Professional Documents
Culture Documents
ول صول ِم ْن ِع ِ
لم اُأل ُ اُأل ُ
س ()5 الدرسُ ال َخ ِ
ام َّ
ُ
الشيخ /د .سعد بن ناصر الشثري
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أفضل األنبياء واملرسلني ،أما بعد..
وعلا -
فأرحب بكم أيها احلاضرون الكرام ،وأيها املشاهدون عن بعدٍ ،وأسأل اهلل -جلَّ َ
لكم التوفيق خلريي الدنيا واآلخرة.
كنا فيما مضى أخذنا ما يتعلق بالتكليف ،ومن الذي يوجه اخلطاب باألمر والنهي ،وابتدأنا
باحلديث عن العموم،حيث ذكرنا أن األلفاظ من األمساء على ثالثة Hأنواعٍ:
النوع األول :ألفاظٌ عامةٌ مستغرقة ٌHجلميع أفراد اجلنس ،كقولك :الرجال ،الناس.
النوع الثاين :األلفاظ املعينة H،أو اخلاصة ،كقولك :زيد ،وحممد ،وخالد ،وحنوها من
األعالم.
النوع الثالث :Hاملطلق ،وهو الذي يشمل مجيع األفراد ليس على سبيل االستغراق ،وإمنا على
سبيل البدل ،كما لو قال :أكرم مسكينًا ،فإن كلمة مسكينًا هنا نكرةٌ يف سياق اإلثبات فتكون
مطلقةً ،شائعةً يف مجيع أفراد اجلنس ،ويتحقق Hاالمتثال بفعل هذا الواجب ،مع أحد هذه األفراد.
إذن العام هو لفظٌ مستغرقٌ جلميع أفراد اجلنس ،وحكم العام يثبت Hلكل فردٍ من أفراده،
نداء
كما لو قال" :يا أيها الناس" ،كأنه قال :أنادي كل فردٍ من الناس على سبيل Hاالنفراد ً
يشمل مجيع األفراد.
أيضا ملا قال :الذين يقيمون الصلوات ،فالصلوات مجعٌ معرف بـ"ال" فتكون عامةً ومثل هذا ً
وتشمل مجيع أنواع الصلوات املفروضة.
والعموم له ألفاظٌ معينةٌ ،مىت نقول عن اللفظ بأنه عامٌ يشمل مجيع أفراد اجلنس؟
أنواع معينةٍ.
إذا كان من ٍ
النوع األول :لفظة "كل ومجيع" ،وما ماثلهما.
أن احلكم عامٌ ،وأنه يشمل كل فردٍ على سبيلH حينئذ نستفيدَّ Hفإذا جاءتنا لفظة" Hكل" فإنه ٍ
كافة هنا
َّاس﴾ [سبأً ،]28 : اك ِإالَّ َكافَّةً لِّلن ِ
االستقالل ،ومن أمثلة ذلك قوله تعاىلَ ﴿ :و َما َْأر َس ْلنَ َ
أيضا تفيد العموم.
تُفيد العموم ،للناس ً
1
ول اللَّ ِه ِإلَْي ُك ْم مَجِ يعاً﴾ [األعراف ،]158 :الناس من ألفاظ العموم، َّاس ِإيِّن َر ُس ُ
﴿قُ ْل يَاَأيُّ َها الن ُ
ومجيعًا من ألفاظ العموم ،فجميع هنا تفيد العموم.
أيضا يف قول اهلل تعاىل﴿ H:فَ َس َج َد املالِئ َكةُ ُكلُّ ُه ْم َأمْج َعُو َن﴾ [احلجر.]30 : ومن أمثلته ً
َ
النوع الثاين من صيغ العموم :األمساء املبهمة.
أمساء وهي مبهمةٌ ،سواءً كانت اسم شرطٍ ،أو كانت امسًا موصولًا ،أو كانت الحظوا أهنا ٌ
ض﴾ اَألر ِ وجل﴿ :لِلَّ ِه ما يِف َّ ِ
الس َم َوات َو ْ َ عز َّ استفهامية ،ًHمثال ذلك يف لفظة ما ،مثلًا يف قول اهلل َّ
ِ
عام مشل مجيع األفراد ،ومنه قوله تعاىلَ ﴿ :و َما َت ْف َعلُوا م ْن خَرْيٍ َي ْعلَ ْمهُ [النساء ،]170 :ما مبعىن لفظٌ ٌ
اللَّهُ﴾ [البقرة ،]197 :أي مجيع ما تفعلونه فإن اهلل مطلعٌ عليه.
ومثله :لفظة Hمن ،كما يف قوله تعاىل﴿ :فَ َمن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َH
ال ذَ َّر ٍة خَرْي اً َيَرهُ * َو َمن َي ْع َم ْل
السمو ِ
ات ِم ْث َق َال ذَ َّر ٍة َشراًّ َيرهُ﴾ [الزلزلة ،]8 ،7 :وكما يف قوله تعاىل﴿ :ولِلَّ ِه يَس ُج ُد َمن يِف
َّ َ َ َ ْ َ
ض﴾ [الرعد ،]15 :وحنو ذلك من صيغ األمساء املبهمة. اَألر ِ
َو ْ
وبالتايل تدخل أمساء االستفهام وأمساء الشرط يف هذا النوع.
النوع الثالث Hمن ألفاظ العموم :املعرف بـ "ال" االستغراقية H،سواءً كان من األمساء املوصولة
كقولك" :الذين" ،أو كان من اجلموع كقولك :الناس مجع تكسريٍ ،أو كان من األلفاظ
ِإ َّ ِ ِ ِإ ِإل
ين َآمنُوا﴾ َ[والعصر ]3 :أي كل واحدٍ نسا َن لَفي ُخ ْس ٍر * الَّ الذ َ املفردة ،كما يف قولهَّ ﴿ :ن ا َ
من أفراد الناس يف خسارةٍ.
