‪ 73‬والمتعلقة بجريمة الفرار‪ .‬بالتالي يالحظ حرص المشرع على تحقيق العدل في وضع‬
‫العقوبات‪.‬‬

‫في المقابل حتى تتحقق مصلحة المجتمع‪ ،‬نجد أن المشرع يطبق عنصر الردع والتخويف والتشديد كلما‬
‫حصل حادث أدى الى القتل أو الجرح على وجه الخطأ وذلك بغية منع ارتكاب جرائم الجوالن‪.‬‬

‫يظهر ذلك خاصة عبر الية اإلحالة التي يستعملها صلب الفصلين ‪ 89‬و‪ 90‬من مجلة الطرقات كما سبق‬
‫بيانه والتي تشمل الفصول من ‪ 83‬الى ‪ 88‬من المجلة‪ ،‬حيث أن الجرائم المنظمة بها تقتضي عقوبات محددة‬
‫سلفا وذلك حتى في صورة ارتكاب الجريمة دون حصول حادث مرور‪ ،‬ولكن عندما يقترن اقترافها مع‬
‫حصول الحادث والذي ينجر عنه القتل أو الجرح على وجه الخطأ‪ ،‬فان العقوبة تشدد وتصبح أقسى تحقيقا‬
‫للعدل والمصلحة معا‪.‬‬

‫بهذا يكون المشرع قد تمكن من الوصول الى تحقيق الهدف المتمثل في تطابق تنظيمه للعقوبات مع‬
‫المبادئ العامة التي تحكمها‪.‬‬

‫ولكن المالحظ بعد الدراسة التي وقع القيام بها في هذا اإلطار‪ ،‬والتي حاولنا من خاللها مسائلة الخطية‬
‫المالية هل فعال تحقق النجاعة الكافية للحد من حوادث المرور أم ال تستطيع ذلك؟ وقد تبينا أنها تحقق نجاعة‬
‫محدودة بناء على الصعوبات التي أسلفنا تدقيقها‪ ،‬فانه ما يمكن التوصل اليه هو أن المشرع حقق الهدف‬
‫النظري ولم يحقق األهداف الواقعية واالصلية والتي تتمثل في منع حصول حوادث المرور على األقل القاتلة‬
‫منها أو التخفيض منها‪.‬‬

‫بالتالي ال بد من مراجعة التوجهات الرامية لتنظيم العقوبة مع الحرص على التركيز على الجانب‬
‫الواقعي لها وليس "التنظيري"‪ ،‬فيبدو أن الواقع والنظري "خطان متوازيان ال يلتقيان أبدا"‪.‬‬

‫حيث بناء على االحصائيات والمالحظات والتحليالت التي وقع القيام بها صلب هذه الدراسة‪ ،‬تبين لدينا‬
‫أن قانون الطرقات بصورة خاصة يحتاج الى تنظيم خاص مستقل عن التوجهات العامة‪.‬‬

‫الحل الجوهري لذلك والطريقة األمثل الذي يجب اتخاذها هي التشديد فيما يبدو ظاهريا فعال بسيطا‬
‫ولكنه في الحقيقة‪ ،‬وبالنظر الى النتائج التي تترتب عن ارتكابه في صورة حصول حادث مرور‪ ،‬يصبح‬
‫خطيرا‪ ،‬والفعل الخطير يصبح أكثر خطورة بعد حصول الحادث‪ .‬ولكن الخطورة حسب اعتقادنا هي محاولة‬
‫"مداواة الجرح" بعد وقوعه وهو ما لن يحقق أية نتيجة إيجابية‪.‬‬

‫‪ 73‬الفصل ‪ 91‬من مجلة الطرقات‪ :‬ترفع عقوبة السجن لمدة عشر (‪ )10‬سنوات إذا ثبت أن السائق المتسبب في القتل أو‬
‫الجرح على وجه الخطإ قد تعمد الفرار محاوال بذلك التفصي من المسؤولية الجزائية أو المدنية التي يمكن أن‬
‫يتحملها‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فعند التشديد في العقوبات قي جميع جرائم الجوالن قبل حصول الحادث‪ ،‬فان ذلك سوف يؤدي حتما‬
‫الى اليقظة ومزيد التركيز عند السياقة أو عند استعمال الطريق وأخذ كل االحتياطات الالزمة تجنبا للعقوبة‪.‬‬

‫فاذا كانت العقوبات المسلطة قبل حصول الحادث قادرة على تجنب العود تحقيقا لهدف الحد من ارتكاب‬
‫الحوادث المرورية‪ ،‬لما كان أبرز أسباب حصول حوادث المرور حسب احصائيات المرصد الوطني يتمثل‬
‫في السهو وعدم االنتباه!‬

‫حيث معلوم أن مستعملي الطريق‪ ،‬غالبا ما يمتنعون عن ارتكاب جرائم الجوالن ليس بناء على رغبتهم‬
‫في ذلك أو تجنبا لحصول حادث المرور‪ ،‬وانما تجنبا للعقوبات المقررة لمخالفتها‪ .‬وبالتالي سيكون التركيز‬
‫لديهم مرتفعا‪ ،‬واالنتباه عاليا عندما تكون العقوبات مشددة‪.‬‬

‫إن أهمية الترفيع في قيمة الخطية المالية وإعادة النظر في أحكامها فيما يتعلق بالمخالفات‬
‫المرورية أصبح أمرا ضروريا بناء على أن الخطورة تكمن في أن "ارتكاب هذا النوع من‬
‫‪74‬‬
‫الجرائم صار "مألوفا" حتى أنهم لم يشعروا أبدا بفضاحته"‪.‬‬

‫يظهر الدليل على ذلك في أن عدد المخالفات المسجلة من قبل وحدات الحرس الوطني‬
‫للمرور خالل سنة ‪ 752020‬تقدر ب ‪ 904.848‬مخالفة وهو عدد مرتفع جدا مقارنة بتلك‬
‫المسجلة حول الجنح المرورية أو ما يطلق عليه بالمحاضر العدلية المقدر ب ‪255.698‬‬
‫محضر‪ ،‬أي ضعف عدد الجنح بأكثر من ثالث مرات‪ .‬وهو ليس أمرا غريبا‪ ،‬حيث توجد بلدان‬
‫أخرى أيضا تسجل لديها المخالفات أكثر من الجنح‪ ،‬مثل فرنسا‪.‬‬

‫وذلك ال يدل على شيء اال على أن "التسامح" في شان هذا النوع من الجرائم المرورية‬
‫من خالل بناء المنظومة العقوبية للمخالفات استنادا على خطورة األفعال المجرمة هو امر‬
‫يؤدي حتما الى عدم احترام القوانين المنظمة لها ومخالفة احكامها دون توقف‪.‬‬

‫ال يجب انتظار حصول حادث مرور حتى يقع الترفيع في العقوبة الن ذلك سوف لن يحقق‬
‫اية نتائج إيجابية‪ ،‬فلن يرجع من فقد حياته مجددا أو من تضرر‪ ،‬بناء على العقوبة التي ستسلط‬
‫على مرتكب الحادث‪ ،‬خاصة ان المشرع في حد ذاته يعتبر الجرائم المرورية التي ينجر عنها‬
‫القتل او الجرح تعتبر من قبيل الجرائم المصنفة على أنها ارتكبت على وجه الخطأ‪ ،‬أي أنه ال‬
‫يوجد أحد يريد ارتكاب حادث مرور عمدا‪ ،‬إضافة انها لن تردع غيره من المخالفين كما يؤمل‪،‬‬
‫ألنها إذا كانت غير قادرة على ردع صاحبها فكيف لها ان تردع غيره!‬
‫بناء على ما سبق بسطه فان ردع المخالفين ألحكام الطرقات‪ ،‬ال يجب أن يكون التشديد‬
‫فيه بعد حصول الحادث وانما قبله‪.‬‬

‫‪ 74‬ميشيل فوكو المراقبة والمعاقبة‪-‬والدة السجن‪ -‬ترجمة علي مقلد‪ ،‬مركز االنماء القومي بيروت ‪ ،1990‬ص‪.113.‬‬
‫‪ 75‬احصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة ‪.2020‬ادارة الحرس الوطني (مرجع سابق)‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ -6‬اتباع عوامل الخطورة الخمس المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية عند ادخال التنقيحات‬
‫المالئمة‪:‬‬

‫بناء على دراسة قمنا بإنجازها في محاولة ضبط التشريعات التي أدخل عليها المشرع التونسي تنقيحات‬
‫يناء على عوامل الخطورة الخمسة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية‪ ،‬كما سبق توضيحه آنفا‪ ،‬فإنه وقع‬
‫استخالص ما يلي‪:‬‬

‫من بين العوامل الخمسة‪ ،‬شملت التغييرات التشريعية فقط األحكام المتعلقة بارتداء حزام األمان والقيادة‬
‫تحت تأثير حالة كحولية‪.‬‬
‫وبناء على تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة ‪ ،2018‬فان ادخال تعديالت حول تحديد نسبة الكحول‬
‫في الدم المنصوص عليها بالقانون تعتبر من بين اهم الممارسات الجيدة‪ ،‬وذلك بضبط حد أقصى لنسبة‬
‫الكحول في اللتر الواحد من الدم وهي ‪ 0.05‬غرام من الكحول الصافي بالنسبة لعامة السكان و‪ 0.02‬غرام‬
‫‪76‬‬
‫بالنسبة لفئة السائقين الشبان وغير المتمرسين‪.‬‬
‫والمالحظ أنه وبعد ادخال التنقيحات المتعلقة بأحكام القيادة تحت تأثير حالة كحولية من قبل المشرع‬
‫التونسي سنة ‪ ،2016‬فان عدد الحوادث التي تكون فيها السياقة في حالة سكر سببا لحصولها قد شهد‬
‫انخفاضا كما يبينه الجدول التالي‪:‬‬

‫السياقة في حالة سكر‬


‫االحصائيات‬ ‫السنوات‬
‫الجرحى‬ ‫القتلى‬ ‫الحوادث‬
‫‪115‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪2012‬‬
‫‪136‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪187‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪154‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪207‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪2016‬‬
‫‪177‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪2017‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪2018‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪2019‬‬
‫‪98‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪2020‬‬
‫(المصدر‪ :‬احصائيات المرصد الوطني للمرور)‬
‫حيث انخفض عدد الحوادث في السنوات األربعة من ‪ 2017‬الى ‪ 2020‬بعدد ‪ 118‬حادث مقارنة‬
‫بالسنوات األربع التي تسبق اخر تنقيح حول االحكام المنظمة لجريمة السياقة تحت تأثير حالة كحولية‪ .‬كذلك‬
‫االمر بالنسبة للقتلى اين سجلت انخفاضا بعدد ‪ 17‬قتيل‪ ،‬وب ‪ 135‬جريح‪.‬‬

‫يستنتج من ذلك أن التدخل التشريعي له دور فعال في الحد من حوادث المرور‪ ،‬رغم وجود عدة عوامل‬
‫أخرى ساعدت على تحقيق تلك النتائج‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪Rapport de L’OMS, op. Cité. P.10.‬‬

‫‪48‬‬
‫ولكن عند التركيز على هذه الظاهرة ودعمها من جميع جوانبها فان ذلك سيؤدي الى الوصول الى نتائج‬
‫أكثر نجاعة وفعالية‪ ،‬تصل حتى الى تسجيل ‪ 0‬حالة من الحوادث القاتلة المنجرة عن السياقة في حالة سكر‪،‬‬
‫وذلك ليس أمرا بعيد المنال باعتبار أنه الى حد االن ووفقا إلحصائيات المرصد بتاريخ ‪ 17‬فيفري ‪2021‬‬
‫يوجد فقط ‪ 6‬حوادث مرور من بينها صفر قتلى و‪ 10‬جرحى وهو أمر جيد مقارنة بعدد القتلى الذي سجل‬
‫للسرعة ب ‪ 35‬قتيل أي بنسبة ‪ %29.06‬في نفس الفترة‪ ،‬أو غيرها من األسباب‪.‬‬

‫في عدة بلدان من العالم ال يقع التركيز فقط على التخفيض من نسبة الكحول في اللتر الواحد من الدم‬
‫وانما أيضا وفي المقابل يتم الترفيع في قيمة الخطية المالية المقررة لمرتكبي جريمة السياقة تحت تأثير‬
‫حالة كحولية‪.‬‬

‫فكوريا على سبيل المثال قامت بإدخال تنقيحات سنة ‪ 2019‬نحو التخفيض من نسبة الكحول في الدم‬
‫حيث أصبحت ‪% 0.03‬بعد أن كانت ‪ ،%0.05‬مع الترفيع في قيمة الخطية المالية من ‪ 50.000‬يان الياباني‬
‫الى ‪ 500.000‬يان ياباني إضافة الى تدابير أخرى‪ ،‬وقد أثبتت الدراسات لديهم أن ذلك قد حقق نتائج إيجابية‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫بالتالي ال بد من طرح حلول جذرية وحقيقية تتماشى مع الواقع االجتماعي والسياسي للبالد التونسية‬
‫في ما يتعلق بقانون السياقة تحت تأثير حالة كحولية‪ ،‬وال يتحقق ذلك اال عبر عدة مجهودات ال بد ان تبذل‬
‫حتى تتحقق األهداف المرجوة‪ ،‬حيث إضافة الى التخفيض من نسبة الكحول في اللتر الواحد من الدم ال بد‬
‫من الترفيع في قيمة الخطية المالية باعتبارها العقوبة المطالبة بإضفاء الجانب الردعي والزجري للفعلة‪،‬‬
‫وحتى تتمكن من تحقيق ذلك يجب التركيز خاصة على وسائل اثبات الحالة الكحولية باعتبار أن غيابها أو‬
‫عدم نجاعتها يعد أبرز األسباب التي تحول دون إمكانية تطبيق العقوبات المالئمة لها‪.‬‬

