You are on page 1of 14

‫ص ِ‬

‫ول‬ ‫صول ِم ْن ِع ِ‬
‫لم اُأل ُ‬ ‫اُأل ُ‬
‫س (‪)5‬‬ ‫الدرسُ ال َخ ِ‬
‫ام‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫الشيخ‪ /‬د‪ .‬سعد بن ناصر الشثري‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أفضل األنبياء واملرسلني‪ ،‬أما بعد‪..‬‬
‫وعلا ‪-‬‬
‫فأرحب بكم أيها احلاضرون الكرام‪ ،‬وأيها املشاهدون عن بعدٍ‪ ،‬وأسأل اهلل ‪-‬جلَّ َ‬
‫لكم التوفيق خلريي الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫كنا فيما مضى أخذنا ما يتعلق بالتكليف ‪ ،‬ومن الذي يوجه اخلطاب باألمر والنهي‪ ،‬وابتدأنا‬
‫باحلديث عن العموم‪،‬حيث ذكرنا أن األلفاظ من األمساء على ثالثة‪ H‬أنواعٍ‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬ألفاظٌ عامةٌ مستغرقة‪ ٌH‬جلميع أفراد اجلنس‪ ،‬كقولك‪ :‬الرجال‪ ،‬الناس‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬األلفاظ املعينة‪ H،‬أو اخلاصة‪ ،‬كقولك‪ :‬زيد‪ ،‬وحممد‪ ،‬وخالد‪ ،‬وحنوها من‬
‫األعالم‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :H‬املطلق‪ ،‬وهو الذي يشمل مجيع األفراد ليس على سبيل االستغراق‪ ،‬وإمنا على‬
‫سبيل البدل‪ ،‬كما لو قال‪ :‬أكرم مسكينًا‪ ،‬فإن كلمة مسكينًا هنا نكرةٌ يف سياق اإلثبات فتكون‬
‫مطلقةً‪ ،‬شائعةً يف مجيع أفراد اجلنس‪ ،‬ويتحقق‪ H‬االمتثال بفعل هذا الواجب‪ ،‬مع أحد هذه األفراد‪.‬‬
‫إذن العام هو لفظٌ مستغرقٌ جلميع أفراد اجلنس‪ ،‬وحكم العام يثبت‪ H‬لكل فردٍ من أفراده‪،‬‬
‫نداء‬
‫كما لو قال‪" :‬يا أيها الناس"‪ ،‬كأنه قال‪ :‬أنادي كل فردٍ من الناس على سبيل‪ H‬االنفراد ً‬
‫يشمل مجيع األفراد‪.‬‬
‫أيضا ملا قال‪ :‬الذين يقيمون الصلوات‪ ،‬فالصلوات مجعٌ معرف بـ"ال" فتكون عامةً‬ ‫ومثل هذا ً‬
‫وتشمل مجيع أنواع الصلوات املفروضة‪.‬‬
‫والعموم له ألفاظٌ معينةٌ‪ ،‬مىت نقول عن اللفظ بأنه عامٌ يشمل مجيع أفراد اجلنس؟‬
‫أنواع معينةٍ‪.‬‬
‫إذا كان من ٍ‬
‫النوع األول‪ :‬لفظة "كل ومجيع"‪ ،‬وما ماثلهما‪.‬‬
‫أن احلكم عامٌ‪ ،‬وأنه يشمل كل فردٍ على سبيل‪H‬‬ ‫حينئذ نستفيد‪َّ H‬‬‫فإذا جاءتنا لفظة‪" H‬كل" فإنه ٍ‬
‫كافة هنا‬
‫َّاس﴾ [سبأ‪ً ،]28 :‬‬ ‫اك ِإالَّ َكافَّةً لِّلن ِ‬
‫االستقالل‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َما َْأر َس ْلنَ َ‬
‫أيضا تفيد العموم‪.‬‬
‫تُفيد العموم‪ ،‬للناس ً‬

‫‪1‬‬
‫ول اللَّ ِه ِإلَْي ُك ْم مَجِ يعاً﴾ [األعراف‪ ،]158 :‬الناس من ألفاظ العموم‪،‬‬ ‫َّاس ِإيِّن َر ُس ُ‬
‫﴿قُ ْل يَاَأيُّ َها الن ُ‬
‫ومجيعًا من ألفاظ العموم‪ ،‬فجميع هنا تفيد العموم‪.‬‬
‫أيضا يف قول اهلل تعاىل‪﴿ H:‬فَ َس َج َد املالِئ َكةُ ُكلُّ ُه ْم َأمْج َعُو َن﴾ [احلجر‪.]30 :‬‬ ‫ومن أمثلته ً‬
‫َ‬
‫النوع الثاين من صيغ العموم‪ :‬األمساء املبهمة‪.‬‬
‫أمساء وهي مبهمةٌ‪ ،‬سواءً كانت اسم شرطٍ‪ ،‬أو كانت امسًا موصولًا‪ ،‬أو كانت‬ ‫الحظوا أهنا ٌ‬
‫ض﴾‬ ‫اَألر ِ‬ ‫وجل‪﴿ :‬لِلَّ ِه ما يِف َّ ِ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫َ‬ ‫عز َّ‬ ‫استفهامية‪ ،ًH‬مثال ذلك يف لفظة ما‪ ،‬مثلًا يف قول اهلل َّ‬
‫ِ‬
‫عام مشل مجيع األفراد‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َما َت ْف َعلُوا م ْن خَرْيٍ َي ْعلَ ْمهُ‬ ‫[النساء‪ ،]170 :‬ما مبعىن لفظٌ ٌ‬
‫اللَّهُ﴾ [البقرة‪ ،]197 :‬أي مجيع ما تفعلونه فإن اهلل مطلعٌ عليه‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬لفظة‪ H‬من‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬فَ َمن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َ‪H‬‬
‫ال ذَ َّر ٍة خَرْي اً َيَرهُ * َو َمن َي ْع َم ْل‬
‫السمو ِ‬
‫ات‬ ‫ِم ْث َق َال ذَ َّر ٍة َشراًّ َيرهُ﴾ [الزلزلة‪ ،]8 ،7 :‬وكما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ولِلَّ ِه يَس ُج ُد َمن يِف‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ض﴾ [الرعد‪ ،]15 :‬وحنو ذلك من صيغ األمساء املبهمة‪.‬‬ ‫اَألر ِ‬
‫َو ْ‬
‫وبالتايل تدخل أمساء االستفهام وأمساء الشرط يف هذا النوع‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ H‬من ألفاظ العموم‪ :‬املعرف بـ "ال" االستغراقية‪ H،‬سواءً كان من األمساء املوصولة‬
‫كقولك‪" :‬الذين"‪ ،‬أو كان من اجلموع كقولك‪ :‬الناس مجع تكسريٍ‪ ،‬أو كان من األلفاظ‬
‫ِإ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِإل‬
‫ين َآمنُوا﴾ َ[والعصر‪ ]3 :‬أي كل واحدٍ‬ ‫نسا َن لَفي ُخ ْس ٍر * الَّ الذ َ‬ ‫املفردة‪ ،‬كما يف قوله‪َّ ﴿ :‬ن ا َ‬
‫من أفراد الناس يف خسارةٍ‪.‬‬
‫وهكذا من أنواع ألفاظ العموم النكرة يف سياق النفي‪ ،‬وما ماثله‪ ،‬كما يف قولك‪ :‬ال إله إال‬
