You are on page 1of 127

‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬


‫ابن سيده‬
‫نبذة عن الكتاب ‪:‬‬
‫من أشهر ما وصلنا من شروح ديوان المتنبي‪ :‬وموضوعه ظاهر في عنواه‪ ،‬فهو ليس شرحًا لكل أبيات‬
‫الديوان‪ ،‬وإنما اقتصر فيه على ما كان سببا للخصومة‪ ،‬ومثارًا للجدل‪ ،‬مما أشكل من أبيات المتنبي‪ ،‬وما‬
‫استغلق من معانيه‪ ،‬وما استبهم من تراكيبه‪ .‬وأكثر فيه من االستشهادات النحوية واآلراء اللغوية‪ ،‬والنقل‬
‫عن سيبويه خاصة‪ .‬ورأى في هذا الجانب من شعر المتنبي مادة خصبة‪ ،‬تشبع رغبته في البحث عن‬
‫دقائق النحو والتصريف‪ .‬وقد ألفه ابن سيده ت‪458‬هـ بعد (المخصص) و(المحكم) وهما مع هذا الكتاب‬
‫كل ما وصلنا من تراثه‪ .‬وفي الكتاب اشارات تبين أنه ألفه بعد الفراغ منهما‪ ،‬كقوله في شرح بيت لذي‬
‫الرمة ( وقد أثبت هذا في كتابي الموسوم بالمخصص في اللغة) وقوله في شرح بيت للمتنبي (وقد أثبت‬
‫ُ‬
‫األيُّل واشتقاقه ووزنه وتكسيره وما فيه من اللغات في كتابي الموسوم بالمحكم)‬

‫نص الكتاب‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫وصلى اهلل على سيدنا محمد وسلم‬
‫قال ابو الحسن علي بن إسماعيل النحوي المعروف بابن سيده‪ :‬قال ابو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي رحمه‬
‫اهلل تعالى‪:‬‬
‫هج ُر َب ْي َن ْال َج ْف ِن‬
‫َو َف َّرف ْال ْ‬ ‫َ‬
‫والوسن‬
‫َ‬ ‫أ ْبلَى ْال َه َوى أس ًفا يو َم ْالنَّوى َبد ِ‬
‫َنـى‬
‫يذهب الناس إلى أن أسف البعد هي الذي أباله على عادة ال ِبلَى وإنما قصد المبالغة‪ ،‬أرد أن ال ِب َل يعمل في‬
‫الجسام فحاال على األيام‪ .‬وقد عمل فيه ليوم واحد‪ ،‬وهو يوم النَّوى‪ ،‬عمله لسنين‪.‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫َضيج ٍة َفوق ِخ ْل ِبها َيدُها‬
‫نِ‬ ‫َظ ْلت بهاَ َت َ‬
‫نط ِوي َعلَى َكب ٍد‬
‫خردُها‪.‬‬
‫مضمن باألول وهو أبعد بان عنك َّ‬ ‫َّ‬ ‫لب‪ :‬غشاوة الكبد والبيت‬
‫والخ ُ‬
‫ظلت‪ :‬أقمت‪ِ ،‬‬
‫فالعامل في أَبْعدَ‪ ،‬ظلت كأنه قال‪ :‬ظلت بها َب ْع َد ما بان ُخ َّردُها‪ ،‬والمعنى‪ :‬بعدما بان خردها‪ ،‬ظلت منطويا على‬
‫كبد قد أنضجها التوجع وأذابها التفجيع‪ ،‬و(عليها يدها)‪ :‬إنما توضع اليد على الكبد خشية من ضعفها‪.‬‬
‫يريد بذلك‪ ،‬وكذلك يُ ْف َعل بالفؤاد‪ ،‬كقول اآلخر‪:‬‬
‫نار الهوى وا ْن َطويت َفوق َيدِي‬ ‫كفى َعلَى ُفؤادي م ْ‬
‫ِـن‬ ‫وضعت ِّ‬
‫ُ‬
‫يجة)‪ ،‬صفة للكبد في اللفظ والمعنى‪ ،‬ال َّ‬
‫حظ لليد في النُّضج‪ ،‬وإنما يريد أن اليد‬ ‫َض َ‬
‫وأكثر الناس على أن (ن ِ‬
‫َ‬
‫موضوعة على ِخلب الكبد فقط‪ ،‬ويُقويه البيت الذي أنشدناه‪ ،‬وهو (وضعت كفى على فؤادي من‪......‬ناؤ‬
‫الهوى‪.).....‬‬
‫وقد يجوز أن يكون (نضيجة) صفة للكبد في اللفظ‪ ،‬ولليد في المعنى‪ ،‬أي على كبد قد نضجت يدها على خلبها‬
‫من حرارتها‪ ،‬وهذا أبلغ ألنه إذا أنضجت اليد وهي موضوعة على الخلب من حر الكبد‪ ،‬فما الظن بالكبد؟ فإذا‬
‫كان المعنى على هذا‪ ،‬جاز في (نضيجة) الجر والرفع‪ .‬فالجر على الصفة للكبد في اللفظ‪ ،‬والرفع على أن‬
‫يكون خبر مبتدأ‪ ،‬وذلك المبتدأ هو اليد‪ ،‬كأنه قال‪ :‬يدها نضيجة فوق خلبها‪ .‬وهذا كما تقول‪ :‬مررت بامراة‬
‫ٌ‬
‫ظريفة‪.‬‬ ‫أمها‬
‫أمها‪ ،‬أي ُّ‬ ‫ٌ‬
‫ظريفة ُّ‬ ‫ظريفة أمتها‪ ،‬فالظرف في اللفظ للمرأة‪ ،‬وفي الحقيفة لألمة‪ .‬وإن شئت قلت‪:‬‬
‫الجر‪ .‬وكن (نضيجة) صفة لليد‪،‬‬ ‫وأما إذا كانت النضيجة صفة للكبد في اللفظ والمعنى‪ ،‬فإنه ال يكون فيها اال ُّ‬
‫أبلغ في المعنى‪ ،‬ألنها حينئذ نضيجة بما ليس في ذاتها‪ .‬وإذا كانت نعتًا للكبد‪ ،‬فهي نضيجة بما في ذاتها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫واحتراق الشيء بما ليس في ذاته‪ ،‬أبلغ من احتراقه بما في ذاته وإنما يريد أنه إذا وضع يده على كبده متألمًا‬
‫نضجيت اليد بحر الكبد‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫من الجمر قِيد الر ْم ِح الحترق‬ ‫هل الوجد إال أن قـلـبـي‬


‫الجمر‬
‫ُ‬ ‫لـودنـا‬
‫وهذا عندي أبلغ من قول المتنبي‪ ،‬ألن اليد إذا كانت على خلب الكبد‪ ،‬فهي اقرب إلى‬
‫الناري محترقًا من حر‬
‫ّ‬ ‫الحرِق رمجلا نيبو هنيب ناك اذإ ‪،‬رمجلا نم داؤفلا نم ّي ُد ُرمح‪ ،‬مع أنه جعل الجمر‬
‫فؤاده‪ .‬فحر الفؤاد إذن أشد من حر الجمر‪.‬‬
‫أسودُها)‬
‫س ْ‬‫الد َم ْق ِ‬
‫فصار مثل ِّ‬ ‫فر ُق ل َّ‬
‫ِمتِـ ِه‬ ‫شاب من الهجر ْ‬
‫( َ‬
‫وفي هذا البيت َث ْر َملَة صنعة‪ ،‬قال‪َ ( :‬ف ْ‬
‫رق لمِته) فخص جزءًا من اللمة ثم قال‪ :‬أسودُها‪ ،‬ف َع َّم‪ ،‬لكن قد يجوز أن‬
‫يعود الضمير إلى الفرق‪ ،‬وإن كان الفرق مذكرأ‪ ،‬ألن المذكر إذا كان جزءًا من ذات المؤنث جاز تأنيثه‪.‬‬
‫أنشد سيبويه‪:‬‬
‫َّم‬
‫الد ِ‬ ‫صدر القنا ِة من‬
‫ُ‬ ‫َو َت ْش َر ٌق بالقول الذي َق ْد ْ‬
‫أذعـ َتـ ُه كما َش ِر َق ْت‬
‫ِّ‬
‫وقد يجوز أن يريد بياض اللمة كلها‪ ،‬وخص ال َف ْر َق‪ ،‬ألنه معظم الرأس‪ ،‬تم أعاد الضمير إلى اللمة‪ .‬وإنما وج ُه‬
‫وحسن في القافية أن يقول‪:‬‬ ‫استواء الصنعة لو اتزن له‪ُ ،‬‬
‫فصارمثل الد َم ْق ِ‬
‫س أسودُها‬ ‫ِـمـتُـ ُه‬ ‫ْ‬
‫شابت من ال َه ْجر ل َّ‬
‫ِمته) وأسودُها هنا‪ :‬ليست مفاضلة‪ ،‬إذ لو كان ذلك‪ ،‬لكان أشد سوادًا‪.‬‬‫أو يقول‪( :‬أسودُه) بعد قوله (ل َّ‬
‫وقد يجوز أن يكون أراد المفاضلة‪ ،‬فقد جاء ذلك شاذًا‪ ،‬فقوله أسودها بريد به ُمس َودها كما يقول‪ :‬هو أسود‬
‫القوم أي األسود فيهم‪.‬‬
‫أقربُها منك َع ْن َك أَب ْعدُهـا‬ ‫(كيف يحيك ال َمال ُم في ِه َم ٍم‬
‫ف إذا ُحمل على ظاهره لكن لو قال‪:‬‬ ‫أقر شيء أبع َد شيء! هذا ُخْل ٌ‬ ‫كيف يكون ُ‬
‫أقربها منك بعيد عنك‪ ،‬كان حسنًا‪ ،‬ولكن الذي أراده‪ :‬أقربها عندك مثل أبعدُها‪.‬‬
‫فالجملة في موضع الصفة لهمم‪ .‬أي أقربها منك عندك أبعدُها منك على الحقيقة‪.‬‬
‫ُشئُونُها َّ‬
‫والظال ُم يُ ْن ِجدُها)‬ ‫(أَ ْح َي ْيتُ َها واّلد ُ‬
‫ُّموع تُ ْن ِجدُنى‬
‫أحييتها‪ :‬يعني الليالي‪ .‬تنجدنى‪ :‬تعيننن‪ .‬والشؤن‪ :‬مجارى الدموع‪ ،‬واحدها شأن‪.‬‬
‫أي أحييت الليالي بالسهر والبكاء‪.‬‬
‫ومعنى ال بيت‪ :‬إن شأن الدمع أن يخفف الحزن‪ ،‬كقول البحتري‪:‬‬
‫إن الدموع هي الصبابة فاطرحح بعض الصبابة واسترح بهمومها‬
‫وهذا مثير في أشعار العرب‪ .‬وهو عندنا موجود بالمشلهدة‪ ،‬فكأن الدمع يعينه على طول الليل‪ ،‬وإعانة الدمع‬
‫ال‪ ،‬أحدى من إانته عليه إياه نهارًا‪ ،‬ألن المحزون يتسلى نهارًا بما يتأمله‪ ،‬وينظر إليه‪،‬‬ ‫للمحزون على الحزن لي ً‬
‫والظالم يقصر الطرف عما يتشاغل به المحزون نهارًا‪ ،‬فيفرغ الحزين عند ذلك إلى الدمع‪ ،‬ال يجد ُمعينًا‬
‫صر الطرف عما يتشاغل به المحزون‪ ،‬زاد الليل بذلك طو ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫غيره‪ .‬قال‪( :‬والظالم ينجدها) أي أن الظالم إذا َق َ‬
‫صره طرفه عن النظر إلى ما يتشاغل به‪ .‬ولذلك قال الشاعر‪:‬‬ ‫فكأن الظالم أنجد الليل عليه ب َق ْ‬
‫بلى إن للعينين في الصبـح راحة لطرحيمها َط ْرفيهما كل َم َ‬
‫طر ٍح‬
‫وقوله‪( :‬والدموع تنجدنى) جملة في موضع الحال من التاء في أحييت‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬والظالم ينجدها) جملة في موضع الحجال من الهاء التي في أحييتها‪ ،‬أي أحييت الليالي وأنا تنجدنى‬
‫دموعي بالتسلية‪ ،‬وهي ينجدها الظالم بالتطويل لها‪.‬‬
‫جهدُها)‬‫ُ‬ ‫الـر َ‬ ‫(ال نَا َقتي َت ُ‬
‫الرهان أ ِ‬
‫بالس ْوط َيو َم ِّ‬
‫َّ‬ ‫ديف وال‬ ‫قبـل َّ‬
‫حاجى بهذا البيت‪ ،‬إنما عنى َن ْعلَه‪ ،‬فكنى عنها بهذا النوع من الحيوان ألن الماشي يعلو نعله كمل يعلوا الراكب‬
‫ناقته‪ ،‬ونفى عنها ماال يكون الحقًا لغير الحيوان المراكب‪ ،‬يخرجها بذلك من نوعه‪ .‬ثم بين هذه ُ‬
‫األحجيَّة فقال‪:‬‬
‫وع ِم ْق َودُها)‬ ‫ِز َماَ ُمها ُ‬
‫والش ُس ُ‬ ‫( ِشرا ُكها ُك ُ‬
‫ورها وم ْ‬
‫ِش َف ُرها‬
‫أي كل واحد من طوائف هذه النّعل يحل محل األرداف من الناقة‪ ،‬فجعل شراكها كالكور على وسط الناقة‪.‬‬
‫والش ُسوع ِم ْقودها‪ ،‬وذلك أنه َي ْفضل عن ذات النعل‪ ،‬كما أن ال ِم ْق َود‬
‫ِش َفر الناقة أمامها‪ُّ ،‬‬
‫والزمام أمامها‪ ،‬كما أن م ْ‬
‫يفضل عن المقود‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وش ْسعها مقودها فيفرد‪ ،‬كما قال‪ :‬شراكها وزمامها‪ ،‬لكنه جمع َعلَى أن كل ظائفة من‬ ‫وكان ينبغي أن يقول‪ِ :‬‬
‫كورها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الش ْسع ِش ْس ٌع‪ ،‬وكذك كان ينبغي أن يقول لو اتزن له‪( :‬وزما ُمها‪ :‬مِشفرها)‪ ،‬كما قال‪( :‬شراكها‪ُ :‬‬ ‫ِّ‬
‫ِشفر ذاتي‪ ،‬والكور‬‫وشسوعها‪ :‬مِقودها)‪ ،‬فبدأ بطوائف النعل قبل أداة اإلبل‪ ،‬لكن َح َّسن عندي ابتداءه بالم ْ‬
‫والمقود من األداة‪ ،‬ال من الذات‪.‬‬
‫حمدُها)‬ ‫كما أُت ْ‬
‫ِيحت له ُم َّ‬ ‫ربة أُ َ‬
‫تيح لَها‬ ‫ض ً‬ ‫(ياَ لَ َ‬
‫يت بي َ‬
‫معنى إتاحة الضربة له‪ُ :‬حلُوها به‪ ،‬ومعنى إتاحة محمد لها‪ُّ :‬‬
‫نبوها عنه‪ ،‬واحتماله لها‪ ،‬وتأثيره فيها برغمه‪،‬‬
‫ُ‬
‫وكذلك كل حال وذى حال كل واحد منهما ُمتاح لصاحبه‪ ،‬وأراد أتيح محمدها كما أتيحت هي له‪ .‬وأتيح قٌدِّر‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون أراد أن الضربة ندمت حيت وقعت به‪ ،‬ألنها لم تكن بحق‪ ،‬فكان ذلك الندم تأثيرًا فيها‪ ،‬وكذلك‬
‫غير ُم ْس َتحق‪ .‬وكل ذلك مجاز واتساع‪ .‬أي قدر محمد للضربة كما ُقدرت له فكان هو المؤثر‬ ‫ضرب َ‬‫َ‬ ‫السيف‬
‫فيها‪ ،‬أال ترى بعده‪:‬‬
‫أَثَّر في وجهه ُمهنُدّها)‬ ‫(أَثر فيها وفي الحدي ِد َو َما‬
‫أثر في الشيء‪ :‬غادر فيه أثرًا‪ ،‬وال يكون إال في الجواهر‪ ،‬كقولك‪ :‬أثر المطر في الحائط والْ َخ ْسف في‬
‫االرض‪ ،‬وأثر المرض في الجسم وال يكون ذلك في ال َع َرض‪ ،‬وقد اقتسم قوله‪( :‬اثر فيها وفي الحديد) جوهرًا‬
‫ض‪ ،‬ألنها كناية الضربة التي‬ ‫وعرضًا‪ ،‬أما الجوهر فالحديد والتأثير فيه شائع‪ ،‬وأما الهاء في قوله‪( :‬فيها) َف َع َر ٌ‬
‫في قوله‪:‬‬
‫يا ليت بي ضربه أتيح لها‬
‫ْن‪ ،‬والعين ال يكون إال في عين مثله‪،‬‬ ‫األثر‪ .‬واألثر َعي ٌ‬
‫وإنما لم يصح التاثير في ال َع َرض ألن التاثير أيضًا ُ‬
‫أعنى بالعين‪ :‬الجوهر‪ ،‬إذ ال يحمل الجوهر إال جوهر‪ .‬وأما ال َع َرض فليس بعين‪ ،‬فيكون حامال لعين آخر‪.‬‬
‫فإذن قولهُ‪( :‬أثر فيها) استعارة ومجاز غريب‪ .‬كأنه توهم الضربة َعيْنًا‪ ،‬بل هو عندي أبلغ‪ ،‬ألنه إذا أمكنه‬
‫التأثير في ال َع َرض كان له في الجوهر أمكن‪ ،‬لكنه مع ذلك قول شعري‪ .‬أعنى أنه ليس بحقيقة‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫وما أثر في جهه مهنَّدُها‬

‫(ه َّن َد ْت ُه النساء)‪ :‬أي تَّمته والميتم ‪. . .‬‬


‫المهند‪ :‬السيف‪ .‬وهو عندي من قولهم‪َ :‬‬
‫نحيل‪ ،‬فكذلك السيف‪ ،‬ولم ينف تأثير المهند في وجهه نفيًا كليًا‪ .‬وكيف ذلك وقد‬
‫أثبت الضربة‪ ،‬وهي التاثير‪ .‬وإنما أراد أن المهند لم ُيؤثر في وجهه أثرًا قبيحًا‪،‬‬
‫ألن وقوع الضربة على الوجه َتزين وال َت ِشين‪ ،‬لداللتها على الشجاعة واإلقدام‪،‬‬
‫كما أن التاثير في الظهر دليل على الجيبن والفرار‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫فلسنا على األعقاب َت ْد َمى ُكلُومنا ولكن َعلَى أعقابنا ُ‬
‫تقطر الدَّما‬ ‫ْ‬
‫ويُروى (تقطر الدِّما)‪ .‬جعل (الدِّما) اسمًا مقصورًا ك ِغنَى‪.‬‬
‫أنشد الفارسي‪:‬‬
‫س منه ندما‬ ‫أعقبها ال ُغ ْب ُ‬ ‫ك َمهاة فقدت َب ْرغزهـا‬
‫فاذا هي بعظام و ِد َمـا‬ ‫غفلت ثم أَتت تطلـبـه‬
‫فهذا شي ُء َع َرض‪ ،‬ثم نعاود الغرض‪.‬‬
‫فكان المهند لما وقع على وجهه‪ ،‬فكان ذلك إشعار بإلقدام‪ ،‬ثم لم يؤثر فيه البتة‪ ،‬فلذلك نفى التاثير نفيًا عامًا‪.‬‬
‫ْت‪ ،‬كنت بمنزلة من لم يتكلم وإن‬ ‫ونحوه ما حكاه سيبويه من قوله‪( :‬تكلم ولم يتكلم) أي أنك إذا لم تُجد وال َ‬
‫أصب َ‬
‫كنت قد تكلمت‪.‬‬
‫قاب يُ ْخ ِمدُها)‬
‫الر ِ‬
‫وص ُّب ما ٍء ِّ‬
‫َ‬ ‫اربـهـا‬
‫ضِ‬ ‫ِن َم َ‬ ‫ِح النَّ ُ‬
‫ار م ْ‬ ‫( َت ْنقد ُ‬
‫قدحه فانقدح‪ :‬أوقد فاتقد‪ ،‬أي أن السيوف تقطع ما تحتها وتهوى في التراب‪ ،‬فال يردها إال َح َجر يقدح النار‬
‫جرم السيف‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫بمالقاته ْ‬
‫باح ِب‬
‫الح ِ‬
‫نار ُ‬
‫اح َ‬ ‫وتوقد ُّ َّ‬
‫بالصف ِ‬ ‫نسج ُه‬
‫المضاعف ُ‬
‫َ‬ ‫السلُ َّ‬
‫وقى‬ ‫َت ُق ُّد َّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وس َّمى الدم ماء‬
‫(وصب ماء الرقاب يُخمدُها) أي أن الدم الذي يطفئ تلك النار يجرى على السيف والجمر‪َ ،‬‬ ‫ٌّ‬
‫ماه َته سيالنه‪ ،‬وعلى هذا قالوا ماء العناقد‪َ .‬‬
‫وس ُّموا الدمع ماء‪ ،‬كل ذلك اتساع‬ ‫استعارة ومجازًا‪ ،‬وإنما ذلك ألن َ‬
‫وتجوز‪ ،‬ال حقيقة‪.‬‬
‫طرافهن َت ْن ُشدُها)‬
‫َّ‬ ‫َيوماَ فأَ‬ ‫هج َتـ ُه‬ ‫(إذ أَ َّ‬
‫ضل ال ُهما ُم ُم َ‬
‫ُ‬
‫ويصيخ أحيانا كما استمع‬ ‫َشدْتها في التعريف لغة أيضًا‪ .‬وقوله‪:‬‬‫َشدْت الضالَّة‪ :‬طلب ُتها‪ ،‬وأنشدتها‪َ :‬ع َّرفتهان ون َ‬
‫نَ‬
‫َّ‬
‫المضل يضغى إلى كالم المعرف‬ ‫المعرف وهو الصحيح‪ ،‬ألن ِ‬ ‫ِّ‬ ‫المضل لصوت ناشد قيل‪ :‬يعنى بالناشد هنا‬ ‫ُّ‬
‫ليدُّلّه على ضالته‪ .‬هذا قول األصمعي‪.‬‬
‫ًّ‬
‫ضال مثله ليتعزى به‪ .‬وهذا القول اآلخر مستقل عن‬ ‫وقيل‪ :‬الناشد هنا‪:‬الطالب‪ ،‬ألن ال ُمضشل يحب أن بجد ُم ِ‬
‫تغالي األول‪ .‬ويصحح القول األول‪:‬‬
‫إصاخة ال ُم ْن ِش ِد ِ‬
‫للناش ِد‬ ‫أسماعـ ُه‬
‫َ‬ ‫يُصيخ للِةأبنّ‬
‫للمعرف‪ .‬أي أن ال ُهمام إذا فقد مهجته فإنه يسأل عنها أطراف هذه السيوف‪ ،‬ألنها عارفة‬
‫ِّ‬ ‫أي إصاخة الطالب‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫بمسالك األرواح‪ ،‬بها تقبض وعليها ت ِرد‪ ،‬ال مظنة لها إال هي‪ .‬فأطرافهن على هذا مفعول ثان أي تنشدُها‬
‫أطرافهن‪.‬‬
‫أجحدُها)‬
‫الممات ْ‬
‫ِ‬ ‫أ ْقد ُ‬
‫ِر حنى‬ ‫علـى َفـ َ‬
‫ال‬ ‫َّ‬ ‫(أَ َق َّر ِج ْلدِى بها‬
‫جحدت نعمتك‪ ،‬شهد بها جلدى‬ ‫ُ‬ ‫أي نضرة العيش بادية على َب َشرتي‪ ،‬كقول العرب‪َ :‬ب َش ٌر ما أخاك مشفر‪ .‬فإذا‬
‫ف في‬‫عر ُ‬
‫وأقر جلدى بها افتضحت‪ .‬ونظيره قوله تعالى‪َ ( :‬ت ِ‬ ‫فلم يمكنه إنكارها‪ ،‬إذا أثرها عليه با ٍد جحدتها َّ‬
‫َض َر َة النعيم) قوله‪( :‬فال أقدِر حتى الممات أجحدُها) أراد‪ :‬على أن أحجدَها فحذف على وأن‪ ،‬ورفع‬ ‫ُو ُجوههم ن ْ‬
‫أفغير اهللِ ْتأ ُم ُرونِّى أعبُدُ) أي تأمروني‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫(‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ونظيرة‬ ‫(أن)‪.‬‬ ‫وهو‬ ‫ينصبه‬ ‫كان‬ ‫الذي‬ ‫العامل‬ ‫الفعل لعدم‬
‫أن أعبد فحذف أن ورفع الفعل‪ .‬ولو كانت القطعة مفتوحة الروى لقال‪( :‬أجحدها) فأعمل أن مضمرة إعمالها‬
‫مظهرة‪ .‬وقد ُروى هذا البيت بالوجهين جميعًا‪.‬‬
‫وقال المتنبي‪:‬‬
‫ض ْعفِي وما‬ ‫والب ْين جاَ َر َعلَى َ‬ ‫قاسـ ْي ُت‬
‫أحيا وأ ْي َس ُر ما َ‬‫( ْ‬
‫َعدَال)‬ ‫مـا َقـ َتـ َ‬
‫ال‬
‫وأيسر ما قتلني‪ ،‬أوما من شأنه أن يقتل‪ ،‬وإذا كان أيسر‬ ‫ُ‬ ‫أح َيا‬
‫يجوز أن يكون أراد‪ْ :‬‬
‫ما قاسيته قاتال‪ ،‬فما بأكثره وأشدّه‪ .‬وهذا على وجهين‪ :‬إما أن يكون تعجب من ذلك‬
‫قاتل‪ ،‬وإما أن يكون طمع بالحياة فأنكر ذلك‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬أنا في حال حياة‪ ،‬وأقل ماالقيته ٌ‬
‫فقال‪ :‬كيف أحيا مع هذه (الحال)‪ .‬فهذان َو ْجها إراد ِة االستفهام‪ .‬وقد يكون أحيا‬
‫خبرًا‪ ،‬أي أنا أحيا‪ .‬وهذه حالي‪ ،‬أي تجلدى‪ .‬يتعجب من صبره‪ .‬وقد يكون (أحيا)‬
‫لو وإلفراط‪،‬‬ ‫أثبت ما قاسيته لحياتي ما قتل‪ ،‬وهذا ُغ ٌّ‬ ‫اسمًا يدل على المفاضلة‪ ،‬أي‪ُ :‬‬
‫ألنه إذا كان ما قلته أثبت شيء لحياته‪ ،‬لم يبق له ما يوجب الموت‪.‬‬
‫غير شيء َظنَّه‬‫إذا رأى َ‬ ‫رض حتى كان‬ ‫ضا َق ِت َ‬
‫األ ُ‬ ‫( َو َ‬
‫َر ُجـال)‬ ‫هاربُهم‬
‫ِ‬
‫أما الرؤية فال تقع على غير شيء‪ ،‬ألن غير شيء ليس بمحسوس إحساس‬
‫الجوهر‪ ،‬وال إحساس ال َع َرض‪ ،‬ألن غير شيء خارج عن الجور وال َع َرض‪ ،‬ألن‬
‫كل واحد من الجوهر والعرض شيء‪ ،‬وإنما أراد هذا الشاعر‪ :‬إذا رأى غير شيء‬
‫يُح َفل به في قوة قولك‪ :‬إذا رأى شيئًا ال يحفل به ظنّه رجال كقول العرب‪ :‬إنك وال‬
‫شي َء سوا ٌء‪ ،‬ومحال أن يسوى بين الموجود والمعدوم‪ ،‬ألنهما في طريق التضاد‪،‬‬
‫ولكنهم يريدون إنك وال شي ُء ُي ْعبأ به سوا ٌء ولكنهم قالوا‪ :‬إنك وال شيء‪ ،‬واكت َفوا به‬
‫من قولهم وشيئًا اليعبأَ به‪ ،‬ألن ماال يعبأ به كالمعدوم‪ ،‬ولذلك ْأل َز َمناَ سيبويه ْالنصب‬
‫للسير‪ ،‬قال ْالفارسي‪ :‬إنما ذلك‬ ‫في قوله‪ :‬إنما سرت حتى أدخلها‪ ،‬إذا كنت ُمحتقرًا َّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫ألنه ال شيء أقرب إلى طبيعة النفي من االحتقار‪ ،‬والنفي عدم فجعل االحتقار‬
‫كالعدم‪.‬‬
‫يل في لَ َهوات ِّ‬
‫الط ْفل ما‬ ‫اليوم لَ ْو‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫بالخ ِ‬ ‫( َف َب ْع َد ُه وإلى ذا ِ‬
‫َس َع َ‬
‫ال)‬ ‫ْ‬
‫ـضـت‬ ‫َر َك‬
‫أي أن هذه القبيلة َقلَّ ْت و َذلًّت‪ ،‬حتى لو ركضوا الخيل‪ ،‬على قوة الركض‪ ،‬في لَ َهوات الطفل‪ ،‬على ضعفه‪ ،‬ما‬
‫شعر بهم فيس ُعل‪ ،‬بالغ بذلك كقوله‪:‬‬
‫ُ‬
‫غيرت من خط‬ ‫السقم ما‬
‫من ُّ‬ ‫ـق‬ ‫ولَ ْو َقلَ ٌم ْألق ُ‬
‫ِـت فـي ِش ِّ‬
‫كاتب‬ ‫رأسـه‬ ‫ِ‬
‫فأما قول رؤبة في صفة الصائد‪:‬‬
‫في الغاب لو يمضغ َش ْريًا ما‬ ‫الح ْرص‬
‫والنفس من ِ‬
‫ُ‬ ‫فباَت‬
‫صق‬ ‫َب َ‬ ‫ال َف َش ْ‬
‫ـث‬
‫ض َغ الحنظل‪ ،‬لم‬‫الن َهم على صيد الوحش‪ ،‬وخشية أن يسمع له ِح َّسا فينفر‪ ،‬لو َم َ‬ ‫فإنما أراد أن هذا القانص من َّ‬
‫صيد قد شغله حتى لو مضغ الحنظل لم يشعر‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫صقهُ‪ ،‬وقال األصمعي‪ :‬إن تهمَع هّلى الت ُّ‬ ‫يبصق خشية أن يُن َِّفرها َب ْ‬
‫ُ‬
‫فيبصق‪.‬‬
‫بمرارته ُ‬
‫السعال‪.‬‬ ‫وخص المتنبي لهوات الطفل ألنها مظنة ُّ‬
‫ُ‬
‫ركضت بها‪ .‬هذا هو‬ ‫ضت الخيل‪ ،‬يقال‪ :‬ركضت الداب َة‪ ،‬وال يقال‬ ‫وقوله‪ :‬ركضت بالخيل‪ ،‬إنما وجهه‪ :‬لو َر َك ْ‬
‫المعروف في اللغة‪ ،‬لكن قد يجوز أن يكون ركض بالدابة لغة‪ ،‬فيكون من باب َط َّو ْحته َّ‬
‫وطو ْح ُت به‪ .‬وقد يجوز‬
‫جر ال َي ْقرأْ َن بال ُّس َو ِر)‬ ‫(سو ُد َ‬
‫المح ِ‬ ‫أن تكون الباء زائدة كقوله ُ‬
‫المحب َق َ‬
‫ضانني بع َد ما‬ ‫ِّ‬ ‫َق ُ‬
‫لب‬ ‫ـب‬ ‫( َك ْم َم ْه َم ٍه َقـ َذف َق ْ‬
‫ـل ُ‬
‫َم َطال)‬ ‫الـدلـيل‬
‫(المح ّب) فجاء به على لفظ الفاعل‪ ،‬ولم يقل الحبيب وهو يريده‪ ،‬ألنه َعنَى شدة إشفاقه في ال َم ْه َمه‪ ،‬وذلك‬
‫ِ‬ ‫قال‬
‫أن المعشوق إذا أحب عاشقه‪ ،‬فإنما يهجر ُه لخوف واش أو رقيب‪ ،‬فاذا رآه َخ َفق قلبُه إلشفاقه‪ .‬ولو كان ِ‬
‫المحب‬
‫غير ُم ِح ّب لم يتجشم الزيارة على شدتها‪ .‬وهذا كقول علي بن َجبَلة‪:‬‬
‫س َف ِزعاَ‬
‫ِرا من كل ِح ٍّ‬
‫َحذ َ‬ ‫يأبى من زارني ُم ْكتتمِـًا‬
‫فقضاني بعد ما َم َط ال على هذا القول‪ ،‬جملة في موضع الحال‪ .‬ويجوز وضع الفعل الماضي موضع الحال‪،‬‬
‫ُ‬
‫الفعلت‪ ،‬يريدون‬ ‫ألنه قد يوضع موضع المستقبل في قوله‪ :‬إن َف َعل َف َعلْت‪ .‬وفيما حكاه سيبويه من قولهم‪ :‬واهلل‬
‫ال أفعل‪.‬‬
‫صرت) في موضع الحال‪ ،‬وقد‬ ‫(ح ِ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫)‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ُور‬
‫ُ‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ر‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫ْ َ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫و‬‫ء‬‫ُ‬ ‫ا‬‫ج‬‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫(أ‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫بعضهم‬ ‫ذهب‬ ‫وقد‬
‫ُورهم)‪.‬‬
‫صد ُ‬ ‫ً‬
‫ص َرة ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حصرت في موضع الحال قراة من قرأ‪( :‬أو جا ُءوكم َح ِ‬ ‫منوه‪ .‬ويشهد عندي أن ِ‬ ‫فيه َّ‬
‫وأما قوله‪( :‬قلب الدليل به قلب المحب) الذي هذه صفته فمعناه‪ :‬أن فؤاد الدليل َو ِجل كقلب المحب الزائر‬
‫المتوقع للفضيحة‪.‬‬
‫وقد يجوز أن يكون (قضاني بعد مامطال) خبرًا عن ال َم ْه َمه‪ ،‬أي‪ :‬كم من َم ْهمه قد قضاني بعد مامطال‪ ،‬قلب‬
‫قلب المحب‪.‬‬‫الدليل به ُ‬
‫وأما (قضاني بعد ما ماطال) وهو يعنى المهمه‪ ،‬فمعناه‪ :‬أن المهمه طال عليه‪ ،‬فمطله بالنجاة منه‪ ،‬ثم قضاه بعد‬
‫حين‪ ،‬وكالهما مستعار‪.‬‬
‫قلب ال ُم ِح ّب) فمعناه‪ :‬أن قلب المحب يرجو ويخاف‪ .‬وكذلك قلب الدليل يرجو الهداية‬ ‫ُ‬ ‫به‬ ‫(قلب الدليل‬
‫وأما قوله‪ُ :‬‬
‫ويخشى الضاللة‪.‬‬
‫سليمًا من ْالجرحى بريئا من‬ ‫( ُم ِحبِّي قِيامِي َما لِ َذلِ ُكم‬
‫القتل)‬
‫ِ‬ ‫ـل‬
‫ـص ِ‬ ‫الـنَّ ْ‬

‫أي‪ :‬يامحبي ثورتي وقيامي بدْولتي‪ ،‬وتركي لألسفار‪ ،‬كيف أفعل ذلك ولم أكسر‬
‫سيفي‪ ،‬وال َثلَ ْمته بضربي أعدائي به‪ ،‬ف َك َى عن الكسر بالقتل‪ ،‬وعن الثَّلم باُلجرح‪،‬إذ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫الجرح والقتل إنما يلحقان الحيوان‪ ،‬والسيف جماد ال حياة به‪ .‬وأراد سليمًا من‬
‫الج ْرح‪ .‬وإن شئت قلت كأنه على حذف المضاف‪،‬‬ ‫الج ْرحى موضع ُ‬ ‫الجرح‪ ،‬فوضع َ‬
‫الجرحى‪ ،‬وبريئًا وسليمًا منصوبان‬ ‫الج ْرحى‪ ،‬أو من هيئة ُجرح ْ‬ ‫أي سليمًا من ألم َ‬
‫ُ‬
‫على الحال من قوله‪( :‬ما لِ َذلِكم)‪ :‬أي استفهم عنه وهو في هاتين الحالين‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى‪َ ( :‬فما لَهم عن التّ ْذك َ‬
‫ِرة ُم ْع ِرضين)‪.‬‬
‫ال أح ٌد م ِْثلي)‬
‫فما أح ٌد فوقي َو َ‬ ‫(أَم ْ‬
‫ِط عنك َت ْش ِييهى بما وكأننَّه‬
‫اما (كأن) فلفظة تشبيه‪ ،‬فالكالم بها هنا على وجهه‪ ،‬كانه يقول‪ :‬التقل في‪ :‬األس ُد وال كأنه السيف‪ ،‬وال كأنه‬
‫ُ‬
‫السيل‪ ،‬فكل ذلك إنما هو دوني‪،‬وال ينبغي أن تشبه الشيء بدونه‪ ،‬إنما المعتادُعكس ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الموت أو‬
‫ً‬
‫وأما (ما) فليست بلفظة تشبيه بمنزلة كأن‪ ،‬إنما استجازها في التشبيه‪ ،‬ألنه وضع األمر على أن قائال قال‪ :‬ما‬
‫يُشبه؟ فقال له المسئول‪َّ :‬‬
‫كأنه األسدُ‪ ،‬كانه السيف‪ .‬فكأن هذه التي للمسئول‪ ،‬إنما سببها (ما) التي للسائل‪ .‬فجاء‬
‫هو السبب والمسبب جميعًا؛ وذلك الصطحابهما‪ .‬ومثل هذا كثيرا‪.‬‬
‫ال يقول‪ :‬ماهو‬ ‫وقد يجوز أن تكون (ما) هنا بمعنى الجحد‪ ،‬فجعلها اسما‪ ،‬وأدخل الحرف عليها‪ ،‬كأنه سمع قائ ً‬
‫(إال) األسد‪ .‬وفي هذا معنى التشبيه أي مثل األسد‪ ،‬فأبى هو ذلك‪ .‬ثم رجع إلى النوع األشرف فقال (فما أح ٌد‬
‫فوي وال أحدُمثلي) مفض ً‬
‫ال نفسه عليهم‪.‬‬
‫وله أيضاً‪:‬‬
‫إال ُ‬
‫رأيت العِبا َد في َر ُج ِل)‬ ‫( َهـديَّ ٌة مـا ُ‬
‫رأيت ُمـ ْهــ ِد َيهـــا َّ‬
‫ُ‬
‫رايت مهد َيها إال رايت األنام في‬ ‫أي هذه هدية‪ ،‬ويجوز هدية على البدل من قوله‪( :‬بما بعثت به)‪ .‬وقوله‪ :‬ما‬
‫رجل‪ :‬أي أن فضائل األنام مجموعة في شخص واحد منه‪ ،‬فال ُم ْع َتبر بالعدد‪ ،‬اذاحاز معانيم أجمعين وحده‪،‬‬
‫كقوله أيضا‪:‬‬
‫وأصبح دهرى في َذرا ُه دُهور‬ ‫غدا الناس م ِْثلَ ْيهم له ال َع ِد ْمتُـ ُه‬
‫(رس َطا لِيس) فقال‪:‬‬
‫ض َى تلميذًا له من بعض تالميذه‪ ،‬يقال إن ذلك التلميذ ْ‬
‫ونحو قول بعض الحكماء وقد َر ِ‬
‫واحد كألف‪ ،‬وليس ألف كواحد‪ ،‬وليس ألف كواحد وقال ابو نوأس‪:‬‬
‫أن يجمع العال َم في واحد‬ ‫بمستنـكـر‬
‫ٍ‬ ‫ليس َعلَى اهلل‬
‫وله‪:‬‬
‫سم‬
‫األر ِ‬
‫س في ْ‬
‫ُر ٍ‬
‫أر ُس ٍم د ُ‬
‫ذِى ْ‬ ‫ـى‬
‫ـس َ‬
‫بجسـم ُم ْ‬
‫ٍ‬ ‫(وال َو َق ْف ُت‬
‫س)‬ ‫ُر ِ‬
‫الد ُ‬ ‫ثـالـث ٍة‬
‫الصباح‪ .‬أي لوال هه الظبية اإلنسانية‪ ،‬لم أقف على رسوم هه‬‫والصبح‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫كالصبح‪،‬‬
‫ِسا‪ ،‬وال َم َسا ُء‪ُ ،‬‬
‫المس ْى‪ ،‬والم َ‬
‫ُ‬
‫الدار ثالثا بين يوم وليلة أسألها‪ .‬ولم يُرد أن ّه وقف عليها بعد ثالث من إقفارها‪ ،‬ألن الدار ال تدرس بعد ثالث‪.‬‬
‫وامحائه‪ .‬واستعار له‬
‫ِّ‬ ‫ُرس‪ ،‬ذهب فيها إلى‬ ‫الجسم بأنه ذو أرسم د ُ‬
‫وإنما عنى أنه وقف عليها ثالثا‪ ،‬وصفته ِ‬
‫أرسمًا حين شبهه بهذا الربع الدارس واألرسم‪ ،‬كقوله في صفة الدار‪:‬‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫والشوق يُنحلنى حتى َح َكت‬ ‫ْق‬ ‫ال ُّ‬
‫كل َهزيم ال َود ِ‬ ‫ما َز َ‬
‫َجسدي‬ ‫ُي ْن ِحلـهـا‬
‫وهذا البيت أبلغ في نحول جسمه‪ ،‬ألنه جعل الدار يحكى جسمه في النحول‪ ،‬فإذا جسمة أنحل منها‪.‬‬
‫وفي هذا البيت أعنى (وال وقفت بجسم ‪ ). . .‬لم يجعل لجسمه فض ً‬
‫ال على الدار في النحول‪.‬‬
‫وصبُر‪ ،‬وان يكون جمع دارس َك َبازل‬‫َروس‪ ،‬كصبور ُ‬ ‫ودُرس‪ :‬يجوز أن يكون جمع دَريس وأن يكون جمع د ُ‬
‫وبُ ُزل‪.‬‬
‫ديباج َعلَى ُكنُ ِ‬ ‫ض َ َ ْ ٌ َ‬
‫س)‬ ‫اق َق ْبلك َخلخال َعلى َر َشأٍ وال َسمِعت ِب ِ‬ ‫(ما َ‬
‫وساق الرشأ دقيقة‪ ،‬فكيف خالقت أنت الشرأ‪ ،‬بأن‬ ‫ُ‬ ‫يقول أنت كالرشأ في الحسن‪،‬‬
‫ال‪ ،‬جال عليها ولم يثبت‪.‬‬ ‫ضاق خلخالك عن ساقك‪ .‬ولو ألبست ساق الرشأ خلخا ً‬
‫سمعت بديباج على ُكنس)‪ :‬أي على هودَجك ُستُور ديباج‪ .‬ولم نسمع ُ‬
‫قبل‬ ‫ُ‬ ‫(وال‬
‫بديباج على كِن اس‪ .‬إنما الكِناس ُغصون أو أسؤق شجر أو َم َحافِر أرض‪ .‬وأنت‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫قد َخ َرقت المعتاد‪ .‬بكون الديباج على كناسك‪ .‬ومن رواه على َكنِس‪ ،‬أراد على ذى‬
‫كناس‪ .‬وهذا َعلَى النسب‪ ،‬إذ ال فعل له‪ .‬ونظيره ما حكاه سيبويه‪َ :‬ج ِر ٌح‪َ ،‬و َس ِت ٌه‪،‬‬
‫َهره) أي‪ :‬ذو نهار‪.‬‬ ‫بليلي ولكني ن ِ‬
‫(لست ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َه ٌر‪ ،‬وأنشد‪:‬‬ ‫َ‬
‫وط ِع ٌم َون ِ‬
‫ات)‪ ،‬فذهب الفارسي إلى أنه من باب َفرق ِ‬
‫ونرق‪،‬‬ ‫َح َس ٍ‬
‫فأما قراءة من قرأ (في أيام ن ِ‬
‫َحس النهار‪.‬‬‫توهموه على الفعل وإن لم يكن له فعل‪ ،‬لم يقولوا ن ِ‬
‫غير قوى عندى‪ ،‬أحسن منه أن يُحمل على النسب‪ ،‬ألن‬ ‫وها الي قاله الفارسي ُ‬
‫َحس قليل في‬ ‫نظيره كثير‪ ،‬كما قد حكينا عن سيبويه‪ ،‬وتوهم الفعل في مثل ن ِ‬
‫كالمهم‪.‬‬
‫وله أيضًا‪:‬‬
‫ْ‬ ‫إليك َ‬
‫ِنى َ‬ ‫لى هد ً‬ ‫( َف َج ْ‬
‫وظر َفها التأميال)‬ ‫م ِّ‬ ‫َّية‬ ‫علت ما تُهدِى إِ َ‬
‫ُ‬
‫جعلت‬ ‫جل قدرك عما تناله يدي ولم تبلغه إال هبة يدك التي هي كفاؤه‪،‬‬ ‫يحتمل وجهين‪ .‬أحدهما‪ :‬أنه أراد‪ :‬لما َّ‬
‫ُ‬
‫وجعلت ظرفها تأميلي أن تقبلها منى‪.‬‬ ‫ما تهديه إلى‪ ،‬هدية منى إليك‪ ،‬فما بعدل جاللة قدرك إال جاللة جودك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واآلخر‪ :‬أن يكون استحقه فقال‪ :‬ما علمت أن (ما) تتحفنى به أو َ‬
‫تز ِّو ُدنِت ِه لرحلتي‪ ،‬سيبلك أن تمسكه عنى وال‬
‫تُ ْطلِقه‪ ،‬وأن َت ُعدَّه هدية مني إليك‪ ،‬وبإمساكك عن إهدائكه إلي‪.‬‬
‫وله أيضا‪:‬‬
‫أغ َر ُق)‬
‫إلى برحم ِة ال ْ‬
‫وانظر َّ‬ ‫اب ُجود َ‬
‫ِك َث َّر ًة‬ ‫على َس َح َ‬
‫أم ِط ْر َّ‬
‫(ْ‬
‫عطى فرحًا‪َ ،‬ف َتالف ُع َفاتك منه‪ ،‬لئال يبلغ بهم الْ َح َسد المهلك‪ ،‬فيكون‬
‫أي إن عطاءك جاوز المقدار‪ ،‬فكاد يقتل ال ُم َ‬
‫كالماء ال ُم ْغرق‪ ،‬كقول أبى تمام‪:‬‬
‫وسوس سائل ُه‬
‫َ‬ ‫بحسن دِفاع اهلل‬
‫ِ‬ ‫قلب لوال اتصالُـهـا‬
‫ستثير ْال َ‬
‫َت ُ‬
‫وقد يجوز أن يكون قوله‪( :‬انظر إلى ِب َرحمة) أي ال تكلفني من الشكر قدر الواجب فيهلكني ذلك‪ ،‬فكنى عن‬
‫َرق‪ .‬وقال َث َّرة وهو يعنى السحاب ألن السحاب جمع سحابة‪ ،‬وكل‬
‫ضعفه عن الواجب عليه من الشكر بالغ َ‬
‫جمع ليس بينه وبين واحده إال الهاء‪ ،‬فلك وتذكيره‪ ،‬وجمعه وإفراده‪.‬‬
‫وله أيضاً‪:‬‬
‫َر ْت َكيف َت ْر ِج ُع)‬ ‫لت ِبـنـاَ ْ‬
‫وبال ِج ِّن فيه ماد َ‬ ‫(و َقل ُب َك في الدُّنياَ َولَو د َ‬
‫َخ ْ‬
‫يتعجب من ذلك‪ .‬أي قلبك في الدنيا‪ ،‬وهو من السعة بحيث لو دخلت الدنيا فيه بنا وبالجن‪ ،‬أعجزنا الرجوع‪،‬‬
‫ًَّ‬
‫وهال ضاقت عن حمله‪ ،‬اصغرها عن ِعظمه‪ .‬يبيِّنُه ما قبله‪ ،‬وهو‬ ‫وتُ ْهنا في سعته‪ ،‬فكيف ِ‬
‫وس َع ِت الدنيا قلبك؟‬
‫قوله‪:‬‬
‫َوأَ َّن ُظنُوني في معاليك‬ ‫أن َوص َفك‬ ‫ألَ ْي َ‬
‫س َعجيبًا َّ‬
‫َتظـلَ ُ‬
‫ـع‬ ‫ُمعـجـزى‬
‫َ َعلَى أنه من ساحة األرض‬
‫َ‬ ‫ثوب وصدُرك فِي ُكـمـا‬ ‫ٍ‬ ‫َوأَنَّك في‬
‫وسع‬
‫ُ‬ ‫أ‬
‫وله أيضاً‪:‬‬
‫طويل ْال َقناة طويل ْال ِّس ِ‬
‫نان)‬ ‫(طويل النجا ِد طويل العما ِد‬
‫ُمدَح به كقوله هو‪:‬‬ ‫النجاد‪ِ :‬ح ُ‬
‫مالة السيف‪ ،‬فطوله كناية عن طول القامة‪ ،‬وذلك مما ي ْ‬
‫اع َت َقلُوا‬
‫أبدانُهم في تمام ما ْ‬ ‫ُقلُوبُ ُه ْم في مضاء ما ْ‬
‫ام َت َش ُقوا‬
‫وكقوله‪:‬‬
‫َن َق ُّد ْالقنا ِة لِـه َق ُّ‬
‫ـد‬ ‫َعلَى َبد ٍ‬ ‫فض ُ‬
‫ول الدِّرع من َجنَباَتِها‬ ‫َو َغ َ‬
‫ال ُ‬
‫الس ْؤدُد‪ ،‬وأصل العماد‪ :‬ما ُعمد به البيت‪ ،‬أي أقيم‪ .‬ويقال‪َ :‬ع َمدت البيت َ‬
‫وع َّمدْته‪،‬‬ ‫كنية عن ُّ‬ ‫ُ‬
‫وطول العماد‪ٌ :‬‬
‫ّ‬
‫الحلة‪ ،‬أطول بكثير الشائمين له‪،‬‬‫صد‪ ،‬فكأن عماده‪ ،‬وإن سارى ُع ُم َد أهل ِ‬‫وق يُ ْق َ‬
‫وعماد سيد الحلة‪َ :‬م ْر ُم ٌ‬
‫أرماحها بالطول‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الحذف بالطعان‪ .‬ولهذا وصفت العرب‬ ‫ْ‬ ‫والسنان‪ :‬كناية عن ِ‬
‫والقاصدين نحوه‪ .‬وطول القناة ِّ‬
‫يريدون جودة العمل بها‪ ،‬والقوة على تصريفها‪ ،‬ال أنها طوال في ذاتها‪ ،‬ألن طولها ُمبْع ٌد عن القِرن‪ ،‬وال َي ْحم ُد‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ذلك إال الجبان‪ .‬ولو كان طول القناة في ذاتها محمودًا‪ ،‬لكان السيف لكونه أقصر منها ‪ . . .‬مذمومًا‪ .‬وإنما‬
‫بالضراب ِّ‬
‫والطعان‪.‬‬ ‫الح ْذ َق ِّ‬
‫صفة القناة بالطول‪ ،‬كصفة السيف بالطول‪ .‬ال يؤريدون في كل ذلك إال ِ‬
‫الخطل قال األصمعي‪ :‬طول القناة‪ :‬أربع‬ ‫ُوؤثها َ‬
‫ومما يدلك على أن طول القناة غير محمود‪ ،‬أن طول القناة قد ي ْ‬
‫وأقصرها سبع والممدوح بينهما‪ ،‬وهو ما كان طوله إحدى عشرة كقول الشاعر‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عشرة‬
‫ثوى ْال َق ْسب قد أَر َبى ذِراعا َعلَى‬ ‫ـر َخ ِّ‬
‫ـطـياٍّ كـأن‬ ‫ـم َ‬ ‫وأس ْ‬
‫َ‬
‫ْال ْ‬
‫عشر‬ ‫ُكـ ُعـو َبـه‬
‫وكذلك قال البحتري‪:‬‬
‫ِص ُر‬ ‫استبد به ٌ‬
‫طول وال ق َ‬ ‫َّ‬ ‫فما‬ ‫أذرعه َع ْشر وواحدة‬
‫كالرمح ُ‬
‫ِ‬
‫إذا ُ‬
‫كنت في َه ْبو ٍة ال أراني)‬ ‫ـوب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫غامضات‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ُّ‬
‫( َي َرى ُ‬
‫حد‬

‫ماض يقطع كل عضو يلقاه‪ ،‬حتى ينتهي إلى القلب‪ ،‬فكانه إنما قطع مادون‬ ‫أي أنه ٍ‬
‫الح ُجب التي دونه‪ ،‬إذ لم يمكنه‬ ‫القلب من األعضاء حين رأى القلب‪َ ،‬ف َه َت َك اليه ُ‬
‫الوصول اليه إال باختراقها ال َه ْبوة‪ ،‬وأراني هنا‪ :‬من ُرؤ ْية العين‪ ،‬ألنها غير متعدية‪،‬‬
‫فعل الفاعل إذا كان ِح ِّس ًّي‪ ،‬لم يتعد إلى‬‫فكان يجب أن يقول‪ :‬ال أرى نفسي‪ ،‬ألن َ‬
‫ذاته بكناية المتكلم‪ .‬اليجوز ضربتُنى‪ ،‬وإنما يتعدى فعل الفاعل إذا كان ِحسيَّا إلى‬
‫(ربناَّ َظلَمنا أنفسنا) إال أنه‬
‫ذاته بلفظ النفس‪ .‬ويقولون‪ :‬ضربت نفسي وفي التنزيل َ‬
‫وعدْمتُني‪ ،‬وهذا نادرا غي معمول به‪.‬‬ ‫جاؤ عنهم َف َق ْدتُني َ‬
‫لكن لما كانت ارى التي هي للعين مطابقة اللفظ آلرى التي هي للقلب‪ ،‬تتعدى على‬
‫جر َى (أرى)‬‫هذه الصورة‪ ،‬ألنها غير ِح َّسية‪ ،‬كقولهم‪ :‬أراني ذاهبًا‪ .‬اسجاز أن ُي ِ‬
‫التي للعين مجراها‪.‬‬
‫َت امأ ‪:‬برعلا لوق نم هيوبيس هاكخ ام انأ هّرى أي برق هاهنا؟‬
‫َ‬ ‫وعلى هذا أ َوج‬
‫ف ُع ِّلقت فيه أرى‪ .‬ورؤية العين التُعلَّث وإنما تعلق رؤية القلب‪ ،‬ورؤية القلب‬
‫صرية ال نفسانية‪ .‬لكنها لما طابقت في اللفظ (ترى) التي هي للقلب‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫َب َ‬
‫تعلق استجازوا تعليق التي للعين‪ .‬على أن الفارسي قد ذهب في هذا الذي حكاه‬
‫سيبويه إلى أنها رؤية َق ْلب‪.‬‬
‫وله أيضًا‪:‬‬
‫قطن من يديه‬‫صائِب وآخر ٌ‬ ‫اس النَّاس م ْ‬
‫ِن َ‬ ‫( َر َماني ِخ َس ُ‬
‫ـجـنَـاد ُ‬
‫ِل)‬ ‫ْال َ‬ ‫اس ِت ِه‬
‫ْ‬
‫وج ُّم الفضائل‪ ،‬وعدوه َج ُّم النقائص والرذائل‪ ،‬ولذلك وقع بينهما التنافر‪ ،‬ألن ِّ‬
‫الذد‬ ‫يذهب إلى أن عدوه ض ٌد له‪ُ .‬ه َ‬
‫ناقص لجرى العادة بمعاداة ذى النقص لذى‬ ‫ِشكله فهو يقول‪ :‬اليعاديني إال ٌ‬ ‫ُمحارب لضده‪ ،‬والشكل ُمسالُم ل َ‬
‫واإلجماع قد وقع على َفضلى ‪ -‬فهو ال محالة ناقص وقد صرح عن ذلك بقوله في‬ ‫ُ‬ ‫الفضل‪ .‬فإذا عاَبنَى ‪-‬‬
‫األخرى‪:‬‬
‫فهي الشهاد ُة لي بأنى َك ُ‬
‫مل‬ ‫نـاق‬
‫ٍ‬ ‫وغاذ َ‬
‫أتتك َم َذ َّمتى من‬
‫أي أنه لو كان فاضال مِثلي‪ ،‬ما َذمنَّي لَِت َشا كلُنا في الفضل‪ ،‬وألنه لو كان فاض ً‬
‫ال ل َن َقص و َف َ‬
‫ضلت‪ .‬فأوجب ذلك‬
‫َت َ‬
‫ضادًا وتعاديًا كقول أبى تمام‪:‬‬
‫وذو النقص في الدنيا بذى‬‫ُ‬ ‫لقد َ‬
‫آسف األعدا َء مـجـ ُد ابـن‬
‫الفضل ُمول ُع‬ ‫ـف‬
‫يوس ٍ‬
‫ُ‬
‫وقوله‪( :‬مِن صائب اس ِتهِ‪ ،‬وآخر ُقطن) ك أراد من بين صائب يرميه وآخر هذه صفته‪ ،‬أي أنه ضعيف يُعدِى‬
‫الج ْندل فيضعف‪ ،‬حتى اليُؤثِّر كما ال يؤثر القطن إذا ُرم َ‬
‫ِى به‪.‬‬ ‫ضع ُفه َ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وصائب استه‪ :‬أي ُمصيبها‪ .‬يقال‪ :‬صاب الشيء وأصابه‪.‬‬
‫وخص ذكر استه من بين سائر األعضاء لوجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬قص ُد االستخفاف به في ذكر ذلك منه‪ ،‬واآلخر أن‬
‫المتنقص لي مغلوب مهزوم‪ .‬والمهزوم ال يقع سالحه إال على مايلي ظهره‪ ،‬فخص هذا العضو‬ ‫ِّ‬ ‫هذا الناقص‬
‫لألمرين جميعًا‪.‬‬
‫والس َب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّو‬
‫ب‬ ‫الس‬
‫َّ‬ ‫االست‬ ‫سميت‬ ‫ولذلك‬ ‫كثير‪.‬‬ ‫بلك‬ ‫ب‬ ‫والس‬
‫َّ‬ ‫م‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ّ‬
‫والش‬ ‫االستخفاف‪،‬‬ ‫قصد‬ ‫إنما‬ ‫أنه‬ ‫واألجو ُد عندى‬
‫وأصل الناس‪ :‬األناس‪ ،‬حذفوا الهمزة لكثرة استعمالهم إياه‪ ،‬وذلك مع الالم‪ ،‬وقد جاء محذوفًا وال الم فيها‪ ،‬كما‬
‫إن المنَايا َي َّطلِ ْعن على األناس اآلمنينا ولما‬
‫جاءت الهمزة فيه مع الالم فيما أنشده أبو عثمان من قول الشاعر‪َّ :‬‬
‫ذكر سيبويه اسم اهلل تعالى‪ ،‬وكون األلف والالم فيه َخلفًا من الهمزة قال‪ :‬ومثل ذلك‪ .‬أناس‪ :‬فإذا أدخلت األلف‬
‫والالم قلت الناس‪ .‬إال أن الناس قد تفارقهُ‪ :‬األلف والالم ويكون نكرة‪ .‬واهلل تعالى ال يكون فيه ذلك‪ ،‬وهو‬
‫فصل معروف في باب ما ينتصب على المدح والنعظيم والشيم في باب النداء‪.‬‬
‫جوهر والجواهر ال يوصف به‪ .‬إال أن الجر في مثل هذا قد‬ ‫ٌ‬ ‫الرفع‪ ،‬ألنه‬
‫ُ‬ ‫(وآخ َر ُقطن) الجدي في ُقطن‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫توهم الصفة‪ ،‬يُقدر الجوهر صفة بقدر ما يحتمله وضعه‪ ،‬نحو ما حكاه سيبويه عن العرب‬ ‫َي ُسوغ‪ ،‬وذلك على ُّ‬
‫َ‬
‫صفُتّه‪ ،‬ألن الخز وإن كان جوهرًا فهو في معنى ليِّن‪ ،‬صفة قال‪ :‬الفارسي‪ :‬كأنهم‬ ‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫بسرج خز ُ‬ ‫من قولهم‪َ :‬م ُ‬
‫ررت‬
‫ٍ‬
‫يقولون‪( :‬مررت بقاع َع ْر َفج كله)‪ .‬فيجعلونه كأنه وصف‪ .‬قال الفارسيٍنشخ عاقب تررم ‪:‬نولوقي مهنأك ‪ّ:‬‬
‫طن من يديه الجنادل)‬ ‫ُ‬
‫والشوك َخ ِش ُن المس‪ .‬فاذا َج َّر فقال‪( :‬وآخر ُق ٍ‬ ‫بخ ِشن‪ ،‬ألن ال َعرفج شاك‪،‬‬‫كله‪ .‬وإنما َقدَّره َ‬
‫فكأنه قال‪ :‬وآخر لين أو ضعيف من يديه الجنادل‪.‬‬
‫اه ُ‬
‫ـل)‬ ‫هل ِع ْلمي أَنَّ ُه ِب َى َج ِ‬
‫هل َج ْهلَه َو َي ْج ُ‬
‫(ومن جاَ ِه ٍل ِبى َو ْه َو َي ْج ُ‬
‫َوأنِّى على ظهر ِّ‬
‫السماكين‬ ‫ض‬ ‫( َو َي ْج َه ُل أبى مالك ْ‬
‫األر ِ‬
‫َر ُ‬
‫اجل)‬ ‫ـر‬
‫ُم ْع ِس ٌ‬
‫ومن جاهل‪ :‬معطوف على (صائب استه)‪ .‬أي أنه قد اشتمل بالجهل َو َ‬
‫ال َي َعل ُم أنه‬
‫جاهل لكاَن له‬ ‫ٌ‬ ‫جاهل‪ ،‬بالغ في استجهاله‪ ،‬فلم يُبق له أثرًا من العلم‪ ،‬إذ لم علم أنه‬
‫ٌ‬
‫جز من العلم‪.‬‬
‫وكذلك أيضا بالغ في استجهاله بقوله‪:‬‬
‫ُ‬
‫جاهل‬ ‫و َيجل ُه على أنه بى‬
‫يقول‪ :‬ال علم له البتة‪ ،‬وكذلك يجهل قدري عند نفسي‪ ،‬فال يعلم أني إذا ملكت الرض‪ُ ،‬‬
‫كنت ُمعِدمًِا عند نفسي‪،‬‬
‫علوت السماكين‪ ،‬كنت عند نفسي راج ً‬
‫ال‪َّ ،‬‬
‫ألن ذاتي أعظم قدرًا وأكرم خظرًا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لقصر ذلك عن قدري‪ ،‬وأني إذا‬
‫السماكين)‬
‫(مالك األرض)‪ :‬حال‪ ،‬والنية فيه االنفصال‪ ،‬أي مالكًا لألرض‪ .‬والظرف في قوله‪( :‬على ظهر ِّ‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫متعلق بمحذوف أي مستقرًا على ظهر السماكين‪ ،‬وهو حال‪ ،‬فالمجرور في موضوع الحال‪ ،‬وأراد على‬
‫السماكين‬
‫وحسن ذلك أن ِّ‬ ‫السماكين) فوضع الواحد موضع ذلك‪ .‬ومثله كثير‪َّ ،‬‬ ‫(ظهور السماكين)‪ ،‬أو َ‬
‫(ظ ْه َرى ِّ‬
‫يذكران كثيرًا معًا‪ ،‬فصار كالواحد‪.‬‬
‫ُو‬
‫اخ ٍل َوه َ‬ ‫صد ْ‬
‫َرت عن َب ِ‬ ‫وحه وال َ‬
‫وح امرى ِء ُر ُ‬ ‫(فما َو َرد ْ‬
‫َت ُر َ‬
‫باخ ُل)‬
‫ِ‬ ‫لَ ُه‬
‫أي لم َت ِر ْد ُسيو ُفنا َ‬
‫روح امرىء إال صار لغيره‪ ،‬إما بكونه إلى العنصر َف َقدر أن يبخل عليها بهما‪ ،‬أو بواحدة‬
‫منهما‪.‬‬
‫َوأَنِّ َي فيها ما َت ُقول ْال َعواذ ُ‬
‫ِل)‬ ‫أن ْال ِبالد َم َسا ِمعِي‬
‫(يُ َخيَّ ُل لي َّ‬
‫ُت في َس ْمعي‪ ،‬كما ال ْأثبُت أنا‬ ‫ُخيِّل له السيء وخيل إليه‪ :‬أي ُشبِّه حتى حسبه كائِنًا‪ ،‬ويقول‪ُ :‬‬
‫قول العواذل َ‬
‫ال يْثب ُ‬
‫صرف‪ ،‬كقوله‪:‬‬‫وضروب التَّ ُّ‬ ‫في بلدٍ‪ .‬أراد‪ :‬وأني فيها ما يقول لي العواذال‪ ،‬من النهى لي عن َّ‬
‫التغرب ُ‬
‫وآو ً‬
‫نة َعلَى َقتد البعـير‬ ‫ِ‬ ‫ْو َر ْحلِى‬
‫بيوت البد ِ‬
‫أوانًا في ِ‬
‫ُ‬
‫ومثل هذا كثير في شعره‪.‬‬
‫وله أيضا‪ً:‬‬
‫بياض لَـ ُه ألنت أَ ْسو ُد في َعينِي من اّْل ُّظلَ ِم)‬ ‫(ا ْب َع ْد َب ِعد َ‬
‫ْت بياضًا ال َ‬
‫اب ْعدَ‪ :‬أي اهلك‪َ .‬ب ِع َد الشي ُء بعدًا‪َ :‬هلَك‪ ،‬وب ُع َد بُعدًا‪ :‬ضد َق ُرب‪ .‬ودعاؤه عليه بال َب َعد‪ :‬أبلغ من دعائه عليه بالبُعد‪،‬‬
‫لنه إذا َهلَك فقد صار إلى ال َعدَم‪ ،‬وإذا ( َب ُعد) كان في الوجود وإن لم يُ ْقرب‪ .‬والب َعد أ ْمحى له من البُعد‪ .‬وقوله‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫بياض لَه)‪ :‬أي ال بياض له في الحقيقة‪ ،‬وال يحدث عنه بشر وال َف َرح‪.‬‬ ‫َ‬ ‫( َبياضًا ال‬
‫ود وجو ٌه)‪.‬‬ ‫ْيض وجو ٌه َو َت ْس ُّ‬
‫والسرور بالبياض‪ .‬وهو معنى وله تعالى‪َ ( :‬ي ْو َم َتب ُّ‬ ‫َ‬ ‫بالسواد‪،‬‬
‫زن َّ‬ ‫الح َ‬
‫صف ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعرب َت ِ‬
‫ُ‬
‫بياض)‪ ،‬ألنه إنما يخاطب َّ‬
‫الش ْعر‬ ‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ِدت‬
‫ع‬ ‫ب‬ ‫د‬
‫َ َ‬‫ع‬‫ب‬‫ْ‬ ‫(ا‬ ‫وأراد‪:‬‬ ‫ودًا)‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫وج‬ ‫َّ‬
‫ظل‬ ‫ثى‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫باأل‬ ‫ُهم‬
‫د‬ ‫أح‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ُش‬ ‫ب‬ ‫(وإذا‬ ‫قال‪:‬‬
‫األبيض‪ ،‬وال ال َع َرض الذي هو البياض‪( .‬ألنت أسود في عيني من الظلم أيها الشيب‪.‬‬
‫ِعل) (أَ ْف َع ِل) هذا على أكثر من ثالثة‬ ‫(أس َو ُد في عيني من الظلم الُّظل َم)‪ ،‬فخطأه فيه قوم‪ .‬قالوا‪ :‬إن (ف ْ‬ ‫فأما قوله‪ْ :‬‬
‫صلَ‬ ‫بأش ّد وأ ْب َي َن وغيرهما من األفعال الثالثية‪ ،‬التي تصاغ نُ َ‬
‫يو َ‬ ‫(اس َودَّ) فال تقع المفاضله فيه إال َ‬‫أحرف‪ ،‬وهو ْ‬
‫بها إلى التعجب من األفعال التي على أكثر من ثالثة‪.‬‬
‫تعلِم( قّن) بأفضل في قولك‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫وهذا منهم غلط‪ .‬ليست (أف ْعل) هنا للمفاضلة‪ ،‬وال (مِن) متعلِّق بأسود‪ ،‬على حد‬
‫الظ ِلم في عيني‪َ ( .‬فمِن) غير متعلقة ْ‬
‫بأسود‪،‬‬ ‫زيد أفضل من عمرو‪ .‬وإنما هو كقولك ألنت أسود‪ ،‬ومعدود من َ‬
‫كتعلُّق (مِن) بأفعل التي للمفاضلة‪ ،‬وإنما هي في موضع رفع‪ ،‬حالَّ ًة محل الظرف‪ ،‬بمنزلتها في قول األعشى‪:‬‬
‫العز ُة ل ِْلـكـاث ِ‬
‫ِـر‬ ‫وإنما َّ‬ ‫صى‬
‫فلست باألكثر منهم َح ً‬
‫ِن وإنما هي هنا بمنزلة َّ‬
‫الظرف‪ .‬وذلك جعل‬ ‫ِب م ْ‬ ‫ً‬
‫متعلقة باألكثر‪ ،‬ألن الالم تُعاق ُ‬ ‫ُ‬
‫يجوز أن تكون (م ْ‬
‫ِن)‬ ‫فال‬
‫ِم( ّن) هنا بمنزلة ساعة في قول أوس بن حجر‪:‬‬ ‫الفارسي ْ‬
‫يمان‬
‫ريط ٍ‬ ‫ص ْو ِن من ٍ‬ ‫إلى ْال َّ‬ ‫أحـ َوج‬ ‫فإنا رأينا ْال َ‬
‫عرض ْ‬
‫ُم َس َّهم‬ ‫ً‬
‫سـاعة‬
‫وشيبى باَلُ َغ‬ ‫َهواى ِط ْف ً‬
‫ال َ‬ ‫والشيب‬
‫ُ‬ ‫بح ِّب قاَ ِتلَتى‬
‫( ُ‬
‫ْالُ ُحبـم)‬ ‫َتـ ْغـ ِذ َي َتـى‬

‫بت نفسي بحب هذه التي قتلني حبها بالشيب‪ .‬فأما تغذيتي نفسي بالحب ففي‬ ‫أي َع َذ ُ‬
‫الحلُم‪ ،‬أي َهويت وأنا طفل‪ِ ،‬‬
‫وش ْبت‬ ‫حال طفولتي‪ ،‬وأما في الشيب‪ ،‬ففي حال بلوغي ُ‬
‫الح َّب والشيب لنفسه غذاءين وهما ُمهلكان ال‬ ‫فج َ‬
‫عل ُ‬ ‫من ذلك الحب وأنا ُمتِل ٌم‪َ ،‬‬
‫ُم َتم‬
‫ّ‬
‫نيان‪ .‬والياء في تغذيتي تكون في موضع الفاعل‪ ،‬فيكون المفعول حينذ محذوفًا‪ ،‬أي‬
‫تغذيتي نفسي‪ ،‬كما تقول‪ :‬عجبت من ضرب زي ٍد عمرًا‪ .‬ويجوز أن تكون في‬
‫وهواى‪ :‬يجوز أن يكون مبتدا‬ ‫موضع المفعول الذي لم يُ َس َّم فاعلُه‪ ،‬أي ُغ ِّذيت‪َ .‬‬
‫السويق ملتُويا‪ ،‬والقول في يبي‬ ‫أك َثر ُشربي َّ‬ ‫وخبره الحال الذي هو ٌ‬
‫طفل كقولك‪ْ :‬‬
‫الحلُم‪.‬‬
‫اى ِطفال‪ .‬وكأنه قال‪ :‬بالغًا ُ‬ ‫وبالغ الحلم‪ ،‬كالقول في َه َو َ‬ ‫َ‬
‫وش ْيبي حينئذ في موضع‬‫بي‪َ ،‬‬ ‫ويجوز أن يكون َه َواى في موضع جر ال َبدَل من ُح ِّ‬
‫معطوف على َهواى‪ .‬واألول أقوى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جر‬
‫ِّ‬
‫رم)‬
‫الح ِ‬ ‫ِلة و َيس َت ِح ُّل َد َم ُ‬
‫الح ّجاج فب َ‬ ‫الخمس ناف ً‬
‫َ‬ ‫صلوت‬
‫ِ‬ ‫يخ يرى الُ‬
‫( َش ٌ‬
‫السن والح ْن َكة‪ ،‬كقول الرياح ّي‪:‬‬
‫المجرب إذ ال تكون التجربة لغير ذوى ِّ‬
‫يعني بالشيخ هنا‪َ :‬‬
‫َج َذنِى ُمدا َو َر ُة اُْل ُّشئُ ِ‬
‫ون‬ ‫ون َّ‬ ‫أخو خمسين ُم ْج َت ِم ٌع ُ‬
‫أشدِّى‬
‫فرين‪ ،‬وقد قال هو في موضع آخر‪:‬‬
‫وفي كالمهم‪ :‬ابن خمسين‪ :‬ليث ِع ِّ‬
‫كأنه ُم من طول ما ْال َت َث ُموا ُمر ُد)‬ ‫قى ْ‬
‫بالفتاَ َو َمشـاريخ‬ ‫(سأطلب َح ِّ‬
‫جمع مشيخة و َم ْشيُوخاء على حذف الزائد‪( .‬يرى الصلوات الخمس نافلة)‪ :‬أي أنه ال يعني بمفروضات‬ ‫مشايخ‪َ :‬‬
‫الحجاج في الحرام‪ :‬أي أنه مبالغ في المضاء‬
‫الدين‪ ،‬وال تمن ُهه مما يشاء إذا أمكنه ما طلبه‪ .‬ويستحيل دم ُ‬
‫ال عما سواه‪ .‬ويرى هاهنا‪ :‬من رؤية القلب‪ ،‬ألن الصالة‬‫التحرج الذي يوجبه الدين فض ً‬
‫ُّ‬ ‫والنفاذ‪ ،‬حتى ال يرد ّه‬
‫َحلا يفو ‪.‬هيلع ةعقاو رصبلا ةّرم تتميم بديع‪.‬‬
‫َ‬ ‫س‬ ‫حا‬ ‫فتكون‬ ‫محسوس‪،‬‬ ‫بجوهر‬ ‫فعل َعرضي ليس‬
‫دم)‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ـروتـه لم يُث ِر منها كما أثرى من ال َع ِ‬
‫( َو َر َّب مال فقيرًا من ُم َّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫الس ْمح إذا وجد أعطاها َّ‬
‫حظها‪ ،‬فالفقر مع السماحة أجدى على‬ ‫الغنى يمنع نفسه َّ‬
‫خظها‪ ،‬والفقير َّ‬ ‫َّ‬ ‫أي أن اللئيم‬
‫صاحبه من الغنى مع اللؤم‪ ،‬كقول حسان بن حنظلة‪:‬‬
‫َو َيسو ُد ُم ْغ َت ِربًا َعلَى اإلقالل‬ ‫إنا لَ َع ْمر أبيك َي ْحمد ضي ُفنـا‬
‫الس ْمح من ال َعدم‪.‬‬
‫الغنى من غناه‪ ،‬كما أثرى هذا الفقير َّ‬
‫ُّ‬ ‫وتقدير البيت‪ :‬ليم يثر هذا اللئي ُم‬
‫الغنى من الفقر‪ ،‬وأكثر من ثروته من الغنى‪ ،‬أي أن حالة ال ُمعدِم أظهر‬ ‫ِّ‬ ‫اللئيم‬ ‫هذا‬ ‫َى أن ثرثرة‬‫وقد يجوز أن َي ْعن ِ‬
‫ِى‪.‬‬‫من حالة ال َغن ِّ‬
‫فأما قوله‪:‬‬
‫ما ليس َي ْجنى عليه ُم ال َع َد ُم)‬ ‫( َي ْجنِى ْال ِغنَى لِلَِّئام لو َع َقلوا‬
‫ُذمون بظهور حال الفقر عليهم‪،‬‬ ‫َّرون بل ي ُّ‬ ‫فمعناه المبالغة‪ .‬أي أنهم يمنعون أنفسهم َّ‬
‫حظها في حال الغنى‪ ،‬فال يُ َقد ُ‬
‫وإن كانوا أغنياء‪ .‬وأما إذا ظهرت عليهم حال ال ُعدْم وهو ُمعدمون‪ ،‬فال ُذ َّم عليهم‪ ،‬بل عذرهم في ذلك َبيِّن‪.‬‬
‫وله أيضاً‪:‬‬
‫َّمع فانهلَّت َبواد ُ‬
‫ِر ُه)‬ ‫َ‬
‫وغيَّض الد َ‬ ‫ضمائر ُه‬
‫ُ‬ ‫قيب فخا ْنته‬
‫الر َ‬ ‫( َح َ‬
‫اشى َّ‬
‫الرقيب‪ ،‬وأخرجه مما كان يعرف َّسه‪ ،‬ألنه كان في أول أمره يبوح بسره إلى بعض إخوانه‪،‬‬
‫َ‬ ‫يُريد‪ :‬اس َت ْث َ‬
‫نى‬
‫ويخفى ذلك عن الرقيب‪ .‬فلما تمادى ذلك به أفرط عليه‪ ،‬إلى أن بخل وبكى‪ ،‬وذل وشكا‪ ،‬فعلم الرقيب ذلك منه‪.‬‬
‫َت ل َف ْق ِد أسمِه تبكى َمنابُره)‬
‫كاد ْ‬ ‫(غاَب االمير َ‬
‫فغاب اُريخلّ عن َبل ٍد‬
‫كان األمير المجهول مخطوبًا له بحمص أيام واليته إياها‪ ،‬فأزيل عنها فانقطع االختطاب باسمه على منابر هذه‬
‫المدينة‪ ،‬فحنت المنابر وبكت لذلك‪.‬‬
‫سى ْال َمو َتى‬‫رت عن أَ َ‬
‫وخبَّ ْ‬ ‫َ‬ ‫اش َت َك ْت َو ْح َش َة َ‬
‫األ ْحياء‬ ‫(قد ْ‬
‫َمقاَ ِب ُر ُه)‬ ‫أَر ُبـ ُع ُة‬
‫وحش إليه األحياء‪ ،‬وهذا‬ ‫الهاء في مقابره‪ :‬للبلد ذاك‪ ،‬كما كانت في المنابر له‪ .‬أي َت َّ‬
‫إن المقابر‬ ‫ممكن‪ ،‬واألموات‪ ،‬وهذا غير ممكن‪ ،‬لكنه بالغ بالموتى‪ ،‬وأفرط بقوله‪َّ :‬‬
‫يتوحشون‪،‬‬
‫أسى الموتى‪ ،‬فالنصف الثاني أغلى من األول‪ ،‬ألن األحياء َّ‬ ‫ُم ْخبرة عن َ‬
‫وإن كان فيه غثلُ ٌّو أيضًا إلسناده الشكوى إلى األر ُبع فيه‪ .‬وكأن األر ُبع إنما اشتكت‬
‫توحش أهلها‪ ،‬وبُعدًا بذلك‪.‬‬ ‫رق ًة لما تراه من ُّ‬ ‫َّ‬
‫توحشها إلى األحياء‬ ‫وإن شئت قلت‪ُ :‬خلِّيت األربع بعد المير من سكانها‪ ،‬فتشكت ُّ‬
‫(وهذا) أولى‪ .‬لتطابق إسناد األسى إلى الموتى‪.‬‬
‫ِر ُه)‬‫هن َبـنُـوه أَو َعـشـائ ُ‬ ‫يوف َعلَى أَ ْعدَائِه َم َع ُه كأَنَّ َّ‬
‫( َت ْح َمى ْال ُّس ُ‬
‫كأن السيوف من‬ ‫تح َمى على أعدائه معه‪ ،‬تعصبًا له وحبًا‪ ،‬حتى َّ‬ ‫أي إن السيوف َ‬
‫مظاهرتها ونصرها له‪ ،‬وتبليغها إياه ما شاء من عدوه‪َ ،‬بنُون له أو عشائر قال أبو‬
‫الفتح‪ :‬وهذا أبلغ من قول أبى تمام‪:‬‬
‫والـغة َوفي ْال ُكلَى تج ُد ْالغيظ الذي تج ُد‬ ‫ٌ‬ ‫كأنما هي فـي األوداج‬
‫ألن أبا الطيب قد جعل السيوف بنين له وعشائر‪ .‬وإذا كانت المناسبة استحكمت العصيبة‪ ،‬وازدادت األنفس‬
‫حمية‪ ،‬وأبو تمام لم ينُ ْط بي َته بشيء من معنى المناسبة‪.‬‬
‫ـر ُه)‬
‫ظـاه ُ‬
‫ِ‬ ‫وباطنُه للعين‬
‫إال ِ‬‫َّ‬ ‫(إذا ا ْن َتضاَهاَ ل َ‬
‫ِح ْر ٍب لم َتدْع َج َسدًا‬
‫جردها‪ .‬أي إن الدن الذي هو باطن الجسد َيفيض فيصير ظاهرًا‪ .‬وقيل َت ْقطع األشالء و َت ُق ّد الجلد‪،‬‬
‫انتضاها‪َّ :‬‬
‫فيظهر من الجسم ما كان باطنا‪.‬‬
‫وله أيضاً‪:‬‬
‫إال وفيها له فِـ ْع ُ‬
‫ـل)‬ ‫( َومِن َج َسدى لم َي ْترك ْال ُّسق ُم َش ْعر ًة َفما َفوقها َّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أرق‬ ‫السم نال طائفة من طوائف َج َسدي‪ :‬اللَّحم وال َعصب وال َعظم‪ ،‬فأنحاَه وبراه‪ ،‬حتى َّ‬
‫الش ْعر الذي هو ٌّ‬ ‫أي أن ُّ‬
‫ْ‬
‫السقم كذلك ولذلك قال بعض‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫والشيب ُسق ٌم‪ ،‬ألنه ُمشعِر بفناء‪ ،‬كما أن ُّ‬
‫ُ‬ ‫الطوائف جسمي‪ ،‬فإنه أثر فيه بالشيب‪.‬‬
‫الشعراء في صفة الشيب‪:‬‬
‫ولَ ْم أَر مثل الشيب ُسقما بال ألَ ْم‬ ‫غـير مـؤلـم‬
‫ُ‬ ‫هو ْال ُّسقم َّ‬
‫إال أنه‬
‫عر‪ ،‬بهذه النازلة العظيمة الشنيعة‪ ،‬وهو الشيب‬ ‫وقد يجوز أن َي ْعنِى أنه َق َذف في اصغر طوائف جمسي‪ ،‬هو َّ‬
‫الش ُ‬
‫فقس على سائر الجسم بمثل هذا القياس‪ ،‬كما يُستدل باألصغر على األعظم‪ ،‬وباألقل على األكثر‪ ،‬أدى إذا كان‬
‫فعله في الشعر هذا‪ ،‬فما ظنك باللحم‪ ،‬وما يحمله من العصب والعظم؟‬
‫ص ُل)‬
‫أيهما النَّ ْ‬ ‫وعا َي ْن َته لم َتد ِ‬
‫ْر ُّ‬ ‫ارق ْالغم َد َس ْيف ُه‬
‫( ُهما ٌم إذا ما َف َ‬
‫أي أن مضاءه كمضاء السيف‪ ،‬وبشره وبشاشته كفر نده وصقالته‪ ،‬فأنت ُّ‬
‫تشك فيهما حتى ال تميز أحدهما من‬
‫صاحبه‪ .‬وهذا كقول ابى تمام‪:‬‬
‫صلِتًا كالسيف عند َسلِّ ِه‬
‫ُم ْن َ‬
‫وقال رؤبة‪:‬‬
‫إصل ُ‬
‫ِيت‬ ‫كأنني سيف بها ْ‬
‫ونحوه عندي قوله هو أيضا‪:‬‬
‫َكفر ْندِى فِر ْن ُد سيفي الُ ْج َر ِ‬
‫از‬
‫راز‪ :‬القاَ ِطع‪ ،‬وذهب قوم إلى‬
‫الج ُ‬ ‫أي كبسرى عند القتال وبشاشيتي وفرحي بتاثيري في اقراني‪ ،‬فرند سيفي هذا ُ‬
‫السهام بالفرند‪ ،‬لداللته على‬ ‫أنه عنى بفرنده نفسهَ‪ُ :‬س ُهومه وتغيره من السفر والجد والتعب‪ .‬فكنى عن ذلك ُّ‬
‫ً‬
‫قطعة من فر ْندِه‬ ‫شرف الهمة ورفعة النفس‪ ،‬وإنما الصحيح الول كقوله في موضع آخر‪ :‬أَرى من فِر ْندِى‬
‫ض ْر ِب الْهام في ُجود ِة ال َّ‬
‫ص ْق ِل‬ ‫َو ُجو َد ُة َ‬
‫وح ْلم الفتى في غير ِ‬
‫موضعه‬ ‫َ‬ ‫للحلـم‬
‫ِ‬ ‫إذا قيل حلمًا قال‬
‫ْجهلُ‬ ‫مـوضـع‬
‫طلب الرفق في موصع النزال خديعة ال يخلد إليها أريب‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫أي ُ‬
‫فهال تال حاميم قبل التقـدم‬ ‫شاجر‬
‫ٌ‬ ‫يناشدني حاميم والرمح‬
‫وإنما يروم بذلك قرن ُه منه التماس نهز ٍة أو حذبًا إلى كشف شدة عن نفسه‪.‬‬
‫عن األرض ال نهدَّت َونَا َء‬ ‫(ولـوال َتـولِّـى نَـ ْفـسـه‬
‫بها ْال ِح ُ‬
‫مل)‬ ‫ـل ِح ْ‬
‫ـلـمـه‬ ‫َحـ ْم َ‬
‫اتح ُه لََت ُنو ُء بال ُع ْ‬
‫ص َبةِ)‪ .‬وال يقال (ناء)‬ ‫إن َم َف َ‬ ‫ُ‬
‫والجمل‪ :‬االسم‪ .‬وناء بها‪ :‬أثقلها‪ ،‬وفي التنزيل (ما َّ‬ ‫الح َم ُل‪ :‬المصدر‪،‬‬
‫إال في حد اإلتباع لساء‪ ،‬يقال‪( :‬له عندي ما ساء وناء)‪ ،‬وقد يكون مع اإلتباع صيغ ال توجد في حد اإلفراد‪،‬‬
‫كقولهم َهنأ ُء ومرأه‪ ،‬فإذا أفردوه قالوا أمرأه‪ .‬وقالوا‪ :‬إني آلتيه بالغدايا‪ ،‬والعشايا‪ ،‬والغداة التجمع على غدايا‪،‬‬
‫ألن ( َفلة) ال تُكسر على فعايل‪ .‬لكنهم تجوزوه لما قرنوه بالعشايا‪ ،‬وال عليك أتبع الثاني األول‪ ،‬أم صيغ األول‬
‫على حكم الثاني‪ ،‬ألن مذهب العرب في ذلك‪ ،‬أن تصوغ الكالم من جه واحد طلبًا للمشاكلة‪.‬‬
‫يتول َح ْمله نفسه بنفسه‪ ،‬ووكل االرض بحمله‪ ،‬أثقلها فانهدت‪ .‬وإنما‬ ‫ومعنى البيت‪ :‬أن حلمه َر ِزين فلو لم َّ‬
‫يوصف الحلم بالزراعة لما يتبعه من الوقار‪ ،‬كقول اآلخر‪:‬‬
‫وتزيد جاهلنا على الجهال‬ ‫ً‬
‫رزانة‬ ‫َ‬
‫الجبال‬ ‫أحال ُمنا تزن‬
‫وقد قال هو أيضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫ركانة فب الجبال‬ ‫س فصارت‬ ‫وبقيات حلمه عـافـت الـنـا‬
‫إنجاز وعد وال َم ُ‬
‫طل)‬ ‫ُ‬ ‫فليس له‬
‫َ‬ ‫حالت َعطاياَ ِّ‬
‫كفه دُون َوعـدِه‬ ‫( َو ْ‬

‫أي أن عطايا بال عدة‪ .‬واإلنجاز والمطل‪ :‬عرضان أو خاصتان للوعد‪ .‬فوجودهما‬
‫بوجوده‪ ،‬فإذا ارتفع الوعد ارتفعت خاصتاه اللتان هما اإلنجاز والمطل‪ ،‬وكذلك كل‬
‫خاص ومخوص‪ ،‬إذا انتفى الخاصة‪ ،‬كالضحك وقبول العلم واألدب اللذين هما‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫خاصتا نو االنسان‪ .‬فاذا انتفى االنسان انتفت هاتان الخاصتان‪.‬‬


‫مثلت الوعد باالنسان‪ ،‬وان كان الوعد عرضا‪ ،‬واالنسان جوهرا تقريبًا‬ ‫وإنما ً‬
‫وتثبيتًا‪ .‬فال تظن بنا غير ذلك‪ ،‬ولو وثقنابفهم بنى الزمان‪ ،‬لغنينا عن إطالة البيان‪.‬‬
‫ال ْ‬
‫فخرًا بأنـك‬ ‫(كفى ثُع ً‬
‫أه ُل)‬
‫َه ٌر ألن أ ْم َس ْي َت من أهله ْ‬
‫ود ْ‬
‫مـنـهـ ُم‬
‫ودهر بكونك من أهله‪ .‬أي دهر مستحق لذلك‪َ .‬و َر َف َعه بفعل ُمضمر أي وليفخر د ْ‬
‫َه ٌر‪ ،‬وحسن هذا اإلضمار‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أي‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ألن قوله‪( :‬كفى فخرًا بأنك منه ُم) في قوة قوله‪ :‬لتفتخر ثعل‪ ،‬فحمل الثاني على المعنى‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬لتفخر ثعل‬
‫ال فخرًا بكونك منهم‪.‬‬‫الفخر ثُع ً‬
‫ُ‬ ‫وليفخر دهر‪ ،‬والحمل على المعنى كثير‪ ،‬فأهل‪ :‬صفة لدهر‪ ،‬وأراد كفى‬
‫وله أيضاً‪:‬‬
‫الج ُفون‬
‫ض ُ‬ ‫أبرح َت يا َم َر َ‬
‫( ْ‬
‫ـو ُد)‬
‫الطبيب له وعي َد ال ُع َّ‬
‫ُ‬ ‫رض‬
‫َم َ‬
‫رض‬
‫ِب ُم ْم ٍ‬
‫أبرح َت فارسا‪ :‬أي بلغت الغاية‪ ،‬وتجاوزت النهاية‪.‬‬ ‫ْرح َت‪ :‬بالغت في تعذيبه‪ ،‬وتجاوزت النهاية‪ ،‬ومنه قولهم‪ْ :‬‬
‫أب ْ‬
‫ومرض الجفون‪ :‬فتورها‪ .‬والممرض‪ :‬يعنى نفسه ألن مرض الجفن أمرضه‪ ،‬فيقول‪ :‬بالغت يامرض الجفن‬
‫بإمراض مريض‪َ ،‬م ِرض الطبيب له‪ :‬إما عجزا عن شفائه‪ .‬ومرض ال ُع َّو ُد لشدة ما رأوا به فِعيدوا‪.‬‬
‫والبن جنى في هذا البيت كالم أجله عن أن أغزوه إليه‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬مرض الطبيب له)‪ ،‬فله‪ :‬في موضع الصفة لل ُممرض‪ ،‬ومعنى له‪ :‬أي (من) أجله‪ .‬وقد يكون في‬
‫موضع المفعول كقولك‪ :‬أنا عليم بك ووكيل عليك‪.‬‬
‫كب ِع ْي ُسهم وال َف ْد َف ُد)‬ ‫ِّ‬
‫ولكل َر ٍ‬ ‫الرضا‬ ‫(فله بنُو عبد العزيز ِ‬
‫بن ِّ‬
‫يريد أنه قصد بنى عبد العزيز ليشفوه مما به‪ ،‬ولم يأخذ سيرة الذين يأخذون بقولة امرئ القيس‪:‬‬
‫وإنك لم تقطع لُبانة عاشق‬
‫ألنهم يرون الب ُعد من المحبوب مما يُريح‪ ،‬فترك هو هذا‪ ،‬ونحا إلى بني عبد العزيز‪ ،‬يذهب إلى أن ُشغل بني‬
‫وش ْغل كل ركب أن يركبوا ِ‬
‫العييْس‪ ،‬ويمشوا في القفار‪.‬‬ ‫عبد العزيز هؤالء أن يُريحوا من هذا ال ُممرض‪ُ ،‬‬
‫ْ‬
‫وبعض الناس يقول‪ :‬إن ال ِعيْس لبني عبد العزيز‪ ،‬واألحسن ما بدأنا به‪.‬‬
‫َنعِم َعلَى النِّ َع ِم التي ال تُ َ‬
‫جح ُد)‬ ‫ص ُّبهـا‬
‫مان َي ُ‬ ‫( ِن َق ٌم َعلَى ِن َق ِم َّ‬
‫الز ِ‬
‫أي نعمه البوادي العود‪ :‬تدفع نقم الزمان‪ ،‬فتغنى من فقر‪ ،‬وت ُفك من أسرأ واألسر من نقم الزمان‪ ،‬فهو يصب‬
‫هذه النعم فينتقم بها من نِقم الزمان‪ ،‬لن جوده وغياثه إذا أزاال الفقر واألسر ونحوهما من النقم‪ ،‬فقد انتقما منها‪،‬‬
‫فهن إذن نقم على الزمانية‪ ،‬ونعم على األسير والفقير ونحوهما ممن أصابه الدهر ينقمه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫األنام من الكرام وال تقل من فيك َشأ ُم سوى ش ِ‬
‫جاع ُيقص ُد)‬ ‫ِ‬ ‫( َمن في‬
‫الشأم‪ ،‬مذكر‪ ،‬وتقدير البيت‪ :‬من في األنام من الكرام سوى شجاع يُقصد يادنيا‪ ،‬وال تقل (من فيك ياشأ ُم)‪،‬‬
‫فخص بذلك الشأم وحده‪ ،‬فإنه أوح ُد الدنيا جميعًا‪ .‬ال أوحد الشأم وحده‪.‬‬
‫لو كان غيُرك في سواها يُوج ُد)‬ ‫سواها م ِْثلُهـا‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫شرف‬ ‫( ٌ‬
‫أرض لها‬
‫ٌ‬
‫شريفة‪ ،‬وغيرها مثلها‪ ،‬لوال كونك بها‪ ،‬فإنما شرفت على البالد بك البذاتها‪.‬‬ ‫منبج هذه ارض‬
‫أي ُ‬
‫وبقيت َبي َن ُهم كأنك ُم ْف َر ُد)‬
‫َ‬ ‫موع ُهم كأنك ُكلها‬ ‫( َبق ْ‬
‫ِيت ُج ُ‬
‫رأيت العباد في رجل)‪.‬‬‫ُ‬ ‫أي أغنيت غناء ال ُكل‪ ،‬فكأنك كلهم كقوله‪( :‬إال‬
‫وبقيت بينهم كأنك ُمفرد‪ ،‬أي لم يكن فيهم من يجوز أن يُعد ثانيًا لك‪ ،‬وإن كان حولك منهم جماعة‪.‬‬
‫إال لِش ْف َرته َعلَى يدها َي ُد)‬ ‫ار َك ْته َمن ٌ‬
‫ِية في ُمهج ٍة‬ ‫(ما َش َ‬
‫العرب تقول‪ :‬لك على فالن الي ُد البيضاء؛ أي المزية الظاهرة‪.‬‬
‫فمعنى البيت‪ :‬إن لشفرته األثر األظهر‪ ،‬فإما أن يكون؛ ألن تأثير السيف أظهر من‬
‫تأثير المنية‪ ،‬لن تاثير السيف ُجسماني عليه يقع الحسر‪ ،‬وتأثير المنية نفساني‪ ،‬ال‬
‫يقع عليه حس‪.‬‬
‫وقديجوز أن تكون للشفرة اليد على المنية‪ ،‬من جهة أن المنية معلولة للسيف‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫والسيف علة لها‪ .‬والعلة أشرف من المعلول‪ ،‬فوجبت المزية للسيف بذلك‪.‬‬
‫وقد يتوجه البيت على أن كل شريكين‪ ،‬فمن المعتاد األغلب أن يكون أحدهما أقوم‬
‫باألمور‪ ،‬فتعلو يد ُه يد صاحبه‪ ،‬فاذا شاركت المنية سيفه فحكمه أمضى‪ ،‬واألول‬
‫عندي أقوى‪.‬‬
‫َف َت َقطعوا حسدًا لمن ال َي ْح ُس ُد)‬ ‫( َق َّطعت ُهم حسدًا أرا ُهم ما ِبهـ َم‬
‫أراهم مابهم‪ :‬أي كشف لهم عن تقصريهم عنك‪ ،‬ولو أن اتزن له أراهم ما هو به كان أدخل في الصناعة‬
‫يحسدُ‪ :‬أي هم يحسدونك لنقصهم عنك‪ ،‬وأنت ال تحسد احدًا‪ ،‬لن الفضائل كلها‬
‫المنطقية‪ ،‬فتقطعوا حسدًا لمن ال ُ‬
‫ٌ‬
‫متجمعة لك‪ ،‬فلم يبق لك ما تحسد عليه غيرك‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أراهم مابهم‪ ،‬جملة في موضع الصفة‪.‬‬
‫قالن أَنت ُم َّ‬
‫حم ُد)‬ ‫وك والثِّ ِ‬
‫وأبُ َ‬ ‫(أنى ُ‬
‫يكون أبا الـ َبـري ِة آد ٌم‬
‫هذا محال من القول وسفه‪ ،‬أي انك انت اإلنس والجن‪ ،‬وأبوك محمد‪ ،‬هذا يعني أبا الممدوح‪ ،‬لفما لهذه البرة‬
‫العقاب في أنه لم يُحسن تأليف البيت‬
‫ُ‬ ‫وادعائها آدم أباها‪ ،‬وهذا من قبيح الضعف‪ ،‬وطريق السخف‪ ،‬وقد دخل به‬
‫ولم يُوفق إلقامة إعرابه‪ .‬أال تراه فصل بين المبتدأ والخبر بجملة أجنبية في قوله‪( :‬وأبوك والثقالن أنت‬
‫ضحك الناس وقالُوا‬ ‫محمد)‪ .‬وموضع الكالم‪ :‬أبوك محمد‪ ،‬والثقالن أنت‪ .‬وهذا ال يكاد يُسيغه لنفسه الذي يقول‪ِ :‬‬
‫بخلَّ ِ‬
‫جان وقال ايضا‪:‬‬ ‫ضاح الْ َي ِ‬
‫مان إنما شعرى قيد ُع ِق ْد ُ‬ ‫ِش ْعر َو ّ‬
‫ِظام)‬ ‫نُ ُ‬
‫خاطر فيه بال ُم َه ِج الع ِ‬ ‫جسي َم ما َطلَِبى وإنَّـا‬ ‫( ُ‬
‫طلبت ِ‬
‫اراد جسيم طلبي‪ ،‬و (ما)‪ :‬زائدة‪ .‬والعظام هانا‪ :‬كناية عن العز والشرف‪.‬‬
‫أي يقول‪ :‬أنت إنما نُخاطر في طلب بالمهج العزيزة التي ال خلف منها إذا فقدت‪.‬‬
‫أل ْد َمى رأس م ْفر ِق ِه ُحسامِي)‬ ‫ُ‬
‫الزمان إلى شخصًا‬ ‫( َولو َب َرز‬
‫الدهر ألثرت فيه بسيفي‪ ،‬والدهر ليس بشخص لن وجود النور وعدمه‪ ،‬الختالف حركة الفلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أي لو شخص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فتمناه هو شخصا ليوقع به‪ ،‬غلوا منه غلوًا‪ ،‬وعليه دائرة السوء‪.‬‬
‫َف ُ‬
‫ويل للتَّ ُّيق ِظ والـمـنـاَم)‬ ‫يون الُ ِ‬
‫خيل منِّي‬ ‫ْ‬
‫امتألت ُع ُ‬ ‫(إذا‬
‫أي أروعهم ببأسي متقيظين‪ ،‬ويحملون بي‪ ،‬وذلك بما بقى في نفوسهم من الروع‪ ،‬كقوله هو‪:‬‬
‫يخ َشى أن يرا ُه في ُّ‬
‫السها ُد)‬ ‫َو ْ‬ ‫يرى في النوم ُرمحك في ُك ُ‬
‫اله‬ ‫ِ‬
‫ومادة كل ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫صدان ضوء الشمي واإلظال ُم‬ ‫عم مـحـمـد َر َ‬ ‫وعلَى ُع ًَّ‬
‫دوك بابن ِّ‬ ‫َ‬
‫فإذا تنـبَّـه ُرعـتـ ُه وإ َذا هـدا َسلّت عليه سيو َفـك األحـال ُم‬
‫عيون فرسان الخيل‪ ،‬فخذف المضاف‪ ،‬واراد ٌ‬
‫فويل لها في التيقظ والمنام‪ ،‬فأسند‬ ‫ُ‬ ‫وأراد المتنبي‪ :‬إذا امتآلت‬
‫الويل إليهما مجازًا ال حقيقة‪ ،‬لن التيقظ والمنام عرضان ال يلحقهما ويل‪.‬‬
‫وقد يجوز أن بعض المصدر موضع االسم‪ ،‬كأنه قال‪ :‬فويل لل ُمتيقظ والنائم‪ ،‬كقولهم‪ :‬ماء َغ ْو ٌر‪ :‬أي غأر؛‬
‫ومثله كثير‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫البـرق أم‬ ‫ِّعص أَم أَنت و َذيَّا الذي َقبَّلتُه‬
‫صن أم َذا الد ُ‬
‫(أذا ال ُغ ُ‬
‫َثـ ْغ ُ‬
‫ـر)‬ ‫ٌ‬
‫فتنة‬
‫دعص؟ و (ذيا)‪ ،‬تصغير (ذا)‪ .‬وإنما صغره‪ ،‬لنه اشار إلى الثغر؛ والثغر يوصف‬
‫ٌ‬ ‫غصن؟ أم رد ُفك‬
‫ٌ‬ ‫أي‪ُ :‬‬
‫اقدك‬
‫بالصغر‪ ،‬أال ترى إلى قول النظام يصف عجبه من امراة طرحت خاتمها في فيها فقال‪:‬‬
‫ِن َر ْميها ْالخات َم في ْال َخا َتم‬
‫مْ‬
‫فتنة)‪ :‬يكون فيه (أم) العديلة أللف االستفهام‪ ،‬وتكون منقطعة َك َه ْل‪ ،‬وقد‬
‫شبه فاها بالخاتم لصغره و (أم أنت ٌ‬
‫اعترض السؤال عن الجملة‪ ،‬أعنى قوله‪( :‬أم أنت فتنتة) بين اثناء الكالم عن األجزاء‪ ،‬ألن ال َقدَّ‪َّ ،‬‬
‫والردف‪،‬‬
‫يجما‪،‬‬
‫والثغر‪ ،‬كلها طوائف‪ ،‬وأنت جملة‪ .‬وإنما كان ينبغي‪ ،‬لو استقام له‪ ،‬أن يقرع بالسؤوال عن الطوائف‪ ،‬ثم ُ‬
‫يجمل مبتدئا فيقول‪ :‬أنت فتنة‪ ،‬ثم يأتي بالطوائف‪.‬‬
‫أو ُ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫واما هذا الفصل عندي بين النظائر بالغريب‪ ،‬فقلق غير متمكن‪ ،‬وهذا إنما (يحكيه) أهل المنطقية‪ .‬وكذلك قوله‪:‬‬
‫ثغر) كان أصنع أن يقول‪َ ( :‬ب ْر ٌق)‪ ،‬لمكان ( َث ْغر)‪ ،‬ألنهما نكرتان‪.‬‬ ‫(وذيا الذي قبلته ُ‬
‫البق أم ُ‬
‫الر َد ْين ُ‬
‫ِية‬ ‫رماح المعالي ال ُّ‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫( َفتى َّ‬
‫كل يوم يحتوي َن ْف َ‬
‫مر)‬
‫الس ُ‬
‫ُّ‬ ‫مـالـ ِه‬
‫رماح المعالي‪ ،‬يعنى المدائح‪ .‬أي رماح المدائح التي تُبنى بها المعالي‪ ،‬تُغير‪ ،‬كقول أبى تمام‪:‬‬
‫ُ‬ ‫تُغير على ماله‬
‫وآمله غا ٍد عليه فسالُبه‬
‫السمر‪.‬‬‫رماح المعالي‪ ،‬ولم يقل سيوف المعالي‪ ،‬توطئة للردينية ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫وقوله‪َ ( :‬ن ْفس ماله)‪ ،‬ليس للمال نفس في الحقيقة‪ ،‬إنما تجوز بذلك‪ ،‬كما تجوز بأن‬
‫جعل للمعالي رماحا‪ ،‬وليس هناك رمح وال نفس‪ ،‬وعلى هذا أوجه أنا قوله‪:‬‬
‫هجة ْال ُب ِ‬
‫خل‬ ‫نداهم ومن قتال ُه ُم ُم ُ‬
‫ُ‬ ‫رماحهم‬
‫ِ‬ ‫ألست من القوم األلى م ْ‬
‫ِن‬ ‫ُ‬
‫لما استعار ما ذهب إليه أكثر مفسري هذا الشعر‪ ،‬من أنه عنى بقوله‪( :‬من رماحهم نداهم)‪ :‬أنهم يجودون‪،‬‬
‫وإنما يجودون بما تُفئ عليهم رماحهم من النهب‪ .‬وما أدرى ما أعماهم عن هذا على وضوحه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫تشك ُو إلي وال أش ُكو إلى أح ٍد)‬ ‫الجبيب بها‬
‫ُ‬ ‫ِّيار التي كان‬
‫(وال الد ُ‬
‫شكوى الديار إنما هي باعتبار النظار من سوء آثار الزمان عليها‪ .‬كقول علي رضي اهلل عنه مخاطبًا القبور‪:‬‬
‫لم تُجبك جهارًا‪ ،‬أجابتك اعتبارا‪.‬‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ألسنة ُخـ ُف ْ‬
‫ـت‬ ‫ٌ‬ ‫َو َن َعتك‬ ‫ص ُم ْت‬ ‫ٌ‬
‫أجداث ُ‬ ‫َ‬
‫عظتك‬ ‫َو‬
‫َت ْبلَى َوعن ُ‬
‫ص َو ٍر ُسبُ ْت‬ ‫أو ُجـ ٍه‬ ‫ْ‬
‫تكلمـت عـن ْ‬ ‫َو‬
‫فيقول‪ :‬إن دمعي حال دون تأملي آثار البالد في الديار‪ ،‬فيقوم مقام شكواها إلي‪ :‬لوال َمن ُع الدمع إياي من‬
‫صنع الدهر بها‪ ،‬لكن الدمع َك َفاني وحماني النظر‪ ،‬كقول اآلخر‪:‬‬ ‫التأمل‪ ،‬لرأيت ُسوء ُ‬
‫فأبصر‬
‫ُ‬ ‫فأعشى وطورًا تحسران‬ ‫فعيناي طورًا تغرقان من الُبكـا‬
‫ولهذا العلة سقول الشاعر منهم لرفيقه‪ :‬تبصر ُ‬
‫وانظر‪ ،‬كقوا امرئ القيس‪:‬‬
‫والك َن ْقبًا بين َح ْز َم ْي َش َع ْي ِ‬
‫عب‬ ‫َس َ‬ ‫بصر َخلِيلي هل ترى من َظ ٍ‬
‫عائن‬ ‫َت ِّ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أبصر مِنِّي‬
‫ُ‬ ‫بل َت َّ‬
‫بصر‪َ ،‬‬
‫فأنت‬
‫أي أن الدمع قد حال بيني أنا وبين التأمل‪ ،‬بإغراقه ناظري؛ وقد بكيت حتى اكل الدم ُع بصرى‪( .‬وال أشكو إلى‬
‫أحد)‪ ،‬أي أنها قفر ال أحد فيها فأشكو إليه‪ ،‬أي ليس بها احد يُشكى اليه‪ ،‬فأنا أدع الشكوى لذلك‪ ،‬ونفيه العام هنا‬
‫كقول النابغة‪:‬‬
‫( َع ْ‬
‫يت جوابا وما بالر ْبع من أح ِد)‬
‫وقد يتوجه البيت على أنه لم يبق في الدار فضل للشكوى بما هدمها وأبادها من البلى‪ ،‬وال في أنا للشكوى‪ .‬أي‬
‫قد ضعفت عن ذلك‪ ،‬واألول أوجه‪.‬‬
‫ْ‬
‫عادت َولم ي ُع ِد)‬ ‫حتى إذا افترقاَ‬ ‫أي األ كف تُبارى ال َغ ْي َث ما اتَّفقا‬
‫( ُّ‬
‫كف سوى كف هذا الممدوح تعارض الغيث؛ أو‬ ‫األ كف‪ :‬جمع كف‪ ،‬قال سيبويه‪ :‬وال يكسر على غير ذلك أي ٍّ‬
‫تباريه؟ حتى إذا أقلع الغيث عادت الكف للندى‪ .‬وهي تلك الكف بعينها‪ ،‬ولم ي ُعد الغيث‪ ،‬ألن ذلك الغيث بعينه‬
‫ال يعود أبدا‪ .‬وفي قوله‪( :‬عادت)‪ ،‬إشعار بأنها أقلعت وإنما قاله توطئة لقوله‪( :‬ولم َي ُعد)‪ ،‬ومثل هذا كثير في‬
‫فاع َتدُوا َعلْيه)‪ ،‬وانتصار المؤمنين من الكفار‪ ،‬ليس باعتداء وال ُظلم‪،‬‬
‫اع َتدَى عليكم ْ‬
‫كالمهم‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬فمن ْ‬
‫ولكنه ذكر االعتداء هنا لتقدم (فمن اعتدى)‪ .‬ومثله قول الشاعر‪:‬‬
‫الجاهليناَ‬
‫ِ‬ ‫فنجهل َ‬
‫فوق َج ْه ِل‬ ‫أال ال َب ْجهلَ ْن اح ٌد عـلـينـا‬
‫وقوله‪:‬‬
‫حتى إذا افترقا عادت ولم يع ُد‬ ‫أي األكف تُباري الغيث ما اتفقا‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ُ‬
‫الغيث ودامت‬ ‫يسمى ترجيحا‪ ،‬فقد وقعت المساواة بين الكف والغيث بال فضل ألحدهما على صاحبه‪ .‬فإذا أقلع‬
‫ضلت الغيث ُ‬
‫الكف ورجعت عليه‪.‬‬ ‫الكف تجود‪ ،‬فقد َف َ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫يح)‬ ‫ريضنا فبدا لَ َك التَّ ْ‬
‫ص ِر ُ‬ ‫َت ْع ُ‬ ‫إليك َو َش َّفنا‬
‫سر اثرنا َ‬
‫(وفشت َ‬
‫الحب‬
‫أي لما جهدنا التعريض‪ ،‬استروحنا إلى التصريح‪ ،‬فانتهك الستر‪ .‬وإن شئت‪ :‬لما عرضنا؛ ظهرت دالئل ُ‬
‫علينا كفيض الدمع‪ ،‬وتغير اللون‪ ،‬فعاد التعويض تصريحًا‪ ،‬بهذه األدلة التي أعربت عن الحب‪ ،‬وصرحت به‪،‬‬
‫التصريح من تعريضنا‪ .‬ومعنى شفنا على هذا القول‪ :‬نقص‬
‫ُ‬ ‫وإن كنا نحن لم نُرد التصريح فتقديره‪ .‬فبدا لك‬
‫تصبُّرنا‪ ،‬وغير تجلدنا‪ ،‬وقد يكون وشفنا‪ :‬أي شف قوتنا على التكتم فبكينا‪ ،‬فحصل العريض تصريحا‪.‬‬
‫الريح)‬
‫ُ‬ ‫مر ْت ُه‬
‫يجود وما َ‬
‫َوحرى ُ‬ ‫السما ُء برو َقه‬ ‫( ِشمناَ وما َح َ‬
‫جب َّ‬
‫وال شيء منك يابنة عفـزرا‬ ‫نشيم بروق المزن أين مصابُـ ُه‬
‫وقال ابن مقبل في النار‪:‬‬
‫تشي ُمها‬
‫بنار ِ‬
‫بنبحة كلب أو ٍ‬ ‫ولو تُتري منه لباع ثـيابـه‬