‫إضافة الى عامل الخطورة المتعلق بالسياقة تحت تأثير حالة كحولية‪ ،‬ال بد من التطرق الى عامل ارتداء‬
‫حزام األمان‪.‬‬
‫حيث اعتبرت منظمة الصحة أن ارتداء حزام األمان يساهم في التخفيض بنسبة ‪ %45‬الى ‪% 50‬‬
‫من خطورة الوفاة عند حصول حادث مرور من بين السواق والجالسين بالمقاعد االمامية وبنسبة ‪%25‬‬
‫بالنسبة للجالسين في المقاعد الخلفية‪.‬‬

‫إذن فالتعميم الذي قامت به البالد التونسية في اجبارية ارتداء حزام األمان بالنسبة الى السواق وراكبي‬
‫المقاعد االمامية وكذلك المقاعد الخلفية المجهزة بها وذلك بناء على تنقيح ‪ ،2017‬بعد أن كانت تشمل فقط‬
‫السواق وراكبي المقاعد األمامية‪ ،‬يعتبر تغييرا هاما وذلك لتطابقه مع المعايير الدولية‪ ،‬حيث تعتبر منظمة‬
‫الصحة العالمية أن اجبارية ارتداء حزام األمان للجالسين في المقاعد االمامية والخلفية للسيارة تعتبر خاصية‬
‫‪78‬‬
‫أساسية ألفضل الممارسات‪.‬‬
‫وأيضا شمل التغيير المكان‪ ،‬حيث أصبحت اجبارية ارتداء الحزام داخل وخارج مواطن العمران‬
‫وبالطرقات السيارة بعد أن كان يشمل فقط الطرقات السيارة وخارج المناطق البلدية‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪OECD Reviews of Public Health : Korea : Healthier Tommoro, Tackling harmful alcohol use, OECD iLibrary ,‬‬
‫‪site web : https://urlz.fr/eXir (18-02-2021).‬‬
‫‪78‬‬
‫‪Rapport de l’OMS op cité p.12‬‬

‫‪49‬‬
‫وبناء على أهمية عامل الخطورة المتمثل في ارتداء حزام األمان‪ ،‬ال بد من إخراجه من دائرة المخالفات‬
‫البسيطة المضمنة داخل التصنيفات الخمسة‪ ،‬وفي المقابل اعتباره مثلما تعتبره منظمة الصحة العالمية‪ ،‬عامال‬
‫من عوامل الخطورة وبالتالي تسليط عقوبات اشد لمخالفيه‪.‬‬

‫فعلى الرغم من أن عدم ارتداء حزام األمان ال يشكل في حد ذاته سببا مباشرا لحصول حوادث المرور‪،‬‬
‫اال أنه يشكل خطرا فيضاعف من نسبة االضرار عند وقوع الحادث‪.‬‬

‫"حيث تتمثل اثار عدم استعمال حزام األمان فيما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬االضرار البدنية‪:‬‬
‫بدون حزام األمان ال تتعدى مسافة التوقف بالنسبة لراكب الوسيلة بعض السنتيمترات ليرتطم بجوانب‬
‫الحجرة وتنتح عن ذلك اضرار واصابات مباشرة في أجزاء مختلفة من جسمه المتحول الى قذيفة‪ ،‬وخالفا‬
‫للظاهر فانه بقدر ما يرتفع عدد نقاط التصادم بقدر ما تكون قوة المقاومة موزعة أكثر وتكون النتيجة اقل‬
‫خطورة وكذلك حظوظ النجاة أكبر‪.‬‬

‫هذا إضافة الى االضرار الداخلية الخفية ذات االثار السلبية على الجسم‪.‬‬

‫علما أن راكب الوسيلة غير المستعمل لحزام األمان يقطع مسافة حجرة القيادة في عشر الثانية‪ ،‬وإذا‬
‫افترضنا أن سرعة الوسيلة تقدر ب ‪ 100‬كلم في الساعة‪ ،‬فان عديد المعطيات تتغير على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬ارتفاع وزن الدماغ ‪ 1.500‬كلغ الى ‪ 42‬كلغ‪.‬‬


‫‪ -‬ارتفاع وزن الكبد من ‪ 1.700‬كلغ الى ‪ 47.600‬كلغ‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع وزن القلب والرئتين من ‪ 0,300‬كلغ الى ‪ 8‬كلغ‪.‬‬

‫والثابت أنه بالرغم من المظهر الدموي للجروح الخارجية‪ ،‬فان االضرار الداخلية الخفية هي التي تأخذ‬
‫بعين االعتبار‪ ،‬وهذا ما يفرق بين ضحايا الطريق وضحايا الحوادث األخرى‪.‬‬

‫‪ -‬االندفاع الى الخارج‪:‬‬


‫أثناء االصطدامات‪ ،‬عادة ما يتعرض ركاب الوسيلة من غير مستعملي حزام األمان الى االندفاع الذي‬
‫يمثل الواقعة األكثر تأثيرا من جملة الحوادث التي تجد على الطرقات حيث يؤدي ذلك وفقا لعديد الدراسات‬
‫الى وفاة عدد هام منهم وخصوصا في حالة االرتطام الجانبي وهو ما يؤكد الدور الذي يلعبه حزام األمان‬
‫‪79‬‬
‫في التقليص من خطورة الحوادث‪".‬‬

‫وبناء على ذلك ال بد أن تشمل التغييرات التشريعية‪ ،‬ترفيعا على مستوى قيمة الخطية المالية التي تقدر‬
‫حاليا بأربعين دينار فقط‪.‬‬

‫المالحظ أن التغييرات التشريعية في البالد التونسية‪ ،‬لم تشمل كل من السرعة واجبارية ارتداء الخوذة‬
‫من ناحية ومن ناحية أخرى ال يوجد تنظيم قانوني إلجبارية المقاعد المخصصة لألطفال‪.‬‬

‫‪ 79‬دليل السائق‪ ،‬المرصد الوطني للمرور ‪-‬الديوان الوطني للحماية المدنية‪ -‬الجمعية التونسية للخبراء في مادة السيارات وحوادث المرور والجامعة‬
‫التونسية لشركات التامين‪ ،‬المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية‪ ،‬ص‪.29-28.‬‬

‫‪50‬‬
‫بالتالي ال بد أن يقع االخذ بعين االعتبار هذه العوامل من قبل المشرع التونسي وذلك تماشيا مع‬
‫التطورات العالمية وتحقيقا للهدف األصلي وهو الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫إضافة الى ذلك فانه ال بد من التركيز على معيار العقوبة في مختلف عوامل الخطورة‪ ،‬حتى تتحقق‬
‫النجاعة المطلوبة‪.‬‬

‫خاصة فيما يتعلق بأحكام السرعة‪ ،‬حيث ما يالحظ أن البالد التونسية لم تدخل تغييرات تشريعية على‬
‫االحكام المنظمة للسرعة منذ سنة‪ 2009‬على خالف بقية دول العالم‪ ،‬التي اثبتت احصائيات منظمة الصحة‬
‫العالمية أن هناك ‪ 46‬دولة قد أدخلت تغييرات تشريعية بناء على عامل الخطورة المتمثل في السرعة وذلك‬
‫سنة ‪.2014‬‬

‫وضرورة التدخل التشريعي في إطار أحكام السرعة هام‪ ،‬باعتبارها ال تزال تحتل المراتب األولى في‬
‫حصول حوادث المرور بناء على احصائيات المرصد الوطني‪ ،‬ولم تسجل سوى انخفاضا طفيفا منذ سنة‬
‫‪ ،2013‬كما هو مبين في الجدول التالي‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫السرعة (‪)%‬‬

‫الفترة الممتدة من سنة ‪2016‬‬ ‫الفترة الممتدة من سنة ‪2013‬‬


‫الى ‪2018‬‬ ‫الى سنة ‪2015‬‬
‫‪16.28‬‬ ‫الحوادث‬ ‫‪15.88‬‬ ‫الحوادث‬
‫‪28.98‬‬ ‫القتلى‬ ‫‪29.13‬‬ ‫القتلى‬
‫‪20.21‬‬ ‫الجرحى‬ ‫‪20.21‬‬ ‫الجرحى‬

‫رغم أن مخالفات الرادار االلي المسجلة من قبل وحدات الحرس الوطني كما هو مبين بالجدول‪ ،‬والتي‬
‫تثبت أنه وفي نفس الفترة الممتدة من سنة ‪ 2013‬الى سنة ‪ ،2018‬سجلت انخفاضا في عدد المخالفات‬
‫المرفوعة‪ ،‬مما يفترض من خالله نقص المخالفين المتجاوزين للسرعة المسموحة قانونا‪ ،‬اال أن االنخفاض‬
‫الطفيف في عدد الحوادث خاصة القاتلة بنسبة ‪ %0.15‬يقتضي عكس ذلك‪.‬‬

‫مخالفات الرادار االلي‬

‫‪ 80‬احصائيات حوادث المرور من ‪ 2013‬الى ‪ ،2015‬ومن ‪ 2016‬الى ‪ ،2018‬موقع المرصد (مرجع سابق)‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫من سنة ‪ 2016‬الى ‪2018‬‬ ‫من سنة ‪ 2013‬الى‬
‫‪2015‬‬
‫‪376.738‬‬ ‫‪380.096‬‬
‫الفارق‪-3.358 :‬‬

‫بناء على ما سبق طرحه‪ ،‬فان المشرع مطالب بالتدخل نحو تعديل أحكام السرعة من خالل خاصة‪،‬‬
‫الترفيع في قيمة الخطية المالية وتسهيل إجراءات استخالصها كما سبق بسطه كي تحقق النجاعة الكافية‪،‬‬
‫باعتبار أن تأجيل العقاب من خالل تأخر صدور االحكام القضائية قد يحول دون الزجر والردع المطلوبان‬
‫وبالتالي الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫آليات تطبيقية‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫ال يكفي وجود قوانين تنظم مجال الطرقات حتى تتحقق النجاعة المنشودة للخطية المالية في الحد من‬
‫حوادث المرور‪ ،‬بل ال بد أن تقترن بضمان لتطبيق نصوصها‪.‬‬

‫حيث أكدت منظمة الصحة العالمية في التقرير الذي أنجزته سنة ‪ ،2018‬أن الدول التي تسعى الى‬
‫ضمان توفير اليات تساعد على تطبيق القانون‪ ،‬تدخل ضمن تصنيف البلدان ذات الممارسات الجيدة‬
‫‪81‬‬
‫الستراتيجيات الحد من حوادث المرور القاتلة‪.‬‬

‫وقد بينت أيضا أنه حاليا توجد ‪ 123‬دولة‪ ،‬لديها قوانين تحرص على تطبيقها بناء على أحد عوامل‬
‫الخطورة الخمس‪ ،‬من بينها ‪ 45‬دولة لديها قوانين مطبقة فيما يتعلق بعامل واحد من عوامل الخطورة‪ ،‬في‬
‫حين توجد ‪ 31‬دولة لديها قوانين تحرص على تطبيقها فيما يتعلق بعاملين اثنين‪ ،‬وهناك ‪ 22‬دولة لديها قوانين‬
‫منطبقة لثالثة عوامل معا‪ ،‬في حين توجد ‪ 20‬دولة تحرص على تطبيق القوانين الموجودة ألربعة عوامل‬
‫من عوامل الخطورة وال يوجد سوى ‪ 5‬دول فقط لديها قوانين تطبق فيما يتعلق بالخمسة عوامل معا‪.‬‬

‫ولكن بما أن البالد التونسية تحصل على معدالت ضعيفة في نسبة تطبيقها للقانون‪ ،‬بناء على دراسة‬
‫لمنظمة الصحة العالمية المنجزة سنة ‪ ،2015‬فانه ال بد من التركيز على الحلول المساعدة على تحقق ذلك‪.‬‬
‫قبل ذلك سيقع اجراء مقارنة بين تونس وبعض من دول العالم التي تصنف حسب البنك الدولي من بين‬
‫الدول متوسطة الدخل‪ ،‬حول مدى تطبيقها للقوانين المتعلقة بعوامل الخطورة الخمسة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪Global Status Report On Road Safety OMS, 2018, P.24.‬‬

‫‪52‬‬
‫معدل تطبيق القانون‬
‫‪10‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪6‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪0‬‬
‫السرعة‬ ‫السياقة تحت تاثير الكحول‬ ‫حزام األمان‬ ‫ارتداء الخوذة‬
‫عمان‬ ‫الجزائر‬ ‫تونس‬ ‫مصر‬
‫‪82‬‬

‫المالحظ بناء على البيان أعاله أن البالد التونسية تعتبر األقل تطبيقا للقانون حسب تقديرات منظمة‬
‫الصحة العالمية مقارنة بكل من الجزائر ومصر وعمان‪.‬‬

‫ال بد اذن من الحرص على إيجاد الحلول المالئمة لتحقيق تطبيقات أنجع للقانون حتى تتمكن عقوبة‬
‫الخطية المالية من القيام بواجبها على أكمل وجه‪.‬‬

‫يمكن إضافة الى ما سبق بسطه التأكيد على ضرورة الحرص على تطبيق القانون باعتبار النتائج‬
‫اإليجابية التي تترتب على ذلك‪.‬‬

‫حيث ما يمكن استخالصه من خالل االحصائيات التي أجرتها إدارة الحرس الوطني للمرور حول‬
‫تسجيل المخالفات‪ ،83‬أن ارتفاع عدد المخالفات المسجلة من قبل الوحدات المختصة بذلك‪ ،‬قابله انخفاض في‬
‫عدد الحوادث المرتكبة في نفس الفترة‪.‬‬
‫بالتالي يمكن أن يستنتج من خالل ذلك أن الحرص على تطبيق القانون يؤول الى الحد من حوادث‬
‫المرور بمساعدة عدة عوامل أخرى‪.‬‬