‫اهلل‪ ،‬إله نكرةٌ يف سياق النفي‪ ،‬فتكون عامةً‪ ،‬لو قلت‪ :‬ما عندي رجلٌ‪ ،‬رجلٌ نكرةٌ يف سياق‬
‫النفي فتفيد العموم واالستغراق كأنك نفيتَ مجيع األفراد‪.‬‬
‫أيضا املضاف إىل معرفةٍ من أمساء األجناس ومن أمساء اجلمع‪ ،‬أو من‬ ‫ومن صيغ العموم ً‬
‫أمساء اجلنس‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬إذا قلت‪ :‬ماء البحر‪ H،‬هنا ماء اسم جنس‪ ،‬أضيف إىل معرفةٍ فيفيد العموم‪.‬‬
‫وهذا خالصة ما أخذناه يف ما سبق‪ H‬من جهة ألفاظ العموم‪.‬‬
‫ماذا نفعل‪ H‬بالعام؟‬
‫جيب العمل بالعام‪ ،‬وجيب محله على مجيع أفراده‪ ،‬وال جيوز إخراج بعض األفراد من هذا‬
‫آت وقال‪ :‬إن التكاليف‪ H‬ارتفعت‪ H‬عنه‪،‬‬ ‫خمصصةٍ‪ ،‬مثال ذلك‪ H:‬لو جاءنا ٍ‬ ‫اللفظ العام‪ ،‬إال بقرينةٍ ِّ‬
‫وجل‪-‬‬
‫عز َّ‬ ‫كما يقول بعض الطوائف‪ ،‬وبالتايل مل يعد مُطالبًا بشيءٍ من الواجبات‪ ،‬فنقول‪ :‬اهلل ‪َّ -‬‬

‫‪2‬‬
‫الصالةَ﴾ [البقرة‪ ،]43 :‬وواو اجلماعة هنا من صيغ العموم‪ ،‬قال‪ :‬أنا خمصوصٌ‪،‬‬ ‫يموا َّ‬ ‫ِ‬
‫يقول‪َ ﴿ :‬وَأق ُ‬
‫صريح يف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫صحيح‬ ‫وأنا من أولياء اهلل‪ ،‬قيل‪ :‬هاتِ الدليل على ختصيصك‪ ،‬إذا مل يكن عندك دليلٌ‬
‫هذا‪ ،‬فإنه يرد‪.‬‬
‫عز‬
‫ولذلك مل يكن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مع علو مرتبته‪ ،‬ورفعة شأنه عند اهلل ‪َّ -‬‬
‫وجل‪ ،‬يدعي بأنه‪ H‬قد وصل إىل مرحلةٍ رفعت فيها التكاليف عنه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫خاص‪ ،‬تأيت واقعةٌ خاصةٌ يف ظروفٍ معينةٍ‪ ،H‬فينزل‬‫ٍ‬ ‫يف مراتٍ قد يرد‪ H‬اللفظ عامًّا‪ ،‬يف سببٍ‬
‫حينئذ هذا األصل والعربة هنا بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪.‬‬ ‫عام‪ ،‬فنقول ٍ‬ ‫الوحي خبطابٍ ٍ‬
‫ومن أمثلة هذا مثاًل يف حادثة‪ H‬الرجل سأل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول اهلل إنا‬
‫نركب البحر‪ H،‬وال جند املاء وحنتاج إىل املاء‪ ،‬أفنتوضأ مباء البحر‪ ،‬فقال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬عن البحر‪ « :‬هو الطهور ماؤه‪ ،‬احلل ميتته‪.» H‬‬
‫فحينئذ يكون هذا اللفظ ظاهره أو سببه كان يف واقعةٍ خاصةٍ‪ ،‬عند وجود احلاجة‪ ،‬لكن‬ ‫ٍ‪H‬‬
‫احلديث‪ ،‬اللفظ النبوي عامٌ‪ ،‬فنقول هنا العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪ H،‬حىت ولو كان‬
‫معني‪ ،‬فإننا نقول العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪.‬‬ ‫بشخص ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أصلها يف قضيةٍ خاصةٍ‬
‫مثال ذلك يف حديث‪ « :‬ليس من الرب الصوم يف السفر »‪ ،‬فإنه كان قد قاله النيب ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬بسبب أن رجلًا صام يف السفر فأجهد وتعب وسقط واجتمع الناس عليه‪،‬‬
‫فحينئذ هل نقول العربة بعموم اللفظ يف السفر‪ ،‬أو خنصه حبالةٍ مماثلةٍ حلالة الصحايب الذي قيلت‬ ‫ٍ‬
‫هذه اللفظة فيه؟‬
‫نقول‪ :‬الصواب أن العربة بعموم اللفظ وليست خبصوص السبب‪.‬‬
‫إذا تقدم معنا الكالم عن العام ننتقل‪ H‬إىل الكالم عن اجلزء اآلخر وهو اخلاص‪ ،‬واملراد‬
‫مفردة‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫باخلاص هو احملصور‪ ،‬هو اخلطاب أو الكلمة احملصورة بعددٍ‪ ،‬سواءً كانت كلمةً‬
‫كانت مجعًا ال يصل إىل درجة العموم واالستغراق‪.‬‬
‫أصلا يف اخلطاب العام‪ ،‬يراد به أن بعض‬‫والتخصيص‪ H‬يراد به أن بعض األفراد مل تدخل ً‬
‫األفراد مل تدخل فيه‪ ،‬إذن عندنا حقيقة التخصيص‪.‬‬
‫هل التخصيص‪ H‬هو إخراج بعض أفراد العام بعد أن دخلت فيه؟ أو أن التخصيص‪ H‬هو بيان‬
‫أن تلك األفراد مل تدخل أصلًا يف اخلطاب العام؟‬
‫عند األصوليني يقولون‪ :‬التخصيص بيان أن بعض األفراد مل تدخل يف اخلطاب العام‪H.‬‬
‫وعند النحاة يقولون‪ :‬التخصيص إخراجٌ لبعض أفراد العام من حكمه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وجل‪ -‬ال‬
‫عز َّ‬‫واألصوليون نظروا إىل أنه يف الغالب هذا خطاب شارعٍ‪ ،‬وخطاب اهلل ‪َّ -‬‬
‫وجل‪ -‬باخلطاب األول‪ ،‬يعلم بأنه‪ H‬سيخصص احلكم‬
‫عز َّ‬
‫يتخلف‪ ،‬وبالتايل فإنه ملا تكلم اهلل ‪َّ -‬‬
‫باخلطاب الثاين‪.‬‬
‫واملخصص بكسر الصاد فاعل التخصيص‪ ،)H‬من الذي فعل التخصيص؟‬ ‫ِّ‬ ‫قال املؤلف‪( :‬‬
‫الشارع هو الذي خصص احلكم‪ ،‬ومراتٍ قد يطلق املخصص على الدليل‪H‬؛ ألن هو الذي حصل‬
‫به التخصيص‪.‬‬
‫املخصصات على نوعني‪:‬‬
‫هناك خمصصاتٌ متصلةٌ‪ ،‬وهناك خمصصاتٌ منفصلةٌ‪.‬‬
‫المخصصات المتصلة‪ :‬تكون مع اخلطاب العام يف سياقٍ واحدٍ‪ ،‬كما لو قال له‪ :‬أكرم بين‬
‫حينئذ‪" :‬إالط حصل هبا التخصيص‪ ،‬وهذا‬‫متيم‪ ،‬مث قال‪ :‬إال من كان خارج هذه البالد‪ ،‬فنقول ٍ‬
‫التخصيص‪ H‬قد جاء يف مجلةٍ واحدةٍ مع املخصص‪.‬‬
