You are on page 1of 4

‫المنطق والفكر‬

‫تعريف املنطق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫(ن ط ق) أص الن ص حيحان‪ :‬أح دهما كالم أو م ا أش بهه‪ ،‬واآلخ ر جنس من اللب اس‪ .‬األول ِ‬
‫املنط ق‪ ،‬نط ق ينط ق‬
‫طاق‪.‬‬ ‫طاق‪ :‬إ ار فيه ت َّك ٌة‪ .‬وتسمى الخاصرة‪ :‬الناطقة‪ ،‬ألنها بموضع ّ‬ ‫ُنطقا‪ .‬واآلخر ّ‬
‫الن ُ‬
‫الن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ز‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫واملنط ق‪ :‬الكالم‪ ،‬وكالم ّ‬
‫﴿ع ِلمنا‬ ‫كل شيء منطقه‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قال اين منظور‪" :‬نطق الناطق ينطق نطقا‪،‬‬
‫َّ‬
‫منطق الط ِير﴾‪ .1‬فاملنطق مشتق من النطق وهو مصدر ميمي معناه‪ :‬الكالم‬ ‫ِ‬
‫وقد ورد لفظ نطق في القرآن الكريم اثنتي عشرة ّ‬
‫مرة‪:‬‬
‫الص افات اآلي ة ‪ّ ،92‬‬
‫وفص لت اآلي ة ‪،21‬‬ ‫األنبي اء اآلي ة ‪ 63‬واآلي ة ‪ ،65‬املؤمن ون اآلي ة ‪ ،62‬النم ل اآلي ة ‪ 16‬واآلي ة ‪ّ ،85‬‬
‫والجاثية اآلية ‪ ،29‬الذاريات اآلية ‪ ،23‬النجم اآلية ‪ ،3‬املرسالت اآلية ‪.32‬‬
‫وفي ّ‬
‫كل هذه اآليات ينصرف النطق‪:‬‬

‫ّإم ا إلى معنى الكالم أي األصوات الصادرة عن اللسان‪ ،‬بما فيها اآلية التي استعمل فيها لفظ "منطق" وهو‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫يدل على الصلة الوثيقة بين املنطق والكالم واللغة لغويا ُور ّبما اصطالحيا أيضا‪.‬‬
‫مؤش ٌر ّ‬
‫كن ا نستنسخ‬ ‫بالحق ّإن ا ّ‬
‫ّ‬ ‫إلى معنى املكتوب كما في قوله تعالى من سورة الجاثية‪ ﴿ :‬هذا كتابنا ينطق عليكم‬ ‫‪-‬‬
‫ُ‬
‫ما كنتم تعملون﴾‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فالنطق هو ّ‬
‫تعرف "األصوات املقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها اآلذان‪ ،‬وال يكاد يقال إال لإلنسان وال يقال‬ ‫‪-‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫إال على سبيل ّ‬
‫صوت‪.‬‬ ‫الت َب ِع‪ ،‬نحو الناطق والصامت‪ ،‬فيراد بالناطق ما له صوت وبالصامت ما ليس له‬ ‫لغيره‬
‫‪ ‬معنى كلمة منطق فب اللغتين اليونانية واإلنجليزية‪:‬‬
‫اشتقت كلمة ‪ Logic‬اإلنجليزية و ‪ Logique‬الفرنسية من الكلمة اليونانية ‪ Logos‬ومعنى لوجوس‪ :‬الكلمة‪ّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫‪-‬‬
‫َأ‬
‫خذت معنى اصطالحيا وهو ما وراء الكلمة من عملية عقلية ثم ارتباط الكلمة بكلمة أخرى لتكون قضية أو‬
‫ثم االستدالل على األحكام والبرهنة عليها وارتباطها ارتباطا عقليا بعضها ببعض‪.2‬‬ ‫حكما‪ّ ،‬‬
‫عدة معاني لكلمة اللوجوس اليونانية‪ :‬حيث ّإن " كلمة اللوجوس ‪ Logos‬تعني العقل أو الفكر أو البرهان‬ ‫ّثمة ّ‬ ‫‪-‬‬
‫أو القانون أو اللغو أو الناموس‪.3‬‬
‫وأخ ذت كلم ة ‪ Logike‬ت دخل في لف ظ ك ل العل وم باعتب ار ّأن املنط ق ِعلم ك ّل العل وم وباعتب ار ّأن عناص ره‬ ‫‪-‬‬
‫ومبادئه تنطبق على ّ‬
‫كل العلوم‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬
‫المنطق والفكر‬
‫ّ‬
‫التخلص من سلطانه ال في وضع علومهم وال في مناهجهم‪ُ .‬‬
‫فو ِس مت‬ ‫ولذلك يحاول أصحاب العلوم ومنتجوها‬ ‫‪-‬‬
‫أسماء املادة التي تبحث فيها كل علم باسم املنطق‪ ،‬فاعتبرت كل مادة منطقا ينطبق على دائرة من دوائر‬
‫الفكر‪ ،‬فمثال بيولوجي ‪ Biology‬هو املنطق الذي يبحث ظاهرة الحياة‪.1‬‬
‫املنطق اصطالحا‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬
‫تعص م ُمراعاته ا ال ذهن عن الخط أ في‬
‫املش هور من تعريف ات الفالس فة م ا قال ه الجرج اني‪" :‬املنط ق آل ة قانوني ة ِ‬
‫ّ‬
‫الفكر"‪ .2‬ويزعم الفالسفة ّأن نسبة املنطق إلى الفكر كنسبة النحو إلى الكالم‪ ،‬والعروض إلى الشعر‪ ،‬فهو بمنزلة اآللة‬
‫له‪.3‬‬
‫مخت َل ف العلوم للمنطق ّكلها تستهدف ّ‬
‫تصورا واحدا وهو ّأن املنطق‪" :‬هو قانون‬ ‫ّإن التعاريف التي ذكرها أهل َ‬