‫الفارق‬ ‫السنوات من ‪ 2018‬الى‬ ‫السنوات من ‪ 2015‬الى‬ ‫مرجع النظر‪ :‬الحرس‬


‫‪2020‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫الوطني‬

‫‪ 82‬وقع اعداد هذا البيان بناء على االحصائيات التي أعدتها منظمة الصحة العالمية بالتقرير المنجز سنة ‪ ،2015‬ويتمثل احتساب معدل تطبيق‬
‫القانون بناء على سلم محدد من قبل المنظمة العالمية‪ ،‬من ‪ 0‬الى ‪ ،10‬حيث يكون العدد ‪ 10‬دليل على تطبيق الدولة للقانون كليا‪ ،‬والصفر دليل على‬
‫انعدام كلي لتطبيق القانون فيما يتعلق بمجال محدد‪.‬‬
‫‪ 83‬احصائيات إدارة الحرس الوطني للمرور للسنوات الممتدة من ‪ 2015‬الى ‪( 2020‬وقع الحصول على هذه االحصائيات بناء على إجراءات تكفل‬
‫بها المرصد الوطني لسالمة المرور‪).‬‬

‫‪53‬‬
‫‪+440.092‬‬ ‫‪3.101.361‬‬ ‫‪2.661.269‬‬ ‫عدد الخطايا المسجلة‬

‫‪-1410‬‬ ‫‪3682‬‬ ‫‪5092‬‬ ‫عدد الحوادث‬

‫‪-326‬‬ ‫‪1426‬‬ ‫‪1752‬‬ ‫عدد القتلى‬

‫‪-3006‬‬ ‫‪6907‬‬ ‫‪9913‬‬ ‫عدد الجرحى‬

‫يالحظ طبقا للجدول السابق بيانه‪ ،‬هو ارتفاع عدد الخطايا المسجلة ب ‪ 440.092‬خطية ازدادت في‬
‫السنوات الممتدة من ‪ 2018‬الى ‪ 2020‬مقارنة بالثالث سنوات التي تسبقها‪ ،‬وقد قابل ذلك انخفاض في عدد‬
‫الحوادث ب ‪ 1410‬حادث و‪ 326‬قتيل‪ ،‬إضافة الى انخفاض هام في عدد الجرحى ب ‪ 3006‬جريح‪.‬‬

‫يمكن اعتبار أن عوامل انخفاض الحوادث إضافة الى كل المجهودات المبذولة من قبل المرصد الوطني‬
‫للمرور والجمعيات وغيرها كما سلف بيانه‪ ،‬فانه ال بد من االخذ بعين االعتبار أن ارتفاع عدد المخالفات‬
‫المسجلة يمكن ان يكون دليال على الحرص على تطبيق القانون على المخالفين‪.‬‬

‫االليات التطبيقية التي تساعد على تحقيق النجاعة المنشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪،‬‬
‫تتمثل اذن في الحرص على تطبيق القانون من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى توفير كل الوسائل التي تساعد على‬
‫ذلك‪.‬‬

‫• الحرص على تطبيق القانون‪:‬‬

‫يتطلب الحرص على تطبيق القانون تدخل جميع األطراف المسؤولة عن الحد من ظاهرة الحوادث‬
‫المرورية‪ ،‬وال يكون ذلك اال متى أصبحت السالمة المرورية أولوية وطنية‪.‬‬

‫حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن ضمان الدول لتحقيق ممارسات فعالة في الحد من حوادث المرور‬
‫القاتلة‪ ،‬يتطلب تدخل مختلف األطراف من بينها وزارة النقل والتجهيز والداخلية والصحة والجمعيات‬
‫والمنظمات والمجتمع المدني‪.‬‬

‫وحرصا على تطبيق أنجع للقانون‪ ،‬يمكن االستئناس بالطريقة التي تستند عليها منظمة الصحة‪ ،‬المتعلقة‬
‫بعوامل الخطورة وذلك انطالقا من احصائيات المرصد الوطني للمرور من خالل تحديد خمسة أسباب‬
‫أساسية تتدخل في حصول حوادث مرور قاتلة طيلة سنوات عدة‪ ،‬سيكون ذلك كما يلي بيانه‪:‬‬

‫المالحظ بناء على احصائيات المرصد‪ ،‬أنه وطيلة ‪ 19‬سنة تتصدر السرعة وشق الطريق وعدم مالزمة‬
‫اليمين والسهو عدم االنتباه والمجاوزة الممنوعة الخمس مراتب األولى في أسباب الحوادث المروية القاتلة‪،‬‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫أسباب حوادث المرور القاتلة‬
‫‪%29.73‬‬ ‫الرسعة‬

‫‪54‬‬
‫‪%13.03‬‬ ‫شق الطريق‬
‫‪%11.05‬‬ ‫عدم مالزمة اليمي‬
‫‪%8.76‬‬ ‫السهو وعدم االنتباه‬
‫‪%5.43‬‬ ‫المجاوزة الممنوعة‬

‫(المصدر‪ :‬موقع المرصد الوطني للمرور‪ :‬الفترة الممتدة من سنة ‪ 2001‬الى سنة ‪)2020‬‬

‫على الرغم من االنخفاض في عدد القتلى فان ذلك لم يمنع من محافظة السرعة على أعلى النسب طيلة‬
‫سنوات عديدة‪.‬‬
‫وبناء عليه ال بد أن يقع التركيز أكثر على السرعة‪ ،‬من حيث الحرص على تطبيق القوانين المتعلقة بها‪.‬‬

‫يجب أن يقع الترفيع في الخطية المالية المتعلقة بالسرعة‪ ،‬وفي جميع حاالتها دون أن تختلف القيمة‬
‫المالية بناء على درجة الخطورة‪ ،‬وذلك باعتبار أن مخالفة احكام السرعة بالذات يؤدي الى كوارث مرورية‬
‫ال يجب التسامح بشأنها مهما بدت المخالفة بسيطة‪ ،‬حيث ثبت لدى عديد الدول في العالم أن "القوانين‬
‫المرورية المشددة ساهمت في نشر الوعي وكانت في صالح المجتمع"‪84.‬حيث يالحظ أن السرعة تحصد‬
‫االف األرواح ال يمكن لخطية مالية أو عقوبة سجنية أو تعويضات مدنية أن ترجعها‪.‬‬

‫سجلت السرعة‪ ،‬حوادث قاتلة في السنوات الخمسة األخيرة بأعداد مفزعة‪ ،‬خاصة عند النظر الى تلك‬
‫االعداد ليس كأرقام تدخل في بيانات االحصائيات‪ ،‬انما كأشخاص فقدت حياتها‪.‬‬

‫في السنة الحالية ‪ 2021‬ولمدة شهر ونصف فقط‪ ،‬بلغ عدد القتلى التي تكون السرعة سببا أساسيا في‬
‫حصوله ‪ 36‬قتيل وهو عدد مرتفع جدا مقارنة ببقية األسباب التي بلغت ‪ 26‬قتيال في السهو وعدم االنتباه‬
‫وتسعة قتلى لشق الطريق وسبعة لعدم احترام األولوية‪.‬‬

‫أما في بقية السنوات من سنة ‪ 2017‬الى سنة ‪ 2021‬كانت االعداد كالتالي‪:‬‬

‫سنة ‪ :2017‬سجلت ‪ 420‬قتيل‬ ‫‪-‬‬


‫سنة ‪ :2018‬سجلت ‪ 344‬قتيل‬ ‫‪-‬‬
‫سنة ‪ :2019‬سجلت ‪ 366‬قتيل‬ ‫‪-‬‬
‫سنة ‪ :2020‬سجلت ‪ 272‬قتيل‬ ‫‪-‬‬
‫سنة ‪ :2021‬سجلت ‪ 36‬قتيل‬ ‫‪-‬‬

‫المالحظ أن هناك انخفاض في عدد القتلى المسجلة طيلة السنوات الخمسة األخيرة‪ ،‬على الرغم من‬
‫محافظة السرعة على المرتبة األولى في أسباب حوادث المرور القاتلة‪.‬‬

‫‪ 84‬مجلة المرور‪ ،‬اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪ ،‬دولة قطر‪ ،‬العدد ‪ 11 ،65-11‬ماي ‪ ،2016‬ص‪.33-32.‬‬

‫‪55‬‬
‫ان االنخفاض المسجل يعود الى عدة عوامل تتمثل في التالي‪:‬‬
‫‪ -‬الحمالت التحسيسية‬
‫‪ -‬تسجيل المخالفات ألحكام السرعة‬
‫‪ -‬التقارير التي يعدها المرصد الخاصة بالتنبيه الدوري للواليات باالرتفاع المسجل لديهم في عدد‬
‫الحوادث المرورية‬
‫‪ -‬تدخل هياكل المجتمع المدني عبر الجمعيات المرورية‪...‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬وبما أن هذه االليات تساعد حقا على تحقيق نتائج إيجابية‪ ،‬فانه ال بد من دعمها بحلول‬
‫إضافية‪.‬‬

‫• توفير كل الوسائل التي تساعد على تطبيق القانون‪:‬‬

‫تتمثل الوسائل المساعدة في اقتراح لمجموعة من الحلول المختلفة والمتمثلة فيما يلي‪:‬‬

‫✓ يجب ان تصبح العقوبة حول مخالفة السرعة تتمثل في الخطية المالية إضافة الى سحب الرخصة‬
‫أو حجز العربة‪.‬‬

‫✓ يجب خاصة الحرص على الفصل في دعاوى المرور باعتبار أن "سرعة الفصل اهم أسباب ردع‬
‫المخالفين"‪ ،85‬أو جعلها خاضعة لنظام االستخالص المتعلق بالمخالفات المرورية كما سبق توضيحه‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫فالسرعة في تسليط العقوبة يعتبر عامل أساسي في تحقيق النجاعة المطلوبة‪.‬‬

‫✓ توفير اسطول من وحدات المرور كاف للحرص على تطبيق القانون‪ ،‬خاصة وأن تدعيم المجهودات‬
‫األمنية يتمتع بدور رئيسي في الحد من الجريمة بصفة عامة‪ ،‬حيث تؤكد االحصائيات لدى دولة قطر‬
‫باعتبارها األولى عربيا في الخدمات التي يقدمها جهاز الشرطة‪ ،‬الى ارتفاع نسبة المجهود الشرطي للحفاظ‬
‫على حالة االمن واألمان في الدولة من قبل الجهات المختصة للحد من المظاهر والسلوكيات‪ ،‬مكن بدرجة‬
‫‪87‬‬
‫كبيرة من تسجيل انخفاض كبير على مستوى ارتكاب الجريمة مقارنة بالمعدالت العالمية"‪.‬‬

‫✓ "أهمية تأهيل أجهزة الشرطة واالمن وبناء قدراتها في مجال ضبط الجريمة عامة وكشفها بالوسائل‬
‫واألساليب الحديثة المشروعة بعيدا عن أي قسر أو اكراه أو انتقاص لحقوق االنسان‪ ،‬واالستفادة في هذا‬
‫‪88‬‬
‫الشأن من التجارب العربية والدولية الناجحة"‪.‬‬

‫✓ تشجيع الوحدات األمنية على مزيد الحرص على تطبيق القانون وذلك عبر منح جوائز ألفضل‬
‫الممارسات التي يقوم بها االعوان‪ ،‬ويمكن استلهام هذه الفكرة من خالل "جائزة العامل المثالي" المنظم‬
‫باألمر عدد ‪ 1933‬والمؤرخ في سبتمبر ‪ 1993‬والمتعلق بجائزة العامل المثالي‪ ،‬ويوجد قرار للوزير األول‬
‫مؤرخ في ‪ 5‬جانفي ‪ 1994‬متعلق بضبط كيفية اسناد هذه الجائزة‪ ،‬وحاليا يوجد تفعيل لهذه المنظومة من‬

‫‪ 85‬مجلة المرور‪ ،‬اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪ -‬دولة قطر‪ ،‬العدد ‪ 11 ،24-64‬مارس ‪.2016‬ص‪.63 .‬‬
‫‪86‬‬
‫‪L’importance pour la sécurité routière de la politique pénale en matière de circulation, plaidoyer une‬‬
‫‪politique criminelle efficace, Institut Belge pour la Sécurité Routière asbl- département recherche et conseil,‬‬
‫‪Discussion Paper n°99-01, mai 1999, P16.‬‬
‫‪ 87‬مجلة المرور‪ ،‬اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪ -‬دولة قطر‪ ،‬العدد ‪ 11 ،24-64‬مارس ‪.2016‬ص‪16 .‬‬
‫‪ 88‬مجلة أصداء األمانة‪ ،‬األمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب‪ ،‬العدد ‪ ،40‬مارس ‪ ،2016‬ص‪.2.‬‬

‫‪56‬‬
‫خالل المنشور عدد ‪ 6‬الذي صدر سنة ‪ ،2020‬وبالتالي يمكن تعميم هذه االلية لضمان الحرص على تطبيق‬
‫القانون‪.‬‬
‫✓ اجراء رقابة دورية متشددة بغية القضاء على الفساد الذي يحول في عديد من الحاالت الى عدم‬
‫تطبيق القانون‪.‬‬

‫✓ توفير كاميرات المراقبة في مختلف المناطق أو على األقل في تلك التي تكثر فيها الحوادث‪.‬‬