‫إذن عندنا النوع األول التخصيص‪ H‬بواسطة املخصص املتصل‪ ،‬ما هو املخصص املتصل؟‬
‫هو الذي ال يستقل‪ H،‬وإمنا البد أن يكون معه املخصوص‪.‬‬
‫نأيت بأمثلةٍ للتخصيص‪ H‬باملتصل‪H:‬‬
‫نسا َن لَِفي ُخ ْس ٍر﴾ [العصر‪ ،]2 :‬ظاهره أن املراد مجيع‬ ‫ِإ ِإل‬
‫أوهلا االستثناء‪ :H‬فلما قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬ن ا َ‬
‫اص ْوا بِ َّ‬ ‫أفراد الناس‪ ،‬فلما قال‪ِ﴿ :‬إالَّ الَّ ِذين آمنُوا وع ِملُوا َّ حِل ِ‬
‫الصرْبِ ﴾‬ ‫اص ْوا بِاحْلَ ِّق َوَت َو َ‬
‫الصا َات َوَت َو َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫َ[والعصر‪ ،]3 :‬يكون هذا ختصيصًا من احلكم الذي يليه‪.‬‬
‫وجل‪:‬‬
‫عز َّ‬ ‫والتخصيص‪ H‬كأنه عاد إىل بعض أفراد مجلته‪ ،‬ومن أمثلة التخصيص باملتصل‪ ،‬قوله َّ‬
‫اع ِإلَْي ِه َسبِيالً﴾ [آل عمران‪ ،]97:‬فإن كلمة الناس عامةٌ‬ ‫البْي ِ‪H‬‬ ‫﴿ولِلَّ ِه علَى الن ِ ِ‬
‫ت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َّاس ح ُّج َ‬ ‫َ َ‬
‫اع ِإلَْي ِه َسبِيالً﴾‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا ختصيصٌ‬ ‫تشمل مجيع األفراد بال استثناءٍ‪ ،‬فلما قال‪َ ﴿ :‬م ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬
‫متصلٌ؛ ألنه جاء يف نفس السياق الذي جاء فيه العام‪.‬‬
‫وقد يأيت املخصص املتصل متقدمًا‪ ،‬وقد يأيت متأخرًا‪ ،‬واملخصصات املتصلة تعود إىل اثنني‪:‬‬
‫وصفة ‪ ،‬االستثناء ما هي أداته؟ إال‪ ،‬وأخواهتا‪ ،‬حاشا وكال‪ ،‬وما عدا‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫استثناءٍ‬
‫واملخصصات املتصلة يثبت‪ H‬احلكم يف بقية‪ H‬األفراد غري املخصوصة‪ ،‬وتبقى األفراد‬
‫املخصوصة يف عدم دخوهلا يف حكم العام‪ ،‬وهبذا نعرف‪ H‬حقيقة التخصيص‪ H،‬ونعرف‪ H‬املراد‬
‫باخلاص‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وء﴾‬ ‫عز وجل‪﴿ :‬والْمطَلَّ َقات يتربَّص ‪H‬ن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ ُقر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ ََ َ ْ َ‬ ‫ومن أمثلة ذلك ما ورد يف قوله َّ َّ َ ُ‬
‫ض ْع َ‪H‬ن‬
‫َأجلُ ُه َّن َأن يَ َ‬ ‫ِ‬
‫الت اَألمْح َال َ‬ ‫[البقرة‪ ،]228 :‬مث خصصتها اآلية اليت يف سورة الطالق‪َ ﴿ :‬و ُْأو ُ‬
‫ِّساِئ ُك ْم ِإ ِن ْارَتْبتُ ْ‪H‬م فَعِ َّد ُت ُه َّن ثَالثَةُ َأ ْش ُه ٍر‬ ‫مَحْلَه َّن﴾ [الطالق‪ ﴿ ،]4 :‬والالَِّئي يِئسن ِمن امل ِح ِ ِ‬
‫يض من ن َ‬ ‫ُ‬
‫َ َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ض َن﴾ [الطالق‪ ،]4 :‬فهؤالء أصناف قد خرجت من العموم األول‪.‬‬ ‫َوالالَِّئي مَلْ حَيِ ْ‬
‫إذن عندنا النوع األول من املخصصات‪ :‬املخصصات املتصلة اليت تأيت يف خطابٍ واحدٍ مع‬
‫العام‪ ،‬واملخصصات املتصلة على أنواعٍ‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬االستثناء‪ ،‬وأداته إال وأخواهتا‪ ،‬وحكمه أنه يثبت احلكم يف املستثىن حسب ما ورد‬
‫احلكم فيه‪ ،‬وبقية األفراد حيكم عليها باحلكم العام‪.‬‬
‫يشرتط لالستثناء عددٌ من الشروط‪ ،‬حىت يكون االستثناء صحيحًا معتربًا‪.‬‬
‫الشرط األول‪ :‬االتصال‪.‬‬
‫لو قال‪ :‬له علي ألف لاير‪ ،‬وبعد سنةٍ إال مخسني ريالًا‪.‬‬
‫نقول هذا االستثناء غري مقبولٍ ملاذا؟ ألنه غري متصلٍ‪ ،H‬ويف هذه احلال نلغي االستثناء ويبقى‬
‫احلكم على عمومه‪.‬‬
‫كسعال أو كالمٍ من تتمة‪ H‬الكالم‪ ،‬فهذا ال يؤثر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقد يكون هناك فاصلٌ يسريٌ‬
‫وبعض أهل العلم قالوا بأن االستثناء‪ H‬يصح لو كان يف اجمللس‪ ،‬وقد يستدلون عليه حبديث‬
‫ابن عباس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يوم الفتح عن مكة‪ « :‬ال يعضد شوكه وال خيتلى‬
‫خاله » أي ال يؤخذ احلشيش‪ ،‬فقام العباس فقال يا رسول اهلل‪ :‬إال اإلذخر‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل‬
‫فاصل يسريٌ مل يؤثر‪.‬‬
‫عليه وسلم‪ « :‬إال اإلذخر » فهنا ٌ‬
‫أيضا إثبات أن االستثناء والتخصيص‪ H‬البد له من دليله‪.‬‬ ‫وهنا ً‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون املستثىن من النصف فأقل‪ ،‬فلو قال له عليَّ سبعة آالفٍ إال ستة‬
‫ألف وتسعمائة‪ ،‬مقبولٌ؟ نقول هذا لكنةٌ يف الكالم ومل تتوعد العرب على الكالم مبثل هذا‪ ،‬فهم‬
‫ال يستثنون‪ H‬إال ما هو أقل‪ ،‬ومثال ذلك لو قال‪ :‬له عليَّ عشرة إال ثالثةً‪ ،‬يصح االستثناء أو ال‬
‫يصح؟ نقول‪ :‬نعم يصح‪ ،‬ملاذا؟ ألنه استثناءٌ أقل من النصف‪H.‬‬
‫واحد‪ ،‬طيب قبل أن‬ ‫أيضا يف االستثناء شروطٌ أخرى‪ ،‬منها‪ :‬أن يكون من جنسٍ ٍ‬ ‫ويشرتط ً‬
‫ندخل إىل هذا‪ ،‬نقول إن االستثناء‪ H‬بالنسبة لألقل واألكثر على أنواعٍ‪:‬‬
‫علي‬
‫النوع األول‪ :‬االستثناء الذي يكون لكل املستثىن منه‪ ،‬فهذا ال يعترب‪ ،‬كما لو قال‪ :‬له َّ‬