وهكذا من أنواع ألفاظ العموم النكرة يف سياق النفي ،وما ماثله ،كما يف قولك :ال إله إال
اهلل ،إله نكرةٌ يف سياق النفي ،فتكون عامةً ،لو قلت :ما عندي رجلٌ ،رجلٌ نكرةٌ يف سياق
النفي فتفيد العموم واالستغراق كأنك نفيتَ مجيع األفراد.
أيضا املضاف إىل معرفةٍ من أمساء األجناس ومن أمساء اجلمع ،أو من ومن صيغ العموم ً
أمساء اجلنس.
مثال ذلك :إذا قلت :ماء البحر H،هنا ماء اسم جنس ،أضيف إىل معرفةٍ فيفيد العموم.
وهذا خالصة ما أخذناه يف ما سبق Hمن جهة ألفاظ العموم.
ماذا نفعل Hبالعام؟
جيب العمل بالعام ،وجيب محله على مجيع أفراده ،وال جيوز إخراج بعض األفراد من هذا
آت وقال :إن التكاليف Hارتفعت Hعنه، خمصصةٍ ،مثال ذلك H:لو جاءنا ٍ اللفظ العام ،إال بقرينةٍ ِّ
وجل-
عز َّ كما يقول بعض الطوائف ،وبالتايل مل يعد مُطالبًا بشيءٍ من الواجبات ،فنقول :اهلل َّ -
2
الصالةَ﴾ [البقرة ،]43 :وواو اجلماعة هنا من صيغ العموم ،قال :أنا خمصوصٌ، يموا َّ ِ
يقولَ ﴿ :وَأق ُ
صريح يف
ٌ ٌ
صحيح وأنا من أولياء اهلل ،قيل :هاتِ الدليل على ختصيصك ،إذا مل يكن عندك دليلٌ
هذا ،فإنه يرد.
عز
ولذلك مل يكن النيب -صلى اهلل عليه وسلم -مع علو مرتبته ،ورفعة شأنه عند اهلل َّ -
وجل ،يدعي بأنه Hقد وصل إىل مرحلةٍ رفعت فيها التكاليف عنه. َّ
خاص ،تأيت واقعةٌ خاصةٌ يف ظروفٍ معينةٍ ،Hفينزلٍ يف مراتٍ قد يرد Hاللفظ عامًّا ،يف سببٍ
حينئذ هذا األصل والعربة هنا بعموم اللفظ ال خبصوص السبب. عام ،فنقول ٍ الوحي خبطابٍ ٍ
ومن أمثلة هذا مثاًل يف حادثة Hالرجل سأل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا رسول اهلل إنا
نركب البحر H،وال جند املاء وحنتاج إىل املاء ،أفنتوضأ مباء البحر ،فقال النيب -صلى اهلل عليه
وسلم -عن البحر « :هو الطهور ماؤه ،احلل ميتته.» H
فحينئذ يكون هذا اللفظ ظاهره أو سببه كان يف واقعةٍ خاصةٍ ،عند وجود احلاجة ،لكن ٍH
احلديث ،اللفظ النبوي عامٌ ،فنقول هنا العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب H،حىت ولو كان
معني ،فإننا نقول العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب. بشخص ٍ
ٍ أصلها يف قضيةٍ خاصةٍ
مثال ذلك يف حديث « :ليس من الرب الصوم يف السفر » ،فإنه كان قد قاله النيب -صلى
اهلل عليه وسلم -بسبب أن رجلًا صام يف السفر فأجهد وتعب وسقط واجتمع الناس عليه،
فحينئذ هل نقول العربة بعموم اللفظ يف السفر ،أو خنصه حبالةٍ مماثلةٍ حلالة الصحايب الذي قيلت ٍ
هذه اللفظة فيه؟
نقول :الصواب أن العربة بعموم اللفظ وليست خبصوص السبب.
إذا تقدم معنا الكالم عن العام ننتقل Hإىل الكالم عن اجلزء اآلخر وهو اخلاص ،واملراد
مفردة ،أو
ً باخلاص هو احملصور ،هو اخلطاب أو الكلمة احملصورة بعددٍ ،سواءً كانت كلمةً
كانت مجعًا ال يصل إىل درجة العموم واالستغراق.
أصلا يف اخلطاب العام ،يراد به أن بعضوالتخصيص Hيراد به أن بعض األفراد مل تدخل ً
األفراد مل تدخل فيه ،إذن عندنا حقيقة التخصيص.
هل التخصيص Hهو إخراج بعض أفراد العام بعد أن دخلت فيه؟ أو أن التخصيص Hهو بيان
أن تلك األفراد مل تدخل أصلًا يف اخلطاب العام؟
عند األصوليني يقولون :التخصيص بيان أن بعض األفراد مل تدخل يف اخلطاب العامH.
وعند النحاة يقولون :التخصيص إخراجٌ لبعض أفراد العام من حكمه.
3
وجل -ال
عز َّواألصوليون نظروا إىل أنه يف الغالب هذا خطاب شارعٍ ،وخطاب اهلل َّ -
وجل -باخلطاب األول ،يعلم بأنه Hسيخصص احلكم
عز َّ
يتخلف ،وبالتايل فإنه ملا تكلم اهلل َّ -
باخلطاب الثاين.
واملخصص بكسر الصاد فاعل التخصيص ،)Hمن الذي فعل التخصيص؟ ِّ قال املؤلف( :
الشارع هو الذي خصص احلكم ،ومراتٍ قد يطلق املخصص على الدليلH؛ ألن هو الذي حصل
به التخصيص.
املخصصات على نوعني:
هناك خمصصاتٌ متصلةٌ ،وهناك خمصصاتٌ منفصلةٌ.