‫✓ الحرص على ادخال منظومة تربوية في تعليم قواعد السير عامة والخطورة التي تتسبب في‬
‫مخالفتها‪ ،‬يمكن ان يكون ذلك عبر وزارة التربية من خالل ادراج قانون الطرقات كمادة أساسية تدرس في‬
‫المدارس والمعاهد ويقع االختبار في شانه كغيرها من المواد‪ ،‬أو يكون عبر التعامل مع وزارة التعليم العالي‬
‫والبح ث العلمي من خالل االليات المتوفرة لدى هياكله والمتمثلة مثال في مركز المهن واشهاد الكفاءات‬
‫()‪ Centre 4C: Centres de Carrière et de Certification des Compétences‬وذلك عبر‬
‫تقديم تكوين لمختلف الفئات الطالبية في مجال قانون الطرقات مع الحرص على منح شهادات معترف بها‬
‫في المقابل‪ ،‬وذلك سيعود بالفائدة من حيث ترسيخ قواعد المرور وسيجد اقباال كبيرا من الطلبة ‪...‬‬

‫✓ يجب ادخال وتفعيل نظام إعادة تكوين المخالفين لقواعد الطرقات‪ ،‬فكل سائق سجل نقصا في عدد‬
‫النقاط الممنوحة لرخصة السياقة المقدرة بخمسة وعشرين نقطة وذلك بسبب مخالفته للقانون فانه يمكن ان‬
‫يسترجعها بعد القيام بإعادة التكوين‪ ،‬أو تعويض العقوبات المسلطة على المترجل من خالل تكوينه في هذا‬
‫المجال خاصة وان شق الطريق يعتبر من بين األسباب الرئيسية في حصول حوادث المرور‪.‬‬

‫✓ توفير بنية تحتية مالئمة وهي مسؤولية وزارة التجهيز والتكوين‪.‬‬

‫✓ ادخال تصليحات على إشارات المرور التي ال تعمل والحرص على تزويد المناطق غير المجهزة‬
‫بها‪.‬‬
‫حيث أن "موضوع إشارات المرور هام جدا واالهم منه هو احترامه من طرف مستعملي الطريق وعدم‬
‫‪89‬‬
‫تعرض اإلشارات للتلف من طرف المواطنين"‪.‬‬

‫✓ يجب الحرص على تجهيز مراكز تعليم السياقة بنظام لالختبار العملي االلكتروني للمتدربين‪ ،‬الذي‬
‫يتيح "مراقبة عملية االختبار داخل السيارة بشكل الكتروني ومعرفته مكان وجود السيارة والمختبر عبر‬
‫أجهزة التتبع وت سجيل المالحظات حول األخطاء التي تحدث اثناء االختبار والحصول على تقارير أداء‬
‫المختبر ومراقبة سلوكيات المختبر والفاحص‪ ،‬فضال عن إمكانية اجراء الفحص والتقييم عن بعد‪ ،‬حيث‬
‫يوجد مختبر او فاحص داخل السيارة وكذلك فاحص ومراقب في مركز التحكم كما يمكن للنظام مراقبة عدة‬
‫مختبرين في نفس الوقت من خالل أجهزة تحديد الموقع وكاميرا امامية لتصوير الطريق وكاميرا إضافية‬
‫لتصوير الفاحص والمختبر وكل ما يحدث داخل السيارة"‪ ،90‬وهو نظام معمول به بدولة قطر‪ ،‬فلما ال يقع‬
‫إدخاله ضمن نظام البالد التونسية لتحقيق اكثر فعالية‪.‬‬

‫‪ 89‬االعالم وسالمة المرور‪ ،‬سلسلة االعالم في خدمة المجتمع‪ ،‬الجمهورية التونسية‪ -‬وزارة االعالم‪ -‬التدوة القومية األولى من اجل سالمة المرور‪،‬‬
‫افريل ‪ .1982‬ص‪.90.‬‬
‫‪ 90‬مجلة المرور (مرجع سابق) ص‪.60.‬‬

‫‪57‬‬
‫✓ يمكن االستئناس بتجارب دول العالم أيضا فيما يتعلق بفكرة التنسيق بين األطراف المعنية بالسالمة‬
‫المرورية عبر ارسال رسائل شكر وثناء في إطار تعزيز المسؤولية المشتركة لحفظ االمن للجمهور وذلك‬
‫‪91‬‬
‫لقيامهم باإلبالغ عن وقوع حوادث مختلفة شاهدوها أمامهم دون ان يكونوا أطرافا في الحادث نفسه"‬

‫✓ يمكن اقتراح وضع صندوق يسمى "صندوق الخطايا المرورية"‪ ،‬على غرار صندوق ضمان‬
‫ضحايا حوادث المرور‪ ،‬يقع تمويله من قبل مختلف األطراف المعنية بوضع الحوادث المرورية والنتائج‬
‫السلبية التي تحدثها‪ ،‬وأيضا عبر جعل الخطايا المالية التي تصرف لخزينة الدولة والمتعلقة بجرائم الجوالن‬
‫تخصص لهذا الصندوق وذلك سيعود بالنفع على جميع األطراف وسيحقق عدة فوائد‪ .‬حيث يمكن من خالل‬
‫هذا الصندوق الحرص على إعادة تأهيل الطرقات وتوفير اإلشارات المرورية التي ال تعمل او تزويد‬
‫المناطق التي ال تحتوي على إشارات مرورية العمل على توفير االت اثبات جرائم الجوالن‪...‬‬

‫ان جميع الحلول المقترحة وغيرها من االليات التشريعية أو التطبيقية كما سلف توضيحه‪ ،‬ال بد أن‬
‫تتظافر كل الجهود نحو العمل عليها وذلك بغية تحقيق األهداف المنشودة للخطية المالية المتعلقة بالحد من‬
‫حوادث المرور‪ ،‬باعتبارها العقوبة المسؤولة بتحقيق الردع لكل مخالفي قانون الطرقات‪.‬‬

‫يدعم دور الخطية كعقوبة أساسية في مجال حوادث المرور من خالل إدخال تطورات وتغييرات تتماشى‬
‫مع مختلف الظروف العالمية والوطنية على نظام عقوبة الخطية‪ ،‬يمكن أن يظهر هذا التطور من خالل‬
‫المشروع الذي وضعه المرصد الوطني لسالمة المرور في إطار االستراتيجية الوطنية‪ ،‬والمتمثل أساسا فيما‬
‫وقع تسميته بمشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا"‪.‬‬

‫‪ -2‬تكريس مشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا"‪:‬‬

‫ال بد من ضبط مفهوم "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا"‪ ،‬وضبط آليات تطبيقه قصد تحديد‬
‫األهداف التي يرسمها واالثار المترتبة عن تفعيله‪.‬‬

‫أ‪ -‬مفهوم "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا"‪:‬‬

‫يعرف السيد (سهيل القزاح) صاحب الفكرة‪" ،‬الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" بناء على تصور‬
‫يقوم على تطوير لمفهوم عقوبة الخطية المالية نحو إصالحها‪ ،‬وجعلها ال تهدف الى تسليط العقوبة "انتقاما"‬
‫من مرتكب الجريمة المرورية‪ ،‬وانما تشجيعا له على تجنب العود‪ ،‬فالتصورات الحديثة لعلم العقاب تقتضي‬
‫ان يكون "الغرض من الجزاء الجنائي ليس االنتقام من المجرم وانما إصالحه حتى ال يعود الى ارتكاب‬
‫‪92‬‬
‫الجريمة مرة اخرى"‪.‬‬

‫حيث يرتكز هذا التصور أساسا‪ ،‬على فكرة الترفيع في قيمة الخطية المالية مع ضرورة ارجاع نسبة‬
‫من معلوم الخطية المدفوع الى مرتكب الجريمة المرورية‪ ،‬عندما يثبت أنه وخالل مدة زمنية محددة لم‬
‫يرتكب أية جريمة مرورية من نفس النوع‪.‬‬

‫‪ .91‬مجلة المرور‪( ،‬مرجع سابق) ص‪.9.‬‬


‫‪ 92‬د‪ .‬محمد أحمد المنشاوي‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬مكتبة القانون واالقتصاد‪ -‬الرياض‪ -‬الطبعة األولى‪.2015 ،‬ص‪13.‬‬

‫‪58‬‬
‫حتى تتضح الفكرة أكثر‪ ،‬ال بد من بسط المثال التالي حتى يقع تبين مفهوم هذا التصور المتطور لتسليط‬
‫العقوبات‪ .‬حيث وفي صورة ارتكاب السائق لجريمة تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بخمسين كلم في‬
‫الساعة أو أكثر‪ ،‬فان القيمة الحالية لعقوبة الخطية المالية‪ ،‬تتمثل في مائة وعشرون دينار كحد أدنى ومائتين‬
‫وأربعين دينار كحد أقصى‪.‬‬

‫في هذه الحالة إذا ما وقع الترفيع في قيمة الخطية المالية لتصبح على سبيل المثال تقدر بخمسمائة دينار‪،‬‬
‫فان المخالف سيقوم بدفع هذا المبلغ لمخالفته ألحكام السرعة‪ ،‬ولكن سوف لن يقف االمر عند هذا الحد‪ ،‬وانما‬
‫سوف يصبح تحت الرقابة لمدة معينة (مثال شهر كامل) وعند انتهاء المدة‪ ،‬وقد ثبت انه لم يرتكب اية مخالفة‬
‫من هذا النوع‪ ،‬فانه سيقع تشجيعه على حرصه هذا من خالل مده بنسبة معينة من معلوم الخطية التي قام‬
‫بدفعها‪ ،‬وبالتالي سيتحقق الجانب الردعي فعال بناء على هذه االلية باعتبار ان مرتكب الجريمة سيحرص‬
‫على عدم الوقوع فيها مجددا الن في ذلك ستحصل له فائدة حقيقية‪.‬‬

‫ان الية الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا فيها تكريس لما جاء به الفقيه "جوستينيان" عندما نص‬
‫على ما يلي‪:‬‬

‫"مهمتنا نحن الفقهاء غرس أصول الخير والعدالة والتمييز بين الحق والباطل والمباح والمحظور‪،‬‬
‫وغايتنا جعل الناس أخيارا صالحين‪ ،‬ال من طريق إسترهابهم بالعقوبات فحسب‪ ،‬بل ومن طريق ترغيبهم‬
‫بحسن الجزاء أيضا"‪ .93‬وهذه الغاية تتحقق عند تغيير نظام عقوبة الخطية المالية من خالل ادخال االلية‬
‫سابقة الذكر وتنفيذها‪.‬‬

‫بعد طرح مفهوم الفكرة المستجدة‪ ،‬فانه ال بد من تقييمها نحو ابراز مظاهر التميز فيها‪.‬‬

‫ب‪ -‬تقييم فكرة المشروع‪:‬‬

‫اعتبارا وان كل فكرة تحتوي على مميزات وحدود‪ ،‬وحتى يكون الطرح حياديا‪ ،‬فانه سيقع التطرق الى‬
‫جميع هذه الجوانب‪.‬‬

‫• حدود الفكرة‪:‬‬

‫ان أول ما يبدر للذهن لدى الجميع حول فكرة الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا‪ ،‬هو جزؤها المتعلق‬
‫بالترفيع في قيمتها‪.‬‬

‫حيث قد يرى العديد من األشخاص خاصة مستعملي الطريق‪ ،‬أن القيمة الحالية للخطايا المالية في مجال‬
‫قانون الطرقات يبدو مرتفعا‪ ،‬خاصة بالمقارنة مع األوضاع االقتصادية للبالد التونسية وضعف األجور‬
‫والدخل لدى مختلف الفئات‪ ،‬مما يؤدي الى االعتراض على الترفيع فيها‪.‬‬

‫زد على ذلك فان هناك عديد العوامل التي تؤدي الى حصول حوادث المرور‪ ،‬وبالتالي عند الترفيع في‬
‫قيمة الخطية المالية دون الحرص على توفير البيئة المالئمة‪ ،‬فيه داللة على تحميل عبئ المسؤولية على‬

‫‪ 93‬مدونة جوستينيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.374.‬‬

‫‪59‬‬
‫مستعملي الطريق فحسب‪ ،‬في حين أن هناك عديد األطراف المسؤولة عن السالمة المرورية‪ ،‬خاصة فيما‬
‫يتعلق باإلشارات غير الموجودة أو التي ال تعمل والبنية التحتية الضعيفة والطرقات غير المجهزة‪ ،‬وآالت‬
‫اثبات الجرائم غير المتوفرة في اغلبها‪ ،‬والظروف المالئمة لعمل االعوان التي تسهر على انفاذ القانون‬
‫وغيرها‪...‬‬

‫من وجهة نظر قانونية‪ ،‬فانه بناء على مبدأ التناسب وهو مبدا دستوري وجزائي يقتضي ضرورة أن‬
‫يكون العقاب متناسبا مع الفعل المجرم‪ ،‬فانه قد يحول ذلك دون إمكانية الترفيع في قيمة الخطايا المالية اال‬
‫بصورة محدودة‪ ،‬مما يؤدي معه الى عدم تحقق الجانب المتعلق بالجزء األهم من الفكرة وهو االسترجاع‬
‫النسبي لجزء من القيمة المالية‪.‬‬

‫تقتضي الفكرة المطروحة توفر عديد االليات التي تدعم وجودها‪ ،‬وذلك من حيث الوسائل التي ستمكن‬
‫من اجراء رقابة على كل المخالفين مع الحرص على متابعة كل سائق على حدى حتى يتم تمكينه من معرفة‬
‫ما إذا كان قد وقع في نفس المخالفة أم مخالفة من نوع اخر‪ ،‬ليعلم ان كان سيحصل على النسبة المسترجعة‬
‫أم ال‪ ،‬وبالتالي قد يصبح كل التركيز منصب على مدى حصوله على تلك النسبة من عدمه‪ ،‬مما قد يؤدي الى‬
‫نتائج سلبية‪.‬‬