‫عشرةٌ إال عشرةً‪ ،‬نقول االستثناء غري معتربٍ‪ ،‬وبالتايل تثبت‪ H‬العشرة كاملةً‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وصحيح‪ ،‬مثاله‪ ،‬أمحد‪.‬‬‫ٌ‬ ‫أيضا جائزٌ‬
‫والنوع الثاين‪ :‬استثناءٌ أقل من النصف‪ H،‬فهذا ً‬
‫{لك علي عشرة دراهم إال ثالثةً}‬
‫شيء‪ ،‬لألقل‪ ،‬وهو حمل اتفاقٍ أنه جائزٌ‪.‬‬ ‫هذا استثناءٌ ألي ٍ‬
‫النوع اآلخر‪ :‬استثناء النصف‪ H،‬وهذا قد خالف فيه بعض الفقهاء‪ ،‬وإن كان اجلمهور‬
‫جييزونه‪H.‬‬
‫النوع األخري‪ :‬استثناء‪ H‬األكثر‪ :‬كما لو قال ماذا؟ أمحد هزاع‪..‬‬
‫{لك علي عشرة دراهم إال تسعة دراهم}‬
‫فحينئذ نقول هذا االستثناء ال يصح عند كثريٍ من أهل اللغة‪،‬‬ ‫ٍ‪H‬‬ ‫نعم‪ ،‬هذا استثناء لألكثر‪،‬‬
‫وبالتايل يسقط االستدالل مبثل هذا‪.‬‬
‫إذن تالحظون هنا أن االستثناء قد يكون لألكثر وقد يكون لألقل وقد يكون للجميع‪ ،‬وقد‬
‫يكون متوسطًا‪.‬‬
‫وهذا كله من التخصيص‪ H‬باملتصل‪H.‬‬
‫النوع الثاين من املخصصات املتصلة‪ :‬التخصيص بالصفة‪H.‬‬
‫األول‪ :‬التخصيص باالستثناء‪H.‬‬
‫واآلن عندنا‪ :‬ختصيص بالصفة‪.‬‬
‫الصفة‪ H‬عند األصوليني ال يراد هبا النعت الذي عند النحاة‪ ،‬وإمنا يراد هبا كل وصفٍ يكون‬
‫مشتمل ا على بعض أفراد اخلطاب العام‪ ،‬فإنه يفهم منه أن ما مل يكن كذلك فإنه ال يدخل يف‬ ‫ً‬
‫حكمه‪ ،‬ونأيت لذلك بأمثلة‪.ٍH‬‬
‫سبِيالً‪[ ﴾H‬آل‬ ‫ت م ِن استَطَ ِإ ِ‬
‫اع لَْيه َ‬
‫البْي َ ْ َ‬
‫َّاس ِح ُّج ِ‬
‫َ‬ ‫يف باب احلال يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولِلَّ ِه َعلَى الن ِ‬
‫عمران‪ ،]97 :‬من استطاع إليه سبيلًا صفةٌ للناس‪ ،‬بدل‪ ،‬وهذا يدل على ختصيص اللفظ العام‪،‬‬
‫َّاس﴾ هذا عامٌ‪ ،‬فخُصص هبذه اآلية‪.‬‬ ‫﴿ َولِلَّ ِه َعلَى الن ِ‬
‫إذن عندنا التخصيص‪ H‬باملتصل‪ H:‬قد يكون باالستثناء وقد يكون بالصفة‪.‬‬
‫تالحظون أن الصفة ال يراد‪ H‬هبا هنا النعت فقط‪ ،‬بل تشمل كل مقيٍِّد‪.‬‬
‫والنوع الثالث‪ H:‬من أنواع املخصصات املتصلة‪ :‬الشرط‪.‬‬
‫فإنه إذا قيد احلكم بشرطٍ نفهم منه أنه إذا مل يوجد ذلك الوصف مل يوجد احلكم‪ ،‬مثال‬
‫الت مَح ٍل فَ ِ‬
‫َأنف ُقوا َعلَْي ِه َّن﴾ [الطالق‪ ،]6 :‬هذه يف املطلقة البائن‪H،‬‬ ‫ذلك‪ :‬لو قال‪ ﴿ :‬وِإن ُك َّن ُأو ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫‪6‬‬
‫املطلقة بالثالث‪ ،‬يف هذه اآلية اشرتطت للنفقة‪ H‬عليهن وجود احلمل‪ ،‬فإذا مل يوجد محلٌ‪ ،‬سقط‬
‫احلكم‪ ،‬إذن نعيدها مرةً أخرى‪ ..‬من يعيدها منكم‪ ..‬صهيب نعم‪.‬‬
‫{املطلقة البائن‪ H‬إذا كانت حاملًا جتب النفقة‪ H‬عليها‪ ،‬أما إذا مل تكن حاماًل سقط احلكم}‬
‫حينئذ ال جيب هلا نفقةٌ بداللة هذه اآلية‪ ،‬هذا يسمى‬ ‫حاملا املطلقة بالثالث‪ H،‬فإنه ٍ‬ ‫إذا مل تكن ً‬
‫ختصيصٌ بواسطة الشرط‪َ ﴿ H،‬وِإن ُك َّن﴾ ‪ ،‬إنْ هذه أداةٌ من أدوات الشرط‪.‬‬
‫وقد يكون الشرط يف مراتٍ متقدمًا‪ ،‬مثل اآلية اليت قبل قليلٍ‪ ﴿ ،‬وِإن ُك َّن ُأو ِ‬
‫الت مَحْ ٍل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َأنف ُقوا َعلَْي ِه َّن﴾‪ ،‬فهنا فإنْ تقدمت‪ ،‬فتقدم الشرط‪ ،‬ومراتٍ قد يتأخر الشرط عن احلكم‪ ،‬كما‬ ‫فَ ِ‬
‫لو قال‪ :‬أعطِ بين متيم إن كانوا شجعانً‪H‬ا‪ ،‬فهنا تأخر الشرط عن املشروط‪ ،‬والشرط خمصصٌ من‬
‫خمصصات العموم‪ ،‬خمصصٌ متصل‪ ٌH‬وال منفصل‪ٌH‬؟ خمصصٌ من املخصصات املتصلة‪.‬‬
‫الز َكا َة فَ َخلُّوا َسبِيلَ ُه ْم﴾‬ ‫مثَّل املؤلف‪ ،‬قال مثال املتقدم ﴿فَِإن تَابُوا َوَأقَ ُاموا َّ‬
‫الصال َة َوآَت ُوا َّ‬
‫شرط متقدم‪ ٌH‬وال متأخرٌ؟ متقدمٌ‪ ،‬نعم‪.‬‬ ‫[التوبة‪ٌ ،]5 :‬‬
‫سبِيالً﴾ [آل‬ ‫ت م ِن استَطَ ِإ ِ‬
‫اع لَْيه َ‬ ‫البْي ‪َ ْ َ H‬‬
‫َّاس ِح ُّج ِ‬
‫َ‬ ‫ومثل للمتأخر بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولِلَّ ِه َعلَى الن ِ‬ ‫َّ‬
‫عمران‪.]97 :‬‬
‫إذن عندنا ثالث خمصصاتٍ‪.‬‬
‫األول‪ :‬االستثناء‪H.‬‬
‫الثاين‪ :‬الصفة‪H.‬‬
‫الثالث‪ :‬الشرط‪.‬‬
‫هذه الصفة‪ H‬يدخل فيها عند األصوليني عددٌ من املباحث‪ ،‬عند النحاة‪ ،‬مثل ماذا؟ قلناه قبل‬
‫قليلٍ‪ ،‬باب النعت‪ ،‬باب اإلضافة‪ ،‬املضاف يعترب مبثابة‪ H‬الصفة‪ H‬عند األصوليني‪ ،‬واحلال‪ ،‬والبدل‪،‬‬
‫كل هذه تدخل يف هذا الباب‪ H،‬مثاًل يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َمن َي ْقتُ ْل ُمْؤ ِمناً ُّمَت َع ِّمداً﴾ [النساء‪،]93 :‬‬
‫حال تأخر‪ ،‬وبالتايل قد نثبت احلكم له‪.‬‬ ‫فهذا متعمدٌ ٌ‬
‫النوع الثاين من أنواع املخصصات‪ ،‬املخصصات املنفصلة‪.‬‬
‫ما هي املخصصات املنفصلة؟‬
‫وجل‪َ ﴿ :‬والْ ُمطَلَّ َق ُ‬
‫ات‬ ‫عز َّ‬ ‫هي اليت تأيت خبطابٍ آخر مغايرٍ خلطاب العام‪ ،‬كما يف قوله َّ‬