المخصصات المتصلة :تكون مع اخلطاب العام يف سياقٍ واحدٍ ،كما لو قال له :أكرم بين
حينئذ" :إالط حصل هبا التخصيص ،وهذامتيم ،مث قال :إال من كان خارج هذه البالد ،فنقول ٍ
التخصيص Hقد جاء يف مجلةٍ واحدةٍ مع املخصص.
إذن عندنا النوع األول التخصيص Hبواسطة املخصص املتصل ،ما هو املخصص املتصل؟
هو الذي ال يستقل H،وإمنا البد أن يكون معه املخصوص.
نأيت بأمثلةٍ للتخصيص HباملتصلH:
نسا َن لَِفي ُخ ْس ٍر﴾ [العصر ،]2 :ظاهره أن املراد مجيع ِإ ِإل
أوهلا االستثناء :Hفلما قال تعاىلَّ ﴿ :ن ا َ
اص ْوا بِ َّ أفراد الناس ،فلما قالِ﴿ :إالَّ الَّ ِذين آمنُوا وع ِملُوا َّ حِل ِ
الصرْبِ ﴾ اص ْوا بِاحْلَ ِّق َوَت َو َ
الصا َات َوَت َو َ َ َ ََ
َ[والعصر ،]3 :يكون هذا ختصيصًا من احلكم الذي يليه.
وجل:
عز َّ والتخصيص Hكأنه عاد إىل بعض أفراد مجلته ،ومن أمثلة التخصيص باملتصل ،قوله َّ
اع ِإلَْي ِه َسبِيالً﴾ [آل عمران ،]97:فإن كلمة الناس عامةٌ البْي ِH ﴿ولِلَّ ِه علَى الن ِ ِ
ت َم ِن ْ
استَطَ َ َّاس ح ُّج َ َ َ
اع ِإلَْي ِه َسبِيالً﴾ ،قلنا :هذا ختصيصٌ تشمل مجيع األفراد بال استثناءٍ ،فلما قالَ ﴿ :م ِن ْ
استَطَ َ
متصلٌ؛ ألنه جاء يف نفس السياق الذي جاء فيه العام.
وقد يأيت املخصص املتصل متقدمًا ،وقد يأيت متأخرًا ،واملخصصات املتصلة تعود إىل اثنني:
وصفة ،االستثناء ما هي أداته؟ إال ،وأخواهتا ،حاشا وكال ،وما عدا ،وحنو ذلك. ٍ استثناءٍ
واملخصصات املتصلة يثبت Hاحلكم يف بقية Hاألفراد غري املخصوصة ،وتبقى األفراد
املخصوصة يف عدم دخوهلا يف حكم العام ،وهبذا نعرف Hحقيقة التخصيص H،ونعرف Hاملراد
باخلاص.
4
وء﴾ عز وجل﴿ :والْمطَلَّ َقات يتربَّص Hن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ ُقر ٍ
ُ ُ ََ َ ْ َ ومن أمثلة ذلك ما ورد يف قوله َّ َّ َ ُ
ض ْع َHن
َأجلُ ُه َّن َأن يَ َ ِ
الت اَألمْح َال َ [البقرة ،]228 :مث خصصتها اآلية اليت يف سورة الطالقَ ﴿ :و ُْأو ُ
ِّساِئ ُك ْم ِإ ِن ْارَتْبتُ ْHم فَعِ َّد ُت ُه َّن ثَالثَةُ َأ ْش ُه ٍر مَحْلَه َّن﴾ [الطالق ﴿ ،]4 :والالَِّئي يِئسن ِمن امل ِح ِ ِ
يض من ن َ ُ
َ َْ َ َ َ
ض َن﴾ [الطالق ،]4 :فهؤالء أصناف قد خرجت من العموم األول. َوالالَِّئي مَلْ حَيِ ْ
إذن عندنا النوع األول من املخصصات :املخصصات املتصلة اليت تأيت يف خطابٍ واحدٍ مع
العام ،واملخصصات املتصلة على أنواعٍ:
أوهلا :االستثناء ،وأداته إال وأخواهتا ،وحكمه أنه يثبت احلكم يف املستثىن حسب ما ورد
احلكم فيه ،وبقية األفراد حيكم عليها باحلكم العام.
يشرتط لالستثناء عددٌ من الشروط ،حىت يكون االستثناء صحيحًا معتربًا.
الشرط األول :االتصال.
لو قال :له علي ألف لاير ،وبعد سنةٍ إال مخسني ريالًا.
نقول هذا االستثناء غري مقبولٍ ملاذا؟ ألنه غري متصلٍ ،Hويف هذه احلال نلغي االستثناء ويبقى
احلكم على عمومه.
كسعال أو كالمٍ من تتمة Hالكالم ،فهذا ال يؤثر. ٍ وقد يكون هناك فاصلٌ يسريٌ
وبعض أهل العلم قالوا بأن االستثناء Hيصح لو كان يف اجمللس ،وقد يستدلون عليه حبديث
ابن عباس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يوم الفتح عن مكة « :ال يعضد شوكه وال خيتلى
خاله » أي ال يؤخذ احلشيش ،فقام العباس فقال يا رسول اهلل :إال اإلذخر ،فقال النيب صلى اهلل
فاصل يسريٌ مل يؤثر.
عليه وسلم « :إال اإلذخر » فهنا ٌ
أيضا إثبات أن االستثناء والتخصيص Hالبد له من دليله. وهنا ً
الشرط الثاين :أن يكون املستثىن من النصف فأقل ،فلو قال له عليَّ سبعة آالفٍ إال ستة
ألف وتسعمائة ،مقبولٌ؟ نقول هذا لكنةٌ يف الكالم ومل تتوعد العرب على الكالم مبثل هذا ،فهم
ال يستثنون Hإال ما هو أقل ،ومثال ذلك لو قال :له عليَّ عشرة إال ثالثةً ،يصح االستثناء أو ال
يصح؟ نقول :نعم يصح ،ملاذا؟ ألنه استثناءٌ أقل من النصفH.