‫أي شمنا الببروق‪ ،‬ولم يُحجب السماء‪ .‬أي ال غيم هنالك‪ ،‬فيُحجب أديم السماء‪،‬‬
‫يبسم بالبرق بعد تعبُّسه بالغيم‪،‬‬
‫وإنما عنى مخايل يديه‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬إن الجو ِ‬
‫وهو يبقى أبدًا‪ ،‬فبرقه في صحو‪ ،‬وال يلحقه عبوس‪ ،‬فيكون ذلك العبوس كالغيم‪.‬‬
‫فجوده هنئ‪ ،‬وليس الغيث كذلك‪ ،‬ألنه وإن حلى األفق بالبرق‪ ،‬فإنه يحجب حسن‬
‫السماء‪ ،‬وجمال ِسمتها‪ ،‬ويحجبها بالغيم وهذا قريب من قوله هو‪:‬‬
‫ً‬
‫فـضـيلة الشمس تُشرق والسحاب كنهورا‬ ‫َفترى الفضلة ال َت ُ‬
‫ـر ُّد‬
‫عنى بالسحاب الكنهور‪ :‬نداه‪ ،‬وبالشمس‪ :‬بشره‪ ،‬وحسن وجهه الوضئ‪ ،‬وسنشبع شرح ذلك في القصيدة التي‬
‫هو فيها إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫(وحرى يجو ُد وما مرته الريح)‪ .‬أي حرى نان يجود من غير أن َت ْم ِر به الريح‪.‬‬
‫يذهب إلى تخليص جود هذا المدوح من الكدر‪ ،‬وتفضيله على المطر‪ ،‬ألن ماء المطر وإن كان طهورًا نافعًا‪،‬‬
‫فإن هناك ما يُكدره‪ ،‬وهو الغيم الذي يطمس نور الشمس‪ ،‬فيولد ال ُك ْربة في النفس والريح التي يتوقع منها‬
‫اآلفات وأنواع الجوائح‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إن الريح هنا مستعارة‪ ،‬وإنما كنى بها عن السؤال‪ ،‬ألن السؤال‬
‫يستخرج النوال‪ ،‬كما أن الريح تمرى الماء‪ .‬فيقول‪ُ :‬جوده متبرع يُغنى عن السؤال‪ :‬كقوله هو‪:‬‬
‫وإلى فأغنى أن يقولوا َوال ِه‬ ‫وإذا عنُوا بعطائه عن َه ِّ‬
‫ـزه‬
‫لذلك قال هو أيضا‪:‬‬
‫َس َب َق ْت َق َ‬
‫بل َن ْيل ِه بسؤال‬ ‫والجراحات عنده َنغ ٌ‬
‫َمات‬ ‫ُ‬
‫وسيأتي شرحه في موضعه‪ :‬ونظيره قوله‪:‬‬
‫اليح‬
‫حرى يجود وما مرته ُ‬
‫َو َّ‬
‫وعلى هذا القول األخير قول البحتري‪:‬‬
‫يحتفر‬
‫ُ‬ ‫قليب ليس‬
‫إن الغمام ٌ‬ ‫مواهبا ما تجشمنا السؤال لها‬
‫ويجوز (وحرى يجود) بإضمار (أن)‪ ،‬أي وحرى أن يجود‪( .‬ما مرته الريح)‪ .‬جملة في موضع الحال‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الطعان مِن ِّ‬
‫الطعان َمال َذا)‬ ‫اشتجر ال َقنـا َج َعل َّ‬
‫قبلك من إذا ْ‬
‫(ل َم َيلق َ‬
‫إن شئت قٌلت معناه‪:‬أنك تلقي فسك للطعان محتقرًا لها‪ ،‬لتهابك األقران‪ .‬وإن شئت قلت معناه‪ :‬إنك تلوذ من‬
‫الطعن بطعنك لعدوك‪ ،‬علما أنك إن تهيبته ولم تطعنه طعنك فإما تدفعه باإقدام‪ ،‬ال باإلحجام‪( ،‬ألنه) تمكين‬
‫للعدو‪.‬‬
‫ولهذا قالت العرب‪ :‬إن الحديد بالحديد يُلف‪ :‬أي إن الشر إنما يدفع بمثله‪ .‬كقول قطري‪:‬‬
‫ل ِن ْفسي حياة مثل أن أ َتقدَّما‬ ‫أجد‬ ‫ُ‬
‫تأخرت أستبقى الحياة لم ِ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وقال المتنبي في نحوه أيضا‪:‬‬
‫الموت الزؤام تـد ُ‬
‫ُول‬ ‫َ‬ ‫لمن ورد‬
‫َ‬ ‫الدوالت قسماَ فإنـهـا‬
‫ُ‬ ‫فإن ت ُكن‬
‫هام الكماة صليل‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫هون الدنيا على النفس ساعة وللِبيض في ِ‬‫لمن َّ‬
‫جوشن وأخاَ َ‬
‫أبيك ُم َعـا َذا)‬ ‫ٍ‬ ‫لما َرأوك َرأوا أباك ُمحـمـدًا في‬ ‫( َّ‬
‫أي (ذكروا) برؤيتهم إباك عمل وأباك‪ .‬يذهب إلى قوة شبهه بهما كقولهم ابو يرسف ابو حنيفة‪ ،‬أي مثله‪ ،‬وقد‬
‫قال المتنبي في هذا المعنى‪:‬‬
‫َحلَ ُفوا أنك ابنُ ُه ِّ‬ ‫َّ‬
‫الق‬
‫بالط ِ‬ ‫لو تنكرت في الم َك ِّر ٍ‬
‫بقوم‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫المقبور)‬
‫ُ‬ ‫شخصه‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وكأن عزر‬ ‫ذكره‬
‫عيسى بن مري َم ُ‬
‫(وكأنما َ‬
‫المسي عازر‪ .‬وترك صرف‬
‫ُ‬ ‫عازر هذا‪ :‬أخياء عيسى‪ ،‬وإقامه من قبره‪ ،‬فكذلك ذكر هذا البيت يحييه‪ ،‬كما أحيا‬
‫ُ‬
‫عازر ألنه أعجمي‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫والمفار ُق)‬
‫ِ‬ ‫ض ُب من ُه َّن اللَّ َحى‬
‫َت وتُ ْخ َ‬ ‫(تُ َش َّقق من ُه َّن ُ‬
‫الجـيوب إذا َبـد ْ‬
‫(تشقق منهن الجيوب)‪ .‬أي إن البعولة والبنين يقتلون بها‪ ،‬إذا ُجردت من أغمادها‪ ،‬فيشقق الثكإلى جيوبهن‪.‬‬
‫الشاب والكهل والشيخ‪ ،‬فال تعرف الثكلى‬
‫ُ‬ ‫خضب منهن اللحى والمفارق) أي يُخضبن بالدم‪ ،‬حتى يُشكل‬ ‫و(وتُ َ‬
‫بعلها من ابنها‪.‬‬
‫ُ‬
‫والسيف َعن فيه‬ ‫يُرى ساكتًا‬ ‫يحاجى به‪َ :‬ما ٌ‬
‫ناطق وهو‬ ‫( ُ‬
‫ُ‬
‫ناطق)‬ ‫ٌ‬
‫ساكـت؟‬
‫ُ‬
‫السيف‬ ‫الصمت والنطف‪ :‬ضدان‪ ،‬والضدان ال يجتمعان في محل واحد‪ ،‬في وقت واحد‪ ،‬لكن هذا الملك ينطق‬
‫عنه وفمه ساكت‪ ،‬فاألحجية من البيت في الشطر األول وتحليلها في الثاني‪ ،‬ونُطق السيف عنه؛ عمله في‬
‫وعداته‪ ،‬إذ السيف جمادُ‪ ،‬والجماد ال نطف له‪ .‬وإنما هو كقوله‪:‬‬
‫ًعصاته ُ‬
‫الحق‬
‫األنساع للبطن ِ‬
‫ُ‬ ‫وقالت‬
‫ُ‬
‫يطول المثال‪.‬‬ ‫ولو تقصيت هذا لطال الكالم‪ ،‬لن في مثله‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫َط ُ‬
‫لعت بموت أوال ِد ِّ‬
‫الزناء)‬ ‫ٌ‬
‫ـهـيل‬ ‫(وتُ ُ‬
‫نكر َم ْو َت ُهم وأنا ُس‬
‫أكثر الموت الواقع في البهائم‪ ،‬إنما هو عند الرعاء بطلُوع ُسهيل‪ ،‬فعد أضداده من‬
‫جهلهم‪ .‬بهائم ي ُميتهم ُسهيل‪ .‬قال‪:‬‬
‫إذا أوفى وأشأم من ُق ِ‬
‫دار‬ ‫هيل‬
‫وكان أضر فيه ْم من ُس ٍ‬
‫ض ٍّر وويل‪ .‬فيقول هو‪ :‬طلوعي ضرر على‬ ‫وقال المنجمون‪ُ :‬طلوع ُسهيل طلوع ُ‬
‫أوالد الزنا‪ .‬ولم يعن بذلك أنهم لزنية في أنسابهم‪ ،‬إنما أراد أنهم يعتزون إلى‬
‫وسهيل‪ :‬اسم جاء على‬ ‫الفضل وليسوا منه‪ ،‬كما ينتسب بنُو الزنا إلى غير آبائهم‪ُ .‬‬
‫بناء التصغير وله ايضا‪:‬‬
‫ِن ُس ْقم)‬ ‫عل بها م َ‬
‫ِثل الذي بي م ْ‬ ‫غاية ُّ‬
‫الظلم لَ َّ‬ ‫( َمال ُم النَّوى في ُظلمِها ُ‬
‫أي أن مالمى للنوى في ظلمها لي‪ ،‬واسئثارها بمحبوتي غاية الظلم‪ ،‬ألن في اإلمكان‪ ،‬وطبيعة تأثير الزمام أن‬
‫عاشقة لهذا المحبوب كعشقى‪ ،‬فيورثها ذلك ُسقما َك ُسقمى‪ ،‬فالحكم أال ألومها‪ ،‬ألن من لم يُؤثر‬ ‫ُ‬ ‫تكون النوى‬
‫عليك إال نفسه فليس بمؤثر عليك أحدا‪.‬‬
‫السقم ولم يذكر العشق استغناء بذكر‬ ‫وبالغ بقوله‪ :‬غاية الظلم‪ُ ،‬مدرا أن بالنوى من الوجد مثل ما به‪ .‬وذكر ُّ‬
‫إل ُ‬
‫نسان من‬ ‫المسبب عن السبب‪ .‬واراد مالمى للنوى‪ ،‬فأضاف المصدر إلى المفعول‪ ،‬كقوله تعالى‪(:‬ال َي ْسأ ُم ا ْ‬ ‫ُ‬
‫دُعا ِء الَ ْخيْر)‪.‬‬
‫يض ْال ُّسر ْي ِجيّات ُ‬
‫يقطعها‬ ‫و ِب ُ‬ ‫الردَينَّيات َي ْقص ُفهـا‬
‫( ِطوال ُّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫لحمِى)‬
‫ْ‬ ‫َدمِـى‬
‫السريجيات يقطعها‬
‫إن شئت قلت‪ :‬إن دمه يقصف الرمح بحدته وقوته‪ ،‬أي أنه أقوى من الرمح‪( .‬وبيض ُّ‬
‫احد من السيف‪ ،‬فهويؤثر في السيف تأثير السيوف في غيره‪.‬‬ ‫لحمى)‪ :‬أي أنه ُّ‬
‫وقد يكون أن الرماح والسيوف تنبو عنه‪ ،‬وال تؤثر فيه البته‪ .‬فكأن دمه َكسر الرمح‪ ،‬وكان لحمه قطع السيف‪.‬‬
‫وقد يجوز أن يهنى أنه من نفسه وعشريته في منعة‪ .‬فإذا أصابه طعن أو ضرب‪ ،‬أكثر الطعن في طلب ثأره‪،‬‬
‫حتى تتقصف الرماح‪ ،‬وتتقطع السيوف‪.‬‬
‫به يُت ُمهم فال ُموت ُم الجابر اليتم)‬ ‫االع َّزاء ال ُم ُّ‬
‫عز وإن يئن‬ ‫ذل ِ‬ ‫( ُم ُّ‬
‫أي مذل مخالفيه المعادين له‪ ،‬معز محالفيه المعاضدين له‪ .‬وإن يئن‪ :‬أي يقرب به يُتم ُهم‪ ،‬أي يُتم أبنائهم بقتله‬
‫أباءهم‪ ،‬فإنه يجبر يتمهم بعوده عليهم؛ واكتفاله إياهم بعد اآلباء‪.‬‬
‫وقد يجوز أن يوتم قوما ويجبر يتم آخرين‪ ،‬لم يكن هو الذي أيتمهم‪.‬‬
‫صرير العوالي َقبل َقعقع ِة‬ ‫(إذا َبيَّت األعداء كان‬
‫اللجم)‬ ‫تماعـهـم‬
‫اس ُ‬ ‫ْ‬
‫أي يطوى سره؛ ويخفى حسه‪ ،‬حتى يكاد يُخرس اللجام فال يخرس‪ .‬وهذه مبالغة في طي الخبر‪.‬‬
‫ْ‬
‫بالحزم)‬ ‫أللحق ُه تضييعه الحزم‬ ‫(وقد الحزم حتى لو تعمد تركه‬
‫أي أن حرمه طبيعي؛ فلو تعمد تركه ال نعكس تضييعه الحزم حزمًا‪ ،‬إذ ليس قوته غير ذلك‪.‬‬
‫ألخره الطب ُع الكري ُم إلى ال ُقدْم)‬ ‫(وفي الحرب حتى لو اراد تأخرا‬
‫أي أن طبعه إتيان الفضائل‪ ،‬وتنكب الذائل‪ ،‬فلو رام التأخر ممتحنًا لطبيعته تلك‪ ،‬لتأبى عليه الطبع‪ ،‬فرده إلى‬
‫التقدم‪.‬‬
‫وقد اطرد هذا المعنى في غير هذا الموضع من هذا الشعر‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫صاح ِب‬
‫ِ‬ ‫بها فضلَ ٌة ُ‬
‫للجرم عن‬ ‫ٌ‬
‫رحمة تحيى العظـام‬ ‫(لَ ُه‬
‫رم)‬ ‫ْ‬ ‫وغـض ٌ‬
‫ْ‬
‫ال ُج ِ‬ ‫ٌ‬
‫ـبة‬
‫وغضبة‪ :‬أي إذا إغضبه المجرم الجاني تجاوز له غضبه قدر‬ ‫يُحيى العظام‪ :‬مبالغة في قوتها على اإلحياء‪.‬‬
‫ُجرمه‪ ،‬فاما تجاوز به قدر جرمه فإهلكه‪ ،‬وإما تهاون به فتركه‪.‬‬
‫يدعو َثنَائي َ‬
‫عليك‬ ‫َ‬
‫فظن الذي ُ‬ ‫(د ُ‬
‫ُعيت ِبتقريظيك في كل‬
‫اسمِي)‬
‫ْ‬ ‫مجـلـس‬
‫ٍ‬
‫لزمت مدحك‪ ،‬وخصصت حمدك‪ ،‬حتى ُعرفت بذلك‪ ،‬وغلب على اسمي العلم و ُكنيتي ونسبي‪ ،‬وظن‬ ‫ُ‬ ‫أي أن‬
‫الذي يدعو ثنائي عليك اسمي‪ :‬أي قيل لي‪ :‬با مادح ابن إسحاق‪ ،‬ذهابًا إلى أن ذلك اسمي ال اسم لي غيره‪،‬‬
‫وأراد يدعوني‪ ،‬فحذ المفعول‪ .‬ثنائي واسمي‪ :‬مفعوال ظن‪ .‬وإنما أراد الصفة المشتقة من ثنائي عليك‪ ،‬كقوله‪ :‬يا‬
‫ض‪.‬‬
‫حامد‪ ،‬ويا مادح‪ .‬ولم يرد المدح وال الحمد‪ ،‬ألنهما عرضان‪ ،‬والمسمىجوهر‪ ،‬فال يُدعي الجوهر بال َع َر ِ‬
‫قو ِة‬ ‫َ‬
‫أعطيت من َّ‬ ‫لَ ِخ ْلنَاك قد‬ ‫( َوثقناَ بأن تُعطى فلو لم َت ُج ْد‬
‫الوهم)‬
‫ِ‬ ‫لَـنـا‬
‫يذهب إلى أنه لو عدم فضيلة في وقت‪ ،‬لُظن فيه أنها موجودة أو تُيقنت وذلك لما‬
‫ِذبه صدقًا‪ ،‬لما جرت‬ ‫يُعتاد من وجود الفضائل فيه‪ ،‬وهذا كالصادق َي ْكذب فيُتوهم ك ْ‬
‫به العادة من صدقه‪.‬‬
‫وقد عظم إعياء أبى الطيب في هذه القصيدة جداُ‪.‬‬
‫الردينيات ‪.). . .‬‬ ‫فمن ذلك أنه عكس المر بين الفاعل في بيته الذي هو (طوال ُ‬
‫ينقلب إلى ضده كقوله‪( :‬أللح َقه تضييعه الحزم بالحزم)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ومنه‪ :‬أنه جعل ِّ‬
‫الضد‬
‫وليس من شأن تضييع الحزم أن ينتج الحزم‪.‬‬
‫وكذلك قوله‬
‫الطبع الكريم إلى ْال ُقدو‬
‫ُ‬ ‫وفي الحرب حتى لو أراد تأخرًا ألخره‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫فجعل التأخير ينعكس إلى التقدم‪.‬‬


‫ومنه‪ :‬أنه جعل العدم يُظن به الوجود‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫َ‬
‫أعـطـيت ‪). . .‬‬ ‫(‪ . . .‬فلو لـم تـجـد لـنـا لخلناك قد‬
‫الدهم)‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫مكمن العسكر‬ ‫لكانَقرا ُه‬ ‫(فكم قائل لو كان ذا ُ‬
‫الشخ نفس ُه‬
‫جوهر متكائف‪ ،‬فلو تجسمت هذه‬
‫ٌ‬ ‫النفس روحانية‪ :‬فاما تعظم عظما روحانيا كعظم العالم العلوي‪ .‬والجسم‬
‫النفوس لعظم جر ُمها‪ ،‬وكانت ذات طوائف جسمانية عظيمة‪ .‬فكأن ظهر هذا الجسم يستُروراءه عسكرًا عظيمًا‬
‫فيحجبه‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬لو كان شخص ُه على قدر نفسه في العظم‪ ،‬لكان ظهره مكمن عسكر كبير‪ .‬وخص‬
‫الظهر‪ ،‬ألنه ال ُغصون فيه‪ ،‬فالكمون فيه أصعب‪.‬‬
‫تواضعت وهو ال ُع ْظم ُعظمًا عن‬ ‫( ُ‬
‫عظمت َفلَمـاَّ لـم تُـ َكـلَّـ ْم‬
‫ال ُع ْظ ِم)‬ ‫ً‬
‫مـهـابة‬
‫فأرحت ما بالناس من تهيُّبهم لك‪ ،‬تواضعت عظما عن التعظيم‪ ،‬وهو ال ُعظم في الحقيقة‪ ،‬ألن العظمة والكبرياء‬
‫إنما يليقان باألعظم وهو البارئ سبحانه‪.‬‬
‫(عن) في قوله‪( :‬عن ال ُعظم)‪ ،‬متعل بقوله ُعظمًا‪ :‬بمعنى تعاظم وهو نصب على الحال أو المصدر‪ .‬وتقدير‬ ‫و َ‬
‫تالبي‪ :‬تواضعت ُعظمًا عن ال ُعظم وهو ال ُعظم أي ذلك التواضع هو ال ُعظم الحقيقي‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫لَُي ْيلَتُنا ال ُم َ‬
‫نوض ُة بالتَّنادي)‬ ‫أحا ِد‬
‫سداس في َ‬
‫ٌ‬ ‫(أحا ٌد أم‬
‫ست في واحدة‪ .‬لُييلتنا‪ :‬صغرها تصغير التعظيم‪ ،‬كقول أوس‪:‬‬
‫أي أواحدة لُييلتنا هذه أم ٌ‬
‫ليبلُغ ُه حتى َي َك َّ‬
‫ـل ويعـمـال‬ ‫الرأس لم يكن‬
‫ِ‬ ‫شاهق‬ ‫ُفويق ُج ٍ‬
‫بيل ِ‬
‫ُ‬
‫والجبل الذي هذه حاله ليس بجبيل‪ ،‬إنما هو َج َبل‪.‬‬ ‫فقال ُجبيل‪.‬‬
‫وأنما وجه تصغير التعظيم‪ ،‬أن الشيء قد يعظم‪ ،‬في نفوسهم‪ ،‬حتى ينتهي إلى الغاية‪ ،‬فاذا انتهى إليها‪ ،‬عكس‬
‫إلى ضده‪ ،‬لعدم الزيادة في تلك الغاية‪ ،‬وها مشهور من رأى القدماء الفالسفة الحكماء‪ :‬أن الشيء إذا انتهى‬
‫انعكس إلى ضده‪ ،‬ولذلك جعل سيبويه الفعل الذي يتعدى إلى ثالثة مفاعيل‪ ،‬وهي نهاية التعدي بمنزلة الفعل‬
‫الذي ال يتعدى إلى مفعول‪ .‬قال‪ :‬ألنه لما انتهى فلم يتعد صار بمنزلة ما ال يتعدى‪ .‬وهذا منه ظريف جدًا‪.‬‬
‫والتنادي‪ :‬القيامة‪ ،‬لما جعل الليلة ستا استطالها بعد ذلك‪ ،‬فجعلها هو أكثر مدة‪ ،‬فقال‪ :‬إنها منوطة بالبعث‪.‬‬
‫وأحاد‪ :‬خبر مبتدأ مقدم‪ ،‬وال يكون مبتدأ لنه نكرة‪ ،‬ولُييلتنا معرفة‪ ،‬فهو أولى باالبتداء‪ ،‬وصغر الليلة على‬
‫القياس‪.‬‬
‫فقد لَ َحظ ْته ِم ْنها في السـوا ِد)‬ ‫ني‬ ‫حظت بياض َّ‬
‫( َمتى لَ ُ‬
‫يب َع ْي ِ‬
‫الش ِ‬
‫أي حزنى على بياض شيبي كحزنى عليه لو رأته عيني في سواد ناظرها‪ .‬كقول أبى دلف‪:‬‬
‫في كل يوم أرى بيضاء قد طلعت كأنما طلعت في ناظر البصـر‬
‫ازديادي)‬ ‫ددت من بعد التَّناهـي فقد َو َقع ان ْتق ِ‬
‫ِاصي في ْ‬ ‫از ُ‬‫( َمتى ما ْ‬
‫األشد‪ ،‬فتلك الزيادة في سني نقصان مني‪ ،‬لنه قد بلغ غاية النماء ببلوغ ُ‬
‫األشد‪،‬‬ ‫ازددت عمرًا بعد تناهي ُ‬
‫ُ‬ ‫أي إذا‬
‫فهو آخذ بعد ذلك في التحلل إلى بسيط العنصر‪ ،‬كقوله هو وقد مدح بعض األمراء بشعر عدد أبياته أربعون‪:‬‬
‫هر ميدانـه إنـشـادُه‬ ‫ُم ٍ‬ ‫فبعثنا بأربعـين مـهـارًا‬
‫أربًا ال يراه فيمـا يُزادُه‬ ‫َع َد ٌد عشته يرى الجس ُم فيه‬
‫أي عدد عشته أيها الممدوح‪ ،‬ألن سن الممدوح حينئذ‪ ،‬كانت اربعين فسوى عدة األبيات بعدة سنيه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫(يرى الجس ُم فيه أربًا ال يراه فيما بُزاده) يعنى باألرب‪ :‬النماء‪ ،‬وال يكون إال إلى األربعين‪ .‬فاذا زيد عليها‬
‫راج عن التركب إلى التحلُّل‪.‬‬
‫عمرا لم ير الجسم في ذاته تما ًء‪ ،‬إنما هو ٌ‬
‫وأقرب ُق ْربنا ُقرب البعا ِد)‬
‫ُ‬ ‫(وأب َع ُد بُ ْعدنا بعد التـدانـى‬
‫والقرب بعيدًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يقول‪ :‬كنت منه بعيدًا‪ ،‬فكان البُعد مني حينئذ قريبًا‪،‬‬
‫ُ‬
‫فلما جئت ُه وقربت منه‪ ،‬انعكست الحال‪ ،‬فعاد البعد بعيدًا وكان قريبا وعاد القرب قريبًا وكان بعيدًا‪.‬‬
‫ونسب اإلبعاد والتقريب إلى هذا الممدوح‪ ،‬ألن انعكاس الحال‪ ،‬إنما كان بسببه‪ .‬فلوال هو لم َي ْب ُعد الب ُعد الذي‬
‫كان قريبًا‪ ،‬وال قرب القرب الذي كان بعيدًا‪ .‬وإخراجه مصدر أبعد وقرب على بُعد و ُقرب‪ ،‬أنما مصدراهما‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ض نباتًا) أي‪ :‬نبتُّم نباتا‪ .‬وكذلك ابعد وقرب‪ ،‬مطاوعهما‬ ‫إبعاد وتقريب‪ .‬على قوله تعالى‪( :‬واهللُ أ ْنبت ُك ْم مِن ْ‬
‫األر ِ‬
‫وقرب‪ ،‬فأخرج المصدر عليهما‪ ،‬مثله كثير‪.‬‬ ‫َب ُعد ُ‬
‫هباتُك أن يُلقب بالجوا ِد)‬ ‫(وأنك ال َتجو ُد على جوا ٍد‬
‫أي لم تترك هباتُك أحدا غيرك يستحق أن يٌلقب بالجواد إذا قيس بك وتلخص ذلك‪:‬‬
‫أي ال تجود هباتك على أح ٍد بهذا االسم‪ ،‬وإن كانت التمكنع غيره من ضروب‬
‫العطايا‪( ،‬فأن) على هذا القول نصب بإسقاط الحرف أي بأن يُلقب‪ .‬وهباتُك فاعل‬
‫ال من الضمير الذي‬ ‫بتجود‪ .‬وال تكون التاء في تجود للمخاطبة ويكون (هباتك) بد ً‬
‫في تجود‪ ،‬وال يجوز ذلك البتة‪ ،‬ألن المخاطب ال يُبدل من البته‪ .‬ومن هنا منع‬
‫بك المسكين مررت‪ ،‬إنما تنصبه على الترحم‪ ،‬أو على نية‬ ‫سيبويه البدل في قولك‪َ :‬‬
‫إسقاط األلف والالم في قول يونس‪ ،‬فيكون منصوبًا على الحال‪ .‬وقد كره هو أيضا‬
‫قول يونس وقال‪ :‬ولو جاز هذا لقلت‪ :‬مررت بعبد اهلل الظيف تريد ظريفًا‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫لَ ُه لوال سواعدُها َت ُزوعـا)‬ ‫ارتجاجًا‬‫(إذا ماَ َس ْت رأيت لها ْ‬
‫أي إنها ُمنعمة تهتز في مشيتها‪ :‬فلوال سواعدها لبزها اهتزازها ثوبها‪.‬‬
‫َفيبقى من وشاح ْيها َش ُسوعا)‬ ‫ُ‬
‫األردف َع ْنهـا‬ ‫(تُ َر ِّف ُع َثوبها‬
‫أي يرفع رد ُفها ثوبها عن جسمها‪ .‬والوشاح عن الخصر‪ ،‬فيُبعد بينهما وبين الثوب‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫مس البطون وأن تمس ظهورًا‬ ‫والثدي ل ُقمصهـا‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الروادف‬ ‫أبت‬
‫يخال ضجي ُعها ّ‬
‫الزند َّ‬
‫الضجيعًا)‬ ‫ُ‬ ‫ذراعاَهاَ َعدُوا ُد ُمـلـجـيهـا‬
‫( َ‬
‫إن شئت قلت‪ :‬إن الدُّم ُ حين يلزمان الذراعين ألنهما عبلتان كقوله‪:‬‬
‫لرملة خلخا ً‬
‫ال يجول وال قلبا‬ ‫ُ‬
‫خالخيل النساء وال أرى‬ ‫تجول‬
‫إن شئت قلت‪ :‬إن الذراعين عدوا دُملجيهما‪ ،‬ألنهما يُصيلن الدملجين‪ ،‬ويشيحانهما‪ ،‬حتى يكادا يكسرانهما‪ .‬وهو‬
‫عندي كقول جرير‪:‬‬
‫ُ‬
‫الصمتات‬ ‫ًُ‬
‫خالخيل سلمى‬ ‫لها قصب ريان قد شـجـيت‬
‫ورها‬‫وس ُ‬
‫ُ‬ ‫بـه‬
‫ُسور‪ :‬جمع سوار‪ .‬وكقول ال ُقطامي في صفة امرأة‪:‬‬
‫إذا ُ‬
‫يميل على خلخاها انفصماَ‬
‫ويروى‪( :‬انقصنا) وبقويه‪( :‬ذراعاها عدُوا ُد ْملُ َجيْها) ولو اراد األلو لقال‪:‬سوارها عدُوا ساعديها‪.‬‬
‫على انى ال أحجر ذلك‪ ،‬ألن العدو من باب المضاف في غالب األمر إعنى أنك إذا كنت عدوا لشيء كان لك‬
‫عدوا‪ .‬فقوله‪ :‬ذراعاها عدوا ُد ْملُجيها كقوله‪ :‬دملجاها عدوا ذراعيها‪.‬‬
‫(يخال ضجيعها الزند الضجيعا)‪ :‬أي زندها عبل يظنه الضخيع من عبالته جسما‪.‬‬
‫َث ِبيرًا ُ‬
‫وابن إبراهيم ري ْعا)‬ ‫(أحبُّك أو ي ُقولوا َج َّر ٌ‬
‫نمل‬
‫معنى هذا البيت األبدية؛ أي أنى أحبك حتى يجر النمل ثبيرًا‪ .‬وهذا ال يكون عند أحد أبدًا‪ .‬وحتى يقال‪ :‬ربع‬
‫ابن إبراهيم‪ ،‬وابن إبراهيم على هذا المنزع ال يُراع عنده‪.‬‬
‫ُ‬
‫(وابن ابراهيم) فتناهى وهو قوله‪( :‬أو يقولوا جر‬ ‫وقد احسن هذا الستطراد وإن كان قرنه إمكانيا‪ ،‬أعنى بقوله‪:‬‬
‫نمل ثبيرا)‪ ،‬لكن الثاني عنده في االمتناع كاألول‪ ،‬وإن كان في تحصيل الحقيقة ليس مثله‪ ،‬وكذلك حبُّه إياها‬
‫إلى أن يجر النمل ثبيرًا شعر كذب‪.‬‬
‫ُ‬
‫صامة التَّ َع َب‬‫الص ْم‬
‫كفى َّ‬ ‫(ولـيس ُمـؤدبـًا إال‬
‫ال َقطيعا)‬ ‫بـنـصـل‬
‫ٍ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أي أرهب سيفه الناس‪ ،‬حتى ليس تفعل في أيامه ما تستحق عليه السوط فضال عن غير ذلك فقد كفى سي ُفه‬
‫السوط التعب‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إنه ُ‬
‫الينزل عقوبة بجبان إال القتل‪ ،‬ال يضربه بسوط‪ ،‬فقد استغنى بالسيف عن‬
‫السوط‪ .‬وكفى التعب لذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫لحاظ َك ما ت ُكون به َمنِيعا)‬ ‫سالح‬ ‫(فال ٌ‬
‫عزل وأنت بال‬
‫ٍ‬
‫العزل‪ :‬عدم السالم عامة‪ .‬واللحاظ‪ :‬جمع لحظة‪ ،‬وقد يكون مصدر (الحظ)‪ ،‬أي ملكت هيبتُك القلوب‪ ،‬فنظرتك‬ ‫ُ‬
‫تثغنى عن السالح‪ ،‬فان هيبتك إذا نظرت قاتلة‪ ،‬إلقدامك وإن كنت بال سالح‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬بال سالح) جملة في موضع الحال‪ ،‬أي فال عزل بك‪ ،‬وإن كنت غير متسلح‪ .‬وقوله‪( :‬لحاظك) ما‬
‫تكون به منيعا) يجوز أن تكون فيه (ما) بمعنى الذي‪ ،‬فيكون على هذا ما بعدها صلة لها‪ .‬ويجوز أن تكون‬
‫نكرة بمنزلة شيء‪ ،‬فما بعدها في موضع الصفة‪ ،‬ألنها إذا كانت نكرة لزمتها الصفة‪ ،‬كما أنها إذا كانت معرفة‬
‫لزمتها الصلة‪ .‬ونظيره في الوجهين قوله تعالى‪( :‬هذا ما لَدىَع ّتِيدٌ)‪.‬‬
‫ال بمعنى مفعول‪ ،‬أي‬‫لحاظك تكون به منيعا‪ .‬ومنيع‪ .‬يجوز أن يكون فعي ً‬ ‫ويجوز أن تكون (ما) زائدة كأنه قال‪ُ :‬‬
‫ً‬
‫ممنوعًا محمياُنم ‪:‬لاقي ‪.‬ميركك لعاف نوكي نأو ‪ّ،‬ع مناعة فهو َمنِع كر ُفع رفاعة فهو رفيع‪.‬‬
‫ْ‬
‫فأغرق نَيل ُه أخذى سريعا)‬ ‫َني بأن يُعطى وأحوى‬
‫(وجاود ِ‬

‫أي نازعنى الجود‪ :‬بان يعطى هو‪ ،‬وآخذ أنا‪ ،‬ولم يكون للمتنبي هنالك ُجود‪ ،‬لكن‬
‫اآلخذ لما كان‪ :‬يجو ُد هذا الجود‪ ،‬صار كأنه ُجود‪ .‬وهو أحسن عندي ممن قال‪ :‬إن‬
‫جود المتنبي إنما كان باألخذ‪.‬‬
‫ونظير هذا القول الذي أنا اليه قول تعالى‪َ ( :‬فمن اع ْتدَى َعلي ُكم فاعتدوا عليه) وليس‬
‫فسمي باسم‬
‫قتل هؤالء المأمورين للمعتدين عليهم اعتداء‪ .‬ولكنها مكافأة اعتداء‪ُ ،‬‬
‫السبب الذي هو االعتداء‪ .‬وكقول عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫جهل الجاهليناَ‬
‫فوق ِ‬ ‫َفنجهل َ‬ ‫أال ال َي ْج َه ْل َن أح ٌد عـلـينـاَ‬
‫(فأغرق تيله أخذى سريعا)‪ :‬أي ُ‬
‫مللت األخذ ولو يمل هو العطاء‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫أحدث شيء عهدًا بها القِد ُم)‬ ‫أح ُق ٍ‬
‫عاف ِب َد ْمعك الهـمـ ُم‬ ‫(َ‬
‫العافي‪ :‬الدارس‪ .‬والهمم‪ :‬جمع ِهمَه ليق دقو ةّمة بالفتح‪ .‬وال يمتنع أن يكون ِهمم جمع همة أيضا‪ ،‬فقد جاءت‬
‫وخي َم‪.‬‬ ‫يع‪َ ،‬‬
‫وخيْمة ِ‬ ‫وض َ‬
‫ض ْي َعة ِ‬
‫وهضب‪ .‬ومن المعتل‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫وهضبة‬ ‫فعله مكسورة على ( ِف َعل) َكبدْرة و ِبدَر‬
‫عاف بدموعكم هم ُم‬
‫ومعنى البيت؛ أنه يسفه الناس في بكائهم الديار واألطالل إذا عفت‪ ،‬ويقول لهم‪ :‬أولى ٍ‬
‫الرؤساء في هذا الزمان‪ ،‬فقد عفت حتى صار أحدث عهد بها قديما‪ ،‬فما تفضل هممهم عن مالذ بطونهم‬
‫وفروجهم‪ ،‬فاياها فابكوا ال الديار‪ ،‬فهن أولى بالبكاء عليها منها‪ ،‬ألن الهمة المعدومة أعزفقدًا من الدار‪ .‬واذا‬
‫كان أحدث عهد بها قديمًا‪ ،‬فما ظنك بغير الحداث‪.‬‬
‫إن ُكنتما السائلين َي ْن َق ِس ُم)‬
‫ْ‬ ‫(م ِْل ُت إلى من يكا ُد بينكما‬
‫يخاطب صاحبه؛ أي آثرت بقصدي وتأمبلي من لو سألمتاه وال شيء لديه إال شخصه ال نقسم بينكما شقين‪،‬‬
‫اعتيادا للنوال وأال ير ُد ذوى السؤال‪.‬‬
‫يخلَ ُق الَّ َ‬
‫نس ُم)‬ ‫في َم ْجدِه ُ‬
‫كيف ْ‬ ‫ريك من َخ ْلقـه غـرائبـه‬
‫(يُ َ‬
‫غرائب‬
‫ُ‬ ‫إن شئت قلت‪ :‬إن اهلل لطف خلقه للنسم كما شاء‪ ،‬حتى دق على الوهم تصور كيفيته‪ ،‬ولهذا الممدوح‬
‫تغرب ُ‬
‫وتلطف؛ فمن تأملها‪ ،‬فكأنه قد تأمل خلق اهلل للنسم‪ .‬وذلك تعظيم‬ ‫من خلقه تُوصله إلى اقتناء المكارم‪ُ ،‬‬
‫النفوس‪ ،‬فكأنه‬
‫ُ‬ ‫لقدر ما يأتيه‪ ،‬لشبهه بخلق اهلل‪ ،‬تعالى عن ذلك! وإن شئت قلت‪ :‬إنه بحسن أفعاله ويُمنها تحيا‬
‫بذلك يُحيها وينشئها وليس الخلق عنده في قوله (يريك في خلقه غرائبه) الخلق الذي هو إيجاد المعدوم‪،‬‬
‫الصنع‪،‬‬
‫وإخراجه إلى التكون‪ ،‬ألن ذلك ال يستطيع عليه إال بارئنا جل وعز‪ ،‬وإنما الخلق ها هنا‪ :‬كناية عن ُّ‬
‫وكنى عنه بلفظ الخلق ذهابًا إلى ابتداع هذه الغرائب‪ ،‬وهذا من شديد المبالغة‪ .‬وربما كنى بالخلق عن الصنع‪.‬‬
‫فرق‪ ،‬ال يليق إيضاحه بهذا الكتاب‪ .‬والنسم‪ :‬جمع نشمة‪ ،‬اشتقت من النسيم‪ ،‬كما اشتق‬ ‫وبين الخالق والصانع ٌ‬
‫َّ‬
‫الروح من الريح‪ ،‬والنفس من النفس‪.‬‬
‫كأنها في نُفوسهم ِشـي ُم)‬ ‫وأوج ُه ُهم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أعراضهم‬ ‫(تُ ُ‬
‫شرق‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ال شيء أصغى وال أبسط من النور‪ ،‬فلذلك توصف الجواهر الصافية به‪ .‬وأولى شيء بذلك األمور النفسانية‪،‬‬
‫والشيمة نفسانية‪ ،‬والوجه جسماني‪ .‬والعِرض‪ :‬يجزو أن‬ ‫ألنها أذهب في البقاء وعدم السراب من الجسمانية‪ِّ .‬‬
‫يكون بالجسم‪ ،‬فلم يخلُص إلى النفسانية كخلوض الشيمة‪ ،‬فشبه ابو الطيب األعراض واألوجه بالشيم في‬
‫الشروق والصفاء‪ ،‬وتناهى البقاء‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬موضع هذا الكالم على أنه قد علم أنه ِشيمة ُمشرقة علمًا‬
‫عامًا‪ ،‬وقدم ذلك لمزية الشيمة‪ ،‬وهي الطبيعة‪ ،‬على الوجه والعرض‪ ،‬فحمل الوجه والعرض بعد ذلك عليها‪،‬‬
‫واألوجه ما قدمناه من أن الشيمة نفسانية‪ ،‬فهي أملك بالصفاء‪ ،‬والوجه والعرض جسمانيان‪،‬‬
‫ْ‬ ‫تشبهًا لهما بها‪.‬‬
‫فحملهما عليها‪.‬‬
‫حف بها من جنانها ُظل ُم)‬ ‫قـمـر‬
‫ٌ‬ ‫(كأنها في نهارها‬
‫شبه البحيرة في استدارتها بالقمر كقول ابن الرومي يصف رغيفاً‪:‬‬
‫وبين رؤيتها قوراء كالقمر‬ ‫ما بين رؤيتها في كف ِه ُكرة‬
‫ُّ‬
‫وبالظلم من شدة خضرتها‪ ،‬وذلك ألن النبات إذا اشتدت خضرته ادهام‪ ،‬كقوله‬ ‫وشبه الجنان علىى حافاتها‪،‬‬
‫ْهامتان) وقال الراجز يصف سائمة عدت على كأل ناجم ُمخضر‪:‬‬
‫سبحانه وتعالى في وصف الجنتين ( ُمد َّ‬
‫ومظلما ليس على الدغال‬ ‫أر َع َل كالَنَـبـال‬ ‫فص َّب ْ‬
‫حت ْ‬ ‫َ‬

‫وقال‪( :‬في نهارها) لستغرب وجود ُّ‬


‫الظلم نهارا‪ ،‬واختار ذلك لمكان القمر‪ ،‬اذ القمر‬
‫في غالب أمره‪ ،‬ال يكون إال مع الليل‪ ،‬وهذه البحيرة بالشام وليست البحيرة تصغير‬
‫بحر‪ ،‬ألن البحر مذكر‪ ،‬فال تثبت الهاء في تصغيره‪ ،‬إنما هي تصغير (بحرة)!‬
‫وهو القاع العظيم يُنبت السدر‪ ،‬كقول النمر بن تولب في صفة روضة‪:‬‬
‫بحارها‬ ‫أنف يغم الضال ُ‬
‫نبت ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وكأنها َد َق َرى َتخيَّل نبـتُـهـا‬
‫لها َبن ٌ‬
‫َات ومالـهـا رحـي ُم)‬ ‫ناعمة الجسم ال عظام لـهـا‬ ‫( ُ‬
‫وصف جسمها بالنعمة ألنه ماء‪ ،‬والنعمة إنما تكون في النامي‪ ،‬وهما الحيوان والنبات‪ ،‬وأما الماء؛ فال يقبل‬
‫نماء‪ .‬وإنما كثرته بعد القلة كمية ال كيفية‪ .‬لكن لما كان الناع ُم صافي البشرة‪ ،‬وكان الماء صافيًا‪ ،‬استعار له‬
‫النعمة‪ ،‬كما يقال في البرود ذوات الدُّور والفرائد‪ :‬ناعمة‪ .‬وأنما هو على االستعارة‪.‬‬
‫(لها بنات وما لها رحب ُم)‪ :‬أغرب بذلك؛ ألن البنات مولودة‪ ،‬وال تلد إال الرحم‪ ،‬فهذه ذات بنات بغير رحم‬
‫ولدتهن‪ .‬وعنى بالبنات‪َ :‬سمكها؛ كأنه لما ربين فيها وغتذين‪ ،‬صرن لها بنات‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إن الماء للسمك كاللبن للمولود‪ .‬فلما غذتها هذه البحيرة بما فيها‪ ،‬صارت كالوادة الكرضعة‪.‬‬
‫وقد ألم التنبي في هذا بقول ابن الرومي يستهدي سمكا‪:‬‬
‫مأسور ُة في كل ُم ِ‬
‫عترك‬ ‫دجلة في قبـا ِئ ُكـ ُم‬ ‫ُ‬
‫وبنات ِ‬
‫إال أن المتنبي زاد عليه بقوله‪( :‬وما لها رح ُم)‪ ،‬فأغرب‪.‬‬
‫وما تشكى وما ُ‬
‫يسيل د ُم)‬ ‫قر َع ْنهن بطنُهـا ابـدًا‬
‫(يُ ْب ُ‬
‫يُحاجي بذلك‪ ،‬ألن شق البطون الحيوانية يُشكى ويدُمى‪ .‬وهذه البحيرة يُشق بطنها عن سمكها‪ ،‬فال تشتكي وال‬
‫تدمى بعدمها الحيوانية‪.‬‬
‫َت ال َم َطر ُة التي َت ِس ُم)‬
‫وجاد ِ‬
‫َ‬ ‫(وقد توإلى ال ِع َها ُد منه ل ُكـ ْم‬
‫الوسى‪ :‬أول المطر‪ ،‬ألنه يسم االرض بالنبات‪ .‬والعهدة‪ :‬ال َم ْطرة تاتي بعد الوسمى‪ ،‬تعهد االرض بالنبات‪.‬‬
‫واعتيا ُد الشعراء االعتداء على الملوك بتكرر مدحهم فيهم‪ ،‬وتمهيدهم بذلك الحقوق عندهم‪ ،‬كقول أبى تمام‪:‬‬
‫وإن َت ُر ْغ بي ُمدًة فستمـع‬ ‫غيرها قد سمعتها‬
‫لها أخوات ُ‬
‫فيقول‪ :‬هذه القصيدة الثانية من جملة العهاد التي تتعهد االرض‪ ،‬وأما القصيدة األولى التي كانت كالوسمى فقد‬
‫ْ‬
‫جادت‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫لي ً‬
‫ال فما صدَقت عيني وال َك َذباَ‬ ‫دار الملم لها ٌ‬
‫طيف يُ ِّ‬
‫هـددُنـى‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫الطيف‬ ‫ُ‬
‫الطيف بالهجر؛ كما كانت رؤويته في اليقظة‪ ،‬والحلم جار على عاداته في اليقظة‪ ،‬فما كذب‬ ‫أي تهددني‬
‫فيما تهددني به‪ ،‬ألن الهجر واقع‪ .‬وما صدقت عيني في رؤية الخيال‪ ،‬ألنه زور ال حقيقة‪ .‬واأللف والالم في‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫(الملم) للمراة‪ ،‬والفعل للطيف ولها‪ .‬واالم فيها لالستحقاق ال للملك ألن الطيف غير مملوك‪ ،‬وإنما هي مستحقة‬
‫له من حيث كان إياها في المعنى‪.‬‬
‫ال َقاه فـي َر َهـج ُّ‬
‫أقل من ُع ْم ِر ما َيحوي إذا َو َهباَ)‬ ‫ُو إذا َ‬
‫( ُع ْمر العد ِّ‬
‫ٍ‬
‫ليس الموهب بمحوى فيصح قوله‪ :‬أقل من عمر ما يحوي إذا وهبا‪ ،‬ألن ما فارقه بالهبة‪ ،‬فليس في ملكه‪ ،‬وإنما‬
‫عنى‪ :‬إذا أراد أن يهب‪ .‬فاكتفى بالمعلول الذي هو ُ‬
‫الهبة عن العلة التي هي اإلدارة‪.‬‬
‫ُ‬
‫الخيل منها أيَّها َركِبـاَ)‬ ‫ونح ُس ُد‬
‫َ‬ ‫( َوتغ ِب ُط االرض منها حيث َّ‬
‫حل به‬
‫غبطت الرجل‪ :‬إذا تمنت مثل ماله من النعمة‪ ،‬ولم ُترد زوالها عنه‪ .‬وحسدته‪ :‬إذا تمنيت ماله بزواله عنه‪.‬‬
‫تغبط‪ ،‬ألنها جرم واحد متصل‪ .‬والذات الواحدة ال يريد بعضها ببعض كراهة‪ ،‬وجعل الخيل‬ ‫فجعل االرض ُ‬
‫تُحسد ألنها جمع غير متصل األجزاء‪ ،‬وال ُمتداخلها‪ ،‬وإنما هي اشخاص مفترقة‪ ،‬وان ضمها نوع فهي متغاير ٌة‬
‫بالشخص‪ ،‬ومشتركة بالنوع‪ ،‬واالشخاص متشاكلة ومتعادية‪ .‬فمن المألوف أن يُحب بعضها بعض‪.‬‬
‫و (أيها)‪ :‬منصوب بركب‪ ،‬وال يكون بتحسد‪ ،‬ألن االستفهام ال يعمل فيه ما قبله إال أن يكون حرف جرٍّ ‪.‬‬
‫أربـا)‬
‫حتى كأن له في قتله َ‬ ‫(ب ُكل ْ‬
‫أش َعث يلقى الموت ُمبتسمًا‬
‫أي أنه يستبشر بالنية إذا كانت في سبيل المعاالة‪ ،‬ألن ذلك يُعقبه ذكراُ رفيعًا‪ ،‬ومثله كثير‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫القتل‬
‫يقشعروا من ِ‬
‫ُّ‬ ‫وإن ُقتلُوا لم‬ ‫إذا قتلوا أقرا َئهـم لـم َيروهُـ ُم‬
‫إال أن أبا الطيب أغرب بقوله‪( :‬مبتسما)‪ ،‬فهو أبلغ في قلة المباالة بالمنية من قوله‪( :‬لم يقشعروا)‪ .‬وقال أبو‬
‫تمام‪:‬‬
‫ال َب ْيأسون من الدنيا إذا ُقتلُوا‬ ‫َي ْستعذبُون مناياها كـأنـهـ َم‬

‫إال أن االبتسام أبلغ من االستعذاب‪ ،‬ألن االبتسام ُمشعر بلذ ٌة نفسانية‪.‬‬


‫وله ايضا‪:‬‬
‫ات من الحرير جالببا)‬ ‫الجانحات غواربا الَّال ِب َس ُ‬
‫ُ‬ ‫موس‬ ‫(بأبى َّ‬
‫الش ُ‬
‫ُ‬
‫الموائل للغروب‪ .‬فإن شئت قلت‪ :‬إنه شبههن بالشموس في هذه الحال‪ ،‬ألنه‬ ‫الشموس هنا‪ :‬النساء والجانحات‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الخ َفر‪ ،‬أو َخ َف ْرن ف َست ْرن بعض محاسنهن‪ ،‬وأبقين بعضا‪ :‬إما لل ُمباهاة‪ ،‬وإما ألنهن لم يمكنهن‬
‫لقي ُهن‪ ،‬فأظهرن َ‬
‫إال ذلك‪ ،‬فجعلهن كالشموس التي أخذت في الغروب‪ ،‬فخفى بعضها‪ ،‬وبقي بعضها‪ ،‬كقول قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫وضنَّ ْت‬
‫حاجب منها َ‬
‫ٌ‬ ‫غمامة َبداَ‬ ‫َّ‬
‫كـالـشـمـس‬ ‫َت ْ‬
‫راءت لنـا‬
‫بحاجب‬
‫ِ‬ ‫تـحـت‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إن هؤالء النساء غبن في الخدور والهوادج‪ ،‬فكأنهن شموس غوراب‪ .‬هذا قول ابى الفتح‪،‬‬
‫الخدور والهوادج‪ ،‬فهن غير محسوسات‪ ،‬والشمس إذا جنحت للغروب‬ ‫بقوى‪ ،‬ألنهن إذا غبن في ُ‬
‫وليس عندي ّ‬
‫ُ‬
‫الشموس غواربا فيتأول أنه عنى النساء‬
‫ُ‬ ‫فبعضها محسوس‪ ،‬وبعضها غير محسوس‪ .‬ولم يقل الشاعر‪ :‬بأبى‬
‫الجانحات‪ ،‬والجنوح ال يقتضي ُكلية الغروب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اللواتي أخفتهن الخدور‪ ،‬وإنما قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫فإن قلت‪ :‬فقد قال‪( :‬غواربًا)‪ ،‬فأشعر ذلك بغروب كلي‪ ،‬قلنا‪ :‬قد أثبت الجنوح قبل ذلك‪ .‬وإنما قال‪ :‬غواربًا‪،‬‬
‫وهو يذهب إلى أنه آخذه في الغروب ولما تغرب بعدُ‪ .‬كقولهم في العليل إذا يئس منه‪ :‬هو ٌ‬
‫ميت؛ وإن لم يُمت‬
‫بعدُ‪ .‬وقد يجوز أن يوقع غواربا على ال ُكل حين غرب الجزء تجوزًا ال حقيقة‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫حفص علينا ال ُمسلم)‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫لقلت أبو‬ ‫ُ‬
‫والبخل عنده‬ ‫ُ‬
‫الخوف‬ ‫(سال ٌم فلوال‬
‫على تسليم إبى حفص‬
‫علي‪ ،‬كارتياحي بسالم هذا الممدوح‪ ،‬فكأن سالمه ّ‬
‫أي إنى ارتحت بسالم هذا الطيف َّ‬
‫على‬
‫ّ‬
‫‪ .‬لكن الفرق بين الخيال وتسليم أبى حفص أن تسليم الخيال يتخلله بتمام الوصل وتحقيقه‪ ،‬والخوف من فراقه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫خوف‪،‬‬ ‫وألم معاتبته على بطعم ال ُغمض بعده‪ .‬فتسليمه َكد ٌ‬
‫ِر بهذه اآلفات وتسليم أبى حفص ال يلحقه بخل وال‬
‫بل هو الشرف السابغ الهنىء‪.‬‬
‫وأغ ُ‬
‫وز من ُمس َت ْرف ٍد منه‬ ‫ْ‬ ‫الطير‬
‫ِ‬ ‫وأغرب مِن َعنقا َء في‬
‫ُ‬ ‫(‬
‫حـر ُم)‬
‫يُ َ‬ ‫َش ْكله‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أغرب‬
‫ُ‬ ‫ليس الشكل هنا‪ :‬الصورة ألن صورته موجودة‪ ،‬وعنقاء ُمغرب معدوم البتة‪ .‬فال يقال في موجود إنه‬
‫من معدوم‪ .‬والشكل هنا‪ :‬المثل‪ ،‬أي أن شكله اسم واقع على غير ُمسمى‪ ،‬أي ال شكال له‪ ،‬كما أن العنقاء اسم‬
‫لغير مسمى‪ .‬وإنما يوجد الشكل ملفوظا به في نفي الشكل عنه‪ ،‬أعنى في قولك‪ :‬ماله ٌ‬
‫شكل‪ ،‬فتفمهه‪ ،‬فإنه معنى‬
‫منطقي‪.‬‬
‫ُ‬
‫(وأعوز من ُمس َت ْرف ًد منه يُحرم)‪ :‬أي أن نظيره عدم‪ ،‬كما أن مسترفدًا منه محروما عدم‪.‬‬
‫وقال‪( :‬أعوز) وإنما هو أشد إعوازًا‪ ،‬ألنه جاء به على حذف الزائد‪ .‬هذا قول أبى الفتح‪ .‬وليس على حذف‬
‫(أعوز)‪.‬‬
‫الرائد كما قال‪ ،‬ألنه يقال‪ :‬عازه األمر وأعوزه‪ .‬فأعوز في بيت المتنبي على (عاز)‪ ،‬ال على ْ‬
‫وإنما يتوهم حذف الزائد إذا لم يوجد عنه مندوحة‪ ،‬كقولهم‪ :‬ما أعطاه للدرهم وآتا ُه للجميل وأوال ُه للمعروف‪،‬‬
‫فإن هذه كلها على حذف الزائد‪ .‬والمسترفدِ‪ :‬طالب الرفد‪ ،‬ألن باب استفعل في غالب األمر‪ ،‬إنما هو للطلب‬
‫والمحاولة‪ ،‬كاستخرج واستسمن واستجاد‪.‬‬
‫مر طالبًا ذلك من نفسه‪ ،‬متكلفا إياه‪.‬‬
‫مر مستعجال‪ ،‬أي ّ‬
‫قال سيبويه‪ :‬وقالوا َّ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫س ُ‬
‫الخدود كما َت ِط ْس َن‬ ‫َت ِط ُ‬ ‫األحبـاب َّ‬
‫إن‬ ‫ِب ْ‬ ‫(أركائ َ‬
‫ال َي ْر ُمعا)‬ ‫األ ْد ُمـ َعـا‬
‫أي أن الدمع يؤثر في الخدود تأثير ُكن في اليرمع‪ ،‬وهو الكذان‪.‬‬
‫وتطس‪ :‬تكسر‪ ،‬وليس هناك كسر‪ ،‬إنما بالغ في التأثير‪ ،‬فكنى عنه بالكسر‪ ،‬للتكثير‪.‬‬
‫فاع َتا َدها فإذا َس َق ْطن َت َف َّز َعا)‬ ‫نظ َمت مواهب ُه عليه َت َمائِمـًا‬ ‫( ِ‬
‫أي اعتقاده في مواهبه أنها تقيه المذام كاعتقاده في التمائم انها تقيه السوء‪ ،‬فاذا خال‬
‫زع ذى التمائم إذا سقطت عنه‪ .‬وإنما ضرب ذلك مثال‪ .‬ولو قال‪:‬فلو‬ ‫منهن تفزع‪ ،‬ك َف َ‬
‫مال أو انقطاع سؤال‪ ،‬فهذا توجيه‬ ‫َس َقطن َتفزعا‪ :‬لكان سقوطها إنما يكون لعدم ٍ‬
‫قوله‪( :‬فإذا سقطن)‪ ،‬و (تمائمًا) منصوبة على الحال‪ ،‬وإن كانت اسما‪ ،‬ألن فيها‬
‫ال‪ ،‬على توهم الصفة‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬ ‫ارس‪ ،‬وقد يكون االسم الجامد حا ً‬ ‫معنى َح َو ِ‬
‫العجب من بُ ًر‬
‫ُ‬ ‫قة اهلل لَ ُك ْم آية)‪ .‬قال سيبويه‪( :‬وسمعنا من العرب من يقول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫(ه ِذ ِه َناَ ُ‬
‫َ‬
‫قبل‪ ،‬قفيزًا بدرهم قفيزا بدرهم) فقيزا بدرهم حال‪ ،‬وهذا واسع كثير‪.‬‬ ‫مررنا به ُ‬ ‫ْ‬
‫الرجاء َه َزز َته يوم َ‬
‫الوع َى)‬ ‫اهتزاز ُمـهـنَّـ ٍد َيوم َّ‬ ‫َ‬ ‫للجدْوى‬
‫هتز َ‬ ‫( َي ُّ‬
‫اهتزاز السيف عند الوعى‪ ،‬والوعى‪ :‬صوت‬ ‫ُ‬ ‫اهتزازه للعطايا والجدوى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أي‬
‫الحرب‪ .‬والغبن أعلى في الحرب‪ .‬وإنما الوعى والوغى‪ :‬الصوت‪ ،‬فسميت الحرب‬
‫بهما لمكان الصوت‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ياض‬ ‫كر من ِر ِ‬ ‫َز َه َر ُّ‬
‫الش ِ‬ ‫ضاحـك الـغ ُ‬
‫َـيث‬ ‫ُ‬ ‫(وربيعًا يُ‬
‫الي)‬
‫الم َع ِ‬ ‫فـيه‬
‫أي أنه مظنة للنعم‪ ،‬وأهل لوافر القسم‪ ،‬كما أن الربيع مظنة للخصب وزمن اإلمراع‪ ،‬مع مافيه من االعتدال‪،‬‬
‫وتساوي األحوال‪ .‬فلذلك سمى هذا الربيع على ضروب النواوير‪ ،‬وأنواع األزاهير‪ .‬وقوله‪( :‬يضاحك الغيث‬
‫ُ‬
‫الغيث الزهر‪،‬‬ ‫فيه)‪ :‬عنى بالغيث النعمة‪ .‬وجعل الشكر زهرا‪ ،‬ألن النعمة هي التي أنبتت الشكر‪ ،‬كما ينبت‬
‫فهذا الممدوح كلما أنعم عليه شكر‪ .‬وإذا كان غيث وزهر‪ ،‬فالبد من روضة‪ ،‬وهي األرض‪ .‬التي تنبت الزهر‪،‬‬
‫وكل ذلك مستعار‪.‬‬
‫َس َب َق ْت قبل َن ْيله بسؤال)‬ ‫ات ِعندَه َنغ ٌ‬
‫َمات‬ ‫اح ُ‬
‫والج َر َ‬
‫( ِ‬
‫ُ‬
‫فضل‬ ‫من طبيعة الكريم‪ ،‬أن يبادر بالنوال من غير أن يُحوج إلى السؤال‪ ،‬ألن في ذلة السؤال ماال يفي به‬
‫المسئول‪ .‬فإذا كان ندى من غير مسألة فهي اليد البيضاء التي لم يشنها تكدير‪ ،‬وال خالطها تنغيص‪ .‬فإذا سبقت‬
‫المسألة نوال المسئول الكريم‪ُ ،‬سر بذلك سرورًا مشوبًا بالكراهية‪ ،‬إذ (طبيعته) إيثار ُه الجود قبل السؤال‪،‬‬
‫فنغمات السائل عنده‪ ،‬كالجراحات التي تُصيب الشجاع فتسره من جهة الثبات‪ ،‬سرورًا يخالطه الكراهية‪ ،‬لما‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫يلحقه من األلم‪ .‬وإن شئت‪ :‬لم تمثل ذلك بجراحات الشجاع‪ ،‬وقلت‪ :‬إن نغمات سائله جراحات عنده تؤلمه‪ ،‬إذا‬
‫لم يكن نيله له من غير سؤال‪.‬‬
‫بال)‬
‫الج ِ‬ ‫ً‬
‫ركانة في ِ‬ ‫فصارت‬ ‫قاره عا َف ِت النَّ َ‬
‫ـاس‬ ‫( َوبقايا َو ِ‬
‫كانه استبد بالوقار اجمع‪ ،‬إال أنه بقيت منه بقية‪ ،‬فتلك البقية عافت نوع االنسان‪ ،‬لما رأته به من قلة االحتمال‬
‫لها‪ ،‬والعجز عن االستقالل بها‪ ،‬لضعف منته‪ ،‬ووهيقوته‪ .‬فعدلت إلى اجسم الجواهر االرضية‪ ،‬وهي الجبال اذ‬
‫لم تجد جوهرا يستقل بها إال إياها‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إن لوقاره (هيُولى) خلق منها فما فضل من تلك الهيولى يكون ركانة في الجبال‪ .‬وهو قريب‬
‫من القول األول‪.‬‬
‫األطفال)‬
‫ِ‬ ‫لَونَه في َذ ِ‬
‫وائب‬ ‫واستعار الحدي َد لوناَ وألقى‬
‫َ‬ ‫(‬
‫الحديد هنا‪ :‬كناية عن السيوف واالسنة والنصال‪ ،‬ولونهن الغريزى‪ :‬البياض لكن استعارت لونا غيره‪ ،‬وهو‬
‫احمرارها بالدم‪ ،‬ولذلك جعله مستعارًا‪ ،‬ألنه لون غريب‪ .‬إنما هو لمكان الدم الذي صبغها به‪ ،‬فيقول‪ :‬لما صبغ‬
‫ُ‬
‫سيوفه ورماحه بالدم‪ ،‬أشاب بأهوالها الطفال فكأنهن لما استعارت غير لونها‪ ،‬أعارت لونها ذوائب االطفال‪.‬‬
‫وكان لونها قبل ذلك السواد‪ .‬كما كان لون السيوف البياض قبل ذلك‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫عن علمه فبه على حفـا ُء)‬ ‫ِي‬ ‫َّ‬
‫أسفِي على أسفِي الذي دَل ْهتن ِ‬
‫(َ‬
‫ليس يأسف في الحقيقة على األسف‪ ،‬إنما يأسف على تمييزه الذي يعقل به أسفه‪ .‬فحقيقة الكالم‪ ،‬أسفي على‬
‫عقلي الذي كنت أحصل به أسفي‪.‬‬
‫(فبه على حفاء)‪ :‬أي أنك دلهتني حتى ما أشعر بأسفي‪.‬‬
‫وقد كان ينبغي له ايضًا أن يذهب عليه‪ ،‬لو كان ُمدلها‪ ،‬أسفه على هذا األسف‪ ،‬إلى ما النهاية له‪ ،‬لكن هذا‬
‫بالمنطق‪ ،‬فيفسد‪ .‬وما أحسن هذا المثل العمي‪ ،‬الذي هو قولهم‪ :‬االستقصاء ُف ْر َق ٌة‪ ،‬وال‬
‫ِ‬ ‫مقطع شعري فال َت َت َق َّ‬
‫ص َي َّن‬
‫تستخفن بذكر هذا المثل؛ فقد ذكره ابو نصر الفارابي في باب من البُرهان‪.‬‬
‫كان لي أعضا ُء)‬ ‫َقد كان َّ‬
‫لما َ‬ ‫(وشكِيتي َف ْق ُد َّ‬
‫الس َقـام ألنـه‬
‫وهذا البيت أيضا يشبه األول‪ :‬لما ُ‬
‫يشك فقد السقام ألنه مكروه والمكروه ال يستوحش اح ٌد من فقده‪ ،‬ولكن شكا‬
‫فقد أعضائه‪ ،‬ألن السقام َع َرض وال َع َرض ال يكون إال في الجواهر؛ فإذا عدم أعضاءه فقد عدم السقام وإنما‬
‫شكا في ُكل األكبر‪ ،‬واستسهل االصغر‪.‬‬
‫َها في ال َم ْه َمه اإلنضاء)‬
‫إسآد َ‬ ‫فنبيت تُسئ ُد ُم ْسئدًا في نيهـا‬
‫( ُ‬

‫تسئد‬
‫اإلسآد‪ :‬سرعة السير‪ ،‬وقيل‪ :‬سير الليل‪ .‬والنى‪ :‬الشحم‪ .‬وتقدير البيت‪ :‬فتبيت ْ‬
‫اإلنضاء في نيها إسآدها في المهمه‪ .‬واإلنضاء‪ :‬الهزال‪ .‬أي أن اإلنضاء الحادث‬
‫عليها من التعب‪ ،‬يُسئد في نيها أي يسرى فيه ُمسرعا‪ ،‬فيأخذ منه‪ ،‬كما تُسئد هي‬
‫السير من جسمها كأخذها هي من‬ ‫ُ‬ ‫في هذاال المهمه الذي تقطعه‪ .‬يقول‪ :‬يأخذ‬
‫السير كما أفنت هي المهمه‪ ،‬فلم يبق من جسمها شيء كما لم‬ ‫ُ‬ ‫المهمه‪ ،‬فقد أفناها‬
‫يبق من المهمه‪ ،‬فمسئدأ في اللفظ حال من الضمير الذي في تسئد‪ ،‬وهو في الحقيقة‬
‫لالنضاء واإلنضاء‪ :‬فاعل بقوله‪ُ :‬مسئدًا‪.‬‬
‫فتبيت تسئد‪ ،‬واإلنضاء‪ُ :‬مسئ ٌد في نيها‪ ،‬والعائد‬ ‫ُ‬ ‫وتحقيق الحال في ذلك‪ ،‬أن تقول‪:‬‬
‫إلى الضمير الذي قد تُسئ ُد من هذه الحال اللفظية‪ ،‬وما في نيها وإسآدها من‬
‫الضمير‪.‬‬
‫وتقدير لفظ البيت‪ ،‬على ما صورته لك ُيؤديك إلى حقيقة إعرابه‪ ،‬لكنى ذهبت إلى‬
‫التبين‪.‬‬
‫ار بها َو َقا َم الماء)‬
‫ضُ‬ ‫َس َ‬
‫ال النُّ َ‬ ‫( َو َك َذا الكري ُم إذا أ َقا َم ِب َبـلَـد ٍة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫اع‪ ،‬حتى يخجل الماء من كثرته‪ ،‬فيقف‬ ‫ُث الذهب ويصرفه في كل وجه‪ ،‬فكأنه بكثرته يسيل وي ُم ُ‬ ‫أي أنه يب ُّ‬
‫حائراُ‪ .‬يقال‪ :‬قام الماء‪ :‬إذا جمد فلم يسل‪ .‬ومنه قوله تعالى (إال ما ُد ْم َت َعليه قائِمًا) أي ثابتا غير منصرف‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ار ‪ ). . .‬وإن شئت قلت‪َ :‬ي ْخجل القطر من سيالن الذهب‪ ،‬فيعود سيالنه ‪-‬‬ ‫(ج َمد الق َ‬
‫ِط ُ‬ ‫أال ترى قوله بعد هذا َ‬
‫بإضافته إلى َسَيالن الذهب ‪ُ -‬جمودا‪ ،‬إال أنه يجمد عن ال َّسيَالن‪.‬‬
‫في ال َقول حتى َي ْف َعل ُّ‬
‫الشعرا ُء)‬ ‫( َم ْن َيه َتدِى في الفِعل ماال َي ْه َتدى‬
‫أي هو من يهتدي في الفعل إلى ماال يهتدي إليه الشعراء في القول حتى يفعل‪ .‬يقول‪ :‬ذهنُه في الفعل أنفذ من‬
‫أذهان الشعالاء في القول‪ ،‬فإذا أغربوا في مدحه لم يك ذلك اإغراب من غوص أذهائهم على المعاني‪ .‬وإنما‬
‫نظروا إلى فعله الذي عليه هو بذهنه‪ .‬فاهتدوا إلى القول بما رأوه من فعله‪.‬‬
‫ولوال ذلك لم يهتدوا‪ ،‬فاذا فعل تعلموا وصفه من فعله‪.‬‬
‫في َتركِه لَو َت ْقطن األعدا ُء)‬ ‫هاج ُ‬
‫وض ُر ُه‬ ‫( ْ‬
‫من نَف ُعه في أن يُ َ‬
‫كفه للجود‪ .‬وتلك‬ ‫إنما جعل نفعه في أن يُهاج‪ ،‬ألنه إذا هيج أوقع باألعداء‪ ،‬فأغار وغنم‪ ،‬وأثرى‪ ،‬واتسعت ُّ‬
‫بغيته من الثروة‪ .‬وضره في تركه أي إذا ُسولم ياَلم‪ ،‬وهو في ذلك بجود بما عنده حتى ينفد‪ ،‬فال يجد ما يجود‬
‫ضره في تركه‪.‬‬ ‫به‪ .‬فهذا وجه ُ‬
‫وحب الحرب في طبيعته‪ ،‬فإذا هيج ُمكن بما في طبعه‪ ،‬واإلنسان ينفعه تحريكه إلى‬ ‫ُّ‬ ‫وإت شئت قلت‪ :‬البأس‬
‫وضره في تركه‪ :‬أي أنه ُمشته للقتال بطبيعته‪ ،‬فاذا ُسولم اشتاق‬
‫ُّ‬ ‫مافي سجيته‪ ،‬ألن في ذلك كل بلوغ أمنيته‪،‬‬
‫فضره شوقه إلى ذلك إذا لم يمكنه مشاهدته‪ ،‬كقوله هو‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫إلى مشاهدة مافي طبعه‪،‬‬
‫ِبنَوالِه ما َت ْجبُر ال َهـ ْيجـا ُء)‬ ‫َاح ْى َمال ِه‬
‫كس ُر من َجن َ‬
‫فالسل ُم َي ِ‬
‫( ِّ‬
‫فتجبر الهيجا ُء ما انثلم‪ ،‬ثم يسالم فيعود إلى طبعه األول من الجود‪ ،‬فكلما‬
‫ُ‬ ‫أي أنه يجود بماله في ُْثلم‪ ،‬ثم يُغير‬
‫الحرب هاضته السِّلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الحرب‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬أي كلما جبرته‬ ‫ُ‬ ‫هاضت السلم ماله جبرتها‬
‫إذ لَ ْيس َيأتيه لَ َها ْ‬
‫استِجدا ُء)‬ ‫وحه‬
‫(يا أيُّها ال ُم ْح َيا َعليه ُر ُ‬
‫(أحياء عليه روحه)‪ :‬بأنه لم يستوهبه ولو استوهبه ألعطاه فعد ُم‪ ،‬فإن لم يستجده روحه أحياله‪ .‬وعدى (ال ُم ْح َيا)‬
‫بعلى‪ ،‬ألنه في معنى المحبوس عليه روحه‪.‬‬
‫إعطـا ُء)‬ ‫َفلََت ْر ُك مالم َي ْأخذوا ْ‬ ‫اح َم ْد ُع َفا َت َك ال ُف ِج ْع َت بف ْقدِهم‬
‫( ْ‬
‫يقول‪ :‬احمدهم على أن لم يستجدُوك ُروحك‪ ،‬اذ لم استجدوك إياه‪ ،‬لحقك طبع الكرم‬
‫والسخاء على هبته لهم‪ ،‬فقد استوجبوا أن تحمدهم على ترك هذه الروح لك‪ ،‬ألنه‬
‫عطاء منهم لك‪ ،‬كما ينبغي لهم أن يحمدوك على ما أعطيتهم من مالك فهم‬
‫الشكر على عطائهم‪ ،‬كما تقتضيهم أنت إياه على عطائك ألن المعطى‬ ‫يقتضونك ُ‬
‫فأعط من نفسك أيها الممدوح‪ ،‬كما تطلب من غيرك‪ .‬بل‬ ‫ِ‬ ‫بطبيعته يجب أن يشكر‪.‬‬
‫أنفس من الذي أعطيتهم‪،‬‬ ‫أنت أولى بشكرهم‪ ،‬ألن الذي تركوا لك وهو الروح‪ُ ،‬‬
‫وهو المال‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ال ُف ِجعت بفقدهم‪ :‬إنما حد الصنيعة أن تُشكر ألنها إذا ُشكرت حييت واذا‬
‫ُكفرت ماتت‪ ،‬لن كفرها له ٌ‬
‫ستر‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬ال مانت صنائعك عند ُعفاتك بكفرها قلة شكرها‪ .‬دعا بذلك له وإن شئت‬
‫قلت‪ :‬ال ُفجعت بحمدهم‪ :‬أي ال فارقتك المروءة‪ ،‬فيفضى بك فرارها‪ ،‬إلى ذد حم ِد‬
‫ُعفاتك لك‪.‬‬
‫ِيت بك األحيا ُء)‬‫إال إذا َشق ْ‬ ‫األموات َك ْثر َة قل ٍة‬
‫ُ‬ ‫(ال َت ُ‬
‫كثر‬
‫أي أن األموات أفالء‪ ،‬حتى تعود فيهم‪ ،‬فيكثرون حيئنذ‪.‬‬
‫مة عن قوله‪ :‬إال إذا مِت‪ ،‬أي فاذا مت‬ ‫وقوله‪( :‬إال إذا شقيت بك األحياء)‪َ :‬ج ْم َج ٌ‬
‫وشقيت األحياء بفقدك‪ ،‬قلت األحياء‪ ،‬وكثرت األموات‪ .‬وقال‪ :‬كثرة قلةٍ‪ :‬ألن‬
‫األموات وإن كثرت أعدادُهم‪ ،‬فهم قليل لَ َعدمهم للفنى‪ ،‬وأخذهم في الفنا‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫فتكرهم بك‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬كثرة قلةٍ‪ :‬أي كثروا بك وأنت واحد‪ ،‬والواحد قليل‪ُّ ،‬‬
‫تكثُّر قلة‪.‬‬
‫وقد يتجه هذا البيت على معنى آخر‪ ،‬وهو أن األحياء إنما ينالون الحياة بنداه‪ ،‬فإذا‬
‫ُعدم بالموت‪ ،‬مات األحياء الذين كانوا يتعيشون بذلك‪ ،‬فكثرت األموات بموت‬
‫هؤالء األحياء بعده‪.‬‬
‫وقد يجوز أن يعنى باألحياء هاهنا أعداءه‪ .‬يقول‪ :‬التكثر االموات إال إذا ضاربتك‬
‫أعداؤك‪َ ،‬فغَل ْب َتهم وقتلتهم‪ ،‬فحينئذ تكثر الموتى بهم‪ .‬وشقا ُء األعداء به َق ْتلُ ُه إياهم‪،‬‬
‫قلة في الحقيقة ودل ذلك على أن أعداءه‬ ‫وقال‪ :‬كثرة قلة‪ :‬ألن ما يدخل تحت الفناء ٌ‬
‫كثير‪ .‬والقوالن األوالن عندى أوجه‪.‬‬
‫أخبرني بعض أهل بغداد‪ ،‬أن الممدوح بهذه القصيدة أدركته الوفاة بعد إنشاد‬
‫المتنبي إياه هذا الشعر بأيام قليلة‪ ،‬فكان يتقلب على فراشه ويردد هذا البيت الذي‬
‫فسرناه‪.‬‬
‫أنكر اإلبداء)‬
‫ْت حتى َ‬ ‫وأعد َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫(أبدأ َت َشيئًا م َ‬
‫ِنك يُعرف َبد ُؤ ُه‬
‫أي أعدت أعظم مما بدأت به‪ ،‬حتى ال يسمى المبدأ به باإلضافة إلى ال ُمعاد‪.‬‬
‫اس َم َك األسما ُء)‬
‫ونازعت ْ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ترعت‬ ‫ياهارون إال بعد مـا ْ‬
‫اق‬ ‫ُ‬ ‫(لم تُسم‬
‫أي تنافست فيك االسماء‪ ،‬رغبة في الشرف بذاتك‪ ،‬وتقديره لم تسم هارون ياهارون فاكتفى من ذكر المفعول‬
‫ذف وأجزه‪.‬‬
‫الح ِ‬
‫الثاني بقوله‪ :‬ياهارون‪ ،‬ألن نداءه إياه به دليل على أنه اسمه‪ .‬وهذا من أحسن َ‬
‫والناس فِي َما فـي يد َ‬
‫ْيك َسـوا ُء)‬ ‫ُ‬ ‫مشارك‬
‫ٍ‬ ‫غير‬ ‫واسمك َ‬
‫فيك ُ‬ ‫( َف َغدَوت ُ‬
‫أي لم تُ سم بغير هذا االسم من األسماء التي نازعته فيك‪ ،‬والناس فيما لديك سواء‪ :‬أي أنه وإن لم تشترك فيك‬
‫َ‬
‫شرك تسا ٍو‪.‬‬ ‫األسماء فالناس مشتركون في مالك‬
‫لل ُمنتهى ومن السرور بُكا ُء)‬ ‫(ولجدت حتى كدت تبخل حائال‬
‫إن شئت قلت‪ :‬بلغ ُجودُك الغاية‪ .‬ومعروف أن الشيء إذا انتهى انعكس ضدا فكذلك جودُك‪ ،‬لما انتهى فلم يك‬
‫مزيدًا‪ ،‬كاد أن يستحيل بخال‪ .‬وقوله‪:‬ومن السرور بكا ُء‪( :‬أي) أعلمت أن الشيء إذا انتهى عاد إلى ضده‬
‫لت‪ ،‬استقباحًا منه أن يٌوجب عليه البخل‪.‬‬‫كالسرور إذا أفرط كان بكاء‪ .‬وقال‪( :‬كدت تبخل)‪ ،‬ولم يقل‪ :‬حتى َب ِخ ْ‬
‫السرور‬
‫ُ‬ ‫ْت في الجود‪ ،‬فبخلت أن يُشارك أح ُد في اسمه‪ ،‬فحال الجو ُد بخال‪ ،‬كما يحول‬ ‫وإن شئت قلت‪َ :‬تن َ‬
‫َاهي َ‬
‫بكاء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والقول األول عندي أوجه‪ ،‬اذ لو كان على القول األخير‪ ،‬لم يكن ِيكدت معنى ألنه نُقصان من مدحه‪ ،‬اذ ب ْ‬
‫ُخله‬
‫غير مذموم‪ .‬وأما في القول األول فالبخل المطلق مذموم‪ .‬فتفهمه‪ ،‬فإنه جيد لطيف‪.‬‬ ‫بأن يُشارك في اسمه الجود ُ‬
‫وقوله‪ :‬للمتنبي‪ :‬أي من أجل االنتهاء‪.‬‬
‫ضا ُء)‬
‫الر َح َ‬ ‫ُح َّم ْت به َف َ‬
‫ص ِبيبُها ُّ‬ ‫السحاب وإنمـا‬
‫ُ‬ ‫(لَ ْم َت ْح ِك نائلك‬
‫ض‪ :‬أي ي ُعسل‪ .‬أي لم يُحاكك السحاب بمطره‪ ،‬وال ناوأك‪ ،‬ألنه معترف أنك أندى‬ ‫ُرح ُ‬
‫الح َّمى ي َ‬
‫الرحضاء‪َ :‬ع َرق ُ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫فمطرها إنما هو َع َرق حُماها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فح َّم حمى ُحساده‪،‬‬
‫منه‪ .‬وإنما تأمل بذلك وأيقن بالعجز عنه‪ ،‬فحسدك ُ‬
‫َع ِق َم ْت بمول ِد ن ْ‬
‫َسـلِـهـا‬ ‫الو َرى اَّ ْلذ منك‬ ‫(لَو لَ ْم ت ُكن م ْ‬
‫ِن َذا َ‬
‫ـوا ُء)‬
‫َح َّ‬ ‫ُو‬
‫هْ‬
‫جعل الورى ُجزءًا منه‪ ،‬بعد أن جعله ُجزءًا من الورى‪ ،‬فاالول حقيقة‪ ،‬والثاني مجاز‪ ،‬ال يكون ُّ‬
‫الكل جزءًا‬
‫لجزء‪ .‬هذا ُخ ٌ‬
‫لف‪ ،‬لكن جعلهم منه‪ ،‬إشعارًا أنه جمال هذا النوع‪ ،‬به ُعرف‪ ،‬وإليه نسب‪ ،‬فكأنه إنما يكون منه‬
‫كقوله‪:‬‬
‫وأبوك والثقالن أنت ُمحم ُد‬ ‫أنى ُ‬
‫يكون أبا الـبـرايا آد ُم‬
‫وهذا قبيح داخل في َّ‬
‫الشنَع‪.‬‬
‫ُّ‬
‫نسل‪ ،‬حتى كأنها عقيم‪ ،‬لم تلد َقط‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وقوله‪َ :‬ع َق ْ‬
‫مت بمولد نسلها حوا ُء‪ :‬أي لو لم تكن من ولدها كان نسلها كال ْ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وقوله‪ :‬بمولد نسلها‪ :‬أي ُعد ْ‬
‫َّت َعقِيمًا على أنها قد ولدت‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫حول بين ْ‬
‫الكل ِب والتأ ُم ِل)‬ ‫( َي ُ‬
‫إن شئت قلت إن الظبي يُجهد الكلب فيشغله عن التأمل‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إنه يمنع الكلب أن يتأمله بسرعته‪،‬‬
‫كقول البحتري يصف فرساً‪:‬‬
‫بطير عن أوهامـه‬
‫أو َهامها َس ْبقًا وكا َد ُ‬
‫طار عن ْ‬‫اري الجيا َد َف َ‬ ‫َج ِ‬
‫أدل على السرعة من سبق الطرف‬ ‫وهذا أبلغ من قول أبى الطيب‪ ،‬ألن سبق الوهم ُ‬
‫ِ‬
‫مع لفظ الطيران‪ ،‬والطيران أبلغ في السرعة‪ ،‬ولذلك شبهت العرب خيلها بالطير‬
‫كقول لبيد‪َ :‬وكأني ُم ْل َج ُم ُسو َذا نِقا وكقول اآلخر‪:‬‬
‫حال َم ْتـنِـه على ظهر ٍ‬
‫باز في السماء نُ ِ‬
‫حلق‬ ‫كأن ُغالمي إذا عال َ‬ ‫َّ‬
‫(لَ ُه إ َذا أد َب َر لَ ْح ُظ ال ُمـ ْقـ ِب ِ‬
‫ـل)‬
‫أي أنه َت ُّ‬
‫يق ِظه يُراعى جهاتهِ‪ ،‬فكأنه يرى ما وراءه كرؤيته ما أمامه‪.‬‬
‫ِى)‬
‫ضار بال َول ْ‬
‫الح َ‬
‫ِى ِ‬‫( َش ِبي ُه َو ْسم ِّ‬
‫والولى الثاني‪ .‬يقول‪ :‬ثاني جريه األول‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والولي هنا‪ :‬مستعار‪ ،‬وأصلهما في المطر‪ ،‬الوس ْم ُّى األول‬
‫ُّ‬ ‫الوسمى‬
‫ُّ‬
‫وذلك لشدته وصالبته‪ ،‬حثى إن إعياءه كجمامه‪.‬‬
‫وهذا كقوله في موضع آخر يصف فرسا‪:‬‬
‫أركب‬
‫ُ‬ ‫وأنز ُل عنه مِثلَه حين‬
‫ِ‬ ‫الوحش َقفُيّتـه بـه‬
‫ِ‬ ‫وأقتُ ُل أي‬
‫ْ‬
‫أي أنه من المنعة واللنشاط في آخر عدوه‪ ،‬مثله في أوله‪ ،‬وحسن استعاراته الوسمى والولى ألو الجرى‬
‫وبحر ‪ . . .‬كل ذلك‬ ‫س َس ْكب‪ ،‬و َفيْض َ‬
‫وغ ْمر‪ْ ،‬‬ ‫وآخره‪ ،‬النهم يستعملون لفظ الغيث في هذ النحو كقولهم‪َ :‬ف َر ٌ‬
‫الد َفع منه‪.‬‬
‫شآبيب المطر‪ ،‬وهي ُّ‬
‫ُ‬ ‫شآبيب الجرى‪ ،‬كقولهم‬ ‫ُ‬ ‫جواد‪ ،‬و ُهن من صفات الغيث والماء‪ .‬وقالوا‪:‬‬
‫( َو ْع ْقلَ ُة الظبي َو َح َت ُ‬
‫ف التَّ ِ‬
‫تفل)‬
‫الكلب الظبي والتَّ ْت ُفل وهو ولد الثعلب‪ ،‬كان ُعقلة للظبي يأخذه ويمنعه من الهرب‪ ،‬ويهلك التتفل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أي إذا رأى‬
‫يكل أي إنه هذا الفرس قيد للوحش‪ ،‬فكذلك هذا الكلب‪ٌ ،‬عقلة‬‫ه‬
‫َ ِ‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫األواب‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫د‬
‫ٍ‬ ‫نجر‬ ‫م‬‫ب‬
‫ُِ‬ ‫القيس‪:‬‬ ‫امرئ‬ ‫وهذا كقول‬
‫للظبي‪ ،‬وحتف للتتفل‪ .‬وقد قال المتنبي أيضا مثله في هذا الموضع‪:‬‬
‫الظليم َو ِر ْب َق ِة ِّ‬
‫السرحان‬ ‫ِ‬ ‫أجل‬ ‫الل ُكل ُم َّطـهـم‬
‫َي َت َقبَّ ْلون ِظ َ‬
‫فقول‪ :‬ربقة السرحان كقول امرئ القيس‪َ :‬قيْد األوابد‪ ،‬وزاد عليه اجل الظليم‪ .‬فبيته هذا األخير مكافئ لبيته‬
‫األول‪ ،‬ألن الحتف كاألجل والربقة كالعقلة‪ .‬وصح له الشرف على امرئ القيس‪.‬‬
‫ٌ‬
‫لى)‬
‫تحريك َب ِ‬ ‫(لو َكان يُ ِ‬
‫بلى السوط‬
‫أي أن هذا الكلب بجدول مضمر كالسوط‪ ،‬فكما أن السوط ال يُبليه التحريك‪ ،‬كذلك هذا الكلب اليبليه شدة عدوه‬
‫وال ينقصه‪ ،‬ولو كان السوط الذي شبيه له في الجدل ُّ‬
‫الضمر واالستعمال له يُبلى لبلى الكلب‪.‬‬
‫( َف َحال ما ْلل ِ‬
‫قفز لل َتجد ِ‬
‫ُّل)‬
‫صرع فصارت قوائمه التي كانت للقفز إلى التجدل‪ .‬أي الُّزوق بالجدالة وهي االرض‪.‬‬
‫أي ُ‬
‫ِر َج ِل)‬
‫صار ما في مسكه في الم ْ‬
‫( َو َ‬
‫المرجل‪ :‬قدر النحاس حاصة‪ ،‬مذكر من بين أسماء القدر‪ ،‬يقول‪ُ :‬سلخ عنه جلده‪ ،‬وأدخل في القدر‪ ،‬فعاد ما‬
‫كان من لحمه في الجلد رهين المرجل‪ ،‬واراد‪ :‬ما كان في مسكه‪ ،‬ففي مسكه من صلة الذي وال يكون خبرًا‬
‫تضمر‪ ،‬و َتعمل‪ ،‬ألنها فعل كوني غير مؤثر ولذلك منع سيبويه إضمارها‬
‫ُ‬ ‫لكان هذه المرادة‪ ،‬ألن تلك ال‬
‫ُ‬
‫وإعمالها‪ ،‬فقال‪( :‬واعلم أنه‪ ،‬اليجوز لك أن تقول‪ :‬عبد اهلل المقتول‪ ،‬وأنت تريد‪ :‬كن عبد اهلل المقتول)‪ .‬ولذلك‬
‫حمل الفارسي قوله تعالى‪( :‬فوجد فيها رجالن يقتالن هذا من شيمته وهذا من عدوه) على الحكاية‪ ،‬ال على‬
‫إضمار (كان) استدالال بما قدمت من كالم سيبويه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫در َولُودًا و َبدرًا َوليدَا)‬
‫لَِب ٍ‬ ‫(رأينـا بـبـدر وآبـائه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫فبدر االول‪ :‬اسم الممدوح‪ .‬واآلخران‪:‬‬ ‫التعجب من خرق العدة‪ ،‬وهو من ظريف المحاباة‪ٌ .‬‬ ‫ُ‬ ‫معنى هذا البيت‪:‬‬
‫عنى بهما البدر المعروف‪.‬‬
‫يقول‪ :‬ليس من طبيعة البدر الفلكي أن َيلِ َد وال أن يولد‪ .‬فلما رأينا بدرًا هذا الممدوح وأباه وجدنا بوجودنا إياه‬
‫بدرًا مولودًا‪ ،‬ووجدنا بوجود آبائه َولُو َد البدر‪ .‬فقد خرق علينا المعتاد‪ ،‬فوجب التعجب‪.‬‬
‫وحاصل البيت‪ :‬وجدنا ببدر هذا الممدوح بدرًا وليدا‪ .‬وال كبير فائدة في وجود اآلباء‪ ،‬ألن المولود والوالد من‬
‫ذكره اآلباء هنا حش ٌو‪ ،‬إال‬
‫وجد بدرًا مولودا‪ ،‬فال محالة أن له والِدَين‪ .‬فإذن ُ‬ ‫باب المضاف والمضاف إليه‪ .‬فاذا َ‬
‫أن يُفيدنا بذلك أن أباءه بدور وليس بكبير فائدة أيضا‪ ،‬ألن النوع ال يل ُد غير نوعه‪ ،‬فتفه ْمه‪.‬‬
‫َرضينَا له َف َتر ْكنا ُّ‬
‫السجودا)‬ ‫بتـرك الـذي‬
‫ِ‬ ‫( َطلَ ْبنا ِر َ‬
‫ضا ُه‬

‫أي رضينا أن نسج له إذا رأيناه إكبارا له وإيثارًا‪ ،‬ال أنه ال يريد ذلك منا لن هذا‬
‫إنما ينبغي هلل غزل وجل‪ ،‬فطلبنا نحن حينئذ رضاه‪ ،‬بترك السجود الذي رضينا له‪.‬‬
‫فقد مدح بدرًا هنا بشيئين‪ :‬أحدهما‪ :‬جاللة القدر‪ ،‬حتى ُرئى أهال للسجود له‪.‬‬
‫تورع بدر عن هذا الذي رضيه له‪ ،‬قبحًا لكالمه‪ ،‬ونهرًا في هذا الموضع‬ ‫واآلخر‪ُّ :‬‬
‫وأشباهه لنظامه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فتركنا‪ :‬معطوف على طلبنا‪ ،‬وال يكون معطوفا على رضينا لفساد المعنى‪،‬‬
‫وأن (الذي) ال يعود عليه من المعطوف على صلته شيء‪.‬‬
‫َولست لفقد نظير وحيدا)‬ ‫(فأنت وحـي ُد بـنـي آدم‬
‫أي‪ :‬واحدهم في الفضائل‪ ،‬وكرم الشمائل‪ ،‬ولم يحترم الزمان نُظراءك بل لك نظراء في حب المجد‪ ،‬والسعي‬
‫إلى ابتناء الحمد‪ ،‬ولكنهم لم يُؤتوا من ذلك ما أوتيته وال ُحبوا بما ُحبيته‪ ،‬وليس أوانك خلوًا من السادة‪ ،‬فتكون‬
‫أنت إنما ُسدت لُخلُو الوقت من ذوي السيادة‪ ،‬ألن تلك السيادة ال تتبين لها مزية‪ .‬وإنما الفخر أنك ذو نظراء‪،‬‬
‫وف عليهم‪ ،‬بخالف قول الشاعر‪:‬‬ ‫وأنك ُم ٍ‬
‫بالس ْو َد ِد‬ ‫ومِن َّ‬
‫الشقاء َت َف ُّردى ُّ‬ ‫الديار َف ُسدت غير ُم َس َّو ٍد‬
‫ُ‬ ‫َخ ِ‬
‫لت‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫بن عماَّر ْبن إسماعيال)‬
‫بدر ُ‬
‫ُ‬ ‫ِم من القواتل غيرها‬ ‫( َحد ٌ‬
‫َق يُذ ُّ‬
‫الحدَق‪ ،‬فإن هذا األمر على جاللته‪ ،‬ال يقوى‬
‫أي إنه يُذم كل مظلوم فيُقيده من واتره وينصفه‪ .‬إال من قتلته هذه َ‬
‫مظلومها وال يُقي ُد قتيلها وهذا نحو قوله في سيف الدولة‪ :‬وقوله‪( :‬بمخبرتي مجتزٌئ)‪ :‬كقوله‪:‬‬
‫لثام‬
‫َو َو ْجهي والهجير بال ِ‬ ‫دلـيل‬
‫ٍ‬ ‫َذ َراني وال َفال َة بـال‬
‫مرت ٍد بمخبرتي مشتمل ‪ . . .‬الخ‪.‬‬
‫ورفع ذلك كله بإضمار مبتدأ‪ ،‬أي أنا ُ‬
‫َج ِة ال ُيب َتـدى وال ُي َس ُ‬
‫ـل)‬ ‫أص َبح ما ً‬
‫ال كمال ِه لِذوي الحا‬ ‫( ْ‬
‫أي نصرفه على احتكامنا واقتراحنا‪ ،‬كما يصرف ماله‪ ،‬فال هو يبتدئنا بالعطاء‪ ،‬وال نستأذن بدرًا في أخذ ماله‪.‬‬
‫ُ‬
‫هشيمة كرم؛ أي يأخذه الوار ُد كيف‬ ‫العرب‪ :‬ما هو إال‬
‫ُ‬ ‫فقد استوى هو ومال ُه في أنهما اليُستأذنان‪ ،‬ولذلك قالت‬
‫شائ‪ ،‬ال يعسر عليه منه شيء‪ ،‬كما أن الهشيمة‪ ،‬وهي العود اليابس ال تتعذر على ُمحتطبها وال تحوجه إلى‬
‫تعب في تناولها‪.‬‬
‫أو أقبل قلت‪ :‬مالها َك َف ُل)‬ ‫(إن أدْبرت ُق ُ‬
‫لت‪ :‬ال تليل لها‬
‫ُ‬
‫التليل‪ :‬ال ُعنق وما يليها من الصدر‪ ،‬أي صدرهل المقبل َي ْح ُج ُز عن كفلها‪ ،‬وكلفها ال ُمدبر يحجز عن صدرها‪،‬‬
‫فألنت من حيث تأملتها رأيتها ُمشرفة‪ ،‬والمستحب من الفرس أن تهتز مقبلة وتنصب مدبرة‪ ،‬فباهتزازها مقبلة‬
‫ُ‬
‫الكفل‪ ،‬إلشراف التليل‪ ،‬مابا نصبابها يخفى التليل إلشراف الكفل‪.‬‬ ‫يخفى‬
‫الذبُ ُل)‬
‫الهن ِد وال َقنَا ُّ‬
‫واضب ِ‬
‫ُ‬ ‫َق‬ ‫ْ‬
‫اختلفت‬ ‫اسم ِه إذا‬ ‫(أنت َنق ُ‬
‫ِيض ْ‬
‫جعل اسمه وهو بدر‪ ،‬دا ً‬
‫ال على صورته وطبيعته‪ .‬وذلك أن البدر إنما يسمى به القمر إذا قابل الشمس فانتأل‬
‫نورًا‪ ،‬وهو مع ذلك سع ٌد ال نحس‪.‬‬
‫خالف هذا االسم‪ ،‬أي خالف طبيعة المسمى بهذا االسم في الحرب‪ ،‬ألنك في السلم طلق نير‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪ :‬فأنت‬
‫وحظك السعادة‪ ،‬وتلك طبيعة البدر وفي الحرب َعبُوس ُمهلك‪ ،‬وتلك طبيعة ُزحل‪ .‬فأنت في الحرب على غير‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ما انت به في السلم طبيعة‪ .‬فقد وجب السمك في الحرب أن يكون غير اسمك في السلم‪ .‬وقال‪( :‬أنت نقيض‬
‫اسمه) لم يقل؛ ضد اسمه‪ ،‬ألن النقيض ُّ‬
‫أشد مباينة لنقيضه‪ ،‬من الضد لضده‪.‬‬
‫الوغى ُز َح ُ‬
‫ـل)‬ ‫َك في َح ْوم ِة َ‬ ‫المنير َّ‬
‫ولكن‬ ‫ُ‬ ‫(أنت لَ ْعمري ُ‬
‫البدر‬
‫أي أنك سعد في السلم‪ ،‬وشيمتك في الحرب ضد ذلك‪ ،‬وليس بالبدر وال بُزحل في الحقيقة‪ ،‬وإنما عنى بالبدر‬
‫إنه ُمسعد‪ُ ،‬‬
‫وبزحل إنه ُمنحس‪ ،‬والمنير هنا‪ :‬مفيد ألن البدر قد يتلبسه الغيم فال يُنير‪.‬‬
‫ُ‬
‫األمل)‬ ‫َرى كيف يُ ْقط ُع‬
‫َوما د َ‬ ‫( َم َدد َ‬
‫ْت في راحة الطبـيب يدًا‬
‫أي ُّكفك مجتمع اآلمال قد اتصلت بها‪ ،‬كأن ُعروقها قد صارت آماال‪ ،‬والطبيب ال معرفة له ببعض اآلمال‪ ،‬وال‬
‫بمعاناتها‪ ،‬إنما يعانى األبدان‪ ،‬فال تلحقنه مالما‪ ،‬ألنك كلفته ماال يُحسن‪ ،‬واالنسان إنما بالم على تقصيره فيما‬
‫يُعزى إليه علمه‪ ،‬فإن قصر فيما ليس من علمه فغير َملوم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬كيف يقطع األمل) لم يُرد القطع ال ُمفسد‪ ،‬وإنما اراد كيف يقطع األمل لإلصالح‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ارض َز َواَال)‬ ‫ُ‬
‫أزمعت عن ٍ‬ ‫وال‬ ‫حاولت في أرض ُمقاَمـًا‬
‫ُ‬ ‫( َفماَ‬

‫أي أني مالزم لظهر بعيرى‪ ،‬فكأنى مقم‪ ،‬وأنا مع ذلك سائر‪ .‬فإمكاني يتقسم ما بين‬
‫ٌ‬
‫ظاعين وال قاطن‪.‬‬ ‫الحالين‪ .‬ألنى ال‬
‫هر الهالال)‬ ‫َي ُكن في ُغ ُر ِة َّ‬
‫الش ِ‬ ‫بن عمار الـذي لَـ ْم‬
‫(إلى بد ِ‬
‫البدر يبدو هالال ثم يتزايد‪ ،‬وال يسمى بدرًا حتى يكمل‪ ،‬وبدر بن عمار لم يك قط هالال‪ ،‬بل لم يزل كامال‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهذا مقطع شعري‪ ،‬ألنه لم يك قط هالال وال بدرًا‪ .‬وكأنه لم يزل بدرًا‪ ،‬ألن لم يزل اسمه‪ .‬وهذا البيت وإن‬
‫كان المقصود به المدح ظاهرًا فقد يجوز أن يقصد به الذم باطنا‪ .‬ألنه ال بدر على الحقيقة إال وقد كان في غرة‬
‫ال‪ .‬وهذا لم ُ‬
‫يك هالال‪ ،‬فليس إذن بدرًا‪.‬‬ ‫الشهر هال ً‬
‫بدر بالتسمية‪ ،‬ال بالطبيعة‪ ،‬فيكون ذلك مقتضيا للُ ُ‬
‫هزؤ‪ ،‬فخرج ُمشبها لقوله‪:‬‬ ‫فالحاصل له من ذلك‪ ،‬إنه ٌ‬
‫هـاشـم‬ ‫غـير‬
‫ُ‬ ‫وى َجدُّه‬ ‫ال وتُ ً‬
‫ربة بها َعلَ ٌّ‬ ‫وفارقت َش َّر االرض أه ً‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ـير َوال لك في سثؤالك ال‪ ،‬أال‪ ،‬ال)‬ ‫َـظ ٌ‬‫واب ُمسائلـي ألـ ُه ن ِ‬
‫( َج ُ‬
‫تقدير البيت‪ :‬جواب ُمسائلي‪( :‬أله نظير)‪ :‬أال‪ ،‬ال‪ ،‬أي ليس نظير‪ ،‬فال جحدٌ‪ ،‬وأال‪ :‬استفتاح (وال لك في سؤالك)‬‫ُ‬
‫نظير‪ ،‬ال‪ ،‬أيها السائل‪ ،‬فال الثانية توكيد‪ ،‬وإنما حاجة الكالم‪ :‬وال لك أيها السائل نظير‪ ،‬إذا شككت في إنه ال‬
‫ال‪َ ،‬‬
‫ال) فعكس‪ ،‬بأن قدم‬ ‫نظير له‪ ،‬حتى أحوجك ذلك إلى السؤال‪ .‬فقوله‪( :‬وال لك) معطوف على قوله‪( :‬أ َ‬
‫المعطوف على المعطوف عليه‪.‬‬
‫شئت استِفا َ‬
‫ال)‬ ‫فقلت نعم إذا ُ‬
‫ُ‬ ‫( َو َقاَلوا‪:‬هل يُ َبلِّ ُغك الـثُـرياَّ‬
‫اب أنا معه فوق الثُريا‪ ،‬فإذا أردت أن يبلغني إياها‪ ،‬فإنما أبلغها بأن يحظنى إليها‪ ،‬فإنا ال أريد منه بلوغ الثريا‪،‬‬
‫ٌّ‬
‫التسفل ألن العالي ال يبلغ ما هو أخفض منه إال بأن يُحط إليه‪.‬‬ ‫إال أن أشاء‬
‫وهذا كقوله‪:‬‬
‫َـزلُـوا‬ ‫فإذا أرادوا ً‬
‫غاية ن َ‬ ‫وفوق ما َطلَُبوا‬
‫َ‬ ‫َف َ‬
‫وق السما ِء‬
‫أي أن ُعلُوهم اآلن فوق كل غاية‪ ،‬فإذا ارادوا غاية محدودة‪ ،‬نزلوا إليها‪ ،‬إال أن هذا البيت اآلخر أفخم معنى‪.‬‬
‫وأصل ذلك قول البحتري لمجمد ابن علي‪:‬‬
‫ِن َعلِى‬ ‫ال َي ْل َحظ َ‬
‫الج ْوزاء إال م ْ‬ ‫ُ‬
‫الشرف الـذي‬ ‫علي‬
‫لمحم ِد بن ٍّ‬
‫أي إنه فوق الجوزاء‪ ،‬فاذا لحظها فانما يلحظها من فوقها‪.‬‬
‫أوجالُها فيها ِو َجاال)‬
‫َت َ‬‫َغد ْ‬ ‫ِنك َحتَّى‬ ‫لت ُق ٌ‬
‫لوب م َ‬ ‫( َف َقد َو ِج ْ‬
‫عددت أوجال ُهم؛ فوجلت األوجال‪ ،‬وهذه مبالغة كقولهم‪ُ :‬ج َّن ُجنُونه‪ .‬وقالوا‪ :‬شر ٌ‬
‫ْ‬ ‫أي وجلت قلوبهم‪ ،‬حتى‬
‫شاعر‪ .‬مثله كثير حكاه سيبويه وسائر اهل اللغة‪ .‬قال سيبويه‪ :‬سألت الخليل عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ارادو المبالغة‬
‫وحبط‬
‫ٍ‬ ‫اجى‬
‫وح َب َ‬ ‫ووجاع ولو قال‪َ :‬و َجإلى؛ يريد جمع َو ِجل‪ ،‬لكان َكحن ٍ‬
‫ِج َ‬ ‫كوجع ِ‬
‫واإلشادة‪ .‬ورجال‪ :‬جمع َوجل ِ‬
‫وحباطَى‪.‬‬
‫َ‬
‫الرجاال)‬ ‫فراق ال َق ِ‬
‫وس ما القى ِّ‬ ‫َ‬ ‫فار ُق َس َه ُمك َّ‬
‫الرجل ال ُمالقـى‬ ‫(يُ ِ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ال خرقه ونفذ منه على ما هو به من قوته األولى عند فراق القوس‪ ،‬وذلك دأبُه ما‬ ‫أي إن سهمك كلما القى رج ً‬
‫لقى الرجال وإن كثروا‪ .‬يصفه بجودة الرمى وقوة النزع‪ .‬فما‪ :‬منصوبة على الظرف‪ ،‬والقوس‪ :‬في موضع‬
‫ُعاء َ‬
‫الخيْر)‪.‬‬ ‫يسأَ ُم اإل ْن ُ‬
‫سان م ْ‬
‫ِن د َ‬ ‫نصب‪ .‬أي فراقه القوس‪ .‬فأضاف المصدر إلى المفعول‪ ،‬كقوله تعالى ( َ‬
‫ال ْ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ات ثُنَا)‬
‫َظرًا ُفرادى بين َز ْف َر ٍ‬
‫نَ‬ ‫(أ ْفدِى ال ُمود َ‬
‫ِّع َة التي أ ْت َب ْعتُـهـا‬
‫الرقيب فحذره‪ ،‬فقلت نظراته‪ ،‬وغلبت الحسر ُة‪ ،‬فكثرت رفراتهُ‪ .‬حتى كانت الزفرات ضعف‬ ‫ُ‬ ‫أي حضر‬
‫النظرات‪ .‬فلذلك جعل النظرات فرادى‪ .‬والزفرات ثُناء‪ .‬واحتاج إلى قصر (ثُناء) وثناء معدُول عن (اثنين‬
‫اثنين) المقتضية (ثِنتين ثِنتين)‪ ،‬وال تكون معدولة عن (اثنين اثنين) ألن المعدول بعدد المعدول عنه‪ .‬وقال‪.‬‬
‫زفرات فأسكن الفاء للضرورة‪ ،‬كقول ذى الرُّ َّمة‪:‬‬
‫صات الهوى في‬ ‫ُخفوقا َو َر ْق َ‬ ‫أبت ذِكرًا َع َّودْن أحـشـاء‬ ‫ْ‬
‫المفاصل‬
‫ِ‬ ‫قـلـ ِبـه‬
‫أش َف ْق ُت َت َح َت ِر ُق ال َعـواذِل‬
‫ْ‬ ‫فـاسـنـا َحـتَّـى‬
‫َت أ ْن ُ‬ ‫وقد ْ‬‫( َو َت َّ‬
‫َبـ ْينَـنَـا)‬ ‫لَـ َقـ ْد‬
‫أشفق من احتراق ال َع ُذول مع شنآنه له‪ ،‬خشية أن يتم احتراقه بما هما عليه من توقد النفس‪ .‬فقال‪ :‬إن العواذل‬
‫إنما احترقن بتوقد أنفاسهما عند التقائهما‪ ،‬وأراد (أن تحترق العواذل) أي (من أن) فحذفها‪ ،‬وأبطال عملها‬
‫بحذقها‪ .‬وإن شئت نصبت الفعل على مكان (أن) فكانت بمنزلة ُموثر غاب وبقي تأثير داال عليه‪.‬‬
‫َم ْن لَيس م َّ‬
‫ِم َّن دان ِم ّمن ُح ِّينَا)‬ ‫ال ُه من ُطلَ َقائِه‬ ‫( َمن لَ ْيس م ْ‬
‫ِن َق ْت َ‬
‫يقول‪ :‬عداه قتاله وأسراه‪ ،‬ومن أفلت منهم فإنما هو طلي ُقه‪ ،‬بصفحه عنه‪.‬‬
‫الرجل‪ :‬أطاع‪ .‬أي من لم يكن من دائنيه فهو من‬ ‫ُ‬ ‫(ومن ليس ممن دان ُحينا) دان‬
‫َان له‪ ،‬فحذف للعلم بها‪ .‬ومن هنا بمعنى الذي‪ ،‬كأنه قال‪ :‬الي ليس‬ ‫ُمحينيه‪ .‬واراد‪ :‬د َ‬
‫ُ‬
‫من قتاله معدود في طلقائه‪ ،‬والذي ليس من دائنيه ُمحين‪ .‬فقوله‪( :‬من طلقائه) في‬
‫موضع خبر المبتدأ‪ ،‬الذي هو (من) االولى‪ .‬وقوله‪ :‬ممن ُحينا خبر مبتدأ‪ ،‬الذي هو‬
‫(من) الثانية‪.‬‬
‫الضحى وال َم ْو ِهنَا)‬‫ال َو َركائبي فيها َو َو ْقتى ُّ‬ ‫( َو َق ُ‬
‫طعت في الدُّنيا ال َف َ‬
‫الم ِوهن نح ٌو من‬
‫أي أفنيت األمكنة واألزمنة والركائب‪ .‬وكان يجب أن يقول‪ :‬ووقتى الضحى وال َم ْوهن ألن ْ‬
‫أول الزمن النهارى‪ .‬فقابل هو ال َم ْو ِهن الذي هو نصف الزمن‪.‬‬ ‫الزمن الليلي‪ ،‬وفصف الليل‪ .‬والضحى‪ُ :‬‬
‫الليليٌلئاق لاق ولو يراهنلا نمزلا لوا وه يذلا ىحضلاب ‪ :ّ،‬عنى بالضحى اليوم كله‪ ،‬وبالموهن الليل كله‪،‬‬
‫ْن وبالليل) من‬
‫ص ِب ِحي َ‬ ‫وأقام الجزء مقام ال ُكل‪ ،‬كما أقيم ال ُك ُّل مقام الجزء في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫(وإنَّ ُك ْم لَ َم ُّر ْون َعلَي ِه ْم َم َ‬
‫سورة الصافات لكان جائزا‪ ،‬فتفهمه فإنه لطيف‪.‬‬
‫واس َت ْقرب َ‬
‫األ ْقصى َف َثم ل ُه ُهنَا)‬ ‫ْ‬ ‫أمضى إرادت َه َف َ‬
‫سوف ل ُه قـ ٌد‬ ‫(ْ‬
‫إن شئت قلت‪:‬متى قال غيره‪ :‬سوف أفعل هو‪ :‬قد فعلت فسبق‪ .‬ومتى قال غيره‪ :‬ثم الجم أو السماء مستبعدا‪،‬‬
‫قال هو ‪ُ -‬‬
‫(هنا) مستقربا‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إذا نوى أمرًا سابق نيته بفعله‪ ،‬فصار المستقبل ماضيًا‪ ،‬ومتى لخظ أمرًا بعيدًا أعمل عزمه‪،‬‬
‫ف ُقرب عليه قتناوله‪.‬‬
‫َما َك َّر َق ُّط َ‬
‫وه ْل َي ُك ُّر َو َما انثنَى)‬ ‫ـر ٍب‬ ‫ِيط ْت َحمائِلُه ِب َعاتق م ُ‬
‫ِـح َ‬ ‫(ن َ‬
‫كر‪ ،‬ألنه إذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول‪،‬‬
‫علة له‪ ،‬فاذا لم يكن انثناء لم يكن ُّ‬‫الكر بعد النثناء فاال ٌ‬
‫إنما يكون ُّ‬
‫ماكر ألنه لم ينثن‪ ،‬فيُعقب االنثناء بالكرِّ ‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬هذا المحرب َّ‬
‫ُ‬
‫األفالك فيه ُّ‬
‫والدنَيا)‬ ‫مثل الذي‬ ‫اصر ّ‬
‫األ ْف َها ُم عن إدراكِـه‬ ‫( َت َت َق َ‬
‫غاية ما أدركت األفهام‪ ،‬الفلك وما فيه‪ ،‬فأما ما هو فيه‪ ،‬فلم يُدركه وهم وال فهم‪ :‬فيقول‪ :‬إدراك ُه ُمعوز كإدراك‬
‫ما فيه الدنيا والفلك‪ .‬والدُّنا‪ :‬جمع الدنيا‪ ،‬كال ُعال جمع ال ُعليا‪ ،‬وهذا ُمطرد‪.‬‬
‫يوما وال اإلحسان أال يُحسنا)‬ ‫(اليستكن الرعب بين ضلوعه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أي ال يتصور الخوف بين ضلوعه‪ ،‬وال يتصور أيضًا بينهما العلم بأال يحسن‪ .‬بل هو محسن ألن يُحسن‪،‬‬
‫وغيره محسن اال يحسن أي اإلحسان غلبه‪ .‬واإلحسان هنا أن يكون المعرفة‪ ،‬كقول فالن ُمحسن لعلم كذا‪،‬‬
‫ويجوز أن يكون اإلحسان الذي هو ضد اإلساءة‪ ،‬فكانه قال في كل ذلك‪ :‬وال يحسن ترك اإلحسان؛ إنما يُحسن‬
‫اإلحسان‪ .‬وهذا كقول اآلخر أنشدناه ابو الفتح‪:‬‬
‫ُر ْم َت ِس َوى اإلحسان لم تُ ْح ِسن‬ ‫تُ ْح ِسن أن تُ ْح ِسـن حـتـى إذا‬
‫إال انةهذا البيت بعيد‪ ،‬ألنه نسب إلى الممدوح مرام غير االحسان‪.‬‬
‫األعيُنا)‬ ‫َشوق بها فأد ْ‬
‫َرن فيك ْ‬ ‫الجن ْ‬
‫من‬ ‫ِباب ُّ‬ ‫( َسلَ ْ‬
‫كت َتماثيل الق ِ‬
‫أي سلكت الجن صور القباب‪ ،‬لتنظر إليك شوقًا‪ ،‬وإنما قال‪( :‬تماثيل القباب) ولم يقل (القباب)‪ ،‬ألنهم يزهمون‬
‫أن الجن تألف التصاوير الموضوعة على أشكال الحيوان‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنما كره اتخاذها في الثياب والمستور‬
‫ُسط لهذا‪.‬‬
‫والب ُ‬
‫السنا)‬ ‫ورأيت َحتى ما ُ‬
‫رأيت من َّ‬ ‫ُ‬ ‫عجبت من ُّ‬
‫الظبا‬ ‫ُ‬ ‫( َو َع َج ُ‬
‫بت حتى ما‬
‫ُ‬
‫وأخلدت اليه‪ ،‬فلم أعجب بعد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أنست بالعجب‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫الظبا‪ :‬السيوف‪ .‬والسنا‪ :‬الضوء‪ .‬أي عجبت من السيوف حتى‬
‫ورأيت لمعانهن حتى ُعشى بصرى فلم أرى‪ .‬فصدر البيت كقول ابى تمام‪:‬‬
‫عجائب حتى ليس فيها عجائب‬ ‫صرن كلهـا‬ ‫على أنها األيام قد ِ‬
‫خافة أن َي ْفظنـا)‬ ‫أتيت على النَّوى ولِما َتر ْك ُت َم ً‬ ‫( َف َ‬
‫طن الفؤا ُد لما ُ‬
‫صنعت‪ ،‬حتى علمت ما تركته مخافة أن يفطن به‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أي لم تقتصر على العلم بما‬
‫وقيل معناه‪ :‬قد علمت ما كان من شكرى وثنائي عليك‪ ،‬وهو الذي فطن فؤادك له‪.‬‬
‫وكذلك فطن أيضا لما تركته؛ خوفًا أن يفطن له‪ ،‬من َتن َُّقصك ايضا‪ ،‬فلو لم يكن‬
‫ُ‬
‫خالف ذلك‪ .‬والبيت‬ ‫تركي لذلك إال مخافة أن يفطن فؤادك له‪ ،‬فكيف وطبيعتي فيك‬
‫يقتضي أنه قد كان هنالك شيء من اإلخالل بقدر بدر بن عمار‪ .‬ويقويه قوله‪:‬‬
‫قاسيت َشيئًا َه ِّينـًا)‬
‫ُ‬ ‫ليس الذي‬ ‫أض َحى فرا ُقك لي علَي ِه ُعقوبة‬
‫( ْ‬
‫أي ُعوقبت على تقصيري عن واجبك‪ ،‬بفراقك الشديد على ال ُكره إلي‪ ،‬فليس الذي‬
‫ال قيته من ذلك بهين‪ ،‬أي بيسير‪ .‬وال يريد الهين الذي هو ضد العزيز‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ال َس َقـا ُم)‬ ‫الل ُجودا كأن ما ً‬
‫ِ‬ ‫( َي َتداوى من كثرة المال ْ‬
‫باإلق‬
‫أي يتشافى بالجود‪ ،‬حتى كأن المال َم ُ‬
‫رض يبغى إزالته‪ ،‬واإلقالل بُرء يطلبه‪.‬‬
‫وقوله (كأن ما ً‬
‫ال َس َقا ُم) اراد كان وجود مال‪ ،‬ألن المال ال يقال له سقام إذ هو جوهر والسقام َع َرض‪.‬‬
‫ضيف ِه َرأ ْت َه السوا ُم)‬
‫َب ُح من َ‬ ‫يون أعدائه ْ‬
‫أق‬ ‫( َح َس ٌن في ُع ِ‬
‫أي هو حسن الصورة غاية إال في عيون أعدائه‪ ،‬لعلهم بإهالكه إياهم أقبح من ضيفه في عيون السوام‪ ،‬لعلمها‬
‫إذا رأت الضيف أنها منحور ٌة‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫َبغِيض إلى ال َك ْو َماء والكلب‬ ‫حبيب إلى كلب الكريم‬
‫ُ‬
‫أيصر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مـنـاخـ ُه‬
‫ومثله كثير‪ .‬فقوله‪( :‬في عيون أعدائه)‪َ :‬ظرف ألقبح‪ ،‬وال يتعلق بحن‪ ،‬لنه في عيون أعدائه‪ .‬وتقدير البيت‪:‬‬
‫حسن في عيوننا معشر أحبابه ومن ال َي ْشقى به‪ ،‬لكنه بخالف ذلك في أعين عداه‪ .‬وقد بالغ بال ُقبح ولم يبالغ‬
‫بالُحسن‪ ،‬ألن قبْحه في عيون أعدائه‪ ،‬وأمدح له من الحسن في عيون أحبابه‪.‬‬
‫ـرا ُم)‬
‫اإلح َ‬ ‫َو َّ‬
‫لكن ِزيها ْ‬ ‫الح ُّل‬
‫وار لوام ٌع َد ُمها ِ‬
‫( َو َع ٍ‬
‫اللوامع‪ :‬السيوف لبريقها‪ .‬ووصفها بالعرى‪ :‬العتيادها مفارقة أغمادها‪.‬‬
‫وعوار‪ :‬جمع عار‪ ،‬ال جمع ُع ْريان ُفعالن ال يكسر على (فواعل) (د ُمها الحال)‪ :‬أي أنها مستحلة للدماء‪ ،‬على‬
‫ٍ‬
‫أن زيها اإلحرام‪ :‬أي أنها مجردة أبدًا كالُحرم والمحرم ال يسفك الدماء‪ .‬فقد اجتمع في هذه السيوف طبيعة‬
‫وزي اإلحرام‪.‬‬
‫الحل ُّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫ِب َعلَى البُ ْع ِد يُ ُ‬