‫التفكير الصحيح"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يفك ر تفك يرا ص حيحا الب ّد أن ي ر َ‬
‫اعي ه ذا الق انون و إال س وف ي ِز ُّل وينح رف في تفك يره‬ ‫ف إذا أراد اإلنس ان أن ِ‬
‫حجة‪.‬‬‫فيحسب ما ليس بنتيجة نتيجة أو ما ليس بحجة ّ‬
‫ّ‬
‫وقد ُع ّ ِرف املنطق أيضا بأنه‪:‬‬

‫‪ -‬علم يبحث عن القواعد العامة للتفكير الصحيح‪.‬‬


‫ّ‬ ‫املتعلق ة بجمي ع حق ول التفك ير اإلنس ّ‬‫ّ‬
‫يخص‬ ‫اني في مختل ف مج االت الحي اة‪ ،‬ال م ا‬ ‫فه و علم يبحث عن القواع د‬
‫خاص كعلم النحو أو البالغة أو األصول أو التفسير‪ ،‬فال عالقة‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫عينا‪ ،‬إذ ّأن هناك قواعد ُيحتاج إليها في علم‬
‫جانبا ُم ّ‬
‫َ‬ ‫للمنطق بها بما هي قواعد ذلك العلم‪ .‬نعم للمنطق إشراف دقيق على مدى ّ‬
‫صحتها أو سق ِمها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فهو وسيلة إذا للتفكير الصحيح في كافة مجاالت العلوم على اختالفها‪ ،‬ولهذا ُس ّمي باآللة‪ُ .‬‬
‫وع ّرف بأنه‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطِأ في الفكر‪.‬‬
‫ظهور مصطلح علم املنطق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫تالمذته بحسب‬ ‫لم يطلق أرسطو على فلسفته علم املنطق وال كان مشتهرا في عصره ولكنه ظهر فيما بعد على ِيد ِ‬
‫ّ‬
‫ما أورده الدكتور علي النشار حيث ق ال‪" :‬وبالجملة أخ ذت كلم ة ‪ Logike‬اليونانية التي ال نج دها عن د املعلم األول‬
‫أرسطوطاليس معنى خاصا بحيث شملت الدراسات املنهجية العقلية التي وضعها وأطلق عليها هذا اللفظ"‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأول من أش ار إلى ّأن الكلم ة وض عها الش ّراح املش اؤون من أتب اع أرس طو هو‪ ،poice‬فنج د اللف ظ عن د‬
‫ُ‬
‫ثم عند اإلسكندر األفروديسي وجالينوس وك ّت اب اليونان املتأخرين على‬‫ثم عند شيشرون‪ّ ،‬‬
‫أندرونيكوس الرودسي‪ّ ،‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬
‫المنطق والفكر‬
‫العم وم‪ ،‬وق د انتش رت في كتاب اتهم كلم ة املنط ق والعلم املنطقي وفن املنط ق والفن املنطقي ونس تنتج من ه ذا ّأن‬
‫ّ‬
‫أرسطوطاليس لم يعرف الكلمة ولم ِترد في كتاباته وإنما أطلق عليه اسم العلم التحليلي‪.1‬‬