واحد ،طيب قبل أن أيضا يف االستثناء شروطٌ أخرى ،منها :أن يكون من جنسٍ ٍ ويشرتط ً
ندخل إىل هذا ،نقول إن االستثناء Hبالنسبة لألقل واألكثر على أنواعٍ:
علي
النوع األول :االستثناء الذي يكون لكل املستثىن منه ،فهذا ال يعترب ،كما لو قال :له َّ
عشرةٌ إال عشرةً ،نقول االستثناء غري معتربٍ ،وبالتايل تثبت Hالعشرة كاملةً.
5
وصحيح ،مثاله ،أمحد.ٌ أيضا جائزٌ
والنوع الثاين :استثناءٌ أقل من النصف H،فهذا ً
{لك علي عشرة دراهم إال ثالثةً}
شيء ،لألقل ،وهو حمل اتفاقٍ أنه جائزٌ. هذا استثناءٌ ألي ٍ
النوع اآلخر :استثناء النصف H،وهذا قد خالف فيه بعض الفقهاء ،وإن كان اجلمهور
جييزونهH.
النوع األخري :استثناء Hاألكثر :كما لو قال ماذا؟ أمحد هزاع..
{لك علي عشرة دراهم إال تسعة دراهم}
فحينئذ نقول هذا االستثناء ال يصح عند كثريٍ من أهل اللغة، ٍH نعم ،هذا استثناء لألكثر،
وبالتايل يسقط االستدالل مبثل هذا.
إذن تالحظون هنا أن االستثناء قد يكون لألكثر وقد يكون لألقل وقد يكون للجميع ،وقد
يكون متوسطًا.
وهذا كله من التخصيص HباملتصلH.
النوع الثاين من املخصصات املتصلة :التخصيص بالصفةH.
األول :التخصيص باالستثناءH.
واآلن عندنا :ختصيص بالصفة.
الصفة Hعند األصوليني ال يراد هبا النعت الذي عند النحاة ،وإمنا يراد هبا كل وصفٍ يكون
مشتمل ا على بعض أفراد اخلطاب العام ،فإنه يفهم منه أن ما مل يكن كذلك فإنه ال يدخل يف ً
حكمه ،ونأيت لذلك بأمثلة.ٍH
سبِيالً[ ﴾Hآل ت م ِن استَطَ ِإ ِ
اع لَْيه َ
البْي َ ْ َ
َّاس ِح ُّج ِ
َ يف باب احلال يف قوله تعاىلَ ﴿ :ولِلَّ ِه َعلَى الن ِ
عمران ،]97 :من استطاع إليه سبيلًا صفةٌ للناس ،بدل ،وهذا يدل على ختصيص اللفظ العام،
َّاس﴾ هذا عامٌ ،فخُصص هبذه اآلية. ﴿ َولِلَّ ِه َعلَى الن ِ
إذن عندنا التخصيص Hباملتصل H:قد يكون باالستثناء وقد يكون بالصفة.
تالحظون أن الصفة ال يراد Hهبا هنا النعت فقط ،بل تشمل كل مقيٍِّد.
والنوع الثالث H:من أنواع املخصصات املتصلة :الشرط.
فإنه إذا قيد احلكم بشرطٍ نفهم منه أنه إذا مل يوجد ذلك الوصف مل يوجد احلكم ،مثال
الت مَح ٍل فَ ِ
َأنف ُقوا َعلَْي ِه َّن﴾ [الطالق ،]6 :هذه يف املطلقة البائنH، ذلك :لو قال ﴿ :وِإن ُك َّن ُأو ِ
ْ ْ َ
6
املطلقة بالثالث ،يف هذه اآلية اشرتطت للنفقة Hعليهن وجود احلمل ،فإذا مل يوجد محلٌ ،سقط
احلكم ،إذن نعيدها مرةً أخرى ..من يعيدها منكم ..صهيب نعم.
{املطلقة البائن Hإذا كانت حاملًا جتب النفقة Hعليها ،أما إذا مل تكن حاماًل سقط احلكم}
حينئذ ال جيب هلا نفقةٌ بداللة هذه اآلية ،هذا يسمى حاملا املطلقة بالثالث H،فإنه ٍ إذا مل تكن ً
ختصيصٌ بواسطة الشرطَ ﴿ H،وِإن ُك َّن﴾ ،إنْ هذه أداةٌ من أدوات الشرط.
وقد يكون الشرط يف مراتٍ متقدمًا ،مثل اآلية اليت قبل قليلٍ ﴿ ،وِإن ُك َّن ُأو ِ
الت مَحْ ٍل ْ َ
َأنف ُقوا َعلَْي ِه َّن﴾ ،فهنا فإنْ تقدمت ،فتقدم الشرط ،ومراتٍ قد يتأخر الشرط عن احلكم ،كما فَ ِ
لو قال :أعطِ بين متيم إن كانوا شجعانًHا ،فهنا تأخر الشرط عن املشروط ،والشرط خمصصٌ من
خمصصات العموم ،خمصصٌ متصل ٌHوال منفصلٌH؟ خمصصٌ من املخصصات املتصلة.
الز َكا َة فَ َخلُّوا َسبِيلَ ُه ْم﴾ مثَّل املؤلف ،قال مثال املتقدم ﴿فَِإن تَابُوا َوَأقَ ُاموا َّ
الصال َة َوآَت ُوا َّ
شرط متقدم ٌHوال متأخرٌ؟ متقدمٌ ،نعم. [التوبةٌ ،]5 :
سبِيالً﴾ [آل ت م ِن استَطَ ِإ ِ
اع لَْيه َ البْي َ ْ َ H
َّاس ِح ُّج ِ
َ ومثل للمتأخر بقوله تعاىلَ ﴿ :ولِلَّ ِه َعلَى الن ِ َّ
عمران.]97 :
إذن عندنا ثالث خمصصاتٍ.