‫عرف اإلل َما ُم)‬ ‫أزرك على ال ُقر‬
‫الرشد لَم ُ‬
‫من ُّ‬
‫( َو َ‬
‫الرشد‬ ‫كأن قريبًا منه فلم ُ‬
‫يز ره‪ ،‬ثم بعد فزاره‪ ،‬ليكون ذلك أدل على إجالله وإعظامه له‪ ،‬فأوجبه‪ .‬وأراد‪ :‬من ُ‬
‫أزرك‪ .‬وقوله (على البعد)‪ :‬متعلق بيعرف‪ .‬وعلى القرب متعلق بأزرك‪.‬‬ ‫أنى لم ُ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫خـاذل)‬ ‫مِن كل َتا ِبع ٍة َخ ٌ‬
‫يال‬ ‫( َت ْخلُو الد ُ‬
‫ِّيار من الظبا ِء َوع ْندَه‬
‫والخيال غير مفارق لي‪ .‬وكنى بالتابعة عن صغارها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كنى بالظباء عن الحسن‪ .‬أي تخلو الديار ممن كان بها‪.‬‬
‫تخذل الظبيةُ‬ ‫ال‪ ،‬كما ُ‬ ‫ألن الجداية وهي الصغيرة من الظباء تتبع إمها‪ .‬ولما جعل المراة غزالة جعل الخيال خاذ ً‬
‫عن القطيع‪ ،‬أي تتأخر‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬جعل الخيال بمنزلة ولد والغزال‪ ،‬وربة الخيال بمنزلة الغزال‪ .‬فتابعة بمعنى متبوعة على هذا‬
‫ألط من رؤية الخيال كما أن الصغير‬ ‫تعسف ألن الخيال ُروحاني‪ ،‬فهو ُ‬‫القول‪ .‬وجعلها الخيال بمنزلة الولد لها ُّ‬
‫وخاذل‪ :‬أي خذلها وزارني‪ .‬فمن ‪ -‬على هذا ‪ -‬تكون للتبعيض وللجنس‪ ،‬فَتَفَهَّ ْمه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ألطف من الكبير‪.‬‬ ‫الجسم‬
‫ُ‬
‫حبائل)‬ ‫َفلَ ُهن في َغ ِ‬
‫ير التُّراب‬ ‫( َكفأ َننَا عن ِش ِ‬
‫به ِه َّن مِن ال َم َهـا‬
‫كافأننا‪ :‬من ال ُك ُف ؤ‪ ،‬وهو المثل‪ ،‬والمها‪ :‬بقر الوحش‪ :‬يشبه النساء بهن في سواد الحدق‪ .‬والحبائل‪ :‬الشرك‪،‬‬
‫واحدتها‪ :‬حبالة‪ ،‬لي صدنا المها وهن أشباه النساء‪ ،‬بحبائل منصوبة لُهن في التراب‪ ،‬فكافأننا عن فعلنا‬
‫بأشباههن بأن صدننا كما صدناهن‪ ،‬طلبًا بثأرهن‪ ،‬إال أن النساء صدننا بحبائل لم تُنصب لنا في التراب وهي‬
‫األعين والخدود وغيرها من المحاسن الظاهرة‪ ،‬كالمباسم واألعطاف والقدود‪ ،‬وكلهن حبائل إال انها ال تثبت‬
‫في التراب‪.‬‬
‫ال ِخ ُل)‬
‫الج َو َخ َ‬
‫ماح َد َم ٌ‬
‫الر ِ‬
‫ِن ِّ‬
‫َوم َ‬ ‫جآذر‬
‫الرجال ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِن َطاعنى ثُغر‬
‫(م ْ‬
‫كنى بالجآذر هنا عن النساء‪ ،‬كما كنى عنهن في البيت الذي قبله بالظباء أي ينبغي أن تع ُد جآذر اإلنس من‬
‫طاعني ثُغر الرجال‪ ،‬ألنهن يفعلن من ًَ‬
‫القتل ماال يفعل الطاعن‪ .‬وينبغي أن يُعد الحلى من السالح‪ ،‬ألنه سالح‬
‫النساء‪ ،‬كقول األعشى‪:‬‬
‫المصاع بما في الجؤَن‬
‫ُ‬ ‫وكان‬ ‫إذا ُهن نَازلن أقـر انَـ ُهـن‬
‫الج َؤ ُن من الطيب وسائر أنواع الزينة‪ .‬ولو جعل السالح‬ ‫يعنى بما تضمنت ُ‬
‫محاسنهن لكان أليق بالشعر‪ .‬ولكن لما كان السالح في المعتاد ليس بجزء من‬
‫مص ُ‬
‫وغ‬ ‫ُ‬
‫والخالخل وكان ُ‬ ‫المتسلح‪ ،‬جعل سالحهن ماليس بجزء‪ ،‬منهن الدمالج‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬كمصوغ الحديد لرجال الحرب‪.‬‬
‫ُملج‬
‫جآذر‪ ،‬ومن السالح د ٌ‬‫ُ‬ ‫وقد يجوز أن يكون اراد‪ .‬من طاعنى ثُغر الرجال‬
‫وخلخال يذهب في ذلك إلى التعجب‪ .‬وحذفت األلف التي لفظها االستفهام‪ ،‬ومعناها‬ ‫ُ‬
‫كتف بذاته‪ ،‬لما فيه من معنى التعجب‪ ،‬كقول أبى تمام‪:‬‬ ‫هنا اإلنكار‪ .‬ألن اللفظ ُم ٍ‬
‫ُ‬
‫أسربل ُه ْج َر القول من لَ ْو َه َج ْوت ُه إذن لَ َهجاني عنه معروف ُه عندي‬
‫ُ‬
‫أأسربل‪ ،‬فحذف األلف‪ .‬ومثله كثير إذا تضمن الكال ُم معنى اإلنكار والعجب‪.‬‬ ‫أي‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫لكأن ُه َو َعـدَدت سـن ُغـالم)‬ ‫ص َّغرت كل َكبير ٍة و َكبُرت َع ْن‬
‫(َ‬
‫غيرك‪ ،‬باإلضافة إليها‪ .‬وجللت عن التشبيه‬
‫أي فعلت الصنائع الحسان‪ .‬فصغرت كل صنيعة جسيمة فعلها ُ‬
‫بشيء من األشياء التي ال نظير لها في العالم‪ ،‬كالشمس والبدر والبحر‪ .‬وعددت سن غالم‪ :‬أي نلت هذه‬
‫النهاية‪ ،‬وبلغت تلك الغاية في حد صباك‪ .‬فذاك أغرب وأشرف‪.‬‬
‫ٌ‬
‫جملة في موضع الحال‪ .‬كأنه قال‪ :‬بلغت كل ذلك ُغالمًا‪ ،‬وكان ينبغي أن يقول‪:‬‬ ‫فقوله (وعددت سن غالم)‬
‫(صغرت كل عظيمة) مكان (كبيبرة) ألن الصغر عند األوائل‪ ،‬إنما يقاله العظم‪ .‬ولكنه حمله على طريق اللغة‪،‬‬
‫ألن الكبير وإن ُكنى به عن ال ُمسن‪ ،‬فقد يكون لعظيم‪ .‬إال أن غير المشترك في التقابل‪ ،‬خير من المشترك‬
‫فتفهمه‪.‬‬
‫األغتام)‬
‫ِ‬ ‫ضبَّة‬
‫اب َو َ‬
‫عمرو َح ِ‬
‫في ِ‬ ‫صنَع ْالـ َقـنـا‬ ‫( َم ْه ً‬
‫ال أال هلل ما َ‬
‫اراد عمرو حابي‪ ،‬فرخم المضاف اضطرارا‪ ،‬كقوله أنشده سيبويه‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫أن ابن ُج ْل ُهم ْ‬


‫أمسى حية الوادي‬ ‫ابن ُج ْلهم َعبا ٌد بصرمتـه‬
‫أودى ُ‬
‫قال‪ :‬اراد بن ُجلهمه‪ ،‬والعرب يُسمون الرجل جلْهمة‪ ،‬والمرأة ُجلْهم كل ذلك حكاه سيبويه‪.‬‬
‫واألغتام‪ :‬جمع أغتم‪ .‬كسر أفعل على أفعال‪ ،‬وهو قليل‪ .‬ونظيرة أعزل وأعزال‪ ،‬وهو الذي ال سالح له‪،‬‬
‫وأغزل وأغزال وهو الذي لم يُختن‪.‬‬

‫يض في سما ِء َق َت ِ‬
‫ـام)‬ ‫ونُ ُّ‬
‫جوم ِب ٍ‬ ‫دم‬ ‫ناس َف َو َق ٍ‬
‫أرض من ٍ‬ ‫جار ٍ‬
‫أح ُ‬
‫( ْ‬
‫لما استعار للدم أرضًا‪ ،‬استجاز تسنية ُجثث القتلى أحجارًا وشبه البيض للمعانها في القتام بالنجوم النيرة في‬
‫الظالم‪.‬‬
‫حالت َف َ‬
‫صاحبُها ابو األيتام)‬ ‫اع كل أبى ُفالن ُك ٌ‬
‫نـية‬ ‫ِر ُ‬
‫(وذ َ‬
‫أي وفي ذلك المعترك أذرع قطعت من قوم كانوا يُكنون أبا زيد‪ ،‬وأبا عمرو‪ ،‬وأبا عبد اللة‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫أنواع الكنى‪ .‬فلما ُقطعت منهم ماتوا فكنى كل واحد منهم أبو األيتام‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫َس َكن َجوانحي َبدَل ُ‬
‫الخدُور)‬ ‫ور‬ ‫( َعذِيري من َع َذ َ‬
‫ارى من أ ُم ِ‬
‫عذارى‪ :‬أي خطوب أبكار لم تصب أحدًا قبل‪ .‬هذا معنى العذرة فيهن و (م ْ‬
‫ِن)ها هنا للتبيين‪ .‬أي ليست هؤالء‬
‫العذارى من النساء‪ ،‬إنما هي من أمور الدهر‪ ،‬أي أعذرى‪ ،‬أو من عاذرى؟ وقوله‪( :‬من أمور) خلص عذارى‬
‫الخطوب هنا‪ :‬من عذارى النساء‪ ،‬ال يسكن الجوانح إنما يسكن الخدور‪ .‬فاقام جوانحه لعذارى الهموم مقام‬
‫الخدور لعذارى النساء بدل ظرف‪ .‬أي مكان الخدور‪ ،‬كما حكاه سيبويه من قول العرب‪ :‬إن َبدلك زيدا‪ ،‬أي إن‬ ‫ُ‬
‫مكانك‪ .‬قال‪ :‬ويُقال للرجل‪ :‬اذهب معك بفالن‪ ،‬فيقول‪ :‬معي بدل فالن‪ ،‬أي يغنى غناء‪ ،‬ويكون في مكانه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫َذى و َت ْر َوى أن ْت ُجوع وأن‬
‫َتغ َ‬ ‫اض َّر في نفـع‬‫( َمناَ ِف ُعها َم َ‬
‫َتظما)ذ‬ ‫غـيرهـا‬
‫ِ‬
‫ضرها لنفسها منفعة لها‪ ،‬إذا جر ذلك نفعا لغيرها تغوثًا بالمجد‪ ،‬واحتساب‬ ‫أي أن ُ‬
‫اص ٌة)‪ .‬أي طلبًا‬ ‫ِرون على أ ْن ُف ِسهم َولَو َك َ‬
‫ان ِبه ُم َخ َ‬
‫ص َ‬ ‫األجر‪ ،‬كقوله تعالى‪(:‬ويُؤث ُ‬
‫لألجر‪ .‬ثم فسر قوله‪( :‬منا ُفعها ما ضر في نفع غيرها)‪ .‬بالنصف الثاني‪ ،‬فقال‬
‫غذى و َت ْر َوى أن تجوع وأن تظما)‪ .‬أي أنها تجوع لتخص غيرها بطعامها‪ ،‬فهي‬ ‫( َت َّ‬
‫لتخخص غيرها‬ ‫الجوع وال يُثر فيها‪ ،‬بل هو نماء لجسمها‪ .‬وتعطش ُ‬ ‫َتغَذى بذلك ُ‬
‫بشرابها‪ ،‬فذلك العطش رى لها‪ ،‬إذا هو في سبيل المجد‪.‬‬
‫فتلخيص القضية‪ .‬أنها تغذى بالجوع‪ ،‬وتروى بالعطش‪ .‬وكان وجه الصنعة ‪ -‬لو‬
‫بالشبع‪ ،‬كما قابل العطش‬ ‫الجع ِّ‬ ‫استقام له الوزن ‪ -‬أن يقول‪َ .‬ت ْشبع وتروي‪ ،‬ليُقابل ُ‬
‫بالري‪ .‬ولكن لما كان في التغذي ما يُشعر بأنه ربما كان معه ِّ‬
‫الشبع‪َ ،‬ت َّ‬
‫سم َح به‪،‬‬
‫ال صحيحًا‪ ،‬حتى ألحقها بحروف العلة‪ ،‬وذلك‬ ‫وأراد (أن َت ْط َمأ) فأبدل الهمزة إبدا ً‬
‫لحاجته إلى الوصل‪ ،‬ألن الهمزة ال يُصل بها الروي‪ ،‬وال يطرد هذا في كل شيء‪.‬‬

‫وليس لك أن تقول‪ :‬إنه خف الهمزة تخفيفًا قياسيًا‪ ،‬ألن الهمزة إذا خففت تخفيفًا‬
‫قياسيًا‪ ،‬لم توصل به‪ ،‬ألنه في نية الهمزة‪ .‬فمن حيث ال يوصل بالهمزرة ُمخففة‪ ،‬ال‬
‫يوصل بها مخففة تخفيفًا قياسيًا‪ ،‬فتفهمه فإنه لطيف‪.‬‬
‫يجد‬ ‫ٌ‬
‫ممكن لم ِ‬ ‫َفأ ْب َعده شيء‬ ‫(إذا َف َّل عزمِي عن َمدى َخ ُ‬
‫وف‬
‫َع ْز َما)‬ ‫بُ ْعدِه‬
‫أي أن الممكن من المطالب‪ ،‬إذا لم يعزم عليه طالبه‪ ،‬كان بمنزلة الممتنع‪ .‬والفرق بين الممكن الذي ال بجد‬
‫عزمًا وبين الممتنع‪ ،‬أن الممكن إذا ُعزم عليه نيل‪ ،‬والممتنع ال يُنال البتة ولو عزم‪ .‬وقوله‪( :‬فأ ْب َع ُد شيء‬
‫ممكن)‪ :‬يريد فأبعد الممكنات ممكن ال ي ُعزم عليه‪ .‬وبجوز أن يكون شيء هاهنا يجمع الممكن والممتنع‪ ،‬ألن‬ ‫ٌ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫العقل ال يشك في أن الممتنع أبعد األشياء‪.‬‬
‫مطلب ممكن‪ ،‬لم يجد لدى عزما‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وتخليصه‪ :‬إذا فل عزمي بعد مطلبي فأبع ُد منه‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫موصوفاتها)‬
‫الصفات َبعِيد ُ‬
‫دانى ِّ‬ ‫حاسن ُه ُح ِر ْم ُت ذواتهـا‬
‫( ِس ْر ٌب َم ِ‬
‫ُ‬
‫والمحاسن‪:‬‬ ‫السرب‪ :‬القطيع من الظباء والشاء والبقر‪ .‬وعنى (بالسرب) هنا النساء‪ ،‬تشبيهًا ل ُهن بالظباء‪.‬‬
‫ُ‬
‫رب ُحرمت ذوات محاسنه‪ ،‬وذوات المحاسن‬ ‫ُ‬ ‫واى ِس ٌ‬‫واحدها ُحسن على غير قياس‪ .‬وذواتها‪ :‬صواحبُها‪ .‬أي َه َ‬
‫هن ذلك السرب‪ .‬فكأنه قال‪ُ :‬حرمته‪ ،‬بأن حيل بيني وبينه‪ .‬وقد يجوز أن يكون سرب مبتدأ‪ ،‬ومحاسنه مبتدأ‬
‫وحرمت ذواتها‪ :‬خبر عن المحاسن‪ ،‬والميتدأ الثاني وخبره؛ خبر عن سرب‪ .‬فال‬ ‫آخر‪ ،‬أو بدال من سرب‪ُ .‬‬
‫سرب خبر مبتدأ مضمر‪ :‬أولى كما قدمنا‪ ،‬لقبح االبتداء‬ ‫ٌ‬ ‫(هواى)‪ .‬وأن يكون‬‫يحتج على هذا القول إلى إضمار َ‬
‫الصفات بعي ُد موصوفاتها)‪ :‬إنما دنت صفاته عليه‪ ،‬ألنه يقدر على وصفهن بما أوتيه‬ ‫ِ‬ ‫بالنكرة‪ .‬ثم قال‪( :‬دانى‬
‫من السن‪ ،‬والمنطق الحسن‪ .‬وبعدت موصوفات السرب‪ ،‬النهن مقصورات محجوبات‪ ،‬أو ممنعات‪ ،‬والضمير‬
‫في (موصوفاتها)‪ :‬راج ٌع إلى السرب وإن كان مذكرًا‪ .‬لكن جاز ذلك‪ ،‬ألنه في معنى الجماعة‪ .‬وال يجوز أن‬
‫يكون راجعًا إلى الصفات‪ ،‬ألنه نوع من إضافة الشيء إلى نفسه‪.‬‬
‫جر َج َن ْي ُت ال ُم َّر من َث َمراتها)‬
‫َش ٌ‬ ‫(وكأنَّها َش َج ٌر َبدا لـكـنَّـهـا‬
‫شجر من ُعلُوهن‪ .‬والعرب تشبه الحمول كثيرًا بالنخل‪ ،‬وذلك لما يضعون على الهوادج من‬ ‫ٌ‬ ‫أي كأن العيس‬
‫الرقم وال ُع هون الملونة‪ ،‬فيشبهون ذلك بالزهور والبسر الملون‪ .‬ولم يشبه المتنبي الهوادج وما عليها بذكر‬
‫المر من ثمراتها)‪ ،‬يعنى بذلك‪:‬‬
‫َيت ُ‬ ‫النخل‪ ،‬وإنما عنى ُعلُو اإلبل‪ ،‬فشبهها بالشجر عامة‪ ،‬ثم قال‪( :‬لكنها شجر َجن ُ‬
‫إبعاد اإلبل َحَباِ َئبه عنه‪ ،‬وقد بين ذلك بقوله‪:‬‬
‫تها)‬ ‫لَ َم َح ْت َحرار ُة َم ْد َم َّ‬
‫عي ِسماَ ِ‬ ‫إبل لَ َو ِّ‬
‫انى َفو َقها‬ ‫سرت من ٍ‬
‫ِ‬ ‫(ال‬
‫َعا عليهن أال َي ْس ِرن‪ ،‬إشفاقًا من بعد حبائبه عنه إذا سارت‬
‫دَ‬
‫ض َّراتِها)‬ ‫َة في ُّ‬
‫كل مليحة َ‬ ‫( َوترى ال ُمروة وال ُفتَّو َة واال ُب َّو‬
‫يعنى أن المالئح يعشقنه‪ ،‬وهو يوثر عليهن المروة واألبوة والفتوة‪ ،‬وذلك أن هذه الثالثة َي ْن َه ْينَه عن عشق‬
‫يضررن بهن عنده‪ ،‬كما تضر المرأة عند‬ ‫ُ‬ ‫النساء ويأ ُمرن بُحبهن أنفسهن‪ .‬فعلم المالئح أن هذه الخصال الثالث‬
‫يعلها ضراتُها‪ ،‬إذ لوالهن لواصلهن‪.‬‬
‫وحش ُكن من أقواتها)‬
‫ٍ‬ ‫أقوات‬ ‫َرتُـهـا‬
‫ِب بمقانِب َغـاد ْ‬
‫( َو َمقان ٍ‬
‫ُ‬
‫صرفت مفنب غيري بمقنبي‪ .‬فهذا معنى قوله‪َ ( :‬و َمقانب بمقانب غادرتها)‬ ‫ِنب‪ :‬القطعة من الخيل‪ .‬أي‬
‫المق ُ‬
‫عت هذه لمقانب‪ ،‬فتركتها أقواتا للوحوش‪ ،‬التي كانت من أقوى‬ ‫ص َر ُ‬ ‫ُ‬
‫حش كن من أقواتها) أي َ‬‫وقوله‪( :‬أقوات َو ٍ‬
‫هذه لمقانب‪ ،‬فعاد األمر بالعكس‪ ،‬وجعل الوحش اآلكله لهم مما كانوا يقتاتون به‪ ،‬ألن العرب ُ‬
‫تأكل الذئب‪،‬‬
‫والضبع والهلياع والفهد ونحو ذلك من آكلة اإلنسان‪ .‬وقد شبه بعضهم هذا البيت بقول البحتري‪:‬‬‫ُ‬
‫والج ُّد يتب ُعه الج ّد‬
‫بصاحبه ِ‬ ‫ِئب يحدِّث نفسه‬
‫كالنا بها ذ ٌ‬
‫وليس مثله‪ ،‬ألن البحتري لم ُ‬
‫يأمل أكل الذئب كما أمل الذئب أكله وإنما قال‪:‬كالنا قاتل لصاحبه‪ ،‬الذئب يري‬
‫أكلى‪ ،‬وأنا أريد قتله‪.‬‬
‫ِى بني عمران في َج َبهاتِهاَ)‬
‫أ ْيد َ‬ ‫( ْأق َب ْلتها ُغرر ِ‬
‫الجياد َكـأنَّـمـا‬
‫الكريم يوصف ببياض اليد‪ ،‬وهي الخيل التي أقبلتها هذه الوجوه‪ُ .‬هن ُغرُغ ناكف ‪ّ،‬روها أيدي هؤالء موضوعة‬
‫في جبهاتها‪ .‬يعني أقبلتها خي ً‬
‫ال سابقة‪ ،‬يُقبلون جباهها كما تقبل أيدي بني عمران‪ .‬فهذا معنى التشبيه‪.‬‬
‫لَ ْي َس ْت َقوائِم ُه َّن من آالتهـا)‬ ‫اءك يا ا ْب َن أحمد ُق َّر ٌح‬
‫(ت ْكب ُو َو َر َ‬
‫ال ُقرح هنا‪ :‬كناية عن الرجال الكهول ال ُمذكين‪ .‬وأصله في الخيل‪ ،‬واحدها قارح‪،‬‬
‫بفرس جواد‪ ،‬وشبه‬
‫ٍ‬ ‫خمس سنين من نتاجه‪ .‬فشبه الممدوح‬ ‫ُ‬ ‫وهو الذي أتى عليه‬
‫مبارزيه بخيل ُقرح‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫ـم‬ ‫خيل َيه َت َ‬ ‫ُ‬
‫ْه ِ‬
‫دين بأد َ‬ ‫سوابق ٍ‬ ‫ِس ِك الكرا ُم فإنها‬ ‫فدى ألبى الم ْ‬
‫بفرس أدهم‪ .‬وخصه بالدُّهمة‪ ،‬ألنه عنى به كافورًا وقوله‪( :‬ليست قوائمهن من آالتها)‪ :‬أي ليست قوائهما‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫آالت لها النها تعثر وتكبو وتضعف عن مجاراتها‪ ،‬فكأن هذه القوائم ليست من آالتها اذ لو كانت آال لها‬
‫لنصرتها ولم تخنها وال أظهرت فضلك أيها الممدوح على هذه ال ُقرح‪ .‬وإنما قوائمها من آالتك أنت‪ ،‬لداللتها‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫التك المبينة لفضلك ال آالتها‪ ،‬ألن من نصرك وخذل ماوئك‪،‬‬ ‫على سبقك‪ ،‬إذا كبت هذه القرح وراءك‪ ،‬فهن آ ُ‬
‫أهلِك) أي ليس من‬ ‫ْس م ْ‬
‫ِن ْ‬ ‫َ‬
‫إنه لي َ‬ ‫َ‬
‫فإنما هو آلة ال لمناوئك‪ ،‬وإن كان أهال له‪ ،‬وجزءًا منه‪ ،‬كقوله تعالى (يانُ ُوح َّ‬
‫أنصارك وال ُمعاضديك‪ ،‬إنما هو من أعدائك‪ .‬ولم ينف أنه اينه حقيقة‪ ،‬ألن نساء األنبياء لم َي ْف ُج ْرن‪.‬‬
‫وذكر القوائم هنا‪ ،‬لذكره الخيل‪ ،‬ذهابا إلى الصنعة‪ .‬وإنما القوائم هنا كناية عن الحصال والفضائل النفسانية‪.‬‬
‫خيل قوائمها أثبت من قوائم هذه ال ُقرح‪ .‬وأما قوائم‬ ‫وقيل‪ :‬إن الضمير في آالتها ل (وراءك)‪ ،‬أي ال يتبعك إال ٌ‬
‫هذه فمقصرة عن متابعتك‪ ،‬والصبر على مجاراتك‪.‬‬
‫َدى أبى أيوب َخ ِير َن َبـاتِـا)‬
‫ِبن َ‬ ‫ِيت َمنا ِبتُها التي َس َق ِت الورى‬
‫( ُسق ْ‬
‫الصنعة سارية في هذا البيت‪ ،‬وذلك أنه جعل للنفوس منابت‪ ،‬وليست النفوس نباتية فتنبت‪ ،‬واذا لم تنبت فال‬
‫منبت لها‪ ،‬ومعناه‪ :‬سقى اهلل اهل هذا الممدوح بنداه ألنهم أجدواد‪ ،‬فإذا أفاض عليهم جوده‪ ،‬أفاضوه على من‬
‫سواهم وقله‪( :‬وخير نباتها) الهاء للمنابت‪ .‬ودعا للمنابت بُسقيا النبات لها‪ ،‬وتغذيتهل إياها‪ ،‬قلبا للعادة‪ .‬ألن‬
‫نام‪ ،‬ولكنه أغرب بذلك‪ ،‬وجعل الممدوح خير‬ ‫ِّ‬
‫المنبت يغذي النبات‪ ،‬والنبات ال يُغذي المنبت‪ ،‬اذ المنبت غير ٍ‬
‫نبات المنابت التي هو منها‪ ،‬النه أشرفها وأوسطها‪ ،‬فالباء التي في قوله‪( :‬بندى أبى أيوب) على هذا التفسير‬
‫متعلقة بُسقيت‪ .‬وقد يجوز أن يكون متعلقة َب َسقت‪ .‬ويكون سقي المنابت غير ُم َبينُس ‪:‬لاق هنأكف ‪ّ.‬قيت منابتها‪،‬‬
‫وأمسك ولم يذكر ما تُسقى به‪.‬‬
‫هر ِه ميماتهـا)‬
‫ِفر ُم ِ‬
‫أحصى بحا ِ‬
‫ْ‬ ‫(لَو َم َّر ير ُك ُ‬
‫ض في ُسطور كِتاَ َب ٍة‬
‫يصفه بالحذق في الفروسية‪ .‬وخص ال ُمهر لتكون أغرب‪ ،‬إذا فعل ذلك بالمهر وهو غير ماهر وال ُمرتاض‪،‬‬
‫كان أقدر أن يفعل ذلك بالقادح‪ ،‬ال رتياضه وانقياده‪.‬‬
‫اآلذان في ْ‬
‫أخ َراتِها)‬ ‫ِ‬ ‫َحتَّى من‬ ‫بحيث َشا َء ُمجاو ً‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫السنَان‬
‫ض ُع ِّ‬
‫( َي َ‬
‫يصفه أنه حاذق بالطعن‪ ،‬حتى إنه يضع السنان في خرت األذن‪ .‬وقوله ُمجاوال‪ :‬حال ُمفيدة‪ .‬وال ُمجاول‪:‬‬
‫المج اري في ميدان الطعن‪ ،‬وذلك أنه إذا فعل وهو جائل في الحرب‪ ،‬كان أقدر عليه وهو في الميدان وادع‪.‬‬‫ُ‬
‫بك راء نفسك لم يقل لك هاتها)‬ ‫ٌ‬
‫عـارف‬ ‫(ال خلق أسمع منك إال‬
‫أي المعروف عنك الجود بكل ما ُسئلته‪ ،‬فال أحد أسمح منك إال االنسان عرف هذه الشيمة منك‪ ،‬فلم يسألك‬
‫نفسك‪ .‬وجعله أسمح منه‪ ،‬النه ترك له أنفس األشياء‪ ،‬فكأنه قد جاد عليه بما لم يجد بمثله على أحد‪ ،‬ألن الجود‬
‫بالنفس أقصى غاية الجود وهذا كقوله هو‪:‬‬
‫ِجدَا ُء‬
‫إذ ليس َيأتِيه لها است ْ‬ ‫وح ُه‬
‫يأيها ال ُمجدَي َعليه ُر ُ‬
‫ُّ‬
‫وقد أنعم شرح ُه فيما تقدم‪ .‬وراء‪ :‬مقلوبة عن رأى‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫بالركائب‬
‫ِ‬ ‫و َم ْن َجر إذ َي ْحدو َن ُه ْم‬ ‫َفلَ ْيت ُسويدًا راء َم ْن فر من ُهـ ُم‬
‫ويدلك على أن (راء) مقلوبة عن رأي‪ ،‬أنه لم يأت لها مصدر‪ ،‬إذ االفعال المقلوبة ال مصادر لها عند سيبويه‪،‬‬
‫أصول التريف‪،‬‬‫وال أعرف أحدًا خالفه‪ .‬ولو كانت (راء) لغة في رأيته‪ ،‬لكان لها مصدر‪ .‬وهذا أصل من ُ‬
‫فتفهمه‪.‬‬
‫يجز إبدال‬
‫والخلق في هذا البيت‪ :‬بمعنى المخلوق‪ .‬ولذلك أبدل (عارف) منه‪ .‬إذ لو كان الخلق مصدرًا لم ُ‬
‫نصبُه على االستثناء المنقطع‪ ،‬مع أن المصدر‬‫عارف منه‪ ،‬ألن الجواهر ال تبدل من األعراض‪ .‬وإنما كان َي ِ‬
‫المعنى له في هذا البيت‪ .‬ولذا حذرنا منه إغرابًا (باإلعراب)‪.‬‬
‫تر تيلُك ُّ‬
‫السورات من آياتِهاَ)‬ ‫ْ‬ ‫( َغلِت الذي َح َس َب ال ُعشور ً‬
‫بآية‬

‫غلت في الحساب‪ ،‬وغلط في القول‪ .‬هذا فرق‪ .‬وقيل‪ :‬هما سواء‪ .‬يمدح إمام‬
‫حسن لفظه وترتيله‬
‫وحسن التأدبة‪ ،‬حتى جعل ُ‬ ‫أنظاكية‪ ،‬فيصفه بتجويد التالوة‪ُ ،‬‬
‫للقراءة في اإلعجاز‪ ،‬منزلة اآلية‪ ،‬فيقول‪ :‬يجب أن تكون قراءتك هذه مضافة إلى‬
‫اآليات‪ ،‬تعد بصورة في النفس آية‪ ،‬فقد غلط ُحساب ال ُعشور إذا لم يعدوا قراءتك‬
‫منها‪ .‬وكان يجب أن يقول‪ :‬ترتيلُك للعشور من آياتها‪ ،‬أو األعشار من أياتها‪ ،‬فكان‬
‫أذهب في الصنعة‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫وهذا البيت كله (خلف) من وجهين‪ .‬أحدهما‪ :‬طريق ال ُغلُو الذي ال مساغ له في‬
‫عرض في اللفظ وليس بذات لفظ‪ ،‬واآلية‬ ‫ٌ‬ ‫الذات اللقنة المتيقنة‪ .‬واآلخر‪ :‬أن الترتيل‬
‫ُ‬
‫الترتيل في ذات اللفظ كالعرض في الجوهر‪ ،‬فال ينبغي أن يُعد ما هو‬ ‫لفظ‪ .‬وإنما‬
‫عرض في الجوهر جزءا من ذات الشيء‪ ،‬فتفهمه‪ ،‬فإنه لطيف المعنى‪.‬‬
‫وشائ ٌ‬
‫ِق ِعالتِهـا)‬ ‫ِق أنت الرجال‪َ ،‬‬ ‫(ال َن ْع ُذل المرض الذي بك‪َ ،‬شائ ٌ‬
‫ُ‬
‫والحال بك‪ ،‬ألنك محبب إلى النفوس وإلى أحوال‬ ‫كان هذا الممدوح عليال‪ ،‬فيقول‪ :‬ال تلم المرض المعتمد لك‪،‬‬
‫تشوق النفوس فتذهب نحوك‪ ،‬وتحل بك‪ ،‬كذلك األحوال‪ ،‬والعلة نوع من الحال‪ ،‬فال عتاب‬ ‫النفوس‪ ،‬فكما أنك ُ‬
‫عليها في حبها لك‪.‬‬
‫خبر مبتدأ مقدم‪ ،‬وأنت مبتدأ‪ .‬أي‬
‫فتلخيص البيت‪ :‬ال تعذل مرضك‪ ،‬ألنك تشوق الرجال‪ ،‬وتشوق عللها فشائق‪ُ :‬‬
‫انت شائق الرجال وعللها وال يجوز أن يكون شائق مبتدأ‪ ،‬وأنت فاعل بشائق‪ ،‬ألن اسم الفاعل إنما يعمل عمل‬
‫الفعل إذا كان (معتمدًا) على شيء قد عمل في االسم قبله‪ ،‬أغنى كأنه يكون خبرًا لمبتدأ‪ ،‬أو فاعال لفعل‪ ،‬أو‬
‫صفة لموصوف‪ ،‬أو حاال الذي حال‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فأما أن يكون يعمل عمل الفعل وهو مبتدأ‪ ،‬فال يجوز فلو‬
‫ضارب زيدًا تُريد‪ :‬اضرب زيدًا كان خطأ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫أض ْف َت قبل ُم َ‬
‫ضافِها َحا َ‬
‫التها)‬ ‫َف َ‬ ‫َوت سفرًا إليك َس َب ْق َتهـا‬
‫(فإذا ن ْ‬
‫هذا البيت متعلق بهذا البيت الذي قبله‪ :‬أي أن الرجال إذا نوت سفرًا إليك سبقتها بإضافتك أحوالها‪ ،‬قبل‬
‫إضافتك إياها‪ .‬وإضافته لحاالتها قبوله لها بجسمه‪ ،‬النه في ذكر المرض‪َ ،‬ع َرض‪ ،‬والعرض يطلب مح ً‬
‫ال‬
‫ومحله الجسم‪ .‬ويشبه ذلك قوله بعد هذا‪:‬‬
‫ما عذرها في تركها خيراتها)‬ ‫الجسو ُم فقثل لنا‬
‫الحمى ُ‬
‫(ومنازل ُ‬
‫أي إذا كانت األمراض أعراضًا‪ ،‬ولم يكن للعرض بد من جسم وأمكن العرض جس ُمك الذي هو خير الجسوم‪،‬‬
‫فكيف يعذر على تركه‪.‬‬
‫َملَ َك البرية ال ْس َت َقل هباتها)‬ ‫ص ُ‬
‫رت إلى الذي لو أنه‬ ‫(فاليو َم ِ‬
‫هذه الهاء في موضع المفعول به‪ ،‬أي الستقل أن يهبها لعالم آخر‪ .‬فكان يجب على هذا أن يقول‪ :‬الستقل‬
‫هبتها‪ .‬ألن الهبة هنا المصدر‪ ،‬ال الموهوب ولكنه جمع المصدر‪ ،‬النه عنى به الموهوبين‪ ،‬وألنه مصدر‬
‫متنوع‪ ،‬النه كان يهبها ُفرادى ومثنى‪ ،‬ومازاد على ذلك من الكم‪ ،‬فقد تنوع المصدر باختالف األعداد‪،‬‬
‫فاستجاز الجمع لذلك‪.‬‬
‫نَ‬
‫َظ َر ْت َوع َثر ُة ِرجل ِه بدياَتها)‬ ‫ص نظر إلـيه بـه‬ ‫( ُم ْس َت َ‬
‫رخ ُ‬
‫(مابه نظرت)‪ :‬يعني أعين البريه‪ .‬أي أن النظر إلية رخيص بأعينها يعني بفقدها األعين‪ .‬وكذلك عثرة رجله‬
‫لو اشتُريت بديات البرية لكانت رخصية‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫العشر)‬
‫ُ‬ ‫( َوتر ُك َك في الدُّنيا دَويا كـأنـمـا َت َ‬
‫داول َس ْم َع المرء أ ْم ُمل ُه‬
‫يعني ال يسمع شيئا‪ ،‬كقول النابغة‪( :‬وتلك التس تستك منا المسام ُع) والدوي‪:‬الصوت‪ .‬وهذا البيت مضمن بما‬
‫قبله‪ .‬أي إنما الم ُد السيوف‪ ،‬والفتكة البكر‪ ،‬وأيام حرب يُسمع لها من اجتماع األصوات المختلطة الواصلة إلى‬
‫اآلذان‪ ،‬مثل صوت البحار الذي يسمعه االنسان إذا اطبق أذنيه بأنمله‪.‬‬
‫واألنمل هنا‪ :‬االصايع‪ ،‬واحدتها أنملة‪ ،‬من باب َت ْمرة وتمر‪ ،‬وليس بتكسير أنملة ألن هذين البناءين انمايكسران‬
‫على (أفاعل)‪ .‬وقوله (تداول سمع المرء)‪ :‬يجوز أن بكون السمع اسما لألذن‪ ،‬فال يحتاج في هذا القول إلى‬
‫حذف‪ .‬ويجوز أن يكون السمع هنا‪ :‬الحس ال الجوهر الذي يُحسن به‪ ،‬فإذا كان ذلك‪ ،‬فالبد من حذف‪ ،‬كأنه‬
‫(خ َتم اهللُ على فلو ِبهم َ‬
‫وعلَى َس ْمعِهم)‬ ‫قال‪ :‬تداول موضع سمع المرء وإلى هذا ذهب أبو علي في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وجهة على الوجهين جميعاً‪.‬‬
‫من لَه‬ ‫ُ‬
‫فالفضل ف َي ْ‬ ‫َعلَى هب ٍة‬ ‫ير َف ْعك عن ُشكر‬ ‫(إذا ال َف ُ‬
‫ضل لم ْ‬
‫الش ْك ُ‬
‫ـر)‬ ‫ُّ‬ ‫ناقص‬
‫ٍ‬

‫أي إذا اضظرات إلى ناقص فتفضل عليك فشكرته فقد حصل الفضل لذلك الناقص‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫فمن الحق أن تتحامى رجاء الناقص‪ ،‬لئاليتيح لك فضال منه عليك‪ ،‬فيكون الفضل‬
‫له‪ .‬وقال‪( :‬الفضل فيمن له الشكر) أي‪ :‬الفضل للشاكر ال للمشكور‪ ،‬النه يُشرف‬
‫هذا الناقص بشكره‪ ،‬أو بنفعه به‪.‬‬
‫السحاب له‬
‫ِ‬ ‫ال لَم ُيمت أو في‬
‫َع َ‬ ‫غث َظنَنا َت ْ‬
‫ـحـ َتـ ُه أن‬ ‫( َو ٍ‬
‫قبر)‬
‫ُ‬ ‫عـامِـرًا‬
‫عامر‪ :‬جد هذا الممدوح‪ .‬يصف سحابا بكثرة الماء‪ ،‬حتى كأن عامرًا عال إلى الفلك فأمطر الناس جوده‪ ،‬أو‬
‫دفن في السحاب‪ ،‬فهو يجود بالماء وإن كان فيها ميتًا‪.‬‬
‫ت‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مي‬ ‫غير‬ ‫أي‬ ‫عال‬ ‫في‬ ‫الذي‬ ‫الضمير‬ ‫من‬ ‫ً‬
‫ال‬‫حا‬ ‫يكون‬ ‫ال)‪ .‬وقد يجوز أن‬ ‫(ع َ‬
‫وقوله‪( :‬لم يمت) بدل من قوله‪َ :‬‬
‫ص ْف ُر)‬ ‫ابن ابن ِه الباقي على بن أحم ًد يجو ُد به لو لَ ْم ُ‬
‫أجز ويدي ِ‬ ‫(أو َ‬
‫صفر‪ :‬جملة في موضع حال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أي لوال أني ُجزت به خالي اليد منه‪ ،‬لما شككت أن أحدهما هناك ويدي‬
‫بـحـر)‬
‫ُ‬ ‫بكل واة ُك ُّل ما لَق ْ‬
‫ِيت‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬
‫صٍ‬ ‫(إليك َط َعنا في َمدَى كل َ‬
‫ص ْف َ‬
‫أي قطعنا غليك األراضي البعيدة بكل ناقة خفيفة ُموثقة‪ ،‬تفعل في االرض البعيدة ما تقعل الطعنة في النحر‪.‬‬
‫ومعناه أنها تتوغل الطعنة في الصدر‪ ،‬وتبلغ الغاية‪ ،‬كما تبلغ الطعنه إذا وصلت إلى القلب‪.‬‬
‫كأن نواال صر في ِج ْلدِها النِّ ُ‬
‫بر)‬ ‫(إذا َو ِر َمت من لسع ٍة َم ِر َحت لها‬
‫تألمه‪ ،‬ال عتيادها إياه‪ ،‬وطيب‬
‫مواضع لسعها وترم‪ ،‬يقول‪ :‬إذا لسعها النبر لم ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فتحبط‬ ‫النبر‪ :‬دُويبة تلسع اإلبل‪،‬‬
‫ً‬
‫نفسها‪ ،‬وفرحت له‪ ،‬حتى كأن تلك اللسعة التي أورمت جلدها‪ ،‬صرت فيها نواال لها‪،‬فهي تفرح لذلك كما يفرح‬
‫ال ُمعطى بالعطية‪.‬‬
‫ً‬
‫وقوله‪( :‬كأن نواال)‪ :‬يجوز أن يكون نواال منصوبًا بكأن‪ ،‬والجملة التي هي (صر في جلدها النبر)‪ :‬خبر كأن‪.‬‬
‫وفيه ضعف ألن اسم (إن) نكرة غير مؤيدة بالصفة‪ .‬وخير منه عندي أن يكون في (كأن) األمر أو الحديث‪،‬‬
‫ال صر في جلدها النبر)‪ :‬تفسير للمضمر الذي في (كأن)‪.‬‬‫ال‪ :‬مفعول لصر‪ .‬فقوله‪( :‬نوا ً‬ ‫ونوا ً‬
‫الشمس‬
‫ُ‬ ‫و ُد َونك في ْ‬
‫أحوالِك‬ ‫والبدر في‬
‫ِ‬ ‫الشمس‬
‫ِ‬ ‫( َف ِجئناك دُون‬
‫والبدر)‬
‫ُ‬ ‫النوى‬
‫قوله‪( :‬دون الشمس والبدر في النوى) حال أي جئناك وأنت أقرب إلينا من الشمس والبدر‪ ،‬وهما دونك في‬
‫المجد وشرف القدر‪.‬‬
‫اس ُمها منك‬ ‫ُّ‬
‫أود اللواتي ذا ْ‬ ‫(لِساني َوعينِي وال ُفؤا ُد‬
‫والشطر)‬
‫ُ‬ ‫ِوهـمـتـي‬
‫االود‪ :‬االحباء‪ ،‬واحدهم َُود‪ .‬فيقول‪ :‬هذه األعضاء مني تُ ُّ‬
‫حب ما قابلها من أعضائك التي أسماؤها هذه‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬والشطر)‪ :‬أي كأن هذه االعضاء مني شقيقة سيمتها منك‪ ،‬حتى كأنهما اقتسمنا جزءًا من العنصر الذي‬
‫منه كونها‪ .‬وإذا كان هذا في االعضاء‪ ،‬فكان لساني موافقًا للسانك‪ ،‬يقول ما تقول‪ ،‬وعيني مطابقة لعينك‬
‫تستحسن ما تستحسن‪ ،‬وفؤادي مالئم لفؤادك‪ ،‬يهوى ما يهواه‪ ،‬وهذه ُعمدة أعضاء االنسان فالجملتان شقيقتان‪.‬‬
‫فنحن إذن شقيقان‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وهمي‪ ،‬فزيادة‪ ،‬ألن الفؤاد محل الهمة‪ ،‬فهو يغنى عنها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الجد فيه ْنل ُت أم لم ْ‬
‫أنل َج ُّد)‬ ‫وذا ُّ‬ ‫(أ َق ُّل َف َعإلى َبل َه أكثـر ُه َم ْ‬
‫ـجـ ُد‬
‫كرويد‪ .‬والجر على أنه مصدر‪ ،‬وإن لم يكن له فعل‪ ،‬فقد‬ ‫ُنصب بها ويجر‪ ،‬النصب على أنه اسم للفعل ُ‬ ‫بله‪ :‬ي ُ‬
‫شرف‪ .‬دع أكثره‪ ،‬كقول القائل فكيف أكثره‪ .‬وهنا‬ ‫ٌ‬ ‫وجدنا مصدرًا دون فعل‪ ،‬كويل وأخواتها‪ .‬أي أقل فعإلى‬
‫إفراط في القول‪ ،‬النه ليس فوق الشرف منزلة‪ ،‬فيكون أكثر فعله أعلى من الشرف‪ .‬إال أن الشرف يتفاضل في‬
‫ٌ‬
‫شرف أعلى من ذلك‪.‬‬ ‫ذاته‪ .‬فإذا كان أقل فعاله شرفًا‪ ،‬فأكثره‬
‫الجد في طلبه جدٌّ‪.‬‬ ‫نلت أم لم أنل َجدُّ)‪ .‬الهاء عائدة إلى الجد‪ ،‬أي ود ُّ‬ ‫الج ُّد فيه ُ‬
‫وقوله‪( :‬وذا ِ‬
‫الجد معدود‬ ‫ِ‬ ‫ألن‬ ‫بختا‪،‬‬ ‫به‬ ‫أنل‬ ‫لم‬ ‫وإن‬ ‫بخت‪.‬‬ ‫االمور‬ ‫في‬ ‫دي‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫خت‪.‬‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ُّ‪:‬‬
‫د‬ ‫والج‬
‫َ‬ ‫والتشمير‪.‬‬ ‫الجدُّ‪ :‬االجتهاد‬
‫ِ‬
‫في السعاة‪ ،‬لكونه من الفضائل النفسانية‪ ،‬التي يبعث عليها األنفه والشهامة‪ ،‬كما أن التواني يُعد في الشقاوة‬
‫لكونه من الرذائل التي يبعث عليها العجز والسآمة‪ ،‬يقول‪ :‬فأنا إن لم أنل بسعي حظًا نلت به عند نفسي‬
‫ُ‬ ‫وغيري عذرًا أحصل به على راحة نفسي‪ ،‬ال يلحقني كالم من أحد‪ :‬كقوله‪( :‬و ُم ْبلِ ُغ َن ْف ٍ‬
‫ذر َها مثل ُم ْن ِج ِ‬
‫ح)؟‬ ‫س ُع َ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫ـايخ كأن ُهم من طول ما ال َت َث ُموا ُمر ُد)‬


‫ـش ٍ‬ ‫سأطلب َحقي القنـا و َم َ‬
‫ُ‬ ‫(‬

‫مشايخ‪ :‬جمع مشيخة‪ ،‬حكيناه عن أبى زيد‪ ،‬وقد يجوز أن يكون جمع مشيوخاء‪،‬‬
‫الذي هو اسم لجمع شيخ فكان ينبغي على هذا (مشايخ) لكنه اضطر فحذف‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫والبكرات ال ُفسج العطامسا فشبههم بالمرد‪ ،‬ألنهم التثموا حتى لم تظهر لحاهم‪ ،‬كما‬
‫لم يظهر للمرد لحى‪ .‬ولو اتزن له لكان أحسن أن يقول‪ :‬كأنهم من شدة ما التثموا‪،‬‬
‫ألن كيفية االلتثام حجبت لحاهم‪ ،‬بإحامهم إياها‪ .‬والشدة كيفية‪ ،‬والطول كمية‬
‫فالكيفية أولى بما ذهب إليه‪.‬‬
‫وإن قلت انهم أطالوا االلتثام حتى ُحسيُوا ُم ْرًا كان له وجه‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِي لِ َع ْيني ُك ِّل باكي ٍة خ َذ)‬ ‫ُ‬ ‫( َتلَ ُّج ُد ُموعي ُ‬
‫ُجفون ِ‬ ‫فون كأنمـا‬
‫بالج ِ‬
‫مسارب للدمع ال يخلو منها‪ ،‬حتى كأنها ٌ‬
‫خذ لكل باكية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أي أن جفوني‬
‫فالدمع يالزمها كما يالزم خد الباكية‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬ذهب في ذلك إلى غزر الدمع‪ .‬أي أن جفون دموعي ُمجتمع الدموع‪ ،‬حتى كأنها خد لعيني كل‬
‫باكية‪.‬‬
‫السيف مشما َي ْط َب ُع اهللُ ال‬
‫ِ‬ ‫الس ُ‬
‫يف مما َتطبع الهن ُد‬ ‫( َس َرى ِّ‬
‫الهـنـد)‬
‫ِ‬ ‫بي‬
‫اح ِ‬
‫ص ِ‬ ‫َ‬
‫صاحبي‪ :‬نعت للسيف‪ .‬وال يكون على حد قولك (ضاربي) المنقولة من قولك‪ :‬زيد ضارب عمرًا؛ النه ال‬
‫صاحب عمرا‪ ،‬وذلك أن هذه الصفة ُجردت من معنى الفعل‪ ،‬فلم يعدوها من المصادر‪ ،‬وقولهم‪( :‬هلل‬ ‫ٌ‬ ‫يقال‪ :‬زيد‬
‫درك) فدرك‪ :‬مصدر وقد أجمده حتى قال سيبويه‪ :‬هو بمنزلة قولهم‪( :‬له بالدك) وقوله‪( :‬مما تطبع الهند)‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫يعني السيف الذي عنصر الحديد‪ ،‬وهو الذي يطب ُع الهند‪ .‬والسيف الثاني‪ :‬هو الممدوح‪ ،‬وهو الذي يطب ُعه اهلل ال‬
‫الهند‪ ،‬ألن الهند ال تخلُق وإنما الخالق اهلل وحده‪:‬‬
‫سل ُّ‬
‫الرد)‬ ‫صيب الشي َء من َق ْب ِل ر ْميه َويُمكنُه في َس ْهمِه ال ُم ْر ِ‬
‫( َيكا ُد يُ ُ‬
‫يصفه بالقوة في الرماية‪ ،‬والعلم بها‪ ،‬فيقول‪ :‬يصرف سهمه كيف شاء‪ ،‬حتى لو اراد رده بعد إرساله مث ً‬
‫ال‪،‬‬
‫(يصيب)‪ .‬فيكونان جميعا داخلين تحت (يكاد)ز ويجوز أن‬‫أمكنه ذلك‪ .‬و(يمكنه)‪ :‬يجوز أن يكونمعطوفا على ُ‬
‫يكون من الفعل الذي هو خبر (يكاد) فيكون ذلك أبلغ‪ .‬وكلتا القضيتين داخلة في االمتناع‪ ،‬ال يجوز أن يصيب‬
‫شيئًا قبل رميه له‪ .‬وال أن يقارب ذلك وكذلك القول في القضية الثانية‪ .‬والهاء في (رميه) يجوز أن تكون‬
‫ضميرًا لشيء فيكون مجرورًا في موضع نصب‪ .‬كأنه قال‪ :‬من رميه هو‪ .‬ويجوز أن يكون ضمير لفاعل‪،‬‬
‫والمفعول على هذا محذوف‪ ،‬أي من قبل رميه إياه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫اس ِت ْفهامها‬
‫تُخطى إذا ِج ْئ َت في ْ‬ ‫لى ب ُك ِّل َمك ٍ‬
‫ِان مِنـ ُهـ ُم‬ ‫( َح ْو ِ‬
‫ِب َم ِن)‬ ‫ٌ‬
‫ـلـق‬ ‫ِخ‬
‫أي انهم ال يعقلون و( َم ْن) إنما يستفهم بها عمن يعقل‪ ،‬فإذا استفهمت عن هؤالء بمن فأنت مخطئ‪ ،‬اذ الحظ‬
‫صور الناس‪ ،‬فهم‬ ‫صورهم ُ‬ ‫حظهم (ما) التي هي لما ال يعقل‪ ،‬وأن شئت قلت‪ :‬إنهم وإن كانت ُ‬ ‫لهم فيها وإنما ُّ‬
‫بهائم‪ ،‬لجهلهم‪ ،‬وأنما تُعامل األنواع بطبائعها ال بأشكالها‪ ،‬وذلك أخذت الحكماء في حدودها طبائعها دون‬
‫صورها‪ ،‬حتى إن بعضهم قال استضعافا للحد المأخوذ من الصورة‪( :‬فإنه ال يُستنكر أن يكون إنسان على‬
‫شكل سمكة‪ ،‬كما ال يستنكر أن تكون سمكة على شكل إنسان)‪ .‬واراد (تُخطئ)‪ ،‬فأبدل إبداال صحيحًا للضروة‪،‬‬
‫كما أنشد سيبويه‪( :‬فارعى فزار ُة ال هناك المرت ُع) ولو خفف تخطى قياسيا بين بين‪ ،‬الن َك َسر البيت‪ ،‬ألن الهمزة‬
‫المخففة َبيْن بين عند سيبويه بُرمتها مخففَّة‪.‬‬
‫روت‬
‫ْقعين ُب ْس ُب ٍ‬
‫(و ُمد َ‬
‫َرن)‬
‫ين من د َ‬ ‫لل َك ِ‬
‫اس َ‬ ‫عارين من ُح ٍ‬ ‫ص ِح ْبـتُـهـ ُم‬
‫َ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أي ورب فقراء بأرض قفر صحبتهم وبُليت بهم (عارين من حلل)‪ :‬أي هم اللصوص ال يتسربلون‪( ،‬كاسين‬
‫َرن)‪ :‬يصف شعثهم وقشفهم‪ .‬وإنما يُعدد ما ُمنى به وبلى‪ ،‬من مكاره األيام‪ ،‬وصحبة من لم يكن أهال‬
‫من د َ‬
‫للصحبة‪.‬‬
‫َو َق ْتل ٍة ُقرنت بالذم في‬ ‫مخلص وعال في خوض‬
‫ٍ‬ ‫(كم‬
‫الـجـبُـن)‬
‫ُ‬ ‫مهلك ٍة‬
‫أي‪ :‬كم إنسان أقدم‪ ،‬فسلم وعال مع إقدامه‪ ،‬ولم يضره اقتحامه الهلكه‪ ،‬وآخر ُجبن‪ ،‬ف ُقتل مع ُجبنه‪ ،‬ومات مع‬
‫الجبن ُقرنت بالدم‪ ،‬كما أن‬
‫الجبُن) متعلق بقتلةٍ‪ ،‬كأنه قال‪ :‬وقتلة في ُ‬
‫ذلك‪ ،‬مذمومًا على نكوله ملومًا‪ .‬قوله‪( :‬في ُ‬
‫قوله (في خوض مهلكة) ُمتعلقة بمخلص وعُال‪.‬‬
‫قصائدا من جياد الخيل‬ ‫ُ‬
‫مدحت قومًا وإن عشنا نظمت‬ ‫(‬
‫صن)‬
‫والح ِ‬
‫ُ‬ ‫له ُم‬

‫عنى بالقصائد‪ :‬الجيوش‪ ،‬وإنما كنى عنها بذلك‪ ،‬لقوله‪( :‬مدحت قومًا) واستعمل‬
‫صن‪ ،‬النه عنى‬ ‫والح ُ‬
‫النظم مكان الحشد‪ ،‬لماكن القاصائد‪ ،‬وجعلها من جياد الخيل ُ‬
‫بالقصائد العساكر‪ ،‬والعساكر إنما تأتلف من الخيل و ُفرسانها‪ ،‬ولو قال‪( :‬من إناث‬
‫صن‪ :‬الفحول من الخيل‪ ،‬فكان‬ ‫الح ُ‬
‫الخيل والحصن) لكان أذهب في الصنعة‪ ،‬ألن ُ‬
‫ِسا َء)‪ .‬وأما (من جياد الخيل‬ ‫ال كثِيرًا ون َ‬‫(و َب َّث منهما ِر َجا ً‬‫يطابق اإلناث لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫والحصن)‪ ،‬فقسمة غير سالمه‪ ،‬ألن الحصن قد تدخل في جياد الخيل‪ ،‬وكذلك جياد‬
‫الخيل قد تدخل في الحصن‪ ،‬إذ بعض الجياد حصان‪ ،‬وبعض الحصن جواد‪ .‬ومن‬
‫عنى بالحصن الجياد‪ ،‬ما ذهب في باب ال ُق ْبح‪ ،‬النه ال يوجب قسمها‪ ،‬إذ الجياد هي‬
‫الحصن‪.‬‬
‫يدخ ْل َن في ُ‬
‫أذ ِن)‬ ‫دن لم ُ‬ ‫وش َ‬‫إذا تُنُ ِ‬ ‫اج َقوافِيها ُم َ‬
‫ض َّمر ٌة‬ ‫( َت َ‬
‫حت ال َع َج ِ‬
‫والصلة‬
‫عنى بالقوافي الخيل‪ ،‬وخصها بالذكر ألنها أشرف ما في الشعر‪ ،‬الشتمالها على اللوازم‪ ،‬كالروى ِّ‬
‫والردف والتأسيس‪ ،‬وغير ذلك من طوائف القافية‪ ،‬وإذا جادت القافي؛ َس َرت جودتُها في الشعر‪.‬‬ ‫والخروج ِّ‬
‫ُ‬
‫واستجاز أن يجعل القوافي (مضمرة)‪ ،‬لكنايته بها عن الخيل‪.‬‬
‫(إذا تُنُوشدن لم يدخلن في أذن)‪ :‬فرق مليح صحيح‪ ،‬ألنهن لسن في الحقيقة قوافي‪ ،‬فتلج في المسامع‪ ،‬وإنما هن‬
‫َخيْل‪ ،‬وليس هناك تناشد‪ .‬إنما استجازه للفظ القصائد والقوافي‪.‬‬
‫الج ْف ِن لل َفحشاء وال َو َس ِن)‬ ‫الشباب بعي ٌد َف ُجر لَيلـتـ ِه ُم ُ‬
‫جانب َ‬ ‫ِ‬ ‫( َغ ُّ‬
‫ض‬
‫يستغرب العبادة مع الشباب‪ .‬و(بعيد فجر ليلته)‪ :‬أي ال ينام‪ ،‬فآخر ليلته بعيد من أولها‪ُ ( .‬مجانب الطرف‬
‫للفحشاء والوسن)‪ :‬هذا اختصار مليح‪ .‬وما أحسن مقابلته الشباب بالفحشاء‪ ،‬والسهر بالوسن‪ .‬وكأنه قال‪ :‬غض‬
‫الشباب‪ ،‬مجانب الطرف للفحشاء‪ ،‬طويل الليل‪ ،‬مجانب الطرف للوسن‪.‬‬
‫على الخصيى عند ال َف ْرض‬ ‫(ألقى الكرا ُم األى بادُوا‬
‫َن)‬
‫والسن ِ‬
‫ُّ‬ ‫مكارمـهـ ُم‬
‫(اإللى)‪ :‬بمعنى الذين بادوا من صلة (ألى)‪ .‬أي باد هؤالء الكرام وألقوا مكارمهم على هذا الممدوح‪ ،‬كأنهم‬
‫كفلُوه إياها‪ ،‬كما يكفل الوصي اليتيم‪.‬‬
‫بالمج ِد‬
‫ْ‬ ‫لَ ُه ال َي َتا َمى بدا‬
‫(فهن في الحجر منه كلما عرضت‬
‫َـن)‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫ِـ‬ ‫م‬ ‫وال‬
‫ُفهن‪ :‬يعني هذه المكارم الملقاة عليه التي ُكلها‪ .‬يقول‪ :‬هذه المكارم التي مات اهلها‪ ،‬وبقيت يتامى في حجر هذا‬
‫القاضي الممدوج‪ ،‬فهو يفرق أمواله فيهم‪ ،‬ويبدأ منهم بالمجد والمنة‪ .‬فهما من جملة األيتام‪ ،‬يظهرهما‬
‫الراب ال ُمشبل‪ .‬وقوله‪ :‬اراد (بدأ) فأبدل إبداال صحيحًا للضرورة‪ .‬كما تقدم في تخطي‬
‫ُ‬ ‫ويؤثرهما‪ .‬كما يفعل‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫فيا ليتني بُع ٌد وياَليُ َتـه وجـ ُد)‬ ‫(لَق َد َح َ‬


‫ازني َو ْج َد بمن َح َ‬
‫از ُه بُ ْع ُد‬
‫أي الوجد ُخلُقى فقد حازني‪ ،‬والبعد ُخلُقه فقد حازه‪ ،‬يقول‪ :‬فياليتني بُعد ألحوز كما حاز البعيد وياليته وجد‬
‫فيحوزني كما حازني الوجد‪ ،‬فنجتمع وال نتفرق‪.‬‬
‫رقا ٌد ُوق َ‬
‫ال ٌم َر َعى َس ْربُكم ور ُد)‬ ‫( ُسهاد أتانا منك في العين ِعندنَا‬
‫جاف لهم‪ ،‬حتى جعل السهاد ُرقاداٌ‪ ،‬والقالم ‪ -‬وهو ضرب‬
‫استحين كل مكروه اتى من قبلهم؛ واستلطف كل ٍ‬
‫من الحمض ‪ -‬وردًا‪ .‬كل ذلك لحبه إياهم‪.‬‬
‫من الحمض ‪ -‬وردًا‪ .‬كل ذلك لحبه إياهم‪.‬‬
‫ومن عهدها أال يدوم لها عه ُد)‬ ‫(إذا غدرت حسناء وقت بعهدها‬
‫شيمة المرأة‪ :‬الغدر‪ .‬وهي التي ُعهدت عليه فمتى غدرت فقد أوفت بعهدها‬
‫ُ‬
‫السيف منه لك‬ ‫ِضرب ومما‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫السيف ال‬ ‫(وسيفي ألنت‬
‫الغم ُد)‬ ‫ماتـسـلـه‬
‫ُ‬
‫أقسم بسيفه‪ ،‬ثم تلقى القسم بقوله للممدوح‪ ،‬ألنت السيف‪ ،‬أي إنك أمضى من السيف بل أنت السيف في‬
‫بالسيف في ال َو َغى َتبيَّ ْن َت أن السيف بالكف‬
‫ِ‬ ‫ض َر ْ‬
‫بت يُمنا ُه‬ ‫الحقيقة‪،‬إذا لوالك لم يكن للسيف عناء كقوله‪ :‬إذا َ‬
‫يصان بما هو دونه في القدر‪ ،‬ليكون له وقاء‪ .‬يثول‪ :‬فأنت‬ ‫يضر ُب (ومما السيف منه لك الغمد)‪ :‬الشيء أنما ُ‬
‫ِ‬
‫أشرف من السيف‪ ،‬ألن السيف مطبوع من الحديد‪ ،‬وأنت تلبس الدروع والجواشن والترك‪ ،‬فهن لك كالغمد‪.‬‬
‫وإذا كنت أنت مصونا بما السيف منه مصنوع‪ .‬فال محالة أنك أشرف من السيف‪ ،‬ألن السيف مساو للدرع في‬
‫القدر؛ ألن جوهرهما سواء‪ .‬والدرع لك لباس‪ .‬والغم ُد في قوله (ومما السيف منه لك الغمد)‪:‬مرفوع باالبتداء‪.‬‬
‫وخبره‪( :‬مما السيف منه)‪ ،‬فغمدك من الحديد الذي ُطبع منه السيف‪:‬‬
‫ِـر َففِيهاَ ال ِع ِبدي وال ُم ّطهُةمّ ُ‬
‫الجر ُد)‬ ‫الح َسين عساك ٌ‬ ‫يات ُ‬‫( َكاَ َّن َع ِط ِ‬
‫العسكر إنما يأتلف من الخيل والرجال‪ .‬وهذا يهب الخيل والعبيد‪ .‬فهذا وجه الكيفية‬
‫في تشبيهه عطاياه بالعساكر‪ .‬ثم يكثر هبة هذين النوعين‪ ،‬حتى يعود في كثرة‬
‫العسكر‪ .‬فهذا تشبيها بالعساكر من جهة الكمية‪ .‬والعطية‪ :‬ال ُمعطى ال العطاء إذ لو‬
‫كان ذلك لم يجز تشبيه العرض بالجوهر‪ ،‬فتفهمه‪.‬‬
‫اني بأَ َث ْمان السوا ِب ِق دُونهـا َم َخا َفة َس ْي ِرى إنها للنَّوى ُجن ُد)‬
‫( َح َب ِ‬
‫ـر ُد)‬ ‫يمـينـه ثُناَء ثُنَا ُء َ‬
‫والجوا ُد بها َف ْ‬ ‫ِ‬ ‫( َو َشهو َة َع ْو ٍد إن ُجو َد‬
‫أي أعطاني الدنانير دون الخيل‪ ،‬مخافة أن أبين عنه‪ ،‬ألن الخيل ُجند للنوى وأعوان‪ .‬و (شهوة عودٍ) أي اراد‬
‫أن أقيم فيُوإلى لي عطاياه‪ .‬وإن جود يمينه ثُناء ثُناء‪ :‬أي أياديه مثنى؛ وهو في ذاته فردٌ‪ .‬وإن شئت عنيت‬
‫بالعود‪ ،‬أنه معدوم النظير في جوده‪ ،‬كما يقال‪ :‬رجل واحد‪ :‬المثل له‪ ،‬قال ابو ذؤيب‪:‬‬
‫بالليل َهـمـاس‬
‫ِ‬ ‫صي ٌد و ُم ْج َت ٌ‬
‫رئ‬ ‫الصريم َة أحد ُ‬
‫َان الرجال له َ‬ ‫ِ‬ ‫َيحمى‬
‫فكأنه قال‪ :‬والجوا ُد بها أوحدُ‪.‬‬
‫ضجيج ال يُحس به‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫وه ْم في‬ ‫( َف ُهم في ُجموع اليراهـا ابـن‬
‫ُ‬
‫الخل ُد)‬ ‫داية‬
‫ابن داية‪ :‬ال ُغراب‪ُ ،‬سمي بذلك النه يقع على دأية البعير‪ ،‬وهي فقارته‪ ،‬فيعقرها‪ .‬والعرب تصف الغراب بصحة‬
‫البصر‪ ،‬حتى عنوا به فقالوا‪ :‬أ[صر من غراب‪ ،‬والخلد‪ :‬فأرة عمياء ال سمع بها‪ ،‬رعموا‪ .‬يقول‪ :‬فما يراهم‬
‫الحدي ُد البصر وال يُحس بهم الذي مبالغة‪ .‬وليس يذهب في ذلك إلى قلة جموعهم‪ ،‬وجفوت لُ ُجمهم‪ ،‬إنما يذهب‬
‫إلى احتقارهم‪ ،‬وقلة غنائهم‪ ،‬ومثله في ذلك االستضعاف قوله‪:‬‬
‫ال‬ ‫ـت بالخيل في لَ َهواَت الطفل َ‬
‫ماس َع َ‬ ‫ض ْ‬‫ف َب ْعد َه وإلى ذا اليوم لو َر َك َ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ـر ِد)‬ ‫ير َي في ِّ‬
‫الط َ‬ ‫َف ْأقتُلها َ‬
‫وغ ِ‬ ‫أراكض ُم ْعوصات ال َق ْول قسرًا‬
‫ُ‬ ‫(‬
‫ُ‬
‫فرغت وغيري يعد في تلحينه وتسديته ومعاناته‪ ،‬وليس هناك‬ ‫أي أنا ذو بديهة‪ ،‬فاذا عورضت في قول الشعر‬
‫قتل وال طراد‪ ،‬وإنما استعارهما وأقتلها‪ :‬بمعنى أصيها وأملكها كقولهم‪ُ :‬‬
‫قتلت األمر علما‪ .‬وال ُم ْعوص‪ :‬األبى‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫الممتنع‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الم)‬ ‫علم ُ‬
‫ِت بما بي َب ْي َن تلك ال َم َع ِ‬ ‫(أنا الثمى ُك ُ‬
‫نت وقت الـلـوائم‬
‫قوله‪( :‬أنا ال ثمى إن) كقوله‪ :‬أنا مثلك إن فعلت كذا‪ .‬أي ضرني اهلل مثل ال ثمى في قلة اللب والجهل بالحب‪.‬‬
‫وقيل اراد‪ :‬أنا الثم نفسي أي جعلني اهلل الثمًا لها‪ ،‬وهذا أضعف في العربية‪ ،‬إنما تستعمل العرب في مثل ذلك‬
‫أنا الثم نفسي هذا مذهب سيبويه‪ .‬وقد أنشد بعض الكوفييم‪:‬‬
‫ندمت على ما كان مني عدمتُني)‬
‫( ُ‬
‫فعلى هذا يجوز (أنا الثمى) أي الثم نفسي‪.‬‬
‫يقول‪ :‬إن كنت علمت بحالتي وعقلت أمري بيت تلك المعالم‪ ،‬كقول األشتر‪:‬‬
‫ـوس‬ ‫ُ‬
‫ولقيت أضيافي بوجه َع ُب ِ‬ ‫فرى وانحرفت عن ال ُعال‬ ‫َّبق ُ‬
‫يت َو ِ‬
‫تعدو ببيض ي الكريهة ُش ٍ‬
‫وس‬ ‫إن لم ُ‬
‫أشن على ابن حرب غار ًة‬
‫كسال وقلبي بائح مثل كارتم)‬ ‫( َولكِنني مِما ُشدهـتـم مـتـيم‬
‫دهت وذهلت‪ .‬أي قد أفرط ذهولي‪ ،‬حتى كأنى ذهلت عن الهوى‪ُ ،‬ف ُ‬
‫عدت كالسالي‪،‬‬ ‫كسال مما ُش ُ‬
‫ٍ‬ ‫أي ولكني متيم‬
‫ومعنى كل ذلك أنه يريد‪ :‬لم يخلص لي حال وال يثبت لي حقيقة‪ ،‬وإنما يقول إنه بقي فقيد العقل‪ ،‬ومن فقد عقله‬
‫تذكر وال ُسلُو‪ ،‬ونحو هذا قوله تعالى في صفة أهل النار‪( :‬ال َي ُ‬
‫موت فيها وال َي ْحيى)‪ .‬وإن شئت‬ ‫لم يثبت له ُّ‬
‫قلت‪ :‬ذهلت عن الشكوى‪ ،‬حتى كأنني سال وذهوله عن الشكوى إما أن يكون عدم حسه بتالشي جسمه كقوله‬
‫هو‪:‬‬
‫َو َشكيتي فقـ ُد الـسـقـام النـ ُه قد كان لما كان كان لي أعضا ُء‬
‫وقلبي بائح مثل كاتم‪ :‬أي أنه قد ظهر على الحب‪ ،‬فكأن قلبي بائح به وهو مثل كاتم‪ ،‬أي أنه لم يقصد إظهار‬
‫ذلك‪ .‬ومعنى كل ذلك نفي القصد الطوله‪.‬‬
‫المحارم)‬
‫ِ‬ ‫َاب‬ ‫نى َب ْذ َل التـال ِد تـالد ُه َو ُم ْج َت ِ‬
‫نب البُخل اج ِتن َ‬ ‫(عن ال ُم ْق َت ِ‬
‫أي يقتني ذل التالد مكان تالده‪ ،‬فأعقبه ذلك ذكرًا في البذل‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬عن المقتنى‬
‫الذكر الجميل‪ ،‬ببذل التالد مكان تالده‪ .‬الذي كان اقتناه‪ ،‬لما في تالده من البقاء في‬
‫الذكر الجميل المقتنى مكانه من البقاء‪.‬‬
‫فتالده عندي ‪ -‬منصوب بالظرف‪ ،‬كما أنك لو أظهرت المضاف المحذوف فقلت‪:‬‬
‫مكام تالده‪ ،‬كان منصوبًا على الظرف‪ ،‬فلما ًحذف المضاف عمل الفعل في‬
‫أل القرية التي ُكنَّا فِي َها)‪ .‬ولو‬‫(واس ِ‬
‫المضاف اليه ذلك العمل نفسه‪ ،‬كقوله تعالى‪ْ :‬‬
‫قال‪( :‬تالدُه)‪ ،‬فرفعه بال ُمقتنى على السعة لجاز‪ .‬أي كأن ماله يدعوه أن يبذله َفيق ُفوه‬
‫البخل‬
‫ِ‬ ‫بذلك فخرًا‪ .‬فكأن المال هو المقتنى له ذلك وال كالم في قوله‪( :‬و ُمجتنب‬
‫اجتناب المحارم) لظهوره‪.‬‬
‫ْت من بان ُجـودُه عليك‪ ،‬وال قاومت من لم تُ ِ‬
‫قاو ِم)‬ ‫اود َ‬ ‫(كأنك ما َج َ‬
‫إن شئت قلت‪ :‬إن حساد جاودُوك في الجود والبأس‪ ،‬حتى غلبتهم فيهما‪ ،‬فكأنك بعد غلبك إياهم ما جاودوك وال‬
‫ُ‬
‫االنسان من غلبك بعدما غلبته فكأنك ما غلبته‪ ،‬وإن شئت قلت‪:‬‬ ‫قاتلوك‪ .‬ثم جعل للقضية مث ً‬
‫ال مطلقًا‪ ،‬أي أيها‬
‫كل من جاودته ْفقته‪ ،‬وكل من حاربته غلبيته‪ ،‬حتى كأنك إنما اخترت من ال ُمجاوين والمحاربين من وثقت‬
‫يك ذلك قصدك‪ ،‬اذ لو كان ذلك لم يك محمودًا منك‪ ،‬النك لم َت ْش ُجع إال على من علمت أنه‬ ‫بظهورط عليه؛ ولم ُ‬
‫دونك وال جاريت في الندى إال من علمت أنك فوقه‪ .‬هذا كله ال يُمدح به‪ .‬ولكنك إنما كنت الظاهر على‬
‫المجاودين المحاربين‪ ،‬بفضيلتك النفسانية‪ ،‬ومزيتك الطبيعية إال أنك اخترت من هو دونك‪ .‬وقوله‪( :‬من لم‬
‫تقاوم) كقوله‪ :‬وال قاتلت من بانت شجاعته عليك‪ ،‬فهذا اللفظ المسلوب في المعنى لفظ آخر ُمثبت وإنما ذكرت‬
‫لك هذا لتثبت قدمك في تبينُّه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الناس م ِْثلَ ِ‬
‫يهم به العد ْمـتُـ ْه وأصبح دهرى في َذاِر ُه دهُورا)‬ ‫( َغدَا ُ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أي فيه من الفضائل مافي كل الفضالء‪ .‬فقد صار الناس به ناسين‪ .‬وال يعني بالناس جميع نوع اإلنسان‪ ،‬ألن‬
‫ً‬
‫ووضيعل‪ ،‬وإنما عنى بالناس الفضالء من الناس‪ ،‬ولوال ذلك لم يقتض مدحًا‪ ،‬كقول أبى‬ ‫في جماع النوع رفيعًا‬
‫نواس‪:‬‬
‫أن يجمع العالم في واحد‬ ‫مستنـكـر‬
‫ٍ‬ ‫لَ ْيس على اهلل بُ‬
‫لم يرد العالم كله‪ ،‬إنما عنى ُرفعاءهم وخيارهم‪.‬‬
‫(وأصبح دهرى في ذراه دهورا)‬
‫يقول‪ :‬جنيت من لذيذ تمر العيش في دهرى عنده‪ ،‬ماجناه ُ‬
‫أهل كل دهر من ُحلو تمر دهرهم‪ ،‬فصار دهرى‬
‫بذلك دهورًا‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫اثب قو ً‬
‫وآ َفتُه من ِ‬
‫الفهم السـقـيم)‬ ‫ال صحيحًا‬ ‫( َو َك ْم من َع ٍ‬
‫قد يكون القول صحيحًا في ذاته‪ ،‬وال تلوح صحته إلى الجاهل به‪ ،‬فيعيبُه‪ ،‬النه يظنه على خالف ما هو به‪.‬‬
‫من كالم الحكماء‪( :‬من علم أنس‪ ،‬ومن جهل استوحش)‪ .‬وقال تعالى‪َ ( :‬ب ْل َك َّذبُوا بما لَ ْم يحيطوا ِبعِلْمِه َولماَّ‬
‫أويلُه)‪ :‬أي لو فهموه لعلموه‪ ،‬فآمنوا به‪ .‬ويشبه هذا البيت قوله هو‪:‬‬
‫َيأ ِت ِه ْم َت ِ‬
‫َي ِج ْد ُم ًّرا به الماء ُّ‬
‫الزالال‬ ‫يض‬ ‫ومن َي ُك ذا َف ٍم ُم ٍّر ِ‬
‫مر ٍ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫لَ َّذ ُة العين ُعهد ٌة للبـراز)‬ ‫( َكفِر ْندى فرن ُد َس ْيفِي ُ‬
‫الجراز‬
‫الفرند‪ :‬ماء السيف‪ ،‬فارسي معرب‪ .‬إنما هو ما بين الباء والفاء‪ .‬والعرب تعرب مثل هذا بالفاء المضة‪ ،‬والباء‬
‫المحضة‪ .‬هذا قول سيبويه في باب اضطراد اإلبدال في الفارسية‪.‬‬
‫الج راز‪ :‬الماضي النافذ‪ .‬وإنما شبه فرنده بفرند السيف‪ ،‬ألن فرند السيف‪ ،‬دليل على مضاء حده‪ .‬وعنى بفرند‬ ‫ُ‬
‫نفسه هنا شحوبه‪ ،‬وتغير لونه من األسفار والتعب‪ ،‬فجعله فرندًا‪ ،‬النه دليل على مضاء عزمه‪ ،‬كما أن فرند‬
‫السيف دليل على مضاء حده‪.‬‬
‫ُ‬
‫ففي ذلك شبه فرنده بفرند السيف‪ ،‬وإن لم يكن شحوبه في الحقيقة فرندًا‪ ،‬بل هو خالف الفرند‪ ،‬فإنما سماه به‪،‬‬
‫أح ُّب‬
‫الصائم َ‬
‫وف فم َّ‬ ‫النه محمود منه‪ ،‬كما أن ذلك محمود من السيف‪ .‬ونحوه قوله صلى اهلل عليه وسلم (لَخلُ ُ‬
‫الخلوف بطيب‪ ،‬ولكن لداللته على ما يحبه اهلل عز وجل من الصيام‪.‬‬ ‫ِس ِك) وليس ُ‬
‫إلى اهللِ من الم ْ‬
‫وأما ابن جنى فقال‪ :‬عنى أن جوهر سيفي كجوهرى‪ .‬فإن كان عنى بالجوهر الفرند‪ ،‬فخطأ‪ ،‬ألن الفرند إنما‬
‫هو صفاء السيف بما يحدُث من الصقال‪ ،‬فهو لذا َع َرض‪.‬‬
‫وإن كان عنى بالجوهر سنخ هذا السيف‪ ،‬أي أن سنخى في نوع االنسان كسنخ سيفي هذال في نوع الحديد‪،‬‬
‫فصفاء فهمي من جهة شرف جوهري‪ ،‬كما أن صفاء هذا السيف من جملة شرف جوهره‪ ،‬فهو حسن‪.‬‬
‫ويقوى ذلك أنه قد استطرد في أبيات السيف من هذا الشعر‪ ،‬تشبيهه نفسه به‪ ،‬وجعله نفسه في نوعه‪ ،‬كسيفه‬
‫فأستملحه‪ ،‬وهو أيضا ُعد ٌة للقتال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫في نوعه‪ .‬ثم أخبر عن نفسه فقال‪ :‬هو لذ ُة العين‪ ،‬أي أنظر إليه‬
‫وال في ُمست ٍو َه ْز َه ِ‬
‫از)‬ ‫ُم َت ٍ‬ ‫ٌ‬
‫أنـيق‬ ‫( ٌ‬
‫ودقيق َقدى الهباء‬
‫مستو‪ ،‬أي‬
‫ٍ‬ ‫متوال‪ :‬متتابع في‬ ‫ٍ‬ ‫أي وفيه فرند دقيق‪ ،‬قدر الهباء في شكله وتضاؤله‪.‬‬
‫في متن ُمست ٍو‪ .‬فأقام الصفة مقام الموصوف‪ ،‬وقواها بهزها‪ ،‬فحسن ذلك‪.‬‬
‫(يا ُمزيل الظالم عنى وروضى يوم ُشربي ومعقلي في البراز)‬
‫ُ‬
‫البراز ‪:‬الصحراء‪ .‬يقول لسيفه‪ :‬إذا اسودت الدنيا على بنزول الملمات‪ ،‬كشفتها عنى وفرجتها‪ .‬وقد يعنى به أنه‬
‫ُ‬
‫يزيل الظالم عنه بمائه وضيائه (وروضى يوم شربى)‪ :‬شبهة بالروض في ُخضرته‪ ،‬وجعله روضة يوم‬
‫ال لحسنه وما هيه جوهره‪.‬‬‫شربه‪ ،‬على ما تجرى به عادة الشجاع من تلقفه سيفه وتنزيهه طرفه فيه‪ ،‬متأم ً‬
‫وكان أذهب في الصنعة أن يقول‪( :‬وروضتي) ألن الروض جمع‪ ،‬وهو يخاطب واحدًا‪ ،‬ولكن هذا واسع كثير‪.‬‬
‫(ومعقلى في البراز)‪ :‬أي أنى أمتنع بك إذا امتنع غير بحصن‪ ،‬ألن الشجاع إنما يلجأ إلى سالحه ال إلى معقل‪،‬‬
‫كقوله هو‪:‬‬
‫ُ‬
‫األسنة والسيوف)‬ ‫(جواشنُها‬
‫وكقوله‪:‬‬
‫(فال أحارب مدفوعًا إلى ُجدُر)‬
‫كنت في الصحراء فلم أجد معق ً‬
‫ال‪ ،‬فأنت أيها السيف هناك َم ْعقِلى‪.‬‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬إذا ُ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫صلَْل َت الرتجازي)‬
‫وصليلي إذا َ‬ ‫(إن َبرقى إذا َب َر ْق َت فـعـإلـى‬
‫يذهب بذلك إلى التقريب بين نفسه وسيفه‪ ،‬لما أن مثل نفسه به في جوهره أراد أن يكمل تشبييهها به في‬
‫أعراضه‪ ،‬فيقول‪ :‬ايها السيف‪ ،‬ال تظني ُمقصرًا عنك‪ ،‬بأن اللَ ْم َع لي َكل ْمعِك‪ ،‬وال صليلي ني كصليلك‪ ،‬فإنك إن‬
‫قدرت ذلك‪ ،‬فأنت مخطى‪ ،‬ألن ما يُوازي لمعك وصليلك منى‪ ،‬أشرف من لَ ْمعك وصليلك‪ .‬أنا أفعل بك يوم‬
‫استبشار به وفرحًا‪ .‬فذلك البشر هو برقى ال ُموازي لبرقك‪،‬‬
‫ً‬ ‫الروع ما يكسو جبيني وسائر وجهي ضياء‪،‬‬
‫صلت فيقوم ذلك مقام الصليل لك فإذن اليُقصر حإلى عن حالك‪.‬‬ ‫وأرتجز بشعري إذا ُ‬
‫لجنِسه اليوم غاز)‬
‫فكالنا ِ‬ ‫( َول َق ْطعِى بك الحدي َد َعلَي ْها‬
‫وهذا أيضا زيادة في تقريبه بين نفسه وسيفه‪ .‬يقول‪ :‬أنا أقتل أقراني وهم جنسي‪ ،‬وأننت تقطع عليهم الدروع‬
‫والمغافر والترك‪ ،‬وكل ذلك جنسك‪ ،‬فقد حكيت فعلك في نوعك‪ ،‬بفعلي في نوعي‪ .‬أنا انسان أقتل إنسانًا‪ ،‬وأنت‬
‫حديد تقطع حديدا‪ .‬وهذا من أبدع الصنعة‪ ،‬مثل نفسه بذاته‪ ،‬في سيفه بذاته‪ ،‬ثم عرض ُه المتصل به الذي ال‬
‫يتعداه‪ ،‬كالبرق والصليل‪ ،‬ثم في عرضه الذي يُوقعه بغيره‪ ،‬عن حركة واستعمال‪ ،‬وهو قط ُع ُه الحديد‪ ،‬فقدم ما‬
‫هو من الذات ال يتعداها‪ ،‬وأخر ما يتعدى الذات‪ .‬فتفهمه فإنه غريب‪.‬‬
‫ازى)‬ ‫وب ِه ال ِب َم ْن َش َكاها َ‬
‫المر ِ‬ ‫ـوا‬ ‫( َك ْيف ال َيشتكى وكيف َت َّ‬
‫شك ْ‬
‫أي كيف ال يشتكى هذا الممدوح وهو الذي يتحمل المغارم‪ ،‬ويتكلف ال ُمؤن بذاته‪ ،‬وماله فيه المرازي‪ .‬وكيف‬
‫تشكاها هؤالء وقد احتملها هو عنهم فالعجب من شكواهم وال ُزرء بهم‪ ،‬ومن يحتمل الرزية عنهم ال يشتكى‪.‬‬
‫فتقدير القضية‪ :‬وبه المرازي ال بمن شكاها‪.‬‬
‫ً‬
‫والمرازي‪ :‬جمع مرزأة‪ ،‬وكان حكمه المرازي‪ ،‬فأبدل إبداال صحيحا قياسيا‪ ،‬النه ال يوصل بالهمزة المخففة إال‬
‫ال محضًا‪ ،‬حتى تلحق بحروف العلة‪ ،‬ولذلك استشهد سيبويه على أن الهمزة تبدل‬ ‫هكذا‪ ،‬أعنى أن نبذل ابدا ً‬
‫ال صحيحًا في حال االضطرار‪ ،‬كبيت عبد الرحمن بن حسان بن ثابت‪:‬‬ ‫إبدا ً‬
‫بالفهر واجبى‬
‫ِ‬ ‫شجج رأسه‬
‫يُ ُ‬ ‫بـقـاع‬
‫ٍ‬ ‫وكنت أذل من وت ٍد‬
‫اعتقد البدل في واج صحيحًا‪ ،‬ألن القطعة جيمية‪ ،‬فالوصل ياء محضة‪.‬‬
‫َ‬
‫وسبق ال ُمجارى‪.‬‬ ‫وهذا االستشهاد من دقائق سيبويه‪ ،‬ولطائفه التي بز فيها الممارى‪،‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ِل)‬ ‫فيك ُعلُ ُّو َقد َ‬
‫ْر القائ ِ‬ ‫والقو ُل َ‬
‫ْ‬ ‫( َف َم َتى أ ُقو ُم ِب ُش ْك ِر ما ْ‬
‫أولَ ْي َتنـى‬
‫الشكر‬
‫ُ‬ ‫أي أن مدحك يُسرف مادحك‪ ،‬فكما شكرتك على نوالك بالشعر‪ ،‬رفع شعري فيك من قدري‪ ،‬فاقتضاني‬
‫داخر في‬
‫ً‬ ‫على ذلك ُشكرًا آخر‪ ،‬إلى غير نهاية‪( .‬فمتى أقوم بشكرك) ي ُ‬
‫ُوئس نفسه من القيام بشكره‪ ،‬ويجعله‬
‫االمتناع‪.‬‬
‫فهذا استفهام فيه معنى النفي‪ ،‬أي ال أقوم بشكر ذلك أبدًا‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫اش)‬ ‫أج ُ‬
‫نحة ال َف َر ِ‬ ‫وأيدي ال َق ْو ِم ْ‬ ‫ِب منه نارًا‬
‫الجوان ِ‬
‫(كأن على َ‬

‫أي على جوانب هذا السيف نار‪ .‬شبه لمعه إذا ُهز بلسان النار‪ ،‬وشبه أيدي القوم‬
‫في تطايرها حوالي ناره بالفراش المتهافت في النار‪ .‬وقال‪ :‬أجنحة الفراش‪ .‬ألن‬
‫طيرانها إنما يكون باألجنحة‪ .‬وقد كان يعنى من ذلك الكالم‪ ،‬وأيدي القوم فراش‪.‬‬
‫ولكن بقوله‪( :‬أجنحة الفراش) وال معنى لرواية من روى (كأن على الجماجم)‬
‫لقوله‪( :‬وأيدي القوم) وإنما كان يسوغ لو قال‪ :‬وهن أجنحة الفراش يهنى الجماجم‪.‬‬
‫فأما كون السيوف على الجماجم كالنار وتطاير األيدي مع ذلك‪ ،‬فتشبيه‪.‬‬
‫أثر ارتـهـاش)‬‫الخيل بعضًا وما ِب ُعجاي ٍة ُ‬
‫ِ‬ ‫َمى َب ُ‬
‫عض أيدي‬ ‫(يُد ِّ‬
‫ال ُعجاية‪ُ :‬ع صيبة فوق الحافر‪ .‬واالرتهاش‪ :‬أن تضطرب يد الفرس‪ ،‬فتنعقر ذراعاه‪ ،‬ألن ذلك االضطراب‬
‫يحدث عنه احتكاك‪ .‬فيقول‪ :‬إنما دميت أيدي هذه الخيل بعجلة الهزيمة واالزدحام في الهرب‪ ،‬الرتهاش كان‬
‫أصابها‪ .‬ولو وصفها باالرتهاش‪ ،‬كان ذلك عيبًا لها‪ ،‬ولم يقتض مدحاً‪.‬‬
‫ِيق النسج ُمل َتهب الحواشي)‬
‫َدق ِ‬ ‫ِرع ضرب‬ ‫(لَ ُقوه َح ِ‬
‫اسرًا في د ْ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫درع دقيقة النسج‪ .‬ووصفها بالتهاب الحواشي‪ ،‬ذهابًا إلى حدة ضربه‪.‬‬
‫أقام الضرب في تحصينه له‪ُ ،‬مقام ٍ‬
‫اش)‬ ‫برمحى ُك ُّل َطائره َّ‬
‫الر َش ِ‬ ‫ُ‬ ‫َات يُ َذ ُّب عنـهـا‬
‫ِن ال ُم َت ِّمرد ِ‬
‫(م َ‬
‫أي قوسى هذه متمردة كالشيطان المريد‪ُ ،‬أذب عنها بالطعن ال ُمرش‪.‬‬
‫يذب عنها رمحى بكل طائره الرشاش‪ ،‬لكان أليق؛ ألن الرمح فاعل لطعنته‪ .‬والطعنة منفعلة له‪.‬‬ ‫ولو قال‪ُ :‬‬
‫فكأنه عكس إدال ً‬
‫ال واتساعاً‪.‬‬
‫وح ْولك حين َت ْس َم ُن في ِه ِ‬
‫راش)‬ ‫َ‬ ‫ُزلت مع اللـيالـي‬ ‫( َع َ‬
‫ليك إذا ه ِ‬
‫ُ‬
‫تهارشوا في‬ ‫ال ُهزال هنا‪ :‬مثل إلدبار الدُول‪ ،‬والسمن‪ :‬مثل إلقبالها‪ .‬يقول‪ :‬إذا ساعدك الزمان باإلقبال عليك‬
‫طلب المنفعة حواليك‪.‬‬
‫وذكر الهراش تخسيسًا لهم‪ ،‬النه من فعل الكالب‪ .‬فإذا ألمت بك نوائبه فهم عليك أعوانه‪ .‬والعرب تكنى بعلى‬
‫على خالف ما تكنى معه بمع‪ .‬فمع والالم‪ :‬للمواالة‪ .‬وعلى‪ :‬للخذالن والمعاداة‪ .‬قال تعالى‪( :‬لها ما َك َس ْ‬
‫بت‬
‫وعليها ما ا ْك َت َس َب ْت) ومعنى هذا البيت متداول كثير‪ .‬ومنه قول بعض ال ُمحدثين‪:‬‬
‫فلما نبا صرت حربًا عوانا‬ ‫وكنت أخي بإخاء الزمـان‬
‫وتقدير البيت‪ :‬عليك مع الليالي إذا هزلت‪ ،‬وحولك في هراش إذا سمنت أي أنهم هم كذلك‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫روح إبله)‬
‫صر ُم ُم ٌ‬
‫فيه ِ‬
‫َو ِ‬ ‫وأو َح َشناَ‬ ‫ال َوفي ِه ٌ‬
‫اهل ْ‬ ‫( َخ َ‬
‫الصرم‪ :‬الجماعة من الناس‪ ،‬أي إنه خال عندي وإن كان فيه أهل‪ ،‬ألنهم غير أحبائي الين عهدت بها‪ ،‬وهو‬
‫موحش وإن كان فيه صرم من الناس‪ ،‬لعدم أولئك األحباء‪.‬ويقويه بعد هذا‪:‬‬
‫ولست فيها لَ ِخلُتها تفلـه)‬
‫َ‬ ‫والعبير بها‬
‫ُ‬ ‫(لو ُخلِط الم ُ‬
‫ِسك‬
‫وإنما تحسن األمكنه في عيون المحبين باحتيازها المحبوبين‪ .‬وقوله‪( :‬وفيه أهل)‪ :‬جملة في موضع الحال‪.‬‬
‫وكذلك قوله‪( :‬وفيه صرم) جملة في موضع الحال ايضا‪ ،‬فاذا رددتها إلى اإلفراد‪ .‬فكأنه قال‪ :‬خال عامرًا‪،‬‬
‫وأوحشنا آهالُ‪.‬‬
‫وس ْحبُها هطله)‬
‫إلى ِسوا ُه ُ‬ ‫وهي ظام ٌ‬
‫ِئة‬ ‫صرها الغ ُ‬
‫َيث َ‬ ‫( َي ْن ُ‬
‫ينصرها‪ :‬يُسقيها‪ .‬قال‪:‬‬
‫الواح ِد‬
‫َيث عبد ِ‬ ‫ُ‬
‫الحجاز بغ ِ‬ ‫نُ ِ‬
‫ص َر‬ ‫الربيع فإنـمـا‬
‫ُ‬ ‫أخ َطا ُه‬
‫من كان ْ‬
‫وإنما قيل في المكان المسقى‪:‬نصره الغيث ألن المكان في غالب األمر إنما ي ُهجر لجدبه‪ .‬فذلك الخجر خذل له‪.‬‬
‫فاذا ُسقي أعشب وأخصب فاستدعى من رحل عنه‪ ،‬فكأنه نُصر بالمعاودة‪ ،‬كما ُخذل بالترك‪ ،‬ولذلك ُ‬
‫دعى للدار‬
‫بالسقيا‪ ،‬لتخصب فيعاودها من حل بها‪ ،‬فيعود عامرًا ما كان منها غامرا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ينصرها ها وسحبها هطلة‪ ،‬ليكون لك أبلغ في‬‫ويقول‪ :‬الدار ظامئة إلى من رحل عنها‪ ،‬إال إلى الغيث الي ُ‬
‫استغراب الظمأ‪ .‬وما أشبه ها بقوله‪:‬‬
‫النفس مفقو ُد‬
‫وحبيب ِ‬
‫ُ‬ ‫وجدتُها‬ ‫ً‬
‫صافية‬ ‫إذا أردت ُكميت اللون‬
‫قوله‪( :‬وهي ظامئة)‪ :‬جملة في موضع الحال‪ .‬وكذلك (وسحبها هطلة) والسحب‪ :‬جمع سحاب ال جمع سحابة‬
‫ألن ( َف َعالة) التكسر على ُف ُعل‪ .‬إنما سجمع سحابة‪ :‬سحائب‪.‬‬
‫ُمقيمة فاعلمي و ُمر تحل ْه)‬ ‫(واحرباَ منك يا ِجدَا َيتـ َهـا‬
‫عت منى ُ‬
‫وقصرت عنى‪ُ .‬فمقامك وارتحالك‬ ‫الجداية‪ :‬الظبية‪ .‬أي‪ :‬واحربا منك ياظبية هذه الدار‪ .‬أقمت أو م ُن ِ‬
‫سواء‪ ،‬كالهما عائد علي بالحرب‪ ،‬وهو ال ُهلك‪ .‬ومثله قول اآلخر‪:‬‬
‫الممنوع منك بعي ُد)‬
‫ُ‬ ‫(والقريب‬

‫(وا) هنا دون (يا)‪ .‬النه أشهر أعالم‬ ‫(منك)‪ :‬أي ُحبك ومن أجلك واستعمل َ‬ ‫وقوله؛ ِ‬
‫التفجع والنُّدبة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الح َملَ ْه)‬
‫ول َس ْي ِبه َ‬ ‫ُ‬
‫أول َم ْح ُم ِ‬ ‫بيض ِغلمانِه َكـنَـائِلـ ِه‬
‫( َو ُ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫جعلهم محمولين ألنهم إذا حملوا إلى المعطين البدر والثياب كانوا في جملة الهبات فكأنهم حملوا أنفسهم مع‬
‫حملهم الهبات‪ .‬وقوله‪( :‬أول محمول سيبه) قدمهم في السيب ألنهم أشرف أنواعه‪ .‬وقال‪( :‬بيض غلمانه) يعني‪:‬‬
‫الصقلب والروم ألنهم أثمن من الزنج والنوب وأحسن في األعين وهذا البيت كقوله‪:‬‬
‫ففيها العبدى وال ُم َط َّهمة الجر ُد‬ ‫عساكـر‬
‫ٌ‬ ‫الحسين‬
‫عطيات ُ‬
‫ِ‬ ‫كأن‬
‫جز ٌم هزلـه)‬ ‫ِهول َم ِ‬
‫لو كان لل ِ‬ ‫ـو ِل يُفـتـره‬
‫(وراكـب الـ ّه ْ‬
‫أي إنه يركب الهول دائما‪ ،‬ال يُفتره وال يُريحه‪ ،‬فلو تجسم الهول‪ ،‬فكان مركوبًا يُشد عليه الحزام‪ ،‬لهزل ذلك‬
‫المحزم‪ ،‬بدوام الركوب ومالزمته‪ ،‬وخص المحزم دون طوائف الجسم‪ ،‬النه موضع الركوب واله ْمز‪.‬‬
‫ُ‬
‫الفصاحة له)‬ ‫وه َّذبت شع ِ‬
‫ِري‬ ‫َ‬ ‫اه ُة لـي‬
‫(قد َه َّذ َب ْت َفه َمه ال َف َق َ‬
‫والفقاهة‪ :‬الفهم‪ .‬تقول العرب‪ :‬ماله فقاهة وال فصاحة‪.‬‬
‫يقول‪ :‬فقاهته في الشعر قد هذبت فهمه لي‪ ،‬باستحتانه ما أنقح من شعري فيه‪ ،‬حتى مايستحسن غيره من‬
‫وب‪ .‬وهذبت فصاحته شعري له‪ ،‬أي لما علمت إنه فصيح‪ ،‬نقيت ألفاظ شعري‬ ‫المخ ُش ِ‬
‫الشعر المتعسف ْ‬
‫واستجدتها‪ ،‬فكانت فصاحته هي التي هذبت شعري‪.‬‬
‫أكبر من ِف ْعل ِه الذي فعله)‬
‫ُ‬ ‫( َفأكبروا فِعل ُه وأصـغـر ُه‬
‫أي أعظموا فعل أبى العشائر‪ ،‬وأصغره ٌه َو‪ ،‬أي استصغره‪ ،‬النه صغير باإلضافة إليه‪ ،‬كما هو عظيم‬
‫باإلضافة إليهم‪ .‬ثم قطع فقال‪( :‬أكبر من فعله الذي فعله)‪ :‬أي الفاعل أكبر من الفعل المنفصل عنه‪.‬‬
‫يف َّ‬
‫كل َم ْن َح َملَ ْه)‬ ‫الس ُ‬
‫ما َي ْح َم ُد َّ‬ ‫كالسيف حـامـدًا َي َد ُه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فصرت‬ ‫(‬
‫أي أجاه الفهم عنى‪ ،‬كما أجاد الضرب بالسيف‪ ،‬فأنا كسيفه في أنى أحمد فهمه‪ ،‬كما يحمد السيف يده‪ .‬إال أن‬
‫السيف يحمد منه ُجسمانياُ وهو يمده وأنا احمد منه نفسانيًا وهو فهمهُ‪.‬‬
‫(ما يحمد السيف كل من حمله)‪ :‬أي ليس كل حامل له يجيد الضرب به‪ ،‬فيكون حامدًا لكل من حمله‪ .‬وكذلك‬
‫أنا‪ ،‬ليس كل أحد يفهم شعري‪ ،‬فأحمدهم كما حمدت هذا الممدوح‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫وردُّوا ُرقادى فهو لَ ْح ُظ‬
‫ُ‬ ‫احي َف ْه َو ِع ْن َد‬
‫ص َب ِ‬
‫(أعيدُوا َ‬
‫ِب)‬
‫الح َبائ ِ‬
‫َ‬ ‫ال َك ِ‬
‫واعب‬
‫إن شئت قلت‪ :‬طال على الليل فال صباح‪ ،‬وأسهرني الحزن فال ُرقاد‪ ،‬وكل ذلك بمغيب من أحببت‪ .‬فيقول‪:‬‬
‫قصر ليلي‪ ،‬وجاء الصباح‪ .‬وردوا الحبائب إلي‪ُ ،‬رقادى عندهن‪ ،‬فإذا ُعن‬ ‫أعيدوا الكواعب الي‪ ،‬فإذا كان ذلك ُ‬
‫عاودني نومي‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬غاب عنه الصباح بمغيب الكواعب‪ ،‬ألن الدنيا تظلم على المحزون‪ ،‬فاذا أراد أن يُرد ذلك‬
‫الرقاد‪ .‬النه قد كان يرى الخيال فيه وفي الخيال أنس فلما عدم الرقاد‪ ،‬عدم الخيال‬
‫عليه‪ ،‬استدعى أن يُرد إليه ُ‬
‫الذي كان يأنس به‪.‬‬
‫سهرت غرضاُ إليهن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقوله‪( :‬فهو لحظ الحبائب) أي أن سبب ُرقادي نظري إليهن‪ ،‬فاذا لم ألحظهن‬
‫ِب)‬
‫ُر عن لِقاء التـرائ ِ‬
‫عليك ِبد ً‬ ‫الس ْل َك جسمِي َف ُع ْقتِه‬ ‫اك َظ ِ‬
‫ننت ِّ‬ ‫أر ِ‬
‫(َ‬
‫ُ‬
‫البخل بالعناق‪َ .‬ف َح َج ْز ِت‬ ‫السلك‪ :‬الخيط‪ .‬يقول‪:‬عهدت جسمي ناح ً‬
‫ال؛ فلما رأيت السلك حسبته إياه؛ ومن عادتك‬
‫بين السلك وبين ترائبك بنظام الدُّر عليه‪ ،‬جريًا على ما اعتدته من البخل‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬عليك)‪ :‬ظرف في موضع الحال‪.‬‬
‫عضاض األفاعي نام فوق‬ ‫(إليك فإنى ُ‬
‫لست مـمـن إذا‬
‫العقارب)‬ ‫اتـقـى‬
‫يزجر عاذلته على اقتحام المهالك‪ ،‬واالهجام على صعاب المالك‪،‬‬‫ضر العقرب‪ ،‬أسهل من ضر األفاعي‪ ،‬فهو ُ‬ ‫ُّ‬
‫أصبر على الصغير من األذى‪ ،‬فرقًا من العظيم؛ وإن كان أيسر من الموت؛ كما أن‬
‫ُ‬ ‫فيقول لها‪ :‬إليك؛ فإنى ال‬
‫سم العقارب ٌّ‬
‫أخف من سم األفاعى؛ وأبلغ من هذا قولهُ‪:‬‬
‫ِّ‬
‫الـذل‬ ‫إن المنية عـنـد‬
‫قـنـدي ُد‬
‫أعدوا لي السودان في كفر‬ ‫(أتانى وعي ُد األدعياء وأنهم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫عاقب)‬
‫(كفر عاقب)‪ :‬موضع بالشام‪ ،‬وأرصد له فيه قوم يريدون إهالكه‪( .‬واألدعياء)‪ :‬ناس ادعوا إلى على عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫فهل في وحدى قولهم غير‬ ‫(ولو ُ‬
‫صدقوا في جدهم‬
‫كاذب)‬
‫ِ‬ ‫لحذرتُـهـم‬