‫وء﴾ [البقرة‪ ،]228 :‬بينما ورد يف نصوصٍ أخرى أنَّ كبرية السن‪،‬‬ ‫يتربَّص ‪H‬ن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ ُقر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ََ َ ْ َ‬
‫وصاحبة احلمل‪ ،‬والصغرية‪ ،‬ليس هلن هذه العدة بتمامها‪ ،‬وإمنا هلم حكمٌ آخر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫{هل يشرتط أن يكون العموم متقدمًا على اخلاص‪ ،‬حىت خيص العام‪ H،‬وإن كان منفصلًا‬
‫كما هو احلال يف الناسخ واملنسوخ؟}‬
‫هذه املسألة هلا وجهان‪ ،‬إذن عندنا عامٌ وخاصٌ منفصلٌ يف دليلٍ‪ H‬مستقل‪ ،ٍH‬هلا وجهان‪:‬‬
‫أولا مث يأيت اخلاص‪ ،‬ما احلكم؟ نقول بالتخصيص‪ H،‬فنعمل‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن يأيت العام ً‬
‫باخلاص يف حمل اخلصوص‪ ،‬ونعمل بالعام فيما عدا ذلك‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن يكون املخصص متقدمًا‪ ،‬فماذا نعمل؟‬
‫اجلمهور يقولون بالتخصيص‪ ،‬وبالتايل نعمل باخلاص يف حمل اخلصوص‪ ،‬ونعمل بالعام فيما‬
‫عدا ذلك‪.‬‬
‫وهناك من يقول‪ :‬إن هذه املسألة تعترب من مسائل النسخ‪ ،‬وبالتايل نعمل باملتأخر ونرتك‬
‫املتقدم‪ ،‬نعمل باملتأخر ونعتربه مبثابة الناسخ‪ ،‬حىت ولو كان عامًا‪ ،‬وهذا القول ينسب لإلمام أيب‬
‫حنيفة رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وجل‪﴿ :‬ياَأيُّها الَّ ِذين آمنوا ِ‬
‫َأنف ُقوا ِمن طَيِّب ِ‬
‫ات َما‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫عز َّ َ َ‬ ‫كثرية‪ ،‬مثاًل ‪ :‬يف قول اهلل َّ‬
‫ولذلك أمثلةٌ ٌ‬
‫ض﴾ [البقرة‪ ،]267 :‬ففي هذه اآلية وجوب زكاة اخلارج من‬ ‫اَألر ِ‬ ‫مِم‬
‫َأخَر ْجنَا لَ ُكم ِّم َن ْ‬
‫َك َسْبتُ ْم َو َّا ْ‬
‫األرض‪ ،‬أليس كذلك؟! مث جاءتنا النصوص تدل على التخصيص‪.‬‬
‫صدقة »‪،‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬يف قول النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬ليس يف ما دون مخسة أوسقٍ ٌ‬
‫قال اجلمهور‪ :‬نقول باحلديث فنعمل يف اخلاص فيما هو أقل من مخسة أوسق‪ ،‬ونعمل ببقية‬
‫األدلة فيما كان أعلى من ذلك‪H.‬‬
‫إذن هذا قول اجلمهور‪ ،‬احلنفية يقولون‪ :‬نعمل باملتأخر‪ ،‬واملتأخر إجياب الزكاة‪ ،‬وبالتايل‬
‫نعترب اخلرب الذي ورد خبمسة أوسقٍ نعتربه مبثابة‪ H‬املنسوخ‪.‬‬
‫هناك عددٌ من املخصصات املنفصلة اليت ليست‪ H‬مع اخلطاب العام‪H.‬‬
‫وجل يف قصة قوم عاد بأهنم قد جاءهتم الريح‪،‬‬ ‫عز َّ‬ ‫أوهلا‪ :‬التخصيص‪ H‬باحلس‪ ،‬فقد ذكر اهلل َّ‬
‫وأهنا تدمر كل شيءٍ بأمر‪ H‬رهبا‪ ،‬كل شيءٍ هذه من ألفاظ العموم‪ ،‬تدمر كل شيءٍ‪ ،‬دمرتك‪ H‬يا‬
‫حسي يدل على أن املدمر ليس اجلميع‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫صهيب‪ ،‬دمرتك‪ H‬يا مسري‪ ،‬ما دمرتكم‪ ،‬إذن هناك دليلٌ‬
‫ٍ‬
‫لذلك السموات بقيت واألرض بقيت‪ H،‬إذن هذا عامٌ ﴿تُ َد ِّمُر ُك َّل َش ْيء بِ ْ‬
‫َأم ِ‪H‬ر َربِّ َها﴾ [األحقاف‪:‬‬
‫‪ ]25‬وقد ورد عليه التخصيص فنعمل بالتخصيص يف حمل اخلصوص‪ ،‬ونعمل بالعام فيما عدا‬
‫ذلك‪.‬‬
‫النوع الثاين من املخصصات‪ :‬التخصيص بالعقل‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وهناك طائفةٌ قالوا‪ :‬إن العقل ميكن أن خيصص اللفظ العام‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن هذا التخصيص له‬
‫مسوغاته وتوجد فيه شروط التخصيص فيأخذ حكمه‪.‬‬
‫إن العقل ال خيصص اخلطاب العام‪ ،‬ملاذا؟‬ ‫هناك طائفةٌ‪ H‬من أهل العلم قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قالوا‪َّ :‬‬
‫ألن اخلاص الذي ورد عليه عقلٌ هذا أحد أمرين‪H:‬‬
‫إما أن يكون هذا العقل‪ H‬فيه لوثةٌ وفيه خطأٌ‪ ،‬وبالتايل ال نقول‪ :‬إنه خيصص اللفظ العام‪ ،‬فما‬
‫دام مرتددًا بني كونه صحيحًا أو ال‪ ،‬فإننا نطرحه‪.‬‬
‫إذن الصواب أنه ميكن ختصيص العموم بواسطة‪ H‬العقل‪H.‬‬
‫خاص وقد مثلنا له يف‬ ‫ٍ‬ ‫النوع الثالث‪ H‬من أنواع املخصصات‪ :‬التخصيص بالشرع‪ ،‬بدليلٍ‬
‫ال﴾ [الطالق‪]4 :‬‬ ‫الت اَألمْح َ ِ‬
‫ات﴾ [البقرة‪ ]228 :‬مع قوله‪َ ﴿ :‬و ُْأو ُ‬ ‫وجل‪َ ﴿ :‬والْ ُمطَلَّ َق ُ‬‫عز َّ‬ ‫قوله َّ‬
‫فخصصنا عموم اآلية األوىل باحملل الثاين‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا ِإ َذا نَ َك ْحتُ ُم املُْؤ منَات مُثَّ طَلَّ ْقتُ ُم ُ‬
‫وه َّن‬ ‫وجل‪﴿ :‬يَاَأيُّ َها الذ َ‬‫عز َّ‬ ‫أيضا يف قوله َّ‬ ‫ومن أمثلته ً‬
‫َّة َت ْعتَدُّونَ َها﴾ [األحزاب‪ ،]49 :‬فهذه اآلية نزلت يف من‬ ‫ِمن َقب ِل َأن مَتَ ُّسوه َّن فَما لَ ُكم علَي ِه َّن ِمن ِعد ٍ‬
‫ُ َ ْ َْ‬ ‫ْ‬
‫مل يتم قرباهنا‪ ،‬طُلقت قبل الدخول هبا‪.‬‬
‫وء﴾ [البقرة‪ ،]228 :‬نقول هذا عامٌ‪ ،‬املطلقات‬ ‫ويف النص اآلخر ﴿يتربَّصن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ‪ُ H‬قر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ََ َ ْ َ‬