األول :االستثناءH.
الثاين :الصفةH.
الثالث :الشرط.
هذه الصفة Hيدخل فيها عند األصوليني عددٌ من املباحث ،عند النحاة ،مثل ماذا؟ قلناه قبل
قليلٍ ،باب النعت ،باب اإلضافة ،املضاف يعترب مبثابة Hالصفة Hعند األصوليني ،واحلال ،والبدل،
كل هذه تدخل يف هذا الباب H،مثاًل يف قوله تعاىلَ ﴿ :و َمن َي ْقتُ ْل ُمْؤ ِمناً ُّمَت َع ِّمداً﴾ [النساء،]93 :
حال تأخر ،وبالتايل قد نثبت احلكم له. فهذا متعمدٌ ٌ
النوع الثاين من أنواع املخصصات ،املخصصات املنفصلة.
ما هي املخصصات املنفصلة؟
وجلَ ﴿ :والْ ُمطَلَّ َق ُ
ات عز َّ هي اليت تأيت خبطابٍ آخر مغايرٍ خلطاب العام ،كما يف قوله َّ
وء﴾ [البقرة ،]228 :بينما ورد يف نصوصٍ أخرى أنَّ كبرية السن، يتربَّص Hن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ ُقر ٍ
ُ ََ َ ْ َ
وصاحبة احلمل ،والصغرية ،ليس هلن هذه العدة بتمامها ،وإمنا هلم حكمٌ آخر.
7
{هل يشرتط أن يكون العموم متقدمًا على اخلاص ،حىت خيص العام H،وإن كان منفصلًا
كما هو احلال يف الناسخ واملنسوخ؟}
هذه املسألة هلا وجهان ،إذن عندنا عامٌ وخاصٌ منفصلٌ يف دليلٍ Hمستقل ،ٍHهلا وجهان:
أولا مث يأيت اخلاص ،ما احلكم؟ نقول بالتخصيص H،فنعمل الوجه األول :أن يأيت العام ً
باخلاص يف حمل اخلصوص ،ونعمل بالعام فيما عدا ذلك.
الوجه الثاين :أن يكون املخصص متقدمًا ،فماذا نعمل؟
اجلمهور يقولون بالتخصيص ،وبالتايل نعمل باخلاص يف حمل اخلصوص ،ونعمل بالعام فيما
عدا ذلك.
وهناك من يقول :إن هذه املسألة تعترب من مسائل النسخ ،وبالتايل نعمل باملتأخر ونرتك
املتقدم ،نعمل باملتأخر ونعتربه مبثابة الناسخ ،حىت ولو كان عامًا ،وهذا القول ينسب لإلمام أيب
حنيفة رمحه اهلل تعاىل.
وجل﴿ :ياَأيُّها الَّ ِذين آمنوا ِ
َأنف ُقوا ِمن طَيِّب ِ
ات َما َ َ َُ عز َّ َ َ كثرية ،مثاًل :يف قول اهلل َّ
ولذلك أمثلةٌ ٌ
ض﴾ [البقرة ،]267 :ففي هذه اآلية وجوب زكاة اخلارج من اَألر ِ مِم
َأخَر ْجنَا لَ ُكم ِّم َن ْ
َك َسْبتُ ْم َو َّا ْ
األرض ،أليس كذلك؟! مث جاءتنا النصوص تدل على التخصيص.
صدقة »،
مثال ذلك :يف قول النيب -صلى اهلل عليه وسلم « :ليس يف ما دون مخسة أوسقٍ ٌ
قال اجلمهور :نقول باحلديث فنعمل يف اخلاص فيما هو أقل من مخسة أوسق ،ونعمل ببقية
األدلة فيما كان أعلى من ذلكH.
إذن هذا قول اجلمهور ،احلنفية يقولون :نعمل باملتأخر ،واملتأخر إجياب الزكاة ،وبالتايل
نعترب اخلرب الذي ورد خبمسة أوسقٍ نعتربه مبثابة Hاملنسوخ.
هناك عددٌ من املخصصات املنفصلة اليت ليست Hمع اخلطاب العامH.
وجل يف قصة قوم عاد بأهنم قد جاءهتم الريح، عز َّ أوهلا :التخصيص Hباحلس ،فقد ذكر اهلل َّ
وأهنا تدمر كل شيءٍ بأمر Hرهبا ،كل شيءٍ هذه من ألفاظ العموم ،تدمر كل شيءٍ ،دمرتك Hيا
حسي يدل على أن املدمر ليس اجلميع، ٌّ صهيب ،دمرتك Hيا مسري ،ما دمرتكم ،إذن هناك دليلٌ
ٍ
لذلك السموات بقيت واألرض بقيت H،إذن هذا عامٌ ﴿تُ َد ِّمُر ُك َّل َش ْيء بِ ْ
َأم ِHر َربِّ َها﴾ [األحقاف:
]25وقد ورد عليه التخصيص فنعمل بالتخصيص يف حمل اخلصوص ،ونعمل بالعام فيما عدا
ذلك.
النوع الثاين من املخصصات :التخصيص بالعقل.
8
وهناك طائفةٌ قالوا :إن العقل ميكن أن خيصص اللفظ العام ،وقالوا :إن هذا التخصيص له
مسوغاته وتوجد فيه شروط التخصيص فيأخذ حكمه.
إن العقل ال خيصص اخلطاب العام ،ملاذا؟ هناك طائفةٌ Hمن أهل العلم قالوا :ال ،قالواَّ :
ألن اخلاص الذي ورد عليه عقلٌ هذا أحد أمرينH:
إما أن يكون هذا العقل Hفيه لوثةٌ وفيه خطأٌ ،وبالتايل ال نقول :إنه خيصص اللفظ العام ،فما
دام مرتددًا بني كونه صحيحًا أو ال ،فإننا نطرحه.
إذن الصواب أنه ميكن ختصيص العموم بواسطة HالعقلH.