‫أي لو صدقوا هؤالء األدعيان ال ُموعدُون لي‪ ،‬في ادعائهم ُقربي على عبسه السالم‪،‬‬
‫لحذرتهم لشرفهم‪ ،‬ولكنهم يكذبون في ذلك‪ ،‬فهل في وحدي يكون قولهم صادقًا‪ ،‬كما‬
‫توعدهم إياي‪.‬‬
‫يكونون في نسيهم‪ ،‬كذلك يكونون في ُّ‬
‫مكان لم َتطأ ُه ركائ ِ‬
‫ِبي)‬ ‫وأي ٍ‬‫ُ‬ ‫أجـر ذوائبـي‬
‫بأي بال ٍد لم ُ‬
‫( ِّ‬
‫جره ذوائبه‪ :‬فكناية عن الغزل والتغني‪ ،‬كقول اآلخر‪:‬‬
‫أما ُّ‬
‫رجل ريان‬
‫ض كل ُم ٍ‬ ‫ُ‬
‫وأغ ُ‬ ‫أسحب لمتى عفر المال‬
‫ُ‬ ‫أيام‬
‫أمل‪.‬‬
‫غزل أو غازى ٍ‬
‫وأما وطء ركائبه المكان‪ ،‬فكناية عن الغزو‪ ،‬يقول‪ :‬كل مكان قد شاهدت إما طالب ٍ‬
‫فاثبت ُكوري في ظ ُهور‬ ‫(كأن رحيلي كان من كف‬
‫المواهب)‬ ‫طاهـر‬
‫ٍ‬
‫مكان العطايا‪ ،‬فأثبت ُكوري في‬
‫ُ‬ ‫أي أن مواهب هذا الممدوح ُم َشرقة و ُمغربة‪ .‬فكأن رحيلي كان من كفه‪ ،‬وهي‬
‫ظهور مواهبه فهي تُشرق بي وتغرب‪ .‬ووجه اتصال هذا البيت بالذي قبله‪ ،‬أي لم أدع موضعًا إال أتيته‪ ،‬كما‬
‫أن مواهب طاهر لم تدع موضعًا إال أتته‪ .‬وإنما صح لي ذلك بإثباته رحلي على ظهور مواهبه السيارة‪.‬‬
‫وجعل للمواهب ظهورًا‪ ،‬لذكره ال ُكور الذي موضعه الظهر‪ .‬وهذا مجاز‪ .‬إذ ال ظهر لمواهبه وال بطن‪.‬‬
‫يردن فِـنـا َء ُه َو ُهن له ِش ْرب ُو ُرو َد المشارب)‬ ‫( َفلم يبق َخ ٌ‬
‫لق لـم ِ‬
‫وقطر‪.‬‬‫يُحقق تشريق مواهبه وتغريبُها‪ ،‬وأخذها من الدنيا في كل أفق ُ‬
‫فيقول‪ :‬لم يبق خلق إال وقد وردت هبات طاهر فناءه؛ إما قادماُ بها من لُدنه‪ ،‬وإما محمولة اليه‪ .‬والخلق هنا‪:‬‬
‫بمعنى المخلوق‪ ،‬إذ ال معنى للمصدر في هذا الموضع‪.‬‬
‫(و ُهن له ِشرب ُو ُرود المشارب)‪ :‬أي وهي وإن كانت مشارب لآلملين‪ ،‬فإنها تطلب اآلملين ُّ‬
‫الزوار؛ مع طلبهم‬
‫رب)‪ :‬يتعجب من أنها لهم شرب‪ ،‬وهي تطابهم طلب الظمآن‬ ‫إياها طلب العطاش لمشارب‪ .‬وقوله‪( :‬وه َّ‬
‫ُن له ِش ُ‬
‫للماء‪ .‬وهذا نحو قول أبى تمام‪:‬‬
‫اآلفاق عن كل سائِل‬
‫ِ‬ ‫فأضحت عطايا ُه نـوازع ُشـردًا يُسائلن في‬
‫ال أن بيت أبى الطيب أغرب‪ .‬وتلخيصه‪ :‬فلم يبق خلق لم يردن فناءه ُو ُرود المشارب‪ ،‬على أنهن شرب لذلك‬
‫الخلق‪.‬‬
‫غـائب)‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫ورد إلى أوطانه كل‬ ‫موطن‬
‫ٍ‬ ‫(فقد َغيَّ َب ُّ‬
‫الشها َد عن كل‬
‫أي دعا صيت ُه في السا الناس حتى غابُوا عن أوطانهم‪ ،‬مسافرين إليه‪ .‬ثم أغنى هؤالء السفر؛ فردهم إلى‬
‫أوطانهم‪ ،‬وكفاهم عن السفر إلى غيره‪ ،‬بما أفادهم إياه‪ .‬قال بعض النُّفاد‪ :‬وهذا كقول أبى نُواس‪:‬‬
‫فظهورهن على الرجال حرا ُم‬
‫ُ‬ ‫واذا المطى بنا بلغن محـمـدًا‬
‫وليس عندي مثله‪ ،‬ألن المتنبي قال‪ :‬أغنى هذا الممدوح ُقصاده‪ ،‬وردهم إلى أوطانهم‪ ،‬فكفاُهم السفر‪ .‬وأبو‬
‫المطى بنا هذا األمير‪ ،‬حرمنا ظهورها على الرحال؛ أي لم نركبها أبدًا؛ وال امتهناها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫بلغت‬
‫نواس قال‪ :‬إذا ِ‬
‫ُ‬
‫جزاء لها على تبليغها إيانا أملنا من لقائه‪ .‬ولم يذكر عطاء؛ وال كفاية سفر‪ ،‬أال تراه يقول بعد هذا؛ ُمبينا لعلة‬
‫تحريم ظهورها على الرجال‪:‬‬
‫َفلَهـا عـلـينـا ُحـرمة‬ ‫َق َّر ْبننا من خير من وطئ‬
‫وذمـا ُم‬ ‫صـى‬ ‫الح َ‬
‫َ‬
‫سالح الذي ال قوا ُغ ُ‬
‫بار‬ ‫ُ‬ ‫أناس إذا القواعـدى‬
‫( ٌ‬
‫السالهب)‬
‫ِ‬ ‫فـكـأنـمـا‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫السالهب‪ :‬الطوال من الخيل وغيرها‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬سالح أعادبهم بمنزلة غبار الخيل في أنه ال يعبأ به‪.‬‬
‫وخص السالهب‪ ،‬ألن الطوال ُّ‬
‫أخف‪ ،‬فغبارها أخف‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إن سالح من لقيهم إنما هو إثارة الغبار بالهرب واالنهزام‪ ،‬وجعل ذلك سالحهم‪ ،‬النه هو الذي‬
‫يقيه كما يقى السالح غيرهم‪ ،‬أي ذلك الذي يقوم لهم مقام السالح‪.‬‬
‫والجفن أي هي عليهم أوهى نسجًا من ال ُغبار تحرقها الرماح‪ ،‬كقوله‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬كان السالح هنا الدروع ُ‬
‫في صفة الرماح‪:‬‬
‫إذا َو َق َع ْت فيه َكن ٍ‬
‫َسج الخدرنق‬ ‫قواض قواض نسج داود عندها‬
‫ٍ‬
‫الخدرنق‪ :‬العنكبوت؛ شبه الدروع في خرق الرماح لها‪ ،‬وسهولة ذلك منها عليها‪ ،‬ببيت العنكبوت‪.‬‬
‫دوامى الهوادى سالمات‬ ‫(رموا بنواصيها القسى‬
‫الجوانب)‬ ‫فجئتـهـا‬
‫أي رموا نواصي هذه الخيل بالقسى‪ ،‬فعكس‪( ،‬ومثله كثير)؛ فجاءت دوامى الهوادى‪ ،‬وهي األعناق والم َقاوم‪،‬‬
‫ألقدامها‪ .‬وسلمت جوانبها‪ ،‬ألنها لم تستعرض ولم تستدبر‪ .‬وكنى بالجوانب هنا عن األعجاز واألعطاف‬
‫جميعًا‪ ،‬وهم يصفون ال ُمقدم بأن ُجرحه في أمام جسمهن وال ُمدبر بخالفه‪ ،‬كقول القُطامى‪:‬‬
‫وفي النحور ُكلوم ذات أبال ِد‬ ‫تجرح ُفرارًا ظهور ُهم‬
‫ُ‬ ‫ليست‬

‫َوامى‪ ،‬فسكن اضظرارًا‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬دوامى الهوادى)‪ :‬اراد د َ‬


‫( َيقول ُون تأثير الكواب في الورى فما بال ُه تأثيره في الكواكـب)‬
‫أثر فيها باعتالئه عليها‪ .‬يقول‪ :‬أثر هو في الكواكب؛ وهو من الورى فكيف زعموا أن الكواكب تؤثر في‬
‫الورى‪ .‬يذهب إلى تكذيب المنجمين‪ ،‬فيقع فيما هو أوحش وأفحش من قولهم‪ ،‬وهو قوله‪ :‬إن هذا الممدوح أثر‬
‫في النجوم بفضله عليها‪ .‬وهذا نحو قوله‪:‬‬
‫َّعي أنهـا َتـ ْفـ َع ُ‬
‫ـل‬ ‫َو َم ْن َيد ِ‬ ‫ـوم‬
‫ـج ِ‬ ‫فتباًّ لد ِ‬
‫ِين َعـبـي ِد الـنُ ُ‬
‫ـنـز ُل‬
‫ِ‬ ‫راك تـراهـا وال َت‬ ‫َت َ‬ ‫رفتك فـمـا بـالُـهـا‬
‫و َقد َع َ‬
‫بأ ْق َت َل مما بان ِم ْنك لـعـائ ِ‬
‫ِب‬ ‫لضارب‬
‫ٍ‬ ‫(يرى أن ماما بان منك‬
‫أي يرى أنه ليس الذي بان منك لضارب‪ ،‬بأقتل مما بان منك لعائب‪ .‬أي العيب ُ‬
‫أقتل من الضرب‪ .‬ففي (أن)‬
‫ُم ضمر على شريط التفسير‪ ،‬وما األولى نفي‪ ،‬والثانية بمعنى الذي والجملة بكليتها تفسير المضمر على شريط‬
‫التفسير‪.‬‬
‫َس َقاهاَ الحجا س ْقي الرياض‬ ‫( َح ُ‬
‫ملت اليه مـن لِـسـانـي‬
‫حائب)‬
‫الس ِ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫حـديقة‬
‫الحديقة‪ :‬الروضة‪ .‬شبه القصيدة بها في حسنها‪ ،‬إال أن الذي قام لها مقام السحاب للحديقة‪ ،‬إنما هو هقلي‪ ،‬بأنه‬
‫السحاب الرياض‪ ،‬كقول أبى تمام في صفة الشعر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫سقاها بفكره وبأمله‪ ،‬سقى‬
‫بسحائب‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫أعقبت‬ ‫سحائب منه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ابجلت‬ ‫صوب ال ُع ُقول إذا‬
‫ُ‬ ‫ولكنه‬
‫وأراد سقي السحاب الرياض فصل بين المضافين اضطرارًا‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ثم استوى فيك إسرارى‬ ‫( ُ‬
‫كتمت حبك حتى عنك‬
‫وإعالنى)‬ ‫ً‬
‫تـكـرمة‬
‫أي َك َت ُ‬
‫مت حبي عن األنام‪ ،‬حتى عنك وإنما كان كتمانه تكرمة لك‪ ،‬ثم غلبني ذلك فاستوى سري وجهري أي‬
‫أظهرت منه مثل ما كنت أخفي‪.‬‬
‫جسم كتمانى)‬
‫ار ُسقمى به ِ‬
‫صَ‬ ‫َف َ‬ ‫( َكأنه َزا َد َحتى َفاض َعن جسدِي‬
‫ِمت‪ ،‬فغاض بعض ُسقمى إلى جسم كتمانى‪ ،‬فمرض الكتمان‪ ،‬وبطل‪ ،‬فظهر الحب‪.‬‬ ‫أي كأن الحب زاد حتى َسق ُ‬
‫وهذا اعتذار منه إلى محبوبه في إعالنه بحبه‪ .‬أي إنما كان ذلك لهذا‪ .‬واستعار للكتمان جسمًا‪ ،‬وان كان‬
‫والسقم عرض‪ ،‬والعض البد له من محل‪.‬‬ ‫السقم‪ُّ ،‬‬
‫عرضًا‪ ،‬النه ذكر ُّ‬
‫وان شئت قلت‪ :‬الهاء في كأنه راجعة إلى الكتمان‪ .‬وإن لم يجر له ذكر كقوله‪ :‬من كذب كان شرا‪ ،‬أي كان‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫الكذب شرا له‪ .‬حكاه سيبويه‪ .‬ومثله كثير في التنزيل وغيره‪ .‬فيكون المعنى على هذا‪ ،‬كأن الكتمان فاض عن‬
‫جسدي فتغشى الجسم؛ واستتر العرض في أغلب األمر‪ .‬ولما قال إن الكتمان مشتمل على الجسم كاشتمال‬
‫السقم‬
‫الثوب‪ ،‬استجاز أن يجعل الكتمان جسمًا مؤلفا‪ ،‬وقد خفي جسمه وظهر ما فاض عليه من الكتمان‪ ،‬فكأن ُّ‬
‫في جسم الكتمان‪.‬‬
‫وله ايضا‪( :‬ولقد علمنا أننا في طاعة الفراق واالنقياد له‪ ،‬لتيقننا الموت‪ ،‬الذي هو أشد أنواع الفاق‪ ،‬النه‬
‫ممكن ال واجب‪ ،‬وكأنه قال‪ :‬نحن متيقنون لوقوعه‪ ،‬لعلمنا أننا‬‫ٌ‬ ‫اضطراري الوجود‪ ،‬وغيره من أنواع الفراق‬
‫نموت‪ .‬وذكر الطاعة‪ ،‬ألن االمتناع من الموت ممتنع‪.‬‬
‫ومن ظريف هذا البيت‪ :‬أيجابه إطاعة الجنس‪ ،‬وجعله علة ذلك إطاعة النوع الضروري‪ ،‬ألن النوع قابل السم‬
‫الجنس‪ .‬وهذا منه تفلسف منطقي بديع‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫وأعلَى الكمى ِر ْجال ُه)‬
‫فيه ْ‬ ‫ُ‬
‫أوسطها‬ ‫الحسين‬
‫(أعلى قناة ُ‬
‫تحنت‪ ،‬وتقوست أحد طرفيها في المطعن واآلخر في‬‫(فيه)‪ :‬أي في المأزق‪ .‬ومعناه‪ :‬أنه لما طعن بها الفارس َّ‬
‫يد الطاعن‪ ،‬فيعتمد عليه‪ ،‬فصار أوسطها أعلى أنبوب فيها‪( .‬وأعلى الكمى رجاله) أي يط ُعن الفارس فيخر‬
‫مكبواًّ‪ :‬أعاله رجال ُه وأسفله رأسه‪.‬‬
‫بألسن مالهن أفوا ُه)‬ ‫(تُنش ُد أثوابا مدائحـه‬
‫الممدوح الناقد‬
‫ُ‬ ‫أي تدل من رآها أنا قد مدحناه‪ ،‬فأخذنا مدحه‪ ،‬فتخبر عن جودة المدح بجودتها‪ ،‬اذ ال يكافئ‬
‫بالجيد إال على الجيد‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقيل‪ :‬عنى أنها ُجدد‪ ،‬فهي تُقعقع‪ .‬وهذا ال يلتف اليه‪.‬‬
‫أغ َن ْته عن م ْ‬
‫ِس َم َع ْي ِه َعينا ُه)‬ ‫ْ‬ ‫(إذا َم َرر ْنا على األصم بها‬
‫بالحلل‪ .‬ويقول‪ :‬إذا رأى األص ُم علينا هذه الحلل التي كساناها ابو العشائر‪ ،‬علم أننا داعون له من‬
‫(بها)‪ :‬أي ُ‬
‫ٌ‬
‫موثوف‬ ‫أجلها‪ ،‬وشاكرون عليها‪ ،‬لما يُرى من بهائها وسنائها وإن لم يسمع شكرنا إياه‪ ،‬وال دعاؤنا له‪ .‬فعيانه‬
‫به‪ ،‬بل هو أشد إعرابًا عن ذلك من اللسان‪ .‬ألن اللسان ربما حذف إما اختصارًاوإما لُكنة‪ .‬ونحو هذا البيت‬
‫قوله هو‪:‬‬
‫خلفت فاتُك في العيون كـالمـه كالخط يمأل مسمعي من أبصرا‬

‫ونظير البيت االول قول األسود‪ ،‬وهو نُصيب‪:‬‬


‫الحقائب‬
‫ُ‬ ‫فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهلـه ولو سكتُوا أثنت عليك‬
‫ُ‬
‫وقال قوم لم يكنك يا أبا العشائر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ص ْفنَاه)‬
‫ذلك عى إذا َو َ‬ ‫(قالُوا ألم تكنه ف ُق ْل ُت ل ُهم‬
‫قالوا (ألم تكنه)‪ :‬يُخرج ظاهره على أنه كناه‪ ،‬ألنك إذا قلت ُمنكرًا‪ :‬الم تقم؟ فمعناه‪ :‬قد فعلت القيام‪ .‬وإذا قلت‬
‫ُأق ْمت‪ ،‬لم يكن فيه غثبات إنه قام‪ ،‬وإنما هو إنكار امر القيام‪ .‬والمتنبي لم يُكن أبا العشائر في القطعة التي قبل‬
‫هذه‪ .‬وإنما قال له هؤالء المطالبون المتتبعون لزهلل‪( :‬ألم َت ْكنه)؟ وهم مستفهمون ال منكرون‪ ،‬فلم يشعر هو‬
‫لمكرهم‪ ،‬فاعترف لهم‪ ،‬فقال‪ :‬ال‪ .‬ثم أعلم ما حاوله هؤالء الحاسدُون منه‪ ،‬فقال ها الشعر معتذرًا وحكى كا‬
‫واج ُهوه من لفظ االستفهام‪.‬‬
‫لَ ْب ِ‬
‫س معاني الورى بمعنا ُه)‬ ‫(اليتوقى أبُو ال َع َش ِ‬
‫ائر مـن‬
‫أي إن صفاته ُمغنية عن تسميته وتكنيته‪ ،‬النه منفرد يها ال يُشرك (فيها) اذ هي صفات ال يُحلى بها غيره‪.‬‬
‫ُ‬
‫والصفات التي‬ ‫فصارت كاالسم‪ ،‬بل هي أشد اختصاصًا به من االسم والكنية‪ ،،‬ألن ُحسنًا وأبا العشائر كثير‪.‬‬
‫ألبى العشائر ها‪ ،‬ال تلحق إال إياه‪ .‬فصارت الته كالحد للنوع المحدود‪ .‬وللك سمي تكنيته مع وصفه إياه عيا‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫راءها غير جفنها غير راقي)‬ ‫(كيف ترثى التي ترى ُكل ٍ‬
‫جفن‬
‫أي ال يسعها الرثاء للباكين‪ ،‬النه يبكي من هجرها واحد‪ ،‬بل كل واحد وإنما كانت ترثى لو انفرد باك بالبكاء‪،‬‬
‫فأما جميع الباكين من هجرها فال يسعهم رثايتها لهم‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إن كل جفن رآها بكى من هجرها إال‬
‫جفنها وحدها‪ ،‬فانه ال يبكى‪ ،‬ألنها ال تهجره‪ .‬ويُقوى ذلك بعد هذا‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫وفيت من ضنى واشتياق)‬


‫ِك ُع ِ‬ ‫أنت مِنا فتنت نفسـك لـكـن‬
‫( ِ‬
‫راق‬
‫فهي ال ترثى لذلك من غيرها؛ ألنها ُمعفاة منه‪ .‬وتقدير البيت‪ :‬كيف ترثى التي ترى كل جفن رآها غير ٍ‬
‫إال جفنها (فغير جفنها) استثناء (وغير راق) حال‪ .‬وإذا رددت غير راق إلى االسم المحصل فكأنك قلت‪ :‬كيف‬
‫ترثى التي ترى كل جفن رآها باكيًا‪ ،‬ألن (غير راق) معناه‪:‬باك كما أنك إذا قلت‪ :‬زيد غير عالم‪ .‬فغير عالم‬
‫كقولك‪ :‬جاهل واراد‪ :‬راقئا‪ ،‬فأبدل إبدا ً‬
‫ال صحيحًا‪ ،‬للوصل‪.‬‬
‫ألرار الرسي ُم ُمخ المناقى)‬
‫َ‬ ‫(لو َعدَا َع ْنك َغ ْي َر َه ْج ِرك بُعد‬
‫المانع عنك بعدًا ال‬
‫ُ‬ ‫وارار‪ :‬ذاد‪ .‬والرسيم‪ :‬ضرب من السير‪ .‬والمناقى‪ :‬اإلبل السمان‪ .‬أي لو كان‬
‫ِ‬ ‫عدا‪ :‬صرف‬
‫المسبب عن ذكر السبب‪ .‬ومثله قوله‪:‬‬ ‫ُ‬
‫هجرًا‪ ،‬لسرنا دأبًا حتى تهزل إبلنا‪ ،‬فيذوب ُمخها‪ ،‬فاكتفى بذكر ُ‬
‫تكلف ُ‬
‫اإلبل‬ ‫في البُعد ماال ُ‬ ‫ُ‬
‫البـخـل‬ ‫أبع ُد نأى المليحة‬
‫م ِْث َل أن َف ِ‬
‫اسنَا َعلَى ْ‬
‫األر َم ِق)‬ ‫ص ْلنَا َعلَ ْيهـا‬
‫( َولَ ِس ْرنا َولَ ْو َو َ‬
‫األرماق‪ :‬البقايا‪ .‬أي سرنا إليك على هذه اإلبل التي كانت تعود أرماقا ونحن كاألنفاس عليها خفة‪ ،‬لما لحقنا‬
‫فرددنني أخف على المر ُكوب من نفسي جرني (فمثل أنفاسنا)‪:‬‬
‫ِ‬ ‫السرى برى ال ُمدى‬
‫من النحول‪ :‬كقوله‪ :‬برتنى ُّ‬
‫حال من الضمير الذي في وصلنا (وعلى األرماق) ظرف متعلق بأنفاسنا‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬ولو وصلنا على‬
‫هذه اإلبل فقد استكرهت حملنا فضعقت عنه لما لحقها من المشقة‪ ،‬كما استكرت أرماقنا حمل أنفاسنا لذلك‪.‬‬
‫نولت مـن اإليراق)‬
‫ِل بما َّ‬ ‫(كاثرت نائل األمير ممن الما‬
‫اإليراق‪ :‬التجنيب والمنع‪ .‬يقول‪ :‬كاثرت عطاء األمير بمنعها‪ .‬يصفها بكثرة ذلك منها‪ .‬فكأنه قال‪ :‬عارضت‬
‫ُجود ُه ببخلها‪ ،‬ليكون أبعث على حبها كقول العرب‪( :‬تمنعى أشهى لك)‪ .‬وقد يكون أنه وصفها بالعفة‪ ،‬كما‬
‫وصف األمير بالكرم؛ أي أن عفتها في نوع العفة‪ ،‬ككرم األمير في نو الكرم‪.‬‬
‫دم ُك ُم في الوغى متون العتان)‬ ‫(يابني الحارث بن لقمان ال َتـع‬
‫في الوغى اختصاص حسن‪ .‬يصفهم بالشجاعة إذ ال يُدمنُون ركوب الخيل أبدا إلراضتها وسياستها‪.‬‬
‫لق ُ‬
‫بالذعر والدم المهـراق)‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تطعن الفي‬ ‫ُ‬
‫طاعن الطعنة التي‬ ‫(‬
‫ُ‬
‫الطعنة إال‬ ‫ُ‬
‫الكتيبة‪ .‬والذعر‪ :‬الفزع‪ .‬أي أنها طعنة تمأل صدور الكتيبة كلها ُذعرًا‪ ،‬وإن لم تكن تقع‬ ‫الفيلق‪:‬‬
‫بواحد‪ .‬فكأنه بذلك قد طعن الفيلق كله‪ ،‬فيفرُّ ون‪.‬‬
‫كالنطاق)‬
‫ِ‬ ‫ها وأطرا ُفها له‬ ‫هم ُه في ذوى األسنة ال في‬
‫( ُّ‬

‫أي حفت به األسنة‪ ،‬حتى صارت له كالنطاق‪ ،‬فهم ُه حينئذ في قتل ذوي األسنة؛‬
‫لهوانها عليه‪ ،‬وحقارتها لديه‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وأطرافها كالنطاق)‪ :‬جملة في موضع الحال‪ ،‬يستغرب ذلك وهذه حال‪.‬‬
‫وشبههه بعض النقاد بقول أبى تمام‪:‬‬
‫يوم الكريهة في المسلوب ال‬ ‫إن األسود أسود الغاب‬
‫السلب‬
‫ِ‬ ‫هـمـتُـهـا‬
‫وليس مثله‪ ،‬ألن أبا تمام نفي عن الممدوح ُحب سلب وأبو الطيب ذكر أن أبا العشائر ال يعبأ باألسنة المحدقه‬
‫به لشجاعته‪ ،‬ولم يذكر ُحب سلب وال ضده‪ ،‬وقال‪( :‬وأطرافها) ولم يقل (هي)‪ ،‬ألن األسنة لم تخالط لحمه بعدُ‪،‬‬
‫وإنما هي على ظاهر جسمه‪ ،‬فأطرافها هي المحدقة به ال جُملتها‪.‬‬
‫اق)‬
‫العار َو ِ‬
‫لم يكن دُونها من ِ‬ ‫جاعل درعـه مـنـيتـ ُه إن‬
‫( ٍ‬
‫أي يجعل درعه منيته التي تقيه العار‪ ،‬إذا لم يجد غير الموت واقيًا‪ .‬وكان أظهر من ذلك ‪ -‬لو اتزن له ‪ -‬أن‬
‫يقول‪ :‬جاعل منيته درعه‪.‬‬
‫واالسى ال ي ُكون بعد الفراق)‬ ‫(واالسى قبل ُفرق ِة ُّ‬
‫الروح ٌ‬
‫عجز‬
‫يُسفه رأي من شح بنفسه وجبُن‪ .‬فيقول‪ :‬المعنى لألسى قبل فرقة الروح‪ ،‬النه في حد الوجود‪ ،‬فإذا حل به‬
‫الحكم أال يكون أسى‪ .‬وقيل‪ :‬األسى ال يكون بعد الفراقن وإنما هو‬
‫العد ُم وأزال الوجود فال أسى هنالك؛ فمن ُ‬
‫قبل ال ُف رقة‪ ،‬فعلى هذا يكون صدر البيت تسفيهًا لرأي المشفق على الذات‪ ،‬وعجز ُه اعتذار له‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫كالشمس ولكن ي الشمس‬ ‫شـمـس‬


‫ِ‬ ‫(ليس قولي في‬
‫كاإلشراق)‬ ‫فِـعـلـك‬
‫جعل لفعل شمسًا‪ :‬استعارة لحسن أفعاله وإنارتها‪ .‬فيقول‪ :‬ليس ثنائي عليك في نوع الثناء؛ مثل فعلك في نوع‬
‫ُ‬
‫اإلشراق جوهر الشمس‬ ‫الفعل‪ ،‬ولكن فعلك شمس وثنائي إشراقها‪ ،‬أي أن ثنائي ُ‬
‫ينشرها فعال ويُبينه كما يُظهر‬
‫أشرق من اإلشراق؛ من حيث كانت جوهرًا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫باإلشراق‪ ،‬ألن الشمس‬ ‫وكنى عن فعله بالشمس‪ ،‬وعن ثناثه‬
‫ٌ‬
‫عرض فيها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫واإلشراق‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫بالخلُـود)‬
‫عليه لبشرتُه ُ‬ ‫(ولو لم أخف غير أعدائه‬
‫غير أعدائه‪ :‬الحمام البيعي‪ .‬فيقول‪ :‬لو أخف عليه الموت إال من قبل أعدائه لتيقنت أنه خالد؛ لقصور عدا ُه‬
‫عنه‪ .‬وهو نحو قول جرير‪:‬‬
‫أبشر بطول سالمة يامربـ ُع‬ ‫زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا‬
‫إال أن قول أبى الطيب أبلغ جريرًا بشر مربعا بطول السالمة‪ ،‬ولم يفصح بالخلود‪ .‬وأبو الطيب اراد أن يبشره‬
‫بالخلود‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫وأدرت من خمر الفراق ُكئوسا)‬
‫ْ‬ ‫(قطعت ذياك ُ‬
‫الخمار بـسـكـرة‬
‫الخمار‪ :‬أخف من السكر‪ .‬فيقول‪ :‬كنت أشكو هجرك مع القرب‪ ،‬فأتبعني بينك‪ ،‬وهو أشد من الهجر الذي كان‬ ‫ُ‬
‫مع دُنو الدار‪ ،‬وقرب المزار‪ .‬وكثيرًا ما يستعمل هذا النحو‪ ،‬أعنى أنه يستصغر العظائم‪ ،‬بإضافتها إلى ما هو‬
‫الصغرى التي كانت ال ُعظمى وكقوله‪:‬‬
‫كنت قبل الموت أستعظم النوى فقد صارت ُّ‬ ‫أعظم منها‪ ،‬كقوله‪ :‬وقد ُ‬
‫السقم الذي أذهب‬ ‫ُ‬
‫أجل من ُّ‬ ‫ولم يُسلها اال الـمـنـايا‬
‫السقما‬
‫ُّ‬ ‫وإنـمـا‬
‫وعليه منها َ‬ ‫ضمن على البـرية‬ ‫( َوبه يُ َ‬
‫ال َعـلِـ ْيه يُوسـى)‬ ‫ال ِبـهـاَ‬ ‫َ‬
‫أي يضن على البرية أن يُعد منها وإن كان من نوعها‪ ،‬النه أشرف منها جوهرًا وفعال‪ .‬فكأنه أنما ي ُعد في نوع‬
‫آخر غير نوع اإلنسان‪ ،‬وال يُنفس بالبرية عليه‪ ،‬ألن خطره أنفس من خطرها‪ ،‬فتقديره‪ :‬البها عليه‪( .‬فحذف‬
‫عليه) للعلم بها‪ ،‬وكذلك يُحزن عليه منها‪ :‬أي يُحزن على أن يُعد منها‪ُ ،‬فيبخس حقه‪ ،‬وال يُحزن عليها من كونه‬
‫معدودًا فيها بالنوعية‪ ،‬ألنها دونه في القدر والخطر‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إنه إنما يُحزن عليه من بينهم إذا هلك‪ ،‬ال عليها إذا هلكت‪ ،‬لعجز غنائها عن غنائه‪.‬‬
‫فمن على القول االول للعلة أي من أجلها‪ ،‬وعلى القول الثاني بمعنى من بينها‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ال صحيحًا للردف‪ ،‬في قول أبى الحسن وهو تخفيف قياسي في قول أبى عثمان؛‬ ‫(يءسى)؛ فأبدل إبدا ً‬‫وأراد‪ُ :‬‬
‫النه يرى الردف يالتخفيف القياسي معامل للفظ‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الس ْك ِر)‬
‫سكر ُّ‬
‫شارب ُم ِ‬
‫ٍ‬ ‫الخمر َف ُهنئتها من‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫صافية‬ ‫( َم َر ْت َك َ‬
‫ابن إبراهيم‬
‫أي أنت سكران صاحياُ بأريحية خلتك؛ فإذا شربت الخمر أسكرتها بفضل سكر‬
‫السكر ولم يقل ُمسكر الخمر ألن إسكاره السكر أبلغ من‬ ‫ِ‬ ‫أريحتك‪ .‬وقال ُمسكر‬
‫يحمل عرضًا؛‬ ‫ُ‬ ‫إسكاره الخمر‪ .‬وهو أذهب في الشعر وأغرب؛ ألن العرض ال‬
‫ال صحيحًا‪ ،‬كقوله‪( :‬فارعى‬ ‫فتفهمه‪ .‬وقال‪ :‬مرتك؛ وإنما هو مرأتك؛ فأبدل إبدا ً‬
‫المرتع)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فزارة ال هناك‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫مـنـك‬
‫ِ‬ ‫وك ثم ُ‬
‫أرق‬ ‫ُ‬
‫ألخ ِ‬ ‫الفوارس في‬
‫ِ‬ ‫(يا أخت ُمعتنق‬
‫وأرحـ ُم)‬ ‫الوغى‬
‫أن المحبوس تُ ُ‬
‫صيب فيما‬ ‫(يرنُو إليك مع العفـاف‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫تحكـ ُم)‬ ‫َوعـنـد ُه‬


‫(ألخوك)‪:‬‬
‫ِ‬ ‫قيل‪ :‬يخاطب محبوبته‪ .‬جعلها أختًا تعففًا عنها‪ ،‬وتنزهًا عن الفجور بها‪.‬‬
‫يعني نفسه‪( .‬ثم)‪ :‬أي في موضع القتال‪ .‬و (اعتناق الفوارس) أرق منك في الهوال‬
‫وأرحم‪ ،‬ذلك على قساوته في الحرب‪ ،‬برنو إليك مع العفاف ‪ . . .‬البيت‪.‬‬
‫يعف تشرفًا ال‬‫أي أن أخاك وهو يعني نفسه ينظر إليك فيعجبه حسنُك‪ ،‬إال أنه ُّ‬
‫تدينًا‪ ،‬وعنده مع عفته‪ ،‬أن المجوس تُصيب في حكمها الذي هو نكاح األخوات‪.‬‬
‫إن شئت قلت‪ :‬إنه يتعزل بأخت رجل شجاع‪ ،‬فيقول لها‪ :‬أخوك على شدته‬
‫أرق منك وأرحم‪ ،‬ثم أخبر عنه أنه يرنو إليها مع العفاف الذي تُوجبه‬ ‫وبسالته‪ُ ،‬‬
‫فيذم نفسه على ذلك العفاف الطبيعي‪ .‬وعنده أن‬ ‫منافرة الطبيعة لنكاح األخوات‪ُ ،‬‬
‫المجوس تصيب في نكاح األخوات‪.‬‬
‫لسخفه‪.‬‬ ‫وقد قيل في هين البيتين قول ال ينبغي أن ُيلتفت إليه ُ‬
‫وقولُه المجوس‪ :‬اراد المجوسيين‪ ،‬فلذلك أجل عليه األلف والالم‪ .‬ولو عنى القبيلة‬
‫مجوس كقوله‪:‬‬ ‫لقال إن ُ‬
‫ِعـارا‬
‫است َ‬ ‫وس َت ْس َتعِر ْ‬
‫مج َ‬
‫أحار أريك برقًا هـب وهـنـًا كنَار َ‬
‫األسح ُم)‬
‫رائعة البياض بعارضي ولو آنها األولى لراع ْ‬ ‫ُ‬ ‫(راعتك‬
‫ُ‬
‫الشيبة جعلوها (راعية) لذهاب‬ ‫الرائعة‪ :‬اول ما يظهر من الشيب‪ .‬والعرب تصف المرعى بالسواد‪ ،‬فاذا حلت‬
‫ُ‬
‫الراعية من الماشية حضرة المرعى‪.‬‬ ‫السواد‪ ،‬كما تُذهب‬
‫(ولو آنها االولى لراع األسحم)‪ :‬أي لو تقدم البياض قبل السواد‪ ،‬ثم أعقبه السواد لكان اروع؛ ألن السواد‬
‫أروع من البياض وأهول‪.‬‬
‫ذا ِعف ٍة فلـعـلة ال يظـلـ ُم)‬ ‫وس فإن تجد‬ ‫( ُّ‬
‫والظل ُم من شيم النُّ ُف ِ‬
‫المعنى‪ :‬والظلم من تأليف خلق النفوس‪ .‬ومعنى الظلم‪ :‬وضع الشيء في غير موضعه‪ .‬وتأليف النفوس من‬
‫اربعة أشياء متنافرة‪ :‬من حار رطب‪ ،‬وبارد رطب‪ ،‬وحار يابس‪ ،‬وبارد يابس‪ .‬وهي ما اعتدلت صلح الجسم‪،‬‬
‫واذا اختلفت فسد الجسم‪ ،‬فهل يوجد؟‬
‫ويكون أكذب ما ُ‬
‫يكون ويُقس ُم)‬ ‫(وتراه أصغر ما ترا ُه ناطقـًا‬
‫أي يعظم ساكنًا بهيبته‪ ،‬في ُغ ُّر من رآه‪ ،‬فاذا تكلم ص ُغر من لكنته‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫التـكـلـم‬
‫ِ‬ ‫عجب زيادت ُه أو ُ‬
‫نقصه في‬ ‫صامت لك ُم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وكائن ترى من‬
‫(ويكون أكذب ما يكون ويُقسم)‪ :‬أي إذا تناهى في الكذب أقسم عليه أنه حق له‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الغرق)‬
‫ِ‬ ‫آمنه س ْي ُفه من‬ ‫( ُك ْن لُجنة أيها السماح فقد‬
‫الُّلجة مهلكه لألرواح‪ ،‬والسماح مهلكة للمال‪ .‬فيقول‪ :‬أيها السماح ُ‬
‫اعظم‪ ،‬حتى تكون لُجة ُمهلكة لما له‪ ،‬فإن‬
‫سيفه يحلف عليه باإلغارة والنُهبة جميع ما تتلفه أنت‪ .‬ولما جعل السماح لجة استعار اسم َ‬
‫الغرق للفقر‪ .‬ونظير‬
‫هذا قول الشاعر‪:‬‬
‫ِر من سائر الناس‬
‫ومن َيفتق ْ‬ ‫ْ‬
‫يعـش‬ ‫ومن يفتقر منا‬
‫يسأل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بُـسـامـ ِه‬
‫وقال‪ :‬كن لُجة‪ ،‬ولم يقل‪ :‬كن بحرًا‪ ،‬ألن اللجة اهول ما في البحر أال ترى أن العرب تسنيها (ال َع ْوطب)‪ ،‬لما‬
‫ُس ُّموا جملة البحر َع ْو َطبا‪.‬‬
‫يحدث فيها من العطب أو يُخاف‪ ،‬ولم ي َ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ذاع عنك فتكر ُه)‬
‫تأتي الندى ويُ ُ‬ ‫(أنا بال ُوشاة إذا ذكرتُك أشـبـ ُه‬
‫الكريم يكره ذكر إحسانه إلى ُمؤمليه‪ ،‬حذار أن يُظنوا ذكر ذاك اعتدادًا به عليهم ومنا‪ ،‬فكأن من يذكره عنه؛‬
‫َصر ُه)؛‬
‫آخره (ن ْ‬
‫وينم به‪ .‬والقطعة رائية؛ وال تكون هائية؛ ألن بعد هذا البيت بيتًا ُ‬
‫يُشيع عنه ما يكره إشاعته؛ ُّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ٌ‬
‫متحرك ما قبلها؛ وهاء اإلضمار المتحرك ما قبلها؛ ال تكون رويا‪.‬‬ ‫فهذه هاء إضمار؛‬
‫ُ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬قد قال في المصراع االول من هذا الشعر (أنا بالوشاة إذا ذكرتك أشبهُ) فقفى بالهاء‪ .‬ق َ‬
‫لت‪ :‬لم‬
‫يُقف بهاء‪ .‬وليس الشعر بمصرع‪ ،‬وإنما هو في البُعد من التصريع‪ ،‬بمنزلته لو قال‪( :‬إذا ذكرتك ُ‬
‫أمثل) مع‬
‫ُ‬
‫احتيال لطفه له أهل بغداد‪.‬‬ ‫قوله تكره‪ .‬فهذا‬
‫والذي عندي أن أبا الطيب كان جاهال بصناعة القوافي؛ فانها مهنة دقيقة يعجز عنها الشعراء؛ ويفلطون فيها‪.‬‬
‫وقل من يعرفها من النويين إال الخليل وأبا الحسن إماميها وقلي ً‬
‫ال بعدهما‪.‬‬ ‫نعم؛ َّ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫السهل في المرتقى‬
‫أصاب الحدور َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫لـقـت عـينـاك بـين‬ ‫(ومن ُخ‬
‫الصعب)‬
‫ِ‬ ‫ُجـ ُفـونـ ِه‬

‫أي أن قلبي متنزه بمناعته؛ أي بشجاعته؛ دافع عن نفسه ببأسه‪ .‬ولكن من كانت له‬
‫عين كعينك‪ ،‬أصاب األمر الصعب بالسعى السهل‪ .‬أي فذلك ممكن لك منى على‬
‫تمنُّعه على غيرك‪ .‬واالنحدار سهل‪ ،‬واالؤتقاء صعب‪ .‬فمن كان االرتقاء عليه في‬
‫سهولة االنحدار؛ فكل صعب له سهل‪ ،‬كقول البحتري‪:‬‬
‫ـحـدر‬
‫ُ‬ ‫و ُمصع ٌد في هضاب المجد يطلُ ُعها كأنه لس ُكون الجأش منُ‬
‫وقد بالغ أبو الطيب بالمقابلة بين الحدور السهل والمرتقى الصعب؛ لسرى طبيعة الضد في الوصفين‬
‫والموصوفين‪ .‬قابل الحدُور بالمرتقى‪ ،‬والسهل بالصعب‪ .‬ولو أمكنه أن يقابل الحدُور بالصعود؛ لكان أذهب في‬
‫ُ‬
‫الصنعة‪ .‬ليوازن اللفظين‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫(وفا ُؤ ُكما كالربع أشجا ُه طاس ُمـه بأن تُسعدا والدم ُع أشفاه ساجم ُه)‬
‫يخاطب خليله‪ .‬وإنما كثرت مخاطبة العرب خليلين وصاحبين؛ دون أقل أو أكثر؛ ألن أقل السفر المتُرافقين‬
‫ثالثة‪ ،‬فالواحد يخاطب صاحبيه‪ .‬يذهبون في ذلك إلى أنه إن اختلف االثنان قتل األقوى األضعف‪ .‬فاذا كان‬
‫لهما ثاث؛ توسط فحال بينهما في األغلب‪ .‬فلذلك لم يصطحب في األكثر ُّ‬
‫أقل من ثالثة لهذه العلة‪ .‬هذا معنى‬
‫مخاطبة العرب في أغلب األمر االثنين‪ ،‬حتى تجاوزوا في ذلك إلى أن خاطبوا الواحد بخطاب االثنين؛ كقوله‬
‫رسي اضربا ُعنقه‪ .‬وقال‪ :‬فإن َت ْز ُجرانى يابن عفان أزدجر والطاسم‪:‬‬ ‫تعالى‪( :‬ألْ َقيا في َج َهنَّم)‪ .‬ومن كالمهم‪َ :‬‬
‫ياح ُّ‬
‫الدارس‪ .‬وأشجاه‪ :‬أشدُّه إشجاء وإحزانًا‪ .‬وال يكون فعال‪ ،‬لمقابتله إياه بقوله‪ :‬أشفاه‪ .‬وأشفى‪ :‬اسم ال فعل‪ .‬يقول‪:‬‬
‫وفاؤكما أيها الخليالن بأن تسعداني على بكائي في هذا الربع الدارس‪ ،‬كهذا الربع الذي بكيتهُ‪ ،‬وذلك في ترك‬
‫المساعدة في الوقت به معي‪ ،‬ففي ذلك أشبه وفاؤكما للربع دروسًا ُ‬
‫وطموسا‪ .‬ثم قال‪( :‬والدم ُع أشفاه ساجمه)‪:‬‬
‫(والدمع أشفاه ساجمه)‪ :‬أي باإلسعاد وبالدمع‬
‫ُ‬ ‫أي ال تلوماني على البكاء‪ ،‬فان أشفى الدمع ساج ُمه‪ .‬وقد يجوز‪،‬‬
‫الذي أشفاه ساج ُمه‪ .‬أي‪ :‬وفاؤكما باإلسعاد لي‪ ،‬والبكاء معي‪.‬‬
‫وق من صاحبه أن‬ ‫(دارس) قد قارب العدم‪ ،‬كما أن الربع كذلك‪ ،‬فكال كما أشجاه لي مادرس‪ ،‬وقد يقنع ُ‬
‫المش ُ‬ ‫ٌ‬
‫ً‬
‫يقف معه على الربع عاذال‪ ،‬أو عاذرًا‪ ،‬وإن لم يشركه في شوق وال بكاء‪ ،‬كقول البحتري‪:‬‬
‫أو ُمعينًا أو عاذرًا أو عذو َ‬
‫ال‬ ‫قف ُ‬
‫مشوقا أو مسعدًا أو حزينًا‬
‫فقد يجوز أن يكون أبو الطيب عدم هذا كله من خليله‪ ،‬وأبيا موافقته على وجه‪ :‬ال مشوقين وال مسعدين‪ ،‬وال‬
‫عاذرين‪.‬‬
‫ساجمه‪ ،‬يعني بكاه معه‪.‬‬
‫والدمع على هذا‪ ،‬معطوف على موضع (بأن تسعدا) أي باإلسعاد‪ .‬وبالدمع الذي أشفاه ُ‬
‫والباء في (بأن تُسعدا)‪ :‬متعلق بمحذوف أي وفاؤكما باإلسعاد‪ .‬وال تكون متعلقة ب(وفاؤكما) االولى‪ ،‬ألنك قد‬
‫أخبرت عنها بقولك‪( :‬كالربع) فمحال أن تخبر عن االسم وقد بقى ما يتعلق به‪ ،‬ألن هذا المتعلق به جزء منه‪.‬‬
‫فكما ال يخبر عن االسم قبل تمام حروفه‪ ،‬كذلك ال تخبر عنه وقد بقى ماهو جزء منه‪.‬‬
‫ُور كما‬ ‫نور ُ‬
‫والخد ُ‬ ‫على العيس ٌ‬ ‫سقاك وحـيانـاَ ِ‬
‫بـك الـلـ ُه‬ ‫( ِ‬
‫كمائ ُمه)‬ ‫إنـمـا‬
‫ُحيون بال ُنوار وأصناف االزهار‪ .‬فلما أبصرها في‬
‫جرى في هذا البيت على مذاهب العرب وطرائقهم‪ ،‬ألنهم ي ُّ‬
‫ويح ُسن‪ .‬ودعا لنفسه أن يحيا بذلك النور‪.‬‬
‫بالسقيل‪ ،‬لينعم ْ‬
‫الخدور جعلها نورًا في كمه‪ ،‬فدعا له ُّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫ُ‬
‫العيون بنظـر ٍة أثاب بها ُمعيى المطى وراز ُمه)‬ ‫(إذا ظفرت منك‬
‫سبب لقول الشعر فيها‪ ،‬والتغنى به في الطرق‪ ،‬وجميع ما يتصرفون‪ ،‬ويحدُون به‪ .‬فتنشط‬
‫يريد أن النظر إليها ٌ‬
‫اإلبل لذلك‪ .‬إذ من طبعها أن تنشط للحُداء‪.‬‬
‫بثـــانـــي ٍة‬ ‫(قِـــفِـــى تـــغـــرم‬
‫والـــ ُمــــ ْتـــــــلــ‬ ‫االولـــى مـــن‬
‫ُ‬
‫ـــــف‬ ‫الـــلـــحـــظ‬
‫ُمــــهـــــــجــــــ الـــــــشـــــــيء‬
‫غـــــــار ُمـــــــ ْه)‬ ‫ـتـــــــي‬
‫عدت المـهـجة االولـى‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اللحظة ُمهجتي‪ .‬ذا قد ُ‬ ‫يقول‪ :‬لحظتك فأهلت‬
‫فـعـمـل الـثـانـية ردُّهـا‪ ،‬ألن‬ ‫فقفى على حتى ألحظك اخرى‪ ،‬فترد‬
‫الـشـيء إذا انـتـهـى فـي ضـد‬ ‫على ما أذهب االولى‪ ،‬وذلك أن لكل‬
‫انـعـكـس إلـى ضـده‪.‬‬ ‫نظرة أنظرها تأثيرًا في‪ ،‬فا‬
‫ُ‬
‫وتـــكـــمـــلة‬ ‫(‬
‫وغـــــالـــــــب‬
‫الـــعـــيش‬
‫لـــــــون‬
‫الــــــصـــــــبـــ‬
‫الـــــــعـــــــارضـ‬
‫ــــا‬
‫ــــــين‬
‫وعـــــــقـــــــيبــ‬
‫وقـــــــاد ُمـــــــ ْه)‬
‫ـــــ ُه‬

‫أي كمال العيش‪ ،‬يعني جميع طبقاته‪ ،‬فأولُهن الصبا‪ :‬وهو من النشوء إلى الشباب‪،‬‬
‫وعقبيُ ه الشباب‪ ،‬وبعده غائب لون العارضين‪ ،‬وهو الشيب مالم يقدم‪ ،‬فاذا قدم فقد‬
‫كمل العيش‪ ،‬وما بعد الكمال إال النقص‪ .‬والهاء في (قادمه) راجع إلى اللون‪ ،‬وال‬
‫يكون راجعًا إلى اللون‪ ،‬وال يكون راجعًا إلى (غائب)‪ ،‬فيكون من إضافة الشيء‬
‫إلى نفسه‪ ،‬وليس كذلك إذا كان مضافًا إلى اللون‪ ،‬ألن لون جنس انقسم إلى نوعين‪:‬‬
‫غائب وقادم؛ والنوع غير الجنس‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬وتكملة العيش الصبا وعقيبُه‪ ،‬سوا ُد‬
‫وبياصه‪ ،‬النه إذا كان البياض غالبًا‪ ،‬فالسواد حاضرز‬
‫ُ‬ ‫الشعر‬
‫بارق في فازة أنا شائم ْه)‬
‫حيا ٍِ‬ ‫وأحسن من ماء الشبيبة ُكلـه‬
‫ُ‬ ‫(‬
‫قوله‪( :‬في فازة) يعني فازة ديباج ضربت لسيف الدولة‪ ،‬والحيا هنا‪ :‬الخصب‪ ،‬ويعني به سيف الدولة‪ .‬والشائم‪:‬‬
‫الناظر‪.‬‬
‫تجول مذا كيه وتدأى ضراغ ُم ْه)‬
‫اليرح ماج كأنـمـا ُ‬
‫ُ‬ ‫ض َربته‬
‫(إذا َ‬
‫أي هذه الفازة ُمصور ٌة بصورة خيل وأسد‪ ،‬فاذا مرت به الريح حركت الفازة‪ ،‬فتحركت هذه ُ‬
‫الصور بحركاتها‪،‬‬
‫فتُ خيل أن مذاكيها‪ ،‬وهي الخيل المصورة فيها تجول‪ ،‬وان ضراغمها تدأى‪ :‬أي تمرا سريعًا‪ .‬ومن روى‬
‫وضراغمة‪ .‬وان يكون في‬ ‫وضرغام ِ‬ ‫ض ْرغم ِ‬ ‫(تأى)‪ :‬أي تهمس المشى لتختل‪ .‬والضراغم‪ :‬األسد‪ .‬واحدها ِ‬
‫ضرغام أو ضرغامة‪ ،‬لزم (ضراغيم) ألن األلف إذا كانت رابعة‬ ‫ضرغم أولى‪ ،‬ىنه إن كان جمع ِ‬ ‫البيت جمع ِ‬
‫ُ‬
‫في الواحد‪ ،‬صارت ياء في الجميع ثابتة‪ ،‬إال أن يُضطر شاعر‪ ،‬كما أنشد سيبويه‪ :‬والبكرات الفسج العطامسا‬
‫وانما حكمه العطاميس‪ ،‬فحذف للضرورة‪ ،‬فإن يكن ضراغمه جمع ضرغم وهي لغة مشهورة حكاها ابن‬
‫ُد َوريد وغيره‪ ،‬أوجه من أن يُوجه على الضرورة‪:‬‬
‫َومل سوا ُد الليل مما تُزاح ُمه)‬ ‫الصبح مما تُ ُ‬
‫غير ُه‬ ‫( َف َقد مل ضوء ُ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫ومل حدي ُد الهند مما تالط ُمه)‬ ‫(ومل القنا مما تـد ٌ‬
‫ُق صـدوره‬
‫غيره) في البيت من الغيرة‪ ،‬يريد أن الصبح يغار من كثرة ما تفعل فيه‪ ،‬من قبله‬ ‫ذكر طاهر بن الحسين أن (تُ ُ‬
‫إلى ضده‪ ،‬من شدة القتال‪ ،‬وكذلك الليل أيضا يفار من ذلك‪ ،‬النه يُصيره يومًا‪ ،‬إلظهاره فيه السيوف والرماح‪،‬‬
‫من ضيائها‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال ابو الفتح بن جنى‪ :‬اراد تُغير فيه‪ ،‬فحذف حرف الجر اختصارا‪.‬‬
‫وقال في (تزاحمه)‪ :‬أي تسرى فيه‪ ،‬فاستعمل (تزاحمه) في موضعها‪.‬‬
‫والهاء في (تزاحمه) مفعول به‪ ،‬وليست بمعنى (تزاحم) فيه‪ .‬وقال الوحيدُ‪ :‬ليس هذا اراد بقوله (تغيره) وإنما‬
‫اراد أنك تسير في بياض الحديد‪ ،‬من البيض والروع‪ ،‬فكأن الصبح يغار عليه إذا رأى ضياء غيره قد ألبس‬
‫به‪.‬‬
‫ُ‬
‫يزاحم الليل الذي هو الظلمة‪ .‬وقوله‪( :‬ومل حدي ُد الهند مما تالطمه) أي تالطمه بأمثاله‪.‬‬
‫الج ُفون عزائمه)‬ ‫ُ‬
‫وأنفذ مما في ُ‬ ‫ً‬
‫هـيبة‬ ‫(قبائع ُها تحت المرافـق‬
‫يريد انهم يسترون سيوفهم ويخفونها هيبة ومخافة من سيف الدولة‪ .‬وعزائم ُه ُ‬
‫أنفذ من شفار سيوفهم‪.‬‬
‫سحاب إذا استسقت سقتها‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫يزحف‬ ‫سحاب من العقبان‬
‫ٌ‬ ‫(‬
‫صوار ُمه)‬ ‫تحتـهـا‬
‫ويروى‪( :‬فوقها)‪ ،‬فيكون قوله‪( :‬العقبان) في أول البيت كناية عن الخيل‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫العتاق الصالد ُم‬ ‫بأماتها وهي‬ ‫فراخ ال ُفتخ أنك زرتهـا‬ ‫ُ‬
‫تظ ُّن ُ‬
‫ينقص عن واحده بالهاء‪ ،‬ذلك تذكيره وتأنيثه‪ ،‬فأنث في قوله (تحتها)‪ ،‬وذكر‬ ‫ُ‬ ‫السحاب‪ :‬جمع سحابة‪ .‬وكل جمع‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫موصول‪ ،‬ليس له‬ ‫في قوله‪:‬صوارمه‪ ،‬أخذًا باألمرين‪ .‬وال يمكنه هنا غير ذلك‪ ،‬لمكان الوزن‪ ،‬وأن هذا الشعر‬
‫خروج‪ ،‬أعنى أنه ليس بعد هائه حرف لين‪ .‬وقيل تأنيث هذا النوع على الجمع‪ ،‬وتذكيره على الجنس‪ .‬أي قد‬
‫ُحشرت العقبان في أفق جيشه‪ً ،‬‬
‫وثقة منها بما يُقتلون‪ ،‬فيكون رزقًا لهذه العقبان‪ ،‬كقول األفوه‪:‬‬
‫عين ثقة أن ستُ ُ‬
‫مار‬ ‫رأي ٍ‬ ‫الطير على آثارها‬
‫َ‬ ‫وترى‬
‫فالعقبان على هذا الجيش كالسحاب‪ ،‬لتكاثُفها واشتباكها ولونها والجيش تحت هذا‬
‫سحاب آخر‪ .‬فإذا الذي هو الجيش‪ ،‬بأن تضع لها‬ ‫ٌ‬ ‫السحاب‪ ،‬الذي هو من العقبان‪،‬‬
‫فتخصب‪ .‬وجعل األسفل يسقى األعلى؛ إغرابًا‪ ،‬النه بعكس ما‬ ‫ُ‬ ‫القتلى فتنزل عليها‪،‬‬
‫جرت عليه العادة‪ ،‬من أن االعلى هو الذي يسقي االسفل‪.‬‬
‫مستطعمة ال ُم ْس َت ْسق ٌ‬
‫ِية؛ النه‬ ‫ٌ‬ ‫وقال‪( :‬إذا استسقت) وانما العقبان وسائر سباع الطير‬
‫سق‪ .‬كقول أبى ُذؤيب في صفة السحاب‪ :‬تروت بماء‬ ‫والسحاب ُم ٍ‬
‫ُ‬ ‫ذكر السحاب؛‬
‫البحر ثم ترفعت‬
‫ومن الحسن أن تكون الرواية (يزحف) على لفظ التذكير؛ توطئة لقوله‪ :‬صوار ُمه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫كتيبة جرارة‪،‬‬ ‫فيكون ضربًا من اإلشعار‪ .‬وجعلها تزحف لكثرة الجيش‪ ،‬كما قالوا‪:‬‬
‫أي ال ت ُقدر على السير إال رويدًا؛ لكثرتها‪.‬‬
‫ؤيدات قوائ ُمه)‬ ‫صروف الدهر حتى لقيتُه على ظهر ٍ‬
‫عزم ُم ٍ‬ ‫( ُ‬
‫سلكت ُ‬
‫ُ‬
‫بسلكت ‪. . .‬‬ ‫الهاء في لقيتُه‪ :‬عائدة على سيف الدولة‪ .‬وعلى‪ :‬متعلقة‬
‫فالمعنى‪ :‬إن عزمه قوى مؤيد؛ فاستعار انه ركبه ويسلك صروف الدهر عليه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫أأطرح المج َد عن كتفِي وأطلُُبـه ُ‬
‫وأترك الغيث في غمدي وأنتج ُع)‬ ‫ُ‬ ‫(‬
‫يحمل على الكتف ُمعتق ً‬
‫ال‪ ،‬لما كان المجد يُكتسب به‪ .‬فهذا من باب االستغاء عن‬ ‫كنى بالمجد عن الرمح الذي ُ‬
‫ُ‬
‫ذكر السبب بذكر ال ُمسبب‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬جعل الرمح هو المجد مبالغة‪ .‬كقولهم‪ :‬ما زيد إال أكل وشرب‪ :‬وإن‬
‫أطلب أثرًا بعد عين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫شئت‪ :‬كان الحذف؛ (أي ذا المجد) وهو الرمح ايضا‪ ،‬إلدراك المجد به‪( .‬وأطلبه)‪ :‬أي‬
‫ُ‬
‫الغيث هنا ذات السيف‪ .‬وانما‬ ‫وأترك الغيث في غمدي‪ :‬يعني السف الذي هو سبب خصب المعيشة‪ .‬وليس‬
‫عنى الغيث‪ .‬وإن شئت قلت‪َ :‬ج َعله الغيث مبالغة‪ ،‬إذ كان سببًا له‪ ،‬ثم قال وأطلب الرزق على غير هذا الوجه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫الذي ال ي ْك ُرم عيش وال يُصب إال به‪ ،‬كقول النبي عليه السالم‪( :‬الخير في السيف والخير مع السيف)‪.‬‬
‫زأصل االنتجاع‪ :‬طلب الكأل‪ .‬ثم صار كل طلب‪ :‬نُجعة‪ .‬وحسن لفظ االنتجاع لتقدم ذكر الغيث‪.‬‬
‫ُسو ُد الغمام فظنوا أنها ُ‬
‫قزع)‬ ‫ُمستُق عينيه وقد طلعت‬
‫(ذم الد ْ‬
‫ال وهو كثير‪ ،‬فأقدم اغترارًا بما خيلته اليه عينهُ‪ ،‬فذم‬ ‫أي غرت الدمستف عينا ُه‪ ،‬ثم توهم جيش سيف الدولة قلي ً‬
‫عينيه وال مه ُما اذ لم تخبراه باليقين‪َ ،‬فتُريا ُه الجيش على ما هو به من الكثرة‪ ،‬النه لو صدَقتا ُه لم يُقدم وال َق َز ُع‪:‬‬
‫السود‪،‬‬ ‫كقزع السحاب‪ ،‬وهو كسود الغمام‪ ،‬وانما شبهه بالغمام ُّ‬ ‫قطع السحاب المفترقة‪ .‬يقول‪ :‬ظن الجيش قليال َ‬
‫غيث‪ ،‬فهي أشبه بصفة الجيوش من جهة العاقبة واللون‪ ،‬أال تراهم‬ ‫النه أهول منظرًا؛ وألن فيه صواعق بال ٍ‬
‫قالوا‪ :‬كتيبة جأواء وخضراء وخصيف‪ .‬وكل ذلك إلى السواد‪.‬‬
‫ال وهو كثير‪ ،‬فأقدم‪ ،‬وكان أذهب في الصنعة لو‬ ‫فتلخيص البيت‪ :‬ذم الدمستق عينيه حين أوهمتاه الجيش قلي ً‬
‫إخبار عن الدُّمستق‪ ،‬ولكنه حمل الضمير عليه وعلى‬ ‫ٌ‬ ‫زحاف ‪ -‬أن يقول‪( :‬فظن)‪ ،‬بلفظ اإلفراد النه‬
‫ٍ‬ ‫اتزن دون‬
‫من حوله‪.‬‬
‫األجواف ما‬
‫ِ‬ ‫يفتح في‬ ‫ُ‬
‫فالطعن ُ‬ ‫(كأنما تتلقاهُـم‬
‫تس ُع)‬ ‫لـتـسـلُـكـ ُهـ ْم‬
‫ُ‬
‫يمرق‪ ،‬فالطعن يفتح في أجوافهم ماتسع الخيل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يسلك السه ُم الرمية ثم‬ ‫أي كأن خيله تريد ُسلُوك عداه‪ ،‬كما‬
‫إشادة بالطعن‪ ،‬وتشيعًا له‪ .‬كقول قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫يرى قائم من دُوتها ماوراءها‬ ‫ُ‬
‫فأنهرت فتقها‬ ‫ُ‬
‫سلكت بها كفى‬
‫ماتسع الخيل؛ فحذف المفعول‪ ،‬لتقدم ذكر الخيل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأراد‬
‫على نفوسهم ال ُمقورة ال ُم ُز ُع)‬ ‫ً‬
‫طافحة‬ ‫الفر‬
‫(دُون السهام ودُون ِّ‬
‫الخيل حتى صارت أقرب إليهم من السهام التي فيهم‪ ،‬مبالغة وليس بحقيقة‪ ،‬ألن السهام التي‬ ‫ُ‬ ‫أي قد تغشتهم‬
‫الفر)‪ :‬أي أن الخيل تمنعهم الفرار‪ .‬وقال‪( :‬على نفوسهم)‪ ،‬ولم‬
‫أقرب اليهم من الخيل التي عليهم‪ .‬و(دون ِّ‬ ‫ُ‬ ‫فيهم‪،‬‬
‫يقل على أبدانهم؛ ألن نفوسهم قد فاضت عن أبدانهم‪ ،‬فكان الخيل تسبق السهام وتفوت حتى تغنى عن الفر‪.‬‬
‫ويروى (دُون السهام ودون القر) فيكون ال ُم ْقور ُة على هذا الدروع التي قد أخلقها التداول؛ حتى عادت‬
‫كالمقورة من الخيل وهي الضامرة ‪ -‬المتجردة و(ال ُم ُزع) على هذا‪ :‬التي قد تمزقت أشالؤها أي قد تمزقت كما‬
‫يتمزع اللحم أي يتبدد‪ .‬فيكون المعنى أنه ال تقيهم ال ُكسى حرًا وال بردًا؛ ولكن هذه الدروع المقورة‪ .‬والرواية‬
‫ُ‬
‫االولى أصح‪.‬‬
‫العلج علجًا حال بين ُهمـا أظمى تُ ُ‬
‫فارق من ُه أختها الظل ُع)‬ ‫(إذا دعا ُ‬

‫ر ُمح أظمى‪ :‬أسمر؛ وقيل‪ :‬ظمآن إلى الدم؛ واالول أولى؛ إذ لو كان من الظمأ لكان‬
‫حريًا أن ُيسمع مهموزًا‪ ،‬ولم أسمعه كذلك‪ .‬إال أن مثل هذا اإلبدال قد يجوز في‬
‫تع) وال حاجة بنا إلى توجيه ذلك هنا‪ ،‬اذ المشهور‬‫هناك ال َم ْر ُ‬
‫ال ِ‬ ‫الضرورة كقوله‪َ ( :‬‬
‫في كتب اللغة أن األظمى‪ :‬األسمر‪ .‬يقول‪ :‬إذذا تداعى العلجان لتناذر أو تشاور أو‬
‫تناحر‪ ،‬حال بينهما ُرمح أظمى يدخل بين الضلعين؛ فيفرج بينهما حتى يتفرقا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫و(منه)‪ :‬أي من أجله‪ .‬وحسن ذلك المفارقة هنا لقوله‪( :‬حال بينهما)‪ .‬وكان من‬
‫ُحسن الصنعة لو اتزن له ‪ -‬أن يقول‪ :‬إذا دعا العلج صاحبه ليوازي به قوله‪:‬‬
‫الضلع)؛ ألن األخوة والصحبة من باب المضاف ولكنه ذلك اراد؛ كأنه قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫(أختها‬
‫إذا دعا العلج صاحبه أو أخاه‪.‬‬
‫أمين مـالـ ُه ُ‬
‫ورع)‬ ‫للباترات ٌ‬
‫ِ‬ ‫بطريق تضمنها‬
‫ٍ‬ ‫(كم من ُحشاشة‬
‫ُ‬
‫واألمين هنا‪ :‬القيد ونفى الورع عنه إغرابًا بأمين‬ ‫ُ‬
‫والباترات‪ :‬السيوف القاطعة‪.‬‬ ‫الحشاشة‪ :‬النفس‪ .‬وقيل‪ ،‬بقي ُتها‪.‬‬
‫ُ‬
‫ال ورع له‪ .‬وانما سماه أمينًا لحفظه على السيف ما استودعته إياه من األسارى؛ حتى يردهم إليه عند القتل‬
‫ورع‪ .‬ألن الورع إنما يكون عن قصد‪ ،‬والقصد إنما يكون لذى العقل‪ .‬وكذلك أمانته‬ ‫فهو أمين لذلك‪ .‬وليس له ٌ‬
‫ً‬
‫غير حقيقة‪ .‬ولو كان أمينًا عاقال لكان ورعًا إذا ال أمانة إال بورع‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫يضطجع)‬
‫ُ‬ ‫ويطر ُد النوم عن ُه حين‬
‫ُ‬ ‫قاتل الخطو عن ُه حين ُ‬
‫يطلـبـ ُه‬ ‫(يُ ُ‬
‫أي تقصر ُخ طا هذا األسير بضيق القيد‪ ،‬إذا اراد أن يخطو‪ .‬ويطرد النوم عنه ترنم حلقه كقول أبى نواس‪:‬‬
‫لها خط ُو ُه عند القيام فصير‬ ‫إذا قام غنت ْه على الساق حلقة‬
‫والمقاتلة والطراد في هذا البيت مستعاران‪.‬‬
‫خانُو األمير فجازا ُهم بما‬ ‫ستق إن المسلمين‬ ‫(قل ُّ‬
‫للد ُم ِ‬
‫صن ُعوا)‬ ‫لـ ُكـم‬
‫خيانهم اياه‪ :‬خال ُفهم له؛ بسعيهم إلى النهب وأسالب العدُو المفزوعين‪ .‬وإسالم ُه إياهم له‪ :‬تر ُكه الطلب بثأرهم؛‬
‫أو رضاه لهم ماحل بهم‪.‬‬
‫كأن قتال ُك ُم إياهم فجعوا)‬ ‫(وجدنم ُوهم نيامًا في دمائ ُك ُك‬
‫اي خافو ُكم؛ فألقوا نفوسهم في دماء قتال ُكم‪ :‬لتحسبوهم منهم‪ ،‬فتتجافوا عنهم؛ وكأنهم هم ُ‬
‫المجوعون بقتالكم‪،‬‬
‫يُلقون أنفسهم عليها كإلقاء المفجوع نفسه على القتيل تأسفًا‪ .‬وقيل‪ :‬كان المسلمون يأتون قتلى الروم يتخللونهم؛‬
‫فينظرون من به ٌ‬
‫رمق فيقتلونه‪ ،‬فبينما أكب عليهم المشركون فقتلوهم‪.‬‬
‫يأخ ُذ من ُكم فوق ما‬
‫والضرب ُ‬
‫ُ‬ ‫تش ُّق ُكم بفتاهـا ُكـل‬
‫( ُ‬
‫يدع)‬
‫ُ‬ ‫سـلـهـب ٍة‬
‫(بفتاها)‪ :‬اي بفارسها‪ .‬ذهب في لفظ الفتى إلى الرفع من شأن الفارس؛ كقولهم‪( :‬أنت الفتى ُّ‬
‫كل الفتى) ال يُذهب‬
‫ُ‬
‫الرجل‪ .‬تمدحه بالصبر والثبات والنجدة‪ ،‬ال تعني به الرجولة التي هي‬ ‫به إلى فتاء السن‪ :‬لكنه كقولك‪ :‬انت‬
‫يدع)‪ .‬ذهب قوم إلى انه عنى أن القتلى أكثر من الناجين‪ .‬وهو لعمري‬ ‫(والضرب ُ‬
‫يأخذ منكم فوق ما ُ‬ ‫ُ‬ ‫الذكورية‬
‫الكم؛ وانام؛ وانما عنى أن الضرب يأخذ النفوس‪ ،‬ويدع األبدان؛ والنفس‬‫َّ‬ ‫بذلك‬ ‫يعين‬ ‫لم‬ ‫انه‬ ‫عندي‬ ‫والذي‬ ‫ٌ‬
‫قويل‬
‫ً‬
‫فوق الجسم في لطف الجوهر‪ ،‬وشرف العنصر‪ .‬فهذا معنى قوله‪ :‬ما َيدع‪ .‬ال الكميه التي ذهب اليها أوال‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ويعصي الهوى في طيفها وهو‬ ‫( ُّ‬
‫يرد يدًا عن ثـوبـهـا وهـو‬
‫راق ُد)‬ ‫قـار ٌد‬
‫(يرد يدا عن ثوبها)‪ :‬كناية عن العفاف‪ .‬والثوب هنا‪ :‬يجوز أن يعني اللباس؛ وان يعني بعض طوائف جسمها؛‬
‫كقول اآلخر‪:‬‬
‫لم يُبلوا ُحرمة الرجل ْه‬ ‫جيب فتاتـهـ ُم‬
‫خرقوا َ‬
‫َّ‬
‫قيل‪ :‬يعني بالجيب ال ُقبل‪ .‬وقوله (وهو قادر)‪ :‬اي متمكن بها‪ ،‬ال يتقي رقيبًا النه ذلك في النوم وأثبت لنفسه‬
‫قدرة في نومه النه قد تتهيأ للنائم أفعال اليقِظ وإن كانت غير مقصودة‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن قوله (يريد يدا عن ثوبها‬
‫وهو قادر)‪ :‬أن هذا إنما هو في اليقظة‪ .‬وانما اراد وهو يقظان فلم يتزن له‪ ،‬فكنى بالقدرة عن اليقظة ألن‬
‫اليقظان أملك لذاته من النائم مع أن قادرًا مقلوب لفظ راقد‪ .‬فأناب المقلوب في المقابلة مناب الضد الذي هو‬
‫يقظان‪( .‬ويعصي الهوى وهو راقد)‪ :‬اي انه يملك نفسه عن شهوته في حال النوم‪ .‬وتلك حال ال يغلب فيه ُ‬
‫عقل‬
‫الرقاد‪.‬‬
‫يقرب بتمالكه عن محبوبه في الحال ٌّ‬ ‫شهو ًة‪ ،‬ألن التحصيل حينئذ عازب؛ فهو ُ‬
‫وجملة معنى البيت‪ :‬انه اعتاد العفاف في يقظته؛ كقوله هو‪:‬‬
‫َة في ُكل مليح ِة ضراتها‬ ‫واألبو‬
‫َّ‬ ‫وترى المروة والفتو َة‬

‫فاذا رآى الطيف أراه النوم ما تعود من العفة في اليقظة فعف‪ ،‬فإن ذلك من خلق‬
‫ُ‬
‫حذاق‬ ‫النفس كثير‪ .‬أعنى أن ترى في ُحلمها ما تعودته يقظي؛ ولذلك علة ذكرها‬
‫القدماء جالينوس وغيره‪ .‬والطيف فعل من طاف يطوف اال أنا لم نسمع فيه طوفا‪.‬‬
‫وقد يكون (فعال) من طاف يطيف؛ ُسمي بالمصدر‪ ،‬ألن نسمع طاف يطيف عندنا‬
‫طاح يطيح قياسًا‬
‫من باب باع يبيع واسع وال أحمله على ما ذهب اليه الخليل في َ‬
‫عليه؛ ألن باب باع يبيع واسع كثير‪.‬‬
‫توهتُه‪.‬‬
‫وباب (طاح يطيح) قليل‪ ،‬اليُوجد لها ات إال تا ُه يتيه في لغة من قال‪ْ :‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ُ‬
‫الركية تميه وهو من الواو فهي ثالثة (لطاح) وتا َه) على‬ ‫وحكى ابو زي‪ :‬ناهت‬
‫قول الخليل‪:‬‬
‫وإن لم يكونوا ساجدين مساج ُد‬ ‫ٌ‬
‫مخضبة والقو ُم صرعى كأنهم‬
‫اي هذه البالد ُمخضبة‪ ،‬الدماء فيها جارية واألشالء ُمنكبة ومبطوحة فكأنها مساج ُد ُمخلقة ال نكباب القتلى وإن‬
‫يكونوا ساجدين‪.‬‬
‫والرماح المكايد)‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتطعن فيهم‬ ‫والسابقات جبـالُـهـم‬
‫ُ‬ ‫(تُ ُ‬
‫نكسهم‬
‫تنكسهم‪ :‬تقلبهم على رؤسهم‪ .‬فيقول‪ :‬من شأن تنكيسك لهم عن متون خيلهم وهو ُركبان لها‪ .‬فلما تركوا الخيل‪،‬‬
‫تنكسهم به‬
‫تنكيسهم بالرمح حينئذ‪ ،‬كما كنت ُ‬
‫ُ‬ ‫وركبوا الحصون والقالع ُ‬
‫وقنن الجبال مكان الخيل؛ فلم يمكنك‬
‫ُفرسانا‪ ،‬أقمت كيدك لهم مقام الرمح فنكستهم عن الجبال به‪ .‬وقوله‪( :‬والرماح المكايد)‪ :‬اي المكايد هي التي‬
‫قامت مقام الرماح ألنك وصلت بالمكيدة إلى مثل‪ :‬ما كنت واص ً‬
‫ال إليه بالرم‪ .‬وقد أجاد ي تطبيقه قوله‪:‬‬
‫(والسابقات جبالهم) بقولهم‪( :‬والرماح المكايد)‪.‬‬
‫ُ‬
‫تضيق به أوقاته والمقاص ُد)‬ ‫(فتى يشتهي ُطول البالد ووقتُ ُه‬
‫الدهر فهو يشتهي طول الدهر ليسع همته‪ ،‬وجيشه عظيم تضيق عنه البالد فهو يشتهي‬
‫ُ‬ ‫يقصر عنها‬
‫اي همته ُ‬
‫ُ‬
‫أن تسع البالد وتطول لتحمل جمعه‪ .‬فألوقات أزمنة وتضيق عن همته والمقاص ُد أمكنة تضيق عن جيشه‪ .‬وفي‬
‫البيت حذف‪ .‬وتمامه ‪ -‬لو اتزن ‪ -‬فتى يشتهي طول لجيشه وسع َة األوقات لهمته فهتمه تضيق عنها األوقات‬
‫وجيشه تضيق عنه البالد‪.‬‬
‫السها والفراق ُد)‬
‫(أح ُبك ياشمس الزمـان وبـدر ُه وإن ال منى فيك ُّ‬
‫جعله شمس الزمان وبدره ليخبر عنه بكمال النُّورية وأنه يعم الليل والنهار بضوئه وهذا أحسن‪ .‬ألن الممدوح‬
‫ال فهو النهار شمس ولليل بدر‪ ،‬واختار البدر على القمر ألن القمر ربما لم يُغن ضوؤه كبير‬ ‫موجوده نهارًا ولي ً‬
‫غناء مع ما آثر ممن الوزن‪ .‬وجعل غيره من األمالك باإلضافة إليه ُسهًا وفراقد‪ .‬وال خفاء بما بين الشمس‬
‫السها والفراقد من المراتب في النُّور‪ .‬فيقول‪ :‬أنا أحبك أيها الملك الذي هو الملوك كالشمس‬
‫والبدر وبين ُّ‬
‫كالسها‪ .‬والفراقد في‬
‫والبدر في النجوم لعظم نفعك وجسامة غنائك في نوعك وإن فيك أمالك؛ هم في الملوك ُّ‬
‫الكواكب فكيف أطيع من هو كالسهام والفراقد فيمن هو كالشمس والبدر وهما ُمغنيان عن السها والفرقدين‪ .‬بل‬
‫احدهما مغن عنهما‪ .‬والسها والفرقدان ال يتجزءان كنها وال من احدهما وقال‪( :‬والفراقد)‪ .‬وانما هو (الفرقدان)‬
‫ألن جمعهما‪ .‬بما حولهما‪ ،‬أو على أنه جعل كل جزء منهما فرقدًا وقد فعلت العرب ذلك قبله كثيرًا كقوله‪:‬‬
‫ودون الجدى المأمول منك الفراقد وحكى سيبويه‪ :‬أنهم يقولون للبعير (ذو عثانين) جعلوا كل جزء منه ُعثنونا‪.‬‬
‫وقال جرير‪ :‬أنشده سيبويه‪:‬‬
‫ُ‬
‫المفارق واكتسبن قتيرا‬ ‫شاب‬ ‫ُ‬
‫العواذل ما لجهلك بعدمـا‬ ‫قال‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ويقصر أن ينال وفيه ُط ُ‬
‫ول)‬ ‫ُ‬ ‫(يحي ُد ُ‬
‫المح عنك وفيه قصـد‬
‫ويقصر الرمح أيضًا أن ينالك هذا‬
‫ُ‬ ‫اي هيبتُك في فؤاد القرن ُ‬
‫تخذل يده فيحيد رمحه عنك مهابة لك بعد أن سده‬
‫ُ‬
‫القرن به حذره إقدامك عليه وإن كان طويال‪ .‬وانما يعنى بطول الرمح العمل به وجودة التصريف له ال الطول‬
‫ً‬
‫عيب وذلك أن الرمح إذا كان طويال خان فضعف‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫الذي هو ضد القصر‪ .‬ألن الطول ٌ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫نـازل)‬
‫ِ‬ ‫ُقبيل الش ُفون إلى‬ ‫من طلبن‬‫لخمس إلى ْ‬
‫ٍ‬ ‫(شفن‬
‫خمس بين يوم ولية‪ .‬والعرب‬ ‫ٍ‬ ‫الشفن‪ :‬النظر من فوق إلى أسفل‪( .‬لخمس)‪ :‬اي بعد‬
‫تُغلب في مثل هذا المؤنث على المذكر‪ ،‬لسبق الليلة في تاريخ الشهر‪.‬‬
‫اي ركبت ُفرسانك خيلهم إلى عدوهم وط َووا عليها المراحل لي ً‬
‫ال ونهارًا فما نزلوا‬
‫نظرهن إلى من طلبته من العدو قبل‬ ‫ُ‬ ‫عنها حتى هجمت بهم على مطلوبهم‪ .‬فكان‬
‫نازل عنهن‪ .‬اي لو ينزل أح ٌد منهم عنها فتنظر إليه‪ .‬وانما أدركوا ما‬ ‫نظرهن إلى ٍ‬
‫طلبوه ثم كان النزول بعد ذلك‪.‬‬
‫والعاسل)‬
‫ِ‬ ‫نوافر كالنحل‬ ‫(فأقبلن ينحزن ُقـدامـ ُه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ينحزن‪ :‬ينفعلن ويتحوزن فقبلت الواو ألفا النفتاح ما قبلها‪ ،‬فالتقى بذلك ساكنان فحذف االول ال لتقائهما‪ .‬اي‬
‫خيل عدوك أمامك وهو في آخرها من خوفك‪ .‬وهي بينك وبينه نوافر‪ .‬فاقتضى البيت ثالث تشبيهات‬ ‫كانت ُ‬
‫اختصرها بأن ردها إلى اثنين وشرح ذلك أنه شبه الممدوح بالعاسل وعدوه بالعسل المطلوب للشور وصحابه‬
‫العاسل ليصل إلى العسل المطلوب‪ .‬وعنى بالخيل هنا‪ :‬أصحاب الخيل‪ .‬واكتفى من تشبيهه‬ ‫ُ‬ ‫بالنحل التي يُنفرها‬
‫ٌ‬
‫عاسل ونحل فهناك‬ ‫عدوه بالعسل لفظًا ألن كالمه يقتضي ذلك وهو من ُحسن دليل الخطاب؛ النه إذا كان‬
‫عسل ال محالة‪ ،‬وقوله‪( :‬ينحزن قدامه)‪ :‬اي ينحاز بعضهم إلى بعض‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫البائل)‬
‫ِ‬ ‫كما بين كاذتى‬ ‫( َو َما بين كا َذ َتى ال ُم ْس ِ‬
‫تغير‬
‫الفرس ال ُمغير‪ ،‬بناه على‬
‫ُ‬ ‫الكاَذة‪ :‬لحم الفخذ أل ُفه منقبلة عن واو‪ .‬قالوا ثوب م ُكوذ‪ :‬بلغ الكاذة‪ .‬والمستغير‪:‬‬
‫طلب‪ ،‬والطلب يأتي على استفعل كثيرًاعليه بني سيبويه باب استفعل‪.‬‬ ‫استفعل ألنه ٌ‬
‫يقول‪ :‬قد تفؤج ما بين أفخاذها‪.‬‬
‫الشائل)‬
‫ِ‬ ‫ومصبوح ٍة لبن‬ ‫( ُفلقـين ُكـل ُردينـي ٍة‬
‫يقول‪ :‬إن خيل سيف الدولة لقيت مع الخارجي بعد جهدها أشد األعراب الذين ُ‬
‫يغذون الخيل الكرام التي تُثر‬
‫باللبن عند قلتة‪ .‬ولقيت جيشًا (لخارجي من األعراب يقاتل) على ناقة قد تيقن استهالك أصحابه دونه‪ .‬فأعرض‬
‫عن ركوب الخيل ووصفه بحاله في كذبه ودعواه‪.‬‬
‫أنما الشائل بغير هاء‪ :‬الالقح‪ ،‬وبالهاء‪ :‬التي خف لبنها‪ .‬والخيل أنما تغذى بلبن لشائلة ألن اللبن إذا خف مرأ‬
‫ُ‬
‫اصطبح‬ ‫ُ‬
‫المسقية الصبوح وهو ما‬ ‫والمصبوحة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ونجع وانما اراد هذا الشاعر الشائلة فحذف الهاء للضرورة‪.‬‬
‫بالغداة حارًا‪ .‬اي كل قناة ردُينية وفرس ملبون ٍة وهي أقوى الخيول‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫المخص من أمامه ومن د ْ‬
‫ُون‬ ‫اليحمل الفارس إال الملـ ُبـون‬
‫ُ‬
‫الحافـل)‬ ‫كما اجتمعت دٍر ُة‬ ‫يجمـع ُشـذانـ ُهـ ْم‬
‫ُ‬ ‫وطعن‬
‫ٍ‬ ‫(‬
‫ُ‬
‫(شذلنهم)‪ :‬من شذ منهم‪ .‬والدرة‪ :‬اللبن يجتمع في الضرع‪.‬‬
‫ُ‬
‫(والحافل)‪ :‬إما أن يكون ُجملة فيعني به الناقة فيكون من باب ناقة بازل اي من المؤنث الذي ال هاء فيه‪ .‬وإما‬
‫أن يكون جزءا فيعني به الضرع وهو عندي أجود ألنه موضع تحفل اللبن‪ .‬ومعنى البيت‪ :‬أنه عنى طعنت كل‬
‫طعنة عظيمة تجم ُع المتفرقين على صاحبها‪ ،‬تعجبًا من سعتها‪ ،‬كما تُجمع الدر ُة في الضرع ال ُمحفل كقول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫إذا تمضي جماعتهم تعو ُد‬ ‫دوار‬ ‫ُ‬
‫تركت بني ال ُهجي ْم لهم ُ‬
‫والدرة في الدر كالحيلة في الحلي‪ .‬أعنى أن هاء التأنيث تعاقب الفتحة ومثله برك وبركة وهي الصدر‪ .‬وحب‬
‫وحبة وهي بذور الصحراء‪.‬‬
‫الشامل)‬
‫ِ‬ ‫فأثنت بإحسانك‬ ‫(وأنبت من ُهم ربيع السباع‬
‫أقام األشالء للسباع‪ُ ،‬مقام الربيع للماشية‪ .‬واالول (ربيع للسباع) إنما هو على المثل كما قيل‪ :‬فالن يرعى في‬
‫لحوم الناس‪ .‬يقول ألقيت لها األشالء فأخصبت كما تخصب السوام في الربيع‪ .‬ونحوه قوله‪:‬‬
‫ترعى ُّ‬
‫الظبا في خصيب نبتُه‬ ‫وأصبحت ب ُقرى هـنـريط‬
‫اللح ُم‬ ‫جـائلة‬
‫ٌ‬
‫مبالغة وإفراط‬ ‫يعني الرءوس جعلها خصيبة إشعارًا بأن أصحابها ُشبان‪ .‬وقوله‪( :‬فأثنت ‪ -‬بإحسانك الشامل)‪:‬‬
‫ْ‬
‫فشكرت‬ ‫ومذهب شعري غير حقيقي‪ .‬ولكن يقول‪ :‬إن السباع قد اعتادت ذلك منهم حتى عقلت أنه من لدُنه‬
‫لذلك‪.‬‬
‫ل ُه ُ‬
‫شية األبلق الجائل)‬ ‫شائع‬
‫خبر ٍ‬‫(وكم لك من ٍ‬
‫مشهور في موضعه‪ .‬فإذا جال كان‬
‫ٌ‬ ‫مشهور ظاهر ُشهرته كشهرة األبلق الجائل‪ .‬وذلك أن األبلق‬
‫ٌ‬ ‫اي خبرك‬
‫سائر مشهور في كل موضع‪.‬‬‫ٌ‬ ‫خبرك‬ ‫وكذلك‬ ‫مواضع‪.‬‬ ‫في‬ ‫ُعرف‬‫ي‬ ‫ألنه‬ ‫أشهر له‪،‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫در‬
‫(ولـــــــــــــــــــــ وإن وهب الملوك مواهبٌ ُّ‬
‫أغبار)‬
‫ُ‬ ‫الملولك لدرها‬
‫ِ‬ ‫ـــــــــــــــ ُه‬

‫ال ُغبر‪ :‬بقية اللبن في الضرع‪ .‬فيقول‪ :‬هباتك كأول الدر‪ ،‬وهبات الملوك كبقايا اللبن‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫بعد الحلب‪ .‬وأوضح من هذا أن يقول‪ :‬إن مواهب الملوك وإن كثُرت وغزرت‬
‫باإلضافة إلى مواهبك‪ ،‬كال ُغبر باإلضافة إلى الدر الذي هو أغزر اللبن؛ فهذا أبين‪.‬‬
‫(در الملوك لدرها أغبار)‪ :‬جملة في موضع الصفة‬ ‫واالول وجيه‪ .‬والالم في قوله‪ُّ :‬‬
‫مواهب در الملوك لدرها أغبار‪ .‬واذا رددت هذه الجملة‬
‫ُ‬ ‫للنكرة‪ .‬فكأنه قال‪ :‬وله‬
‫مواهب فائقة وقوله‪( :‬وإن وهب الملوك)‪ :‬معناه‪ :‬أجزل‬
‫ُ‬ ‫إلى المفرد‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬وله‬
‫(در الملوك) فقد اوضح ما اراده‬‫الهب َة‪ .‬فهذا يُحسن معنى البيت ويدلك عليه قوله‪ُ :‬‬
‫َزارة ألن‬‫في قوله‪( :‬وإن َو َهب الملوك) وال يكون َوهب هنا مجردة من معنى الغ َ‬
‫الممدوح إذا فاق واهبًا غير ُمجزل‪ ،‬لم يك ذلك فض ً‬
‫ال إنما فضله أن يفوق‬
‫ال ُمجزلين‪.‬‬
‫ستار)‬
‫ويقرب ال ُم ُ‬
‫المطى ُ‬
‫ُّ‬ ‫ضمر يُنضى‬ ‫(وبدُون ما نا من ودادك ُم ٌ‬
‫اي بأقل من هذا الوداد الذي أضمره لك تعمل المطى في األسفار إلى المودود حتى تنضى‪ ،‬فيقرب بذلك ما‬
‫كان بعيدا‪ .‬وذلك أن الشوق يحمل على احتثاث المطى وإغذاذ السير كقول الشاعر‪:‬‬
‫كأن عليها سائقًا يستـحـثـهـا كفى سائقًا بالشوق بين األضالع‬
‫وقال‪:‬‬
‫كبر‬
‫إذا خاج شوق من معاهدها ُ‬ ‫وعو ُد قليل الذئب عاودت ضرب ُه‬
‫السير‪ .‬اي‪ :‬يقرب الموضع الذي يسار إليه‪.‬‬
‫ستار‪ُ :‬مفتعل من ْ‬
‫وال ُم ُ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ور العظا ُم)‬
‫البح ُ‬ ‫وكذا ُ‬
‫تقلق ُ‬ ‫دور علـينـا‬
‫(وكذا تطل ُع البُ ُ‬
‫اي إن همتك ال تستقر ألن شيمتك الحركة كما أن البدر شأنه الحركة دائمًا كلما غاب من موضع طلع على‬
‫يتموج فال يستقر‪ .‬وكنى بالقلق عن التموج ألن القلق ضد الطمأنينة واالستقرار‪ .‬و (كذا)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫خر وكذلك البحر‬
‫طلوعه يطلوع البدر‬
‫ُ‬ ‫مجرور في موضع نصب‪ .‬اي مثل طلوعك تطلع البُدور ومثل قلفلك تفلق البحر ومثل‬
‫ال وكالبحر نوا ً‬
‫ال‪ .‬وقوله‪( :‬العظام)‪ :‬مؤازرة للبدور النه لو‬ ‫وقلته بقلق البحر إشعارًا أن الممدوح كالبدر جما ً‬
‫قال البحور ولم يذكر العظام لم يك مطابقًا للبدور‪ ،‬فتفهمه‪.‬‬
‫الفهاق واأل ُقـدا ُم)‬
‫ُ‬ ‫تتالقى‬ ‫يضرب الكتائب حتى‬
‫ُ‬ ‫(والذي‬
‫الفقهة‪ :‬ما بلى الرأس من فقر ال ُعنق‪ .‬وقيل الفهاهة‪ :‬مواصل األعناق في الرءوس اي ينقص األعضاء‬
‫ويبضعها‪ ،‬حتى يلتقي طرفا الجسم على بعد بينهما‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬يضرب الهام‪ ،‬فتسقط على األقدام‪.‬‬
‫وكثير من البليغ الكال ُم)‬
‫ٌ‬ ‫التوقي‬
‫ِّ‬ ‫فكير من الشجاع‬
‫( ٌ‬
‫شجاع بليغ قد بلغ الغاية في‬
‫ٌ‬ ‫اي هيبته تروع قلوب ذوي النجدة وقلوب ذوي البالغة ألن هذا الممدوح‬
‫الفضليتين‪ ،‬فأبع ُد غايات الشجاع وأعلى منازله أن يُحسن التوقي من هذا الممدوح وال يتحدث بالظهور عليه‬
‫بإسهاب في مخاطبته وال إطناب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ألن ذلك منه سف ُه رأي‪ .‬وأبعد غايات البليغ أن يقدم فيسلم عليه وال يتحدث‬
‫وهذا في أسلوب قول الشاعر‪:‬‬
‫فال يُكلم إال حـين يبـتـسـ ُم‬ ‫بغضى حياء ويُغضى من مهابت ِه‬
‫وألبى الطيب فضل ذكر الشجاعة والبالغة في بيت واحد وإفراد كل واحد من الفضليتين بمصراع‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫فلما تعارفنا ُ‬
‫ضربن بها عنا)‬ ‫(ُ‬
‫ضربن إلينا بالسياط جهـالة‬
‫يصف خيل الروم‪ .‬وذلك أن سرية الروم رأت جيش سيف الدولة فظننته جيشها فهمزت نحوه تري ُد اللحاق‪،‬‬
‫فتبين لهم بل أن يلحقوا أنها خيل اإلسالم‪ ،‬فانصرفوا هاربين عنها ُمجدين يضربونها بالسياط لإلدبار كما‬
‫يضربونها لإلقبال‪ .‬و(عن) ها هنا‪ :‬لما عدا الشيء اي مبعدين عنا لها‪ .‬وقوله‪ :‬تعارفنا‪ :‬اي افترقنا فعرفونا‬
‫وعرفناهم‪.‬‬
‫الضراب القنَا‬
‫ِ‬ ‫فدع ْنا ن ُكن قبل‬ ‫(وإن ُكنت سيف الدولة ْ‬
‫العض َب‬
‫اللدْنا)‬ ‫فيهم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫اللدن‪ :‬اللين‪ .‬ذكر على اللفظ ألن القنا وإن كان جمع قناة فلفظه لفظ المذكور وما خرج من الجمع على هذه‬
‫الصورة جاز تذكيره وتأنيثه‪ .‬يقول‪ :‬إن كنت انت سيف الدولة والسيف أشرف السالح‪ ،‬وهو المستغاث به إذا‬
‫اشتد البأس‪ ،‬ألن الرماح والسهام قد فنيت فعدنا نحن حينئذ رماحا وقدمنا‪ ،‬فإذا فنينا أو قاربنا ذلك فكن انت‬
‫سيف الدولة الذي يكون به الضراب اذ ال يباشر ذلك إال مثلُك‪ .‬وهذا نحو قول اآلخر‪.‬‬
‫فلما لم ندع قوسًا وس ْهما مشيناه نحوهم ومشوا إلينا وله ايضا‪:‬‬
‫الخير)‬
‫ُ‬ ‫ومن له في الفضائل‬ ‫يامطـر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اخترت دهماء تين‬ ‫(‬

‫راد دهماء هاتين الفرسين‪ ،‬فاكتقى اإلشارة من التنبيه تقول العرب‪ :‬تا‪ ،‬وهاتا‪،‬‬
‫وتى‪ ،‬وهاتى‪ .‬وقوله‪ :‬يامطر‪ :‬يخاطب سيف الدولة جعله مطرًا بجوده‪( .‬ومن له‬
‫والخير‪ :‬جمع خيرة وهو الشيء‬ ‫ُ‬ ‫(يامطر)‬
‫ُ‬ ‫عطف على قوله‪:‬‬‫ٌ‬ ‫الخير)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫في الفضائل‬
‫المختار‪ .‬اي له من الفضائل أشرفها‪ ،‬أو من نوع كل فضيلة أشرفه‪ .‬اراد ومن له‬
‫من الفضائل الخير فوضع (في) موضع (من)‪.‬‬
‫والفضيلة‪ :‬الخصلة التي يُستحق بها الفضل‪ ،‬وضدها الرذيلة‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫المقال)‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫صادقة‬ ‫كثوم السر‬ ‫ٌ‬
‫حصان مثل ماء ال ُمزن فيه‬ ‫(‬
‫زن قبل انحطاطه إلى االرض و ُممازجته‬‫اي هذه المرأة حصان طاهرة نقية من الشوب كماء ال ُمزن في ال ُم ْ‬
‫طبيعة التراب‪ .‬فالهاء في قوله (فيه)‪ :‬راجعة إلى ال ُمزن‪ .‬كيُو ُم السر‪ :‬يعني محاسن ُخلقها َ‬
‫وخلقها؛ وكتمها إياه‪:‬‬
‫والخلُقية كنى عن صوتها بالكتمان‪.‬‬
‫صوتها له حتى ال يُطلع عليه منها‪ .‬ولما كنى بالسر عن المحاسن الخلقية ُ‬
‫وكأنه إنما سمي ذلك سرًا النه مما يجب أال يُعرف من النساء‪( .‬صادقة المقال) اي ال تدخل في ريبة فتحتاج‬
‫ُ‬
‫فصدقها يُغنيها عن التماس الكذب‪.‬‬ ‫إلى افتعال التأويل والتحيل لالعتذار‪ ،‬ولكنها حسنة الخفايا سالمة اإلرادة‪،‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬وصفها بصدق المقال ُمطلقًا ألن ذلك من أجل ما يُمدح به وال حفاء بمزية الصدق‪.‬‬
‫والدخال)‬
‫ِ‬ ‫على علل الغرائب‬ ‫بحار ِك ياج ُمومـًا‬ ‫ْ‬
‫غيضت ُ‬ ‫(فال‬
‫بحر ج ُموم‪ :‬كثير الماء‪ ،‬وكذلك البئر‪ .‬والدخال‪ :‬أن ُتدخل بعيرا قد شرب بين بعيرين لم يشربا‪ .‬والغرائب‪:‬‬
‫ضرب غرائب‬
‫َ‬ ‫اإلبل الواردة حياض غير أهلها فهي مدفوعة عنها ممنوعة دُونها كقل الحجاج (وألضربن ُكم‬
‫الشرب الثاني من النهل‪.‬‬‫(وغيض الماء) والعلَ َل‪ُّ :‬‬
‫َ‬ ‫اإلبل) وغيضت‪ ،‬نقصت غامض الماء وغضته وفي التنزيل‪.‬‬
‫بحارك‪ :‬اي ال قصر جودُك عن كثرة من يردُه من الغرائب وذوات الدخال وكالهما نوع‬ ‫فيقول‪ :‬ال غيضت ُ‬
‫غير مستحق للورود‪ ،‬فكنى بهم عمن ال يستحق ُجود هذا الممدوح وإن شئت قلت‪ :‬كنى عن المقيمين‬
‫عم جودك الفريقين‪ .‬يدعو له بذلك‪.‬‬
‫والطارئين عليه‪ .‬اي َّ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫وهذا الذي يضنى كذلك الذي‬ ‫(بناَ َ‬
‫منك فوق الرماِ ما بك في‬
‫يُبلى)‬ ‫الرمل‬
‫ِ‬
‫منك‪ :‬اي من أجلك‪ .‬تقديره‪ :‬بنا فوق الرمل من لحزن بك واألسف عليك ما يُ ْنح ُفنا ويُضنينا كما بك في لرمل‪.‬‬
‫بل وكالهما مشتبهان في أن عملهما التَّنقص والفساد إال أن حالك البلى وحالنا‬
‫ضن وذاك ُم ٍ‬
‫إال أن هذا لنا ُم ٍ‬
‫الضنى وقال‪( :‬وهذا الذي يُضنى) فأشار إلى الضنى إشارة ال ُقرب النه ُمشاهد وقال‪( :‬كذاك الذي يُبلى)‪ :‬فأشار‬
‫غيب عنه‪.‬‬
‫إلى البلى إشارة البعد النه ُم ٌ‬
‫الحسن في األعين‬ ‫دُموع تُ ُ‬
‫ذيب ُ‬ ‫تركت ُخدود الغانـيات‬
‫( َ‬
‫النُّ ِ‬
‫جل)‬ ‫وفـوقـهـا‬
‫المكتسب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والكحل الطبيعي يزيده الحسن حسنًا ألن كل طبيعي يُقوية‬ ‫هؤالء الغواني ُكحل األعين كحال طبيعيًا‪.‬‬
‫المشاكل له‪ ،‬فيقول‪:‬إن دموع الغانيات ال ُكحل المكتحالت تفسل الكحل الذي هو زيادة في حسن الكحل فيزول‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحسن االكتسابي الذي كان زياة في الطبيعي فنقص الحسن عما كان عليه‬ ‫ُحسن ال ُكحل ويبقى ال َك َحل فقد زال ُ‬
‫إذ كان المكتسب موجودًا مع الذاتي‪ ،‬وكأن الدمع هو الذي أدابه ونقصه‪ .‬وال يُكنى تذوب الجواهر‪ ،‬لكن لما‬
‫كانت زيادة بال ُكحل وكان جوهرًا استجاز إيقاع اإلذابة على ال َع َ‬
‫رض الحادث عنه فتفهمه‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫وقد قطرت ُحمرًا على الشعر‬ ‫( َتبُل الثرى ُسودًا من المسـك‬


‫الجثل)‬
‫ِ‬ ‫وحـد ُه‬
‫اي بكين دمعًا مشوبًا بدم إلفراط الحزن عليك تقطرت ُحمرًا ووقعت على لذوائب المنشورة على الخدود‬
‫للحزن وفيها أفوا ُه المسك فسقطت إلى االرض ُسودًا بالمسك وحد ُه دون ال ُكحل ألن ال ُكحل قد أذاب ُه الدمع‬
‫سخت في الثرى‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وأسالهُ‪ .‬وقال (تبل الثرى)‪ :‬فأشعر بأنها خرقت االرض لشدة وقوعها وغزارتها حتى‬
‫البخل)‬
‫ِ‬ ‫نداهم ومن قتال ُه ُم ُم ُ‬
‫هجة‬ ‫ُ‬ ‫رماح ُهـم‬
‫ُ‬ ‫(الست من القوم الذين‬

‫لما استعار لل ُبخل مهجة مقتولة‪ ،‬فجعلها إحدى قتالهم‪ ،‬وكان البخل إنما ُيقتل‬
‫بالندى‪ ،‬جعل نداهم ُرمحًا يُقتل به البخل‪ .‬وقيل‪ :‬من رماحهم نداهم‪ :‬اي يجودون‬
‫مهجة البخل‪ .‬وقوله‪:‬‬‫ُ‬ ‫بما أفاءت عليهم رماحهم‪ .‬واالول أولى لقوله‪ :‬ومن قتالهم‬
‫ف النه إذا قتلت المهجة والمهجة قوام المقتول أغنى ذلك عن‬ ‫تفلس ٌ‬
‫(مهجة البخل)‪ُ :‬‬
‫الروى‪ .‬وليس للبخل‬ ‫وصف الجملة بالقتل‪ .‬وهذا منه احتيال مليح لتسوية إعراب َّ‬
‫ُم ٌ‬
‫هجة‪ .‬إنما المهجة للحيوان فاستعار ُه وس ُهل ذلك حين استعار لقتل للبخل‪ .‬وقال‪:‬‬
‫ُ‬
‫(ألست‬ ‫(ألست)‪ .‬فأخرج اللفظ ُمخرج االستفهام ومعناه اإلثبات والتقرير كقوله‬
‫بربكم)؟ قال جرير‪:‬‬
‫راح‬
‫وأندى العالمين بُطزن ِ‬ ‫ألستم خير من ركب المطايا‬
‫ُ‬
‫(ألست بربكم)‪ :‬أنا ربُّكم‪ .‬ومعنى (ألستم خير من ركب‬ ‫فمعناه انت من القوم الذين شأنهم كذلك كما أن معنى‬
‫المطايا)‪ :‬أنتم خير من ركب المطايا‪.‬‬
‫ويبدُو كما يبدُو الفرن ُد على‬ ‫الحوادث‬
‫ِ‬ ‫مر‬
‫(ويبقى على ِّ‬
‫الصقل)‬
‫ِ‬ ‫صـبـر ُه‬
‫الملمات ثبت من صبرك وتبين من جلك ما يزيدك في النفس جال ً‬
‫ال ألن ذلك عين الخبر‬ ‫ُ‬ ‫اي إذا نزلت بك‬
‫الصقل جال عن جوهره الذي كان يخفيه منه الصدى فازداد شرفًا بذلك؛‬
‫ِ‬ ‫والمحنةِ‪ ،‬كما أن السيف إذا أخذ منه‬
‫ولذلك قالوا‪ :‬خرج منها كالشهاب‪ .‬اي بين الفضل واضح الشرف‪ .‬وقابل الحوادث بالصقل ألن ذلك روز‬
‫واختيار وداعية إلى الوقوف الصحيح من الشيء‪.‬‬
‫بالحمل)‬
‫ِ‬ ‫بطن أم ال تُ ُ‬
‫طرق‬ ‫إلى ِ‬ ‫(بنفسي ولي ٌد عاد من بعد حملـ ِه‬
‫يعني انه عاد من بعد الحمل الذي تبعته الوالدة إلى بطن ٍأم ال تضع حملها يعني االرض ألن من تضمنته ال‬
‫يخرج منها إال إلى الحشر فجعل تضمينها له كالحمل به‪ ،‬ونفي عنها التطريق الذي هو ضد الحمل وكل ذلك‬
‫مستعار‪.‬‬
‫يصول بال كف ويسعى بال‬
‫ُ‬ ‫سار َّ‬
‫دق‬ ‫ُ‬
‫الموت إال ٌ‬ ‫(وما‬
‫رجل)‬
‫ِ‬ ‫شخصـه‬
‫ُ‬
‫قوله (دق شخصه)‪ :‬كالم شعري ألن الموت عرض والعرض ال يُشخص‪ ،‬إنما التشخيص للجواهر‪ .‬وقد‬
‫يُتجوز بالعرض المحسوس كالحمرة والصفرة‪ .‬فأما االعراض النفسانية فال تُشخص وسوغه ذلك قوله فيه‬
‫(سارق) ألن السارق ال يكون إال شخصاُ‪ ،‬فلما نسب إليه صفة ال تكون إال في الجواهر‪ ،‬وهو السرق استعار‬
‫(يص ُ‬
‫ول بال كف ويسعى بال رجل)‪ :‬اي انه َع َرض وال َع َرض ال يد له وال رجل‪.‬‬ ‫له التشخص‪ُ .‬‬
‫للنـمـل)‬
‫ِ‬ ‫و ُيسلم عند الوالدة‬ ‫الشبل الخميس عن ابن ِه‬
‫ِ‬ ‫ير ُد أبو‬
‫(ُ‬
‫يعذر سيف الدولة في أنه لم يطق دفع المنية عن ابنه يقول‪ :‬إن األسد ير ُد الخميس عن شبله وذلك لكبر‬
‫أجرامهم وعظم أشخاصهم ويسلمه عندما يولد للنمل تأكله إذ ال يطيق دفعها عنه لدقة أشخاصها فكذلك الموت‬
‫ض غير ُمتجسم وال محسوس‪ ،‬فال قوة به عليه‪ ،‬بل ُ‬
‫سيف الدولة‬ ‫لو نجم لرد ُه سيف الدولة عن ابنه ولكنه َع َر ٌ‬
‫أعذر من األسد ألن النمل وإن دقت فهي مرئية والموت غير مرئي‪ ،‬فدفعه أبعد من اإلمكان‪ .‬أال ترى إلى قول‬
‫ويغرك من ال يُرى)‪ .‬يعنى الموت وهو الذي ال يُرى‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫بعض حكماء العرب يوصي ابنه‪( :‬فإنما ت ُغر من ترى‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫غير مح ُمـو ِد)‬


‫أحمد حاليه ُ‬ ‫(فما تُرجى النُّ ُ‬
‫فوس من زمن‬
‫اي أحمد حإلى الدهر أن ي ُمد لإلنسان في العمر ويُسلمه ثم يفضى به بعد ذلك إلى الهلكة وتلك حال غير‬
‫محمودة لمصيرها إلى ما ال يُحمد‪ ،‬لكنها أحمد الحاليت‪ ،‬فما ظنك باآلخر‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬أحمد أحولك بقاؤك‬
‫تعجل الوجل وانتظار األجل‪ .‬وهذا إفراط من القول النه‬
‫حال غير محمودة لما هو به من ُّ‬ ‫بعد صديقك‪ ،‬وتلك ٌ‬
‫إذا كان األحمد غير المحمود فهو مذموم ال محالة‪ .‬فأي صفة تقع على األذم والمحمود مذموم ما هي إال أن‬
‫األذم أذهب في باب الذم وإال فالذم مشتمل عليها فذكر محمودًا النه ذهب إلى األحمد‪.‬‬
‫الضرب كاألخاديد)‬
‫َ‬ ‫فانتقدُوا‬ ‫( ُ‬
‫نحمل أغمادُها الفداء لهـ ُم‬
‫األخدود‪ :‬الشق الواسع في االرض ي ُّ‬
‫ُخذ فيها‪ :‬اي يحفر‪ .‬شبه الضربة العظيمة بها وكان ابو وائل تغلب هذا‪ ،‬قد‬
‫أسرته بنو كالب‪ ،‬فضمن لهم الفداء عن نفسه فكان مكان ما ضمن لهم من الفدية أن غزاهم فأوقع بهم أال ترى‬
‫إلى قوله فيه وفيهم‪:‬‬
‫صدور القنَا ال َذا ِب ِل‬‫وأعطى ُ‬ ‫ضمان ُّ‬
‫النضـار‬ ‫ِ‬ ‫َفدَى نفسه ِب‬
‫بـاسـل‬
‫ِ‬ ‫فجشن بكل فتى‬ ‫ومناه ُم الخيل مـجـنُ ً‬
‫ـوبة‬

‫فيقول‪ :‬تحمل لهم أغما ُد السيوف ما ضمنه لهم من الورق والعين وغيرهما‪ ،‬وذلك‬
‫المحمول إليهم أن ضربُوا بما في األغماد وهي‬ ‫ُ‬ ‫منه ُهزء بهم اي إنما كان الفداء‬
‫السيوف‪ .‬فكانت كل ضربة على قدر األخدود عظمًا‪ .‬ولما كان المعتاد في الفداء‬
‫وح ُسن ذلك ألن‬ ‫الذهب والفضة باألغلب جعل السيوف نقودًا واألغماد أكياسًا‪َ ،‬‬
‫جوهر معدني كما أنهما‬‫ٌ‬ ‫السيف من الحديد‪ ،‬والحديد يشرك الذهب والفضة في أنه‬
‫معدنيان‪ .‬فانتقدوا الضرب‪ ،‬اي قام لهم مقام النقد‪ .‬وقيل‪ :‬وقع بهم أجود الضرب‬
‫كما يختار المنتقد أجود الدراهم والدنانير‪ ،‬وكله ُهزء‪ .‬وقوله‪( :‬كاألخاديد)‪ :‬في‬
‫موضع الحال‪ .‬اي انتقدوا الضرب عريضاُ ومستطيال‪ .‬والضرب ها هنا يجوز أن‬
‫ضربة‪ .‬فقد ذهب محمد بن يزيد في قوله تعالى‪:‬‬ ‫يكون الجنس‪ ،‬وأن يكون جمع ْ‬
‫وب) إلى انه جمع توبة‪ ،‬إال أن أكثر ذلك إنما هو في‬ ‫ِر ْ‬
‫الذ ْن ِب و َقا ِب ِل التَّ ِ‬ ‫َ‬
‫(غاف ِ‬
‫الجواهر المخلوقة دون األعراض‪ ،‬نحو لوزة ولوز‪ .‬وقد جاء في الجوهر‬
‫العرض فقليل كما قلنا‪.‬‬ ‫المصنوع منه شيء كدواة ودوى‪ ،‬وسفينة زسفين‪ .‬فأما في َ‬
‫ضربة لقوله (كاألخاديد) مع ما آنسنا محمد‬ ‫لكني أوثر أن يكون الضرب هنا جمع ْ‬
‫بن يزيد في قوله تعالى‪( :‬و َقا ِب ِل التَّ ْر ِب)‪ .‬وأضمر السيوف في قوله‪( :‬تحمل‬
‫ان) وأيضا فقد جاء ذكر‬ ‫أغمادها) للعلم بمكانها‪ ،‬كقوله تعالى‪ُ ( :‬ك ُّل من علَ ْيها َف ِ‬
‫الجنود والسيوف متصلة بهم فكأنها مذكورة‪.‬‬
‫مناخر السي ِد)‬
‫ِ‬ ‫وريحه في‬ ‫ُ‬ ‫هامهم‬
‫( َم ِوق ُعه في فراش ِ ِ‬
‫الفراش‪ :‬قشور تكون في الرأس على العظام دون اللحم‪ ،‬وقيل‪ :‬ما يتطاير من عظام الرءوس واحدته بالهاء‪ .‬و‬
‫الذئاب رائحة الدم فتقطع إليهم لتأكلهم‪ .‬فالهاء في قوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫( َم ْوقعِه)‪ :‬وقوعه‪ .‬اي يقع هذا الضرب برؤسهم َف َت ُّ‬
‫شم‬
‫(وريحه) ليست للضرب ألن الضرب ال طبيعة له فيكون ذا ريح‪ ،‬وإنما الهاء للدم‪ ،‬فأضمره لمكان العلم به‪،‬‬
‫وقد يجوز أن تجعل الريح للضرب‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إذا وقعت الضربة أرشت دمًا فتغير منه الهواء‪ ،‬حتى‬
‫ينشق الذئب رائحته فيستدل عليه‪ .‬وقوله (في مناخر السيد) كان ينبغي أن يقول منخر السيد أو في منخري‬
‫كل جزء من المنخر منخرًا‪ ،‬ثم جمعه كما حكاه سيبويه من قولهم للبعير‪ :‬ذو عثانين كأنهم‬ ‫السيد‪ .‬ولكنه جعل َّ‬
‫جعلوا كل جزء منهم ُعثنونًا‪ .‬وعليه وجه قول العرب‪ :‬آتيك ُعشياَّنات‪ ،‬قال‪ :‬جمعوا النه حين‪ ،‬كلما تصوبت‬
‫الشمس‪ ،‬ذهب منه جزء‪ .‬وأنشد قول جرير‪:‬‬
‫ُ‬
‫المفارق واكتسين قتيرا‬ ‫شاب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫العواذل مالجهلك بعدمـا‬ ‫قال‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إنه عنى بالسيد هنا‪ :‬النوع فجمع المنخر لذلك وكل واسع‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫يمين مص ُفو ِد)‬ ‫َتخلُ ُ‬


‫ص منه ُ‬ ‫(ثُم َغدَا قي ُد ُه ِ‬
‫الحمـام َومـاَ‬
‫صدت األسير وصفدته‪ :‬أوثقته‪ .‬وأصفدت الرجل‪ :‬أعطيته راأللف ال غير‪ .‬فمص ُفو ٌد على صفدته‪ .‬وكانت‬
‫أغالل العرب القدز ولهذا قالوا في المرأة السيئة الخلق‪ُ :‬غ ٌّل ٌ‬
‫قمل‪ ،‬ألنهم كانوا يشدُّون القد على األسير فيقمل‪.‬‬
‫فمعنا ُه‪ :‬كان هذا الميت ابو وائل أسيرًا في يد العدا فأنقذته منهم ثم غدا بعد ذلك في أسر الموت فلم يك بك‬
‫تنقذه إياه من الموت‪ ،‬فالموت ال يخلص‬ ‫قدرة على تنقذه منه وما يخلص منه يمين مص ُفود‪ .‬وعذر ُه لعجزه عن ُّ‬
‫منه من أوثقه‪ .‬فأنت ياسيف الدولة غير ملوم على أن لم تنقذه من الحمام كما تنقذه من األنام‪( .‬قيده الحمام)‪:‬‬
‫مبتدأ وخبر في موضع خبر غدا‪ ،‬واسم غدا‪ :‬مضمر فيها‪ ،‬كما حكاه سيبويه من قولهم‪( :‬كل مولود يولد على‬
‫الفطرة‪ ،‬حتى يكون أبواه اللذان يُهودانه أو يُنصرانه) أضمر اسم يكون فيها‪ ،‬وجعل جملة في موضع الخبر‪،‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫فحسبك ما تريد إلى الكالم‬ ‫عبس‬
‫إذا ما المر ُء كان أبو ُه ٌ‬
‫ولو قال‪( :‬ثم عدا قي ُد ُه الحمام) أو (ق ُِّد ُه الحمام)‪ ،‬لكان حسنًا لكنه لما كان ذكره إنما هو ألبى وائل‪ ،‬وقد أجره‬
‫كثيرًا‪ ،‬أكد ذلك بالمحافظة عليه فأضمره اال ترى قوله‪( :‬قد مات من قبلها) ‪ . . .‬وقوله‪( :‬ما كنت عنه) ‪. . .‬‬
‫وقوله‪( :‬أين الهبات التي يفرقها) إلى سائر ما في القطعة من إخباره عن أبى وائل‪ ،‬واستفهامه عنه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫وب)‬
‫وصبر الفتى لوال لقا ُء ش ُع ِ‬ ‫(وال فضل فيها للشجاعة والنَّدَى‬
‫وب‪ :‬المنية َتشعب اي تفرق‪ ،‬وأنشد يعقوب‪:‬‬ ‫فيها‪ :‬اي في الدنيا‪َ .‬‬
‫وش ُع ُ‬
‫تدع يومًا َش ُع ُ‬
‫وب يُجبها‬ ‫َومن ُ‬ ‫جـازر‬
‫ُ‬ ‫فقام إلـيهـا بـهـا‬