‫مجع معرف‪ ٌH‬بـ "ال" فبالتايل يكون عامًا يشمل مجيعهن‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫يف هذه احلال نقول بأن الكتاب يتم ختصيصه بواسطة الكتاب‪.‬‬
‫بكتاب‪ ،‬وقد يأيت ختصيصٌ لكتابٍ بسنةٍ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫طيب‪ H..‬هكذا مراتٍ قد يأيت ختصيص كتابٍ‬
‫ونأيت لها بأمثلةٍ‪.H‬‬
‫المثال األول‪ :‬تخصيص الكتاب‪ 0‬بواسطة الكتاب‪.‬‬
‫ين يَُت َو َّف ْو َن ِمن ُك ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫وجل‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫عز َّ‬
‫وهذا له مناذج يف كتاب اهلل‪ ،‬منها مثاًل يف قول اهلل ‪َّ -‬‬
‫ص َن بَِأن ُف ِس ِه َّن َْأر َب َعةَ‪َ H‬أ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً﴾ [البقرة‪ ،]234 :‬مث بعد ذلك جاءنا نصٌ‬
‫َويَ َذ ُرو َن َْأز َواجاً َيَتَربَّ ْ‬
‫حينئذ‪ :‬تنتهي عدهتا بوضع‬ ‫من القرآن بأن أوالت األمحال أجلهن أن يضعن محلهن‪ ،‬فنقول ٍ‬
‫احلمل ألنه أقرب‪.‬‬
‫إذن هذا ختصيص الكتاب بواسطة الكتاب‪.‬‬
‫الد ُك ْم﴾ [النساء‪ ،]11 :‬أوالدكم مجع‬ ‫وصي ُكم اللَّه يِف َأو ِ‬
‫أمثلة مثاًل ‪﴿ :‬ي ِ‬ ‫وقد يكون هناك ٌ‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫مذكر فيفيد العموم‪ ،‬مث جاءنا يف قول النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬ال يرث املسلم الكافر‪،‬‬
‫وال الكافر املسلم »‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ففي هذا احلديث ختصيصٌ للعموم السابق‪ ،‬حبيث يشرتط يف إرث القرابة للوالدين أال يكونا‬
‫خمتلفا الدين غري مسلمٍ‪ ،‬لقول النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬ال يرث املسلم الكافر »‪.‬‬
‫إذن هذا ختصيصٌ بأي شيءٍ‪ ،‬ختصيص للكتاب بسنة النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ H‬من أنواع املخصصات التخصيص بواسطة اإلمجاع‪ ،‬فإذا وردنا لفظٌ عامٌ مث‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ نقول مبدلول اإلمجاع‬ ‫جاءنا دليل‪ ٌH‬خاصٌ يدل على خروج بعض أفراد هذا العام‬
‫وخنصص العموم به‪ ،‬نضرب‪ H‬لذلك مثال‪ًH‬ا‪.‬‬
‫جاءنا يف احلديث أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪« :‬املاء طهورٌ ال ينجسه شيءٌ»‪،‬‬
‫هذا من ألفاظ العموم أو ال؟ نقول‪ :‬نعم‪ ،‬أين لفظ العموم؟ املاء‪ ،‬اسم جنسٍ معرف‪ H‬بـ "ال" ففي‬
‫هذه احلال نقول‪ :‬إن األصل يف املياه أهنا طاهرةٌ‪ ،‬وال حنكم بنجاستها‪ ،‬لكن جاءنا إمجاعٌ على‬
‫فحينئذ حيكم بنجاسته‪ H‬وعدم طهارته ملاذا؟ مع أن احلديث‬ ‫ٍ‬ ‫أن النجاسة‪ H‬إذا خالطت املاء فغريته‬
‫قال‪ « :‬املاء طهورٌ » املاء‪ ،‬يشمل مجيع أنواع املياه مبا فيها هذا املاء الذي خالط النجاسة ومل‬
‫تغريه‪.‬‬
‫يف مثل ذلك نقول‪ :‬إن هناك إمجاعًا دل على ختصيص بعض أفراد هذا العموم يف بعض‬
‫صوره‪.‬‬
‫كذلك ذكر املؤلف من ختصيص الكتاب باإلمجاع‪ ،‬قوله تعاىل‪﴿ :‬والَّ ِذين يرمو َ‪H‬ن املحصنَ ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ َْ ُ ُ ْ َ‬
‫إمجاع على أن اململوك‬
‫ني َج ْل َد ًة﴾ [النور‪ ،]4 :‬جاءنا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫مُثَّ مَل يْأتُوا بَِأربع ِة شه َداء فَ ِ‬
‫اجل ُد َو ُه ْم مَثَان َ‬
‫ْ ََ ُ َ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫الرقيق‪ ،‬إذا قذف جيلد أربعني فقط‪ ،‬فعندنا اآلية عامةٌ تشمل احلر واململوك‪ ،‬مث جاءنا يف احلديث‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‬ ‫يف السنة‪ H‬التقريرية ما يتعلق‪ H‬أن القاذف‪ H‬اململوك ال جيلد مثانني وإمنا جيلد أربعني جلدة‪،‬‬
‫نقول بتخصيص العموم بواسطة اإلمجاع‪.‬‬
‫يف مرات قد ال يكون اإلمجاع‪ ،‬وال يوجد إمجاع حقيقة‪ H،‬هل ميكن أن خيص النص كتابًا أو‬
‫سنةً بواسطة القياس‪ ،‬أو ال؟‬
‫جامع‪ ،‬وهناك حملٌ‪ ،‬بالتايل هل‬‫أصويل‪ ،‬يكون فيه أصلٌ وفرعٌ‪ ،‬هناك ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫القياس عندنا مبحثٌ‪H‬‬
‫نقول‪ :‬إن الكتاب خيص بالقياس؟‬
‫صحيح وبالتايل ميكن أن خيصص عموم الكتاب به‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫قالت طائفةٌ نعم؛ ألنَّ القياس دليلٌ‬
‫وقال آخرون‪ :‬ال‪ ،‬ال يصح ملاذا؟ ألنَّ َّالنص يقولون أعلى من أن يكون حملًا لالجتهادات‪.‬‬
‫على كلٍ نرى مثالًا للمسألة‪H..‬‬

‫‪10‬‬
‫قبل قليلٍ ذكرنا أن النص قد جاء بأن القاذف جيلد (مثانني)‪ ،‬مث جاءنا اتفاقٌ على أن‬
‫اململوكة ال جتلد كاملةً‪ ،‬وإمنا ينصف عليها‪ ،‬فنقيس على األمة الرقيق‪ H،‬فنقول‪ :‬إنه عند القذف‬
‫ال جيلدون مثانني وإمنا جيلدون أربعني‪.‬‬