خاص وقد مثلنا له يف ٍ النوع الثالث Hمن أنواع املخصصات :التخصيص بالشرع ،بدليلٍ
ال﴾ [الطالق]4 : الت اَألمْح َ ِ
ات﴾ [البقرة ]228 :مع قولهَ ﴿ :و ُْأو ُ وجلَ ﴿ :والْ ُمطَلَّ َق ُعز َّ قوله َّ
فخصصنا عموم اآلية األوىل باحملل الثاين.
ِ ِ َّ ِ
ين َآمنُوا ِإ َذا نَ َك ْحتُ ُم املُْؤ منَات مُثَّ طَلَّ ْقتُ ُم ُ
وه َّن وجل﴿ :يَاَأيُّ َها الذ َعز َّ أيضا يف قوله َّ ومن أمثلته ً
َّة َت ْعتَدُّونَ َها﴾ [األحزاب ،]49 :فهذه اآلية نزلت يف من ِمن َقب ِل َأن مَتَ ُّسوه َّن فَما لَ ُكم علَي ِه َّن ِمن ِعد ٍ
ُ َ ْ َْ ْ
مل يتم قرباهنا ،طُلقت قبل الدخول هبا.
وء﴾ [البقرة ،]228 :نقول هذا عامٌ ،املطلقات ويف النص اآلخر ﴿يتربَّصن بَِأن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَُ Hقر ٍ
ُ ََ َ ْ َ
مجع معرف ٌHبـ "ال" فبالتايل يكون عامًا يشمل مجيعهن. ٌ
يف هذه احلال نقول بأن الكتاب يتم ختصيصه بواسطة الكتاب.
بكتاب ،وقد يأيت ختصيصٌ لكتابٍ بسنةٍ، ٍ طيب H..هكذا مراتٍ قد يأيت ختصيص كتابٍ
ونأيت لها بأمثلةٍ.H
المثال األول :تخصيص الكتاب 0بواسطة الكتاب.
ين يَُت َو َّف ْو َن ِمن ُك ْم َّ ِ
وجلَ ﴿ :والذ َ
عز َّ
وهذا له مناذج يف كتاب اهلل ،منها مثاًل يف قول اهلل َّ -
ص َن بَِأن ُف ِس ِه َّن َْأر َب َعةََ Hأ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً﴾ [البقرة ،]234 :مث بعد ذلك جاءنا نصٌ
َويَ َذ ُرو َن َْأز َواجاً َيَتَربَّ ْ
حينئذ :تنتهي عدهتا بوضع من القرآن بأن أوالت األمحال أجلهن أن يضعن محلهن ،فنقول ٍ
احلمل ألنه أقرب.
إذن هذا ختصيص الكتاب بواسطة الكتاب.
الد ُك ْم﴾ [النساء ،]11 :أوالدكم مجع وصي ُكم اللَّه يِف َأو ِ
أمثلة مثاًل ﴿ :ي ِ وقد يكون هناك ٌ
ُ ُ ْ ُ
مذكر فيفيد العموم ،مث جاءنا يف قول النيب -صلى اهلل عليه وسلم « :ال يرث املسلم الكافر،
وال الكافر املسلم ».
9
ففي هذا احلديث ختصيصٌ للعموم السابق ،حبيث يشرتط يف إرث القرابة للوالدين أال يكونا
خمتلفا الدين غري مسلمٍ ،لقول النيب -صلى اهلل عليه وسلم « :ال يرث املسلم الكافر ».
إذن هذا ختصيصٌ بأي شيءٍ ،ختصيص للكتاب بسنة النيب صلى اهلل عليه وسلم.
النوع الرابع Hمن أنواع املخصصات التخصيص بواسطة اإلمجاع ،فإذا وردنا لفظٌ عامٌ مث
ٍ
فحينئذ نقول مبدلول اإلمجاع جاءنا دليل ٌHخاصٌ يدل على خروج بعض أفراد هذا العام
وخنصص العموم به ،نضرب Hلذلك مثالًHا.
جاءنا يف احلديث أن النيب -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :املاء طهورٌ ال ينجسه شيءٌ»،
هذا من ألفاظ العموم أو ال؟ نقول :نعم ،أين لفظ العموم؟ املاء ،اسم جنسٍ معرف Hبـ "ال" ففي
هذه احلال نقول :إن األصل يف املياه أهنا طاهرةٌ ،وال حنكم بنجاستها ،لكن جاءنا إمجاعٌ على
فحينئذ حيكم بنجاسته Hوعدم طهارته ملاذا؟ مع أن احلديث ٍ أن النجاسة Hإذا خالطت املاء فغريته
قال « :املاء طهورٌ » املاء ،يشمل مجيع أنواع املياه مبا فيها هذا املاء الذي خالط النجاسة ومل
تغريه.
يف مثل ذلك نقول :إن هناك إمجاعًا دل على ختصيص بعض أفراد هذا العموم يف بعض
صوره.
كذلك ذكر املؤلف من ختصيص الكتاب باإلمجاع ،قوله تعاىل﴿ :والَّ ِذين يرمو َHن املحصنَ ِ
ات َ َ َْ ُ ُ ْ َ
إمجاع على أن اململوك
ني َج ْل َد ًة﴾ [النور ،]4 :جاءنا ٌ ِ مُثَّ مَل يْأتُوا بَِأربع ِة شه َداء فَ ِ
اجل ُد َو ُه ْم مَثَان َ
ْ ََ ُ َ َ ْ َْ
الرقيق ،إذا قذف جيلد أربعني فقط ،فعندنا اآلية عامةٌ تشمل احلر واململوك ،مث جاءنا يف احلديث
ٍ
فحينئذ يف السنة Hالتقريرية ما يتعلق Hأن القاذف Hاململوك ال جيلد مثانني وإمنا جيلد أربعني جلدة،
نقول بتخصيص العموم بواسطة اإلمجاع.