‫يعزى عن الدنيا ويقول إن تمام هذه الفضائل فيها إنما هو بتي ُقن الفناء‪ .‬اي لوال‬
‫خوف الموت‪ ،‬شجع كل الناس وجادوا وصبروا فلم يك أحد مخصوصاُ بهذه‬
‫الفضائل دون صاحبه ولو كان كذلك لم يك لهذه الفضائل فضل ألن األشياء إنما‬
‫ُ‬
‫الموت لما كان‬ ‫ين بأضدادها‪ .‬فلو ُعدم الضد خفى ضده‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬لو أمن‬ ‫َت َت َب َّ‬
‫السخي والصبور ألن اعتقاد الخلود‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫للشجاع فضل‪ ،‬النه قد أمن الموت‪ .‬وكذلك‬
‫وتنقل ال ُعسر والشدة إلى الرخاء مما يُسكن النفوس ويسهل البوس‪ .‬هذا قول أبى‬
‫الفتح‪ ،‬وهو حسن‪ .‬وقوله‪( :‬لوال لقاء ش ُعوب) اراد لوال تيقن لقائها‪ .‬و (الفتى) هنا‬
‫ُ‬
‫الرجل اي الجلد الصابر‬ ‫ال يعني به فتاء السن إنما يراد به المدخ‪ .‬كقولك‪ :‬أنت‬
‫وكقول الهذلي‪:‬‬
‫ماح‬ ‫حب الزاد في َش ْ ُ‬ ‫ابن األغر إذا َش َت ْ‬
‫فثى ما ُ‬
‫هرى ق ِ‬ ‫ُو َّ‬ ‫ـونـا‬
‫كنى بالفتوة عن الكرم‪ ،‬كأنه قال‪ :‬ابن األغر كريم ُم َت َف ٍّت‪ ،‬ولوال ذلك لم يعمل (فتى) في (إذا) ألن الظروف ال‬
‫السن‪ ،‬فليس فيه معنى فعل‪.‬‬
‫تعمل فيها اال األفعال أو ما هو في طريقها‪ ،‬واذا قلت زيد فتى تعني به ِّ‬
‫ــــــيب)‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫أجـــل ُم‬ ‫(ف ُعوض ُ‬
‫سيف الدولة األجر إنه‬
‫إن شئت عنيت بالمثاب سيف الدولة‪ ،‬وإن شئت عنيت به األجر الذي أثيبه‪.‬‬
‫بـطـيب)‬
‫ِ‬ ‫بث فاستدبرتـ ُه‬ ‫ُ‬
‫بخ ٍ‬ ‫نفس الكريم ُمصابها‬
‫(إذا استقبلت ُ‬
‫المصاب هنا اإلصابة ألن المصدر قد يخرج على شكل المفعول به النه في المعنى مفعول‪ ،‬فمن ذلك الميسور‬
‫والمعسور والمعقول والمجلود فأما فيما جاوز الثالثة فمطرد كالُموفى في معنى التوفية‪ ،‬والمقاتل في معنى‬
‫القتال أنشد سيبويه‪:‬‬
‫وأنجو إذا لم ينج إال المكيس‬ ‫أقاتل حتى ال أرى لي ُمقاتال‬
‫بث في هذا البيت‪ :‬كناية عن الج َذع‪ ،‬وجيشان النفس عند الفزع‪ .‬والطيب‪ :‬كناية عن الصبر والتوطين‪ .‬اي‬‫والخ ُ‬
‫ُ‬
‫اجع أمره بعد ذلك‪ ،‬فعاد إلى الصبر‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬من لم يوطن‬ ‫إذا َجزع الفهم في أول نزول المصاب به َر َ‬
‫نفسه للقاء المصائب قبل نزولها صعبت عليه عند حلولها فليستشعر اللبيب التوطن على لقاء المكروه النه إذا‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫لم يفعل ذلك‪ ،‬ونزل به ما يكره‪ ،‬عظم عليه وجزع منه ثم يحول بعد ذلك إلى الصبر‪ ،‬ال جدوى له َ‬
‫الجزع‪.‬‬
‫فالحكم أن يبتدئ أو ً‬
‫ال بما يعود إليه آخرًا كقول الشاعر‪:‬‬
‫آحـر ُه أو َ‬
‫ال‬ ‫فصـير َ‬
‫َّ‬ ‫رأى َّ‬
‫كل شيء إلى غاية‬
‫وقد فسر المتنبي معنى هذا المتقدم بقوله بعد هذا‪:‬‬
‫سكون لُ ُغ ِ‬
‫وب)‬ ‫ُ‬ ‫ُس ُ‬
‫كون غزاء أو‬ ‫ون مِن زفراته‬ ‫ُ‬
‫المحز ِ‬ ‫وللواجد‬
‫ِ‬ ‫(‬
‫اي البد للمحزون أن يسكن حزنُهُ‪ :‬إما تعزيا وهو الحميد‪ ،‬وإما إعياه وهو اللغوب‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إن لم‬
‫يصبر تعزيًا واحتسابًا‪ ،‬وإال صبر لغوبا حين ال أجر له وال فضل‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫يذ ُب ُل)‬
‫قص خاتمه ْ‬
‫وما ُّ‬ ‫( َفلم ال تلُوم الذي َ‬
‫ال َمها‬
‫كأن الئمًا الم هذه الخيمة على عجزها عن االستقرار على سيف الدولة واالعتالل له حين تقوضت‪ .‬فيقول‪ :‬ال‬
‫ينبغي أن تُالم ذلك ليس في وسعها‪ ،‬وال استطاعتها‪ ،‬وليس على تارك ما يطيق لوم‪ .‬فإن كان اإلنصاف أن‬
‫فص خاتمه يذبل؟ ألنهما‬ ‫تُالم هذه الخيمة على ما ليس في طوقها‪ ،‬فلم ال تلُوم الئمها على أن لم يطق أن يجعل َّ‬
‫قد استويا في العجز وإنما كان ينبغي أن يلومها من أطاق التختم بهذا الجبل‪ .‬فإذن ال أحد يقدر على ذلك فال‬
‫تلومن الخيمة على تقوضها‪ ،‬وضعفها عن حمل سيف الدولة‪ ،‬ألن العجز عن الممتنع قد وضح فيه ال ُعذر‪،‬‬
‫و(لِ ْم)‪:‬لغة في (لِ َم) فاشية معروفة‪.‬‬
‫ولكن أشار بما َت ْف ُ‬
‫عل)‬ ‫ْ‬ ‫(فام اعتمد اهللُ تقويضها‬
‫وسلوك ُشبُل الرشاد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ليحزنك‪ ،‬ولكن اشار عليك بالرحيل نحوما اختاره لك من الجهاد‪،‬‬ ‫اي لم يقوضها ُ‬
‫واإلشارة من اهلل عز وجل عليه‪ :‬إنما هي إلها ُم ُه إيا ُه‪ ،‬وليست على حد االشارة االنسانية‪ ،‬ألن إنما هي‬
‫الجوارح‪ .‬وربنا تعالى َي ِج ُّل عن ذلك‪.‬‬
‫غس ُ‬
‫ـل)‬ ‫َكلَون الغ َ‬
‫َزال ِة اليُ َ‬ ‫رأت لون نُ َ‬
‫ورك في لونها‬ ‫( ْ‬
‫وهذا عذر الخيمة في سقوطها‪ ،‬اي أنها رأت لون نورك في لونها كنور الشمس فراَعها في ذلك‪ ،‬النها ظنتك‬
‫ُع َس ُل) اي اصل نورك‬
‫الشمس؛ التي هي ملك الكواكب‪ ،‬فلذلك سقطت ألنها استعظمت حملها لك‪ ،‬وقوله‪( :‬الي ْ‬
‫بها‪ ،‬حتى صار فيها كالشامة التي ال تُحمى بالغسل‪.‬‬
‫نز ُل)‬
‫تراك َتراها وال َت ِ‬ ‫فتك فما َبالُهـا‬
‫(وقد َع َر َ‬

‫هذا البيت ُشنع و ُكفر لما عنى أن هذه الكواكب غير عاقلة ألنها لو كانت عاقلة‬
‫لعر َف ْتك‪ ،‬وتبينت أن َم َحلك فوق محلها‪ ،‬فكانت تنزل إليك فإذا ال تنزل‪ ،‬فهي غير‬
‫عارفة بك‪ ،‬واذا هي غير عارفة بك‪ ،‬فهي غير بك‪ ،‬وإذا هي غير عارفة بك‪ ،‬فهي‬
‫غير عاقلة‪ .‬ولعمري‪ ،‬فقد ذهب في تلك إلى تكذيب من ادعى أن الكواكب تعقل‬
‫وإن كان قد غال‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫عفا ُه من حدا به ُم وسا َقا)‬ ‫َّ‬
‫محال‬ ‫الرياح له‬
‫ُ‬ ‫(وما َع َف ِت‬
‫اي لم الرياح هذا المنزل‪ ،‬وإنما عفاه بتنقلهم عنه وإخالئهم له‪.‬‬
‫فصارت كلُّها للدمع ماقا)‬ ‫والعين َش ْكرى‬
‫ُ‬ ‫(ن َ‬
‫َظ ُ‬
‫رت إليه ُم‬
‫ُ‬
‫والماق‪ :‬مجتمع الدمع‪ .‬فلما رأتهم متحملين‪ ،‬فاض الدمع مع جميع جوانبها ولم‬ ‫َش ْكرى‪ :‬اي مألى لم تفض بعدُ‪.‬‬
‫جرى‪ ،‬فكأنها كلُّها مآق‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫يخص الماق وحده‪ ،‬بل صارت العين كلها َم ً‬
‫أقلب عيني في الفـوارس ال أرى حراقًا وعيني كالحجا ِة من ال َق ْط ِر‬
‫ُ‬
‫اي تمألت كلُّها من الدمع حتى عادت َ‬
‫كالح َجاةِ؛ وهي نُفاخة الماء‪.‬‬
‫وكس ُروه‬
‫وال أقول‪ :‬إن األلف في (ماق) مبدلة من الهمزة‪ ،‬لمكان الردف‪ ،‬ألنهم قد قالوا (ماق) بزنة (مال) َّ‬
‫على أمواق كأموال‪ ،‬فدل ذلك على أن ألفه منقلبة عن واو؛ كألف مال‪ .‬ولو لم نعرف مافًا مكسرًا على أمواق‪،‬‬
‫لعلمنا أن ألفه منقبلة عن هكزة‪ ،‬لقولهم مأق مهموزة‪.‬‬
‫إن شئت قلت‪ :‬إذا نظرته العين استحسنته‪ ،‬فلم تعدُه‪ ،‬وتثبت فيه‪ .‬فكثر الناظرون إليه من كل جانب حتى كأنه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫متنطق بالحدق‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬تثبت األبصار فيه لبضاضته ونعمته؛ فكأن ما ثبت فيه من َحدق الناظرين إليه‬
‫الحدَق ال ُمحدق به‪.‬‬
‫نطاق له‪ .‬واراد كأن عليه نطاقا من َ‬
‫الرفـاَقـا)‬
‫َفلم َت َتعرضين له ِّ‬ ‫ُ‬
‫وحش األعادي‬ ‫َ‬
‫الوحش يا‬ ‫أباح‬
‫( َ‬
‫الحش مؤنث‪ .‬ويروى (أباحك أيها الوحش األعادي)‪ .‬واألعادي‪ :‬جمع الجمع‪ :‬عدو وأعداء وأعادٍ؛ وأصله‬ ‫ُ‬
‫أعادي كأفاعي؛ فحذفت إحدى الياءين تخفيفًا‪ ،‬ثم حذفت األخرى حذفًا لغير علة؛ وصار التنوين عوضًا منها‪.‬‬
‫واراد (األعادي) النه في موضع نصب؛ بكونه مفعو ً‬
‫ال ثانيًا فاضطره الوزن إلى تسكين الياء‪ .‬والرفاق‪ :‬جمع‬
‫رفقة ُك حفرة وحفار‪ ،‬وعلبة وعالب والمعنى أيتها الوحش؛ قد أباحك هذا الممدوح أعاديه قتلهم َ‬
‫وص َرعهم لك؛‬
‫وحكمك في أكلهم‪ ،‬فلم تتعرضين له الرفاق السائرة إليه‪ ،‬وقد أغناك عن االعتساس والطلب فيمن أجزرك من‬
‫وج َعله لك أكيلة‪.‬‬
‫أعاديه؛ َ‬
‫ْ‬
‫وإن بُعدوا ُجعلنه ُم طراقا)‬ ‫آثـار قـوم‬
‫ِ‬ ‫(إذا أنعلن في‬
‫الطراق‪ :‬نعل تُطرح تحت النعل؛ استظهارًا وتوكيدًا‪ .‬اي إنها إذا أنعلت في طلب قوم أدركتهم فدلستهم؛‬
‫فصارت أشالؤهم نعا ً‬
‫ال لتلك النعال‪.‬‬
‫فلما َف ِ‬
‫اقت األمطار فاقا)‬ ‫الشعر ينتظهر العطايا‬
‫ُ‬ ‫(أقا َم‬
‫وأشعر‪ .‬فلما فاقت عطاياك األمطار‪ ،‬فاق شعري االشعار كقول البحتري‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فأشكر‬
‫ُ‬ ‫انتظر الشعر أن تُحسن‪،‬‬
‫الزهر‬
‫ُ‬ ‫فتح بعد الوابل‬‫كما َت ُ‬ ‫غب فائدة‬
‫فقد أتتك القوافي َّ‬
‫وعما لم تُلق ُه مـا أ َ‬
‫القـا)‬ ‫بحر‬
‫كل ٍ‬ ‫قصر عن يمينك ُّ‬
‫( ُي ُ‬
‫َ‬
‫والق هو نفسهُ‪ :‬أمسك‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬ ‫َ‬
‫ال َق الشيء وأالقهُ‪ :‬أمسك ُهز‬
‫الئق‬ ‫ُف ُ‬
‫كيهة هشى ٌء يكفيك ُ‬ ‫استهلكت ما ً‬
‫ال للذ ٍة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تقول إذا‬
‫يقول‪ :‬يقصر البحر عن يمينك جودًا؛ ويُقصر ما آالق من األعالق‪ ،‬عما بذلته أنت‪ .‬اي إنما تعطيه أنت أكثر‬
‫مما يمسكه البحر في ذاته‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫كار وداع ِه وزيال ِه)‬
‫لوال اد ُ‬ ‫الحل ُم جاد به وال بمثالـ ِه‬
‫(ال ُ‬
‫وداعه ومزايلته؛ فثبت ما‬
‫اي مثله اليستطيع الحل ُم أن يُصوره‪ ،‬النه أرفع من ذلك‪ .‬لكني تذكرته حين نذكرت َ‬
‫امتثلت منه في هاحسى؛ فأراني النوم إياه‪ .‬فإذن لم يجد لديه إال تذكر ُه به‪ .‬وهذا رأى بعض الفالسفة فيما يراه‬
‫النائم‪ .‬وقال أبو تمام‪:‬‬
‫الخلق لم َين َِم‬
‫ِ‬ ‫فكر‬
‫فكر إذا نَا َم ُ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫الخيال لها ال بل أزارك ُه‬ ‫زار‬
‫َ‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إنه بالغ بصفة هجر محبوبه له فقال‪ :‬ال يسمح لي بمواصل ٍة في يقظة وال نوم؛ وإنما أطلت‬
‫تذكره؛ وواصلت ذلك لي ً‬
‫ال ونهارًا حتى رأيت خياله‪ .‬وأبلغ منه قول اآلخر‪:‬‬
‫صد ْ‬
‫َّت وعلمت الصدود خيالها)‬ ‫(َ‬
‫فهذا يصف أنه لم ير خيالها‪.‬‬
‫كانت إعادتُه خيال خياله)‬ ‫(إن المعيد لنا المنا ُم خيال َه‬

‫اي كنا قبل النوم نتخيل خياله بالتذر والتفكر؛ فلما نمنا رأينا خيال ذلك الخيال الذي‬
‫كنا تخيلناه‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إنه كنى بذلك عن قلة الزمن الذي استمتع فيه بالخيال‪.‬‬
‫واإلعادة بمعنى ال ُمعاد‪ ،‬وضع المصدر موضع االسم وال يكون الخيال هو اإلعادة‪،‬‬
‫جوهر واإلعادة َع َرض‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الخيال‬ ‫ألن‬
‫ُ‬
‫وتنال عين الشمس من خلخالٍه)‬ ‫(نجني الكواكب من قالئ ِد جـيده‬
‫وخلْخاله بعين الشمس الستدارته ولونه‪ ،‬إن‬‫السابق من هذا البيت إلينا؛ أنه شبه دُر قالئده بالكواكب لبياضه‪َ ،‬‬
‫كان من ذهب ولكن ألطف من هذا أن يقول إن هذا المحبوب ممنوع ال تصل اليد إلى العبث بقالئد جيده‪ ،‬وال‬
‫تمس خلخاله األيدي‪ ،‬فيقول‪ :‬من مس قالئده فكأنه جنى الكواكب لبُعدها ومناعتها‪ ،‬ومن نال َخلْخاله؛ فكأنه نال‬
‫ُّ‬
‫الشمس لذلك أيضًا مع التشبيه الذي تقدم ذكره لو قال‪( :‬وننال الشمس من خلخاله) كان كافيًا في المعنى لكن‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫قال‪( :‬عين الشمس) ألن هذه الجارحة مستديرة‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إنه عنى بعين الشمس حقيقة جوهرها‪ ،‬ألن‬
‫هذه الجارحة من الحيوان‪.‬‬
‫وسكنتُم طي ال ُفؤا ِد ال َوال ِه)‬
‫َ‬ ‫(بنتُم عن العين القريحة في ُك ُم‬
‫فيكم‪ :‬أي من أجلكم‪ ،‬كما تقول‪ُ :‬هجرت فيك‪ :‬اي من أجلك‪ .‬وليست (في) هنا للوعاء (وسكنتم طي الفؤاد)‪:‬‬
‫ً‬
‫صنعة وتسببًا‪ ،‬إلى خفظ إعراب القافية‬ ‫كان يعني من ذلك أن يقول‪ :‬وسكنتم الفؤاد‪ .‬ولكنه وطأ بذكر الوطن‬
‫وجعل الهاء األصلية في الواله ألن العرب تصل بها أص ً‬
‫ال كما تصل بها زائدة‪ .‬قال‪:‬‬
‫إزارها‬
‫الحقوين من ِ‬
‫ِ‬ ‫ناصلة‬ ‫ُ‬
‫أولعت باشتهـارهـا‬ ‫ٌ‬
‫ضورية‬
‫كارها‬ ‫ُ‬
‫أعطيت فيها طائعًا أو ِ‬ ‫كلب الحي م ْ‬
‫ِن ِحذارها‬ ‫طرق ُ‬‫يُ ُ‬
‫فوصل بالهاء األصلية في قوله َك ِ‬
‫ار َها و َف ِ‬
‫ارها كما وصل بالزائدة في سائر األبيات‪.‬‬
‫ماح ُكم من مال ِه)‬
‫وس ُ‬‫وس َم ْحتُ ُم َ‬
‫َ‬ ‫( َفدَلوتُ ُم ودُنُّ ُّو ُكم مـن عـنـد ِه‬
‫فالمن للفؤاد ال ل ُكم‪ ،‬وسمحتم وسماحكم من ماله‪ .‬اي‬
‫ُّ‬ ‫اي فكر فيكم فأدناكم فؤاده‪ ،‬ولم تدنُوا أنتم بإرادتكم‪.‬‬
‫سمحتم له بالزيارة‪ ،‬وسماحكم من لدُنه النه إنما كان لما امتثله خاطركم من ذكراهم‪ ،‬وتصور لقياهم‪ .‬ولما ذكر‬
‫السماح استجاز ذكر المال‪ ،‬وإال فال حقيقة له‪.‬‬
‫إذ كان يهجرني زمان وصاله)‬ ‫ُ‬
‫ألبغض طيف من أحب ُبتـه‬ ‫(اني‬
‫إنما شنأ الطيف‪ ،‬النه وصله أيام هجر الحبيب له‪ ،‬وهو ال ُموجب لزيارة الطيف ألن إمكان الوصل الحقيقي ال‬
‫يكاد يكون معنى خيال إنما الخيال مع عدمه لما يحدُث من الشوق والتوق‪.‬‬
‫وقيل معناه‪ :‬إذا كان الحبيب يهجرني زمان وصال الخيال‪ ،‬وهذا من الضعف بحيث ال يلتفت إليه‪ .‬وإنما نقلته‬
‫تعجباً‪.‬‬
‫أغنا ُه ُمقبلُها عن استعجال ِه)‬ ‫لناظر‬
‫ٍ‬ ‫(إن الرياح إذا عمدن‬
‫اي أن الممدوح من شيمة المباردة إلى الجود‪ ،‬ما يغني عن السؤال‪ ،‬كما أن للريح من السرعة ما يغني عن‬
‫االستعجال لها‪ .‬والهاء في استعجاله يجوز أن تكون للناظر‪ ،‬فتكون في موضع الفاعل‪ ،‬اي من استعجاله إياها‪،‬‬
‫ويجوز أن تكون لل ٌمبل‪ ،‬فتكون الهاء في موضع المفعول‪ .‬وذلك أن االستعجال مصدر‪ ،‬والمصدر يضاف إلى‬
‫الفاعل والمفعول‪.‬‬
‫وطلعن حين طلعن دُون منال ِه)‬ ‫( َغ َرب النُّجو ُم َف ُفزن دون ُه ُموم ِه‬
‫اي قد نال ما هو أعلى من النجم‪ ،‬وهمته في ذلك غير مقتنعة بما نالت‪ ،‬وال مقتصرة عليه‪ ،‬فهي تطالبه بما هو‬
‫أبعد من مطالعها ومغاربها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫والقائل القول لم يُترك ولم يُقل)‬ ‫فعل لشـدتِـه‬ ‫ُ‬
‫الفاعل الفعل لم يُ ِ‬ ‫(‬
‫اي ُ‬
‫يفعل الذي لم يفعله غيره‪ ،‬بل عجز عنه وقصر‪ ،‬لشدته وثقل مئُونته‪ ،‬و(القائل القول لم يُترك)‪ :‬اي لم يُترك‬
‫الناس اجتهادًا في أن يقولوا مثله‪ ،‬فهذا معنى قوله‪( :‬ولم يُقل)‪ .‬وهو كقول البحتري‪:‬‬
‫من رامها فكأنها ما تُ ُ‬
‫طلب‬ ‫في غاي ٍة طلُبت وقصر دُونها‬
‫اي لما كان الطلب ً‬
‫علة لإلدراك؛ ثم لم تك هذه الغاية ُمدركة‪ ،‬كان الطلب كأن لم يكن‪.‬‬
‫وتقدير البيت‪ :‬الفاعل لفعل الذي لم يُفعل؛ والقائل القول الذي لم يقل؛ فحذف (الذي) ومثله كثير كثير؛ أنشد‬
‫سيبويه‪:‬‬
‫ومـيسـم‬
‫ِ‬ ‫حسـب‬
‫ٍ‬ ‫تـيثـم يفضلُها في‬
‫ِ‬ ‫لو ُقلت ما في قومها لـم‬
‫وهو الجونا ُد يع ُد الجبُن من‬ ‫الشجاع يع ُد البخل من‬
‫ُ‬ ‫(هو‬
‫بخل)‬
‫ِ‬ ‫بـن‬
‫ُج ٍ‬

‫اي انه شجاع جواد؛ ألن إحدى هاتين الصفتين منوطة باألخرى؛ ألن الشجاع‬
‫ال فهو ناقص‬‫يجب له أن يعلم أن البُخل ُجبن وهل ٌع من الفقر؛ فإن كان بخي ً‬
‫الجبن ٌ‬
‫بخل بالنفس؛ فان لم‬ ‫حب للجواد أن يعلم أن ُ‬‫الشجاعة؛ لحذره من اإلعدام؛ و ُي ُّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫يك ذا شجاعة فهو ناقص الكرم؛ لبخله بذاته‪.‬‬


‫خل؛ فلم يرض إحدى‬ ‫الجبن بُ ٌ‬
‫بن؛ وان ُ‬ ‫فهذا الممدوح قد تبين له أن البخل ُج ٌ‬
‫وكرم‪ .‬ومثله قوله هو ايضا‪:‬‬‫فشجع ُ‬
‫الخطتين دون صاحبتها؛ ُ‬
‫تُريه في ُّ‬
‫الشح صورة ال َف َرق‬ ‫فقلت إن الفتى شجاعـتـثـه‬
‫وقد اجاد ابن الرومي تلخيص ذلك وتسهيله؛ فقال‪:‬‬
‫الشك حين تصحح التحصـيال‬ ‫ٌ‬
‫شـجـاعة‬ ‫والسماح‬
‫ُ‬ ‫جبن‬ ‫ُ‬
‫البخل ٌ‬
‫فتهيب اإلفضال والـتـنـويال‬ ‫ج ُبن البخيل من الزمان وصرف ِه‬
‫رج ِل)‬ ‫َ‬
‫تركت جمع ُهم أرضًا بال ُ‬ ‫أرض لكثرتهـم‬
‫رجال بال ٍ‬
‫ٍ‬ ‫(وكم‬
‫اي كانوا كثيرا قد غطوا االرض بكثرتهم حتى خفيت‪ ،‬فكأنهم بال أرض البتة‪ ،‬يقول‪ :‬قتلهم أنت حتى عادت‬
‫رجال‪ .‬وأوقع (كم) على جميع هذا؛ ألنها خبر‪.‬‬‫تلك االرض ال ُموطأ ُة بكثرتهم؛ أرضًا ال ترى فيها ُ‬
‫قال‪:‬‬
‫منُضي ٍة للبازل القيدُو ِد‬ ‫فلوات بي ِد‬
‫ٍ‬ ‫كم دُون سلمى‬
‫ٌ‬
‫جملة في موضع جر‪ ،‬ألن موضع كم هنا رفع باالبتداء‪.‬‬ ‫رجل)‬
‫وقوله‪( :‬تركت جمعهم أرضا بال ُ‬
‫جذل)‬ ‫وحك ُم الناظرين لـ ُه فيما يرا ُه ُ‬
‫وحك ُم القلب في ِ‬ ‫(يا َم ْن َي ُ‬
‫سير ُ‬
‫آمالك‪ ،‬وحكمك الزمان في نيلك كل ما سعيت إليه‪ ،‬وبنيت هواك عليه‪ ،‬فما تقغ عيناك من‬‫ُ‬ ‫اي قد أطاعتك‬
‫يسرهما ويؤديان به إلى فؤادك ما يخبرك ويسرك‪ .‬وقال‪ :‬وحكم الناظرين وحكم القلب‪:‬‬ ‫المرئيات إال على ما ُّ‬
‫اي حكم ناظريه وحكم قلبه‪ .‬وكلتا الجملتين في موضع الحال من الضمير الذي في الفعل‪ ،‬أعنى (يسير) اي‪ :‬يا‬
‫من يسير مسرورًا َ‬
‫جذل الفؤاد‪.‬‬
‫االول)‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وخذ بنفسك في أحالقِك‬ ‫(أجر الجياد على ما كنُت ُمجربها‬
‫السابق إلى من هذا البيت‪ ،‬أنه رأى منه تغيرًا عما كان عليه من تفضيله على من سواه من الشعراء فقال له‪:‬‬
‫اعدل كما كنت فاعال‪.‬‬
‫وأما ابن جني فقال‪ :‬سألته عن هذا فقال‪ :‬كان سيف الدولة قد ترك الركوب أيامًا‪ُ ،‬‬
‫فحضه بذلك على ال ُمعاودة‬
‫فصيح قال شعرًا ُمتي ُم)‬
‫ٍ‬ ‫أ ُك ُل‬ ‫فالنسيب المقد ُم‬
‫ُ‬ ‫مدح‬
‫(إذا كان ٌ‬
‫من شأن الشعراء إذا ارادو المدح‪ ،‬أن يقدموا النسيب‪ .‬هذا هو األغلب‪ ،‬حتى سموا الشعر الذي ال يُصدر‬
‫صيًا‪ُ ،‬حكِى هذا عن أبي زيد‪.‬‬ ‫بالنسيب َخ ِ‬
‫فالمتنبي قد َخ َر ق في هذا الشعر عادتهم‪ ،‬وأنكرها عليهم‪ ،‬وجعل ابتداء شعره مدح سيف الدولة‪ .‬ثم قال‪ُّ :‬‬
‫(أكل‬
‫إنكار‪ ،‬ظاهره استخبار‪ ،‬وهو في الحقيقة خبر منفي‪ .‬اي ليس كل فصيح‬
‫ٌ‬ ‫فصيح قال شعرًا ُمتي ُم)؟ هذا في اللفظ‬
‫شاعرًا ُمتيمًا‪ ،‬فيلزمه النسيب إذا مدح‪.‬‬
‫البدر ميس ُم)‬
‫ان له حتى على ِ‬
‫و َب َ‬ ‫البدر ُح ْك ُمه‬ ‫( َف َج َ‬
‫از له حتى على ِ‬
‫ف البدر‪.‬‬‫ضاعف الغبار‪ .‬و َكلَ َ‬
‫َ‬ ‫ار‬ ‫الغبار‪ ،‬فحكم على الشمس باالسوداد‪ .‬وهو ُّ‬
‫ضد لونها‪ .‬واذا َس َ‬ ‫َ‬ ‫اي إذا سار أثار‬
‫سم ‪ -‬الذي هو العالمة بالنار والقطع‪ ،‬وليس بآلة هنا‪ ،‬إذ ال معنى لذلك وقيل‬
‫والميسم على هذا القول من ال َو ِ‬
‫الحسن‪ .‬اي فاق البدر في الحسن واألول أولى‪.‬‬‫المِيسم هنا ُ‬
‫وتقدير البيت‪ :‬فجاز له ُحكم على شيء‪ ،‬حتى على شمس‪ .‬وبان له وسم على كل شيء‪ ،‬حتى على البدر‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون الفعل َمنويا مع حتى‪ ،‬كأنه قال‪ :‬حتى جاز على الشمس‪ ،‬وحتى بان على البدر‪ ،‬اي إلى أن‪.‬‬
‫وال تكون حتى هنا حرف غاية‪ ،‬وتكون داخلة على (على) ألن حتى وعلى حرفان‪ ،‬وال يدخل حرف على‬
‫(أن) البد لها من الفعل‪.‬‬ ‫حرف‪ .‬فال بد من تقدير حتى (بإلى أن)‪ .‬وإذا قدرتها بإلى أن‪ ،‬فقد حصل الفعل؛ ألن ْ‬
‫الخميس العر ْمر ُم)‬
‫ُ‬ ‫المشرفية والقـنـا وال ُرسلُه إال‬
‫ُ‬ ‫( َوال ُك َ‬
‫تب إال‬
‫اي الذي يقوم له مقام ال ُك ُتب‪ ،‬إنما هو السيوف‪ .‬والذي يقوم له مقام ُ‬
‫الر ُسل‪ ،‬إنما هو الجيش العظيم‪ ،‬يُهديه إلى‬
‫ٌ‬
‫وأخذ بالهُويني‪.‬‬ ‫عدوه‪ .‬وإنما نفي عنه اإلخالد إلى ال ُكتب والرسل‪ ،‬ألن ذلك ٍ‬
‫تأن‪،‬‬
‫ومن قصد ال ُمران ما ال يُقو ُم)‬ ‫(يطأن من األبطال من ال حملن ُه‬
‫رمح لدن‪ .‬واللُّدنة‪ :‬اللين‪ .‬ومن هنا‬ ‫القصد‪ :‬كسـر الـرمـاح‪،‬‬
‫واحـدتـهـا‪ :‬قـصـدة‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫مران‬
‫والـمـران‪ :‬وشـيج الـرمـاح إذا زعم سيبويه أنه إذا سميت بُ ٍ‬
‫ُ‬
‫صرفنه؛ لتصوره معنى من اللين فيه‪.‬‬
‫ألن وتـخـلـق‪ ،‬مـن الـمـرانة؛‬
‫ومعنى البيت‪ :‬أن خيله يطأن من‬
‫وهـي الـلـين‪ ،‬أال تـراهـم‬
‫أعدائه‪ ،‬منى لم َيحمِلنه‪ .‬فومضع‬
‫قـالـوا فـي هـذا الـمـعـنـى‪:‬‬
‫الماضي موضع المستقبل‪.‬‬
‫وإنما توضع األفعال بعضها موضع بعض في غالب األمر مع الحروف‪ ،‬نحو‬
‫ُ‬ ‫فعلت‪ :‬اي إن تفعل أفعل‪ ،‬وقولك‪ :‬واهلل ال ُ‬
‫فعلت‪ ،‬تريد‪ :‬ال أفعل‪.‬‬ ‫فعلت ُ‬ ‫قولك‪ :‬إن َ‬
‫قص ِد ال ُمران ما ال يقو ُم)‬
‫(ومِن َ‬
‫اي قد بالغت في تحطيم الرماح وتعويجها حتى ليس في اإلمكان أن يُجبر عن كسرها؛ وال أن يٌقوم ُمنادُها‬
‫وقيل‪َ ( :‬م ْن َ‬
‫ال َح َملتهُ)‪ :‬دعا للمدوح‪ :‬اي ال غلب عدا ُه حرابه‪ ،‬فيملكوا خيلهم‪ .‬واألول عندي أولى‪ ،‬لقوله‪( :‬ومن‬
‫قصد ال ُمران ماال يقوم) فهذا خبر‪ ،‬إال أن تضع (يُقوم) موضع ( ُقوم) فيتوجه معنى الدعاء‪ ،‬وقد يجيء لفظ‬
‫الدعاء مساويًا للفظ الخبر‪ ،‬كما يكون ذلك في األمر والنهي‪ ،‬كقول الشاعر‪ ،‬أنشده يعقوب‪:‬‬
‫بوصـيل‬
‫ِ‬ ‫وليس لحي هالك‬ ‫مالك‬
‫هلك ٍ‬‫عقال أو َك َم ِ‬
‫كملقي ٍ‬
‫وقال الهُذلي‪:‬‬
‫وص ِل‬ ‫ُ‬
‫طرف ال َم ِ‬ ‫ُعلق فيه‬ ‫ليس لِم ْي ٍت بوصـيل وقـد‬
‫فمعنى هذا كله‪ :‬وال ُوصل هذا الحي بهذا الهالك‪ .‬وهذا دعاء قد خرج على لفظ الخبر‪ ،‬ومثله كثير‪.‬‬
‫ويقضي له بالسعِد من ال ُينج ُم)‬ ‫بالفضـل مـن ال ُّ‬
‫يود ُه‬ ‫ِ‬ ‫قر له‬
‫( ُي ُّ‬
‫اي إن فضله ذائع شائع‪ ،‬يضطر عداه إلى اإلقرار به له‪ ،‬تنكبا لخرق اإلجماع‪ ،‬وعلما منهم أنهم أنكر‪ ،‬ولم‬
‫تعسفهم كقول البحتري‪:‬‬ ‫يقبل ذلك منهم‪ ،‬فكان دلي ً‬
‫ال على ُّ‬
‫ً‬
‫فـضـيلة حتى يسلـمـهـا إلـيه عـدا ُه‬ ‫ال أدعـى الـعـال ِء‬
‫(ويقضي له بالسعد من ال يُنج ُم)‬
‫أي قد عهد سعيدًا ميمونًا مدركًا لكل من طلب فيقاس بماضي أفعاله وحاضرها على مستقبلها‪.‬‬
‫تُطالُبه بالرد عا ٌد َو ُج ْر ُه ُم)‬ ‫(أجار على االيام حتى ظن ْنتُه‬
‫(أجار على االيام)‪ :‬حمى منها ومنع‪ ،‬وجعل نفسه مالذًا للناس منها‪ ،‬حتى ظننت أن الغابرين من األمم‬
‫وجرهمًا لقدمهما‪.‬‬
‫ستطالبه بأن يردها إلى الحياة‪ ،‬وأن يُعديها على األيام التي تحيإلتها وأهلكتها‪ .‬وخص عادًا ُ‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬لعظمها‪.‬‬
‫والسالح المص ُم)‬
‫ُ‬ ‫وما لبسته‬ ‫وشعارهـا‬
‫ُ‬ ‫(كأجناسها راياتُها‬
‫قبيلة واحدة‪ .‬فحيلة وسالحه ملبوسه ُكله عربي‪ ،‬وإنما مدح عسكره بذلك‪ ،‬ألن الجيش إذا كان‬ ‫عسكر العرب ٌ‬
‫من قبيلة واحدة كان أشد لبأسها‪ .‬هذا قول ابي الفتح‪.‬‬
‫والذي نؤثر نحن‪ ،‬أن عسكر العرب إنما هو كما قال‪ ،‬أال ترى أن النابغة قد قال‪:‬‬
‫غير أشـائب‬
‫كتائب من غسان ُ‬
‫ُ‬ ‫وثقت لهم بالنصر إذ قيل قد غزت‬
‫وهي التي تسمى الحمرة‪ .‬ومنه قول الحطيئة لعمر بن الخطاب‪( :‬يا أمير المؤمنين‪ُ ،‬كنا ألف فارس‪ ،‬ذهية‬
‫حمراء‪ :‬اي لم يختلط بنا أحد‪ ،‬فهكذا عسكر العرب‪ .‬فأما عساكر الملوك فكلما تنوعت أجنادها‪ ،‬كان أعظم‬
‫حرب ما‪ ،‬قوم بحرب آخر) فيقول إن أجناس عسكرها هذا الملك كثيرة‬ ‫ٌ‬ ‫ل ُملكها‪ ،‬وأقدر لملكها‪ ،‬النه متى تغيرت‬
‫مختلفة بالنوعية‪ ،‬فينبغي أن تختلف أيضًا أعالمها وبزتها وسالحها‪ ،‬لكل نوع من أنواع الخميس زي يخالف‬
‫زي صاحبه كقوله هو يصف عسكراً‪:‬‬
‫فما تُه ُم ُ‬
‫الحداث إال التراج ُم‬ ‫لـسـن وأمة‬
‫ٍ‬ ‫َت َجمه فيه كل‬
‫وتقدير البيت رايات ُه ا وشعارها وسالحها كأجناسها‪ .‬اي أن هذه المحموالت كلها متنوعة في ذاتها‪ ،‬كما أن‬
‫الحاملين لها متنوعون‪ .‬والتنوع الذي ذكرناه في هذا البيت؛ إنما هو تنوع بالنسب‪ ،‬وتنوع بالصورة‪ ،‬ال تنوع‬
‫بالفصول الذاتية‪ ،‬ولو قال هو كأنواعها‪ ،‬لكان أشبه‪ ،‬ولكنه آثر كالم الجمهور‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫(ب ُغرته في الحرب والسلم والحجا وبذل الُّها والحم ِد والمجد ُمعل ُم)‬
‫هرته‪.‬‬
‫وج َ‬
‫اب أنه ُمعلم بغرته في هذه الفضائل كلها مطرور لها‪ .‬ذهب إلى شهرته َ‬
‫السيل ماذا يُؤم ُم)‬
‫ِ‬ ‫وهديًا لهذا‬ ‫(ضال ً‬
‫ال لهذي الريح ماذا تُريدُه‬
‫دعا على الريح‪ ،‬ألنها عارضت سيف الدولة فآذت‪ ،‬ودعا للغيث لمشاكلته إياه في طبيعة الجود‪.‬‬
‫من الشام يتلُو الحاذق ال ُمتعل ُم)‬ ‫بعضه‬
‫الغيث َيت َبع َ‬
‫ِ‬ ‫ال َك َو ُ‬
‫بعض‬ ‫( َت َ‬

‫تالك يعني الغيث‪ ،‬ويخاطب الملك‪ ،‬وكان الغيث قد صحبه من الشام إلى ميافارقين‬
‫وبعض الغيث يتبع بعضه‪ :‬اي أنك غيث‪ ،‬فال تلم الغيث في اتباعه إياك‪ ،‬ألن بعض‬
‫الغيث من الشام‪.‬‬‫ُ‬ ‫الغيث يتبع بعضًا‪ .‬و(من الشام)‪ :‬متعلق بتالك؛ اي تالك هذه‬
‫(يتلو الحاذق المتعل ُم)‪ :‬إما أن يكون هذا على ال َمثل‪ ،‬فيكون الحاذق والمتعل ُم‬
‫نوعين‪ ،‬اي كل حاذق يتلوه ُمتعلمه‪ ،‬من اي الطبقات كان‪ .‬فهذا وجه المثل الكلي‪.‬‬
‫وإما أن يهني بالحاذق سيف الدولة‪ ،‬وبالمتعلم الغيث‪ ،‬اي سيف الدولة هو الحاذِق‬
‫والغيث ُمتعل ٌم منه فهو يتبعه لذلك‪.‬‬‫ُ‬ ‫بسلوك طريقة الجود‪،‬‬
‫ولو اتزن له أن يقول‪ :‬يتلو ال ُم َعل َم‬
‫ال ُمتعلٌةيزم قذاحلا يف نكلو ‪،‬لوعفملا لعفنملاب لعافلا ةلباقمل ًانسح ناكل ‪،‬مّ‪ ،‬اذ‬
‫ليس كل ُمعلم حاذقًا‪.‬‬
‫فيُخبره عنك الحدي ُد النُثبـ ُم)‬ ‫الوابل الذي رام ثنيناَ‬ ‫ُ‬ ‫سأل‬
‫(ألم ِ‬
‫ُ‬
‫الوبل الذي اراد صرفنا عن وجهنا‪ ،‬الجديد ال َمثلم فيخبره عنك‪ ،‬انه لم يجد فيك مطمعا‪ ،‬وال‬ ‫اي‪ :‬ألم يسأل‬
‫لصرفك َموضعًا‪ .‬فكيف يروم الغيث من فك وصرفك‪ ،‬ما عجز عنه الحديد‪ ،‬الذي هو أقدر على ذاك منه‪.‬‬
‫ضربت وضربني زيد‪ ،‬اي ضربت زيدًا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فالعامل في هذا البيت الفعل اآلخر‪ ،‬الذي هو (فيخبره)‪ .‬وهذا كقولك‬
‫وضربني زيدٌ‪.‬‬
‫فخذف لداللة الثاني‪ .‬وقد أبان سيبويه ذلك وقال‪ :‬إنه كالم العرب‪ ،‬أو أكثر كالمها‪ .‬يعني إعمال الثاني‪ .‬ولو‬
‫أعمل االول لقال الحديد المثلم فيخبره‪ ،‬وهو كقولك‪ :‬ضربت وضربني زيدًا‪ ،‬اي ضربت زيدًا وضربني‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫على عينه حتى يرى صدقها‬ ‫( َومن صحب الدنيا طوي ً‬
‫ال‬
‫كذبا)‬ ‫َت َقلـبـت‬
‫أصدق من العيان‪ ،‬وبه تثبت حقيقة البُرهان‪ .‬فيقول‪ :‬من عرف الدنيا علم أن ما يراه عيانًا مما‬‫ُ‬ ‫اي ال صدق‬
‫يسره‪ ،‬ال يلبث أن يزول‪ ،‬فيعقبه ما يسوءه فكأن ذلك الصدق المدرك بالعيان كذب‪ .‬و(طويال) هنا‪ :‬نصب على‬
‫ال ونحوه صفة‪ ،‬وليس بحين يقع فيه الفعل‪ ،‬ولذلك اختار سيبويه في‬ ‫الحال‪ ،‬وال يكون على الظرف‪ ،‬ألن طوي ً‬
‫(سبر عليه حسنًا وشديدًا ونحوهما) أن يكون أحواال ال ظرفًا‪ ،‬لما قدمنا‪.‬‬
‫قولهم‪ِ :‬‬
‫وزودني في السير ما زود‬ ‫البين ال ُم ُّ‬
‫شت بهـا‬ ‫(لق ْد لعب ُ‬
‫الضبا)‬ ‫وبـي‬
‫الضب من الماء‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫يشرب‬
‫ُ‬ ‫الضب العدم‪ ،‬وإن كان لفظه لفظ الوجود‪ .‬اي لم يُزودني شيئًا بقدال ما‬
‫َّ‬ ‫يعني ما زود‬
‫والضب ال يشرب الماء ألبتة‪ ،‬إنما يستروح النسيم‪.‬‬
‫َّ‬
‫والكف‬ ‫َ‬
‫السيف‬ ‫فكان‬
‫اها َ‬ ‫َك َف َ‬ ‫ْ‬
‫استكفت به في‬ ‫ُ‬
‫الدولة‬ ‫(إذا‬
‫والقلباَ)‬ ‫ُمـلـم ٍة‬
‫استكفت به‪ :‬اي طلبت الكفاية‪ .‬ولو قال استكفت ُه فاتزن‪ ،‬كان (مثل) قوله‪ :‬استغفرت اهلل واستعجلت السير‪.‬‬
‫(كفاها فكان السيف والف والقلب)‪ :‬اي كان هو الجامع لهذه الثالثة‪ ،‬وذلك أن السيف ال يستغني عن الكف‪،‬‬
‫والكف ال تقبض عليه حتى يؤيدها القلب‪ .‬وقد قال هو في تحقيق هذا‪:‬‬
‫على حاله‪ ،‬لم يحمل الكف ساع ُد‬ ‫القلـب‬
‫ُ‬ ‫َولَكِن إذا لم يحمل‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫كـفـه‬
‫به تُ ُ‬
‫نبت الديباج والريط‬
‫غيث كأن جثلُودنـا‬
‫وركت من ٍ‬
‫(فبُ ِ‬
‫والعصبا)‬
‫صب‪ :‬برود اليمن‪ ،‬جعله كالغيث وجعل جلودهم كاألرض التي إنما تُنبت بالغيث‪ .‬فان شئت قلت‪َ :‬كنَى‬ ‫ال َع ْ‬
‫َ‬
‫بالديباج والربط والعصب عن ن َْعمة جلودهم وما يعلوهم من الخير‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬كنى به عما تهب لهم من‬
‫صبًا‬‫ال ُكسا‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬إن الغيث يُن ِبت الرياض‪ ،‬وجلودُنا بنداك تنبت ما هو أحسن من الرياض‪َ :‬ع ْ‬
‫وديبتجاً‪.‬‬
‫الجن ْباَ)‬
‫س َ‬ ‫إذا َذكرتها ُ‬
‫نفسه ل َم َ‬ ‫وللطعن سـور ٌة‬
‫ِ‬ ‫(ولكنه َولى‬
‫َسورة‪ِ :‬حد ٌة وارتفاع‪ :‬اي إذا ذكر َس ْ‬
‫ورة الطعنة لم يصدق أنه نجا منه فلمس جنبه‪ ،‬ليعرف هل أصابه الطعن‬
‫أم ال؟ كقول أبى نواس‪:‬‬
‫ُ‬
‫لمست رأسي هل طار عن‬ ‫ُ‬
‫تـفـكـرت فـي هـواى‬ ‫إذا‬
‫جسدي‬ ‫لـه‬
‫هوي ممتنعًا عزيزاً‪.‬‬
‫يعني أنه َي َ‬
‫إلى االرض قد َشق الكواكب‬ ‫السور من ُ‬
‫فوق‬ ‫(فأضحى كأن ُّ‬
‫والتُّ ْربا)‬ ‫بضد ُؤ ُه‬
‫(من ُ‬
‫فوق )‪ :‬مبني على الضم لحذف المضاف إليه‪ .‬وبدؤه‪ :‬ابتداؤه‪ .‬اي أن هذا السور فوقه قد شق الكواكب إلى‬
‫الترب إلى ما تحته‪ ،‬كقول السموءل بن عادياء يصف حصْ ناً‪:‬‬
‫َ‬ ‫ما َفوقها؛ وأسفله قد شق‬
‫ُ‬
‫طويل‬ ‫َرسا أصل ُه تحت الثرى وسما به إلى النجم َفرع ال يُنال‬
‫فكأنه قال من السماء بدؤه إلى االرض‪ .‬وإذا كان من السماء إلى االرض‪ ،‬فهو ال‬
‫محالة من االرض إلى السماء‪ .‬وإن كان المبدأ الصحيح إنما هو‪ :‬من االرض‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫أن تحسب َّ‬
‫الش ْح َم في َمن شح ُمه‬ ‫َ‬
‫مـنـك‬ ‫نظـرات‬
‫ٍ‬ ‫( ُ‬
‫أعيذها‬
‫َو َر ُم)‬ ‫صـاد ً‬
‫ِقة‬
‫تجمل ال‬
‫حال‪ ،‬لما يظهر لك من شارتي‪ ،‬وانما ذلك ُّ‬ ‫أجل نظرك الصادق المصيب‪ ،‬أن تظن بي ُحسن ٍ‬ ‫اي‪ُ :‬‬
‫النظر ها هنا ظنُّه الخير فيمن ال خير فيه؛‬
‫ُ‬ ‫فنظرك هذا اليُشبه لك األمر بخالف ما هو به‪ .‬ويكون‬
‫ُ‬ ‫غنى‪،‬‬
‫واالول أشبه‪.‬‬
‫فالراحلُون ُهم)‬
‫ِ‬ ‫أال تُفارق ُهم‬ ‫قـدروا‬
‫ُ‬ ‫قوم‬ ‫ْ‬
‫إذا َت َر َّحل َت عن ٍ‬
‫قدروا على إغنائي عن ُمفارقتهم‪ ،‬ثم اضطالوني إلى فراقهم ( ُفه ُم) المخلُّون بي حقيقة‪ .‬وإن كنت أنا‬
‫اي إذا ُ‬
‫المخل بهم‪ ،‬ألن سبب إخإللى بهم إنما هو سبب إخاللهم بي‪ .‬وإذ لو شاءوا أال أرحل عنهم لم أرحل‪.‬‬
‫ال من قوم‪ ،‬وإن كانوا نكرة‪ ،‬ألن فيه معنى العموم‪،‬‬ ‫قدروا)‪ :‬جملة في موضع الحال‪ .‬وجاز أن يكون حا ً‬‫(وقد ُ‬
‫ولوال هذه الواو‪ ،‬لكان أولى من ذلك أن تكون الجملة في موضع الصفة للنكره‪ .‬فأما مع الواو فال يكون‪ ،‬ألن‬
‫الصفة والموصوف كالشيء الواحد‪ .‬فإذا عطفت الصفة على الموصوف‪ ،‬فكأنك عطفت بعض االسم على‬
‫بعض‪ ،‬وذها ماال يسوغ‪ .‬وأما الحال فمفصوله من ذي الحال‪ ،‬فجاز الفصل بينهما لذلك‪.‬‬
‫ُش ُ‬
‫هب ال ُبزاة سواء فيه والرخ ُم)‬ ‫قنـص‬
‫ٌ‬ ‫شر ما قيصت ُه راحتي‬
‫( َو ُّ‬
‫اي‪ :‬أنا في الشعراء كالبازي في أنواع الطير‪ ،‬والشعراء غيري كالرخم‪ ،‬وبين البازي والرخمة من الفضل ما‬
‫تساويت أنا ومن ال تُدركه في أقدار عطاياك‪ ،‬فكان له منها مإلى‪ ،‬فأي فضل لي عليه‪ ،‬وإن‬ ‫ُ‬ ‫قد ُعلم‪ .‬فيقول‪ :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ال له؟ يقول‪ :‬إما أن تميزني على غيري من الشعراء‪ ،‬وتبقي عطاياك لهم كما هي‪ ،‬وإما أن تبقي‬ ‫كنت فاض ً‬
‫عطاءك لي كماهو‪ ،‬وتُنزلهم عنه‪ ،‬ليكونوا دُوني في النوال‪ ،‬كما ُهم دُني في المقال‪.‬‬
‫وأقنص ُهن‪ .‬وقد قيل إن البُزاة ُكلها ُشهب‪ .‬فليس إذن على طريق التخصيص‪،‬‬‫ُ‬ ‫وخص ُشهب البزاة ألنها أفر ُه ُهن‬
‫وإنما على حسب الصفة التي البزاة بها‪.‬‬
‫ـر ُم)‬ ‫أدركتُها بجوا ٍد ُ‬
‫ظهر ُه َح َ‬ ‫( َو ُمهج ٍة ُمهجتي من هم صاحبها‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫اي‪ُ :‬ورب ذي مهج ٍة طلب مني ما طلبت منه فلم ينلى ونلُته أنا بجواد ظهره حر َم‪ :‬اي من ركبه والذ به لم‬
‫ُ‬
‫الالئذ بالحرم‪.‬‬ ‫يُنل‪ ،‬وال قتِل‪ ،‬كما ال يُقتل‬
‫رجل واليدان وفِعلُه ما تُريدث ُّ‬
‫الكف‬ ‫الركض ٌ‬
‫ِ‬ ‫(رج َ‬
‫ال ُه في‬
‫والـقـ َد ُم)‬ ‫َي ٌد‬
‫يطفر‪َ ،‬ف َت َق ُع رجاله معًا كأنمكا هما رجل واحدة‪ .‬وكذلك تقع يداه‪ ،‬فكأنهما يد واحدة‪ .‬و(فعله ما تريد‬
‫ِ‬ ‫اي‪ :‬أنه‬
‫ْ‬
‫الكف) إذا ضربته‪ ،‬والقدم إذا ركضته‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫جريته‪ ،‬ويستمري مشيته‪.‬‬‫يقول‪ :‬فهو يُغنى فارسه أن يضربه بسوط‪ ،‬أو يركضه بعقبيه؛ ليستدر بذلك ْ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫كذاك‬ ‫(أشـــــــ ُكــــــ‬
‫ُكـــــــنـــــــ‬ ‫ـو‬
‫ُت ومـــــــــا‬ ‫الـــــــنـــــــو‬
‫أشــــــــــــــ‬ ‫ى‬
‫ـ ُكــــــــــــــ‬ ‫ولـــــــ ُهـــــــ‬
‫ـو‬ ‫ْم مـــــــن‬
‫ســـــــــــــــ‬ ‫عـــــــبـــــــ‬
‫وى‬ ‫ـــــرتـــــــــ‬
‫الـــــــــــــــ‬ ‫ــــــي‬
‫كـــــــــــــــ‬ ‫عـــــــــــــــ‬
‫لـــــــــــــــ‬ ‫جـــــــــــــــ‬
‫ل)‬ ‫ٌب‬
‫عـجـبـوا مـن‬
‫ُ‬ ‫اي‪:‬‬
‫فقوله‪( :‬وما أشكو سوى الكلل)‪:‬‬ ‫بـكـائي وقـد غـيبـهـا‬
‫جملة في موضع الحال‪ .‬كأنه‬ ‫الـبُـعـد‪ ،‬وكـذا كـان‬
‫قال‪ :‬كذلك كانت عبرتي وهذه‬ ‫دمـعـي وهـي حـينـئذ‬
‫المحبوبة قريبة‪ .‬وجعل (سوى)‬ ‫قـريبة ال تـغـيبـهـــا‬
‫ها هنا‪ ،‬اسما‪ ،‬فموضعها نُصب‬ ‫عـــنـــي إال‬
‫بأشكو‪ .‬وهو في قوة قوله‪ :‬وما‬ ‫الـــكـــلـــل‪.‬‬
‫وحسن‬ ‫أشكو شيئًا سوى الكلل‪َ .‬‬ ‫فـــكـــيف‬
‫ذلك أنه في معنى‪ :‬وما أشكو إال‬ ‫يعـــجـــبـــون‬
‫الكلل‪.‬‬ ‫مـــن بـــكـــائي‬
‫اآلن‪.‬‬
‫به الـــــــذي‬ ‫(مـــــــابـــــــ‬
‫بـــــــي‬ ‫ال ُكــــــــــــل‬ ‫ُ‬
‫ومــــــــــا‬ ‫ُفـــــــــــــــ‬
‫بـــــــــــــــ‬ ‫ؤاد‬
‫ي‬ ‫فـــــــــــــــ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫غـــــــــــــــ‬
‫ي‬
‫ير‬
‫ُ‬
‫عـــــــــــــــ‬
‫ُمـــــــــــــــ‬
‫شـــــــــــــــ‬
‫نـــــــــــــــت‬
‫يرتــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــق‬
‫ـهــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــل‬
‫ِ‬ ‫ـا‬
‫)‬
‫اي به من الحب لها مثل ما بي‪ .‬والذي بي مع ذلك منتقل وكان القياس‪ ،‬إذ كان بهم ُ‬
‫مثل ما بي‪ ،‬أن ينتقل عني‬
‫حبُّها‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقيل معناه‪ :‬به مثل الذي بي‪ .‬والذي ثابت‪ .‬فالذي بهم أيضًا ٌ‬
‫ثابت ال ينتقل‪ .‬والفؤاد هنا يجوز أن يعني به‬
‫الطائفة التي هي موضع الحب‪ ،‬أعنى القلب‪ .‬ويجوز أن يعني به كل سيد في عشرتها‪ ،‬ألن الفؤاد من أشرف‬
‫طوائف الجسم‪ .‬وهذا كما يسمى الشريف عينا ألن العين أشرف الحواس‪ ،‬وألطف جوهرًا‪ ،‬فيكون كقول أبى‬
‫تمام‪ :‬وسنى فما يصطا ُد غير الصي ِد‬
‫ِكة ل ُمقلتيها عظي ُم الملُك في ال ُم ِ‬
‫قل)‬ ‫األلحاظ َمال ٌ‬
‫ِ‬ ‫( ُم ُ‬
‫طاعة اللحظ في‬

‫ونظير األلحاظ قولهم (االسماع) إنما سمي موضع السمع بالمصدر‪ ،‬ثم ُكسر‪ .‬ولو‬
‫قيل إنه اعتمد اللحظ الذي هو المصدر مختلف األنواع ثم كسره‪ ،‬كما كسرت‬
‫الحلوم واألشغال‪ ،‬لكان وجها‪ ،‬إن كان ثبت عنده له سماع‪ ،‬يثبت أن المصدر الذي‬
‫هو (اللحظ) يُجمع‪.‬‬
‫ولو قال (عظيم الملك) بالكسر‪ ،‬لكان أشبه بمالك‪ ،‬كما أنه لو قال (ملك ُه) ال تزن‬
‫مالك بين الملك‪ ،‬و َملِكٌ‬
‫ذلك؛ فكان ضم الميم في (ال ٌملك) أشبه بملك‪ ،‬ألن المعروف ٌ‬
‫بين الملك‪ .‬ولكنه لما قال عظيم وكان (ال ُملك) أخم من (المِلك) (اختار ال ُملك)‪.‬‬
‫وحسن ذلك‪ ،‬ألن البيت يشتمل بذلك على الملك الذي هو أعم من ال ُملك بقوله‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫(مالكة‪ ،‬وعلى ال ُملك الذي هو أشرف من الملك)‪.‬‬
‫بالحيل)‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اآلنسات ِبـهـا في مشيها فينلن الحسن‬ ‫ُ‬
‫الخفرات‬ ‫(تشبه‬
‫ُ‬
‫حسن‬ ‫فيغيب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحيية‪ .‬واآلنسة‪ :‬المتحببة‪ .‬اي كل امراة َحسنة مقصرة عن ُحسنها‪ ،‬تشب ُه بها في مشيتها‪،‬‬ ‫الخفر ُة‪:‬‬
‫وح ُسن التشبه بها في المشي‪ ،‬ألن غير ذلك من أنواع حسنها ال يُقدر‬
‫الحسن بالتحيل‪َ .‬‬‫المشي حسنها‪ .‬فتنال ُ‬
‫على محاكاته‪.‬‬
‫المشيب الروح في‬
‫ُ‬ ‫وقد أراني‬ ‫الروح في‬
‫الشباب ُّ‬
‫ُ‬ ‫(وقد أراني‬
‫َلي)‬
‫َبد ِ‬ ‫بدنـي‬
‫اي قد كنت فتى يُريني شبابي ُروحي في َبدَني ال أوذن بثُقلته‪ ،‬وال استشعر قرب رحلته‪ ،‬فلما ُ‬
‫شبث أيقنت إلى‬
‫ليعمرها َبدَلي؛ اي غيري‪ .‬فكأن (روحه) قد فارقه حين تيقن بإنذار المشيب أنه‬
‫ُ‬ ‫الموت وإإلى فراق اللدنيا‪،‬‬
‫فارق‪ .‬وقد قال هو في هذا المعنى يصف الدنيا‪:‬‬‫ُم ٌ‬
‫ليب‬ ‫وفارقها الماضي ف َ‬
‫ِراق َس ٍ‬ ‫سـالـب‬
‫ٍ‬ ‫تملكها اآلتي َت َملُ َ‬
‫ـك‬
‫اي كأن اآلتي َسلَ َب الفاني ر ُوحه‪.‬‬
‫وذكر أن الحسن البصري مر بمكتب‪ ،‬فبكى فقيل له ما يُبيكيك فقال‪ :‬اعتباري من هؤالء الصبيان‪ ،‬كأنهم‬ ‫ُ‬
‫يقولون‪ :‬انصرفوا قد بُعثنا أبدال ُكم‪ .‬إال أن المتنبي تصور روحه في غيره َ‬
‫والح َسن لم يفعل ذلك‪.‬‬
‫غير َع ْز َها ٍة وال َغ ِز ِل)‬
‫بصاح ٍب َ‬
‫ِ‬ ‫( َو َْق ْ‬
‫طرق ُت َف َتاَة الحي ُمـرتـديًا‬
‫ال‪ .‬وأضاف الفتاة إلى الحي‪،‬‬ ‫وغالمة‪ ،‬ورجل َو َرجلة‪ُّ .‬‬
‫الط ُروق‪ :‬اإلتيان لي ٌ‬ ‫الفتاة‪ :‬أنثى الفتى‪ ،‬كقولهم‪ :‬غال ٌم ُ‬
‫تفخيمًا لشأنها‪ ،‬وإشادة بمكانها‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫القوم ُق ُ‬
‫لب‬ ‫َ‬
‫ولكن قل ِبي يا ْب َنة ِ‬
‫تصعلك بقوله‪ :‬إن السيف صاحب له‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأراد بالصاحب‪ :‬السيف ألن الصعلوك ال يفارق سيفه‪ ،‬فأشعر أنه ُم‬
‫ُ‬
‫والغزل‪ :‬ضدُّه‪ .‬يقول‪ :‬طرقت هذه الفتاة ُمرتديًا لسيفي‪ .‬وجعله ال‬ ‫والعزها ُة‪ :‬الماقت لحديث لنساء ومجالستهن‪.‬‬
‫والعزاهة في طريق العدم‪ .‬فيقول‪:‬سيفي صاحب ال يوصف‬ ‫ُ‬ ‫ِع ْزها ًة وال َغ ِزال‪ ،‬ألن الغزل في طريق القسمة‪.‬‬
‫بغزل‪ .‬والجما ُد ال يقبل قسمة وال عدَمًا‪ .‬فتفهمه فإنه معنى لطيف‪ ،‬وهو باب من المنطق حسن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعزاهة وال‬
‫ولوال أنه ليس من غرض هذا الكتاب لزدته بيانًا‪ .‬وقد يجب أن أعذر في قولي (الَ َزاه َة)‪ ،‬النه إنما قلته لمكان‬
‫العرب (ال َع َزاه َة)‪ .‬وأقل من هذا ال ُعذر يغنيني مع من َعلَ َم طريقة المنطق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الغزل‪ ،‬وإن لم تستعمل‬
‫والخ َط ِل)‬
‫عين العي َ‬
‫بالجاهلي ِة ُ‬ ‫والمدح البن أبى الهيجاء تُ ْن ِج ُد ُه‬
‫ُ‬ ‫(‬
‫كان بعض الشعراء يمدح سيف الدولة‪ ،‬بذكر أسالفه من أهل الجاهلية‪ ،‬فعابه اوب الطيب بذلك‪ ،‬وقال‪ :‬إن فيما‬
‫يشاهدون من أفعاله وفضائله ما يغني عن ذكر قدمائه من جدوده وآبائه‪.‬‬
‫(المدح) مرتفعًا باالبتداء‪ ،‬و (عين العي‬
‫ُ‬ ‫أوضحهما أن يكون‬
‫ُ‬ ‫وإعراب البيت يتوجه عندي على وجهين‪:‬‬
‫وخ َطل‪ .‬وبالجاهلية‪ ،‬متعلق (بتنجد ُه) اي تُقويه بها‪،‬‬
‫عي َ‬
‫ٌّ‬ ‫الجاهلية‬ ‫بذكر‬ ‫والخ َطل)‪ :‬خبره‪ ،‬اي‪ :‬مدحه إذا أنجده‬
‫َ‬
‫وال يجوز أن يكون متعلقًا بالمدح‪ ،‬النه إذا كان كذلك صار في صلة المصدر وقد ُحلت بينهما بتنجده‪ ،‬فلذلك ال‬
‫يتعلق به‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المدح مرتفعًا باالبتداء كما قدمنا‪ ،‬والخبر تنجده‪ .‬وعين فاعلة بتنجده‪ .‬اي مدح هذا الملك‬
‫المادح بها للعيه و َخطله‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بأخبار الجاهلية إنما َيمدح‬
‫الحج ِل)‬
‫مع َ‬ ‫والُّرو ُم طائر ٌة من ُه َ‬ ‫رب منه مع ال ُكدري طائر ٌه‬
‫(وال ُع ُ‬

‫رب‪ :‬لغة في العرب‪ .‬ونظيرة‪ ،‬ال ًعجم وال َع َجم‪ .‬والقطا‪ :‬نوعان ُكدري وجوني‪،‬‬ ‫وال ُع ْ‬
‫وح َج ُل‪ :‬القبيح‪ ،‬واحدتها َح َجلة‪ ،‬وقد يكون واحدتُها (حجلي)‬
‫فال ُكدري اسم عمهما‪َ ،‬‬
‫الح جل‪ ،‬اسم الجمع كما ذهب إليه سيبويه في قولهم‪ :‬خادم وخدم‪ ،‬وعازب‬ ‫فيكون َ‬
‫والح َج ُل من طير الجبال‪ ،‬وهي‬‫الوحشية‪َ .‬‬ ‫َو َعزب‪ .‬فالقطا من طيور ديار العرب َ‬
‫والنوحش‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫من مساكن الروم‪ .‬فيقول‪ :‬اضطر أعداءه من الفريقين إلى العرب منه‬
‫فلحق كل واحد منهما بالوحشي من طير أرضه‪ ،‬وصار في جملته‪ ،‬حتى كأن لم‬
‫يكن إنسانًا‪ ،‬بكونه مخالفًا للطير‪ .‬ولذلك قال‪( :‬طائره)‪.‬‬
‫وقد يجوز أن يكنى بالطيران عن شدة ال َع َرب‪ ،‬وإال فالعرب والروم وسائر األجيال‬
‫ال يتحولون طيرًا‪.‬‬
‫ص ُحوشية الطير دون سائر الوحش‪ ،‬النها أسرع في ال َه َرب‪ .‬وقوله‪( :‬منه)‪:‬‬ ‫َ‬
‫وخ َّ‬
‫اي من أجله‪.‬‬
‫الوعل)‬
‫ِ‬ ‫الفرار إلى األجبال من أسـ ٍد تمشي النعا ُم به في معقل‬
‫ُ‬ ‫(وما‬
‫اي النعام ُسهلية ال قوة لخفافها على خشونة الجبل‪ ،‬ولو ركب سيف الدولة النعام‪ ،‬سهل عليها من ذلك ما‬
‫ص ُعب من سعده‪ ،‬وي ُمن نقيبتهمشت به في معاقل األوعال‪ ،‬وهي ُذرا الجبال ألن كل صعب ٌ‬
‫سهل عليه‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إنه عنى بالنعام خيله‪ ،‬يقول‪ :‬يركب أوعر األوعار؛ فكيف يطمع العدو المعتصم بالجبل أن‬
‫الفرار إلى األجيال‬
‫ُ‬ ‫يُعيذه منه‪ .‬ومما يُحسن أنه يعنى بالنعام هنا الخيل؛ وأنه ليس بحقيقة النعام‪ ،‬وقولُه‪( :‬وما‬
‫من أسدٍ)‪ ،‬يعني باألسد سيف الدولة‪ ،‬وال نوع األسد الذي هو السبُع‪.‬‬
‫يعن‬
‫ِ‬ ‫لم‬ ‫كما‬ ‫النعام‪،‬‬ ‫له‬ ‫ُقال‬
‫ي‬ ‫الذي‬ ‫النوع‬ ‫بالنعام‪،‬‬ ‫فمن ظريف الصنعة أن يوفق بين آخر البيت وأوله‪ ،‬فال يعني‬
‫باألسد الشخص الذي يسمى أسدًا على الحقيقة‪.‬‬
‫َل)‬ ‫كأنه من نُفوس ِ‬
‫القمو في َجد ِ‬ ‫ً‬
‫قـارعة‬ ‫ورد ُ‬
‫بعض القنَابعضا ُم‬ ‫( َّ‬
‫اي ضاق المعترك‪ ،‬وتحير الملتقى‪ ،‬حتى ر ًد بعض القنا بعضًا وتقارعت‪ ،‬فكان رد بعضها لبعض تقارعًا‪ ،‬وإذا‬
‫ُ‬
‫تخاذل‪ .‬وذلك القراع والجدال كأنهما‬ ‫قراع‪ ،‬كان صوت‪ ،‬فكأن ذلك الصوت الذي حدث عن التقارع‬‫كان ٌ‬
‫منافسة في النفوس‪ ،‬كما يتنافس المتجادلون في الظفر‪ ،‬فيرد بعضهم قول بعض‪ .‬وأراد كأنهما ممن يحاول‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫الظفر باإلنفس‪ ،‬فحذف‪ ،‬النه قد علم ما يغني‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫اضـح َس َت ْر ُت فمي عن ُه فقبل مفر قى)‬
‫ٍ‬ ‫الثنيات َو‬
‫ِ‬ ‫ول‬
‫وأشنب َم ْع ُس ِ‬
‫َ‬ ‫(‬
‫يذهب إلى إثيار الجاللة على اللذاذة‪ ،‬ويدعى ذلك لتسميته‪ ،‬حتى إنه يصحبه خلوته‪ ،‬وحين الظفر بمحبوبته‪.‬‬
‫والصبر عند ذلك أدل على مِلْ ِك ِه ْ‬
‫إلبه‪.‬‬
‫ودال زارني‪ ،‬فحاول تقبيل فمي‪ ،‬فسترت فمي عنه‪ ،‬النه موضع اللذاذة‪ ،‬واللَّذاذة ال‬ ‫قال‪ :‬فرب حبيب ُحسنًا ََّ‬
‫أوثرها‪ ،‬وبذلت له تقبيل م ْف ِرقي‪ ،‬النه موضع الجاللة التي أوثرها‪.‬‬
‫وهذا كقول اآلخر؛ إال انه بعكس‪ ،‬ومنعه محبوبه من نفسه‪ ،‬ما منع المتنبي من نفسه حبيبه‪:‬‬
‫بعقارب األصداغ قطع‬ ‫ً‬
‫ـبـلة‬ ‫حاولت منها ُق‬
‫طريقـهـا‬ ‫ْ‬
‫فـتـعـمـدت‬
‫عفافي و ُيرضى الحب والخيل‬ ‫ُّ‬
‫يعـف إذا‬ ‫( َو َما ُكل من يهـوى‬
‫تُلتقي)‬ ‫َخـ َ‬
‫ال‬
‫ويروى (ويرعى الحب)‪ .‬فمن رواه (يُرضي) فإن من شأن نساء العرب أن يُحببن من ُمحبيهن الشجاعة‬
‫واإلقدام‪ ،‬كقول عمرو بن ُكلثوم‪:‬‬
‫ب ُع ُولتنا إذا لم تمن ُعونا‬ ‫َي ُقتن جيادنا وي ُق ْ‬
‫لن لست ُم‬
‫فيقول‪ :‬أنا أعف كرمًا‪ ،‬وأرضى محبوبى في الحرب‪ ،‬بمشاهدته مني‪ ،‬ما يهواه مني‪ ،‬أو بإخباره ذلك عنى‪.‬‬
‫وليس كل أحد من العشاق يجمع عقة وشجاعة‪ ،‬إذ العشق والعفة والفتك غريزة االجتماع‪.‬‬
‫راع المحبوب‪ ،‬حتى إني‬
‫ومن رواه (ويرعى الحب) فهو يقول‪ :‬أنا أعف كرمًا ال تورًا في هواى‪ ،‬بل أنا ُم ٍ‬
‫اذ ُكره في الحرب‪ ،‬وأراعيه أوان الشدة فكيف في حال السكون والهدوء‪.‬‬
‫وفي ((عى الهوى) هنالك َمزيتاَن‪:‬إحدهما رباطة الجأش‪ ،‬حتى ال يُشغل الخاطر عن ذكر الهوى‪ .‬واآلخر لشدة‬
‫محافظته على الوقاء‪ ،‬حتى ال َ‬
‫يش ْغله عتد شد ُة الهيجاء كقول زياد األعجم‪:‬‬
‫وقد َن َهلَ ْت منا المثقفة َُ‬
‫الس ْم ُر‬ ‫ذكرتك َ‬
‫والخطى يخطر بيننـا‬
‫قوله‪( :‬والخيل تلتقي)؛ جملة في موضع الحال‪ .‬اي ويرعى الحب محارباً‪.‬‬
‫يتخرق)‬
‫ِ‬ ‫وس لم‬ ‫ْ‬
‫والملبُ ُ‬ ‫تخ َّر ْقت‬
‫َ‬ ‫الدهر ُمستِم ْتعًِا ب ِه‬
‫َ‬ ‫(إذا ما ل ِب َ‬
‫ست‬

‫ُ‬
‫لبست الدهر مليا أهرمني‪ ،‬وهو ال‬ ‫لبس الدهر َملبوسًا‪ ،‬وإنما هي استعارة يقول‪ :‬إذا‬
‫هر ُمه امتداد برهته‪ ،‬فجرى األمر بيني وبينه بضد ما يجري بين الالبس‬ ‫يُ ِ‬
‫ملبوس يُخلق ال بسهَ‪ .‬ولما‬
‫ٌ‬ ‫والدهر‬
‫ُ‬ ‫والملبوس‪ ،‬ألن شأن الالبس أن يُخلق الملبوس‪،‬‬
‫التخ ُّر َق‪.‬‬
‫استجاز أن يجعله مل ُبوسًا‪ ،‬استعار له َ‬
‫َس َعى َجدُّه في َكيدهم سعى‬ ‫(إذا َش َع ِت األعداء في َك ْي ِد‬
‫خنق)‬
‫ُم ِ‬ ‫َمـجـدِه‬
‫حنق حنقًا‪ :‬غضب‪ ،‬واحتنقتهُ‪ :‬اي إذا رام العدو كيد مجده‪ ،‬فحاول هدمه بمبارزته أو مقاومته‪ ،‬غضب جده‪،‬‬
‫أنف وأيدٍ‪ ،‬على ما تقدم ُ‬
‫قبل‪.‬‬ ‫فدفع سعى عداه بسعي ٍ‬
‫(كي ُد العدو لمجده)‪( .‬وكيد)‪ :‬مصدر كاد يكيد المتعدية‪ :‬كقوله تعالى‪( :‬فإن كان ل ُكم كي ٌد فكيدُون)‪َ .‬ف َمجدُه‪،‬‬
‫مجرور في موضع نصب‪ .‬اي في كيدهم لمجده‪ .‬وذلك أن المصدر يضاف إلى المفعول‪ ،‬كما يضاف إلى‬
‫ْر)‪ ،‬فالخير في موضع المفعول‪ ،‬اي من دعا ِئ ِه الخير‪.‬‬ ‫ُعاء الخي ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان مِن د َ‬ ‫الفاعل‪ ،‬كقوله تعالى ( َ‬
‫ال يسأ ُم‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ص ُّد حين ُيلمن عن ُبرحائه)‬
‫و َي ُ‬ ‫( َيش ُكو المال ُم إلى اللوائم حـر ُه‬
‫اي إن المالمة ال تتعى سمعي؛ وال تصل إلى فؤادي‪ ،‬ألن حره يمنعها من ذلك‪ ،‬فهي تتفادى منه‪ .‬ويعتذر إلى‬
‫شعري ال حقيقة‪ ،‬ألن المال عرض‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫اللوائم من قصوره عن الوصل إليه‪ ،‬بما يتوقعه من ناريته‪ .‬والكالم‬
‫والعرض غير حاس فيشكو‪ .‬وإنما تشكو الجواهر ما يلحقها من ال َع َرض‪ .‬وشبه أبو الفتح هذا بقول كثير‪:‬‬
‫األمر الذي هو ُ‬
‫فاعل‬ ‫ِ‬ ‫غلُ ٌ‬
‫وب على‬ ‫المـئين‬
‫َ‬ ‫َذ ٌ‬
‫هوب إلعتاق‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫َعـطـاؤه‬
‫(ويصد حين يلمن عن برحـائه)‬
‫مثل ما تقدم والبرحاء‪ :‬الشدة‪.‬‬
‫بطرف ال أرى بسوائه)‬
‫ٍ‬ ‫وأرى‬ ‫الخ ُّل إال من ُّ‬
‫أود بقـلـبـ ِه‬ ‫(ما ِ‬
‫أي ما الخل اال من يكون حظى من قلبه‪ ،‬حظه من قلبي‪ ،‬ويرى بالعين التي أرا ُه بها‪ ،‬فيقع التكافؤ في الحب‬
‫والجاللة‪ ،‬ال من حظى من فؤاده ُمقصر عن حظه من فؤادي‪ ،‬وتعظيمه لي دون تعظيمي له‪.‬‬
‫بالجملة‪ ،‬فقلبُه‬
‫والتناسب؛ حتى كأنه هو جملة‪ .‬واذا كان هو إياه ُ‬
‫ُ‬ ‫وقد يجوز أن يعني بذلك التناهي في التشا ُكل‬
‫قلب خليله‪َ ،‬وعينه عينه‪.‬‬
‫ُ‬
‫( َعجب ال ُوشا ُة من اللُّحا ِة وقولهـم دع ما نراك ض ُعفت عن إخفائه)‬
‫للحب ُ‬
‫أمكن من تركه‪.‬‬ ‫إنما عجب الوشاة من اللُحاة في ذلك‪ ،‬ألنهم كلفوه ترك ما يعجز عن إخفائه‪ ،‬واإلخفاء ُ‬
‫فإذا ضعف غن األقل الذي هو اإلخفاء؛ وقد علم اللُّحا ُة ذلك منه‪ ،‬فكيف يكلفونه األكثر الذي هو ُّ‬
‫السلوان‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ضعفت عن إخفائه)‪ :‬جملة في موضع المفعول الثاني‪ ،‬إن كانت الرؤية علمية‪ ،‬أو في موضع الحال‬
‫إن كانت الرؤية حسية‪.‬‬
‫و َت َرفقًا فالسم ُع من أعضائه)‬ ‫(مه ً‬
‫ال فإن العذل من أسقامـه‬
‫فقًا في عذلك‪ ،‬فإن السمع الذي يقرعه عذلُك من‬
‫وتر ُّ‬
‫اي إن العذل يُسقمه كما يُسقمه الحب‪ ،‬فهو نو من إسقامه‪َ ،‬‬
‫جملة أعضائه‪ .‬فإن َعنُفت به في العذل‪ ،‬اختل سم ُعه أو ذهب‪.‬‬
‫وإنما قدر ذلك نافعًا له عند من عذله‪ ،‬ألن العاذل لم يُرد بعذله إفساد جوهره‪ ،‬وإنما أراد إصالحه‪ .‬فيقول‪ :‬إن‬
‫لم تترفق‪ ،‬عاد ما حاولته من إصالحي إفسادًا إلي‪.‬‬
‫والسمع‪ :‬يجوز أن يكون مصدرًا‪ ،‬إال أنه إذا كان مصدرًا‪ ،‬فليس من أعضائه‪ .‬النه حينئذ جنس‪ ،‬والجنس‬
‫َع َرض‪ ،‬واألعضاء جواهر‪ ،‬وال َع َرض ال يكون جزءًا للجوهر‪ .‬وإنما عنى موضع السمع من أعضائه‪.‬‬
‫ُ‬
‫العين بصرًا في بعض المواضع‪ .‬وإنما‬ ‫لألذن‪ُ ،‬سمي لحسها‪ ،‬كما سميت‬ ‫وقد يجوز أن يكون السم ُع اسمًا ُ‬
‫ٌ‬
‫حسن‪.‬‬ ‫البصر في أكثر الكالم‬
‫ُ‬
‫بسهـاده وبُـكـائ ِه)‬
‫مطرودة ُ‬
‫ُ‬ ‫( َو َهب ال َمال َمة في الل َذا َذ ِة َكالَري‬
‫تلتد بالمالمة‪ ،‬فاجعلها كالكري الذي قد عدمت ُه أنا‪ ،‬على التذاذي به‪ .‬فكما نفا ُه عنى سهادي وبكائي؛‬
‫اي إن كنت ُّ‬
‫فكذلك ينبغي لك أيها الالئم أن يُسليك عن كالمي الذي تلتذ به ما تراه من ُسهادي وبكائي‪ ،‬فيعودا سواء في‬
‫امتناع االلتذاذ‪ .‬ودعاه إلى االئتساء به في الصبر على عدم ما ي ُ‬
‫ُلتذ به‪.‬‬
‫(اج َعل) المعتدية إلى مفعولين‪ .‬وإن شئت ُقلت‪ :‬إنه بدل من موضع‬ ‫(ومطرودة)‪ :‬مفعول ثان لِ َهب‪ ،‬ألنها بمعنى ْ‬
‫(كالكري) لنه بمنزلة قولك مثل ال َك َري‪ .‬وهو القول أقوى‪.‬‬
‫(إن ال ُمعين على الصباب ِة باألسى أولى برحمة ربهـا وإخـائ ِه)‬
‫اي ُمعينى على الصبابة‪ :‬من أعان بالمؤاساة ال بالمالم‪ .‬فإن راحم ذى الصبابة‬
‫ُمؤاسه بالعذر‪ ،‬ال الئمه‪.‬‬
‫يعذ ُب ُقربُه لل ُمبتلَى َويناَ ُل من َحـوبـائ ِه)‬
‫وق ُ‬ ‫ُ‬
‫كالمعش ِ‬ ‫ُ‬
‫والعشق‬ ‫(‬
‫محبوب‪ ،‬كما أن المعشوق كذلك‪ .‬وكالهما نائل من حوباء ال ُمبتلى‬ ‫ُ‬ ‫اي العشق ُملتذ‬
‫وقاتل له‪ .‬وقوله‪( :‬والعشق كالمعشوق)‪ :‬جملة يفسرها ما بعدها من البيت‪ .‬كأنه لما‬
‫قال‪ :‬والعشق كالمعشوق‪ ،‬قيل له فيه‪ ،‬أو كيف تفسره للسائل‪ ،‬فتقديره‪ :‬والعشق‬
‫يعذبان ويقتالن مع ذلك‪.‬‬ ‫كالمعشوق في أنهما ُ‬
‫ول ببأسه وسخـائه)‬ ‫يز ُ‬‫ماال ُ‬ ‫األمير هوى ال ُعيون فإن ُه‬
‫ُ‬ ‫وقي‬‫( ُ‬
‫اي وقى هوى العيون‪ .‬وأما ما سواه فقد آمنتُه عليه‪ ،‬ألنه دافع له ببأسه وسخائه‪ .‬وهوى العيون ماال ينفع فيه‬
‫بأس وال سخاء؛ فإنما أدعوا له أن يُوقى ماال طاقة لجوده وبأسه على دفعه‪.‬‬
‫في أصله وفرنده َووفـائه)‬ ‫( ْ‬
‫من للسيُوف بأن تكون سميها‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫اي بأن تكون مثل سميها في أصله‪ ،‬إما أن يرد‪ :‬في نوعه الذي هو اإلنسانية‪ ،‬وإما في قبيله‪ ،‬وفرنده؛ أو في‬
‫صورته‪ ،‬ألن صورة االنسان أحسن من صورة السيف‪ ،‬ورونقه افضل من رونقه‪ .‬وإما وفاؤه فال وفاء‬
‫للسيوف وال ُعذر إال على المجاز‪ ،‬ألن ذلك من خواص اإلنسان‪.‬‬
‫لم يُدع سامع ُها إلى أكفائه)‬ ‫للنوائب دَعـو ًة‬
‫ِ‬ ‫(إني دعوتُك‬
‫يعزك وال يغلُبك‪.‬‬
‫خطب دُونك‪ ،‬ال ُّ‬
‫ٍ‬ ‫أي‪ :‬دعوتك لخطب ليس ُكفؤا لك‪ ،‬ألن كل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬كل نائبة وإن عظمت فهي دون أن يُدعى مثلط إليها‪ ،‬وإن كنت ال تدعى من النوائب إال إلي‬
‫ما أنت له ُك ُفوء‪ ،‬ما وجدنا ما يكون كفؤا لك‪ ،‬فندعوك إليه‪ ،‬لكن ال بد أن ندعوك لما ناب‪ ،‬وإن جل عنه‬
‫قدرك‪.‬‬
‫طرك‪ ،‬وعال ُ‬ ‫َخ ُ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫القلب ما تُ ُ‬
‫بصر)‬ ‫وكاتمت َ‬ ‫(كأني عصت ُمقلتي في ُك ُم‬
‫هذه مبالغة في كتمان السر والضن بإذاعته‪ ،‬اي رأت عيني ما رأت‪ ،‬فكتمته عن قلبي‪ .‬واذا كان القلب لم يعلم‬
‫غيرك إال ما علمته‪.‬‬
‫غيره به‪ ،‬إذ ال يمكن أن يعلم ُ‬
‫ذلك؛ لم يمكن أن يعلم ُ‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إذا رأت عيني ما تحبون كتمه‪ ،‬تناساه قلبي‪ ،‬حتى كأن العين كتمت عنه ما رأت‪ .‬والمقوالن‬
‫متقاربان‪.‬‬
‫وقوله (فيكم)‪ :‬أي من أجلكم‪ .‬وعصيان المقلة للفؤاد‪ :‬إنما هو َك ْتمها عنه ما رأته‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬كاني عصت‬
‫مقلتي فيكم قلبي‪ ،‬وكاتمته ما تبصر فحذف األول لداللة لثاني عليه‪ ،‬وأعمل (كاتمت)‪ .‬إذ لو أعمل األول واتزن‬
‫لقال‪ :‬وكاتمته القلب‪ .‬اي عصت مقلتي القلب وكاتمته‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ضة َو َقبُ ُ‬
‫ول)‬ ‫بر َحتني َر ْو ٌ‬
‫فال ِ‬ ‫الروح أدنى إلي ُك ُم‬ ‫(إذا كان َش ُّم‬
‫ِ‬
‫اي إن كنتم إنما تؤثرون شم الروح‪ ،‬ونسيم الهواء‪ .‬وذلك إنما يكون بحضور الروض والريح القبول‪ ،‬فال زلت‬
‫قريب مني‪ ،‬وطالبون إلي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تشمونها‪ ،‬تلذ ل ُكم‪ ،‬إذ كلما ُ‬
‫كنت كذلك‪ ،‬فأنتم‬ ‫أنا روضة فتضمكم‪ ،‬وريحًا قبو ً‬
‫ال ُ‬
‫قوله‪( :‬أدنى إليكم)‪ :‬أي أشد إدناء لمن يُحبكم‪ .‬وقوله‪( :‬فال برحتني روضة وقبول)‪ :‬أن شئت قلت‪ :‬أراد فال‬
‫ال‪ ،‬فعكس‪ ،‬فجعل المعرفة الخبر‪ ،‬وهي (ني) والنكرة االسم‪ ،‬وهي (روضة وقبُول)‪ .‬وإن‬ ‫برحت روضة وقبو ً‬ ‫ُ‬
‫شئت قلت‪ :‬إن (ني) من (برحتني) ليست بخبر‪ ،‬وال برح هذه المقتضية لالسم والخبر‪ .‬وإنما ( َب ِرح) هنا‬
‫يأذن لي ربي) فيكون (ني) على هذا مفعو ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫حتى َ‬
‫األرض َّ‬
‫َ‬ ‫المتعدية إلى المفعول‪ .‬وكقوله تعالى‪َ ( :‬فلَ ْن أبْرح‬
‫ويكون التقدير‪ :‬فال فارقتني‪ ،‬أو فال زايلتني روضة‪.‬‬
‫اي فإذا كان ذلك‪ ،‬قصدهم هذه الروضة التي عندي‪ ،‬فسعدت أنا بقربكم واألول أبلغ‪ ،‬النه على ذلك القول‬
‫األول‪ ،‬يجعل نفسه ذات الروضة؛ ويتمنى الخروج من النوع الحيواني اإلنساني إلى النوع النباتي‪ ،‬إيثارًا‬
‫لهواهم‪ ،‬واختيارًا لقربهم‪.‬‬
‫والليل فيه ُ‬
‫قتيل)‬ ‫ُ‬ ‫شفت َكمدى‬ ‫الفجر ً‬
‫لقية‬ ‫بدرب ال ُقل ِة ْ‬
‫ِ‬ ‫( ُ‬
‫لقيت‬
‫ُ‬
‫اي أصبحت في هذا الموضع‪ ،‬أو أفجرت فيه‪( .‬شفت دمدى)‪ .‬اي شفت اللَ ُ‬
‫قية‬
‫قتيل)‪ :‬اي قد ذهب‪ ،‬واشتمل‬ ‫للفجر بانحار الليل‪ ،‬ما كان من الكمد‪( .‬والليل فيه ُ‬
‫ضده على محله‪ ،‬فكأن الليل لما ُعدم أو قارب العدم مقتول‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬طال على الليل بالصبابة‪ ،‬فكأنه َوترني‪ ،‬فاستوجب بذلك أن أطلبه‬
‫بثأري‪ :‬فأوقد سيف الدولة بالدرب نيرانا‪ ،‬فخالط ضوؤها دخانها‪ ،‬فبدت لي من‬
‫الضوء المختلط بالدخان‪ُ ،‬سمرة كسمرة الفجر‪ ،‬قبل أوان الفجر‪ ،‬فكأن هذا الملك قد‬
‫قتل الليل بإيقاده هذه النيران‪ ،‬التي َخ ْل َخلَ ْت كثافة الظلمة‪ ،‬فأنا أكنى بذلك عن ثأري‪،‬‬
‫فيُشفي كمدي‪.‬‬
‫وقيل ك الفجر هنا سيف الدولة‪ ،‬أقام ُغرته ُمقام الفجر‪ ،‬وبالغ في ذلك‪ ،‬حتى جعله‬
‫ال ليل‪ ،‬وما ُطلب عند ليل ذحل‪ ،‬وال نيل منه ثأر قبل هذا‪.‬‬ ‫قات ً‬
‫وفي ذكرها عند األنيس‬ ‫(على ُط ُر ٍق فيها على ُّ‬
‫الط ْر ِق‬
‫ُخ ُم ُ‬
‫ـول)‬ ‫ٌ‬
‫رفعة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫رفعتها‪ :‬أنها أ ُك ٌم وجبال‪ ،‬وخمولها‪ :‬أنها غير مسلوكة لوعورتها‪ ،‬فهي لذلك خاملة‪ .‬وقد يجوز أن تكون طرقًا‬
‫لم يسلكها إال جيش سيف الدولة‪ ،‬ألنها ُ‬
‫مخوفة فالناس ال يعرفونها لذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫فجـمـيل)‬ ‫قباحًا وأما خل ُقها‬ ‫شعروا حتى رأوها ُمغيرة‬
‫(وما ُ‬
‫أي قباح األفعال بهم‪ ،‬وإن كانت في خلقتها جميلة‪ ،‬ألن خوفهم لها يُقيحها في أعينهم‪ ،‬فيخفى عليهم جمالُها‪.‬‬
‫اقبح من ضيف ِه رأت ُه السر فالحسن فيه طبيعية؛ والقبح َع َرض‪.‬‬ ‫وهذا نحو قوله‪َ :‬ح ٌ‬
‫سن في عيون أعدائ ِه ُ‬
‫فأضحى كأن الماء فيه ُ‬
‫عليل)‬ ‫(وأضعفن ما ُكلفن ُه من ُق ٍ‬
‫باقب‬
‫ُقباقب‪ٌ :‬‬
‫نهر دهمته هذه الخيل‪ ،‬فسدت مجاري الماء فيه‪ ،‬بكثرة قوائهما‪ ،‬فارتدع الماء‪ ،‬إال ما تخلل ُشعب قوائم‬
‫الخيل‪ ،‬فأضعفته عن قوة جريه‪ ،‬حتى كأنه عليل‪ .‬والعلة هنا كناية عن الضعف‪ ،‬إنما العلة في الحيوان‪ ،‬والماء‬
‫ليس بحي‪.‬‬
‫خلفت إحدى ُمهجتيك ُ‬
‫تسيل)‬ ‫َو َ‬ ‫ً‬
‫جريحة‬ ‫َجوت بإحدى ُمهجتيك‬
‫(ن َ‬
‫الد ُمستُق‪ ،‬وكان ُشج في وجهه ونجا جريحًا‪ ،‬فهذا معنى قوله‪( :‬نجوت بإحدى مهجتيك جريحة)‪ ،‬وكان‬
‫يخاطب ُّ‬
‫ُ‬
‫تسيل)‪ ،‬اي تركته يذوب في الكبل والحبس‪ ،‬مع ما اشتمل‬ ‫ابنه قد أسر‪ ،‬فلذلك قال‪( :‬وخلفت إحدى مهجتيك‬
‫عليه من خشية القتل‪:‬‬
‫غذا ُه ولم ينفعك أنك ُ‬
‫فيل)‬ ‫ً‬
‫فريسة‬ ‫(إذا لم ت ُكن لليث إال‬
‫(الفيل) مثال لعظم عدد الروم‪ ،‬وضرب (الليث) مثال لسيف الدولة وجيشه‪ ،‬اي فال تُعجبن الروم كثرة‬ ‫ِ‬ ‫ضرب‬
‫عددهم‪ ،‬فإن الكمية ال تغني‪ ،‬وإنما الغناء للكيفية وقال‪( :‬غذاه)‪ :‬أراد غذا ُه ذلك الشخص المفترس‪.‬‬
‫واألفكار فـي‬
‫ُ‬ ‫وأهدأ‬
‫تـج ُ‬ ‫الحب للفتى‬
‫وجب ُ‬
‫(أعادى على ما يُ ُ‬
‫ـول)‬ ‫ُ‬
‫اي أعادى على ما لدي من الفضائل النفسانية‪ ،‬كالشجاعة والفروسية‪ ،‬والفصاحة والشعر‪ ،‬حسدًا لي على ذلك‪.‬‬
‫وكل واحدة من هذه الفضائل في حد الحقيقة‪ُ ،‬موجبة للحب‪ ،‬فكيف أشنأ على ما يُوجب الحب؟ يقول ذلك‬
‫متعجبًا‪.‬‬
‫قال أبو الفتح‪ :‬لو قال (أبغض) مكان (أعادى) كان أوفق في مذهب الشعر‪ ،‬يعني أبو الفتح‪ :‬أنه لو قال ذلك‪،‬‬
‫كان أذهب في باب التقابُل‪ ،‬ألن النقيض إنما يقابل بنقيضه؛ وكذلك‬
‫الضدُكي مل ‪،‬نآنشلاب ةقادصلاو ‪،‬بحلاب تلباق اذإف ‪.‬ةقادصلا ةوادعلا دضو ‪.‬ضغبلا بحلا دضف ‪.‬هدضب ّ ذاك‬
‫على تقابل الضد والنقيض‪.‬‬
‫لكن الذي يُسهل ذلك‪ ،‬أن العداوة علتها البغضة‪ ،‬التي هي ضد الحب‪ ،‬فأقام العلة التي هي العداوة‪ُ ،‬مقام‬
‫(أشن) على‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يدخل التخفيف البدلي من االضطرار‪ ،‬لقال‪ :‬فأشنى‪ ،‬أو‬ ‫المعلول‪ ،‬الذي هو البُغض‪ .‬ولوال ما‬
‫اجتمال الجزم‪ ،‬ولكن االول أسوغ أعنى وضع (أعادى) مكان (أبغض) لما ذكرت‪ ،‬من داللة العلة على‬
‫المعلول‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫البشر)‬
‫ُ‬ ‫ص ب ِه من دُونها‬ ‫فما ُ‬
‫يخ ُّ‬ ‫(تُرى األهل َه وجهًا عم نـائلُـ ُه‬
‫اي انه يكسب األهلة بنظرها إلى ُغرته نورًا وسعدًا‪ ،‬فتنال بذلك من جوده كما ينال الناس‪ .‬فالبشر إذن نوع‬
‫غير مخصوص بنائله بل هو عام للعالم ال ُعلوي والسفلي‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ْ‬
‫وأبدلت غنـاءه أنـينـ ُه)‬ ‫ْ‬
‫أكثرت رنين ُه‬ ‫كاس‬
‫وشرب ٍ‬
‫ِ‬ ‫(‬
‫الشرب‪ :‬اسم للجمع عند سيبويه‪ ،‬وهو عند أبى الحسن جمع‪ .‬ويدل على صحة قول سيبويه‪ :‬إن العرب إذا‬
‫وركيب‪ .‬فلو كان جمعًا كما ذهب إليه أبو‬ ‫حقرت هذا النحو حقرته بوزنه‪ ،‬كما تحقر الواحد‪ ،‬فقالوا‪ُ :‬شريب ُ‬
‫ور َويجلُون‪ .‬وإنما كالم العرب ما‬
‫لرده إلى واحده في التحقير‪ ،‬ثم جمع بالواو والنون‪ ،‬فقيل‪ُ :‬ر َويكبون ُ‬
‫الحسن‪ُ ،‬‬
‫قدمنا‪.‬‬
‫أنشدنا القرشي‪:‬‬
‫أخشى ُركيبًا ورجيال عاديا‬ ‫بنيته ب ُعصب ٍة مـن مـالـيا‬
‫وذهب قوم إلى أن معنى البيت‪ :‬أن هذا الشرب ‪ -‬وهم أعداء الممدوح ‪ -‬غنوا بمناقبه‪ ،‬حتى إذا سكروا هاج‬
‫لهم السكر ذكر من سبا منهم وقتل‪ ،‬فأنوا حزنا‪ ،‬وعاد ذلك الغناء أنينًا وتفجعًا‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫الشرب غنوا‪ ،‬فأثخن فيهم هذا الملك وأوجعهم‪ ،‬فعاد ذلك الغناء رنينا وأنينا‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫والذي عنتدي أن هؤالء ْ‬
‫ْ‬
‫(أبدلت)‪ :‬إخبار عن الخيل والقنا اللتين في قوله‪:‬‬ ‫(أكثرت) و‬
‫َ‬
‫(إن الجياد والقنا َي ْكفِين ُه)‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫وهذا الذي يأتي ال َف َتى ُمتعمدا)‬ ‫رايت ال َبحر يعثُر بالف َتى‬ ‫(فاني ُ‬
‫اي أن سيف الدولة اولى بأن يرجى ويخشى من البحر‪ ،‬ألن البحر وإن أروى‬
‫وأعطى‪ ،‬فليس شيء من لك على عمد وال قصد‪ ،‬النه ال ُروح له وال فؤاد‪ ،‬فليس‬
‫إذن يحمد على مكرماته والذمي ٌم آلفاته‪ .‬وهذا كقوله هو‪:‬‬
‫ال وال َكفها حلما‬ ‫بطشها جه ً‬‫أال ال أرى األحداث حمدًا والذما فما ُ‬
‫وأما سيف الدلوة فهو لكل ما يأتيه من إفاقة وإغناه وإمانة وإحياء‪ ،‬عام ٌد قاصد‪ ،‬النه من نوع االنسان‪ ،‬الذي‬
‫هو أشالف الحيوان‪.‬‬
‫َو َي ُق ُ‬
‫تل ما تُحيى التبسم والجدا)‬ ‫( َوتُحيي ل ُه َ‬
‫المال الصوار ُم والقنا‬
‫تبس ٍم‬
‫أي انه يغير فيغم بسيوفه والماحه‪ ،‬فهي تحيي له المال‪ .‬ثم يهب ُعفاته‪ ،‬ما يسلبه ُعداته‪ ،‬وذلك في حال ُّ‬
‫وأريحية للعطاء‪ ،‬فذلك التبسم هو الذي يقتل المال الذي أحيت ْه األشنة والصوارام‪ ،‬كقول ابى تمام‪:‬‬
‫معشر أغارت عليه فاحتوته الصنـائع‬
‫ٍ‬ ‫إذا ما أغاروا واحتووا مال‬
‫وذكر التبسم والجدا هنا كقول ُكثير‪:‬‬
‫المال‬
‫غلقت لضحكته رقاب ِ‬ ‫غمر الرداء إذا تبسم ضاحكًا‬
‫ُ‬
‫ولو قال (يميت) مكان (يقتل) لكان أشد مقابلة للحياة‪ ،‬ألن القتل ليس بضد الحياة إنما هو علة ضد الحياة في‬
‫بعض األوقات‪.‬‬
‫ونقيض الحياة إنما هو الموت‪ .‬ومقابلة الشيء بنقيضه أذهب في الصناعة و(التبسم والجدا)‪ :‬مرتبطان بيقتل‪،‬‬
‫اي ويقتل التبسم والجدا ما تحييه الصوارم والقنا‪ .‬ففي تحيى ضمير راجع إلى لقنا والصوارم‪ ،‬اي ما تحيى‬
‫هي‪.‬‬
‫العين أختها وحتى ي ُكون اليز ُم لليوم سـيدا)‬
‫فضل ُ‬ ‫الجد حتى َت ُ‬
‫(هُو ُّ‬
‫وإنما ذكر فضل يوم األضحى وجعله سيد نوعه‪ .‬ثم مثل به فضل سيف الدولة على جميع نوعه‪ .‬وذلك في‬
‫البيتين اللذين قبل هذا البيت‪ .‬ثم عجب من تفاضل االشخاص الواقعة تحت نوع واحد‪ ،‬على أن عنصر هذا‬
‫واحد‪ .‬فقال‪( :‬هو الجد حتى تفضل العين أختها) فبلغ بالعجب من العين التي تفضل صاحبتها على اقترابهما‬
‫وشدة اقترابهما‪ .‬وبالعجب من اآليام التي تتفاضل بما يحدث فيها من السراء والضراء وضروب الممالك‬
‫والمناسك‪.‬‬
‫المادحون مرددا)‬
‫ُ‬ ‫بشعري أتاك‬ ‫أنش َ‬
‫دت شعرًا فإنمـا‬ ‫(أجزني إذا ِ‬
‫أجزني‪ :‬اي أعطني الجائزة إذا مدحك غيري‪ ،‬فإن الشعراء إنما يأخذون معاني شعري‪ ،‬فيمدحونك بها‪ ،‬فاذن‬
‫إنما المستحق بجوائزك أنا ُ‬
‫اله م‪ .‬إذ لوال شعري لم يهتدوا إلى ما يمدحونك به‪ .‬فكلما احسنوا فإنما اإلحسان لي‬
‫كقول اآلخر‪:‬‬
‫بشار‬
‫فقد أحسن ُ‬ ‫فإن أنش َد َحمـا ٌد‬
‫اي إن حمادًا إنما يأخذ شعر بشار‪ .‬فاإلحسان له‪ ،‬واإلنشاد لحماد‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫الهبات صوانها)‬ ‫ون حسانـهـا إذا نُشرت كان‬
‫يص ُ‬
‫كريم ما ُ‬
‫ثياب ٍ‬
‫( ُ‬
‫يعني ثيابا رومية كساه إياها‪( ،‬كان الهبات صوانها) اي أنه ال يصونها إنما يبتذلها بالهبة هي التي تكون لها‬
‫مقام الصوان إذ الصوان لها عنده وإذا لم يصن حسانها كان أحجى أال يصون دُةنها‪.‬‬
‫وتجلُو علينا نفسها وقيانهـا)‬ ‫وم فيها ُملوكها‬
‫الر ِ‬
‫صناع ُّ‬
‫ُ‬ ‫(تُرينا‬
‫اي صورت األنواع الحيوانية إال الرزمان‪ ،‬فانها لم تصوره لعجزها عن ذلك وذلك أن الزمان هنا إما أن يعني‬
‫به الفلك‪ ،‬وال أحد يستطيع تصويره على حقيقته التي هو بها؛ وإما أن يكون الزمان هنا وجود النور وعدمه‬
‫وذلك َع َرض والعرض ال يقتصور إال في جوهره الذي هو منه‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫عتيق خالُـ ُه دون عـمـه رأى خلقها من أعجبت ُه فعانها)‬ ‫(وأم ٍ‬


‫ال وعما‪،‬‬ ‫هرها‪ ،‬والعتق‪ :‬الكرم وجعل لها خا ً‬ ‫وأم عتيق‪ :‬يعني فرسًا‪ .‬وعت ُقها‪ُ :‬م ُ‬
‫يذهب إلى أن هذه الفرس ات طرفين كريمين مختلفين بالنسب‪ ،‬ألن ذلك مما‬
‫يُستحب في الخيل أعنى أال يكون األبوان متناسبين‪.‬‬
‫وقد يستحب ذلك في اإلنسان‪ ،‬ألنهم يزعمون أن األبوين إذا كانا متناسيبن جاء‬
‫ال‪ ،‬دقيق العظم (ابن السكيت)‪.‬‬ ‫الولد هنا وياُّ‪ ،‬اي مهزو ً‬
‫ض ُووا)‪ .‬اي ال تنكحوا في األقارب‪ ،‬فيجيء الولد‬ ‫ومنه الحديث‪( :‬اغتربوا ال تُ ْ‬
‫ضاويا‪ .‬وقال‪( :‬خاله دون عمه) يذهب إلى أن أباه أكرم من أمه‪ ،‬وذلك أنجب له‪.‬‬
‫عجب ربما أصابته العين‬ ‫(رأى خلفها من أعجبته ف َعانها)‪ .‬يزعمون أن الشيء ال ُم ِ‬
‫فقسد لذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬رأى هذه الفرس بحجر من أعجب فعانها)‪ .‬اي رأت خلفها‬
‫فحال حاول َكومها حين أعجبته‪ ،‬فأمكنته‪ ،‬فأولدها‪ ،‬فكأنه تنقصها باإليالد‪ ،‬كما‬
‫يُ َتنقص الشيء الحسن المعجب إذا أصيب بالعين‪.‬‬
‫(إذا سايرت ُه بـاينـتـه‬
‫وشان ْته في عين البصير وزانها)‬
‫وبـائهـا‬
‫أي باينته‪ ،‬من (ال َبون) اي باعدته‪ .‬فان قلت‪ .‬ينبغي على ذلك‪( :‬باونته)‪ ،‬النه من الواو‪ .‬فان شئت قلت‪ :‬إن هذا‬
‫على المعاقبة‪ ،‬ومعناهما‪ :‬قلب الواو إلى ياء لغير علة إال طلب الخفة‪ ،‬وهي لغة حجازية عربية‪ .‬يقولون‪:‬‬
‫(صواغ)‪ ،‬ومياثق في مواثق‪ ،‬وهو كثير‪ ،‬قد عمل فيه يعقوب بابًا واسعًا‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إنه من‬ ‫(صياغ) في ُ‬ ‫ُ‬
‫ين)‪ .‬وقد بان صاحبه يبون ُه ويبينهُ‪.‬‬‫(ال َبيْن) الذي هو في معنى (البون) حكى أبو ُعبيد‪ ،‬بينهما (بون) بعيدو ( َب ٌ‬
‫خير من اعتقاد المعاقبة الحجازية‪ ،‬ألنك إنما تلوذ بها إذا لم تجد عنها معد ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫فح ُملك إياه على هذا‪ٌ .‬‬
‫و (شانت ْه في عين البصير)‪ :‬اي شانته بكونها أمه لتقصيرها عنه (وزانها)‪ ،‬بكونه ابنها وهو زائد عليها‪.‬‬
‫ُ‬
‫الخيل شرهـا وشرى وال تُعطى سواى أمانها)‬ ‫(وأين التي ال ُ‬
‫تأمن‬
‫إن شئت قلت‪ :‬أين فرسي التي من أمرها وشأنها‪ ،‬من هذه الفرس المعيبة؟ وإن شئت قلت‪ .‬أراد‪ :‬هب لي‬
‫الفرس التي هي أكرم من هذه الفرس التي وهبتها لي‪.‬‬
‫ُ‬
‫الخيل شرها)‪ :‬إذا َك َر ْر ُت بها‪ .‬وأراد أهل الخيل‪ ،‬فحذف المضاف‪ ،‬وأقام المضاف إليه مقامه‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬ال ُ‬
‫تأمن‬
‫(وال تُعطى سواى أمانها)‪ :‬اي ال يأمنُها إال مثلي من ُ‬
‫الحذاق بركوب الخيل‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫مطر)‬ ‫ُجو ٌد لكفك ٍ‬
‫ثان ماله ُ‬ ‫( َتشبي ُه ُجودِك باألمطار غادية‬
‫أي انك غاية في الجود ال فوقها‪ ،‬فإذا شبهنا كفك بالمطر‪ ،‬فالمشبه دون المشبه به‪ ،‬فقد بالغنا بمدح المطر‬
‫وشرفناه‪ .‬فكان هذا التشريف له بتشبيه جودك بهن ُجودًا عليه ثانيًا من جودك علينا بالمال وخص األمطار‬
‫ٌ‬
‫شهمة ُمنشطة‪ ،‬فهي حينئذ أورق‬ ‫أغزر ما تكون حينئذ في أول النهار‪ ،‬والنفوس حينئذ‬
‫ُ‬ ‫الغوادي‪ ،‬ألنها باألغلب‬
‫وأعلق‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُّ‬
‫والخل الذي ال يُزايل)‬ ‫َسميُّك‬ ‫(وقاسمك العينين منه ولحظه‬
‫ِك سيف الدولة‪ ،‬فهو وسيفه سميان‪.‬‬ ‫يعني بسميه والخل الذي ال يزايل‪ :‬السيف‪ .‬أما سميه فألنه سيف‪ ،‬والمل ُ‬
‫وأما كونه خأل ال يزايلُه‪ ،‬فألن السيف ال يفارق‪ .‬فيقول‪ :‬نظر إليك طامعًا إحسانك‪ ،‬وإلى سيفك‪ ،‬خائفًا من‬
‫بأسك‪ ،‬يقلب طرفه من يمين إلى شمال‪ ،‬فذاك معنى المقاسمة‪ ،‬اي أن السيف قد قاسمك عيني رسول الروم فهو‬
‫تارة يتأملك‪ ،‬وأخرى يتأمل سيفك ولحظه‪ ،‬عندي حشو‪ ،‬النه إذا قاسمه عينيه فقد قاسمه اللحظ‪.‬‬
‫ُ‬
‫الحجافل)‬ ‫إليك العدا واستنظرت ُه‬ ‫(وأكبر من ُه ً‬
‫همة َبعـثـت بـه‬
‫اي أكبرت العدا همة هذا ال ُمرسل‪ ،‬وأعظمت شأنه إلقدامه عليك‪ ،‬و ُمثُوله بين يديك‪( .‬واستنظرته الحجافل)‪ :‬اي‬
‫سألته أن يُنظرها‪ ،‬بشغله إياك أيها المالك عنهم‪ .‬فمعنى استنظرته‪َ :‬طلَبت منه النظرة‪ ،‬اي التأخير‪.‬‬
‫بأمرك والتفت عليك القبـائل)‬ ‫(أطاعتك في أرواحها وتصرفت‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫بالغ بإطاعتهم إياه في أرواحهم‪ ،‬ألنهم إذا أطاعوه في ذواتهم‪ ،‬كانوا أجدر أن يطيعةه فيما سواها‪ .‬و(التفت‬
‫القبائل)‪ :‬اي أحدقت بك العرب‪ ،‬ألن كل جيش ُمحدِق بأميره‪.‬‬‫ُ‬ ‫عليك‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬جعله سطة لسراوة نسبه‪ ،‬وعالوة حسبه‪ ،‬وقبائل العرب محيطة به‪ ،‬فالمحاط به أشرف من‬
‫أنفسها سطتُها‪ .‬والدائرة التي أشر ُفها نقطتها‪.‬‬
‫ال ُمحيط‪ ،‬كالقالدة التي ُ‬
‫ُ‬
‫القواتل)‬ ‫ُ‬
‫السالمات‬ ‫( ُ‬
‫رميت عدا ُه بالقوافي وفضـلـ ِه َو ُ‬
‫هن الغوازي‬
‫وفضله‪ :‬اي وفضائله‪ .‬هذا أذهب في الصناعة‪ ،‬أي أعنى يعطف جميعًا على جميع في النية وإن لم يستقم ذلك‬
‫ُ‬
‫أغضبت عداه لمدائحي فيه بفضائله النفسانية‪ ،‬فلم يجدوا في شعري مطمعا وال في فضائله‬ ‫في اللفظ‪ .‬إذا‬
‫ُ‬
‫الذاتية مدفعا‪ ،‬فقد قتلتهم بأن أغضبتهم وأعجزتهم‪ ،‬وسلمٍت هي في أنفسها‪ ،‬إذ لم يقدروا على غض أشعاري‪،‬‬
‫إنكار فضائله‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وال‬
‫ُ‬
‫الغوائل)‬ ‫فر حربًا عارضت ُه‬
‫ـرا ُد ُه فمن َّ‬
‫تبع ُمراب الـرجـال ُم ُ‬
‫(يُ ُ‬