‫حيث أن غياب الية فعالة تمكن من اطالع السائق على المخالفات التي ارتكبها نوعا ومرات وقيمة‬
‫وجميع البيانات المتعلقة بحصول الجريمة المرورية‪ ،‬قد يحول دون تحقق أحد أهداف مشروع الخطية المالية‬
‫القابلة لالسترجاع نسبيا وهو الحد من ظاهرة افساد الذمة‪ ،‬بل قد يؤدي الى تعمقها‪ ،‬باعتبار أن المجهول يحد‬
‫من الثقة في الوعد المتمثل في استرجاع نسبة من القيمة المالية‪ ،‬وبالتالي قد يلجئ البعض الى سلوك مسلك‬
‫قد يبدو لهم أنجع للتفصي من العقاب‪.‬‬

‫تقتضي الفكرة المطروحة ايضا تغيير إجراءات استخالص الخطايا‪ ،‬بحيث أن اإلبقاء على نفس‬
‫اإلجراءات سيؤول الى صعوبات تمنع من تحقق الهدف األساسي وهو الردع عن ارتكاب الجرائم المرورية‬
‫بغية الحد من الحوادث‪.‬‬

‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬بالنسبة لجنحة تجاوز السرعة القصوى المحددة قانونا‪ ،‬فان ضرورة اصدار حكم‬
‫يسلط عقوبة على المخالف‪ ،‬سيؤدي الى انتظار صدوره وبالتالي ستتعقد األمور عند إضافة فكرة االسترجاع‪،‬‬
‫فتطرح مسالة اآلجال‪ ،‬حول مدة بداية احتساب أجل االسترجاع‪ ،‬هل هو منذ حصول الجنحة أم مند صدور‬
‫الحكم أو تاريخ االعالم به‪.‬‬

‫• مميزات الفكرة‪:‬‬

‫ان ميزة مشروع "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" تكمن في كونها عبارة عن "معاقبة بقسوة‬
‫ملطفة" بعبارة فوكو‪.‬‬

‫فالترفيع من الخطية المالية أصبح أمرا ضروريا في جميع األحوال‪ ،‬سواء اقترن بفكرة االسترجاع أم‬
‫لم يقترن بها‪ .‬وذلك بناء على االحصائيات التي تسجل أعدادا مرتفعة لحوادث المرور‪ ،‬وهذه االعداد تنخفض‬
‫دوريا بناء على مختلف العوامل والمجهودات‪ ،‬والتي من بينها الحرص على تطبيق القانون‪ ،‬وبالتالي فان‬

‫‪60‬‬
‫تسليط العقاب يحقق الى حد ما ردعا لمرتكبي الفعل المجرم‪ .‬ولكن المالحظ ان العقوبات الحالية تحقق نتائج‬
‫بصورة بطيئة جدا وبنسب قليلة‪.‬‬

‫حيث بالرجوع الى عدد المخالفات المسجلة بواسطة الرادار االلي في الفترة الممتدة من سنة ‪ 2013‬الى‬
‫سنة ‪ 2015‬ومقارنتها بالثالث سنوات التي تليها‪ ،‬نالحظ انخفاضا في عدد المخالفات المسجلة بحوالي‬
‫‪ -3.358‬مخالفة‪ ،‬يمكن أن يكون ذلك دليال على أن تطبيق القانون يؤدي الى انخفاض نسبة ارتكاب األفعال‬
‫المجرمة‪ .‬وبالتالي عند الترفيع في قيمة الخطية المالية سيحقق ذلك نتائج أفضل أي سينخفض عدد المخالفات‬
‫المرتكبة باعتبار حرص مستعملي الطريق على تجنب العقوبة خاصة ألنها أصبحت مشددة‪.‬‬

‫تأكيدا على أهمية الترفيع في قيمة الخطية المالية‪ ،‬باعتبار ان القيمة تحدث اثرا على مستعملي الطريق‪،‬‬
‫فان ما يالحظ هو أن المخالفات من األصناف الخمسة التي تتراوح فيها قيمة الخطية من ستة دنانير الى‬
‫ستون دينار‪ ،‬تشهد ارتفاعا في عدد الخطايا المسجلة‪ ،‬فعند المقارنة بين الفترة الممتدة من سنة ‪ 2015‬الى‬
‫سنة ‪ 2017‬والثالث سنوات التي تليها‪ ،‬يالحظ زيادة ب ‪336468‬مخالفة‪ ،‬مما يمكن ان يستنتج من خالله‪،‬‬
‫أن هذا االرتفاع ناجم عن محدودية نجاعة الخطية المالية المسلطة على صنف المخالفات من الجرائم‬
‫المرورية‪ ،‬فلو كان العدد ينخفض في كل سنة فان ذلك قد يدل على احترام قواعد الجوالن‪ ،‬وذلك قد يعود‬
‫أساسا الى القيمة غير الردعية للخطية‪ .‬على الرغم من أن هذه النتيجة للفرضية المطروحة قد ال تكون دقيقة‬
‫باعتبار أن ارتفاع عدد المخالفات المسجلة كل سنة تدخل فيه عدة أسباب ومتغيرات أهمها تطور اسطول‬
‫النقل‪.‬‬

‫إضافة الى ذلك فان ما يالحظ بناء على نشاط وحدات حرس المرور للسنوات من ‪ 2014‬الى ‪،2020‬‬
‫هو أن عدد المخالفات المسجلة من األصناف الخمسة أكثر من تلك المسجلة حول المحاضر العدلية‪ .‬حيث‬
‫بلغ عدد المخالفات المالية ‪ 4.590.864‬في حين سجلت المحاضر العدلية عدد ‪ 1.739.813‬محضر في‬
‫نفس الفترة‪ ،‬مما يسمح معه القول بان لقيمة الخطية المالية دور هام في تجنب العود أو تجنب الوقوع في‬
‫جرائم الجوالن بصفة عامة‪.‬‬

‫بناء على ما سلف بيانه فان تحقيق الجانب الردعي يكون عبر التشديد في العقوبة‪.‬‬

‫ما يؤكد ذلك هو أن المشرع في حد ذاته قد سعى في فترة تغيير المجلة وتنقيح المجلة الحالية‪ ،‬الى‬
‫محاولة الترفيع في قيمة الخطية المالية لبعض الجرائم المرورية‪ ،‬وتتجه نيته عبر ذلك في أن التشديد من‬
‫العقوبة فيه تأثير على الحد من مخالفات احكام قانون الطرقات‪.‬‬

‫حيث جاء بمداوالت مجلس النواب حول مشروع تنقيح مجلة الطرقات سنة ‪ 2006‬ما يلي‪:‬‬
‫" واعتبا ار أن مبالغ الخطايا الحالية بالنسبة إلى المخالفات العادية لم تقع مراجعتها منذ سنوات وال تمثل‬
‫‪94‬‬
‫عامل ردع فقد نص المشروع على مضاعفة هذه المبالغ"‬
‫كذلك االمر عند تنقيح المجلة سنة ‪ 2009‬جاء ما يلي‪:‬‬

‫‪ 94‬مداوالت مجلس النواب‪ ،‬مشروع قانون تنقيح مجلة الطرقات‪ ،‬الجلسة ‪ 16 ،29‬جويلية ‪ .2006‬ص‪823.‬‬

‫‪61‬‬
‫" وتدعيما للسالمة المرورية من ناحية وحفاظا على الوظيفة الردعية للعقوبات من ناحية أخرى‪ ،‬نص‬
‫‪95‬‬
‫المشـروع على الترفيع في مقدار الخطية"‬

‫وبالتالي فان الترفيع في قيمة الخطية المالية‪ ،‬هو عنصر فعال للحد من الجرائم المرورية‪.‬‬

‫ولكن ال يكفي التشديد في العقوبة‪ ،‬بل ال بد من العمل على تحفيز المخالفين لقواعد الطرقات على تجنب‬
‫ارتكاب جرائم الجوالن ليس بناء على الخوف من العقوبة فقط وانما أيضا لمعرفة خطورة الفعل المجرم‬
‫وبالتالي تجنب العود‪.‬‬

‫حيث اثبتت الدراسات حول علم النفس العقابي‪ ،‬أن هناك مجموعة من القواعد التي تحقق الهدف من‬
‫وجود العقاب‪.‬‬

‫هذه القواعد تتمثل فيما يلي‪:‬‬


‫‪ -‬التشجيع والثواب‪،‬‬
‫‪ -‬تقرير التقدم أجدى من العقاب أو على األقل يجب أن يرتبط به‪،‬‬
‫‪ -‬العقاب على التقصير ذات مرة ال باس في ان يكمله الثواب على االجادة في المرة الثانية حتى تطغى‬
‫مزايا الثواب على مساوئ العقاب (ان الحسنات يذهبن السيئات)‪،‬‬
‫‪ -‬الثواب والعقاب‪،‬‬
‫‪ -‬التشجيع والتأنيب‪،‬‬
‫‪ -‬معرفة النتائج‪،‬‬
‫‪ -‬المنافسة والتسابق‪،‬‬
‫‪ -‬التشجيع واللوم‪،‬‬
‫بناء على القواعد المذكورة انفا فان فكرة "الخطية المالية القابلة لالسترجاع نسبيا" تتجه نحو تكريس‬
‫لهذا التوجه في تقدير العقوبات‪.‬‬

‫حيث أن استرجاع نسبة من قيمة الخطية المالية‪ ،‬يشكل حافزا لمرتكب الجريمة المرورية على تجنب‬
‫العود‪.‬‬

‫تتميز فكرة االسترجاع على دعم لقاعدة "الوقاية خير من العالج"‪ ،‬عبر الحرص على تجنب الضرر‬
‫أفضل من الوقوع فيه‪ ،‬فالمعالجة قبل وقوع العود من خالل تجنبه عبر الية استرجاع نسبة من قيمة الخطية‬
‫التي فيها تشجيع على ذلك‪ ،‬أفضل من التشديد في العقوبة عند حصول العود‪.‬‬

‫بالنسبة للقاعدة التالي‪ " :‬تقرير التقدم أجدى من العقاب أو على األقل يجب أن يرتبط به"‪ ،‬يبرز تطبيقها‬
‫عند تكريس فكرة الخطية القابلة لالسترجاع‪ ،‬من خالل أن مرتكب الجريمة المرورية سيحظى بمتابعة لسجل‬
‫المخالفات التي يرتكبها بالتالي يسعى نحو تجنبها‪.‬‬

‫‪ 95‬مداوالت مجلس النواب‪ ،‬مشروع تنقيح مجلة الطرقات‪ ،‬الجلسة ‪ 21 ،33‬جويلية ‪ ،2009‬ص‪.1564.‬‬

‫‪62‬‬
‫فعندما يرتبط العقاب بمتابعة للتقدم الذي يحرزه السائق‪ ،‬فان ذلك سيؤدي الى انخفاض في عدد الجرائم‬
‫المرتكبة‪.‬‬

‫حيث أن "معرفة نتائج التقدم هي طريقة عقلية في طبيعتها وتأتي كحافز جيد بحيث تزيد السرعة والدقة‬
‫‪96‬‬
‫وحسن األداء"‬

‫تقترن هذه القاعدة بقاعدة المنافسة والتسابق "وخير أنواعها هي منافسة الشخص لنفسه أي مقارنته‬
‫لنفسه على أساس سابق تقارير تقدمه"‪ ،‬بالتالي عندما يتوفر لدى المخالف بيانات حول الجرائم التي يرتكبها‬
‫ودعم ذلك بتقديم حافز لتجنبها فان ذلك سيحقق فوائد عديدة‪.‬‬

‫أما بالنسبة لقاعدة التشجيع واللوم‪" ،‬فانه بناء على تجارب اجراها باحثان هما ‪Gilchrist‬و‪and Gats‬‬
‫‪ ،Risland‬اتضح ان التقدم انما يأتي بالتشجيع والمديح أكثر مما يأتي باللوم والتأنيب‪ ،‬وقد اثبتت بحوث‬
‫كثيرة كفاية الثواب كحافز قوي للتعلم خصوصا الثواب المادي‪ ،‬فيجب ان يأتي العقاب بأثر مالئم خاصة إذا‬
‫وقع فهم الغرض من العقوبة‪.‬‬

‫والعقاب إذا كان قاسيا او غير واضح ومفهوم‪ ،‬فانه يؤدي الى االستياء والمقاومة‪ ،‬بالعناد والرغبة في‬
‫تجنب التعلم الذي ارتبط به العقاب‪ ،‬أما الثواب في صورة مكافئات مالية أو مزايا أو إعفاءات فقد ثبت انه‬
‫‪97‬‬
‫حافز قوي"‪.‬‬

‫إضافة الى ما سبق بسطه من مميزات لفكرة الخطية المالية القابلة لالسترجاع‪ ،‬فانه ال بد من اجراء‬
‫ملحوظات هامة في سبيل احاطة العيوب التي تطرحها هذه الفكرة بوسائل تمكن من تجاوز هذه العيوب‪.‬‬

‫▪ المالحظة األولى تتعلق باالعتراض على فكرة الترفيع في قيمة الخطية المالية‪.‬‬

‫يتجه رد هذه المالحظة لعدة أسباب‪ ،‬تختلف باختالف الجهة المعارضة‪ ،‬إن كانت من قبل شراح القانون‬
‫أو الراي العام أو غيرها‪.‬‬