يف مرات قد ال يكون اإلمجاع ،وال يوجد إمجاع حقيقة H،هل ميكن أن خيص النص كتابًا أو
سنةً بواسطة القياس ،أو ال؟
جامع ،وهناك حملٌ ،بالتايل هلأصويل ،يكون فيه أصلٌ وفرعٌ ،هناك ٌ ٌّ القياس عندنا مبحثٌH
نقول :إن الكتاب خيص بالقياس؟
صحيح وبالتايل ميكن أن خيصص عموم الكتاب به، ٌ قالت طائفةٌ نعم؛ ألنَّ القياس دليلٌ
وقال آخرون :ال ،ال يصح ملاذا؟ ألنَّ َّالنص يقولون أعلى من أن يكون حملًا لالجتهادات.
على كلٍ نرى مثالًا للمسألةH..
10
قبل قليلٍ ذكرنا أن النص قد جاء بأن القاذف جيلد (مثانني) ،مث جاءنا اتفاقٌ على أن
اململوكة ال جتلد كاملةً ،وإمنا ينصف عليها ،فنقيس على األمة الرقيق H،فنقول :إنه عند القذف
ال جيلدون مثانني وإمنا جيلدون أربعني.
مثَّل املؤلف لتخصيص Hالسنة بالكتاب ،عندنا سنةٌ Hعامةٌ ،وعندنا آيةٌ من القرآن خاصةٌ،
ٍ
فحينئذ نقول بالتخصيص.
ومن أمثلة ذلك ،قول النيب صلى اهلل عليه وسلم « :أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن
ال إله إال اهلل » ،أن يقاتلوا الناس ،لفظة Hالناس عامةٌ أو ليست عامةً؟ عامةٌ ،مث جاءنا يف
النصوص األخرى ،تقييد Hهذا اللفظ ،فإنه ملا قال أبو بكر الصديق -رضي اهلل عنه -إنه سيقاتلH
حاجه بقول النيب -صلى اهلل عليه وسلم« : من امتنع من الزكاة ،خاطبه عمر ،فرد عليه ،و َّ
أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدًا رسول اهلل ،فإذا فعلوا ذلك
عصموا مين دماءهم وأمواهلم وحساهبم على اهلل إال حبقها » ،فجاء عمر واعرتض ،ما ذكر يف
احلديث أهنم جيوز قتاهلم من أجل ترك الزكاة ،هنا حىت يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدًا
رسول اهلل ،ما ذكرت زكاةٌ ،فقال أبو بكر ر-ضي اهلل عنه :إن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال:
« إال حبقها » والزكاة من حقها.
11
ال تغرب H،ألنه يفوت حق سيدها ،إذن عرفنا عددًا من أحكام املخصصات ،وأن
التخصيص Hقد يكون بطريق ٍHمتصل ٍHحبيث يكون املخصص واملخصوص كالمها يف خطابٍ
واحد ،وقد يفرقون ويكون املخصص منفصلًا. ٍ
طيب H..فيه إشكالٌ؟ مسري واضح ..أسألك H..هل يشرتط تقدم املخصص؟
{ال يشرتط}
ال يشرتط ،طيب H..عندنا اآلن مبحثٌ Hجديدٌ وهو مبحث Hاملطلق واملقيد.
شاملة جلميع أفراد اجلنس من غري أن يُخص واحدٌ منها، ٍ املطلق هو الذي يدل على حقيقةٍ
بديل وليسكما لو قلت :يقوم أحد الطالب فيمسح اللوح ،هنا هل اخلطاب يشملكم؟ مشولٌ ٌّ
مشولًا استغراقيًّHا ،وهل هذا معنيٌ ألحدكم؟ نقول ال ،فهذا يسمى مطلقًا ،فاملطلق شائعٌ يف أفراد
واحد لكن ليسواحد بعينه H،هو دالٌ على فردٍ ٍ جنسه ،ليس مستغرقًا هلم وليس دالًّا على فردٍ ٍ
بعينه ،وإمنا على سبيل Hالبدلية.
نكرة يف سياق ومثل له بقوله تعاىلَ ﴿ :فتَ ْح ِر ُير َر َقبَ ٍة ِّمن َقْب ِل َأن َيتَ َم َّ
اسا﴾ [اجملادلة ،]3 :رقبةٌ ٌ َّ
اإلثبات H،فتكون من ألفاظ اإلطالق ،ألن النكرة يف سياق النفي عمومٌ ،والنكرة يف سياق
كبرية طبقها على القرآن ،تفهم شيًئا كثريًا من أحكام القرآن فائدة ٌ اإلثبات إطالقٌ ،وهذه ٌ
بإتقان هذه القاعدة.
{العالقة Hبني املطلق والعام ،يعين أحيانا يشتبه Hعلى طالب العلم خاصةً طالب العلم املبتدئ،
لكن احلد هنا يوضح}
فرقا بني املطلق والعام من جهة الصيغة، حنن احلني عرفنا ثالثة Hأشياءٍ األمر األول :أن هناك ً
فصيغة املطلق نكرةٌ يف سياق اإلثبات H،وصيغة العام الصيغ اخلمس السابقة ،ومنها النكرة يف
سياق النفي.
فرق من جهة الصيغةH. إذن عرفنا هذا الفرق األولٌ ،
الثاين :من جهة املعىن ،فاملطلق يشمل مجيع األفراد أو ال يشملهم؟ يشملهم على سبيل
البدل ،وليس على سبيل االستغراق ،خبالف العام فإنه يشمل أفراده على سبيل HاالستغراقH.
واضح الفرق الثاين ،ملا قال :جاءين ناسٌ ،هل معناه كل الناس ،نقول ال ،بينما لو قال:
خلق اهلل الناس ،فهو يشمل مجيع األفراد.