‫الغوائل‪ :‬الدواهي المهلكة‪ .‬تقول العرب‪ :‬الغضب ُغول ِ‬


‫الحلم‪ .‬اي يذهب بالحلم‬ ‫ُ‬
‫فيغتاله‪ .‬يقول‪ :‬إن سمده المهزومين؛ فيقتلهم بالعطش والكالل وسائر أنواع اآلفات‪،‬‬
‫كقوله هو‪:‬‬
‫القفار‬
‫ُ‬ ‫بأرماح من العطش‬ ‫إذا فاتُوا الرماح تناولته ُمـم‬
‫ويتبع من باب (فعل) في معنى (تفعل) اي يتبع‪ .‬ونظيره ما حكاه سيبويه من قولهم بين الشيء وتبيَّنَه‪ .‬وفي‬
‫الصبح لذى عينين اي تبين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بين‬
‫إليك انقيادًا ال قتضتُه‬ ‫ُ‬
‫الطعن في‬ ‫يقتض‬
‫(رأ ُيتك لو لم ِ‬
‫ُ‬
‫الـشـمـائل)‬ ‫الوغى‬
‫ُ‬
‫و(الشمائل)‬ ‫اي لو لم يجر من أصحابك على الطعن‪ ،‬انقيادُهم لك‪ ،‬وطاعتهم إياك‪ ،‬القتضاهم إياه ُحبُّهم لك‪.‬‬
‫يجوز أن تكون منه ومنهم‪ ،‬فان كانت منهم‪ ،‬فمعناه‪ :‬حبهم لك بطاعتهم‪ .‬وإن كانت منه فمعناه‪ :‬بحبهم لشمائلك‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫والسقاب)‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحوائل‬ ‫وأجهضت‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫األجنة في الـوالياَ‬ ‫وأسقطت‬
‫ِ‬ ‫(‬
‫الس على‬
‫األح ُ‬ ‫ْ‬
‫أسقطت في الواليا‪ ،‬وهي ْ‬ ‫وعسف بهن في الهزيمة‪ ،‬فمن كان منهن حام ً‬
‫ال‬ ‫اي أن النساء أردفن‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫الحوامل‪ ،‬وهي اإلناث؛‬ ‫إعجاز الخيل واإلبل‪ ،‬وأجهدت اإلبل‪ ،‬و ُكلفت أكثر من طاقتها في السير‪ ،‬فأجهضت‬
‫والسقاب‪ ،‬وهي الذكور‪ .‬واإلجهاض للنوق‪ ،‬كاإلسقاط للنساء وهذا كقول أبى النجم‪:‬‬
‫ُ‬
‫برى‬‫كالمسلوخ والجلُد ِ‬
‫ِ‬ ‫تراه‬ ‫َك ْم َط َر ْ‬
‫حت من ول ٍد ال يغتذى‬
‫كعاب)‬
‫ُ‬ ‫وكعب في مياسرهم‬
‫ٌ‬ ‫ـور‬
‫( َو َعمر ٌو في ميامنهم ُع ُم ٌ‬
‫عمرو وكعب‪ :‬بطنان‪ ،‬كعب‪ :‬بن ربيعة‪ ،‬وعمرو بن مالك‪ .‬فان شئت قلت‪ :‬اختلفت كلمتهم فأشارت طائفة‬
‫بالعرب‪ ،‬واألخرى باالستذمام وأخذ الموثق من سيف الدولة‪ .‬وكانوا قبل يدًا واحدة‪ ،‬كلمتهم سواء فكانهم‬
‫باختالفهم تقسموا وافترقوا فصارت القبيلة باختالف كلمتها في قبائلك؛ فلذلك جعل عمرًا ع ُمورًا‪ ،‬وكعبًا كعابًا‪.‬‬
‫أنشد سيبويه‪:‬‬
‫الشنآن قد صار ُوا كعاباَ‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫كعب وكانُوا‬
‫الصدع من ٍ‬
‫َ‬ ‫رأيت‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬هربوا وتبددُوا‪ ،‬فصاروا شيعًا وأحزابا‪ ،‬فكل جزء من عمرو عمور‪ ،‬وكل جزء من كعب‪،‬‬
‫كعوب‪ .‬والقوالن متقاربان‪.‬‬
‫ضباب)‬
‫ُ‬ ‫ثنا ُه عن ُشموسه ُم‬ ‫(ولو َغ ُ‬
‫ير األمير غزا كالبًا‬
‫بشوسهم‪ :‬حقائق نفوسهم‪ .‬والضباب‪ :‬مايلقاه من الطعان والضراب‪ .‬وقيل‪ :‬ثناه عنهم أقل ما يصيبه منهم‪،‬‬‫يعني ُ‬
‫ألن كثافة الضباب أقل من كثافة السحابز وقيل‪ :‬عنى بالشموس نساءهم التي سباها سيف الدولة وبالضباب‪:‬‬
‫من فيهم من ال ُكماة ُ‬
‫والحماة‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫سور الفال أحداثُها والقشاع ُم)‬
‫نُ ُ‬ ‫(تُفدي ُّ‬
‫أتم الطير ُعمرا سالح ُه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أت ُم هنا‪ :‬بمعنى اطول‪ .‬وإنما جاز ذلك الن التمام في باب (كيف)‪ ،‬نظير الطول في باب ( َك ْم)‪ .‬وإنما المستعمل‬
‫في العمر أطول‪ ،‬فلم يتزن له‪ ،‬ونجوه قول رؤبة‪:‬‬
‫(كال َك ْرم إذ نادى من الكا ُف ِ‬
‫ور)‬
‫وإنما المعروف صاح ل َكرم‪ ،‬سائر الشجر إذا بدا ثمره‪ .‬إال أنه لو قال صاح ال َكرم لكان في الجزء طي‪ ،‬وهو‬
‫صاَح ليسلم‬ ‫ستفعل)‪ ،‬النه قوله‪( :‬صاح منل) مستعلُن‪ ،‬فاستوحش من الطي‪ ،‬فوضع نادى مكان َ‬ ‫ٌ‬ ‫ذهاب فاء ( ُم‬
‫الجزء‪.‬‬
‫ورؤبة لو قال‪ :‬صاح من الكافور لم ينكسر البيت‪ ،‬وإنما‬ ‫والمتنبي أعذر‪ ،‬النه لو قال‪( :‬أطول) ال نكسر البيت ُ‬
‫كان يلحقه الزحاف الذي وصفناه‪.‬‬
‫وقال (تُفدي) فأنت الفعل‪ ،‬وإن كان لألنم‪ ،‬واألتم مذكر‪ ،‬حم ً‬
‫ال على المعنى‪ ،‬الن األتم هو النسور في الحقيقة‪.‬‬
‫ونظيره قول بعض العرب‪ :‬فالن ل ُغبو جاءته كتابي فاحتقرها‪ .‬أنث الكتاب لما كان في معنى (الصحيفة)‪.‬‬
‫و(نسور الفال)‪ .‬يدل من (أتم الطير)‪ .‬و (أحداثها والقشاعم)‪ :‬بدل من (نسور)‪ .‬وكالهما بدل بيان‪ .‬يقول‬
‫سالح ه النسور شبعًا من لحوم القتلى قديمًا وحديثًا اآلن‪ .‬فقشاعهما وهي المسان تشكر القديم والحديث‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أوسعت‬
‫وأحداثها تشكر الحديث‪ ،‬ألنها متأخرة الكون عن زمن القديم‪ .‬فكال النوعين يشكر سالح هذا الملك‪ ،‬و(ي ُفديه)‪:‬‬
‫اي يقوالن نحن الفداء لسالحه‪ .‬استعار األحداث للنسور‪ ،‬وإنما هو في نوع االنسان‪ ،‬ومثل هذه االستعارة‬
‫كثير‪.‬‬
‫اي الساقيين الغمأئ ُم)‬
‫وتعل ُم ُ‬ ‫الحدث الحمرا ُء لونها‬‫ُ‬ ‫( َه ِل‬
‫حصن معروف‪ ،‬وأنثه على معنى القلعة‪ ،‬أو المدينة‪ ،‬وجعلها حمراء‪ ،‬لما‬ ‫ٌ‬ ‫(الحدث)‪:‬‬
‫سال عليها من الدماء‪ ،‬وكانت غير حمراء‪ .‬يقول‪ :‬فهل تعرف اآلن لونها القديم‬
‫الحمرة‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬هل تعرف اآلن أنها حمراء‪ ،‬أو تنكر‬ ‫الذي بُدلت منه ُ‬
‫ذلك؟‬
‫وقيل‪ :‬جعلها حمراء‪ ،‬الن سيف الدولة بناها بحجر أحمر‪ ،‬ولم يك قبل ذلك‪.‬‬
‫يقول‪ :‬فهل تعرف هذه القلعة أن بناءها الحديث غير بنائها القديم؟ وكذلك بلت هذه‬
‫السحاب االرض بالمطر فهل تعرف أن‬ ‫ُ‬ ‫السيوف هذه المدينة بالدم‪ ،‬كما يبُل ‪-‬‬
‫الغمام سقاها اآلن أو السيوف؟ وقد بين ذلك بقوله بعد هذا‪:‬‬
‫فلما دَنا منها سقتها الجماح ُم)‬ ‫(سقتها الغما ُم ال ُغر قبل نُ ُزول ِه‬
‫اي سقاها السحاب قبل نزول سيف الدولة بها‪ ،‬فلما دنا منها قتل من كان بها من الروم‪ ،‬فسفتها السيوف‬
‫بدمائهم‪.‬‬
‫ثث القتلى عليها تمائ ُم)‬
‫ومن ُج ِ‬ ‫ْ‬
‫فأصبحت‬ ‫الجنُون‬ ‫( َوكان بها ُ‬
‫مثل ُ‬
‫ض أو جنون أو سحر‪.‬‬ ‫التمائم‪ :‬ال ُعوذ‪ ،‬وهي تُناط بمن كان به َم َر َ‬
‫فيقول‪ :‬كانت هذه القلعة مضطربة غير مطمئمة وال مستقرة بمن غلب عليا من الروم‪ ،‬حتى كان بها من ذلك‬
‫الجنون‪ ،‬الن المجنون يخالطه اضطراب وقلة ثبات‪ ،‬ولذك قيل له‪( :‬األولق)‪ .‬الن الولْق‪ :‬سرعة الطعن‬ ‫مثل ُ‬
‫والمشي‪ ،‬وهذا فيمن أخذه من ذلك‪ ،‬فجعله (أفعل)‪.‬‬
‫فأما سيبويه‪ ،‬فهو عنده (فوغل) بديل (مألُوق) فلما وردها سيف الدولة ف َقتل من تغلب عليها‪ ،‬استقرت‬
‫واطمأنت‪ ،‬فكانت جثث القتلى عليها تمائم أوجبت لها االستقرار والطمأنينة‪.‬‬
‫فلما مات مظلُو ٌم وال عاش‬ ‫( َوقد حا َك ُموها والمنـايا‬
‫ظالُم)‬ ‫َحـوا ٌكـم‬
‫جور‪ ،‬والجور نوع من الحكم‪ ،‬ضد العدل‪ ،‬فحاكموا هذه القلعة‪.‬‬ ‫أثبت حكمًا من حيث أثبت ظلمًا‪ ،‬الن الظلم ٌ‬
‫والسيوف حواكم‪ :‬اي ُهن ذوات الحكم على المتحاكمين عليها‪ ،‬وكان الظلم من قبل الروم لهذه المدينة‪ ،‬بهدمهم‬
‫الحكم للسيوف‪ ،‬مات الظلم بقتل هؤالء الروم الظالمين‪.‬‬
‫إياها‪ ،‬وإخالئهم لها‪ ،‬فلما كان ُ‬
‫(فما مات مظلُوم)‪ :‬يعني القلعة‪ ،‬اي لم ُ‬
‫يعف أثرهُا‪ ،‬بل ُجدد بناؤها‪ ،‬وزيدت تحصينًا‪( .‬وال عاش ظال ُم)‪ :‬اي لم‬
‫يعش الروم الذين هدم ُوها‪ ،‬بل قتلهم سيف الدولة‪.‬‬
‫وفر من ال ُفرسان من اليُصاد ُم)‬ ‫قطـع والـقـنـا‬
‫ُ‬ ‫( َت َقطَعّ ماال َي‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫اي ما كان من السيوف قاطعًا للدرع ولالبسها بقي وما لم يبلغ من الحدة والشدة أن يقكعهما‪ ،‬تقطع وفنى‪،‬‬
‫وذلك لشدة ما كان هنالك من الضرب‪ .‬ومن كان من ال ُفرسان غير مزاحم وال مصادِم لم َيثبت‪ .‬يذهب في كل‬
‫ذلك إلى أنه لم يبق إال الجي ُد الصابر على الكفِاح من الرجال والسالح أال تراه يقول‪:‬‬
‫نـاره فلم يبق إال صار ٌم أو ضبـار ُم‬
‫ُ‬ ‫أذهب الـغـش‬
‫َ‬ ‫وهلل ٌ‬
‫وقت‬
‫(تجاوزت مقدار الشجاعة والنُهي إلى قول قوم أنت بالغيب عالم)‬
‫الح ْوباء‪ ،‬والظفر أبدًا‬
‫وحسا ًمك‪ ،‬يُبيحان لك سالمة َ‬ ‫الحذاق لما رأوا إقدامك‪ ،‬وإعمالَك ُر ْمحك ُ‬‫اي أن أناسًا من ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫باألعداء‪ ،‬قالوا إنه ال يقتحم ذلك إال بعد ما ظل عالمًا‪ ،‬أنه ال يئوب إال سالمًا غانمًا‪ .‬ف َحل ْت عندهم بذلك عالم‬
‫غيب‪ُ ،‬متقفيا للعواقب غير ذي ريب وهذا أرفع من منزلة الشجاعة والتدبير‪.‬‬
‫ُ‬
‫العتاق الصالد ُم)‬ ‫بأماتها وهي‬ ‫فراخ ال ُفتح أنك ُزرتهـا‬ ‫( ُ‬
‫تظ ُن ُ‬
‫اي أن خيالك صعدت الجبال حتى انتهت إلى أعاليها‪ ،‬وهناك و ُك ُ‬
‫ور العقبان‪ .‬فلما أشرفت لى تلك الوكور‬
‫ُ‬ ‫صرة عتاق الخيل‪ ،‬ظنتها ُ‬
‫فراخ العقبان أمهاتها‪ .‬ومما يدلك على أن الجمجمة‬ ‫ص ْر َ‬‫َج ْم َج ْم َت‪ ،‬والجمجمة تشبه َ‬
‫تشبه الصرصرة قول الشاعر‪:‬‬
‫هززنا َمراسفها بالـجـذ ْم‬ ‫ُ‬
‫الخيل صات صياح النسور‬ ‫إذا‬
‫صفة غالبة‪ ،‬تقوم مقام االسم‪ .‬وإنما ال ُعقاب فتخاء‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وعنى بال ُفتح‪ :‬العقبان‪ .‬أقام الصفة ُمقام الموصوف‪ ،‬ألنها‬
‫ْ‬
‫صل ِدمة‪.‬‬‫الخيل‪:‬صلدِم و ِ‬
‫ِ‬ ‫للين جناحها‪ .‬وال َف َت ُح‪ :‬اللين‪ ،‬والصالدم‪ :‬شداد‬
‫قفا ُه على اإلقدام للوج ِه الئ ُم)‬ ‫(أفى كل يوم ذا ال ُد ُمستُ ُق ُمقد ٌم‬
‫ويحجم َفيسلم وجههُ‪ ،‬ويُضرب قفاه‪ ،‬فالقفا يلُوم الوجه على اإلقدام‪.‬‬ ‫اي إن هذا الدمستق في كل يوم يُقدم فيُهزم‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫ويهون عليك ما ألقاه إذا سلمت أنت‪ .‬وأراد‬ ‫يقول له‪ :‬كم تتوجه إلى من قد علمت أنه لك هاز ٌم‪ ،‬فتسل ُم أنت‪،‬‬
‫قفا ُه الئ ُم لوجهه على اإلقدام فقال‪( :‬للوجه)‪ ،‬ألن إضافة القفا غليه تشعر أنه ال يعني من الوجوه إال وجهه‪.‬‬
‫والنصر‬
‫ُ‬ ‫اللبلت‬
‫ِ‬ ‫َوصار إلى‬ ‫والنصر‬
‫ُ‬ ‫الهامات‬
‫ِ‬ ‫بضرب أتى‬
‫ٍ‬ ‫(‬
‫قـاد ُم)‬ ‫غائب‬
‫ٌ‬

‫اي أن الضرب الضرب إذا قرع الهام لم تعده نصره‪ ،‬إذ في اإلمكان أن يموت‬
‫صاحبُها‪ ،‬وأن ال ي ُموت‪ .‬فإذا وصل إلى اللبة‪ ،‬هلك ال محالة‪ ،‬فيحنئذ يُ ُّ‬
‫عتد بالنصر‪.‬‬
‫ال للشك في النصر‪ ،‬والقدوم للتيقن‪ .‬وكذلك الغائب مشكوك فيه‪،‬‬ ‫وضرب الغيب مث ً‬
‫والحضر متُيقن‪.‬‬
‫للرمِح‬
‫وحتى كان السيف ُّ‬ ‫دينيات حتى‬
‫ِ‬ ‫الر‬
‫حقرت ُّ‬
‫( ْ‬
‫شاتـ ُم)‬ ‫طضرحتها‬
‫الردينيات‪ :‬الرماح‪ ،‬منسوبة إلى مرأة تسمى ُردينة‪ ،‬كانت ُتركب فيها األسنة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ً‬
‫رب معانقة ومصافحة‪ ،‬لجرأتك وشجاعتك‪ ،‬ولم ترض لن تستعمل في قتاله‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أحبت لقاء العدو على ق ٍ‬ ‫يقول‪ :‬إنما‬
‫شعر بالجبن‪ ،‬الن القتال به إنما هو على بُعد‪ ،‬فاطرحته واستعملت السيف مكانه قال‪:‬‬
‫الرمح‪ ،‬الن ذلك ُم ٌ‬
‫للرمح َشاتِم)‬
‫(وحتى كأن السيف ُّ‬
‫اي لكأنك قد رأيت السيف قد عير الرمح بالضعف والتقضف وقلة الغناء‪َ ،‬ف َهان عليك الرمح لذلك‪ ،‬أال تراه‬
‫يقول بعد هذا‪:‬‬
‫الخ ُ‬
‫فاف‬ ‫ُ‬
‫البيض ِ‬ ‫َم َف ُ‬
‫اتيحه‬ ‫و َم ْن َطلب الفتح الجليل‬
‫الصوار ُم‬
‫ِ‬ ‫فـإنـمـا‬
‫ومن كالم بعض العرب‪ :‬الرمح ُ‬
‫أخوك وربما خانك‪ .‬وقال عمرو بن م ْع ِد يكرب في السيف‪:‬‬
‫على الصمصامَِة السيف السال ُم‬ ‫خليلي لم أخنُـه ولـم َي ُخـنـى‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الملوك غما ُم)‬
‫ِ‬ ‫وسح ل ُه ُرسل‬ ‫(أراع كذا ُكل األنام هـمـا ُم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ٌ‬
‫صفة لمصدر محذوف‪ .‬اي راع روعًا مثل هذا‪:‬‬ ‫كذا في موضع نصب‬
‫(وسح له ُرسل الملوك َغمام)‬
‫اي تقاطوا عليه‪ ،‬وقد جاءوه تترى من كل أوب‪ ،‬حتى كأن غمامًا سحهم عليه لكثرتهم‪ ،‬اي صبهم‪ُ ،‬فرسل‬
‫الملوك‪ :‬منصوب على المفعول به‪ ،‬الن سح فعل متعد‪.‬‬
‫وعنوان ُه للناظرين قـتـا ُم)‬ ‫كتاب َب َع َث َت ُه‬
‫جواب عن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫( َو ُرب‬
‫يعني جيشًا أجاب به عن كتاب‪ ،‬فأنبأهم قتا ُمه عنه‪ ،‬كما يُنبء عن الكتاب عنوانه‪.‬‬
‫وما ُفض بالبيداء من ُه ختـا ُم)‬ ‫ُ‬
‫تضيق به البيداء من قبل نشره‬‫(‬
‫اي انه يمأل البيداء‪ ،‬وهو مجتمع قبل انتشاره‪ ،‬فكيف به إذا انبت وانبعث‪.‬‬
‫وحسـا ُم)‬ ‫مح ٌ‬
‫ذابل ُ‬ ‫جوا ٌد ُ‬
‫ور ٌ‬ ‫روف ِهجاء الناس فيه ٌ‬
‫ثالثة‬ ‫( ُح ُ‬
‫اي ال يشاهد فيه إال هذه النواع‪ ،‬كما ال يشاهد في الكتاب إال حروفه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫صى تربها ثقبن ُه للمخانق)‬
‫َح َ‬ ‫(بال ٌد إذا زار الحسان بغيرها‬
‫بالد‪ :‬اي هي بالد‪ ،‬يعني (الثوية) وهي الكوفة وحصاها وهو ذلك الذي يعرف بالفرومي‪ ،‬وهو شفاف حسن‪.‬‬
‫يقول‪ :‬فإذا زير به النساء في غيرها من البالد استحسنه فثقبنه ووضعنه في ُمخانقهن‪ .‬وليس الحصى هو‬
‫الزائر في الحقيقة الن الزيارة إنما هي لمن يعقل‪ ،‬والحس جماد‪ .‬وإنما أراد زير به الحسن فاتسع بأن جعل‬
‫الفعل له‪ .‬وواحد المخانق مخنقة‪ ،‬سميت بذلك‪ ،‬ألنها توضع في موضع الخق من الحلق‪.‬‬
‫فاسق)‬
‫عـاقـل عفيف ويهوى جسمه كل ِ‬
‫ٍ‬ ‫(وأغي ُد يهوى نفسه كل‬
‫الخلُق‪ ،‬وجسماني وهو ُحسن خلْقه‪،‬‬
‫وخلقًا‪ ،‬فحسنه ُحسنان ُروحاني‪ ،‬وهو حسن ُ‬ ‫الحسن خلقًا ُ‬
‫اي أنه كامل ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فأوجب ذلك أن يعشقه العفيف والفاسق‪ ،‬فالعفيف يهوى نفسه‪ ،‬ولها الحسن الخلقي‪ ،‬والفاسق يهوي جسمه‪ ،‬وله‬
‫الحسن الخلقي‪ .‬ولو اتزن له أن يقول‪( :‬كل عفيف) ولم يذكر العاقل؛ لكان أذهب في التقابل الن العفة ضد‬
‫ُ‬
‫العاقل األحمق؛ فال معنى لقوله (كل عاقل)‪ ،‬ولكن لما كانت العفة للجزء المعتدل‪ ،‬وكان‬ ‫العقل‪ .‬وإنما يقابل‬
‫حسن أن يذكر العقل مع العفة‪ ،‬وإال فوجه التقابل ما ذكرت لك‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫الجزء المعتدل يوصف بالقعل‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬
‫(مليحة) من قوله‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫عطف على قوله‪:‬‬ ‫(وأغيد)‪:‬‬
‫بلى َمل ٌ‬
‫ِيحة)‬ ‫(سقتنى بها ال ُق ُ‬
‫طر َّ‬
‫وإن شئت رفعت أغيد على االبتداء‪ ،‬وخبره مضمر‪ .‬كأنك قلت‪ :‬وث ّم أغيدُ‪.‬‬
‫(يُ ُ‬
‫وصدغا ُه في خدى ُغ ٍ‬
‫الم‬ ‫ُ‬ ‫حدث عما بـين عـا ٍد‬
‫راهق)‬
‫ُم ِ‬ ‫وبـينـه‬
‫ويُروى‪( :‬يحدث ما بين القرون وبينه)‪ .‬وهي األمم الخاليه‪ .‬اي أن هذا األغيد حافظ واع حسن الحديث‪ ،‬جيد‬
‫السياق له‪ ،‬فهو يحدث عن األوائل‪ ،‬ويخبر بأخبار القدماء‪ ،‬وإن كان حديث السن‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫راه ِق)‬
‫غالم ُم ِ‬
‫وصدغا ُه في خدى ٍ‬
‫( ُ‬
‫كناية عن حداثته و ُفتُوته‪ .‬ويعنى بالصدغ‪ :‬ما سال من الشعر على خده‪ .‬وهذه الكناية‪ ،‬وإن كانت حسنة‪ ،‬فإن‬
‫فيها تكلفًا‪ ،‬كان أقرب من ذلك لو اتزن له أن يقول‪ :‬وهو ُمراهق‪ .‬فكان يعنى من قوله‪:‬‬
‫خدى غالم مراهق)‬‫(وصدغاه في ْ‬
‫ولكنه تكلف ذلك‪ ،‬لحفظ إعراب القافية‪.‬‬
‫عاشق)‬
‫ِ‬ ‫بطعن يُسلى حره كل‬
‫ٍ‬ ‫فرق ما بين ال ُكما ِة وبينـهـا‬
‫(يُ ُ‬
‫اي بين الكماة ونسائهم‪ ،‬بطعن يؤلم العاشق‪ ،‬فيُسليه بحر ِه عن المعشوق‪.‬‬
‫ور العوانق)‬
‫نح ِ‬ ‫ٌ‬
‫رشاشة من الخيل إال في ُ‬ ‫تطير‬
‫(أتى الطعن حتى ما ُ‬
‫الرشاش‪ :‬ما أرش من الدم‪ .‬يقول‪ :‬ألْحق عقيال بحاللهم وعيالهم‪ ،‬حتى إنهم إذا أصيبوا بالطعان‪ ،‬طارت‬
‫ُ‬
‫دماؤُهم في نُ حور الشواب من النساء‪ .‬وبالف باختصاص الشواب‪ ،‬ألنهن لوازم لزوايا ُ‬
‫الخدور‪ ،‬فذلك أغرب‪.‬‬
‫صى فيها صياح‬
‫الح َ‬
‫يصيح َ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫سـيفـية‬ ‫ٌ‬
‫ـوسة‬‫( َوملَـ ُم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫اللقالق)‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫ربـعـية‬
‫ويروى تصيح الحصى‪َ .‬ملم ُومة‪ :‬يعني كتيبة مجتمعة لم بعضها إلى بعض‪ ،‬اي ُجمع‪ .‬وقيل مجموعة كالحجر‬
‫اللملموم‪ .‬والقوالن متقاربان‪ .‬سيفية‪ :‬منسوبة إلى سيف الدولة منها‪.‬‬
‫(يصيح الحصى فيها اللقالق)‬
‫اي قد كثر فيها الخيل والرجل‪ ،‬الحصى يصيح تحت حوافر الخيل‪ ،‬وأرجل الرجال‪ ،‬صياح اللقالق‪ :‬وهي نوع‬
‫من الطير‪ .‬واحدها لقالق‪ .‬وحقيقة اللقالق‪ :‬الصوت‪ ،‬فسمي هذا النوع من الطير لقالقًا بصوته‪ ،‬وكان يجب‬
‫على هذا (صياح اللقالين) الن واحدهما لقالق‪ .‬وإذا كانت األلف وغيرها من حروف اللين رابعة في الواحد‪،‬‬
‫ثبتت ياء في الجمع‪ ،‬نحو حمالق وحماليق‪ ،‬و ُكردوس وكراديس‪ ،‬وشمالل وشماليل‪ .‬لكن الشاعر إذا اضطر‬
‫حذف هذه الياء في الجمع‪ .‬أنشد سيبويه‪:‬‬
‫والبكرات الفثتح العطامِسا‬
‫ِ‬ ‫قد قربت ساداتها الروائسـا‬
‫فكذلك اضطر هذا الشاعر‪ ،‬فحذف ياء (اللقالين) وال يلتفت إلى قول العامة في واحدها (لقلق) ‪ ،‬فإن ذلك خطأ‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كانت هذه الكتيبة َمكسوة تجافيف ودروعًا فإذا وضع الفرس حافره على حصاة أطارها‪ ،‬فقرعت تجفافًا‬
‫أو درعًا‪ ،‬فأشبه صوت وقوعها بالدرع أو التجفاف‪ ،‬صوت اللقالق‪ .‬واستعار الصياح للحصى وإنما الصياح‬
‫للحيوان‪ .‬ومن رواه (تصيح) اراد تُصيح هذه الكتيبة الحصى‪ ،‬وكان يجب على هذه الرواية أن يقول إصاحة‬
‫اللقالق‪ ،‬الن مصدر أفعل إنما هو اإلفعال‪ ،‬فإن كان الفعل معتل العين‪ ،‬وكان مصدره إفعالة‪ ،‬تحذف العين‪،‬‬
‫إقامة‪ ،‬لكنه قال‪ :‬صياح‪ ،‬فجاء بالمصدر على غير فعله‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ويجعل الهاء عوضًا منها‪ ،‬كقوله أ َقال ُه إقاَلَ ًة‪ ،‬وأقامه‬
‫النه اراد فتصيح صياح القالق‪ ،‬وفي التنزيل (واهللُ أ ْن َب َتكم من ْ‬
‫األرض َن َبا َتًا) اي فنبتم نباتًا‪ .‬ومثله كثير‪ ،‬قد أفرد‬ ‫ُ‬
‫سيبويه فيه باباً‪.‬‬
‫الشقاشق)‬
‫ِ‬ ‫األذناب ُخرس‬
‫ِ‬ ‫وكان َهديرًا من ُف ُح ٍ‬
‫ول تركتهـا مثهلبة‬ ‫( َ‬
‫اي كان هذا الذي أبد ُته ُعقيل من الطغيان واألشر‪ .‬بمنزلة الهدير للفحول‪ ،‬والفحول إذا هاجت َهد َ‬
‫َرت‪،‬‬
‫وحمرًا كالرئة‪ .‬أنشد ابن دريد في صفة شقشقة حمراء‪ :‬في‬ ‫وأخرجت شقاشقها‪ ،‬وهي هنوات تخرج بيضًا ُ‬
‫العطار الفقدان‪ :‬أدمة حمراء‪ ،‬تصان فيها أتواع العطر‪ ،‬فشبه الشقشقة في لونها وعظمها لها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫كقفدان‬
‫ِ‬ ‫َج ْون ٍة‬
‫والج ْون‪ :‬يكون لألبيض واألسود واألحمر‪.‬‬ ‫َ‬
‫وإنما قلنا هنا‪ :‬إنه يصف شقشقة حمراء‪ .‬لتشبيهه إياها بالفقدان‪ ،‬والفقدان أحمر‪ .‬فاذا تهادرت اإلبل‪ُ ،‬شدت‬
‫وتوعدها لسيف الدولة‬
‫ُّ‬ ‫وخ ِرست شقاشقها وذلت‪ ،‬فجعل ُعقيال بمنزلة الفحول‪ ،‬وأشرها‬ ‫أذنابُها وأهالبُها‪ ،‬فسكنت َ‬
‫كالهدير‪ .‬وجعل إذله لهم‪ ،‬وتحبيسه إياهم‪ ،‬بمنزلة تهليب األذناب‪ ،‬وإخراس الشقاشق‪.‬‬
‫ْ‬
‫فهربت‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬لما هزمهم‪ ،‬فأدرك بعضًا وفاته بعض‪ ،‬كانوا بمنزلة فحول صال عليها َفحل ُمقرم‪،‬‬
‫أمامه‪ ،‬فهلب ما أمكنه من أذنابه اي نسفها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫وأعجبها التلُّ ُب وال ُم ُ‬
‫غار)‬ ‫التراس ُل والتشاكي‬
‫ُ‬ ‫(وغيرها‬
‫اي تراسلوا بما ل ُقوه من هذا الملك‪ ،‬وشكاه بعضهم إلى بعض‪ ،‬فدعاهم ذلك إلى ترك الطاعة‪ ،‬وغيرهم عن‬
‫غار‪ :‬اي اإلغارة على األحياء‪.‬‬
‫االئتمار لسيف الدولة‪( .‬وأعجبها التلبب) وهو التحزم بالسالح‪ ،‬وال ُم ُ‬
‫والغرار)‬
‫ُ‬ ‫وفي األعداء حدك‬ ‫(ف ُكنت السيف قائُ ُمه إلـيهـم‬
‫اي كنت قبل نفاقهم وشقاقهم‪ ،‬سيفًا مردود القائم إليم‪ ،‬ال تقطعهم وال تؤذيهم‪ ،‬الن القائم‪ .‬وفي أعدائهم غرارك‪:‬‬
‫اي حدك وله التأثير‪.‬‬
‫الحيار)‬
‫ُ‬ ‫وأمسى خلف قائمه‬ ‫(فأ ْمست بالبدي ِة شـفـرتـا ُه‬
‫البدية والحيار‪ :‬ماء أن بأرجان‪ .‬والحيار أقرب إلى العمارة فيقول‪:‬سير من الحيار‬
‫إلى البدية وبها أدركهم‪ ،‬فصار الحيار خلف القائم‪ .‬والشفرتان بالبدية‪ ،‬ضاربًا لهم‬
‫بالسيف‪ ،‬الذي كان قبل مشاقتهم له يضرب به أعداءهم عنهم‪.‬‬
‫عـثـار)‬
‫ُ‬ ‫بأرجلهم‬
‫وس ُهم ُ‬ ‫ُر ُء ُ‬ ‫(مضوا ُمتسابقى األعضاء في ِه‬
‫اي أنفصلت أعضاؤهم بعضها قبل بعض‪ ،‬ي ُقول‪ :‬تقطعت أعناقهم فبُددت‪ ،‬فتعثرت‪.‬‬
‫وجار)‬
‫ُ‬ ‫ولبتُ ُه لتعلب ِه‬ ‫( ُيغادر ُكل ُم ٍ‬
‫لتفت إليه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫حر الثعلب ِو َجار و َو َجار‪ ،‬حققها يعقوب‪ .‬وشك أبو‬
‫الثعلب‪ :‬ما دخل من الرمح في ُجبة السنان‪ ،‬والوجار‪ُ :‬ج ُ‬
‫المنزم ليقاتل ب ُعده و ُقربه لم يلبث أن يُطعن به في لبتهِ‪ .‬فتكون بمنزلة‬
‫ِ‬ ‫عبيد في الكسر‪ .‬اي إذا التفت اليه‬
‫الوجار للثعلب‪ .‬ويجوز أن يجعل الليلة وجارًا من حيث ُسمي ما يدخل من الرمح في ُجبة السنان ثعلبًا‪.‬‬
‫وقوله‪َ ( :‬ولبَّتُه لثعلبه وجار)‪:‬جملة في موضع الحال‪ ،‬إذا رددتُها إلى المفرد فكأنك قلت‪ :‬يغادر كل ملتفت إليه‬
‫مطعون اللبة به‪ ،‬وهو في موضع الفالدو من الصدر‪.‬‬
‫بهم من ُشرب غيرهم ُخ ُ‬
‫مـار)‬ ‫(ف ُهم ٌ‬
‫حزق على الخابٌو رصرعي‬
‫رعى‪ ،‬كانهم َش ْرب‬ ‫ص َ‬‫اي أنهم جمدوا‪ ،‬وأجمدوا خيلهم‪ ،‬فانقطعوا وانقطعت‪ ،‬وأقاموا في هذا الموضع َ‬
‫ُ‬
‫الشرب رماح سيف الدولة‪ ،‬ألنها التي شربت دماءهم‪ ،‬والخمار إنما هو‬ ‫بش ْرب‪ ،‬إنما َ‬
‫مخنُور ُون وليسوا َ‬
‫رماحك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يسخر بهم فيقول‪ :‬كيف ُخمر هؤالء‪ .‬وإنما الشاربة‬
‫ُ‬ ‫للشارب‪.‬‬
‫وإن شئت قلت قلت‪ :‬جعل المهرومين كالمخمورين‪ ،‬لما بهم من الحيرة والكسل والفتور‪ .‬وجعل الهازمين‬
‫َ‬
‫كالش ْرب‪ ،‬لما نالوا منهم‪ ،‬أو مابهم من الفرح بفلهم لهم‪ ،‬وقتلهم إياهم‪ ،‬ك َف َرح الشراب للنبيذ‪.‬‬
‫االنتار)‬ ‫طالب الطالبين ال‬ ‫يوم‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫(يُوسطه المفاوز كـل ٍ‬
‫يوسطه‪ :‬اي يدخله وسط المفاوز‪ ،‬طالبُه للمهزومين الهاربين إلى الفقار‪ ،‬فهو يطلبهم هناك‪ .‬يقول‪ :‬فهذا هو‬
‫(طالب الطالبين)‪ :‬كان األحسن في‬
‫ُ‬ ‫الذي يدخله المفاوز‪ ،‬ال هربه من أعدائه‪ ،‬وال انتظاره أن يُدركوه‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫طالب المطلوبين‪ ،‬ولكن هذا يتجه على ثالثة أوجه‪ :‬إما أن يكون عنى‬ ‫ُ‬ ‫الظاهر ‪ -‬لو اتزن له ‪ -‬أن يقول‪:‬‬
‫بالطالبين أعداءه الذي كانوا يطلبونه قبل‪ ،‬وهم االن مطلوبون‪ ،‬وإما أن يكون َعنال بالطالبين للنجاة‪ ،‬وهم‬
‫هؤالء المهزومون‪ ،‬وإما أن يكون (الطالبين) بمعنى المطلوبين‪ ،‬فقد يجيء (فاعل) بمعنى مفعول كما يجيء‬
‫عكس ذلك كثيرًا‪ ،‬فما جاء (فاعل) فيه بمعنى مفعول ُ‬
‫قول بشر بن أبي خازم‪:‬‬
‫ذكرت حبيبًا فاقدًا تحت َم ْر َمس‬ ‫ذكرت بها سل َمى ُّ‬
‫فبت كأنـنـي‬ ‫ُ‬
‫كان َوعدُه َم ْأتِياَّ) اي آتيًا‪.‬‬
‫عكسه‪ ،‬فنحو قوله تعالى‪( :‬إن ُه َ‬
‫اي مفقودًا‪ .‬وأما ُ‬
‫نيت بالطالبين سيف الدولة وكتيبته‪ ،‬وهذا عندي حسن‪ .‬فطالبين على‬ ‫وذكر لي أن المتنبي ُسئل عن هذا فقال‪َ :‬ع ُ‬
‫هذا في موضع رفع اي طالب الطالبين لعدوهم‪ :‬كقولك‪( :‬عجبت من ضرب زيد) وانت تريد من ضرب زيد‬
‫لعمرو‪ ،‬فاذا كانوا قد يحذفون الفاعل‪ ،‬ويجتزون بالمفعول‪ ،‬للعلم بالمعنى‪ ،‬مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫اإلنسان من دُعاء َ‬
‫الخ ْير)‬ ‫ُ‬ ‫(َ‬
‫ال َي ْسأم‬
‫اي من دعائه الخير‪ ،‬فحذف المفعول وإبقاء الفاعل اولى‪ .‬فقد جاء المفعول نحذوفًا كثيرًا‪ ،‬في مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫ال‬ ‫جواعل غي ال َقنَا َق َ‬
‫صبًا خدا َ‬ ‫ـيتـالت‬
‫ٍ‬ ‫الكـالم ُم‬
‫ِ‬ ‫َر ِخ َ‬
‫يمات‬
‫ْرن المنطق َن ْغمة‪ ،‬فحذف المفعول ومن رواه (مبتالت) فقد كفاك‪ ،‬الن‬‫مبتالت (بالكسر) اي ُمقطعات للكالم‪َ ،‬يب ْ‬
‫الحسن (بُيل) على كل جزء‬‫ُ‬ ‫كأن‬ ‫حدة‪،‬‬ ‫على‬ ‫حسن‬ ‫منها‬ ‫شيء‬ ‫كل‬ ‫التي‬ ‫المبتلة لفظ المفعول‪ ،‬وهي من النساء‬
‫منها‪ ،‬اي قطع‪ .‬وقد اثبت هذا في كتابي الموسوم بالمخصص في اللغة‪.‬‬
‫وتوطه في المفاوز في أثر المنهزمين يكون كناية عن ب ُعد همته‪ ،‬كقوله هو فيه‪:‬‬
‫اله َمـ ُم‬ ‫ص َّر ْ‬
‫فت بك في آثاره ِ‬ ‫َت َ‬ ‫مت َج ْيشًا فا ْن َثنَى َه َربـًا‬
‫أكلما ُر َ‬
‫عار إذا انهز ُموا‬
‫وما عليك بهم ٌ‬ ‫عليك َه ْز ُم ُه ُم في كل معتـرك‬
‫ُ‬
‫بالسبل والمخادع‪ ،‬حتى ال يفوته الهارب منهم‪ ،‬كقوله هو فيه أيضا‬ ‫وقديكون ذلك كناية هن هديته ومعرفته‬
‫حين هزم عُقيالً‪:‬‬
‫ذك ُره البيدا ُء ظـل‬ ‫تُ َّ‬
‫ف‬ ‫ـر ٍ‬‫صولة ُمـ ْت َ‬ ‫األعراب َ‬
‫ُ‬ ‫توهما‬
‫ادق‬
‫ـر ِ‬ ‫الـس َ‬ ‫ُّ‬
‫َسما َو ُة َك ْل ٍب في ُعيُون‬ ‫َّ‬
‫فذكر َت ُه ْم بالماء سـاع َة‬
‫ـزائِق‬ ‫الح َ‬ ‫َ‬ ‫َغـبَّـرت‬
‫وعون الملوك بأن‬‫ير ُ‬‫وكانوا ُ‬
‫ِق‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َال‬
‫غ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫نبت‬ ‫الماء‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وأن‬
‫بـدوا‬
‫وأبدى بُيوتًا من بُيوت‬
‫فهاجوك أهدى في الفال من نُجو ِم ِه‬ ‫ُ‬
‫النقـانـق‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫تحيرت المتإلـى‬
‫ِ‬ ‫( َغطا بالعثـير الـبـيداء‬
‫والـعـشـار)‬
‫ُ‬ ‫حـتـى‬

‫العثير‪ :‬ماء اي غطى مالُ ُه ُم البيداء‪ ،‬في هذا الموضع المسمى بالعثير‪ ،‬حتى تحيرت‬
‫متالية وعشاره‪ :‬اي أعز أوالدها‪ ،‬وذلك لكثرة العدد‪ ،‬وغزارة ال َمدَد‪.‬‬
‫تحـار)‬
‫ُ‬ ‫وأقبل ْ‬
‫أقبلت فيه‬ ‫بأرض‬
‫ٍ‬ ‫حاروا‬
‫جيش كلما ُ‬
‫( َو ٍ‬
‫اي أن سيف الدولة تبع بنى كعب بجيشه‪ ،‬فكان الكعبيون كلما مروا بأرض واسعة حاروا فيها وكان جيش‬
‫حارت األرض فيه‪ ،‬وذلك لعظمه‪ ،‬وحمهور أممه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سيف الدولة كلما مروا بتلك األرض التي حار أولئك فيها‪،‬‬
‫الخ َور‪ ،‬وهؤالء من التحدث بالظفر‪ .‬فالضمير في حاروا راجع إلى هؤالء‬ ‫مع ما خالط الكعبيين من َ‬
‫المتبوعين‪ ،‬وغي أقلب‪ :‬راجع إلى الجيش‪ .‬وكذلك الهاء في قوله (فيه) راجعة إليه أيضاً‪.‬‬
‫زأروا ُخ ُ‬
‫ولر)‬ ‫وزأر ُهم الذي ُ‬
‫ُ‬ ‫ـمـير‬
‫ٍ‬ ‫( َوأج َفل ال ُفرات بنُو نُ‬
‫الزئير لألسد‪ُ ،‬‬
‫والخ وار للضأن‪ ،‬يقول‪ :‬كانوا أسدًا قبل لقاء سيف الدولة‪ ،‬فعادوا ضأنًا عند لقائه‪ .‬وكنى بالزئير‬
‫والخوار في هذين النوعين خاصتان‪ ،‬والخالصة دالة على‬ ‫عن األسد‪ ،‬وبالخوار عن الضأن‪ ،‬الن الزئير ُ‬
‫مخصوصها فتفهمه‪.‬‬
‫ص ْرعى به ْم من ُش ِ‬
‫رب غيره ُم ُخ ُ‬
‫مـار)‬ ‫( َفهثم ِح ٌ‬
‫زق على الخابور َ‬
‫قيل معناه‪ :‬اراد غيرهم‪ ،‬فظنوا انه ارادهم‪ ،‬ففروا وتفرقوا‪.‬‬
‫والذي عندي أن سيف الدولة أوقع ببني كعب‪ ،‬فذلك معنى قوله‪( :‬من ُشرب غيرهم ُخمار)‪ ،‬وخاف النميريون‬
‫ففزع هؤالء النميريين‬
‫ُ‬ ‫من مثل ذلك فتفرقوا‪ ،‬فذلك ُخمارهم الن ُ‬
‫الخمار أقرب إلى الصحو من السكر ال ُمغرق‪.‬‬
‫اخف من موت الكعبيين‪.‬‬
‫السوار)‬
‫ُ‬ ‫ي ٌد لم يُدمها إال‬ ‫كعب وما َ‬
‫اثرت فيهم‬ ‫( َبنو ٍ‬
‫اي أنك وإن نلتهم بمساءةٍ؛ فقد شرفتهم باعتمادك إياهم‪ ،‬واشتغالك بهم‪ ،‬كالكف التي إن أدماها السوار‪ ،‬زينها‬
‫ذلك وإن آلمها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫تُربي عدا ُه ريشها بسها ِم ِه)‬ ‫(أيا راميًا يُصمى ُفؤاد مرام ِه‬
‫بسهم ريش ُه أجنحة عداه‪ .‬عنى بالسهم‪ :‬جيشه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يخاطب سيف الدولة‪ .‬يقول‪ :‬أيا راميًا يصيب مارامه‪ ،‬فرماه‬
‫وبريش عداه‪ :‬سالحهم الذ سلبهم إياه‪ ،‬وكساه جيشه‪ .‬وجعل سالح عداه ريشًا‪ ،‬لكونه عونًا لهم‪ .‬كما أن الريش‬
‫اس‬
‫عون للسهم‪ ،‬وسوغ ذلك أيضا أن السالح لباس‪ ،‬واللباس يُكنى عنه بالريش‪ ،‬لقوله تعالى‪( :‬وريشًا ولَِب ُ‬
‫التقوى)‪ ،‬وكنى بالسهم عن جيشة‪ ،‬النه يقتل به عد ُوه‪ ،‬كما يقتُل بالسهم‪.‬‬
‫وحسن لن يناديه بالنكرة‪ ،‬النه قد أطال وصفها‪ ،‬وذهب إلى أنه ليس أحد يستحق هذه الصفة إال هو‪ .‬فكأن‬
‫النكرة هنا معرفة‪ .‬والعدا‪ :‬اسم للجمع عند سيبويه‪ ،‬وليس بجمع الن ( َف ُعوال) ال يكسر على ( ِف َعل) وإنما جمع‬
‫ُو‪ ،‬وأما ُعدا ٌة فجمع عادٍ‪ .‬حكاه أبو زيد عن العرب‪ .‬أشمت اهلل عاديك‪ ،‬اي عدوك‪.‬‬ ‫َعد ً‬
‫(عداة) جمع‬ ‫ورماة‪ .‬وال يكون ُ‬‫ورام ُ‬ ‫ُ‬
‫كقاض وقضاة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وما كان على (فاعل) من المعتل الالم‪ ،‬فف َعلة فيه مطردة‬
‫ٍ‬
‫عدو‪ ،‬الن (عدو) َفعول‪ ،‬و ( َف ُعول) ال يُكسر على ( ُف َعلة)‪ ،‬ولم أسمع لعا ٍد يجيء (عادٍ) عليه‪ ،‬اي لم يجيء‬
‫(عدَوته) في معنى (عاديتُه)‪ .‬ولن هذا عندي على النشب‪ ،‬اي ذو عداوة‪ ،‬ونظيره‪ .‬فاعل‪ ،‬ونايل‪ ،‬وأشيا ُء قد‬ ‫َ‬
‫حكاها سيبويه وغره‪.‬‬
‫لما ُخولتُه من كالمـ ِه)‬ ‫( َو َي ْج َع ُل ما ُخولتُه من َن َو َ‬
‫ال‬
‫اي إن أياديه تُنطقني بجيد وتطلعني على بالغ الشكر‪ ،‬فهو سبب ما ُخولته من الكالم‪ .‬فإن ذا الكالم إنما هو‬
‫منه‪ ،‬ثم يجازيني بالنوال‪ ،‬على ما اعاننى عليه من المقال‪ .‬يُغرب المتنبي بذلك وهو كقول البحتري‪:‬‬
‫ثم يُعطى على الثناء جزاء‬ ‫فهو بُعطى خيرًا ويُثنى عليه‬
‫ُ‬
‫ويجعل هنا‪:‬‬ ‫قوله‪ :‬جزاء لما ُخولته من كالم‪ :‬أراد (جزاء على ما خولته)‪ ،‬فأبدل الالم مكان (على) ضرورة‪.‬‬
‫ُ‬
‫جعلت الطين خزفًا‪.‬‬ ‫بمعنى (يُصير) فهي متعدية إلى مفعولين‪ ،‬كقولك‪:‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫جعل القس ُم نفسه فيك عـدال)‬ ‫ُ‬
‫المنون شخصين جورًا‬ ‫قاسم َتك‬
‫( َ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أخذت المنون إحداهما‪ ،‬وهي الصغرى‪ ،‬وأبقت لك هذه األخرى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ويروى (فيه عدال) يعني بالشخصين (أختيه)‬
‫ً‬
‫تسور عليه في أهله‪ .‬إال أن القسم صير نفسه عدال في ذلك الجور بأن أبقى لك‬
‫ٌ‬ ‫وهذه المقاسمة جور‪ ،‬ألنه‬
‫الصغرى‪ ،‬كقوله‪:‬‬‫الكبرى‪ ،‬وسلبك ُّ‬
‫بالذهـب‬
‫ِ‬ ‫ُرهما المفدي‬ ‫ُ‬
‫دهرهما وعاش د ُّ‬ ‫َ‬
‫قاسمك الشخصين‬ ‫قد كان‬

‫ال)‪ :‬عنى أنه إذا سلمت أنت فلم يأخذك‪ ،‬فذلك الجور عدل‪ ،‬الن‬ ‫ومن روى (فيك عد ً‬
‫أنفس ممن أخذ‪ ،‬إال أن الجور في ذلك موجود‪ .‬وإنما كان يكون العدل لو‬‫من ترك ُ‬
‫ترك الجميع موفورًا‪ .‬وإنما هذا العدل على اإلضافة‪ ،‬ال على اإلطالق‪.‬‬
‫سماة ثُكال)‬
‫وإن كانت ال ُم َّ‬ ‫للحمام ليس لها ر ٌد‬ ‫( ِخ ٌ‬
‫طبة‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫خطبة ال ترد‪ ،‬يذهب إلى إعظامها وإنكارها‪ ،‬وإن كانت‬ ‫اي ُحلول الحمام بهذه العقيلة‪ ،‬يعني أخت سيف الدولة‪،‬‬
‫هذه الخطبة نسميها نحن ثُكال فليست كذلك في الحقيقة‪ ،‬إنما هي إرادة من النور ال ُعلوي‪ ،‬يجذبها ويُصيرها إلى‬
‫ُّ‬
‫ذاته‪.‬‬
‫ِر أسيرًا وبالنوال ُمـقـ ً‬
‫ال)‬ ‫وف من الده‬ ‫( َو َكم انتشت ُّ‬
‫بالسيُ ِ‬
‫صال ختال رآه أدرك تبال)‬ ‫(عدها نُصرهة علية فلـمـا‬
‫اي تسورت أنت على الدهر في مظلوميه‪ ،‬فككت أسيره‪ ،‬وجبرت كسيره‪ ،‬وأغنيت فقيره‪ ،‬فأغضبته بمضادتك‬
‫ختلة ينتهزها منك‪ ،‬إذ عد كل ذلك إنصافًا منه لمظلوميه‪ ،‬ونُصرة عليه لمغلوبيه‪.‬‬ ‫إياه في افعاله‪ .‬وفأرصد لك ً‬
‫فأخذ إحدى أختيك‪ ،‬مكافأة لذلك وعقابًا‪ ،‬فقدر أنه ادرك ذحال‪ ،‬ونال تبال‪.‬‬
‫والهاء في (رآه)‪ :‬عائدة إلى الدهر‪ ،‬فالفاعل هنا هو المفعول؛ وال يكون مثل هذا عند سيبويه إال في األفعال‬
‫النفسانية التي في معنى الشك والعلم فرآه هنا‪ :‬المتعدية إلى مفعولين‪ .‬وإذا كان كذلك‪ ،‬فالجملة التي هي قوله‬
‫(أدرك تبال)‪ :‬في موضع المفعول الثاني‪ .‬وخ ْتال‪ :‬مصدر في موضع الحال‪ ،‬من باب أتانا غدوًا و ُمسيا‪.‬‬
‫واالنتياش‪ :‬التخلص واالنتفاض‪.‬‬
‫والضرب أغلى وأغلَى)‬
‫ُ‬ ‫تغلُو‬ ‫ُ‬
‫والطعنة‬ ‫الضارب الكتيبة‬
‫ُ‬ ‫ُو‬
‫( َوه َ‬
‫اي أن الكتيبة متمنعة ببأسها شديدة؛ فالطعنة تغلو فيها‪ ،‬اي تغلو وتشتد على مريدها منها‪ .‬فإذا كانت الطعنة‬
‫الواحدة غالية؛ فالضرب أغلى منها‪ ،‬الن الطعن أمكن من الضرب‪ ،‬إذ هو على بُعد‪ ،‬والضرب على ُقرب‪،‬‬
‫وقال‪( :‬والطعنة) ثم قابلها بالضرب‪ ،‬احتياجًا إلقامة الوزن‪ .‬وكان أذهب له في الصنعة ‪ -‬لو اتزن له ‪ -‬أن‬
‫يقابل الطعنة بالضربة؛ والطعن بالضرب‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُى َفغَطى جبين ُه والقذاال)‬ ‫( ُكلما َرام حطها اتسع ْ‬
‫البن‬
‫بنى بنيًا‪ :‬مصدر بنى إما أن يكون قد تُ ُكلم به‪ ،‬وإما أن يكون على الضرورة‪ ،‬الن الشاعر إذا اضطر‪ ،‬كان له‬
‫يرد مصادر األفعل الثالثية غير المزيدة إلى ( َف ْع ٍل)‪ ،‬وإن استُعمل في الكالم على ذلك زيادة وغير زيادة‪.‬‬
‫أن ُ‬
‫مثال ذلك ب ُعد بعدًا‪ ،‬وذهب ذهبا‪ ،‬وكذب كذبا‪،‬‬
‫فيُردُلاذقلاو( ‪.‬سأرلا مامأ نم ‪):‬نيبجلاو( ‪.‬يسرافلا ةياكح هذه ‪.‬لعف ىلإ كلذ لك ّ) من ورائه‪.‬‬
‫(ابن الون) ملك الروم هدم هذه القلعة‪ ،‬أوسع سيف الدولة بناءها وأطاله‪ ،‬حتى امتد ظله من‬ ‫يقول‪ :‬كلما رام ُ‬
‫أمامه‪ ،‬فغطى جبينه‪ ،‬ومن ورائه فغطى قذاله‪ .‬اي قذال ملك الروم وجبينه‪.‬‬
‫ُ‬
‫العطاش الصالال)‬ ‫وافت‬
‫كما ِ‬ ‫مـر‬ ‫(وتُوافيه ُم بها في القنا ُّ‬
‫الس ِ‬
‫األرضون التي لم تُمطر بين أرضين ممطورة‪ .‬واحدتها صلة‪ ،‬وقيل هي األمطار المتفرقة‪ .‬ويروى‬ ‫ُ‬ ‫الصالل‪:‬‬
‫ُ‬
‫(الضال)‪ :‬وهي بقايا الماء‪ ،‬واحدها ضلل وقيل الضلل‪ :‬الماء الجاري تحت الحجر‪ .‬ويقول‪ :‬توافيهم بها أو‬
‫أحرص‬
‫ُ‬ ‫بالمنايا وهي في القنا السمر‪ ،‬ببادر جيشك إليهم بالفتل كما تبتدر األنفس العطاش بقايا الماء‪ .‬والعطاش‬
‫عليها‪ ،‬ألنهم ال يثقون بالري‪ ،‬فلم يتسابقوا‪.‬‬
‫السمر)‪ :‬في موضع نصب على الحال‪ ،‬اي مستقرة في القنا السمر‪ ،‬وملتبسة بها‪ ،‬كقولك‪:‬‬ ‫وقوله‪ :‬في (القنا ُّ‬
‫ً‬
‫خرج زيد في ثيابه‪ :‬اي البسًا لها‪ ،‬مشتمال بها‪ ،‬و(كما وافت) أيضًا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف‪ ،‬اي‬
‫موافاة مثل موافاة العطاش‪ .‬ولو قال قائل‪ :‬إن (في) مع قوله‪( :‬بها) اسم على حدة (فاعل) مقلوب موضع العين‬
‫إلى الالم‪ ،‬من هافت اإلبل تهاف‪ :‬إذا عطشت لكان حسنًا‪ .‬وهذا الباب كثير‪ ،‬قد عمل سيبويه وأهل اللغة فيه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أبوابًا‪.‬‬
‫يبتدر العطاش الماء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫فكأن المعنى حينئذ أن الرماح تبتدر ُشرب دمائهم‪ ،‬فكأنها عطشة إليها‪ ،‬كما‬
‫الرماح َخـ َيا ً‬
‫ال)‬ ‫َ‬ ‫بصروا‬
‫الطعن في القلوب دراكًا قبل أن يُ ُ‬
‫أبصروا ْ‬
‫( ُ‬
‫اي رأوا أصحابهم مقتولين‪ ،‬فشاهدوا الطعن فيهم دراكًا قبل أن يروا أشباح‬
‫الرماح‪.‬‬
‫الرماح هؤالء القتلى أن يتوقعوا قبل ذلك‪ ،‬فيروها في‬ ‫ُ‬ ‫أعجلت‬
‫ِ‬ ‫وإن شئت قلت‪:‬‬
‫توعد من سيف الدولة‪ ،‬ولكن َف ِجئهم فقتلهم‪.‬‬ ‫نومهم‪ .‬يذهب إلى أنه يك هنالك ُّ‬
‫وقد يتوجه المعنى على أنهم أبصروا الطعن في قلوبهم دراكًا بالقرع قبل أن يروا‬
‫نفس الرماح‪ ،‬كأن القرع قتلهم‪.‬‬
‫وليس قول من قال إن البيت مقلوب العجز والصدر‪ ،‬الن ذلك فاحش يذهب إلى أنه‬
‫ال‪ ،‬قبل أن يبصروا الطعن في القلوب دراكًا‪ ،‬استدال ً‬
‫ال‬ ‫اراد‪ :‬أصروا الرماح خيا ً‬
‫بقوله‪:‬‬
‫المنـام‬
‫ِ‬ ‫ويخشى أن يراه في‬ ‫يرى في النوم ُرمحك في ُكاله‬
‫ف َرنَا إليك فـآال)‬ ‫َك َ‬
‫وط ْر ٍ‬ ‫ْ‬
‫فـالقـت‬ ‫َ‬
‫تأملتـك‬ ‫(اي عين‬
‫هيبتك‪ ،‬ولم َتتمل‪ ،‬منك فتصفك وصف من لقى الموصوف‪ُّ ،‬‬
‫وأي‬ ‫ُ‬ ‫اي أنك ُمتهيب‪ ،‬فإذا رأتك العين تغشتها‬
‫ويهره‪ ،‬فيمنع ُه إدامة النظر إليك‪ ،‬وكره عليك كقوله هو فيه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫طرف َرنَا إليك‪ ،‬فأنكر أن شعاعك يغلبه‬
‫انكسار‬
‫ُ‬ ‫ففي أجسامنا عنه‬ ‫كأن شعاع ضوء الشمس فيه‬
‫(أي طرف)‪ ،‬فاجتزأ باألول عن الثاني‪ ،‬كقولهم‪ ،‬أينا فعل ذلك أخراه اهلل‪ ،‬أراد (أيى وأيك َفعل)‪ .‬من‬
‫أراد‪ُ :‬‬
‫أبيات الكتاب‪:‬‬
‫فسبق إلى المني ِة ال يراها‬ ‫وأيك كـان شـرا‬ ‫فأيي ما َ‬
‫أعجلته ُم جيا ُد ُه اإلعجاال)‬ ‫( ُكلما ُ‬
‫أعجلو النذير مسيرًا‬
‫اي كلما آب إليهم المنذر بإقبال خيل سيف الدولة ُم ْعجال سبقوه‪ ،‬كأن ذلك قد َوقع في روعهم قبل اإلنذار‪،‬‬
‫ُ‬
‫فخيل سيف الدولة منهم‪ ،‬في إعجالها إياهم‪ ،‬بمنزلتهم من النذير‪،‬‬ ‫تعجلُ ُهم خيل ُه عن العجلة التي تكل ُفوها للهرب‬
‫ُف ِ‬
‫في إعجالهم إياه‪.‬‬
‫فيه وتـحـمـ ُد األفـعـاال)‬ ‫( ُرب أمر أتاك ال تعحم ُد ال ُفعال‬
‫هؤالء جيش من الروم‪ ،‬تزلوا على (الَ َ‬
‫دث) فنذروا بعسكر سيف الدولة‪ ،‬فانهزموا‪ ،‬فاالنهزام محمود‪ ،‬والمنهزم‬
‫غير محمود على ذلك‪ ،‬ألنهم فروا وخلوا له سبيله‪ ،‬اضطرارًا ال اختيارًا‪ .‬والمضطر غي محمود على فعله‪،‬‬
‫وإن كان فعله في ذاته حميدًا‪ .‬وهذا كقوله هو‪:‬‬
‫الجميع‬
‫َ‬ ‫جميعًا‪ ،‬وما أعطى‬ ‫فولى وأعطاك ابـنـه‬
‫ل ُيحمدا‬ ‫وجـنـود ُه‬
‫ُ‬
‫في ُقلوب ُّ‬
‫الرما ِة عنك‬ ‫( َوقسى ُرميت عـنـهـا‬
‫النصـا َ‬
‫ال)‬ ‫فـردت‬
‫اي رموك فأخطئوك‪ ،‬ورميتهم أنت فأصبتهم‪.‬‬
‫انقـطـاعـهـا‬
‫ُ‬ ‫ف َكان‬ ‫قص ُعون بها‬ ‫َ‬
‫الطرق َي َ‬ ‫(أخذوا‬
‫إرسـا َ‬
‫ال)‬ ‫الرسل‬
‫ُّ‬
‫رق‪ ،‬فلم يمكن اإلرسال‪ ،‬استمع الناس وتطلعوا إلى عرفان األنباء‪ ،‬فأحوجهم ذلك إلى إنعام‬ ‫اي لما قطعوا ُ‬
‫الط ٌ‬
‫الرسل‪ ،‬ما كانوا يعرفون باإلرسال أو اكثر‪ ،‬فكأن االنقطاع صار إرسا ً‬
‫ال حين‬ ‫البحث‪ ،‬حتى عرفوا مع انقطاع ُ‬
‫أنتج من معرفة أخبار األعداء‪ ،‬وما كان يُنجه اإلرسال‪.‬‬
‫القتال الذي َك َ‬
‫فاك القتاال)‬ ‫(ما مضوا لم يُقاتلوك َّ‬
‫ولكن‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫(لم يقاتلوك)‪ :‬جملة في موضع الحال‪ ،‬اي هؤالء ‪ -‬وإن لم يقاتلوك ‪ -‬فما مضوا غير مقاتلين لك‪ .‬وذلك القتال‬
‫هو علمهم بظفرك بهم‪ ،‬وعلمهم باعتيادك إبادتهم‪ ،‬وهو الذي حملهم على ترك القتال‪ ،‬فهو الذي كفالك القتال‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬القتال)‪ ،‬نصب بلكن‪ ،‬و (الذي)؛ خبر لكن؛ اي‪ ،‬ولكن القتال القديم الذي علموه منك‪ ،‬هو الذي كفاك‬
‫القتال أن‪.‬‬
‫علم الثابتين ذا اإلجفاال)‬ ‫ُ‬
‫والثبات الذي أجادوا قديمًا‬ ‫(‬
‫يحل بهم ماحل بأوائلهم‪ ،‬فهربوا‬
‫اي لما ثبت للهاجمين منهم فبادوا‪ ،‬امتثل هؤالء خالف ذلك‪ .‬خشية أن ُ‬
‫وأجفلوا‪ ،‬وكانوا من ذوى النجدة والثبات‪.‬‬
‫َف َتولوا وفي الشمال شماال)‬ ‫الروع في النُّهير يمينًا‬
‫َ‬ ‫( َب َ‬
‫سط‬
‫الر ْوع عساكر سيف الدولة في‬
‫إن شئت قلت‪ :‬أتاهم الروع من أيمانهم وشماثلهم‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬ضاعف َّ‬
‫عيونهم‪ ،‬ففروا ولم َيثبُتوا‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫كالخصيان)‬
‫ِ‬ ‫يذر ال ُفحول وهُن‬
‫ُ‬ ‫( َي ْق ُمصن في مثل ال ُمدى من بار ٍد‬
‫القٌماص‪ .‬والنزوان‪ ،‬حكى سيبويه عن العرب أفال قماص بالعير‪ ،‬وقال هو مثل هذا الماء الذي ذكر المتنبي‬
‫(أرسناس) داثم البرد َمشتى ومصيفًا‪ ،‬وكانت هذه الغزوة صيفية‪ .‬فيقول‪ :‬إن هذا الماء خصى الخيل‪ ،‬وآلمها‬
‫الفحل منهن كالخصي‪ .‬وقال‪( :‬من‬ ‫ُ‬ ‫البر ُد إيالم المدى‪ ،‬وهي السكاكين‪ ،‬حتى قلص ذلك البرد الخصى‪ ،‬فعاد‬
‫باردٍ)‪ ،‬فوضع الصفة موضع الموصوف‪ ،‬النه قواه بالنعت‪ ،‬وهي الجملة التي هي قوله‪( :‬يذر الفحول)‬
‫بح‪ .‬قال سيبويه‪ :‬لو قلت ما أتاني اليوم إال قوى‪،‬‬ ‫فصارت الصفة كاالسم‪ ،‬بما هيأ لها من الوصفز ولوال ذلك لَ َق ُ‬
‫رجل قوى‪ ،‬وإال ماء باردا‪ً.‬‬ ‫وإال باردًا‪ ،‬لم يكن في قوة قولك‪ :‬ما أتاني اليوم إال ٌ‬
‫وتلتـقـيفـان)‬
‫ِ‬ ‫تتفرقان به‬
‫ِ‬ ‫خلص‬
‫اجتين ُم ٌ‬
‫(والماء بين َع َج ِ‬

‫وعجاجة الروم ربما جازت النهر فالتقتا‪ ،‬وربما قصرتا عن‬ ‫يعني عجاجة اإلسالم‪َ ،‬‬
‫ذلك فتفرقتا‪.‬‬
‫كالقـيان)‬
‫ِ‬ ‫َوثنى األعنة وهو‬ ‫األميرو كاُّ ِ‬
‫للجين َح َبابُه‬ ‫ُ‬ ‫(ر َكض‬
‫(أرسناس) فاحمر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والقتل لم يقع بعد‪ ،‬ثم أوقع بالروم فسالت دماؤهم في‬ ‫اي جاوزه أبيض بريئًا من الدم‬
‫و ُة َعثره للرجوع‪ ،‬وهو من ذلك الدم أحمر كالعقيان‪ ،‬وأراد‪ :‬ركض األمير الخيل فحذف المفعول‪.‬‬
‫ُعقم البُ ُطون جوالك األلوان)‬ ‫قـوائم‬
‫ٍ‬ ‫بغـير‬
‫ِ‬ ‫( َوحشا ُه عاد ً‬
‫ِية‬
‫السفن في هذا النهر ُمقام‬
‫يقول حشا سيف الدولة هذا النهر ُسعثا ُسودا بالقار ُعقمًا‪ :‬اي ال تحمل‪ .‬وإنما أقام ُّ‬
‫الخيل‪ .‬وقيل‪( :‬عادية بغير قوائم) الن السفن سابحة ال ماشية‪ .‬ونظير قوله‪( :‬حوالِك األلوان) قول اآلخر في‬
‫وصف سفينة‪:‬‬
‫ُ‬
‫منابت أصلها مـن‬ ‫كرمت‬‫ُ‬ ‫وإلـى نـداك ركـبُـتـهـا‬
‫ـر‬
‫ـر َع ِ‬
‫َع ْ‬ ‫ً‬
‫زنـجـية‬
‫والسير ممـتـنـ ٌع مـن‬
‫ُ‬ ‫الجر ُجوع‬
‫ُّروب وفي ُّ‬
‫(وعلى الد ُ‬
‫اإلمـكـان)‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫غضاضة‬
‫اي‪ :‬كان الذي عددنا من أحوالك‪ ،‬وذكرناه من أخبارك على الدروب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬وعلى الدروب لك آثار أيضًا‪ ،‬إذ في الرجوع غضاضة ونقصان على الراجع‪ ،‬والسير حينئذ‬
‫(السير ممتنع)‪ ،‬جملتان في موضع الحال‪ .‬ولو قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ضاضة) و‬ ‫صعب ال يُمكن‪ ،‬وقوله‪( :‬وفي الرجوع َغ َ‬ ‫ٌ‬
‫(والسير ممتن ٌع)‪ ،‬لكان الكالم تاما‪ ،‬ألنه قد ُعلم أن الممتنع غير ممكن‪ .‬ولكن القافية وباقي بناء البيت أحوجاه‬
‫ُ‬
‫إلى قوله‪( :‬من اإلمكان)‪.‬‬
‫ِن الحـيوان)‬ ‫ْ‬
‫ليست م َ‬ ‫فكأنها‬ ‫وارس يُحيى الحما ُم نُ ُفوسها‬
‫(و َف ٌ‬
‫الحمام نفوسهم‪ ،‬بما يتبع موتهم في الحروب من عالي الذكر؛‬
‫من شأن الحمام أن يمين وال يُحيى‪ ،‬لكن هؤالء ِ‬
‫وجميل الثناء‪ ،‬بحسن البالء‪ ،‬كقول أبي تمام‪:‬‬
‫من لم يُ ِّ‬
‫خل العيش هو قتيل‬ ‫ُ‬
‫فالقتيل لـديهـ ُم‬ ‫أل ُفوا المنايا‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬يُحيى الحما ُم نفوسهم‪ ،‬وهؤالء يُحبونه ويُؤثرونه؛ فكأنهم ليسوا من الحيوان‪ ،‬الن الحيوان‬
‫الحمام نفوسهم‪.‬‬
‫الحمام؛ وهؤالء يحبونه ويؤثرون ُحب ِ‬ ‫يكرهون ِ‬
‫بالـحـرمـان)‬
‫ِ‬ ‫آمل ُه من عا َد‬ ‫( ُحر ُموا الذي أملوا وأدرك من ُه ُم‬
‫اي الذي أملُوه من الظفر بسيف الدولة؛ وأدرك الناجي منهم بنفسه أمله الحادث له حينئذ‪ ،‬ألنه لما ُحرم الظفر‪،‬‬
‫وعلم أن سيف الدولة ُمظفر به‪ ،‬جعل أقصى آماله السالمة والنجاة بذاته‪ ،‬فمن تهيأ له ذلك منهم‪ ،‬فقد نال أمله‬
‫الحادث‪ ،‬وإن كان قد حرم ذلك األول‪ .‬ونحوه قول أمرئ القيس‪:‬‬
‫باإلياب‬
‫ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ضيت من الغنيمة‬ ‫وقد طوفت في اآلفاق حتى‬
‫ومن أشعار ال َمثَل‪:‬‬
‫ربح‬
‫َجا برأس ِه فقد ْ‬
‫فمن ن َ‬ ‫ُ‬
‫والكباش َت ْن َت ِطح‬ ‫داج‬ ‫ُ‬
‫الليل ٍ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫َ‬
‫إقدامك‬ ‫ماذا يزيدُك غي‬ ‫( ُعقبى اليمين على ُع ْقبى َ‬
‫الوغى‬
‫ال َقسـ ُم)‬ ‫ند ُم‬
‫كان الدمستق أقسم على أن يلقى سيف الدولة‪ .‬فلما لَق َيهم انهزم‪َ ،‬ف َندِم على قسمه‪ ،‬فجعله المتنبي مث ً‬
‫ال‪ .‬يقول‪:‬‬
‫إذا حلقت أن تلقى من لست قِرنا له ُموازيًا‪ ،‬وال ُك ُفؤًا مساويًا‪ ،‬ندمت على ما فرط منك من حلفك‪ .‬ثم قال‪ :‬ماذا‬
‫يزيُدك في إقدامك القس ُم؟ اي ال تقسم فإن ذلك ال يزيدك في إقدامك؛ بل ربما أعقبك الندم‪ ،‬وهذا نحو قول‬
‫العرب‪ :‬الصدق يُنبئ عنك ال الوعيد‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬على ُع ْقبى) متعلقة باليمين وإن يُستعمل منه فعل‪ .‬وحروف الجر إنما تتعلق باألفعال واألسماء المشتقة‬
‫بحلَف؛ كذلك تعلقت بما هو في‬ ‫لف؛ فكما تتعلق َ‬ ‫منها‪ .‬لكن جاز تعلُُّقها باليميمن‪ ،‬الن في اليمين معنى َ‬
‫الح ِ‬
‫معناها‪ .‬والعُقبى‪ :‬العاقبة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفواهها الق َم ُم)‬ ‫ٌ‬
‫ألسنة‬ ‫ُفهن‬ ‫ارم ُه إكذاب َق ِ‬
‫وله ُم‬ ‫ص َو ِ‬
‫( َولى َ‬
‫يبرح؛ فكان األمر بخالف ما أقسم عليه لي ُكونن‪ ،‬فأعقب ما‬
‫ِبن سيف الدولة أو ال ُ‬ ‫كان زعيم الروم أقسم ليغل َّ‬
‫سيف الدولة صوارمه إكذاب قول هؤالء‪ ،‬بإصارتهم‬ ‫كان من ذلك القسم‪ ،‬أشد ما يكون من الندم‪ .‬فيقول‪ :‬ولى ُ‬
‫ٌ‬
‫ألسنة) يعني السيوف‪ ،‬شبهها باألسنة في الصورة‬ ‫إلى الحنث‪ ،‬ألنهم واق ُعوا‪ ،‬لم يلبثوا أن انهزموا‪ ،‬قال‪( :‬ف ُهن‬
‫والمضاء‪ ،‬وجعل هامهم الملقة بها‪ ،‬بمنزلة األفواه التي تكون بها األلسنة‪ ،‬وجعل عمل السيوف في الهام‪،‬‬
‫بمنزلة ال ُفتياَ المرخصة لهم في الهرب‪.‬‬
‫ومما شبه فيه السيف باللسان قول الشاعر‪:‬‬
‫وسيفي مـن خـوض‬
‫الدما‬
‫الذيب أولغه َّ‬
‫ِ‬ ‫كأنه بكفي ُ‬
‫لسان‬
‫الـدمـاء‬
‫وما ُشبه فيه السنان باللسان أيضًا قوله‪:‬‬
‫ان الحـية الـصـادى‬ ‫ِس ِ‬
‫ِثل ل َ‬ ‫أزرق م ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وأسـمـر فـي رأسـه‬
‫ُ‬
‫الحكـ ُم)‬ ‫رب أذ ُك ِت الشعري شكائمها َو َو َّس َم ْتها على آنافِها َ‬ ‫( َو ُش ٌ‬
‫اي أحمى طلوع الشعري الع ُبور‪ ،‬وهو أوان اشتداد الحر‪ ،‬وانقطاع المطر‪ ،‬شكائم‬
‫هذه الخيل الضامرة والشكائم‪ :‬فئوس اللُّ ُجم‪ ،‬واحدتها شكيمة وقيل‪ :‬الشكائم‪ :‬الح َكم‪،‬‬
‫فاستحرت الحكم حتى عادت كالمكواة‪ ،‬فوسمت آناف الخيل‪ ،‬كما يسمها الكاوي‬
‫بالنار‪.‬‬
‫سمنين ُبحيرتهـا تنش بالماء في أشداقها اللُّ ُج ُم)‬ ‫ٍ‬ ‫ْن ِب‬
‫(حتى َو َرد َ‬
‫اي أن الخيل شربت من بُحيرة ُسمنين‪ .‬فغال ذلك الماء في أفواهها باستحرار اللجم التي في أشداقها‪ ،‬كان ذلك‬
‫الحر الذي في الحديد هو الذي أحمى الماء فغلى في أفواه الخيل‪.‬‬
‫خصيب نبتُه‬
‫ٍ‬ ‫ترعى ُ‬
‫الظبا في‬ ‫(وأصبحت ب ُقرى هنـزيط‬
‫الِّ َم ُم)‬ ‫جـائلة‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫الخصيب هنا‪ :‬الها ُم‪ ،‬ونبتها الشعر‪ .‬والخصيب كناية عن كثرة الشعر‪ .‬وإنما عنى أن هؤالء القتلى شباب لم‬
‫يصل ُعوا بعد‪ ،‬وهم يكنُون عن كثرة الشعر وسواده بالخصب‪ ،‬وعن ذد ذلك بال َم ْحل فمما جاء في ذلك قولُه‪:‬‬
‫رأت أقحوان الشيب فوق َخ ِطيط ٍة إذا أمطرت لم تستكن ُ‬
‫صوأبهـا‬
‫شبه رأسه حين صلع بالخطيطة‪ ،‬وهي االرض التي تُمطر بين أرضين ممطورتين‪ .‬وإذا لم تُمطر لم تُنبت‪.‬‬
‫صؤابها)‪ :‬اي أنه ليس هنا شعر فيستتر فيه الصؤاب لو ُمطر‪ ،‬وال نعلم أحدًا شبه الشيب‬ ‫وقال‪( :‬تستكن ُ‬
‫باألقحوان إال هذا الشاعر‪ :‬قال أبو النجم في تشبيهه قلة الشعر بالجرب (أجرب الفإلى إذا الفإلى فال) كقولك‪:‬‬
‫أهيجت األرض‪ :‬وج ْدتُها هائجة النبات وله نظائر كثيرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫تحت التراب وال بارًا ل ُه قد ُم)‬ ‫( َف َما تركن بها ُخلدًا ل ُه بصـر‬
‫استثارت هذه الخيل من ُمنهزمي الروم من َولَ َج بطن االرض‪ ،‬وسلك األخاديد‪ ،‬فصار بتخلله التراب‪ ،‬بمنزلة‬
‫ُ‬
‫الخ لد وهي الفأرة العمياء‪ ،‬إال أن الخلد هنا إنسان وله بصر‪ ،‬إنما أخرجه بقوله‪( :‬ل ُه بصر) من نوع الخلد إلى‬
‫نوع االنسان إذهو المختبئ في التراب‪ ،‬وليس يُخلد في الحقيقة‪ ،‬إنما هو إنسان‪ ،‬وإنما شبهه بالخلد فيما ذكرت‬
‫لك‪ .‬وكذلك أنزلت منهم صقر الخيل وال ُعقاب‪ ،‬فصار ً‬
‫بازا في تسنُّمه المراقب‪ ،‬كتسم البوازي‪ ،‬إال أن له قدمًا‪،‬‬
‫إذ ليس بباز في الحقيقة‪ .‬وبقوله‪( :‬قدم) أخرجه من نوع البازي إلى اإلنسانية‪ ،‬كما أخرجه من نوع ُ‬
‫الخلد‬
‫بقوله‪( :‬له بصر) وهذا االخراج مليح‪ ،‬وإن كان قوله‪( :‬له بصر) و (له قدم)‪ ،‬من باب الرسم المن باب الحد‪،‬‬
‫فقد أحال‪ ،‬فتفهمه‪ ،‬فإنه لطيف‪.‬‬
‫وال مسا ًة لها من ِشبهها حشم)‬ ‫(وال هزبرًا ل ُه من دِرعه لِبـ ٌد‬
‫اي‪:‬جوار مثلُها في الحسن والسن يخدُمنها‪ .‬وبقوله‪( :‬من‬
‫ٍ‬ ‫اي‪ :‬درعه له كاللبدة لألسد‪( ،‬ولها من شبهها حشم)‪:‬‬
‫يدرع‪ .‬وبقوله‪( :‬لها من ِشبهها حشم) عرضان‪ ،‬ليسا برسمين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫درعه لِبدَ) أخرجه من نوع األسد‪ ،‬الن األسد ال‬
‫كالبصر والقدم الذي قبله‪ ،‬الن البصر والقدم جوهران‪.‬‬
‫ُسكان ُه رم ٌم مسكونُها ُح َم ُم)‬ ‫(عبرت تق ُد ُم ُهم فيه وفي بل ٍد‬
‫والحمم‪ :‬الفحم؛ واحدته ُحمة بالهاء‪ .‬سمي بذلك لسواده‪ .‬اي قتلتهم وأحرقت منازلهم؛ فلم يبق من أنفسهم إال‬
‫ُ‬
‫أعظ ُم رمم‪ ،‬وهي البالية‪ ،‬ولم يبق من منازلهم إال ماعاد ُحمما‪ .‬فاألعظم هي الساكنة ألنها جزء من السكان‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫والمسكونة هي الحمم‪ ،‬ألنها جزء من المساكن‪.‬‬
‫والحمم‪ :‬لفظًا ومعنى‪ .‬وقوله‪( :‬سكانها رم ُم) جملة في موضع النعت لبلد‪.‬‬
‫وما أحسن ما قابل به بين الرمم ُ‬
‫وقوله‪( :‬مسكونها ُحمم)‪ :‬جملة في موضع النعت لرمم‪ .‬فكأنه قال‪ :‬في بلد خال ُمحرق‪.‬‬
‫المجوس إلى ذا اليوم‬
‫قبل ُ‬ ‫النار الـتـي‬
‫(وفي أكفه ُم ُ‬
‫تضطر ُم)‬ ‫ُعـبـدت‬
‫سبه السيوف بالنار في صفائها والتهابها وقوة تأثيرها‪ .‬وقوله‪( :‬عبدت قبل المجوس)‪ :‬كالم صحيح‪ ،‬الن‬
‫الحاجة إلى السيف طبيعة‪ ،‬وعبادة المجوس النار شريعة‪ ،‬والطبيعة أقدم من الشريعة‪ ،‬وإن لم تكن هذه السيوف‬
‫المحدثة اآلن‪ ،‬هي السيوف التي استعملت قبل عبادة المجوس النار‪ ،‬وإنما أراد التي ُعبدت أفرادُها من‬
‫السيوف‪ ،‬أو عبدت أمثالها‪ .‬ومعنى عبادتها‪ :‬القول بها‪ ،‬واالستغاثة إليها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اشتمالهم بها‪ :‬كاشتمال االسالم بالمصاحفن والنصارى باإلنجيل‪ ،‬ونحو ذلك من أنواع الشعار اإللهي‪.‬‬
‫(عبدت قبل المجوس)‪ ،‬إنما ذهب إلى أنها عتيقة قديمة‪.‬‬ ‫وقيل‪ ،‬معنى ُ‬
‫على جحافلها من نصح ِه رث ُم)‬ ‫ٌ‬
‫ـقـربة‬ ‫(تلقى بهم َزب َد التيار ُم‬
‫يعني زوارق يحثُها سيف الدولة ألصحابه‪ ،‬حتى عبروا عليها هذا النهر‪ .‬والرث ُمك‬
‫والجحفل َة للفرس‪ :‬كالشفة لإلنسان‪ ،‬يقول‪ُ :‬جزت بهم التيار على‬
‫ْ‬ ‫بياض الشفة العليا‪،‬‬
‫والس َميريات‬
‫هذه الزوارق‪ .‬والتيار‪ :‬هو الموج يقذف على مقادم هذه الزوارق‪ُّ ،‬‬
‫بالزبد‪ ،‬وهو أبيض‪ ،‬فكأن ذلك الزبد عليها رث ٌمز ثم جعل الزوارق ُمقربة الخيل‪،‬‬
‫ألنهم كانوا يعبُرون عليها هذه األنهار بالخيل‪ ،‬فأقام هو الزوارق ُمقام الخيل‪،‬‬
‫ال ُمقربة‪ ،‬استجاز أن ينسب إليه‬ ‫فاستجاز لذلك أن يصفها بالمقربة‪ .‬ولما جعلها خي ً‬
‫أعضاء الخيل وشباتها‪ .‬فجعل لها حجفلة‪ ،‬إنما هي الخيل‪ ،‬وجعل لها رثما حين‬
‫َضخ‪ :‬وقيل ما كان‬ ‫نضح ون َ‬
‫َ‬ ‫جحفلةز والنضج‪ :‬مارمى به الزبد‪ .‬يقال‪:‬‬ ‫جعل لها ْ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫فعال فهو نَضح؛ بالحاء غير معجمة‪ ،‬وما كان اسما فهو بالخاء معجمة‪ .‬وهكذا‬
‫ُروى هذا البيت عنه‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬كيف قلت إن المقربة هنا زوارق‪ ،‬وهو يقول عقب هذا البيت‪:‬‬
‫كما ُ‬
‫تجفل تحت الغارة النع ُم‬ ‫الموج عن لبات حيلهم‬
‫ُ‬ ‫تجفل‬
‫فأنبأ أنهم عبروا على الخيل‪ .‬وقال في موضع آخر وذكر هذا العبور‪:‬‬
‫َينُشرون فيه عمائم األبطال‬ ‫حتى عبرن بأرسناس سوابحا‬
‫الموج‬
‫ُ‬ ‫فالقول عندي‪ :‬أن بعضهم عبر على الخيل‪ ،‬وبعضهم على زوارق‪ .‬وقد يجوز أن يكون قوله‪( :‬تجفل‬
‫عن لبات خيلهم)‪ :‬عنى فيه الخيل الزوارق‪ ،‬على ما تقدم في البيت األول‪.‬‬
‫ومما يدلك أنه عنى الزوارق قوله بعد هذا‪:‬‬
‫مك ُد ُود ٌة وبقوم ال بها األل ُم)‬ ‫كاب أبطنُها‬
‫فوارسها ُر ُ‬
‫ُ‬ ‫(دُع ُم‬
‫فالخيل ال تُركب بطونها‪ ،‬وإنما يُركب منها الظهور‪ .‬وأراد المتنبي بقوله‪ :‬ركاب أبطنها‪ :‬أن يفصلها من أنواع‬
‫الخيلز وقوله‪( :‬بقوم ال بها األلم)‪ :‬إنما الم بالقنا ال بها وإن ُكدت‪ .‬وقيل األلم بالقوم العاملين فيها‪.‬‬
‫وما لها ِخلَ ٌق مِنها وال ِشـي ُم)‬ ‫(من الجيا ِد التي كدت العدُو بها‬
‫اي السفن مبلغة لك من عدُوك‪ ،‬ما أبلغتك الخيل منهم‪ ،‬فهي من الخيل بمشاركتها إياها في ذلك‪ .‬لكن ال تشبهها‬
‫في حلقة وال خليقة‪ .‬الخيل حيوان‪ ،‬والسفن عيدان‪.‬‬
‫وسمهريتُ ُه في َو ْجهه َغ َم ُم)‬ ‫بخميس أنت ُغرتُ ُه‬
‫صدَمتهم ِ‬
‫(َ‬
‫انت ُغرته‪ :‬اي انت أمامه‪ ،‬فكنى بالغرة عن التقديم والشهرة‪ .‬ولما جعل للخميس ُغرة‪ ،‬فوصفه بما هو من‬
‫شيات الخيل‪ ،‬استجاز أن يصف بال َغ َمم‪ ،‬وهو كثرة شعر الناصية‪ .‬فجعل الرماح المشرعة في وجهه بمنزلة‬
‫الشعر الكثير‪ .‬وجعل الغمم وهو عرض‪ ،‬خبرًا عن السمهرية‪ ،‬وهي جوهر تجوزًا وكأنه أراد‪ ،‬وتكاثفإل‬
‫السمهرية في وجهه غ ٌم‪ .‬لكنه حذغ المضاف‪ ،‬وأقام المضاف إليه مقامه‪ .‬ونظيره قوله تعالى‪َ (:‬ولَك َّ‬
‫ِن ال ِب َّر من‬
‫آ َم َن باهللِ) اراد‪ :‬ولكن (ذا البر من آمن باهلل)‪ ،‬ولُيقابل الجوهر بالجوهر‪ ،‬والعرض بالعرض‪ .‬ولذلك اعتقد‬
‫النحويون الحذف في مثل هذا‪.‬‬
‫ْ‬
‫لوارت شخصه الخ ُم)‬ ‫شجر لو زال عن ُه‬
‫ار ُه من ٍ‬ ‫ُ‬
‫الغيث َما َو َ‬ ‫(فال سقى‬
‫يعني ماوارى ابن ُش َمشقِبق من الشجر‪ ،‬وذلك أن الشجر حال بينه وبين ال ُمتبعين‪ ،‬فأنت‪ .‬فدعا المتنبي على هذا‬
‫الشجر أال يسقيه الغيث حين وارى هذا المنهزم‪ ،‬فكان ذلك سبب نجاته‪( .‬لو زال عنه)‪ :‬اي لو زال هذا الشجر‬
‫عنه‪ ،‬فلم يوارهم لقتل‪ ،‬فتجمعت الرخ ُم عليه تواريه بُشخوصها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لو رأته ألكلته فيتوارى في أجوافها‪ .‬ويروى‪ :‬لوارى شخصه الرجم بالجيم وهو القبر‪ ،‬واألول أسبق‪،‬‬
‫وصفت العرب قتالها‪.‬‬‫ألن القتيل في المعترك‪ ،‬إلى أن تأكله الطير والسباع أقرب منه إلى أن يقبر‪ ،‬وبذلك َ‬
‫كقول عنترة‪:‬‬
‫ما بين ُقلة ِ‬
‫رأسه والمعصم‬ ‫َف َتركته َج َز َر السباع بنشنـه‬
‫وقال‪:‬‬
‫قشعم‬
‫ِ‬ ‫ونسر‬
‫ٍ‬ ‫جزرًا لخامع ٍة‬ ‫ُ‬
‫تركت أباهما‬ ‫إن يفعال فلقد‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫عليه القشعمان من النسور‬ ‫ُ‬
‫تركت أباك قد أطلى ومالت‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫(فارقت ُكم فإذا ما كان عـنـدكـ ُم قبل الفراق أدى بعد الفراق ي ُد)‬
‫أعان قلبي علىالشوق الذي‬ ‫ُ‬
‫تذكرت ما بينـي‬ ‫(إذا‬
‫أج ُد)‬ ‫وبـينـ ُكـ ُم‬
‫هدان البيتان يخاطب بهما سيف الدولة‪ ،‬بعد فراقه إباه‪ ،‬وهما يخرجان على ذم‬
‫سيف الدولة وعلى حمده‪.‬‬
‫فأما خروجهما على ذمه‪ ،‬فمعناه‪ :‬أتى تأذيت بمجاورتكم‪ ،‬فبعثى ذلك على فراقكم‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وتبدلت باألذى راحة‪ .‬فصار ذلك األذى الذي كان ُ‬
‫قبل‬ ‫ُ‬ ‫الدهر حيرًا منكم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فعاضني‬
‫يدًا عندى اآلن‪ .‬إذا كان سبب تنقلى عنكم‪ ،‬وارتيادي ما أحمدته حين وحدته‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬إذا تذكرت ما بيني وبينكم) يعني من الحال‪ ،‬وهو األذى الذي عدا منهم‬
‫إليه‪ .‬هاج شوقي فأعلن قلبي على ما يجده من ألم التوحش‪.‬‬
‫وقد يجوز أن يعني بقوله‪( :‬إذا تذكرت ما بيني وبينكم)‪ ،‬ما بينهما من تفاوت‬
‫للسلو‪.‬‬
‫المنتزلتين‪ ،‬كان ذلك سببًا ُّ‬
‫وأما خروجهما على حمده‪ ،‬فمعناه‪ :‬شكوتكم بل أن أختبر غيركم فلما جريت من‬
‫ُ‬
‫علمت أن ما شكوته منكم كان بالحمد أولى‪.‬‬ ‫سواكم‪،‬‬
‫منصف له‪ .‬وإنما حمده باإلضافة إلى‬
‫ٍ‬ ‫ثم أعلم أن سيف الدولة مع ذلك كان غير‬
‫غيره‪ ،‬فقال‪ :‬إذا تذكرت ما بيني وبينكم من قلة إنصافكم لي‪ ،‬سالبي ذلك عنكم‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الـكـذب)‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فزعت بآمالي إلى‬ ‫( َط َوى الجزيرة حتى جاءني ٌ‬
‫خبر‬
‫وأطعمت نفسي أن يكون‪ ،‬كذبًا‪ ،‬تُعاال بضلك الن االنسان كثيرًا ما يميل إلى تصديق ما يوافقه‬
‫ُ‬ ‫اي عظم عندي‪،‬‬
‫من االخبار‪ ،‬وتكذيب ماال يوافقه منها‪ ،‬لما ُوضعت عليه النفس من ُمنافرة المحذور‪ ،‬ومالءمته ما يجنيها ثمرة‬
‫الحبُور‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫ُ‬
‫وكاذبُتها حتى أبان ِك َذا ًبها‬ ‫َوعلت نفسي بالمرجم ً‬
‫غيبة‬
‫بر) مرفوع على مذهب البصريين (بجاءني) ألنهم إنما يُعملُون أقرب الفعلين‪ ،‬وال بد‬ ‫أبان‪ ،‬اي استبان‪َ .‬‬
‫(وخ ٌ‬
‫على هذا من إضمار الفاعل في (ط َوى) على شريط التفسير‪ ،‬وإن كان إضمارًا مالم يتقدم له ُمظهر‪.‬‬
‫جنب على ِح َدةٍ‪ ،‬تُجنب أقبحمها‪ ،‬وأوثر الثاني‪ .‬أال ترى أنهم‬ ‫ومن ُحكم العربية‪ ،‬إذا َو َرد أمران كالهُما َم َت ٌ‬
‫يكرهون توإلى إعاللين؟ وقد أخذ الخليل بهما في جاء ونحوه‪ ،‬حين أبدل وقلب فاحتملهما كراهية ما هو أشد‬
‫منهما‪ ،‬وهو اجتماع الهمزتين في كملة واحدة‪ ،‬فتفهمه‪.‬‬
‫فاعل (بطوى) ألنهم يُعملون أسبق الفعلين‪ .‬فالبد على هذا من‬ ‫وإما على مذهب الكوفيين فيرفع (خبر) على أنه ٌ‬
‫خبر حتى جاءني‪.‬‬ ‫اإلضمار في جاءني‪ ،‬اي طوى الجزيرة ٌ‬
‫بر) على ذلك القول‪ ،‬موصوفة بالجملة التي‬ ‫والقول األول عندى أحسن في هذا البيت‪ ،‬لن النكرة التي هي َ‬
‫(خ ٌ‬
‫هي ( َف ِز ْع ُت فيه بآمإلى)‪ .‬إال أن فيه ما قدر أريتُك من اإلضمار في االول‪ ،‬على شريطة التفسير‪ .‬وعلى هذا‬
‫ِب)‪ :‬أراد إلى اعتقاد الكذب‪ ،‬كائنًا في هذا الخبر‪.‬‬ ‫القول الثاني‪ ،‬ليس للنكرة وصف‪ .‬وقوله‪( :‬إلى ال َكذ ِ‬
‫ويجوز أن يريد إلى التكيب‪ ،‬فوضع ال َكذب موضع التكذيب‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫الرتاَعا)‬
‫(و َبعد َعطائك المائة ِّ‬
‫النسب)‬ ‫ً‬
‫كناية بهما عن أرفع‬ ‫أب‬
‫أخ يا بنت خير ٍ‬
‫ِ‬ ‫(يا أخت خير ٍ‬
‫اي أخوتك من سيف الدولة‪ ،‬وأبوتك وبنُوتك من أبى الهيجاء‪( ،‬كناية) عن أرفع األحساب؛ الن من كانت لهذا‬
‫الملك أختًا؛ ولهذا األمير بنتًا؛ فقد نصع نسبهُ‪( .‬فكناية) على نُصب على المصدر‪ ،‬اي أكنى بهذين السببين عن‬
‫أرفع نسبين‪.‬‬
‫للعرب)‬
‫ِ‬ ‫سماك‬
‫ِ‬ ‫صفك فقد‬
‫ومن َي ِ‬ ‫ً‬
‫ـؤبـنة‬ ‫( ُّ‬
‫أجل قدرك أن تُسمى ُم‬
‫العرب أني‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فأعدل عن اإلفصاع برسمك‪ ،‬فإذا وصفتك ور َثيتُك‪َ ،‬علِ َم َت‬ ‫اي إني أكر ُمك عن اإليضاح ال سمك‪،‬‬
‫َعنَيتُك‪ ،‬فأغناني ُحسن التخلية‪ ،‬عما ال يحسن من التسمية‪.‬‬
‫ومؤبنة‪ :‬نصب على الحال والتأبين‪ :‬للثناء على الهالك‪.‬‬
‫ُ‬
‫يشرق‬ ‫َش ِر ُ‬
‫قت بالدمع حتى كاد‬ ‫صد ُقـه‬
‫َع لي ِ‬
‫(حتى إذا لم َيد ْ‬
‫بي)‬ ‫أمـ ً‬
‫ال‬
‫فعدت جوهرًا سيا ً‬
‫ال‪ ،‬حتى كاد الدمع يشرق بي‪ ،‬لذوبي‬ ‫ُ‬ ‫بكيت حتى شرقت بالدمع‪ُ ،‬‬
‫وذ ُ‬
‫بت من حرارة الوجد‪،‬‬ ‫اي ُ‬
‫ولُ ِ‬
‫طفي‪.‬‬
‫واليلب)‬
‫ِ‬ ‫البيض‬
‫ِ‬ ‫وحسر ٌة في ُقلوب‬
‫َ‬ ‫الطيب مفر ُقهـا‬
‫ِ‬ ‫(مسر ٌة في ُق ِ‬
‫وب‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫يحس ُد الطيب‪ ،‬النه ال يصل منها حيث‬
‫ُسر بمفرقها‪ ،‬والسالح ُ‬
‫تتطيب وال تلبس السالح‪ .‬فالطيب ي ُّ‬
‫ُ‬ ‫اي أنها امرأ ٌة‬
‫يصل الطيب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وقال‪( :‬في قلوب الطيب)‪ :‬ذهابًا إلى أنواعه‪ .‬ولو ذهب إلى الجنس أو الشخص لقال في فؤاد الطيب‪ :‬وحمله‬
‫على اختيار ذلك قولهُ‪( :‬في قلوب البيض) ليقابل جمعًا بجمع‪ ،‬ولو قال‪ :‬في فؤاد الطيب ثم قال‪ .‬في قلوب‬
‫البيض ساءت الصناعة؛ وكل واسع‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫حيث النُّ ُح ُ‬
‫ول)‬ ‫والشوق ُ‬
‫ُ‬ ‫ِق إليها‬ ‫الشو‬
‫ألم ْ‬ ‫ُ‬
‫اشتكيت من ِ‬ ‫(تشتكي ما‬