‫بالنسبة لشراح القانون‪ ،‬فسيكون االعتراض حول الترفيع في قيمة الخطية المالية مبني على فكرة‬
‫أساسية‪ ،‬أال وهي مبدا التناسب كما سبق بسطه‪ ،‬باعتبار أن تقدير العقوبات ال بد أن يكون متناسبا مع األفعال‬
‫المجرمة‪ ،‬وعلى أساس مدى خطورتها‪ ،‬وبالتالي فان "السير بدون انارة ليال أو عند وجود ضباب" سوف‬
‫لن تتجاوز المخالفة المقررة لمرتكبها الستين دينار كما هي منظمة حاليا لدرجة تصل بقيمة الخطية الى‬
‫خمس مائة دينار على سبيل المثال‪ .‬بناء على اعتبارها ال تشكل خطرا مثل "الجوالن بعربة غير مسجلة"‬
‫التي تقدر عقوبتها بخطية مالية تتراوح بين ‪500‬د و ‪3000‬د والسجن من ‪ 6‬اشهر الى ثالث سنوات (الفصل‬
‫‪ 4-88‬م‪.‬الطرقات)‪.‬‬

‫ولكن ذلك قد ال يكون تقديرا صحيحا‪ ،‬أوال الن مخالفة "السير بدون انارة ليال أو عند وجود ضباب"‬
‫تشكل خطرا فادحا باعتبار أنها تتسبب في حصول حوادث مرورية قاتلة‪ ،‬فبناء على االحصائيات لسنة‬

‫‪ 96‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.126-125.‬‬


‫‪ 97‬علم النفس العقابي (مرجع سابق) ص‪.132-131.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ 2020‬سجلت الحوادث التي تنجر عن ارتكاب هذه المخالفة اعدادا تصل الى ‪ 40‬حادث مرور من بينها ‪27‬‬
‫قتيال و‪ 43‬جريحا‪.‬‬

‫اما ثانيا فان تقدير العقوبة ال يجب أن يكون مبني على مدى خطورة الفعلة فقط وانما أيضا على األساس‬
‫الذي يفرض احترام مستعملي الطريق لقواعد الجوالن‪ ،‬حيث ما يالحظ بالنسبة لجريمة "الجوالن بعربة‬
‫غير مسجلة" المذكورة سابقا‪ ،‬ال يوجد ما يؤكد أنها جريمة تسجل اعدادا مرتفعة لمرتكبيها‪ ،‬فحتى في صورة‬
‫وجود مخالفين ألحكامها فإنها ستكون حاالت استثنائية قليلة وذلك بناء على شدة العقوبة المقررة لها وليس‬
‫لكونها تصنف كفعلة خطيرة‪ .‬فالجوالن بعربة غير مسجلة في حد ذاته كفعلة ال تؤدي مباشرة الى حصول‬
‫حادث مرور وانما هي تحقق اهدافا أخرى منها الحرص على تجنب التفصي من المسؤولية الجزائية‬
‫والمدنية‪.‬‬

‫ال بد بناء على ما سبق بسطه‪ ،‬من توجيه التركيز عند تقدير العقوبات على تبني معيار مغاير لمعيار‬
‫خطورة الفعلة المجرمة‪ ،‬أو على األقل دعمه بمعيار اخر اال وهو مدى مساهمة الفعلة في حصول حادث‬
‫مرور‪.‬‬

‫يمكن تكريس هذا التوجه من خالل تبني قاعدة أسباب الخطورة الخمسة الذي تستعمله منظمة الصحة‬
‫العالمية والمتمثلة في وضع ‪ 5‬أسباب تعتبر المنظمة انها تشكل خطرا أكثر من غيرها‪ ،‬يكون ذلك عير وضع‬
‫خمسة أسباب غير تلك التي تتخذها المنظمة وانما بناء على معطيات البالد التونسية لتتحقق النجاعة المطلوبة‬
‫وذلك لالنطالق من أكثر األسباب التي تؤدي الى حوادث مرور قاتلة بناء على احصائيات المرصد الوطني‬
‫للمرور‪.‬‬

‫وهي تتمثل فيما يلي‪ ،‬بناء على احصائيات حوادث المرور للسنوات الخمس األخيرة (‪:)2020-2016‬‬
‫‪ -‬السرعة (تتسبب في حوادث المرور القاتلة بنسبة ‪،)%29.53‬‬
‫‪ -‬عدم مالزمة اليمين (‪،)13.23%‬‬
‫‪ -‬شق الطريق (‪،)13.22%‬‬
‫‪ -‬السهو وعدم االنتباه (‪،)12.27%‬‬
‫‪ -‬المداهمة (‪.)5.43%‬‬

‫بناء على هذه األسباب يمكن تقدير قيمة الخطية المالية المقررة لها عبر الحرص على الترفيع فيها‪،‬‬
‫باعتبارها تشكل خطرا خاصة بشريا واجتماعيا واقتصاديا‪.‬‬

‫بالنسبة لالعتراض المقترن بالرأي العام‪ ،‬خاصة الفئة المعنية بمجال الطرقات‪ ،‬فانه ال بد من ابداء‬
‫بعض المالحظات الضرورية‪.‬‬

‫صحيح أن فكرة الزيادة في قيمة الخطية المالية ستكون معرضة للرفض‪ ،‬ولكن لتفادي ذلك ال بد من‬
‫السعي الى تصحيح فكرة الشدة في العقوبات‪ ،‬بانها ال توجد من اجل التشفي في مرتكب األفعال المجرمة‬
‫وانما وجدت أوال وبالذات حماية له من كل النتائج المنجرة عن ارتكابها‪ ،‬وبالتالي عندما يقع الترفيع في قيمة‬
‫الخطية المالية سيكون الحذر من الوقوع في أحد المخالفات لقواعد الطرقات أعلى‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫إضافة الى ذلك فان جميع من يقر بمعارضة التشديد في العقوبة‪ ،‬يخفي اقرارا غير مباشر بنية ارتكاب‬
‫الجرائم‪ .‬الن المشرع متى منع تجاوز السرعة القصوى المحددة قانونا فانه يعلم أن مخالفة ذلك له عواقب‬
‫وخيمة وذلك صحيح الى ابعد الحدود باعتبار ان السرعة بالذات من بين أكثر األسباب التي تؤدي الى حوادث‬
‫قاتلة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا المنع يوجد العديد من األشخاص الذين يتجاوزون ذلك متحدين المشرع مرتكبين‬
‫لجرائم الجوالن غير مبالين بخطورة ذلك‪.‬‬

‫فمن يخالف قاعدة قانونية تجرم فعال معينا‪ ،‬ال يجب مراعاته وال يجب االخذ بعين االعتبار تناسب‬
‫العقوبة مع فعلته‪ ،‬بل ال بد من التشديد فيها باعتبار أنه وفي اللحظة التي يقوم فيها بارتكاب الفعل المجرم ال‬
‫يفكر في شيء سوى في مصلحته الشخصية والخاصة‪ ،‬وبالتالي وبناء على ان دور المشرع حماية المصالح‬
‫العامة وتقديمها على المصالح الخاصة‪ ،‬فانه ال بد أن يكون متشددا في تسليط العقوبات‪ ،‬تجنبا لحصول‬
‫حوادث مرور كارثية‪.‬‬

‫"وحتى تستطيع أن تحتل مكانتها المرموقة في سلم العقوبات‪ ،‬فان عقوبة الخطية يجب أن تكون صارمة‪،‬‬
‫فالمنحرف يجب أن يشعر بأنها عقوبة قاسية‪ ،‬وهذا ما ذهب اليه القضاة والرأي العام الذين تولد لديهم االقتناع‬
‫من منظور الصرامة بأنها كافية كعقوبة وتنعدم الجدوى في اللجوء الى العقوبة السالبة للحرية قصيرة‬
‫‪98‬‬
‫المدة"‪.‬‬

‫حيث يصح قول الفقيه ورجل القانون (أحمد بن طالب)‪ ،‬في هذا اإلطار عند اقراره بما يلي‪:‬‬
‫"ال نجاح لمجتمع تغلب فيه المطالبة بالحق ويترك الواجب‪ ،‬وتطغى فيه المناداة بالحرية وتنسى‬
‫المسؤولية الن الحق بال واجب فراغ والحرية بال مسؤولية فوضى وناموس الكون يأبى الفراغ وال يقبل‬
‫‪99‬‬
‫الفوضى"‪.‬‬

‫بناء على ذلك ال بد من السعي نحو تصحيح النظرة حول العقوبة‪ ،‬فهي ليست انتقاما من المجرم وانما‬
‫حماية له بصفة رئيسية وحماية للمجتمع بصفة عامة‪ ،‬وأن "المتابعة المرورية من قبل رجال المرور لقائدي‬
‫السيارات هي حماية لهم ولمن معهم من أخطاء صغيرة ترتكب بقصد أو بغير قصد وقد تتسبب في كوارث‬
‫وضحايا لها تأثير على األرواح والممتلكات بشكل واضح‪.‬‬

‫فالبعض ومن خالل وسائل االعالم بمختلف أنواعها يظن أن رجال المرور مصيدة للسائقين كما يقول‬
‫البعض رغم وجو دهم في كافة الطرقات كمدافع أول لضمان انسياب الحركة المرورية وتحقيق اقصى‬
‫درجات السالمة المرورية فرجل المرور عمله ليس مقصر في رصد المخالفات ولزوم منحه صالحية أكبر‬
‫‪100‬‬
‫لردع المخالفين في الطريق من كافة الجهات‪".‬‬
‫▪ المالحظة الثانية تتعلق باألوضاع االقتصادية للبالد التونسية وضعف األجور والدخل لدى مختلف‬
‫الفئات مما يؤدي الى رفض فكرة الترفيع‪:‬‬

‫صحيح أن األوضاع االقتصادية للبالد التونسية تبدو متردية وغير مستقرة خاصة في فترة ما بعد الثورة‬
‫وفي نظر المجتمع يؤدي ذلك الى رفض الترفيع في قيمة الخطية المالية باعتبار ضعف األجور والمداخيل‪،‬‬

‫‪ 98‬وفاء وديرة‪ ،‬بدائل العقوبة السجنية (مرجع سابق) ص‪.224.‬‬


‫‪ 99‬أحمد بن طالب‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪ -2014-‬ص‪.47.‬‬
‫‪ 100‬جدول اعمال المؤتمر العربي السادس عشر لرؤساء أجهزة المرور‪ ،‬مملكة البحرين‪-‬وزارة الداخلية‪ -‬اإلدارة العامة للمرور‪ 26-25 ،‬ماي‬
‫‪ ،2016‬صورة رجل المرور في االعالم العربي‪ ،‬ص‪.7.‬‬

‫‪65‬‬
‫ولكن ذلك ال يمنع من الحرص على تفادي حصول الحوادث المرورية‪ ،‬ومن وجهة نظر اقتصادية فان فكرة‬
‫الترفيع قد تساعد على تحسين الوضع االقتصادي الى حد ما‪.‬‬

‫حيث أن الدولة تخسر جراء حوادث المرور تكاليف باهظة‪" ،‬فالتكاليف االقتصادية للحوادث المرورية‬
‫تتمثل في الخسائر المادية وإتالف ممتلكات االفراد من عربات وتكاليف إصالحها‪ ،‬أو األضرار التي تلحق‬
‫بالممتلكات والمنشآت العامة‪ ،‬وما يتعرض له األشخاص من أضرار قد تصل للوفاة أو العجز‪ ،‬وما تنفقه‬
‫الدولة على مصاريف عالج المصابين ‪.‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن حساب التكلفة االقتصادية للحوادث المرورية‪ ،‬وما‬
‫ينجم عنها من إصابات ووفيات وخسائر مادية‪ ،‬تعتبر عملية معقدة تشتمل على كثير من العناصر تمس‬
‫مباشرة من حياة المواطن وسالمته وكذلك االنعكاسات االجتماعية المترتبة عليها وحجم الخسائر في المعدات‬
‫والمنشآت إضافة إلى تكاليف االلتزامات في مجاالت الصحة والرعاية االجتماعية‪ ،‬وتعويضات حوادث‬
‫المرور التي تنفقها شركات التأمين‪ ،‬وكل العناصر المكونة لتكلفة الضحية والحادث المروري وغيرها من‬
‫‪101‬‬
‫المتطلبات التي ينبغي على الدولة االضطالع بها‪".‬‬

‫بناء عليه فان الترفيع في قيمة المخالفة المالية يحقق عدة نتائج فعالة على غرار الحد من حوادث‬
‫المرور‪ ،‬فهو يس اهم في انخفاض نسبة ارتكاب جرائم الجوالن وبالتالي يساعد على تنظيم الطرقات والحث‬
‫على مزيد "االخذ باالحتياطات الالزمة" مما يساهم في الحفاظ على الطرقات والممتلكات العامة والحد من‬
‫نسبة الخسائر بمختلف أنواعها‪.‬‬

‫▪ المالحظة الثالثة تتعلق بان هناك عديد األطراف المسؤولة عن السالمة المرورية‪ ،‬خاصة فيما‬
‫يتعلق باإلشارات غير الموجودة أو التي ال تعمل والبنية التحتية الضعيفة والطرقات غير المجهزة‪ ،‬وآالت‬
‫اثبات الجرائم غير المتوفرة في اغلبها‪ ،‬والظروف المالئمة لعمل االعوان التي تسهر على انفاذ القانون‬
‫وغيرها‪...‬‬

‫بالنسبة لهذه المالحظة تعتبر األكثر اقناعا‪ ،‬فكما سبق طرحه في الجزء األول من الدراسة المزمع‬
‫إنجازها‪ ،‬فانه ال يمكن القاء المسؤولية على المترجل مثال في حين ال يوجد أمكنة مخصصة لتنقله تجنبا‬
‫لحوادث المرور‪ ،‬وكذلك االمر بالنسبة للسائق الذي أحيانا ال يجد اإلشارات المرورية التي توجهه تفاديا‬
‫الرتكاب جريمة مرورية‪ ،‬زد على ان الطرقات غير المجهزة وغير المالئمة بناء على ضعف البنية التحتية‬
‫تكون في عديد األوقات سببا رئيسيا في حصول حادث المرور أو على األقل تساهم في تعزيز نسبة االضرار‬
‫الخطرة‪.‬‬