‫أصل اصطالح (منطق) في العربية‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ُ‬
‫ّأم ا املصطلح العربي "منطق" فقد ُع رف حين ت رجم املنطق األرسطي إلى اللغة العربية‪ ،‬ولم تكن الكلمة تتضمن‬
‫في العربية وقبل ترجمة "املنطق" معنى التفكير أو االستدالل‪ ،‬بل كانت ّ‬
‫تدل على معنى الكالم‪ ،‬وبقي هذا املعنى األخير‬
‫شائعا حتى بعد أن اصطلح على تسمية علم الفكر باملنطق‪.‬‬
‫ولم تكن كلمة منطق تعني التقليد واالستدالل‪ ،‬بل كانت ّ‬
‫تدل على معنى النطق والكالم‪ ،‬وبقي هذا املعنى بعد أن‬
‫اصطلح على تسمية علم الفكر باملنطق‪ ،‬فنجد صاحب كتاب إصالح املنطق يعني إصالح اللفظ أو إصالح وتقويم‬
‫اللغة‪ّ ....‬‬
‫ثم استعمل املنطق فيما بعد بمعنى الجاللة على التفكير وعلم االستدالل‪.2‬‬
‫وتنوعت ألقابه فيما بعد فقد ّ‬
‫سماه العرب بعلم املنطق تارة وعلم امليزان‪ ،‬وهو عند الفارابي رئيس‬ ‫ثم ّ‬
‫تعددت ّ‬ ‫ّ‬
‫العلوم لنفاذ حكمه فيها‪ ،‬وعند ابن سينا خادم العلوم ألنه ألة لها ووسيلة إليها‪ ،‬وعند الغزالي معيار العلم‪.‬‬

‫وجه املناسبة بين املعنيين اللغوي واالصطالحي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫تقر في ال ذهن من أفك ٍار ومف اهيم وتص ّو ٍ‬


‫رات إلخ‪....‬‬ ‫انطالق ا من ك ون املنط ق ال ذي ه و الكالم إفص احا ّ‬
‫عم ا اس ّ‬
‫َ‬
‫وأيضا لكون مهمة املنطق الذي هو العلم البحث في هذه األشياء وأشباهها فقد ناسب أن يستعير املنطقيون هذا‬
‫االسم للداللة على هذا العلم‪.‬‬

‫املنطق األرسطي‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫تعريف املنطق عند أرسطو‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يعرف أرسطو املنطق بأنه "آلة العلم‪ ،‬وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه‪ ،‬أو هو صورة العلم‪o."3‬‬
‫ُ‬
‫"ومن هنا فقواعد املنطق عند أرسطو مقدمة للعلوم‪ ،‬أو آلة لها تسمى أورغانون ‪ ،organon‬أي اآللة‪."4‬‬
‫ولذلك ّ‬
‫فإن أرسطو لم يدخل املنطق في أقسام العلم النظري إذ هو قوانين ّ‬
‫ومقدمات‪ 5‬املنطق الصوري‪.‬‬

‫لدى أرسطو نوعان من املنطق‪:‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ 5‬علي النشار‪ ،‬ص‪6‬‬

‫‪3‬‬
‫المنطق والفكر‬
‫مجردة من ّ‬
‫كل مضمون ويبحثها أرسطو حين‬ ‫األول املنطق الصغير‪ :Logica minor :‬وهو دراسة قوانين الفكر ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫يتكلم عن القياس كما في التحليالت األول ــى وهو املتعارف عليه باسم املنطق الصوري‪.‬‬
‫الثاني املنطق الكبير‪ :Logica major :‬وهو ما ينطبق على مناهج البحث ويقصد به دراسة عمليات العقل‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫يتكلم عن القياس ّ‬
‫مطبقا على البرهان‪.‬‬ ‫منطبقة على هذا العلم أو ذاك كما في كتاب التحليالت الثانية‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن هنا يمكن القول ّ‬
‫بأن املنطق لدى أرسطو لم يكن صوريا كله بمعنى أن الجزء األكبر منه تغلب على الناحية‬
‫ّ‬
‫الشكلية غير أنه لم يهمل الناحية املادية‪.‬‬

‫املنطق الصوري واملنطق الرمزي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أهم خص ائص املنط ق األرس طي هي الص ورية‪ ،‬واملقص ود بالص ورية‪ّ :‬أن املنط ق يبحث في ص ور الفك ر أو‬
‫لع ّل ّ‬
‫ويعد املنطق األرسطي منطقا صوريا ألن صحة االستدالالت أو سقمها‬ ‫شكله بصرف النظر عن مادته أو مضمونه‪ّ .‬‬
‫من وجهة نظر هذا العلم تنبني على صورة القياس واالستدالل من األشكال األربعة املبحوث عنها في املنطق‪ ،‬ال على‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫مادته من القضايا التي تشكل القياس املنطقي‪.‬‬
‫ّ‬
‫املادي‪ .‬فاملنطق الصوري يشمل املنطق األرسطي والتقليدي الذي‬ ‫ّ‬
‫يمي ز املناطقة بين املنطق الصوري واملنطق‬
‫ش ايع األرس طي ش رحا وتوض يحا واتباع ا‪ ،‬ثم املنط ق الح ديث‪ ،‬أم ا املادي فه و علم من اهج البحث ويتض من املنهج‬
‫الرياضي‪ ،‬املنهج االستقرائي التجريبي واملنهج التاريخي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويعد أرسطو املؤسس األول للمنطق الصوري وقد استعمله أداة للبرهنة في بقية العلوم‪ ،‬ألن موضوعه بنظره‬
‫عقلي‪ ،‬فاملنطق يدرس صور الفكر البشري بغض النظر عن مضامينها الواقعية‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like