‫اي أنها تشكو إلى ملقًا؛ وأشكو إليها ُحرقًا‪ ،‬ثم أقام على تملقها وتخلُّقها بُرهانًا‬
‫حيث النُّحول) اي النحول عندي؛ وهو نتيجة الشوق؛ فلو كلن‬ ‫(الشوق ُ‬
‫ُ‬ ‫عيانياًّ؛ فقال‪:‬‬
‫شوق كما بي؛ لكان بها من النحول ما بي؛ وال نحول لديها فال شوق بها‪.‬‬ ‫بها ٌ‬
‫(مـــــــن‬
‫الحمول) اي من رأى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كما تشوق ُ‬ ‫رآهـــــــا‬
‫ِبـــــــعـــــــيت الدنيا بعينه؛ اي بالحقيقة التي هي‬
‫بها؛ شاقه الباقون فيها‪ ،‬لعلمها‬ ‫ـــــــ ِه‬
‫شـــــــــــاقـــ أنهم طاعنون‪ ،‬كما يشوقه‬
‫الذاهبون عنها‪ ،‬فالٌطان‬ ‫ــــــــــــ َه‬
‫الـــــــــــــــ ُق والراحلُون عنها سواء‪ ،‬في أنه‬
‫ـــــــــــــــط ينبغي أن يشوقه النوعان‪ ،‬لعلمه‬
‫ـــــــــــــــا باشتمال الفناء على الفريقين‪.‬‬
‫ُن‬
‫بالحمول‬ ‫(الح ُ‬
‫مول)‪ :‬أراد كما يشوقه المتحملون‪ ،‬فوضع (الحمول)‪ ،‬موضعها‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬عنى ُ‬ ‫وقوله‪ُ :‬‬
‫هنا‪ .‬أسرة الموتى‪.‬‬
‫ُ‬
‫التبديل)‬ ‫عا ُد ِ‬
‫اللون عندها‬ ‫(صحبتني على ال َفال ِة َفتا ٌة‬
‫كنى بالفتاة عن الشمس‪ ،‬وآثر التأنيث العرب أسماءها‪ ،‬ولذلك سموها (الجارية) عن الفارسي‪ .‬و(عاد ُة اللون‬
‫عندها التبديل)‪ :‬اي أنها حمراء وقتا‪ ،‬وبيضاء وقتا‪ ،‬وصفراء آخر‪ .‬فعادة لونها التبديل في ذاته‪ .‬فكان يجب‬
‫على هذا ‪ -‬لوال الوزن والقافية ‪ -‬أن يقول‪ :‬التبدُّل‪ ،‬لكن وضع التبديل موضعه اتساعًا‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬التبديل لها لونًا بعد لون‪.‬‬
‫بك فيها من الل َمى َتق ِب ُ‬
‫يل)‬ ‫ِ‬ ‫ولكن‬ ‫ُ‬
‫الحجال عنها ْ‬ ‫سترتك‬
‫ِ‬ ‫(‬
‫وح َجل جمع َح َجلة‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫الحجال‪ :‬األشرة عليها ُ‬
‫الكلل خاضة‪ .‬واحدتها حجلة‪ .‬وقد يكون حجال جمع َح َجل‪َ .‬‬
‫الحجال عنها‪ .‬ولم تمش في البراز‪ ،‬فتُورثك ُسمرة كما أورثتني‪ ،‬لكن‬
‫تك ِ‬ ‫فستر ِ‬
‫َ‬ ‫أدُمت أنا بهذه الشمس‪ ،‬وأما انت‬
‫ُسمرة شفتيك ُسمرة طبيعة‪ ،‬فكأن الشمس قبلتك‪ ،‬فألقت في شفتيك ُسمرة‪ ،‬وهو اللمى‪( .‬وفيها) الهاء راجعة‬
‫عليك‪ ،‬ووصلت إليك‪َ ،‬وقبلتك‪ ،‬وأكسبت اللمى شفتيك‪.‬‬
‫الرح ُ‬
‫يل)‬ ‫المكان ٍ‬
‫َ‬ ‫َب وال يُ ُ‬
‫مكن‬ ‫مكان وإن َطـا‬
‫(ال أقمنا على ٍ‬
‫(حلَ َب) بمكان‪ ،‬وان طاب ذلك المكان‪ ،‬إال لو أمكن ذلك المكان أن يرحل معنا‪ ،‬فأما وال يمكنه‬
‫اي ال تُقيم دوب َ‬
‫ذلك‪ ،‬فال إقامة لنا عليه ولو طاب والماضي هنا الذي هو (ال أقمنا) في معنى الحال أو االستقبال‪.‬‬
‫وزادت أبها ُكما ال ُعط ُب ُ‬
‫ول)‬ ‫وأشقمت‬
‫ِ‬ ‫(مثُلها ِ‬
‫انت لوحتني‬
‫ال‪ ،‬ولو قال‪( :‬مثلها أنت) جاز أن يكون مثلها بها في الحسن‪ ،‬وأن يكون مثلها بها في‬ ‫يقول‪ :‬أنت مثلُها فع ً‬
‫اإلساءة اليه‪ ،‬فأراد هو أن يُبين ما أشبهت فيه هذه المرأة الشمس‪ ،‬فقال‪ :‬مبينا للمشابهة‪( ،‬لو حتني وأسقمت)‪:‬‬
‫اي الشمس لو حتني وغيرتني‪ ،‬وأنت أسقمتني‪ .‬واإلسقام أشد من التلويح‪ .‬فلهذا قال‪( :‬وزادت أبها ُكما‬
‫ال ُعطبُول) يعني هذه المحبوبة‪ .‬وال ُعطبول‪ :‬الطويلة ال ُعنُق‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫نع ٌم غير ُه ُم بها مقتُ ُ‬
‫ول)‬ ‫وال تُحييه ُم من َيديه‬
‫( َو َم ٍ‬
‫(موال)‪ :‬يعني أولياء وأقاربه‪ ،‬يقتل أعداءه‪ ،‬فيغنم أموالهم‪ ،‬فيعطيها أولياءه‪ ،‬فيحييهم بذلك‪ .‬وقوله‪( :‬بها مقتول)‪:‬‬
‫أي بسلبهم إياها‪ ،‬أو مقتول من أجلها‪.‬‬
‫فيقدروا بذلك على قتل أعدائه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقد يجوز أن يحييهم بهذا المغنم‪،‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ينصرني قلبُه والحسب)‬
‫َو ُ‬ ‫ينص ُرهم سم ُع ُه‬
‫(وقد كان ُ‬
‫يشون به إلى سيف الدولة‪ ،‬كان ينصرهم سمعه النه لم ُ‬
‫يك يطيق سد أذنيه عن سماع‬ ‫يعني هؤالء الوشاة الذين ُ‬
‫كالمهم‪ ،‬وينصرني قلبه بحبه لي‪ ،‬وتكذيبه إياهم سرا‪ .‬والنصر بالفؤاد أنفع من النصر بالسمع‪ .‬وجعل حسبه‬
‫ناصرًا له ايضاَ‪ ،‬الن شرفه حمله على الثبات‪ ،‬وإلغاء ما يورده عنه حسادُه‪.‬‬
‫الذهب)‬
‫ْ‬ ‫أنت‬
‫لت للشمس ِ‬ ‫اللـجـين وما ُق ُ‬
‫ُ‬ ‫(وما ُق ُ‬
‫لت للبدر أنت‬
‫البدر لو يُشبه باللجين‪،‬‬
‫بخست مناقبك حقها‪ .‬كما يُنتقص ُ‬ ‫ُ‬ ‫اي اني لم أتنقصك‪ ،‬وال‬
‫مثر‪ ،‬وجعل اللجين المبدر‪ ،‬لكون‬ ‫أو الشمس لو ُشبهت بالذهب‪ .‬وإنما ضرب ذلك ً‬
‫أن أهل الكيمياء من الطبيعيين يقولون إنه من أكون القمر‪ ،‬وجعل الذهب الذهب‬
‫المشمس‪ ،‬الن أولئك يزعمونه من أكوان الشمس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هذا البيت تعريض بشعراء سيف الدولة‪.‬‬
‫يقول‪ :‬كل واحد منهم يمدحك‪ ،‬يريدون ما تستحقه من المدح‪ ،‬ثم ينقلب المدح ذما‪.‬‬
‫فكأنه يقول للبدر يافضة‪ ،‬والمشمس ياذهب‪ ،‬فيُحط بذلك قدرهما؛ ويهبط به‬
‫فيت مدحك‬ ‫َخ َطرهما‪ .‬وأنا لم أقتصر على هذه الرتبة‪ ،‬وال قنعت لك بها‪ ،‬بل َو ُ‬
‫على‪.‬‬
‫ماقصروا هم عنه؛ قسبيل الغضب أن يكون عليهم ال َّ‬
‫واللُّجين من األسماء التي لم تستعمل إال مصغرة؛ وقد عمل سيبويه فيه بُويبًا‪.‬‬
‫فأكثر ُغدرانها ما نضب)‬ ‫أمـطـار ُه‬
‫ُ‬ ‫(فإن فارقتني‬
‫المطر‪ :‬ذو مادة‪ :‬والغدير ال مادة له؛ إنما هو القطعة من الماء؛ يغادرها السيل‪ ،‬اي‬
‫يتركها؛ فجعل عطاياه أمطارًا‪ ،‬لكونها ذات مادة؛ وجعل ما حصل عنده من عطايا‬
‫‪ -‬وقد انقطع جوده عنه بفراقه له ‪ -‬بمنزلة ال ُغدران التي ال مادة لها‪ .‬فيقول‪ :‬إن‬
‫جوائز‪ ،‬فقد جمعت من سوالقها وعوارفها مالم‬ ‫ُ‬ ‫رحلت عنه وانقطعت عني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت‬
‫ينفذ أكثرها بعد‪.‬‬
‫لب)‬
‫ص ْ‬‫وعندهما أنه قد ُ‬ ‫بدان‬
‫( َو َي ْستنصران الذي ي ُع ِ‬
‫يسفه النصارى‪ ،‬ويستضعف أخالقهم حين يتنصرون بالمسيح عليه السالم وهم يعتقدونه ميتًا مصلوبًا‪ ،‬ولم‬
‫ينصر نفسه حينئذ‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫سب المنَا َيا أن ي ُكن‬
‫وح ُ‬
‫الموت شافيا َ‬
‫َ‬ ‫(كفى بك داء أن نرى‬
‫أمـانـيا)‬
‫ٌ‬
‫داخلة على‬ ‫الفرق بين الباء التي في (بك) وبين التي في قوله تعالى‪( :‬وك َفى باهللِ شهيدًا) أن الباء في كفى باهلل‬
‫الفاعل‪ .‬وفي بك داخلة على المفعول‪ ،‬اي كفاك داء‪ .‬ويجوز أن يكون كفى بدائك داء‪ ،‬فحذف المضاف‪ ،‬وأقام‬
‫المضاف إليه ُمقامه‪ ،‬وداء في كل ذلك نصب على التميز‪ .‬ومعنى البيت‪:‬كفى بما تلقاه من شدة الزمن‪ ،‬وتناهي‬
‫المكروه‪ ،‬حتى أدى لك إلى تمني الموت‪ ،‬واعتدادك به شافيًا يعظم بذلك مثونة ما يلقاه‪ .‬ومن ال َع َجشب أن‬
‫ُ‬
‫تجعل المنية من أجلها أمنية‪.‬‬ ‫يُالقي اإلنسان بلية‪،‬‬
‫صديقًا فأعيا أو عدوا ُمدايا)‬ ‫(تمنيتها لما َت َمنيت أن تـرى‬
‫اي تمنيت المنية حين تمنيت صديقًا مصافيًا‪ ،‬أو عدوًا مداريًا‪ ،‬فكالهما أعوزك وأعياك‪ .‬فأما تمنيه الصديق‬
‫فسجية مألوفة‪ ،‬وأمنية معروفة؛ ألنه ريحانة الفؤاد‪ ،‬وإنما هو الصديق المخلص الوداد‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫واما تمنيه العدو المداجيا‪ ،‬فهو الخطب العجيب‪ ،‬والخبر الغريب‪ ،‬ألنل ال نعلم أن أحدًا تمنة لقاء عدُو‪ ،‬ولكنه‬
‫قدرة‪،‬‬
‫حة اليه‪ ،‬وعينه طامحة عليه‪ ،‬فنَدر بذلك ُ‬ ‫إنما عرض بأنه فقد العزة‪ ،‬ولم يُؤت ما كانت همته له ال َم ً‬
‫وهان على عدوه َخ َط ُره؛ فجاهر بمداجاته‪ ،‬ولم يتكلف مداراته‪ ،‬تهاونًا منه به‪ ،‬ولو كان على عدوه قديرًا‪ ،‬أو‬
‫في نفسه خطيرًا‪ ،‬لتكلف له المداجاة‪ ،‬وبين أنه إنما يُالينُك عدوك ويداجيك‪ ،‬إذا رآك بحال يحذر بها منك‪.‬‬
‫يقول‪ :‬أنا ال صديق يُصفني‪ ،‬وال عدو يداجيني‪ ،‬فأية مألربة لي في الحياة؟ بل أحب إلى منها لقاء الوفاء‪.‬‬
‫وقد كان غدارًا ف ُكن أنت وافيا)‬ ‫(حببتُك قلبي ُحبـك مـن نـأي‬
‫(من نأى)‪ :‬يقول لسيف الدولة‪ .‬يقول لقلبه‪ :‬أنا أحببتك قبل حبك لهذا النائي‪ ،‬وصحبتك قبل إياه فعليك أن تبقى‬
‫لي؛ وتسلو عن هذا الغادر الذي يستعمل الوفاء لي؛ فإنك لم تفعل فقد عذرتني بحبك هذا الذي غدرني؛ ولو‬
‫أسعده الوزن بأن يقول‪ :‬وقد كان غادرًا؛ ليُطابق قوله وافيًا؛ لكنا أذهب في الصناعة‪ ،‬وأدل على االستطاعة‪.‬‬
‫ال من الكاف؛ الن المخاطب ال يبدل منه كما ال يبدل‬‫وقلبي‪ :‬نداء مضاف؛ اي ياقلبي‪ .‬وال يجوز أن يكون بد ً‬
‫التباسهما‪ ،‬فقد أغنى ذلك عن اإلبدال منهما إذ‬
‫ُ‬ ‫من المخبر عن نفسه الن المخاطب والمخبر عن نفسه قد أمن‬
‫البدل إنما هو البيان‪.‬‬
‫قال سيبويه‪ :‬فإن قلت‪ :‬بي المسكين كان األمر‪ ،‬أو بك المسكين مررت‪ ،‬لم يجز‪ .‬ثم احتج بمثل هذا الذي‬
‫ذكرت لك‪.‬‬
‫َت َق َ‬
‫شن به صدر البُزا ِة حوافيا)‬ ‫وافت الصفا‬
‫(تماشي بأيد كلما ِ‬
‫تماشي؛ يعني الخيل‪ ،‬اي تتماشى بأيد قد سقطت نعالها من السفر‪ .‬وما في الطريق من الحصى والمدر‪ ،‬لكن‬
‫حوافرها شداد حداد‪ .‬إذا وافت الصفا ‪ -‬وهي أصلب ما تكون من مواطن الحجر ‪ -‬نقشت فيها أمثال صدور‬
‫اليزاة لشدتها‪ .‬وصدر‪ :‬مفرد موضوع موضع الجمع‪ ،‬النه مضاف إلى جمع‪ .‬وهو كثير فلي النظم ومنثور‬
‫ونهر) اراد؛ وأنهار‪ .‬الن مياه الجنة أنهار ال نهر واحد‪ .‬أال تراه‬
‫ْ‬ ‫(إن ال ُمتَّقين في َجنٍتاّ‬
‫الكالم‪ .‬كقوله تعالى‪َّ :‬‬
‫آسن) إلى آخر اآلية‪.‬‬
‫أنهار من ماء غير ٍ‬‫ُ‬ ‫األنهار) وقال‪( :‬فيها‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫يقول كثيرا في وصف الجنة‪( :‬ت ْجري من َت ْحتِها‬
‫واما في الشعر فقوله‪:‬‬
‫في حلق ُك ْم عظ ٌم وقد شجينا‬ ‫التنُكروا القتلى وقد ُسبينـاَ‬
‫(صدر البُزاة) اراد؛ جمع (أصدر) وهو العظيم الصدر‪ .‬وال يعجبني‪ .‬إن الحافر إنما يصون‬‫ورواه بعضهم‪ُ :‬‬
‫صدر البازي ‪ -‬لو صور ‪ -‬ال جملة البازي كلها‪ .‬والصفا‪ :‬جمع واحدته‪( :‬صفاة)‪ ،‬وألفه منقلبة عن واو‪،‬‬
‫لقولهم‪ :‬الصفوان والصفواء‪.‬‬
‫القلب في الجسم‬
‫ويسير ُ‬
‫ُ‬ ‫به‬ ‫السرج‬
‫ِ‬ ‫يسير الجس ُم في‬
‫بغزم ُ‬
‫( ٍ‬
‫ماشيا)‬ ‫راكبًا‬
‫اي أن الجسم ‪ -‬وإن سار راكبًا ‪ -‬فإن القلب يسير فيه ماشيًا لتوقره فإنه ال ُيعفه‬
‫مشي الراحلة والفرس‪ ،‬جريًاَ إلى إدراك مرغوبه‪ ،‬والظفر بطلوبه‪.‬‬
‫وخلت بياضًا خلفها ومآقيا)‬ ‫(فجاءت بنا إنسان عن زمان ِه‬
‫أشرف ما في العين إنسانها‪ ،‬الن حسن النظر إنما هو به‪ .‬وكذلك كافور لزمانه‪ .‬ماإلنسان للعينز اي أنه‬
‫غيره لعين درهم كالبياض والمآقي‪ .‬وحسن ذلك أن‬ ‫عامر في عصرهز وإنما الملوك ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أشرف بني دهره‪ .‬وأعلى‬
‫كافورًا أسود‪ ،‬فقد شاكل سواد العين‪ ،‬وغيره من الملوك الذين خلفهم المتنبي وراءه بيض‪ ،‬فقد شاكل البياض‬
‫والمآقي‪ ،‬وهذا وإن كان قد أجاد في مدح كافور‪ ،‬فقد عرض بسواه‪ .‬وقلما مر له فيه غريب بيت‪ :‬إال قد جمع‬
‫مدحًا وتعريضًا؛ ولذلك قال فيه بعد صده عنه‪:‬‬
‫الرقي‬
‫ن بين القريض ُّ‬ ‫وشعر مدحت به ال َكر َك َد‬
‫ِ‬
‫ولو قال هذا البيت في رجل أبيض‪ ،‬أعنى (فجاءت بنا)‪ ،‬ولكن مدحا ال يجارى‪ ،‬وتعريضًا ال يُبارى‪ ،‬وإنما‬
‫نقص عن غاية المدح‪ ،‬لتعريضه بسواده ولكن هذا البيت في األسود أشد تحققًا منه في األبيض النه في األسود‬
‫يحوي الطبيعة واللون‪ ،‬وفي األبيض ينفرد بما ُطبع دون اللون‪ .‬فتفهمه‪.‬‬
‫وج ُ‬
‫بت هجيرًا يترك الماء‬ ‫ُ‬ ‫والشناخيب‬
‫َ‬ ‫( ُ‬
‫لقيت المرورى‬
‫صاديا)‬ ‫دُونـه‬
‫بالغ في صفة حر الهجير‪ ،‬بتركه الماء صاديًا‪ ،‬الن الماء ال يصدى بل هو ُمزيل للصدى ولو قيل إن إصداءه‬
‫للماء‪ ،‬إيباس ُه له‪ ،‬وتنضيبه إياه‪ ،‬الن الصديان ذابل عما عليه الريان‪ ،‬من النضارة والغضارة‪ ،‬لكان وجها‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫فإنك تُعطي في َ‬
‫نداك المعالياَ)‬ ‫(إذا َكسب ُ‬
‫الناس المعالي بالندى‬
‫المعالي على ضربين‪ :‬طبيعي‪ ،‬و ُم قتنى‪ .‬فأما الطبيعي فالفضائل النفسانية‪ :‬كالشجاعة والكرم والفهم والعفة‪،‬‬
‫ُوهب‬
‫وهذا ال يمكن أن يُوهب البتة‪ ،‬لقوله هو فيه‪ :‬ولو جاز أن يح ُووا ُعالك وهبتها ولكن من األشياء ماليس ي ُ‬
‫يعني الخصال الذاتية‪ ،‬وخالل الفضل النفسانية‪.‬‬
‫وأما ال ُمقتنى فنحو المال والجاه والثروة‪ ،‬فإن هذا اإلمكان أن يُوهب‪ .‬يقول له‪ :‬إذا كان قصارى أفاضل الناس‬
‫اكتساب المعالي بالندى‪ ،‬فإنك أنت تعطي المعالي في نداك‪ُ ،‬فتولى البالد‪ ،‬وتكسب األجناد‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إن عطايك تُ ُ‬
‫شرف ال ُمعطين‪ ،‬فتفضى بهم إلى المعالي‪ ،‬وما كان سببًا للمعالة فهو معالة‪.‬‬
‫وقد ينقلب هذا المعنى على ما قدمناه‪ ،‬كأنه يريد؛ إنك ال تحسن المعالي إذ ال مادة لك تربيها وتُنميها بصنعة‬
‫جوهرك‪ ،‬ورداءة عنصرك‪ ،‬حتى إذا ُهيئ لك منها شيء‪ ،‬وقاربت ملكه واالشتمال عليه‪ ،‬انصرفت عنه‪،‬‬
‫وسلمته إلى غيرك‪.‬‬
‫فسي ُفك في كف تُ ُ‬
‫زيل التساويا)‬ ‫ْ‬
‫سؤت بين سيفي كريه ٍة‬ ‫(إذا النه ُد‬
‫ال‪ ،‬واستجادة ُعنصر‪ ،‬فإن السيف الذي يقع منهما بكفك‪،‬‬ ‫اي إذا سوي أهل الهند بين سيفين‪ ،‬طبعًا‪ ،‬وصق ً‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫فتضرب به‪ ،‬يكون أمضى من صاحبه الذي تضرب به كف غيرك‪ ،‬الن كفك أقوى األ كف‪ ،‬فقد أزالت كفك‬ ‫ُ‬
‫التساوي بين السيفين اللذين سوت الهند بينهما‪.‬‬
‫وقال (في كف)‪ ،‬فأ فاد‪ ،‬وإن كان نكرة النه قد ُعلم أنه ال يعني من األكف إال كفة‪ ،‬كقولك مررت برجل حسن‬
‫وج ُهه‪( .‬والكريهة) الشدة المكروهة‪ .‬وهذا البيت نحو قوله فيه ايضاً‪:‬‬
‫َت َب َ‬
‫ينت أن السيف بالكف‬ ‫إذا ضربت كفاك بالسيف في‬
‫يضـرب‬
‫ُ‬ ‫الوغى‬
‫وقال ايضا‪:‬‬
‫ُحمر الحلي والمطايا‬ ‫الجآذر فـي زي‬
‫ُ‬ ‫(من‬
‫والج َ‬
‫البيب)‬ ‫األعـاريب‬
‫ِ‬
‫والحمر ِة‬
‫ألحقهن بنوع الجآذر‪ ،‬وحق ذلك إغرابًا ومبالغة‪ ،‬وتجوز بكونهم أعاريب‪ ،‬فغزاهم إلى زيهم ال إليهم‪ٌ ،‬‬
‫واألينق ُحمر األلون‪ ،‬فخصهم بها من بين سائره‪.‬‬
‫ِ‬ ‫في الحلي‪ ،‬واللباس‪،‬‬
‫بقـر تجزي ُد ُموعي مس ُكوبًا بس ُك ِ‬
‫وب)‬ ‫ٌ‬ ‫(التجزني بضني بي بعدها‬
‫بكيت‪ ،‬فسكين من الدمع مثل ما سكبت‬ ‫يعني بالبقر‪ :‬احبابه‪ .‬يقول‪َ :‬ب َكين كما ُ‬
‫مكافأة‪ ،‬فإذا َج َزينني بُبكائي‪ ،‬فال جزينني بضناي ونحولي‪ ،‬اي الضنين كما‬
‫ضنيت‪ ،‬يدعو لهن‪ ،‬فهذا األسبق واألليق‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إن ُحبهن فد أضى جسدي‪ ،‬وأقنى جسدي‪ ،‬وأسقم وأهرم‪ ،‬فلم يبق‬
‫في موضع لحبهن إياي‪ .‬فإذا كان ذلك‪ ،‬لم تضن النساء عشقًا‪ ،‬وإن نظرن إلي‬
‫فبكين‪ ،‬فإنما يبكين رحمة لي ال عشقًا‪ ،‬فيكون لفظه على هذا لفظ الدعاء‪ ،‬ومعناه‬
‫الخبر‪ .‬كأنه قال في المعنى‪ :‬لس يجزينني‪.‬‬
‫وقوله ( ًتجزي دموعي مسكوبًا بسكوب)‪ :‬جملة في موضع الصفة لبقر‪ .‬والهاء في‬
‫بعدها عندي‪ :‬للحالة أو المسرة‪ .‬وقد يكون راجعًا إلى النساء‪ .‬واستجاز أن يقول‪:‬‬
‫(بعدها)‪ .‬وإن عنى النساء‪ ،‬وهو من النوع الناطق‪ ،‬ألنهن قد سماهن َب َق َرا‪ ،‬والبقر‬
‫وغيرها من األنواع غير الناطقة‪ ،‬يُخبر عنها كما يخبر عن الواحد المؤنث‪ .‬تقول‪:‬‬
‫الجمال رأيتها‪ ،‬والجبال علوتها‪ ،‬ولو سوغع الوزن أن يقول‪َ ( :‬بعد ُهن) كان أذهب‬
‫في الحقيقة‪ ،‬ألنهن لسن جآذر‪ ،‬وإنما هن نسوة‪.‬‬
‫يب)‬‫تنجو بتج ِب ِ‬
‫مما اراد وال ُ‬ ‫تنجو بتقدم ٍة‬
‫(أو حاربته فما ُ‬
‫اي هذه األعداء إن حاربته لم ينجها منه إعداد ُعدة يُقدمون النظر فيها‪ ،‬كتشييد ُسور‪ ،‬وحفر أخدود‪ ،‬واستظهار‬
‫بُحشود‪ .‬وكذلك ال تنجو منه بما يؤخرونه من االحتيال للهرب‪ ،‬وإعداد الحيل المنجية‪ .‬ومن القتل والحرب‪.‬‬
‫وإن شئت ُقلت‪ :‬ما تنجو بتقدمتها نفوسها إليه‪ ،‬وال بتجبيبها عنه‪ .‬والتجبيب‪ :‬الهرب والنُّكوص‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ولو قات‪ :‬إن التقدمة هنا بمعنى التقدم‪ ،‬ليقابل التجبيب‪ ،‬ألن التقدم غير متعد‪ ،‬كما أن التجبيب كذلك‪ ،‬لكان‬
‫حسنًا‪ ،‬كقول قَطَري‪:‬‬
‫لنفسي حياة مثل ْ‬
‫أن أتقدما‬ ‫ُ‬
‫تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد‬
‫ووضع المصدر مكان مصدر آخر كثير‪ ،‬قد عمل سيبويه وغيره من أهل اللغة فيه أبوابًا‪.‬‬
‫ولو علمنا أن العرب قالت‪ :‬قدم في معنى تقدم‪ ،‬كقولهم‪ :‬بين األمر‪ ،‬اي تبين‪ ،‬ألغينا االحتالل له‪ ،‬لكن مثل هذا‬
‫ال يضبط إال سماعاً‪.‬‬
‫غربيب)‬
‫ِ‬ ‫ذا مثله في أحم النقع‬ ‫جيش يُجد لُـه‬
‫وع بذي ٍ‬
‫ير ُ‬
‫(بلى ُ‬
‫اي أنه ال يقصد استمداد األموال من الملوك وال السوقة‪ .‬وإنما قصده تروي ُع الملوك بالقتل‪ ،‬فإذا صرع َملِكًا ذا‬
‫جيش فجدله‪ ،‬روع به آخر لم يُجدله بعدُ‪ .‬وقولُه‪( :‬ذا مثلهِ)‪ :‬أقام فيه الصفة مقام الموصوف‪ ،‬اي ذا جيش مثلهِ‪.‬‬
‫وحسن حذف هنا وإقامة الصفة مقامه ألمرين‪ :‬أحدهما أن مثل مضافة‪ ،‬فشاكلت بذلك األسماء‪ ،‬الن افضافة‬ ‫ُ‬
‫وع بذي‬ ‫ير ُ‬
‫إنما هي االسم‪ .‬واآلخر أن لفظ الموصوف المحذوف‪ ،‬وهو الجيش‪ ،‬قد تقدم ُمظهرًا في قوله‪( :‬بلى ُ‬
‫جيش يُجدله)‪ .‬وقوله‪( :‬في أحم النقع‪ .‬والغربيب‪ :‬األسود‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫يجتمعن َو ُّ‬
‫صد ُه)‬ ‫َ‬ ‫فكيف ِب ِحب‬ ‫(يُباعدن حبا يجتمعن َو َوصلُ ُه‬
‫عنى بالحب هاهنا‪ :‬الشيب‪ ،‬النه محبوب على ال ُكره‪ ،‬وبإضافته إلى الموت فيقول‪ :‬األيام ُم ُ‬
‫شاكلة بالطبيعة‬
‫هم‪ ،‬كما أنهن هم‪ .‬فكان القياس أال تباعده لمكان المشاكة‪ ،‬وإنما مباعدتها بالموت‪ ،‬الذي هو‬
‫الشيب‪ .‬الن الشيب ٌّ‬
‫أشد كربًا‪،‬وأجل خطبا‪ ،‬فإذا باعدت الشيب اآلن وهي مجتمعة معه‪ ،‬فكيف أطلب منها حبا قد اجتمعت هي‬
‫الحب؟ ويعني بالحب هاهنا‪ :‬الشباب‪ .‬يعاتب نفسه على مطالبة األيام برد العجيب الذي فات‪ ،‬وهي‬ ‫ُّ‬
‫وضد ذلك ِ‬
‫ال تبقى له األقل الذي بقي‪ .‬أال تراه يقول‪:‬‬
‫فما َطلَبي منها حبيبًا ُّ‬
‫ترد ُه‬ ‫أبى ُخلُق الدنيا حبيبًا تُدِيم ُه‬
‫اي الدنيا ال ُتديم لي حياتي‪ ،‬وهي معي إلى اآلن‪ ،‬فكيف أطلب منها شبابي وقد ذهب‪.‬‬
‫وإن شئت قلت في البيت األول‪ :‬إنه اراد‪ :‬يُباعدن حبيبًا هو اآلن معي‪ .‬وأصل لي‪ ،‬اي هذا من قوتها وفعلها‪،‬‬
‫حتجز مني‪ ،‬نازح عني؟ وعطف وله وصده‬ ‫أعنى أنها تُباعد الحبيب الواصل‪ ،‬فكيف لي منها بإدناء حبيب ُم ٍ‬
‫على المضمر في (يجتمعن) اضطرارًا‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫كنعاج الفال تعس ْفن رمال‬ ‫هر تهادي‬ ‫قلت إذ أقبلت ُ‬
‫وز ٌ‬
‫ولو كان الروى منصوبًا‪ ،‬لكان (وصدّه) هو األجود‪ ،‬على المفعول معه‪ ،‬ولو أسعده الوزن بتأكيد الضمير فقال‬
‫(هي) لكان الرفع ال ضرورة فيه‪ ،‬ولو انه أكد وكان الروى منصوبًا‪ ،‬لكان النصب حسنًا‪.‬‬
‫ولما ذكر سيبويه وجه النصب في قوله‪( :‬ما فعلت وأبك) قل‪ :‬إنما فعل ذلك‪ ،‬النك لو قلت‪ :‬افعل وأخوك‪ ،‬كان‬
‫قبيحًا‪ ،‬حتى تقول إقعد انت واخوك‪ ،‬قال‪ :‬فإذا قلت‪ :‬ما فعلت أنت وأباك؟ فأنت بالخيار‪ :‬إن شئت حملته على‬
‫المعنى األول (يعني الرفع على العطف)‪ .‬وإن شئت حملته على المعنى الثاني‪( ،‬يعني النصب على المفعول‬
‫معه)‪ .‬وجعل األيام مجتمعة بالوصل والصد‪ ،‬ألنهما عرضان‪ ،‬وظروف الزمان مشتملة على جميع األعراض‬
‫كاشتمال األمكنة على الجواهر‪ .‬هذا معنى االجتماع‪ ،‬فتفهمه‪.‬‬
‫وق ْد َر َحلُو جي ٌد تنا َث َر عق ُد ُه)‬ ‫(بوا ٍد به ما بالُقلوب كـأنـه‬

‫اي أنهم كانوا لهذا الوادي كالعقد للجيد‪ ،‬فلما رحلوا توحش‪ ،‬وعطل كما يعطل‬
‫الجيد إذا تناثر عقدهز وقوله‪( :‬به ما بالقلوب)‪ ،‬اي من األسف عليهم‪ ،‬والحنين‬
‫إليهم‪( ،‬وقد رحلوا)‪ :‬جملة في موضع الحال‪ ،‬اي في حال رحيلهم عنه‪ .‬وكأنه قال‪:‬‬
‫مرجو ً‬
‫ال عنه جي ٌد هذه صفته‪ .‬وال بد من تقدير (عنه) إذ ال بد للحال من ضمير‬ ‫ُ‬
‫يعود إليه من الحال‪.‬‬
‫ويأتي فيدري أن ذلك ُجهدُه)‬ ‫دارك ً‬
‫غاية‬ ‫يأت ِ‬ ‫(يُخلفث من لم ِ‬
‫اي انت أرفع المقصودين‪ .‬فمن قصد غيرك‪ ،‬فقد ترك مقصودًا فوق مقصوده‪ ،‬وهو أنت‪ .‬فإذا قصدك تبين‬
‫مورود فوقك‪ .‬وقوله‪( :‬ذلك جهده)‪ :‬اي أقصى‬
‫وتيقن أنه قد بلغ أقصى الغايات‪ ،‬إذ ال مقصود وراءك‪ ،‬وال ُ‬
‫غاياته‪ ،‬وأبعد نهاياته‪ .‬وحينئذ تقر عين القاصد‪ ،‬النه ال يُعنف على ترك الجرى إلى أقصى ما يمكنه من ذلك‪،‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫إذ ليس يمكنه تجاوزه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫َ‬
‫األمالك فاختر ل ُهم بنا حديثًا وقد َح ُ‬
‫كمت رأيكم فاحك ُم)‬ ‫(قد اُخترتُك‬
‫األمالك‪ ،‬فحذف وأوصل الفعل‪ ،‬ومثلُه كثير‪ ،‬إال أنه ممنوع اليقاس عليه‪ .‬وقد صرح بذلك سيبويه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اي من‬
‫واألمالك‪ :‬يجوز أن يكون جمع َملك و َملَك ومليك‪ ،‬اي قد اخترتك من جميع األمالك‪ ،‬ورجوتك لهمتي‬
‫ً‬
‫حديثل‪ :‬اي اجعل الصنيعة في‪ ،‬فإنك إذا فعلت ذلك تُ ُحدث عنك باإلحسان‪ ،‬وتُ ُحدث‬ ‫ومطلبي‪ ،‬فاختر لهم بنا‬
‫ُ‬
‫سلمت إلليك‪ ،‬فافعل ما تشاء‪ ،‬فإن طبيعتك ال تحملك‬ ‫عني بأني استأهلت ذلك عندك‪ ،‬وقد حكمت رأيك‪ ،‬اي‬
‫على ضد الجميل‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫والوصل‬ ‫وأعجب من ذا الهجر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والشـوق‬ ‫(أغالُب فيك الشوق‬
‫أعجب)‬
‫ُ‬ ‫أغـلـب‬
‫ُ‬
‫اي والشوق أغلب مني‪ ،‬فحذف للعلم بما يعنى‪ ،‬كقولنا‪ :‬اهلل أكبر من اي شيء فحذف‪ ،‬أنشد سيبويه‪:‬‬
‫َم ُ‬
‫ررت على وادي السباع وال أرى كوادي السباع حين يُظلـم واديًا‬
‫تــئية وأخوف إال ما وقي اهللُ سـاريًا‬
‫ً‬ ‫ركـب أتـوه‬
‫ٌ‬ ‫أقـل بـه‬
‫اراد‪ :‬أقل به ركب ً‬
‫تئية منه‪.‬‬
‫وذهب بعضهم إلى أن (أغلب) هنا ليست للمفاضلة‪ ،‬وإنما هو ُ‬
‫أفعل صفة كأحمر‪ ،‬وال يعجبني الن قوله في‬
‫أعجب) اليسوغ فيه إال (أفعل) التي للمفاضلة‪ ،‬بأن يكون المصراع مشاكال للمصراع‬
‫ُ‬ ‫آخر البيت (ووصل‬
‫األول وإنما كان الشوق اغلب له‪ ،‬النه لو كان ذد ذلك لم يكن عاشقًا‪ .‬وقوله‪( :‬وأعجب من ذا الهجر والوصل‬
‫نوع من محابها‪ ،‬وشيمة‬
‫أعجب)‪ :‬إنما كان الوصل من الهجر‪ ،‬الن الهجر نوع من مكاره األيام‪ ،‬والوصل ٌ‬
‫األيام أن تأتي بما يكره‪ ،‬فال عجب من الهجر الذي هو في خليقتها‪ ،‬ولكن الوصل لو تيسر‪ ،‬كان أعجب من‬
‫الهجر لشذوذه عن خلق الزمان‪ .‬واراد‪ :‬والوصل أعجيب منه‪ ،‬فحذف كما تقدم في (أغلب)‪.‬‬
‫تكـذب)‬
‫ُ‬ ‫تُخبر أن المانوية‬ ‫(فك ْم لظالم الليل عندك من ي ٍد‬
‫المانوية‪ :‬أصحاب ماني وهم أهل الثنوية‪ ،‬يذهبون إلى أن ظالم الليل يكون الشر وان النور يكون الخبر‪،‬‬
‫والمتنبي يرد على هؤالء الثنويين فيقول‪ :‬ليس األمر على ما وصفتموه‪ ،‬بل قد أجد ذلك بالعكس‪ .‬فإن الليل قد‬
‫ُ‬
‫(الليل يستُر الويل)‪.‬‬ ‫اراني منهم بظالمه‪ ،‬كقولهم‪:‬‬
‫وقاني شر األعداء‪ ،‬بأن َو َ‬
‫ارني الحبيب بالليل‪ ،‬فأخفى مزاره على الرقيب‪ ،‬وهذه‬ ‫َ‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫وكذلك‬ ‫لحاجتك‪.‬‬ ‫اركبه‬ ‫اي‬ ‫وقالوا‪ :‬اتخذ الليل جم ً‬
‫ال‪:‬‬
‫أفعال الخير‪ ،‬فلم تنسبون إلى الظلمة الشر؟ ولما قال (فكم لظالم الليل عندك من َيد) فسره في البيت الثاني‬
‫حجب‪.‬‬ ‫ارك فيه ُذو الد َ‬
‫ال ِل ال ُم ُ‬ ‫اك َردى األعداء تسرى إليهم َ‬
‫وز َ‬ ‫بقوله‪ :‬و َق َ‬
‫ولما َحمِد الليل بما اسدى اليه من الخير‪ ،‬وكذب المانوية بهذا البرهان‪ ،‬أخذ في في ذم النور‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫تغر ُب)‬
‫أراقب فيه الشمس أيان ُ‬
‫ُ‬ ‫العاشقين َكمـ ْنـتُـ ُه‬
‫يل ِ‬ ‫يوم َكلَ ِ‬
‫( َو ٍ‬
‫ُ‬
‫فكمنت‬ ‫اي اني قد أمنت من ال ٌعداة بالليل‪َ ،‬فسريت وأدللت‪ ،‬وخشيتهم بالنهار‬
‫وتخبأت‪ .‬وتلك ُكلفة ومشقة‪ ،‬وجهد على النفس إلخفائه‪ ،‬وما أحسن ما اتفق له‬
‫االستطراد في هذه األبيات‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬أيان) اي متى‪ .‬وليس من لفظ أين‪ .‬إنما (أيان) من (اي) فهي َفعالن َك َريان‬
‫التي في أزمنة‪.‬‬
‫ال عن الجوهر‬ ‫ويدلك على أن (أيان) ليست من (أبن)‪ ،‬أن (أين) يكون سؤا ً‬
‫والعرض‪ ،‬كقولك في الجواهر‪ ،‬اين زيدٌ‪ ،‬وفي ال َع َرض‪ :‬اين اللقاء والقتال‪.‬‬
‫القتال‪ .‬وال تقول أيان زيدٌ‪.‬‬‫ُ‬ ‫(أيان) فال يسأل بها إال عن ال َع َررض‪ .‬تقول أيان‬ ‫فأما َ‬
‫أيان‬
‫أيان يو ُم الدين) وقال‪( :‬يسألونك عن الساعة َ‬ ‫وقد قال عز وجل‪( :‬يسألون َ‬
‫الف أين‪.‬‬‫إذن ِخ ُ‬
‫الف أين‪ .‬فأيان ْ‬‫فح ُكم (أيان) إذن ح ُكم َمتى‪ ،‬وم َتى ِخ ُ‬ ‫ُم ْرساها) ُ‬
‫وقد يجوز أن يكون ابو الطيب في ذمه النهار‪ُ ،‬معرضا بسيف الدولة لبياضه‪ ،‬وفي‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫حمده الليل‪ُ ،‬م ٍّ‬
‫تعلال بكافور لسواده‪ ،‬فإن كان قصد ذلك فهو ظريف‪ ،‬وإن كان لم‬
‫يقصده فتوجيهنا له غريب‪.‬‬
‫أركب)‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأنزل عنه مثل ُه حين‬ ‫الوحش قفيتُه ب ِه‬
‫ِ‬ ‫(وأصرع اي‬
‫ُ‬
‫حاولت به إدراكه‪ ،‬وأنزل عنه‬ ‫قفيته‪ :‬اي اتبعت قفاه‪ .‬يقول‪ :‬أقتُ ُل بهذا الفرس اي نوع أو شخص من الوحش‬
‫بعد ذلك وهو في مثل حاله حين ركبته‪ ،‬من الجمام ووفور الجري لم يغيره إجرائي له‪ ،‬وال أذهب ميعته‪ .‬وهذا‬
‫كقول ال َمرار بن منقذ السعدي في صفة عجوز يذكر بقاء حسنها‪:‬‬
‫لبس‬
‫وكأن ثوب جمالها لم يُ ِ‬ ‫من بعد ما لَِب َس ْت زمانًا ُحسنها‬
‫(ومثله)‪ .‬منصوب على الحال من الهاء التي في عنه‪ .‬و(حين) ظرف متعلق بأنزل‪.‬‬
‫ُ‬
‫وتلبث أموا ُه السحاب ُ‬
‫فتنض ُب)‬ ‫( َتزي ُد عطايا ُه على الليث َكثـر ًة‬
‫اي كلما لبث عطاياه تضاعفت ونمت‪ ،‬ألنها ذوات مواد كحجر يهبها فتنتج مهرًا‪ ،‬أو ضيعة تُورثه غلة ووفرًا‪،‬‬
‫فتنمى هباته على األيام‪ ،‬وتواتر األعوام‪.‬‬
‫وأما مواهب السحاب فكلما لَِبثت نش َقتها الشمس‪ ،‬ونضبتها األرض‪ ،‬واستقتها الواردة‪ .‬فهذا فضل ندى كافور‬
‫على ندى السحاب‪.‬‬
‫ُ‬
‫والطفل‬ ‫الشيب من ُه ِعشت‬
‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫(ودُون الذي يب ُغون َما ْ‬
‫لو‬
‫أشيب)‬
‫ُ‬ ‫ـلـصـوا‬
‫ُ‬ ‫َت َخ‬
‫(ما لوا تخلصوا إلى الشيب منه)‪ :‬يعني الموت‪ .‬اي دون ما يحاولونه منك الموت‪ ،‬الذي لو تخلصوا منه إلى‬
‫الشيب‪ ،‬لشاب طفلُهم في حال طفولته ‪ -‬اراد القرب ‪ -‬ولكنهم ال يمكنهم التخلص من الموت إلى الشيب‪ ،‬بل‬
‫أنت تأتي عليهم‪ ،‬فتقتلهم في الحال‪.‬‬
‫ريث هجوم الشيب‪ ،‬لشاب طفلُهم اآلن‪ ،‬ولم يتأخر الشيب عنه إلى أوانه‪،‬‬
‫وقيل معناه‪ :‬لو أمهل الحس ُد حسادك َ‬
‫ولكن انت تعجلهم‪ ،‬وشيب الطفل في كل ذلك‪ :‬يذهب به إلى ال ُقرب‪ .‬اي لو أمهلهم الموت الذي يحدث عنه‬
‫الحسد‪ ،‬لشابوا في هذا الوقت‪ ،‬ولم يمهل الطفل منهم إلى أوان المشيب‪ ،‬بل كان يشيب مع هؤالء‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬إن هذا كقوله‪:‬‬
‫بت او شاب ال ُغ ُ‬
‫راب‬ ‫إذا ما ِش َ‬ ‫تنـاهـي‬
‫َ‬ ‫فإنك سوف تحلُم او‬
‫اي إنما تحلم إذا شبت‪ ،‬وأنت ال تشيب أبدًا‪ ،‬الن حلْمك على الناس يقتلُك‪ ،‬فيُعجلك عن بلوغ الشيب‪ ،‬وكذا ال‬
‫يشيب الغراب أبدًا‪.‬‬
‫فكذلك ال تحلم أبدًا‪ .‬فيقول‪ :‬لو تخلصوا من الموت إلى الشيب ‪ -‬وهذا غير ممكن ‪ -‬اي لو أمكن ذلك الممتنع‪،‬‬
‫الذي هو التخلص من الموت إلى الشيب‪ ،‬ألمكن هذا الممتنع الثاني‪ ،‬وهو شيب الطفل‪.‬‬
‫البيض‬
‫ِ‬ ‫البيض في‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وبرق‬ ‫عليهم‬
‫ِ‬ ‫البيض‬
‫ِ‬ ‫البيض في‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وبرق‬ ‫(ثنا ُهم‬
‫ُخ ُ‬
‫لب)‬ ‫ٌ‬
‫صادق‬
‫البرق على ضربين‪ :‬صادق‪ ،‬وكاذب‪ .‬والكاذب يقال له‪ُ :‬‬
‫الخلب‪ ،‬من الخالبة‪ ،‬وهي الخداع‪ .‬فوع ْد َبرق سيوفك‬
‫بيض عداك أن تقي هامهم من‬ ‫الهام‪ ،‬صادق‪ ،‬ألنها تفعل ذلك‪ .‬وبرق ِ‬
‫بأن يُفلِق البيض إلى ما تحتها من ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بيضك‪ ،‬اي سيوفك‪ ،‬كاذب‪ ،‬الن سيوفك من عاداتها أن تقد تريكهم إلى هامهم‪ ،‬فهو خلب لذلك‪ .‬وقد يقولون‪:‬‬
‫الخلب‪ .‬وإن شئت‪ ،‬جعلتها من‬ ‫الخلب فيضيفون‪ ،‬وهذه اإلضافة على حذف الموصوف‪ ،‬اي برق السحاب ُ‬ ‫ُ‬
‫برق ُ‬
‫السرى من قولهم‪َ :‬م ْسجد الجامع‪ ،‬وباب الحديد‪ .‬وقد‬
‫إضافة الشيء إلى نفسه‪ ،‬كنحو ما حكاه أبو بكر محمد أبن ِ‬
‫اآلخر ِة َخ ٌ‬
‫ير) على ذلك‪.‬‬ ‫َار َ‬‫حمل بعضهم توله تعالى (ولَد ُ‬
‫دعو‬‫على ُكل ُعو ٍد كيف َي ُ‬ ‫( َسلَ َ‬
‫لت ُسيُوفًا علمت كل‬
‫ُ‬
‫ويخط ُب)‬ ‫خـاطـب‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫إن شئت قلت‪ :‬لما رأى الناس تأثير سيوفك في ِعداك‪ ،‬دانوا لك‪ ،‬فخطبوا باسمك‬
‫على كل منبر‪ .‬وان شئت قلت‪ :‬كان الواجب في االختطاب على المنابر أن يكون‬
‫لت سيةفك‪ ،‬وقتلت بها أعداءك‪،‬‬ ‫الخطب باسم غيرك‪َ ،‬ف َسلَ ْ‬ ‫باسمك‪ ،‬فتُ ُجوز في ُ‬
‫وبلغت أماميك‪ ،‬فخطبُوا لك خاصة‪ ،‬فكان تخصيصك بذلك من تعليم السيوف التي‬
‫ُ‬
‫ويخط ُب) جملة في‬ ‫َ‬
‫(كيف َيدعو‬ ‫ماح ُه وقوله‪:‬‬ ‫َ‬
‫أوساط البال ِد ِر ُ‬ ‫سلن‪ ،‬كقوله‪ :‬توليه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫موضع المفعول الثاني‪ ،‬و (علمت كل خاطب)‪ :‬الدعاء والخطبة‪ .‬و (على ِّ‬
‫كل‬
‫نصر مكان الصورة‪،‬‬ ‫ُعود)‪ :‬اراد على كل منبر‪ ،‬الن المنبر من ال ُعود‪ ،‬فأقام ال ُع ُ‬
‫ومثله كثير‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ُ‬
‫الزمن)‬ ‫ليس َيبلُ ُغه من ِ‬
‫نفسه‬ ‫ما َ‬ ‫(أري ُد من زمني ذا أن يُبلغنـي‬
‫أهرم وال أهتم‪ .‬وهذا الذي أريده من‬ ‫اي أريد أن يدوم شبابي وسروري أبدًان فال َ‬
‫الزمان‪ ،‬ال يبلُ ُغه هو من أمنيته لذاته‪ ،‬لنه لو اختار أن يكون ربيعًا أبدًا‪ ،‬ونهارًا‬
‫سرمدًا‪ ،‬لم يبلغ ذلك‪ ،‬الن أحواله األنيقة تتكدر‪ ،‬فيلحق ربيعه القيظ‪ ،‬ويتخلل نهاره‬
‫الليل‪ .‬فإذا لم يبلغ الزمان ُمرا ُد في نفسه‪ ،‬فجدير أال يُبلغني مرادى‪ .‬إذ لو كان ذلك‬
‫قوته‪ ،‬آلثر به نفسه‪.‬‬
‫يتعجب من تشططه على الزمن‪ ،‬وتكليفه إياه ماليس في وسعه‪ ،‬وال يجد ُمعينًا عليه‬
‫من طبعه‪.‬‬
‫نور وظلمة‪ ،‬تحدثان عند حركة الفلك‪ ،‬الن العرب‬ ‫وجعل للزمان نفسًا وإنما هو ٌ‬
‫تنُسب األفعال إلى الدهر كثيرًا‪ ،‬لوقوعها فيه‪ .‬فيقولون‪َ :‬فعل الزمان‪ ،‬وصنع‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى حكاية عن الكفار‪( :‬وما يُ ِهل ُكنا َّ‬
‫إال الد ْ‬
‫َّه ُر)‪.‬‬
‫َه َووا وما َع َر ُفوا الدُّنيا وال‬ ‫ِشـق‬
‫بأهل الع ِ‬ ‫أض َّر ِ‬‫(مما َ‬
‫فطنُوا)‬ ‫أنـ ُهـ ُم‬
‫الخلُق‪ .‬ولو جربوا الدنيا‪ ،‬فأجادوا االعتبار‪ ،‬وأطالوا االختبار‪ ،‬لوجب أن‬
‫اي أنهم اعتبروا ُحسن الخلق ال ُحسن ُ‬
‫الحسن المحسوس‪ .‬وقد فسره هو في‬ ‫ُ‬ ‫هذا‬ ‫اعتبار‬ ‫من‬ ‫بذلك‪،‬‬ ‫الحقيقة‬ ‫في‬ ‫الخلُق‪ ،‬فيجب إذ هو اولى‬
‫يُؤثروا حسن ُ‬
‫البيت الثاني الذي بعده فقال‪:‬‬
‫قبيح وج ُه ُه َح َس ُن)‬
‫في إثر كل ٍ‬ ‫َمعا وأن ُفسـهـم‬
‫(تفنى عيونُ ُهم د ْ‬
‫اي في إثر كل قبيح ال ُخلُق‪.‬‬
‫بين على اليوم ُم ُ‬
‫ؤتمن)‬ ‫ُّ‬
‫فكل ٍ‬ ‫( َتحمـلُـوا ُك ُّ‬
‫ـل نـاجـي ٍة‬
‫نسيب هذه القطعة ابو الطيب ُمغضبًا‪ ،‬شاكيًا ألمره‪ ،‬متسخطًا على دهره‪ ،‬حتى أفضت به شدة العتاب‪ ،‬إلى‬
‫مالمة األحباب‪ ،‬واحتمل إفراط الجفا‪ ،‬لما تأمله من قلة الوفا‪ ،‬فقال (تحملوا َح َملَت ُكم كل ناجيةٍ)‪ :‬اي أبعدتم وال‬
‫دَنوتم‪ ،‬بخالف قوله هو راضيًا عن أحبابه‪:‬‬
‫مدمعي ِسماتِها‬
‫َّ‬ ‫لَمحت حرار ُة‬ ‫إبل لو آني فوقها‬
‫رت من ٍ‬
‫ال ِس ِ‬
‫بين على اليوم مؤ َت َمن اي أني‬
‫ضجرة التأسف‪ ،‬وإظهار البراءة عن العشق بعدهم‪ ،‬فقال‪ :‬فكل ٍ‬ ‫ثم أدركه بعد َ‬
‫كنت أحذر بينكم‪ ،‬فإذ قد وقع‪ ،‬فما أبإلى بشيء بعده‪ ،‬كقوله األول‪:‬‬
‫ِر‬ ‫فعليك ُك ُ‬
‫نت أحاذ ُ‬ ‫َ‬ ‫من شاء بعدك فلي ُمت‬
‫وامتثله أبو فراس فقال‪:‬‬
‫أحاذر‬
‫ُ‬ ‫فلم يبق لي شيء عليه‬ ‫أحذر الدهر وحد ُه‬ ‫ُ‬
‫وكنت عليه ُ‬
‫والفاء في قوله‪( :‬فكل بين) لعطف الجملة الثانية على األولى‪ ،‬التي هي (تحملوا)‪.‬‬
‫رعاك ُم ُ‬
‫اللبن)‬ ‫يدر على َم َ‬ ‫وَ‬
‫ال ُّ‬ ‫ار ُكم‬
‫ِر َج ُ‬ ‫(رأيت ُكم ال ُ‬
‫يصون الع َ‬
‫عرضه غير مصون ألنكم ال تنصرونه على من‬ ‫ُ‬ ‫اي من جاوركم ذل‪ ،‬وأقام صابرًا على الذلة‪ ،‬حتى يكون‬
‫َعونه تُهبة‪ ،‬وال يستطيع أن ينتصر هو لخذلكم إياه‪ .‬وهو في هذا البيت يُعيرهم الصبر‬
‫اوصل إليه الذاة‪ ،‬بل َتد ُ‬
‫يفضل عن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫على الذل وال ُقل‪ ،‬الن قوله‪( :‬وال تدر على َم َرعاكم اللبن)‪ :‬يعني به أن ِرفدكم قدر الكفاف‪ ،‬ليس ما ُ‬
‫االستشفاف‪.‬‬
‫ُ‬
‫واألذ ُن)‬ ‫بهماء َت ُ‬
‫كذب فيها ُ‬
‫العين‬ ‫(فغَادَر الهجرث ما بينني وبين ُك ُم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫البهماء‪ :‬االرض القفرة‪َ ( ،‬ف ْغالء‪ ،‬ال أفعل لها من جهة السماع)‪ .‬اي ال يقال‪َ ( :‬ق ْف ٌر أبه ُم)‪ .‬وقد َغلَبت (ال َبهماء)‬
‫الهجر بيننا‬
‫ُ‬ ‫غلبة األسماء‪ .‬حكى ابو زيد عن العرب؛ ال َبهماوات‪ .‬فلو عاملوا الصفة لقالوا‪ :‬البُهم‪ ،‬اي َغادر‬
‫الج ّن‪ ،‬ونحو ذلك مما ال‬ ‫قر ُع فيها الحس ما ليس بحقيقة‪ ،‬كتخيل اآلل‪ ،‬وتصور األشخاض‪ ،‬وعزيف ِ‬ ‫بهماء َي َ‬
‫حاصل له‪.‬‬
‫ُ‬
‫وتسأل االرض عن أخفافها‬ ‫( َتخبُو الرواس ُم من بعد الرسيم‬
‫الثف ُ‬
‫ِن)‬ ‫بهـا‬
‫خمس‬
‫ٌ‬ ‫اي تخبو اإلبل الراسمة من هذا القفر‪ ،‬والثفن‪ :‬ما يصيب االرض من البعير والناقة إذا بركا‪ ،‬وهي‬
‫ُركبتاه من ذراعيه وساقيه وفخذه‪ ،‬فإذا َحفيت هذه اإلبل‪ ،‬فبركت على ثفِناتها‪ ،‬وصدمت بها االرض‪ ،‬قالت‬
‫الثفنات لإلرض‪ :‬اين األخفاف التي كانت تكفينا إياك‪ ،‬وتقينا لُقياك؟ و (الثفِن)‪ :‬جمع ثفنة‪ ،‬كل ِبنة ولَِبن‪ .‬و (تسأل‬
‫وسأل) كالهما عربي‪ ،‬الن ما لم يفارق من الجمع واحده إال بالهاء‪ ،‬جاز تذكيره وتأنيثه ولذلك ‪ -‬إذا وافقت‬
‫صورة هذا الجمع صورة الجمع المكسر ‪ -‬استدل سيبويه على الجمع الذي باين واحده بالهاء بدليل التذكير‪،‬‬
‫والرطب يذكر‬‫َر َب ُمكسر‪ ،‬بدليل تأنيثه‪ُ ،‬‬ ‫َرب‪ ،‬وإن اتفق المثالن‪ ،‬الن الغ َ‬ ‫الر َطب ليس كالغ َ‬
‫مثل ذلك قوله‪ :‬إن ُّ‬
‫َ‬
‫الرطب‪.‬‬‫الرطب‪ ،‬وهذه ُّ‬‫ويؤنث‪ ،‬يقولون‪ :‬هذا ُّ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫لَ َعدَدنا أضلنا ُّ‬
‫الشجعانا)‬ ‫( َولَ َو آن الحياة تبقى لِحي‬
‫اي أن الحياة ال تدوم‪ ،‬فما ينبغي للحي أن يجبُن‪ ،‬إذ ال بُد من لقاء الموت‪ .‬وفي‬
‫الج بن العار‪ .‬ولو كانت الحياة تدوم‪ ،‬لكان أضلنا الشجاع الذي يتعرض للقتل فيقتل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فحرم بذلك نفسه بقاء الحياة ولذاتها‪ .‬ولكن إذا كان الموت ال بُد منه‪ ،‬وفي الشجاعة‬
‫المجدُ‪ ،‬فهي أولى من ضدها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ـان)‬ ‫يسى َ‬
‫وأنت َي َم ِ‬ ‫َرفِي ُق َك َق ٌّ‬ ‫ِسيف ِه‬ ‫(كأن ِر َقاب ِ‬
‫الناس قالت ل َ‬
‫قيس من عندنان‪ ،‬واليمن من قحطان‪ ،‬وبينهما منافرة‪ .‬فيقول‪ :‬كثُ َر تقطي ُع شبيب لرقاب الناس بسيفه‪ ،‬فأغرت‬
‫ٌ‬
‫تروية عن قولهم‪ :‬ل َم تتفقان وأنما بالنسب‬ ‫يمان)‪،‬‬
‫قيسى وأنت ِ‬‫ٌّ‬ ‫الرقاب بينهما‪ ،‬ليفترقا فتسلم‪ .‬وقوله‪( :‬رفي ُقك‬
‫ُ‬
‫مفترقان‪ .‬ونحوه قوله اآلخر‪:‬‬
‫َع ْمرك اهللَ َكيف يل َتق َيان‬ ‫نكح الثُّريا ُسهي ً‬
‫ال‬ ‫أيها ال ُم ُ‬
‫يمان‬
‫هيل إذا استقل ِ‬ ‫وس ٌ‬
‫ُ‬ ‫ِية إذا ما استقلت‬‫هي سام ٌ‬
‫يمان عوض من إحدى ياءى النسب‪ ،‬التي في قولك ( َي َمنى)‪.‬‬
‫واأللف في ِ‬
‫ومن العرب يقول‪ :‬يماني‪ .‬فهذا ليس على الوض‪ ،‬النه لم يحذف منه شيئًا فتكون األلف عوضًا منه‪ ،‬ولكنه من‬
‫بوادر النسب‪.‬‬
‫مسك في ُكفران ِه ِب ِعنَان)‬
‫وتُ ِ‬ ‫عاقـل‬
‫ٍ‬ ‫مس ُك ما أوليت ُه ي ُد‬
‫(أتُ ِ‬
‫اي سبيل النعم التي زالت من يدك إلى يده‪ ،‬أن َتنهي كفه عن اإلمساك بعنان في معصيتك‪ ،‬فهال فعل ذلك؟‬
‫ينكر على شبيب كفره أيادي كافور بنفاقه عليه‪ ،‬وخلعه طاعته‪.‬‬
‫َان)‬
‫وقد ُبضت كانت بغير بن ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلحسان حتى كانها‬ ‫( َثنى يده‬
‫اي لما هم بمعصيتك‪ ،‬ثنت كثر ُة أياديك عن العصيان يده‪ ،‬حتى ألقت السيف كأنه البنان لها يُمسك ُه بها‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫(وقد قبضت)‪ :‬جملة في موضع الحال من الضمير الذي في (كأنها)‪ .‬و(كانت) ها هنا يجوز أن تكون المفتقرة‬
‫إلى الخبر‪ ،‬ويجوز أن تكون بمعنى ُخلقتن فتكون الغنية‪.‬‬
‫حكى سيبويه‪ :‬أنا أعرفك ُمذ كنت‪ ،‬اي مذ خلقت‪ ،‬ويكون المجرور على هذا في موضع الحال‪ ،‬وكما ذهب إليه‬
‫سيبويه في رواية من روى‪ :‬إذا كان يو ٌم ذو كواكب أش َن َعا من أن أشنع حال‪ ،‬وال تكون خبرًا لكان‪ ،‬الن الخبر‬
‫سبيله أن يكون مفيدًا‪ ،‬وليس في أشنع من الفائدة إال ما في قوله‪( :‬ذو كواكب) الن اليوم إذا كان ذا كواكب‬
‫يكسف ضوء الشمس‪ ،‬فتظهر‪ .‬وهذا من دقائق سيبويه التي‬ ‫كان شنيعًا إذ ظهور الكواكب إنما يكون للقتام الذي ِ‬
‫يسميها المتأمل إعجازًا‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫و ُكل بغام رازح ٍة ب ُغـامِـي)‬ ‫يون َرواحلي إن ِح ُ‬
‫رت َعيني‬ ‫( ُع ُ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ِحرت‪ :‬اي َت َحيرت‪ ،‬والعيون ها هنا‪ :‬يجوز أن تكون جمع عينن وهي الشخص‪ ،‬اي أني ماهر بالفالة معاود‬
‫لها أحس فيها أملى فأدعها ذؤاما في الطريق‪ ،‬فإذا أنا تحيرت في التيه‪ ،‬فدليلى كل ُعود أخليه‪ ،‬ألني أرى‬
‫شخصه فيكون لي كالمنار الذي يُستدل به‪ .‬وقد تكون العيون هنا جمع العين التي هي كالجارحة النظرية‪ ،‬اي‬
‫أردت استنباح الكالب‪ ،‬ليُدل نُباحها على‬
‫ُ‬ ‫تبدو لي أعين هذه الروايا‪ ،‬وخص أعينها بقوله‪ :‬عيني‪ .‬وكذلك إذا‬
‫الحالل‪َ ،‬بغَمت ناقتي‪ ،‬والبُغام‪ :‬صوت تقطعه وال ت ُمدُه‪ ،‬فيسمع الكلب بُغامها فينجح‪ ،‬فذلك البُغام‬ ‫الل‪ ،‬وأمان ُ‬‫الح َ‬
‫ِ‬
‫الرازحة‪ ،‬النه‬
‫ِ‬ ‫ورزاحقًا‪ .‬وخص‬ ‫رزح ُر ُزوحًا ُ‬ ‫والرازحة‪ :‬الناقة المعيبة‪َ ،‬ر َز َحت َت َ‬
‫ِ‬ ‫يغنيني أن أستنبح الكالب‪،‬‬
‫يصف نفسه بإدمان السير‪ ،‬والصبر على التعب في السفر‪.‬‬
‫ِسوى َعدى لها َب ْرق ال َغ َمام)‬ ‫(فق ْد أر ُد المياه بغـير هـا ٍد‬
‫ال‪ ،‬إذا ابتغينا إليه سبي ً‬
‫ال‪ ،‬ألني‬ ‫يصف نفسه بمعرفة االرتياد‪ ،‬ويتعرب بذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬ال أحتاج على الماء دلي ً‬
‫عالم بمخايل المطر‪ ،‬كعلم ُرواد العرب ومنتجعيهم بذلك‪ .‬وهم يزعمون أن البرق إذا لمع مائة و ْمضة‪ ،‬وثقوا‬
‫بالمطر وانتجعوا الناحية‪ ،‬التي الح منها ذلك البرق‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إذا َب َر قت السماء أربعين برقة‪ ،‬وثقوا فساروا‪ ،‬وربما طاردوا جوه عشرًا‪ ،‬فوافقوا الماء‪.‬‬
‫فتُ ُ‬
‫وسعه بأنواع الـسـقـام)‬ ‫ُ‬
‫يضيق الجل ُد عن نفسي وعنها‬‫(‬
‫الحمى‪ ،‬فكأنها وجدت جلدي ال يسع نف سي وإياها‪ ،‬فأكلت اللحم‪ ،‬ليتسع الجلد فيجمعهما‪ ،‬كما‬
‫اي أنحلتني هذه ُ‬
‫َو ِسع النَّفس والنّفس‪.‬‬
‫نسيج الفدام)‬ ‫َخ َ‬ ‫( َوضاقت ُخ ٌ‬
‫طة فخلَ ُ‬
‫الخمر من ِ‬
‫ِ‬ ‫الص‬ ‫صت مِنهـا‬

‫الخمر قذاها‪ ،‬فتمرق منه صافية فتزداد‬ ‫ضيق‪ ،‬تدف ُع إليه ُ‬‫ٌ‬ ‫ونسجه‬
‫ُ‬ ‫الفدِام‪ :‬المصفاة‪،‬‬
‫الخطة‪ ،‬وهي النازلة العظيمة من نوازل الدهر‪ ،‬في‬ ‫شرفًا بنقائها وصفائها‪ .‬شبه ُ‬
‫ُفعت إلى ُملم ضيق فعجز غيري عن نفاذه‪،‬‬ ‫ضيقها بالفدام ال ُمضيق‪ .‬فيقول‪ :‬إذا د ُ‬
‫وازددت شرفًا بذلك‪ ،‬كازدياد المدام عند فراغها صافية للقدام‪ ،‬كقوله‪:‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خرجت‬
‫إلال تُشر ُفني وترف ُع شاني‬ ‫ما تعتريني من ُخطوب ُمل ِم ٍة‬
‫ولهذا قالوا خرج منها كالشهاب‪ ،‬اي لم تعلقة منها تبعة‪ .‬واراد‪( :‬وربما ضاقت خطة)‪ ،‬او (فقد ضاقت ُخطة)‬
‫طط شتى‪ ،‬ال إلى ُخ ٍ‬
‫طط بعينها‪ .‬واراد (من منسوج الفدام) إذ النسيج َعرض‪ ،‬والخمر‬ ‫يذهب في ذلك إلى ُخ ٍ‬
‫جوهر‪ ،‬والجواهر ال يتخلل ال َع َرض‪.‬‬
‫ضرب األمير‪ :‬اي منسوج ومضروب‪ ،‬مثله كثير‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ودرهم‬ ‫ثوب نسج اليمن‪،‬‬‫قال سيبويه‪ :‬هذا ٌ‬
‫( َوإن‬
‫سلـــــــمـــــــ‬
‫أســـــــلـــــــم‬
‫ُت مـــــــن‬
‫فـــــــمــــــــ‬
‫الـــــــحـــــــ‬
‫ـــــــا‬
‫مـــــــام‬
‫ِ‬ ‫أبـــــــــــــــ‬
‫إلـــــــى‬
‫قـــــــــــــــ‬
‫الــــــــــــــح‬
‫ِ‬
‫ى‬
‫ـــــــــــــــم‬
‫َولـــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــام‬
‫كـــــــــــــــ‬
‫)‬
‫ن‬
‫ُ‬
‫سلمت من موت على وجه أنـــــــواع‬ ‫اي إن‬
‫ما‪ ،‬لم اسلم من آخر على وجه الـــــــحـــــــ‬
‫مـــــــام‬ ‫ما‪ ،‬وإن َس ُ‬
‫لمت من الموت في‬
‫إلـــــــى‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫بـــــــعـــــــ‬
‫زمان ما‪ ،‬لم أسلم في غيره‪ ،‬إذ‬
‫ض أنـــــــواع‬ ‫ُ‬
‫الخلد في الحياة ممتنع‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫الـــــــحـــــــ‬
‫مام)‪ :‬لو يُرد‬
‫الح ِ‬
‫الحمام إلى ِ‬
‫(من ِ‬
‫ـــمــــــــــــ‬
‫ـــام‪.‬‬ ‫الجنس ولكنه اراد من بع‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫شباب)‬
‫ُ‬ ‫َفيخفي بتبييض ال ُقرون‬ ‫خضاب‬
‫ُ‬ ‫( ُمنى ُكن لي أن البياض‬
‫(أن البياض)‪ :‬خبر ابتداء مضمر‪ .‬اي كانت لي ُمنى‪ .‬ثم أوضح تلك المنى وكأنه قال‪ :‬هي أن البياض وقار‬
‫لي‪ ،‬فيخفي شبابي بالمشيب‪ ،‬ذهابًا إلى إكبار الشيب‪ ،‬وذلك لما ُ‬
‫يلحق الشباب عنده من العيب‪.‬‬
‫وأدعو بما أش ُكو ُه حين ُ‬
‫أجاب)‬ ‫ُ‬ ‫(فكيف أذم اليوم ما ُ‬
‫كنت أشتهى‬
‫ُ‬
‫يلحق‬ ‫يعني في كل ذلك الشيب‪ ،‬اي قد كنت أيام اسألُه عز وجل‪ ،‬وأدعو أن يسلُبني الشباب‪ ،‬ظانا أن الشيب ال‬
‫اإلنسان معه أل ٌم وال َه َرم‪ .‬فلما شبت ولحقني من الضعف ما لحقني‪ ،‬علمت أن رأيي في سؤالي الشيب‪،‬‬
‫أذم المشيب وقد كنت أشتهيه‪ .‬وكيف أشكوه وقد كنت أدعو اهلل أن‬‫ورغبتي إلى اهلل فيه‪ ،‬كان َسفها‪ .‬لكن كيف ُّ‬
‫ُ‬
‫وذممت ما دعوت إلى اهلل فيه‪ ،‬وقع التناقض في مذهبي‪ ،‬مع أن‬ ‫يهبه لي‪ .‬يقول‪ :‬فإن شكوت ما ُ‬
‫كنت أحب‪،‬‬
‫ذلك غير نافع فالصبر أولى والرضا بكل ذلك أخجى‪.‬‬
‫ذئاب)‬ ‫ليث والمـلُ ُ‬
‫ـوك ُ‬ ‫وأنك ٌ‬ ‫الخ ُ‬
‫لف إال فيك أنك واح ٌد‬ ‫( َج َرى ُ‬
‫ذئابًا فلم يُخطئ فقال ُذ ُ‬
‫بـاب)‬ ‫ويست صحف ٌ‬
‫قارئ‬ ‫( َوأنك إن ُق َ‬
‫اي إذا ُعددت ليثًا‪ ،‬وطلب من السباع ما هو دون اليت‪ ،‬مما بقاس به الملوك إليك ُريئوا ذئابًاز ثم إن ُحقق‬
‫القياس‪ ،‬كان ما بينك وبين الملوك تفاوتًا‪ ،‬كما بين األسد والذئاب‪ ،‬حتى لو صحف ُمصحف فقال‪ :‬ذباب لم‬
‫صحف‪ ،‬بل يكون بهذا التصحيف أشعر كقول األصمعي لقارئ عليه‪ ،‬صحف‬ ‫يخطئ في قياسه إليك‪ ،‬وإن كان َ‬
‫الحطيئة‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬
‫عليه بيت ُ‬
‫تامـر‬
‫ْ‬ ‫بالضيف‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫البن‬ ‫وزعمت َ‬
‫أنك‬ ‫ررتني َ‬
‫َو َغ ْ‬
‫تامر)‪ ،‬فقال له األصمعي‪ ،‬أنت واهلل أشعر من قائله‪ ،‬حين قلبت هجو ُه َمدحًا‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫بالضيف ُ‬
‫ِ‬ ‫فقال‪( :‬التني‬
‫(أنك واحدٌ)‪ :‬بدل من الكاف في فيك‪ .‬وإن قلت‪ :‬منع سيبويه البدل من المضمر المخاطب‪ ،‬فقال‪ :‬إن قلت‪ :‬بك‬
‫يجز‪ ،‬الن البدل إنما هو لإليضاح والمخاطب ال يُشكل‪ ،‬فيحتاج إلى البيان‪ .‬قلنا إنما منع‬ ‫المسكين َم َررت‪ ،‬لم ُ‬
‫سيبويه في هذا َبدل الجملة من الجملة‪ ،‬أعنى الكل من الكل‪ ،‬الذي هو هو‪ ،‬فأما بدل الجزء من الكل‪ ،‬فغير‬
‫وعجبت منك صبرك‪ ،‬فكذلك (أنك واحد)‪ ،‬وإن لم يكن جزءا من كل فهو‬ ‫ُ‬ ‫وجهك‪،‬‬ ‫ممتنع؛ كقولك اعجبتي ُ‬
‫ُ‬
‫َع َرض في جوهر كقولك‪ :‬جرى الخلف إال في كونك واحدًا‪ ،‬والعرض ‪ -‬وإن لم يكن جزءا من الجوهر ‪-‬‬
‫فهو مرتبط به‪ ،‬فكان كالجزء منه‪ .‬والخلف هنا‪ :‬بمعنى الختالف‪ ،‬ولذلك جاز أن يتعدى إلى في‪ .‬وذئاب ها‬
‫هنا‪ :‬اسم للجنس ألنه قد قال‪( :‬والملوك ذئاب)‪ ،‬فأخبر بالجمع عن الجمع‪ ،‬ولو لم يجعل ُ‬
‫الذباب جنسًا‪ ،‬لَلَ ِزمك‬
‫أن تخبر عن الجمع بالواحد‪.‬‬
‫وقد حكى ابو ُعبيد في (الغريب المصنف) عن األحمر‪( :‬النُّعرة‪ :‬ذبابة)‪ .‬فإن صح ذلك‪ ،‬ولم يك وهما من أبى‬
‫ُعبيد‪ ،‬فذباب هنا جمع ُذبابة‪ ،‬ال يحتاج حينئذ إلى تأول الجنس وال إلى جعل الواحد موضع الجمع‪ .‬وال أعلم‬
‫أحدًا من أهل اللغة حكى في ُذباب ُذبابة إال أبا ُعبيد وحده‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الحر مولو ُد)‬
‫لو أنه في ثياب ُ‬ ‫بـأخ‬
‫ٍ‬ ‫صالح‬
‫ٍ‬ ‫(والعب ُد ليس ُ‬
‫لح ٍّر‬

‫الح ُر ويربى ويُؤدب‪ ،‬لقصر عن‬ ‫وربى وأدب بمثل ما يغذي به ُ‬ ‫اي لو ُغدى ُ‬
‫الح ُّر‪ ،‬فإذا كان كذلك فهو عدو ال‬
‫يرم العبودية‪ ،‬والعبد بمتهنه ُ‬
‫الحر‪ ،‬ولو لم ُ‬ ‫طبيعتة ُ‬
‫ٌ‬
‫أخ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبعض ال ُعذر تفني ُد)‬ ‫يفـير بـمـعـذر ٍة في كل لُؤم‬
‫ٌ‬ ‫(أولى اللئام ُك‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫نفس من اخس جنس‪ ،‬أعنى بالجنس‪ ،‬والجيل‪ ،‬ال الم ُقول على‬ ‫شر ٍ‬‫أولى اللئام في العذر في اللوم كافور‪ ،‬ألنه ُّ‬
‫األنواع‪ ،‬واذا خس الجنس؛ عذر الواحد منه أن يجري على قيسه‪ ،‬الذي هو طب ُع جنسه‪ ،‬فغدا عذرا له‪ ،‬وإن‬
‫كان هذا العذر بالذم والتنقص أشبه‪ .‬فهو إذن عذر يزيد على التفنيد‪ ،‬الن التنفيذ يشعر أن المفند موجود‪،‬‬
‫العتاب فأما إذا ترك التفنيد‪ ،‬للعلم بأن اإلساءة طبيعة في المسيء‪ ،‬فذللك أقصى‬
‫ُ‬ ‫كقوله‪ :‬ويبقى الُ ُّ‬
‫ود ما بقي‬
‫نهايات الذم‪ .‬وأراد‪( :‬أولى اللئام بمعذرة كويفير)‪ ،‬ألن قوله‪( :‬بمعذرة) من تمام االسم‪ ،‬الذي هو أولى‪ .‬فكان‬
‫ينبغي له أال يجيء بالخير الذي هو (كويفير) إال بعد قوله‪( :‬بمعذرة) لتعلق الباء بأولى‪ .‬وكذلك إن ُجعل‬
‫(كويفير) هو المبتدأ‪ ،‬وجعل (أولى اللئام) خبر مبتدأ مقدمًا‪ ،‬فقد حال أيضا بين االسم الذي هو الخبر‪ ،‬وبين ما‬
‫هو من تمامه‪.‬‬
‫َ‬
‫ولذلك جعل الفارسي ( ِكال) في قوله‪:‬‬
‫طرح الظ ُن ِ‬
‫ـون‬ ‫ٌ‬
‫ظنون آن ُم ُ‬ ‫ُ‬
‫وصل أروى‬ ‫يومي ُطوالة‬
‫ْ‬ ‫ِك َ‬
‫ال‬
‫ال مصدر‪ ،‬فكان يكون (كِال) من صلته متقدمًا‬ ‫جزءا من الخبر‪ ،‬ال من المبتدأ‪ ،‬الذي هو وصل أروى‪ ،‬الن وص ً‬
‫له‪ .‬والصلة ال تتقدم على الموصول‪.‬‬
‫بعض أجزاء االسم على بعض ُمغيرًا عن وضعه‪ ،‬فكذلك ال يُحال بين بعضه وبين بعض بأجنبي‬ ‫وكما ال يُقدم ُ‬
‫أيضا‪ ،‬فلذلك مثلنا بيت المتنبي في فصله بين (أولى) وما يتعلق بها‪ ،‬بالبيت الذي أنشده أبو علي‪ ،‬في أنه ال‬
‫يجوز تقديم الصلة على الموصل‪ .‬وإنما قوله‪( :‬بمعذرة) متعلق بأولى‪ .‬ثم أبرز مضمره‪ .‬اي أوالهم بمعذرة‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الفاَ)‬
‫اعترضت إخ َ‬
‫َ‬ ‫َو ُ‬
‫خفت لما‬ ‫من تعرض ُه‬ ‫َ‬
‫النصل ْ‬ ‫( َو ُ‬
‫عدت ذا‬
‫اختلس له بعض أعبده سيفا‪ ،‬وأعطاه امراة َوردان بن ربيعة الطائي الذي تضيفه بحسمي‪ .‬وكان عبيده قد‬
‫خالفوا إليها فوثب ابو الطيب إلى العبد الذي اختلس السيف‪ ،‬فأخذه منه‪ ،‬وضربه به فقتله‪ ،‬فيقول‪ :‬لم أقتلك الن‬
‫َت هذا السيف أن أقتل به من‬ ‫قدره وجل لدى َخ َط ُره‪ ،‬حتى دعاني فقده إلى قتلك‪ ،‬ولكن َو َعد ُ‬ ‫عظم على ُ‬ ‫السيف ُ‬
‫إخالف‪ ،‬فأكون غير صادق الوعد‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهمت بالصفح عنك‪ُ ،‬‬
‫خفت أن يتخلل َوعدى‬ ‫ُ‬ ‫تعرضه‪ ،‬لما تعرضت أنت له‬
‫تعرض له) فحذف وأوصل وكذلك اراد (وخفت لما اعترضت له)‪ ،‬فحذف الجار والمجرور‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأراد‪( :‬من‬
‫ِل اراد يتكل عليه‪ ،‬حكاه سيبويه‪ .‬وقوله‪( :‬من تعرضه) اراد‪ :‬قتل من‬ ‫كقوله‪ :‬إن لم يجد يومًا على َمن َيتك ْ‬
‫تعرضه‪ ،‬فحذف المضاف‪ ،‬لمكان العلم به‪ ،‬وأقام المضاف إليه َمقامه‪ ،‬و ( َم ْن)‪ :‬في موضع المفعول الثاني‬
‫بوعدت‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫فدا كل ماشي ِة الهيدَبي)‬ ‫الخيزلي‬
‫َ‬ ‫(أال ُك ُّل ِ‬
‫ماشي ِة‬
‫تخزل ٌّ‬
‫وتفكك‪ .‬والهيدبي (بالدال والذال)‪ :‬أعلى من مِشية الخيل واإلبل‪،‬‬ ‫الخيزلي‪ :‬م ٌ‬
‫ِشية من مشي النشاء‪ ،‬فيها ُّ‬ ‫َ‬
‫وجمضل من اإلبل التي خرجت عليها من مصر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ناقة‬ ‫ل‬ ‫فدا‬ ‫التحرك‬ ‫معشوقة‬ ‫امراة‬ ‫كل‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫رعة‪.‬‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫فيها‬
‫لما نلت بها من الضيم‪ ،‬وقد بين ذلك بقوله بعد هذا‪:‬‬
‫و َما ِب َي ُح ْس ُن المِشى)‬ ‫(‪. . . . . . . . .‬‬
‫أي ما على من حسن مشية النساء ألني ال أعني بذلك‪ ،‬وإنما أعنى بطلب النجاة‪ ،‬ومحاولة ال ُمعاالة‪ ،‬وإرغام‬
‫ال ُعداة‪ ،‬وقد بين ذلك أيضًا بقوله‪:‬‬
‫ُ‬
‫وميط األذى)‬ ‫وكي ُد ال ُعدا ِة‬ ‫( َولكِن ُهن ِح ُ‬
‫بـال الـحـياة‬
‫اي هن أسباب الحياة‪ ،‬فوضع األسباب الن السبب من أسباب الحبل (وكيد العداة‬
‫وميط األذى) اي وسبب كيد ال ُعداة أكيدهم بها‪ ،‬وسبب ميط األذى أيضا‪ .‬فحذف‬
‫المضاف‪ ،‬وأقام المضاف اليه مقامه‪.‬‬
‫وإنما تأولنا ذلك‪ ،‬الن الخيل ال تكون في الحقيقة كيدًا وال ميطًا‪ ،‬إذ الخيل جوهر‪،‬‬
‫والكيد والميط َع َرضان‪ ،‬والجوهر والعرض ليسا من باب (هو هو)‪ ،‬بل هما من‬
‫باب الغير‪ .‬وقد يجوز أن يجعل الخيل هي الكيد والميط‪ ،‬على سعة الكالم‪ ،‬كأنها‬
‫ذينك‪ ،‬كأنها ُهما‪.‬‬
‫لما كانت سبب ِ‬
‫وقد ذهب سيبويه إلى الوجهين جميعًا في هذا الضرب‪ ،‬إعنى كقولهم‪ :‬ما زيد إال‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫وشرب‪ ،‬فإنما هي ُ‬
‫إقبال وإدبار‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫أكل ُ‬
‫قال‪ :‬جعلها اإلقبال واإلدبار على سمة الكالم‪ ،‬وإن شئت على الحذف‪ ،‬كما قدمنا‪.‬‬
‫ولكنه كان َه ْجو ال َورى)‬ ‫( َف َما َكان ذلك َمدحـًا لـ ُه‬
‫مقصودهم وممدوحهم مثل كافور‪ ،‬فكفى بذلك هجوًا لهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اي إذا كان‬
‫الو َرى إلى مدح كافور‪ ،‬وذلك َسف ُه‪ ،‬فكان ذلكم المدح‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬أحوجني َ‬
‫هجوا لهؤالء‪ ،‬إذ لو كانوا ُكرماء أحرارًا‪ ،‬أغنوني عن مدحه‪ ،‬والتعرض للقائه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫اإلمساك عذال)‬
‫ِ‬ ‫ال فأفهـمـ ُه إن الزمان على‬ ‫الزمان ل ُه قو ً‬
‫ُ‬ ‫(قال‬
‫يقول‪ :‬من رأى المسكين خشية اإلقالل‪ ،‬وموتهم عن األمول‪ ،‬وتخليتها لألعداء األضداد غير الشكال‪ ،‬فقد اراه‬
‫الم َه على ذلك‪ ،‬وليس للزمان على الحقيقه ٌ‬
‫قول‪ ،‬الن‬ ‫الزمان فيهم ال ِع َبر والغير‪ ،‬فكأنه قد حذره اإلمساك‪ ،‬و َ‬
‫ُ‬
‫رض ُم تولد عن حركة الفلك‪ ،‬وليس للعرض قول‪ ،‬إنما هو للجوهر الناطق‪ ،‬لكنه لما اتعظ بتصاريفه‪،‬‬ ‫الزمان َع ٌ‬
‫ومشاهدة تكاليفه‪ ،‬صار كأنه ل ُه الئ ٌم ومثله كثير‪.‬‬
‫والقول الذي قاله الزمان‪ ،‬إنما هو‪ :‬ال تمسك المال‪ ،‬فإنك إن فعلت ذلك كان عليك ُحوبُه‪ ،‬وللوارث لذته وطيبهُ‪.‬‬
‫وقد ألم الحارث بن حلزة بهذا المعنى في قوله‪:‬‬
‫النـاتـج‬
‫ُ‬ ‫تدري من‬ ‫َ‬
‫إنك ال ِ‬ ‫تكسع الشول بأغبـارهـا‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫أشبال)‬ ‫بمثلها من عدا ُه وهي‬ ‫(القائ ُد األسد غذتها براثُـنـه‬
‫براثهم‪ :‬سيوفهم‪ .‬وأما البرثن في الحقيقة‪ ،‬فهو المخلب‪ ،‬لكن السالح لإلنسان كالبراثن للسباع‪ ،‬اي انه يسير‬
‫للهيجاء في غلمانه الذي رباهم وضراهم وثيتهم لسلب عداه‪ ،‬الذين هم مثلهم في الشجاعة‪ ،‬وذلك من حد‬
‫صغرهم إلى كبرهم‪ ،‬وقوله‪ :‬وهي أشبال‪ :‬جملة في موضع الحال‪ ،‬إذ رددتها إلى المفرد‪ ،‬فكأنك قلت‪ :‬غذتها‬
‫براثن ُه صغارًا‪ ،‬والشبل‪ :‬ولد األسد‪.‬‬
‫وبعض العقل ُع ُ‬
‫قال)‬ ‫ُ‬ ‫(وقد يُلقب ُه المجـنُـون حـاسـ ُد ُه إذا اختلطن‬
‫معنى هذا أن (فاتكا) كان يُلقب (المجنون)‪ ،‬وهو لقب له ‪ -‬كما تراه ‪ -‬قبيح‪ ،‬فاحتال المتنبي‪ ،‬لتأوله على‬
‫أحسن الوجوه‪ ،‬فقال‪ :‬إنما جنونه إذا تزحمت السيوف‪ ،‬واختلطت الصفوف‪ ،‬في االقتحام واالهتجام‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫وعقال‪ :‬اي انه يعقلهم‬
‫الجبن يتصور ألهله في َمعرض الحزم والعقل‪ ،‬وهو مذموم‪ُ .‬‬ ‫وبعض العقل ُعقال‪ :‬الن ُ‬‫ُ‬
‫عن الجراءة‪ ،‬الن ال ُعقال َظلع يكون بالبعير ساعة ثم ينشط‪.‬‬
‫ُ‬
‫ورئبال)‬ ‫لم يجتمع ل ُه ُم حل ٌم‬ ‫(إذا العدا نشبت فيهم مخالبُه‬
‫هذا تفسير للبيت األول‪ ،‬واعتذار من تلقيبه (المجنون)‪ .‬يقول‪ :‬فهو في الحرب أسد‪ ،‬واألسد ال يُوجد عنه الحلم‪،‬‬
‫الحلم‪ ،‬كما ال يالم األسد‪ ،‬وال ي َّ‬
‫ُسمين (مجنونًا) النه قد تحول في الحرب عن طبيعة‬ ‫فال يُالمن في عدمه ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬إلى طبيعة األسد‪ ،‬وإنما كان يسمى (مجنونًا) لو فارق الحلم وهو في النوع اإلنساني‪ ،‬فال يصح عليم‬
‫اسم الجنون كما ال يصح على األسد‪.‬‬
‫والرئبال‪ :‬األسد يُهمز وال يهمز‪ .‬وليس ترك الهمز فيه على التخفيف القياسي‪ ،‬إذ لو كان كذلك لم يقل في‬
‫الرئبال والريبال‪ .‬إنهما لُغتان‪ ،‬كما ال قول في (ذيب‪ ،‬وذئب) أنهما لغتان‪ .‬وذلك أن تحقيق الهمز وتخفيفه ال‬
‫يُسمى فيهما لغة‪ ،‬ما دام التخفيف قياسًا‪ ،‬إذ التخفيف على القياس في فئة المحقق‪ .‬ويدلك على أن (ريباال) ليس‬
‫(ريباال) على التخفيف‪ ،‬لقيل في جمعه‬‫بتخفيف قياسي‪ ،‬وإنما هي لغة قولُهم في جمعه‪َ :‬ريابيل‪ .‬فلو كان ِ‬
‫(رآبيل) الن العلة التي كانت تقلب الهمزة ياء‪ ،‬وهي الكسرة في رئبال‪ ،‬وقد زالت في حد الجمع‪ ،‬وعاقبتها‬
‫الفتحة‪ .‬وينبغي أن يكون وزن الكلمة (فِعالال)‪ .‬وإن كانت الياء ال تكون أصال في بنات األربعة‪ ،‬وأمثال ذلك‬
‫إن كانت زائدة كان في الكالم فِي َعال‪ .‬وهذا بناء قد نقاه سيبويه عن األسماء‪ ،‬إنما هو للمصادر‪.‬‬
‫(ريبا ً‬
‫ال) فجعلنا الياء في ِه أصال لعدم (فِي َعال) في االسم‪ ،‬كما حملت الضرورة سيبويه‪،‬‬ ‫فلما كان ذلك أشذذنا ِ‬
‫ال‪ ،‬وإن كانت الواو ال تكون أصال في بنات األربعة‪.‬‬ ‫(و َرنتل) أص ً‬‫على أن يعتقد الواو في َ‬
‫(ر ئبال) بفتح الراء فإذا جاز ذلك‪ ،‬فالياء حينئذ زائدة وليست من لفظ رئبال‪ ،‬ولو أسعده‬ ‫ومن العرب من يقول‪َ :‬‬
‫الوزن والقافية فقال (حل ٌم ورأبلة) لُيوفق بين المصدر والمصدر‪ ،‬لكان أذهب في الصنعة‪.‬‬
‫فقد قالوا‪( :‬ما اشد رأبلته)‪ .‬وحكى ابو زيد عن العرب‪ :‬خرج ال ُمترأبلُون (وهم المتلصصون) لي ً‬
‫ال كاألسد‪.‬‬
‫واستجاز أن يجعل لفاتك مخالب‪ ،‬وإنما المخالب للسبُع‪ ،‬لكن سوغه ذلك جعلُه إياه رئباال‪ .‬والرئبال ذو مخالب‪،‬‬
‫الن المِخلب للسبُع كالظ ُفر لإلنسان‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫فما الذي بتوقي ما أتى نالُوا)‬ ‫(أنال ُه الشرف األعلى تق ُد ُمـ ُه‬
‫وجرأته‪ ،‬فنال بهما الشرف‪ ،‬على أن الجود يفقر‪،‬‬ ‫اي توخي التقدم في جوده ُ‬
‫والجرأة تُهلك‪ .‬فما الذي ناله غيره بتوقيه القفر إن جادَ‪ ،‬والموت إن أقدم؟ وله‬ ‫ُ‬
‫ايضا‪:‬‬
‫ـراب‬
‫ُ‬ ‫األشيهب وال ُغ‬
‫ُ‬
‫( َوصلت إليك يدٌسواء عندها البازى‬
‫األبـقـ ُع)‬
‫يعني بذلك الموت‪ ،‬جعل له يدًا‪ ،‬لقولهم‪ :‬أخذه الموت إذا األخذ أكثر ما يكون باليد‪ .‬ولذلك َسموا ال ُقوة يدًا‪ ،‬ألنها‬
‫األبقع)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫األشيهب وال ُغ ُ‬
‫راب‬ ‫ُ‬ ‫إنما تكمل باليد‪ ،‬اوقعوا اسم الجارحة على ال َع َرض‪ .‬وقوله‪( :‬سواء عندها البازى‬
‫ال لألرفع‪ ،‬والغراب األبقع مثال لألوضع‪ ،‬اي الموت يُسوى بين الفاضل والمفضول‪ ،‬والرفيع‬ ‫ضرب البازي مث ً‬
‫ُ‬
‫والوضيع‪ ،‬حتى ال يفرق بينهما‪ ،‬بل هما متساويان فيه‪ ،‬وكالهما طعمة لفيه‪ ،‬فهو نحو قول اآلخر‪:‬‬
‫لم يُعرف المولى من العب ِد‬ ‫ُ‬
‫أغطية الثرى‬ ‫لو ُكشفت للناس‬
‫اي قد استويا في التغير بالمنزلةز ونحو قول المتنبي ايضا‪:‬‬
‫نوس في ِطـبـه‬
‫مِيتة جال ُي َ‬ ‫ُ‬
‫يموت راعي الضأن في جهل ِه‬
‫وقوله‪( :‬سواء عندها)‪ :‬خبر مبتدأ مقدم‪ ،‬والبازى األشيهب‪ ،‬مبتدأ‪ .‬وانما آثرنا ذلك‪ ،‬الن (سواء) نكر ٌة وإن‬
‫تقوى بقوله‪( :‬عندها)‪ .‬و (البازى األشيهب) معرفة‪ .‬وإذا اجتمع معرفة ونكرة فالمبتدأ المعرفه‪ ،‬والخبر النكرة‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬حين فرغ من الجر‪( ،‬وإنما جعلت هو‬‫ُ‬ ‫أال ترى أن سيبويه لما قال في قوله‪ :‬مررت برجل سواء هو‬
‫مبتدأ‪ ،‬حذرًا أن ي ُوهمك أن (سواء) هو المبتدأ)‪.‬‬
‫وقطع ألف الوصل في قوله‪( :‬والبازى األشيهب) النه في أول المصرع الثاني‪ ،‬فكأنه آخذ في بيت آخر‪ .‬وهذا‬
‫مما أجازه سيبويه في األنصاف خاصة‪ .‬قال‪ :‬إن األنصاف مواضع ُفصول وأنشد‪:‬‬
‫جـمـال‬
‫ِ‬ ‫القدر يُنزلُها بغير‬ ‫وال يُبادُر في الشتاء ولـيُدنـا‬
‫واألذر ُع)‬
‫ُ‬ ‫وأ َوت إليها ُسو ُقها‬ ‫ثمر السياط َوخيلُ ُه‬ ‫ْ‬
‫تصالحت ُ‬ ‫( َو‬
‫ثمر السياط‪ُ :‬ع قد عذباتها‪ .‬وقيل‪ :‬أطرافها‪ ،‬وهو الصحيح‪ .‬وجعل الثمر لها تنممي استعارة‪ ،‬وحسن ذلك أن‬
‫الثمرة إنما تكون في طرف العود‪ .‬وإما ما ُروى عن مجاهد في قوله تعالى‪( :‬وكان له ثمر) من أن (الثمر)‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬فإنما هو عندي على التفاؤل وذلك أن الذهب والفضة جماد‪ ،‬والجماد ال ينمي والثمر نام‪،‬‬
‫فسمي هذا الذي ال ينمى باسم الذي ينمى تفاؤال‪ .‬يقولم إنه كان يُديم ضرب الخيل بالسياط‪ ،‬لحرب عدو‪ ،‬او‬
‫ُ‬
‫لمحاولة فتنة‪ ،‬او لطرد قنص‪ ،‬فكأن السياط كانت محاربة للخيل تؤلمها‪ ،‬والخيل محاربة لها‪ ،‬بكراهتها إياها‪،‬‬
‫ال إلى الحرب‪ ،‬وال نهب‪ ،‬وال طرد‪ ،‬فكأن ثمر السياط قد صالحت خيله‬ ‫يزج ُر خي ً‬
‫فاآلن إذا مات لم يبق من ُ‬
‫حتى سكنت إليها سوقها وأذرعها‪ ،‬لما فقدته من ضربها‪ .‬وقوله‪ :‬أوت‪ :‬اي رجعت آمنة لها‪ ،‬ساكنة إليها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫الظلم َوما ُسرا ُه على ُخف وال َقـدَم)‬
‫ِ‬ ‫نحن نُساري النجم في‬
‫(حتأم ُ‬
‫يعجب من طول مساراته للكواكب‪ ،‬على أن ُسراه هو متكلف‪ .‬وسرى الكواكب طبيعي فيقول‪ :‬كيف أقدر بهذه‬
‫الس رى المتكلفة على مسايرة النجم ونحن على خف وقدم‪ ،‬وكالهما حيوان‪ ،‬وذلك نور يسير بجرية الفللك؟‬
‫ُّ‬
‫وحذف األلف من (ما) الن (ما) إذا اتصلت بحرف الجر في حد االستفهام حذفت منها األلف‪ ،‬فحتى بمعنى‬
‫إلى‪ ،‬فكانه قال‪( :‬إلى ما؟) إلى إلى اي وقت؟‬
‫غريب بات لَم َينم)‬
‫ٌ‬ ‫الرقا ِد‬
‫فقد ُّ‬ ‫حس بأجفان يُحس بها‬ ‫(وض َ‬
‫اليُ ُّ‬
‫السرى عليه‪ ،‬وهوانها لديه‪ ،‬ال يُمنع رقادًا كما نمنعه نحن‪ ،‬فكلفتنا أشد‪ ،‬بل ال ُكلفة لنا‬‫اي والنجم مع خفة ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خاصة‪ .‬ومعنى قوله‪( :‬فقد الرقاد)‪ :‬لطيف‪ ،‬الن ما ليس في طبعه أن َيرقد‪ ،‬ال يقال فيه (فقد ُرقادًا) وإنما اراد‬
‫أن النجم ليس بحيوان يغذوه النوم‪ ،‬ويُصلح شأنه‪ ،‬فإذا سرى فق َد الرقاَ فآذاه ذلك‪ .‬وقوله‪( :‬وال بحس بأجفان)‪:‬‬
‫الروح‪.‬‬
‫نَفي عنه األجفان‪ ،‬الن الجفن إنما لذي ُّ‬
‫السهر‪ .‬وبنفي هذا العضو الجسماني‪ ،‬أخرج‬ ‫رى‪ ،‬ويضره َّ‬ ‫فيقول‪ ،‬ليس النجم بذي ُروح فيكون له جفن ينف ُعه ال َك َ‬
‫النجم من النوع الحيواني‪.‬‬
‫الغيم منه سار في‬
‫سار في ِ‬
‫ما َ‬ ‫نتر ُك الماء ال ينفك مـن‬
‫( َو ُ‬
‫األدم)‬
‫ِ‬ ‫سـفـر‬
‫ٍ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫أما سيره في األدم‪ ،‬وهي األدواي‪ ،‬فلعمري إنه لهم وبإرادتهم‪ .‬وأما سيره في الغيم‬
‫فل ُمجريه ومنشئه سبحانه‪ .‬لكنهم لوال أنهم أودعوه َمزا َد ُهم‪ ،‬وجعلوه زادهم‪ ،‬لم ُ‬
‫يك‬
‫ال في التراب‪ ،‬فلما كان إدامة‬ ‫دَهره كله مسافرًا‪ ،‬ولكان مسافرًا في السحاب‪ ،‬وحا ً‬
‫يرين‬
‫الس ِ‬ ‫زود هؤالء اياها‪ ،‬صار كأن كال َّ‬ ‫سفر الماء إنما هو بكونه في السحاب‪َ ،‬و َت ُّ‬
‫بملكهم‪.‬‬
‫وقيل؛ لما كان َحمله في المزاد نتيجة كونه في الغيم‪ ،‬جعلوا السبب والمسبب‬
‫كالشيء الواحد‪ .‬ومثله في القرآن والشعر والكالم كثير‪.‬‬
‫بالجم)‬ ‫الج ُ‬
‫دل ال ُمرخا َة‬ ‫ُ‬
‫عارض ُ‬ ‫سرحـية تُ‬‫ً‬ ‫( َت ِ‬
‫برى ل ُهن نعا ُم الدو ُم‬
‫ِ‬
‫َتبرى‪ُ :‬تعارض‪ .‬ونعام الدو‪ :‬يعني به الخيل‪ .‬وبقوله‪ُ ( :‬مسرحية)‪ :‬فصلها من النعام ال َوحشي‪ ،‬الن نوع النعام ال‬
‫والجدُل‪ :‬جمع َجديل‪ ،‬وهو حبل مفتول من أدم‪ ،‬يكون في ُعنف الناقة والبعير‪.‬‬ ‫يُسرج اذ ال يُركب‪ُ .‬‬
‫يقول‪ :‬فإبلُنا طوال العناق كخيلنا‪ ،‬فأعناقها تُعارض أعناق الخيل‪ ،‬وأقام ُ‬
‫الجدل واللجم ُمقام األعناق‪ ،‬الن فيها‬
‫دليال عليها‪ ،‬إذ ال يكون إال هناك‪ .‬وما احسن ذكر اللُّجم مع قوله‪ُ ( :‬مسرحيةً)‪.‬‬
‫ثم)‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫(تبدو لنا ُكلما ألقوا عمائم ُهم‬
‫خثلقت ُسودًا بال ل ِ‬ ‫عمائم‬
‫يصف غلمانه‪ ،‬ويذكرهم بالمروءة‪ .‬يقول‪ :‬كلما َسفروا عمائمهم بدت لنا عمائم ُسود‪ ،‬يعني لمهم‪ ،‬واثبت العمائم‬
‫لهم‪ ،‬الن العمائم على الهام‪ ،‬وشعور ال ُمرد انما هي هناك‪ .‬ونفي اللثُم عن عمائمهم التي عنى بها الشعر‪ ،‬الن‬
‫اللثام ما سال على الخد من العمامة‪ .‬وهؤالء ُمر ٌد ال شعور في خدودهم‪ ،‬فتص شعور رؤسهم فلذلك جعل اللمم‬
‫عمائم (بشعور رؤسهم) دون لثم‪ ،‬وهذا مليح جداً‪.‬‬
‫الطير في البُ َه ِم)‬
‫ِ‬ ‫صياح‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وكانت غير ناطق ٍة فعل ُموها‬ ‫( ُ‬
‫ناشوا الرماح‬
‫تنوش الخوض نوشًا من ع َ‬
‫ال)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫النوش‪ :‬التناول‪( .‬باتت‬
‫وفي التنزيل‪( :‬وأني لهم التنَا ُو ُ‬
‫ش) اي التناول للنجاة‪ ،‬والبُهم‪ :‬الشجعان‪ ،‬واحدهم بُهمة‪ .‬يقول‪ :‬تناولوا الرماح‬
‫رس في حال تناولهم إياها‪ ،‬فدقوها في األبطال‪ ،‬حتى صاحت صياح الطير‪ ،‬فحكى بذلك نغمة‬ ‫وهي ُخ ٌ‬
‫انكسارها في المطعون بها‪ ،‬كقول اآلخر‪:‬‬
‫بنات الماء أصبحن ُجوعا‬
‫ياح ِ‬‫ص َ‬
‫الردينيات فينـا وفـيهـ ُم ِ‬
‫تصيح ُّ‬
‫ُ‬
‫وقوله‪( :‬وكانت غير ناطفة‪ ،‬فعلموها صياح الطير)‪ :‬يشعر أنها ناطقة إذا صاحت‪ .‬وهذا مقطع شعري‪ ،‬الن‬
‫الصياح ليس بمنطق‪ .‬وإنما المنطق عبارة عن النطق المتصور في النفس‪ ،‬وهي الفكرة الباعثة على المنطق‪.‬‬
‫ْر) فإنما ذلك على أن اهلل تعالى قد جعل للطير ما تعبر به عن ذواتها‪ ،‬إال‬ ‫(علِّ ْمنا َم ْن ِط َق َّ‬
‫الطي ِ‬ ‫فإما قوله تعالى‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫أن ذلك ال يتأدى إلينا نحن‪ ،‬وإنما خص لفهمه سليمان صلى اهلل على محمد وعليه‪ ،‬وذلك انه فهم من نَغم‬
‫الطيور ما نفهمه نحن في هذا النوع اإلنساني بالمنطق‪.‬‬
‫هل‬
‫ؤال عن ِ‬
‫أجاب كل ُس ٍ‬
‫َ‬ ‫( َم ِن اقتضى بسضوى الهندِى‬
‫بـلـم)‬
‫ِ‬ ‫َحاجت َه‬
‫اي من اقتضى حاجته أوسألها من غير أن يُعمل إلدراكها سيفًا او رمحًا‪ ،‬لم تُقض له‪ .‬فكلما قيل له‪ :‬هل‬
‫قضيت حاجتك او أدركتها‪ ،‬كان جوابه لم أقض ولم أدرك‪ ،‬وإنما يدرك حاجته من اقتضاها بالسيف والرمح‪.‬‬
‫فم ودم‪ .‬إن شئت قلت‪ :‬اراد (لَ ْم) بسكون‬
‫وجعل (هل)‪ ،‬و (لم) اسمين للحرفين‪ ،‬فصرفهما‪ ،‬ألنها على شكل ٍ‬
‫الميم‪ ،‬ثم تصور الوصل فالتقى له ساكنان‪ ،‬فحرك الميم اللتقاء الساكنين‪ ،‬وكان يجب أن يقول‪ :‬أجاب كل‬
‫سؤال بهل‪ ،‬الن السؤال ليس عن هل‪ ،‬إنما المبحوث بهل عن غيرها‪ ،‬كقولك‪ :‬هل في العالم خسوف قمر‪،‬‬
‫فالسؤال إنما وقع عن الخسوف القمري بهل‪ ،‬ال عن هل وهي عند أصحاب المنطق أول منازل البحوث‪ ،‬ألنها‬
‫إنما يُسأل بها عن اآلنية لكن لما كانت هل منتظمة للقضية المسئول بها عنها وكانت تلك يتعدى السؤال إليها‬
‫بعن‪ ،‬استجاز أن يجعل السؤال عن (هل) اضطرارًا‪.‬‬
‫(ع ْن) مكان الباء‪ ،‬الن حروف الجر يبدل بعضها من بعض كثيرًا‪ .‬وحسن له ذلك‪ ،‬انه لو‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬أبدل َ‬
‫بلم) توالت الباء في الحرفين‪ .‬فهذا ما يعتذر له به‪.‬‬
‫هل ِ‬‫أسعده الوزن فقال‪َ ( :‬ب ٍ‬
‫وخص الهدي‪ ،‬وهو السيف‪ ،‬بتبليغ األمل دون الرمح‪ ،‬الن العمل بالسيف أدل على االجتهاد‪ ،‬وأوصل إلى‬
‫المراد‪ ،‬كقوله هو‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫ُ‬
‫البيض الخفاف‬ ‫مفاتيحه‬
‫النصر العلى فإنـمـا‬
‫َ‬ ‫طلب‬
‫ومن َ‬
‫الصوار ُم‬
‫صنا قـوائمـهـا عـنـ ُهـم‬ ‫(ُ‬
‫ْ‬
‫ـــــــت‬ ‫ما و َقــــ َع‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫َم ِواقع اللُؤم في األيدي وال ال َكرم)‬
‫ويروى (وال الكزم) فمن رواه وال الكرم‪ ،‬فمعناه‪ :‬لم يقبض على قوائمها قبض‬
‫اللئيم يده‪ ،‬اجتهادًا في محاربتهم‪ ،‬وذلك لقلتهم عندنا‪ ،‬ولصوننا سيوفنا عنهم‪ ،‬ولم‬
‫ن ُمد بها إليهم صفحات أكفنا‪ ،‬كما يتوعد المشير إلى سيفه‪ ،‬باسطًا يده كما يبسطها‬
‫الكريم‪ ،‬بل َح َقرناهم على الحالين معًا‪ ،‬فلم نُعمل فيهم السيوف كذا وال كذا‪.‬‬
‫من رواه ال َك َزم‪ :‬اراد‪ :‬لم نشدُد أيدينا عليها َش َّد اللئيم األكزن‪ ،‬وهو الذي قصر‬
‫وجع ُد البنان‪ ،‬وقولهم في ضده‪ُ :‬‬
‫سبط البنان‪.‬‬ ‫اللؤن أصابعه‪ ،‬كقولهم فيه‪َ :‬ك ُّز البنان؛ َ‬
‫والرواية األولى اعلى‪.‬‬
‫ُخضرًا فراسنُها في ُّ‬
‫الرغل‬ ‫الركاب بنا بيضًا‬
‫ُ‬ ‫(تخذى‬
‫والينم)‬ ‫شافرهـا‬
‫َم ُ‬
‫الرغل والينم‪ :‬نبتان‪ .‬إما ابيضاض مشافرها فإنهم ال يهنئونها الرعي‪ ،‬من حثهم إياه‪ ،‬ومواقعتهم السير‪ ،‬فال‬
‫تبلغ من الرعى اليسير أن تخضر مشافرها‪ ،‬إنما كانت تخضر لو أنعمت الرعى‪.‬‬
‫ويدلك على صحة ما ذهبنا إليه قولُه‪:‬‬
‫منبت ال ُعشب نبغِى َمن َ‬
‫ِبت‬ ‫عن ِ‬ ‫‪.......‬‬
‫ال َك َر ِم‬ ‫ـربُــهـــا‬ ‫ن ْ‬
‫َـض ِ‬
‫دعها عن الرعى‪ ،‬ويحثها على المشي‪.‬‬ ‫أوال تراه يصفها بأنه ي َق ُ‬
‫فراسنِها فإلدامتها السير في الكأل‪ ،‬وأنواع النبات األخضر‪ .‬وخص الرغل وال َينَم ألنها مما يغلب‬
‫وإما اخضرا ِ‬
‫على منابت ال َحمض‪.‬‬
‫ـم)‬‫قظات ال َع ِ ُ ُ‬
‫فإنما َي ُ‬ ‫صر ما َّ‬
‫ين كالحـل ِ‬ ‫منظر ُه‬
‫ُ‬ ‫شق‬ ‫( َهون على َب ٍ‬
‫اي ما شق عليك النظر إليه‪ ،‬والمشاهدة له‪ ،‬من أنواع المكاره فهونه على عينك‪ ،‬فكل موجود معدوم بعد‬
‫وجوده‪ ،‬كان خيرًا او شرًا‪.‬‬
‫ُ‬
‫كالحلم) اي كل ما تشاهد في اليقظة في قلة الدوام‪ ،‬في منزلة ما يُشاهد في األحالم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬فإنما يقظات العين ُ‬
‫وإن شئت قلت إن المشاهدة في اليقظة غير حقيقة‪ .‬كا أن مشاهدة ما في ال َمنام كذلك‪ ،‬مبالغة بقلة تحقيق‬
‫األشياء‪ .‬والقول األول أسوغ وأبلغ‪.‬‬
‫اختضبت أخفاَ ُفهـا‬
‫ْ‬ ‫إلى من‬ ‫(ما ُ‬
‫زلت أضحكك إبلى كلما‬
‫بـدم)‬
‫ِ‬ ‫نظرت‬
‫يذهب إلى احتقار كافور حتى إن إبله لتزدري مقصوده‪ ،‬فتضحك منه ومن القاصد‪ .‬يقول‪ :‬إلى مثل هذا‬
‫من اختضبت أخفافها بدم إليه فحذف الجار‬
‫الصنف اعمالنا وجهدنا‪ ،‬حتى اختضبت بالدم أخفافها‪ ،‬واراد إلى ِ‬
‫والمجرور‪ ،‬وحسن حذف ذلك‪ ،‬ألن إلى قد ظهرت في الكالم‪ ،‬وان لم يكن من سبب تلك المحذوفة‪ .‬ونحوه ما‬
‫أنشده سيبويه‪:‬‬
‫إن لم َيج ْد يوماُ على َم ْن يتَّك ْ‬
‫ِل‬ ‫إن الكريم وأبـيك َيعـتـمِـل‬
‫اراد يتكل عليه‪ .‬ونسبة الضحك إلى اإلبل ٌ‬
‫مثل شعري غير حقيقي‪ ،‬الن الضحك خاصة لإلنسان‪ ،‬والخاصة ال‬
‫تتعدى مخصوصها‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫مر عن ُسمر القنا غير أنني جناها أحبائي وأطرا ُفها ُرسلي)‬
‫وبالس ِ‬
‫( ُّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ُ‬
‫ذكرت البيض في‬ ‫يُغرب بذاته في العشاق‪ ،‬وبحبائبه في المعشوقات‪ .‬اي أنه ال نظير له في الحب‪ ،‬ألني إذا‬
‫تجنيها لي من‬‫السمر؛ فإنما إعنى الرماح‪ ،‬ولكن إنما أحبائي‪ ،‬األرواح التي ْ‬
‫اعن النساء‪ ،‬واذا ذكرت ُّ‬
‫شعري‪ ،‬لم ِ‬
‫الر ُسل إلى األحباب‪ .‬اي إنما أتوصل اليها بها‪،‬‬
‫أجسام أعدائي‪ ،‬وأطرافها ُرسلي‪ ،‬اي أسنتها هي التي تقوم مقام ُّ‬
‫كما أتوصل إلى المحبوب بالرسول‪.‬‬
‫وجعل أرواح عداه جنى على المثل‪ ،‬ألنها حياة في الحقيقة‪ ،‬ألن الحياة نوع من النامي‪ ،‬والروح عندنا ليس‬
‫بنام‪ ،‬واراد ُر ُسلي فخفف‪ ،‬وهي لغة تميم‪.‬‬
‫وال بلغتها من شكى الهجر‬ ‫بالهجر‬
‫ِ‬ ‫( َفما َح َرمت حسناء‬
‫بالوصل)‬
‫ِ‬ ‫غبـطـ ًه‬
‫ويُروى (بما َح َر َم ْت حسناء)‪ .‬نهى عن الحرص على النساء‪ ،‬اي إذا هجرتها ثم‬
‫وصلتها كنت أحسن موقعًا عندها‪ ،‬وأنشط لها‪ ،‬فزادت الغبطة‪ .‬فإذا لم َتحرم هي‪،‬‬
‫فهجرتُك اياها إذا عادت الغبطة بوصلك لها‪ ،‬بعد هجرك إياها؛ أبلغ‪ .‬وإذا شكوت‬
‫إليها الهجر وتذللت‪ُ ،‬هنت عليها‪ ،‬فمنعتك وصلها‪ ،‬واما رواية من روى (فما‬
‫مت َحسناء) وهي الصحيحة‪ ،‬فمعناه‪ :‬لم تحرم امرأة محبوبة محبها غبطة‬ ‫َح َر ْ‬
‫بهجرها إياه‪ ،‬وال بلغت شاكيًا شكى إليها هجرًا غبط بوصلها اياه‪ .‬يذهب إلى‬
‫التهاون بأمر النساء‪ ،‬اي إنهن ال ُيتحن بهجرهن لك عدم غبطة‪ ،‬وال بوصلهن إياك‬
‫لغت ُمحبها غبطة‬ ‫وجودها‪ .‬والهاء في قوله‪َ :‬بلَّغَتها‪ :‬عائدة إلى الغبطة‪ ،‬اي وال َب ْ‬‫ُ‬
‫(من) في موضع نصب ألنه مفعول ثان لبلغت‪.‬‬ ‫يوصلها له‪ .‬و ْ‬
‫وإن شئت كان ( َم ْن) هو المفعول األول‪ ،‬و (ها) من (بلغتها) هو المفعول الثاني‪.‬‬
‫وهذا كما تقول‪َ :‬ك َس ْو ُت زيدًا الثوب‪ ،‬وكسوت الثوب زيدًا‪ .‬و (حسناء) ها هنا‪:‬‬
‫صفة أقيمت مقام الموصوت‪ ،‬اي امرأة حسناء‪ .‬وقد غلبت هذه الصفة َغلَبة‬
‫األسماء‪ ،‬وهي من باب (فعالء) التي ال أفعل لها من جهة السماع‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫مصور لبس الحرير ُمصورا)‬
‫ٍ‬ ‫هري َغدا بُ‬
‫عس الم َهارى غير َم ٍّ‬ ‫( َت َ‬
‫تعس ال َمهاري‪ :‬دعاء على نوع المهاري‪ ،‬وهي إبل منسوبة إلى مهرة ابن حيدان‪ .‬وإنما دعا عليهن‪ ،‬ألنهن‬
‫انتعشن‪ .‬ثم استثنى منها (ال َمهري) الذي ركبته‬
‫َ‬ ‫عة ما بين الحبيبين‪ ،‬اي أتعس ُهن اهلل فال‬ ‫البين‪ ،‬و ُم ٍّ‬
‫قط ٌ‬ ‫ُجن ُد َ‬
‫محبوبتُه‪.‬‬
‫وقد كان أولى أن يُدعى عليه من سائر المهاري‪ ،‬النفراده بالحبيب‪ ،‬وحمله إياه‪ ،‬لكن استثناه‪ ،‬ألنه يحمله‪ ،‬فيقيه‬
‫الرجلة‪ ،‬وما يلحق معها من الكسل وال َكلَل‪ .‬وقوله‪( :‬بمصور)‪ :‬اي بستر ُرقم عليه صورة شخص قد لبس‬ ‫ُّ‬
‫حريرًا مصورًا‪ ،‬ومن عادة عقائل العرب َرقم الحجال‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫حطـم‬
‫ِ‬ ‫حب الفنَا لم يُ‬
‫َزلن به ُّ‬
‫ن َ‬ ‫منزل‬
‫ٍ‬ ‫كأن ُف َ‬
‫تات العِهن في كل‬
‫وذلك أن حب ال َفنا أخكر‪ ،‬مالم ي ُكسر ذهبت حمرته‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪( :‬بمصور)‪ :‬يعني هودجًا عليه حرير مصور‪ ،‬وإنما جعل الهودج مصورًا‪ ،‬ألنه ذو شكل‪ُ ،‬‬
‫وكل‬
‫شكل ُمصور‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لو ُكنتُها لَ ُ‬
‫خفيت حتى يظهرا)‬ ‫صور ًة في سترها‬ ‫ُ‬
‫نافست فيه ُ‬ ‫(‬
‫صورة‪ .‬فيقول‪َ :‬ح َسدت هذه الصورة على قربها منه‪ .‬فلو كنت مكان‬ ‫كان دُون هذا المحبوب ستر فيه ُ‬
‫فزلت عن وجهه‪ ،‬ليزول الستر‪ ،‬فتظهر للعيون‪.‬‬ ‫الصورة‪ ،‬أو كنت إياها‪ :‬لَ َخف ُ‬
‫ِيت ُ‬
‫فإن قلت‪ :‬ال يلزم زوال الستر الحامل الصورة‪ ،‬لمكان زوال الصورة‪ ،‬ألن الصورة تخطيط موضوع فيه‪،‬‬
‫والتخطيط َع َرض‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬لو ارتفعت الصورة المنتقشة في ذات الستر‪ ،‬الرتفع الجوهر الحامل لها‪ .‬وإنما ارتفاع التخطيط عن‬
‫المخطوط‪ ،‬وبقاء الجوهر بعد ذلك ُم َت َوه ٌم ال َم ُ‬
‫وجود‪.‬‬
‫وإذا تأملت البيت فهو شعري ال حقيقي‪ ،‬الن من الصور الموضوعية في الثياب ما يمكن إزالته‪ ،‬ومنها ماال‬
‫يمكن‪ .‬وأحسن مافي ذلك أن يقال‪ :‬إن المتنبي عنى الصورة بالخرقة الحاملة لها‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫تترب األيدي ال ُم ُ‬
‫قيمة فـوقـ ُه كِسرى ُمقام الحاج ِب ِين وقيصرا)‬ ‫ال ِ‬ ‫(َ‬
‫سرى‪ :‬لغتان‪ .‬واختار ابن السكيت الكسر‪ .‬وقالوا‪َ :‬ترب الرجل‪ :‬قل مالُه‪ ،‬وأترب‪ :‬كثر ماله‪ .‬اي ال‬‫ِسرى و َك َ‬
‫ك َ‬
‫تفتقر األيدي المصورة التي أتقنت هذه الصورة صنعًا‪ ،‬وأجادتها وضعًا‪ ،‬فأقامت كسرى وقيصر ملكي فارس‬
‫والروم لها ُمقام الحاجبين‪ ،‬فحجباها وإنما عنى بذلك صورتيهما ال ذواتهما‪ ،‬الن ذلك ليس في اإلمكان‪ ،‬إذ‬
‫الصورة الصناعية ال تقبل طبيعة الحيوان‪.‬‬
‫لمنعت كل سحاب ٍة أن ُ‬
‫تقطـرا)‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫استطعت إذا اغتدت ُرواد ُ‬
‫ُهم‬ ‫(ولو‬
‫الرواد ليخبروهم بمواقع الماء‪،‬‬‫الروادُ‪ :‬منتجو الكأل‪ ،‬وافتراق العرب من حاللها إنما هو للنجعة بهم‪ ،‬يقدمون ُّ‬
‫ُّ‬
‫في مواضع الكأل‪ .‬وفي المثل‪( :‬اليكذب الرائ ُد أهله)‪ .‬فإذا أخبرهم بوجود ذلك َظعنوا‪ .‬وان أخبرهم بعدمه‪،‬‬
‫الخضر‪ .‬فيقول‪ :‬لو كان في قوتي أن تطيعني‬ ‫سكنوا فلم يظعنوا‪ .‬فإذن إنما سبب الفراق نزول المطر‪ ،‬وظهور ُ‬
‫السحاب‪ ،‬لنهيتهن عن المطر‪ ،‬لئال يجد رائدهم أرضًا ُمخصبة‪ ،‬وال روضة ُمعشبة‪ ،‬يدعوهم إليها‪ ،‬ويدلُّهم‬
‫عليها‪ .‬فلو كان ذلك من قوتي لم يفارقوني‪.‬‬
‫ياح ببي ِن ْهم أن يُمطرا)‬ ‫السحاب أخو ُغراب فراقه ْم جعل َّ‬
‫الص َ‬ ‫ُ‬ ‫(فإذا‬