‫كل ذلك صحيح‪ ،‬ولكن هذا ال يعني رفض كلي للترفيع في قيمة الخطية المالية استنادا على حجة سلبية‪،‬‬
‫وانما يمكن طرح المسالة جديا واخذها بعين االعتبار من قبل األطراف المسؤولة وفي المقابل وضع خطة‬
‫التشديد في العقوبة عبر مراحل‪ ،‬انطالقا من الجرائم التي ان حصلت فهي خارجة عن نطاق العوامل‬
‫الخارجية للطريق وداخلة أساسا في مسؤولية مستعمل الطريق‪ .‬فعدم ارتداء الخوذة أو حزام األمان ال دخل‬
‫لها في الطرقات وال في إشارات المرور وال في وسائل اثبات الجرائم وال في غيرها من العوامل المساعدة‬
‫على حصول الحادث‪.‬‬

‫‪ 101‬النقيب سامي الزنايدي‪ ،‬االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور‪ ،‬تقرير ختم الدروس‪ ،‬المدرسة العليا لقوات االمن الداخلي‪.2020،‬‬
‫ص‪.42-41.‬‬

‫‪66‬‬
‫▪ المالحظة الرابعة تتمثل في ضرورة وجود الوسائل التي ستمكن من اجراء رقابة على كل المخالفين‪،‬‬
‫مع الحرص على متابعة كل سائق على حدى حتى يتم تمكينه من معرفة ما إذا كان قد وقع في نفس المخالفة‬
‫أم مخالفة من نوع اخر‪ ،‬ليعلم ان كان سيحصل على النسبة المسترجعة أم ال‪ ،‬وذلك قد يؤدي الى نتائج سلبية‬
‫تتمثل في أن كل التركيز قد يصبح منصبا على مدى حصوله على تلك النسبة من عدمه وليس التعلم من‬
‫اخطائه‪.‬‬
‫هذه المالحظة صحيحة في جزئها األول‪ ،‬حيث أن التطبيق السليم والناجع لفكرة الخطية المالية القابلة‬
‫لالسترجاع سيكون عبر وضع البيئة المالئمة لتحقيقه‪ ،‬وذلك من خالل توفير برامج متابعة وتركيز اليات‬
‫مراقبة فعالة وهو أمر ليس بالمستحيل‪ ،‬وال يجب أن يكون عائقا نحو اصالح الدور العقابي للحد من حوادث‬
‫المرور‪.‬‬

‫فالتطورات التقنية والتكنولوجية في العالم تتطلب أن تندمج فيها البالد التونسية‪ ،‬وهي تسعى لذلك حاليا‬
‫عبر مختلف المجاالت‪ ،‬ولكن ال بد من االخذ بعين االعتبار المجال المروري خاصة باعتباره مجال حساس‬
‫ويحصد أرواحا سنويا‪ .‬فإدخال منظومة المحاكمة عن بعد على سبيل المثال هو أمر جيد وفيه دليل على‬
‫حرص الدولة التونسية في االندماج داخل المنظومة العالمية المتطورة‪ ،‬ولكن غيابه ال يؤدي الى وفاة أي‬
‫أحد أو تضرره جسديا‪ ،‬في حين أن غياب الدعم التقني للسالمة المرورية يؤدي اليها‪.‬‬

‫بالنسبة للجزء الثاني من المالحظة‪ ،‬فانه يمكن القول بان انصباب التركيز لدى المخالف على النسبة‬
‫المسترجعة لن يكون اال مقترنا بالتركيز على المخالفة في حد ذاتها‪ ،‬حيث أن السائق الذي يرتكب جريمة‬
‫"المجاوزة الممنوعة"‪ 102‬عندما ترفع قيمة الخطية المسلطة على مرتكبها فتصبح على سبيل المثال تقدر‬
‫بألف دينار‪ ،‬فان المخالف سوف يدفع القيمة كاملة وبعد مرور مدة معاينة‪ ،‬سوف يحرص على عدم الوقوع‬
‫في تلك الجريمة مجددا‪ ،‬لسبيبين اثنين‪ ،‬أوال الن العقوبة كانت مشددة‪ ،‬وثانيا ألنه بانقضاء المدة المقررة‬
‫لتجنب العود‪ ،‬سيجني نتائج حسن سلوكه من خالل استرجاعه لنسبة من قيمة الخطية‪.‬‬

‫‪ 102‬والتي تقدر حاليا قيمة الخطية المسلطة على مرتكبها حسب الفصل ‪ 86‬من مجلة الطرقات‪ ،‬بين مائة وعشرين (‪ )120‬دينار إلى مائتي (‪)200‬‬
‫دينار والسجن مدة أقصاها شهر‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫تقتضي السالمة المرورية أن يقع بذل كل العناية الالزمة في سبيل الحد من حوادث المرور الكارثية‪،‬‬
‫والتي تتطلب أن يكون هذا المجال أحد أبرز أولويات الدولة التونسية من خالل تظافر المجهودات لجميع‬
‫األطراف المتداخلة ألجهزة الدولة‪.‬‬

‫ويعتبر البحث العلمي أحد الوسائل الهامة التي تساعد على دراسة المسألة بمختلف جوانبها واقتراح‬
‫حلول ناجعة وفعالة في سبيل الوصول الى النتائج المطلوبة‪ .‬وعليه فان هذه الدراسة قد تطرقت الى أحد أهم‬
‫الجوانب لمادة قانون الطرقات‪ ،‬والتي كما سبق بيانه لم تحظى باالهتمام المطلوب من قبل الفقهاء‪ ،‬المتمثلة‬
‫في أبرز العقوبات لمخالفي قواعد المرور وهي الخطية المالية‪.‬‬

‫لم يكن البحث قائما على الطريقة الوصفية‪ ،‬وإنما على وضع فرضيات بناء على مجموعة وسائل بحثية‪،‬‬
‫على غرار االحصائيات والمقابالت والمراجع الفقهية وغيرها‪ ،‬للوصول الى نتائج في سبيل تطوير حلول‬
‫موجودة أو تفعيل حلول جديدة‪.‬‬

‫بناء عليه‪ ،‬كان التساؤل الجوهري ينطلق من مساءلة الخطية المالية‪ ،‬باعتبارها العقوبة األساسية التي‬
‫تتسلط على مخالفي قواعد الطريق‪ ،‬وبالتالي فهي مطالبة بتحقيق الردع ضمانا لتجنب العود‪ .‬وبعد دراسة‬
‫مختلف الجوانب وإخضاع الخطية المالية لألبحاث الالزمة وقع التوصل إلى حقيقة مفادها أنه توجد نجاعة‬
‫ولكنها محدودة‪.‬‬

‫النجاعة المحدودة للخطية المالية‪ ،‬تظهر من خالل الصعوبات التي تعترضها فتقلص قدرتها على الحد‬
‫من حوادث المرور‪ .‬تتشكل أساسا عبر مظهرين هما ما قبل الحادث وما بعده‪ .‬فليس األمر متشابها‪.‬‬

‫وعليه وقع التوصل إلى فكرة هامة ومختلفة تماما عن التوجه العام لقواعد الجرائم والعقوبات عامة‪،‬‬
‫حيث أن الخط ورة حسب اعتقادنا ال يمكن أن تكون بناء على طبيعة الفعل المجرم‪ ،‬فما يبدو في ظاهره‬
‫بسيطا اال أن النتائج التي تترتب عن حصوله في إطار حادث مرور تؤكد حقيقة خطورته‪.‬‬

‫خالفا للتوجه الذي يتبناه المشرع‪ ،‬وهو أن التشديد في العقوبة حول نفس الفعل االجرامي ال يكون إال‬
‫إذا وقع في إطار حادث مرور‪ ،‬فإن الحرص على التشديد في العقوبة قبل حصول الفعل تكون أنجع‪ ،‬وذلك‬
‫ألن الوقاية تبقى أفضل بكثير من العالج الذي قد ال يغير شيئا في األحداث الواقعة‪.‬‬

‫إضافة إلى أن التضخم التشريعي الذي يظهر من خالل كثرة النصوص القانونية المنظمة لجرائم‬
‫الجوالن‪ ،‬تحول في كثير من األحيان الى عد‪ l‬القدرة على االلمام بها من مختلف األطراف المعنية بالشأن‬
‫المروري‪ ،‬مما يؤدي إلى غياب تطبيق العديد من الفصول القانونية مما يحد من الوصول إلى النتائج المرجوة‬
‫وخاصة الحد من حوادث المرور‪.‬‬

‫تعد اإلجراءات المتبعة الستخالص الخطايا المتسلطة على مرتكبي الجنح المرورية‪ ،‬أيضا من بين أبرز‬
‫العوائق التي تحد من القدرة على تحقيق أهداف السالمة المرورية والسرعة المطلوبة في تخفيض نسب‬
‫الحوادث‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫لقد وقع التطرق إلى الصعوبات التي تجعل من الخطية المالية ذات نجاعة محدودة في صورة حصول‬
‫حادث مرور‪ ،‬والتي تمثلت في جانبين هما عندما ينجر عنه أضرار بشرية وذلك الذي ينجر عنه أضرار‬
‫بشرية‪.‬‬
‫بالنسبة لحصول حادث مرور انجرت عنه أضرار مادية فان االشكال الذي وقع التنبه اليه يتمثل في أن‬
‫المسؤول عن الحادث ال شيء يلزمه بأن يتصل بالشرطة والحرس الوطني اال في حاالت محددة قانونا‬
‫بصفة حصرية مما يفتح معه المجال الى التفصي من المسؤولية الجزائية وبالتالي تضييق مجال تطبيق‬
‫القانون وهو ما يحد من نجاعة الخطية المالية في مجال حوادث المرور‪.‬‬
‫أما بالنسبة للحادث المروري الذي تنجر عنه أضرار بشرية‪ ،‬فان العائق يبرز من خالل استعمال‬
‫المشرع لعبارة يبدو أنها غير واضحة وهي "عدم أخذ االحتياطات الالزمة" كسبب للمؤاخذة الجزائية‪ ،‬وهو‬
‫ما يؤدي الى خطورة االنزالق في التطبيق االلي لهذا السبب على الرغم من وجود صور لتشديد العقوبة عند‬
‫وجود جرائم يحددها النص القانوني عبر استعمال تقنية اإلحالة‪ .‬التطبيق االلي يجعل من مكانة العقوبة‬
‫تتقلص خاصة وأن قيمة الخطية المالية في صورة القيام بالحق الشخصي ال تكون ردعية مقارنة بالقيمة‬
‫المالية للتعويضات المدنية‪.‬‬
‫ال يمكن مساءلة الخطية المالية دون استنطاق للحوادث المرورية لمعرفة كل األسباب المتداخلة التي‬
‫تؤدي الى حصول حوادث المرور بنسب كارثية‪ .‬فالعقوبة ال يمكن ان تؤدي وظيفتها الردعية دون ان تكون‬
‫هناك دعائم قادرة على تحقيق ذلك‪ .‬حيث ان الصعوبة تتأكد من خالل غياب االليات والتجهيزات التي تمكن‬
‫من تطبيق احكام عقوبة الخطية المالية‪.‬‬
‫فنجاعة الخطية المالية محدودة باعتبارها توضع في كفة مع أسباب تتظافر لتؤدي الى حصول حوادث‬
‫كارثية‪ .‬فال يكفي التنصيص على العقوبة دون وجود عوامل أخرى تساعد على تهيئة األرضية المالئمة للحد‬
‫من حوادث المرور‪،‬‬
‫صحيح أن الصعوبات التي تطرأ على العقوبة تحد من نجاعتها‪ ،‬ولكن ذلك ال يمنع من الحث على‬
‫الوصول الى النجاعة المنشودة للخطية المالية في الحد من حوادث المرور‪ .‬ويكون ذلك عبر اليات تشريعية‬
‫وأخرى تطبيقية من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى عبر تطوير وإصالح عقوبة الخطية المالية في مجال حوادث‬
‫المرور‪.‬‬
‫تتمثل االليات التشريعية في ضرورة تدخل المشرع لتنقيح بعض النصوص القانونية صلب مجلة‬
‫الطرقات‪ ،‬وإعادة تنظيم أحكامها بناء على التطورات والتغييرات التي طرأت على مجال الطرقات وخاصة‬
‫على التوجه الذي يقوم على التشديد في العقوبة قبل حصول الحادث وليس بعده والتخلي عن التمسك بالمبادئ‬
‫القانونية التي تصبح حاجزا يحول دون تحقيق األهداف التي وضعت من أجلها القواعد القانونية‪ .‬فمبدأ‬
‫التناسب على سبيل المثال ال يجب النظر اليه من زاوية نظر واحدة فقط وانما ال بد من قياسه على معطيات‬
‫واقعية‪ ،‬حتى ال يتحول الهدف من ضرورة الحد من حوادث المرور الى ضرورة الحفاظ على أسس التجريم‬
‫والعقاب‪.‬‬
‫يمكن تحقيق الهدف المنشود‪ ،‬عند تطبيق هذا الحل وتبنيه وإعادة دراسته من قبل مختلف الفقهاء‬
‫والباحثين‪ ،‬عبر المرور بمراحل تنطلق من األسباب األكثر مساهمة في حصول حوادث المرور القاتلة‪،‬‬
‫ويمكن ان يكون ذلك عبر االستئناس باإلحصائيات التي يقوم بإنجازها المرصد الوطني لسالمة المرور‪.‬‬