هناك فرقٌ ثالث بني املطلق والعام :أن املطلق يرد Hعليه التقييد H،والتقييد يف الصفات H،بينما
العام يرد عليه ختصيص ،والتخصيص Hيرد Hعلى األفراد.
12
واضح هذا الكالم ،إذن التقييد يرد على الصفات ،قالَ ﴿ :فتَ ْح ِر ُHير َر َقبَ ٍة﴾ [اجملادلة ،]3 :مث
قالَ ﴿ :فتَ ْح ِر ُHير َر َقبَ ٍة ُّمْؤ ِمنَ ٍة﴾ [النساء ،]92 :نقول هذا ختصيصٌ وال تقييدٌ؟ تقييدٌ ،Hملاذا؟ ناظر
الصيغة Hناظر املعىن ،واالستثناء Hهنا ال يشمل بقية أفراده.
واضح ..طيب.
يقابل Hاملطلق املقيد.
واملراد باملقيد ما دل على احلقيقة Hبقيدٍ ،Hيعين ليس مستغرقًا لألفراد ،وليس شائعًا يف اجلنس،
مثال ذلك :ملا قال :إذا جاءك مسكنيٌ فأكرمه ،أو أول مسكنيٍ يأتيك Hأكرمه ،مث قال بعد ذلك:
طويل ،هذا تقييدٌ ،Hفالتقييد يتعلق بالصفات H،وليس متعلقًا بذواته. أول مسكنيٍ ٍ
ما حكم املطلق؟
األصل يف املطلق أنه جيوز أن يعمل حبكمه يف أي فردٍ من أفراده ،إال إذا ورد دليلٌ Hيدل
على التقييد ،ألن األصل أننا نعمل بالنصوص Hونركب بعضها على بعضها اآلخر.
يبقى عندنا مسألةٌ وهي :إذا ورد نصان أحدمها مطلقٌ ،واآلخر مقيدٌ ،فماذا نفعل؟
نقول هذا ال خيلو من ثالث صورٍ:
الصورة األوىل :إذا كان احلكم خمتلفًا فال يصح محل املطلق على املقيد ،مثال ذلك :يف
كفارة الظهار ،عتق رقبة :2 ،صيام شهرين :3 H،إطعام ستني مسكينا ،بينما يف كفارة القتل،
ذكر الرقبة Hمث الصيام صيام شهرين متتابعني H،ومل يذكر اإلطعام ،وجوب اإلطعام هذا حكمٌ
خيتلف من حملٍ إىل آخر وبالتايل نقول ال حيمل املطلق يف كفارة القتل Hعلى املقيد يف كفارة
الظهار ،ومن مث من مل جيد الرقبة H،ومل يستطع الصيام Hممن قتل خطأً ،فإنه ال يطالب Hباإلطعام هو
احلني ال يستطيع الصوم ،ال يطالب Hباإلطعام ،ملاذا؟ ألننا ال يصح أن حنمل كفارة القتل على
كفارة الظهار ،ملاذا؟ ألن احلكم خمتلفٌ.
إذن احلالة األوىل عند اختالف احلكم.
فحينئذ حيمل املطلق على املقيد ،كما يف ٍH احلالة الثانية :عند احتاد احلكم واحتاد السبب،
حديث « :ال ميسن أحدكم ذكره بيمينه » Hمطلقٌ ،مث قال يف احلديث اآلخر « :ال ميسن
أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول » ،فقيدنا احلكم األول املطلق ،حبالةٍ واحدةٍ ،وهو حال كونه
يبول.
النوع الثالث :إذا احتد احلكم واختلف السبب :مثال ذلك H:يف كفارة الظهار قال :فتحرير
فحينئذ هل حنمل املطلق على املقيد ،هنا احلكم ٍ رقبةٍ مؤمنةٍ ،ويف كفارة القتل قال :فتحرير Hرقبةٍ،
13
واحد وهو وجوب إعتاق الرقبة ،لكن السبب خمتلفٌ ،اجلمهور يقولون :نعم ،حيمل املطلق على ٌ
املقيد هنا.
هذا من مواطن اخلالف بني العلماء ،واألظهر أنه حيمل املطلق على املقيد ألن كالم الشارع
يضم بعضه إىل بعضه Hاآلخر.
إذن خالصة هذا :أننا اليوم أخذنا ألفاظ العموم وذكرنا أهنا مخسةٌ ،مث أخذنا خمصصات
متصلة كاالستثناء والشرط والصفة H،وهناك خمصصاتٌ منفصلةٌ، ٌ العموم ،وذكرنا أهنا خمصصاتٌ
تأيت يف خطابٍ مستقل ،ٍHومن أمثلته :قد تكون باحلس وقد تكون بآية Hبالنص Hاخلاص ،مث انتقلنا
إىل الكالم عن املطلق ،وذكرنا أن املطلق هو الشائع يف جنسه على سبيل Hالبدلية ،ما حكمه؟ أنه
ممكن منهH.
حيصل االمتثال بأقل مقدارٍ ٍ
إذن الفرق بني العام واملطلق ،العام يستغرق Hمجيع األفراد واملطلق يصدق على أقل مسمى.
مطلق ومقيدٌ ال خيلو احلال من ثالثة Hأحوالٍ:
إذا ورد ٌ
ٍ
فحينئذ نقول حبمله عليه. إذا احتد احلكم والسبب،
واحلالة الثانية :إذا اختلف احلكم فال حيمل املطلق على املقيد.
والثالثة :Hإذا احتد احلكم واختلف السبب ،وقع اختالفٌ ،واألرجح أنه حيمل املطلق على
خري ،وأن جيعلنا وإياكم هداةً مهتدين ،كما املقيد ،أسأل اهلل جلَّ وعلَا أن يوفقنا وإياكم لكل ٍ
أسأله سبحانه Hأن يصلح أحوال األمة ،هذا واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم على نبينا Hحممدٍ ،وعلى
آله وصحبه أمجعني.
14