‫هذا البيت تفسير لألول‪ ،‬وهو عندي داخل في نوع التضمين‪ ،‬وإن لم يكن منه على‬
‫ُ‬
‫فوجدت س َب َبه إنما‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وذلك انه محمول على المعنى‪ .‬أراد‪ :‬ألني تأملت بينهم‪،‬‬
‫الح َجر فا ْن َف َجرت من ِه أثنتاَ‬
‫اك َ‬‫ص َ‬ ‫هو النُّجعة‪ .‬وهو كقوله تعالى‪َ ( :‬ف ُقلنا ْ‬
‫اض ِر ْب ب َع َ‬
‫َعئرة عينًا) اي فضرب فانفجرت‪ ،‬فكذلك اراد المتنبي‪ ،‬ألني تأملت فإذا األمر كا‪،‬‬
‫الن المطر إذا وافى‪ ،‬خرجوا في إثره منتجعين له‪ ،‬فصار السحاب بمنزلة ال ُغراب‪،‬‬
‫في أن أمطاره مشعرة بالبين‪ ،‬كما أن صياح الغراب معلن بذلك عن العرب‪،‬‬
‫وجعله إذن غراب فراقهم‪ ،‬ذهابًا إلى َشبهه به‪ ،‬الن األخوين في غالب األمر‬
‫متشابهان‪ .‬اي أقام السحاب واألمطار مقام صياح الغراب‪ ،‬في اإليذان بنواهم‪،‬‬
‫وبُعد مثواهم‪ .‬و (ج َعل) هاهنا‪ ،‬بمنزلة صير‪ ،‬فهي متعدية إلى مفعولين؛ كما أن‬
‫صير كذلك‪ .‬وذكر السحاب ألنه مما ليس بينه وبين واحده إال الهاء‪ .‬وسوغ‬
‫شكل واحداه‪.‬‬
‫التذكير في هذا الضرب من الجمع خروجه إلى ِ‬
‫وج ُ‬
‫ؤذرا)‬ ‫أسبى مها ًة للقلوب ُ‬ ‫وض إال أنها‬ ‫(يحم ِْلن مِثل َّ‬
‫الر ِ‬
‫شبه ما علال الهوادخ من الحرير المزين‪ ،‬والوشيب الملون؛ بالروض الذي سارت فيه إبلُهم‪ ،‬في َتزاهي‬
‫ُ‬
‫عقائل الخمائل األريضة والحقوف المريضة؛ كقول ابن‬ ‫نواويره‪ ،‬وتخايُل أزاهيره‪ .‬والمها‪ :‬وهي بقر الوحش؛‬
‫مقبل يصف بقرة وحشية‪:‬‬
‫َر َخ َ‬
‫اخ الثرى واألقحوان ال ُمديما‬ ‫رمـل فـي ُحـقٌـوفـه‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫عقبلة‬
‫فلما جعل الوشى وما على الهوادج من صنوف الرقم بمنزلة الرياض‪ ،‬جعل ما يس ُتره من النساء بمنزله ال َم َها‬
‫وجؤذرا‬ ‫النجل وال َكحل‪ .‬ثم استثنى فقال إال أن ما على الهودج من هذه المها أسبى مها ًة ُ‬
‫ِ‬ ‫والجآذر‪ .‬وذلك في‬
‫رن في الروض بمثل نقوشه‪ ،‬من ر ُقوم ال َهوادج‪،‬‬
‫للفؤاد‪ ،‬من هذا الروض الباقي‪ .‬فكأنه قال في كل ذلك‪ِ :‬س َ‬
‫وح َملن مثل وحشها من رباتها كقول البحتري‪:‬‬
‫َ‬
‫أغصان به و ُقـدو ِد‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أعطاف‬ ‫لما مشين بذي األراك َتشابهت‬
‫ووشى بُرو ِد‬
‫ُ‬ ‫وشى ُربًا‬
‫وشيان ُ‬ ‫في ُحلتي ِحبر َوروض فالتقى‬
‫ومثله قوله؛ أعنى المتنبي‪:‬‬
‫الغانيات َو َرن ُد ُه‬
‫ِ‬ ‫اوح م ُ‬
‫ِسك‬ ‫َت َف َ‬ ‫األحداج فوق نباته‬
‫ُ‬ ‫ارت‬
‫إذا َس ِ‬
‫واراد‪ :‬أسبى مهاة للقلوب‪ ،‬وجؤذرًا منه فحذف (من) ومثله كثير‪.‬‬
‫الخ ْن َ‬
‫ص َرا)‬ ‫خاتماي ِ‬
‫َ‬ ‫وأنكر‬
‫َ‬ ‫ضعفًا‬ ‫ْ‬
‫نكرت قناتي راحتـي‬ ‫( َف ِبلَحظها‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫اي بُليت بعشقها حتى بليتن فضعفت راحتي‪ ،‬عن حمل قناتي‪ ،‬فأنكرتها كأن القناة تقول‪ :‬ليست هذه اليد التي‬
‫َعهدتها‪ ،‬وال القوة التي شهدتها؛ وكذلك دقت خنصري‪ ،‬ورقت عن خاتمي؛ حتى أنكرها‪ ،‬لما رأى فيها من‬
‫خالف ما كانت عليه‪ .‬وأراد‪ :‬وانكر خاتمي؛ فوضع االثنين موضع الواحد‪ ،‬كقول امرئ القيس‪:‬‬
‫ُشقت مآقيهما من أخر‬ ‫در ٌة َبـدر ٌة‬ ‫ٌ‬
‫وعين لها َح َ‬
‫ِر وأن َك َر‪ .‬لغتان فصيحتان؛ جمع بينهما في بيت واحد‪ .‬وهذا من‬
‫وهذا الضرب من االتساع وعكسه كثير؛ و َنك َ‬
‫غريب الصنعة الشعرية‪.‬‬
‫بحر جوهرا)‬
‫أليممن أجل ٍ‬ ‫الفضل المثبر أليتي‬
‫ِ‬ ‫(أمى أبا‬
‫َّ‬
‫(أليممن أجل بحر جوهرًا) واهلل او غير ذلك من‬ ‫اي اقصدى أيتها الخيل أبا الفضل؛ الذي لما حلفت فقلت‪:‬‬
‫أنواع المقسم به‪ ،‬ثم قصدته؛ فألقيته أجل البحور جوهرًا‪ ،‬أبر بذلك يميني‪ .‬وقوله أليممن أجل بحر‪ .‬تفسير‬
‫األلية‪.‬‬
‫أنى لما حلفت أل َيممن أسنى البحور جوهرًا‪ ،‬لم أعلم اي البحور هو وقد لزمتني األلية؛ فاستفتيت فقهاء األنام‬
‫ومتفلسفيهم؛ فأفتوا به وقالوا‪ :‬إذا يممت أبا الفضل ابن العميد‪ ،‬فقد َب َررت لنه أجل جوهرًا‪ ،‬وجاللة الجوهر‬
‫كناية عن جزالة العطاء ولو قال‪ :‬أفتى بأمه األنام فاتزن له؛ لكان أشد تطابقًا لما قبله؛ ولكن لم يستقيم فيه‬
‫أم وال رؤية‪.‬‬
‫الوزن‪ .‬وسوغ ذلك أنه إذا كانت رؤية فقد كان أم‪ .‬وهذا ال ينعكس‪ ،‬ألنه قد يكون ٌّ‬
‫ما َيلبسون من الحدي ِد ُمعصفرا)‬ ‫( َخنثى ال ُف ُحول من ال ُكماة بصبغ ِه‬
‫نثى‪ .‬وهو الذي ال يخلُص إلى اإلناثية‪ ،‬وال إلى ُ‬
‫الذكورية‪.‬‬ ‫(خنثى الفحول من الكماة)‪َ :‬خنَث اهللُ َ‬
‫الخنِث‪ :‬خلقه ُخ َ‬
‫والمعصفر‪ :‬من زى اإلناث‪ ،‬وذوى االنخناث‪ .‬فيقول‪ :‬صير ال ُفحول من الكماة إناثًا‪ ،‬بصبغة ما يلبسون من‬
‫الجبن‪ ،‬بما ألقى في قلوبهم من الرعب‪.‬‬
‫الدروع والجواشن والبيض بالدم‪ .‬فزياهم زي النساء‪ ،‬وألحقهم بهن في ُ‬
‫ُ‬
‫خالقك الرئيس األكبرا)‬ ‫َ‬
‫ودعاك‬ ‫( َفدَعاك ُحسدُك الرئيس وأمس ُكوا‬
‫َّ‬
‫كالخط يمأل مس َم َعي من أبصرا)‬ ‫صفاتُك في العيون كالم ُه‬ ‫( َخلَفت ِ‬
‫اي أن حسادك لم يجودا ُبدا من أن يدعوك رئيسًا‪ ،‬إذ لو َحجضدوا ذلك لما ُجو ِم ُعوا‬
‫عليه‪ ،‬وال ُطووعوا باإلجابة إليه‪ .‬لكن لم يبلغوا الغاية في إنصافك‪ ،‬حين لم يسموك‬
‫الرئيس األكبر‪ .‬وأنصفك خالقك‪ ،‬فدعاك بما قصروا هم عنه‪ ،‬فدعاك الرئيس‬
‫األكبر‪ .‬ثم أقام البرهان على هذه الدعوى الحقيقية‪ .‬فقال‪ :‬لك صفات توجب لك أن‬
‫تسمى الرئيس األكبر‪ ،‬فكأنها ُخط فيها حكاية قوله تعالى‪( :‬إنك رئيس) وإن كنت ال‬
‫تسمع‪.‬‬
‫والسحاب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تشرق‬ ‫الشمس‬ ‫تر ّد‬ ‫ترى ال َف ِ‬
‫ضبلة ال ُ‬ ‫( َو َ‬
‫َكنَهورا)‬ ‫ً‬
‫فـضـيلة‬
‫السمى وإشراق الشمس وتكاثف السحاب‪،‬‬ ‫كنهور كان من أعقاب ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ال َكنَهور‪ :‬السحاب المتراكم‪ :‬أنشد سيبويه‪:‬‬
‫فضيلتان ذديتان‪ .‬والضدان مختلفان؛ال مؤتلفان‪ .‬و ُم ْعتقبان ال ملتقيان‪ .‬وهذا الممدوح قد جمع إشراق الشمس‪،‬‬
‫بره‬
‫وتكاثف السحاب‪ ،‬ألنه مستبشر الوجه جميله‪ ،‬مستبشر النيل جزيله‪ ،‬فاإلشراق بشره وجماله‪ ،‬واألمطار ُّ‬
‫وأرحم ذي كِبد فجعله حسنًا سمحًا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأحسن ذي وجهٍ‪ ،‬وأسم ُع ذي ي ٍد وأشج ُع ذي قلب‪،‬‬ ‫ونوالُه‪ ،‬وهذا كقوله فيه‪:‬‬
‫بهذا‪ ،‬كوصفه إياه بالشمس والسحاب‪ ،‬فيقول‪ :‬ليت هذه الباكية التي أبكاها نواي عند وداعها إياي‪ ،‬شهدت ما‬
‫شهدته من هذه القضية‪ ،‬فتعذرني فيما رأتني عليه‪ ،‬من اجتماع النية‪ ،‬وإزماع الطية‪ ،‬إلى هذا الممدوح‪،‬‬
‫لمشاهدة ما فيه من األمر العجيب‪ ،‬والفضل الغريب‪.‬‬
‫والسحاب)‪ ،‬بدل من الفضيلة‪ ،‬وهو محمول على المعنى‪ ،‬الن معناه‪ ،‬فترك فضيلتين ال َت َترادان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫(الشمس‬
‫َ‬ ‫وقله‪:‬‬
‫والسحاب) لكان حسنا‪ ،‬لكنه تمم بقوله‪( :‬تشرق)‬
‫َ‬ ‫(الشمس‬
‫َ‬ ‫على ما هما به من كونهما نوعين متضادين‪ ،‬ولو قال‬
‫لقوله‪َ ( :‬كنَهورا)‪ ،‬في صفته‪ ،‬فإذا وقع التناهي‪ ،‬فكانت الشمس ُم ً‬
‫شرقة‪ ،‬والسحاب َكنَهورًا‪ ،‬لم يمكن اجتماعهما‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫آخر ذا اقتصادُه)‬ ‫َس َر ٌ‬
‫ف قال ٌ‬ ‫ٌ‬
‫نـائل أنـا مـنـ ُه‬ ‫( ُكلما قال‬
‫اي كلما استعظم منه نائل يُعد سرفا‪ ،‬أعقبه نائل أعظم منه َي ُع ُّد ذلك النائل األول الذي كان يستسرف اقتصادًا‪،‬‬
‫بإضافته إلى الثاني‪ ،‬وليس للنائلين منال‪ ،‬لكن القول لما كان من أجملها‪ ،‬نَسب القول إليهما‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫أعقبت منه واحدًا أجدادُه)‬ ‫ـسـام‬


‫ٍ‬ ‫( َقلدتني يمين ُه ُ‬
‫بـح‬
‫اي نُسب إلى الهند‪ ،‬كما ينسب الشريف إلى الجد‪.‬‬
‫يقول‪ :‬إن الهند لم تطبع له نظيرًا يكون له ثانيًا‪ ،‬فقد أعقبت منه واحدًا‪ ،‬و (م ْ‬
‫ِن) ها هنا للجنس‪ .‬ولوال القافية‬
‫لقال‪ :‬آباؤه‪ ،‬مكان قوله (أجدادُه)‪ ،‬الن الجد اعم من األب‪ ،‬فكل جد اب‪ ،‬وليس كل أب جدا‪.‬‬
‫الشمس أنها أرآدُه)‬
‫ُ‬ ‫تزعم‬
‫ُ‬ ‫ضاح َكتـ ُه إيا ُه‬
‫َ‬ ‫( ُكلما استُل‬
‫الضحى‪ :‬ماؤها ورون ُقها‪.‬‬
‫اي كلما استُل هذا السيف‪ ،‬ضاحكته أنوار فرنده‪ ،‬تدعى الشمس أنها أرآدُه‪ ،‬وأرآد ُ‬
‫فيقول‪ :‬الشمس تدعى إنها من ماء هذا السيف‪ ،‬وأراد أنها أرآده من أجلها‪ ،‬اي من أجل اإلياة‪ .‬وقد يجوز أن‬
‫يكون األرآد هنا‪ :‬جمع ريد‪ ،‬وهو الترب والمثل‪ ،‬واألول أسبق‪.‬‬
‫ِثل أثره إغمـادُه)‬
‫فقد م ِ‬ ‫( َمثلُوه في جفن ِه ِخيفة الفقد‬
‫أثر السيف‪ :‬فرنده‪ .‬يقول‪ :‬حلوا جفنه بالفضة‪ ،‬فهو يحكيه بياضًا وصقا ً‬
‫ال‪ ،‬وعلى الفضة نقش سواد‪ ،‬يحكي أثره‬
‫نقشا‪ ،‬فكأنهم إنما فعلوا ذلك‪ ،‬ألنهم لم يصبروا عنه لجماله حين واراه الغمد‪ ،‬فصوروا عليه مثل صورته‪ ،‬لئال‬
‫يفقدوه البتة‪ ،‬هذا معنى قوله‪ :‬خشية الفقد‪ ،‬اي خشية فقده‪.‬‬
‫ارقت لبده وفيها طرادُه)‬ ‫َف َ‬ ‫وابق ُكـن فِـي ِه‬
‫( َف َّر َستنا َس ُ‬
‫فرستنا‪ :‬يعني هذه الخيل السابقة‪ ،‬التي جاءته مع السيف‪ ،‬في جملة عطايا أبى‬
‫الفضل‪ .‬وقوله‪ُ :‬كن فيه‪ ،‬الهاء راجعة إلى الندى‪( .‬فارقت لبدء)‪ :‬اي فارقت سرج‬
‫هذا الممدوح إلى َسرجي‪ ،‬واللبد ليس بكلية السرج‪ ،‬ولكنه طائفة منه‪ ،‬فكنى به عن‬
‫ُكله‪ ،‬ومثله كثير (وفيها طرادُه)‪ :‬اي ذكرها سائر في االرض‪ ،‬فكأنها بع ُد في طرا‪،‬‬
‫وإن استراحت لدينا‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إن هذه الخيل تغيظ األعداء‪ ،‬وتخشى الحساد‪،‬‬
‫تعين على النوب‪ ،‬فكأنها غير ُمنفك ٍة من الطراد‪ ،‬وإن كانت مستريحة‪ ،‬الن ذلك‬
‫عملها بالبقوة‪.‬‬
‫رت في ُجملة عبيده وعديده‪ ،‬فإذا سار إلى موضع‬ ‫ص ُ‬ ‫وقيل‪( :‬وفيها طراده)‪ :‬اي ِ‬
‫سرت معه‪ ،‬وطاردت بين يديه‪ ،‬فكأنه هو ال ُمطارد عليها‪ ،‬الن ذلك بأمره ولطلب‬
‫الحظوة عنده‪ .‬و (فيها)‪ :‬بدل من (عليها) وقد يجوز أن تكون (وفيها ِطرادثه)‪ :‬اي‬ ‫ُ‬
‫وفيها ما علمها من ِعلم المطاردة وال َعدو ب ُفرسانها‪.‬‬
‫زمان ُك ُّل النفوس َجرادُه)‬
‫ٍ‬ ‫(وأحق ال ُغيوث نفسا بـحـمـ ٍد في‬
‫زال اموال الناس‪ ،‬فهم‬
‫وال في زمان يأخذ فيه كل ٍ‬
‫اي زادتنا األيام بك إعجابًا‪ ،‬ولك استغرابًا‪ ،‬وذلك الن ٍ‬
‫كالجراد الذي يحشك الزرع والربيع والبُسر‪ .‬وأنت تبدُر مالك‪ ،‬فكأنك غيث تنبت لهم المراعي وغيرك جراد‬
‫جردها‪ .‬وهذا كقول ابن أبى ُعيينة يهجو ال ُمهلبي‪ ،‬ويمدح أباه‪:‬‬
‫َي ُ‬
‫وأنت جرا ٌد لست تبُقي وال تذر‬ ‫أبوك لنا ٌ‬
‫غيث نعيش بنـبـتـه‬
‫أربـًا ال َيرا ُه فـيمـا يُزادُه)‬ ‫(عد ٌد عشته َيرى ُ‬
‫الجسـم فـيه‬
‫يصف هذه القصيدة التي مدح أبا الفضل‪ ،‬وأهداها إليه في النيروز فيقول‪ :‬هي أربعون بيتًا‪ ،‬وهي عدد السنين‬
‫التي إذا تجاوزها االنسن نقص عما عهده عليه في جسمه‪ ،‬من أحواله في تقلبه وتصرفه‪ .‬فلذلك اخترت لهذه‬
‫القصيدة هذا العدد تفاؤ ً‬
‫ال لك بالصحة‪ ،‬واستكمال قوتك‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كانت سن الممدوح حينئذ أربعين‪ ،‬وهي ترى الجسم من استكمال القوة وبلوغ األشد أربا ال يراه فيما‬
‫يُزادُه من السنين‪ ،‬بعد األربعين لنه بعدها كل عام آخذ في التحويل ومنعكس إلى التحلل‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫زادت به ُحمر ُة الخد)‬
‫ْ‬ ‫الصد وال َخ َفرًا‬
‫ِّ‬ ‫(نَسيت وال أنسى عتابًا على‬
‫الخ َفر‪ :‬شدة الحياء‪ ،‬وهو من علل ُحمرة الخد‪ .‬وقال‪ :‬زادت به ُحمرة الخد‪ ،‬ليشعر أن هنالك حمر ًة طبيعية‬
‫َ‬
‫ض سريع الزوال‪ ،‬إذا زال الحياء زالت‪ .‬وكذلك مثلت‬ ‫سوى الحمرة التي يولدها الحياء‪ ،‬ألن حمرة الحياء َع َر ٌ‬
‫كحمرة الخجل‪ ،‬وصفرة الوجل‪.‬‬ ‫به الحكماء األعراض السريعة االنتقال‪ ،‬فقالوا‪ :‬ذلك ُ‬
‫صحبة القع ِد)‬
‫بـقـصـرو ٍة أطالت يدي جيدها ُ‬
‫ُ‬ ‫(وال ً‬
‫ليلة قصرتُها‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫والقصورة‪ :‬المرأة المقصورة الممنوعة‪ ،‬أراد قصرتها بوصال‬ ‫ُ‬ ‫َقصرتها‪ :‬جعلتها قصيرة‪ ،‬اي ضد الطويلة‪.‬‬
‫قصورة‪.‬‬‫قصورة‪ .‬وقصيرة لغة في ُ‬ ‫ُ‬
‫صحبة العقد)‪ :‬اي اعتنقتها معظم ليلي او كله‪ ،‬فصحبت دواعي عقدها‪ .‬واليد هنا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫جيدها‬ ‫في‬ ‫يدي‬ ‫(أطالت‬
‫ق)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫المرا‬ ‫إلى‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫وأي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫ُ‬ ‫وا‬‫ُ‬‫ل‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫(فاغ‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫كناية عن ُكلية الذراع‪،‬‬
‫فآف ُه عمدِي في دُلُوقي من‬ ‫(فإمـا تـرينـي ال أقـي ُم‬
‫حدِّي)‬ ‫بـلـد ٍة‬
‫ماض كثير الدُّلُوق من حدي‪ .‬فغمدي متغير ُمنقد‪ ،‬لكثرة تحريكي فيه وقلقي‪ .‬وضرب السيف‬ ‫اي بأني سيف ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مث ً‬
‫ال لنفسه‪ ،‬والغمد مثال لجسمه‪ ،‬والدُّلوق مثال لحركته‪ .‬اي تنقلي في البالد يُشجيني ويرث بزتي‪ .‬وقد فسره‬
‫بقوله بعد هذا‪:‬‬
‫نجائب ال يُفكرون في النحس‬‫ُ‬ ‫بدل أيامي َوعـيشـي‬‫(تُ ُ‬
‫والسع ِد)‬ ‫َو َمـنـزلـي‬
‫خير مـن‬ ‫ُ‬
‫والخوف ٌ‬ ‫أجاز ال َقنَا‬ ‫قـوم‬
‫ٍ‬ ‫(إذا لم تُـجـزهُـم دار‬
‫الـ ُود)‬ ‫َمـود ٌة‬
‫ُ‬
‫(والخوف‬ ‫اي هؤالء الفتية إذا مروا بقوم ال يودونهم‪ ،‬فراموا صدهم‪ ،‬حاربوهم‪ ،‬فأجازتهم الطريق رماح ُهم‪،‬‬
‫خير من َر َحموت)‪.‬‬ ‫ُوت ٌ‬ ‫خير من أن تُود وترحم‪ ،‬كقولهم في المثل السائر‪َ :‬‬
‫(ر َهب ٌ‬ ‫خير من الُود)‪ .‬اي ألن تُخلف ٌ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫ومن أمثالهم‪( :‬أوفرقا خيرًا من ُجبين)‪ :‬اي إذا ف ِرقوك فرقا يكون ذلك ال َف َرق خيرًا من ُحبين‪.‬‬
‫وهذا كقول دُويد بن ن َْه َد في توصيته لبنيه‪( :‬أخيفوا الناس وارعوا الكأل)‪.‬‬
‫واراد‪ :‬أجازهم القنا إياها‪ ،‬فحذف المفعولين‪ ،‬ألن في قوله‪( :‬إذا لم تُجزهم دار قوم)‪ ،‬ما يدل على هذا‬
‫المحذوف‪ ،‬إذ دل األول على الثاني‪ ،‬والثاني على األول‪ ،‬فاستُجيز الحذف فيه‪ ،‬كقوله تعالى‪َ ( :‬ي َوم تُبدل‬
‫والس َموات) اي والسماوات‪ ،‬فحذف الثاني الذي هو األول المذكور في المعنى أوالً‪.‬‬ ‫ض َّ‬ ‫األر ِ‬
‫األرض غير ْ‬‫ُ‬
‫فجاءته لم تسمع ُحداء سوى‬ ‫(كفانا الربي ُع العيس من‬
‫الرع ِد)‬ ‫بـركـاتـه‬

‫الحداء بصوته‪ ،‬وقيل‪ :‬كفانا‬ ‫اي ُكفينا ُحداء اإلبل برعد الربيع‪ ،‬النه قام لها مقام ُ‬
‫وحداؤها‪ .‬ولو عدد للربيع أيادي غير‬ ‫وشربها ُ‬ ‫الربيع العيس‪ :‬اي كان منه َرعيُها ُ‬
‫الرعد كما قال‪ ،‬لقال‪ :‬فجائته‪ :‬اي رعت‪ .‬وشربت؛ وجاءته‪ .‬وإنما قال (فجاءته)‪:‬‬
‫فبين كيفية الكفاية‪ ،‬كما تقول‪ :‬أحسنت إليك فوهبتك ألفا‪ ،‬فهبة األلف تفسير‬
‫لإلحسان‪ .‬وقوله‪( :‬لم َتس َمع ُحداء) جملة في موضع الحال اي جاءته غير سامعة‬
‫ُحداء إال الرعد‪.‬‬
‫رعد رعدًا‪ .‬وال يكون الرعد الذي‬ ‫والرعد هنا‪ :‬مصدر من قولك‪َ :‬ر َعدَت السماء َت ُ‬
‫ال يُسمع هو الجوهر المكنى في قوله تعالى‪( :‬ويُسبح الرع ُد بحمدهِ) ألن ذلك ال‬
‫بالعرض أولى‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫ض‪ ،‬فمقابلته‬ ‫يُسمع بذاته‪ ،‬إنما يسمع صوته‪ .‬والحداء َع َر ٌ‬
‫دقيق فتفهمه‪.‬‬
‫يعرض نفسه َك َرعن ِب ِس ٍ‬
‫بت في إنا من ال َورد)‬ ‫ُ‬ ‫(إذا ما اس َت َحين الماء‬
‫يصف ما أمطرتهم به السماء من الماء‪ ،‬وأنبتت لهم األرض من الربيع‪ ،‬في ُمضيهم إلى أبى الفضل‪ ،‬لمكان‬
‫بركته‪ ،‬وأن العناصر تُعظم شانه‪ ،‬وتعلى مكانه‪ ،‬فتسقى ُرواده‪ ،‬وترعى ُقصاده‪ .‬والسبت‪ :‬كل جلد مدبوغ وقيل‪:‬‬
‫العرب مشافر اإلبل بها‪ ،‬فيقول‪ :‬إذا مرت‬
‫ُ‬ ‫هو المدبوغ بال َق َرظ خاصة‪ ،‬وهو يلين الجلود ويحسنها‪ ،‬حتى تُشب ُه‬
‫هذه اإلبل بهذه السيول التي غادرتها هذه الغيوث‪ ،‬ظلت كأنها تعرض نفسها عليها‪ .‬فكأن اإلبل مستحية منها‪.‬‬
‫إللحاح المياه عليها‪ ،‬بعرضها أنفسها‪ ،‬وقد أحاطت بها رياض الورد او ما يشبه الورد‪ ،‬من ضروب األزاهير‪،‬‬
‫وأنواع النواوبر‪ .‬فهي تُدخل أكارعها فيه؛ وتغمس مشافرها في تلك المشارب‪ ،‬متقنعة من إفراط الحياء‪ ،‬بذلك‬
‫الورد النابت‪ .‬وإنما عنى (بالسبت) ها هنا مشافرها‪ ،‬كقول طرفة‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫كسبت اليماني قده لم يُحـرد‬ ‫ِشفر‬ ‫َ‬


‫وخ ٍّد كقرطاس الشآمي وم ٌ‬
‫وقيل‪َ :‬غ َس ل الماء المستنقع في األرض أخفاف اإلبل من الطين‪ ،‬حتى عادت كالسبت في نقائها‪ ،‬وأنبتت حافات‬
‫ال ُغدُر زهرًا‪ ،‬فكأن الماء‪ :‬بعرض نفسه يتراءى في إناء من الورد‪ ،‬واألول اولى‪.‬‬
‫( َفتى َفا َت ِت العدوى من الناس عينُ ُه فما أرمدت اجفانه َكثر ُة الِدمرثّ)‬
‫كالج َرب ونحوه‪ .‬فيقول‪ :‬كثرت العيوب في الناس‪،‬‬ ‫ضرب الرمد مث ً‬
‫ال للعيوب ال ُمعدية‪ ،‬ألنه داء ربما أعدى َ‬
‫لكنه َسلم هو منها‪ ،‬فلم ت ًعدهِ‪ ،‬لشرف عنصره‪ ،‬وصفاء جوهره‪ .‬وقصد منه (العين)‪ ،‬توطئة لذكر الرمد الذي‬
‫جعله مادة القافية‪ ،‬وحسن ذلك ما ذكرت لك من طبيعة الرمد في العدوى‪.‬‬
‫الرايات َمنصور ِة‬
‫ِ‬ ‫بمنش ُور ِة‬ ‫غير ألوان الليالي علـى‬
‫(يُ ُ‬
‫الجن ِد)‬
‫ُ‬ ‫الـعـدا‬
‫النار إنما ُتوقدها هذه الكتيبة‪ ،‬جعل‬‫اي يوقد النيران في معسكر هذه الكتائب‪ ،‬فيغير من سواد الليل‪ .‬ولما كان ُ‬
‫التغير لها‪ ،‬إذ هي الفاعلة الجقيقة‪ ،‬والنار وإن كانت ُمغيرة‪ ،‬فإنها مفعولة للكتيبة‪ ،‬فهي الفاعلة على القصد‬ ‫ُّ‬
‫الصباح‬
‫ُ‬ ‫يردي‬ ‫ال‬ ‫ِب‬
‫ئ‬ ‫َ‬
‫ا‬ ‫ت‬‫ك‬‫َ‬ ‫ِه‬
‫ث‬ ‫و‬‫ض‬‫َ‬ ‫قبل‬ ‫رأوا‬ ‫بحًا‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫ُوا‬
‫ب‬ ‫ارتق‬ ‫إذا‬ ‫فافهمه‪:‬‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫القصد‬ ‫على‬ ‫الفاعلة‬ ‫والنار‬ ‫األول‪،‬‬
‫كما تردي اي يتوهم العدو المغزو بتلك النار صبُحا وهو يترقب حقيقة اإلصباح‪ ،‬فتوافيهم هذه الكتائب مكان‬
‫الصباح الذي ارتقبوه‪ ،‬وجعل الكتائب أسرع من الصباح عدوًا‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬إن مجيء الصباح غير مجيء‬
‫تردي)‪.‬‬‫الصباح كما ِ‬
‫ُ‬ ‫يردي‬
‫مشي‪ ،‬ومجيء الصباح طلوع‪ ،‬فلذلك قال‪( :‬ال ْ‬ ‫الكتائب‪ ،‬ألن مجيء هذه ٌ‬
‫الحشد)‬
‫عن َ‬ ‫ـاذف من ال ُكثر ٍ‬
‫غان بالعبيد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫( َيغضن إذا ما ُعدن في ُم َت َق‬
‫(يغضن)‪َ :‬ي ْنعدِمن فال يُوجدن‪ .‬اي بعوثك المتوجهة للغارة على عظمها وكثافتها‪ ،‬إذا عادت إلى معظم جيشك‪،‬‬
‫غاضت فيه كما يغيض النهر في البحر‪ ،‬و (متقاذف)‪ :‬جيش يقذف بعضه بعضًا‪ ،‬لكثرتهم والتقائهم‪ ،‬كقول‬
‫الراجز في صفة خصب وإبل‪:‬‬
‫عامر َم ْسعودا‬
‫ٌ‬ ‫يدعو‬ ‫ُ‬
‫بحيث ُ‬ ‫أرعيتُها أكرم ُعـو ٍد ُعـودا‬
‫اي يتقاذف هذان الراعيان في طول هذا المكان واكتماله‪ ،‬حتى ينادي كل واحد منهما صاحبه‪.‬‬
‫(غان بالعبيد)‪ :‬اي أن هذا الجيش متألف من عبيد ابن العميد‪ .‬فقد استغنى بهم عن الحشد‪ ،‬لل ُقربى‪ .‬وأن يكون‬
‫اسما أولى‪ ،‬ليُطابق العبيد‪ ،‬الن العبيد اسم‪ .‬وقد قال أبو زيد الحشدْ‪ :‬القوم المجتمعون؛ فهذا مما يقوى فيه‬
‫االسمية‪.‬‬
‫َف ُهن عليه كالطرائق في البُرد)‬ ‫أرض تُ ً‬
‫ربة في ُغبار ِه‬ ‫( َحثت ُكل ٍ‬

‫ال ُبرد‪ :‬الثوب ال ُموشي؛ وطرائفه مختلفة األلوان؛ اي فهذه الكتائب شتى المطالب؛‬
‫بعيدة المذاهب‪ ،‬فهي تطأ لبعد مرامها؛ ارضين مختلفة أنواع التراب؛ اختالفاَ لونيًا؛‬
‫من بياض وسواد‪ .‬فكل أرض تؤها تختفي من غبار هذا الجيش بترابها؛ فيكسب‬
‫بذلك ألوانًا مختلفة؛ بحسب أنواع التراب؛ لكل نوع ولون؛ فكأن الغبار ُبرد؛ وهذه‬
‫ألوان فيه‪.‬‬
‫أرى َبعده من ال يرى مثل ُه‬ ‫(و ُكل شريك في ُّ‬
‫السرور‬
‫بعدي)‬ ‫ب ُمص َبحي‬
‫أوان صباحي؛ اي وكل مشارك لي من أهلي في السرور في رجوعي وتصبيحي له؛ عند رؤيته ما‬ ‫ُمصبحي‪ُ :‬‬
‫أقناني ِه لقاء هذا الممدوح من الثروة فإني مع ذلك كله منفرد دونه بأثرةٍ؛ وهي رؤيتي هذا الممدوح الذي ال‬
‫يرى هو بعدي مثله‪ .‬يقول؛ فأنا أكره أن أنفرد بنوع من انواع ال َمسرة دونهم؛ فإذا أنا أبت إليهم ورأوني‪ ،‬رأوا‬
‫من ال نظير له عندهم كما أرى أنا اآلن من ال نظير له‪ ،‬فاستووا معي فيما نلته من الغني وأدركته من ال ُمنى‪،‬‬
‫أال تراه يقول‪:‬‬
‫يُيرني أهلى بإدراكها َوحدي)‬ ‫(وقد ُ‬
‫كنت ال ُمنى غير أنـنـي‬
‫وهذا كله اعتدار إلى أبى الفضل في إيثاره الرحيل عنه‪ .‬وإنما كان يريد التمادي إلى شيراز‪ ،‬ثم األوب إلى‬
‫أهله‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫نأت والبد ُ‬
‫ِيل ذِكراها)‬ ‫لِمن ْ‬ ‫(أو ِه بدي ً‬
‫ال من َقوءلتي َواها‬
‫أوهِ‪ ،‬وأوهِ‪ :‬كلمتا توحع مبنيتان على الكسر‪ .‬ووا ٌه‪ :‬كلمة استطابة واستزادة‪ .‬فيقول‪ :‬أنا متوجع لفراقها بعد‬
‫(لمن نات والبديلُ‬
‫ُليت بفرقة الزوال‪ ،‬وقوله‪َ :‬‬‫استزادتي وصالها واستطابتي إياه‪ ،‬لم أقنع بهجر الدالل‪ ،‬حتى ب ُ‬
‫ذكراها) اي أعنى التي بانت بهذا التوجع (والبديل ذكراها)‪ ،‬او ذكراى إياها بدل مثها‪ .‬هي مفقودة اي ذكراها‬
‫لدي موجودة‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأصل واهًا وأو ٍه َمرآها)‬ ‫اسنها‬
‫(أو ِه امن ال أرى َم َح ِ‬
‫والتفجع لفقدي رؤية محاسنها‪( .‬وأصل واه واوه مرآها)؛ إنما‬
‫ُّ‬ ‫التوجع‬
‫ُّ‬ ‫اي غنما أرجع هذه الكلمة التي معناها‬
‫بنواها‪،‬رؤيتي لها‪ .‬وذلك اني رأيتها فهويتها‪ ،‬ووصلت فاستطبتها ونأت‬
‫ُ‬ ‫كان سبب استطابتي إياها‪ ،‬وتوجعي‬
‫ُ‬
‫فتأوهت لها‪.‬‬
‫تُ ِ‬
‫بص ُر في ناظري ُمحيأها)‬ ‫(شاميَّ ٌة طاَلما َخلَ ُ‬
‫وت َبـهـا‬
‫شامية‪ :‬منسوبة إلى الشام‪ .‬يقال‪ :‬شام وشأم‪ .‬وناظر العين؛ إنسانها والمحيا‪ .‬الوجه اي هذا المحبوبة شامية‬
‫ال‪ ،‬فاستمتعت بوصالها‪ ،‬واستكثرت نوالها‪.‬‬‫خلوت بها طوي ً‬
‫وإنما قبلت به فاهـا)‬ ‫ُ‬
‫تغالطني‬ ‫(فقبلت ناظري‬
‫اي كانت تنظر إلى عيني‪ ،‬فشخص لها صورة وجهها في ناظري‪ ،‬والفم جزء من الوجه‪ .‬فكانت ترى فاهًا في‬
‫ُجملة وجهها المرئي في ناظري‪ ،‬فكانت تقبل الناظر ُم ً‬
‫رية أنها تريده‪ ،‬وإنما كانت تريد فاهًا‪ ،‬فتقبله بالناظر‪،‬‬
‫كما كانت في المرآة الن الناظر عضو مجلُ ٌو‪ ،‬فتشخص فيه الصورة‪ ،‬كشخصها في المرآة‪.‬‬
‫َولَت ُه ال ُ‬
‫يزال مأ َواها)‬ ‫ال ً‬
‫آوية‬ ‫تـز ُ‬
‫( َفلَيتها ال َ‬
‫أويت المكان‪ ،‬وأويت إليه‪ ،‬وذكر آوية‪ ،‬وكان الحكم آويتُه ذهابًا‬
‫اي ليت صورتها ال تزال آوية ناظري‪ .‬يقال‪ُ :‬‬
‫إلى الشخص او الشكل اي وليت الناظر ال يزال مأوى هذه الصورة‪.‬‬
‫وهذا البيت مشتمل على قضيتين‪ ،‬ترجعان إلى قضية واحدة‪ ،‬الن التمني األول هو التمني الثاني‪.‬‬
‫ُر ُ‬
‫فذبن أمواها)‬ ‫َو ُه َّن د ٌ‬ ‫والح ُ‬
‫مول سـائر ٌة‬ ‫(لَقيننا ُ‬
‫والحكول سائرة بهن اإلبل بما عليها من الهوادج‪ ،‬وهن دَراري‪ ،‬وهن دَرارس‪ ،‬قد‬ ‫الظ ُعن‪ُ .‬‬ ‫لقيتنا‪ :‬يعني هؤالء ُ‬
‫شراتُ ُهن وصفت‪ ،‬فهن كالدر‪ .‬وأراد مثل الدر؛ فبالغ احتى جعلهن الدر نفسه‪ .‬وال بد اعتبار (مثل) ألنهن‬ ‫رقت َب َ‬
‫ال يكون دُرا‪ ،‬الن الدرجماد؛ وهي حسوان ناطق‪.‬‬
‫فذبن أمواهًا‪ :‬اي بكين لما سارت بهن اإلبل‪ .‬فلما كانت دموعهن كبشراتهن التي شاكت الدر‪ ،‬رقة‬ ‫وقوله‪ُ :‬‬
‫وصفاء‪ ،‬ظننتهن درًا ذائبًا‪ ،‬وهذا كقوله هو‪:‬‬
‫ُ‬
‫بشرًارأيت أرق من َع َب َراتها‬ ‫أوفى فكنت إذا رميت بمقلتي‬
‫وقوله‪ :‬امواهًا‪ :‬منصوب على الحال‪ ،‬وإن كانت األمواه جوهرًا فقد يكون الجوهر حا ً‬
‫ال‪.‬‬
‫حكى سيبويه عن العرب (العجب من بُر مررنا به قفيزًا بدرهم) قال‪ :‬قد يكون خبرا ماال يكون صفة‪ .‬يعني‬
‫بالخير الحال؛ وقال‪ :‬هذا بُسراُ أطيب منه رطبا‪ .‬وفي التنزيل (هذه ُ‬
‫ناقة اهللِ لَ ُكم آية) ومثله كثير‪.‬‬
‫(ذبن) وإنما يعني دموعهن‪ .‬لكن ادعى أن الجملة قد عادت ماء مبالغة‪.‬‬ ‫وقال‪ُ :‬‬
‫الشروب َعقراها)‬ ‫َت ُك ُ‬
‫وس بين ُّ‬ ‫ْ‬
‫تزكـت‬ ‫(او َع َبرت َه ٌ‬
‫جمة بنا‬
‫ال َهجمة‪ :‬القطعة من اإلبل‪ ،‬قد اختلف في عددها‪ .‬فقيل ما بين السبعين إلى المائة‪.‬‬
‫وقيل أولها األربعون؛ إلى ما زادت‪ .‬يصف ُشربه وقراه األضياف‪ ،‬فيقول‪ :‬تمر بنا‬
‫إ ُبلها فنُعرقبها للضيفان‪ ،‬حتى تكوس اي تمشي على ثالث وقيل تزحف على‬
‫السليطي‪:‬‬‫ُركبها‪ .‬قال األعور النبهاني يهجو غسان َّ‬
‫قـير‬ ‫السليطي َع َّر َس ْت َرغا ٌ‬
‫فرق منها وكاس َع ِ‬ ‫َّ‬ ‫ولو عند غسان‬
‫(الش روب)‪ :‬يجوز أن يكون جمع شارب‪ ،‬كشاهد وشهود‪ ،‬وساجد وسجود‪ ،‬ويجوز أن يكون جمع شرب‪،‬‬ ‫و ُ‬
‫الذي هواسم لجمع شارب عند سيبويه‪ ،‬وجمعنا لع عند أبى الحسن‪ .‬لكن أن يكون جمع شارب أولى؛ ألنه إن‬
‫كان اسم جمع على مذهب سيبويه؛ فجمع اسم الجمع في القلة كجمع الجمع‪ ،‬من حيث كانا مشتركين في الداللة‬
‫على الجمع‪ .‬وإن كان الشرب جمعًا على رأي أبى الحسن‪ ،‬فجمع الجمع قليل‪ ،‬ال يحمل سيبويه صيغة الجمع‬
‫ال إلى غير ذلك‪ .‬ومن ثم ذهب الفارسي في‬‫عليه ما وجد عنه مندُوحة‪ ،‬إنما يقر بجمع الجمع إذا لم يجد سيب ً‬
‫ُ‬
‫وسقف‪ ،‬واستجاز هذا على قلته‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وسقف ُ‬‫وس ُجل‪َ ،‬‬ ‫ُن مقبوضة) إلى انه جمع َر ْهن؛ َ‬
‫كس ْج ٍل ُ‬ ‫قراءة قرأ ( َف ُره ُ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫ورهان‪ :‬جمع َر ْهن‪ .‬وإنما ذلك من أبى على فرار من‬
‫هان‪ِ ،‬‬
‫كراهية أن يحتاج إلى أن يقول إن ُرهُنًا‪ :‬جمع ِر ٍ‬
‫(ش ُروب)‪ :‬جمع شارب‪ ،‬أولى من كونه َشرب‪ ،‬فافهمه‪.‬‬ ‫جمع الجمع‪ .‬فلهذا قلنا غن‪ُ :‬‬
‫كما َت ُقو ُد السحاب ُعظماها)‬ ‫( َت ُقود ُمس َتحسن الكالم لَـنـا‬
‫السحاب سحاباً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اي إذا اعتبرنا مآثره‪ ،‬وامتثالنا مفاخره‪ ،‬لقنتنا ُمس َتحسن الكالم فيه‪ ،‬وفادته لنا‪ ،‬كما يقو ُد‬
‫لم ُيرضها أن ترا ُه يرضاها)‬ ‫نت خيلُـه لـنـائلـ ِه‬
‫فض ْ‬
‫(لو ِ‬
‫اي لو شعرت خيله انه إنما يُعدُّها للهبة‪ ،‬وإنه إنما يهب منها الخيار المرضية؛ لم َترض هذه الخيل أن بُرى‬
‫عنها راضيًا‪ ،‬الن مارضي منها موهوب آلمله‪ ،‬ومبذول لسائله‪.‬‬
‫السرور ُعقباها)‬
‫َ‬ ‫ثُم تُ ُ‬
‫زيل‬ ‫( َت ُس ُّر َطرباتـ ُه َك َ‬
‫ـرائنـ ُه‬
‫وسرهن‬ ‫الكرائن‪ :‬جمع َكرينة وهي المغنية‪ .‬والكران‪ :‬ال ُعود‪ .‬اي إن الكرائن ذا غينه أطربنه‪ ،‬فوهب لَ ُهن‪َ ،‬‬
‫قبي الطرب ُس ُرور ُهن‬
‫فيأسين لفراقه‪ ،‬فتزيل ُع َ‬
‫للشروب ْ‬ ‫الحد فيهبهن جميع ُه َّن ُّ‬
‫الطرب ذلك َّ‬
‫ُ‬ ‫بذلك‪ .‬ثم تجاوز‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫(عقباها) راجعة إلى الط َر َباتز وكان حكم (ط ْرباته) بتحريك العين ألنه جمه‬ ‫لهبته إيا ُهن لنداماه‪ .‬والهاء في ُ‬
‫َّ‬
‫( َف ْعلَة) اسمًا‪ ،‬لكن الشاعر إذا اضطر َسكن مثل هذا‪ ،‬إلقامة الوزن‪ ،‬أنشد الفارسي‪:‬‬
‫ُ‬
‫قضات الهوى في‬ ‫ُخ ُفو قًا َو َر‬ ‫ذكر عـودن أحـشـاء‬ ‫ْ‬
‫أبت ٌ‬
‫المفاصل‬ ‫قـلـبـه‬
‫قاطـ َع ٍة زيرهـا‬
‫ِ‬ ‫( ِبـ ُكـل مـوهُـوب ٍة‬
‫َومـثـنـاهــا)‬ ‫ــولـــول ٍة‬
‫ِ‬ ‫ُم‬
‫ثنى)‪ .‬ندم لمن حصلت عنده‪ ،‬ممن ليس نِده‪.‬‬
‫(ولولتها)‪ :‬أنينها لفقده‪ ،‬و (قطعها الزير وال َم َ‬
‫من ُجو ِد ِّ‬
‫كف األمير يغشاها)‬ ‫( َت ُعو ُم َعو َم الـقـذا ِة فـي زي ٍد‬
‫زبدٍك اي ُمز ِبد‪ ،‬ليس على الفعل‪ ،‬ألنا لم نسمع زبد‪ ،‬وإنما هو على النسب‪ ،‬اي ذو زبد‪ ،‬كما ذهب إليه سيبويه‪.‬‬
‫اي هذه الموهوبة محتقرة في جملة عطائه كاحتقار القذاة في معظم التيار‪.‬‬
‫إذا انتشى ً‬
‫خلة تالفاهـا)‬ ‫(ال َت ِج ُد الخمر في َم َكارم ِه‬
‫الخمر‪ .‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫تسدُّها‬ ‫تقصير قبل الخمر‪ ،‬وال ً‬
‫خلة ُ‬ ‫ٌ‬ ‫اي كرمه طبيعة‪ ،‬فسواء عليه صحا او سكر‪ ،‬ال يقع في كرمه‬
‫كقول البحتري‪:‬‬
‫يجته ُ‬
‫ابنة ال َك ْر ِم‬ ‫لقلنا كريم َه َ‬ ‫الكئوس عليه ُم‬
‫ِ‬ ‫ُيكرم من قبل‬
‫وأراد (تتالفاها) فحذف إحدى التاءين‪ ،‬كراهية اجتماع المثلين‪ .‬وهذا مطرد في اللغة‪ ،‬و (انتشى)‪ :‬سكر‪.‬‬
‫الراح دُون أدناها‬
‫ُ‬ ‫فتس ُق ٌط‬ ‫الراح أريحيتـه‬
‫ُ‬ ‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫تُ‬
‫أريحية الراح‪ :‬يتكرم بها اللئيم‪ ،‬ويزداد َكرما بها الكريم فهي على كل حال ُتوجد مزية لم توجد قبلها‪ ،‬وأريحية‬
‫ُ‬
‫أريحية السكر مقصرة عن أدنى منازلها‪ .‬فكيف أن توجد فيها مزية لم تكن‬ ‫الممدوح طبيعية بالغة ً‬
‫غاية تكون‬
‫قبل؟ (تجمعت في ُفؤاده جوهر‪ ،‬والدهر َع َرض‪ ،‬وال يكون الجوهر جزءًا من العرض‪ ،‬ولكن استعاره له‬ ‫من ُ‬
‫صنعة واقتدارًا‪ .‬وقد بين ذلك قوله‪:‬‬
‫لَدمى َّ‬
‫حد مفرق ِه ُحسامي‬ ‫رز الزمان إلى شخصًا‬ ‫ولو َب َ‬
‫ولما جعل له فؤادًا استجاز أن يجعل له همة‪ ،‬ألن الفؤاد مطية الهمة‪ .‬وحسن ذلك‬
‫قولُه‪َ ( .‬ت َج َّم َعت في ُفؤاد الدهر منها واحدة‪ ،‬ويضيق عما سواها‪.‬‬
‫مان أبداها)‬ ‫أوسع من ذا َّ‬
‫الز ِ‬ ‫حظهـا بـأزمـن ٍة‬ ‫(فإن أتى ُّ‬
‫يسع فؤا ُد الزمان منها‪ ،‬إال واحدة بأزمنة أوسع‬
‫اي فإن أتى حظ هذه الهمم التي ال ُ‬
‫ُ‬
‫الزمان‬ ‫من هذا الزمان‪ ،‬أبدى الممدوح تلك الهمم‪ ،‬التي ال يبديها إال أن يضيق‬
‫(جدُّها)‪ .‬وقوله‪( :‬بأزمنةٍ) أحسن من قوله‪( :‬بزمان)‪،‬‬ ‫عنها‪ .‬و (حظها) هنا كقوله‪َ :‬‬
‫بعد أن يحتكله الوزن؛ ألن الجمع أبلغ من الواحد‪.‬‬
‫َتعثُ ُر أحياؤُها ْ‬
‫بموتاها)‬ ‫ارت الفيلَ َقان َواحد ًة‬
‫ص ِ‬ ‫( َو َ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫واحدة‪ :‬اي فيلقا واحدة‪ ،‬وإنما صارت الفيلقان فيلقًا ال ختالطهما‪ ،‬حتى كأنهما اتحدنا‪ .‬والهاء في (أحيائها‬
‫وموتاها)‪ :‬عائدة إلى الفيلق الواحدة‪.‬‬
‫الدهر بعد قت َ‬
‫ال َها)‬ ‫ُ‬ ‫نظرها‬
‫يُ ُ‬ ‫(يُعجبُها َقتلُها ال ُكـمـاة وال‬
‫اي إذا َق َتل الفارس فارسًا أعجبته ذلك‪ ،‬ثم ال يلبث أن يُتاح له فارس آخر يقتله‪.‬‬
‫أقمارها ألب َهاها)‬
‫ُ‬ ‫تسج ُد‬ ‫فلك‬ ‫ُ‬
‫النيرات في ٍ‬ ‫( َودَارت‬
‫عنى بالفلك هنا‪ :‬ذات المعترك‪ ،‬حيث التقت األمالك واألبطال األنجاد‪ .‬وكال هذين القبيلين (أقمار) فهي (تسجد‬
‫ألبهاها) يعني الملك‪.‬‬
‫ال ُمثني عليه الوغي َو َخ َ‬
‫يالها)‬ ‫السـالح بـه‬
‫ُ‬ ‫الفارس ال ُمتقي‬
‫ُ‬ ‫(‬
‫يُتقي به السالح‪ ،‬ألن السالح ال يؤثر فيه‪ ،‬بل هو المؤثر فيها كقول اآلخر‪:‬‬
‫ذلك‬ ‫َ‬
‫فوق الدروع لدفِع ِ‬ ‫الالبسين ُقـلُـوبـ ُهـ ْم‬
‫َ‬
‫اي إن أفئدتهم أوقى لهم من دروعهم‪ ،‬ألنها أثبت صيانة‪ ،‬وأنشد منها حصانة‪ ،‬وثنى الخيل‪ ،‬ألنه أراد خيله‬
‫وخيل عدوه‪ ،‬ألن الحرب إنما تقوم بطائفتين متضادتين‪ .‬ولذلك قال بعض األوائل‪ ،‬من الحكماء األفاضل‪:‬‬
‫الحرب حينئذ ذو طبيعتين متضادتين‪ ،‬اي قوامها ذلك فان بطل أحد الضدين بطل الحرب‪.‬‬
‫َاها)‬
‫آثار َها َع َرفن َ‬
‫في الحرب َ‬ ‫(لو أنكرت من حـيائهـا ي ُد ُه‬
‫ذهب قوم إلى أنه َي ِجلُدي تركنأ ولف ‪.‬هادع يف هريثأتب رخفلا نع ّه ذلك لعرفنا أن هذه اآلثار لها‪.‬‬
‫والذي عندي أن آثار مفاخره في العالم ِحسان‪ ،‬وذلك بإغناء فقير‪ ،‬وافتكاك أسير‪ ،‬وبث فضل‪ ،‬وإقامة عدل‪.‬‬
‫الصور‪ .‬ألنها إنما هي إفساد جواهرهم‪ ،‬وتغيير ظواهرهم وبواظنهم‪ .‬قلو أنكرت يده‬ ‫أما آثاره في عداه فقبيحة ُّ‬
‫هذه اآلثار‪ ،‬حياء من قبحها‪ ،‬لعرفنا نحن أنها لها‪ ،‬ألنه يؤثر في العدي هذا التأثير إال هي‪.‬‬
‫الموت ُ‬
‫بعض سيماها)‬ ‫ِ‬ ‫ناقع‬
‫َو ُ‬ ‫( َوكيف َتخفي التي زيادتُـهـا‬
‫يعني يده‪ ،‬اي وكيف تخفي آثار هذه اليد‪ ،‬التي سوطها وناقع الموت جزء من سيماها‪ .‬عنى بناقع الموت‪:‬‬
‫السيف‪ ،‬وبالزبادة‪ :‬السوط وذلك أنه يضرب بالسوط‪ ،‬ويقتل بالسيف‪ .‬وإذا كان هذا بعض سيماها‪ ،‬ونتيجتها‬
‫الضرب والقتل‪ ،‬فما الظن بكلية سيماها‪.‬‬
‫وعب ُد ُة كال ُموح ِد اهلل)‬
‫َ‬ ‫الناس كالعا ِبدين ً‬
‫آلهة‬ ‫( ُ‬
‫اآللهة‪ :‬ال تغني عبادها‪ ،‬واهلل يغني عباده‪ .‬يقول‪ :‬فمن أمل غير هذا الملك‪ ،‬لم يستغن بواحد عن آخر‪ ،‬مع ما‬
‫يُنتج له ذلك من قلة الغنى‪ ،‬ومن أمله كفاء‪ ،‬وأغناه‪ ،‬عمن سواه‪ ،‬كما يفعل ذلك بعبده اإلله‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫كل وال ُع ُق ُل)‬
‫الش ُ‬
‫د ُون السالج ُّ‬ ‫( ُعد ُد الو ُفود العـامـدين لـ ُه‬
‫اي ال يقصد المحاربون‪ ،‬ألنه ال يطمع فيه أحد‪ ،‬فلذلك ال يُعد له السالح‪ ،‬وإنما يقصده اآلملون‪ ،‬ف ُعددهم ُّ‬
‫الشكل‬
‫وال ُع قل‪ ،‬ألنهم يسألونه الخيل للحرب‪ ،‬واإلبل للدية‪ .‬ووفد العرب انما بغيتهم ذلك‪ ،‬فهم يُعدون الش ُكل وال ُع ُقل‪،‬‬
‫ثقة منهم بهبته لهم يسألون‪.‬‬
‫هي او َبقِيتُها او ال َبد ُ‬
‫َل)‬ ‫َ‬ ‫(تُمسى على أيدي َم َواهب ِه‬
‫اي أن مواهبة مستبدة بخيله وابله‪ ،‬ال مطمع لإلبقاء فيها‪ .‬وقد اجاد أبو الفتح في‬
‫أمر ما‪ ،‬فلم بك ابتزازه منه َمطمع‪.‬‬ ‫تمثيله اياه بقول العرب في الشيء إذا استبد به ٌ‬
‫دي َعدْل)‪.‬‬
‫ضع َعلى َي ْ‬
‫( ُو ِ‬
‫ومعنى البيت‪ :‬أن يهب ُجودُه خيله‪ ،‬وخيار ابله ألوائل الوفود عليه‪ ،‬وما بعدها في‬
‫المنزلة‪ ،‬وهي البقية‪ ،‬لمن يفد يعد الوفد األول‪ .‬حتى إذا لم يبق من خيله وال ابله‬
‫والورق‪.‬‬ ‫شيء أعطى بعدها العين َ‬
‫وال َبدل هنا‪ :‬اسم وقد يكون ظرفًا في غير هذا الوضع‪ .‬فاذا كان اسمًا كان بمنزلة‬
‫البديل‪ ،‬قال سيبويه‪ :‬وتقول‪ :‬أن َب َدلَك زيدًا‪ ،‬اي إن مكانك زيدًا‪ .‬قال‪ :‬وإن جعلت‬
‫فلحق باألسماء‪ .‬وأراد‪( :‬أوبدلُها) فجعل‬ ‫ال َبدل بمنزلة البديل‪ُ ،‬قلت‪ :‬إن َب َدلَك زيدٌ‪ِ ،‬‬
‫األلف والال عوضًا من اإلضافة‪ ،‬ألن كل واحدة منهما للمعرفة وجعل للمواهب‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫(أيديا) تح ُكما على الصنعة‪ ،‬وتأنقًا في البالغة‪ ،‬وليُشعر أنه إنما َوازى به قول‬
‫ض َع على يدي َعدل)‪.‬‬
‫العرب فيما ينسب منه‪ُ ( :‬و ِ‬
‫ُ‬
‫األسل)‬ ‫َشوقًا إليه ينبُ ُت‬ ‫سبيل‬ ‫(يُ ُ‬
‫شتاق من ِيده إلى ٍ‬
‫الس َبل‪ :‬المطر‪ ،‬كناية عن العطاء‪ ،‬يقول‪ :‬يشتاق إلى يده‪ ،‬حتى أن األسل ال ينبت إال ليباشر راحته‪ ،‬فيُروي‬
‫بنائلها َك َريه بالسحاب‪ ،‬بل أكثر‪ .‬وإن شئت جعلت حظ األسل من نائل كفه‪ ،‬ما يسقيها من الدم‪ .‬وقوله‪ :‬شوقًا‬
‫ال من أجله‪ ،‬وهو يسميه سيبويه ُعذرًا لوقوع‬ ‫ُ‬
‫األسل‪ :‬جعله في موضع الصفة لسبل‪ .‬وشوقًا مفعو ً‬ ‫إليه ينبت‬
‫األمر‪.‬‬
‫ِن َت ْق ِب ِيله َبلَ ُ‬
‫ـل)‬ ‫بالناس م ْ‬
‫ِ‬ ‫أرض أقام بها‬
‫(فإذا َحمى ٍ‬
‫صى‬ ‫اي إذا حل بحصى أرض‪ ،‬قبله الناس بين يديه‪ ،‬حتى تبل أسنانُهم اي تُقبل وتنعطف إلى الباطن‪َ .‬‬
‫وح َ‬
‫منصوب بفعل مضمر‪ .‬اي إذا حل حصى أرض (وأقام بها)‪ :‬تفسير للفعل المضمر‪ ،‬ألنه إذا أقام به فقد حله‪،‬‬
‫وأراد‪ :‬فباأناس‪ ،‬فحذف الفاء للضرورة‪ ،‬وهو كثير في الشعر‪ ،‬أنشد سيبويه‪:‬‬
‫والشر بالشر عند اهلل مِث َ‬
‫الن‬ ‫ُّ‬ ‫من يفعل الحسنات اهلل َيش ُك ُر َها‬
‫اي فاهلل يشكرها‪ .‬والهاء في (بها) راجعة إلى الحصى‪ ،‬الن الحصى يؤنث ويذكر‪ ،‬وكذلك كل جمع بينه وبين‬
‫واحده الهاء‪ .‬وال تكون الهاء في (بها) عائدة إلى االرض ألنه البد في الفعل من ُمضمر يرجع إلى المفعول‪،‬‬
‫اال أن يُحذف لضرب من االستخفاف‪ ،‬كما قد بين سيبويه في غير موضع‪.‬‬
‫ولو كانت الهاء راجعة إلى األرض‪ ،‬ولم َت ُعد إلى المفعول الذي هو الحصى‪ ،‬لقلت‪( :‬زيدًا ضربت هندًا) مريدًا‬
‫ُ‬
‫(ضربت زيدًا ضربت هندًا)‪ .‬وهذا ال يقوله أحد‪ ،‬البد في الفعل الظاهر من ضمير ملفوظ يه او مقدر‪ ،‬يعود‬
‫ال على التذكير‪ ،‬والعرب تقول‪ :‬شجر أخضر‪،‬‬ ‫إلى المفعول المنتصب بالفعل المضمر‪ .‬وقال‪( :‬من تقبيله)‪َ :‬حم ً‬
‫وخضر‪ ،‬وحصى أسود وسُود‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫الحيل)‬ ‫ضاقت َ‬
‫بك‬ ‫إال إذا َ‬ ‫أفر منك ت َعر ُفـه‬
‫لق َ‬‫(ال َت َ‬
‫يخاطب بذلك لوهوذان‪ ،‬يقول له‪ :‬من عرفت أنه أثبت منك فراسة فال َتعرض له ما وجدت عن لقائه مندوحة‪،‬‬
‫ُ‬
‫الحيل ولم تجد بُدا من لقائه‪،‬‬ ‫وال تحاربه ما أمكنتك مسالمته‪ .‬يعظه بذلك‪ ،‬وكأنه مستهزئ به‪ .‬فإذا ضاقت بك‬
‫فقد استحققت المعذرة‪.‬‬
‫ال أفرس منك‪ .‬وحسن وضع الصفة هنا موضع‬ ‫وقوله أفرس منك‪ :‬صفة موضوعة موضع االسم اي رج ً‬
‫االسم‪ ،‬ألنها قد تقوت بقوله‪( :‬منك)‪ .‬وأيضًا فإن منك مناسب لالضافة‪ ،‬والمضاف اسم‪ .‬وتعرفه‪ :‬جملة في‬
‫موضع الصفة‪ ،‬كأنه قال‪ :‬ال َتلق رج ً‬
‫ال أفرس منك‪ ،‬معروفًا لديك‪.‬‬
‫َـزلُـوا)‬ ‫فإذا أرادُوا ً‬
‫غاية ن َ‬ ‫وق السماء و َفوق ما َطلَبُوا‬
‫( َف َ‬
‫اي رتبتهم في أرفع الغايات من الرتب‪ .‬بحث ال يمكن َمزيد إلى فوق‪ ،‬فإذا أرادوا غاية ما غير تلك الغاية‪،‬‬
‫نزلوا إلى األسفل منها‪ ،‬اذ ال تمكن غاية إلى فوق‪ ،‬ألن مراتبهم في أسنى الغايات وأرفع النهايات‪ .‬وقد قال هو‬
‫في هذا المعنى بعينه‪:‬‬
‫فقلت نعم إذا شئت استفاال‬ ‫وقالوا هل يُ َبل ُعك الـثُّ َ‬
‫ـريا‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫فجئتنى في ِخاللها قاصـد)‬ ‫ضت‬ ‫ظن َغ ٌ‬
‫شية َع َر َ‬ ‫(ليس كما َّ‬
‫وحملمه بخياله فيه‪ .‬فقال‪ :‬لعل‬‫كان أبو الطيب توقع أن يلومه محبوبه لنومه بعده‪ُ ،‬‬
‫مرسلك إلى أيها الخيال‪ ،‬ظن أنى نائم‪ ،‬أوخلتنى أنت يا خيال كذلك‪ ،‬ليس كما‬
‫أشد من أن أنام عليها‪ ،‬وانما هي َغشية‪ .‬فإن الباشق يُغشى عليه‪،‬‬ ‫ظننتماه‪ ،‬حالى ُّ‬
‫وليس من شأنه أن ينام فال ألحقن منكما مالمًا‪ ،‬ألني لم أخل بحق العشق إذا لم أنم‪.‬‬
‫وانما كنت ُمخال به لو نمت‪ ،‬فجئتني في خاللها قاصدًا‪ ،‬اي في خالل تلك الغَشية‪.‬‬
‫وعيادة الخيال اياه في تلك الحال‪ ،‬أبلغ وأعرف من عيادته اياه في حد النوم‪ ،‬ألن‬
‫المغشى عليه بمنزلة الميت‪ ،‬والنائ ُم قد يدرك أشياه كثيرة مما يدركه اليقظان‪،‬‬
‫كالضحك واالحتالم وغير ذلك وما علمنا أحدًا من الشعراء ذكر أن حيا ً‬
‫ال ألم به‬
‫في َغشية اال هذا‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫وقوله‪( .‬قاصد) في موضع نصب على الحال‪ ،‬فكان حكمه على هذا (قاصدًا) إال‬
‫أن من العرب من يقول‪( :‬رأيت زيد) في حال الوقف‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫القين على ِّ‬
‫الدف إبر‬ ‫َج َعل ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َش ٌ‬
‫تر جنبي كأنـي مـهـدَأ‬
‫وأنشد الفارسي لألعشى‪:‬‬
‫صـم‬ ‫ُ‬
‫وآخذ من كل حي ُع ُ‬ ‫السري‬ ‫إلى المرء قيس ُ‬
‫أطيل ُّ‬
‫وال يكون (قاصد) في موضع رفع على البدل من التاء التي في خلتني‪ ،‬ألن المخاطب ال يبدل منه للعلم‬
‫(بك المسكن مرت)‪ .‬وقد أثبت ذلك غير دفعة في هذا‬ ‫بمكانه‪ ،‬واألمن من التباسه‪ .‬وذلك لم يجز سيبويه َ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫َ‬
‫أبدل نُونًا بدَال ِه َ‬
‫الحائِد)‬ ‫دت َفدَعوتُها‬
‫(إذا ال َمنَا َيا َب ْ‬
‫َسفه رأى وهو ذان في محاربته فنا ُخ ُ‬
‫سرو‪ ،‬ثم عذره‪ ،‬فقال‪ :‬إن ال َمنَايا إذا المت فإنما قولها ودعاؤها‪( :‬أبدل‬
‫صير (الحائد) (حائنًا) وهو الهالك‪ .‬وليس مقال‪ ،‬ألن المنية ليست بنوع ناطق‪ ،‬انما هي‬ ‫نونًا بدال ِه الحائِد)‪ :‬اي ُ‬
‫عدم حرارة الروح‪ ،‬وذلك َع َرض‪ .‬ولذلك قالواك َب َر َد فالن‪ ،‬إذا مات‪ ،‬يذهبون إلى انقطاع الحرارة الحيوانية‪،‬‬
‫لكن استعار القول للمنية‪ .‬وإنما أراد أن‪( :‬الحائد) الذي يحيد عن الموت‪ ،‬إذا وافاه حينهُ‪ ،‬لم يُغن عنه حيده‪.‬‬
‫يأ ُكلُها َ‬
‫قبل أهله الرائ ْد)‬ ‫وك ن َا ً‬
‫بـتة‬ ‫رأوك لما َبلَ َ‬
‫( َ‬
‫الرائد‪ :‬الذي يطلُب الكأل للحي‪ ،‬فيقول لوهوذان‪ :‬هزمتك طالئع عسكر فنا خسرو قبله‪ ،‬ولم ينتظروا يك معظم‬
‫الجيش‪ ،‬احتقارًا لك‪ ،‬وتهاونًا بك‪ ،‬وإكراما لكوكب الجيش‪ ،‬فكنت كالنابتة المحتقرة المستصغرة التي يأكلها‬
‫لخ َطرها‪ .‬و (نابتة)‪ :‬صفة أقيمت‬
‫الرائد قبل أهله؛ ال ينتظرهم بها‪ ،‬وال يدعوهم إليها‪ ،‬احتقارًا لقدرها واستنزارًا َ‬
‫وح ُسن ذلك‪ ،‬ألنها قد قويت بالجملة التي بعدها‪ ،‬فضارعت االسم بهذه الصفة‪ ،‬ألن الموصوفة‬ ‫مقام الموصوف‪َ .‬‬
‫في األصل إنما هي األسماء‪ .‬هذا مذهب سيبويه‪ .‬وإنما اراد‪ :‬خاله نابتة وحشية‪ ،‬او نبقة‪ ،‬او نحو ذلك‪.‬‬
‫حابض إلى صار ْد)‬
‫ٍ‬ ‫يحي ُد عن‬ ‫ٌ‬
‫ـرسـلة‬‫تق والسـهـا ُم ُم‬
‫( ُو ُم ٍ‬
‫الحابض‪ :‬السهم الذي يقع بين يدي الرامي من ضعفه‪ .‬والصارد‪ :‬النافذ‪ .‬يقول‪ :‬إن اإلنسان ال ينفعه احتسابه‪،‬‬
‫وال يقيه احتراسه‪ ،‬فرب ُمتق للموت في الحرب وقد أرسلت السهام‪ ،‬فنفر عن الحابض‪ ،‬ولو وقف له لم‬
‫يضره‪ ،‬ويعدل إلى النافذ‪ ،‬فيقتله‪ ،‬وهو في كل ذلك ُمصرف بيد القدر‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫فؤادُه َي ُ‬
‫خفق من ُرع ِب ِه)‬ ‫طالب‬
‫ٌ‬ ‫اجت ُه‬ ‫ال َق َ‬
‫ضى َح َ‬ ‫( َف َ‬
‫يقول‪ :‬إن الموت َقدَر محتوم‪ ،‬وقضاء مجزوم‪ ،‬وسواء فيه الشجاع‪ ،‬والجبان الفزاع‪ ،‬فإذا كان األمر كذلك‪،‬‬
‫فالجازع ملوم‪ ،‬والجبان مذموم‪ .‬فمن الحق أن يُدعى على الطالب الشديد الهيبة‪ ،‬أال َي ْظفر من حاجته إال‬
‫بالخيبة‪ .‬والجملة التي هي قوله‪( :‬فؤاده يخف ُقق من ُرعبه)‪ :‬في موضع الصفة لطالب‪ .‬و (طالب)‪ :‬صفة‬
‫وحسن ذلك‪ ،‬ألنه قد ُقرن بالصفة‪ ،‬فضارع االسم‪.‬‬
‫وضعت موقع الموصوف‪ُ .‬‬
‫والهاء في (رعبه)‪ :‬إن شئت َردَدتها إلى طالب‪ ،‬وإن شئت إلى قوله‪( :‬فؤاده)‪ .‬والبيت مشتمل على الدعاء على‬
‫ُ‬
‫الجبن اإلحجام‪.‬‬ ‫كل من إذا رام اإلقدام‪ ،‬أورثه‬
‫ـائر فـي ُكـتـبـ ِه)‬
‫الس ُ‬‫َّ‬ ‫حمل‬ ‫( َح َ‬
‫اشاك أن َتض ُعف عن ِ‬
‫اي حاشاك أن تض ُعف عن احتمال ما قدر الفيج بالنعي على احتماله؛ اي إذا كان ال َفيج (وهو الرسول غبال‬
‫قدميه) يقول‪ :‬جاء على احتماله في كتبه‪ ،‬وهو متكلف مع ذلك ِر ْجلَه‪ ،‬وعاد ٌم َر ْحلَه‪ ،‬فأنت أحجى باحتماله على‬
‫ترك استهواله‪.‬‬
‫وقال ايضا‪:‬‬
‫الح َبال)‬
‫يل في ِ‬ ‫قيدت ُ‬
‫األ ُ‬ ‫( َو ِ‬
‫يل‪ :‬اسم للجنس‪ ،‬وأنث على معنى الجماعة‪ ،‬وقد يجوز أن يكون (أُيل) على اعتقاد ضمة مجتلبة للجمع‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬
‫األ ُ‬
‫ذهب إليه سيبو]ه في دالص َو ِهجان‪ .‬وقد أثبت األيل واشتقاقه ووزنه وتكسيره‪ ،‬وما فيه من اللغات‪ ،‬في كتابي‬
‫الموسوم (بالمحكم)‪.‬‬
‫ال)‬ ‫ِن َ‬
‫األ ْو َع ِ‬ ‫أو َف ِت ال ُفد ُ‬
‫ْر م َ‬ ‫( َو ْ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫األوعال‪ :‬شياه الجبال‪ ،‬ال ُفدر‪ :‬ال َم َسان يجوز أن يكون جمع َفدٌور‪ ،‬فاألصل على هذا ( ُفدر) إلى أن بني تميم‬
‫يسكنون ثاني الضرب استخفافًا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وعود‪ ،‬ألن سيبويه قد اعتد (بفعل) بناء من ابنية تكسير (فاعل)‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون جمع فادر‪ ،‬كعائد ُ‬
‫الضال)‬
‫ِ‬ ‫قس ِّى‬ ‫( ُم ْر َتد ٍ‬
‫ِيات ِب ِ‬

‫السدر‬
‫يعني قرونها‪ .‬شبهها فب انعطافها بقسى العرب‪ ،‬وهي تتخذ من الضال وهو ِّ‬
‫الج َبلي‪ ،‬أل ُفه منقلبة عن ياء‪ .‬وذكر بعض متأخري أهل بغداد أنه َوج َد بخط (جعفر‬
‫َ‬
‫بن دِحية)؛ رجل من أصحاب ثعلب‪( .‬الضأل) مهموزًا؛ فاشتقه ذلك البغدادي حينئذ‬
‫الج َبلي منه أقل ريا ونعمة من المائي‪ ،‬وذلك قال البغدادي‪:‬‬
‫من الضآلة‪ ،‬وذلك ألن َ‬
‫َ‬
‫أضيل المكان‪:‬‬ ‫ثم وجدته بخط ابي إسحاق‪( ،‬يعني إلراهيم بن السرى الزجاج)‪:‬‬
‫أنبت الضال‪ .‬فإذا كان ذلك‪ ،‬فال أثر للهمز في الضال‪ ،‬وال طريق إليه‪ .‬وإنما هو‬
‫كتاب‪ ،‬فمحا البغدادي حيئنذ ضبط جعفر‪ ،‬وعول على خط أبي إسحاق‪.‬‬
‫األثقال)‬
‫ِ‬ ‫( ُولدن تحت أثقل‬
‫قيل‪ :‬الجبال‪ ،‬وقيل‪ :‬ال ُق ُرون‪ .‬فإن قلت‪ :‬فإنه لم يُولد بقرن‪ ،‬فتقول‪ :‬إنه عنى (بأثقل األثقال) والقرون؟ قلنا إن لم‬
‫يولد بالفعل معها‪ ،‬فإنه مولود معها بالقوة‪ ،‬ألن نبتة القرون لألنواع المفطورة عليها‪ ،‬خلقة طبيعية‪ ،‬فالبُد من‬
‫خروجها إلى الفعل‪.‬‬
‫( َق ْد َم َن َع ْت ُه َّن من التَّفالي)‬
‫حاولت التفالي‪ ،‬من َعها اشتباك قرونها من الوصول إلى‬
‫ِ‬ ‫اي تشابكت القرون على رؤس األيابل‪ ،‬حتى لو‬
‫رؤسها‪.‬‬
‫ال َت ُ‬
‫شرك األجسام في ال ُهزال)‬ ‫(َ‬
‫اي أن القرون ال يلحقها سمن وال ُهزال‪ ،‬كما يلحق األبدان‪ ،‬ألنها ليست متصلة بلحم ودم‪ ،‬وال هي في ذواتها‬
‫السمن وال ُهزال‪ ،‬لكان أقعد بالحقيقة‪ ،‬ولكن السمن والهزال‪ ،‬انتفى أن‬
‫كذلك‪ .‬ولو اتزن له أال يُشرك األجسام في َّ‬
‫يشركها في السمن‪ ،‬فاكتفى بأحد الضدين من صاحبه‬
‫األمثال)‬
‫ِ‬ ‫رأين فيها أشنع‬ ‫(إذا َتلفتن إلى الـظـالل‬
‫اي إذا رأت األيابل ظالل قرونها‪ ،‬استبشعتها وهالتها‪.‬‬
‫هال)‬ ‫زياد ًة في ُسب ِة ُ‬
‫الج ِ‬ ‫لـإلذل‬
‫ِ‬ ‫(كأنما ُخلـقـن‬
‫يعني القرون صاحبها ذليل‪ .‬فيقول‪ :‬كأن هذه القرون إنما خلقت لتدل علي على ذلة األوعال‪ ،‬كما ُخلقت‬
‫للقرنان‪ ،‬وإن كان القرون له‪ .‬وإنما هو تمثيل‪ .‬وقوله‪ :‬زيادة فس ُسبة الجهال‪ :‬اي أن الجهال يتشاءمون كثيرًا‬
‫ْ‬
‫بال ُقرون‪ ،‬ويكنون أحدهم بأبى القرون‪.‬‬
‫ُ‬
‫لألكفال)‬
‫ِ‬ ‫األطراف‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫َواخ َ‬
‫(ن ِ‬
‫اي طالت القرون منها‪ ،‬حتى ن َ‬
‫َخست األكفال بأطرافها‪.‬‬
‫ال)‬ ‫ِن َ‬
‫اآلط ِ‬ ‫ْن َين ُفذن م َ‬
‫( َي َكد َ‬
‫اآلطال‪ :‬الخواصر‪ ،‬واحدها‪ :‬وإطل‪ .‬وقد قيل‪ :‬اإلطل وضع‪ ،‬واإلطل‪ :‬فرع‪ .‬يقول‪ :‬في القرون ُشعب تكاد تنفذ‬
‫َ‬
‫اآلطال‪ ،‬فزاد (من) على رأي أبى الحسن‪ ،‬ألنه يرى زيادتها‬ ‫الخواصر‪ ،‬حد ًة واعتراضًا‪ .‬وأراد‪َ :‬ي َكدْن َينُفذن‬
‫في الواجب‪ ،‬وسيبويه ال يرى زيادتها فيه‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون أراد من اآلطال إلى اآلطال‪ ،‬اي من اليمين إلى الشمال وبنقيض ذلك‪.‬‬
‫ال)‬
‫باإلق َب ِ‬ ‫ُ‬
‫شبيهة اإلدْبار ْ‬ ‫(‬
‫اي في وجوهها من لحاها ما يشبه إذنابها‪ ،‬فقد تشابه ال ُقبُل ُّ‬
‫والدبُر‪ ،‬وقيل‪ :‬يريد ُعموم قرونها‪ ،‬لظهورها‬
‫بالتعطف عليها إلى أدنابها‪.‬‬
‫ال)‬ ‫(في ُك ِّل كِب ٍد َكبدي ن َ‬
‫ِض ِ‬
‫كِب ُد النصل ما بين َع َ‬
‫يريه‪ .‬اي في كل كبد أيل ووعل من هذه الوحش المقنوطة نصال‪.‬‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫( َف ُه َّن َيهوين من ال ٍق َ‬
‫ال ِل)‬
‫الف واإلر َق ِ‬
‫ال)‬ ‫( َم ْقلُوبة األظ َ‬
‫ُ‬
‫األيابل واألوعال َيهوين من قالل الجبال‪ ،‬وهي أعاليها‪ ،‬منعكسة أظالفها وأذنابها على أجسامها‪.‬‬ ‫اي هذه‬
‫ان َعنها َس َب ُب التَّ َ‬
‫رح ٍل)‬ ‫(ف َك َ‬
‫إقالل)‬
‫إكثار إلى ِ‬ ‫( َتشويق ٍ‬
‫اإلكثار إلى اإلقالل‪ ،‬فكان ذلك سبب الترحال عنها‪( .‬فعن)‪ :‬متعلقة‬
‫ُ‬ ‫اي أكثرنا من القنص حتى مللنا‪ ،‬وشوقنا‬
‫بالترحال المقدر قبلها‪ ،‬وال تكون متعلقة بالترحال الظاهر ألن (عن) حينئذ من صلة المصدر‪ ،‬وما كان من‬
‫َ‬
‫(تشويق إكثار)‪ .‬خبرها‪ ،‬ألنها‬ ‫صلة المصدر لم يتقدم عليه‪ ،‬وجعل (سبب الترحال) اسم كان‪ ،‬ألنه معرفة و‬
‫نكرة‪ ،‬فالبيت ُمضمن‪.‬‬
‫رت َّ‬
‫وقللت؛ فجعلته كثيرًا وقليال‪ً.‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫أكثرت‪ ،‬جئت بكثير‪ ،‬وأقللت؛ جئت بقليل فأما كث َ‬
‫َ‬ ‫وقال سيبويه‪:‬‬
‫نت بالـآللـي)‬‫آللًئا َط َع َ‬ ‫اإلآلل‬
‫ٍ‬ ‫( َولو َج َعلت َموضع‬
‫(اإلآلل)‪ ،‬الحراب‪ .‬وأحدتها؛ (ألة)؛ وذلك لبريقها ولَ َمعانها‪ .‬أل الشيء ُّ‬
‫يؤل أال‪:‬‬
‫برق‪ .‬اي لو جعلت مكان الحديد والمحدد لؤلؤًا فعلت به من القتل ما يفعل الحديد‪،‬‬
‫ألنك مؤي ٌد منصور‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اراد ولو جعلت أصحاب الحراب من جيشك صواحب الحلي لقتلت بهن‬
‫عداك‪ ،‬ألن السعد والبأس إنما هولك‪ .‬واراد (طعنت بالآلليء) فأبدل الهمزة إبدا ً‬
‫ال‬
‫محضًا‪ ،‬ليس على التخفيف القياسي‪ ،‬وإن كان مثله في اللفظ‪ .‬وإنما أبدل إبدا ً‬
‫ال كليًا‬
‫غير قياسي‪ ،‬لمكان الوصل‪ ،‬ألن التخفيف القياسي في نية التخفيف‪ .‬والهمزة‬
‫المخففة ال يُوصل بها‪ ،‬فكذلك المخففة التي في نية المخففة ال يوصل بها‪ .‬وقد بينت‬
‫ذلك غير دُفعة في هذا الكتاب‪ ،‬وفي غيره من كتبي‪ .‬وإنما اعدته لظرافته ودقته‪،‬‬
‫الدرب‪ .‬فمن أنس به أحبه ووااله‪ ،‬ومن نافره قلنا فيه؛ من جهل‬ ‫وأنه ال يفهمه إال ِ‬
‫شيئًا عاداه‪.‬‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫ـان)‬ ‫بيع من َّ‬
‫الـز َم ِ‬ ‫الر ِ‬
‫منزلة َّ‬
‫الشعب طيبًا في ال َمغانِي ِب ِ‬
‫ِ‬ ‫( َمغَاني‬
‫يعني بالشعب‪ :‬شعب بوان وكان في طريقه إلى شيراز‪ ،‬مربه فأعجبه‪ .‬يقول‪ :‬فهذه المغاني في ُحسنها بمنزلة‬
‫الربيع في أرباع السنة‪ .‬اي أن هذه المغاني أطيب المغاني وأعشبها كما أن الربيع آنق أرباع الزمن‬
‫وأخصبهل‪.‬‬
‫جعل هذا المكان في جملة األمكنة بمنزلة الزمان‪ ،‬أعنى الربيع في جملة األزمنة‪ ،‬وهذا من عجيب االقتران‪،‬‬
‫أعنى تمثيله لمكان بالزمان‪.‬‬
‫الوج ِه والَي ِد والِّ َس ِ‬
‫ان)‬ ‫َغ ُ‬
‫ريب َ‬ ‫( َولكن ال َف َتى ال َعربي فـيهـا‬
‫بوان هذه؛ ي بالد فارس‪ ،‬وال عرب هنالك إال ُغرباء‪ ،‬فكنى بغرابة األعضاء عن غرابة الجملة‪ .‬وقيل؛‬
‫غريب الوجه‪ ،‬أن ألوان العرب األدمة‪ ،‬واهل فارس بيض‪ ،‬وأما غربة اليد فقيل‪ ،‬إنه عنى به الخط‪ ،‬وال‬
‫يُعجبني‪ ،‬إنما َع نى به الجود‪ ،‬والجود للعرب‪ .‬وأما اللسان فألنهم أعاجم‪ ،‬والتفسير األول هو الصحيح‪ ،‬أعنى‬
‫أنه ال هرب هناك إال قليل‪.‬‬
‫الـقـيان)‬
‫ِ‬ ‫أغاني‬
‫ُّ‬ ‫أجابتها‬ ‫الحما ُم ال ُو ُ‬
‫رق فيها‬ ‫(إذا غنى َ‬
‫اي أنها أرض طيب ورفاهية‪ ،‬واعتدال هواء‪ ،‬فإذا غنى الحمام فيها‪ ،‬جاوبتها القيان طربًا إليها‪ ،‬اي أن أهلها ال‬
‫يتركون اللهو‪.‬‬
‫البـيان)‬
‫ِ‬ ‫إذا غنى وناح إلى‬ ‫حمام‬
‫أحوج من ٍ‬
‫ُ‬ ‫بالشعب‬
‫ِ‬ ‫( َومن‬
‫ً‬
‫مبالغة‬ ‫اي أن أهل بوان أعاجم‪ ،‬ال يُفصحون‪ ،‬كما أن الحمام كذلك‪ .‬وجعلهم أحوج إلى البيان من الحمام؛‬
‫أناسي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫وإفراطًا في الكالم‪ ،‬إذ يوجد لغناء أهل بوان ترجمان‪ ،‬ألنهم‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫تباعدان)‬
‫ِ‬ ‫وموصوفا ُهما ُم‬
‫ُ‬ ‫(وقد َي َت َقارب َ‬
‫الوصفان جدا‬
‫اي هؤالء األعاعم في قلة االيضاح‪ ،‬وعدم االفصاح‪ ،‬كهذه الحمائمن وإن اختلف نوعاهما فهما متباعدان‬
‫بالنوع‪ ،‬وذات الجوهر‪ ،‬متقاربان في عدمهما البيان‪.‬‬
‫ويحمل أن يريد أن اإلنسان يقرب الموصوف بوصفه له‪ ،‬حتى لكأنه حاضر‪ ،‬ولكنه يبعد لعدم إحاطته بجميع‬
‫أحواله‪ ،‬وغرائب أفعاله‪.‬‬
‫َـان)‬ ‫دنانيرًا َتف ُّ‬
‫ِر من ال َبـن ِ‬ ‫ُ‬
‫الشرق مِن َها في ثِيابي‬ ‫(وألقى‬
‫يصف شعب َب وان؛ وهي مدينة معروفة في طريق شيراز‪ .‬والشعب‪ :‬الطريق في الجبل‪ .‬والشرق‪ :‬الشمس‪.‬‬
‫يقال‪ ،‬طلعت الشرق‪ ،‬وال يقال غاب الشرق‪ ،‬فيعني أن شجر هذا الموضع أشب ُملتف‪ ،‬ضيق الخصاص‪ ،‬وهي‬
‫الش عب التي بين الورق‪ ،‬فإذا طلعت الشمس تخلت أظواؤها خالل الورق‪ ،‬مستديرة كالدنانير من الذهب‪ ،‬في‬ ‫ُّ‬
‫الشكل واللون‪ ،‬إال أنها إذا َحلت الكف‪ ،‬فهمت بالقبض عليها حال ظل البنان بينهما؛ واعتراض دون ما في‬
‫قدمت ال َفرق بين تشبيهه إياها بالدنانير هنا‪ ،‬وبين تشبيهه إياها بالدراهم‬
‫ُ‬ ‫باطن الراحة من أشكال الضوء‪ .‬وقد‬
‫في قوله‪:‬‬
‫الدراهم‬ ‫َتدَور فوق البيض مثل‬ ‫الطير َف ْر ً‬
‫جة‬ ‫ِ‬ ‫إذا ضوؤُها القي من‬
‫ِ‬
‫عن تفسير ذلك البيت‪ .‬وقوله‪( :‬منها) اراد من نفسها‪ ،‬وصرف (دنانير) للضرورة‪.‬‬
‫ان)‬
‫قلب َج َب ِ‬ ‫َو ُ‬
‫يرحل منه ٍ‬ ‫جاع‬ ‫( ُ‬
‫يحل به على ٍ ُ‬
‫قلب ش ٍ‬
‫اي أنه إذا رأى أضيافه نازلين به‪ ،‬فرح فقويت ذاته وإذا رآهم راحلين ساءة ذلك‪ ،‬فضعف منه ما قوى‪.‬‬
‫فعلى هذا القول‪ ،‬تكون الشجاعة والجبن لقلب هذا الممدوح‪ .‬وقد يجوز أن يكون ذلك‪ .‬ألفئدة الضيفان‪ ،‬اي أن‬
‫فرق من الموت‪ ،‬لما لحقه من الكد والجهد‪ ،‬فرأى ما لدى أبي‬
‫الضيف إذا نزل به وهو زاهد في الحياة‪ ،‬غير ٍ‬
‫ُش جاع من خصب المكان؛ ولين أخادع الزمان‪ ،‬والخفض واألمان‪ ،‬راقه ذلك‪ ،‬فأحب الحياة‪ ،‬وكره الوفاة‪،‬‬
‫بعكس ما كان عليه‪.‬‬
‫عوان)‬
‫ِ‬ ‫كر او‬
‫ليوم الحزب‪ِ :‬ب ٍ‬
‫ِ‬ ‫(دَعت ُه ِبمفزع األعضائ منـ ُه‬

‫المفزع‪ :‬المستغاث‪ .‬ودعته‪ :‬سمته‪ .‬فيقول‪ :‬دعته هذه الدولة عضد الدولة‪ ،‬الن‬
‫األعضاء إنما تدفع عن نفسها بالعضد‪ ،‬وهي حاملة اليد‪ ،‬فكذلك هذه الدولة‪ ،‬لما‬
‫ضدها‪ .‬فقوله‪( :‬ب َمفزع) في موضع‬ ‫ضد‪ ،‬دعته َع ُ‬ ‫وجدت َم ْف َزع أعضائها بال َع ُ‬
‫وت) التي بمعنى سميت تقول‪ :‬دعوته زيدًا‪ ،‬ودعوته‬ ‫َع ُ‬ ‫المفعول الثاني؛ ألن هذه (د َ‬
‫بزيد‪ ،‬كقولك سميته إياه‪ ،‬وسميته به‪.‬‬
‫َعوته التي تجري َمجرى َس َّميت ُه‪ ،‬يعني‬ ‫قال سيبويه حين ذكر هذا النحو‪ .‬وكذلك د َ‬
‫إنها تتعدى إلى مفعولين‪ :‬كطما يتعدى سميته إليهما‪ .‬قال‪ :‬فإن أردت الدُّعاء إلى‬
‫(سوا ٌء عل ْكيم‬
‫ال واحدًا‪ .‬يعني نحو التي في قوله تعالى َ‬ ‫أمر‪ ،‬لم تجاوز مفعو ً‬
‫(أجيب دعو َة الدَّاعي إذا دَعان)‬‫َعوتمو ُه ْم أم أَ ْنتُم صامتُون)‪ :‬وكقوله له سبحانه‪ِ :‬‬ ‫أد َ‬
‫وان)‪ :‬يدل من الحرب‪ .‬وقد‬ ‫الحرب)‪ .‬اي إلى يوم الحرب‪( .‬ب ْك ٍر أو َع ِ‬ ‫وقوله‪( :‬ليوم ْ‬
‫بين معنى هذا البيت بقوله‪:‬‬
‫يدان)‬ ‫بغير ذِي َع ُ‬ ‫وع ْ‬ ‫ْ‬
‫(ب َعض ِد الدول َة ام َت َن َع ْت َ‬
‫ضد ِ‬ ‫وليس ِ‬ ‫َ‬ ‫زت‬
‫عن (تثنية اليد)‪ ،‬فنفي‬
‫يدين ِبهالك‪ ،‬لم َي ِ‬
‫اليدان‪ :‬إما أن يكون هما الكفين‪ ،‬وإما أن تكون القوة‪ .‬حكى سيبويه‪ :‬ال ِ‬
‫الجارحتين؛ ولكنه نفي ال ُقوة‪ .‬وأراد‪( :‬اليد ِبهالك)‪ ،‬فوضع االثنين موضع الواحد الدال على الكثرة؛ فدلت‬
‫التثنية من الشياع على ما يدل عليه الواحد الدال على الكثير أعني المنفي بال؛ ألن ذلك الواحد متفرق للنوع‬
‫المنفي بها‪.‬‬
‫ْ‬
‫قي كل َرحل ونظيره قوله تعالى في صفة‬ ‫ِّ‬ ‫في ْ‬ ‫ُّ‬
‫وقد تجيء التثنية تدل على الكثير‪ .‬أنشد الفارسي للفرزدق‪ :‬وكل َر ِ‬
‫السماء‪( :‬فارجع البصر هلى ترى من ُف ُطور‪ ،‬ثم ارجع البصر َك َّرتين)‪.‬‬
‫رات‪ .‬والدليل على ذلك قوله‪( .‬ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو َح ِسير)‪ .‬فلو أمره أن‬ ‫( َف َّكرتين) في موضع َّك ٍ‬
‫كرتين فقط؛ فنظر مرتين‪ ،‬لم يرجع البصر خاسئًا وهو َحسير‪ ،‬الن البصر ال ت َي ْحسر من‬ ‫ينظر في السماء َّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫حسر من مرات‪ .‬هذا تفسير الفارسي‪ ،‬بعد أن أعمل فيه إنعام الفِكر؛ وقدَّر ما فيه من وراء غلوة‬
‫مرتين‪ ،‬انما َي ِ‬
‫الحشر‪.‬‬
‫قطان)‬ ‫َكسى البُلدان ريش َ‬
‫الحيُ ِ‬ ‫ماجم فب ال َعنَاصي‬
‫الج ِ‬ ‫( َّ‬
‫كأن َد َم َ‬
‫ريش الحي ُقطان‪ :‬واحمر‪ .‬والعناصي‪ُ :‬خصل من الشعر‪ .‬يقول‪ :‬جرى الدم في عناصيهم فاختضبت فاحمرت‪،‬‬
‫ثم تمزقت شعورهم في ال ُمعترك وأطارتها الريح على األرض؛ فكأن العناصي المحمرة المتمزقة ُ‬
‫ريش هذا‬
‫ريش الح ْي ُقطان‪ .‬و‬
‫النوع من الطير‪ .‬وجعل الدم هو الذي كسا البُلدان‪ ،‬ذلك ألنه لوال الدم لم يُشبه ال َعنصوة ُ‬
‫(في العناصي)‪ .‬ظرف في موضع الحال‪ ،‬اي مستقرًا فيها‪.‬‬
‫أنيسيان)‬
‫ِ‬ ‫ل َه َياءي ُحروف‬ ‫ُو َكـا َثـرا ُه‬
‫وكان ابناَ َعد ٍّ‬
‫( َ‬
‫ْس َيان‪ :‬تصغير إنسان‪ ،‬وهو أكثر حروفًا من ُمكبره‪ ،‬لكن تلك الكثرة مشعرة بقلة‪ ،‬فال غناء لهذه الزيادة التي‬‫أ َني ِ‬
‫فيه‪ ،‬لما يلحقه من التصغير‪ ،‬ونقيصة التحقير‪ .‬فهو يدعو ُ‬
‫لفناخ َسر‪ ،‬فيقول‪ :‬ال كاثرك ملك باثنين إال كانا‬
‫كالياءين اللتين في (أنَيسيان)‪ ،‬وكلتاهما زائدة‪ ،‬الغناء لهما‪ .‬وأيضا فإنهما للتحقير‪ :‬األولى للتصغير حقيقة‪،‬‬
‫والثانية ال تلحق اال مع ياء التصغير‪ ،‬فهي بمنزلتها في الداللة على التصغير‪ .‬فلذلك قلت إنهما جميعًا للتحقير‪،‬‬
‫أعن أن ياء (أنيسيان) األخيرة‪ ،‬وياء التصغير ال تكون أبدًا إال ثالثه‪ .‬و (أنيسيان) من شاذ التصغير‪.‬‬
‫ولم ِ‬
‫وله ايضا‪:‬‬
‫فال ٌ‬
‫ملك إذن إال فـدَاكـا)‬ ‫(فِدى لَك من يُقصر عن مداكا‬
‫َاك) يحتمل أن يكون قع ً‬
‫ال‪ ،‬واسماً‪.‬‬ ‫( َفد َ‬
‫َعونا بال َقاء لمن َق َ‬
‫الكـا)‬ ‫دَ‬ ‫ولو ُقبنا فِدى لَ َك من يُساوي‬
‫( ْ‬
‫اي أنه ال يساويك أحدن فلو قلنا‪ :‬فدًى لك مساويك‪ ،‬لكان كقولنا‪ :‬فدًى لك ال أحد‪ ،‬وقاليه‪ :‬داخل في ذلك‪.‬‬
‫الكاَ)‬
‫ولو َكانت لملك ٍة ِم َ‬ ‫نفـس‬
‫ٍ‬ ‫(وآمنا فِدا َءك َّ‬
‫كل‬
‫اي لو اشترطنا في فدائك المساواة‪ ،‬ألمن كل احد أن يكون لك فداء‪ ،‬وإن كان ملكًا‪ ،‬ألنه مع ُملكه ومِلْكِه‬
‫قص ٌر عن مساواتك‪.‬‬
‫ُم ِّ‬
‫ينصب َ‬
‫تحت ما نثر الشباكا)‬ ‫ُ‬ ‫َو‬ ‫الحـب ُجـودًا‬
‫ِّ‬ ‫( َو َمن ُ‬
‫يظن نَثر‬
‫اي وفدى لك من أعطى وغرضه أن يستجر فائدة فاضلة بعطائه‪ ،‬بمنزلة القناص‬
‫الحب للطير‪ ،‬وقد نصب الشبكة تحته ال قتناصها فال ينبغي أن يحمد‬ ‫الذي يلقي َ‬
‫على ذلك‪ ،‬ألنه ليس جودًا في الحقيقة‪ ،‬إنما هو دعاء إلى ُهلك‪.‬‬
‫وهذا مثل ضربه لمن طلب من الشكر أكثر مما يوجبه له نداه ِّ‬
‫والشباَك جمع شبكة‬
‫ورحاب‪.‬‬
‫كرقبة ورقاب‪َ ،‬ورحبة ِ‬
‫الشراكا)‬
‫طع مِشيتي فيها َ‬ ‫َف َت ْق َ‬ ‫الشمس نَعلي‬
‫ِ‬ ‫(أ َت ْتر ُكني وعيُن‬
‫اي بكوني في حاشيتك‪ ،‬واعتدادي في صاغيتك‪َ ،‬ش ُرفت وعظمت حتى عدت كأن عين الشمي نعلي؛ فإذا‬
‫فارقتك‪ ،‬كنت كمن َمشى بهذه النعل‪ ،‬فانقطع ِشراكها‪ ،‬فسقطت‪ ،‬فكان اختالل جزئها‪ ،‬سببًا لعدم كلها‪.‬‬
‫أخللت ببعض ذلك‬‫ُ‬ ‫دت عنك‪،‬‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬كساني قصدك شرفًا‪ ،‬صارت به عين الشمس لي نع ً‬
‫ال فإذا َب ُع ُ‬
‫الشرف‪ ،‬ال بكله‪ ،‬فكأني قطعت الشراك الذي هو بعض النعل‪ ،‬فجعل الشرف كعين الشمس‪ ،‬وجعل فرا َقه‬
‫المش َى فيها‪ ،‬وجعل بعده عنه بمنزلة انقطاع الشراك‪ ،‬الذي هو سبب اإلخالل بالنَّعل‪ ،‬ولم يتوقع‬ ‫لعضد الدولة ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫في كل ذلك إخالال كليا‪ ،‬ألنه كان ُمزمعًا للعودة إليه‪ .‬أال تراه يقول‪:‬‬
‫عين على اإلقا َم َة في َذ َراكا‬
‫يُ ُ‬ ‫لعل اهلل َيجـعـلُـ ُه رحـي ً‬
‫ال‬ ‫َّ‬
‫(تقطع)‪ ،‬ألنه جواب االستفهام‪ ،‬والكالم متضمن معنى الجزاء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وقوله‪( :‬فتقطع مِشيتي فيها الشراكا)‪ :‬نصب فيه‬
‫أسير وقد انتعلت بعين الشمس‪ ،‬قطعت مِش َيتي ِشراك نعلي‪.‬‬ ‫اي إن تتركني ُ‬
‫طع مِش َيت ِه ِشراك النعل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ألن‬ ‫(أتتركني)‬ ‫على‬ ‫عطفًا‬ ‫يكون‬ ‫وال‬ ‫قطع‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫فإنها‬ ‫اي‬ ‫القطع‪،‬‬ ‫على‬ ‫َ‬
‫رفعت‬ ‫وإن شئت‬
‫اإلنكار والتقرير‪ ،‬اي كيف تتركني على ما أنا به من‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ليس داخال في حد االستفهامن ومعنى هذا االستفهام‬
‫الرأي‪ ،‬وأنت تعلم أن الذي أنا عليه من ذلك َسفَه‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأقتل ما َ‬
‫أعلك ما َش َفاكا)‬ ‫َ‬
‫استشفيت من دَاء بداء‬ ‫(قد‬
‫الداء المستشفى منه‪ :‬تشوقه إلى أهله أيام كونه بشياز‪ ،‬وأهله بالكوفة؛ والداء ال ُمستشفى به من ذلك الداء‪ :‬فِراقه‬
‫لل َم لك‪ .‬فيقول أما اآلن حين أزمعت اإلياب إلى أهلك استشفيت من داء الشوق بفراق هذا الملك‪ ،‬وفراقك إياه‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬
‫أعو ُد عليك باأللم‪( .‬وأقتل ما أعلك ما شفاكا)؟ اي أقتل ما أعلك اآلن؛ ُ‬
‫فراقك ألبي شجاع‪ ،‬على أنه قد شفاك‬
‫المذهب أللم‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫من شوقك إلى أهلك‪ ،‬فكان اشتياقك كالمرض‪ ،‬ومزاولتك لهذا الملك حين أزالت شوقك كالموت‬
‫المرض‪ ،‬وهو أشد من الم المرض‪.‬‬
‫ً‬
‫ُخرج قوله (وأقتل ما أعلك ما شفاكا) على طريق العموم‪ ،‬فيصير مثال‪ ،‬كقوله‪ :‬أرى بصري قد َرابني بع َد‬ ‫ثم ي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وحسبُك داء أن تصح وتسل َما وكذا‪:‬‬
‫صحةٍ‪َ .‬‬
‫ليُصحني فإذا السالمة دا ُء‬ ‫ُ‬
‫ودعوت ربي بالسالم ِة جاهدًا‬
‫وموضوع بيت المتنبي أولى‪:‬‬
‫وقد أنضى ال ُعذافر َة اللكاكا)‬ ‫عـرقـن إال‬
‫(وأن البُخت ال يُ ِ‬
‫البُخت‪ :‬جمع بُختى‪ ،‬فحذفت ياء النسب في الجمع‪ ،‬ألنها بمنزلة التأنيث‪ ،‬في أنها داخله على االسم بعد تمامه‪،‬‬
‫ُعرقن)‪ :‬يأتين العراق‪ .‬و (أنضى)‪ :‬أهزل و (ال ُعذافرة)‪ :‬العظام‪.‬‬‫أال تراهم قالوا ثمرة وثمر‪ ،‬ونخلة ونخل‪( .‬وي ِ‬
‫ُ‬
‫الجمال ذاهبة وذاهبات‪ .‬وال أقول‬ ‫أخبر عن جماعة ما ال يعقل بشكل الواحد‪ .‬حكى سيبويه عن العرب‪:‬‬
‫ناخسر عنده‪ ،‬أعظم من أن يصفه بأن تستقل به ناقة واحدة‪ .‬واللكاك‪ :‬األنيق‬ ‫(ال ُعذافرة) هاهنا واحدة‪ ،‬الن نَدى َف ُ‬
‫ِرع ِد َ‬ ‫ُ‬
‫الص‬ ‫اللحمة أيضا هنا‪ .‬حكى سيبويه‪ :‬ناقة لكاك‪ ،‬وأينُق لِكاك‪ .‬والقول في هذا‪ ،‬القول في د ٍ‬ ‫الشداد‪ ،‬وهي ِ‬
‫ُ‬
‫وأدرع دالص‪ .‬قان الكسرة التي في الجمع غير التي في الواحد؛ واأللف غير األلف‪ .‬وقد أعدت هذا القول‬
‫مرارآ ألونس به المستوحش‪ ،‬فاني رأيتُهم عند تفسيره لهم دَهشين‪ .‬ولو فهموا كالم سيبويه‪ُ ،‬‬
‫أنسوا إليه‪.‬‬
‫ُ‬
‫وعراق‪ ،‬وثنى ةثناء‪ .‬وذد‬ ‫ورواه بعضهم‪( :‬اللُّكاكا)‪ .‬و ُفعال‪ :‬من الجمع العزيز؟ إال أن له نظائر َجمة‪ ،‬كعرق ُ‬
‫ذكر سيبويه وأهل اللغة منه حروفًا جمة‪ .‬وعليه وجه الفارسي قراءة من قرأ (إنا بُرآء مِن ُكم)‪ .‬قال‪ :‬هو جمع‬
‫رار‪ ،‬يعني ولد البقرة‪ .‬وجعل بعضعهم الفرار لغة في الفرير‪ .‬ونظائره َعريضة أريضة‪.‬‬ ‫برئ َك َفرير و ُف ٍ‬
‫ِ‬
‫وتوحشه نحوي‪ ،‬أن البُخت‬ ‫ُّ‬ ‫يت النوم َحدث هذا المحبوب الذي يريه إياي في النوم؛ ُحبه لي‪،‬‬ ‫ومعنى البيت‪ :‬ولَ َ‬
‫ال تبلغ بنا العراق حتى يُضيها او يُفنيها ما َت َحملته من نَداك‪ ،‬لثقل ما َحملتها إياه‪ ،‬من البُدرو والخلع وهذا نحو‬
‫قول أبى العتاهية يصف اإلبل‪.‬‬
‫ًرن قاال‬
‫صد َ‬‫َر َن بنا َ‬
‫صد ْ‬
‫وإذا َ‬ ‫ً‬
‫خـفة‬ ‫ْن ُم‬
‫فإذا وردن بنا َو َرد َ‬
‫والضمير في (أنضى)‪ :‬راجع إلى النَّدى في قوله‪( :‬فليت النو َم َحدَّث عن نَدَاكا)‪.‬‬
‫الكـا)‬ ‫أيعجب من ثنائي أم ُع َ‬‫ُ‬ ‫(و َك ْم َطرب ال َمسامع لَيس َيدري‬
‫ِهرى وال َمدَاكا)‬ ‫الشعر ف ِ‬
‫ُ‬ ‫رض َك كان مِسكا و َذاك‬
‫النشر ِع ُ‬
‫ُ‬ ‫( َ‬
‫وذاك‬
‫أي األمرين أولى بالتعجب منه‪،‬‬ ‫اي طرب السامع ال ستماع شعري‪ ،‬ليس يدري ًّ‬
‫أجودة شعري فيك‪ ،‬أم رفعة ُعالك في ذاتها‪ ،‬ألن شعري متنا ٍه في نوع الشعر‪.‬‬
‫وعالك متناهية في نوع ال ُعلى؛ فقد تساويا في السبق والفضل‪ .‬ولوال البيت الذي‬ ‫ُ‬
‫بعد هذا‪ ،‬ل ُع َّد َجفا ًء من المتنبي‪ ،‬لتسويته شعره في نوعه ب ُعال الملك في نوعها‪ ،‬لكن‬
‫َح ُس َن ذلك بالبيت الذي اردَفه به‪ ،‬فيقول‪ :‬األريج الذي ذاع وشاع لشعري‪ ،‬إنما هو‬
‫المسك الذي إنما طبعه الطيب لذاته ال‬ ‫ُ‬ ‫لعرضك السليم الكريم‪ ،‬فن عرضك هو‬
‫شعري‪ .‬وإنما شعري هو بمنزلة الفهر وال َمدَاك‪ ،‬الذين يُظهران فوح المسك‪،‬‬
‫َش َره‪ ،‬الن المسك إذا ُسحق كان أسطع لَعرفه‪ ،‬وأش َيع لِ َف ْوحه‪.‬‬ ‫وينشران ن ْ‬
‫وأما شعري فلم يك له في ذاته طيب‪ ،‬إنما كان كااللة للطيب‪ ،‬أال ترى أن آلة‬
‫صرفت‬ ‫الطيب ليس في طبيعتها َف ْو ٌح‪ ،‬إال بحسب ما تعلق بهذا من الجوهر الذي ُ‬
‫في صنعته‪ .‬وقوله (ذاك النشر)‪ :‬ذاك مبتدا‪ ،‬والنشر صفة له‪ ،‬وعرضك‪ :‬خبر‬
‫نشر ِعرضك‪.‬‬
‫المبتدأ‪ .‬وأراد‪ :‬وذلك النشر ُ‬
‫هذا إن عنى بالعِرض اإلناء والذات‪ ،‬ألنها جواهر‪ ،‬والنشر َع َرض‪ ،‬فال يخبر عن‬
‫ال َع َرض بالجوهر‪ .‬فلذلك احتجنا إلى تقدير حذف المضاف‪ ،‬كما احتجنا إليه في‬
‫البر َم ْن آ َم َن باهللِ) وذهب سيبويه إلى أن التقدير‪( :‬ولكن البر‬‫قوله تعالى‪( :‬ولكن َّ‬
‫(البر) َع َرض‪ ،‬و (من آمن باهلل)‪:‬‬ ‫ُ‬
‫إيمان من آمن باهلل ألن َّ‬ ‫آمن باهلل)‪ ،‬اي‬‫بر من َ‬‫ُّ‬
‫مكتبة مشكاة اإلسالمية‬ ‫شرح المشكل في شعر المتنبي‬

‫جوهر‪َ ،‬ف َقجر الحذف مضافًا‪ ،‬ليخبر بال َع َرض عن ال َع َرض‪.‬‬


‫قال الفارسي‪ :‬وقد يجوز أن يكون التقدير‪ ،‬ولكن أهل ال ِبرَم ّن آ َم َن باهلل‪ ،‬وذلك‬
‫لتقابل الجوهر بالجوهر ألن أهل البر جوهر‪ ،‬و (من آمن باهلل) كذلك فيخرج إلى‬ ‫ُ‬
‫باب (هو هو) ألن أهل البر هم المؤمنون باهلل‪ ،‬وإن جعلت ال َع َرض هنا ال َمجد‬
‫وسائر أنواع الفضائل‪ ،‬لم يحتج إلى حذف المضاف‪ ،‬ألن النشر والمجد كالهما‬
‫ليس بجوهر (وذاك الشعر فِهري والمدَاكا)‪ :‬اي وكان ذاك الشعر‪ .‬وقوله (كان‬
‫مِسكًا) إلى آخر البيت‪ :‬تفسير لقوله‪( :‬وذاك النشر عرضك)‪ .‬وال َمدَاك‪ :‬صالية‬
‫ُكت الشيء دَوكًا‪ :‬دققته وكان القياس (مد َوكًا)‪ :‬ألن بناء ما يُعتمل به‬ ‫العطار‪ ،‬د ُ‬
‫( ِم َفعل)‪ ،‬لكنه شذ كما شذ ال ُمس ُعط وأخواته‪ ،‬وإن اختلف بناؤهما‪ ،‬فقد التقيا في‬
‫الشذوذ‪.‬‬
‫سم حا ِمدُه َعنَاكـا)‬‫إذا لم يُ ِ‬ ‫(فال َتحمد ُهما واح َمد ُهمامًا‬
‫اي التحمد الفِهر وال َمدَاك اللذين عنيت بهما شعري‪ ،‬ألن حقيقة الطيب ليس لهما‪ ،‬فال يستحقان شيئًا من الحمد‪،‬‬
‫الملك أن تحمد نفسك التي اقتنت المساعي‪ ،‬وأنبتت المعالي‪ ،‬باسندعاء القوافي‪ ،‬والثناء‬ ‫ُ‬ ‫وإنما ينبغي لك أيها‬
‫الوافي ويعني بال ُهمام نفس ال َملِك‪.‬‬
‫ُسم حامده عناكا)‪ :‬الهاء راجعة إلى ال ُهمام‪ ،‬وأخبر عنه كما أخبر الغائب‪ ،‬ألنه قد أخرجه ذلك‬ ‫وقوله‪( :‬إذا لم ي ِ‬
‫ُسم‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫(إذا‬ ‫قوله‬ ‫ألن‬ ‫صفته‪،‬‬ ‫من‬ ‫ذكرًا‬ ‫الموصوف‬ ‫إلى‬ ‫يعيد‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫ٌّ‬
‫ُد‬ ‫ب‬ ‫يكن‬ ‫فلم‬ ‫ماما)‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ْ‬
‫د‬ ‫(وأحم‬ ‫المخرج لقوله‬
‫ُ‬
‫حامده) في موضع الصفة (لهمام)‪ ،‬وأراد إذا لم يُسمك حا ُمده‪ ،‬وإذا لم يُسم حامده محمودا‪ ،‬فإنما يعنيك‪.‬‬
‫وإن شئت قلت‪ :‬معناه‪ :‬لو لم يُسمِك الحامد لعناك‪ ،‬والقوالن متقاربان والمعنى مشتق من قول أبى نُواس‪.‬‬

‫وفوق الذي نُ ِ‬
‫ثني‬ ‫َ‬ ‫بـصـالـح فأنت كما نُثني‬
‫ٍ‬ ‫إذا نحن أثنينا عليك‬
‫ُ‬
‫األلفاظ يومًا ِبمِـدحة لغيرك إنسانًا فنت الذي نعنـي‬ ‫وإن َجرت‬
‫ُسم حا ُمده عنا ُه) كان حسنا‪ ،‬ولكنه حمله على المعنى‪ ،‬ألن المراد في كل ذلك المخاطبة‪.‬‬
‫ولو قال‪( :‬إذا لم ي ِ‬
‫غدًا يلقي بها أباكـا)‬ ‫أغر ل ُه َش ُ‬
‫مائل من أبيه‬ ‫( ُّ‬
‫ال‪ ،‬وبنوك يستكملون َش َبهك ألنهم اآلن يُشبهونك بعض الشبه‪ ،‬إذ لم‬ ‫اي قد أخذت َشبه أبائك‪ ،‬صور ًة وفع ً‬
‫يستكملوا خصالك‪ ،‬فإذا استكملوها أشبهوك‪ ،‬وإذا أشبهوك وأنت تشيه أباك‪ ،‬فقد أشبهوا أباك‪ .‬وهذا يتألف في‬
‫الشكل األول من المنِطق‪ .‬تقول‪ :‬زيد يشبه َع ْمرًا وعمرو يشبه خالدًا‪ ،‬النتيجة‪ :‬فزيد يشبه خالداً‪.‬‬
‫دعى َم َعه اشتِرا َكا)‬ ‫وآخر َي ِ‬ ‫ُ‬ ‫اب ُم ْخ َت ُّ‬
‫ص َب َو ْج ٍد‬ ‫األح َب ِ‬
‫(وفي ْ‬
‫لفراق عض ُد الدولة طبيعي ال َع َرشي‪ ،‬وإن كان غيره يدعي‬ ‫وجدَه ِ‬‫يُومئ إلى أن ْ‬
‫مثل ذلك‪ ،‬فليس ذلك‪.‬‬
‫من َت َبا َكى)‬ ‫تبين َم ْن ب َكى َم ْ‬ ‫ُموع في ُخدو ٍد‬ ‫هت د ٌ‬ ‫(إذا ْ‬
‫اش َت َب ُ‬
‫التفاعل قد يأتى‬‫ُ‬ ‫ض ْى‪ ،‬ألن‬ ‫(بكى)‪ :‬كناية عن الطبيعى‪ ،‬و(تباكى)‪ :‬كناية عن ال َع َر ِ‬
‫لغرض‪ ،‬إلظهار ِخالف ما األمر به في الحقيقة‪.‬‬
‫أنشد سيبويه‪:‬‬
‫خزر‬
‫تخازرت وما ِبي من َ‬ ‫ُ‬ ‫إذا‬
‫فقوله‪ :‬ومابي من خزر دليل على ذلك‪ .‬اي‪ :‬إذا اشتبهت الدموع في الخدود‪ ،‬بما هي‬
‫الج َريان‪ ،‬لم َي ُك هنالك ب ٌد من فصل يُميِّ ُز ِب ْي َن ال َع َر ِ‬
‫ض ْي‬ ‫عليه من ال َه َمالن‪ ،‬وسرعة َ‬
‫والطبيعي‪.‬‬
‫وهذا آخر ما انتهى من الشرح المبارك‪.‬‬

You might also like