‫مثَّل املؤلف لتخصيص‪ H‬السنة بالكتاب‪ ،‬عندنا سنةٌ‪ H‬عامةٌ‪ ،‬وعندنا آيةٌ من القرآن خاصةٌ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ نقول بالتخصيص‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ ،‬قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن‬
‫ال إله إال اهلل »‪ ،‬أن يقاتلوا الناس‪ ،‬لفظة‪ H‬الناس عامةٌ أو ليست عامةً؟ عامةٌ‪ ،‬مث جاءنا يف‬
‫النصوص األخرى‪ ،‬تقييد‪ H‬هذا اللفظ‪ ،‬فإنه ملا قال أبو بكر الصديق ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬إنه سيقاتل‪H‬‬
‫حاجه بقول النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬‬ ‫من امتنع من الزكاة‪ ،‬خاطبه عمر‪ ،‬فرد عليه‪ ،‬و َّ‬
‫أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدًا رسول اهلل‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‬
‫عصموا مين دماءهم وأمواهلم وحساهبم على اهلل إال حبقها »‪ ،‬فجاء عمر واعرتض‪ ،‬ما ذكر يف‬
‫احلديث أهنم جيوز قتاهلم من أجل ترك الزكاة‪ ،‬هنا حىت يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدًا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ما ذكرت زكاةٌ‪ ،‬فقال أبو بكر ر‪-‬ضي اهلل عنه‪ :‬إن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫« إال حبقها » والزكاة من حقها‪.‬‬

‫ننتقل إىل ختصيص السنة بواسطة‪ H‬السنة‪.‬‬


‫وسنة خاصةٌ‪ ،‬فنقول بالتخصيص‪.‬‬ ‫تأتينا سنةٌ عامةٌ ٌ‬
‫وقد تقدم معنا حديث «يف ما سقت السماء العشر»‪ ،‬يف ما‪ ،‬ما هذه من ألفاظ العموم‪،‬‬
‫فقالوا هذا يدل على وجوب الزكاة يف القليل والكثري‪ ،‬مث جاءنا يف احلديث أن النيب صلى اهلل‬
‫فحينئذ نقول بأن اللفظ العام خمصصٌ‪.‬‬‫ٍ‪H‬‬ ‫عليه وسلم قال‪« :‬ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة»‪،‬‬
‫إمجاع خيصصها‪ ،‬ومثَّلنا لها له‬
‫كذلك قال‪ :‬ختصيص السنة باإلمجاع‪ ،‬قد تأتينا سنةٌ مث يأتينا‪ٌ H‬‬
‫إمجاع على أن املاء إذا تغريت‬
‫قبل قليلٍ‪ ،‬حبديث املاء طهورٌ ال ينجسه شيءٌ‪ ،‬هذا عامٌ‪ ،‬مث جاءنا ٌ‬
‫فحينئذ ينجس‪ ،‬فهنا خصصنا عموم احلديث بواسطة اإلمجاع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إحدى صفاته‬
‫قال املؤلف‪ :‬ومثال ختصيص السنة بالقياس قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬البكر بالبكر‪ H‬جلد‬
‫مائةٍ‪ ،‬وتغريب عامٍ»‪ ،‬فإنه إذا زنت‪ H‬األمة ال جتلد مائةً وإمنا جتلد على النصف‪H..‬‬
‫{األمة ال تغرب؟}‬

‫‪11‬‬
‫ال تغرب‪ H،‬ألنه يفوت حق سيدها‪ ،‬إذن عرفنا عددًا من أحكام املخصصات‪ ،‬وأن‬
‫التخصيص‪ H‬قد يكون بطريق‪ ٍH‬متصل‪ ٍH‬حبيث يكون املخصص واملخصوص كالمها يف خطابٍ‬
‫واحد‪ ،‬وقد يفرقون ويكون املخصص منفصلًا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طيب‪ H..‬فيه إشكالٌ؟ مسري واضح‪ ..‬أسألك‪ H..‬هل يشرتط تقدم املخصص؟‬
‫{ال يشرتط}‬
‫ال يشرتط‪ ،‬طيب‪ H..‬عندنا اآلن مبحثٌ‪ H‬جديدٌ وهو مبحث‪ H‬املطلق واملقيد‪.‬‬
‫شاملة جلميع أفراد اجلنس من غري أن يُخص واحدٌ منها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫املطلق هو الذي يدل على حقيقةٍ‬
‫بديل وليس‬‫كما لو قلت‪ :‬يقوم أحد الطالب فيمسح اللوح‪ ،‬هنا هل اخلطاب يشملكم؟ مشولٌ ٌّ‬
‫مشولًا استغراقي‪ًّH‬ا‪ ،‬وهل هذا معنيٌ ألحدكم؟ نقول ال‪ ،‬فهذا يسمى مطلقًا‪ ،‬فاملطلق شائعٌ يف أفراد‬
‫واحد لكن ليس‬‫واحد بعينه‪ H،‬هو دالٌ على فردٍ ٍ‬ ‫جنسه‪ ،‬ليس مستغرقًا هلم وليس دالًّا على فردٍ ٍ‬
‫بعينه‪ ،‬وإمنا على سبيل‪ H‬البدلية‪.‬‬
‫نكرة يف سياق‬ ‫ومثل له بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬فتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ِّمن َقْب ِل َأن َيتَ َم َّ‬
‫اسا﴾ [اجملادلة‪ ،]3 :‬رقبةٌ ٌ‬ ‫َّ‬
‫اإلثبات‪ H،‬فتكون من ألفاظ اإلطالق‪ ،‬ألن النكرة يف سياق النفي عمومٌ‪ ،‬والنكرة يف سياق‬
‫كبرية طبقها على القرآن‪ ،‬تفهم شيًئا كثريًا من أحكام القرآن‬ ‫فائدة ٌ‬ ‫اإلثبات إطالقٌ‪ ،‬وهذه ٌ‬
‫بإتقان هذه القاعدة‪.‬‬
‫{العالقة‪ H‬بني املطلق والعام‪ ،‬يعين أحيانا يشتبه‪ H‬على طالب العلم خاصةً طالب العلم املبتدئ‪،‬‬
‫لكن احلد هنا يوضح}‬
‫فرقا بني املطلق والعام من جهة الصيغة‪،‬‬ ‫حنن احلني عرفنا ثالثة‪ H‬أشياءٍ األمر األول‪ :‬أن هناك ً‬
‫فصيغة املطلق نكرةٌ يف سياق اإلثبات‪ H،‬وصيغة العام الصيغ اخلمس السابقة‪ ،‬ومنها النكرة يف‬
‫سياق النفي‪.‬‬
‫فرق من جهة الصيغة‪H.‬‬ ‫إذن عرفنا هذا الفرق األول‪ٌ ،‬‬
‫الثاين ‪ :‬من جهة املعىن‪ ،‬فاملطلق يشمل مجيع األفراد أو ال يشملهم؟ يشملهم على سبيل‬
‫البدل‪ ،‬وليس على سبيل االستغراق‪ ،‬خبالف العام فإنه يشمل أفراده على سبيل‪ H‬االستغراق‪H.‬‬
‫واضح الفرق الثاين‪ ،‬ملا قال‪ :‬جاءين ناسٌ‪ ،‬هل معناه كل الناس‪ ،‬نقول ال‪ ،‬بينما لو قال‪:‬‬