‫يجب أيضا األخذ بعين االعتبار فكرة المشروع المقترح من قبل المرصد نحو اصالح عقوبة الخطية‬
‫المالية بجعلها أكثر تناسبا مع التطورات والتغييرات الحديثة على جميع األصعدة‪ ،‬فتكريس استراتيجية‬
‫استرجاع جزء من قيمة الخطية المالية عند غياب العود يشكل حافزا يدعم قدرة العقوبة على الحد من ارتكاب‬
‫جرائم الجوالن‪ ،‬ويتطابق مع الدراسات الحديثة حول علم النفس العقابي الذي يربط فكرة العقاب بالثواب‬
‫لتحقيق الغابة التي وجدت من أجلها العقوبة منذ البداية‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫بناء على هذه الدراسة التي تم إنجازها‪ ،‬فان ما يمكن استخالصه هو أن اإلصالح ال يمكن ان يكون‬
‫بمعزل عن الدراسة الواقعية والمعمقة لمختلف الجوانب والحرص على التطبيق الفعلي للحلول المتوصل‬
‫اليها حتى تتحقق الغاية المتمثلة في الحد من حوادث المرور الكارثية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫المراجع العامة‪:‬‬

‫‪ -‬تأليف جوستينيان‪ ،‬ترجمة عبد العزيز فهمي‪ ،‬مدونة جوسنينيان في الفقه الروماني‪ .‬القاهرة‪ -‬دار‬
‫الكاتب المصري‪ ،1946،‬الطب عة‪ ،1‬العدد ‪( 702‬حقوق النشر والترجمة بالعربية‪ :‬الجزيرة القاهرة ‪،200‬‬
‫دار الكتاب المصري)‪.‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي‪ ،‬المبادئ العامة للقانون الجزائي‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الكتاب‪،‬‬
‫طبعة أولى‪.2017،‬‬
‫‪ -‬محمد اللجمي‪ ،‬التعويض عن الضرر البدني في القانون التونسي والمقارن‪ ،‬الجزء األول‬
‫‪ -‬د‪ .‬مصطفى القللي‪ ،‬في المسؤولية الجنائية‪" :‬أساس المسؤولية‪ .‬عالقة السببية‪ .‬القصد الجنائي‪.‬‬
‫الخطأ" "أسباب االباحة‪ ،‬موانع المسؤولية"‪ .‬مكتبة عبد هللا وهبة‪.1945-1944 .‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬كمال الدسوقي‪ ،‬علم النفس العقابي‪ -‬أصوله وتطبيقاه‪ ،‬المكتبة المركزية‪-‬مصر‪ -‬طبعة أولى‪،‬‬
‫‪.1961‬‬
‫‪ -‬ميشيل فوكو المراقبة والمعاقبة ‪-‬والدة السجن‪ -‬ترجمة علي مقلد‪ ،‬مركز االنماء القومي بيروت‬
‫‪.1990‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬محمد أحمد المنشاوي‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬مكتبة القانون واالقتصاد‪ -‬الرياض‪ -‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪2015‬‬
‫‪ -‬أحمد بن طالب‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪-‬‬
‫‪2014‬‬
‫‪-‬‬
‫المراجع الخاصة‪:‬‬

‫‪ -‬كتاب اإلدارة العامة للحرس الوطني‪ ،‬الجمهورية التونسية‪ -‬وزارة الداخلية‪ -‬احصائيات حوادث‬
‫المرور‪.2018،‬‬
‫‪ -‬أحمد بن خليفة‪ ،‬علم نفس السياقة ودوره في الحد من حوادث المرور‪ :‬التجربة الفرنسية كمثال‪،‬‬
‫جامعة ‪.2015 ،Press‬‬
‫‪ -‬دليل السائق‪ ،‬المرصد الوطني للمرور ‪-‬الديوان الوطني للحماية المدنية‪ -‬الجمعية التونسية للخبراء‬
‫في مادة السيارات وحوادث المرور والجامعة التونسية لشركات التامين‪ ،‬المطبعة الرسمية للجمهورية‬
‫التونسية‪.2020 ،‬‬
‫‪ -‬االعالم وسالمة المرور‪ ،‬سلسلة االعالم في خدمة المجتمع‪ ،‬الجمهورية التونسية‪ -‬وزارة االعالم‪-‬‬
‫الندوة القومية األولى من اجل سالمة المرور‪ ،‬أفريل ‪.1982‬‬
‫‪Rapport de L’OMS- Résumé- Rapport de situation sur la sécurité routière dans‬‬
‫‪le monde 2018‬‬
‫‪Global Status Report On Road Safety OMS, 2018.‬‬
‫‪L’importance pour la sécurité routière de la politique pénale en matière de‬‬
‫‪circulation, plaidoyer une politique criminelle efficace, Institut Belge pour la‬‬
‫‪Sécurité Routière asbl- département recherche et conseil, Discussion Paper n°99-‬‬
‫‪01, mai 1999‬‬

‫‪71‬‬
‫المذكرات واالطروحات‪:‬‬

‫‪ -‬أمال الجالصي‪ ،‬الخطية الجزائية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية – جامعة تونس المنار‬
‫‪ -‬هشام العبيدي‪ ،‬خطأ المتضرر في قانون حوادث المرور‪ ،‬مذكرة لإلحراز على شهادة الماجستير‬
‫في العلوم الجنائية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية تونس المنار‪2016-2015 ،‬‬
‫‪ -‬النقيب سامي الزنايدي‪ ،‬االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور‪ ،‬تقرير ختم الدروس‪،‬‬
‫المدرسة العليا لقوات االمن الداخلي‪.2020،‬‬
‫‪-‬‬
‫المجالت‪:‬‬

‫‪ -‬فرحات الراجحي‪ ،‬تقدير العقوبة‪ ،‬مجلة القضاء والتشريع‪ ،‬المكتبة القانونية التونسية‪ ،‬نوفمبر ‪2007‬‬
‫‪ -‬هشام فاضل‪ ،‬ندوة بعنوان "قانون المرور بين ردع المستهترين وثقافة االنضباط‪ ،"...‬مجلة المرور‪،‬‬
‫اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪-‬دولة قطر‪ 11 ،‬ماي ‪،2016‬‬
‫‪ -‬ادريس حريق‪ ،‬مالحظات حول مشروع تنقيح الباب األول من المجلة الجزائية‪ :‬ال لنقل تجارب‬
‫الغير‪ ...‬نعم لقوانين عصرية طموحة‪ ،...‬تعليق قانوني‪ ،‬مجلة االخبار القانونية‪ ،‬عدد ‪ ،259/258‬أفريل‬
‫‪,2018‬‬
‫‪ -‬مجلة المرور‪ ،‬اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪ ،‬دولة قطر‪ ،‬العدد ‪ 11 ،65-11‬ماي ‪2016‬‬
‫‪ -‬مجلة المرور‪ ،‬اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪ -‬دولة قطر‪ ،‬العدد ‪ 11 ،24-64‬مارس‪،‬‬
‫‪.2016‬‬
‫‪ -‬مجلة المرور‪ ،‬اإلدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية‪ -‬دولة قطر‪ ،‬العدد ‪ 11 ،24-64‬مارس ‪2016‬‬
‫‪ -‬مجلة أصداء األمانة‪ ،‬األمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب‪ ،‬العدد ‪ ،40‬مارس ‪2016‬‬
‫‪-‬‬
‫القرارات القضائية‪:‬‬

‫قرار تعقيبي جزائي عدد ‪ 92178‬صادر بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪( 2020‬غير منشور)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قرار تعقيبي جزائي عدد ‪ 92697‬صادر بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪( 2020‬غير منشور)‬ ‫‪-‬‬
‫قرار تعقيبي جزائي عدد ‪ 92056‬صادر بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪( 2020‬غير منشور)‬ ‫‪-‬‬
‫قرار تعقيبي جزائي عدد ‪ 91881‬صادر بتاريخ ‪ 21‬جانفي ‪( 2020‬غير منشور)‬ ‫‪-‬‬

‫المواقع االلكترونية‪:‬‬

‫‪ -‬موقع بوابة التشريع – تونس‪ ،‬البوابة الوطنية لإلعالم القانوني‪https://cutt.ly/6ke83ye ،‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ -‬موقع المرصد الوطني لسالمة المرور‪https://cutt.ly/gkrwxon .‬‬
‫‪ -‬مداوالت مجلس نوب الشعب بتاريخ ‪ 06‬جويلية ‪ ،1999‬ص‪ .2281.‬موقع مجلس نواب الشعب‪-‬‬
‫المداوالت‪https://cutt.ly/5kuFjRf .‬‬
‫‪ -‬االستراتيجية الوطنية للوقاية من حوادث المرور ‪ ،2020‬موقع المرصد الوطني (مرجع سابق)‪،‬‬
‫‪( https://www.onsr.nat.tn/bibliotheque/maktaba/1603438641.pdf‬تاريخ االطالع‪:‬‬
‫‪)2021/02/02‬‬
‫‪ -‬عقد العمل من أجل السالمة على الطرق ‪ 2020–2011‬ملف إعالمي لمنظمي أحداث التدشين‪.‬‬
‫موقع منظمة الصحة العالمية ‪ WHO‬فريق األمم المتحدة المعني بالتعاون في مجال السالمة على الطرق‪.‬‬
‫‪/https://www.who.int‬‬
‫‪Laurent Carnis, Quels enseignements peut-on tirer des statistiques des‬‬
‫‪infractions au Code de la route sur la politique publique de sécurité routière ? Site‬‬
‫‪web : HAL-archives-ouvertes.fr P.87 https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-‬‬
‫‪00968225v2/document‬‬
‫‪OECD Reviews of Public Health : Korea : Healthier Tommoro, Tackling‬‬
‫‪harmful alcohol use, OECD iLibrary , site web : https://urlz.fr/eXir (18-02-2021).‬‬

‫المالحق‪:‬‬

‫‪ -‬احصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة ‪ 2020‬مأخوذة من إدارة الحرس الوطني (وقع‬
‫الحصول على هذه االحصائيات عن طريق الهيكل المزمع انجاز التربص داخله وهو المرصد الوطني‬
‫لسالمة المرور)‪( .‬ملحق‪)1‬‬
‫‪ -‬احصائيات إدارة الحرس الوطني للمرور للسنوات الممتدة من ‪ 2015‬الى ‪( 2020‬وقع الحصول‬
‫على هذه االحصائيات بناء على إجراءات تكفل بها المرصد الوطني لسالمة المرور‪( ).‬ملحق ‪)2‬‬

‫‪73‬‬
‫الملحق عدد ‪1‬‬
‫نشاط وحدات حرس المرور لسنوات ‪2020-2014‬‬

‫‪2020‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2014‬‬


‫‪656255‬‬ ‫‪804289‬‬ ‫‪806980‬‬ ‫‪704724‬‬ ‫‪686695‬‬ ‫‪539637‬‬ ‫‪392284‬‬ ‫المخالفات‬
‫المرورية‬
‫‪255698‬‬ ‫‪298354‬‬ ‫‪279785‬‬ ‫‪272212‬‬ ‫‪250722‬‬ ‫‪207279‬‬ ‫‪175763‬‬ ‫المحاضر‬
‫العدلية‬
‫(إدارة الحرس الوطني للمرور‪ :‬احصائيات السنوات ‪)2020-2014‬‬

‫الملحق عدد ‪2‬‬


‫احصائيات للمخالفات والجنح المرورية لسنة ‪2020‬‬
‫النشاط‬ ‫نوع الخطية‬
‫‪51275‬‬ ‫الصنف ‪1‬‬
‫‪103456‬‬ ‫الصنف ‪2‬‬
‫‪84113‬‬ ‫الصنف ‪3‬‬ ‫المخالفات المرورية‬
‫‪168818‬‬ ‫الصنف ‪4‬‬
‫‪248593‬‬ ‫الصنف ‪5‬‬
‫‪255698‬‬ ‫المحاضر العدلية‬
‫) إدارة الحرس الوطني للمرور ‪ :‬احصائيات ‪(2020‬‬

‫‪74‬‬
‫الملحق عدد ‪3‬‬
‫أهم أسباب حوادث المرور القاتلة لمدة ‪ 19‬سنة‬
‫المجاوزة‬ ‫عدم مالزمة‬ ‫شق الطريق‬ ‫السهو وعدم‬ ‫السرعة‬
‫الممنوعة‬ ‫اليمين‬ ‫االنتباه‬
‫‪115‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪464‬‬ ‫‪2001‬‬
‫‪89‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪153‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪489‬‬ ‫‪2002‬‬
‫‪119‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪182‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪543‬‬ ‫‪2003‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪193‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪463‬‬ ‫‪2004‬‬
‫‪94‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪210‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪497‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪153‬‬ ‫‪246‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪404‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪103‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪235‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪394‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪80‬‬ ‫‪186‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪442‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪101‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪421‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪297‬‬ ‫‪2010‬‬
‫‪90‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪142‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪2011‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪208‬‬ ‫‪174‬‬ ‫‪139‬‬ ‫‪548‬‬ ‫‪2012‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪171‬‬ ‫‪209‬‬ ‫‪199‬‬ ‫‪473‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪65‬‬ ‫‪219‬‬ ‫‪258‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪416‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪181‬‬ ‫‪249‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪415‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪243‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪400‬‬ ‫‪2016‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪196‬‬ ‫‪166‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪420‬‬ ‫‪2017‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪160‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪344‬‬ ‫‪2018‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪176‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪366‬‬ ‫‪2019‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪195‬‬ ‫‪271‬‬ ‫‪2020‬‬
‫(موقع المرصد الوطني لسالمة المرور)‬

‫‪75‬‬
76

You might also like