‫خلق اهلل الناس‪ ،‬فهو يشمل مجيع األفراد‪.‬‬
‫هناك فرقٌ ثالث بني املطلق والعام‪ :‬أن املطلق يرد‪ H‬عليه التقييد‪ H،‬والتقييد يف الصفات‪ H،‬بينما‬
‫العام يرد عليه ختصيص‪ ،‬والتخصيص‪ H‬يرد‪ H‬على األفراد‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫واضح هذا الكالم‪ ،‬إذن التقييد يرد على الصفات‪ ،‬قال‪َ ﴿ :‬فتَ ْح ِر ُ‪H‬ير َر َقبَ ٍة﴾ [اجملادلة‪ ،]3 :‬مث‬
‫قال‪َ ﴿ :‬فتَ ْح ِر ُ‪H‬ير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَ ٍة﴾ [النساء‪ ،]92 :‬نقول هذا ختصيصٌ وال تقييدٌ؟ تقييدٌ‪ ،H‬ملاذا؟ ناظر‬
‫الصيغة‪ H‬ناظر املعىن‪ ،‬واالستثناء‪ H‬هنا ال يشمل بقية أفراده‪.‬‬
‫واضح‪ ..‬طيب‪.‬‬
‫يقابل‪ H‬املطلق املقيد‪.‬‬
‫واملراد باملقيد ما دل على احلقيقة‪ H‬بقيدٍ‪ ،H‬يعين ليس مستغرقًا لألفراد‪ ،‬وليس شائعًا يف اجلنس‪،‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬ملا قال‪ :‬إذا جاءك مسكنيٌ فأكرمه‪ ،‬أو أول مسكنيٍ يأتيك‪ H‬أكرمه‪ ،‬مث قال بعد ذلك‪:‬‬
‫طويل‪ ،‬هذا تقييدٌ‪ ،H‬فالتقييد يتعلق بالصفات‪ H،‬وليس متعلقًا بذواته‪.‬‬ ‫أول مسكنيٍ ٍ‬
‫ما حكم املطلق؟‬
‫األصل يف املطلق أنه جيوز أن يعمل حبكمه يف أي فردٍ من أفراده‪ ،‬إال إذا ورد دليلٌ‪ H‬يدل‬
‫على التقييد‪ ،‬ألن األصل أننا نعمل بالنصوص‪ H‬ونركب بعضها على بعضها اآلخر‪.‬‬
‫يبقى عندنا مسألةٌ وهي‪ :‬إذا ورد نصان أحدمها مطلقٌ‪ ،‬واآلخر مقيدٌ‪ ،‬فماذا نفعل؟‬
‫نقول هذا ال خيلو من ثالث صورٍ‪:‬‬
‫الصورة األوىل‪ :‬إذا كان احلكم خمتلفًا فال يصح محل املطلق على املقيد‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬يف‬
‫كفارة الظهار‪ ،‬عتق رقبة‪ :2 ،‬صيام شهرين‪ :3 H،‬إطعام ستني مسكينا‪ ،‬بينما يف كفارة القتل‪،‬‬
‫ذكر الرقبة‪ H‬مث الصيام صيام شهرين متتابعني‪ H،‬ومل يذكر اإلطعام‪ ،‬وجوب اإلطعام هذا حكمٌ‬
‫خيتلف من حملٍ إىل آخر وبالتايل نقول ال حيمل املطلق يف كفارة القتل‪ H‬على املقيد يف كفارة‬
‫الظهار‪ ،‬ومن مث من مل جيد الرقبة‪ H،‬ومل يستطع الصيام‪ H‬ممن قتل خطأً‪ ،‬فإنه ال يطالب‪ H‬باإلطعام هو‬
‫احلني ال يستطيع الصوم‪ ،‬ال يطالب‪ H‬باإلطعام‪ ،‬ملاذا؟ ألننا ال يصح أن حنمل كفارة القتل على‬
‫كفارة الظهار‪ ،‬ملاذا؟ ألن احلكم خمتلفٌ‪.‬‬
‫إذن احلالة األوىل عند اختالف احلكم‪.‬‬
‫فحينئذ حيمل املطلق على املقيد‪ ،‬كما يف‬ ‫ٍ‪H‬‬ ‫احلالة الثانية‪ :‬عند احتاد احلكم واحتاد السبب‪،‬‬
‫حديث‪ « :‬ال ميسن أحدكم ذكره بيمينه‪ » H‬مطلقٌ‪ ،‬مث قال يف احلديث اآلخر‪ « :‬ال ميسن‬
‫أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول »‪ ،‬فقيدنا احلكم األول املطلق‪ ،‬حبالةٍ واحدةٍ‪ ،‬وهو حال كونه‬
‫يبول‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬إذا احتد احلكم واختلف السبب‪ :‬مثال ذلك‪ H:‬يف كفارة الظهار قال‪ :‬فتحرير‬
‫فحينئذ هل حنمل املطلق على املقيد‪ ،‬هنا احلكم‬ ‫ٍ‬ ‫رقبةٍ مؤمنةٍ‪ ،‬ويف كفارة القتل قال‪ :‬فتحرير‪ H‬رقبةٍ‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫واحد وهو وجوب إعتاق الرقبة‪ ،‬لكن السبب خمتلفٌ‪ ،‬اجلمهور يقولون‪ :‬نعم‪ ،‬حيمل املطلق على‬ ‫ٌ‬
‫املقيد هنا‪.‬‬
‫هذا من مواطن اخلالف بني العلماء‪ ،‬واألظهر أنه حيمل املطلق على املقيد ألن كالم الشارع‬
‫يضم بعضه إىل بعضه‪ H‬اآلخر‪.‬‬
‫إذن خالصة هذا‪ :‬أننا اليوم أخذنا ألفاظ العموم وذكرنا أهنا مخسةٌ‪ ،‬مث أخذنا خمصصات‬
‫متصلة كاالستثناء والشرط والصفة‪ H،‬وهناك خمصصاتٌ منفصلةٌ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫العموم‪ ،‬وذكرنا أهنا خمصصاتٌ‬
‫تأيت يف خطابٍ مستقل‪ ،ٍH‬ومن أمثلته‪ :‬قد تكون باحلس وقد تكون بآية‪ H‬بالنص‪ H‬اخلاص‪ ،‬مث انتقلنا‬
‫إىل الكالم عن املطلق‪ ،‬وذكرنا أن املطلق هو الشائع يف جنسه على سبيل‪ H‬البدلية‪ ،‬ما حكمه؟ أنه‬
‫ممكن منه‪H.‬‬
‫حيصل االمتثال بأقل مقدارٍ ٍ‬
‫إذن الفرق بني العام واملطلق‪ ،‬العام يستغرق‪ H‬مجيع األفراد واملطلق يصدق على أقل مسمى‪.‬‬
‫مطلق ومقيدٌ ال خيلو احلال من ثالثة‪ H‬أحوالٍ‪:‬‬
‫إذا ورد ٌ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ نقول حبمله عليه‪.‬‬ ‫إذا احتد احلكم والسبب‪،‬‬
‫واحلالة الثانية‪ :‬إذا اختلف احلكم فال حيمل املطلق على املقيد‪.‬‬
‫والثالثة‪ :H‬إذا احتد احلكم واختلف السبب‪ ،‬وقع اختالفٌ‪ ،‬واألرجح أنه حيمل املطلق على‬
‫خري‪ ،‬وأن جيعلنا وإياكم هداةً مهتدين‪ ،‬كما‬ ‫املقيد‪ ،‬أسأل اهلل جلَّ وعلَا أن يوفقنا وإياكم لكل ٍ‬
‫أسأله سبحانه‪ H‬أن يصلح أحوال األمة‪ ،‬هذا واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا‪ H‬حممدٍ‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like